النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
ابن أبي زيد القيرواني
كتاب الطهارة
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطهارة قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه: الحمدُ لله الذي بسَط نعمتَه، وأقام حُجَّتَه، وأظْهر حكمَته، وتمَّم إعْذارَه ونَذَارَته بمحمدٍ نبيِّه عليه السلام، فأَوْضَحَ به الدليلَ، وأنْهَج به السبيلَ، وأكْمَلَ به دِينَه، وأَوْضَح به شريعتَه، فبلَّغ إلى الناس ما أُرْسِلَ به إليهم، وبيَّن ما افْتَرَضَ اللهُ عليهم، وسَنَّ لهم وعَلَّمَهم، وأدَّبهم وأرْشَدَهم، ثم مضَى صلى الله عليه وسلم حَمِيدًا فَقِيدًا، فأبْقَى كتابَ اللهِ لأُمَّتِه نُورًا مُبِينًا، وسُنَّته حِصْنًا حَصِينًا، وأصْحابَه حَبْلاً مَتِينًا، وجعل اللهُ سبحانه سَبِيلَهم الأَقْوَمَ، ومِنْهَاجَهم الأَسْلَمَ، وطَرِيقَتَهم الْمُثْلَى، واسْتِنْبَاطَهم الأَوْلَى، وتَوَاعَدَ مَن اتَّبَعَ غيرَ سَبِيلِهم أنْ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115)، ووَسَّع لهم ولِمَن اتَّبَعَهم بإحْسان، في الاسْتِدْلالِ ممَّا أُجْمِلَ لهم مِن جَوَامِعِ الْكَلِم في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه، وأَذِنَ لهم في الاجتهادِ في أحكامِهم، والحوادثِ
النَّازلةِ بهم، ممَّا ليس بِنَصٍّ عندهم في الكتابِ والسُّنَّةِ نَصًّا لا يُخْتَلَفُ في تَأْوِيلِهِ، وأَوْجَدَهم السَّبِيلَ إلى أنْ يَجِدُوا في الأُصول لكلِّ حادثةٍ مِثْلاً، ولكلِّ فَرْعٍ عندهم أَصْلاً، ووَسَّع له في اسْتِدْلالِهم، وعَمَّهم بالأجر في اخْتلافِهم، قال الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (الأنبياء: 79)، وجعل ذلك لهذه الأُمَّةِ رَحْمَةً عَمَّهم بها، وتَوْسِعَةً وفضيلةً خَصَّهم بفَضْلِها، وجعل ما يَخْرُجُ عن اسْتِنْباطِهم، ويَتَّسِعُ فيه الاحْتمالُ في اسْتِدْلالِهم، ويَجْرِي به الاجتهادُ في حَوادثِهم، يَخْرُج إلى حلال بَيِّنٍ، أو حَرامٍ بَيِّنٍ، أو شُبْهَةٍ تُتَّقَى، وجعل الرسولُ عليه السلام تَوَقِّيَ الشُّبُهاتِ أَبْرَأَ للمرءِ في سلامةِ دينهِ وعِرْضِه. فالحمدُ للهِ الذي مَنَّ بِكِفَايتِه، وأَنْعَمَ بهدايتِه، ورَفَقَ بنا في التَّكْليفِ في عبادتِه، وجعل النجاةَ للمُتَأَخِّرين في اتِّباعِ سَبِيلِ المُتَقَدِّمين، ولم يُوَسِّعْ لِمَنْ بَعْدَهم أَنْ يَرْغَبَ عن إجْماعِهم، أو يَخْرُجَ عن اخْتلافِهم، أو يَعْدِلَ عن تَأْوِيلِهم وَمِنْهَاجِهم. وَقد اخْتُلِفَ في إجْماعِ مَن كان بالمدينةِ من الصَّدْرِ الأوَّل، وفي اجْتماعِ الجمهورِ مِن كلِّ قَرْن، والذي ذهبْنا إليه أنَّ ذلك لا يَسَع خِلاَفُه، كالإجْمَاعِ الذي يُخَالَفُ فيه، وإن كان هذا مَقْطُوعًا به، ولا يُقْطَعُ بالأوَّل وقد أَوْرَدْنا لذلك ولِمَا يُشْبِهُه كتابًا سَمَّيْنَاه (كتابَ الاقْتِدَاء)، وقُلْنَا:
إنه ليس لأحدٍ أَنْ يُحْدِثَ قولاً أو تَأْويلاً لم يَسْبِقْهُ به سَلَفٌ , وإنه إذا ثَبَت عن صاحبٍ قَوْلٌ لا يُحْفَظُ عن غيرِه من الصحابةِ خِلاَفٌ له ولا وِفَاقٌ , أنَّه لا يسَع خِلافُه. وقال ذلك معَنا الشافعيُّ , وأهلُ العراقِ , فكلُّ قولٍ نَقُولُه , وتأويلٍ مِنْ مُجْمَلٍ نَتَأَوَّلُه , فعَن سَلَفٍ سَابقٍ قُلْنَا , أو مِن أَصْلٍ من الأصول المذكورةِ اسْتَنْبَطْنَا. عَصَمَنَا اللهُ وإيَّاكم من الهَوَى , والعُدولِ عن الطريقةِ المُثْلَى , وصلَّى اللهُ على محمدٍ نبيِّه , وعلَى آلِه وسلَّم. أمَّا بعد , يسَّرنا اللهُ وإيَّاكم لرعايةِ حُقُوقِه, وهدانا إلى توفيقِه, فقد انْتَهَى إليَّ ما رغبتَ فيه , مِنْ جَمْعِ النَّوادرِ والزِّيادات علَى ما في (المُدَوَّنة) مِن غيرِها من الأُمَّهات , مِن مَسائلِ مالكٍ وأصحابِه , وذكرْتَ ما كَثُرَ عليك مِن دَواوِينِهم , مَع رَغْبَتِك في نوادرِها وفوائدِها , وشَرْحِ مُشْكِلٍ في بعضها, واخْتلافٍ من الأقاويلِ يشتملُ عليه كثيرٌ منها، وهي مع ذلك فأكثرُها بعضُها مِنْ بعضٍ يتَكَرَّر في بَسْطِها، ويُبْسَط على كَثْرَةِ التَّبْيِين فيها، ولَعَمْرِي إنَّ العنايةَ بقليلِ ذلك كُلِّه وكثيرِه محمودةٌ، والخيرَ في ذلك كلِّه مَأْمولٌ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وكُلٍّ ينْتَهِي إلى ما يُسِّرَ إليه، وأُعِين عليه، وذلك مِن اللهِ سبحانَه حكمةٌ يَنْفَعُ بها، ورحمةٌ وَسَّع فيها، وعنايةٌ يَأْجُرُ عليها، ودرجةٌ إن شاء اللهُ يَرْفَعُ بها مَنْ صَحَّتْ مَقَاصِدُه فيها، بارَك الله لنا ولك فيما يَسَّرنا إليه والعلمُ لا يأْتِي إلاَّ بالعنايةِ والمُباحثةِ والمُلازمةِ، مع هدايةِ اللهِ وتَوْفِيقِه، قال أبو الدَّرْدَاء: العلمُ بالتَّعَلُّمِ، والحِلْمُ بالتَّحَلُّم. وقال ابنُ المُسَيَّب: إنْ كنتُ
لأسيرُ الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد. وقد كان يرحل إلى المدينة في المسألة الواحدة. وقد عُنِي موسى صَلَّى الله عليه في طلب المزيد من العلم إلى ما عندَه، وقال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (الكهف: 66)، وأوصى لقمان ابنه بمجالسة العلماء ومزاحمتهم بالرُّكَبِ. قال مالك: أقمت خمس عشرة سنة أغدو من منزلي إلى ابن هرمز، فأقيم عنده إلى صلاة الظهر. مع ملازمته لغيره، وكثرة عنايته. وأقام ابن القاسم متغَرِّبًا عن وطنه عشرين سنة في رحلتيه، ثم لم يرجع حتى مات مالك. ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ؛ مَنْهُومٌ فِي الْعِلْمِ لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لاَ يَشْبَعُ مِنْهَا». قال ابن مسعود: لا يستويان؛ المنهوم في العلم يزداد به خشية الرحمن، والمنهوم في المال يُؤَدِّيه إلى طُغيان. وفي بعض الحديث: «اللَّهُمَّ لاَ فَقْرٌ يُنْسِينِي، ولا غِنًى يُطْغِينِي».
وقيل: إن طالب العلم يحتاج إلى البكور فيه، واستدامة الصبر على طلبه، وشدة الحرص عليه، وإذا كان الحريص لا يُقْلِعُ، والمنهومُ لا يَشْبَعُ، والحوادثُ تَحُولُ دون الأمل، فصرف الجُهْد والهِمَّةِ إلى ما يُتَعَجَّلُ بَرَكَتُه، مِن التَّفَقُّه في دينِ الله، وتتأجَّلُ غِبْطَتُه مِن العملِ به، أوْلَى مِن الاستكثار من الأسفار بلا تفَقُّهٍ، والتَّحَلِّي بغير تَحْقيقٍ. قال الحسن: إن هذا الدين ليس بالتحلي ولا بالتمنِّي، ولكن ما وَقَرَ في القلوب، وصَدَّقَتْه الأعمال. قال ابن هرمز: ما طَلَبْنا هذا الأَمْرَ حَقَّ طَلَبِه. قال غيره: وأرْجَى الناسِ في نَيْلِ ما يَبْقَى مَن جَدَّ في طَلَبِه، واسْتَدامَ الصبرَ عليه وأوْطَنَه. وممَّا تَمَثَّل به سَحْنُون: أَخْلِقُ بِذِي الصَّبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا وتمثَّل غَيرُه في حَمْلِ الأسْفارِ بلا تَفَقُّهٍ، فقال:
زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الأَبَاعِرِ لَعَمْرُكَ مَا تَدْري المَطِيُّ إِذا غَدَا ... بِأَحمالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ وكان يُقالُ: لا يؤْخَذُ العلم من كُتُبِيٍّ، ولا القرآنُ من مُصْحَفِيٍّ. وإنْ كانت الكتبُ في آخرِ الزمانِ خزائنُ العلوم؛ فإنَّ مَفاتيحَ مَغالِقِها الصُّدورُ، وقد كان العِلْمُ في الصَّدْرِ الأوَّل خزائِنُه الصدورُ ولم تكن كُتُبٌ، وصار في آخِرِ الزمانِ أكثرُه في الكتبِ وأقَلُّه في الصدور، وكثُرت الكتبُ بالشَّرْح والتَّأْلِيد والتَّفْسير لِمَا قال أهلُ المدينةِ وكَثُر التَّقْصير، وإن كان مُتَقَدِّمُو أهلِ المدينةِ أقلَّ تَكَلُّفًا مِن غيرِهم، وكانوا أَعْلَمَ الناس بالأُصولِ مِن الأحكامِ والسُّنَنِ، وما تكلَّم فيه الصحابةُ ومَن بعدَهم من التَّأويل، وما اخْتَلَفُوا من الحوادث، وإنَّما وُلِّفَتِ الكتبُ في القرن الثالث. قال مالك: لم يكنْ عندَ ابن شهاب كتابٌ إلاَّ كتابٌ فيه نَسَبُ قومِه. وكان عند أبي قلابة حِمْلُ بغْلٍ كتبًا , وإنَّما كَثُرَ حَمْلُ الفِقْهِ عن أهل المدينة على قِلَّةِ تكَلُّفِهم للتأليف والتأليد لحاجة الناس إليهم، ولم يضعْ مالك كتابًا غير الموطَّأ، لَمَّا سأله المنصور في تأليفه، فاقتصد فيه، ولم يُكْثِر، وأنت كما ترى قلة تكلفه قد نُقِلَ عنه إلى العراق نحوٌ من سبعين ألف مسألة. قال شيوخ البغداديين: هذا غيرُ ما زاد علينا أهلُ العراق ومصر والمغرب؛ لأن أهل الآفاق كانوا يقصدون إليه رحلة وبحثًا في الفقه والحديث، مع قصد الأمراء وغيرهم من بلده وسائر البلدان، في النوازل وغيرها، فكثُرت الحاجة إليه، هذا مع كثرة توَقُّفه في الفتوى، والهروب منها، وكثرة قوله: لا أدري. فتأمَّلْ هذا
كلَّه يدُلُّك على جلالة حال الرَّجُل في ذلك العصر الذي كان فيه خيار الناس وكثرة الرغبة إليه، واجتماع القول على نقائه وتمامه، واختيارهم لاختياره، وذلك لما تأكَّد عند أهل العصر من جلالته في الدين، والنفاذ في الفقه والحديث، وجودة العقل والسلامة من الريب، وقد ذكرنا في كتاب (الذبِّ) عن غير شيء من مذاهبه بعض مناقبه وأحواله، ومَحَلَّه عند أئمَّة الناس في عصره، جعلنا الله وإيَّاكم ممَّن اتَّبع سبيل الذين مَضَوْا بإحسان. وإن كان مَن تقدَّم أهل المدينة يكرهون تأليد السُّؤَال، قال مالك: لم يكن الذين مضوا أكثر الناس مسائل، وأُراهم إنَّما يكرهون التكلُّف إلى ما ينتهي إلى التنطُّع، ولا يكرهون ما يُبَيَّنُ به للمتَعَلِّم مُشْكِلاً، وما يَعرِض من النوازل، وكان يقال: إذا نزل الشيء أُعِينَ عليه صاحبه، ولعمري إن السؤال يفتح العلم. قال ابن شهاب: العلم خزائن ويفتحها السؤال. وقال غيره: السؤال نصف العلم. قال ابن عباس: يُحْتاجُ للعلم لسانٌ سئولٌ، وقلب عَقُولٌ. وربما قال زيد بن أسلم لبعض من يخلط في سؤاله: اذهب فتعَلَّمْ تَسَل، ثم تأتي. قال أبو محمد: وذكرت -وفَّقنا الله وإيَّاك إلى مَحَابِّه- ما كَثُرَ من الكتب مع ما قلَّ من الحرص والرغبة، وضَعُفَ من الطلب والعناية، والحاجة إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح وتفسير وزيادة معنًى شديدة، ورَغِبْتَ في أن نستثير العزيمة وتفتح بابًا إلى شدَّة الرغبة بما رغبتَ فيه من اختصار ما افترق من ذلك في أُمَّهات الدواوين من تآليف المتعقِّبين، وذكرْتَ أن ما في
كتاب محمد بن إبراهيم ابن الْمَوَّاز، والكتاب المستخرج من الأسمعة، استخراج العتبي، والكتب المسماة الواضحة والسماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب، والكتب المسماة المَجْمُوعَة المنسوبة إلى ابن عبدوس، والكتب الفقهية من تأليف محمد ابن سحنون، أن هذه الدواوين تشتمل على أكثر ما رَغِبْتَ فيه من النوادر
والزيادات، ورغبتَ في استخراج ذلك منها وجَمْعِه باختصار من اللفظ في طلب المعنى، وتقصِّي ذلك وإن انبسط بعض البسط، والقناعة بما يُذْكَرُ في أحدها عن تكراره، والزيادة إليه ما زاد في غيره؛ ليكون ذلك كتابًا جامعًا لما افترق في هذه الدواوين من الفوائد، وغرائب المسائل، وزيادات المعاني على ما في المدونة، وليكون لمن جمَعه مع المدونة أو مع مختصرها مَقْنَعٌ بهما، وغِنًى بالاقتصار عليهما؛ لتَجْمع بذلك رغبَتُه، وتيتجمَّ همَّتُه، وتعظم مع قلَّة العناية بالجمع فائدته، وقد رغبتُ في العناية بذلك، لِمَا رَجَوْتُ إن شاء الله من بركة ذلك، والنفع له لمن رسمه، ولكل من تعلَّمه، وأنا أفي لك، إن شاء الله، بنوادر هذه الدواوين المذكورة، وأذكر ما أمكنني وحضرني من غيرها، وبالله نستعين في ذلك، وإيَّاه نستخير فيه، ونستمدُّه توفيقه وعصمته، ونسأله نفع ذلك وبركته، وصَلَّى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلَّم. واعْلَم أن أسعد الناس بهذا الكتاب مَن تقدمت له عناية، واتسعت له رواية؛ لأنه يشتمل على كثير من اختلاف علماء المالكيين، ولا يسَعُ الاختيار من الاختلاف للمُتَعلِّم ولا للمُقَصِّر، ومَن لم يكن فيه مَحْمَل الاختيار للقول لتقصيره فله في اختيار المتعقِّبين من أصحابنا من نُقَّادِهم مَقْنَعٌ، مِثْل
سحنون، وأصبغ، وعيسى بن دينار ومن بعدهم، مثل: ابن الْمَوَّاز، وابن عبدوس، وابن سحنون، وابن الْمَوَّاز أكثرهم تكلُّفًا للاختيارات، وليس يبلغ ابن حبيب في اختياره، وقوَّة رواياته مبلغ مَن ذكرنا، والله يهدي إلى سواء السبيل. وأنا أذكر لك رواياتي في هذه الدواوين، فأما المُسْتَخْرَجَة من السماعات فقد حدَّثني بها أبو بكر بن محمد، عن يحيى بن عبد العزيز، عن العتبي محمد بن أحمد. وأما المَجْمُوعَة فقد حدَّثَني بها حبيب بن الرَّبِيع، عن محمد بن بسطام، عن محمد بن عبدوس، عن سحنون، عن رجال مالك.
وأما كتب ابن الْمَوَّاز فروايتي عن درَّاس بن إسماعيل، عن علي بن عبد الله بن أبي مطر، عن محمد بن إبراهيم بن الْمَوَّاز، وبعضها عند عليٍّ إجازة. وأما الواضحة، والسماع فروايتي عن عبد الله بن مسرور، عن يوسف بن يحيى المغامي، عن عبد الملك بن حبيب. وأما كتب ابن سَحْنُون، فعن محمد بن موسى، عن أبيه، عن ابن
سَحْنُون، وبعضها عن محمد بن مسرور، عن غير واحد من أصحاب ابن سَحْنُون، عنه. ومختصر ابن عبد الحكم حدَّثني به محمد بن مسرور، عن المقدام، عن عبد الله. وما ذكرت فيه لبكر بن العلاء، وأبي بكر الأبهري، وأبي
إسحاق بن الْقُرْطِيِّ فقد كتبوا إلي به، وكلُّ ما ذكرت فيه عن ابن الجهم فقد أُخْبِرْتُ به عنه به، وكل من ذكرت فيه من غير ذلك فبروايات عندي يكثر ذكرها.
في غسل اليد قبل دخولها في الإناء، وتوضئ النساء قبل الرجال، أو بعدهم، من إناء واحد، وذكر التسمية عند الوضوء، ومسح الوجه بالمنديل
في غسل اليد قبل دخولها في الإناء، وتوضُّئ النساء قبل الرجال، أو بعدهم من إناء واحد، وذِكْر التسمية عندَ الوُضوء، ومَسْح الوجه بالمنديل من الواضحة وغيرها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المستيقط من نومه أَنْ يُدخل يده في وَضوء حتى يغسلها، فقيل: إن ذلك لِمَا لعلَّه قد مسَّ من نجاسة خرجت منه لا يعلم بها، أو غير نجاسة من ما يُتَقَذَّر. وقيل أيضًا: وقد يكون ذلك لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة، وقد يمَسُّ موضع ذلك. والله أعلم. قال ابن حبيب: وقال الحسن: معنى ذلك في الجُنُب من احتلام. قال ابن حبيب: أو جُنُب لا يدري ما أصابت يده من ذلك، فإن أدخل هذا يده قبل أَنْ يغسلها أفسد الماء. وقال مالك: ينبغي لكل متوضِّئ أن لا يدع غَسل يده عند وُضوئه، قبل أَنْ يُدخلها في الإناء على كل حال. قال مالك في المختصر والمَجْمُوعَة، فِي مَنْ أدخل يده في الإناء قبل أَنْ يغسلها، من جُنُب أو حائض، ومن مسَّ فرجه، أو أنثييه في نوم، فلا يفسد الماء، وإن كان قليلاً، إلاَّ أَنْ يُوقن بنجاسة في يده، ولا ينبغي له ذلك وإن كانت يده طاهرة، وكذلك مَن انْتَقَضَ وُضوؤه. ومن المَجْمُوعَة: روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك في الجُنُب
يَمَسُّ فرجَه بيمينه، ثم يُدخلها في الإناء قبل أَنْ يغسلها، ولا يعلم أنَّه أصابت يده شيئًا، قال: يُبْدِلُ ذلك الماء، وما ينبغي له أَنْ يَمَسَّ فرجه بيمينه. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك فِي مَنْ قام من النوم، فيُدخل يده في إنائه، قال: لا بأس به ومثله الجَرَّةُ يستيقظ أهل البيت، فيغرفون منها، ويُدخلون أيديهم. قال أشهب: استحبَّ مالك للمتوضِّئ أَنْ يُفْرِغ على يده اليمنى، ثم يغسلها. وذكره ابن نافع، عن مالك في المَجْمُوعَة. قال عيسى عن ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ كما جاء في الحديث، يُفْرِغُ على يديه فيغسلهما ثلاثًا، فإن غسل يمينه، ثم أدخلها في الإناء أجزأه. قال ابن حبيب يغسل اليمنى ثم يُفْرِغُ بها على اليسرى في الاستنجاء، ثم يغسلها فيُنَقِّيها من الاستنجاء، ثم يتمضمض، ويستنشق. قال عبد الملك بن الحسن، في الْعُتْبِيَّة، عن ابن وهب: ومن
استنجى ثم قطر منه بول، فحلب ذَكَرَه، فليعد غسل يده قبل أَنْ يُدخلها في الإناء، وكذلك مَن أتَمَّ وضوءه، ثم خرج منه ريح، قاله مالك استحبابًا. وقال أشهب: ليس ذلك عليه إن لم تُصِبْ يده نجاسة، وعَهْدُه بالماء قريب، إلاَّ أَنْ يبعد ذلك. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ولو أحدث بعد غسل وجهه ويديه، فليُفْرِغ على يده، ثم يأتنف الوضوء. قال عنه عيسى: ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ. ومن المَجْمُوعَة، قال ابن وهب، وابن نافع، عن مالك، في المتوضِّئ يخرُج منه ريح ويده طاهرة، فيريد الوضوء، قال: يغسل يده أَحَبُّ إليَّ. قال عنه ابن نافع: إلاَّ أَنْ يكون عهده بالماء قريبًا. قال ابن وهب: وقد قال قبل ذلك: لا بأس أَنْ يُدخلها إذا كانت طاهرة. قال عنه عليٌّ: إذا توضَّأ وغسل يديه، ثم قطر منه بول، أو خرَج منه ريح، فليغسل يده، أفضل في الاحتياط، وإن لم يفعل فذلك واسع. قال عنه ابن نافع فيها، وفي الْعُتْبِيَّة، فِي مَنْ وجد نهرًا سائلاً، أو غديرًا، ولا يجد ما يأخذ به منه لِيَصُبَّ على يده، فيُدخل يده فيه، ولا يأخذ بفيه، وليس ذلك من عمل الناس أَنْ يأخذ بفيه فيَصُبَّه على يديه. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في الرَّجُل
يَرِدُ الحوض فيه الماء، وليس معه إلاَّ ثوب نجس، وليس معه ما يأخذ به، ويده قَذرة، أيتيمَّم ولا يُدخل يده فيه، أو يدخل يده فيه ويتوضَّأ؟ قال: يَحتال إما بثوب وإما بفيه، أو ما قدر عليه، فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها، إلاَّ أَنْ يكون ماء كثيرًا مَعِينًا، فلا بأس أَنْ يغتسل فيه. ومن المَجْمُوعَة، قال ابن نافع، عن مالك، في الخدم يُدخلون أيديهم في الماء من غير غَسل، قال: لا يَضُرُّ ذلك الماء. قال عنه عليٌّ: قال ابن عمر: كان النساء والرجال يتوضَّأون من إناء واحد بعهد النبي عليه السلام. قال مالك: يتوضَّأ الرجال، ثم يأتي النساء فيتوضَّأون. قال عنه ابن وهب: كان لزيد بن أسلم مِرْكَنٌ يتوضَّأ منه هو وأهله، وكان
مثله لسعد بن أبي وقاص، قال: وربما توضَّأنا بفضلهن. قال مالك: ولا خير في هذا التقَزُّز والتنجُّس، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون لهم قدح يغرفون به. قال عليٌّ: قال مالك: ما أعرف التسمية في الوضوء. وأنكرها، واستحبَّ ذلك علي بن زياد، وقاله سفيان. قال ابن حبيب: وما روي: «أنه لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ». أراه يعني أَنْ يكون نيَّتُه، ويحتمل تسمية الله سبحانه في ابتدائه، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يسمِّي، وقد روي ذلك. قال غيره: ولا يأتي من طريق يصِحُّ، والتسمية في كل شيء حسنة. ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع، عن مالك: وَلا بَأْسَ بالسواك بعد الوضوء. قال عنه عليٌّ: لا بأس بالوضوء بفضل السواك. قال في المختصر: ومَن تسوَّك بأصبعه فلا بأس أَنْ يُعِيدَ في وضوئه. قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يغسلها، وأرجو أَنْ يكون واسعًا. قال ابن حبيب: ويُكْرَهُ السواك بعُود الرُّمَّان والريحان. ومن الْعُتْبِيَّة، والمجموع، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا لم
في الاستنجاء والاستجمار، واستقبال القبلة للخلاء والوطء، وذكر الارتياد للحاجة، وذكر الوسوسة والاستنكاح
يَجِد سواكًا فالأصبع يجزئ من السواك. ومن المَجْمُوعَة، قال ابن القاسم عن مالك: قال محمد بن يحيى بن حَبَّان: أدركتُ رجالاً من أهل العلم، تكون معهم أسوكة يتسوَّكون بها لكل صلاة. قال في الْعُتْبِيَّة ابن القاسم، عن مالك: لا بأس أَنْ يمسح وجهه بخرقة من ماء الوضوء، وإنِّي لأفعله. قيل: نهى عنه بلال بن عبد الله بن عمر. فأنكر ذلك , وقال: ولو قاله بلال أيؤخذ ذلك منه! قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة، قال: قلت أَفَيَفْعَلُ ذلك قبل غَسْل رجليه، ثم يغسل رجليه بعد؟ قال: نعم، وإني لأفعل ذلك. في الاستنجاء والاستجمار، واستقبال القبلة للبخلاء والوطء، وذكر الارتياد للحاجة، وذكر الوسوسة والاستنكاح من المختصر قال مالك: لا تُسْتَقْبَلُ القبلة، ولا تُسْتَدْبَرُ لبول، أو غائط، في الفلاة، والسطوح التي يَقر أَنْ ينحرف فيها، فأما المراحيض التي عُمِلَت فلا بأس بذلك فيها.
قال غيره: وقد رأى ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته. قال ابن حبيب: قال عطاء ك ويُكْره أَنْ يطأ الرَّجُل امرأته مستقبل القبلة. قال ابن حبيب: يعني إذا أصحر بذلك. ويُكره أَنْ يتغوَّط في ظلال الجُدُر والشجر وقارعة الطريق، وضَفَّة الماء، وقربه، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. قال غيره: ويستتر بما وجد من هدف أو جدار أو حائط نخل. قال ابن حبيب: ولا يُكره البول قائمًا في الموضع الدَّمِثِ لا يتطاير، وَلا بَأْسَ بالبول في الماء الجاري، ويُكره في الراكد وإن كثر، ويُكره أَنْ يبول في المَهْوَاةِ، وليبل دونها، ويجري إليها، وذلك من ناحية الجانِّ ومساكنها. وَلا بَأْسَ أَنْ يبول في موضع غُسله إن أتبعه ماء، وكان منحدرًا. واللذان يذهبان إلى الخلاء فليتباعدا، وكُره أَنْ يتقاربا. وفي كتاب آخر: ويُكره أَنْ يتحدَّث على طرفيهما، ولا يتكلَّم الرَّجُل على طرفه. ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: وبال ابن عمر قائمًا من كِبَرٍ، وبال ابن المسيب قائمًا. قال غيره: وبال النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا. ونهى أَنْ يَأْخُذَ فَرْجَه
بيمينه للبول. ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك، في قول النبي عليه السلام: «وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ». إنه في الاستطابة. وقال عنه عليٌّ: إنه تأوَّله في استجمار البخور، ثم رجع إلى أنَّه في الاستطابة. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: ولا يُسْتَنْجَى بعظم، ولا رَوْثٍ. وقال: في سماع أشهب أيضًا في العظم والحُمَمَة. قال في المَجْمُوعَة في الرَّوْثِ والحُمَمَة: ما سمعتُ فيه بنهي عامٍّ، وقد سمعتَ ما يقال، وأما في علمي فما أرى به بأسًا. وقال ابن نافع: أنهى عنه لِمَا جاء فيه عن النبي عليه السلام. قال أصبغ في كتاب آخر: ومَنِ اسْتَجْمَرَ بعُودٍ أو فَحْمٍ، وهي الحممة، أو
بخرق أَعَادَ الصَّلاَة في الوَقْتِ، ووقته وقت الصَّلاَة المفروضة. قال ابن حبيب: استخفَّ مالك، ما سوى العظم والروث. وقد جاء النهي عن الحممة والجلد والبَعْرة، فمَن استنجى بذلك، أو بحجر واحد فقد أساء، ولا شيء عليه إذا أنقى. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن استجمر بأحجار، وصَلَّى ولم يستنجِ أجزأه. قال عيسى، عن ابن القاسم: وكذلك من استنجى بمَدَرٍ، وإن استجمر بحجر واحد فلا إعادة عليه للصلاة، إذا أنقى. وقال في المختصر: ويُجْزِئُهُ أَنْ يستجمر بالأحجار، إلاَّ أَنْ يكون أصاب ذلك غير المخرج، وغير ما لا بد منه، فإنه يُعِيد في الوَقْتِ. ومن الْعُتْبِيَّة قال أبو زيد، عن ابن القاسم، فِي مَنْ لم يستنجِ، ولم يستجمر: فليعد في الوَقْتِ، كالذي يصلي به في ثوبه أو جلده. قال أبو محمد: يريد ناسيًا. في قول ابن القاسم. قال ابن القاسم: وإن استجمر لم يُعِدْ، وكذلك لو بالغ بحجر أو بحجرين. وقال قوم: إن عدا المخرج. فسألت مالكًا، فلم يذكر: عدا المخرج.
فإن قيل إن مَن مضى كانوا يبعرون. قيل له: فإن البول منَّا ومنهم واحدٌ. قال بعض أصحابنا: وإذا أنقى بحجر واحد فليمسح باثنين؛ ليُتِمَّ ثلاثًا. وقال آخرون: لا بد أَنْ يُخرِج ثلاثًا نقية. وقيل: إذا أنقى بواحدة اكتفى. قال ابن حبيب: ولا يجر لآخذ الماء أَنْ يستجمر؛ لأنه أمْرٌ قد تُرِكَ. قال مطرف: قال لي مالك: قيل لابن شهاب: أُنشدك، هل علمتَ أن مَن مضى كان يستجمر؟ فسكتَ. قال مالك: كَرِهَ أَنْ يذكر شيئًا صار عملُ الناس خلافه. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك فيمن معه ماء قليل: فليستجمر بالحجارة، ويُنَقِّيه لوضوئه. قال ابن نافع: قيل لمالك: أيُستنجى بالخاتم وفيه ذِكْرُ الله؟ فقال: إنه عندي تخفيفٌ، وتَرْكُهُ أحسن، وفيه سَعَة. قال ابن حبيب: وأكره أَنْ يستنجي به، وليُحَوِّلْه عند الاستنجاء في يده اليمنى. قال في المختصر: ولا يستنجي بيمينه. قال ابن حبيب: ويُكره أَنْ يمسح بها مخرج البول، أو يتمخَّط بها، أو يغسل بها باطن قدميه. روي عن النبي عليه السلام النهي عنه.
وليس الاستنجاء من سنن الوضوء، ولا من فرائضه، لكن هو من باب غسل النجاسة، يُجزئ بغير نيَّة، وإنما الوضوء من المضمضة إلى ما بعد ذلك. قال ابن القاسم، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: وَلا بَأْسَ أَنْ يستنجي ويُؤَخِّرَ الوضوء. ولبعض أصحابنا في الاستنجاء أنَّه يُسْتَحبُّ له أَنْ يبدأ بِغَسل مَخرج البول، ثم يمسح الأذى منه بمَدَر أو خرقة أو غيرها، وإلاَّ فبيده، ثم يغسل يده ويُنَقِّيها، ثم يستنجي ويُوَالي صَبَّ الماء، ويسترخي قليلاً؛ ليتمكَّن من الإنقاء، ويُجيد العَرْك حتى يُنَقِّيَ ويُزيل اللُّزُوجة، وذلك في الإبعار أخفُّ منه في الإثلاط، ولا يَضُرُّه إن بقيت بيده رائحة إذا أنقى.
ومن المختصر: وليس على الذي يستبرئ البول أَنْ ينتفض ويتنحنح، ويقوم ويقعد، ولا يمشي، ويستبرئ ذلك بأيسره، بالنفض والسلت الخفيف. قال ابن القاسم عن مالك في الْعُتْبِيَّة: في الذي يُكْثر السلت ويقوم ويقعد، قال: ليس ذلك بصواب. قال أبو محمد: وفي باب القصد في الماء، ذكر تخفيف ربعة في سرعة التَّنَظُّف من البول، وإبطاء ابن هرمز فيه، وقوْلَه: لا تقتدوا بي. قال ابن نافع في المَجْمُوعَة عن مالك: ولم أسمع عن أحد ممن مضى أنَّه كان يُقيم بعد فراغه حتى ينعصر. ومَن وجد بللاً بعد أن تَنَظَّف فلم يَدْر من الماء هو أم من البول؟ فأرجو أن لا شيء عليه، وما سمعتُ مَن أَعَادَ الوضوء من مثل هذا، وإذا فعل هذا تمادى به. قال عنه ابن القاسم: فالذي يُحِسُّ شيئًا منه بعد البول فلا تطيب نفسه، قال: هذا من الشيطان. وكَرِهَه. قال ابن حبيب: ويُسْتَحبُّ لسلس البول والمذي أَنْ يُعِدَّ خِرقًا يقي بها عن ثوبه، والوضوء له وللمستحاضة لكل صلاة، مع غَسل فرجه. قال سحنون: ليس عليه غَسل فرجه.
في القصد في الماء في الوضوء، والغسل، ومقداره
قال عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة في مَن يَجد بأثر وضوئه بللاً، أو شيئًا ينحدر من ذَكَرِه: فإن كان شيئًا يستنكحه عند الوضوء، فلينضح إزاره، ويَلْهُو عنه، وإن أصابه المرة بعد المرة فليتوضَّأ. قال عنه ابن نافع: ومَن وجد بللاً في الصَّلاَة فلا ينصرف حتى يُوقن به، فينصرف. وإنما يتمادى المستنكح. في القصد في الماء في الوضوء والغُسل، ومقداره من الْعُتْبِيَّة قال أصبغ: قال سفيان، وابن القاسم: الفَرَقُ ثلاثة آصُع. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثوضَّأ منه، ويتطهَّر. وفي موضع آخر أنَّه كان يغتسل.
قال ابن حبيب: وروي أنَّه اغتسل بقد الصاع، وتوضَّأ بقدر المُدِّ، وروي أنَّه توضَّأ بقدر نصف المُدِّ. ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: قال مالك: سمعتُ مَنْ يقول إنه يُجزئ في الطهور صاعٌ بالصاع الأول. ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى عن ابن القاسم، عن مالك، ورواه في المَجْمُوعَة، عن ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، قال: رأيتُ
في صفة الوضوء، وترتيبه، والغسل في أعضائه، والعدد فيه، والتبدئة فيه، والتفرقة في العمد والسهو، وذكر تخليل الأصابع واللحية
عباس بن عبد الله بن معبد، وكان فاضلاً، يتوضَّأ بِثُلُثِ مُدِّ هشام، ويَفْضُل له منه، ويصلي بالناس، فأعجب ذلك مالكًا. قال ابن حبيب: والقصد في الماء مُستحبٌّ، والسرف فيه مكروه. قال مالك: كان ربيعة أسرع الناس وضوءًا، وأقلَّهم لُبْثًا في البول. وفي الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم عن ربيعة مثله. قال ابن حبيب: وكان ابن هرمز بطيئًا في التَّنَظُّف من البول، وفي الوضوء. قال عنه مطرف: ويقول: إني مبتلى فلا تقتدوا بي في هذا. وقال ابن المسيب: ومن الاعتداء في الوضوء الوضوء لكل صلاة. قال ابن حبيب: هذا لمَنْ فعله استنانًا، فأما للرغبة في ما جاء فيه فلا بأس به. في صفة الوضوء وترتيبه والغسل في أعضائه والعدد فيه، والتبدئة فيه والتفرقة في العمد والسهو، وذِكْر تخليل الأصابع واللحية قال محمد بن مسلمة في آية الوضوء: فيها تقديم وتأخير، والمعنى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، فقيل: مُحْدِثين. وقال زيد بن أسلم: من النوم. ويدُلُّ على قوله أنَّه ذكر آخر الآية المُحْدِثين، فقال: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، فجمع بهذا المحدثين. قال مالك في المختصر: ليس في الوضوء حَدٌّ من العدد، ولا أحب أَنْ يقصر من مرَّتين إذا عمَّتا. قال عنه ابن حبيب: ولا أحب الواحدة، إلاَّ من العالم بالوضوء، ولا أحب أَنْ ينقُص من اثنتين، ولا يُزادُ في المسح على الواحدة، وأمَّا غَسل القدمين فلا حدَّ في غسلهما، وينبغي أَنْ يتعاهد عقبيه في وضوئه بالماء. قال غيره: ويُجيد عَرْك ما لا يُداخله الماء بسرعة لجساوة برِجْلَيْه، أو غبرة عرقوبيه، أو سقوق، حتى يُسْبِغَه. يقول النبي عليه السلام: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ».
قال ابن حبيب: ويبدأ الوضوء بميامنه، وأكمل الوضوء ثلاثة، وأقلُّه واحدة. قال ابن عباس: الواحدة تجزئ، والاثنتان يُسبغان، والثالثة سَرَفٌ، والأربعُ سرفز ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: قيل لمالك: واحدة؟ قال: لا. وقال في مسح الرأس: مرة أو مرتين، قد يقلُّ الماء فيكون مرتين، ويكثر فيكون مرة. وقال عنه عليٌّ: مسحة واحدة. ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: ومَن غَسَل يساره قبل يمينه من يدٍ أو رِجْل أجزأه. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك: إن غَسَل ذراعيه، ثم وجهه، فإن ذكر مكانه أَعَادَ ذراعيه، وإن لم يذْكُر حتى جَفَّ استأنف الوضوء، وإن لم يذكر حتى صَلَّى أَعَادَ الوضوء والصَّلاَة. ثم قال: لا يُعِيد الصَّلاَة وإن كان في الوَقْتِ، ويُعِيد الوضوء لِمَا يستقبل. قال عنه ابن نافع في استئناف الوضوء: أرى ذلك واسعًا. ومن الواضحة: ومَن نَكَّس وضوءه وصَلَّى أجزأته صلاته. وإن تعمَّد ذلك أو جهل ابتدأ الوضوء لِمَا يستقبل؛ كان ذلك في مسنونة أو مفروضة. وإن كان سهوًا، فلا يُصْلِحه إلاَّ في تنكيس مفروضة، فيؤخِّر ما قدَّم، ثم يغسلُ ما يليه، كأنْ يحضُرَه ذلك، أو بعد أن طال؛ مثل أَنْ يغسل ذراعيه قبل وجهه، فليُعد غَسل ذراعيه، ثم يمسح برأسه وأذنيه، ثم يغسل رِجليه. وقال ابن القاسم: هذا إذا لم يَطُلْ، فأما إنْ طال، فليُؤخِّر ما قدَّمَ من غَسْل
ذراعيه، ولا يُعِيد ما بعده. قال ابن حبيب: وبالأول أقول، وهو قول مطرِّف، وابن الماجشون. قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم روي نحوه عن ابن القاسم عن مالك في المَجْمُوعَة. قال مالك في الموطأ فِي مَنْ غسل وجهه قبل أَنْ يتمضمض. قال: يتمضمض، ولا يُعِيد غَسْل وجهه. ولو غَسَل ذراعيه قبل وجهه أَعَادَ بعد غَسْل وجهه. ومن الْعُتْبِيَّة قال سحنون: حَدُّ الوجه في الوضوء، دَوْرُ الوجه، واللَّحْيُ الأسفل منه. قال ابن حبيب: قال مالك: وليس ما خَلْفَ الصُّدْغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الأذن من الوجه. قال عنه ابن القاسم: واللحية من الوجه، وليُمِرَّ عليها من فضل ماء الوجه، ولا يجدِّده لها. قال: قال سحنون: ومَنْ لم يُمِرَّ عليها الماء أَعَادَ، ولم تجزه صلاته، وأعاب مالك تخليها في الوضوء. قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: ولم يأتِ النبي عليه السلام فغله في وضوئه، وجاء أنَّه خلل أصول شعره في الجنابة.
قال في المختصر: ويُحرِّكها في الوضوء إن كانت كبيرة، ولا يُخَلِّلُها، وأما في الغُسْل فليُحرِّكْها وإن صَغُرَتْ، وتخليلها أحبُّ إلينا. وقال بعض أصحابنا: معنى تحريكها في الوضوء تحريك اليد عليها عند مرِّ الماء؛ ليُداخلها الماء؛ لأن الشعر ينبو عنه الماء. ومحمد ابن عبد الحكم يرى تخليلها في الوضوء. وقال غيره: وليتحفَّظْ من غَسْل مارِنِه بيده، وما غار من أجفانه، وأسارير جبهته، وليس عليه غَسْل ما غار من جُرْح برأ على استِغوار كثير، وكان خَلْقًا خُلِق به، ولا غسل ما تحت ذقنه، وما تحت الَّحْي الأسفل منه. ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك: وليس عليه أَنْ يجاوز بالغسل المرفقين، والكعبين في الوضوء، وإنما عليه أَنْ يبلغ إليهما. قال غيره: هذا قولُ مالك؛ ولأن (إلى) غاية، وقد قيل بإدخالهما في الغُسْل، وإليه نحا ابن القاسم في المدونة، فذكره أبو الفرج عن مالك.
قال غيره: وقد تكون (إلى) بمعنى (مع)، كما قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النساء: 2)، يقول: معها. وقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (آل عمران: 52) (الصف: 14). يقول: مع الله. وقال أبو الفرج: يُؤْمَر بغَسلها، لتوهُّم التحفُّظ في مبلغ الغَسْل إليهما، وليُزيل ريب الاحتراس بإدخالهما في الغَسْل. ومن الْعُتْبِيَّة أشهب، عن مالك: سئل عن الكعب الذي إليه الوضوء، قال: هو الملتصق بالساق، المحاذي العقب، وليس بالظاهر في ظهر القدم. ورواه ابن نافع، عن مالك، في المَجْمُوعَة. ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب، عن مالك، في قوله تعالى: {وَأَرْجُلكُمُ}، بالنصب أم بالخفض؟ قال: إنما هو الغسل، لا يُجْزئه المسح. قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: {وَأَرْجُلَكُمْ}، بنصب اللام، وقال: إنما هو الغَسْل. قال ابن حبيب: ويبالغ في غَسْل عقبيه؛ لقول النبي عليه السلام: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». قال غيره: وهذا بمنزلة الغَسل، كما فعل الرسول عليه السلام، وسلفُ الأمة، والعقبان عند مالك مؤَخَّر الرِّجْل. ومن المَجْمُوعَة، قال ابن وهب وابن نافع، عن مالك: وليس عليه
تخليل أصابع الرجلين في وضوء، أو غُسْل، ولا خير في الجَفاء، والغُلُوِّ. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة وفي المَجْمُوعَة: ومَنْ لم يُخَلِّلْ أصابع رِجْلَيه في وضوئه فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: تخليل أصابه رجليه في الوضوء مُرَغَّبٌ فيه، ولا بد من ذلك في أصابع يديه، وأما أصابع رجليه، وإن لم يُخَلِّلْها فلا بد من إيصال الماء إليهما. قال مالك في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: ولا خير في أَنْ يجعل الماء بيديه، ثم ينفضهما منه، ويمسح بهما وجهه. وروي عنه في مجموعة ابن القاسم، وابن وهب: وكَرِه ذلك. قال عنه ابن وهب: هذا يَبْرُقُ في وجهه. قال مالك في الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم: ولا يُجْزِئُهُ إن فعل. وقال أصبغ في أُصوله: لا يُجْزِئُهُ حتى ينقُل الماء إلى كلِّ عضو يغسله نقلاً. وقاله ابن حبيب. قال عيسى عن ابن القاسم، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: وليُدخل المتوضِّئ يديه جميعًا في الإناء ليأخذ الماء لغَسل وجهه. قال عيسى: ليس ذلك عليه، وليغرف باليمنى، ويصُبَّ حتى يفرغ وضوءه. قال سحنون في المسافر لا يجد الماء فأصابه مطر: إنه يُجْزِئُهُ أَنْ ينصِبَ له يديه، ويتوضَّأ به. قال ابن حبيب: ولا يمسح رأسه بماء أصاب رأسه منه. قاله ابن القاسم.
في مسح الرأس، والأذنين، وفي المضمضة، والاستنشاق، وفي من نسى بعض مسنون الوضوء، أو مفروضه، أو بعض غسله
قال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة عن مالك: وليس عليه تحريك خاتمه في الوضوء. قال ابن الْمَوَّاز: ولا في الغُسْل. ومن الْعُتْبِيَّة روى معن بن عيسى، عن عبد العزيز ابن أبي سلمة، قال: إن كان ضَيِّقًا فأُحِلُّه، وأما الواسع فلا. وقاله ابن حبيب. قال محمد بن خالد، عن ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ توضَّأ على نهر، فحرَّك فيه رِجْليه، فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ غسلهما بيده. قال ابن القاسم: وإن قدر على غَسْلِ إحداهما بالأخرى أجزأه. في مسح الرأس والأذنين، وفي المضمضة، والاستنشاق، وفِي مَنْ نسي بعض مسنون الوضوء أو مفروضه، أو بعض غَسْلِه قال ابن حبيب: مفروض الوضوء ما ذُكِر منه في القرآن، ومسنونه المضمضة، والاستنشاق، ومسح الأذنين، ومَن نسي من مفروضه شيئًا،
أَعَادَ الصَّلاَة أبدًا، ومن نسي من مسنونه لم يُعِدْ. هذا قول مالك وأصحابه. وليأخذ الماء لمسح رأسه بيديه، ثم يُرْسِلُه، أو يَصُبَّه من يد إلى يد، ثم يمسح رأسه بيديه من أصل منابت شعر جبهته إلى حدِّ شعر القفا، ثم يعيدهما إلى حيث بدأ. قال غيره: وشعر الصدغين من الرأس يدخل في المسح. قال ابن حبيب: ثم يأخذ الماء لمسح أذنيه مرَّة بإصبعيه، ظاهر أذنيه، وباطنهما، ويُدخل إصبعيه في صماخيه، ولا يتبع غضونهما، والمرأة كذلك، وتُدخل يديها تحت الشعر من القفا في رَدّش يديها بالمسح حتى تَعُمَّ الشعر، وإن كان لها ضفائر مُرْسَلة على ظهرها أو كان شعرها مسدولاً، فعليها أن تَعُمَّه كلَّه بيديها؛ حتى تأتي على آخره، تُدخل يديها من تحته، فتُحَوِّلُه بِرَدِّ يديها به وبضفائرها إلى مُقَدَّم رأسها، فإن أمكنها جمعُهُ في قبضتها جمعته، وإن لم يُمْكِنْها إلاَّ الماء يُنْقَل بيديها فعلتْ، وإن شاءت أخذت الماء بآنية، وإن شاءت اكتفت بالأولى، وكذلك تفعل ذوات القرون. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وروياه عن مالك. ومن الْعُتْبِيَّة، روى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في ذي الشعر:
هل يَمْسَحُ أعلاه، ولا يُمِرُّ يديه على جميعه إلى أطرافه؟ قال: قال مالك: يُمِرُّ يديه من مُقَدَّم رأسه إلى قفاه، ثم يُعيدهما من تحت شعره إلى مُقَدَّمه، والمرأة كذلك. ومن كتاب آخر: واختُلِفَ في معنى الحديث: «بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ». فقيل: إنه مِن حدِّ منابت شعره، وقيل: بناصيته. لقوله: «فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ». أنَّه أقبل بهما إلى جبهته، ثم أدبر إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى حيث بدأ من ناصيته، وكلٌّ واسع، والأوَّل أولى. قال أبن القاسم في الْعُتْبِيَّة، من رواية موسى: ومن مسح رأسه بيده واحدة، أو بإصبع حتى أوعبه أجزأه. لعلَّه يريد يكون بإصبعه الماء. قال غيره: ولا يُؤْمَر بذلك. قال مالك في المختصر: ويُستحبُّ له أَنْ يُجَدِّد الماء لأُذُنيه. قال محمد بن مسلمة: إن شاء جدَّد لهما الماء وإن شاء مسحهما بماء مسح به رأسه. قال مالك في المختصر: ويُدخل إصبعيه في صماخيه، في مَسْح أذنيه.
قال ابن حبيب: وإن كثَّرت المرأة شعرها بصوف أو شعر؛ لم يُجزئها أن تمسح عليه حتى تنتزعه، إذا لم يَصِلْ إلى شعرها من أَجْلِه. وقال موسى بن معاوية في الْعُتْبِيَّة عن ابن القاسم، عن مالك: وليضْغَثَاه في الجنابة، وإن كان مضفورًا. قال ابن القاسم عن مالك في سماعه فِي مَنْ مسح مُقدِّمَ رأسه: فلا يُجْزِئُهُ، ويُعِيد الصَّلاَة. وقال البرقي، عن أشهب: لا يُعِيد. وقال: وأما مَنْ مسح بعض رأسه فليعد. وقال موسى، عن ابن القاسم في مَنْ نَسي بعض رأسه: أَعَادَ في الوَقْتِ وبعده. ورواه عن مالك في المَجْمُوعَة. وقال محمد بن مسلمة في موضع آخر: إن مسح ثُلُثَيْه أجزأه. وقال أبو الفرج: إن مَسَح ثُلُثه أجزأه. قاله بعض أصحاب مالك. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يَمْسَح رأسه بفَضْل ذراعيه. قال: لا أُحِبُّ ذلك. وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون: ومَنْ مسح رأسه بِبَلَلِ ذراعيه، لم يُجْزِئُهُ، ولْيَمْسَحْ رأسه فقط، فإن طال في نسيانه، ويبتدئ الوضوء في العَمْد، والجهل، وإن قرب منه الماء وبلحيته الماء فلا يمسحُ به رأسه إلاَّ أَنْ يبعُدَ منه الماء فليمسحْ به، وله أَنْ يمسح رأسه برشِّ المطر، يَنْصِبُ له يديه إذا بَعُدَ عنه الماء، لا بما أصاب الرأس منه.
قال ابن القاسم: ولم يقُلْه في بلل اللحية. قال ابن القرطي: وإن غسل رأسه أجزأه من المسح. وقاله ابن حبيب في الخُفَّيْن. قال ابن حبيب: ومَنْ مسح أذنيه بالماء الذي مسحَ به رأسه، فهو كمَنْ لم يمسحْهُما. قال مالك: ولا يُعِيد الصَّلاَة. ومن المَجْمُوعَة روى ابن القاسم، وابن وهب، وابن نافع، وعليٌّ، عن مالك في مَنْ جمع المضمضة والاستنشاق في غَرْفة واحدة: فلا بأس به إذا أخذ من الماء ما يكفيها لهما جميعًا. قالوا عنه إلاَّ عليّ: وإن تمضمض بغرفة، واستنثر بأخرى فواسعٌ. قال ابن القاسم: قيل له: أفثلاثٌ. فأبى أَنْ يَحُدَّ فيه حدًّا. وذكر نحو هذا في المختصر، وفي الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب. قال ابن حبيب: ولْيُبَالِغْ في الاستنشاق، ما لم يكنْ صائمًا، كما جاء الأثر، سيما بأثر النوم. ومن المَجْمُوعَة قال ابن وهب: قيل لمالك: استنثر من غير أَنْ يضع يده على أنفه؟ فأنكر ذلك، وقال: هكذا يفعل الحمار. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: والاستنثار أَنْ يجعلَ يده على أنفه ويستنثر.
قال ابن سحنون: قال أشهب: مَنْ تَرَكَ غَسْلَ أذنيه في الجنابة، ما ظهر منها من باطن وظاهر غسلهما وأَعَادَ الصَّلاَة. قال مالك في المختصر في مَنْ ترك المضمضة والاستنشاق بأثر الوضوء، فليتمضمض، ويستنشق، ولا يُعيدُ ما بعد ذلك، بخلاف ما ينسى من المفروض. قال ابن حبيب: في المسنون كلِّه إن ذَكَرَه، وقد طال، فعل ما نسي، ولم يُعِدْ ما بعده، وإن ذَكَرَ بعض وضوئه، وهو جالس على وضوئه، فعل ما نسي وأَعَادَ ما يليه، كان مسنونًا أو مفروضًا، وإن ذكره بعد أن فارق وضوءه، فإن كان من مسنونه قضى ما نسي فقط، طال أو لم يَطُلْ، ولا يعيدُ إن صَلَّى، ولو كان من مفروضه، وطال ذلك فليبتدئ الوضوء إن كان ذلك مما يُغْسل منه وإن كان مما يُمسح منه مَسَحَه فقط. قاله مطرف، وابن الماجشون عن مالك. قال في الْعُتْبِيَّة: إن كان ما نسي من الوضوء مما ذُكِر في القرآن، غَسَل ذلك بعينه، ويعيدُ ما صَلَّى. وفي رواية ابن القاسم، أن ذلك سواء، ويقضي ما نسي فقط في الطُّولِ. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في غير الواضحة: يبتدئ الوضوء إن طال ذلك، كان مما يُغْسَل أو يُمْسَح. قال حبيب بن الربيع مولى ابن أبي سليمان: وما ذكر ابن حبيب من روايته عن مالك، في تفريقه بين ما يُغْسل وما يُمْسَحُ: إنَّ هذا غَلَطٌ ممنْ نَقَلَه عن مالك.
قال: وذهب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إلى أن تبعيضه في العمي والسهو سواء لا يُبْطِلُهُ، على ما روي عن ابن عمر في تأخير مَسْحِ الخُفَّيْن. قال ابن القاسم: لم يأخُذ مالك بما روي عن ابن عمر في هذا، وروى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة: إذا أخَّرَ مَسْحَ خُفَّيْه حتى حضرت الصَّلاَة، قال عنه محمد بن مسلمة في كتابه: إذا أخَّرهُ سهوًا حتى جَفَّ وضوءُه، قالا عن مالك ك فإنه يَمْسَحُهُما، ويصلي ولا يخْلَعُ. وفي سماع ابن وهب عن مالك، فِي مَنْ عجز ماؤه في الوضوء، فقام لأخذه أو بعث مَنْ يأتيه به، قال: يبني على وضوئه، ولا يستأنف. ومن كتاب ابن سحنون: ومَنْ ذَكَرَ مَسْحَ رأسِه، فتشاغل عن مَسْحِه وتَرَكَه، أنَّ وضوءه مُنْتَقِضٌ. قال ابن حبيب: ومن ذكر لُمْعَةً من غُسْلِه، بحضرة الماء، غسلها وحدها، وإنْ لم يكُنْ بحضرة الماء وتركها جهلاً، أو ناسيًا، أَعَادَ الغُسْلَ، وإن كان ناسيًا، غَسَل اللُّمْعَةَ، وأَعَادَ الصَّلاَة، وهو كمن توضَّأ، ثم ذكر لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ، سبيلهما واحدٌ، وقد فسَّرْتُ لك ذلك. قال أبو محمد: وهذا خلاف أصله الذي حكاه عن مالك، في مَنْ ذَكَرَ بعض أعضاء الوضوء، وقد قال مالك: إنه يبتدئ في الوضوء، ولا فَرْقَ بَيْنَ نِسْيَانِ لُمْعَةٍ أو عضو. ومن الْعُتْبِيَّة، من غير رواية أبي بكر بن محمد، قال أشهب في مَنْ تَوَضَّأَ للصبح فصلاَّها، ثم تَوَضَّأَ للظهر من غير حَدَثٍ، فصلى الظهر والعصر، ثم
ذكر مسح رأسه، من أحد الوضوءين، لا يدريه: إنه يمسح رأسه، ويُعِيد الصبح فقط، إلاَّ أَنْ يكون الوضوء الثاني عن حَدَثٍ، فيُعيد جميع الصلوات. وهذه الرواية أراها غلطًا؛ لأنه إن كان الوضوء الثاني مجزئًا، فلا معنى لمسحه رأسه، وإن لم يُجْزِ؛ لأنه لم يقصد به الفرض، فليعد الصلوات، وكذلك قال ابن سحنون، عن أبيه: يُعِيد الصلوات كلها، وإن لم يتوضَّأ لحدث؛ لأنه قصد به النافلة. وأعرف لبعض أصحابنا في مَن ذكر لُمْعَة من الوضوء من أحد يديه لا يدري من أيِّ يدٍ، إلاَّ أنَّه يعلم موضعها من أحد اليدين، أنَّه إن كان يحضره الماء غسل ذلك الموضع من يده اليمنى، ثم غسل يده اليسرى، وإعاد بقيَّة وضوئه، وإن طال ذلك، غسل ذلك الموضع من اليدين جميعًا. قال ابن سَحْنُون: قال أشهب: ومن نسي غَسْل لحيته في الجنابة أَعَادَ، وأَعَادَ الصَّلاَة. قال محمد بن مسلمة: ومَن تَوَضَّأَ فغسل أعضاءه، وفي بعض أعضائه نجاسة لم يُنَقِّها، فكأنه ترك موضعها، فلم يغسله في وضوئه، فليعد صلاته أبدًا، إلاَّ أَنْ يكون في الرأس، فإنما يُعِيد في الوَقْتِ؛ لأن تَرْك مَسْح بعض الرأس لا شيء.
في النية في الوضوء والغسل، ومن توضأ لغير الفريضة، أو تطهر كذلك
في النية في الوضوء والغُسْل، ومن تَوَضَّأَ لغير الفريضة، أو تطهر كذلك من الْعُتْبِيَّة، والمَجْمُوعَة، قال في الْعُتْبِيَّة: أشهب عن مالك، وفي المَجْمُوعَة: وابن نافع عنه، في قوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} (الطارق: 9)، قال: الوضوء من السرائر، ومنها الصوم والصَّلاَة. قال عنه ابن حبيب: إن شاء قال: فعلتُ. ولم يفعل. قال في المَجْمُوعَة، والْعُتْبِيَّة، يقول: صَلَّيْتُ. ولم يُصَلِّ. قال في هذه الكتب: ومن السرائر، ومنها الصوم والصَّلاَة. قال عنه ابن حبيب: ما في القلوب يَجزي الله به العباد. قال في المختصر: ومن تَوَضَّأَ لنافلة، أو لجنازة، أو لمَسِّ مصحف، أو ليكون على طُهر، فليُصَلِّ به الفريضة، وإن لم ينو شيئًا من ذلك فلا يصلي به. قال ابن نافع في المَجْمُوعَة، قال مالك: ربما أَرْسل إليَّ الأميرُ، فأتَوَضَّأُ أريد الطهر، ثم أصلي به. وذكر موسى بن معاوية في الْعُتْبِيَّة، عن ابن القاسم، في مَن تَوَضَّأَ أو تيمَّم ليُعَلِّمَ رجلاً، فلا يُجْزِئُهُ حتى ينوي به الصَّلاَة.
قال سحنون في كتاب ابنه: إن مَعْنَى ما رَوَى معنٌ، عن مالك، فِي مَنْ تَوَضَّأَ لنافلة، قال: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يتَوَضَّأَ لكُلِّ صلاة. فمعناه أَنْ يُسْتَحَبَّ له طُهْر، لا على الإيجاب. ومِن قول أصحابنا أن مَن تَوَضَّأَ مُكْرَهًا لم يُجْزِهِ. قال ابن حبيب: ومَن تَوَضَّأَ تنظيفًا، أو تَبَرُّدًا، أو ليُعَلِّمَ رجلاً، أو ليتَعَلَّمَ هو لم يُجزه، حتى ينوي به الصَّلاَة، أو ليكون على طُهْر، أو لنوم، أو ليدخل على الأميرِ، أو لمَسِّ مصحف، فليُصَلِّ بذلك، وَلا بَأْسَ أَنْ يُوضِّئ المريض الذي لا يقدر، وكذلك الزَّمِن، كما فعل ابن عمر. يريد وينوي هو به الوضوء. ومن الْعُتْبِيَّة، روى عيسى، عن ابن القاسم، وذكر ابن القاسم في المجمومعة، في الجُنُب يدخل الحمام، فلمَّا أخذ في الطُّهْر نسي جنابته، قال: يُجْزِئُهُ. وهو كمن أمرَ أَنْ يُصَبَّ له الماء ثم نسي جنابته، وكذلك الذي ذهب إلى البحر لذلك، ثم نسي عند الطُّهْر. ومن غير الْعُتْبِيَّة: وقال سحنون مثله في البحر والنهر أنَّه يُجْزِئُهُ. وقال في الحمام: لا يُجْزِئُهُ. وقال عيسى، عن ابن القاسم، في مَن تَطَهَّر للجنابة، ولم ينو الجمعة، أو
للجمعة، ولم يذكر الجنابة، فلا يُجْزِئُهُ. وكذلك إن تَطَهَّرَ ينوي إن كانت أصابَتْه جنابة نسيها فهذا لها، ثم يذكرُ أنَّه كان جُنُبًا، فلا يُجْزِئُهُ لذلك. وقال عيسى: يُجْزِئُهُ. وقد قال ابن كنانة إذا تَطَهَّرَ للجمعة، ولم يذكر الجنابة، إنه يُجْزِئُهُ. فكيف بهذا. قال ابن حبيب: أَجْمَعَ مالكٌ وأصحابه أنَّ مَنِ اغتسل للجنابة لا ينوي الجمعة، أنَّه لا يُجْزِئُهُ عن الجمعة؛ لأنها لسُنَّة لا لنجاسة، فلا يُجْزِئُهُ نيَّتُه في غيره. وأما إنْ نوى الجمعة ونسي الجنابة، فروى مطرف، وابن الماجشون، وابن كنانة، وابن نافع، وأشهب، وابن وهب، عن مالك، وأَفْتَوْا به أنَّه يُجْزِئُهُ. وروى عنه ابن القاسم أنَّه لا يُجْزِئُهُ. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. والأول أَحَبُّ إليَّ، كمن تَوَضَّأَ لنافلة. ومن كتاب ابن سحنون، وعن المرأة تتطَهَّرُ للحيضة، ولا تذكر جنابة كانت قبل الحيضة أنَّه يُجزئها. وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة وهو عن مالك في كتاب آخر. قال سحنون: وإن تطَهَّرتْ للجنابة، ولم تذكر الحيضة إنه لا يُجزئها، وقال غيره –ونحوُه في كتاب أبي الفرج-: إنه يُجزئها؛ لأنه فَرْضٌ عن فَرْض. وقاله محمد ابن عبد الحكم. وقال سحنون في مَنْ نسي جنابة، وصَلَّى، ثم أجنب، فتَطَهَّرَ، ولا يذكرُ
ذكر ما يوجب الوضوء من الأحداث، ومن شك في الحدث، وذكر المني والودي
الأُولى: إنه يُجْزِئُهُ لهما، ويُعِيد ما صَلَّى بينهما. وأعرف لبعض أصحابنا في مَنْ تَوَضَّأَ بماء نجس، ولم يعلم، ثم اغتسل في البحر تبرُّدًا، فإنه يُجْزِئُهُ من طهارة أعضائه التي مَسَّها الماء النجس في الوضوء، إلاَّ أَنْ يكون نجسًا لا اختلاف في نجاسته، كالذي تغيَّرَ لوْنُه وطعْمُه، فلا يُجْزِئُهُ، حتى يُعيد الوضوء بنيَّة. ذِكْرُ ما يُوجِبُ الوضوء من الأحداث، ومَنْ شكَّ في الحدث، وذِكْرُ المَنِيِّ والوَدْي قال ابن حبيب: ينتقض الوضوء لتسعة أوجه؛ من الغائط، والبول، والمَذْي، والوَدْي، والريح، والصوت، ومَسِّ الذَكَر، والملامسة، والنوم. يريد البَيِّن. وقال غيره: لثلاثة أوجه؛ لما يخرج من المخرجين من المعتادات، عدا المنيَّ ودم الحيض والنِّفاس، ولزوال العقل بنوم أو سُكْر أو إغماء أو جنون، ونحوه، والملامسة لِلَّذَّة، ويدخل في ذلك مسُّ الذَّكر. قال مالك في المختصر: ومَنْ خرج من دُبُرِه دمٌ، فلا وضوء عليه، ولا مِنْ قَيء، ولا قلس، ولا رُعَاف. ومن المَجْمُوعَة قال عنه ابن نافع في مَنْ خرج من دُبُره دُودٌ: فلا وضوء عليه. قال ابن نافع: إلاَّ أَنْ يخرج عليها أذًى. قال ابن القاسم: وكذلك الحصاة من الإحليل إلاَّ أَنْ يخرُج عليها أذًى. قال:
وذهب محمد بن عبد الحكم إلى أن مَنْ خرج من دُبُره دُودٌ نَقِيٌّ، أو دمٌ صافٍ، أنَّ عليه الوضوء. وهذا خلاف أصولنا في المعتادات. ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك، قال: المَذْي والودي فيهما الوضوء، والمذي هو الذي يدور في سبيل من سبل الشهوة. قال ابن حبيب: وهو رقيق إلى الصُّفرة. قال مالك في رواية عليٍّ: ففيه غَسْل الذَّكَر كلِّه والوضوءُ. وقال البغداديُّون من أصحابنا: إن معنى غَسْل الذَّكَر منه مَخْرَج الأذى. وفي المدونة من رواية عليٍّ عن مالك ما يدُلُّ على أن الذَّكَر كلَّهُ يُغْسَل منه، على ما جاء في ظاهر الحديث بقوله: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ». قال يحيى بن عمر في مَنْ لم يغسل إلاَّ مَخرَجَ الأذى منه وصَلَّى: لم يُعِدِ الصَّلاَة. قال أبو محمد: يريد: ويَغْسله لِمَا يَسْتَقبل ويتَوَضَّأُ. وينبغي أَنْ يجوز غَسْلُه بغير نيَّة، كالنجاسة والتَّحرُّز منها. قال مالك من رواية ابن نافع في المَجْمُوعَة: والودي الذي يكون من
الحمَّام بأثر البول أبْيَضُ خاثرٌ. قال ابن حبيب: وإذا أمْذَتِ المرأة توضَّأت، وهو بَلَّةٌ تكون منها عند اللذة والشهوة، وعليها الوضوء من الودي، وهو الماء الخاثر الذي ينحدر منها ومن الرَّجُل من حمَّامٍ أو من إِبْرِدَةٍ. ومَنْ أَنْعَظَ في صلاته فَلْيَذْكُرِ الموت. قال الحسن: يُتِمُّ صلاته، وينظر، فإن أمذى تَوَضَّأَ وأعادها. وهو قول مالك. قال عنه ابن نافع: لا وضوء في الإنعاظ، إلاَّ أن يُمْذِيَ. وقال بعض أصحابنا في الإنعاظ البَيِّنِ: لا ينكسر إلاَّ عن مذي. قال مالك في المختصر: ومن نام ساجدًا أو مضطجعًا تَوَضَّأَ، ولا يتوضأ من نام جالسًا، إلاَّ أن يطول نومه، وكذلك المستند، وأخفُّ ذلك المُحتبي؛ إذ لا يكاد يَثْبُتُ، ومَنْ خَفَقَ –يريد تلمَّم- فعليه الوضوء. ومن العتبية، قال ابن القاسم: قال مالك: من نام ساجدًا، وطال ذلك، فَلْيَتَوَضَّأْ أَحَبُّ إِلَيَّ. قيل: فقاعدًا؟ قال: لا يتَوَضَّأ، إلاَّ أن يطول. ومن الناس من ينام في المسجد حتى يذهب ليل طويلٌ وهو قاعدٌ، فأمَّا في يوم الجمعة وشِبهه فلا شيء فيه. قيل: رُبَّما رأى الرؤيا؟ قال: تلك أحلام، وكان ابن عمر ينام جالسًا ثم يُصَلِّي ولا يتَوَضَّأ. قال عليٌّ، عن مالك في المجموعة: وقد كان شيوخنا ينامون جلوسًا ولا يتَوَضَّئون، وأكثر ذلك يوم الجمعة. قال عنه ابن نافع: إلاَّ أن يطول. قال عنه ابن القاسم: إلاَّ المحتبي. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك، في من نام مضطجعًا، قال: إن استثقل تَوَضَّأَ.
ما يوجب الوضوء من: الملامسة، والمباشرة، والقبلة، ومس الفرج، وفي من صلى بعد مس الذكر، أو بعد القبلة ولم يتوضأ
قال عنه ابن نافع في من اهْتَمَّ حتى ذهب عقله: إنَّ عليه الوضوء. وقال عنه أبو القاسم عليٌّ، وابن نافع، فيمن استثقل نومًا وهو قاعدٌ، قال: أَحَبُّ إليَّ أن يتَوَضَّأ. قال ابن حبيب: ومن نام مضطجعًا أو ساندًا، أو ساجدًا، فليتوضَّأ، وذلك إذا خالط النومُ قلبه، وذهل عقله، ولم يَدْرِ ما فَعَلَ، وليس في نوم القائم والراكع والراكب والجالس غير مُتَساند وضوءٌ، وهذا خافق غير مستثقل، وكذلك روي عن ابن عمر، وابن عباس، وابن المسيب، وغيره. ومن نام مضطجعًا، فلم يستثقلْ، ولا ذهل عليه عقله، فلا وضوء عليه، وفعله مكحول حتى غطَّ ولم يتَوَضَّأ. وقال: أنا أعلم ببطني. ومن المجموعة، قال ابن نافعن عن مالك: ومن وجد بللاً في الصلاة، فلا ينصرف حتى يوقن به، فينصرف وإنما يتمادى المستنكح. قال ابن حبيب: وإذا خُيِّلَ إليه أنَّ ريحًا خرج منه، فلا يتَوَضَّأ إلاَّ أن يوقن به، وإن دخله الشكُّ بالحِسِّ فلا شيء عليه، بخلاف من شكَّ هل بال أو أحدث أو لم يفعل، هذا يعيد الوضوء. ومن صرعه جانٌّ فأذهب عقله، ثم أفاق بحدثان ذلك، تَوَضَّأَ، ولا غُسْل عليه، إلاَّ أن يجد بَلَّة المَنِيِّ. وإن بقي مخبَّلاً يومًا أو أيامًا، فليغتسل، لاحتمال أن يُجْنِبَ ولا يعلم. ما يوجب الوضوء من: الملامسة، والمباشرة، والقبلة، ومسِّ الفرج، وفي من صَلَّى بعد مسِّ الذَّكَر، أو بعد القبلة، ولم يتوضَّأ من المجموعة: قال مالك: ليس في قُبْلَة أحد الزوجين الآخر لغير
شهوة وضوءٌ، في مرض أو غيره، ولا في قبلة الصبية ومَسِّ فرجها وضوء، إلاَّ أن يكون للذة. قال عنه ابن القاسم، وابن وهب، نحوه في مَسِّ فرج الصبية والصبيِّ. وقال عليٌّ، عن مالك، في قُبْلَة أحد الزوجين لصاحبه على الفم لشهوة، فعليهما الوضوء. وكذلك إن أكرهها في الفم. وإذا قبَّلَها على غير الفم لشهوة فلا وضوء عليه هي، إلاَّ أن تَلْتَذَّ. وكذلك روى ابن القاسم في غير الفم. قال عنه عليٌّ: ليس في مَسِّ فرج الصبية والصبي وضوء. قال أبو محمد: يريد لغير لذَّة. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم: من استُغْفِل أو أُكْرِهَ في قُبْلَة أو ملامسة، فلا وضوء عليه، إلاَّ أن يتراخى أو يلتَذَّ. قال أصبغ: أمَّا القُبْلة فليتوضَّأ، وأن أُكْرِه أو استُغْفِلَ، لِمَا جاء أن في القُبْلة الوضوء مُجْمَلاً بلا تفصيل. وقال مالك: لا وضوء في قُبْلَة الرَّجُل صاحبه لوداع أو نحوه، إلاَّ أن يلتذَّ، ولا في مَسِّ المرأة ذَكَرَ زوجها لمُدَاواة، لغير لذَّة. ومن تعمَّدَ مَسَّ امرأته بيده لملاعبة، قال عبد الملك: فليتوضَّأ، الْتَذَّ أو لم يلْتَذَّ، وإن ضربَها بثوب لِلَذَّةٍ فلا وضوء عليه. ومن المختصر: وإذا دهنت امرأةٌ رأس زوجها أو لحيته لغير لَذَّة، فلا وضوء عليها. قال فيه: وفي العتبية من رواية أشهب، عن مالك: ولو مَسَّ شعْرَها
للَذَّة تَوَضَّأَ، وإن مَسَّهُ استحسانًا، أو لغير ذلك، فلا شيء عليه. قال مالك في المجموعة، والْعُتْبِيَّة: وما علمتُ مَنْ يَمَسُّ شعر امرأته تلذُّذًا. ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، في المريض تَغْمِزُ امرأتُه رِجْلَيْه، أو رأسَه، فلا وضوء فيه، إلاَّ أن يَلْتَذَّ، ولا وضوءَ في مُنَاولة أحدهما الآخر شيئًا، وإن تماسَّا. قال: والجَسَّة من فوق الثوب ومن تحته سواءٌ، إنْ كانت لِلَذَّة ففيها الوضوء. قال عليٌّ، عن مالك في المجموعة، والعتبية: إلاَّ من فوق ثوب كثيف لا تَصِلُ يده بمَجَسَّته إلى جسدها، فلا شيء عليه، فإنْ كان ثوبًا خفيفًا فعليه الوضوء، ولا وضوء عليه في قُبْلَتِه ابنته أو أخته. قال أشهب عن مالك، في مَنْ باشر زوجته بعد الغُسْل: يتَوَضَّأ، ولا يَغْسل جسده من مباشرته إياها. ومَنْ قَبَّلَتْه امرأته كارهًا قد غَلبتْه، فلْيَتَوَضَّأْ. وروى عيسى عن ابن القاسم، في المريض لا يجدُ للنساء نَشْطَة، فأراد أن يُجَرِّب نفسه، فمسَّ ذراع زوجته، فلم يجد لَذَّة، فعليه الوضوء، قد وجد اللَّذَّة في قلبه حين قصد لذلك. قال سحنون في العتبية، وابن حبيب: وإذا فَلَّتْ زوجَها، أو دَهَنَتْهُ
فمَن الْتَذَّ وقد تَلْتَذُّ بالكلام. وقاله ابن القاسم في المجموعة. واختَلف عن مالك في مَسِّ الذَّكَر بغير تعمُّدٍ، فروى عنه ابن القاسم في المجموعة: أَحَبُّ إِلَيَّ أنْ يتَوَضَّأ. وروى عنه ابن وهب، في العتبية، من رواية سحنون، أنه لا يعيد الوضوء إلاَّ في تعمُّدِ مَسِّه. قيل لمالك: فإن مَسَّه على غلالة خفيفة؟ قال: لا وضوء عليه. وقال عيسى، عن ابن وهب: وإذا خطرتْ يده على الذَّكَر من غير تعمُّدٍ فلا وضوء عليه. قال: ومالك يرى عليه الوضوء. قال ابن حبيب: وقال أبن هرمز: لا وضوء في مَسِّ الذَّكَرِ على غير تعمُّدِ لمْسِه. ورويناه عن عليِّ بن أبي طالب كقول ابن هرمز، والوضوء أولى، خطَرَتْ يده عليه أو تعمَّد مسَّه، وأخذ غير واحد من البغداديين برواية ابن وهب، ورأوا أنه من ناحية الملامسة، وأن الأغلب على مَنْ تعمَّد مسَّه اللَّذَّة، وكذلك مسُّ المرأة فرجها. وأما غير تعمُّدٍ، أو لغير لَذَّة، فيحتمل أن يكون معنى رواية ابن القاسم فيه على الاستحباب والاحتياط. وأخذ سحنون بقول ابن القاسم أنه يتَوَضَّأ في العمْدِ وغيره. ومن أصل سماع ابن وهب، قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لستُ أُوجِب الوضوءَ مِن مَسِّ الفَرْجِ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يتَوَضَّأ. قال أبو محمد: قال ابن وهب: سألت مالكًا عن الوضوء من مَسِّ الذَّكَر،
فقال: حَسَنٌ، وليس بسُنَّةٍ. قال مَرَّةً أُخْرى: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يتَوَضَّأ. ومن العتبية، أشهب عن مالك، في من تَوَضَّأَ، ثم جَسَّ فَرْجَه قَبْل غَسْل رجليه، قال: ينتقض وضوءه، وروى عنه أشهب في العتبية: سئل أيعيد الصلاة مَنْ مَسَّ الذَّكَر؟ قال: لا أوجبه. فروجع، فقال: يعيد في الوَقْتِ وإلاَّ فلا. ومن المختصر: ولا وضوء على مَن مسَّ فرجه بعَقِبه، أو مَسَّ دُبُرَه بيده. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: ولا وضوء على المرأة مِنْ مَسِّ فرجها. وأنكر رواية عليٍّ عن مالك، أن عليها الوضوء. قال في الواضحة: عليها الوضوء إذا قَبَضَتْ عليه، أو أجْرَتْ يدها على تفْريجه متعمِّدةً، وليس في مَسِّها لجوانبها وضوء. وقال مالك، في رواية ابن القاسم: لا وضوء عليها في مَسِّها فَرْجِها. وفي المختصر قال: ويُسْتَحَبُّ لها الوضوء مِنْ مَسِّ فرجها. قال في كتاب آخر: إذا ألطَفَتْ. ومن العتبية، روى سحنون، عن ابن القاسم، في مَنْ مَسَّ ذَكَرَه، ثم صَلَّى، ولم يتَوَضَّأ، قال: لا يعيد في وقت ولا غيره، ويعيد الوضوء. وقال يعيد في الوَقْتِ. وقاله مالك. وضَعَّف ابن القاسم الإعادة منه. وقال سحنون: لا يعيد في وقت ولا غيره. وروى ابن نافع في المجموعة، عن مالك، أنه استَحَبَّ أن يعيد في الوَقْتِ، وليس بواجب. وقال ابن نافع: يعيد أبدًا. وقال ابن حبيب: يعيد أبدًا في العمد، وإن لم يتعمَّدْ مَسَّه أعاد في الوَقْتِ. وقال سحنون في كتاب ابنه
في الوضوء من ما مست النار، ومن ارتد ثم تاب هل يتوضأ؟
في هذا وفي مَنْ قَبَّل امرأته لِلَذَّة وصَلَّى ولم يتَوَضَّأ: يعيد أبدًا ما لم يَطُلْ. وكذلك مُصَلِّي صلاتين بتيمُّم واحد، يعيد الثانية، ما لم يَطُلْ، فإذا جاوز اليوم واليومين وأكثر فلا يعيد. وروى عيسى عن ابن القاسم، أنه يعيد في القُبْلة لِلَذَّة أبدًا. في الوضوء من ما مَسَّتِ النار، ومَن ارتَدَّ ثم تاب، هل يتَوَضَّأ؟ ومن المختصر: ولا وضوء مِنْ ما مَسَّتِ النار، ومَنْ أكل دَسَمًا فليغسلْ يده، إنْ كان فيها وضوءٌ، ويتمضمض، فإن لم يفعلْ فلا شيء عليه. وفي موضع آخر: ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، إنْ كان قريبًا مِنْ أَكْلِه. قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: سئل عن الوضوء بالماء الساخن، قال: لا بأس به. قيل له: يعني الوضوء مما مَسَّتِ النار. قال: فالدُّهْنُ من ما مَسَّتِ النار، وإني لأَدَّهن بعد الوضوء. وبعد هذا ذكر غَسْل اليد من الطعام. ومن العتبية , روى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، وذكره ابن القاسم في المجموعة، في من ارْتَدَّ وهو على وضوء، ثم تابَ، فأَحبُّ إِلَيَّ أن يَأْتَنِف الوضوء. قال يحيى بن عمر: بل ذلك واجب عليه؛ لأن الكفر أحبط عمله. في وضوء الجُنُبِ والحائض عند النوم ومن المجموعة، سئل مالك عن قول النبي عليه السلام لعمر، إذْ سأله عن
نوم الجُنُب، فقال: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ». ثم قال ابن نافع: قيل لمالك: الوضوء قبل غَسْل الذَّكَرِ؟ قال: ربما قدَّمَ النبي ووخَّر. قيل: أيتَوَضَّأ مَرَّة للنوم؟ قال: أخاف أنْ ليس هذا وضوءًا، وليُتَمِّم وضوءَه. يريد: يُسبغ. قال ابن حبيب ك وما لم يُرِدِ الجنب النوم فليس عليه أنْ يتَوَضَّأ، إلاَّ أنْ يشاء، وليركبْ ويذهب في حوائجه. قال مالك في المجموعة، والواضحة: وإن تَوَضَّأَ الجُنُبُ للنوم، ثم بال، أو خرجَ منه بقيةٌ من مَنِيٍّ، فلا يعيد الوضوء. قال في الواضحة: ويُكْمِلُ الجنب الوضوء للنوم. ولم يُعْجِبْ مالكًا تَرْكُ الجُنُب غَسْلَ رجليه عند وضوئه للنوم، كما جاء عن ابن عمر. قال ابن حبيب: ومن أخذ بفِعْل ابن عمر، في تركه غَسْل رجليه، فلا حرج، وقد روى عمرو بن شعيب للنبي عليه السلام، قال: «يَكْفِيهِ غَرْفَةٌ لِوَجْهِهِ وَغَرْفَةٌ لِيَدَيْهِ».
ما يجب من الوضوء على المستحاضة، وسلس البول، والمذي
وقد روي أنه عليه السلام كان ينام جُنُبًا، لا يَمَسُّ ماءً، ومحمله عندنا أنه لم يحضره الماء، وأنه يتمَّمَ. ويُسْتَحَبُّ الوضوء من غير جنابة، قال ابن حبيب: وإذا لم يجد الجُنُبُ الماء فلا ينام حتى يتيمَّمَ. ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: ولا ينام الجُنُبُ في نهاره حتى يتَوَضَّأ. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وإنما الوضوء له شيء أُلْزِمَهُ، لا على وجه الخوف عليه، وكذلك الوضوءُ من الغَمْرِ، فإنْ لم يفعل فليستغفر الله. وقال في المختصر: وليس على الحائض وضوء عند النوم. ما يجب من الوضوء على المستحاضة وسلس البول، والمذي من العتبية، قال أشهب، عن مالك: الوضوء للمستحاضة مستحبٌّ، ولو صَلَّتْ صلاتين بوضوء واحد لم تُعِدْ. وقال فيمَن استنكحه المذيُ سنين، قال: لا يَلْتَفِتْ إلى ذلك. قال ابن حبيب: ويُستَحَبُّ لِسَلَسِ البول والمذي أن يُعِدَّ خِرَقًا يقي بها عن ثوبه، والوضوء له وللمستحاضة كُلَّ صلاة مستحبٌّ، مع غَسْل الفرج. عن سحنون أنه ليس عليه غَسْل فرجه.
ذكر ما يوجب الغسل
ومن العتبية، ابن القاسم عن مالك، في سلس البول أن يتَوَضَّأ لكُلِّ صلاة، ولو كان الشتاء، واشتدَّ عليه الوضوء فقرن بين الصلاتين، لم أرَ بذلك بأسًا. قال مالك في المختصر: وإن اشتدَّ عليه البردُ، فقرن، جاز له ذلك، وأرجو أن يكون من ذلك كله في سعة، والوضوء له أحبُّ إلينا. ومن المجموعة روى عليٌّ، عن مالك في سلس البول، والمذي: يتَوَضَّأ لكل صلاة، إن قوي، وإلاَّ رجوت أن يكون في سعة. وقال في سلس البول: إذا آذاه الوضوء، فاشتدَّ عليه البردُ، فلا وضوء عليه، ولو قرن بين الصلاتين جاز له ذلك. وقال عنه في الذي يقطر البول لا ينقطِعُ عنه: إنه لا وضوء عليه، إلاَّ أن يعمَدَ للبول. قال ابن كنانة: وأَحَبُّ إِلَيَّ لو تَوَضَّأَ لكل صلاة. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك، في المستحاضة تصلي صلاتين بوضوء واحد، قال: تُعِيدُ الثانية في الوَقْتِ. وقال عنه ابن القاسم: لا شيء عليها وهذا أحبُّ إلينا. ذِكْرُ ما يُجب الغُسْل قال مالك وأصحابه: يوجب الغُسْل خروج الماء الدافق لِلَذَّة من وَطْءٍ، أو احتلامٍ، ويوجبه مغيب الحَشَفَة في الفرج، ويوجبه رؤية الطُّهْر للمرأة من الحيضة والنفاس. قال ابن حبيب ك مغيب الحَشَفة يوجب الغُسْل، ويُوجب الصداق، ويوجب الإحصان، والإحلال، ويُفْسِد الحجَّ والصوم، ويوجب الحدَّ على الزاني.
وإذا أدْخَلت زوجة العِنِّين ذَكَرَه في فرجها، قال في كتاب ابن شعبان: فذلك يُوجب الغُسل عليها. وأعرفُ فيه اختلافًا في غير كتاب القُرْطِيِّ. ومن كتاب ابن محمد وغيره، في الشيخ لا ينتشر، فأدَخْلَتْ ذَكَرَه في فرجها، فإنْ لم ينتعشْ فلا يُحِلُّها. قال ابن المواز: قال ابن القاسم، في مقطوع الحشفة ويطأ: إن ذلك يوجب الغُسْل والحَدَّ. قال سحنون، في كتاب ابنه: وأما مَنْ أمْنَى للَدْغَةٍ أو ضربة بسيف، فلا غُسْل عليه، وإنما الغُسْل على مَنْ خرج ذلك منه لِلَذَّة. ومن كتاب آخر قال سحنون: ومَن به جَرَبٌ، فنزل الحوض، فلذَّ له الحَكُّ حتى أمْنَى، فعليه الغُسْلُ. وقال في خيَّاطَيْن تسابقا في الخياطة، فسبق أحدُهما الآخر، فأمنى، فعليه الغُسْل. وقال ابن شعبان: اختُلف في الذي أنْزل مِن لَذَّة الحَكِّ لجَرَبٍ به، وفي صاحب اللَّدْغة والضربة بالسيف. ومن العتبية، والمجموعة، قال ابن نافع، عن مالك في مَن أصاب أهْله دون الفرج، فأنزل، فدخل من مائه في فرجها، ولم تلتذَّ هي، فقال: وما يُدريها أن ذلك دخلها، هي لا تعلمُ ذلك، ولكن إن الْتَذَّت فلتغتسل. ومن المجموعة، قال عليٌّ عن مالك: ومن انتبه فوجد بللاً على إحليله،
لا يرى غير ذلك، ولا يَذْكُرُ أنه رأى في نومه شيئًا، فلا غُسْل عليه، إلاَّ أن يرى الماء الدافق، أو يجده في ثوبه. قيل عند ابن نافع: ولعلَّه عَرَقَ. قيل: قد أيقن أنه ليس بعَرَقٍ، ولا يدري أَمْذَى هو أو أَمْنى. قال: لا أدري ما هذا. قال ابن نافع: إن شكَّ اغتسل. ومن كتاب ابن سحنون، وعن النائم يجدُ المَنِيَّ ولا يجد اللَّذَّة، قال: وما يدريه ما كان في نومه، فعليه الغُسْل. ومن العتبية، روى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، عن مالك، وعن النصراني يتَوَضَّأ أو يتطهَّر، ويُصيبُ سُنَّة ذلك، ثم يُسْلِمُ، فلا يجزئه إلى غُسْلٌ ينوي به الإسلام، مُجْمِعًا عليه، ولا يجزئه الوضوء. قال في موضع آخر: لأنه جُنُبٌ. وفي كتاب الصلاة في باب صلاة الصبيان، ذِكْرِ غُسْل مَنْ أسلم. قال ابن القاسم: لا يُكْرِهُ المسلمُ امرأته النصرانية على الحيضة على الغُسْل من الحيضة. ومَنْ رأى في ثوبه احتلامًا في السوق، فليرجعْ، وإن طلعت الشمس حتى يتطهَّرَ ويُصلِّيَ الصبح. قال أشهب، عن مالك: لا يُكْرِهُ المسلم امرأته النصرانية على الغُسْل من الحيضة. وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم؛ إذ لا نيَّة لها. وأكثر الرواة عن مالك بخلافه.
في صفة الغسل
قال ابن شعبان: ومَنْ أَكْرَهَ زوجته الكتابية على الغُسْل من الحيضة، ثم أسلمت مكانها، لم يُجْزِها من غُسْل الإسلام؛ إذ لم تَنْوِهِ. قال ابن سحنون: إذا وُطِئَت الصغيرة ممن تُؤْمر بالصلاة، فلتغتسل، فإن صَلَّتْ بغير غُسْلٍ أَعَادَتْ. وقاله أشهب. قال سحنون: تُعِيدُ بقرب ذلك، ما لم يَطُلْ، مثل اليوم والأيام، وفي مختصر الوقار: لا تغتسل. وقال أشهب: ولا غُسْل على كبيرة من وطْء صغير. يريد: إلاَّ أن تُنْزل هي. وقال ابن حبيب، عن أصبغ في كتاب الحدود: إن عليها الغُسْل من وطء الصغير. ومن المجموعة، روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في من وطئ امرأة في دُبُرها، أن عليهما الغُسْل؛ لأن الله تعالى سمَّاه فاحشة. قال أشهب: وذلك إذا جاوز موضع الختان. قال ابن شعبان: وكذلك مَن فعله بذَكَرٍ أو ببهيمة، أو فعلته امرأة بذَكَرِ بهيمة. في صفة الغُسْل ومن المختصر، والواضحة، والمجموعة، على ما في حديث عائشة رضي الله عنها، قال: ويبدأ الجُنُب فيغسل يديه، ثم يتنظَّف من
الأذى، ثم يتَوَضَّأ وضوء الصلاة، ثم يُخَلِّل أصول شعره بالماء، وفي الحديث: ثم يغمس يديه في الماء فيُخَلِّل بأصابعه أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْبَشَرَةَ، ثُمَّ يَغْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. قال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: والعمل في الغُسْل على هذا. قال ابن حبيب: يُدْخِل أصابعه في الماء أو يحمل منه بيدَيْه، فيُخَلِّل أصول شعر رأسه مرارًا، حتى يَبُلَّ البشرة. وقال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: يغرف على رأسه، ويُخَلِّل شعره. قال أشهب، عن مالك في العتبية، وعليه تخليل لحيته في غُسْل الجنابة. قيل له في موضع آخر: أيُخَلِّلها في غُسْله من الجنابة؟ قال: نعم، ويُحَرِّكُها. واحتجَّ في الموضعين بأن النبي عليه السلام خلَّل أُصول شعر رأسه. وكذلك روى عنه ابن القاسم، وابن وهب في المجموعة أنه يُخَلِّل لحيته في الغُسْل ويحرِّكُها. وقال في العتبية، وفي رواية ابن القاسم: إن ذلك ليس عليه تخليلٌ في اللحية. قال ابن حبيب: ثم يَحْفِنُ على رأسه ثلاث حفنات، يُحَرِّك في كل مرة بذلك يديه على رأسه ولحيته، إن لم يكفِه لكثرة شعره زاد، ولا أحبُّ أن يَنْقُض من ثلاثة، وإنْ خفَّ شعره، ثم يصبُّ الماء على جنبه الأيمن حفنًا وغرْفًا، يُمِرُّ بذلك يديه
من غير طلب الإنقاء، ثم على جانبه الأيسر من أصل عنُقه إلى رجليه، من أمامه وخلفه، حيثما بلغت يده، ثم يُفيض الماء على جسده، حتى يبلغ به ما لم تأخذْ يداه، ويُكْرَه الإسراف في صبِّ الماء. وكذلك المرأة في غُسْلها، ولا تَنْقُض لها عِفاصًا، ولتَضْغَثْهُ. قال ابن حبيب: ومَنْ ترك تخليل لحيته في ذلك وأصابع رجليه لم يُجْزِه، وكذلك تارك الأذنين. ولا شيء عليه في السماخ. وقال سحنون في العتبية، في البادن لا يقدر أن يَعُمَّ بدنه، فلْيَجْعَلْ مَن يلي ذلك له، أو يُعَالِجْ ذلك بخرقة. قال عليٌّ عن مالك في المجموعة: وليُتِمَّ وضوءه قبل غُسْله، وليس العملُ على تأخير غَسْل الرجلين، ولا على نَضْحِ الماء في العَيْنين، وكان ابن عمر يُؤَخِّرُ عمل رجليه بعد الغُسْل. وذلك واسع. قال عنه ابن القاسم، وابن نافع: وإن لم يتَوَضَّأ قبل الغُسْل ولا بعده أجزأه الغُسْل إذا أمَرَّ يديه على موضع الوضوء. قا عنه ابن القاسم: وإن انتبه المجنون عند طلوع الشمس، فلْيَتَوَضَّأْ ويغتسل، فإن اغتسل ولم يتَوَضَّأ أجزأه. ومن كتاب آخر، وهو قول مالك: إنَّ الجُنُب ليس الوضوء عليه بواجب، وإنما الفرض عليه الغُسْل. ومن العتبية قال سحنون في الجُنُب المُسافرِ ولا ماءَ معه فأصابَهُ
في من رأى في ثوبه احتلاما، أو امرأة رأت دما لا تدري متى كان، وفي من تطهر لمغيب الحشفة، أو الإنزال، ثم خرج منه المني، أو لاعب ثم صلى بوضوء ثم خرج منه المني
مطرٌ، فليتجَرَّدْ له، ويغتسلْ بما يُصيبه منه، إذا أصابه ما يَبُلُّ جلده، فذلك عليه. ورواه موسى بن معاوية عن ابن القاسم، وقال: إذا عمَّ جسده بذلك. قال ابن القاسم عن مالك: ولا بأس بالغُسْل في الفضاء. وأنكرَ ما ذُكِرَ فيه من النهي. قال في المجموعة: وكان الناس يُسافرون بغير أقبية، وأول مَن ضرب فسطاطًا عثمان، وذكَر أنه كان يستحي أن يغتسل بالعراء. قال عليٌّ عن مالك، في الجُنُب يغتسل وعليه مِنْطَقةٌ، قال: فإن حرَّكَها حتى يَصِلَ الماء لِمَا تحتها أجزأه. قال عنه عليٌّ: وإذا تَوَضَّأَ الجُنُب , ووخَّرَ غَسْل رجليه حتى جَفَّ وضوءه، فليُجَدِّدِ الوضوء عند الغُسْل. في من رأى في ثوبه احتلامًا، أو امرأة رأت دمًا لا تدري متى كان، وفي مَن تَطَهَّر لمَغِيبِ الحَشَفَةِ، أو لإنْزَالٍ ثم خَرجَ منه المَنِيُّ، أو لاعَبَ ثم صَلَّى بوضوء ثم خرج منه المَنِيُّ من المجموعة قال ابن القاسم وعليٌّ، عن مالك، وذكره ابن حبيب عن ابن الْمَاجِشُون عن مالك، في مَنْ وَجد في ثوبه احتلامًا، لا يدري متى كان فليغتسلْ. قال في الواضحة: ويغسلُ ما رأى في ثوبه، وينْضَحُ ما لم يَرَ. قال في الكتابَيْن: ويُعيد ما صَلَّى بعد أحْدَثِ نوم نامه فيه. قال سحنون في المجموعة: فإن كان غيره نام فيه قبله، فلا شيء على الأول. قال مالك في الواضحة: وإن كان لابِسُه لا يَنْزِعُهُ أعاد من أَوَّل يوم نام فيه.
قال محمد بن مسلمة في من نام في ثوبه، ثم رفعه فلم يلبَسْهُ شهرًا، ثم رأى فيه احتلامًا؛ فليُعِدْ صلاة شهرٍ؛ لأن آخر ثومٍ نامه فيه منذ شهرٍ، ولو كان يلبِسُهُ مستيقظًا لم يحسب الاستيقاظ؛ لأنه لا يحتلم إلاَّ نائمًا، ولو كان نام فيه بعد ذلك، لم يُعِدْ إلاَّ من أقرب ذلك. قال ابن القاسم، في المجموعة، وذكر مثله ابن حبيب، في امرأة رأتْ في ثوبها دم حيضة، وقد لبسَتْهُ نقيًّا، ولا تدري متى كان، وهل حاضتْ أم لا: فإن كانت لا تنزِعُه، ويَلِي جسدها؛ اغتسلتْ، وأَعَادَتِ الصلاة من يوم لبِسَتْه، وتُعِيدُ الصوم الواجب. يريد في الصوم: ما لم تجاوزْ أقصى أيام الحيض. قال: وإن كانت تنزِعُه وتَلْبَسه، أعادتْ من أحدث لُبْسٍ لبِسَتْه. وقال ابن حبيب، في الصوم: إنها إنما تُعِيدُ يومًا واحدًا؛ لأن دم الحيض انقطع مكانه، فصارت كالجُنُب، يصوم وهو جُنُبٌ. قال ابن حبيب: فإن لم ينْضَحِ الجُنُبُ والحائضُ ثوبيهما، وصَلَّيا فيه –يريد: ولم يريا فيه شيئًا- فلا يُعيدَا، بخلاف مَنْ شَكَّ هل أصاب ثوبه نجاسة. هذا يعيد في العمد والجهل الصلاة أبدًا، وفي السهو في الوَقْتِ، وينضحُ هذين؛ لِتَطِيبَ النفسُ، ولينضحا لمَا يستقبلا. ومن العتبية وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في الجُنُب إذا لم ينضحْ، ما لم يرَ في الثوب الذي نام فيه، أنه يعيد الصلاة في الوَقْتِ. قال عيسى عن ابن القاسم، في من اغْتَسل لمُجاوزة الختان ولم يُنْزِلْ، ثم خرجَ منه الماء الدافقُ: فلا غُسْل عليه، ولْيتَوَضَّأ. قال يحيى بن عمر: لأنه خرج بغير لَذَّة. قال ابن المواز: ولأنه قد اغتسل لهذا الماء، فلا غُسْل عليه.
وقاله سحنون في كتاب أبيه، وقال أيضًا: يعيد الغُسْل. قال: وقاله بعض أصحابنا: يعيد الغُسْل ولا يعيد الصلاة. وقال عيسى، عن ابن القاسم، في مَنْ تَذَكَّر فوجد اللَّذَّة، ثم صَلَّى بعد وقت، ثم خرج منه الماء الدافق، قال: أحسنُ ذلك أنْ يغتسلَ، وليس بالقويِّ. ثم رجعَ، فقال: يغتَسِلُ. قال يحيى بن عمر: الغُسْل عليه واجب. وكذلك روى عليُّ بن زياد، عن مالك في المجموعة في مَنْ لاعَبَ فوجد لَذَّة الجماع ولم يُنْزَلْ، ثم صَلَّى، ثم خرج منه الماء، قال: يغتسلُ ويعيد الصلاة. وقاله ابن كنانة، وقاله أصبغ؛ لأن الماء قد زايل موضعه أولاً. وقال ابن الْمَوَّاز: يغتسل، ولا يُعِيد الصَّلاَة؛ لأنه إنما صار جُنُبًا بخروج الماء. ومن المختصر، قال: ومَنْ خرجَ الماءُ بعد غُسْلِه، فليس عليه إلاَّ الوضوء. ومن المجموعة، قال مالك، من رواية عليٍّ، وابن القاسم، وابن وهب، وابن نافع، في الجُنُب يغتسلُ، ثم يخرجُ منه بقيَّة من نوع مَنِيٍّ، وقد بال أو لم يَبُلْ، فليغْسِلْ ذلك، وليتَوَضَّأ. قال عنه ابن القاسم: ويعيد الصَّلاَة. وقال ابن القاسم أيضًا عن مالك، في مَنْ رأى في منامه أنه احتلم، فلمَّا استيقظ لم يجدْ بللاً، فتوضأ وصَلَّى، ثم خرج منه المَنِيُّ بغير لَذَّة: فليغتسلْ، ولا يعيد الصلاة؛ لأنه صَلَّى قبل يخرج منه شيء، وإنما يغتسِلُ لأنه ماءٌ خرجَ
في الغسل من الماء الدائم، وفي تناوله الماء في غسله بعد خروجه من حوض الحمام
من لَذَّة تقدَّمَتْ. وكذلك مَنْ رأى أنه جامع أهله، فإن انتبه ولم يَخْرُجْ منه المَنِيُّ، فلا شيء عليه، ولو وجد المَنِيَّ ولم يرَ في منامه شيئًا، فليغتسلْ. والمرأة كالرجل في ما يرى في المنام. في الغُسْل في الماء الدائم، وفي تناوُله الماء في غُسْله بعد خروجه من حوض الحمَّام ومن المختصر قال مالك: ولا يغتَسِلُ الجُنُب في البئر، ولا في الماء الدائم، ولا في بركة إلاَّ البِرَكَ العِظَامَ. ورواه عنه ابن وهب، في المجموعة. ومن العتبية، روى ابن القاسم، عن مالك، قال: وإن اغْتَسَلَ جُنُبٌ في بئرٍ مَعِينٍ، لم يُفْسِدْه. وقال عنه أيضًا: هو ماء دائم، وقد نُهِيَ عن الغُسْلِ في الماء الدائم. قيل له: وإنْ كَثُرَ ماؤها؟ قال: نعم، هو ماءٌ مُقيمٌ، وإن كان مَعِينًا. قال في رواية ابن وهب في المجموعة: فرُوجع، وقيل: ربما كانت بركة كثيرة؟ قال: إدِّ ما سَمِعْتَ، وحَسْبُك. قال عنه هو وعليٌّ: إلاَّ أن يُضْطَرَّ إليه، ولم يَجِدْ ما يَغْتَرِفُ به، فليغتَسِلْ فيه، إذا كان يَحْمِلُ ذلك. وقال عنه عليٌّ: ولا يَغْتَسِلُ في الجُبِّ، فإنْ فعلَ أجزأه. قال عنه ابن نافع: إذا اغتَسَلَ في مثل البِرَكِ العظام لم يُفسِدْها. ومن العتبية، روى ابن القاسم، عن مالك، وعن مَنْ دخل حوض الحمام
في الوضوء والغسل بفضل النصراني والجنب، بسؤره، أو بما ولغ فيه الكلاب، والسباع، والدواب، والدجاج، أو بما قد توضئ به
وهو مليءٌ، أيُجْزِئه من طُهْرِه؟ قال: نعم، إن كان طاهرًا. قال ابن القاسم: يريد الماء والرَّجُل. قال مالك: ولا يغتسلُ الجُنُبُ في الماء الراكد، وإن غَسَلَ عنه الأذى. قال ابن القاسم: لا أرى به بأسًا إنْ غسل عنه الأذى. ولو أن الماء كثيرٌ يَحْمِلُ ما وقع فيه، جاز وإن لم يَغْسِلْ عنه الأذى. قال في كتاب ابن حبيب: ومَنِ اغتَسلَ في بئر، وفي بَدَنِه أذًى، أجزأه، ولم يُنَجِّسْه، وأحبُّ إليَّ لو نُزِع منها شيء. قال مالك في موضع آخر: ولا يُنْزع منها شيء. ومن العتبية، وروى أبو زيد عن ابن القاسم، في مَنْ دخل الحمَّام، فدخل الحوض النجس، ثم يتطَهَّرُ، ويغسلُ يدَيْهِ، ويتَوَضَّأ، وهو يرفعُ يديه إلى وجهه، ثم يعيدهما إلى الطَّهُور قبل يغسلهما، وفي وجهه ذلك الماء النجس من الحوض، قال: لا بأس به، وهذا سهلٌ أجازه الناس. وقال أبو بكر بن محمد: وله أنْ ينزع المئزر، ويتناول ماء الطَّهور لاغتساله، من غير غَسْل اليد أو المَطْهَرة. يريد: لأنه ماءٌ جارٍ. في الوضوء والغُسْل بفضل النصراني والجُنُبِ، بِسُؤْرِه، أو بما وَلَغَ فيه الكلابُ والسباعُ والدَّوابُّ والدَّجاجُ، أو بما قد تُوُضِّئ به من العتبية قال ابن القاسم، عن مالك: لا يتَوَضَّأ بفَضْلِ وُضُوءِ
النصراني، ولا بأس بِفَضْل شرابه، وقد كَرِهَه غيرَ مرَّة. وكذلك روى عنه أشهب. وابن نافع، في المجموعة. وقال مالك في الكتابين: لا يتَوَضَّأ من بُيوتِ النصارى. قال عنه أشهب: إنه كَرِهَه. قال سحنون: إذا أمِنْتَ أن يشربَ النصرانيُّ خَمْرًا، أو يأكل خنزيرًا، فلا بأس بفضل سؤْرِه في ضرورة، أو غير ضرورة. وروى سحنون عن ابن القاسم في العتبية، قال: ومَنْ لم يجدْ إلاَّ سُؤْر النصرانيِّ؛ تيَمَّم، وهو كالدجاجة المُخْلاةِ تأكل القذر، أو الكلبِ يأكل القذر. وروى عنه أبو زيد، في حياض بالريف يغتسل فيها النصراني والجنب، أيتَوَضَّأ منها؟ قال: لا يُجزئ الجنب الغُسْل فيها؛ لأنه نجس. فإن لم يَقْرَبها نَجِسٌ ولا نصرانيٌّ؛ فلا بأس بالوضوء منها. وإنْ كان يَشْربُ فيها الكلاب وإن كان يَشْرَبُ منها الخنازير؛ فلا يتَوَضَّأ منها. قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك في المجموعة: إذا كان ماؤها كثيرًا، والنصارى يدخلونها، فيغتسلون فيها؛ فلا يُعجِبُني أن يتَوَضَّأ منها. قال أبو زيد، عن ابن القاسم، في العتبية، ومن المجموعة، قال ابن نافع لمالك: فالوضوء من بُيوتِ النصارى، وربما كانوا عبيدًا للمسلمين؟ فقال:
أَكْرَهُ ذلك، هم أنْجاسٌ، لا يتَطَهَّرون. قال ابن حبيب: لا يتَوَضَّأ بسؤر النصرانيِّ، ولا بما أدخل يده فيه، ولا بما في بيته، ولا في آنيته، إلاَّ أن يُضْطَرَّ، وإن فعله غيرَ مُضْطَرٍّ لم يُعِدْ صَلاتَه، وليتَوَضَّأ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، إلاَّ ما كان مِنْ حياض النصارى، فليَتَيَمَّمْ أوْلَى به؛ لانْغِماسهم فيها وهم أجْنابٌ. وكذلك قال مُطَرِّف، وابن عبد الحكم. قال ابن حبيب: ولاك يتَوَضَّأ من سؤر المخمور، ولا من أنيته ولا من بيته، إذا كان الخمر الغالبة عليه. وقال أصبغ: ومَنْ لم يَجِدْ إلاَّ ماءً قد تُوِضِّئَ به مَرَّةً، فلْيَتَيَمَّمْ؛ لأنه غُسالةٌ. وقال ابن القاسم: يتَوَضَّأ به، إن كان الأول طاهِرَ الأعضاء. قال ابن حبيب: وإذا وَلَغَ الهِرُّ في وضوئك فلا بأس به، وإن وجَدْت عنه غِنًى فغيرُه أَحَبُّ إِلَيَّ منه، إلاَّ أن ترى بخَطْمِه دمًا. وروى ابن القاسم، عن مالك، في العتبية: ولا بأس بالوضوء من ماء ولغت فيه الهرَّةُ. قال مالك: ولا بأس أن يُؤْكَلَ من موضع أَكَلَتِ الفأرة من الخبر. ومن المختصر: ولا بأس بالوضوء بفَضْلِ جميع الدَّوابِّ والطَّيْرِ، إلاَّ أن تكون بموضع يُصيب فيه الأذى. ولا بأس بفضل الهِرِّ، إذا لم يَكُنْ بخَطْمِه أذًى. ولا يتَوَضَّأ بفضل الكلْب الضَّاري أو غيره، ويَغْسِلُ منهُ الإناءَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، إلاَّ أنْ يكون كالحوض، فلا بأس بذلك. ولا يتَوَضَّأ بفضل الخنزير. وتَرْكُ الوضوء بما شَرِبَ منه النصرانيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ، فإنْ تَوَضَّأَ به فلا شيء عليه. ولا بأس بفضل
الجُنُبِ والحائض. ومن المجموعة، قال أصحاب مالك عنه، ابن القاسم وغيرهن في الماء يَلَغُ فيه الكلب: غيرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ منه. قال عنه ابن وهب، وابن نافع: الضارِي وغيرُه سواءٌ. قال عنه ابن نافع: إلاَّ أن يُضْطَرَّ إليه فيتَوَضَّأ به. قال سحنون: الكلب أيْسَرَ من السَّبُعِ، وقد قال عمرُ: إنَّا نَرِدُ على السباع. قال: والهِرُّ أيْسَرُهما؛ لأنها ممَّا يتّخِذُهُ الناسُ. قال أبو بكر بن الجهم: وذكَر نحوه ابن سحنون في كتاب الجوابات إنه اختَلَفَ قولُ مالكٍ في غَسْل الإناء من وُلُوغ الكَلْب، فقيل: إنه جعل معنى الحديث في الكلب الذي لم يؤْذَنْ في اتِّخاذِه. وقيل: إنه جعله عامًّا في كل كلبٍ. والقوْلُ الأوَّلُ قول أحمد بن المُعَذِّل. وروى ابن وهب عن مالك، في موضع آخر، أنَّ الإناءَ يُغْسَلُ مِن وُلُوغِه في ماءٍ أو لبن. وقال ابن حبيب، قال مالك: يُغْسلُ في الماء واللبن، ويُؤْكَلُ اللَّبَنُ ويُطْرَحُ الماء؛ لجواز طَرْحِه، وأنه يجدُ أفضل منه، فإنه لم يجدْ غيرَهُ تَوَضَّأَ به، وإنْ وَلَغَ وفي خَطْمِه دمٌ أو قَذَرٌ، فلا يتَوَضَّأ به، فإنْ فعل ولم يعْلَمْ، ثم عَلِمَ، أعادَ في الوَقْتِ، وإنْ فعل
ذلك جَهْلاً به، أعاد أبدًا. وفي رواية ابن القاسم: يُغْسَلُ في الماء وَحْدَه، على ظاهر الحديث. وكَرِهَ بعضُ العلماء سُؤْر الدوابِّ التي تأكل أرواثها. وأجاز ابن القاسم فَضْلها، إلاَّ أن يرى ذلك في أفواهها عند شُرْبِها؛ لأن أكثرها يفْعَلُ ذلك، وأحبُّ إليَّ تَرْكُه عند وُجود غيره، إلاَّ أن يرى ذلك في أفواهها إذا شَرِبَتْ، فإنه نَجِسٌ، فأمَّ الجَلاَّلةُ المُخَلاَّةُ تأكلُ القذر، فلا يتَوَضَّأ بسؤرها، ولْيَتَيَمَّمْ، وإذا لمْ يجدْ إلاَّ ما شرِبَتْ منه دجاجة مُخَلاَّة تأكل القذر، أو طيرٌ يأكل الجيَفَ؛ تَيَمَّمَ. ومَنْ تَوَضَّأَ به عامِدًا أو جاهلاً وصَلَّى؛ أعاد أبدًا، وإن لم يعلمْ أعاد في الوَقْتِ. وفرَّق في المدونة في رواية ابن القاسم -بين الماء والطعام فيها، وساوى بينهما في رواية عليٍّ - أنه لا يَنْجُسُ إلاَّ أن يرى في منقارها أذًى عندَ شُرْبِها. ومن العتبية، روى أشهب عن مالك في دجاجة شَرِبَتْ من وَضُوءٍ، فإن كان منقارُها طاهِرًا فلا بأس. قال عنه ابن وهب في المجموعة: إذا كانت بمكان تُصِيبُ فيه الأذى كرِهْتُه، وإلاَّ فلا بَأْسَ به. وإن لم يَجِدْ في منقارها أذًى، والسباع كالكلب، لا يتَوَضَّأ بفضلها إلاَّ الهِرَّة فيه، فلا بأس بفضلها، إنْ لمْ يكُنْ في خَطْمِها أذًى. قال عنه ابن نافع: ولا يُغْسَلُ الإناءُ مِن فَضل الهِرِّ.
في البئر، أو الماء الراكد، تموت فيه الدابة، أو تحل فيه النجاسة، وفي الماء تتغير رائحته لغير نجاسة
في البئر، أو الماء الراكد، تموت فيه الدابة، أو تَحُلُّ فيه النجاسةُ، وفي الماء تتغَيَّر رائحته لغَيْر نجاسة من المختصر: ولا يتَوَضَّأ بماء وقعت فيه مَيْتَةٌ إلاَّ أن يكون كثيرًا جدًّا، لا تُغَيِّرُ منه ريحًا ولا طَعْمًا، فلا بأس به. وإذا ماتتْ دجاجة في بئر، فليُنْزَفْ حتى يصفوَ، ويُغْسَل منه الثيابُ، وتُعادُ الصلاة في الوَقْتِ، ولا يُؤْكَلُ ما عُجِنَ به، وعن أُخْرِجَتْ حين ماتتْ ولم تتغيَّر، فلْيُنْزَفْ منه، ثم يتَوَضَّأ منه، وأمَّا الماء الغالبُ عليه النجاسة فيُعادُ منه الصلاة إبدًا. ومن العتبية قال ابن القاسم، عن مالك: إذا تغيَّر لونُه وطعمُه، أعاد أبدًا. قال سحنون: لأنه خرجَ عن حَدِّ الماءِ. قال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: إذا تغَيَّر لَوْنُ الماءِ أو طَعْمُه أو ريحُه، مِن نجاسةٍ وقعَتْ فيه، لم يصْلُحْ شُرْبُه، ولا الوضوءُ به، كان مَعِينًا، أو مِن الشتاء. ومن العتبية، وروى أشهب عن مالك، في بئر ماتتْ فيه فأرة، فتَمَعَّطَتْ، قال: لا يُعْجِبُني أكْلُ ما عُجِنَ به أو طُبِخَ من اللَّحمِ. قيل: فالثيابُ؟ قال: لو غُسِلَتْ. وقال نحوه في الهرِّ تموتُ فيها. فال: والآبارُ تختَلِفُ: رُبَّ بئرٍ يُنْزَفُ كُلَّ يومٍ، وآخَرُ يُسْتَقَى منه كُلَّ يومٍ فَتَتَّسِعُ، فلْيُنْزَفْ منها قَدْرُ ما يُطَيِّبُها، وتُعادُ منها الصلاة في الوَقْتِ.
قال في موضع آخرَ، عن مالك: إنْ كان الماءُ شديدًا مُنْتِنًا؛ غُسِلَت الثيابُ، وإنْ كان خفيفًا نُضِحَتْ، وتُعادُ الصلاة في الوَقْتِ. ومن المجموعة، قال المغيرة، في البئر تقع فيها الميتة: فلا يُؤْكل ما عُجِنَ بمائِه، ولا بأس أنْ يَطْعَمه دوابّ ذاتُ لبنٍ، أو يُسْقَى بها شجرٌ فيها ثمرٌ، أو لا ثمر فيها. قال عنه عليٌّ: وإذا كانت إلى جانب هذه البئر بئرٌ، فذلك يختلفُ، رُبَّ بئر في الصفا والحَجَر لا يَصِلُ إليها من ماءٍ الأُخْرى، ورُبَّ أرضٍ رِخْوةٍ يَصِلُ إليها. قال ابن حبيب: إذا غَلَبَ على البئْر ما وقع فيها – يعني من نجاسة – فما عُولِج به مِنْ عَجين أو طعام، فلا يجوز أن يُطْعَمَ لدَجاج أو حمامٍ، ولا لنصرانيٍّ أو يهوديٍّ، فهو كالميتة. ومن المجموعة قال عليٌّ، عن مالك في البئر تقع فيها الميتة، قال: رُبَّ بئر قليلة الماء، وأخرى ماؤها كثيرٌ. قيل: فيُنْزَع منها أربعون دَلْوًا؟ قال: الدلاء مختلِفة. قال: وإذا تَزَلَّعَتْ فيها الفأرة، أو سالَ من دمها ولم يتزَلَّعْ، فليُنْزَفْ إلاَّ أن يَغْلِبَهُم الماء. قال في التي سال منها: فإنْ غَلَبَهم نُزِعَ منها حتى لا يبقى من النَّجَس شيء، وإنْ لم تتزَلَّعْ ولا سال منها شيء، فليُنْزَعْ منها شيء. قال ابن كنانة: على قَدْر ما يَطِيبُ. قال ابن نافع، عن مالك: فإن أرْوَحَتْ؛ نُزِعَ منها حتى تذهب الرائحة.
قال: وتُغْسَلُ الثِّيابُ، وإنْ كان شيئًا خَفِيفًا نُضِحَتْ، ونرجو فيه سَعَةً. وفي رواية ابن القاسم: يغْتَسِلُ. ومن الواضحة: ولا خيرَ في الوضوء والشُّربِ من الغُدُرِ والبِرَكِ العِظَام يقعُ فيها الميتة، إلاَّ العظام جدًّا فلا بأس به. فإن أرْوحَتْ، ما لم يتغيَّر الطَّعْمُ واللَّوْنُ، فمُخْتَلَفٌ. وقد تتغَيَّرُ رائحة الماء من غير شيء. وما مات في بئرٍ من فأرة أو دجاجة أو شاة، فأمَّا آبار الدُّور فيُماحُ منها حتى يَطيبَ، لا حَدَّ فيها، ويُنْزَعُ من التي تغَيَّرَتْ أكثرُ. وأمَّا آبار السَّواني، فلا يُنَجِّسُها، وإن كان جَزُورًا، وإن أرْوَحَتْ، ما لم يتغَيَّرِ الطَّعْمُ واللَّوْنُ وغيرهُ يرى الرائحة كاللَّوْنِ والطَّعْمِ. قال ابن حبيب: وإن لم تَتَغَيَّرْ آبار الدُّورِ، فليُغْسَلْ منها الثيابُ، وتعاد الصلاة في الوَقْتِ، ويُطْعَمُ ما عُجِنَ به للبهائم والنصارى. وقاله لي في كُلِّ ما ذكرتُ ابنُ الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وما وقع من ذلك في الجُبِّ والماجل أنجَسَهُ، كالبِرَكِ الصغيرةِ والحَوْض. قال أبو الفرج: روى أبو مصعب، عن مالك، أن الماء كُلَّهُ طَهورٌ، إلاَّ ما تغيَّرَ لوْنُهُ أو طعمه أو ريحُهُ، لِنَحَسٍ حَلَّ فيه، مَعِينًا كان أوْ غيرَه. قال غيرُ واحدٍ من البغداديين: وهذا الأصل عند مالكٍ، وما وقع له غيرُ هذا فعلى الاستحبابِ والكراهية. ومن العتبية، من سماع أشهب، وعن بئْر نَتُنَ ماؤُها، فنُزِفَتْ وهو بحاله، قال: يُنْزَفُ يومَيْنِ وثلاثةً، فإنْ طابَتْ وإلاَّ لم يُتَوَضَّأ منها.
قال في موضع آخر: وأخاف أن يكونَ تَسْقِيهَا قَنَاةُ مِرْحَاضٍ، فلْيَخْتَبِرْه مَنْ يعرفُ ذلك. فقيل: فإن لم يكن من ذلك؟ قال: لو أعلم أنه ليس منه لم أرَ به بأسًا بالوضوء منه. قال عيسى: قال ابن وهب في الدابَّة تموت في جُبٍّ فيه ماء السماء، فَتَنْتَفِخُ وتَنْشَقُّ، والماء كثيرٌ لم يتغيَّرْ إلاَّ ما قَرُبَ منها، فأُخرِجَتْ وحُرِّكَ الماءُ فذهبتِ الرائحة، قال: يُنْزَع منه حتى يذهب دسَمُ الميتة والرائحة واللون إن كان لونٌ، فَيَطِيبُ بذلك إن كان كثيرًا. وقال ابن القاسم: لا خير فيه، ولم أسمعْ مالكًا أرخص فيه قطُّ. ومن سماع موسى، من ابن القاسم، وعن حوضٍ تغيَّر ريحه، ولا يُرَى فيه أثرُ ميتة، والدوابُّ تشرب منه، فلا بأس به، إذا لم يَرَوْا نجاسة يُعْلَمُ ذلك منها. ومن سماع ابن القاسم من مالك، وعن الماء الكثير يقع فيه القطرة من البول أو الخمر، قال: لا يُنَجِّسُهُ لوضوء أو شُرْبٍ، وكذلك الطعام والوَدَكُ، إلاَّ أن يكون يسيرًا. قال سحنون: يعني الطعام والماء والودك يسيرٌ. قال: ولا أرى أن يُؤْكل قمحٌ أُبِلَّ بماء بئرٍ وقعت فيه فأرة. ولا بأس بالماء يُدْخلُ فيه السِّواك وقد أدْخَلَه في فيه، وكذلك أُصْبُعه. وفي رواية أشهب: ولو غَسَلَهُ كان أَحَبُّ إِلَيَّ، وذلك واسع. ومن المجموعة، ابن القاسم، وعليٌّ عن مالك، في الجُنُبِ يُجْعَلُ له الماء للغُسْلِ، فيُدْخِلُ أُصْبُعَه فيه؛ ليَعْرِفَ بَرْدَه من حرِّه، قال: لا يُنَجِّسُهُ، إن لم
يكن في أصبعه أذًى. ومن العتبية، قال موسى، عن ابن القاسم، في إناء وقع فيه قطرة من بول صبيٍّ أو دابَّة أو دم، فإن كان مثل الجرار لم يُفْسِدْهُ، وإن كان مثل إناءِ الوضوء أَفْسَدَه، ولا يُفْسِدُهُ لُعابُ كلبٍ أو سؤرُ دابَّة، ويفسد رَوْثُ الدابَّة، إلاَّ الماء الكثير. وفي جُبٍّ ماتت فيه حيَّةٌ أو دابَّةٌ، قال مالك: لا خير فيه. قال ابن القاسم: فأمَّا الرَّوْثُ يُوجدُ عليه طافيًا، فلا يُفْسِدُه، ولا بأس به. ومن العتبية، من رواية غيري: ورَوْثُ الدابَّة مثل بَوْلِها، إذا كان الماء كثيرًا فوقع فيه القليل أو الكثير، أو يقع في الزيت فإن ذلك لا يُفْسِدُهُ. قال: وما طُبِخَ أو عُجِنَ بماءٍ نَجِسٍ، من بِئْرٍ أو جُبٍّ، فليُغْسَلِ اللَّحمُ ويُؤْكلْ، ولا يُؤْكَلُ الخبز. وقال أشهب، عن مالك: لا يُؤْكَلُ اللحمُ. قال موسى: وروي عن ابن عباس يُطْرَحُ المَرَقُ ويُغْسَلُ اللَّحْمُ. قال ابن سحنون عن أبيه: لا يُطْعِمُ الخبزَ رفيقَهُ النصرانيَّ، وله أن لا يمنعَهم منه. قال ابن حبيب: روى ابن الماجشون عن مالك، في الماء المَشْكُوك فيه، وهو ماءُ البئرِ تموت فيه الدابَّة، وما يَشْرَبُ منه الدجاج المُخَلاَّةُ، فلا يتغيَّرُ إنما
استُحِقَّ أنْ لا يُغْسَلَ منه الثَّوبُ المرتقع الذي يُفْسِدُه الغَسْلُ، وأن يُصَلَّى به كذلك ويُبَاعَ، ويُسْتَحَبُّ أن يُغْسَلَ ما سواه، ويُغْسَلَ ما أصابَ من الجسدِ، ويُجْتَنَبَ أَكْلُ ما عُجِنَ به وطُبِخَ، ويُطْعَمَ للكافر والداجن، ويعيد مَنْ صَلَّى به في الوَقْتِ. قال ابن حبيب: وما وقع فيه من خَشَاشِ الأرض من ماء أو طعام لم يُفْسِدْهُ، ومن ذلك العقربُ والخُنْفَساءُ والعِرْسا والعقربانُ والجُعْلان وبناتُ وَرْدَانِ، والجِنَّانَّةُ، والحَرْجَل، والجُنْدَب، والقُنْبُضة، والزُّنْبُور، واليعسوب. ومن المجموعة قال ابن نافع، عن مالك، قال: سَمِعْتُ أن ما لا لحمَ له ولا دم لا يُنَجِّسُ ما ماتَ فيه من الماء. قال في المختصر: وما وقعتْ فيه الخُنْفَساء، والعقربُ، والصَّرَّارُ، وما لا لحمَ له، فلا بأس به. ولا يُتَوَضَّأ بما وقعت فيه حيَّةٌ أو وَزَغَةٌ، ولا شَحْمةُ الأرض إذا ماتت فيه.
ومن المجموعة، قال ابن غانم، عن مالك، في غدير تَرِدُها الماشية، فتبول فيها وتروث، فيتغيَّرُ طعم الماء ولونه: فلا يُعجبني الوضوء به، ولا أُحرِّمُه. قال في المختصر، وغيره: مَنْ تَوَضَّأَ بما مُزِجَ بعَسَلٍ أو بغيره من الأشربة وصَلَّى أعاد أبدًا. ومن المجموعة قال عنه عليٌّ: لا بأس بالوضوء بالماء يتغيَّرُ ريحه من حَمَأ أو طُحْلُب، إذا لم يجدْ غيره. قال عنه ابن القاسم في البئر يتغيَّر بحمأة أو للحرِّ: لا بأس بالوضوء به. وكذلك ما في الطُّرُق من غدير أو حوض يتغيَّرُ، أو بئر لا يُدْرَى لم ذلك. قال عنه ابن نافع، في ماء قليل مُسْتَنْقَعٍ في الفَحْص من ماء السماء: لا بأس بالوضوء منه، وإن لم يجدْ غيره اغتسل به لجنابته. قال عنه ابن وهب، في البئر يمتلئ من النيل إذا زاد، ثم يُقيم بعد زواله شهورًا لا يُسْتَقى منها، فتتغيَّرُ رائحتُها وطعمُها لغير شيء: فلا بأس بالوضوء منها. قال عنه عليٌّ، في الجُبِّ تقع فيه الدَّابَّة، فلا يُقْدَرُ على خروجها، وماؤها كثير، قال: لا يُتَوَضَّأ منه ولا يُشْرب، وهم يَجِدُون عنه غنًى. ورأيتُ لابن سَحْنُون ولم أَرْوِه، في البئر تقعُ فيه الميتة فيُسْقى منه فلا تخْرُج، ويُنْزَلُ فيه فلا تُوجَدُ، وقد أُمِيحَ منها، قال: لا بأس بالوضوء منها.
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أشهب عن مالك وهو في المجموعة رواية ابن نافع عن مالك، في خليج الإسكندرية تجري فيه السفن، وإذا جرى النيل صفا ماؤه وابْيَضَّ، وإذا ذهب النيل رَكَدَ ماؤه وتغيّر، والمراحيض إليه جارية، فقال: لا يُعجبني إذا جرى إليه المراحيض، وتغيَّر لونه، قال ابن عمر: اجْعَلْ بينك وبين الحرام سُتْرة من الحلال، ولا تُحَرِّمْه. قال مالك: فعليك بما لا شَكَّ فيه، ودع الناس، ولعلَّهم في سعة. قال عنه ابن القاسم: ومَنْ وقع عليه ماء من سقف، فهو في سَعَةٍ، ما لم يُوقِنْ بنَجَسٍ. قال عيسى، عن ابن القاسم، في العسكر يسيل عليك من مائه، فيُسأل أَهْلُه فيقولون: طاهرٌ. قال: فلْيُصَدِّقْهم، إلاَّ أن يكونوا نصارى. قال ابن حبيب: وَلا بَأْسَ بالبول في الماء الجاري، ويُكْرَه في الراكِد وإن كثر. قال ابن الْمَاجِشُون: لا بأس بما يَنْتَضِحُ في الإناء من المُغْتَسِل. قيل: فإن كان يُبالُ فيه؟ قال: إن كان أَزْلٌ فلا بأس بذلك، وإن لم يكن أَزْلٌ ويُسْتَنْقَعُ فيه فهو نَجِسٌ.
حكم النجاسة في الثوب والجسد، ومن صلى بذلك، وذكر الدم والمني، وأرواث الدواب، وأبوالها، وألبانها، وبول ما يؤكل لحمه، وما يخرج من ما يشرب النجاسة منها، وذكر لبن النساء
حُكْمُ النَّجاسةِ في الثَّوْب والجَسَدِ، ومَنْ صَلَّى بذلك، وذِكْرُ الدَّمِ والمَنِيِّ، وأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وأَبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا، وبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُه، ومَا يَخْرُجُ مِن ما يَشْرَبُ النَّجَاسَةِ مِنْهَا، وذِكْرُ لَبَنِ النِّسَاءِ من المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: لا يُطَهِّرُ الثوبَ النَّجِسَ إلاَّ الماء. قال عنه ابن وهب وعليٌّ: وغَسْلُ المَنِيِّ واجب، مُجْتَمَعٌ عليه عندنا، والفَرْكُ باطلٌ، ولا يُبالي بالأثر بعد الغَسْل. قال عنه عليٌّ: فإن لم يجد المسافر ما يَغْسِله به مسحه بتراب، وصَلَّى به، خير من صلاته عُرْيَانًا. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع أشهب، وذَكَرَه ابن نافع في المجموعة، قال: ومَنْ تَجَفَّف من الغُسْل في ثوب فيه دَمٌ فإمَّا يَسيرٌ لا يخْرُجُ بالتَّجْفيف، فلا شيء عليه إلاَّ غَسْل الدَّم. فإمَّا الكثيف ممَّا يُخاف أنْ يخْرُجَ بِبَلَلِ التَّجْفِيف، فَلْيَغْسِلْ جسده، أو ما أصاب ذلك منه، ولا يُعِيد الصَّلاَة لهذا، ولا يغْسِل بقية الثوب، إلاَّ أن يكون خرج منه ما أصاب الثوب. قال عنه ابن القاسم في مَنْ وجد في قطيفته وَزَغَةً ماتت، وبات عليها، ولم يجدْ
قال مالك: وَلا بَأْسَ بالسيف في الغزو فيه الدم أن لا يُغْسَلَ. قال في المختصر: ويُصَلَّى به. قال عيسى، في روايته عن ابن القاسم، عن مالك: مَسَحَهُ من الدم أو لم يَمْسَحْهُ. قال عيسى: يريد في الجهاد، وفي الصيد الذي هو عَيْشُه. قال ابن القاسم: واخْتَلَفَ قولُ مالكٍ في رَوْثِ الدوابِّ الرَّطْبِ في الخُفِّ، فقال: يُغْسَلُ. ثم قال: يُمْسَحُ، ويُصَلِّي به، ولو نَزَعَهُ كان أَحَبُّ إليَّ، وليس بضَيِّقٍ إن لم يَفْعَلْ. ورَوَى ابن وهب، في كُتُبه للنبي عليه السلام، في النعل، أن التراب لها طَهُورٌ. قال ابن القاسم: قال مالك: لا يُجْزِئ مَسْحُ الخُفِّ من خُرْوِ الكلابِ وشِبْهِها، ولا من العَذِرَةِ والبول. قال مالك: وإذا وُقِدَ على الخُبز رَوْثُ الحمير لم يُؤْكَلْ، وإن طُبِخَتْ به قِدْرٌ، فَأَكْلُها خفيف، وهو يُكْرَه. قاله سَحْنُون، من سماع أشهب.
قال مالك، في مَن تَوَضَّأَ، ثم وَطِئَ على المَوْضِعِ القَذِرِ الجافِّ: فلا بأس به، قد وَسَّع الله سبحانه على هذه الأُمَّة. قال أبو بكر بن محمد: إذا مشى بعد ذلك على أرْضٍ طاهرة؛ لما رُوِيَ أن الذَّيْلَ يُطَهِّرُه ما بعده. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك في مَعْنَى الحديث في الدِّرْعِ يُطَهِّرُه ما بعده: إنه في القِشْبِ اليابس. قال ابن نافع عن مالك، في المكان اليابس الذي لا يَعْلَقُ بالثوب؟ قال نعم. قال أبو بكر بن محمد: وقال بعض أصحابنا: إن مَعْنَى ما رُوِيَ في المرأة، في جَرِّ ذَيْلها، أن الدِّرْعَ يُطَهِّرُه ما بعده، إنما تَسْحَبُ ذَيْلها على أرض نديَّة نَجِسَةٍ أو إزارَها، وقد أُرْخِصَ لها أن تُرْخِيَه، وهي تَجُرُّه بعد ذلك الأرض على أرضٍ طاهرة، فذلك لها طَهورٌ. قال محمد بن مسلمة: إنما يَعْنِي تمُرُّ به على أرض يابسة أو نجاسة لا تَعْلَقُ. قال أشهب، عن مالك: في مَنِ اضْطَجَعَ على فراش نَجِسٍ فعَرِقَ، قال: لو غَسَلَ شِقَّه ذلك؟ قيل: إنه يَتَقَلَّبُ. قال: يغسلُ ما يخاف أن يكون ما أصابه.
ومن نام في ثوب فيه الجنابة فعَرِقَ، فأَحَبُّ إليَّ أن يَغْسِلَ جلده، أو ما أصاب ذلك منه. قال عيسى، عن ابن القاسم، في مَنْ لَصَقَ بجدار مرحاض نَدِيٍّ، فإن كان يُشْبِهُ البَلَلَ غَسَلَهُ، وإن كان يُشْبِهُ الغبار فليَرُشَّه. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ صَلَّى بثوب أصابه عَرَقُ دابَّةٍ، فلا بأس به، وغَسْلُه أَحَبُّ إليَّ. ومن المختصر: ولا يُصَلِّي ببول الخيل والدوابِّ. ومن الْعُتْبِيَّة: من سماع ابن القاسم، قال: وما أصابه من بول الفرس في الغزو، فأرجو أن يكون خفيفًا إن لم يجدْ مَنْ يُمْسِكُه، وأمَّا في بَلَد الإسلام فليَتَّقْهِ جُهْدَه، ودين الله يُسْرٌ. وقال ابن القاسم في خُرْوِ البازي: تُعادُ منه الصَّلاَة في الوَقْتِ، إلاَّ أن يُصيبَ ذَكِيًّا. وفي الحمام يُصِيبُ أرواثَ الدوابِّ، فأَحَبُّ إليَّ أن يُعِيد مَنْ صَلَّى بخُرْوِها. وقال مالك: هو خفيفٌ، وغَسْلُه أَحَبُّ إليَّ. وقال أشهب، في موضع آخر: هو طاهرٌ. وقال سَحْنُون: إذا شَرِبَتِ الأنْعَامُ ممَّا نَجُسَ، فَبَوْلُها نَجِسٌ. قال غيرُه في كتاب آخَرَ: وأمَّا ما يَنْقَلِبُ عينُه مِثْل أَلْبَانِها، وقدْ تَغَذَّتْ بنَجَاسَةٍ، أو تَغَذَّتْ به النَّحلُ، فلا بَأْسَ باللَّبنِ والعَسَلِ، وكذلك قَمْحٌ نَجِسٌ، فزُرِعَ فنَبَتَ، أو ماءٌ نَجِسٌ، سُقِيَ به شجرٌ، فأثْمَرَتْ، وكذلك ما ذَبَلَ مِن الأُصولِ والبَقْلِ وغيرِه. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عن ابن القاسم: لا بَأْسَ أن تُسْقَى الأنْعَام
من ماءٍ تَمُوتُ فيه الدَّابَّة، ويُعْلَف النَّحْلُ العَسَلَ الذي ماتَتْ فيه الفَأْرَة. قال سَحْنُون: ثم يكون بَوْلُ هذه الأنْعَام نَجِسًا. قال يَحْيَى بن عمر: وأَلْبَانُها طاهِرَة. وكذلك ما يخرُجُ من هذه النَّحْلِ من العَسَلِ يُؤْكَلُ. وفي كتاب الذَّبَائِح من هذا الْمَعْنَى. قال مالك، في المختصر: وبَوْلُ الأنْعَامِ والوَحْشِ من ما يُؤْكَل لحمه ليس بنَجِسٍ. ومن المجموعة، قال عنه ابن وهب: وليس عليه غَسْلُ بَوْلِ الأنعام من ثَوْبِه. قال عنه عليٌّ: غَسْلُه أَحَبُّ إليَّ، ولم يكونوا يَرَوْنَ به بأسًا ولا بشُرْبِه. قال عنه ابن القاسم: وكذلك أَبْوَالُ الظِّبَاء، وما أُكِلَ لَحْمُه، إلاَّ ما يُصِيبُ الأذَى منها. وقال عنه ابنُ نافع، في أَبْوَالِ الظِّبَاء: لا أَدْرِي ما أَبْوَالُها. وقال ابن نافع: لا بَأْسَ به. ومن سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة: ولم يَحُدَّ مالك في الدم قَدْرَ الدِّرْهَم. قال عنه عليٌّ في المجموعة: إنَّ قَدْرَ الدِّرْهَم منه ليس بواجب أن تُعَادَ منه الصَّلاَة، ولكن الفاشي المُشْتَهِرُ الكثيرُ. وقال ابن حبيب: سئل مالكٌ عن قَدْر الدِّرْهَم من الدم، فرآه كثيرًا، وسئل عن قَدْرِ الخِنْصَر، فرآه قليلاً. وقال عَطَاءٌ وغيرُه: قَدْرُ الدِّرْهَم قليلٌ. وقال مالكٌ: أَحَبُّ إليَّ. ولغير ابن حبيب من أصحابنا، أن قدر الدِّرْهَم قليل. قال ابن حبيب ك سئل ابن المسيب عن قَدْر العدسة منه. فقال ك لو كان في ثوبي قَدْر عدسات ما أَعَدْتُ منه صَلاتي.
ورَوَى ابن القاسم، عن مالك، أنَّه قال: لا تُعَادُ الصَّلاَة من قليل الدم يكون في الثوب، كان دم حيضة أو غيرها. ورَوَى ابن وهب عن مالك، أنه يُعِيد الصَّلاَة من قليل الدم، دم الحيضة خاصة في الوَقْتِ، إن الله سبحانه سمَّاه أذًى. وهذا في المبسوط، وفي غيره، رواية ابن وهب، عن مالك. ومن الْعُتْبِيَّة، قال يحيى بن يحيى، في لبن الحمارة يُصَلَّى به في ثوبه: فلْيُعِدْ في الوَقْتِ. وقد ذكرنا في كتاب الصيد زيادة في هذا. ومن المجموعة، قال المغيرة في لبن المرأة يصيب الثوب، فيُصَلَّى به: إنه لا يعاد منه الصلاةُ، ويُغْسَلُ موضعه، وكذلك كُلُّ لبن حلَّ شُرْبُه. وأما لبن الأُتُنِ تعاد منه في الوَقْتِ؛ إذ لا يُؤْكَل لحمها. ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى، عن ابن وهب، في مَن صَلَّى بثوب نَجِسٍ، أنه يُعِيد الصَّلاَة أبدًا. وقال مالك: يُعِيد في الوَقْتِ. وقد ذكرنا في كتاب الصَّلاَة بابًا في النجاسة فيما يُصَلَّى به، وذكْر مَنْ صَلَّى بثوب نَجِس، وقوْلَ أشهب إنه يُعِيد في الوَقْتِ في تعمُّدِه، وغير ذلك من هذا المعنى. وأخبرَنَا أبو بكر، عن يحيى بن عمر، عن أبي الطاهر، عن ابن
في الثوب يشك في نجاسته، وذكر النضح، وذكر ثوب الحائض والنصراني، وفي التنظف مما لبس بنجس، وهل تزال النجاسة بالماء المضاف
وهب، أنه قال: إنما يُعِيد أبدًا مَنْ صَلَّى بدم حيضة، أو دم ميتة، أو بول، أو رجيع، أو احتلام. وفي كتاب الصَّلاَة ذِكْرُ الصَّلاَة في أعطان الإبل. في الثَّوْبِ يُشَكُّ في نَجَاسَتِهِ، وذِكْرُ النَّضْحِ، وذِكْرُ ثَوْبِ الحَائِضِ والنَّصْرَانِيِّ، وفي التَّنَظُّفِ ممَّا لُبِسَ بِنَجِسٍ، وهل تُزَالُ النَّجاسةُ بالماء المُضَافِ ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، قال مالك: النضح تخفيف. قال ابن القاسم: يُرِيد فيما شَكَّ فيه. وفي الحديث: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ وأُنْثَيَيْكَ، وَانْضَحْ». قال إسماعيل القاضي: ويدُلُّ ما ذُكِرَ في الحديثِ من نَضْحِ الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ، أن ذلك طَهُورٌ لما شك فيه. والله أعلم.
قال أبو محمد: والذي ذكره إسماعيلُ رَوَاهُ ابن نافع، عن مالك، أنه احْتَجَّ به. ومن سَمَاع ابن القاسم، قال مالك: ومَنْ بالَتْ دابَّتُه قريبًا منه، فما أَيْقَنَ أنَّه أصابَ ثَوْبَه غَسَله، وإنْ شَكَّ نَضَحَه، وكذلك إنْ ظَنَّ أنَّ في ثَوْبِه نجاسةً، فلْيَرُشَّه، وإنْ أَيْقَنَ ولم يعلم المَوْضِعَ، غَسَلَهُ كُلَّه، وإنْ عَرَفَ الناحيةَ غَسَلَ تلك الناحية. قال أبو زيد، عن ابن القاسم، في الذي يَحْتَلِمُ في ثَوْبِهِ، فيَغْسِلُ منه ما رأى، ولم يَنْضَح ما لم يَرَهُ، فصَلَّى فيه فَلْيَنْضَحْه، ويُعِيدُ في الوَقْتِ. وقال ابن حبيب: لا يُعِيدُ هذا. ومن المجموعة قال ابن القاسم، في مَنْ شَكَّ في نجاسة، هل أصابتْ ثَوْبَه؟ فصَلَّى فيه، ولم يَرْشُشْه بالماء، فلْيُعِدْ في الوَقْتِ. وقاله سَحْنُون. قال ابن نافع، عن مالك: والحائضُ تَنْضَحُ ما لم تَرَ، وقد نضحَ النبي عليه السلام الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ. قال عليٌّ، عن مالك، في مَنْ بَالَ في ريح، فظَنَّ أنَّ الريح رَدَّتْ إليه من بَوْلِهِ، فلْيَغْسِلْه إنْ أَيْقَنَ بذلك، ولا يَنْضَحْهُ. قال عنه ابن نافع، في ثَوْبِ الحائض تَلْبِسُه وتَغْتَسِلُ فيه، فلْتُصَلِّ فيه من غير غَسْلٍ ولا نَضْحٍ. وقال ابن حبيب: ولْتَنْضَحِ الحائِضُ والجُنُبُ ثَوْبَه، وإن لم يَنْضَحَا وصَلَّيَا فيه
فلا يُعِيدَا؛ لأنَّ نَضْحَهُما لتَطِيبَ النَّفْسُ، ولْيَنْضَحَا لِمَا يَسْتَقْبِلاَ، بخلافِ مَنْ شَكَّ: هل أصابَ ثوبَه نجاسةٌ، ثم تَرَكَ النَّضْحَ. وعن مَنِ ابْتَاعَ الرِّداءَ من السُّوقِ، فإنْ قَدَرَ أن يَسْأَلَ عنه صاحِبَه، وإلاَّ فهو من غَسْلِه في سَعَةٍ. قال مالك، في المختصر: ويُصَلِّي بالثَّوْبِ الجديد يُشْتَرَى من النصراني، وإن كان يَسْقُوه للحَوْكِ بماء الخَمْرِ، وأمَّا ما لَبِسَه، فلا يُصَلِّي فيه، وإن كان جديدًا. ونحوه في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم. وزاد: ولا يَلْبَسُ خُفَّ النصرانيِّ. يَعْنِي الذي لَبِسَه. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وإذا أَسْلَمَ النصرانيُّ فلا يُصَلِّي في ثيابه حتى يَغْسِلَها. يُرِيد التي لَبِسَ. وقال محمد ابن عبد الحكم: يُصَلِّي بما لَبِسَ النصراني. ومن الْعُتْبِيَّة أشهب، عن مالك: ومَنْ نَتَفَ إِبِطَه أو مَسَّه، فحَسَنٌ أن يَغسِلَ يَدَيْه. قال في المجموعة: وما ذلك عليه. قال في الْعُتْبِيَّة: وأما البَيْضُ فإن كان له ريحٌ، فلْيُغْسَلْ من الثَّوْبِ، وإن لم يكن له ريح فلا بأس به. قال مالك: ومَنْ بيده رائحة اللحم النِّيءِ، فأَحَبُّ إليَّ ألاَّ يُصَلِّيَ حتى يَغْسِلَه. قال يحيى بن عمر، وأبو الفرج البغدادي: اخْتُلِفَ في إزالة النجاسة بالماء المضاف الطاهرن فقيل: يجوز ذلك. وقيل: لا يُطَهِّرُه إلاَّ الماء المُطْلَقُ. وهذا الصواب.
في الماء المشكوك فيه، وفي الماءين، والثوبين أحدهما نجس
في الماء المشكوك فيه، وفي الماءين والثوبين أحدهما نجس من كتاب سَحْنُون، عن أبيه، وهو لعبد الملك: ومَن لم يجدْ إلاَّ ماءً مشكوكًا فيه، كماء البئر تموت فيه الدَّابَّةُ، أو يَلَغُ فيه الكلبُ، فقال سَحْنُون: يتَيَمَّمُ ويَدَعُه. وقال أيضًا مع عبد الملك: يتَوَضَّأ به ويُصَلِّي. قال ابن سَحْنُون: وأنا أرى أن يتَيَمَّمَ ويُصَلِّيَ ثم يتَوَضَّأ به ويُصَلِّي ولا يبدأ بِالوُضُوءِ، فلعلَّه يُنَجِّسُ أعضاءَه، وهو من أهل التَّيَمُّم. قالا: ولو كان معه – مع ذلك – ثوبان؛ أحدهما نَجِسٌ لا يَدْريه، فليُصَلِّ بتَيَمُّمٍ ووُضوء في كل ثوب، ولا يُعِيد بِتَيَمُّمِهِ، فإن صَلَّى هكذا الظهرَ فَلْيَأْتَنِف العَصْرَ التَّيَمُّمَ، ولا يُعِيدُ الوضوءَ، ويُصَلِّي في كُلِّ ثَوْبٍ عَصْرًا، عَرَفَ الثَّوْبَ الذي صَلَّى به الظهر أو جهله. وإن كان معه ماءان؛ أحدهما نَجِسٌ لا يدريه، فقال: يتَيَمَّم، ويدعهما. وقال: يصلي صلاة بوضوء من هذا، ثم يعيدها بوضوء من الآخر. وقال محمد: يتحَرَّى أحدهما، فيتوضأ به ويُصَلِّي ويجزئه، كما لو كان ماءيه ماء واحد منهما طاهر، وكما يتحرَّى القِبْلَة إذا عُمِّيَتْ. قال سَحْنُون: ثم إن جاءت صلاة أخرى، وعلم الذي تَوَضَّأَ به أخرى، فإنه يُصَلِّي، ثم يَتَوَضَّأ بالآخر ويُعِيد، وإن لم يعلَمْه، أو أحْدَثَ، صَلَّى بكُلٍّ صلاةً، كأوَّلِ مرَّة، ولو كان معه – مع ذلك – ثوبان؛ أحدهما نجس،
فَلْيَتَوَضَّأْ بأحد الماءين، ويُصَلِّي في كُلِّ ثوب صلاة، ثم يَتَوَضَّأ بالماء الآخر، ويُصَلِّي في كُلِّ ثوب صلاة، ثم إن حضرتْ صلاةٌ أخرى، وعرف ما تَوَضَّأَ به أخرى، صَلَّى في كُلِّ ثوب صلاة، ثم تَوَضَّأَ بالأول وأعاد في كُلِّ ثوبٍ صلاةً، وإن لم يَعْرِفْهُ صَلَّى بوضوء في كُلِّ ثوبٍ صلاتين مع كُلِّ وُضوء. وهذا الباب بأسْرِه ذَكَره ابن حبيب، عن عبد الملك بن الماجشون، إلاَّ قول محمد منه. وقول سَحْنُون في الماءين أحدهما نَجِسٌ أنه يتَيَمَّم ويدعهما، وفي الماء المشكوك فيه، أنه يتَيَمَّم ويدعه، فليس هذا قول عبد الملك، وقوله مثل ما ذكر في القول الآخر سواء. وقال محمد بن مسلمة، في الماءين أحدهما نَجِسٌ أو مياهٌ واحد منها نَجِسٌ: إنه يَتَوَضَّأ بواحد، ويُصَلِّي، ثم يَغْسِلُ ما أصابه من الماء الأول بالماء الثاني، ثم يَتَوَضَّأ أيضًا منه، ويُصَلِّي، ثم إن جاءت صلاة ثانية فَلْيُصَلِّ إن لم يَنْتَقِضْ وضوءه، ثم يأخذ الماء الأول إن عرفه، فيغسل منه ما أصابه من الماء الآخر، ثم يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي، وإذا جاءت الصلاة الثانية، وقد انتقض وضوءه، فَلْيَتَوَضَّأْ من الماء الآخر، ولا يغسل أثره؛ لأنه هو، ويُصَلِّي، ثم يغسل من الماء الأول، ثم يَتَوَضَّأ منه ويُصَلِّي، وكذلك لو كانت ثلاث مياه، منها ماءان نجسان، صَلَّى ثلاث صلوات، يَتَوَضَّأ من أحدهم ثم يُصَلِّي، ثم يغسل من الآخر موضع الماء، ثم يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي، ثم يغسل من الثالث، ثم يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي، وكذلك إن كانت مياهٌ أكثر من هذه إلاَّ أن تكثر المياه، فليس عليه أن يغسل ثلاثين مرة. يريد: لأن هذا حرجٌ. قال وكذلك إذا كثرت الثياب، وليس فيها إلاَّ ثوب واحد
في المسح على الخفين
طاهر، فإنه يصير كمن معه مائة ثوب، منها نَجِسٌ مجهول. في المسح على الخفَّين من الْعُتْبِيَّة وغيرها، رَوَى ابن وهب، وابن القاسم، وابن عبد الحكم، وغيره، أن للمقيم والمسافر أن يمسح على خُفَّيْهِ، ليس لذلك حَدٌّ من الأيام. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: حَدُّه للحاضر من الجمعة إلى الجمعة. قال عنه عليٌّ وابن القاسم: والرجال والنساء في ذلك سواء. وكذلك في المختصر. قال غير واحد من البغداديين من أصحابنا: وما ذُكِرَ في الرسالة المنسوبة إلى مالكٍ، كَتَبَ بها إلى هارون الرشيد من التوقيت في المسح، بأن شيوخنا ذكروا أنها لم تَصِحَّ عن مالك، وفيها أحاديث لا تَصِحُّ عنده. وقال عبد الرحمن بن مهديٍّ: لا أصل لحديث التوقيت. ومن الْعُتْبِيَّة قال أصبغ: المسح في الحضر لا شَكَّ فيه، ورأيتُ ابن وهب يمسح في داره بمصر. ورَوَى ابن القاسم عن مالك، قال: لا أفعله في الحضر. ولم يُحْفَظ عن النبي عليه السلام، ولا عن الخلفاء بالمدينة أنهم مَسَحُوا في الحضر. ورَوَى نحوه ابن وهب، وابن نافع في المجموعة. وقال عنه أيضًا ابن وهب: لا أمسح في حضر ولا في سفر. وكأنه كَرِهَه. ثم رَوَى ابن وهب، في موضع آخر مما حدَّثَنا به أبو بكر، أن
آخر ما فارقْتُهُ عليه إجازة المسح في الحضر والسفر. وقال ابن حبيب، قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون: لم يَخْتَلِفْ فيه أهل السُّنَّة، وما عَلِمْنا مالكًا ولا غيره من علمائنا أنكر ذلك في الحضر والسفر. قال ابن حبيب: لا يرتاب فيه إلاَّ مخذول. قال ابن حبيب: أراني مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون صفة المسح على الخُفَّيْنِ، وكلاهما وضعَ يَدَه اليسرى تحت أطراف أصابعه من باطن قدمه اليمنى، ووضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من ظاهر قدمه اليمنى، فأمرَّهُما حتى جمعهما عند الكعبين، وفعل بالقدم اليسرى مثل ذلك، غير أنه جعل يده اليمنى تحت القدم اليسرى، واليد اليسرى من فوقها. وذكر أن مالكًا أراهما المسح هكذا، وأن ابن شهاب وصف له هكذا. قال مالك في المختصر: يأخذ الماء بيديه، ثم يُسَرِّحُه، ثم يمسح بيد من فوق الخُفِّ، ويدٍ من تحته إلى حَدِّ الوضوء، ولا يَتَّبع غُضونه. قال محمد ابن عبد الحكم: يجعل يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع رجله اليمنى، ويده اليسرى على مؤخِّر خُفِّه من عقبه، فيذهب بها إلى تحت خُفِّه إلى آخر أصابعه، ويذهب باليمنى على ظاهر رجله إلى عقبه؛ لأن الخُفَّ ربما مشى به على قَشْبٍ رَطْبٍ، فلو مسح باليسرى أسفله من الأصابع إلى ظاهر العقب لَمَسَّ عَقِبَ خُفِّه برطوبة يده من آثار القَشْبِ. قال ابن حبيب: يُرسِلُ الماء من يده، ثم يمسح، ولو غَسَلَه ينوي به المسح
أجزأه ويمسح لما يَسْتَقْبِلُ، وليس بواجب. ولو غسل طينًا بِخُفِّه ليمسح عليه، ثم نسي المسح، لم يُجْزِه عن المسح، ولْيَمْسَحْ ويُعِيد الصلاة. قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ مسح بأصابعه أو بإصبع واحد خُفَّيْه، أو رأسه: إن ذلك يُجْزِئُه إذا عَمَّ بذلك. قال ابن حبيب: والخُفُّ المُتَخَرِّقُ إن كان فاحِشًا لا يُعَدُّ به الخُفُّ خُفًّا، فلا يُمْسَح عليه، وإن لم يكن فاحِشًا مُسِحَ، وإن أَشْكَل عليك فَاخْلَعْ. قال في المختصر: ولا يُمْسَح على خُفٍّ مُتَخَرِّقٍ إلاَّ أن يكون يسيرًا. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: ولا بأس بالرُّكُوب بالمهامز، وللمسافر أن يَمْسَح عليهما، ولا ينزعهما، وهذا خفيف. قال مالك في المختصر: لا يَمْسَح على جورب فوق خُفٍّ، ولا يَمْسَح مُحْرِمٌ على خُفَّيْنِ. قال ابن القاسم، في المجموعة: لأنه دون الكعبين، فلا يَمْسَح عليهما مُحْرِم ولا غيره، وإن كانا إلى الكعبين أو فوقهما، فليمسح عليهما غير المُحْرِم.
قال ابن عبدوس: رَوَى عليٌّ عن مالك، أنه لا يَمْسَح على الجوربين – لعلَّ ابن القاسم يريد لأن المُحْرِم مُتَعَدٍّ في لباس ما يبلغُ الكعبين، إلاَّ أن يكون من عِلَّة فلْيَمْسَحْ – إلاَّ أن يُخْرَزَ على موضع القدم جلدٌ، فلْيَمْسَحْ. وأباه في رواية ابن القاسم وإن خُرِزَ عليهما جلد. قال ابن حبيب: والجُرْمُوقان الخُفَّان الغليظان لا ساقَيْن لهما، ومَنْ مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثم لَبِسَ عليهما آخَرَيْن فليس عليه مسحهما، إلاَّ لوضوء مُؤْتَنَفٍ، ولو أحدث وخُفَّاه عليه، ثم لَبِسَ عليهما الآخرين، فلا يمسحهما، وليمسح على الأسفلين. ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى، عن ابن القاسم: ومن لَبِسَ خُفًّا فوق خُفٍّ، فليمسح الأعلى، ثم إن نزعه مسح الأسفل، فغن نزع فردًا من الأعلى، مسح تلك الرِّجْلَ على الأسفل، ويُجْزِئُه. وقال ابن سَحْنُون عن أبيه: يَنْزِعُ الآخَرَ، ويمسح على الأسفلين. قال ابن حبيب: فإن أخَّرَ ذلك ابتدأ الوضوء. قال ابن القاسم في رواية عيسى: ثم إن لَبِسَ الفرد الذي نزع، ثم أحدث، مسح عليهما. وقال بعض البغداديين: اختلف قولُ مالكٍ في المسح على خُفّ فوق خُفٍّ، فقال: يَمْسَحُ. وقال: لا يَمْسَحُ. والأَوْلَى أن يَمْسَحُ. قال مالك في غير موضع: وإنما يَمْسَحُ مَنْ أدخل رجليه في الخُفَّيْنِ
طاهرتين بطُهْر الوضوء. يريدُ: لا بطُهْر التَّيَمُّم. ومن الْعُتْبِيَّة قال أصبغ: إذا تَيَمَّمَ، ثم لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثم صَلَّى، فله المسحُ عليهما إن وَجَدَ الماء؛ لأنه أدخلهما بطُهْر التَّيَمُّم، ولو صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثم لَبِسَهُمَا لم يَمْسَحْ؛ لانتقاض تَيَمُّمه بتمام صلاته. وقال سَحْنُون: لا يَمْسَح، وإن لبسهما قبل الصلاة. قال ابن حبيب: قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم: لا يَمْسَحُ؛ لأن مُنْتَهَى طُهْرِ التَّيَمُّم فراغ تلك الصلاة. وكقول مالك في المرأة تعمل الحناء، فتَعْمَدُ إلى لباس الخُفِّ؛ لتَمْسَحَ: إن ذلك لا يُجْزِئها. وكذلك مَنْ لبسه لينام أو ليبول ليَمْسَحَ، فلا يُجْزِئه إن فعل. قال ابن سَحْنُون، قيل لسحنون: قال بعض أصحابنا في التي تعمَلُ الحناء، ثم تَلْبَسُ الخُفَّيْنِ، لتمسَحَ عليهما: إنه يكْرَهُ ذلك لها، فإن فعلتْ ذلك أجزأها. قال: لا أرى ذلك , ولْتُعِدْ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: ولو تَوَضَّأَ، فغسل رِجْلَه اليمين، فلبس عليه خُفَّهُ، ثم غسَل الأخرى، ثم أخلها الخُفَّ، فلا يمسح إن أحدث؛ لأنه أدخل الأولى قبل تمام الوضوء، إلاَّ أن يكون نزعهما. قال في كتاب ابنه: أو خلع اليمين فقط. قال في الكتابين: قبل أن يُحْدِث، ثم لَبِسَ ما نزع قبل الحدث فليمسح. ولو لبسهما بعد تمام الوضوء عنده، ثم ذَكَرَ مسحَ رأسه فمسحه، فلا يَمْسَحْ عليهما إن أحدث،
إلاَّ أن يجعلهما بعد مسح الرأس، ثم يلبسهما قبل الحدث، فليَمْسَحْ. قال مُطَرِّف، في الذي غسل اليمين، فأدخلهما الخُفَّ، ثم غَسَلَ الأخرى فأدخلها، ثم أحدث: إنه يَمْسَحُ عليهما. قال موسى، عن ابن القاسم: ومَنْ ليس معه من الماء إلاَّ ما يَتَوَضَّأ به، فجهل، فغسل رجليه، ثم لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثم أتمَّ وضوءهُ، قال مالك: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَغْسِل رِجْلَيْهِ بعد وضوئه، فإن لم يفعل فلا شيء عليه. يريد: إن مَسَحَ عليهما. قال ابن حبيب: قال مُطَرِّف: ومَنْ مَسَحَ ليُدْرِكَ الصلاةَ، ونِيَّتُهُ أن يَنْزِعَ فيَغْسِلَ إذا صَلَّى، فذلك يُجْزِئه. ومَنْ تَوَضَّأَ، ومسح خُفَّيْهِ، ينوي إذا حضرت الصلاة نزعَ وغَسَلَ رِجْلَيْهِ، لم يُجْزِهِ، ولْيَبْتَدِئ الوضوء، كمُتَعَمِّدِ تأخير غَسْلِهما. وقاله ابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وقالوا في مسافر مسح على خُفَّيْهِ، فأصابت خُفَّهُ نجاسةٌ، ولا ماء معه: إنه يَنْزِعُهُ، ويتَيَمَّم. من المجموعة، قال ابن القاسم: لم يأخُذْ مالكٌ بفِعْلِ ابن عمر في تأخير المسح، وقال عنه عليٌّ: إذا أَخَّرَ مَسْحَهما في الوضوء، فحضرت الصلاة، فلْيَمْسَحْهُما، ويُصَلِّي، ولا يَخْلَعُ. وقال عنه أيضًا: فلَوْ سَهَا عن مَسْحِهما حتى صَلَّى، فإنه يَمْسَحُ، ويُعِيدُ الصلاة، ولا يُعِيدُ الوضوء. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك، في مَنْ مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثم أحَسَّ فيه حَصَاة، فنَزَعَه، فأخرجها، ثم لَبِسَه، قال: يَنْبَغِي أن يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ مكانه. يريد: قَدَمَيْهِ جَمِيعًا.
ومن المجموعة، قال عنه ابن القاسم، وابن نافع، وعليٌّ: إنْ نَزَعَ أحدهما؛ لضيق وَجَدَه، أو لغير ذلك، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَنْزِعَ الآخَرَ، ثم يغسِلَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا مكانه، فإن أَخَّرَ ذلك فلْيَأْتَنِفِ الوضوء. وفي أصل سماع ابن وهب، قال مالك: ولو نزع خُفَّيْهِ، وأقام طويلاً لم يغسلْ رِجْلَيْهِ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يأتنف الوضوء، وإن غسل رِجْلَيْهِ وصَلَّى أجزأه. قال ابن القاسم، وعليٌّ، عن مالك في المجموعة: إن أَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ ساعة، أعاد الوضوء. ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أبو زيد، عن ابن القاسم، في مَنْ تَوَضَّأَ، ومَسَحَ على خُفَّيْهِ، ثم صَلَّى، ثم انْخَرَقَ خُفُّهُ خَرْقًا لا يُمْسَحُ على مِثْلِهِ، فلْيَنْزِعْه مكانه، وليَغْسِلْ رِجْلَيْهِ. قال ابن سَحْنُون، عن أبيه في مَنْ مَسَحَ أعلى الخُفِّ، وصَلَّى، قال: يُجْزِئه. ثم رجع فقال: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. وقال ابن نافع فيه، وفي الْمُتَيَمِّم إلى الكُوعَيْنِ، أو بِضَرْبَة وَاحِدَة: يُعِيدُ أبدًا. وقال سَحْنُون، وابن حبيب: ولو مَسَحَ أسْفَلَه فقط، أعاد أبدًا. وحكى محمد بن عبد الحكم، أن أشهب قال: يُجْزِئه ذلك.
في المسح على الجبائر، أو على الحناء، وشبه ذلك، وفي من حلق رأسه بعد أن مسحه
في المسح على الجبائر، أو على الحناء وشبه ذلك، وفي مَنْ حلق رأسه بعد أن مسحه ومِنْ قول مالك إجازة المسح على الجبائر لضرورة في وضوءٍ، أو غُسْلٍ، إذا لم يَقْدِرْ أن يُباشِرَ العُضْوَ بغَسْلٍ، أو بمَسْحٍ، إن لم يقْدِرْ على الغَسْل. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون، عن ابن القاسم، في الجبائر تَسْقُطُ في الصلاة، وقد مسحهما في وضوء أن تَيَمُّمٍ: فلْيَقْطَعْ حتى يُعِيدَها، ويَمْسَحَ عليهما. قال ابن حبيب: قال ابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، في مَنْ تَطَهَّرَ فمَسَحَ على شَجَّة أو كسر مستورٍ، ثم بَرِئَ فنَسِيَ غَسْلَه حتى صَلَّى، ولم يكن في موضع يأخذه غَسْلُ الوضوء بعد ذلك، فلْيَغْسِلْه فقط، ويُعِيدُ ما صَلَّى، ولو تَرَكَه جَهْلاً أو تهاونًا ابتدأ الغَسْلَ. وقد ذكرْنَا الاختلاف في تأخير مَسْحِ الخُفِّ. ومن كتاب آخر لبعض أصحابنا: وإذا سقطت الجبائر، ولم يَعْلَمْ، أو نَسِيَ غَسْلَها، وقد كان يَمْسَحُ عليها في غُسْل الجنابة، فإن كانت في غير مواضع الوضوء، غَسَلَ موضعها، وأعاد ما صَلَّى بعد سقوطها، ولو تَطَهَّرَ للجنابة بعد ذلك لم يُعِدْ إلاَّ ما صَلَّى قبل طُهْرِهِ الثاني، وما
أَدْرَكَ وقته ممَّا صَلَّى بعد طُهْره، وكذلك إن كانت في موضعٍ يُغْسَلُ من الوضوء، أجزأه توضِّيه بعد ذلك، وأعاد ما صَلَّى قبل توضِّيه هذا، وما أدْرَكَ وقته مما كان صَلَّى. قال ابن حبيب: ومَن انكسر ظُفُره فكساه مصطكا، فَلْيَتَوَضَّأْ به كذلك. ومن المجموعة، قال ابن نافع في العين تُدَمُّ بدمام: فلا بأس أن يَمْسَحَ عليها. وعن مَنْ تقَرَّحَتْ أسافِلُ رِجْلَيْهِ من الثَّلجِ فيُداوِيه بذَرُورٍ فيَمْسَحُ عليه، وليس عليهما خِرَقٌ، فذلك جائزٌ، وليس عليه أن يتَيَمَّمَ بعد ذلك، كما لا يتَيَمَّمُ الماسِحُ على الجبائر. قال مالك: ومَنْ في رأسه جُرْحٌ، وهو جُنُبٌ، فله أن يَدَعَ غَسْل رأسه، هو ما يقدِرُ عليه. وقال فيه، وفي الْعُتْبِيَّة أيضًا مالكٌ: يَغْسِلُ، ويُنَكِّبُ الماء عن جراحاته، فإذا برئ غَسَلَها. يريد: يَدَعُ غَسْلَ رأسه وجراحاته، ويَمْسَحُ على ذلك أو على خِرَقٍ تكون عليه. ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى أشهب، عن مالك، في المرأة تَخْضِبُ يديها وهي جُنُبٌ أو حائض، قال: نعم، وكُنَّ النساءُ يتحرَّيْنَ ذلك. ومن المجموعة، وقال ابن القاسم: ومَنْ تَوَضَّأَ على مدادٍ على يدِه
لم يَضُرَّه. قال في كتاب آخر: فأمَّا على عَجِينٍ لَصِقَ بيده، فلا يُجْزِئُه حتى يَنْزِعَه. قال ابن سَحْنُون: قال سَحْنُون: أخبرني عليٌّ، عن مالك، في المرأة على وضوء فتَخْضِبُ يَدَيْها، أنها لا تُصَلِّي حتى تَنْزِعَه. قال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة ولا يُمْسَحُ على اللحية عليها الحِنَّاء حتى يُنْزَعَ، وكذلك ما على الرأس منها. قال في المختصر: وأرجو أن تكون صلاة الرَّجُل بالخضاب واسعًا، ولا يَمْسَحُ على الحناء في الوضوء ولْيَنْزَعْه، وليباشر الشعر. قال ابن نافع عن مالك، في مَن قصَّ أظفارَه وحَلَق رأسه، وهو على وضوء، فليس عليه مَسُّ ذلك بالماء، ولا أكْرَهُ له قصَّ ذلك. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في مَنْ تنكسر أظفاره، فيجعل عليها عِلْكًا، لأنْ تَنْبُتَ، أيَتَوَضَّأُ على العِلكِ؟ قال: أرجو أن يكون في سَعَة. قال ابن القاسم عن مالك، في المجموعة: لا بأس بذلك.
في التيمم، على صفته، وذكر ما يتيمم عليه، وذكر النية فيه، وفي من لم يجد ماء ولا ترابا
في التَّيَمُّم على صفته وذِكْرِ ما يُتَيَمَّمُ عليه، وذِكْرِ النِّيَّة فيه، وفي مَنْ لم يجِدْ ماءً ولا تُرابًا قال الله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (المائدة: 6). قال غير واحد من العلماء وقاله ابن حبيب: التَّيَمُّم القصد، كقوله: {وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} (المائدة: 2). والصعيد، قال ابن حبيب: التراب الطيِّبُ الطَّاهِرُ. وقال غيره: الصعيد الأرض بعَيْنها. ومنه قوله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الكهف: 40). فلا نُبالي بما صعد منها ترابٌ أو حجرٌ. قال أبو الفرج البغدادي، وغيره: الواجب عند مالك التَّيَمُّم إلى الكُوعَيْنِ، ويُسْتَحَبُّ بلوغ المرفقين، قال: والذي قال هو ظاهر القرآن، بقوله: {وأيديكم}، فهذا المعقول من اليدين، ولا يُلْحَقُ بهما ما عداهما إلاَّ بدليل. قال غيره، وقد اختلفت الأحاديث في الكُوعَيْنِ، والمرفقين، قالوا: ولذلك نرى أن من تَيَمَّمَ إلى الكُوعَيْنِ يُعِيدُ في الْوَقْتِ، ونرى أن من تَيَمَّمَ بِضَرْبَة
وَاحِدَةٍ للوجه واليدين لا يُعِيدُ؛ لأنه قد جاء الحديث بمثله. ومن الْعُتْبِيَّة، قال ابن القاسم عن مالك، إنه تَيَمَّمَ بِضَرْبَة وَاحِدَة للوجه والْيَدَيْنِ رجوت أن يُجْزِئه. قال ابن القاسم: ولا يُعِيدُ في وقتٍ ولا غيره. قال مالك، في المختصر: لا إعادة عليه. قال ابن حبيب: وقيل يُعِيد في الْوَقْتِ. قال ابن سَحْنُون: قال ابن نافع: يُعِيدُ أبدًا. وكذلك قال في المختصر في الْمُتَيَمِّم إلى الكُوعَيْنِ. قال ابن القاسم، عن مالك، في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ أفتى بِالتَّيَمُّمِ إلى الكُوعَيْنِ، فعَمِلَ به، فلا يُعِيدُ في الْوَقْتِ، وكذلك في المختصر. قال: ويتَيَمَّم الأَقْطَعُ. وكذلك في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن
القاسم، قيل له: كيف يتَيَمَّمُ؟ قال: كما يَتَوَضَّأ. قيل: يُوَضِّيه غيره. قال: كذلك يتَيَمَّمُ، ولقد سمعتُ رَجُلاً عظيمًا يقول: التَّيَمُّم إلى المَنْكِبَيْنِ. ولَعَجَبًا كيف قاله. قال سَحْنُون: هو ابن شهاب. قال مالك، في المختصر، وفي الواضحة: يضع الْمُتَيَمِّم يَدَيْه على الصعيد، ثم يرفعهما غيرَ قابض بهما شَيْئًا، وإن علق بهما شيء من التراب فلا بأس أن ينفضهما نفضًا خفيفًا، ثم يَمْسَحُ بهما وجهه مرَّةً وَاحِدَة، ثم يُعِيدُهما إلى الأرض، ثم يمسح اليمنى باليسرى، ثم اليسرى باليمنى إلى الْمِرْفَقَيْنِ، من فوق اليد وباطنها. قال ابن حبيب: يذهب باليسرى على اليمنى إلى المرفق، ثم يُعِيدُها على باطن اليد إلى أصل الكَفِّ، ثم يُحَوِّلُ تلك الكَفَّ اليمين على ظاهِرِ أصابع اليسرى ذاهبًا إلى المرفق، ثم يُعِيدُها على باطن اليسرى إلى أطراف أصابعها. وذكر هذه الصفة عن مُطَرِّف وابن المَاجِشُون، عن مالك، عن ابن شهاب. وفي صفة غير ابن حبيب، أنه إذا بَلَغَ باليسرى على أصل كَفِّ اليمنى، تمادى إلى آخر أصابع اليمنى، ثم يَمْسَحُ باليسرى باليمنى، وهو أحسن. قال في المختصر: وإذا لم يجدْ إلاَّ طينًا تَيَمَّمَ به، وجَفَّفَهُ في يديه قليلاً. وقال في كتاب آخر: يُخَفَّفُ وضع يديه عليه. قال ابن حبيب: يُخَفَّفُ وضع يديه على الطين، ثم يُخَفَّفُهما قليلاً، ويُحَرِّك بعضهما إلى
بعض يسيرًا، إن كان فيهما ما يُؤْذِيهِ، ثم يَمْسَحُ وجهه، ويصنع كذلك ليديه. قال ابن الْقُرْطِيِّ: وليس عليه متابعة الغضون في التَّيَمُّم، وعليه تخليل أصابعه فيه. وما رأيته لغيره. قال ابن حبيب، عن مالك: والتَّيَمُّم للحَدَثِ والجنابة سواء. قال في المختصر: ولو تَيَمَّمَ لا ينوي الجنابة. لم يُجْزِهِ، ويُعِيدُ ما صَلَّى أبدًا. قال ابن حبيب: وليس عليك أن تَعْلَق يَدُك اليمنى بالصعيد، ما دُمْتَ تُجْري عليها اليسرى. ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أبو زيد عن ابن القاسم، في جُنُبٍ تَيَمَّمَ للوضوء ناسيًا لجنابته، فلا يُجْزِئه. ولو تَيَمَّمَ للجنابة أجزأه عن نية الوضوء. ومن أصل سماع ابن وهب: ومَنْ تَيَمَّمَ للوضوء ناسيًا للجنابة وصَلَّى، أنه يُعِيدُ التَّيَمُّمَ والصلاة في الْوَقْتِ، وإن خرجَ الوقت لم يُعِدْ؛ لأن التَّيَمُّمَ لهما واحد. وقال في المختصر: يُعِيدُ أبدًا حتى ينوي به الجنابة. وفي رواية الأبهريِّ: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْل تَيَمَّمَتْ، ولا بأس أن ترفع إليها ترابًا في طبق، وكذلك إلى المَحْمل للمُسافِر، يري أن ينتقل.
قال ابن الْمَوَّاز: وكذلك المريض على سريره. قال عيسى عن ابن القاسم: وللمريض أن يتَيَمَّمَ بالجدار إن كان طوبًا نيئًا من ضرورة، مثل أن لا يجدَ مَنْ يُوَضِّيه ولا يُيَمِّمُهُ. وقال ابن الْمَوَّاز، عن ابن القاسم: لا يتَيَمَّمُ عليه وهو طُوبٌ أو حجارة إلاَّ من ضرورة، فإنْ كُسِيَ بجِيرٍ أو بجِبْسٍ، فلا يتَيَمَّمُ عليه. قال ابن حبيب: إن كان حجرًا أو آجُرًّا، فلا يتَيَمَّم عليه، إلاَّ أن لا يجد مَنْ يُناوِلُه التراب، فلْيَتَيَمَّمْ عليه ثم لا يُعِيدُ. قال ابن حبيب: ولا يجوز التَّيَمُّم باللِّبْدِ، فإن فَعَلَ ذلك مضطرًّا أو غير مضطرٍّ أعاد أبدًا؛ لأنه لا يشاكل الصعيد. ومن المجموعة قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ لم يجدِ الصعيد، ووجد الثلج أو ماء جامدًا، أو الحجارة، فليتَيَمَّمْ على ذلك. قال المغيرة إلاَّ أن يقْدِرَ على إزالة الثلج. قال ابن حبيب: قال مالك: يتَيَمَّم على الثلج. وقال ابن عبد الحكم: لا يتَيَمَّم عليه. وبه أقول. وذَكَرَ الأبهريُّ أن أشهب رَوَى عن مالك أنه لا يتَيَمَّمُ على الثلج. قال ابن حبيب: ومَن صَلَّى بذلك، فإن وجد الصعيد في الْوَقْتِ أعاد، ولا يُعِيدُ بعد الوقتِ، ولو فعله واجدًا للصعيد أعاد أبدًا. وإن تَيَمَّمَ بالحصباء أو الجبل واجدًا للتراب أعاد في الْوَقْتِ، ولو فعله غيرَ واجد لم يُعِدْ.
ومَن تَيَمَّمَ على لبَدٍ أعاد أبدًا، وإن كان مُضْطَرًّا. قال أَصْبَغُ: ومَنْ تَيَمَّمَ بصعيد نجس عالمًا أعاد أبدًا. قال ابن حبيب: وإن لم يَعْلَمْ لم يُعِدْ إلاَّ في الْوَقْتِ. قال أبو الفرج، في قول مالك، في مَنْ تَيَمَّمَ على موضعٍ نَجِسٍ أنه يُعِيدُ في الْوَقْتِ. فأراه يريد إذا خالطتها نجاسة، ثم لم يطهُرْ طُهُورًا يُحْكَمُ لها به، فيصير كماء مشكوك فيه، أو مُصَلٍّ بثوب نَجِس، أو على موضع نَجِسٍ، فإن لم يُرِدْ هذا فلعلَّه فرَّق بين الأرض والماء، أن الماء ينقل المُحْدِثَ إلى كمال الطهارة، والتَّيَمُّم إنما ينْقِلُ به عن حُكْمِ الحَدَث إلى وجود الماء. والذي ذكر أبو الفرج عن مالك إنما هو عندنا لابن القاسم. ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، قال: ولا بأس أن يتَيَمَّم بتراب قد تَيَمَّمَ به مَرَّةً. وقال ابن سَحْنُون، عن أبيه: ومَنْ تَيَمَّمَ على حجر أو ثلج واجدَا للتراب، أجزأه في الحجر، ووقف في الثلج. ومن المجموعة، قال ابن القاسم عن مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ، والتَّيَمُّم بترابها. قال عنه ابن نافع: وبالوضوء بمائها. ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى أبو زيد، عن ابن القاسم، في مريض لم يَجِدْ مَنْ يُناوِلُه ماءً ولا تُرَابًا، فلْيُصَلِّ كذلك، ويُعِيد أبدًا.
في من له التيمم لعدم الماء، أو المريض، أو غيره، ومتى يتيمم
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال أَصْبَغُ: لا يُصَلِّي إلاَّ بوضوء أو تَيَمُّمٍ. قال ابْنُ الْمَوَّاز، عَنْ أَصْبَغَ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الهارب من العَدُوِّ، أو مَنْ ربطه اللصوص: إنْ صَلَّى بغير وضوء أعاد أبدًا. قال أَصْبَغُ: إلاَّ أَنْ يتَيَمَّمَ. وكذلك مريض لم يجدْ مَنْ يُناوِله ماءً ولا تُرَابًا، ولا عنده جِدارٌ، فإن صَلَّى كذلك أعاد أبدًا، ولا يتَيَمَّم على الفراش. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، في الخائف لا يجدُ أنْ يَنْزِلَ عن دَابَّتِهِ لوضوءٍ أو تَيَمُّمٍ. قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم: يُصَلِّي كذلك، ويُعِيد أبدًا، وكذلك الأسير والمريض لا يجدُ ماءً. في مَنْ له التَّيَمُّم لعدم الماء أو المريض أو غيره، ومتى يتَيَمَّم قال مالك في الموطأ: ومَنْ تَيَمَّمَ لعدم الماء مِنْ مُسَافِرٍ، وصَلَّى فليس مَنْ صَلَّى بالوضوء أتمَّ منه صلاة؛ لأن كليْهما قد فعل ما أُمِرَ به. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: وإنما ذَكَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ التَّيَمُّم لصحيح مسافر أو مريض حاضر. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: إن المريض الحاضر والمسافر دخلا في آية التَّيَمُّم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عبد الحكم، في حَاضِرٍ لم يجدِ الماءَ، فتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم وَجَدَ الماء بعد الوقت، فعليه أَنْ يُعِيدَ؛ لأن الله تبارك وتعالى إنما
ذَكَرَ التَّيَمُّم في المريض والمسافر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واختلف قولُ مالك في الحاضر الصحيح، يخافُ فواتَ الوقت، ولم يجد الماء، فقال: يتَيَمَّمُ ويُصَلِّي ولا يُعِيدُ. ثم رجع في البئر الطويلة يخاف أن استقى خروج الوقت، أنه يتَيَمَّمُ، ثم إذا وجَدَ الماءَ أعادَ، وإن خرجَ الوقت. وبهذا أقولُ. وجعله ابن القاسم كالمسافر، وليس بمنزلته، وكذلك المُسَجَّنِين يُحْبَسُ عنهم الماءُ إلى آخرِ الوقت، فليُصَلُّوا بِالتَّيَمُّمِ، ثم يُعِيدُوا إذا وجدوا الماء. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومَنْ سار مسيرًا لا تُقْصَرُ في مثله الصلاةُ، فهو كَالْحَاضِرِ، يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ، ثم يُعِيدُ كَالْحَاضِرِ. ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الحَضَرِيِّ يخافُ طلوع الشمس إن استقى الماءَ، فلْيتَيَمَّمْ. وقال: لا يتَيَمَّم. وقال في موضع آخر: قال مالك: يتَيَمَّمُ ويُعِيدُ بِالْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قال مالك في الحضريِّ في مَنْزِلِهِ إنْ ذَهَبَ ليأْتِيَ بِالْمَاءِ طلعت الشمس، قال: يتَيَمَّمُ. وله قولٌ آخرُ في الإعادة. وقال أيضًا: يطلبه وإن طلعتْ، إلاَّ أن يكون له عُذْرٌ. وقال: لو صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثم أعاد بِالْمَاءِ. وقال: إن بَعُدَ منه تَيَمَّمَ، وإن قَرُبَ منه فلا يُصَلِّي حتى يأتيه. ومن المجموعة رَوَى ابن القاسم، عن مالك في المقيم يخرُجُ في بعض نواحي القرية، فتحين الصلاة ولا ماء معه، قال: يطلُبُ الماءَ وإنْ
فات الوقت، إلاَّ أن يكون له عذرٌ، فلو تَيَمَّمَ وصَلَّى ثم أعاد إذا وجد الماء. ثم قال: إن كان الماء بعيدًا تَيَمَّمَ وصَلَّى، وإن كان قريبًا فلا يُصَلِّي حتى يأتي الماء فيَتَوَضَّأ. وفي المختصر: ولا يُصَلِّي في الحضر على الجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ، وهو يَقْدِرُ على الماء. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في مَنْ خرج من مَنْزِلِهِ إلى مَنْزِلٍ آخر، فغَرَبت الشمسُ، وقد بَقِيَ له مثل ميلٍ أو مِيلَيْنِ، فلا يتَيَمَّمُ حتى يأْتِيَ المنزلَ فيَتَوَضَّأ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، في المرأة لا تخرجُ وليس في دارها ماءٌ، ولا تجدُ من يأتيها به فلْتُؤَخِّرْ إلى آخر الوقت، ثم تخرجُ فتطلب الماءَ إنْ خافتْ فوات الوقت. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وعن المسافر يكون الماء متنحِّيًا عن طريقه، فإن كان ممَّن يشُقُّ عليه المُضِيُّ إليه فليتيمَّمْ. قال سَحْنُون: لا يَعْدِلُ إليه في الميلين وإن أَمِنَ. وكذلك مَنْ خرَجَ من قريةٍ إلى قرية لا يُقْصَرُ في مثلها. قال مالك: وإن خافوا السَّرِقَ في نُزولِهِم في المناهل بليلٍ، فنزلوا دُونَه بثلاثة أميالٍ، وتيمَّمُوا للصبح، فلا يُعجبني، ولْيَبْعَثُوا مَنْ يأتيهم بِالْمَاءِ. وعن مسافر، الماء منه على نصف ميل أو ميل، ويخافُ سباعًا، أو سِلابَةً، أو عليه فيه مشقة، فليتَيَمَّم.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك، ومثله في المختصر، ونحوه في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في مَنْ معه ماء، ويخاف العَطَشَ، فليتَيَمَّمْ. قيل: أيخاف الموتَ أو الضَّرَرَ؟ قال: كلُّ ذلك. قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ معه ماءٌ قليلٌ فاسْتقاهُ رَجُلٌ، فإن خاف عليه أَسْقَاهُ، ويتَيَمَّم، وإن لم يبلُغْ منه الخوفُ فلا. قال في المختصر، وغيره: وليس على مَنْ لا ماءَ معه أن يشتريه بأضعاف ثمنه، إلاَّ أن يجدَه بِثَمَنِه، أو بما يُشْبِهُه. قال في كتاب آخر: إن كان معه دراهم تُعِينُه. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وليس عليه شراءُ القِرْبَة بِعشرةِ دراهِمَ، وإن كان كثيرَ الدراهِمِ، ولكنْ بالثَّمَنِ المعروفِ. وقال عنه ابنُ القَاسِم نحوه. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: ولا بأس أن يَسْأَل المسافرُ أصحابَه الماءَ في موضع كثير الماء، فأمَّا في موضع يتعذَّرُ فيه ففيه سَعَةٌ أنْ لا يسأَلَهم، إن شاء الله. قال عنه أشهب: وإنما على المسافر أنْ يَطْلُبَ الماءَ مِمَّنْ يَلِيه، أو مِمَّنْ يرجو أن يُعْطِيَه، وليس عليه أن يطلب أربعينَ رَجُلاً. قَالَ ابْنُ عبد الحكم، وابن القاسم نحوه. قال: إنْ عَلِمَ أنَّهم يمْنَعُونه فلا يسْألُهم.
قال ابن حبيب: قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغُ، في مَنْ تَيَمَّمَ ونَسِيَ الماء في رَحْلِهِ وصَلَّى، فلْيُعِدْ أبدًا نسيَهُ أو خَفِيَ عنه أو لم يعلمْ به. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في المجموعة: لا إعادة عليه. وإن أعاد فحسَنٌ. وذلك في المختصر. وفي المدونة: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عن مَنْ ذكَر مِن أصحاب مالك وأصبغَ، إنْ وجدَه في رُفقةٍ عظيمة لم يكُنْ عليه طَلَبُه إلاَّ مِمَّنْ حوله وما قَرُبَ، فإن لم يَفْعَلْ فقد أساءَ ولا يُعِيدُ، وإن كانت رُفْقَةً قليلة فلم يطلبْه فليُعِدْ في الْوَقْتِ، إلاَّ أنْ يكونَ مَنْ معَه مثلَ الرَّجُل والرجلين، وشِبْهَ ذلك وهم متقاربون، فلْيُعِدْ أبدًا، وهذا كرحْلِه. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن سأل بعضَ مَنْ معه فلم يجدْ، ثم وجَدَه عندَ بعض رُفَقَائِهِ، فإنْ كان مِمَّنْ لا يمْنَعُهُ أعادَ في الْوَقْتِ، وإن كان مِمَّنْ يمنعُه فلا يُعِيدُ. وقال مالك: إذا تَيَمَّمُوا ثم وَجَدُوا بِئْرًا أو غديرًا قريبةً منْهم أعادوا في الْوَقْتِ. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ طلَب الماءَ فلم يَجدْهُ في سَفَرٍ أو مُقَامٍ، فَتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم وَجَدَ الماءَ، لم يكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَ، وإن كان في الْوَقْتِ؛ لأنه عَمِلَ ما أُمِرَ به. وقال عليُّ بن زياد، في جُنُبٍ مُسَافرٍ اغتسل بما معه من الماءِ وصَلَّى، فبقي عليه قدرُ الدرهم، فلا يُجْزِئه، ولْيَتَيَمَّمْ ولْيُعِدِ الصلاة.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومَنْ به حَقْن ولا ماء معه، فلْيُصَلِّ به، إلاَّ أنْ يشْغَلَهُ فَلْيَبُلْ ولْيتَيَمَّمْ. وإذا مَسَّتْ رِجْلُ المسافر نَجاسةٌ، ولم يجدِ الماءَ، مسحها بالتراب وصَلَّى، وإن وجدَ الماء في الْوَقْتِ غسلها وأعاد. ومن كتاب ابن سَحْنُون: ومن تَيَمَّمَ ثم وجدَ الماءَ، فَتَوَضَّأَ به فصَلَّى أو لم يُصَلِّ، ثم علم أنه نَجسٌ، فلا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمه؛ لأنه ليس بماء يجوز له به الطهارة. وقد تقدَّمَ بابٌ في الماء المشكوك فيه. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك في مَنْ لا يجدُ الماءَ أيَتَوَضَّأ بالندى أم يتَيَمَّم؟ قال: يتَيَمَّمُ، إلاَّ أن يقدرَ أن يجمَع مِن النَّدَى ما يَتَوَضَّأ به. قال في المختصر: وإن لم يجدْ إلاَّ نبيذًا أو ماءً ممزوجًا بعَسَلٍ تَيَمَّمَ. ورَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة مثله في النبيذ، وقال: ولا يَغْسِلُ به نجاسة. قال موسى: قال الحسنُ: لا يَتَوَضَّأ بنبيذ ولا غيره. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: ومن لم يجدِ الماءَ؟ قال: فليتَيَمَّم في الْوَقْتِ الوسط، وإن رجا الماء فحتَّى يخاف فوات الوقت. وقَالَ ابْنُ كنانة: إذا لم يجدِ الماءَ فلا يتَيَمَّم حتى يخاف فوات الوقت. وقاله ابن وهب عن مالك، وقال: ولا أُحِبُّ أن يتأخَّرَ جدًّا وإنْ رجا الماءَ.
وقال المغيرة: ومَنْ كان في حصار وهو يرى الماء ولا يَصِلُ إليه، فإنْ دَخل الوقتُ تَيَمَّمَ، ثم لا يُعِيد وإنْ وجدَه في الْوَقْتِ. قال مالك في المختصر: ويتَيَمَّم الخائف إذا كان يرى الماء ولا يقدر أن يخرج، ويُعِيدُ إنْ أَمِنَ في الْوَقْتِ. قَالَ ابْنُ عبدوس، في قول ابن القاسم إنَّ المريضَ والخائفَ والمسافر يتَيَمَّمون وسط الوقت، ثم إنْ وجدُوه في الْوَقْتِ لم يُعِدِ المسافر وأعاد الآخران. قَالَ ابْنُ عبدوس: في وَقْتِ الصلاة المفروضة. قال عبد الله: ويعني بالمريض ها هنا الذي يجد الماء ولم يجدْ مَنْ يُناوله إياه، والمسافر هو الذي لا عِلْمَ عنده من الماء من المسافرين، والخائف هو الذي يَعْلَمُ موضع الماء منهم ويخاف أن لا يُدْرِكَه في الْوَقْتِ، ومثله الخائف من سباعٍ أو لصوص. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والمسافر المؤيس من الماء يتَيَمَّم أول الوقت، والذي يرجوه في الوقت فليؤخِّرْ إلى آخره، عَلِمَ مكانه أو لم يعلم، وآخِرُ الوقت في هذا في الظهر أن يبلغ مثله بعد ظلِّ الزوال، وفي العصر أن يبلغ مثليه، والمغرب قبل غيبوبة الشفق، والعشاء ثلث اليل. وقاله مُطَرِّف، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ. ومَنْ أُمِرَ منهم بِالتَّيَمُّمِ آخِرَ الوقت فَتَيَمَّمَ في أول الوقت وصَلَّى، وإنه إن وجد الماء في الْوَقْتِ فلْيُعِدْ، وإلاَّ لم يُعِدْ، فإن وجدَه في الْوَقْتِ فجهل
ومَنْ علم أنه يُدْرِكُه في الْوَقْتِ، فَتَيَمَّمَ في أوله وصَلَّى، وجهلَ بأنه إنْ وجدَه في الْوَقْتِ أعاد، فإنْ لم يَفْعلْ حتى خرج الوقت فلْيُعِدْ أبدًا. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يُعِيدُ إلاَّ في الْوَقْتِ، ولا يُعِيدُ الأولَ. ولا أقول به. قال مُطَرِّف، عن مالك: ومَنْ لا يقْدِرُ من المرضى على مَسِّ الماء، تَيَمَّمَ في الْوَقْتِ الذي يُصَلِّي فيه الناس، وأما مريضٌ لا يجد مَنْ يُنَاوِله الماء، أو لا يجد من يُوَضِّيه، ويَضْعُف هو عن ذلك، فلْيَتَيَمَّمْ آخرَ الوقت، ثم إنْ قَدِرَ على الماء في بقية الوقت أعاد، والخائف كذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: وإذا خاف المسافر الجُنُبُ إنِ اغْتَسَلَ الموتَ أو العِلَّةَ الشديدة، فلْيَتَيَمَّمْ، ويُصَلِّي، ولا يُعِيدُ في وقت ولا غيره. قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وأصبغ، في المريض: إنه يَتَوَضَّأ، فإنْ خِيفَ عليه ضرره تَيَمَّمَ إن قدر، أو يُمِّمَ إنْ لم يَقْدِرْ. قالوا: وإن أخذه العَرَقُ، ويقدر أن يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي قائمًا، ولكنْ إنْ فعل قُطِعَ عنه العَرَقُ، وخاف دوام العِلَّة؛ فلْيَتْرُكْ، ويتَيَمَّم، ويُصَلِّي إلى القبلة إيماءً، فإن خرج الوقت قبل زوال العرق لم يُعِدْ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عبد الملك بن الحسن، قَالَ ابْنُ وهب: إذا لم يَقْدِر المبطون على الوضوء تَيَمَّمَ، وكذلك المائد في البحر. قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْلِ تَيَمَّمَتْ، ولا بأس أنْ يُرْفَع إليها الماء في طبق.
في من تيمم لصلاة فصلى به غيرها، من نافلة، أو فريضة، وكيف إن كان تيممه لنافلة، وفي التيمم لنافلة، أو لمس مصحف
في مَنْ تَيَمَّمَ لصلاة فصَلَّى به غيره، من نافلة أو فريضة، وكيف إن كان تيممه لنافلة، وفي التَّيَمُّم لنافلة أو لِمَسِّ مصحف قال مالك، وأصحابه: لا يتَيَمَّمُ لصلاة قبل وقتها، ولا يُصَلِّي صلاتن بتيمم واحد. ومن الْعُتْبِيَّة، قال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ صَلَّى الظهر والعصر بتَيَمُّمٍ واحد، أو صَلَّى به صلوات جَهْلاً أو نِسْيانًا، فَلْيُعِدْ ما زاد على وَاحِدَة في الْوَقْتِ، ولو أعاد أبدًا كان أَحَبُّ إِلَيَّ. قال عنه ابن الْمَوَّاز: يُعِيدُ أبدًا. وقال هو وابن حبيب، عَنْ أَصْبَغَ: إن كان وقت الصلاتين مُشْتَرَكًا كالظهر والعصر، أعاد الثانية في الْوَقْتِ، وإنْ كانتا كالعصر والمغرب أعاد الثانية أبدًا. وقال هذا معنى قول ابن القاسم. وقال سَحْنُون، في كتاب ابنه: يُعِيدُ الثانية ما لمْ يَطُلْ مثل اليوْمَيْنِ وأكثر قليلاً فلا يُعِيدُ، وكذلك إن صَلَّى قبلها ركعتي الفجر بعد أن كان قال في هذه: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. وفي الفريضة: أبدًا. قَالَ ابْنُ نافع، في المجموعة، عن مالك، في الذي يَجْمَعُ بين الصلاتين: فلْيَتَيَمَّمْ لكل صلاة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن تَيَمَّمَ لصلاة، ثم ذَكَرَ صلاةً قَبْلَها، فَلْيُعِدِ التَّيَمُّمَ لها، ويبدأُ بها، وإن صَلاَّها بِالتَّيَمُّمِ الأول أعاد أبدًا.
وذكر أبو الفرج، عن مالك في ذاكر صلوات، أن له قضاءهنَّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وأُخْبِرْتُ عن بعض متأخِّرِي أصحابنا في المريض لا يَقْدِرُ على مَسِّ الماء، أنَّ له أنْ يَجْمَعَ بينَ صلاتين بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. قال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة، في جُنُبٍ لا يَقْدِرُ أن يَمَسَّ جِلْدُهُ الماءَ، فلْيَتَيَمَّمْ لكل صلاة، وإن صَلَّى صلاتين بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أعاد. يريد: الثانية. ومن كتاب ابن سَحْنُون: وقَالَ ابْنُ القاسم في مَنْ تَيَمَّمَ لركعتي الفحر، وصَلَّى به الصبح، أو تَيَمَّمَ لنافلة، فَصَلَّى به الظهر: إنه يُعِيدُ في الْوَقْتِ. ورَوَى أبو إسحاق البرقي، عن أشهب، أنه يُجْزِئُهُ في صلاته الصبح بِتَيَمُّم ركعتي الفجر، ولا يُجْزِئه إذا تَيَمَّمَ لنافلة، فَصَلَّى به الظهر. ومن الواضحة: ومَنْ تَيَمَّمَ لنافلة فَصَلَّى به فريضة أعاد أبدًا. ولو تَيَمَّمَ للفريضة فَتَنَفَّلَ قبلها، ثم صلاها، أعاد في الْوَقْتِ. ومَنْ تَيَمَّمَ للنوم، أو لِمَسِّ مصحف، فَصَلَّى به أعاد أبدًا. وله أن يُوتِرَ بِتَيَمُّم العشاء، ويُصَلِّيَها من التَّنَفُّل بما يشاء. وقال سَحْنُون مثله، في المجموعة، وقال في كتاب ابنه: لا يُوتِرُ بِتَيَمُّم العشاء، فإنْ فعل فلا شيء عليه. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في مَنْ تَيَمَّمَ للنوم، ولا ينوي به تَيَمُّمَ الصلاة، فلا يَتَنَفَّلُ به، ولا يَمَسُّ به المصحف.
قال ابن حبيب، قال مالك: وإنْ تَيَمَّمَ مسافر للنومِ، أو لِمَسِّ مصحف، فله التَّنَفُّل به، وله مَسُّ المصحف بِتَيَمُّم النوم. قال حبيب بن الربيع، قال مالك وأصحابه: لا بأس أن يتَيَمَّم لتَّنَفُّل، أو لقراءة مصحف. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا يتَيَمَّم لنافلة؛ لأنه ليسَ بضرُورَة، وإنما يتَيَمَّمُ للفريضة التي لا بُدَّ منها. قال مالك، في المختصر: وللمُتَيَمِّمِ أن يَتَنَفَّل به، ما لم يَطُلْ ذلك. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المجموعة: ومَنْ تَيَمَّمَ للوِتْرِ بعدَ الفجر فله أن يركع به الفجر، وإن تَيَمَّمَ لنافلة فله أن يُوتِرَ بذلك. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومَنْ تَيَمَّمَ للتَّنَفُّلِ في غير وقت فريضة، ثم تأخَّر تَنَفُّلُهُ، فلا يَتَنَفَّل بذلك. قال عنه أبو زيد: فلا يركع للضحى بِتَيَمُّم الصبح. قال في كتاب ابن الْمَوَّاز: وإن لم يزلْ في المسجد. وقال أبو زيد عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة: ومَنْ تَيَمَّمَ لنافلة، ثم خرجَ من المسجد لحاجة، ثم عاد فلا يَتَنَفَّل به، ولا يَمَسُّ المصحف. ولو تَنَفَّلَ حين تَيَمَّمَ، ثم جلسَ في المسجد يتحدَّثُ، ثم شاء أن يَتَنَفَّلَ، فإن طال ذلك فلا يَفْعَلْ. ومن المجموعة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: وللمسافر الجُنُبِ لا يجدُ ماءً أنْ يتَيَمَّمَ لِمَسِّ المصحف، ويقرأَ فيه، ويسْجُدَ إنْ مَرَّ بسجْدَةٍ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومَنْ تَيَمَّمَ، ثم نزعَ
في الماء بين نفر لا يكفي إلا أحدهم
خُفَّيْهِ لم ينتقضْ تَيَمُّمُهُ. في الماء بين نفر لا يكفي إلاَّ أحدهم من الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون في قوم تَيَمَّمُوا، ثم وَجَدُوا من الماء كفاية أحدهم، فَبَدَرَ إليه رَجُلٌ منهم، فتَوَضَّأَ منه، فلا ينتقض تَيَمُّمُ الباقين إذا لم يَمْلِكُون، وهو كالصيد، ولو أَعْطَوْهُ لأحدهم باختيارٍ منهم، انتقضَ تَيَمُّمُهم أجمعين. وقال سَحْنُون، في المجموعة: لا ينتقضُ إلاَّ تَيَمُّمُ المُسَلَّمِ إليه. قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه: وإذا وجدَ المُتيمِّمانِ ما يكفي أحدَهما، فلا يَنْتَقِضُ إلاَّ تَيَمُّمُ مَنْ أُسْلِمَ إليه. قال في المجموعة: لا يَنْتَقِض تَيَمُّمُ أحدهما، إلاَّ أن يُسَلِّمَه أحدُهما إلى صاحبه، فيَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ المُسَلَّمِ إليه. وقال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة: ولو أعطاهُما إيَّاهُ رَجُلٌ، فقال: قد وَهَبْتُه لأحدهما. فمَنْ أسْلَمَه إلى صاحبه انْتَقَضَ تَيَمُّمُ التارك له. وكذلك في الجماعة يقول: هو لأحدِكم. إلاَّ في العدد الكثير، كالجيش، فلا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الباقين، وإنْ قَلُّوا. ولو قال: هذا لكم. فلا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الباقين. ومن سماع موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وعن نفر في سفر ماتَ أحدُهم، وآخَرُ جُنُبٌ، والثالث على غير وضوء، ولهم من الماء ما يكفي
في وطء المسافر أهله، والجريح، وشبهه
واحدًا للغُسْلِ، فإنْ كانَ للمَيِّتِ غُسِّلَ به, وإنْ كان بينهم فالحيُّ أَوْلَى به من المَيِّتِ، ويُيَمَّمُ الميِّتُ. قال يحيى بن عمر: وعلى مَنِ اغتسل به حصَّةُ الميت، إن كان له ثمن. في وطء المسافر أهله، والجريح، وشبهه قا مالك: لا يطأُ المسافر أهله التي رأَتِ الطُّهْرَ من الحيضة، حتى يكون معه ما يتطهَّران به. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولو تَيَمَّمَتْ ومعه هو ما يتطهَّرُ به فلا يطؤها. بذلك قال سَحْنُون: لا يطؤها حتى يكونَ معهما ما تتطهَّرُ هي به للحيضة، ثم ما يَتَطَهَّرَانِ جميعًا من الجنابة، ولا يطؤها بِالتَّيَمُّمِ؛ لأن بأوَّلِ الملاقاة يَنْتَقِضُ التَّيَمُّم، ولا بُدَّ لها من الغُسْلِ. وفي كتاب ابن شعبان: أنَّ له وطأها بِالتَّيَمُّمِ. قال: وقد اختَلَف قولُ مالكٍ في إكراه النصرانية على غُسْلِها من الحيضة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُقَبِّلُ المسافرُ أهله إذا كان من وضوء في عدم الماء، ولا يطؤها إلاَّ أن يضُرَّ به طولُ السفر في الحاجة إلى أهله. وقاله ابن المَاجِشُون، وقاله أصبغ، ورَوَى فيه حديثًا.
في مس المصحف، وقراءة القرآن، ودخول المسجد للجنب والحائض، أو لغير متوضئ، يمس ما فيه ذكر الله
قال ابن حبيب: والْمَجْدُورُ، والمَخْضُوبُ، والمَجْرُوحُ الذي غيَّرَتِ الجِراحُ جَسَدَه أو جُلَّهُ، يتَيَمَّمُونَ للجنابة وللوضوء، وليس عليهم أن يغتسلوا بالماء، ولا بأس أن يطئوا نساءهم؛ لأن أمرهم يطولُ، بخلاف المسافر لا يجدُ ماءً، إلاَّ أن يطولَ ذلك بالمسافر جِدًّا، فيجوز له وطءُ امرأته. وقَالَ ابْنُ وهب، عن مالك في سماعه: إنه يُكْرَهُ لِلْمُسَافَرِ لا ماءَ معه أنْ يُجَامِعَ. وقال عنه ابن القاسم: ليس له أن يُدْخِلَ على نفسه أكثرَ من الحَدَثِ. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك في مَنْ تُصِيبُهُ الشجَّةُ أو تَنْكَسِرُ يدُه، فيرْبِط عليها عِصَابةً، أيُصِيبُ أهلَهُ؟ قال: أرجو ألاَّ يكونَ به بأسٌ، ولعلَّ ذلك يطولُ عليه، ويحتاجُ إلى أهله، وليس كاِلْمُسَافَرِ. في مَسِّ المصحف وقراءة القرآن، ودُخُولِ المسجدِ للجُنُبِ والحائضِ، أو لغيرِ متوضِّئ، ومَسّ ما فيه ذِكْرُ الله قال مالك، في المختصر: أرجو أن يكونَ مسُّ الصبيان المصاحف للتعليم على غير وضوء خفيفًا، ولا بأس بإمساكهم الألواح. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في الْعُتْبِيَّة: إنه استخفَّ للرَّجُلِ
والصبي يتعلَّمُ إمساك اللوح فيه القرآن على غير وضوء. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وكذلك المُعَلِّمُ يَشْكُلُ ألواح الصبيان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يَمَسُّ مَنْ ليس على وضوء مصحفًا ولا جُزْءًا، ولا ورقة، ولا لوْحًا، ويُكْرَه ذلك للمُعَلِّمِ إلاَّ على وضوء. ويُسْتَخَفُّ للصبيان مَسُّ الأجْزَاءِ للتعليم، كالألواح والأكتاف، ويُكْرَهُ لهم مَسُّ المصحف الجامع إلاَّ على وضوء. ومن الْعُتْبِيَّة قال أبو زيد: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا بأس أن تَمْسِكَ الحائضُ اللوح تَقْرَأُ فيه وتَكْتُبُ فيه القرآنَ، على وجه التعليم. ورَوَى أشهب عن مالك، قال: لا أرى لغير مُتَوَضِّئ مَسَّ اللوح فيه القرآنُ، ولا بأس بما تُعَلِّقُهُ الحائض والصبيان من القرآن إذا أُخْرِزَ عليه، أو جُعِلَ في شيء يَكِنُّه، ولا بأس أنْ يُكْتَبَ للحُبْلَى يُعَلَّق عليها من القرآن وذِكْرِ الله وأسمائه، وأما ما لا يُعْرَفُ، والكتابُ العبرانيُّ فأكرهُهُ. وكَرِهَ العَقْدَ في الخيط. قال مالك في المختصر: ولا بأس بأن تقرأ الحائض القرآن، بخلاف الجُنُبِ. وذَكَرَ الأبهري، أنَّ قول مالك اختلفَ في قراءَتِها القرآن. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أنها لا تَدْخُلُ المسجد، ولا مسجد بيتها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يقرأ الرَّجُلُ القرآن قائمًا، وقاعدًا، وماشيًا، وراكبًا، ومضطجعًا، ما لم يكُنْ جُنُبًا. ومن كتَبَ الآية والآيتين على غير
وضوء، أو قرأ كتابًا فيه آياتٌ من القرآن، فهذا خفيفٌ. وإذا كان غيرُهُ يُمْسِكُ له المصحفَ، ويُصَفَّحُ له الورق، فلا بأس أن يقرأ هذا فيه. قال لي أبو بكر: ولا يُصَفِّحُ له الورق بعودٍ أو غَيْرِه. قال ابن حبيب: لا يجوز لِلْجُنُبِ أن يقرأ القرآنَ، لا نَظَرًا ولا ظاهِرًا، حتى يَغْتَسلَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أنَّ مالكًا قال: لا بأس أنْ يقرأ الجُنُبُ الآيات عند نوم أو عند رَوْعٍ. قال مالك: ولقد حرَصْتُ أنْ أجِدَ في قراءة الجُنُبِ القرآن رُخْصَةً فما وَجَدْتُها. قال مالك، في المختصر: لا يقرأ لجُنُبُ إلاَّ الآياتِ اليسيرة. ومن الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: اسْتَخَفَّ مالكٌ في الخَاتَمِ المنقوش، وهو في الشمال، إن اسْتَنْجَى به، قال: لو نَزَعه كانَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وفيه سَعَة، ولم يكنْ مَنْ مضى يَتَحَفَّظ من هذا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأنا أسْتَنْجِي به، وفيه ذِكْرُ الله سبحانه. وكَرِهَ ابن حبيب أن يُسْتَنْجَى به. قال موسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة: لا بأس أن يَتَوَضَّأ الرَّجُلُ في صحن المسجد وضوءًا ظاهرًا، وتركُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. قال لنا أبو
في الحيض، والطهر، ومبلغ القرء والحيضة
بكر: وقد فعله موسى بن معاوية في صحن مسجده. قال سَحْنُون: لا يَنْبَغِي ذلك. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَهُ مالك، وإنْ كان في طَسْتٍ. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك في المساجد تكون في البيوت: أكْرَهُ لِلْحَائِضِ أن تَدْخُلَهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: لا يجلس الجُنُبُ والحائض في مسجد بيتهما، ولا يَدْخُلا المسجد لا مُجْتَازَيْنِ ولا لجلوس فيه. ومن المجموعة قال عنه ابن نافع: ولا يَمُرُّ جُنُبٌ ولا حائض في المسجد مَرًّا. ولا بأس أن يجلس فيه غيرُ مُتَوَضِّئ. وقال بعض أصحابنا في مَنْ نام في المسجد فَاحْتَلَمَ، قال: يَنْبَغِي أن يتَيَمَّمَ لخروجه منه. وقد ذَكَرْنا في آخِرِ اختصار الصلاة بابًا في المصاحف، وبابًا في المساجد، ففي ذلك من هذا المعنى. في الْحَيْضِ والطُّهْرِ، ومَبْلَغِ القرْءِ والْحَيْضَة من المجموعة، قال عبد الملك: لا تكون حَيْضَةٌ يَبْرأ بها الرَّحِمُ أقلَّ من خمسة أيام، ولكِنْ تَدَعُ فيه الصلاة، وهو كالتَّرِيَّةِ، ولا يُفَرِّقُ بين حَيْضَتَيْنِ من الطُّهْرِ أقلُّ من خمسة أيام، وهذا مأخوذ من عُرْفِ النساء،
أو أنه مما جُرِّبَ وعُرِفَ من عُرْف النساء. قال المغيرة: ومَنْ قَلَّ دمُها كثُرَ أيام طُهْرِها، ومَنْ قلَّ طُهْرُها كَثُرَ دَمُتها. قَالَ ابْنُ دينار: لولا ذلك لَحَلَّتِ الْمُطَلَّقَة في أَقَلَّ مِنَ الشَّهْرِ. قال ربيعة: لا تَحِلُّ في أقلَّ من خمسة وأربعين ليلة، وبلَغَنا مِثله عن مالك، وعبد العزيز. وقال سَحْنُون: أقلُّ الطُّهْرِ ثمانية أيام. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عشرة أيام. ورُوِيَ عن سَحْنُون: أقلُّ ما تَنْقَضِي به عِدَّةُ الْمُعْتَدَّةِ أربعون يومًا. فهذا بَدَلٌ من قَوْلِهِ: إنه جعل أقلَّ الحَيْضِ خمسة، وأقلَّ الطُّهْر خمسة عشر يومًا. وقال محمد بن مسلمة: أقلُّ الحيض في الْعِدَّةِ ثلاثة أَيَّام، وأكثرُه خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، وإذا كانت امرأةٌ تحيضُ يومًا وتَطْهُرُ يومًا، فإذا كان ما لَفَّقَتْ من أيام الدَّم خَمْسَةَ عَشَرَ في كُلِّ شَهْرٍ، لم تكن مُسْتَحَاضَةً حَتَّى تُلَفِّقَ من أيام الدم أكثر من خمسة عشر في كل شهر أو من الطُّهْر أقل من خمسة عشر، فتكون حينئذ مُسْتَحَاضَة. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: وإذا رأت المرأة دمًا بعد طُهْرِها بأيام كثيرة، فرأته يومًا أو يومين، فلْتَدَعْ له الصلاة، ولا يكون ذلك في عِدَّةٍ، ولا اسْتِبْرَاء حَيْضَة، ويُسْأَلُ عنه النساء, ولا تكون حَيْضَةٌ يومًا. يريد: وتدَعُ له الصلاة، وتَغْتَسِلُ منه. ومن المجموعة، والْعُتْبِيَّة، رواية عيسى، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ،
في التي يَخْتَلِطُ عليه الدم، فإنَّ اليومَ الذي ترى فيه الدَّمَ وإن ساعةً تَحْسِبُهُ يومَ دَم. يريد: وإنِ اغْتَسَلَتْ في باقيه وصَلَّتْ. قال في التي لا ترى الدم إلاَّ في كل يومٍ مَرَّةً: فإنْ رأتْهُ صلاة الظهر فتركت الصلاة، ثم رَأَتِ الطُّهْرَ قبل العصر، فلتحْسِبْهُ يومَ دمٍ، وتَطْهُر وتُصَلِّي الظهرَ والعصر. ومن المجموعة: قال عليٌّ، عن مالك: وما رَأَتْ من الصُّفْرَة أَيَّامَ الْحَيْضِ أو أَيَّام الاسْتِظْهَارِ، فهو كَالدَّمِ، فإنْ رَأَتْهُ بعدَ ذلك فهي مُسْتَحَاضَةٌ. قال عليٌّ: دمُ الْحَيْضَةِ أسودُ غليظُ، ودمُ الاسْتِحَاضَة أَحْمَرُ رَقِيقٌ. قال عليٌّ، عن مالك في الْمَرْأَة تَرَى الماء الأَبْيَض من غير حَيْضٍ، قال: تتوضأ. قال عنه ابن القاسم: وكذلك إنْ رَأَتْهُ بِقُرْبِ الوِلادَةِ. قال عنه عليٌّ: وإذا رَأَتْ أَوَّلَ اللَّيْلَ دَمًا، وانقطعَ عند الصُّبْح، فَانْتَظَرَتْ يَوْمهَا فلم تَرَ شَيْئًا، فَلْتَغْتَسِلْ، وتعيدُ ما تَرَكَتْ من حينِ ارْتَفَعَ. يريد: تقدير وقتِ الغُسْلِ. ومن الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، فِي الْمَرْأَةِ تَرَى دمًا عند وضوئها، فإذا قامت ذهب عنها، قال: لا تَدَعُ الصلاة، إلاَّ أن تَرَى دَمًا تُنْكِرُهُ. يريد: وتَغْتَسِلُ منه. وإنْ تَمَادَى عند كل وضوء حَتَّى تجاوَز أيَّامها
والاسْتِظْهَارَ، ثم هي مُسْتَحَاضَةٌ. قال أبو محمد: لعلَّ مالكًا يريد: تراه عند كل وضوء أبدًا، فتكون مُسْتَحَاضَةً. وقال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في هذه المسألة، عن مالك: تَسُدُّ ذلك، وتُصَلِّي، ولا غُسْل عليها، كما تَصْنَعُ الْمُسْتَحَاضَة أَوَّلَ ما يصيبها. قال يحيى بن عمر: لا أَعْرِفُ هذه الرواية. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في هذه المسألة: وليس على الْمَرْأَة أن تقوم فتَنْظُرَ طُهْرَهَا قبل الفَجْر، وليس من عَمَل الناس. قال عنه عليٌّ في المجموعة: وإِنَّمَا عليها أَنْ تَنْظُرَ عند النوم وعند صلاة الصُّبْحِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا رَأَتِ الطُّهْرَ غُدْوَةً، فلم تَدْرِ أكان قبل صلاة الصُّبْحِ أو بعدَه، فلا تَقْضِي صَلاة اللَّيْل حَتَّى تُوقِنَ أنه قبلَ الفجر، ولكن تَصُومُ يَوْمَهَا إن كان رمضانَ، وتقضيه احْتِيَاطًا. ومن المجموعة، قال عليٌّ عن مالك: والقَصَّةُ الْبَيْضَاء ما ابْيَضَّ كَالْمَنِيِّ. قال عنه ابن القاسم: فإذا كانت مِمَّنْ تَرَى القَصَّةَ، فرَأَتِ الْجُفُوف، فلا تُصَلِّي حَتَّى تَرَاها، إلاَّ أن يكون ذلك بها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْقَصَّة ما ابْيَضَّ، عَلَمٌ لِلطُّهْرِ، ومنهن من تَرَى الْجُفُوفَ، فتلك لا يُطَهِّرُهَا الْقَصَّةُ، وأما التي علامتها الْقَصَّة فَتَرَى الْجُفُوفَ فذلك طُهْرٌ لها؛ لأن الحيضَ أَوَّلُه دم، ثم صُفْرَة، ثم تَرِيَّة، ثم كُدْرَة، ثم يصير رَقِيقًا
كَالْقَصَّةِ، ثم يَنْقَطِعُ. قال مُطَرِّف، وابن القاسم: والتي كما بلغَتْ فلا تَطْهُر حَتَّى تَرَى الْجُفُوفَ، ثم تَجْرِي بعد ذلك على ما يَنْكَشِف لها من علامة طُهْرِهَا. قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: وإذا اغتسلتْ من حَيْضَة أو نفاسٍ، ثم رَأَتْ قطرة دمٍ أو غُسَالَة دم، لم تُعِدِ الْغُسْل، ولْتَتَوَضَّأْ، وهذا يُسَمَّى التَّرِيَّة. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك، فِي الْيَائِسَةِ تدفع دفعةً أو دَفْعَتَيْنِ: فَلْتَسْأَلْ عنه النساء، فإن كان مِثْلُها تحيض اغْتَسَلَتْ، وكذلك التي تَنْقَطِعُ حيضتها سنين، ثم تَرَى صُفْرَةً. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا قُلْنَ مثلها لا تحيض. فلا تَدَعُ الصلاة لذلك، ولكنْ تَغْتَسِلُ إذا انْقَطَعَ، فإن أَشْكَلَ فيه الأمرُ تركتِ الصلاةَ كَالْحَيْضَةِ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في المجموعة: إذا قُلْنَ مثلها لا تحيض. فلا غُسْل عليها منه. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز، قال مالكٌ: إذا قُلْنَ: مِثْلُها تحيض. كانت حَيْضَة. فإن تَمَادَى بها، كانت مُسْتَحَاضَةً، وإن قُلْنَ: مثلها لا تحيضُ. تَوَضَّأَتْ، وصَلَّتْ، ولم تترك الصلاة لذلك الدمِ، ولم تَغْتَسِلْ له إذا انْقَطَعَ. ونحوه في المجموعة عن مالك.
في وطء الحائض، والنفساء، وفي غسل ثوبها، وهل تتوضأ للنوم
في وطء الْحَائِض والنُّفَسَاء، وفي غَسْلِ ثوبها، وهل تَتَوَضَّأ لِلنَّوْمِ من المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، وعليٌّ، قال مالك في مَنْ وَطِئَ حَائِضًا: ليس في ذلك كَفَّارَةٌ إلاَّ التَّوْبَةُ، والتَّقَرُّبُ إلى الله سبحانه. قال عليٌّ: وكذلك إن وَطِئَهَا بعد الطُّهْرِ وقبل الْغُسْلِ. قال عنه ابن نافع: والنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، لا يَقْرَبُهَا إلاَّ فيما فوق الإزَار. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا تُقْرَبُ الْحَائِضُ من حدِّ الإزار لِلذَّرِيعَةِ، وليس بِضَيِّق إذا اجْتُنِبَ الفَرْجُ. وقاله أصبغ. قَالَ ابْنُ حبيبك وما رُوِيَ في وَطْئِهَا من صدقة دينار ونصف دينار، وأن ابن عباس قال: دينارٌ في أَوَّلِ الدم، وأما في الصُّفْرَة فَلْيَتَصَدَّقْ بنصف دينار. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس فيه حَدٌّ، ولكن يُرْجَى بِالصَّدَقَةِ تَكْفِير الذَّنْب.
جامع القول في المستحاضة
قال مالك، في المختصر: وإذا اغْتَسَلَتِ الْحَائِضُ فليس عليها غَسْلُ ثوبها، ولْتَغْتَسِلْ ما أصاب منه الدمُ، وتَنْضَحْ ما بَقِيَ منه، إن خَافَتْ أن يكون أصابه شيء، وليس عليها الوضوء عند النوم. وقد جرى من هذا في باب آخَرَ. جامع القول في الْمُسْتَحَاضَةِ ومن الواضحة، وغيرها: واختَلَفَ قولُ مالك في الْحَائِضِ يزيد دمُها على أَيَّام حيضتها، فقال المصريون من أصحابه بِقَوْلِهِ: تَسْتَظْهِر بثلاث على أَيَّامها ما لم تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ. وقال المدنيون بِقَوْلِهِ: لا تَسْتَظْهِرُ، وتَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وبالأول قال أَصْبَغُ، وابن حبيب. ومن كتاب آخَرَ، وقال المغيرة: لا تَسْتَظْهِرُ. وقال محمد بن مسلمة: تبلغ إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، لاحْتِمَال أن تَنْتَقِلَ حيضتها، فإذا رَأَتْ على أكثر الْحَيْضِ صارت مُسْتَحَاضَةً، ثم إذا أقبلت الْحَيْضَةُ فحينئذ تَنْظُرُ عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهنَّ من الشهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. ولو
كان الْحَيْض تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ لكانت تجلس أكثر من عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن تُسْتَحَاضَ، وهذا خلاف الخبر. ولابن وهب رواية عن مالك أيضًا: إذا تَمَادَى بها الدَّمُ، فَلْتَسْتَظْهِرْ بيوم أو يَوْمَيْنِ. ولابن نافع عن مالك، في كتاب ابن سَحْنُون رواية مُنْكَرَة، أنها تَسْتَظْهِرُ على خَمْسَةَ عَشَرَ. فأَنْكَرَ سَحْنُون أن يكون هذا من قول مالك. وقال أبو بكر بن الجهم – في قول مالك: تَسْتَظْهِرُ على أَيَّامهَا بثلاث، ثم تَغْتَسِلُ وتُصَلِّي وتصوم -: فذلك عندي على أن تَقْضِيَ الصوم فيما بعد الثلاث إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، وتَغْتَسِلُ بعد الخمسة عشر غُسْلاً ثانيًا، وهو الواجب، والأول احْتِيَاط، وأُحِبُّ لِزَوْجِهَا أن لا يصيبها بعد الثلاث إلى خَمْسَةَ عَشَرَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا تزالُ الْمَرْأَةُ بعد استظهارها، وبعد بُلُوغ الخمسة عشر تَوَضَّأَ وتُصَلِّي وتصوم. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ورَوَى ابن وهب، عن مالك، قال: إنَّا لنقول: تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ. وما نَدْرِي أحقٌّ هو أم لا. وقال في موضع آخر: فَلأنْ تُصَلِّيَ وليس عليها أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَتْرُكَها وهي عليها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والمختلفة أَيَّامهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَسْتَظْهِرُ على
أكثرها. وأنا أقول: على أقلِّها. وقول ابن حبيب على أقلِّها لا يَصِحُّ؛ لأن إحدى عاداتها في الْحَيْضِ قد تُجَاوِزُ أقلَّها مع الاسْتِظْهَار. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا رَأَتْ يومًا دَمًا ويومًا طُهْرًا، فَلْتُلَفِّقْ أَيَّام الدم حَتَّى تُجَاوِزَ أيامها والاسْتِظْهَارَ. ولو رَأَتْ في اليوم قطرةً كان يومَ دمٍ، وإن اغْتَسَلَتْ منه ساعة انْقَطَعَ، ما لم يَكُنْ من الدَّمَيْنِ عشرة أَيَّام. فيكون حَيْضًا مُؤْتَنَفًا. ولو جَهِلَتِ المأمُورةُ بِالاسْتِظْهَارِ، وتَرَكَتِ الصلاة حَتَّى انْقَطَعَ، فلا تَقْضِي إلاَّ ما زاد على خَمْسَةَ عَشَرَ. ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أبو زيد عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قال: إذا تركتِ الصلاة بعد أَيَّام الاسْتِظْهَارِ جَهْلاً، فر تقضيها، وإن قَضَتْهَا فهو أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ ما زادتْ على خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا. قَالَ ابْنُ عبدوس: وأنكر سَحْنُون ما ذكر في الْمُسْتَحَاضَة تقيم شهرًا لا تُصَلِّي جاهلة لا قضاء عليها. وأنْكَرَ أنْ يُرْوَى، وقال: لا تُعْذَرُ في الصلاة بِالْجَهْلِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن انْقَطَعَ عن الْمُسْتَحَاضَةِ الدمُ، اسْتُحِبَّ لها الْغُسْلُ، فإن صَلَّتْ بغير غُسْلٍ لم تُعِدْ. ورَوَى أشهب، عن مالك، في الْعُتْبِيَّة، قال: إذا انْقَطَعَ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ الدمُ في غير أَيَّام حيضتها، فَلْتَغْتَسِلْ، وتُصَلِّي. قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: أحْبَبْتُ لها أن تَغْتَسِلَ. وقال عنه عليٌّ: الأمرُ فيها على حديثِ هشام بن عروة، فليس عليها إلاَّ غُسْلٌ واحدٌ، وأَحْسَبُ حديثَ ابن
المسيب دخله وَهْمٌ، في قوله: تَغْتَسِلُ من طُهْرٍ إلى طُهْرٍ. وأَحْسَبُه من ظُهْرٍ إلى ظُهْرٍ. وقال غير مالك: إنه مذهبٌ لابن المسيب، تَغْتَسِلُ كُلَّ يوم، كما يُسْتَحَبُّ لها الوضوء لكُلِّ صلاة. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في المجموعة، عن مالك: وإن اسْتُحِيضَتْ شهرًا فخافت أن تكون طرحت طرْحًا، قال: إن شَكَّتْ فلم تُوقِنْ أنه مِنْ حَمْلٍ، عَمِلَتْ عَمَلَ الْحَائِضِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا تَمَادَى بها الدم في البلوغ، جَلَسَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، في قول مَنْ لا يَرَى الاسْتِظْهَارَ، ومن رآه يقول: تَجْلِسُ قَدْرَ لِدَاتِها
بغير اسْتِظْهَار. وقال ابن كنانة وابن عبد الحكم، وأصبغ: تَسْتَظْهِرُ على أَيَّام لِدَاتِها. وذَكَرَه ابن الْمَوَّاز، عَنْ أَصْبَغَ. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك، في الْمُسْتَحَاضَة تَرَى دَمًا لا تشكُّ أنه دم حيضٍ، قال: تدعُ له الصلاة، فإن تَمَادَى بها الدمُ اسْتَظْهَرَتْ فيه بثلاث على أَيَّامهَا، وإن عاودها دمُ الاسْتِحَاضَةِ بعد أَيَّام حيضتها، صَلَّتْ بغير اسْتِظْهَار. يريد: بعد أن تَغْتَسِلَ. ورَوَى مثله ابن القاسم، وعليٌّ عن مالك، في المجموعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ك هذا قول ابن القاسم. قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: سواء عاودها دم الاسْتِحَاضَةِ الخفيفُ، أو دام بها الدم العبيط دم الْحَيْض، إنها تَسْتَظْهِرُ بثلاث. فرأى هذه أن تَسْتَظْهِرَ، ولم يَرَه في التي يتمادى بها الدم بعد أَيَّام حيضتها، ولم تُسْتَحَضْ قبل ذلك، سواء استُحِيضَت أَوَّل بلوغها أو بعد. وقال أَصْبَغُ: تَسْتَظْهِر هذه وتلك في الدمين جَمِيعًا. وقال مُطَرِّف: تجلس كلهن خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: تجلس في أَوَّل الاستحاضة خَمْسَةَ عَشَرَ وفي آخرها يقول بِالاسْتِظْهَارِ. كما ذكرنا. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قال أَصْبَغُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا تَمَادَى بِالْمُسْتَحَاضَةِ دمٌ تُنْكِرُهُ، اسْتَظْهَرَتْ بثلاث. قال أَصْبَغُ: وقال مَرَّةً، فيما أعلم: لا تَسْتَظْهِرُ. وليس هذا بشيء.
في الحامل ترى الدم على حملها
في الحامل تَرَى الدم على حملها من المجموعة، رَوَى عليُّ بن زياد، عن مالك، في الحامل تَرَى الدم، قال: تَكُفُّ عَنِ الصَّلاَةِ أَقْصَى ما تُمْسِكُ جُلُّ الحوامل، حَتَّى تَرَى أن ذلك منها لسُقْمٍ، ليس مما يَعْرِضُ لِلْحَوَامِلِ. قال عنه ابن نافع: إذا رَأَتْهُ أيامًا، ثم انْقَطَعَ، فتغتسل، وتُصَلِّي، ولا تُصَلِّي في الدم. قال عنه ابن وهب: وكذلك في الصُّفْرَةِ والْحُمْرَة. قال في المختصر: والْكُدْرَة. قال أشهب: وإذا كانت من أَوَّلِ الْحَمْلِ تَحِيضُ ثم تَسْتَرِيبُ، فَلْتَسْتَظْهِرْ، وإلاَّ فلا. قال سَحْنُون: لم تُؤْمَرْ بِالاسْتِظْهَارِ؛ إذ لا تُرَدُّ إلى أَيَّامهَا، لكن إلى أكثر ما تَجْلِسُ الْحَوَامِل مِنَ الدَّمِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مذهب ابن القاسم: إن رَأَتْهُ في أَوَّل الْحَمْلِ جَلَسَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، وفي آخره ثلاثين يومًا. وقوله في المدونة: إن رَأَتْهُ بعد ستة أشهر ونحوها جَلَسَتْ ما بينها وبين العشرين؛ لأن مالكًا فرَّقَ بين أَوَّله وآخِرِه، ولم يُحَدِّدْ معنى أَوَّلِ الحمل في ثلاث شهور ونحوها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ، كان في أَوَّل الحمل أو آخره؛ لِلاخْتِلافِ فيه، وأن بعض السلف لا يراهُ حَيْضًا.
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون، في المجموعة عن مالك، وقال به: إنها تَقِفُ على أَيَّام حيضتها، ولا تحتاط كما يحتاط غيرها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقال أشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ: تَسْتَظْهِرُ على أَيَّامهَا في أَوَّلِهِ وآخره. ورواه أشهب، عن مالك. وقال أشهب، في كتاب ابن الْمَوَّاز: إن مالكًا أفتى به امرأة وهي في خمسة أو ستة أشهر. ورواه ابن وهب، عن مالك. قال أشهب: أَوَّلُ الحمل وأخِره سواءٌ، وتَسْتَظْهِرُ في ذلك بثلاثة أَيَّام. وأعاب قولَ مَنْ قال: ليس أَوَّلُ الحملِ كآخِره؛ لأن الدم يَحْتَبِسُ. وقال: رأيتُ مَن قعدت عن المحيض سنة، وهي مِمَّنْ تحيض، ثم أتاها الحيضُ، أتزيدُ في استظهارها عن تَمَادَى بها الدم على ثلاثة أَيَّام؛ لأن دمها احْتَبَسَ، فليس هذا بشيء. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقَالَ ابْنُ وهب: تُضَعِّفُ أَيَّام حيضتها، وتَغْتَسِلُ؛ لأنها أكثرُ دَمًا من الحامل. وقال مُطَرِّف، عن مالك: تَجْلِسُ في أَوَّلِ شهور الحمل أَيَّامها والاستظهارَ، وفي الثاني تُثَنِّي أَيَّام حَيْضَتِهَا ولا تَسْتَظْهِر، وفي الثالث تَجْلِسُ مثل أَيَّامهَا ثلاث مرات، وفي الرابع تُرَبِّعُها هكذا، حَتَّى تبلغَ ستين ليلة، ثم لا تزيدُ. وقول أشهب أَحَبُّ إِلَى ابن حبيب. وأَنْكَرَ ابن المَاجِشُون في المجموعة، قول مُطَرِّف هذا الذي ذَكَرَ ابن حبيب، وقال: ليس بقول مالك. وهذا خطأ، ولا تكونُ نفساء إلاَّ عند ولادة،
القول في النفساء
والاسْتِحَاضَة لمالك بها، وطرح مالكٌ فيها أَيَّام الْحَيْضَة؛ لِلاخْتِلافِ فيها. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب، عن مالك، في الحامل تَرَى ماءً أبيضَ. قال عنه ابن القاسم: في آخِرِ الحمل أو أَوَّلِهِ أو وَسَطِه، فليس عليها إلاَّ الوضوء. القول في النُّفَسَاء من الْعُتْبِيَّة قال أشهب، عن مالك، في التي تَلِد فلا تَرَى دَمًا، قال: تَغْتَسِلُ. قال مالك، في موضع آخَر: بلغَنَا أنها إنْ تَمَادَى الدم، جَلَسَتْ شَهْرَيْنِ، ولم يَثْبُتْ عندنا هذا التوقيتُ ثباتَ توقيتِ الْحَيْض، وأرى أن تُسْأَلَ عنها النساء. قال محمد بن مسلمة: أَقْصَى النفاس شَهْرَانِ. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: إنها يُرجَعُ فيها إلى الغالب من حال النساء، كَالْحَيْضِ والاسْتِحَاضَةِ، والغالبُ في تَرَبُّصِهَا شَهْرَانِ، فإن تَمَادَى اغْتَسَلَتْ وتَتَوَضَّأ لكُلِّ صلاة، كَالْمُسْتَحَاضَةِ، إلاَّ أن تَرَى دَمًا جديدًا، فترجعَ إلى معنى الاسْتِحَاضَة. أبو محمد: يعني أنها تَتَرَبَّصُ ما دام ذلك الدم يأتيها خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، ثم تصير مُسْتَحَاضَةً. قال: والذي قيل مِنْ تَرَبُّصِ النُّفَسَاء أَرْبَعِينَ
في الوضوء في الصفر، وبالماء الساخن، وغسل اليد من الغمر وغسلها من الطعام وقبله
ليلة أمرٌ لم يَقْوَ ولا عَمَلَ به عندنا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا رَأَتِ النُّفَسَاء الْجُفُوفَ، فلا تَنْتَظِرُ، ولْتَغْتَسِلْ، وإن قَرُبَ ذلك من ولادتها، وإن تَمَادَى بها الدم، فإن زادَ على ستين ليلة، فَلْتَغْتَسِلْ , ولا تَسْتَظْهِرْ. قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: ما بين الستين إلى السبعين، والوقوف على الستين أَحَبُّ إِلَيْنَا. ومن المختصر، لابن عبد الحكم: وإذا طال بِالنُّفَسَاءِ الدمُ فَلْتَنْظُرْ أَيَّام الدم، فتحْسِبُه، ولا تحْسِبُ أَيَّام الطُّهْرِ. يريد: وتَغْتَسِلُ كلما رَأَتْهُ. فإذا اجْتَمَعَ لها من أَيَّام الدم أكثر ما تُخْبِرُ النساء الدمَ في نفاسِهِنَّ، اغْتَسَلَتْ وصَلَّتْ، فتَتَوَضَّأ لكل صلاة، وإن تَمَادَى بها. قال أبو بكر الأبهريُّ: يريد إذا كان من الدَّمَيْنِ أقلُّ مِنَ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، فأما إن كان من الدمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، فالدم الذي بعده حيضٌ مُؤْتَنَفٌ. في الوضوء في الصُّفْرِ، وبِالْمَاءِ الساخن، وغَسْلِ اليد من الغَمَر، وغَسْلها من الطعام وقبله ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ أشهب، عن مالك، وذَكَرَها في المجموعة ابن نافع عن مالك، قال: لا بأس بِالْوُضُوءِ في الصُّفْرِ
والحديد، وقد أبى ابن عمر أن يَتَوَضَّأَ في تَوْرِ نحاسٍ، وأُراهُ نَحَاهُ ناحية الفضة. ومن كتاب آخَرَ أن عمر بن عبد العزيز كان يُسَخَّنُ له فيه الماء للوضوء والْغُسْلِ. وفي كتاب البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ في تَوْرِ نُحَاسٍ. قال أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة، وذَكَرَ في المجموعة ابن نافع عن مالك، قال: ولا بأس بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ السُّخْنِ، فأما الْغُسْلُ من ماء الحَمَّام السُّخْنِ فمن البئر أَحَبُّ إِلَيَّ، وما دخول الحَمَّامِ بصواب. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: لا بأس بِالْغُسْلِ منه إن كان طاهرًا. وقال عنه أشهب: إنه كَرِهَ غَسْلَ الرأس بالبيض، وغَسْلُ اليد بالأَرُزِّ أخفُّ من هذا، مثلُ الأُشْنان. قال عنه ابن القاسم: إنه كَرِهَ غَسْلَ رأسه بِاللَّبَنِ وبِالْعَسَلِ. قال: وغيره أَحَبُّ إِلَيَّ. قال عنه أشهب: إنه كَرِهَ غَسْلَ الْيَدِ قبلَ الطعام.
في زيت الفأرة، وفي البان تطبخ بمائها، وما ينتفع به من الميتة
قال في المختصر: وإن أَكَلَ دَسَمًا غَسَلَ يدَه، وتَمَضْمَضَ. قال عنه ابن نافع في المجموعة: وليس بواجب، وكذلك أُحِبُّ لمن أكَلَ رُطَبًا أو فاكهة أن يتمضمض، وذلك يختلف في قيامه إلى الصلاة بإثر ذلك أو بعد وقت، بقدر ما يذهب عن فيه. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: كان عمر يَتَمَنْدَلُ بباطن قَدَمَيْهِ، فقيل: أيتوضأ بدقيق أو فولٍ أو نُخالةٍ؟ قال: لا عِلْمَ لي، إن أعياهُ شيء فبالتراب، وقد نهى عمر عن التَّنَعُّمِ، فإنه من فعْل العجم. وأجاز ابن نافع ذلك بِالنُّخَالَةِ، وكَرِهَهُ سَحْنُون، أو بشيء مما يُؤْكَلُ أو بِالْمِلْحِ. وتقدَّمَ في باب آخَرَ غَسْلُ اليد من الغَمَرِ. في زَيْتِ الْفَأْرَة، وفي أَلْبَانٍ تُطْبَخُ بمائها، وما يُنْتَفَعُ به من الْمَيْتَةِ ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: يُسْتَصْبَحُ بِزَيْتِ الْفَأْرَة على تحفُّظٍ. قال في موضع آخر: إلاَّ في الْمَسَاجِدِ. وخَفَّفَ دهان الْجُلُودِ به ويُغْسَلُ بعد ذلك.
وخَفَّفَ ابن القاسم أن يُطْبَخَ به صابون. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يعمله لنفسه، يَغْسِلُ به، ثم يُطَهِّرُ الثوبَ بماء طاهر. قال عنه أشهب: إنه خَفَّفَ الوضوءَ من سِقاء الْمَيْتَةِ إذا دُبِغَ. وقال: وليس عليه غَسْلُ صوفها، إلاَّ أن يَعْلَمَ أنه أصابه شيء. قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بخلاف الرِّيشِ؛ لأن في أصوله من رُطوبتها. قال أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عن مالك، في بَانٍ طُبِخَ فوُجِدَ فيه فَأْرَةٌ تَفَسَّخَتْ أو لم تَفَسَّخْ، وهي من ماء البئر الذي طُبِخَ به، قال مالك: يُتِمُّ طَبْخَه، ويأخذ الدُّهْنَ الأول فيطبخه بماء طاهر مرتين أو ثلاثة. قاله أصبغ إن كان كثيرًا، وأما اليسير ليس فيه كثير ضرر، فليطرحه. قال يحيى بن عمر: إِنَّمَا خَفَّفَه مالك؛ لاختلاف الناس في ماء البئر تموت فيه الْفَأْرَة، ولم يَتَغَيَّر مَاؤُهَا. وقال لنا أبو بكر بن محمد: ورَوَى ابن رشيد عَنِ ابْنِ نافع، عن مالك، في الزيت إذا أصابته النجاسة، أنه يُغْسَلُ. وكان أبو بكر يُفتي بذلك ويحتجُّ بقول مالك في الْبَانِ، وما رُوِيَ عن مالك من الاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ أولى.
وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: لا يُنْتَفَعُ به في شيء. ولابن شهاب في بيعه بالبراة قولٌ ليس بمأخوذ به، ولم يُتْبَعْ عليه. وقال سَحْنُون، في فأرة وُجِدَتْ يابسةً في زيت: إنَّ ذلك خفيف، ويُبْسُها يَدُلُّ أنهم إِنَّمَا صَبُّوا عليها الزيت وهي يابسةٌ، ولم تَمُتْ فيه. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لا بأس أن يُبَخَّرَ بلحم السباع إذا ذُكِّيَتْ، وأما إن كانت ميتة فإن لم يَعْلَقْ بِالثِّيَابِ فلا يُعْجِبُنِي. ومعاني هذا الباب مُسْتَوْعَبَةٌ في اختصار كتاب الصيد والذبائح. تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين على عونه وإحسانه، وصَلَّى الله على محمد وآله وسلم.
[كتاب الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم في فرض الصلاة، وذكر أسمائها، والحُكْمِ في مَنْ تَرَكَها، أو ترك شَيْئًا من أحوالها، وذِكْرِ النوافل والمسنون منها وفيها من كتاب ابن حبيب، وغيره: قال: وفُرِضَتِ الصلوات الخمس في الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك بمكة قبل الهجرة بسنة، وكان الفَرْضُ قبل ذلك ركعتين بِالْغَدَاةِ ورَكْعَتَيْنِ بِالْعِشَاءِ. وأَوَّلُ ما صَلَّى جبريل بالنبي عليهما السلام صلاة الظهر، فسُمِّيَتِ الأُولى لذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ فَرْضَ الوضوء بماء نزل بِالْمَدِينَةِ في سورة المائدة، وكان الطَّهُور بمكة سُنَّة. قاله ابن مسعود. وذكره ابن الجهم. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: فَرَضَ الله الصلوات في كتابه،
فقال تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (الروم: 17) المغرب. قال غيره: والعشاء. قال مالك: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم: 17) الصُّبْح، {وَعَشِيًّا} (مريم: 11) العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (الروم: 18) الظهر. وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (الإسراء: 78)، وهي الظهر، {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (الإسراء: 78) العشاء، {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ} (الإسراء: 78)، الصُّبْح. قال في الواضحة: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} يقول: الظهر والعصر، {غَسَقِ اللَّيْلِ} قال المغرب والعشاء. وفي قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} (هود: 114) فالصبح طَرَفٌ، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} المغرب والعشاء. وفي قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} (طه: 130) الصُّبْح، {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} الظهر والعصر، {وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} المغرب والعشاء. وفي الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك، قال: الأعرابُ يُسَمُّون المغرب الشاهد؛ لأنها لا تُقْصَرَ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يقال فِي الْعَتَمَةِ صلاة العشاء؛ لقول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} (النور: 58). إلاَّ أن تُخَاطَبَ مَنْ لا يفْهم عنك فذلك واسعٌ. قَالَ ابْنُ المسيب: لأنْ أنامَ عن العشاء أَحَبُّ إِلَيَّ من الحديث بعدها. قال مالك: أصاب. وقال مالك في موطَّئِه: الصلاة الوسطى صلاة الصُّبْح. واحْتَجَّ لذلك
بحديث عائشة، وحفصة، فيما كتَبْنَا. والصلاة الوسطى صلاة العصر. ورواه عن عليٍّ وابن عباس. واحْتَجَّ أصحابُنا لذلك بأنها مُنْفَرِدَةٌ بوقت، واللتان قبلها واللتان بعدها مُشْتَرِكَتَا الوقت. وذهب ابن حبيب أنها صلاة العصر، وذَكَرَ أنه قولٌ حَسَنٌ. ورواه غيره عن عليِّ بن أبي طالب. ورَوَى مالك في الموطأ، أن زيد بن ثابت قال: هي الظُّهْرُ. قال غير واحد من
العلماء: ومثلُه لمالك، في كتاب ابن الْمَوَّاز. وأجملَ اللهُ سبحانه فَرْضَ الصلاة في كتابه، من ركوع وسجود وقيام وقعود وقراءة، وبَيَّنَ ذلك النبي عليه السلام بفعله. قَالَ ابْنُ سَحْنُون وغيره مِنْ أَصْحَابِنَا: والْقِيَام فِي الصَّلاَةِ، والرُّكُوع، والسُّجُود، والجلسة الآخِرَة، والسَّلام، وتَكْبِيرَة الإِحْرَام، كل ذلك فَرِيضَة، وقراءة أم القرآن فِي الصَّلاَةِ فَرِيضَةٌ، وما زاد عليها فسُنَّةٌ. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك في مَنْ قال: الرُّكُوعُ والسُّجُودُ سُنَّةٌ. قال: قد كَفَرَ. قال الله سبحانه: و {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج: 77). وقال في القراءة: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (الأعراف: 204). وقال أصحابنا: قِرَاءَة أم القرآن فِي الصَّلاَةِ فَرِيضَةٌ. واخْتُلِفَ هل هي في كل ركعة فَرِيضَةٌ؟ ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال: وسَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات: الوِتْرُ، وصلاة الخوف، والاستسقاء، والفطر والأضحى. وقَالَ ابْنُ عبد الحكم، وأصبغ، في ركعتي الفجر: ليستا بسُنَّةٍ، وهما من الرغَائب. وقال أشهب، في كتاب الحَجِّ من المجموعة: إنهما سُنَّةٌ، ليستا كتأكيد الوِتْرِ، كما ليس غُسْلُ الْعِيدَيْنِ كغُسْلِ الجمعة، ولا غُسْلُ دخول مكة ووقوف عرفة كغُسْلِ الإِحْرَامِ في
التأكيد. ومن كتاب آخر، قال بعض أصحابنا: وفي جمْعِ الصلوات سُنَّةٌ، وهي الجمعُ بعرفة ومزدلفة سُنَّة، وجَمْعُ المسافر والمريض توسعة ورخصة، وكذلك الجمْعُ ليلة المطر، وقد فعله الخُلَفاء. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال: والجمعة فَرِيضَةٌ، وبَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم بفِعْلِه أنها ركعتان. والخُطبة فَرِيضَةٌ؛ لقول الله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (الجمعة: 11)، وقيل: سُنَّةٌ واجبة. وليس إقامة صلاة الخوف بطائفتين فَرِيضَة، لكن توسعةً. ولا تُجْزِئُ من غر خوف. ولو صَلُّوا في الحرب بإمام واحد، أو بعضهم أفذاذًا، أجزأهم. ولا أُحِبُّ لهم ذلك. والجمع بعرفة ومزدلفة سُنَّةٌ، لا يسعُ تَرْكُهما. والجَمْعُ في السفر توسعة، ليس بلازم. والتشهُّد سُنَّة. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فَرِيضَة. يريد: فَرِيضَة مُطْلَقَةً، ليست من فرائض الصلاة. قاله محمد ابن عبد الحكم، وغيره. قال في كتاب ابن الْمَوَّاز: وقيام رمضان نافلة، ولِلخَوَاصِّ اكتسابٌ، والجمعُ فيه بِدْعةٌ حَسَنَةٌ. والرُّكُوع بعد الظهر وقبلها، وقبل العصر، وبعد المغرب، وبعد العشاء نافلة. وكانت صلاة اللَّيْل فريضةً فنُسِخَتْ، فهي نافلة، لا سُنَّةٌ ولا فَرِيضَةٌ. والتَّنَفُّلُ في خسوف القمر ليس بسُنَّةٍ، وهو ترغيبٌ وترهيبٌ. قال محمد بن مسلمة: أَوَّلُ ما فُرِضَتْ صلاة اللَّيْل في سورة المزمل، ثم خَفَّفَها فقال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} (المزمل: 20)، ثم نَسَخَ ذلك بالصلوات الخمس، ثم
قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (الإسراء: 79). قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز، قال عبد الله بن عبد الحكم: الصلاة على الميت فَرِيضَةٌ، بقَوْلِ الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (التوبة: 84)، وقال أَصْبَغُ: هي سُنَّةٌ. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومَنْ تَرك الصلاة قيل له: صَلِّ. فإن صَلَّى، وإلاَّ قُتِلَ. ومَنْ قال: لا أُصَلِّي. استُتِيبَ، فإن صَلَّى وإلاَّ قُتِلَ. وكذلك مَنْ قال: لا أتَوَضَّأُ. قَالَ ابْنُ المَاجِشُون، وأصبغ: إنْ قال: لا أجْحَدُها، ولا أُصَلِّي. قُتِلَ. قَالَ ابْنُ شهاب: إذا خرج الوقت، ولم يُصَلِّ، قُتِلَ. قال محمد: وقاله حمَّاد بنُ زيد، وقال: تَرْكها كُفْرٌ يختلفون فيه. قال ذلك أيوب. فقال محمد: إنْ تَرَكَ صلاة واحدةً حَلَّ دَمُه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَن تركها مُكَذِّبًا أو متهاونًا أو مُفَرِّطًا، أو مضيِّعًا، فهو بذلك كافرٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاةِ». فإن رُفِعَ إلى الإمام فعاود ما تركه فإن عاد إلى تَرْكِها فأَوْقَفَه. فقال: أنا أُصَلِّي. فليبالغ في عقوبته حَتَّى يُظْهِرَ إنابته. فإن قال: هي فَرْضٌ، ولكن لا أُصَلِّي. قُتِلَ، ولا يُسْتَتَابُ ثلاثًا، كَذَّبَ بها أو أَقِرَّ، إذا قال: لا أُصَلِّي. ولا يُؤَخَّرُ عن وقت تلك الصلاة. وكذلك مَنْ قال عند الإمام: لا أَتَوَضَّأُ، ولا أَغْتَسِلُ من جنابةٍ، ولا أَصُومُ
رمضانَ. ومَنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى واغْتَسَلَ وصام، وقال في ذلك كله إنه غيرُ فَرْضٍ عليَّ. وكَذَّبَ به، فهي رِدَّة، فَلْيُسْتَتَبْ ثلاثًا، فإن لم يَتُبْ قُتِلَ. وإن كَذَّبَ بِالْحَجِّ فكذلك. وإن أقرَّ به، وقال: لا أَحُجُّ. قيل له: أَبْعَدَكَ الله. إذ ليس لضيق الوقت. وإن كَذَّبَ بِالزَّكَاةِ اسْتُتِيبَ كَالرِّدَّةِ. وإن أَقَرَّ بها، ومنَعَها، أُخِذَتْ منه كُرْهًا، فإن امْتَنَعَ قُوتِلَ. وذهب ابن حبيب أن تارك الصلاة مُتَعَمِّدًا أو مُفَرِّطًا كافرٌ، وأنه إن تَرَكَ أخَواتِها متعمِّدًا، من زكاة، وصوم، وحجٍّ، فقد كَفَرَ. قال: وقاله الحكم بن عتيبة. وقال غير ابن حبيب: إنه لا يَكْفُرُ إلاَّ بِجَحْدِ هذه الفرائض، وإلاَّ فهو ناقص الإيمان؛ ولأنه يُوارثُ، ويُصَلَّى عليه، واحتجَّ بحديث مالك، عن عُبادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». وفي آخِرِ الحديث: «ومَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وإن شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ». وهذا يُبَيِّنُ معنى الحديث الذي ذكره ابن حبيب. والله أعلم. ومن العاشر من السِّيَر لابن سَحْنُون: أخبرني معن بن عيسى، عن مالك
ذكر أوقات الصلوات
في الأُسَارَى رَكَّعَهم العدُوُّ أيامًا لا يُصَلُّون، قال: لا صلاة عليهم إذا تُرِكُوا، إلاَّ ما أدركوا وقتها. وعلى رواية ابن القاسم في الذين تحت الهَدْمِ: يُعِيدون. وقَالَ ابْنُ نافع: لا يُعِيدُ الذي تحت الهدم. وقال الأوزاعي في أسير مَوْثُوقٍ، قال: يُصَلِّي إيماءً. قاله سَحْنُون، قال: وإنْ أُطْلِقَ في الْوَقْتِ لم يَلْزَمْهُ أو يعيدَ، وإن عاد فحسنٌ. قال سَحْنُون: وإذا خاف القتل إنْ صَلَّى وسِعَهُ تَرْكُ الصلاة، وكذلك في تَرْكِ الوضوء والتَّيَمُّمِ. وقال الأوزاعيُّ: لا يَدَعُ التَّيَمُّمَ والصلاة إيماءً، وإن قُتِلَ. وخالفه سَحْنُون، وقال: يسَعهُ الترْكُ بذلك. قال سَحْنُون، في كتاب الصلاة: وعلى تاركِ الوِتْرِ وجميع الأدب. ذِكْرُ أوقات الصلوات ومن غير كتاب لابن حبيب، وغيره: ولمَّا فُرِضَتِ الصلوات صَلَّى جبريل بالنبي عليهما السَّلام يَوْمَيْنِ، فجعل لكل صلاة وقتين، إلاَّ المغرب، فَصَلَّى به في
اليومين في وقت واحد، وقال: هذه صلاة النبيين من قبلك، والوقت في ما بين هذين الوقتين. وأَوَّل ما صَلَّى به صلاة الظهر. قال مالك، في المختصر، وغيره: ووقت الصلاة الذي لا تحَلُّ إلاَّ فيه، أنْ لا يُصَلِّيَ الظُّهر حَتَّى ترتفع الشمس عن وَسَط السماء، وذلك إذا زاد الفيء بعد نقصانه، فقد حَلَّتِ الصلاة، ويُسْتَحَبُّ لمساجدِ الجماعات أن يُؤَخِّرُوا حَتَّى يصيرَ الفيء ذِراعًا، كما قال عمر. وآخِرُ وقت الظهر أن يزيد الظِّلُّ قامةً بعد الظِّلِّ الذي زالت عليه الشمس، وهو أَوَّل وقت العصر أيضًا. ويُسْتَحَبُّ لمساجد الجماعات أن يُؤَخِّرُوا بعد ذلك قليلاً. وآخِرُ وقتها أن يصير ظِلُّ كل شيء مثليه بعدَ ظِلِّ الزوال. ووقت المغرب غيبوبة الشمس، وقت واحد، ووقت العشاء مغيب الشفق، وآخر ثلث اللَّيْل، ويُسْتَحَبُّ لمساجد الجماعة تأخيرها قليلاً ما لم يضُرَّ بِالنَّاسِ. ووقت الصُّبْح انصداع الفجر إلى الإسفار الأعلى، ويُسْتَحَبُّ التغليس. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَعَجِّلِ الصُّبْحَ عِنْدَ أَوَّلِ الْفَجْرِ، وَأَطِلْ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ النَّاسُ، وَلا تُمِلَّهُمْ، وَعَجِّلِ الظُّهْرَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، وَصَلِّ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عَلَى مِيقَاتٍ وَاحِدْ؛ الْعَصْرَ وَالشِّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرُبَتِ الشَّمْسُ، وَصَلِّ الْعِشَاءَ وَأَعْتِمْ بِهَا؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ طَوِيلٌ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ بِالصُّبْحِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ
قصيرٌ، وَالنَّاسُ يَنَامُونَ، وَلا تُعْتِمْ بِالْعِشَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ، وَلا تُصَلِّهَا قَبْلَ الشَّفَقِ». قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فلِكُلِّ صلاة ثلاثة أوقات إلاَّ المغرب، فوقت واحد، فأول وقت الصُّبْح انصداع الفجر، وآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الَّذِي إذَا تَمَّتِ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، وَوسَطُ الْوَقْتِ بين هذين. وأَوَّل وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء، وتميل عن أُفُق مُواجه القبلة، وتكون على حاجبه الأيمن، وأوسطه والفيء ذراعٌ، وآخره أن يصير ظِلُّك مثلك فتَتَّبعَ الصلاة قبل تمام القامة. وقول ابن حبيب هذا خلاف قول مالك الذي ذكرْناه من المختصر، إذا صار الظلُّ قامة كان وقت الظهر آخِرَ وقته، ووقت العصر أَوَّل وقته. والحديث يَدُلُّ على أن جبريل صَلَّى الظهر في اليوم الثاني في الْوَقْتِ الذي صَلَّى فيه العصر في اليوم الأول، وكذلك قال أشهب، في المجموعة، في باب جَمْعِ الصلاتين، إن القامة وقت لهما يشتركان فيه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَوَّلُ وقت العصر تمام القامة، وآخِرُه تمام القامتين، وأوسَطُه بين ذلك، والمغرب أن يَغْرُبَ آخرُ دَوْر الشمس في العين الحمئة، ويُقبِلَ سوادُ الليلِ من المشرق. وذَكَرَ في العشاء مثل ما في المختصر، قال: والوسط بين ذلك. قال محمد بن مسلمة: الأوقات ثلاثة؛ وقت واجبٌ، ووقتُ ضرورةٍ، ووقتُ النسيان. ثم يذكُر، قال: ولكلِّ صلاة وَقْتان. فذكر نحو ما تقدَّم. وقال: أَوَّلُ وقت المغرب غُرُوبُ الشمسِ، فإنَّ لِمَنْ شاءَ تأخيرَها إلى مغيب الشفق فذلك له،
وهو منها في وقتٍ غيره أحسن منه، فإذا ذهب الشَّفَق خرج وَقْتُهَا. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: الْفَجْر الْبَيَاض الْمُعْتَرِض فِي الْمَشْرِقِ، وليس بِالْبَيَاضِ السَّاطِع قبله. قَالَ ابْنُ نافع: وآخِره الإِسْفَار. قال مالك: التَّغْلِيس بِالصُّبْحِ لِلْحَاضِرِ والمسافر أَحَبُّ إِلَيَّ، ويُسْتَحَبُّ أن يُصَلِّي الظهر والفيء ذراع في الشتاء والصيف. قال سَحْنُون: والظلُّ في الْغَدَاة مارٌّ، فلا يزالُ ينقص حَتَّى يقفَ على ظِلِّ نصف النهار يَقِلُّ في الصيف، ثم يكْثُرُ في الشتاء، ثم يَزيد، فمِنْ ثَمَّ يُقاس ذراعٌ فهو الوقت الْمُسْتَحَبُّ، وقد دخل الوقت بأوَّلِ الزيادة والذراع رُبْعُ القامة، فكلما قِسْتَ به فَزِدْ رُبْعَه. وقال أشهب هذا في غير الحَرِّ، وإمَّا في الحَرِّ فلا يُزادُ بها أَحَبُّ إِلَيَّ، ولا يُؤَخَّرُ إلى آخِرِ وقتها. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك، في المسافر إذا زالت الشمس أيُصَلِّي الظهر؟ قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يؤخِّرَ قليلاً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأَوَّل وقت العصر القامة. قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيْنَا أن يُزادَ على ذلك ذراعٌ، سيَّما في شدَّة الحَرِّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَحَبُّ إِلَيْنَا للمرء في نفسه أَوَّلُ وقت الصلاة؛ لأنه رضوان الله. وأما للمساجد فما هو أرفق بِالنَّاسِ. فيُسْتَحَبُّ في الصُّبْح في الشتاء أَوَّلُ
الوقت، وفي الصيف وسطُه، وفي الظهر في الصيف وَسَطُه، وبعده قليلاً، وفي الشتاء أَوَّله، والعشاء يُعَجَّلُ في الصيف إذا غاب الشَّفَق، ويؤَخَّرُ في الشتاء شَيْئًا، والعصر والمغرب سواء في الزمنين، ورُوِيَ نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر وغيره. قال مالك: إلاَّ الجمعة فيُسْتَحَبُّ أن يُعَجَّلَ في الصيف والشتاء حين تزول الشمس، أو بعد ذلك قليلاً، وبه جاء الأثر. ونحوه في المختصر في تعجيل الجمعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُسْتَحَبُّ في استعجال العصر فيها أكثر من تعجيله في غيرها للرفق بِالنَّاسِ في انصرافهم؛ لأنهم يُهَجِّرون، ولأن الجمعة عُجِّلتْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المجموعة: قلتً لمالك: أبَلَغَكَ تعجيلُ العصر يوم الجمعة؟ قال: ما سمعتُهُ من عالم، وإنهم ليفعلونه، وإن ذلك واسع. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُسْتَحَبُّ تأخيرُ العشاء في رمضان أكثر من غيره؛ ليُفْطِرَ الناسُ. وأُبيح لِلْمُسَافَرِ تأخيرها إلى ثُلُثِ اللَّيْل وشطره إذا احتاج، وأما الناس في أنفسهم فتأخيرها لهم عن وقت تأخير الْمَسَاجِد أَحَبُّ إِلَيْنَا، ما لم يُخَفِ النوم، ولا
تؤخَّرُ إلى ثلث اللَّيْل، فذلك تطفيفٌ، ولا إلى نصفه، فذلك خناقها. وقال أشهب في كتاب آخَرَ: لا بأس أن تؤَخَّرَ إلى ثلث اللَّيْل. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قال مالك: ويُكْرَه النوم قبلها، والحديث بعدها أكْرَهُ. وقاله ابن المسيب، ورُوِيَ للنبي صلى الله عليه وسلم. والسُنَّةُ في الغَيْمِ تأخير الظهر، وتعجيل العصر، وتأخير المغرب؛ كي لا يشُكَّ، وتعجيل العشاء أو يتَحَرَّى زوال الْحُمْرَة، ويؤخِّرُ الصُّبْحَ حَتَّى لا يشُكَّ في الْفَجْر. قاله كُلَّه مُطَرِّف، عن مالك. ومن المجموعة، قال أشهب، في الغيم: يُؤَخِّرُ الظهر حَتَّى لا يشكَّ، وتعجيل العصر، ويؤخِّرُ الصُّبْح والمغرب، ويؤخِّرُ العشاء؛ فإن الصلاة بعد الوقت لمن بُلِي به أهونُ منه قبله، وإن كنتُ أرجو لمَنْ صَلَّى العصر قبل القامة، والعشاء قبل مغيب الشَّفَق، أن يكون قد صَلَّى العصر، وإن كان بغير عَرَفَة، وقد يُصَلِّيها المسافر كذلك عند رحيله من المرحلة والحاجُّ بعرفة، ولو وَصَلُوا إلى مزدلفة قبل مغيب الشَّفَق لَصَلَّوْها حينئذ. وخالفه ابن القاسم في هذا. قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: إنه كَرِهَ تعجيل الصلاة أَوَّلَ الوقت. قال عنه ابن القاسم: ولكن بعدما يتمكَّنُ ويذهب بعضه. وذَكَرَ هذا عنه ابن القاسم، في المدونة، في الظهر والعصر والْعَتَمَة. قيل لمالك: أيُصَلِّي المسافر الظهر إذ زالت الشمس؟ قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يؤخِّرَهَا قليلاً. قال أشهب: ولا أَحَبُّ أن تُصَلَّى صلاة في آخرها وقتها، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُبِضَ، ومَنْ صَلَّى العصر في تَغَيُّرِ الشمس، فقد فاته من وقتها أفضل من أهله وماله، ولا أقول فاته وقتها كله حَتَّى تغرُبَ الشمس.
في الأذان، والإقامة، ومن يلزمه ذلك وفي من تركه، ووقت الآذان وهل في النوافل أذان، وقيام الناس في الصلاة بعد الإقامة والكلام حينئذ
قال ابن وهب، قلنا لمالك: إن البيوت توارى في الْفَجْر، والناس في المسجد. قال: يتحرَّوْن الْفَجْر، ويركعون. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولكلِّ صلاة من المسنونات وقتٌ مُسْتَنٌّ، فوقت الوِتْرِ من بعد صلاة العشاء إلى أن تُصَلَّى الصُّبْح، ووقتُ الاستسقاء والفطر والأضحى من ضحوة إلى الزوال، ووقت الخسوف من وقت يُرَى إلى أن تَحْرُمَ الصلاة. وهذا قولُ ابن حبيب وابن وهب. وقال ابن القاسم، عن مالك: لا تُصَلَّى بعد الزوال. وذِكْرُ الوقت في جَمْعِ الصلاتين، ووقت الصلوات في الضرورات، في مَنِ احتلم أو أسلم، وشبه ذلك في أبواب في آخِرِ هذا الجزء من الكتاب. في الأذان، والإقامة، ومن يلزمُه ذلك وفي مَنْ تركه، ووقت الأذان، وهل في النوافل أذان، وقيام الناس فِي الصَّلاَةِ بعد الإقامة، والكلام حينئذ من المختصر: ولا يجب النداء على الناس إلاَّ في مساجد الجماعات، ومع الأئمة، ومَنْ يجتمعُ إليه لتأديته، وأما في غير ذلك فلا أذان عليه، ولا أذان على مسافر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والمصلِّي في منزله وحده، ومَنْ أَمَّ جماعةً في غير مسجد ليس معهم إمامُ المِصْر الذي تؤَدَّى إليه الطاعةُ، فلا يُسْتَحَبُّ الأذان لهم، إلاَّ
المسافر أو وحيد في فلاة، فيُرْغَبُ في أذانه؛ لما جاء فيه. وقاله ابن المسيب، ومالك. وإن أقام فقد فواسعٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في المجموعة: وإن صَلَّى الصبي لنفسه فليُقِمْ. قال مالك، في المختصر: ولا أذان في نافلة، ولا عيد ولا خسوف، ولا استسقاء. ومن غير كتاب: ومَنْ ذَكَرَ صلوات، فليُقِمْ لكُلِّ صلاة. ومن المجموعة، قال أشهب: وإن ذكَرَ قومٌ ظُهْرَ أمس، فلهم قضاؤها بإمام. يريد: منهم. قال: ولْيُقِمْ، ولا يؤذِّنُ؛ لأن الأذان يَزيدها فَوْتًا. وكذلك لو ذكروها مُفاوِتِين لوقتها، فخافوا إن أذَّنُوا فوتها، فليُقِيموا ويجمعوا. قيل: فإن خافوا فوتها بالإقامة؟ قال: الإقامة أخفُّ، وإن كان هذا يكون فصلاتهم إياها في الْوَقْتِ بغير إقامة أَحَبُّ إِلَيَّ من فوتها ويقيموا. قال مالك في المختصر: ومَنْ دخل بتكبيرة في آخِرِ جلوسِ الإمام، فلا يُقِيمُ، فإن لم يُكَبِّرْ أقام. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك: ومَنْ أدرك السجدة الآخِرَةَ من
الجمعة فلم يسجدها، فليبتدئ الصلاة بإقامة. قال سَحْنُون، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَبْنِي على إحرامه ظُهْرًا إن كان أَحْرَمَ. قال مالك، في المختصر: ومَنْ أذَّنَ في غير الوقت في غير الصُّبْحِ أعاد الأذان. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: ومن أذَّنَ قبل الوقت، وصَلَّى في الْوَقْتِ، فلا يُعِيدُ. أشهب: وكذلك في الإقامة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويؤذّن لِلصُّبْحِ وحدَها قبل الْفَجْر، وذلك واسع من نصف اللَّيْل، وذلك آخِرُ أوقات العشاء إلى ما بعد ذلك. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب: لا يؤذَّنُ لِلصُّبْحِ قبل السدس الآخِر من اللَّيْل. وقاله سَحْنُون. ومن المجموعة، قال أشهب، وعبد الملك: ومَنْ أقام في الْوَقْتِ ثم أخَّرَ الصلاة حَتَّى تباعد وصَلَّى، فهو كمَنْ صَلَّى بغير إقامة ولا يُعِيدُ. قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومَنْ صَلَّى بغير أذانٍ ولا إقامة، فلا يُعِيدُ. وذكر ابن سَحْنُون، أن ابن كنانة قال: مَنْ صَلَّى بغير إقامة عامِدًا، فَلْيُعِدِ الصلاة. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن ترك الإقامة جَهْلاً حَتَّى أَحْرَمَ، فلا يقطعُ، ولو أنه بعدما أحْرَمَ أقام، فقد أساءَ، وليستغفر الله.
في هيئة الأذان، والتطريب فيه، والدوران، والركوع بأثره، واستقبال القبلة فيه، والأذان في داخل المسجد، وعلى المنار، وذكر التثويب
قال عليٌّ: قيل لمالك: إذا أُقيمت الصلاة متى يقوم الناس؟ قال: ما سمعتُ فيه حَدًّا، وليقوموا بقَدْرِ ما إذا اسْتَوَتِ الصفوفُ فَرَغَتِ الإقامة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس بشرب الماء بعد الإقامة، وقبل التكبير. قال مالك، في المختصر: وإذا أَحْرَمَ الإمام فلا يتكلَّمْ أَحَدٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كان ابن عمر لا يقوم حَتَّى يسمع: (قد قامت الصلاة). في هيئة الأذان، والتطريب فيهن والدوران، والرُّكُوع بأثره، واستقبال القِبلة فيه، والأذان في داخل المسجد، وعلى المنار، وذِكْرِ التثويب من المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، وعليٌّ عن مالك: التكبير في الأذان والإقامة سواءٌ، "الله أكبر. الله أكبر" يُثَنِّيه ولا يُرَبِّعه. ورَوَى عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة نحوه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: التطريب في الأذان مُنْكَرٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك التحزين لغير تطريب، ولا يَنْبَغِي إماتة حروفه، والتَّغَنِّي فيه، والسُّنَّةُ فيه أن يكون مُرْسَلاً مُحْدَرًا مُسْتَعْلَنًا: يُرْفَعُ به الصوت، ولا يُدْمَجُ، وتُدْمَجُ الإقامة.
قال غيره، قال النخعي: الأذان جَزْمٌ، والتكبير جَزْمٌ. ومن المجموعة، قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ في المغرب أن يَصِلَ الإقامة بالأذان، ولا يفعل ذلك في غيرها، فإن فعلَ أجزأهم، ولْيُؤَخِّرِ الإقامة في غيرها لانتظار الناس. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في مؤذِّنٍ أقام الصلاة فأخَّرَهُ الإمام لأمر يريده، فإن كان قريبًا كفَتْهُم تلك الإقامة، فإن بَعُدَ أعاد الإقامة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُؤَذِّنُ في المغرب - يريد: على المنار- إلاَّ مُؤَذِّنٌ واحدٌ، ولا بأس أن يتمهَّل بعد أذانه شَيْئًا في نزوله ومشيه، ثم يُقِيمُ. قال مالك في المختصر: وإذا أقام، فتأخَّرَ الإمام قليلاً، أجزأهم، فإن تباعدَ أعاد الإقامة، ولا يُقِيمُ أحدٌ في المسجد بعد إقامة المُؤَذِّنِ. قال في الْعُتْبِيَّة: ولا في نفسه، فإن فعل فهو مخالِفٌ. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا بأس أن يخرج الْمُؤَذِّن في الإقامة خارج المسجد، إن كان ذلك ليُسْمِعَ مَنْ حوله وقُرْبَه، وإن لم يُرِدْ ذلك، فذلك خطأ. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك، في الإقامة خارج المسجد: فإن كان على المنار، أو ظَهْرِ المسجد، فلا بأس، وإن كان ليخُصَّ رجُلاً يُسْمِعُه، فَلْيُقِمْ داخل المسجد أَحَبُّ إِلَيَّ. قيل لأشهب: أَيُؤَذَّنُ على المنار، أو في صحن المسجد؟ قال: أَحَبُّ إِلَيَّ من الأذان أسْمَعُه للقوم، وأَحَبُّ إِلَيَّ في الإقامة أن يكون في صحن المسجد، وقُرْبَ
الإمام، وكُلٌّ واسعٌ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَرْفَعَ صوته بِالأَذَانِ والإقامة. قال سَحْنُون، في الْعُتْبِيَّة، وإذا كان الْمُؤَذِّن على المنار يُعايِنُ مَنْ في الدُّور مِمَّنْ يقرب منه أو يَبْعُدُ، مُنِعَ من ذلك، وهذا من الضَّرَرِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورُوِيَ أن بلالاً كان يجعلُ إصبعيه في أذنيه إذا أذَّنَ، ويَسْتَقْبِلُ القبلة، يستدير بوجهه في أذانه وبدنه قائم إلى القبلة، ثم يستقبل القبلة بوجهه في آخر ذلك. وذلك واسعٌ لمن فعله أو تركه من التفاته، وجعله إصبعيه في أذنيه، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يجعل إصبعيه في أذنيه. وفي المدونة: وأنكر مالك دورانه لغير الإسماع. قال في المختصر: ولا بأس أن يستدير عن يمينه وشماله وخَلْفِه. والرُّكُوع بإثر الأذان واسعٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أن يركع بإثر الأذان إلاَّ في المغرب. وقاله ابن شهاب. ومن المجموعة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وعليٌّ، عن مالك: وليس عليه استقبالُ
القبلة في أذانه، وواسعٌ له أن يؤذِّنَ كيف تَيَسَّرَ عليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: والتثويب مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ. ورَوَى أشهب، في الْعُتْبِيَّة، قال: ليس ذلك بصواب. قال عنه ابن وهب، في المجموعة: التثويب بعد الأذان في الْفَجْر في رمضان، وغيره مُحْدَثٌ. وكَرِهَهُ. قال عنه عليُّ بن زياد: وتَنَحْنُحُ الْمُؤَذِّنِ في السَّحَرِ في رمضانَ مُحْدَثٌ. وكَرِهَهُ. قال: ولم يبلغني أن السَّلام على الإمام كان في الزمن الأول، وبلغني أن الْمُؤَذِّنَ جاء يؤذن عمرَ بالصلاة فوجده نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم. فقال له: اجعلها في نداء الصُّبْح. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورُوِيَ أن بلالاً قال ذلك في نداء الصُّبْح، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيدها في الأذان. قال: ومعنى حيَّ على الصلاة هَلُمُّوا إلى الصلاة.
في عدد المؤذنين، ومن يؤذن لطائفتين، ومكان المؤذن، والدعاء حينئذ
في عَدَدِ المؤذِّنِين، ومَنْ يُؤَذِّنُ لطائِفَتَيْنِ، ومكان الْمُؤَذِّنِ، والدُّعَاء حِينَئِذٍ من المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا بأس أن يتخذ في غير الجامع مؤذنين وثلاثة وأربعة. وقال مالك، في القوم في السفر أو الحرس أو المركب: فلا بأس أَنْ يُؤَذِّنَ لهم ثلاثة أو أربعة. قال عنه عليٌّ: ولا بأس أن يُتَّخَذَ في الجامع أربعة مؤذِّنين وخمسةٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد أَذَّنَ للنبي صلى الله عليه وسلم أربعةٌ؛ بلالٌ , وأبو محذورة، وابن أم مكتوم، وسعدُ القَرَظ، ورأيتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلاثَةَ عَشَرَ مُؤَذِّنًا، وكذلك مكة، يُؤَذِّنون معًا في أركان المسجد، إلاَّ أنَّ كُلَّ واحد لا يقتدي بأذان صاحبه. ولا بأس أن يُؤَذِّن واحد بعد واحد، مثل الخمسة والعشرة، فيما وقته واسع، كالصبح والظهر والعشاء، وفي العصر مثل الثلاثة إلى الخمسة، ولا يُؤَذِّن في المغرب إلاَّ واحد. ومن المجموعة، قال أشهب، في مَنْ أذَّنَ لقوم، وصَلَّى معهم، فلا يُؤَذِّن لآخرين ويُقيم، فإن فعل ولم يُعِيدُوا حَتَّى صَلَّوْا أجزأهم. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في قوم بنوا مسجدًا، فتنازعوا فيه، فاقتسموه بجدار، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: ليس لهم قَسْمُهُ. قال أشهب: فإن فعلوا لم يجزهم مُؤَذِّن واحد ولا إمام واحد. قال في المجموعة: قَالَ ابْنُ نافع، وعليٌّ عن مالك: ولا بأس أن يقول كقول الْمُؤَذِّن مَنْ في النافلة، ويدعو بما أحبَّ.
قال سَحْنُون: لا يقول كقوله في فرض ولا نافلة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقَالَ ابْنُ وهب: لا بأس أن يقول مثله في الفرض والنافلة. واسْتَحَبَّهُ ابن حبيب. ومن المجموعة، وفي رِوَايَة ابن القاسم، قيل: إذا قال مثله أيُثَنِّي التَّشَهُّد؟ قال: يكفيه التَّشَهُّدُ الأول، وله أَنْ يُعَجِّلَ فيه. قال عنه عليٌّ: وبعده أَحَبُّ إِلَيَّ. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: وعن مَنْ في المسجد إذا أُقيمتِ الصلاة، أيُقيمها في نفسه؟ قال: لا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: جاء الترغيب في القول كقول الْمُؤَذِّن، فقيل: إنه إلى حَدِّ التَّشَهُّدِ، نو كان عمرُ إذا قال: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله. ثم يقول مثله في بقية أذانه، وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. وكانت عائشة تقول: شَهِدْتُ، وآمَنْتُ، وأَيْقَنْتُ، وصَدَّقْتُ، وأَجَبْتُ دَاعِيَ اللهِ، وكفَيْتُ مَنْ أَتَى أَنْ يُجِيبَهُ. وكُلٌّ حَسَنٌ. والدعاء حينئذ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وعند الزَّحْفِ، ونُزُولِ الْغَيْثِ، وتلاوة القرآن. في أذان الجُنُبِ، والمُحْدِثِ، والصبيِّ، والعبد، وذي الزَّمَانَةِ، والأعمى، ومَنْ لا يُرْضى، وأذانِ الرَّاكِبِ والمُؤْتَزِرِ قال مالك، في المختصر: والأذان على وضوء أفضل.
في أذان الجنب، والمحدث، والصبي، والعبد، وذي الزمانة، والأعمى، ومن لا يرضى، وأذان الراكب والمؤتزر
ومن الْعُتْبِيَّة رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه لا يُؤَذِّن الجُنُب. وقال سَحْنُون في كتاب آخر: لا بأس بذلك في غير المسجد. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك: ولا يُؤَذِّن الصبي، ولا يقيم، إلاَّ أن يكون مع نساء. أو بموضع لا يوجد غيره فليؤذن، ويقيم. قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: وإن صَلَّى لنفسه، فليقم. وقال في المختصر: ولا يُؤَذِّنُ –يريد: للناس- إلاَّ مَنْ بلغ. ومن المجموعة، أشهب: وإذا كان مُؤَذِّنُ قوم أو إمامُهم لا يُرْضَى، فَلْيُقَدِّمُوا خيرًا منه، ولا يُعِيدُوا ما صلَّوْا كذلك. ويَنْبَغِي أن يكون الْمُؤَذِّن من أفضل أهل الحيِّ، وإذا أذَّن أو أقام لقوم سكرانُ أو مجنون، لم يُجْزِهِم، فإن صَلَّوْا فلا يُعِيدُوا. ومَنْ أَذَّنَ لقومٍ، ثم ارتدَّ، فإن أعادوا فحسنٌ، وإن اجْتَزَوْا بذلك، أجزأهم. قال أشهب: والأعمى أَجْوَزُ أذانًا عندي وإقامةً من العبد إذا سُدِّد للوقت والقبلة، ثم العبد إذا كان رضًى، ثم الأعرابيُّ إذا كان رِضًى، ثم ولدُ الزِّنا، كُلٌّ جائزٌ به مُؤَذِّنًا وإمامًا. ومن كتاب أبي الفرج البغدادي لمالك: ولا بأس أن يُؤَذِّن قاعدًا، وراكبًا، وجُنُبًا، ومَنْ لم يحتلمْ، وأما الإقامة فلا. قال أبو بكر الأبهريُّ: وإِنَّمَا يُكْرَهُ أن يُقيمَ مَنْ ليس على طهارة؛ لتكون الصلاة متصلة بالإقامة، لا عمل بينهما، وكذلك إقامة الراكب؛ لئلاَّ يعمل بعدها عملاً غير الصلاة ومَنْ له عمل.
في السهو في الأذان، والكلام فيه والرعاف، والإغماء، ونحو ذلك
وقد رَوَى عنه ابن وهب، أنه لا بأس أن يُقِيمَ الراكب. وكأنه اسْتَخَفَّ نزوله في هذه الرواية. وفي المختصر: ولا يقيمُ إلاَّ بالأرض. ومن المجموعة، قال أشهب: ومَنْ أذَّنَ وأقام في تُبَّانٍ من شَعْر، أو سراويل، فليُعِدْهما إنْ لم يُصَلُّوا. ومَنْ صَلَّى في تُبَّانٍ من شعر، أو سراويل، أعاد في الْوَقْتِ. يريد: استحبابًا. وخالفه ابن القاسم. في السهو في الأذان، والكلام فيه والرعاف، والإغماء ونحو ذلك قال مالك في المختصر: ولا يتكلَّمُ الْمُؤَذِّن في أذانه، ولا يرُدُّ سلامًا، ولا يأمر بحاجة. قال مالك في المدونة: ولا يُسَلِّم على المُلَبِّي في تلبيته. قال في غير المدونة: وكذلك الْمُؤَذِّن. في مختصر الْوَقَارِ: ولا يَرُدُّ الْمُؤَذِّنُ السَّلام في أذانه كلامًا، ولا بأس أن يرُدَّ إشارة. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يتكلَّمُ في أذانه، فإن فعل بنى،
إلاَّ أن يخاف على صبيٍّ أو أعمى أو دابَّةٍ أن تقع في بئر، وشبه ذلك، فليتكلَّمْ، ويَبْنِي. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن عَرَضَتْ له حاجة مُهِمَّةٌ، فليتكلَّمْ، ويبني. ومن المختصر: وإن أراد أن يقيم فأَذَّنَ، أو يُؤَذِّنَ فأقام، فَلْيُعِدْ حَتَّى يكون على نية. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال أَصْبَغُ: إذا أراد أن يُؤَذِّن فأخطأ فأقام، فليبتدئ، ولو أراد الإقامة وأَذَّنَ، أجزأه لِلاخْتِلافِ فيه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قول مالك أَحَبُّ إِلَيَّ. ومن المجموعة، قال أشهب ومن أخذ في الإقامة، فذَكَرَ أنه الأذان فشفعها بقول: قد قامت الصلاة، فيجزئه؟ قال: بل يبتدئ في الإقامة. وإلاَّ فهو كمن صَلَّى بغير إقامة. وكذلك في الأذان يظنُّه الإقامة. وإن بدأ بالتَّشَهُّدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل قوله: أشهد أن لا إله إلاَّ الله. فَلْيَقُلْ بعد ذلك: أشهد أن محمدًا رسول الله. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومَنْ سَهَا عن بعض أذانه، فإن ذكر في مقامه، وكان قد ترك جُلَّ أذانه، فَلْيُعِدْ من موضع نسي، وإن كان مثل: حيَّ على الصلاة. مَرَّةً، فلا يُعِيدُ شَيْئًا، وإن تباعد فلا يُعِيدُ لما قَلَّ ولا ما كَثُرَ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأصبغ. ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ رَعَف في الإقامة أو أَحْدَثَ، فليقطع، ويقيم غيره، وإن رعف في أذانه تَمَادَى، وإن قطع وغَسَلَ الدم، فليبتدئ، ولا يبني. وإن أقام غيره الأذان حين خرج فليبتدئ. ومن المجموعة أشهب: وإن أخذ في الإقامة، فمات، أو أصابه لَمَمٌ، أو
في الإحرام، ورفع اليدين، والتوجه
أُغْمِيَ عليه، ثم أقام غيره، فأَحَبُّ إِلَيَّ أن يبتدئ، فإن بنى على ما بلغ الأول أجزأه. ومن أُغْمِيَ عليه في إقامته، ثم أفاق، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يبتدئ، وإن لم يبتدئ أجزأه. يريد: وقد بنى. قال: وليس كمن صَلَّى بغير إقامة. وأراه يريد: وقد تَوَضَّأَ بعد أن أفاق، أو يكون ذهب إلى أن الإقامة على غير وضوء تُجْزِئُهُ. في الإِحْرَام، ورفع الْيَدَيْنِ، والتوجه من المستخرجة قال سَحْنُون: ومن قال في إحرامه: "الله أجلُّ، الله أعْظَمُ، الله أعَزُّ". لم يُجْزِهِ، وأعاد أبدًا. قال مالك في المختصر: ويرفع يديه حذو منكبيه. قلتُ: بالتوجه؟ قال: ليس بواجب، والواجب التكبير، ثم القراءة. ومن المجموعة، ابن القاسم، قال مالك: لا يرفع يديه إلاَّ في الإِحْرَام شَيْئًا خفيفًا، والْمَرْأَة كذلك. قال عنه عليٌّ فِي الْمَرْأَةِ: ما بلغني ذلك، ويُجْزِئها أن ترفع أدنى من الرَّجُلِ. قال عنه ابن وهب: ولا بأس أن يُحْرِمَ الرجل ويداه في ساجِه. ومن سماع ابن وهب، قيل لمالك: أيَرْفَعُ يديه إذا رَكَعَ، وإذا رفعَ رأسَهُ من الرُّكُوع؟ قال: نعم. قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة: ولا يُعْجِبُنِي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ للدعاء، فأما التكبير في الرُّكُوع ورفع الرأس، فقال: رُوِيَ. وليس بالأمر العامِّ. يريد: المعمول به.
قال عنه أشهب: ويرْفَعُ الإمام يديه إذا رفع رأسه هو ومَنْ خلْفَه، ولا ينتظرون أن يقولوا: سمع الله لمن حمده. وليس الرفع باللازم، وفيه سعة. قال: ورأيتُ مالكًا خلفَ الإمام رفع في الإِحْرَام حذو صدره, ولم يرفع حين ركع، ولا حين رفع. ومن كتاب آخر، رَوَى يحيى بن سعيد القطان، عن مالك، عن نافع، عَنِ ابْنِ عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الإِحْرَام حذو صدره. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في القول بعد الإِحْرَام: سبحان اللهم ربنا ولك الحمد. قال: قد سمعتُ ذلك يقالُ , وما به من بأس لمن أحبَّ أن يقوله. قيل: فالإمام يُكَبِّرُ فقط ثم يقرأ؟ قال: نعم. قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: وإذا كبَّرَ الرجل في صلاته قرأ ولو كان ما يذكر من التوجيه حقًّا لهم، فقد صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء بعده، والأمراء من أهل العلم، فما عمل به عندنا. قال عنه ابن وهب: والذي أدركت عليه الأئمة، وسمعنا من علمائنا أن يكبِّروا، ثم يقرءوا. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يقول بعد الإِحْرَام ما يُذْكَرُ من التوجيه، ولا بأس به لمن شاء أن يفعله قبل الإِحْرَام.
في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض والنوافل، وذكر التعدد في القراءة
في قِرَاءَة بسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض والنوافل، وذِكْرِ التعدُّدِ في القراءة قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: والثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، كانوا لا يَفْتَتِحون في الفريضة ببسم الله الرحمن الرحيم، وهو الفاشي قولاً وعملاً، وإن كان بعض الصحابة – يريد ابن عباس – افتتح بها، وأسرَّها بعض التابعين، فإن ما تظاهر به العملُ أَوْلَى، وأما في النافلة فَيَفْتَتِحُ بها إن شاء، وفي السورة أيضًا إن شاء فعلَ أو تَرَكَ، إلاَّ أن يُوَاليَ بين السُّوَرِ، فيُؤْمَر أن يفصل بها بين السور. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب عن مالك: ولا يقرأ بها في النافلة إلاَّ مَنْ يَعْرِضُ القرآن. قال في المختصر: ولا بأس لمن يعرض القرآن في نوافله أن يقرأ بها. يريد: بين السور. قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة: وأما النفل فليفتتح بالحمد لله رب
في القراءة في الصلاة، وترتيبها وصفتها للإمام والمأموم، والسهو في ذلك، والجهر في النوافل، وتكرير السورة فيها
العالمين، ويقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح كل سورة، إذا والى بين السور. قال: ولا يَقْرَأُ بها في أَوَّل براءة. قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب: وإذا سجد في آخر الأعراف، ثم قام فليفتتحْ بها في الأنفال. قال: وهو قول مالك في النوافل وقيام رمضان. قال أَصْبَغُ: فيما يوالي فيه بين السور في اللَّيْل أو النهار. قال أشهب: وليس ذلك عليه. قال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ أوتر بالمعوذتين، قال: تَرْكُ قِرَاءَتِهِ بها بينهما أَحَبُّ إِلَيَّ. ومن المجموعة, قال عليُّ بن زياد، في قول الله تعال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (النحل: 98)، قال: ذلك عندي بعد أُمِّ القرآن، لمن قرأ القرآن في غير الصلاة. في القراءة فِي الصَّلاَةِ، وترتيبها، وصفتها للإمام والمأموم، والسهو في ذلك، والجهر في النوافل، وتكرير السورة فيها من المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: الأمرُ عندنا أن يُسْمِعَ الإمام مَنْ خَلْفَهُ قراءته مَنِ استطاع. قال عنه ابن القاسم: وإذا جَهَرَ الفذُّ فيما يُسَرُّ جَهْرًا خفيفًا فلا بأس. قال عنه نافع: يُسْمِعُ نفسه في بعضها، ولا يُسْمِعُها في البعض، إلاَّ أنه يُحَرِّكُ لسانه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا حرَّك لسانَه، في الظهر والعصر، ولم يُسْمِعْ نفسه أجزأه، ولو أسمع يسيرًا، كان أَحَبُّ إِلَيَّ. قال: وكَرِهَ مالك النَّبْرَ في القراءة، ولم يُعْجِبْهُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَ مالك النَّبْرَ والتحقيق في القراءة. فِي الصَّلاَةِ وغيرها، وليس ذلك من شأن الفقهاء والفصحاء. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: أطْوَلُ الصلوات قِرَاءَة الصُّبْح والظهر، ويُخَفِّفُ العصر والمغرب. قال في المختصر: والعشاء أَطْوَلُ منهما. قال أشهب، في المجموعة: قِرَاءَة الصُّبْح للإمام والفَذِّ أطول، والظهر نحوها. واسْتَحَبَّ يحيى بن عمر في الصُّبْح أطول من الظهر. قال أشهب: وفي العصر والمغرب بقصار المُفَصَّلِ، والعشاء فيما بين طُول هاتين وقصر هاتين. قال عليٌّ، عن مالك: يقرأُ فيها بالحاقَّة ونحوها. قال عنه ابن القاسم، فيه وفي الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: كان أبو بكر ابن حزم يُطَوِّلُ، ويقرأُ في الظهر بنحو الكهف. قال في المجموعة: وقرأ في الصُّبْح في السَّفَرِ بعد أن أسْفَرَ ببراءة. قال مالك: ولا بأس أن يَقْرأ المسافر فيه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}. وقاله في الْعُتْبِيَّة، في الظهر، فأما: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} فقصارٌ جدًّا.
كأنه يقول: لا. قال أشهب، في المجموعة: والإمام أَخَفُّ من الفَذِّ في الْقِيَام، والقراءة، والرُّكُوع، والجلوس؛ لأنه يُصَلِّي بصلاة أضعفهم. ومن الواضحة، قال: والصُّبْح والظهر نظيرتان في طول القراءة، ويُسْتَحَبُّ أن تكون الركعة الأُولَى أَطْوَلَ، ويَقْرَأُ فيهما من البقرة إلى طِوَال الْمُفَصَّلِ، إلى {عَبَسَ وَتَوَلَّى}. والعصر والمغرب نظيرتان يقرأ فيهما من {وَالضُّحَى} إلى أسفل، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَقرَأُ الإمام بأطول ذلك في العصر. قال: والعشاء أطولُ، مثل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ونحوها. وهذا ما استحسن الناس من التقدير، وجاءتْ به الآثار، ولو قرأ بسور العشاء في المغرب ما كان به تأثير. وأرخص مالك لِلرَّجُلِ يبادِرُ التجارةَ، أو يُستغاثُ به أو يُدْعَى لمَيِّتٍ يموتُ، وهو في الصُّبْح والظهر، أن يقرأ بالسورة القصيرة، وكذلك المسافر يُعْجلُه الكَرِيُّ وأصحابُه. ومن انتَبَهَ قُرْبَ طلوع الشمس، فخاف فوات الوقت، فله أن لا يُطَوِّلَ، وأن يقرأ من قصار سُوَرِها، وإن طَوَّلَ فَحَسَنٌ، وإما إن انتبه وقد خرج وقتها فَلْيُتِمَّ قراءتها. قال مالك، في المختصر: وقِرَاءَة السور القصار في الصُّبْح خير من الجالس بالسور الطِّوَال. يقول: لمن به ضعف. قال: وإن افتتح الرَّجُل في الصُّبْح بسورة قصيرة فَلْيَدَعْهَا، ويقرأ طويلة. قال في المجموعة: إلاَّ أنْ يطُولَ ذلك، فَلْيُتِمَّهَا، ويقرأ طويلة. وقال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومن أراد أن يقرأ في الصُّبْح {تبارك} فافتتح فيها بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} فَلْيُتِمَّهَا، ويقرأ طويلة، كان
إمامًا أو فَذًّا، وقد كان ابن عمر يقرأ بثلاث سور. يريد: في ركعة. قال في المختصر: ولا بأس أن يقرأ سورتين وثلاثًا في ركعة، وبسورة وَاحِدَة أَحَبُّ إِلَيْنَا، ولا يقرأ سورة في رَكْعَتَيْنِ، فإن فعل أجزأه. قال مالك في المجموعة: لا بأس به. وما مَرَّ من البيان، قال عنه عليٌّ، وابن القاسم: إذا بدأ بسورة وختم بأخرى، فلا شيء عليه، وقد كان بلال يقرأ من غير سورة. وإذا خرج من سورة إلى أخرى فيها سجدة ساهيًا، فإن قرأ من الأخرى يسيرًا، فليسجد السجدة، ويعاود الأولى، وإن قرأ جُلَّها سجد، وأتمَّها وركع. قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومن افتتح بسورة طويلة، ثم أدركه مللٌ فركع ببعضها، فلا شيء عليه. ومن الواضحة: وإذا افتتح في العصر بسورة طويلة سهوًا، فإن ذَكَرَ في أَوَّلها تركها، وإن قرأ بعضها أو جُلَّها ركع بذلك، ولو افتتح بقصيرة مكان طويلة، فليتركها، فإن أتمَّها قرأ معها غيرها، فإن ركع معها فلا سجود عليه، وإن قرأ في الثانية السورة التي قرأ في الأولى فَلْيُتِمَّهَا، إذا كان في أَوَّلها أو وسطها. قاله مالك، وإذا بدأ بالسورة قبل أم القرآن، قرأ أم القرآن، وأعاد السورة، ولا سجود عليه. قال مالك: وإن كان يعتريه هذا كثيرًا، لم يُعِدِ السورة. ومن ابتدأ سورة بِنِيَّتِها، فركع قبل تمامها، فلا شيء عليه.
في صلاة من لا يقرأ، وفي من قرأ بغير القرآن، وفي الإمام ينحصر عن القراءة أصلا أو يدعها في الآخرتين
ومن المختصر: ولا بأس أن يقرأ في الثانية بأطول من قراءته في الأولى، ولا بأس أن يقرأ في الثانية سورة قبل التي قرأ في الأولى، وقراءته بالتي بعدها أَحَبُّ إِلَيْنَا. ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، قال مالك: كلُّه سواءٌ، ولم يَزَلْ ذلك من عَمَلِ الناسِ. وقاله سَحْنُون. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك: ولا بأس أن يرفع صوته بالقراءة إذا تَنَفَّلَ في بيته، ولعلَّه أنشط له وأقوى، وكانوا بِالْمَدِينَةِ يرفعون أصواتهم بذلك في جوف اللَّيْل. قال في المختصر: لا بأس أن يَجْهَر في النافلة بالليل والنهار. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والجهر فيها بالليل أفضل. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، سئل عن تكرير: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في النافلة، فكَرِهَه، وقال: هذا مما أحدثوا. في لصلاة من لا يقرأ، وفي مَنْ قرأ بغير القرآن، وفي الإمام ينحصر عن القراءة أصلاً أو يدَعُها في الآخرتين من الْعُتْبِيَّة قال أشهب، عن مالك، في الأعجمي يُصَلِّي، ولا يعرف القرآن، قال: فَلْيَتَعَلَّمْ.
في القراءة خلف الإمام، وذكر التلقين، وفي تعاي الإمام، وذكر التأمين
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا قام مأموم لقضاء ما فاته، وهو أُمِّيٌّ لا يُحْسِنُ يقرأ، فيقضي كيف تيسَّرَ. يريد: يسبِّحُ، ويذكر الله، ويركع. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ويَنْبَغِي لمثل هذا ألا يُصَلِّيَ إلاَّ مأمومًا، حَتَّى يَتَعَلَّمَ ما يُصَلِّي به. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن صَلَّى قارئ خلْفَ مَنْ لا يُحْسن القرآن أعاد الإمام والمأموم. يريد: لأن الأُمِّيَّ وجد قارئًا يَؤُمُّ به، فترك ذلك. ومن المجموعة، قال أشهب: ومن قرأ في صلاته بشيء من التوراة والإنجيل والزبور، وهو يُحسن القرآن، أو لا يُحسن، فقد أفسد، وهو كالكلام، ومن يعلم أن ذلك من هذه الكتب، وكان عليه إن لم يُحسن القرآن أن يذكر الله. ولو قرأ شعرًا فيه تسبيح وتحميد لم يُجْزِه، وأعاد الصلاة. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لو عَلِمْتُ أن أحدًا لا يقرأ في الركعتين الآخرتين، ما صَلَّيتُ خلْفَه. يريد: لأن بعض الناس ذهب إلى أن يُسَبِّحَ فيها من غير قِرَاءَة. في القراءة خلف الإمام، وذكر التلقين، وفي تعايِّ الإمام، وذكر التأمين قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اختلف السلف في القراءة خلف الإمام، فيما يُسَرُّ به، فذَكَرَ ابن حبيب، عن تسعة من الصحابة، وستة من التابعين، وعن أصحاب ابن
مسعود، كانوا لا يقرءون مع الإمام فيما أسَرَّ فيه، ولا فيما جَهَرَ. وذَكَرَ عن ستة من التابعين أنهم كانوا يقرءون معه فيما أسرَّ فيه. وقال مالك وأصحابه بالقراءة خلْفَه فيما أسَرَّ، إلاَّ ابن وهب، فقال: لا يقرأ. وقال الليث وعبد العزيز كقول مالك. وإِنَّمَا النهي عن القراءة معه فيما جَهَرَ للاستماع، فإما فيما أسَرَّ فلا وجه له. وذكر ابن الْمَوَّاز، أن أشهبَ كان لا يقرأ خلفه فيما يُسرُّ، قيل له: أفَيَقْرَأ خلفه في صلاة الخسوف؟ قال: لا. قال أَصْبَغُ: بل يقرأ. ومن المجموعة، ابن نافع، عن مالك في الإمام في صلاة الجهر: فإذا كَبَّر أمسك عن القراءة، فلا أرى أن يقرأ مَنْ خلفه في سكتة أم القرآن، وإن كان قبل قراءته. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: ومن فرغ من السورة قبل الإمام، فليقرأ غيرها. وقال في المختصر: إن شاء قرأ وإن شاء دعا، وإن شاء ترك، وإن لم يفرغ منها فليبتدئ في الثانية سورةً أخرى أَحَبُّ إِلَيْنَا، وإن لم يفرغ من الآية حَتَّى ركع الإمام، فليركع معه ولا يُتِمُّها. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: وإذا تعايى فله أن يتفكَّرَ تفَكُّرًا خفيفًا، فإن ذَكَرَ وإلاَّ خَطْرَف ذلك، وأو ابتدأ سورة أخرى. قال عنه ابن القاسم: إذا أخطأ، ولُقِّنَ، فلم يَلْقَنْ، فلا بأس أن يتعوَّذَ، فإن لم يتعدَّها فواسع أن يركعَ، أو يقرأ عليها. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يقرأ غيرها. ومن المختصر: ولا بأس أن يفتح على الإمام في المكتوبة والنافلة، وأن يفتح
مَنْ ليس في صلاة على مَنْ هو في صلاة، ولا يفتح مَن في صلاة على من في صلاة إلاَّ على إمامه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُلَقَّنُ المُصَلِّي مُصَلِّيًا ليس معه في صلاة، فإن فعل فقد أساء، ولا يُعِدْ لهذا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المجموعة: قد أفسد صلاته، وهو كالكلام. قال أشهب: رجل في صلاة ورجل جالس يَتَعَلَّم القرآن، فاستفتح ففتح عليه المُصَلِّي، فبئس ما صنع، ولا تفسد صلاته، وقد يجوز به الرجل فيُسَبِّحُ به، ليدعوه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يَنْبَغِي أن يُلَقَّنَ القارئ – يريد: الإمام – وإن تعايى، أو خرج من سورة إلى أخرى، فلا يُفْتى حَتَّى يقفَ، ينتظر التلقين. قاله مالك. قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه: وإذا فتح على الإمام فلم يهتد، فتقدَّم الفاتح إلى جَنْبِه، فقرأ بهم بقيَّة السورة والإمام منصت، حَتَّى ركع بهم هذا الركعة الباقية، ثم سَلَّمَ بهم الأول، قال: صلاتهم كلُّهم فاسدة. وعن إمام انحصر عن القراءة في الثانية، قال: إن خاف أن لا يَقوى على تمام الصلاة بهم حصرةً، فيستخلف ويُقَهْقِرُ إلى الصفِّ، فيُصَلِّي خلف مَنْ يتقدَّم، وكذلك لو ضعُفَ عن القراءة. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: وليس على من لم يسمع قِرَاءَة الإمام أن يقول: آمين. ورَوَى ابن حبيب، عن مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، عن مالك، أن الإمام يقول: آمين. كالمأموم، على حديث أبي هريرة.
ومن كتاب آخر، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يقول الإمام: آمين. إلاَّ فيما أسَرِّ به خاصة. وقال غيره: يقال: آمين. ممدودة. وأنشد: ويَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا ويقال: أَمِين. مقطوعة. وأنشد: أَمِينَ فزادَ اللهُ ما بَيْنَنَا بُعْدَا
جامع العمل في الصلاة؛ من قيام، وقعود، وركوع، وسجود، والنهوض، والتكبير، والاعتماد، ووضع اليد على اليد
جامع العمل فِي الصَّلاَةِ، من قيام، وقعود، وركوع، وسجود، والنهوض، والتكبير، والاعتماد، ووضع اليد على اليد من المستخرجة، رَوَى أشهب عن مالك، أنه لا بأس أن يضع يده اليمنى على كوع اليسرى، في الفريضة والنافلة. قال عنه عليٌّ، في المجموعة: ليس الإمساك بواجب، ولكنها عقبة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: رَوَى مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، عن مالك، أنه استحسنه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس لكونهما من البدن حَدٌّ. وكَرِهَ ابن عمر تغطية اللحية فِي الصَّلاَةِ، وقال: هي من الوجه. ولا يُغَطِّي أنفه، فإن فعل شَيْئًا من ذلك أساء، ولا يُعِيدُ. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك، في مَنْ صَلَّى النافلة: لا تأثيرَ أن يُرَوِّحَ إحدى رِجْليه، ويتحامل على الأخرى، ويُقدِّم هذه ويُؤَخِّرَ هذه. ومن المختصر، ولا يضعُ يديه على خاصرتيه، ولا رِجْلاً على رِجْلٍ، ولا يستندُ إلى جدار في المكتوبة، واستخفَّه في النافلة، وللضعيف أن يتوكَّأ على العصا في المكتوبة والنافلة. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك: ولا يتطأطأ الْمُصَلِّي في الرُّكُوعِ، ولا يرفع رأسه فيه، وأحْسَنُهُ اعتدال الظهر. ابن حبيب: ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لو صُبَّ على ظَهْرِه ماءٌ فِي الرُّكُوعِ لاستقَرَّ.
قال ابن نافع، في المجموعة: واختار مالك أن يقول إذا رفع رأسه: ربنا لك الحمد. واستحبَّ ابن القاسم أن يقول: ولكَ الحمدُ. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك، في الذي يرفع من الرُّكُوع فلا يعتدل قائمًا حَتَّى يسجدن، قال: يُجْزِئه، ولا يعود. وقاله ابن القاسم. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإن خَرَّ من ركوعه ساجدًا، ولم يرفعْ، فلا يُعْتَدُّ بتلك الركعة. واستحبَّ مالكٌ أن يتمادى، ويُعيدَ الصلاة. قال سَحْنُون: ورَوَى عليٌّ، عن مالك أنه لا يُعِيدُ. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإن رفع من السُّجُود، فلم يعْتَدِلْ جالسًا حَتَّى يسجدَ، فليستغفر الله سبحانه، ولا يعود. وذكر ابن الْمَوَّاز، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مثله. قال: ومن ركع، ولم يعتدل راكعًا حَتَّى رفع وسجد، فليستغفر الله. قال محمد: والذي سجد قبل رفع رأسه من الرُّكُوع، إن فعله ساهيًا، فليرجعْ مُنْحَنِيًا إلى ركعته، ولا يرفع قائمًا، فإن فعل أعاد صلاته. وإن رجع مُحْدَوْدِبًا – يريد: ثم رفع – سجد بعد السَّلام، وأجزأته. وإن كان مأمومًا حملَ عنه إمامُهُ. يريد: سجود السهو. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومَنْ ركع فلم يضعْ يديه على رُكْبَتَيْهِ، رفع شَيْئًا، أو نزل شَيْئًا، فذلك يُجْزِئه. وبقية هذا المعنى في باب جامعِ السهوِ، وفيه في الذي لم يَرْفَعْ من الرُّكُوع خلاف ما ذكرنا عَنِ ابْنِ الْمَوَّاز. ومن كتاب ابن حبيب، قال: وكان ابن عمر يضع على الأرض رُكْبَتَيْهِ
أَوَّلاً، ثم يَدَيْهِ، ثم وجهه، ثم يرفع وجهه، ثم يَدَيْهِ، ثم رُكْبَتَيْهِ، ويضع يَدَيْهِ في السُّجُود حذو أذنيه، ويَقْرِنُ أصابعه، وكان لا يقوم من مجلسه حَتَّى يسمع: قد قامت الصلاة. وكُلُّ ذلك حسنٌ. ومالك يرى أن يفعل من ذلك كُلِّه ما تيسَّرَ عليه، ليس فيه عنده حَدٌّ. ولا بأس لذي العلَّةِ أن يضع مرفقيه على رُكْبَتَيْهِ في سجوده، أو لمن يُطيل في النافلة السُّجُود. قاله مالك. وليس بين السجدتين دعاء ولا تسبح، ومَنْ دعا فَلْيُخَفِّفْ. ويُكْرَهُ لِلسَّاجِدِ أن يَشُدَّ جُمَّتَهُ فِي سُجُودِهِ، ويُسْتَحَبُّ له أن يُخَفِّفَ. ورُوِيَ «أن أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه إذا كان ساجدًا». وهو من قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: 19). قال مالك: والتكبير فِي الصَّلاَةِ مع العمل. وكذلك في المختصر. ابن حبيب، قال مالك: والمأموم يفعل مع الإمام معًا، إلاَّ الإِحْرَام، والْقِيَام من اثنتين، والسَّلام, فيفعله بعده. ومن رفع أو خفض قبل إمامه، فليرجع حَتَّى يفعل بعده، فإن لَحِقَ الإمام فليثبت، ولا يعود، وليحسر المعتَمُّ عن جبهته لِلسُّجُودِ. وقد استحبَّ ذلك مال، للذي يومئُ به في تَنَفُّلِهِ. وإذا مَسَّ المُعْتَمُّ الأرض ببعض جبهته، أجزأه، وأما إن سجد على كُورِها، فإن كان كثيفًا أعاد في الْوَقْتِ، إن مَسَّ أنفُه الأرض، وأن كان قدْرَ الطاقة والطاقتين،
قَدْر ما يتَّقي به بَرْد الأرض وحرَّها، لم يُعِدْ. قاله ابن عبد الحكم. قال الأوزاعي: وكذلك كانت عِمَّةُ مَنْ مضى. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن سجد على جبهته دون أنفه، أجزأه، وقد أساء. ومن سجد على أنفه دون جبهته، أعاد أبدًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُجْزِئه عندي في الوجهين. قال مالك في المجموعة: وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وأنفه أثر ماء وطين من السُّجُود، وكان المسجد على عريش مُوكَفٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليكُنِ التكبير في السُّجُود أخفض منه فِي الرُّكُوعِ، وكذلك كان يفعل عمر بن عبد العزيز. ومن سماع ابن وهب، قال مالك: وأُحِبُّ للمأموم أن لا يَجْهَر بِالتَّكْبِيرِ، وبـ "ربنا ولك الحمد". ولو جَهَر بذلك جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يليه، فلا بأس بذلك، وتَرْكُ ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يَجْهَرَ معه إلاَّ بالسلام جهرًا دون ما يُسمعُ من يليه. ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك: ولا أُحِبُّ أن يضع جبهته على مكان مُرتفع من الأرض لا يَمَسُّ أنفه. قيل: فالمسجد يُرَصَّصُ باللَّبِنِ، ويُجْعَلُ لموضع السُّجُود بلاطة أو صلابة؟ قال: ما يُعْجِبُنِي، ولعلَّ ذلك يرتفع عن موضع
مُصَلاَّه، ولكن يُبْطِلُه كُلَّه. ومن المختصر، ويعلُ ظهره فِي الرُّكُوعِ، ويَنْصِبُ قَدَمَيْهِ في السُّجُودِ، ولا يرمي ببصره حيث يسجد، ولا بأس أن يَمُدَّ بصره أمامه، أو يصْفَحَ فخذه، ما لم يَلْتَفِتْ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب: رأيت مالكًا إذا نهض من الأولى والثالثة نهض كما هو، ولا يجلسُ ثم ينْهضُ. قال عنه ابن القاسم: وما رأيتُ من اقتدى به يرجِعُ على صدور قَدَمَيْهِ. قال مالك: وأَوَّل من أحْدَث الاعتماد فِي الصَّلاَةِ حَتَّى لا يُحَرِّك رِجْلَيْهِ، رَجُلٌ عندنا، وكان مُسَمَّتًا، فيعيبَ ذلك عليه، وذلك مكرُوهٌ. واسْتَخَفَّ مالك الْقِيَام مِنَ السُّجُودِ بغير اعتمادٍ على الْيَدَيْنِ، ثم كَرِهَهُ. قال في سماع أشهب: كذلك صلاة الناس في الاعتماد على الْيَدَيْنِ، فأما الوُثُوبُ فهذا يريد أن يُصارِعَ. قال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ سجد قابضَ أصابعِه لشيء في يده، أو لغير عذرٍ مُتَعَمِّدُا، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ سبحانه، ولا يعودُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يريد مربوطًا. عن مالك في صلاة الْمَرْأَة بالخضاب: غيره أحسن. وقد كان خَفَّفَه، ولا بأس به إن كانت على وضوء. قال عليٌّ، عن مالك: قال: تَجْلِسُ الْمَرْأَة على وَرْكِها الأيسرِ، وتضع فَخِذَها اليمنى على اليسرى، تَضُمُّ بعضها إلى بعض، بقَدْر طاقتها، ولا تُفَرِّجُ في ركوع
في التشهد، والإشارة بالإصبع، والسلام، وذكر الدعاء في تشهده
ولا سُجُود، ولا جلوس بخلاف الرَّجُلِ. قال عنه ابن وهب: وعليهنَّ التشهُّد. قلت: أيُشِرْنَ بأيديهنَّ عند الإِحْرَام، وعند الرُّكُوع؟ قال: ما سمعتُ، وهو حسنٌ إن فَعَلَتْ. قيل: أفتضع يديها على فخذيها، وتشير بإصبعها؟ قال: نعم. ومن المختصر، قال: ولينصب قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ، ولا يرجعْ بين السجدتين على ظهور قَدَمَيْهِ , والجلوس في التَّشَهُّد وبين السجدتين يُفْضي بوركه الأيسر إلاَّ الأرض، وينصب قدمه اليمنى وباطن الإبهام إلى الأرض، ويَثْني اليسرى، ويضع كَفَّيْهِ في الجلستين على فخذيه، ويقبض اليمنى، ويشير بالسبابة ويبسط اليسرى، وجلسة الْمَرْأَة وشأنها كله مثل الرَّجُلِ، وإِنَّمَا تخالفه في اللباس. يريد: والانضمام، والجهر في القراءة ولإقامة. وذكر أبو عبيد تفسير الإقعاء فِي الصَّلاَةِ الْمَنْهِيِّ عنه، أنه جلوس الرَّجُلِ على أَلْيَتَيْهِ ناصبًا فخذيه، كإقعاء الكلب. هذا قول أبي عبيد. قال: وقال أهل الحديث: هو أن يضع أَلْيَتَيْهِ على عقبيه بين السجدتين. وما ذكر أبو عبيد عن أهل الحديث رأيت مثله لبعض أصحابنا من الفقهاء. في التَّشَهُّد، والإشارة بالإصبع، والسَّلام، وذكر الدعاء في تشهده من المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ويبدأ الْمُصَلِّي بِالتَّشَهُّدِ قبل الدعاء، والتَّشَهُّد في الجلستين سواء، والجلسة الثانية أَطْوَلُ، ويدعو فيها، وذلك واسع.
قال عنه عليٌّ: وليس في التَّشَهُّد الأول موضع للدعاء. قال عنه ابن نافع: لا بأس أن يدعوَ بعده. قال في المختصر: لا بأس أن يدعو بعده في الجلسة الأولى والثانية. ووسَّعَ ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة، في الدعاء بعده. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والتحيات جِمَاعُ التحية، والسَّلامُ منه. وقال غيره: التحية المُلْك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والزاكيات صالح الأعمال، والطيبات طيبات القول، ولا يبتدئ ببسم الله، ولكنْ بالتحيات لله. قال الحسن، وغيره، ويدخل فِي الصَّلاَةِ على آل محمد أزواجُه وذرِّيَّتُه وكُلُّ مَنْ تَبِعَ دينه. وقيل: إنَّ آل محمد كُلُّ تقيٍّ. ولا بأس أن يقول فِي الصَّلاَةِ: اللهم افعلْ بفلان، وارحمْ فلانًا. وقَالَ ابْنُ القرطي: ولو قال: يا فلان، فعل اللهُ بكَ. كان مُتَكَلِّمًا، تفسُد صلاته. ولم أرَ هذا لغيره. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: ومن لم يتشهدْ ناسيًا حَتَّى سلَّم الإمام فليتشهدْ، ولا يدعو بعده، ولْيُسَلِّمْ. قال: والإشارة بالإصبع فِي التَّشَهُّدِ حسنٌ، ولا بأس أن يشير به من تحت ساجه، وهو مُلْتَفٌّ به. قال أبو زيد: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رأيت مالكًا يُحَرِّك السبابة فِي التَّشَهُّدِ مُلِحًّا، ورأيته إذا أراد أن يدعوَ، رفع يَدَيْهِ شَيْئًا، وظُهورهما إلى وجهه.
وقال يحيى بن مزين: يَنْبَغِي أن ينصب السبابة فِي التَّشَهُّدِ، وحَرْفُها إلى وجهه، ولا يُحَرِّكُها. ومن كتاب آخر، رُوِيَ أن ابن عمر كان يُحَرِّكُهَا. وقيل: إنها مَقْمَعَةٌ للشيطان. وقيل في مَنْ ينصبُها ولا يُحَرِّكُهَا، تأويله للإخلاص أن الله أحَدٌ. وكان يحيى بن عمر إِنَّمَا يُحَرِّكُهَا عند قوله: اشهد أن لا إله إلاَّ الله. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: رُوِيَ أن الإشارة بها مَقْمَعَة للشيطان، وأن ذلك من الإخلاص. وقال مجاهد: ويُحَرِّكُهَا. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ولتضع الْمَرْأَة يَدَيْهِا على فخذيها، وتشير بإصبعها. قال مالك: وكما تَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ بتكبيرة وَاحِدَة فكذلك تخرج منها بتسليمة وَاحِدَة. قال عنه أشهب، في الْعُتْبِيَّة: وعلى ذلك كان الأمر في الأئمة، وغيرهم، وإِنَّمَا حدث بتسليمتين منذ كان بنو هاشم. وقال عنه ابن القاسم: أما الإمام فما أدركنا الأئمة إلاَّ على تسليمة تلقاء وجهه، ويتيامن قليلاً. قيل: فالْمُصَلِّي وحده، أيُسَلِّمُ تسليمتين؟ قال: لا بأس إذا فصل بالواحدة أن يُسَلِّمَ عن يساره. ومَنْ سمع تسليم الإمام فسَلَّمَ، ثم سمعه يُسَلِّمُ أخرى، فليُسَلِّمْ أخرى. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسَلِّمُ الإمام واحدةً تلقاء وجهه، ويتيامن قليلاً، ويُسَلِّمُ الفَذُّ تسليمتين؛ وَاحِدَة عن يمينه، وأخرى عن يساره، والمأموم كذلك، وثالثةً ردٌّ على الإمام، يقول في ذلك كُلِّه: السَّلام عليكم. قاله مُطَرِّف، عن مالك.
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: سلام. قال مالك في المختصر: لا يقول: وعليك السَّلام. ومن سماع ابن وهب، قال مالك: ولا يَحْذِفُ سلامه وتكبيره جدًّا حَتَّى لا يُفْهَمَ عنه، ولا يُطِيلُ ذلك جدًّا يُخَالِفُ، ولكن وسطًا من ذلك، وأُحِبُّ للمأموم أن لا يجهر بِالتَّكْبِيرِ، و "ربنا ولك الحمد"، ولو جهر بذلك جَهْرًا يُسْمِعُ من يليه، فلا بأس به، وترك ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يجهر معه إلاَّ بالسلام جَهْرًا دون يَسْمَعُ من يليه. ومن الواضحة، وليحذفْ سلامه، ولا يَمُدَّهُ. قال أبو هريرة: تلك السُّنَّةُ. وكان عمر بن عبد العزيز يحذفه ويخفض به صوته. وسلام الإمام من سُجُود السهو في الجهر به كسلام الصلاة، وإن كان دونه فحسنٌ. قَالَ ابْنُ القرطي: وقال بعض الناس في السَّلام: سلام عليكم. وبالألف واللام أولى؛ لأن الله هو السَّلام. قال: ومن بدأ فسَلَّمَ عن يساره، ثم لم يُسَلَّمْ آخرى حَتَّى تكلم، بطلت صلاته. ولم يذكر ابن الْقُرْطِيِّ إلى من تُنْسَب هذا المسألة. ولا وجه لإفساد صلاته؛ لأنه إِنَّمَا ترك التيامن. ورأيتُ لمحمد بن عبد الحكم، قال مُطَرِّف: صلاته تامَّةٌ، ولا شيء عليه، كان عمدًا أو سهوًا، كان إمامًا أو فذًّا. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: وأَحَبُّ إِلَيَّ للمأموم إذا سَلَّمَ إمامه، أن يقول: السَّلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السَّلام عليكم. وليُسَلِّمْ بأثر سلام إمامه، ولا يثبت. قال عنه ابن
في القنوت، وذكر الدعاء في الصلاة
القاسم: إلاَّ أن يريد أن يتشهد، فليتشهدْ، ثم يُسَلِّمْ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب: رأيت مالكًا إذا سَلَّمَ الإمام سَلَّمَ هو عن يمينه، ثم عن يساره، ثم رَدَّ على الإمام. وقاله ابن القاسم. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثم رجع مالك إلى أن يبدأ بالردِّ على الإمام قبل يساره. قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب، في إمام يُسَلِّمُ اثنتين، فقام المأموم بعد تسليمة وَاحِدَة: فقد أساء ولا يُعِيد. قال غيره: قال الليث: له أن يقوم للقضاء قبل تسليم الثانية. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ويَنْبَغِي للمأموم أن يُخْفِيَ التسليمة الثالثة عن يساره، لئلاَّ يُقتدَى به فيها. قال عنه ابن القاسم، في الذي يقضي بعد سلام الإمام: فليُسَلِّمْ، ولا يردُّ على الإمام. ثم قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَرُدَّ عليه. وبه أخذ ابن القاسم. قال سَحْنُون: وإن لم يُدْرِكْ غيرَ التَّشَهُّد، فلا يَرُدَّ عليه. ومن الواضحة، ومَنْ سَلَّمَ قبل إمامه سهوًا، رجع، فسَلَّمَ، ولا سُجُود عليه. وإن رَدَّ عليه قبل يُسَلِّم لنفسه، سجد بعد السَّلام، لو تكلَّم بعد أن رَدَّ على الإمام، وقبل يُسَلِّم لنفسه، أَبْطَلَ على نفسه، ولو تكلم بعد أن سَلَّمَ الأُولَى لنفسه، قبل تسليم الثانية، لم تَفْسُدْ صلاتُه، وإن اجْتَزَأَ بالأُولَى أَجْزَأَتْهُ. في القنوت، وذكر الدعاء فِي الصَّلاَةِ من المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: القنوت في صلاة الصُّبْح
ليس بسُنَّةٍ، وأنا أفعله قبل الرُّكُوع. قال عنه ابن القاسم، وعليُّ بن زياد: وكان الناس يقنتون في الزمان الأول قبل الرُّكُوع، وذلك واسع قبل الرُّكُوع وبعده. قال عنه ابن نافع: والناس اليوم يقنتون بعد الرُّكُوع. قال عنه ابن القاسم: ما أدركتُ أحدًا يعيب القنوت في الصُّبْح، وكانوا يقنتون القنوت. قال عنه ابن نافع: وإِنَّمَا يُقْنَتُ في الصُّبْح، وإما في الوتر فلا، إلاَّ في النصف الآخر من رمضان. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عنه: ومن صَلَّى الصُّبْح وحده فلا يَدَعِ القنوت، ولا سُجُود في السهو عنه. ويُذْكَرُ عَنِ ابْنِ سَحْنُون أنه رأى فيه السُّجُود، وقول مالك أصحُّ؛ لأنه لم يرَه سُنَّةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا يَجْهَرُ بالدعاء في القنوت إمامًا ولا غيره. قال مالك: وليس فيه دعاء موَقَّتٌ ولا وقوفٌ موَقَّتٌ. قال عنه عليٌّ: وليدعُ فيه إن شاء لجميع حوائجه، وقد جعل الله لكل شيء قدْرًا، وإن شاء أمسك يساره بيمينه في القنوت، وإن شاء ترك، ولا أرى في الوتر قنوتًا، إلاَّ في النصف الآخر من رمضان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كان عمر وأبو هريرة يقنتان بعد الرُّكُوع، وكان عليُّ بن أبي طالب وعروة يقنتان قبل الرُّكُوع. ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الرُّكُوع، وهو
أَحَبُّ إِلَيَّ، وكان الناص يقنتون في أَيَّام عمر في رمضان، في النصف الآخر منه، في ركعة الوتر بعد الرُّكُوع، يجهر بدعائه، ويؤمِّنُ مَنْ خلْفَه إذا أنصتَ. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك، في رفع الأيدي في القنوت مع الإمام في الوتر، قال: ما يُعْجِبُنِي والإمام يفعله، وما أرى في الوتر قنوتًا، ولا بأس أن يدعو في صلاته بحوائج دنياه، وقد كان عندنا رَجُلٌ يدعو في صلاته، فلا يقول إلاَّ: اللهم ارزقني. وهو كثير الدراهم، فلا أُحِبُّ هذا، ولْيَحْتَطْ، وقد دعا الصالحون فليدعُ بما دَعَوْا، وبما في القرآن: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} (البقرة: 286) الآية. قيل أفيدعو في كُسوَتِه؟ قال: أيريد أن يذكُرَ السراويل! ليَدْعُ بما دعا الصالحون. وله أن يدعو في قيامه فِي الصَّلاَةِ، قال عنه ابن القاسم: وفِي السُّجُودِ والجلوس، وإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الرُّكُوعِ. قال عنه ابن وهب: وله أن يدعوَ فِي الصَّلاَةِ على الظالم، ويدعُوَ لآخر، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لقومٍ، ودعا على آخرين. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في الإمام يقرأ الآية فيها ذِكْرُ النار، فيتَعَوَّذُ المأموم، قال: تَرْكُه أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن فعل فسِرًّا. قال عنه ابن نافع: وإن كان في نافلة فمَرَّ بآية فيها استغفار، فيستغفر، ويقول ما شاء الله، ولا بأس بذلك. قال عنه ابن القاسم: ولا بأس في النافلة أن يسأل الله الجنة، ويستعيذه من النار.
في سترة المصلي، والمرور بين يديه، وسترة الإمام، والصلاة بين يديه بصلاته
في سُتْرَةِ الْمُصَلِّي، والمرورِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وسُتْرَةِ الإمام، والصلاة بين يَدَيْهِ بصلاته قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من شأن الصلاة أن لا يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي إلاَّ في سُتْرَةٍ، في سَفَرٍ أو حَضَرٍ، أَمِنَ أنْ يَمُرَّ بين يَدَيْهِ أحدٌ أو لم يَأْمَنْ. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: وأدنى السُّتْرَة للمُصَلِّي قدر مؤخرة الرحل في الطول، في غِلَظِ الرُّمح – يريد: عودَهُ - ولا يستتر بغطاء الحمار. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا بأس أن تكون السُّتْرَةُ أقلَّ من جُلَّةِ الرمح، وقد صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العَنَزَةِ، وهي دون جُلَّةِ الرمح، وأما القضيب والسوطُ فلا، إلاَّ أن لا يجدَ غيره. وله أن يجعل قلنسوته سترةً، إن كان لها ارتفاعٌ، وكذلك الوسادة. وقاله مالك، وقاله عنه عليٌّ، في المجموعة وقال: إذا لم يَجِدْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك المِرْفَقَة إن كانت طاهرة وتثبُتُ. وبلغني عن بعض التابعين، أنَّ مَنْ مَرَّ بين يدي من صَلَّى إلى غير سترة، فإثمُ ذلك على المارِّ. قال غيره، في كتاب آخر: إِنَّمَا نُهِيَ إنْ مَرَّ بين يدي مَنْ صَلَّى إلى
سترة، إن كان فيه، محكوك بالسكين. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: ومَنْ صَلَّى إلى الصحراء، أو في سطح غير مُحْظَرٍ، فليستتر أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن لم يجِدْ فذلك واسع. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وإن مَرَّ الوحش بين يَدَيْهِ. قال: ولا بأس أن يُصَلِّيَ إلى ظَهْرِ رَجُلٍ، فأما إلى نبه فلا. وخَفَّفَهُ في رِوَايَة ابن نافع، في المجموعة، وقال: ويستتر أَحَبُّ إِلَيَّ. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: ولا بأس أن يستتر بالبعير، ولا يستتر بالخيل والحمير؛ لنجاسة أرواثها. وكأنه لا يرى بالسُّترة بالبقرة والشاة بأسًا. قيل: فواجب وَعْظُ مَنْ صَلَّى إلى غير سترة؟ قال: هو حسنٌ، وما أدري ما واجبٌ، ومن العلماء مَنْ يقدر أن يَعِظَ، ومنهم من لا يقدر. وليس بصوابٍ أن يُصَلِّيَ بين يدي أسطوانتين، وبينه وبين سترته قَدْرُ صفَّيْن. قال عنه ابن القاسم في المجموعة: والدُّنُوُّ من السترة حسنٌ. ومن كتاب آخر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي وبينه وبين القبلة قَدْرُ مَمَرِّ الشاة، وفي حديث آخَرَ: قَدْرُ ثلاثة أذْرُعٍ. ومن المجموعة، قال عنه ابن القاسم: ومَنْ صَلَّى على مكان مُشْرِفٍ، فإن كان يغيبُ عنه رءوس الناس، وإلاَّ جعل سترة، والسترة أَحَبُّ إِلَيَّ، إلاَّ أن لا يجد.
قال عنه عليٌّ: إذا استتر الإمام برُمح، فسقط، فليُقِمْه إذا كان ذلك خفيفًا، وإن أشغله فليَدَعْه. قال عنه ابن وهب: وعن الليث، الخطُّ باطلٌ، ولم يثبتْ عندنا فيه حديث. قال أشهب في الْعُتْبِيَّة: ولا يجعل بين يَدَيْهِ خطًّا، وأرى ذلك واسعًا. قال غيره، في كتاب آخر: وإِنَّمَا يخُطُّ من جهة القبلة إلى المُصَلَّى، ليس من يمينه إلى يساره، في قول مَنْ ذهب إليه. قال: وليس الخَطُّ، ولا الماءُ، ولا النار، ولا الوادي، بسترة للمُصَلِّي. ومن المختصر، ولا يستتر بالمرأة، وأرجو أن يكون السترة بالصبيّ واسعًا. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ولا يُصَلِّي وبين يَدَيْهِ امرأة وإن كانت أُمَّه أو أُخْتَه، إلاَّ أن يكون دونها سترة، ولا إلى نائم، إلاَّ أن يكون دونه سترة ولا يُصَلِّي إلى المتحَلِّقين؛ لأن بعضهم يستقبله، وأرجو أن يكون واسعًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُصَلِّي إلى النيام. قال مالك: وله أن يُصَلِّيَ وراء المتحدِّثين. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إن لم يُعْلُوا حديثهم. قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: إنه خَفَّفَ أن يُصَلِّيَ إلى الطائفينَ. مالك: وإذا صَلَّى في المسجد الحرام إلى عمودٍ أو سترة، فليَمْنَعْ مَنْ يمُرُّ بين يَدَيْهِ. قال: وليَرُدَّ الْمُصَلِّي المارَّ بين يَدَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من دابَّةٍ، أو إنسان، أو غيره. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في المجموعة: فإذا قضى، وجاوزَه فلا يرُدُّه، ولا يردُّه وهو ساجدٌ.
في استقبال القبلة، وفي من صلى إلى غيرها، وذكر الدليل عليها
قال أشهب: إذا مرَّ في بُعْدٍ منه فلْيَرُدَّه بالإشارة، ولا يمشي إليه، فإن فعل، وإلاَّ تَرَكَه، وإن قرب منه فدرأه فلم يفعل، فلا ينازعه، فإن ذلك والمشي إليه أشدُّ من ممَرِّه، فإن مشى إليه، أو نازعه، لم تفسُدْ صلاته. قال نافع، عن مالك يمنعه بالمعروف، وقد درأ رَجُلٌ رَجُلاً فكسر أنفه، فقال له عثمان: لو ترَكْتَه يمرُّ كان أهون من هذا. قال عنه ابن القاسم: وأكْرَهُ أن يُكَلِّمَ مَنْ على يمينه مَنْ على يساره، وحَسَنٌ أن يتأخَّرَ عنهما. قال عنه ابن نافع: إذا قضى ما فاته به الإمام، وجلس، فقام مَنْ كان يستره فمَرَّ الناسُ بين يَدَيْهِ، فلثبُتْ، ولو كان قائمًا انضمَّ إلى سُتْرَة. قال عنه: ولا بأس بالصلاة إلى هذه الْمَسَاجِد التي تُعْمَل بالصحارى بالحجارة. ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قال: وكَرِهَ مالك الصلاة بين يدي الإمام، ولا يُعِيدُ مَنْ فعله. وأجاز الليث أن يتعمَّدَ ذلك. وقال مالك: كانت دارٌ لآل عمر في قِبْلَةِ المسجد، يُصَلِّي أهلها بصلاة الإمام، فلم يَرَ به بأسًا. في استقبال القبلة، وفي مَنْ صَلَّى إلى غيرها، وذِكْرِ الدليل عليها رَوَى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ». وذكرَهُ مالك في الموطأ، عن عمر بن الخطاب، وقال فيه:
إذا توجَّه قِبَلَ البيت. قال مالك: وعليه الأمر عندنا في مَنْ أخطأ القِبْلَة، وصَلَّى إليها فيما بين المشرق والمغرب. قال عنه ابن القاسم: إذا كان إِنَّمَا انحرف عنها يسيرًا، فلا إعادة عليه. قال أشهب في مرضى بيت صَلَّى بهم أحدهم في ليلٍ مُظْلِمٍ إلى غير القبلة، وهم يظنون أنهم إلى القبلة، أو كان الإمام إلى القبلة وهم إلى غيرها، أو هم إليها وهو إلى غيرها، ولم يتعَمَّدُوا، قال: إن أصاب الإمام القبلة لم يُعِدْ، وأعاد مَنْ خَلْفَه في الْوَقْتِ إذا أخطئوها، وإن أخطأ الإمام القبلة أعاد هو وهم، أصابوا القبلة أو أخطئوها. ومن المختصر: ومن أخطأ القبلة فاستدبرها، أو غَرَّبَ، أو شرَّقَ، أعاد في الْوَقْتِ، وإن تيامن أو تياسر ولم ينحرف انحرافًا شديدًا، فلا يُعِيدُ. ومن صَلَّى على ظهر الكعبة أعاد. وفي المدونة: وبلغني عن مالك أن من صَلَّى فيها يُعِيدُ في الْوَقْتِ. وقال أَصْبَغُ: ومن صَلَّى فيها عامدًا أعاد أبدًا. ومن صَلَّى فوق أبي قُبَيْس أجزأه. وبعدَ هذا بابٌ فيما يُكْرَهُ أن يُصَلَّى فيه، فيه ذِكْرُ الصلاة في الكعبة مُسْتَوْعَبًا. قال أبو الفرج البغدادي: إِنَّمَا يُعِيدُ في الْوَقْتِ من أخطأ القبلة؛ لأنه إِنَّمَا يُعِيدُ باجتهاد في إصابتها، وقد صَلَّى والوقت قائم باجتهاد، وليس على مَنْ عُمِّيتْ عليه الصلاة إلى كُلِّ الجهات، كما يلزم ذكرُ صلاة جميع الصلوات، وأما مقابل الكعبة
في لباس الرجل في الصلاة، والارتداء، وصلاة العريان، والمكفت، والمتشمر، والمتزرر، والصلاة في السراويل، والمؤتزر، ومن عليه آلة الحرب
فهذا فرض عليه لوجهها. ورأيت لبعض أصحابنا، أن الدليل في النهار على رسم القبلة، أن ينظرَ إذا انتهى أخِرُ نُقْصانِ الظِّلِّ، وهو على أن يَأْخُذَ في الزيادة، فإن الظِّلَّ حينئذٍ قِبالة رسم القبلة، وذلك قبل أن يأخُذ في الزيادة، فتعْرُجُ إلى المشرق، ويُسْتَدَلُّ عليها في اللَّيْل بالقُطْبِ الذي تدور عليه بنات نعش، فاجعله على كتفك الأيسر واستقبل الجنوب بما لقي بصرُك، فهو القبلة، والقُطْبُ نجم خفيٌّ وَسَطَ السمكة التي تدور عليه، ويدور عليها بنات نعش الصغرى والكبرى، ورأس السمكة أحدُ الفرقدين وذنبها الحريّ. في لباس الرجل فِي الصَّلاَةِ، والارتداء، وصلاة العريان، والمُكَفِّتِ، والمُتشَمِّرِ، والمُتزرِّرِ، والصلاة في السراويل، والمؤْتَزر، ومن عليه آلة الحرب من الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كره مالك الصلاة بغير أردية فِي الْمَسَاجِدِ. وقال: يقول الله سبحانه: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: 31). ومن الواضحة، قال: ولا بأس أن يُصَلِّيَ في بيته في ثوب واحد، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وخالف بين طرفيه، وهذا في مثل الرداء، فإن شاء ردَّ طرفيه بين
يديه، وأَقَرَّهُما على كَتِفَيْهِ، فإن قَصُرَ عقَدهما في قَفَاه، فإن قصر عليه ائتَزَرَ به، وإن انكشف بطنه، إذا لم يجدْ غيره، ولم يكن فيه ما يرفعه إلى فوقِ ذلك، وقد صَلَّى جابر بن عبد الله بقوم بثوب شَدَّه إلى ثُنْدُوَتَيْهِ أو فوقهما، ثم ذكر جابرٌ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعله. وإذا كان القميص قصيرًا يكْشفُه فِي الرُّكُوعِ فَلْيَأْتَزِرْ به. وكَرِهَ مالكٌ في الجماعة الصلاة بقميصٍ بغير رِداءٍ، إلاَّ الْمُصَلِّي في بيته، وإن كان يُستَحَبُّ له أيضًا الصلاة في ثوبين. قال: والعورة من سُرَّتِه إلى رُكْبَتَيْهِ، ولا جُناحَ عليه أن يبدُوَ منه غيرُ ذلك, ولا يُعْجِبُنِي أن يُصَلِّيَ في الغِلالة والرداءِ. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع: قيل لمالك: قد يُصَلِّي في الغلالة لا تكادُ تَسْتُرُ؟ قال: إذا كان ثوبًا سخيفًا يَصِفُ، فلا يُعْجِبُنِي. ومن كتاب ابن حبيب، ويُكْرَهُ أن يُصَلِّيّ في ثوب رَقِيق يَصِفُ أو خفيفٍ يَشِفُّ، فإن فَعَلَ فَلْيُعِدْ. قاله مالك، إلاَّ الرقيق الصَّفِيقُ، لا يَصِفُ إلاَّ عند الريح، فلا بأس به. قال: ولو صَلَّى رَجُلٌ مكشوف الفخذ، لم يُعِدْ. قال مالك: وأَكْرَهُ الصلاة في السراويل، إلاَّ أن يلتحف عليه، فلا بأس به في غير الجماعة، إلاَّ أنْ يَلْبِسَ عليه قميصًا. ولا أحبُّه إن وَجَدَ غيرَه.
وقال مالكٌ في (المُسْتَخْرَجَة)، و (المَجْمُوعَة) نحوَ ما ذكَر ابنُ حَبِيب، في الثَّوبِ الوَاحِدِ والصَّغِيرِ والسَّراوِيلِ. قال عنه أَشْهَبُ في (الْعُتْبِيَّة): واسْتَبْقَحَ أنْ يَظْهَر السَّراوِيلُ. قال: ولا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ طَرَفَيِ الثَّوْبِ عليه فِي الصَّلاَةِ، إنْ لم يكُنْ مُحْرِمًا، وإنْ وجدَ غيرَه فأَحَبُّ إليَّ أنْ يأْتَزِرَ به ويتردَّى. قال عنه ابنُ القاسم في روايةِ موسى: كَرِهَ مالِكٌ الصَّلاةَ في السَّراوِيلِ، إلاَّ أنْ لا يجدَ غيرَه، فإن كان معه إزارٌ فلْيتَوشَّحْ بِهِ ولا يرْتَدِيهِ. وكذلك قال عنه ابنُ نافعٍ في (المَجْمُوعَةِ) قال عنْه: ولْيَرْتَدِ على المِئْزَرِ. ومن (المَجْمُوعَة) قال أَشْهَبُ في بابِ الأذانِ: ومَنْ صَلَّى في تُبَّان أو سَراويل أعادَ في الوَقْتِ. وقال ابنُ القاسمِ: ومن صَلَّى بسراويلَ أو بمِئْزَرٍ قام على الثِّيابِ فلا يُعِيد. وقال أَشْهَبُ في بابِ ما يُصَلَّى به: ومَنْ صَلَّى في مِئْزَر أو بِسَراوِيلَ أو قميصٍ قصيرٍ وهو إمامٌ أو غيرُ إمامٍ فصلاتُهُ تامَّةٌ إنْ كان صَفِيفًا، فإنْ كان يَشِفُّ أعادَ في الوقْتِ، وكذلك العُرْيَانُ، وإنْ لم يَبْلُغِ القميصُ رُكْبَتَيْه أو يبلُغُهما إلاَّ أنَّه إذا سجدَ انكشفَتْ عورَتُه أو فَخِذَاهُ فَلْيُعِدْ في الوقْتِ. ومن (الْعُتْبِيَّة) قال عيسى: قال ابنُ القاسمِ في الغَرِقِ يُصَلِّي عُرْيَانًا، ثم يجدُ ثَوْبًا في الْوَقْتِ فلا إعادَةَ عليه , وبعدَ هذا القول في صَلاةِ المَغْصُوبِين لا يجدونَ ثيابًا.
قال ابنُ القاسمِ عن مالك في الرَّامي تحضُرُه الصَّلاةُ وعليه الأصابعُ والمصرية، فلْيَنْزِعْ ذلك، إلاَّ أنْ يكونَ في حَرْبٍ، ويخافُ أنْ يطولَ ذلك، فلْيُصَلِّ كذلك، والمُسَافِرُ عليه السَّيْفُ والقَوْسُ، فأَحَبُّ إليَّ أنْ يجعل على عاتِقَيْهِ عِمَامَة إذا صَلَّى، وما ذلك بضَيِّقٍ ولا يُصَلِّي بالقَوْسِ. قال موسى عن ابنِ القاسم: ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ وفي أُذُنِه دِرْهَمٌ، وأكْرَهُه في فِيهِ. ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ وعلى رأسهِ خِرْقَةٌ أو وِقَايَةٌ ما لم يتعمَّدْ أنْ يكْفِتَ بها شَعْرًا من غُبَارٍ وغيرِه، وكذلك المُتَشَمِّر الكُمَّيْن فذلك جائزٌ ما لم يتعمَّدْ ذلك، وأمَّا مَنْ كَانَ في عملٍ فلا بَأْسَ بذلك. قال عنه ابنُ القاسم في (المَجْمُوعَةِ): ولا يتَلَثَّم فِي الصَّلاَةِ، ولا يُغَطِّي فاهُ. ومن (الْعُتْبِيَّةِ): أشْهَبُ عن مالك: ولا يَكْفِتُ ذو الشَّعْرِ شَعْرَهُ بعِمَامَةٍ ويُصَلِّي، إلاَّ أنْ يُرِيدَ أنْ يَسْتَدْفِئَ. ومن كتاب ابنِ حَبِيب: ولا ينْبغي أنْ يُغَطِّيَ فَمَهُ، ولا ذَقَنَه، ولا لِحْيَتَهُ فِي الصَّلاَةِ. قال مالكٌ: ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ في دَارِه بالعمامَةِ، لا يَلْتَحِيَنَّ بها، فأمَّا في المسجد فلا يدَعِ الالْتِحَاءَ بها. ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ مُطْلَقَ الأزْرارِ في الخَلاءِ والمَلاءِ. قال مُطَرِّفٌ: ورأيْتُ مالِكًا في المسْجِدِ مُطْلَقَ الأزْرارِ، فلمَّا حضَرتِ الصَّلاةُ تزَرَّر. وليسَ من الشَّأْنِ تقْلِيدُ السُّيوفِ والقِسِيِّ فِي الصَّلاَةِ في الحواضِرِ، ولا يعْدِل بالرِّداءِ في الحواضِرِ، فإنِ اضْطُرَّ إلى ذلك، أو كانتْ عَزِيمةً من السُّلْطَانِ لأَمْرٍ ينوبُ، فلْيَطْرَحْ على السَّيْفِ عِطَافًا؛ رِدَاءً أو سَاجًا أو عمامَةً، فإنْ لم يفْعَلْ فلا
في اشتمال الصماء في الصلاة، والسدل فيها، وإلقاء الرداء وهو فيها وذكر الصلاة في البرانس والخمائص، والصلاة في النعال
حَرَجَ، فأمَّا في الثُّغُورِ، ومواضِعِ الرَّباط والجِهَادِ، وفي السَّفَرِ، فلا بَأْسَ بتَقْلِيدِ السَّيْفِ، وتنْكِيسِ القَوْسِ، والصَّلاة بذلك بغيرِ رداءٍ ولا عِطافٍ. في اشْتِمَالِ الصَّمَّاء فِي الصَّلاَةِ، والسَّدْلِ فيها، وإلْقاء الرِّداء وهو فيها، وذِكْرِ الصَّلاة في البَرَانِسِ والخمائصِ، والصَّلاةِ في النَّعالِ ومن (الْعُتْبِيَّة): ابنُ القاسم عن مالك: واشْتِمَالُ الصَّمَّاء أنْ يَشْتَمِلَ بالثَّوْبِ على مَنْكِبَيْهِ، ويُخْرِجَ يَدَه اليُسْرَى من تحْتِه، وليس عليه مِئْزَرٌ. وأَجَازَه إنْ كان عليه مِئْزَرٌ، ثم كَرِهَه. قال ابنُ القاسمِ: تَرْكُه أَحَبُّ إليَّ، وليس بضَيِّقٍ في المُؤْتَزِرِ. قال مالك: والاضْطِبَاعُ أنْ يَرْتَدِيَ، ويُخْرِجَ ثَوْبه من تحتِ يَدِه اليُمْنَى. قال ابنُ القاسمِ: وهو من ناحِيَةِ الصَّمَّاءِ. قال ابنُ القاسمِ عن مالك: والبَرَانِيسُ، من لِبَاسِ النَّاسِ قديمًا، ومِن لباس المُصَلِّين. قال عنه في (المَجْمُوعَة): لا يُصَلِّي في البُرْنُسِ وَحْدَهُ، إلاَّ أنْ يكون تحته قميصٌ أو مِئْزَر أو سَرَاوِيلُ. قال عنه: وإذا كان يشْتَمِرُ، فطَرَحَ الرَّدَاءَ عن مَنْكِبَيْه، وعليه قميصٌ، فكَرِهَهُ، وخَفَّفَه في النَّوَافِلِ. وكذلك قال عنه في (الْعُتْبِيَّة): إذا صَلَّى في إزارٍ ورداءٍ فطَرَحَه للحرِّ وهو جالِسٌ، وقال عنه: ولا بَأْسَ بالسَّدْلِ لمن لا قميصَ عليه، وعليه مِئْزَرٌ ورداءٌ، وبطنُه مُنْكَشِفَةٌ.
قال عنه ابنُ زياد في (المَجْمُوعَة) في مَن يجمعُ طَرَفَيْ رِدَائِه، أو ساجِه على بَطْنِهِ، ويَضَعُ يديْه عليه لِيَثْبُتَ، ولئلاَّ يَسْدِلَه، فكَرِهَ ذلك. ومن (الواضحة): ولا بَأْسَ بالصَّلاةِ في البرَانس العربيَّةِ في الخَلْوَةِ والجماعةِ، إذا كان تحته قميصٌ أو مِئْزَرٌ أو سراوِيلُ، وإلاَّ فلا. وكان رِجَالٌ كثير من الصَّحابَةِ والتَّابِعِينَ يغْدُون بها إلى المسْجِدِ ويَرُوحون في الخمايص ذواتِ الأعْلامِ. ويُكْرَهُ الصَّلاةُ في الْبَرَانس الأَعْجَمِيَّةِ، وكذلك سيوفُهم وزِيُّهم وشَكْلُهم، يُكْرَه فِي الصَّلاَةِ وغيرِها، ولا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بذلك وهو طَاهِرٌ. قال النَّخَعِيُّ: كان السَّلفُ يصلون في بَرَانِسِهِم وسِيجانِهم، ولا يُخْرِجون أَيْدِيَهُم إلاَّ للسُّجُودِ. واسْتَحَبَّ مالكٌ أنْ يَكْشِفَ يدَيْهِ عند الإِحْرَامِ. قال مالك: وله أنْ يُصَلِّيَ في نَعْلَيْهِ الطَّاهرتَيْن، وإنْ خَلعهُما فلْيَجْعَلْهُما عن يَسارِه، فإنْ كان في صَفٍّ جعلَهُما بين يَدَيْه، ويلبسُهما إنْ كانتا طاهرتَيْن أَحَبُّ إليَّ؛ لئلاَّ يشْغَلاه، وكلٌّ واسعٌ. ومن (المَجْمُوعَة): قال عليٌّ عن مالك: لا بَأْسَ بالصَّلاةِ في النَّعْلَيْنِ، قد صَلَّى فيهما رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال عنه ابنُ حَبِيب: إنْ كانتا طاهِرَتَيْنِ.
في لباس المرأة الحرة، والأمة، في الصلاة
في لِبَاسِ المرأةِ الحُرَّةِ والأَمَة فِي الصَّلاَةِ من (الواضحة) قال: وتُصَلِّي المرأةُ الحُرَّةُ في الدِّرْع الخَصِيفِ يسترُ ظُهورَ قَدَمَيْها في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وخِمَارٍ يسْتُرُ كَتِفَيْها وقُصَّتَها ودَلاليها، ولا يَظْهَر منها غيرُ دَوْرِ الوَجْهِ والكَفَّيْنِ، وكلُّ ما غَطَّتْ به رأسها فهو خِمارٌ، ولو كان تحتَ القميص مِئْزَرٌ فهو أَبْلَغُ، وإلاَّ فَيُجْزِئُهَا، ولا يَبْدُو منها لغيرِ ذَوِي مَحْرَمٍ غيرَ ما يَبْدُو فِي الصَّلاَةِ، ولا تَلْبَسُ الخِمارَ الخفيفَ في صَلاةٍ، حتى يكونَ تحته لُفافَةٌ للشَّعْرِ، ولا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الخَفِيفَ الذي يشِفُّ، ولا الرَّقيقَ الصَّفِيقَ الذي يَصِفُ ما تَحْتَهُ فِي الصَّلاَةِ، ولا في خُرُوجِها ودُخُولِ مَنْ يَدْخُل عليها، فأمَّا مع زَوْجِها في سَتْرِها فذلك جائزٌ. قال الثَّوْرِيُّ: أَمْثَلُ ثِيَابِهَا إذا خرجَتْ ما يسْتُرُ، ولا يشْتَهِرُ. ومن (الْعُتْبِيَّة): روى أَشْهَبُ عن مالكٍ قال: ولا تُصَلِّي المرأةُ باديةَ النَّحْرِ، ولِبَاسُ القميصِ لها أَحَبُّ إليَّ، وأَكْرَهُ القَرْقَلَ. قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسمِ: وإذا صَلَّت بغير خمارٍ، أو بثَوْبٍ يَصِفُها، أعادَتْ في الْوَقْتِ، والوقتُ للظُّهْرِ والعَصْرِ اصْفرارُ الشَّمْسِ. وإنْ صَلَّتْ في ثَوْبٍ واحدٍ مُلْتَحِفَةً بِهِ، فإنْ سَتَرَ منها ما يستُر الدِّرْعُ والخمارُ بلا اشْتِغَالٍ
بإمساكه فلا بأس بذلك، وإن كانت تمسكه بيدها فلا خير فيه. ومن (المَجْمُوعَة): قال ابنُ القاسمِ: قال مالك: وإن صلت في درع وجلباب بلا خمار، فإن ستر منها الجلباب ما يستر الخمار وثبت، والدَّرع سابغ، فذلك جائز، ولا أرى إن يطل منها بثوب تطرحه عليها وهو لا يستقرُّ، وكذلك أم الولد. قال عنه علي بن زياد: وإن صلت في ثوب مشتملة به، قد عطَّت به شعرها أعادت في الْوَقْتِ. قال عنه ابن وهب: ولا تصلي متنقِّبة. قال عنه ابن القاسم: ولا تعيد إن فعلت. قال ابن حَبِيب: لا تصلي متنقبة أو مشتملة، فأن فعلت لم تُعِدْ. قاله ابن القاسم. ومن المحموعة: قال أَشْهَبُ: إذا انكشف بعض رأسها، وبعض الفخذ، أو البطن، أو دراعيها، أعادت في الوقت. وإذا صلَّت الصَّبية لم تبلغ بغير قناع، وهي ممن تؤمر بالصَّلاة، قال أَشْهَبُ: فتعيد في الْوَقْتِ. وكذلك في صَلاةِ الصَّبي عريانًا، فإن صَلَّى بغير وضوء أَعَادَ أبدًا. قال سحنون في (كتاب أبيه): إنما يُعِيد بالقرب ما لم يَطُل، ولا يُعِيد بعد اليومين والثَّلاثة. قال ابن حَبِيب: المأمورة بالصَّلاة من الصَّغار تستر كالكبيرة. ومن (الْعُتْبِيَّة): قال أَشْهَبُ عن مالك في المرأة تخرج من البحر
باب في الأمة تعتق في الصلاة، وصفة خمار الحرة، أو ثوب الرجل يسقط عن عورته في الصلاة
عريانة، فلتصلِّ قائمة، إلاَّ أنْ يراها أحد. قال عنه ابن القاسم: ولا بَأْسَ بالشابة العازبة ان تدع لباس القلادة والقرطين والخضاب، ولا بَأْسَ عليها أن تصلي بغير قلادة ولا قرطين، وإنَّما يفتيهن بهذا العجائز. ومن (المَجْمُوعَة): قال ابن نافع، عن مالك: ولا تصلي الأمة في إزار وعمامة على عاتقها. يريد بالإزار: المِئْزَر. قال ابنُ القاسمِ: وليكن على جسدها ثوب يستره. قال ابن حَبِيب، قال أصبغ: يستر الأمة فِي الصَّلاَةِ ما يستر الرَّجل، ولو صلت هي أو الرَّجل مكشوفي البطن ما ضرَّهما، وعورتهما بين السَّرة إلى الرَّكبتين، ويجوز أن تصلي في ثوب واحد، وتخالف بين طرفيه، ولو صَلَّتْ مكشُوفَة الفَخِذ، أَعَادَتْ في الوَقْتِ، ولو صَلَّى الرَّجُل مكشوف الفَخِذِ لم يُعِدْ، والسَّتر موضوع عن الأمة، موضوع عند الرَّجال، فلذلك لم يؤمر به فِي الصَّلاَةِ، وأمُّ الولد لها عقد قوي من الحرية، فأمرت بالستر. باب في الأمة تعتق فِي الصَّلاَةِ، وصفة خمار الحرة، أو ثوب الرَّجُل عن عورته فِي الصَّلاَةِ قال ابن حَبِيب: وإذا أعتقت الأمة فِي الصَّلاَةِ فلتُخَمَّرْ في بَقِيَّتِهَا، فإنْ تركتْهُ جهلاً، أو لم يُمْكِنْها، أَعَادَتْ في الوَقْتِ. قاله ابن القاسم، وابن الماجشون. وقال أصبغ: لا تُعِيدُ إلاَّ أن تُعْتَقَ قبل الصَّلاة، فتَعْلَمُ فِي الصَّلاَةِ أو بعدها، فلتعدْ في
الوقت. ومن (الْعُتْبِيَّة): روى عيسى عن ابن القاسم في أمة عتقت بعد ركعة من الفريضة، ورأسها منكشف، فإن لم تجد من يناولها خماراً ولا وصلت إليه فلا تعيد وإن قدرت على أخذه فلم تأخذه أو أعطيته فلم تأخذه أَعَادَتْ في الوَقْتِ؛ وكذلك العريان يُصَلِّي -يريد: إذا لم يجد - ثم يقدر فِي الصَّلاَةِ على ثوب. وقال لسحنون: إذا أعتقت فِي الصَّلاَةِ ورأسها مكشوف فلتقطع وتبتدئ، وكذلك العريان يجدُ ثوباً فِي الصَّلاَةِ. وقال أصبغ: إذا تمادت بعد العتق وهي تجد أن تُسْتَرَ فلم تفعل فلا تعيد في وقت ولا غيره؛ كالمتيمم يجد الماء بعد أن صَلَّى ركعة، فليتمادَ. وهذا أشَدُّ، وإنَّما استحسن لها الاستِتارُ حينئذ، وليس بواجب. فأما لو عتقت قبلَ الصَّلاةِ، فهذه تُعِيدُ، كما قال ابنُ القاسمِ، وهي كمَنْ نسي الماء في رحله، إلاَّ أن من نسيه في رحله يُعِيد أبدا عنده لأنه من أهل الماء حين هو في رحله أم جهله. وروى موسى عن ابن القاسم، أنها إن أخذت ثوبا فِي الصَّلاَةِ حين عتقت، فاستترت به، رجوت أنْ يجزئها، وأَحَبُّ إليَّ أن لو جعلتها نافلة، إن كانت ركعة شفعتها وسلمت، وابتدأت، كمن نوى الإقامة بعد أن صَلَّى ركعة.
في ذكر النجاسة فيما يصلى به أو عليه، يذكر الدم والميتة والكيمخت، ومن رأى في ثوبه أو ثوب إمامه نجاسة، ومن كان بين يديه في الصلاة نجاسة، أو من لا يتحفظ منها
قال مالك: أَحَبُّ إليَّ أن تُعِيدَ. قال: ولو طرح الرَّيح خمار الحرة فِي الصَّلاَةِ، فغن قرُب منها فتناولته، فلا بأس بذلك، وإن تباعد، سلَّمت، وابتدأت. ولو أن إمامًا صَلَّى بثوب مُتَوَشِّحًا، فوقع ثوبه عنه وهو راكع، فانكشف فرجه ودبره فإن أخذه مكانه، ورفع رأسه فذلك يُجْزِئُهُ. قال سحنون: ويُعِيد كل من نظر إلى فرجه ممن خلفه، ولا شيء على مَنْ لم ينظر. وكذلك روى أبو زيد فِي مَنْ سقط ثوبه فِي الصَّلاَةِ، أنَّه يستتر ولا شيء عليه. قال سحنون في (كتاب أبيه): إنه إن أخذه مكانه، فصلاته وصلاة من خلفه فاسدة، وكذلك المعتقة فِي الصَّلاَةِ تستتر بعد العتق، فصلاتها فاسدة، وإن استترت مكانها. وكذلك قال في (المَجْمُوعَة) فيهما. في ذكر النَّجاسة فيما يُصَلِّي به أو عليه، وذكر الدَّم والميتة والكيمخت، ومن رأى في ثوبه أو ثوب إمامه نجاسة، ومَنْ كَانَ بين يديه فِي الصَّلاَةِ نجاسة، أو من لا يتحفَّظ منها وهذا الباب قد تقدَّم كثير منه في كتاب الطَّهارة، وفي باب مفرد.
ومن (الْعُتْبِيَّة) قال ابنُ القاسمِ عن مالك في دم الحيضة: لا تعاد الصَّلاة من قليله، وتعاد من كثيره في الوَقْتِ. قال سحنون: وروى ابن نافع، وعلي بن زياد، وابن الأبرش عن مالك أنَّه كالبول تُعاد من يسيره في الْوَقْتِ. قال ابن حَبِيب: كل دم من إنسان أو بهيمة أو ميتة أو غيره سواءٌ، إلاَّ دم الحيض، فيختلف في قليله. فقال ابنُ القاسمِ، ومطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ: لا تعاد من قليله. وقال ابن وهب، وابن الماجشون: تعاد من قليله. وبه أقول. ومن (المَجْمُوعَة): قال ابنُ القاسمِ، عن مالك: والخمر والمسكر نجس، تعاد منه الصَّلاة، كما تعاد من النَّجاسة. وفي كتاب الطَّهارة قول لابن وهب في الإعادة إبدًا في أربعة أشياء. ومن (الْعُتْبِيَّة) روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم في مَنْ صَلَّى على أرض نجسة، أو دم، أو عذرة، ولم يعلم أنَّه يُعِيد في الوَقْتِ. وقال ابنُ القاسمِ عن مالك: من صَلَّى ببول الفارة أَعَادَ في الوَقْتِ. قال سحنون: لا يُعِيد، وقد أجازت عائشة أكلها. قال لنا أبو بكر: إن كانت بموضع لا تصل إلى النَّجاسة فلا بأس ببولها. ومن الواضحة، قال ابن حَبِيب: بولها وبول الوطواط وبعرهما نجس. ومَنْ صَلَّى بنعليه ثم وجد فيهما نجاسة في أسفلهما أو أعلاهما أَعَادَ. ولو كانتا بين رجليه، فإن كانت في إعلاه أَعَادَ، وإن كانت في أسفله لم يُعِدْ. ولا يجزئ حكُّه من القشب الرَّطب لخِفَّةِ نزعه، بخلاف الخفِّ. وساوى ابن القاسم بينهما.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنزعِهِ إذا كان فيه أذًى. ومن (المَجْمُوعَة)، قال عليُّ بن زياد، عن مالك: لا بأس بالصلاة على أحلاس الدواب، إذا جعل ما يلي ظهر الدابة يلي الأرض، ويسجد على غيرها. قال ابن حبيب: ومن لم يغسل موضع المحاجم حتى صلى فلا يُعِيد، وما روى عن سعيد بن المسيب وغيره من فتل الدم في الأصابع أكثر من هذا. ومن صَلَّى على حصير تحته نجاسة، فلا شيء عليه. ومن ابتاع ثوبًا من ذمي، أو ممن لا يتحفظ من المسلمين من البول والنجاسة والخمر، أو أعارهم ثوبه، أو لامرأة لا تحسن التوقي من النجاسة، فليغسله قبل أَنْ يصلي فيه. وخفا النصراني والمسلم السوء مثل ثوبه. ولا شيء على من بصق دمًا في الصَّلاَة، ما لم يتفاحش كثرته. ومن (العتيبة)، قال ابن القاسم: وكره مالك أَنْ يبطن الخف بدم الطحال. قال سحنون: ومن صَلَّى به لم يُعِدْ. قال أشهب عن مالك: ومن نسي فأرجو أنْ لا يكون عليه الإعادة. أبو محمد: أراه يريد إذا مسح أو كان ببُعْدٍ. قال مالك: وإذا أسلم النصراني فلا يصلي حتى يغسل ثيابه ويغتسل. قال عيسى، قال أبو محمد المخزومي: سألت مالكًا عن الكيمخت،
فقال: هذا تعمق قد صَلَّى الصحابة بأسيافهم وفيها الدم. وكرهه ابن القاسم، قال سحنون: وروي عن مالك قال: ما زال الناس يصلون بها وفيها الكيمخت. وقال موسى: أخبرني جرير بن عبيدة، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون ذبائح الكيمخت طهورة ويخطُّونه في أسيافهم. قال عبد الملك بن الحسن، قال ابن وهب: لا بأس بالصلاة على جلود الميتة إذا دُبِغت، على ظاهر الحديث، وكذلك بيعها.
قال يحيى بن عمر: وقول مالك لا يصلى عليها ولا تباع. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في الجُنُبِ يحلق رأسه ويبقى من شعره في ثوبه، فلا شيء عليه، إلاَّ أَنْ يصيب الشعر نجاسة. قال يحيى بن يحيى: وإن صَلَّى على بساط شعر الميتة، فلا شيء عليه. ومن المَجْمُوعَة، قال ابن القاسم: استحسن مالك غسل شعر الميتة وصوفها أو وبرها، قال عنه ابن نافع: إن علم أنَّه لم يصبه أذى فلا شيء عليه، وليس الريش كذلك، ربما يكون في أصوله دم، وإنما ينتف منه الزغب، فلا بأس به. قال عنه علي: إذا صَلَّتِ امرأة بقصَّة من شعر غيرها، لم تُعِد، وتستغفر الله. وقال سحنون فِي مَنْ ألقي عليه وهو في الصَّلاَة ثوب نجس، فسقط عنه مكانه ولم يثبت: أرى أَنْ يبتدئ الصَّلاَة. قال ابن الْمَوَّاز في ثياب تصبغ بالبول، قال: إن طهرت فلا بأس بها. وقال عنه ابن نافع، في المَجْمُوعَة: وترك الصبغ بالبول أعجب إلي. قال عنه ابن نافع: فإذا رأى في ثوبه في الصَّلاَة دمًا كثيرًا، قطع ونزعه، وَلا بَأْسَ أَنْ يضعه بين يديه، ويُخَمِّرّ الدم، ويبتدئ الصَّلاَة. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة وإذا صَلَّى بشيء يكرهه مثل الماء يلغ فيه الكلب أو قليل الدم مما يستحبُّ ألا يصلي به فإن ذكر ذلك في الصَّلاَة، لم يفسد صلاته. قال ابن حبيب: من صَلَّى على موضع نجس ولم يعلم أَعَادَ في الوَقْتِ، إن كانت في موضع قيامه أو قعوده، أو موضع سجوده، أو موضع كفَّيْه، فأما إن
كانت أمامه أن عن يمينه، أو يساره، فلا شيء عليه. ومن صَلَّى وأمامه ثوب فيه جنابة، ولم يعلم حتى فرغ، فلا يُعِيد. ومن تعمد الصَّلاَة إلى النجاسة، وهي أمامه، أَعَادَ صلاته، إلاَّ أن تكون بعيدة عنه جدًّا، أو يواريها عنه شيء، وإن كان دونها ما لم يوارها، فذلك كل شيء. ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى يحيى، عن ابن القاسم، في الإمام يرى في ثوبه نجاسة، فليستخلف، وينزعه أو يغسله، ثم يدخل مع الناس. قال ابن حبيب: إن نزعه وعليه غيره، فليخمره ويدخل مع الإمام. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة): وإذا رأى المأموم النجاسة في ثوب إمامه فقدر أَنْ يريها للإمام فليفعل، فإن لم يقدر وتمادى معه، أَعَادَ أبدا أحب إلى، وإن لم يُعِدْ إلاَّ في الوَقْتِ أجزأه. قال سحنون: إذا كان بينه وبين الإمام صفوف، فلا بأس أَنْ يخبره متكلما بما في ثوبه، ويبتدئ هذا المخبر الصَّلاَة. قال في (كتاب أبيه): ويستخلف الإمام. وإن أخبره بالإشارة فليبن المخبر، إذا لم يعمل عملا خلفه بعد علمه بالنجاسة، ولا يقطع، إلاَّ أنْ لا يفهم عنه إلاَّ بالكلام. ومن (الْعُتْبِيَّة)، أشهب، عن مالك: ومن صَلَّى وأمامه في الصف صبي لا يتحفظ من الوضوء، فأرجو أَنْ يكون واسعا.
في من لم يجد إلا ثوبا نجسا أو حريرا، وفي إعادة الصلاة في من صلى بذلك، ووقت من يعيد في ذلك، وذكر صلاة المعطوبين لا يجدون ثيابا
قال عيسى، عن ابن القاسم: إن كان في الصف مجنون مطبق، لا يتوضأ ولا يتطهر، أو صبي، أو امرأة، أو كانوا حذاءه، فليتنح عنهم، أو ينحيهم، أو يبعد عنهم، فإن تمادى فلا إعادة عليه، كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا. وقد كره أبو سلمة بن عبد الأسد، الذي كان زوج أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يصلى وبين يديه في الصف مأبون في دبره، وهو كمن صَلَّى وبين يديه جدار مرحاض. قال مالك: فلا شيء عليه، وكذلك الكافر والمجنون. في مَنْ لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا أو حريرا، وفي إعادة الصَّلاَة فِي مَنْ صَلَّى بذلك، ووقت من يُعِيد في ذلك، وذكر صلاة المعطوبين لا يجدون ثيابًا وفي الوضوء باب كثير من هذا. ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في مسافر ليس معه إلاَّ ثوبان، أحدهما نجس، بلغني عن مالك أنَّه يصلي في واحد -قال أبو محمد: يريد تحريا – قال مالك: ويُعِيد إن وجد ثوبا طاهرا في الوَقْتِ. قال ابن القاسم: وأنا أرى ان يصلي بكل واحد صلاة مكانه، ثم يُعِيد إن وجد غيرهما في الوقت. ومن (كتاب) آخر، قال ابن الماجشون مثل قول ابن القاسم، يصلى بكل
ثوب صلاة. وقال سحنون يتحرى أحدهما ويصلي به، أرأيت لو كانت مائة ثوب أحدها طاهر أيصلي مائة صلاة. وقول ابن سحنون هو قول مالك ههنا، وهذه في كتاب الوضوء مستوعبة مع ما يشبهها. ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: ومن لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا. فصلى عريانا، فليعد بذلك الثوب في الوَقْتِ، إن لم يجد غيره. قال سحنون: ومن صَلَّى بثوب نجس، ثم وجد حرير في الوَقْتِ فلا يُعِيد به. ومن لم يجد إلاَّ ثوب حرير وثوبا نجسا، ولا ماء معه، فقال ابن القاسم: يصلي بالحرير. قال ابن الْمَوَّاز قال أصبغ: يصلي بالنجس. قالا: ويُعِيد في الوَقْتِ إن وجد غيره. قال أصبغ: فإن صَلَّى بالحرير فلا إعادة عليه. قال أشهب: إلاَّ أنْ لا يستره فيُعِيد في الوَقْتِ، كالعريان، ويصلي عريانا أَحَبُّ إليَّ من الصَّلاَة بالثوب الحرير. أبو بكر، عن يحيى، عن البرقي، عن أشهب فِي مَنْ صَلَّى بثوب نجس عامدا، قال: يُعِيد في الوَقْتِ. ولأشهب فِي مَنْ صَلَّى عريانا قول تركت ذكره، وفي باب الصَّلاَة بالحرير شيء من هذا. ومن (المَجْمُوعَة) ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ صَلَّى بثوب نصراني، ولم يعلم، ثم علم به، فتمادى لبسه له على كل حال: يُعِيد ما صلى. وروى نحوه ابن نافع. ومن (الواضحة)، قال: ومن صَلَّى بثوب نجس عامدا، أَعَادَ أبدا. وإن لم يجد غيره صَلَّى به، فإن وجد في الوَقْتِ ماء، غسله، أو وجد غيره، أَعَادَ. والوقت فيه غروب الشمس، وفي من صَلَّى إلى غير القبلة، هذا قول عبد الملك وابن
عبد الحكم، وقال ابن القاسم: الاصفرار. والأول أحب إلى. قال ابن الْمَوَّاز: روى ابن القاسم، عن مالك أن وقته الاصفرار، وفي الصبح الإسفار، وفي صلاتي الليل طلوع الفجر، في الصَّلاَة بثوب نجس أو إلى غير القبلة. وقال مالك: في مسافر لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا، فصلى به، فوقته غروب الشمس، وفي الصبح إلى طلوعها. وقال في الذي يقضي ما نسى، وقد صَلَّى العصر، فليعدها ما بقى من النهار ركعة. ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن الماجشون: ومن صَلَّى بثوب نجس، ثم ظن في الوَقْتِ أنَّه لم يصل، فصلى بثوب طاهر، ثم ذكرها، فليعدها في الوَقْتِ؛ لأن وقتها الذكر. قال ابن حبيب: ومن رأى في ثوبه نجاسة، فهم بغسلها، ثم نسى حتى صَلَّى بها، فليعد في الوَقْتِ، ولو رأها في الصَّلاَة، فهم بالقطع، ثم نسى، فأتمها، فليعد أبدا، ولو رأها بعد أن سلم، وهو في الوَقْتِ، ثم نسى أَنْ يُعِيدَ حتى خرج الوقت، فليعد أبدا، ولو ذكر وقد سلم من صلاة قبلها، فصلاها، ثم نسى أَنْ يُعِيدَ هذه، فليعدها أبدا، وكذلك لو ذكرها فيها، فهم أَنْ ينصرف، ثم نسى، فأتمها، فليعد أبدا. وقال مطرف، وابن الماجشون، وروياه عن مالك.
وقال ابن القاسم: لا يُعِيد من ذلك كله إلاَّ ما كان في وقته. وقال سحنون في هذه وفي التي قبلها: لا يُعِيد ذلك بعد الوقت. وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز عن ابن القاسم، وذكر قول عبد الملك، واختار قول ابن القاسم. قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى بثوب حرير نجس إذا لم يجد غيره، ثم وجد في الوَقْتِ ثوب حرير طاهرًا، فلا يُعِيد، إلاَّ أَنْ يجد غير حرير، وكذلك من صَلَّى بثوب نجس غير حرير، ثم وجد ثوب حرير طاهرًا. ومن الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فِي مَنْ ذكر صلاة منذ شهر فصلاها، فبعد أن سلام ذكر انه صلاها بثوب نجس، قال: يُعِيدها. قال يحيى بن عمر: وقول مالك وجميع أصحابنا أنَّه لا يُعِيد. ومن المَجْمُوعَة، قال عبد الملك: من صَلَّى الجمعة بثوب نجس، فليعد ما دام وقت الظهر ظهرًا، فإن دخل وقت العصر لم يُعِدْ، وإن ذكر في الوَقْتِ ثم نسي حتى خرج الوقت، فليعدْ أبدًا. وكذلك في غير الجمعة فيما يعاد في الوَقْتِ، فيذكر في الوَقْتِ، ثم ينسى حتى يخرج الوقت. وقال سحنون في (كتاب أبيه): واختلف في هذا عن مالك، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون وقت الجمعة الفراغ منها. وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة: إن ذكر الصبح بعد أن صَلَّى الجمعة، فليصل الصبح ولا يعد الجمعة؛ لأنها قد فاتت، إذ لا تعاد إلاَّ ظهرًا. ورواه عن عبد الرحيم، عن مالك.
ما يكره أن يصلى فيه من الأماكن، أو يصلى عليه مما يشك فيه
قال سحنون: وأكثر الرواة على أَنْ يُعِيدَ في الوَقْتِ ظهرا. وقال ابن حبيب: وقت مصلَّى الجمعة بثوب نجس أَنْ يُعِيدَ ما لم تغب الشمس. وكذلك إن ذكر صلاة بعد أن صَلَّى الجمعة نظرت إلى بقية الوقت بعد قضاء التي ذكر إلى غروب الشمس. هذا قولهم إلاَّ أشهب، فقال: وقتها الفراغ منها. ما يكره أَنْ يصلى فيه من الأماكن، أو يصلى عفيه مما يشك فيه من الواضحة، قال: وقد نهي عن الصَّلاَة في المقبرة، والمجزرة، والمزبلة، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله، ومعاطن الإبل. وتأويل ما ذكر من المقبرة أنها مقبرة المشركين؛ لأنها حفرة من حفر النار، وأما مقبرة المسلمين فلا، عامرة كانت أو داثرة. قال مالك: وكان الصحابة يصلون فيها. قال غيره: وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر السوداء، وفي هذا دليل.
قال ابن حبيب فِي مَنْ صَلَّى في مقبرة المشركين وهي عامرة: أَعَادَ أبدًا في العمد والجهل، وإن كانت دارسة لم يُعِدْ وقد أخطأ. قال: ويُعِيد من صَلَّى في المجزرة والمزبلة أبدًا في العمد والجهل، ويُعِيد في السهو في الوَقْتِ. قال: ولا يصلى في الطرق التي فيها أرواث الدواب، إلاَّ من ضيق المسجد في الجمعة. قال في المدونة: في الجمعة وغيرها. قال ابن حبيب: وقد يضيق الطريق بالمسافر، فلا يجد عن يمينه وعن يساره ما يصلي فيه فيجوز له ذلك. ومن صَلَّى في الطريق من غير ضرورة أَعَادَ أبدا في العمد والجهل وفي السهو في الوَقْتِ. وتجوز الصَّلاَة في الزبى من غير ضرورة، والزبى كذا تكون في خلال الطريق عافية من آثار الناس والدواب. قال: ومن صَلَّى فوق الكعبة، أو في داخلها فريضة أَعَادَ أبدًا، في العمد والجهل، ولا يصلي فوق ظهرها نافلة، وهو كمصل إلى غير قبلة، ويصلي النافلة في داخلها كما جاء الحديث.
قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغ: من صَلَّى بالكعبة أَعَادَ أبدًا. قال مالك في المختصر: من صَلَّى على ظهرها أَعَادَ. قال أشهب في المَجْمُوعَة: ومن صَلَّى فوق ظهر الكعبة أَعَادَ في الوَقْتِ. وقال: ومن صَلَّى فيها، لم أر عليه إعادة. وهذا قد تقدم في باب القبلة. قال ابن حبيب: وكره مالك الصَّلاَة في عطن الإبل، وإن بسط عليه ثوبًا طاهرًا. قال ابن حبيب: ومن صَلَّى فيه أَعَادَ أبدًا في العمد والجهل كموضع نجس، وإنما نهي عن ذلك لما يستتر به للمذاهب.
وقال غير ابن حبيب: وقد روي أنها مثِّلت بالشياطين، فإن تأويل النهي عن الصَّلاَة في معاطنها لنفارها فتخلط على المصلي؛ لأن أبوالها قد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم شربها. وكل محتمل، والله أعلم. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنَّه تأول النهي عن ذلك لما يخالطها من مذاهب الناس، قال: ولو سلم من أَنْ يخرج الناس فيه، فلا بأس بالصلاة فيه. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم: قال مالك: لا يصلى في عطن الإبل وإن لم يجدْ غيره، وإن بسط ثوبًا.
قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغ: فإن صَلَّى فيه أَعَادَ في الوَقْتِ. قال علي بن زياد، عن مالك: لا يصلى في المجزرة والمزبلة وكل موضع غير طاهر. قال عنه ابن القاسم في مساجد بالأفنية تمشي فيها الكلاب والدجاج وغيرها: فلا بأس أَنْ يصلى فيها. قال مالك: وَلا بَأْسَ بالصلاة في السباخ وعلى الثلج، وفي مراح البقر والغنم. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ بالصلاة في الموضع الطاهر من الحمام، وأَنْ يقرأ فيه مثل الآيتين والثلاثة. قال ابن حبيب: ولا يصلى في الكنائس إلاَّ من اضطر إليها من مسافر لمطر ونحوه، فليبسط فيها ثوبًا طاهرًا، ويصلي. وَلا بَأْسَ أَنْ يصلي فيها إن كانت دارسة عافية، إذا التجأ إليها. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: إن وجد غير الكنائس فلا أحب أَنْ يصلى فيها. قال سحنون: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ من صَلَّى فيها؛ لضرورة أو غير ضرورة في الوَقْتِ كثوب النصراني. قال ابن حبيب: ولا أحب الصَّلاَة في بيت من لا يتنزه عن الخمر والبول، فإن فعله أَعَادَ أبدًا، وأكره الصَّلاَة على حصير أو بساط مسدل، يمشي عليه الصبيُّ والخادم ومن لا يتحفظ، وليتخذ الرَّجُل في بيته موضعًا يصونه لصلاته، أو حصيرًا نقيًّا، فإن لم يفعل وصَلَّى حيث شاء في بيته ولا يوقن فيه بنجاسة لم يعدْ.
باب في الصلاة على البسط والثياب، أو إلى ما فيه تماثيل، وفي حمل الحصباء من الشمس إلى الظل
باب في الصَّلاَة على البسط والثياب أو إلى ما فيه تماثيل وفي حمل الحصباء من الشمس إلى الظل قال ابن حبيب: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يتواضع المصلي بالسجود ووضع الكعبين على الأرض، أو ما تنبته الأرض من الحصر، ويدع البسط والمصليات ونحوها في ذلك، ولولا أن ذلك أقرب إلى التقوى ما مضى الأمر على تحصيب المسجدين وتحصير غيرهما بالحصر , ولو كان غير ذلك أحسن، لفرشها أهل الطول بأفضل ذلك، وَلا بَأْسَ أَنْ يقف عليها ويجلس، ولو صَلَّى في بيت غيره، أو بموضع لم يمكنه ذلك، فلا بأس إن سجد عليها، وليس الأمر في ذلك بضيق، وقد جاء فيه بعض الرخصة، وأما لحرٍّ أو بر فلا بأس بذلك. ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: إنه كره الصَّلاَة على البسط، أو على كساء أو ساج، أو ثوب قطن، أو كتان، ولا شيء على من صَلَّى على ذلك، والصَّلاَة على التراب والجمر والخشبة أَحَبُّ إليَّ. قال عنه ابن القاسم: وأكره حمل الحصباء من الظل إلى الشمس، وليسجد على فضل ثوبه من الحرِّ، كما فعل عمر، وأكره اتخاذ البسط فيها التصاوير، والصَّلاَة عليها إلى لضرورة. وقال أشهب في المَجْمُوعَة: فإن فعل ذلك أو صَلَّى إلى قبلة فيها تماثيل لم يعدْ، وهو مكروه، وأما إن كان في قبلته ستر فيه تماثيل فلا أكره ذلك؛ لما جاء إلاَّ
باب ما يكره من لباس الحرير والذهب في الصلاة وغيرها
ما كان رقمًا في ثوب، ولا أكره الصَّلاَة عليه للتماثيل، لكن لكراهة الصَّلاَة على البسط. قال ابن حبيب: وأرخص مالك في قيام رمضان في فرش الطنافس في المسجد للقيام عليها والجلوس؛ لطول الصَّلاَة ولْيَلِ الأرض والحصير بوجهه ويديه. وكره فرشها في المسجد لغير القيام، إلاَّ في المصلى في العيدين يتقى فيها أذى الأرض. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم: كره مالك أَنْ يسجد على البسط إلاَّ أَنْ يجعل عليها خُمرة أو حصيرًا. قيل له: فالمروحة؟ قال: هي صغيرة لا تكفي إلاَّ أَنْ يضطر إليها. قال عنه علي: والخُمرة إنما تتخذ من الجريد وتضفر بالشوك. وقال فِي مَنْ يشتكي ركبتيه وهو يُصلي على الحجارة: فلا بأس أَنْ يجعل تحت ركبتيه شيئًا، وإن لم يقم عليه. باب ما يكره من لباس الحرير والذهب في الصَّلاَة وغيرها ومن الواضحة والحرير المحض محرم لبسه في الصَّلاَة وغيرها، فمن صَلَّى بثوب حرير، فإن كان عليه غيره مما يستره أجزأه، وقد أثم في لباسه، وإن لم يكن عليه غيره، أَعَادَ أبدا. ومن صَلَّى وفي كمه ثوب حرير، أو حلي ذهب، فلا شيء عليه، ولا بأس بذلك. وما مزج من الثياب، حرير بقطن، أو كتان، أو
صوف، فيكره، ولا يطلق فيه التحريم؛ لاختلاف السلف فيه، أجازه ابن عباس، وكرهه ابن عمر من غير تحريم، وكان ابن عمر لا يلبس الثوب فيه الشيء من الحرير. ولبس مالك ساج إبريسم، كساه إياه هارون. وكرهه في فتياه. وأما الخز فلم يختلفوا في إجازة لباسه، وقد بلغني لباسه عن خمسة عشر من الصحابة؛ منهم عثمان، وسعيد بن زيد، وابن عباس، وخمسة عشر تابعيًّا، وكان ابن عمر يكسو ابنيه الخز، ولبس عمر بن عبد العزيز في الجمعة كساء خز أبيض. وليس بين الخز وما سداه حرير من القطن وغيره فرق إلاَّ الاتباع. قال مالك: وقد صَلَّى الصحابة بالكيمخت في سوقهم. قال ابن حبيب: فلو جعل ذلك في زمام نعل، أو لوزة خف، أخطأ، وإن صَلَّى به – يريد: عامدا-أَعَادَ أبدًا ولا فرق فيه غير الاتباع. وقد تقدم القول في الكيخمت في باب قبل هذا. قال ابن حبيب: ولا بأس بالعلم الحرير في الثوب وإن عظم، لم يختلف في الرخصة فيه والصلاة به، وروى فيه للنبي صَلَّى الله عليه وسلم من أصبعين إلى أربع، وعن عمر وغيره.
ولا يُجْعَل من الحرير لا جيب في فرو، ولا زر في ثوب، ولا يفرشه، ولا يصلي على بسطه، ولا يتكأ عليه، ولا يلتحف بلحفه، أو ما بطن بحرير، أو بمشامل الصوف المرقومة بالحرير، ولا يتقبب بحرير ولا بديباج، وهو كاللباس، بخلاف الستر من الحرير، ولا يركب عليه، ولا بأس أَنْ يعلق سترا، وأن يستمتع بثياب الحرير فيما وصفت لك. ولا بأس أَنْ يخاط الثوب بحرير. قاله مالك. واستخف ابن الماجشون لباس الحرير في الجهاد، والصلاة به حينئذ للترهيب على العدو، والمباهاة به. وروى ذلك عن عائشة وأنس، وغيرهما من صاحب وتابع. والذي ذكر ابن حبيب من لباس الحرير في الغزو، ليس بمذهب مالك. قال ابن حبيب: وقد أرخص النبي صَلَّى الله عليه وسلم في الحرير لعبد الرحمن بن عوف، وللزبير، لحكة بهما.
قال مالك: يُكْرَه لباسه للصبيان مع لباس الذهب كالكبار. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك في السيجان الإبريسمية قيامها حرير، والملاحف لها علم خرير إصبعين، قال: ما يعجبني ذلك لنفسي، وما أراه حرامًا. وكره لباس الملاحف فيها إصبع أو إصبعان أو ثلاثة حرير. قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة: ولم يجز مالك عن علم الحرير في الثوب إلاَّ الخط الرقيق. ومن كتاب آخر أن ربيعة كان يجيز لباس الثوب فيه أعلام حرير نحو السبعة. ومن الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: ومن صَلَّى بثوب حرير وهو واجد لغيره، قال: لا يُعِيد في وقت ولا غيره. قال أشهب: إن كان عليه غيره يواريه لم يُعِدْ، وإنْ لم يكُنْ عليه غيره أَعَادَ في الوَقْتِ. وقال في موضع آخر في المصلي وفي إصبعه خاتم ذهب: إنه لا يُعِيد. قال أبو زيد عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: وإن صَلَّى وفي كمه ثوب حرير فلا شيء عليه. ولا يصلي بقلنسية حرير وبتكة حرير. قال سحنون في الرابع من الأقضية: من صَلَّى بثوب حرير وعليه ما يواريه غيره، إنه يُعِيد في الوَقْتِ. وكذلك لابس الخاتم الذهب، فأما إن كان في كمه ذهب أو
في إلإقبال على الصلاة، والخشوع فيها، والبكاء، والمشى إليها، وذكر الله فيها جوابا أو استرجاعا أو قعودا، أو نحو هذا، والنظر إلى الشىء فيها
حرير فلا إعادة عليه، إلاَّ أَنْ يشغله فيُعِيد. يريد سحنون: أبدًا. وفي سماع أصبغ قال ابن القاسم: ومَنْ لم يجد إلاَّ ثوب حرير فليصل عريانًا أَحَبُّ إليَّ. قال ابن الْمَوَّاز عن أصبغ: إن لم يجد إلاَّ ثوب حرير وثوب نجس ولا ماء معه، فليصل بالنجس ويُعِيد في الوَقْتِ إن وجد، فإن صَلَّى بالحرير فلا إعادة عليه. قال أشهب: إلاَّ أنْ لا يستره فيُعِيد في الوَقْتِ، كالعريان، ويصلي عريانًا أَحَبُّ إليَّ من الثوب الحرير. ومن كتاب آخر روى يحيى ابن بكير عن أبي المصعب، عن مالك قال: لا بأس أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُل في ثوب فيه قدْرُ إصبع من حرير. في الإقبال على الصَّلاَة والخشوع فيها والبكاء والمشي إليها، وذكر الله فيها جوابًا أو استرجاعا أو قعودًا أو نحو هذا، والنظر إلى الشيء فيها من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم قال مالك في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، قال: الإقبال عليها والخشوع فيها.
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ ينزع من نعله شراكان جديدان جعلهما، وأَنْ يُرَدَّ فيهما الخلقان، وقال: «إني نظرت إليهما في الصَّلاَة». ولقد كره الناس تزويق المسجد حين جعل بالذهب والفسيفساء، وتأولوا أنَّه يشغل الناس في صلاتهم. قال: وَلا بَأْسَ بالإسراع إلى الصَّلاَة عند الإقامة ما لم يسع أو يخبَّ. قال في موضع آخر: وكره الإسراع الذي يبهر فيه. ومن سمع مؤذن الحرس فحرَّك فرسه ليدرك الصَّلاَة فلا بأس بذلك. وإذا أقيمت الصَّلاَة ورجلان في مؤخر المسجد مقبلان يتحدثان، فليتركا الكلام بعد إحرامه. ومن سماع أشهب قال مالك: وقرأ عمر بن عبد العزيز في الصَّلاَة، فلما بلغ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}، فخنِقَتْه العَبْرَةُ فسكتَ، ثم قرأ فنابه ذلك، ثم قرأ فنابه ذلك، فتركها وقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}. وقال مالك: ولا أحب أَنْ يقول الماموم: فسبحان الله بكرة وأصيلا. فإن فعل فلا يُعِيد.
وإن سمع آية رحمة فسأل الجنة، أو آية عذاب فاستعاذ من النار فلا يكثر، وما خَفَّ من ذلك ففي نفسه، لا يرفع به صوته. قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: وَلا بَأْسَ أَنْ يفعله في النافلة. قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: وإن قرأ الإمام: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقال المأموم: كذلك الله. لم تفسد صلاته. قال موسى بن معاوية عن ابن القاسم: ومن أخبر في الصَّلاَة بما بَشَّرَهُ، فحمد الله تعالى، أو بمصيبة فاسترجع، أو يخبر بالشيء فيقول: الحمد لله على كل حال. أو قال: الذي بنعمته تتم الصالحات. فلا يعجبني، وصلاته مجزئة. قال أشهب في المَجْمُوعَة: إلاَّ أَنْ يريد بذلك قطع الصَّلاَة. ومن الْعُتْبِيَّة قال موسى عن ابن القاسم قال مالك: وإذا عطس المصلي فليحمد الله في نفسه، وتركه أَحَبُّ إليَّ. ومن الواضحة: وما جاز للرجل أَنْ يتكلم به في صلاته، من معنى الذكر والقراءة فرفع بذلك صوته لينبه رجلا، أو يستوقفه، فذلك جائز، وقد استأذن رجل على ابن مسعود وهو يصلي، فقال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}. قال: وإذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكر الجنة والنار في الصَّلاَة، أو في الخطبة، فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، واستعاذ من النار وسأل الجنة، فلا بأس
في التسبيح للحاجة، أو للإمام في الصلاة، وذكر الإشارة، والتنحنح، والنفخ، والعطاس والتثاؤب
بذلك، وليخَفِّف ذلك، ولا يكثر منه، قاله مالك. ولا يجهر مع الإمام إلاَّ بالتسليم جهرًا دون يُسْمِعَ من يليه، وإن جهر كذلك بغير السلام فلا حرج. في التسبيح للحاجة، أو للإمام في الصَّلاَة، وذكر الإشارة والتنحنح، والنفخ، والعطاس والتثاؤب من المُسْتَخْرَجَة قال ابن القاسم عن مالك في التصفيق للنساء في الحاجة في الصَّلاَة، قال: إنه يقال ذلك، وقد جاء التسبيح. وقال بعد ذلك التسبيح أَحَبُّ إليَّ للرجال والنساء. قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة: الحديث عامٌّ فِي مَنْ نابه شيء في صلاته
فليسبح وما ذكر من التصفيق لهن، يعني أنهن يفعلنه إذا نابهن أمر. قال موسى عن ابن القاسم في المصلي يدخل عليه رجل داره، أو سارق، فله أَنْ يسبِّح، وإن تعمَّد أَنْ يعلمه مكانه بذلك، والتنحنح شديدًا، كرهه مالك. ومن كُلِّم في الصَّلاَة فأشار برأسه أو بيده فلا بأس بذلك بما خفَّ , ولا يكثر، وأما التنحنح فلا خير فيه. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: وَلا بَأْسَ أَنْ يُشير في الصَّلاَة بلا ونعم. قال مالك في المختصر: وإذا تنحنح لرجل يُسمِعه، أو نفخ في موضع سجوده، فذلك كالكلام. قال أبو بكر الأبهري: روى ابن القاسم، عن مالك أنَّه إذا تنحنح ليُسمع إنسانًا، أو أشار إليه أنَّه لا شيء عليه. قال الأبهري: لأن التنحنح ليس بكلام، وليس له حروف هجائية. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا سها الإمام فقال له من خلفه: سبِّح، سبح. قال: إنما القول سبحان الله، وأرجو أَنْ يحون هذا خفيفًا. ومن الواضحة: وَلا بَأْسَ أَنْ يسبِّح للحاجة في الصَّلاَة، فإن جعل مكان ذلك: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، أو هلل، أو كبَّر فلا حرج، وإن قال سبِّحه. فقد أخطأ , ولا يبلغ به الإعادة. قال ابن الماجشون: وَلا بَأْسَ بالمصافحة في الصَّلاَة، وبالإشارة، وأما بشيء يعطيه فلا أحبه، وقد يحصبه فيكرّر ليفهمه، فيشغل بردّش السلام في المكتوبة.
ومن أتاه أبوه ليكلمه وهو في نافلة فليخفّشف ويُسلم ويكلمه. وروي نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إن نادته أمه فليبتدرها بالتسبيح، ويخفِّف ويُسلم. ومن نفخ في موضع سجوده، أو عند الجشأ فهو كالكلام. قاله مالك. فإن كان سهوًا سجد، ولا يسجد المأموم إن نابه ذلك. وإن كان عمدًا أو جهلاً قطع وابتدأ إن كان إمامًا، وإن كان مأمومًا تمادى وأَعَادَ. كذلك من تنحنح لإنباه رجل، أو أمَّن لكفِّه، فهو كالكلام، وليجعل مكان ذلك تسبيحًا. وقاله ابن القاسم وأصبغ. وروى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة، قال: أكره النفخ في الصَّلاَة ولا أراه يقطع الصَّلاَة كما يقطعها الكلام. قال ابن حبيب: وينبغي لمن تثاءب وهو قرأ في صلاة أو في غيرها أَنْ يقطع قراءته أو يسُدَّ فاه بيده. قاله مالك. قال ابن حبيب: ويُكره العطسة الخفيفة في الصَّلاَة، وليخفضها ما استطاع، وليجعل يده على وجهه.
ذكر ما يستخف من العمل في الصلاة، وفي المصلى يحمل شيئا، أو يقتل عقربا، أو يخاف على صبي أو من شىء فوتا، وهل يلقي رداءه في الصلاة
ذكر ما يستخف من العمل في الصَّلاَة وفي المصلي يحمل شيئًا، أو يقتل عقربًا، أو يخاف على صبي، أو من شيء فوتًا، وهل يُلقي رداءه في الصَّلاَة من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب، سئل مالك عن حمل النبي صلى الله عليه وسلم أُمامة في الصَّلاَة ووضعها إذا سجد، هل ذلك للناس؟ قال: نعم، إن لم يجد من يكفيه. وروى موسى بن معاوية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ في الصَّلاَة فَلْيتبعها حتَّى يَأْخذها ويَرْجع إلَى صَلَاتِه». وأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب في الصَّلاَة ثم غلقه وذلك في النافلة.
وقال عَنِ ابْنِ القاسمِ، في حمل المرأة ولدها تركع به وتسجد في الفرض: لا ينبغي ذلك، فإن فعلت ولم يشغلها عن الصَّلاَة لم تُعِد. ومن سماع ابن القاسم، قال: وَلا بَأْسَ أَنْ يحصي الأي بيده في الصَّلاَة. وعن من لا يجد بدًّا من أَنْ يمسك عنان فرسه في الصَّلاَة، فلا يتمكن من وضع يديه بالأرض، قال: أرجو أَنْ يكون خفيفًا، ولا يتعمد ذلك. ولا بأس أَنْ يحول أَنْ يحول خاتمه في أصابعه لعدد الركوع، كما لو حسب بأصابعه. وكره الترويح من الحر في المكتوبة، وخففه في النافلة. ولا بأس أَنْ يمس لحيته في الصَّلاَة، ولكن لا يعبث. وإذا أكلت الشاه عجينا أو ثوبا وهو يصلي، فأكره أَنْ ينحرف إلى طردها في المكتوبة. قال مالك في المختصر: ومن خشي على دابته الهلاك، أو على صبي رآه في الموت، فليقطع صلاته لذلك. وروى موسى بن معاوية عَنِ ابْنِ القاسمِ فِي مَنْ خُطف راءه عنه في الصَّلاَة، أن له أَنْ يقطع، ويطلبه، ويبتدئ، وكره مالك نحوه في الشاة تأكل العجين والثوب، أَنْ يقطع في الفريضة. قيل: فخاف على قُلَّة أَنْ يهراق ما فيها؟ فقال: كره مالك أَنْ يفتح المصحف لينظر ما تعايى فيه، فهذا مثله.
وكره مالك قتل العقرب في الصَّلاَة. قال عبد الملك بن الحسن، قال ابن القاسم عن مالك: لا يقتلها إلاَّ أن تريده. وروى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة أنَّه قال: لا بأس به، وهذا خفيف. قال عنه ابن القاسم: ولا بأس أَنْ يسوِّي الحصباء والتراب في الصَّلاَة يكون شبه الحفرة. وكرهه في رواية أخرى. قيل لابن القاسم في رواية موسى في قتل العقرب: فإن فعل؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه، إنْ لم يكُنْ في ذلك شغْل عن صلاته. قال ابن القاسم: وكذلك قتل الحية والطير برمية، وقد أساء في رمي الطير بحجر يتناوله من الأرض، فإن لم يطل ذلك لم تبطل صلاته. وروى موسى عَنِ ابْنِ القاسمِ فِي مَنْ صَلَّى بكيس كبير تحت إبطه، ويخاف إن وضعه بالأرض أَنْ يخطف، فلا يقدر على وضع كفّشه على ركبتيه، ولا بالأرض. قال: إذا خاف عليه أجزأه ذلك، وهو كقول مالك في ممسك عنان فرسه. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وكره أَنْ يصلي وفي كمِّه قديد أو خبز، فإن فعل لم يُعِدْ. ومن المَجْمُوعَة روى عليٌّ عن مالك في المصلي يخاف على صبي بقرب نار، فيذهب وينحِّيه، فإن انحرف عن القبلة ابتدأ، وإن لم ينحرف بنى.
وخفف قتل العقرب في الصَّلاَة. قال أشهب: ومن عبث بالحصا في الصَّلاَة متعمدًا لم تفسد صلاته. قال ابن القاسم عن مالك: لا بأس أَنْ يمسح المصلي التراب عن وجنن إذا كثر، وأَنْ يسوي الحصا لسجوده، فأما النفخ فلا. قال ابن حبيب: يكره مسحه التراب من جبهته وأنفه في الصَّلاَة، إلاَّ أَنْ يكثر جدًّا، فلتعجل مسحه. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: وترك الترويح في الصَّلاَة أَحَبُّ إليَّ. قال عنه ابن نافع: فإن فعل فلا شيء عليه. قال عنه ابن القاسم: وأكره أَنْ يصلي وفي فيه دينار أو درهم أو شيء. قال عنه عليٌّ: وأكره أَنْ يصلي وفي كمه صحيفة فيها شعر، وأما طعام فجائز. وكره في رواية ابن نافع أَنْ يحمل فيه دواة أو قرطاسًا إلاَّ شيئًا خفيفًا، وكره قتل البرغوث في الصَّلاَة، فإن فعل فلا شيء عليه. قال عنه علي: إن وجد قملة في الصَّلاَة فلا يقتلها، فإن كان في المسجد صرَّها. وقاله ابن نافع. وقال عنه ابن القاسم: وإن كان في غيره طرحها. ومن كتاب ابن سحنون، وعن إمام مسافر صَلَّى ركعة، ثم انفلتت دابته وخاف عليها، أو على صبي، أو أعمى أَنْ يقع في نار أو بئر، أو ذكر متاعًا خاف أَنْ يتلف، فذلك عذر يبيح له أَنْ يستخلف، ولا يفسد على من خلفه شيئًا. ومن الواضحة قال مالك: وإنما يُكره أَنْ يشَبَّكَ أَصَابِعه في الصَّلاَة. قال ابن حبيب: ومن خاف على أعمى أو صبي أَنْ يقع في بئر، فليبتدره متكلمًا ويبتدئ، وكذلك في الشاة وغيرها تفسد طعامًا، إن كان فسادا كثيرًا، وإلاَّ فلا. ولا بأس أَنْ يمسح العرق.
باب في الكلام، والضحك، والتبسم في الصلاة
ويُكره الترويح بمروحة، أو بكمه، أو بغير ذلك في فرض أو نافلة، أو يلقي الرداء على منكبيه للحر. قال في المختصر: إذا كان جالسًا في النافلة، ولا يفعل ذلك في قيامه. باب في الكلام والضحك والتبسم في الصَّلاَة ومن الْعُتْبِيَّة روى أشهب عن مالك فِي مَنْ تكلم ساهيًا في جلوسه قبل أَنْ يسلم، فليسجد بعد السَّلام. ومن تبسم سجد قبل السلام. وقال عيسى: قال ابن القاسم: لا شيء في التبسم في سهوه ولا في عمده. قال ابن حبيب: لا شيء في التبسم في الصَّلاَة. قاله مالك والليث، وعبد العزيز، ورواه ابن القاسم، ومطرف عن مالك، وروى عنه أشهب: يسجد قبل السلام. والأول أحب إلينا. قال عيس: قال ابن القاسم: ومن قهقه أفسد صلاته ناسيًا كان أو عامدًا، ويقطع ويبتدئ، وإن كان مع الإمام تمادى وأَعَادَ. وروى نحوه عليٌّ، عن مالك في المَجْمُوعَة. قال عيسى في الْعُتْبِيَّة: قال إذا قهقه الإمام متعمداً أَعَادَ صلاته، وإن كان مغلوباً استخلف من يتم بهم، ويتم هو معهم، ثم يُعِيدون إذا فرغوا.
في من صلى وبه حقن أو غثيان، وهل يصلي عند حضور الطعام
قال يحيى بن عمر: قوله: وإن كان مغلوباً. لا يعجبني إلى آخرها. ومن المَجْمُوعَة قال سَحْنُونَ: إِذَا ضَحِكَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مضى وسَجَدَ لِسَهْوِهِ بعد السلام، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا فسَدَت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز قال أصبغ: لا شيء في التبسم إلاَّ الفاحش منه، شبيه بالضحك، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ في عمده، ويسجد في سهوه. قال ابن القاسم: وإن تعمُّده وسهوه سواء. محمد: لأنه لا يضحك إلاَّ بغلبة، إلاَّ أَنْ يصح نسيانه، مثل أَنْ ينسى أنَّه في الصَّلاَة، فيكون كالناسي بالكلام يسجد فيه بعد السلام. قاله أصبغ. ويحمله عنه الإمام، وإن شك في عمده أو سهوه تمادى مع الإمام وأَعَادَ. ومن الواضحة قال: ومن قهقه فسدت صلاته عامدًا كان أو ساهيًا، مغلوبًا أو غير مغلوب، وليقطع، وإن كان مع إمام تمادى وأَعَادَ، وإن كان هو الإمام استخلف في السهو والغلبة، وابتدأ بهم في التعمُّد. وهكذا روى مطرف، وابن القاسم عن مالك، في ذلك كله، والضحك ساهيًا يُخالف الكلام ساهيًا. في من صَلَّى وبه حقن أو غثيان، وهل يصلي عند حضور الطعام من المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك: وينصرف الإمام والمأموم
في الرعاف في الصلاة، وما يبنى منه، كيف البناء فيه، وفي من لا يكف عنه الدم كيف يصلي
للحقن إذا شغله، فإن انصرف فلما كان في آخر الصفوف ذهب عنه، فليبتدئ صلاته. ولا بأس أَنْ يصلي بالحقن والغائط يحبسه، إذا كان شيئًا خفيفًا، لا يُعجله. وإذا عجله فليجعل يده على أنفه كالراعف، ويخرج فيتوضأ ويبتدئ. قال ابن حبيب: ومعنى ما نهي عنه من الصَّلاَة بحبضرة الطعام أَنْ يكون جائعًا قد جهد واشتهاه، فيشغله ذلك في الصَّلاَة، وكذلك وهو يدافعه الأخبثان؛ الغائط والبول. في الرعاف في الصَّلاَة وما يبنى منه، وكيف البناء فيه، وفِي مَنْ لا يكف عنه الذم كيف يصلي من المَجْمُوعَة قال ابن نافع، وعلي، عن مالك: وقد جاء أَنْ يبني في الرعاف، ولو كان إليَّ لأحببت أَنْ يقطع، ولكن مضى الأمر على أَنْ يبني. قيل له: إني أرعف، فأتعمَّد الكلام كراهية أن أبني؟ قال: لا بأس بذلك. قال ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يتكلم ويبتدئ بعد غسل الدم، وإن ابتدأ ولم يتكلم أَعَادَ الصَّلاَة. قال ابن حبيب: لأنه لمَّا ابتدأ الصَّلاَة من غير سلام ولا كلام، كان كالزائد في صلاته عامدًا. قال ابن حبيب: وإنما الرخصة في البناء في الرعاف خلف الإمام؛ ليدرك فضل الجماع، فأما الفذُّ فلا يبني. وفي الْعُتْبِيَّة عن مالك ما يدل على أنَّه يبني الفذ. وقاله محمد بن مسلمة.
وروى ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ رعف قبل أَنْ يركع ركعة بسجدتيها فلا يبني على ذلك، وليقطع ويبتدئ بإقامة وإحرام، كان مع إمام أو وحده. وإن أصابه ذلك بين ظهراني صلاته بنى، وإن رعف بعد رفع رأسه من الركوع، أو بين السجدتين بنى ولم يعتدَّ بتلك الركعة. يُريد: وقد تقدَّم له عقد ركعة. وقال ابن حبيب فِي مَنْ رعف في بعض القراءة، وهو خلف إمام: بنى من موضع انتهى، وإن رعف وقد فرغ القراءة ولم يركع، فإذا جاء يريد وقد فرغ الإمام، فليركع ولا يقرأ، وإن رعف وهو راكع فرفع رأسه للرعاف فذلك تمام ركعة، فإذا رجع سجد، وإن رعف ساجدًا فرفع لرعافه فهو تمام لسجدته. فإذا رجع فليسجد الثانية وتتم له ركعة، وإن رعف بعد تشهُّده في الثانية فقام لرعافه، فهو قيام لصلاته، فإذا رجع بنى قائمًا، فقرأ ولم يرجعْ جالسًا، إلاَّ أَنْ يرعف في مبتدإ جلسته قبل تشهده، فليرجع، فيجلس فيتشهد، فم يقوم فيبني. وذهب ابن حبيب إلى أَنْ يبني في بعض ركعة , وأَنْ يقرأ من حيث بلغ. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: قال أصحابنا جميعًا: إذا قيَّد ركعة بسجدتيها، وصَلَّى من الثانية الركوع، أو ركع وسجد سجدة ثم رعف، فإنه يبتدئ الثانية، ولا يبني على شيء منها. قال ابن وهب عن مالك فِي مَنْ رعف بعد أن رفع رأسه من الركعة الأولى أو بعد سجدة منها: فليأتنف أَحَبُّ إليَّ. وكان قد قال قبل ذلك: لو بنى على ما بقي منها لأجزأه، وأما فيما يستحسن فليأتنف أربع ركعات.
وقال ابن وهب، وابن القاسم عن مالك فِي مَنْ رعف قبل أَنْ يركع: إنه يرجع فيبتدئ الإقامة ثم يبتدئ الصَّلاَة. وقال سحنون: إذا قيَّد الإحرام مع الإمام ثم رعف، فإنه يبني على إحرامه، ولو رعف في الجمعة بعد أن ركع وسجد سجدة، فليبتدئها ظهرًا على إحرامه أَحَبُّ إليَّ، واستحب أشهب أَنْ يسلم ويبتدئ الظهر، وإن بنى على إحرامه أجزأه. وإن سجد سجدة، وصَلَّى ثلاث ركعات أجزأه. وقال ابن الماجشون: إذا قيَّد في الجمعة ركعة بسجدتيها، ثم رعف في الثانية بعد ركوعه، أو بعد أن سجد سجدة منها، فليبن على ما صَلَّى من الثانية، وتكون له جمعة، وما لم يُقيِّد ركعة بسجدتيها مع الإمام في الجمعة أو في غيرها من الصلوات، فلا يبني وليبتدئ صلاته. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مَالِك: ومن رَعَفَ بعد التَّشَهُّدِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ بغير تكبير، فيجلس ويتشهد ويسلم، وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِه سَلَّمَ، ولم يضره. قال ابن حبيب: ولا يرجع الرعاف بإحرام، ولكن يبني كما هو، بخلاف الراجع لما سها عنه. قال: ولا يفترق في بناء الراعف في الجمعة وغيرها إلاَّ في وجهين؛ أنَّه لا يتمُّ ما بقي منها إلاَّ في الجامع، وإن انصرف الإمام فإنه لا تتم له جمعة إلاَّ أَنْ يرعف بعد عقد ركعة بسجدتيها، فأما قبل أَنْ يتم ركعة بسجدتيها فهذا إن رجع وقد تم الإمام فليصل ظهرًا. وللإمام الراعف في البناء ما لمن خلفه غير أنَّه لا يستخلف بالكلام، وليقدم رجلا بغير كلام، فإن استخلف بالكلام جهلاً أو متعمدًا، فقد قطع الصَّلاَة عليه
وعليهم، ولو علم أنَّه لا يستخلف بالكلام، ففعله ساهيا، بطلت صلاته دونهم، وأتمُّوا لأنفسهم. وهكذا فسَّرَ لي ابن الماجشون في كل ما فسَّرتُ لك من القول في الرعاف، وقاله من لقيت من أصحاب مالك، وكذلك بلغني عن مَنْ لم ألق منهم. وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة فإن استخلف بالكلام متعمدًا لم يفسد عليهم. وقال ابن حبيب: وإذا لم يجد الراعف الماء بقرب المسجد فليطلبه إلى أقرب ما يمكنه، إذا لم يتفاحش البعد جدًّا. وإذا وجد الماء في مكان فجاوزه إلى غيره، فذلك قطعٌ لصلاته. وإذا تكلَّم ناسيًا في انصرافه للماء بطلت صلاته، وإنما أرخص له البناء ما لم يتكلم أو يحدث، ولو تكلم بعد رجوعه إلى البناء لم تفسد صلاته. كذلك قال لي ابن الماجشون. ومن كتاب ابن سحنون، تعقَّبَ مسائل لأشهب: وإذا رعف الإمام، فخرج لغسل الدم فتكلم ساهيًا، فإن كان ذلك قبل فراغ المستخلف فلا شيء عليه، وهو يحمله عنه. وكذلك من رعف خلف الإمام بعد أن صَلَّى ركعة، فخرج لغسل الدم، فتكلم ساهيًا، فلا شيء عليه. وإن رعف قبل أَنْ يقيِّد ركعة لم يحمل عنه الإمام السهو، ولو أبطل الإمام صلاته بطلت عليه؛ لأنه في حُكْمِه. وقال سحنون في المَجْمُوعَة: إذا خرج لغسل الدم فضحك الإمام بعده متعمدًا، فأفسد صلاته لم تفسد صلاة الراعف. ولو سها الإمام لم يكن على هذا سهو، إلاَّ أَنْ يرجع فيدرك معه ركعة.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن رجع بعد غسل الدم، وقد فرغ الإمام فلا يأتم به أحد فيما بقي عليه، فإن فعل فقد أفسد على نفسه، وصلاة الراعف تامَّة. وقال المغيرة: من رعف بعد ركعة من الجمعة، فخرج لغسل الدم فحال بينه وبين المسجد واد، فليضف إليها ركعة أخرى، ثم ليصل أربعا. قال سحنون: ومن خرج من الصَّلاَة لرعاف ثم شك في الوضوء وهو يغسل الدم، فرفع الشك باليقين، وابتدأ الوضوء، فلمَّا توضأ ذكر أنَّه على وضوء، فقد بطلت صلاته. ولو ابتدأ صلاة ثانية من غير أَنْ يتكلم، أو بعد أن تكلم، لأجزأته. وإذا رعف الإمام أول صلاته قبل يركع أو بعد، فذلك سواء وليبن المستخلف. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ومن خرج لرعاف فقرأ الإمام بعده سجدة، فسجد لها، ثم رجع الراعف بعد سلام إمامه، فعليه أَنْ يبدأ بالسجدة فيسجدها، ثم يتمُّ صلاته. قال ابن حبيب: ومَنْ لم ينقطع عنه دم الرعاف، فحضرته الصَّلاَة كذلك فليصل إيماء، وليس عليه أَنْ يركع ويسجد، ولا أَنْ يقوم ويقعد، فيتلطخ دمًا. قال محمد بن مسلمة: إنما قال سعيد: يومئ إيماء. إذا كان الرعاف يضربه إذا سجد، مثل الأرمد، ومن لا يقدر على السجود ممن تضرب عليه عيناه إذا سجد، أو يضرب عليه رأسه.
ومن المَجْمُوعَة، ابن نافع عن مالك: ومن أدخل أصابعه الأربع في أنفه في الصَّلاَة، فاختضبت دمًا قال في كتاب ابن الْمَوَّاز: إلى الأنملة. قال في الكتابين: ولم يقطر، ولو شاء فتله. قال: لا ينصرف. قيل: فإن امتلت أصابعه الأربعة إلى الأنملة الوسطى؟ قال: هذا كثير، وليعد صلاته، فإن كان ذلك عليه فقد أَعَادَ، وإلاَّ لم يضره. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: ومن أدرك الثانية من الظهر مع الإمام بسجدتيها ثم رعف، فخرج فغسل الدم، ثم رجع بعد سلام الإمام، أنَّه يبني ثم يقضي، يأني بركعة بأم القرآن ويجلس؛ لأنها ثانيته، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن. ويجلس كما كان يفعل مع إمامه، ثم يأتي بركعة القضاء بأم القرآن وبسورة، ويتشهد ويسلم. وقال سحنون في كتاب أبيه: إنه يقضي ثم يبني. قال: وإنما كان يبني أولاً قبل القضاء اتباعًا لإمامه. وقال ابن حبيب: يبدأ بالبناء قبل القضاء، كما قال ابن الْمَوَّاز، إلاَّ أنَّه قال: يأتي بالثالثة بأم القرآن ويجلس، ثم بالرابعة بأم القرآن ويقوم، ثم بركعة القضاء على ما تقدَّم. ونظيرتُها مقيم أدرك ركعة من صلاة مسافر، فهكذا يفعل عنده. وقال ابن الْمَوَّاز: تصير صلاته كلها جلوسًا في المسألتين. قال: لأنه لا يقوم إلى قضاء إلاَّ من جلوس ز قال ابن حبيب: وإن أدرك الأولى ورعف في الثانية، ورجع فأدرك الرابعة، فليصل إذا سلم الإمام ركعتين الثانية والثالثة، يقرأ في الثانية بأم القرآن وسورة، ويقوم في الثالثة بأم القرآن ويجلس، إذ هي آخر صلاته. قال سحنون في المَجْمُوعَة: ولو فاتته الأولى، وصَلَّى الثانية، ورعف في
في من رعف في صلاة الجنازة، أو العيدين، أو رأى في ثوبه نجاسة
الثالثة، ثم أدرك الرابعة، فليقض الثالثة بأم القرآن، ثم الأولى بأم القرآن وسورة، ولو لحقها من أول كان ثانيًا فيما بقي عليه. في من رعف في صلاة الجنازة، أو العيدين، أو رأى في ثوبه نجاسة ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ومن رعف في صلاة الجنازة، فليمض فيغسل الدم، ثم يرجع إلى موضع صَلَّى عليها فيه، فيُتمَّ بقية التكبير. وكذلك في صلاة العيدين. ولو أتمَّ بافي صلاة العيدين في بيته أجزأه. وقال أشهب: إن خاف إن خرج لغسل الدم أن تفوته الجنازة وصلاة العيد، وكان لم يكبِّر على الجنازة شيئًا، ولا عقد ركعة من صلاة العيد، فليمض كما هو على صلاة العيد والجنازة، ولا ينصرف. وكذلك إن رأى في ثوبه نجاسة، وليس معه غيره، ويخاف الفوات في انصرافه، وليس مثل من على غير وضوء فيريد أَنْ يتيمم ليدركها؛ لأن التيمم ليس في سفر ولا مرض. ذكر ما يعرض في الصَّلاَة من القيء والحدث وسيلان الدم، من ما لا يبنى فيه، ومن كان منه ما يقطع الصَّلاَة بعد التشهد ومن الْعُتْبِيَّة، روى أشهب عن مالك في الدمَّل ينفجر في الصَّلاَة بدم
فإن كان كثيرًا قطع وفي اليسير يتمادى. ومن ذرعه القيء في الصَّلاَة في الجمعة فقاء كثيرًا فلا ينصرف لذلك، وينبغي نزع ذلك من المسجد. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: ومن تقيَّأ عامدًا أو غير عامد في الصَّلاَة فسدت صلاته. قال ابن القاسم: وإن تقيَّأ بلغمًا أو قلسًا، قال في رواية عيسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: فألقاه فليتماد. وإن ابتلع القلس بعد أن أمكنه طرحه، وظهر على لسانه، أفسد صلاته. قال عنه عيسى: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي الصَّلاَة والصيام. قال في المَجْمُوعَة: وإن كان سهوًا بنى وسجد بعد السلام. ومن رواية عيسى، عَنِ ابْنِ القاسمِ في الْعُتْبِيَّة: وإذا أحدث الإمام بعد التشهد، فلتُقدم من يسلم بهم، فإن تمادى حتى سلم بهم أجزأهم. قال عيسى: بل يُعِيد ويُعِيدون. قال: وتأوَّل ابن القاسم أنَّه لمَّا لم يبقَ من الصَّلاَة غير السلام، فكأنهم سلموا بعد أن خرجوا من إمامته. وليس بالقياس، كما قال إذا رعف المأموم بعد سلام الإمام إنه يفعل السلام راعفًا. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك: ومن كان منه ما يقطع الصَّلاَة من حدث أو ضحك أو كلام، أو غيره بعد التشهد وقبل السلام بطلت صلاته، إمامًا كان أو مأمومًا.
في الصلاة على الدابة لمرض أو خوف، والتنفل عليها، وفي الصلاة على السرير، وهل يتنفل الراكب أو الماشي، وهل يصلي الخائف وهو جالس أو ماش
في الصَّلاَة على الدابة لمرض أو خوف، والتنفل عليها، وفي الصَّلاَة على السرير، وهل يتنفل الراكب أو الماشي، وهل يصلي الخائف وهو جالس أو ماشٍ من المُسْتَخْرَجَة من سماع ابن القاسم، قال مالك: لا يصلي المريض على محمله المكتوبة، وإن اشتدَّ مرضه وكان يومئ. قال في المختصر: أما إن كان لا يقدر أن يصلي بالأرض، فله أَنْ يصلي في المحمل بعد أَنْ يوقف له البعير إلى القبلة. وذكر مثله ابن حبيب عن ابن عبد الحكم. وذكر العتبي مثله من رواية أشهب، عن مالك، قال: ولو صَلَّى بالأرض كان أَحَبُّ إليَّ. وقال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ القاسمِ: يصلي في المحمل راكبه حتى لا يقدر أَنْ يصلي بالأرض إلاَّ مضطجعًا أو مستلقيًا إيماء، فحينئذ يصلي فيه، ويحبس له البعير، ويستقبل به القبلة وقال سحنون في المَجْمُوعَة: ومن صَلَّى في المحمل لشدة مرض أَعَادَ أبدًا. ومن الواضحة، قال: ولا يصلي المكتوبة على دابته رجل ولا امرأة، إلاَّ مريض لا يقدر أَنْ يصلي إلاَّ على جنبه أو ظهره، أو هارب من عدوِّه، أو طالب له في هزيمة، قال الله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.
قال أبو محمد: وأعرف لبعض أصحابنا أنَّه فرَّق بين الطالب والهارب غير منهزم. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك في المتنفل في المحمل إذا أعيى في تربُّعه، فمدَّ رجله، فأرجو أَنْ يكون خفيفًا. ومن مال محمله، فحوَّل وجهه إلى دُبُر البعير، لم أحب أَنْ يصلي ووجهه إلى دبر البعير، ولكن يصلي على سير البعير أَحَبُّ إليَّ. قال أشهب عن مالك: وليجعل المصلي على المحمل أو على الدابة يديه على فخذيه. وإن استقبلته الشمس على الدابة، فأعرض بوجهه عنها وهو يصلي على الدابة، فلا بأس بذلك. قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: قيل له: فإذا أومأ للسجود وعليه عمامة، أينزعها عن جبهته؟ قال: ذلك حسن. قال ابن حبيب: وإذا تنفل على الدابة في سفر الإقصار، فلا ينحرف إلى جهة القبلة، وليتوجه بوجه دابته، وله مسك عنانها، وضربها بالسوط، وتحريك رجليه، إلاَّ أنَّه لا يتكلم ولا يلتفت، ولا يسجد الراكب على قربوس سرجه، ولكن يومئ. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ وابن وهب، عن مالك: ولا يصلي المسافر وهو يمشي، وإنما ذلك للراكب. قال عنه عليٌّ: ولو قرأ الراكب سجدة فلينزل يسجدها، إلاَّ في سفر الإقصار، فليسجدها على دابته إيماء.
في صلاة أهل السفينة، وهل يتنفل فيها إلى غير القبلة، وصلاة المائد فيها، وفي صلاة المعطوبين وهم في البحر، أو خارجين منه عراة، وفي من ربطه اللصوص، ومن وقع عليه الهدم
وللمصلي على الدابة ضربها في صلاته، وأَنْ يُركضها، وله أَنْ يضرب غيرها، ولا يعدل عن جهته عدولاً يصرف وجهه عن جهته، وفي المحمل إذا صَلَّى مشرِّقًا أو مغرِّبًا، فلا ينحرف إلى القبلة، وإن كان يسيرًا فلا يفعل، وليصل قِبَلَ وجهه. قال عليٌّ، عن مالك: وإن خاف أَنْ ينزل عن دابته من اللصوص، أو من السباع، صَلَّى عليها حيث توجَّهت به، ويومئ. قال أبو محمد: يريد الفريضة. وقال أشهب: لا يصلي عليها إيماء حيث توجهت، إلاَّ أَنْ يخاف إن وقف أَنْ يدركه من طلبه، فيضطرُّ إلى المسير، فيكون ذلك له. وقال أشهب في الذي لا يقدر أَنْ يقف من خوف العدوِّ، قال: يصلي قاعدًا، ويومئ إلاَّ أنْ لا يخاف أَنْ يسجد على الأرض فليسجد ولا يومئ. قال أبو محمد: ومن قول أصحابنا أن للمستأنف أَنْ يصلي في حال مشيه ومسابقته، وكذلك الهارب من عدوِّه. قال بعض أصحابنا: ولا يتنفل المضطجع وإن كان مريضًا. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ بالصلاة على السرير، وهو كالدكان يكون بالأرض للمريض. قال أبو محمد: ويريد وذلك جائز للصحيح. في صلاة أهل السفينة، وهل يتنفل فيها إلى غير القبلة، وصلاة المائد فيها، وفي صلاة المعطوبين وهم في البحر، أو خارجين منه عراة، وفِي مَنْ ربطه اللصوص، ومن وقع عليه الهدم من المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك، في أهل السفينة يصلي بهم إمام،
وبعضهم بين يديه وفوقه وتحته، فإن لم يجدوا بدًّا فذلك جائز، وهو أحبُّ إلي من صلاتهم أفذاذًا. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: ويصلون قيامًا، فإن لم يقدروا فقعودًا، وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمهم أحدهم. ومن سماع أشهب، قيل: فإن لم يقدر أحدهم أَنْ يركع أو يسجد إلاَّ على ظهر أخيه؟ قال: ولِمَ يركبونها؟ قيل: للحجِّ والعُمْرة. قال: فلا يركبوها لحجٍّ ولا لعمرة، أيُرْكَبُ حيث لا يصلي، ويل لمن ترك الصَّلاَة. وقيل له: أيصلون جلوسًا إن لم يقدروا إلاَّ كذلك، ولا يقدرون على النزول؟ قال: ذلك لهم. قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب: إن صَلَّى أهل السفينة جلوسًا قادرين على القيام، أعادوا أبدًا، فإن لم يقدروا صلَّوا بإمام. قال أبو محمد: يريد جلوسًا. ومن الواضحة قال: وللمائد في السفينة أَنْ يصلي قاعدًا. ومن ركب أول الوقت في الصَّلاَة، وهو لا يصلي للميد إلاَّ قاعدًا، فجمعه في البر الصلاتين أَحَبُّ إليَّ. قال مالك: ولا يصلي فيها إلاَّ إلى القبلة، ويستدير كلما استدارت، فإن لم يقدر فلا حرج، ولكن يفتتح أولاً إلى القبلة، وأما في النافلة فلا بأس به حيث ما توجهت كالدابة. وقال مالك في المختصر: لا يتنفل في السفينة إلاَّ إلى القبلة على كل حال، بخلاف الدابة. ومن الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب: وقال في المعطوبين وأحدهم متعلق على رِجْل وواحد على لوح: فليُصلُّوا كذلك إيماء، ولا إعادة عليهم، إلاَّ أَنْ يخرجوا في
في صلاة الرجل في الماء والطين
الوقت. قال أبو محمد: وقد قيل: لا إعادة عليهم، وقال نحوه أشهب في باب صلاة المريض. قال ابن حبيب، في المعطوبين يخرجون من البحر عراة: فليصلوا أفذاذًا متباعدين قيامًا، وإن أمَّهم أحدهم فليكونوا صفًّا، وإمامهم في الصفِّ لا يتقدمهم، إلى في ليلة ظلماء، أو في شجر يستر بعضهم عن بعض، فَلْيَقْدُمْهم إمامُهم، ويصلوا صفوفًا إذا لم يرَ بعضهم عورة بعض. وإن كان فيهم نساء صلَّين جانبًا، والرجال جانبًا، ويتوارين ويتباعدن عن الرجال، ويصلِّين عراة قيامًا ركَّعًا وسُجَّدًا، إلاَّ أنْ لا يجدن متواريًا عن الرجال، فيصلِّين جلوسًا إيماء. وهكذا فسَّرَ لي ابن الماجشون. ومن الْعُتْبِيَّة، روى أبو زيد، عَنِ ابْنِ القاسمِ، فِي مَنْ ربطه اللصوص أيَّامًا لا يصلي، قال: يقضي، وينبغي لهم أَنْ يصلوا كذلك إيماء، ثم إن أُطْلِقوا أعادوا ما أدركوا وقته، فإن لم يفعوا فعليهم قضاء ذلك. قال سحنون في كتاب السَّيْر فِي مَنْ ربطه العدوُّ أيَّامًا لا يصلي، قال: أخبرني معن بن عيسى، عن مالك، أنَّه قال: لا صلاة عليهم إذا سُرِّحوا، إلاَّ ما أدركوا وقته. وقال الأوزاعي، في الأسير الموثوق: يصلي إيماء. وقال سحنون. وإن أُطْلِقَ في الوَقْتِ لم يلزمه أَنْ يُعِيدَ، وإن أَعَادَ فحسن. وعلى رواية ابن القاسم، في الذين تحت الهدم، قال: يُعِيدون. وقال ابن نافع: لا يُعِيد من نحت الهدم. وقد تقدَّم هذا في الباب الأول مع زيادة فيه. في صلاة الرَّجُل في الماء والطين ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك في السفر تحضره الصَّلاَة،
في صلاة المريض، والزمن، والقادح، والضعيف، وفي الأعمى يسجد قبل إمامه ولا يعلم
والأرض كلها طين، أيصلي قائما إيماء؟ قال: لا يصلي قائمًا إيماء، وليصل جالسًا في الطين، ويسجد على الطين بقدر طاقته. وقال المغيرة في المَجْمُوعَة: يومئ إيماء، ويُعِيد في الوَقْتِ إن خرج من الماء. وقال ابن حبيب في الطين الشديد: فلينزل عن دابته، ويصلي فيه قائمًا، ويركع متمكِّنًا ويومئ للسجود أخفض من الركوع، ويضع يديه في إيمائه على رُكبتيه ويكون جلوسه قيامًا. وكذلك إن كان في ماء، إلاَّ أَنْ يضطر إلى الركوب فليصل على دابته إيماء، ويومئ للسجود أخفض من الركوع، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يصبر إلى آخر الوقت إن رجا أَنْ يخرج منه. وهذا قول مالك وأصحابه، إلى ابن عبد الحكم، فقال: يسجد في الطين، ويجلس عليه. وكذلك الخضخاض من الماء الذي لا يغمره، ولا يمنعه من السجود فيه والجلوس إلاَّ إحراز ثيابه. وبالأول أقول. وليس تلوُّثُه بالطين لله بطاعة. في صلاة المريض، والزَّمِن، والقادح، والضعيف، وفي الأعمى يسجد قبل إمامه ولا يعلم قال ابن حبيب: قال أصبغ في قول الله سبحانه: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}: هو في الخائف والمريض. ومن كتاب غيره، في قول الله سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}: إن هذا تقصير في
الترتيب في سرعتها لا في العدد. وكذلك للمريض أَنْ يخفف حسب طاقته. وقال في العدو في زيادة الخوف: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في مرضه، ولم يعذر الله سبحانه في الصَّلاَة غير مغلوب على عقله أَنْ يصلي حسب طاقته. ومن (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك: لا يقصر المريض الصَّلاَة في الحضر لشدة مرض، فإن فعل جاهلا أَعَادَ، ولا ينبغي أَنْ يدع الوتر إلاَّ أَنْ يغلب عليه، وليس عليه ركعتا الفجر. قال عنه ابن حبيب: إذا ضعف عنها. ولا يدع الوتر بعد شفع. ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: وإن صَلَّى بغير قراءة، قادرا عليها، أَعَادَ أبدا، فإن لم يقدر، فليقرأ في نفسه، فإن قدر على تحريك لسانه لم يجزه إلاَّ ذلك. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، فِي مَنْ به الحمى
والنافض، يعرف وقتا يأخذه فيه النافض، فيريد أَنْ يصلي قبل الوقت خيفة ذلك، فإن زالت الشمس جمع بين الصلاتين. قاله مالك. وإن دخل الوقت والحمى عليه، فله تأخير الصَّلاَة إلى وقت يرجو انقلاعها إن كان قبل يخرج الوقت، وإن خاف خروجه صلاهما في الوَقْتِ بقدر طاقته. وإذا لم يقدر المريض على التكبير والقراءة بلسانه، فلا يُجْزِئُهُ أَنْ ينوي ذلك بغير حركة اللسان، بقدر ما يطيق. ومن (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك، في المريض إن لم يقدر أَنْ يصلي قائما، فليصل متربعا، ويجعل يديه على ركبتيه في ركوعه وسجوده، ويسجد على الأرض، ويثني رجليه كالصحيح، فإن شق عليه التربع صَلَّى بقدر طاقته، وإذا تم تشهد الأولى فليكبر للقيام، ثم يقرأ، فإن صَلَّى متربعا تربع لقيامه. قال ابن نافع: فإن لم يقدر أَنْ يسجد أومأ به أخفض من الركوع ويديه على ركبتيه فيهما. قال ابن القاسم: وليومئ، ولا يرفع إلى رأسه ما يسجد عليه، فإن فعل لم يعد. قال أشهب: وكذلك إذا أومأ إلى ذلك الشيء برأسه حتى سجد عليه، وأما إن رفعه إليه حتى أمسه جبهته وأنفه من غير إيماء، لم يجزه. وكذلك إذا لم يومئ إليه في الركوع لم يجزه. قال سحنون: فإذا لم يقدر أَنْ يصلي قاعدا، فعلى جنبه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، كما يجعل في لحده، فإن لم يقدر فعلى ظهره. وقال ابن الْمَوَّاز: إذا لم يقدر على جنبه الأيمن فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يقدر فعلى ظهره، ووجهه في ذلك كله
إلى القبلة. وقال أصبغ عن ابن القاسم. وقال ابن حبيب: إن ابن القاسم يقول: على ظهره أولى، فإن لم بقدر فعلى جنبه. والمعروف عن ابن القاسم ما ذكر غير ابن حبيب. ومن (المَجْمُوعَة)، قال مالك: وليومئ كان على جنبه أو ظهره. قاله مالك في الذي يومئ إلى الركوع. يريد: قائما. فليمد يديه إلى ركبتيه، والمضطجع يومئ برأسه. قال أشهب: فإن صَلَّى بعدها إيماء، ثم صح، أتمها قائما، ولو افتتحها قائما، ثم عرض له مانع، أتمها جالسا، فإن لم يقدر فمضطجعا، ويجزئه. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال موسى، عن ابن القاسم: ومن صَلَّى قاعدا من مرض، ثم أفاق في الوَقْتِ، لم يعد. وقال أشهب. (في كتاب ابن سحنون): ومن صَلَّى إيماء؛ لرعاف به، أو لخوف، أو مريض صَلَّى قاعدا، ثم زال ذلك عنه في الوقت، فلا إعادة عليه. وأما من صَلَّى عريانا أو بثوب نجس، فهذا يُعِيد في الوقت، إن وجد ثوبا طاهرا في الوَقْتِ. ومن (الْعُتْبِيَّة)، أشهب، عن مالك: ولا بأس أَنْ يتوكأ على عصا في المكتوبة والنافلة، فله إذا كان من ضعف، وكان صفوان بن سليم يفعله فيهما.
يريد: لزمانته. وكذلك في (المختصر). قال: ويتوكأ قائما خير من جالس. قال في (الكتابين): وصلاته بالسور القصار قائما في الصبح والظهر خير من صلاته جالسا بالطوال. ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع ابن القاسم، وعن المريض، قريب من المسجد يأتيه ماشيًا، أيصلي فيه جالسًا. يريد: الفريضة. قال: لا يعجبني، ولو حدث عليه شيء بعد أن أتاه لم أر بذلك بأسًا. قال ابن حبيب: ومن حنى ظهره الكبرُ، فلا يقدر يعتدل في ركوعه ولا ف سجوده؛ فلا يُكَلَّف إلاَّ وسعه، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يرفع يديه من الأرض شيئًا في رفعه من السجود. وفي موضع آخر: وصلاة المريض قائمًا متوكئًا أو مستندًا أولى من جالس، وجالس ممسوك أولى من راقد. قال موسى في الْعُتْبِيَّة عن ابن القاسم: ولا تمسك الحائض المريض في الصَّلاَة، ولا ترقده، فإن فعل ذلك أَعَادَ في الوَقْتِ. قال ابن القاسم: وعن الذي يقدح عينيه يصلي مستلقيًا؟ قال: لا يقدحهما. ووقف عن ذلك مالك في رواية علي بن زياد. قال موسى بن معاوية: حدثني الهيثم بن خالد، عن الربيع، عن رجل، عن جابر بن زيد، أنَّه قال: لا بأس أَنْ يقدح الرَّجُل عينيه، ويصلي على قفاه ويومئ. قال أبو بكر بن محمد: وقال أشهب: له أَنْ يقدح عينيه ويصلي مستلقيًا. وروى ابن وهب عن مالك التسهيل في ذلك. وقال ابن حبيب: كره مالك لمن يقدح عينيه، فيقيم أربعين يومًا أو أقلَّ على ظهره، ولو كان اليوم ونحوه كان خفيفًا، ولو كان يصلي جالسًا، ويومئ في الأربعين
في صلاة الجالس، وتنفله، وفي إمامة الجالس في المكتوبة والنافلة
يومًا، لم أر به بأسًا. وقال مالك في الأعمى يركع قبل الإمام، ويسجد قبله، فيُسَبَّحُ به، ولا يشعر، فإذا أُخْبِر بذلك بعد السلام، فليُعِد صلاته. في صلاة الجالس، وتنفله، وفي إمامة الجالس في المكتوبة والنافلة قال ابن حبيب: ومعنى ما جاء من أن صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم، في مَن قدر أَنْ يقوم في النوافل، فأما من أقعده مرض أو ضعف عن أَنْ يقوم، فهو في ثوابه كالقائم في الفرض والنافلة. ومن شاء في تنفله قام في ركعة وقعد في ثانية، أو قام بعد قعود، أو قعد بعد قيام فقرأ، ثم عاد للقيام، تداول ذلك كيف شاء، وإن شاء سجد، وإن شاء أومأ به من غير علَّة، وله أَنْ يمدَّ إحدى رجليه إذا عيى، وكذلك في المحمل، وله أَنْ يقعد بين التربُّع والاحتباء. ومن كتاب آخر قال أشهب: إذا أحرم قائمًا في نافلة فلا يجلس لغير عذر. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك في تنفل المتربع: إنه يثني
رِجليه في السجود، ويرفع يديه عن ركبتيه إذا رفع من الركوع والسجود، وإذا تمَّ تشهده الأول كبَّر ينوي به القيام. يريد: ويتربَّع، ثم يقرأ. وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القيام. ومن الْعُتْبِيَّة قال موسى، قال ابن القاسم: لا يومئ الجالس للسجود إلاَّ من علة، وإن أومأ من غير علة في النوافل أجزأه. قال عيسى: لا يومئ من غير علة في نافلة ولا غيرها. قال ابن حبيب: له ذلك في النافلة، كما يدع القيام قادرًا عليه؛ لأنه أخف عليه. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم: والمصلي في المحمل متربعًا إن لم يشقَّ عليه أَنْ يثني رِجليه عند سجوده فليفعل ذلك. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: إذا لم يقدر الإمام على القيام، فليأمر غير يصلي بالناس والعمل على حديث ربيعة. قال مالك: ولا ينبغي لأحد أَنْ يؤمَّ في النافلة جالسًا. وفي سماع عيسى، قال ابن القاسم: قال مالك: لا يؤمُّ أحدٌ جالسًا، فإن أصابه في المكتوبة شيء استخلف ويرجع إلى الصفِّ، وصَلَّى بصلاة من استخلف. وقال ابن الماجشون، ومطرف: وإن صَلَّى بهم جالسًا أجزأه هو، وعليهم الإعادة أبدًا. وذكر مثله ابن حبيب، عن مالك. وقال مالك في المَجْمُوعَة من رواية عليٍّ مثله. قال سحنون: اختلف فيها قول مالك.
باب في جمع المريض بين الصلاتين
ومن كتاب آخر، روى الوليد عن مالك أنَّه إن أمَّهُم جالسًا وهم قيام أجزأتهم. قال: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يصلي إى جنبه من يكون عالمًا بصلاته. وقال مالك في المختصر: لا يؤمُّ الجالس إلاَّ من ضرورة، كأهل البحر وشبههم. وقال موسى في الْعُتْبِيَّة، عن ابن القاسم في المرضى والمقاعد: لا بأس أَنْ يؤمَّهم أحدهم جالسًا. وروى عنه سحنون: لا يؤمُّهم أحدهم جالسًا، وإن فعل أعادوا. وأجزأ الإمام. وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، أنهم أجازوا في المرضى والضعفاء والمُيَّد في السفينة أَنْ يؤمَّهم أحدهم. قال موسى: قال ابن القاسم: لا بأس أَنْ يؤمَّ المرضى أحدهم في الفريضة، إذا كانوا كلُّهم جلوسًا، فأما إن لم يستطع الجلوس لا هو ولا هم، فلا إمامة في هذا. قال يحيى بن عمر: فإن فعل أجزأه، وأَعَادَ القوم. ومن المَجْمُوعَة روى ابن القاسم، وابن نافع عن مالك في الإمام يصلي قائمًا، وخلفه مرضى يصلُّون جلوسًا، ومنهم من يُومئ للركوع والسجود، قال: صلاتهم تامَّة. باب في جمع المريض بين الصلاتين قال ابن حبيب: وللمريض أَنْ يجمع بين الصلاتين، إن لم يَخَفْ أَنْ يُغْلَب على عقله، إذا كان ذلك أرفق به لشدة النهوض والوضوء لكل صلاة، فليجمع في
آخر وقت هذه وأول وقت هذه، ومقداره إذا سلَّم من المغرب أيضًا غاب الشفَقُ، كذلك المسافر، فأما إن خاف المريض أَنْ يُغلب على عقله بإغماء وشبهه، فليجمع بينهما أوَّل الوقت في صلاتي الليل وصلاتي النهار. قال مالك في المختصر: وإذا خاف المريض أَنْ يغلب على عقله، وشقَّ عليه الوضوء فلا بأس أَنْ يجمع بين الصلاتين، يؤخِّر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء. قال سحنون: لا يجمع الذي يخاف أَنْ يُغلب على عقله إلاَّ في آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم، وابن نافع عن مالك في المريض إذا اشتدَّ مرضه: لا بأس أَنْ يجمع بين الصلاتين. ومن الْعُتْبِيَّة قال موسى: قال ابن القاسم في المريض يعرف وقتًا يأخذه فيه الحمَّى النافض، فلا يصلي قبل الوقت خيفة ذلك، فأما إن زالت الشمس، فله أَنْ يجمع حينئذ بين الظهر والعصر. قاله مالك. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم في المريض تحضره صلاة المغرب، وهو يعرف، فيكره القيام لمكان العرق فلا بأس أَنْ يؤخر المغرب، ليجمع بين الصلاتين. ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم: ومن أصابه وعك بعد زوال الشمس، فليجمع بين الظهر والعصر، فإن أفاق من الليل صَلَّى المغرب
في جمع المسافر بين الصلاتين، والجمع بعرفة، وهل يجمع الحاضر بينهما
والعشاء، ما بينه وبين طلوع الفجر. ومن المَجْمُوعَة، قال عليٌّ عن مالك في مريض جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر، من غير ضرورة جهلاً، قال: يُعيد العصر في الوَقْتِ. وقاله ابن كنانة. ولا يُعِيدها بعد الوقت. في جمع المسافر بين الصلاتين، والجمع بغرفة وهل يجمع الحاضر بينهما ومن المَجْمُوعَة قال أشهب: أَحَبُّ إليَّ أن لا يجمع بين الظهر والعصر في سفر ولا حضر إلاَّ بعرفة أول الزوال وهي السُّنَّة، ومع ذلك فإن للمسافر في جمعهما ما ليس للمقيم، وإن لم يجدَّ به السير، وله في جدِّ السير من الرخصة أكثر مما له إذا لم يجدَّ، وللمقيم أيضًا في ذلك رخصة، وإن كان الفضل في غير ذلك ن والرخصة له؛ لأنه يصلي في أحد الوقتين الذي وقَّت جبريل عليه السلام، فإذا فاء الفيء قامةً كان للظهر آخر وقت، وهو العصر أول وقتها، وأول الوقت فيها أحب إلينا. وإذا ساغ ذلك للحاضر جاز للمسافر، وإن لم يجدَّ به السير، وكذلك له في المغرب والعشاء، ويكون مغيب الشفق وقتًا لهما يشتركان فيه مع ما روي من جمع المسافر ولم يذكر جدَّ السير به، وأما في جدِّ السير فيجمع عليه وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر وقت هذه وأول وقت هذه، وذلك أَنْ يقضي الظهر والفيء قامة، أو يبتدئها والفيء قامة، ثم يقيم فيصلي العصر بعدها، أو يقضي المغرب وقد غاب الشفق، أو يبتدئها حينئذ، ثم يُقيم فيصلي بعدها العشاء، وهذا في الظهر والعصر أجوز منه في المغرب والعشاء؛ لأن المغرب إنما ذُكِرَ لها وقت واحد في الحديث، قال:
وجِدُّ السير بمبادرة ما يُخاف فواته، أو يُسرع إلى ما يهمُّه. قال عليٌّ، عن مالك: لا يُستحبُّ له الجمع إلاَّ في جِدِّ السير، في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، والمغرب والعشاء أول وقت العشاء حين يغيب الشفق، إلاَّ أَنْ ينزل قبل مغيب الشفق فليبادر بالمغرب. قال عنه عليٌّ: وإن جمعهما في أول الوقت، فإن صَلَّى العصر في أول وقت الظهر، والعشاء أول وقت المغرب، أَعَادَ الآخرة ما كان في الوَقْتِ، وإنْ لم يكُنْ عجَّلهما أول الوقت، فلا يُعِيدهما. وقال ابن كنانة: إذا لم يجمع بينهما وصَلَّى العصر في أول وقت الظهر، والعشاء في أول وقت المغرب أعادهما في الوَقْتِ. ومن الْعُتْبِيَّة ابن القاسم عن مالك قال: كان ابن عمر يروح بعد الزوال، فيسير أميالاً قبل أَنْ يصلي الظهر، وذلك أَحَبُّ إليَّ أَنْ يؤخِّر ذلك، وإني لأكره جمع الصلاتين في السفر، وذلك في الشتاء أخفُّ، ومن جمع ففي وسط ذلك بين الصلاتين. قال ابن حبيب: ويجوز أيضًا للمسافر الجمع لغير جِدِّ السير إلاَّ لقطع السفر، وإن لك يَخَفْ شيئًا، ولم يبادره. وقاله ابن الماجشون وأصبغ، وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في سفره من غير أَنْ يُعْجِلَه شيء، أو يطلب عدوًّا، وفعله ابن عمر، وأنس بن مالك، وكثير من التابعين، في غير جِدِّ السير لا لشيء خافوه، ولا لأمر بادروه، إلاَّ لقطع السفر. وروى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أَنْ يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أَنْ يسير ليلته جمع بين المغرب والعشاء. ومن المجمومعة قال ابن القاسم: ومن جمع بين العشاءين في الحضر، من
في الجمع ليلة المطر
غير مرض، أَعَادَ الثانية أبدًا. يريد: إن صلاها قبل مغيب الشفق. قال ابن كنانة: ومن جَدَّ به السير في سفر فجمع، ثم بدا له فأقام بمكانه، أو أتاه خبر ترك له جِدَّ السفر، فلا إعادة عليه. قال ابن القاسم: ولا يجمع بين الصلاتين في الحرب، ولم أسمع بهذا، ولو فعله لم أر به بأسًا. قال عليٌّ، عن مالك فِي مَنْ أراد أَنْ يركب البحر في وقت الظهر، فأراد أَنْ يجمع بين الصلاتين في البَرِّ، لما يعلم من مَيَدٍ يأخذه، يمنعه القيام، فليجمع بينهما في البر قائمًا، خير من أَنْ يصلي العصر في وقتها قاعدًا. قال أشهب: وإذا أسرع الدافع من عرفة، فوصل مزدلفة قبل مغيب الشفق، جمع حينئذ، وإن قضى الصلاتين قبل مغيب الشفق. وفي المدوَّنة خالفه ابن القاسم. في الجمع ليلة المطر من المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك: وسُنَّة الجمع ليلة المطر إن تمادى للمغرب. قال عنه ابن حبيب: في أول الوقت. قالا: ثم يؤخِّر شيئًا، ثم تقام الصَّلاَة. قال عنه عليٌّ: ثم يؤذَّن للعشاء في داخل المسجد في مَقْدَمِه، ثم يُقيم فيُصلِّيها، وينصرفون قبل مغيب الشفق. وقال ابن حبيب: يؤذَّن للعشاء في صحن المسجد أذانًا ليس بالعالي، ومن شاء تنفل حينئذن. قال عنه ابن نافع: ولا يتنفل بينهما. وقال ابن عبد الحكم: يجمع
بينهما عند مغيب الشمس، ولا يؤخِّر المغرب. وذكر أنَّه قول ابن وهب، وأنَّه اخْتَلَفَ فيه قول مالك. وروى البرقي عن أشهب مثل قول ابن وهب. قال مالك في سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة: ولا يُتنفَّل بعد العشاء في المسجد. قال ابن حبيب، ومثله في المختصر: ومن أتى وقد صَلَّى المغرب فوجدهم في العشاء، فلا يدخل معهم، وليؤخِّرْ حتى يغيب الشفق، فإن دخل معهم أساء، ولا يُعِيد. قاله أصبغ، وابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم في المدوَّنة: يصليها معهم، ولا يصليها بعدهم. قال في المختصر: فإن وجدهم قد فرغوا منها جمعًا وخَّر حتى يغيب الشفق، إلاَّ أَنْ يكون ذلك في مسجد مكة والمدينة؛ لما يُرْجى فيهما من الفضل. يريد: فيُعْذَر أَنْ يصلي فيه قبل مغيب الشفق لفضله، كما عُذِرَ ليدرك فضل الجماعة بالجمع. ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم في المطر الدائم لا يرجون كشفه، فلهم الجمع فيه. وقال مثله ابن القاسم في المَجْمُوعَة. قيل لمالك في سماع ابن القاسم: إن المؤذنين يؤذنون واحدًا بعد واحد للعشاء الآخرة، إرادة الإبطاء بها. قال: لا بأس بذلك. قيل له: إنه ربما ينجلي المطر، وبقي الطين أيجمعون؟ قال: نعم. قيل: وإذا كان الطين فيرجو أَنْ يكون في سعة في تخلُّفه عن المسجد؟ قال: نعم. قال مالك: وإذا ذهب المطر وبقيت الظلمة والطين. قال عنه ابن نافع في
المَجْمُوعَة: وبقي اللَّثَقُ والطين، فلهم أَنْ يجمعوا، إلاَّ أَنْ يكونوا لا ينصرفون حتى يقنُتُوا، فأَحَبُّ إليَّ أن لا يجمعوا، وإن جمعوا فهم من ذلك في سعة. يريد: إذ لا بد أَنْ ينصرف بعضهم. قال ابن حبيب: ويجوز الجمع في الوحل والظلمة، وإنْ لم يكُنْ مطر مضرٌّ ويجمع أيضًا إن كان مطرٌ وإنْ لم يكُنْ ظلمة أو كان مطر مضرٌّ. وإنْ لم يكُنْ وحل ولا ظلمة، وإنما أريد بالناس الرفق في ذلك. وقال مالك في سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة: ويجمعون وإن كان فيهم قريب الدار إذا خرج منها دخل المسجد من ساعته. قال يحيى بن عمر وغيره: ويجمع معهم المعتكف في المسجد. قيل لمالك: أيُجْمَعُ في مساجد المدينة ليلة المطر؟ قال: لا أدري، فأما مسجدنا هذا فيُجْمَعُ فيه. قال: وَلا بَأْسَ بغير المدينة أَنْ يُجْمَعَ في غير الجامع من مساجد العشائر، وليس ذلك كالمدينة. وروى أصبغ عن ابن القاسم في القوم يصلُّون المغرب، فهم يَتنفلون لها، إذا وقع المطر يجمعون؟ قال: لا ينبغي أَنْ يُعَجِّلوا العشاء إذا فرغوا من المغرب قبل المطر. قال أبو محمد: وأعرف فيها قولاً آخر، لا أذكر قائله.
في صلاة الصبيان، وصيامهم، وتفريقهم في المضاجع، وصلاة الأعجمي من المجوس، وغسل من أسلم وصلاته
في صلاة الصبيان، وصيامهم، وتفريقهم في المضاجع، وصلاة الأعجمي من المجوس، وغُسل من أسلم وصلاته ومن الْعُتْبِيَّة روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤمر الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». قال عيسى: وبه يأخذ. قال أشهب: قال مالك: وإذا أثغر الصبي أُمِرَ بالصلاة، وأُدِّب عليها. قال عيسى عَنِ ابْنِ القاسمِ: وحينئذ يُفرَّق بينهم في المضاجع، وكذلك في السبع. قال ابن حبيب: فإذا بلغ عشر سنين فلا يتجرَّد أحد منهم مع أحد من أبويه، ولا من إخوته أو غيرهم، إلاَّ وعلى كل واحد ثوب. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ القاسمِ: وإذا احتلم الصبي، بعد أن صَلَّى الظهر والعصر، فليُعدهما إذا بلغ قبل يخرج الوقت. قال ابن حبيب: إن بقي من النهار خمس ركعات أعادهما، وإن صَلَّى الجمعة أَعَادَ ظهرًا، وإن بقي من أقلَّ من ذلك إلى ركعة أَعَادَ العصر؛ لأنه إنما صَلَّى قبل يجب الفرض عليه، بخلاف العبد يُعْتَق بعد أن صَلَّى الجمعة، فلا يُعِيد فإن الجمعة
له بدلاً من الظهر، وهي فرض عليه. ومن المَجْمُوعَة من رواية ابن القاسم وعليٌّ، قيل لمالك: متى يؤمر الصبيان بالصلاة؟ قال: إذا بلغوا الحلم، وهو أشدُّه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: أما الصوم فيؤمر به الصبي حين يُطيقه الصبي، وإن لم يحتلم. وكان عروة يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوها، وبالصوم إذا أطاقوه، حتى إذا بلغ الصبي أو الصبية أُكره على الصيام، فإن تأخَّر بهم الحيض والاحتلام، فإذا بلغا خمس عشرة سنة فإن جهل مولدهما فحتى يُنْبِتَا، فإن لم يُنْبِتَا حُمِلا على التقدير والتحري، إلاَّ أَنْ يُطيقاه قبل ذلك. قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب عن عبد الملك من خمس عشرة سنة قول ابن وهب، وأمَّا ابن القاسم وغيره، في تأخير الاحتلام والحيض، لا يُحْكَم له بُكْم البلوغ حتى يبلغ سبعة عشر سنة، أو ثمانية عشر سنة، وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر ابنَ خمس عشرة سنة في القتال، وقيل: ابن أربع عشرة سنة، ليس بدليل على حدِّ البلوغ؛ لأنه عليه السلام إنما نظر إليهم فمن رآه أنَّه أطاق القتال أجازه، ولم يكشف عن سنه، والإنبات أقوى في حد البلوغ، وما
جاء أَنْ يقتل من جرت عليه المواسي. قال يحيى بن عمر: الذي رأى أن كل ما كان حقا عليه يطلب به له فيه خصم، فيراعى فيه في حد البلوغ الإنبات؛ لأنه ينفي عن نفسه البلوغ، وأما ما يلزمه فيما بينه وبين الله فيقلد فيه فيما يذكر من بلوغه الحلم، والصبية الحيض، وقد قال بعض البغداديين من أصحابنا: إن المرأة إذا احتلمت وجب لها بذلك حكم البلوغ، وإن لم تحض. ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى سحنون، عن ابن القاسم، قال: ومن أسلم فعليه أَنْ يغتسل، فإن توضأ وصَلَّى ولم يغتسل أَعَادَ أبدا، إذا قد جامع أو كان جنبا. قال يحيى بن عمر: إن كان بلغ الحلم لزمه الغسل. قال ابن القاسم: فإن لم يجد الماء فتيمم أجزأه، فإن لم يرد الجنابة، لأنه تيمم للإسلام يريد به الطهر، فإذا اغتسل للإسلام أجزأه وإن لم ينو الجنابة. قال أصبغ: ومن أمسك شيئا من رقيق العجم، فليوقفه على التوحيد، والصَّلاَة وأوقاتها، والإحرام، والركوع، والسجود، والسلام، والوضوء، ويعلمهم القرآن، مثل السورتين والثلاثة، وليختن العبد ويخفض الأمة. قال أصبغ: ويدخله في للإسلام إذا ملكه، إن كان من غير أهل الكتاب، من المجوس والزنج والسودان والصقالبة وشبههم. وفي كتاب الصوم ذكر صوم
باب في مقادير الوقت، والنصراني يسلم، والمغمى عليه يفيق، والمرأة تحيض أو تطهر، والمسافر يظعن أو يقدم، كيف إن ذكر صلاة، هل هي أملك بالوقت
العجم المجوس، وشيء من ذكر صلاتهم. قال يحيى بن عمر، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى المغرب أربعا جاهلا من المسألة، ومن قرب عهده من الإسلام، فليعد أبدا. باب في مقادير الوقت، والنصراني يسلم، والمغمى عليه يفيق، والمرأة تحيض أو تطهر، والمسافر يظعن أو يقدم، وكيف إن ذكر صلاة، هل هي أملك بالوقت من (الْعُتْبِيَّة)، روى سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك، في النصراني يسلم، والمغمى عليه يفيق، قال في (كتاب آخر): والمجنون يفيق، والصبي يحتلم. قال في (الْعُتْبِيَّة): والحائض تطهر وقد بقي من النهار خمس ركعات، فليصلوا الظهر والعصر، وإن بقي من الليل أربع ركعات صلوا المغرب والعشاء، ولو بقي من النهار أربع فاقل إلى ركعة، صلوا العصر، أو من الليل ثلاث إلى ركعة، صلوا العشاء. وكذلك روى علي، عن مالك في (المَجْمُوعَة). وقال أشهب. وقال عبد الملك: إن كان لأربع من الليل فأقل، صلوا العشاء فقط، وإنما للمغرب من الوقت ما فوق أربع. قال سحنون: وأكثر أصحابنا على رواية علي عن مالك. قال أبو زيد، قال ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة): وإن طهرت في السفر لثلاث ركعات من الليل،
فليس عليها إلاَّ العشاء، ركعتين. وقاله أشهب. وقال ابن الحكم، وسحنون: تصلي المغرب والعشاء. قال سحنون: لأنها لو صَلَّتِ العشاء بقيت ركعة – يريد للمغرب – والوقت لآخر الصلاتين، وكذلك لو حاضت لهذا التقدير لم تقضهما. وروى سحنون مثل قوله هذا عن ابن القاسم، في (المَجْمُوعَة). قال سحنون: ومن سافر لثلاث ركعات من الليل فلم يصل صلاتي الليل فليصل المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين، ولو كانت امرأة مسافرة، فحاضت حينئذ، لم تقضهما، ولو حاضت بعد أن صَلَّتْ ركعة بسجدتيها من المغرب، لم تقضي إلاَّ المغرب. وقال ابن حبيب، في التي طهرت في السفر لثلاث ركعات من النهار، فلتصل الظهر والعصر، وإن كان لثلاث من الليل فلا تصلي إلاَّ العشاء ركعتين. وهو قول مطرف، وابن الماجشون وروايتهما عن مالك. وقال أصبغ: واختلف فيه قول ابن عبد الحكم. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون، عن ابن القاسم، في امرأة حاضت بركعة من النهار، ناسية للعصر، قال لا تقضيها. ولو كانت ناسية للظهر وقد صَلَّتِ العصر، فلا تقضي الظهر؛ لأنه وقتها. وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في التي تحيض لأربع ركعات من النهار- يريد: فأقل – إلى ركعة، ناسية للظهر، وقد صَلَّتِ العصر أو لم تصلها، قال: فإنها تقضي الظهر. ولو حاضت لخمس ركعات، لم تقض ظهرا ولا عصرا. ولو كانت إنما صَلَّتِ الظهر، فلا تقضي العصر، فإذا لم يبق أبدا إلاَّ قدر صلاة، فالوقت لآخر الصلاتين. وفي رواية عيسى عنه، في التي صَلَّتِ العصر، ونسيت الظهر، وحاضت لأربع
ركعات لا تقضي الظهر؛ لأنها حاضت في وقتها، كمسافر صَلَّى العصر ناسيا للظهر، ودخل لأربع ركعات، فليصل الظهر حضريا، وكذلك لو لم يتم وضوءه حتى غابت الشمس. وقال ابن حبيب في التي حاضت لركعة من النهار، ناسية للظهر، مصلية للعصر. قال، قال ابن القاسم، ومطرف وأصبغ: ذلك وقت للظهر، ولا تقضيها. وقال ابن الماجشون، وعبد الله: هو وقت للعصر، وتقضي الظهر، كصلاة خرج وقتها ولم تصلها حتى حاضت، وكذلك في التي تطهر أو تحيض، ومسافر يقدم أو يظعن، ومغمى عليه يفيق، ونصراني يسلم لمقدار صلاة من النهار، فهي العصر، صَلَّتِ الظهر أو نسيت. وأنا أحتاط، فأرى على المسافر يقدم لركعة، ناسيا للظهر، أَنْ يتمها، وأوجب على الحائض تحيض حينئذ قضاءها. ولو صَلَّى الظهر بثوب نجس، والعصر بثوب طاهر، ثم ذكر ذلك لركعة من النهار، لم يقض الظهر، في قول ابن الماجشون وعبد الله، وفي قول الآخرين يقضيها. وبه أقول. ولو طهرت حائض لأربع ركعات من النهار، ثم ذكرت صلاة نسيتها، فالوقت لما ذكرت عند ابن القاسم، ولا شيء عليها في غيرها. قال أصبغ: تصلي الفائتة، وتصلي العصر. وبه أقول. وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز، عن ابن القاسم فيها، وفي المغمى عليه يفيق. قال: ويبدءان بالفائتة، ثم يصليان هذه. ثم رجع ابن القاسم فقال: ليس عليهما غير الفائتة، ثم إن بقى من الوقت شيء كان للصلاة التي هما في وقتها، وإلاَّ فلا يقضياها. وقاله أصبغ. قال محمد: والأول أصوب، وأصل مالك في (موطئه)
في تقدير الوقت للحائض تطهر، ولمن أسلم أو أفاق من الإغماء، هل هو بعد الفراغ من الغسل أو الوضوء للمفيق، أو قبل، أو كان ثوب أحدهم نجسا، كيف إن قدروا فأخطأوا التقدير، أو تبينوا نجاسة الماء، أو انتقض وضوء المتوضئ
وأصحابه وأصحاب أصحابه، فِي مَنْ سافر لركعتين ناسيا للظهر والعصر، أنَّه يصلي الظهر أربعا، والعصر ركعتين. وعلى قول أصبغ: ينبغي أَنْ يكون وقت العصر بعد فراغه من الظهر، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر أربعا ويطرد هذا الأصل في القادم. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب: ومن ذكر الصبح لركعة من النهار، ولم يصل العصر، فليبدأ بالصبح. ومن (المَجْمُوعَة)، وقالوا - يريد: أصحاب مالك – في المفيق من الإغماء: لا يقضي إلاَّ ما أفاق في وقته. ولكن قال عبد الملك: وذلك إذا كان الإغماء يتصل بمرض قبله أو بعده متصلا، فأما صحيح يغمى عليه، أمر خفيف من الفجر إلى طلوع الشمس، ثم يفيق صحيحا، فلا نضع عنه الصَّلاَة. قال ابن القاسم، عن مالك: إذا دخلت مسافرة إلى الحضر لأربع ركعات، ناسية للظهر والعصر، فحاضت حينئذ، فلا تقضي إلاَّ الظهر، ولو كانت لخمس لم تقض ظهرا ولا عصرا، وكذلك لو خرجت لثلاث ركعات فحاضت حينئذ، لم تقضهما. في تقدير الوقت للحائض تطهر، ولمن أسلم أو أفاق من الإغماء، هل هو بعد الفراغ من الغسل او الوضوء للمفيق، أو قبل، أو كان ثوب أحدهم نجسا، وكيف إن قدروا فأخطأوا التقدير، أو تبينوا نجاسة الماء، أو انتفض وضوء المتوضئ من (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك: وإنما يلزم الحائض تطهر ما
أدركت وقته بعد فراغها من غسلها مجتهدة لغير توان، لا من وقت رأت الطهر. قاله ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة)، وغيرها. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، في (الواضحة). وقال سحنون، في (المَجْمُوعَة): إن فرطت، ثم أخذت في الغسل حتى غربت الشمس، أو طلعت، فلتنظر أن لو بدرت حين رأت الطهر مجتهدة، كم كان يبقى من الوقت، فتعمل على ذلك، وتقضي ما يلزمها فيه أبدا. قال سحنون في (الْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم: وكذلك المغمى عليه يفيق أيضا يراعي ما يبقى له من الوقت بعد وضوئه بغير تفريط، وأما النصراني يسلم فمن وقت أسلم استحسن ذلك فيه. قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون، ومطرف، وعبد الله: مراعاة الوقت في الذي أسلم أو أفاق، من وقت أسلم هذا، أو أفاق هذا. وقال ابن سحنون، عن أبيه: إن المراعاة في الحائض تطهر، والذي يسلم، والمفيق، سواء، ينظر إلى ما يبقى من ليل أو نهار بعد غسل المغتسل، ووضوء المتوضئ، لا ما قبل ذلك. قال أبو محمد وينبغي في الصبي يحتلم أَنْ يكون مثل قولهم في الحائض تطهر، ولم يختلف فيها. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون، قال ابن القاسم: فإن أحدثت الحائض بعد
غُسلها والمغمى بعد وضوئه، فتوضأ، فغربت الشمس، فليقضيا ما لزمهما قبل الحدث. وأما إن علما قبلَ الصَّلاةِ أن الماء الذي كان به الطهر أو الوضوء نجس، فلتعد هذه الغسل، وهذا الوضوء، بماء طاهر، ثم ينظر إلى ما بقي من الوقت بعد هذا الغسل والوضوء الثاني، فيعملان عليه، ولو لم يعلما حتى صليا، وغابت الشمس، لم يُعِيدا الصَّلاَة. وكذلك ذكره ابن حبيب، عن من ذكره من أصحاب مالك، وذكر ابن سحنون، عن أبيه، أنَّه ساوى بين الحدث ونجاسة الماء، وألزمهما ما لزمهما بعد الطهر والوضوء الأول. قال: لأن الماء النجس كان يجزئهما به الصَّلاَة إن خرج الوقت. قال أبو محمد: يريد نجسا لم يغير الماء. وقال ابن الماجشون، عن أبي زيد، عن ابن القاسم، إنه لم ير عليهما شيئا في القياس في نجاسة الماء والحدث، وإن أَعَادَتْ فهو أحوط. ثم رجع ففرق بينهما، كما ذكر عنه في (المُسْتَخْرَجَة). ومن (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك، في مسافرة طهرت، وليس معها ما إلاَّ ثياب نجسة من الدم، فإن غسلتها خرج الوقت. قال: إن شكت نضحتها وصَلَّتْ، وإن أيقنت صَلَّتْ بها ولم تغسلها. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب، في الحائض يتم طهرها لثلاث ركعات من النهار، ثم علمت بنجاسة الماء. قال أبو محمد: يريد نجاسة لم تغيره. قال: فإن كانت إذا أَعَادَتِ الغسل غربت الشمس، فلتصل بذلك الماء في الوَقْتِ أَحَبُّ إليَّ من صلاتها بماء طاهر بعد الوقت. قال في (المَجْمُوعَة): ثم تتطهر وتُعِيدُ الصَّلاَة احتياطا.
قال أشهب، في (الْعُتْبِيَّة): وإن قدرت بعد تطهرها خمس ركعات، فلما صَلَّتِ الظهر غربت الشمس، فلتصل العصر. ولو قدرت أربعا، فصلت العصر، ثم بقي من النهار بقية، فلتصل الظهر فقط، إلاَّ أَنْ يبقى من النهار بعدها ركعة فأكثر، فلتعد العصر. قال عيسى، قال ابن القاسم: وإن قدرت خمس ركعات، فلما صَلَّتْ ركعة غربت الشمس، فلتضف إليها أخرى، وتسلم، وتصلي العصر. وكذلك لو صَلَّتْ ثلاث ركعات، ثم غربت الشمس. لأضافت رابعة، فتكون نافلة، وتصلي العصر. قال ابن الْمَوَّاز، قال أصبغ: ولو قطعت في الوجهين كان واسعا. قال ابن الْمَوَّاز، قال مالك: وإن قدرت أربع ركعات، فصلت العصر، وبقى قدر ركعة، فلتصل الظهر والعصر، كما كان لزمها. وكذلك ابن حبيب. وقال: وابن القاسم يقول: لا تُعِيدُ العصر. قال ابن الْمَوَّاز: إنما تُعِيدُ العصر إذا علمت قبل أن تسلم من العصر أن لا يبقى قدر ركعة، فإن لم تعلم حتى سلمت، فلا تعيدها. ومن (المَجْمُوعَة)، ابن القاسم، عن مالك: وإذا تطهرت قبل الغروب، فلما صَلَّتِ الظهر غربت الشمس، فلتصل العصر. قال أشهب: وكذلك النصراني، والمغمى عليه يفيق، والحائض تطهر، لأربع ركعات من الليل، فيلزمهم الصلاتان، فقبل تمام المغرب طلع الفجر، فليقطع، ويصلي العشاء، التي كانت لزمته. وكذلك في صلاة النهار. قال أبو محمد: وقد ذكرنا قوله: إن قدرت أربعا فكانت أكثر.
في من قدم أو ظعن وعليه صلاتا يومه، أو إحداهما، وكيف إن ذكر صلاة فائتة، أو صلى بثوب نجس ما فات، أو لم يفت، والوقت في ذلك، وفيما يعيد بعد قضاء الفائتة، وكيف إن ذكر سجدة
فِي مَنْ قدم أو ظعن وعليه صلاتا يومه، أو إحداهما، وكيف إن ذكر صلاة فائتة، أو صَلَّى بثوب نجس ما فات، أولم يفت، والوقت في ذلك، وفيما يُعِيد بعد قضاء الفائتة، وكيف إن ذكر سجدة من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ دخل من سفره لخمس ركعات من النهار ناسيًا للظهر والعصر: فليُصليهما حضريَّيْن فإن دخل لأربع صَلَّى الظهر سَفَريَّة، والعصر حضريَّة، ولو كان صَلَّى العصر ونسي الظهر، فذلك وقتٌ للظهر فليصلها حضريَّة، ثم إن بقي ركعة أو أكثر أَعَادَ العصر حضرية. ولو خرج لثلاث ناسيًا لهما صلاهما سفريتين، فإن كان لركعة أو ركعتين صَلَّى الظهر حضريًّا والعصر سفريًّا. ولو كان صَلَّى العصر دون الظهر ثم خرج لركعة صَلَّى الظهر سفريَّة ولا يُعيد العصر، إلاَّ أَنْ يبقى من النهار ركعة فيُعِيدها سفرية. وكذلك في صلاتي الليل في الدخول والخروج، في نسيان الصلاتين أو أحدهما، ولو أن الداخل لركعة ناسيا للظهر مصليًّا للعصر اشتغل بوضوء أو بغُسل حتى غربت الشمس، فليصل الظهر حضرية، كما لزمته. وكذلك يعتبر مثل هذا في الخروج. وذكر ابن الْمَوَّاز مثله في الذي يدخل لأربعة أو يخرج لركعتين ناسيًا للظهر، مصليًّا للعصر أن الوقت للفائتة. وإلى هذا رجع ابن القاسم. وقاله أصبغ وجماعتُهم، إلاَّ ابن عبد الحكم، فقال: يصلي الداخل الظهر سفريًّا والعصر حضريًّا
ويصلى الخارج الظهر حضريًّا والعصر سفريًّا. قال ابن الْمَوَّاز: ولو تعمَّد الخارج تَرْكَ الصَّلاَة حتى غابت الشمس أو يشغله بوضوء أو بغُسل، فصلى بعد غروب الشمس فذكر قبل يُسَلِّم منها سجدة من العصر. قال: ذلك سواء ذكرها قبل يُسَلِّم أو بعد أن سلَّم، صلاها قبل الغروب أو بعده، فلا بد أَنْ يُعِيدَ الظهر حضرية، والعصر سفرية. ولو نابه هذا يوم دخوله وقد دخل لما ذكرنا لم يُعِدْ إلاَّ العصر؛ لأن الظهر التب تمَّ وقد لزمته سفرية، قد أخرته إذا لم يبق لها وقت تعاد فيه، وهو وإن ذكر ذلك قبل يُسَلِّم فإنما ذكر فيها صلاة بعدها لا صلاة قبلها. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ ذكر صلاة فائتة قد صَلَّى بعدها صلوات: فليقضها، وما كان في وقته مما صَلَّى بعدها، والوقت في ذلك إلى غروب الشمس وطلوع الفجر، بخلاف المصلي بثوب نجس ومخطئ القبلة، جُعل وقت هذين في النهار صُفرة الشمس، وروي عن مالك إلى الغروب، وقال عليٌّ، عن مالك: إن صَلَّى الظهر بثوب نجس ثم ذكر بعد أن صَلَّى العصر، فإن اصفرَّت الشمس أَعَادَ الظهر، ولم يُعِدِ العصر، وإن لم تصفرَّ، أَعَادَ الظهر والعصر. قال سحنون: جعل الوقت في الثوب النجس غروب الشمس. وقال عبد الملك: إن بقي من النهار خمس ركعات أعادهما. وكذلك في صلاة الليل. فإن لم يبق من الليل إلاَّ أربعٌ ومن النهار إلاَّ أربع لم يُعِدْ شيئًا؛ لأن وقت الطهر التي صَلَّى بثوب نجس قد خرج، وهذا وقت للآخرة.
في الإمامة، ومن هو أحق بها
وفي رواية عليٍّ: يصلي المغرب ثلاثًا، ويُبقي ركعة للعشاء، فيُعِيدها. وقاله سحنون. قال عبد الملك وسحنون: فإن سافر لأربع ركعات، ولم يصلِّ الظهر ولا العصر وذكر ظهر أمس، فقد لزمه صلاتا اليوم سفريتين، ويبدأ بظهر أمس. وكذلك لو دخل هذه الخمس ليبدأ بها وصَلَّى صلاتي يومه حضريتين. ولو دخل لأربع، صَلَّى الظهر سفريًّا والعصر حضريًّا بعد قضاء الفائتة. وإن خرج لأربع وقد صَلَّى الظهر والعصر بثوب نجس فليعدهما سفريتين. ولو خرج لركعتين لم يُعِدْ إلاَّ العصر، فإن ذكر مع ذلك ظهر أمس، وقد خرج لأربع فليصل ظهر أمس في هذه الأربع، ولا يُعِيدهما إذا لم يبق وقت يُعِيدهما أو أحدهما فيه. وكذلك في صلاتي الليل اغترق الوقت الصَّلاَة التي ذكر قبلهما. وفي الجزء الثالث في أبواب صلاة المسافر بابٌ يقرُب معنان من معاني هذا الباب. في الإمامة ومن هو أحق بها من الواضحة قال ابن حبيب: ومعنى ما روي أَنْ يؤمَّ القوم
أقرؤهم، أن من سلف كانوا يجمعهم صلاح الحال والمعرفة، فكان حفظ القرآن مزيد فضل، ثم كثر في الناس حفظ حروفه وتضييع العمل والعلم، فأحقُّهم اليوم بالإمامة أحسنهم حالاً، وأفضلهم معرفة بدينه. قال مالك: يؤمُّهم أعلمهم، فإذا كانت حاله حسنة وللسِّنِّ حقٌّ. قال ابن حبيب: ولا يكون عالمًا حتى يكون قارئًا، فإن استووا فأسنُّهم. قال غير ابن حبيب: كان الصحابة أكثرهم قرآنًا هو أفقههم؛ لأنهم كانوا يُعَلَّمونه بتفسيره، فأما اليوم فقد يقرأ من لا يفقه. قال علي بن زيادة عن مالك في المَجْمُوعَة: أحقُّهم أكبرهم سنًّا، وأعلمهم بسُنَّة الصَّلاَة. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: إن أفقههم أحقُّ من أقرئهم ومن أسنِّهم. قال في المختصر: يؤمُّهم أفقههم، وأفقههم أولى من أقرئهم. قال فيه وفي الْعُتْبِيَّة من رواية ابن القاسم: وصاحب المنزل أولى. قال عنه أشهب: وإن كان عبدًا. قال بعض أصحابنا: وإن كانت امرأة، فلها أن تُوَلِّي رجلاً يؤمُّ في منزلها. قال ابن حبيب: وأَحَبُّ إليَّ لصاحب المنزل إن حضر من هو أعلم منه
وأعدل أَنْ يقدِّمه. وأهل كل مسجد أحقُّ بإمامته ممن غشيهم، إلاَّ أَنْ يحضرهم الوالي. ويُكْرَه للرجل أَنْ يؤمَّ قومًا وهم له كارهون أو أكبرهم أو ذو النُّهى والفضل منهم وإن قَلُّوا. قال مالك: إذا خاف أَنْ يكون منهم من يكرهه، فليستأذنهم. وكذلك في الْعُتْبِيَّة من رواية أشهب عن مالك. قال ابن حبيب: ويُكره إمامة الَّحَّان إذا كان فيهم من هو أصوب قراءة منه، فإن لم يكن فيهم مَرْضِيُّ الحال، فالَّحَّان والألْكَنُ والأُمِّيُّ الذي معه من القرآن ما يُغْنِه في صلاته أولى من قارئ لا يُرْضَى حاله. قال أبو محمد: قال لنا أبو بكر بن محمد: من صَلَّى خلف من يلحن في أمِّ القرآن فليعد. يريد: إلاَّ أَنْ يستوي حالهم في ذلك. ومن المَجْمُوعَة عن مالك: لا بأس بإمامة الألكن، إذا كان عدلاً. قال ابن القاسم في (كتاب ابن الْمَوَّاز): وإذا صَلَّى من يُحسن القرآن خلف من لا يُحسنه أَعَادَ الإمام والمأموم. قال أبو محمد: لأن الإمام وجد قارئًا يأتَمُّ به. وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة: إن صَلَّى القارئ خلف من لا يُحسن القرآن لم يُجِزه. قال سحنون: فإن ائتمَّ به أُمِّيُّون مثله، فصلاتهم تامَّةٌ. وقال ابن سحنون، عن
في من لا يجوز أن يؤم، ومن يكره إمامته
أبيه: وهذا إذا لم يجدوا من يصلون خلفه ممن يقرأ، وخافوا ذهاب الوقت، فأما إن وجدوا فصلاته فاسدة. وقال نحوه ابن حبيب. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عن ابن القاسم في إمام أحدث، فقدَّم أمِّيًّا لا يُحسن القرآن: فليُقدِّمْ غيره. فإن تمادى وصَلَّى بهم بغير قراءة، أعادوا الصَّلاَة. قال عليٌّ، عن مالك في المَجْمُوعَة: لا يؤمُّ العبد الأحرار، إلاَّ أَنْ يكون يقرأ وهم لا يقرأون، ليؤمَّهم في المكان الذي يحتاجون فيه إليه، ولا يؤمُّ في عيد، ولا جمعة. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: ولا أرى للرجل أَنْ يؤمَّ عمَّه وإن كان أصغر منه؛ لأنه كالوالد. قال إبراهيم: إلاَّ أَنْ يُقدِّمَه. قال سحنون: وذلك إذا كان مثل ابن أخيه في العلم والفضل. في من لا يجوز أَنْ يؤمَّ، ومن يُكْرَهُ إمامَتُه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ، فَانْظُرُوا بِمَنْ تَسْتَشْفِعُونَ». فينبغي اختيار أهل الفضل في الإمامة. قال ابن حبيب: ولا ينبغي أَنْ يأتمَّ بمن لا يعرفه، إلاَّ إمام راتب في المسجد، فلتأتمَّ به حتى تعلم منه م لا يُرضى. ومن بمسجده إمام لا يُرضَى فلينتقل إلى مسجد آخر، فإن بَعُدَ عنه فليُصَلِّ بمسجده ويُعِيد، ولا يَدَع الجماعة. قوله: ويُعِيد. يعني على الاستحباب. قال: وقاله كلَّه مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. قال: ولا يُؤْتَمُّ
بمن لا يُتِمُّ ركوعه ولا سجوده، ولا خلف من عُرِفَ بالجهالة بالصلاة والوضوء، ولا خلف من يعرف بمنع الزكاة، أو شرب الخمر، أو الفسق، أو مقيم على شيء من معاصي الله سبحانه، مصرا، وإنه ليكره أَنْ يكون بين يديه في الصف المخمور والمأبون، والفاسق، فكيف بإمام الصَّلاَة. ومن ائتم بمن لا يقيم ركوعه وسجوده فليتم هو بعده، ويتمكن، ولا يعود يأتم به. ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع أشهب: ومن صَلَّى خلف سكران، أَعَادَ. وأما من وجد منه ريح نبيذ، فلا يُعِيد من صَلَّى خلفه، ولعله نبيذ لا بأس به. وقاله ابن حبيب، عن مالك، وزاد عنه: فإن لم ينكر من عقله وصلاته شيئا، فلا يُعِيد، ولعله شراب يحل، إذا لم يعرف بشرب المسكر. قال مالك، في (كتاب ابن الْمَوَّاز): إن أتم بهم السكران الركوع والسجود والقراءة، فصلاتهم باطلة، ولو لم يكن سكران، ولكن الخمر في فيه، وفي جوفه، فليُعِيدوا أبدا. وكذلك روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في (الْعُتْبِيَّة)، قال: وأما عاصر الخمر فلا يصلي خلفه، فإن فعل لم يعد. وكذلك ذكر ابن حبيب في شاربها، كما ذكر ابن الْمَوَّاز في شاربها، وقال: إلاَّ أَنْ يكون هو الإمام الذي تؤدي إليه الطاعة، فلا يُعِيدوا، إلاَّ أَنْ يكون في حال صلاته بهم سكران، فلا يجزئهم. ومن (المَجْمُوعَة)، قال سحنون: ولا ينبغي للقوم أَنْ يأتموا بشارب الخمر، وبائعها، ولا بالعامل بالربا، أو العامل عمل قوم لوط، وليزيلوه إن قدروا. قال ابن القاسم: قال مالك، وَلا بَأْسَ بإمامة المحدود، إن صلحت حاله،
وكذلك ولد الزنا ما لم يكن راتبا. وكذلك قال في (المختصر)، فيه وفي المحدود. قال ابن القاسم في (الْعُتْبِيَّة): ولا يؤم الأغلف والمعتوه. قال سحنون: فإن أمهم الأغلف أجزأهم، ويُعِيدون في المعتوه. ومن (الواضحة)، قال مالك: من ترك الاختتان من غير عذر، لم تجز إمامته ولا شهادته، وإن كان من عذر، فتجوز في الوجهين. ولا تجوز إمامة القاتل عمدا بتاتا، وإن تاب، بخلاف المحدود إذا صلحت حاله، وأجاز ابن الماجشون إمامة الخصي راتبا، في الجمعة وغيرها، وعنده كالأقطع والأعمى. وتجوز عنده إمامة العبد راتبا، إلاَّ في الجمعة، إذ ليست عليه. وإنما كره مالك إمامتهما راتبين استحسانا، ونحا بالخصي ناحية التأنيث. قال ابن نافع عن مالك في (المَجْمُوعَة): لا أرى أَنْ يؤم الخصي، وليس بالإمام التام. ومن (كتاب ابن سحنون): وإذا ائتموا بخنثي، فإن حكم له بحكم الرجال أجزأهم، وإن حكم له بحكم النساء أعادوا أبدا. قال مالك، في (المختصر) وغيره: ولا يؤم المرأة رجالا ولا نساء، في مكتوبة ولا نافلة. قال ابن حبيب: ومن صَلَّى خلف امرأة أو صبي، أَعَادَ أبدا. قال النخعي، في (المدونة): لا تؤم المرأة في الفريضة. ومن (المختصر)، ولا يؤم صبي لم يحتلم في مكتوبة، وَلا بَأْسَ به في قيام رمضان في البيوت للنساء. قيل له: فللنساء في قيام رمضان؟ قال أنس: يفعلن.
وكذلك روى أشهب عنه. ولو قدَّموا المحتلم والعبد روى أشهب عنه في الْعُتْبِيَّة قال: ولو قدَّموا المحتلم والعبد كان أحب إلي. قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الصبي الناس في النوافل خاصة، وفي قيام رمضان. ولم يُجِزه في المدونة. قال أشهب في الْعُتْبِيَّة: وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الصبيان في المكتَبِ واحدٌ منهم. ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: لا بأس أَنْ يؤم العبد في رمضان في أهله، وقد فعلتْه عائشة رضي الله عنها. فأما في المساجد الجامعة فلا. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك: لا يؤمُّ العبد الأحرار، إلاَّ أَنْ يكون يقرأ، وهم لا يقرأون، فليؤمَّهم في المكان الذي يحتاجون إليه، ولا يؤمُّ في عيد ولا جمعة. وقال أشهب: والأعمى أجوز عندي أذانًا وإقامة وإمامة من العبد، إذا سُدِّدَ للوقت والقِبلة، ثم العبد إذا كان رِضًى، ثم الأعرابي إن كان رِضًى، ثم ولدُ الزِّنَى، كل ذلك جائز لا بأس به مؤذِّنٌ وإمامٌ.
ومن الواضحة: وَلا بَأْسَ بإمامة الأقطع والأعمى وذي العيب في بدنه، ما لم يكن العيب في دينه. ومن الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، قال: لا أرى أَنْ يؤمَّ الأقطع وإن حَسُنَتْ حاله، ولا الأشلُّ إذا لم يقدر أن يضع يديه بالأرض. ومن المختصر، قال: ولا يؤمُّ الأعرابي حضريِّين، ولا المتيمِّم المتوضِّئين، فإن فعلوا أجزأهم. قال ابن حبيب: وإنما نهى مالك عن إمامة الأعرابي وإن كان أقرأهم لجهله لسُنَّة الصَّلاَة. قال أبو المصعب: فإن أَمَّ الصبيُّ أو الأعرابي أو العبد مضت صلاة من ائتمَّ بهم إلاَّ العبد في الجمعة والعيدين، فلا يُجْزِئ. وقال سفيان الثوري: ويؤمُّ الأعرابي إن كان أقرأهم، ويؤمُّ وَلَدُ الزنى. وقال ابن مُزَيْن، عن عيسى بن دينار: إنما كُرِه وَلَدُ الزنى لئلاَّ يُؤْذَى بذلك. وقال عيسى بن دينار: وَلا بَأْسَ بإمامته، إنما عيوب الناس في أديانهم، وكذلك الأقطع والأشهل والأعمى. قال مالك في المختصر: وَلا بَأْسَ بإمامة المجنون في حين إفاقته، وإمامة الألكن إذا كان عدلاً. وَلا بَأْسَ أَنْ يأْتمَّ الإمام –يعني الأميرَ- ببعض أصحابه. وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الرَّجُل نساء، لا رجل معهُنَّ. قال ابن نافع عن مالك في المَجْمُوعَة: إن كان رجلاً صالحًا. قال موسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: ومن صَلَّى برجل عن يمينه،
في الصلاة خلف أهل البدع، ومن لا يرضى حاله من الولاة، وفي من ائتم بنصراني، ولم يعلم
ونساء خلفه فأحدث فاستخلفه، فليُتمَّ بالنساء. وكذلك إن لم يستخلفه، ونوى أَنْ يؤمَّهم. ومَنْ أَمَّ نساء، فمنهنَّ عن يمينه وعن يساره وخلفه وأمامه، فقد أساء وصلاتهم مُجْزِئةٌ. قال ابن سحنون في المستنْكَح، ومن به قَرْح سائل، فليُؤْتَمَّ بغيره أحسن، فإن صَلَّى بهم أجزأهم، كان يتوضَّأ المستنكح لكل صلاة أم لا. قال محمد بن مسلمة: لا أكره إمامة المتيمِّم لمتوضِّئين؛ لأنه عمل ما أمره الله به. وخالف مالكًا في ذلك، فقال: إلاَّ أَنْ يكون في بدنه نجاسة، فأحبُّ إلي ها هنا أَنْ يؤمَّ غيره، يصير مثل صاحب القروح والمستنكَح. وقال سحنون عن أشهب فِي مَنْ صَلَّى خلف من لا يرى الوضوء من مَسِّ الذَّكَر، قال: لا شيء عليه. وإن صَلَّى خلف من لا يرى الوضوء من القُبلة، فليُعِد ابدًا. قال سحنون: يُعيد فيهما، وليس أبدًا، ولكن بحِدثان ذلك. في الصَّلاَة خلف أهل البدع، ومن لا يُرضى حاله من الولاة، وفِي مَنِ ائتمَّ بنصراني، ولم يعلم من الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: ولا أحب الصَّلاَة خلف
الإباضية والواصلية، ولا السُّكنى معهم في بلد. قال عنه ابن نافع: وإذا كان المسجد إمامه قدريٌّ، فلا بأس أَنْ يتقدَّمَه إلى غيره، فإن غشيه في مَحِلِّه، فلا أحب أَنْ يصلي خلفه. ومن الواضحة: ومن صَلَّى خلف أحد من أهل الأهواء أَعَادَ أبدًا، إلاَّ أَنْ يكون هو الوالي –الذي تؤدَّى إليه الطاعة، أو قاضيه، أو خليفته على الصَّلاَة، أو صاحب شُرْطته – فيجوز أَنْ يصلي خلفهم الجمعة وغيرها، ومن أَعَادَ في الوَقْتِ منهم فحَسَنٌ، ومَنْعُ الصَّلاَة خلفهم داعية إلى الخروج من طاعتهم، وسبب إلى الدماء والفتنة. قال: وقد صَلَّى ابن عمر خلف الحجَّاج، وخلف نجدة الحروري حين وادع ابن الزبير. قال: وإن كان الوالي يُضَيِّعُ الصَّلاَة حتى يفوت الوقت فليصلوا في الوَقْتِ، وتكون صلاتهم معه نافلة كما جاء في الحديث، وكما فعل التابعون خلف الوليد. وعن بلغت بهم المخافة في صلاتهم
وجه العمل في الإمامة للإمام والمأموم
إياها في وقتها كانوا كخائف من عدوّ أظلَّه، أو سبع جاوره، ولا يقدر أَنْ يركع قائمًا، أو يسجد خيفة أَنْ يَفْجأه، فأجاز له العلماء الصَّلاَة إيماء، فكذلك هؤلاء يومِئون برءوسهم مستخفين من الظَّلَمة وأعوانهم، وكان مكحول وغيره يفعله مع الوليد يومئون بصلاة الظهر إيماء. قال: ومَنْ أَمَّ قومًا في سفر، ثم علموا أنَّه نصراني، فليُعيدوا أبدًا، وإن ظُفِر به استُتيب كالمُرْتدِّ، فإن تاب وإلاَّ قُتِل. قال مطرف وابن الماجشون. وجعل ذلك منه إسلامًا. ولا حُجَّة له إن قال: لم أُرِدْ به الإسلام، وفعلته عبثًا ومجونًا. ومن الْعُتْبِيَّة في كتاب المحاربين: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن مالك، أنَّه قال: يُعيدون أبدًا. قيل له: أفَيُقْتل بما أظهر من الإسلام بصلاته؟ قال: لا أرى ذلك عليه. قال سحنون: إن كان في موضع يُخاف فيه على نفسه، فدارى بذلك عن نفسه وماله، لم يُعْرَضْ له، وأَعَادَ القوم الصَّلاَة، وإن كان في موضع هو فيه آمن، فليُعرض عليه الإسلام، فإن أسلم فلا إعادة على القوم، وإن لم يُسلم قُتِل، وأعادوا الصَّلاَة. وفي كتاب ابن سحنون، قال المغيرة: إذا صَلَّى بهم ولم يعلموا أعادوا أبدًا، وعُوقب النصراني. وجه العمل في الإمامة للإمام والمأموم ومن كتاب ابن حبيب: وينبغي للإمام أَنْ يُخَفِّف بالناس، وليكن ركوعه وسجوده وَسَطًا. وكان عمر بن عبد العزيز يُتِمُّهما، ويُخَفِّف الجلوس والقيام. قال مالك فيه وفي المختصر: ولا يَؤُمُّ إلاَّ برداء، إلاَّ من ضرورة. قال ابن
حبيب: إذا كان في المسجد، وإما في السفر أو في داره، فهو خفيف. ويُكْرَه أَنْ يصلي في المسجد بغير رداء أو يمشي فيه منفصلاً بغير رداء. قال في المختصر: وأُحِبُّ للذي عليه القوس والسيف أَنْ يَطْرح على عاتقه عند الصَّلاَة عمامة. وروى موسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة في إمام الحرس: لا يعجبني أَنْ يصلي بهم بالسبف بلا رداء، وليجعلْ على عاتقه عمامة. قال عليٌّ: قال مالك في المَجْمُوعَة: لا بأس أَنْ يؤمَّ بغير إزار، إذا كان عليه رداء. وقال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: لا بأس أَنْ يؤمَّ في السفر بغير رداء ولا عمامة. قال ابن حبيب: وينبغي للنَّفر تحضرهم الصَّلاَة أَنْ يصلوا بإمامة أحدهم، ولا يُصلُّون أفذاذًا. وقد جاء النهي عن ذلك. وكذلك إن كانا رجلين فليؤمَّ أحدُهما، ويقف عن يمينه مستويًا معه، وإن كانا رجلين وصبيًا ممن يعقل أو يثبُتُ، كان هو والرَّجُل خلف الإمام، وإن كان لا يثبت كان الرَّجُل على يمين الإمام، ولا يُلتفت إلى الصبي. وإن كان معهم امرأة والصبي ممن يثبت كان الرَّجُل والصبي وراءه، والمرأة من ورائهما، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى وراءه أَنَسٌ واليتيم والعجوز من ورائهما.
قال أشهب في المَجْمُوعَة: ومن أَمَّ رجلاً، فقام في موضع المأموم فقد أخطأ، ولا شيء عليه. قال ابن حبيب: وينبغي إذا سلَّمَ الإمام أَنْ يقوم ولا يثْبُتُ، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يتنفَّل في مُقامه حتى يتنحَّى يمينًا أو شمالاً، وذلك في مساجد العشائر، فأما من صَلَّى بأصحابه في داره، أو فنائه، أو في سفر، فليس ذلك عليه. قاله مطرف عن مالك. وكذلك روى عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة، أنَّه إذا كان في مَحَلِّه، أو في سفر، فله أَنْ ينحرف ولا يقوم. وقال: من صَلَّى وحده فله أَنْ يفعله في مكانه بعد السلام. وروى موسى عن ابن القاسم أن الإمام إذا سلَّمَ فواسعٌ أَنْ يتنفَّل في مكانه، أو يتنحَّى شيئًا، ولكن ليَقُمْ ولا يجلس. قال مالك في سماع ابن القاسم: وذلك في مساجد الجماعات. قال ابن حبيب: وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ بالنفر في النافلة في الصَّلاَة الضُّحى وغيرها، في الأمر الخاصِّ، فأما أَنْ يكون كثيرًا مشتَهرًا فلا. قاله مالك. قال مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يَخُصَّ الإمام نفسه بالدُّعاء دون من خلفه، وأحبُّ إلينا أَنْ يُدْخِلهم في دُعائه. قال ابن حبيب: وَلا بَأْسَ على المرضى والضعفاء والمِيد في السفينة، لا يقدرون
في اتصال الصفوف، وسد الفرج، وذكر الصف الأول، وذكر صفوف النساء، كيف إن صلين بين الرجال، وفي الصلاة بين يدي الإمام، وصلاته أرفع من أصحابه
على القيام، أَنْ يؤمَّهم أحدهم؛ لأن حالتهم استوت. قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وقد ذكرنا هذا وزيادة فيه في الجزء الأول في باب صلاة المريض. ومن عَرَضَ له وهو إمام ما منعه القيام فليستخلف ويرجع إلى الصفِّ، فإن جَهِل، فصلى بهم جالسًا وهم قيامٌ فلاته تامَّة ويُعيد مَنْ خلفه أبدًا. قاله مالك. ومن أَمَّ قومًا في سفر فرأى قومًا أمامه يصلي بهم رجل فجهل فصلى بصلاتهم، فصلاته تُجْزِئه، ويُعِيد مَنْ خلفه أبدًا. وقاله ابن القاسم، وغيره من أصحاب مالك. ولا ينبغي للإمام إذا أحسَّ أحدًا يدخل المسجد وهو راكع أَنْ يُطيلَ في ركوعه. قال النخعيُّ: مَنْ وراءه أعظم حقًّا عليه ممن يأتي. في اتصال الصفوف، وسدِّ الفرج، وذكر الصف الأول، وذكر صفوف النساء، وكيف إن صلَّيْن بين الرجال، وفي الصَّلاَة بين يدي الإمام، وصلاته أرفع من أصحابه من الواضحة قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أَنْ يُحْرِمَ: «اعْتَدِلُوا، وَتَرَاصُّوا». وكان عمر يقول: استَوُوا، استووا. فإذا استوتِ الصفوف،
وأُخْبِرَ بذلك كَبَّر. قال: وكان أمير المدينة يُعاقب في ذلك مَنْ خرج عن الصفِّ. قال: ومعنى قول مالك: لا بأس بالصفوف بين الأساطين. أنَّه لم يُرِدْ بذلك من يقطع الصفوف، والذي نُهِيَ عنه. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم عن مالك: ومن ضاق به الصفُّ في التشهُّد فلا بأس أَنْ يَخْرُج منه أمامه. قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة: أو خلفه. وقد فعله بعض العلماء. قال عنه ابن حبيب: ولا يفعله لغير عذر. قال ابن حبيب: فإن فعله لغير عذر، أساء ولا شيء عليه. وقد روى عنه ابن وهب أنَّه يُعيد. قال ابن حبيب: ولا أرى ذلك. قال عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة، في الذي يرى خللاً في الصفِّ، فليسُدَّه إن لم يُضَيِّقْ على أَحَد، أو يؤذيه لشدَّة الحرِّ، فرُبَّ خلل بين قائمين يسُدَّنه إذا جلسَا. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: وَلا بَأْسَ أَنْ يَخْرِق صفًّا إلى فرجة يراها في صفٍّ آخر. قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: إذا رأى فرجة بين صفَّين أو ثلاثة فإن كانت وِجاهه فليمضِ إليها. قال ابن حبيب: وإن كانت عن يمينه أو يساره في أمامه فليدَعْها. قال عنه ابن القاسم: ومَنْ رفع رأسه من الركوع فرأى فرجة في الصفِّ، فإن كان قريبًا منه تقدَّم إليها. قال ابن حبيب وإن بَعُدَتْ صبر حتى يسجد ويقوم.
قال ابن القاسم عن مالك في المَجْمُوعَة: ومن دخل المسجد فرأى فُرَجًا في الصفوف فليذهب إلى آخرها. قال ابن حبيب: أدناها إلى الإمام. وكان مالك يكره تقطُّع الصفوف. قيل لمالك: فمن لم يجد مدخلاً في الصفِّ، أيجذب إلى نفسه رَجُلاً؟ قال: لا، وليقلْ وحده. ثم قال: أيطيعه ذلك الرَّجُل، إذًا هو خاسر. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن رأى رجلاً خارجًا عن الصف فلا بأس أَنْ يُشير إليه أَنْ يستوي، إن كان بجنبه، وأما اعوجاج الصفِّ فلا يشتغل به عن صلاته. ولا بأس على أهل الخيل أَنْ يُصلُّوا بإمام متباعدين، لحِصَانَةِ خيلهم. قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة: وهو أَحَبُّ إليَّ من صلاتهم أفذاذًا. قال عنه ابن القاسم: وَلا بَأْسَ أَنْ يصلي في السقائف بمكة وبينه وبين الناس فُرَجٌ، والفضل لمن قوي أَنْ يتقدَّم، وقد سجد عمرُ على ثوبه لشدَّة الحرِّ، وكذلك في صلاة الناس بالمدينة في الشقِّ الأيمن من الشمس. قال ابن حبيب: وأرْخص مالك للعالِم مجلسُه في مؤَخَّر المسجد أو وسَطه أَنْ يُصلي بموضعه مع أصحابه، وإن بَعُدَت الصفوف عنهم، ما لم يكن فيه خروج أو تفرُّق، فلينضزُّوا إليها يسُدُّونها. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يكون بين الناس وبين إمامهم نهر صغير أو طريق. قال أشهب: إلاَّ الطريق العريض جدًّا حتى
يكون كأنه ليس مع الإمام، فهذا لا تُجْزِسُه صلاته، إلاَّ أَنْ يكون في الطريق قوم يُصلُّون بصلاة الإمام صفوفًا مُتَّصلة، فصلاته تامَّة. قال عنه ابن القاسم: وإذا جمع قوم في سفر فلا بأس أَنْ يصلي النساء بصلاتهم في فساطيطهنَّ. ومن الواضحة وغيرها، قيل لمالك في الصفِّ الأول: هل هو خارج من المقصورة؟ قال: إن كانت تُفْتَح أحيانًا وحينًا تُغلق. وقال في غير الواضحة: إن لم تُدْخلْ إلاَّ بإذن. قال في الكتابين: فالصفُّ الأول من خارجها، وإن كانت مباحة فهو داخلها، يلي الإمام. وذَكَرَ نحوه في المَجْمُوعَة. قال عنه ابن وهب: وَلا بَأْسَ بالصلاة في المقصورة. قال ابن حبيب: وروي أن أفضل صفوف الرجال أولها، وأفضل صفوف النساء آخرها. وينبغي أَنْ يكون صفوف النساء خلف صفوف الرجال. ومن الْعُتْبِيَّة روى موسى عن ابن القاسم قال: قال مالك: وإن صَلَّى رجل خلف النساء أو امرأة خلف الرجال كَرِهْتُه، ولا تفسد صلاة أحد منهم.
ومن المَجْمُوعَة ابن القاسم عن مالك: ومن أتى المسجد وقد امتلأ المسجد بالرجال، ورِحابُه بالنساء، فصلى خلف النساء فصلاته تامَّة. قال أشهب: وإذا صَلَّى الإمام بمكة، فقامت امرأة بحذائه حول الكعبة، فقد أساءت، وأساء من تركها، وصلاتهم تامَّة. وإن صفَّ نساء وراء الإمام، ومِنْ ورائهم صفَّ رجالٌ، فقد أساءوا وصلاتهم تامَّة. ولو قام صفُّ نساء قِبالة صفِّ الإمام حول الكعبة من الجانب الآخر فلا بأس به، إنْ لم يكُنْ وراءهنَّ صفٌّ، أو بإزائهنَّ قريب منهنَّ، وإن كنتُ أُحِبُّ أن لا يكون لهنَّ صفٌّ إلاَّ من وراء الرجال. ومن الْعُتْبِيَّة روى أشهب عن مالك فِي مَنْ أتى مسجدًا مغلقًا قد امتلأ، فله أَنْ يصلي أسفل في الفضاء خلف الإمام، ولا يصلي أمامه، وليس كالسفينة تضيق بأهلها، فلا بأس أَنْ يكون بعضهم فيها، وبعضهم فوقها. قال ابن حبيب: وإذا جمع أهل السفينة فليكن إمامهم تحت سقفها، فإن كان فوق سقفها فقد أخطأُوا، ويُعِيد الأسفلون في الوَقْتِ، ولا يُعِيد الإمام ومن معه. ومن المدونة عن مالك: لا يعجبني أَنْ يكون الإمام فوق، إلاَّ أَنْ يصلوا بإمام والأسفلون بإمام. وذَكَر إذا صَلَّى الإمام أرفع مما عليه أصحابه أنهم يُعِيدون، إلاَّ في الارتفاع اليسير، مثل ما في جامع مِصْر. وقال بعض أصحابنا: في مثل الشبر وعَظْمِ الذراع خفيف. والله أعلم. وقال أبو بكر بن محمد: إنما كَرِهَ مالك هذا لأن بني أمية فعلوه على وَجْهِ الكِبْرِ والجبروت، فرأى هذا من العبث، ومما يُفْسِدُ الصَّلاَة.
في اتباع الإمام، والعمل قبله
وروي عن عبد الله بن عبد الحكم في السُّفُن يصلي بهم إمام في أحد السفن، ففرَّقت الريح بينهم وبين إمامهم، فليستخلفوا مَنْ يُتِمُّ بهم. ومن المَجْمُوعَة، قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز إذا اشتدَّ الحرُّ صَلَّى خارجًا عن المقصورة في بعض سقائف المسجد، والناس يومئذ متوافرون. فلا بأس بذلك في شدَّة الحرِّ، إذا كان في المسجد سَعَةٌ لمن يُصَلِّي فيه. في اتباع الإمام والعمل قبله من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك ومثله في المختصر، قال: ولْيُحْرِم المأموم بعد أَنْ يسكت الإمام. وقال ابن القاسم: فإن أحرم معه فليُعد الإحرام، فإن لم يفعل أجزأه. ومن الْعُتْبِيَّة سحنون عن ابن القاسم: فإن أحرم معه أجزاه، وبعدَهُ أصوب. قال سحنون في المَجْمُوعَة: هذا قول عبد العزيز، وقول مالك أنَّه يُعيد الصَّلاَة. قال ابن حبيب: قال مالك: وله أَنْ يفعل معه إلاَّ في الإحرام، والقيام من اثنتين، والسلام، فلا يفعله إلاَّ بعده. ومن كتاب آخر: والعمل بعده في كل شيء أحسن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».
ومن المَجْمُوعَة قال مالك: وإذا أحرم قبله فليعد الإحرام بغير سلام، فإن لم يفعل حتى فرغ أَعَادَ صلاته. وقال عبد الملك: إذا ذَكَرَ بعد ركعة تمادى وأَعَادَ. قال ابن القاسم عن مالك: من رفع قبل إمامه يظُنُّ أنَّه رفع فليرجع ساجدًا أو راكعًا، ولا يقف ينتظره، فإن عجّل الإمام فرفع فليتمادَ معه، ويُجْزِئه. قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: إن سجد قبله، ثم سجد الإمام وهو ساجد، فليثبُتْ ساجدًا حتى يرفع الإمام. قال عنه ابن القاسم في المَجْمُوعَة: وكذلك إن ركع قبل إمامه. قال ابن سحنون: رأيتُ سحنون رفع رأسه قبل الإمام، ثم رفع الإمام، فرجع سحنون فسجد مقدار ما كان الإمام ساجدًا بعده. ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى: قال ابن القاسم: وإذا رفع المأموم رأسه من
في من أتى والإمام راكع، وهل يحرم قبل أن يصل إلى الصف، كيف إن ركع بعد رفع الإمام
السجدة الأولى فرأى الناس سجودًا في الثانية فظنَّ أنها الأولى، فعاد ساجدًا معهم، ثم رفعوا فعرف أنها الثانية، فليأت بسجدة أخرى ما بينه وبين أَنْ يركع الإمام الثانية، فإن لم يفعل حتى سلَّم الإمام وطال ذلك أَعَادَ الصَّلاَة، فإن لم يَطُلْ أتى بركعة وسجد بعد السلام. قال أصبغ: وإذا كان على الإمام سجود سهوٍ بعد السلام، فظَنَّ المأموم أنَّه سلَّمَ، فسلَّم وسجد معه بعد السلام، ثم سمع سلامه، فسلَّم وسجد معه، فليعد الصَّلاَة. قال أبو محمد: لعل أصبغ يريد أنَّه سلَّمَ أولاً على شماله. ومن المَجْمُوعَة قال أشهب في الأرمد لا يقدر أَنْ يسجد في أول سجدة الإمام: فليتأخَّرْ إلى آخرها فيسجد ويرفع أحَبُّ إلي من الإيماء. قال ابن القاسم عن مالك في الإمام يَعْجَل في السفر، فلا أرى لمن خلفه أَنْ يُبطئ ويتمكَّن، وليَتْبَعه. ومن كتاب ابن سحنون: وإن أحرم قوم قبل إمامهم، ثم أحدث هو قبل أَنْ يُحْرم، فقدَّم أحدهم فصلى بأصحابه، فصلاتهم فاسدة. وكذلك إن صلوا فرادى، حتى يُجدِّدوا الإحرام. في من أتى والإمام راكع، وهل يُحرم قبل أن يَصِلَ إلى الصفِّ، وكيف إن ركع بعد رفع الإمام من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، قال: ولا ينتظر الإمام من رآه، أو
أحسَّه مقبلا. قال ابن حبيب: إذا كان راكعًا، فلا يمُدُّ في ركوعه لذلك. قال النخعي: من وراءه أعظم عليه حقًّا ممن يأتي. قال ابن القاسم عن مالك في الْعُتْبِيَّة: ومن خاف فوت الركعة إلى أَنْ يَصِلَ إلى الصفِّ، فليركع إن كان قريبًا. قال: ويَدُبُّ راكعًا مثل صفَّين وثلاثة، وما بعد فلا أُحِبُّه. قال عنه أشهب: وإذا جاء والإمام راكع، وعند باب المسجد قوم، فليركع معهم؛ ليدرك الركعة، إلاَّ أَنْ يكونوا قِلَّة، فليتقدَّم إلى الفُرج أحب إلي. ومن المَجْمُوعَة قال عنه ابن نافع: وإن خاف إلى أَنْ يدخل المسجد أَنْ يفوته، فليركع في خارجه على البلاط. وإذا كان رجلان يتحدَّثان، فليقطعا حديثهما، إذا أحرم الإمام في سيرهما إلى الصفوف ليُحْرِما. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: ولا يُحْرم الداخل حتى يَصِلَ إلى الصفِّ، وكذلك أَحَبُّ إليَّ إن وجده راكعًا. وإذا ركع وهو منه في بُعْدٍ يجوز له، فلا يمشي إلى الصف فيما بين الركوع والسجود، ولكن حتى يرفع من السجود. ومَنْ لم يَدْر أركع قبل رفع الإمام رأسه في الأولى، أم بعدُ، فلا يعتدُّ بها، وترك الركوع معه في هذا الحال أَحَبُّ إليَّ، إذا خاف أَنْ يُعْجِلَه، أو أَنْ يشُكَّ في ذلك. ومن المَجْمُوعَة قال ابن الماجشون: وإذا شكَّ أَنْ يكون أدرك الركعة معه، فليتماد معه، ويُعِيد الصَّلاَة.
في من ضغط أو نعس أو غفل عن الركوع حتى رفع الإمام أو سجد، أو غفل عن السجود، أو ذكر سجدة بعد سلام إمامه في الجمعة وغيرها
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك: ومن دخل والإمام راكع، يطنُّ أنَّه لا يدرك الصفَّ حتى يرفع الإمام رأسه، قال: يمشي، ولا يركع. وروى ابن القاسم أنَّه يركع ويدُبُّ راكعًا إن كان بالقُرْبِ. ابن القاسم عن مالك: وحَدُّ إدراك الركعة مع الإمام أَنْ يُمَكِّنَ يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه. في من ضُعِطَ أو نعس أو غفل عن الركوع حتى رفع الإمام أو سجد، أو غفل عن السجود، أو ذكر سجدة بعد سلام إمامه في الجمعة وغيرها من كتاب ابن الْمَوَّاز: من أحرم والإمام راكع، أو قائم فنعس أو ضغط، أو غفل حتى رفع الإمام رأسه من الركعة الأولى، فلا يعتدُّ بها، ولو نابه ذلك في الثانية وقد قيد معه الأولى، فليتَّبِعْه، ما لم يرفع رأسه من آخر سجدة من الثانية. قال أصبغ، وذكره عن أشهب، وابن وهب: أنَّه إن أحرم قبل ركوع الإمام، فالأولى والثانية سواء، فيَتْبَعه، ما لم يرفع رأسه من سجودها. وجعلوه بخلاف إحرامه بعد ركوع الإمام. وهذا خلاف مالك، وابن القاسم، وعبد الملك. قال عبد الملك: وإذا عقد الأولى ونابه ذلك في الثانية فليتبعه، ما لم يرفع رأسه من ركوع الثالثة. وقال ابن القاسم، وابن عبد الحكم: ما لم يرفع رأسه من سجود التي نعس فيها إلاَّ في الجمعة.
وإن ضغط عن السجود في الأولى، فإن لحقَ أَنْ يسجدهما قبل رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فهو مدرك للثانية , وإن لم يسجدهما حتى رفع الإمام من الركوع فلا يعتدُّ بها. ومن كتاب ابن حبيب ك ومن ضغط في الجمعة، أو نعس، أو غفل، أو حلَّ إزاره، أو زَرَّها، حتى رفع الإمام رأسه من الأولى فلا يركعها، وليتبعه في باقيها ويقضي ركعة. وكذلك لو جَهِل، فاتَّبَعه في ركوعها. ولو عقد الأولى ونابه هذا في الثانية فليتَّبِعْه بالركوع والسجود، أدركه قبل أَنْ يُسلِّمَ، أو بعد أن سَلَّمَ. ولو زُوحِمَ عن سجود الأولى وقد ركعها فليتَّبعه، ما لم يرفع من ركوع الثانية. ولو زوحم عن سجود الثانية حتى سجد الإمام فليسجدهما بعده، ويُجْزِئُهُ. هذا قول مطرف وابن الماجشون. وقاله ابن القاسم وأصبغ، إلاَّ في الرحام، فلم يَرَيَا أَنْ يتَّبعه فيه، لا في الأولى ولا في الثانية، كذلك عبد الملك، إلاَّ في سجود بعد سلام الإمام فليس يقوله. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ومن ضغظ عن سجود الأولى من الجمعة فلم يسجد السدجدة الثانية حتى رفع الإمام من ركوع الثانية قال مالك: فهذا لم يُدرك شيئًا. وإن ضغط عن الأولى، فلحقه في سجودها فركع معه في الثانية، وضغط عن سجودها، ثم سجد قبل أَنْ يُسَلِّم، فقد أدرك ركعة. وإن لم يسجد حتى سلَّم، فأحبُّ إلي أَنْ يسجدهما، ويأتي بركعة، ويسجد للسهو، ويُعيد ظُهْرًا. وقال ابن القاسم: يُتِمُّهما أربعًا على ركعته هذه. وقاله سحنون. وقال ابن الْمَوَّاز: وقال أشهب: يُضيف إليها ركعة تكون له جمعة. وقال أصبغ: يريد: وكذلك لو لم يُدْرِكْ غير الثانية لأتمَّها بعد سلام إمامه وقضى الأولى. وابن القاسم
لا يرى أَنْ يُجْزِئُهُ الجمعة. وقال أصبغ: وليُتِمَّها، ويُعِيد ظهرًا احتياطًا في الوَقْتِ وغيره. واختَلَف عن ابن القاسم فروي عنه فِي مَنْ أدرك ركعة من الجمعة فبعد السلام ذكر سجدة: أنَّه يسجدها ويقضي ركعة، وتصحُّ له الجمعة. وروي عنه أنَّه يسجد ويبني عليها أربعة. قال أصبغ: يُتِمُّها ركعتين، ويُعِيدها ظهرًا، ولو قطع وابتدأ ظهرًا كان حسنًا، ولو بنى عليها ظهرًا أجزأه. قال ابن الْمَوَّاز: ومن ضغط عن سجود الأولى، فسجدهما والإمام راكع في الثانية، فقد صحَّت له ركعة، ثم إن لم يدرك أَنْ يركع معه الثانية حتى رفع منها، فإن أدركه في سجودها تمَّتْ له ركعة، ولو لم يسجد سجدتي الأولى حتى رفع الإمام من ركوع الثانية لم يصحَّ له من الجمعة شيء، وليُسَلِّمْ مع الإمام ويبتدئ ظهرًا. وقال عبد الملك: لا يُسَلِّمُ وليَبْنِ عليها تمام أربعة ركعات، وكأنه صَلَّى وحده بغير إمام، ولا يضرُّه نية الجمعة أولاً. وهذا أحب إلينا، كقول مالك فِي مَنْ يُحرم يوم الخميس يظنُّه يوم الجمعة. وقال ابن القاسم فِي مَنْ أدرك ركعة من الجمعة، ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة: إنه يسجدها، ويبني عليها ثلاث ركعات، وتُجْزِئه. ومن الْعُتْبِيَّة، روى ابن القاسم، وأشهب، عن مالك، فِي مَنْ أحرم مع الإمام ثم نعس أو سها، حتى سجد الإمام، فإن أدركه قبل رفع رأسه من السجود فقد أدرك، وإلاَّ فلا يعتدُّ بها، وليقضِ ركعة. قال في رواية أشهب: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي ركعة. قال عنه ابن القاسم: وإن نعس في الجلسة الأولى، فانتبه والإمام قائم، فليقُمْ، ولا يسجد.
وروى عيسى عن ابن القاسم، قال: قال مالك في الناعس ثلاثة أقوال، فقال: يتَّبِعه ما لم يرفع رأسه من سجود التي نعس فيها. وقال أيضًا: يتَّبعه ما لم يرفع رأسه من ركوع التي تليها. قال يحيى بن عمر: هذا قول الليث، وابن وهب. قال ابن القاسم: والقول الثالث فرَّق فيه بين الأولى والثانية، فقال: إن كانت الأولى فلا يتَّبعه رأسًا، وإن كانت غيرها فليتَّبعْه ما طمع أَنْ يدركه في سجودها. وهذا أبينها. قال: والزحام والغفلة والنعاس في ذلك سواء. وقاله أشهب، وابن وهب. وقال يحيى بن عمر: وروى أصبع، عن أشهب، وابن وهب، أن الأولى وغيرها سواء يتَّبِعُه ما لم يرفع رأسه من سجودها. كما حكى عنه ابن الْمَوَّاز. وفي رواية العتبي، أنهما فرَّقا بين الأولى والثانية، مثل قول ابن القاسم، وفرَّق ابن القاسم بين الزحام وغيره من نعاس أو غفلة، فقال: لا يتَّبعه في الزحام، كانت الأولى أو الثانية، وليُلْغِهما. وأما إن غفل أو نعس حتى رفع الإمام رأسه من الركوع فتفترق عنده الأولى والثانية، فليُلغي الأولى ولا يتَّبعه، وإن كانت غيرها فليتَّبِعْه ما كان يدركه في السجود. وذكر ابن حبيب مثله عن ابن القاسم وأصبغ، التفرقة بين الزحام وغيره، وقال عن عبد الملك ومطرِّف: إن المزحوم أعذرهم، ومَنْ لم يُمْكِنْه السجود إلاَّ على ظهر أخيه لم يجزه سجوده، فإن أمكنه أَنْ يسجد بعد رفع الناس رءوسهم فعل، وتُجْزِئه الجمعة، وإلاَّ بنى على إحرامه ظهرًا، وكذلك في غير الجمعة، إلاَّ أنَّه إن قَيَّد الأولى وضغط عن ركوع الثانية فليتَّبِعْه، ما لم يرفع رأسه من ركوع الثالثة،
في اختلاف نية الإمام والمأموم في صلاتين مختلفتين، أو حضرية وسفرية
ولو نابه في الرابعة أتمَّها، ولو بعد سلامه، وأجزأته. في اختلاف نية الإمام والمأموم في صلاتين مختلفتين، أو حضرية وسفرية من المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالكك من خالفت نيته نية الإمام، لم تجزه صلاته، كنية الظهر والعصر والإمام في خلافهما من ظهر أو عصر، فالإمام تُجْزِئه، ولا تجزئ من خلفه. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، فإن ذكر ذلك المأموم فيها انتهى وسَلَّمَ، وأَعَادَ ما عليه. وإن أدرك ركعتين سَلَّمَ، فإن أدرك ركعة أو ثلاثًا شفعهما وسَلَّمَ وابتدأ. وقال أشهب في المُسْتَخْرَجَة: من دخل يوم الخميس يظنُّه الجمعة، أو الجمعة يظنُّه الخميس، قال يُعِيد في الوجهين. وخالف ابن القاسم. وقال أشهب في مسافر دخل مع إمام يظنُّه مسافرًا وهو حضري، أو ظنَّه حضريًّا وهو مسافر، فصلاته تُجْزِئه في الوجهين جميعًا. وقال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة عن مالك، في سفريٍّ دخل مع إمام فظن أنَّه مقيم ليتمَّ معه، فإذا هو مسافر، فسلَّم الإمام من ركعتين، قال: تجزئ المأموم. قال سحنون: يُعِيد في الوَقْتِ، وهذه خطأ. وقال ابن الْمَوَّاز: قال ابن
القاسم: لا تُجْزِئه. وخالف روايته عن مالك. قال محمد: وقول ابن القاسم صواب. وقال ابن حبيب: تُجْزِئه؛ لأنه نوى بنيتة لم يقصدها بعمل. قال عيسى، عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: ولو مَضَوْا فلم يدر ما هم فليُتِمَّها على صلاة مقيم ويُعِيدها سفرية. قال ابن الْمَوَّاز: كذلك روى أشهب عن مالك. وقال عبد العزيز: يقطع ويبتدئ. ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: وإن ظنَّهم مسافرين فتبيَّن أنهم مقيمون سبقوه بركعتين، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ. قال سحنون: والداخل سفريٌّ. وقال عيسى عن ابن القاسم: يُسَلِّم معهم ويُعِيدها سفرية. قال ابن حبيب: في الوَقْتِ. قال ابن الْمَوَّاز: ولو قال قائل: يُتِمُّ أربعة ويُعِيد. لم أعِبْهُ للاختلاف، ولكن أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُسَلِّم من ركعتين؛ لأنه وحده، وأما لو دخل معه من أوَّلها ثم علم بعد ركعتين، فهذا يُتِمُّ معه ويُعِيد ركعتين. وقال ابن القاسم. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سحنون، عن ابن القاسم: وإذا تعمَّد المسافر الإتمام وخلفه أهل سفر وحضر، فليعد هو في الوَقْتِ، ويُعِيد مسافر أتَمَّ، بأن دخلوا على الإتمام، وإن دخلوا على سفرية فلمَّا تمادى تمادوا معه سهْوًا، فليُعِيدوا أبدًا. وعلى المقيمين الإعادة أبدًا؛ لأنه إن تعمَّد لا تُجْزِئه في الوَقْتِ، وإن سها فقد ائتمُّوا به في نافلة له وزيادة يسجد لها بعد السلام.
ومن المَجْمُوعَة، قال المغيرة في مسافر أدرك مع الإمام ركعة، ثم قضى بعده ركعة، ثم تبيَّن له أنَّه مقيم، أنَّه يصلي تمام أربعة على ما مضى، ويُسَلِّمُ، ويسجد بعد السلام، ثم يُعِيدها سفرية. قال سحنون: وإن دخل مسافر أو مقيم مع إمام لا يدري أمقيم هو أم مسافر، ونوى صلاته، أجزأه ما صَلَّى معه، فإن خالفه، فإن كان الداخل مقيمًا أتمَّ بعده، وإن كان مسافرًا أتمَّ معه، وتُجْزِئه. قال أشهب: وكذلك من دخل الجامع مع الإمام في صلاته، لا يدري أهي الجمعة، أم ظهر يوم الخميس، ونوى صلاة إمامه، فهذا يُجْزِئُهُ ما صادف. وإن دخل على أنها أحدهما فصادف الأخرى، فلا تُجْزِئه عند أشهب في الوجهين، ويُجْزِئُهُ في الذي نوى صلاة إمامه؛ لأن نيته غير مخالفة له، وقد قصد ما عليه، كمن أعتق نسمة عن واجب عليه، لا يدري ظهارًا أو قتل نفس، أنَّه يُجْزِئُهُ. قال أشهب: ومن ذكر ظهر أمس فصلاها، فأْتَمَّ به رجل فيها لعصر عليه من أمس، فلا تجزئ المأموم. وإن ذكر هذا عصر أمس والآخَرُ عصر يوم آخر، فلا يَؤُمُّ أحدهما الآخر، فإن فعلا لم تجز إلاَّ الإمام. ولو كان العصران من يوم واحد أجزأهما. وقال سحنون: إلاَّ أن أحدهما لزمته سفرية، كرهت أَنْ يؤمَّ أحدهما الآخر، فإن فعلا أجزأتهما. فإن تقدَّم السفر ائتمَّ الحضري بعده. وإن تقدَّم الحضري، فإذا صَلَّى ركعتين ثبت السفري حتى يُتِمَّ الحضري، ثم يسلِّم لسلامه؛ لأنه إنما يقضي أمرًا لزمه فلا يُغَيِّرُه. وقد قال: إنه يُتِمُّ مع الحضري أربعة. وكذلك ذكر ابن سحنون، عن أبيه القولين، قال: يُتِمُّ معه. وقد قيل: لا يصلي إلاَّ ركعتين، كما كان لزمه. وذكر عن أبيه، أنَّه لم يَكْرَهْ أَنْ يَؤُمَّ أحدهما صاحبه.
في الإمام تفسد صلاته، أو يذكر جنابة أو صلاة، أو يفعل ما يبطلها، أو يستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف، أو ينتظرونه لا يستخلف
قال سحنون في رجلين شكَّ أحدهما في ظهر أمس، وذكر الآخر نسيانه: إن الموقن إن ائتمَّ بالشاكِّ أَعَادَ المأموم خاصة، وإن تقدَّم الموقن أجزأتهما. وروى عيسى، عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة، قال: إن ذكر قوم ظهرًا من يوم واحد، فلا بأس أَنْ يؤمَّهم فيه أحدهم، فإن كانت من أيام تفترق بهم، فلا يأتمُّوا بأحدهم. قال عيسى: ولا إعادة في هذا على إمام ولا على غيره. قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى في بيته، ثم أَعَادَ بالناس، فليُعِيدوا، وإن خرج الوقت، ما لم يَطُلْ ذلك؛ لاختلاف الصحابة في ذلك. قال محمد: والقياس أَنْ يُعِيدَوا أبدًا. وقال ابن حبيب: يُعِيدون أبدًا أفذاذًا. في الإمام تفسد صلاته، أو يذكر جنابة أو صلاة، أو يفعل ما يُبطلها، أو يستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف، أو ينتظرونه ولا يستخلف من الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك، في إمام أسَرَّ قراءة الصُّبْحِ، فسُبِّحَ به، فلم يَقْرَأْ حتى أتَمَّ الصَّلاَة، فقيل له، فزعم أنَّه قرأ في نفسه. قال: هذا جاهل، وما أُراه قرا، وليعد من صَلَّى خلفه في الوَقْتِ. وفي كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك: لا يُصدِّقوه، وليُعِيدوا. ولم يَذْكُرِ الوقت. وقال أصبغ: ولا يُعِيد هو إن صدق. وروى موسى، عن ابن القاسم، في الإمام يتكَلَّمُ عامدًا، قال: فقد أفْسَدَ
عليه وعليهم. ولو نعس قائمًا في صلاة النهار فاستُثْقِل، فسُبِّح به، فانتبه، فهذا خفيف، ولا شيء عليه وإن طال. ولو تمادى به النوم حتى احتلم فليستخلف كالحدث، وتجزئهم. وإن انتضح عليه البول، فليستخلف أحب إلي. ولو نزعه وكان عليه غيره، أجزأه. وقال سحنون في المَجْمُوعَة: ولو سقط على المصلي ثوب نجس، ثم سقط عنه مكانه ولم يثبت، لرأيت أَنْ يبتدئ الصَّلاَة. ومن سماع عيسى، قال ابن القاسم: إذا أحدث الإمام بعد التشهُّد، وسلَّمَ متعمَّدًا، فأرى أن تجزئهم. يريد المأمومين. قال عيسى: بل يُعِيد ويُعِيدون. وإذا أحدث الإمام فاستخلف رجلاً، فقال لهم: أبْني؟ فقالوا له: ابْنِ. بطلت عليه وعليهم. قال ابن حبيب: إذا قال: يا فلان تقدَّم. فقال: نعم. ساهيًا، فليسجد بعد السلام، وتجزئهم. ومن المَجْمُوعَة، قال سحنون: ومن أدرك التشهد الآخِرَ، فضحك الإمام، فأفسد، فأَحَبُّ إليَّ لمدرك التشهد أَنْ يبتدئ احتياطًا، ألا تراه أنَّه قد قعد أول صلاته اتِّباعًا له. وكذلك من فاتته ركعة فاستخلفه الإمام، فأتمَّ بهم، ثم قام يقضي لنفسه فضحك، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ القوم احتياطًا. وكأنه لم يُحِبَّه في المسألتين. قال أشهب: ومن أحرم بعد أن سَلَّم الإمام، ولم يعلم، ثم علم، فليُتِمَّ صلاته، ولا يبتديها، ثم إن ذكر الإمام سجود السهو قبل السلام، بعد أن طال أو خرج من المسجد، بطلت على الإمام، ولم تبطل على هذا.
قال عليٌّ عن مالك: ومن رأى نجاسة في ثوب إمامه، فليُشِرْ إليه حتى يراها. قال سحنون: ويستخلف مَنْ يُتِمُّ بهم، فإن لم يُعْلِمْهُ حتى فرغ، أَعَادَ الإمام والذي رأى ذلك وحده. قال ابن القاسم، عن مالك فِي مَنْ ظنَّ أنَّه أحدث أو رعف فانصرف، ثم تبيَّن له أنَّه لم يُصِبْه ذلك، فليبتدئ ولا يبني. قال سحنون: ولو كان إمامًا، فاستخلف في الرُّعَاف، فلمَّا خرج تبيَّن له أنَّه لم يرعف، فلا تبطل على من خلفه؛ لأنه خرج بما يجوز له، وليبتدئ هو صلاته خلف المستخلف. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى عن ابن القاسم، في إمام استخلف، ثم مضى يتوضَّأ، ثم جاء فأخرج المستخلَف، وأتَمَّ بهم، فلا ينبغي ذلك، فإن فعل فينبغي إذا تمَّتِ الصَّلاَة أَنْ يُشِير إليهم حتى يقضي لنفسه، ثم يُسَلِّمَ ويُسَلِّموا. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فتقدَّم، وتأخَّر أبو بكر. قال يحيى بن عمر: لا يجوز هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن القاسم: ولو علم قبيح ما صنع بعد أن صَلَّى الركعة فليخرجْ، ويُعِيد الرَّجُل، فإن لم يكن فغيره، ولو أنَّه حين أخرجه ابتدأ الصَّلاَة لنفسه، كان عليهم الإعادة، اتَّبَعُوه أو لم يَتَّبِعوه. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك: لا ينبغي للإمام، إذا ذكر جنابة وخرج، أَنْ ينتظروه ليُتِمَّ بهم، والذي فعل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك هو له خاصٌّ،
وذلك أنَّه لم يفعله أحد من الأئمة بعده. وكذلك إن ذكر أنَّه على غير وضوء، أو أن عله ثوبًا نجسًا، فليستخلف. وإن لم يذكرْ حتى سلَّمَ أَعَادَ، ولم يُعِيدوا. قال عنه ابن القاسم: وإن تعمَّد، أَعَادَ من علم ممن خلفه. يريدك وإذا علم الناس أعادوا. قال ابن القاسم: وكذلك كل من أفسد متعمِّدًا، فليُعِيدوا احتياطًا. وإن علموا أن من صَلَّى بهم نصراني أعادوا. وقال بعض أصحابنا في كتاب آخر: إن ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وانتظروه حتى اغتسل ثم عاد، أنَّه كان لم يُحْرم. قال: وهذا الثابت أنَّه لم يكن أحرم. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى: قال ابن القاسم: ومن أَمَّ على شرف أو كُدْيَة، ومن خلفه تحته في وطاء، فإن تقارب ذلك فلا بأس به. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا ذكر الإمام بعد ركعتين أنَّه لم يقرأ فيهما، فإن صلاته ومن خلفه منتقِضَة. وكذلك إن ذكر بعد أن سلَّم. وإن ذكر أنَّه غير متوضِّئ استخلف. وإن ذكر صلاة عليه، قال ابن القاسم: يستخلف، ثم قال: يقطعون. كما قال مالك. وقاله ابن عبد الحكم، وقاله أصبغ اتِّباعًا. والأول القياس، وبه قال سحنون أنَّه يستخلف. قال ابن عبد الحكم: لا يبني أحد بفساد صلاة إمامه، إلاَّ في الحدث. ومن المَجْمُوعَة، قال أشهب: وإذا أصاب الإمام غَشْيٌ، أو لَمَمٌ، أو ما
في الإمام يسلم من ركعتين، فيسبح به، فيبتدئ الصلاة فيتبع، وفي المستخلف يبتدئ الصلاة
أذهب عقله، فليُيتمَّ من خلفه صلاتهم، ويتوضَّأ هو ويبتدئ. وإن نام قائمًا تمادى؛ لأنه لو غُلِبَ سقط. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أحرم قوم قبل إمامهم، ثم أحدث هو قبل أَنْ يحرم، فقدَّم أحدهم فصلى بهم، أو صلَّوا فرادى فصلاتهم فاسدة، حتى يُجَدِّدوا إحرامًا. وقد تقدَّم هذا في باب آخر. في الإمام يُسَلِّم من ركعتين، فيُسَبَّحُ به، فيبتدئ الصَّلاَة فيُتَّبَعُ، وفي المُسْتَخْلَفِ يبتدئ الصَّلاَة من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم: إذا سَلَّمَ إمام من ركعتين من المغرب، فسبَّحوا به، فابتدأ الصَّلاَة واتَّبَعوه، فصلاته تُجْزِئه، ويُعِيد من خلفه أبدًا، إن لم يكونوا سَلَّموا. قال أبو محمد: إنما يصِحُّ هذا إن سَلَّم عامدًا أو تعمَّد القطع بعد سلامه ساهيًا. ومن المَجْمُوعَة، قال أشهب في إمام سلَّم من اثنتين، فظنَّ أنها فسدت، فابتدأها، وصَلَّوا معه، فليُعِيدوا كلُّهم؛ لأنه زاد في صلاته جهلاً. قال ابن الْمَوَّاز: إذا سَلَّمَ هو وبعض من خلفه، فظنُّوا أنها تمَّتْ، وسَلَّمَ بعضهم عالِمون، ولم يُسَلِّم بعضهم، ثم علم الإمام مكانه، فابتدأ بهم الصَّلاَة، فصلى أربعة مؤتنَفَة، واتَّبَعُوه، فقال ابن القاسم: فصلاته وصلاة من سَلَّمَ معه سهوًا أو عامِدًا تُجْزِئه، ولا تجزئ مَنْ لم يُسَلِّمْ. ولم يعجبنا هذا، ولا رأيتُ مَنْ أخذ به، وأرى صلاته وصلاة من اتَّبعه حتى أتمّ أربعًا باطلاً؛ لأن سلامه سهوٌ، لا على القطع، وإنما كان عليه أَنْ يبني، إلاَّ أَنْ يُحدث سلامًا يقطع به وإن كان
ذلك مكروهًا له. قال محمد: ولو اتَّبعه مَنْ سَلَّمَ ومَنْ لم يسلم في ركعتين وتركوا اتِّباعه في الخامسة حين ركعها، وقدَّموا من سَلَّم بهم، وسجدوا للسهو، كان صوابًا فمن كان منهم سلم أولاً عامدًا للقطع، فليُتِمَّ ركعتين بعد سلام الذي استخلفوه، وكذلك لو لم يُقدِّموا من يسلم بهم، ولكن سلموا أنفسهم، وأَتَمَّ الصَّلاَة المتعمِّدون أربعة أجزأهم، ولا يفعلوا هذا حتى يرفع رأسه من الخامسة، لا حين يركع؛ لأنها لا تبطل عليه إلاَّ بعد رفع رأسه منها، ثم لو استفاق بعد ذلك لم ينفعه، ولا تبطل عليهم، وكأنهم خرجوا من إمامته. قال أبو محمد: أُراهُ جعله كمن خرج من صلاة إلى صلاة غيرها، ولو كان كمن زاد سهوًا لم يُبطلها إلاَّ بعقده السادسة، على قول ابن القاسم. ويعني أيضًا أن الإمام لم يسلم على القطع، ولو سلم على القطع وجب على من سلم على القطع ودخل معه أَنْ يتَّبِعه. قال سحنون في المَجْمُوعَة فِي مَنْ صَلَّى بقوم، ثم أحدث، فقدَّم أحدهم، فابتدأ بهم الصَّلاَة بإحرام قطع به ما قبله، فإن تعمَّد ذلك واتَّبعوه، بطلت صلاتهم أجمعين، وإن كان سهوًا، وكثرت الزيادة فكذلك، وإن قَلَّتِ الزيادة، سجد لها، ويجدوا إن سَهَوْا بسهوه، وأجزاتهم. قال ابن حبيب: ولو سها المستخلف، فأحرم بهم وبنى، فصلاتهم مجزئة، ويسجد بعد السلام. وأما إن ابتدأ الصَّلاَة بهم جاهلاً، فقد فسدت عليه وعليهم. قال غير ابن حبيب: ولو قطع بسلام أو كلام، ثم ابتدأ أجزأته، وبطلت عليهم.
في استخلاف الإمام، كيف يعمل المستخلف، وكيف إن لم يستخلف فصلوا وحدانا، أو بإمامين، أو لم يكن خلفه إلا واحد
في استخلاف الإمام، وكيف يعمل المستخلف، وكيف إن لم يستخلف فصلوا وحدانًا، أو بإمامين، أو لم يكن خلفه إلاَّ واحد من المَجْمُوعَة، قال علي، عن مالك: إذا أحدث الإمام، أو رعف، فليستخلف من الصف الذي يليه. قال ابن القاسم: وإن قال: يا فلان تقدم، لم يضرهم، وقد أفسد في الرعاف على نفسه خاصة. قال عنه علي: فإن استخلف وهو راكع أو ساجد. فليرفع هو بهم، وإن استخلفه بعد تمام القراءة، فلا يُعِيدها، وليركع. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن قدمه في بعض القراءة، فليقرا المقدم من موضع انتهى الأول. قال عنه عيسى، قال ابن القاسم: وإن أجدث راكعا فليرفع رأسه، ويستخلف من يدب راكعا فيرفع بهم ويسجد. قال يحيى بن عمر: يرفع رأسه بغير تكبير، فيستخلف من يرفع بهم. وقيل: يستخلف من يرفع بهم قبل أَنْ يرفع رأسه، لئلا يغتروا برفعه. قال موسى، عن ابن القاسم: والمستخلف في الجلوس يتقدم جالسا، وفي القيام يتقدم قائما. ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: وإن خرج ولم يستخلف، فصلوا وحدانا، أجزأهم، إلاَّ في الجمعة. وإن قدمت طائفة منهم إماما، وطائفة إماما، في غير
الجمعة أجزأهم. وقاله سحنون. وفي (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب: وقد أخطأت الطائفة الثانية، وصاروا كمن دخل على قوم يصلون فصلوا بإمام آخر، فقد أساءوا، وتجزئهم. ولو قدموا رجلا، فصلى بهم، إلاَّ واحدا منهم صَلَّى وحده فقد أخطأ، وتُجْزِئه. وتقديمهم رجلا قبل خروج الأول من المسجد أو بعد ذلك سواء. وإن كان خلفه واحد فصلى لنفسه ينوي أَنْ يؤم نفسه قبل أَنْ يخرج الأول من المسجد، أو لم ينو، فذلك سواء. ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز)، قال ابن القاسم: إن صلوا أفذاذا أجزأهم. قال أصبغ وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا، ولا أوجبه إلاَّ أَنْ يبقى مثل السلام، فلا يُعِيدوا. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإن قدم رجلا، فلم يتقدم حتى يتقدم غيره، وصَلَّى المستخلف وراءه، فصلاتهم تامة. قال ابن الْمَوَّاز، قال ابن عبد الحكم: من ابتدأ الصَّلاَة بإمام، فأتمها فذا، أو ابتدأها فذا، فأتمها بإمام، فليعد. وكذلك من لزمه أَنْ يقضي فذا، فقضى بإمام. يريد: مثل قوم فاتتهم ركعة، فلا يقضوها بإمام. وقال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى برجل، فأحدث، فاستخلفه، فليبن، على ما مضى. وما ذكرت من قول من قال لا يبني وإن استخلفه واحد. قال: لا يبني، استخلفه أو لم يستخلفه، فكلاهما خطأ. قال ابن الْمَوَّاز: وإذا استخلف الإمام من أحرم خلفه في الثانية من الصبح، فليصلها، ويجلس، ثم يقوم لقضاء الأولى. وكذلك لو لم يكن خلفه غيره.
في الإمام يقدم من فاتته ركعة أو بقى منها السجود، أو لم يدر ما فاته، أو أحرم بعد أن قدمه، والمقيم يقدمه المسافر وقد فاتته ركعة، والقوم تفوتهم الركعة، هل يصلونها بإمام؟
في الإمام يقدم من فاتته ركعة أو بقي منها السجود، أو لم يَدْرِ ما فاته، أو أحرم بعد أن قدمه، والمقيم يقدمه المسافر وقد فاتته ركعة، والقوم تفوتهم الركعة، هل يصلونها بإمام؟ قال ابن القاسم، في (المَجْمُوعَة)، عن مالك: وإذا استخلف الإمام من فاتته ركعة، فليتم بهم، ثم يشير إليهم بالجلوس حتى يقضي، ثم يسلم بهم. قال سحنون: فإن كانوا كلهم فاتتهم الركعة، فمن أصحابنا من يقول: يقوم المستخلف وحده للقضاء، ثم يسلم، ثم يقضون بعده. ومنهم من يقول: إذا قام يقضي قام كل واحد منهم يصلي لنفسه، ثم يسلمون بسلامه. فإن ائتموا به أبطلوا على أنفسهم، وصلاة المستخلف تامة. قال ابن سحنون، عن أبيه: يجزئهم. ثم رجع فقال: يُعِيدون أحب إلي. ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز): ومن اتبعه فيها منهم، أو من غيرها، فصلاته باطل. وقال ابن عبد الحكم: من لزمه أَنْ يقضي فذا، فقضي بإمام، بطلت صلاته. وهذا موجب في باب قضاء المأموم. قال ابن الْمَوَّاز: ومن صَلَّى وحده ركعة من الصبح، ثم أحرم معه رجل في الثانية، فأحدث، فاستخلفه، فليصل ركعة، ويجلس بتشهد، ثم يقضي الأولى. ولو كان دخل معه أحد فلا يتبعه فيما يقضي ويقضوا بعد سلامه. ومن دخل فيها منهم أو من غيرهم، فصلاته باطل، ولا يؤتم به فيه إلاَّ في البناء. وأما المقيم يدرك ركعة من صلاة المسافر، فيستخلفه في آخرها، فهذا لا يتبع في بناء ولا قضاء، ولكن ليبن، ثم يقضي ثم يسلم، ويقضي من خلفه من مقيم.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى عيسى، عن ابن القاسم، في إمام أحدث بعد رفع رأسه من الركعة، فقدم مَنْ لم يدرك معه تلك الركعة، فليقدم هذا من قد أدركها، ويتأخر، فإن لم يفعل، وسجد بهم، فلا يتبعوه في سجوده؛ لأنها له نافلة، فلا يعتدون بتلك الركعة، وإن اتبعوه فيها فسدت صلاتهم. وكذلك روى عنه سحنون. وروى سحنون، عن أشهب، فِي مَنْ لم يدرك معه إلاَّ السجدة الآخرة، فاستخلفه فسجدها بهم، ثم أتم لنفسه، أن صلاتهم باطل؛ لاتباعهم إياه في سجدة لا يعتد بها. وفي (كتاب ابن الْمَوَّاز) قول مثل هذا. قال: وقد قيل: إنها تجزئهم إن سجدوا معه. وقد ذكرناه في أبواب الإمامة، في مسافر قدم حضريا بعد ركعة. وروى ابن سحنون، عن أبيه، فِي مَنْ صَلَّى وحده ركعة، فسجد منها سجدة، وقام ساهيا، فدخل قوم خلفه فأحدث، فقدم أحدهم، وأعلمه بالسجدة، فليسجدها، ويسجدون معه، ويبني تمام صلاة الأولى ثلاث ركعات، ثم يشير إليهم بالجلوس حتى يقضي ركعة، ويسلم، ويقضون بعد سلامه. ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى موسى، عن ابن القاسم، عن مالك، في من صَلَّى وحده ركعة، ثم دخل معه قوم، فأحدث، فقدم أحدهم مثل ما تقدم، أنَّه يتم بهم، ثم يجلسون حتى يقضي ويسلم، ويقضون بعده أفرادا، فإن كان على الأول سجود قبل السلام سجده بهم إذا قضى ركعته، ثم يسلم، وإن كان بعد السلام سجده إذا سلم، ولا يسجد القوم حتى يقضوا ويسلموا.
وروى عنه سحنون، أن المستخلف إنما يسجد السجود الذي قبل السلام قبل أَنْ يقضي ركعته. وروى موسى، عن ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ صَلَّى برجل ركعة، ثم دخل معه آخر في الثانية، وثالث في الثالثة، ورابع في الرابعة، فأحدث، فقدمه، فليتم بقية الصَّلاَة، ويقوم وحده فيقضي ما عليه، فإذا سلم، سلم من أدرك أول الصَّلاَة، وقام من بقي عليه شيء ليقضي. قال: وإذا استخلف الإمام من أحرم مكانه، ولم يَدْرِ ما صَلَّى قبله، فليشر إليهم، وليعرفوه إشارة، فإن لم يفهم ومضي في صلاته، فليسبحوا به حتى يفهم، فإن لم يجد بدا إلاَّ أَنْ يتكلم، فلا بأس. وقال سحنون، في (المَجْمُوعَة): ينبغي أَنْ يقدم غيره ممن يعلم ما صَلَّى الإمام، فإن تمادى فإنه إذا صَلَّى ركعة فليتزحزح للقيام، فإن سبحوا به جلس وتشهد، ثم يتزحزح للقيام، فإن لم يسبحوا به، قام وعلم أنها الثالثة، وإن سبحوا به، علم أنها رابعة، فيشير إليهم بالجلوس، ثم يقضي، ثم يسلم. وإن كان كل من خلفه يجهلون ما صَلَّى، فليصل بهم على أنهم لم يفتهم من الصَّلاَة شيء. ولو أَعَادَ من خلفه كان أحوط؛ إذ لعلهم ائتموا به في القضاء. وكذلك في (كتاب ابن سحنون)، إلاَّ أن في سؤاله صَلَّى وحده، ثم دخل معه قوم فصلوا معه ركعة، ثم أحدث فقدم أحدهم، ولا يعلمون ما صَلَّى، فليأت بركعة بأم القرآن، ويجلس، ثم بركعتين بأم القرآن. وذكر ما استحب من إعادة من خلفه. ومن (الواضحة)، ومن أحرم خلف إمام، وقد سبقه بركعة أو أكثر، فأحدث، فليقدم غيره، فإن قدمه فليقدم هذا غيره، علم ما سبقه به أو جهل، فإن
في قضاء المأموم، والعمل فيما يدرك ويقضي، وهل يأتم به فيما يقضي من فاته ذلك أو غيره
جهل أَنْ يخرج، وجهل ما صَلَّى قبله، فليركع ويسجد، فإذا رفع تربص، فإن قام القوم قام، وإن جلسوا جلس، وليطل الجلوس حتى يسبح به، فيعلم أنها الأولى، فيقوم. ومن (المَجْمُوعَة)، قال سحنون، في إمام أحدث، فقدم رجلا دخل خلفه، ولم يحرم إلاَّ بعد أن قدمه، فأتم بهم الصَّلاَة، فصلاتهم فاسدة؛ لأن إحرامه لنفسه، فكأنهم أحرموا قبل إمامهم، وأما هو، فإن استخلفه على ركعة أو ثلاث، فصلاته باطل؛ لأنه جلس في غير موضع جلوس، وهو مصل لنفسه، وإن استخلفه على ركعتين، فصلاته تامة. قال ابن عبدوس: هذا على قول ابن القاسم، في متعمد ترك السورة مع أم القرآن، وعلى قول علي بن زياد يُعِيد. قال ابن حبيب: إن قدمه في أول ركعة، فصلاته تامة، وتبطل عليهم، وإن كان بعد ركعة أو أكثر، فعمل على بناء صلاة الأول، فلا صلاة له، ولا لمن خلفه. في قضاء المأموم، والعمل فيما يدرك ويقضي، وهل يأتم به فيما يقضي من فاته ذلك أو غيره من (المَجْمُوعَة)، قال ابن نافع، قال مالك: ما أدرك المأموم فهو أول صلاته، ولكن لا يقرأ فيها إلاَّ كما يقرأ الإمام، ويقضي ما فاته على نحو ما فاته، فيكون آخر صلاته. وقال أشهب: ما أدرك فهو آخرها، وما فاته فهو أولها. وكذلك في سماعه من مالك، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، في
(الْعُتْبِيَّة)، وقاله ابن حبيب، عن ابن الماجشون. وقال سحنون كقول مالك. وقال أبو محمد: ولا خلاف بين مالك وأصحابه أن القاضي إنما يقترق من الباني في القراءة فقط، لا في قيام أو جلوس، وأن كل مأموم فقاض، وكل فذ أو إمام فبان. ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن القاسم وابن نافع وعلي بن زياد، قال مالك: ومن أدرك مع الإمام ركعتين من الظهر، وهو يقدر أَنْ يقرأ فيها بأم القرآن وسورة في كل ركعة، قال: لا يقرأ إلاَّ بأم القرآن، ويقضي كما فاته. قال عند ابن نافع: وإذا أدرك ركعة فليتشهد. قال عنه على: فإن أدرك التشهد، فلا يجلس إلاَّ بتكبير. قال عنه ابن نافع: ثم لا يقوم بتكبير. وقال ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقوم بتكبير، فإن لم يفعل أجزأه. ومن (المختصر): ومن وجد الإمام في آخر صلاته جالسا، فأحب إلينا أَنْ يكبر ويجلس، وإن وجده راكعا أو ساجدا فليكبر للإحرام، ويكبر أخرى يركع بها ويسجد، فإن لم يكبر إلاَّ واحدة للإحرام، أجزأه. ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، قال: وإذا أدرك تشهد الصبح، فليحرم ويجلس، وإذا طلعت الشمس ركع للفجر. وإذا أدرك الركعة الثانية من الصبح فقنت فيها، فلا يقنت فيما يقضي،
ولو أدركه في القنوت بعد الركوع، فقنت، فهذا لم يدرك شيئا، وليقنت إذا قضى. ولو أدركه في الركوع في الثانية بعد أن قنت فيها، فركع معه، فإذا سلم الإمام قام هو فقضى ركعة يقنت فيها. ومن كبر وجلس في الجمعة، فليجدد تكبيرة، ويبتدئ بها صلاته، ولا يقطع. وقال أيضا: إن صَلَّى بإحرامه، أجزأه، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكبر. وقال عنه أشهب: يصلي بإحرامه أربعا. قال عنه أشهب: وإذا وجده ساجدا فليكبر ويسجد، ولا يرفق في مشيه حتى يرفع الإمام من السجود. وقال ابن حبيب: إذا أدرك تشهد الصبح، فليحرم ويجلس، إلاَّ أَنْ يكون لم يركع للفجر، فليجلس ولا يحرم، فإذا سلم ركع للفجر، ثم أحرم بالصبح. وقال ابن الماجشون: إذا جلس في التشهد وكبر، فليقم للقضاء بتكبير. وكذلك إن أدرك معه ركعة أو ثلاثا، فليقم بتكبير. وعاب قول ابن القاسم. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا كان الإمام يسلم تسليمتين، فلا يقوم المأموم لقضاء ما عليه حتى يسلمهما. قال عنه أشهب: وإذا قضى المأموم ركعة بقيت عليه، والإمام جالس قبل يسلم، جهل ذلك، فليعدها بعد سلام الإمام، ويسجد بعد السلام. قال أبو محمد: انظر قوله جهل. والجهل عنده كالعمد. وقال يحيى بن عمر: عليه
في الرجلين يؤم أحدهما الآخر، ثم يشكان في الإمام في التشهد الآخر، أو قبله، كيف إن كان أحدهما مسافرا، وفي الإمام يرجع مأموما
الإعادة في الجهل. وإن كان سهوا حمله الإمام عنه، إن جلس قبل أَنْ يسلم الإمام. وقد أنكرها يحيى بن عمر. قال موسى، عن ابن القاسم: إذا فات قوما ركعة، فقضوها بإمام منهم، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا أبدا. وقال في رواية ابن الْمَوَّاز: قد بطلت عليهم. وقاله سحنون في (المَجْمُوعَة). قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا استخلف الإمام من فاتته ركعة، فأتم صلاة إمامه، ثم قام يقضي، فاتبعه فيها من فاتته. قال: تجزئهم. ثم رجع فقال: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا. قال، في (المَجْمُوعَة): وصلاة المستخلف تامة. وقد تقدم هذا في باب الإمام يقدم من فاتته ركعة. في الرجلين يؤم أحدهما الآخر، ثم يشكان في الإمام في التشهد الآخر. , أو قبله، وكيف إن كان أحدهما مسافرا، وفي الإمام يرجع مأموما من (المَجْمُوعَة)، قال سحنون: إذا صَلَّى رجلان، أحدهما إمام صاحبه، فلما صارا في التشهد، لم يعلما من كان الإمام، فليتذكرا من غير طول، فإن لم
في إعادة الصلاة في جماعة، كيف إن بطلت إحداهما، أو ذكر أنه لم يكن صلاها، أو ذكر من أحدهما سجدة أو أنه صلاها على غير وضوء
يذكرا سلم أحدهما، وسلم الآخر بعده فتصح صلاته، وتفسد صلاة المسلم أولا؛ لأنه سلم على شك. وإن سلما معا، ففي قول من يقول إذا أحرما معا أجزأهما، فكذلك يجزئهما في السلام. ولو كان أحدهما مسافرا، فشكا بعد ركعتين، فليسلم المسافر، ويُعِيد صلاته، ثم يتم المقيم، ولا يُعِيد؛ لأنه لا يضره كان مأموما أو إماما، فلذلك أمرت المسافر بالسلام. قال سحنون: ولو صَلَّى رجلان، فأم أحدهما الآخر، فدخل ثالث بعد ركعة، فقدم المأموم منهما فتقدم، فأم بالاثنين، فصلاتهم فاسدة لأن المأموم لما صار إماما لإمامه، فخرج عن إمامته، وأفسد على من اتبعه وعلى نفسه. ولو أن الإمام الأول أقام على صلاة نفسه، ولم يأتم بالمتقدم، كانت صلاة الإمام الأول وحده تامة. في إعادة الصَّلاَة في جماعة، وكيف إن بطلت إحداهما، أو ذكر أنَّه لم يكن صلاها، أو ذكر من أحدهما سجدة أو أنَّه صلاها على غير وضوء من (المَجْمُوعَة)، قال أشهب، وعبد الملك: ومن صَلَّى وأَعَادَ في الجماعة، فليس يحتاج إلى علم النافلة منهما، وذلك جزاؤه بيد الله سبحانه. ومن (الواضحة)، قال ابن الماجشون: ومعنى قول ابن عمر، إنما ذلك إلى الله سبحانه. يعني في التقبل. وأما في الاعتداد بها وإذا فرضها فهي التي قصد بها الفريضة. ومن صَلَّى لم يلزمه أَنْ يُعِيدَ، وإن جاء المسجد قبل أَنْ يصلوا، إلاَّ أن تقام
الصَّلاَة وهو فيه، أو يجدهم فيها، أو يكون في مجلس قوم فصلوا جماعة، فيؤمر أَنْ يدخل معهم؛ للحديث. وإن وجد الإمام في السجود أو الجلوس، فليجلس بغير إحرام، فإن سلم ذهب هذا، وإن كان أحرم وهو في وقت نافلة، صَلَّى ركعتين، وإلاَّ قطع. قال مالك، في سماع أشهب، في (الْعُتْبِيَّة): إن أصابهم في آخرها جلوسا، فلا يدخل معهم. ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى في بيته، ثم دخل مع الإمام في التشهد، يظنه التشهد الأول، فسلم، فليسلم هذا، ولا شيء عليه، وأَحَبُّ إليَّ لو تنفل بركعتين إن كانت يتنفل بعدها، وإن شاء ترك ولا شيء عليه. وقاله المغيرة، وابن الماجشون. وقال علي، عن مالك: وكان ينبغي له أَنْ يجلس ولا يحرم، فإن كانت ثانية أحرم، وإلاَّ انصرف. ومن (المَجْمُوعَة)، (والْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى وحده المغرب ثم دخل الإمام في آخر ركعة منها، فليضف إليها أخرى، ويسلم. ومن (كتاب آخر): ومن أَعَادَ المغرب في جماعة، فابن القاسم يرى أَنْ يشفعها برابعة. وقال ابن وهب يسلم، ويُعِيدها ثالثة.
ومن (الواضحة)، قال: ومن أَعَادَ المغرب فليقطع، ما لم يركع، فإن ركع، فإذا صَلَّى الثانية سلم، فإن أتمها شفعها بركعة. وكذلك لو ذكر بالمغرب، وإن طال فلا شيء عليه. وإن صَلَّى مع واحد فأكثر، فلا يُعِيد في جماعة، إلاَّ أَنْ يدخل في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول عليه السلام، أو مسجد إيلياء، فليعد فيها مع الجماعة، لفضل الصَّلاَة فيها. قاله مالك. ومن (المَجْمُوعَة)، و (الْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى صلاة العشاء في بيته، وأوتر، فلا يُعِيدها في جماعة. قال سحنون، في (المَجْمُوعَة): فإن فعل فليعد الوتر. قال يحيى بن عمر: لا يُعِيد الوتر. قال ابن القاسم: ومن ذكر المغرب بعد أن صَلَّى العشاء والوتر، فليصل المغرب ويُعِيد العشاء والوتر. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب: ومن صَلَّى مع الإمام صلاة ظن أنَّه صلاها في بيته، ثم علم أنَّه لم يصلها، فليعدها. ولو كان قد صلاها، ودخل معه عن يقين بذلك، ثم أحدث بعد ركعة، فلا يُعِيدها، إن أراد بها فضل الجماعة، أو نقض التي كان صَلَّى. قال ابن القاسم، في (المَجْمُوعَة) مثله. وقاله ابن الماجشون: عليه قضاء، إلاَّ أَنْ يحدث قبل عقد ركعة. وقال سحنون في (كتاب ابنه)، إذا أحدث بعد ركعة إنه يُعِيد هذه. قال: وأخبرني علي، عن مالك، أنَّه قال:
إذا دخل في هذه ينوي أن تكون هي فريضته، أو ينوي أن ذلك إلى الله عز وجل، يجعل أيهما شاء أَنْ يكون فريضته، فليعد هذه. قال أشهب، في الْعُتْبِيَّة: وكذلك لو دخل في هذه على غير وضوء ثم ذكر، فلا يُعِيد إذا ذكر. وقاله مالك، قال لي مرة: وإن صَلَّى هذه متوضئًا، وذكر أن التي صَلَّى في بيته على غير وضوء، إن هذه تُجْزِئه. ورواه عيسى، وسحنون، عن ابن القاسم. وقال عبد الملك في المَجْمُوعَة: لا تجزئة الثانية؛ لأنه لم يقصد بها الفرض. وكذلك لو ذكر أن الأولى صلاها بثوب نجس، فليعدها في الوَقْتِ. ولو صَلَّى الثانية بثوب نجس لأعادها في الوَقْتِ. ولو صلاها على غير وضوء لم يعدها؛ لأنه دخل منها في غير شيء. وقال سحنون في (كتاب ابنه): إذا صَلَّى الأولى على غير وضوء، أو بثوب نجس، إن الثانية لا تُجْزِئه. قال يحيى: وقاله أشهب، وبه أقول. قال سحنون: ولو تقدم في الثانية بقوم، ثم ذكر أن الأولى على غير وضوء، أو بثوب نجس، فعليه وعليهم الإعادة. ومن (كتاب ابن سحنون) أيضًا: ومن صَلَّى المغرب في بيته، ثم تقدم فيها بقوم في المسجد فصلاها، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي الصلاتين، فليسجد بهم سجدة، ثم يتشهد ويأتي بركعة، ويسجد قبل السلام، ويُعِيد ويُعِيدون. ولو أيقن أن هذه سالمة فعليه إعادتها، إذ لم يأت بها قضاء. لمالك. وقال ابن القاسم: إذا أيقن من خلفه بسلامة هذه أجزأتهم وأجزأته، وليسبحوا به حتى لا
يسجد، وينبغي له أَنْ يتبعهم. وكذلك قال: إن علم أن الأولى على غير وضوء إنه لا يُعِيد. قال سحنون: ومن أَعَادَ المغرب في جماعة، ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة من إحدى الصلاتين، فصلاته مجزئة؛ لأنه قد صحَّت له إحدى الصلاتين. قال أبو محمد: هذا على أحد القولين. ومن الْعُتْبِيَّة، قال محمد بن خالد، عن ابن القاسم: ومن دخل المسجد ليُعِيد العصر في جماعة فلا يتنفل قبلها، وإن شاء انصرف، ولم يعد. وإن صَلَّى مع واحد فأكثر فلا يُعِيد في جماعة، إلاَّ أَنْ يدخل في المسجد الحرام أو مسجد الرسول عليه السلام، أو مسجد إيليا، فليعد فيها مع الجماعة؛ لفضل الصَّلاَة قِبَلَها. قاله مالك. قال أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: ومن أتى ليصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي الناس منصرفين منه قبل أَنْ ينتهي إلى المسجد، أيُجَمِّعُ مع قوم في جماعة، أم يصلى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فَذًّا؛ لما جاء فيه؟ قال: بل يصلي فيه فذًّا. ومثله من توضَّأ وصَلَّى الصبح، ثم جدَّد وضوءًا عند الظهر لغير حدثٍ فصلى الظهر والعصر، ثم ذكر مسح رأسه من أحد الوضوءين. مذكورة في كتاب الوضوء، وباب المصلي على شكٍّ. فيه ما يشبه بعض معاني هذا الباب.
في من أقيمت عليه الصلاة، وهو في صلاة
فِي مَنْ أقيمت عليه الصَّلاَة، وهو في صلاة من المَجْمُوعَة، ومَنْ أقيمت عليه المغرب، وقد صَلَّى منها ركعة، فقال ابن القاسم مرة: يقطع. وقال أيضًا هو وأشهب: يُضيف ثانية ويُسلِّم. وكذلك إن صَلَّى اثنتين. قال أشهب: وكذلك لو قام إلى ثالثة، وركع فليرجع، ما لم يرفع رأسه منها، فإذا رفع أتمَّها وخرج. وقال ابن القاسم: إذا أمكن يديه من ركبتيه أتمَّها وخرج. قال ابن حبيب: ومن أحرم في المغرب في غير المسجد ثم أقام قوم صلاة الجماعة فليتمادَ ولا يقطع بخلاف من أحرم في المسجد، فأقيمت عليه الصَّلاَة. ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك فِي مَنْ صَلَّى ركعتين من الظهر، فأقيمت عليه العصر، قال: يقطع، ويدخل مع الإمام. وقال عنه ابن القاسم: إن طَمِعَ بتمامِها، وإدراك الصَّلاَة مع الإمام، وإلاَّ قطع ودخل معه وأَعَادَ الصلاتين جميعًا. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: ومن دخل في صلاة، فأقيمت عليه صلاة أخرى، فإن جمع بتمامها، ويدخل مع الإمام، فعل، وإلاَّ قطع ودخل معه، فإذا سلَّمَ ابتدأ الصلاتين. قال ابن القاسم: إن صَلَّى ركعة شفعها بركعة، وسلَّم، وإن خاف فوت ركعة الإمام قطع من ركعة بسلام، وإن كان في نافلة أتمها، إلاَّ أَنْ يخاف فوت الركعة فليقطع، فإن لم يقطع بسلام، ودخل معه فليعد.
في الجمع في المسجد مرتين
قال مالك في سماع أشهب: ولو لم يركع في المكتوبة، فليُتِمَّ ركعتين، فإن خاف فوت الركعة قطع، وإن أحرم في نافلة فليُسَلِّمْ قائمًا ويدخل معه. قال عيسى: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يصلي ركعتين، إلاَّ أَنْ يخاف فوات الركعة، فلْيُسَلِّم على كل حال ويدخل معه. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك: إذا أقيمت الصَّلاَة قبل أَنْ يركع في النافلة فأما في مسجدنا فلْيُتِمَّ، وليُتِمَّ أيضًا في غيره، إلاَّ أَنْ يخاف فوت الركعة، فليقطع، فإن كان ممن يخفف ويدرك أول ركعة، أتم ركعتيه. قال: ويقطع في المكتوبة إن لم يركع، فإن ركع شفعها. في الجمع في المسجد مرتين من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب وسئل عن مساجد الحرس، يُجمعُ فيها في الصبح والعشاءين، ولا يُجمع فيها الظهر والعصر فلا بأس لمن شاء أَنْ يجمع فيها الظهر والعصر، قومٌ بعد قوم، ولا تعاد فيها الصلوات التي تصلى فيها بإمام راتب. ولم نر ذلك في رواية ابن القاسم. ونهى أَنْ يجمع فيها، لا تلك الصلوات ولا غيرها. قال: وكره مالك الجمع مرتين في مساجد الحرس وغيرها. وذكر في المَجْمُوعَة أن ابن القاسم روى عن مالك القولين في المسجد الذي يُجمع فيه بعض الصلوات. ثم قال: ثبت مالك على أنَّه لا تُجمع فيه لا الصَّلاَة التي قد جُمعت فيه، ولا غيرها.
في من دخل من صلاة إلى صلاة، في نافلة أو فريضة، سهوا، أو ذكر في التي دخل فيها شيئا بقى عليه من الأخرى، أو سجدتي السهو
ومن سماع أشهب، من الْعُتْبِيَّة: وإذا صَلَّى من في السفينة، ثم جاء قوم منهم كانوا نزلوا، فلا يُجمع فيها مرتين. ومن الواضحة قال مالك: وأهل مسجد لا يأتي إمامهم، فيصلي بهم المؤذن، ثم يأتي الإمام فإن كان المؤذن يؤمُّهم إذا غاب الإمام فهو كالإمام، ولا تعاد الصَّلاَة فيه بجماعة، وإن كان المؤذن لا يصلي بهم في غيبته، فللإمام أَنْ يجمع. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا جمع أهل المسجد، ثم جمع بعدهم قوم آخرون فقد أساءوا، ولا تفسد صلاتهم. في من دخل من صلاة إلى صلاة، في نافلة أو فريضة، سهوًا، أو ذكر في التي دخل فيها شيئًا بقي عليه من الأخرى، أو سجدتي السهو من الْعُتْبِيَّة روى عيسى عن ابن القاسم فِي مَنْ صَلَّى من الفريضة ركعتين، ثم سلَّم، أو لم يُسَلِّم، ودخل في نافلة، فإن أطال القراءة بَطَلَتِ الفريضة، وكذلك إن ركع وإن لم يُطِلْ، وإن قَرُب ولم يركع، بنى وسجد بعد السلام. قال سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك: من نسي السلام من الفريضة ودخل في نافلة، فإن لم يركع رجع فسَلَّم، ثم سجد للسهو، وإن ركع
بطلت الفريضة. وقال ابن القاسم: ويقطع من ركعته، وإن شفعها فلا بأس، وإن ذكر وهو راكع، رجع إلى مكتوبته، فبنى. قال ابن سحنون: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقطع الفريضة، وإن لم يرفع رأسه، ويكون ذلك في هذه خاصة عقد ركعة، لاختلاف قول مالك في عقد الركعة. قال ابن القاسم: وكذلك إن ذكر ركعة، أو سجدة من الفريضة، أو سجدتي السهو قبل السلام، مما تعاد من مثله الصَّلاَة عند التباعد. ومن (الواضحة) قال: ومن خرج من فريضة إلى نافلة، فإن لم يطل، رجع إلى مكتوبته فأتمها، سواء ركعها أو لم يركع، وإن أطال القيام جدا، أو ركع ركعة أطال فيها القراءة، بطلت المكتوبة، وصارت نافلة مع ما هو فيه، فيسلم، ويسجد قبل السلام، كمصلي النافلة أربعا. هذا قول مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وروايتهم عن مالك، وخالفوا ابن القاسم في قوله: وإن ركع بطلت الفريضة وإن لم يطل. قالوا: ولا نفرق بين طول ذلك بركوع أو غيره، فيبطل، وكذلك إذا لم يطل بركوع أو غيره أنها لا تبطل فريضته. وبهذا نقول. وكذلك القول فِي مَنْ تحولت نيته في الفريضة إلى النافلة، فعمل على ذلك، أو دخل من فريضة إلى نافلة، ثم ذكر ركعة أو سجدة من الفريضة، في قرب ذلك أو بعده. وذكر ابن الْمَوَّاز، أن ابن وهب يقول، فِي مَنْ خرج من فرض إلى نافلة: إنها لا تبطل بركعة خفيفة. كما روى ابن حبيب عن غيره. ومن (المَجْمُوعَة)، قال المغيرة، وعبد الملك: ومن ذكر سجدتي السهو من فريضة، بعد أن صَلَّى أخرى، فسجدهما، فلا يُعِيد ما صَلَّى بعدهما، وإن كان
في وقته، إلاَّ أَنْ يكونا قبلَ السلام، فليعد ما هو في وقته. يريد: إذا أَعَادَ الصَّلاَة. وقال عبد الملك، وأشهب: إن سجدتي السهو قبل السلام لا تنتقض الصَّلاَة بهما، وإن طال ذلك، إلاَّ أَنْ ينتقض وضوءه؛ لأنهما ترغيم. وليسا من عماد الصَّلاَة. وهذا خلاف ابن القاسم. ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع عيسى، عن ابن القاسم، قال مالك: ومن أحرم في نافلة، فأقيمت الفريضة، فدخل فيها بغير سلام، فليقطع بسلام، ركع أو لم يركع. قال في (كتاب ابن الْمَوَّاز): يقطع متى ما ذكر، ويسلم وهو قائم، ويدخل معهم. وكذلك في (الواضحة). قال عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك: ومن يدخل من نافلة في فريضة بغير سلام، قطع متى ما ذكر. وإن سلم من النافلة ولم يتمها، ودخل في فريضة، مضى في مكتوبته، ولم يُعِدِ النافلة. ومن رواية سحنون، قال مالك: وإن لم يسلم من النافلة، عمل على ما ذكرت لها إذا ركع أو لم يركع، وطال أو لم يطل، حتى إذا دخل في الفريضة مع إمام، فليقطع متى ما ذكر، فإن لم يذكر حتى أتمها، فليعدها، ولو كان وحده وذكر على وتر، شفعها وسجد قبل السلام، وإن سلم من نافلة، ودخل في مكتوبة، ثم ذكر سجدتي السهو قبل السلام من النافلة، أو بعد السلام، فليتماد في فريضته، ركع أو لم يركع، فإذا سلم، وهما بعد السلام، فليسجدهما، وإن كانتا قبل السلام، فلا شيء عليه، وإن سجدهما فحسن للاختلاف في ذلك، وإن نسيهما
في من ذكر صلاة أو صلوات، في وقت صلاة، أو عند طلوع الشمس، أو عند غروبها
من نافلة، حتى دخل في نافلة، فإن كانتا بعد السلام، تمادى، ركع أو لم يركع، فإذا أتم سجدهما. وإن كانتا قبل السلام، فإن لم يركع، رجع فسجدهما، وإن ركع تمادى، ولم يقضهما، وإن قضاهما فحسن؛ للاختلاف. وهذا كله ذكر نحوه ابن الْمَوَّاز. وبقية القول في هذا في باب العمل في سجدتي السهو. ومن (الواضحة)، قال: ومن دخل في نافلة من مكتوبة بغير سلام سهوا، فالمكتوبة منتقضة، إلاَّ أنَّه يضم ما صَلَّى منها إلى ما كان صَلَّى من نافلته، وينصرف على شفع؛ اثنتين أو أربع، إلاَّ أَنْ يذكر قبل يركع، فليرجع فيجلس ويسلم ويسجد لسهوه. ولو كان مع إمام، قطع متى ما ذكر على شفع أو وتر. هذا كله قول مالك وأصحابه أجمع. ومن خرج من نافلة بغير سلام، فتكلم، وطال أمره، ثم دخل في فريضة، فهي تامة، كان وحده أو مأموما، وصار طول أمره فصلا، كالسلام. ومن (كتاب ابن سحنون)، قال ابن القاسم: ومن دخل في نافلة، بغير تكبير، ثم نسي أَنْ يسلم منها، حتى دخل في فريضة، فإن الفريضة منتقضة؛ لاختلاف الناس في تكبيرة الركوع أنها تجزئ في من ذكر صلاة، أو صلوات، في وقت صلاة، أو عند طلوع الشمس، أو عند غروبها من (الْعُتْبِيَّة)، من سماع ابن القاسم، قال مالك: من ذكر صلوات في وقت صلاة -يريد: وليس فيه سعة - فإن كانت صلاة يوم فأقل، بدأ بهن،
وإن فات وقت التي حضر وقتها، وأما إن كانت أكثر من خمس، بدأ بالحاضرة ثم يقضي ما ذكر. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مالك. وذكر ابن سحنون، عن أبيه، أن خمس صلوات كثيرة، ويبدأ بالحاضرة، حتى يذكر أقل من خمس. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون، وأبو زيد، عن ابن القاسم: ومن ذكر عشر صلوات، قبل أَنْ يصلي الظهر والعصر، فإن لحق أَنْ يصلها مع الظهر والعصر قبل الغروب – يريد: أو مع الظهر وركعة من العصر – فعل، وإن لم يدرك، بدأ بالظهر والعصر، ثم يصلي ما ذكر. وروى هذا عن مالك في موضع آخر، أن الوقت فيه غروب الشمس. وروى عنه اصفرار الشمس. قال ابن القاسم، في المسألة الأولى: فإن بقي من النهار بقية، لخطأ في التقدير، أَعَادَ الظهر والعصر، إن لحقهما قبل الغروب. فإن ذكر ثلاث صلوات بدأ بهن، وإن فات وقت ما هو في وقته، ولو ذكرهن في وقت صلاة يخاف فوات وقتها، فبدأ بها، ثم قضى ما ذكر، فلم يفرغ حتى خرج الوقت في التي بدأ بها، فلا يُعِيدها. ومن (الواضحة)، ومن ذكر صلوات في وقت الظهر، فإن كان إذا أخر الظهر إلى وقت يجوز لغيره تأخيرها إليه، تم ما ذكر من الصلوات، بدأ بهن، وإن كثرن، وإن كان إذا بدأ بهن، خرج وقت ما هو فيه، فانظر، فإن كانت خمسة بدأ بهن، وإن كانت أكثر، بدأ بما هو في وقته، وكذلك إن دخل في هذه، فإن كان يجب أَنْ يبتدئ بهن ولو ذكر آخر ما يذكر عند غيبوبة الشفق، وكذلك لو ذكرهن بعد أن دخل في هذه، فإن كان يجب أَنْ يبدأ بهن لو ذكرهن، فسدت هذه، ولكن ينصرف منها على شفع إن كان وحده، وإن كان مع إمام تمادى، إلاَّ
في المغرب، فإنه يقطع، كان مع أمام وحده، يقطع في الأولى، وإن كان قد صلاها، شفعها الثانية وإن كان في الثالثة، شفعها برابعة، فإن كان ما ذكر من الصلوات لا يجب أَنْ يبدأ بهن؛ لأنهن أكثر من خمس، لم يفسد هذه، وتمادى فيها، وقضاهن بعدها. ومن (المَجْمُوعَة)، ابن القاسم، وعلي، عن مالك: ومن نسي الصبح أو قام عنها حتى بدا حاجب الشمس، فليصلها حينئذ، ولا يركع للفجر، ولم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع للفجر يوم نام عنها. قال أشهب: بلغني عنه أنَّه عليه السلام ركع. قال علي: وقاله غير مالك، وهو أَحَبُّ إليَّ أَنْ يركع. قال عنه ابن القاسم: ومن دخل المسجد والناس في العصر، ولم يصل الظهر، فإن لم يخش شدة حر وجد، فليخرج، فيصلي الظهر ثم يدرك العصر، وإن خشي شدة ذلك، صَلَّى معهم، ثم صَلَّى الظهر، وأَعَادَ العصر. قال عنه علي: وإن ذكر الظهر والعصر من يومه، في وقت العصر، فبدأ بالعصر، جهلا أو سهوا، فليعدهما، وإن لم يذكر حتى ذهب يومه، لم يُعِدْ شيئا. قال: ولو ذكر الظهر والعصر بعد غروب الشمس، فبدأ بالعصر، ثم الظهر، فإن علم مكانه أعادهما، وإن طال، فلا شيء عليه. قال أبو محمد: أراه يعني يُعِيدهما، يريد العصر؛ لأنه صلاها ذاكرا لصلاة عليه. قال ابن الْمَوَّاز: فذكره لذلك فيها كأنه في وقتها، ولو لم يذكر الظهر حتى سلم من العصر، لم يُعِدْ شيئا.
في من ذكر صلاة في صلاة، أو بعد أن سلم منها
قال سحنون، في (المَجْمُوعَة): ومن ذكر صلاة، بعد أن ركع للفجر، صلاها، ثم أَعَادَ ركعتي الفجر. قال ابن الْمَوَّاز: ولو ذكر إحدى صلاتي العشاء، من أمس، وشك في الأخرى، وقد صَلَّى الظهر والعصر، وبقي من النهار بقية، فليصل المغرب والعشاء، وإن غابت الشمس، ولا يُعِيد من صلاة اليوم شيئا، وإن ذكر سجدة من إحدى صلاتي أمس، أو أم القرآن، فليقضهما جميعا، فإن قضاهما، ثم ذكرهما، قضى سجدة من أحدهما قبل يسلم العشاء، أو بعد، فهو سواء، لا يفسد العشاء بذلك؛ لأنه إنما يطلب صلاة واحدة، وليصلح العشاء إن كانت بالقرب، ويُعِيد المغرب وحدها. فِي مَنْ ذكر صلاة في صلاة، أو بعد أن سلم منها من (الْعُتْبِيَّة) من سماع أشهب: ومن أحرم في العصر، ثم ذكر الظهر، فليتم ركعتين، ثم يصلي الظهر، ثم العصر. وهذا خلاف رواية ابن القاسم. قال عيسى: ولو ذكرها بعد أن سلم من العصر، فصلى الظهر ثم جهل أو نسي، أَعَادَ العصر حتى خرج الوقت، فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: ومن ذكر ظهر يومه، وهو في العصر مع الإمام، أو ذكر المغرب، وهو في العشاء، فهذا يقطع، كان على شفع أو وتر، ولا يتمادى إلاَّ ذاكرا صلاة خرج وقتها، فأما وهو في خناق من وقتها فاستدراكه فيها لبقية الوقت أولى به من صلاة صارت نافلة لا تُجْزِئه. ولو ذكر فيها صلاة فاتت، فليتماد، فإذا سلم صَلَّى التي ذكر، وأَعَادَ هذه، فإن نسي أَنْ يُعِيدَها حتى خرج وقتها فليعدها أبدا؛ لأنها صارت نافلة.
قال سحنون، فِي مَنْ ذكر صلاة في صلاة، فتمادى فيها، وصَلَّى بعدها أياما، ذاكرا لتلك الصَّلاَة: فإنما يُعِيد التي ذكر وما كان في وقته من الصلوات، ولا يُعِيد التي ذكرها فيها، إذا خرج وقتها. قال ابن حبيب: وإن ذكر الفائتة بعد سلامه من هذه، فصلى التي ذكر، وسجد، ونسي إعادة هذه حتى خرج وقتها، فقال ابن القاسم: لا يُعِيدها. وقال مطرف، وعبد الملك: يُعِيدها أبدا. وذكراه عن مالك. وكذلك قالا: من ذكر في الوَقْتِ أنَّه صَلَّى بثوب نجس، ثم نسي أَنْ يُعِيدَ حتى خرج الوقت، إنه يُعِيد أبدا. وقد تقدم نحو هذا في باب آخر. قال ابن الْمَوَّاز: لا يُعِيدها بعد الوَقْتِ، تركها نسيانا أو تعمدا، إلاَّ في قول عبد الملك، لا في الثوب النجس، ولا في التي كان عليه إعادتها بعد قضاء التي ذكر. ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع أشهب: ومن ذكر صلاة نسيها، بعد أن صَلَّى الظهر أو العصر، فصلاها، فليعد الظهر والعصر، إن أدركهما، أو واحدة وركعة من الأخرى قبل الغروب، فإن لم يدرك إلاَّ صلاة، أو ركعة منها، جعلها العصر، فإن قدر أنَّه يبقى ركعة، فصلى العصر، ثم بقي النهار ركعة، فليعد الظهر والعصر. وقال سحنون، في (كتاب ابنه): لا يُعِيد إلاَّ الظهر، وكذلك الحائض في خطأ التقدير. وكذلك قال ابن الْمَوَّاز. وهذا مستوعب في باب مقادير الوقت. ومن سماع أشهب، قال مالك: وإن ذكر الإمام صلوات نسيها، قطع وقطعوا وابتدأ وهم، وإن ذكر ذلك بعد أن سلم، صَلَّى ما ذكر، وأَعَادَ هذه في الوقت، وكذلك من صلاها خلفه، يُعِيدها في الوقت.
قال عيسى: يستخلف، وإن ذكرها بعد أن سلم فلا إعادة عليهم، وليصل هو ما ذكر، ويُعِيد التي صَلَّى إن كان في وقتها، وما كان في وقته من الصلوات. وقاله أيضا ابن القاسم، وابن كنانة، وابن دينار، ورواه عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم. قال ابن حبيب: اختلفت فيها رواية ابن القاسم، روى أن الإمام يقطع بهم، ولا يستخلف. وروى أنَّه يستخلف على ما كان صَلَّى بهم قبل أَنْ يذكر، وجعله كالحدث. وبهذا قال مطرف، وابن الماجشون، وابن كنانة، وابن دينار، وغير واحد من المدينين، وبه أقول، وإنما يقطع الإمام بهم ولا يستخلف، إذا ذكر أنَّه قد صَلَّى تلك الصَّلاَة في بيته، أو إذا دخل من نافلة في مكتوبة بغير سلام، وإذا نسي الإحرام وشبه ذلك، فإنه يقطع في هذا كله، ويقطعون، ويبتدئون صلاتهم بإمام، وسواء ذكر ذلك في خلال صلاته، أو بعد أن سلم منها، فإنهم يبتدئونها بإمام، إلاَّ التي كان صلاها في بيته، فإنه إذا لم يذكر إلاَّ بعد فراغه منها، فإنما يُعِيدونها أفذاذا. قال ابن القاسم: وإن ذكر الإمام في الجمعة صلاة نسيها، قطع وكلمهم حتى يثبتوا له، حتى يقضي ما ذكر، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يبتدئ الخطبة. وإن ذكرها بعد أن سلم أجزأتهم. وإن ذكر بعد ركعة، قدم من يتم بهم. وكذلك في كل صلاة، وقد قال: تبطل صلاتهم. ثم رجع إلى هذا، وبه يأخذ عيسى. قال عيسى، وسحنون، عن ابن القاسم، فِي مَنْ صَلَّى الجمعة، ثم ذكر الصبح، فإنه يصليها، ويُعِيد ظهرا. وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز عنه، وأنَّه قال: وقتها النهار كله. وقال سحنون: وقتها الفراغ منها، ولا يُعِيدها. قال أصبغ: وقال الليث وأشهب وغيرهما: إن السلام من الجمعة خروج وقتها. وقد تقدم هذا
في المصلي يتمادى على شك وضوء أو نجاسة، أو يسلم على شك من التمام فيذكر، أو حالت نيته إلى نافلة، أو صلاة أخرى، ثم ذكر، أو زاد ركعة سهوا، ثم ذكر سجدة أو أم القرآن، أو زادها عمدا، ثم ذكر أنها عليه
في باب آخر. ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: ومن ذكر الصبح في صلاة الجمعة، فإن أيقن أنَّه إذا خرج صَلَّى الصبح، فأدرك ركعة من الجمعة، فليقطع، وإن أيقن أنَّه لا يدرك ذلك، تمادى، فإذا سلم صَلَّى الصبح، ولم يُعِدْ ظهرا، كصلاة خرج وقتها، فإن أعادها ظهرا فحسن. وفي الباب الذي قبل هذا شيء من ذكر صلاة في صلاة. في المصلي يتمادى على شك من وضوء أو نجاسة، أو يسلم على شك من التمام، فيذكر، أو حالت نيته إلى نافلة، أو صلاة أخرى، ثم ذكر، أو زاد ركعة سهوا، ثم ذكر سجدة أو أم القرآن، أو زادها عمدا، ثم ذكر أنها عليه من (الْعُتْبِيَّة)، روى عيسى، عن ابن القاسم، فِي مَنْ صَلَّى ركعتين، ثم شك في الوضوء، فأتم الصَّلاَة على ذلك، ثم ذكر أنَّه على وضوء، أنها تُجْزِئه، إلاَّ أَنْ يكون نوى بها نافلة حين شك. قال سحنون، في (المَجْمُوعَة): إن ذكر بعد ركعة أنَّه غير متوضئ فصلى ثانية، ثم ذكر أنَّه متوضئ، فصلاته فاسدة، وكذلك في الثوب النجس، وفي النافلة يدخلها بين ظهرانى صلاته، أو إمام شك أنَّه في رابعة أو ثالثة، فيسلم على
شكه، ثم يعلموه أنها رابعة، فقد أفسدت عليه وعليهم. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون. عن أشهب، فِي مَنْ ذكر في الصَّلاَة مسح رأسه، فتمادى، ثم ذكر بعد السلام أن وضوءه تام، فصلاته باطل. ولو ظن أنَّه في نافلة فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم ذكر مكانه، فليبن، وتُجْزِئه. قال: وذكر لي يوسف بن عمرو، عن أشهب، فِي مَنْ ظن أنَّه في عصر، فأتم صلاته، ثم ذكر أنها الظهر، فهي تُجْزِئه. وقال يحيى بن عمر: لا تُجْزِئه في المسألتين. وقال ابن وهب، وأشهب، في التمادي على الشك في الوضوء: لا يُجْزِئُهُ. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالك وأصحابنا: إذا شك في الوضوء بعد ركعة فتمادى، ثم ذكر في تشهده أنَّه متوضئ، إن صلاته تامة. قال محمد: وكذلك أرى فِي مَنْ سلم من الظهر، ثم تنفل بركعتين، ثم ذكر أنَّه إنما سلم من اثنتين من الظهر، أنها تُجْزِئه من فرضه، سلم أو لم يسلم، ويسجد بعد السلام. وقاله عبد الملك. ومن (الواضحة) و (كتاب ابن سحنون)، ومَنْ لم يَدْرِ أهو في الثالثة أم في رابعة، فسلم على شك، ثم تبين له أنَّه أتم، فصلاته مجزئة عنه، وإن تمادى بشكه، أَعَادَ الصَّلاَة، وروى ابن عبدوس، عن سحنون، أنَّه إن سلم على شَكٍّ، فقد أبطل، ولا تُجْزِئه.
قال ابن حبيب: ولو سَلَّم على يقين، ثم شَكَّ، لبنى في القرب. وقال ابن سحنون، عن أبيه: إذا كان إماما، فسلم على يقين، ثم شك، فسأل من خلفه، فأخبروه أنه لم يتم، فإن سلم من اثنتين، أجزأه البناء بالقرب، وإن سلم من غير اثنتين فسألهم، بطلت صلاته وصلاة من خلفه. وقال أيضا سحنون، في الإمام في الجلوس يشك أنه في اثنتين أو في أربع، فسلم على شك، ثم سألهم، فأخبروه أنه أتم: إنها تبطل عليه وعليهم. وقال ابن حبيب، في المسلم على شك أنه في ثلاث أو أربع، ثم تبين له أنه سلم من أربع: إنها تجزئه، كمن تزوج امرأة لها زوج غائب، لا تدري أحي هو أم ميت، ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه، فنكاحه ماض. قال ابن عبدوس، قال ابن القاسم، في من ظن أنه في نافلة، فصلى ركعة، ثم علم، فقد فسدت، وليضف إليها أخرى، وتكون نافلة. وقال علي بن زياد: فإن صَلَّى ركعة، ثم ظن أنه في سفر، فصلى ثانية على ذلك، ثم ذكر، فليتم صلاته، وتجزئه، ولا سجود عليه. وقاله ابن كنانة. قال سحنون: لأنه فرض واحد، بخلاف من صَلَّى على أنه في نافلة. وقال ابن القاسم: إنها تجزئه، ولو أعاد كان أحب إلي. ومن (كتاب ابن المواز)، ومن صَلَّى خامسة ساهيا، ثم ذكر سجدة، من أول صلاته، وشك القوم، فليسجد بهم قبل السلام، وتجزئه. وروى عن ابن القاسم أنه يأتي بركعة، ولا يعتد بالركعة التي جاء بها ساهيا. قال عنه ابن المواز: والصواب أن تجزئه؛ لأنه قصد بها فرضه فصادفه. وقاله أشهب، وعبد الملك، وابن عبد الحكم. وكذلك قال سحنون، في (المجموعة)، في المصلي وحده.
وقال سحنون: وإن ذكر أم القرآن من ركعة، أجزأه سجود السهو قبل السلام، وإن ذكرها من ركعتين لا يدريهما، أعاد الصلاة. قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى بقوم الصبح ثلاثا سهوا، ثم ذكر أم القرآن من الثانية، قال: يعيدون الصلاة. قال ابن المواز، قال عبد الملك: ومن صَلَّى خامسة في الظهر عامدا، ثم ذكر أنها رابعة، إن ذلك لا يضره. وكذلك لو صَلَّى ركعة، فظن أنه في نافلة، إذا أحرم على الفرض. وكذلك من ذكر أنه على غير وضوء، فتمادى، فصلى ركعة، ثم ذكر أنه متوضئ. قال: وإذا صَلَّى إمام الجمعة ثلاثا، ثم ذكر سجدتين لا يدري من ركعة أم من ركعتين، فليسجد سجدة، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، وتجزئهم الجمعة. ولو ذكر أنهما من ركعة ما كان عليه غير سجود السهو بعد السلام، وتجزئهم. وكذلك من صَلَّى الظهر خمسة، ثم ذكر سجدتين، لا يدري من ركعة أو من ركعتين، فليخر بسجدة، ويأتي بركعة، ويسجد قبل السلام. يريد إذ لعله نقص القراءة أو الجلوس. وقد قال أيضا ابن القاسم: إنه يأتي بركعتين، ويسجد قبل السلام. وقال ابن حبيب، في الذي صَلَّى خامسة سهوا: إن ذكر سجدة من الرابعة قبل أن يسجد في الخامسة، فإنه يسجد سجدة للرابعة، ويتشهد، ويسلم، ويسجد بعد السلام. وقال سحنون، في (المجموعة)، في إمام شك في الوضوء بعد ركعتين: فليستخلف، بخلاف شكه في الإحرام. ثم وقف في الوضوء. وهذا مذكور بعد هذا.
في السهو عن تكبيرة الإحرام، أو الشك فيها للإمام والمأموم، وكيف إن كبر للركوع، وذكر ما يحمله الإمام وما لا يحمله عن المأموم، من السهو وغيره
في السهو عن تكبيرة الإحرام، أو الشك فيها للإمام والمأموم، وكيف إن كبر للركوع، وذكر ما يحمله الإمام وما لا يحمله عن المأموم، من السهو وغيره من (كتاب ابن المواز)، قال: ولا يحمل الإمام عن المأموم تكبيرة الإحرام، ويحمل عنه باقي التكبير كله غيرها، ويحمل عنه كل سهو، إلاَّ تكبيرة الإحرام والسلام وسجدة أو ركعة، ويحمل عنه غير ذلك، نسيه أو تركه عامدا، وقد أساء في تعمده. يريد محمد: ولا تدخل الجلسة الآخرة في هذا. ومن (العتبية)، وروى عيسى، عن ابن القاسم، أن من ترك التكبير كله ساهيا، سوى تكبيرة الإحرام، فإنه يسجد قبل السلام، فإن لم يفعل حتى تطاول ذلك، أعاد الصلاة. وكذلك في السهو عن الجلسة الأولى. ولو كان ذلك من نسيان الجهر بالقراءة، لم يعد. قال ابن حبيب: ومن أحرم هو والإمام معا، أو أسلم كذلك، فقال أصبغ: يعيد أبدا. وخففه ابن عبد الحكم. وبقول أصبغ أقول. ومن (كتاب ابن المواز)، ومن كبر للركوع ينوي به الإحرام والركوع، فيجزي المأموم، ولا يجزي الإمام، ولا الفذ. وإذا ذكر المأموم تكبيرة الإحرام، وهو راكع، ولم يكن كبر لركوعه، فليقم
ويحرم، فإن كبر راكعا، فليقض ركعة بعد سلام الإمام، ويجزئه. وقال أشهب، في (المجموعة): إذا ذكر، وهو راكع، تكبيرة الإحرام، فكبر للإحرام وهو راكع، لم تجزئه، وليرفع رأسه، فيحرم، ثم يقرأ، ثم يركع، إمام كان أو فذا. ومن (كتاب ابن المواز)، ولو كان قد كبر لركوعه، لتمادى وأعاد. قاله مالك وروى عنه أنه إن طمع إذا رفع رأسه أن يحرم قبل رفع الإمام فعل، وأجزأه. وأبى ذلك ابن القاسم، وخاف أن تكون خامسة، على الاختلاف. ولو لم يكبر لإحرام ولا لركوع، ولكن كبر للسجود، فإن ذكر قبل يركع الثانية، فيلحرم، ويقضي ركعة، وإن لم يذكر حتى ركع الثانية، وقد كبر لها أو لم يكبر، تمادى وأعاد. يريد: بعد أن يقضي ركعة. وكذلك روى علي، عن مالك، في (المجموعة). قال، في (كتاب ابن المواز): ولا يحرم هذا، لأن تكبيره للسجود كتكبيره في ركوع الثانية. قال ابن المواز: بل لا يجزئه تكبير السجود إن لم ينو به إحراما، فإن نوى به، أو أحرم في الثانية، أجزأه، وقضى ركعة. قال: ومن أحرم قبل إمامه، كان كمن لم يحرم، ويقطع بغير سلام. وقال سحنون: بل يقطع بسلام. قال ابن المواز: ويحرم ما لم يكبر للركوع، فيمضي ويعيد، فإن لم يكبر لركوع ولا سجود، فليحرم في الثانية. قاله مالك وأصحابه.
قال ابن القاسم: إلاَّ أن هذا أحب إلي ها هنا أن يقطع بسلام، ثم يحرم. قال: ومن صَلَّى وحده، فذكر تكبيرة الإحرام بعد ركعة، أو بعد ركعتين، وقد كبر للركوع والسجود، فليقطع بسلام. قال ابن القاسم: وإن شك المصلي وحده في الإحرام، قطع بسلام، وابتدأ كالموقن. وقال عبد الملك: يتمادى، ويتذكر فيتمها، ويعيد إن كان وحده أو إماما. ومن ذكرها من إمام، أو فذ قبل أن يركع، وقد قرأ، فأحرم وركع، ولم يقرأ في الثانية، بطلت صلاته؛ لتركه القراءة عامدا، وليقطع في ما ذكر بسلام، ويبتدئ. ولو كان مأموما أجزأته. وإن ذكرها مأموم بعد ركعة، فأحرم، ولم يقطع بسلام، فإن لم يكن كبر لركعته، أجزأته صلاته. يريد: ويقضي ركعة. ولو كبر للركعة، لم تجزئه، إلاَّ أن يقطع بسلام ثم يحرم. ولو كان وحده أو إماما، رجوت أنه تجزئه صلاته. ومن (المجموعة)، وهو مطروح، قال أشهب، في من شك في تكبيرة الإحرام، بعد أن ركع، أو ركع وسجد، فأعاد التكبير، ثم علم أنه قد كان كبر، فليمض على صلاته من حين كبر التكبير الثاني. أراه يريد: تجزئه الصلاة. وهو قول عبد الملك. ومن (المجموعة)، قال ابن الماجشون: إذا شك في الإحرام مأموم، أو وحده، فهو سواء، فإن كان قبل ركعة أحرم، وأجزأه، وإن كان بعد ركعة، تمادى وأعاد، وإن أيقن بعد ركعة أنه لم يحرم، وهو وحده، فليحرم، وليبتدئ صلاته بخلاف المأموم. وروى ابن القاسم، في هذا المصلي وحده يذكر أنه لم يحرم، فليقطع بسلام. وقال سحنون فيه: بل يقطع بغير سلام.
قال ابن القاسم: وإن شك في الإحرام وقد ركع، قطع بسلام، وإن ابتدأ ولم يسلم، أعاد الصلاة. وإن كان مع إمام فشك وهو راكع، فرفع رأسه ليحرم، فرفع الإمام قبل أن يحرم، فليسلم، ويدخل معه، ويقضي ركعة. قال سحنون: إذا شك الإمام بعد ركعة في الإحرام تمادى وتذكر، فإن لم يذكر حتى سلم أعادها بهم. وقال في (كتاب ابنه): فإذا سلم سلموا ثم سألهم، فإن أيقنوا بإحرامه، فلا شيء عليه، وإن شكوا، أعاد وأعادوا. وإن شك في الوضوء، استخلف ولم يتماد. والفرق أنه لو صَلَّى ثم ذكر أنه لم يحرم، لأعاد وأعادوا، ولو ذكر أنه غير متوضئ، أعاد هو، ولم يعيدوا. وقال، في (المجموعة): إذا صَلَّى إمام ركعتين، ثم شك في الوضوء، فليستخلف. بخلاف شكه في الإحرام. ثم وقف في الوضوء، وقال: إن كان متوضئا كيف يجوز له القطع؟ ومن (العتبية)، قال أشهب، عن مالك، في الإمام يذكر تكبيرة الإحرام، بعد أن قرأ، فليخبر من خلفه، ثم يحرم ويحرموا بعده، ولا يجزئهم أن يحرموا قبله. ومن (الواضحة)، قال: وإذا نسي المأموم الإحرام، وكبر للركوع، فذكر وهو راكع، فليرفع رأسه، ويقطع بسلام، ويحرم ويركع، فإن رفع الإمام رأسه قبل يمكن يديه من ركبتيه فليقض ركعة، وإن ذكر بعد أن رفع رأسه، تمادى وأعاد. قال: وإن دخل معه بعد ركعة فأكثر، فنسي الإحرام، فليحرم متى ما ذكر، كبر للركوع أو لم يكبر، وليس على هذا أن يقطع بسلام ولا كلام. وروى علي بن زياد، عن مالك، في (المجموعة)، أنه إن فاتته الأولى،
ونسي الإحرام حتى ركع الثانية وكبر لها، أنه يتمادى ويعيد. قال ابن المواز: بعد أن يقضي ركعة. ومن (الواضحة)، قال: وإذا شك المأموم في الافتتاح، فهو كالموقن بتركه، إلاَّ في وجه واحد، أن هذا إن لم يكبر للركوع فليتماد، ويعيد. وقاله أصبغ. ومن لم يحرم، وكبر للركوع، ورفع رأسه، فأمر بالتمادي مع إمامه، فجدد إحراما، فذلك ليس يقطع، ولا يغير حاله، ولا يجزئه قضاء ركعة، ويسلم مع الإمام، ويعيد. وكذلك لو ذكر أن عليه ثوبا نجسا بعد ركعة، فنزعه، ثم أحرم، فليس ذلك يقطع، وقد أبطل صلاته، وكأنه زاد فيها. وقاله ابن الماجشون، وأصبغ. ومن شك في الإحرام، وهو وحده، فليقطع بسلام، وإن ركع بتكبير، وكذلك الإمام إذا أيقن أنه نسي الإحرام إلاَّ أنه يخبر من خلفه، فإن كان بعد طول، مثل ركعة أو ركعتين، أمر بإقامة الصلاة. وأحب إلي في المسجد الواسع الذي لعله لا يمنعهم كلامه فيه، أن يقيم الصلاة، وإن لم يطل. ومن (العتبية)، قال يحيى بن يحيى، قال ابن القاسم: وإذا نسي المأموم تكبيرة الإحرام في الجمعة، فإنه يجزئه أن يكبر في الثانية. يريد: بعد أن يقطع. ويجعلها أول صلاته. هذا في الجمعة خاصة؛ لئلا تفوته، ولا يجوز له في غيرها. وقال في (المجموعة): أرى أن لا يقطع، وليتماد، ثم يعيدها ظهرا. وذكر ابن حبيب، عن مالك، نحو رواية يحيى بن يحيى، أنه يقطع، وإن كان بعد ركعة، ثم
في السهو عن القراءة
يحرم، ويقضي ركعة، بخلاف غير الجمعة، لئلا تفوته. وكذلك إن ذكر أنه أحرم قبله، فالجواب سواء. ومن (المجموعة)، ابن القاسم: ومن نسي تكبيرة الإحرام من نافلة، فأقيمت الصلاة، فدخل معهم، فليسلم، متى ما ذكر، فإن أتمها أعادها. في السهو عن القراءة من (كتاب ابن المواز)، قال: ومن نسي القراءة من ركعة- يريد: مما فيه أكثر من ركعتين من الصلوات- فلمالك فيها ثلاثة أقاويل؛ قال تجزئه سجدتا السهو. وقال: إنه يسجد للسهو، ثم يعيد. وقال: يأتي بركعة، وتجزئه. وهذا أبعدها عند ابن القاسم وأشهب. وذكر في (المدونة) أن هذا اختيار ابن القاسم. قال محمد: ولم يختلف عنه في ركعتين، أن صلاته تبطل بترك القراءة فيهما. قال عبد الملك: فان ذكر في الثالثة أنه لم يقرأ في الأوليين تمادى وأعاد. محمد: بعد أن يسجد قبل السلام. وقاله سحنون. قال ابن المواز: واختلف قول مالك لاختلاف من قبله، يروى عن عمر وعلي بن أبي طالب إجازة صلاة من صَلَّى بغير قراءة. قال علي: ولو لم تجزئه ما أجزأت الأمي. وذهب إليه عبد العزيز ابن أبي سلمة. وروي أن النبي عليه السلام، قال:
«كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج». وحديث جابر: «كل ركعة». قال غير ابن المواز: والخداج النقص. واختلف في ذلك النقص، هل يبطلها؟ قال مالك، في (المجموعة): وإني لأنكر أن يترك عمر القراءة في المغرب، فلا يذكره الصحابة. وروى علي بن زياد، عن مالك، في من صَلَّى ولم يقرأ في صلاته، قال أحب إلينا أن يعيد الصلاة. ومن (كتاب) آخر، روي عن المغيرة، في من لم يقرأ في الظهر إلاَّ في ركعة منها، قال: تجزئه سجدتا السهو قبل السلام. ومن (كتاب ابن المواز)، قال ابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ، في تاركها من ركعة: يسجد للسهو، وتجزئه. واستحب له ابن القاسم، وأشهب أن يعيد، وأوجبا عليه في تركها من الركعتين إعادة الصلاة. وذكر عن أشهب قول آخر، أن تاركها من ركعتين لا يعيد إلاَّ ركعتين، وأما من ركعة فيتمادى، ويسجد قبل السلام، ويستحب له إعادة الصلاة. وقال ابن عبد الحكم، وأصبغ: إن تاركها من ركعتين أتى بركعتين، فأما إن سلم منها، وذكرها بقرب أو بعد، فليبتدئ الصلاة، وإن معنى قول مالك: تبطل. أنه في من
سلم منها. وقال أصبغ: إن ذكر بقرب سلامه، أتى بركعتين، وتجزئه، وأما من ركعة، فليتم، ويسجد قبل السلام، ويعيد من أي ركعة كانت. ومن (الواضحة)، ومن سها عن القراءة في ركعة من الصبح، أو من الجمعة، أو مما يقصر في السفر، فليسجد قبل السلام، ويعيد، وكذلك في ركعتين من مسافر الصلوات، وأما من ركعة من صلاة هي أكثر من ركعتين، فتجزئه سجدتا السهو. لم يختلف في ذلك أصحاب مالك. وقال ابن الماجشون: وتجزئه سجدتا السهو في تركها من ركعة، من أي صلاة كانت، ولا يعيد، وأما من ركعتين فليعد. وقال ابن عبد الحكم، وأصبغ، في تاركها من ركعتين من الظهر أو ركعة من الصبح، أن يلغي ذلك، ويبني، ويسجد بعد السلام، ولا يعيد. ومن (كتاب ابن المواز): وروى أصبغ، عن ابن القاسم، قال: إذا ذكرها من الركعة الأولى، وهو فيها راكع، وقد رفع رأسه ولم يسجد، فليقطع بسلام، ويبتدئ، وإن أنهى سجدتين، شفعها، وسجد قبل السلام، وإن ذكرها، وهو قائم في الثالثة، أو راكع، ولم يرفع، فليجلس، ويسجد قبل السلام، وإن ذكر بعد رفعه من الثالثة، أتم صلاته، وسجد قبل السلام، وأحب إلي أن يعيد، ولو عقد الأولى، ونسي أم القرآن من الثانية، فذكر وهو راكع فليتم الثانية، ويسجد لسهوه، ويسلم منهما. وقال أصبغ: لا يقطع، ذكر في الأولى، أو في غيرها، وليتم، ولا يبطلها بنية الإعادة، ويسجد، وتجزئه، وإن شاء أعاد، وإن شاء لم يعد. محمد: وهذا هو الصواب. قال أشهب، في (المجموعة)، في تاركها في ركعة: يتمادى، ويعيد. ومن
لم يقرأ بأم القرآن حتى قرأ السورة أو بعضها، فليبتدئ في القراءة، ولا سجود عليه. قال أشهب: يسجد استحبابا. ومن (كتاب ابن المواز)، قال مالك: وإن ذكر إمام في الثالثة أنه لم يقرأ في الأوليين، فصلاته وصلاة من خلفه باطل. وإن ذكر أنه غير متوضئ، استخلف. وإن ذكر بعد السلام أعاد، وأعادوا، في تارك القراءة، ولا يعيد في تارك الوضوء إلا هو وحده. ومن (العتبية)، قال عيسى، عن ابن القاسم: إذا تركها الإمام من ركعتين، أعاد وأعادوا أبدا. وإن كان في صلاة، قطع وابتدأ. قال عيسى: ومن ترك قراءة السورة التي مع أم القرآن، جاهلا أو عامدا، أعاد أبدا. وهذا قول علي بن زياد. وخالفه ابن القاسم في هذا، وأنكر سحنون قول ابن القاسم. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن رعف بعد ركعة من الجمعة، فرجع وقد انقضت، فصلى ركعة نسي فيها أم القرآن، فليسجد قبل السلام، ويعيد ظهرا. وكذلك لو نابه ذلك في الصبح، لسجد قبل السلام، وأعادها. ومن (كتاب ابن سحنون): ومن رفع رأسه من ركوع الثانية، ثم ذكر أم القرآن منها، فليبتدئ قراءة أم القرآن وسورة، ويسجد بعد السلام. يريد سحنون- والله أعلم – ويبني على ركعة، على القول الذي لا يجزئ فيها سجود السهو قبل السلام. ولو ذكر بعد رفعه رأسه السورة التي معها، تمادى، وسجد
قبل السلام. ولو ظن أنها لا تجزئه، فألغاها، وابتدأ القراءة، وركع وسجد، فقد أفسد صلاته؛ إذ زاد ركعة جهلا. فإن ذكر السورة قبل ركوعه، فليقرأها، ويبني، ولا سجود عليه للسهو، إلا أن يطيل القيام بعد فاتحة الكتاب، وقبل ذكره لترك السورة. وقال سحنون: وإن ذكر الإمام، وهو جالس في الرابعة، أم القرآن، فأتى بركعة، فليعد ويعيدوا؛ لأنها خامسة إذ كان يجزئه سجدة السهو. يريد: في آخر أقاويل مالك. ومن (المجموعة)، وإذا أمكن يديه من ركبتيه، ثم ذكر أنه لم يقرأ، يروي ابن القاسم عن مالك، أنه يرفع رأسه، فيقرأ ويسجد بعد السلام. وقال أشهب: إنه يتمادى، ويعيد. وقال ابن الماجشون: إذا أمكن يديه من ركبتيه، ثم ذكر أم القرآن أو السورة، يتمادى ويسجد قبل السلام وتجزئه. ثم قال: يرجع، ويقرأ، ويسجد بعد السلام. ومسألة من صلى خمسا ثم ذكر أم القرآن من ركعة أو ركعتين، في باب المصلي يتمادى على شك. ومن (العتبية)، من سماع أشهب: ومن شك في قراءة أم القرآن، فإن كثر هذا عليه، فليله عن ذلك، وإن كان المرة بعد المرة، فليقرأ. وكذلك سائر ما شك فيه. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من شك في قراءة أم القرآن، وقد قرأ السورة، فليقرأها، ويعيد السورة، ولا سجود عليه. وروى علي، عن مالك، في (المجموعة)، أنه ليس عليه إعادة السورة.
في السهو عن الإجهار والإسرار في القراءة، وكيف إن رجع هل يسجد، وكيف إن فعل ذلك عامدا
في السهو عن االإجهار والإسرار في القراءة، وكيف إن رجع هل يسجد، وكيف إن فعل ذلك عامدًا من (العتبية)، من سماع أشهب عن مالك: ومن قرأ في الجهر سرا، ثم ذكر فأعاد القراءة جهرا، فلا سجود عليه. قال: ولو قرأ أم القرآن فقط، في ركعة من الصبح، فأسر بها، فلا يعيد الصلاة لذلك، وتجزئه، ولا سجود عليه. قال عيسى، عن ابن القاسم: إن قرأها سرا، ثم ذكر، فأعادها جهرا، فليسجد بعد السلام. قال ابن المواز، عن أصبغ: إنه لا يسجد، وإن سجوده لخفيف حسن. ومن (المجموعة)، روى ابن القاسم، عن مالك، في الإمام يسر القراءة، فيسبح به، فيقرأ، قال: يحتاط بسجوده للسهو، وما هو بالبين. قال عنه ابن نافع: لا يسجد. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في (العتبية)، أنه إذا أسر الإمام القراءة فيما يجهر فيه، فكلم أو أشير إليه، فتمادى، فلما فرغ قال: كنت ناسيًا. فليسجد بهم، وتجزئهم. وإن قال: تعمدت. أعاد، وأعادوا. وقال عيسى: يعيد أبدا. وقد تقدم، في باب الإمام تفسد صلاته، هذه المسألة من رواية أشهب، عن مالك، أنه إن قال: قرأت في نفسي. قال: هذا جاهل، وما أراه قرأ، وليعد من
في السهو عن تكبير الخفض والرفع وشبهه، والسهو عن تمام الركوع والسجود، وعن التشهد والسلام
خلفه في الوقت. ولم يذكر في (كتاب ابن المواز) عن مالك: في الوقت. وقال أصبغ: ولا يعيد هو إن صدق. قال أصبغ، في (العتبية): من أسر في الجهر أو جهر في الإسرار عامدا، لم يعد، ولكن يستغفر الله. وقال علي، في (المجموعة): إنه يعيد. وكذلك روى أبو زيد وغيره، عن ابن القاسم؛ لأن هذا عابث. وكذلك في (الواضحة). في السهو عن تكبير الخفض والرفع وشبهه، والسهو عن تمام الركوع والسجود، وعن التشهد والسلام ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في السهو عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الإحرام، فهو خفيف، ويسجد له. وفي رواية ابن القاسم، وفي (المختصر)، عن مالك: لا سجود في هذا. قال عنه ابن القاسم: يسجد في تكبيرتين فأكثر. وقاله عبد الملك في (سمع الله لمن حمده). ومثل ذلك قال في (المختصر). ومن جعل موضع (سمع الله لمن حمده)، (الله أكبر) فلا سجود عليه. قال أشهب في (المجموعة) ولا سجود عليه في ترك (آمين)، ولا في التسبيح في الركوع، ولا في القنوت.
ومن (الواضحة)، قال ابن الماجشون: ومن جعل موضع (سمع الله لمن حمده)، (الله أكبر) أو موضع (الله أكبر)، (سمع الله لمن حمده) فليسجد قبل السلام؛ لأنه زاد ونقص، وليس كمن نسي تكبيرة. وإن قال موضع (سمع الله لمن حمده)، (ربنا ولك الحمد) فلا سجود عليه. ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في من ركع وسجد، ولم يرفع رأسه من الركوع ساهيا: فليسجد قبل السلام، وتجزئه تلك الركعة. وقال ابن القاسم، في (العتبية): لا يعتد بتلك الركعة. واستحب مالك أن يتمادى ويعيد الصلاة. وروى ابن القاسم، عن مالك، في (العتبية)، ورواه ابن وهب أيضا، عن مالك، في (كتاب ابن سحنون)، في من لم يعتدل قائما في الرفع من الركوع حتى خر ساجدًا، قال: تجزئه، ولا يعود. وقال ابن وهب: يعيد الركعة من فعل ذلك. ومن (كتاب ابن حبيب): ومن خر من ركوعه للسجود، ولم يرفع رأسه، فليرجع إلى القيام، كالرافع من الركوع. قال في موضع آخر: يقوم محدودبًا، ثم يرفع. قال وسواء سجد أو لم يسجد، ما لم يركع الثانية، فإن ركعها تمادى، على أن يعتد بالركعة التي لم يرفع منها، كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا، ثم يعيد صلاته، لأن ابن كنانة يرى أن تجزئه ركعته التي لم يرفع منها كان عامدا أو جاهلا. ولو ألغاها صار في قوله مصليا خامسة، فللاختلاف أمر بالاحتياط. ولو رفع رأسه في الركعة شيئا، ولم يعتدل قائما، فقد أساء، وتجزئه.
ومن (المجموعة)، قال سحنون، في من لا يرفع يديه من السجود من الأرض، قال بعض أصحابنا: لا تجزئه؛ لما جاء أن اليدين يسجدان، كما يسجد الوجه. وخفف ذلك بعضهم. قال ابن القاسم، عن مالك: ومن نسي التشهد الآخر، حتي سلم الإمام، فليتشهد، ويدعو ويسلم. وإن نسي التشهد الأول، حتى قام الإمام، فليقم، ولا يتشهد. وذكر ابن حبيب، عن مالك، في ناسي التشهد الآخر مثله، إذا ذكر بعد سلام الإمام وقبل سلامه هو. قال ولا سجود عليه. قال ولو ذكره بعد سلامه هو، فلا شيء عليه، ولا تشهد، ولا سجود. ولو كان وحده وذكر ذلك بعد سلامه، تشهد وسلم، ثم سجد لسهوه. وإن نسي تشهد الجلسة الأولى، فذكر في آخر صلاته، سجد قبل السلام. وإن ذكره بعد أن سلم، سجد متى ما ذكر، ولم يعد الصلاة لهذا. ومن نسي السلام، وكان قريبا، فإن لم يبرح من مكانه، استقبل القبلة بغير تكبير وسلم، ولا يتشهد، ويسجد للسهو، ثم يتشهد ويسلم. وإن تكلم، أو قام من مجلسه، وكان قريبا، فلكبر، ثم يجلس ويتشهد ويسلم، ثم يسجد للسهو ويتشهد ويسلم. وإن تباعد أو أحدث، ابتدأ صلاته. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم: إذا نسي السلام، فرجع من قريب، فليجلس ويكبر، ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام. ولم يذكر التكبير في رواية
جامع القول في السهو، وفي من زاد أكثر من ركعة، وفي من رجع لإصلاح ما بقى عليه بعد أن فارق صلاته
أخرى. وقال مالك، في (المختصر): يكبر، ثم يجلس. جامع القول في السهو، وفي من زاد أكثر من ركعة، وفي من رجع لإصلاح ما بقي عليه بعد أن فارق صلاته من (المجموعة)، قال ابن نافع، عن مالك، في من نسي القيام من اثنتين، ثم رجع: إنه يسجد بعد السلام. قال عنه ابن القاسم: إذا فارق الأرض. وإن لم يعتدل قائما، فلا يرجع، وليسجد قبل السلام. فإن رجع، فليسجد بعد السلام. قال سحنون: لا نأمره بالرجوع، فإن رجع فليتم جلوسه، ولا يقوم مكانه. قال أشهب، وعلي: يسجد قبل السلام إذا رجع؛ لأنه مخطئ في رجوعه بعد أن قام، فلا يعتد بجلوسه. وبلغني عن ابن سحنون، أنه ذهب إلى أن صلاته تفسد برجوعه. قال أشهب: وإذا قام، فلم يعتدل قائما حتى ذكر، فجلس، فليسجد بعد السلام. ومن (الواضحة)، وإذا تزحزح للقيام من اثنتين، ثم ذكر فجلس، فلا سجود عليه. وإن ارتفع عن الأرض فليرجع، ما لم يستو قائما. فإذا استوى قائما، فلا يفعلها. ومن (العتبية)، قال ابن القاسم، عن مالك: ومن أطال الجلوس في الركعة
الثانية، فلا يسجد لذلك. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مالك، وقال: أطال فيها الجلوس والتشهد، يظنها الآخرة، فلا سجود عليه. قال سحنون: إلا أن يخرجها عن حدها، فليسجد للسهو. قال أشهب، عن مالك، في إمام جلس في الثالثة، فلما رأى من خلفه قاموا قام مكانه، فإن كان اطمأن جالسا، وأجمع على الجلوس، فليسجد، فأما الذي يتذكر وينظر ما يفعل من خلفه، فلا يسجد. قال موسى، عن ابن القاسم، في الجالس في الركعتين، يعرض له شك فيما تقدم من صلاته، فتفكر ساعة، ثم ذكر أنه لم يسه، فلا يسجد لذلك. ولو تذكر بعد سجدة تذكرا طويلا، ثم سجد الثانية، أو تذكر راكعا، أو بعد رفع رأسه، أو ساجدا أو قاعدا، ثم ذكر، فلا سجود عليه لهذا؛ لأنه لم يعمل زيادة ولا نقصانا. وقاله مالك. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك، في من شك أثلاثا صلى أم أربعا، فتفكر قليلا، ثم ذكر أنها ثلاثا، فلا سهو عليه. قال أشهب: إن تفكر في قيام له أن يقوم، أو ركوع أو سجود أو جلوس، فلا سهو عليه؛ لأن ذلك يطول ويقصر فما زاد إلا التفكير. وإن كان تفكره بعد رفعه من آخر سجدتى ركعة، فأقام جالسا، أو مستوفزا على يديه وركبتيه، حتى أطال، فليسجد بعد السلام. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك، ومن عليه ركعة قضاء،
فجلس شيئا بعد سلام الإمام ساهيا، فليقض ركعته، ويسجد بعد السلام وتجزئه. ومن (كتاب ابن سحنون)، ومن أطال الجلوس جدا، فليجلس، فليسجد بعد السلام. ومن (الواضحة)، وإذا قال الإمام: يا فلان تقدم. فسها، فقال: نعم. فليسجد بعد السلام وتجزئه. وكذلك إن سها فأحرم بهم، فأما إن ابتدأ الصلاة بهم جهلا، فسدت عليه وعليهم. قال غير ابن حبيب: ولو قطع بسلام أو كلام، ثم ابتدأ، أجزأته، وبطلت عليهم. وهذا في باب آخر. قال مالك: في (المختصر): ومن سلم من اثنتين، ثم ذكر، رجع فأتم صلاته، ما دام قريبا. ولم ينتقض وضوءه أو يتكلم بعد ذكره، ثم يسجد بعد السلام. من (المجموعة)، قال ابن القاسم: وكل من جاز له أن يبني بعد انصرافه، لقرب ذلك، فليرجع بإحرام. قاله مالك. قال: وكذلك رجوعه لسجوده للسهو بإحرام. ومن (كتاب آخر) لبعض أصحابنا الأندلسيين، في من سلم من اثنتين، ثم رجع بالقرب، فإنه يكبر، ثم يجلس، ثم يبني. قاله ابن القاسم. يريد: لأن نهضة الأولى لم يفعلها لصلاته، ولكن لانصرافه، فلذلك آمره أن يجلس. وقال ابن نافع: لا يجلس. قال: وإن لم يدخل بإحرام أفسد، ولو سلم من ركعة، أو من ثلاث، دخل بإحرام ولم يجلس. قال ابن حبيب: ومن فارق صلاته، ثم ذكر بقية منها وقد مشى أو أكل أو شرب، فليبن، ما لم يطل. وكذلك يرجع لسجوده السهو قبل السلام، فإن طال
في السجود قبل السلام، فإن كان ذكر القيام من اثنتين، أو لأم القرآن من ركعة، أعاد الصلاة أبدا، ولا يعيد لغير هذين من التكبير، للخفض والرفع. وإن كثر، أو غيره من سهو، فلا يعيد، ولكن يسجد للسهو متى ما ذكر. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وبقية القول في هذا في باب بعد هذا. قال مطرف: ومن صلى المكتوبة ستا فأكثر، فإن سجود السهو، يجزئه، ولا يعيد. قال يحيى بن عمر: وكذلك قال أشهب فيه، وفي من صلى المغرب خمسا. قال ابن حبيب: وعاب مطرف قول من قال تبطل إذا زاد فيها مثل نصفها. واحتج بزيادة ركعة في الصبح. وقد روى مثل قول مطرف عن ابن القاسم. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وقال ابن نافع، وابن كنانة: إن عليه أن يعيد. وقال ابن الماجشون: لا أقول بنصف الصلاة، ولكن ركعتين عندي طول من السهو يفسدها، وليست ركعة بطول في الصبح، ولا في غيرها. وروى ابن القاسم، عن مالك، في (العتبية)، في من صلى المغرب خمسًا ساهيا، أنها تجزئه، ويسجد لسهوه بعد السلام. قال يحيى بن عمر: وهذا يرد ما روى عنه، في من زاد في صلاته مثل نصفها. قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صلى مع الإمام الجمعة، فلما سلم الإمام قام المأموم فزاد ركعتين، فليعد ظهرا أبدا.
في من يكثر شكه وسهوه أو يستنكحه ذلك، أو عليه سهون، أو يلزمه سجود بعد السلام فيسجد قبل، أو يلزمه سجود قبل فيسجد بعد
في من صلى شكه وسهوه أو يستنكحه ذلك، أو عليه سهوان، أو يلزمه سجود بعد السلام فيسجد قبل، أو يلزمه سجود قبل فيسجد بعد من (المجموعة)، روى علي بن زياد، عن مالك، في من استنكحه السهو، فيظن أنه لم يتم صلاته، فلا شيء عليه، ولينته عن ذلك. قال عنه ابن نافع: ولا يسجد له. قال في (المختصر): ولو سجد بعد السلام كان أحب إلينا. قال عنه ابن نافع، في (المجموعة): فأما من يعرض له المرة بعد المرة، فبخلاف ذلك. وكذلك في شكه في الإحرام، إن كان مرة، أعاد له الصلاة. وأما شكه في أم القرآن، فقد تقدم في باب آخر، أنه إن كان ذلك يعتريه المرة بعد المرة، فليعد أم القرآن، وليس عليه إعادة السورة بعدها. ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم: ومن كثر عليه السهو، فليسجد بعد السلام؛ لأنه لم يوقن بالسهو، وإنما هو يتخوف، فلا يزيد صلاته بالشك. ولو أيقن أنه سها لسجد قبل السلام. قال ابن حبيب: اختلف قول مالك، في من يشك أن يكون سها، ويستنكحه ذلك، فقال يسجد للسهو. قال لا يسجد. وأحب إلينا أن يسجد، ويجعلهما قبل السلام. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في (العتبية)، عن مالك: إذا كثر عليه
السهو ولزمه، ولا يدري أسها أو لم يسه، فليسجد بعد السلام. وأما من سها، ولم يدر أسها قبل السلام أو بعد السلام، فليسجد قبل السلام. وذكر مثله ابن المواز عن مالك، وزاد: وأما الذي سها إلا أنه قد لزمه وكثر عليه، فليبن، ولا يسجد للسهو. محمد: يريد لأنه قد استنكحه، فأما الذي يكثر عليه الشك، فلا يدري سها أو لم يسه وهو يقول: إني أخاف أن أكون سهوت ونقضت. فهذا إذا أكثر عليه فلا شيء عليه، ويجزئه سجود السهو بعد السلام. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، وأشهب، وعلي، عن مالك، في من لزمه سهو نقص وسهو زيادة، قال عنه أشهب: لا يبالي أيهما أولا، فالسجود قبل السلام يجزئه. وقاله المغيرة. وقال أشهب: وكذلك إن كان مرارا، والنقص أكثرهما أو أقلهما. وكذلك من سها زيادة مرارا، فسجود واحد يجزئه. وروى عن عبد العزيز بن أبي سلمة، في من عليه سهو نقص وسهو زيادة، أنه يسجد قبل السلام وبعد السلام. وقال مالك، في (المجموعة): ما كان الناس يحتاطون في سجود السهو قبل ولا بعد، وكان ذلك عندهم سهلا. ومن (كتاب ابن المواز): ومن لزمه سجدتا السهو قبل السلام، فسجدهما بعد السلام، أو لزماه بعد السلام، فسجدهما قبل السلام، عامدا أو ساهيا، فلذلك يجزئه، وهذا أفضل من الأول. يعني سجوده قبل السلام. وقد قال أبو زيد،
في العمل في سجدتي السهو، وذكر السهو فيها
عن ابن القاسم: إنه يعيد منه الصلاة. يريد: في عمده. وكذلك في رواية عيسى. محمد: وروى أصبغ، عن ابن القاسم، أنه يعيدهما بعد السلام. قال أصبغ: وهذا انخراق، وذلك مجزئ عنه، وقد كان ابن شهاب يرى السجود كله قبل السلام، في النقص والزيادة. وقاله الليث. وقال مالك: وليتبع المأموم إمامه في سجود السهو، كان ممن يراه كله قبل السلام، أو يراه كله بعد السلام. في العمل في سجدتي السهو، وذكر السهو فيها من (المجموعة)، قال علي، عن مالك: وليسمع الإمام من خلفه التكبير في سجدتي السهو، والسلام منهما، ويفعلوا فيهما كفعله. قال عنه ابن القاسم: ويكبر في سجوديهما، ويتشهد، ويسلم، ولا إحرام لهما. قال في (كتاب ابن المواز): سواء كانتا قبل السلام أو بعد السلام. قال عنه ابن غانم، وابن نافع، في (المجموعة): يتشهد لما كان قبل السلام. وروى أيضا ابن نافع، أنه لا يتشهد إلا فيما كان بعد السلام. وقاله عبد الملك. قال ابن المواز: وكان ابن القاسم يوجب التشهد فيهما قبل وبعد. ورواه عن مالك. وكان ابن عبد الحكم يوجبه بعد السلام، ويستحسنه فيما قبل السلام. ولم ير عبد الملك فيما قبل السلام تشهدا. قال مالك: لا يحرم فيهما، لا فيما قبل السلام، ولا فيما بعد السلام.
وقال ابن وهب: ليس بعد تشهد اللتين بعد السلام دعاء، ولا تطويل. قال ابن عبدوس، قال أشهب: وإذا سجد سجدة من سجدتي السهو بعد السلام، ثم أحدث، فأحب إلي أن يتوضأ، ويأتنف السجدتين، وإن سجد الثانية، أجزأه، فإن شاء فعل ذلك في موضعه، وإن شاء في موضع صلى، وإن كانتا قبل السلام، بطلت صلاته. ولو كان إماما، وهما بعد السلام، فأحدث بعد سجدة، فليقدم من يسجد بهم الثانية، ولو ابتدأها جميعا كان أحب إلي. ومن (كتاب ابن المواز)، ومن انصرف من صلاته، ثم ذكر سجدتي السهو بالقرب - يريد: قبل السلام – فليسجدهما في موضع ذكرهما، إلا في الجمعة، فلا يسجدهما إلا في المسجد، وكذلك في السلام وغيره، فإن أتم ذلك في غير المسجد، لم تجزئه الجمعة. ومن سجد سجدتين في آخر صلاته، وعليه سجدتا السهو، فلم يذكر أسجدهما لفرضه، أو لسهوه، فعليه أربع سجدات أخرى. قال مالك: ومن صلى خلف من يرى السجود في النقص والزيادة، قبل السلام أو بعد السلام، فلا يخالفه. قال ابن حبيب: ومن سجد لسهوه قبل السلام، ثم سها، فتكلم قبل أن يسلم، فليسلم، ويسجد لسهوه بعد السلام. ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك: وإذا سها الإمام أن يسجد لسهوه، فليسجد من خلفه.
في من ذكر سجدتي السهو بعد انصرافه، أو في صلاة أخرى
ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في إمام سلم من اثنتين ساهيا، وسجد لسهو عليه، ثم ذكر، فليتم صلاته، ويعيد سجود السهو. قال سحنون: وكذلك لو كانتا قبل السلام لأعادهما. وقد روى عيسى، عن ابن القاسم، في من ذكر أنه زاد في صلاته، فسجد سجدة من سجدتي السهو، ثم ذكر أنه لم يسه، فلا يسجد أخرى، ولا شيء عليه. ولو ظن أنه نقص من صلاته، فسجد سجدة أو سجدتين، ثم ذكر أنه لم ينقص من صلاته، فإن سجد واحدة، فلا يسجد الأخرى، وليسجد لسهوه بعد السلام، وكذلك لو كان سجد السجدتين. في من ذكر سجدتي السهو بعد انصرافه، أو في صلاة أخرى من (العتبية)، قال عيسى، قال ابن القاسم: من نسي سجدتي السهو بعد السلام حتى طال ذلك، فليرجع فليسجدهما، ولا إحرام عليه. ثم رجع فقال: يحرم لهما. وكذلك روى عن مالك، في (المجموعة) أنه يكبر لهما ولا يحرم. وقد تقدم في باب آخر. وقاله ابن الماجشون، في (الواضحة). ومن (كتاب ابن المواز): ومن سلم، ثم ذكر اللتين قبل السلام، فليرجع بإحرام فيسجدهما، وكذلك كل من رجع لإصلاح ما بقي من صلاته، فيما قرب. وقاله مالك. فإن رجع، فسجد إحدى السجدتين، ثم أحدث قبل أن
يسجد الأخرى، أو بعد أن يسجدهما وقبل أن يسلم، فقد أبطل صلاته، وليعد. ومن انصرف ولم يسلم من اللتين بعد السلام، رجع فيما قرب. فسلم فقط، وإن تباعد أعادهما فقط، وليحرم قبل أن يسجدهما، في الوجهين. ومنه، ومن (المختصر)، ومن ذكر اللتين قبل السلام بعد أن طال أو انتقض وضوءه، فإن كانتا من القيام من اثنتين، أو ترك أم القرآن من ركعة، بطلت، صلاته، وإن كانتا من غير هذين، لم تبطل. قال ابن المواز: إلا في نقص ثلاث تكبيرات، أو (سمع الله لمن حمده) ثلاثا، فقد اختلف فيه قول ابن القاسم في إيجاب الإعادة، ولم ير أصبغ عليه إعادة، وبه أقول، ومحمد ابن عبد الحكم يقول: لا تفسد صلاته، وإن كانتا من القيام، أو من اثنتين أو قراءة ركعة، فأما من السورة التي مع أم القرآن، من ركعة أو من ركعتين، أو من تكبيرتين، أو ترك الجهر في القراءة، فلا تبطل الصلاة، في قولهما. ومن ذكر اللتين بعد السلام في صلاة، لم تفسد، وإذا فرغ سجدهما ومتى ما ذكر، وبعد الصبح وبعد العصر. ومن ذكر اللتين قبل السلام في فريضة، وهما من فريضة، فإن كانتا مما تفسد به الصلاة الأولى فيما يبعد، بطلت هذه أيضا، وابتدأ صلاتين، فإن كان مع إمام تمادى وأعادهما، إلا أن يذكر السجدتين قبل أن يرفع رأسه من الركعة وقبل طول
في السهو في الوتر، وركعتي الفجر، والنوافل
قيامه وهو قريب من سلامه، فليرجع لإصلاح صلاته، ثم يبتدئ هذه، ولو كانت نافلة لم يعدها إلا أن يشاء. في السهو في الوتر، وركعتي الفجر، والنوافل من (المجموعة)، قال علي، عن مالك: ومن لم يدر أفي الشفع هو جالس أم في الوتر، فليسجد للسهو، ثم يسلم، ثم يوتر. وفي (المختصر)، رواية ابن القاسم: يسلم، ثم يسجد، ثم يوتر. وقال محمد بن عبد الحكم: لا سجود عليه، وليسلم، ثم يأتي بالوتر. وقال مالك: وفي الحديث دليل عليه. قال علي، عن مالك: ومن أوتر فظن أنه في ركعتين، فقام فأوتر، ثم ذكر، فأحب إلي أن يسجد لسهوه، ثم يأتنف الوتر، فإن لم يفعل، رجوت أن يجزئه وتره الأول. أراه يريد أنه لم يكن سلم من وتره. ولو كان سلم منه، ثم أوتر، ثم ذكر، لشفع هذا، وأجزأه الأول. قال ابن القاسم، وعلي، عن مالك: ومن أوتر، ثم ذكر أنه كان أوتر أول الليل، فليشفع وتره هذا. قال المغيرة: ويسجد بعد السلام. أراه يريد: لجلسته. قال عنه علي: وإن تكلم بعده إذا كان قريبا، وإن طال، أجزأه وتره الأول. وقال المغيرة: إن خاض في الحديث، وقام من مكانه، لم تعد له ركعة، ويجزئه وتره الأول. ومن شك أوتر أو لم يوتر، فليقم فليوتر. قال ابن القاسم، عن مالك: وإن قرأ في ركعة الوتر بأم القرآن ساهيا، فلا
سجود عليه، وتجزئه. قال عنه علي: وإن نسي أن يقرأ فيها، فأحب إلي أن يشفعها بركعة أخرى، ويسجد للسهو، ثم يأتي بوتر. قال سحنون: ومن ذكر في تشهد الوتر سجدة، لا يدري منه أو من إحدى ركعتي الشفع، فإن تقدم له إشفاع قبل شفعه هذا، فليسجد سجدة، ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام، وتجزئه. وإن لم يتقدم له إشفاع، أصلح هذه بسجدة، وشفعها بركعة، وسجد لسهوه بعد السلام، ثم أوتر. وإن أيقن أنها من الشفع، ولم يتقدمه شفع آخر، شفع هذه، ثم أوتر. وإن كان تقدم له شفع صحيح، سلم وأجزأه وتره هذا. ومن ذكر في الوتر أنه نسي أم القرآن، لا يدري من الشفع أم من وتره، فليسجد قبل السلام، ويعيد شفعه ووتره. ولو كان إنما ذكر سجدة، يسجدها، وتشهد، ثم سلم وسجد للسهو، ثم أعاد الشفع والوتر، فإن تقدم له إشفاع، فله أن لا يعيد إلا الوتر، ولو شفع هذا الوتر بركعة، ثم أوتر، أجزأه. وإنما اخترت الأول لما كره مالك لمن أحرم على وتر أن يشفعه. قال علي، عن مالك: وإذا لم يسلم من الشفع حتى قام فليرجع، ما لم يركع، فإذا ركع تمادى، وأجزأه. قال أشهب، في (كتاب ابن المواز): يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع، فإذا رفع أتم الثالثة وسجد. قال محمد: يريد سجد قبل السلام. قال سحنون، في (المجموعة): وإن شاء مضى على وتره، وإن شاء أتمها
أربعًا ثم سجد للسهو – يريد: قبل السلام، على قول ابن القاسم – ثم أوتر. ومن (كتاب ابن المواز) , ومن أوتر , ثم شك , هل شفع وتره أم لا , فقيل: يسلم ويسجد لسهوه. وقيل: يأتي بوتر آخر. وهو أحب إلي , وليس كمن زاد في المكتوبة ركعة , وهو كمن زاد في النافلة ثالثة , فليتمها أربعا , أو كمن زاد في صلاة السفر ركعة , فليتم أربعة , ثم يعيد في الوقت. وفي الجزء الثالث باب في الوتر , فيه بقية القول فيه. ومن (المجموعة) , قال ابن القاسم: ومن تنفل , فزاد ثالثة , فأحب إلي أن يرجع , ما لم يرفع رأسه منها. واختلف فيه قول مالك , فإن رفع رأسه تم أربعة , وسجد قبل السلام. وقال أشهب: يسجد بعد السلام. وليس ذلك بواجب. وروى علي , عن مالك , أنه يسجد بعد السلام. قال علي , عن مالك , في من لم يدر في النافلة , أصلى ركعة أو ركعتين , فبنى على ركعة , فلما صلى ثانية أيقن أنها ثالثة , فليأت برابعة , ويسجد بعد السلام. قال علي , عن مالك: ولو قام من اثنتين , فلم يجلس , رجع , ما لم يركع ثالثة , فإذا ركع , زاد رابعة , وسجد قبل السلام. ومن (العتبية) , عن سحنون , عن ابن القاسم: ومن سها عن السلام في النافلة حتى طال ذلك , وتحدث , فأحب إلي أن يعيدها. يريد السجود للسهو. قال سحنون: لاختلاف الناس , وأرى أن يسجد متى ما ذكر , ولا يحدث سلاما؛ لأن طول حديثه كالسلام , لأنه لو دخل بعد طول حديثه في مكتوبة بأثرها , لم
في من ذكر سجدة أو ركعة بعد أن سلم، وهو وحده، أو خلف إمام وجد ما يبنى فيه إذا انصرف
تفسد مكتوبته يريد: بعد طول عن النافلة. قال ابن القاسم , عن مالك: ومن قام إلى ثالثة في ركعتي الفجر , فليرجع , فإن صلى رابعة , وسجد لسهوه , فأحب إلي أن يعيد. وفي (كتاب ابن سحنون) , ومن صلى ركعتي الفجر ثلاثا , فليعدها. أراه استحبابا , ولم يأمره يأتي برابعة يجعلها نافلة , ويعيد؛ لأنه وقت لا يتنفل فيه. في من ذكر سجدة أو ركعة بعد أن سلم , وهو وحده , أو خلف إمام وجد ما يبني فيه إذا انصرف من (المجموعة) , قال ابن القاسم , عن مالك: ومن ذكر بعد أن سلم سجدة , أو ركعة , فليبن فيما قرب. قال عنه على: يرجع , ما لم يطل أو يكثر من الكلام , أو يخرج من المسجد , أو ينقض وضوءه. ولو خرج إلى باب المسجد , أو قريب من مصلاه , فليرجع , ويبني , ولا يرجع إذا بنى إلا بإحرام. قال أشهب: وإذا كان لابد من الحد في ذلك , فخروجه من المسجد حد حسن في القطع. وإذا كان في غير مسجد , فأستحسن أن لا يكون قطعا أن يجاوز الصفوف بمقدار أن يصلي بصلاتهم. قال سحنون , في من ذكر سجدة بعد سلام الإمام: ابتدأ تلك الركعة. وقاله المغيرة , وابن القاسم , وعبد الملك. قال المغيرة: ولا يعمل ركعة نصفها مع
في من ذكر سجدة فأكثر، أو الركوع، وهو في آخر صلاته، أو قبل آخرها، أو شك في ذلك، وكيف إن كان ذلك مع إمام
الإمام , ونصفها وحده. قال عبد الملك: ولا يقضي بعده أقل من ركعة. وذكر ابن حبيب , عن عبد الملك , أنه يسجد بعد الإمام سجدة , وتجزئه. ومن (كتاب ابن سحنون): وإذا ذكر الإمام , أو المصلي وحده , بعد ما سلم من الصبح , سجدة من الثانية , فليبتدئ ركعة , ويسجد بعد السلام , وسلامه كعقد ركعة , فإن أيقن من خلف الإمام أنه يسجد سجدة , فلا يتبعوه , إلا في سجود السهو فقط. ولو ذكر بعد سلامه مع الإمام أربع سجدات مجتمعات , لا يدري من أي ركعة , فلا يسجد , وليأت بركعتين بأم القرآن وسورة في كل ركعة , ويسجد بعد السلام. ولو ذكرها قبل يسلم , سجد سجدتين , ثم فعل ما ذكرنا , بعد سلام الإمام. وفي باب من ذكر سجدة وهو مأموم من هذا المعنى. في من ذكر سجدة فأكثر , أو الركوع , وهو في آخر صلاته , أو قبل آخرها , أو شك في ذلك , وكيف إن كان ذلك مع إمام من (المجموعة) , قال أشهب: في من ركع في الأولى ولم يسجد , وأكمل الثانية , وسجد الثالثة , ولم يركع في الثالثة , فليعتد بركعة في الثانية ,
ويبني ويسجد بعد السلام. ولو سجد في الأولى ولم يركع في الثانية ولم يسجد , وأكمل الثالثة , فعليها يبني ثلاثا , ويسجد بعد السلام. قال ابن عبدوس: بل قبل السلام؛ لنقصه القراءة في التي صارت أولاه. وإن ترك السجود في الأولى والثانية , وسجد في الثالثة ولم يركع , فلم يصح له شيء , ولا يضيف هاتين السجدتين إلى الثانية , وليأتنف لها سجدتين , فتصبح له ركعة يبني عليها , ويسجد بعد السلام. ومن (كتاب ابن سحنون) , والجالس في الرابعة إن ذكر الركوع منها وسجدة من الثالثة والجلوس من الثانية , فليسجد سجدة يتم بها الثالثة , ويأتي برابعة , ويسجد قبل السلام؛ لنقص جلوس الثانية. ومن (المجموعة) , قال عبد الملك: ومن كان قائما في الثانية , فذكر سجدة من الأولى , أو شك فيها , فليرجع جالسا , ثم يسجدها. وكذلك لو كان مع الإمام , إلاَّ أن يخاف أن يرفع من ركوع الثانية , فليتبعه فيها، ويقضي ركعة. ولو شك في قيامه في الثالثة، وهو وحده في سجدة لا يدري من الأولى أو من الثانية، فليرجع فيسجد، ثم يتشهد، ولعله يتذكر أنها منها. قال: ثم يبني على ركعة، ويسجد بعد السَّلام. ولو شك، وهو قائم في الركعة الثالثة في سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجد، ويتشهد ويبني على رَكْعَتَيْنِ، ويسجد قبل السَّلام، وهو في القراءة بان؛ لأنه وحده، وقد نقص السورة من الثانية على اليقين، وزاد. وإن ذكر في جلوس الرابعة سجدة لا يدري من أي ركعة، سجد سجدة، ويتشهد، ويبني على ثلاث ركعات، وسجد قبل السَّلام، لأنها قد تكون من الأولى أو الثانية، فتصير الثالثة ثانية، وقد نقص فيها الجلوس، ونقص القراءة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون فيه: إذا ذكرها في قيام الثانية، لا يدري من أي ركعة، أنه إذا خرج بسجدة فلا يجلس، ويبني على ركعته، وأما لو كان قائما في الرابعة، فيجلس ويتشهد إذا سجد، ويبني على اليقين. ولو ذكرها في تشهد الرابعة، سجدها وقام فأتى بركعة. وذكر في سُجُود السهو في ذلك كله كما ذكر ابن عبدوس، قال: واليقين بهذه السجدة والشك فيها سواء، إذا لم يدر من أي ركعة هي. وذكر ابن الْمَوَّاز، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون، أنه يرجع إلى حال التَّشَهُّد إذا ذكرها في بدء الثانية. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: لا يرجع إلى حال التَّشَهُّد. وأما إذا ذكرها في جلوس الثانية، وهو مع إمام، فمذكور بعد هذا. ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز)، ومن ذكر في جلوس الثانية سجدة من الأولى، وركوع الثانية، فليسجد سجدة يتم الأولى، ويبني عليها. ولو ذكرها وهو راكع في الثانية، فروى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه يركع بها، ما لم يرفع رأسه من الثانية. وقاله مالك. ورَوَى أن عقد الركعة رفع الرأس. وقال أشهب عن مالك: إن إمكان يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ فوت. وقاله أصبغ. قال محمد: وتأديه أَحَبُّ إِلَيَّ، وهو إِنَّمَا تصح به ركعة بكل حال، فيتمادى على هذه، ويكون أولى، ويسجد بعد السَّلام، ولو أعاد الصلاة لكان حسنا، وليس بلازم. وذكر في (المستخرجة) رِوَايَة أشهب هذه، وقال: فإن لم يطمئن، فلا يرفع رأسه منها، وليخر بسجدته، ثم يبتدئ قِرَاءَة الثانية. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: يجلس ثم يسجد. وابن القاسم يرى عقد الركعة رفع رأسه منها. قال سحنون: هذا أَحَبُّ إِلَيَّ في كل شيء، إلاَّ في الخروج من فَرِيضَة إلى نافلة، فإنه إذا أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ في ركوعه النافلة، بطلت الفريضة عندي.
ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز): ولو ذكر في جلوس الثانية، وفي قيام الثالثة، سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجد سجدة، فتصح هذه، ويبني عليها، ويسجد بعد السَّلام. وكذلك إن ذكر سجدتين، ولكن هذا يسجد سجدتين. ومن ذكر في قيام الرابعة سجدتين، لا يدري من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ، فكذلك للسجدتين، ويبني على ركعة، ويسجد قبل السَّلام، لأن التي بني عليها لم يقرأ فيها إلاَّ بأم القرآن. وكان أصبغ وأبو زيد يقولان: لا يخر بشيء، ويبني على ركعته، أو لا يَصِحُّ له غير ركعة. وقاله أشهب في مَنْ ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة، إنه يلغي ركعة، ولا يخر بسجدة. قال محمد: لا يُعْجِبُنِي، وهو خلاف مالك وأصحابه أن يدع إصلاح ركعة هو فيها يقدر على إصلاحها، ولقد قال عبد الملك في الذاكر سجدة في قيام الثالثة، لا يدري من أي ركعة: إنه يسجد ويتشهد. قال: كما أمرته أن يتشهد. قال: فكذلك أمرته أن يجلس ويتشهد، ولا يترك تمامها، على ما أمكن منها. قال محمد: ولا آمره أن يجلس؛ لأنه بعد أن يسجد، كمن قال: لا أدري، أصليت وَاحِدَة أو اثنين. فهذا لا يجلس، ويبني على ركعة. وذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون مثل اختيار ابن الْمَوَّاز. وقد تقدم هذا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وأما من قضى ركعة، فأتمها مع الإمام، ثم شك قبل التَّشَهُّد في سجدة أو مما أدرك، فهذا يسجد بعد السَّلام. وقال عبد الملك. وهي خلاف الأولى؛ لأن هذه آخر صلاة الإمام، فلا يقضي إلاَّ بعد فراغه مما أدرك معه، وقد أدرك التَّشَهُّد في الجلوس. ومن (كتاب ابن سحنون): ومن ذكر في تشهد الرابعة سجدة منها، سجدها، وأعاد التَّشَهُّد، ولا يسجد لسهوه، إلاَّ أن يطيل
الجلوس بين السجدتين. وقاله ابن القاسم. ولو ذكر سجدتين، لا يدري مجتمعتين أو مفترقتين، فليسجد سجدتين، ويتشهد، ويأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السَّلام. ولو كان مع إمام، سجد سجدتين، وأتى بعده بركعتين، ويقضي بأم القرآن وسورة في كليهما، ويسجد بعد السَّلام. وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد الصلاة في المسألتين. ولو ذكر ثلاث سجدات، وهو وحده، لا يدري كيف هي، يسجد سجدتين، ولا يَتَشَهَّد، ويقوم فيأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس، ثم بركعتين بأم القرآن في كليهما، ويسجد قبل السَّلام. ولو كان مع إمام يسجد سجدتين، فإذا سلم إمامه، قام فأتى بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس، وأخرى كذلك ويقوم، وأخرى بأم القرآن، ويسجد بعد السَّلام. كذلك الجواب إن ذكر أربع سجدات. ولو ذكر أربع سجدات مجتمعات، لا يدري من أي ركعة، وهو وحده، سجد سجدتين، ويَتَشَهَّد، وبني على رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن كل ركعة، وسجد قبل السَّلام. ولو كان خلف إمام، قرأ في ركعته بأم القرآن وسورة فيهما، وسجد بعد السلام. ولو ذكر بعد السَّلام من الرابعة - يريد: وهو وحده – فإنه يسجد سجدتين، ثم يبني على ركعة، ويسجد قبل السلام. ولو ذكر في قيام الثالثة سجدتين من الثانية، سجدهما، وتَشَهُّد وبنى على رَكْعَتَيْنِ، ويسجد بعد السَّلام. ومن ذكر فِي تَّشَهُّدِ الصُّبْح الرُّكُوع من إحدى ركعتيه، والسُّجُود من الأخرى، ولا يدري أيهما، فليسجد سجدتين، ويبني على ركعة، ويسجد لسهوه بعد السَّلام. وكذلك لو أيقن أن السُّجُود من الأولى فالجواب سواء.
في من ذكر سجدة، وهو مأموم
ومن (العتبية)، من سماع أشهب: ومن أهوى للسجود، فذكر أنه لم يركع، فليرجع قائما، ثم يركع، ولو قرأ لكان أَحَبُّ إِلَيَّ، ويسجد بعد السَّلام. ومن سماع عيسى، عَنِ ابْنِ القاسم: ومن ذكر فِي تَّشَهُّدِ الثانية سجدة من الأولى، فيأت بركعة، يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ثم يجلس فتكون له ثانية، ثم يبني، ويسجد لسهوه بعد السَّلام. وإن ذكرها بعد رفع رأسه من ركوع الثالثة، جعلها ثانية، وسجد لسهوه قبل السَّلام؛ لأنه نقص فيها القراءة. فإن ذكرها في قيام الرابعة، بنى وسجد قبل السَّلام؛ لأنه زاد ونقص. ورَوَى عن مالك، أنه يسجد بعد السلام. وإن ذكرها في آخر الرابعة، فليأت بركعة بأم القرآن، ويسجد للسهو قبل السَّلام. وقَالَ ابْنُ وهب: بل يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ثم يسجد لسهوه بعد السَّلام. وقول ابن القاسم أَحَبُّ إِلَيْنَا. قال يحيى بن عمر: قول ابن وهب غلط. وفي الباب الذي يلي هذا شيء من معاني هذا الباب. في مَنْ ذكر سجدة، وهو مأموم من (المجموعة)، قَالَ ابْنُ عبدوس: وإذا كان مع الإمام في قيام الثانية، فذكر سجدة، أو شك فيها، فإن طمع أن يسجدها قبل الإمام رفع الإمام رأسه، فعل، ثم لا يسجد للسهو، وإن لم يطمع بذلك، تَمَادَى، وأتى بركعة بعد سلام الإمام،
يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، فإن كان موقنا بالسجدة، فلا يسجد للسهو، وإن كان على شك سجد بعد السَّلام، خوف أن تكون الركعة زيادة. ولو كان في قيام الثالثة، والمسألة بحالها، فإن طمع أن لا تفوته الركعة، خر فسجد، ثم اتبع الإمام في قيامه، فإذا سلم، أتى هو بركعة بأم القرآن وسورة؛ لأنه قاض، ولعلها من الأولى، ويسجد بعد السَّلام، إذ لعله أصاب بالسجدة موضعها، والركعة زيادة. وإن أيقن بسلامه للثانية، فيختلف يقينه وشكه، فإن أيقن بالسجدة، قضى ركعة، ولا يسجد للسهو، وإن شك فيها، سجد بعد السَّلام. وكذلك إن شك أن تكون من الأولى أو من الثانية، ولم يدرك أن يخِرَّ بسجدة في الثانية، وتَمَادَى، فليقض بعد الإمام ركعة بأم القرآن وسورة، ثم يسجد بعد السَّلام؛ إذ لعله لم يَبْقَ عليه شيء، فيصير سهوه بعد الإمام. وإن أيقن أنها باقية من إحداهما، لم يسجدْ للسهو. وكل ما ذكر ابن عبدوس من تفريع هذه المسألة، فقد ذكر نحوه ابن الْمَوَّاز. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: والمأموم فيما يفوته أو يسهو عنه قاض، وأما الإمام، والرجل وحده فبانٍ. هذا قول المدنيين، وإليه رجع ابن عبد الحكم، وقاله ابن المَاجِشُون. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإن شك، وهو قائم مع الإمام في الرابعة، في سجدة لا يدري من أي ركعة فليخرَّ بسجدة، ثم يرجع مع الإمام، ويأتي بركعة بعد سلامه بأم القرآن وسورة؛ إذ قد تكون السجدة من إحدى الركعتين الأوليين، ثم يسجد بعد السلام؛ إذ لعله جعل السجدة بوضعها وتصير الركعة زائدة، ولا سهو عليه فيما كان مع الإمام. قال سَحْنُون: وكذلك لو ذكر في تَشَهُّد الرابعة مع الإمام سجدة، لا يدري من أي ركعة، فإنه يسجدها، ويأتي بركعة قضاءً، ثم يسجد بعد السَّلام. ولو ذكرها
بعد السَّلام لأتى بالركعة، ولم يسجد السجدة، ولا يسجد للسهو؛ لأنه مما يحمله الإمام، ولم تَرِدْ بعده زيادة يسجد لها؛ لأنه موقن أن السجدة باقية، ولم يسجدها في الرابعة، فيحتمل أن يكون صادفها، وإِنَّمَا يحتمل أن يكون زاد بعد الإمام قِرَاءَة السورة، وليس يسجد في هذا. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا ذكر المأموم سجدة قد جاوزها من الأولى أو غيرها، فلا يسجد للسهو إذا قضاها، ولو كان في السجدة شاكًّا، لسجد للسهو بعد السَّلام بعد قضائها، ولو كان وحده، سجد للسهو بعد السَّلام، في شكِّه ويقينه. وإذا أيقن بسلامة الأوليين، وذكر في الرابعة سجدة من الثالثة وهو وحده فإن سُجُوده بعد السَّلام. وإن لم يدر من أي ركعة، أو ذكرها من إحدى الأوليين. فسجوده قبل السَّلام. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وابن وهب: وإذا ذكر المأموم سجدة، وهو قائم في الثانية، فليهو ساجدًا. وقال عبد الملك: بل يجلس، ثم يسجد. وإن ذكرها حين ركع الإمام، فليتبعه. وكذلك بعد رفعه رأسه، أو في الثالثة، ثم يقضي ركعة بعد سلامه. قال أبو محمد: أما إذا ذكرها، وهو واقف في الثالثة، فقول ابن القاسم أبين أن يهوي إلى السُّجُود، ولا يجلس؛ لأنه من الجلوس قام. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإن شكّ المأموم أن يكون ركع مع الإمام الركعة الأولى، وهو فِي التَّشَهُّدِ الآخر، فليسلم معه، ولا يأتي بركعة، فلعلها خامسة، وليُعِدِ الصلاة.
في الإمام يذكر سجدة، أو ركعة، أو يشك فيها ومن خلفه في يقين أو شك وقد سجدوها دونه، وهل يتبعه من فاتته ركعة فيما يأتي به
وقال في المجموعة، ابن القاسم، عن مالك في مَنْ شك مع الإمام، فلم يدر أفاتته ركعة أو رَكْعَتَيْنِ، أو أتمَّها، قال: يُتِمُّ على ما يوقن، ثم يسجد بعد السَّلام، كما يفعل لنفسه. وفي الباب الذي بعده هذا الباب من معاني هذا الباب. في الإمام يذكر سجدة، أو ركعة، أو يشكُّ فيها ومن خلفه في يقين أو شكٍّ وقد سجدوها دونه، وهل يتَّبعه من فاتته ركعة فيما يأتي به من كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا ذكر الإمام، وهو قائم في الثالثة، سجدة من الثانية، وقد سجدها القوم، فليسجد، ويتبعه من خلفه فيها، ولو أحدث فقدَّم من سجدها، فليسجدها بهم هذا المستخْلَف، فإن لم سيجدها بهم، وأتمَّ بهم الصلاة، فقد أفسد عليه وعليهم. ولو ذكر في الرابعة سجدة من الأولى، قد سجدها كلُّ من خلفه ومنهم من فاتته الأولى، فهذا يصير كمن تقدَّم بقوم بعد أن فاتته ركعة، فيشير إليهم، بعد تمام الرابعة، حَتَّى يقضي ركعة بأم القرآن وسورة، ويسجد بعد السَّلام، ولا يتبعه فيها من فاتته الركعة، وليقضوها بعد سلامه. انظر كيف يسجد بعد السَّلام، وقد صارت ثالثته ثانية، وهو لم يجلس فيها، ونقص فيها القراءة، وكيف يأتي بركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، وهو بانٍ؛ لأنه إمام، فإن جعلته كمأموم، فما بال نقصان الجلوس، ولم يكن له إمام يحمل ذلك عنه. وإن كان القوم لم يسجدوها أو لم
يسجدها بعضهم، فها هنا يصير إمامًا بانيًا في الركعة التي يأتي بها، ويتبعه فيها من فاتته الأولى، ويقرأ فيها بأم القرآن فقط، ويسجد قبل السَّلام، ويصير كمن قام من اثنتين. وقال في باب آخَرَ: إذا ترك السجدة بعضهم، فلا يتبعه في الركعة أحد منهم، إلاَّ أنه من سجدها منهم في سُجُود السهو. وإن كان الإمام على شكٍّ من السجدة، فمن شكَّ منهم كشكِّه، فليتبعه، ومن أيقن أنها من الأولى، أو من ركعة بعينها، فلا يتبعه، ويصير الإمام كشاكٍّ في ركعة فأتى بها فدخل معه الآن أحد فيها منهم، فلا صلاة له، ولكن يُؤْمَر أن يأتي بعد سلام الإمام بثلاث ركعات، رجاء أن تكون صحيحة، ثم يُعِيد الصلاة. ومن فاتته مع الإمام ركعة، فذكر الإمام في تَشَهُّد الرابعة سجدة من الثانية، وهذا الداخل قد سجدها، ولم يسجدها الآخرون، فليتبع الإمام في الركعة التي يأتي بها من يسجدها ومن لم يسجدها، وإن لم ينسها أحد منهم، فلا يتبعه أحد في هذه الركعة. ولو ذكر السجدة من الأولى، وكل من خلفه موقن بتمامها، وذكر واحد منها سجدة من الثانية، فلا يتبع الإمام هذا الذاكر للسجدة. في الركعة التي يأتي بها، وليقض ركعة بعد سلامه. وإذا دخل معه قوم في الثانية من الصُّبْح، ثم ذكر في آخرها سجدة، لا يدري من أي ركعة، فليخرَّ بسجدة، ويسجدون معه إن شكُّوا، ثم بركعة، ولا يتبعوه فيها، إلاَّ أن يوقنوا بسلامة الثانية، والإمام موقن ببقاء سجدة من إحداهما، فليتبعوه، وإلاَّ فلا. وإذا لم يدر الإمام كم صَلَّى، أثلاثًا أم أربعًا، فليأت بركعة، وليتبعه من معه
من أَوَّل صلاته، إن كانوا شكُّوا، فإن لم يتبعوه أبطلوا، إلاَّ أن يوقنوا بعد ذلك أنها زائدة، فتجزئهم وقد أساءوا, فإن دخل معه أحد في هذه الركعة، فلا يتبعه فيها، فإن فعل، أبطل صلاته، ولكن لا آمره بالقطع حين سلَّم الإمام وأعلمهم بشكِّه، وليتمَّ عليها تمام أربع، ثم يعيدها، إذ لعل الركعة لم تكن ملزمة. وكذلك لا يتبعه فيها من فاتته ركعة، وليقضوا بعد سلامه، وأُحِبُّ لهم أن يُعِيدُوا، خوفًا أن تكون الركعة عليه، ولم يتبعوه فيها. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا سجد الإمام سجدة، ثم قام، فاتبعه قوم عامدون، وقوم ساهون، وسجد الباقون السجدة الثانية وقاموا، ثم ذكر الإمام قبل الرُّكُوع، فرجع فسجدها، فلا يعيدها معه من سجدها، وإن لم يذكرها حَتَّى ركع، مضى، ويجزئ الذين سجدوا، فإذا قام هو يأتي بركعة بدلاً من التي ترك منها السجدة، فلا يتبعه فيها من سجد، وليتبعه فيها الساهون، ويسجد بعد السَّلام، ويسجد معه للسهو من كان سجد السجدة، ومن كان لم يسجدها، وتبطل صلاة العامدين، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد الذين سجدوا الصلاة، وذلك خير عندي من إعادتهم السجدة، وخير مِنْ أَن يتبعوه في الركعة فتكون خامسة. قال أَصْبَغُ: ولا يُعْجِبُنِي، وأرى إن رجع الإمام قبل الركعة، فسجد وسجدوا معه، أن تجزئهم، وإلاَّ فلا. وهذا فقه هذه المسألة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا
شعر قبل يركع الثانية، رجع فسجدها، ولا يسجد معه من سجدها، ويسجد معه من سها بسهوه، وتُجْزِئُ جميعهم، إلى من اتبعه عامدًا، وإذا تَمَادَى، ثم عمل على إسقاط تلك الركعة، وبنى على ذلك، فصلاته وصلاة من سها بسهوه تامة، وصلاة من اتبعه عامدًا فاسدة، وصلاة الساجدين لأنفسهم فاسدة؛ لاختلاف بناء الصلاة منهم ومن إمامهم. وكذلك قال مُطَرِّف، وأصبغ: يريد ابن حبيب: عمل على إسقاطها بعد أن عقد الثانية. فأما إن علم قبل أن يعقدها، فترك إصلاح الأولى عامدًا، وتَمَادَى فقد أفسد. ومن المجموعة، قال سَحْنُون: وإذا صَلَّى الإمام ركعة وحده، ثم دخل معه قوم، فَصَلَّى معهم الثانية، فذكر في تشهدها سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجد سجدة، وليتشهد، ويبني على ركعته هذه، وتكون أَوَّل صلاته، فإن أيقن من خلفه بسلامة ركعته هذه، فلا يسجدوا معه. قال في كتاب ابنه: وليقوموا، ولا يقعدوا. قالا عن سَحْنُون: ويَنْبَغِي له أن يرجع إلى يقينه في شكِّه. قال عنه ابنه: فإن فم ينتبهْ، وعم على يقين نفسه، قالا عنه: فليتبعوه في كل ركعة في جلوسها وقيامها وقراءتها، ليقينهم ببطلان الأولى، وليسجدوا معه بعد السَّلام، وعليهم اتباعه في سُجُود السهو، وإن لم يدركوا معه ما سها فيه. فإن شكَّ القوم في السجدة أن تكون من الثانية، فليتبعوه في السجدة، وفيما يُصَلَّى بعدها على قيامه وجلوسه، إلاَّ في الرابعة على اليقين، وخامسة على الشك، فلا يتبعوه فيها، وليثبتوا قياما – وفي كتاب ابن عبدوس جلوسًا – إذ لعلها لا تجب عليه، فلا يعتدُّون بها فيما فاتهم. ولو أيقنوا أن السجدة من التب أدركوا، لثبتوا جلوسًا في الخامسة عندهم ثم رجع عن قوله: "إذا شكُّوا". فقال: بل يتَّبعونه في الخامسة على الشك، رجاء أن تكون رابعة على اليقين، ثم يقضون بعد سلامه ركعة
بأم القرآن وسورة، إذ لعل السجدة من التي أدركوا فتكون الآخِرَة خامسة لا يُعْتدُّ بها. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: ويسجدون بعد السَّلام. قال: وإن أيقنوا أن السجدة من التي أدركوا معه، صارت ثانية تامة، فإذا قام إلى الثالثة عندهم، وهي عنده على الشكِّ ثانية، صلَّوها معه، وجلس هو فيها وقاموا هم، كإمام قعد في الثالثة، فإذا قام إلى الرابعة عندهم، فليصلُّوا معه، وهو يقوم فيها؛ لأنه يعمل على أنها ثالثة، فإذا قام إلى رابعة على اليقين، فليقعدوا، ولا يتبعوه؛ لأنها خامسة عندهم، فإذا أتمها وسلَّم وسجد للسهو، لم يسجدوا معه حَتَّى يقضوا الركعة التي فاتتهم بأم القرآن وسوة. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: وقد قال يسجد قبل السَّلام. وقوله: بعد السَّلام. أَحَبُّ إِلَيَّ. ولو صَلَّى بهم الثلاث ركعت تامات، ثم ذكر سجدة، لا يدري منهن أو من الأولى، فليسجد سجدة، ويَتَشَهَّد، ويأتي بركعة بأم القرآن، ولم يسجدوا معه، وسبَّحوا، ويصلُّون معه الركعة التي يحتاط بها؛ لأنها من صلب صلاتهم في يقينهم، ويسجدون معه قبل السَّلام. وإن شكُّوا بشكِّه سجدوا معه سجدة التحري، وثبتوا جلوسًا، ولم يتَّبعوه في ركعة الاحتياط، وسجدوا معه للسهو قبل السَّلام، فإن سلم صلوا رَكْعَتَيْنِ، ركعة بأم القرآن بناءً، وأخرى بأم القرآن وسورة، بدءوا بالبناء قبل القضاء، كالراعف في الثالثة، وقد سبقه إمامه بركعة، فرجع بعد ما سلم. ثم رجع سَحْنُون، فقال: يقرأ أَوَّلاً بأم القرن وسورة، ثم الرابعة بعد بأم القرآن، كمن فاتته ثلاث ركعات، فيقضي أَوَّلاً بأول. قَالَ ابْنُ عبدوس: وعليهم سُجُود السهو بعد السَّلام؛ لاحْتِمَال أن تكون إحدى الركعتين اللتين يأتي بهما زيادة إن كانت السجدة من الرابعة، وقد سجدها الإمام، فصار سهوهم بعد، فلا يجزئهم ما سجدوا للسهو معه، والذي رجع إليه في ركعة الاحتياط أن يتَّبعوه فيها، يقضوا الأولى، ويسلموا، ثم يسجدوا للسهو.
في الإمام يدع سجدة، فيسبح به، فلا يرجع أو يترك سجود السهو، وفي رجوع الإمام في شكه إلى يقين من خلفه، ورجوعهم إلى يقينه في شكهم، وهل يقبل قول من ليس معهم في صلاة
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن فاتته ركعة مع الإمام، فما جلس الإمام في الرابعة ذكر سجدة من إحدى الثلاث التي أدرك هذا معه، وأحدث، واستخلف على ذلك، والذي فاتته ركعة موقن بسلامة الثلاث، فلا يتَّبع المستخلف في الركعة، ولو استخلفه هو، فلا يصليها بهم، ولا يقضي التي بقيت عليه حَتَّى يستخلف من يُصَلِّي بهم ما استُخْلِفَ عليه، ثم يقضي هذا بعده. ولو صَلَّى هذا بهم ركعة، وأشار إليهم حَتَّى قضى ركعة لأعاد هو، وأعادوا؛ لأنه زاد ركعة ليست عليه، ولو لم يصل بهم إلاَّ تمام الثلاث بركعته، وسلَّمَ , وانصرفوا لأعادوا هم، وسجد هو للسهو قبل السَّلام، وتُجْزِئُهُ؛ لأنه نقص أن يجلس بالقوم عند تمام صلاتهم، كذلك يقوم للقضاء، كأنه يظن أنه ليس عليه. قال: وإذا أدرك من الظهر رَكْعَتَيْنِ، ثم ذكر الإمام سجدة، لا يدري من أي ركعة، وذكر المأموم سجدة من إحدى رَكْعَتَيْنِ، فليسجد مع الإمام سجدة، ويتبعه في ركعة يأتي بها بأم القرآن، ويسجد معه قبل السلام، ويقضي بعده رَكْعَتَيْنِ، ثم رجع محمد، فقال: يتبعه في سجده، وفي ركعته، وفي سجدتي سهوه، ثم يسلِّم بسلامه، ثم يبتدئ الصلاة؛ لأن الركعة التي أتى بها الإمام قد تكون ليست عليه. وإن كانت السجدة من الرابعة، وهذا هي عليه بيقين، والركعتين اللتين فاتتا لعلهما عله قضاء فذًّا، فلا يُجْزِئه أن يأتمَّ به فيهم. في الإمام يدع سجدة، فيُسَبَّح به، فلا يرجع أو يترك سُجُود السهو وفي رجوع الإمام في شكِّه إلى يقين من خلفه، ورجوعهم إلى يقينه في شكهم، وهل يُقبل قول من ليس معهم في صلاة من المجموعة، قال سَحْنُون، في إمام صَلَّى ركعة، وسجد سجدة، وقام
ساهيًا فليُسبِّحوا به، ما لم يخافوا أن يعقد الركعة، فيقوموا حينئذ، فيصلوها معه. فتكون أولى صلاتهم، وتبطل الأولى، فإذا جلس فيها قاموا، فإذا صَلَّى الثالثة عنده، وقام فليقوموا، كإمام قام من اثنتين، فإذا صَلَّى بهم الرابعة عنده، وجلس فليقوموا، كإمام قعد في ثالثة، فإن استفاق الإمام قام فَصَلَّى بهم الركعة بأم القرآن، وسجد قبل السَّلام، وسلام الإمام ها هنا على السهو بمنزلة الحدث. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وإذا شكَّ الإمام فبنى على يقينه، فلم يرُدَّ عليه من خلفه، فلما سلَّم، فقالوا: قد تمَّتْ صلاتك. فلا سُجُود عليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا عليهم. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإن لم يوقنوا سجد بهم. قال: ولا يرجع إلاَّ إلى يقين من معه فِي الصَّلاَةِ إذا شكَّ. ومن سماع أشهب: وإن قام من اثنتين فجبذوا ثوبه ليرجع فأبى، فلم يزالوا به حَتَّى جلس، فليسجدْ بعد السَّلام، وإن سجد قبل السَّلام أجزأه. قيل: أبلغك أن ربيعة صَلَّى خلف إمام، فأطال التَّشَهُّد، فخاف ربيعة أن يُسلِّم قبل يسجد للسهو، فكلَّمه، فقال له: إنهما قبل السَّلام. قال: لا، ولو بلغني ما تحَدَّثتُ به أيتكلَّمُ فِي الصَّلاَةِ! ومن سماع عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا قام إمام إلى خامسة، أو جلس في ثالثة، فسُبِّح به، فلم يرجع إليهم، فكلَّمه أحدهم، أو سألهم الإمام، فذلك جائز، وليرجعْ فيما شكَّ فيه إليهم، ويجزئهم. ومن الواضحة، وإذا سلَّم على يقين، ثم شكَّ، فله أن يبني على يقينه. وإن كان إمامًا، فسأل من خلفه، فأخبروه أنه لم يتمَّ، فقد أحسن، وليُتِمَّ ما بقيَ،
في الإمام يصلي خامسة، فيتبعه بعض من معه، وكيف إن قال بعد أن سلم: ذكرت سجدة
ويجزئهم. ولو شك قبل أن يسلم، لم يجز له أن يسأل أحدًا؛ إمامًا كان أو مأمومًا، فإن فعل استأنف ولم يبنِ. وإما من عرض له شكٌّ بعد أن سلَّمَ فليسألهم، وإذا شكَّ فِي الصَّلاَةِ فليبنِ على يقينه، إلاَّ أن يُسَبِّحوا به، فليرجع إلى يقينهم في شكِّه، ومن لم يبنِ على يقينه، وسألهم، أو سلَّم على شكِّه وسألهم، فقد أبطل صلاته، إمامًا كان أو مأمومًا. وقاله ابن القاسم وغيره. قال أَصْبَغُ: ولو كان وحده، فسلِّم على يقينه، ثم شكَّ، فسأل من حوله، فقد أخطأ، بخلاف الإمام الذي يلزمه الرجوع إلى يقين من معه. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك في الرجل في منزله، فلا يدري أصلى أم لا، فتقول له امرأته: قد صليتَ. أيصدقها؟ قال: ليس النساء سواء. قيل: هي ثقة. قال: هو لا يدري أصلى أم لا. وكذلك لو أخبره رجل أنه صَلَّى، لم يُجْزِئه ذلك، إلاَّ أن يكون هذا الشكُّ يعتريه غير مَرَّة، فأرجو أن يُجْزِئه. وقال المغيرة، في من لم يدرِ أثلاثًا صَلَّى أم أربعًا، فسأل من بقرب منه، فأخبروه أنه أتمَّ أربعًا، فإن كان في مكتوبة، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد، وأما في النافلة فهو خفيف، ويسجد لسهوه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في إمام عليه سُجُود للسهو، فلم يسجد: فليسجدْ مَنْ خلفه. قال المغيرة: يُعْلمونه فيسجد بهم، فإن انصرف قبل ذلك سجدوا، كان قبل السَّلام أو بعده. في الإمام يُصَلِّي خامسة، فيتبعه بعض من معه، وكيف إن قال بعد أن سلَّمَ: ذكرتُ سجدة من كتاب ابن الْمَوَّاز، وعن إمام صَلَّى خامسة، فاتبعه قوم عامدون، وقوم
ساهون، وجلس الباقون، فلم يتَّبعوه. قال: فصلاة العامدين فاسدة. وتتمُّ صلاة الساهين والجالسين، ولا تبطل صلاة الإمام إذا لم يجتمعْ كل من خلفه على خلافه، ولو اجتمعوا على خلافه، فخالفهم في شكِّه لأفسد صلاته، والسنة أن يرجع إلى يقينهم أجمعين في شكِّه، وإلاَّ أبطل على نفسه وعليهم ز ولو أنه لما سلم من الخامسة قال: إِنَّمَا كنتُ تركتُ سجدة من الأولى، فها هنا تبطل صلاة من لم يتبعه. يريد: إن لم يوقنوا بسلامتها. قال: وتصحُّ لمن اتبعه في العمد والسهو. قال سَحْنُون في المجموعة: صلاة الساهين تامة، وصلاة العامدين باطل، إن أيقنوا أنه لم يبقَ عليه شيء، إلاَّ أن يتأوَّلوا أن عليهم اتباع إمامهم، فأرجو أن يجزئهم، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيدُوا، وصلاة الجالسين تامة، إن أيقنوا أنه لم يبقَ عليه شيء. وإن قعدوا على شكٍّ فصلاتهم باطل. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ولو صَلَّى الإمام خامسة سهوًا، فاتبعه من بقيتْ عليه ركعة فيها، وهو يعلم أنها خامسة، فقد أبطل صلاته، وإن لم يعلم، فليقض ركعة أخرى، ويسجد للسهو كما سجد إمامه. ولو قال الإمام: كنتُ أسقطتُ سجدة من الأولى. لأجزتُ هذه الخامسة من اتبعه فيها، مِمَّنْ فاتته ركعة، وتُجْزِئُ غيرهم مِمَّنْ خلفه، إلاَّ أن يقول كل من خلفه إنه لم يُسقط شيئًا. ولا يجزئ من اتبعه مِمَّنْ فاتته ركعة وهو لا يعلم، وليأت بها بعد سلامه، وتُجْزِئُهُ. ومن اتبعه، عالمًا بأنها خامسة مِمَّنْ فاتته ركعة، أو مِمَّنْ لم تَفُتْه، فقد بطلت صلاته، ويَنْبَغِي لمن علم مِمَّنْ فاتته ركعة ألا يتَّبعه فيها، ويقضي ركعة بعد سلامه. اجْتَمَعَ الإمام
في سهو المأموم مع الإمام، أو فيما يقضي، كيف إن ظن أنه سلم، فقام للقضاء، أو انصرف، يذكر ما يحمله الإمام
وكل من خلفه على أنه قد أسقط سجدة من الأولى، أعاد هذا صلاته، ولو نسيها الإمام وحده دون من خلفه، أجزأت هذا صلاته إذا قضى الركعة التي بقيت عليه. ولو قال: أسقطت سجدة من الثانية أو الثالثة. والقوم معه وقد اتبعه هذا في الخامسة، فذلك جائز له، ولكن يقضي الأولى التي فاتته، سواء اتبعه ها هنا عالمًا بأنها خامسة أو غير عالم. أراه يريد: وليس بموقن بسلامة ما أدرك معه. قال: ولو جلس في الخامسة معه، ثم ذكر الإمام سجدة لا يدري من أي ركعة، فلا يسجد سجدة، لا هو ولا مَن شكّ بشكِّه، ولا مَن فاتته ركعة، وليسجد الإمام للسهو قبل السَّلام، إلاَّ أن يعلم أن السجدة من إحدى الركعتين الأخيرتين، فليسجد للسهو بعد السَّلام. وقد تقدَّم ذكر من صَلَّى خامسة، ثم ذكر سجدة والاختلاف فيها. في سهو المأموم مع الإمام، أو فيما يقضي، وكيف إن ظنَّ أنه سلَّم، فقام للقضاء، أو انصرف، وذِكْرِ ما يحمله الإمام من المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: وإذا قام المأموم من اثنتين، ثم جلس، فالإمام يحمل عنه ذلك، وكذلك لو تكلَّم سهوًا. قال أشهب: ما يلزمه سهو إمامه كذلك يحمل عنه الإمام. قال عنه عليٌّ: ولا يحمل عنه ركعة ولا سجدة. وإذا أتى بالركعة بعد سلام الإمام، فلا يسجد للسهو. قال عنه عليٌّ: ومن تكلَّم بعد سلام إمامه وقبل سلامه هو ساهيًا، فليسجدْ للسهو، وذلك عندي خفيف.
قال ابن القاسم، وعليٌّ، عن مالك: ولو سلَّم وانصرف، وهو يظنُّ أن الإمام سلَّم، ثم رجع قبل سلام إمامه، فلا سُجُود عليه إن لم يعلم حَتَّى سلَّمَ الإمام، فإنه يرجع فيجلس، ثم يُسَلِّم. قال عليٌّ، عن مالك: يُسَلِّم ويسجد لسهوه أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن رجع بعد سلام إمامه فجلس وسلَّمَ، فليسجدْ للسهو أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بلغني عنه أنه قال: يسجد قبل السَّلام. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومن أحرم معه في آخِر جلوسه، فسلَّم معه سهوًا، ثم علم فبنى، فليسجدْ بعد السَّلام. ومن المجموعة، ومن ظن أن إمامه سلَّم، فقام فقضى ركعة بقيت عليه بسجدتيها، ثم سلَّم الإمام. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يُعْتَدُّ بها. قَالَ ابْنُ كنانة: ويسجد بعد السَّلام. وكذلك في المختصر عن مالك. وقال المغيرة، وعبد الملك: لا سُجُود عليه؛ لأنه في حُكْم إمامه. قال عبد الملك: ويقوم للقضاء بتكبير، وإن سَلَّم عليه وهو قائم فلا يُحْدث تكبيرًا، وليبتدئ القراءة، ولا سُجُود عليه للسهو؛ لأنه في حُكْم إمامه. قاله المغيرة وعبد الملك. ورَوَى ابن القاسم أنه يسجد قبل السَّلام. قال سَحْنُون وابن الْمَوَّاز مثله؛ لنقصه النهضة بعد سلام الإمام. وذكر ابن الْمَوَّاز أنه قول عبد الملك. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وكذلك إن سَلَّم عليه وهو راكع، فليرجعْ، وليبتدئ القراءة، ويسجد قبل السَّلام. وقال عبد الملك: يرفع رأسه بغير تكبير، ثم يقرأ، ولا سُجُود عليه للسهو. وقاله المغيرة وسَحْنُون، في كتاب ابنه. وتقدَّم في باب السهو عن الإِحْرَام ذِكْرُ ما يحمله الإمام وما لا يحمله مُسْتَوْعَبًا.
في الذى يفوته بعض صلاة إمامه ويذكر سجدة قبل يقضي أو بعد وفي الإمام أو المستخلف يذكر سجدة، أو يذكر ذلك الإمام لمن استخلفه
في الذي يفوته بعض صلاة إمامه يذكر سجدة قبل يقضي أو بعد، وفي الإمام أو المستحلف يذكر سجدة، أو يذكر ذلك الإمام لمن استخلفه من المجموعة قال سَحْنُون: ومن سبقه الإمام بركعة من صلاة الظهر، ثم ذكر سجدة وهو جالس في الرابعة، لا يدري من أي ركعة هي، فليخرّ بسجدة يتحرَّى أن تكون من هذه، ثم يأتي بعد سلام الإمام بركعتين بأم القرآن وسورة في كلتيهما ركعة القضاء، وركعة الاحتياط؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة من أَوَّل صلاته. قَالَ ابْنُ عبدوس: ويسجد بعد السَّلام، إذ لعل السجدة صادف بها مكانها، فزاد ركعة بعد الإمام. ولو ذكرها بعد سلام الإمام فلا يسجد، وليأت بركعتين، ولا يسجد للسهو، إذ لا يجده زاد بعد الإمام إلاَّ بسورة مع أم القرآن. قال سَحْنُون: ولو ذكر سجدة قبل سلام الإمام، فتعمَّد ترك سجودها حَتَّى سلَّم الإمام، فسدت صلاته. وكذلك إن ذكرها في موضع يمكنه فيه إصلاحها، فلم يفعلْ حَتَّى فات ذلك. قال عبد الملك وسَحْنُون: وإذا قضى ركعته الفائتة، ثم ذكر سجدة، ولا يدري منها أو مما ترك، فليخرَّ بسجدة، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويسجد بعد السَّلام، إذْ لعله صادف بالسجدة موضعها، وزاد هذه الركعة. وإن أدرك معه ركعة، ثم صَلَّى بعده ركعة، ثم ذكر في تَشَهُّدها سجدة، لا يدري من أيهما فليسجد ويتشهدْ، ويأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس ويَتَشَهَّد؛ لأنها ثانية على اليقين، ثم يبني ويسجد بعد السَّلام. وإن أدرك رابعة الإمام، فاستخلفه فيها، فصلاها، ثم قضى ركعة، ثم ذكر سجدة من إحدى الركعتين، فعل ما ذَكَرْنَا، ولا يتبعونه، وإن هم شكُّوا في تمام
التي صَلَّى بهم، لم يتبعوه؛ لأنه حال دونها بركعة، وليأتوا بعد سلامه بركعة, ويسجدوا بعد السَّلام؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة التي صَلَّى بهم، وصارت التي صَلَّى وحده هي التي استُخْلِفَ عليها، والناقصة زيادة يسجد لها، ويسجدون بعد تمام صلاتهم اتباعًا له؛ لأنها سها وهم في إمامته، وإِنَّمَا لا يسجدون فيما يسهون فيه في القضاء. وإن سَلِمَتِ التي صَلَّى بهم، صارت التي صلوا بعده زيادة، فيسجدون، لأحد هذين الوجهين. قَالَ ابْنُ عبدوس: وإِنَّمَا يسجد بعد السَّلام وإن احتمل أن يكون قام في الرابعة؛ لأنه يرجع إلى الجلوس في الخامسة، فيعتدُّ به، ويبقى ما بين ذلك سهوًا؛ لأنه من جلس في الأولى لا يقال له نقص الْقِيَام؛ لأنه عاد إليه. قال سَحْنُون: وإذا استُخْلِف على رَكْعَتَيْنِ، فصلاهما، وقضى ركعة، ثم ذكر سجدة، ولا يدري من هذه أو مما صَلَّى بهم، فليسجدْ في هذه سجدة، ويتشهَّد، فتصير ثانية على اليقين مما استُخْلِفَ عليه، ثم يأتي بركعتين قضاءً بأم القرآن وسورة في كل ركعة. وقَالَ ابْنُ سَحْنُون ذلك في الأولى، وأما في الثانية فبأمِّ القرآن ويسجد بعد السَّلام، فإن أيقن من خلفه بتمام ما صَلَّى بهم قعدوا، ولم يُصَلُّوا معه شيئًا، ثم يُسَلِّمون بسلامه، ولا يسجدون معه؛ لأن سهوه في القضاء وإن كان سهوًا لسهوه، فليأتوا بعده بركعة بأم القرآن، لاحْتِمَال أن تكون السجدة من إحدى اللتين صَلَّى بهم، ويسجدون بعد السَّلام، كانوا على شكٍّ أو أيقنوا أنه ترك منها سجدة. قَالَ ابْنُ سَحْنُون، عن أبيه: ومن دخل مع إمام في الرابعة، فأحدث الإمام، فقدَّمه، وقال له: بقيتْ عليَّ أمُّ القرآن من الأولى وسجدة من الثانية والرُّكُوع من الثالثة، فليخرَّ هذا بسجدة، ويَتَشَهَّدْ، فتصحُّ ركعتان، ثم يقوم فيأتي
في من فاته بعض الصلاة فقضاه، أو استخلف عليه فصلاه، ثم ذكر الأول سجدة
بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السَّلام. ويعيدون الصلاة، لكثرة السهو. قال أبو محمد: إِنَّمَا هذا على قول من رأى أن يؤتمَّ به في السجدة النافلة، وأكثر أقاويلهم أن يستخلف هذا من يسجدها بهم، مِمَّنْ أدرك الصلاة من أولها. قال سَحْنُون: وإن أدرك أربعة الإمام ثم قضى ما فاته، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجدها ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعة بأم القرآن ويسجد قبل السَّلام؛ إذ لعل السجدة من التي أدرك، فتصير التي قضى أَوَّلاً أَوَّل صلاته، وقد جلس فيها، والتي تليها ثانية وقد قام فيها. ولو كان إِنَّمَا قضى رَكْعَتَيْنِ فاتتاه، لكان يقرأ في التي يأتي بها أم القرآن وسورة، ويسجد قبل السَّلام؛ لاحْتِمَال أن تكون مما أدرك، فتصير التي قضى أَوَّلاً ثانية وقد قام فيها. في مَنْ فاته بعض الصلاة فقضاه، أو استخلف عليه فصلاه، ثم ذكر الأول سجدة من المجموعة، و (الْعُتْبِيَّة)، قال سَحْنُون: وإذا أحرم رجل خلف الإمام، ثم استخلفه على رَكْعَتَيْنِ بقيتا من الظهر، فصلاهما، ثم أتى الأول فذكر سجدة من إحدى الأوليين، فليقم المستخلف بالقوم إن كانوا على شك منها، فيصلي بهم ركعة بأم القرآن فقط؛ لأنه بان، ثم يجلسون، ويأتي هو
بركعة قضاء بأم القرآن وسورة، ويسجد قبل السلام، ويسجدون معه. وقد قيل: يسجد بهم قبل ركعة القضاء. وإِنَّمَا قبل السَّلام؛ لأنه كأنه استخلف على ثلاثة، فأولهن ثانية له، وقد قام فيها وقرأ بأم القرآن. قَالَ ابْنُ عبدوس: وإن كان القوم يوقنون بالسلامة، قعدوا ولم يتبعوه. قال سَحْنُون، في (المجموعة): ولو كان الأول شاكا في السجدة، ليقرأ هذا في الركعة التي يحتاط بها بأم القرآن وسورة؛ لاحْتِمَال أن يكون الأول لم يبق عليه شيء فتصير هذه ركعة قضاء، وكذلك الثانية، ثم يَتَشَهَّد في الأولى منهما لاحْتِمَال أن تكون ركعة بناء، والرابعة للأولى، ويصلونها معه إن كانوا على شك، ويسجدون قبل السلام. وإن لم يرجع إليه الأول، حَتَّى قضى الركعتين اللتين فاتتاه، ثم أتاه، فقال له: بقيت على سجدة. فصلاة هذا المستخلف تامة؛ لأنه صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وقضى لنفسه رَكْعَتَيْنِ، ولكن يسجد للسهو قبل السَّلام؛ لأنه قام في موضع جلوس، وترك السورة مع أم القرآن في ركعة، ويسجد معه القوم، ثم إن كانوا في شك أتوا بركعة بعد سلامه، بأم القرآن فقط، وسلموا، ثم سجدوا للسهو معه، خوفا أن لا يكون بقي عليهم شيء، فتصير هذه الركعة زائدة، وإن أيقنوا أن السجدة باقية على الأول، لم يسجدوا للسهو بعد ركعتهم هذه، وإن أيقنوا أنه لم يبق عليهم شيء سلموا بسلام الإمام. قال: ولو ضلى معه رَكْعَتَيْنِ، ثم استخلفه على رَكْعَتَيْنِ، فصلاهما بالقوم، ثم ذكر الأول سجدة، فإن شك المستخلف فيها، فأم بالقوم إن شكوا، فَصَلَّى بهم ركعة بأم القرآن، وسجد بهم قبل السَّلام، فإن هم
أيقنوا أنهم لم يبق عليهم شيء، فصلاتهم تامة، ولا شيء عليهم. ولو أن الأول لما ذكر سجدة، ذكر الثاني مما صَلَّى بعده سجدة لا يدري من أي ركعة، فليخر بسجدة، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد لسهوه قبل السَّلام؛ لأن فيها نقصا وزيادة، ويُعِيد الصلاة، لكثرة السهو. وكذلك قال في مَنْ صَلَّى الظهر، فذكر فِي التَّشَهُّدِ الآخر سجدتين، لا يدري من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ، فإنه يسجد سجدتين، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السَّلام، ويُعِيد الصلاة احتياطا. ومن (كتاب ابن المواز)، ومن فاتته ركعة مع الإمام، فقضاها بعد سلامه، ثم رجع الإمام فقال له: أسقطت سجدة من الأولى. وإن قضى هذا ركعته ورفع منها رأسه بمقدار لو رجع إمامه كان له البناء لقربه، ولم يكن أيضًا من الإمام تعمد بكلام أو سلام، فركعة هذا باطل، فليعدها، إن لم يرجع الإمام فيبني معه. ولو كان استخلفه، فأتم بهم، ثم قضى ركعة، فإنه يعتد بها، وكأنه استخلفه عليها، ركعها ببعد أو بقرب، ويسجد قبل السَّلام، ويسجدون معه، ثم يقضي الإمام الأول، بعد سلام المستخلف ركعة وحده، ويصليها الناس أفذاذا قبل أن يسلموا، وهم فيها كركعة غفلوا عنها حَتَّى سلم إمامهم، ويصير المستخلف كأنه لم يفته شيء. ولو علموا ذلك قبل أن يركعها، وصلوها معه، لأجزأتهم. وكذلك الإمام الأول، لو أدركه فيها لاتبعه، وإذا لم يكن مستخلفا، وقضى ركعته، فركعها، ورفع منها بعد طول قيام لا يبني الإمام في مثله، فهي له مجزئة، إلاَّ أنه يسجد قبل السلام، وكأنه نقص فيها القراءة، إذ لو أتى الأول كان له أن يبني فصارت قراءته لا يعتد بها حين وقعت في موضع للأول أن يبني فيه
لو أتى، ولو ركع قبل طول ذلك، لم يُجْزِئه، وصار كمن ظن أن إمامه سلم فقام يقضي فسلم عليه الإمام وهو قائم، فيلغي ما عمل. وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يسجد قبل السَّلام؛ لأنه كان عليه أن يقوم بعد سَّلام الإمام، فترك ذلك، وقام في صلاة الإمام. ولو كانت الصُّبْح قد فاتته منها ركعة، فقضاها، ثم ذكر الإمام سجدة، فإن قضاها في وقت للإمام فيه البناء لم يعتد بها، وإن لم يفرغ منها حَتَّى فات البناء، أعاد هذا صلاته. يريد محمد: ويصير كمن ترك القراءة في ركعة من الصُّبْح. على ما بينا في التي قبلها. قال وكذلك لو أحرم معه في تَشَهُّد الرابعة، فلما قضى هذا ركعة، ركع الأول، فذكر سجدة من الأولى، فإن رجع بالقرب في مثل ما يجوز له البناء، بطلت، ويُصَلِّي بالقوم ركعة بأم القرآن، ويقضي لنفسه ثلاث ركعات، ويسجد بمن خلفه قبل السلام، وإن رجع عن بعد لا يبني فيه، وذلك قبل أن يركع هذا، فليبن هذا على ركعته، ويسجد قبل السَّلام، لما قرأ في وقت يجوز للأول فيه البناء، فلا يحسب له تلك القراءة. ومن أحرم في ثالثة الإمام، فاستخلفه، فَصَلَّى الركعتين، وجلس، ثم جاء الأول، فذكر سجدة من الأوليين، وأسقطها من كان خلفه، فليقم المستخلف، فيصلي بهم ركعة، بناء بأم القرآن، ويسجد قبل السلام، ويشير إليهم حَتَّى يأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويسلم ويسلمون معه. ولو أن الأول أسقط سجدة من كل ركعة من الأوليين، وأسقطها القوم، لصلى هذا بهم رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن في كل
ركعة، ويسجد قبل السلام. ولو لم يرجع الأول إليه حَتَّى صَلَّى هذا ركعتي القضاء لنفسه، فذكر سجدة من الأولى، فليسجدها بهم للسهو قبل السَّلام، ويسلم، ثم يأتوا بركعة بأم القرآن فقط. ولو أعلمه بذلك بعد أن صَلَّى هذا ركعة لنفسه من القضاء، وشك القوم وهو قائم في الرابعة، فليجلس فيتشهد، ثم يسجد للسهو قبل السلام. يريد: كما كان يعمل الأول. قال: ثم يشير إليهم حَتَّى يأتي بركعة قضاء، ثم يأتون بعد سلامه بركعة بناء. ولو كان إِنَّمَا قال له: بقيت على من كل ركعة من الأوليين سجدة، فليقوموا معه في الرابعة إن شكوا، فيصليها بهم ركعة بناء بأم القرآن، ويسجد بهم قبل السلام، ثم يأتون بعده بركعة بناء أيضا. ولو كان إِنَّمَا قال له: بَقِيَ سجدتان، لا أدري من ركعة أو من ركعتين. فلا يقومون في هذه الرابعة مع المستخلف. يريد محمد: لاحْتِمَال أن تكون السجدتان من ركعة فيصير في الرابعة قاضيا، لا يؤتم به فيها. قال: ولا يرجع هو إلى الجلوس، فإذا أتمها سجد بهم قبل السلام، ثم أتوا بركعة بعد سلامه، وسلموا، ثم يسألون الأول، فإن تذكر أنها من ركعة أجزأتهم الصلاة، وإن كانتا من رَكْعَتَيْنِ، أعادوا؛ لتركهم اتباع المستخلف فيما عليهم اتباعه فيه. ولو لم يرجع الأول حَتَّى جلس هذا في الرابعة، فليسجد بهم قبل السَّلام، ثم يأتون بعده بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ثم يسلمون، وتجزئهم. ولو رجع إليه بعد أن صَلَّى الركعتين بهم، وقبل أن يقضي لنفسه، فذكر سجدتين، لا يدري
من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ، فَلْيُصَلِّ بالقوم ركعة أخرى، ويجلسون ويتشهدون، ويقوم هذا المستخلف ولا يجلس، ولا يَتَشَهَّد، حَتَّى يأتي بالرابعة، ثم يتشهد، ويسجد بهم للسهو قبل السَّلام، ثم يسلمون، فإن أثبتوا أنهما من ركعة، سلموا، وأجزأتهم، وإن شكوا، صلوا ركعة أفذاذا بأم القرآن، وأعادوا الصلاة، لتركهم اتباع المستخلف في الرابعة، وقد يكون عليهم اتباعه. ولو أنهم اتبعوه فيها، وسلموا بسلامه، وأعادوا الصلاة لما لعلهم ائتموا به فيما يلزمهم أفذاذا، كان أَحَبُّ إِلَيَّ. ولو كان رجوعه بعد أن صَلَّى ركعة، وقام فذكر له سجدة من إحدى ركعتيه، فقد صارت هذه الثالثة ثانية، فقام فيها ولم يجلس، فيأت بهم بركعتين، بناء، ثم يَتَشَهَّد، ثم يسجد بهم قبل السَّلام، ثم يأتي بركعة قضاء بأم القرآن وسورة، ثم يسلم بهم. ولو قال له هذا القول حين قدمه، يسجد بهم سجدة، ثم بنى على ركعة، فيصلي بهم ثلاثا، الأولى بأم القرآن وسورة، ويجلس، ثم رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن فقط. ويجلس، ويَتَشَهَّد بهم، ثم يثبتون، ويقضي لنفسه ركعة بأم القرآن وسورة. يريد محمد: ويسجد بعد السَّلام. قال: ثم يُعِيد من خلفه، لاحْتِمَال أن يكون قد أصاب بالسجدة موضعها، فيصير مستخلفا على اثنتين، وتصير الثالثة مما عليه أن يأتي بها فذا، فلما صلوها معه، أبطلوا صلاتهم، وكذلك لو قعدوا عن اتباعه فيها، لأمرتهم بالإعادة، لاحْتِمَال أن يكون عليهم اتباعه فيها، وأَحَبُّ إِلَيَّ لو قدم غيره من القوم، ويدع هذا الصلاة بهم.
في من أدرك ركعة من الجمعة، ثم ذكر بعد القضاء أو قبله سجدة، أو بعد أن صلاها مستخلفا، أو ذكرها الإمام الأول
في من أدرك ركعة من الجمعة، ثم ذكر بعد القضاء أو قبله سجدة، أو بعد أن صلاها مستخلفا، أو ذكرها الإمام الأول من (كتاب ابن المواز)، ومن أدرك ركعة من الجمعة، فذكر بعد السَّلام الإمام سجدة فيها اضطراب، فاختار أصبغ أن يسجد، ثم يقوم فيأتي بركعة، ويسجد بعد السَّلام، ثم يُعِيد ظُهْرًا. وهذا أحسن. وقال أشهب: يسجد، ويأتي بركعة، وتُجْزِئُهُ الجمعة، ولا يُعِيد. والحجة له قول النبي صَلَّى الله عليه وسلم: من أدرك الركعة، فقد أدرك السجدة. وقَالَ ابْنُ القاسم: ما لم تتم له ركعة بإمام لم تُجْزِئُهُ الجمعة، ولكن يسجد، وبيني عليها ثلاث ركعات، فتصير ظهرا. وذكر عنه عيسى، في (العتبية)، أنه يلغي ما أدرك، ويُصَلِّي على إحرامه ظُهْرًا أربعا، وإن ذكرها بعد أن ركع الركعة الأخرى، بنى عليها ثلاثا، فتصير ظُهْرًا. وقد قال أيضًا: إن ذكر قبل أن يركع، سجد، وبنى على ركعته، وتُجْزِئُهُ في الجمعة وغيرها. وقال أيضًا ابن القاسم: إن ذكر سجدة بعد أن قضى الركعة التي بقيت عليه ولا يدري من أي ركعة هي، فليسجد سجدة، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعة، ويسلم، ويسجد بعد السَّلام، ويعيدها، ظُهْرًا، وقال عيسى: يخر بسجدة، ويَتَشَهَّد، ويسلم، ولا يأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، ويعيدها
ظهرًا. وهذا قول عبد الملك، وابن عبد الحكم، واختيار ابن الْمَوَّاز، قال: لأنه إِنَّمَا يسجد سجدة في هذه يتعرَّضُ أن يُصادفها، فتجزئه جمعة، فإذا كانت من الأول لم تكن له جمعة، فلا وجه للركعة. وقاله أشهب، في المجموعة، قال: ولا يقال له: ائت بركعة؛ لأنه إذا بَطَلَتِ التي أدرك، خرج مِنْ أَن تكون له جمعة، وصار عليه ظهرٌ يبتدئها، وليس الإتيان في هذه بركعته من صلاح فرضه، فخالفت غيرها. والذي حكى ابن الْمَوَّاز عن أشهب، أنه بركعة، ولا يسجد السجدة، ويُسَلِّم ويسجد لسهوه. كأنه في هذا القول يتعرَّض أن تتمَّ له ركعتان تَنَفُّلاً إن لم تصحَّ له جمعة. ومن أحرم خلف الإمام في الثانية من الجمعة، ثم استخلفه، فصلاها بهم، ثم قضى ما فاته، وسَلَّمَ، ثم ذكر سجدة مكانه من التي أحرم فيها مع الإمام، فلا جمعة له أسقطها القوم معه أو سجدوها، فإن أسقطوها فيسجدوا هم الآن سجدة ويتشهدوا، ويأتي هو بركعة، ولا يتَّبعوه فيها، ويُسَلِّمُ بهم ثم يسجد بهم للسهو ويُعِيد هو ظهرًا؛ لأنه صَلَّى الجمعة وحده لمَّا بطلت التي دخل فيها مع الإمام، ألا تَرَى لو نفر الناس عنه فيها لم تُجْزِئُهُ جمعة، إذ لم يعقدْ ركعة مع الناس، ويَنْبَغِي له أن يُصَلِّي ثلاث ركعات أَخَّرَ، وتُجْزِئُهُ ظهرًان ويُقَدِّم القوم من يسجد بهم السجدة، ويَتَشَهَّد ويُسَلِّم، وتجزئهم الجمعة. وهذا مثل الذي لم يُقَدِّمه الإمام سواء. وكذلك لو قال المستخلف: لا أدري السجدة من التي صَلَّيتُ بالقوم أو من التي قضيتُ لنفسي. فالجواب في ذلك سواء، وهي كالمسألة المتقدِّمة في الذي ذكر سجدة
ولم يستخلف. وقول عبد الملك فيها أَحَبُّ إِلَيَّ. وأما لقوم فإن لم يشُكُّوا لم يسجدوا، وإن شكُّوا سجدوا، وإن قدَّموا من يسجد بهم كان أَحَبُّ إِلَيَّ أن يسجد بعد السَّلام. وقال سَحْنُون في المجموعة في الذي دخل في الثانية من الجمعة، واستُخْلِف فصلاها بهم، وقضى ركعة، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة هي: إنه يسجد سجدة، ثم يتشهَّد، ثم يأتي بركعة يجهر فيها بقراءته، ويسجد بعد السَّلام، وتُجْزِئُهُ الجمعة، فإن كانت من التي صَلَّى بهم، بطلتْ، وتصير ركعة القضاء هي التي استُخْلِف عليها، وإن كانت من القضاء، فالتي احتاط بها زيادة، فإن عَلِمَ القوم سلامة التي صَلَّى بهم، لم يضرُّهم، وتمَّتْ لهم الجمعة، ولا يسجدون للسهو؛ لأن سهوه في القضاء وقع، وإن علموا أنها من التي صَلَّى بهم، جلسوا، ولم يتَّبِعوه؛ لأنه قد حال دونها ركعة، فإذا فرغ أتوا بركعة جَهْرًا، وسجدوا بعد السَّلام. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ولو أن هذا المستخلف في الثانية صلاها بهم، وقضى ما فاته، ثم ذكر سجدة من التي صَلَّى بهم، ثم رجع الأول، فذكر سجدة من الأولى، فإنه لا يصحُّ لهم ولا للمستخلف جمعة؛ لأن الأولى بطلتْ، والثالثة التي صَلَّى بهم المستخلف حال دونها بركعة القضاء، فكانه لم يُصَلِّ بهم الكعة. ولو أدرك القوم قبل أن يركع ركعة القضاء، وقبل أن يرفع رأسه منها، رأيت أن يسجد بهم سجدة ثم يركع بهم أخرى، فتتمُّ له ولهم الجمعة. ولو أتى الأول بعد
قضاء هذا، فذكر سجدة من الأولى، وذكرها القوم، ولم يَبْقَ على هذا شيء فيما صَلَّى، فليُسلِّمْ هذا ويسجدْ بعد السَّلام، وتتمُّ له جمعة، ويأتي القوم بعده بركعة أفذاذًا، ويسجدون بعد السلام، وتصحُّ لهم الجمعة. فأما لو ترك سجدة من التي صَلَّى بهم، ثم قضى ركعة، ثم ذكروا من الأولى سجدة، لم يجزئهم أن يقدِّموا من يسجد بهم تمام ركعتهم التي صَلَّى هذا بهم؛ لأنه كان عليهم اتِّباعه في ركعة القضاء، ثم يقضون الأولى أفذاذًا. قلتُ: وكيف العمل إذا كان لا جمعة لهم ولا لهذا، إذا سقط من ركعتيهم سجدة؟ قال: يسجدون سجدة في ركعة المستخلف، ويأتون بركعة أخرى ويسَلِّمون، ويسجدون للسهو، وكذلك المستخلف يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، ويسجد للسهو، وتكون لهم أجمع نافلة، ويعيدون الجمعة، وتجزئهم الخطبة الأولى إلاَّ أن يبعدَ، فيعيدها. ومن أدرك ركعة من الجمعة، ثم قضى الركعة التي فاتته، ثم سجدة من التي أدرك، فلْيَبْنِ عليها ثلاث ركعات ظهرًا، وتُجْزِئُهُ، وبخلاف سفريٍّ أدرك ركعة مع حَضَريٍّ، ثم قضى ركعة، ثم ذكر سجدة من التي أدرك، فهذا يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، ويقطع بسلام، ثم يبتدئ صلاة سفر؛ لأنه سقطت عنه صَلاة الحَضَر، فلا يبني على شيء أحرم على خلافه، والجمعة والظهر صلاة حَضَرٍ، تنوب هذه عن هذه، كما قال مالك في الداخل يوم الخميس يظنُّه الجمعة، إنه يُجْزِئه. ولو صَلَّى يوم الجمعة يظنُّه الخميس لم يُجْزِئه. ولا يبني ههنا على إحرامه. وقال أَصْبَغُ في الذي ذكر سجدة من التي أدرك يوم الجمعة بعد أن قضى ركعة، قال: فليأْتِ بركعة أخرى، ثم يُعِيد ظهرًا. ولا يُعْجِبُنا قول أصبغ هذا.
في الإمام في صلاة الخوف يذكر سجدة
في الإمام في صلاة الخوف يذكر سجدة من المجموعة ومن كتاب ابن سَحْنُون ونحوه في الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: وإذا صَلَّى الإمام في صلاة الخوف بالطائفة الأولى ركعة، وثبت قائمًا حَتَّى صَلَّوا الثانية، ثم ذكر هو سجدة، فليخرَّ ساجدًا، فإن أيقن القوم بسلامتها سلَّموا وانصرفوا، وإن سكُّوا سجدوا معه وأعادوا في الثانية، كمن قضى ما فاته قبل سلام إمامه، وإن كان إِنَّمَا ذكرها بعد أن صَلَّى بالطائفة الثانية الركعة الثانية، ولا يدري من أي ركعة هي، فليسجد ويتشهد، ويسجدون معه في شكِّهم ويتشهدون، ثم يقوم بهم، فليثبُتْ قائمًا، ويقضون هم الركعة التي بقيت عليهم. قال في الْعُتْبِيَّة: وُحْدَانًا، ويُسَلِّمون ويسجدون بعد السَّلام، ويصيرون كالطائفة الأُولى؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة من الأولى. قَالَ ابْنُ عبدوس، ويحتمل أن تكون من الثانية، فيكون هؤلاء طائفة ثانية في حال، وقد سلَّموا قبل إمامهم، فأُحِبُّ لهم أن يُعِيدُوا. ولم يذكر ابن سَحْنُون عن أبيه إعادة في هذا، ولا ذكرها أيضًا العتبي عن سَحْنُون. قال: إلاَّ أن يُوقِنوا أن التي صَلَّى بهم سالمة، فيصيروا طائفة أُولى في الحقيقة، ولا يسجدوا معه سجدة التَّحَرِّي، ويُصَلُّوا كما ذكرنا، ويذهبوا إلى العدوِّ، فإن كان الأوَّلون على شَكٍّ، أتوْا فَصَلَّى بهم الإمام الركعة التي يحتاط بها، ويقضون ركعة بعد سلامه، وبعد أن يسجد هو
بعد السَّلام، ثم يسجدون بعد السَّلام إذا فرغوا، ولا يجوز لغيرهم أن يأْتَمَّ به في هذه الركعة؛ لأنها قد لا تكون تجب عليه، فأما هو والأولون، فقد صحَّتْ لهم إحدى الصلاتين. ولو صَلَّى بالأولى في المغرب رَكْعَتَيْنِ، ثم ذكر في التشهُّد سجدة، لا يدري من أيِّ ركعة، فليسجُدْ بهم سجدة، ويتشهَّدْ، ثم يقوم فيأتي بركعة بأمِّ القرآن وسورة، ويتشهَّدُ فيها، ثم يقوم، فيأتون بركعة دونه بأم القرآن، ويسجدون بعد السَّلام، ثم تأتي الطائفة الثانية، فيُصَلّون معه الركعة الباقية، ويقضون رَكْعَتَيْنِ بأمِّ القرآن وسورة فيهما، ثم يُعيدون، خوفًا أن تكون التي صَلَّى بهم ليست عليه، إن كانت السجدة من الثانية، ولكن يتعرَّضون معه فضل الجمعة؛ لما عسى أن تكون من الأُولى. وقَالَ ابْنُ عبدوس: وتُعِيدُ الطائفة الأولى؛ لاحْتِمَال أن يكون صادف بالسجدة موضعها، وصَلَّى بهم الثلاث ركعات، فخرجوا من سُنَّة صلاة الخوف. ولم يذكر ابنُ سَحْنُون إعادة إلاَّ في الطائفة الثانية. ولو أيقنوا بسلامة الركعتين لم يتَّبعوه في السجدة، ولا في الركعة، ويقال لهم: إذا قام الإمام فأتِمُّوا صلاتكم واسجدوا بعد السَّلام. وإن شكَّ في اسجدة بعد ذهاب الطائفة الأولى عنه، فليسجدْ ويسجدْ معه الطائفة الثانية، ويتشهَّدْ، ثم يُصَلِّي بهم ركعة ويتشهَّدُ، ثم يقضون رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن وسورة فيهما، ويسجدون للسهو بعد السَّلام، ويعيدون الصلاة؛ لاحْتِمَال أن يكونوا طائفة ثانية سلَّموا قبل إمامهم ثم مضوا. ولم يذكر ابن سَحْنُون إعادتهم، وقال: يقرأ في الركعتين؛ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الأخرى بأم القرآن. قالا عنه: ثم يأتي الأوَّلون إن أيقَنُوا ببقاء السجدة، أو شكُّوا، فيُصَلّون معه ركعة
في من فاته بعض الصلاة وعلى الإمام سهو، وكيف إن سها فيما يقضي، أو فيما استخلف عليه
الاحتياط، وهي رابعة على الشكِّ، ويعيدون الصلاة احتياطًا. وقد تكون السجدة من الثانية، فتبطُلُ صلاتهم الأولى دونه، وتصير هذه الركعة نافلة له ائتمُّوا به فيها، إلاَّ أن يُوقنوا أن السجدة من الركعة لأولى، فتكون هذه الصلاة الثانية فرضهم، وتجزئهم. ولو أنه لمَّا صَلَّى بالثانية بقية الصلاة، شكَّ في سجدة من أحد الثلاث ركعات، فليسجدْ، ويسجدوا معه إن شكُّوا، وإلاَّ لم يسجدوا، فإذا قام الإمام يأتي بركعة الاحتياط صَلَّوا هم رَكْعَتَيْنِ والإمام قائمٌ. قال عنه ابنه: بأم القرآن وسورة في كل ركعة. قالا عنه: ويسجدون قبل السَّلام. قَالَ ابْنُ عبدوس: ويعيدون الصلاة؛ لأنهم قد فرغوا قبل إمامهم، فقد يكونون طائفة ثانية في الحقيقة. ولم يذكر عنه ابنه إعادة. قالا: ويأتي الأولون إن شكُّوا فليُصلُّوا معه ركعة الاحتياط، ثم يقضوا رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن وسورة فيهما، ثم يسجد الإمام للسهو قبل السَّلام، ويسجدوا معه، ويُسَلِّم بهم، وينصرفوا، على حديث ابن رومان، فأما على حديث ابن القاسم: يسجد بهم قبل السَّلام ثم يسلِّم، ثم يقضون بعد سلامه. وإِنَّمَا يسجد قبل السَّلام إذ قد تكون السجدة من إحدى الأوليين، فتصير الثالثة ثانية ولم يقرأ فيها إلاَّ بأم القرآن، وأسَرَّ فيها، ولا تعيد هذه الطائفة الأولى، بخلاف المسألة الأولى. وإن كانت قد تكون له نافلة؛ لأنها لا تكون نافلة إلاَّ وقد صحَّتْ صلاتهم الأولى، وإن كانت لازمة بطلت الأولى، وكانت هذه فريضتهم، وفي المسألة الأولى احتمال بطلان الصلاتين. وإن أيقنوا بسلامة الركعتين الأوليين، لم يرجعوا إلى الإمام، وصلاتهم تامَّةٌ. في مَنْ فاته بعض الصلاة وعلى الإمام سهو، وكيف إن سها فيما يقضي، أو فيما استُخْلِف عليه من الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: من أدرك بعض صلاة
الإمام وعلى الإمام سجدتا السهو قبل السَّلام، فيسجد معه، ثم سها فيما يقضي فليسجدْ، كان قبل السَّلام أو بعد السَّلام. وإن كان سهو الإمام بعد السَّلام، فلم يسجدْ معه، ثم سها فيما يقضي نقصانًا، فليسجد قبل السَّلام، وتُجْزِئُهُ عن السهوين. ولو كان زيادة أجزأه عنهما سجدتان بعد السلامز وكذلك رَوَى سَحْنُون، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وقاله أشهب في المجموعة. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون، في الواضحة: بل يسجد بعد السَّلام، كما كان يسجد الإمام، كان سهوه هذا فيما يقضي نقصانًا أو زيادة، فإنه يُجْزِئه ذلك عنهما. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ولو جهل فسجد معه قبل القضاء سُجُوده بعد السَّلام، ثم قام فقضى فَلْيُعِدْهما بعد السَّلام أَحَبُّ إِلَيَّ، ويُعِيدهما متى ما ذكر. قال عيسى: جاهلاً كان أو عالمًا. وقاله أشهب في المجموعة، إلاَّ أنه أوجب عليه أن يعيدَهما، ولم يذكرْ في سؤاله: (فَجَهِلَ). وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون في الواضحة: ولا يقوم للقضاء حَتَّى يسجد إمامه ما كان من سهو بعد السَّلام، فإن قام، فليرجعْ حَتَّى يُتِمَّ الإمام سُجُوده. ومن سماع ابن سَحْنُون من ابن القاسم: ومن أدرك ركعة من صلاة الإمام، فعليه ما على الإمام من سُجُود السهو، ممَّا سها فيه قبله أو معه، زيادة أو نقصانًا، ويسجد معه ما كان قبل السلامن قبل القضاء، ويسجد ما كان بعد السَّلام بعد القضاء، ويقوم للقضاء بعد أن يسجدَ الإمام ما بعد السَّلام أَحَبُّ إِلَيَّ. واختَلف فيه قول مالك. ولو أحدث الإمام، فقدَّمه، فإن كان سهوُ الإمام نقصانًا، فليسجدْ بهم بعد تمام صلاة الأول، ثم يقضي لنفسه، ويجلس مَنْ خلفه، فإن دخل عليه سهوٌ،
يسجد له قبل السَّلام أو بعده سجدة، ولا يسجدوا معه، لا قبلُ ولا بعدُ؛ لأن صلاتهم تمَّتْ قبل سهوه. ولو كان سهوه فيما استُخْلِف عليه، فليسجدْ سُجُود سهو الإمام الأول قبل السَّلام، فيجزئه عن هذا وذلك، كان هذا نُقصانًا أو زيادة. وإن كان سهوُ الأول زيادة، فلا يسجدْ لذلك إلاَّ بعد سلامه، فإن سها هو أيضًا، فلا يبالي بها فيما استُخلف عليه، وفيما يقضي، كان سهوه زيادة أو نقصانًا، فإنما يسجد بعد السَّلام سُجُود الإمام، ويسجدون معه، فيجزئه لذلك كله. وذكر هذه المسألة في المجموعة، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إلاَّ أنه لم يذكرْ إلاَّ سُجُوده فيما يقضي لنفسه. قال في المجموعة، وقال غير ابن القاسم: إذا كان سهو الأول زيادة، وسها هذا فيما استُخلف عليه نقصانًا، فليسجدْ بهم قبل السَّلام، ويُجْزِئه عن السهوين. وقاله ابن المَاجِشُون في الواضحة. قال: ولأن ذلك كله من صلاة الأول. قال غيره في المجموعة: ولو سها هو فيما يقضي نقصانًا لسجدَ بهم قبل السَّلام، وكان ذلك للسهوين. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون: بل لا يسجد إلاَّ بعد السَّلام، كما وجب على إمامه، وهو أملك بأحكام الصلاة. ومن المجموعة، وقال أشهب: إذا كان سهو الأول نقصانًا، فلا يسجد له هذا، حَتَّى يقضي ما عليه، ولو لم يُحْدث الإمام، ولم يستخلفه، ليسجدَ معه قبل السَّلام، قبل قضاء ما عليه. وقال غيره: لا يسجد أيضًا معه قبل السَّلام، حَتَّى يقضي لنفسه، ثم يجعلهما في موضعهما من صلاة الإمام.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: إذا سجد من فاتته ركعة سُجُود السهو قبل السَّلام، ثم سها فيما يقضي لنفسه نقصانًا أو زيادة، فلا سُجُود عليه لذلك، ولا يسجد في صلاة وَاحِدَة للسهو مرتين. قال: وكذلك لو استخلفه على بقية صلاته، فأتمَّها، وسجد قبل السَّلام، كما وجب على الأول، فلا يسجد بعد فيما يسهو فيه في القضاء، لنقص ولا لزيادة. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا سجد المسافر للسهو قبل السَّلام وخلفه مقيمون، فليسجدوا معه، وإن كان بعدُ فلا يسجدوا إلاَّ بعد تمامهم. قال أشهب: وإذا استخلف الراعف، فسها المستخْلَفُ، فرجع الراعف بعد أن سلَّم هذا وسجد للسهو، فليبنِ الراعف، ويسجد بعد السَّلام، وإن كان المستخلَفُ سجد قبل السَّلام؛ لأنه لم يدركْ معه شَيْئًا ائتمَّ به فيه، وكذلك إن لم يدركْ من صلاة الإمام إلاَّ الجلوس، فلا يلزمه أن يسجد معه لسهوه، ولكن ليسجدهما بعد السَّلام احتياطًا، فإن كانتا عليه فقد قضاهما، وإلاَّ لم يُدْخِلْ في صلاته خللاً قبل سلامه. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يسجد سُجُوده حَتَّى تُدرك معه ركعة. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا سها الإمام في صلاة الخوف في أَوَّل ركعة، فإذا تمَّتِ الطائفة الأولى الصلاة سجدوا، كما لزمه، إما قبل السَّلام أو بعده. وقال أشهب: كما يُتِمُّون الصلاة قبله كذلك يسجدون قبله. قالا: وإذا أتَمّ بالطائفة
في من ذكر سجدة أو سجدتين من صلوات
الثانية فعلى حديث ابن القاسم، يسجدون معه قبل السَّلام ثم يسَلِّم، ثم يقضون، وما كان بعد السَّلام، فلا يسجدوه حَتَّى يقضوا، وعلى حديث ابن رومان يثبُتُ حَتَّى يقضوا، ثم يسجد بهم ما قبل السَّلام، وإن كان بعد السَّلام سَلَّمَ بهم، ثم سجد بهم. في مَنْ ذكر سجدة أو سجدتين من صلوات من كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن ذكر سجدتين من ثلاث صلوات؛ صبحٍ وظهر وعصر – يريد: ولا يدري أيها قبل صاحبتها – فليُصَلِّ خمس صلوات، صبحًا، وظهرًا، وعصرًا، ثم يُعِيدُ الصُّبْح والظهر؛ لأنه إِنَّمَا عليه صلاتان، لا يدري أيهما قبل، فإن كانت صبحًا وظهرًا فقد جاء بظهرين صبحين، وإن كانت صبحًا وعصرًا فقد جاء بعصرين صبحين، وإن كانت ظهرًا، وعصرًا فقد جاء بعصرين ظهرين. فإن خاف أن يكون ذلك من سفر أو حَضَر، أو بعضهما، فليجعل مع كل صلاة حَضَر يقصر صلاة سفر فيُصَلِّي الصُّبْح مَرَّةً، ثم الظهر مَرَّتين حَضَرٍ أو سفر، ثم العصرَ كذلك، ثم الصُّبْح، ثم الظهر مَرَّتين، فذلك ثمان صلوات. ومن صَلَّى الصُّبْح، ثم ذكر في تَشَهُّده سجدتين وركعة لا يدري كيف نسيهم، فليسجد سجدتين، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السَّلام. وكذلك في سجدة وركعة فليسجد سجدة، فتصحُّ له ركعة يبني عليها. ومن ذكر سجدتين من أربع صلوات؛ صبحٍ وظُهرٍ وعصرٍ ومغربٍ، فليُصَلِّ سبع صلوات؛ صبحًا، وظهرًا، وعصرًا، ومغربًا، ثم يُعِيدُ الصُّبْح والظهر والعصر، وإن
في من ذكر صلاة لا يدري ما هي، أو صلوات لا يدري أيتهن قبل صاحبتها، كيف إن لم يدر أسفر أم حضر
خاف أن يكون ذلك أيضًا من سفر، فَلْيُعِدْ كل صلاة تُقْصَر صلاة سفر أيضًا، فتصير حينئذ إحدى عشرة صلاة. فإن شكَّ في السجدتين من خمس صلوات – يريد: صبحًا، وظهرًا، وعصرًا، ومغربًا، وعشاءً. ويريد لا يدري أيها قبلُ – فَلْيُصَلِّ سبع صلوات، صلاة يوم كامل، ثم يعيدها إلاَّ العشاء الآخِرَة، فيصير بهذا قد جاء بكلِّ صلاة بين صلاتين من هذه الصلوات. وقيل: إن ستَّ صلوات تُجْزِئُهُ. وإن خاف أن يكونا عليه من سفر، فإن صبحًا يُجزئ من صبحٍ، ومغربًا من مغرب، وليس عليه أكثر من ستِّ صلوات، وقد أتى بظهر وعصر ثانية، ويَسْقُطُ الصُّبْح والمغرب. وإن قال: لا أدري أسَفَرٌ ذلك أم حَضَرٌ. فَلْيُصَلِّ كُلَّ صلاة بِقَصْرٍ مَرَّتَيْنِ حَضَرٍ وسَفَرٍ، وذلك زيادةُ خمسِ صلوات مع التسع، فذلك أربع عشرة صلاة. وإن ذكر سدة لا يدري من أي صلاة، ولا يدري أسَفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات، يُعِيدُ ما كان يَقْصُرُ من صلاة اليوم إذا صَلاَّها حَضَرًا أعادها سَفَرًا قبل أن يأخذ في غيرها، ولو كانت سجدتين فَلْيُصَلِّ صلاة يَوْمَيْنِ هكذا، لكلِّ يوم ثمان صلوات. في مَنْ ذكر صلاة لا يدري ما هي، أو صلوات لا يدري أيتهنَّ قبل صاحبتها، وكيف إن لم يَدْرِ أسفَرٌ أم حَضَرٌ من الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: من ذكر صلاة يوم، لا يدري
أسفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ صلاة يوم للسفر وصلاة يوم للحَضَر، لا يُعِيد فيه الصُّبْح والمغرب. ومن ذكر ظُهْرًا أو عصرًا، لا يدري الظهرَ للسبت والعصر للأحد، أو العصر للسبت والظهر للأحد، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا للسبت، ثم عصرًا للأحد، ثم عصرًا للسبت، ثم ظهرًا للأحد. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، إلاَّ أنه قال: يُصَلِّي ظهرًا أو عصرًا للسبت، ثم يُعِيدُهما للأحد. قال: ولو كان ظُهرًا لا يدري من السبت أم من الأحد فَلْيُصَلِّ الظهر للسبت، ثم يُعِيدُها للأحد. قال: وإن كان لا يعرف اليومين اللذين نسي فيهما الظهر والعصر، فهذا يُصَلِّي ظهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظهرين. ولم يذكرْ سَحْنُون، ولا ابن الْمَوَّاز، تفريقًا بين يوم معروف أو غير معروف. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ومن ذكر ظهرًا أو عصرًا من يَوْمَيْنِ، لا يدري أيهما قبلُ، فَلْيُصَلِّ ظهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظهرين. ومن كتاب ابن سَحْنُون: ومن ذكر ظُهرًا لا يدري للسبت أو للأحد، فإنما عليه ظهرٌ واحد، وكذلك إن ذكر ظهرًا وعصرًا لا يدري من أمسِ، أو من أَوَّل أمسِ، فإنما عليه ظُهرٌ وعصرٌ فقط. وقال عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ ذكر ظُهرًا وعصرًا، لا يدري كلُّ وَاحِدَة منهما عن سفرٍ أو حَضَرٍ، فَلْيُصَلِّهما سفريتين، ثم حَضَريتين. وقال عنه عيسى في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ نسي ظُهرًا وعصرًا، وَاحِدَة من سفر واخرى من حَضَر، ولا يدري أيتهما هين ولا يدري أيتهما قبل الأخرى، فَلْيُصَلِّ ستَّ صلوات، إن شاء صَلَّى ظُهرًا وعصرًا للحَضَر، ثم صَلَّاهما
للسفر، ثم صَلاَّهما للحَضَر، وإن شاء بدأهما للسفر ثم للحَضَر، وختم بالسفر. وكذلك قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه، قال: وقال بعض أصحابنا: يُصَلِّي ظُهرًا أربعًا، ثم عصرًا رَكْعَتَيْنِ، ثم عصرًا أربعًا، ثم ظهرًا رَكْعَتَيْنِ، ثم ظُهرًا أربعًا، ثم عصرًا أربعًا. وذكرها ابن حبيب، عَنْ أَصْبَغَ، كما ذكر سَحْنُون , وابن القاسم، قال: وقال أصبغ: فإن شكَّ أن يكونا جميعًا للحَضَر، أو جميعًا للسفر، فَلْيُصَلِّ ظهرًا حَضَرية، ويعيدها سفرية، ثم عصرًا كذلك مَرَّتَيْنِ، ثم ظُهرًا كذلك مَرَّتَيْنِ، فذلك ستُّ صلوات، فهذا يأتي على جميع شكِّه. ومن كتاب ابن سَحْنُون: ومن ذكر خمس صلوات من خمسة أَيَّام، لا يدري أيُّ صلاة هي من كلِّ يوم، فَلْيُصَلِّ صلاة خمسة أَيَّام. ومَنْ نَسِيَ صلوات يوم وليلة، ولم يَدْرِ: الليلة سابقةٌ لليوم أو بعده، فَلْيُصَلِّ سبع صلوات، يبدأ بصلاتي اللَّيْل، ثم بصلاة النهار، ثم بصلاتي اللَّيْل. ولم نأمرْهُ يبدأ بصلوات النهار لئلاَّ يصير مُصَلِّيًا ثمانية. وذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون، في مَنْ ذكر صلاتي من يوم وليلة مفترقتين، لا يدري الليلة قبل اليوم أو بعده، أنه يبدأ بصلاتي النهار، ثم صلاتي اللَّيْل، ثم صلاتي النهار. وقال أبو محمد: وهذا من قول ابن المَاجِشُون يدُلُّ أنه جعل صلاة الصُّبْح من صلاة اللَّيْل، والمعروف من مذهب مالك أنها من صلاة النهار. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن ذكر صلاة يوم لا يدري سَفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات، يبدأ بما شاء، إلاَّ أنه يُصَلِّي صبحًا مَرَّةً وظُهرًا مَرَّتَيْنِ،
حَضَري وسفريّ، أو سفر وحَضَر، والعصر كذلك، والعشاء كذلك، بعد أن يُصَلِّي المغرب مَرَّةً. وكذلك لو ذكر سجدة، لا يدري من أي صلاة، ولا يدري أسفرٌ أو حَضرٌ، إلاَّ أنه إن شاء صَلَّى صلاة يوم حَضَرٍ، ثم يُعِيدُ منها ما كان يَقْصُر. وكذلك لو ذكر سجدتين من صلاة وَاحِدَة، فإن شاء بدأ بما شاء من ذلك. وكذلك إن كانت السجدتان من صلاتين من يوم واحد، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات على الولاء، ولا يبدأ ههنا بما شاء. وذكر ابن سَحْنُون، عن أبيه، في مَنْ ذكر صلاة يوم، لا يدري سَفَرٌ أم حَضَرٌ، مثل ما ذكر ابن الْمَوَّاز. قال: وقد قال بعض أصحابنا: يُصَلِّي صلاة يَوْمَيْنِ عشر صلوات. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن ذكر عصرًا وظُهرًا من يَوْمَيْنِ، لا يدري أيهما قبلُ، فَلْيُصَلِّ ظُهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظُهرين، فإن فعل ثم ذكر في الظُّهر الآخر قبل يُسَلِّم سجدة من إحدى الصلوات الثلاث، فَلْيُصْلِحْ هذه بسجدة وركعة بأم القرآن، ويسجد قبل السَّلام، ثم يُعِيد عصرًا وظُهرًا، إذا قد تكون السجدة من العصر، وقد تكون تلزمه مقدَّمةً، ففسدت هذه لمَّا ذَكَرَ فيها صلاةً قبلها، ولو ذكرها بعد سلامه منها لأصلحها، ثم لا يُعِيدُ إلاَّ العصر؛ لأنه كمن ذكر صلاة قضاها، ثم ذكر أن قبلها صلاة بقيت عليهن فيس عليه إعادة ما خرج وقته. ولو ذكر أن السجدة من الظهر التي صَلاَّها أَوَّلاً، لم يكن عليه شيء. وإن ذكر ذلك قبل يُسَلِّمُ من الظُّهر التي هو فيها. يريد لأنه لم يَذكرْ صلاة بقيت عليه، إذ قد سَلِمَتْ له عصر وظُهرٌ، وإِنَّمَا فاته تبدية ما فات وقته. قال: ومن ذكر ظهرًا وعصرًا، فصلاَّهما حَضَريتين، فلمَّا أتمهما قال: ما
أدري أهما من سفر أو من حَضَر. فإن كان هذا بعد أن سَلَّمَ من العصر، لم يُعِدْ شَيْئًا، وإن كان قبل يُسَلِّم منها، سَلَّمَ، فأعاد العصر فقط سفريةً. ولو ذكر ظُهرًا وعصرين مجتمعين، لا يدري أيُّ ذلك قبلُ، فَلْيُصَلِّ ظُهرًا وعصرين، ثم ظُهرًا، ثم إن ذكر في الظهر الآخِرَة سجدة، لا يدري من أيِّ صلاة ذلك، فَلْيُصْلِحْ هذه، ثم يأتي بعصر واحدٍ، ثم بظُهرٍ. وإن ذكرها بعد السَّلام، لَمْ يَأْتِ بعد إصلاح هذه إلاَّ بعصر. ولو كان لا يدري العصرين مجتمعين، أو مفترقين، وظُهر معهما، فَلْيُصَلِّ عصرين وظُهرًا وعصرين. وإن نسي ظهرين وعصرين، لا يدري كيف نسيهما، فَلْيُصَلِّ سبع صلوات؛ ظهرًا وعصرًا، وظهرًا وعصرًا، وظهرًا وعصرًا، وظهرًا، ولا يُجْزِئه ستُّ صلوات، ظهرين وعصرين، إذ لا يأتي في ذلك ظهرين عصرين. وكذلك لو بدأ بعصرين، لم يأتِ في ذلك عصرين ظهرين. فإن جاء بهنَّ على ما ذَكَرْنَا أَوَّلاً، ثم ذكر سجدة من إحداهنَّ بعد سلامه من الظهر الآخِرَة، أعاد عصرًا فقط، وإن كان قبل سلامه، أعاد عصرًا مع هذه الظهر التي ذكر ذلك فيها. وإن ذكر ظهرين من يَوْمَيْنِ لا يدري من حَضَر أو سفر، أو أحدُهما من سفرٍ والآخَرُ من حَضَرٍ، فَلْيُصَلِّ أربعَ صلوات ظُهْرًا، سفر ثم حَضَر، ثم سفر ثم حَضَر، ولو ذكر مع ذلك سجدة لظهر آخَرَ، لا يدري أَقَبْلَ الظُّهْرَيْنِ أو بعدهما، أو بينهما، فَلْيُصَلِّ ستَّ صلوات، يبدأ بظُهْرٍ سفرٍ، ثم حَضَرٍ، ثم يُعِيدُه كذلك، ثم يُعِيدُه كذلك ثلاثة، فذلك حَضَرٌ بين سفرين، وسفر بين حَضَرَيْنِ؛ لأن المشكوك فيها مَرَّةً تكون سفرًا أَوَّلاً بين حَضَرَيْنِ، أو بين سفرين،
أو بعد حَضَرَيْنِ، أو بعدَ سفرين. ولو ذكر ظُهْرًا من يَوْمَيْنِ، أحدهما سفرٌ والآخَر حَضَرٌ. يريد: لا يدري أيهما قبلُ. قال: فعليه ثلاث صلوات؛ سفريتين بينهما حَضَر. فإن كان مع ذلك سجدة من ظهر لا يدري سفرٌ أو حَضَرٌ، ولا يدري متى هي، فَلْيُصَلِّ خمس صلوات، صفريتين بينهما حَضَر، ثم حَضَر، ثم سفر. وإن ذكر مع صلاتي الظهر، المفترقتين من حَضَر وسفر، سجدةً لا يدري من أي صلاة هي، من ظُهر أو غيرها، فَلْيُصَلِّ إحدى عشرة صلاة، ثلاثة ظهر، سفريتين بينهما حَضَر، ثم صلاة يوم حَضَر إلاَّ أن الظهر والعصر مَرَّتَان سفر وحَضَر، والعشاء مَرَّتَانِ كذلك، ثم يُعِيدُ الظُّهْرَ مَرَّتَيْنِ، سفر بينهما حَضَر هكذا في الأمِّ. وعلى هذا يصير أربع عشرة صلاة. قال: ولو كانت صلاتي الظهر التي ذكرَهما جميعًا لم يَدْرِ سفر أم حَضَر، أو مفترقين ذكر معهما سجدة، صَلَّى اثنتي عشرة صلاةً، أربع صلوات ظُهْرَ سفرٍ وحَضَر وسفر حَضَر، ثم صلاة يوم حَضَر، إلاَّ أنه يُعِيدُ الظهر والعصر والعشاء سفر. ولو ذكر سجدتين من يَوْمَيْنِ، لا يدري سفريتين أو حضريتين، أو إحداهما حَضَر والأخرى سفر، فَلْيُصَلِّ ستَّ عشرة صلاة، يُصَلِّي صلاة يوم وليلة سفر، ينوي منها بِالصُّبْحِ والمغرب عن أَوَّل يوم لخوف أن تكون السجدتين من صبحين أو مغربين، ثم يُصَلِّي صلاة يوم حَضَر، ينوي عن اليوم الثاني، ثم يُعِيدُ الظهر
والعصر والعشاء صلاة سفر، ثم يُعِيدُ هؤلاء الثلاث حَضَر؛ لاحْتِمَال أن يكونا من ظُهْرَيْنِ حضرًا أو سفرًا، أو أحدهما سفر، وكذلك العصر والعشاء، فيكون قد صَلَّى هذه الصلوات كل وَاحِدَة أربع مرات، وأما الصُّبْح والمغرب، فمرتين مَرَّتَيْنِ. ولو نسي السجدتين من يَوْمَيْنِ، سفر وحَضَر، لا يدري أيتهما قبلُ، ولا يدري أي صلاة هي، فَلْيُصَلِّ ثَلاثَ عَشْرَةَ صلاة، خمس سفر لأول يوم، ثم صلاة يوم حَضَر ينوي بِالصُّبْحِ والمغرب لليوم الثاني، وينوي بالظهر والعصر والعشاء عن اليوم الذي نسي فيه الحضر، كان أَوَّلاً أو ثانيًا، ثم يُعِيد ما يُقصر، وهو الظهر والعصر والعشاء، سفريات لليوم الثاني. وإِنَّمَا أمرتك أن تبدأ بالسفر ليكون أخفَّ عليك في عدد الرُّكُوع، فيما تُكرِّرُه من الصلوات، فيصير ما يُقْصَر مُعَادًا ثلاث مرات، وما لا يُقْصر مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. وقد قال محمد: يُعِيد المغرب ثلاثًا، فتصير أربع عشرة صلاة. ثم رجع إلى هذا. ولو ذكر صلاة يَوْمَيْنِ؛ سفر وحَضَر، لا يدري أيهما قبل صاحبتها، فَلْيُصَلِّ أربع عشرة صلاة، على الترتيب المتقدِّم، إلاَّ أنه ذكر أن المغرب يُعِيدُها في آخِر مَرَّتَيْنِ؛ لأنه إن كان يوم الحضر أَوَّلاً سقط اليوم الذي قدَّمه للسفر، ولم يسقط منه صلاة الصُّبْح؛ لأنه نوى بها عن أَوَّل يوم لحضر أو سفر، ولا يُحتسَب المغرب التي صلاها قبل صلاة يوم الحضر، بخلاف الصُّبْح؛ لأن المغرب إِنَّمَا يكون بعد صلاة النهار. ولو قال في اليومين: لا أدري أسفريتين أم أحدهما سفرٌ. فَلْيُصَلِّ ستَّ عشرة صلاة، يُصَلِّي عن أَوَّل يوم صبحًا وَاحِدَة، وظهرًا مَرَّتَيْنِ سفرًا ثم حَضَرًا، وعصرًا كذلك، ومغربًا مَرَّةً، والعشاء مَرَّتَيْنِ، حضرًا ثم سفرًا، ثم يُعِيدُ ذلك كُلَّه مثل ما فعل، ينوي به اليوم الثاني. قلتُ: فلو صَلَّى عن أَوَّل يوم الخميس
صلوات سفر، ثم أعاد الظهر والعصر والعشاء حَضَر، ثم كذلك لليوم الثاني؟ قال: ليس بصواب؛ لأنه يُصَلِّي المغرب عن الحضر قبل صلاة الحضر النهار. قال: ولو ذكر مع هذين اليومين سجدة من صلاة أخرى من غير اليومين، لا يدري ما هي، ولا يدري من سفر أو حَضَر، ولا يدري أهذه الصلاة قبل اليومين أو بعدهما أو فيهما، فعليه للسجدة ثمان صلوات، ويصير جميع ما عليه أن يأتي به أربعًا وعشرين صلاة، إذا أحكم كيف يأتي بها، وذلك أن يأتي بصبح ينوي بها عن أَوَّل صبح وَجَبَتْ عليه من الثلاثة الأيام، ثم بظهر سفر، ثم حَضَر، ثم بعصر كذلك، ثم المغرب مَرَّةً عن أَوَّل مغرب لزمته، ثم العشاء مَرَّتَيْنِ، حَضَر وسفر، ثم يأتي عن اليوم الثاني كذلك، ثم عن اليوم الثالث كذلك، ولا تُجْزِئُهُ ستَّ عشرة صلاة، إذ قد يكون اليومان حضرًا جَمِيعًا، وتكون السجدة من صلاة حَضَر، وهو لَمْ يَأْتِ من الحضر إلاَّ بصلاتين، وكذلك عن السفر. وقال محمد بعد هذا: فإن كانت السجدة إِنَّمَا ذكرها مع ذكره لليومين اللذين أحدهما سفر والآخر خضر، قال: هذا يأتي بخمس وعشرين صلاة، صلاة خمسة أَيَّام على الولاء، صلاة يوم سفر ثم يوم حَضَر، ثم كذلك حَتَّى يختم بيوم السفر. قال: ثم رجع محمد، فقال: بل أربع عشرة صلاة تُجْزِئُهُ، على ما كنتُ وَصَفْتُ لك في اليومين إذا انفردَا. يعني محمد مسألته التي قال في مَنْ ذكر صلاة يَوْمَيْنِ، سفر وحَضَر، لا يدري أيتهما قبلُ. وفي الجزء الثاني في أبواب صلاة السفر، بابٌ في مَنْ خرج لمقدار من الوقت ناسيًا لسجدة من صلاة النهار، وبابٌ في مَنْ قدم أو ظعن أو امرأة طَهُرَتْ أو حاضتْ، وعليهم صلاة أو صلوات، وكيف إن لم يَدْرِ المسافر أَمِنْ يوم دخل أو خرج، ونحو هذا الباب في آخر الجزء الأول.
في إقصار الصلاة للمسافر، ومتى يقصر في خروجه ورجوعه، كيف إن رجع لحاجة
كتاب الصلاة الرابع في إقصار الصلاة لِلْمُسَافَرِ، ومتى يقصر في خروجه ورجوعه، وكيف إن رجع لحاجة من الواضحة، قال: ومعنى قول الله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء: 101)، فمعنى إقصارها في الخوف، يريد في الترتيب في تخفيف الرُّكُوع والسُّجُود والقراءة، وقد كانت مقصورة في السفر في غير خوف من غير هذه الآية. وقال غيره مِنْ أَصْحَابِنَا البغداديين، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإِنَّمَا يقصر في سفر يجوز الخروج فيه، غير باغٍ ولا عادٍ، فأما مَنْ خرج باغيًا أو عاديًا، ظالمًا أو قاطعًا للرحم، أو طالبًا لإثم، فلا يجوز له القصر، كما لا يُبَحُ له الأكل مِنَ الْمَيْتَةِ عند الضرورة. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: الإقصار في السفر للرجال والنساء. قال أشهب: يقصر الظهر والعصر والعشاء، ولا خلاف أنه لا يقصر الصُّبْح والمغرب. قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ قصر المغرب جاهلاً أعاد أبدًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن أراد سفرًا، فأدركه الوقت في أهله، فهو في سَعَة، إن شاء صلاَّها في أهله صلاة مقيم، وإن شاء خرج فقصرها في سفره. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: فإنما تُقْصَر إذا خَلَّف قريته وراء ظهره، لا يكون شيء منها عن يمينه ولا عن يساره ولا أمامه، وكذلك في البحر.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا جاوز بيوت قريته، وانْقَطَعَ منها انقطاعًا بيِّنًا قَصَرَ، كانت مما يُجْمِّعُ أهلُها أو لا يُجَمِّعوا. واسْتَحَبَّ مالك، في رِوَايَة مُطَرِّف وابن المَاجِشُون، أنها إن كانت يُجَمِّع أهلُها، فلا يقصر حَتَّى يُجاوزها بثلاثة أميال؛ لأنه كقرار واحد، وإذا رجع قصر إلى حَدِّ ذلك، وإذا كانت لا يُجَمِّعُ أهلُها، قصر إذا جاوز بَساتينها وبيوتها المتصلة بها عن يمين وشمال، وليس ذلك عليه في مزارعها. وقول ابن القاسم، وابن عبد الحكم، أن يَقصر بالمجاوَزة في القريتين سواء. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في المجموعة، في مَنْ سافر في البحر، قال: إذا جاوز البيوت، ودفع فليقصرْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال أَصْبَغُ: وإذا قلعوا فَجَرَوْا نحو ثلاثة أميال، ثم حُبِسُوا من ورائهم، فإن حبستهم الريح قصروا، وإن حُبسوا لغير ذلك أتمُّوا. قال مالك: ومن سافر بريدين، ثم رجع لحاجة، أو لأن طريقًا غير هذه أقصر وممرُّه إليها على منزله، فليُتِمَّ من حين أخذ في الرجوع، وإن لم يُرِدِ النزول في منزله حَتَّى يجاوزه فاصلاً، فليقصر الصلاة. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: وإذا رجع لحاجة بعد فرسخين، فليقصر حَتَّى يدخل أهلَه. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُتِمُّ. قال عبد الملك: هو كمن رَدَّتْه الريح. وفرَّق سَحْنُون في موضع آخَرَ بين رَدِّ الريح إياه إلى وطنه وإلى غير وطنه. ومن كتاب ابن سَحْنُون، قال سَحْنُون في مَنْ قلد في البحر من وطنه إلى
ما يُقْصَرُ فيه الصلاة، ثم أحرم، فردَّتْه الريح إلى بيوت قريته بعد أن صَلَّى بعض الصلاة، قال: تَبْطُلُ، كما لو نوى فيها الإقامة. قال محمد بن عبد الحكم، في مَنْ صَلَّى في الحضر ركعة بسجدتيها، ثم مَشَتْ به السفينة حَتَّى خرج عن القرية حيث تُقْصَرُ الصلاة. قال: يمضي على صلاته صلاة حَضَر؛ لأنه دخل فيها على ما يجوز له. ومن المجموعة، قال عبد الملك، وسَحْنُون: ومن خرج إلى الحَجِّ مِنْ أهل الخصوص، ثم قدم فألفي أهلَه انتقلُوا، فَلْيُتِمَّ من موضع تَرَكَهم به إلى موضع ساروا إليه، إلاَّ أن يكون بينهما أربعة بُرُدٍ. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: وعن الأمير يخرج عن المدينة ثلاثة أميال، حَتَّى يتكامل أكرياؤه وحشمُه، قال: لا يَقْصُرُ حَتَّى يُجْمَعَ على المسير. وعن الذين يرْرُزُونَ من مكة إلى ذي طُوًى، قال: لا يَقْصُرُوا حَتَّى يظعنوا. قال مالك: ومَنْ خرج من الفسطاط إلى بئر عُمَيرة، وهو يُقيم اليوم واليومين كما تصنع الأكرياء حَتَّى يَجْتمعَ الناس، قال: فليقصروا. ورَوَى عنه ابن نافع، في المجموعة، قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُتِمُّوا، إذا كان الأكرياء يحبسون الناس اليوم واليومين. وقال عنه ابن القاسم وعليٌّ في المجموعة: وإذا خرجوا عن مصرهم مُتَبَرِّزين بمتاعهم - قال عنه عليٌّ: على نحو الميل – يُقيمون هناك يومًا فأكثر،
في أقل ما يقصر فيه المسافر من السفر، كيف إن نوى الإقامة بين أضعاف سفره، أو يقيم لأمر لا يعلم غايته، في خلال سفره أو في ابتدائه
حَبَسَهم شيء، أو شغلهم، فَلْيُتِمُّوا. قال عنه عليٌّ: ولو قَدِمَ بِقُرْبٍ من منزله، فحضرت صلاة، فله أن يقصر حَتَّى يخل منزله. قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة: وإذا قدم من سفر، فنزل من مدينته على ميل أو ميلين؛ ليُقيم حَتَّى يدخل ليلاً، فإنه يَقْصُرُ، إلاَّ أن يَقْرُبَ جدًّا. ولم يَحُدَّه. وقال مالك في سماع أشهب، في المسافر إذا رجع إلى أهله, فإنه يقصر حَتَّى يدنو من البيوت مثل الميل ونحوه، فليُتِمَّ الصلاة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن نزل قريبًا من موضعه، ليُؤْذِنَ أهلَه، أو ليدخلَ ليلاً، ولو تَمَادَى دخل في وقت الصلاة، فحضرت الصلاة، فليُتِمَّ. قاله مالك والليث. ونقله ابن القاسم، والإتمام فيما فيه الشكُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واختلف السَّلَفُ في التَّنَفُّل في السفر نهارًا، فكان ابن عمر مِمَّنْ لا يُحِبُّهُ، ولا يفعله إلاَّ في اللَّيْل، ولم يختلفوا في إباحته بالليل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء. ومن كتاب آخر: وكان ابن عمر لا يركع ركعتي الْفَجْر في السفر. وفي الباب الذي يلي هذا الباب ما يَقْرُبُ معناه من هذا الباب. في أقَلِّ ما يَقْصُرُ فيه المسافرُ من السفر، وكيف إن نوى الإقامة بين أضعاف سفره أو يُقيمُ لأمر لا يعلم غايته، في خلال سفره أو في ابتدائه ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومقدار ما يقصر فيه عند مالك مسيرة أربعة بُرُدٍ.
وقَالَ ابْنُ عمر: يقصر في اليوم التامِّ. محمد: ذلك في الصيف للرَّجُل المُجِدِّ، وأربع بُرُدٍ أَحَبُّ إِلَى مالك يجمع زمن الشتاء والصيف، والسريع والبطيء، وهو قول ابن عباس، قيل: أتقصر في أقلَّ من أربع بُرُدٍ؟ قال: أمَّا بالمسير فأرجو، وأما الأميال فلا تفعلْ. ورَوَى أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ خرج إلى ضيعته، وهي على خمسة وأَرْبَعِينَ ميلاً، قال: يقصر. ورَوَى أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ قصر في ستة وثلاثين ميلاً، قال: لا يُعِيدُ. قال يحيى بن عمر: لا أعرف هذا لأصحابنا، ويُعِيدُ أبدًا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وقَالَ ابْنُ عبد الحكم في هذا: يُعِيد في الْوَقْتِ، وإن قصر في أقلَّ من ذلك، أعاد أبدًا؛ لأنه لم يُخْتَلَفْ فيه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويَقْصُر في أَرْبَعِينَ ميلاً. وهذا قريب من أربعة بُرُدٍ. ومن المجموعة، قال عبد الملك وسَحْنُون: مَنْ خرج إلى ثلاثين ميلاً، على أن يرجع من فَوْرِهِ، فَلْيُتِمَّ، وليس كاتِّصال السفر ذاهبًا. قال عبد الملك: ومن توجَّه إلى سفر فيه برٌّ وبحرٌ، فإن كان في أقْصاه باتِّصال البَرِّ مع البحرِ ما يُقْصَرُ فيه، قصر إذا بَرَزَ. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وإن كان ليس بينه وبين البحر ما يُقْصر، فانظرْ، فإن كان المركب لا يبرح إلاَّ بالريح، فلا يَقْصر حَتَّى يركب ويبرُز عن موضع قَلَد منه، وإن كان يجري بالريح وبغير الريح، فليَقْصُر حين يبرُزُ عن قريته. وقال في الذي لا يخرجُ إلاَّ بالريح: إن قَلَدَ فردَّتْه الريح إلى موضع قَلَدَ منه، أو غيره أقام به، فليقصر، ما لم يَرُدَّه إلى وطنه. ومن المجموعة، قال عبد الملك: وإذا خرج إلى سفر الإقصار وبين كُلِّ مَنْهَلَين ثلاثين ميلاً، ونوى المُقامَ في كُلِّ منهلٍ أربعة أَيَّام، ثم لمَّا دخل في
السفر استحدث نية، فليقصر ما بين المنهلين، على نية سفره المتصل، وإذا أقام أتمَّ. ورُوِيَ عن سَحْنُون في مَنْ خرج ينوي يمشي ثلاثين ميلاً أو عشرين، ثم يُقيم أربعة أَيَّام، ثم يمشي مثل ذلك، ثم يقيم أربعة أَيَّام، أنه يقصر من حين يخرج من مسيره، لا في مُقامه حيث يُقيم. وذكر ابن الْمَوَّاز خلاف هذا، أنه يُراعي مسافته إلى موضع نوى فيه المُقام، ثم مسافة غاية سفره, وهو مُسْتَوْعَبٌ في باب بعد هذا. ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك في مَنْ خرج إلى ضيعتين له، بينه وبين أولاهما ثلاثين ميلاً، وبين الأولى والثانية ثلاثون ميلاً، ونوى إقامة عشرة أَيَّام، لا يدري كم يُقيم في كل ضيعة، قال: هذا يَقصر حَتَّى يُجْمِعَ على مُقام أربعة أَيَّام فأكثر في موضع. يريد: فإن نوى المقام في الأولى لم يَقصر إليها. واختُلِفَ في إقصاره إلى الثانية، وإن نوى المقام في أقصاها، فليقصرْ من يوم يخرج. ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن خرج ليبيع سلعته، وأمامه أسواق في قُرى، بين كل سوقين خَمْسَةَ عَشَرَ ميلاً، وكذلك بينه وبين أَوَّلها، ففي أي سوق وجد البيع باع. فهذا لا يقصر حَتَّى يخرج مُجْمِعًا على بلوغ غاية الإقصار. وذكر نحوه في كتاب ابن الْمَوَّاز، إلاَّ أنه قال: يخرج ينوي السوق الأقصى، على أنه إن وَجَدَ البيعَ دونه باع. وكذلك من خرج يطلبُ آبقًا على مسيرة الأيام، على أنه إن وَجَدَه دون ذلك رجع. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومَنْ أقام أربعة أَيَّام بمكان في سفر فَأْتَمَّ، ثم رَجَعَتْ نيَّتُه على الإقامة، إنه يُجْزِئه ما صَلَّى، ويَأْتَنِفُ الإقصار برجوع نيَّتِه إلى المُضِيِّ في سفره.
وقال سَحْنُون: يُتِمُّ حَتَّى يَظْعَنَ من مكانه، ولا يكون مسافرًا إلاَّ بالظعن. ومن الْعُتْبِيَّة، وقال سَحْنُون: ومن خرج ينوي أن يسير يومًا، ويُقيم أربعةً، فهذا يَقصر في مسيره، ويُتِمُّ في مُقامه. وقال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومن خرج إلى مسيرة أربعة بُرُدٍ فسارَ بريدين، ثم نوى الإقامة أربعة أَيَّام، ثم تَمَادَى، فلا يقصر حَتَّى يبقى في بقية سفره أربعة بُرُدٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن حبسه في السفر عِلَّةُ دابَّتِه، أو ينتظر متاعًا يُتِمُّ عملَه، أو حاجة، ولا يدري متى نهاية ذلك، فليقصرْ حَتَّى يوقن أنه يُقيم لذلك أربعة أَيَّام فأكثر. قال: ومسافرو البحر يحبسهم لريح، فيقصروا أبدًا ما أقاموا. والعسكر مع الإمام إن أقام بهم ببلد الإسلام، ولا يدرون لم يُقيم ن فليقصروا حَتَّى يعلموا أنهم يقيمون أربعة أَيَّام، ويَنْبَغِي للإمام العدل أن يُعْلِمَهم كم يُقيم بذلك الموضع، ويَنْبَغِي أن يُقيم إمامًا لإقامة الصلوات، هو أو غيره، وإذا أقام لهم ببلد العدُوِّ فليقصروا، وإن عزم على إقامة أربعة أَيَّام بهم، فليقصروا إذ لا يملك ذلك ملك الثقة حَتَّى يجاوز الدروب، ويصير بمحلَّة أمن. ومن المجموعة، ابن نافع عن مالك، في والي البحر ينصرف بالجيش، حَتَّى يأتي دمياط، فيقيم بها ينتظر إذن الوالي لهم في مسيرهم إلى أهلهم، قال: يُتِمُّون أَحَبُّ إِلَيَّ، وهم لا يدرون متى يأتيهم إذْنُه، وقد نزلوا على المُقام لذلك. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في القوم ينزلون مع الأمير في الشتاء في أرض الإسلام، فيُقيم أشهرًا يَقْصُر، فأنكر ذلك، وقال: من خاف منه فليُتِمَّ في بيته، ثم يُصَلِّي معه.
في صلاة المكي والمنوي في مسيرهم إلى عرفة، وفي رجوعهم إلى منى، وإلى مكة، وصلاة العرفي إذا أفاض، ومن كان أقام بمكة قبل أن يحج من أهل الآفاق
قال عنه ابن نافع: وإذا خرج أهل الجيش إلى جسرهم، فليتِمُّوا الصلاة كالرعاة يتبعون الكلأ بماشيتهم. قال عنه عليٌّ، في امرأة سافرت إلى موضع، فكانت تقصر فيه، إذ لم تُجْمِعْ مُكْثًا، فخرج إليها زوجها ليُقيم معها يَوْمَيْنِ، فليقصرْ، إذ ليس بموطن لهما، ولا أجمعا مُكْثًا. في صلاة المَكِّيِّ والمَنَوِيِّ في مسيرهم إلى عرفة، وفي رجوعهم إلى منى، وإلى مكة، وصلاة العَرَفيِّ إذا أفاض، ومَنْ كان أقام بمكة قبل أن يَحُجَّ من أهل الآفاق من الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن انصرف من المكيين وأهل منى من منى، فأدركته الصلاة قبل أن يَصِلَ إلى مكة، فليُتِمَّ، وكذلك من نزل بالمُحَصَّبِ، وليُقيمُوا به حَتَّى يُصَلُّوا العشاء. ثم رجع، فقال: أرى أن يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ في نزولهم بِالْمُحَصَّبِ، وأن يُؤَخِّرُوا بمنى – يريد المكيين – لزحام ونحوه. واختَلَفَ في ذلك قول ابن القاسم، وإلى آخر قوليه رجع. وبه قال أَصْبَغُ،
في المسافر يمر لقرية فيها أهله، أو يحدث فيها أهلا، أو ينوى الإقامة بموضع، وهو به، أو إليه خارج أو رجع إليه
وسَحْنُون وكذلك ابن الْمَوَّاز، في مَنْ تخَلَّف بمنى – يريد من المكيين – لزحام أو غيره تحضره الصلاة بمنى، أو في طريقه، فقال مالك: يُتِمُّ. ثم قال: يقصر. ثم قال: يُتِمُّ. وبالإقصار أخذ ابن القاسم، بعد أن اخْتَلَفَ فيه قوله. وقاله أصبغ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال مالك، في المكيِّ يُقيم بمنى ليخِفَّ الناسُ، فليُتِمَّ بمنى. وكذلك من نوى من أهل الآفاق المُقام بمكة أربعة أَيَّام. وكذلك من خاف منهم فوات الوقت فيما بين منى ومكة، صَلَّى أربعًا. أراه يريد: مِمَّنْ تقدَّم له مُقامُ أربعة أَيَّام بمكة بِنِيَّةٍ. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في أهل منى وأهل عرفة يُفيضون، قال: يقصر أهل عرفة، ولا يقصر أهل منى، وكلّ من كان يُتِمُّ بمنى، فإذا أفاض أتَمَّ، ومن كان يقصر بمنى، فإذا أفاض قصر. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: ومن قَدِمَ إلى مكة ليَحُجَّ فأقام بها، يُتِمُّ الصلاةَ، ثم خرج إلى منى؟ قال: يقصر بمنى. قيل: ففي طريقه قبلَ يَصِلُ إلى منى؟ قال: لا أدري. قال: وإذا رجع إلى مكة لا يريد مُقامًا بها، فليقصرْ. ولو رجع إليها ينوي مُقامَ يومٍ واحدٍ بها لأتمَّ فيه. في المسافر يمُرُّ لقرية فيها أهلُه، أو يُحْدِثُ فيها أهْلاً، أو ينوي الإقامة بموضع، وهو به، أو إليه خارجٌ، أو رجع إليه من كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا نزل المسافرُ بقرية قد سكنها بأهله،
فهلك أهلُه فليُتِمَّ، ما لم يَرفُضْ سُكناها، وإذا لم يكن مسكنه، ولكنَّه نَكَحَ بها، فلا يُتِمُّ حَتَّى يبني بأهله، وحَتَّى يلزمه السكنى. وكذلك ذكر ابن القاسم، في المجموعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك إن كان له بها أمُّ وَلَدٍ أو سُرِّيَّةٌ يسْكُنُ إليها، فإن لم يكن له لها غير الغلمانِ والأعوان فليقصرْ. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا خرج وفي طريقه قرية له بها أهلٌ، ونوى دخولها، فإن كان بينه وبينها أربعة بُرُدٍ قصر إليها، وإلاَّ أتَمَّ، ثم ينظر بقيَّة سفره منها، فإن كان أربعة بُرُدٍ قصر، وإلاَّ أتَمَّ، فإذا رجع ولم ينوِ دخولها قصر، ولو خرج أَوَّلاً، وهي على أقلَّ من أربعة بُرُدٍ، ونوى دخولها، فلزمه التمامُ، ثم لمَّا حاذاها بَدَا له، فترك دخولها، فلينظرْ بقيَّة سفره من حينئذ، فإن كان أربعة بُرُدٍ قصر إذا ظعن من مكانه ذلك، لا قبل الظعن منه، ولو كانت مسافة قريبة أربعة بُرُدٍ قصر، وإن لم يظعنْ من مكانه، كان في باقي سفره أربع بُرُدٍ أو أقلُّ. ولو حَتَّى شَقَّها مارًّا ولم ينزل، لراعيتَ بقيَّة سفره، فلا يقصر إلاَّ أن يبقى منه أربعة بُرُدٍ. ولو لم يكن له بها أهل، إلاَّ أنه نوى بها المُقام أربعة أَيَّام، ثم خرج مكانه فالجواب سواءٌ، ولو خرج إلى ستَّةِ بُرُدٍ، وعلى ثلاثة منها قرية أهله، ونوى دخولها، لم يقصرْ في سفره كلِّه في ذهابه، ثم إن نوى بعد أن سار أن لا يدخلها، فإن كان في بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر، إذا جاوز مكانه، وإلاَّ فلا. ولو نوى أَوَّل خروجه أن ينزل حِذاها، فيُقِيمَ ثلاثة أَيَّام، فهذا يقصر، وكذلك لو نوى أن يبعث فيهم، ثم يُقيمون معه، أو يدخل بهم. وإن نوى أَوَّل سفره أن لا يدخلها، فلمَّا سار بريدين نوى دخولها، قال: فإن كان إليها من أَوَّل سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ. ويصير كمن نوى إذا بلغها أن يرجع، وإن لم يكن مشى فيها أربعة بُرُدٍ فَلْيُتِمَّ من وقت نوى دخولها، كما لو نوى أن يرجع قبل أن يبلغها. ولو نوى في الطريق أن يدخلها، فلمَّا حاذاها بَدَا له
فيتمادى، فليأتنفْ حُكْمَ السفر من وقت بَدَا له أن يدخلها، فإن لم يكن رجع إلى الإتمام بما نوى من دخولها فهو على التقصير باقٍ، وإن أتَمَّ من وقت نوى دخولها؛ لأن مسافتها من أَوَّل سفره أقلُّ من أربعة بُرُدٍ، فهذا على التمام، إلاَّ أن يبقى إلى غاية سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ. ومن خرج من الإسكندرية إلى الفسطاط، فسار بريدين، ثم نوى أن يَعْدِلَ إلى قريته يُقيمُ بها أربعة أَيَّام، وهي على ثلاثة بُرُدٍ من الإسكندرية، فَلْيُتِمَّ من حين نوى ذلك، وإن كانت على أربعة بُرُدٍ قصر حَتَّى يدخلها. وإذا نزل بقرية في طريقه، فنوى المقام بها ما يُتِمُّ فيه، فأتمَّ ثم خرج، فإن بَقِيَ إلى بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر، فإذا قصر بعد ميلين عنها، ثم رجع إليها في حاجة فليقصرْ، هذا في رجوعه وفي دخوله فيها، حَتَّى ينوي المُقامَ بها ما يُتِمُّ فيه إلاَّ أن يكون بها أهْلُه، وهذا الذي أخذ به من اختلاف قول مالك في هذا، وبه أخذ ابن القاسم، وأصبغ. واختَلَفَ قول مالك في الذي أقام بمكة أربعة أَيَّام ثم عاد إليها، واختار ابن الْمَوَّاز أن رجوعه إليها بخلاف رجوعه إلى وطنه. وذهب في الذي يخرج إلى سفر الإقصار، وينوي أن يُقيمَ في طريقه أربعة أَيَّام، وليس بوطنه، فجَعَلَ ذلك كوطنه، في مُرَاعاته لمسافته من أَوَّل خروجه، ومراعاته لبقيَّة سفره بعد الظعن من ذلك الموضع. وقال عبد الملك، وسَحْنُون: إنه يَقْصُرُ على كلِّ حالٍ، إلاَّ في مُقامه حيث أقام. وجعلاه يعود على أَوَّل سفره، ولا يتغَيَّرُ حالُه إلاَّ في موضعٍ أقامَ فيه فقط، فإذا زايَلَه عادَ على أصْلِ سفره. وقد تقدَّمَ هذا في باب قد مضى. ومن المجموعة قول ابن نافع عن مالك، في حَاجٍّ أقام بمكَّة يُتِمُّ، ثم خرجَ إلى منى وعرفة فقصر، ثم عاد إليها يريد بها إقامةَ يوم أو يَوْمَيْنِ، ثم يسير إلى بلده، قال: يُتِمُّ بها، ولو كان لمَّا صَدَرَ لم يُرِدْ أن يُقِيمَ بها، فَلْيَقْصُرِ الصلاة إن مَرَّ بها.
في المسافر ينوى الإقامة، وكيف إن نوى ذلك في صلاته وهو إمام أو فذ، كيف إن عاد إلى نية السفر، وكيف إن عاد إلى وطنه
قال ابن حبيب: ومن أقام من المسافرِينَ بموضعٍ بنيَّة أربعة أَيَّام، ثم خر عنه مسافرًا، ثم رجع إليه، فإن كان خرج منه إلى مسافة الإقصار فَلْيَقْصُرْ فيه؛ لأن تلك الإقامة زالتْ بسفر القَصْرِ، وإن خرج منه إلى ما لا يُقْصَرُ فيه فليُتِمَّ إذا رجع إليه، ولو في صلاة وَاحِدَة. وقاله مالك فيهما. ومن المجموعة، ابن نافع، عن مالك، في مَنْ دخل مكة قبل التروية بيومين، فأجمع على المُقام بها، ولكن لا بُدَّ أن يخرج إلى منى، قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُتِمَّ بمكة. وقال عنه ابن القاسم، في مَنْ قَدِمَ مكة قبلَ يوم التروية بثلاثة أَيَّام، وهو يخرج يوم التروية الظُّهْرَ، قال: هذا يَقْصُرُ ولا يُتِمُّ، إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ على الإقامة أربعة أَيَّام. في المسافر ينوي الإقامة، وكيف إن نوى ذلك في صلاته وهو إمامٌ أو فذٌّ، وكيف إن عاد إلى نيَّة السفر، وكيف إن عاد إلى وطنه من الْعُتْبِيَّة، قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا نوى المسافر إقامة أربعة أَيَّام بلياليهنَّ أتَمَّ، ولا يَحْسِبُ يوم دخوله، إلاَّ أن يدخل أَوَّل النهار فيَحْسِبَه أَحَبُّ إِلَيَّ. وقال سَحْنُون في المجموعة، وفي كتاب ابنه، وقاله ابن المَاجِشُون: إذا نوى إقامة عشرينَ صلاةً، من وقت دخل إلى وقت يخرج، أتمَّ. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا نوى إقامة أربعة أَيَّام، ثم قصر، أعاد أبدًا. وكذلك في كتاب ابن سَحْنُون، وأنكر سَحْنُون أن يكون قال: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. لِلاخْتِلافِ في ذلك.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا برز على أميال ثم نوى الرجعة، ثم نوى السفر مكانه، فلُتِمَّ حَتَّى يظعن، ولو كان معهم مُشَيِّعٌ فقدَّمُوه، ينوي السفر قبلَ يُحْرِمُ، فلا يُصَلِّي إلاَّ صلاة مُقيم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا بَدَا لِلْمُسَافَرِ في الرجوع إلى وطنه، ولم يُجاوِزه بأربعة بُرُدٍ، ونوى ذلك بعد أن أحرم، فاسْتَحَبَّ مالك أن يجعلها نافلة رَكْعَتَيْنِ، ثم يُصَلِّي صلاة مُقيم. قال مالك: وإذا تمادى على إحرامه ذلك فَصَلَّى أربعًا، أجزأه، وإن ذكر ذلك بعد ركعة شفعها، وتكون نافلة، وإن كان إمامًا استُخْلِفَ، كان كما أحرم، أو بعد ركعة. هذا قول مالك، وهو حسنٌ، وأَحَبُّ إِلَيَّ إن كان كما أحرم فَلْيُصَلِّ على إحرامه أربعًا، وإن كان صَلَّى ركعة أجزأه أن يُضِيفَ أخرى، وتكون صلاة سفر تُجْزِئُهُ حين أدرك منها ركعة، فإن كان إمامًا، فإن قيَّدَ ركعة، مضى على صلاة سفرٍ، وإن كان كما أحرم استَخْلَفَ لهم. وهذا الذي قَالَ ابْنُ المَاجِشُون إنه أوجب، وإنَّ قولَ مالك استحسانٌ. ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا نوى مسافرٌ الإقامة فِي الصَّلاَةِ، بعد ركعة، وخلفه مسافرون ومقيمون، فليستخلفْ، فإن قدَّمَ مسافرًا، سلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ، وسَلَّمَ المسافرون بسلامه، وأتمَّ المقيمون، وإن قدَّم حضريًّا، صَلَّى بهم ركعة، وأشار إليهم، ثم أتمَّ وَحْدَه، وسلَّمَ هو والسَّفَريُّون، ثم أتَمَّ المُقيمون. قال عيسى: وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَنْتَقِض عليهم أجمع. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا اسْتَخْلَفَ هذا الخارج، فلا يُضِيفُ هو ركعةً، وليدخلْ معهم فيُتِمَّ بقيَّةَ الصلاة، وتُجْزِئُهُ. قال عيسى: بل يبتدئ هو، وهو أَحَبُّ إِلَيَّ.
في المسافر يتم الصلاة، وفي ائتمامه بمقيم، وائتمام المقيم به، وفي إمام مسافر يتم الصلاة بمن خلفه
قال سَحْنُون: اختلف قول ابن القاسم فيه، فقال: يَسْتَخْلِفُ. وقال: تَبْطُلُ عليه وعليهم. قال سَحْنُون: ثم لا يَقصر حَتَّى يظعنَ عن مكانه. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن سافر ثم بَعَثَ غلامه في حاجة إلى منزله، وعزم أن لا يبرح حَتَّى يأتيه، فليقصرْ، إلاَّ أن يوقن أنه يُقيمُ أربعة أَيَّام، أو ينوي ذلك فليُتِمَّ حَتَّى يظعنَ. وبعد هذا بابٌ في المسافر ينوي الإقامة بعد ركعة، وقد خرج وقت تلك الصلاة. في المسافر يُتِمُّ الصلاة، وفي ائتمامه بمقيم، وائتمام المقيم به، وفي إمام مسافر يُتِمُّ الصلاة بمن خلفه من الواضحة قال مالك: لا يجوز أن يُتِمَّ المسافرُ، لا وحده ولا خلفَ مُقيم، فإن فَعَلَ أعاد في الْوَقْتِ، إلاَّ في مثل جوامع المُدُنِ، وأمَّهات الحواضر، لا في مساجد عشائرها، ولا في القُرَى الصغار التي يُجَمِّعُون الجمعة في مسجدهم، فإن جَمَّع معهم في هذه أعاد في الْوَقْتِ. ولم يَرَ ابن القاسم أن يُعِيدَ حَتَّى يُتِمَّ وحده، وائتمام المُقيم بالمسافر في غير الجوامع العظام وموضع صلاة الأمراء أيسرُ في الكراهة، من ائتمام المسافر بالمُقيم، إلاَّ أن يُجَمَّعَ جماعة فيهم أهْلُ سَفَرٍ وأهل إقامة، وفي المسافرين مَنْ يُرْجَى بَرَكَة صلاته، فليُقَدِّمُوه، ولا يُقَدِّمُ المسافرون مقيمًا، وإن رَجَوْا فضله، وأما صلاة الصُّبْح والمغرب فلا تُكْرَه فيها إمامة مُقيم أو مسافر. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ولولا أنَّ مالكًا وأصحابه لم يختلفوا أنَّ مَنْ أتمَّ في السفر إِنَّمَا يُعِيدُ في الْوَقْتِ، لاسْتَحْبَبْتُ أن يُعِيدَ أبدًا. قال غيره: ولم يَرَ مالكٌ الإعادة أبدًا؛ لقوَّة
اختلاف الصحابة في ذلك. وقَالَ ابْنُ سَحْنُون: القياس أن يُعِيد أبدًا. وذَكَرَ أنَّ قولَ مالكٍ، ومَنْ قال بِقَوْلِهِ: إنَّ فَرْضَ الصلاة في السفر رَكْعَتَيْنِ. وقال أبو الفرج: اختلف أصحاب مالك في صلاة السفر، فقال بعضهم: هي فَرْضُ المسافر. وقال بعضهم: هي سُنَّةُ السفرِ. وفي رِوَايَة أبي المصعب عن مالك أنها سُنَّةٌ. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، قال: وكَرِهَ مالك للمسافرين أن يُقَدِّموا مُقيمًا، فإن فعلوا وائتمُّوا به لم يُعِيدُوا. قال مالك: ولو قَدَّمُوه لسِنِّهِ أو لفضله، أو لأنه صاحب المنزل فليُتِمُّوا معه. ولو شَيَّعَهم ذُو السِّنِّ والفضل فقَدَّمُوه لم أرَ به بأسًا. قال مالك: وسمع سالم بن عبد الله بن عمر الإقامة في المسجد ببعض المناهل، فَصَلَّى في موضعه، ولم يأتِ المسجد فيُتِمَّ مع الإمام. قال عنه أشهب: وكذلك فعل سالم في الجمعة وغيرها. قال عنه أشهب في مسافرين نزلوا قرية فيأتيهم رَجُلٌ منها، فلا أُحِبُّ أن يُقَدِّموه، ولْيُقَدِّمُوا مسافرًا. وأما صاحب المنزل فلا بأس أن يتَقَدَّمَهُم؛ لأنه أحقُّهم وإن كان عبدًا. قال: وكان ابن عمر يُصَلِّي بمنى مع الإمام أربعًا. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال: وإذا افتتح المسافر على أربع متعمِّدًا، ثم بَدَا له فسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ، فالذي ثبت عليه ابن القاسم أنها لا تُجْزِئُهُ. وكذلك حضريٌّ يُحْرِمُ على الإقصار، يظنُّ أنه مسافر فَلْيُعِدْ. وقاله أصبغ.
قال محمد: وإذا أحرم المسافر على أربع ساهيًا، على السفر أو على التقصير، أعاد في الْوَقْتِ. وإن افتتح على رَكْعَتَيْنِ فأتَمَّ ساهيًا أجزأه سجدتا السهو. وأما إن أتَمَّ عامدًا بعد أن أَحْرَمَ على رَكْعَتَيْنِ فَلْيُعِدْ أبدًا. وكان ابن القاسم يقول في الناسي لسفره: يسجد بعد السَّلام. ثم رجع إلى ما ذَكَرْنَا. وهو الصواب. قال محمد في باب آخَرَ، في مَنْ زاد في صلاة السفر ركعة سهوًا، قال: يُتِمُّها رابعة، ويُعِيد في الْوَقْتِ. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في السفريِّ يُتِمُّ في الحضر بمسافرين ناسيًا، فَلْيُعِدْ ويُعِيدُوا في الْوَقْتِ. قال سَحْنُون: إذا أتَمَّ المسافر ناسيًا لسفره، أو مُتَأَوِّلاً، أو جاهلاً، أعاد في الْوَقْتِ، وأما إن افتتح على رَكْعَتَيْنِ، فأتمَّهما أربعًا ساهيًا، فَلْيُعِدْ أبدًا. كقول ابن القاسم في كثرة السهو. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: تُجْزِئُهُ سجدتا السهو؛ لأن هذا ليس كسهو مُجْتَمَعٍ عليه. ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك في مسافر صَلَّى بمسافرين، فتمادى بعد رَكْعَتَيْنِ، فسَبَّحُوا به، فجَهِل، فتمادى، فليُسَبِّحُوا، ولا يَتَّبِعُوه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجْلِسوا حَتَّى يُتِمَّ، ويُسَلِّم ويُسَلِّمُوا بسلامه. قال: ويُعِيدُ هو في الْوَقْتِ. وقال مالك، في المختصر: يُسَلِّموا وينصرفوا. وفي موضع آخَرَ: يتمادى، ويُعِيدُوا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسَلِّمُوا ويَدَعُوهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وهي رِوَايَة ابن وهب، وابن كنانة؛ لأنهم إن انتظروه، وهو جاهلٌ أو عامدٌ، فَسَدَتْ عليه وعليهم، وإن كان ساهيًا لزمهم سُجُود السهو معه.
وقال سَحْنُون في المجموعة: إن افتتح على أربع، جهلاً أو تأويلاً، أعاد في الْوَقْتِ، وأعادوا، إذ لو رَجَعَ إليهم حين سَبَّحُوا به لم يكن له ولهم بُدٌّ من الإعادة؛ لأن صلاته على أَوَّل نيَّة. قال سَحْنُون: ولو افتتح على رَكْعَتَيْنِ، فتمادى سهوًا، أعاد أبدًا؛ لكثرة السهو، ويَنْبَغِي لمن خَلْفَه إذا انتهى إلى موضعٍ لو أَثْبَتُه لم تُجْزِهِ، فينبغي أن يستخلف السفريُّون مَنْ يُسَلِّمُ بهم، ويُتِمُّ المقيمون، ويُسلِّموا، ويصير كإمام أحْدَثَ بغلبةٍ. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: إِنَّمَا أمَرَهم مالكٌ بانتظاره لاختلاف الناس في المسافر، فأما لو تَمَادَى الحضريُّ، فقعدوا ينتظرونه حَتَّى زاد رَكْعَتَيْنِ، لبَطَلَتْ صلاتهم، وفي زيادة المسافر رَكْعَتَيْنِ سهوًا لا يُبْطِلُها، بخلاف الحضريِّ، وليس بزيادة مُجْتَمَعٍ عليها. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: إذا أتَمَّ بهم جهلاً أعادوا. وقال عنه ابن القاسم: في الْوَقْتِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أما الحضريون فيعيدون أبدًا. وقال أشهب: يُعِيد الإمام ومَنْ خلفَه في الْوَقْتِ. قال عليٌّ: والذي يُعْرَفُ في قول مالك، إن كان ساهيًا فليس عليه إلاَّ سُجُود السهو، ويبني مَنْ خلفه من مُقيم ولا يعتدُّوا بركعتي سهوه، ويسجدون للسهو كما يسجد. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مثله. قال أبو محمد: أراه يريد: ولم يَتَّبِعُوه في رَكْعَتَي سهوه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فإن جهلوا، فاعتدُّوا بركعتي سهوه، أعادوا أبدًا. ولو أتَمَّ عامدًا، أعاد هو في الْوَقْتِ، والمقيمون أبدًا.
في السفري يؤم الحضريين كيف يبنون بعده، وفي الحضري يدرك من صلاة المسافر ركعة، كيف يقضي ويبنى، كيف إن استخلفه السفري
وفي باب اختلاف نية الإمام والمأموم بقية هذا المعنى مُسْتَوْعَبًا. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، في السفري يَؤُمُّ بمُقيمين ومسافرين، فيُتِمُّ بهم، فَلْيُعِدْ هو والسفريُّون في الْوَقْتِ. واختَلَفَ في المقيمين، فروى ابن عبد الحكم، عن مالك: يُعِيدُ المقيمون في الْوَقْتِ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يعيدون أبدًا. وقاله أصبغ. قال محمد: صوابٌ؛ لأنهم صَلَّوا بإمام ما لزمهم أن يأتُوا به أفذاذًا. وقيل: إن أَحْرَمَ على أربع أعادوا كُلُّهم في الْوَقْتِ، وإن أَحْرَمَ على رَكْعَتَيْنِ أعادوا كُلُّهم أبدًا. وقال محمد: سواء أتمَّ بهم سهوًا أو متعمِّدًا، فالإعادة في الْوَقْتِ. وإليه رجع ابن القاسم. بخلاف كثرة السهو للحضريِّ، إذ الاختلاف أن ذلك زيادةٌ، وهذا قد قيل إنه الذي عليه، ولم يَخْتَلِفْ أن الحضريَّ إن زاد في صلاته متعمِّدًا أبطلها، وليس كذلك المسافر إذا أتمَّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا لم يُدْرِكِ المسافرُ من صلاة المقيم ركعةً، فليُصَلِّ على إحرامه ذلك صلاة سفر. قاله مالك. قال سَحْنُون، في المجموعة، في مسافر صَلَّى خلْفَ مُقيم، فضحك فِي الصَّلاَةِ: إنه يَرجع فيُصَلِّي صلاة سفر. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا أتَمَّ المسافرُ الظُّهْرَ أربعًا، عامدًا أو ساهيًا، ثم نوى فيها الإقامة، فَلْيُعِدْهَا أربعًا، وإن خرج الوقت. في السفري يَؤُمُّ الحضريين كيف يبنون بعده، وفي الحضريِّ يُدرك من صلاة المسافر ركعة، كيف يقضي ويبني، وكيف إن استخلفه السفريُّ من الْعُتْبِيَّة، رَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مسافر صَلَّى بمقيمين،
فسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ، فليُتِمَّ المقيمون أفذاذًا، وإن أتَمُّوا بإمم أساءوا وأجزأتهم، وإن أعادوا فحَسَنٌ. وقال عنه موسى، يعيدون أبدًا أَحَبُّ إِلَيَّ. وكذلك لو صَلَّى بعضهم بإمام، وبعضهم بإمام. وقال عنه سَحْنُون: إذا كان خلفه أهل إقامة وسفر، فأتمَّ بهم كلهم مُقيمٌ، فصلاته تامَّةٌ، ويُعِيدُ المقيمون والسفريون أبدًا؛ لأنه لا يكون في صلاة إمامان. كذلك لو أحدث، فقدَّم مقيمًا، فأتمَّ بالجميع، قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: لا تجزئهم إذا جَمعوا فيما عليهم أن يُصَلُّوا أفذذًا. وقال عنه عيسى في هذه المسألة: يُعِيدُ السفريُّون في الْوَقْتِ وتُجْزِئُ المقيمين، فإن أعادوا فحَسَنٌ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وإذا أدرك الحضريُّ من صلاة المسافر ركعة، فإنه يبني، ثم يقضي، وتصير صلاته جلوسًا كلها. وكذلك المسافر صَلَّى بحضريين صلاة الخوف، فإذا صَلَّى بالطائفة الثانية ركعة وسَلَّمَ، فليأتوا بركعتين بأمِّ القرآن أُمِّ القرآن، يجلسون فيهما، ثم بركعة القضاء بأم القرآن وسورة. وكذلك الراعف تفوته ركعةٌ وأدرك الثانية، ثم خرج فرجع، وقد تمَّتِ الصلاة، أو بَقِيَ منها ركعةٌ، فَلْيَبْنِ ثم يقضي. وقد قيل: يبدأ بالقضاء ثم بالبناء. ورَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة، في مسافر صَلَّى بمقيم ركعة، ثم دخل خلفه مقيمٌ آخَرُ فَصَلَّى معه الثانية، ثم أَحْدَثَ في تَشَهُّدِها، فقدَّمه، فقال: يُتِمُّ التَّشَهُّدَ، ثم يشير إليهم بالجلوس، ثم يَقومُ فيبدأ بالقضاء للركعة التي سبقه بها الإمام، ثم يُصَلِّي الركعتين الأخريين، ثم يُسَلِّمُ ويُسَلِّمُ مَنْ خلفه من مسافرٍ، ثم يبني الحضريون. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: بل يبدأ بالبناء، ثم بالقضاء، ولا يتَّبع في بناء ولا في قضاء، فيأتي بركعة بأمِّ القرآن؛ لأنه بانٍ في
في إمام مسافر صلى ركعة، ثم أحدث، فقدم حضريا، وهل يؤتم به فيما يبنى، كيف إن جهلوا بالأول أحضري أم سفري
القراءة، ويجلس؛ لأنها ثانية له. يريد: ولا يَفْتَرِقُ الباني من القاضي إلاَّ في القراءة. قال: ثم يأتي بأخرى بأمِّ القرآن , ويجلس؛ لأنها آخِرُ صلاة الحضر، ولا يقوم إلى القضاء إلاَّ من جلوس، ثم يقضي ركعة بأم القرآن وسورة، ويتشهَّدُ ويُسَلِّمُ، فتصير صلاته كلها جلوسًا، ثم يُتِمُّ مَنْ خلفَه مِن مقيم. وكذلك لو قال له: بَقِيَتْ عليَّ سجدة. فإنه يَخِرُّ بسجدة، ويَتَّبِعُهُ فيها من دخل معه، ثم يقوم وحده، فيفعل ما ذَكَرْنا. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وغيره، وقاله سَحْنُون: إنه يبدأ بالبناء في هذا ونحوه، إلاَّ أنهم قالوا: يأتي بركعة ويجلس، ثم بركعة ويقوم، ثم بركعة ويجلس، وهي ركعة القضاء. يعنون لأنه إِنَّمَا يفترق القضاء من البناء في القراءة خاصة. في إمام مسافر صَلَّى ركعة، ثم أحدث، فقَدَّمَ حضريًّا، وهل يُؤْتَمُّ به فيما يبني، وكيف إن جَهِلوا بالأول أحضريٌّ أم سفريٌّ من كتاب ابن سَحْنُون، وإذا صَلَّى مسافر بمقيمين ركعة، ثم استخلف أحدهم، فَلْيُصَلِّ ركعة أخرى، ثم يومئ إليهم بالجلوس، ويقوم فيُتِمُّ، فإذا سلَّمَ قاموا فأتمُّوا. وقاله عبد العزيز. وقَالَ ابْنُ كنانة: إذا قام يُتِمُّ لنفسه قاموا فأتمُّوا لأنفسهم. قتل ابن الْمَوَّاز: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب، وعبد العزيز، وعبد الملك، وأصحابنا المصريون: إذا صَلَّى بهم الحضري المستخْلَفُ الثانية، أشار إليهم حَتَّى يُتِمَّ صلاته، ثم يُسَلِّمُ فيُسَلِّمُ مَنْ خلفَه من السفريين بسلامه، ثم أتَمَّ المقيمون أفذاذًا. وهو قول أشهب، في المجموعة.
قال ابن الْمَوَّاز: وقَالَ ابْنُ كنانة: إذا قام يُتِمُّ لنفسه سلَّمَ السفريون، وأتمَّ المقيمون أفذاذًا. قال أَصْبَغُ: وقاله ابن القاسم، ثم رجع إلى أن لا يُسلِّمَ السفريون إلاَّ بسلامه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فإن ائتمَّ المقيمون به فسدت عليهم دونه. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أن يُقَدِّمَ مسافرًا، فإن قدَّمَ مقيمًا فليُقَدِّمْ هذا مسافرًا، فإن جَهِل فَصَلَّى بهم هذا المقيم بقية صلاة السفري، فقال له مالك: يُسَلِّمُ السفريون، ويُتِمُّ هو والمقيمون أفذاذًا. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: بعد أن يُقَدِّمَ مسافرًا يُسَلِّمُ بالسفريين. وقَالَ ابْنُ أبي سلمة، وابن القاسم، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وغيرهم: لا يُسَلِّمُ السفريون إلاَّ بسلامه، ثم يُتِمُّ المقيمون أفذاذًا. وهذا أحسن. فإن جهلوا فأتمَّ بالجميع، فليُعِد السفريون في الْوَقْتِ، وأحَبُّ إليَّ أن يُعِيدَ المقيمون. وقد تقدَّم القول في إعادة المقيمين أبدًا لابن الْمَوَّاز وغيره. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولو سَلَّم بهم ساهيًا، اجتزأ بذلك السفريون، وسلَّمُوا، وسجدوا بعد السَّلام لسهو إمامهم، ويجلس المقيمون حَتَّى يُتِمَّ هذا لنفسه ويسجد، ثم يتمون بعده أفذاذًا، ويسجدون للسهو بعد السَّلام. ولو سلَّم بهم عامدًا فسدت عليه وعليهم أجمعين. ومن المجموعة، قال سَحْنُون: وإذا استخلف الإمام مقيمًا، فجَهِل هو ومَن خلفه في الخارج، أمسافرٌ هو أو مقيمٌ، فَلْيُصَلِّ بهم صلاة مقيمٍ، ثم يُعِيدُ مَن خلفَه من مسافر أو مقيم، فتفسد على السفريين، إذ لعل الأول مسافر، وعلى المقيمين أيضًا إن كان مسافرًا، إذا جمعوا بيما يلزمهم أن يُصَلُّوه أفذاذًا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وتُجْزِئُ المستخلف الحضري وحده. قال: ولو كان المستخلف سفريًّا، قال غيره في المجموعة: فَلْيُصَلِّ بهم صلاة مقيم. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ثم ليُعِدْ هو وكل مَنْ خلفه أبدًا، يُعِيد السفريون سفرية، والحضريون حضرية، فإن أمَّهم أحدٌ فمنهم لا من غيرهم. قال أبو محمد: يريد
في الإمام الحضري يقدم مسافرا، وكيف إن قال له: ذكرت سجدة مما صليت، وكيف إن قال ذلك بعد قضاء السفريين
إذ لعلَّ الأُولى أجزأتهم وقد صَلَّوها في جماعة، فلا يَصْلُحُ أن يُعِيدُوا على الترغيب مع إمام هي فرضه. ومن المجموعة، قال غيره، فذكر نحو كلام ابن المواز، وقال: فإن شاءوا في الإعادة جمعوا بإمامة أحدهم، المستخلَف أو غيره من مسافر أو مقيم، مِمَّنْ كان خلف الإمام، فإن صَلَّى بهم مسافرٌ أتمَّ المقيمون بعده، وإن صَلَّى بهم مقيم أتمَّ معه السفريون؛ لأن الأُولى إن صَحَّتْ فهذه نافلة، وإن فسدَتْ فعلى جميعهم فسدتْ. قال سَحْنُون: وإن أدرك مسافر ركعة مع إمام، ثم جهل أمقيم هو أم مسافر؟ فليتمَّها حضرية ثم يعيدها سفرية. في الإمام الحضري يُقَدِّمُ مسافرًا، وكيف إن قال له: ذكرتُ سجدةً مما صَلَّيتُ , وكيف إن قال ذلك بعد قضاء السفريين من الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا أحرم مسافرٌ خلف مقيم، ثم أحدثَ، فقدَّمه قبل أن يُصَلِّيَ شَيْئًا، فَلْيُصَلِّ بهم أربعًا. وكذلك لو لم يكن معه غيره؛ لأنه دخل في حُكْمِه لما بَقِيَ على الإمام من صلاته، ولو دخل معه في الجلوس الآخِرِ، لم يُصَلِّ هذا إلاَّ رَكْعَتَيْنِ. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا دخل مسافر مع حضري في تَشَهُّد الرابعة، فقدَّمه، فليومئ إليه بالثبات، ويُصَلِّي صلاة سَفَرٍ إن دخل على ذلك، ثم يُسَلِّم ويسلِّمون بسلامه، وأَحَبُّ إِلَيَّ حين قدَّمَه أن يُقَدِّمَ غيره. ولو قال له حين قَدَّمَه: عليَّ سجدة لا أدري من أي ركعة. فقد قيل: إن
يسجدها هذا بهم، وأتى بركعة أجزأهم. فكذلك في سجدتين يأتي بهما وبركعتين. وفي الْعُتْبِيَّة، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وأشهب، أنهم إن ائتمُّوا به في السجدة أبطلوا؛ لأنها له نافلة. وقد ذكرناه في أبواب الإمامة. ولو ذكر ثلاث سجدات، فَصَلَّى هذا بهم ثلاث ركعات لبَطلتْ صلاة القوم. وإن صَلَّى بهم رَكْعَتَيْنِ، وقدَّم مَنْ يُصَلِّي بهم الثالثة، ويَتَشَهَّد بهم، ويُسَلِّمُ، أجزأتهم، ويسلم السفري المستخلَف قبله بسلامه، ثم يُعِيدها سفرية؛ لأنه أحرم على سفرية، وهو مع من وجبت عليه حضرية، بإدراكه بعض الصلاة، إلاَّ أنه لا يضُرُّ من أحرم على سفرية. يريد: ثم نوى أن يُتِمَّ. فلما صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بدا له، فسلَّم، فإنها تُجْزِئُهُ، ما لم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ، فتبطل صلاته، وهذا ما لم ينوِ الإقامة عن سفره، فهذا لا ينفعه لو رجعتْ نِيَّتُه قبل أن يعمل شَيْئًا على نية السفر، وتبطل صلاته، بخلاف أن لو نوى إتمام صلاته وهو على نية السفر. قال محمد: لا يُعْجِبُنا الجواب في السفري يدخل مع حضري في تَشَهُّد الرابعة، فقدَّمَه، وذكر له سجدة أو سجدتين؛ لأنه إِنَّمَا أحْرم على سفر، فلما ذكر الأول ما يُوجب على هذا الإتمام من ذِكْرِ سجدة، لزمه التمام، وقد أحْرم على خلافه، فلا يُؤْتمُّ به في شيء منها إلاَّ فسدن وليُقَدِّمْ غيره، فيسجدُ ويركعُ ويتَّبِعُه فيها، وكذلك في ثلاث ركعات، فإذا أتمَّ ذلك أتمَّ هذا ما بَقِيَ عليه تمام أربع ركعات، ثم أعاد سفرية.
وإذا أدرك السفري ركعة من صلاة الحضري، ثم قضى بعده ركعة، ثم رجع الأول فذكر سجدة من الرابعة، فإن رجع من قُرْبٍ يجوز له فيه البناء يجدها، وأعادُوا سجودها معه، ويبطُلُ ما عمل هذا بعده, ويأتنفُ ثلاث ركعات قضاء. وإن عقدَ هذا ركعةً في وقت لا يجوز للأول فيه البناء؛ إما لبُعْدٍ أو لكلام، أو حَدَثٍ، بَطَلَتْ صلاة هذا، ولا يُتِمُّها حضرية؛ لأن ركعة الحضر بطلتْ، ولا يُتِمُّها سفرية؛ لأنه أحرم على حضرية. ولو كان استخلفه، لم ينظر متى صَلَّى الركعة في قُرب أو بُعد، ويصير كإمام صَلَّى ركعة، ثم ذكر سجدة من ركعة قبلها، وقد سجدها مَنْ خلفه، فعليه قضاءُها، ولا شيء على مَنْ خلفه فيها، فإذا لزمه قضاء الركعة التي أدرك، خرج مِنْ أَن تلزمَه صلاة حضرة، وليبتدئ صلاة سفر، ويجعل هذه نافلة. ولو ذكر السجدة قبل يرفعُ رأسه من الركعة التي صَلَّى بعده، لسجد، وأعاد مَنْ خلفه السجدة معه، ويُتِمُّ صلاة حَضَر. قال: ولو أدرك سفري ركعة من آخر صلاة الحضري، فصلاها معه، ثم استخلفه، وذكر سجدة – يريد من هذه – فليسجدْها بهم، ثم يقوم وحده فيأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس، ثم يأتي بمثلها ويقوم، ثم بأم القرآن فقط، وهذا كلُّه قضاءٌ والأول بانٍ قاضٍ. ولو أعْلَمَه بالسجدة بعدَ أن صَلَّى لنفسه ركعة، فقد سقط عنه وحده صلاة الحضر، إذ حيل بينه وبين إصلاح الركعة التي أدرك، ويُضيف إلى هذه الركعة ن ثم يُسَلِّمُ، ويبتدئ صلاة سفر، ويسجد القوم، وإن قدَّمُوا مَنْ يسجد بهم فحسن. وعلى أصل سَحْنُون، تصير الركعة التي صَلَّى لنفسه كأنه استُخْلِفَ عليها. وقال نحوه ابن الْمَوَّاز قبل هذا. ولو أدرك حضريٌّ ركعة من صلاة المسافر لكان بانيًا قاضيًا, ويبدأ بالبناء، وتصير صلاته كلها جلوسًا، في قول ابن الْمَوَّاز. وقد تقدَّم ذِكْرُ الاختلاف فيها.
في المسافر يصلي ركعة، فيذهب الوقت، ثم ينوى الإقامة، أو يغمى عليه، أو تحيض المرأة حينئذ، وقد خرج وقت تلك الصلاة بعد الركعة
في المسافر يُصَلِّي ركعة، فيذهب الوقت، ثم ينوي الإقامة أو يغمي عليه، أو تحيض الْمَرْأَة حينئذ، وقد خرج وقت تلك الصلاة بعد الركعة من كتاب ابن الْمَوَّاز، وعن مسافر نسي العصر حَتَّى بَقِيَ عليه من النهار ركعة، فَصَلَّى الركعة، وغربت الشمس، ثم نوى الإقامة، فإن صلاته تبطلُ، ويبتدئ صلاة حَضَر. وقال أَصْبَغُ: يبتدئ صلاة سفر؛ لأنه نوى الإقامة بعد خروج الوقت، فكأنه يقضي ما لزمه. قال محمد: ولو ابتدأها بعد غروب الشمس، لم تضُرَّه نية الإقامة، وليتمادَ فيها سفرية. ولو أُغْمِيَ عليه فيها، فلا بُدَّ من قضائها. ولو أحرم لها قبل الغروب، ثم أُغْمِيَ عليه فيها بعد الغروب لسقطت عنه. قال أَصْبَغُ: وكذلك امرأة صَلَّت ركعة من لعصر، ثم غابت الشمس، ثم حاضتْ، فإنها تسقط عنها إعادتها. قال محمد: قوله في هذه حسنٌ؛ لأنها لما ابتدأتها في الْوَقْتِ، لم يضُرَّ خروج الوقت وهي فيها، وكأنها في وقتها حاضتْ. وأما قوله في المسافر فلا يُعْجِبُنِي. ثم رجع محمد إلى قول أصبغ. وقال سَحْنُون: وإما المسافر فيتمادى، ولا يضُرُّه بعد خروج الوقت، وأما الْحَائِض فلتقضها؛ لأنها حاضت بعد خروج الوقت. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ومن خرج لثلاث ركعات، ناسيًا للظهر والعصر، فلزمتاه سفريتين، فأعمي عليه في تَشَهُّد الظهر حَتَّى غربت الشمس، فلا قضاء عليه لهما، إن بَقِيَ من الشمس شيء قبل إغمائه. ولو خرج لمقار رَكْعَتَيْنِ، فلزمه
في من أحرم بصلاة حضر، فذكر فيها أنها عليه سفرية، أو ذكر أن عليه ثوبا نجسا، أو حالت نيته بعد أن أحرم على ما لزمه
ظهرٌ حضريٌّ، وعصر سفريٌّ، فاغمي عليه في الرابعة من الظهر. فلا تسقط عنه ظهرٌ ولا عصر، وليقضهما. ولو أنه لم يُفِقْ إلاَّ لأربع ركعات قبل الْفَجْر، فليقضِ ظهرًا حضريًّا، وعصرًا سفريًّا، كما لزمه، وأما المغرب والعشاء، فاختلف قول ابن القاسم فيهما، فقال: لا شيء عليه فيهما حَتَّى يبقى لهما وقت بعد قضاء ما لزمه. وقال: بل يُصَلِّيها بعد ذلك. ومن كتاب ابن سَحْنُون، عن أبيه، قال: وإذا نوى المسافر الإقامة في الصُّبْح وفي المغرب لم تفسدْ؛ لأنهما لا يُقْصران. ولو سافر لثلاث ركعات، ناسيًا للظهر والعصر، فلمّا صَلَّى ركعة، نوى الإقامة، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا سفريًّا، وعَصْرًا حضريًّا. ولو كانت امرأة، فحاضت بعد ركعة، لم تقضِ إلاَّ الظهر. قال: وإذا أمَّ مسافرٌ بمقيمين ومسافرين، ثم نوى الإقامة بعد ركعة، فليستخلفْ، فإن استخلف مسافرًا صَلَّى بهم ركعة ثانية، وسلَّمَ، وأتمَّ المقيمون، وإن استخلف مقيمًا صَلَّى بهم ركعة، ثم أشار إليهم حَتَّى يُتِمَّ ويُسَلِّمُ، ويُسَلِّمُ معه السفريون، ويُتِمُّ المقيمون لأنفسهم. في مَنْ أحرم بصلاة حَضَر، فذكر فيها أنها عليه سفرية، أو ذكر أن عليه ثوبًا نجسًا، أو حالتْ نيته بعد أن أحرم على ما لزمه من كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن أحرم في صلاة على أنها لزمته حضرية، ثم ذكر فيها أنها لزمته سفرية، فإن كان في وقتها قطع في ركعة ورَكْعَتَيْنِ، وإن صَلَّى ثلاثًا
في من خرج لمقدار من الوقت، ناسيا لسجدة أو سجدتين من الظهر والعصر، وكيف إن صلى الصلاتين سفريتين، ثم ذكر سجدة من أحدهما بعد ما سلم، أو قبل
أتمَّها أربعًا، وأعاد في الْوَقْتِ. وإن كان في غير وقتها قطع في رَكْعَتَيْنِ، فإن كان قد صَلَّى ثالثة، تَمَادَى ولم يُعِدْ، وليس كمن أحرم في صلاة بعد الوقت بثوب نجس، ثم ذكر فيها نجاسة، أو أحرم به متعمِّدًا؛ لأن هذا لو تعمَّدَ وتَمَادَى بعد الذِّكْر متعمِّدًا، لأعاد أبدًا، والأول لو تعمَّد إتمامها، لم يُعِدْ إلاَّ في الْوَقْتِ. وقال سَحْنُون، في كتاب ابنه: وإن أحرم مسافر في صلاته، ثم ظنَّ أنه مقيم، ثم ذكر في آخرها، قال: إن أعادَ فحَسَنٌ، وإلاَّ رجوتُ أن تُجْزِئُهُ. في مَنْ خرج لمقدار من الوقت، ناسيًا لسجدة أو سجدتين من الظهر والعصر، وكيف إن صَلَّى الصلاتين سفريتين، ثم ذكر سجدة من أحدهما بعد ما سَلَّمَ، أو قبلُ من كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن سافر لركعتين من النهار، ناسيًا للظهر والعصر، فأتى بالظهر حضرية، والعصر سفرية، فذكر سجدة لا يدري من أيتهما هي، فإن لم يُسَلِّم من العصر أصلحها بسجدة وركعة وسجدتين للسهو بعد السَّلام، وأعادهما كما صلاهما، وإن ذكر بعد أن سلَّم من العصر، فإن قرُب أصلحهما بما ذَكَرْنا، وأعاد الظهر حضريًّا فقط، وإن خرج لمقدار رَكْعَتَيْنِ، ناسيًا للسجدة من الظهر أو من العصر، فَلْيُصَلِّهما سفريتين، يبدأ بأيهما شاء، ثم إن ذكر سجدة من أحدهما قبل أن يُسلِّمَ من الآخِرَة، أو بعدُ، فذلك في هذه سواء، لأنه لا يُطَالَبُ غير صلاة وَاحِدَة، فيُصلح هذه بمثل ما ذَكَرْنَا، ثم يُعِيد الظهرَ
فقط سفرية. ولو خرج لهذا المقدار، ناسيًا لسجدتين، لا يدري من الصلاتين أو من أحدهما، فليبدأ بظهر حضريٍّ، ويعيده سفريًّا، إن شاء قبل العصر أو بعده، والعصر سفريًّا، فإن صلاهنَّ والعصر آخرهنَّ، ثم ذكر سجدة بعد أن سلَّمَ من العصر، فليُصلحهما بالقرب بسجدة وركعة وسجدتين للسهو، ثم إن كان بدأ في الظهرين بالسفري، لم يُعِدْ غير ظهر حضريٍّ، وإن بدأ بالحضريِّ، أعاد الظهرين، وإن ذكر ذلك قبل أن يسلمَ من العصر، فليصلحهما بما ذَكَرْنَا، ويُعِيد الثلاث صلوات، إن كان بدأ بالظهر الحضريِّ، وإن بدأ به سفريًّا، أعاد حضريًّا، ثم العصر؛ لأنه كمَنْ ذكر فيها صلاة قبلها. وإِنَّمَا قُلْتُ في الوجهين: يُعِيد الظهرين إذا بدأ به حضرًا؛ لأنه إن كانت السجدة منها، لم تُجْزِئُهُ السفرية عنها، وإن كانت من السفرية لم تُجْزِئُهُ الحضرية عنها؛ لأنه صلاها أَوَّلاً على أن يعيدها سفرية، وإذا بدأ بالسفرية، فكانت منها، فالحضرية تنوب عنها، كمن صَلَّى حضرية يظنُّها يلزمه كذلك، فأدَّاها سفرية، وقد خرج الوقت، ولم يُصَلِّها ليعيدها، فتجزئه. وكذلك مَنْ ذكر ظُهْرًا في يوم آخَرَ، لا يدري أحضريٌّ أم سفريٌّ، فصلاها حضرية وسفرية، ثم ذكر بعد السَّلام من الآخِرَة سجدة، وكان بالقرب، فليصلحها بسجدة وركعة وسُجُود السهو، فإن تكن هذه التي صلاها آخِرَ الحضرية، لم يُعِدْ غيرها، وإن تكن السفرية أعادها حضرية. ومن خرج رَكْعَتَيْنِ، ناسيًا للظهر، شاكًّا في العصر، فالجواب فيها كالجواب في المسألة الأولى، فمن ذكر عند خروجه سجدتين، لا يدري من الظهر أو من العصر أو منهما، فإن أتى بالصلوات، ثم ذكر سجدة، فكما ذَكَرْنَا في المسألتين. وإن
في من سافر، أو قدم لوقت، أو امرأة تحيض، أو تطهر، وعليهم صلاة أو صلوات، وكيف إن لم يدر المسافر أمن يوم قدومه أو من يوم خروجه
ذكر سجدتين قبل أن يُسَلِّمَ من العصر، لا يدري من أي صلاة، فليصلح العصر، ويُعِيد الثلاث صلوات، بدأها هنا بالظهر الحضري أو السفري، فهو سواء في ذِكْرِه السجدتين بعد أن صَلَّى الصلوات، وإن ذكر بعد سلامه منها، وهو بالقرب، أصلحها، وأعاد الظهرين، وإن تباعد أعاد الثلاث صلوات. في مَنْ سافر، أو قدم لوقت، أو امرأة تحيض أو تطهر، وعليهم صلاة أو صلوات، وكيف إن لم يدر المسافر أمن يوم قدومه أو من يوم خروجه من كتاب ابن سَحْنُون، ومَنْ سافر لثلاث ركعات فأكثر من النهار وعليه الظهر والعصر، فليقصرهما، ولو كانت امرأة فحاضت حينئذ في سفرها لم تقضهما، ولو خرج لركعة أو رَكْعَتَيْنِ، صَلَّى الظهر حضريًّا، يبدأ به، والعصر سفريًّا، فإن كانت امرأة فحاضت حينئذ، فلا تَقْضِي إلاَّ الظهر حضريًّا. وإن خرج لثلاث ركعات، ذاكرًا للظهر، مصليًا للعصر، فَلْيُصَلِّ الظهر سفريًّا، ويُعِيد العصر. ولو خرج لركعتين، لم يُعِدِ العصر. ولو خرج لثلاث ركعات ناسيًا للظهر والعصر، فلم يذكر حَتَّى غربت الشمس، فَلْيُصَلِّهما كما لزمتاه سفريتين. ولو كان خرج لركعتين، صَلَّى ظهرًا حضريًّا وعصرًا سفريًّا، يقضيهما.
ولو دخل لخمس ركعات ذاكرًا لهما صلاهما حضريتين، ولو كانت امرأة، فحاضت حينئذ، لم تقضهما. ولو دخل لأربع، صَلَّى الظهر سفريًّا، والعصر حضريًّا، ولا تَقْضِي إن كانت امرأة حاضت حينئذ عند الظهر سفريًّا. ولو دخل لخمس، مصلِّيًا للعصر دون الظهر صَلَّى الظهر، وأعاد العصر، وإذا دخل لأربع لم يُعِدْه، فالوقت لآخر الصلاتين، فإن كان صَلَّاها، فالوقت للفائتة. ومن ذكر ما فات، فليقضه، وليُعِدْ ما أدرك وقته، فالوقت في هذا إلى غروب الشمس، فإن بَقِيَ خمس ركعات بعد القضاء، أعاد الظهر والعصر، وإن بَقِيَ أربع، أعاد العصر, ولو صلاها ثم بَقِيَ قدر ركعة، لأعاد الظهر فقط. ولو ذكر بعد سلامه من صلاة القضاء، أنه صلاها بثوب نجس، لم يُعِدْ، كالذي زال وقته. ولو كانت صلاته الظهر والعصر اللتين أعاد، بثوب نجس فليعدهما، إن بَقِيَ خمس ركعات، وإن بَقِيَ أربع لم يُعِدْ إلاَّ العصر. وعلى مذهب ابن القاسم، إِنَّمَا يراعي صُفْرَة الشمس في الثوب النجس. ولو خرج لثلاث ركعات، مصليًا للعصر، ناسيًا للظهر، فذكر بعد الغروب، فلا يُصَلِّي إلاَّ الظهر فقط. وإن خرجت امرأة لركعة من النهار ولم تُصَلِّ العصر، فلما صَلَّت ركعة منها حاضت، فلتقضها؛ لأنها حاضت بعد الوقت. وأكثر هذا الباب مكرَّرٌ في بابين تقدَّما في مقادير الوقت لِلْمُسَافَرِ، ومن أسلم ومن احتلم في الجزء الأول. ومن خرج لركعتين، ناسيًا للظهر مصليًا للعصر، فلزمه ظهر سفريٌّ، فلما
صلى منه ركعة شك في العصر، فليُتِمَّ الظهر سفريًّا، ولا يُعِيدُه حضريًّا ويُصَلِّي العصر سفريًّا، ولو شك في العصر قبل أن يُحْرِمَ في الظهر، فليأت بظهر حضري، ويعيده سفريًّا، ثم بعصر سفريٍّ. ولو نابه هذا لدخوله، وقد دخل لأربع ركعات، فشكَّ في العصر بعد ان صَلَّى بعض الظهر فليتِمَّها، ثم يُعِيدُها رَكْعَتَيْنِ، ثم العصر أربعًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّمَا ينظر المسافرُ إلى الوقت دخوله وخروجه، ليس بعد وضوئه إن كان مُحْدِثًا، ولا بعد غُسْلِه إن كان جُنُبًا. ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن سافر ثم قَدِمَ، فذكر أنه ناسٍ للظهر، شاكٌّ في العصر، لا يدري أَمِنْ يوم خروجه أو قدومه، وخرج لركعتين، وكذلك إن قدم، فَلْيُصَلِّ ظهرًا سفريًّا، وظهرًا حضريًّا، وعصرًا كذلك؛ لأنه عن يوم واحدٍ يقضي، وينوي ما لزمه. ولو ذكر صلاة أو سجدة منها، لا يدري أظهرٌ أم عصرٌ، لا يدري من يوم دخل، أو من يوم خرج، وقد خرج لركعة فأكثر، ودخل لأربع فأكثر، أو لركعة، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا وعَصْرًا سفرًا ليوم خروجه، ويعيدهما حضرًا ليوم دخوله لمطالبته بصلاة وَاحِدَة. ولو ذكر الصلاتين من أحَدِ اليومين، فإن خرج لثلاث فأكثر، ودخل لخمس فأكثر، فَلْيُصَلِّ أربع صلوات، كما ذَكَرْنَا. وكذلك لو خرج لركعتين فأقلَّ، ودخل لأربع فأقلَّ، أما لو اتسع الوقت في أحد اليومين، وضاق في الآخَرِ، لصلى ثلاث
صلوات. يريد محمد: إن يخرجْ لركعتين، ويدخل لخمس، صَلَّى ظُهْرًا حضريًّا وعَصْرًا حضريًّا، وسفريًّا، وإن خرج لثلاث، ودخل لأربع، صَلَّى الظهر سفريًّا، والعصر سفريًّا وحضريًّا.
في إلزام الجمعة، ومن يلزمه السعي، وصفة القرى التى يجمع أهلها، وهل يجمع في المصر في موضعين؟
في إلزام الجمعة، ومن يلزمه السعي، وصفة القرى التي يُجَمِّعُ أهلها، وهل يُجَمِّعُ في المصر في موضعين؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: شهود الجمعة فَرِيضَة ن ومن تركها مرارًا لغير عذر لم تجز شهادته. قال مالك في المختصر: ومن كان على ثلاثة أميال، أو زاد يسيرًا لزمهم السعي. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: إِنَّمَا يجب أن ينزل لها من على ثلاثة أميال فأقلَّ. قال: نزل في الْعِيدَيْنِ قوم من ولد عمرَ من ذي الحليفة، وما ذلك على الناس، والجمعة في كل سبعة أَيَّام ولأن الْعِيدَيْنِ في الزمان. يريد ليس ذلك عليهم في الجمعة. قال عنه عليٌّ، في المجموعة: عزيمة الجمعة على كل من كان بموضع يسمع منه النداء، وذلك على ثلاثة أميال ن ومن كان أبعد فهو في سعة، إلاَّ أن يرغب في شهودها، فذلك حسن. قال عنه ابن القاسم: تجب الجمعة على أهل القرية التي اتصلت دُورُها وأسواقها، وبها جماعة من الناس. وربما لم يَذكر الأسواق، ويذكر اتصال البنيان. وقال في المختصر: إذا كانت بيوتها متصلة وطرقها في وسطها، وفيها سوق ومسجد يُجَمَّع فيه للصلاة فليُجَمِّعوا، كان لهم والٍ أو لم يكن لهم. قال عنه ابن القاسم, في المجموعة: وإن لم يكن عليهم والٍ، فليقدموا من يُجَمِّع بهم ويخطب. قال عنه عليٌّ: وبأمر الإمام أَحَبُّ إِلَيَّ. قال أشهب: عن عطَّلها الإمام، أو سافر عنها،
أو يضرُّ بهم، فنهاهم ان يُصَلّوها، فإن أمنوا منه إذا أقاموها فليقيموها، وإن كان على غير ذلك، فَصَلَّى رجل الجمعة بغير أمر الإمام، لم تجزهم ويُعِيدُوا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن كان من أهل القرى غير الحاضرة أو من القرية التي يُجَمَّعُ فيها على أقل من بريد، فلا يُجَمِّعوا حَتَّى يكونوا على بريد فأكثر. وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز. ومن الْعُتْبِيَّة: أشهب عن مالك: وليس على أهل العمود جمعة. وهي على أهل القرى وإن لم يكن عليهم والٍ. قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا يُصَلّوا الْعِيدَيْنِ إلاَّ بخطبة، والخصوص والمحالُّ إذا كانت مساكنهم كالقرية في اجتماعها ولهم عدد، فعليهم الجمعة والخطبة، وإن لم يكن لهم والٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في أهل أذَنَة ونحوها من المسالح، قال: إن كانوا في قرى جمَّعوا، إِنَّمَا هي على أهل القرية إن كان لهم عدد. وقال في قرية أو ثغر يرابط فيه قوم ستة أشهر: فإن كان فيها بيوت متصلة وسوق، فليجمَّع أهلها، وإلاَّ فلا. ومن كتاب ابن حبيب، قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، عن مالك: إن ثلاثين بيتًا وما قاربهم جماعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا كانوا أقلَّ من ثلاثين من قرية وَاحِدَة، فلا يجمِّعوا، وإذا كانت قرية ليست من قرى التجميع وحولها قرى صغار، فاجتمع من حولها إليها، فلا يجمِّعوا حَتَّى تكون القرية ضخمة، فيها نحو من الثلاثين بيتًا، وإلاَّ فلا.
ومن سماع ابن وهب، قيل: فحصون على الساحل؟ قال: إِنَّمَا هي على أهل القرية، إن كانوا أهل قرية جمَّعوا، وأما غير أهل قرية، فلا أدري. ومن كتاب آخر، قَالَ ابْنُ وهب، في قوم على الساحل مقيمين للرباط، وليس فيه حصن ولا قرية، وهم فيه جماعة. قال: إن كانوا بموضع إقامة، فلهم أن يجمَّعوا. وذكر عن سَحْنُون، أنه لم ير الجمعة على أهل حصن المنستير. وقال زيد بن بشر: إن كان الحصن على فرسخ من موضع الجمعة، فليأتوا الجمعة ويُخْلِفوا في الحصن من يحرسه، فأما إن كان على أكثر من فرسخ، فإن كان في الحصن خمسون رجلاً فأكثر فليكلِّموا الوالي ليأمر من يخطب بهم ويجمِّع. وذُكِر لابن سَحْنُون القرى التي أُحْدِثَتْ فيها المنابر، فأنكر ذلك، وقال: ومن جمَّع فيها فلا يُعِيد؛ لِلاخْتِلافِ في ذلك. ولو كان ذلك واجبًا لأقامها لهم سحنونٌ إذْ وُلِّيَ، كما أقام قلشانة، وسفاقُس، وسوسة. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، وعن الأمير يستخلف من يُصَلِّي بالقصبة الجمعة، ويجمِّع هو بطائفة في طرف المصر الجمعة؟ قال: فالجمعة لأهل القصبة. قال يحيى بن عمر: وقاله محمد بن عبد الحكم. أما الأمصار العظام؛ مثل مصر وبغداد، فلا بأس أن يُجمِّعوا في مسجدين للضرورة، وقد فُعِل ذلك والناس متوافرون، لم ينكروه.
في تخلف الإمام عن الجمعة، أو هروب الناس عنه
في تخلُّف الإمام عن الجمعة، أو هروب الناس عنه من كتاب ابن سَحْنُون، قال بعض أصحابنا: إذا تخلَّفَ الإمام عن الناس يوم الجمعة، ولم يجدوا من يجمِّع بهم، صَلُّوا الظهر أفذاذًا، إذا خافوا فوات الوقت، والوقت فيه ما لم تصفَرَّ الشمس. فأنكر هذا سَحْنُون، وقال: لا يُصَلّون حَتَّى لا يبقى من الوقت إلاَّ ما يصلون فيه بعض العصر بعد الغروب، وربما تبيَّنَ لي وبمقدار أن يُصَلّوا ويبقى أربع ركعات للعصر! يريد سَحْنُون: وهم على رجاء من إقامتها. فأما إن أيقنوا أنه لا يأتي، أو لا تقام، فلا يُؤَخِّرُوا الظهر. قال سَحْنُون: وإذا هرب الناس عن الإمام هربًا أيس منهم فيه، صَلَّى الظهر مكانه، ولو كان قد أحْرَمَ، أو عقد ركعة، بنى على إحرامه ظُهْرًا، ولو لم ييأس منهم، جعل ما أحْرَمَ فيه نافلة رَكْعَتَيْنِ، وسلَّم، وانتظرهم حَتَّى لا يبقى من النهار إلاَّ ما يُصَلَّى فيه الجمعة – يريد ك ويخطب – وتبقى ركعة للعصر. وقال سَحْنُون، في المجموعة: إن بَقِيَ معه من عدد الرجال دون النساء والعبيد والمسافرين ما يصلح أن يبدأ بمثل عددهم الجمعة تَمَادَى. وإلاَّ جعلها نافلة؛ كان قد صَلَّى ركعة أو رَكْعَتَيْنِ وهو فِي التَّشَهُّدِ، فإنها تبطل أن تكون جمعة، ويُسَلِّم بهم، وينظرهم إلى مقدار أن يُدرك الجمعة – يعني بعد الخطبة – ويبقى للعصر ركعة قبل الغروب. ومن كتاب آخر، رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا بَقِيَ معه بضعة عشر رجلاً، حين خرجوا عنه، وهو يخطب، إلى العير التي أقبلت، فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (الجمعة: 11).
ومن الرابع من الأمالي لابن سَحْنُون، قال أشهب: إذا تفرقوا عنه بعدما صَلَّى بهم ركعة من الجمعة، وبَقِيَ وحده، فإنه يُصَلِّي ثانية، وتصبح له جمعة. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: وهو القياس. قال: لقول النبي صَلَّى الله عليه وسلم: ((من أدرك من الصلاة ركعة، فقد أدركها)). قال سَحْنُون: لا تصح له جمعة، ولو أمرته أن يضيف إلى الركعة أخرى فتصح له الجمعة، ثم رجع الناس إليه مكانه، فأمرتهم بإعادة الجمعة، استحال إقامة الجمعة في المصر مرتين، وإن أمرتهم بترك الجمعة، كنت قد أمرتهم بإبطال الجمعة والوقت قائم والجماعة حضروا والإمام قائم. قال أشهب: وإن هرب عنه الرجال الأحرار، فلم يبق إلاَّ عبيد أو نساء،
في من يعذر بالتخلف عن الجمعة، ومن لا يعذر، وهل لمن حضر العيد في يومها أن يتخلف عنها
لا رجل معهن، فَلْيُصَلِّ بهم الجمعة رَكْعَتَيْنِ. قال سَحْنُون: لا يقوم الجمعة بالعبيد ولا بالنساء؛ لأنها ليست عليهم. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قال أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا لم تصل الجمعة حَتَّى اصفرت الشمس، إنها تُصَلِّي تلك الساعة جمعة. قال أَصْبَغُ: لا يُعْجِبُنِي أن تُصَلِّي جمعة إذا دنا الغروب. في مَنْ يعذر بالتخلف عن الجمعة، ومن لا يعذر، وهل لمن حَضَر العيد في يَوْمهَا أن يتخلف عنها من (العتبية)، رَوَى ابن القاسم، عن مالك، أنه أجاز أن يتخلف الرجل عن الجمعة لجنازة أخ من إخوانه؛ لينظر في أمره. قال عنه ابن حبيب: وإذا مات عنده ميت، فله التخلف عنها، والشغل بجنازته. قال مالك: وكذلك إن كان له مرض يخشى عليه الموت. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال بعض التابعين: ولو بلغه وهو في الجامع أن أباه وجع يخشى عليه الموت، فله أن يخرج إليه والإمام يخطب. وقد استصرخ ابن عمر على سعيد بن زيد، وقد تأهب للجمعة، فتركها، وخرج إليه إلى العقيق. ومن (الْعُتْبِيَّة)، ابن القاسم، عن مالك: ولا يتخلف العروس عن حضور
الجمعة ولا عن الصلوات الخمس في جماعة. قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وإِنَّمَا لها أن يقيم عندها دون نسائه. قال سَحْنُون: وقال بعض الناس: لا يخرج عنها، وذلك حق لها السنة. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك: ولا أحب التخلف عنها لدين عليه يخاف فيه من غريمه. قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه: إذا خاف من غرمائه الحبس فلا عذر له في التخلف لذلك، وإن كان عديما، وأما إن خاف على نفسه القتل إن خرج فَلْيُصَلِّ في بيته ظهرا. ومن (المجموعة)، قَالَ ابْنُ نافع: قيل لمالك: أيتخلف عنها في اليوم المطير؟ قال: ما سمعت قبل بالحديث: (ألا صلوا في الحال)؟ قال: ذلك في السفر. ومن (الواضحة)، قال مالك: وليس على المريض والشيخ الفاني جمعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس على الأعمى جمعة إلاَّ أن يكون له قائد فيلزمه، ولا جمعة على مسجون. قال: والجمعة على الجذماء مِمَّنْ يمشي منهم، وليس للسلطان منعهم من دخول المسجد في الجمعة خاصة، وليس لهم مخالطة الناس فيه في غيرها من الصلوات. وقاله مطرف.
في الرجل أيسافر يوم الجمعة قبل أن يصليها، والمسافر هل يأتيها؟ وكيف إن صلى الظهر ثم دخل العصر، هل يصليها؟
ومن (كتاب ابن سَحْنُون)، وعن أهل البلاء يكونون في المصر على ميل أو أقل أو أكثر؟ قال: لا جمعة عليهم وإن أكثروا، ولا أرى أن يصلوا الجمعة مع الناس في مصرهم، ولهم أن يجمعوا ظُهْرًا بإقامة بغير أذان في موضعهم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد جاء أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أرخص في التخلف عن الجمعة لمن يشهد صلاة الفطر أو الأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة؛ لما في رجوعهم من المشقة، على ما بهم من شغل العيد، وقد فعله عثمان في إذنه لأهل العوالي أن لا يرجعوا إليها. ورَوَى مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون نحوه عن مالك، وانفرد ابن القاسم بروايته عنه، أنه لم يأخذ بإذن عثمان لأهل العوالي. وقد قاله ابن شهاب، وزيد بن أسلم. وفعله عمر بن عبد العزيز. في الرجل أيسافر يوم الجمعة قبل أن يصليها، والمسافر هل يأتيها؟ وكيف إن صَلَّى الظهر ثم دخل المصر، هل يصليها؟ من (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في المسافر يمر بقرية مجتازًا.
قال: ليس عليه شهود الجمعة. قال عنه ابن نافع: وصلاته مع أصحابه أَحَبُّ إِلَيَّ، وإن شهدها فواسع. قال: وقال له رجل من أهل المدينة: إني أغدو من المدينة أحتطب على جملي، فلا أرجع حَتَّى اللَّيْل. فقال له: إن كنت حين الصلاة بمكان لا تجب على أهله الجمعة، فلا جمعة عليك. قال عنه ابن وهب: ومن أراد السفر يوم الجمعة، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يخرج حَتَّى يشهد الجمعة، فإن لم يفعل، فهو في سعة. قال عنه علي: لا بأس بذلك. قال عنه علي، وابن وهب: ما لم تربع الشمس، فإذا زاغت، فلا يخرج حَتَّى يشهدها. قال عنه ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة): لا يُعْجِبُنِي أن يسافر يوم الجمعة إلاَّ من عذر. قال موسى بن معاوية: قَالَ ابْنُ المسيب: السفر يوم الجمعة بعد الصلاة. قال مالك، في (المختصر): لا أحب أن يخرج حَتَّى يصليها، فأما إن زاغت الشمس، فواجب أن لا يخرج حَتَّى يصليها. ومن (كتاب ابن حبيب)، قال أَصْبَغُ: وإذا صَلَّى المسافر الظهر يوم الجمعة، ثم دخل أهله، فإن كان إن مضى إلى الجمعة أدرك ركعة، فعليه أن يصليها. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون؛ لأنه صار من أهلها، فانتقض ما كان صَلَّى. وقاله عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة. وذكر ابن الْمَوَّاز مثله عن مالك. قال: وكذلك المريض يفيق في وقت تدرك منها ركعة بغير تفريط، وإن لم يُفَرِّط، ولكن انتقض وضوءهما في صلاة الجمعة، فليخرجا ويعيدا الظهر. وقاله أشهب. ومن أحرم منها بعد رفع الإمام رأسه من الثانية، ولم يُفَرِّطْ صَلَّى على إحرامه رَكْعَتَيْنِ نافلة، ولم يُعِدْ. ومن كتاب ابن سَحْنُون، وإذا صَلَّى مسافر الظهر عن وطنه لستة أميال فليس عليه إذا قدم أن يأتي الجمعة، إلاَّ أن يصليها على ثلاثة أميال عن وطنه، فعليه أن يصليها مع الناس. وقاله سَحْنُون. ورَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في
في من فاتته الجمعة، هل يصلي في جماعة؟
الْعُتْبِيَّة، أن عليه أن يأتي الجمعة إذا أدركها، وإن كان قد صَلَّى قبل دخوله. ولم يذكر عيسى متى صَلَّى. وكذلك ذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون , وهذا في باب آخر. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فلو أحدث الإمام فقدمه فَصَلَّى بهم لأجزأهم. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا صَلَّى مسافر الظهر في جماعة، ثم قدم فصلاها جمعة، فالأولى فرضه، وكان يَنْبَغِي أن لا يأتي الجمعة، وكذلك في غير الجمعة، لا يَنْبَغِي إذا دخل الحضر أن يعيدها في جماعة إذا صلاها في جماعة، ولو صلاها فردًا كان له أن يعيدها جمعة أو ظُهْرًا في جماعة، ثم الله أعلم بصلاته. ولو أدرك من الجمعة ركعة، أضاف إليها أخرى، وإن رغب أتمها، وإن أحدث تَوَضَّأَ وأتمها أربعًا. في مَنْ فاتته الجمعة، هل يُصَلِّي في جمعة؟ ومن المجموعة، قال أشهب، وابن نافع في القوم تفوتهم الجمعة: فلا بأس أن يُصَلّوا جماعة ظهرًا. ولم يرَ ذلك مالك، في رِوَايَة ابن القاسم. قيل لسحنون في مَنْ فاتتهم الصلاة بعرفة: أيصلون جماعة؟ قال: ما علمتُ، ولو فعلوا لأجزأتهم. وقاله سَحْنُون في كتاب ابنه. قال: وكذلك يُجَمِّعون بمزدلفة إذا فاتهم الإمام. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كنتُ مع ابن وهب في بيت بالإسكندرية، فلم يأت الجمعة لأمر خفناه، ومعنا قوم،
في من صلى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة، أو صلاها من لا تجب عليه ثم صلى الجمعة، وفي الإمام يصلي بالناس ظهرا في وقت الجمعة، ومن لم يدر أجمع إمامه أم صلى ظهرا
فكرهتُ أن أُجَمِّعَ بهم، وجمَّع بهم ابن وهب، فسألنا مالكًا، فقال: لا يُجمِّع إلاَّ المرضى والمسافرون والمسجونون. قال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في مَنْ يُخَلِّفهم المطر عن الجمعة: فليُجَمِّعوا ظُهْرًا، إن كان أمرٌ غالب يُعْذَرون به كالمرضى، وإن كان مطرٌ ليس بمانع فجَمَّعوا فليعيدوا. وفي المجموعة عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لا يعيدون. ومن الواضحة، ومن فاتته الجمعة، أو تخلَّف عنها مِمَّنْ تلزمه فلا يُصَلِّي الظهر في جماعة إلاَّ المرضى والمسافرون والمسجونون، ومن تخلَّف عنها لعذر، مثل أن يخاف أن يُؤخذ عليه البيعة ونحوه، فلهم أن يُجَمِّعوا بخلاف من لا عذر له ومن غفل أو سها. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه لا يجوز للمرضى والمسجونين الجمع في جماعة إذا فاتتهم الجمعة. والمعروف عنه غير هذا. قال أَصْبَغُ: فإن جَمَّع المتخلفون بغير عذر فقد أساءوا، ولا يعيدون. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ، في قرية يُجَمِّع أهلها، وحولها منازل على الميلين، والثلاثة فاتتهم الجمعة، كيف يُصَلّون؟ قال: يصلون أفذاذًا، ولا يُجَمِّعون الظهر، فإن جمَّعوا الظهر أساءوا، ولا يعيدون، وكذلك لو فعل ذلك من فاتته الجمعة من أهل الفسطاط. في مَنْ صَلَّى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة، أو صلاها من لا يجب عليه، ثم صَلَّى الجمعة، وفي الإمام يُصَلِّي بِالنَّاسِ ظُهْرًا في وقت الجمعة، ومن لم يدر أجمَّع إمامه أم صَلَّى ظُهْرًا من المجموعة، قال المغيرة، وابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: ومن
صَلَّى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة، فليعدها وإن فاتته الجمعة. قال أشهب وعبد الملك: صلاها سهوًا، أو مُجْمِعًا على تركها، إذا كان في وقت لو مضى أدرك ركعة منها، من غير تفريط ولا تقصير في شيء، فإن كان لا يدرك ركعة فلا يعيدها. قال أشهب: صلاها والإمام فيها، أو قبل أن أحرم. قال المغيرة: فإن صلاها يظنُّ أن لا يدركها، ثم أدركها فصلاها، ثم ذكر أن التي صَلَّى مع الإمام على غير وضوء، فلا تُجْزِئُهُ الأولى. قال أشهب: ولو دخل مع الإمام فيها، فأحدث فتوضأ وقد فرغ الإمام، فَلْيُعِدِ الصلاة ظُهْرًا من أولها، ولو كان رعف بعد عقد ركعة مع الإمام بنى عليها، ما لم يتكلم فيبتدئ ظُهْرًا. ومن كتاب ابن سَحْنُون، قَالَ ابْنُ نافع: وإذا صَلَّى في بيته قبل الإمام، ولا يريد الرواح فلا يُعِيد، وكيف يعيدها أربعًا، وكذلك صَلَّى! وقال سَحْنُون: يُعِيد. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب، في مَنْ صَلَّى في بيته ظُهْرًا والإمام يخطب يوم الجمعة: فليمض فليصلها معه، فإن جاء وقد فرغ الإمام، أجزأته التي صَلَّى في بيته، إلاَّ أن يكون صلاها قبل الزوال، وإن أحدث مع الإمام تَوَضَّأَ وأعادها ظُهْرًا. ومن المجموعة، قال أشهب: ولو صَلَّى عبد أو امرأة الظهر، ثم صَلَّى الجمعة، فذلك حسن، والله أعلم أيتهما صلاتهما، ولو صلياها في جماعة، لم أحب أن يشهدا الجمعة. ولو أتت الْمَرْأَة الجمعة، وقد صلَّت الظهر، فوجدت الإمام قد سلم، فلا تعيد. قال أشهب في إمام ترك الجمعة، وصَلَّى بِالنَّاسِ ظُهْرًا في وقت الجمعة: فلا تُجْزِئُهُ، وليُعِدْها ظُهْرًا، ولو كان إِنَّمَا صلاها بعد فوات الجمعة، فصلاته تُجْزِئُهُ، وقد أساء في تركه الجمعة. ولو صَلَّى عبد أو مكاتب ظُهْرًا ثم أعتق، ثم أدرك من الجمعة ركعة ونواها فليتمَّ وتُجْزِئُهُ، وهي فرضه، وإن لم يدركها، فلا يُعِيد الظهر.
في الغسل للجمعة، والتهجير إليها، والتطيب والزينة لها
قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة في مَنْ أدرك ركعة يوم الجمعة، ثم لم يدر أخطب بهم الإمام أم لا، وقد انفضَّ الناس لما سلَّمَ، ولم يجدْ من يخبره، فَلْيُصَلِّ ركعة أخرى، ويسلِّمْ، فإن كانت جمعة أجزأته، فإن لم يجد من يخبره بعد سلامه أنها جمعة، فَلْيُعِدْها ظُهْرًا احْتِيَاطًا. قال أبو محمد: انظر أراه أنها أدركه راكعًا ولم يسمع له قِرَاءَة. في الغُسْل للجمعة، والتهجير إليها، والتطيُّب والزينة لها من الواضحة، قال: والغُسْل للجمعة سُنَّة مُرَغَّبٌ فيها، لا يأثم تاركه. ومن راح مغتسلاً ثم أحدث، فالوضوء يُجْزِئه. ومعنى ما رُوِيَ في ذلك: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ». فقولها: «غَسَّلَ» يعني ألمِّ بأهله وألزمهم الغُسْلَ. وهو أفضل مِمَّنْ لزمه الغُسْل للجمعة فقط. وفي كتاب الوضوء ذِكْر من تَطَهَّر للجمعة أو للجنابة لا ينوي إلاَّ أحدهما، قال: ومن شهدها من مسافر أو عبد أو امرأة مرغبة فيها فليغتسل. وإن شهدها المسافر بغير الفضل، لكن للصلاة أو لغير ذلك، فلا غُسْل عليه. وأما الْمَرْأَة والعبد فلا يأتيانها في الحواضر إلاَّ للفضل. وفي المختصر عن مالك نحو ما ذكر ابن حبيب من هذا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُسْتَحبُّ الطيب والزينة وحسن الهيئة يوم الجمعة ويستحب أن يُعِدَّ لها ثوبين. ورُوِيَ ذلك ي اللباس والطيب عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يتفقد فيها قبل رواحه فطرة جسده؛ من قصِّ شاربه وأظفاره ونتف الإبط والسواك، وإن احتاج إلى الاستحداد فعل. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك في مَنْ يأتي الجمعة عن ثمانية أميال: فليغتسل. قال: رُبَّ دابَّة سريعة السير، وأخرى المشي خير من ركوبها، فإعادة الغُسْل لمثل هذا أَحَبُّ إِلَيَّ، ومع هو بالبيِّنِ، ونرجو فيه سعة، قيل: ومِمَّنْ على خَمْسَةَ عَشَرَ ميلاً، فيغتسل قبل الْفَجْر؟ قال: لا يُجْزِئه، ومن اغْتَسَلَ للعيد ينوي به الجمعة، فلا يُجْزِئه. قال عنه ابن القاسم: وإن بَعُدَ أو نام، أعاد الغُسْل. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وذلك إذا أراد النوم، فأما من يُغلبُ عليه كنوم المحتبي فلا. قال عبد الملك بن الحسن في الْعُتْبِيَّة، عَنِ ابْنِ وهب: ومن اغْتَسَلَ بعد الْفَجْر للجمعة أجزأه أن يروح بذلك، وأفضل له أن يكون غسله متصلاً برواحه. ومن سماع ابن القاسم: ولا يُعْجِبُنِي أن يغتسل للجمعة صلاة الصُّبْح، ويقيم بعد صلاة الصُّبْح في المسجد للجمعة. وذكره الرواح تلك الساعة. قال عنه ابن القاسم، في المجموعة. ومثله في المختصر. ومن نسي الغُسْل حَتَّى أتى المسجد، فإن علم أنه يغتسل ويدرك الجمعة،
فليدرك لذلك، وإلاَّ صَلَّى ولا شيء عليه. قال عنه ابن نافع: وإذا اغْتَسَلَ، ثم مر بالسوق، فاشترى بعض حاجته، فلا بأس به إن كان خفيفًا. ومن الْعُتْبِيَّة، ومن سماع أشهب، والتهجير للجمعة ليس هو الغدوّ ولكن بقدر، ولم يكن الصحابة يغدون هكذا، وأكره أن يُفعل، وأخاف على فاعله أن يدخله شيء ويصير يُعرف بذلك، ولا بأس أن يروح قبل الزوال، ويُهَجِّرَ بالرواح. قيل: فمن يُحِبُّ بقلبه أن يُرَى في طريق المسجد؟ قال: هذا مما يقع في النفس، ولا يُمْلك. قال مالك، في المختصر: والمشي إلى الجمعة أفضل، إلاَّ أن يُتْعِبه ذلك، من ماء أو طين أو بُعد مكان. ومن كتاب آخر، قال مالك في معنى الحديث في الرواح: «ومن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة». ثم ذكر إلى الخامسة: «فكأنما قرب بيضة». قال: والذي يقع في نفسي أنه أراد ساعة وَاحِدَة، ففيها هذا التفسير؛ لأنه لم يكن يُراح في أَوَّل ساعة النهار. ورَوَى ابن حبيب، أنه قيل لعبد الله ابن عمر: ومتى أروح؟ فقال: إذا صَلَّيْتَ الْغَدَاة، فَرُحْ إن شئتَ. ومما رُوِيَ: «إن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شَيْئًا إلاَّ أعطاه». فقال عبد الله
في وقت الجمعة والنداء إليها
ابن سلام: هي آخر ساعة منها. ورُوِيَ عن علي بن أبي طالب، قال: إذا زالت الشمس. ورُوِيَ نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. في وقت الجمعة والنداء إليها قال ابن حبيب: السُّنَّة في وقت الجمعة في الشتاء والصيف أول الوقت، حين تزول الشمس أو بعده بقليل. قاله مالك. قال ابن حبيب: ويستحب فيها تعجيل العصر؛ للرفق بمن أقام ينتظرها. وروى مالك أن عثمان صَلَّى الجمعة
بالمدينة، وصَلَّى العصر بملل. قال: وبينها ثمانية عشر ميلاً؛ لسرعة الجمعة أول الوقت. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: ولا يُؤَذَّنُ للجمعة حتى تزول الشمس. وقال: قا ل ابن شهاب، عن السائب بن يزيد: إن أول من زاد الأذان الذي يُؤَذَّنُ به قبل خروج الإمام عثمانُ بن عفان، ولم يكن يؤذَّن لعهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج ويجلس على المنبر، فيُؤَذِّن مؤذِّنٌ واحد على المنار. قال ابن حبيب: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس، ثم أذَّنَ المؤذِّنون، وكانوا ثلاثة، يؤذِّنون على المنار، واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وكذلك في عهد أبي بكر وعمر، ثم أمر عثمان لما كثر الناس أن يؤذن بالزوراء عند الزوال، وهو موضع السوق؛ ليرتفع منه الناس، فإذا خرج وجلس على المنبر أذَّن المؤذنون على المنار، ثم إن هشام بن عبد الملك في إمارته نقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المسجد، فجعله مُؤَذِّنًا واحدًا يؤذن عند الزوال على المنار، فإذا خرج هشام وجلس على المنبر، أذن المؤذنون كلهم بين يديه، فإذا فرغوا خطب. قال ابن حبيب: والذي مضى من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يُتَّبَعَ. ومن المجموعة، قال مالك: وهشام الذي أحدث الأذان بين يديه، وإنما الأذان على المنار واحد بعد واحد إذا جلس الإمام على المنبر، فإذا فرغوا قام يخطب، وهو النداء الذي يَحْرُم به البيع، ولا أُحِبُّ أيضًا ما أحدثوا من الأذان على الشرفات حذاء الإمام، ولا من الإقامة كذلك، وليقيموا بالأرض، وبعضهم على المنار لإسماع الناس.
في البيع وغيره بعد النداء يوم الجمعة
قال عنه عليٌّ، فيما روي أنهم ينصرفون يوم الجمعة، وما للجدر ظلٌّ – يريد ظلّ ممدود – وقد زاغت الشمس. قال عنه ابن نافع: ومن صلاها قبل الزوال، أعاد الخطبة والصلاة. في البيع وغيره بعد النداء يوم الجمعة من الْعُتْبِيَّة روى ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: النداء الذي يحرم به التبايع يوم الجمعة النداء والإمام على المنبر. وأنكر مَنْع الناس البيعَ قبل ذلك. ويُكْرَهُ أن يَتْرُكَ العمل يوم الجمعة، وكان بعض الصحابة يكرهه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن ترك من النساء العمل يوم الجمعة استراحة، فلا بأس به، ومن تركه منهن استنانًا فلا خير فيه. قال ابن حبيب: وينبغي أن يُوَكّل وقت النداء من ينهى الناس عن البيع والشراء حينئذ، وأن يُقيمهم من الأسواق حينئذ؛ من تلزمه الجمعة، ومن لا تلزمه؛ للذريعة، ويَرُدَّ البيع إذا وقع حينئذ، فإن فاتت السلعة ففيها القيمة وقت قبضها. قاله ابن القاسم. وقال أشهب: بل قيمتها بعد صلاة الجمعة. ومن المجموعة، قال ابن القاسم: يُفْسَخ البيع. قال المغيرة: إلا أن تفوت بتغيُّر أو اختلاف سوق، فيمضي ولا يُرَدُّ. وقال سحنون: يمضي بالثمن. قال ابن عبدوس: لأن فساده في عقده لا في ثمنه، كالنكاح يفسد بعقده. وروى ابن
في الخطبة يوم الجمعة، والعمل فيها، والتنفل قبلها، والتخطي
وهب وعليٌّ عن مالك، في من باع بعد النداء يوم الجمعة، قال: بئس ما صنع وليستغفر الله. قال عنه عليٌّ: ولا أرى الربح فيه عليه بحرام. ومن العتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم: فإن باعها المبتاع بربح، فلا يأكل الربح، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يتصدَّق به. وقاله أصبغ. قال عيسى، عن ابن القاسم: وما عُقِدَ حينئذ من نكاح فلا يُفْسَخُ. دخل الوقت أو لم يدخل، ولا ما عُقد من هبة أو صدقة، وإنما يُفْسَخ البيع. وقال أصبغ: يفسخ النكاح. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وكره مالك للنساء والعبيد والصبيان البيع حينئذ فيما بينهم. قال المغيرة: لا أجيز لهم ذلك في سوق المسلمين، ولهم ذلك في غير الأسواق سائغ. وهذا في العبيد، وأما المرأة فإن ألزمتْ نفسها الجمعة، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن تُلزم نفسها ما يَلزم الرجل من ذلك. في الخطبة يوم الجمعة، والعمل فيها، والتَّنَفُّل قبلها، والتَّخَطِّي قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (الجمعة: 11) فقيل: إنه كان عليه الصلاة والسلام في الخطبة، وإن هذا يدُلُّ أنها فريضة يقوم
بها الإمام للناس. وقال محمد بن الجهم: هي سُنَّة واجبة. قال ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقى المنبر، ولا يَتَنَفَّلُ. قال سحنون في العتبية: وكذلك ينبغي للإمام أن يفعل، ولا يركع قبل أن يرقى المنبر. من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، عن مالك: ولا جمعة إلا بخطبة. وكذلك في من لا أمير لهم، فليخطب من يُجَمِّعُ بهم. قال أشهب، عن مالك: ولينصرف الإمام إذا سلَّم، ولا يتنفَّلْ في المسجد يوم الجمعة. وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، وأما الناس فلا بأس بذلك لهم. قال مالك، ف المختصر: والتَّنَفُّل يوم الجمعة جائز للناس حتى يجلس الإمام على المنبر، فإذا جلس فلا صلاة، ولا بأس بالكلام، فإذا تكلَّم فلا كلام. وينبغي أن يستقبل، وينحرف إليه، ويُنصِت له، وذلك على من سمعه ومن لا يسمعه. وكذلك ذكر ابن حبيب. وقال: في من في المسجد أو خارج عنه. قاله مالك. ورواه عن عثمان. قال: ويتحدَّث الناس ويتحلَّقون والإمام جالس للأذان، فإذا أخذ في الخطبة، وجب استقباله والإنصات. كما ذكرنا. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: وإذا خرج الإمام وقد أحرم رجل بنافلة فليُتِمَّها ركعتين، ومن لم يُحرم حتى جلس الإمام فلا يُحرم. قال سحنون: ومن دخل وقد جلس الإمام والمؤذنون في الأذان، فلا يُحرم، فإن أحرم جهلاً أو سهوًا، فلا يقطع، وإن قام الإمام للخطبة. وقاله ابن وهب، عن مالك. ومن المجموعة ابن نافع، عن مالك: ولو دخل الإمام وقد بقي على رجل آيات في آخر الركعة فواسع أن يُتِمَّها أو يركع. قال عنه ابن القاسم، في
الْعُتْبِيَّة: وإن دخل رجل في تشهد النافلة فلْيُسَلِّمْ، ولا يَتَرَبَّصْ يدعو؛ لقيام الإمام. وقال ابن حبيب: لا بأس أن يُطيل في دعائه ما أحبَّ. ومن المجموعة ابن القاسم، عن مالك: وإنما يُنْهى عن التَّخَطِّي إذا خرج الإمام وجلس على المنبر، فأما قبل ذلك فلا بأس إذا كان بين يديه فُرَجٌ. وكره رفع الناس أيديهم وقيامهم عند أذان الجمعة. ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك، أنه أنكر سلام الإمام على الناس إذا رقى المنبر، أو إذا قام ليخطب. وقال ابن حبيب: إذا جلس للخطبة، فليُسلِّمْ على الناس، ويُسْمِعْ من يليه، ويَرُدُّ عليه من سمعه. وهذا إذا كان ممن يرقى المنبر أو يخطب إلى جانبه، ولو كان مع الناس يركع أو لا يركع، فلا يُسَلِّمْ إذا جلس للخطبة. قال: ومن السُّنَّة أن يخطب قائمًا، ويجلس شيئًا في أولها ووسطها. وكان معاوية لما أسنَّ جلس في الخطبة الأولى كلها واستأذن الناس في ذلك، وقام في الثانية. ولا ينبغي ذلك، وليَقُمْ فيهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: وليتوكَّأْ على عصًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك ينبغي على عصاة أو قوس غير عود المنبر، خطب عليه، أو إلى جانبه. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، قال مالك: ومن لا يرقى المنبر عندنا فجُلُّهم يقوم عن يسار المنبر، ومنهم من يقوم عن يمينه. وكان عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وغيره يقومون عن يمينه، وكلٌّ واسعٌ، وما أدركتُ من يعيبُ إمساك العصا في الخطبة، ويقال: فيها شغل عن مسِّ اللحية والعبث باليد. قال عنه ابن وهب في المجموعة: والقوس مثل العصا في ذلك. قال عنه عليٌّ: لا يتوكَّأ على قوس إلا في السفر. قال في المختصر: ويبدأ في الخطبة بالحمد لله، ويختم بأن يقول: وأستغفر الله لي ولكم. وإن قال: اذكروا الله يذكركم. فحسن. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليقصر الخطبتين، والثانية أقصرهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه إذا دعا أو وعظ، وكان لا يَدَعُ أن يقول في خطبته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70، 71)، وينبغي أن يقرأ في الخطبة الأولى بسورة تامة من قصار المفصَّل. وكان عمر بن عبد العزيز يقرأ تارة
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} وتارة: {وَالْعَصْرِ}. قال أشهب في المجموعة نحوه. وقال: فإن لم يفعل أساء ولا شيء عليه. قال مالك: ولا يقرأ بسورة فيها سجدة. قال عليٌّ، عن مالك: فإن فعل فلا ينزلْ لسجدة، والعمل على فِعْل عمر الآخِرِ. قال أشهب عن مالك، في الْعُتْبِيَّة: ولا بأس أن يأمر في خطبته بالأمر الخفيف وينهى عنه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُلَقَّنُ فيما تعايى فيه من الخطبة، وأما فيما يقرأ فيهما من القرآن فلا بأس أن يُلَقَّنَ فيه. قال: وليترك تلجلجه وانحصاره في الخطبة، وليخرج عنه إلى ما تيسَّرَ عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى، وعلى نبيه عليه الصلاة والسلام، وتُجزيهم. ولو ترك الخطبة الثانية؛ لانحصار أو نسيان أو حدث، وصلى غيره أجزأهم. وكذلك لو لم يُتِمَّ الأولى، وتكلَّمّ بما خفَّ من الثناء على الله تعالى، والصلاة على نبيه، ووعظ أو قال خيرًا، وإن خفَّ، فهو يُجزئ. وإن حُصِر عن الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه حتى نزل، فهي خطبة، وتجزئ إذا كان قد قام بها وتلجلج بها، أصابه ذلك في الأولى أم في الثانية. وقال: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن لم يخطب من الثانية ما له بالٌ، لم تجزهم، وأعاد. ولم أجدْ ما جاء معه. واجتمع ابن الماجشون ومطرف وأصبغ على ما تقدَّم. وقد رواه مطرف عن مالك. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المدونة: إن خطب بما له بالٌ أجزأهم. ولم يذكر الأولى ولا الثانية. وقال مالك، في المختصر: إذا سبَّح وهلَّل ولم يخطب، فَلْيُعِدْ ما لم يُصَلِّ، فإذا صَلَّى فلا إعادة عليه.
في الإنصات للخطبة، وما للناس فعله حينئذ والإمام
في الإنصات للخطبة، وما للناس فعله حينئذ والإمام ومن كتاب ابن حبيب، ونحوه في المختصر: ويجب على الناس الإنصات للإمام، والتحول إليه إذا أخذ في الخطبة، على من سمعه وعلى من لم يسمعه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يتحدث الناس ويتحلقون والإمام جالس على المنبر للأذان، فإذا أخذ في الخطبة أنصتوا وأصغوا واستقبلوه، ويجب على من لا يسمعه ولا يراه ممن في المسجد، وممن في خارجه ورحابه، من الإنصات، والتحول إليه، ما يجب على من يسمعه. قال في المختصر: ولا يقرأ ولا يُسَبِّح، ولا يقول لمن لغى: أنصت. ولا يُشَمِّتُ عاطسًا. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: هو أشدُّ من قوله للاغي: أنصت. وله أن يحتبي والإمام يخطب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ومطرف: ويلتفت يمينًا وشمالاً، ويمُدُّ رجليه. ومن المجموعة عليٌّ عن مالك مثله، له أن يلتفت، ولو حوَّل ظهره إلى القبلة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن عطس فليحمد الله، ولا يجهر كثيرًا، ولا يُشَمِّتْ عاطسًا سرًّا ولا جهرًا، ولينصتوا في الجلسة بين الخطبتين. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: وإن عطس حمد الله في نفسه. وإن سمع من تكلم فلا يحصبه، ولا يشرب الماء والإمام يخطب، ولا يقوم حينئذ أحد بالماء. ومن المجموعة، ابن نافع، عن مالك: وإذا ذكر الإمام الجنة والنار، فليستجيروا في أنفسهم، وكذلك في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسلام عليه.
قال أشهب: والإنصات أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن فعلوا فسِرًّا في أنفسهم. ولا يقرأ الرجل والإمام يخطب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يدعو الإمام في خطبته المرة بعد المرة، ويُؤَمِّن الناس، ويجهر بذلك جهرًا ليس بالعالي، ولا يكثروا منه. وإذا خرج الإمام في خطبته إلى لغو أو إلى ما لا يعني؛ من لعن أحد، فليس على الناس الإنصات إليه، والإقبال عليه، ولهم التحول عنه والحديث. وقد فعله ابن المسيب. وقال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: وإذا شتم الإمام الناس ولغى، فعلى الناس الإنصات ولا يتكلمون. قال أشهب: ولا يقطع ذلك خطبته. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب عن مالك: ولا بأس أن يأمر في خطبته بالأمر الخفيف، أو ينهى عنه، وليس على الناس الإنصات له إذا خطب في أمر ليس من الخطبة ولا الصلاة، من أمر كتاب يقرأه، ونحو ذلك. وإذا أمر في خطبته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فليفعل ذلك الرجل في نفسه وكذلك تأمينهم على دعائه. وقال عنه عليٌّ مثله، في المجموعة: إذا قرا الإمام: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (الأحزاب: 56). فليصلوا عليه في أنفسهم. قال عنه: ولا يُؤَخِّرُ المؤذِّنُون الإقامة حتى ينزل الإمام، وقيام الناس حين ينزل الإمام حسن. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس رفع الأيدي بالدعاء عند فراغ الخطبة من السُّنَّة، إلا أن يحدث أمر؛ من عدُوٍّ يغشى، أو قحط يُخشى، أو أمر ينوب، فلا بأس أن يأمرهم الإمام فيه بالدعاء أو رفع الأيدي، ولا بأس أن يُؤَمِّنُوا على دعاء الإمام , ولا يعلنوا به جدًّا، ولا يكثروا منه.
في من خطب على غير وضوء، أو أحدث، أو خطب قبل الزوال، أو خطب ثم أخر الصلاة، أو عرض له أمر ثم ضعف، وهل يحتبي في الخطبة، وغير ذلك من مسائل الخطبة
في من خطب على غير وضوء، أو أحدث، أو خطب قبل الزوال، أو خطب ثم أخَّرَ الصلاة، أو عرض له أمر ثم ضعُف، وهل يحتبي في الخطبة، وغير ذلك من مسائل الخطبة قال مالك، في المختصر: ومن خطب غير متوضئ، ثم ذكر فتوضأ، أجزأه، وبئس ما صنع. قَالَ ابْنُ المواز: يعيد الخطبة. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا خطب جُنُبًا، أعادوا الصلاة أَبَدًا. يريد: وهو ذاكر. قال: وإن ذكر في الخطبة أنه جُنُبٌ نزل، وانتظروه إن قرب وبنى. قال: وقال بعض أصحابنا: فإن لم يفعل وتمادى في خطبته، واستخلف للصلاة، أجزأهم. وقال المغيرة: إن ذكر في الخطبة أنه غير متوضئ فليأمرهم أن يمكثوا ويتوضأ، فإن كان اغتسل لرواحه وإلا اغتسل، ثم بدأ الخطبة. وكذلك إن انتقض وضوءه، فإن ذكر صلاة نسيها، صلاها، وبنى على خطبته. ومن المجموعة قال أشهب: وإذا خطب في وقت الظهر، وصَلَّى وقت العصر في الغيم، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يعيدوا، إلا أن يكون ما بين الخطبة والصلاة قريبًا، فيجزئهم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مطرف، عن مالك: ولو صَلَّى بهم ركعتين بغير خطبة؛ لغيبة إمامهم، أو خطب بهم الإمام قبل الزوال، وصَلَّى بعده، فلا يجزئهم، ويعيدوا الجمعة بخطبة، ما لم تغرب الشمس، وإن لم يصلُّوا العصر إلا بعد الغروب. وقَالَ ابْنُ الماجشون: يعيدوا ما بينهم وبين وقت العصر، فإن لم يعيدوها حتى صَلَّوُا العصر، أعادوها ظهرًا أربعًا. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وقال
في الإمام في الجمعة، والقراءة فيها، والقنوت، وإمامة العبد فيها والمسافر والإمام الجائر، وهل تصلى في الأفنية
ابن القاسم وأشهب كقول مطرف عن مالك. وبه أقول. وقَالَ ابْنُ سحنون، عن أبيه: يعيدون الجمعة في الوقت، ويعيدون أفذاذًا أبدًا ظهرًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: وإذا عرض للإمام في الخطبة ما يخرجه، وكان وضوءه قريبًا، فلينتظروه، وإن بعد، فليستخلف من يتمها أو يبتدئها، فإن رجع قبل فراغها، فالمستخلف أولى بتمام الخطبة وبالصلاة، وإن لم يستخلف قدَّموا رجلاً، وإن لم يحفظ الثاني خطبة الأول، فليخطب بما يعرف ويتيسَّر. ولا بأس أن يحتبي الإمام على المنبر إذا جلس للخطبة. في الإمام في الجمعة، والقراءة فيها، والقنوت، وإمامة العبد فيها والمسافر والإمام الجائر، وهل تُصلَّى في الأفنية من المجموعة ابن نافع، عن مالك قيل: أقراءة سورة الجمعة في صلاة الجمعة سُنَّة؟ قال: ما أدري ما سُنَّة، ولكن من أدركنا كان يقرأ بها في الأولى، وفي الثانية بـ {سبح اسم ربك الأعلى}. وفي رواية أشهب بـ {هل أتاك حديث الغاشية}. وذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وهم يقرأون اليوم بالتي تلي سورة الجمعة. وقال عنه عليٌّ: والأمر عندنا أن لا يقنت فيها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالجمعة، و {هل أتاك حديث الغاشية}. وقرأ بعض الأئمة بـ {سبح}.
ولا يجوز أن يؤمَّ فيها عبد ولا مسافر ولا من لم يبلغ الحُلُم، فإن فعل لم تجزهم، ويعيدوا جمعة، فإن غربت الشمس أعادوا ظُهْرًا، ويعيد العبد أَبَدًا؛ لأنه إذا لم يكن مأمومًا فإنما فرضه أربع، ويعيد المسافر أَبَدًا؛ لأنه جهر فيها، ولم يدخل مع غيره فيصير من أهلها. ولو قدَّمه الإمام بعد أن أحرم خلفه أجزأهم؛ لأنه صار بالإحرام خلفه من أهلها، وإنما تفسد عليهم لو ابتدأها مستخلفًا. وأما العبد فلا تجزئهم؛ ابتدأها مستخلفًا، أو بعد أن أحرم. هذا قول مطرف وابن الماجشون. وقال أشهب: تجزئهم في المسافر وإن ابتدأها بهم. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا تجزئهم وإن استُخلف بعد ركعة. والأول أَحَبُّ إِلَيَّ. وذكر ابن المواز، عن أشهب، مثل ما ذكر عنه ابن حبيب: يجزئهم وإن ابتدأها؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها. وقال أشهب وسحنون: وإذا أحدث في الخطبة، فقدَّم مسافرًا فصلى بهم، أن ذلك يجزئهم. ومن الْعُتْبِيَّة روى عيسى عن ابْن الْقَاسِمِ، أنه إن صلاها بهم عبد فليعيدوا في الوقت جمعة بخطبة، وبعد الوقت ظُهْرًا، والوقت في ذلك أن يدركوا الجمعة. يريد: بخطبة وركعة من العصر قبل الغروب. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في مسافر حضر الجمعة فأحدث الإمام فقدَّمَه، فلا يُصَلِّي بهم، فإن فعل أعادوا الخطبة والصلاة في الوقت، فإن زال الوقت، أعادوا ظُهْرًا. وقال سحنون: تجزئهم؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها. قال عيسى عن ابْن الْقَاسِمِ في المسافر يُصَلِّي الظهر في سفره يوم الجمعة، ثم قَدِم، فدخل مع الإمام فاستخلفه لحدث فَصَلَّى بهم، فإنها تجزئهم؛ لأنه إذا قَدِمَ قبل يُصَلِّي الإمام فعليه أن يأتيها، فإن لم يفعل حتى فاتت، أعادها ظُهْرًا حتى تكون
في الاستخلاف في صلاة الجمعة، أو في الخطبة، وهل يصلي من لم يشهد الخطبة، وكيف إن ذكر صلاة نسيها، وفي الإمام يعزل ويأتي غيره بعد الخطبة
صلاته بعد الإمام. قَالَ ابْنُ المواز: وقال أصبغ: ثم لو بطلت الجمعة التي صَلَّى لوضوء أو غيره، فعليه أن يعيد الظهر. قال أبو زيد، عن ابْن الْقَاسِمِ، إذا سافر الإمام فجمَّع بقرية لا جمعة عليهم: إنها تجزئه دونهم. قال في كتاب ابن المواز: ومن معه دونهم. يريد: دون أهل الموضع وتجزئ من معه من المسافرين. قال في رواية أبي زيد: ويبني الحضريون عليه ركعتين، ثم يكون ظهرًا. وقاله مالك في المختصر. ومن المجموعة روى ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك، أنها لا تجزئه ولا تجزئهم. وروى عنه ابن نافع أنها تجزئه دونهم. وقال عنه ابن نافع، في كتاب ابن المواز: أن ائتمُّوا بعد سلامه أجزأهم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وتُصَلَّى الجمعة خلف الإمام الجائر الفاسق، بلغ فسقُه وجُرمه ما بلغ. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: لا بأس بالصلاة لضيق المسجد يوم الجمعة في مجالس حوانيت عمرو بن العاص، وأراها كالأفنية. ومن المجموعة، قال عنه ابن نافع: ولا أُحِبُّ أن يُصَلِّي في الطريق والأفنية الجمعة إلا مثل المرأة والضعفاء، ومن لا يقدر على دخول المسجد، والرجل يصيبه ذلك المرة بعد المرة، فأما من يقعد في منزله يتنَعَّمُ ويتلذَّذُ، فإذا خاف الفوات جاء فَصَلَّى حيث أدرك، فلا أُحِبُّ أَنْ يلزم مثل هذا أحدٌ. في الاستخلاف في صلاة الجمعة، أو في الخطبة، وهل يُصَلِّي من لم يشهد الخطبة، وكيف إن ذكر صلاة نسيها، وفي الإمام يُعْزَلُ ويأتي غيره بعد الخطبة من كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن يُصَلِّي الجمعة بالناس غير الذي
خطب، مثل أن يُقَدِّمه الإمام لرعاف أو حدث أو مرض، أو يَقْدَمَ والٍ بغزل الذي خطب، وقد قَدِمَ أبو عبيدة على خالد بن الوليد بغزله، فألفاه يخطب، فلما فرغ تقدَّم أبو عبيدة للصلاة. وقال أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: لا بأس أن يستخلف من لم يحضرْ معه الخطبة لحدث أصابه أو مرض. قَالَ ابْنُ المواز: وكذلك إن لم يُتِمَّ الخطبة. فإن صَلَّى بهم الثاني ولم يُتِمَّها، فإن خطب الأول ما لا بال له، فلا جمعة لهم بذلك، وإن خطب ما له بال، أجزأهم، وإن خطب ثم قَدِمَ وقد تَمَّتْ، أو بَقِيَ أقلُّها، فليأتنف الخطبة، ولا يجزئهم أن يُصَلِّي بهم بخطبة الأول، ولو أَذِنَ له الأول لم تجزهم. ولو قَدِمَ بعد أن صَلَّى الأول ركعة، فليُتِمَّ الثانية ويُسَلِّمْ، ويعيدوا الخطبة والصلاة، ولا تجزئهم. ومن الْعُتْبِيَّة روى عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، قال: إذا قَدِمَ والٍ بعزل الأول، فتمادى الأول، فَصَلَّى بهم عالمًا، فليعيدوا وإن ذهب الوقت، ولو صَلَّى بإذن القادم أجزأتهم إذا أعادوا الخطبة، ولا ينفع إذنُه بعد الصلاة، وليعيدوا، ولا يُصَلِّي بهم القادم بخطبة الأول، وليبتدئها، ولو قَدَّمَه القادم لأُمِرَ بإعادتها. قال سحنون، في كتاب ابنه: فإن صَلَّى بهم القادم بخطبة الأول أعادوا أَبَدًا، وكذلك إن أذن الأول فَصَلَّى بهم، فلم يعد الخطبة. قال يحيى بن يحيى، عن ابْن الْقَاسِمِ: وإذا ضَعُفَ الإمام عن الخطبة، فلا يُصَلِّي هو ويخطب غيره، وليُصَلِّ الذي أمره بالخطبة، ويُصَلِّي الآمر خلفه، وكذلك الأعياد. ومن المجموعة، قال أشهب: فإذا أحدث في الخطبة، فتوضأ ورجع، فلا يعيد الخطبة إن كان ذلك قريبًا، وإن أعادها، فلا بأس، وإن تباعد، فَأَحَبُّ
إِلَيَّ أن يعيد الخطبة. وكذلك الإمام يُحْدِثُ بعد أن تقام الصلاة، فيتوضأ ويرجع، ولا يعيد الإقامة إن كان قريبًا، فإن تباعد أعادها. وإذا خطب ثم أحدث فقدَّم جُنُبًا أو غير مُتَوَضِّئ، فقدَّم المقَدَّمُ غيره ممن شهد الخطبة، فمن شهد الخطبة فليُصَلِّ بهم، فإن لم يشهدها، فَلْيُعِدِ الخطبة أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن لم يعدها، أجزأهم. ولو قدَّم صبيًّا، فقدَّم الصبي غيره، أجزأهم. وإن صَلَّى بهم الصبي، لم يجزهم. قال أشهب، وابْن الْقَاسِمِ: وإن قدَّم سكرانًا أو مجنونًا، فقدَّم غيره، أجزأهم، كما لو تقدَّم أحدهم من غير استخلاف. ولو رفع رأسه من الركعة الثانية، فقدَّم من أحرم حينئذ ولم يُدرك الركعة، فليُقَدِّمْ هو من أدركها، فإن لم يفعل وأتمَّها بهم، فسدتْ عليه وعليهم. قال أشهب: وكذلك لو دخل بعد رفع رأسه من الثانية فقدَّمَه، فإن أتمَّ بهم لم تجزهم؛ لأن السجدتين ليس من فرضه. قال سحنون: وإذا قدَّمه وهو قائم في الثانية، فأتم بهم، وقضى ركعة، ثم شك في الإحرام، فليعيدوا كلهم الجمعة. قَالَ ابْنُ المواز: ومن أحرم والإمام راكع في الجمعة في الثانية، فاستخلفه قبل يركع الداخل، فليركع والقوم ركوع، ثم يرفع المستخلف، فكمن رفع قبل إمامه، فليرجعوا حتى يرفعوا برفعه، فإن لم يُعِيدُوا، أجزأهم. ولو خرج ولم يستخلف، فقدَّموا هذا أو قدَّموا غيره، فالأمر كذلك، إلا أنه إن قدَّموا غيره أو قدَّم الإمام غيره، فرفع المستخلف رأسه قبل يركع الآخَرُ، فلا يُعْتَدُّ بتلك الركعة.
جامع القول في صلاة الخوف من العدو أو من لصوص أو سباع
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ذكر الإمام يوم الجمعة، وقد أحرم صلاة نسيها، فليُكَلِّمْهم، ويقضي ما عليه ثم يعيد الخطبة والصلاة، وإن لم يُعِدِ اخطبة وصَلَّى، أعاد ظُهْرًا أربعًا، وإن ذكر ذلك بعد ركعة استخلف، وإن ذكر ذلك بعد ركعة بعد أن سلَّمَ أجزأتهم. وقد اختلف فيه عن مالك. وإن أحدث بعد ركعة من الجمعة، فخرج ولم يستخلف، فَصَلَّوْا أفذاذًا، لم تجزهم، ويعيدوا الجمعة. جامع القول في صلاة الخوف من العدوِّ أو من لصوص أو سباع من الواضحة، قال: وصَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة. والرقاع جبل في طريقه فيه السواد والبياض،
يقال له: الرقاع. قال: وإذا صَلَّى الإمام بطائفة ركعة فأتَمَّتْ وذهبت والإمام قائم، فإن شاء دعا، وإن شاء أخذ من القراءة ما تأتي فيه الطائفة الأخرى، وإن شاء سكت حتى تُحرم الجائية. ورجع مالك إلى أن يُسَلِّم الإمام قبل قضاء الثانية على حديث القاسم. وروى أشهب حديث ابن عمر، وفيه أن طائفة صلَّتْ ركعة، ثم تأخّرت على جهة العدو من غير أن يُسَلِّمَ، ثم أتت الأخرى فَصَلَّى بهم الركعة الثانية وسلَّم، ثم قامت كل طائفة فأتمَّتْ. وبهذا أخذ أشهب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فإذا اشتغلت الطائفتان بالقضاء صار الإمام وحده فيُدْهما. وحديث القاسم أشبه بظاهر القرآن من اشتغال طائفة بالعدو. قال سحنون في كتاب ابنه: ولم يأخذ بحديث ابن عمر من أصحابنا غير أشهب وأخذ به الأوزاعي، ثم رجع فأخذ بحديث غزوة ذات الرقاع. قال مكحول: وإن صَلَّى ركعة، ثم دهمهم العدو، وقد بقيت على كل طائفة ركعة، فليصلوا إيماء حيث ما كانت وجوههم. قال سحنون: سعيًا وركضًا كيف ما قدروا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن ائتمَّ الذين يقضون بأحدهم، فصلاة من أمَّهم تامَّةٌ، وصلاتهم فاسدة.
قال: وسواء كان العدوُّ في قبلته، أو عن يمينه، أو عن شماله، أو خلفه، ولا أحب له إن كان العدو أمامه أن يُصَلِّي بالجيش أجمع، ولكن بطائفتين. ومن المجموعة قال أشهب: إذا كان العدو في القبلة، وأمكنه أن يُصَلِّي بالناس جميعًا، فلا يفعل؛ لأنه يتعرَّض أن يفتنه العدو ويشغلوه، وليُصَلِّ بطائفتين شبه صلاة الخوف. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ عبد الحكم: وإذا كانوا طالبين، وعدوهم منهزمون مغلوبون، إلا أن طلبهم أثخن في قتلهم، فصلاتهم بالأرض صلاة الأمن أولى من صلاة الدوابِّ. وقاله الأوزاعي، أما الطالب فينزل، وأما المطلوب فيصلي على دابَّته، إلا أن يخاف الطالب أن يُكَرَّ عليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهو في سعة , إن كان طالبًا أن لا ينزل ويُصَلِّي إيماء؛ لأنه مع عدوه بعد لم يَصِلْ إلى حقيقة أمن. وقاله مالك، وما صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الظهر والعصر إلا بعد غروب الشمس، وذلك قبل نزول صلاة الخوف. وإذا كانوا في القتال فليؤخروا إلى آخر الوقت، ثم يُصَلُّون حينئذ على خيولهم، ويُومِئُونَ وهم في قتالهم مقبلين ومدبرين، وإن احتاجوا إلى الكلام في ذلك لم يَقطع ذلك صلاتهم.
قال ابن المواز: وإذا قوتلوا في البحر، صَلَّوْا صلاة الخوف، فإن لم يقدروا إلا وهم في القتال، صَلَّوْا في القتال إذا خافوا فواتها، وإن لم يقاتلوهم حتى دخلوا في الصلاة، فأتاهم العدو فرماهم المسلمون بالنبل، لم يقطع ذلك صلاتهم، وكذلك لو انهزوا لم يقطعها ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يُصَلُّوا صلاة الخوف في البحر في سفينة وسفن. قَالَ ابْنُ المواز وابن حبيب: وإذا خاف المسلمون أن يخرج عليهم العدو ولم يروه، فصلوها تامة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وتكون طائفة بإزاء الموضع الذي خافوا مجيئهم منه. قَالَ ابْنُ المواز: فإن تمَّتْ ولم يأتهم أحدٌ أجزأتهم. قال عن أشهب: وكذلك لو رأوا شيئًا ظنُّوه العدوَّ فصلوها فلم يكن عدوًّا، فلا شيء عليهم. قَالَ ابْنُ المواز: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يعيدوا. قَالَ ابْنُ المواز: قال أشهب: ولو بلغ بهم الخوف ما يؤدي إلى أن يُصَلُّوا بطائفتين على الدوابِّ لجاز، ولكن يُظَنُّ أنهم إن قدروا أن تكون الطائفة كافية للأخرى كذلك أنهم يقدروا أن يُصَلُّوا بالأرض كذلك. قال أشهب: إذا خاف الراكب من العدوِّ، صَلَّى على دابته قائمة إلى القبلة، فإن خاف إن وقف بها، فحينئذ يُصَلِّي أيما توجَّهت. يريد أشهب: والأول يُصَلِّي أيما، إلا أن هذا يُصَلِّي حيث توجَّهت به. ومن كتاب السير لابن سحنون، قال أشهب: إلا أن يكون مطلوبًا فيصلي ماشيًا عليها حيث توجَّهت. وإن خاف الرجل أن يقف، صَلَّى جالسًا. ويسجد بالأرض. ويُصَلِّي المسايف والمقاتل بقدر طاقته، ولا يضرُّه العمل فيها، كما لا يضرُّه قتل
في ترتيب صلاة الخوف في المغرب، ومن فاته منها ركعة، وكيف إن صلى بكل طائفة ركعة فيها، أو في غيرها في الحضر، وفي الخوف ينكشف في بعض الصلاة، وفي الاستخلاف في صلاة الخوف
العقرب. والخائف من السبع له أن يُصَلِّي على دابته إيماء حيث توجَّهتْ، إلا أن يأمن إذا وقت عليها، فليُصَلِّ كذلك. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ: ولا يَجْمَعُ بين الصلاتين في الخوف، ولم أسمع بمن فعله، فإن فعلوا لم أرَ به بأسًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن خاف من سباع أو لصوص صَلَّى على دابته راكبًا وماشيًا، والجالس إذا خاف إذا قام فليُصَلِّ جالسًا، ويسجد ولا يُومِئُ، إلا أن يُعاين ناحية عدُوِّه، فيخاف إن يسجد أن يُعْجله، فليومئ. والخائف من السباع واللصوص يؤَخَّر إلى آخِرِ الوقت، ثم يُصَلِّي، فإن أمن في الوقت أعاد، ولا يعيد في خوف العدو. قَالَ ابْنُ المواز: والراكب يخاف من السباع، فليُصَلِّ على دابته إيماء، حيث توجَّهتْ، إلا أن يقدر أن يقف بها، فليتوجَّه إلى القبلة. ومن الْعُتْبِيَّة، روى ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك، في رجل في أرض خوف من اللصوص، أيُخَفِّفُ في صلاته؟ قال: رُبَّ مُخَفِّفٍ لا يَنْقُصُ من الصلاة فذلك له، وأما أن ينقص فلا. في ترتيب صلاة الخوف في المغرب، ومن فاته منها ركعة، وكيف إن صَلَّى بكلِّ طائفة ركعة فيها، أو في غيرها في الحضر، وفي الخوف ينكشف في بعض الصلاة، وفي الاستخلاف في صلاة الخوف من كتاب ابن حبيب، قال مالك، في صلاة الخوف في المغرب:
يُصَلَّى بالطائفة الأولى ركعتين، ويثبت جالسًا. ثم رجع فقال: يقوم حتى يقضي هي تلك، وإن شاء سكت أو دعا. وقاله ابْن الْقَاسِمِ، ومطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. وأخذ بالأول ابن وهب، وابن كنانة، وابن عبد الحكم. قال: وهذه لا يقرأ فيها؛ لأنه لا يقرأ فيها بغير أمِّ القرآن، فخالفت غيرها. وقَالَ ابْنُ المواز: إنما أخذ ابن وهب بالقول الذي رجع إليه مالك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولو جهل فَصَلَّى بكل طائفة ركعة، فصلاة الثانية والثالثة جائزة، ويفسد على الأولى. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. ومن المجموعة قال سحنون: إذا صَلَّى المغرب بكلِّ طائفة ركعة جهلاً أو عمدًا، فصلاته وصلاتهم فاسدة؛ لأنه ترك سُنَّتَها. وكذلك إن صَلَّى بالأولى ركعة، وبالثانية ركعتين، لوقوفه في غير موضع قيام. ومن كتاب ابن سحنون، قال: قلتُ: وزعم بعض أصحابنا في من صَلَّى صلاة الخوف في الحضر بأربع طوائف، بكل طائفة ركعة، أن صلاته وصلاة الثانية والرابعة تامَّة وتفسد على الباقين. فقال سحنون: بل تفسد عليه وعليهم أجمعين. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سحنون، عن ابْن الْقَاسِمِ: ومن أدرك الركعة الثانية من المغرب من الطائفة الأولى، فإذا وقف الإمام في الثالثة، أتَمَّ القوم، ولا ينبغي لهذا أن يقضي الركعة إلا بعد سلام الإمام؛ لأن الطائفة الأولى إنما تبني ولا تقضي. وإلى هذا رجع سحنون في المجموعة بعد أن قال: يُصَلِّي ركعتين قبل سلام الإمام. وقال في كتاب ابنه: يُصَلِّي ركعتين قبل سلام الإمام. وذكر عن ابن
في جمع الصلاتين بمزدلفة وعرفة
القاسم مثل ما في الْعُتْبِيَّة. قال عنه: ويقف هذا مع الإمام حتى تأتي الطائفة الثانية، فيصلي معهم ركعة، ثم يقضي بعد سلام الإمام. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سحنون، عن ابْن الْقَاسِمِ: وإذا صَلَّى بالطائفة الأولى ركعة، ثم انكشف الخوف، فليُتِمَّ الصلاة بمن معه، وتُصَلِّي الطائفة الأخرى بإمام غيره، ولا يدخلون معه. ثم رجع فقال: لا بأس أن يدخلوا معه. وروى عنه أبو زيد قوله الأول. ومن المجموعة، وقال سحنون: وإذا صَلَّى ركعة من صلاة الخوف في السفر، ثم أحدث قبل قيامه إلى الثانية، فليقدِّم من يقوم بهم، ثم يثبت المستخلف، ويُتِمُّ من خلفه، ثم تأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم ركعة، ويُسَلِّم. ولو أحدث بعد قيامه إلى الثانية، فلا يستخلف؛ لأن من خلفه خرجوا من إمامته، حتى لو تعمَّدَ حينئذ الحدث أو الكلام، لم يُفسد عليهم. وكذلك ذكر عنه ابنه. فإذا أتمَّ هؤلاء وذهبوا أتتِ الطائفة الأخرى، فصلوا بإمام يُقَدَّمونه، وإذا أحدث بعد ركعة من المغرب، فليستخلف. وفي كتاب الجهاد بقيَّة من مسائل صلاة الخوف. في جمع الصلاتين بمزدلفة وعرفة قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، في الجمع بعرفة: يبدأ بالخطبة إذا زالت الشمس، أو قبل الزوال بيسير، قدر ما يُفْرِغُ الخطبة وقد زالت الشمس، وإذا جلس في الخطبة الأولى، وأذَّن المؤذِّن، ثم يخطب الثانية، ثم يقيم، فإذا جمع بهم ركب فيرتفع على عرفات. قال أبو محمد: لعل ابن حبيب يريد: إن بدأ في الخطبة بعد الزوال،
القول في صلاة الوتر
فيمكنه أن يؤذن بعد فراغ الخطبة، فأما إن بدأ يخطب قبل الزوال بمقدار أن تفرغ الخطبة وقد زالت الشمس، فكيف يؤذن بين خطبته فيصير يؤذن قبل الوقت. والذي قال مالك وابْن الْقَاسِمِ، أن يخطب بعد الزوال. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وروي في الجمع بينهما بأذانين وإقامتين، وروي بأذان وإقامتين. وبهذا أخذ ابن الماجشون، وهو قول ابْن الْقَاسِمِ، وسالم. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: ويؤذَّن يوم عرفة والإمام يخطب، وذلك واسع. قال عيسى: قَالَ ابْنُ وهب: هي السُّنَّة. ومن جمع بين العشاءين من الحاجِّ قبل يأتي المزدلفة، من غير عذر، أعاد. قال أشهب في المجموعة: وإذا شرع الدافع من عرفة، فوصل مزدلفة قبل مغيب الشفق، جمع حينئذ، وإن فرغ منهما قبل مغيب الشفق. وخالفه ابْن الْقَاسِمِ في المدونة. ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابْن الْقَاسِمِ، قال مالك: وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إلى غير سترة، وقد كرهتُ ما بُنِيَ بمسجد عرفة، وبمنى أيضًا؛ لأنه يُضَيِّقُ على الناس؛ لأن الرجل يُمْسِكُ بغيره ويُصَلِّي. القول في صلاة الوتر من الْعُتْبِيَّة، قال أشهب: قال مالك: الوتر سُنَّةٌ، وأما ركعتا الفجر
فيستحبُّ العمل بهما. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: والوتر أوجب منهما بكثير، وكان ابن عمر لا يركعهما في السفر. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: إن الناس ليلتزمون في الوتر قراءة: {قل هو الله أحد}، والمعوِّذتين مع أُمِّ القرآن، وما ذلك بلازم. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: وإني لأفعله. قال عنه عليٌّ: وأما في الشفع قبله فما عندي شيء أستَحِبُّ به فيه دون غيره. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن قرأ في الوتر بأمِّ القرآن فقط سهوًا، فلا سجود عليه. وخفَّفَه. ومن المجموعة، قال أشهب: ومن ذكر بعد الفجر أنه صَلَّى العشاء على غير وضوء، وأوتر مُتَوَضِّئًا، فليُصَلِّ العشاء، ويعيد الوتر، فإن خاف طلوع الشمس ترك الوتر، ولو ذكر ذلك بعد أيام، وبعد أن صَلَّى العشاء وأوتر، فلا يعيد الوتر، وليصلِّ العشاء الفائتة، ويعيد عن ليلته هذه المغرب والعشاء والوتر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكان الناس يقنتون في الوتر بعد رفع الرأس من ركعة الوتر، ويجهرون بالدعاء، وذلك في النصف من شهر رمضان، وقاله مالك. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ما أدركت الناس إلا على القنوت في الصبح، وترك القنوت في الوتر. وفي باب قيام الليل تمام هذا. قال أشهب، في المجموعة: ووقت الوتر من حين تُصَلِّي العشاء إلى طلوع الفجر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقول مالك: لا بدَّ أن يتقدَّم الوتر شفع، قلَّ أو كثر، وأقلُّه ركعتان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكان أبو هريرة يُوتر بخمس ثم ينام، وكان عليٌّ , وابن عباس
وابن عمر يوترون بسبع ثم ينامون، فإن قاموا صَلَّوْا مثنى مثنى، وكان سعد بن أبي وقَّاص يوتر بواحدة ليس قبلها شيء. قال مالك: وعمل الناس على خلاف ذلك. قال في المختصر: والوتر آخِر الليل أفضل لمن قوي عليه. ومن كتاب ابن سحنون، قال أشهب: من أوتر بواحدة فَلْيُعِدْ وتره بإثر شفع، ما لم يُصَلِّ الصبح. قال سحنون: إن كان بحضرة ذلك، شفعها بركعة، ثم أوتر، وعن تباعد، أجزأه. وقد أخبرنا عليٌّ، عن مالك، قال: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة. ومن كتاب آخر أن سحنون مرض، فأوتر بواحدة في مرضه. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: وإذا تَنَفَّلَ بعد العشاء، ثم انصرف فلا ينبغي أن يوتر بركعة ليس قبلها شفعٌ. وقال عنه ابن نافع: لا بأس أن يوتر في بيته بواحدة. وكذلك من ركع ثم جلس ثم بدا له أن يوتر بواحدة. قال عنه ابن وهب: وليُوتر في المسجد أو يُبْقِي من أشفاعه إن شاء ما يوتر بأثره. ومن الْعُتْبِيَّة، روى سحنون، عن ابْن الْقَاسِمِ، في من صَلَّى مع الإمام أشفاعه، ثم انصرف، ثم رجع فوجده في الوتر، فدخل معه فَأَحَبُّ إِلَيَّ لو شفعها ثم أوتر، فإن لم يفعل أجزأه. قال عنه عيسى: يَشفعها بركعة، ثم يُسَلِّمُ، ثم يوتر، وإن كان إمامه لا يُسَلِّمُ من الشفع فليأتِ هذا بركعتين، ثم يُسَلِّم، ويجزئه وتره، وإن كان يُسَلِّم من الشفع، فلا يُخالفه. قال أشهب، عن مالك: ومن صَلَّى العشاء وتَنَفَّلَ، ثم جلس شيئًا، ثم أراد أن يوتر بواحدة، فأرجو أن يكون واسعًا. قال أشهب: ومن صَلَّى في بيته ركعتين، ثم أتى المسجد، فوجد الإمام في ركعة الوتر، فدخل معه، فإن كان إمامًا يَفْصِلُ بين شفعه ووتر، سلَّمَ معه، وأجزأته،
في الوتر بعد الفجر، ومن ذكرها في الصبح
وإن كان لا يفصل بينهما، أضاف هذا إلى هذه الركعة ركعتين، ويُسَلِّم، ثم أوتر. ومن كتاب ابن حبيب، ومن فاتته ركعة من الشفع مع الإمام، فلا يُسَلِّم معه، وليُصَلِّ معه الوتر، فإذا سلَّم منها، سلَّم معه، ثم أوتر، كان الإمام ممن يُسَلِّم من الشفع أو لا يُسَلِّمُ. قاله مطرف، وابن الماجشون. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن كان ممن يُسَلِّم من الشفع سلَّم معه من الثالثة، وإن كان لا يفصل، فلا يُسَلِّمْ هذا، وليَصِلْ ذلك بركعة الوتر كفعل إمامه. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن أوتر مع الإمام، فأراد أن يَصِلَ وتره بركعة، ليوتر بعد ذلك، فلا يفعل، وليُسلِّمْ معه، ثم يفعل ما شاء. وقال قبل ذلك: يتأنَّى قليلاً أعجبُ إليَّ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، في من أحرم لركعتين، فلا يجعلهما وترًا. قَالَ ابْنُ المواز. وكذلك روى ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك. قال أيضًا: وإن أحرم للوتر فلا يجعلهما شفعًا. وقال أصبغ: فإن فعل في الوجهين أجزأه. قَالَ ابْنُ المواز: إذا أحرم للوتر، فله أن يشفعه، وإن أحرم للشفع فلا يجزئه أن يوتر به. في الوتر بعد الفجر، ومن ذَكَرها في الصبح قَالَ ابْنُ المواز، وعيسى بن دينار: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن أصبح ولم يوتر، وقد تَنَفَّلَ بعد العتمة، فليوتر الآن بواحدة. قال عنه عيسى: وإلا شفع بركعتين. قَالَ ابْنُ المواز: قال أصبغ: ولو لم يكن تَنَفَّلَ، ولم يَبْقَ لطلوع الشمس إلا أربع
ما جاء في ركعتي الفجر
ركعات، فليوتر بثلاث، ثم يُصَلِّي الصبح. قَالَ ابْنُ المواز: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يوتر بواحدة، ويُصَلِّي الصبح كلها في الوقت. وقال أشهب: في كتاب ابن سحنون: إذا طلع الفجر ولم يوتر، وقد تقدَّم له شفع فليوتر، إلا أن يكون ممن يرى التَّنَفُّل بعد الفجر، فليشفع وإن كان يُكْرَهُ. ومن المجموعة قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: ربما أوترتُ بعد الفجر، وإنما ذلك لمن لم يستيقظ من الليل. قال عنه ابن نافع: نعم يوتر بعد الفجر، ولكن إن كان ذلك يكثر عليه، فليوتر قبل أن ينام. قال عنه عليٌّ , وابْن الْقَاسِمِ: ولا ينبغي أن يتعمَّد ذلك. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: وإذا ذكر الوتر، وقد أقيمت الصبح، فليخرج فليُصَلِّيها، ولا يخرج لركعتي الفجر. وقال المغيرة: إن ذكرها في الصبح، فلا يقطعْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وروى مطرف، عن مالك: إن ذكرها في الصبح، فليقطع. كان إمامًا أو مأمومًا أو وحده، إلا أن يُسْفِرَ جدًّا. وروى مثله ابْن الْقَاسِمِ , وابن وهب. وروى أيضًا ابن وهب عنه، أنه قال: إن شاء تمادى مع الإمام، ثم أوتر وأعاد الصبح. وقاله ابن عبد الحكم. وإن لم يذكرْ حتى سلَّمَ، فلا يقول أحدٌ: إنه يقضي الوتر. وفي الجزء الثاني في باب السهو في الوتر والنوافل بقية من مسائل الوتر، وفي باب إعادة الصلاة في جماعة ذِكْرُ إعادة الوتر، وفي باب قيام الليل في هذا الكتاب ذِكْرُ القنوت في الوتر، وغير ذلك من مسائل الوتر. ما جاء في ركعتي الفجر من الْعُتْبِيَّة، أشهب عن مالك، قال ركعتا الفجر يُسْتَحَبُّ العمل بهما. قيل: فهل بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم ركعهما حين قام عن الصبح؟ قال: ما
سمعت. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: الوتر أوجب منهما، وكان ابن عمر لا يركعهما في السفر. قال أشهب، في المجموعة، في كتاب الحج: هما سنة، ليستا كالوتر، كما ليس غسل العيدين كغسل الجمعة ودخول مكة. وقال مالك، في (المختصر): ليستا بسنة، وقد عمل بهما المسلمون، ولا ينبغي تركهما. قَالَ ابْنُ المواز: قَالَ ابْنُ عبد الحكم وأصبغ: ليستا بسُنَّة، وهما من الرغائب. ومن المجموع، قال عليٌّ، عن مالك: وأما القراءة فيهما، فما سمعت فيها بشيء معلوم، إلا التخفيف في القراءة، وأَحَبُّ إِلَيَّ بأم القرآن سرًّا. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المُفَصَّلِ، وأما أنا فما أزيد على أم القرآن في كل ركعة. قال عنه عليٌّ: وليُتِمَّ ركوعهما وسجودهما ولا يُطَوِّلُ جدًّا. وروى ابن وهب في موطئه، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بـ {قل يا أيها الكافرون}، و {قل هو الله أحد}. وفي بعض الكتب أنه
ذَكَرَ الحديث لمالك فأعجبه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الأولى بأم القرآن و {آمَنَ الرَّسُولُ} (البقرة: 285). وفي الثانية بأم القرآن و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (آل عمران: 64). الآيتين. قال: ومن اقتصر على {قل يا أيها الكافرون}. و {قل هو الله أحد}. فهو أَحَبُّ إِلَيَّ من أم القرآن وحدها. قال: وأنا أستحبُّ الضجعة التي بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح وصلاته إياهما في بيته أَحَبُّ إِلَيَّ. ومن أصل سماع ابن وهب، قيل: فمن ركع أيضطجع على شقِّه الأيمن؟ قال: لا. يريد لا يفعله استنانًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله استنانًا، وكان ينتظر المؤذِّنَ حتى يأتيه.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابْن الْقَاسِمِ، قيل لمالك: فمن وجد الناس قد صَلَّوْا في المسجد، أيركع للفجر؟ قال: نعم، إلاَّ أن يُسْفِرَ جدًّا. قيل: فإذا أصابهم في التشهد، فجلس معهم فتشهد وسلَّمَ معهم، أيركع؟ قال: يبدأ بالمكتوبة. قيل: فمسجد الجامع أيُصَلِّي في رحابه. يريد والإمام يُصَلِّي. قال: غير ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وإن سمع الإقامة خارج المسجد، فإن خاف أن تفوته الصلاة فلا يركعهما، ويدخل مع الإمام، وإن لم يَخَفْ ذلك، فليركعهما، وأراه في سعة. إن دخل ولم يركع. قال: وإن صَلَّى ركعة، وخاف فوت الصلاة، فليدخل معهم. قيل فمن ركعهما في بيته ثم أتى المسجد؟ قال: كلُّ ذلك قد فعله الناس، وفي ذلك سعة. فأما إن كان مصبحًا، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يجلس. ومن الْعُتْبِيَّة، روى عنه ابْن الْقَاسِمِ: كلٌّ واسعٌ، وقد رأيت من فعله، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يركع. وقال قبل ذلك: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يركع. ورواه عنه ابن وهب، وابن نافع. وقال سحنون: لا يعيدهما في المسجد. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وبه أخذ ابن وهب وأصبغ؛ لأن لا يعيدهما. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: ومن سمع الإقامة بالطريق، فليركع للفجر بطريقه. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: وإذا أخذ المؤذِّنُ في الإقامة، ولم يركع الإمام للفجر، فلا يخرج لذلك أولاً، ولا يُسْكِتُه، وليُصَلِّ، وأكره أن يُصَلِّيَها الرجل في أفنية المسجد المتصلة به، والإمام يُصَلِّي. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ
في صلاة العيدين، وعلى من هي، وأين تصلى، والخروج إليها، والغسل لها، والتكبير في ذلك
نافع، عن مالك: ومن سمع الإقامة قبل يدخل المسجد، ولم يركعهما، فإن قرب من المسجد، دخل ويركعهما، وإن كان متنحيًا شيئًا ركعهما ودخل. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: ما لم يَخَفْ فوت الركعة. ولم يذكر القرب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن ركع للفجر فظنَّ أنه طلع، ثم تبين له أنه لم يطلعْ، فلا يعيدهما؛ لأنه كالمتحري. قاله ابن الماجشون، وذكر أن ربيعة والقاسم وسالمًا كان ينوبهم ذلك فلا يعيدون. قال أشهب في المجموعة: إذا ركعهما ولا يوقن بالفجر لم تجزياه. ومن سماع ابن وهب، قال: ولا يركع للفجر قبل الفجر. وقال في من ركع ركعة قبل الفجر وركعة بعده، قال: غير هذا أَحَبُّ إِلَيَّ. قال في المختصر: فلا تجزيانه. قيل في من أتى المسجد في الغيم، فتوَخَّى طلوع الفجر، فركعهما فيه: لا بأس بذلك. ومن المختصر، من لم يركع للفجر وصَلَّى، فإن صلاهما إذا طلعت الشمس، فحسن، وليس ذلك بلازم، ولا أُحِبُّ للمسافر أن يَدَعَ ركعتي الفجر، وأُحِبُّ له أن يركع بعد المغرب ركعتين، وليس ذلك بلازم. في صلاة العيدين، وعلى من هي، وأين تُصَلَّى والخروج إليها، والغُسْل لها، والتكبير في ذلك قال مالك في المختصر: وصلاة العيدين سُنَّةٌ لأهل الآفاق، ويُسْتَحَبُّ الغُسْل والزينة والطيب في كل عيد، والغُسْل قبل الفجر فيهما واسع. وينزل إليها مَنْ
على ثلاثة أميال. ويُسْتَحَبُّ المشي إليهما. ولا أذان فيهما ولا إقامة. ووقتهما أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ، وقد حلَّتِ الصلاة, ويغدو الغادي حين تطلع الشمس, ويخرج الخارج من طريق ويرجع من طريق، ولا ينصرف أحد حتى يفرغ الإمام من خطبته. ومن الْعُتْبِيَّة، روى أشهب، عن مالك، قال: وإنما يُجَمِّعُ في صلاة العيدين من تلزمه الجمعة. قال عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ: وإن شاء من لا تلزمهم الجمعة أن يُصَلّوهما بإمام فعلوا، ولكن لا خطبة عليهم، وإن خطب فحسن. ولو تركوا الجمعة وهي عليهم، فعليهم أن يُصَلّوا العيدين بخطبة وجماعة. ومن المجموعة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك، في القرية فيها عشرون رجلاً: أرى أن يُصَلّوا العيدين. قال عنه ابن نافع: ليس ذلك إلاَّ على من عليه الجمعة. قال أشهب: أستحِبُّ ذلك لهم، وإن لم تلزمهم الجمعة. والجمعة لا تُسْتَحَبُّ؛ لأنها فرض لا تجزئ من لا تجب عليه. قال أشهب، عن مالك: ويُنْزَلُ لها من ثلاثة أميال. وواسع أن يُغْتَسل لها قبل الفجر، ولا يجوز أن ينوي به الجمعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأفضل أوقات الغُسْل لها بعد صلاة الصبح. ومن المجموعة، أشهب، عن مالك: ولا أُحِبُّ أن يسافر أحد حتى يصليها إلاَّ من عذر. قال عنه عليٌّ: ومن غدا إليها قبل طلوع الشمس، فلا بأس به، ولكن لا يُكَبِّرُ
حتى تطلع الشمس. ولا ينبغي للإمام أن يأتي المصلي حتى تحين الصلاة. قال عنه أشهب: ويُكَبِّرُ الرجل من حين يغدو إلى المُصَلَّى، إلى أن يرقى الإمام المنبر، ثم إذا كبَّرَ في خطبته كبَّرَ معه. قال عنه عليٌّ: والسُّنَّة الخروج فيها إلى المصلى، إلاَّ لأهل مكة، فالسُّنَّة صلاتهم إياها في المسجد. قال عنه ابن وهب: ومن استطاع فليمش إلى العيدين. قال عنه عليٌّ: ومَن بَعُدَ فلا بأس أن يركب، ونحن نمشي ومكاننا قريب. وذكر ابن حبيب، أن مالكًا يَسْتَحِبُّ المشي إلى العيدين والجمعة لمَنْ قوي، وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن السلف. ومن المجموعة، قال أشهب: وخروج المنبر لها واسع، فعل أو ترك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عن مالك: لا يُخرج المنبر لها، من شأنه أن يخطب إلى جانبه. قال عنه عليٌّ، في المجموعة: ومن لم يخرج لها من ضعفة الناس، فلا ينبغي للإمام أن يأمر من يُصَلِّي بهم ويخطب. ومن انصرف منها، وكانت طريقه على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فيُسْتَحَبُّ له أن يركع فيه. قال عنه ابن نافع: ولا بأس أن تخرج المتجالَّة إلى الجمعة والعيدين، وليس بواجب. قال أشهب: وللرجل منعُ عبيده من الخروج إليهما، ولا يمنعهم من صلاة الجمعة، إلاَّ أن يضرَّ به فيما يحتاجهم فيه. قال أشهب: ولا أرى لأهل منى المقيمين بها ممن لم يَحُجَّ أن يُصَلُّوا العيد في جماعة؛ لبدعة ذلك بمنى، ولو صلاها مُصَلٍّ لنفسه لم أرَ بذلك بأسًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن فاتته صلاة العيد فلا بَأْسَ أَنْ يجمعها مع نفر من أهله، وهي تجب على النساء، والعبيد، والمسافرين، ومن يؤمر بالصلاة من الصبيان يؤمر بها. ومن الْعُتْبِيَّة ابن القاسم، عن مالك: ومن غدا إلى العيد، فلا يكبر إلاَّ عند طلوع الشمس، وعند الإسفار البين في طريقه، وفي المصلى حتى يخرج الإمام، تكبيرا وسطا لا خفض ولا رفع. والخروج إليها بعد طلوع الشمس عمل الفقهاء عندنا. قال مالك في المختصر: ويأتي الإمام إلى العيدين ماشيا مظهرا للتكبير حتى يدخل قبله مصلاه فيحرم للصلاة ولا يؤذن له ولا يقام. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من السنة أن يجهر في طريقه إليها بالتكبير والتهليل والتحميد جهرًا، يسمع من يليه وفوق ذلك شيئا, حتى يأتي الإمام فيكبر، فيكبروا لتكبيره تكبيرًا ظاهرًا دون الأول. ويخرجون إليها عند طلوع الشمس أو قربه، وأما الإمام فلا يخرج حتى ترتفع الشمس وتحل السجدة السبحة وفوق ذلك قليلا، إن كان في ذلك رفق بالناس. ومن اغتدى فلا يُكَبِّر حتى يسفر، وأَحَبُّ إِلَيَّ من التكبير: الله أكبر، االله أكبر، لا إله إلاَّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد على ما هدانا، اللهم اجعلنا من الشاكرين؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185). وكان أصبغ يزيد: الله أكبر كبيرا ,وسبحان الله بكرة وأصيلا , ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله. وما زدت أو نقصت أو قلت غيره فلا حرج. ومن (المجموعة)، على، عن مالك: وإذا لم يثبت عندهم أنه يوم عيد إلاَّ بعد الزوال، فلا يخرجوا لها، ولا يصلوها، ولا في الغد. وإن كان قبل الزوال فذلك عليهم. وكذلك روى ابن وهب، وأشهب.
صفة صلاة العيدين، وذكر السهو فيها، والحدث والرعاف، ومن أدرك بعضها، والتنفل قبلها وبعدها
صفة صلاة العيدين، وذكر السهو فيها، والحدث والرعاف، ومن أدرك بعضها، والتَّنَفُّل قبلها وبعدها قال مالك، في (المختصر) وغيره: والتكبير في صلاة العيدين سبع في الأولى بتكبير الإحرام، وخمس في الأخرى سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود، وليس بين التكبير صمت، إلاَّ قدر ما يكبر الناس، والتكبير قبل القراءة، فإن قرأ قبل التكبير، أعاد القراءة وسجد بعد السلام. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويقف بين كل تكبيرتين هنية قدر ما يكبر الناس , وليس بين التكبير دعاء. وإن سها عن شيء من التكبير , سجد قبل السلام. ولا يقضي تكبير ركعة في ركعة أخرى. قال أشهب , في (المجموعة): وإن بدأ بالخطبة قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة , وإن لم يفعل فذلك مجزئ , وقد أساء. ومن (الواضحة) , قال: والخطبة في الجمعة قبل الصلاة، وإن لم يفعل فذلك مجزئ، وقد أساء. ومن (الواضحة)، قال: والخطبة في الجمعة قبل الصلاة، وأما الثلاث المسنونات، فبعد الصلاة؛ العيدين والاستسقاء. وأحدث مروان تبدئة الخطة في العيدين. وأحدث هشام الأذان والإقامة لها. وجعل الإمام بين يديه حربة تستره إن لم بكن جدار. وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى ابن كنانة. وَمُطَرِّف، أن مالكا استحب رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة. وهو أَحَبُّ إِلَيَّ من رواية ابن القاسم، وكل وسع. ومن (المجموعة)،
عليٌّ، عن مالك، وليس رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة سنة، ولا بَأْسَ عَلَى مَنْ فعله، وأَحَبُّ إِلَيَّ في الأولى فقط. ويقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (الليل: 1) ونحوها. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العيدين بـ {ق} و {اقْتَرَبَتِ}. وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. وذكر غير ابن حبيب، أن النعمان بن بشير روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بـ {سَبِّح} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. قال حبيب: وليجهر من خلفه بالتكبير جهرًا يسمع من يليه، ولا بَأْسَ أَنْ يزيد في جهره ليسمع من يقرب منه ممن لا يسمع الإمام ويجعل التكبير. من أتى والإمام في قراءة الثانية، فليكبر للإحرام، ثم يكبر خمسة، فإذا قضى كبر ستة والسابعة قد كبرها للإحرام. قال: ولو كان التكبير لا يقضي، كما قال ابن الماجشون، ما كان عَلَى مَنْ لا يسمع تكبير الإمام أن يتحدى التكبير، فيكبر. ومن (المجموعة)، علي، عن مالك: ومن فاته بعض التكبير قضاه. قال عبد الملك: إن كان بين تكبير الإمام فرج يكبر ما فاته منه قبل القراءة، فليس ذلك
عليه، كما لو جاء في القراءة، فإنما عليه أن يحرم. قال عبد الملك: ومن أدرك الركعة الآخرة منها، فلم يقل أحد إنه يكبر إذا قضى سبعا، فيصير مفتتحا مرتين، والافتتاح لا يقضى. قال عبد الملك: وقال بعض أصحابنا: يكبر ستة. ولا أقوله، وما علمت تكبير يقضي، ولا يكون فيما يقضي قبل تكبير، وإنما يقضى تكبير الجنازة لأنه بدل من عدد الركوع. وذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون، وذكر عن ستة من أصحاب مالك، أن التكبير يقضى. قال: وبه أخذ أصبغ، وهو أحب إلينا. ومن (العتبية) معه، روى عيسى، عن القاسم: ومن سبقه الإمام بالتكبير، فليدخل معه، ويكبر سبعا، وإن وجده راكعًا دخل معه، وكبر تكبيرة واحدة، وركع، ولا شيء عليه. وإن وجده قد رفع رأسه، أو قام في الثانية، فليقض ركعة يكبر فيها سبعا، وإن وجده في التشهد، أحرم وجلس، فإذا سلم الإمام، قام فصلى ركعتين، يكبر في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسًا. قال عيسى: وقد قال أَيْضًا: يكبر في الأولى ما بقى عليه ستا ابن القاسم، وإن وجده قائم في الثانية، خمسا. وقال ابن وهب: لا يكبر إلاَّ واحدة. قال ابن القاسم، عن مالك، في (المجموعة): إن وجده في التشهد، فأَحَبُّ إِلَيَّ أن يحرم معه، ثم يأتي بالصلاة على سنتها إذا سلم الإمام، يكبر سبعًا وخمسًا. وقال ابن القاسم: يحسب تكبيرة إحرامه، فإذا قام كبر بقية السبع الأولى. وقال أشهب: يحسب إحرامه، وما ذلك عليه بواجب، ولكنه أَحَبُّ إِلَيَّ أن يقطع، ويتم صلاته. قال ابن القاسم وعلي، عن مالك: ومن جاء والإمام يخطب، فليجلس، ولا يصلي. قال عنه علي: ولم يبلغني أن أحدًا صَلَّى بعد انصراف الإمام، فمن فعل فليكبر سبعا وخمسا. قال، في (المختصر): ومن فاتته، فلا بَأْسَ أَنْ يصليها في المصلى أو في غيره، فإن صلى في المصلي فليصبر إلى فراغ الخطبة.
ذكر الخطبة في العيدين وسنتها
قال عبد الملك: ومن نسى فيها تكبيرة الإحرام، أو شك فيها وقد كبر غيرها، فذكر بعد الرفع من الركعة، فليتماد رجاء أن تجزئه، فإذا سلم، فإن شاء أعاد أو ترك. قال ابن المواز: وقال أشهب: وإذا كبر الإمام في الأولى أكثر من سبع، وفي الثانية أكثر من خمس، فلا يتبع، وكذلك إن كبر في الجنازة خامسة، فليسكتوا حتى يسلم فيسلموا. وقال ابن القاسم: يقطعوا في الخامسة. قال أشهب: وإن فاتته تكبيرتان، فلا يكبر الخامسة، وليقض بعد سلامه. ومن (المجموعة)، قال أشهب: ومن أحدث في صلاة العيدين، فلينصرف، وكذلك في الجنازة، يتيمم أن لم يحضره الماء. وينصرف للرعاف، ويعود إلى موضع الجنازة فيتم تكبيره، وإلى المصلي فيتم صلاة العيد وإن كان الإمام يخطب، فإن أتمها في بيته، فلا حرج. وإن رعف قبل يحرم للجنازة، وقبل يركع في صلاة العيد، ويخاف إن انصرف أيفوتاه، فليتماد، فصلاته إياهما بالنجاسة أولى من فواتها. وإن كره ذلك، فلينصرف، ويعيد صلاة العيد إن شاء. ومن (كتاب ابن حبيب)، إذا صلوا في المسجد لمطر، فروى أشهب وابن وهب، عن مالك، أنه لا بَأْسَ بالتنفل فيه بعدها، ولا يتنفل قبلها. وقاله أصبغ. وبه أقول. وَرَوَى عنه ابن القاسم، أن له أن يتنفل في المسجد قبلها وبعدها. قال: وله أن يتنفل في بيته قبلها وبعدها. وقال قوم: هي سبحة ذلك اليوم، فليقتصر عليها إلى الزوال. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. واستحب في موضع آخر نحو رواية ابن وهب عن مالك. ذكر الخطبة في العيدين وسنتها من (المجموعة)، قال أشهب: وخرج المنبر في العيدين واسع؛ أُخْرِجَ أو
تُرِكَ. قال مالك، من (كتاب ابن حبيب): لا يخرجه، من شأنه أن يخطب إلى جانبه. ومن (المجموعة)، أشهب، عن مالك: وليكبر الإمام إذا رقي المنبر في خطبته الثانية، وليس لذلك حد، وينصت له فيها، وفي الاستسقاء. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليجلس أول خطبته، ثم يفتتحها بسبع تكبيرات، ويجلس بين الخطبتين، ويكبر الناس كلما كبر. وكان مالك يقول: يفتتح بالتكبير، ويكبر بين أضعافها. ولم يحده. وما ذكرناه مروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وقال به مُطَرِّف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وَرَوَى عن أبي هريرة أنه يفتتح الأولى بخمس عشرة تكبيرة. والأول أَحَبُّ إِلَيَّ. وأَحَبُّ إِلَيَّ إن كان الفطر أن يذكر في خطبته الفطرة وسنتها، ويحض الناس على الصدقة، وإن كان أضحى ذكر الأضحية وسنتها، وأمر بالزكاة، وعلمهم فرضها وحذرهم تضييعها. قال مالك: وإذا أحدث في الخطبة فيها أو في الاستسقاء تمادي، لأنها بعد الصلاة، ولا ينصرف أَيْضًا غيره بحدث وهو يخطب. ومن (المجموعة)، ابن نافع، عن مالك: ويكبر مع الإمام كلما كبر في خطبته، ولينصت له ويستقبل، وليس من تكلم في ذلك كمن تكلم في خطبة الجمعة. وكذلك في رواية علي وابن وهب وأشهب. قال عنه ابن القاسم: ولا ينصرف قبل الخطبة أحد إلاَّ من ضرورة وعذر وكذلك من شهدها ممن ليست عليه؛ من عبد وصبي وامرأة. قال أشهب: وإن بدأ بالخطبة، أعادها بعد الصلاة، فإن لم يفعل، فقد أساء وتجزئه. وقد تقدم هذا.
في التكبير أيام التشريق دبر الصلوات، وهل يكبر دبر الصلوات في غيرها بأرض العدو أو غيرها
في التكبير. أيام التشريق دبر الصلوات، وهل يكبر دبر الصلوات في غيرها بأرض العدو أو غيرها من (الواضحة)، وينبغي لأهل مني؛ الإمام وغيره، أن يكبروا أول النهار، ثم إذا ارتفع، ثم إذا زالت الشمس، ثم العشي. وكذلك فعل عمر. وأما أهل الآفاق وغيرهم، ففي خروجهم إلى المصلى، ثم في دبر الصلوات، ويكبر في خلال ذلك ولا يجهرون، والحاج يجهرون به في كل الساعات إلى الزوال من اليوم الرابع، فيرمون، ثم ينصرفون بالتكبير والتهليل حتى يصلوا الظهر والعصر بالمحصب، ثم ينقطع التكبير. ومن (المجموعة)، روى علي، عن مالك، في التكبير دبر الصلوات: الله أكبر الله أكبر الله أكبر. وفي موضع آخر من روايته، ونحن نستحسن ثلاثا، فمن زاد أو نقص، فلا حرج. وَرَوَى ابن القاسم وأشهب، أنه لم يحد فيه ثلاثا. وفي (المختصر)، عن مالك: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. وقاله أشهب. وفي موضع آخر، أنه رواه عن مالك. ويكبر بإثر الفرائض النساء والعبيد والصبيان. قال عبد الملك، فأما بأثر النوافل فلا، ولا في الأسواق والمساجد في ليل ولا نهار. قال أشهب: ولا يكبرهما من يسجد للسهو بعد السلام، إلاَّ بعد سجوده وسلامه، وكذلك من يقضي ما فاته، فبعد قضائه. ومن (كتاب ابن سحنون): ومن قضي صلاة من أيام التشريق بعد زوالها، فلا تكبير عليه. ومن (العتبية)، قال ابن القاسم، عن مالك: والتكبير خلف
الصلوات _ يريد الخمس _ في أرض العدو. محدث أحدثه المسودة، وكذلك دبر المغرب والصبح في بعض البلدان. قال عنه أشهب: والتكبير في الفطر من حين يغدو إلى أن يرقي الإمام المنبر. قال عنه ابن عبد الحكم: ويكبر تكبيرة في الخطبة. وقد تقدم هذا. ومن (المختصر)، ومن نسي التكبيرة بعد الصلاة أيام التشريق، فليكبر مادام في مجلسه، فإذا قام منه، فلا شيء عليه ويكبر الناس دبر الصلوات. قال محمد ابن سحنون: اختلف في التكبير أيام التشريق، فروى عن ابن عمر أنه كان يكبر في صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع. وبه قال الحسن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وابن حزم، وعطاء بن أبي رباح، ويحيى بن سعيد، وربيعة، ومالك، وعبد العزيز. وَرَوَى عن زيد بن ثابت، أنه يبدأ من الظهر من يوم النحر، فيكبر إلى صلاة العصر من اليوم الرابع. واختلف عن ابن عباس، فقيل: أنه يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر. وقيل: من الصبح من يوم النحر إلى صلاة الظهر من اليوم الرابع. وَرَوَى عنه، وعن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، أنهم كانوا يكبرون من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من اليوم الرابع. وعن ابن مسعود: من صلاة الصبح من يوم عرفة، إلى صلاة العصر من يوم النحر. قال محمد بن
الجهم: ليس في ذلك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ووجدنا الله سبحانه يقول: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ} (البقرة: 200). فكان قضاء النسك الذي يخرج به من الحج طواف الإفاضة يوم النحر، فأول صلاة ترد بعد ذلك صلاة الظهر. وكذلك روى عن ابن عمر. وَرَوَى عن ابن عباس، أنه كان يبدأ من صلاة الظهر من يوم النحر. وقاله سعيد بن جبير، والحسن، وعمر بن عبد العزيز. وأما من بدأ من صلاة الفجر يوم عرفه، فلا دليل له من كتاب ولا سنة ولا قياس. وأجمعوا أن التكبير في صلاة الظهر من يوم النحر واجب، فلا نزول عن ذلك حتى يأتي دليل يمنعه. فإن قيل: فلم قلتم: يكبر أيام التشريق؟ قلت: لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: 203). فإن قال: فلم قطعت في اليوم الرابع، فكبرت في الصبح وقطعت، ولم تقطع في العصر؟ قلت: لأن الناس بمنى آخر صلاتهم بها صلاة الصبح، فإذا زالت الشمس رموا ونفروا، ودليل آخر أَيْضًا، أنه عمل أهل المدينة، الذي هو أثبت الروايات. وقال مالك: إنه الأمر المجمع عليه عندنا. وهذا أقوى شيء. وقال بكير: سألت أبا بكر بن حزم وغيره، فكلهم قال ذلك. وقال يحيى بن سعيد، وابن أبي سلمة: وأما من قال يقطع يوم النحر. فمتفق في كل النواحي على أن لا يعمل به. فإن قيل: روى عن ابن مسعود. قيل له: فهلا قلت بما روى عن علي، فهو أتم، وقد روينا عن ابن مسعود بخلاف ما ذكرت عنه: حديثا موسى بن هارون، قال: حدثنا أبو
في التحية بالدعاء في العيدين
بكر - يعني ابن أبي شيبة - قال: حدثنا وكيع، عن حسن، عن أبي إسحاق، عن [أبي] الأحوص، عن عبد الله، أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، إلى آخره. فهذا أولى من الشاذ من الروايات. في التحية بالدعاء في العيدين قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: روى مُطَرِّف، وابن كنانة، عن مالك، أنه سئل عن قول الرجل لأخيه في العيدين: تقبل الله منا ومنك، وغفر لنا ولك. فقال ما أعرفه ولا أنكره. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لم يعرفه سنة، ولم ينكره؛ لأنه قول حسن، ورأيت من أدركت من أصحاب لا يبدأون به، ولا ينكرونه عَلَى مَنْ قاله لهم، ويردون عليه مثله، ولا بَأْسَ عندي أن يبتدئ به. وَرَوَى غير ابن حبيب، أن واثلة بن الأسقع رد مثله عَلَى مَنْ قال له، وأن مكحولاً كرهه. وَرَوَى عن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فعل اليهود. ما جاء في صلاة الخسوف ومن (المختصر)، قال مالك: صلاة الخسوف سنة، فإذا خسفت الشمس، خرج الإمام إلى المسجد، وخرج الناس معه، فيدخل المسجد بغير أذان ولا إقامة، ثم يكبر تكبيرة واحدة، ثم يقرأ سرا بأم القرآن، ثم يقرأ بعدها قراءة طويلة بنحو سورة البقرة، ثم يركع طويلا نحو قراءته، ثم يرفع فيقول: سمع الله
لمن حمده. ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يقرأ قراءة طويلة نحو سورة آل عمران، ثم يركع نحو قراءته، ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده. ثم يسجد سجدتين تامتين لا تطويل فيهما، ثم يقوم فيقرأ، ويفعل كفعله في الأولى، إلاَّ أن القراءة دون ما قبلها، يقرأ أولا بنحو سورة النساء، وبع رفع رأسه بنحو سورة المائدة، مع أم القرآن قبل كل سورة، ثم يسجد، ويتشهد، ويسلم، ويستقبل الناس، فيذكرهم ويخوفهم، ويأمرهم إذا رأوا ذلك أن يدعوا الله، ويكبروا، وينصرفوا، ولا يصلي في غير حين الصلاة، فإن خسفت، فإنما فيه الدعاء، ولا قيام عليهم، ولا استقبال القبلة، ولو صنعه أحد لم أر به بأسا. ويصليها أهل البدو والحضر، ومن في السفر يصلي بهم رجل منهم. ويصليها رجل وحده. ومن فاتته مع الإمام، فليس عليه أن يصليها، فإن فعل ما دامت الشمس منكسفة، فلا بَأْسَ. ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك، وإذا رفع رأسه من الركعة الأولى في خسوف الشمس، افتتح بأم القرآن. ومن (كتاب) ابن حبيب، وهي سنة عن الرجال، والنساء، ومن عقل الصلاة من الصبيان، والمسافرين، والعبيد. وللإمام إن شاء أن يصليها في المسجد تحت سقفه، أو في صحنه، وإن شاء خارجا في البراز. قاله أصبغ. وأحب للإمام إذا سلم منها، أن يحول وجهه إلى الناس، فيذكرهم، ويخوفهم، ويأمرهم بالعتق والصدقة وذكر الله والتقرب إليه.
ووقتها من حين تخسف الشمس إلى أن تحرم الصلاة بعد العصر. قاله مُطَرِّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، ولم يروا قول ابن القاسم إلى الزوال. ولا يصلي في طلوع الشمس قبل أن تبرز وتحل الصلاة، وَلَكِن يقف الناس يدعون، ويذكرون الله، فإن تمادت صلوها، وأن انجلت حمدوا الله ولم يصلوها. ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك، وإذا صلاها أهل البادية فلا بَأْسَ أَنْ يومها أحدهم. ومن (المجموعة)، روى ابن وهب، عن مالك، أنها تصلى في وقت صلاة، وإن كان بعد الزوال. وَرَوَى ابن القاسم، لا تصلى بعد الزوال. وَرَوَى عنه علي، لا تصلى بعد العصر وَلَكِن يجمع الناس، فيدعون ويكبرون ويرغبون. ومن هي عليه فلم يصلها، فلا يقضيها. قال أشهب: ومن لم يقدر أن يصليها مع الإمام من النساء والضعفاء، فلهم أن يصلوها فرادي وبإمام، ومع الناس أَحَبُّ إليَّ لمن قدر. قال عنه علي: ويفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع، فيصلون أفذاذًا، ويكبرون. ويدعون. قال أشهب: يفزع إلى الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. والنافلة ركعتان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن العباس: خسف القمر بعهد
ما جاء في صلاة الاستسقاء
النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجمعنا إلى الصلاة معه، كما فعل في خسوف الشمس، فرأيته صلى ركعتين فأطالهما، وما رأيته صَلَّى نافلة فطولها، ثم انصرف. ومن أصل (كتاب عبد العزيز ابن أبي سلمة)، وذكر صلاة خسوف الشمس، وأن النبى صلى الله عليه وسلم جمع الناس فيها، ولم يبلغنا أنه جمعهم لخسوف القمر. قال: فنحن إذا كنا فرادى في خسوف القمر صلينا هذه الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأفزعوا إلى الصَّلاَة». قال أشهب، في (المجموعة): والصلاة أيضًا حسنة في غير ذلك، من ريح شديد، أو ظلمة، فرادى أو جماعة، إذا لم يجمعهم الإمام، ويحملهم عليه، وَلَكِن يجتمع النفر يومهم أحدهم، ويدعون ويومر في مثل هذا الأفزاع بالصلاة، وَرَوَى نحو ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في صلاة الاستسقاء قال مالك، في (المختصر): وصلاة الاستسقاء سنة، فإذا خرج الإمام إليها، خرج من منزله ماشيا، متواضعا غير مظهر لفخر ولا زينة، راجيا لما عند الله عز وجل، ولا يكبر في ممشاه حتى يأتي مصلاه، فيقدم بالناس بلا أذان ولا إقامة، فيكبر تكبيرة واحدة، ثم يقرأ بأم القرآن وسورة جهرا، ثم يركع ويسجد، ثم يصلي ركعة اخرى كذلك، ويتشهد ويسلم، ويستقبل الناس للخطبة، يبدأ فيجلس، فإذا اطمأن الناس قام متوكئا على عصا أو قوس، فإذا فرغ من خطبته
الأولى جلس، ثم قام فخطب، فإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة فحول رداءه ما على ظهره منه يلي السماء، وما كان يلي السماء يجعله يلي ظهره، ثم يستسقى الله عز وجل، ويدعو، ويفعل الناس كفعله، وهو قائم، وهم قعود، ثم ينزل وينصرف، وليس على الناس صيام قبل الاستسقاء، {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (البقرة: 184). قال محمد بن عبد الحكم: وقال الليث: يحول الإمام رداءه، ولا يحول الناس أرديتهم. ومن (كتاب ابن حبيب): ومن سنتها أن يخرج الناس مشاة في بذلهم، ولا يلبسون ثياب الجمعة، بسكينة ووقار، متواضعين متخشعين، متضرعين وجلين، إلى مصلاهم، فإذا ارتفعت الشمس، خرج الإمام ماشيا متواضعا في بذلته، متوكئا على عصا أو غير متوكئ، حتى يأتى المصلى، فيصلى ركعتين، يجهر فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل في كل ركعة، ثم يقوم فيجلس في مقام خطبته مستقبلا للناس جلسة خفيفة، ثم يقوم متوكئا على عصا فيخطب خطبتين يجلس بينهما، فيأمر بطاعة الله سبحانه، ويحذر عن معصيته ومن بأسه ونقمته، ويحض على الصدقة والاجتهاد في الدعاء أن يرفع عنهم المحل، حتى إذا لم يبق من الخطبة الآخرة غير الدعاء والاستغفار، استقبل القبلة، ثم حول رداءه مكانه قائمًا ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ويحول الناس جلوسا، ثم يرفع يديه، ظهورهما إلى السماء تلقاء وجهه ويدعو، ويفعل الناس مثله جلوا ويبتهلون بالدعاء، وأكثر ذلك الاستغفار حتى يطول ذلك، ويرتفع النهار، ثم إن شاء الإمام انصرف على ذلك، وإن شاء تحول إليهم فكلمهم بكلمات، ورغبهم في الصدقة والتقرب إلى الله سبحانه، ثم ينكفي منصرفا. وهذا الذي استحب أصبغ، وهو أَحَبُّ إليَّ. وكان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء للناس وللإمام وبطونهما إلى الأرض. وذلك العمل عند
الاستكانة والخوف والتضرع، وهو الرهب، فأما عند الرغبة والمسألة، فبسط الأيدي، وهو الرغب، وهو معنى قول تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (الأنبياء: 90) و {خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة: 16). وَرَوَى أنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه في الاستسقاء. وفعله عمر. ومن (المجموعة) روى علي، عن مالك، أنه استحسن رفع الأيدي في الاستسقاء. قال عنه ابن القاسم: إذا فرغ الخطبة، استقبل القبلة، فحول رداءه ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ولا يقلبه فيجعل الأعلى الأسفل والأسفل الأعلى. وقال عنه علي: يحول رداءه بين ظهران خطبته. وقال ابن الماجشون: بعد صدر منها، ثم يحول رداءه من ورائه، يأخذ ما على عاتقه الأيسر فيخلعه، ويمر به من ورائه، فيضعه على منكبه الأيمن، ويجعل ما على الأيمن على الأيسر، ويبدأ بيمينه في العمل. وقد ذكرنا قوله في (المختصر). قال ابن الماجشون: ويرفع يديه ويدعو، وليس على النساء تحويل أرديتهن، ولا يتكشفن، ثم يحول إليهم وجهه، فيتم خطبته، ويحض على الخير، ويكثر الاستغفار.
يستنزل به الإجابة، وكذلك ذكر الله سبحانه، عن من رضى من أنبيائه، وليومروا قبل ذلك بما يرقهم، ويدخل عليهم سبب خشوع، وأن يصوموا اليوم واليومين والثلاثة. وهذا قول مالك، وأبي المغيرة، ومن حضرنا استسقاء من ولاتنا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليأمرهم الإمام أن يصبحوا صيامًا، وقد فعله عمر، ولو أمرهم بالصادقة وصيام ثلاثة أيام كان أَحَبُّ إِلَيَّ. وقد فعله موسى بن نصير بإفريقية، وخرج بالناس، فجعل الصبيان على حدة، والنساء على حدة، والإبل والبقر على حدة، وأهل الذمة على حدة، وصلى وخطب، ولم يدع في الخطبة لأمير المؤمنين، فقيل له في ذلك، فقال: ليس هو يوم ذلك. ودعا، ودعا الناس إلى نصف النهار. واستحسن ذلك بعض علماء المدينة، وقال: أراد استجلاب رقة القلوب بما فعل. ومن (موطا ابن وهب)، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى نظر إلى السماء، ورفع يديه حذو وجهه، وحول رداءه، واستغفر الله واستسقاه. وفي حديث مالك، أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: «اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت». كان يردد هولاء الكلمات في دعائه. قال ابن وهب: ولا بَأْسَ إن استسقى أياما متوالية. ولا بَأْسَ أَنْ يستسقى في إبطاء النيل. قال أصبغ: قد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرون يوما متوالية
يستسقون على سنة صلاة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم، وابن وهب، ورجال صالحون، ينكرون. ومن (العتبية)، قال أشهب، عن مالك: ولا بَأْسَ بالاستسقاء بعد المغرب والصبح وقد فعل عندنا، وما هو بالأمر القديم. قيل: إن أهل برقة إذا كان مطرهم وزرعوا وسال أوديتهم بما يشربون، فأتاهم مطر، فزرعوا عليه ولم يسل واديهم بما يشربون، أيستسقون؟ قال: نعم. قيل له: إنه قيل: إنما الاستسقاء إذا لم يكن مطر، وأنتم قد مطرتم ما زرعتم عليه زرعا كثيرا. فقال: ما قالوا شيئا، ولا بَأْسَ بذلك. قال ولا يكبر في الاستسقاء إلاَّ في الإحرام. ومن (المجموعة) قال أشهب: ووسع أن يخرج فيها بالمنبر أولا يخرج. ومن (المجموعة) قال ابن الماجشون: وليس في الغدو إليها جهر بتكبير ولا استغفار إلاَّ في الخطبة، فإنه يستغفر فيها، ويصل به كلامه، ويأمرهم به. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يمنع اليهود والنصارى من الاستسقاء، والتطوف بصلبهم، وشركهم إذا برزوا بذلك، وينحوا به عن الجماعة، ويمنعوا من إظهار الزنى وشرب الخمر. وكره ابن وهب التنفل قبل صلاة الاستسقاء وبعدها. وبه أقول. وأجازه ابن القاسم. ومن (المجموعة)، روى علي، عن مالك، أنه لا بَأْسَ بالتنفل قبلها وبعدها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: ومن فاتته، فإن شاء صلاها، وإن شاء ترك.
في سجود القرآن، وسجود الشكر قال مالك: أجمع الناس على أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء. يقول: أجمعوا عليه. قال غيره: قال أكثر: أهل العلم: إنها عزائم. وقال بعضهم: العزائم أكثر منها وأما في المفصل فلا يسجد فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في {وَالنَّجْم} بعد ما قدم المدينة. وقال ابن عباس: السجود في القرآن إحدى عشرة سجدة، وليس في المفصل سجود. وقال ابن عمر. وهو قول ابن المسيب، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء. ومن (كتاب ابن حبيب)، قال: وقيل العزائم إحدى عشرة. وقيل: أربع عشرة. وأرى أن يسجد في خمسة عشرة سجدة؛ سجداتان منها في الحج، وسجدة في {وَالنَّجْم}، وسجدة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وسجدة في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} كما جاء في الحديث. قال محمد بن عبد الحكم: وذهب ابن وهب إن يسجد في خمس عشرة سجدة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويسجد في الأعراف في آخرها، وفي الرعد: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} (الرعد: 15). وفي النحل: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل: 50). وفي سبحان: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء: 109). وفي مريم: {سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم: 58). وفي الحج، السجدة الأولى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (الحج: 18)، والثانية: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77). وفي الفرقان: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان: 60). وفي النمل: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (النمل: 26). وفي الم تنزيل: {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة: 15). وفي ص: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ} (ص: 24، 25). وقال غيره: السجدة في قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص: 24). وكذلك في (مختصر الوقار). قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: في حم تنزيل: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت: 37). قاله علي، وابن مسعود، وفي قول ابن عباس: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (فصلت: 38). وكل واسع، والأول أحب إلينا، وبه قال مالك، والليث، ونافع القارئ. وفي النجم، في خاتمتها، وكذلك: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (الانشقاق: 1). و: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (العلق: 1). ومن قرأ سورة في آخرها سجدة، فسجد، ثم قام، فإن شاء ركع، وإن شاء قرأ من الأخرى شيئا ثم ركع.
وإذا مر المعلم والمتعلم المحتلم بسجدة، فقال ابن القاسم: يسجدان اول مرة، ثم لا يسجدان. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس ذلك عليهما أولاً ولا آخرًا. وقال ابن نافع، عن مالك في (المجموعة) مثل قول ابن القاسم. وَرَوَى ابن القاسم، وابن وهب عن مالك، في الغلام اليفاع يعرضه أبوه، فيمر بالسجدة، فليس عليه أن يسجدها إذا كان على وجه التعليم، وكذلك المعلم، وهذا يكثر عليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا جاوزها القارئ بشيء يسير فليسجدها، ويقرأ من حيث انتهى. وإن كان كثيرا رجع إلى السجدة فقرأها وسجدها، ثم رجع إلى حيث انتهى من القراءة، وإذا لم يسجدها قارئها، فلا يسجد من جلس إليه وقال مُطَرِّف،. وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وأعاب قول ابن القاسم في ذلك. قال مُطَرِّف، وابن الماجشون: ولا يرخص في سجودها بعد العصر وإن لم تتغير الشمس، ويسجد بعد الصبح ما لم تسفر، كما يركع حينئذ الطائف ولا يركع بعد العصر. وهذا خلاف قول ابن القاسم. وروايته. قال: ويسجدها الماشي إذا قرأها، وينزل لها الراكب إلاَّ في سفر الإقصار، فليسجد على دابته إيماء. قال ابن المواز: قال أشهب: ولا يقرأ الإمام في الخطبة يوم الجمعة سجدة، فإن فعل فلينزل. فيسجدها ويسجد الناس معه، فإن لم يفعل فليسجدوا، ولهم في الترك سعة؛ لأنهم إمامهم، وينبغي أن يعيد قراءتها إذا صلى ويسجد. ومن (المجموعة)، روى علي، عن مالك، أنه لا ينزل ولا يسجدها؛ فإن العمل على آخر فعل عمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يقرأ الإمام السجدة فيما يسر فيه. ومن (العتبية)،
روى أشهب، عن مالك، أنه كره للإمام قراءة سورة فيها سجدة، إلاَّ أن يكون من خلفه قليل لايخاف أن يخلط عليهم. وَرَوَى عنه ابن وهب، في موضع آخر: ولا بَأْسَ أَنْ يقرأ الإمام باسجدة في الفريضة. قال عنه ابن القاسم: وأكره أن يجلس الرجل للقوم يقرأ لهم، فإذا قرأ سجد وسجدوا، ولا يجلس إليه. قال عيسى، عن ابن القاسم: ومن قرأ سجدة، فركع بها، فإن تعمد ذلك، أجزأته الركعة في الفريضة والنافلة مع كراهتي لذلك، وليقرأها في الثانية ويسجد، وإن كان ذلك سهوا، فذكر وهو راكع، فليخر ساجدا، ويقوم ويبتدي القراءة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويسجد بعد السلام إذا كان أطال الركوع. يريد: اطمأن في ركوعه. والله أعلم. قال ابن القاسم: وإن لم يذكر حتى أتم الركعة، ألغاها. وَرَوَى أشهب، عن مالك، أنها تجزئه ركعه وإن ركعها ساهيا عن السجدة. وكذلك روى علي، عن مالك، في (المجموعة)، قال: ويقرأ السجدة فيها بقى من صلاته، ويسجد بعد السلام. وقال مثل المغيرة، إلاَّ في سجود السهو، فلم يره. وقال: إن ذكر وهو راكع، مضى ركعته، وترك السجدة، ولا سهو عليه. قال أبو محمد: ينبغي أن يكون معنى قوله: (ركع ساهيا). أي يسهو عن السجدة، وقصد إلى الركعة قياما ويؤخر للسجود، فلما انحنى صلبه على ذلك نسى السجدة، فيبقى راكعا؛ فلهذا لا تجزئه الركعة، لأنه نوى بانحطاطه السجود الذي ليس بفريضة، ولا يجزئه غير فرضه ـ والله أعلم ـ إلاَّ على قول من يرى أنه إذا ظن أنه في النافلة، فصلى ركعة، ثم يذكر أنه في فريضة، فإنها تجزئه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى جميع أصحاب مالك أنها تجزئه، إلاَّ ابن القاسم.
في قيام رمضان، في صلاة الليل، وذكر الاستعاذة، وقنوت الوتر
قال: وإذا قرأها في الأولى فلم يسجد، فليقرأها في الثانية وإن كانت فريضة، ويسجد. واختلف قول ابن القاسم في الفريضة. وإذا كانت آخر الصلاة فهو في سعة أن يقرأها بعد فراغه ويسجد، أو لا يقرأها. وكذلك لو كان في النافلة فخرج إلى أخرى. ومن (المجموعة)، قال علي، وابن نافع، عن مالك: وإن سجد السجدة، ثم سجد معها ثانية سهوا، فليسجد بعد السلام. قال عنه علي: ولو سجد في أية قبلها يظن أنها السجدة، فليقرأ السجدة في باقي صلاته، ويسجد بعد السلام. ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في الجالس يسجد إيماءا، بأثر صلاة، أو عند دعاء أو رقه يجدها. قال: ما أحبه، ولم أر أحدا من العلماء فعله. ومن (العتبية)، روى أشهب، عن مالك، فِي مَنْ بلغه شيء يحبه، فسجد شكرا لله. قال: لا ليس من أمر الناس. وأنكر ما روى فيه عن أبي بكر في فتح اليمامة، وقال: فتح الله سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم، فما سمعت أن هذا فعل، إذا كان أمر بين، لا يأتيك أنهم فعلوه، فدعه. قال عنه ابن القاسم، في (المجموعة): وقد فعله بعض أمراء بني أمية، ولم يكن معه فقه. في قيام رمضان، في صلاة الليل، وذكر الاستعاذة، وقنوت الوتر من (كتاب ابن حبيب)، قال: ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان من غير أن
يأمر بعزيمة، فقام الناس وحدانا، منهم في بيته، ومنهم في المسجد، فمات عليه الصلاة والسلام على ذلك، وفي أيام أبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم رأى عمر أن يجمعهم على إمام، فأمر أبيًّا، وتميمًا الداري، أن يصليا بهم إحدى عشرة ركعة بالوتر، وكانوا يقرأون بالمائتين، فيثقل عليهم، فخفف في القيام وزيد في الركوع. وكانوا يقومون بثلاثة وعشرون ركعة بالوتر، وكان يقرأ بالبقرة تم ثمان ركعات، وربما قرأها في اثنى عشرة ركعة. وقيل: كان يقرأ من ثلاثين آية إلى عشرين، إلى يوم الحرة، فثقل عليهم طول القيام، فنقصوا من القراءة وزيد في الركوع، فجعل ستة وثلاثين ركعة والوتر بثلاث، فمضى الأمر على ذلك.
قال: وأمر عمر بن عبد العزيز في أيامه أن يقرأ في كل ركعة بعشرة آيات. وكره مالك أن ينقص من ذلك، أو يمد القرأءة، أو يطرب تطريبا فاحشا. قال: وإذا أمهم من لا يحفظ إلاَّ المفصل يردد، فهو أَحَبُّ إليَّ ممن يومهم في الصحف ليختم، فإما إن لم يحفظ إلاَّ مثل سور المغرب ونحوها، فليومهم نظرا.؟ قال: ولا بَأْسَ أَنْ يحزن القارئ قراءته من غير تطريب ولا ترجيع يشبه الغناء، أوتحزينا فاحشا يشبه النوح، أو يميت به حروفه، وأما المرتل فيه يستحسن من ذي الصوت الحسن. ولا بَأْسَ أَنْ يصلى من حول المسجد في دورهم بصلاة الإمام، إذا سمعوا التكبير. ولا بَأْسَ أَنْ يسمع الناس رجل بتكبير الإمام، وصلاتهم جائزة، ولا يفعله في الفرائض. ومن (العتبية)، قال ابن القاسم، عن مالك: قد جاء في صلاة الليل إحى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، وأكثر ذلك أَحَبُّ إليَّ وكره لمن بقي عليه حزبه أن يقرأه في مسيره إلى صلاة الصبح، وقال يقرأ في السوق، بل في الصلاة، وفي المسجد. وَرَوَى عنه أشهب، قال: ولا بَأْسَ بالصلاة خلف من يصلي القيام بالناس بإجارة، إن كان بأس فعليه. قال وكره أن يجهر القارئ في قيام رمضان بالاستعاذة، وليستعذ في نفسه إن شاء، وتركه أحب الى. فقيل: يقول: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (المؤمنون: 98)، أن الله هو السميع العليم. فكرهه. قيل: أيستعيذ من الشيطان؟ قال: لا، ولكنه أيسر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لم ير مالك بأس بالاستعاذة في رمضان جهرا، وذلك
في أول افتتاح القارئ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأحب إلى أن يفتتح بالاستعاذة في كل ركعة، وعن أول السورة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن دخل والناس في القيام، ولم يصل العشاء، فإن شاء صلاها في المسجد والناس في قيامهم فإذا فرغ دخل معهم، وإن شاء دخل معهم من أول وأخرها لإلى انصرافهم فيما بين ثلث الليل ونصفه. وقال ابن وهب وابن نافع، عن مالك، في (المجموعة): فليصليها لنفسه وهم في قيامهم، ولا يركع، بركوعهم. قال عنه ابن القاسم: وليصلها وسط الناس. وقال في موضع آخر: يصلي في مؤخر المسجد. قال عنه ابن نافع، فِي مَنْ أحرم بتنفل بين ألاشفاع، ثم قام الناس للصلاة: فيتم ركعته معهم. قال عنه ابن القاسم، في (العتبية): (ومن أدرك الركعة الآخرة من الركعتين الأوليين من الترويحة، فلا يسلم مع الإمام، وليصحبه في الثالثةـ يريد: وهو يصلي لنفسه ـ قال: فإذا قام الإمامجلس هو فتشهد وسلم، ثم دخل معه، وقضى ركعة)، وَرَوَى أشهب مثله عن مالك، وقال: ويتوخى أن يوافق ركوعه ركوعهم. وحكى ابن حبيب، أن ابن القاسم قال: يدخل معهم في التي قاموا اليها، ويتبعهم فيها. وأعاب ذلك، وقال: إنما يتوخى أ، يوافق ركوعه، ولا يتبعهم. وأظن ابن حبيب إنما تأول على ابن القاسم ما ذكر عنه، وإنا أراد: نصحبهم بصلاته، وكذلك روايته عن مالك. ومن (العتيبة)، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فِي مَنْ نسي السلام في قيام
جامع القول في صلاة النوافل
رمضان حتى دخل في ثالثة مع الإمام، فيجلس يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام، ثم يدخل معهم، وإن ذكر وهو راكع، تمادى وسجد لسهوه. وقد خففه. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك، في القنوت في الوتر: ليس من الأمر القديم وقال نحوه علي عن مالك، وتقدم بقية القول في القنوت، في باب الوتر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن قام رمضان مع الناس، وهو يريد إذا انصرف أن يركع في بيته، فلا يوتر معهم، وليؤخره حتى يصلى خاتمة صلاته، وإن لم يرد ذلك، فليوتر. جامع القول في صلاة النوافل من (العتبية)، ابن القاسم عن مالك، وفي التنفل في المسجد، قال: هو شأن الناس في النهار، يهجرون لذلك، وفى الليل في البيوت وهو اعلم بنيته إن صحت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل في بيته. قال: ومن شأن الناس في قيام الليل يرفعون أصواتهم للقراءة، وهو أحب إلى. وأكره طول السجود في النافلة في المسجد، وأكره الشهرة. والتنفل في البيوت أحب إلى منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلاَّ للغرباء، ففيه أحب إلى. قال: في موضع آخر: والطواف بالبيت للغرباء أَحَبُّ إليَّ من التنقل لأهل مكة أَحَبُّ إليَّ. قال ابن القاسم عن مالك، في (العتبية): ومن دخل المسجد الحرام فليبدأ
بالطواف قبل الركوع وأما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليبدأ بالركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ذلك واسع. قال ابن القاسم: والركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إليَّ. قال: وكره مالك لمن يحيي الليل كله. قال: ولعله يصلي الصبح مغلوبا، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، كان يصلي أدني من ثلثي الليل ونصفه. قال وإذا أصابه النوم فليرقد حتى يذهب عنه. ثم رجع فقال: لا بَأْسَ به ما لم يضر بصلاة الصبح. قال: ولا أحب لمن يغلب عليه النوم أن يصلي جل ليلته حتى تأتيه صلاة الصبح وهو ناعس، وإن كان أنما يدركه كسل وفتور فلا بَأْسَ بذلك. قال: والصلاة أَحَبُّ إليَّ من مذاكرة الفقه. وَرَوَى عنه في موضع آخر، أن العناية بالعلم أفضل إذا صحت فيه النية. ويذكر عن سحنون، أنه قال: يلزم أثقلهما عليه. قيل: والتنفل بين الظهر والعصر؟ قال: إنما كانت صلاة القوم بالليل، وبالهاجرة. وقال: قال ابن المسيب، وقد رأى من تنفل بين الظهر والعصر ليست هذه العبادة، إنما العبادة الفكر في أمر الله والورع عن محارم الله. وفي موضع آخر، أنه رأى عبد الملك بن مروان يصلي حينئذ. وفي موضع آخر، قال مالك: إنما كانت عبادتهم الصلاة في آخر الليل وبالهاجرة، والورع والفكر، ومن (المجموعة)، قال عنه ابن القاسم: كأني رأيته يكره الصلاة بين الظهر والعصر. قال: وقيل لمالك، فِي مَنْ يريد يطول التنفل، فيبدأ بركعتين خفيفتين، فأنكر ذلك، وقال: يركع كيف شاء وأما إن كان هذا شأن من يريد طول التنفل فلا. قيل لأشهب: أطول القيام أحب إليك أم كثرة السجود؟ قال: كل حسن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه وقد سأله في أمر الدين: «أعني على نفسك بكثرة السجود». وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال:
«طول القنوت». وإنه لأَحَبُّ إليَّ كثرة القراءة، على سعة ذلك كله. قال عنه ابن القاسم، في الذي يتنفل بالنهار، أيسمع نفسه؟ قال: إن كان خاليًا لا يسمع أحدا فلا بَأْسَ بذلك. قال عنه ابن نافع: لا بَأْسَ بالجهر في النافلة بالنهار، ولعله أقوى له. قال ابن نافع: ولا يرفع صوته جدًّا. قال عنه ابن نافع: ولا بَأْسَ أَنْ يتنفل بأم القرآن فقط. ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم، قيل: فقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرارًا في الركعة؟ فكرهه، وقال هذا مما أحدثوا. وقال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: ومن قرأ بقية الختمة في ركعة، ثم أراد أن يبتدي فيها القرآن، فلا يقرأ بأم القرآن في ركعته هذه ثانية، وَلَكِن يبتدي بالبقرة. قال عنه ابن القاسم، في (المجموعة): وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبية، وعامر بن عبد الله لا ينصرفان من صلاتهما لأحد يجلس إليهما. قال مالك: وهو أَحَبُّ إليَّ، إلاَّ في حاجة خفيفة، أو من يسأل عن مسألة تنزل به، وشبه ذلك، وإلاَّ فلا. قال عنه ابن القاسم، في (العتبية)، قيل فأى موضع من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليك الصلاة فيه؟ قال: مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال ابن القاسم: هو العمود المخلق ـ وأما الفريضة فالصف الأول.
قيل لمالك: أيتنفل الرجل ويقول: إن كنت ضيعت في حداثتي فهذه قضاء تلك؟ قال: ما هذا من عمل الناس. قال: ومن ذكر العصر، فلما صلى منها ركعة ذكرأنه صلاها، فليشفعها بأخرى، وليس كمن قصد التنفل بعد العصر. وذكر مثله ابن حبيب عن ملك، وقال: فإن ذكر قبل أن يركع قطع، ولو كانت غير العصر لتنفل على إحرامه ركعتين. ومن (المجموعة)، قال أشهب: وللرجل أن يصلى النوافل في أي ساعة شاء من ليل أو نهار، إلاَّ ساعتين؛ إذا صلى الصبح إلى أن ترتفع الشمس، وبعد العصر إلى المغرب، وأما الصلاة نصف النهار إلى أن تزول الشمس، فلا أرى بذلك بأسا، والذي ثبت وتتابعت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس: وقال ابن القاسم: عن مالك: سئل مالك عن الصلاة نصف النهار وقال لم يزل من عمل الناس، والعباد عندنا يهجرون فيصلون بذلك في الجمعة وغيرها، وما ادركت الناس إلاَّ على ذلك. ومن (الموطأ)، روى مالك أن عمر بن الخطاب كان يتنفل بالهاجرة. قال ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: بعض الشيوخ كان يركع عند النداء للمغرب يريد إنكارا لما فعل. قال أشهب: ومن افتتح النافلة على أن يصليها أربعا أو ستا، فإن استفاق وهو راكع في الثالثة، فليجلس ولا يرفع، ويسلم، ولا قضاء عليه، ولو قطع لم يقض إلاَّ ركعتين، إلاَّ أن يقطع بعد عقد الثانية فليعد أربعا، ويسلم من كادل ركعتين، ولو قطع ساهيا لم يكن عليه قضاء، ولو تنفل أربعا، وتعمد ترك القراءة فيها، فلا يقضى إلاَّ ركعتين، ولو قطع ساهيا لم يقضى شيئا، ولو ترك القراءة عامدا في الثانية مع الرابعة أومع الثالثة، لم يكن إلاَّ ركعتين.
في الاجتماع للقراءة بألحان، أو بغير ألحان، أو للتعليم
ومن افتتح على أربع، فصلى خلفه رجل، فسلم المأموم من اثنتين، فلا يقضي؛ لأنه خرج بتأويل. ومن افتتح في نافلة في وقت لا يجوز فيه التنفل، قطع متى ما استفاق لذلك، ولا قضاء عليه. ومن (أمهات أشهب)، ومن افتتح النافلة ركعتين جالسا، فلا بَأْسَ أَنْ يقوم إن يشاء، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فأما إن افتتحها قائما، فأراد أن يجلس من غير عذر، فقد لزمه تمامها. بما نوي فيها من القيام، ولا يجوز أن يخفف من ذلك، فإن فعل أعاد، ولو غلبه عن ذلك غالب فلا قضاء عليه. ولو نظر ركعتين قياما، فأخذ فيهما، فغلبه عنهما، فليقضيهما. وابن القاسم يرى في الذي افتتحها قائما، أن له أن يجلس غيها إن شاء. في الاجتماع للقراءة بألحان، أو بغير ألحان، أو للتعليم من (العتبية)، قال ابن القاسم: قال مالك: لا بَأْسَ بما يفعل بمصر، يقرئ الرجل النفر يفتح عليهم. قال: والقراءة في المسجد محدث، ولن يأتي آخر الأمه بأهدي مما كان عليه سلفها، والقرآن حسن. قيل: فالنفر في المسجد، وإذا حف أهله جعلوا رجلا حسن الصوت يقرأ لهم؟ فكرهه. قيل: فقول عمر لأبي موسى: ذكرنا ربنا؟ قال: ما سمعت بهذا قط. وكره القرآن بالألحان، وقال: اتخذوا ذلك للأكل عليه. وكره اجتماع النفر يقرأون في سورة واحدة.
في الدعاء ورفع اليدين
في الدعاء ورفع اليدين من (العتبية)، قال ابن القاسم: قال مالك: قال أبو سلمة لرجل يدعو يرفع يديه، فأنكر عليه، وقال: لا تقلصوا تقليص اليهود. قيل: فيقول في دعائه: (يألله، يا رحمن)؟ قال: نعم، و (اللهم) أبين عندي، وبه دعت الأنبياء عليهم السلام. وكره أن يقوم بأثر الصلاة ليدعو قائما. وعن الدعاء عند ختمة القرآن، قال: ما علمته من عمل الناس، وما أرى أن يفعل. وكره للقوم أن يقفوا يدعون، ولا عند خروجهم من المسجد، أو عند دخولهم، وكره أن يقول في دعائه: (ياسيدى) أو (ياحنان)، وليدعوا بما في القرآن، وبما دعت الأنبياء عليهم السلام. ومن (المجموعة)، ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ يمسح وجهه بيديه في آخر دعائه وقد بسط كفيه قبل ذلك، فأنكره، وقال: ما علمته. قال: وأكره أن يدعو الرجل على نفسه بالموت، ولعله ذلك لحال. يرجوها، أ, لكراهية مصيبة، فما أحب ذلك. ومن (العتبية)، ابن القاسم، قال في موضع آخر: وقد كان عمر يحب الحياة، وإنما دعا على نفسه بالموت خوف الغير. قال غيره: وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز. وَرَوَى في الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي».
باب في مس المصحف، وذكر حليته وشكله، وشىء من ذكر القراءة، وذكر ما يعلق من القرآن يستشفى به
ومن (العتبية)، ابن القاسم، عن مالك: وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس يومئذ، فيكبرون ويدعون، فلينصرف عنهم، ومقامه في منزله أحب الى فإذا حضرت الصلاة، رجع فصلى في المسجد. باب في مس المصحف، وذِكْرِ حليته وشكله، وشيء من ذِكْرِ القراءة، وذِكْرِ ما يعلق من القرآن يستشفي به من (العتبية)، من سماع أشهب: وكره مالك تزيين المصاحف بالخواتم وأن يعشر بالحمرة، وقال: يعشر بالسواد، ولا بَأْسَ أَنْ يحلي بالفضة ولا بَأْسَ أَنْ يشكل منها ما يتعلم فيه الغلمان، فأما أمهات المصاحف فلا وكرهه. وكره أن يكتب القرآن أجزاء، أسداسا وأسباعا. ومن (المجموعة)، ابن القاسم: وكره مالك أن يكتب القرآن في المصحف، ولم ير بأسا لمعلم أن يكتب السورتين والخمس ونحوها يتعلم فيها الصبيان. قال عنه ابن وهب: إنه كره أن يكتب في المصاحف خواتم السور، يكتب في خاتمة السورة: فيها كذا وكذا آيه. قال: أكره ذلك في أمهات المصاحف، وأ، يشكل إلاَّ فيما يتعلم فيه الولدان. قال: ولقد نهيت عبد الصمد أن يكتب مصحفا بالذهب. قال عنه ابن القاسم: وقيل
باب جامع في المساجد، وفيه شىء من ذكر الشعر
للزبير في قراءة قرأها: إن الناس يقرأون على غير هذا؟ قال وددت أني أقرأ قراءتهم، وَلَكِن جرى لساني. قيل: فيقرأ: {فامضوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} كما روى عن عمر؟ قال: هذا واسع في (يمضون) و (يقيمون) و (يعلمون). قال عنه ابن وهب: إن بلالا كان يقرأ من هذه السورة وهذه السورة، ولا أراه كان يحسن إلاَّ ذلك، والذي يقرأ هكذا وهو مستقيم في دينه أَحَبُّ إليَّ من الآخر. قال عنه ابن القاسم وابن وهب، في الهذ في القراءة، قال: من الناس من إذا هذ كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن يهذ، والناس في هذا على قدر حالاتهم وما يخفف عليهم، وكل واسع. ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك: ولا بَأْسَ بما يعلق على الحائض والصبي في العنق من القرآن، إذا أخرز عليه، أو جعل في شيء يكنه، ولا بَأْسَ أَنْ يكتب ذلك للحبلى، أو شيء من ذكر الله تعالى وأسمائه يعلق عليها، فأما ما لا يعرف، والكتاب العبراني، فأكرهه. وكره العقد في الخيط. وفي كتاب الطهارات باب في مس المصحف وقراءة القرآن، فيه بقيه هذا. باب جامع في المسجد، وفيه شيء من ذكر الشعر من (العتبية)، من سماع ابن القاسم، وعن المساجد يتخذ في القرى للضيفان يبيتون فيها ويأكلون، فخفف ذلك. وكره الأكل في المسجد، كما يفعل في رمضان، وقال في شربة السويق: لو خرج إلى بابه فشربه، ولموضع المضمضة أَيْضًا. وقال أَيْضًا: أما الشربة من السويق، والطعام الخفيف، فأرجوا وأما
الألوان فلا يعجبني، ولا في رحابه. وأرخص لعبيد الدار أن يأتيه فيه طعامه. ومن (المجموعة)، ابن نافع عن مالك، وعم القوم يفطرون فيه على كعك وتمر منزوع النوى وزبيب، ثم يخرجون فيتمضمضون، قال: أرجو أن يكون خفيفا، وقد أكثروا من هذا حتى إن صلاة لتقام وهو في أفواههم، وما هذا عندنا، وإن الرجل عندنا ليخرج بالشربة من السويق إلى خارجه، ورب رجل يضعف عن القيام، فأرجو له سعة غيما خف. وإنما كرهه للمضمضة، غلو خرج وأكل وتمضمض، فنعم. قال عنه علي: ويشرب فيه الماء، فأما الطعام فلا، إلاَّ المعتكف، أو مضطرا أو مجتازا، ولا أحب أن يتخذ فيه فراشا للجلوس أو وسادة، ولا بَأْسَ أَنْ يضطجع فيه للنوم. قال عنه ابن نافع، قيل: يصلي في مسجد قصص بزبل الدواب فيها إن قصص بذلك؟ قال: فد يضطر إلى المسجد، فيصلي فيه ولا يعلم هل ذلك فيه. ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم: ولا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد. وسهل فيه للضيف، ومن لا منزل له، وقد كان أضياف النبي صلى الله عليه وسلم يبيتون في المسجد.
ولا بَأْسَ بالمساجد في الأفنية التي يدخلها الكلاب والدجاج أن يصلي فيها. وكره المراوح أن تجعل في المسجد. ولا بَأْسَ بتعليق التمر فيه من الأوقاف، لأكل الناس منه، وقد فعل بعهد النبي صلى الله عليه وسلم. وكره أن يوتى بالصبي إلى المسجد، إلاَّ صبي لا يعبث وقد بلغ موضع الأدب. وكره أن يتنخم على حصيره ويدلك. وأنكر القاسم بن محمد على رجل تمضمض فيه من سويق شربه، فاحتج عليه بالنخامة، فقال له: النخامة أمر لابد منه. وكره مالك تقليم الأظفار، وقتل النمل والبرغوث في المسجد، ودفنهما فيه. والتنخم تحت الحصير أَحَبُّ إليَّ من ذلك في النعلين، إلاَّ أن لا يصل إلى حصيره. قال مالك: وإنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المساجد، وما به بأس. وإنما يكره في الصلاة. وكره تقليم الأظفار، وقص الشارب فيه، وإن أخذه في ثوبه وأخرجه. وكره دفن الشعر والأظفار. ومن سماع أشهب، ومن نسي الحصباء في يده أو نعليه، فإن ردها إلى المسجد فحسن، وما ذلك عليه. وَرَوَى عنه ابن القاسم، في (المجموعة): لا بَأْسَ أَنْ يطرحها. ومن (العتبية)، أشهب وكره مالك أن يؤتى بالمراوح إلى المسجد. وقال
في النصارى الذين كانوا يبيتون في المسجد: لو أمروا أن لا يدخلوا إلاَّ من الباب الذي يلي عملهم. وينظر في قبر النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكشف. ولم يعجبه أن يستر بالخيش، ولينظر فيه. ولا يبنى مسجد بقرب مسجد ضرارا، فأما لصلاح وخير فلا بَأْسَ به. قال سحنون، في قرية فيها مسجد، فأراد قوم بناء آخر: فإن كان فيها محمل من يعمر فيهما فحسن، وإن قل أهلها، ويخاف من تعطيل أحدهما، فلا يبنى قال مالك: وما سمعت في الكراث والبصل، وما أحب أن يوذى الناس. وقال في موضع آخر: هما مثل الثوم، وقال ابن القاسم، في (كتاب ابن المواز). وقال في الفجل: إن كان يوذي ويظهر، فلا يدخل من أكله المسجد قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل من خضراتكم هذه ذوات الريح، فلا يقربنا في مساجدنا». قال عطاء: هي الثوم والبصل والكراث والفجل. وكره مجاهد لمن يريد قيام الليل أن يأكل الثوم والكراث.
ومن (العتبية)، أشهب عن مالك، (وكان عمر يقعد في المسجد بعد الظهر، وقال: مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت). قال موسى عن ابن القاسم: كره مالك أن يكتب في قبلة المسجد شيء، من القرآن والتزاويق، وكره كتابته في القراطيس، فكيف في الجدار. قال عبد المالك بن الحسن: قال ابن وهب: ولا يوقد في ناحية من المسجد نار، ولا تغسل فيه الأرجل من الطين، ولا ينادى فيه للجنائز، وَلَكِن على أبواب المسجد. أشهب، عن مالك: وللمتجالة أن تخرج إلى المسجد ولا تكثر الترداد، وللشابة أن تخرج إليه المرة بعد المرة، وتخرج في جنائز أهلها. قال سحنون ولا بَأْسَ أَنْ يجعل في بيته محرابا مثل حنية المسجد. ومن (كتاب ابن سحنون)، قيل سحنون، فِي مَنْ في جواره مسجد: أيجاوزه إلى غيره؟ قال: أما إلى الجامع فنعم، وأما إلى غيره فلا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أن يكون إمامه لا يرضى. ومن (المجموعة)، ابن القاسم عن مالك، أيكتب ذكر الحق في المسجد؟ قال: أما الشيء الخفيف فلا بَأْسَ به، وأما الشيء يطول فلا أحبه. قال: ولا بَأْسَ أَنْ يقضى الرجل الرجل فيه ذهبا، فأما بمعنى التجارة والصرف فلا أحبه. وقال في السؤال في المسجد، وهم يلحون ويبكون، قال: ينهوا عن ذلك. قال محمد ابن عبد الحكم: لا يعطون في المسجد. قال مالك: ولا ينبغى رفع الصوت في المسجد في العلم ولا في غيره، وكان الناس ينهون عن ذلك.
قال سحنون في (كتاب) آخر: ولا يعلم فيه الصبيان، ولا يجلس فيه للخياطة. قال ابن حبيب: وإنما يكره من الشعر في المسجد وغيره مثل ما فيه الغناء والهجاء والباطل، ولا بَأْسَ بغير ذلك منه في المسجد وغيره، وقد أنشد حسان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ورأيت ابن الماجشون مع محمد بن عبد السلام ينشدان فيه الشعر، ويذكران أيام العرب، وقد كان اليربوعي والضحاك بن عثمان ينشدان فيه مالكًا، ويحدثانه بأيام العرب، فيصغي إليهما. وكره مالك أن يدخل إليه بالخيل والبغال لينقل إليه ما يحتاج من مصالحه. قال ولينقل ذلك على الإبل والبقر لطهارة ما يخرج منها. وكره أن يجلس فيه على الفراش، أو يتكأ على وسادة، وأرخص في الخمر والمصليات أن يتقي بها برد الحصباء. قال مالك: ومن دمى فوه في المسجد، فلينصرف حتى يزول عنه، وإن كان في غير المسجد فليبصق حتى ينقطع، ولا يقطع صلاته، إلاَّ إن كثر جدًّا. وفي غير (الواضحة)، إن كان خفيفا فليرسله من فيه إرسالا في غير المسجد. وكره مالك أن يتوضأ في المسجد، وإن كان في طست. وَرَوَى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، لا بَأْسَ أَنْ يتوضأ في صحنه وضوءا طاهرا. وقال سحنون: ولا ينبغي ذلك. وهذا في الكتاب الطهارة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وجاء النهي أن تكون المطاهر إلاَّ خارجا منه في رحابه، وعلى أبوابه. وكره مالك قتل البرغوث والقملة في المسجد، وقال: وينحى من موضع دب
باب جامع
من المسجد، أو يصرها في ثوبه. وأجاز قتلها وقتل البرغوث في الصلاة في غير المسجد، وقتل البرغوث في المسجد عنده أخف من قتل القملة فيه. باب جامع من (العتبية)، ابن القاسم، قال مالك: أول من جعل المقصورة مروان حين طعنه اليماني، ولا بَأْسَ أَنْ يجعل خاتمه في يمينه للحاجة يذكرها، أو يجعل في إصبعه خيطا لذلك. وكره النوم بعد المغرب. قيل: فبعد الصبح؟ قال: لا أعلم حراما. قال: وسمع ابن رواحة، وهو مقبل، النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «اجلسوا». فجلس حيث سمعه في الطريق. ومن سماع أشهب، قال مالك: فالمسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وعمر الذي قدم قبلته، وقال: لولا أنى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يريد تقديمها ما فعلت. ثم قدمها عثمان إلى موضعها اليوم. قال: وكان أسد بن الحضير يصلي، فاضطربت فرسه، فنظر فلم ير شيئا، فرفع رأسه إلى السماء، فرأى شيئا يظله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «تلك الملائكة تسمع لقراءتك». قال: وكان نقيبا. وقال: ويقال: قبلة النبي صلى الله عليه وسلم قبالة الميزاب.
قال ابن المسيب: صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بعد الهجرة بالمدينة ستة عشرا شهرا، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين. قال ابن عمر: وجاء من أخبر الناس وهم في الصلاة بنسخ القبلة، فاستداروا إليها في الصلاة. قيل فالرجل يصلي لله سبحانه، ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم بذلك، أو يحب أن يلقى في طريق المسجد؟ قال إذا كان أول ذلك لله لم يضره ذلك إن شاء الله وإن المرء ليحب أن يكون صالحا، وربما كان هذا من الشيطان ليمنعه ذلك، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما شجرة لا يسقط ورقها في شتاء ولا صيف؟» قال ابن عمر: فوقع في نفسى أنها النخلة، وأردت أن أقوله. فقال له عمر: لأن تكون قلته أَحَبُّ إليَّ من كذا وكذا. ومثل هذا يكون في القلب لا يملك، قال الله تعالي: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} (طه: 39). وقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} (الشعراء: 84). قال: وكان عمر بن عبد العزيز يخرج، أراه، آخر الليل يصلي، وكان حسن الصوت، فيقول ابن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني، فقد آذاني.
فسكت، فعاوده، فقال برد: ليس المسجد لنا. فسمعه عمر، فأخذ نعليه وتنحى. ورأى سعد بن أبي وقاص رجلا بين عينيه سجدة، فقال: منذ كم أسلمت؟ فقال: منذ كذا وكذا. فقال سعد: فأنا أسلمت منذ كذا، فهل ترى بين عيني شياء. قال: وطعن أبو لؤلؤة عمر قبل أن يدخل في الصلاة. قال سحنون: أكره أن يجعل الثوب على النار لعله العمل. ولا بَأْسَ به على الشمس. وخفف المهاميز لهمز الدواب.
كتاب الجنائز
كتاب الجنائز في توجيه الميت، وتلقينه، وإغماضه إذا قضى قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: ومن (الواضحة)، قال مالك: لا أحب ترك توجيه الميت إلى القبلة إن استطيع ذلك، ومن (المجموعة)، ابن القاسم عن مالك، في التوجيه، قال: ما علمته من القديم. وقال هو ابن وهب عنه: وينبغي أن يوجه غلي القبلة على شقه الأيمن، فإن لم يقدر فعلي ظهره ورجلاه في القبلة. ونحوه في (الموطأ)، وفي (المختصر). وقاله ابن وهب، في (العتبية): قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى التوجيه عن علي بن أبي طالب وجماعة من السلف، فإن لم يقدر على ذلك لشدة نزلت به، أو لغير ذلك، أو لنسيان، أو شغل، فلا حرج، ولقد أغمي على ابن المسيب في مرضه، فوجه، فأفاق فأنكر فعلهم به، وقال: على الإسلام حييت، وعليه أموت وليهننى مضجعي ما كنت بين أظهركم. قال: وأراه إنما كره عجلتهم بذلك قبل نزول حقيقته، فلا أحب أن يوجه إلاَّ أن يغلب ويعاين، وذلك عند إحداد نظره، وشخوص بصره، وينبغي أن يلقن بلا إله الله ويغمض بصره إذا قضى. وَرَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. وَرَوَى أنه قال: «من كان آخر قوله لا إله إلاَّ الله حرم على النار». قال مالك، في (المختصر): ولا بَأْسَ أَنْ تغمضه الحائض والجنب. قال غيره: الإغماض سنة، أغمض النبي صلى الله عليه وسلم أبا سلمة، وأغمض أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في غسل الميت، وستر عورته، وهل يحلق له شعر أو يقص له ظفر؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ويستحب أن يقال عنده: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الصافات: 181، 182)، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (الصافات: 61)، {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (هود: 65). ويقال عند إغماضه بسم الله، وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه موته، وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه. ويستحب ألا يجلس عنده إلاَّ افضل أهله وأحسنهم هديا وقولا، ولا يكون عليه وقربه ثوب غير طاهر، ولا تحضره الحائض، ولا يحضره الكافر. وأن يقرب منه رائحه طيبة من بخور أو غيره. ولا بَأْسَ أَنْ يقرأ عنده {يس}، وإنما كره مالك ذلك أن يكون استنانًا. وقال في (المجموعة) ابن نافع عن مالك، وأشهب عنه، في (العتبية): ليس القراءة عنده والإجمار من عمل الناس. في غسل الميت، وستر عورته، وهل يُحْلَقُ له شَعْرٌ أو يُقَصُّ له ظُفْرٌ؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم للنسوة في ابنته: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا، أو أكثر، بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا». قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والسنة أن يكون الغسل وترًا.
قال النخعي: غسله وتر، كفنه وتر، وتجميره وتر، وغسل ابن عمر سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل ثلاثًا فالأولي صب عليه قراحًا والثانية غسل رأسه ولحيته وجسده بالماء والسدر بدأ برأسه ولحيته ثم بسقه الأيمن ثم بالأيسر ثم الثالثة بماء وشيء من كافور. وقال مثله النخعي إلاَّ أنه قال: يبدأ فيوضأ. قال ابن سيرين: يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء، غسل خمسا فإن خرج منه شيء غسل سبعا، لا يزاد على ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويوضأ كما يتوضأ الحي، ويدخل الماء في فيه ثلاثا ويستر عورته من سرته إلى ركبتيه، وإن احتاج إلى عصر بطنه فعل برفق ولا يعقص رأسه. قال أشهب. في كتاب (ابن عبدوس): وواسع أن يسرح رأسه أَوَّلاً يسرح. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليلوى ماقصح من مفاصله برفق، وإن احتاج إلى مباشرة فرجه جعل على يديه خرقه وأدخلها من تحت المئزر، لا يزيله عنه. قال في (المختصر): لا يفضى بيده إلى فرجه إلاَّ وعلى يده خرقة، إلاَّ لأمر لابد منه. ومن (كتاب ابن سحنون) وينبغي إذا جرد للغسل أن لا يطلع عليه إلاَّ الغاسل ومن يليه، ويستر عورته بمئزر. ويستحب أن يجعل على صدره ووجهه خرقة أخرى، ويوضع على أحد شقيه للغسل، ويقلب كذلك. وذكر هذا كله ونحوه عن أشهب. قال أشهب، في (المجموعة): وإن وضع على شقه الأيمن
أو الأيسر، فلا بَأْسَ، وإن أسندته صدرك أو مسك لك أو لم يسنده فلا بَأْسَ. قال (في كتاب ابن سحنون)، عن أشهب: وإذا عصر بطنه فليأمر من يصب عليه الماء أن لا يقطع مدام ذلك. ويغسل ما أقبل منه وما أدبر، والخرقة على يده، ثم يغسل تلك الخرقة ويغسل يده، ويأخذ خرقة أخرى على يده للغسل، ويدخاها في فيه لينظف أسنانه، وينقي أنفه. قال: ويغسله أولا بالماء وحده، ويغسل فيها لحيته ورأسه بالسدر، ويوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسله في الثانية بالماء والسدر؛ جسده ولحيته ورأسه، ويوضئه. وأنكر سحنون تكرير وضوئه. قال أشهب: وفي ترك ووئه سعة. والآخرة بالكافور، كانت الثالثة أو الخامسة، فإن لم يجد فبغيره من الطيب إن وجد، وإن احتاج فيها إلى عصر بطنه، لما يخاف، فعل. وإن خرج منه شيء. أعاد وضوئه. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يعم غسل جسده بالماء وحده في الغسلة الأولى، ثم يغسله في الثانية بغاسول بلده إن لم يجد السدر، وإن لم يجد فبالماء وحده ومن (المجموعة): وإن لم يحتج إلى غسل رأسه بغاسول لنقائه تركه. ثم الثالثة بماء وكافور وحده. ومن (المجموعة)، قال أشهب: فإن اشتدت مؤنه الكافور ترك. قال: والدر لغسل رأسه ولحيته أحب إلى، فإن لم يكن فغاسول أو غيره مما ينقى، وواسع بالماء وجده سخنا أو باردا. وكذلك لمالك، في (المختصر). قال: ولا بَأْسَ بالحرض والنطرون إن لم يتيسر السدر. قال أشهب: فإن وضى فحسن، وإن لم يوضأ فواسع، وكذلك يجزى الجنب الحى فكيف بالميت ويجعل على يده خرقة لمباشرة وجهه وإن احتاج إلى مباشرته بغير خرقة فواسع إن شاء الله. ولا بَأْسَ أَنْ ينقى أنفه ويغسل وفاه، ويمضمض، وتركه غير ضيق.
قال موسى، عن ابن القاسم، في (العتبية): ويعمل لشعر المرأة ما أحبوا من لفه، وأما الصفر فلا أعرفه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا بَأْسَ بضفره. قالت أم عطية: ضفرنا شعر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ضفائر، ناصيتها، وقرنيها، وألقي من خلفها. قال مالك، في سماع ابن وهب: ويوضأ الصبي إذا غسل. ومن (كتاب ابن القرطي) ولا يؤخر غسل الميت بعد خروج نفسه، ولا يغسل بماء زمزم ميت، ولا نجاسه وإنما يكره غسل الميت بماء الورد والقرنفل من ناحية السرف، وإلاَّ فهو جائز؛ إذ لم يغسل للطهر، وهو إكرام للقاء الملكين قال أبو محمد: وما ذكر ابن القرطي في ماء زمزم لا وحه له عند مالك وأصحابه، وإن كان يعني في قوله بماء الورد والقرنفل أنه لا يغسل بغيره من الماء القراح، فليس هذا قول أهل المدينة. قال أشهب، في (المجموعة): وأَحَبُّ إليَّ أن لا يحلق له عانه أو يقص له ظفر ولينق ما بها من وسخ. وكذلك قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وقال: لا ينتف له شعر، وما سقط من جسده من شعر أو غيره جعل معه في أكفانه. قال ابن سيرين: لا يؤخذ منه شعر، ولا تقلم أظفاره، إلاَّ أن يكون عند نزول الموت به فإذا مات فلا. وقال سحنون، في (كتاب ابنه): إن كان ذلك يتأدى به للمريض، فلا بَأْسَ به، وإن كان ليهيأ بذلك للموت، فلا يفعل. ومن (المجموعة)، قال أشهب: وإذا فرغت من غسله نشفته في ثوب وقد أمرت ثانية بل ذلك بتجمير ثيابه. قال غيه: فليلبسنه ما يلبس منهما، ثم يكفنه.
في الميت، هل ينجس الثوب الذى ينشف به، وما يصيبك من مائه، وهل على غاسله غسل، أو على حامله وضوء، وهل تغسله الحائض والجنب؟
في الميت؛ هل ينجس الثوب الذي ينشف به، وما يصيبك من مائه، وهل على غاسله غسل، أو على حامله وضوء، وهل تغسله الحائض والجنب؟ من (المجموعة) قال أشهب: وينشف الميت بثوب. قال سحنون: ولا ينجس ذلك الثوب الذي ينشف الميت به. وقال: محمد بن عبد الحكم يرى أنه ينجس بذلك الثوب. قال، في (كتاب ابن القرطي). لا يصلى به حتى يغسل، ولا بالماء الذي يصيبه من مائه. قال مالك، في (المختصر): ويغتسل من غسل ميتا أحب إلينا، وليس عَلَى مَنْ حمله وضوء. وَرَوَى عنه ابن القاسم في (العتبية)، أنه رأى أن يغسل غاسل الميت. وقال: عليه ادركت الناس. واستحبه ابن القاسم. وَرَوَى مثله أشهب في (المجموعة)، وأستحبه. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا غسل عليه ولا وضوء وقاله جملة من الصحابة والتابعين، وذكر حديث أسماء. وقاله مالك. وقال: فإن اغتسل من غير إيجاب فحسن. قال غيره، في (كتاب آخر): إنما أستحب له أن يغسل لئلا يتوقي ما يصيبه منه، فلا يكاد يبالغ في أمره؛ لتحفظه، وإذا وطن على الغسل فتمكنه أكثر، وإنما قيل: (ومن حمله فليتوضأ). يعني بذلك: ليصلى عليه إذا بلغ المصلى، ولئلا ينصرف ولا يصلي عليه. قال ابن القرطي: واختلف في غسل الجنب
في غسل من جدر أو شدخ وشبهه، وغسل بعض الجسد، أو الميت ينبش، ومن غسل هل يؤخر تكفينه أو حمله؟ وفي الموتى يكثرون، والعمل في غسلهم ودفنهم
الميت، وإجازته أحب إلينا. وليكثر الغاسل من ذكر الله. وأجاز محمد بن عبد الحكم للجنب أن يغسله. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك: لا أحب للجنب أن يغسل الميت، وذلك جائز للحائض. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وتغسل الحائض الميت، ولا ينبغي ذلك للجنب من رجل أو امرأة. قاله مالك والثورى. روى من (المجموعة) ابن القاسم عن مالك: ولا وضوء عَلَى مَنْ أفضى بيده إلى جسد الميت، أو حنطه، أو حلمه، وإن أصاب يده شيء مما يخرج منه غسل ما أصابه فقط. قال أشهب: وأَحَبُّ إليَّ أن يغتسل غاسل الميت توقيا؛ لما عسى أن يصيبه من أذى من الميت، فإن لم يفعل، ورأى أنه لم يصبه شيء، فذلك واسع. قال أشهب: ومن أصابه من الماء الذي غسل به الميت شيء، فغسل ذلك أوجب من الأول؛ فإن لم يفعل ورأى أنه لم يصبه شيء، وصَلَّى، ولم يعلم أن ذلك الماء أصابه شيء من أذى الميت، فلا شيء عليه. قال، في (كتاب ابن القرطي): ومن اغتسل عند الموت، لم يكتف بذلك الغسل إن مات في غسل من جدر أو شدخ وشبهه، وغسل بعض الجسد، أو الميت ينبش، ومن غسل هل يؤخر تكفينه أو حمله؟ وفي الموتى يكثرون، والعمل في غسلهم ودفنهم قال مالك، في (المختصر): وإذا كان به قروح تنسلخ أو جراح فليؤخذ غيره، ولا ينكأ ذلك. ومن (العتبية)، موسى عن ابن القاسم: ومن وجد مشدخا لا يقدر أن يغسل، صب عليه الماء صبا، وكذلك المجدور، ومن غمرته القروح، ومن إذا مس تسلخ، فليصب عليه الماء، ويرفق به قال مالك:
في جنب وميت معهما ما يكفي أحدهما
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن ما لا يبلغ منه إلى ما يفرط وينفسخ. ومن (المجموعة) قال علي عن مالك: ومن وجد تحت الهدم، وقد تهشم رأسه وعظامه، والمجدور والمتسلخ، فليغسلا، ما لم يتفاحش ذلك منهما. ومن (العتبية)، موسى عن ابن القاسم، وإذا وجد من الميت، مثل يد أو رجل أو رأس، فلا يغسل، ولا يغسل إلاَّ ما يصلي عليه. وقاله مالك في سماع ابن وهب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقال عبد العزيز: يغسل ما أصيب من، ويصلى عليه. ومن (العتبية)، يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في الميت ينبش قبره، قال: لا يعاد غسله، وليكفن ويدفن. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا ينبغي أن يغسل الميت إلاَّ بأن يحمل بأثر ذلك، فإن تأخر حمله بعد الغسل إلى غد، فلا يعاد غسله، وما خرج منه غسل، وما أصاب الكفن منه. قاله أصبغ، وغيره. وَرَوَى مثله علي عن مالك، في (المجموعة)، فيما يخرج منه بعد الغسل. ومن (العتبية)، روى عيسى عن ابن القاسم، قال: وإذا غسل بالعشي. وكفن من الغد، أجزأه ذلك الغسل. قال ابن حبيب: ولا بَأْسَ عند الوباء، وما يشتد على الناس من غسل الموتى لكثرتهم أن يجتزأ منه بغسلة واحدة، بغير وضوء، ويصب الماء عليهم صبا، ولو نزل الأمر الفظيع، فكثر فيه الموتى جدًّا، وموت الغرقى، فلا بَأْسَ أَنْ يقبروا بغير غسل إذا لم يوجد من يغسلهم، ويجعل منهم النفر في القبر. وقاله أصبغ، وغيره من أصحاب مالك. وَرَوَى عن الشعبي، قال: رمسوهم رمسا. في جنب وميت معهما ما يكفي أحدهما من (العتبية)، قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في رجلين في
في غسل أحد الزوجين صاحبه، والسيد يغسله من فيه بقية رق من إمائه
سفر، معهما من الماء ما يكفي أحدهما فمات أحدهما وأجنب الآخر، فالحي أولي به من الميت، وييمم الميت، وَرَوَى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، أنه إن كان الماء للميت، غسل به وإن كان بينهما، كان الحي أولي به. قال يحيى بن عمر، ويكون عليه قيمة حصة الميت لورثته. في غسل أحد الزوجين صاحبه، والسيد يغسله من فيه بقية رق من إمائه قال مالك، في (المختصر)، ومن (كتاب ابن سحنون): ولا بَأْسَ أَنْ يغسل أحدالزوجين صاحبه من غير ضرورة، ولا يطلع أحدهم على عورة صاحبه. وكذلك في سماع ابن وهب، زكذلك قال مالك في (المجموعة) تستر عورته. قال أشهب: تغسله زوجه وإن لم يبن بها. قال ابن سحنون، عن أبيه: وكذلك يغسلها هو. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويغسل أحد الزوجين صاحبه، والميت منهما عريانا من غير ضرورة، قال: ولها أن تغسله وإن تزوجت غيرره، إذا وضعت حملها قبل دفنه، ويتزوج هو أختها ويغسلها. قال ابن الماجشون: ولها أن تجففه وتكفنه، ولا تحنطه، إذ هي حاد، إلاَّ أن تضع حملها قبل ذلك كانت حاملا، أو تكون بموضع ليس فيه من يحنطه، فلتفعل، ولا يمس بالطيب إلاَّ الميت. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَحَبُّ إليَّ إذا نكح أختها أن لا يغسلها، وليس بحرم. وقال أشهب. وأجاره ابن القاسم، في (المجموعة). وإن كان جنبا ثم كرهه. ومن (كتاب ابن سحنون)، قال أشهب: ويغسل أحد الزوجين صاحبه مجردا. قال ابن سحنون: يعنى ستر عورته. وهو قول أصحابنا. قال ابن سحنون: وإذا لم يقدر الزوج أن ينفرد بغسل زوجته، ولم يجد من يعينه
عليها من نساء، أو من ذوى محارمها من الرجال، فلييممها إلى المرفقين. وكذلك إذا مات الرجل ومعه امرأته، أو أحد من ذوات محارمه، فعلوا ذلك به قال: ويقضى للزوجين بغسل زوجته وإجنانها، ولا يقضى لها على أوليائه بغسله. وذكر ابن المواز، في آخر كتاب طلاق السنة، عن ابن القاسم، أن المرأة أحق بغسل زوجها إذا مات في الحضر، وإن كان عنده من الرجال من يغسله، وكذلك الرجل في زوجته. قال محمد: يريد أن كل واحد منهما أولى بغسل صاحبه من غيره. وليس للمسلم غسل زوجته النصرانية، ولا تغسله هي إلاَّ بحضرة المسلمين. وللأمة غسل سيدها وإن ولدت منه، وللعبد غسل زوجته الأمة، ولها أن تغسله، من غير أن يقضى بذلك لواحد منهما، إلاَّ أن تكون زوجته حرة، ويأذن له السيد في غسلها، فيقضى له بذلك. وإذا مات أحد الزوجين، فظهر أن بينهما محرم، فلا يغسل الحي الميت. قال أبو محمد: يريد إن كان ثم من يلي غسل الميت. وقال: وإن وجد نكاحهما فاسدا، لا يقران عليه، كنكاح المحرم، والشغار، ونحوه، فلا يغسل الحي الميت. وكذلك نكاح المريض والمريضة، إذ لا يتورثان، لأن من أصحابنا من يفسخ النكاح وإن صحا، وقد كان مالك يقوله. وإن كان فساد في الصداق، فذلك لهم بعد البناء. فإن لم يبن، فلا يغسله. وإن ظهر بأحدهما جنون أو جذام أو برص، فالغسل جائز لهما، وكذلك إن زوجها ولي وثم أولى منه. وأما بعقد أجنبي، وهي من ذوات القدر، ووليها حاضر، فلا. وكذلك التي عقدت على نفسها، وأما أمة غرته أنها حرة، فيها بقية رق، ولى العقد من يجوز
في غسل ذوي المحارم بعضهم بعضا، والمرأة تموت لا نساء معها، والرجل يموت لا رجال معه، غسل النساء الصبي، والرجال الصبية
عقده، فالغسل بينهما، وإن وليه من لا يجوز عقده فلا غسل بينهما، ولو غرها الزوج أنه حر، وهي حرة، فالغسل بينهما. ومن (العتبية): قال موسى، قال ابن القاسم، ولا بَأْسَ أَنْ يغسل الرجل من يحل له مثل أمته، وأم ولده، ومدبرته، كالزوجة، من غير ضرورة في الحضر. وأما مكاتبته فلا. قال ابن سحنون، عن أبيه مثله. وقال: زكذلك المعتق بعضها، والمعتقه إلى أجل، ومن له فيها شرك. وكل من لا يحل له وطوها. من (المجموعة) ابن القاسم وأشهب: ويغسل السيد أمته، وأم ولده، ومدبرته، وتغسله. قال أشهب: كان يطأها أم لا. قال ابن القاسم: وإذا طلق امرأته، ثم مات وهي في العدة، والطلاق واحدة، فلا تغسله. قال أشهب: وإن كان الطلاق بائنا أو أعتق أم ولده، فلا تغسله، ولو نكحها نكاحا فاسدا، ثممات، لم تغسله، إذ لا ترثه. ومن (كتاب أبي الفرج)، روى ابن نافع، عن مالك، في المطلقة واجدة تموت قبل الرجعة، أنها تغسله. وهذا خلاف قول ابن القاسم، قياسه على قول مالك في التي لا يراها قبل يرتجع. في غسل ذوى المحارم بعضهم بعضا، والمرأة تموت لا نساء معها، والرجل يموت لا رجال معه، وغسل النساء الصَّبِيّ، والرجال الصبية من (العتبية)، قال أشهب، عن مالك، وفي (كتاب ابن سحنون)، قال ابن وهب، عن مالك، في امرأة ماتت بفلاة، ومعها ابنها: يغسلها. قال: ما أحب أن يلى ذلك منها. قيل: أييممها؟ قال: يصب الماء عليها من وراء
الثوب أحب إلى. قال موسى، عن ابن القاسم: ويغسله ذوات محارمه من فوق الثوب، إن لم يكن معه غيرهن. قال: وتستر المرأة عورة أخيها وأبنها. ومن (المختصر) وإذا مات وليس معه إلاَّ إمه أو ابنته أو أخيه، فلا بَأْسَ أَنْ يغسلنه، ما لم يطلعن على عورته. وإن ماتت امرأة ومعها أبوها أو أخوها أو ابنها، ولا نساء معها، فلا بَأْسَ أَنْ يغسلها في درعها، ولا يطلع على عورتها. ومن (كتاب ابن سحنون)، قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ في أمه وأخيه أن ييممها، وكذلك المرأة في ابنها. قال سحنون: لا أعلم من يقول غيره من أصحابنا، وقول مالك أحب إلى قال أشهب ولو فعل ذلك رجوت أن يكون واسعا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، في المرأة تموت لا نساء معها ومعها من ذوى المحارم، مثل الأب والابن والأخ والعم والخال، فإنه يغسلها وعليها ثوب يصب الماء صبا من تحته، ولا يلصقه بجسدها فيصف إذا ابتل عورتها، وَلَكِن يجافيهما قدر، فإن لم يجد الماء يممها إلى المرافق، وإنما تيمم إلى الكوعين إن لم يحضرها إلاَّ رجال من غير محارمها، كان معهم ماء أو لم يكن، ولو كان معهم امرأة كتابية، علموها الغسل، فغسلتها، وكذلك رجل مات بين نساء ليسوا بمحارمه، ومعهن رجل نصرانى أو يهودي، فليعلمنه الغسل، فيغسله. قال ذلك كله مالك، والثوري. وقال أشهب، في (المجموعة): لا يلي ذلك كافر ولا كافرة وإن وصف لهما ولا يؤتمن على ذلك كافر. وقال سحنون: يدعو الكافر لغسله. وكذلك الكافرة في المسلمة، ثميتحاطون بالتيمم فيهما. ومن (العتبية)، قال محمد بن خالد، عن ابن القاسم، في التي تموت في سفر لا نساء معها ولا ذو محرم، أنها تيمم. يريد بذلك إلى الكوعين قبل: فتدفن في ثيابها؟ قال: يفعل بها أفضل ما يقدر عليه.
قيل لمالك: في سفرها معهم، لا نساء معهما ولا ذو محرم، للحج، كيف تركب؟ قال: يتطأطأ لها الرجل فتستوي عليه، ثم تركب. وهذا إذا لم يقدر لها على أفضل من ذلك. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم وابن وهب، عن مالك، فِي مَنْ مات وليس معه إلاَّ ذوات محارمه: فإنهن يغسلنه ويسترنه. قال ابن القاسم: يسترن عورته. وكذلك المرأة تموت ليس معها إلاَّ أبوها أو ابنها أوذو محرم منها، فليغسلنها من فوق الثوب. وأنكر ذلك مالك في رواية ابن غانم، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم للسائل عن الاستئذان على أمه، فقال: «أتحب أن تراها عريانة؟» قال أشهب: وإن غسلها من فوق الثوب فواسع. قال مالك: وَلَكِن أكرهه للتعرض أن تقع يده على ما لا يصلح أن يجد لجسته من جسدها وعورتها، وَلَكِن ييممها إلى المرفقين، كذلك المرأة تكون مع ميت ذي مَحْرَمٍ منها؛ أمه أو أخيه، فتيممه أَحَبُّ إليَّ، وإن غسلته رجوت سعة. ومن (كتاب الشرح) نسب إلى ابن سحنون، قال: سألت سحنونا عن قول مالك، في رجل مات وليس معه إلاَّ النساء يريد لسن بذوات محارمه، فييممنه إلى المرفقين، فيصلين عليه صفا واحدا أفذاذا. أرأيت إن تمت الصلاة، ثم جاء رجال قبل أن يدفن ومعهم الماء؟ قال: لا يغسل، ولا يصلى عليه ثانية، وقد أجزأ ما فعل النساء في وقت يجوز لهن ذلك، ولو غسل ودفن بلا صلاة، لم أر بذلك بأسا، والأول أَحَبُّ إليَّ. ومن (المجموعة)، ولا بَأْسَ أَنْ تغسل المرأة الصَّبِيّ ابن ست سنين أو سبع، ولا بَأْسَ أَنْ يغسل الرجل الصبية الصغيرة إذا احتيج إلى ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويغسل النساء الصَّبِيّ ابن سبع سنين وما قاربها ولا يغسل الرجل الصبية بنت سبع
في تكفين الميت، وتحنيطه
سنين ونحوها، إلاَّ الصغيرة جدًّا. قال ذلك مالك وأصحابه، وذكر نحوه في (المجموعة) عن مالك في الصبي. وقال: أشهب، في الصبية: إذا كانت تشتهى مثلها فلا يغسلها الرجال، وذلك يتقى منها قبل اتقائه من الصبي. وقال ابن القاسم: لا تغسل التي لم تبلغ. قال عنه ابن مزين: وإن صغرت جدًّا. وفي سماع ابن وهب، أن مالكًا أجاز للنساء غسل الصبي ابن سبع سنين. في تكفين الميت، وتحنيطه من (الواضحة)، ونحوه لأشهب من (المجموعة)، قال: فإذا فرغت من غسل الميت، نشفت بلله في ثوب عورته مستورة، وقد أجمرت ثيابه قبل ذلك وترا، وإن أجمرتها شفعا فلا حرج، ثم تبسط الثوب الأعلي. قال أشهب: اللفافة التي هي أوسع أكفانه، ثم الأوسع فالأوسع من باقيها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فتذر على الأولى من الحنوط، ثم على الذي هكذا إلى الذي يلي جسده فيذر عليه أَيْضًا. قال أشهب: وإن جعل الحنوط في لحيته ورأسه والكافور فواسع. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثم يجعل الكافور عليه مساجده، من وجهه وكيفيه وركبتيه وقدميه، ويجعل منه في عينيه، وفي فيه، وأذنيه، ومرفقيه، وإبطيه، ورفغيه، وعلى القطن الذي يجعل بين فخذيه لئلا يسيل منه شيء ويشده بخرقة إلى حجز مئزره. قال سحنون ويسد دبره بقطنة فيها ذريرة، ويبالغ فيه برفق. قال ابن حبيب: ويسد مسام رأسه بقطن عليه كافور إلى فيه ومنخريه، ثم يعطف الثوب الذي يلي جسده يضم الأيسر إلى الأيمن، الأيمن عليه، كما يلتحف
في حياته. وقاله أشهب، في (المجموعة)، وقال: وإن عطفت الأيمن أولا فلا بَأْسَ، ويفعل هكذا في كل ثوب، ويجعل عليه الحنوط إلاَّ الثوب الآخر، فلا يجعل على ظاهر كفنه حنوطا، ثم يشد الثوب عند رأسه وعند رجليه، فإذا الحدته في القبر حللته. ومن (المجموعة)، قال أشهب: وإن تركت عقدة فلا بَأْسَ، ما لم تنتثر أكفانه. وفي (كتاب ابن القرطي): ويخاط الكفن على الميت ولا يترك بغير خياطة. قال أشهب، في (المجموعة): وتكفن المرأة نحو ذلك، وإن جمرت أو تركت، فذلك واسع، ولا بَأْسَ أَنْ تكفن المرأة في ثوب واحد، بخلاف الصلاة. قال أشهب: وإن قمص الرجل فواسع، ولا يقمص أَحَبُّ إليَّ. ومن (العنبية)، قال يحيى، عن ابن القاسم: وأَحَبُّ إليَّ في المرأة أن توزر وتخمر، وتدرج في ثلاثة أثواب إن وجد لذلك سعة. ومن (المختصر)، ورواه ابن وهب، في (المجموعة)، قال مالك: ولا بَأْسَ أَنْ يكفن الميت فوق القميص، ولا بَأْسَ أَنْ يحنط بالمسك والعنبر وما يتطيب به الحي. قال في (المجموعة): وليل تحنيط المحرم غير محرم، وليغط رأسه كما يغطي بالمدفن. قال أشهب: ويسدل خمار المرأة فوق الكفن، أو تحته، أو فوق الدرع إن كان، أو تحته. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واستحب مالك أن تعم الميت وتخمر الميتة. قال مُطَرِّف: ويجعل من العمامة تحت حلقه كالحي، ويترك منها قدر ذراع يغطى
في صفة كفن الميت، وعدد أثوابه، والقصد فيه، والوصية به، وكفن المديان، والميت ينبش، والكفن يتلف
به وجهه، وكذلك يترك من خمار المرأة كذلك. ومن (العتبية)، قال يحيى بن يحيى: واستحب ابن القاسم أن لا يقمص الميت، ولا يعمم، وأن يدرج في ثلاثة أثواب بيض إجراجا. في صفة كفن الميت، وعدد أثوابه، والقصد فيه، والوصية به، وكفن المديان ينبش، والكفن يتلف قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والقصد في الكفن أحب إلينا من المغالاة فيه، وَرَوَى ذلك عن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. قال أشهب، في (المجموعة): والكفن في الخلق والجديد سواء، وليس على أحد غسله إذا لم يخف نجاسة، ولم يكن وسخا، وواسع في البرود، والبياض أحب إلينا. قال ابن سحنون، عن أبيه: وليس عليك غسل الخلق من الكفن إن لم يكن وسخا، ولا خفت عليه نجاسة، وربما كان الجديد أولي بأن يخاف ذلك فيه، واليقين في طهارة الخلق أكثر قال أبو محمد: يريد من جديد قد لبس ولم يغسل. ومن (كتاب) آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البسوا البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها من خير ثيابكم».
ومن (المختصر)، وليس في كفن الميت حد، والوتر أحب إلينا، ولا بَأْسَ أَنْ يكفن الميت في غير وتر. وكذلك قال عنه ابن وهب، في (المجموعة). قال مالك في موضع آخر: وثوبين أَحَبُّ إليَّ من ثوب. قال في (المختصر): كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب، وكفن النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب، وكفن ابن عمر ابنه في
خمسة أثواب، وكفن أبو بكر في ثوب فيه مشق. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم: والوتر أَحَبُّ إليَّ مالك في الكفن، وإن لم يوجد للمرأة إلاَّ ثوبان، لفت فيهما، وكذلك من لم يبلغ من صبي وصبية فالوتر أَحَبُّ إليَّ مالك فيه. قال أشهب، وسحنون: وهذا فِي مَنْ راهق، فأما الصغير فالخرقة تكفيه. وذكر أشهب أن أبا بكر كفن في ثوبين. وَرَوَى ابن القاسم عن مالك، أنه كفن في ثلاثة. قال أشهب: ولا بَأْسَ بالكفن في ثوب للرجل والمرأة، ولا أحب أن يقصر عن ثوبين للرجل لمن وجد؛ لأن الثوب الواجد يصف ما تحته. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَحَبُّ إليَّ مال في الكفن خمسة أثواب؛ يعد فيها العمامة والمئزر والقمص، ويلف في ثوبين، وذلك في المرأة ألزم؛ لأنها تحتاج إلى مئزر يشد بعصائب من حقويها إلى ركبتيها، ودرع وخمار، وثوبين تدرج فيهما. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وثوبان أحب إلينا من ثوب، وثلاثة أحب إلينا من أربعة.
يريد الوتر، ويريد في الأول الستر. قال ابن القرطي: والمرأة في عدد أثواب الكفن أكثر من الرجل، وأقله لها خمسة، وأكثر سبعة، ولا ينقص الرجل الذي يجد من ثلاثة، ويكفن في مثل هيئته في حياته إن تشاح الورثة. قال أشهب، في (المجموعة): ولا يكفن رجلان في ثوب إلاَّ من ضرورة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويستحب للرجل أن يوصي أن يكفن، في ثيابه التي يشهد فيها الجماعات والصلوات، وثوبي إحرامه إن حج؛ رجاء بركة ذلك، فقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم مئزره في ابنته، وقال: «أشعرنها إياه». وأعطي ثوبه الذي يلي جلده إلى ولد عبد الله بن أبي ابن سلول،
يكفن فيه أباه. وأوصى سعد بن أبي وقاص في جبة صوف، شهد فيها بدرا، أن يكفن فيها. والعلماء يحبون البياض في الكفن. والحبر مستحب لمن قوى عليه، وَرَوَى نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى أنه عليه السلام كفن في ثلاثة أثواب، فقيل: إنها بيض، وقيل: إن أحدهما حبرة. من (المختصر) وغيره، قال مالك: والكفن والحنوط ـ يريد جميع مون الميت في إقباره إلى أن يوارى ـ من رأس المال. قال: والرهن أولي من الكفن، والكفن أولي من الدين، ومن أوصي أن يكفن في سرف، وأوصي بمثل ذلك في حنوطه وقبره، فلا يجاز في رأس ماله، إلاَّ ما يجوز لمثله لو لم يوص. وقال ابن القاسم، وأشهب. وَرَوَى علي، عن مالك
في (المجموعة)، أنه لا يجوز من ذلك إلاَّ ما يكفن فيه مثله. قال سحنون: وسكني الزوجة في دار، قد نقد الميت كراها، أولي من الكفن. قال ابن سحنون، عن أبيه، فِي مَنْ أوصي أن يكفن في رف، قال: يجعل در القصد في رأس ماله، والزائد في ثلثه. قال ابن القرطي: وقيل: الزائد على السداد ميراثا، وهذا هو المستعمل. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قيل لمالك، في امرأة أوصت في ثياب لها، كانت تلبسها، أن تكفن فيها، فأراد ابنها أن يشترى لها جددا بدلها، فكره له ذلك. ورواه أشهب، عن مالك في (العتبية). قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن سيرين: إذا ولي أحدكم أخاه، فليحسن كفنه. ومن (العتبية) قال سحنون، فِي مَنْ أوصى أن يكفن في ثوب واحد، فزاد بعض الورثة ثوبا آخر، فقام في ذلك الآخرون: فإن كان في التركة محمل لذلك، فلا ضمان على الذي فعله. قال ابن القرطي: وإذا أوصي بشيء يسير في كفنه وحنوطه، لم يكن لبعض الورثة الزيادة فيه بغير ممالأة من جميعهم. قال ابن سحنون عن أبيه، في غريب لا يعرف له أهل، مات عن
دينار أو دينارين. قال: لا بَأْسَ في مثل هذا اليسير أن يجعل كله في كفنه وحنوطه وقبره. قال سحنون في (العتبية): ومن اشترى كفنا لميت، فتلف في يده، فبل أن يبلغ به، وهو وصي أو رسول ورثة بالغين، فلا يضمن، ومن ابتاعه، على أنه إن مات وإلاَّ رده، لم يجز البيع. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال اصبغ: ومن نبش، فلا يلزم ورثته تكفينه ثانية في بقية ماله، إلاَّ أن يشاءوا، أو يحتسب فيه محتسب. قال ابن سحنون: فإن وجد الكفن الأول بعد أن دفن، فهو ميراث. ومن (العتبية)، قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: إذا نبش الميت وعري، لم تعد عليه الصلاة، وعلى ورثته أن يكفنوه ثانية ومن بقية تركته، وإن كان عليه دين محيط، فالكفن الثاني أولي. قال سحنون: فإن قسم ماله، فليس ذلك على ورثته، وإن كان قد أوصى بثلثه، فلا يكفن من ثلث ولا من غيره. قال عنه ابنه: إلاَّ أن يكون ذلك بحدثان دفنه، ولم يقسم ماله، فليكن ثانية من رأس ماله.
في التكفين في الحرير، والخز، والمصبغ
في التكفين في الحرير، والخز، والمصبغ قال مالك في (المختصر): ولا يكفن في حرير، ولا في خز، ولا معصفر، إلاَّ ان يضطر إليه. ومن (المجموعة) قال عنه ابن وهب: وكره التكفين في الخز والمعصفر، إلاَّ أن لا يوجد غيره. قال ابن القاسم: للرجل والمرأة. قال عنه علي في المعصفر والمزعفر: لا بَأْسَ به للرجل والنساء، قد كفن أبو بكر في ثوب مصبوغ، أمرهم بغسله. فإما أن يكون أراد بغسله تطهيره، أو ذهاب لونه. ولا يكره العلم الحرير في الكفن. قال أصبغ في (العتبية): لا يكفن في الحرير، رجل ولا امرأة، إلاَّ أن لا يوجد غيره، ولا يلبس الرجل ما سداه حرير، وإن كان قلنسوة، ويحنث بلباسها الحالف أن لا يلبس حريرا. وفي سماع ابن وهب: قيل لمالك في الرجل الميت يدفن في الثوب فيه الحرير؟ قال: ما يعجبني، فإن فعل، فأرجو أن يكون في سعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ أَنْ تكفن المرأة في الحرير، والخز، والمعصفر المقدم، وما جاز لها لبسه في الحياة، أو للرجل لبسه في الحياة، فالكفن لها أو له فيه مباح، ما لم يرد بذلك السمعة والنفخ؛ لأنه ليس
في من يلزم الرجل أن يكفنه ويقبره
في محل ذلك، ولا بَأْسَ في كفن الرجل بالعلم الحرير، ولا بالثوب الذي يغسل، ويبقي فيه أثر الزعفران، أو عصفر أو مشق. ومن (العتبية)، قال عيسى، عن ابن القاسم: لا بَأْسَ تكفن المرأة في الورس والزعفران، وكره مالك المعصفر إن وجد غيره. فِي مَنْ يلزم الرجل أن يكفنه ويقبره قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن سحنون: ويقضي على الرجل بتكفين زوجته، ملية، كانت أو فقيرة، كالنفقة. ورواه عن مالك. وذكر العتبي عن ابن الماجشون مثله، وأن روايته عن مالك، إنما ذلك عليه في فقرها. قال غير ابن حبيب: وكذلك تكفين من تلزمه نفقته، من والديه وولده وعبيده. وقال أصبغ: لا يلزمه في أحد ممن ذكرنا إلاَّ في عبيده. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والأول أصوب، كما لا نقطع حقه بموته من ماله في كفن نفسه، وكذلك في كفن من ذكرنا، يلزمه إذا ماتوا. وقال سحنون، في (العتبية) مثل قول أصبغ، أنه لا يلزمه الكفن في أحد، إلاَّ في عبيده، مسلمين كانوا أو كفارا، هذا في القياس، وأما في الاستحسان، فيلزمه في الولد الصغار والبنات الأبكار، فأما الزوجة
والأبوان، فلا. وَرَوَى عنه في الزوجة أنه استحسن أن يكفنها الزوج، إن كانت فقيرة. وذكر العتبي، عن ابن الماجشونفي كفن الزوجة، أنه على الزوج وإن كانت ملية، وأن روايته عن مالك، أن ذلك عليه؛ إنما هو في فقرها، وإن كانت ملية، ففي مالها. قال: وكذلك خادم زوجته، والعبد المخدم في قبضته، أخدم إياه غيره، فيموت العبد ولا مال له، وكان ينفق عليه، ويزكي للفطر عنه. قال عيسى، عن ابن القاسم، في الزوجة، إن كانت بكرا، فعلى أبيها، فإن دخلت، فليس ذلك على الأب، ولا على الزوج، وإن كان لها ولد، فذلك على ولدها. قال أبو محمد: يريد في عدمها. قال ابن سحنون، عن أبيه: ليس على الزوج تكفين زوجته الفقيرة. ثم استحسن أم يكفنها. واختلف قوله في ابنته البكر، وابنه الصغير، فإذا دعي الزوج إلى البناء، لزمه الكفن في أحد قوليه. وكفن الأمة ذات الزوج، على سيدها، والزوج حرا أو عبد. ومن ذهب إلى أن على الزوج الكفن، فله أن يقول: وإن كانت أمة فذلك عليه، كالنفقة في قول من يرى النفقة. قال غيره: ومن عليك تكفينه، فعليك جميع مصالحه إلى مواراته.
في تقبيل الميت، وتعجيل دفنه، والإيذان بجنازته
في تقبيل الميت، وتعجيل دفنه، والإيذان بجنازته قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ بتقبيل الميت قبل غسله وبعد غسله، قد قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون ميتًا، وقَبَّل أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا. ويستحب أن لا يحبس الميت، وأن يوخذ في أمره، ويسرع خراجه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بجنائزكم». وقال معاذ: نهينا أن نبطي بموتانا. قال عروة: ولا يؤخر من لا يرجي خيره، ولا يؤمن شره.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليستأني بالغريق، فربما غمر الماء قلبه، ثم يفيق، يروى ذلك عن علي بن أبي طالب، أنه تأني به يوما وليلة. ويكره الإيذان بالجنازة، إذا كان ثم من يقوم بالحمل والدفن، ونهى عنه ابن مسعود. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فأما خاصة إخوان الرجل، من يحزنه أمره، ويشركه في حزنه، فليوذنهم. وإنما يكره إئذان العامة. ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم، وكره أن يؤذن بالجنازة على أبواب المساجد، أو يصاح خلفه: استغفروا له، واستخف أن يؤذن بها في الخلق، من غير رفع صوت. ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في أهل البادية، يبعثون إلى أهل المحال حولهم ينذرونهم، قال: إنه ليفعل ذلك في البادية والحضر، ما لم يكن بعيدا، فأما ما يعرف من إيذان الجيران في المحال، ومن لعله يحب أن لا يفوته، فلا بَأْسَ به.
في هيئة النعش وفرشه، وتغطية الميت بثوب، والتقبب على نعش المرأة
في هيئة النعش وفرشه، وتغطية الميت بثوب، والتقبب على نعش المرأة قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويكره إعظام النعش، وأن يفرش تحت الميت قطيفة حرير أو قطيفة حمراء، ولا يكره ذلك في المرأة، ولا يفرش غلا ثوب طاهر، ولا يجعل الطيب فوق الكفن، ولا بَأْسَ أَنْ يجعل فوق الكفن ثوب يستره غير الكفن، كالساج ونحوه، وينزع عند الجادة، ولا بَأْسَ أَنْ يجعل على نعش المرأة البكر والثيب الساج، أو الرداء الموشي، أو البياض وغيره، ما لم يجعل مثل الأخمرة الملونة، فلا أحب ذلك. ومن (العتبية) موسى، عن ابن القاسم: ولا يترك ستر المرأة بقبة في سفر أو حضر، إذا وجد لذلك. وقد استحسنه عمر حين قفل بزينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حد لطولها. ويكره ما أحدث من المباهاة والفخر فيه، حتى صار عندهم يتزين به. قال مالك: وأول من فعل ذلك به زينب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقال الواقدي: أول من قبب عليه النعش فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجه العمل في حمل الميت، والمسير به، واتباعه، والمشى أمامه، والتزاحم على نعشه، والترجل، والتحسر، وهل يتبع بنار، أو يرفع الصوت بالدعاء له، أو يجلس قبل أن يوضع أو ينصرف قبل أن يقبر
وجه العمل في حمل الميت، والمسير به، واتباعه، والمشي أمامه، والتزاحم على نعشه، والترجل، والتحسر، وهل يتبع بنار، أو يرفع الصوت بالدعاء له، أو يجلس قبل أن يوضع، أو ينصرف قبل أن يقبر من (العتبية)، قال ابن القاسم: كره مالك لمن على غير وضوء أن يحمل الجنازة، لينصرف إذا بلغت، ولم ير به في رواية أشهب بأسا. قال بعض أصحابنا: وما جاء أن يتوضأ من حمله، أى ليكون متوضئا، حتى إذا بلغت صُلِّيَ عليها، لا على أن حمله يوجب الوضوء، وَلَكِن يكره له أن ينصرف، ولا يصلي عليه. ومن سماع ابن غانم، قال أشهب: وحمل جنازة الصبي على الأيدي أَحَبُّ إليَّ من الدابة والنعش، فإن حمل على الدابة، لم أر به بأسا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ بحمل الجنازة على دابة، إذا لم يوجد من يحملها. قال: ويستحب أن يحمل الرجل الجنازة من جوانب السرير الأيسر، وهو يمين الميت، فيضعه على منكبه الأيمن، ثم يختم بمقدمه الأيمن، وهو يسار الميت، وَرَوَى ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين، وكان مالك يوسع في ذلك؛ أن يبدأ بما شاء، ويحمل كيف شاء، أو لا يحمل، ويحمل
بعض جوانبه، ويدع بعضا والفضل فيما ذكرت لك. قال مالك، في (المختصر): ولا بَأْسَ بحمل سريره من داخله وخارجه، ويبدأ من أي نواحيه شاء، ولا بَأْسَ بالعقود قبل أن يوضع، ولا يتبع بنار، ولا ينادي ليستغفر لها. قال أشهب، في (المجموعة): كره الصحابة أن يتبع الميت بمجمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإنما كره ذلك تفاؤلا بالنار في هذا المقام، أن يتبعه. قال وسمع سعيد بن جبير، الذي يقول: استغفروا له. فقال: لا غفر الله لك. قال: ولا يمشي بالجنازة الهوينا، وَلَكِن مشية الرجل الشاب في حاجته. قال النخعي، كانوا يقو لون: انشطوا بها، ولا تدبوا بها دبيب اليهود. قال مُطَرِّف، عن مالك: ولم يزل شأن الناس الازدحام على حمل جنازة الرجل الصالح، ولقد انكسر تحت سالم بن عبد الله نعشان، وكسر تحت عائشة ثلاثة أنعش، وذلك حسن ما لم يكن فيه أذى، وكان الصديق والفاروق يمشون أمام الجنازة. قال ابن أشهب: والمشي خلفها من خطأ السنة. وَرَوَى عن علي بن أبي طالب، أن المشي خلفها أفضل. وأراه واسعا للاختلاف. ويكره أن يشيعها راكبا، تقدمها أو تأخر عنها، قال النخعي: كانوا
يكرهون. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلا بَأْسَ أن يرجع راكبا بعد الدفن. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، وابن نافع، عن مالك: ومشي الرجال أمام الجنازة أفضل. قال عنه ابن نافع: وأما النساء فخلف الجنازة، ولا يكونوا بين يديها في أعقاب الرجال؛ لأن حامليها رجال من خلفهم. وفي (كتاب) ابن القرطي: ويكون الرجال المشاة أمامها، والركبان من خلفها، والنساء من وراء ذلك أن يشهد نها، ما لم يكثرن الترداد. ولا توضع على الرقاب حتى يتكامل من يشيعها، ولا بَأْسَ أَنْ يجلس الماشي قبل أن توضع، ولا ينزل الراكب حتى توضع. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكره مالك التحسر في الجنازة. وقاله ابن القاسم، عن ابن مالك، في (العتبية): بئس العمل نزع الأردية في الجنائز. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد استخف ذلك للقرب الخاص، وقد يفعل ذلك في العالم والفاضل الخاص من أصحابه. وقد رئي عبد الله بن عون
في جنازة محمد بن سيرين في قميص. وتحسر مصعب، وهو أمير، في جنازة الأحنف. وقال الأعمش: أحسن من يحمل الجنازة، الذي يمشي بين عمودي النعش، والذي يقول: استغفروا له غفر الله لكم. والذي يقول: ارفعوا على نسائكم. والذي يمسك النعش من خلفه. قال مُطَرِّف، وابن الماجشون: أما الذي يمشي بين عمودي النعش، فلا بَأْسَ به للقرب والخاص، ويكره للعامة. وقد رئي سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف بين العمودين، قد حمل السرير على كاهله، وفعله عمر بأسيد بن الحضير، وفعله عثمان بسرير أمه، وزيد بن ثابت بأمه، وابن عمر بأبي هريرة. وأما الذي خلف النعش، فإن كان من أهل الميت، وأحد الأربعة الراتبين تحت النعش، فذلك له، وإلاَّ فلا. ومن (المجموعة)، قال أشهب: ولا بَأْسَ بالجلوس عند القبر قبل أن توضع، إذا كان معها من يكفي أمرها وإقبارها، ولا بَأْسَ بانصرافهم إذا بلغت القبر، وإن لم يقبروا إذا بقي معها من يلي ذلك، وَلَكِن أخشي ذريعة ذلك أن ينصرفوا عنها، حتى لا يبقي من يكتفي به في إقبارها، ويقول قائل لما لا يكفي: هذا يكفي.
في حمل الميت من بلد إلى بلد قبل أن يدفن أو بعد، وفي تحوله بعد أن دفن من قبر إلى قبر
قال ابن القاسم، عن مالك: لا بَأْسَ أَنْ ينصرفوا، فأما قبل الصلاة عليها، فلا أراه إلاَّ لحاجة، أو لعلة. قال ابن القاسم: ذلك واسع لحاجة، أو لغير حاجة، وليست بفريضة ـ يريد تخصه ـ إذا قام بها غيره. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ أَنْ يمشي مع الجنازة ما أحب، وينصرف إن شاء قبل أن يصلي عليها. وقاله جابر بن عبد الله. وله أن يجلس عند القبر قبل أن توضع، ومن وقف حتى توضع عن الأعناق، وحتي توارى، فحسن. وهو من عمل الناس، ومن لم يفعل، فلا حرج. وَرَوَى عن سحنون، أنه حضر جنازة، فجلس ليدفنها، فأتي بأخرى للصلاة عليها، فأبى أن يصلي عليها، وقال: حتى يفرغ ما نحن فيه. في حمل الميت من بلد إلى بلد قبل أن يدفن أو بعد، وفي تحوله بعد أن دفن من قبر إلى قبر قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا بَأْسَ أَنْ يحمل الميت من البادية إلى الحاضرة، ومن موضع إلى موضع آخر يدفن فيه. وقد مات سعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص بالعقيق، فحملا إلى المدينة، ومات سعيد بن عبد العزيز
في البكاء على الميت والنياحة، وخروج النساء، وفي صلاتهن، وفي الطعام يصنع لأهل الميت
بالجرف، فحمل إلى المدينة. وهذا كله رواه ابن وهب، كما ذكر ابن حبيب. وأصيب يوم الجمل فدفن، فرأى إنسان في المنام: انقلوه، فنقل، فدفن في مكان آخر. ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك: ولا بَأْسَ أَنْ يحمل الميت إلى المصر فدفن، إن كان مكانا قريبا. وفي الموطأ ذكر الذين جرف السيل قبريهما، فنقلا إلى مكان آخر. ومن (كتاب البخارى)، ذكر الحديث، أن جابر بن عبد الله قتل أبوه يوم أحد، فدفنه جابر مع رجل آخر، ثم لم تطب نفسه أن يتركه مع آخر في قبر. قال: فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته، هنية، غير أذنه. قال في الحديث الآخر، وقد ذكر إخراجه وزاد: فأخرجته فجعلته في قبر على حدة. في البكاء على الميت والنياحة، وخروج النساء، وفي صلاتهن، وفي الطعام يصنع لأهل الميت قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد أبيح البكاء على الميت قبل الموت
وبعده، ما لم يرفع به الصوت، ويكون معه كلام يكره، أو اجتماع من النساء، وبكي النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم يجود بنفسه، فقيل له، فقال: «تدمع العين، ويجزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وقضاء مقضي، وسبيل مأتي، وأن الآخر منا لاحق بالاول، لحزنا عليك، ووجدنا بك أشد من وجدنا وجزنا هذا، وإنا بك إبراهيم لمحزونون». ثم استرجع عليه الصلاة والسلام، وأكثر من حمد الله تعالي. ونعي إلى عائشة بعض أهلها، فرفعت طرف خمارها ورداءها على وجهها، وانتحبت ساعة، ثم سكتت وقالت: لا بَأْسَ بهذه الدمعة أن تراق، ما لم يفعل معها ما لا يصلح ولا ينبغي. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يبكي عليها، من غير نياحة، فانتهرهن عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهن يا ابن الخطاب، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد حديث». والنياحة من بقايا أمر الجاهلية. ونهي
عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأغلظ فيها. وينبغي أن ينهي عن ذلك، ويضرب عليه. وضرب عمر نائحة بالدرة، حتى انكشف رأسها، وضرب من أصاب ممن جلس إليها من النساء. وفي الحديث قال: «لعنت النائحة، والسامعة، والشاقة جيبها، واللاطمة وجهها». ويطره اجتماع النساء للبكاء سرا أو علانية، وقد نهي عمر النساء في موت أبي بكر أن يبكين، وفرق جمعهن. وكذلك في موت خالد بن الوليد، ونهي عمر أهله أن يبكوا عليه. وقيل: إنه قيل: دعهن يذرفن من دموعهن على أبي سليمان. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لطم الخدود، وشق الجيوب، وضرب الصدور، والدعاء بالويل والثبور. وقال: «ليس منا من خلق، ولا
فرق، ولا دلق، ولا سلق». وذلك حلق الشعر، وتخريق الثياب، ودلق: ضرب الخدود، وتمريش الوجوه، وسلق: الصياح في البكاء، والقبيح من القول. وقوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (الممتحنة: 12). قال الحسن: لا يَنُحْنَ، ولا يَشْقُقْنَ، ولا يَخْبِشْنَ وَجْهًا، ولا ينشرن شعرا، ولا يَدْعِينَ وَيْلاً. ويكره خروج النساء في الجنائز، وإن كن غير نوائح، ولا بواك، في جنائز الخاص من قرابتهن وغيرهم. وينبغي للإمام منعهن من ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأي منهن: «ارجعن مأزورات غير مأجورات». ومن (العتبية)، ابن القاسم، عن مالك، وعن النساء
يخرجهن على الجنائز، على الرحائل ومشاة. قال: قد كن يخرجن قديما، وقد خرجت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل، وما أرى بأسا إلاَّ في الأمر المستنكر. قال أشهب: وإذا صلى النساء على الجنازة، صلين خلف صفوف الرجال، كالمكتوبه. ومن (المجموعة)، قال ابن نافع، عن مالك، وهو في (العتبية) من سماع أشهب، في بعث الطعام لأهل الميت: إن كان ليس في ذلك نياحة فليبعث، وأرى أن يمنع النساء من شق الجيوب، وضرب الوجوه، وشبه ذلك. وقال في رواية أشهب: إنه ليغظني، وَلَكِن لا يقدر على تغيير ذلك إلاَّ السلطان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أخبرني مُطَرِّف أن مالكا لم ير بأسا بأرسال الطعام إلى أهل الميت، من الجار والصديق، عند شغلهم بميتهم، إلاَّ أن يرسل لاجتماعهم للنياحة، فيكره ذلك. وقال عليه الصلاة والسلام، في نعي جعفر: «اصنعوا لأهله طعاما، وابعثوا به إليهم، فقد جاء ما يشغلهم».
في شهود الجنائز وفضلها، وهل يقام للجنازة إذا أقبلت
في شهود الجنائز وفضلها وهل يقام للجنازة إذا أقبلت قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: روى أن أول ما يجزى الله به وليه المؤمن، أن يغفر لكل من شيعه، وصُلِّيَ عليه. وَرَوَى أنه لم يجتمع مائة لميت، يجتهدون له في الدعاء إلاَّ غفرت ذنوبه بهم. وقد روى نحوه، في أربعين رجلا يصلون عليه. وَرَوَى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعي إلى جنازة، سأل عنها، فإن أثني عليها خيرا، صُلِّيَ عليها، وإن أثني عليها شرا، قال لأهلها: «شأنكم بها». ولم يُصَلِّ عليها. قال مالك: وكان مجاهد وسليمان بن يسار يقولان: شهود الجنائز أفضل من صلاة النوافل، والجلوس في المسجد. وقال ابن المسيب وزيد بن أسلم: النوافل والجلوس في المسجد أفضل.
حتى إنه لم يخرج سعيد من المسجد إلى جنازة علي بن حسين، ورأى أن ما فعل أفضل، وانقلع الناس من المسجد لشهوده، إلاَّ سعيد. وكان مالك يري ذلك، إلاَّ في جنازة الرجل الذي يرجي بركته، فإن شهوده أفضل. وذكر في (العتبية) ابن القاسم، عن مالك مثله، وقال: إلاَّ أن يكون حق، من جوار، أو قرابة، أو أحد يرجي بركة شهوده. يريد في فضله. قال ابن القاسم: ذلك، في جميع المساجد. وذهب ابن القرطي، إلى أنه في الجامع خاصة. وقال ابن وهب، عن مالك، فِي مَنْ مات، وكان يعرف بالفسق والشر، قال: لا تشهده، ودع غيرك يصلي عليه. وقال ابن المسيب: رب جنازة ملعونة، ملعون من يشهدها. ومن (المجموعة)، قال علي: روى مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقوم في الجنازة، ثم جلس بعد. وبه يأخذ مالك، أن يجلس ولا يقوم. قال علي: وهو أَحَبُّ إليَّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن الماجشون في قوم جلوس، ينتظرون جنازة: فليس عليهم واجبا إذا رأوها أقبلت أن يقوموا قربت
في الاستكانة في الجنازة، وكراهة الضحك فيها
منهم أو بعدت، وَلَكِن القيام لها من عمل البر، يؤجر فاعله، ولا شيء عَلَى مَنْ لم يعمل به. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن مرت به، فلا يعرض عنها، فإن ذلك من الجفاء في الأدب والدين، وقد روي فيه، أن يقف حتى تلحقه، وما روي أن النبي عليه السلام، كان يقوم في الجنازة، ثم جلس بعد، إنما هو توسعة على أمته، فمن جلس، ففي سعة، ومن قام، فمأجور، وكذلك إلى أن يقبر. وقال غيرة: القيام لها منسوخ. في الاستكانة في الجنازة، وكراهة الضحك فيها من كتاب ابن حبيب: ويكره الضحك، والاشتغال فيها بالحديث والخوض. وكان يرى على النبي صلى الله عليه وسلم فيها كآبة، ويرون أنه يحدث نفسه بأمر الموت، وما هو صائر إليه. وتَأَلَّى ابن مسعود أن لا يكلم رجلاً رآه ضحك في جنازة. وسمع أبو قلابة فيها صوت قاص، فقال: كانوا يعظمون الموت بالسكينة. قال مُطَرِّف بن عبد الله: وكان الرجل يلقي الخاص من إخوانه في الجنازة، له عنه عهد، فما يزيده على التسليم، ثم يعرض عنه، حتى كأن له عليه موجدة، اشتغالا بما هو فيه، فإذا خرج من الجنازة، ساءله عن حاله،
في من هو أحق بالصلاة على الميت، من أوليائه، وكيف إن قدم أقربهم أجنبيا، أو أوصى به الميت، ومن أولى بإنزال المرأة في قبرها
ولاطفه، وكان منه أحسن ما كان يعهد. ومن (العتبية) من سماع أشهب، قال أسيد بن الحضير: لو كنت في حالتي كلها مثلي في ثلاث مواطن؛ إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قرأت سورة البقرة، وإذا شهدت جنازة، ما شهدت جنازة، فحدثت نفسي إلاَّ بما تقول ويقال لها حتى أنصرف. فِي مَنْ هو أحق بالصلاة على الميت، من أوليائه، وكيف إن قدم أقربهم أجنبيا، أو أوصي به الميت، ومن أولي بإنزال المرأة في قبرها ومن قول مالك وأصحابه، مما ذكر ابن عبدوس في كتابه، وابن حبيب في كتاب، وذكره عدد كثير من أصحاب مالك، وكتاب ابن حبيب أوعب، أن الابن وابن الابن، أولي بالصلاة على الجنازة من الأب، والأب أولي من الأخ، والأخ أولي من ابن الأخ، وابن الأخ أولي من الجد، والجد أولي من العم، والعم أولي من ابن العم، وابن العم ـ وإن بعد ـ أولي من مولي النعمة، وكلهم أولي من الزوج، وهو أولي بإنزالها في قبرها. قال سحنون في كتاب ابنه: ويغسلها إن شاء، من غير ضرورة. وقد تقدم هذا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن أراد الأقعد من الأولياء أن يوكل بالصلاة أجنبيا، فذلك له، وليس لمن تحته من أولياء كلام، كالنكاح يوكل به. قاله ابن الماجشون، وأصبغ. ومن (العتبية): روي أشهب، عن مالك، في مولي لامرأة ماتت، فقدم ابنها ابن عم له، بصلي عليها، فقال له ابن أخي المرأة: أنا أحق ممن قدمت، وأنت صبي لا أمر لك. قال: هو كما قال ابن أخي المرأة، وذلك له. وفي سماع ابن القاسم، ابنها أحق بالصلاة عليها من أخيها. قال ابن عبد الحكم: فإن أراد ابنها أن يستخلف غيره، كان عصبة المرأة أولي من المستخلف. ومن (العتبية): قال عبد الله بن عمر بن غانم، عن مالك: وإذا أوصيى الميت يصلي عليه رجل، ووليه حاضر، فالموصي إليه أحق، ومازال الناس يختارون لجنائزهم أهل الفضل، من الصحابة والتابعين، وكان الناس يتبعون أبا هريرة وابن عمر لذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وينبغي لولي الميت إذا حضر رجل له فضل أن يقدمه وكلم علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في جنازة، يصلي عليها، فقال:
في الجنازة يحضرها الأمير، والقاضي، وإمام الصلاة، أو من له الفضل، مع أوليائها، وفي الجنازتين تحضران، لكل واحدة ولي، من أحق بالصلاة في ذلك كله
إنا لقائمون، وما يصلي على رجل إلاَّ عمله. قال علي، عن مالك، في (المجموعة): وينبغي أن يفعل ذلك من سئل غيه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والموصي إليه بالصلاة أولي من أولياء، ومن الولي لو حضر. وقد ذكر هذا عن مالك، في كتاب آخر، قال مالك، في سماع ابن وهب، فِي مَنْ أوصي أن يصلي عليه مولاه، وله أقارب، قال: أرى أن يطاع، ولعله رغب في صلاحه. ومن (المجموعة): قال سحنون: الموصى إليه بالصلاة أحق من الولي، وقد قال مالك: إذا أوصى على خير، ولم تكن عداوة بينه وبين وليه، فذلك نافذ، وإن كان لعداوة بينهما، لم يجز، والولي أحق. قال سحنون في المرأة: يدخلها زوجها في قبرها مع ذى محرم منها، ويكون زوجها في وسطها، فإن لم يكن لها قرابة، فالنساء يلين ذلك، فإن لم يكن، فأهل الصلاة من الرجال. قال ابن القاسم: إن لم يكن لها قرابة، فأهل الصلاح من الرجال. ولم يذكر النساء. والله أعلم. في الجنازة يحضرها الأمير، والقاضي، وإمام الصلاة، أو من له الفضل، مع أوليائها، وفي الجنازتين تحضران، لكل واحدة ولي، من أحق بالصلاة في ذلك كله من (الواضحة): وإذا حضر الجنازة الوالي الأكبر الذي تؤدي إليه الطاعة،
فهو أحق بالصلاة عليها من أوليائها، وليس ذلك لقاضيه، ولا لصاحب شرطته، ولا غيره، وإن كانت الصلاة إليهم. وقال ابن القاسم: إن ذلك لكل من كانت إليه الخطبة. وقال مُطَرِّف بن عبد الله، وابن عبد الحكم، وأصبغ: إن ذلك ليس لمن إليه الصلاة، من صاحب شرطته، أو قاض، أو خليفة الوالي الأكبر على الصلاة، وإنما ذلك للأمير الذي تؤدي إليه الطاعة. قال: ولما مات الحسن بن علي، قدم عليه الحسين سعيد بن العاص، أمير المدينة يومئذ. ومن (المجموعة) قال ابن القاسم، وعلي: قال مالك: وإمام المصر إذا حضر أحق من الوالي، وكذلك القاضي، وصاحب الشرطة، إن كانت الصلاة إلى من كان منهما. قال سحنون: ومن إليه الصلاة، من قاض أو صاحب شرطة، أولي من الوالي إذا حضر، وكذلك أمير الجند، إذا كانت الخطبة، والقاضي إذا لم تكن له الصلاة، كغيره من الناس في هذا، ومن وكله أمير الجند على الصلاة، وليس للذي وكله شرطه،
ولا ضرب حد، ولا صرة، فلا حكم لهذا في الصلاة، وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من الأولياء، إذا كان سلطان الحكم، من قضاء، أو شرطة، وإلاَّ فهو كسائر الناس في ذلك. قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب: وإذا حضر القاضي فهو أحق من الوالي، وليس هو كصاحب الشرط في هذا. قال: وإن حضر القرشي، وله والصلاح، فأحب لوليه أن يقدمه. ومن (العتبية)، قال ابن القاسم: قال مالك: وقد صلى صهيب على عمر. وقال في رواية أشهب: أظن ذلك لأنه قال: يصلي لكم صهيب، ثلاثا. قال مالك، في جنازة رجل وجنازة امرأة حضرا: فليجمعا في صلاة واحدة، وأحق بالصلاة. عليهما من أوليائهما من له الفضل والسن، كان من أولياء المرأة أو من أولياء الرجل، وكان الناس يتخيرون لجنائزهم أهل الفضل. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن الماجشون: إن أولياء الرجل أحق بالصلاة عليهما، وقد فعل ذلك يوم ماتت أم كلثوم بنت علي، ومات ابنها زيد
ما يجب من الصلاة على الجنازة، وعدد التكبير عليها، وأين يقف الامام منها، ورفع الأيدي فيها، والسلام منها، وإمامة المرأة فيها
ماتا معًا وحضر ابن عمر، والحسين فقدم ابن عمر؛ لأنه ولي ابنها زيد. ما يجب من الصلاة على الجنازة، وعدد التكبير عليها، وأين يقف الإمام منها، واختلف في الصلاة على الجنازة، فقيل: فريضة يحملها من قام يها لقول الله تعالي: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (التوبة: 84)، فدَلَّ ذلك على أنه مأمور بالصلاة على غيرهم. وقاله غير واحد من البغداديين من أصحابنا. وقال أشهب: واجب على الناس الصلاة على موتاهم. قال سحنون في كتاب ابنه: الصلاة عليها فرض يحمله بعضهم عن بعض، فمن حضر قام به، فإن لم يحضروا جميعا، كانوا تاركين لفرض. وقال أصبغ: الصلاة على الموتى سنة واجبة. قال عبد العزيز بن أبي سلمة: وكل تكبيرة من صلاة الجنازة كركعة من الصلاة، وأكثر الفرائض أربع ركعات، واختار على الجنائز أربع تكبيرات.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: وقد كبر النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي أربعا، وكذلك على قبر السوادء، ثم استقر فعله على أربع، ومضي به عمل الصحابة. ومن (العتبية): قال ابن القاسم، عن مالك: وإن كان الإمام ممن يكبر خمسا، فليقطع المأموم من بعد الرابعة ولا يتبعه. وكذلك في سماع ابن وهب، قال ابن المواز: قال ابن القاسم: يقطع ولا يتبعه. وقال أشهب: يسكن، ف‘ذا كبر الخامسة سلم بسلامه. وكذلك روى ابن حبيب، عن ابن الماجشون، عن مالك، وقال به هو وَمُطَرِّف كقول أشهب.
ومن (المجموعة)، قال أشهب: وإذا كبر المأموم الخامسة مع الإمام، فلا تجزئه مما فاته، وليقضها. وخالفه أصبغ، وهو في باب بعد هذا. ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك: والرفع في كل تكبيرة واسع. قال عنه ابن وهب في سماعه: إنه استحب رفع اليدين على الجنازة في كل تكبيرة، وذكره ابن حبيب، واختاره، وذكر أن أَحَبُّ إليَّ مُطَرِّف، وابن الماجشون، الرفع في الأولى فقط. قال ابن عبدوس: وَرَوَى علي عن مالك، أنه استحب أن لا يرفع إلاَّ في الأولى فقط. قال ابن القاسم: وكذلك رأيته يفعل إذا صلى على الجنازة. وذكر حبيب، أن ابن القاسم، لم يكن في الأولى. قال أبو محمد: والمعروف عن ابن القاسم، أنه يرفع في الأولى، بخلاف ما ذكر عنه ابن حبيب. قال أشهب، في (المجموعة): ويقف الإمام من الميت، عند وسطه أَحَبُّ إليَّ، وذلك واسع، وإن تيامن إلى صدره، فحسن. وفي (المدونة)، وَرَوَى عن ابن مسعود، أنه يقف في المرأة عند منكبيها. وفي كتاب آخر، روى عن أبي هريرة، أنه يقف في المرأة عند
وسطها. وقال: ولأنه يسترها على الناس، وَرَوَى سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله على امرأة. ورأيت لابن غانم أنه روى عن مالك، أنه يقف عند وسط المرأة. قال ابن القرطي: وحيث وقف الإمام من الجنازة في الرجل والمرأة، جاز. ومن (العتبية)، ابن القاسم، عن مالك: ويسلم واحدة، يسمع نفسه ومن يليه، ويسلم من خلفه في أنفسهم. يريد متكلمين. قال: وإن أسمعوا من يليهم، فلا بَأْسَ. وَرَوَى عنه ابن غانم، أن يرد على الإمام من سمع سلامه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: وليس عليهم رد السلام على الإمام. قال مالك في (المجموعة): وبلغني أن ابن عمر، كان يسلم في
ذكر الدعاء للميت في الصلاة عليه، وترك القراءة، وهل يدعى بعد الرابعة، وما يدعى به للطفل
الجنازة. وإني لأستحب ذلك. ومن غير (العتبية)، قال ابن القاسم: وإذا لم يكن في صلاة الجنازة إلاَّ نساء، صلين عليها أفذاذا. ومن كتاب آخر، وأشهب يقول: تؤمن واحدة منهن، تقوم وسطهن. ذكر الدعاء للميت في الصلاة عليه، وترك القراءة، وهل يدعي بعد الرابعة، وما يدعي به للطفل قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قال مالك: ليست القراءة على الجنازة مما يعمل به ببلدنا. وكذلك في سماع ابن وهب، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى ترك القراءة عليها عن علي، وعمر، وابن عمر، وجابر، وأبي هريرة، وكثير من الصحابة، وكثير من التابعين، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخلصوا بالدعاء». قال ابن القاسم، في (المجموعة): وإذا والى الإمام بين التكبير، ولم يدع، فليعد الصلاة عليها. قال سحنون: ويدعو بعد الرابعة، كما يدعو بين كل تكبيرتين، ثم يسلم. وفي غير موضع لأصحابنا: إذا كبر الرابعة سلم. وكذلك في كتاب ابن
حبيب، وغيره، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى أن ابن عمر، كان يدعو بعد الرابعة لنفسه ولوالديه. قال أشهب في (المجموعة): لا يجهر الإمام، ولا من خلفه بشيء من الدعاء، وإن أسمع ذلك إلى من يليه، فلا بَأْسَ به. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى في الدعاء على الميت روايات، فيها من الدعاء ما يقرب بعضه من بعض، وكل ما دعي به من ذلك، حسن مجزئ. قال مالك في (المختصر): يجتهد للميت بالدعاء بما تيسر، ولا قراءة في ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَحَبُّ إليَّ أن يخص الميت بالدعاء. قال: ويثني على الله تعالى ويصلي على نبيه، في التكبيرة الأولى، ثم يدعو للميت، ثم يدعو له في الثانية، وإذا كبرت الثالثة، قلت: اللهم اغفر لحينا وميتنا. إلى آخر ما ذكرناه، ثم أكبر الرابعة، ثم أسلم تسليمة تلقاء وجهي، أتيامن قليلا، أسمع بها نفسي، ومن يليني، وكان ابن مسعود، يكرر الدعاء للميت، في كل تكبيرة، وكان ابن عمر يدعو لنفسه ولوالديه بعد الرابعة.
قال عبد الله: وقد جمعت مما عن السلف، من الدعاء للميت، مما في كتاب ابن حبيب، وغيره مما جاء عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وعوف بن مالك، وعن عثمان، وعن غيره، وجعلت فيه، ما استحسن ابن حبيب، وغيره، من الثناء على الله سبحانه، والصلاة على نبيه، وذلك أن يقول إذ كبر الأولى: الحمد لله الذي أضحك وأبكي، والحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيي الموتى. اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلاَّ أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت خلقته، وأنت هديته للإسلام، وأنت أمته، وأنت تحييه، وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئنا سفعاء له، فشفعنا فيه، اللهم إنا نستجير. يحيل جوارك له، إنك ذو وفاء له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا والذنوب، كما ينقي الثوب
الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه. ولا تقل في المرأة، وأبدلها زوجا خيرا من زوجها. إذ قد تكون له زوجة في الجنة، فتكون مقصورة عليه. وأفسح له في قبره، وألحقه بنبيه، وأنت راض عنه، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم وجاف الرض عن جنبيه، وافتح أبواب السماء لروحه، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، اللهم إنه قد نزل بك، وأنت خير منزل به، وترك الدنيا وراء ظهره، وافتقر إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، اللهم جازه بإحسانه إحسانا، وبسيئاته غفرانا، وثبت عند المسأله منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به. وتقول هذا الدعاء في كل تكبيرة، فإذا كبرت الرابعة، قلت اللهم اغفر لحينا وميتنا. وحاضرنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا، اللهم من أحيينه منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا، فتوفه على الإيمان، واجعل في الموت راحتنا، وقرة أعيننا، وأسعدنا بلقائك، واغفر لنا ولوالدينا، ولسلفنا الصالح، وأئمتنا، ومن سبقنا بالإيمان، وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. ويسلم، وأما الدعاء للمرأة، فمثل ذلك، ويجرى ذكرها
على التأنيث، ولا يقل: وأبدلها زوجا خيرا من زوجها. على ما ذكرنا. وأما الدعاء للطفل، قال ابن وهب، عن مالك، في (المجموعة): يسأل الله له الجنة: ويستعاذ له من النار، ونحو ذلك من الكلام، كما روى عن أبي هريرة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يكبر الأولى فيقول ما ذكرنا من حمد الله، والصلاة على نبيه فقط، ثم يكبر الثانية ويقول: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته، وأنت قبضته إليك، وأنت عالم بما كان عاملا به وصائرا إليه، اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأفسح له في قبره، وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدله دارا خيرا من داره، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وصيره إلى جنتك برحمتك، وألحقه بصالح سلف المسلمين، في كفالة إبراهيم، واجعله لنا ولأبويه سلفا وذخرا، وفرطا وأجرا. وفي موضع آخر: وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجره، ولا يفقتنا وإياهم بعده. تقول ذلك بإثر كل تكبيرة. ويدعو بعد الرابعة بما ذكر، على مذهب من يدعو بعد الرابعة.
في الصلاة على الصغير، والمنفوس المستهل، وغسله، وهل يصلي على من لم يستهل، وعلى السقط، وفي المرأة الكافرة تموت وهي حامل من مسلم
في الصلاة على الصغير، والمنفوس المستهل، وغسله، وهل يصلى عَلَى مَنْ لم يسهل، وعلى السقط، وفي المرأة الكافرة تموت وهي حامل من مسلم قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: قال مالك: ويصلى على المو لود، إذا استهل صارخا بالصوت. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن كان خفيا، غسل وصلي عليه، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، ابن ستة عشر شهرًا. وقد تقدم ذكر الدعاء للطفل. ومن (العتبية)، قال أشهب: سئل مالك عن الصلاة على المنفوس في المنزل قال: ما علمت ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مُطَرِّف: كره مالك ذلك. وَرَوَى مُطَرِّف عن العمرى، عن نافع، عن ابن عمر، أنه صلى على صبي في جوف داره، ثم أرسله إلى المقبرة، ولم يتبعه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أرى ذلك من عذر، لأنه كبر وذهب بصره. قال: وليس العطاس باستهلال، ولا الرضع ولا الحركة، وإن أقام يوما يتحرك ويتنفس، ويفتح عينيه حتى يسمع له صوت، وإن كان خفيفا فيجب له حكم
الموارثة، والصلاة عليه، وإلاَّ فهو كالسقط. ومن كتاب آخر، أن ابن وهب يرى الرضع، كالاستهلال بالصراخ. ومن (المجموعة)، ابن القاسم، عن مالك: لايرث ولايورث، ولا يسمى، ولايغسل، ولا يصلي عليه، حتى يستهل. قال ابن الماجشون: بالصراخ، وهو ما لا بد منه، إن كان حيا لا يرضع، ولا يتبين له حياة إلاَّ والصراخ قبلها، فأما العطاس، فيكون من الريح، ليس بفعله. والبول يكون من استرخاء المواسك، ويكون من الميت، والصراخ فعل الحي. قال غيره: وليس الحركة دليل الحياة البينة، وقد كان يتحرك في البطن. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا أحب دفن السقط، ومن لم يستهل إلاَّ في المقبرة، ولا بَأْسَ أَنْ يغسل عنه الدم، ويلف في خرقة ولا يحنط، وإن دفن في المنزل فجائز. وكذلك روى علي بن زياد، عن مالك، في (المجموعة)، أن يغسل عنه الدم، لا كغسل الميت. قال ابن عبدوس: قال علي، عن مالك، في أم ولد المسلم تموت نصرانية حاملا منه قال: يليها أهل دينها، وتدفن في مقابرهم؛ لأنه لا
في النفساء تموت وقد استهل منفوسها، أو لم يستهل، هل يحمل معها، أو يجمعان في صلاة؟
حرمة لجنينها حتى يولد. في النفساء تموت وقد استهل منفوسها، أو لم يستهل، هل يحمل معها، أو يجمعان في الصلاة؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ إذا ماتت النفساء أن يحمل منفوسها معها، فإن استهل، جعل على يسارها، مما يلي الإمام إذا وقف للصلاة عليها ـ يريد إن كان ذكرا ـ وإن كان لم يستهل، جعل عن يمينها، أو ناحية من النعش، لتكون هي تلي الإمام، وينوي بالصلاة والدعاء المرأة وحدها في هذا، ولا بَأْسَ أَنْ يدفن معها، إن شاءوا في اللحد أو في ناحية منه، أو في لحد آخر، استهل أو لم يستهل. في حكم الصغير من السبي يسلم، أو يسلم أحد أبويه، أو ينوي مبياعه إدخاله في الإسلام في الصلاة عليه إن مات، وفي الموارثة، والقود، وغيره، وإسلام الكبير الأعجمي عن تعليم قال ابن عبدوس: روى ابن القاسم، عن مالك، في الصغير ـ يريد الكتابي ـ يسبي، فيبتاعه رجل أو يقع في سهمه، فمات عنده، فلا يصلي عليه.
قال ابن القاسم: وكذلك إن نوى سيده، أن يدخله في الإسلام. وقال ابن الماجشون: إذا لم يكن معه أبواه، ولم ينته إلى أن يتدين بدين أو يدعي، وقد ابتاعه مسلم قبله، فله حكم المسلم في الصلاة عليه، والدفن، والموارثة، والعتق، والقود، والمعاقلة. قال ابن سحنون: وَرَوَى نحوه، معن بن عسى، عن مالك، أنه يصلي عليه. وقال معن بن عيسى، في (العتبية)، عن مالك: إذا كان مع أبويه، لم يكره على الإسلام، وإن كان وحده، أمر بالإسلام. يريد من الكتابيين. قال ابن عبدوس: رواية ابن القاسم أولي؛ لأن لهم حكم الكفر، وهي الأكثر والغالب، لأنه قد ولد في دار الكفر مع أبويه، ولا ينتقل عنه إلاَّ بإسلام أبيه، أو قد يجيب إلى الإسلام، وقد عقل الإسلام. فإن قيل: فأنت لا تبيعهم من أهل الذمة، ولا تفاديهم بالمال. قلت: لا أفعل؛ لأني أجبرهم على الإسلام إذا لم يكن معهم أحد أبويهم. وقد قال سحنون: أما مفاداة مسلم بهم، فنعم، وأما بالمال، فلا. وَرَوَى ابن نافع، عن مالك، أن صغار الكتابيين، وكبار المجوس، يجبرون على الإسلام، ولا يباعون من أهل الذمة. قال ابن الماجشون: ومن سبي من الكتابيين، من النساء ومن
المراهقين، فليقروا على دينهم. قال هو والمغيرة: ويجبر كبار المجوس على الإسلام. قال سحنون: وإن كان مع الصبي الكتابي أحد أبويه، أم أو أب؛ كان تبعا له في دينه، وله حكمه، وكذلك الذمية تزني، فولدها على دينها، وكذلك المسبية منهم معها ولد، فهو على دينها، ويصدق أنه ولدها في التفرقة، والدين، ولا يصدق في الأنساب والمواريث. قال سحنون: ولو سبيت ومعها بنت، كان لنا أن نفاديها بالمال، ولو لم تكن الأم معها، لم تفادي بمال؛ لأنا نجبرها على الإسلام. قال ابن القاسم، عن مالك، من مات من صغار الكتابيين من السبي، لم يصل عليه حتى يجيب إلى الإسلام بأمر يعرف. قال ابن القاسم: إذا كان ممن يعقل ما أجاب إليه. وكذلك ذكر في (العتبية)، عن مالك، قال: ولا تنفع نية مالكه أن يجعله في الإسلام. قال عنه ابن وهب: إذا قال: لا إله إلاَّ الله. عن تعليم، صلي عليه. قال عنه علي: وإذا صلى الصبي من السبي، ثم مات، صلي عليه. وَرَوَى هو وابن القاسم، عن مالك، أنه إن اشتري مع أحد أبويه، فأسلم من معه منهما، أنه يصلي عليه إن مات، وإن اشتري صبيا ليس معه أحد أبويه، فصلى قبل أن يبلغ الحلم، ثم مات صُلِّيَ عليه،
وكذلك إن أجاب إلى الإسلام بأمر يعرف. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا عرف ما أجاب إليه. قال ابن وهب، في كتاب آخر: إسلام الأم إسلام لولدها. قال سحنون: إن لم يكن معه أبوه فهو على دين أمه، وكذلك الذمية تأتي بولد من زنى، فهو على دينها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من كان من صغار الكتابيين، وكبار المجوس، فإذا ملكه مسلم، ونوى به الإسلام، ثم مات بحدثان ملكه وفوره، فلا يصلى عليه، ولا يجزئ في تلك الحال عتقه عن رقبة واجبة، وأما إن ارتفع عن حداثة ذلك وفوره، وقد شرع الصغير شريعة الإسلام، وزياه بزيه، وإن لم يبلغ مبلغ الفهم لما أريد منه، فهو في تلك الحال يجزئ في العتق الواجب، ويصلى عليه إن مات، ويوارث ويقاد له، ويؤخذ من عاقلته الدية في الخطأ؛ لأنه ممن يجبر علي الإسلام، إن كبر وهو علي دين مالكه، هذا إن لم يكن مع الكتابي أبوه، ولا يلتفت إلى أمه، فإن كان معه أبوه، فحكمه حكمه في الإسلام والكفر، كانا في ملك واحد أو في ملكين. قاله كله مطرف، وابن الماجشون، وذكراه، عن مالك، وغيره، وقاله أصبغ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنما هذا في صغار المجوس، وأما في
صغار الكتابيين، فحتى يكبر ويجيب إلى الإسلام، أو يكون بإسلام أبيه مسلما. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهذا في من ولد في ملك المسلمين، من الكتايين، ولا يجبر علي الإسلام، فأما من سبي منهم، ليس معه أبوه، فهو كالصغير المجوسي، وأما الكبير المجوسي يسبى، فلا يصلى عليه إن مات، ولا يجزئ في رقبة واجبة، حتي يسلم بقول، أو عمل يفهم عنه به قصد الإسلام، غير أنه يكره كبار المجوس علي الإسلام، ولا يكره كبار الكتابيين، ولم يختلفوا في هذا، ولا في أنه يمنع الكتابييون من شراء سبي المجوس، من صغار وكبار، ومن شراء صغار سبي الكتابيين. وقال مالك: ومن اشترى حاملا من السبي، فولدت عنده، فمات ولدها، فلا يصلى عليه. قال ابن حبيب: لأنه ولد عندنا. قال سحنون، وغيره: بل إنما هذا لأنا نجعله على دين من معه، من أبويه. قال ابن عبدوس: وروى ابن القاسم، عن مالك، في عتق الرضيع، أن من صلى وصام، أحب إلي، وإن فعل لقصر النفقة أجزأه. وكذلك قال في عتق الأعجمي: يشتريه. يريد وهو كبير ـ من غير أهل الكتاب. ورواه عنه أشهب، أنه يجزئه الرضيع في كفارة اليمين، وأما
في القتل، فهو أيضا يجزئه، ولكن من صلى وصام في القتل أحب إلي. قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يعتق مجوسيا عن واجب حتى يعقل الإسلام، وينحو نحوه. وقاله سحنون. وقال: لا يجزئه الصغير العجمي، إلا أن يجيب إلى الإسلام، وأما الرضيع، فإن كان سبي ومعه أحد أبويه مسلما، أجزأه، وإلا لم يجزه إن كان وحده. وقد تقدم ذكر الصغير يسلم أحد أبويه. قال ابن عبدوس: واختلف في هذا الأصل في قولهم، فمرة يجعلونه في حكم المسلمين، ومرة يرفعونه إلى بلوغه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: إذا أسلم الصغير، وقد عقل الإسلام، فله حكم المسلمين في الصلاة عليه، ويباع على النصراني، إن ملكه؛ لأن مالكا قال: لو أسلم وقد عقل الإسلام، ثم بلغ فرجع، جبر عليه. قال أشهب: وإن لم يعقل ذلك، ولا بلغ مبلغه لم أجبر الذمي على بيعه، ولا يؤخذ الصبي بإسلامه، إن بلغ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في صبية مجوسية لم تحض: فلا يطأها من ملكها، حتى يجبرها على الإسلام، إذا كانت تعقل ما يقال لها؛ فجعل إسلامها حينئذ يبيح وطأها. وأنكره سحنون، وقال: يحتاط في الوطء إلى أن تبلغ، وتثبت على إسلامها. وقال ابن القاسم، في الصبي الذمي الذي زوجه أبوه مجوسية، فأسلم الصبي: إنه لا يعجل الفرقة بينه وبين زوجته حتى يبلغ، ويقيم
على إسلامه، إذ لو ارتد قبل الحلم لم يقتل. فلم ير إسلامه يوجب الفرقة. فينبغي لو مات بعد أن أسلم، أن ترثه زوجته، ولو أسلمت زوجته وهي صغيرة، وقعت الفرقة بإسلامها، كما تباع عليه لو كانت أمة. قال ابن عبدوس: فكيف تقع الفرقة بإسلامها، ولا تقع بإسلامه في صغرهما؟ وقال سحنون: في إسلام الزوج اختلاف من أصحابنا. قال المغيرة: إذا أسلم ابن اثني عشر سنة، وأبواه كافران كارهان لذلك، ثم مات، قال: وهو مسلم ولا يرثانه، وقد أجاز عمر وصية من في سنه، وهو ممنوع من ماله. قال سحنون مثله، وأنه أحسن ما سمع، وميراثه للمسلمين. قال المغيرة: ولو مات الأب والولد حتى أوقف ميراثه، فإن رجع الغلام نصرانيا قبل يبلغ ورث أباه وإن لم يبلغ، وإن مات قبل البلوغ، فميراث الأب لورثته دون الغلام. وقال مالك، في من أسلم وله ولد مراهق: فليوقف ميراثه منه إلى بلوغه، فإن أسلم أخذه، وإلا لم يرثه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا ينظر إلى قوله قبل يبلغ: إني أسلم. أو: لا أسلم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن وهب، عن مالك، في عبد أو أمة لا
في الصلاة على المرتد الصغير، ومن أسلم في صغره، ثم رجع بعد بلوغه أو قبل، أو أسلم الأب وثبت الولد كافرا
تعرف الإسلام، فقيل لها: قولي: لا إله إلا الله. ففهمتها وقالتها بإشارة أو بغير إشارة: فإنه يصلى عليها وإن لم تصل. ومن (الْعُتْبِيَّة): قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا شهد الأعجمي: لا إله إلا الله. عن تعليم، ثم مات، صلي عليه وإن لم يصل. في الصلاة علي المرتد الصغير، ومن أسلم في صغره، ثم رجع بعد بلوغه أو قبل، أو أسلم الأب وثبت الولد كافرا قال ابن عبدوس: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن ارتد قبل أن يبلغ ثم مات، لم يصل عليه، ولم تؤكل ذبيحته. قال سحنون: وهو يكره على الإسلام قبل يبلغ ـ يريد بغير قتل ـ قال: وميراثه إن مات لورثته من المسلمين، فكذلك ينبغي أن يصلى عليه، وكيف يورث بالإسلام ولا يصلى عليه؟ ولو كانت له زوجة لورثته. فمن رأى أن لا يصلى عليه، ينبغي أن يجعل ردته فرقة لزوجته. وقال سحنون، في من أسلم من النصارى والمجوس قبل يبلغ، ممن عقل الإسلام ثم ارتد: إنه يجبر على الإسلام. وقاله ابن القاسم. قال سحنون: إن مات قبل يبلغ فميراثه لأهله. قال ابن القاسم: ولو
بلغ على ذلك وهو يأبى الإسلام. قال مالك: يكره بالتهديد وبالضرب أبدا. ووقف عن القتل. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولو أسلم وقد عقل، ثم تمادى مسلما حتى بلغ، ثم ارتد، فهذا يقتل. وقاله أشهب، وعبد الملك؛ لأنه يثبت على الإسلام بعد بلوغه. قالا: ولو ارتد قبل يحتلم، يجبر بالتهديد والمشقة، فإن أبى ضرب، فإن بلغ كذلك، لم يقتل، ويتمادى عليه بما ذكرنا. ولأن إسلامه كان ضعيفا. وقاله سحنون. قال المغيرة: يقتل بعد البلوغ إذا تمادى، وبلغ كذلك، ولم يرجع. قال ابن عبدوس: ومن ارتد من أولاد المسلمين في هذا الحال أدب، فإن تمادى بعد البلوغ على ذلك، فلم يختلف أصحابنا في قتلهم. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن أسلم وله أولاد صغار، أبناء خمس سنين ونحوها، فلهم حكم الإسلام في الموارثة وغيرها. وقاله أكثر الرواة. وأنكر سحنون قوله عن مالك، في من أسلم وله ولد صغار، فأقرهم أبوهم حتى بلغوا اثنى عشر سنة، فأبوا الإسلام، فقال لا يجبروا. قال سحنون: وقال بعض الرواة: إنهم يجبرون وهم مسلمون، وهو قول أكثر المدنيين.
في الصلاة على ولد المسلم، يولد مخبولا، ومن جن بعد البلوغ، والقول في مصير أولاد المسلمين والكافرين
في الصلاة على ولد المسلم، يولد مخبولا، ومن جن بعد البلوغ، والقول في مصير أولاد المسلمين والكافرين من (الْعُتْبِيَّة)، قال أصبغ، عن ابْن الْقَاسِمِ، في ولد المسلم يولد مخبولا، أو يصيبه ذلك قبل يبلغ، قال: ما سمعت فيهم شيئا، غير أن الله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] . فأرجو أن يكونوا معهم، وأما من أصيب بعد الحلم، فقد سمعت بعض العلماء من أهل الفضل، أنه يطبع على عمله كمن مات. ومن كتاب آخر، أن المجنون والمخبول والمعتوه يصلى عليهم. وجاء في الحديث في المجانين: (توقد لهم نار يوم القيامة، فيقال لهم: اقتحموها. فمن علم الله أنه لو وهبه في الدنيا عقلا أطاعه، فإنه يدخلها ولا يضره، ويدخل الجنة، ومن علم الله أنه لا يطيعه لو عقل لم يدخلها، فأدخل النار). والله أعلم.
في الصلاة على الصغير المنبوذ، والكبير المجهول، وبالبلد مسلمون ونصارى
ولم يختلف العلماء في أطفال المؤمنين أنهم في الجنة. وأما أطفال الكفار فقد اختلف فيهم، فروي حديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». وروي أنهم خدم لأهل الجنة. وفي بعض الأحاديث أنهم مع آبائهم. والله أعلم بذلك، ولا يقطع في هذا إلا بالأخبار المستفيضة المجتمع على معناها. والله أعلم. في الصلاة على الصغير المنبوذ، والكبير المجهول، وبالبلد مسلمون ونصارى ومن (كتاب) ابن حبيب، قال في المنبوذ يوجد ميتا، أو يوجد حيا ثم يموت صغيرا: إنه يصلى عليه، وإن وجد في كنيسة، وإن كان عليه زي النصارى، إذا كان في نادي المسلمين وجماعتهم، وأما كبير وجد ميتا، أو غريب طرأ إلى بلد، ولا يعلم أنه كان مسلما، فلا يصلى عليه، فإن كان مختونا وعليه زي الإسلام، حتى يعلم أنه كان مسلما، إذا كان بموضع فيه مسلمون ونصارى؛ لأنهم قد يختنون ويلبسون زي المسلمين إذا خالطوهم، والفرق بين الصغير والكبير، أن الصغير المنبوذ
يجبر على الإسلام إذا كبر، وإن وجده كتابي. فلا يقر بيده، والكبير المجهول لا يجبر على الإسلام، فلا يصلى عليه إلا بيقين، ولكن يوارى في الأرض، ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلة غيرنا، ولا يقصد به مقبرة أحد. هكذا: قال لي مطرف، وابن الماجشون، قالا لي: إلا أن يوجد بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مختونا، في هيئة المسلمين، فليدفن مع المسلمين؛ لأنه لا يكون بها غير مسلم. وقاله ابْن الْقَاسِمِ، وأصبغ. قال أبو محمد: يريد ويصلى عليه. ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في المنبوذ يموت قبل يعرف الصلاة، وفي ذلك البلد أهل كتاب: فليصل عليه، ويلحق بأحرار المسلمين، في العقل عن قاتله، وترك أخذه أحب إلي، إلا أن يخشى عليه أن يهلك إن ترك. وإذا وجد ميت بفلاة، لا يدرى ما هو، فليوار بلا غسل ولا صلاة. وكذلك لو وجد في مدينة في زقاق. وقال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في الذي يوجد بفلاة، فلا
يدرى أمسلم هو أو نصراني: فليجر اليد على ذكره من فوق الثوب، فإن كان مختونا غسل وصلي عليه، وإن لم يكن مختونا وري. وقال ابن كنانة، في قوم لفظهم البحر: فإن عرف أنهم مسلمون فليدفنوا. وفي كتاب ابن سحنون: ينظر إلى العلامات فيستدل بها، فإن عميت العلامات نظر؛ فإن كان الغالب ممن، يختلف في البحر المسلمون، صلي عليهم، وينوى بالدعاء المسلمون، وإن كانت مراكب الشرك الغالبة في ذلك البحر، فلا يصلى عليهم. ومن المجموعة، قال أشهب، في رجل مات فلا يدرى أمسلم هو أم كافر: فلا يغسل ولا يصلى عليه، إلا أن يكون عليه زي الإسلام، من حصاب أو غيره، فيصلى عليه وينوى بذلك إن كان مسلما. قال ابن القاسم، في ميت بفلاة، لا يدرى أمسلم هو أم كافر: فلا يوارى ولا يُصَلَّى عليه. قال سحنون: هذا بفلاة من فلوات الشرك، فأما بفلاة من فلوات المسلمين، فإنه يغسل ويُصَلَّى عليه.
في الموتى فيهم كافر لا يعرف، هل يصلى عليهم؟
في الموتى فيهم كافر لا يعرف، هل يُصَلِّي عليهم؟ من الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، في نفر من المسلمين، فيهم رجل كافر لا يعرف، ماتوا تحت هدم: فليغسلوا ويُصَلى عليهم أجمع، وينوي بالصلاة المسلمين منهم. قال سحنون: وإن مات رجلان تحت هدم، أحدهما يهودي، ولأحدهما مال، فلم يعرف المسلم ولا ذو مال، قال: يغسلان ويكفنان من ذلك المال، ويُصَلِّي عليهما، والنية للمسلم، ويدفنان، ويبقى المال موقوفا، وإذا وجدوا عشرة موتى مسلمين، إلاَّ واحد كافر، لا يعرف، فعل لهم كذلك، وكذلك إن كان فيهم واحد مسلم مجهول، والباقون يهود، فليصل عليهم بعد الغسل، وينوي بالدعاء للمسلم. وقاله أشهب، إذا كان فيهم واحد يهودي، فسقط عليهم جدار، فلم يعرف المسلم بعينه، فيصل عليهم وينوي المسلمين. وأما الجماعة فيهم مسلم واحد، فلا يُصَلى عليهم حتى يعرف المسلم بعينه، فيصلى عليه وإلاَّ فلا.
في الذمي يموت، وليس معه إلا المسلمون، هل يواروه، وفي المسلم يموت أبوه الكافر، هل يلي أمره أو يعزي فيه، أو مات الابن هل يليه أبوه؟
في الذمي يموت، وليس معه إلاَّ المسلمون، هل يواروه، وفي المسلم يموت أبوه الكافر، هل يلي أمره أو يعزى فيه، أو مات الابن هل يليه أبوه؟ من المجموعة، قال علي بن زياد، عن مالك، في ذمي مات ليس معه أحد من أهل دينه، قال: يوارى؛ فإن له ذمة. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ، في مسلم مات أبوه الكافر: فلا يغسله، ولا يتبعه، ولا يدفنه، إلاَّ أن يخشى أن يضيع، فيواريه. قال أشهب: ولا يستقيل به متعمدا قبلة أحد. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: وإن مات الابن المسلم، فلا يوكل إلى أبيه في شيء من أمره، من غسل ولا غيره. قال أشهب: فأما سيره معه ودعاءه له، فلا يمنع منه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: ولا يعزى المسلم بأبيه الكافر؛ يقول الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] . فمنعهم الميراث وقد أسلموا حتى يهاجروا. وبعد هذا باب في التعزية للمسلم والكافر وباب في حضور المسلم جنازة قريبه الكافر. في الصلاة على قتلى الخوارج، وأهل البدع، وأهل المعصية من الْعُتْبِيَّة، من سماع موسى بن معاوية، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في
في الصلاة على من قتل بقود، أو في حد أو قاتل نفسه، والصلاة على أهل الكبائر، وعلى ولد الزنى
قوم ثاروا على خارجي فقتل من أصحاب الخارجي، ومن القائمين عليهم نفر، وليس منهم من أراد نصرة في دين، وإنما طلبوا الدنيا أو فئتين من المسلمين، فتقع بينهم قتلى: فإن هؤلاء يغسلون ويُصَلى عليهم، الظالم والمظلوم، ويدفنون، وليفعل ذلك بهم الإمام، ولا يكره عليه أحد، وكذلك طائفتان من الخوارج، الحرورية والقدرية وغيرهم، يقع بينهم قتلى. فعلى من قربوا منهم أن يواروهم، ويغسلوهم، ويُصَلُّوا عليهم، وذلك استحسان وليس بواجب وأعرف لسحنون أن ذلك واجب. قال سحنون، في موضع آخر: إنما تترك الصلاة على الخوارج أدبا لهم، فإذا خيف أن يضيعوا غسلوا، وصَلَّى عليهم. وفي باب الشهداء بقية من معنى هذا الباب. في الصلاة على من قتل بقود، أو في حد أو قاتل نفسه، والصلاة على أهل الكبائر، وعلى ولد الزنى من المجموعة، قال علي: قال مالك: يُصَلَّى على كل مسلم،
ولا يخرجه من حق الإسلام حدث أحدثه، ولا جرم اجترمه. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: يُصَلَّى على قاتل نفسه، ويورث، ويُصَلي الناس على من قتله الإمام في قود، أو رجم في زنى، دون الإمام. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في قوم بغوا على أهل قرية، أرادوا حربهم أو لصوص، فقتلهم أهل القرية: فإنه يُصَلَّى عليهم، إلاَّ الإمام؛ لأنه كان لو رفعوا إليه قتلهم، أو قاتلهم إن امتنعوا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُصلى على كل موحد، وإن أسرف على نفسه بالكبائر. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم، صَلَّى على امرأة ماتت من نفاس من زنى. وفعله ابن عمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإنما يشفع للمسيء. وقَالَ ابْنُ سيرين: ما حرم الله الصلاة على أحد من أهل القبلة، إلاَّ على ثمانية عشر رجلا من المنافقين. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإنما ذلك ليعلم أن الصلاة عليهم لا تترك لجرمهم، فأما الرجل في خاصته، فإنما ينبغي أن يرغب في شهود من يرجى بركة شهوده. وكذلك قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك في سماعه: إنه لا ينبغي للرجل في خاصته أن يرغب في حضور مثل هؤلاء.
جامع القول في الشهيد، والصلاة عليه، وفي غير ذلك من شأنه، وفي من قتل مظلوما، أو قتله لصوص أو خوارج
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، وعلي، قال مالك: لم أسمع من أحد ينكر الصلاة على ولد الزنى، وعلى أمه. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك، في جارية غارت عليها سيدتها، فشربت نورة فقتلت نفسها، قال: يُصَلى عليها. وكذلك قال، في رجل سجن فخاف أن يعذب، فقتل نفسه. قال موسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، في المحارب يسعى الإمام اجتهاده في صلبه، إن شاء صلبه حيا وطعنه، وإن شاء قتله ثم صلبه، فإن قتله قبل الصلب، فليصل عليه، ولا يُصَلِّي عليه الإمام، ثم يصلب. وأما إن صلبه حيا، فقال سحنون: ينزل، فيغسل، ويُصَلى عليه، ويدفن. وفيما فعل من صلبه كفاية. وقَالَ ابْنُ الماجشون: يصف تلقاء خشبته، ويُصَلَّى عليه. جامع القول في الشهيد، والصلاة عليه، وفي غير ذلك من شأنه، وفي من قتل مظلوما، أو قتله لصوص أو خوارج قال أبو محمد: وهذا الباب قد كتبت في كتاب الجهاد بابًا مثله، فيه زيادة على ما هاهنا. ومن سماع ابن وهب، قيل لمالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم، صَلَّى على
حمزة حين استشهد، فكبر عليه سبعين تكبيرة؟ قال: ما سمعت ذلك، ولا بلغني أنه صَلَّى على أحد من الشهداء. ومن (كتاب ابن سحنون) من السير قال أشهب: الشهيد الذي لا يغسل ولا يُصَلَّى عليه، من مات في المعركة، فقضي. فأما من حمل إلى أهله فمات فيهم، أو مات في أيدي الرجال، أو بقي في المعركة حتى مات، فإنه يغسل ويُصَلَّى عليه. قال سحنون: قوله: يبقى في المعركة. يقول: في الحياة البينة، التي لا يقتل قاتلها إلاَّ بالقسامة. وإذا راموهم بأحجار أو نار أو رماح، فوجد في المعركة من قد مات بأحد هذه الوجوه، فلا يدري أبفعل المشركين أو بغير فعلهم، فهو على أنه بفعلهم حتى يظهر خلافه، إن كان وقع بينهم لقاء أو حرب أو مراماة، وإلاَّ غسل وصلي عليه. ومن الْعُتْبِيَّة قًال أشهب: وإذا قتل في المعركة وهو جنب، فإنه لا يغسل ولا يُصَلَّى عليه. وقاله ابن الماجشون. قال أصبغ: وإذا أغار المشركون في بعض الثغور، فقتلوا المسلمين في منازلهم في غير
ملاقاة ولا معترك، فقال ابْن الْقَاسِمِ: يغسلون ويُصَلَّى عليهم، بخلاف من قتل في المعترك والزحف. قَالَ ابْنُ وهب: هم كالشهداء في المعترك، حيث ما نالهم القتل منهم في معترك أو مزاحفة. وبقول ابن وهب أقول. قال أصبغ: سواء ناصبوهم، أو قاتلوهم مغافصة نياما أو غافلين، فهم كشهداء المعترك. وكذلك إن كان في من قتل امرأة، أو صبية، أو صبي صغير، قتلوا بسلاح أو غير سلاح، فليفعل بهم مثل ما يفعل بالشهداء الرجال البالغين. من (كتاب ابن سحنون): ولو قتل المسلمون في المعترك مسلما، ظنوا أنه من العدو، أو ما درست الخيل من الرجالة، فإن هؤلاء يغسلون ويُصَلَّى عليهم. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يدفن مع الشهيد ما عليه من السلاح؛ من درع وسيف. مالك: ولا ينزع فروه، ولا خفه، ولا قلنسوته. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قتلوه بحجر، أو بخنق، أو بعصى، في معترك أو في غير معترك، فإنه كالشهيد في المعترك. وقاله أشهب. قالا: ولو أغار العدو على قرية مسلمين، فدفعوا عن أنفسهم، فقتلوا، فهم كالشهداء في المعترك. قال أشهب: وكذلك من قتل من الرجال والنساء والولدان في
المعترك، ممن يقاتل ويدفع عن نفسه، فأما من قتل من الرجال والنساء والولدان، ليس على وجه القتال، فأرى أن يغسلوا ويكفنوا ويُصَلَّى عليهم. قال سحنون: كل من قتله العدو، من صغير أو كبير، قاتل أو لم يقاتل، أو امرأة أو رجل، في معترك، أو غير معترك، أو دخل عليهم في بيوتهم، فلهم حكم الشهداء، ويدفنوا بدمائهم. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أصبغ: والشهيد إذا غزاه العدو فليكفن، وإن كان عليه ثيابه، فأراد أولياءه أن يزيدوه ثيابًا، فلا بأس بذلك. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ولا ينزع عن الشهيد قلنسوة، ولا منطقة. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا خفيه. وقَالَ ابْنُ نافع: ولا فروة، وقال مطرف: ولا خاتمه، إلاَّ أن يكون نفيس الفص، ولا منطقته، إلاَّ أن يكون لها خطب، وأما إن كان ما فيها من الفضة يسيرا، فلا تنزع. ولم يقع قول مطرف، وابن نافع، في رواية يحيى بن عبد العزيز. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ويصنع بقبور الشهداء ما يصنع بغيرهم، من الحفر واللحد. قَالَ ابْنُ نافع، وعلى: قال مالك: ومن قتل مظلوما، أو قتله لصوص قتل غيلة، أو في معركة، فإن هؤلاء يغسلون
في الصلاة على بعض الجسد أو على الغائب
ويكفنون ويحنطون ويُصَلَّى عليهم. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: وكذلك كل مقتول أو ميت، بهدم أو غرق، والشهداء السبعة المذكورون في الحديث. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن قتل في قتال البغي، من الباغين، أو المبغي عليهم، فإنهم يغسلون ويُصَلَّى عليهم. قال أشهب، في القوم بأرض العدو، يجدون واحدا منهم مقتولا، لا يدرون من قتله: أنه يغسل ويُصَلَّى عليه، ولو علم أن أحدا من العدو قتله في قتال بعصى، لم يغسل، ولم يصل عليه. وبقية القول في هذا الباب في كتاب الجهاد لابن حبيب، وسحنون. في الصلاة على بعض الجسد أو على الغائب قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قال مالك: لا يُصَلى على الرأس وحده، ولا على يد أو رجل، ولا على رأس مع يدين ورجلين، وأن لا يُصَلَّى إلاَّ على البدن أو أكثره، مجتمعا غير مقطع. ونحوه في (المختصر)، أنه
لا يغسل منه رأس أو يد أو رجل، كما لا يُصَلَّى عليه. وفي رواية ابْن الْقَاسِمِ، في (المجموعة) وفي الْعُتْبِيَّة، من سماع موسى عن ابْن الْقَاسِمِ، أن مالكا قال: إذا كان جل البدن مجتمعا أو مقطعا، صَلَّى عليه، وغسل، وإن لم يكن جله، فلا، ولكن يدفن ذلك بلا غسل ولا صلاة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقاله الشعبي. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يغسل ما وجد منه، ويُصَلَّى عليه، كان رأسا أو يدا أو رجلا أو عضوا، وينوي بالصلاة عليه الميت. وقد دفن عروة رجله بعد أن غسلها، فكفنها ولم يصل عليها؛ لأنها من حي. وإنما ينوى بذلك أن يُصَلَّى على صاحب الرجل الميت لا الحي. قال عبد العزيز: وإن استوقن أنه غرق أو قتل، أو أكلته السباع، ولم يوجد منه شيء، صلي عليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاشي.
في الصلاة على الجنازة في المسجد، أو في المقبرة، أو في الدور
وبه قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. قال غيره: هذا من خواص النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الأرض رفعت له، وعلم يوم مات فيه، ونعاه لأصحابه يوم موته، وخرج بهم، فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى. والله أعلم. ولم يفعل هذا أحد بعده، ولا صَلَّى أحد على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ووري، وفي الصلاة عليه أعظم الرغبة، فهذه أدلة الخصوص. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا وجد البدن بلا رأس ولا أطراف، صلي عليه، ولا يُصَلَّى على الرأس والأطراف فقط، ولو وجب هذا، وجب أن يُصَلَّى على أصابعه أو أسنانه أو أنفه، وإني مع ذلك لا أدري لعل صاحبه حي، ولو علمت بموته لم أصل على ذلك، ولو وجد أحد شقيه طولا مع رأسه، أو نصفه عرضا مع رأسه، لم يصل عليه. في الصلاة على الجنازة في المسجد، أو في المقبرة، أو في الدور ومن سماع ابن وهب، قال مالك: لا يُصَلَّى على الجنازة في المسجد، إلاَّ أن يضيق المكان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولو صلي على الجنازة في المسجد، ما كان ضيقا،
لما رُوِيَ من الصلاة على سهيل فيه، وعلى عمر فيه. قَالَ ابْنُ سحنون: وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل فيه، أمر قد تركه، وفعل غيره حين خرج في النجاشي إلى المصلى، وهذا أخف، ومع أن حديث سهيل منقطع. قال غيره: وقد قيل: كثر الناس في جنازته، فضاق بهم الموضع، ثم لم يفعله بعد ذلك، واستدام الصلاة في المصلى، حتى أنكر الناس على عائشة ما أمرت به، من إدخال جنازة سعد فيه، لتصلي هي عليها. ومع ذلك، فهو ذريعة إلى إصراف المسجد إلى غير ما جعل له من الصلوات، وقد ينفجر فيه الميت، أو يخرج منه شيء، فترك ذلك أولى من غير وجه، كما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، واستدام غيره. وعمر إنما صلي عليه
فيه لأنه قد دفن مع النبي صلى الله عليه وسلم. ومن كتاب (المبسوط)، لإسماعيل القاضي، قال إسماعيل القاضي: ولا بأس بالصلاة على الجنازة في المسجد، إن احتيج إلى ذلك، وما أنكر الناس من أمر سعد، دليل على أن العمل الدائم الصلاة على الجنائز في موضع الجنائز بقرب المسجد، ولعل الصلاة على سهيل كانت قبل يتخذ ذلك الموضع، ولعلهم إنما صَلَّوْا على عمر في المسجد لأنه أوسع عليهم، لكثرة من صَلَّى عليه، وهذا كله واسع إذا احتيج إليه. وأما ما حدثنا به عاصم بن علي، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صَلَّى على جنازة في المسجد، فلا شيء له». فهذا إسناد ضعيف. ولا بأس بذلك إذا احتيج إليه. ومن المجموعة، ابن وهب، عن مالك: ولا بأس أن يُصَلَّى على الجنازة وسط القبور. قيل لأشهب: أيصلى عليها في الجبانة، أم في الدور؟ قال: كل مجزئ، وبعد الخروج بها أَحَبُّ إِلَيَّ.
في الصلاة على الجنازة بعد الصبح، وبعد العصر، أو في الليل
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كره مالك الصلاة على المنفوس في المنزل. وروى مطرف، أن ابن عمر صَلَّى على صبي في جوف دارهم، ثم بعث به إلى المقبرة، ولم يتبعه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وما أرى ذلك إلاَّ من عذر؛ لأنه كبر، وكف بصره. وقد تقدم هذا في باب آخر. ولم ير مالك بصلاة المكتوبة في المقبرة بأسا، في المواضع الطاهرة، وأن يُصَلَّى فيها على الجنازة. وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الجنائز، وصَلَّى فيها أبو هريرة على عائشة. في الصلاة على الجنازة بعد الصبح، وبعد العصر، أو في الليل من المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: إذا حضرت الجنازة قبل المغرب، فليصلوا عليها بعد المغرب أصوب، فإن صَلَّوْا قبل المغرب، فلا بأس بذلك. قال عنه ابن وهب، في سماعه: لا يُصَلَّى عليها عند غروب الشمس حتى تغرب، إلا أن يخاف عليها. وكذلك في (المختصر)، قال عنه علي: ولا بأس بالصلاة عليها في الليل، ولا يُصَلَّى عليها إلاَّ في وقت صلاة. قال أشهب: وإذا حضرت قبل صلاة المغرب فليبدءوا بالمكتوبة بما شاءوا، إلاَّ
أن يخافوا على الجنازة فسادا، أو فوات الصلاة، فليبدءوا بما يخاف عليه، وأما العصر والصبح، فأحب إلي أن يبدءوا بالجنازة، إلاَّ أن يخاف على الصلاة، فيبدءوا بها، وإن صَلَّوْا عليها عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فلا إعادة عليهم. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن دفنت فلا يعيدوا عليها، وقد أرخص مالك أن يُصَلَّى عليها في هذه الساعات إن خيف عليها. وقال مالك: يُصَلَّى عليها بعد العصر، ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم تسفر، ولا يُصَلَّى عليها في الإسفار، ولا في اصفرار الشمس بعد العصر، إلاَّ أن يخاف عليها. قال في (المختصر): عندما تهم الشمس أن تطلع، وعندما تهم أن تغرب، ويصفر أثرها بالأرض، فلا يُصَلَّى عليها، إلاَّ أن يخاف عليها. قال أشهب: لا أكره الصلاة عليها نصف النهار، كما لا أكره التنفل حينئذ، ولم يثبت النهي عن الصلاة حينئذ، وثبت النهي عند طلوع الشمس وعند غروبها.
في الصلاة على الجنائز، إذا اجتمعت، وكيف توضع
في الصلاة على الجنائز، إذا اجتمعت، وكيف توضع من (الواضحة): إذا اجتمعت الجنائز، جمعت في صلاة واحدة، فإن كانا رجلين، جعل أفضلهما مما يلي الإمام وإن كان أصغر سنا؛ فإن استويا في الحال، فليل الإمام أسنهما، فإن كان ذكرا وأنثى؛ فالذكر يلي الإمام وإن كان صغيرا، فإن كان رجل وصبي وامرأة؛ فالرجل يلي الإمام، ثم الصبي، ثم المرأة، وإن كان حر وعبد، فالحر يلي الإمام، وإن صغر، وأما عبد وامرأة، فالعبد يلي الإمام. هكذا قال لي من لقيت من أصحاب مالك عن مالك. ورُوِيَ عن كثير من الصحابة والتابعين، وقد تقدم ذكر المنفوس وأمه، من يتقدم منهما، في باب المنفوس. ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: وإن كانوا رجلين وامرأتين؛ جعل الرجلان مما يلي الإمام سطرا، وإلاَّ واحدا خلف واحد، والمرأتان خلفهما سطرا، فإن كثروا
جعلوا سطرين أو أكثر. قَالَ ابْنُ كنانة، في رجلين: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يكونا واحدا خلف واحد، فإن جعلا سطرا فواسع، وإن كثروا جعلوا سطرا والإمام وسطهم. قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في رجلين أحدهما أحسن حالا من الآخر، والآخر أشرف: فليل الإمام أحسنهما حالا. وقاله سحنون. ومن المجموعة: ذكر رواية ابْن الْقَاسِمِ، في الجنائز تجتمع، أن مالكا قال: يجعل واحدا خلف واحد. ثم رجع فقال: ذلك واسع كذلك، أو يجعلوا صفا، ويقف الإمام وسطهم. وإن كن نساء فكذلك، قال أشهب، عن مالك نحوه. قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ في القليل، الاثنين والثلاثة، واحدا خلف واحد، وإن كثروا، جعلوا صفين أو ثلاثة، وشبه ذلك. وذلك كله واسع. وقال علي، عن مالك: وإن كانوا رجالا ونساء. فالرجال يلون الإمام، ويجعل رجل خلف رجل، وامرأة خلف امرأة. قال أشهب: أو سطرا واحدا أو اثنين، ويكون النساء إلى القبلة، على
ما جعل عليه الرجال ولا أحب أن يجعلن على خلاف ما جعل عليه الرجال إذا تكافئوا، فإن جعلن على خلافهم؛ رجوت أن يكون واسعا، فإن كان معهم صغار، فالرجال يلون الإمام، ثم ذكور الصبيان، ثم النساء، ثم إناث الصبيان. وذكر ابن حبيب، عن مطرف، وعبد الملك، مثل ما تقدم، وقال: وإن كانوا أكثر من اثنين وثلاثة، وكانوا رجالا أو نساء، أو رجالا ونساء؛ جعل أفضلهم يلي الإمام، ثم من يليه خلفه إلى القبلة، ثم من يليه خلفه إلى القبلة، إلى آخرهم، وأما إن كثروا، مثل العشرين والثلاثين، فلا بأس أن يجعلوا صفين وثلاثة، ممدودة عن يمين الإمام ويساره، ويقدم الأفضل والأسن إلى الإمام وقربه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا اجتمعت جنازتان وثلاثة؛ لم ينظر إلى ولي أحدهم، ولكن يقدم أفضلهم وأسنهم. قال مالك: وكذلك إن كانت واحدة رجلا، والأخرى امرأة. وقَالَ ابْنُ الماجشون: أولياء الرجل أحق. واحتج بصلاة ابن عمر على أم كلثوم، وابنها زيد، بمحضر الحسين. وقد تقدم هذا في باب
في الجنازتين ينوي الإمام بالصلاة أحدهما، ومن خلفه، ينويهما جمعيا، وفي الجنازة لا يدري من صلى عليها أرجل هي أم امرأة؟
الجنازة، يحضرها الوالي مع الأولياء. في الجنازتين ينوي الإمام بالصلاة أحدهما، ومن خلفه ينويهما جميعا، وفي الجنازة لا يدري من صَلَّى عليها أرجل هي أم امرأة من الْعُتْبِيَّة، من سماع عبد الله بن عمر بن غانم، رواية عون بن يوسف، قال مالك: في إمام يُصَلِّي على جنازتين، فجهل فنوى بالصلاة أحدهما، ومن خلفه ينويهما جميعا، فقال: تعاد الصلاة على التي لم يصل عليها الإمام، دفنت أو لم تدفن، إلاَّ أن تتغير، فيصلون على قبرها بإمام. ومن (المبسوط) لإسماعيل القاضي، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك، في من يُصَلِّي على الجنازة، ويظنها رجلا، وهي امرأة، فيقول: اللهم اغفر له. أو هي رجل، يظنها امرأة، فيقول: اغفر لها. أيعيد الصلاة؟ قال: الصلاة تامة إن شاء الله، ولا أرى بهذا بأسا، وقد يُصَلَّى على الجنازة بالليل، أو يأتي وقد وضعت، وهو في آخر الناس، ولم يأت
في من دفن ولم يصل عليه، أو لم يغسل، أو نسى عليه بعض التكبير، أو كبر عليه بغير دعاء، أو دفن في مقبرة النصارى
ليعرف امرأة هي أو رجل، فذلك واسع إن شاء الله. في مَنْ دُفِن ولم يُصَلَّ عليه، أو لم يُغَسَّلْ، أو نُسِيَ عليه بعض التكبير، أو كبر عليه بغير دعاء، أو دفن في مقبرة النصارى من المجموعة، قال علي، عن مالك، في مسلم مات ليس معه إلاَّ نصارى، فقبروه بغير غسل، وجعلوا وجهه إلى غير القبلة: فإنه يُنْبَشُ، ما لم يتغيَّرْ، فيُغَسَّلُ، ويُكَفَّنُ، ويُحنَّط، ويُصَلَّى عليه، ويُقْبَرُ إلى القبلة. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وكذلك إن نسوا أو جهلوا، فقبروه بغير صلاة، فإنه يُخرج بحدثان ذلك حَتَّى يُغَسَّلَ ويُصَلَّى عليه. قال أشهب: وإذا وُضع في لحده، وجُعل عليه اللبن، أو جُعل الثرى مكان اللبن، ولم يُهَلْ عليه التراب، ثم ذُكِرَ أنه لم يُغَسَّلْ، فليُخرج، فيُغَسَّل، ثم يُصَلَّى عليه، وإن غُسِّلَ، ولم يُصَلَّ عليه، أُخْرِجَ فصُلِّيَ عليه، فأما إن أهالوا عليه التراب، فليُترك، وإن لم يُصَلَّ عليه، فلا يُنْبَش. وقاله سَحْنُون، فِي الصَّلاَةِ ينسونها عليه، وإلاَّ فلا يُصَلَّى عليه في قبره، ولْيَدْعُوا له، ولا أجعل ذريعة إلى الصلاة على الجنائز في القبور. وقال
سَحْنُون في كتاب ابنه: إذا دُفِنَ بغير صلاة، فلا يُصَلَّى على قبره، إلاَّ أن يكون ليس في إخراجه ضرر، ولا طولٌ ولا تغيُّرٌ فليُخرج، ويُصَلَّى عليه. ومن الْعُتْبِيَّة، وقال عيسى بن دينار، عَنِ ابْنِ وهب، في الميِّتِ يُقبر وقد نسوا الصلاة عليه، فذكروا عندما أرادوا الانصراف، قال: سمعت في هذا أنه لا يُنْبَشُ، ولْيُصَلُّوا على قبره بأربع تكبيرات وإمام. قال يحيى بن يحيى: لا يُنْبَشُ قَرُبَ ذلك أو بعُدَ، ولْيُصَلُّوا على قبره. ورَوَى عيسى، وموسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه يُخْرَجُ بحضرة ذلك، حَتَّى يُصَلُّوا عليه، فإن خافوا أن يكون قد تغيَّر، صَلَّوْا على قبره. وقاله عيسى. قال عنه موسى، وكذلك إن نسُوا غَسْلَه مع الصلاة عليه. قال سَحْنُون في المجموعة: فإن ذكروا أنه لم يُغَسَّلْ، فإن لم يَخرجوا من القبر، أُخرج وغُسِّلَ، وإن وارَوْه، تُرِكَ ولا يُنْبَشُ إذا تفاوت. ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى محمد بن خالد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في
الغائب، يَقْدَمُ، فيجدُ امرأته النصرانية قد دُفِنَتْ وولده منها، في مقبرة النصارى. فإن كان بحضرة ذلك، لم يَخَفْ أن يكون تغيَّرَ، فليُخْرجه إلى مقبرة المسلمين، فإن خاف تغيُّرَه فليَدَعْه. ورَوَى عنه عيسى في نصرانية عرض عليها ختنها الإسلام، فأجابت وغسلت ثيابها، وقالت: كيف أقول؟ فقال قولي: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى روح الله وكلمته. فقالت ذلك كله ثم ماتت، فدُفِنَتْ في قبور النصارى، قال: أرى أن تُنْبَشَ، وتُغَسَّل، ويُصَلَّى عليها وتُدْفَنَ مع المسلمين، إلاَّ أن تكون تغيَّرَتْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا تُرِكَ بعضُ التكبير في صلاة الجنازة، جهلاً أو نسيانًا، فإن كان بقرب ما رُفعت، أُنزلت، فأتمَّ بقية التكبير مع الناس، ثم سلَّمَ، فإن تطاول ذلك ولم تُدْفَنْ، ابتُدئ عليها الصلاة، وإن دُفِنَتْ تُركت ولم تُكشف، ولا تعاد الصلاة عليها. وذكر في الْعُتْبِيَّة نحوه. زاد زيادٌ شبطون، عن مالك، قال: ولو والى بين التكبير،
في من صلى عليه إلى غير القبلة، أو جعل في لحده كذلك، أو جعل رأسه موضع رجليه في قبره، أو في الصلاة عليه، أو صلوا عليه جلوسا أو ركوبا
فلْتُعَدْ عليها الصلاة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أن يكون بينهما دعاء، وإن قلَّ جدًّا، فلا تعاد الصلاة عليها. في مَنْ صُلِّيَ عليه إلى غير القبلة، أو جُعِلَ في لحده كذلك، أو جُعل رأسه موضع رِجْلَيْهِ في قبره، أو فِي الصَّلاَةِ عليه، أو صَلَّوْا عليه جلوسًا أو ركوبًا ومن الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا صُلِّيَ عليه إلى غير القبلة، ثم دُفِنَ، فلا شيء عليهم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن لم يَتَغَيَّر. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن لم يُوارَ، فأستحسن أن يُصَلَّى عليه، وليس بواجب. قال سَحْنُون: ولا تعاد الصلاة عليه، وكذلك لو صَلَّوْا عليه ورأسه موضع رِجْلَيْهِ. وقاله أشهب. قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: إذا جُعل الرأس موضع الرجلين فِي الصَّلاَةِ، لم تُعِد الصلاة وأجزأهم، وإن لم يُدْفَن.
قال أشهب، في المجموعة: إن صَلَّوْا عليها إلى غير القبلة، ثم علموا كما سَلَّمَ فليعيدوا الصلاة، ما لم يخافوا فسادها، فإذا خيف ذلك، دُفِنَتْ، ولا تعاد عليها الصلاة، تعَمَّدوا ذلك أو لم يتعمَّدوا. وإذا جُعل في اللحد إلى غير القبلة أو على شقِّه الأيسر، فقال ابن القاسم، وأشهب، وسَحْنُون: فإن لم يُوارُوه، أو ألقوا عليه يسيرًا من التراب، فليُحَوَّل إلى ما يَنْبَغِي، وإن فرغوا من دفنه تُرِكَ. وكذلك رَوَى موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إذا جُعِلَ على شِقِّه الأيسر. وقال سَحْنُون: إذا جعلوا رأسه موضع رِجْلَيْهِ، أو جعلوا وجهه مستدبر القبلة، وقد وارَوْه، ولم يخرجوا من القبر، فلينزعوا عنه التراب، ويجعلونه على ما يَنْبَغِي، وإن خرجوا من القبر، وواروا القبر، فليتركوه، ولا يُنْبَشُ. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ في هذا، أنه يُخْرَجُ بحدثان دفنه، فإن طال وخيف عليه التَّغَيُّرُ، تُرك كذلك. وقال أشهب في المجموعة: وإذا صَلَّوْا على الجنازة وهم جلوس أو ركوب، فلا يجزئهم، وليعيدوا.
في إمام الجنازة يحدث، أو يذكر جنابة، أو صلاة، أو يضحك، أو يرعف
في إمام الجنازة يُحْدِثُ، أو يذكر جنابة، أو صلاة، أو يضحك، أو يرعف من الْعُتْبِيَّة رَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وهو عنه في المجموعة، في إمام ذكر أنه صَلَّى على جنازة وهو جنب، وقد دفنت، أو لم تدفن؛ فالصلاة مجزئة، ولا تعاد. قال هو، وأشهب: وهو كمن فاتته، ولم يصل عليها، وتجزى من خلفه، كصلاة الفريضة. وكذلك لو كان بعض من خلفه جنبا أو على غير وضوء، فلا شيء عليه وإن لم يدفن. ورَوَى موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة، في إمام الجنازة إذا قهقه فِي الصَّلاَةِ، فليقطعوا جَمِيعًا ويبدءوا، وكذلك إن أحدث متعمدا، وإن أحدث غير متعمد، أو رعف، فليقدم غيره، كان وليا لها، أو لم يكن، وإن انصرف ولم يستخلف، فليقدم أحدهم فيتم بهم. ولو ذكر فيها صلاة نسيها، فليتماد حَتَّى يتم بهم ويسلم، ويُصَلِّي ما ذكر، كان وليها أو إمام المصر، أو غيره.
في من فاته بعض التكبير على الجنازة، وكيف إن كان الإمام يكبر خمسا، ومن لم يعلم ببعض تكبير الإمام حتى سلم
وكذلك ذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون، وأصبغ. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: قال أشهب: إذا قهقه إمام الجنازة، أو تكلم متعمدا، فليقدموا من يتم بهم بقية التكبير، ويبتدئ هو خلف المستخلف. وقال سَحْنُون: بل يَنْتَقِض عليهم، ويبتدئون. وكذلك إن تكلم عامدا. ولا سجود في سهو صلاة الجنازة. في مَنْ فاته بعض التكبير على الجنازة، وكيف إن كان الإمام يكبر خمسا، ومن لم يعلم ببعض تكبير الإمام حَتَّى سلم من المجموعة، قال علي بن زياد، عن مالك، في مَنْ أتى وقد فاته بعض التكبير في الجنازة، قال: يدعو، ولا يكبر حَتَّى يكبر الإمام فيكبر معه، فإذا سلم الإمام، قضى ما فاته من التكبير متتابعا. قال عنه ابن نافع: قيل: فإن فاته التكبير كله، يكبر عليه؟ قال: لا أعلمه. قال في المختصر: إذا سبقه الإمام ببعض التكبير؛ فذكر مثل رِوَايَة علي عنه. وقال أيضًا: يكبر ولا ينتظره. قَالَ ابْنُ عبد الحكم: والأول أَحَبُّ إِلَيْنَا. قال عنه أشهب، في
العتبية: يكبر الآن وَاحِدَة، ثم يقف على ما سبق به، كما يحرم في المكتوبة وقد سبق بتكبير سوى الإِحْرَام، فلا يكبر غيرها، فإذا سلم إمام الجنازة؛ قضى هذا ما بَقِيَ عليه من التكبير تباعا. قال عنه علي، في المجموعة: ولا يدعو. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن دعا، فبدعاء خفيف، إلاَّ أن يتأخر رفعها، فيتمهل في دعائه. وإذا قضى بالتكبير اجتزأ بالتكبيرة التي أحرم بها، ولا يقضيها. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ: وإذا فاته تكبيرتان والإمام يكبر خمسا، فليكبر معه الثلاث، ويحتسب بالخامسة، فإذا سلم الإمام، كبر واحدة. قال سَحْنُون: وقال أشهب: لا يكبر معه الخامسة، وإن كبرها معه فلا يعتد بها، وليقض كل ما فاته. وقد تقدم هذا الباب آخر. ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك، في إمام الجنازة يشرع في التكبير، فلا يدري الناس ما كبر من كثرتهم، فسلم
في الجنازة، هل يصلى عليها من خاف فوتها بالتيمم، وهل يصلى عليها قبل الدفن من فاتته؟
الإمام، ولم يكبر هذا إلاَّ تكبيرتين: فليكبر ما بَقِيَ، وليجعل به حَتَّى يفرغ. وكذلك في سماع ابن وهب. في الجنازة، هل يُصَلِّي عليها من خاف فوتها بالتيمم، وهل يُصَلِّي عليها قبل الدفن من فاتته؟ من المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وعلي، وابن وهب، عن مالك، في مَنْ حضرته الجنازة، وليس على وضوء، فيخاف إن تَوَضَّأَ أن تفوته، قال: لا يتَيَمَّم، ولا يُصَلِّي عليها بِالتَّيَمُّمِ في وجود الماء، في حضر ولا في سفر. ومن (الموطأ)، رَوَى مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لا يُصَلِّي على الجنازة إلاَّ طاهر. قال أشهب: وكذلك لو أحدث فِي الصَّلاَةِ، إلاَّ مسافر لا ماء معه، وإذا انصرف فتوضأ، فليس عليه أن يرجع، وإن أدرك؛ إلاَّ أن يشاء. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا جاء قوم وقد سلم إمام الجنازة، فلا يجلس ليصلي عليها الذين أتوا أفذاذا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولم ير مالك التَّيَمُّم للجنازة، يخاف فواتها في الحضر، إلاَّ في موضع يجوز التَّيَمُّم فيه للصلاة. وكان ابن شهاب،
في الميت يدفن وقد ابتلع مالا، أو جوهرا، أو المرأة تموت بجمع
ويحيى بن سعيد، والنخعي، والشعبي، يرون إذا خاف فواتها، أن يتَيَمَّم لها، وإن كان في الحضر. وبذلك أخذ الليث، وابن وهب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والأمر في ذلك، واسع. ورَوَى أن عليا كان إذا فاتته الجنازة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارفع درجته في المهتدين، واخلف عقبه في الغابرين، وتحتسبه عندك يا رب العالمين، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وقد تقدم في باب آخر هل يُصَلِّي على القبر إذا لم يصل على الميت. في الميت يدفن وقد ابتلع مالا، أو جوهرا، أو الْمَرْأَة تموت تموت بجمع من الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ، في مَنْ أبضع معه مال، فابتلعه خوف اللصوص، أو كان المال لنفسه، ثم مات قال يشق جوفه ثم يخرج منه الدنانير، إن كان لها قدر. ورَوَى أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فيه، إذا ابتلع جوهرا لنفسه، أو وديعة عنده، لخوف لصوص، فقال: يشق
جوفه ويخرج ذلك، كان له أو لغيره. وذكر مثل ذلك ابن حبيب، عَنْ أَصْبَغَ، فيما كان له بال. واختلف فيه قول سَحْنُون في كتاب ابنه، فقال: يشق فيما له بال. وقال: لا يشق وإن كثر. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا يشق جوفه، ولو كانت جوهرة تسوى ألف دينار، وقد قالت عائشة: كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا. وقد قالوا فِي الْمَرْأَةِ، تموت بجمع وولدها يضطرب: إنه يستأنى به حَتَّى يموت. فكيف هذا. ومن المجموعة، قال سَحْنُون: يبقر على ولدها، إذا علمت حياته، ورجي خلاصه، وكذلك من ابتلع دنانير، ثم مات، فلا بأس أن يبقى عليها [قال] أبو محمد:. والذي ذكر ابن حبيب هو قول ابن القاسم. قَالَ ابْنُ القرطي: ويَدُلُّ على أنه لا يبقر عليه قول الله تعالى: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج: 2] . ولو قدر النساء على إخراجه برفق من مخرج الولد كان حسنا. وقال محمد ابن عبد الحكم في كتاب آخر: رأيت بمصر رجلا مبقورا، على رمكة مبقورة.
في الميت يوارى، وقد نسوا في القبر مالا، أو ثوبا أو غيره
في الميت يوارى، وقد نسوا في القبر مالا، أو ثوبا أو غيره من (كتاب ابن سَحْنُون): وإذا ذكر بعد الدفن أنهم نسوا في القبر كيسا، أو ثوبا لرجل، فإن كان بحدثان ذلك، نبش، وأخرجوا ذلك، فإن طال ذلك، وشاءوا أن يعطوا صاحب الثوب قيمة ثوبه، فذلك لهم، وإلاَّ فلهم أن ينبشوه، ويخرجوا ما نسوا. ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: ولو ادعى رجل أن الثوب الذي على الكفن له، وقد دفن به، أو كان خاتمًا أو دنانير ادعاها، فإن كان ذلك يعرف، أو أَقَرَّ له به أهل الميت، ولم يدعوه لهم أو للميت، جعل له سبيل إلى إخراج ثوبه، وكذلك الخاتم والدنانير، وإذا كان الثوب الذي سجوه به للميت، وكان نفيسا، فليخرج، وإن لم يكن كثير الثمن ترك، وإن كان لغير الميت، فشح به صاحبه، كشف عنه، وأخذ ثوبه، نفيسا كان أو غيره. ومن سماع عيسى، من ابن القاسم: وإذا دفن في ثوب ليس له، فلينبش لإخراجه لربه، إلاَّ أن يطول أو يروح الميت، فلا أرى إلى ذلك سبيلا.
في إنزال الميت في قبره، ومن ينزل المرأة، وفي سترة القبر، وما يدعى للميت عند إقباره
في إنزال الميت في قبره، ومن ينزل المرأة، وفي سترة القبر، وما يدعى للميت عند إقباره من الْعُتْبِيَّة، قال موسى بن معاوية: حدثني جرير، عن مسعر، قال: كان يقال: إذا دلي الميت في قبره، قال له القبر: ما أعددت لبيت الوحدة، وبيت الوحشة، وبيت الدود. وحدثني جرير، عن وكيع، عن مالك بن مغول، عن عبيد بن عمير نحوه. ومن المجموعة، قال علي، عن مالك: ليس في عدد من ينزل القبر سنة، في شفع ولا وتر، ولا بأس أن ينزل فيه الرجل بخفيه أو نعليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واسع أن يلي إقبار الميت الشفع والوتر. قَالَ ابْنُ المسيب: والذين دلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره أربعة؛ العباس، وعلي، والفضل بن عباس، وصالح مولاه، وهو شقران، وهم ولوا غسله، وتكفينه، وإحباءه. واختلف في الرابع، فقال ابن المسيب: هو صالح. وقال موسى بن عقبة: هو أسامة بن زيد. وقال الشعبي: عبد الرحمن بن عوف. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا وضع الميت في اللحد، قال: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، اللهم، تقبله بأحسن قبول. وإن دعي
له بغير ذلك فحسن، وإن تُرِكَ ذلك فواسع. قال: وإن أُدْخِلَ من القبلة، أو سُلَّ من ناحية رأسه من الشق الأيسر، وأنت في القبر، فواسعٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإدخاله من ناحية القبلة أَحَبُّ إِلَيَّ. قال: ويُلْحَدُ الميت على شقه الأيمن إلى القبلة، ويَمُدُّ يده اليمنى على جسده، ويَعْدِلُ رأسه بالثرى؛ لئلا يتصوب، ويعْدِل رِجْلَيْهِ، ويَرْفُق في ذلك. ويَحُلُّ عُقَدَ كفنه إن عُقِدَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومما يُسْتَحَبُّ أن يقال عند ذلك، وقد بلغني ذلك مفترقًا فجمعته: بسم الله، وبالله، وإلى الله، وعلى مِلَّة رسول الله، وملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما كان من المشركين، اللهم افسح له في قبره، ونَوِّر له فيه، ولقِّنْه حُجَّته، ووَسِّعْ عليه حفرته، وألحقه بنبيِّه، وأنت راضٍ عنه، اللهم نَزَل بك صاحبنا هذا، وأنت خير منزول له، اللهم اجعل ما خرج إليه خيرًا مما خلَّفَ وراء ظهره، اللهم وقِهِ فتنة القبر وعذاب جهنَّم، اللهم أَسْلَمَهُ إليك الأهلُ والمالُ والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له. قال: ويلي إنزال الْمَرْأَة في قبرها
مع زوجها من حضر من ذوي محارمها، فإن لم يكونوا، فمن حضر من أهل الفضل، وليكونوا في أعلاها، والزوج في أسفلها، فإن لم يكن زوج، فأقربهم إليها من ذوي محارمها، فإن لم يكونوا، فأهل الصلاح مِمَّنْ حضرها، إلاَّ أن يُوجد نساء يلين ذلك من القواعد وذوات الأسنان، ولهن عليه قوة، بلا مضرَّة عليهن فيه، ولا عورة منكشفة، فهن أولى من الرجال، إذا لم يكن ذو رحم منها. وقال أَصْبَغُ، في ذلك: وليستر قبرها بثوب. وكذلك فُعِلَ بزينب بنت جحش، وهي أَوَّل من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال أشهب في المجموعة: وما أكره أن يُسْتَرا القبر في دفن الرجال، وأما الْمَرْأَة فهو الذي يَنْبَغِي، وذلك واسع في الرجال. ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قال: وسَتْرُ القبر للمرأة بثوب مما يَنْبَغِي فعله، فإن لم يكن من محارمها مَنْ يقبرها، فأهل الصلاح أولى بذلك. قال: وزوجها أحق بإنزالها في قبرها من الأب والولد. قال سَحْنُون في المجموعة: يُنْزِلها الزوج مع ذي محرم منها، ويكون الزوج في وسطها، فإن لم يكن لها ذو محرم فليُدْخِلها
في الميت في البحر، كيف يوارى، وكيف إن ألقاه البحر بعد أن صلي عليه، وألقي فيه
النساء في قبرها، فإن لم يكن فأهل الفضل. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن لم يكن قرابة لها، فأهل الفضل من الرجال. ولم يذكر النساء، وقد تقدَّم هذا في باب آخر: وذِكْر مَنْ أنزل عائشة في قبرها، في باب الدفن ليلاً. في الميت في البحر كيف يُوارى، وكيف إن ألقاه البحر بعد أن صُلِّيَ عليه، وأُلقي فيه من الْعُتْبِيَّة، حدثنا موسى بن معاوية، عن حفص بن عتاب، عن الحجاج بن أرطاة، عن عطاء بن أبي رباح، قال في الميت في البحر: يُغَسَّل ويُكَفَّنُ، ويُحَنَّطُ، ويُصَلَّى عليه، ويُرْبَطُ في رجله شيء يُثَقَّلُ به، ويُلْقى في الماء. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا طمعوا بالبَرِّ من يومهم، وشبه ذلك حبسوه حَتَّى يدفنوه في البر، وإن يئسوا من البر في مثل ذلك، غُسِّل وكُفِّن وحُنِّط وصُلِّيَ عليه حين يموت، وألقوه في البحر، ولا يحبسوه أيامًا. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مثله، وقال: ويشدُّوا عليه أكفانه، ويُلقوه في الماء، مستَقْبِل القبلة، مُحَرَّفًا على شقِّه الأيمن. وكذلك قَالَ ابْنُ
في جمع الميتين في قبر أو كفن
المَاجِشُون، وابن القاسم، وأصبغ، ولا يُثَقِّلوا رجله بشيء ليغرق، كما يفعل من لا يعرف، وإن ألقاه البحر على ضفَّته، فحقٌّ على من وجده أن يدفنه. وقال سَحْنُون في كتاب ابنه: إن طمعوا بالبر صبروا، مثل يوم ونحوه، ما لم يخافوا عليه، فإن خافوا عليه غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه إلى القبلة، وإن دار المركب أداروه، وإن غلبهم ذلك، صَلَّوْا عليه بقدر طاقتهم، ويُثَقَّل بشيء إن قدروا. في جمع الْمَيِّتَيْنِ في قبر أو كفن من الْعُتْبِيَّة وفي سماع ابن غانم، من مالك، رِوَايَة عون، قال أشهب: لا أُحِبُّ أن يُكَفَّن رجلان في ثوب، إلاَّ عن ضرورة، فإن فعلوا لضرورة، أو لغير ضرورة، قدَّموا في اللحد أفضلهما، ولا يُجعل بينهما حاجز من الصعيد، ولمن فعل ذلك من غير ضرورة حظُّه من الإساءة. قال موسى بن معاوية، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا دُفِنَ الرجال والنساء والصبيان في قبر من ضرورة، جُعِلَ الرجال مما يلي القبلة، والصبيان من ورائهم، والنساء من وراء الصبيان، وأما فِي الصَّلاَةِ،
في اللحد والشق، وإكفائه باللبن أو غيرها، والحثيان في القبر، وإعماقه، وتسنيمه، ورشه والدفن في التابوت في القبر، وهل يدفن على الموتى، ومن دفن في قبر لغيره، أو أرضه
فيلي الإمام الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء. وفي باب جمع الجنائز فِي الصَّلاَةِ، وفي باب الصلاة على المنفوس من هذا. في اللحد والشق، وإكفائه بِاللَّبِنِ أو غيرها، والحثان في القبر، وإعماقه، وتسنيمه، ورشِّه والدفن في التابوت في القبر، وهل يُدفن على الموتى، ومن دُفن في قبر لغيره، أو أرضه قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واللحد أفضل من الشق، وقد أُلحد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، ولا أُحِبُّ ترك اللحد إلاَّ لتُربة تنهلُّ، أو أمر لا يُستطاع. قَالَ ابْنُ مزين، وغيره: واللحد أن يُحفر في الحرف في حائط القبر، ويُدخل فيه الميت، ويُسَدُّ باللَّبِنِ. قال مالك في الْعُتْبِيَّة، في سماع ابن غانم: اللحد والشقُّ كلٌّ واسع، واللحد أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُستحبُّ ألا يُعَمَّقَ القبر جدًّا , ولكن قدر عَظْمِ
الذراع. قال عمر بن عبد العزيز: لا تُعَمِّقوا قبري. قال: ويُنْصَبُ على اللحد اللَّبِنُ، كذلك فُعِل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. ويُكْرَه التابوت، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة: أكره الدفن في التابوت، والسُّنَّة اللَّبِنُ، وأما اللوح فلا أراه إلاَّ أن لا يوجد لبن ولا آجُرٌّ. وذكر سَحْنُون في كتاب الشرح المنسوب إلى ابنه، أنه قال: لم أرَ أحدًا مِنْ أَصْحَابِنَا، ولا سمعت عنه أنه كَرِهَ اللوح، غير ابن القاسم، ولا أرى به بأسًا، وأما التابوت فلا يُدْفَن فيه. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: لا بأس أن يُجعل على اللحد اللَّبِنُ، أو القصب أو اللوح، وذلك خفيف. قال أشهب: ولا أُحِبُّ من ذلك ما كان على وجه السرف والفخر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يَنْبَغِي اللوح، ولا الآجرُّ، والقراميد، والقصب، ولا الحجارة، وأشَرُّ ذلك التابوت، وأفضله اللَّبِنُ، فإن لم يوجدْ، فاللوحُ خيرٌ من القراميد،
والقراميد خير من الآجرِّ، والآجرُّ خير من الحجارة، والحجارة خير من القصب، والقصب خير من سنِّ التراب، وسن التراب خير من التابوت، ولم يبلغني سنُّ التراب عن أحد مِمَّنْ مضى، غير عمرو بن العاص أمر به في نفسه. ويُسْتَحَبُّ سدُّ الخلل الذي بين اللَّبِنِ، ولقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم، وقال: «إِنَّ ذَلِكَ لا يُغْنِي عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ أَقَرُّ لِعَيْنِ الْحَيِّ». وقال: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ عَمَلاً، أَنْ يُحْسِنَهُ». وفي حديث آخر: «أَنْ يُتْقِنَهُ». ويُسْتَحَبُّ لمن كان على شفير القبر أن يحثو فيه ثلاث حثيات من التراب، وليس بلازم، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قبر عثمان بن مظعون، وليس على إلزام، وقد وقف سالم على شفير قبر، فانصرف ولم يَحْثُ فيه. قَالَ ابْنُ سَحْنُون، عن أبيه، قال مالك: لا أعرف حثيان التراب في القبر ثلاثًا، ولا أقلَّ ولا أكثر، ولا سمعت عن أمر به. والذين يَلُون
دفنها يلون ردَّ التراب عليها. ومن المجموعة، قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُسَنَّمَ القبر، وإن رُفِعَ فلا بأس. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُسنَّم ولا يُرفَعَ. ورُوِيَ أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مُسَنَّمَةٌ. قال: ومن شأنهم رشُّ الماء على القبر ليشتَدَّ. رُوِيَ أنه فُعِلَ ذلك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وإذا صادف الحافر للقبر قبرًا، فليَرُدَّ ترابه ويَدَعْه، فإن حُرمة كسر عظامه ميِّتًا كَحُرْمَتِهِ حيًّا. ومن كتاب آخر أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضعًا دُفِنَ فيه من ذُمِّيّ من أهل الصلح. وذكر مالك في الموطأ أن عروة قال: ما أُحِبُّ أن أُدفن بالبقيع، إِنَّمَا هو أحد رجلين إما ظالم، فلا أحب أن أكون معه، وإما صالح فلا أحب أن تُنْبَشَ لي عظامه.
في إقبار الميت، والصلاة عليه ليلا
قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة: قال بعض العلماء: من حفر قبرًا في المقبرة لوليه، فجاء غيره فدفن فيه، فعلى فاعل ذلك أن يحفر للأول قبرا مثله في المقبرة. قال أبو بكر: عليهم قيمة حفر القبر. ومن المجموعة ابن القاسم، عن مالك، في قوم كان لهم فناء، يرمون فيه عرضا لهم، ثم غابوا فاتخذ مقبرة، ثم جاءوا فأرادوا تسويتها، وأن يرموا فيها عرضهم، قال: أما ما قدم من ذلك، فذلك لهم، وأما الشيء الجديد، فلا أحب لهم ذلك. قال أبو محمد: أراد لأنه من الأفنية، وليس من الأملاك المحوزة، ولو كان من ذلك، لكان لهم الانتفاع بظاهرها. ورَوَى ذلك عن علي بن أبي طالب، قال: واروني في بطنها، وانتفعوا بظهرها. في إقبار الميت، والصلاة عليه ليلا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مُطَرِّف: ولا بأس بالصلاة على الجنازة ليلاً
في البناء على القبور، وتجصيصها، والكتاب عليها، وبناء المساجد عليها، والجلوس والمشي وزيارتها
وبالدفن ليلاً. وقاله ابن شهاب، وابن أبي حازم. وقد دُفن الصديق ليلاً، وفاطمة، وعائشة، ليلاً. وماتت فاطمة لثلاث خلون من رمضان؛ بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. وماتت عائشة في خلافة معاوية، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان سنة ثمان وخمسين، وأمرت أن تدفن في ليلتها، وصَلَّى عليها أبو هريرة. ونزل في قبرها ابنا الزبير؛ عبد الله، وعروة، ابنا أختها أسماء، والقاسم وعبد الله، ابنا أخيها محمد، وعبد الملك ابن أخيها عبد الرحمن. في البناء على القبور، وتجصيصها، والكتاب عليها، وبناء الْمَسَاجِد عليها، والجلوس والمشي وزيارتها من الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وكره مالك أن يرصص على القبور بالحجارة والطين، أو يبنى عليها بطوب أو حجارة. قال: وكره هذه الْمَسَاجِد المتخذة على القبور. فأما مقبرة دائرة يبنى فيها مسجد يُصَلَّى فيه، لم أر به بأسا. وكره ابن القاسم: أن يجعل على القبر بلاطة، ويكتب فيها، ولم
ير بالحجر والعود، والخشبة بأسا، يعرف الرجل به قبر وليه، ما لم يكتب فيه، ولا أرى قول عمر ولا تجعلوا على قبري حجرا. إلاَّ أنه أراد من فوقه، على معنى البناء. ومن (كتاب ابن حبيب): ونهى عن البناء عليها، والكتاب، والتجصيص، ورَوَى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ترفع القبور، أو يبنى عليها، أو يكتب فيها، أو تقصص – ورَوَى: تجصص – وأمر بهدمها وتسويتها بالأرض. وفعله عمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تقصص أو تجصص، يعني تبيض بالجير أو بالتراب الأَبْيَض، والْقَصَّة: الجير وهو الجص. ويَنْبَغِي أن تسوى تسوية تسنيم. ولا بأس أن يوضع في طرف القبر الحجر الواحد؛ لئلا يحفر موضعه إذا عفا أثره. ولا بأس بالجلوس على القبور، وإِنَّمَا نهي عن الجلوس عليها للمذاهب للغائط والبول.
وكذلك فسر مالك، وخارجة بن زيد. وقد رَوَى ذلك مفسرًا للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان علي بن أبي طالب يتوسدها، ويجلس عليها. ولا بأس بالمشي على القبر إذا عفا، فأما وهو منسم، والطريق دونه، فلا أحب ذلك؛ لأن في ذلك كسر تسنيمه، وإباحته طريقا. وقد رَوَى للنبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك. ولا بأس بزيارة القبور، والجلوس إليها، والسَّلام عليها عند المرور بها، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدم ابن عمر من سفر، وقد مات أخوه عاصم، فذهب إلى قبره ودعا له واستغفر. وفي غير (كتاب ابن حبيب)، ورثاه فقال:
فإن تك أحزان وفائض دمعة ... جرين دَمًا من داخل الجوف منقعا تجرعتها في عاصم واحتسبتها ... فأعظم منها ما احتسبنا تجرعا فليت المنايا كن خلفن عاصما ... فعشنا جَمِيعًا أو ذهبن بنا معا دفعنا بك الأيام حَتَّى إذا دنت ... تريدك لم نستطع لها عنك مدفعا وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وفعلته عائشة لما مات أخوها عبد الرحمن، وهي غائبة، فلما قدمت أتت قبره، فدعت له واستغفرت. قال: وربما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع يستغفر لهم. وكان عليه الصلاة والسَّلام إذا سلم على أهل القبور، يقول: «السَّلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا بكم إن شاء الله لاحقون، اللهم ارزقنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم». والقول في ذلك واسع، بقدر ما يحضر منه. ويَدُلُّ على التسليم على
أهل القبور، ما جاء من السنة، في السَّلام على النبي عليه الصلاة والسَّلام، وأبي بكر، وعمر، مقبورين. وقد آتى النبي صلى الله عليه وسلم قبور شهداء أحد، فسلم عليهم ودعا لهم. ومن المجموعة، قال علي: سئل مالك عن زيارة القبور، فقال: قد كان نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم أذن فيه. فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلاَّ خيرا، لم أر به بأسا، وليس من عمل الناس. ورَوَى عنه أنه كان يضعف زيارتها. قَالَ ابْنُ القرطي: وإِنَّمَا أذن في ذلك ليعتبر بها، إلاَّ للقادم من سفر وقد مات وليه في غيبته، فيدعو له ويرحم عليه. وتؤتى قبور الشهداء بأحد، ويسلم عليهم، ويؤتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسلم عليه، وعلى ضجيعيه.
في بقاء الروح، وذكر النفس والروح، وذكر فتنة القبر
في بقاء الروح، وذكر النفس والروح، وذكر فتنة القبر قال أبو محمد: ومن قول أهل السنة، وأئمة الدين في الأرواح، أنها باقية، فأرواح أهل السعادة منعمة إلى يوم الدين، وأرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم يبعثون. قال الله تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} إلى قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عمران: 169، 170] الآية. وهذا والذين من خلفهم بعد في الدنيا. وقال في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] . وهذا قبل قيام الساعة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] . وقال: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42] . ولم يقل: فيميت التي قضى عليها الموت. فوفاة النفوس والأرواح تُوَفِّي قبض، لا تُوَفِّي بلا شيء. قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] . وذلك زوال الروح عن الجسد. وقال في الكفار: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: 93] . ولم يقل: إنهم يميتوا أنفسهم. وقال في قول من قال من الموتى: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] ، فهذا قول الروح، وإذا كان الشهداء قبل يوم القيامة أحياء
يرزقون، فكذلك لا يدفع أن يكون من سعد بطاعته، أن تكون روحه حيا منعما، ويتفاضلون في الدرجات، وقد تظاهرت الأحاديث بنعيم أرواح المؤمنين بعد الموت، قبل القيامة، وأنها تأوى إلى قناديل معلقة تحت العرش، وأنها تعلق في شجر الجنة، يقول: تأكل كما قال في الشهداء: {يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] . وهذا لا يدفعه إلاَّ زائغ أو ملحد. وأما حديث في حواصل طير، فليس بصحيح، والصحيح ما ذكرنا، مما يؤيده القرآن؛ ولأن الروح لا يرجع إلاَّ إلى جسده الذي كان فيه، وبذلك جاء الحديث في النفخ في الصور، ليخرج به الأرواح، كل روح إلى جسده. واختلف في النفس والروح، فقيل: إنهما اسمان بمعنى واحد. وإليه ذهب غير واحد مِنْ أَصْحَابِنَا، منهم سعيد بن محمد الحداد. وذكر أصبغ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: أنه سمع عبد الرحيم بن خالد يقول: بلغني أن الروح له جسد، ويدان، ورجلان، ورأس، وعينان، يسل من الجسد سلا. وفي رِوَايَة ابن حبيب، عن
أصبغ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عن عبد الرحيم، أن النفس هي التي لها جسد مجسد قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهي جسد مخلق مركب عليه خلق، وخلق في جوفه خلق، يسل من الجسد عند الوفاة، بخلقها وصورتها، ويبقى الجسد جثة. وذكر ابن الْقُرْطِيِّ في (كتابه)، نحو رِوَايَة ابن حبيب. ذكرها عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وقال: والروح كالماء الجاري فيها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والروح هو النفس الجاري الداخل والخارج، فلا حياة للنفس إلاَّ به، فالنفس هي التي تلذ وتفرح، وتألم وتغفل، وتسمع وتبصر، وتتكلم الروح لا تلذ ولا تألم، ولا تعرف شَيْئًا. والنفس تقبض عند النوم، كما قال الله تعالى، وتبقى الروح لا تعرف شَيْئًا. والنفس هي التي تَرَى في منامها، وتألم وتحزن وتفرح، فمن انقضى أجله تبع روحه نفسه في المنام، فكان ذلك توفيه، وهو من قول الله تعالى: {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] . فهي التي ترجع إلى جسدها ما بَقِيَ من تمام أجلها. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، عند المضطجع: «اللهم إن أمسكت نفسي، فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك». ومنه قول الله تعالى: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
في التعزية بمصيبة الموت، وهل يعزى الكافر؟
فِيهِ} [الأنعام: 60] . يقول من وفات نومكم، و {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 60] ، أجل الموت: {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [الأنعام: 60] ، يقول: بالموت. فليست تموت الأنفس والأرواح، وإِنَّمَا تموت الأجساد بخروج النفس، ثم هي حية عند الله باقية. فهذا ما في (كتاب ابن حبيب)، ولم يقل أصبغ في رِوَايَة العتبي: إن النفس غير الروح. ولا ذكر النفس، وإِنَّمَا قال: الروح هو الذي له جسد مجسد، والله أعلم، والذي ذكر في الحديث؛ «أن أرواح المؤمنين تأوي إلى قناديل». ولم يذكر النفس، والله أعلم. وكيف كان ذلك، فلا شك أن الأرواح الخارجة من الأجساد باقية. في التعزية بمصيبة الموت، وهل يعزى الكافر؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد جاء في تعزية المصاب ثواب كثير، وجاء أن الله يلبس الذي عزاه لباس التقوى. ورَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عزى قال: «بارك الله لك في الباقي، وأجرك في الفاني». وعزى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بابنها فقال: «إن لله ما أخذ، وله ما أبقى، ولكل أجل مسمى، وكل إليه راجع، فاحتسبي واصبري، فإنما الصبر عند أَوَّل الصدمة». وكان
محمد بن سيرين إذا عزى قال: أعظم الله أجرك، وأعقبك عقابًا، نافعًا لدنياك وأخراك. وكان مكحول يقول: أعظم الله أجرك، وجبر مصيبتك، وأحسن عقباك، وغفر لمتوفاك. قال. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكل واسع بقدر ما يحضر الرجل، ويقدر منطقه، وأنا أقول: أعظم الله أجرك على مصيبتك، وأحسن عزاك عنها، وعقباك منها، وغفر لميتك ورحمه، وجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه. وقال غيره: وأحسن التعزية ما جاء بها الحديث: «أجركم الله في مصيبتكم، وأعقبكم منها خيرا، إنا لله وإنا إليه راجعون». وأصيب عمر بن عبد العزيز بامرأة من أهله، فلما دفنت ورجع معه القوم، فأرادوا تعزيته عند منزله، فدخل وأغلق الباب وقال: إنا لا نعزى في النساء. وفعله عبد الملك، فقال: لعنبسة بن سعيد: ما أتى بك؟ فقال لأشاركك في مصيبتك، وأعزيك في ابنتك. فقال له: مهلا، فإنا لا نعزى في النساء. ولغير ابن حبيب، عن مالك، أنه قال: إن كان، فبالأم. قال غيره: وكل واسع. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من مات له ثلاثة من
الولد». ولم يذكر ذكرًا أو أنثى. وقال الله تعالى: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليعزى المسلمون في مصائبهم بالمصيبة بي». وجعل المصيبة بالزوجة الصالحة، والقرين الصالح، مصيبة. وقد أمر الله بالاسترجاع للمصائب فقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156] الآية. وهذا من الاستسلام لله تعالى والاحتساب، وإِنَّمَا المصيبة من حرم الثواب. يريد فلم يبق له ما أسف عليه، ولا استفاد عوضا منه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال النخعي: كانوا يكرهون التعزية عند القبور. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وذلك واسع الدين، وأما في الأب، فأن يعزى الرجل في منزله. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ولا يعزى المسلم بأبيه الكافر، يقول الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] .
في حضور المسلم جنازة الكافر، أو حمله، أو القيام على قبره، وحضور الكافر للمسلم
وفي (كتاب ابن سَحْنُون): ويعزى الذمي في وليه، إن كان له جوار يقول: أخلف الله لك المصيبة، وجزاه أفضل ما جزى به أحدًا من أهل دينه. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: ولا تعزى الْمَرْأَة الشابة، وتعزى المتجالة، وتركه أحسن. وكذلك السَّلام عليهن في الطريق، وأما إذا دخلت البيت فسلم. في حضور المسلم جنازة الكافر، أو حمله، أو الْقِيَام على قبره، وحضور الكافر للمسلم قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا يحمل المسلم نعش الكافر، ولا يمشي معه، ولا يقوم على قبره، ولا يحمل الكافر نعش المسلم، ولا بأس أن يقوم على قبره، وأن يحفره، ويطرح عليه التراب، ولو مات لمسلم كافر يلزمه أمره، مثل الأب والأم والأخ وشبهه، فلا بأس أن يحضره، ويلي أمره وكفنه، حَتَّى يخرجه، ويبرأ به إلى أهل دينه، فإن كفى دفنه، وأمن الضيعة عليه، فلا يتبعه، وإن خشي ذلك، فليتقدمهم إلى قبره، وإن لم يخش ضيعته، وأحب أن يحضر دفنه، فليتقدم أمام جنازته، معتزلا منه ومِمَّنْ يحمله، وقد رَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك، أن يتقدم
مما جاء في موت الغريب
أمام جنازته. قال عطاء: ومن ماتت أمه النصرانية، فله أن يكفنها، ويقوم عليها، ويمشي معها معتزلا منها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والركوب والمشي في ذلك سواء. قال مالك: ولا بأس أن يقوم بأمرها كله، ثم يسلمها إلى أهل دينها، ولا يصحبها إلاَّ أن يخشى عليها الضيعة، فيتقدمها إلى قبرها، ولا يدخلها فيه، إلاَّ أن لا يجد من يكفيه ذلك. وقد تقدم في باب الصلاة على الصغير، وفي الكافر يموت بين المسلمين، ما يشبه ما في هذا الباب. ما جاء في موت الغريب قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورَوَى عن أبي هريرة، أنه قال: ما من أحد خلق من تربة إلاَّ أعيد فيها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا غربة على المؤمن،
في ضرب الفسطاط على القبر
ما مات مؤمن بأرض عراء، غابت عنه فيها بواكيه، إلاَّ بكت عليه السماء والأرض». وقال: «إذا مات في غير مولده، قيس له في الجنة من مولده إلى منقطع أثره». في ضرب الفسطاط على القبر قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ضرب الفسطاط على قبر الْمَرْأَة أجوز منه على قبر الرجل، لما يستر منها عند إقبارها، وقد ضربه عمر على قبر زينب بنت جحش، فأما على قبر الرجل فأجيز، وكره، ومن كرهه، فإنما كرهه من جهة النفخة والسمعة، وكرهه أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وابن المسيب، وقد ضربه محمد بن الحنفية على قبر ابن عباس، أقام عليه ثلاثة أَيَّام. فأراه واسعًا، ولا بأس أن يقر عليه ليومين والثلاثة، ويبات فيه إذا خيف من نبش، أو غيره. وإن عائشة ضربته على قبر أخيها، فنزعه ابن عمر.
في من جمع له ثمن كفن، فكفن في غيره، وفي من ابتاع كفنا لمنازع، على أنه إن لم يمت رده
في مَنْ جمع له ثمن كفن، فكفن في غيره، وفي مَنِ ابتاع كفنا لمنازع، على أنه إن لم يمت رده من الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في مَنْ جمع له ثمن كفن، ثم كفنه رجل من عنده، فأراد غرماؤه أو ورثته أخذ الدراهم التي جمعت له وبقيت: فليس لهم ذلك ولترد إلى أهلها. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلا أن يدعوها الورثة، وهو أَحَبُّ إِلَيَّ أن يفعلوا. قال أَصْبَغُ: ومن ابتاع كفنا لمنازع، على أنه لم يمت رده، لم يجز البيع، فإن فات، فالقيمة له، كانت أقل من الثمن أو أكثر، ولو كانت الثياب أخذت لنصراني، ثم ردت، لم يكن على ربها غسلها. وهذا خفيف. تم كتاب الجنائز بحمد الله وحسن عونه، وصَلَّى الله على محمد نبيه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا
كتاب الصوم
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصوم والاعتكاف (¬1) في الصوم، والفطر لرؤية الهلال (¬2)، وذكر صوم يوم الشكِّ، ومَن رأى الهلال وحده قال مالك وأصحابه: لا يُصام رمضان ولا يُفْطَرُ إلا لرؤية الهلال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإِنْ غُمًّ عَلَيْكم، فاقْدُرُوا له» (¬3). قال أشهب في غير كتاب: فإن غُمَّ أُكْمِل شعبان ثلاثين يومًا، فإن غُمَّ هلال شوال أُكْمِل رمضان ثلاثين يومًا (¬4). قال مالك وأصحابه: ولا يُصام يوم الشكِّ؛ تحرِّيًا لسحاب أو غيرها؛ لأنه إنما يُتَحَرَّى عند ارتفاع الأدلَّة. والله تعالى قد جعل الأهلَّة مواقيت للناس، فإن غُمَّ شهر لم يُغَمُّ ما قبله ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم إلا ¬
لرؤيته؛ ولأن الشهر يكون تسعًا وعشرين (¬1). ومن المَجْمُوعَة قال ابن وهب، عن مالك: إنه سمع (¬2) أهل العلم ينهون عن صيام يوم الشكِّ، ولا يرون بصيامه تطوُّعًا بأسًا. وكذلك قال عبد الملك، وقاله مالك في المختصر وغيره. قال عنه ابن وهب: إنه سمع أهل العلم يقولون: ولا يُجْزئ من صامه تحريًا (¬3) وإن وافقه. قال في الواضحة: وليفطر متى أفاق لذلك، ولو لم يَبْقَ من النهار إلا ما لا ذِكْرَ له. وكذلك إن صام يوم أَحَدٍ وثلاثين، خَوْفًا أَنْ يكون أوَّل يوم من صيامه ولم يكن من /رمضان فليفطر، إذ لا يجوز له صوْم يوم الفطر. ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: ومَنْ رأى هلال رمضان أو شوال وَحْده فليُعْلِم الإمام. قال أشهب: فإن عَلِمَ من نفسه أنَّه غيرُ عَدْل، فإن كان مَسْتُورًا وقد يُقْبَلُ، فعليه أَنْ يشهدَ. وإن كان مَكْشوفًا فأحَبُّ إليَّ أَنْ يَشْهَد، وما هو بالواجب عليه. قال ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب عن مالك قال: ومَنْ رآهُ وَحْدَه فلْيَصُمْ هو، وإن كان هلال شوال فلا يُفْطِر. قال عبدُ الملك: ¬
ذكر ما يصام به أو يفطر من الشهادة على الهلال، أو الاستفاضة فيه
للذريعة إلى الفساد. قال أشهب: وَلْيَنْوِ الفطر بقلبه، ويَكُفَّ عن الأكلِ والشُّرْب، وليس عليه فيما بينه وبين الله في الأكل شيء من قِبَلِ الصيام، ولكنْ عليه من باب التَّغْرير بنفسه في هَتْك عِرْضِه. قال أبو زيد في الْعُتْبِيَّة (¬1) عن ابن القاسم: إلا مُسافِرٌ وحْدَه في مَفَازٍ (¬2) فإنه يُفْطِرُ. ومن المَجْمُوعَة قال أشهب: وإذا ظُهِرَ عليه –يريد في الحَضَر- فإن لم يكن ذَكَرَ ذلك قَبْلَ يؤخذ عُوقِبَ إنْ لم يكن مأمونًا، وإن كان ذَكَرَ ذلك قَبْلَ ذلك وأفشاه، إن (¬3) كان من أهل القناعة والرضا، فلا يُعاقَبُ، ثم يُتَقَدَّم إليه في الإمساك عن المُعاودة، فإن عادَ عُوقِبَ إلا أنْ يَكُونَ من أهل الدينِ والمروءة فلا يُعاقَب، وليُعَنَّفْ ويُغَلَّظْ في عِظَتِه. قال (¬4) أشهب: وإذا رأى هلال رمضان وَحده، ثم أفطر فلْيُكَفِّرْ إلا أَنْ يُفطِر متَأَوِّلاً. قال ابن حبيب: إنْ أَفْطَرَه وهو يَعْلَمُ أنَّ عليه صومه فإنه يُكَفِّرُ. ذكر ما يُصام به أو يُفْطَرُ من الشهادة على الهلال، أو الاستفاضة فيه قال مالك، في غير كتاب: لا يُصام أو يُفطرُ في رمضان إلا بشاهدين عدلين. وكذلك في إقامة الحج وغيره. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالك: إنْ شَهِدَ شهود ليسوا بالرضا في العدالة، ولا يُعْرَفُونَ بسفه. قال: لا يُصام بهؤلاء ولا يفطر. قال أشهب: وكذلك إن كانا شاهِدَيْن، أحدهما عدلٌ، ولا بشهادة صالحي ¬
الأرقاء، ولا مَن فيه عَلَقَةُ رِقٍّ، ولا النسوان والصبيان. قال محمد بن عبد الحكم، في "كتابه، في الأحكام": ولو شَهِدَ شاهدان في الهلال فاحتاج القاضي إلى (¬1) أَنْ يكشفَ عنهما، وذلك يتأخَّرُ، فليس على الناس (¬2) صيام ذلك اليوم، وإن زكُّوا بعد ذلك أمرَ الناس بالقضاء، وإنْ كان في الفطر فلا شيء عليهم فيما ضامُوا. قال محمد بن عبد الحكم: ومَن رأى هلال رمضان وحده فصام لذلك ثلاثين يومًا، ثم لم يرَ الناس الهلال، والسماء صاحية. قال (¬3): هذا مُحَالٌ. ويدل ذلك (¬4) أنَّه غلط، أو شُبِّهَ عليه. ومن "المَجْمُوعَة"، من (¬5) رواية ابن نافع، عن مالك، وهو في سماع أشهب؛ في شاهدين/ شهدا على هلال شعبان، فَيُعَدُّ لذلك ثلاثون يوماً، ثم لم يرَ الناس الهلال ليلة أحدَ وثلاثين يوماً، والسماء صاحيةٌ ولا يُرَى. قال: هذان شهيدا سَوْءٍ. وأخبرنا (¬6) أبو بكر قال: رَوَى (¬7) ابن وَضَّاح، عن سحنون، في عدلين شَهِدَا (¬8) في الهلال، والسماء صاحية، ولا (يَشهدُ غيرهما) (¬9)، فقال: وأيُّ رِيبةٍ أكبر من هذا؟ ¬
أبو بكر: قال لنا يحيى بن عمر: ويجوز عندي شهادة رجلين (¬1)، في الصَّحْوِ، في الصوم والفطر. قال غيرُه من أصحابنا: ومعنى قول سحنون هذا، في المصر الكبير (¬2) العظيم. والصَّحْوُ: البَيِّنُ. أنَّه يَبْعُدُ أنْ (يتفرَّدَ هذان) (¬3) برؤيته، ويُقْدَحُ بذلك ريبة في شهادتهما. قال يحيى بن عمر: ولو شَهِدَ شاهد على هلال رمضان، وآخر على هلال شوال، لم يقطعوا (¬4) بشهادتهما. وقيل لسحنون: أرأيت إن أخبرك الرجل الفاضل (أنَّه رآه؟) (¬5) قال: ولو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما (صُمتُ بشهادته) (¬6)، ولا أفطرت، ولا يجب ذلك إلا بشاهدين. وذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون، وذكره ابن سحنون عنه، أنَّه إذا رأى هلال رمضان عامَّة بلد (¬7) (وغمَّهُم عليه) (¬8) بالرؤية، إلا (¬9) بالشهادة عند حاكم (¬10). فذلك يُجزئ مَن لم يَعلم به منهم، ويُجزئه الصومُ وإن لم يثبته. وكذلك الغافل، والمريض، والجاهل لا يَعلم، وكذلك مَن قَرُبَ من البلد على الليلة. (ونحو ما هو كحاضر بها) (¬11) / في ذلك. قال سحنون: لا يُجزئ أحداً منهم إلاَّ مَن علم قبل الفجر، وبيَّتَ الصومَ ¬
قبلَ الفجر. قال محمد بن عبد الحكم: وقد يأتي مَن رؤيته ما يُشتهر، حتى لا يُحتاج فيه إلى الشهادة والتعديل، مثلَ أنْ تكون قرية كبيرة، فيراه فيها الرجال والنساء والعبيد، ممن لا يمكن فيهم التواطؤ على باطل، فيلزم الناس الصوم بذلك من باب استفاضة الأخبار، لا من باب الشهادات. قال ابن عبد الحكم: ورأيتُ أهل مكة يذهبون في هلال الموسم في الحج مذهبا، لا أدري من أين أخذوه؟ إنهم لا يقبلون في الشهادة في الهلال في الموسم إلا أربعين رجلا، وقيل عنهم خمسون. والقياسُ (¬1) أَنْ يجوز فيه شهيدا عدل، كما يجوز في الدماء والفروج، ولا أعلم شيئا فيه أكثر من شاهدين إلا الزنا. (قال عبد الله) (¬2): وأخبرت عن أحمد بن ميسر الإسكندراني (¬3) أنَّه قال: إذا أخبرك عدل أن الهلال قد ثبت، عند الإمام، وأمر بالصيام (¬4)، أو نُقلَ ذلك إليك عن بلد آخر، لَزِمَكَ العمل على خبره، من باب قبول خبر الصادق لا (¬5) من باب الشهادة. قال أبو محمد: كما أن الرجل يَنقِل إلى أهله وابنته البكر مثل ذلك، فيلزمهم تبييت الصوم بقوله. وبعد هذا ذِكْرُ مَنْ يَثبُتُ عنده ذلك، ممن يُعنى بالهلال، من قاضٍ أو عالمٍ به. ¬
في الهلال يثبت رؤيته عند أهل بلد هل يلزم غيرهم أن يعملوا على ذلك؟ أو يثبت عند عالم بعيانه، ويكون القاضي ممن لا يعبأ به، هل يلزم من ببلده؟
في الهلال يَثْبُتُ رؤيته / عند أهل بلد هل (¬1) يَلْزَم غيرهم أَنْ يعملوا على ذلك؟ أو يَثبُتَ عند عالِمٍ بعَيانِه، ويكون القاضي ممن لا يُعْبأُ به، هل يلزم مَن ببلده؟ من " المَجْمُوعَة" روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: أنَّه قال: وإذا صام أهل بلد ثم جاءهم أنَّ أهلَ بلدٍ غيرهم صاموا قبلهم، فإن استُوقِنَ ذلك فليقضُوا. قال ابن القاسم: وإذا جاءهم أنَّ أهل بلد آخر رأَوْه، فإن كان الذين رأوْه عدولا، لَزِمَ هؤلاء القضاءُ، قال: وإذا جاءهم صحةُ الفطرِ بعد الزوال، فليَفْطُرُوا. قال عنه، في "العُتْبِيَّةِ" (¬2): ولا يُصَلُّوا العيد بعد الزوال. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا رأى هلال رمضان عامَّة بلد وغَمَّهم عِلمه بالرؤية رؤية ظاهرةً من غيرِ طلبِ الشهادة، لزم غيهم من أهل البلدان قضاؤه ممن لم يعلم. وإن كان (¬3) إنَّما صاموه بطلب شهادة وتيقن وتعديل، لم يلزم غيهم من أهل البلدان بذلك قضاء إلا بما ثبت، عند مَن عليهم من الحكام، ولكن يلزم أهل البلد الذي ثبتَ ذلك عند قاضيهم بالشهادة، هم ومَن تقرَّبَ منهم من حاضرتهم، وليقضِ مَن أفطر منهم ولم يعلم، إلاَّ أنْ يكتبَ أمير المؤمنين إلى بلد بما عنده من شهادة أو رؤية إلى مَن لم يره، فيلزمهم قضاؤه، فالخليفة في المسلمين كأمير المصر في قراياها، والعمل على كتاب أهل مصر يلزم أعراضها. قال: وهذا قول مالك ¬
في رؤية الهلال قبل الزوال أو بعده
وأصحابه (¬1). وقال عبد الملك: وإذا كان موضع ليس فيه غمامٌ، يَنْعَقِدُ أمرهم في الصوم والهلال، أو كان مع مَن يَصْنَعُ ذلك، فينبغي أَنْ يَرْعَوا ذلك ويَتَفَقَّدُوه، فمَن ثبت ذلك برؤية نفسه، أو برؤية مَن يَثِقُ به صام عليه وأفطر، وحُمِلَ عليه مَن اقْتَدَى به. في رؤية الهلال قبل الزوال أو بعده من "المَجْمُوعَة"، قال أشهب، وابن وهب: عن مالك: ومَن رأى هلال شوال نهارا، فلا يفطر وهو للليلة التي تأتي. قال أشهب: فإنْ أفطر فليقضِ، ولا يُكَفِّرْ؛ لأنَّه مُتأوِّلٌ. ورَوَى أشهبُ، عن مالك: أنَّه لا يفترق عندي (¬2) أُرِيَ قبل الزوال أو بعده، فهو لليلة التي تأتي. قال في " المختصر" فلا يُفطِرُ في هلال شوال، وإن كان في هلال رمضان، لم يَكُفَّ عن الأكل، قال ابن مَزينٍ، وابن وهب: يُفَرَّقُ بين رؤيته قبل الزوال وبعده، فيُرى، إن أُرِيَ (¬3) قبل الزوال، فهو لليلة الماضية، فإن أُرِيَ بعد الزوال، فهو لليلة التي تأتي. وكذلك قال ابن حبيب. وذكر هو وابنُ حبيبٍ. أنَّ ذلك مفسَّرٌ فيما رُوي عن عمر (¬4). قال ابن الجهم: وهذا لا يصح وإنما رواه شباك (¬5)، وهو مجهول. قال غيره: وأما في رواية مالك، عن عمرَ فليس فيها / للزوال ذِكْرٌ، ولا ¬
في التبييت في الصيام
فرْقَ بين ذلك. وهو قول ابن عباسٍ، وابنِ عمر. في التَّبْييت في الصيام قال مالكٌ، وأصحابه: لا صيامَ إلاَّ لمَنْ بيَّتَهُ؛ لأنَّ الله سبحانه يقولُ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬1). فأمر بصوم جميع النهار، ولا وصولَ إلى ذلك إلا بتقدمة التبييت قبل أول شيء منه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قبلَ الفجرِ، فلا صِيَامَ لَه». وهو حديث معروف، (أورده ابن وهب وغيره) (¬2). ومن "كتاب" ابن حبيب، ذكر هذا الحديث أيضاً. وقال: ومَن باتَ لا يريدُ الصومَ، ثم نوى الصومَ قبل الفجرِ فذلك يُجْزِئُهُ. ومن " المَجْمُوعَة "، قال أشهب: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ ينويَ الصومَ بعدَ الفجرِ، ولو جاز هذا لأجزأ الحائضَ بطُهرٍ بعد الفجرِ أنْ تصوم، ولا يُجزئُ إلا ما قال الله سبحانه: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} إلى قوله: {اللَّيْلِ} (¬3). فأوجب صوم جميع النهار لا بعضه. قال: وليس عليه التبييت في صوم التتابع، في فرض أو (¬4) نذر، إلا ¬
في أول يوم منه. ولو نسيَ صيامه بعد ذلك، فبيَّت إلى (¬1) أَنْ يُصْبِحَ (¬2) فيه مُفطراً، فلا يُجْزِئُهُ حتى يعودَ (¬3) فيه بنيةِ التبييت. وعليه، إذا أصبحَ ولم يُبيِّتْه قضاؤُه، ويَصِلُه ولا يُفطرُ ذلك اليوم. قال مالك، في "المختصر"، و"كتاب" ابن حبيب: وليس على الناس التبييت في كل ليلة من رمضان، (ولو كانت) (¬4) / (من شأنه سَرْدُ الصيام) (¬5)، ولا على من شانه صومُ يومٍ بعينه. وقال أبو بكر الأبهريُّ: يُشبه أنْ يكون قول مالكٍ في ترك التبييت لمَنْ عَوَّدَ نفسه صوم يوم بعينه، أو سرد الصيام استحساناً. والقياس أنَّ عليه التبييت كل ليلة؛ لجواز فِطْره. ومن "العُتبية" (¬6) قال موسى، عن ابن القاسم: قال مالك: وأمَّا المسافرُ فلا يُجْزِئُهُ إلا التبييت في كل ليلة من رمضان. قال غيره: لأنَّه كان له الفِطرُ في كل يوم أو أَنْ يصومَ، وجبَ عليه (¬7) التبييت في كلِّ ليلةٍ. قال محمد بن الجهم: والذي يقضي رمضانَ، عليه التبييتُ (¬8) في كلِّ ليلةٍ تفترقه. قال أبو محمد: وتبيَّنَ لي أن مَن سافرَ في رمضان فأفطرَ ثم قَدِمَن أنَّ عليه أَنْ يأتَنِفَ التبييت، كذلك المرأة تحيض ثم تطهر، والرجل يمرض ثم يَفيق، وقد جرت مسألة لمالك في الاعتكاف تدل على ذلك. ¬
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومَن أصبح في رمضان بعد أوله (¬1) ينوي الفطر ناسياً، فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: بخلاف أول يوم منه. قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: ولو أصبح أول يوم منه صائماً مُتطوعاً، ولم يعلم فلا يُجْزِئُهُ وليَقْضهِ. قال ابن حبيب: مَن بيَّتَ الفطرَ في رمضانَ حتَّى أصبحَ جره فليَقضِ ويُكفِّرْ. (ومن "المَجْمُوعَة") (¬2)؛ قال أشهب: ومَن شأنه صوم يوم الخميس فمرَّ به، ولم يعلم حتى أصبح فيه أجزأه، إن كان شأنه ألا يفطره، وإنْ كان ربما أفطره، لم يجزه حتى يبيته إلا أَنْ يقول: أصوم كل خميسٍ، إلا ما بين إفطاره وذكره غيره، عن مالك. قال ابن نافع، عن مالك في ناذر صوم (¬3) الخميس يصوم يوم الأربعاء يظنه الخميس: فأَحَبُّ إِليَّ أَنْ يُتمَّه، ويصومَ الخميس، وإن أفطر الأربعاء، فهو في سَعَةٍ، وإن أصبح يوم الخميس يظنه الأربعاء، فليمضِ على صيامه، ولا شيء عليه. ويكفيه من تبييته ما مضى من إيجابه. واختُلِفَ عن ابنِ القاسم، في إيجاب القضاء عليه. ومن "كتاب" ابن حبيب: ومَنْ نَوَى صيام يوم بعينه، فأصبح فجره، ولم يعلم أجزأه. ولو أكل فيه ولم يعلم، يَكُفُّ ولا يقضيه، ولو كان واجباً ¬
قضاه. وإذا نذر صيام يوم الخميس، فأصبح فيه ينوي الفطر، ولا يعلم أنَّه الخميس، فإنه يُجْزِئُهُ، إلا أَنْ يأكل فيه قبل علمه، فليَقضه، ولو كان تطوعاً لم يقضه. ومن "الْعُتْبِيَّة" (¬1)، روى ابن القاسم، عن مالك، في ناذر صيام يوم الخميس يمر به ولا يَعلم. ويصوم يوم الجمعة يظنه هو، انَّه يُجْزِئُهُ قضاؤه. قال: وكره مالكٌ أنْ يجعلَ على نفسه صياماً يرتبه، وليضم إنْ شاء من غيرِ نذرٍ. قال عيسى، عن ابن القاسم: ولو قُدِّمَ الطعامُ فيه، ولم يعلم، ثم (¬2) عَلِمَ أنَّه يوم نذره، فكَفَّ، فإنَّه يُجْزِئُهُ. قال مالك: وإيجابه الأول يكفيه. ابن القاسم: ولو أصبح في الأربعاء صائماً يظنه الخميس الذي نذر، فعليه تمام الأربعاء، وصيام الخميس. ابن القاسم: ولو أصبح في الخميس فافطر يظنه الأربعاء، فليكفَّ عن الكلِ، ويقضه. ومن "المختصر"، و"الواضحة" قال مالك: ومَنْ قال: إنْ تسحَّرت صمتُ وإلا فلا. ومن "المختصر"، قال مالكٌ: والتبييت أَنْ يطلع الفجر وهو عازم على الصيام، وله قبل الفجر أني ترك، أو (¬3) يَعزمَ. فإذا طلع الفجر، فهو (¬4) على آخر ما عزم عليه من فِطرٍ، أو صيامٍ. قال في موضع آخرَ: إذا بيَّتَ ¬
في تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وفي من شك في الفجر، أو في الغروب، وكيف إن أكل بعد شكه، وهل يصدق المؤذن
أول الليل الصوم، فليس عليه أَنْ يكون ذاكراً لذلك على الفجر. قال ابن حبيب: ومَن نوى أَنْ يصبح صائماً فهو بالخيار، إن شاءَ تمادَى، وإن شاء ترك، ما لم يطلع الفجر. في تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وفي من شكَّ في الفجر، أو في الغروب، وكيف عن أكل بعد شكه، وهل يُصدِّقُ المؤذِّنَ من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: يُستحبُّ تأخير السحور، ما لم يدخل إلى الشكِّ في الفجر، ومن عجَّله فواسع، يُرجى له من الأجر ما يُرجى لمن أخَّره إلى آخر أوقاته. قال ابن نافع، عن مالكٍ: وإذا غَشِيَتْهُمُ (¬1) الظُّلْمَةُ فلا يُفطروا حتى يُوقنوا بالغروب. (قال أشهب) (¬2): وواسعٌ تعجيل الفطر بالغروب، وتأخيره للحاجة ينوب، ويُكره أنْ يُؤخروه (¬3) تنطُّعاً، يتقي إلا يُجْزِئُهُ. وهو معنى الحديث في أن لا يُؤَخَّرَ (¬4). قال ابن حبيب: ولا ينبغي تأخير الفطر حتى يرى النجوم، وما جاء أنَّه فِعل أهل المشرق – يُريدُ النصارى منهم – ويفعله اليهود. وَلا بَأْسَ لمَنْ رأى سَواد الليل أنْ يُفطِرَ قبل أنْ يُصَلَّى. ويُؤذَّنَ – (وقد فعله أبو بكر، وعمرُ – وهو) (¬5) من موضع يطلع منه الفجر، تنبعث منه الظلمة. وإنما ¬
يُكْرَهُ تأخير الفِطر استناناً، وتدَيُّناً. فأمَّا لغير ذلك فلا. كذلك قاله لي أصحاب مالك. (وذكر ابن حبيب حديث "الموطأ"، فقال فيه: إن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان كانا يفطران في رمضان حين ينظران على الليل الأسود. والذي في "الموطأ" (¬1): أنَّ عمرَ بن الخطاب، وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أَنْ يُفطرا، ويُفطران بعد الصَّلاَة، وذلك في رمضان. ولم يأتِ ابن حبيب بحديث "الموطأ" على وجهه) (¬2). قال ابن حبيب ورُوِيَ عن ابن عباس، في مَن شكَّ في الفجر، أنْ يأكل حتى يوقنَ به (¬3). وهو القياس؛ لقول الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}. قال ابن الماجشون: فهو العلم به، وليس الشك علماً به، ولكن الاحتياط أحبُّ إلينا أنْ لا يأكل في الشك. قاله مالكٌ: فإنْ أكلَ بعد شكِّهِ، فعليه القضاءُ، ولا يُكفِّرُ. قال ابن حبيب: والقضاء استحبابٌ، إلا أنْ يعلمَ أنَّه أكل بعد الفجر، فيصير واجبا، كمَن أفطر وظنَّ انَّه قد أمسى، ثم ظهرت الشمس. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب، عن مالكٍ: ومَن قال له رجل: إنَّك تسحرت في الفجر، وقال آخر: قبل الفجر، فأرَى أَنْ يقضيَ. قال أشهب: ومَن أكل وهو شاك في الفجر فإنما عليه القضاء، وكذلك لو جامع، وكذلك لو فعل ذلك وهو لا يشط في الفجر - يريد أنَّه لم يطلع ثم شك – أنَّه يقضي في كل صيام واجب، ولا قضاء عليه في التطوع، ¬
في الصوم في السفر في رمضان، وغيره
إلا أَنْ يُعَاوِدَ الفطر. قال ابن حبيب: ويجوز له تصديق المؤذن العارف العدل، فإن سَمِعَ الأذان، وهو يأكل ولا علم له، (بالفجر فليَكُفَّ ويسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله) (¬1) فإن لم يكن عنده عدلاً، ولا عارفًا فليقضِ. وإن كان في قضاء رمضان فليقض. ومُباحٌ له فطر ذلك اليوم، أو التمادي. وإن كان في تطوع أتمَّه، ولا قضاء عليه، قال: ومَن طلع عليه الفجر وهو يأكل أو يطأ، فليُلْقِ ما في فيه، ويَنزل عن امرأته، ويُجزئه إلا أَنْ يُخَضْخِضَ (¬2) الواطئُ بعد ذلك. قال ابن القاسم، وقال ابن الماجشون: أما في الواطئ فليقضِ؛ لأن إزالته لفرجه جماع بعد الفجر، ولكن لم يبتدئه، ولا تعمَّدَه، ولا شيء عليه في الطعام؛ لأنَّ طرحه ليس بأكل. في الصوم في السفر في رمضان، وغيره ومن قول مالك في "الموطأ" (¬3) أن الصوم في السفر في رمضان أحبُّ إليه (¬4). وقال في "المختصر": ذلك له واسع؛ صام أو أفطر. ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: الصوم له أحبُّ إليَّ، إذ هو في حرمة الشهر، والمفطر فيه يُكفِّرُ، ولا يُكفِّرُ في قضائه، فحرمة قضائه دون حرمته، فكذلك أجرُه فيه يُرجى أَنْ يكون أكثرَ من قضائه، كما الخطبة فيه أعظمُ. وقاله مالك، وقال: وكلٌّ واسعٌ. وقال ابن حبيبٍ: الصوم له أفضلُ ¬
للتَّقَوِّي (¬1). كما جاء أنَّ فِطرَ يوم عرفة للحاجِّ أفضلُ (¬2). وقد استحبَّ كثير من السلف الفطر في السفر، وهو أشبه بتيسير الدِّين، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (¬3). كان ابن عمر يُفطِرُ في السفر (¬4)، على تشدده. والفطر في السفر آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح (¬5). وكان ابن الماجشون، وأبوه عبد العزيز يَستحبَّانِ الفطر فيه (¬6). ومن "المختصر"، وإنما الفطر (¬7) في سفر الإقصار. قال في "المَجْمُوعَة" أشهب، عن مالك: وإذا أفطر في سفر أقلَّ من ثمانية وأربعين مِيلاً، فذلك واسعٌ فيما قاربها. قال عنه ابن نافعٍ: وإذا قدم المسافر بلداً يُقيم فيه اليوم واليومين، فله الفطر حتى ينويَ إقامة أربعة أيامٍ. وكذلك في "المختصر". ¬
ومن "الْعُتْبِيَّة" (¬1) ابن القاسم، عن مالك: ومَن سافر يوماً واحداً فله أنْ يُفطِرَ؛ يريد إذا برز قبل الفجر. قال: وللمسافر في البحر أنْ يُفطر. قال عنه ابنُ وهب، في "المَجْمُوعَة": وإذا أفطر المسافر أياماً لمرض أصابه (¬2)، فله قضاؤها في سفره وإن شاء أخَّرها، والتعجيل أحبُّ إليَّ. وإذا أفطر في السفرِ فلا بأسَ أنْ يطأَ أهله. قال مالكٌ، في "الموطأ" (¬3): ومَن لَزِمَهُ صومُ شهرين متتابعين في كتاب الله سبحانه، فليس له أَنْ يفطر في ذلك، إلا من مرض، أو امرأة تَحيضُ. وليس لهان يسافر فيُفطِرَ. وقال في "المختصر"، (و "كتاب: ابن حبيب) (¬4): ومن تطوع بالصوم في السفرِ، ثم تعمَّدَ الفطرَ فليس القضاء عليه بالواجب، كما هو الحضر. وقال محمد بن عبد الحكم: يجب قضاؤهُ (¬5). ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن القاسم، عن مالك: وَلا بَأْسَ بالتنفل بالصوم في السفر. قال عنه ابن وهب، في مَن صوم الاثنين والخميس فسافرَ: فإن لم تكن له نيةٌ فليَصُمْهما في السفر، فإن شقَّ عليه فليُفطِرْ ويقضِ. قال في "المختصر": ومَن سافر في شهري ظهاره فأفطرَ، فليبتدئْ، ¬
في المسافر يفطر بعد التبييت، أو قبل أن يخرج، أو بعد أن يقدم، وكيف إن قدم مفطرا، أو يفطر بعد أن كسر، وما تعذر له من التأويل في ذلك
بخلاف المرض. في المسافر يفطر بعد التبييت، أو قبل أَنْ يخرج، أو بعد أَنْ يقدم، وكيف إن قدم مُفطراً (¬1)، أو يفطر بعد أن كسر، وما تعذَّرَ له من التأويل في ذلك من "المَجْمُوعَة"، قال ابن الماجشون: ومَن يريد السفر في صباح يومه فواجب عليه أَنْ يبيت الصومَ. والمسافرُ إذا علم انَّه يدخل بيتَهُ آخر النهار فله أنْ يُبيِّتَ الفطر، وإن علمَ أنَّه يدخل أوَّلَه، أحببتُ له تبييت الصوم. وقال ابن وهب، وأشهب، وابن نافع وكذلك في "المختصر"، عن مالكٍ، من أول هذا الفصل، وقال: ومَن قدم مُفطراً فليس عليه أَنْ يكفَّ عن (أكل ولا وطءِ) (¬2) من ألقى من نسائه، وقد طَهُرَتْ. ومن: كتاب: آخرَ قال بعضُ أصحابنا: فإنْ كانت نصرانيَّةً وهي طاهرٌ في يومها فليس له وطؤها؛ لأنَّها (¬3) متعديةٌ فيما تركت من الإسلام والصوم. قال ابن حبيب: وكذلك مَن أفاق من إغماءٍ (¬4) نهاراً، أو (¬5) امرأةٌ طَهُرَتْ من حيضٍ فيه أو حاضت فلا تُؤمرُ بالكفِّ عن الأكل. ومن "المختصر"، مَن بيَّتَ الصومَ في السفر في رمضان، ثم أفطر متعمداً فعليه القضاءُ – واختلف قوله في الكفارة – وإن كفَّرَ فهو أحبُّ إلينا من غير إيجابٍ. ¬
ومن "الْعُتْبِيَّة" (¬1) روى موسى، عن ابن القاسم، أنَّ مالكاً، والليثَ (¬2) قالا، في مَن بيَّتَ الصوم في السفرِ، ثم أفطر مُتأولاً بأكلٍ، أو جِماعٍ فإنَّ عليه الكفارة. قال في "المختصر": ومَن أصبح في الحضر صائماً، ثم عزم على السفر فأفطر قبل يخرج، فعليه الكفارة مع القضاء. ورَوَى عيسى، في "الْعُتْبِيَّة" (¬3)، عن ابن القاسم، في مَن أصبحَ في الحضرِ (¬4) يريد السفرَ من يومه، فأكل قبل يخرج، ثم خرج لسفره، فلا كفارة عليه؛ لأنَّه متأوِّلٌ. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنون، وقال عبد الملك ابن الماجشون مثله، وقال: وقد فعله أنس بن مالكٍ. قال ابن الماجشون: إلا أَنْ يكسر (¬5) عن السفر في يومه، فلابدَّ من الكفارة. وقال أشهب: لا يُكَفِّرُ، خرج أو لم يخرج؛ لأنَّه غيرُ منتهك. وإلى هذا (¬6) رجع سحنون، بعد أن قال: إنَّه لا يُعذر، (وعليه الكفارة، خرج أم لا) (¬7)، ولم يره كالقائلة: اليوم أحيضُ. فأفطرتْ، ثم حاضتْ؛ لأنَّ المسافر يُحدث السفر، والحائض لا تُحدثُ الحيض. وقال ابن حبيب: إذا حدث له سفرٌ فأكل في المصر، فإنْ كان قبلَ ¬
أنْ يأخذ في أُهْبَةِ (¬1) السفر، فليكفِّر تمادَى أو كسر؛ لأنَّه تأويل بعيدٌ، وإن كان بعد أن أخذ في أُهْبَةِ السفرِ أكلَ، فإنْ خرجَ من فوره لم يكفرْ. قاله ابن الماجشون، وابن القاسم. قال (¬2): وقد أساء، وأجمع العلماء انَّه إنْ لم يأكل حتى فصل أنَّه لا يُكفِّرُ، وأنَّ له أنْ يُفطِرَ، إلا أنَّ مالكاً استحبَّ له التمادِيَ في يومه إّذا سافر نهاراً. والذي ذكر ابن حبيبٍ أنَّه إجماعٌ قد اختُلِفَ فيه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، في مَن أراد سفراً مطرٌ، فأفطر. فليُكَفِّرْ مع القضاء. وهذا تأويل لا يُعذر به. قال أشهب: ومَن خرج صائماً على سفر، ثم أفطر لم يُكفِّرْ، للتأويل، لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (¬3). فكما لو عرض ليَ المرضُ نهاراً أفْطَرْتُ، فكذلك السفر. وقال المغيرة، وابن كنانةَ: عليه أنْ يُكَفِّرَ. وإن أصبح في السفر صائماً، ثم افطر، فقال مالك، في رواية ابن القاسم: يُكفِّرُ، وقال عنه ابن نافع (وأشهب: إنْ أفطر) (¬4) من جهد لَحِقه وشدَّة فلا يكفر، وإن تلذذ بإصابة أهله، فأخاف عليه. وقال عبد الملك: إنِ ابتدأ بإصابة أهله، كفَّر، وإنِ ابْتدأ بأكلٍ (¬5)، أو شربٍ، لم يُكفِّرْ. زاد عنه ابن حبيب: وإن وَطِئَ بعد ذلك. قال: وقال مُطرِّفٌ: سواءٌ أفطر بمصابٍ أو غيره لا يُكفِّرُ، وهو مخيَّرٌ في الإفطار، بيَّت الصيام أو لم يُبيِّتْه. ¬
في صيام الجنب، والحائض وفي المغمى عليه يفيق، وما يحدث من ذلك في الصوم، أو ينكشف فيه قبل الفجر، أو بعده
قال عبد الملك: وقد أفطر النبي صلى الله عليه وسلم بالكديد للتَّقَوِّي (¬1)، وليس الوطءُ ممَّا يُقوِّي. وقال المغيرة: هو كَمَنْ أفطر في قضاء رمضان. وقال ابن كنانة نحوه. وقال أشهبُ: إنْ أفطر تأويلاً لم يُكفِّرْ، وإنْ أفطر خُلُوعاً (¬2) وفِسْقاً كَفَّرَ. قال: وإنْ أصبح في السفر في رمضان صائماً، فأصابه ما لا يخاف فيه على نفسه، من شدةِ عطشٍ، وشهوته في الماء، فلا يُفْطِرْ لذلك، فإنْ فعل فلا يُكَفِّرْ، إذ ليس بمُستَخِفٍّ. ومَن دخل من سفر نهاراً ثم أفطر فليُكفِّرْ، ولا يُعذر بهذا التأويل. ورَوَى ابن أشرسَ (¬3)، عن مالك، في مسافرٍ أصبح صائماً فجهده الصوم فمدَّ يده على الطعام ليأكل، ثم ذكر أنه لا ماء معه، فتركَ، قال: أحَبُّ إليَّ أنْ يَقْضِيَ (¬4) احْتياطاً. قال أبو محمد: وأعرف رواية أخرى أنَّه لا شيء عليه، وهو جُلُّ قوله/ إنَّ النيَّةَ لا تُوجب شيئاً حتى يفارقها عملٌ. وكذلك في غير الصوم حتى يدخل بنيته في عمل أو قول. في صيام الجُنُبِ، والحائضِ وفي المُغمَى عليه يُفِيقُ، وما يحدثُ من ذلك في الصوم، أو ينكشفُ فيه قبل الفجر، أو بعده من "المَجْمُوعَة" قال أشهب: لم يختلف العلماء أنَّه لا بأس أَنْ يصبح ¬
الصائم جنباً. قال أشهب: وهو كمَن صام على غير (¬1) وضوء، ولو أقام جُنُباً بقية نهاره لم يفسد صومه. قال ابن نافع: قال مالك، في الجُنُبِ في السفرِ يتيمَّمُ. قال: يصم كذلك، وما للصيام والجنابة. وإذا رأتِ الحائضُ الطهرَ قبل الفجرِ فتوانت في الطهر حتى الفجر، فصومها مُجزئٌ. قاله ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك. ورواه أشهب عن مالك في "الْعُتْبِيَّة". قال عبد الملك: وإن أخذت في الطهر حين رأته بغير تَوانٍ، فلم يَتِمَّ إلا بعد الفجر، فهي فيه كالحائض. وقال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: وإذا رأتْ في رمضان الصُّفْرَةَ أو الكدرةَ، فلتُفطِرْ. وإذا رأت دَفعةً من دمٍ في يوم، ودَفعةً دونه (¬2) في غدٍ، ثم انقطع، فلتُفطر في اليومين، وتغتسل إذا انقطع. قال عنه ابنُ القاسم: وإذا رأتِ الطُّهرَ في (¬3) أوَّل النهار فلا تدع الفِطرَ بقيَّة يومها، وأنكر ما قيل عن الأوزاعي: إنْ لم تكن أكلتْ فلتُتمَّ صيام ذلك اليوم. قال: ولقد احتمل عظيماً مَنْ أفتى بهذا، وإنْ كان لرجلا صالحاً، ولكنكم كلَّفْتُمُوه فتكلف. قال: وإن شكت أطهرت قبل الفجر، أو بعده، فلتتم صيام ذلك اليوم، وتَقضه. قال ابن حبيب: وإذا رأتْ في ثوبها دم حَيْضَةٍ في رمضان، لا تدري متى أصابها، وصَلَّتْ أياماً (¬4)، فتُفطر وتقضِ يوماً واحدا من ¬
الصوم، وتُعد الصَّلاَة من أحدث لُبْسة لَبِسَته. هذا إن كانت تنزعه (¬1)، وإن كانت لا تنزعه (¬2) فتعيد الصَّلاَة من أول ما لبسته. وهذه المسألة (¬3) مذكورة في كتاب الطهارة مع ما يشبهها (¬4). قال مالك، في "المختصر": وإذا رأتِ الحامل الدم فلتُفطر ما لم يَطُلْ، ولا تفطر إذا رأت الماء الأبيض. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وإذا أغمي على الصائم بعد الفجر أكثر نهاره لم يُجزه، وليقضِ. قال أشهب: إنما يقضي استحباباً ولو أخبر (¬5) أنَّه ما عرف، ولا يفطر بقية نهاره. ولو أغمي عليه آخر النهار فأقام أياما، فيوم إغمائه فقط يُجْزِئُهُ. قال ابن نافع، عن مالك: إذا أغمي عليه في ارتفاع الضحى؟، فأفاق حين أمسى، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي. وقال ابن نافع: يُجْزِئُهُ. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: إذا أغمي عليه بعد الفجر في أول النهار فأفاق حين أمسن أنَّه يُجْزِئُهُ. وحكى ابن حبيب، عن ابن القاسم: إذا أغميَ عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار، أو أغمي عليه نصف النهار فأفاق آخر النهار، فعليه القضاء. هذا خلاف ما روى عنه سحنون، في "المدونة". وقال: قال (¬6) ابن الماجشون: والإغماء الذي يفسد به الصوم/ مَن يُغمى عليه قبل الفجر ويفيق بعده. إنما ذلك إذا تقدمه مرض، أو كان بأثره متصلا به. فأما ما قل من الإغماء، ولم يكن بمرض. فهو ككسر (¬7)، أو نوم. ¬
في صيام الصغير، والمجنون، والسفيه، والمغمى عليه
فلو طلع عليه الفجر وهو كذلك، ثم تخلى عنه، فإنه يُجْزِئُهُ صومه. وقال ابن سحنون، عن أبيه: لا ينظر إلى المرض. قال: وكذلك قال ابن القاسم، وأشهب. وفي باب صيام الصغير تمام القول في المغمى عليه. في صيام الصغير، والمجنون، والسفيه، والمغمى عليه قال ابن حبيب: كان عروة يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوا، و (¬1) بالصوم إذا طاقوه. قال ابن الماجشون: يلزموه إذا أطاقوه، و (¬2) يؤمروا بقضاء ما أفطروا بعد الطاقة، (إلا ما كان عن غلبة، أو عجزت عنه طاقتهم. وإذا عجز الصبي عن الصيام بعد طاقته عليه) (¬3)، ثم قوي عليه، فليقض، إلا أَنْ يتصل عجزه فيكون اليوم الذي بدأ فيه بالصوم ثم عجز عنه فأفطره، كمتقدم أيامه. قال: وإذا بلغ الغلام والجارية، جُبرا على الصوم (أطاقاه أو) (¬4) لم يُطيقاه. فإنْ تأخر الاحتلام والحيض، فإذا بلغ خمس عشرة سنة من المولد، فإن جُهل المولد، فإذا نبتا، فإن لم ينبتا، حُملا على التقدير والتحري، إلا أَنْ يطيقا دون ذلك. ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالك، في رواية ابن القاسم، في صيام الصبيان قال: يؤمرون به إذا بلغوا. وفي رواية ابن وهب: يجب عليهم إذا بلغوا. وقال أشهب: لا يجب إلا البلوغ، ويستحب لهم بالطاقة عليه. قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون، في حدِّ البلوغ، أنَّه خمسَ عشرة سنة هو قول ابن وهب، والمعروف من قول ابن مالك وأكثر أصحابه، إذا فُقد الحيض والاحتلام والإنبات، رُفعا على سنٍّ لا يبلغه أحدٌ ¬
إلا احتلم. وذلك من سبع عشرة سنة على ثمانيَ عشرة سنة (¬1) أكثره. وما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر يوم الخندق، ابن خمس عشرة سنة (¬2)، ليس بحجة (¬3)؛ لأنَّه عليه السلام لم يسأله، ولا غيره عن مولد، وإنما يَنظر بعينهن فمن أطاق القتال في رأيِ العين أجازه، والذي جاء في الحديث: «انظرُوا إلى مُؤْتَزَرِه فإن جرت عليه المواسي فاضربوا عنقه» (¬4). هو أولَى، والبلوغ أقصى ذلك، إلا أن ما يكون عليه من حدٍّ، وقيل: يُتهم أن لا يُقرَّ بالاحتلام، فيُعمل فيعه بالإنبات، وما كان من شيءٍ بينه وبين الله، قيل له: عن بلغت لَزِمَكَ (¬5) هكذا. قال يحيى بن عمر: وهو قول حسن. وقال بعض أصحابنا: إذا احتلمت المرأة فهو بلوغ أيضاً وإن لم تحض. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع (عن مالك) (¬6): وإذا أفاق المجنون قضى ما أفطر من صيام رمضان. قال عنه ابن القاسم: وإن بلغ كذلك. وقاله أشهب. وإن أقام سنين فلا يُكفِّر تكفير المفرِّطِ في القضاء ¬
في صوم النصراني يسلم وصوم من ملك من رقيق العجم والمجوس
(إلا أَنْ يُفيق ويُفرط في القضاء فيُكفِّرَ عن كلِّ يومٍ) (¬1) أمكنه قضاؤه. قالوا: ولا يقضى الصَّلاَة عن إغمائه. وقال ابن حبيب: وقال لي المدنيون من أصحاب مالك: وإنما يُقضى الصوم في مثل خمس سنين ونحوها، فأما عشرةٌ، أو خمس عشرة، فلا قضاء عليه. وذكروه عن مالكٍ. وقاله أصبغ. وما أفطر والسفيه فعليه فيه القضاء، والكفارة عن كل يوم. في صوم النصرانيِّ يُسلِّمُ وصوم من مُلِكَ من رقيق العَجَمِ والمجوس من "المَجْمُوعَة" قال أشهب: ومَن أسلمَ قبل الفجر فليَصُمْ ذلك اليومَ، وإنْ أسلم بعد الفجرِ فله أنْ يأكل ذلك اليوم ويشرب، ويطأ أهله. وقال عبد الملك: يُستحبُّ له أنْ يَكُفَّ عن ما يفعل المُفطِرُ، وقد تقدَّمَ في باب المسافر يُفطر، قولٌ في وطئهِ النصرانية إذا قدم. ومن "الْعُتْبِيَّة (¬2)، قال ابن القاسم، عن مالك، وعن الرقيق العجم يُشترون في رمضان، وهم (¬3) بالبلد مقيمون، يُجيبون إلى الإسلام، ويُعَلَّمُون الصَّلاَة، فيُصلُّون، ويريدون الأكل فيُجبرون، ولا يَفقهون. قال: يُرفق بهم، ويُطعمُون حتى يعلموا، ويَعرفوا الإسلامَ. ورَوَى عنه أشهب نحوه، في علوج الصقالبة، وقال: يُطعمون أياماً حتى يصوموا، ويَنظروا (¬4) فيه. وذكر عنه ابن وهب في "المَجْمُوعَة" نحوه. وقال ابنُ نافعٍ: أرى أَنْ يُجبروا على الصيام، ويُمنعوا الطعام. ¬
في صيام الأسير، أو غيره ببلد الحرب تحريا، وفي من صام رمضان قضاء عن غيره، من فرض أو واجب
في صيام ألسير، أو غيره ببلدِ الحربِ تحرياً، وفي مَن صام رمضان قضاءً في غيره، من فرض أو واجب من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، في الأسير، أو التاجر ببلد الحرب، يُشكل (¬1) عليه رمضانُ: أنَّه يتحرَّى. قال عيسى، عن ابن القاسم، في "الْعُتْبِيَّة" (¬2) فإن تحرى سنين، ثم قدم فلم يدرِ أصام قبله، أو بعده، فلْيُعِدْ كلَّ ما صام حتى يُوقنَ أنَّه صادفه أو صام بعده. وقال عبد الملك، في "المَجْمُوعَة": لا شيء عليه؛ لأنَّه قد (¬3) فعل ما يقدر عليه حتى يُوقن أنَّه صام قبله فيقضي. ولو صام ثلاثة أعوام شعبانَ شعبانَ، فليُعد الشهر الأول، ثم كل شعبانَ بعدَه قضاءً عن ما قبله. وقال مثله كله سحنون، في "كتاب" ابنِه. قال أبو محمد: يريد بقوله: يُعيد الشهر الأول< يريد يُلغي الشعبان الأول، فلا يُجْزِئُهُ، وليس يَعني الرمضان الأول؛ لأنَّ عنه وقع الشعبان الثاني، والشعبان الثالث عن الرمضان الثاني، ويبقى عليه الرمضان الثالث فيقضيه. وذكر ابن القاسم في "المدونة"، أنَّه بلغه، عن مالك أنَّه إنْ صام قبله لم يُجزه، وإن صام بعده أجزأه. قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: وإن صام شهرا تطوعاً فصادف رمضان لم يُجزه. قال عبد الملك: بخلاف ما يُجزئُ من تطوَّعَ الطوافَ عن واجبه؛ لأنَّ نوافل الصوم إذا قُطعت بعلمه لم تُقضَ، ونوافل الحجِّ إذا قُطعت بغلبةٍ، أو فوتٍ فإنها تُقضَى، ويُقضَى فاسده، ويلزم في تطوُّعِهِ ما يلزم في فرضه وهو مفترق. ¬
ومن "الْعُتْبِيَّة" (¬1)، قال عيسى، عن ابن القاسم: ولو صام رمضان لنذر عليه ولو يعلم، لم يُجزه عن نذره، ولا عن رمضانَ. وقال عنه يحيى بن يحيى، في مَن صام رمضان قضاءً عن رمضان عليه: فلا يُجْزِئُهُ لواحدٍ منهما. وقاله أشهب في "المَجْمُوعَة". ورواية يحيى هذه عن ابن القاسم خلاف قوله في "المدونة". قال ابن حبيب (¬2): إذا صامه قضاءً عن رمضانَ آخر، أو لنذر عليه، أو لظهارٍ لم يُجْزه عن شيء من ما صامه عنه، وعن رمضانَ قبله أو لنذرٍ أو ظِهارٍ، لأجزأه عن هذا الرمضانَ، ويُعيد كل ما كان عليه (¬3) متقدِّمًا. وقاله أصبغ: وقد اختلف في معنى جواب ابن القاسم، في "المدونة" في قوله: يُجْزِئُهُ لفريضته (¬4)، ويقضي الآخر. قال يحيى بن عمر: لم أوقف سحنون عن الآخر (¬5)، ولا على الآخر (¬6)، وأنا أقول بقول أشهبَ، ولا يُجزي عن واحد منهما. وقاله ابن القاسم. وذكر أبو الفرج (¬7) أنَّ قول ابن القاسم، يريد الذي في "المدونة"، أنَّه يُجْزِئُهُ عن الشهر الذي حضر، ويقضي الأول. وقال علي بن جعفر التلبانيُّ (¬8): إن معنى قوله: إنَّمَا يُجْزِئُهُ، عن الماضي. قال أشهب في "مدونته": ولا كفارة عليه في هذا. يريد أشهب، إلا كفارة التفريط، فهي عليه. وقيل عن ابن الْمَوَّاز: لا يُجزئُ عن ¬
في صوم الشيخ الزمن، والحامل، والمرضع، والمستعطش، وما يجب بإفطارهم
عن واحدٍ منهما، ويُكفِّرُ عن الأول بمُدٍّ لكلِّ يومٍ، ويُكفِّرُ عن كلِّ يومٍ من هذا كفَّارة المتعمِّدِ. قال أبو محمد: يريد إن لم يُعذر بجهلٍ ولا تأويلٍ، وهذا شيء بلغني عن ابن الْمَوَّاز، ولم يقع له عندنا كتاب الصوم. والصواب ما قال أشهب، أن لا كفارة في هذا. في صوم الشيخ، والحامل، والمرضع، والمُستعطش، وما يجب بإفطارهم اختُلِفَ في نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِساَكِينَ} (¬1). وقُرئت {مِسْكِينٍ}، وقُرئت {يُطَوَّقُونَهُ}، وقيل: إنَّها باقية في الشيخ الزَّمِنِ، والحامل، والمُرضعِ، والمستعطشِ. قال ابنُ حبيبٍ رُوِيَ عن ابنِ عمرَ، وابن عباسٍ، وكثير من التابعين أنَّهم قالوا في الحامل، والمُرضِعِ، والمُستعطِشِ: يُفطرون، يُطعِمون، يريدُ مُدًّا مُدًّا لكل يوم. قال ابن حبيب: يعنونَ من غير إيجابٍ. وقال القاسم (¬2)، وسالمٌ (¬3)، وربيعةُ (¬4): لا إطعامَ عليهم. يعنونَ واجباً، وكان أنسٌ إذ كَبِرَ يُفطرُ، ويُطعمُ مُدًّ لكل يوم. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: والحامل، والمرضع، والشيخ الفاني، والمستعطش، كالمريض لا إطعام عليهم واجباً، وأشدهم المرضعُ؛ لأنَّها تُفطر من أجل غيرها، فأحبُّ لها أن تُطعم، وإن أصابت مَن يُرضعُ ¬
فيما يعذر به الصائم في الفطر، من المرض، أو من رمد، أو عطش، أو شرق، أو غيره ومن أفطر لعذر ثم زال عنه، هل يتمادى مفطرا في يومه؟
لها، فلا تفطر، وأستحِبُّ للشيخ الزَّمِنِ، وللحاملِ أنْ يُطعِمَا؛ لأنَّه وإنْ كان الشيخ كالمريض فلا يرجو قضاءً. قال ابن الماجشون: إذا أفطرتِ الحاملُ لضعفٍ بها، وضررٍ، فلا إطعام عليها. ولتقضِ وكلُّ مَن أُمرَ من غيرها بإطعامِ مُدٍّ والقضاء فليُخرجه حين يقضي. وقال ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ ولا إطعامَ على المستعطش. قال ابن حبيبٍ في الحامل: إذا خافت على نفسها، فلتُفطر ولا تُطعم، وإنْ خافت على ولدها أطعمت مُدًّا لكل يومٍ، وإنْ أمِنَت الوجهين فلا تُفطر. والمرضعُ إذا جفَّ لبنُهَا مع الصوم، ولا تجد ما تسترضع به للولد فلتفطر، وتُطعِم، وتقضِ. ويُستحبُّ للمستعطش أَنْ يُطعِمَ مُدًّ لكل يومٍ؛ لأنَّه غيرُ مريض، وهو مغلوب كالمرضعِ، والكبير. ومن "الْعُتْبِيَّة" (¬1)، ابن القاسم، عن مالك، في مرضعٍ نذرت أن تصوم بقية شهر، فاشتدَّ عليها الحرُّ، قال/ تُفطِرُ وتُطعِكُ وتقضي بعد ذلك. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: ومَن نذر صيام الدهر فكبِرَ حتى ضعف عن الصوم. قال: فلا شيء عليه، كمَن نذر صوم يوم الجمعةِ فمَرِضَه (وفي "المدونة" قولٌ، عن مالك في المرضع والحامل) (¬2). فيما يُعذرُ به الصائمُ في الفطر، من المرض، أو من رَمَدٍ، أو عَطَشٍ، أو شَرَقٍ، أو غيره ومَن أفطرَ لعُذْرٍ، ثم زال عنه، هل يتمادى مفطراً في يومه من "المَجْمُوعَة" قال أشهب، في مريضٍ: لو تكلّف الصوم لعذرٍ، أو الصائم قائماً لعذرٍ، إلاَّ أنَّه بمشقةٍ وتعب: فليفطرْ، ويُصلِّ جالساً، ودِينُ ¬
اللهِ يسرٌ. ومنه ومِن "العُتْبِيَّة" قال ابن نافع، عن مالك، قال: رأيتُ ربيعةَ أفطرَ في مرضٍ له، لو كان غيره! قلت: يَقوَى على الصوم، فإنما ذلك بقدرِ طاقة الناس. قال بعض أصحابنا في "كتاب" آخر: وهو معروف من قولنا: إنَّ المريض إذا خاف إن صام يوماً أحدثَ عليه زيادة في علَّتِهِ، أو ضُرًّا في بصره، أو غيَّر من أعضائه، فله أَنْ يُفطِر. قال عنه ابن نافع، في "المَجْمُوعَة"، في مَن به حُمَّى رِبْعٍ (¬1) تُصيبه يوماً وتَغِبُّهُ يومين، فله الفطر في يوم تُصيبه، وليَصُمِ اليومين ما دام رمضان. فإذا جاز فليؤخر القضاء حتى يتقوَّى. وقال في الذي يلقى الروم بأرض العدوِّ صائماً فيخاف على نفسه، أيُفطِرُ؟ قال: نعم (¬2) إن ضَعُفَ، والصوم بأرضهم (¬3) يَسهل لبردها. قيل له: عليه الحديد والسلاح، قال: فلينظر عن خاف على نفسه. قال عنه ابن وهب: إنَّه سُئلَ، عن مَن أصابه عطشٌ شديدٌ، أيُفطِرُ؟ فقال: الله أعلم بخلقه، وما أذِنَ لهم فيه، ثم قال: قالت عائشة: لو نُهِيَ الناس عن حاجم الخمر لقال قائل: لو ذاقه! قال عنه ابن نافع، في مَن أصابه بعد العصر شَرَقٌ، خاف منه على نفسه، فشرب له الماء: فعليه القضاء. وقال عنه ابن نافع، في المستعطش: إذا أفطر ليس عليه إلا القضاء. ومن "العُتْبِيَّة" (¬4) عيسى، عن ابن القاسم، في الأرعن (¬5) يصيبه ¬
الضربان: إنْ جاءه من ذلك ما يحتاج معه إلى الفطر أفطر، وهو مَرَضٌ من ألأمراض، وقد ارخص مالكٌ لصاحب الحَقْنِ (¬1) الشديد إذا أُلْجِئَ أنْ يُفطِرَ ويتداوى. قال عنه أصبغ في الصائم في رمضان، يُتعبه الحر والعطش: فهو في سَعَةٍ أَنْ يُفطِر إذا بلغ منه، ولم يَقْوَ. قال أصبغ: في سفرٍ أو حضرٍ إذا خاف على نفسه موتا أو مرضاً. قال ابن القاسم: والذي يصيبه الضربان من الخوَى في رمضان، فهو مرضٌ، فإذا بلغ منه ما يجهده فليفطر. قال ابن سحنون، عن أبيه، في الذي يفطر في العطش: أنَّ له بعد ذلك أَنْ يتمادى مفطراً، ويطأَ، ويأكلَ. وأعاب قول مَن قال: لا يفعل. وقال ابن حبيب: لا يفطر بعد أن (شرب، وزال) (¬2) عطشه. وكذلك ذهب في الميتة، أنَّه لا يأكل منها المضطرُّ (¬3) إلا ما يُقيم الرَّمقَ. وقو لمالكٍ: إِنَّه يَشبعُ منها، ويتزوَّدُ؛ فإذا احتاج إليها، وإلا طرحها. قال ابن حبيب أيضاً: وكذلك لو استسعط (¬4) لضرورة فوصل الماء بذلك على حلقه، أو داوى حفراً به لضرورة، أوش رب الماء لعطش، أو حرٍّ، فهؤلاء يؤمرون بالكفِّ بعد ذلك، فإنْ أكلوا جهلاً، أو تأويلاً، أو متعمدين، لم يُكفِّروا؛ لأنَّهم بمحلّ يُشبه المرض. قال: ولو استسعَطَ تداوياً لغير ضرورة جهلا، فهذا إنْ أفطرَ بعد ذلك متعمداً كفَّر، وإن افطر متأولاً لم يُكفِّرْ. وكذلك المحتقنُ لضرورة أو لغير ضرورة، على تصرُّفِ ذلك في المُسْتَسْعِطِ. ¬
في الصائم يفطر متأولا، وما يعذر به من ذلك في رفع الكفارة، وما لا يعذر به
في الصائم يفطر متأولا، ما يُعذر به من ذلك في رفع الكفارة، وما لا يُعذر به قال ابن حبيب: كلُّ متأوِّلٍ في الفطر فلا يكفِّرُن إلا في التأويل البعيد، مثل أَنْ يغتاب، أو يحتجمَ، فيتأوَّلَ أنَّه أفطر بذلك، أو يقول: اليوم تأتيني (¬1) الحُمَّى، أو تقول المرأة: اليوم أحيض. فتفطر أول النهار. ومن "العُتْبِيَّة" (¬2)، قال عيسى، عن ابن القاسم في مَن احتجم في رمضان، فتأوَّلَ أنَّ له الفطر فأكل. فليس عليه إلا القضاءُ. قال أصبغ: هذا تأويلٌ بعيدٌ. قال عنه عيسى، في القوم يصومون رمضان فيوم ثلاثين (¬3) منه أُري الهلال نصف النهار، فأفطر قوم: فلا يلزمهم القضاء؛ لأنَّه على التأويل. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهب: ومن أكل في نهار رمضان ناسياً، فظنَّ أنَّ صومه فسدَ فعاودَ الأكل متعمِّداً لظنِّهِ، فعليه القضاءُ فقط. قال أشهب: لأنَّه متأوِّلٌ. وكذلك إن أصبح جُنباً فظنَّ أنَّ صومه فسدَ فأفطر. قال عبد الملك، في مَن افطر ناسياً ثم أكل في يومه عامداً: فليكفِّرْ. وقاله المغيرة في مَن ظنَّ أنَّ الشمسَ غربت فأكل، ثم ظهرت فأصاب أهله. فليكفِّرْ. وكذلك في "كتاب" ابن حبيب، قال: إذا أفطر ناسياً ثم تأوَّلَ فوطئَ فلابدَّ من الكفارة في هذا، وإن أكل بعد ذلك جاهلاً، أو متأوِّلاً، فلا كفارة عليه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرة، وابن الماجشون، في امرأة أفطرت ¬
في من أفطر مكرها، أو أدخل حلقه شىء لم يتعمده، أو أمر غالب، من ذباب، أو عود، أو ماء، أو دقيق، أو كبار، أو غيره
ثم حاضت آخر النهار، أو مرضت"، فقد لزمها الكفارة. وقاله أشهبُ. قال ابن القاسم: لم يعذرها مالك بأن تقولَ: اليومَ أحيضُ. قال أشهب: في " كتاب" ابن عبدوس: ولو أصبح ينوِي الفطرَ في رمضان فظنَّ أنَّ صومه قد فسد فأكل فليكفِّرْ، فإنْ لم يأكل ولم يشرب، لم يُكفِّرْ. وليقضِ، أقام على نيَّتِهِ أو انصرف (وفي باب التبييت في الصوم قول ابن القاسم وغيره في هذا أنَّه يُكفِّرُ) (¬1)، وقد تقدَّم في باب المسافر يُفطر وفي غيره شيءٌ من مسائل التأويل في الفطر. في مَن افطر مُكرهاً، أو أُدخل حَلقه شيءٌ لم يتعمَّدْه، أو امرٌ غالبٌ، من ذباب، أو عُودٍ، أو ماءٍ، أو دقيقٍ، أو غُبار، أو غيره وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم المأثمَ في الخطأ، والنسيان، والإكراه (¬2)، فلا يُكفِّرُ المُكرهُ (¬3) على الفطر، وليقضِ كما أمر الله المريضَ بعدَّةٍ من أيام أُخر. قال ابن القاسم، وأشهبُ، في "المَجْمُوعَة"، في مَن صُبَّ الماء في حلقه مُكرهاً أو نائماً، أو جُومعتِ امرأةٌ نائمةٌ (¬4) في نهار رمضانَ: فليَقْضُوا، ولا يُكفرُوا. وكذلك في كلِّ صومٍ واجبٍ، ويَصِلُوا القضاء بما ¬
كان متعمداً (¬1) متتابعاً، ولا يَقضُوا في التطوع. قال ابن حبيب: على من أكرههم في رمضان الكفارة. وكذلك واطئُ امرأته مُكرهةً في نهار رمضان. وليَكُفُّوا عن الأكل ويَقْضُوا. ومن "كتاب" ابن سحنون، ذكر (قول ابن) (¬2) القاسم، وأشهبُ، في واطئ زوجته مكرهة، أنَّه يُكفِّرُ عنها. قال سحنون: لا شيءَ عليه؛ لأنَّها لم يلزمها فهو من أَنْ يلزمه أبعدُ. وقاله محمد بن عبد الحكم. قال سحنون: بخلاف الحج؛ لأنَّ خطأه، وعَمْده، وإكراهه سواءٌ. قال بعض اصحابنا، في "كتاب" آخر: وإنْ وَطِئَ أمَته كفَّرَ عنها وإنْ طاوعته - يريد: لأنَّه في الأمَةِ، وإن طاوعت، كالإكراه للرقِّ، وكذلك لا تُحدُّ المستحقَّة بوطء السيد وإن طاوعته. ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرة، وعبد الملك، وأشهب، في الصائم يغمس رأسه في الماء، فيغلبه فيدخل إلى حلقه، من انف، أو فمٍ – قال في "الواضحة": أو أُذنٍ – فليقضِ في الواجب. قال أشهب: ولا يقضي في التطوع إلا أَنْ يُفطر بعد ذلك. قال ابن حبيبٍ: وإن أشكل عليه فليقضِ. قال أشهب: ومن كال دقيقاً فدخل غُباره في حلقه، فإنْ أيقن أنَّه دخل حلقه فليقضِ في رمضان والواجب، ولا يقضي في التطوع. قال محمد: وليس في الغبار يدخل حلق الصائم قضاءٌ؛ لأنَّه امر غالبٌ. ولم يعذره أشهب بغُبارِ الدقيق. قال عبد الملك بن الماجشون، وسحنون: الغبار أمر غالب فلا يفطر به. قال ابن القاسم، عن مالك، في الذباب يدخل حلقه، أو فلقه حبة بين أسنانه، فلا قضاء ¬
في ذوق الطعام للصائم ومضغه، ومداواة الحفر، وابتلاع ما بين أسنانه، وابتلاع الحصاة والنواة ونحوها، وازدراد النخامة ولحس المداد
عليه. قال أشهب: أحبُّ إلي أَنْ يقضي، وليس بالبينِ. قال بن الحكم، عن أشهب: وأما عن تعمَّدَ ذلك فليقضِ. قال أبو محمد: يريد إنْ أمكنه طرحها. ومن "المَجْمُوعَة": قال عبد الملك في الذباب، والحصاة، والعود يُبْدَرُ في حلق الصائم: فليقضِ. وأما الغابر فلا اعلم أحداً اوجبَ فيه شيئاً، وذلك انَّه أمرٌ غالبٌ. وقاله سحنون. ومن "العُتْبِيَّة" (¬1)، أصبغ عن ابن القاسم، في الذباب يدخل حلقه، لا يقدر على ردِّه لا في فريضةٍ ولا نافلةٍ، فلاق ضاء عليه. في ذوق الطعام للصائم ومضغه، ومُداواة الحَفَرِ، وابتلاع ما بين أسنانه، وابتلاع الحصاة والنواة ونحوها، وازدرادِ النُّخامةِ ولحسِ المدادِ من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع، عن مالك: وأكره للصائم مضغ الطعام للصبي، ولحسَ المداد، فإن دخل جوفه منه شيء فليقضِ. ومَن صام من الصبيان فليجتنب ذلك، ولا يذوق الصائم المِلحَ، والعسلَ، وإنْ لم يدخل جوفه. قال عبد الملك: وإن وصل إلى جوفه من غير تعمُّدٍ فليقضِ، وإنْ تعمَّد فليُكفِّرْ، وما يكون في فِيهِ من سحوره فيَمُجُّه، لأذانٍ سَمِعَه (¬2) فلا شيء عليه. قال أشهب: وأكره له لَحْسَ المداد، ومضغ العَلكِ، وذوق القدر، والعسل، في الفرض والنافلة. ومن "كتاب" ابن حبيب: ويُكره له ذوق الخلِّ والعسل، ومضغ اللِّبان والعَلَكِ، ولمسُ العقبِ، ولحسُ المدادِ، والمضغُ للصبيِّ، فإنْ فعل شيئاً ¬
من ذلك ثم مَجَّه، فلا شيء عليه، فإنْ جاز منه على حلقه شيءٌ ساهياً فليقضِ، وإنْ تعمَّدَ فليُكفَّرْ ويَقضِ. وكلُّ ما تلزمه فيه الكفارة في رمضانَ من هذا أو غيره، ففيه في التطوُّعِ القضاءُ. وكلُّ ما ليس فيه إلا القضاءُ في رمضان، فليس في التطوع قضاءٌ. وأما في قضاء رمضان، وكل صوم واجبٍ ففيه القضاءُ في هذا، في الوجهين. فإذا ابتلع ما بين أسنانه من حَبَّةِ التينة، وفَلقةِ الحريرةِ (¬1) قال في "المختصر": جاهلاً، فقد اساء، ولا شيء عليه. قال ابن حبيب: وإنْ تعمَّدَ ذلك على علمٍ به، فذلك سواءٌ ما لم يأخذه في الأرض إلى فيه، فيلزمه الكفَّارة في عَمْدِهِ؛ لاستخفافه بصومِهِ (لا لأنَّه غِذاءٌ يُغذِّيهِ) (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: قال أشهب: إذا ازْدَرَدَ فَلقة حبَّةٍ بين اسنانه فعليه القضاءُ. قال ابو محمد، يريد: و (¬3) يُمكنه طرحها، وإلا فهو كالأمر الغالب في الذباب، ونحوه. قال ابن حبيب: زمَن كانفي فمه حَصاةٌ، أو لَوزةٌ، أو لؤلؤةٌ، أو نَواةٌ، أو مدرةٌ، أو عودٌ، فسبقَ على حلقه، ففيه القضاءُ، في السهو والغلبة. وإن تعمَّدَ ذلك تعبُّثاً فليُكفِّرْ. قاله ابن الماجشون، وقاله سحنون في "كتاب" ابنِه، في ذلك ولم يذكر النَّواةَ، وإلى هذا رجعَ فيما لا غذاء له. وكذلك في ابتلاعِ الخيطِ، وكان يقولُ فيما لا غِذَاء له: لا يُكفِّرُ ويقضي. وقال مالكٌ، في "المختصر" (¬4): ومَن ابتلع حصاةٌ عامِداً فعليه القضاءُ. قال ابن سحنون: أخبرني معنُ بنُ عيسى، أنَّ مالكاً قال: إنَّ الحصاةَ خفيفةٌ يدخل حلقَ الصائم. قال سحنون: معناه عندي حَصاةٌ تكونُ بين الأسنان مثلَ ¬
قوله (في فلقة الحبةِ؛ لأنها ضرورةٌ، وأما لو ابتدأ أخذها من الأرضِ حصاةً أو) (¬1) فلقةَ حبَّةٍ فابتلعها عامداً لَزِمَه القضاءُ والكفَّارةُ. قال ابنُ حبيبٍ: وقاله أصبغُ، عن ابنِ القاسم: ما كان من ذلك له غذاء مثلُ النواةِ والمُدرةِ، فعليه القضاءُ، في السهو والغلبةِ، وفي عَمْدِهِ الكفَّارةُ، وما كان لا غذاء له كالحصاةِ، واللَّوْزَةِ، فلا يَقضي في سهوه، ويقضي في العَمدِ، والأول أحبُّ إلينا. ومن "العُتْبِيَّة" (¬2)، أصبغ، عن ابن القاسم: ومَن في فيهِ حَصاةٌ أو نَواةٌ يَعْبَثُ بها، فنزلت في حلقه. فلا قضاء عليه في النافلة، ولا قضاء عليه في الذباب يدخل حلقه، لا يقدر على ردِّهِ، لا في فريضة ولا نافلة. وأما في ابتلاع النواة يَعبثُ بها ففيها الكفارة مع القضاء في الفريضة. والذي ذكر ابن حبيبٍ ها هنا في الحصاة والنواةِ، عن ابن القاسم، فهو في "العُتْبِيَّة" (¬3)، عن أصبغ. ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: وأحبُّ إليَّ لصاحب الحَفَرِ أن لا يُداويه إلا بالليل، فإنْ فعله نَهاراً فلا شيء عليه، وإنْ خاف ضرراً في صبرهِ به على الليل. فلا بأس به في نهاره. قال ابنُ حبيبٍ: ويُكره له مداواةُ (الحفرِ بفيهِ) (¬4)، إلا أَنْ يَكبُرَ فيصير مرضاً، فيداويه ويقضي؛ لأنَّ الدواءَ يَصِلُ على حلقه. قال ابن سحنون، عن أبيه، في البلغم يخرج من صدر الصائم، ومن رأسه، فيصير على طرف لسانه، ويُمكنه طرحه، فيبتلعه (¬5) ساهياً: فعليه القضاءُ. وشكَّ في الكفارة في عمده، ولم يشكَّ في القضاء. وقال: أرأيت (¬6) لو ¬
في الكحل، والسعوط للصائم، وما يجعل في الأذن، وما يستنشق، من دهن، أو بخور أو غيره
أخذها من الأرض متعمِّداً ألا (¬1) يُكفِّرُ!! قال ابنُ حبيبٍ: ومَن تنخَّمَ ثم ابتلع نُخامته من بين بَهَواتِه، أو بعد فِصالها إلا طرف لسانه فقد أساء، ولا شيء عليه. ولو كان قَلْساً (¬2) فرّدَّه فُصُولهِ، وإمكانِ خروجه، فليقضِ. ويُكفِّرْ في عمده وجهله، وعليه فس سهوه القضاء بخلاف النُّخامةِ، وهذا طعامٌ وشرابٌ. من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالك: لا بأسَ أنْ يُمضمض الصائم من العطش، وأنْ يغتسل، وَلا بَأْسَ أنْ يبتلع ريقه. في الكحل، والسَّعُوط للصائم، وما يُجعلُ في الأذن، وما يُستنشق، من دُهنٍ، (أو بُخُورٍ أو غيره) (¬3) من "كتاب" ابن حبيب (قال ابن الماجشون) (¬4): وَلا بَأْسَ بالكحلِ بالإثمدِ للصائم وليس ذلك مما يُصامُ منه، ولو كُره لذكروه كما ذكروه في المُحرَّمِ. وأمَّا الكحل الذي يُعمل بالعقاقير، ويُوجد طَعمه، ويَخرقُ على الجوف، فأكرهه، والإثمدُ لا يوجد طعمه وإن كان مُمسكاً، وإنما يوجد في المسكِ طعمُ ريحهِ لا طعم ذوقه. وكذلك اشتمامه للدُّهن في أنفه وشاربِه، وإنما يجدُ طعمَ ريحهِ إلا أنْ يَكثُرَ فيصير كالسَّعُوطِ يصير على حلقه، وذلك مكروه وأكره أنْ يمسَّ شفتيه الدُّهنُ. قال ابن الماجشون: وإنما يُفطر بما يصل إلى حلقه من طعم ذوق الشيء لا من طعم ريحهِ. قال أبو محمد: أخبرني بعض أصحابنا، عن محمد بن لُبابة (¬5) أنه قال: مَن استنشق بُخوراً لم يُفطر، ويكره له ذلك. ¬
قال ابن حبيب: قال مُطرَّفٌ، وابن عبد الحكم، وأصبغُ: لا بأسَ بالكحلِ والدُّهنِ للصائم، وكَرِهَ له ابن القاسم الكحل. وقال ابن حبيب: لا يجوز للصائم أنْ يَصبَّ في أُذنيه دُهناً، ونهى عنه مالك. ومَن اكتحل بكُحلِ (¬1) العقاقير الذي يوجد طعمه في الحلق ويصل إلى الجوف، فعليه القضاء في رمضان، وفي قضائه في النذر الواجب، ولا شيء عليه في التطوُّعِ. ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع، عن مالكٍ: ولا أحبُّ له استتنشاقَ الدُّهنِ ليس في خياشيمه خِيفةَ أنْ يذهبَ في رأسه. قال أشهب: وإذا صبَّ في أُذنيه دهناً، فإن وصلَ إلى حلقهِ، فليقضِ في الواجب والتطوُّعِ. قال ابن وهب، عن مالك، في المُستَسْعِطِ، وصبِّ الدُّهنِ في الأذن: إنْ لم يصل على حلقهِ، فلا شيء عليه، وإن وصل فليقضِ. قال ابنُ القاسم: ولا يُكفرُ. قال أشهب: ويدلُّ على كراهية الاستسعاط قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائماً» (¬2). وأرى على المستسعط القضاء، إذ لا يكاد يَسلمُ أَنْ يصل على حلقه. وأمَّا المُحْتَقِنُ فلا شكَّ فيه
في القىء، والقلس، والحقنة، والسواك، والحجامة للصائم
وليقضيا في الواجب والتطوع؛ لأنهما متعمدان، ولا يُفطرا ولا يكفرا، إنْ كانا في رمضان. قال ابن سحنون: لا تجب الكفارة فيما يُستدخل من غيرِ الفمِ، من عينٍ، أو أذنٍ، أو نحوها، أو تعمَّدَ ذلك. وهو يصلُ إلى حلقه، وإنما الكفارة فيما يتعمد إدخاله من الفم على الحلق. في القيء، والقَلْسِ، والحُقنة، والسواك، والحِجامة (للصائم) ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن وهب، عن مالك: ومَن ذَرَعه القيءُ في صيامه، فبقيت منه بقيةٌ وجدَ منها عناء فاستقاء، فليقضِ. قال أشهب: وإن استقاءَ في التطوُّعِ فليُفطِرْ ويقضِ. ولو لم يُفطر فليقض. وقاله ابن القاسم، وقال ابو زيد، في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسم: أحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ. وقال ابنُ حبيبٍ: مَن استقاءَ فقاءَ في التطوُّعِ فلا يقضِ. قاله مالكٌ بخلاف الفرض. والقيءُ الغالبُ إذا عرف صاحبه أنَّه رجع على حلقه منه، بعد وصوله إلى فيه، فليقضِ في الواجب، ولا يقضِ في التطوعِ. وقال أبو الفرج البغدادي: ومَن استقاءَ متعمداً عابثاً لغير مرضٍ ولا عُذرٍ، فهذا لو سئل عنه مالكٌ: لألزمه الكفارة إنْ شاء الله. وذكر أبو بكر الأبهري: أنَّ ابن الماجشون ألزمه الكفارة في تعمُّدِ القيء عابثاً. قال غيره: وإنما ألزم المُستقيءَ القضاءَ، وإنْ كان شيئاً خارجاً، لما لا] أمن أنْ يكونَ
جاز على حلقه منه في تردده، وهو الذي استدعى ذلك. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع، عن مالك، وإذا قلس فظهر على لسانه القَلْسُ، فنسيَ، فابتلع منه، فلا قضاء عليه. قال ابن نافع: إذا كان يقدر أنْ يُلقيه فليقضِ. وقاله ابن القاسم. وقال ابن حبيب: وإذا ردَّ القَلْسَ بعد فصوله، وإمكان طرحه فعليه القضاء والكفارة في عَمده وجهله، وعليه في سهوه القضاءُ، وليس كالنُّخامة، وهذا طعام وشراب. وذكر ابن سحنون، عن أبيه، في مَنْ تقيَّأَ بلغماً، أو طعاماً، ثم ردَّ شيئاً منه على جوفه متعمداً، انَّ عليه الكفارة. ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: وعلى المحتقنِ القضاءُ في الواجب والتطوعِ؛ لأنَّه متعمِّدٌ؛ وذلك يصل على جوفه، ولكن لا يُكفِّرُ إنْ كان في رمضان. قال مالك، في "المختصر": ولا يحتقن الصئم، وَلا بَأْسَ بالسُّتورِ إذا احتاج إليها. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب عن مالك: لا يستاكُ الصائم بالعودِ الأخضرِ؛ لأنَّ له طعماً وحرارة تنحلف لذلك الفمِ. قال عنه ابن القاسم: وليستاك بما يَبُلُّ من اليالس. قال ابن حبيب: يُكره السواك بالأخضرِ؛ لأنَّ طعمه يسقي الريقَ. ولو مجَّ ما يجتمع في فيه، وهو في النافلةِ أخفُّ. ويُكره للجاهل الذي لا يُحسنُ إلقاءَه، ومَن جهل أنْ يَمُجَّ ما يجتمع بفيهِ منه حتى وصل إلى حلقه فليقضِ في الواجب، ولا يكفرْ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب: قال مالك: لا أرى أنْ يحتجمَ قَوِيٌّ ولا ضعيفٌ في صومه خِيفَةَ أنْ يَضْعُفَ. قال ابن حبيب: وإنما كُرِهَتْ
في القبلة، والمباشرة، والنظر للصائم، والتذكر
للتغريرِ. وقد احتجمَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم. في القُبلة، والمُباشرة، والنظرِ للصائم، والتذكُّرِ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: شدَّدَ مالكٌ في القُبلة للصائم، في الفرض والتطوُّعِ. قال أشهبُ: ولمسُ اليدِ أيسرُ منها، والقُبلَةُ أيسرُ من المباشرة، والمباشرةُ أيسرُ من العبثِ بالفرجِ على شيء من الجسدِ، وتركُ ذلك كله أحبُّ إلينا. قال أشهب: وكذلك في النظر، وعليه إذا أمذى القضاءُ، ويُتمُّ صومَ يومِهِ، إن كان تطوُّعاً. ومن "المختصر": ولا أحبُّ للصائم في فرضٍ، أو تطوُّعٍ، أنْ يُباشرَ، أو يُقبِّلَ، فإنْ فعلَ ولم يُمذِ فلا شيء عليه، وإن أمذى فعليه القضاء. ومن "المَجْمُوعَة" ابن نافع عن مالك: وإذا قبَّلَ في صوم التطوُّعِ فأمذى فليقض. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم عن مالك: وإذا نظر نظرة من غير تعمُّدٍ فليقضِ، وإن قبَّلها فالتذَّ وأنْعَظَ ولم يُمْذِ فليقضِ. قال عيسى، عن ابن الاسم: لاي قضي إلا أَنْ يُمذيَ، إلا في المباشرة، فإنَّه يقضي إذا أنعظ وإن لم يُمْذِ. وأنكر سحنون أيضاً قولَ ابنِ القاسمِ هذا.
ورَوَى ابن القاسم، عن مالكٍ في المباشرة: أنَّه إذا التذَّ وأنعظَ ولم يُمذِ، فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ. وقال ابن الماجشون: ومُطرِّفٌ: لا يقضي إلا أنْ يُمذِيَ، وإن أنعظَ في مباشرةٍ أو غيرها. قال ابن حبيب: والقُبلةُ من الدواعي، فمَن كان يُخامره بها اللذة، ولا يَملِكُ نفسه بعدها، فلا يُقبِّلْ. قال: والقُبلةُ، والمُلاعبةُ، والجّسَّةُ، والمباشرةُ، والمحادثة، وإدامة النظر، يُنقصُ أجر الصائم، وإن لم يُفطره. ومالكٌ يُشدِّدُ في القُبلة في الفريضة، ويُرخِّصُ فيها في التطوُّعِ، وتَركها أحبُّ إليه من غير ضيق. ويُشدِّدُ فيها على الشابِّ في الفريضة ما لا يُشدِّدُ على الشيخِ، ولا يقضي في قُبلةٍ وجسَّةٍ ونحوها، وإن أنعظَ حتى يُمذيَ. قاله مُطرِّفٌ، وابن الماجشون، ولابنِ القاسم فيه استحسانٌ. وإذا نظرَ غيرَ متعمِّدٍ فأمذى، فلا يقضي. فإنْ أمْنَى فليقضِ، ولا يُكفِّرْ حتَّى يستديمَ النظر. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب، عن مالك: ومَن قبَّلَ امرأته في رمضانَ، أو نظرَ إليها متجردة، فلم يصرف بصره عنها حتى أنزل، فعليه الكفارة. وكذلك المرأة يُصيبها ذلك إذا تعمَّدَا. وقاله ابن القاسم، وأشهب في متابعة النظرِ، قال أشهبُ: ولا كفارة في هذا في غير رمضان في واجب، أو تطوعٍ ولْيُتِمَّه ويقضيه. قالا: ولو لم يتابع النظر لم يكفر. قال أشهب: ولو كان في تطوُّعٍ أو نذرٍ أفطرَ وقضاه، ولا يُكفِّرُ فيهما. قال: وكذلك في القُبلة، والمباشرة، وال مسِ، إذا ردَّدَه، وإذا لم يردِّدْه، مثلَ اختلاف ذلك في النظرِ. وفي رواية ابنِ القاسمِ: إنَّ ذلك سواءٌ إلا في النظرِ.
في الصائم يفطر ناسيا بوطء، أو طعام، أو تلذذ، أو طع عليه الفجر وهو يفعل ذلك ولا يعلم وكيف بالمظاهر، والمعتكف في ذلك
قال ابن القاسم، عن مالك: إذا أمذى في تذَكُّرِ امرأته فإنْ لم يُتابع ذكرها فهو خفيفٌ. قال ابن القاسم: فإنْ تابع ذِكرها حتى أنعظَ فليقضِ. فإن أنزلَ كفَّرَ. قال: قال عنه ابن وهبٍ: وإذا دنا منها في التطوُّعِ فأمذى فليقضِ. ورواه ابنُ القاسم في الملاعبةِ. وقاله المغيرة في المُغازلة بالكلام، وإنْ أمْنَى كفَّرَ. وكذلك المُستمني. في الصائم يُفطر ناسياً بوطءٍ، أو طعامٍ، أو تلذُّذٍ، أو يَطْلُعُ عليه الفجرُ وهو يفعل ذلك ولا يعلم من "الواضحة"، قال ابن الماجشون، وابن نافعٍ، عن مالك: إنَّ مَن وطِئَ في نهار رمضانَ ناسياً فعليه الكفارة. وقاله ابن الماجشون. واحتجَّ أنَّ الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: وَطِئْتُ أهلي. ولم يذكر عمْداً ولا سهواً.
قال ابن حبيب: وهو أحبُّ إليَّ من قولِ ابنِ القاسمِ. وقال ابنُ الماجشون: وأمَّا مَن طلع عليه الفجر، ولم يعلم وهو يطأُ، ثم تبيَّنَ له انَّه وَطِيءَ بعد طلوعه، فلا كفارة عليه، بخلاف الناسي، وقال: لأنَّه كان على أصلِ الإباحةِ في الليل حتَّى يتبين له الفجر. قال: وكذلك مَنْ ظنَّ أنَّ الشمسَ قد غربت فوَطِيءَ، ثم ظهرت، واحتج في إسقاط الكفارة عليه؛ لأنَّه مأمورٌ بتعجيل الفطر، وتقدَّمَ في باب تعجيل الفطر ذكر مَن طلعَ عليه الفجرُ وهو يَطَأُ أو يأكلُ. قال ابن الماجشون في "المَجْمُوعَة" في مَن افطر ناسياً، ثم اكل أو وطيءَ متعمداً. قال في "كتاب" ابن حبيبٍ: أو وطِيءَ خاصَّةً متأولاً فليُكفِّرْ. قال ابنُ عبدوسٍ: وقاله المغيرةُ، ولم يرَ ابنُ القاسم، ـ وأشهبُ عليه كفَّارة، قال أشهبُ: لأنَّه مُتَأوِّلٌ. وقد تقدَّمَ هذا في باب فطر الصائم متأولاً. ومن "العُتْبِيَّة" (ابن القاسم) عن مالك: ومَن اكل ناسياً في التطوُّعِ فأحبُّ له انْ يقضيَ، وليس بواجبٍ عليه. ومن "كتاب" ابنِ سحنون، قال عبد الملكِ، وسحنون: إنَّ المصابَ سهواً يقطعُ تتابع المُظاهر لقول الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. وكذلك القُبلَة والمُباشرة، ويقطَع الاعتكافَ. ثم رجع سحنون في المُظاهرِ في القُبلةِ، فقال: أمَّ القُبلَةُ فلا تقطع صيامه. قيلَ: في ليلٍ أو نهارٍ، ولا يكونُ أشدَّ من قُبلته في رمضانَ، وليس كالمعتكفِ؛ لأنَّ هذا وَطِيءَ غيرَ التي يُظاهر منها.
في الكفارة في الفطر في رمضان، وما يوجبها
ومن "العُتْبِيَّة" قال مطرف، في المُظاهر، والمعتكفِ يُقبِّلُ امرأته ليلاً أو نهاراً: إنهما أفسدا ما هما فيه. وكذلك في جسِّهما إياهما. وأمَّا الصائمُ فلا يقضي إلا أَنْ يُمذي. وأما الحاجُّ فحَجُّه تامٌّ ويَهدي. قال: وإذا نسيَ أنْ يَصِلَ قضاءَ ما افطر لعذرٍ. أو ظنَّ أنَّ صومه فرغ فأفطر، فهذا يقطع التتابع بخلاف الفطر ناسياً. في الكفارة في الفطر في رمضان، وما يوجبها من "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: إنما الكفارة في الفطر في رمضان فِسْقاً بغير تأويلٍ، فأمَّا في واجبٍ من ظِهارٍ، أو قتلِ نفسٍ أو غيره، أو قضاءِ رمضانَ، فلا، إلا التوبة. قال ابن القاسم: قال مالك: في مَن يُفطِر في رمضانَ، بعد أنْ يحتلمَ، أياماً، فعليه عن كل يوم كفارة. قال ابن القاسم، في مَن نوى بعد الفجر، ثم لم يُفطِرْ: فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ، وليس بواجب. قال ابن حبيب: ومَن نوى الفطر بعد الفجر نهاره لم يفطر بالنية. وإذا بيَّتَ الفطر في رمضان حتى أصبح فليكفر، ويقضِ. ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن القاسم: إذا أصبح ينوي الفطر في رمضانَ فليقضِ. ويكفر. وقال أشهب: يقضي ولا يكفر. وتقدَّم هذا في باب التبييت. قال ابن سحنون، عن أبيه، قال: قال ابن القاسم، في مَن نوى الإفطار
في يوم من رمضان نهاره كلُّه: أنَّه يقضي ويُكفِّرُ. وأنا أرى ألا كفارة عليه حتى يبيِّتَ الفطر، وأما إن نواه في نهاره فإنما يقضي استحباباً. وقال مالك، في "المختصر" – وقاله ابن القاسم، وأشهب، في "المَجْمُوعَة" قال: وحدُّ ما يُفطرُ به الصائم من الطعام والشراب ما جاوزَ اللَّهَاةَ. ومن الجماع مغيبُ الحَشَفَةِ. قال مالكٌ، في "المَجْمُوعَة": أو إنزالُ الماء الدافق متلذذاً (من غير احتلام). قال المغيرة، فِي مَنْ أكره امرأته على الوطء: فليُكفِّرْ عنها بعتقٍ، أو طعامٍ، والولاء لها. وإذا أكره أمَتَه، فأحبُّ إليَّ أنْ يُكفِّرَ عنها بالطعام، وعن نفسه بالعتق. فإنْ أعتقها قبل أَنْ يكفر عنها، فالإطعام عنها لازمٌ له. وفي باب مَن اُكره على الفطر من هذا، والاختلاف في الكفارة عن المكرهة. وقول سحنون، وغيره: لا كفارة عليه عنها، ولا عليها. قال أشهب: ويُكفِّرُ متعمِّدُ الفطرِ في رمضانَ بغير رقبةٍ – يريد مؤمنةٍ – أو صيام شهرين متتابعين، أو غطعام ستين مسكيناً حِنطةٌ. قال مالك، في "المختصر"، وغيره: مدًّا لكل مسكين. وقال أشهبُ: وغداءً وعشاءً، والإطعام أحبُّ إلينا، ثم الغداءُ والعشاءُ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن الماجشون: استحبَّ مالكٌ، وغيره من اصحابنا الإطعام؛ لأنَّه كان المفعولَ في الحديث. قال (ابن وهب): وما فعلَ من ذلك أجزاه، وأحبُّ إلينا العتق، ثم
في كفارة التفريط في قضاء رمضان
الصومُ، ثم الإطعام. ومن "كتاب" آخر لبعض أصحابنا: ويُكفِّرُ العبدُ، والأمَةُ بالصيام، إلا أَنْ يَضُرَّ ذلك بالسيد، فيبقى دَيناُ عليهما، إلا أنْ يأذن لهما السيدُ في الإطعام. وإنْ فعلَ العبدُ ذلك لمَن يلزمه أنْ يُكفِّرَ عنه فهي جنايةٌ، إمَّا أنْ يُسلمه السيد فيهما، أو يفديه بالأقلِّ من ذلكن أو من قيمته. ولو طَلَبَتِ المفعول ذلك بها، أُخِذَ ذلك. وتَصُومُ عن نفسها لم يُجزئها وإن رضيَ السيدُ؛ لأنَّه لم يجبْ لها فيصير ثمناً للصيامِ. والصيام لا ثمن له. وقد تقدم قول سحنون في المُكرهة. قال مالكٌ، في غير كتاب: ولا كفارة في قضاء رمضانَ، ولا في شيءٍ من الصيامِ الواجبِ سِوَى رمضانَ. في كفارة التفريطِ في قضاء رمضان من "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: ومَن فرَّطَ في قضاء رمضان حتى دخَلَ عليه رمضان آخرُ، وقد أمكنه القضاءُ قبله، فقد لزمه كفارة التفريط مُدًّا لكلِّ يومٍ – يريدُ من حِنْطَةٍ – فإنْ شاء عَجَّلَه قبل فراغِ هذا الرمضانِ الثاني، وإنْ شاء أخَّره حتَّى يزولَ ويأخذَ في قضاء رمضان الأول. وتعجيلُه أحبُّ إلينا، ولو عجَّلَ كفارةَ التفريطِ قبل دخول الرمضان الثاني، ثم لم يَصُمْ حتَّى دخل الثاني لم يُجْزِه ما كفَّر قبلَ وجو به. فإنْ كان عليه عشرون يوماً فلمَّا بَقِيَ لرمضان الثاني عشرة أيامٍ كفر عن عشرين لم يُجزِه منها إلا عشرة، وكذلك لا يُجزئُ المتمتع أَنْ يصومَ عن التمتعِ قبل أنْ يُهِلَّ بالحجِّ. وفي الباب الذي يلي هذا من هذا المعنى.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب، وابن القاسم: ومَن أفطر في سفرٍ أو مرض، فمات قبل يقدَمَ من سفره، أو يفيق من مرضهِ، فلا شيء عليه، وإنْ فرط بعد قدومهِ، أو إفاقته أياماً حتى دخلَ رمضان آخر، ولم يَصُمْ ثم مات فبعددِ تلك الأيامِ يلزمه مُدٌّ لكلِّ يومٍ. وقاله ابن القاسم، عن مالك. قال أشهب: يُجْزِئُهُ مُدٌّ لكلِّ يومٍ بالمدينة ومكَّةَ، وليخرجْ بغيرهما مُدًّا وثُلثاً؛ يريدُ الوسط من شبعِ كل بلدٍ. وابنُ القاسمِ: ولا كفارة عليه مما بقي من الرمضان الأول، وقاله أشهبُ، في المريضِ، ولم يذكر المسافر. قال ابن حبيب: والمرضع إذا أفطرت، وأمكنها القضاءُ ففرَّطَتْ حتَّى دخلَ رمضانُ آخر، فلتُطعِم عن كلِّ يومٍ مُدَّيْنِ، مُدًّا للرضاع، ومُدًّا للتفرقة. ومن "كتاب: أبي الفرج، أنَّه رُوِيَ عن مالك، في مَن فرَّطَ في قضاء رمضان، حتَّى لَزِمَتْهُ الكفارة فلم يُوصِ بها، فلا يلزم ورثته شيءٌ. ورُوِيَ عنه، أنَّه يكونُ في ثلثه، وإنْ لم يوص بها مبداه، والزكاة يبدأُ عليها. والذي ذكر أبو الفرج، من هذه الرواية غيرُ ما عندنا من أصلِ مالكٍ. وقال سحنون، في "كتاب" ابنِهِ، في متعمِّدِ الفِطْرِ في رمضان يُفرِّطُ في القضاءِ أيضاً على رمضان آخر: فإنَّه يقضي ويُكفِّرُ للتعمُّدِ، ويُكفِّرُ للتفريط بمُدٍّ لكلِّ يومٍ.
في من عليه قضاء رمضان، هل يؤخره أو يبدئ عليه غيره أو يفرقه، ومن تعمد الفطر فيه، ومن لم يتعمد
فِي مَنْ عليه قضاء رمضان، هل يؤخره أو يبدئُ عليه غيره أو يفرقه، ومَن تعمَّدَ الفطر فيه، ومَن لم يتعمَّدْ قال ابن حبيب: ومن عليه قضاء رمضان، فلا ينبغي له أَنْ يتطوع بالصوم قبله، وقبل نذرٍ عليه ونرجو أَنْ يكون واسعاً إنْ بدأ بتطوُّعٍ ممَّا يُرَغَّبُ فيه، مثل عاشوراءَ، أو أيامِ العشرِ، ونحو ذلك. قال في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم: (قال مالك): ومن عليه قضاءُ رمضانَ فلا أحبُّ أنْ يصومَ يومَ عاشوراءَ قبلَه، وأرجو أَنْ يكونَ خفيفاً. ولا باسَ أنْ يصومه قضاءً من رمضان. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، عن مالك: ومَن رهقه رمضانُ، وعليه صومُ تَمَتُّعٍ، وقضاءُ رمضانَ، فإنْ كان في الأيام ما يكفي لذلك بدأ بالتمتعِ. وإنْ لم يكن بدا بقضاء رمضان. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: ومَن فرَّطَ في قضاء رمضان فهو في سَعَةٍ ما لم يدخل رمضان آخرُ، أو يَمُتْ. (قبل أَنْ يقضيه). وله تأخيره (وإن أمكنه القضاء إلى ما يكون بينه وبين الرمضان الآخر ما يصوم فيه ما لزمه قبل يدخل الثاني ما لم يمُتْ قبل ذلك، وإن بقي إلى الثاني ايام أقلُّ ممَّا بقيَ عليه، فصامها فليس في سَعَةٍ ممَّا نقصَ من
ذلك، ورُوِيَ نحوُه عن عائشة. وإذا لم يزل مريضاً من ألأول إلى انقضاء الثاني فليبدأْ إذا أفاق بالأول، فإن بدأ بالثاني أجزأه. وإذا كان عليه قضاء رمضانَ، وصيامُ ظِهارٍ، بدأ بأيِّهما شاء إلاَّ أنْ لا يُدركهما قبل رمضان ثانٍ، فليبدأْ بقضاءِ رمضانَ. قال: وليبدأْ بقضاءِ رمضانَ قبلَ نَذْرٍ نَذْرَه قبلَه. قال ابن القاسم، عن مالك: ولا يبدأ بالتطوعِ قبله، ولا قبل النَّذْرِ. قال عنه ابن نافعٍ: وإنْ صام تطوُّعاً فذكرَ أنَّ عليه قضاءً من رمضانَ فليُتمَّ يوم التطوُّعِ، ثم يقضِ ما عليه، وقد أخطأ في تطوُّعهِ قبله. قال أشهبُ: كما لا ينبغي أَنْ يتطوَّعَ بالحجِّ قبل الفريضة، وهو في الصَّلاَة أخفُّ، ما لم يَخَفْ فواتَ وقتها. يريدُ: وأمَّا إنْ ذكر صلاةً قد خرج وقتُها فلْيُبَادِرْ بها. قال ابن القاسم، وأشهب: ومَن عليه نذْرُ شهرٍ بعينه فأفطره، فأحبُّ إلينا قضاؤه مُتتابعاً، ويُجزيه إنْ فرَّقه. وكذلك قضاءُ رمضانَ. قال ابنُ حبيبٍ: التتابُعُ في قضاء رمضان أحبُّ إلى مالك. وقال ابن عمرَ: إنْ أفطرَ متتابعاً فلْيُتابِعْه، وإنْ أفطرَه متفرِّقاً، فله أَنْ يُفرِّقَه. ومن "المَجْمُوعَة" قال مالك، ومَن تسحَّرَ في قضاء رمضانَ في
في متعمد الفطر، في قضاء التطوع، أو في قضاء رمضان، وفي مفسد قضاء الحج
الفجرِ ولا يعلم – قال في "المختصر"" تَسَحَّرَ فيه ولا يعلمُ. قال في "الكتابين": أو ناسياً فله أَنْ يأكلَ فيه، ويقضيَ. والمستحبُّ له أَنْ يتمادى، ويقضيَ. وكذلك ذكر ابن حبيبٍ. قال في "المختصر": وإن كان متطوِّعاً مضَى في صومهن ولا قضاء عليه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: كلُّ ما لم يذكر الله سبحانه فيه التتابع، فإنْ فرَّقَه أجزأه، وبئس ما صنع. قال ابن نافعٍ، في امرأةٍ طال مرضها وعليها رمضانُ، فصامتْ فصَعُبَ، عليها الصومُ يوماً وتُفطِرُ يوماً. قال: نَعَمْ بقدرِ طاقتها. في متعمدِ الفطر، في قضاء التطوُّعِ، أو في قضاء رمضان، وفي مفسدِ قضاء الحجِّ قال يحيى بن يحيى، في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسم: وإذا أفطرَ في التطوُّعِ من غير عُذْرٍ فليقضه، ثم إن أفطرَ في القضاء من غير عُذْرٍ فليقضِ يومين، وإذا أفطر في قضاء رمضانَ، فليقضِ يوماً مكانه، ثم إن أفطرَ في قضاءِ القضاءِ فعليه يومين، وأمَّا مَن أفسدَ حِجَّه فلزمه القضاءُ، فأفسدَ القضاءَ أيضاً. فعليه حجتين وهَدْيَيْن. ورَوَى سحنون، عن ابن وهبٍ أنَّه ليس عليه إلاَّ حجَّةٌ واحدة، وهديين، ورَوَى الأول، عن عيسى، عن ابنِ القاسم. وذكر عن مالك، في إفطاره في قضاء القضاء، أنَّه يقضي يومين. وقال أيضاً ليس ليه إلاَّ يومٌ واحدٌ. ورَوَى سحنون، عن ابنِ القاسم، في موضعٍ آخرَ، أنَّ عليه يومينِ وليس بواجبٍ عليه.
في من أفطر رمضان كله فقضى شهرا أقل عددا من أيامه أو أكثر
في مَن أفطر رمضانَ كُلَّه فقَضى شهراً أقلَّ عدداً من أيَّامِهِ أو أكثرَ (قال أبو محمد): أخبرنا أبو بكر بن محمد، قال: روى ابن وهب، عن مالك، في مَن أفطر رمضانَ كلَّه في سَفَرٍ أو مرض، فكان تسعاً وعشرين، فأخذ في قضائه شهراً، فكان ثلاثين: أنَّه يصومه كله. وإن كان شهرُ القضاءِ تسعةً وعشرينَ، ورمضانُ ثلاثين أجزأه. قال أبو بكر بن محمد، وقال محمد بن عبد الحكم: إنما عليه أَنْ يصومَ عدَّةَ أيامِ التي أفطر. في شهريِ الظهارِ، هل يبدأ فيهما من ذي القعدةِ، أو من شوال من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: يُرجِّحُ مالكٌ في مُبتدئِ صومِ كفَّارة الظِّهار، أو القتلِ، من ذي القعدةِ. وقال: عسى أنْ يُجْزِئُهُ إنْ جَهِلَ، ويبتدئَ أحبُّ إليَّ. قال في "المختصر": ومن عليه صوم شهرين متتابعين، فبدأ بذي القعدة. فإن فعل ذلك متعمِّداً يَعلمُ أنَّه يَمُرُّ بأيامِ النَّحرِ فليبتدئِ الشهرين، وإن نسيَ أو غفل، فإنِ ابتدأهما فهو أحبُّ إلينا وأحوط له. فإنْ أفطر يومَ النحر، وصام أيام التشريق، فإنْ وصل اليوم الذي أفطره
رجوتُ أنْ يُجْزِئُهُ، ويبتدئَ أحبُّ إلينا. قال في "المدونة"، فِي مَنْ صام لظهار فَمَرِضَ، ثمَّ صحَّ في أيام النحر: فلا يصومها وليَصُم الرابع من أيام منًى. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: ولا يبتدئُ من ذي القعدةِ في شهورِ نذرها متتابعات، فإن فعل فليقطَعْ صيامه متى ما استفاق، ويبدأ في وقتٍ لا يُعارضه في صومه ما يجب فطره. فإن كثرت شهور النذر، حتى لا يسلم من ذلك، فليبتدئ فيما يكونُ أقلَّ عليه فيما يُعارضه من هذه الأيام، وليَخُصَّ يوم الفطر والنحر بالاجتهاد في السامة منه. وإن لم يقل في نذره في نذرع متتابعاتٍ، ولا نواها فلا يقطع صيامه إلا أنْ يكون لم يمضِ منه إلا يوم أو يومان، وما ذلك بلازم له وليتمادى، أو يُفطِرْ من الأيام ما نُهِيَ عن صيامه، ويقضيه وغيره مما افطر بعد ذلك؛ لأنَّه ليس عليه تتابعها، ولم يدخل تلك الأيام في نذره، ولو نذر ما لم يقضها؛ لأنَّه نذر معصيةٍ، ولا يجوز أنْ يصومَ بعد ذلك بظهاره شعبان، ثم يصوم رمضان لفرضه، ثم شوال لظهاره، ولو قرن إلى شوالٍ شهراً آخرَ لظهارهِ أجزأه. يريدُ أشهب: (إذا قضى يوم الفطر ووصله بآخرِ صومهِ، قال ابن القاسم وأشهب: ومن صام لظهاره رمضانَ والشهرَ الذي قبله جاهلاً، يريدُ أنْ يقضي رمضانَ بغير ذلك، فلا يُجْزِئُهُ عن ظهاره ولا عن رمضانَ) قال أشهب: وكذلك لو جهل فنوى به لرمضان ولظهاره لم يُجزِه لواحدٍ منهما. قال أشهب: لو صام في آخرِ كفَّارتِهِ يوماً من قضاء رمضانَ، فإنَّه يُبطل ما صام قبلَه لظهاره، وكذلك لو نوى برمضان عن رمضانَ وظهاره. قال ابنُ حبيبٍ: لا ينبغي أَنْ يبتدئَ صومَ ظِهارٍ، أو قتلٍ، أو كفارة رمضانَ، في ذي القعدة، فإنْ فعل أجزأه ويصلُ قضاءَ أيام النحر الثلاثة، وكذلك يُجْزِئُهُ إنْ بدأَ في شعبان فصام رمضانَ لفرضهِ. وشوالاً
في من صام لظهارين فوصلهما، ثم ذكر يوما أو يومين
لكفارته، يريدُ ويقضي يوم الفطرِ ويصله. ولو نوى برمضان فرضه وكفارته لم يُجزه لواحدٍ منهما وهذا في باب تقدَّم. في مَن صام لظهارين فوصلهما، ثم ذكر يوماً أو يومين من "العُتْبِيَّة"، قال سحنون، عن ابن القاسم، في مَن صامَ لظهارين فوصل أربعة أشهر ثم ذكر يومين، لا يدري من أيِّ ظِهارٍ: فليصمْ يومين، ويأتي بشهرين. ومن "كتاب" ابن عبدوس، وابن سحنون، قال عبد الملكِ: إنْ وصلهما، ثم ذكر يومين أفطرهما نِسياناً – قال في "كتاب"، ابن سحنون: أو خطأً، فأقلُّ ما يُجْزِئُهُ يومٌ يصله بالشهرين الآخرين، ثم يأتي بشهرين؛ لأنَّ أكثر ما عليه أنْ يكونَ يوماً من آخر الكفارة الأولى، ويوماً من أول الثانية. ولو افطر ثلاثة أيام متتابعة فليصل الآخرة بيومين، ثم يبتدئ كفارة. ولو وصل ثلاثة كفارات، ثم ذكر يومين متصلين، فليأتِ بيومٍ وكفارتين. قال أبو محمد، وعلى أصل ابن القاسم: يأتي يومين يصلهما بآخر كفارة، ويقضي كفارتين، وكذلك لو كانتا كفارتين صام يومين في آخرهما، ثم صام كفارة. وقولُه أوَّلاً؛ لأنَّه لا ينبغي أنْ يزولَ عن كفارةٍ حتَّى يُصلِحَهَا على ابعد الاحتمال فيها، كما أنَّ مَن ذكر سجدةً لا يدري من أيِّ ركعة، أنَّه لا يدعُ الركعةَ التي هو فيها حتى يُصلحها على إمكان ذلك فيها. وإنْ كان لابد له من أنْ يأتي بركعةٍ، وكان ينبغي على قول عبدِ الملكِ أن لا يسجدَ ويأتي بركعةٍ وهذا إنما هو قول لأشهبَ ذكره عنه البرقيُّ في الصَّلاَة، وليس بالقويِّ.
في من لزمه شهران متتابعان فسافر، هل يفطر، وكيف إن مرض في سفره فأفطر، وكيف إن أفطر في الحضر لمرض، أو نسيان، أو لعذر، أو تعمد الفطر
في مَن لَزِمَه شهران متتابعان فسافر، هل يُفطِر، وكيف إن مرض في سفره فأفطر، وكيف إن أفطر في الحضرِ لمرضٍ، أو نسيانٍ، أو لعذرٍ، أو تعمَّدَ الفِطر من "المَجْمُوعَة": أشهبُ، عن مالكٍ، وهو في "الموطأ: ومن لزمه صوم شهرين متتابعين، في كتاب الله عزَّ وجلَّ، فليس له أنْ يُفطِرَ في السفرِ. قال أشهبُ: فإنْ فعلَ ائتنفَ كلّ ما صام. قال المغيرةُ: بخلاف المرض؛ لأنَّ السفرَ هو أدخله على نفسه. قال مالك، في "المختصر"، مثله. وتقدَّمَ هذا في باب السفر. قال ابن القاسم، عن مالكٍ، في "المَجْمُوعَة" ولو مرضَ في السفرِ فأفطرَ، فإنْ كان مرضاً أهاجه السفرُ فليبتدئْ، وإن كان لغير حرٍّ أو بردٍ فليَبْنِ، ولكني أخاف أنِ السفرَ سببُ ذلك. ومن الأمور أمورٌ مشكلةٌ، وكأنَّه أحبَّ أنْ يبتدئَ، وهو أحبُّ إليَّ. قال ابن القاسم، وابن وهب، وأشهبُ عنه، فِي مَنْ صام شهري التتابع، ثم أفطر لمرض، أو امرأة، تحيضُ، فإنَّه يبني بعد رؤيةِ الطُّهرِ في الحائضِ، وبعد الصحَّةِ في المريضِ متصلاً، ويُجزئُ ذلك وإنْ أخَّرا ذلك عن الاتصال يوماً واحداً. ائتنفا، وكذلك لا يُقطع التتابع للأكل سهواً، أو ظنًّا أنَّ الشمسَ غَرُبَتْ، أو في الفجرِ ولا يعلم. قال ابن القاسم: وكذلك إن تقيَّأ فيه، أو صبَّ أحدٌ الماءَ في حلقه مكرهاً في ذلك. قال أشهبُ: وليمضِ على صيامه في ذلك اليوم، في ذلك كله، فإنْ لم يفعل فليبتدئْ صيامه إلا في المرض والحيضِ، فالفطرُ مُتِّصِلٌ فيهما. قال المغيرة، وعبد الملك: وإن ظنَّ أنَّه أكملَ العِدَّةَ، فبيَّتَ الفطرَ، فأصبح ونيَّتُه الفطرُ فليأتنفِ الشهرين، وهذا عامدٌ بخلاف المفطِرِ
في من نذر صيام أيام بأعيانها فأفطر ناسيا، أو لعذر من مرض، أو لغيره، أو لسفر، وكيف إن أفطر عامدا
ناسياً. قال عبدُ الملك: ولو نسيَ أَنْ يصلَ قضى ما مَرِض فيه بالشهرين، فهو كالعامدِ ويبتديءُ، وإذا أفطر عامداً أبطل ما تقدم من صومه بعد ذلك يُحسبُ له إن بنى عليه فأتمَّ شهرين. في من نذر صيام أيام بأعيانها فأفطرَ ناسياً، أو لعذرٍ من مرضٍ، أو لغيره، أو لسفرٍ، وكيفَ إن أفطرَ عامداً قال ابنُ القاسم في "المدونة"، في ناذر صيام عشرة أيام بأعيانها، أو شهرٍ بعينهِ، فصامَ بعضها، ثم تسحَّرَ في الفجرِ، ولم يعلمْ، أو أكل ناسياً، فليمضِ على صيامه، ويقضِ يوماً مكانه. قال سحنون، في "كتاب" ابنه: لا قضاءَ عليه في ذلك، وهو كما لو مرضها. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ: ومَن نذر صوم شهرٍ بعينه فمرضه، فلا يقضيه، إلا أنْ ينوي أَنْ يجعله كرمضان يقضيه، فليفعلْ. قال عبد الملكِ: إنْ كان شهراً ويوماً يُرْجَى بركته فَنَذَرَهُ فأفطرَ بغلبةٍ، فلا يقضيه. قال المغيرةُ، وأشهبُ: كلُّ ما كان بعينه فلا يقضيه إن مرضه. قال أشهبُ: ولكن استحبُّ له القضاءَ. وكذلك ناذرُ حَجِّ عامٍ بعينه يمنعه فيه مرض، أو سلطانٌ، يريدُ قبلَ أنْ يُحْرِمَ. قال ابنُ القاسم، عن مالكٍ، في ناذرِ صيامِ رمضانَ عامَه بالمدينة، فمرضه، فلا شيء عليه. فإن شُغلَ عن ذلك، فليَصُمْ فيها رمضانَ فابلاً. قال ابن القاسم، وأشهبُ، في مَن نذر صيام هذه العشرة الأيام بأعيانها فتسحَّرَ في الفجرِ في يومٍ منها، ولم يعلم وأكل ناسياً فليقضه. قال أشهبُ:
ويُستحبُّ أَنْ يصِلَه، فإن لم يصله فلا شيء عليه. ولو تعمَّدَ الأكل، في بقية ذلك اليوم لم يأتنفِ الصيامَ، وكذلك لو أفطر يوماً فإنَّمَا عليه قضاءُ يومٍ. ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهبُ: ومَن قال: لله عليَّ صومُ غَدٍ، فأفطرَه عامداً فليقضه، ولا كفارة عليه. ومن "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسم، فِي مَنْ حلف بالله، أو بطلاقٍ، لَيَصُومنَّ غداً، فأفطر ناسياً، فلا شيء عليه. قال المغيرةُ: وإذا نذرَ شهراً بعينه فصام أوَّلَه، ثم مرضَ، صمَّ صحَّ في بقيَّةٍ منه، فليس عليه إلا صومُ ما بقي منه. وإن تركَ عشرةَ أيَّامٍ من أوَّلِهِ بغيرِ عُذْرٍ. ثم مَرِضَ باقيه، فليقضِ الشهر كلَّه. ولو ترك عشرة أيامٍ من أوله، ثم نذر فابتدأَ صومَ باقيه فصام يوماً، ثم مرض بقيته فليس عليه إلا قضاء العشرة الأولى التي ترك تفريطاً. ولو ترك الشهر كله ناسياً كان عليه قضاؤه، وقد ذكرنا قول سحنون، في هذا الأصل. قال المغيرةُ، في أصل "كتابه": لو افطرَ عشرة أيامٍ من أوَّلِهِ من غير عُذْرٍ، صام باقيه، أضاف إليه العشرة التي أفطرَ وأجزأه. ولو صام أوله، وأفطر عشرة أيامٍ من آخره، ائتنف شهراً ولم يُجزه أَنْ يبني. قال: لأنَّه شرطَ شهراً متتابعاً فلا يُجزيه تفريقه. وعليه أنْ يبتدئَ ثلاثين
في من نذر أن يصوم شهرا، أو عاما، بغير عينه، فبدأ في بعض الشهر، أو في أوله، وهل له أن يفرقه، وهل عليه قضاؤها في ذلك مما لا يصام، والعام بعينه، أو بغير عينه
يوماً متتابعةً، إلا أَنْ يكون الشهرُ الذي نذر كان تسعاً وعشرين يوماً فليس عليه إلا عدة أيامه. ومن "العُتْبِيَّة" روى أبو زيدٍ عن ابنِ القاسمِ في مَن نذرَ إن شفاه الله أَنْ يصومَ شوَّالاً، فأفاق في نصفه؛ فليس عليه إلا صيام باقيه. في مَن نذرَ أنْ يصومَ شهراً، أو عاماً، بغيرِ عينه، فبدأ في بعض الشهر، أو في أوَّلِهِ، وهل له أنْ يُفرِّقَه، وهل عليه قضاؤها في ذلك مما لا يُصام، والعامُ بعينه، أو بغير عينه من "المَجْمُوعَة"، روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في مَن نَذَرَ صوم شهر بغير عينه، فله أنْ يبدأَ في الهلالِ فيُجزئَه، بلغَ الهلالُ ثلاثين يوماً، أو تسعةً وعشرين، فإنْ بدأَ دونَ الهلالِ أكملَ ثلاثين يوماً. قال أشهبُ: وكذلك إذا فرَّقَ. قال ابن حبيبٍ: ولو أخذ فيه من أوله ثم قَطَعَه. ومن "المَجْمُوعَة" قال ابنُ القاسم، عن مالكِ: وكذلك ناذِرُ شهرين غير معينين، ولا متتابعين، فإنْ شاء للأهلَّةِ أجزأه، وإن فرَّقهما فستُّونَ يوماً، وغ، بدأ في بعض شهرٍ، وتمادى فيهما فيصير للأهلَّةِ شهرٌ، ويبني على الأيام التي قبله تمام ثلاثين يوماً. وكذلك في ناذر شهرين متتابعين يبدأ في بعض شهرٍ. وكذبك المُعْتَدَّةُ، يموتُ زوجُهَا في بعض الشهر، فَتَعْتَدُّ تلك الأيام، ثم ثلاثة أشهرٍ بالأهلَّةِ، ثم تكمل على الأيام الأولى تمام الثلاثين يوماً،
وعشرة أيامٍ. وقاله أشهبُ، وعبد الملك، في الصومِ. قال عبد الملك: ومن نذر صيام ستين يوماً، فليس له في نقص الأشهرِ تخفيفُ صيام للأهلَّةِ، أو لغيرها. قال ابنُ حبيبٍ، قال ابنُ الماجشون، في ناذر شهرٍ بغيرِ عينهِ: إنْ بدأ في نصف الشهر، فليُكْمِلْ ثلاثين يوماً على ما صام منه كان ناقصاً، أو تامًّا. قال ابنُ الماجشون: وقيل: إنَّ النصفَ الأولَ، وإنْ كان أربعة عشرَ يوماً فليعتدَّ به نصفاً، ويُتبعه خمسةَ عشرَ يوماً. والأول أحبُّ إلينا. وذكر ذلك ابن سحنون، عنه، وقال: في القول الذي أعابَ. وكذلك إنْ حلفَ ليُكَلِّمَنَّ فلناً قبل أَنْ يمضي نصف الشهر فكلَّمَه يوم خمسة عشرَ، بعد العصر، ثم نقصَ الشهر يوماً، أنَّه لا يحنَثُ؛ لأنَّ العملَ في النصف الأول على خمسة عشرَ، لا على أربعة عشر ونصف في نقصه وبعضه، فكذلك لا يكون الأربعة عشر نصفاً من الناقص. ومن "المختصر": وإذا لزمه شهران غيرُ مُعيَّنَيْن فبدأ من رأسِ الهلالِ، ثم مرضَ، أو كانت امرأة فحاضتْ، فإنَّمَا تَتِمُّ على عددِ الشهرِ كان تسعةَ وعشري أو ثلاثين. ومن "المَجْمُوعَة": واختلف قولُ مالكٍ في ناذر سنةٍ بعينها، هل يقضي
ما لا يُصام منها. وقال أشهبُ: أحَبُّ إليَّ أنْ يقضيَ، إن كانت بعينها، أو نواها تِباعاً، وما ذلك عليه بواجبٍ؛ لأنَّه لو نذرَ صيامَ يومِ الفطرِ، وأيام النحرِ، فقد نذر معصيةً، فكذلك ناذر شهور فيها ذلك، إلا اليوم الرابع من أيام التشريق فليفطره، ويقضه أحبُّ إليَّ، وليس بواجبٍ، ولا قضاءَ عليه فيما مرض في شهرٍ بعينه. ورَوَى ابن القاسم، عن مالكٍ أنَّه: يصوم اليومَ الرابعَ أيامَ النحرِ، ويومَ الفطرِ إلاَّ أنْ ينويَ إلا يقضيها. قال عنه ابن وهبٍ: إنْ نذرَ سنةً، فإن نوى التي هو فيها فلا يقضي رمضان، ولا ما لا يُصامُ، وإنْ نوى سنةً سِوَى رمضان، فهو كما أراد. وإن لم ينوِ له نية فليصُمَ اثنى عشر شهراً ليس فيها رمضانُ، ولا ما لا يُصامُ من الأيام. قال مالكٌ، في "المختصر": إن نذر سنة بغير عينها، فليقضِ رمضانَ، ويُفطِرْ يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام مِنًى الثلاثة ويقضها. قال ابنُ حبيبٍ: لأنَّ السنة بغير عينها فكأنه لم ينذر الرابع بعينه، فلذلك أمرَ أنْ يُفطِرَه، ويقضيه. قال: ولو كانت بعينها لم يكن عليه قضاءٌ، لما فيه من مرضٍ، أو حيضٍ في المرأةِ، ولا رمضانَ، ولا ليومِ الفطرِ وأيام النحر الثلاثة، وأمَّا اليومُ الرابع فيصومه؛ لأنَّه يلزم من نذره، أو نذر ذا الحجة، أو سنة بعينها، ولا يصومه متطوِّعٌ، ولا يقضي فيه صومٌ. قال ابنُ حبيبٍ: ومَن نّرَ صومَ سنةٍ بغير عينها، أو شهرٍ غير معيَّنٍ أو أيامٍ، فابنُ كنانةَ يقولُ: يتابعها حتى ينويَ التفرقة، وابن القاسم يجيز له التفرقة في ذلك كله حتى ينويَ التتابع. وابن الماجشونُ يوجبُ في الشهر والسنةِ أو جزءٍ من شهرٍ أَنْ يتابع حتى ينويَ التفرقة، وأما أياماً، فله أَنْ يُفرِّقَها
في من نذر صوم يوم، يقدم فيه فلان، أو يوم يقدم هو، أو نذر صيام يوم بعينه فأنسيه، أو نذر أن يصوم هذا اليوم شهرا، أو قال: هذا الشهر يوما
حتى ينوي التفرقة، وأما أياما، فله أَنْ يُفرِّقَهَا حتَّى ينويَ المتابعُ. وهذا قول ابن شهاب، وبه أقولُ. (قال ابن الماجشون): وناذر صيام سنةٍ بغيرِ عينها عليه أنْ يُتابعَن ويصلَ صيامه بقضاء رمضانَ منها، ويوم الفطر، وأيام الأضحى الأربعة؛ لنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن صيامها، فإنْ أفطر يوماً واحداً قبلَ أَنْ يصلَ ذلك بالسنة، ابتدأ السنة، وكذلك قضاه لما افطر بمرضٍ، وإنما أمر بفطر اليوم الرابع، ويقضيه؛ لأنها سنة بغير عينها، ولو كانت بعينها لم يُفطره. وكذلك في "المختصر". في من نذر صوم يومٍ، يقدم فيه فلانٌ، أو يوم يقدم هو، أو نذر صيام يومٍ بعينه فأُنسيه، أو نذر أَنْ يصومَ هذا اليوم شهراً، أو قال: هذا اليوم شهراً من "المَجْمُوعَة"، من نذر صيام اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم فلان ليلاً، فليصُم صبيحة ليلته. قاله ابنُ القاسم، وأشهبُ، وعبدُ الملكِ. وإن قدمَ نهاراً ولم يعلمْ، فابنُ القاسمِ يقولُ: لا شيء عليه. وقال أشهبُ، وعبد الملكِ: يقضيهِ. قال أشهبُ: ولو كان قد بيَّتَ صومَه تطوُّعاً، أو لقضاء رمضانَ، أو لغيره، فلا يُجْزِئُهُ لنذره، ولا لما صامه له. قال ابنُ
الماجشون: ولو علمَ أنَّه يدخل أول النهار، فبيَّتَ الصومَ لم يُجزه؛ لأنَّه صامَه قبل وجو به. قال عنه ابن حبيبٍ: وليصم اليوم الذي يليه. وقال أشهبُ، وأصبغُ. وقال ابن القاسمِ: إنْ مرضه، أو قدم نهاراً، فلا شيء عليه. وبالأول أقول. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولو قَدِمَ فلانٌ ليلة الفطر، أو يومه، فلا قضاء عليه، ولا صومَ كناذرِ صومِ غَدٍ، فكان يوم الأضحى، وهو يعلم، أو لا يعلم. وإن نذر صيام يوم قدومه أبداً لزمه، إلا أنْ يُوافق يوماً لا يحل صيامه فلا يصومه، ولا يقضيه. ولو قدم ليلة الاثنين، وهي ليلة الفطر، فلا يصوم صبيحتها ولا كل اثنين يوافق ما لا يحل صيامه فيما يُستقبلُ، ولا يقضيه. وكذلك روى ابنُ القاسمِ، وابنُ وهبٍ، عن مالكٍ. قال: ولا يقضي ما مرض فيه من ذلك إلا أنْ ينويَ قضاءه، وقضاء ما يلزمه فطره، فيلزمه ذلك. وقال ابن وهبٍ: قال مالكٌ، حين سأتله عن هذا: أخسر الناسِ مَن باع دِينه بدُنْياه، وأخسرُ منه مَن باع دينه بدُنيا غيره. قال مالكٌ: فلا تحمل لأحدٍ منه على ظهرك. قال ابنُ حبيبٍ: ومن نذر صوم يومٍ يقدمُ فيه بلد كذا، فقدم نهاراً فليقضِ. وإن قدم ليلاً فليصبح صائماً، ولو مرض فيه، أو كان مريضاً، فليقضه؛ لأنَّه لم يقصد إلى تعيين اليوم، إنما قصدَ أنْ يصومَ شكراً وقد نوى تعجيله فليصمه في أول ما يصحُّ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنون: قال ابن القاسمِ: ومن نذر
جامع بقية مسائل النذور في الصوم
صيامَ يومِ يقدم فلان أبداً، فقدم في يوم، فنسيه، فليصم آخر يومٍ من الجمعة وأولها السبت. قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن نذر صوم يومٍ بعينه، فنسيه، فقال: يصوم يوماً أيَّ يومٍ شاء، قال: يصوم آخر يومٍ من الجمعة، كأنَّه قضَى له أنْ يقدمَ، ثم رجعَ، فقال: يصوم أيام الجمعة كلها. ولو نذر أَنْ يصومه أبداً فنسيه فليصم الدهر كله. قال: ومن قال لله علي أن أصوم هذا الشهر يوماً، فعليه أَنْ يصوم يوما منه واحداً، وإن نذر أَنْ يصوم هذا اليوم شهراً، فليصم مثل ذلك اليوم ثلاثين يوماً. جامع بقية مسائل النذور في الصوم من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: ومن نذر صوم غدٍ، فكان يوم فطرٍ، أو أضحى وهو يعلم، أو لا يعلمُ، فلا شيء عليه. قال أشهبُ: وكذلك المرأة تنذر صيام أيام حيضتها، إلا أن تعني مثلها، أو مثل عددها، فلا تقضي. قال أشهبُ: ومَن نذر صوم غدٍ فأفطره عامداً، فليقضه. ولا كفارة عليه. ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهبَ، ومن نذر إن خلَّصه الله من كذا أَنْ يصوم الاثنين والخميس أبداً، فسافر فيهما، قال: ذلك على نيته، فإن لم ينوِ شيئاً فليصمهما في السفرِ، فإن شقَّ عليه أفطر وقضاهما. وعن امرأة نذرت يوماً تصومه أبداً، ثم نذرت صيام سنةٍ، فلا قضاء
عليها لذلك اليوم، إذا قضت السنة. قال عيسى، عن ابن القاسم، فِي مَنْ نذر في سفره صيام خمسة أيامٍ في أهله إنْ شفاه الله فقدم فلم يصم، ثم سافر، فليصمهما في السفر ويُجزئه. قال: ومن قال: لله عليَّ صيامُ هذه السنة، وهي سنة وثمانين، وقد مضى نصفها، قال: عليه صيام اثني عشر شهراً. ومن "الواضحة"، قال ابن الماجشون: ومن نذر صيام الدهر، فأفطر يوماً ناسياً، فلا شيء عليه، وإنْ أفطره عامداً فعليه كفارة من افطر يوما من رمضان أو لا يجد له قضاءً. وقال سحنون في "كتاب" ابنهِ: كفارته إطعام مسكينٍ. قال سحنون: وإن لزمته كفارة يمينٍ بالصومِ، فليصم ثلاثة ايامٍ عن يمينه، ويطعم عن كلِّ يومٍ مُدًّا. قال ابنُ حبيبٍ: ومن نذر صيام الدهر، أو نذر صيام الاثنين والخميس، ثم لزمه صوم شهرين لظهاره، فليصمهما لظهاره، ولا شيء عليه لما نذر من صيام الدهر، أو من الأيام المُسمَّاةِ. قاله مالكٌ. وعلى قولِ سحنون، يُطْعِمُ عدَّة ما صام لكلِّ يومٍ مُدًّا، وهو أدنى الكفارة في الصوم، كفارة التفريط، ومسألة من نذر إن رزقه الله كذا ليصومنَّ ثلاثة أيامٍ، فَرُزِقَ أقلَّ من ذلك، فصام قبل تمام ذلك. في كتاب الأيمان والنذور. ومن سماع ابن القاسم، ومن نذر صياماً بمكَّة، أو بالمدينة، أو شيءٍ من الثغورِ يُرْجَى بركته، لزمه ذلك. وإن نذر أَنْ يصوم بالعراق ونحوها، صامَ بموضعه.
في الصائم متطوعا، هل يفطر لقسم، أو لرضاء أبويه، أو يختار الفطر ليقضيه، هل له ذلك؟ أو لسفر، أو لغيره، وجامع الفطر في التطوع
في الصائم متطوعاً، هل يفطر لقسمٍ، أو لرضاء أبويه، أو يختار الفطر ليقضيه، هل له ذلك؟ أو لسفرٍ، أو لغيره، وجامع الفطر في التطوُّعِ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهبُ، عن مالكٍ: لا ينبغي لمن دخل في صومٍ أو غيره من أعمال البرِّ، أَنْ يقطعه حتى يُتمَّه، إلا لضرورة تلحقه كما يفعل في الفرض. قال عنه أشهب، وابن نافع: وإن زاره أهله فعزموا عليه أَنْ يفطرَ، فلا يفعل. قال عنه ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة": إنَّ حسين بنَ رستم حضرَ صنيعاً عند رجلٍ له شرفٌ، فأراده على الفطر، وألحَّ عليه، وصيامه تطوُّعٌ، فأبى، وقال: أكره أن أُخْلِفَ الله ما وعدته. ومن "الواضحة" قال: وقد قال ابنُ عمر: ذلك الذي يلعبُ بصومهِ. وهو كلّه في "كتاب" ابنِ حبيبٍ. قال ابن حبيبٍ: قال مطرِّفٌ: وإنْ حَلَفَ عليه رجلٌ بالطلاقِ، أو العتقِ، والمشي، وشبهه فليحنثه، ولا يفطر، إلا أنْ يكون لذلك وجهٌ، وليحنثه، في اليمين بالله، وإن حلف هو ليفطرنَّ، كفَّرَ، إلاَّ في أبويه يعزمان عليه على فطرهِ، فأحبُّ إليَّ أنْ يطيعهما، وإن لم يحلفا إذا كان رِقَّةً منهما لإدامة صومه هذا.
قال مالك: فِي مَنْ يكثر الصوم، أو يسرده، فأمرته أمُّه بالفطر فليطعها. وقد فعله رجال من أهل الفضل. ومن "المَجْمُوعَة"، ابن القاسم، عن مالك: وإنْ سافرَ في صومِ التطوُّعِ فأفطرَ، أو تطوَّعَ به في السفرِ فأفطرَ، فليقضِ، إلا أنْ يُلجئه إلى ذلك حرٌّ، أو عطشٌ، أو مرضٌ، فلا يقضي. قال مالك، في المختصر، فِي مَنْ تطوَّعَ في السفرِ، ثم أفطر متعمداً فليس قضاؤه بواجبٍ عليه كما هو في الحضر – يريدُ، وأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ – قال: ولو أصبح في الحضر صائماً، ثم سافر فأفطرَ، فليس قضاؤه بالواجب. وفي "كتاب" ابن حبيبٍ، عن مالكٍ، إنْ تطوَّعَ في السفرِ، ثم افطرَ من غير عذرٍ، فلا قضاء عليه. وأما في الحضر، أو يسافر بعد أنْ يُصبح فأفطر لغير عذر فليقضِ. ومن "المَجْمُوعَة"، ابن نافع، عن مالكٍ، في المفطر متعمداً في التطوُّعِ بأكلٍ أو وطءٍ، فليس لكفِّه عن الطعامِ بعد ذلك وجهٌ، وقد أساءَ؛ يريدُ، ويقضي. قال أشهب: وإذا سافر في التطوع فأخذه حَرٌّ، أو عطشٌ، ولم يخف منه على نفسه، فأفطر فليقضِ، إلا أَنْ يخافَ فيه، فلا يقضي.
في صيام العبد تطوعا بغير إذن سيده، أو الحر بغير إذن أبويه، وصيام المرأة بغير إذن الزوج، مسلمة أو نصرانية
في صيام العبد تطوعاً بغير إذن سيده، أو الحُرِّ بغير إذن أبويه، وصيام المرأة بغير إذن الزوج، مسلمةً أو نصرانيَّةً قال ابن حبيبٍ: وإذا علمت الزوجة، والسريَّةُ، وأم الولد حاجة الرجلِ إليها فلا تصوم إلا بإذنه، فإن أذنَ فلا يقربها حتى تفطر، وإن كان غائباً أو مُسِنًّا لا ينشطُن فلا أذن له عليها. وأما الأَمةُ للخدمة غير أمِّ الولدِ والسُّرِّيَّةِ، فلا إذن عليهن إلا أنْ يَضْعُفْنَ عن الخدمةِ فيستأذنه حضرَ أو غابَ. وكذلك ذكورُ العبيدِ إلا في قضاءِ رمضانَ فلا إذن على جميع من ذكرنا فيه وإن أُضعفَ جميعهم. ومن "المَجْمُوعَة" ذكر غيرُ واحدٍ من أصحاب مالكٍ، عن مالكٍ نحوَ ذلك. وقال أشهبُ: لا تصوم الزوجة إلا بإذن الزوجِ، والمملوكُ بإذنِ السيِّدِ، وإن صاما فلا يجوز لهما الفطر إلى الليل – يريد إلا أَنْ يُكرههما. قال ابن وهب، عن مالكٍ، في الرجل تأمره أمُّه بالفطر: فإن كان ممن يسرد الصيام أو يكثر منه، فليطعْهَا. وقد فعل ذلك رجالٌ من أهلِ الفضلِ بأمِّهاتهم. وقد تقدم هذا في باب الصيام تطوُّعاً. ومن "العُتْبِيَّة" قال أصبغ، عن ابن القاسم: ولا يُكره المسلم زوجته النصرانية على الفطرِ في صومها الذي هو من دينها وشريعتها، ولا على أكل ما يجتنبون في صومٍ أو غيره، قال أصبغُ: ولا عليه منعُها
في صيام أيام منى، ويوم عرفة، وعاشوراء، والأيام البيض
إياه، ولا له أنْ يمنعَهَا من ذلك كَرْهاً، وتلا: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. في صيام أيام منًى، ويوم عرفةَ، وعاشوراءَ والأيام البيضِ من "المَجْمُوعَة" روى عدد من اصحابِ مالكٍ، أنَّه لا يصوم يومَ الفطرِ ويوم النحر أحدٌ. وأما اليومان بعد يوم النحر فإنما يصومهما المتمتع. وقد رويَ عنه في "المختصر"، في مبتدئِ صومِ الظِّهَارِ من ذي القعدة – نَسِيَ أو عقل – فأفطر يوم النحر، وصام أيام منًى، ووصل قضاءَ يوم النحرِ بصيامهِ: رجوتُ أنْ يُجْزِئُهُ، ويبتدئُ أحبُّ إليَّ. قال عنه غيرُ واحدٍ: إنَّ اليومَ الرابعَ لم يختلف قولُه فيه انَّه يصومه من نذره، وأن يَصِلَ فيه صياماً واجباً، ولا يبتدئَ فيه، ولا يُصام تطوُّعاً. قال ابن حبيبٍ: اليومُ الرابعُ من أيام منًى لا يصومه متطوِّعٌ، ولا يقضي فيه نرٌ. ويصومه مَن نذره، أو نذر ذا الحجة. وقال أشهبُ: وإنْ صام يوماً من أيام منًى متطوِّعاً أو يقضي به واجباً، فليفطر متى ما ذكر من نهاره، وإن أتمَّه لم يُجزه عن واجبٍ. قال عنه ابن نافع: أحبُّ إليَّ أنْ لا يُصامَ أيامَ منًى في الفديةِ. وما سمعت ذلك إلا في المتمتع. قال ابن وهب: وفطرُ يومِ عرَفَةَ للحاجِّ أحبُّ إلينا؛ لأنَّه أقوى له. قال أشهبُ: ولا شكَّ أنَّه يُرْجَى في صيامه لغيرِ الحاجِّ ما لا يُرْجَى في صيام غيره،
وفطره للحاجِّ أحبُّ إلينا؛ لئلا يَضْعُفَ عن الدعاءِ، وقد افطره النبي صلى الله عليه وسلم في الحجِّ. قال أشهبُ: وصيام يوم عاشوراءَ مستحبٌّ، لما يُرْجَى من ثواب ذلك وليس بواجب. ومن "العُتْبِيَّة"، و "المَجْمُوعَة"، ابن القاسم: سئل مالكٌ عن صيام الأيام الغرِّ يوم ثلاثة عشرَ، وأربعة عشرَ، وخمسة عشرَ، قال: ما هذا ببلدنا، وكره تعمُّدَ صومها، وقال: الأيام كلها لله عزَّ وجلَّ. وكَرِهَ أنْ يجعلَ على نفسه صومَ يومٍ يُؤَقِّتُه أو شهرٍ. قال عنه ابن وهبٍ: وإنَّه لعظيمٌ أنْ يجعلَ على نفسه شيئاً كالفرضِ ولكن يصوم إذا شاءَ، ويُفطِرُ إذا شاء. قال ابن حبيبٍ: رُوِيَ أنَّ صيام الأيام البيضِ صيامُ الدهر، وكذلك في صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهرٍ، يوم أول يومٍ منه، ويوم عشرة، ويوم عشرين. وبلغني أنَّ هذا صوم مالك بن أنس.
جامع في صيام الأيام، والدهر، والوصال، وسرد الصيام، وهل يصوم أحد عن أحد
جامعٌ في صيام الأيام، والدهر، والوصال، وسرد الصيام، وهل يصوم أحدٌ عن أحدٍ ومن "المَجْمُوعَة" قال جماعة، عن مالكٍ، من أصحابه: ولا بأسَ أنْ يُصَامَ يوم السبتِ. وأعظم أَنْ يقالَ يوماً لا يصام فيه، ولا يحتجم. وأنكر ما ذكر فيه. وقال: لا بأس أَنْ يصام يوم الجمعة مفرداً. وقاله في "المختصر" في اليومين. قال ابن حبيبٍ: وقد رغب في صيام يومِ الجمعة، وجاء أنَّه شاهدٌ، وأنَّ المشهودَ يوم عرفة. قال مالك: ورأيتُ بعضَ العلماء يصومُ يوم الجمعة، وأراه كان يتحراه وما سمعت مَن ينكر صيامه منفرداً، ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين، والخميس، وما استكملَ شهراً إلا رمضانَ. ورُوِيَ أنَّ الأعمال تُعرضُ في الاثنين والخميس، وأنَّ مريمَ بنتَ عمرانَ كانت
تصومهما. قال ابن القاسم، وأشهبُ، وابنُ وهبٍ، عن مالكٍ، في "المَجْمُوعَة": وَلا بَأْسَ بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام منًى. قال مالكٌ: وقد سردَ الصيام قومٌ صالحون من الصحابة، والتابعين، وسرد ابن المسيَّبِ، وكان (عامر بنُ عبد الله بن الزبير) يواصلُ ليلة سبعٍ، وليلةَ سبعَ عشرةَ وليلةَ سبعٍ وعشرين من رمضان. قال ابن حبيبٍ: صيام الدهر حَسَنٌ لمن قوي عليه، وإنما نُهِيَ عنه إذا صام فيه ما نهي عن صيامه، قالته عائشة رضي الله عنها. وكان نُوحٌ عليه السلام يصوم الدهر، وسرد الصيام صالحون من السلف منهم عمرُ، وعثمان، وعائشة، وغيرهم، وكثيرٌ من التابعين، وهو صوم عيسى ابن مريم عليه السلام، وكان داود النبي عليه السلام يصوم يوماً ويفطِرُ يوماً، وهو أحبُّ الصيام إلى الله سبحانه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يُقالَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ حتى يُقالَ: لا يصومُ.
ومن "المَجْمُوعَة" قال مالك: وترك الوصال أحب إليَّ، وةقد رغَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ونُهِيَ عن الوصال. وكره مالك الوصال من السحر إلى السحرِ، وقال في "المختصر": ومن الليل إلى الليل. وقال في "المَجْمُوعَة": أيصوم بليلٍ؟ وأنكر حديث ابنِ الهاد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرخصَ فيه – يريد في الوصال. قال أشهبُ: ومَن أخذ في صيام أيامٍ عليه فأجمعَ على وصالها، فليدعْ ذلك، ويقطعه بأكلٍ أو شربٍ متى ما استفاق لذلك من الليل، فإنْ أتمَّهَا بالوصال أجزأه وقد أساء.
ذكر بعض ما روي في فضل يوم رمضان، وقيامه، والنفقة فيه
قال مالكٌ في الموطَّأ وغيره: ولم أسمع عن احدٍ من صاحب وتابعٍ أنَّه قالَ: يصومُ أحدٌ عن أحد] ، ويُصلِّي عنه. قال أشهبُ: في واجبٍ أو تطوُّعٍ. وكذلك عمل البدنِ كله بخلاف الأموال. ذِكر بعض ما رُوي في فضل صوم رمضان، وقيامه، والنفقة فيه من "الواضحة"، رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في رمضان: «مَنْ صَامَهُ وقَامه احْتِسَاباً وَجَبَتْ لَه الجَنَّةُ». وفي رواية مالكٍ: «مَنْ قامه إِيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَه مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ». وفي حديثِ آخرَ؛ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: «شهرُ خيرٍ وبركةٍ يَغْشَاكُم اللهُ فيه بالرحمةِ، ويَحُطُّ فيه الخطايا ويَسْتَحِبُّ فيه الدُّعَاءَ، ويَنْظُرُ اللهُ إلى تَنَافُسِكُم، ويباهِي بكمُ الملائِكَةَ، فأَروا الله مِن أنفسِكُم خيراً، فإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فيه رَحْمَةَ اللهِ». ورُوي أنَّ: النفقة
في الترغيب في صيام العشر، وعاشوراء، ويوم عرفة، ويوم منى، ويوم التروية، وأشهر الحرم، وشعبان، وشوال وإتباع رمضان بستة أيام منه
فيه كالنفقة في سبيل الله، وأنَّ لله في كلِّ ليلةٍ خمسمائة ألفِ عتيقٍ من النار إلا مُفطراً على حرامٍ أو مُسكرٍ أو أذى مسلم. في الترغيب في صيام العشر، وعاشوراء، ويوم عرفة، ويوم منًى، ويوم التروية، وأشهر الحرم، وشعبان، وشوال، واتباع رمضان بستة أيام منه ومن "الواضحة" ومما رُوي من الترغيب في صيام العشر، ويوم التروية، ويوم عرفة، أنَّ صيام يومٍ من العشر كصيام شهرين من غيره، وأنَّ صيام يوم التروية كصيام سنةٍ، وصيام عرفة كصيام سنتين، وأنَّ العملَ في العشر أفضل من سائر السنة. وقيل: إنَّ يوم
عرفة اليوم المشهود. وما رُوي من تجاوز الله فيه عن العبادِ، وفِطْره للحاجِّ أفضلُ، ليقْوَى على الدعاء، قاله عمر بن الخطاب، وأفطره النبي صلى الله عليه وسلم في الحجِّ. وصيامُ عاشوراء مُرغَّبٌ فيه، وليس بلازمٍ، ويُقال: إنَّ فيه تِيب على آدم عليه السلامُ، وفيه اسْتوتْ سفينةُ نُوحٍ عليه السلامُ على الجُودِيِّ. وفيه فلق الله البحرَ لموسى عليه السلامُ، واغرقَ فرعون وقومه، وفيه وُلِدَ عيسى ابنُ مريم عليه السلامُ، وفيه خرجَ يُونسُ عليه السلامُ من بطنِ الحُوتِ، وفيه خرج يوسف عليه السلام من الجُبِّ، وفيه تاب الله عزَّ وجلَّ على قومِ يونسَ، وفيه تُكسَى الكعبةُ كلَّ عامٍ، وقد خُصَّ بشيءٍ أنَّ مَن لم يُبَيِّتْ صومَه حتى أصبح أنَّ له أنْ يصومه، أو باقيه إنْ أكل. رُويَ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهن غير واحدٍ من السلفِ، منهم ابن سيرينَ، وسعيدُ ابنُ جُبيرٍ، وكان ابنُ عباسٍ يوالي صومَ اليومين؛ خوفاً أنْ يفوته، وكان يصومه السفر. وفعله ابنُ شهابٍ، وجاءَ في الترغيب فيه، في النفقة فيه على العيال، ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صامَ أشهرَ الحرمِ، وهي: المحرمُ ورجبٌ، وذو القعدة، وذو الحِجَّةِ. فهذا عددها من سنةٍ واحدةٍ وهو أولَى أَنْ يُعدَّ من عامين لقولِ الله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. فقد خصَّهَا وفضَّلَهَا، ويُقال: تُضَعَّفُ فيها السيئاتُ كما تُضَعَّفُ الحسناتُ، وقد جاءَ
الترغيبُ أيَاً في صيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر منها، فأعظم منها بأعظمَ ممَّا في باقيه. فيومُ سبعةٍ وعشرين من رجبٍ فيه بعثَ الله محمداً صلى الله عليه وسلم. ويوم خمسةٍ وعشرين من ذي القعدة أُنزلتِ الكعبةُ على آدمَ عليه السلامُ، ومعها الرحمةُ واليومُ الثالثُ من المُحرَّمِ دَعَا زكريا ربَّه فاستجابَ له. وفي أول يومٍ من عشر ذي الحجة وُلِدَ إبراهيم عليه السلامُ. وقد رُغِّبَ في صيام شعبان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومُ فيه أكثرَ من غيره. وقيلَ: فيه ترفع العمال، ورغَّبَ في صيام يوم نصفهِ، وقيام تلك الليلة، ورُوِيَ في صيام شوالٍ فضائل، وجاء في مَن أتبعَ رمضانَ بستَّةِ أيام من شوَّالٍ كان كصيام الدهر، أو صيام سنةٍ. قال مُطرِّفٌ: وإنَّمَا كره مالكٌ صيامها لئلا يُلحقَ أهلُ الجهلِ ذلك
جامع في فضل الصيام، وإخفائه، وما ينبغي من صون اللسان فيه، ومن فطر صائما
برمضانَ. وأما من رغبَ في ذلك لما جاء فيه، فلم يَنْهَه. وقد كره ابنُ عباسٍ صومَ رجبٍ كله خيفةَ أنْ يرى جاهلٌ أنَّه مفترضٌ، ورُوِيَ أنَّ النبي عليه السلامُ امرَ بفطرِ نصفِ شعبانَ الآخرِ. جامعٌ في فضلِ الصيامِ، وإخفائهِ، وما ينبغي من صون اللسان فيه، ومَن فطَّرَ صائماً تمن "الواضحة": رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيامُ بابُ العبادةِ، وإنَّه جُنَّةٌ من النَّارِ، وإنَّ في الجَنَّةِ باباً يُقالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصائمُونَ، وخَلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المسكِ». والصبرُ هو
الصومُ في قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}. ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال، في قول الله تعالى: {السَّائِحُونَ}. قال: {الصائمون}. قال ابنُ حبيبٍ: وبيان ذلك أنَّ الله تعالى إذا ذكرَ السائحين في القرآن لم يذكر الصائمين، وإذا ذكر الصائمين لم يذكر الصائحين. وقال أبو هريرة: مَن فطرَ صائماً كان له مثل أجرهِ. ولا بأسَ أنْ يقولَ الرجلُ: إني صائمٌ. معتذراً، ولا يقوله مُحدِّثاً به متزيناً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال: ما أفطرت منذ كذا. قالَ: "ما صمتَ، ولا فطرتَ". وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن يُفطِرُ أنْ يُفطرَ على تمرٍ، فإنَّه بركةٌ، أو على الماءِ فإنَّه طَهُورٌ".
ورُوِيَ أنه، قال عليه الصَّلاَة والسلامُ: «مَن لم يَدَعْ – في صيامه – قولَ الزُّورِ والعملَ به، فليس لله حاجةٌ أنْ يَدَعَ طعامَه وشرابه». وينبغي أنْ يُنزِّهَ صومَه عن الرَّفثِ، واللَّغْوِ، والخَنَا، والإفْكِ، والمُنازعةِ، والمِرَاءِ. قال مجاهد: مَن سلِمَ صومُه من الغيبةِ، والكذبِ، سَلِمَ صومُه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «وإنِ امرؤٌ قاتَلَه أوْ شاتمَه فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ». قال غيرُ ابنِ حبيبٍ: يقولُ لنفسهِ: إنِّي صائمٌ. يُصَبِّرُ نفسَه بذلك عن الفحشاءِ والباطلِ. ومن "كتاب" آخرَ في معنى ما رُوِيَ: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ، فإنَّه لي وأنَا أجزي بِهِ». يقولُ: كلُّ عملٍ يظهرُ على الجوارحِ فمنزله مكتوبٌ يكتبه الحَفَظَةُ إلا الصوم، فإنَّه يعتقده بقلبهِ، ويعلمه الله منه فيجازيه عليه بعلمه. ومن "العُتْبِيَّة"، أشهبُ، عن مالكٍ: أنَّه كرِهَ للرجلِ أنْ يعملَ لأهلِ
المسجدِ طعاماً يُفطرون عليه، فأُكره إجابتهم له في ذلكن ولا يجيبوا إلى مَن دعاهم، وهو يزرون عليه ويُغمضون. تمَّ كتاب الصوم، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمَّدٍ خَاتم النبيين وآله وسلمَ تسليماً.
كتاب الاعتكاف
كتاب الاعتكاف في عددِ أيَّام الاعتكاف، وأقلَّه، وهل يكون في غير المسجد، وأين يُعتكفُ من المسجد، وهل يُكرهُ الاعتكاف لأحدٍ من "الواضحة" قال: وأعلى الاعتكافِ - يريدُ في الاستحبابِ - عشرةُ أيامٍ، وأدناه يوم وليلةٌ. وقد اعتكفَ النبي صلى الله عليه وسلم العشرَ الأُولَ من رمضانَ (واعتكفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم العشرَ الأُولَ من رمضانَ (واعتكفَ العشرَ الوُسْطَى)، واعتكفَ العشرَ الأواخرَ. واعتكافُها أفضلُ. وإذا اعتكفَ يوماً وليلةً، بدا بالليلة قبلَ الفجرِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: ما أعرِفُ الاعتكافَ يوماً ويومين من أمر الناسِ. وقد قال أيضاً: إنَّه لا بأس به. ولا بأسَ به عندي. وقد رُويَ أنَّ أقلَّه يومٌ وليلةٌ. وقال في "المدونة": لا أرى أنْ يعتكِفَ اقلَّ من عشرةِ أيامٍ، فإنْ نذَرَ دونها لَزِمَه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: وليعتكفْ غي عَجُزِ المسجدِ ورِحابِهِ. فذلك الشأنُ فيه. قال عنه ابنُ وهبٍ: ولم أسمع أنَّه اضطرب بما يُبات فيه، ولم أرَه إلا في مؤَخَّرِ المسجدِ. قال عبدُ الملكِ: وله أنْ يعتكفَ في مسجدٍ غيرِ الجامعِ إذا كان ينقضي قبلَ الجمعةِ، أو يكون موضعاً لا تَجِبُ فيه الجمعةُ، قال ابنُ حبيبٍ: وأكره أنْ يعتكفَ في الصومعة، أو فوق المسجدِ، أو خارجه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابنُ وهبٍ: والمرأةُ في الاعتكافِ مثلُ الرجلِ. قال ابنُ القاسم: ولا تعتكفُ في مسجدِ بيتها. قال عبد الملك: ولها، وللعبدِ – يريدُ بإذنِ السيدِ - الاعتكاف في مسجدٍ غيرِ الجامعِ إذ لا جمعةَ عليهما. قال عبدُ الملك: وإذا اعتكفَ في مسجدٍ غير الجامع أياماً لا يأخذه فيها الجمعة، ثم مرض فجاءت الجمعة وهو في معتكفه، فليخرج إليها، ولا ينتقضُ اعتكافه؛ لأنَّه دخلَ بما يجوز له. قال عبد الملكِ: ولا يعتكفُ في غير الجامع؛ لأنَّه إذا خرجَ إلى الجمعةِ فسدَ اعتكافه.
ما يلزم من الصوم في الاعتكاف، والجوار، ومتى يدخل معتكفه، ومتى يخرج
وقال ابنُ الجهمِ: قال مالكٌ: يخرجُ على الجمعةِ ويتمُّ اعتكافه في الجامعِ. قال عنه ابنُ نافعٍ: ما زلتُ أفكِّرُ في تَرْكِ الصحابةِ والاعتكافَ، وقد اعتكفَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله سبحانه، وهم أتبعُ الناسِ لأموره وآثاره، حتى أخذ بنفسي أنَّه كالوصالِ الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إنك تواصل، فقال: «إنِّي لستُ كهيئتكُم، إنِّي أَبِيتُ يُطعمنِي ربِّي ويَسقيني». وليس الاعتكافُ بحرامٍ، وأراهم تركوه لشدَّتِهِ، وأنَّ ليلَه ونهاره سواءٌ. قال مالكٌ: لم أرَ ممن أدركتُ مَنِ اعتكفَ إلاَّ أبا بكر بنَ عبد الرحمنِ قالوا: واسمُه المغيرةُ وهو ابن أخي أبي جهلٍ، وهو احَدُ فقهاءِ تابعي المدينة، وفي باب الاعتكاف في الثُّغورِ مسألةُ مَنِ اعتكفَ في مسجدِ قريتهِ. ما يلزم من الصوم في الاعتكاف، والجِوَارِ، ومتى يدخلُ معتكفه، ومتى يخرجُ من "المَجْمُوعَة" قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ولا بأسَ بالاعتكاف في غير رمضانَ، ولا يكون إلاَّ بصومٍ. والجِوارُ له حُكمُ الاعتكافِ، إلا جِوَارَ
مكَّةَ يُقيمُ النهار، وينقلب بالليلِ، فهذا له أني فطر فيه ويطأ أهله. قال عبد الملكِ: وللرجل أَنْ يعتكفَ في قضاء رمضانُ وفي كلِّ صومٍ وجبَ عليه، وأمَّا مَن نذر اعتكافاً، فلا يعتكف في صوم واجبٍ عليه من رمضانَ، ولا في قضائه ولا في كفارةٍ، ونحو ذلك؛ لأنَّه لزمه الصومُ بنذرهِ للاعتكافِ فلا يُجْزِئُهُ منه صومٌ قد لزمه بغير ذلك، كما لو نذر شيئاً لم يَجُزْ له أنْ يجعله في حَجَّةِ الفريضةِ، وقاله سحنون في "كتاب" ابنهِ. قال ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ: ويدخلُ مُعتكفُ العشرِ الأواخرِ مُعتكفه إذا غربتِ الشمسُ من ليلةِ أحدٍ وعِشرين، ويُصلِّي المغربَ فيه ويُقيمُ. قال: ويخرجُ على المصلَّى من المسجدِ يؤتَى إليه بثيابهِ، ثم من المصلَّى ينقلبُ على أهله، ولا يدخلُ الحمَّامَ لغُسْلِ العيدِ وليغتسل بموضع كان يتوضأ. قال سحنون: وهذا خير من رواية ابنِ القاسمِ، في قوله: إن خرجَ ليلةَ الفطر من المسجدِ لم يضرَّه. قال مالكٌ: إنَّما يرجعُ على أهلهِ إذا أمسى من آخر اعتكافه مَنِ اعتكفَ وَسَطَ الشهر. قال في "المختصر": العشرةُ الوسْطَى من الشهر، أو العشرةُ الأُولَى. فأنَّا مَن يتَّصِلُ اعْتكافه بيومِ الفطر، فلا يرجع حتى يشهدَ العيد. ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنون: إذا خرج ليلة الفطر من مُعتكفه فَسَدَ اعْتكافه؛ لأنَّ ذلك سُنَّةٌ مُجتمعٌ عليها. يريدُ في مبيته ليلة الفطر في معتكفه. وقاله عبد الملك. قال عبد الملك: وإذا فعل في ليلة الفطر ما ينقضُ الاعتكافَ بطلَ اعتكافه،
ما ينهى عنه المعتكف من الخروج ومن الأعمال
لاتصالها به كاتصال ركعتي الطواف. قال سحنون، في كتاب ابنه: هذا خلاف قول ابن القاسم وغيره، ولا أقول به. وقول سحنون هذا خلاف قوله في "العُتْبِيَّة". قال عبد الملك، في "المَجْمُوعَة": وإذا دخل في اعتكافه قبل الفجرِ، فلا يُحسب ذلك اليوم فيما ألزم نفسه من الاعتكاف، فإن كان عشرة أيام ائتنف عشرة أيامٍ بعده بكمال لياليها، إلا أنه في هذا اليوم الذي ترك بعضَ ليلتهِ مُعتكفٌ، فإن فعل فيه ما يقطعُ الاعتكاف لزمه ما يلزم المعتكف، وكذلك في العقيقة لا يُحسبُ فيها مثل ذلك. قال سحنون: أما العقيقة، فإذا ولد قبل الفجر، فإنه محسوب. ما ينهَى عنه المعتكف من الخروج ومن الأعمال قال ابنُ حبيبٍ: وليُقبلِ المعتكفُ على الذكر والصلاة في الليل والنهارِ بقدرِ طاقته، ولا لا يخرج للصلاةِ على جنازةِ أبويه. وقال ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة"، عن مالكٍ قال: إذا مرض أحدُ أبويه فليخرج إليه ويبتدئِ اعْتكافه. قال ابن عبدوسٍ: قال ابن نافع، عن مالكٍ: ولا يُصَلِّي على الجنازة وإن اتصلت صفوفها بداخل المسجد. قال ابن حبيب: ولا يُحرم عليه ممَّا يَحرمُ على المحرم إلاَّ مُلامسته النساءَ. وأمَّا طِيبٌ، وحلق شعرٍ، وقَصَّ ظُفرٍ، وقتل دوابٍّ، وعقد نكاحٍ له أو لغيره، فلا يحرم عليه إذا كان في مجلسهِ، إلا أنَّه يُكره له الاشتغال بشيءٍ من هذا. قال في
"المدونة": ولا يَحلقُ شعره، ويَقُصُّ أظفاره، إلاَّ خارج المسجد. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع، عن مالكٍ: وإذا قرب منزله كَرِهْتُ له دخوله لحاجة الإنسان، إلاَّ أَنْ يكون غيرَ مسكونٍ، فإنْ كان أهله في العلوِّ فدخل السُّفْلَ، فلا بأس به. ولا يأكل في منزله وإن قرب. وله أَنْ يأكل في رحبة المسجدِ، ولا يأكل فوقَه. وكره أَنْ يخرج فيأكل بين يدي المسجد، وليأكل في المسجد فذلك واسعٌ له. وأمَّا في داخل المنارة ويغلِقُ عليه بابها فلا بأس به. واختلف قولُه في صعود المنارة فوق المسجدِ للأذان. قال ابن القاسم، وابن عبد الحكم، في "المختصر": واكره له أَنْ يدخل بيت القناديل وشبهها في المسجد يعتزلُ فيها للصلاةِ، ومَنِ اعتكفَ بمكَّةَ، فلا بأس أَنْ يدخل الكعبة. ومن "المَجْمُوعَة" قال عنه ابن نافع: قيل: فإنْ كان ليس له مَنْ يأتيه بطعامهِ، أيذهب ليأتي به؟ فقال: ولِمَ يعتكف؟ لو أن الناس لم يتكلَّفُوا إلا ما يطيقون. ثم قال: إن كان قريباً. قيل: فيسيرُ به على باب المسجدِ؟ قال: نعم ما قرب أحبُّ إليَّ. قيل: فالمعتكفون يبعثون أحدهم ليشتري طعامهم من عند بابِ المسجدِ؟ قيل: أرجو أَنْ يكون واسعاً. قيل: فيرسلونه على بعضهم، يدعوهم على العشاء في المسجد؟ قال: أرجو أَنْ يكون واسعاً. قال عبدُ الملك: أمَّا شراء مصالحه من طعامه، وما لابدَّ له منه، إذا لم يكن له كافٍ، فجائزٌ.
قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يخرج لغُسْلِ الجمعةِ على الموضع الذي يتوضأُ منه. وَلا بَأْسَ أَنْ يخرج يغتسلُ للحرِّ يُصيبه. قال عنه ابن نافع: وَلا بَأْسَ أنْ يأتيه أصحابه يسلِّمُونَ عليه، ويقعدونَ عنده وهو مريضٌ، إذا لم يكونوا معتكفين. ولا بأسَ أنْ يتحدَّثَ مع مَن يأتيه إذا لم يُكثرْ. قال عنه ابن وهبٍ: وتركُ كتابة العلمِ أحبُّ إليَّ. وقال عنه ابن نافع: إنْ كان في ناحيتهِ وقربهِ، فلا بأسَ. قال عنه ابن نافعٍ: وإنْ كان حكماً فلا يحكمْ إلاَّ بالأمرِ الخفيفِ. قال: والولاةُ عندنا يعتكفون. قال مالكٌ: ولا يعجبني إذا أصابته جنابة أول الليل، أَنْ يقيمَ حتَّى يُصبِحَ، ثم يغتسل. وأجاز مالكٌ، أنْ يكتبَ الرسالة الخفيفة، ويقرأ مثلها، ويكره الكثيرة. قال عنه ابن وهب: ولا يكره للمعتكفة أن تتزيَّنَ وتلبسَ الحُليَّ. قال غيره: ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وله أَنْ يلبسَ جيِّدَ الثيابِ ويأكل طيِّبَ الطعامِ، ويتطيَّبَ، ويحتجمَ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: قيل لمالكٍ، في المؤذن يعتكفُ، أيدور فوق المنارِ؟ قال: عسى به. وضعَّفَه، وقال: ما رأيت مؤذناً يعتكفُ. وقد كره له الأذان غير مرة، وأجازه. والكراهية أحبُّ إليَّ، ولا يخرج لمداواة رَمَدٍ بعينيه. وليأته مَن يعالجها. قال عنه ابن نافع: ولا يخرج لأداء شهادة عند سلطانٍ، ولكن يؤديها في المسجد.
ما ينتقض به الاعتكاف من الأحداث، وما له أن يخرج له وما ليس له
ومن "العُتْبِيَّة"، قال أبو زيد: قال مطرِّفٌ: ولا بأسَ على المعتكفِ أَنْ يكونَ إماماً، وما سمعتُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ غيره أَنْ يؤُمَّ حين اعتكف. قال ابن القاسم، عن مالك: وأكره له صعود المنار. وقد كره له الأذان وإن كان مؤذناً، وقال عن مالكٍ: إنَّه كره له أَنْ يُرَقِّعُ ثوبَهن أو يكتبَ المصاحفَ في المسجدِ. قيل: فالرجل في المسجد في رمضانَ، ومنزله بعيدٌ يأتيه الطعامُ فيأكله في المسجدِ. قال: أرجو أنْ يكونَ خفيفاً. وكره السواك في المسجدِ، من أجل ما يلقى من الفم بأثرهِ. قال عنه ابن وهب، في "المَجْمُوعَة"، في المعتكفِ يحتلمُ في الشتاءِ فيخاف من الماء الباردِ: فلا ينبغي له أَنْ يدخل الحمام ليطهر فيه بالماء الحار. وكذلك في "المختصر"، قال يحيى بن عمرَ: ولمعتكف أَنْ يجمع بين النَّاسِ في ليلةِ المطرِ في المسجدِ. ومن "كتاب" ابن سحنون، وعن مَن اعتكفَ في أحدِ هذه الحصُونِ على البحر، فيصلِّي الإمامُ خارجاً، أو على ظهرِ المسجد؟ قال: فلا يخرج المعتكف معه لذلك، وليُصَلِّ وحده لموضعه. وفي باب ما ينتقض به الاعتكاف شيءٌ من ذكر ما يخرج له المعتكف. ما ينتقض به الاعتكافُ من الأحداث، وما له أَنْ يخرج له وما ليس له من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: الوطءُ للمعتكفِ سهواً، أو عمداً يُفسِدُ اعتكافه. وكذلك القُبلَةُ، والمُباشرةُ، كالظِّهَارِ، والفِطْرِ متعمِّداً،
يفسده، وأمَّا سهواً فيقضي ويبني. قال عبد الملك: ويُتِمُّ صيام يومِهِ إنْ كان في غير رمضانَ. قال ابنُ حبيبٍ: إذا أفطر سهواً، لم يلزمه قضاءُ ذلك اليوم بصيامٍ ولا باعتكافٍ؛ لأنَّه تطوُّعٍ، إلا أنْ يكونَ ذلك الاعتكافُ قد نذره، فعليه قضاءُ يومٍ واصلاً باعتكافه، فإنْ لم يصله ابتدأ الاعتكاف. قال العتبيُّ: قال ابو زيد: قال مُطرِّفٌ، وقال ابنُ سحنون: قال عبد الملك، وسحنون: إنَّ الوطءَ سهواً، والقُبلةَ، والمباشرةَ، قال مطرِّفٌ: والجّسَّةَ سهواً تُبطل الاعتكافَ، وتقطع تتابع الظِّهَار، ثم رجعَ سحنون عن القُبلة في المظاهرِ، أنَّ ذلك لا يقطع صيامه. قال: بخلاف المعتكف الذي لا يطأ النساءَ. والمُظاهر له وطءُ غير زوجته في ليله. قال عبد الملك: وإذا خرجت المعتكفة للحيضة، صم طهرت في بعض النهار فلترجعْ، ثم لا تكفُّ عن الأكل في يومها، ولو مسَّهَا زوجها، أو باشرها وهي حائضٌ فسدَ اعتكافها. وكذلك المريضُ يخرج في مرضه، ثم يفعل هذا. يريد: ويبتدئُ الاعتكاف. قال ابن حبيبٍ: مَن خرج من معتكفه اشتغالاً عنه، ببيعٍ، أو شراءٍ، أو عيادةٍ، أو شهودِ جنازة، أو لسفرٍ، أو في حضرٍ، لحاجةٍ، يُنقضُ اعتكافه، ما لم يخرج لحاجةِ الإنسان، أو لغسلِ جنابةٍ، أو لغسلِ جمعةٍ، أو لشراء طعامه، إن لم يجد من يكفيه ذلك، أو لمرض غالب. يريدُ: أو تحيض امرأة. وقاله كله مالكٌ، في غير الواضحة. قال ابن سحنون، عن أبيه: ومَن دخل في اعتكافه في رمضانَ، ونَوَى اعتكافه كله، ثم اراد أَنْ يخرج فيه لحجّنافلةٍ غير الفريضةِ. قال: لا يفعلُ، فإن فعل، فعليه قضاء ما وجب عليه من الاعتكاف. يريد: في صومٍ.
في المعتكف يمرض والمعتكفة تحيض، أو تطلق، وكيف البناء في ذلك، والعمل
يريدُ: ويبتدئُ الاعتكافَ كله لقطعِ التتابعِ. يريدُ: وكذلك لو خرج لحَجِّهِ الفريضة بعد أنْ دخلَ في الاعتكاف. في المعتكف يمرض والمعتكفة تحيض، أو تَطْلُقُ، وكيف البِنَاءُ في ذلك، والعملُ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع: قال مالك: في المعتكف إذا مرض فلم يقدر على الصوم فأفطرَ، وبَقِيَ في المسجد، قال: لا، وليخرج حتَّى يُفيقَ ويبني. قال عنه ابن القاسم: وإذا حاضت المعتكفة فخرجتن فإنَّهَا إذا طَهُرَتْ فلترجع في بقية النهار، ولا تؤخر، وكذلك المريض يصحُّ في بعض النهار، ولا يعتدان بذلك اليوم. ورَوَى أبو زيدٍ، عن ابن القاسم، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة"، أنها إذا خرجت للحيضةِ، فلها أن تخرج، في حوائجها على السوق، وتصنع ما أرادت إلا لذة الرجال من قُبلةٍ، أو جسَّةٍ، ونحوها. قال سحنون: هذا لا اعرفه، وهي في بيتها في حرمة الاعتكافِ، ولكن لا تدخل المسجد. قال ابن القاسم: ولو طلِّقَتْ قبل أن ترجع إلى المسجدِ، فلترجع إلى المسجد، وتعتدَّ فيه. وكذلك لو طلقها زوجها، وهي فيهن أو مات عنها، فلا تخرج، وكذلك المُحرمة. ومن "المَجْمُوعَة"، ابن وهبٍ، عن مالكٍ: وإذا خرجتْ
للحيضةِ، فلا تعتدُّ بيومٍ تطهرُ في نهارهِن ولكن ترجع إلى المسجد، إلا أن تطهر قبل الفجرِ، وتنوي الصيام فتدخل حين تصبح فيجزئها. وإن أخرت ذلك، أو فطرت فيه، ائتنفت. وذلك مثل الصيام، يريدُ: المتتابعَ. قال أبو محمد: قوله: وتنوي الصيام. دليلٌ أنَّ مَن مرض في رمضان ثم أفاقَ، أو امراةٌ حاضتْ ثم طهرتْ، أو مسافر قد سافر فيه ثم رجع، أنهم يأتنفون التبييت الأول يوم يبتدئونَ بالصوم فيه؛ لأنَّ الاعتكاف يُجْزِئُهُ البياتُ في أوَّلهِ، وإن كان تطوُّعاً فيه فعل مالكٌ، تأتنف النيَّةَ إذا رجعتْ. وقال سحنون: لا يُجزئها ذلك اليوم، وإنْ طهرت قبل الفجر ونَوَتِ الصيام، حتى يكون دخولها من أول الليل، كابتداءِ الاعتكاف. قال عبد الملك: وإذا طهرت في بعض النهار فرجعتْ، فلا تكفَّ عن الأكل، ولو مسَّهَا زوجها أو باشرها وهي حائضٌ فسد اعتكافها. وكذلك المريض يخرج لمرضه، ثم يفعل هذا. قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: إذا خرج لمرضٍ ثمَّ صحَّ فرجعَ فأخذه العيدُ قبل تمام عُكوفهِ. فليخرج على العيد ثم يرجع إلى المسجد، ولا يرجع ذلك اليوم إلى بيتهِ. وقال عنه أشهبُ: بل يرجع من المُصلَّى على بيتهِ؛ في ذلك البيتِ فإذا انقضى رجعَ على المسجدِ كقولِ ابنِ القاسمِ. وقال ابن سحنون، عن أبيه: لا يشهد العيدَ وليُقِمْ في المسجد، وإن كان
ما يلزم من الاعتكاف بالنذر أو بالدخول فيه، ومن يلزمه - إذا مرض قضاؤه ومن لا يلزمه
مفطراً، قال عنه عبدُ الملكِ: في مَن اعتكفَ العشرَ الأُولَ من ذي الحِجَّةِ، فمرض في بعضها، ثم صحَّ فليرجعْ، ويُفطِرْ يومَ العيدِ وأيامَ التشريقِ ويخرج يوم العيد، ويرجع على المسجدِ، وإن كانت امرأةً، أو عبداً، فلا يخرجان. وقال ابن القاسم: أمَّا اليوم الرابع فإنَّه يصومه ناذره، ومَن كان في تتابع صيامٍ. وفي باب ما ينهى عنه المُعتكفُ من الخروجِ مسألةُ مَنِ اعتكفَ في مسجدٍ غير الجامعِ، ممَّا لا يأخذه الجمعة، فمَرِضَ ثم صحَّ فرجعَ، فجاءته الجمعة. ما يلزمُ من الاعتكاف بالنَّذْرِ أو بالدخولِ فيه، ومَن يَلزَمُه – إذا مَرِضَ – قضاؤُه ومَن لا يلزمه من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: الاعتكافُ بالنيَّةِ والدُّخُولِ فيه، أو بالنَّذْرِ بلسانه، وإنْ لم يدخل فيه. ومَن نذر أنْ يعتكفَ ليلةً لزمه يزومٌ وليلةٌ. وقال في "كتاب" ابنهِ: لا شيء عليه، إذ لا صيامَ في الليلِ، ولو نذرَ اعتكاف يومٍ، لزمه يومٌ وليلةٌ. ويدخل اعتكافه عند غروب الشمسِ من ليلتهِ، وإن دخل قبل الفجر فاعتكف يومَه لم يُجزه، وإن أضافَ إليه الليلةَ المستقبلة لم يُجْزِئُهُ أيضاً، ولكن يبتدئ يوماً ثانياً مع ليلته المتقدمة فيجزئه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملك: ومَن نوَى اعتكافاً فله تركه قبلَ أنْ يدخلَ فيه. قال عبد الملك:، وسحنون: وإذا اعتكف في خمسٍ بقين من رمضان، ونواها من خمسٍ من شوَّالٍ، أو دخلَ في غيره ينوي عُكُوفَ
عشرة أيامٍ على أَنْ يفطر منها بعد خمسة أيامٍ يوماً، هذه نيته، فإنَّا ننهاه عن ذلك قبل الدخول فيه. فإذا دخل فيه لم يلزمه إلاَّ الخمسة الأولى، ولا يلزمه الأيام التي بعد فطره، قال أبو محمد: يريد إلا أَنْ يكون نذرها بلسانه. ومن "كتاب" ابن سحنون، عن أبيه: وإذا اعتكف في رمضان فمرض أو كانت امرأة فحاضتْ، ثم خرج رمضانُ، ثم أفاقَ، فعليه إذا أفاق قضاءُ الصومِ، وليعتكفْ فيه. وأمَّا لو كان في غير رمضانَ مثلَ أنْ ينذر شهراً بعينِهِ، فلا قضاء عليه لمَّا مرض فيه. الأوَّلُ لمَّا لزمه قضاءُ صومِ ما مَرِضَ فيه لزمه الفطر فيه. وفي غير رمضان لا يلزمه قضاء الصوم فسقطَ بذلك عند الاعتكاف، وفرَّقَ ابنُ عبدوسٍ في غير رمضانَ، بين أَنْ يأتيه المرضُ، قبل أَنْ يدخل في اعتكافه، وبين أَنْ يمرض بعد أن دخلَ فيه، فقال: أمَّا إنْ مرض قبل أَنْ يدخلَ فيه في غير رمضانَ، فلا يلزمه شيءٌ ممَّا مرض منه. يريدُ وهي أيامٌ بأعيانها قدَّرَهَا. وأمَّا إنْ مرض بعد أن دخل فيه فهذا يقضي ما مرض فيه، قال: لأنَّه في مرضه قد بقي عليه حرمة العُكُوفِ وسَاوَى سَحنون بينَ ذلك في "كتاب" ابنه، وقال: لا يقضي ما مرض فيه في غير رمضانَ، مرض قبل يدخل فيه أو بعد أن دخل فيه. ومن كتاب ابنِ القُرطِيِّ: ومَن أذن لزوجته أو لعبدهِ في الاعتكاف فله أنْ يمنعهما منه ما لم يدخلا فيه، وما نذر العبدُ من الاعتكاف فإنَّه إن عتق لزمه، ولا يلزم الكافر يُسلمُ ما نذر منه في كفره، إلاَّ أنَّا نستحبُّ له ذلك
في الاعتكاف في الثغور ومن اعتكف في مسجد قرية، لا يجمع فيها
لحديثِ عمرَ فيما نذر من الاعتكاف في الجاهلية يريد: أنَّ العبدَ نذرَ اعتكافاً بغير عينهِ. ولو كانت أياماً بعينها فزالت وقد منعه فيها السيِّدُ ثم عتق، فلا يلزمه قضاءٌ. قال ابنُ عبدوسٍ في التي نذرت اعتكاف شعبانَ فحاضت في وسطِه: فإنَّ عليها أنْ تقضيَ ما حاضت فيه وتصله، فإذا حالَ بينها وبين ذلك رمضانُ فلا يُجزئها أنْ تعتكفَ فيه؛ لأنَّ صومه واجبٌ فلا يُجزئها عن نذرها، ولكن يبقى في حرمةِ الاعتكاف حتَّى يخرج رمضانُ وتفطِرَ يومَ الفطر وتُصلِّي قضاءَ ما بقيَ عليها بعد يومِ الفطر متصلاً به. في الاعتكاف في الثُّغُورِ ومَنِ اعتكف في مسجدِ قريةٍ، لا يُجَمَّعَ فيها من "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: لا بأسَ بالاعتكاف في الشتاء والمواجيرِ، ولا ينبغي ذلك في زمنِ الخوفِ. قيل: أفيُعْتَكَفُ فيها في الصيف؟ قال: ذلك يختلفُ، رُبَّ ليالٍ يُرْجَى بركتها، ولعلَّ في الثَّغْرِ مَن يكتفَى بهم لكثرتهم، فمثلُ هذا من سعةٌ. قال، عنه أشهبُ، في "العُتْبِيَّة": قلتُ: أفيعتكفُ في الثغور على البحر وغيره؟ قال: ما أدري
ما هذا أيذهبُ على الثغورِ يعتكفُ كأنَّه كرهه. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عنه ابن القاسم، في مَن منزله على أميالٍ من الفسطاطِ أيعتكف في مسجدِ قريتهِ، وهو لا يُجَمَّعُ فيه وهو يأتي الفسطاطَ لصلاةِ الجمعة، قال: اعتكافه في قريتهِ أحبُّ إليَّ من صلاةِ الجمعةِ بالفسطاط.
باب ما جاء في ليلة القدر
باب ما جاء في ليلة القدر قال ابنُ حبيبٍ: رُويَ انَّ ليلةَ القدرِ هي الليلة المباركة في قول الله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وقال عز وجلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. يعني: القرآن جملةً على سماءِ الدنيا، ثم أُنزلَ بعد ذلك شيئاً شيئاً. وجعلها الله من ألف شهرٍ في تفضيلِ العملِ فيها وأخفاها ليجتهد في إصابتها ليكون أكثر لأجرهم، والذي كثرت الأخبار به أنَّها من رمضانَ في العشر الأواخر. ورُوِيَ في السبعِ الأواخر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوهَا في كلِّ وترٍ». فتأوَّلَ أبو سعيدٍ الخُدريُّ أنَّها ليلةُ أحدٍ وعشرينَ من قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتني أسجدُ في صبيحتها في ماءٍ وطينٍ». قال الخُدريُّ: فرأيتُ أثرَ الطينِ على جبهته، وأنفه صبيحةَ هذه الليلةِ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له إنِّي شاسعُ
الدارِ فمُرني بليلةٍ أُنزل فيها. فأمره أَنْ ينزل ليلةَ ثلاثٍ وعشرين. قال أنسُ بنُ مالكٍ: وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيها أشدَّ اجتهاداً من سائرِ الشهر. وكان يقوم في غيرها وينام، وكان يُحيي ليلةَ ثلاثٍ وعشرينَ، وليلةَ أربعٍ وعشرين. قال ابن حبيبٍ: يتحرَّاها أَنْ يتمَّ الشهر أو ينقص، فيتحراها في أول ليلةٍ من السبعِ البواقي فإذا كان الشهر تامًّا كان أوَّلُ السبعِ ليلةَ أربعٍ وعشرين وإن نقص فأوَّل السبعِ ليلةُ ثلاثٍ وعشرين. وكان ابنُ عبَّاسٍ يقولُ: إنَّها لسبعٍ بقين من الشهر، تماماً، فكان يراها ليلة أربعٍ وعشرين وهي أوَّلُ ليلةٍ من السبع الأواخر على التمامِز وقاله بلالٌ. وكان ابنُ عباسٍ يُحيي ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، وليلى أربعٍ على هذا. وقال غيرُ ابنِ حبيبٍ، عن ابن عباسٍ: إنَّه تاوَّل أنَّها ليلة سبعٍ وعشرين، وعدَّ من سورتها كلمةً كلمةً فكانت الكلمة السابعة والعشرون قوله {هي} وبقي تمام السورة: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ورُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطابِ أنَّها ليلةُ سبعٍ
وعشرين. ورُوِيَ أن ابن عباس تأوَّل هذا حين سأله عمرُن وفي روايةِ ابنِ حبيبٍ، تأوَّلَ أنَّها لسبعٍ بقين. قال ابن حبيبٍ: وكان ابنُ مسعودٍ فيما رُوي عنه يقولُ: إنَّها في الشهر كله. وقال تحرُّوها ليلةَ سبع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاثٍ وعشرين، ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ في السنة كلها، فمَنْ قامَ السنة أصابها. فقال: أُبيُّ بن كعبٍ: قد عَلِمَ أنَّها في رمضانَ ولكن أرادَ: لئلا يَتَّكِلَ الناسُ. قال أُبيُّ: وهي ليلةُ سبعٍ وعشرين، بالآيةِ التي أنبأنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الشمسَ في صبيحتها تطلع لا شعاع لها. قال عبد الله: والأحاديث الصحيحة على أنَّها في العشر الأواخر. قال ابن حبيبٍ: وأحوطُ ذلك أنْ يتحرَّى في العشر الأواخر كلها، وقد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُوقظُ أهله فيهن. ورُوِيَ انَّه عليه السلامُ: «التمسوها في تاسعةٍ، أو سابعةٍ، أو خامسةٍ، أو ثالثةٍ، أو آخرِ
ليلةٍ» لتاسعةٍ، ليلة أحدٍ وعشرين، والسابعة ليلةُ ثلاثٍ وعشرين، والخامسة، والثالثة. على هذا يُؤخذُ العدد من أول العشر ألأواخر على تمام الشهر ونقصانه. وكذلك قال مالك. ومن غير "كتاب" ابنِ حبيبٍ: أنْ بعضَ العلماء ذكر أنَّ ليلة القدر قد يختلف كونُهَا في ليالي العشر الأواخر إلا أنها تكون في وترٍ منها، إلا أنَّ العدد مبدوءٌ من اول العشرة.
كتاب الزكاة
كتاب الزكاةِ ذِكرُ ما يجبُ فيه الزكاةُ من العينِ، وغيره من الأنعامِ، والحبوبِ، والثمارِ، وما لا زكاةَ فيه من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع، وعليُّ بن زيادٍ، وغيرُهما، عن مالكٍ، قال: أمر الله سبحانه بالزكاةِ جملةً في كتابهِ، ففسَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم ما اجملَ الله منها. قال: ولم يختلف عندنا أنَّه لا زكاة إلا في العينِ، والحَرْثِ، والماشيةِ. وقال بعضُ أصحابهِ: قبضَ النبي صلى الله عليه وسلم خمسةَ أواقٍ فأكثرَ، من الرقةِ. وأجمعَ العلماءُ على أنْ عَدَلُوا ذلك بعشرين ديناراً. ورَوَى الناس في العشرين الدينار حديثاً ليس بذي إسنادٍ قويٍّ إلاَّ أن النَّاسَ تلقَّوه بالعمل. ونصَّ عليه الصَّلاَة والسلامُ على الأخذِ من خمسةِ أوسقٍ فأكثر، فأخذ سعاته من التمرِ، والبُرِّ، والشعيرِ. ونصَّ على ما يُزَكَّى من
الإبل، والبقرِ، والغنمِ، ولم يجعل في الخيل صدقةً. فهذه الأُصولُ التي بنى عليها العلماء. ومن "كتاب" ابن سحنون، عن ابن نافعٍ، قال مالكٌ، في قول الله تبارك وتعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}: سمعتُ مَن يقولُ: إنَّها الزكاةُ. وذلك أحبُّ ما سمعنا إليَّ. وقال في قوله تعالى: {وآتوا الزكاة}: هي زكاة الأموالِ كلها من العينِ، والثمرِ، والحَبِّ، والماشية، وزكاة الفطر. وقال في موضعٍ آخرَ، عن ابنِ نافعٍ: سُئلَ عن الزكاة المقرونة بالصلاة، قال: زكاة الأموالِ. قيل: فزكاة الفطر منها. قال: هي ممَّا سنَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم وفرضَ. وقال ابن كنانةَ: يعني زكاة العين، والحَرْثِ، والماشية. وأمَّا زكاةُ الفطرِ فرضها النبي صلى الله عليه وسلم فهي لازمة على من وجدها. وقال ابن دينار: وسمعت فيه اختلاف الناسِ، وأحبُّ إليَّ أنَّها زكاة العينِ، والماشية، والثمار، والزرعِ، وقال المغيرة: وهي من العين، والماشية. ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن نافعٍ، وعليٌّ: قال مالكٌ: والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد فسَّر ما أجمل الله من الزكاةِ في كتابه، فأخذ الزكاة من البُرِّ، والشعيرِ، فشبَّه العلماءُ بذلك ما أشبهه من الحبوبِ، فكان الأرزُ بالعراق أكثرَ من البُرِّ بها، والذرة باليمن أكثرَ. وكذلك ألحقوا الزيتون بما يشبهه، فلا زكاة من الثمار إلا في النخلِ، والعنب، والزيتون. قيل: فلم يأتِ انَّه أُخذَ من الزيتون بالشام، والمغرب زكاة. ولعلهم تركوه؛ لأنَّ عليه الخراجَ.
وقال في "المختصر": كل ما كان من تمرٍ أو عنبٍ، أو زيتونٍ، أو حبٍّ يُدَّخَرُ وتأكله الناسُ – يريدُ وهو لهم قُوتٌ وأصلُ مَعاشٍ – ففيه الزكاة في خمسةِ أوسقٍ فأكثر. فيما سقتِ السماءُ العشرُ. وفيما يُسقى بالنَّضْحِ نصف العُشرِ كما جاءت السنة. قال: والحبوب التي تُزكَّى، القمح، والشعير، والسُّلْتُ، والذرة، والدُّخْنُ، والأرز، والحِمَّصُ، واللوبيا، والعدس، والجُلبان، والبسيلة، والفول، والجُلجُلان، والتُّرمسِ. وليس في الحلبةِ زكاة، ولا في الخضر زكاة، وشذَّ ابن حبيبٍ، في الفواكه فقال: في الثمار كلها مُدخرها وغير مدخرها إذ كانت ذوات أصول فخالف أهل المدينة. قال مالك: السنَّةُ المجتمع عليها عندنا أنَّه لا زكاة في الفواكه، ولا في الخضر كلها، ولا في القصبِ زكاة. قال غيره: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء أنَّ أحداً منهم أخذ الزكاة من ذلك، وليس هذا من الحوادث. فهو كنقلِ التواتر. ومن "العُتْبِيَّة"، ومنه من "المَجْمُوعَة"، ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في الترمس الزكاة، وليس في الحلبة الزكاة، ولا في العصفر والزعفران، ولا في العسل، ولا في الخيل.
في من له مائتا درهم، أو عشرون دينارا تنقص يسيرا أو كثيرا، وهي تجوز بجواز الوازنة، وكيف إن لم تجز، وهي تبلغ إذا صرفت ما فيه الزكاة
ومن "كتاب" آخر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لي سعلى المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقةٌ». قال ابن نافع: قال مالكٌ: وليس في شيء من التوابل زكاة، ولا في الفستق ولا في القطن. قال عنه ابن وهب: وما علمت أنَّ في حَبِّ القِرْطِمِ، وبذرِ الكتانَ زكاةً. قيل: إنَّه يُعصرُ منهما زيت كثيرٌ. قال: ففيه الزكاة إذا كثرَ. هكذا قال ابنُ القاسم، في "كتاب ابنِ الْمَوَّاز": لا زكاة في بذر الكتان، ولا في زيته إذ ليس بعيشٍ. وقال المغيرة، وسحنون، وقال أصبغ: فيه الزكاة وهو أعمُّ نفعاً من زيت حَبِّ القِرْطِمِ، والتُّرمسِ من القِطَانِيِّ ففي ذلك الزكاة، وفي حبِّ القرطم الزكاة. قال: ولا زكاة في يابس الفواكه، ولا في قصب السكر. قال، في موضعٍ آخرَ: ولا في ثمر البحائر. قال ابن حبيبٍ: ولا زكاة في اللؤلؤِ، والجوهرِ، والمسكِ، والعنبرِ، إلاَّ من اتخذه للتجارة فهو كسائر العروض. في من له مائتا درهم، أو عشرون ديناراً، تنقصُ يسيراً أو كثيراً، وهي تجوز بجوازِ الوازنة، وكيف إن لم تَجُزْ، وهي تبلغ إذا صرفت ما فيه الزكاة من "المختصر"، قال مالك: ومَن له عشرون ديناراً ينقصُ نقصاناً
يسيراً، ويجوز بجواز الوازنة ففيها الزكاة. ولي سفي أقلَّ من ذلك زكاةٌ. وكذلك في نقصان مائتي درهم ونحوه في "الموطأ". قال في "كتاب ابن الْمَوَّاز": إذا نقصت نقصاناً بيِّناً فلا زكاة فيها، إلاَّ أنْ تجوزَ بجوازِ الوازنة، وكذلك إذا نقص كلُّ دينارٍ حبتين، أو ثلاثَ حبَّاتٍ، وهي تجوزُ بجواز الوازنة. ومن "العُتْبِيَّة" قال سحنون، عن ابن القاسم، في مَن له مائتا درهم ليست كيلاً بالأندلس، وهي تجوزُ بجوازِ الوازنةِ، فل زكاة فيها إلاَّ أنْ ينقصَ عن الكيلِ شيئاً قليلاً. وقاله سحنون أيضاً. وفي "الموطأ" أنَّ ابن عمر بن عبد العزيز كتب: أن إذا نقصت العشرون ديناراً ثُلُثَ دينارٍ فلا تأخذ منها شيئاً. وذكر ابن مزينٍ، عن عيسى عن ابن القاسمِ، قال: لم يأخذ مالك بهذا. وقوله: لا زكاة فيها إذا نقصت نقصاناً يسيراً أو كثيراً، إلا مثلَ الحبَّةِ والحبتين، ونحو ذلك فإنَّ فيها الزكاة، وكذلك الدراهم. قال ابن حبيبٍ: وإذا نقصت العشرون ديناراً في العدد ديناراً، أو نقصت المائتا درهم درهماً. فلا زكاة فيها، فإنْ لم تنقص في العدد، ونقصت في الوزنِ أقلَّ ممَّا ذكرنا، أو أكثرَ وهي تجوز بجواز الوازنة بالبلد فُرادَى، ففيها الزكاة.
قال: وكذلك مَن له بهذا البلد فِضَّةٌ، وزنها مائتا درهم بهذه الدراهم الفرادى تجوز بجواز الوازنة فليُزَكِّهَا ربع عشرها. وكذلك الذهبُ. قال: وما لا يجوز بجواز الوازنة من المسكوكِ. فحكمه حكم تِبره، وإذا كانت دراهمهم تجوز على ذخل عشرةٍ ومائةٍ عدداً في المائة الكيلِ كالأندلسِ، ففيها الزكاة. وكذلك لو كان دخلها أكثرَ، ولو كانت ببلدٍ لا يجوز في الفُراَدَى إلاَّ كيلاً، فلا زكاة فيها، يريدُ على العددِ. وإذا نقصت الفضَّةُ عن وزنِ دراهم البلد درهماً، أو الذهب عن وزن عشرين ديناراً مضروبة ثلث دينارٍ، لم تجب فيها الزكاة بخلاف المسكوك الذي يجوز بجواز الوازنة. وكذلك فسَّرَ لي مَن لَقِيتُ من أصحاب مالكٍ في ذلك كله، وذكر ابنُ مَزِينٍ، عن عيسى بن دينارٍ: أنَّه لا ينظر على العددِ في دراهم الأندلس، ولا زكاة إلاَّ في عشرين ديناراً كيلاً، أو مائتي درهم كيلاً، إلاَّ أن تنقصَ يسيراً. ويجوز بجواز الوازنة عدداً أو كيلاً. ومن "العُتْبِيَّة"، روى أشهبُ، أنَّ مالكاً قال: ليس في أُوقيةِ الذهب وزنٌ يُعلمُ، وأُوقيةُ الفضَّةِ أربعون درهماً. يريدُ: من وزن سبعة دنانير عشرة دراهم. قال مالكٌ، في "الموطأ" في مَن له مائةٌ وستُّون درهماً وصرفها ببلدةِ ثمانية بدينارٍ، فلا زكاة عليه. وكذلك أقلُّ من عشرين ديناراً صرفها مائتي درهم فلا يُزكِّي. يريدُ: إلاَّ أن يصرفها. وذكره ابن عبدوسٍ، وذكر عن ابنِ الماجشون، أنَّه قال: وما جرى بين الناس وجاز بين الناس
في ما يجمع في الزكة من العين، والحب، والماشية وهل يخرج عن الورق ذهبا، أو عن الذهب ورقا
من الفرادى من الذهب، والفضة بجواز المجموع فله حُكمه في الزكاة. في ما يجمع في الزكاة من العين، والحّبِّ، والماشيةِ، وهل يخرج عن الورقِ ذَهَباً، أو عن الذَّهبِ ذَهَباً، أو عن الذَّهبِ وَرِقاً قال أشهبُ، في "المَجْمُوعَة"، وهو من قول مالكٍ: إنَّه يُجمعُ في الزكاةِ العينُ بعضه إلى بعضٍ، تِبره ومسكُوكه ومَصوغه، جيِّدُه ورديئه، كان فضَّةً أو ذهباً أو كليهما. ويُخرج من كلِّ صنفٍ ربع عُشره. وكذلك من الجيِّدِ والرديءِ. قال فيه، وفي "كتاب ابن الْمَوَّاز"، وهو أيضاً مِن قولِ مالكٍ: فإنْ كان له ذَهَبٌ وفضَّةٌ، فليحسب الفضة وزن عشرة دراهم بدينارٍ، ولا يحسب ذهبه بالدراهم صَرفاً، ولكن وزنه كان دنانير أو غير مسكُوكٍ. كانت الفضة مسكوكة أو غير مسكوكة. وكذلك في جيِّدها ورديئها. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن نافع، عن مالكٍ، في مَن له تسعةَ عشرَ ديناراً، وتسعة دراهم، فلا زكاة عليه حتى تتمَّ عشرة دراهم أو يصرفها بدينارٍ. قال ابن عبدوسٍ: قال سحنون: وله أَنْ يخرج عن الذهب ورقاً، وذلك أجوز له من أنْ يخرج عن الدراهم ذهباً؛ لأنَّه قد يرى في الدينار أَنْ يفرقه على جماعتهم فيصرفه لذلك.
وقال مالكٌ، في "المختصر"، و"كتاب" ابن الموازِ: وله أَنْ يُخرجَ قيمةَ ما يلزمه عن الذهبِ وَرِقاً، قلَّ أو كثرَ، وقيمة ما يلزمه عن الوَرِقِ ذَهَباً إنْ شاء، إلاَّ أنَّه لا يُخرج القيمة إلاَّ جيداً. ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخرج قيمة الفضَّةِ الرديئةِ دراهم جِياداً. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: ومَن لزمه دينارُ زكاةٍ، وبحضرته مساكين كثيرٌ، فصرفَ ديناراً لِيُفرِّقَه بينهم، فوجدَ في الدراهم درهماً رديئاً، ولم يجد الذي صرفه منه. قال: على المُزكِّي أَنْ يُبْدِلَه للمساكين. ومن "الواضحة": ومن له ذهَبٌ، وفضَّة، فلزمه عن اللذهب أقلُّ من دينارٍ، فله أَنْ يُخرج منه ربع عُشره قطعةَ ذهبٍ، أو صرْفَ ذلك من الدراهم، بصرف يومه ما لم ينقصْ صرفَ يومَه عن عشرةِ دراهمَ في الدينار، فليُخرج عن صرف عشرة. وكذلك مَن لزمه دينارٌ فأراد أنْ يُخرجه دراهم. وقال ابن الْمَوَّاز: يُخرج القيمةَ، قلَّ ذلك أم كَثُرَ. وقول ابن الْمَوَّاز القياسُ. ومن "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ، عن مالكٍ، وهو في "كتاب" ابنِ حبيبٍ: ومَن له نُقرةُ ذَهَبٍ، ودنانيرُ، فليُخرجْ رُبْعَ عُشرِ كل صنفٍ. ومَن له نقرةٌ وحَلْيٌ، فليُخرجْ ربع عشر ذلك منه، أو من غيره، قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وله أَنْ يقطع قطعةً من الذهبِ، أو من الفضةِ عمَّا لزمه، ولا يقطع ذلك من الدينار.
في زكاة الحلي، وما يرصع منه بجوهر وما يحلى به السيف وغيره، وذكر آنية الذهب والفضة، وما يقتنى أو يتجر به من ذلك كله
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: مضَى صَرْفُ الزكاة عشرة دراهم بدينارٍ، لمَّا جعل النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ديناراً يَعْدِلُ مائتي درهم. يريدُ: في ضمِّ بعضها إلى بعض. قال: ومضى صرف الدِّيَةِ، وصرف القطعِ اثنا عشر درهماً، فلا يُؤتنفُ الآن لذلك كله صرفُ غيره. قال: وتُجمعُ القِطنيَّةُ في الزكاةِ. قال عبد الملك: والتُّرْمُسُ معها. قال ابن نافع، عن مالكٍ: والكِرْسِنَّةُ معها. ومن غير "كتاب"، وهو من قولِ مالكٍ: إنَّ السُّلْتَ والعَلَسَ يُجمع مع البُرِّ والشَّعيرِ، وبقيَّةُ الفول في جميع الحبوب في أبواب زكاة الحبوبِ، وتُجمع الضأنُ، والمعز، والبقرُ، والجواميسُ، والإبلُ، مع البُختِ، وتمام هذا في أبواب زكاة الماشية. في زكاة الحَلْيِ، وما يُرصَّعُ منه بجوهرٍ وما يُحَلَّى به السيف وغيره، وذِكر آنية الذهب والفضة، وما يُقتنى أو يتَّجَرَ به من ذلك كلِّهِ قال مالك، في "المختصر": لا زكاة في الحَلْي من ذهب، أو فضةٍ، يُتَّخذُ لِلِّباسِ، وكذلك ما انكسر منه مما يريدُ أهله إصلاحه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالك: إنْ حبسَ ليصلح للباسِ قلا يُزَكَّى، فإن نوى أنْ يصلحه لِيُصْدِقَه امرأته فلْيُزَكِّهِ. وقال أشهبُ: لا
يزكيه. وأنكره محمد. قال ابن حبيبٍ: وما كَسَبَ الرجلُ من الحَلْي يرصد به امرأة يتزوجها، أو جارية يبتاعها. فقال أشهب، وأصبغُ: لا يزكيه. وقال ابن القاسم، وابن عبد الحكمِ، والمدنيون من أصحاب مالك: يُزكيه. وبه أقول؛ لأنَّه لي سمن لباسهِ، ولا صار إلى ما أملَ منه. قال: ولو جَلَى لنفسهِ سيفاً أو منطقةً، وليس ذلك من لباسه، ولكنه أعدَّه للعاريَّة، أو ليرصدَ به ولداً، فلا زكاة عليه، في حليته. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهب، عن مالكٍ، في المرأة تتخذ حَلْيَ الذهبِ، وفيه الجوهرُ لتُكريه. قال: ما أظنُّ فيه زكاة. وقال في رواية ابنِ القاسمِ: لا زكاة فيه، وإنْ كانت مُعَنَّسَةً ممن لا تلبسه وهي تُكريه. قال: وما أحِبُّ كراءه وليس بحرامٍ. وقال ابن القاسم: لا بأس به قال مالكٌ: وإذا ورث الرجل حَلْياً فأبقاه لعلَّه يحتاج إليه أو لا يحتاج، فليزكِّه, وكذلك مَن عنده حَلْيٌ مكسورٌ لا يريد إعارته. وليزكه في كل عامٍ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه أشهب، في امرأةٍ لها حليٌ تلبسه، ثم يبدو لها في بيعه، قال: لا تُزكِّيه.
قال ابن حبيبٍ: لا زكاة في حلي النساءِ، وإنِ اتَّخذنه للكراءِ فقط، أو للعارية، وكذلك ما أعدَّتْه المرأةُ لا للباسِ، ولكن لابنةٍ عسى انْ يكون لها، فلا زكاة فيه, وإن اتخذه الرجل للكراءِ فليُزَكِّهِ، إذ ليس مِن لباسه. وإن اتخذ مالَه اتِّخاذَه من حلية السيفِ، والمِنطقةِ فل زكاة عليه فيه. ولو اتخذت امرأةٌ حَلْياً لا للباسِ، ولا للكراءِ، ولا للعاريةِ، ولكن عُدَّةً للدهرِ إذا احتاجت إلي شيءٍ باعته فيه، فعليها زكاته، ولو اتخذته أولا للباسِ، فلما كَبِرَتْ نَوتْ فيه إذا احتاجته أنفقته. قد قيل: لا تُزكِّيه إلاَّ أن تكسره. وأنا أرى عليها زكاته احتياطاً. قال مطرِّفٌ، عن مالكٍ، فِي مَنْ عنده حَلْيٌ لا ينتفعُ به للباسِ: إن عليه زكاته. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال أشهب، عن مالكٍ، في الحليِ المربوطِ بالحجارة: هو كالعرض لا يزكيه حتى يبيعه، كان ما فيه من الذهب جُلَّه، أو أقلَّه. يريدُ: وهو لغير القِينَةِ. قال أشهب: إلاَّ المَدِينَ فيُقَوِّمُه بما فيه. وقاله مالكٌ، في السيفِ المُحلَّى: وإن كان نصله تبعاً لفضته واشتراه للتجارة، فلا يزكيه غير المدين حتى يبيعه. ورَوَى عنه ابن القاسم، وابن وهبٍ، أنَّه يُزكِّي وزنَ ما فيه من ذهبٍ، أو فضَّةٍ. يريدُ: تحرياً، وإنْ كان تبعاً للنصْلِ، ولا يُزَكِّي الجوهرَ حتَّى يبيعَ. وكذلك المصحف. يريدُ: في غير المَدِين. ورَوَى ابنُ عبد الحكم، عن ابن القاسمِ، عن مالكٍ، أنَّه إنْ كان
ما في السيف والمصحف من الحلية تبعاً لهن فلا زكاة فيه. ومن "كتاب" ابنِ القُرْطِيِّ: ويُزَكِّي ما حُلِّيَ به سرجٌ، أو لِجامٌ، أو مِنطقة، أو سكين، أو سريرٌ، أو مرآةٌ، أو زجاجٌ، أو أزرارٌ، أو أقفالٌ للثيابِ للرجالِ خاصَّةً، وقضيبٌ للأطفال والكبار، وأغشيةٌ لغير القرآن، وما يجري مجرى خلا مصحفٍ، وسيفٍ، وخاتمٍ، وحَلْيٍ للنساءِ وأحرازٍ من القرآنِ، وما يتخذه النساءُ لشعورهنَّ، وأزرارِ جيو بهنَّ، وأقفالِ ثيابهنَّ، وما يجري مجرى لباسهنَّ، فلا زكاة فيه، وليس كما يتَّخِذْنَه للمرايا، وأقفالِ الصناديقِ، وتحليةِ المِخَدَّاتِ، والأسِرَّةِ والمقدماتِ، وشبه ذلك. وأما حِلية الدَّرْقِ، وجميع الحرابِ فبخلاف السيوفِ، وما اتُّخِذَ مِن حَلْيِ ذكور الأطفال، فيُزَكَّى. وما كان في جدارٍ من ذهبٍ، أو فضةٍ، لو تكلَّفَ إخراجه، خرج منه – بعد اجرِ مَن يعمله – شيءٌ فليُزَكِّه، وإن لم يخرج منه إلا قدرُ أجرِ عملهِ فلا شيء فيه. ومن اتَّخذَ أنفاً من ذهبٍ، أو ربطَ به أسنانه، فلا زكاة فيه.
في الحلي، أو العروض تورث أو تقتنى أو يشترى وما تنقله النية إلى القنية، أو إلى التجارة من ذلك، وما لا تنقله، وما بيع بعد ذلك
في الحلي، أو العُروضِ تُورثُ أو تُقتنى أو يشترى وما تنقله النيةُ على القِنْيَةِ، أو على التجارة من ذلك، وما لا تنقله، وما بيع بعد ذلك ومن "كتاب " ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: وشِراءُ الحليِ وفائدته بميراثٍ أو غيره سواءٌ، بخلاف السلعِ، فليعمل في الحلي على نيته، إنْ نَوَى به التجارة، زكاهُ، وإن نوى به القِنْيَةَ، لم يُزكِّه. وأما السلع فإنما يُحملُ فيها على النية في الشراء فقط. فأما فائدتها بمُوَرِّثٍ أو هبةٍ، فنيَّتُه فيها التجارة أو القنية سواء لا زكاة فيها، إلا أن تكون ماشيةً، ففيها الزكاةُ كانت شِراءً للقنيةِ، أو للتجارةِ، أو فائدةً بمُورثٍ أو غيره. فلا يفترق فيها ذلك، ولا في العين. ولو نوى فيما ورث من آنية الذهب والفضَّةِ القنيةَ لم ينفعه. وليُزَكِّ وزنها دون القيمة، وإن كثرتْ. وما اشتريتْ من السلعِ للقنية، قيمتها إنْ بعتهَا كالفائدةِ ولا تضرُّ النيَّةُ فيما وَرِثَ منها، وقالَه كلَّه مالكٌ وأصحابه.
قال في بابٍ آخر: وما ابْتعتَ من السلعِ للقنيةِ لم يضرَّ إخراجها بعد ذلك بالنية للتجارةِ. وما اشترِيَ منها أو من الحيوان للتجارةِ، ثم صرفَهُ إلى القنيةِ، ثم باعه، فاختلِفَ فيه؛ فقيل: يرجع على اصلهِ. وقيلَ: ياتنف بثمنهِ حَوْلاً. فقولُ ابنِ القاسمِ وروايته عن مالكٍ: أنَّه لا يُزكِّي ثمنه؛ لأنَّه صارَ قنيةٌ. وقال أشهبُ: يرجع إلى أصله ويُزكِّي ثمنه. ورواه عن مالكٍ، وقال: لا تُغيِّرُه نيَّةُ القنية، ولا تغيرُ ما اشترى إلى القنية أَنْ ينويَ به التجارةَ، ولا يلزمه شيءٌ إنْ باعه. واتفقا في المُكاتبِ يؤدي شيئاً ثم يعجزُ، أنَّه يرجعُ إلى أصله إنْ كان من التجارة. قال ابن القاسم: لأنَّ ما ودَّى كالغلَّةِ. وقال أشهبُ: لأنَّه رجعَ على أصلهِ فلم تغيره نيةُ القنيةِ فيه. وقال ابنُ حبيبٍ: فِي مَنِ اشترى عرضاً للقنيةِ، ثم باعه بعد مُدَّةٍ فليأتنف به حولاً، ولو ابتاعه أولاً للتجارةِ، ثم صرفه للقنية، ثم باعه، فقال مالكٌ: يُزكِّي ثمنه. وقال بعض أصحابه: لا يزكيه. وما ابتاعَ من دارٍ للغلَّةِ ثم باعها بعد عامٍ فقال مالكٌ: يُزكِّي ثمنها مكانه. وقيل: يأتنف به حولاً. والأول أحبُّ إليَّ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وما اشترى الرجلُ من دارٍ للسُّكنَى، أو حيوانٍ، أو عروضٍ للاتِّخَاذِ، ثم بدا له فباعه فثمنه فائدةٌ، وغلَّةُ ما اشترى للتجارةِ فائدةٌ. قال: وما اشترى للغلَّةِ، ثم باعه لحَوْلٍ، فروَى ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: أنَّه يُزكِّي ثمنه، ثم رجع فقال: لا يُزكِّي،
وهو كالفائدةِ. وبهذا أخذ ابن القاسم. قال ابن القاسمِ، في "المَجْمُوعَة": ورواه عنه ابن وهبٍ، وبالقولِ الأول اخذ ابنُ نافعٍ، ورَوَوا كلُّهم القولين. وأمَّا غُلَّتُه ففائدةٌ. وكذلك في "كتاب" ابنِ سحنونٍ، من روايةِ عليٍ، وابنِ نافعٍ، عن مالكٍ، فيما اشترى للغلَّةِ من دارٍ، أو عبدٍ، ونحوهِ. وذكر القولين جميعاً، واختيار ابن نافع. ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، قال مالكٌ، فيما يُشترى لوجهين كمَنِ ابتاع الأمَةَ للوطءِ أو للخدمةِ، وإن وجدَ ثمناً باع. فقال: ثمنها كالفائدة. وقال في رواية أشهب: أنّه يُزكِّي ثمنها. وأما الذي يشتريها للقنية لا ينوي بها بيعاً ولا يرصده، ولا يهم به، فهذا عن باع ائتنف بالثمنِ حَوْلاً إذا قبضه, وبهذا أخذ ابن الْمَوَّاز. ومَن ورِثَ سِلْعاً، أو وُهِبتْ له، فلا تضرّه نِيَّتُه فيها للتجارة، ويأتنفُ إنْ باعها بثمنها حَولاً من يوم قبضهن وإنْ طال مُقامه عند المبتاعِ. ولو قبضه، ثم أولجه في سلعةٍ مكانه، ثم باعها بعد سنينَ، فليُزَكِّ ثمنها لعامٍ واحدٍ بعد قبضه، ولو باعها قبل حولٍ من يومِ قبضهِ المالَ، فلينتظرْ تمامه، ولو اشترى السلعةَ الثانية للقنيةِ لائتنفَ بثمنِهَا حولاً من يومِ يقبضه،
في زكاة الفائدة بسبب الميراث والهبات والصلات، وما يتأخر قبضه من ذلك، وفي قبض الوصي والوكيل
ويأتنفُ بما يقبضُ من ثمنِ غلاَّتِ الثمارِ حولاً. ومن "المَجْمُوعَة"، و "كتاب" ابن سحنونٍ، روى ابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنِ ابتاع طعاماً للتجارةِ، ثم بدا له أَنْ يُنفقه على عياله، ثم باع منه ما فيه الزكاةُ: فليُزَكِّه. وكذلك مَن يشتري طعاماً فيدَّخره لينفقه على عِياله ثم باع منه باقيه بما فيه الزكاة، فليُزكِّه. قال ابن سحنونٍ: قال المغيرة، فِي مَنْ بَنَى داراً، ثم باعها بعد حولٍ: فإنْ بناها للتجارةِ وابْتاعَ القاعةَ للتجارة، زكَّى الثمنَ كله لحلولهِ، وإنْ بلغَ ما فيه الزكاة، وإن كانت القاعة للقنية، زكَّى ما قابل البنيانَ من الثمنِ، إنْ بلغَ ما فيه الزكاةُ. في زكاة الفائدة بسبب الميراثِ والهباتِ والصِّلاتِ، وما يتأخرُ قبضه من ذلك، وفي قبض الوصيِّ والوكيل من "كتاب " ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وكلُ ما أفادَ الرجلُ من ميراثٍ أو هبةٍ، أو ديةٍ، أو غلَّةٍ، أو غير ذلك، فليأتنف بذلك حولاً من يوم يقبضه، هو أو وكيله قال مالك: وإن ورث مالاً فلم يعلم به سنين، فلا يُزكِّه حتَّى يقبضَه هو أو
وكيله. قال عنه ابن وهب في روايتِهِ: فيزكيه لعام واحدٍ. وكذلك في رواية ابن نافع، وعليٍّ، في "المَجْمُوعَة". ورويا أيضاً مثلَ روايةِ ابنِ القاسمِ: أنَّه يأتنف حولاً قال ابن الْمَوَّاز ورَوَى عنه ابن وهبٍ أيضاً مثلَ ابنِ القاسمِ انَّه يأتنف حولاً من يومِ يقبضه وكذلك ما باعه السلطان مِن تَرِكَةٍ، وأوقفه ليَقْسِمَه. فأقام سنين. قال، عنه ابن عبد الحكم: وكذلك لو تركه للوارثِ بعد علمهِ به سنينَ لبُعدِ البلدِ أو لم يعلم به. قال عنه ابن وهبٍ: فإنْ قبضه وكيله، حُسِبَ من يوم قبضه الوكيل حولاً، وقد يُتاجر عنه الوكيل دهراً. قال عنه ابن القاسم: إن حَبَسَه عنه الوكيل سنين ثم قبضه، لم يُزكِّه إلاَّ لعامٍ واحدٍ. قال أصبغُ: بل لكلِّ عامٍ. قال محمد: بل لعامٍ واحدٍ؛ لأنَّ حبسَ الوكيلِ إيَّاه تعدِّياً ضَمِنَه به. وكذلك لو كان له عُذْرٌ من خوفِ طريقٍ، أو مغلوباً، أو غير ذلك ما لا يقدر أَنْ يأتي، ولا تصلُ أنت إليه. فأمَّا إن كان معه في بلدٍ يقدر على أخذه فتركه، فليزكه لكلِّ عامٍ. وكذلك إنْ حبسه بإذنه أو كان مُفوَّضاً إليه. وقال أشهبُ، في "المَجْمُوعَة" مثل قول ابن القاسم في الميراث. وكذلك لو كان بيدِ وصيٍّ. واختلف قولُه في قبضِ الوصيِّ: فقال ألاَّ يكون قبضاً على كيبرٍ، وقال: بل هو قبض كانوا كباراً كلهم، أو صغاراً كلهم، أو صغاراً وكباراً. قال: وإن لم يَلِ على الكبار فإنَّ له الاقتضاءَ،
والنظرَ، والبيعَ. وقال المغيرةُ: وإذا لم يَعْلَمِ الوارثُ بالميراث فوضع له القاضي المال بيد رجلٍ، فليُزكِّه لماضي السنين. وإن ضمنه لأحدٍ، فليُزكِّه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ. قال ابن القاسم، وأشهبُ: وأمَّا الثمارُ والماشيةُ، فه يؤخذُ منها كل سنةٍ. قال أشهب: ولا يزكِّي العين عن غائب. ومن "كتاب " ابن الْمَوَّاز: وإذا قبض الوصيُّ مال التركة، فقال أشهب مرة: إنَّ قبضه للأكابر بغير إذنهم، ولا يزكُّوا إلا بعد حول من يوم قبضوا. وروياه عن مالكٍ. قال ابن القاسم: ولا يُزكِّي عن الصغارِ قبل القَسْمِ. وليأتنف لهم الحول بعد القسم. وقال أشهبُ: قبضُه للصغارِ قبضٌ يُوجب الزكاةَ عليهم. محمَّدٌ: وهذا من قول أشهبَ: إنَّ قبضه للكبار قبضٌ. وقولُ ابنِ القاسمِ أحبُّ إليَّ. قال مالكٌ: وإذا لم يُزكِّ الوصيُّ عن الصغير ماله حتَّى كَبِرَ فقبضه، فليُزكِّه لما مضى.
في زكاة فائدة ما يؤخذ في صداق، أو دية أو غلة
قال ابن حبيبٍ: قال مُطرِّفُ: إن لم يعلم بالميراث فليأتنف به بعد قبضه حولاً، وإن عَلِمَ به ولم يقدرْ أَنْ يصلَ إليه فليُزكِّه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ. وإن كان يقدر على أخذه زكَّاه لكلِّ عامٍ مضَى من السنين. وإن أوْدعه له سلطانٌ بيدِ عَدْلٍ، فليُزكِّه لماضِ السنين. وإن لم يعلم به. وقاله عبد الملك، وأصبغ. وفي باب زكاة المدين العرضُ يورثُ فيُباع هل يُزكَّى؟ ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، في امرأةٍ أهدتْ إلى أمير المؤمنين هديَّةً فأجازها بمالٍ: فلا زكاة عليها فيه. قال ابن حبيبٍ: ولا زكاة في عطيَّةِ السلطانِ، وإنَّمَا كان أبو بكرٍ، وعثمان، يأخذان من الأُعطيةِ زكاةَ غير الأعطيةِ ومعاويةُ الذي زَكَّى الأُعطيةَ بعينها. في زكاة فائدة ما يؤخذ في صداقٍ، أو ديةٍ، أو غلَّةٍ من "كتاب" ابنِ الموازِ، قال مالكٌ: كلُّ ما يُؤخذ في صداقٍ، أو ديَةٍ، أو كتابةٍ، أو غلَّةِ العبيدِ، والمساكنِ، وثمن صوفِ الغنمِ، وما يؤخذ في الجراحِ والنَّفْسِ، فتلكَ فوائدُ يأتنف بها مَن أخذها
حولاً من يوم قبضها. ولو قبض عن ذلك عَرَضاً لا زكاةَ فيه، فأقامَ عنده سنينَ، ثم باعه بتأخير سنةٍ، فإذا قبض ثمنه، فلا يُزكِّيه حتَّى يأتنف به حولاً من يوم يقبضه. وصداقُ المرأةِ فائدةٌ فإن نُكحتْ على نخلٍ فيها ثمرةٌ لم تَطِبْ، يريدُ فؤطتْهَا، وقد أُبِّرتْ فزكاتها عليها. وإنْ نُطحتْ على غَنَمٍ معيَّنَةٍ، فعليها زكاتها لحولٍ من يوم العقدِ. وإن كانت عند الزوج فإنْ طلَّقَهَا قبل البناءِ، قال أشهبُ: فنصيبُ الزوج كالفائدة في الاستحسان؛ لأنَّه لم يكن ينتفع منها بغلَّةٍ. والقياس أنَّهما كالخليطين، ولا يأتنف الزوجُ حولاً. ومَن قاله لم أعِبْه عليه؛ لأنَّه كان لها ضامناً، وهذا قولُ ابنِ القاسمِ، أنَّه كالخليطِ لها. قال محمد: قولُ أشهبَ أحبُّ إليَّ؛ لأنَّ حولَهَا قد انتقضَ بعقد النكاح. ولو كان على قولِ ابنِ القاسمِ لبقيت على حولها الذي كان عند الزوجِ، وهذا ليس بقولهما، ولا قول مالكٍ. وقال سحنونٌ مثل قول ابن الموَّاز. قال محمد: والغلة قبل الطلاق في هذا بينهما. وأمَّا النفقة فقد قيل على الزوجة، وإنَّما أرى أنها من الغلة، إلاَّ أَنْ يُجاورها فلا ترجع على الزوجِ بشيءٍ وهو استحسانٌ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولو نُكحتْ على دنانيرَ معينةٍ، أو غير معينةٍ، فلا تُزكِّيها حتى تقبضها، ثم تأتنفَ بها حولاً؛ لأنها في ضمان الزوجِ، وليس القصدُ فيها التعيين.
في زكاة فوائد الغلات؛ من المساكن، والعبيد، والحيوان، وغيرها، وغلة المشترى من المساكن، والمكترى منها، وما يؤاجر به المرء نفسه
قال ابن القاسم، عن مالكٍ: وإذا وهَبْته مهرَهَا، فلا زكاة عليه فيه مَلِيًّا كان أو معدماً. وفي الجزء الثاني في باب زكاة العريَّةِ والهبةِ ذِكْرُ مَنِ انتزعَ من عبده مالاً، أو زرعاً، على مَن زكاته؟ في زكاة فوائد الغلات، من المساكنِ، والعبيدِ، والحيوانِ، وغيرها، وغلَّةِ المُشتري من المساكنِ، والمُكتَرَى منهان وما يُؤاجرُ به المرءُ نفسَه من قول مالكٍ، وأصحابه: إن غلَّةَ ما اشْتُرِيَ للتجارة أو للكراءِ، أو للقنيةِ، أو وُرِثَ، فذلك كله فائدةٌ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وما اتخذته المرأة من الحَلْيِ لتكريَه فغلَّتُه فائدةٌ وكذلك غلةُ كلِّ ما يُشترى للتجارة أو للقِنية؛ من رِباعٍ أو غيرها. قال: وأمَّا مَنِ اكترى داراً ليكريها، فما اغْتلَّ من هذه مما فيه الزكاةُ فليُزكِّه لحولٍ من يوم زكَّى ما نقد في كرائها، لا من يومِ اكتراها. وهذا إذا اكتراها للتجارة والغلَّةِ؛ لأنَّ هذا مُتَّجَرٌ. وأمَّا إنِ اكتراها للسكنى فأكراها لأمرٍ حدثَ له أو لأنَّه أُرغبَ فيها، فلا يُزَكِّي غلتها وإن كثرت إلا لحولٍ من يوم يقبضها. قال أشهبُ: لا زكاة عليه في غلَّتها، وإنِ اكتراها للتجارةِ، وغلَّةُ
ما اكترى للتجارةِ كغلة ما اشترى للتجارة كان مديراً، أو غير مدير. قال مالك: ويأتنف المدير بغلَّة ما يشتري للتجارة حولاً من يوم يقبضه، ويُقوِّمُ الرِّقابَ مع ما يُقوِّمُ لحوله، وما انتزعت من مال عبدك، فهو فائدةٌ، ولو انتزعتَ منه تمراً أو زرعاً بعد طيبهِ، فلا زكاة عليك فيه. وإن كان قبل طيبه فزَكِّهِ، وكذلك ما يؤخذ من المكاتبِ، ومن المُخدمِ. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى بن دينارٍ، عن ابن القاسمِ، فيمن أكْرَى دارَه ثلاثَ سنين بثلاث مائة دينار، فقبضها بعد ثلاث سنين، فليأتنف بها حولاً من يوم قبضها، وكذلك دِيَةٌ قبضها بعد ثلاث سنين. وغلَّةُ دُورِ التجارةِ وغيرها يأتنف بما يقبضُ فيها حولاً. قال ابن القاسمِ: إلاَّ أنْ يتركَ قبضَ كراء الثلاث سنين هَرَباً من الزكاةِ. قال أصبغُ: ليس هذا بشيءٍ وتركه أخذ ذلك هَرَباً، أو غير هَرَبٍ، قادرٌ على أخذه، أو غير قادرٍ سواء لا شيء عليه، ويأتنف من يوم قبضَ حولاً. لو باع أبواب دارٍ ابْتاعها للتجارة بعد الحولِ، لزكَّى الثمنَ مكانَه بخلاف ما اغْتلَّ منها. قال عيسى، عن ابن القاسم: ومَن أكْرَى دارَه خمسَ سنين بمائةِ دينارٍ فانْتَقَدَهَا، وحال عليها الحولُ، وليس له غيرها، فإن وقع للسَّنَةِ الماضية من
الكراء عشرةٌ بقيَ عليه دينٌ تسعونَ ديناراً، فإنْ سويتها الدارُ زكَّى المائة كلها، وإن سويتْ ثلاثين زكَّاها مع العشرة، ثم كلُّ ما سَكَنَ شيئاً زكَّى حصَّته، وذلك أنَّه قد تنهدمُ الدار فيرُدُّ ما قبضَ. وذكر ابنُ سحنونٍ، عن أبيه مثله سواءً. وذكر عنه العتبيُّ، وابن عبدوسٍ، أنَّه قال: بل يُزَكِّي المائة كلها، والهَدْمُ طارئٌ. وقد تستحقُّ أيضا السلعةُ التي باع فلا ينظرُ إلى هذا. قال في "المَجْمُوعَة": لا أبالي سَوِيَتِ الدارُ الكراءَ، أو لم تَسْوِه، كما يُزكِّي ثمنَ ما باع من السِّلعِ وقد تستحقُّ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومَن آجرَ نفسه ثلاثَ سنينَ بستِّينَ ديناراً، وقبضها ومضتْ سنةٌ، فليُزَكِّ عشرين فقط، إلاَّ أنْ يكونَ له عَرْضٌ يفي بما بَقِيَ فيُزكِّيه. وكان قد قال محمد: إنْ لم يكن له عَرَضٌ أَنْ يُزكِّي تسعةَ عشرَ ونصفاً أيضا، ويجعل بدلها بقيَّة العشرين التي زكَّى ثم رجع عنه، وقال: أستحسنُ أن لا يجعل ما زكَّى من العين في ديته، والأول هو القياس. قال أبو محمد: وينبغي على قول سحنون أَنْ يُزكِّيَ الجميعَ كما قال في الدار. ومن "كتاب" ابنِ سحنون، قال مالكٌ، فِي مَنْ آجرَ نفسه سنةً بمائتي درهم وانتقدها قبلَ يعملَ شيئاً: فليأتنف بها حولا من يوم قبضها.
قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ، فِي مَنِ اكترى داراً سنة بمائةِ دينارٍ – قال أبو محمد: يريدُ التجارةِ – ثم أكراها سنة بمائتين فقبضها لتمام حولٍ: فليُزكِّ المائتين. وقاله ابن القاسمِ، في "المَجْمُوعَة"، وقال: إذا لم تكن المائة التي اكترى هو بها عليها دَيْنٌ، أو كانت عليه وعنده بها وفاءٌ، وإلاَّ فليُزكِّ المائةَ. قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغُ: إذا لم تكن المائة عليه دَيناً، أو كانت عليه وعنده بها وفاءٌ، فليُزكِّ ما قبض مكانه لتمام الحولِ. قال: ويُزكِّي لتمام أربعة اشهرٍ من يوم اكترى كلَّما مضى شهرٌ أخرج زكاة ثمانية دنانير وثلث حصَّةِ الشهرِ من ثلثي المائة التي لم تُزَكِّ. قال أبو محمد/ هكذا وقع كلامُ أصبغُ في "كتاب" ابنِ الموازِ: وأراه قد سقط منه شيءٌ، وأرى أنَّ الذي سقطَ أو معناه: فإنْ كان تمامُ الحولِ لأربعة أشهر من يوم اكتراها، يريد: حولَ المائة، التي نقد فليُزكِّ حينئذٍ مائةً وثلثَ المائة؛ لأنَّه وجبَ للأربعة أشهرٍ الماضية، وهي ثُلُثُ السنةِ ثلثُ المائتين، وعندَه ما يَسْوِي ثلثَ المائتين أيضا، وهو كراءُ الثمانية أشهرٍ الباقية على حساب ما اكْتَرَى هو بمائةٍ في السنةِ فله
عهدة ذلك على المُكري فيُزكِّي لهذا مائةً وثلثاً، ويبقى عليه ثلثُ مائةٍ، فإنَّه لا وفاء له بها. فكلما مضى له شهرٌ، زَكَّى حصَّته من الثلثي مائةٍ الباقية. وقال محمد: ومَنِ اكترى داراً سنةً بمائةٍ ليكريها فنقد المائة وليس له غيرها، وقد مضى من حول المائة ستة أشهرٍ، ثم أقامت الدارُ بيدهِ شهرين، ثم أكراها بمائتي دينار نقداً، يريد محمد: بقية السنةِ، وهي عشرة أشهر – وقبض المائتين. قال: فإنَّه إذا مضى من العقدِ. يريدُ: من عقده مع مكتريها منه – أربعة أشهر – يريدُ: وهو تمام حوله – زكَّى ما استحقَّ وهو ثلثا مائةٍ فثلث مائةٍ رأس مالِه، وثلثُ مائةٍ ربحٌ. فقال محمد: يُزكِّي ثلثي مائةٍ لا يعتدلُ؛ لأنَّه أكراها بعد شهرين من السنةِ فكانَّه إنَّما أكراها العشرة أشهرٍ الباقية له فيها، فإذا مضى أربعة أشهرٍ من العشرة إلا شهراً التي أكراها هو وفاءَ حولِ مائته التي نقد، فإنما تقع الأربعة الأشهر خُمسا المائتين؛ وذلك ثمانون ديناراً. قال ابن الْمَوَّاز: ولم آمره أَنْ يُزكِّيَ الباقيَ الذي هو كالدَّيْنِ عليه وإن كان عندَه منه عَوِضٌ من ماله في الدار على مُكتريه؛ لأنَّه لم يَحُلْ عليهن ولا له بيده حقٌّ ولا تمَّ الأجلُ فيستوجبه ولكن كلَّمَا مضى من السنةِ شيءٌ زكَّى حصَّته وهو يقع لكلِّ خمسةَ عشرَ يوماً ثمانيةَ
في زكاة الغلات وأثمانها وذكر ما يؤخذ فيها من عوض، أو في الأشياء الموروثة والمقتناة من ثمر، وكيف إن بيعت الثمار مع الرقاب أو بعد أن حرث، أو صوف الغنم
دنانيرَ وثلثاً، فإنْ صعُبَ عليه إحصاءُ ذلك زَكَّى لكلِّ شهرٍ تسعة عشرَ إلاَّ ثلثاً، وإلاَّ فبقدر ما يُحْصَى ويُقدِّرُ. قال (أبو محمد): والذي قال محمد، من هذا لا يصحُّ إلا على كِرَاءِ سنةٍ، وهو لم يكُنْ بها سنةً إذا لم يَبْقَ له فيها إلاَّ عشرةَ أشهرٍ، وقوله: إنَّه لا يُزكِّي من حصته ما لم يسكنْ، شيءٌ لا يتبينُ؛ لأنَّه عندَه وفاءٌ بما بقي عليه من لحوقِ ديتِهِ بانهدام الدار وربح المال منه، فأمَّا أنْ يعتبرَ بهذا على هذا كما قال أصبغُ، وإلاَّ زكَّى الجميع على قول سحنونٍ، لنَّ الهدمَ أمرٌ طارئٌ. قال في "كتاب" ابنِ سحنونٍ، ونسبه لبعض المدنيين، فِي مَنِ اشترى بما على مُكاتبه بزًّا للتجارةِ ثم باعه بعد سنينَ: إنَّه يُزكِّي الثمنَ لحولٍ واحدٍ. وقيل: إنَّما هذا إن كلن المكاتبُ اشتراه سيِّدُه، وأمَّا إنْ كان عندَه بميراثٍ أو فائدةٍ فلا يُزكِّي حتَّى يأتنفَ بالمالِ حولاً. وهذا خلافُ مالكٍ وابنِ القاسمِ، والكتابةُ عندهما عِلَّةٌ وكذلك ما أُخذَ منها. في زكاةِ الغلاَّتِ وأثمانها وذكر ما يؤخذ فيها من عِوَضٍ، أو في الأشياءِ الموروثةِ والمُقتناةِ من ثمرٍ، وكيف إنْ بيعتِ الثمارُ مع الرِّقابِ أو بعدَ أن حرثَ، أو صوفِ الغنمِ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وعليٌّ، وابنِ نافعٍ، عن مالكٍ،
فِي مَنْ باع ثمرةَ نخلٍ ابتاعها للتجارةِ بعد أنْ زكَّى الثمرةَ: فليأتنف بثمنِ الثمرةِ حولاً من يوم يقبضه، ولو باع الرقاب بعد ذلك، فحولُ ثمنها حولٌ آخرُ، من يومِ زكَّى ما ابتاعها به، أو أفاده. قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ: ولو ابتاع زرعاً للتجارةِ، يريدُ مع ارضه، فزكَّاه ثم باعه، فليأتنف بثمنهِ حولاً من يوم يقبضه. قال ابن نافعٍ: وهذا إن كان حين ابتاعه مع الأرضِ، لم يبْدُ صلاحه. قال ابن القاسم، وأشهبُ: ويُقوِّمُ المديرُ رقابَ نخلةٍ ولا يُقوِّمُ الثمرةَ. قال أشهبُ: وكذلك صوفُ الغنمِ كانت للقنيةِ، أو للتجارةِ، ولو باعها والصُّوفُ عليها زكَّى جميع الثمنِ، يحولُ ثمنُ الرِّقابِ إنْ كانت للتجارةِ، وإنْ جَزَّه ثم باعه معها، فظنَّ الثَّمنَ، فما وقفَ للصُّوفِ ائتنفَ به حولاً. ولو باع النخلَ بثمرها المُزهِي أو باعها معها بعد أن جَزَّهَا، فليُزَكِّ خَرْصَ الثمرةِ زكاة الثمرِ، ويُزَكِّ ثمن النخلِ لحولِ أصلها، ويأتنف بما يقع للثمرةِ حولاً من يوم يقبضه. قال في كتاب ابن الْمَوَّاز: بعد فضِّ الثمنِ، على الثمرةِ، وعلى الرقاب. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة": إذا باعها بثمرها بعد زهوها. قال: ولو باع الجميع بعَرَضٍ لنَظَرَ إذا باع العَرَضَ حصةَ الأصولِ، فزكَّاهَا خاصَّةً. قال أصبغُ: فإنْ باعها مع الأصلِ، قبل طيبها، زكَّى جميعَ الثمرِ، لحولِ المالِ، وتصيرُ كصوفِ الغنمِ ومالِ العبدِ، فإنِ انتزعَ
مالَه قبل الحولِ، صار له فائدةٌ. قال: ولو اشترى شجرَ جَوزٍ، وشبهه ممَّا لا يُزكِّي، فباعها بثمرها بعدَ طيبهِ، لزكَّى جميعَ الثمنِ، لحولهِ. ولو جزَّه صار كالغلَّةِ، لا يُزكِّي ثمنَه، وإن باعه مع الأصول في صفقةٍ، ويأتنف بحصته حولاً، وكذلك بيعه لصوفِ الغنمِ بعد الجزِّ مع الرقابِ. قال أشهبُ: ولو لم يَجزها، زكَّى ثمنَ الجميع. قال ابن سحنون، عن أبيه في الغنمِ: وإنِ اشتريتْ للتجارةِ فما بيعَ من صوفها فائدةٌ مثلَ غلَّةِ الدُّورِ للتجارة، إلاَّ أنْ يبيعَ الغنمَ وصوفها عليها، فليُزكِّ الثمنَ كله للحولِ من يوم زكَّى ثمنها، ولو باعه معها بعد أنْ جَزَّه، لم يزكِّ حصَّةَ الصوفِ من الثمن. ومن "كتاب" ابن سحنون، قال مالكٌ: ليس في رِسْلِ الغنمِ صدقةٌ، وأنَّ عليها الحول، وذلك ما يباع من صوفها ولبنها وسمنها وجُبنها وشَعرها ووبرها، وشبه ذلك، ويؤتنف بثمنهِ حولاً. وقال أشهب في "المَجْمُوعَة": ولو اكترى أرضاً للتجارةِ، واشترى حِنطةً فزرعها للتجارةِ، فزكَّى الحَبَّ لحولٍ أو لأحوالٍ فلا يزكِّيه، وليأتنف بثمنه حولاً من يوم يقبضه، كان مديراً أو غير مديرٍ. وقال ابن القاسمِ: يُزكِّي ثمنَ الحَبِّ إذا قبضه إلاَّ أن تكون الأرض لهن أو زرعه في أرضِ الكراءِ لقوتهِ، ولو كان مديراً ولم يبعه، وله مال سواه يُزكيه، فليُقَوِّمِ الحَبَّ ويُزكِّه لحولٍ من يومِ زكَّاه حَبًّا، وكذلك حول ثمنه إنْ باعه
ولا يحسب زكاته لحول إدارته، وأما الذي لا يدير فلا يزكِّيه إلا بعدَ بيعه وقبضِ ثمنه، فيزكيه لحول من يوم زكاه حبًّا. قال ابن نافع، وعليٍّ: قال مالك: ومَن جمعَ مِلحاً كثيراً ثم باعه بعد سنين، فليأتنف حولاً. قالا عن مالكٍ: ومَن ورث عَرَضاً، ثم باعه بعرَضٍ للتجارةِ، أو باع طعاماً من زرعه بعرضٍ للتجارة، فلا زكاة عليه في ثمنِ العَرَضِ، إن باعه حتَّى يحولَ عليه الحولُ من يوم باعه – يريدُ: وقبض ثمنه. قالا عنه: ولوِ اشترى بما على مُكاتبه بُرًّا للتجارةِ ثم باعه بعد أعوامٍ، أنَّه يزكِّي الثمن حين يبيع البُرِّ زكاةً واحدةً – يريدُ إذا قبضه – وفي باب المدير ذكر من ورث عرضاً ثم باعه بدَينٍ أو بنقدٍ والاختلاف فيه. قال سحنونٌ في "كتاب" ابنِه: وقيل إنَّما هذا على أنَّ المُكاتب اصلُه للتجارةِ، فأمَّا إن كان للقنيةِ، فليأتنف بالثمنِ حولاً من يوم يقبضه. وقد تقدمت هذه المسألة. قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" فِي مَنِ اسْتُهلكتْ له سلعةٌ للقنيةِ فأخذ في قيمتها سلعة للتجارة، فإنَّه إنْ باعها لحولٍ من يوم أخذها فليُزكِّ ثمنها.
في العبد يعتق والنصراني يسلم هل عليهما زكاة في مال أو ثمرة أو حب أو غير ذلك؟
في العبد يُعتقُ والنصرانيِّ يُسلِمُ هل عليهما زكاةٌ في مالٍ أو ثمرةٍ أو حَبٍّ أو غير ذلك؟ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز قال مالكٌ: وإذا أعتق العبدُ وأسلمَ النصرانيُّ فمالهُ كالفائدةِ. قال في " كتاب" ابن سحنونٍ: كان عيناً أو غنماً أو تمراً. قاله مالكٌ في "كتاب" ابن الموازِ، ونحوه في "كتاب" ابنِ سحنونٍ: وما كان له من ثمرةٍ مَزْهِيَّةٍ أو زرعٍ قد طاب، فلا زكاة فيه. قال سحنونٌ: ولا في ثمنهِ. قال مالكٌ: وما لم يَطِبْ من ثمرةٍ أو زرعٍ، فليُزَكِّياه لطيبهِ، وكذلك المُدبَّرُ وأمُّ الولَدِ إذا أُعتقا، وعليهم أجمعُ زكاة الفطرِ، إنْ وقع العتقُ والإسلامُ يومَ الفطرِ، في أنفسهم، وعبيدهم المسلمين. قال مالكٌ: وهو في المعتقِ آكدُ منه فِي مَنْ أسلمَ، والأُضحيةُ فيهما أبْيَنُ. ورُوي عن مالكٍ، في زكاة الفطر، عن من أسلمَ يومَ الفطرِ، أنَّها أحبُّ إليه. وقال أشهبُ، في المعتق يوم الفطر: يزكِّي عن نفسه، ويُزكِّي عنه سيده. في زكاة مال المفقودِ والصبيِّ والمجنونِ والأسير من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهبُ: وتُزكَّى أموالُ المجانينِ، كالصبيانِ. وإذا كان وصيُّ اليتيمِ لا يُزكِّي مالَه، فليُزكِّه
باب في زكاة المال اللقطة أو الوديعة أو المدفون أو المغصوب
اليتيمُ، إذا قبضه لماضي السنين – يريدُ، ولو كان الوصيُّ يُسلفه سنين لم يُزكِّه إلاَّ لعامٍ واحدٍ من يومِ ضمنه الوصيُّ. وقد ذكرنا في باب الفائدة بالميراث زكاة الوصيِّ عن الأصاغر العينِ، وإنَّما هذا في معنى قولهم: إذا لم يَخَفْ أنْ يُتعقَّبَ بأمرٍ، وكان يُخالفه ذلك، فأمَّا إن لم يخف له، وهو لا يأمنُ أنْ يُتعقَّبَ بأمرٍ لاختلاف الناسِ في زكاةِ مالِ الصبيِّ العين فلا يزكِّي عنه، كما قالوا: إذا وجد في التركة مسكراً، وخافَ التَّعَقُّبَ فلا يكسره. قال ابن حبيبٍ: وليُزَكِّ وليُّ اليتيمَ ماله، ويُشهِدْ، فإن لم يُشهد وكان مأموناً، صُدِّقَ، وإن استنفقَ مالَ يتيمه، وله به فلاءٌ، وخافَ أنْ يُغرَّرَ له به، فلا بأس بذلك، وقال القاسمُ بنُ محمدٍ، وكان ابنُ عمرَ يُسلِفُه ويسْتَلِفُه، وإذا لم يكن له فلاءٌ فلا يُسلفه. قال ابنُ القاسمِ في "المَجْمُوعَة": وتُزكَّى ماشيةُ الأسيرِ والمفقودِ وزرعهما، ونخلهما، ولا يُزكَّى ناضحهما، يريدُ: لما عسى أنْ يكون لهما عذرٌ يسقطها، ولا يُسقطُ بذلك في غير العين، وأمَّا غيرُ العينِ مِن ماشيةٍ أو حَبٍّ أو ثمرٍ، فيُزكِّي عن من ذَكَرْنَا من صبيٍّ وغيرِه بكلِّ حالٍ. باب في زكاة المال اللُّقطةِ أو الوديعةِ أو المدفونِ أو المغصوبِ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، وعليٍّ، عن مالكٍ، فِي مَنْ ضاع
له مالٌ، فرجع إليه بعد أعوامٍ: فلا يزكِّه إلا لهام واحد. قال عنه ابن نافعٍ: وكذلك الودائعُ واللُّقَطَةُ والمال المغصوبُ يرجع. وقال المغيرةُ في اللقُطة ترجع إلى ربِّها بعد سنينَ: فليزكه لكل سنةٍ، كالمال يدفنه في بيتهِ، ثم يَضِلُّ عنه مكانه. وقال مثله ابن سحنونٍ عن أبيه. وقاله في الذي دفنَ مالاً ونَسِيَ موضعه. قال ابن القاسم: ثمَّ وجده. وذُكِرَ عن ابن القاسمِ فيه، إنْ نَسِيَ موضعه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، وابنِ وهبٍ، عن مالكٍ، في ملتقطِ اللُّقطةِ تُقيم عنده سنين لا يريد أكلها ولا صدقتها. فلا زكاة عليه فيها، فإنْ رجعتْ إلى ربِّهَا، فليُزكِّهَا لعامٍ واحدٍ، وكذلك إنْ حَبَسَهَا ليتصدَّقَ بها عن ربِّهَا، فإنْ حبسها ليأكلها، فليُزكِّها لحولٍ من يومِ نَوَى ذلك، إنْ كان له بها وفاءٌ مِن عَرَضٍ، ثم إنْ أخذها ربُّهَا بعد أعوامٍ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ. قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة": إذا عرَّف بها سنةً، ثم نوى حبسها لنفسهِ للحديثِ، فإن لم يُحرِّكها فلا زكاة عليه فيها، فإنْ
حركها فمن يومئذٍ دخلت في ضمانه، ويُزكِّي على حولٍ من يومئذٍ، وذُكِرَ مثله في "كتاب" ابنِ سحنونٍ: وقال: فإنْ حبسها لنفسهِ بعد تعريفِ سنةٍ، فأقامت عندَه بعد ذلك حولاً لا يُحرِّكها، قال: لاا يُزكِّيها؛ لأنَّه لم يضمنها لذلك حَّى يُحرِّكها. قال سحنونٌ: لا ادري ما هذا. وقد قال المغيرةُ، في ملتقط اللُّقطَةِ: يترك أَنْ يعرِّفَها، وأخفاها؛ لأنْ تخفى له ثم تلفتْ عنده، أنَّه يضمنها حين أراد أكلها، ولا زكاة على ربِّهَا، إذا ظهرت على ذلك منها، قال: فإذا ضمنها بهذا لزمته الزكاة، فكذلك الذي أجمعَ على حبسها لنفسهِ بعدَ تعريفه سنةً بها منه أخذاً بالحديث، في قولهِ: "وإلا فشأنك بها" فقد ضمنها وعليه زكاتها، إن كان عنده عَرَضٌ مثلُ كَفَافِ دَيْنِهِ، وقال: فإنْ أنفقها بعد الحولِ ثم مات، قال: تخرج من ماله وإن لم يوص بها، ويُحاصُّ بها غرماؤه، ثم يضعها الإمام بيدِ مَن يرضاه من ورثته أو غيرهم موقوفة لصاحبها، ما رُجيتْ له حياة. قال سحنونٌ: هذا يدلُّكَ أنَّ حكمها حُكمُ الدَّيْنِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز قال مالكٌ: مَن غُضِبَ له مالٌ، أو ظُلِمَهُ، أو سقطَ منه أو ضاعَ، ثم وجده بعد أعوامٍ، فليُزكِّه لعامٍ واحدٍ. وقاله ابنُ القاسمِ، وأشهبُ، وغيرهما من اصحاب مالكٍ. وهو قول مالك. وأمَّا لو دفنه أو رفعه فنسيَ موضعه ثم وجده بعد سنين، فليُزكِّه لكل سنةٍ، قاله مالك. قال محمدٌ: إلاَّ أنْ يدفنه في صحراءَ، أو في موضعٍ لا يُحاطُ به، فهو كالمغصُوبِ والتالفِ. فأمَّا في البيتِ والموضعِ الذي يُحاطُ به، ثم يجده في موضعه فليُزكِّه لكل عام. ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنون، في اللقطة مثلَ قول المغيرة: إنَّه
كالمالِ المدفونِ، إلاَّ أنْ يتسلفه ملتقطه فيصير كالدَّيْنِ، وكذلك الوديعة. قال أشهبُ: ويُقبل قولُ المُودعِ والملتقطِ انَّه يتسلّفُ ذلك، أو تركَ، ولو أسلفها المُودع لغيره، صارتْ كالدَّيْنِ، قال سحنونٌ، عن المغيرةِ: فإن لم يعرِّف بها ملتقطها، وأخفاها لتبقى له، فهو لها ضامنٌ، فإن أخذها ربُّها بعد أعوامٍ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ، وإن لم يفعل هذا ولا أراد بها هلاكاً ولا أنْ يتسلفها، فليُزكِّ ربُّها عن كل عامٍ. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: لا يُزكِّي المودع زكاةَ ما أودعَ. قال محمد: وزكاتها على ربِّه إن حال الحولُ. قال ابن حبيبٍ: وإذا أنفقه من هو بيده، وعَلِمَ ربُّها بذلك، فذلك كالدَّيْنِ يُزكِّيه ربُّه إذا قبضه. ومَن غُصِبَ منه ماله، فكان يرجوه أو يئسَ منه، فأقام سنين، ثم رُدَّ إليه بطَوْعٍ أو بحكمٍ، فلا يُزكِّيه ولا لعامٍ واحدٍ، وليأتنف به حولاً. قاله مالك، بخلاف الدين وذكر ما رُوِيَ في "الموطأ" من زكاةِ المالِ الذي أخذه بعضُ الولاةِ ظلماً، ثم رَدَّه فلم يأخذ بما روي فيه. قال ابن حبيبٍ: وقوله في الحديثِ؛ لأنَّه قد كان مالَ ضمانٍ يُرتجى
في زكاة المال يبضع أو يوهب أو يعزل لشراء قوت وكسوة
المال الذي لا يُرجَى يُحبسُ عن صاحبه كرهاً، وما رُجيَ من الدَّيْنِ فليس بضمانٍ. وقال عن مالكٍ: وإذا دفنَ مالاً ونَسِيَ موضعه، ثم وجده، فليُزكِّه لماضي السنين، لأنَّه عرَضٌ به التلف، بخلاف ما يسقط منهن قال: وما سقطَ منه، فإن كان راجياً له بأسباب تُقوِّي رجاءَه، حتَّى اتَّصلَ ذلك بوجودهِ، فليُزكِّه لعامٍ واحدٍ، وإنْ كان على إياسٍ ائتنف به حولاً. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، مَن غُصِبَتْ ماشيته فرُدَّتْ إليه بعد اعوامٍ، فقال ابن القاسمِ: لا يُزكِّيها إلا لعامٍ واحدٍ كالعينِ. قال أشهبُ: إنْ كانت السُّعَاةُ تزكِّيها أجزأه، وإلاَّ وَدَى عنها لكل عامٍ على ما يُوجد عنده، وكذلك مَن غُصِبَتْ منه نخلةٌ، ثم رُدَّت إليه واخذ ثمرتها كلَّ عامٍ، فإن لم يُزكِّ فليزكها، والعين ليس له أَنْ يطلبَ الغاصبَ بربحهِ. ومَن له خمسٌ من الإبلِ فُقِدَ منها بعيرٌ، ثم جاء المتصدِّقُن فلا شيء عليه. قال ابن القاسمِ: فإنْ أخذه بعد ذلك زكَّاه مكانه، ثم يكون من يومئذٍ حوله. قال محمد: وأحبُّ إليَّ إن كان أيسَ منه أنْ يأتنف به حولاً. من يوم أخذه، وإن كان على رجاءٍ منه، زكَّى للعام الأولِ. وكذلك العبدُ في زكاةِ الفطرِ، أنَّه يُزكِّي عن الآبقِ المرتجى، ولايُزكِّي عن الآخر. في زكاةِ المالِ يُبْضَعُ أو يُوهَبُ أو يُعْزَلُ لشراء قوتٍ وكسوةٍ ومن "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ، عن مالكٍ، فِي مَنْ بَعَثَ بمالِ الشراءِ
طعاماً لقوته، فأخذه الحَوْلُ قبل يشتري به، فإنَّه يُزكِّيه. قال ابن نافع في "المَجْمُوعَة": وإنْ جاءه الطعام وهو كثير لالا ينفعه مثله في خمسِ سنينَ، وشبه ذلك، فإنَّه إذا باع بعدَ الحولِ ما يُجاوزُ قوتَ مثله، زكَّى ثمنَه. قال سحنونٌ في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسمِ، ومَن بعثَ بمالٍ على أفريقيةَ فحلَّ حولُه، فإنْ لم يعلمْ حاله ولا كم هو أخَّرَ حتَّى يقدَمَ فيُزكِّيه، لما مضى. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ذُكِرَ عن مالكٍ، في مالِ القراضِ، إذا كان العاملُ غائباً عنه ببلدٍ بعيدٍ لا يدري ما حاله ولا حال ما في يديه ولا ما حدثَ عليه، فلا يُزكِّي حتى يعلم ذلك، أو يرجع إليه. قال: بمنزلة المدير يُجَهِّزُ على بعض البلدان، فيأتي شهرُ زَكَاتِهِ، ولا يدري ما حال مالِهِ فلا يُزكِّيه حتى يرجع إليه، أو يأتيه علمه بالأمنِ عليه، فيركيه لماضي السنين، وقاله أصبغ. ومن "العُتْبِيَّة" من سماع ابن القاسمِ، ومَن بعثَ بعشرةِ دنانير لشراء ثوبٍ لزوجتهِ، فحلَّ حولُه قبل الشراءِ، فليُزكِّه. قال أصبغُ: ولو أشهدَ بذلك حين بعثه، لم يزكِّ، ولو مات كانت لمن أشهد له، وكذلك لو أبطأ عنه الساعي، فعزل ضحايا لأهلهِ، وأشهد عليها، فلا يُزكِّيها إن
في زكاة المال يفاد شيئا بعد شىء، وحكم الفوائد في أحوالها ونمائها، وما يضم منها بعضه إلى بعض
جاء الساعي، وإن لم يكن أشهد فليُزكِّهَا. رواه أبو زيدٍ. قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ: ومَن تصدَّقَ بمالٍ على رجلٍ وعزله له، فإن لم يقبله زكَّاه ربُّه لماضي السنين، وإن قبله استقبل حولاً، ولم يُسقطْ منه الزكاة، يريدُ: فيما مضى. وفي "كتاب" ابنِ سحنون: إن قبلها ائتنف المُعطِي بها حولاً، ويسقُطُ منها زكاة ما مضى، وإن لم يقبلها، زكَّاها ربُّها لماضي السنين. في زكاة المالِ يُفاد شيئاً بعد شيءٍ، وحكم الفوائدِ في أحوالها ونمائها، وما يُضَمُّ منها بعضه على بعضٍ ومن قولِ مالكٍ، وأصحابه: مَن أفاد مالاً بعد مالٍ، فإنَّه إن كان الأوَّلُ ليس فيه ما يُزكِّي، فهو يضمُّ إلى ما بعده، حتَّى يبلُغَ عِدَّةَ مالِ الزكاةِ، ثم ما أفاد بعد ذلك، كان له حَوْلٌ مؤتنفٌ. فإنْ كان المالُ الأوَّلُ فيه الزكاةُ، فلكلِّ ما أفيدَ بعده حولٌ مؤتنفٌ، وإنْ كثرت الفوائد حتى يضيقَ عليه أَنْ يُحصِيَ أحوالَهَا، فليضم الأول إلى ما بعده من الفوائد مما يَخِفُّ به عليه إحصاءه أحواله، حتى يصيرها على حولين أو ثلاثة، ونحوه مما يَقْدِرُ، أَنْ يحصيه، فإن لم يكن ذلك، صَعُبَ عليه ضَمُّ جميعها على
آخرها. وأمَّا فيما يكثرُ عليه من تقاضي الديونِ، فليضم آخر ذلك على أوَّله. وكذلك قال سحنونٌ، وغيره. من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومَن أفادَ عشرة دنانير فأقامت بيدهِ ستةَ أشهرٍ، ثم أفاد عشرة فأكثر، فليضم الأولى إلى الآخرة، فإن تَجَرَ في الأولى فصارت عشرين ديناراً قبل حول الثانيةِ بشهرٍ، فليُزكِّ الولى مكانه بربحها، ويُزكِّ الثانية لحولها، وإنْ قلَّتْ فإن أنفقها قبل حولها، فلا شيء عليه، ولو أنفق الأولى بعد حولها قبل أن تبلغ عشرين ديناراً، ثم حال حولُ العشرةِ الثانيةِ، فقال أشهبُ/ يُزكِّي عنها وعن التي أنفق، لأنَّا إنما أجزنا زكاتها خوفاً ألاَّ تبلغ الثانية إلى حولها. وقال ابنُ القاسمِ: لا يزكِّي الثانية كانت الأولى مزكاة أو لم تكن، إلاَّ أنْ تبقى الأولى، أو يبقى منها ما لو ضُمَّ إلى الثانيةِ بلغَ مال الزكاةِ، فليُزكِّ الثانية مع الأولى إلا أَنْ يكون زكَّى الأولى، فليُزكِّ الثانية فقط لحولها، وإذا كان يُزكِّي الفائدتين، كل واحدةٍ لحولها، ثم رجع إلى ما لا زكاة فيه لو جُمعا، فإنْ جمعهما حولَ آخرهما، وهما ناقصان، بطَلَ أنْ يكون لهما حولانِ، بعد ذلك، -يريد وإن نميا – ولو تَجَرَ في ألأولى، فصار فيها الزكاة قبل أَنْ يجمعهما حول، فليزكيها حينئذٍ، وينتقل حولها إلى هذا الوقت، ثم إذا حلَّ حول الثانية زكَّاها إذا كان فيها، وفي الأولى ما في
مثله الزكاةُ، وكذلك لو جمعهما في تجارةٍ فَرَبِحَ فصار ما في الزكاة، قبل حول الثانية فليقضِ الربحَ عليهما، ثم يزكِّي كل مالٍ لحولهِ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ أفادَ عشرينَ ديناراً، ثم عشرين بعد ذلك: فليُزكِّ كل فائدةٍ لحولها، فإن نقصتات أو نقصت إحداهما بعد أن زكَّاها للحولين، فإنَّه يبقيان كذلك، يُزكِّي كلَّ مالٍ لحوله ما دام فيهما إذا جمعا ما فيه الزكاة، وإنْ حلَّ حولُ الأولى، وليس فيهما ما فيه الزكاة، فلا يُزكِّي شيئاً، ثمَّ إن نما أحدهما قبل حول الثانية، فصارت مع الأخرى ما فيه الزكاة، فليُزكِّ الأولى حينئذٍ، وينتقل حولها إلى اليوم، ويبقى حول الثانيةِ. ولو لم يربح شيئاً حتَّى حلَّ حولُ الثانيةِ، صار حولهما واحداً. وقاله كله مالك. وكذلك في "كتاب" ابن حبيبٍ، و "المَجْمُوعَة". ومن "كتاب" ابن سحنون، ومن أفاد خمسة عشر ديناراً، ثم على ستَّةِ أشهرٍ أفاد ثلاثة دنانير فخلطَ المالين، ثم أخذ من جملتها ثلاثة فتجر فيها فربح ثلاثة، فليقسم الربحَ على المالين فينوبُ الخمسة عشرَ ديناران ونصفٌ، والثلاثة نصف دينارٍ، ويبقى المالان على حولهما. يريدُ: حول آخرهما. ولو ربح ستة دنانير، وقع للمالِ الأول خمسةٌ فيصير بربحه ما فيه الزكاة، فيزكيه لحوله، والمالُ الثاني لحوله يريد إن كان هذا الربح قبل أنْ
يضمهما حولُ آخرهما. قال: ولو أخذهما حولٌ من يوم خلطهما –يريد أو أخذهما حولُ الآخرةِ – وإن لم يمضِ لتاريخِ خلطهما حولٌ. قال: فلا يرجعانِ إلى حولينِ، ويبقى حولهما واحداً. ولو تجرَ في أحد المالين فربح فيه ستة دنانير، ثم لم يدرِ أيهما هو، فليزكيهما على حولِ آخرهما، ولا يقضه بالشكِّ فقد يُزكِّي للأول قبل حوله. ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنون: ولو بلغت الفائدة الأولى ما فيه الزكاة، فزكاها لحولها ثم اقرضها رجلاً، أو اشترى بها سلعة للتجارة، ثم حلَّ حولُ الثانية، ولا زكاة فيها – أراه يريدُ: وليس بمديرٍ – قال: فلا يُزكِّي إلا أنْ يقبضَ من ذلك الدَّيْنِ، أو يبيع من تلك السلعة ما إن ضمَّه على الثانيةِ بلغَ ما فيه الزكاة، فليُزكِّ الثانية لحولها ولا يُزكِّي ما اقتضى أو باع، إلا لحوله من يوم زكاه. قال ابن القاسم: وإن انفق الأولى، وليس في الثانيةِ ما فيه الزكاة، وثَمَّ فائدةٌ ثالثةٌ، فليضمَّ الثانية إلى حول الثالثة، فإذا حلَّ زكَّاها إن بلغا ما فيه الزكاة، ولو بقيَ من الأولى التي زكاها خمسةٌ والثانية عشرةٌ والثالثة خمسةٌ، فليُزكِّ الثانية مع الثانية لحول الثالثة، وهما خمسة عشرَ، وتبقيةُ الأولى التي زكَّاها تمامُ ما فيه الزكاة، ولا يُزكِّي بقية الأولى الآمن لأنَّه لا يُزكِّي مالٌ في حولٍ مرتين.
قال غيره: إلاَّ أَنْ يدورَ على بقية الأولى حولٌ يوافق حول الثالثة، فليُزكِّ الجميع لوقتٍ واحدٍ. قال أبو محمد: إذا كانت الأولى عشرين، والثانية والثالثة عشرة عشرة، فزكَّى الأولى لحولها، ثم رجعت إلى خمسةٍ قبل حولِ الثانيةِ، ثم جاء حول الثانية فلا يُزكِّيها حتى يبقى من الأولى عشرةٌ فأكثرُ، أو تصيرَ الثانية خمسةَ عشرَ، وأمَّا لو جرتِ الزكاة في جميع هذه الفوائد فزكَّاها ثم صارت ألأولى خمسة، فليزكِّ الثانية، وكذلك الثالثة ما دام في جميع الثلاثة ما فيه الزكاة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومَن أفاد خمسين ثم عشرة بعدها، فزكَّى الخمسين لحولها، ثم أتلفها قبل حولِ العشرةِ، ثم جاء حولُ العشرةِ، فلا يزكيها إلا أَنْ يبقى من الخمسين عشرة فأكثر، بخلاف أنْ لو كانت العشرة في دَينٍ له، أو عَرَضٍ له حولٌ فأكثر، قبل يزكِّي الخمسين، فهذا يُزكِّي العشرة إذا قبضها بعد حول الخمسين وإتلافها، إلا أنْ تتلفَ الخمسون قبل حول العشرة.
في زكاة الدين وما يتفاوت قبضه منه، أو من بيع العرض، وزكاة ما يقارن ذلك من الفوائد باتفاق حول أو اختلافه، وزكاة الدين قبل قبضه، والعرض قبل بيعه
في زكاةِ الدَّيْنِ وما يتفاوت قبضه منه، أو مِن بيعِ العَرَضِ، وزكاة ما يقارن ذلك من الفوائد باتِّفاقِ حولٍ أو اختلافه، وزكاة الدين قبل قبضه، والعرضِ قبلَ بيعه من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و"المختصر" قال مالكٌ: ومَن له دَيْنٌ لي سله غيره، قد مضى له حولٌ فأكثرُ، فكان يأخذُ منه ديناراً بعد دينارٍ، فينفقه أو يسلفه، فلا يُزكِّي حتى يقبضَ تمام عشرين ديناراً فيزكِّي عن عشرين، ثم يزكِّي كل ما يقبض وإن قلَّ، وحولُ ما يقبض بعد العشرين من يوم يقبضه، فإن كَثُرَ عليه فلم يحصه، فليرد ما شاء منه إلى ما قبله. قال في "المختصر": وكذلك ما بيعَ من عروضه شيئاً بعد شيءٍ يكثُرُ عليه، فليضمَّ ما شاء من ذلك إلى ما قبله كالدَّيْنِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وأمَّا في كثرةِ الفوائد شيئاً بعد شيءٍ فيختلط عليه، فليَرُدَّ الأول إلى الآخر، ثم يريدُ ما شاء من ذلك ممَّا يمكنه ضبطه ولا يختلط عليه. قال عبد الملك في "المَجْمُوعَة": إذا كثر عليه ما يقتضي من الدَّيْنِ بعد العشرين التي زكَّى منه، فليَرُدَّ الآخر إلى ألأول، وقالله ابنُ نافعٍ، وعليٌّ، عن مالكٍ. وكذلك قال ابن القاسمِ في العَرَضِ يبيع منه بعد الحولِ
شيئاً بعد شيءٍ، فيكثر الآخر إلى ما قبله. قال سحنونٌ: فأمَّا في كثرةِ الفوائد فليردَّ الأول إلى الآخرِ. وقال ابنُ حبيبٍ: يرُدُّ الآخر إلى ألأول، في الفوائد والديون، قال ابو محمد: وقولُ مالكٍ وسحنونٍ أصحُّ؛ لئلا تؤدي قبلَ حولِهَا، والدَّيْنُ قد حلَّ حوله، إلاَّ أنَّا لا نعلم أيقبض أم لا، وقد اختلف في زكاته قبل قبضه. قال ابن الْمَوَّاز: فابن القاسمِ يقولُ: لا يجزيه. وأشهب يقولُ: يُجْزِئُهُ. وهو محسِنٌ. وقد اختلف قول ابنِ عمرَ في زكاة الدَّيْنِ. وقال ابن شهابٍ: يزكِّي قبل قبضه. قال ابن القاسم: كما لا يُجزئُ عند مالكٍ زكاة العَرَضِ قبل بيعهِ، فكذلك زكاة الدين قبل قبضه. قال ابن حبيبٍ: وقال أشهبُ: في العرضِ لا يُجْزِئُهُ زكاته قبل بيعهِ. ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن نافعٍ، وعليٍّ، عن مالكٍ لو لَزِمَ زكاةُ الدَّيْنِ قبل قبضهِ، والعَرَضُ قبل بيعهِ، لزم أَنْ يخرج عن الدَّيْنِ دَيْنٌ، وعن العَرَضِ منه. قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ومَن له دَيْنٌ على مَلِيٍّ مأمونٍ، يتركه عليه أعواماً، ولو شاء أخذه، وهو يعرضه عليه، فيتركه، أو كان على عديمٍ ثم افاد، فقضاه، فذلك سواءٌ عند مالكٍ، لا يزكيه إلاَّ لعامٍ واحدٍ بعد قبضهِ. قال مالكٌ: ولو كان ما اقتضى من الدَّيْنِ إنَّما تمَّ عشرين ديناراً بربحٍ ربحه فيه، ثم يُزَكِّ ما يقتضي ولو قلَّ، ولو هلك ذلك بعد أن
زكَّاه –محمد: بسببه أو بغير سببه – فليُزكِّ ما يقبض بعد ذلك وإن قلَّ، وكذلك إذا باع من العرضِ بالدينارِ، وينفقه ثم يبيع بعد ذلك بشيءٍ آخر، فليُحصِ ذلك على تمام عشرين ديناراً، فيزكيها، كما ذكرنا. فأمَّا إنْ هلكَ في الدَّيْنِ –محمد، وهذا إذا أنفق ما كان يقبضُ – أو أتلفه، فأمَّا إنْ هلك بغير سببهِ قبل تمام العشرين، فليس عليه زكاةُ ما تِلف ذلك من دِينٍ، أو من ثمنِ عَرَضٍ. وقال سحنونٌ في "المَجْمُوعَة": هلك بسببه أو بغير سببهِ، وهو سَوَاءٌ وعليه زكاته. وقاله ابنُ القاسمِ، وأشهبُ. قال أشهبُ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، في مَن قبضَ من دَيْنٍ له حَوْلٌ تسعة عشرَ ديناراً، ثم قبض بعد شهرٍ ديناراً، فليُزكِّ العشرين يوم قبضِ الدينار ويكون من يومئذٍ حولٌ لها، فيزكيها لحولها، وإن نقصتها الزكاة، إذا كان بيده ممَّا اقتضى بعدهما ما إن ضمَّ إليها، وجبت فيها الزكاة، كالفائدتين – يريدُ: يصير ما يقبض بعد العشرين منفرداً لحولٍ فيزكِّي ذلك لحولهِ والعشرين لحولها، ما دام في جميعها ما تجب فيه الزكاة، كالفائدتين. قال ابن القاسم: ومن له مائة دينارٍ لها حولٌ، ثم أفاد عشرين فلم يمضِ للفائدةِ حولٌ حتى يقبضَ عشرةً من الدَّينِ، فلا يزكيها حتى يَحِلَّ حولُ الفائدة أة يقبض عشرةً أخرى قبلَ ذلك، ولو استهلك العشرةَ
الأولى قبل حول الفائدةِ، ثم حلَّ حولُ الفائدةِ فزكَّاها، فلا يزكِّي ما استهلكَ حتَّى يقبضَ من الدَّيْنِ عشرةً أخرى، فأكثر، إلا أنَّه يُزكِّي ما يقتضي من الدَّيْنِ بعد زكاةِ الفائدةِ قلْ ذلك أو كثرَ، ولا يُزكِّي معه العشرةَ التي استهلكَ قبل حولِ الفائدةِ حتى يقبضَ بعد حولِ الفائدةِ تمامَ عشرين ديناراً بالذي استهلكَ، فيُزكِّي حينئذٍ ما استهلك مع هذا الآخر. قال ابن القاسمِ: ومَن أفاد عشرين ديناراً، فأسلفَ منها خمسةٌ، وبقيت خمسةَ عشرَ بيدهِ حتَّى حلَّ حولها، ثم تَلِفَتْ أو استهلكها، ثم قبضَ الخمسةَ، فليُزكِّ الآن عن عشرين. قال عبدُ الملكِ: ومَن له مائة دينارٍ بيده، وله مائة دينٌ، وحولهما مختلفٌ، فاقتضى من الدين عشرةٌ قبل حولها، فإنْ كان حولُ الدِّينِ قبلُ، فلا يُزكِّي العشرة حتَّى يحلَّ حولُ المائة العين، وإن كان حولُ العينِ كان قبل فحلَّ فزكَّاه، ثم انفقه قبلَ حولِ الدَّيْنِ، ثم اقتضى شيئاً مِن الدين، فلا يُزكِّي حتَّى يقتضيَ تمام عشرينَ بالعشرةِ الأولى. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: ومَن أفاد ديناراً وله دَيْنٌ كثيرٌ فمضى للدينارِ حولٌ، ثم أنفقه، ثم اقتضى تسعةَ عشرَ ديناراً، فليزكِّهَا مع الدينار، إلاَّ أنْ يكونَ إنَّما أنفقه قبل حول الدين، ومن اقتضى من دَيْنٍ له حولٌ ديناراً فَتَجَرَ فيه فصار عشرين ديناراً، فليزكّ أحداً وعشرين ديناراً فقط، لأنَّ الزكاة
وجبت في الدينار الثاني يومَ قبضهن كمَن حَلَّتْ عليه زكاة عشرين ديناراً بيده فلم يزكِّهَا حتى تجرَ فيها، فصارت أربعين، فإنَّمَا يُزكِّي عشرين ثم يرتقب الحول الثاني. وما ذُكرَ عن مالكٍ أنَّه يزكي الربح لحولٍ من يومِ ربحهِ. ليس بقوله وقولِ أصحابه، وهي رواية ابن عبد الحكم وأشهب عنه، وقد ذكرها أيضا سحنون، وأنكرَ منها ما أنكر ابن الْمَوَّاز، قال ابن الْمَوَّاز: ولو غُصِبَتِ العشرون منه أو أتلفها، لضمنَ زكاتها بتعديه بتأخيرها. ابن سحنونٍ قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ له دراهم ديناً في مثلها الزكاةُ، فأخذ فيها ذهباً بعد حولٍ: فإنَّمَا عليه زكاةُ المأخوذ، وكذلك لو أخذ عن الذهبِ وَرِقاً، إنْ كان في المأخوذ ما يُزكِّي، ولا يبالي كان أصل الدينِ فيه الزكاة، أو لا زكاة في مثله، ولو عَرَضاً لم يُزكِّه حتَّى يبيعه. قال ابن الْمَوَّاز: ومن أفاد عشرةَ دنانير فأسلفَ منها خمسة، ثم اشترى بخمسةٍ منها سلعةً، فباعها للحولِ بخمسةِ عشر فأنفقها، ثم اقتضى الخمسة، فقال ابن القاسمِ وأشهب: يزكِّي عن عشرين الآن من هذه الخمسة. قال محمد: ولو تلفت الخمسة عشرَ بغيرِ سببهِ بعد حولها ثم اقتضى الخمسةَ فلا شيء عليه، ولو هلكت بانتفاعه وإنفاقه لزمته زكاتها إذا قبض الخمسةَ. يريدُ: يُزكِّي عشرين. قاله ابن القاسم وأشهب. وليس كالتي اختلفا فيها؛ تلك أنفق الأولى قبل حولِ الآخرة، وهذه بعد الحول. قال محمد: ولو هلكت بغيرِ سببه لم يزكِّ، كمال وجبت فيه الزكاة هلكَ بيدك بغيرِ تفريط وبقيَ منه ما لا زكاة فيه. قال ابن حبيبٍ: ولو أسلفَ الخمسة بعد الحولِ، أو أنفقها ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعةً،
في زكاة من عليه دين، وكيف إن كان عليه صداق، أو نفقة، أو زكاة فرط فيها، وذكر النفقات التى تلزمه
فباعها بخمسة عشر، فليزكِّ عن عشرين وإن لم يقبض الخمسة السلف. قال أبو محمد: وقولُ ابن حبيبٍ هذا على غير قولِ ابنِ القاسم. وقال أشهبُ في غير "كتاب" ابن حبيبٍ: إذا أنفق الخمسة قبل الشراء أو بعده، فلا زكاة عليه حتى يبيع بعشرين. في زكاة من عليه ديْنٌ، وكيف إن كان عليه صدَاقٌ، أو نفقةٌ، أو زكاةٌ فرَّطَ فيها، وذكر النفقات التي تلزمه من "المختصر"، قال مالكٌ: ومَن حلَّتْ عليه زكاة العينِ وعليه دَيْنٌ مثله، فلا زكاة عليهن فإن كان فيما معه فضلٌ عن دينه تجب في مثله الزكاة زكاه، ولو كان له عَرَضٌ قيمته مثل ما عليه، زكَّى ما معه، وإن كانت قيمة العرضِ تفي ببعضِ دينه أزال من العين تمامه، وزكَّى ما بقي، إن كان في مثله الزكاة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإنَّمَا يُسقطُ الدين زكاة العين فقط، كان ذلك الدين عرضاً، أو طعاماً، أو ماشيةً، أو غيرها، ولا يسقط بالدينِ زكاةُ ماشيةٍ، ولا حَبٍّ، ولا ثمرٍ، ولا معدنٍ، ولا رِكازٍ، ولو كان إنَّمَا تسلَّفه فيما أحيا به الزرع والثمر، وقَوِيَ به على المعدن والركاز، لم يسقط ذلك عنه شيئاً من ذلك، ويُخرج أيضاً خُمسَ الركازِ، وأمَّا في زكاة الفطر فِي مَنْ عنده عبدٌ، وعليه عبدٌ مثله، فابن القاسم لا يوجب فيه زكاة الفطر. وأشهبُ يوجبها.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولم يَثْبُتْ أنَّ الأئمة قالوا ذلك عند أخذهم زكاة الفطر، والحَبِّ، والثمرِ، والماشية، أَنْ يسقطوا زكاة ذلك بالدينِ، وقد قالوه في العين، وكان عثمان ينادي به عند الحولِ فِي مَنْ عليه دَينٌ. قال أشهبُ: والدَّيْنُ اولَى من زكاة العين، فرَّطَ فيها أو لم يُفرِّطْ، وهو أولَى مما فرط فيه، من زكاة ماشيةٍ، أو حَبٍّ، أو ثمرٍ، فليس ما لم يفرِّط فيه من ذلك، والماشية والثمرُ والحَبُّ قائمٌ. قال المغيرة: إذا لزمته زكاةٌ في زرعٍ أو ثمرةٍ، فاستقرضها، فلي للسلطان محاصةُ غرمائِهِ بذلكن ولو مات لم يطلب ورثته، وهم إنَّما يرثونَ بعد الدَّيْنِ – يريدُ ففارق الديون – قال ابن الْمَوَّاز: والهاربُ عن الساعي تكونُ الزكاة في ذمته، ولو تخلَّفَ عنه الساعي لم يضمنها. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن لم يُؤَدِّ زكاةَ عشرينَ ديناراً لزمته، وفرَّطَ فيها حتَّى سُرِقَتْ، فالزكاةُ في ذمتهِ. قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: وتُباعُ عروضه فيما فرَّطَ فيه من الزكاةِ. قال محمد ابن الموازِ: إنْ تركَ أداءَ الزكاةِ أعواماً عن عشرين ديناراً، وله عروضٌ تفي بذلك، فعليه زكاة عامِ سلفَ عن عشرين ديناراً كاملةً، وإنْ أحاطَ ذلك بها كلها أو بِجُلِّهَا.
قال: ورَوَى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ له عشرون ديناراً، فلم يركِّها ثلاث سنينَ، جَهِلَ أو فرَّطَ، ثم اناب، فليس عليه إلاَّ نصفُ دينارٍ. قال ابو محمد: يريدُ: ولا عرض عنده، نوى ما لزمه من ذلك. ورَوَى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ لزمه إخراج عشرين ديناراً زكاةً، فلم يخرجها حتى ذهب مالُه فلم يبقَ منه إلاَّ ثلاثونَ ديناراً عند حولٍ آخر، قال: فليَرُدَّ العشرين التي عليه، ولا يُزَكِّ العشرة الباقية، لأنَّ العشرين دَيْنٌ عليه. قال: ولو أنَّ عنده عَرَضاً يَسوى العشرين التي عليه فلا يحسبُ ذلك فيه، بخلاف ديونِ الناسِ، ولا يَحْسِبُ ما عليه من الزكاةِ، إلاَّ في المال الذي معه، فإنْ بقي منه ذلك عشرون ديناراً زكَّاها، وإلاَّ لم يُزكِّ. وقال ابن الموازِ: إنَّما هذا عند مالكٍ، وابنِ القاسمِ، إذا لم يكن له عَرَضٌ، ولو كان له عرضٌ فيه كَفَافُ ما عليه من ذلك، لزكَّى الجميع. وقال ابن القاسمِ في "المدونة": وقاله مالكٌ: إنَّ مهرَ الزوجةِ تسقُطُ به الزكاةُ. وهذا القياسُ. وقال ابن حبيبٍ: تسقطُ الزكاةُ بكل ديْنٍ، إلاَّ مهورَ النساءِ إذ ليس شأنهنَّ القيامُ به، إلاَّ في موتٍ أو فِراقٍ، وعندما يتزوَّجُ عليها، فلم يكن في القوَّةِ كغيره. وذكر أنَّ القاسم بن محمد قالَه. وما ذكر ابن حبيبٍ من هذا، خلافُ ما رُوِيَ عن مالكٍ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال أصبغُ: ومَن بقي لتمامِ حولِهِ شهران، فتسلَّفَ
مالاً فأبقاه بيده، أو أدخله في تجارته، فإن كان له به وفاءٌ فهو كمالهِ، يزكيه معه إذا خلطَ به، وجرتْ فيه التجارة قبل الحول. قال أبو محمد: وهذه المسألة مخالفةٌ لأصولهم، والذي تسلَّفَ كالفائدة له حوله، واراه تأوَّلَ، أنَّه لمَا تسلَّفه على ما بيده جعله كأنَّه منه، وهذا بعيدٌ. قال ابن الْمَوَّاز: واتَّفقَ ابنُ القاسمِ وأشهبُ، أنَّ نفقةَ الزوجةِ إذا حلَّت تُسقطُ الزكاة، وإن لم يكن يقضيه. وإنَّ نفقةَ الأبوينِ لا يسقطها إلاَّ أنْ يكون يقضيه، واختلفا في الولدِ، فجعله ابنُ القاسمِ كالأبوينِ. وجعله أشهبُ كالزوجةِ. وبه أقول؛ لأنَّ نفقته عليه لم تسقطْ، فيؤتنف فيها حكمٌ. وفي "المدونة" في الأبوين خلافُ هذا عن ابن القاسمِ. وفي رواية ابنِ حبيبٍ، عن أشهبَ، أنَّ نفقة الولدِ كالوالدين، لا تسقط بها الزكاة إلاَّ أنْ يكونَ يقضيه. وقال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": وإذا فرضَ عليه القاضي لزوجته عشرة دراهم في كلِّ شهرٍ، ثم لم يجبْ عليه من العشرةِ شيءٌ حتَّى حلَّ الحولُ، فعليه الزكاةُ؛ لأنَّ الزكاةَ وجبتْ ولا دينَ عليه. قال ابن الموازِ: وأمَّا المرأة في زكاتها، فلا يلزمها نفقةُ ولدها ولا رضاعهن إلاَّ في عدمِ الأبِ في الرضاعِ ومثلها لا يرضعُ، وهي مليَّةٌ فلتسترضعْ له، وكذلك في موتِ الأبِ، ولا مالَ لهم. قال ابن القاسم: وينفقُ الأُ على البكرِ، ويقال له في خادمها: إمَّا أنفقتَ عليها وزكَّيتَ للفطرِ، وإلاَّ فبِعْهَا. وقال أشهبُ: لا شيءَ عليه إذا لها خادمٌ، ولو لم يبقَ من ثمنها غيرُ درهم، والابنة صغيرةٌ أو كبيرةٌ.
في المديان هل يحسب ما عليه في دين له، أو فيما يقتنى من عروضه، أو في نصاب ماشيته، أو فيما له زكاة؛ من المعدن، أو الحب، أو مال ينفرد بحول أو في قيمة مكاتبه، ومدبره، والمعتق إلى أجل، والآبق، وشبه ذلك
قال ابن الْمَوَّاز: يُنظرُ، فإن كان لابد لها من خدمتها، فعليه النفقةُ عنها وعن خادمها، وكذلك في بنيه الذكور، وإلى هذا يرجع ابن القاسم، وأشهبُ. وإن كان للولدِ بدٌّ من خدمتها، فلا نفقة للولدِ عليه، وليكتبْ عليه حتى يبيعَ، ويستوفي. وقال ابن القاسم أيضاً: إذا حبستها لخدمة ولدك لزمتك النفقة والزكاة عنها، إلاَّ أَنْ يؤاجرها أو يبيع. وقال أشه بفي "المَجْمُوعَة": ومن قَدِمَ من سفرٍ، وقد أنفقت زوجته سلفاً عليه، فإن كان مليًّا في طُولِ غيبته فما لزمه من ذلك سقطَ عنه الزكاة في مثله من ما حلَّ عليه، وإن كان فيها أو في بعضها لا مال له، لم يلزمه في مُدَّةِ عُدمهِ نفقةٌ. في المديان هل يحسب ما عليه في دَينٍ له، أو فيما يقتنى من عروضه، أو في نصابِ ماشيته، أو فيما له زكاة، من المعدنِ، أو الحَبِّ، أو مال ينفرد بحول، أو في قيمة مكاتبه، ومُدبِّرهِ، والمُعتقِ إلى أجلٍ، والآبقِ، وشبه ذلك من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وأشهبُ: ويجعلُ
لمن حلَّت عليه زكاةُ مالِه من الجين الذي يرتجى قضاؤه فيما عليه من الدين، ويزكِّي ما بيده، وقال سحنون: بل يجعل قيمة الدين الذي له فيما عليه. وقال عيسى:، عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": إن كان دَينهُ على غير مَلِيٍّ، فليحسبْ قيمته. يدلُّ على قوله هذا، أنَّه إن كان مليًّا حَسَبَ عدده. يريدُ: والله أعلم: إن كان حالاً، وإنْ كان إلى أجلٍ، فينبغي أنْ يحسبَ قيمته، لأنَّه لو فَلَسَ هذا كان كذلك يفعل بدينه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ويجعل في دَينهِ كلَّ ما يباع في التفليس، ولا يجعل في ذلك ثيابه التي يلبس، ويجعل دابته، وسَرجه، وسلاحه، وخَاتمه. قال أشهبُ: لا يحسبُ خَاتمه. وقال في ثوبي جمعته: إنْ كان لباسُ مثلهما سَرفاً بيعا في الدَّيْنِ. وقال ابن الْمَوَّاز: لم يختلف أصحابُ مالكٍ، أنَّه يَحسبُ فيه رقاب مدبَّرِيه. وقال سحنون في "المَجْمُوعَة": ولا يجعل ذلك في رقابهم، ولا في خدمتهم، إذ لا يباعوا – يريد في حياته – قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ويحسب قيمةَ كتابة مكاتبيه في دَينه. وقال أشهبُ: قيمتهم مكاتبين بقدرِ ما عليهم. وقال في "المَجْمُوعَة": قيمة المكاتب مكاتباً بما عليه.
قال ابنُ الْمَوَّاز: وقال أصبغُ: بل قيمته عبداً أحبُّ إليَّ. وقال ابن حبيبٍ: عن أشهب، وأصبغ: قيمته عبداً. وقال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": ويُقوِّمُ قيمةَ خدمةِ المُعتقِ إلى أجلٍ. قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: على أَنْ يشتريَ بغررها. قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": ولو خدمَ وهو عبدَه سنين أو عمراً، قُوِّمتْ رقبته على أنَّه يأخذه إلى تلك المدة، ولو كان غيره أخدمه مدَّة، حُسبتْ قيمةُ الخدمة تلك المدة في دَينه. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: وإن كانت له ماشيةٌ يزكيها، فليجعلها في دَينه، ويُزكِّ عينه. وكذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ، وابن الْمَوَّاز. وقال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، فِي مَنْ له أربعون شاةً، وعليه مثلها دَيناً وعنده عشرون ديناراً، فحلَّ حولُ ذلك كله، فأخذ الساعي شاةً: فانظر فإن كان قيمةُ التسعة وثلاثين شاةً الباقية مثل قيمة ما عليه فأكثر، فليُزكِّ العشرين ديناراً، وإلاَّ فلا زكاة عليه فيها. وقال سحنونٌ ونحوه، في "كتاب ابنه". ومن "العُتْبِيَّة" من رواية عيسى، عن ابن القاسمِ، وهو عنه في "المَجْمُوعَة"، فِي مَنْ له مائتا دينارٍ، حولُ كل مائةٍ على حدةٍ، وعليه دَينٌ: فليُزكِّ، وإذا حلَّ حولُ الأولى جعلَ الثانية في دَينه، وزكَّى الأولى – يريد: ولا يزكِّي الثانية، لأنَّ الدَّينَ يذهب بأحدهما لابدَّ -.
وفي "كتاب" ابن حبيبٍ: يُزكِّي كل مائةٍ في حولها، ويجعل دَينه في الأخرى، وفي آخر باب زكاة ما رَبِحَ، فيما لم يتعدَّ فيه من هذا. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ونحوه لسحنونٍ، وإذا وجدَ في المعدنِ مائةَ دينارٍ فزكَّاها، ومعه مائة أخرى؛ يريدُ حلَّ حولها، وعليه مائةٌ، فليجعل في دَينهِ ما بقي من المائة المعدنية بعد الزكاة، ويزكِّي مثلَ ذلك من المائة الأخرى – يريد إنْ لم يكُنْ له عَرَضٌ يسوي ما بقي منها. قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ولا يحسب قيمة عبده الآبق. قال أشهبُ: إن كان إباقته قريباً يرجى، قُوِّمَ على غرره – يريدُ أن لو بيع وجعله في دينهن وإن طال أمره فلا يحسبه. ومن "العُتْبِيَّة"، روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِن فِي مَنِ ابتاع طعاماً بمائة دينارٍ، فأكرى عليه بثلاثين ديناراً، فباعَ منه للكراء؛ يريدُ بعد الحولِ بثلاثين، فإنَّه يزكيها، لأنَّ باقي القمح في دَينه، ثم عن باع باقيه لم يزكِّ منه قدر الثلاثين التي كانت عِوَضاً لدَينهِ، وزكَّى ما زاد عليها وإن قلَّ، لأنَّه مضافٌ إلى الثلاثين. التي باع بها أولاً وزكَّاها. وكذلك في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وقال: ولو كان عنده عَرَضٌ يَسوى ثلاثين غيرَ الطعام لزكَّى جميع ثمنهِ إذا باعه أو يُقدِّرُ ما عنده من العرضِ، يزكِّي من الثلاثين. قال أبو محمد: أرى هذا على أصل القائلِ في مائتين حولهما
في من عليه دين فأحال به على دين له عند الحول، وفي المديان يوهب له الدين عند الحول، أو يحدث له ملك عرض يسواه قبل الحول أو بعده
مختلف، وعليه دَينٌ مائةٍ، إنَّه إنَّمَا يزكِّي مائة واحدة، وقد تقدَّمَ الاختلاف فيها. في من عليه فأحال به على دَينٍ له عند الحولِ، وفي المديان يوهب له الدين عند الحول، أو يَحدثُ له مِلكُ عَرَضٍ يَسواه قبلَ الحولِ أو بعده ومن "العُتْبِيَّة" من رواية أصبغَ، قال ابن القاسم ومن له مائة دينارٍ دَينٌ وعليه مثلها، وهما حالتان وقد حلَّ حولهما، قال ابن القاسم في "كتاب" محمد: ومَن كانت عنده مائة دينارٍ، وهي عليه دَينٌ، وليس له من العروضِ شيءٌ، وله على رجلٍ مائةُ دينارٍ وقد حلَّتَا جميعاً. قال في الكتابين: فأحال بالتي عليه على التي له، فعلى قابضها الزكاة، وعلى الذي أحال بها زكاتها – يريدُ: لأنَّ عندَه وفاءٌ بها، وهي المائة التي في يديه – قال محمدٌ؛ لأنَّ قبضَ المحتال به كقبضِ مُحيلِه. قال ابن الْمَوَّاز: وعلى دافعها زكاتها، إن كان له بها وفاءٌ. قال: ومَن أودعكَ مائةَ دينارٍ، فأسلفتَها رجلاً، ثم أحَلْتَ عليه ربِّها، بعد سنينَ فقبضها، فعلى قابضها زكاتها لعامٍ واحدٍ. وقال في دافعها الآن ومُسلِّفِهَا:
فمن كان له منهما عَرَضٌ يسواها، فليزكها وإلا فلا. قال أشهبُ: فيمن تسلَّفَ عشرين، فأقامت بيدهِ سنة، ثم وهبها له ربُّها فليزكِّها الموهوب مكانه، ولو وهبها لغيره لم يكن على الموهوب فيها زكاة، ولا على الواهب. قال محمدٌ: أمَّا الواهب فيزكيها؛ لأنَّ يدَ القابضِ لها كيده. وقاله ابن القاسم. وإنَّما تكونُ الزكاةُ فيها من العشرين بعينها. ومن: "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: ومن له مائة دينارٍ وعليه مثلها فأفادَ عَرَضاً قبلَ الحولِ بشهرٍ يفي بها. قال ابن القاسمِ: لا يُزكِّي حتَّى يكونَ العَرَضُ عنده من أوَّلِ الحولِ. وقال أشهب: ولا يُبالي أفاده عند الحولِ أو قبله، يجعل دَينه فيه، ويُزكِّي ما فيه. وكذلك إن أفاده بعد الحولِ زكَّاه حينئذٍ، وكان من يومئذٍ حوله. قال محمد: وبهذا نقول. وبه أخذ أصحاب ابنِ القاسمِ. قال أشهبُ: وكذلك لو تصدَّقَ بالدَّينِ ربُّه على الغريم، أو وهبه له عند الحولِ، أو بعده لزكَّى مكانه، وقاله أصبغ. ورَوَى ابن القاسمِ، عن مالكٍ، أنَّه لا يزكِّيه حتَّى يأتيَ حولٌ من يومِ وُهِبَ له. قال في "العُتْبِيَّة" عيسى، عن ابن القاسمِ: وكذلك لو أفاد بعدَ الحولِ مائةُ فقضى بها دَينه، فإنَّه يأتنفُ بما في يديه حولاً من يومئذٍ.
في زكاة ما ربح فيما لم ينقد فيه، أو فيما نقد بعض ثمنه، وفيما ابتاعه بدين، وفيما غصب ثمنه، أو تسلفه ونقده
قال ابن الْمَوَّاز: وقد قال ابن القاسم في مَن يتسلَّفُ مالاً، وعنده عَرَضٌ لا وفاءَ فيه له يومئذٍ، فلم يأتِ الحولُ حتَّى صار فيه وفاءٌ بالدَّيْنِ أو انتقصَ عند الحولِ، قال: فإنَّمَا يُنظرُ إلى قيمته يومَ حلَّ الحولُ، فإن كان فيه وفاءٌ زكَّى ما معه أو مبلغُ ما يفي به. قال: وهذه جيدةٌ تَرُدُّ ما قال في غيرها. وكذلك إذا أفاد العَرَضُ عند الحول، أو وُهِبَ له الدين. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ فِي مَنْ له مائة دينارٍ بيدهِ وعليه مائة دينار، فلمَّا حلَّ حولُ ما بيده، أفاد مائة دينارٍ فقضاها في دَينه، أنَّه لا زكاة عليه في المائة التي بيده، لأنَّ الحولَ حلَّ عليها، وليس هو من أهل الزكاة، ثم إن تَجَرَ فيهال فربح فيها عشرين ديناراً، فإنَّه يُزكِّي العشرينَ مكانه؛ لأنَّ الأصل حال عليه الحول وسقطت زكاته بالدين، وتكون للمائة حلها، وحولُ الربحِ يومَ زكَّاه. قال عبد الله: ولو قال: قد سقطَ الدينُ لمَّا قضاه بالدينِ الذي له، ويُزكِّي المائة التي معه، لكان أبين. في زكاة ما ربح فيما لم ينقد فيه، أو فيما نقدَ بعضَ ثمنهِ، وفيما ابتاعه بدَينٍ، وفيما غصبَ ثمنه، أو تسلفه ونقده من "كتاب " ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، عن مالكٍ فِي مَنْ بيده مائةُ
دينارٍ، فاشترى بها سلعةً، ثم باعها قبل ينقدَ فيها فربح ثلاثين ديناراً وقد حال على مائته الحولُ: أنَّه يُزكِّي الربحَ مع ماله الذي كان بيده. قال عنه ابن وهبٍ: ولو لم تكن تلك المائةُ، كان ربحه فائدةً. وقال عنه أشهبُ، في الذي عنده المائةُ: يأتنف بالربحِ حولاً. محمدٌ: وهذا أحبُّ إلينا، ولكن يكون حول الربحِ من يوم أحال واشترى. قال ابن القاسمِ: وإلى هذا رجعَ مالكٌ، أنَّ حولَ الربحِ من يوم أحال الأصل، لأنَّ ثمنها في ذمتهن والمائة التي بيده لم تصل إلى البائعِ ولا ضمنها، ونيته أَنْ ينقدها في غدٍ أو على شهر سواء، ولا ينبغي أَنْ يشترط أَنْ ينقدها بعينها، إلا أنَّه ضامنٌ لها. محمدٌ: ومعنى قولِ أشهبَ في روايته: إنَّ حولَ الربحِ من يوم ربحه، إذا باعها قبلَ أنْ يأتيَ عليها الحولُ عندَه، وقضى ثمنها، وبقيَ الربحُ فليزكِّه لحولٍ من يوم ربحهن إن كان فيه عشرون ديناراً فأكثر، وإن أقام الدين عنده إلى تمام الحول ولا عرض عنده، زكَّى الربح مكانهن وإن لم يكن فيه عشرون دينارا. وإن كان له عرضٌ يَسوي دينه، زكَّى ثمنها كله. قال محمد: وأحبُّ إلينا بأنْ يكون حولُ الربحِ من يومِ اشترى السلعة. وإن باع قبلَ الحولِ إذا بقي الربح بيده على تمامه، وفي مثله الزكاةُ. وقد قاله مالكٌ في مَنِ اشترى سلعةً بدَينٍ فباعها، وقضى الثمنَ، وبقي الربحُ
في يده على تمام حولٍ من يومِ الشراءِ على ما ذكرنا. وفي "العُتْبِيَّة" ذكر المسألة، ورواية القاسمِ فيها. قال: ورَوَى أشهبُ أنْ يُزكِّيَ الثلاثين الربحَ لحولٍ من يومِ نضتْ، كفائدة من غيرِ ربحٍ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، روى أشهبُ، عن مالكٍ في مَنِ اشترى سِلْعَةً بمائةِ دينارٍ، ولا مالَ له فَرَبِحَ فيها ثلاثين ديناراً بعدَ أن أقامت بيده حولاَ فليُزكِّ الثلاثين مكانه، ولو كان عندَه عَرَضٌ لزكَّى قدرَ ما بقي به العرضُ. قال أشهبُ: ولم يراعِ مالكٌ متى ملكَ العَرَضُ. قال ابن القاسمِ: ومن سلفَ عَرَضاً فتَجَرَ فيه حولاً، فَربِحَ مالاً، فرَدَّ ما تسلَّف، فليُزكِّ الربحَ فقط، إنْ لم يكن له عَرَضٌ يفي بشيءٍ من دينه. ورَوَى ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ تسلَّفَ مائة دينارٍ، فربح فيها عشرين بعد حولٍ، فليزك العشرين. وإلى هذا رجع مالكٌ. محمدٌ: ولو كان له عرضٌ يفي بدينه، زكَّى الجميعَ. قال ابن القاسم فِي مَنْ غصَبَ مائة دينارٍ، فتَجَرَ فيها فربح مائة دينارٍ: فليُزكِّ مائة دينارٍ، ويجعل مائة في دَينهِ إنْ لم يكن له عرضٌ. قال مالكٌ فِي مَنْ بيده مائة دينارٍ يُزكِّيها فاشترى سلعةً بثمانين إلى سنةٍ، فحلَّتْ فزكَّى ناضَّةً، ثم باع السلعة بربحٍ، فليعزِلْ دَينه ويقضه إن كان حلَّ ويُزكِّ ما بقيَ
من ربحٍ. ولو كان له عرضٌ يفي بدينه زكَّى ثمنها كله بربحه. وقال ابن القاسم: ومن تسلَّفَ مائة دينارٍ، فبقيت بيده إلى آخر الحولِ، ثم اشترى بها سلعةً، فباعها بعد الحولِ بمائتين، فليجعل مائةً في دَينهِ إنْ لم يكن له عَرَضٌ، ويزكِّ مائةً. قيل له: قيل لي عنك، إنّ الربحَ كالفائدةِ، لأنَّه لم يحدث له وفاءُ الدينِ، إلاَّ عندَ الحولِ. فقال: كذبَ عليَّ من قال هذا. وذكر ابنُ سحنونٍ هذه المسألةَ، وأنَّ ابنَ نافعٍ، وعليًّا رَوَيَا، عن مالكٍ، أنَّه يُزكِّي الربحَ. وأنَّ المغيرةَ روى عنه انَّه يأتنفُ الربحَ حولاً. قال سحنونٌ: رواية عليٍّ أحسنُ أَنْ يُزكِّيَ الربحَ مكانه. وذكر ابنُ حبيبٍ: إنَّ قولَ مالكٍ اختلفَ في زكاةِ الربحِ. قال مطرِّفٌ: ولو كان له في ثمنها دينارٌ واحدٌ أو أقلُّ، ولم يختلف قولُ مالكٍ في هذا، أنَّه يُزكِّي الربحَ. قال في "كتاب" ابن سحنون، ابن نافع، عن مالكٍ، وإذا اشترى سلعةً بمائتين فنقدَ فيها أربعين، لي سمعه غيرُها، ثم باعها بثلاثمائة عند الحولِ: فليُزكِّ الأربعين، وما قابلها من الربحِ، وما بقي فهو فائدةٌ. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ له مال يُزكِّيه فحلَّ حوله، ولم يبقَ منه إلا عشرة، ثم تسلَّفَ بعد الحولِ بشهورٍ عشرين، فتجرَ في الثلاثين فربح مالاً. فليعولِ العشرين الدَّيْنَ ويُزكِّ الربحَ كله مع العشرة، كما قال مالكٌ، في مَن له ثمانون ديناراً، فاشترى سلعةً بمائتي دينارٍ، ونقدَ الثمانين، أو لم ينقدها، فإذا حال حولُ الثمانين، زكَّى معها جميعَ ذلك الربح، وكذلك مَن له عشرةُ دنانير حالَ عليها
في زكاة أهل الإدارات
حولٌ، فاشترى سلعة بمائة دينار، ونقدَ فيها العشرة، فليُزكِّ معها الفضل إذا اجتمع ما فيه الزكاة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن تسلَّف مائة دينارٍ فدفعها قراضاً، فربح العامل فيها لتمام الحول خمسين، فليُزكِّ دافعها عن خمسي ما بيده، لأنَّه يزكِّي على خمسةٍ وعشرين الربح، ثم يجعلها عِوَضاً من مثلها من دينه، ويُزكِّ العامل خمسي ما بيده. وقال أيضاً لا يزكي الدافع للمائة إلاَّ خمسَ ما بيده، وكذلك العاملُ. وإلى هذا رجع محمد، أنَّه لا يجعل في الدين ما زكَّى من العين، قال محمد: ولم أجدْ لهذا معنًى: والصواب أنَّه إن كان فيما يصيبُ العاملَ ودافع المالِ إليه ما في مثله الزكاة، زكَّى كل واحدٍ منهما جُزْأهُ كلَّه، وكذلك إنْ ربحا أربعين زكَّى هذا عن عشرين، وهذا عن عشرين. في زكاة أهل الإدارات قال مالك في "المختصر"، في صفة المدير: هو الذي يبيع ويشتري، لا يُحصي ما يخرج منه ولا ما يدخل عليه، يبيع بعشرةٍ ويقتضي عشرين، ويبيع بكثيرٍ، ويأخذ قليلاً مثل أهل الحوانيت، لا يقدر أحدهم أَنْ يحصيَ حولَ مالِه، فليكن له شهر من السنة يُحصي فيه عينه، ويحسب دَينه إنْ كان في مَلاءٍ وثِقَةٍ ويُقوِّمُ ما عنده من عروض، ويزكِّي الجميع، وأمَّا مَن كان له مالٌ أو مالان إنَّمَا يضعه في سلعةٍ أو سلعتين، ثم يبيع فيعرف حولَ كلِّ مالٍ، فهذا إنَّما يزكِّي العين، ولا يزكِّي العَرَضَ حتى يبيعه فيزكيه لعام واحدٍ، وإن باعَ بعد سنينَ؛ لأنَّ هذا يحفظُ أحواله، والمديرُ لا يقدرُ
أَنْ يحفظ أحواله، ولا يحيط بها. ومن "كتاب"ابن الْمَوَّاز: والمدير الذي كلما باع اشترى لا يحصي ذلك، ولا أرى له في نضوضِ مالِه من أهلِ الحوانيت، والمُجهزين إلى البلدانِ، يبعثُ شيئاً، ويأتي بشيءٍ، ويشتري آخر، فهذا يُقوِّمُ ويزكِّي. ورَوَى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في "المَجْمُوعَة"، في من بارتْ عليه سلعته، قال: فأمَّا الذي يُحصي مالَه – يريدُ: أحواله – فإنَّه إذا باع زكَّى، وأمَا الذي لا يُحصِي أيجيزه ذلك؟ ومثل المجهِّزين إلى البلدان أَنْ يأتيه مالٌ ويبعثَ بآخرَ، ويغيبَ عنه آخر، فليقوِّمُوا في شهرٍ من السنةِ، كلَّ عامٍ، ويُزكُّوا ما حضرَ وغابَ – يريدُ إذا عرف أنَّه قد وصلَ إلى قرارٍ - وقد بيَّنه في باب آخر، فقال له رجلٌ: إني كلما جاءني شيءٌ زكيته لا أقدر على أكثر من هذا، وما انظر إلى حول. قال: ما اعرف هذا من عملِ الناسِ، وأمَّا في بادئ الرأيِ فما صنعت إلا خيراً، إذا اختلط عليك ذلك، فأخرج من كلِّ ما دخل إليك، إذا طابت بذلك نفسُك. وكذلك روى ابن القاسم، قال: إلاَّ أن التقويم أحبُّ إليَّ. قال أشهبُ: المدير الذي يبيع بما لا يزكِّي، ثم يشتري لا يترقب، ولا يقدرُ يحصي ذلك. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: ولا يُقوِّمُ مالاً يرتجيه من دَينٍ، كان عيناً أو عَرَضاً. وقال المغيرةُ: لا يُزكِّي المديرُ ولا غيرُ المديرِ دَينه، حتى يقبضه فيزكيه لعامٍ واحدٍ. وفي "كتاب" ابن حبيبٍ: إنَّ دَيْنَ المدير إن كان قرضاً أقرضه، فلا يُزكِّيه حتى يقبضه، وإن كان من تجارةٍ حَسِبَه. وكذلك قال يحيى بن عمر.
قال ابن عبدوسٍ: قال عبد الملكِ: وما بار عليه من السلعِ، واحتُبِسَ عنه من الدين، فلا يزكيه حتى يقبضه عيناً. وقال سحنون في موضع آخر: إذا بار عليه العرضُ عامين، خرجَ من حَدِّ الإدارة. وقال عبدُ الملكِ: وما كان له من دَيْنٍ مؤجَّلٍ فليقومه. وقال ابنُ مَزِينٍ، عن ابن نافعٍ، مثل قولِ سحنونٍ، في العرض يبور عامين. قال: وقال مالكٌ: يقوِّمه. قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ويُزكِّي المدير دَينه المرتجى وهو حالٌ، وإن مطلَ به، أو لم يأخذه سنين، وكذلك العَرَضُ، وإن بارَ عليه سنين. ويَحْسِبُ عدد دَينهِ لا قيمته، إلاَّ أنْ يكونَ عروضاً فيقومه. وقال أبو زيدٍ: وإنْ كلن دَينه مؤجلاً، فلا يزكِّي إلا ما حلَّ منه، ولم أجدْ له فيه قوة، وقول مالكٍ، وابن القاسمِ، وأشهب: إنَّه يزكيه، إن كان من مالِ الإدارةِ. قال ابن حبيبٍ: وإن اقرضَ دَيناً، فلا يزكيه حتى يقبضه فيزكيه لعامٍ واحدٍ، إلاَّ أَنْ يتركه هذا المدير فراراً من الزكاة، فليزكه لكل عامٍ، ويُزكِّ ديونه التي من التجارة، إلاَّ ما كان على عديمٍ، فليزكِّه لكلِّ عامٍ قيمته. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وغيره، في الذي يمكنه أخذه فيدعه، أنَّه لا زكاة عليه فيه حتى يقبضه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: وإذا أدارَ التجارة أحدَ عشرَ
شهراً، ثم بدا له فتركَ ذلك، فهذا لا يزكِّي ديونه حتَّى يقبضها، ولا عروضه حتى يبيعَ. قال ابن القاسمِ: وإذا حلَّ الحولُ – قال في موضعٍ آخر – أو جاز الحولُ ولم يَنِضَّ له عينٌ، وهو يديرُ العرضَ بالعرضِ، ثم نضَّ له شيءٌ، وإنْ قَلَّ فليُزكِّ حينئذٍ ما نضَّ ما لم يَنِضَّ بالقيمةِ، ثم يحسبُ من يومئذٍ حوله. وكذلك في كتاب ابن الْمَوَّاز: وقال ابن الْمَوَّاز: وقال أشهب: وليسَ هذا مديراً حتى يكون له شهرٌ من السنةِ يُقوِّمُ فيه، وهذا لا يزكِّي إن باع شيئاً، حتى يبيع بعشرين ديناراً فيزكيها. قال عنه ابن عبدوسٍ: إنْ كان له شهرٌ يُقوِّمُ فيه فليُزكِّ للحولِ نَضَّ له درهمٌ أو أقلُّ أو أكثرُ، وإنْ لم يكن له شهرٌ وإنَّمَا يُزكِّي ما يقبضُ فلا يزكِّي حتى يبيع بما فيه الزكاة، ويقبضه أو يضمَّه إلى ما جرتْ فيه الزكاة ممَّا يبيعُ أو يقبض. وذكر ابن مزينٍ، في الذي يبيع العرضَ بالعرضِ، عن ابن القاسمِ وغيره: إنَّ هذا لا زكاة عليه حتى يَنِضَّ له شيءٌ ولو درهماً، بعد حولٍ مِن يومِ أدارَ. فقال ابن القاسمِ: يُزكِّي حينئذٍ ويكون يومئذٍ حوله. وقال أشهبُ: لا يقوِّمُ شيئاً حتَّى يمضيَ له حولٌ من يوم باع بذلك العين، لأنَّه من يومئذٍ دخلَ في حال المدير، وقال ابن نافعٍ: لا يُزكِّي الآنَ، ولكن يُحصي كلَّ ما باع من العينِ، فإذا تمَّ عشرين ديناراً زكَّى عن عشرين، ثم يزكِّي كل ما يَنِضُّ بعدها، وإن قلَّ ولا تقوَّمُ عليه. واستحسنه عيسى. قيل لعيسى: فإذا قوَّمَ وزكَّى بما نضَّ له، أيصيرُ مديراً من يومئذٍ؟ قال: إن رجع يديرُ العَرَضَ بالعرضِ، فهو بحاله الأول. فإن نضَّ له أيضا شيءٌ في داخلِ السنةِ قوَّمَ، وإن قلَّ وزكَّى لتمامِ حولٍ من يومِ التقويمِ
الأول بقيَ معه ما نضَّ، أو أنفقه، أو تلفَ، وقال ابن حبيبٍ، في الذي يديرُ العَرَضَ بالعرض السنة كلها: لا يَنِضُّ له شيءٌ يُقوِّمُ ويزكّي كمن ينضُّ له، ما قلَّ أو كثر. قاله مطرِّفٌ، وابن الماجشون، عن مالكٍ. قال ابن حبيبٍ: والذي قال ابن القاسم: من خلافِ هذا في روايته انفردَ به. وذكر ابن القاسمِ في "المدونة"، عن مالكٍ في المدير: إذا لم ينضَّ له شيءٌ في السنةِ أنَّه لا يُزكِّي حتى ينضَّ له شيءٌ فيقوِّمَ ويُزكِّي. وقال نحوه يحيى بن سعيدٍ. قال ابن حبيبٍ: ومَن كان يديرُ بعضَ مالهِ وبعضَه لا يديره فإنْ كان متناصفاً زَكَّى كل مال على حصته، وإن كان أحدهما أكثرَ بالأمر المتباين فالأقلُّ حكمٌ للأكثرِ. قاله ابن الماجشون وغيره. ومن "العُتْبِيَّة"، روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، أنَّه إن أدار أكثر مالهِ، زكَّى ماله كله على الإدارة، وإن أدار أقلَّه زكَّى المُدارَ فقط كل عامٍ. وقال أصبغُ: إن أدارَ نصفه أو ثلثه ونوَى في الباقي مثل ذلك أدار ذلك، زكَّى جميعه على ألإدارةِ. وإن عزمَ فيما أبقى أن لا يدخله في الإدارةِ، فلا يزكيه حتى يبيع. وقال سحنونٌ: إذا حلَّتْ زكاة المدير وليس بيده من العين ما يؤدي، فليبعْ من عروضه، ويُخرج. فإن أخَّرَ ذلك حتى تلفتِ العروض
ضمن الزكاة. قال في "كتاب" ابنه عن ابن نافعٍ، عن مالكٍ: إمَّا أنْ يبيع عرضاً ويقسمه في الزكاة أو يخرج عرضاً بقيمته إلى أهلها من أيِّ صنفٍ، شاء من عروضه. قال سحنونٌ: بل يبيع من عروضه، ويخرج عيناً ويزيد في المسألة أنَّه كان ينضُّ له في السنة، إلاَّ أنَّه لم يكن معه فب آخر السنة عينٌ. قال ابن عبدوسٍ: قال عبد الملك: وإذا كان عندَ المديرِ عَرَضٌ، ورثه أو اقتناه فإنَّه إن باعه بنقدٍ فليستقبل بثمنه حولاً وإن باعه بدَينٍ فقد سلكَ به مسلكاً من التجارة، وليزكِّ ثمنه يومَ يقبضه. وقال في "كتاب" ابن حبيبٍ: إذا مضى له حولٌ من يوم باعه إلى يوم يقبض ثمنه، وقاله المغيرة. وهذا خلاف قول ابن القاسمِ وغيره. قال ابن القاسمِ: لا يقوِّمِ المدير كتابة مكاتبه كما لا يقوِّمُ رقبةَ عبده الذي أخدمه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: لا يقوِّمُ المدير غنمه التي يزكيها، لأنَّ عليه انتظار الساعي. وقال أشهبُ: عن كان مجيءُ الساعي قريباً من شهرٍ تقويمه فلا يقومها، وإن كان بعيداً فليقومها ويزكها مع مالهِ، ثم يكون من يومئذٍ حولها لزكاة رقابها. محمدٌ: والأول أحبُّ إلينا. قال مالكٌ: وإذا كانت أقلَّ من أربعين، قوَّمها إلاَّ أنْ تكونَ للقنيةِ وما جزَّ من صوفِ غنمهِ وأخذَ من غلَّةِ عبيده، وذلك من مال الإدارة، فهو فائدةٌ. وقال سحنونٌ في "العُتْبِيَّة"، في المدير له سفينةٌ اشتراها يُكريها،
في زكاة مال القراض
قال: لا يُقَوِّمْها مع ما يقوِّمُ أنظرُ –أراه يريدُ وقد اشتراها للكراءِ ولو اشتراها للتجارةِ لقومها، وفي باب زكاة فوائد الغلات تمام هذا. قال مالكٌ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "العُتْبِيَّة": ومَن له مالٌ غائبٌ لا يعلم خبره، فلا يزكيه حتى يعلم ما حالها أو يرجع إليه فيزكيه لماضي السنين. وفي باب زكاة المال المبضعِ، وباب زكاة القراض من هذا. في زكاة مال القراض من "كتاب " ابن الْمَوَّاز، وفيه من "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ وأصحابه: لا يزكِّي مالُ القراض حتى ينضَّ، ويرجع إلى ربِّه. قال مالكٌ: وإن قام بيدِ العاملِ سنين فليزكِّه ربه، إذا قبضه عن كل عام] مضى. قال ابن القاسم: يريدُ إن كان العامل يديرُ، وإن كان ربُّ المال يديرُ، والعامل لا يدير، فلا يزكِّي العامل حصته إلا عند المقاسمةِ، وأمَّا ربُّ المالِ فإنَّه إذا شهرُ زكاتهِ زكَّى مالَه زكَّى ماله بيد العاملِ، إن كان من مالِ الإدارةِ، ويقوِّمُ سلع القراضِ، فيزكِّي رأس مالهِ، وحصَّة ربحه. قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولو أخَّر ذلك انتظار المحاسبة فضاع، لضمن زكاة كل سنةٍ مضتْ. قال فيه، وفي "العُتْبِيَّة": وإن كان غائباً عنه ببلدٍ
نائيةٍ لا يدري ما حدث عليه، أخَّرَ ذلك إلى أَنْ يرجع إليه فيزكِّي عن كلِّ سنةٍ بقدرِ ما كان المال فيها. قال ابن حبيبٍ: فإن هلك المالُ لم يضمن الزكاة. قال ابن الْمَوَّاز: وإذا كان العامل يديرُ، فلا يزكِّي واحدٌ منهما ما اقام حتى ينضَّ للمحاسبةِ، فيزكِّي كلُّ واحدٍ حصته عن كلِّ سنةٍ مضَتْ بقدرِ ما كان المالُ فيها على التأخُّرِ، وإن لم يكنِ العاملُ يديرُ، لم يزكِّ هو حينئذٍ إلاَّ لسنةٍ واحدةٍ. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: وإن أقام بيده ثلاث سنين، وهو مديرٌ فكان في أول سنةٍ مائة، وفي الثانية مائتين، وفي الثالثة ثلاث مائة، زكَّى عمَّا كان لكلِّ سنةٍ، إلاَّ ما حَطَّتِ الزكاة. ولو رجعَ في العام الثالثِ مائةً، لم يزكِّ إلاَّ عن مائةٍ، كلَّ سنةٍ إلاَّ ما حَطَّتِ الزكاة، ولا يضمن ما هلك من الربح. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ولا يزكِّي العاملُ في غيبته عن ربِّ المال شيئاً. قال أشهبُ: إلا أنْ يأمره أو يؤخذ بذلك فيجزيه، ويحسبَ عليه في رأس ماله. ورُوِيَ عن سحنونٍ، أنَّه قال: ولو أقام بيده سنة، فإن كان لم يظعن والمال عينٌ، فليُزكِّه ربُّه، وإن شغل بعضه، فليس عليه أَنْ يزكِّيَ ما بقيَ حتى يتفاصلا.
وكذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ. قال مالكٌ: وإنَّما على العاملِ إذا تفاصلا من الزكاةِ بقدرِ حصته وإن قلَّتْ. فلو ربح عشرين ورأس المال عشرون، كان عليه ربع دينارٍ، قال: وأمَّا ثمرة المساقاتِ، فهي كلها مقسومة بينهما، فيبدأ فيها بالزكاة، وإن لم تكن إلاَّ خمسة أوسقٍ، ثم يقتسمان ما بقي، وكان جميعه لربِّ الأصولِ، وكأنَّه يُعطي للعاملِ إجارةً، لزمته. قال ابن الْمَوَّاز: وكذلك في القراضِ إن كان رأس المالِ مع جميع الربح عشرون ديناراً على رواية أشهب، فهو مالٌ وجبت فيه الزكاةُ، وما يأخذ العامل كأنَّه إجارةٌ. أبو محمد: وبقية القولِ في هذا في باب بعد هذا. ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: ولا يخرج زكاة القراض، وإن عمل به سنين إلاَّ المفاصلةِ، غابَ ربُّ المالِ أو حضرَ، وإن فعل ذلك جهلاً أو فعله العامل، مضى ذلك ولم يجبرا برَدَّ ذلك وضيعةً، إن كانت بخلاف ما يأخذ قبل المفاصلة من ربحٍ. قال: وإذا كان ربُّ المال يدير وحده، والعامل لا يدير، فليزكِّ ربُّ المال جميع المال إن كان عيناً. وإن كان عرضاً فليقوِّمْ مع إدارته سلعَ القراضِ كلها بجميع ما فيها من ربحٍ، ويزكِّ عند المفاصلة رأس مالهِ وحصَّةَ ربحه، وإن كان العامل غائباً بعيد الغيبة فلا يزكِّي حتى يعلم حاله، أو يرجع إليه، فيزكِّي لكل عام بقدرِ ما كان المال فيه، فإن تلف المالُ فلا زكاة عليه، وإذا حلَّ حولُ ربِّ المالِ، وهو مديرٌ لستَّةِ أشهرٍ من يومِ أخذه العاملُ، فزكَّى ربُّ المالِ ذلك مع مالهِ،
في اشتراط الزكاة في القراض وفي المساقاة على أحدهما
وانتظر ربُّ المالِ، ثم اقتسما لتمام حولٍ من يومِ عملَ فيه، زكَّى العاملُ ما نابه، وانتظر ربُّ المال حوله. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، فِي مَنْ له مائة دينار، دفعَ منها تسعين قراضاً وبقيت بيده عشرة حتى حال الحولُ، فلا يزكيها حتى يقبض القراضَ، فإن كان القراضُ تدار فيه زكاةٌ مع العشرةِ لكل عامٍ، وإن كان لا يُدارُ، زكَّى الجميع لعامٍ واحدٍ ومَن اخذ قراضاً فأقام بيده، فلم يعمل به حتى حلَّ عليه الحولُ عنده فليزَكِّه ربُّهن وليعمل العامل مما بقي، وإن اشغل منه شيئاً حتى لا يكون لربِّه أخذه، فلا يزكه حتى يقبضه. في اشتراط الزكاة في القراض وفي المساقاة على أحدهما من "الواضحة": وإذا اشترط أحدهما على الآخر زكاة الربحِ فهو جائزٌ، فإن تفاضلا قبل الحولِ، أو كان ذلك لا زكاة فيه، فمشترطُ ذلك على صاحبه يأخذ ربع عشر الربح لنفسهِ، ثم يقتسمان ما بقيَ كما لو شرطَ لأجنبيٍّ ثلثَ الربحِ، فيأبَى مَن أخذه، فهو لمشترطه منهما. وذكر ابن حبيبٍ، أنَّ ابن القاسم يكره أَنْ يشترط العاملُ على ربِّ المالِ زكاةَ المالِ والربحِ. قال ابن حبيبٍ: وذلك جائزٌ. وما ذكر ابن حبيبٍ، عن ابنِ القاسمِ، في هذا هو في "الأسدية". وذكر في "المدونة"، ما دلَّ على أنَّه جائزٌ عنده.
في الزكاة في مال القراض عن رقاب الغنم وعن العبيد في زكاة الفطر
ومن "المَجْمُوعَة"، روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، أنَّه إنِ اشترط في المساقاة الزكاةَ على ربِّ المالِ أو على العاملِ فهو جائزٌ، وإن لم يصيبا خمسةَ أوسقٍ، وقد شرطا الزكاة على العامل، فإنَّ عشر ذلك أو نصفَ العشر في سقي النَّضْحِ لربِّ الحائطِ خالصاً. وقال سحنونٌ: يكون لربِّ المال ممَّا أصابا خمسةُ أعشارٍ ونصف عشرٍ، وللعاملِ أربعة أعشار ونصف عشر، لأنَّ ربَّ المالِ اشترط عليه أَنْ يؤدي عشر نصيبه، فيرجع ذلك إليه. وقال غيره: ويقسَّمُ ما اصابا على تسعة أجزاءٍ، خمسةٌ لربِّ المالِ، وأربعة للعاملِ. وقال ابن الْمَوَّاز في "كتاب" القراضِ: قال مالكٌ: إن اشترط على الساقي زكاة الثمرة كلها، فلم يصيبا خمسةَ أوسقٍ، فليأخذ ربُّ المال من حصة العامل، كما اشترط. في الزكاة في مال القراض عن رقابِ الغنمِ وعن العبيد في زكاة الفطرِ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، روى ابن القاسمِ، وأشهبَ، عن مالكٍ، أنَّ زكاة الفطر عن عبيد القراض على ربِّ المالِ في رأسِ مالهِ، بخلاف
في زكاة القراض يتفاصلان فيه قبل الحول أو يتفاصلان بعد الحول، والمال بربحه عشرون دينارا أو أقل، أو يكون أحدهما عبدا أو نصرانيا أو مديانا
النفقةِ. وقال أشهبُ: إن بقوا بربحٍ جُعلَ على الربحِ من ذلك بمقدارهِ. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وكذلك زكاة الغنمِ على ربِّ المالِ، في رأس ماله. قال محمدٌ: وهذا أحب إلينا. ومن "المَجْمُوعَة" روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، مثل قول أشهب: أنَّه إن كان في العبيدِ فضلٌ، كان على الفضلِ بمقدارهِ، وإلاَّ فذلك على ربِّ المالِ في رأس ماله. وقال ابن حبيبٍ: هو كالنفقةِ مُلغاةٌ، ورأس المالِ هو العدد الأول. وأمَّا في الغنم فيجتمع عليها في الرواية عن مالكٍ، من المدنيين والبصريين، أنَّ زكاتها على ربِّ المالِ، من هذه الغنم لا من غيرها، فيطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المالِ، من هذا الغنمِ فيكون ما بقيَ رأسُ المالِ. قال ابن حبيبٍ: وهي تفارق زكاة الفطرِ؛ لأنَّ هذه من رقابها تُزكَّى، والفطرة شيءٌ مأخوذٌ من غير العبيدِ، وذلك مختلفٌ فيه. فروَى ابن وهبٍ، وابن القاسمِ، عن مالكٍ، أنَّ ذلك على ربِّ المال في رأس ماله. وقالا به. وقال أشهبُ وأصبغُ: زكاتهم من مال القراضِ، ثم يكون ما بقيَ هو رأس المال، جعلا ذلك كالماشيةِ، وهي لا تشبه ذلك، والذي أقولُ: إنَّها كالنفقةِ، ورأس المال هو العدد الأول. في زكاة القراضِ يتفاصَلانِ فيه قبل الحولِ أو يتفاصلان بعد الحولِ، والمالُ بربحهِ عشرون ديناراً أو أقلُّ، أو يكونُ أحدهما عبداً أو نصرانيًّا أو مِدْياناً من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وإذا عمل في القراضِ أقلَّ من حولٍ، ثم
تفاصلا فصادفَ ذلك حول ربِّ المالِ، فقال ابن الاسمِ: لا زكاة على العاملِ. وقالِ أشهبُ: على العاملِ الزكاةُ وإن نابه درهمٌ واحدٌ. وقال ابن الْمَوَّاز: وهذا أحبُّ إليَّ. وقد رواه ابن القاسمِ، عن مالكٍ، وخالفه. قال أشهبُ: وإن تفاصلا قبل حولِ ربِّ المالِ، فلا زكاة على العاملِ فيما نابه، وإن كثرَ حتى يأتيَ له حولٌ من يوم نضَّ بيدهِ. وذكر ابن عبدوسٍ، عن أشهبَ، مثل ذلك في العملِ به اقلَّ من حولٍ، فصادفه حولُ ربِّ المالِ: إنَّ على العامل الزكاة. قال: وقاله عبدُ الملكِ. قال: وكذلك لو كان العامل عبداً أو مدياناً، أخذَ العبدُ نخلاً مُساقاةً، وقاله ابنُ نافعٍ وسحنونٌ. وقال ابن القاسم، وابن وهبٍ وأشهبُ، عن مالكٍ: وإذا كان العامل مِدياناً فلا يُزكِّي من ربحه، إلاَّ ما فضل هن دينه، قال ابن الْمَوَّاز: وهذا استحسانٌ. قال مالكٌ: وأمَّا إنْ كان ربُّ المال عبداً وعليه دَينٌ محيطٌ فلا شيء على العاملِ، قلَّ ربحه أو كثر، وكذلك إنْ كان نصرانيًّا، وإنْ كنَّا نكره أن نقارضه، وكذلك قال عبد الملك، وسحنونٌ في "كتاب" ابن سحنونٍ. قال ابن الْمَوَّاز: قال أشهبُ: وإن أخذ عشرة دنانير قراضاً فربح فيها خمسةً، ولربِّ المالِ مالٌ حلَّ حولُه، إنْ ضمَّه على هذا صار فيه الزكاةُ – يريدُ: قد حلَّ على أصل هذا حولٌ. قال: فليُزكِّ العاملُ حصته كمُساقٍ
أصابَ أربعة أوسقٍ، ولربِّ المالِ حائطٌ آخرُ أصابَ فيه أوسقاً، فليَضُمَّ ذلك ويُزكِّ ويقتسما ما بقيَ، وبه يأخذ سحنونٌ. ومن "المَجْمُوعَة": ومن بيده مائة دينار فدفع منها عشرةً قراضاً، فعملَ بها العاملُ حولاً فربحَ خمسةً، فلا زكاة على العاملِ، وإن لزمت ربِّ المالِ الزكاة، وقاله ابن القاسمِ. ومن "العُتْبِيَّة" قال أصبغُ: وإذا عَمِلَ العاملُ في المال سنةً، فأخذ ربحه فزكَّاه، وله مال لا زكاة فيه، له عنده حولٌ، فإنَّه لا يزكيه ولا يضمُّه إلى ربحِ القراضِ، وإن كان فيه مع ربحِ القراضِ عشرون ديناراً، وكذلك العامل في المساقاةِ، إن أصابه وسَقان، وأصابَ في حائطٍ له ثلاثة أوسقٍ، فل زكاة عليه في حائطه، وليُزكِّ ما أصابَ من المساقاة، إن كان في نصيبه ونصيب ربِّ الحائط ما فيه الزكاة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، روى أشهبُ، عن مالكٍ، فِي مَنْ أخذ تسعةَ عشرَ ديناراً قِراضاً فعمل بها حولاً فربح ديناراً. فإنَّ على العاملِ الزكاةَ في ما نابه وعلى ربِّ المال، ولم يرَ ابنُ القاسمِ على العاملِ زكاة، حتى يكون في نصيبه ما فيه الزكاة، يريدُ: أو يكون في حظِّ ربِّ المالِ وحصَّةِ ربحهِ ما فيه الزكاة، وإلاَّ فلا زكاة عليهما، عند ابن القاسم. قال محمدُ بنُ الْمَوَّاز: وخالفه فيه أصحابه وهو خلاف قول مالكٍ. وقال سحنون بقولِ مالكٍ، وخالف ابن القاسم. وقال ابن القاسم في "المدونة": لا يزكِّي العامل حتى يكونَ في مالِ ربِّ المالِ مع حصته من الربحِ ما فيه الزكاة. ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: وربحه دينارٌ في التسعة عشر، كما لو ربح ديناراً في تسعةٍ وثلاثين بعد حولٍ، فإذا وُجِدَت في رأسِ المالِ مع جميع ربحهما ما فيه الزكاة فعليهما الزكاة في ذلك المال، وقاله ابن
القاسم في المُساقاة، وأباه في القراضِ. وأخذ سحنونٌ بقولِ أشهبَ. وكذلك ذكرَ ابنُ الموازِ، عن أشهبَ من قوله وروايته، وقال: قال أشهب: وهو مالٌ وجَبَتْ فيه الزكاة، وصار ما يأخذ العامل، ولو هلك كإجارةِ أجيرٍ، ولم أجعل ذلك على ربِّ المال في ماله كالإجارة، لأنِّي أصبت هذا الربح في ضمان العامل ولو هلك، والإجارة قد ضمنها ربُّ المال بكل حالٍ، وكذلك احتجَّ سحنونٌ في هذا الأصلِ في "كتاب" ابنه. قال ابن الْمَوَّاز: وإسقاط الزكاة عن العامل في القراض لدَينٍ عليه ليس بالقويِّ، وهو مذهب ابن القاسمِ. قال: إلاَّ أَنْ يكونَ له عَرَضٌ يُكافئه أو يفضل بعد دَينه ولو درهم فليزكِّه، وأمَّا دَينُ ربِّ المالِ، فإن كان يغترق ماله وربحه، فلا زكاة عليه، ولا على العاملِ، وإذا كان يفضل بعد الدين من المال وربحه العامل ما فيه الزكاة، فليزكِّها تلك الفضلة ويقتسما. قال أشهبُ: وإنَّما يجب على العامل بوجو بها على ربِّ المال وتسقط بسقوطها عنه. محمدٌ: وذلك إن كان دَينُ ربِّ المالِ يغترق رأس المال وربحها؛ لأنَّ له حكمَ الأصلِ وما يأخذ العامل كإجارة تُؤدَّى. وقال ابن القاسم فِي مَنْ تسلَّف دينارٍ ولا عرض له، فقارض بها رجلا فربح بعد الحول أربعين ديناراً: فليزكِّيَا وإن ربح أقلَّ من أربعين ديناراً
في زكاة القراض يرجع إلى ربه بعضه قبل الحول، أو اشترى به أصولا، فباع الثمرة برأس المال، ثم باع الأصول
فلا زكاة عليهما. قال محمدٌ: وهذا على أصله الذي ذهب إليه. قال محمد: بل لو ربح عشرين ديناراً لزكَّيا. فإذا فضل بعدَ الدين ما فيه الزكاةُ، فليزكيا، كان ذلك كله للعاملِ وحدَه أو بعضه لربِّ المالِ، وبعضه للعاملِ، كما لو أنَّ عنده عَرَضٌ يفي بالدَّيْنِ لزكَّيا الجميعَ وإنَّمَا الحكمُ للأصلِ، ولو كان الأصل لعبدٍ لم يلزم العامل الزكاة، فإذا لزم الأصل زكاة فما يخرج منه للعامل كإجارةِ يأخذها. قال عبد الملكِ: فإن كان العامل عبداً وربُّ المالِ حرًّ، فليزكِّ العاملُ حصته. قال عبد الملكِ: وهذا الصوابُ، وما أُسقطَ أنَّا الزكاةَ عن العاملِ بدَيْن عليه إلاَّ استحساناً. قال مالكٌ: وما اخَذَ المُساقاةُ من حصته من الثمرةِ بعد أنْ زكَّيَاهَا، فهو فائدةٌ، يأتنف بثمنها إن باعهان إذا قبضه. في زكاة القراضِ يرجع إلى ربِّه بعضه قبلَ الحول، أو اشترى به أصولاً، فباع الثمرة برأسِ المالِ، ثم باع الأصولَ من "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن القاسمِ: ومَن أخذَ مائة دينارٍ قراضاً، فعمِلَ بها عشرةَ أشهرٍ فنَضَّتْ مائة دينار، فأخذها ربُّ المالِ وبقيت سِلَعٌ بيعت للحولِ بثلاثين ديناراً، فلا يُزكِّي العاملُ حتَّى يُباعَ بأربعين ديناراً؛ لأنَّ المعاملة إنَّما رجعت في السلعِ الباقيةِ، ولو تعاملا على الثلاثين للعاملِ، فبيعت بثلاثين، فلا زكاة عليه حتى ينيبَ منها ربُّ المالِ، منها ما فيه الزكاة، وكذلك لو تعجَّلَ بعضَ رأسِ المالِ قبل الحولِ.
وذكرها ابن الْمَوَّاز، وقال: فإذا باع السلعة الباقية بأربعين فلا زكاة على العامل في نصيبه، ولو قال له ربُّ المال حين أخذ المالَ: بعنِي نصف السلعة قراضاً. فلا خير فيه؛ لأنَّه شريكٌ له فيها. وقال سحنونُ، في "كتاب" ابنه: عليهما الزكاة على ما ذكرت لك – يريدُ: من قول مالكٍ، في رواية أشهبَ، فِي مَنْ أخذ تسعة عشر ديناراً قراضاً، فنضَّ له للحولِ عشرون. قال ابن الْمَوَّاز، في المائة: ولو كان إنَّمَا ردَّ عليه خمسةً وتسعين لعشرةٍ أشهرٍ، وبقيت خمسةٌ في السلعِ، فبيعت للحولِ بخمسةٍ وعشرين، فوقعَ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز في هذا أنَّ ابنَ القاسمِ يقول: لا زكاة على العاملِ حتى يبيع بخمسةٍ وأربعين وإنَّما ذكر هذا على رواية ذكرها عن ابن القاسم، خلاف ما يعرف عنه، وذكر ابن الْمَوَّاز أنَّها خلاف قول مالكٍ، وأصحاب ابن القاسم، أنَّ العامل في القراض لا يزكِّي حتى ينيبه في ربحه خاصَّةً عشرون ديناراً، ولم أرَ هذه الرواية في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وهي شاذةٌ أو غلطٌ في "الكتاب". قال محمدٌ: وأمَّا على ما تقدم من قول نالكٍ، فعليهما الزكاة. وقاله أصبغُ: قال محمدٌ: وإنَّما يزكي العامل الذي رَدَّ خمسةً وتسعين قبل الحولِ، ثم باع ما بقي بعد الحولِ بخمسةٍ وعشرين نصف دينارٍ، يخرج ربع عشر ذلك النصف؛ لأنَّه إنَّمَا يقع للخمسةِ الباقيةِ من رأسِ المالِ دينارٌ واحدٌ.
من العشرين الربح، فله نصفه فيزكيه، وذلك إذا كان بقي بيدِ ربِّ المالِ ما يُوجبُ عليه الزكاة، يريدُ محمدٌ: ما إذا ضمَّه على ما يقع له من هذا من بقية رأس ماله، وحصته من الربح الخمسة والتسعين التي انفصل فيها الأمر، وهي تسعة دنانير ونصف، وجميع ما ربح في الخمسة وهو دينارٌ، يريدُ: فإن كان لربِّ المالِ مع هذا أربعة دنانير ونصفٌ، مضى له حولٌ، إن كان ذلك مع هذا وزكَّى العاملُ نصف الدنانير، الذي نابه في الخمسة، ولم يزكِّ التسعة ونصف التي نابته من ربح الخمسة وتسعين. وهذا على المذهب الذي اختاره محمد من رواية أشهب، عن مالك في التسعة عشر دينارا لقراضٍ، يربح فيها ديناراً للحولِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومَن أخذ مائة دينارٍ قراضاً فاشترى بها نخلاً فأثمرت، فباع الثمرة بمائة، والأصول بمائةٍ بعد حولٍ فزكاةُ الثمرة منها، ثم للعاملِ ربعُ ما صحَّ بعد ذلك من ثمنها، ولا زكاة عليه فيه؛ لأنَّه قد زكَّى ثمراً، ثم يكون له ربع ثمنِ الرقابِ أيضاً، فيزكيه وذلك خمسةُ وعشرون ديناراً، يُخرج نصف دينارٍ ويزكِّي ربُّ المالِ خمسة وسبعين، ولو كان ثمن الثمرة خمسين، فذلك الثلث يُسقِطُ عن العاملِ زكاة ثلثِ مصابته، ويزكِّي الثلثين. ولو كان اشترى أصول تينٍ أو جوزٍ، فباع الثمرةَ بمائةٍ، والأصول بمائةٍ فنصيب العاملِ خمسونَ ديناراً، فنصفه من ثمنِ
في زكاة المال يعطى للرجل على أن له ربحه أو يحبس عليه، وزكاة المال يوقف للسلف
غلَّةٍ لا يزكيها، ويزكي خمسة وعشرين، وكذلك يزكي رب المال نصف ما يصير إليه، ولو باع الأصول بثمرها في صفقةٍ واحدةٍ، ولم يجددها وقد طابت، لزكَّى عن كلِّ شيءٍ، وأمَّا ما يزكِّي من الثمار فبيعه مع الأصول أو مفترق سواء، وقد تقدم في بابٍ آخرَ. في زكاة المال يعطى الرجل على أنَّ له ربحه أو يحبسُ عليه، وزكاة المال يوقف للسلفِ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز؛ قال مالكٌ: ومَن أعطى رجلاً مائة دينارٍ ليعمل بها لنفسهِ، ويأكل فضلها خمس سنين، فل زكاة على ربِّها حتى يقبضها، فيزكيها لعامٍ واحدٍ، وهي بيدِ الذي عمل بها كالسلفِ ولا زكاة عليه فيها. قال ابن الْمَوَّاز: إلاَّ أَنْ يربح فيها للحولِ ما فيه الزكاةُ، أو يكون عندَه عَرَضٌ يجعل فيه الدَّين أو بعضه، وإذا نضَّ له منها عشرون ديناراً للحولِ، فإنْ كان فيما له من السلعِ منها أو من غيرها وفاءٌ لدَينهِ، زكَّى العشرين وإلا فلا. وأمَّا لو قال له: اعمل بها قراضاً وربحها لك، فهذا لا يَضُمُّها وزكاتها على ربِّها لعامٍ واحدٍ، وإن قبضها بعد أعوامٍ؛ يريدُ: وهو قراضٌ. قال: وزكاة ربحها على ما ذكرنا في
القراضِ، وإنْ ردها قبل الحولِ فليأتنف بالربحِ حولاً، وذكرها في "المَجْمُوعَة"، ولم يذكر دفعها قراضاً، وذكر ابن القاسمِ، وابن وهبٍ روياها عن مالكٍ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ: إنْ قال له: اتَّجِرْ بها ولك ربحها، ولا ضمان عليك، فلا زكاة على مَن هي بيده، فإذا قبضها ربُّها زكاها لعامٍ واحدٍ، إلاَّ أنْ يكون مديراً. وقال سحنون: هي كالسلفِ، وعليه ضمانها كالمال المحبسِ، وقال ابن حبيبٍ: إذا قال له: ربحها لك، ولا ضمان عليك. فلا زكاة على المعطي في رأس المالِ، وإذا تمَّ الربح عشرين ديناراً، ائتنف به حولاً، وإن قبضها ربُّها بعد سنينَ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: ومَن حُبستْ عليه دنانير سنة يعمل بها، فلا زكاة عليه فيها، إلاَّ أنْ يكون عندَه عَرَضٌ يفي بها. وقاله أشهبُ، قال: إذا رجعت على الورثة ففيها الزكاةُ. وقال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: ومَن أُعْطِيَ ألفَ درهمٍ ليأكل ربحها، ولا ضمان عليه فيها، فلا ضمان عليه، والربح له، والزكاة على دافعها إذا قبضها. قال مالكٌ في المالِ يوقفُ ليتسلَّفَ: إنَّ فيه الزكاةَ. ورواه ابن القاسمِ، وأشهبُ، ووقف فيه في رواية أشهب. وقال أشهبُ: فيه الزكاة. قال ابن القاسمِ في
في زكاة الأموال توقف لتفرق أعيانها، أو لتفرق غلتها، أو نسل الماشية أو ربح المال أو النخل تطعم ثمرتها سنين، والزرع يوصى به
روايته: كان على مجهولين أو مُعيَّنَيْنِ ففيه الزكاةُ كلما رجع، إن أقام أحوالاً. وبعد هذا باب في زكاة ما يوقف ليفرَّقَ، أو للغلةِ. في زكاة الأموال توقف لتفرق أعيانها، أو لتفرق غلتها، أو نسل الماشية، أو ربح المال أو النخلُ تُطعَمُ ثمرتها سنينَ، والزرعُ يُوصى به من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: في الحوائطِ المُحبسةِ في السبيلِ، أو على المساكين، أو على قومٍ معينين، ففي ذلك الزكاة. وقال عبد الملكِ: إذا حُبستْ على مَن له الزكاة، فلا زكاة فيها، وإنْ كان على غيرهم زُكِّيَتْ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز؛ قال: وما حُبِسَ أصله، ليفرقَ ما يتولد منه من غلَّةٍ أو ربحٍ أو ولادةٍ، فإنْ كان الصل ممَّا يزكي من عين أو ماشيةٍ فالزكاة في الأصل جاريةٌ كل عامٍ كان على معينين، أو في السبيلِ، أو في المساكين، وإذا كانت أصول نخلٍ يُفرَّقُ ثمرتها، والأصول حُبُسٌ، إن كانت على معينين معروفين، فلا زكاة إلاَّ على مَن في حَظِّهِ، ما فيه الزكاةُ، وإذْ كانت على غير معينين مثل في السبيلِ، أو في المساكين، أو على قيسٍ، وشبه ذلك، فالزكاة في جملة الثمرة، إنْ
كان فيها خمسةُ أوسقٍ فأكثر. وقال ابن سحنونٍ، عن أبيه: سَوَاءٌ حُبِسَتِ النخلُ على معينين أو غير معينين، فالزكاة تؤخذُ منها مبدَأةً. وأمَّا من أطعمَ قوماً ثمرَ نخلاتٍ أعواماً، فالزكاة عند مالكٍ، على الذي أطعمهم. وأنا أرى أنْ أُحَلِّفَهُ بالله ما أراد حملَ الزكاة عنهم، ثم تؤخذ الزكاة من ثمرتهم مبدأةً، وإن لم يصيبوا، إلا خمسة أوسقٍ، وسواء اسلم النخلَ إليهم، أو بقيت بيدهِ، فإنْ كان فيهما أربعة اوسقٍ، وقد بقي لنفسهِ من النخلِ بقيَّةً، فليضمَّ ثمرة ذلك على هذا، فإنْ بلغ خمسة أوسقٍ، أخذ من كل نخلةٍ بقدرها بعد يمينه، وكذلك مُعرِي النخلاتِ، وقد يرى بها على مَن أعراها له، أو بقيت بيده يلي سقيها ويدلُّ أنَّ في الأصلِ الزكاةَ، أنَّ النصرانيَّ يُساقيه المسلمُ، فيؤخذ من الأصلِ الزكاةُ. وتمامُ هذا في باب زكاةِ العريَّةِ والهباتِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز ومن "كتاب" ابن عبدوسٍ، من رواية ابن القاسمِ وأشهبَ، عن مالكٍ، وإذا كانت دنانير يفرقُ أصلها، فلم تفرق حتى أتاها الحولُ، فلا زكاة فيها. قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: كانت على معينين أو مجهولينَ، أو في السبيل، كانت وصيَّةً، أو في الصحةِ. قال ابن القاسمِ: وكذلك الإبلُ والبقرُ والغنمُ تُفرَّقُ رقابها في السبيلِ، أو تباع؛ لتفرقَ أثمانها، فيأتي عليها الحولُ قبلَ تُفرقُ. فل زكاة فيها كالعينِ، قاله مالكٌ. قال أشهبُ، في المواشي: إذا كانت تُفرَّقُ على غير معينين، فهي
كالعينِ، وإن كانت تفرَّقُ على معينين، فهم كالخلطاء في الزكاة على من في حظِّه منهم ما فيه الزكاة منها، وأمَّا في العين تُفرَّقُ على معينين فلا شيء عليهم، وإن كان نصيب كل واحدٍ ما فيه الزكاةُ، وإن بقيت تفرَّقُ على مجهولين، فالعينُ والماشيةُ سواءٌ، لا زكاة في ذلك. ورواه ابن القاسمِ وأشهبُ في العين عن مالكٍ. وفي الباب الذي قبل هذا القولُ في المالِ الذي يوقف ليسلَّفَ. قال ابن القاسمِ: والمواشي إذا حُبستْ ففيها الزكاةُ، كانت على معينين، أو مجهولين، ولو لم يقع للمعينين إلا شاةٌ شاةٌ؛ لأنَّها موقوفة على ملكِ مُحبسها، إذا كان إنَّما يُفرِّقُ من لبنٍ وصوفٍ، وأمَّا إنْ سَبَّلَ أولادها؛ لتفرَّقَ مع غلتها، فإن كانت على معينين، فإن كان يقع لكلِّ واحدٍ من أولاد المعينين ما فيه الزكاةُ، إنْ كان للأولاد حولٌ من يوم ولدوا وإن لم يقبض، وإن كانت تفرق على المساكين، أو في السبيلِ، فتأخرت حولاً من يوم الولادة، ففي جملتها الزكاةُ، إنْ كان فيها ما فيه الزكاةُ، ومَن أوصى بثلثِ زرعه الأخضر للمساكين، فإنْ كان في ثلثه خمسة أوسقٍ، زكَّى ولا نفقة على المساكين فيه، وإن كان على قومٍ معروفين فلا زكاة على مَن في حظِّهِ الزكاةُ، وعيهم النفقةُ، وهم كالورثةِ.
في من عجل إخراج زكاته أو أخرها، وفي الزكاة تتلف، وقد أخرجها، أو يتلف المال
فِي مَنْ عجَّل إخراج زكاته أو أخَّرها، وفي الزكاة تتلفُ، وقد أخرجها، أو يتلف المالُ قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن نافعٍ، عن قيسِ بنِ سلمانَ، عن ابنِ شهابٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُجْلِسُ عبدَ الرحمن بن عوفٍ في كلِّ مُحَرَّمٍ، فيقولُ لهم عبدُ الرحمن: مَن كان عليه دَينٌ فليُؤَدِّهِ، ومن أراد أَنْ يستحدثَ نفقةً، فليستحدثها حتى تؤدُّوا مما بقي من أموالكم الزكاة. قال مالكٌ: ومَن اُخذتْ منه زكاة زرعهِ قبلَ حصادهِ، وهو قائمٌ في سنبلِهِ فهو يُجْزِئُهُ، ولا أُحبُّ أنْ يتطوَّعَ بها من قبلِ نفسهِ. وقال في مَن أُخذت منه زكاة مالٍ: لم يجب عليه فيه زكاةٌ، فليس له أَنْ يَحْسِبَ بذلك من زكاة مال آخرَ يلزمه زكاته. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: لا يجوزُ أنْ يُعَجِّلَ الرجلُ إخراجَ زكاةِ مالهِ، وحرثهِ، وماشيته إلاَّ بقربِ الحولِ، أو قبله باليسيِر، وأحبُّ إليَّ حتَّى يَحِلَّ. وقاله أشهبُ. قال محمدٌ: لا يُجْزِئُهُ إلا ما كان قبل الحولِ بيومٍ أو يومين، والفضلُ ألا يفعلَ، فأمَّا إن بَعُدَ فلا يُجْزِئُهُ. ومن "العُتْبِيَّة" قال أشهبُ ومَن أخرج زكاته قبل محلها أَعَادَ. قال عيسى: قال ابن القاسم: لا أُحبُّ له أَنْ يفعلَ إلا بالأمر القريبِ، وأرى الشهرَ قريباً على ترجيفٍ وكُرْهٍ. قال ابن حبيبٍ: قال (مَن لقيتُ) مِن أصحاب مالك: إنه لا يُجْزِئُهُ إلا فيما قَرُبَ، مثلَ خمسةِ ايامٍ وعشرةٍ قبلَ الحولِ. وقال أشهبُ: لا يُجْزِئُهُ. وبالأول أقول.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ورَوَى أشهبُ، عن مالكٍ، والليثِ، إذا أخرجها قبل محلها لم يجزه، واحتجَّا بالصلاةِ. قال عنه ابن وهب: وإن أخذها منه الساعي قبل محلها جبراً، لم تُجْزِئه. قال ابن القاسمِ: وإن أخذه بزكاة زرعه بعدما يبس، أو بزكاة غنمه، أو ماله قبل محلِّهِ، فإنْ كان بقربِ محلها أجزأه. والزرع أبيتهن ورَوَى ابن عبد الحكم، عن مالكٍ، سئل إذا أخذها منه قبل إبانها. قال: إنما السبيل على الذين يظلمون الناس. ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: وإذا عجَّل زكاة ماشيته، أو حبه، أو ماله عن عامِ أو عامين، لم يُجْزِئُهُ. وقال عنه ابن وهبٍ، في قولِ الصديقِ: لو منعوني عقالاً. قال: هو الفريضة من الإبلِ، لا الخيلِ. قال ابن وهبٍ: وهو البعير. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومن أخرج زكاته بعد محلها بأيامٍ يسيرةٍ فهلكت فإنه يضمنها. محمدٌ: ما لم يكن عند الحولِ وقربه. قال: وكذلك إنْ أخرجها قبل الحولِ بأيام يسيرةٍ فتلفت، فإنَّه يضمنُ. محمدٌ: ما لم يكن قبله بيومٍ أو يومين، وفي الوقت الذي لو أخرجها فيه لأجزائه، فإنَّه يُزكِّي ما بقي لا ما تلف. قال محمدٌ: وأما إن أخرجها بعد الحولِ بيومٍ وشبهه فتلفت، فأرجو
ألا يكونَ عليه غيرها، ولو أخرجها حينَ وجبتْ فتلفت، أجزأته، ثم إن ذهبَ مالُه ولَحِقَه دَيْنٌ، ثم وجدها فلينقذها ولا شيء عليه فيها لأهلِ الدين، وكذلك روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسم في "العُتْبِيَّة". قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وإن خرصَ الكرم والثمر للزكاة، ثم اجتيحَ، فإنْ بقيَ بعد الجائحةِ خمسةُ أوسقٍ فأكثر زكَّاهُ، وإلاَّ فلا شيء عليه، وكذلك ما هلك في الأندرِ والجرين، إلاَّ أنْ يهلكَ بعد أنْ يدخل المخازن. قال ابن سحنونٍ: قال المغيرة: وإذا عزل عشرةً ثم استقرضه أو أكله أو باعه فقد ضمنه، فإنْ فَلِسَ لم يحاصَّ بها السلطان غرماءَه، لأنَّه لو مات لم يلزم إخراجها إلاَّ بوصيَّةٍ من ثلثه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ومَن اخرج زكاته حين لزمته فتلفت، قال: يُجْزِئُهُ. وإن كان بعد محلها بأيامٍ، فهو ضامنٌ. قال ابن القاسمِ: وكذلك زكاة الفطر. قال عليٌّ، عن مالكٍ: وكذلك لو بعث بها عند محلها إلى الأمام مع مَن يثق به، أو ذهبَ هو بها فذهبت، فلا يضمن؛ لنَّ سنتها أنْ يأتيَ بها الناسُ إلى الإمامِ. قال ابن نافعٍ: ما لم يؤخرْ ذلك عن إبانه. قال عنه ابن سحنونٍ: أو يعجله قبلَ محله. قال ابن نافعٍ: ولو بعثَ بصدقةٍ حَرْثِهِ أو ماشيته مع رسولٍ، لضمنَ، إذ الشأنُ فيها مجيءُ المصدقِ لأخذها، وكذلك في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومثله في "كتاب" ابن سحنونٍ، وزاد عن ابنِ نافعٍ، عن مالكٍ: فأمَّا لو أخرج
زكاة العينِ من صندوقه فوضعها في ناحيةِ بيتهِ فذهبت فهو ضامنٌ، لأنَّه لم يخرجها ما كانت في بيته. قال: وليستْ كالماشيةِ تلك لا تُزَكَّى حتَّى يأتيَها المصدِّقُ فيزكيها على ما يجد فيها، وأمَّا العينُ فحين يَحِلُّ حولُه يُخرجُ زكاته، والماشية والطعام يرتقب بهما الساعي، إلاَّ أنَّ الطعامَ مثل العينِ في غيبةِ ربِّه عليه. قال مالكٌ: وإنْ عزل زكاة قبل يأتيه المصدِّقُ فتلف أنَّه لا يُجْزِئُهُ، لأنَّه ليس عليه ذك، إنَّمَا عليه إذا جاء المصدق أعطاه، فعلى ذهان أنْ يُخرج زكاةَ ما بقي، إنْ بقي خمسةُ أوسقٍ فأكثر، ولا يُخرج عمَّا تلف. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال أشهبُ: وإذا كان هو يلي إخراج زكاة زرعه، فعزلَ عشرة ليفرقهن ثم لم يُفرِّطْ في تفريقه حتى ضاع، فلا شيء عليه، ولا فيما بقي، وإن فرَّطَ ضَمِنَ، وإنْ لم يمن هو يلي إنفادَ ذلك، وإنَّمَا يأخذه المصدِّقُ، ثم يُجْزِئُهُ إن تلف ما عزل، وعليه زكاة ما بقي. وذكر ابن الْمَوَّاز في "كتابه" قولَ ابن القاسمِ في ذلك، أنَّه يُجْزِئُهُ مجملاً، ثم ذكر قول أشهبَ. وقال: ونحن على قول أشهبَ. ولكن إنْ أدخله منزله بعد انتظار منه للمساكين فطال ذلك وخاف ضياعه، فلا ضمان عليه بعد ذلك. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، عن مالكٍ، قال مالكٌ: وإذا دخلَ منزله ما أصابَ من حَبٍّ أو ثمرٍ ممَّا فيه الزكاة، فهو ضامنٌ لزكاتهِ، إن تلف، وقاله أشهبُ، إلاَّ ما ضاع في المِربدِ والجرين، فلا يُضمنُ، لأنَّ عليه زكاة ما بقي منه، إن بقي خمسةُ أوسقٍ. وقال مالكٌ: في مَن جدَّ ثمرته فيعزلها
في الرجل يعرف بمنع زكاته
فتسرق أو تحرقُ، وقد خُرِّصَتْ عليه. قال: يضمنها، ويغرم بخلاف ما لو أُصيبَ في رءوس النخلِ. ومن "المَجْمُوعَة"، ابن وهبٍ، عن مالكٍ، فيمن خرجَ لسفره، وأمرَ مَن يبيعَ عروضاً له، ويُخرج من ثمنها خمسةَ أوسقٍ دنانير زكاةً عليه فبلغه أنَّها لم تُبعْن فليؤدِّ ما عليه، وما يؤخر لقدومه إلاَّ أنْ يقربَ قبل قدرِ الشهرِ، قال: لا إلاَّ أنْ يقرب ويقوِّمَ عروضهن إن كان مديراً. ومن "المَجْمُوعَة" و"كتاب" ابن الْمَوَّاز: وليخرج المسافر زكاته بموضعٍ هو به، وكذلك لو كان ماله بمصر وهو بالمدينةِ، إلاَّ أَنْ يخاف أنْ يحتاج فيقطع به، وليؤخرها إلى بلدهِ. وفي باب تفرقة الزكاة بقية القول في هذا. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: قال عليٌّ، عن مالكٍ، في مَن حملَ زكاة العينِ ليؤديها، فوجدَ سلعةً فابتاعها بها وباعها بربحٍ، فالربح له وليؤدِّ ما عليه. في الرجل يعرف بمنعٍ زكاته ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: ومَن عَلِمَ الإمامُ منه أنَّه لا يُزكِّي فليأخذه بالزكاة، قال أشهبُ: ويحسنُ أدبه عن كان الوالي يقسِّمها، وإن كان على غير ذلك فلا يعرض له. قال في "كتاب" ابن شعبان: وإن عرف بمنعها، ولم يظهر له مال سُجنَ، وإن كانوا أهل بلدٍ قُوتلوا، ولا يقاتلوا على منعٍ زكاة الفطر.
في من مات وعليه زكاة، كما حلت، أو فرط فيها وقد أوصى بإخراجها أو لم يوص
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: كتب عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عامل له في رجلٍ منعَ زكاةَ مالهِ أَنْ يتركه، فندم الرجل فأداها فقبلها منه عمرُ. وهذا في "الموطأ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: إذا كان الإمام عدلاً فعلى الرجلِ دفعُ زكاته إليه. قال أشهبُ: إن كان عدلاً يُقسِّمُها على العدلِ بغير تفريطٍ ولا ضيعةٍ، وامَّا على غير ذلك فلا يلزمه، قال مالكٌ، وابن القاسمِ: وإن طلبه بها فقال: قد أخرجتها. فإن كان الإمام عدلاً، فلا يقبل منه إن كان مثل عمر بن عبد العزيز. وقال أشهبُ: يقبل قولَه إن كان صالحاً، وإن كان متَّهماً بمنعِ الزكاةِ فلا يقبل منه، وإن كان إمامٌ غيرُ عدلٍ فليصدقه. وما أراه بفاعلٍ. ومسألة مَن ترك أنْ يخرج زكاة عشرين ديناراً سنين، في باب زكاة من عليه دَينٌ. في من مات وعليه زكاة، كما حلَّتْ، أو فرَّطَ فيها وقد أوصَى بإخراجها أو لم يوصِ من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: عن مالكٍ: ومَن مات قبل الحولِ بيومٍ، فلا زكاة عليه ولا على ورثته، قال ابن القاسمِ: وإنْ مات بعدَ الحولِ، فما حلَّ عليه ولم يُفرِّطْ، أو قدمَ عليه، فأمر بإخراجها في مرضهِ أو أوصى به، فذلك من رأس ماله. قاله مالكٌ: قال ابن القاسمِ: وإنْ
لم يوصِ لم يجبر ورثته وأُمروا بذلك. وقال أشهبُ: هي من رأسِ ماله وإن لم يُوصِ بها، إن لم يفرط كالزرع يطيب والثمر يُزهي قبل موتِهِ، قال ابن الْمَوَّاز: قاله مالكٌ في الزرع والثمرِ. وقاله أشهبُ: في زكاة الفطر إن مات يوم الفطر أو ليلته، ولم يوصِ فهي من رأس مالِه وقال ابنُ القاسمِ: لا يجبر ورثته إلاَّ أنْ يُوصي بها، فتكن من رأس ماله. ومن "المَجْمُوعَة"؛ قال أشهبُ: ولو ضمَّ زرعه وجدَّ ثمره، وفرَّطَ في زكاته، لم يلزم ورثته إلاَّ أنْ يشاءوا، فإنْ أوصى بها فللإمام أخذهم بها. قال ابن القاسمِ وأشهبُ: قال مالكٌ: وإن حلَّ موت حول الماشيةِ ولم يأتِ الساعي حتى مات ربُّها، فلا شيء على الورثةِ، وهب لا تجب إلاَّ لمجيء الساعي، قال عنه عليٌّ وابن نافعٍ: بخلاف الثمرة، يموت وقد طابت تلك يخرج قبل القسم؛ لأنَّها خرصت على الميت، قال أشهبُ: العينُ والحَبُّ بخلاف الماشية؛ لأنَّ الساعي ينتظر بها ولا يضمن هلاكها، في ذلك وغيرها يخرج بكل حالٍ، أُخِذَ بها أو لم يؤخذ. وقاله ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في الزرع والثمرة تطيب قبل موته، فإنَّه يخرج زكاته أوصى بها أو لم يُوص. قال أشهبُ: والهارب بزكاة ماشيته يوصي بها فللساعي أخذها، وتبدأ في الثلثِ، وإذا تخلَّفَ عنه الساعي للحولِ فلا يبدأ في الثلثِ ولا يأخذها المصدق وينفذها ورثته أو وصيّه. وقاله ابن القاسمِ. يريدُ: وقد أوصى بها. قال: وكذلك الموصِي بزكاة زرعه الأخضر، وثمرة الذي لم يَزْهُ، يُخرج من الثلثِ غير مبدأةٍ ولا يسقط بذلك عن الورثة الزكاة، ولا زكاة على مَن لم يبلغ حظُّه ما فيه الزكاة، وإن كانَ في ذلك العشر
خمسة أوسقٍ، أخذ زكاته المصدق. قال أشهبُ: وإن أوصى في هذا فقال: تؤدي زكاته عنِّي، فوصيته باطلٌ في حصَّةِ مَن تبلُغُ حصته ما فيه الزكاةُ من الورثةِ، لأنَّها وصية لوارثٍ ومن لم تبلغ حصته ما فيه الزكاة، لم يؤخذ منه شيءٌ، ويؤدي ذلك من مال الميت – يريد من ثلثه – وإن كان لا يجب في حصة أحدٍ منهم الزكاة، أدَّى ذلك منه، إن بلغ خمسة أوسقٍ – يريدُ من ثلثهِ – غير مبدَأً، وإن كان نصيب كل واحدٍ منهم ما فيه الزكاةُ، فالوصيَّةُ باطلٌ والزكاة عليهم. قال ابن الْمَوَّاز، وقال مالك وأصحابه: وما اقرَّ به المريض من دينِ الناسِ فمن رأس مالهِ، وما أوصى به من زكاةٍ متقدِّمَةٍ ففي ثلثهِ مبْدَأَةٌ على العتقِ بعينهِ، وعتق الظهار والمدبر في المرضِ وغيره إلا المدبر في الصحةِ. ومن علمَ من أبويه تفريطاً في الفرائض، قال مالكٌ: فأمَّا الصيام، فليطعم عنهما عددَ كل يومٍ مُدًّا، إن شاء عن كلِّ واحدٍ، وليؤدِّ الزكاةَ عنهما، وأمَّا الصلاةُ فلا شيء في ذلك. ومن "الواضحة"، ومن حلَّتْ عليه في مرضهِ زكاة ثمرٍ أو حَبٍّ، ولم يوصِ بها، فإنْ جدَّ ذلك وحصده، ولم يضمه إلى بيته أُخرج ذلك من رأس ماله، وإن لم يوصِ به، وإن ضمها إلى بيته فهي كزكاة ناضَّةٍ إذا كانت بلداً لا يأتيها السعاة في الحبِّ والثمرِ، فإن لم يوصِ بها لم يجبر ورثته عليها، وإن أوصى بها فهي من رأس مالهِ، وإن كانت بلداً يأتيها السعاة فهي مأخوذة بكل حالٍ، ويورث ما بعدها وأما الماشية؛ فهي مأخوذة من رأس المالِ، أوصى بها أو لم يوص، أو ثمرٍ ضمَّه إلى بيته؛ لنَّ ذلك مضمون عليه، والماشية حيوان لا يغاب عليها، وأنَّا كلُّ ما تقدَّم تفريطه فيه في صحته من ماشيةٍ،
القول في المعادن وملكها وإقطاعها وأخذ الزكاة مما يخرج منها من ذهب أو ورق
أو حَبٍّ، أو غينٍ، فإنَّ ذلك في ثلثه إن أوصى به، وهي مُبْدَأةٌ عند ابن القاسمِ، على كلِّ شيءٍ إلا المدبر في الصحة. وقال عبد الملكِ: لا يبدأ على ما لا يقدر أَنْ يرجع عنه مما بتلَ في مرضه من عتقٍ أو عطيَّةٍ، وكذلك التدبير في المرض والصحة، وبهذا أقول. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وتبدا الزكاة على الوصايا كانت زكاة فطرٍ، أو حَبٍّ، أو مالٍ. قال أشهبُ: وتبدأ الزكاة على الوصايا في الثلثِ إلا المدبر الذي دبر قبل التفريط في الزكاةِ. وفي باب زكاة العريَّةِ والهبةِ بقيةٌ من ذِكرِ الموصِي بزكاته، وشبه ذلك، وفي أبواب زكاة الحبوب بابٌ في زكاة ما وُهبَ أو أُوصي به من ثمرٍ أو زرعٍ. القول في المعادنِ وملكها وإقطاعها وأخذِ الزكاةِ مما يخرج منها من ذهبٍ أو ورقٍ من "الواضحة" قال: والمعادن على وجهين؛ فمعادنٌ ظهرتْ في فيافي أرض العربِ، وأرض العنوةِ، وارض الصُّلحِ، فذلك للسلطان، يأذن فيها بالعملِ لمن شاء ويأخذ منهم الزكاة، وله أَنْ يقطعها من أحبَّ على النظرِ لأهل الإسلامِ، قطيعةً وطُعمةً ما عاش أو على وقتٍ يوَقته، ويأخذ منهم الزكاة، وللذي أُقطعت له معاملةُ الناسِ فيها على ما يحلُّ من غير بيعٍ، وللإمام أنْ يحولها من رجلٍ إلى رجلٍ. ولا يجوز أَنْ يعطيها عطية تمليك للأبد، كما لا يقطع أهل العنوةِ مِلكاً، لكن قطيعةَ إمتاعٍ، والأصل للمسلمين، فهذا وجهٌ، والوجه الآخر، ما ظهر منها في الأرضِ التي صارت ملكاً للناسِ، من جبالهم، وأرضهم المعتمرة، فلا
حكم للإمام في هذه، ولا يزيل ملك ربِّها منها ظهور المعدن فيها، كانت ارضَ صُلْحٍ، أو عنوةٍ، أو من ارضِ العربِ، وهي لمن ظهرت في أرضه يعامل الناسَ فيها على ما يجوز، وفيها الزكاة، وهذا تفسير من لقيت من أصحاب مالكٍ. ومن "العُتْبِيَّة"؛ قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ: وما ظهر من معدنٍ في ارضِ ذمِّيٍ من أهل العنوة أو أرض مَواتٍ فأمره إلى الإمام. وللإمام إقطاعُ المعادنِ على غير تمليكٍ، ولكن إذا مات أقطعه لغيره. وللإمام إقطاعُ المعادنِ على غير تمليكٍ، ولكن إذا مات أقطعه لغيره. قال سحنونٌ: إنَّما ينظر الإمام في الأرض التي كالمواتِ، وأمَّا من ظهر له في أرضٍ يملكها معدن فهو لم يمنعه، ولا يجوز له بيعه، إذا لا يدري ما فيه، وكم يدوم، وله منع ما في البِرْكَةِ في أرضه من الحيتان. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن نافعٍ: وما ظهر من المعادن فلاةٍ، فليقطعه الإمام لمن يعمل فيه، وما ظهر منها في أرضِ رجلٍ وفي حظِّهِ فهو له، وليس للإمام عليه سبيلٌ، وما ظهر منها في أرضِ الصُّلحِ فهو لأهل الصلحِ. قال: ومعادنُ القبيلة، لم يكن حظُّه لأحدٍ، وإنما كانت بفلاةٍ. قال يحيى بن يحيى في "العُتْبِيَّة": قال ابن القاسمِ: وما ظهر منها في لأرض الصلح، فهو لأهل الصلحِ ويوفي لهم بعهدهم، فمن أسلم منهم وفي أرضه معدنٌ، فأمره إلى ألإمام، وقال ابن الْمَوَّاز: بل ذلك لهم إذا أسلموا. وذكره عن مالكٍ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: كلُّ ما كان من المعادنِ قبل الإسلامِ، أو ظهر بعد الإسلامِ في أرضٍ أسلم عليها أهلها، فأمرها إلى ألإمامِ، وأمَّا معادن أرض الصلحِ ما ظهر منها قديماً وحديثاً
باب بقية القول في زكاة ما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة
فلأهلها منعها، ومن شاءوا عاملوه فيها بالثلثِ أو الربعِ. وأنكر محمدٌ مُعاملتهم فيها بالثلث والرعبِ، ووقف عنه. قال: وما ظهر منها في أرض العنوةِ فللإمام أَنْ يقطعها، وليس فيها إلا الزكاةُ، وإذا أسلم أهلُ الصلحِ فلابدَّ من الزكاة من معادنهم، ومن عاملهم منها من مسلمٍ قبل إسلامهن فعليه الزكاة كما لو زرع في أرضهم بكراً. ومن أسلم من أهل العنوةِ كأهل مصر، فليس له أرضه ولا داره ولا ماله يريد: المال الذي كان له يومَ الفتحِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، وعليٍّ، عن مالكٍ، قال مالكٌ: وما أصابه الذِّمِّيُّ بعمله في المعدن، فإن كانت الأرضُ من عَفَاءِ الأرضِ، فلا يقرهم فيها الإمام على شيءٍ معلومٍ يؤدونه وإن كانت لبعضِ المسلمين فعلى ما راضاهم عليه بها، وإن كانت من الأرض التي أمر صلى الله عليه وسلم بإجلائهم منها، لم يتركوا فيها. قال سحنون: قوله: يقاطعهم على أمر معلومٍ. لا أعرفه، فإذا كانت من عفوِ الأرضِ التي أسلم عليها أهلها فلهم النفع بها، ولا يبيعونها وقد كانت تُقطع فيها المعادن، وفيها قيل: "لا يُمنع فضلُ الماءِ ليُمنع به الكلاُّ"، وهي التي حَمى عمرُ. وأمَّا في البلدان فهي لمن أحياها. قال مالكٌ: وأهلُ الصلحِ أحقُّ بمعادن أرضهم. بابُ بقيَّةِ القولِ في زكاة ما يخرج من المعدن من ذهبٍ أو فضةٍ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ، في الدرة تخرج من المعدنِ أو توجد على الأرض بالمعدنِ بغير عملٍ أو بعملٍ يسيرٍ: ففيها الخمسُ، وأمَّا من أقام يكدُّ ويعملُ، ثم يجد هذا، ففيه الزكاة، وأمَّا ما (خفَّ من العملِ) فلا، وقد يتكلف عملٌ في دفنِ الجاهلية،
وكذلك في الذهب النابت يجده فيما لي سفيه كثير عملٍ، ففيه الخمسُ، وقال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن نافعٍ، عن مالكٍ، في الندرة تخرج من المعدن: إنَّ فيها الزكاة، وإنما الخمسُ في الركاز، وهو دفنُ الجاهلية. قال سحنونٌ: وإذا أصاب في نيل المعدن مائة درهمٍ، ثم انقطعَ فابتدأ العملَ فأخرج مائة أخرى، فلا يضم ذلك بعضه على بعض، كزرع ائتنفه بعد حصادٍ، ولو أنَّ له أربع معادن، أو أُقطعها لم يضم ما يصيب في واحدٍ منها في باقيها، ولا يُزكِّي إلا عن مائتي درهم فأكثر، من كلِّ معدنٍ، وكل معدنٍ كسبه مؤتنفه في الزرعِ، وليس كزرع في مواضع يضم بعضه إلى بعضٍ زرعه في عامٍ واحدٍ. وقال محمد بن مسلمة: يضم بعضها على بعض ويُزكِّي الجميع كالزرعِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ولا يسقط زكاة ما يجد في المعادن دَينٌ محيط، وكذلك الركاز، وهو قول مالك. ومن أدرك نيلاً، فليس له بيع ذلك الغار ولا يورث عنه، وهو يقطع لغيره. وقال أشهبُ: لا يبيعه في حياته، وورثته أحقُّ به بعد مماته، ولا يبيعونه بمنزلة بئر الماشية يسقون منه بقدر مواريثهم، ومن أسلم منهم نصيبه منه ومن المعادن، فهو لسائر الناس يقطعه الإمام لمن رأى. قال ابن القاسم: وَلا بَأْسَ للشريكين في المعدن أَنْ يُقسما ترابه كيلاً. ومن "الواضحة" وإذا انقطع عِرق المعدن قبل بلوغ ما فيه الزكاة، وظهر له عرقٌ آخر فليبتدئ الحكم فيه. قاله مالك: وقال ابن الماجشون: والشركاء في المعدن كالواحدِ، والعبد كالحرِّ، والذمي كالمسلمِ، وذو الدَّين كمن لا دين عليه، كالركاز يجده منذ كرنا، وكذلك ذكر عنه
جامع القول في الركاز
ابن سحنونٍ. قاله سحنونٌ: لا زكاة فيه إلا على حرٍّ مسلمٍ، كحكم الزكاة، وقاله المغيرة. قال سحنونٌ: والشريكان فيه كشريكي الزرع. قال ابن حبيبٍ: وما وُجدَ بساحل البحر من ترابٍ فعُملَ فاستخرج منه ذهبٌ أو فضةٌ، فهو مثل ما يوجد من المعدن. وقاله مالك. قال ابن سحنون: قال ابن كنانةَ: ومن باع تراب المعدن قبل يزكيه لم ينظر إلى الثمنِ، ولينظر إلى ما يخرج من ذلك التراب على ما اختبره قبل ذلك، فيزكيه إن بلغ ما فيه الزكاة، من ذهب أو فضةٍ. قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: ويزكي ما يخرج من المعدن إذا بلغ ما فيه الزكاة، وإن كثرت نفقته فيه، وكذلك الزرع والثمر. جامع القول في الركاز من "الواضحة"، قال: والركاز: دفن الجاهلية خاصَّة، والكنز يقع على دفنِ الجاهلية ودفن الإسلام، فدفن أهل الإسلام فيه التعريف، وفي دفن الجاهلية الخمس وباقيه لمن وجده كان في أرض العربِ، أو أرضِ عنوةٍ أو صلحٍ، قاله مطرِّفٌ، وابن الماجشون، وابن نافع، وأصبغ. ورواه ابن وهبٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والليث. وفرَّق ابنُ القاسمِ فيه بين أرض العربِ وأرض الصلحِ والعنوة، ببلاغ عن مالك، واحتجَّ بالسَّفَطَيْنِ اللذين ردَّ عمر، وذلك شيءٌ يسيرٌ. من "العُتْبِيَّة"، وليس بركازٍ، وقد قال مالكٌ: ما أصيب في قبورِ
الجاهلية ففيه الخمس، أفترى بالحجاز واليمن كانوا يقبرون بالذهب؟ وإنما أراد قبور ملوك فارس، والروم، والعجم الذين ظهر عليهم الإسلام. وقال عبد الملك: وهذا إن كانت الأرض للذي وجده أو كانت فلاة، فإن كانت ملكاً لغيره، فالأربعة أخماسٍ لربِّ الأرضِ، وهو كالأجير يحفرُ في دار رجلٍ فيجد كنزاً. قال سحنونٌ: في "العُتْبِيَّة": ومن وجد ركازاً في أرض عنوةٍ، لم يبقَ ممن افتتحها أحدٌ ولا من نسلهم، فليتصدَّقْ بها على المساكين، يريد: زخمسُه يخرجه أيضاً في مسلك الفيءِ. قال سحنونٌ: فإن لم يُعرف أعنوةٌ هي أو صلحٌ، فهو لمن أصابه، حرًّا أو عبداً أو امرأة، فهو له وعليه خمسه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: ومن أصابه ببلدِ العنوةِ فليس لمن وجده، وفيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن فتح تلك البلاد ولورثتهم. وإن هلكوا، أو يتصدَّقُ بها عنهم، وإن لم يعرفوا. وقد ردَّ عمر السِّقْطيْنِ، وإنما هو كنزٌ دلَّ عليه. قال: وإن كانت بلد صلحٍ، فهو كله لهم، لا خمسَ فيه إذا عرف أنَّه من أموالهم، وإن عرف أنَّه ليس من أموال أهل بلدِ الذمَّةِ، ولم يرثه عنهم أهل هذه الذمة، فهو لمن وجده، وإذا أصابه رجلٌ في دارِ صلحٍ فمن صالح على تلك البلاد. قال ابن القاسمِ: فهو لربِّ الدار لا خمس فيه. قال سحنونٌ، عن ابن نافعٍ: قال مالكٌ: ومَن وجد في البحر من تراب الذهب والفضةِ، والتماثيل منذ هبٍ، أو فضةٍ، ففي تراب الذهبِ
والفضةِ الزكاة، وفي التماثيل الخمس. وقال عليٌّ، عن مالكٍ، فيما يحفر في مدائن الأولين، فيستخرج قِطعَ القصَارِ من ذهبٍ يصيب في شهرٍ منها، أو حولٍ عشرين مثقالاً أو أربعين، ففي كل شيءٍ من ذلك الخمس، قال عنه ابن نافعٍ: فيما أصيب من الركازِ الخمسُ قلَّ أو كثر. وإن كانت عشرة دراهم، ثم رجع، فقاتل: إنْ كان يسيراً، فلا شيء فيه. قال مالكٌ: وليس فيما وجدَ من لؤلؤٍ أو جوهرٍ شيءٌ، حتى يبيعه ويأتنف بالثمنِ حولاً، إذا قبضه فيزكيه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرة: في كل ما وجد من الركاز من العين وغيره الخمس وجده، حرٌّ أو عبدٌ، أو ذمِّيٌّ، ذكرٌ أو أنثى، صغيرٌ أو كبيرٌ. وقاله ابن نافعٍ. ولم يُرد ذلك فيما أصيب بأرض الحرب. قال مالكٌ: ما أصيب منذ دفنِ الجاهلية، بأرض الحربِ فبين أهل الجيش. قال أشهبُ: وكذلك إن فتحت لهم مطامر فوجد فيها مالٌ، فهو مغنم. قال ابن القاسم: في الركاز يجده الفقيرُ: فليخرج خمسه وإن قلَّ. قال أشهبُ: وما وُجِدَ من ركاز في بلد الصلح، فإن كان مما يجوز أَنْ يكون لهم، ففيه التعريف، ـ ثم هو لمن اعترفه منهم، كما يعرف المسلم ما كان من دفن المسلمين، ولو كانت لقطة، فادَّعاها ذمِّيٌ، لَقُبلَ قولُه مع يمينه في الكنيسة، وإن كان ممن لا يجوز أَنْ يكون لهم، وهو لمن لم يكن له ذمة، ولا ممن ورثه أهل هذه الذمة، فهو لمن وجده وفيه الخمس، وإن وجده في أرض العنوة، ويجوز أَنْ يكون لأهل هذه العنوة،
فهو لمن افتتح البلاد إن عرَّفوا، وإلا فهو لعامة المسلمين وخمسه فيءٌ. قال سحنونٌ: يسلك بأربعة أخماسه مسلك اللُّقَطَةِ، فيتصدَّق بها على مساكين تلك البلدة، وإن كان مساكينهم مع بقايا الذين فتحوها. وإن كانوا ابتنوا غيرها، رأى فيه الإمام رأيه. قال أشهبُ: وإن كان لمن ليس من أهل هذه العنوة، ولا همن ولا ورثتهم، ففيه الخمس، وهو لمن وجده، قال المغيرة: ما وُجدَ من ركاز بأرض الصلحِ، فهو لأهل الصلحِ. قال سحنونٌ: يكون لأهل تلك القريةِ جون الإقليم. قال المغيرة: وإن كان من دفن مَن سكنها من أهل الإسلام، فهو كاللقطة. وقال عليٌّ: عن مالكٍ: مَن وجدَ ركازاً في منزل اشتراه، أو في منزل غيره، فهو لربِّ المنزلِ دون من أصابه. وقال ابن نافعٍ: بل هو لمن وجده. وكذلك في "كتاب" ابن سحنون. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز" وما وُجدَ من دفنهم من عُمُدٍ، وخشبٍ، وصخرٍ، فهو كالركاز، قال محمد بن الْمَوَّاز: اختلف قول مالك فيما وُجِدَ من دفنهم سوى العينِ، من جوهرٍ، ولؤلؤٍ، وحديدٍ، ونُحاسٍ، ومسكٍ، وعنبرٍ، فقال: ليس بركازٍ، ثم رجع، فقال: له حكم الركاز. روى القولين ابن القاسمِ، وأشهبُ. ,اخذ أشهبُ، بأنه ركازٌ في ذلك كله، إلا في النحاس والرصاص. وهذا أبين؛ لأنَّه لا خمسَ إلاَّ فيما وجب عليه، وإنما أخذ من الذهب والورقِ، لأنَّه الركاز نفسه الذي جاء فيه النصُّ. وقال ابن حبيبٍ: قال مطرِّفٌ، وابن الماجشون، وابن نافعٍ: إنَّه الركاز. وقال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وما في قبورهم من مالٍ ففيه الخمسُ، ولا
فيما يؤخذ من أهل الذمة إذا تجروا إلى غير بلدهم
شيء فيما وجد فيه من جوهرٍ، ونحوه مع الكراهية لحفرِ قبورهم، فليس بحرامٍ. قال أشهبُ: لا أكره حفرها ونبشهم منها وسلبهم ما فيها من مالٍ أو حِرزٍ، أو ثوبٍ، وفيه الخمسُ، وليس حرمتهم مَوْتَى بأعظم منها أحياءً، وهو مأجورٌ في فعل ذلك بالأحياء منهم. قال سحنونٌ: قال ابن القاسم، عن مالكٍ: وليس بضيق إن فعله أحدٌ ولكنِّي أكرهه. فيما يؤخذ من أهل الذمةِ إذا تجروا على غير بلدهم من "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، من رواية عليٍّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال مالك: أَخذَ عمرُ من أهل الذمة العشرَ إذا تجروا من أُفقٍ إلى أُفقٍ، وأخذ من النبط نصف العشر، في الحنطةِ والزيت، وأمَّا في القُطنيَّةِ فأخذ منهم العشر، قال مالكٌ: وإنَّما خفَّفَ عنهم في حملهم الحِنطةِ والزيتَ إلى المدينةِ ومكة خاصَّةً، وكذلك إلى ما كان بأعراض المدينةِ من القُرَى؛ ليكثر حملهم ذلك إليهم. وذُكر في "كتاب" ابن سحنونٍ، من روايته، عن ابن نافعٍ، عن مالكٍ: يؤخذ من أهلِ الذمة من الزيت والطعام العشر، إذا تجروا في بلاد المسلمين إلى المدينة ومكة أة غيرها، وإنما يؤخذ منهم عمر نصف العشر في الحنطةِ والزيتِ، ليكثر الحملُ إلى المدينة، وقد أغنى الله عز وجلَّ المدينة وغيرها عنهم اليوم، فليؤخذ منهعم العشر من الزيت والطعام. وقال ابن نافعٍ: لا يؤخذ منهم بهذين البلدين إلا نصف العشر، كما فعل عمرُ وإن استغنوا اليوم عن ذلك، وكذلك رواية أخرى لابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال مالكٌ: وإنَّمَا
يؤخذ من الذمي إذا تجر إلى غير أفقه، قيل: لمالكٍ في سماع أشهب. من "العُتْبِيَّة"، فما حملوا إلى المدينةِ من تيماء، قال: فليؤدوا وأمَّا من وادي القرى فلا، لأنَّها من المدينة. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: وإن تجرَ ذمِّيٌّ من أهل العراقِ، من البصرةِ على الكوفةِ، ولم يؤخذ منه شيءٌ، إلا أَنْ يخرج من بلده على بلد آخر. قال ابن القاسمِ، وأشهبُ، وابن نافعٍ: قال مالكٌ: ومَن تجرَ منهم من مصر إلى الشام أُخذ منه العشر، ثم عن مضَى منها على العراقِ أُخِذَ منه أيضا مما معه من التجارة، وكذلك إنْ مضَى على بلدٍ آخر. قال ابن القاسم، في الذمي يكري إبله من مصر: فلا شيء عليه، فإن أكراها من الشام راجعاً، فعليه في ذلك. وقال أشهب: لا شيء عليه؛ لأنَّ ذلك غلةٌ. ورُوِيَ عن مالكٍ، في النصرانيِّ يُكري في بلد الإسلامِ، قال: لا يؤخذ منه شيءٌ. قال ابن نافعٍ: يؤخذ منه عشر الكراء سلعةٍ باعها. قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإن تجروا بالخمرِ وما يَحرم علينا تُركوا حتى يبيعوه، فيؤخذ منهم عشر الثمن، فإن خيفَ من خيانتهم، جُعلَ عليهم أمينٌ. قال ابن نافعٍ: وذلك إذا جلبوه إلى أهل ذمةٍ، لا على أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ويؤخذ من عبيدهم إذا تجروا. وقاله أشهب. وإن قال: عليَّ دَينٌ محيطٌ. لم يصدَّقْ. ولو ثبتَ ذلك
ببينةٍ، لم يؤخذ منه شيءٌ عن كان دَيناً للمسلمين، وإن كان دَيناً لأهلِ الذمَّةِ أُخذ منهم. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومَن كان من أهل ذمةِ مصرَ، فرحل إلى الشام فأوطنها، ثم قدم مصرَ بتجارةٍ فباع. فلا يؤخذ منه شيءٌ؛ لأنَّها بلده التي صالح عليها، وإن رجع إلى الشام التي أوطن أُخذ منه العشر، قال أصبغُ: وذلك ما تُركت جزيته لم تُحوَّلْ. ولم يؤخذ منه شيءٌ فيها حيث انتقلن فإن أُخذت منه حيث استوطنَ ومَحَى عنه الأول، صارت كبلدهِ ولم يؤخذ منه شيءٌ فيها. قال ابن الْمَوَّاز: وإذا تجرَ الذمي إلى غير بلده فباع ثم اشترى، فلا شيءَ عليه إلاَّ عشر ثمن ما باع، ثم إذا قدمَ بلده بما اشترى فباعه، فلا شيءَ عليه. قال ابنُ القاسمِ: وإذا قدِمَ الذمي بعينٍ، فلا شيء عليه إلا أَنْ يشتريَ به، فيؤخذ عُشره حين يشترى به، ولو أقام يتجرُ سنين، ثم رجع لم يؤخذ منه غير ما أُخذ أول مرةٍ، ولو أكثر الاختلاف إلى غير بلده في السنة، لأخذ منه كلما أتى وباع. قال ابنُ سحنونٍ، عن أبيه: وإذا نزلَ الذمي ببلدنا فاشترى منا فأُخذ منه العشر، ثم استُحقَّ من يده، أو يرده بعيبٍ، أنَّه يرجع على العشر فيأخذه، وإذا قدم المدينة، فباع تجارته، فأُخذ منه العشر، ثم اشترى أخرى، وخرج بها على بلده، فلاشيء عليه فيها، وإن خرج بها على بلدٍ آخر أُخذَ منه العشر، يريد إن باع هناك. قال ابن سحنونٍ: عن أبيه: قال: رُويَ عن مالكٍ في اليهود والنصارى ممن بأعراض المدينة يزرعون، أيؤخذ منهم العشر؟ قال" إن كانوا ممن يؤدي الجزية لم يؤخذ منهم شيءٌ، وإن كانوا ممن لا يؤخذ منهم
فيما يؤخذ من الحربين إذا نزلوا عندنا للتجارة
الجزية، فعليهم العشر إن بلغ ما رفعوا خمسة أوسقٍ. قال سحنون: هذه رواية سُوءٍ. ولم يجزها. ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنونٌ: وإن قدمَ ذمِّيٌّ فاشترى متاعاً، فأُخِذَ منه العشر، ثم يرده بعيبٍ، ويستحقُّ أنَّه يرجع إلى ما دفع فيأخذه. ومن هذا الباب بقية مذكورة في الثالث من الجهاد. في ما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا عندنا للتجارة من "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، عن مالكٍ: ويؤخذ من تجار أهل الحربِ، إذا نزلوا عندنا، العشر. وقال ابن القاسم، وابن نافعٍ: إنَّمَا يؤخذ منهم ما صالحوا عليه. قال أشهبُ: إلاَّ أَنْ ينزلوا من غير مقاطعةِ على شيءٍ، فلا يزاد عليهم على العشرِ. ورُوِيَ ذلك عن أنس بن مالكٍ. قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: إذا كانوا معروفين النزول قبلَ ذلك على العشر، فلم يُقَلْ لهم شيءٌ حتى باعوا، فلا يُزاد عليهم. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وإذا نزلوا على دنانير أو دراهم، لم يُحَلْ بينهم وبين رقيقهم، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وإن كان على العشر حِيلَ بينهم وبين وطءِ الإمامِ حتى يبيعوا. ولو لم يبيعوا ورجعوا، فليؤدوا العشر ويذهبوا، بخلاف الذميين. وقاله سحنونٌ في "كتاب" ابنِهِ. وقال: ويقاسموا. ونحوه في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال" وحيث ما نزلوا من بلاد المسلمين، فلا يؤخذ منهم شيءٌ، لأنَّه قد أُخذَ ذلك منهم مرةً وليسوا كأهل الذمةِ \في هذا.
قال ابن عبدوسٍ: وقال ابن نافعٍ: لا يؤخذ منهم إن لم يبيعوا شيئاً، فإن باعوا أُخذَ منهم عشر الثمنِ. قال ابن الْمَوَّاز: وقال أشهبُ: إنَّ لهم الرجوعَ بسلعهم على موضع آخر، إلاَّ أَنْ يُشترط عليهم شرطٌ. قال ابنُ القاسمِ: إذا نزلوا على العشر، ولم يريدوا الخروج حتى يبيعوا فأراد الوالي أَنْ يقاسمهم رقيقهم، فليس له ذلك انْ يقاسمهم الرقيق ولا غيرها، حتى يبيعوا، إلاَّ أنْ يبدوا لهم في البيع والخروج إلى بلدٍ آخر، أو على بلدهم، وأمَّا الذميون فلهم ذلك، ولا يؤخذ منهم شيءٌ، قال ابن القاسمِ: إلاَّ أنْ ينزل الحربيين على أنْ يقاسمهم ما بأيديهم، فلا يكون لهم أَنْ يطأوا، ولا يبيعوا حتى يقاسموا، فإذا قُوسموا أخذوا ما صار لهم، فلهم فيه الوطءُ والبيع والخروج به حيث شاءوا. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن القاسمِ، مثله. قال عنه: ولو جَزُّوهم عشرةً عشرةً، على أَنْ يختارَ الإمامُ من كلِّ عشرةٍ واحداً، فلا بأس بذلك، قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغ: وارى ألا يتركوا يدوروا في سواحل الإسلامِ لبيعٍ ولا شراءٍ، إلا الموضع الذي نزلوه، إن لم يبيعوا؛ لأنَّ ذلك عورةٌ، وتفتيش بموضعِ الغرة، ولا ينبغي أَنْ ينزلوا إلا بموضعٍ المَجمع، وبموضعٍ تؤمن غرتهم فيه، غير أنَّ لهم الأمان في أنفسهم وأموالهم في بلدِ الإسلام أجمع، حتى يفارقوا دارَ الإسلامِ كلها. وقال أشهبُ في الربانيين: لا يُمنعوا من وطءِ من معهم من الجواري، فإن لم يوافقهم وقد نزلوا على العشرِ، وأرادوا الخروجَ على موضعٍ آخرَ من بلدِ المسلمين فذلك لهم، ولا يؤخذ منهم شيءٌ إلا أَنْ يكونَ اشترطَ عليهم شرطٌ، قبلُ، فيخرجون إلى بعض الريفِ ليشتروا؟ قال: يخرجون
حيث شاءوا. قال أصبغُ: لا يعدوا موضع نزولهم، ولا يدوروا أزفة موضع نزلوا، إلا ألأسواق والطريق الواضحة لحوائجهم. قال ابن القاسمِ: وإذا أسلم رقيق الحربيين بعد أن نزلوا، وقبل يباعوا فليقرُّوا بأيديهم، حتى يخرجوا بهم عن شاءوا. قاله مالكٌ. واحتجَّ بردِّ النبي عليه السلام أبا جندلٍ. وقاله سحنونٌ في "كتاب" ابنِهِ: صُولحوا على عشر الرقيقِ، وعلى مالٍ بعد أنْ يقاسموا إن نزلوا على العشرِ. وقال ابن الماجشون، في "كتاب" آخر: يُعطون قيمتهم أشحطَ قيمةً تكونُ ولا يُتركون معهم. قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ: وإن نزلوا على أن لا عهدةَ عليهم فيما باعوا منَّا، فليُوَفِّ لهم بذلك، وهذا جهلٌ من الإمام، ولم يكن ينبغي له ذلك، وإذا نزل ذلك فليصح بذلك وينذر به الناس، فمَن اشترى ممن لم يعلم، ولم ينذرهم أحد، فما كان من عيبٍ خَفِيٍّ أو خفيف، فلا ردَّ فيه، كبيعِ المُفلسِ، وما كان من تدليسٍ وعيبٍ فاحشٍ، وعيب ظاهرٍ فلهم الردُّ عليهم وعلى ألإمام. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، عن ابنِ القاسمِ: وإذا اشترط ألا يردَّ عليهم إلا ما كان من جنونٍ، أو جُذامٍ، أو برصٍ، فليبينوا لهم ما شرطوا من ذلك. قال سحنونٌ: ولا يجوز هذا الشرط ولا يلزم. فإن كانت الرقيق مجوساً فشرَى المسلمون لهو قوتاً، ويرجعونَ بقيمةِ العيبِ وإن كانوا كتابيين، فليردوهم عليهم بالعيبِ، وإذا نزلوا برقيق على أَنْ يؤدوا
مائة دينارٍ ويُخلَّى بينهم وبينَ الرقيقِ فاخصى أحدهم عبداً له، أو مثل به، فلا يعتق عليه، وإنَّمَا يؤدب الذمي عن فعل مثل هذا. قال: وإن كان مع الحربيِّ دنانير عيناً، فابتاعَ بها تجارةً؛ ليتجهَّزَ بها إلى بلده، أو معه سبائكُ ذهبٍ فضربها دنانير، أو خرج بها، أو كتاناً غزلاً حاكَه وخرج به. قال: أمَّا في قول ابنِ القاسمِ، فإنَّه يرى في ذلك كله العشر، أو ما نزل به عليه مثل ما جاء به من تجارته؛ لأنَّه يرى، أنَّه بدى له فيما نزل به من تجارته، فأراد ردَّه أنَّه يؤخذ منه عشرةٌ، بخلافِ الذميِّ عنده. وأشهبُ يراه كالذميِّ، لا يؤخذ منه شيءٌ فيما وصفته، إلا أَنْ يشتري تجارة، لأنَّه لا يى عليه في تجارته شيئاً، حتى يبيع. قال ابن الْمَوَّاز: وأمَّا الذمي فلا شيء عليه – في (قول ابن القاسمِ)، وأشهبَ – في الذهب التي ضربها دنانير، أو ما خاطَ من الثيابِ، وإن جلبَ ذلك من أُفقٍ إلى أُفقٍ، وإن أخرج معه إلى بلده. وزاد محمدٌ في موضعٍ آخر. أنَّ عليه عشر الأجرة التي دفع في الضرب والصياغةِ والحياكةِ، وهذا في الذِّمِّيِّ يدخل غير بلده، فأما الحربيُّ ففي قول أشهب: إنَّ ذلك عندَه فيه مثلُ الذميِّ. وفي قول ابن القاسمِ: يؤخذ منه عشر ذلك معمولاً. قال أبو محمدٍ: انظر قوله. معمولاً. قال محمدٌ: وإن حاكه هو بيده، فلا شيء عليه. قال: وأشهبُ لا يرى عليهم في المال شيئاً، حتى يشتروا به شيئاً، فيؤخذ منهم – يريد عشر
في الجزية
قيمةِ ما اشتروا، إن نزلا على العشرِ – وابن القاسمِ يرى أنْ يؤخذ منهم، اشتروا أو لم يشتروا. وإذا باع تجارته، ثم اشترى أخرى، فلا شيء عليه فيما اشترى، كان ذمِّيًّا أو مُستأمناً، وإذا كان معهم دنانير صرفوها، أُخِذَ منهم عُشر الدراهم، وإن صاغوها حُليًّا، فلا شيء عليهم. قال محمدٌ: بل يؤخذ منهم عشر أجر الصائغ، وأجرِ الحائكِ إذا حاكُوا غزلاً. قال: وأشهبُ لا يرى في هذا كله شيئاً على حربيٍّ ولا ذمِّيٍّ، إلا في تجارةٍ يبيعها. وابنُ القاسمِ يرى ذلك في الذمي، وأما الحربي فيرى أَنْ يؤخذ منه، كما يؤخذ من تجارته التي لم يبعها. وهذا الباب مذكورٌ في كتاب الجهاد. وفيه ما لم يذكر هاهنا. في الجزية قال مالكٌ: ولا يزاد عليهم في الجزية على فريضة عمرَ بنِ الخطابِ، رحمه الله. ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز: ولا يزاد في الجزيةِ على ما فرض عمرُ أربعة دنانيرَ على أهل الذهب، وأربعين درهماً على أهل الورق، وإن كثر يسرهم. قال في "المختصر": ولا يزاد عليهم على فرائض عمر بنِ الخطابِ. قال ابن القاسمِ: ول ينقص من ذلك. قال أصبغُ، ومحمدٌ: بل يخفَّفُ عن مَن لا يقدرُ. وقد كتب عمرُ بنُ عبد العزيز، أَنْ يخففَ عن جماجمهم، فإن احتاجوا فاطرحوها عنهم، فإن احتاجوا فأنفقوا عليهم، أو أسلفوهم من بيتِ المالِ. قال مالكٌ: وتوضع عن أهل الذمةِ ضيافة ثلاثة أيامٍ التي جعل عمرُ
كتاب زكاة الماشية والحب والفطر
إذا لم يوف لهم - وفي موضع آخر: - لأنهم لم يوفَّ لهم بما ينبغي من الذمةِ. قال مالكٌ: ولا جزية على نصرانيٍّ أعتقه مسلمٌ. قال أشهبُ: قلتُ له: فإن أعتقه نصرانيٌّ. قال: لا أدري. قال أشهبُ: وأنا أرى أن لا جزية عليه. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: وتؤخذ الجزية من نصارى العربِ، كما تؤخذ من أهل الكتابِ. قال مالكٌ: وإذا فلسَ أهل الذمةِ، فلا يؤاجرون في الجزيةِ ولا يباعون، وليتركوا حتى يرزقهم الله. قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ أسلم من أهل الذمةِ: فأمَّا الصُّلحيُّ، فهو أحق بأرضه، وتوضع عنه الجزية في نفسه وأرضه، وأمَّا أرض العنوةِ فإذا أسلم، فهي للمسلمينَ وقد أحرزَ هو نفسه وماله. أبو محمدٍ: يريدُ، ماله الذي كسَبَ بعد الفتحِ. ومن "كتاب" ابن القُرْطِيِّ: ولا يؤخذ من رهبان أهل الذمةِ جزيةٌ، وتسقط عن معسرهم، وإن احتاجوا إلى أَنْ ينقصوا من فرض عمر نقصا، وإن منعوها قُوتلوا وسُبوا. كتاب زكاة الماشية والحَبِّ والفطر ذِكرٌ من أصول زكاة الماشية، وفي الإبلِ تزيدُ على عشرين ومائةٍ أو يجبُ فيها أخذُ سنينَ مختلفةٍ (قال أبو محمد): قد جرى في "المدونةِ" من ترتيب زكاة الإبلِ والبقرِ والغنمِ، ما فيه كفايةٌ على ما في كتاب آلِ حزمٍ. ورُوِيَ مثله أيضاً في صحيفةِ كتبها أبو بكرٍ الصديق، يذكر أنَّها الزكاة التي أمر بها
النبي صلى الله عليه وسلم. وزكاة البقرِ على ما روى مُعاذٌ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمنِ. قال ابنُ حبيبٍ: وفي تسعين من البقرِ ثلاثة أتابيعَ، وفي المائة تبيعان ومُسِنَّةٌ، وفي مائةٍ وعشرةٍ مُسنتان وتبيع، وفي عشرين ومائةٍ ثلاث مُسِنَّاتٍ. قال ابنُ الْمَوَّاز: أو أربعُ توابعَ، أيُّ ذلك شاءَ المُصدِّقُ، يريدُ إن كان فيه السنان. قال ابن الْمَوَّاز: واختلف مالكٌ، وابنُ شهابٍ في خيارِ المصدقِ إذا بلغتِ الإبلُ من أحدٍ وعشرينَ ومائةٍ إلى تسعٍ وعشرين ومائةٍ. فابنُ شهابٍ لا يرى له إلا ثلاثَ بناتٍ لَبُونٍ، كانت في الإبلِ أو لم تكن، وكان فيها الحقَّتَانِ. وبه قال ابن القاسمِ. وقال مالكٌ: إنَّه مخيَّرٌ في حِقَّتَيْنِ، أو ثلاث بناتِ لبونٍ، كانت في الإبلِ أحد السنينَ، أو لم تكن. وقال أشهبُ: وأصبغُ كقولِ مالكٍ: إنَّه مخيَّرٌ. قال ابن عبدوسٍ: ورَوَى أشهبُ، وابن الماجشون، وابن نافع، عن مالكٍ: ليس له إلا حِقَّتانِ. قال عنه ابن الماجشون: وإنَّمَا يعني في الحديث بقولهِ: "فما زاد على عشرين ومائةٍ".
يريدُ زيادة تحيُّلِ الأسنان، ولا يزولُ عن الحقتين إلى ثلاثين ومائةٍ – وذكر ابن عبدوسٍ، من اختيار أشهب، وابن القاسمِ مثل ما ذكر ابنُ الموازِ. وأنَّ ابن نافعٍ اختار مثل اختيار ابنِ القاسمِ. وذكر ابنُ حبيبٍ نحوَ ذلك: إنَّ قول المغيرةِ، وابنِ الماجشون ليس فيهما إلا حِقتان، فإنَّ عبدَ العزيز بنَ أبي حازمٍ، وابن دينارٍ، ومطَرِّفاً، وأصبغ، يرونَ تخيير المصدق، كما قال مالكٌ، في رواية ابنِ القاسمِ، وبه أقول. قال ابن الْمَوَّاز: وأمَّا مَن له مائتان من الإبلِ، فقال ابن القاسمِ، وأشهبُ: فإن كان فيها الحِقاقُ وبناتُ اللبون، فالساعي مُخيَّرٌ في أخذِ أربعِ حِقاقٍ أو خمسِ بناتِ لبونٍ، قاله مالك. قال محمد: إلاَّ أن تكون الأربع حِقاقٍ فيها قوامُ ربِّ الإبلِ ومصلحته، فيضرُّ بها. ونحو ذلك في رواية أشهبَ، عن مالكٍ. وقد قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، للساعي الخيار ما لم يضرَّ بربِّ الإبلِ. وقد قال عمرُ: لا تأخذوا حزراتِ الناسِ. قال مالكٌ: وإنْ لم يكن فيها السِّنانُ فهو مخيَّرٌ، وإن كان فيها أحدهما، فليس له غيره. وذُكر عن ابنِ القاسمِ، أنَّها إنْ خلتْ من السنين، أنَّ ما أتى به ربُّها منهما، فليقبله. قال أصبغُ: وليس هذا بشيءٍ، والساعي مخيَّرٌ. قال مالكٌ: وأمَّا خمسةٌ وعشرون من الإبلِ، فإن لم يكن فيها السنان، فليس الساعي بمخير، ولا يأخذ منه إلا بنتَ مَخاضٍ. قال ابنُ
ذكر أسنان ما يؤخذ في زكاة الماشية، وصفاتها من غنم أو إبل أو بقر
القاسمِ: إلا أنْ يشاء المصدق فأخذ ابن لبونٍ. يريدُ: ويرى ذلك نظراً. وقال أِشهبُ: ليس ذلك للمصدقِ، بخلاف المائتين. وإذا كان أحدُ السنين في الخمس والعشرين، وفي المائتين، فليس له غيره. قال مالكٌ: وإذا لم يكن في الخمس والعشرين السنين، وفيها بنتُ لبونٍ، فليس للساعي أخذها إلا أَنْ يشاء ربُّها، فليس له أنْ يأبى أخذها. قال ابن الْمَوَّاز: في عشرين من البقرِ ثلاث مسناتٍ أو أربع توابعَ، أي ذلك شاء المصدق. ذِكر أسنان ما يؤخذ في زكاة الماشية، وصفاتها من غنمٍ أو إبلٍ أو بقرٍ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهب، ولا يأخذ المصدق من الغنمِ ما فوق الثنيِّ ولا ما دون الجذع، إلا أَنْ يتطوَّعَ ربُّ المالِ بالأفضلِ، والجذع من الضأن سواءٌ في الصدقةِ جائزٌ في الضأنِ والمعز. قال أشهبُ: وغيره: وكذلك فيما يؤدي منها عن الإبلِ. قال أبو محمدٍ: وذهب ابن حبيبٍ، إلى أنَّه إنما يؤخذ الجذع من الضأنِ، والثنيُّ من المعزِ كالضحايا، وليس بقولِ مالكٍ، وأصحابه فيما علمنا. قال عليُّ بن زيادٍ، في "المَجْمُوعَة": والجذع في الضأنِ، والمعز ابن سنةٍ. وقاله أشهبُ، وابن نافعٍ. وفي موضعٍ آخر عن ابن وهبٍ، أنَّه ابنُ عشرة أشهرٍ. ورُوِيَ عن سحنونٍ، عن عليِّ بن زيادٍ، أنَّه ابنُ ستةِ أشهرٍ.
قال ابن حبيبٍ: ويؤخذ الجذع ذكراً كان أو أنثى، والثنيُّ من معْزٍ أو ضأنٍ ابنُ سنتين، ولا يؤخذ الثنيُّ من المعزِ إلاَّ أنثى، والذكر الثنيُّ منها تيسٌ. وقد نُهيَ عن أخذه إلا أَنْ يكون مسنًّا من كرائم المعز فيُلحقَ بالعجولِ، فيؤخذ إنْ طاع به ربُّه. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وما يؤدي فيه الغنمَ من الإبلِ، فإنَّما ينظر إلى جُلِّ كسب ذلك البلدِ، وإن كان ضأناً أدَّى منه، وإن كان المعز أدَّى منه، ولا ينظر إلى ما في مِلكه هو منهما. قال ابن الْمَوَّاز: يُكلَّفُ أَنْ يأتيَ بما عليه وإن خالف ما عنده. ومن "كتاب" ابنِ سحنونٍ، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: يأخذ في ذلك ما تيسر عن ربِّ الإبلِ، من ضأنٍ أو معزٍ لا يكلف ما ليس عنده، وما أدَّى من ضأنٍ أو معزٍ أجزأ عنه. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: أهلُ الحجاز أهل ضأنٍ، وأهل الساحلِ أهل معزٍ. قال ابن حبيبٍ: إن كان من أهل الضأن فمنها، وإن كان من أهل المعزِ فمنها، وإن كان من أهل الصنفين أخذ المصدق من أيهما شاء، وبنت المخاض من الإبلِ، بنتُ سنتين، قد لحقت أمها بالمخاضِ في ذلك فهي في حدِّ ذلك، وهي في السنة الثالثة بنت لبونٍ، والذكر ابن لبونٍ؛ لأنَّ أمّها في حالِ أن تضع،
تفسير الذود، والشنق، والوقص، والسائمة، والسخال، والفصلان، وغير ذلك مما يجري ذكره في الزكاة
وتصير ذات لبنٍ، وفي الرابعة حِقَّةٌ استُحِقَّتْ أنْ يُحملَ عليها، وتُركبَ، وطرقةُ الجملِ، (أن يطرقها الفحلُ)، فإذا دخلت في الخامسةِ فهي جذعةٌ، وفي السادسة ثنيَّةٌ. قال: والجذع من البقرِ. وهو التبيع من سنتين، يجوز أَنْ يؤخذ ذكراً وأنثى في الصدقةِ، والثنيُّ منها ما أوفى ثلاث سنين، ودخل في الرابعة وهو سنُّ المسنةِ، ولا يؤخذ إلاَّ أُنثى. وكذلك في "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ: والجذع من البقرِ الذي أوفى سنتين، ودخل في الثالثةِ مثل الدَّوَابِّ. تفسير الذَّوْدِ، والشَّنَقِ، والوَقْصِ، والسَّائمةِ، والسِّخالِ، والفُصْلانِ، وغير ذلك ممَّا يجري ذِكره في الزكاة قال ابنُ حبيبٍ، في كتاب "شرح الموطأ"، في قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسِ ذودٍ صدقةٌ». فكأنَّه قال: ليس فيما دُونَ خمسٍ من الإبلِ صدقةٌ؛ لأنَّ الذودَ ثلاثة وأربعة وخمسة إلى السبعة، وما فوقَ السبعةِ شَنَقٌ إلى أربعٍ وعشرين، فيُقطعُ منها اسمُ الشنقِ، ويُحَمِّلُهَا
في من أعطى ئفضل مما عليه، وأخذ عوضا، أو دون ما عليه، وأدى عوضا، أو أعطى أفضل بغير عوض، أو معيبة وهي أثمن، وفي من كانت ماشيته عجافا كلها أو سخالا أو عجاجيل
اسم افبلِ، ولا ينقصُ الذودُ، ولا يكون الذود واحداً، كما لا ينقصُ من عددِ البقرِ، فلا يكون البقرُ واحداً، والبقرُ من ثلاثةٍ إلى سبعةٍ، وما فوق السبعة إلى العشرة رَهْطٌ، وفوق ذلك إلى الربعين عُصبَةٌ، وفوق ذلك إلى المائة فأكثر أُمَّةٌ. وقال ابنُ مزينٍ، عن عيسى بن دينارٍ: آخرُ أقلِّ الذَّوْدِ واحدٌ. وقاله غيره. وقال ابنُ حبيبٍ: والسَّخلةُ، المولودة من الخِرقانِ والجديان. والأكولةُ، ما تُعُوهِدَ بالرعي وكَثُرَ أكلُها، من ذَكَرٍ أو أنثى كما يتعاهد العليف. والأكيلةُ، التي قد أكلت أو تؤكلُ، ويقال: شاةٌ عَلِيفٌ. والعلوف، الرجل الذي يعلفها. مثل قاتلٍ وقتُولٍ. والماخضُ، ما دنا ولادها، والرُّبى، التي كما ولدت أو قربَ ما ولدت، والحافِلُ، الكبيرة الضرع، حزراتُ الناسِ خِيارُ مواشيهم، والهَرِمَةُ، الشارفُ، والعوارُ، بالفتحِ العيبُ. وهو الذي في الحديث، فيما لا يؤخذ في الصدقةِ، وأمَّا برفعِ العينِ فمن العَوَرِ، قال هو وغيره: والوَقْصُ، ما بين الفرضين، والنِّصَابُ ما فيه الزكاة، والسائمة، الراعيةُ، قال الله تبارك وتعالى: {فيه تسيمون}. والفُصلانِ، صغارُ الإبلِ مما لم يبلغ السنَّ المأخوذَ، وكذلك العجاجيل من البقرِ. في من أعطى أفضل مما عليه، وأخذ عِوَضاً، أو دون ما عليه، وأدَّى عِوَضاً، أو أعطى أفضل بغيرِ عوضٍ، أو معيبةً وهي أثمنُ، وفي من كانت ماشيته عِجافاً كلها أو سِخالاً أو عجاجيلَ من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإذا كان له خمسون كلها بنات مَخاضٍ أو فُصلانٌ أو بُزلٌ، فليَشْتَرِ له حِقَّةٌ، ومَن له أربعون سَخلةً، فليشتر له شاةً جذعةً أو ثَنِيَّةً.
قال ابن القاسمِ: ولا خير أَنْ يعطيَ بنتَ مخاضٍ من بنتِ لَبونٍ عليه، ويزيد سِنًّا أو يعطيَ بنتَ لبونٍ من بنت مخاضٍ، ويأخذ ثمناً. قال أصبغُ: فإن أعطَى بنت لبونٍ، فليس عليه إلا ردُّ الثمنِ الذي أخذ، وأمَّا معطي بنت المخاض مع الثمنِ، فعليه البدلُ ولا يُجْزِئُهُ. وقال ابن القاسمِ، وأشهبُ، في "المَجْمُوعَة"، في من يعطي أفضلَ ويأخذ ثمنا أو أدنى، ويؤدي ثمناً. أنَّه لا ينبغي، فإن نزل أجزأه. وقال نحوه سحنونٌ، في "كتاب" ابنهِ. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: ومَن وجبَ عليه مَعْزٌ فأعطَى ضأناً فليقبل منه، وأمَّا معزٌ عن ضأنٍ فلا. قال أشهبُ: إلا أَنْ يبلغَ لفراهتها مثل ما لزمه من الضأنِ. فلا بأس بذلك. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: التيسُ منذ ذوات العَوَارِ، وهو دون الفحلِ، فإن رأَى المصدقُ أخذه، وأخذَ ذاتِ العَوَارِ، لأنَّه خيرٌ له فعل. قال أشهبُ: ربما كانتِ العوراءُ ذواتُ العيبِ والكسرِ أسمنَ وأثمنَ. فلا ينبغي أنْ يردَّهَا إن أُعطيَهَا ولا يأخذ الفحل، وإذا كان التيسُ والهرمة أوضع، فلا يأخذهما، وأمَّا السِّخَالُ فخارجةٌ عن السنِّ الذي يُجزئُ. ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، وسأل عثمان بنُ الحكمِ مالكاً، الرجلِ تكونُ ماشيته عِجافاً كلها، قالَ: يأخذ منها وإن كانت عِجافاً. قال محمدٌ: ومعناه عندي، أنَّه يزكيها لا يدعها، ولكن لا يأخذ عَجفاءَ، وكذلك إن جُرِّبَتْ كلها، فعليه أَنْ يأتيه بما فيه وفاءٌ، وإذا كانت لَبناً كلها، لم يأخذ منها إلا إنْ يشاءَ ربُّهَا. وقد ذكرنا القولَ في السنةِ
في من يؤدي في صدقته ثمنا أو يشتريها، أو يؤدى عن العين عرضا أو عن الحب عينا، وهل يشتري من الإمام شىء من الصدقة، أو يعطى لمديانه ما عليه
الجدبةِ فتُعجفُ الغنمُ. الاختلاف في الأخذِ منها، أو تأخيرها في باب تخلُّفِ الساعي. في من يؤدي في صدقته ثمناً أو يشتريها، أو يؤدي عن العينِ عَرْضاً أو عنِ الحَبِّ عيناً، وهل يُشترَى من الإمامِ شيءٌ من الصدقةِ، أو يُعطي لمِدْيانه ما عليه من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، وأشهبُ: مَن أدَّى عن ماشيةٍ أو حَبٍّ عيناً، رجوْتُ أَنْ يُجْزِئُهُ، ولا يُجْزِئُهُ عن الفطرةِ، ولا في كفارة اليمين. قال ابن القاسمِ: ولا أحبُّ له شراءَ صدقتهِ فإن فعل أجزأه، إذا كانوا يضعونها مواضعها، فإن لم يكونوا كذلك لم يُجْزِئُهُ ما أخذوا طَوْعاً ولا كَرْهاً من صدقةٍ أو عوَضِهَا. قال أصبغُ: والناس على خلافِهِ يُجزئُ ما أخذوا في العشور والمُكوسِ، إذا أخذتْ كَرهاً بعد محلِّهَا. وبذلك كان يُفتي ابنُ وهبٍ، وغيره. قال أصبغُ: وإنْ أدَّاها طوعاً. قال أصبغُ: وإن أدَّاها طوعاً، فأحبُّ إليَّ أنْ يُعِيدَ. ومن "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسمِ: إذا أخذ السُّعاةُ في صدقةِ الحَبِّ والماشيةِ ثمناً طوعا أو كرهاً، أجزى ذلك. قال أصبغُ، وقال قبل ذلك: يجزئُ الي أخذوا كرهاً في السُّعاةِ وفي المكوسِ. وقاله ابنُ وهبٍ؟. قال ابن محمدٍ: يعني بالمكوسِ من يجلس بالطرقِ لأخذ الزكاة. قال ابن سحنونٍ: قال ابن نافعٍ: عن مالكٍ: إنَّه لا يُجْزِئُهُ إذا أخذ منه في الحَبِّ ثمناً، وهذا في أئمةِ الجورِ والخوارجِ. وقال ابن نافعٍ: يُجْزِئُهُ كلُّ ما
أخذ منه من شيءٍ؛ الطعام، والعين، والبقرُ في ذلك سواءٌ، إذا كان مُكرهاً. ومن "كتاب" ابن سحنون: ومن أعطى في شاةٍ، لزمته دراهم وأعطاه أفضل منها، وأخذ منه فضلاً، أو في ما لزمه من زكاة ثمرٍ أو طعامٍ دراهم عرْضاً جَهِلَ ذلك، فذلك يُجْزِئُهُ إن كان فيه كَفافُ القيمةِ، ولا يُجزئُ انْ يفععلَ هذا في كفارة اليمين. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، فِي مَنْ عليه شاةٌ في خمسِ ذودٍ فدفع فيها دراهم، قال: لولا خوفي أَنْ يدخل فيه الظلم لم أرَ به بأساً، ثم رجع، فقال: لا يدفع إلا شاةً، فإن دفعَ دراهم أجزاه. وبه أخذ ابنُ القاسمِ. وأمَّا إنْ أعطَى دون السنِّ درتهم أو أعلى منها وأخذ دراهمَ، فمذكورٌ في بابٍ قبل هذا. قال أشهبُ: وقلنا في مَن أدَّى قيمةَ صدقتهِ وأجبره المصدق على ذلك، أنَّه يُجْزِئُهُ إذا تعجَّله، وذلك للاختلاف فيه. قد أجاز بعضُ العلماءِ شراءَ الرجلِ صدقتهن وكره هذا البعضُ، فإن نزلَ عندنا لم نفسخه. وإذا تطوَّعَ رجلٌ بصدقةٍ فخرجت من يدِ المتصدق عليه ببيعٍ أو هبةٍ، فلا بأسَ بشرائها، فأمَّا من المتصدق عليه نفسه، فلا يفعل ولا يَدسُّ من يشتريها. وكره ابن القاسمِ في "المدونة"، أَنْ يشتريها من غير المتصدِّقِ عليه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، وابنُ نافعٍ، عن مالكٍ: إنَّه سُئِلَ، أيشتري من الإمامِ مما يجتمع عنده من زكاة ماشيةٍ أو حَبٍّ؟ قال: إن كان معه نظراً لأهله، فجائزٌ وإلاَّ فلا يشتري منه. زاد في "كتاب" ابنِ سحنونٍ: إذا أُخذتْ بحقٍّ، وتباع وتُجعل أثمانها في حقٍّ، فلا بأسَ باشتراء ذلك. ومن "العُتْبِيَّة"، روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ أخرج عن زكاةِ الحَبِّ عيناً له: يُجْزِئُهُ، وإن أخرج عن زكاة العينِ حَبًّا لم يُجْزِئُهُ.
ما يجمع من أصناف الماشية بعضه إلى بعض، أو من الحب، وفي من له أموال مفترقة في البلدان من ماشية أو حب
قال ابن حبيبٍ في المخرج عن العينِ حَبًّا أو عن العين حَبًّا: فلا يُجْزِئُهُ، إلاَّ أنْ يُجبره الوالي، أو يخرج عن العينِ حَبًّا يرى أنَّ ذلك أحسنُ للمساكين، ويجزئه بسعره فيجزئه. قاله مطرِّفٌ، وابن الماجشون. وقال أصبغُ: في المخرج عن الحَبِّ عيناً أو عن العين حَبًّا: إنَّه يُجْزِئُهُ إن كان فيه وفاءٌ وما أحبُّ ذلك له. وقاله ابن أبي حازمٍ، وابن دينارٍ، وابن وهبٍ. وقال ابنُ المواز، في المدير أو غير المدير: يُخرج زكاته عَرَضاً: فإنَّه لا يُجْزِئُهُ عند ابن القاسمِ. وقال أشهبُ إذا لم يحاسب نفسه، وبئسَ ما صنع. وقال ابن القاسمِ، فِي مَنْ له على رجلٍ دنانيرُ فتصدَّقَ بها عليه عن زكاةٍ حلَّتْ عليه: فلا يُجْزِئُهُ. وقاله أصبغُ. وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ منها ما كان يُعطي مثله أو لم يكن له عليه شيءٌ. ومن "العُتْبِيَّة" ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومَن لزمته شاةٌ في زكاتهِ، فذبحها وفرَّقها لحماً، لم يُجْزِئُهُ. وليعطيها حيَّةً لمَن رأى من المساكين. قال ابنُ المواز، وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ، وقد أساء. وهذه بعد هذا في باب سيرة السُّعاةِ. ما يجمع من أصناف الماشيةِ بعضه على بعضٍ، أو من الحَبِّ، وفي من له أموالٌ مفترقةٌ في البلدان من ماشيةٍ أو حَبٍّ من "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: ومن له ضأنٌ ومعزٌ يجب فيها شاةٌ، أخذها من أكثرهما فإن استويا، فمن أيهما شاءَ. قال ابن القاسمِ: فإن كان فيهما شاتان، فلهما عددُ الزكاةِ، فمن كل صنفٍ يأخذ واحدةً، وإلاَّ
أخذهما من الأخرى، فإن كان فيهما ثلاثُ شياهٍ، وكانت القليلة كونها أوجبت زيادة الواحدة، وفيها مع ذلك عدد الزكاةِ أخذَ الثالثة منها، وإن لم يُوجب كونها زيادة الواحدة، فهي وقْصٌ وإن كثرت. قال أبو محمدٍ: ورأيتُ لسحنونٍ، ولم أروه، فِي مَنْ له عشرون ومائة ضأنيَّةٌ وأربعون معزية، أنَّه يأخذ الشاتين من الضأن والذي ذكر ابن عبدوسٍ عن مالك أبينُ وهو بخلاف من له أربعون بقرةً وعشرون من الجواميس. قال في هذه في "المدونة": يأخذ واحدةً من كلِّ صنفٍ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وغيره، عن مالكٍ: ويُجمعُ على الرجلِ ما افترقَ له من مالٍ أو ماشيةٍ، أو زرعٍ، إذا كان في الجميع ما فيه الزكاة. قال أشهبُ: ويؤدي في كلِّ بلدٍ زكاة مالِه فيها. قال عبدُ الملكِ: ويعلمُ الإمامُ بالذي له في كلِّ بلدٍ من حَبٍّ، أو ماشيةٍ، ليجمعه عليه، ويأخذ منه في كلِّ بلدٍ بقدر ما فيه. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، وقال فِي مَنْ له أربعون شاةً في أربعة أقاليم، عشرة في كل إقليمٍ ولكلِّ إقليمٍ أميرُه، عشرةً بالأندلسِ، وعشرة بإفريقية، وعشرة بمصر، وعشرة بالعراقِ. وقال: إنْ كان الوُلاةُ عدولاً فليخبرهم ذلك فيأخذ منه كلُّ أميرٍ ربع شاةٍ يأتي بشاةٍ يكون الإمامُ شريكاً له بربعها، هكذا يفعل في كلِّ بلدةٍ، وإن أخذ منه كل امير قيمةَ ربعِ شاةٍ، أجزأه، وإن لم يكونوا عدولاً، فليخرج هو ما يلزمه كما قد أعلمتك. وكذلك إنْ كان له خمسةُ أوسقٍ مفترقة كما ذكرنا، فليقضِ لكلِّ أميرٍ زكاةَ مالهِ في بلده، وإن لم يكونوا عُدولاً، أخرج هو ما يلزمه عن جميع ذلك.
في فائدة الماشية، وكيف إن نمت أو نقصت قبل الحول أو قبل مجىء الساعي
وفي باب زكاة الحبوبِ شيءٌ من ذكر ما يجمعُ في الزكاةِ، من الحبوبِ والثمارِ. في فائدة الماشيةِ، وكيف عن نمتْ أو نقصتْ قبلَ الحولِ أو قبل مجيءِ السَّاعي من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وأشهب، وغيره عن مالكٍ: والنِّصَابُ أقلُّ ما فيه الزكاة من كلِّ ماشيةٍ من الأنعام فأكثر من ذلك، فكلُّ ما أفاد إلى النصابِ قبل حولهِ أو بعد حولِهِ قبل مجيء الساعي، فليُزكِّه مع النصابِ إنْ كان من صنفه، وإذا أفاد غنماً كثيرةً إلى غير نِصَابٍ ائتنفَ بالجميع حولاً. من يوم أفاد الآخرة، ولو أفاد شاةً إلى عشرين ومائةُ شاةٍ عندَه لزمه شاتان لحولِ الأولى وإن قرب. وكذلك في جميع الماشية. وذكر أصبغُ، في "العُتْبِيَّة"، عن بعض المصريين نحوه. وقال: وإن أفاد غنماً كثيرةً على نصاب فنقصَ النصاب قبل حولهِ عمَّا فيه الزكاة، فلا يزكيه إلاَّ مع حولِ الفائدةِ الآخرة، إلاَّ أنْ تزيدَ الأولى بولادةٍ، فيتم عدد الزكاة، فليزكها مع الثانية بحولِ الأولى، وكذلك لو أقام الثانية إلى غير نصابٍ، ثم تناسلت الأولى قبل حولها، فتمت نِصَاباً، فليزكها لحولها مع الفائدة الآخرة. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ: ومَن أفاد غنماً كثيرةً إلى نصاب غنمٍ قبل الحولِ. فلا يُبالي ما نقص من الفائدةِ قبلَ الحولِ، فأمَّأ إن نقص النصاب
الأول قبل حولِهِ عن عدد الزكاةِ، فلينتقل حولُه إلى حولِ الفائدةِ الآخرة، وهو كنقصه قبل الفائدة. وقاله ابنُ القاسم، وأشهبُ، إن نقص قبل حوله ثم أفاد إليه غنماً. وكذلك ذكر في "كتاب" ابنِ سحنونٍ، عن ابن القاسمِ، وغيره. وذكر ابنُ الْمَوَّاز قولَ عبد الملكِ هذا، وقال: قاله أصبغ. قال أصبغُ: وإن أفاد نِصَاباً إلى غير نصابٍ ثم نتجت الأولى فتمت نصاباً قبل حولها بيومٍ، فليزكِّ الجميع لحولِ الأولى. ومن "كتاب" ابنِ سحنونٍ: ومَن زكَّى غنمه للساعي، ثم مات فضمها الوارث إلى نصابٍ فمرَّ به الساعي، فليأخذ منها أيضاً زكاتها مع ما ضمَّهَا إليه من النصاب. وقال فِي مَنْ لا يمرُّ به الساعي يكون له ثلاثون شاةً، لها حولٌ ثم نتجت تمامَ الأربعين: فليزكها مكانه؛ لأنَّه ليس ممن ينتظر ساعياً. وكذلك إن وَرِثَهَا فأتى عليه حولٌ من يوم وَرِثَ، فليزكها، ولو تمت السنة بعد مرور الساعي، فليزكِّ ربها، لأنَّه ساعي نفسه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قلا مالكٌ: ومن مرَّ به الساعي، وغنمه أقلُّ من أربعين فجاوره، ثم رجع في عامه إليه، وقد صارت أربعين بولادةٍ فلا يزكيها، ولا يمرُّ به في عامٍ مرتين، ولو نزل به مع المساءِ فسأله عن غنمه، فقال: غداً آخذُ منك شاتين فنتجت تلك الليلة واحدةً، أو كانت مائتين وشاةَ فماتت واحدةً فلا ينظرُ إلى عدتها عند وقوفه لعددها، والأخذ منها، وقاله أصبغُ. قال مالكٌ: وله اني ذبح ويبيع وإن حلَّ الحولُ ولم يأتِ الساعي، فإنْ نقصَ ذلك زكاتها إلا مَن فعَلَه فِراراً، فليُلزمه ما فرَّ به. قال ابن القاسمِ: وإن عزل ضحايا لعياله قبل مجيئه، فإن أشهد عليها – قال محمدٌ: يريدُ لفلانٍ كذا – ولفلانٍ كذا، فلا زكاة فيها، وإن جاء
في الغنم تباع قبل الحول وبعده بمال أو بجنسها أو بخلافها من الماشية، أو يقيل فها أو يبتاع بمال قبل حوله غنما، أو يبيع غنما بمال ثم يبتاع به غنما
وهي حيَّةٌ إلاَّ أن تكون لمن شهد، فليزكها، وإنما لا يزكي ما لو ماتَ صحَّتْ لمن أعطاها له. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في الجلاَّبِ يبتاعا الغنمَ ليذبحها أو ليبيعها من الجزارين، فيحولُ الحولُ عليها من يوم الشراء: فليزكها. قال مالكٌ في كتاب ابن الْمَوَّاز: فإنْ كان مديراً وجاءه وقتُ زكاةِ الإدارةِ قبل حولِ الغنمِ، وقد ابتاعها – لما ذكرت – فلا تقويم عليه فيها. قال محمدٌ: فإن بيعت قبل يجب في رقابها الزكاة رجعَ حولها إلى الإدارة، كان ثمنها عيناً أو عَرْضاً أو دَيناً. قال ابن عبدوسٍ: ورَوَى عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، فيمن ابتاع غنماً للتجارةِ ثم ردَّهَا سَائمةً أو السائمة ثم ردَّهَا للتجارة فهو سواء: فليزكها للحولِ. في الغنمِ تُباع قبل الحولِ وبعده بمالٍ أو بجنسها أو بخلافها من الماشية، أو يقيل فيها أو يبتاع بمالٍ قبلَ حولهِ غنماً، أو يبيع غنماً بمالٍ ثم يبتاع به غنماً ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن زكَّى غنمه ثم باعها بعد أشهرٍ، فلم يختلف مالكٌ وأصحابه، أنَّه يزكِّي الثمن بحولٍ من يوم زكَّى الرقاب، كانت لِقِنيَةٍ، أو بميراثٍ أو من تجارةٍ، وإنما اختلف قولُه فيمن باعها قبل أَنْ يزكيها قبل الحولِ، أو بعده وهي ميراثٌ أو مشتراةٌ لقنيةٍ. فقال: يأتنف بالثمنِ حولاً، ثم قال: يُزَكِّي لحولٍ من يومِ ملكها إذا باع بما فيه الزكاة، ولم يبعْ فراراً. وعلى هذا جُلُّ أصحابه إلا أشهبَ، فثبت على قوله الأول. ولم
يختلفوا أنَّها لو كانت للتجارةِ، لرجعت إلى حولِ أصلِ ثمنها، ويزول حولُ الغنمِ. وهو قول مالكٍ، ما لم تزكَّ الرقابُ قبلَ البيعِ. وكذلك لو كانت الموروثة أقلَّ من أربعين وبيعت بعد حولٍ، أو بيعت التي زكيت بما لا زكاة فيه ولا زكاة في ثمنها عند مالكٍ، وأصحابه. قال ابن حبيبٍ: ولم يختلف قول مالكٍ، وأصحابه، أنَّ مَنِ ابتاع غنماً للتجارةِ أو للقنيةِ بعينٍ له بيده شهوراً، أنَّه يأتنف بالغنمِ حولاً، ثم إن باع التي اشترى للتجارةِ بعد أن زكَّاهَا شهوراً، انَّه يزكي الثمن لحولٍ من يومِ زكَّى الرقابَ. قال ابن حبيبٍ: واختلف قول مالكٍ في (المقتَنَى تبتاع) بعد أن زكَّاهَا. فقال: يأتنف بالثمنِ حولاً. ثم قال: يزكيه لحولٍ من يوم زكَّى الرقاب. وأخذ بالقول الأول مطرَّفٌ. وأشهبُ، وأخذ بالآخرِ ابنُ كنانة، وابن القاسمِ، وابن الماجشون، وأصبغُ. وبه أقول. وكذلك اختلف قوله في المقتناةِ والموروثةِ يبيعها قبل الحولِ. وأمَّا التي للتجارةِ فترجعُ على أصلها، لم يختلف فيها قوله. قال ابن حبيبٍ: ومَن ابتاع ماشيةً بعد الحولِ، ولم يأتهِ الساعي، فإنْ كان ببلدٍ لا يأتي فيه السعاة، زكَّى زكاة السائمة، وإن كان ببلدٍ يأتي فيها السُّعاة، فهو كمن باع غنمه قبل الحولِ، فإن كانت للتجارةِ رجعت على أصلها. وإن كان قنيةً أو ميراثاً فقد ذكرنا اختلاف قولِ مالكٍ في ذلك. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومَن باع ماشيةً وجبتْ عليه فيها الصدقة قبل أَنْ يبيعها، فباعها بما فيه الزكاة، قال مالكٌ: تلزمه صدقةُ الماشية. قال ابن نافعٍ: وإن باعها فِراراتً أدَّى. كما قال مالكٌ. وإنْ باعها لغير ذلك، فلا شيء عليه في الغنمِ ولا في الثمن، ويأتنف به حولاً.
وقال مالك فِي مَنْ كانت عندَه أصلُ ماشيته تناتجتْ، ثم بادل بها غنماً أخرى أو بقراً أو إبلاً، أو باعها بالعين. فلا زكاة فيما أخذ فيها، حتى يحولَ عليه حولٌ من يومِ باعها أو بادل بها، إلا أَنْ يكون تاجراً يبيع ويشتري، فليحسب من يوم زكَّى الغنم التي باع أو بادل بها، فإذا تمَّتْ سنةً زكَّى ثمنها، أو ما أخذ فيها من الأنعام. وقد ذكرنا قولَ ابنِ الْمَوَّاز، أنَّ قولَ مالكٍ، وأصحابه، فِي مَنْ بادل غنماً بغنمٍ، أنَّها على حولِ الأولى، وهذه الرواية تُخالف ذلك، وأراها من رواية سحنونٍ، عن عليٍّ بن زيادٍ، عن مالك، مما قرأ على ابنِ نافعٍ. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: ومن باع أربعين شاةً بعد الحولِ، فراراَ من الزكاة بأربعة أبعرةٍ أو وهبها فرراً، فعليه زكاتها. وذكر سحنونٌ، عن عبد الملكِ، أنَّه قال فيمن دفعَ حَبًّا فزكاه، ثم ابتاع به غنماً بعد أشهرٍ، ثم حوْلٌ من يوم حصادِ الحَبِّ. قال: فليُزكِّ الغنمَ. وخالفه سحنونٌ، فقال: لا شيء عليه. وكذلك يقول عبد الملكِ، في بدلِ الغنمِ بغيرها من النعمِ، فإنَّه يُزكِّي هذه لحول الأولى. وأمَّا إن أفرغ عيناً في غنمٍ أو إبلٍ للقنية، فلا يزكيها إلا لحولٍ من يومِ اقتناها. قال سحنونٌ: قولُه في العين صحيحٌ. قال ابن الْمَوَّاز في الدير يبتاع الغنمَ، ليبيعها من الجزارين أو ليذبحها قبلَ حولِ الإدارةِ، قبل يأتيَ للغنمِ حولٌ: فلا تقويم عليه، ولو بيعت قبلَ
تجب في رقابها الزكاة، رجعت لحولِ الإدارةِ، بيعت بعينٍ أو عَرَضٍ، ولو بيعت بعد زكاة الرقابِ زالَ حولُ الإدارةِ، ويصيرُ حولُ ثمنها حولَ الرقابِ، ولو اشتراها للقنيةِ من مال الإدارة، ثم باعها، رجعَ حولُ ثمنها لحولِ الغنمِ – يريدُ باعها قبل يزكيها – وإلى هذا رجع مالكٌ، إن كان في الثمنِ ما يُزكِّي. وذكر ابن عبدوسٍ نحو ذلك كله، عن ابنِ القاسمِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا اشترى غنماً للتجارةِ، فأقامت بيدهِ خمس سنين، لا يأتيه الساعي وباعها، فليزكِّ ثمنها. قال أشهبُ: لحولٍ واحدٍ. وقال ابن الْمَوَّاز: إن كانت يومَ باعها أربعة وأربعين فأكثر. وباع بأكثر من عشرين ديناراً، فليزكِّ الثمن عن كلِّ سنةٍ ربع عُشره، إلاَّ ما نقصت الزكاة، وإن كانت ثلاثةً وأربعين زكَّاه لأربعِ سنين، وإن كانت اثنين وأربعين زكَّاه لثلاث سنين، إلاَّ أَنْ ينقص ذلك من عشرين ديناراً. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: ومن أقام بيده مالٌ أشهراً، ثم باع به غنماً، فأقامت عنده حولاً، فلم يأته الساعي، ثم باعها، فليردها على حولِ أصلِ المالِ الأولِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: ومن بيده ذَهَبٌ لها شهورٌ فابتاع به أنصاب نِصابَ ماشيةٍ لنفسه، فليأتنف بها حولاً، ثم عن باعها لحولٍ أو قبلَ حولٍ، فليأتنف حولاً؛ لأنَّ القنية أبطلت حولَ الذهبِ، ولو كانت للتجارة وباعها قبل أَنْ يزكيها، رجعَ حولها حولَ الذهبِ، وإن باعها بعد أن زكَّاها صار حول ثمنها من يوم زكَّى الرقابَ، وإن لم تبلغ ما فيه
الزكاة، فهي كسائر السلعِ ترجع إلى أصلها. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ: وإذا حالَ الحولُ على مالٍ، فلم يزكِّه حتى ابتاع به غنماً، فعليه زكاة العين باقية، ولو ابتاع بالعين قبل الحولِ سلعةً فأقامت عنده حولاً. ثم ابتاع بها غنماً، فليأتنف بها حولاً. قال عنه ابن وهبِ فِي مَنْ زكَّى مالَه ثم ابتاعَ به بعد شهرين غنماً، ثم باعها بعدِ أشهرٍ: فليُزكِّ لحولٍ من يوم زكَّى الغنمَ. قال أشهبُ: ومَن باع غنماً بعَرَضٍ أو بعينٍ، ثم ابتاع بذلك غنماً، فليأتنف بها حولاً. قال ابن القاسم: ومن باع ماشيته بعد الحولِ بعرضٍ أو بعينٍ، ثم باع العَرَضَ بعين، فإن أخذ العرض للتجارةِ زكَّى ثمنَه مكانه، فإن كان للقنيةِ، فلا زكاة عليه في الماشيةِ ولا في الثمنِ. واختلف قولُ مالكٍ فِي مَنْ باع غنماً ورثها بعد حولٍ ولم يزكِّها؛ فأمَّا عن كانت أربعةَ أبعرةٍ، فلا زكاة في ثمنها. أو بيعه بعيراً منها ببعيرين كالنتاج. قال مالكٌ: وإن بادلَ غنماً بإبلٍ، فليأتنف بالثانية حولاً. قال ابن حبيبٍ: (قال ابن الماجشون): ومَن بادلَ ماشيةً فيها الزكاة، أو لا زكاة في عددها بجنسٍ آخر من الماشيةِ في عدده الزكاة، فليُزكِّ الثانية لحولِ الأولى من شراء أو ميراثٍ، وإن حلَّ الحولُ ولم يأتِ الساعي، فالحولُ بمجيئه، وإن كان البلدُ لا يأتي فيه السعاة، فالعمل على حلول الحولِ في إيجاب الزكاة، وسواءٌ بادل ماشيته أو باعها بثمنٍ، ثم اخذ فيه خلافها من الغنمِ. وهذه رواية ابن وهبٍ، ومطرف، عن مالكٍ: وقاله أصحابه. وخالف ذلك ابنُ القاسمِ. قال ابنُ الْمَوَّاز: لم يختلف
مالكٌ وأصحابه فِي مَنْ باع صِنفاً بصنفه من الأنعام غنماً بغنمٍ، أو بقراً ببقرٍ أو بجواميس، أو جواميس ببقرٍ، أو بُختاً بعِرابٍ، أنَّها على حولِ الأولى، وكذلك معزاً بضأنٍ أو ضأناً بمعزٍ، فأمَّا إن أخذ جنساً بخلافه من ذلك، فاختلف قولُ مالكٍ، وأصحابه، فقال ابن وهبٍ، وعبدُ الملكِ: هي على الأولى وهي في روايتهما عن مالكٍ مع أشهب. وقاله ابنُ نافعٍ في "كتاب" ابن سحنونٍ: وقال ابن الْمَوَّاز: وقال ابن القاسمِ: وأشهبُ: يأتنف بالثانية حولاً. وهي رواية ابن القاسم. ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب: ومن زكَّى غنمه ثم باعها بإبلٍ بعد ستةِ أشهرٍ، فليزكِّ الإبل لحولٍ من يومِ زكَّى الغنم. وقال ابن الْمَوَّاز: ومن باع غنمه بذهبٍ وسطَ الحولِ، ثم اشترى بها مثلها. فقال ابن القاسمِ، وأشهب، عن مالكٍ: يأتنف حولاً بالثانيةِ. وذهب عبدُ الملكِ إلى أَنْ يزكِّيَ الآخرة لحول الأولى، قال العتبيُّ: ورَوَى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ باع أربعين شاة بعد ستة أشهرٍ بعشرين ديناراً، ثم ابتاع بها أربعين شاة بعد شهرٍ: فليأتنف، ولو باع الأولى بعد الحولِ بعشرين ديناراً زكَّاها نصف دينارٍ. وإن باعها بأقلَّ فلا شيءَ عليه. قال ابن الْمَوَّاز: ومن باع غنماً بثمنٍ، ثم استقال منها، فليأتنف بها حولاً، وكذلك لو أخذ غنماً في قيمةِ غنمٍ استهلكت له – والإقالة بيع حادثٍ – ولم يره مالكٌ في الشفعة بيعاً حادثاً لتهمتهما عنده أَنْ يكونا أرادا نقض البيعِ الأولِ فراراً من الشفعةِ فيه. قال ابن القاسم: ومن زكَّى أربعين شاةً، ثم باعها بعد شهرٍ بعشرين ديناراً، فليأتنف بها حولاً.
في من باع غنما ثم ردت عليه بعيب يعد حول، أو أخذها في تفليس المبتاع، وفي الساعي يأتي وقد قامت الغرماء
ومن باع من غنمه أقلَّ من أربعين ديناراً، قبل الحولِ وبقيت منها اربعون. قال مالكٌ: فإن كانت التجارة زكَّى العشرين لحولِ ما ابتاعها به، وتزكَّى رقاب الباقية لحولٍ من يومِ اشتراها، ثم عن باعها بعد ذلك كان حولُ ثمنِ هذه من يوم زكَّى الغنم. ومن باع من غنمه أقلَّ من أربعين بعشرين ديناراً، فليأتنف بها حولاً. قال أبو محمدٍ: يريد محمداً. وليس أصلها للتجارةِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: فِي مَنِ استهلكت له غنمٌ فأخذ منها غنماً، أنَّه يأتنف حولا. وقاله ابن القاسمِ. وقال أيضا: يكون للحولِ الأولِ. وقال أشهبُ: بل ذلك كما لو باع الأولى بدينارٍ، ثم اخذ بالدينارين غنماً. ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب، ومن له خمسةٌ من الإبلِ ستَّةَ أشهرٍ، ثم باع ثلاثةً منها بثمن ثم اشترى منه بعد شهرين ثلاثةً، ثم حال حولُ الأولى فلا زكاة عليه. في من باع غنماً ثم رُدَّت عليه بعيبٍ بعد حولٍ، أو أخذها في تفليس المُبتاع، وفي الساعي يأتي وقد قامت الغرماءُ من "كتاب" ابن سحنونٍ: ومن ابتاع غنماً فأقامت عنده حولاً، ثم ردَّها بعيبٍ قبلَ مجيءِ الساعي، فزكاتها على البائعِ، ولو ردَّها بعد أن أدَّى غنماً شاةً فليردها، ولا شيء عليه في الشاة التي أخذها المصدق، ولو أفلس المشتري فقام الغرماء وجاء الساعي، فالزكاة مبدأةٌ وما بقيَ للغرماء،
وكذلك الحائط يُشترَى – يريد بثمره – فيأتي المصدق وقد طابت الثمرة، فالساعي مبدَأٌ، ولو طلب اغنمَ أخذَ الغنم في تفليس المبتاع، وقد أتى المصدق، فليأخذ المصدق شاة، ثم للبائع أخذ الغنمِ ناقصةً بجميع الثمن إن شاء، ويكون ما أخذ المصدق منه. وكذلك في أخذه لزكاة الثمرة. ولو هرب المشتري بالغنمِ عن الساعي، وهي أربعون ثم جاء السنة الثانية بعد حولٍ وقد فلس، فليأخذ الساعي منها شاةً، ويكون من البائع إن استرجع الغنمَ، ولا شيء عليه في السنة الثانية، ولا على المبتاع، وإن لم يأخذها البائعُ كان على المشتري فيها شاتان – يريدُ على مذهبِ سحنونٍ، لأنَّه ضامنٌ بهرو به، فصارت الشاة الأولى في ذمته – قلت لسحنونٍ: فلو جاء وقد تماوتت فلم يبقَ منها إلاَّ شاةٌ. قال: فربُّها أحقُّ بها بما يصيبها من الثمن ولا شيء للساعي، ولو قام عليه غريمٌ بدَيْنٍ من غير ثمنها، كان الساعي أحق بها. وقال بعض أصحابنا: إنَّ الساعي أحق بها. فأنكره سحنون. قلت له: ولو ماتت الأربعون كلها، ثم اشترى شاةً فجاء الساعي، أنَّه يأخذها. قال: أصاب. قلتُ: وقال: ولو كان عليه دَيْنٌ مُحيطٌ فليتحاصَّا الساعي والغريم. فقال سحنونٌ: بلِ الساعي أحقُّ بها. وقلتُ له: ولو كان الدَّيْنُ من ثمنها والغريمُ أولَى بها من الساعي، إنْ لم يكنْ من الأربعين التي هرب بها. فأجاز ذلك سحنون.
في من تخلف عنه الساعي سنين، ثم أتاه وغنمه قد زادت أو نقصت، وهل يتخلف في سنة جدبة والغنم عجاف، وهل يؤخذ منها؟
فِي مَنْ تخلَّفَ عنه الساعي سنين، ثم أتاه وغنمه قد زادت أو نقصت، وهل يتخلَّف في سنةٍ جَدْبَةٍ والغنمُ عِجَافٌ، وهل يؤخذ منها؟ من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: قال مالك: يُبعث السعاة في كل سنةٍ إلأَّ في سنةٍ شديدة الجدبِ، فلا يبعثوا؛ لأنَّه يأخذ ما لا يحلب، وإن بيع فلا ثمن له. وقال عنه ابن وهبٍ: لا تؤخر الصدقة وإن عَجَفَتِ الغنمُ. قال ابن شهابٍ: وقد بعثَ الخلفاءُ في الخَصْبِ والجدبِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، فذكر رواية ابن وهبٍ، ثم قال: وقد سأل عثمان بن الحكم عن ذلك مالكاً، فقال: يؤخذ منها عِجافاً، ولو كانت ذات عَوارٍ كلها أو يبوساً. فليأتِ بغيرها. قال محمدٌ: وكذلك العِجافُ، فليشتر له ما يعطيه. وقال مالكٌ: فإذا تخلَّفَ عنه الساعي، فلينتظره، ولا يُخرج شيئاً. وكذلك إن حلَّ الحولُ بعد أن مرَّ به بيسيرٍ، إنْ كان الإمامُ عدلاً، فإن لم يكن عدلاً، فليخرج للحولِ إن عفى له، فإن خافَ أَنْ يؤخذ بها انتظره. قال مالكٌ: وإذا تخلف الساعي سنين، فلا يضمن ربُّ الغنمِ ما نقصت غنمه، ببيعٍ أو أكلٍ أو غيره، ولو غاب عن مائة بعيرٍ، ثم جاء ولم يبق منها إلا خمسةٌ، فليأخذه بشاةٍ عن كل سنةٍ، ولو لم يجد ما فيه الزكاة، لم يلزمه شيءٌ. قال مالكٌ: وإن وجده قد أضاف إليها غيره، لأخذه بما يجب عن ماضي السنين، إذا كانت في أول سنة نصابٍ، عَرَفَ عددَها في كل سنةٍ أو لم يعرف.
قال أشهبُ: عن مالكٍ: ولو غاب أربع سنين عن أربعين شاة لم تزد، فلا يأخذ منه إلا شاة، أخذها منها، أو اشتراها له. وكذلك قال في "كتاب" ابن سحنونٍ: فإن غاب عن أربعين جفرة. قال سحنونٌ: ولو غابَ عن أربعين عامين، ولم تزد، فقبل يأتيه أكل واحدةٍ أو وهبها أو باعها، ثم جاءه المصدق، فلا شيء عليه في العامين، ولو وجدها أربعين لم يزكِّها، إلا لعامٍ واحدٍ، ولو وجدها أحداً وأربعين وكانت كذلك في العامين أخذ منه شاتين، قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولو أفاد إليها ثلاثة بقربِ قدومه، أخذه بأربع شياه. قال ابن الْمَوَّاز: ولو كانت عن ألف شاةٍ، ثم وجدها أربعين لم يأخذ منه غيرَ شاةٍ، وإن نقصت عن أربعين منه شيئاً، ولو كانت أولاً أربعين ثم صارت ألفاً بفائدةٍ قبل مجيئه بيسيرٍ، وقد غاب خمسَ سنين لأخذه عن أول سنةٍ بعشرة شياهٍ. وعن كل سنةٍ تبقى بتسعٍ تسعٍ. وكذلك قال ابن حبيبٍ: عن مالكٍ: إنَّه يأخذ منه عن ما يجده عنده لأول سنةٍ، ثم عن التي تليها عن باقيها، ثم عن باقيها، هكذا حتى ينقضي عن عدد الزكاة. وذكر ابن سحنونٍ، عن أبيه، أنَّ غيرَ ابن القاسمِ، يقولُ: إذا غاب عن أربعين خمسَ سنين، صم صارت ألفاً قبل مجيئه بيسيرٍ، أنَّه يزكِّي عن الأربع سنين بشاةٍ واحدةٍ، وعنِ السنة الخامسة بتسع شياهٍ، ولو كانت أولا مائة زكَّى عن الأربع سنين بأربع شياهٍ، وفي هذه السنة بتسع شياهٍ، وهو مصدق في ذلك كله.
قال غيرُ ابن القاسمِ: وإنما معنى قولهم: يزكي ما وجد بأيديهم عن ماضي السنين، إذا لم يدَّعُوا أنَّها كانت فيها دون ذلك. وهذا قول عبد الملكِ. وقال سحنونٌ بقول ابن القاسمِ، وأشهب، على ما ذكرنا، أنَّه يُزكِّي الألف لأول سنةٍ، ويُزكِّي ذلك عن كل سنةٍ بعدها، إلا ما نقصت الزكاة. قال سحنونٌ: وإذا أتى الساعي بعد غيبة سنين، فقال له رجلٌ معه ألفُ شاةٍ: إنَّما أفدتها منذ سنةٍ أو سنتين. فهو مصدق بغير يمينٍ، ويُزكِّيه لما قال. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالك: وإن غاب عن خمس من الإبلِ خمس سنين، أخذه عن كل سنةٍ بشاةٍ، ولو انَّه يبيع في ذلك بعيراً منها لم تنقص من ذلك، ولو نقصت في بعض هذه السنين عن خمس ذودٍ، ثم رجعت في العام الخامس بغير نتاجٍ، فليس عليه إلا شاةٌ، إلاَّ أَنْ يرجع بولادتها، ولو تخلَّفَ عن أقلَّ من أربعين شاة، فتمت في السنة الخامسة بولادتها أربعين، فلا يأخذه إلا بشاةٍ. وكذلك لو تناسلت أكثر من ذلك لم يأخذه إلا بزكاة عامه هذا، حتى لو غاب عن نصاب، ثم نقصت عن النصاب، ثم تمت قبل مجيئه بولادتها، أو ببدل قليل بكثير، فصارت ألفاً وقد غاب خمس سنين، لزكَّاها عن ما يجدها به لكل سنةٍ غاب فيها، والقول في ذلك قولُ ربِّ الغنمِ بلا يمينٍ. قال أشهبُ: فيأخذ لأول عامٍ عشرة شياهٍ، ثم تسعاً عن بقية السنين.
وإن كانت زيادتها بفائدةٍ، فلا يزكِّي غل من يوم أفاد تمامها بعد نقصها عن النصاب. قاله أصبغ، وأشهب. قال مالكٌ: وإن غاب عنه، وغنمه عشرون ثم صارت في العام الثاني ثلاثين، فأتى في الثالثِ وهي أربعون، فعليه شاة، وقاله مالك. وابن القاسمِ. قال ابن الْمَوَّاز: وردَّدَ مالك السؤالَ على السائلِ في رواية أشهب، فقال: أكنت تزكيها قبل ذلك؟ فقال: لا. فكأنَّه يعني أنَّه لو كان أولها يزكَّى، ثم نقصتْ، ثم رجعت بولادةٍ أو مبادلة، أنَّ الزكاة ترجع لما مضى من ما تخلَّفَ عنه. قال ابن الْمَوَّاز: ولسنا نأخذ بهذا، بل يأخذ فيها من يوم تمَّت ما فيه الزكاة، ويسقط ما قبل ذلك. قال أبو محمد: انظر لعلَّ محمداً يعني أنَّها وإن كانت تُزكَّى قبل ذلك إلا أن الساعي غاب عنها، وهي أقلُّ من أربعين فلا تزكى، إلا من يوم تتم ألربعين بولادةٍ أو ببدلٍ. قال أشهب برأيه في مسألةِ التي غاب عن عشرين، ثم صارت في عامٍ ثانٍ ثلاثين، ثم أتى في الثالث وهي أربعون – يريد: فأكثر بولادةٍ أو مبادلة – أنَّه يزكي لكل سنةٍ مضت حتى يرجع إلى ما لا زكاة فيه. قال ابن الْمَوَّاز: ولا يعجبنا هذا أيضاً، ويلزمه أَنْ يقول: إذا تمت الغنم بولادتها، أو نما المال بربحه، فجاوزا ما فيه الزكاة، أَنْ يزكِّيَ لكلِّ سنةٍ مضت من يومِ أفاد الأصلَ. قال ابن الْمَوَّاز: وإذا غاب عن ثلاثٍ وأربعين بقرةً خمسَ سنين، فعليه
أربع مُسِنَّاةٍ وتبيع، على نحو هذا يُجزِئُ من الإبلِ، إلاَّ في الشنقِ فإنَّها لا تتغير، لأنها زكاتها من غيرها، فيأخذه بالغنمِ عن كلِّ سنةٍ سواءٌ وإن كثرت. وإذا وجد الإبل أمثر من سنةٍ وثلاثين إلى خمسة وأربعين، فليأخذ عن كلِّ سنةٍ بنت لبونٍ، حتى تنقصَ عن ستة وثلاثين، فيأخذ بنت مخاضٍ، عن كل سنةٍ بقيت، فإنْ لم يكن فابن لَبونٍ ذَكراً حتى ينقص عن خمسة وعشرين، فيأخذ عنها الغنم ما تناهت. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ: وإذا غاب عامين عن خمسةٍ وعشرين من الإبلِ، فليأخذ لأول علمٍ بنت مخاضٍ، فإن لم يكن فابن لبونٍ، فإن كان ذلك من عددِ ما اخذ في العام الثاني أربع شياهٍ، وإن لم يكن منها اخذ فيه مثل ما في العام الأول، وإن كانت ستة وعشرين، لم يؤخذ منها غنمٌ، كان فيها ما يؤخذُ من الإبلِ (أو لم يكن). قال أشهبُ، وابن نافعٍ: وإذا غاب الساعي عن أربعين جفرة سنين، أو كانت غنماً فلم يبقَ إلا أربعون من عدادها، فليس عليه إلا شاة. وإن كان تُشترى له بخلاف الشنق من الإبلِ. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: وإن غاب عن أربعين جفرة وأربعين تيساً. فليس عليه إلا شاة واحدة، ولا حجة للساعي، فإنَّها تُزكَّى من غيرها، بخلاف الشنق من الإبلِ، وكذلك عشرون ديناراً لعامين. قال العتبيُّ: عن أبي زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ غاب عنه
القول في الهارب عن الساعي
الساعي فأوصى بزكاة غنمهِ: فلا تُبَدَّى على الوصايا. وليحاصَّ بها. القول في الهارب عن الساعي من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، (قال مالك): والهارب عن الساعي إنَّمَا يأخذه بزكاة ما كانت غنمه كل عامٍ، ولا يأخذه بأن يزكِّيَ عن ما أفاد آخراً عن متقدم السنين. وقال أشهبُ: أمَّا إذا زادت في هرو به، فهو كمن غاب عنه الساعي، ولا يكون أحسن حالاً منه. قال: وهو في نقصانها ضامنٌ يأخذه (في كلِّ عامٍ بزكاةِ ما كانت فيه؛ لأنَّه ضَمِنَ ذلك بهرو به. قال ابن حبيبٍ: إنَّ قولَ مالكٍ وأصحابه المدنيين والمصريين أَنْ يؤخذ بها الهارب بزكاة ما كانت غنمه كل عامٍ، إلاَّ أشهب، فذكر من قوله ما ذكر ابن الْمَوَّاز. (قال ابن الْمَوَّاز): قال ابن حبيبٍ، عن مالك: فإذا هرب بألفِ شاةٍ، ثم جاء بعد ثلاث سنين بأربعين شاة، فليأخذ عن هذه السنة بشاةٍ. وكذلك يبدأ في الهاربِ بالسنةِ التي هو فيها، ثم يؤخذ عن كل سنةٍ من الأولتين عشرة عشرة، ولو قال: كانت في السنةِ الثانية أربعين. لم يصدَّقْ إلا ببينةٍ. ولو هرب بأربعين، ثم جاء بألفٍ، فليأخذ منه لهذه السنة عشر شياهٍ، ثم عن عَلِمَ أنَّها في السنتين أربعين أخذه بشاتين لأنَّه
ضامنٌ فلا يُنقصها الأداء، فإن لم يكن إلا قوله أخذه بشاةٍ لأول سنةٍ، وللعامين بعدها بعشر عشر. وأمَّا مَن يتخلَّفُ عنه الساعي سنتين، فليأخذ منه لأول سنة عما بيده الآن، ثم عما بعدها إلاَّ ما حطَّتِ الزكاةُ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ، فِي مَنْ هرب بأربعين، ثم جاء بعد ثلاث سنين بألفٍ، فقال: في هذا العام صارت ألفاً، مثل ما ذكر ابن حبيبٍ، أنَّه لا يُصدَّقُ ويؤخذ من كل سنةٍ بزكاة ألفٍ إلاَّ في العام الأول، فعليه فيه شاةٌ. وذكر ابن سحنون لأبيه قول عبد الملكِ هذا، فخالفه ورأى أن تقبل منه، ولا يؤخذ منه إلا شاة شاة عن العامين الأولين، وفي السنة التي صارت فيها ألفاً عشر شياهٍ. قال: ولو هرب بأربعين خمسَ سنين، ثم جاء بها بحالها فليؤدِّ خمسَ شياهٍ؛ لأنه كان ضامناً. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومن هرب بثلاث مائة شاةٍ، ثلاث سنين، ثم جاء في الرابعة وقد هلكت، إلا أربعين، فليأخذ منه تسع شياهٍ للثلاث سنين. قال عنه عيسى، في "العُتْبِيَّة": وشاةٌ عن الرابعة, ولو جاء في الرابعة بألف شاةٍ، فليأخذ بتسع عن الرابعة، ولو جاء في الرابعة بألفِ شاةٍ، فليأخذه بتسعٍ عن الثلاث وتسعٍ عن هذه. قال أصبغ: بل يأخذه بعشرةٍ لهذه يبدأ بها؛ لأنَّه ضامنٌ لما تقدم. قال محمدٌ: بل يأخذ تسعة للثلاثة أعوام الماضية، بضمان الهربِ.
في من لا يأتيه السعاة لبعده، وفي الأسر كيف يزكي
وقال بعض علماء المدنيين: يبدأ بالسنة الأولى، ثم يزكِّي ما بعدها. ولا يعجبنا هذا. وبه يأخذ ابن القاسمِ. وإنَّمَا يبدأُ عنه أصبغ بالآخرةِ وهو الصواب. قال: ويقول أشهبُ: أقولُ إنَّه يزكيها في الزيادة لما مضَى؛ لأنَّه قد ضمن الفائدة إلى نصابٍ. وذكر أنَّه قول عبدِ الملكِ أيضاً. وقد ذكرنا ماذ كر عنه ابن عبدوسٍ، وابنُ سحنونٍ. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، في الفارِّ بأربعين شاة، فأقام ثلاث سنين وهي بحالها. فليس عليه إلاَّ شاةٌ. وقاله سحنون. كان له مالٌ أو لم يكن. قال عيسى: قال ابن القاسمِ: ولو صارت في الرابعة ألفاً بفائدةٍ، فعليه شاةٌ للثلاثِ سنين، وتسع شياهٍ لهذه السنةِ. وذكر ابن سحنونٍ، عن أبيه، خلافَ ما ذكر عنه العتبيِّ، إذا لم يزد أنَّ عليه لكل سنةٍ شاةً؛ لأنَّه صار ضامناً، والدين لا يُسقِطُ زكاةَ الغنمِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ وأشهبُ، عن مالكٍ: والفارُّ عنِ الساعي ضامنٌ لصدقةِ ماشيته، وأمَّا من يتبع الكلا، أو يتأخر عنه الساعي فلا يأخذه إلا بزكاة ما وجده. في من لا يأتيه السُّعاة لبعده، وفي الأسير كيف يُزكِّي ومن "كتاب" ابن سحنون، وقال فِي مَنْ لا يأتيهم السُّعاة، ولا ينزلون بهم في مثل زماننا، يكون عند أحدهم ثلاثون شاةً ثم تتناتج بعد الحول، ومرور الساعي على الناس، فتتم أربعين: إنَّه يُزكيها يوم تمَّتْ بالولادةِ
في زكاة الخلطاء، وما يوجب الخلطة
أربعين؛ لأنه ساعي نفسه. وكذلك لو ورث غنماً، فمرَّ الساعي على الناس، وهو لا يمر به، ثم تمت له بعد مروره بالناس حولاً من يوم ورثها، فليزكها حينئذٍ، ويكون ذلك خوله وتصير كزكاة العين. وعن الأسير بدار الحرب يكسب مالاً وماشية، ولا يحضُرُه فقراء المسلمين: فليؤخر زكاة العين حتى يخلُصَ أو يمكنه بعثها إلى أرض الإسلامِ، وهو في الغنمِ كمَن تخلَّفَ عنه الساعي، لا يضمنُ، فإن خَلصَ بها، أدَّى عنها لماضي السنين، إلا ما نقصت الزكاة. وقال أبو محمدٍ: مَن لا يأتيه السُّعاة وهو يُزكِّي نفسه، هل نصيب الفائدة من الماشية على نصاب الذي سَعَى أن تكون فوائد هذا كالعين، إذ لا ضرورة تلحقه بانتظار الساعي. في زكاة الخُلطاء، وما يوجب الخُلطةِ قال أبو محمدٍ: قال بعض العلماءِ من أصحابنا: الخليطُ في الغنمِ الذي لا يُشارك صاحبه في الرقابِ/ ويخالطه بالاجتماع والتعاون، والشريك المشارك في الرقابِ، فكلُّ شريكٍ خليطٌ، وليس كل خليطٍ شريكاً. قال الله سبحانه في الخلطةِ من غير شركةٍ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية. وفي أول القصةِ {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}. وقد جاء ذِكْرُ مرفقِ الخليطين في الزكاة بالتردد في "كتاب آل حزمٍ"، وكتب به عمر.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، وجماعةٌ غيره، عن مالكٍ: الخليطُ الذي غنمه معروفة من غنمِ خليطه، والذي لا يعرف غنمه هو الشريك، وله حكمُ الخليطِ في الزكاة، قالوا عنه: وتجب الخُلطةُ بجمعها في الراعي والدلو. وزاد عنه ابنُ القاسمِ، وابن وهبٍ: والفحلُ، وإن باتت هذه في قريةٍ، وهذه في قريةٍ. قال ابن حبيبٍ: وبعض هذه الأمور تُوجب الخُلطةَ، ولو لم يجتمعا، إلا في الراعي والمرعى. وتفرقتْ في الشرب والمراح، فإنَّه إذا كان ذلك، صارَ الفحلُ واحداً هذه فحلُ هذه، وهذه فحلُ هذه، وإذا كان لكلِّ واحدٍ راعٍ لم يكونا خلطاءَ –يريدُ ابن حبيبٍ لا يتعاونان – قال ابن حبيبٍ: وإذا كان لها رُعاةٌ يتعاونون عليها، فهم كالراعي. وقاله ابن القاسم في غير "الواضحة". قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: إذا اجتمعت في الراعي والحوضِ والفحلِ، فهم خلطاء. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: وإذا جمعهما في شيءٍ واحدٍ ممَّا يكونَانِ به خلطاء، لم تجب الخلطةُ إلا بالاجتماع في أكثر ذلك، وإذا افترقا في أكثرها فليسا خلطاء. وقاله ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة". ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالك: وإذا كان الفحل واحداً، والراعي واحداً، والمَرَاحُ واحداً فهم خلطاء، وإن كان بعض ذلك يُجزئُ
من بعضٍ. قال أشهبُ: ما لم يفترقا في الأكثر مما يوجب الخلطة. قال بعض البغداديين من أصحابنا: لا يكونان خليطين حتى يجتمعا في وجهين فأكثر. قال مالكٌ: وإنَّمَا يعني بما روى أن كلَّ خليطين يترادَّان؛ يعني في الماشية خاصَّة، لا في عينٍ ولا حَرْثٍ. قال مالكٌ: وإذا اجتمعا وافترقا قبل الحولِ بشهرٍ، وبأقل من الشهر، فذلك جائزٌ. قال ابن القاسمِ: ما لم يَقْرُبْ جدًّا. أو يهربا بذلك من الزكاة. قال ابن حبيبٍ: لا يجوز بأقل من الشهر. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ فِي مَنْ زكَّى غنمه، ثم خالط بها خليطاً بعد ستة أشهرٍ، فحلَّ حولُ خليطهِ في ذلك الشهر: فليزكِّ خليطه غنمهن ولا شيء على هذا حتى يأتيَ حولٌ مؤتنفٌ لخليطهِ، إلا أَنْ يفارقه قبل ذلك، كمَن مرَّ به الساعي لستة أشهرٍ من حوله. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: فِي مَنْ له غنمٌ كثيرةٌ، ولآخر غنمٌ قليلةٌ، ولكل واحد راعٍ، فقال رب الكثيرة لرب القليلة: إنَّ غنمي لا يكفيها راعٍ واحدٍ، فتفضَّلْ بضمِّ غنمك إلى غنمي، ويعاون غلامك غلامي في الرعاية، وهي تفترق في الحلب والمبيتِ. قال: هما خليطان، / لأنَّ الراعي واحدٌ والفحل واحدٌ والماء يجمعهما.
في الخلطة بجنسين مختلفين من الأنعام أو بشيئين مختلفين وتراددهما
في الخلطة بجنسين مختلفين (من الأنعام)، أو بشيئين مختلفين وترادُدهما ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، ومثله لابن الماجشون في "المَجْمُوعَة": وإذا كان لأحدهما ضأنٌ ولآخر معْزٌ، فهما خليطان، وإن اتفق العددُ وفيهما شاةٌ أخذها من أيهما شاءَ. وإن كان شاتان، فمن هذه واحدة، ومن هذه واحدة. وإن اختلف العددُ وفيهما شاةٌ أخذها من أكثرهما، ويترادَّانِ فيها، وكذلك في البقرِ مع الجواميس، وفي البُختِ مع العِرابِ، وإن كان لأحدهما غنمٌ، ولآخرِ بقرٌ أو إبلٌ، لم يكونا خلطاءَ ولا ينتفعان بذلك ولا يضرهما. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: ولا بأسَ أَنْ يختلطا، لهذا ضأنٌ، ولهذا معزٌ، ثم يأخذ المصدق منهما كما يأخذ من رجلٍ واحدٍ، وإنَّمَا يأخذ من الأكثر عدداً، ثم يترادَّان فيما اخذ من ضأنٍ أو معزٍ، ولا يقال: إنَّ صاحب معزٍ زكَّى بضأنٍ، ولا صاحب ضأنٍ زكَّى بمعزٍ، لأنهما كرجلٍ واحدٍ. وكذلك لو كان لواحدٍ من الإبلِ خمسةٌ وعشرون فيها بنتُ مَخاضٍ، ولآخر ستة وثلاثون يجب فيها بنت لَبونٍ، فالخلطة توجب عليهما جَذَعَةً يترادَّانِ فيها، وفي إبلِ أيهما وُجدت أخذت، فعلى صاحبِ الخمسة من بنت مَخاضٍ، فإن لم يكن فابن لَبونٍ، وكذلك ثلاثون تبيعاً وخمسون مُسِنَّةً ففيهما مُسنَّتَانِ، فعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أجزاء من ثمانيةٍ من مُسنتين. وقال ابنُ عبدوسٍ مثله، عن ابنِ القاسمِ: إنْ كان لأحدهما أربعون مسنةً، وللآخر
في ترادد الخليطين في اختلاف العدد وكيف إن كانا أو أحدهما لا زكاة في غنمه إن انفردت؟
ثلاثون تبيعاً، فيأخذ مسنة وتبيعاً. قال: يترادَّانِ فيهما، وذكر نحوه، عن ابن الماجشون في جميع ما قال سحنونٌ. قال: وإذا كان لواحدٍ أربعون من البقرِ ولخليطه ثلاثونَ منها، فليأخذ منهما مسنةً وتَبِيعاً ويترادَّانِ فيهما. في ترادُدِ الخليطين في اختلاف العددِ وكيف عن كانا أو احدهما لا زكاة في غنمه إن انفردتْ؟ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومن قول مالكٍ: إنَّ مَنْ ليس في حظِّه من الخليطين ما فيه الزكاة، فلا يضرُّ صاحبه ولا ينفعه، ولا يؤخذ إلاَّ ممَّن في حظِّه الزكاة، قال ابو محمدٍ: يريدُ هذا الذي ينبغي في مذهبه، فأمَّا إذا أخذ على مذهب غيره فمذكورٌ بعد هذا. قال مالكٌ: وإنَّما يترادَّانِ الخليطان بقدرِ العددِ، لا بقدرِ ما يلزم الواحد في الانفراد، لو كان ذلك ما انتفعا بالخلطةِ. وقد كان من مالكٍ في ذلك بعضُ القولِ فِي مَنْ له تسعة من الإبلِ، ولخليطهِ خمسةٌ: إنَّ على كلِّ واحدٍ شاةً. ثم رجعَ فقال: يترادَّانِ في الشاتين، وكذلك من له ثمانون شاة ولخليطه أربعون شاة، فعلى خليطه ثلثُ الشاة المأخوذة. وإن كان لواحدٍ خمسةٌ وعشرون من الإبلِ، ولخليطه عشرةٌ، فإنَّه يأخذ بنت مخاضٍ ممن كانت في إبلهِ، وإن لم يكن فابن لَبونٍ ذَكَرٌ، ثم يرجع على صاحبه بحصته، وهو ما يلزمه من قيمة ذلك يومَ أخذه
الساعي، تقسَّمُ القيمةُ على سبعةِ أجزاءٍ، فجزآنِ على ربِّ العشرة، والخمسةُ على الآخر. ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهبُ: وكلك في شركتهما في أداء الحقَّةِ. وليس للآخر أَنْ يقولَ له: لك في هذه الحقة كذا وكذا. ولا يُكلِّفُه أَنْ يأتيه بحقَّةٍ، إلا أَنْ يؤدي عنه حقَّة كاملة. ومن قال له أَنْ يعطيه جزءاً من حقَّةٍ. لم اعبه، ولا يكون أداء القيمةِ على هذا القول، إلا قيمة ذلك يوم يعطيه القيمة. وذكر مسألة عبد الملك في تراددهما في ثلاثين تبيعاً، وخمسين مسنة، وذكرناها في الباب الذي قبل هذا. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: إنَّما الترادُدُ فيما فيه قولُ قائلٍ من العلماء: فأمَّا ما لم يقله أحدٌ فهو مظلمةٌ ممَّنْ أخذ منه. قال مالكٌ: فإذا كان لخلطاءَ غنمٌ لا تبلغ أربعين وأخذ الساعي منها شاة فهي ممن أخذت منه، ولو كانت أربعون تراددوا فيها، فإن كان لأحدهم أربعون ولخلطائه اقلُّ من ذلك، فه يعلى صاحب الأربعين، يرجع بها عليه مَن أُخذت من غنمهِ. قال ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة": وإن أخذ شاتين من ربِّ الأربعين لم يرجع على أحدٍ بشيءٍ. ومنه ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، عن ابن القاسمِ: وإن أخذ شاتين من غير صاحب الأربعين رجعَ على صاحب الربعين بواحدةٍ، وإن كان له أكثر من عشرين ومائةٍ، رجع بالشاتين عليه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإن كان في جملة غنمهم نيِّفٌ وعشرون
ومائةٌ ولي منهم من له أربعون إلا واحدٌ، فأخذ شاتين من ربِّ الأربعين، فواحدته عليه، والثانية، يتحاصُّ هو وأصحابه فيها، وأحبُّ إليَّ أَنْ يتحاصُّوا في الشاتين، وإن كان جملة غنمهم لا يؤدَّى عنها إلا شاةٌ، فلا يرجع على أحدٍ بشيءٍ. قال ابن عبد الحكم: وإن كان لرجلٍ عشرون ومائةُ شاةٍ، ولخليطه شاةٌ فأخذ منها شاتين، فواحدة على ربِّ العشرين ومائة، ويتحاصان في واحدةٍ، على أنَّ لهذا عشرين ومائة كاملة، ولهذا الآخر شاةٌ. قال محمدٌ: وأحبُّ إليَّ أنْ يتحاصَّا في الشاتين، لأنَّ هكذا رأى من ذهب إلى هذا، وإنما هو كحكمٍ نفذَ فلا ينقضُ. ومن غيره، قال ابن القاسمِ وغيره: هو قول ربيعة. ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن القاسمِ: وإذا كان لواحدٍ عشرون ومائة، ولآخر ثلاثون فأخذ شاتين، فليتحاصَّا فيهما لا يُبالي من غنم من أخذها، أو اخذ من غنم هذا واحدةً وغنمِ هذا واحدةً، لترادَّا فيهما جميعاً، ولا أجعل واحدةً على صاحبِ المائة والعشرين، ويترادَّان في الأخرى، ولو ـخذ شاةً من غنمِ صاحبِ الثلاثين، لرجع بها على ربِّ المائة والعشرين، يريد لم يأخذ غيرها. قال ابن القاسمِ: وإن كان لهذا مائة وثلاثون، ولخليطه عشرون فأخذ الساعي شاتين من العشرين، فليرجع بهما على ربِّ الثلاثين ومائةٍ، وإن اخذ له ثلاثة لم يرجع عليه إلا بشاتين، وإن أخذهما من صاحب الثلاثين ومائةٍ
أو أكثر منهما، لم يرجع على صاحبه بشيءٍ. قال سحنونٌ في "كتاب" ابنه: إن كان لواحدٍ عشرون شاةً، ولخليطه ثلاثون، فأخذ شاتين من غنمِ أحدهما، فليتراجعا في واحدة بقدرِ غنمهما، والأخرى مظلمة ممن أُخذت منه، وإن تفاضلت الشاتانِ، تحاصَّا في الدَّنِيَّةِ. وقال: قيل ذلك في نصف قيمةِ كلِّ واحدةٍ. وإذا أخذ الساعي قيمةَ شاتين – يريد منهما – فقيمة شاةٍ يتحاصان فيها، والأخرى بينهما نصفانِ، إلاَّ أنْ يقولَ المصدق ذلك: على عدد غنمكما أخذته. فهو كما جعله. قال في "كتاب" ابن سحنونٍ: وكذلك لو أخذ من غنم هذا شاةً ومن غنمِ هذا شاةً، تراجعا في شاةٍ، وتكون الثانية عليهما نصفين. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإذا كان خليطان، لكلِّ واحدٍ أربعون شاةً، فأخذ الساعي شاةً، فليرجع الذي أُخذت منه على صاحبه بنصف قيمتها. وكذلك لو أخذ منه شاتين، لم يرجع إلا بنصف واحدةٍ. قال مالك في خلطاء ثلاثة: لكل واحدةٍ أربعون شاةً، فأُخذ من غنمِ أحدهم ثلاثة، فلا يرجع على صاحبيه إلا بثلثي شاةٍ. يريدُ قيمتها يوم أخذها الساعي. وإذا كان لواحدٍ اثنان وثلاثون بعيراً، ولخليطه أربعة أبعرة، فأخذ منها بنت لبونٍ، فعلى صاحب الأربعة منها حصتهن لأنَّه أخذه بقولِ قائلٍ وذلك تسعُ بنت لبون، وهو حكمٌ يبعدُ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ في خلطاء أربعةٍ، في أربعين شاةً لكلِّ واحدٍ عشرةٌ فأخذ شاتين لرجلين منهما: فليتحاضَّ الأربعة في نصف قيمتها، والنصف الآخر بين هذه للذين أُخذت
منهما. وكذلك روى عنه عيسى ويحيى في "العُتْبِيَّة". قال عنه عيسى: وإذا أخذَ شاتين من غنمِ أحدهم ترادُّوا في شاةٍ. قال سحنونٌ في "كتاب" ابنهِ: وإن اختلفت قيمتُهَا، تحاصُّوا في نصفِ قيمتها. وكان يقول في أدناهما ثم رجعَ على هذا. ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، وقال في خلطاءَ ثلاثةٍ، لواحدٍ ثمانٍ وسبعون شاةً، وللآخرِ تسعٌ وثلاثون، ولآخر ثلاثةَ عشرَ، فذلك ثلاثون ومائةٌ فأخذَ الساعي شاتين: فواحدةٌ على ربِّ الثمانية والسبعين. والثانية، يترادون فيها على عشرة أجزاءٍ؛ فجزءٌ على صاحب الثلاثة عشر، وثلاثة على صاحب التسعة والثلاثين، وستة أجزاءٍ على الثالثِ. قال (أبو محمدٍ): وهذا على القول الذي لم يختره ابن الْمَوَّاز، واختار أَنْ يترادُّوا في الشاتين على هذا الحساب. قال محمدٌ: ولو أخذ ثلاثَ شياهٍ من غنمٍ كل واحدٍ شاةً فقد بقي على ربِّ الثمانية والسبعين ما يلزمه في الشاة التي فيها يترادُّون. وذلك ثلاثة أخماس شاةٍ يؤديها إلى صاحبه. قال في "كتاب" الزكاة الأول: يكون ذلك بينهما على أربعة أجزاءٍ، فالربع لصاحبِ التسعة والثلاثين، وثلاثة أرباعٍ لصاحب الثلاثة عشر. قال محمدٌ: بل يقتسمانِ ذلك على ستَّةَ عشرَ جزءاً، فتسعة أجزاءٍ لصاحبِ الثلاثة عشر. وسبعة لصاحب السبعة والثلاثين؛ لأنَّ ربَّ الثلاثة عشرَ بما يلزمه على المحاصة في شاةٍ شاةٍ فظُلمَ بتسعةِ أعشارها، وصاحب التسعة والثلاثين كان يلزمه ثلاثة أعشار
شاةٍ، فظلمَ بسبعةِ أعشارها. يريدُ فيتحاصان على قدرِ ما ظُلما به. قال: ولو تاب المصدق فردَّ شاةً على صاحبيِ القليل، لقسَّماها مع ما أخذا من صاحب الكثير، حتى يصيرَ هذا غارماً لعشرِ شاةٍ، وهذا غرماً لثلاثة أعشار شاةٍ. ولو ردَّ شاتين أخذا بمذهبنا كانتا بين هذين، وردَّا على صاحب الكثير ما اخذا منه، ولزمته الشاةُ وحده. ولربِّ الكثير أخذ ما كانا أخذا منه من هاتين الشاتين، ثم يتحاسبان بهما فيما بقي بينهما. قال: ولو أخذ شاتين من صاحبي القليل، شاةً من كلِّ واحدٍ، لرجعا على صاحب الكثير بشاةٍ، يعني التي لا حصاص فيها – على أحذ القولين من قولي أصحابنا، وبتسعة أعشار شاةٍ ثم يقتسمان ذلك على ستة عشر جزءاً، يريدُ – إذا أخذ صاحبُ الكثيرِ من هاتين المائتين ثلاثة أخماس شاةٍ – تحاسبا في الذي كانا أخذا منه، يحتسب كل واحدٍ ممَّا عندَه من ذلك، ثم يضيف كل واحدٍ من هذه الشاة والخمس، الشاة الباقية حتى يرجع إلى كلِّ واحدٍ شاةٌ كاملةٌ، كما ذكرنا. قال: ولو أخذ شاةً من ربِّ الكثير وشاةً من ربِّ الثلاثة، عشرَ لرجع ربُّ الثلاثة عشرَ على ربِّ الكثير بستة أعشارها، وبثلاثة أعشارها على الآخر، ولو كان إنَّما أخذ الثانية من صاحب التسعة والثلايين، لرجع بعشرها على ربِّ الثلاثة عشر وبستة إعشارها على ربِّ الكثيرة، ولو لم يأخذ إلاَّ من صاحبِ الثمانية والسبعين شاتين، أو ثلاث شياهٍ، لم يرجع إلاَّ
في الخليطين لأحدهما أو لكل واحد منهما غنم أخرى بخليط أو بغير خليط
بعُشْر شاةٍ على ربِّ الثلاثة عشر وبثلاثة أعشارها على ربِّ التسعة والثلاثين. في الخليطين لأحدهما أو لكلِّ واحدٍ منهما غنمٌ أخرى بخليطٍ أو بغيرِ خليطٍ ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن له ثمانون شاةً له فيها خليطٌ بأربعين ومنها أربعون ببلدٍ آخر، بغيرِ خليطٍ، فهو خليطٌ لصاحبه بما حضرَ وغابَ، وليس عليهما إلاَّ شاةٌ، على صاحب الأربعين ثلها. قال أصبغُ: وكذلك لو كانت الثمانون ببلدٍ واحدٍ. وقال عبدُ الملكِ: يكون على ربِّ الأربعين نصفُ شاةٍ وعلى صاحب الثمانين ثلثا شاةٍ. قال محمدٌ: وقولُ مالكٍ أحبُّ إلينا، وعليه جُلُّ أصحابه. وقال سحنون لقولِ عبدِ الملكِ: وهو أحبُّ إليَّ من قول ابنِ القاسمِ وأشهبَ. وأنا أشكُّ أَنْ يكون ابن وهب رواه عن مالكٍ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ، وسحنون، فِي مَنْ له في بعض غنمهِ خليطٌ: إنَّ خليطه لا يكون له حكم الخُلطةِ في التي لم تخالطه بها. وقال ابن القاسمِ: يكون خليطاً له في ما حضر وغاب. قال سحنونٌ: ولو أن البعض الذي له فيه الخليط لا تجب فيه الزكاة إل مع غنمهِ الأخرى، فله به حكمُ الخلطةِ مع شريكه، لأنَّ عليه الزكاة فيما غاب أو حضر.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن عبد الحكم، وأصبغ، فِي مَنْ له ثمانون شاةً فريقين له في كلِّ أربعين منهما خليطٌ بأربعين: فهم كلُّهم خُلطاءُ. قال محمدٌ: والذي آخذُ به انَّ صاحبَ الثمانين خليطٌ لهما، وصاحبيه خليطان له، وليس أحدهما حليطاً لصاحبه، فيقع على صاحبِ الثمانين شاةٌ، وعلى كل واحدٍ من صاحبيه ثلاث شياهٍ. قال: ومن له عشرةٌ من الإبلِ ببلدٍ، وله فيها خليطٌ بخمسةٍ، وله ببلدٍ آخر عشرةٌ أخرى له فيها خليط بخمسةٍ، فهو خليط لرجلين لا خُلطةَ بينهما، فعلى كلِّ واحدٍ من الرجلين خمسُ بنتِ مَخاضٍ، وعلى صاحبِ العشرين ثلثا بنت مخاضٍ، فجملة ذلك بنت مخاضٍ وخُمسُ ثلث بنت مَخاضٍ، فمن وجدَ في إبله بنت مخاضٍ أخذها. فإن أخذاها من إبل صاحبِ العشرين، أخذا بقيَّة حِقَّةٍ من أيِّهما شاء، وهو ثلث خمس قيمة بنت مخاضٍ، ويرجع الذي أدَّى بنت مخاضٍ – وهو ربُّ العشرين – ثلث قيمتها حتى يغرمَ كلُّ واحدٍ ما عليه، فإن أخذها من أحدِ صاحبيِ الخمسة رجعَ على صاحبيه بما عليهما، على ما ذكرنا. ولو كان خليطٌ لرجلين لدفع هذا عشرةً، ومع هذا خمسةٌ فعليه ثلاثةُ أخماس بنت مخاضٍ، وعلى صاحبيه شاةٌ شاةٌ على كلِّ واحدٍ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال غيره: ومَن له ثلاثون بعيراً مفترقة قد خالطَ بكلِّ عشرةٍ منها خليطاً له أيضا عشرة، ففي الجميع حِقَّةٌ، فعلى ربِّ الثلاثين نصف حِقَّةٍ، لأنَّه خليطٌ لجميعهم، وعلى كلِّ واحدٍ من خلطائه ربع بنت
في من خالط عبده بغنم أو غيرها، وفي من وهب لابنه غنما فأراد عزلها في الصدقة أو يخالطه بها
لبونٍ. وكذلك من له خمسة عشر مفترقة، له في كل خمسةٍ خليطٌ بخمسةٍ فعليه نصف بنت مخاضٍ، وعلى كلِّ واحدٍ من أصحابه، وهذه في "العُتْبِيَّة". ذكرها هكذا أصبغُ، عن بعض المصريين. في من خالطَ عبدَه بغنمٍ أو غيرها، وفي من وهبَ لابنهِ غنماً فأراد عزلها في الصدقةِ أو يخالطه بها من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "العُتْبِيَّة"، من رواية عيسى، عن ابنِ القاسمِ، وقال في السيد يكون خليطَ عبدهِ، قال: لا يوجب ذلك خُلطةً وليؤدِّ كما يؤدي وحده، ولو زرع معه لم يكن على السيد شيءٌ، إلاَّ أنْ يكون في حصته همسة أوسقٍ، وكذلك عبدُ غيره. وكما لو كان خليطه. أو شريكاً نصرانيًّا. وذكر ابن حبيبٍ فِي مَنْ هو خليطٌ لعبدهِ أو لعبدِ غيره أو الذمِّيِّ: فليأخذ منه على حساب الخُلطةِ في الماشية، ويُسقِطُ عن العبدِ والذمي. قال: وهو قول ابن الماجشون، فإن لم يُسقط عنه وأخذها من غنمِ المسلمِ فهي كلها منه. فإن أخذها من العبدِ أو الذمي رجعَ بنصفها على المسلمِ الحرِّ. ومن "المَجْمُوعَة"، و "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في مَن وهبَ لابنهِ الصغير غنماً، ووسمها وحازها لهن فإن ضمها إلى غنمهِ، وكان فيها شاتان، وإن أفردها كان له فيها شاةٌ. قال: فلا يضُمُّها إلى غنمهِ.
في سيرة السعاة في أخذ الصدقة، وهل يؤخذ بها أحد في غير بلده، وهل ينصب لها في الطرق، وفي تعدي المصدق؟
قال في "العُتْبِيَّة": وإن علم المصدِّقُ أنَّه إنَّمَا له منها كذا وكذا: فليصدقه وإن كان على صدقته بينةٌ، هكذا في رواية عيسى. قال سحنونٌ: إذا كلَّفه البينة فلم يصدقه. في سيرة السُّعاة في أخذ الصدقةِ، وهل يؤخذ بها أحد في غير بلدهِ، وهل يُنصبُ لها في الطرقِ، وفي تعدِّي المصدِّقِ؟ ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وليس على أحدٍ جلبُ صدقةِ الماشية، والحَبِّ، والثمرِ. وكذلك روى هو وأشهب، عن مالكٍ في الحَبِّ والثمرِ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ليس على أهل الحوائطِ حملُ صدقاتهم إليهم، وليؤخذ منهم في حوائطهم. وكذلك الزرع والماشية. وقاله ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة"، ونحوه في "المَجْمُوعَة". وعلى السعاة أَنْ يأتوا اصحابَ الماشيةِ على مياههم، ولا يقعدون في قريةٍ ويبعثونَ، فتُجلبُ إليهم المواشي. وأمَّا من بَعُدَ من المياه التي يردها السُّعاة، فعليهم جلبُ ما يلزمهم إلى المدينةِ، فإن ضعفت عن ذلك الغنمُ، فلا بُدَّ من ذلك، ليتفقوا على قيمتها، وَلا بَأْسَ بالقيمة في مثل هذا،
فإذا جلبوا ما فيه وفاءٌ، فليأخذه ولا يعنفهم، وإذا كانت الغنمُ كلُّها عِجافاً أخذَ منها. وهذا في باب تخلُّفِ الساعي. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، في البصري يقدم بالمدينةِ بإبله، فلا يؤخذ بصدقتها؛ لئلا يؤخذ ببلدهِ بها ثانيةً، إلاَّ أنْ يكونَ بالمدينة أداءٌ. قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: لا يأخذ المصدق ممن مرَّ به، ولكن يأخذ من أهل عمله. قال أشهبُ، عن مالكٍ، فِي مَنْ إبله بذي الحُليفَةِ فذهب يبتغي الكلأَ أيؤخذ منهم بالمدينةِ، أم يبعث إليهم؟ قال: يفعل ما فعل من قبله من صالحي الولاةِ، ثم خفَّفَ أن تؤخذ القيمة في هذا ولا يُرهقوا عُسراً. قيل: فمَن لزمه بخيبر وفَدَكَ صدقةُ حَبٍّ أو تمر، أيكلف أَنْ يأتيَ بذلك بعينه المدينة؟ قال: إذا جاء بمثله، فلا حجة عليه. قال ابن الْمَوَّاز: وذلك إذا رضي ربُّها أَنْ يؤدي مثلها بالمدينةِ، وإلاّ لم يكلف ذلك. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، قال: وإذا حلَّ الحولُ، والإبلُ في سفرٍ فلا يصدقها للساعي حتى تأتيَ، فإنْ ماتت فلا شيءَ عليه. وإذا كان له خمسُ ذودٍ فشردَ بعيرٌ منها أو ضلَّ، فلا يأخذ منه الساعي شيئاً، فإن وجده صدقها حين يجده. قال في رواية أبي زيدٍ: لا ينتظر بها حولاً آخر. ومن قرارُه بالبصرةِ، فأكرى على المدينة، فسألهم ساعي المدينةِ عن الصدقةِ، فقالوا: كنا نؤدي. فلا يأخذ منهم؛ لأنهم يؤخذون بالصدقةِ بالعراقِ، فإن سأل عنهم فظهر له أن صدقتهم تؤخذ بالمدينة، فليأخذهم بذلك
في أرزاق السعاة، وهل يتضيفون بأحد أو يحملون على إبل الصدقة، وهل يليها العبد؟
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا يُنَصَّبُ أحدٌ في الطرقِ لأخذ الزكاةِ، ولا على من دخل مدينةً أَنْ يقومَ ما معه لذلك. قال أشهبُ: وليجلسوا في مواضعهم فمَن جاءهم بشيءٍ قبضوه، ولا يبعث في ذلك إلى أحدٍ. قال مالكٌ: وقد أخطأ مَن حلَّفَ الناسَ من السعاة وليصدَّقُوا بغير يمينٍ. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وإذا خرج الساعي قبل إبله، فأخذ من قومٍ قبل الحولِ لم يجزئهم. وذكر وقت خروج السعاة مذكور في باب تخلف الساعي. قال مالكٌ: ومَن لزمته شاةٌ في زكاته، فإن ذبحها وفرَّقها لحماً، لم يُجْزِئُهُ وليُعطها حيَّةً لمن رأى من المساكين. وكذلك قال ابن القاسمِ، وأصبغُ في "كتاب" ابنِ الموازِ. وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ وبئسَ ما صنع. وقد تقدَّمَ هذا في باب أخذِ السعاة في الصدقةِ ثمناً، وفيه ذكر المكوس، وبعد هذا بابُ دفعِ الزكاةِ إلى الإمامِ العدلِ أو غيره، وتصديق الناس فيها. في أرزاق السُّعاة، وهل يتضيَّفُون بأحدٍ أو يُحملُون على إبلِ الصدقةِ، وهل يليها العبدُ؟ من "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، عن ابن القاسمِ، قال: رِزْقُ الساعي على قدر شخوصهِ في القرب والبعدِ، وربما كان له مثلُ ربعِ سهمٍ من المسعى القريب الكثير الأداء، وربما كان له سهمان وثلاثةٌ
فيما بعدُ منه. مالكٌ: ولا يليها عبدٌ وإن كان كالأجير، فلا يكون إلاَّ مَن له الأخذُ من الصدقةِ. ومن أُعينَ من السُّعاة من بيتِ المالِ في خروجه فليُحطَّ من عطاءِ العمالة بقدرِ ذلك، وأمَّا المُوسِرُ فلا يُعان في خروجه، وليأخذ عَمالته وأجرَه. وإذا كان العاملُ عليها مِدياناً، فلا يأخذ مع الغارمين إلا أَنْ يعطيه الإمام باجتهادهِ. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابنِ سحنونٍ، قال ابنُ نافعٍ، وعليٌّ، عن مالكٍ: وإذا نزل الساعي بصديقٍ له في ضيافةٍ، أو يَمُرُّ ببعضِ عملهِ، فيُقْرُوه ويتدَثَّرُ من البردِ بمتاعهم، فالتنزه عن ذلك أحسنُ، وذلك في غير عمله أخفُّ. قال عنه المغيرة في "المَجْمُوعَة": لأنَّه ضيفٌ في عمله، ولا يقبل لهم طعاماً ولا هدايا ولا علفاً لدابته. ومن "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ: ولا يعجبني أَنْ يتضيَّفَ الساعي بمن يريد أَنْ يزكِّيَ ماشيته ويذبح له ويستعير منه الدابة، وإن صحَّ ذلك منه، وقد يراه مَن يقتدي به. ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ويُكره أَنْ يتضيَّفَ الساعي بربِّ الماشيةِ، أو يستعير منه الدابة، ولا يتضيف الرجل بغريمه. واستخفَّ للسُّعاة شربَ الماءِ من أهل الماشية، قال: وليأكلوا من أرزاقهم. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، وقال مالكٌ: لا ينبغي للأمير ولا للعاملِ على الصدقةِ أَنْ ينزلَ على أحدٍ من أهل عمله، ولا يأكل عندَه، ولا يقبلَ له هديةً ولا منفعةً، فإن فعل لم ينبغِ لمن معه أَنْ يأكل من ذلك. قال مالكٌ: ولا يأكل الساعي إلا رأس مالهِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يحمل متاعه على بعيرٍ من الصدقةِ، إن كان متاعاً خفيفاً، ويحمل ذلك إن كان لابدَّ فاعلاً على أدنى الإبلِ، إن كان شيئاً خفيفاً لا يضرُّ به فيما يحتاج إليه المسلمون. قال أبو محمدٍ عبد الله بن أبي زيدٍ: إذا كانت الإبلُ مُحبسةً في سبيلِ الله وكانت من أربعةٍ وعشرين إلى خمسِ ذَوْدٍ، فإنَّ فيها الزكاة، وَلا بَأْسَ أن تُكرى في زكاتها ويُشترى من كرائها ما يجبُ فيها من الغنمِ، فإن لم
ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار وفي كم تجب من الكيل، أو ما يجمع منها من الزكاة، وفي الحائط فيه أصناف أو صنف
يُوجد من يَكرِي ويَئِسَ من كرائها، فلا باس أَنْ يُباعَ متها ما يُزكِّي به، مثل أَنْ يكونَ نصفُ جَمَلٍ منها يفي بزكاةِ ما عليها، فيُباع نصف جملٍ، وإن لم يفِ بذلك إلا ثمنُ بعيرٍ، فليبع بعيرٌ، فإن لم يوجد من يشتري نصف بعيرٍ، فجائزٌ أَنْ يُباع بعير كاملٌ، ويُخرج من ثمنه الزكاة، ويُشترَى بالباقي منه بعيرٌ دون السنِّ، أو بعضُ بعيرٍ، إن أمكن ذلك. وأمَّا إن كانت الإبل ممَّا فيها زكاة الإبلِ، فلم يوجد السنُّ الواجبة فيها، ووجِدَ أفضلُ، فإنَّه يُباع ويُشترَى منه السنُّ الواجبةُ، ويعملُ بالفاضلِ من الثمنِ ماذ كرنا. وأمَّا إن وجد فيها دُون السنِّ، فإنَّه يُباع منها ما يُشتَرَى به السنُّ الواجبة. ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار وفي كم تجب من الكيل، أو ما يُجمع منها من الزكاةِ، وفي الحائطِ فيه أصنافٌ أو صِنْفٌ من "المختصر" قال مالكٌ: كلُّ ما كان من تمرٍ، أو عنبٍ، أو زيتونٍ، أو حَبٍّ يُدَّخَرُ ويأكله الناس – يريدُ وهو لهم قوتٌ وأصلُ معاشٍ – ففيه الزكاةُ في خمسةِ أوسقٍ فأكثر فيما سقتِ السماء العشرُ – وفيما سُقِيَ بالنَّضْحِ نصف العشرِ والوسْقُ ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وما زاد على خمسة أوسقِ فبحسابِ ذلك. قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة": والخمسة أوسقٍ ثلاثمائة صاعٍ بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهي عشرةُ أرادبَّ. قال سحنونٌ: وهي ستَّةُ أقفزةٍ وربعٌ بإفريقية. قال مالكٌ في "المختصر": والحبُوبُ التي تُزكَّى، القمحُ والشعير والسِّلْقُ والذرةُ والدُّخْنُ والأرز والحِمَّصُ واللوبيا والعَدَسُ والجُلْبَانُ والبِسِلَّةُ
والفولُ والجُلجُلانِ والتُّرْمُسُ، وليس في الحلبةِ زكاةٌ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ في الكِرْسِنَّةِ: إنَّها مِن القُطنيَّةِ. وقال ابن حبيبٍ: بل هي صنفٌ على حدته. قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة": والإشقاليَّةُ التي بالأندلس صِنْفٌ منفردٌ، وفيها الزكاةُ. وقاله ابنُ وهبٍ. قال أصبغُ: وهي حبَّةٌ مستطيلةٌ مصرفةٌ في طول الشعيرة، وليس على خلقته، وهي إلى خِلقةِ السُّلْتِ وخلقَةِ القمحِ أقربُ، وليست من القمح ولا من الشعير. وقال ابن كنانة: هو صنفٌ من الحنطةِ يقال له: العلسُ، يكون باليمن يُجمعُ مع الحنطةِ. قال ابنُ حبيبٍ: وهو قول مالكٍ فيه، وجميع أصحابه، إلا ابن القاسمِ. قال مالكٌ: وليس في الفواكه كلها، رَطْبِهَا ويابسها زكاةٌ، ولا في الخُضَرِ زكاةٌ. قال أبو محمد: هذا قول مالكٍ، وأصحابه، ومَن اتَّبعهم إلاَّ ابن حبيبٍ، فقال في الثمار التي لها أصولٌ: الزكاة، مدَّخَرَةٌ أو غير مدخرةٍ. قال مالكٌ: ولا زكاة في الثمار، إلا في النخل والعنبِ والزيتون. ومن "العُتْبِيَّة"، ومنه ومن "العُتْبِيَّة"، روى ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ: في التُّرْمُسِ الزكاةُ، وليس في الحُلْبَةِ زكاةٌ، ولا في العصفرِ والزعفران، ولا في العسلِ. قال عنه ابن نافعٍ: ولا في شيءٍ من التوابل، ولا في الفستق وشبهه، ولا في القطنِ. قال عنه ابن وهبٍ: وما علِمْتُ أنَّ في حَبِّ القُرطمِ وبزر الكتَّان زكاةٌ. قيل: إنَّه يُعصَرُ منها زيتٌ كثيرٌ. قال: فليُزكِّ إذا كثُرَ هكذا. ولا زكاة في يابسِ الفواكه، ولا في قصَبِ السكر.
ورَوَى ابنالقاسم، عن مالكٍ، أنَّ في حَبِّ القُرطمِ الزكاة من زيته. قال سحنونٌ: وقد قال: لا زكاة فيه. وهو أحبُّ إليَّ. قال عنه ابن القاسمِ: لا زكاة في بزرِ الكتان، ولا في زيته إذ ليس بعيشٍ. وقاله المغيرةُ، وسحنونٌ. قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: فيه الزكاة وهو أعمُّ نفعاً من زيت القُرطمِ. ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ، قال: والترمسُ من القُطْنِيَّةِ، ففيه وفي حَبِّ القُرطمِ الزكاةُ، ولي سفي الحُلبةِ زكاةٌ، أصناف القطنية تُجمعُ في الزكاة إلاَّ أنَّه يُخرج من كل صنفٍ بقدره، إلا أنْ يُعطيه منها ما يرضى به، وليس القرطم منها ولا الجُلجلان والأرز، وقد جُمعَ البُرُّ مع الشعير والعَلسِ وجميعِ أصناف التمرِ وأصناف الزبيبِ في "المدونة". وقد تقدَّمَ في باب ما يُجمعُ على الرجلِ في الزكاة. قال ابن نافعٍ عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة": وإذا كان حائطٌ رديئاً كله أو جيداً كله، فليبتعْ له ربُّ الحائطِ وسَطاً من الثمرِ، وقاله عبد الملكِ. قال ابن نافعٍ في "كتاب" ابن سحنونٍ: وهو عند مالكٍ بمنزلة الغنمِ. وأنا أرى أنَّه بخلافهما، وليؤدِّ مما عنده. ومن "المَجْمُوعَة"، وقال عنه ابن القاسمِ: بل يؤدي منه. ورواه عنه أشهب. وقال به ابن نافعٍ: وقال: ليس كالغنمِ. وقال عنهِ أشهبُ: وإن كان في الحائط دنِيٌّ وجيِّدٌ، أحذَ من كلِّ صنفٍ بقدره. وكذلك إن كان أحدهما أكثرَ، فهو كاجتماع الشعير والقمح. وقاله أشهب. ورَوَى ابن القاسمِ في أصناف التمرِ في الحوائطِ، أن تُؤدَّى من وسطهِ. وبه قال ابن القاسم. وهو قد روى القولين عن مالكٍ، ورَوَى مثله أشهب، وابنُ نافعٍ. وقال مالكٌ: والعجوةُ من وسطهِ. ونحوه في "كتاب" ابن سحنونٍ. وقال: قال ابن القاسم: يؤدي ما في حائطه دَنِيًّا كان أو جيداً، وإنما
في زكاة ما يسقى بالنضح وبماء السماء والعيون، وما يجمع من ثمر الشعاري أو من أرض العدو، وفي الأرض تزرع في السنة مرتين
يؤدِّي من وسط التمر عند مالكٍ، إن كان فيه اصنافٌ فيؤخذ من وسطهِ. وقال: والعجوة من وسطه. واختار أشهبُ، وابن نافعٍ قوله الأول، أنْ يؤدي من كل صنفٍ، وإن كان صنفٌ أكثر من صنفٍ، فمن كل صنفٍ بقدره. وقال ابن سحنونٍ: وقد كان سحنون مالَ إلى القول الأولِ. وقال سحنونٌ: إنَّ الثمرة كالغنمِ، ويؤخذ من وسطِ التمر لا من رديئه ولا من جيده، فإن كان مالُه رديئاً كله، فعليه أَنْ يأتي بالوسطِ، وكذلك عن كان ماله جيداً كله، وإن كان فيه أصنافٌ فمن كلِّ صنفٍ بقدره. في زكاة ما يُسقَى بالنَّضْحِ وبماء السماءِ والعيون، وما يجمع من ثمر الشعارى أو من ارض العدوِّ، وفي الأرض تزرع في السنة مرتين قال ابن حبيبٍ: البَعْلُ، ما يشرب بعروقه من غير سقيِ سماءٍ ولا غيرها، والسَّيحُ ما يشرب بالعيون. والعِدِّيُّ والعَثَرِيُّ، ما تسقيه السماء. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، وعليٌّ، عن مالكٍ فِي مَنْ له النخلُ والعنبُ فيسقي نصفَ السنة بالعين، فيقطع باقيها بالنضح أو الساقية: فليخرج زكاة ذلك، نصفه على العشر ونصفه على نصف العشر. وقاله المغيرة، وعبد الملكِ، وابن القاسمِ. قال مالكٌ: وإن سقَى أكثرها بأحدِ الصنفين كان القليل تبعاً للكثيرِ – وقاله عبد الملكِ – تقدَّمَ الكثيرُ أو تأخَّرَ، فعليه أَنْ يخرج الجميع. قال ابن القاسمِ: وجُلُّ ذلك ثلثا سقيه، أو ما قارب ذلك. وأمَّا إن زاد على النصف اليسير، فليخرج نصفين. قال ابن القاسم، عن مالكٍ، فِي مَنْ زرع زرعاً من ماءٍ يُسقَى فجاءه من ماء السماءِ ما أغناه: فليخرج زكاته بالعشر كما لو زرع على البعلِ فاحتاج على السقي فيسقي، فليؤدِّ ذلك على السقي، وجد ذلك ما تمَّ به وكان أكثر ذلك فعليه يُخرج.
قال مالكٌ: وإذا كانت الأرضُ تُزرع في السنةِ مرتين، فليؤدِّ في كل مرةٍ، ولا يجمع عليه ما حصدَ في المرتين، وإنَّما يَنظرُ على كلِّ حصادٍ. وكذلك في "المختصر". قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: قال مالكٌ: إن كان يحصد في كلِّ مرةٍ خمسة أوسقٍ، فليزكِّ، فإن لم يُصِبْ في كل مرةٍ خمسة أوسقٍ، فإنَّ ما زرع في الصيفِ في أوله يُضَمُّ مع ما زرع في آخر الصيف، ويُجعلُ كالبَكْرِيِّ والمتأخر، وكذلك يضم ما زرع في أول الشتاء إلى ما زرع في آخره، ولا يُضمُّ زرعة الصيف إلى زرعة الشتاء، وقال عنه ابن نافعٍ: لا زكاة عليه حتى يدفع في كل مرةٍ ما فيه الزكاة. ومن "المَجْمُوعَة"، ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا زكاة فيما يؤخذ من الجبال من كَرْمٍ وزيتونٍ وتمرٍ ممَّا لا مالك له، وأمَّا ما أُخِذَ من ذلك من ارض العدوَّ ففيه الخمس، إن جعل في الغنائم. قال مالكٌ في الزيتون الجبلي: يُنقَّى ما حوله من الشعرِ، أو يجمعه: فإن كان يأخذه ثم ينقطع عنه، فلا زكاة فيه، وإن قطع ما حوله ليكون له في المستقبل، فعليه الزكاة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وما جمع من تمرٍ وادى هبيبٍ: فلا زكاة عليه فيه. قيل: وإن ورَاهم ممَّن أخذتهم الصيحةُ فربما وجدوا القطعة من الورق. قال: يزكيها أحبُّ إليَّ. قال ابن القاسمِ: ولا أرى به بأساً. ومما تقدَّمَ في صدر هذا الباب، عن عليٍّ، وابن القاسم، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، وهو أيضاً في "كتاب" ابن سحنونٍ.
في خرص العنب والنخل، وكيف إن نقص أو زاد أو أجيح، وكيف بما أكل أو تصدق أو جد قبل طيبه؟
في خرصِ العنبِ والنخلِ، وكيف إن نقص أو زاد أو أُجيحَ، وكيف بما أكل أو تُصِدِّقَ أو جُدَّ قبل طيبه؟ ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: لا يبعثُ في الخرصِ إلاَّ أهلُ المعرفة والأمانة. قال عنه ابن نافعٍ: ويُخرَّصُ الحائطُ نخلةً نخلةً، حتَّى يفرغَ الحائطُ ثم يجمعُ ذلك. قال ابن حبيبٍ: وليخفَّفُ الخارصُ ويوسِّعْ على أهله لما ينتفعون وينالون من رءوس النخلِ. قال أبو محمدٍ: قول ابن حبيبٍ هذا خلاف ما روي عن مالكٍ، أنَّه لا يُخلَّى لهم شيءٌ من ذلك. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ويُحسبُ على الرجلِ كلُّ ما جدَّ أو علفَ أو تصدق به أو وهبه، من زرعه بعد ما افرك إلا الشيء التافه ولا يحسب ما كان من ذلك قبل أَنْ يفركَ. قال عنه ابن القاسمِ: وأمَّا ما أكلت الدَّوابُّ بأفواهها عند الدِّراس، فلا يحسب ويحسب ما علفهم منه. قال أشهبُ: ومنِ استأجرَ على خرطِ زيتونهِ على الثلثِ، فعليه زكاة ذلك الثلث. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: إذا خرَّصَ خارصٌ مائة وَسَقٍ، وخرَّصَ آخرُ فيه تسعين، وآخرُ ثمانين أخذ من قولِ كل واحدٍ ثلثه. قال: ولا يبعث في ذلك إلا أهل المعرفة والأمانة. قال عنه ابنُ القاسمِ، وغيره: ويؤدي زكاة ما زاده على ما خُرِّصَ عليه لقلَّةِ إصابة الناس اليوم. قال أشهبُ: إن كان في زمان العدل، لم يكن ذلك عليه. قال أشهبُ: في "كتاب" ابن سحنونٍ: إن خرَّصَ عليه أربعة أوسقٍ فأصاب خمسةً، فإنْ كان في زمانِ العدلِ عَمِلَ على ما خَرَّصَ عليه،
زاد أو نقصَ، وإن كان زمان الجورِ، فليخرج على ما وجدَ، زادَ على الخرْصِ أو نقص. ورَوَى عليٌّ وابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال: إن خرَّصه عالمٌ، فلا شيء عليه فيما زاد، وإن خرَّصَه غيرُ عالمٍ، فليُزكِّ الزيادة، وعامة من يخرِّصُ اليومَ لا يعرفون كمعرفة من مضى. ونحوُه في "المَجْمُوعَة". وقال ابن نافعٍ: يؤدي زكاة الزيادة، خرَّصَه عالم أو غير عالمٍ. ورَوَى أشهبُ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: أمْثَلُ عندي أَنْ يؤدي على الزيادة، ومن الخُرَّاصُ مَن يُتَّهَمُ بالتخفيف على الناسِ. وأما من وجد أقلَّ. فليس عليه إلا زكاة ما وجد، إنْ صَدَقُوه ولو أطاعوني لم يأخذوا منه إلا ما وجدوا. ونحوُه في "المَجْمُوعَة". قال عنه ابنُ نافعٍ في "الكتابين": ولا يُقبلُ قوله في الخَرصِ: إنَّه نقص عليه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه أشهب: وإن خرَّصَ عليه كرمةً خمسةَ أوسقٍ ففسدَ، فلا شيء عليه، فإن بيع ما فسد أدَّى من ثمنه. قال ابن القاسم: فإن بقي بعد الجائحةِ أربعة أوسقٍ، فلا شيء عليه. قال ابنُ القاسمِ: ولا يُحسبُ عليه ما اكل من حائطهِ بلحاً، بخلاف الفريك الأخضر وشبهه. وقال مالكٌ: وما أكل من القُطنيَّةِ أخضرَ، أو بيعَ كذلك، فليتحرَّه، فإن بلغَ خرصُه على التيبيس خمسة أوسقٍ، زكَّاه، وأخرج عنه حَبًّا يابساً من ذلك الصنف. قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإن شاء أخرج من ثمنه. قال أشهب في "المَجْمُوعَة": إن غلبه معرفة ذلك ثم يؤدي من ثمنه. قال ابن حبيبٍ: فيما يُفادُ من الزكاة في الخضر والفواكه: يُخرَصُ منها
فيما لايتزبب من العنب أو بلح لا يثمر، أو زيتون لا زيت فيه
ما يبس على ما يصحُّ فيه إذا يب وما لا يبيسُ، فما بلغ خرصه وهو أخضر مما يجب فيه الزكاة، زكَّى. فيما لا يتزبَّبُ من العنب أو بلحٍ لا يُثْمرُ، أو زيتونٍ لا زيتَ فيه من "المَجْمُوعَة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ، وقال في بلحٍ لا يزهي: إنَّمَا يؤكل أخضر. قال: إن بلغ خمسةَ أوسقٍ أدَّى من ثمنه. قال أشهبُ: وإن أكله أدَّى من قيمته. قال عنه ابن نافعٍ، وعليٌّ، في "كتاب" ابن سحنونٍ في العنبِ الذي لا يتزبَّبُ: يُخرَّصُ ذلك العنب زبيباً، فإن وجد بالبلد زبيباً، فليشتره للزكاة، وإن لم يُبَعْ بالبلدِ زبيبٌ، أخرج من ثمنه وإذا أكله، أخرج عشرَ ما يُباع به مثلُه، إن كان في الخرصِ خمسةُ أوسقٍ، وإلا فلا شيءَ عليه، وإن كثر الثمنُ. وقاله ابن اقاسمِ، وأشهبُ فيما لا يثمر من العنب والبلحِ. قال مالكٌ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، فِي مَنْ لهم أعنابٌ لا يزببونها؛ لأنَّهم يعملون بها أو بأكثر ربا. قال: فليزببوا منها قدر الزكاة. قال ابن الْمَوَّاز: إذا أراد صاحب عنب مصر الذي لا يتزبب أَنْ يخرج زبيباً، فليس ذلك له وليخرج ثمناً. قال ابنُ حبيبٍ في عنبٍ لا يتزبَّبُ: إنَّه يُخرج من ثمنه وإن أخرج منه عنباً أجزأه ولا بدَّ أَنْ يُخرَّصَ، وكذلك الزيتون الذي لا زيت له، ورُطَبٌ لا يثمر إذا أُخرجَ من حَبِّه أجزأه.
في عصر ما يزكي من زيته، وفي من باع زرعا أو حبا غيره قبل أن يزكيه، أو وهب ذلك أو تصدق به بأصله أو بغير أصله، وكيف إن أجيح المبيع
في عصر ما يُزَكَّى من زيته، وفي من باع زرعاً أو حَبًّا قبل أَنْ يزكيه، أو وهبَ ذلك أو تصدَّقَ به بأصله أو بغير أصله، وكيف إن أجيح المبيعُ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن لزمه زكاةُ زيتونٍ أو حَبٍّ فُجْلٍ فعَصَرَه عليه. وقاله في الجُلجُلانِ ثم خفَّفَ أَنْ يؤخذ من حَبِّهِ. قال أشهبُ: إلاَّ أنْ يُعصرَ فيؤخذ من زيته. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، ابنُ نافعٍ، عن مالكٍ، قال: يُخرج زكاةَ الجُلجلانِ وحَبٍّ الفُجلِ من زيته، فإن لم يعصرهما أخرج من حَبِّهما. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ، فِي مَنْ باع ما يُثمرُ وما يتزبَّبُ: فليأتِ بما كان يلزمه من ثمرٍ أو زبيبٍ. وكذلك الزيتون الذي له الزيت. قاله ابن القاسمِ، وأشهبُ. قال أشهبُ: إلا في الزيتون للزيتِ، فالمُصَدِّقُ مُخَيَّرٌ أنْ يأخذَ منه زيتاً أو قيمه الزيت. قال مالكٌ: إنْ باعَ كَرْمَه عنباً فلم يَضْبُطْ خَرْصَه، ولا أنْ يتحرَّاه أو يتحرَّى له فليودِّ من ثمنهِ. قال ابنُ نافعٍ في "المَجْمُوعَة"، في الذي باعَ زيتونه: فليأتِ من الزيت بالوَسَطِ من إخراج مثله. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن باع زرعه بعد يبسهٍ أو تَمْرَه، فله أنْ يأتمنَ المبتاعَ على ما يَجِدُ فيه، ويُزَكِّيَ على قوله. فإنْ باعَه من نصرانيٍّ فليتحفَّظْ من ذلك. قال أصبغُ: وإنْ لم يعلمْ توخَّاه وزادَ ليسلمَ، ومَن باعَ زرعَه اليابس فعليهٍ الزكاة، فإن أُغْرِمَ والطعامُ لم يَفُتْ أُخذت الزكاة من المبتاع ورجع بحصة ذلك من الثمنِ. قال أشهبُ: لا
يُتبع المبتاع وإن كان الطعام بيده، كعبدِ البيِّ يبيعه أبوه، فيأكل ثمنَهُ فلا قيام للصيب فيه. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عنه ابن القاسمِ فِي مَنْ باع زرعاً بأرضه قبلَ طِيبه، أو اصول نخلٍ بثمرها، قبل طيبها. قال مالكٌ: ولا يجوزُ أَنْ يشترطَ الزكاةَ على البائعِ، وهي على المبتاع، ولو طابَ ذلك كانتِ الزكاة على البائعِ، إلا أَنْ يشترطها على المبتاع. قال ابن حبيبٍ: وله بيعُ ما طاب من ذلك وإخراجُ زكاتهِ من غيره. قال العتبيُّ عن يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ، في مَن باع زرعاً قد أفرك، أو فولاً أخضرَ قد امتلأ حَبُّه، أو حِمَّصاً أو عدساً قبل يُبسه، فسخ ذلك، وقد اختلف في بيع الزرع، فقيل: إنَّما يُباع بعد أنْ يُفركَ. وقيل: بلْ حتَّى ييبس، واستحبَّ مالكٌ إذا يبسَ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، وأشهبُ، عن مالكٍ: ومَن باع أرضه بزرعها الأخضر، أو نخلةً مع ثمرها، ولم يَزْهُ فالزكاة على المبتاع، ولو كان قد بدا صلاحُ ذلك كانت على البائع، والنكاح بذلك كالبيع قال ابن الْمَوَّاز: قال مالك: ومَن باع زرعه اليابس فأُجِيحَ فلا جائحة فيه، والزكاة على البائع، فإن أُجيحَ يابساً قبل بيعه، فلا زكاة عليه، إلاَّ أَنْ يبقى منه خمسةُ أوسقٍ فيُزكِّيَ منه ما بقيَ منه. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال سحنونٌ: قا مالكٌ: مما قرأناه على نافعٍ، فأجازه، فِي مَنْ باع عنبه قبل أَنْ يخرَصَ عليه: فليُخرجْ زكاته من ثمنه عُشراً، أو نصف عشرٍ، وإن خرَّصَ فيه خمسةَ أوسقٍ فأكثر فبيعَ عنباً، فليُخرجْ
في زكاة العرية، والهبة، وزكاة ما أوصى به من ثمرة أو زرع أو وهبه، أو تصدق به، أو انتزعه من عبده
منه ثمنَه ولو اشترى بذلك زبيباً فردَاه على أصل ما خُرِّصَ عليه أجزأه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: ومَن باع ثمرةَ نخلهِ، وفيها خمسةُ أوسقٍ فأُجيحتْ بأقلَّ من الثلثِ فالزكاة عليه قائمةٌ، وإن كانت بالثلثِ فأكثر وضعَ ذلك عن المشتري وسقطت كلها عن البائع. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومن باع ثمرة حائطه، أو الأصل مع الثمرة بعد أن طابت، ولم يذكر الزكاة فالزكاة على البائعِ حتَّى يشترطَ على المبتاع، وإن باع الأصلَ مع الثمرةِ قبل يحلُّ بيع الثمرةِ فالزكاة على المبتاع. وقال عنه ابم نافعٍ، فِي مَنْ (تُصُدِّقَ عيه) بزرعٍ قائمٍ قد يبسَ، فإنْ كان المُعطَى ممن له أخذُ الصدقةِ فقد أعطاه عُشر الزكاة، والباقي صدقةُ تطوُّعٍ فلا شيء على المعطَى، وإن لم يُعطِه ذلك على وجهِ الصدقةِ، ولكن صلةً ونحوَه. فعلى المعطِي العُشر يتصدَّقُ به، وإن كان لم يحلَّ بيعُه، فالزكاة على المعطِي. وقال فِي مَنْ جعل لعبدهِ ثلثَ زرعهِ عِوَضاً من يومين كان يتركهما له من عمله كل جمعةٍ. قال: زكاةُ الثلثِ على السيدِ مع الثلثين. في زكاة العَرِيَّةِ، والهبةِ، وزكاة ما أوصى به من ثمرةٍ أو زرعٍ أو وهَبَه، أو تصدَّقَ به، أو انتزعه من عبدِهِ كم "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: عن مالكٍ: إنَّ زكاةَ العَرِيَّةِ على المُعري قلَّتْ أو كَثُرَتْ يحسبُ عليه بخلافِ الهبةِ. وقالِ أشهبُ: هما سواءٌ، والزكاة فيهما على المُعرِي والموهوبِ، وما العرية إلا هبةٌ إلا أنْ يعريَهَا بعدَ بُدُوِّ الصلاحِ فزكاتها على المُعرِي، وما روي عن مالكٍ غيرُ هذا
فهي خَطْرَةٌ رَمَى بها. قال محمدٌ: وهذا أحبُّ إليَّ، إذا كان في ذلك خمسةُ أوسقٍ، وإل فلا شيءَ عليه ولا على المعرِي ولم يختلفوا أنَّ السقيَ على المعرِي. ومن "المَجْمُوعَة"، و "كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن نافعٍ، وعلي، عن مالكٍ، وذكره ابنُ وهبٍ عنه في "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز: أنَّه إنْ كانت إذا ماتَ المُعرِي رجعتِ الثمرةُ إلى المعرِي، فالزكاةُ على ربِّ الحائطِ، يُخْرَصُ عليه مع ثمرته وإن كانت تبقى لورثةِ المعرَى فزكاتها منها، إنْ بلغتْ خمسةَ أوسقٍ. قال سحنونٌ في "كتاب" ابنهِ: إذا كانتِ الهبةُ أو العريَّةُ بيدِ المعرِي يقومُ عليها ويسقيها، فزكاته عليه في الوجهين، وإن كانت قد دفعها على الموهوبِ أو المعرَى يقومُ عليها ويأكل ثمرَها، فزكاتها على المعرَى والموهوب. قال ابن حبيبٍ: الزكاةُ على المعرَى في العرية والهبةِ، لا على المعرِ يأعراه الحائطَ كله، أو بعضه، أو نخلاتٍ بعينها، وذكر قولَ ابنِ القاسمِ وأشهبَ واختار هذا. وقال: أعرَى أو وهبَ قبل أَنْ يُؤبَّرَ، أو بعدُ، أو قد طابتْ، وإنما يختلف ذلك في البيع للأصلِ، وإذا باع الأصلَ أو وهبه بعد زهوِ الثمرةِ، فالزكاة على البائعِ والواهبِ والميتِ وإن كان قبل الزهوِ، فعلى المبتاع والموهوبِ والوارثِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ: إذا أعطاه ثمرَ نخلاتٍ معينةٍ، فالزكاة والسقيُ على المعطى، لأنَّه حاز ذلك، وإن كان اطعمه الثمرة وربُّها يليلها ويسقيها، فالزكاة على ربِّها. قاله مالك، وفرَّقَ مالكٌ بين الهبةِ والعريةِ، فجعل الزكاة والسقيَ على المعرِي في الهبةِ، والتعمير على الموهوبِ.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومَن أعرى أو سقَى مفترقةً بعد طيبها، فالزكاة عليه يجمع ذلك مع ما أبقى لنفسهِ، وكذلك الهبة وما وهب قبل الزهوِ فالزكاة والسقيُ على الموهوبِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال أشهبُ: وإذا أُبِّرَتْ ثمرةُ العريةِ، ثم ماتَ المعرِي، فالثمرة للمعرَى، وهو كالحوزِ، لأنَّه يدخل ويخرج لا يُمنعُ، وكالأرض في الصحراء فحوزها أَنْ يُخَلَّى بينه وبينها، وإن لم يؤبَّرْ فلا شيء له فيها، وسقيُ العرية على المعري. قال: وإذا كانت عريَّةً سَلَّمَ جميعها على المعرِي فسُلِّمتْ إليه، ثم مات ربُّها قبل خروجِ الثمرةِ، وقبل إبَّارها فهي للمعرَى، قال أصبغُ: صوابٌ كله. وأمَّا المتصَدَّقُ بما في بطنِ أَمَتِه على رجلٍ فحاز الأمةَ وماتَ ربُّها قبل أن تضعَ، فقوله: إنَّ ذلك لي يحوزُ، فلا يعجبني وأراه حوزاً. وهو قولُ ابن القاسمِ. قال محمدٌ: قولُ أشهبَ أَصوبُ، إلا ترى أنَّه لو أعتقه، ثم استحدث دَيناً أنَّ الدَّينَ يلحقه. قال أشهبُ: ومَن أعرَى حائطه كلَّه قبلَ طيبهِ لنصرانيٍّ، فلا زكاة فيه على واحدٍ منهما. ومن "كتاب" ابنِ سحنونٍ، قال المغيرةُ: في حائطٍ لرجلٍ فيه عرايا لغير واحدٍ، فإن كانت نخلاً معروفةً بعينها حازها أهلُها، فعلى الذين حازوها زكاتها إن بلغ حظُّ كلِّ واحدٍ ما فيه الصدقةُ، وإلاَّ فلا شيء عليه ولا على ربِّ الحائطِ.
قال: ولو كان ربُّ الحائطِ يُجرِي مَكِيلةً من مالهِ كلَّ سنةٍ على قومٍ، فإنَّمَا زكاةُ هذا عليه، وللذين أقام لهم ذلك المكيلةُ تامَّةً. ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ، عن مَن أعطَى نصفَ ثمرةِ حائطهِ لرجلٍ قبل أن تطيبَ، قال: تُزَكَّى منها، ثم يقتسمان ما بقيَ، والسقيُ عليهما، وإن أعطَى النصف للمساكينِ فالسقيُ عليه. قال سحنونٌ ولو أوصى بأوسقٍ مَسْميةٍ للمساكين، أو لرجلٍ بعينه، والزرع أخضر، أو أعرَى ذلك، أو وهبه، فذلك كلُّه لمَن جعله له، وزكاته مَن بقية ثمرهِ وزرعه ولا تنقصه الزكاة. قال أشهبُ، عن مالكٍ: ومَن وَهَبَ ثمراً قبل زهوهِ، فالزكاة على الموهوبِ، ولو كان ذلك بعد الزهوِ وقد خرصَ أو لم يخرُصْ، فهي على الواهبِ قال ابنُ نافعٍ: ومَن وهب حائطاً أُبِّرَ أو لم يُؤَبَّرْ، أو كان كَرْماً أو كان زرعاً أفرَكَ أو لم يفْرِكْ، فالزكاة منه مأخوذة بعد تمييز الواهبِ ما وهبه على حملِ زكاته من مالهِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن وهَبَ ثمرته أو باعها قبلَ طيبها لرجلين فلا زكاة فيها، حتى يبلغ خَرصُهَا عشرة أوسقٍ، فإن وهبها بعد طيبها فالزكاة عليه. قال مالكٌ: ومَن أوصى بثلثِ زرعهِ للمساكين، وقد طاب بُدِئَ بزكاتهِ، وكان ثلثُ ما بقي للمساكين بوصيتهِ. وإن مات ولم تَطِبْ فثلثه أجمعُ للمساكين، وعليهم في ذلك الثلث الزكاة إن بلغ خمسةَ أوسقٍ. ومَن كانت في حظِّهِ من الورثةِ خمسةُ أوسقٍ زكَّى حصته. قال أصبغُ: ولو قصدَ بوصيته بثلثِ ما طابَ الزكاةَ، كان قدرُ الزكاةِ من رأسِ مالهِ، وما زاد ففي ثلثه غير مُبْدَإٍ.
ومن "المَجْمُوعَة"، ابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ تصدَّقَ بحائطٍ له على بنين خمسةٍ نصفه بين اثنين، ونصفه بين ثلاثةٍ، وهو يليه لهم ويجمعه فإن لم يكن صالحاً فإنَّمَا الصدقةُ على مَن بلغ في حصتهِ من الثمرةِ ما فيه الزكاةُ. قال ابن نافعٍ: ولو كان جنساً كانتِ الزكاةُ مُبَدَّاةً، وإن لم يكن في حظِّ أحدهم ما فيه الزكاةُ. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابنُ نافعٍ: وما وهب قبل الإبارِ، أو قبل أَنْ يُفْرَكَ الزرعُ، فالزكاةُ على الموهوب. قال أشهبُ: ومنِ انتزع من عبدهِ مالاً أو ماشيةً، فليأتنف به حولاً، قبضه أو لم يقبضه، وأمَّا الثمار فإنِ انتزعها بعد طيبها، فلا شيءَ عليه وإنْ كان قبل لاطِّيبِ فالزكاة عليه وكذلك الزرعُ.
في دفع الزكاة إلى الإمام ممن يعدل أو لا يعدل، وهل يصدق الناس فيها؟ وكيف إن أخفى مها، أو أخرج جميعها بنفسه؟
في دفع الزكاةِ إلى ألإمامِ ممن يَعْدِلُ أو لا يعدلُ، وهل يُصَدِّقُ الناسَ فيها؟ وكيف إنْ أخفى منها، أو أخرج جميعها بنفسه؟ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا عدَل الإمامُ، لم يَسَعْ أحدٌ زكاتِه دونَه، ولتدفعْ إليه زكاة العين وغيره، وأمَّا مَن لا يعدلُ، فإن قدَر أَنْ يُخفيَ عنه زكاةَ الماشيةِ والحَبِّ فعل، إنْ لم يُحلِّفْه، فإنْ لم يقدرْ، فلا يحلفْ، وليجترئْ بما أخذ ويُخرج ما فضل عندَه. وكذلك لا تُدفعُ زكاةُ الفطرِ على غير العدلِ إن قدر. قيل: فإنَّهَا تُفرَّقُ عندنا؟ قال: نعم، ولكن تدخلها صنعته. قال: ولا يَقبلُ العدلُ قولَ ربِّ الماشيةِ. إنِّي قد زكَّيْتُهَا. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: لم أسمع أَنْ يفرِّقَ الرجلُ زكاتَه بنفسه، إن كان الإمامُ عدلاً، ولك يدفعها إليه. قال أشهبُ: إنْ كان يُقسِّمُهَا على الحقِّ، من غير تفريطٍ ولا ضَيْعَةٍ ولا حَبْسٍ عن أهله، ولم يَخفْ أنْ يُحْدِثَ والٍ غيرَه قبلَيُقَسِّمَهَا، فأمَّا إنْ كان على غير هذا فلا يدفعها إليه. قيل: فإنْ دفعها إلى (غير العدلِ) وقد كان يَخفَى ذلك، قال: لا
يُجْزِئُهُ، إلاَّ أنْ يُكرهه (فلعلَّه يُجْزِئُهُ) مع أنِّي لا أحبُّ أَنْ يجتزءَ بها، وليس عليك إذا حلَّ الحولُ انتظار غير العدلِ، إلاَّ أنَّ ذلك فيه سَعَةٌ، لخوفكَ أنْ يأخذك بها. وكان ابن عمر يدفع زكاته على من غلب على المدينة. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، ذكر رواية ابن نافعٍ، عن مالكٍ، مثلَ ما في أول الباب، وقال: فإنْ أحلفه فلا يحلفُ، وليدفع إليهم. قال ابن نافعٍ: ويجزئه كلُّ ما دفع إليهم، إذا أُكره في العين والحَبِّ والماشيةِ. قال مالكٌ: فإنْ أخذَ منه في الحَبِّ عيناً، لم يُجْزِئُهُ. وقد تقدَّمَ بابٌ في مَن يُؤَدَّى في صدقته ثمناً. وذكرنا فيه الاختلاف في ذلك، وبقية القولِ في هذا المعنى. قال ابن عبدوسٍ: قال أشهبُ: ومَن أدَّى زكاتَه على الخوارج طَوْعاً أو كَرْهاً. أجزأهز وقال ابن الْمَوَّاز: ومَن فرَّقَ زكاتَه، والإمامُ عدلٌ فقد أخطأ، وأجزأته إنْ خفيَ ذلك عنه. وأمَّا إنْ طَلَبَهُ بها فأخبره أنَّه أنفذها، فقال ابن القاسمِ: لا يُقبل منه. وقاله مالك، إنْ كان مثل عمرَ بنِ عبد العزيزِ. وقال أشهبُ: ارَى للإمامِ أنْ يقبل قولَه، إنْ كانَ من أهلِ الصلاحِ. وإن كان متهماً بمنعِ الزكاةِ فلاي قبل منه، ولو كان الإمام
غير عدلٍ، رأيت أنْ يصدقه وما اراه بفاعلٍ. قالَ: وكذلك في زكاة الفطر وغيرها. قال: ولا يبعثُ العدلِ مَن يأخذ زكاةَ أموالهم العينَ، وإنَّمَا يسألهم عن ذلكَ مسألةَ استحبابٍ، كما فعلَ الصِّدِّيقُ بغيرِ نداءٍ ولا بَعثٍ، ولا يمين، وإنما يبعث إليهم في زكاة الحَبِّ والماشية، لا يُكلَّفُون جلبَ ذلك، ويقبلُ منهم ما يذكرون بغير يمينٍ، إلاَّ في التمرة والعنبِ، فإنَّه يَخْرُصُ عليهم فقط، ثم لا يضمونه إن هلك، أو أُجيحَ، أو أبقى منه أقلٌ من خمسةِ أوسقٍ يابساً، فلا شيء عليهم. قال مالكٌ: ولا يُنصَبُ أحدٌ في الطريقِ لأخذ الزكاةِ، ولا على من دخلَ مدينةً أَنْ يُقَوَّمَ ما معه؛ لذلك. قال أشهبُ: وليجلسوا في مواضعهم، فمن جاءهم بشيءٍ قبضوه ولا يُبعثُ في ذلك إلى أحدٍ. قال مالكٌ: وقد أخطأ مَن يُحَلِّفُ الناسَ من السُّعاة، وليُصَدِّقُوا بغيرِ يمين. قال مالكٌ: وأرى أَنْ يفرِّقَ كلُّ قومٍ في مواضعهم من أهلِ القُرَى والمُدن والعمود.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب"، "وكتاب ابنِ سحنونٍ" قال ابن نافعٍ: قال مالكٌ: وإذا أظهر لغير العدلِ مُدَّيْن، وكتم مُدًّا، فأخذ منه قيمة ثلاثة أمدادٍ، فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ عن مُدَّيْن، وليخرج الثالث. قال سحنونٌ: وإذا قال له: أصبت عشرة أقفزةٍ، فأخذ منه عن عشرين، وقد كتمه عشرة، فإن لم يُصدقه، وقال له: قد اصبت عشرين. فأرجو أَنْ يُ<زئه، وإن صدقه وزاد عليه ظلماً، لم يُجْزِئُهُ إلا عن عشرةٍ. وقال (ابن حبيبٍ) (في من وجبت) عليه شاتان، فقال له المُصَدِّقُ: أنا أترك لك شاةً. ففعل وأخذ منه في قيمة الشاة قيمةَ شاتين، قال: فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ عن شاةٍ. قيل لسخنونٍ، في المعشر يقدُمَ القريةَ فيقولُ: ائتوني بكذا وكذا ديناراً عن جميعكم، أيتولَّى ذلك رجلٌ خشيةَ أَنْ يُطلَمَ الضعيفُ؟ قال: لا احب ذلك. وقيل: فإن أجمعوا عشورهم، فإذا هي أقلُّ مما جُعلَ عليهم أيؤَدُّونَ ذلك على قدرِ ما دفعول؟ فقال: بل على عددِ الرجالِ إلا أَنْ يقولَ المُصَدِّقُ: ذلك عليكم على قدر ما دفعتم فيكون كذلك. قال: وإذا كان يأخذ في عشورهم في كلِّ زوجٍ ديناراً، وقد اشترك رجلان، فأخرج أحدهما الزوجَ، والآخر الأرضَ على أنَّ البذرَ، والعملَ بينهما، فالدينار عليهمت.
في وجه إخراج الصدقة في الأصناف الذين هم أهلها
في وجهِ إخراج الصدقةِ في الأصناف الذين هم أهلها قال الله سبحانه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} على قوله: {وَابْنِ السَّبِيلِ}. من "المَجْمُوعَة"، قا لالمغيرة، وغيره، عن مالكٍ: إنَّ الأصناف المذكورين في الصدقةِ، ليس هم قِسْمٌ، بل إعلامٌ بأهلها، فإن كان المساكينُ أكثر أُعْطُوا سهمهم، وزيدوا من غيره، وإن كانوا أقل أُنْقِضُوا من سهمهم بالاجتهاد. قال ابن كنانةَ: وإذا لم يوجد من احدِ الأصناف إلا الواحدُ والنَّفَرُ، أُعطُوا بقدرٍ، ,أُصرفَ باقي سهمهم إلى الصنف الأكثر، ولو كان قِسْماً، لأُعْطِيَ الثمنُ لواحدٍ إذا لم يكن من الصنفِ غيرُه. قال: وإنْ لم يُوجدْ إلاَّ صنفٌ، قُسِّمَ كلُّه عليهم. وقال أشهبُ: وقال عددٌ من العلماء: ولو وجد الأصناف كلها فقسَّمها في صنفٍ واحدٍ باجتهاده، جاز ذلك. ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز" قال أصبغُ: وأَحَبُّ إليَّ أنْ يُرْضِخُ الإمامُ لكلِّ صنفٍ، ممَّا سمَّى الله عزَّ وجلَّ في الصدقاتِ؛ لئلا يندرسَ علمُ حقهم، ولا شيء للمؤلفة اليومَ. قال مالكٌ: في "المَجْمُوعَة": {الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}: السُّعاةُ، ولا مؤلفةَ اليومَ.
قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ وغيره: ويُعطَى العاملون عليها على قدرِ المَسْعَى، من بُعدهِ وقُربه، وربما أقام سنةً في المسعى، وربما أُعطي الرئيس نائتي دينارٍ، ولعمَّاله الخارجين معه شيئاً آخر، ومن غنمٍ يأكلون منها. وربما أُعينَ في خروجه من بيت المال. قال ابن القاسمِ: وقد يُولَّى الرجلُ ليست له قوةٌ، فيعدل في خروجه من بيت المالِ، فيفرض لهذا من الصدقة دونَ ماي فرضُ لمَن لا يُعَانُ فإذا كان مِدياناً فلا يأخذ منها؛ لأنَّه غارمٌ إلا أَنْ يعطيه السلطانُ بالاجتهاد. ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز"، قال مالكٌ: ولا ينبغي للعاملِ على الصدقةِ أَنْ يأكل منها، ولا يستنفقَ إذا كان الإمامُ غيرَ عدلٍ، وإذا كان عدلاً، فلا بأسَ بذلك، وإنَّما يُفرَضُ للعاملِ عليها بقدرِ شخوصه وغنائه، ولا يعطَى من صدقةِ الفطرِ (من يحرسها وليُعْطَ من غيرها). قال ابن القاسمِ: ولا يُستعملُ على الصدقةِ عبدٌ، ولا نصرانيٌّ. فإنْ فات ذلك، أُخذَ منهما ما أخذوا، وأُعطيا من غير الصدقة بقدرِ رِعيانها. وقالَ محمدٌ: من حيث يُعْطَى العمال والولاةُ. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، روى عليُّ بن زيادٍ، عن
مالكٍ قال: والمسكينُ والفقيرُ المذكوران في الصدقةِ يفترقان، فالمسكينُ هو اذلي لا شيء له، وهو يسأل، والفقير الذي لا غنى له ويتعفَّفُ عن المسألة. قال ابن حبيبٍ: سمعتُ ابنَ السلامِ: يقولُ: الفقيرُ الذي له علقةٌ من مالٍ، والمسكين الذي لا شيءَ له. قال المغيرةُ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة": الفقراءُ اذلين يُحرمون الرزقَ، والمسكين الذي لا يجد غنًى يُغنيه، ولا يُفطنُ له فيتصدَّقَ عليه، ولا يقومُ فيسأل الناسَ. قال ابن الماجشون في "كتاب" ابن حبيبٍ: وأحبُّ الأصناف إليَّ، أن تجعل منه الزكاة، أرجَى للأجرِ في الفقراء والمساكين، إلاَّ أنْ يكونَ عدوًّا قد أضلَّ به الغزو أنها أفضلُ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: ويؤثَرُ أهلُ الحاجةِ، ولا يُرضخُ لمَن لا يستحقها. قال أشهبُ: ولا يعطَى لغير محتاجٍ إلا غارمٌ، وابن السبيل، ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز"، قال: وقال أشهبُ: ومَن أعطَى الغازي أو الغارم لم اعبْ عليه، وأهل الحاجةِ أحَبُّ إليَّ. قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أَنْ يعطَى الغازي وابنُ السبيلِ منها وإن كان معهما ما يكفيهما، وهما غنيَّانِ ببلدهما، ولو لم يقبلا، كان أحبَّ إليَّ لهما. قال أصبغُ: قولُ ابن القاسمِ في ابنِ السبيلِ: إذا كان معه ما يكفيه.
غلطٌ؛ لأنَّه لا يكون ابنَ السبيلِ ومعه ما يكفيه. وأمَّا الغازي، فيجزئه. قال ابن القاسمِ: ولابنِ السبيلِ أخذها وإنْ وجدَ مَن يُسلِّفُهُ ويُغنيه، وإنْ لم يكن في غزوٍ ولا تجارةٍ. قال ابنُ مزينٍ: قال عيسى بن دينار في الغازي: إنْ كان معه ما يُغنيه في غزوه، وهو غنيٌّ ببلدهِ، فلا يأخذ منها. وقال أصبغُ: له أَنْ يأخذ منها، وإن كان غنيًّا. ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز"، قال مالكٌ: ومَن أُعطيَ مالاً في مخرجه للحجِّ، أو لغزو يفرقه على من قطع به، فقطع به هو، فليأخذ منه بالمعروفِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرةُ، عن مالكٍ: ويُعطَى من الغارمين مَن دخلت عليه مَعْقَلَةٌ من دَمٍ، فأمَّا من صالح على جِرَاحٍ أو على ضربٍ، فلا يعْطَى. ويعطى من زرع بدَينٍ فأجيح زرعه. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ، في الغريب الغني ببلده يجد من يسلفه قال: لا يعطَى، فإن لم يجد من يسلفه، فليعطَ. قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، في المرأةِ يغيب عنها زوجها غيبةً بعيدةً، فتحتاج ولا تجد مسلفاً: فلتعْطَ منها. وعنم الغريب يقيمُ بالبلدِ سنةً وسنتين، ثم يذكر أنَّه إنَّمَا أفاد إذ لم يجد ما يتحمل به، أيعطَى على أنَّه
ابن السبيل؟ قال: المختار أبين، فإن عُرِفَ هذا أُعْطِيَ، وأخاف أَنْ يأخذ ويقيم. وكذلك قال في غريبٍ قَدِمَ لحاجةٍ له في البلدِ، فأقام سنين في ذلك، وقد عُرِفَ ذلك منه، وهو يقولُ: ما يمنعن يمن الرجوع لاإلى بلدي إلا الفقرُ. فالجواب في هذه وفي الأولى سواءٌ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم فِي مَنْ يأتي فيقول: أنا ابنُ سبيلٍ. ولا يُعرفُ، قال: يُعْطَى لذلك إذا كان عليه هيئةُ ذلك، وأين تجدُ من يعرفه؟! قال عنه ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، وغيرُه: أُحبُّ إلى الإمام وغيره شراء رقبةٍ يعتقها عن المسلمين. قال ابن حبيبٍ: ورَوَى مُطَرِّفٌ، عن مالكٍ، في الذي يعتق من زكاته رقبةً عن المسلمين، أنَّ غيرَ ذلك أحبُّ إليه. قال ابنُ القاسمِ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن اشترى من زكاته عَبَداً، فأعتقه في زكاته عن نفسه، فلا يُجْزِئُهُ. وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ، وولاؤه للمسلمين كمَن أمرَ مَت يُعْتِقُ عنه عبده، أو يذبح عنه اُضحيته، ففعل ذلك عن نفسه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرةُ، عن مالك في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ {وَفِي الرِّقَابِ}، قال: المكاتب لا يقدر فيؤدي عنه. قال عنه ابن القاسم: وابن نافعٍ: يؤدي عنه ما يعتق به. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: وكرِهَ مالكٌ أَنْ يعطَى من الزكاةِ
مُكاتبٌ، وإن كان يتمُّ به عتقُه، ولا عبدٌ ليعتق. قال أصبغُ: فإنْ فعل فليُعِدْ أحبُّ إليَّ، ولا أوجبه للاختلاف. قال ابن حبيب، ورَوَى مطرفٌ، عن مالكٍ، في الذي يُعتقُ من زكاته رقبةً عن المسلمين، أن غير ذلك أحبُّ إليه، وأنَّه لا بأس أَنْ يفكَّ منها المُكاتبين، وأن يفط منها الرقابَ، مثلَ انْ يعطَى منها من له عبدٌ على أَنْ يعتقه، فإنْ كان ولاؤه للمعتقِ، فذلك جائزٌ. وكذلك رقبةٌ بعضها حرٌّ، فلا بأس أَنْ يشتري ما رقَّ منها، فتتم حريته. قال مطرف: وإن جعل منها في مطاتبٍ لا يتم عتاقه، أو في رقبةٍ لا يتمُّ عتقها، فلا يُجْزِئُهُ. وقال بقولِ مطرفٍ وابن الماجشون. وقاله أصبغُ. وخالف فيه ابن القاسم. قال أصبغُ: لا يفكُّ الأسير من الزكاة، فإن فعل لم يُجْزِئُهُ، وقال ابن حبيبٍ: بل يُجْزِئُهُ؛ لأنَّها رقبةٌ، وقد ملكت بملكِ الرقِّ، فهي تُخرجُ من رقٍّ إلى عتقٍ، بل ذلك أحقُّ وأولى من فكاك الرقاب التي بأيدينا. قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة": وإذا أعتق أحدٌ في الزكاة رقبةً لا تجوز في الرقابِن لم يُجْزِئُهُ، وعليه بدلها. ولا يُعتقُ الإمام منها كافراً ولا ذميًّا. ومَن ابتاعَ مكاتباً أو مدبراً من الزكاة، فأعتقه، فعلى قولِ مالكٍ الأولِ، فلا
في قدر ما يعطي الرجل من الزكاة، وذكر الاجتهاد في قيمتها
يُجْزِئُهُ، ويردُّ. وعلى قوله الآخر، لا يردُّ، ويجزئه. قال أصبغُ: ولو أبدلها كان أحبّ إليَّ من غير إيجابٍ. وفي بابِ إعطاءِ القرابة ذكرُ الإعطاءِ لأهلِ الأهواء، وتارك الصَّلاَة، وفي الباب الذي يلي هذا، مسألة من معه ألفٌ، وعليه ألفانِ، وله دارٌ وخادمٌ يُساويان ألفين. في قدر ما يعطِي الرجلُ من الزكاةِ، وذكر الاجتهاد في قيمتها من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: أُحِبُّ للرجلِ أَنْ يلي غيرُه تفرقة زكاته، لما عسى أنْ يدخل عليه، وليست عندي كالصلاة، لا يبالي أعلن بها، بقولِ الله سبحانه: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الآية، ونحوه في "كتاب" ابن الْمَوَّاز عنه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، سُئِلَ كم أكثر ما يُعطَى الفقيرُ منها، والصدقة واسعةٌ؟ قال: لا حدَّ فيه، وذلك قدرَ اجتهادِ متوليها؟ قيل: فيعطي قاسمها للفقير قوتَ سنةٍ، ثم يزيده الكسوةَ. قال: ذلك له بقدرِ ما يرى من كثرةِ الحاجةِ وقلتها، وقد تقلُّ المساكين، وتكثرُ الصدقةُ، فتُجْزَلُ لهم، قال عنه المغيرةُ: ويؤثِرُ الفقيرَ له الصلاحُ، لحسنِ حاله، ويُعطَى الآخر ولا يمنع لسوء حاله. ويُعطَى القويُّ البدنِ، ولا يمنع لقوة بدنهِ. قيل لابن القاسمِ: أيعطَى الرجلُ منها أربعين درهما؟ قال: نعم، إن
كان ذا عيالٍ، ومن له عشرةٌ من العيالِ، فما عسى أَنْ يغنيه ذلك. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قيل لمالكٍ: أيعطَى الرجلُ أربعين درهماً، أو رأساً أو رأسين، قال: نعم، إن كان كثيَرَ العيال. قال أصبغُ: قيل لابن القاسمِ، فمن زكاته دنانير أيعطيها لأهل بيتٍ واحدٍ؟ فقال: نعم، إن كان لهم عددٌ. وقال عمر بن عبد العزيز: ويعطى منها، من له الدار والخادم والفرسُ. وقاله مالكٌ عن لم يكن في داره فضلٌ عن مسكنٍ يكفيه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه ابن القاسمِ، وغيره: ويُعْطَى من له الدارُ والخادمُ إنْ لم يكُنْ فيهما فضلٌ بيِّنٌ. قال عنه المغيرةُ: إذا كان يَفْضُلُ له من الثمن عشرون ديناراً، لم يُعْطَ، وإلا أعْطِيَ على الاجتهاد، ثم لا يبلغ ما يعطَى – مع ما يفضل له – ما تجب فيه الزكاة. وفي "السير" لابن سحنونٍ، قال المغيرةُ: لا بأس أَنْ يعطَى من الزكاة اقل مما تجب فيه الزكاة، ولا يعطى ما تجب فيه الزكاة". قال ابن حبيبٍ: لا بأس أَنْ يعطِيَ المسكينَ الواحد – من زكاته – أربعين درهماً، وخمسينَ، وأكثرَ إلى المائة. قال عروة بن الزبير: لا بأس أَنْ يعطِيَ الواحدَ من عشرةِ دراهم على مائةِ درهمٍ، قال ابن حبيبٍ: وذلك بقدرِ تعففه، وحاجته، ويعطِي من الطعام المُدَّيْنِ، وأكثر، وأقلَّ.
ويعطي المعيل المحتاج أكثر من ذلك. وَلا بَأْسَ أَنْ يعطي الواحدَ المتعفف من الزكاة من دينارٍ إلى خمسةِ دنانير، ويعطِي ذا العيال المحاويج أكثر بقدرِ اجتهاده. وَلا بَأْسَ أنْ يجمع النفرَ في الدينار أو يصرفها دراهم، إذا كانت الحاجة كثيرة. وإن زكَّى دراهم، فلاي صرف ما يخرج عنها دنانير، ولاي صرفها بفلوسٍ لكثرةِ الحاجةِ ليعمهم، ولكن يجمع النفرَ في الدراهم إن شاء، فإن صرفها فلوساً وأخرجها، فقد اساءَ، وأجزأه. وَلا بَأْسَ أَنْ يعطِيَ من زكاة غنمة للواحدِ الشاة، ولأهل البيت الشاتين والثلاث. وإذا كثرت الحاجة فلا بأس أَنْ يجمع النفر في الشاة. ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرةُ، عن مالكٍ، في الذي يعلمُ من أهل بيت حاجةٍ، وهو أيتامٌ صغارٌ، وهو يلي قَسمها، أيجري لهم ما يكفيهم؟ قال لا يفعل ذلك من يليها. قال ابن القاسمِ، وأشهبُ، فِي مَنْ بيده ألفٌ، وعليه ألفان، وله دارٌ وخادمٌ يسويان ألفين، فلا يُعطَى الزكاة؛ لأنَّه ممن تلزمه الزكاة، فإذا قضى الألف في دَينه، أُعْطِيَ، وصار من الغارمين إنْ لم يكُنْ في الدار والخادم فضلٌ يُغنيه، قال أشهبُ: إن كان فيهما فضلٌ قدرَ ما عليه، فهو غارمٌ. قال مالكٌ: ويؤثَرُ أهل الحاجةِ، ولا يُرضَخُ لمَن لا يستحقها. قال أشهبُ: لا يُعْطَى لغيرِ محتاجٍ إلا الغارمَ، أو ابن السبيل. قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، فِي مَنْ له ربحٌ وعقارٌ، ليس في ثمنه ما يُغنيه،
فلا بأس أَنْ يعطَى منها. قيل: والمُسَدَّدُ له قوت شهرٍ أيعطَى تمام قوتِ نفسهِ، وفي المال سعةٌ؟ قال: يُعطَى بالاجتهادِ، قد يكون أفقرَ مَن يوجدُ فيعطَى، ويكون غيرُه أحوجَ، فيؤثر ألحوجُ. قيل: فمَ، له خمسون درهماً، أو عرضٌ يساويها، وله عيالٌ أيعطَى مثلَ ما يُعطَى من لا شيءَ له؟ قال: يُعطَى إذا لم يكن معه من هو أحوجُ ممن يستوعب المالَ، فإن كان أُعطيَ هذا وهذا بالاجتهاد، وقد يكون له ما ذكرت وهو ضعيفٌ أو ضريرٌ أو زَمَنٌ أو كثير العيال. وقال فِي مَنْ بيده مالٌ وعليه دَيْنٌ مُحيطٌ به. قال: لا يكون كالفقير المحتاجِ. قال: ولو كان قومٌ عليهم ديونٌ مختلفةٌ، لم أنظر على قلَّةِ الديونِ، وننظر إلى شدَّةِ الفقرِ والحاجةِ. قال في "كتاب" ابن سحنونٍ: وليس للذي المالُ وعليه الدَّيْنُ أكثرُ منه، فالفقير الموصوف بالفقر المستحقُّ لهذا، وذلك للفقراء المحتاجين. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، عن مالكٍ، في مكاتبٍ عليه كثيرٌ، وآخر عليه قليلٌ، فلينظر إلى من هو أضعف عن ما عليه، وفي رواية ابن، نافعٍ، إنَّما يُعطَى ما يتمُّ به عتقُه. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، و "المَجْمُوعَة"، روى عليٌّ، وابنُ نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ ليس عنده ما ينكح به، ولا خادمٌ يخدمه، هل يقبل من الإمام من الصدقةِ ما ينكح به أو ما يشتري به
في إخراج الزكاة من بلد الى بلد
خادماً؟ قال: لا أنكر له ذلك، وأرى أنَّه لا يصيبه في حقِّه مثلُ ما أخذ، وقالا في امرأةٍ لا خادم لها، وأخرى لها خادمٌ، لا فضل فيها، قال: ما ذاتُ الخادمِ كالتي لا خادم لها، إذا تساوى حالهما في الضعفِ، ولكنَّ ذلك على الاجتهاد، ولا تمنع هذه أن تعطَى من أجلِ خادمها. قيل: فالفقير يُعطَى منها الشيءَ الكثيرَ مثلَ العبدِ، أو ما ينكح به؟ قال: إنْ كان يَسَعُ ذلك المساكين فيُغنونَ بذلك، لم أر به بأساً، ولكن أكره أَنْ يأخذ هذا حظَّ مساكين كثيرة بهذا التفضيل الواسع. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، وابن عبدوسٍ، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا احتاج - يريد الساعي – إلى قسمِ شاةٍ بين نفرٍ كثيرٍ، فليبعها ويجمع في الدرهم نفسين وثلاثة، فإن سألوه قطعه بينهم، فلا يفعل. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ، في فقيرٍ له أبٌ مَليءٌ: فإن كان يناله منه ما يُغنيه، فلا يُعطَى من الزكاةِ أحبُّ إليَّ، إذا وُجِدَ مَن هو أحوجُ منه. في إخراج الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: تُقْسَمُ الصدقةُ بحيث جيئتْ، وإن كان غيرُهم أحوجَ إليها، وإن نُقلَ إلى غيرها لحاجةٍ نزلتْ بهم،
فلا يُعَرَّى منها مَن جُبيتْ فيهم. فإن تساوت البلدان لم ينقل منها شيءٌ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال: وإذا كانتِ الحاجةُ في أهل الحضرِ أشدَّ، فلا بأس أَنْ ينقل بعضُ صدقات الباديةِ إليهم، وإذا كانت الحاجة في البادية اشدَّ. نُقلتْ بعضُ صدقاتِ الخضرِ إليهم. وكذلك في الفيءِ. قال ابن حبيبٍ: وإذا رأى الإمام أَنْ يضع بعضَ ذلك في فقراء موضعه، أو ببلدٍ من سلطانه بلغته عنهم حاجةٌ، ولم يكن في صدقةِ أهله ما يَسُدُّ خَلَلَهم، فله أَنْ يأمرَ السُّعاةَ بحملِ طائفةٍ من ذلك إلى من ذكرنا، ويُعطَى أجرَ حملها منها، لا على من أُخذتْ منه. ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا فوَّضَ الإمامُ إلى الساعي قسم ما يأخذ، فلا ينقل بعضَها إلى فقراء الحاضرةِ للذريعة إلى نقل الصدقات. وإذا لم يجد في المَحَلَّةِ إلا فقيراً أو فقيرين، فليتبع ضعفاء من سعى عليه، أولى من نقلها إلى بلدٍ يجهل ذلك منهم. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، قال: كره مالكٌ نقل عشر موضع على موضعٍ، وإن كان أكثر مساكينَ، وأقلَّ عشوراً. قال ابن القاسمِ: وإذا نقل زكاته على بلدٍ آخر، فلا يتكارى عليها من الفيء، ولكن يبيع ذلك، ثم يشتري مثلَه بالموضع اذلي يريد قَسْمَه فيه. وقال في موضعٍ آخرَ، عن مالكٍ: إنَّه يتكارَى عليها من الفيءِ، أو يبيعه -
يريد ها هنا – الإمامُ. والله أعلم. قال سحنونٌ: ومَن أخرج زكاتَه إلى غير قريته، وبقريته فقراءُ، لم يُجْزِئُهُ. قال ابو بكر بن محمدٍ اللَّبَّاد: هذا استحسانٌ. وهي تُجْزِئه. قال ابن القاسمِ: وإن زرع بموضعين أخرج زكاة كل زرعٍ بموضعه، إلاَّ أن يقرب ما بين الموضعين، فيجمع الزكاة في موضعه، إذا كان الزرع على بريدٍ من المدينةِ، فإن كان بموضع الزرع قرًى مسكونة بها فقراءُ، فهم أحقُّ بزكاته. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز، وابن القاسمِ، قال مالكٌ: وليخرج المسافر زكاته بموضع هو به. وكذلك لو كان ماله بمصر، وهو بالمدينة، / إلا أَنْ يخاف أَنْ يحتاج فيقطع به، فليؤخرها إلى بلده. وكذلك قال مالك في رجلٍ من الشام، بعث ببعضِ صدقته إلى المدينة، فذلك صوابٌ. وأرى مالكاً خصَّ المدينة بذلك؛ لأنَّها بلدةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مالكٌ: في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، في الذي يبعث من زكاة ماله إلى العراق، قال: ذلك واسعٌ، وأحبُّ إليَّ أَنْ يؤثر بها من عنده من أهل الحاجةِ إن كانت الحاجةُ عندهم، وإن لم يكن كذلك، فلا بأس به، فإذا بعث بها فأصيبت بالطريق، فلا شيء عليه. قال محمدٌ: وذلك إذا بعث بها قبل محلها قدرَ ما يكون حلولها عند بلوغها. قال عبد الله: إنما يريد محمداً، أنْ هكذا ينبغي له أَنْ يفعل، إذا بعث، لا على أنَّه لا يضمن إن فعل هلكت قبل محلها. ومن "المَجْمُوعَة"، ورَوَى ابن وهبٍ، وغيرُه، عن مالكٍ، قال:
وللرجل أَنْ يبعث ببعض زكاته إلى العراق، ثم عن هلكت في الطريق، لم يضمن، إذا كانت الحاجة كثيرة بموضعه، أحببتُ له ألا يبعث. قال عليٌّ، وابن نافعٍ، قال مالكٌ: ومَن زرع من أهل الحضر في منزلٍ على عشرةِ أميالٍ، فلا بأس أَنْ يجعل من زكاته إلى ضعيفٍ عنده بالحاضرةِ. وكذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ. وقال عن سحنونٍ: وإنما الذي لا ينقل زكاةَ طعامه من منزله، إذا كان بها ساكناً، أو يكونُ على مسيرةِ ما تُقْصَرُ فيه الصَّلاَة، وما قرُب من ذلك. من "المَجْمُوعَة"، ابن نافعٍ، أشهبُ، عن مالكٍ، في نت انتجَعَ البادية على المدينة، من الفقراء: فإنَّهم يدخلون في صدقة البادية، إذا انتجعوا، وهم يريدون الرجعة إلى وطنهم، فأمَّا من لا يريد الرجعة، فلا وإذا كانت أقسام المدينة تصيبهم، ثم رجعوا إلى وطنهم ليأخذوا من الصدقات، فلا شيء لهم معهم، فإن لم يصبهم، فلهم القَسْمُ مع أهل ناحيتهم. قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، في المكاتب، وابن السبيلِ، يتبع الساعيَ من محلَّةٍ إلى محلَّةٍ، ايرضخُ له بكلِّ محلَّةٍ مع فقرائها؟ قال: إذا لم يجد سبيلاً على إعطائه إلاَّ هكذا لقلَّةِ ما في يديه، أو لحاجة أهل تلك المحلة، فليتَّبِعْهُ إلى محلَّةٍ أخرى. وعن المكاتب يغشى الساعيَ، وليس بساكنٍ في عملِهِ، فإن لم يحضره في عمله من المكاتبين، مَن يفترق ذلك، فليعطه وإن كان في غير عمله. وفي باب إعطاء الزكاة للأقارب ذكرُ حملِ الرجلِ من عشوره على بلدٍ آخر لأقاربه. قال ابن حبيبٍ: ولا يجوز لأحدٍ أَنْ يبقى من زكاته عندَه، حتى إذا سأله
في إعطاء الرجل أقاربه من الزكاة، وهل تعطى لأهل الأهواء؟
أحدٌ أعطاه، ونهى عنه ابن عباسٍ، والنَخَعِيُّ وغيرهما. في إعطاء الرجلِ أقاربه من الزكاة، وهل تُعطَى لأهل الأهواء؟ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: لا أُحبُّ للرجلِ أَنْ يَخُصَّ قرابته، وإن لم تلزمه نفقتهم، بزكاةٍ عليه، ولا بكفارة يمين، وكذلك إن نذر صدقةً، فإن اعطاهم من ذلك النَّذْرِ فليُقَلِّلْ لهم، ومَن دفع زكاته على غيره يُفرِّقُهَا، فهو أحبُّ إليَّ، فإن أعطى هذا المُتَوَلِّي مَن يلزم مُخرجها نفقته، لم يُجْزِئُهُ؛ لأنَّها رجعت إليه. ومن "المَجْمُوعَة"، قالِ أشهبُ: ومَن أعطَى من زكاته لمَن لا تلزمه نفقته على الاجتهاد، أجزأه، وإنَّمَا أكرَه أَنْ يلي ذلكن لئلا يخرجَ عن الاجتهاد. قال ابن القاسمِ: ولا تُعطي المرأةُ زوجَهَا من زكاتها. قيلَ: أتحْفَظُه عن مالك؟ قال: هذا أبين أن اسأل عنه مالكاً. وهذا في "المدونة". قال أشهبُ: إذا أعطته من زكاتها، فخِيفَ أنَّ ذلك يُرَدُّ إيها فيما يلزمه لها. فإن فعلت وصار ذلك على ما خيفَ منه، لم يجزئها، وأنا أكرهه، وإن لم يرجع إليها خوفاً من دفعِ مؤنتهِ، أَنْ يجعل ذلك وفايةٌ لمالها، فيما يلزم نفسها، من تأدية حقِّه، ومواساته، فإن اعطته حسبَ ما يُعطَى نظراؤه، ثم لم يَرُدَّ شيئاً من ذلك عليها، أجزأها. قيل لمالكٍ، فيمن يُعطَى مالاً يُقَسِّمُه: أيعطي منه قرابته؟ قال: إن كان على الاجتهاد، فنعم. ومن "الواضحة"، قال ابن حبيبٍ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يعطِيَ
زكاته من يلزمه نفقتهمن ولا من يشبههم ممن لا يلزمه لانفقتهم، مثلَ الاجدادِ والجدات، وبنى البنين والبنات. وأمَّا المرأة تُعطِي زوجها من زكاتها، فلا يجزئها عندَ مالكٍ. وقال ابن أبي ذئبٍ، وسفيانُ، وأهلُ المشرقِ: إنَّه يجزئها. وإنِّي أرى إنْ كان يستعين به في النفقة عليها، فلا يجزئها. وإن كان بيده ما ينفق عليها، وهو فقيرٌ ويصرف هذا في كسوته ومصالحه، فذلك يجزئها. وأمَّا الأُخوةُ والأخواتُ، والأعمامُ والعماتُ، والأخوالُ والخالاُ، وسائرُ القراباتِ، فلا بأس أَنْ يعطيهم منها، إذا لم يكونوا في عياله. ورُوِيَ مُطرفٌ، عن مالكٍ، أنَّه لا بأس أَنْ يعطيَ قرابته من زكاته إا لم يعطِ مَن يقول. قال: ورأيت مالكاً يعطي قرابته من زكاته. حدَّثَنِي الحِزَامِيُّ، عن الواقديِّ، عن ابن أبي ذئبٍ، قال: قيل للقاسمِ: فِي مَنْ أضع زكاتي؟ قال: في أقاربك اذلين لا تعولُ، فإن لم يكونوا فجيرانك، فإن لم يكونوا فصديقك المحتاج. ورُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ، وقاله النَّخَعِيُّ، والحسنُ، في إعطاء مَن لا يعولُ من قرابته. قال الواقديُّ، عن مالكٍ، وابن أبي ذئبٍ، والثَّوْرِيُّ، والنُّعمانُ،
في أخذ آل محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزكاة أو التطوع وذكر سهم ذي القربى من الفىء
وأبو يوسفَ: إنَّ أفضلَ مَن وضعتْ فيهم زكاتك، أهلُ رَحِمِكَ الذي لا تعول. قال ابن حبيبٍ: وله أَنْ يُوَسِّعُ عليهم، إن كان فيهم التعفُّفِ والصلاحُ، فإن أعطَى مَن في نفقته معياله، وهم مِن قرابته أو من غيرهم ممن يُنفقُ عليهم تطوُّعاً، لم ينبغِ ذلك، فإن فعل ذلك جهلاً، فقد أساءَ، ولا يضمن إذا لم يقطعْ بذلك عن نفسهِ نفقته، وقاله مطرفٌ عن مالكٍ. قال ابن حبيبٍ: وإن قطع بذلك عن نفسه نفقتهم، لم يُجْزِئُهُ. وقال: وَلا بَأْسَ أَنْ يجمل من عشور قريته إلى فقراء قرابته في الحاضرة، لما يعلم من حاجتهم، وكذلك إلى غير قرابته ممن له التعفف والحاجةُ. وإن شحَّ على دَوابِّه، فلا بأس أَنْ يُكرِيَ عليه منه. قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغُ: ولا يعجبني أَنْ يعطَى من الزكاة أحدٌ من أهل الأهواء، إلا الهوى الخفيف. قال عيسى في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسمِ، في أهل الأهواءِ: إن احتاجوا، فلا بأس أَنْ يعطوا منها، وهم من المسلمين يرثونَ، ويُورثون. ولم يُجِزِ ابنُ حبيبٍ أَنْ يُعْطَى تاركُ الصلاةِ، وقال: إنَّ ذلك لا يجزئُ من فعله. وهذا قولٌ انفردَ به، وإن كان غيرهم أولى، وَلا بَأْسَ أَنْ يعطوا إذا كانت فيهم الحاجة البينة. قال ابن حبيبٍ: قال مطرِّفٌ، وابن الماجشون: ولا يُعطِي من زكاته لأهل الأهواء، فإن فعل أساء ويجزئه. في أخذ آل محمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم من الزكاة أو التطوُّعِ وذكر سهم ذي القُرْبَى من الفيءِ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لآلِ محمدٍ». إنما ذلك في الزكاة لا في
التطوُّعِ، وهم بنو هاشم أنفسهم، ولم يرْمُوا إليهم من ذلك. قال: وإن أعطى بني هاشمِ أنفسهم، لم يُجْزِئُهُ، وإن كانوا محاويجَ ويجوز لمواليهم. وكَرِهَ أصبغُ لهم فيما بينهم وبين الله أنْ يأخذوا من التطوعِ. ونحو ما تقدم في "العُتْبِيَّة". قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة": وآلُ محمدٍ الذين لا تحلُّ لهم الصدقةُ، عشيرته الأقربون اذلين ناداهم حينَ أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. وهم آلُ عبد المطلب، وآل هاشمٍ، وآل عبدِ منافٍ، وقُصَيٌّ، وليس يَحرُمُ على مواليهم، وإنما معنى موالي القوم منهم يقول: في الحرمة، كما قيل: ابنُ أختِ القومِ منهم، ومثلَ " أنت ومالُك لأبيك"؛ يعني: في البرِّ والطواعية. قال أصبغُ: واخْتُلِفَ في سهمِ ذوي القربى، من القسمةِ من هو ذوو القربى؟ فقيل: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً. وقيل: قريشٌ كلها. وقال ابن عباسٍ: نحوهم؛ يعني: آل محمدٍ. ولكن أبى ذلك علينا قومنا. ووجدت معنى الآثار أنهم آلُ محمدٍ خاصة.
في قسم زكاة المعدن، وقسم الفىء والخمس، والجزية، والمال يجعل في السبيل، أو من وصية أو حبس
في قَسْمِ زكاة المعدن، وقَسْمِ الفيءِ والخُمْسِ، والجزيةِ، والمال يُجعل في السبيلِ، أو من وصيةٍ أو حبسٍ ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وسبيلُ قَسْمِ زكاةِ المعدنِ سبيلُ قسمِ زكاة المال سواءٌ، ويُسلكُ بخمسِ الركازِ مسلكَ خمسِ الغنيمةِ والفيءِ، فمن ولِيه أخرجه بالاجتهاد. وجزية الأرض والجماجم وعُشُورِ أهل الذمة وخمسِ الركازِ، وما فُتِحَ بصلحٍ أو عنوةٍ، فسبيله واحدٌ. قال أبو محمدٍ: يريدُ بقوله: بصلحٍ أي ذلك المال الذي صُولحوا عليه. وقولُه: أو عنوةً، يريد الخمسَ المأخوذ فيه خراجَ الأرضِ. قال ابن عبد الحكم: فهذا كلُّه يبدأُ منه بسدِّ الثغورِ والتَّحَرُّزِ من العدوِّ، ثم يُقْسَمُ ما بقي بين جميع المسلمين، فيُجعلُ قسمين، قِسْمٌ للذُّرِّيَّةِ والعيال، وقسمٌ للمجاهدين، قال: ويُجعل ابنُ خمسةَ عشرَ سنةً مع الرجال، وابن أقلَّ منها مع الذرية، ومَن أزمنَ من الرجال دخل مع الذرية، فيأخذ ما يكفيه لسنةٍ. قال: فإن فضل بعدَ ذلك كله شيءٌ جُعِلَ بينَ جميع المسلمين. ويُساوَى فيه بين الناسِ أحبُّ إلينا. وقد اختُلِفَ فيه؛ فأبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه قد ساوَى، وقال: البلاءُ والسابقة فضائل، أجرُها على الله سبحانه، والناسُ في المعاشِ سواءٌ. وفضَّلَ عمرُ الرجلَ بسابقته وببلائه.
قال ابن عبد الحكم عن مالكٍ: والتسوية أحبُّ إلينا، ولم يجعل الله قَسْمَ المواريث على قدر الحاجةِ. قال محمدٌ: وأحَبُّ إلينا أَنْ يؤثرَ الحوجُ فيما فضَل، وهو قول مالكٍ. قال ابن عبد الحكمِ: حتى لا يبقى منه شيءٌ، لم يختلف في هذا أبو بكرٍ وعمرُ. قيل: فإن نزلت بالمسلمين نازلةٌ، ولم يبقَ في بيتِ المال شيءٌ؟ قال: يتعاونون في ذلك. قال: ولكلّ أحدٍ في الفيءِ حقٌّ إلا أهلَ العمودِ، والأعرابَ، فلا شيء لهم في الفيء، وحقُّهم فيما يؤخذ منهم من صدقةٍ، إلاَّ أَنْ ينتقل أحدٌ منهم من دارِ أعرابيته إلى دار الجهاد، أو ينزل بالأعراب نازلةٌ زشدةٌ فيُواسُون حتى يحيون ثم يردون إلى دار أعربيتهم، كما فعل بهم عمر عامَ الرمادةِ حتى حَيَوا، ثم ردهم إلى دارهم. قال: ويفرق ذلك في البلد الذي جُبِيَ فيه بعد سدِّ ثغوره، إلاَّ أنْ تنزلَ بغيرهم حاجةٌ، فيُواسَوا. قال مالكٌ: وليس بين الذكر والأنثى، والعربيِّ والمولَى، والصغير والكبير، فضلٌ في الفيءِ، ويُعْطَى كلُّ واحدٍ بقدرِ فقره ما يُغنيه، فإنْ فضل شيءٌ فهو بين الناسِ؛ رفيعهم ووضيعهم، إلا أَنْ يرى الإمام حَبْسَه، لنوائب تنزِلُ به فليفعلْ. قال أشهبُ: وأرزاق عمال المسلمين، وولاة أمرِهم وحُكَّامِهم من الفيءِ، إلا عاملَ الصدقةِ فيأخذُ منها.
في إلزام زكاة الفطر، وذكر مكيلها، وماذا يخرج من الحبوب، وهل يؤدى فيها ثمنا
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولا بأسَ أنْ يُعطَى من الركازِ مَن تلزمه نفقتهن ومَن لا تلزمه على الاجتهاد، بلا مُحاباةٍ. ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: ومَن أعطى مالاً في السبيلِ، فلا بأس أَنْ يأخذ منه مَن يأخذ العطاءَ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومن أوصَى بمالٍ في سبيلِ اللهِ، قال مالكٌ: يُبدأُ فيه بالفقراء، ويأخذ منه ألغنياءُ، إنْ وَسِعَ، ومَن أُعطِيَ مالاً في السبيلِ ففضلَ منه، فإن شاء ردَّه، وإن شاء أعطاه لغيره، ولا يُعْطى راجعاً. ومَن خُلِّفَ عندَه مالٌ في السبيلِ، فليُقَسِّمْه، فيمن يخرجُ ممن يثق به، ولا ينفرْ به فيهلك. قال مالكٌ في "المَجْمُوعَة"، وغيرها: أشرتُ على محمدٍ أبي جعفرٍ أنْ يُقَسِّمَ خَيْبَرَ كلها مع صدقهِ النبي صلى الله عليه وسلم فقسَّمُوها على الأغنياء والفقراء، وليس برأيٍ. قال مالكٌ: وأكثر الكتيبة منها عَنوةٌ. قيل لأشهبَ: كيف تُقَيِّمُ صدقةَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنْ لم يُسْبِلْهَا، فهي كالفيءِ، فلْتُقَسَّمْ على غنيِّهم وفقيرهم بالاجتهادِ، وأرى أَنْ يؤثرَ فقراؤهم. وفي كتابِ الصدقةِ وكتاب الجهاد بقية القولِ في هذا المعنى. في إلزام زكاة الفطرِ، وذكر مِكْيَلِهَا، ماذا يُخرجُ من الحبوب، وهل يؤدي فيها ثمناً من "كتاب" ابنِ سحنونٍ، روَى ابنُ نافعٍ، عن مالكٍ: أنَّ
الزكاة المندفروضة بالصلاة، تدخل فيها زكاة الفطر، ورُوِيَ عنه أيضاً، أنَّه قال: هي زكاة الأموال المُزكّاةِ. وقيل: فزكاة الفطر. قال: هي ممَّا سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وفرض. قال ابن حبيبٍ: وقد قيل في قول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}: أنها زكاة الفطرِ. قال غيرُه في "المَجْمُوعَة": وهي زكاة الأبدان. قال أشهبُ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة" وغيرها: قيل: أيؤدِّي الرجلُ الفطرة بالمُدِّ الأكبر؟ قال: لا بل بمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن اراد انْ يفعلَ خيراً، فليفعله على حدته. ومنه، ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابنُ القاسمِ: قال مالك: وتؤدَّى من القمح والشعير والسُّلتِ والذرةِ والدُّخْنِ والأرز والزبيب والتمر والأَقِطِ، صاعٌ من قوت البلد الذي هو به، من ذلك كله. وأنكر مالك ما روي من الحديث في نصف صاعٍ، ولم يصح عندَه. ويدلُّ أنَّ ذلك لا يجزئُ عن القيمة، أنَّ ما ذُكر في الحديث الصحيح بعضُه أعلى قيمة من بعض، والكيل متفقٌ. قال: والحنطة أفضل من ذلك. وقال أشهبُ: لا يجزئُ فيها إلا الأربعة المذكورة في الحديث، الشعير
والتمر، والزبيب، والأقِطُ، ومع الشعير، القمح والسُّلتُ، وهما منه، وأفضل منه. قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": وأحبُّ إليَّ بالبلدان الحِنطةُ، وبالمدينة التمرُ، ولو كانوا، أو أكثرهم يؤدون الحِنطةَ كانت أحَبَّ إليَّ، ولكن لا يؤدونها بها. قال: وأنا السُّلْتُ أحَبُّ إلي من اشعير، والشعير أحبُّ إلي من الزبيب، والزبيب أحبُّ إليَّ من الأقِط، ومن كان عيشته من شيءٍ من هذا فليؤدِّ منه، وإن كان غيرُه أفضلَ. قال ابن حبيب: تؤدَّى الفطرة من عشرة أشياءٍ، فذكر ما قال مالكٌ، أول هذا الباب، وزاد العَلْسِ، وقال/ مَن قدر على أحدِ هذته الثلاثة؛ القمح والشعير والتمر، فليخرج مما ياكل منها، فإن أكل من فضلها، وأدَّى من أدناها أجزأه، وكان ابنُ عمرَ يُخرج تمراً، ومرة واحدة، أخرج لاشعيراً، وكان يأكل البُرَّ والتمرَ والشعيرَ. وأحسبُ أنَّ التمرَ جُلُّ قوتهم، فأمَّا السبعةُ أصنافٍ الباقية فليخرج مما هو قوتُه منها، فإنْ أخرجَ من غيره لم يُجْزِئُهُ، ومَن أخرج من غير العشرة أصنافٍ لم يجزئه، وإن كان عيشهم. وأما الدقيق، فإنما نُهي عن إخراجه لريعه، فمَن أخرج منه قدرَ ما يزيد على كيلِ القمحِ أجزأه، وقاله أصبغُ. قال ابن حبيبٍ في كتال النذور: والخبزُ كذلك. قال: وكذلك غَربلةُ القمحِ بواجبٍ، وهو مستحبٌّ، إلا أَنْ يكون غَلِيثاً. قال مالكٌ: في غير
في الفقير هل يؤدى زكاة الفطر، وهل يأخذها؟
كتابٍ: لي سعليه غربلة القمح في الكفارة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ونحوُه في "المَجْمُوعَة"، قال مالك: لا يؤدي أهلُ مصرَ إلا البُرَّ؛ نه جُلُّ عيشهم، ونحن في المدينة نؤدي التمرَ. قال ابن الماجشون: تؤدي من الغالب من عيش أهل بلده. قال ابن الْمَوَّاز: بل مما يأكل هو وعياله مما يُفرضُ على مثله. قال أشهبُ: يُخرجُ مما يقوت به نفسه، وعياله. وقد سئلَ مالكٌ عن الشعير، فقال: يُخرج منه إن كان هو أكله، فلا يجزئ أَنْ يخرج من القُطنِيَّةِ، ولا من التينِ، وإن كان عيشَ قومٍ. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى عن ابن القاسمِ، قال: إن كان العَدَسُ أو الحمصُ عيشَ بلدٍ، فأخرج منه، قال: هذا لا يكون، فإن كان رجوت أَنْ يُجْزِئُهُ. وقال مالكٌ في "المختصر": يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة، إذا كان ذلك قوتَه. ومن سماع ابنِ القاسمِ، وعن قومٍ ليس طعامُهم إلا التين، قال: لا أرى أَنْ يؤدَّى منه. قال مالكٌ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يدفع في الفطرةِ ثمناً. وقاله ابن القاسمِ في رواية أبي زيدٍ. قال عنه عيسى: فإن فعل لم أرَ به بأساً. في الفقير هل يؤدي زكاة الفطر، وهل يأخذها؟ من "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: إذا وجدَهَا الفقيرُ،
فليؤدها، يعني زكاة الفطرن وإن وجد مَن يُسلِّفُه فليستلفْ. قال عنه ابنُ القاسمِ: وقال: قيل: ذلك مَن له حقُّ أَنْ يأخذها فلا تجب عليه. وقاله ابنُ الماجشون: وقال عنه ابن وهبٍ: إنْ كان له قوت شهرٍ أو خمسة عشر يوماً، فهي عليه. وقال عنه أشهب: مَنْ لم يكن له شيءٌ فلا شيء عليه، وإن كان ممن يتكلَّف تلك الأشياءَ، فعليه ذلك. قال ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ، في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وليؤدِّ الرجلُ الفطرة، وإن كان ممن يَحِلُّ له أَنْ يأخذها. قال عنه في "العُتْبِيَّة": وإذا أدَّى الفقيرُ زكاة الفطر، فلا أرى أَنْ يُعْطَى منها. ثم رجع فأجازه إن كان محتاجاً. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال أشهبُ عن مالكٍ، فيمن له عشرة دراهم، فأدَّى الفطرة، أيأخذ منها؟ فلم يرَ له ذلك، قيل: فمن يملكُ عشرة دراهم أيسعه أَنْ يأخذ؟ قيل: ليس لهذا حَدٌّ. قال مالكٌ: وإن وجد الفقير من يسلفه، فليتسلَّفْ، ويخرجها، فإنْ لم يجد، فلا قضاء عليه إن أيسر. قال محمدٌ: ليس عليه أَنْ يتسلف، وليس ممن هي عليه. قال ابنُ حبيبٍ: وليستْ على الفقير الذي لا يجدها ولا يجدُ ثمنها، ولي سعليه أَنْ يتسلَّفَ، إلا أَنْ يتطوَّعَن فإنْ أُعطيَ منها يوم الفطر ما فيه قوت يومه، فلي سعليه إخراجها، وإن كان فيها فضلٌ عن قوتِ يومه ذلك، أخرج منه. وكذلك روى مُطرِّفٌ، وابن الماجشون عن مالكٍ، أنَّ الفقير يؤديها مما يأخذ. قال ابن حبيبٍ: وإن لم يدخل شيءٌ إلا في غدِ يومِ الفطرِ، فلا شيءَ عليه؛ لأنَّ يومَ الفطر قد زال عنه، وليس من أهلها.
فيمن عليه زكاة الفطر، ومن يلزم الرجل أن يؤدى عنه زكاة الفطر
فيمن عليه زكاة الفطر، ومن يلزم الرجلَ أن يؤدي عنه زكاة الفطر من "كتاب ابن حبيبٍ: وغيره، ومن قول مالكٍ وأصحابه: أنَّ زكاةَ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى، صغير أو كبيرٍ، حاضرٍ أو بادٍ، مسافرٍ أو مقيم، كان ممن صام رمضان أو أفطره لعذرٍ أو بغير عذرٍ. وعلى الرجل أَنْ يؤديها عن يتيمه من مال اليتيم، وعلى الرجل أَنْ يؤديها من ماله عمَّن يلزمه أَنْ ينفق عليه من المسلمينن فيؤديها عن زوجته، وإن كانت مليَّةً، وعن بنيه الفقراءِ إلى احتلام الذكر، ودخول الأنثى على زوجها، وعن أرقائه المسلمين، وعن أبويه الفقيرين. ومن "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ عن مالكٍ، قال: ويؤدي المسافر عن نفسه زكاة الفطر، ويؤخر الأداء عن أهله، ولعلهم أدَّوْا. قال ابن حبيبٍ: وعليه أَنْ يؤديَ عن والده الفقير، وعن زوجة والده وخادمها، وإن لم تكن هي أمه. قاله ابن الماجشون، ومُطرِّفٌ، وابنُ عبد الحكم، وأصبغُ. قال ابن القاسم في "المدونة": وإنما ينفق عن زوجةٍ واحدةٍ لأبيه، أو أمِّ ولدٍ له، وعلى خادمه، أو خادمِ زوجته. قال المغيرة في كتاب آخر: لا يلزمه أَنْ ينفق على زوجة أبيه، إلا أن تكون أما له. وقال مالكٌ في "المختصر": وليس عليه أَنْ يزوجَ أباه. قال ابن حبيبٍ: وإذا دُعِيَ الرجلُ إلى البناء بزوجته، فمن يومئذٍ تلزمه النفقة عليها، وزكاة الفطر عنها، ولا يلزمه ذلك عن خادمها حتى يدخل. كذلك قال ابنُ الماجشون.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ونحوُه في "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: وإذا دُعِيَ الزوجُ على البناءِ، فلم يجد ما ينفق منه، أو الثَّواءِ بذلك، فالنفقة والفطرةُ على الأب. قال عبد الملكِ: وإنما تلزمه الفطرة عن خادم زوجته إذا كان ممن عليه أَنْ يخدمها، فإن كان ذلك، فإنما ذلك عليه إذا بنى بها. قال أشهبُ: وكذلك إذا امتنع من البناءِ، وقد دَعَوْهُ إلى ذلك. وقال ابن القاسمِ: ولو منعوه من البناءِ، فأتى يومُ الفطرِ، ثم طلَّق قبل البناءِ، فالزكاة عليها عن نفسها، وعن الخادمِ، وإن نكحت عليها. قال أشهبُ: وإن لم يدعوه إلى البناءِ، فزكاة الخادمِ عليها، ولولا الاستحسانُ، لكان عليه نصفُ زكاتها، وإنْ طلَّقَ يومَ الفطرِ. ولكني أكرهه؛ للذريعة أي أَنْ يخرج عن نفسٍ واحدةٍ زكاةً ونصفاً، وإن كان هو القياس، وإنْ طلقها دونَ يومِ الفطر فلا شيء. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وعليه أَنْ يؤديها عن عبده الغائب، وإن طالت غيبته، وإن لم يعرف موضعه، إلا أَنْ يكونَ أَبِقَ إباقَ إياسٍ. قال ابن وهبٍ: عن مالك: ومَن له عبدٌ تاجرٌ كثير المال فالزكاة عنه على سيده. ومن "العُتْبِيَّة"، قال أصبغُ، عن ابن القاسمِ: ومَن لزوجته
في ما يلزم أو يسقط من الفطرة، في من يموت أو يولد أو يسلم أو يباع أو يعتق أو يحتلم أو يطلق أو يبني أو يستغني ليلة الفطر أو يوم الفطر أو قبل دخول ليلته
خادمان، وهي ذاتُ شرفٍ، فليؤدِّ الفطرة عن الخادمين. قال أصبغُ: ولو ارتفع قدرُها فوق ذلك، كالهاشمياتِ وبنتِ الملكِ، فليزد في عددِ الخدمِ مثل الربعة والخمسة، ويلزم الزوجَ النفقةُ عليهن والفطرة. وفي باب زكاة المديان ذكر زكاة الفطرة عن عبدِ ولدهِ. في ما يلزم أو يسقط من الفطرةِ، فِي مَنْ يموت أو يولد أو يُسلمُ أو يباعُ أو يعتقُ أو يحتلمُ أو يبني أو يستغني ليلة الفطر أو يوم الفطر أو قبل دخول ليلته قال ابن حبيبٍ: اختُلِفَ عن مالكٍ متى حدُّ وجوب الفطرة. فروى أشهبُ، عن مالكٍ: أنَّها تجبُ بغروب الشمسِ من ليلة الفطرِ، وبه قال. ورَوَى ابن القاسمِ، ومطرف، وعبد الملكِ، عنه، أنَّ حدَّ ذلك، طلوعُ الفجرِ من يوم الفطر. وبه قالوا. وبه أقول. فمن باعَ عبداً قبل الفجر، يوم الفطر، ففطرته على المشتري، وإن باعه بعد الفجرِ، فهي على البائعِ، وكذلك يجزئُ هذا في العتقِ والطلاق والموتِ، وموتِ من يلزمه أداؤها عنه. ولم يختلفوا عن مالكٍ، فيمن وُلِدَ قبل الفجر أو بعد الفجر أنها على الأب. وقال ابن الماجشون: هو فيه بعد الفجر مستحبٌّ. وقاله أشهب. وأجمعوا عن مالكِ، فِي مَنْ أسلم قبل الفجر، أنها عليه، وأنَّه بعد الفجر مستحبٌّ. وهذا يدل على قول عبد الملك في المولود، وقال أشهبُ: إذا لم يسلم قبل الفجر بيومٍ وليلةٍ، حتى يلزمه صومُ يومٍ منه، فليست عليه
بواجبةٍ. وقال ابن حبيبٍ: وهذا شاذٌّ، ولو وجبت بالصوم سقطت عن المولودِ، وإنما تجب بإدراك أو حلول اليوم اذلي فُرضت فيه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "المَجْمُوعَة": ومن أسلم يوم الفطر، فروى ابن القاسم، عن مالكٍ، أنَّه يُستحبُّ له أَنْ يؤديها. قال عنه ابنُ وهبٍ: وليس بواجبٍ. وقال أشهبُ: وكذلك لو أسلم قبل الفجرِ من يوم الفطرِ، أو بعد الفجر من آخر يومٍ من رمضان، فلا فطرة عليه، ويُستحبُّ له. ولو أدرك صومَ يومٍ، لزمته. قال أشهبُ: ومَن مات بعد فجر يوم الفطر، ولم يُوصِ بالفطرةِ، فإنما تلزم ورثته من رأس ماله. وقال ابن القاسمِ: لا تلزمهم حتى يوصى بها. وقال أشهبُ: ومن مات، ممن يؤدي عليه، قبل فجر يوم الفطرِ، فليؤدِّ عنه. وما أُحبُّ له ترك ذلك، ولا أدري هل هو واجبٌ؟ وأمَّا مَن مات قبل دخول ليلة الفطر، فلا شيء عليه فيهم. قال أشهبُ: ومَن أعتق عبدَه، أو باعه، أو طلق امرأته طلاقاً بائناً، أو احتلم ولدُه الذكرُن أو من بُنِيَ به من بناته، أو أيسر أحدٌ منهم، أو من أبويه بعد طلوع الفجر من يوم الفطر، فالفطرة عليه عنهم، وإن كان ذلك بعد غروب الشمسِ من ليلة الفطر، فليؤد عنهم، وما أدري أواجبٌ ذلك عليه ام لا؟ وإن كان ذلك كله قبلَ دخول ليلة الفطرِ، فلا شيء عليه عنهم، وذلك عليهم، إلا من بعته، فعلى مشتريه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومن باع عبدَه قبل غروب الشمسِ من آخر يومٍ من رمضانَ، فالفطرة عنه على المشتري، وإن باعه بعد غروب الشمس، فمُسْتَحَبٌّ للبائعِ، وهي لازمةٌ للمشتري، وقد استحبَّ
في زكاة الفطر عن عبد بين اثنين أو بعضه حر، أو عن العبد يرد بعيب أو لفساد بيع ليلة الفطر أو يومه، أو تأخذه الفطرة ولم يخرج من العهدة
أشهبُ، فيمن اشتراه يومَ الفطر، أَنْ يؤدي عنهن وأما ابلائع فذلك واجبٌ عليه. وقال عبد الملكِ: إذا باعه قبل الفجر، فزكاته على المشتري. في زكاة الفطر عن عبدٍ بين اثنين أو بعضه حرٌّ، أو عن العبدِ يُردُّ آبعيبٍ أو لفسادِ بيعٍ ليلة افطر أو يومه، أو تأخذه الفطرة ولم يخرج من العهدة من "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإذا كان عبدٌ بين اثنين، أخرج كلُّ واحدٍ عنه في الفطرة نصف صاعٍ مما يأكل السيدُ. وفي "كتاب" ابن سحنونٍ، أنَّ عبدَ الملكِ روى عن مالكٍ، أنَّ على كل واحدٍ عنه زكاة الفطر كاملةً. وذهب عبد الملكِ إلى أنَّ على كلِّ واحدٍ بقدرِ ما له فيه من الرقِّ. قال: وأرى مالكاً قاسه على الذي بعضه حرٌّ، انَّ الرقَّ يُخرجُ عنه جميع الفطرةِ؛ لأنَّه يرثه وهو حابسه عن أحكام الحرية. ولم يعرف سحنون هذه الرواية، عن مالكٍ في الشريكين، وقال: قولُ عبد الملكِ في الشريكين، قولنا. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: وذكر عبد الملكِ، عن مالك في الذي بعضه حرٌّ، انَّ مَن له الرقُّ يُخرج عنه جميع الكفارة. فلم يعرف سحنون هذه الرواية. وقال: بل عليه بقدرِ ما له فيه من الرقِّ ولا شيء على العبدِ. قال ابن الْمَوَّاز: قال عبد الملك، في عبدٍ بين حرٍّ وعبدٍ: إنَّ على العبدِ نصف زكاته فقط.
قال ابن حبيب، وابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ: على من له فيه الرقُّ، أَنْ يؤدي عنه بقدر ملكه فيه، ولا شيء على العبدِ، وبه قالا. وقاله أشهبُ، وابن عبد الحكم، وأصبغُ. وقال أشهبُ: على مَن له فيه الرقُّ بقدرِ رقِّه فيه. وعلى العبد أَنْ يؤدي بقدر ما عتق منه. وقال مطرِّفٌ، وابن الماجشون: على الذي له الرقُّ الفطرة تامَّةً. وبه أقولُ. ولأنه يرثه إن مات. وذكر في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قول عبد الملك فيه، وذكر قولَ ابنَ القاسمِ، وأشهب. وقال أشهبُ: وهو القياسُ، وأما الاستحسان فجميعُها على السيد. قال ابن الْمَوَّاز: والعبد الموصَى بخدمته لرجلٍ، وبرقبته، لآخر، فقال ابن القاسم: النفقة وزكاة الفطر على المخدم. وقاله ابن عبد الحكم. وكذلك لو أخدمه السيدُ الحيُّ أجلاً، أو عمراً. وقال أشهبُ: بل الزكاةُ على من له مرجع الرقبة في الرقبة في الوجهين، وإن كانت نفقته على المخدم، وبه أخذ ابن الْمَوَّاز. قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة" مثل قول أشهب. قال ابن حبيبٍ: إلى هذا رجع ابن القاسم. وقال أشهب في "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز: هو كعبدٍ مستأجر من رجلٍ، على أنَّ نفقته عليه، والزكاة على سيده، وليس كخادم الزوجة، لأنَّ الزوجَ، غيرُ الزوجة، ينفق على خادمها. ولو قالت هي: أنا أنفق على نفسي، وعلى خادمي، وأبي الزوجُ إلا أَنْ يُنفق هو، فذلك له. ولو أبى صاحبُ رقبةِ
المخدم إلا أَنْ ينفق هو، ويمنع المخدم من النفقة عليه، كان ذلك لسيده، بخلاف الزوج، لأنه لا يملك غير خدمته. ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، وقال عبد الملك في المخدم: ومرجعه على ربه، أو إلى آخر، فأمَّا ما طال من الخدمةِ، حتى يصير لو وطِئَ الأمة فيه، لكانت شبهة تزيل الحدَّ، فالنفقة فيه والفطرة على المخدمِ. وما كان مثل الوجائب والإجارة، فهي على من له الرقبة. وقال سحنونٌ في "كتاب ابنه": لا أقول بما ذكر في طول الخدمةِ في النفقة والفطرة، وقول أصحابنا: إنَّ ذلك على من له الرقبةُ، وإن طالت الخدمةُ. وقال مالك فِي مَنْ أعمر رجلاً خادماً عُمرا، أو أجلا: فزكاة الفطر عنها على السيد المعمر، وإن كان مرجعها إلى حرية فالزكاة على المعمر إذ لم يبق للسيد فيها ملكٌ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومن باع عبدا بيعاً فاسداً، ثم رده يوم الفطر ففطرته على المشتري، قاله ابن القاسمِ، وقال أشهبُ: على كل واحدٍ من البائعِ، والمبتاع عنه زكاةٌ كاملةٌ، وكذلك عن رده ليلة الفطر. وكذلك الجارية تأتيها الحيضة ليلةَ الفطر أو يومه. قال أشهبُ: وكذلك العبدُ يباع بعهدة الثلاث، فانقضت الثلاث يوم الفطر أو ليلته، فالزكاة كاملةً على كل واحد منهما، إلا أَنْ يبيعه بيع براءةٍ، فهي على المبتاع فقط، ولو مضى يومُ الفطر في بيعِ العهدة قبل تمام الثاث، فهي على البائع فقط.
في زكاة الفطر عن عبيد القراض
وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون في المبيع بيعاً فاسداً إن فُسخَ: بحدثان ذلك، فهي على البائعِ وإن فات، فهي على المبتاع وإن فات بعدَ يومِ الفطرِ، وبه أقول. وذكر عن أشهبَ إن أدركه يومُ الفطرِ لم يفت بحوالة سوقٍ فاعلاً، فهي على البائع، وإن فات بعدَ ذلك وإن أدركه الفطرُ فائتاً فهي على المبتاعِ، وقال ابنُ الماجشونِ، في المردودِ بعيبٍ، مثل المبيع بيعاً فاسداً. في زكاة الفطر عن عبيد القِراضِ من "الواضجة"، قال ابن حبيبٍ: روى ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ في زكاة الفطر، عن عبيد مال القراضِ: على ربِّ المالِ في رأس مالهِ. وبه قالا. وقال أشهبُ، وأصبغُ: يُزكَّى عنهم من مال القراض بحسب ذلك على رب المالِ، ثم يكون رأس ماله ما بقي بعدَ إخراج زكاة الفطر منه. وذكر ابن حبيبٍ، أنَّ فطرتهم كنفقتهم، من جملة القراض، ورأس المال بعدَ العددِ الأول. واختار ابن الْمَوَّاز رواية ابن القاسم. وقوله: إنَّ فطرتهم على ربِّ المالِ، قال: لأنَّه شيءٌ ليسَ على المالِ وجَب، وقد لزم ذلك قبل يجب للعامل شيءٌ، وما يأخذ العامل كالإجارةِ، فإنما يلزمه زكاةٌ في نصوصه، وبعد أَنْ يصيرَ له بعد الحولِ، ألاَ تراه لو كان العاملُ لا يديرُ وربُّ المالِ يديرُ، أنَّه يقوِّمُ ربُّ المال ما بيدِ العاملِ، ويزكّي كل عامٍ، ولا يزكِّي العاملُ إلاَّ على ما ينو به بعدَ المفاصلة لعامٍ واحدٍ؟ وكذلك في
في دفع زكاة الفطر إلى الإمام أو تفريقها دونه، وهل تخرج من موضعها، وهل تخرج يوم الفطر وهل يأخذ منها من يليها
زكاة رقاب الغنمِ، على رواية ابن القاسم. وبقية القولِ من هذا، في باب زكاة القِراض. في دفعِ زكاة الفطر إلى الإمام أو تفريقها دونَه، وهل تُخرجُ من موضعها، وهل تُخرجُ يوم الفطرِ، وهل يأخذُ منها من يليها من "المَجْمُوعَة" قال مالكٌ: وإذا كان الإمام عَدلاً، ولا يدخل زكاةَ الفطرِ عنده تضييعُ، فإرسالها إليه واجبٌ، وكذلك إنْ لها قومٌ تجمعُ إليهم ويفرّقونها. قال: وليس من أمرِ الناسِ أَنْ يبعث الإمام العدلُ في زكاةِ الفطرِ من يقبضها إنما له من موضع تُجمع فيه، وقد كانت تبعثُ إلى المسجد. قال أشهبُ: فإذا اجتمعت، أمر تُقاةً بتفريقها. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: وكان مالكٌ يُضَعِّفُ دَفعها إليهم في المسجد، وأحَبُّ إليه أَنْ يفرقها مُخرجها، ويُعجِّلَ بها. قال أصبغُ: وَلا بَأْسَ أَنْ يخرجها قبلَ الفطرِ بيومين، وثلاثةٍ. قال محمدٌ: وتُجزئه، ويوم الفطرِ أحبُّ إلينا. ولو أخرجها قبلَ الفجر بيومين ثم هلكت، لضمنها. وكذلك زكاة المال قبل الحول بمثل ذلك. قال مالكٌ: ولا تنقل فطرة القرى إلى المدينة إلا أنْ لا يكونَ بها من يستوجبها، فتنقل إلى أقرب القرى.
مسائل من "كتاب الزكاة"، لابن سحنون من غير معاني الزكاة
قال مالكٌ: ولا يُعطَى منها من يليها، ولا من يحرسها، وليُعْطَوْا من غيرها. قال ابن حبيبٍ: وليس لِما يُعطَى منها حدٌّ. وقد روى مطرِّفٌ عن مالكٍ: إنَّما يُستحبُّ لمن وَلِيَ تفرقة فطرته أَنْ يُعطَى كل مسكينٍ ما أخرج عن كلِّ إنسانٍ من أهله من غير إيجابٍ، وله إخراج ذلك على ما يحضره بالاجتهاد. وكانوا بالمدينة يبعثونها إلى المسجد، ثم تُفَرَّقُ يومَ الفطرِ بعد صلاة العيد. ومَن وَلِيَ إخراجها بنفسه، ولا يعدلُ مَن يليها، فأحسنَ له أَنْ يخرجها قبل أَنْ يخرج على المُصلَّى يوم الفطر، ومَن أخرجها قبله بيسيرٍ، أجزأه عند المصريين من اصحاب مالكٍ. لم يُجْزِئُهُ عند عبدِ الملكِ، إلا أنْ يبعث بها إلى مَن تُجتمع عنده. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، واستحبَّ مالكٌ أنْ تُقسَمَ صدقةُ الفطرِ يومَ الفطرِ، وكره أَنْ يسال المساكين في العيد في المسجد والمُصلَّى. قال: وقد جاء: " أغنوهم عن طوافِ هذا اليوم". مسائل من "كتاب الزكاة" لابنِ سحنونٍ من غير معاني الزكاة من "كتاب" ابن سحنونٍ، قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ: قيلَ: أيأخذ الإمامُ الناسَ بحرسِ البحرِ إن خاف على ذراريهم، ويجعل لكلِّ
ليلةٍ قبيلة للحرسِ. ومَن غاب عاقبه. وليسوا بأهل ديوانٍ مثلَ أهلِ الإسكندرية؟ قال: نعم، إذا خاف عليهم، فله أَنْ يُلزمهم ذلك. وقال في أرض الخراجِ، تُباعُ باستثناءٍ، فاغتلَّها المبتاع سنين، والبائع يؤدي خراجها، أو لم يؤده: فأشهبُ يرى الغلة للمبتاع، وعليه الخراجُ ويردُّ الأرضَ إذا لم تفت، وإن فاتت ففيها القيمة والغلة للمبتاع، وعليه الخراجُ. فإن كان أدَّاه البائع رجع به عليه. وغيرُه لا يجيز بيعَ أهلِ غفريقية بشرطِ الخراج – يريد على المبتاع -. ومن "كتاب"ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومن تصدَّق بصدقةٍ فرُدَّتْ عليه، فله أَنْ يتصدَّق بها إلاَّ أَنْ يردها إليه الميراث. وقال مالكٌ، في رفقاء يتخارجون في سَفِرٍ ويأكلون في موضعٍ واحدٍ، وفيهم أحدٌ فقيرٌ فيتصدق عليه أحدُهم، فأخرج عنه وعن نفسه، وهم يأكلون في موضعٍ واحدٍ: فلا بأس لمن معهم المتصدِّقُ: قال مالكٌ: وأكره أن تبعث مع الوالي؛ ليبتاع شيئاً. تمَّ الكتا بالثاني من الزكاة من النوادر، والحمد لله رب العالمين كما ينبغي الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمدٍ خاتمِ النبيين وآله الطاهرين وسلم تسليماً. وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
كتاب الحج
كتاب الحج في فريضةِ الحجِّ وذكر الاستطاعة والسبيل، وفي من وجده، وذكر استئذان الأبوين فيه، وذكر وجوب العمرة ويوم الحج الكبر من "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: الحجُّ كله في كتاب الله تعالى، وأما الصَّلاَة والزكاة، فذلك مُجمَلٌ فيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّنَه. قال أشهبُ فيه، وفي "كتاب" ابن الْمَوَّاز: سئلَ مالكٌ عن قولِ الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} أذلك الزادُ والراحلةُ؟ قال: لا، والله، قد يجد الرجل زاداً وراحلةً، ولا يقدر على المسير، وآخر يقدرُ أنْ يمشيَ راجلاً، ورُبَّ صغيرٍ أجلدُ من كبيرٍ، فلا صفة في هذا أبين مما قال الله سبحانه. قال ابن حبيبٍ: رُويَ انَّ الاستطاعة مركبٌ وزادٌ. وقاله عددٌ من الصحابةِ، والتابعين. وقاله ابنُ أبي سَلمة. قال ابن عبدوسٍ: وقاله سحنونٌ - يريدُ الزادَ والراحلةَ - في بعيدِ الدارِ. قال سحنونٌ: والطريق المسلوكة. وقال غيره من البغداديين: لم
يثبت في الراحلة حديثٌ، وظاهرُ القرآن يُوجبُ الحجِّ على مستطيعه مشياً. قال ابن حبيبٍ: وقال عَطاءٌ: هو كما قال الله سبحانه. قال ابن الزبير: هو على قدر القوةِ، قال عكرمةِ: السبيل: الصحةُ. قال ابن حبيبٍ: وذلك يرجع إلى البلاغ إلى مكة، ويدخل في البلاغ، الصحة والزاد، ويدخل فيه الحمولة، بشراء أو كراءٍ لبعيد اذلي لا يبلغ راجلاً إلا بتعبٍ ومشقةٍ، لقولِ الله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}. فإن كان صحيحاً وله زادٌ ولا يجد مركباً وعليه هذه المشقة في الرحلة. فلا حج عليه. ولا حج على من ليس بصحيح البدنِ، وإن وجد زاداً ومركباً. والصحيح إن لم يجد زاداً أو مركباً، فلا حجَّ عليه، فإن وجد زاداً، وهو قريب الدارِ، وليس عليه في المشي كثير مشقةٍ، فعليه الحج. وإذا كان في داره وخادمه وسلاحه كل ما يباع في دينه ما يبلغه الحج فعليه الحج. قال عيسى، وابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: إذا قدر على المشي، ولم يجد ما يتكارَى به، فعليه الحج. قال محمدٌ: قال أصبغُ: إذا وجدَ زاداً. وليس النساء في المشي على ذلك، وإن قوين؛ لأنهن عورةٌ في مشيهن إلا المكان القريب، مثل أهل مكةَ وما حولَها وما قَرُبَ منها إذا
أطَقْنَ المشي. قال العتبيُّ عن محمدِ بن خالدٍ، عن ابن القاسمِ، فيمن لا يملك إلا قريةً، وله ولدٌ، قال: يبيعها لحجِّ الفريضةِ، ويَدَعُ ولدَه في الصدقةِ. قال ابن الموازِ: قال مالكٌ: وذكره ابن عبدوسِ، من رواية ابن نافعٍ، فيمن عليه دَيْنٌ، ليس عنده له قضاءٌ. فلا بأس أَنْ يَحُجَّ. قال سحنونٌ: وإن يَغْزُوا. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وإن كان له وفاءٌ أو كان يرجو قضاءه. فلا بأسَ له أَنْ يحجَّ. قال محمدٌ: معناه: إنْ لم يكُنْ معه غيرُ مقدارِ دَينه، فليس له أَنْ يَحُجَّ –يريدُ محمدٌ، إلاَّ أنْ يقضيَه أو يَتَّسِعَ وجده. قال ابن وهبٍ عن مالكٍ ونحوِه في "المختصر"، فِي مَنْ يؤاجرُ نفسه، وهو حاجٌّ، أيجزئُ عنه حَجُّه؟ قال: نعم، قيل له فِي مَنْ يسألُ ذاهباً أو جائياً، ولا نفقةَ عنده، قال: لا بأسَ بذلك. قيل: فإن ماتَ في الطريق. قال: حسابه على الله. قال في موضعٍ آحرَ من رواية ابنِ القاسمِ عنه: ولا أرى الذين لا يجدون ما ينفقون أنْ يخرجوا على الحجِّ، والغزوِ، أو يسألون، وهم لا يَقْوَون إلا بما يسألون، وإني لأكره ذلك؛ لقولِ الله سبحانه: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}. قال في "المختصر": ويبدأ بالحجِّ قبل النكاحِ إذا لم يكن لذلك عنده سَعَةٌ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: نَهَى مالكٌ عن حجِّ النساءِ في البحرِ، وكره أَنْ يحجَّ أحدٌ في البحر، إلا مثلَ أهلِ الندلسِ اذلي لا يجدُ
منه بُدًّا، وذكر في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وغيره، قول الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}. ما أسمعُ للبحرِ ذكراً. قال فيه، وفي "العُتْبِيَّة"، من رواية ابن القاسم: وكره مالكٌ حجَّ المرأةِ في البحرِ؛ لأنّها تتكشفُ، ولتخرج في البرِّ، وإن لم يجد وليُّها. قال ابن حبيبٍ: رُويَ انَّ عمرَ قال: مَنِ اتصل وفره ثلاث سنين، ثم مات ولم يحجَّ، لم أُصَلِّ عليه. قال العتبيُّ: قال سحنونٌ في الكثير المال القويِّ على الحجِّ، ولم يحجَّ: فهي حرمةٌ، إذا طال زمانه، واتصل وفره، وليس به سقمٌ. قيل: فهو كذلك مُذ بلغ عشرين سنة، إلى أن بلغ ستين سنة. قال: لا شهادة له. قيل: وإن كان بالأندلس؟ قال: نعم، لا عذر له. قال العتبيُّ، وابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: أولُ مَنْ أقامَ الحجَّ للناس أبو بكرٍ، سنة تسعٍ. قال غيرُ واحدٍ من البغداديين، ومنه لإسماعيل القاضي: إنَه لم يأتِ صريحاً أنَّ حجَّ أبي بكر حينئذٍ كان عن فرضٍ، والظاهرُ أنَّه حجَّ ليُنذرَ المشركين، بسورة "براءة"، أنْ لا يحجَّ بعد العامِ مشركٌ، ووقعَ حجُّهُ في ذي القعدةِ، والنسيءُ قائمٌ، وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجه في العام الثاني: " ألا إنَّ الزمان قد استدار كهيئتهِ، يوم خلق الله السموات والأرض"، فأخبر أنَّه
لم يكن قبل ذلك مستديراً، ويبعد أَنْ يفترض عليه الحج، فيحج أبو بكر الفرضَ قبله، ولو كان مفروضاً، يومئذٍ فأخَّره عليه الصلاةُ والسلامُ لم يُشبه غيره؛ لأنَّ الله سبحانه أخبره أنَّه يفتحُ عليه، ويدخلُ مكة آمناً فكان على ثقة، فكيف يجوزُ لمَن كان عليه فرضٌ غيرُ معلومٍ بقاؤه إليه، أَنْ يؤخره وليس على علمٍ من تأخُّرِ عُمره. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا يَحُجُّ بغير إذن أبويه، إلاَّ حجة الفريضة، فليخرج ويدعهما، وإن قدَر أَنْ يترضاهما حتى يأذنا له، فعَل، وإن نذر حجةً فلا يثكابرهما، ولينتظرْ إّذنهما عاماً بعد عامٍ، ولا يعجلُ فإنْ أبيا، فليحجَّ. ومَن توجَّه حَاجَّا بغيرِ إذن أبويه، فإن أبعد وبلغ مثلَ المدينةِ، فليتمادَ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: لا يعجل عليهما في الفريضة، وليستأذنهما العامَ، وعاماً قابلاً، فإت أبيا، فليخرجْ. قال ابن القاسم، وغيره: قال مالكٌ: العمرةُ سنَّةٌ واجبةٌ كالوترِ لا ينبغي تركها.
في الغسل للإحرام، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة، وذكر اغتسال المحرم لجنابة، أو لتبرد، أو لتطيب، أو لغير ذلك
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابنُ القاسمِ: ومَن أسلم عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فأحرمَ ولم يختتنْ، فذلك يُجْزِئُهُ من حجةِ الفريضة. قال أشهبُ: وإذا عتقَ العبدُ عشيَّةَ عرفةَ، فليحرمْ حينئذٍ عن شاء، ثم يقطعِ التلبيةِ مكانه، ويُجزئه من الفريضة. وكذلك الوقوف بعرفاتٍ قبل الفجرِ، أجزأه. ومَ، اراد عتق عبدِه بعرفة فتعجيل عتقه أحبُّ إلينا. قال مالكٌ: ويوم الحجِّ الأكبر، يومُ النحر. قال غيره: أمر الله سبحانه نبيه عليه الصَّلاَة والسلام أَنْ يؤذَّنَ للمشركين بسورة "براءة"، وموقف قريشٍ، وكان غيرُهم يقفُ بعرفةَ، ثم يأتون المشعرَ فيجتمعُ فيه جمعهم كلهم. في الغسل للإحرامِ، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة، وذكر اغتسال المُحرمِ لجنابةٍ، أو لِتَبَرُّدٍ، أو لِتَطَيُّبٍ، أو لغير ذلك ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وليغتسل من أراد الإحرامَ بالحجِّ. قال في موضعٍ آخر: أو بالعمرة. قال مالكٌ: والغُسلُ له بالمدينة عند خروجه، أو بذي الحُليفة. قال ابنُ القاسمِ: فإذا اغتسل بالمدينة،
ثم خرج من فوره، أجزأه. قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ لمَنِ اغتسل بالمدينة أَنْ يلبس ثيابه إلى ذي الحُليفةِ، فينزعها إذا أحرمَ. واستحبَّ عبدُ الملكِ، أَنْ يغتسلَ بالمدينة، ثم يخرج مكانه، فيحرم بذي الحُليفة. قال ابنُ حبيبٍ: ذلك أفضلُ، وبالمدينة اغتسلَ النبي صلى الله عليه وسلم وتجرَّدَ ولَبِسَ ثَوْبَيْ إحرامه. والذي رُويَ من الأحاديث الصحاح، من غير رواية ابن حبيبٍ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهرَ بالمدينة، وصلَّى العصرَ بذي الحُليفَةِ، وبات بها، وبها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءَ أنْ تغتسلَ حين نفسَتْ. قال سحنونٌ: فإذا أردت من الخروج من المدينة خروجَ انطلاقٍ، فأتِ القبرَ كما صنعت أولَ دخولك، ثم اغتسل، والْبسْ ثوبي إحرامك، ثم تأتي مسجدَ ذي الحُليفة، فتركع، وتصلِّي. ومَن ترك الغسل، وتوضَّأ، فقد أساءَ، ولا شيءَ عليه، وكذلك إنْ ترك الغسل، والوضوء، وإن أراد تركَ الغسل إلى ذي الحُليفةِ، فعَل، أو يغتسل ويؤخر تجردَهُ، فعل. قال مالكٌ، في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: فأمَّا أَنْ يغتسل بُكرةً ويتأخَّرَ خروجه إلى الظهر، فإنِّي أكره ذلك، وهذا طويلٌ. قال: وتغتسل النساءُ والصبيانُ، للإحرام، والحائضُ، والنُّفَسَاءُ. قال مالكٌ: فإنْ أحرمت الحائضُ والنُّفَسَاءُ ولم تغتسلْ، فلتغتسلْ، إذا عَلِمَتْ.
قال أبو محمدٍ: قال ابنُ الماجشون في "كتابه": ومن ركعَ للإحرامِ، وسار ميلاً قبل أنْ يُهِلَّ، وقد نَسِيَ الغسل، فليغتسلْ، ثم يركع، ثم يُهِلَّ، وإن ذكره بعد أن أهَلَّ، تمادى، ولا غُسلَ عليه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وليس في ترك الغسل عَمداً، ولا نِسياناً دَمٌ، ولا فديةٌ. قال سحنونٌ: وقد أساءَ. قال مالكٌ، في "المختصر": وتغتسل الحائضُ، وتُحرمُ من فناءِ مسجدِ ذي الحُليفةِ، ولا تؤخر إلى الجُحفةِ رجاءَ أنْ تَطْهُرَ. قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": وتغتسل الحائضُ والنُّفَسَاءُ؛ للإحرامِ بالعمرةِ، كالحجِّ. وقال ابنُ حبيبٍ: ومَنِ اعتمر من التنعيمِ، فأحبُّ إليَّ، أَنْ يغتسلَ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ويغتسل المحرمُ، لإحرامه، ولدخولِهِ مكَّةَ، ولرواحِهِ على الصَّلاَة بعرفةَ. وغسلُ الإحرامِ أو جبُها، ويتدَلَّكَ فيه، ويغسلُ رأسه بما شاء. فأمَّا غُسلُ مكة، وعرفةَ، فلا يتدَلَّكَ فيه، ولا يغسلُ راسه إلا بالماءِ وحدَه يصبُّه صبًّا، ولا يُغَيِّبُ راسَه في الماء. قال ابن عبدوسٍ: قال أشهبُ: ولولا أنَّه لم يؤمرْ بالغسلِ لزيارةِ القبرِ، ولرميِ الجمارِ، لأحببتُ ذلك، ولكنِّي أخافُ ذريعةَ استنانه، وإيجابه، ولو فعل أحدٌ في خاصةِ نفسه، رجوتُ له خيراً.
قال محمدٌ: قال عطاءٌ، ومُجاهدٌ: والحائضُ تتوضأ إذا توجهت لشيءٍ من امر الحجِّ. قال أبو محمدٍ: وقال ابنُ الماجشون في "كتابه": ومَن ركع للإحرام، وسار مشيلاً. قال محمدٌ: قال مالكٌ: وتغتسلُ النساءُ، والصبيان لدخول مكة. قال: والغُسلُ بذي طُوَى لدخول مكةَ، ومَنِ اغتسل بعد دخوله مكةَ، فواسعٌ، قال في "المختصر": وأرجو أَنْ يكون من ترك لك في سَعَةٍ. قيل: فقبْلَ ذي طُوَى بمُرِّ الظَّهرانِ. قال: الذي سمعتُ بقربِ مكةَ. قال مالكٌ: وليس على النُّفَسَاءِ والحائضِ غُسْلٌ لدخولِ مكةَ. قال أشهبُ: وذلك عليهما لوقوفِ عرفة. قال مالكٌ في "المختصر": وذلك حَسَنٌ لوقوف عرفة. قال ابن حبيبٍ: وإذا اغتسل المحرم لدخول مكةَ، فإنما يغسِلُ جسده دونَ رأسه، فقد كان ابن عمرَ لا يغسلُ رأسه وهو مُحْرِمٌ، إلا من جنابةٍ. ومن غسل رأسه، فلا حرجَ ما لم يَغْمِسْ رأسه في الماء، وكان ابنُ عمرَ ربما اغتسل لدخول مكة، وربما توضَّأ، والغُسلُ أفضلُ، ومن لم يغتسل، فلا حرج. وفي "الموطأ": أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسَه، وهو
مُحرمٌ، وعمر بن الخطاب ولعلَّ ابنَ عمرَ كان لا يغسلُ رأسَه، إلاَّ مِن جنابةٍ يعني في غير هذه المواطن الثلاثة. قال: وَلا بَأْسَ أَنْ يغتسلَ المحرمُ لغيرِ ضرورةٍ، من جنابةٍ، ولغير حَرٍّ يجده. قال ابن حبيبٍ: وله أَنْ يغتسلَ لحرٍّ لا لتنظيفٍ. قال مالكٌ: ولا يدخل الحمَّام، فإن فعل، فليفْتَدِ إن اتنقى وَسَخَهُ، وتَدَلَّكَ، وإن لم يبالغ في ذلك، فلا شيء عليه. قال أصبغُ: إذا كان إنَّمَا تَدَفَّأَ وصبَّ الماءَ، فلا شيء عليه. قال ابن حبيبٍ: لا بأس أَنْ يدخل الحمام للتدفُّؤِ، والتَّطَهُّرِ، لا لاستنقاء. محمدٌ: قال ابن القاسمِ: وإنْ غسل رأسَه، ولحيته بالخِطْمِيّ، افتدى. قال ابن حبيبٍ: وكذلك بالِّدْرِ، وإن غسله بالماء وحده لتنقية أطعم شيئاً. قال محمدٌ: قال مالكٌ: وإذا اغتسلت المُحرمةِ من الحيضَةِ، فإت دَلَّكَتْ راسَها، وجلدها بالسِّدْرِ أو بغيره، افتدتْ، ولا تزيد على الماءِ. قال مالكٌ: ولْيُعَجِّلِ المُحرمُ غسله من الجنابة، أَحَبُّ إليِّ، فإن أخَّره على وقتِ الظهر، فلا بأس بذلك.
ما يجوز أن يفعله المحرم عند إحرامه قبل أن يحرم وعند إحلاله؛ من دهن أو إلقاء تفث أو تلبيد وغيره
ما يجوزُ أَنْ يفعله المحرمُ عندَ إحرامهِ قبل أَنْ يحرِمَ وعندَ إحلاله؛ من دَهْنٍ أو إلقاءِ تَفَثٍ (أو تلبيدٍ) وغيره قال مالكٌ، في "المختصر: وتركُ الطيبِ عند الإحرام، أحبُّ إلينا، فأمَّا الرَّازِقيُّ، والكادِيُّ، والبانُ السَّمْحُ، فلا بأس به، وكذلك قبلَ أنْ يُفيضَ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: وليس له سَعَةٌ أنْ يَدَّهِنَ قبل إحرامه، بِدُهْنٍ فيه طيبٌ، ولا يحلَّه قبلَ أنْ يُفيضَ، فإنْ فعل فلا فديةَ عليه، لما جاء فيه، وأكرههُ، لما نهى كثيرٌ من الصحابة عنه. قال مالكٌ: وقد أحدث الناسُ طِيباً يبقى ريحُه. ومنه، ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وابن القاسمِ، قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أنْ تمتشطَ المرأةُ قبلَ إحرامها، بالحنَّاءِ، وبما لا طيبَ فيه، ثم تُحْرِمُ. وكذلك لها أن تختضبَ. محمدٌ: قال مالكٌ: ولا تجعل في رأسها زِواقاً، فإن فعلت افتدت، وإن جعلته قبل الإحرام. قال مالكٌ فيه، وفي "المَجْمُوعَة": ولا يجعل الرجل في رأسه عندَ الإحرامِ قبل أَنْ يحرم للأبزيةِ، وأخاف أَنْ يقتلَ القملَ، قيل: به إليه ضرورة أفيفتدي؟ قال: لا يجعله، وليصبر حتى يَحِلَّ، أحبُّ إلينا. قال مالكٌ: ولا بأسَ أنْ يَقُصَّ شاربه ويُقلِّمَ أظافره، ويتنوَّرَ عندما يريد أَنْ يحرم، وأما شعرُ رأسه، فأحبُّ إليَّ أَنْ يُعْفَى، ويُوَفَّرَ للشَّعَثِ.
في الإحرام والتلبية والركوع عند الإحرام، وذكر النية وقطع التلبية
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وَلا بَأْسَ أَنْ يلبده قبل أَنْ يحرمَ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم قيل: حين أحرمَ بمكة. والتلبيدُ، أنْ يأخذَ غاسولاَ، وصمغاً، فيجعله في الشعرِ، ويُضَفِّرَه، فيُلْصَقَ، فيقتل قمله، ولا يشعَثَ. ومن لبَّدَ، أو عَفص، أو ضفَّر، أو ربط شعرَه قبل أنْ يحرم من الرجال، فلا بدَّ له من الحِلاق، ومن فعل ذلك من النساء، فليس عليها إلا التقصير، عند الإحلالِ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: وينبغي للمرأة أن تخرج من قرون رأسها شيئاً للتقصير، عند الإحلال، وليس في قدره حدٌّ للرجل، ولا للمرأة. قال ابنُ حبيبٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يُقَصِّرُ منه الرجال، إذا ترك منه مأخوذَ الموسَى، وله أَنْ يتنوَّرَ إذا أراد الإحرام. ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: وللرجل أنْ يكتحلَ قبلَ أَنْ يُحْرِمَ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وإذا كان في عنقه كتابٌ فلينزعه قبل أَنْ يُحرمَ، فإن اضْطُرَّ إليه أو خاف فليتركه، ويفتدى، وإذا انتفض على المُحرمةِ راسها، فلا بأسَ أن تعيده. في الإحرام والتلبية والركوع عند الإحرامِ، وذكر النية وقطعِ التلبيةِ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهبٍ: قيل لمالكٍ فِي مَنْ أتَى الميقاتَ
بعد الفجر: أيركع ركعتين ثم يحرم؟ قال: بل يقيمُ حتى يصلى الصبحَ، فأحبُّ إلينا أنْ يقيمَ حتى تحين النافلةُ، فإنْ أحرم بأثرِ المكتوبةِ، أجزأه. وكان قال: لا يفعل. ثم رجع، وبرجوعه أخذ ابن القاسمِ. قيل: فتجزئُ المكتوبة. قال: أحبُّ إليَّ أَنْ يصليَ بعدَها ركعتين، فإن كانت لا تنفُّلَ بعدَها، فليركع قبلَها ركعتين, قال: وإذا اغتسل وتجرَّدَ، دخل المسجدَ فركع ركعتين أو أكثر إن أحبَّ، ثم يخرج فيُحرمَ. قال فيه، وفي "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: يجبرُ الكراء أنْ يُنيخَ بالمكترى ببابِ مسجد ذي الحُليفةِ، حتى يصلُّوا ثم يركبوا، فيُهلُّون، وليس له أَنْ يقولَ: اذهبوا، فصلُّوا، ثم تأتونَ إليَّ، فأحْمِلُكُمْ. قال محمدٌ: قال مالكٌ: وتُحرِمُ الحائضُ من رحلها إذا كانت بالجُحْفَةِ وبينها وبين المسجدِ هُنيهةٌ، وإن كانتْ بالشجرةِ، يريدُ من ذي الحُليفةِ، فمِن فناء المسجدِ، ولا تدخله، ولتغتسلْ، ولا تؤخر لانتظار الطُّهرِ، ولا تُحرم إلا يف ثياب طاهرةٍ، ولا تحرم حتى تركب، وإن كانت ماشيةً فحين يُحرمُ الماشي، بفناءِ المسجدِ إذا توَجَّهَ. قال عبد الملكِ، في "المَجْمُوعَة": ومَن أحرم في غير صلاةٍ، فلا حرج. ومن "الواضحة"" وإذا ركعتَ بمسجد ذي الحُليفةِ، فاكثر من الدعاء، ثم أخرج، فإذا ركبتَ بفناءِ المسجدِ، وأنت مستقبلٌ القبلةَ،
وانبعثتْ بكَ راحلتكَ، فأحرمْ، وكذلك إذا أخذ الرجلُ في المشي أحرم. وقال مالكٌ، في "المدونة": لا ينتظرُ سيرَ دابته. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ومن اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة، اقتصر على حظٍّ وافرٍ، وَلا بَأْسَ عليه إن زاد على ذلك، فقد زاد عمر: لبَّيْكَ ذا النَّعماءِ والفضلِ الحسنِ، لبيك، لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك. وزاد ابنُ عمرَ: لبيك ليك، وسعديك، والخير بيديك، والرَّغْبَاءُ إليك والعملُ. ورُويَ أنَّ من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبيك إله الحقِّ لبيك". ولا تُكره التلبية في كلِّ موطنٍ، وعلى كل حالٍ، ولا وهو في حاجته. ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: وسئل مالكٌ، عن قولِ عروة: لا إله إلا أنت وأنت تُحيي بعدما أمَتَّ. قال: ليس عليه العملُ وقد ترك. قال في "المختصر": وَلا بَأْسَ بتعليم التلبية.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: والتلبية خلف كلِّ صلاةٍ وخلفَ النافلةِ، ولا أحبُّ تركها في منازلهم، ولا في الطرق. قيل: ففي اصطلام الرفاقِ، قال: ما سمعت ذلك. وفي "الواضحة"، نحو ما ذكر، وزاد، وحين يلقى الناسَ، عندَ اصطلام الرفاقِ، وببطن كل وادٍ، راكباً، وماشياً، أو نازلاً، أو قاعداً، أو عند انتباهك من نومك، وإن صليت بأصحابك، فلبِّ دبرَ الصلاةِ مرة واحدةً على آخر التلبيةِ، قبل قيامك. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: كانت عائشة تُسَمِّي في الإحرام بالحج والعمرة، وكان ابن عمر يُحْرِم ويَنْوِي. قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: أحبُّ إليَّ النية، ولا يسمِّي. وفي رواية ابن القاسمِ: أكره التسمية، وذلك واسعٌ أَنْ يُسمِّيَ. قال: ويجزئه النية في إحرامه عن غيره. قال ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومَن أراد أَنْ يُهِلَّ بالحجِّ مفرداً، فأخطأ، فقرن، أو تكلَّمَ بالعمرة، فليس ذلك بشيءٍ، وهو على حجِّهِ. قال في "العُتْبِيَّة": ثم رجع مالكٌ، فقال: وعليه دمٌ. وقاله ابن القاسمِ. قال مالكٌ: وإذا أحرم بالحجِّ بالتلبيةِ قارناً، فليقل: لبيك بعمرةٍ وحجٍّ. معاً يبدأ بالعمرة. ومن "كتاب" محمدٍ، قال: ومن لبى يريد الإحرام، ولم ينوِ شيئاً،
فالاستحسان أَنْ يُفردَ، والقياس أَنْ يقرِن. ولو نوى شيئاً فنسيه، فهذا قارنٌ لابدَّ. وقاله أشهبُ، في "المَجْمُوعَة". ومن "كتاب" محمدٍ، وإن لبَّى بعمرتين، أو حجتين، فليس عليه إلا حجة واحدة، ولاي قضي الأخرى. وليسمع نفسَه التلبية، ومَن يليه في المساجد، غيرِ المسجدِ الحرام ومسجد مَنًى، فليرفع فيها صوته. قال أشهب في "المَجْمُوعَة": لأن لك ينتشر فيهما، ولا تُشتهر بذلك الملبِي لأنها موضع ذلك. ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب، عن مالكٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرني جبريلُ أنْ آمُرَ أصحابِي برفعِ الصوتِ في التلبيةِ». وليس عليه أَنْ يصيحَ جدًّا حتى يعقرَ حَلقه، والوسطُ من ذلك يُجْزِئُهُ، إن شاء الله تعالى. ومن "المختصر" قال مالكٌ: ولا بأسَ بتعليم المحرمِ التلبيةَ. ومنه ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: والأعجميُّ يُلبِّي بلسانه الذي يرطُنُ به. وواسعٌ للمحرم التلبية حولَ البيتِ، وتركها أحب إليَّ. وأكثر الناسِ
يفعله، وكان ابن عمر لا يفعله، ولا ابن شهابٍ. وما ارى به بأساً. وإذا طاف المعتمر لم يَعُدْ على التلبيةِ، وليعد القارن. قال العتبيُّ، وابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: ولا بأسَ أَنْ يلبِّيَ الحاجُّ على الصفا والمروة، وأما المعتمر فلا، أحرم من ميقاته أو من التنعيم. قال أشهبُ، عن مالكٍ: لا يقطع الحاج التلبيةَ، وإن دخل أوائل الحرمِ، ولكن يقطعها في الطوافِ، وإن لبَّى فواسعٌ، ثم يعاودها حتى يروحَ إلى عرفة. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: مَن أحرم من الميقات لحجٍّ أو عمرةٍ، فليقطع التلبية، ويسعى حتى يروح إلى عرفة. ومن "المختصر": ومن اعتمر من الجُعرانة قطع إذا دخل مكة، وإن اعتمر من التنعيم قطع إذا رأى البيت، أو دخل المسجدَ، وإن اعتمر من الميقات قطع إذا دخلَ الحرمَ، وإن لبَّى في ذلك كله حتى يدخل المسجد، فذلك واسعٌ، والإحرام من الميقات أفضل له من الجعرانة أفضل من التنعيم. قال محمدٌ: قال مالكٌ: يقطعُ التلبيةَ يوم عرفةَ إذا زاغت الشمسُ، وقال: إذا زاغت وراح إلى مصلَّى عرفة، وبه يأخذ ابنُ القاسمِ، وابن عبد الحكم، وأصبغُ، وقال مالك أيضاً: يقطع إذا وقف بعرفة. قال ابن وهبٍ: قلت لمالكٍ: أيلبي في ممشاه إلى الموقف للدعاء حتى
ذكر المواقيت، ومن تعداها، وما يفعل من دخل المدينة، وذكر أشهر الحج والإحرام قبلها أو من وراء الميقات، أو من فاته الحج الى أين يحرم بالعمرة؟
ينتهيَ إليه؟ قال: لا. وقال عنه أشهبُ: إذا راح إلى موقف عرفة قطعَ التلبية، ولا يلبي الناس بعرفة، ولا الإمام في خطبته. قال سحنونٌ: وإذا اغتسلتَ بعرفة، فإذا زاغتِ الشمسُ، فرُحْ إلى المسجدِ مُلبيًا، فإذا صليت الظهر والعصر، ورُحت إلى الموقف فاقطع التلبية، وخُذْ في التكبير والتهليل حتى تأتيَ الموقف. قيل لمالك: أيردُّ الملبيَ السلامَ؟ قال: أحبُّ إليَّ ألا يرد حتى يفرغ من تليته، فيرد بعد ذلك، ثم قال: وهل يسلِّمُ على الملبِّي أحدٌ – إنكاراً لذلك -؟ قال مالكٌ، وفي "العُتْبِيَّة": وإن رجع لحاجةٍ، فلا يلبي رجوعه، وإذا حلَّ، فلا يلبي راجعاً. ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن كبَّر ولم يلبِّ، أو ترك التلبية حتى فرغَ، فعليه دمٌ. وإن أنكر في إحرامه، فعاودها، أجزأه. ولو بدأ بالتلبية، ثم كبَّر وهلَّل، فلا شيء عليه، وقيل: إن لبَّى أحرم ثم ترك، فعليه دمٌ، كمَن أحرم بغيرِ تلبيةٍ. ومن نادى رجلاً حلالاً، فأجابه: لبيك اللهم لبيك، فإنْ كان جهلاً وسفهاً، فلا شيء عليه. وكثير من مسائل هذا الباب في "مختصر" ابن عبد الحكم. ذكر المواقيت، ومَن تعدَّاها، وما يفعل مَن دخل المدينة، وذِكرُ أشهرِ الحجِّ والإحرامِ قبلها (أو من وراء الميقات) أو مَ، فاته الحجُّ من أين يُحرمُ بالعمرةِ؟ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قيل لمالكٍ: في ميقات الجُحْفَةِ أيحرم من
وسطِ الوادي، أو آخره، قال: هو مهلٌّ كله، فليحرم من أوله، أحبُّ إليَّ، وكذلك ما كلن مثلَ الجُحفةِ من المواقيت. وسئل أيضا: أيحرم منَ الجُحفةِ من المسجد الأول أو الثاني؟ قال: ذلك واسعٌ، ومن الأول أحبُّ إلينا. ومثله في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسمِ، ولم يقل: والأول أحب إلينا. قال مالك: والمواقيت في العمرة والحج سواءٌ، إلا من منزله في الحرمِ أو بمكة، فعليه في العمرة أَنْ يخرج إلى الحلِّ، وأقلُّ ذلك التنعيم، وما بعد مثلُ الجعرانة، فهو أفضل. ولو خرج الطارئ إلى ميقاته، كان أفضل وإهلال من أحرم (من مكة، فالحج من جوفِ المسجدِ إذا رأوا هلاَ ذي الحجة، وإن أخرُّوا على يوم التروية، فأرجو أَنْ يكونَ فيه سَعَةٌ. ومثله في "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب، وقال: يحرم من جوف المسجد، لا من بابه، ولا من منزله. محمدٌ: قال مالكٌ: ومن حجَّ في البحر من أهلِ مصرَ وشبههم، فليحرم إذا حادى الجحفة، ومَن كان منزله حذاء الميقات، فليحرم من منزله، وليس عليه أَنْ يأتي الميقات. قال مالك: (ومن منزله دونَ المواقيت على مكة فليُحرم من داره أو مسجده ولا يؤخر ذلك)، وقد أحرم ابن عُمر من الفرعِ، حين
أراد الخروج منه إلى مكة، ومن أحرم من بلده، وقبل الميقات فلا بأس بذلك، غير أنَّا نكره لمَن قارب الميقات أنْ يحرم قبله، وقد أحرم ابنُ عمر من بيتِ المقدسِ، وأحرم من الفرعِ، كان خرج لحاجةٍ، ثم بدا له، فأحرم منه. قال مالكٌ: فِي مَنْ نذر إن شفاه الله أَنْ يحرم بعمرةٍ من المدينةِ: فليغتسل بالمدينة، ويتجرد بها؛ لقوله: من المدينة. ولا يحرم إلا من ذي الحُليفةِ، وفي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ. قال في "المختصر": وأحبُّ لأهلِ المشرقِ إن مرّوا بذي الحُليفةِ أَنْ يحرموا منها. وقال في "المدونة": ليس لمن مرَّ بها من أهل العراق أَنْ يجاوزها؛ لأنَّه لا يتعداخا إلى ميقاتٍ له. قال ابن حبيبٍ: وإذا أراد أهلُ مصرَ وأهلُ الشام والمغرب أن لا يمروا بالجُحفةِ، فلا رخصة لهم في تركِ الإحرامِ من ذي الحُليفة. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وأُحبُّ لمَن دخل المدينة، إذا دخل المسجدَ أَنْ يبدأ بركعتين قبلَ الوقوفِ بالقبرِ، ومن دخل المسجدَ الحرامَ، فليبدأ قبل الركوعِ. قال ابن حبيبٍ: ويقولُ إذا دخل مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله، وسلامٌ على رسولِ الله عليه الصَّلاَة والسلامُ، وافتح لي أبواب رحمتك، وجنتك، واحفظني من الشيطان الرجيم. ثم تقف بالقبر – يريد: بعد أن تركع – فتقف متواضعاً متوقِّراً،
فتُصَلِّي على النبي، وتثني عليه بما يحضرك، وتسلم على أبي بكر، وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، الفرض والنافلة ما أقمت بها، ولا تدع أنْ تأتيَ مسجدَ قباءَ، وقبور الشهداء. قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ويسلمُ على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل وخرج، وفيما بين ذلك. قال مالكٌ في موضع آخر: وقد أكثر الناسُ من ذلك. قال محمدٌ: وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر، وكذلك مَن خرج مسافراً. قال ابن حبيبٍ: وتركع ركعتين عند وداعك القبر، وتسأل الله فيهما الفوز والتقبل وتمامَ حجك، وقد اغتسلت لإحرامك وتجرَّدْتَ، فلا تُلبِّ حتى تأتي ذا الحُليفةِ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ، في رجلٍ بمكة أراد أنْ يحجَّ عن رجلٍ: فليحرم من ميقات الرجل، أحب إلينا. وإن أحرم من مكة أجزأه. قال ابن القاسم: ومن حلفَ بالمشي على بيت الله، وهو بمكة، من مكيٍّ أو طارئٍ، ثم حنثَ، فليخرج على الحلِّ، فليحرم بحجٍّ أو بعمرةٍ. وكذلك لو نَوَى أنَّه محرمٌ ساعة يحنث، فلا بد أَنْ يخرج، وإن كان الإحرام لزمه. ورُوِيَ عن مالكٍ، في الحالف في المسجدِ، فهذا يخرج إلى الحل. مالكٌ: ولا يَقْرِنُ أحدٌ من مكة، ومن أهَلَّ بحجٍّ أو بعمرةٍ، فلا يقيم بأرضه إلا غقامة المسافر. وليس مكةُ ولا الحرم بميقات المعتمر، فمن أحرم بعمرةٍ من مكةَ أو من الحرمِ، فقد اخطأ وقد لزمه، وعليه أَنْ يخرج إلى الحِلِّ على إحرامه، لا يقطعه، فيدخل مَهلاًّ به، وإن لم يذكر إلا في
طوافه أنَّه أَهَلَّ من الحرمِ، فليتم طوافه، ويخرج على الحِلِّ، فيدخل منه. قال محمدٌ: يريدُ: ويبتدئ. قال: وإن لم يذكر حتى أتمَّ عمرته، وحلقَ رأسَه، فليس ذلك بإحلالٍ، ولابدَّ أَنْ يخرج إلى الحِلِّ، ويدخل منه، ويأتنف عمل العمرة ثانية. ويُمِرَّ المُوسَى على رأسه، ولا شيء عليه في حلاقه الأول. قال أبو محمدٍ: وهذه المسألة أراها لأشهب، وهي في "أمهات" أشهب نصًّا، إلا أنَّ في "كتابه": عليه الفدية في حلاقه الأول، وهكذا رأيت في "أمهات" يحيى بن عمر، وغيرهما، وهذا الصواب، وأراها وقعت في "كتاب" ابن الْمَوَّاز غلطاً. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وهو لأشهب في "كتابه" قال: فإن أصاب أهله فيما بين أَنْ يخرج إلى الحِلِّ لعمرته الثانية، قال: فليتمَّها، وعليه عمرةٌ أخرى والهدي. قال مالكٌ: في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، في المريض: لا ينيغي أَنْ يجاوز الميقات، لما يرجو من قوةٍ، وليحرم منه، وإن احتاج على شيءٍ افتدى. ورُوِيَ عنه، أنَّه قال: لا بأس أَنْ يؤخر إلى الجحفةِ. وفي رواية ابن عبد الحكم: لا يؤخر إلى مكة، وربَّ مريضٍ أزاله ذلك حتى يأتيَ الجحفةِ.
وقال: لا تؤخر الحائضُ من ذي الحليفة على الجحفةِ رجاء أن تطهر. قال: ومَن تعدَّى الميقات، فليرجع إذا لم يحرم، ما لم يخفِ الفوات، فيحرم. وقيل: وإن شارف مكة، فلا يرجع، ويحرم ويُهدي، وإن لم يشارف رجع إن كان يدرك. قال ابن حبيبٍ: ومَن تعدَّى ميقاته ثم أحرم بعد أن جاوزه، فعليه دمٌ، إلا أنْ يحرم وهو قريب منه، فلا دم عليه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومن جاوز ميقاته لا يريد دخول مكة، ويريد حاجة بمثل أمَجٍ وقُدَيدٍ ثم بدا له أَنْ يدخل بعمرةٍ، فليحرم. ولا يجع، ولا دم عليه. قال مالكٌ: ومَن جاوز ميقاته يريد دخول مكة حلالاً ثم أحرم بعد أن جاوزه، فعليه دمٌ، قال محمدٌ: (لا هدي عليه)، وإنما الهدي على من جاوز ميقاته يريد الإحرام. وأخبرني أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ دخل مكةَ حلالاً، ثم أنشأ الحج منها، فلا بأس بذلك، ولو خرج إلى الحِلِّ، كان أحبَّ إليَّ. قال: وعلى متعدِّي ميقاته في قضاء ما فاته من حج أو عمرة، هَديٌ. قال ابن القاسمِ: ومن تعدى الميقات ففاته الحجُّ، فلا هدي عليه، وإن أفسدَ حجه، فذلك عليه. وقال أشهبُ: عليه ذلك في الفوات والفساد، وبه قال محمد.
ومن أنشأ الحج من مكة ومن مكيٍّ، أو متمتعٍ طارئٍ، أو من دخل بعمرةٍ ثم اردغ إليها الحج أو بالحرمِ، ثم فاته الحجُّ، فليخرج كل واحدٍ منهم إلى الحِلِّ لعملهم عملَ العمرةِ، وليس مكةُ بميقاتٍ للمعتمر، ومن دخل مفرداً أو قارناً، ثم فاته، فلا يخرج إلى الحلِّ، لأنَّه منذ دخل مكةَ بإحرامه هذا، فليطف ويسعَ، طاف قبل ذلك أو لم يطف، وذك رنحوه ابمن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة". ولا أحب لأحدٍ أَنْ يحرم بالحجِّ في غير أشهر الحجِّ، إن فعل لزمه، وإن احرم في المحرم إلى ذي الحجة، لزمه، ولا يزال ملبياً محرماً حتى يرمي، ويحلق، وكُره أَنْ يقرن في غير أشهر الحجِّ. قال أشهبُ: قال مالكٌ: وأشهر الحجِّ، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة كله. وقال ابن حبيبٍ، عن مالكٍ: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجةِ، ورُوِيَ ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن عباسٍ. وذكر في "المَجْمُوعَة" رواية أشهب هذه، وقال: وقاله أشهبُ، ورواه عن عمر بن الخطابِ. وقال محمد بن عبد الحكمِ: إذا انقضتْ عشر ذي الحجة فقد انقضى أشهر الحجِّ.
في لباس المحرم، وذكر ما فيه من صبغ أو طيب من الثياب، ومما يتوسد وينام عليه، وذكر العقد وشبهه في لباسه، وما فيه الفدية من اللباس
في لباس المحرم، وذكر ما فيه من صِبْغٍ أو طِيبٍ من الثيابِ، ومما يَتَوَسَّدُ وينام عليه، وذكر العقد وشبهه في لباسه، وما فيه الفدية من اللباس من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولباس البياض في الإحرام أحبُّ إلينا، وَلا بَأْسَ بغيره. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وسَّعَ مالكٌ أَنْ يحرم في ثوبٍ غيرِ جديدٍ، ,عن لم يغسله. قال أشهبُ: وإن خاف عليها نجاسةً، فهذا من باب الوسوسةِ، فأحبُّ إلي غسلهما، كانا جديدين أو غسيلين. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإن ابتاع ثوبين من السوقِ، فخاف أَنْ يكونا مسروقين، فلا يحرم فيهما إن شكِّ. قيل: فإن باعهما وتصدَّقَ بثمنهما؟ قال: قد أصاب. قال مالكٌ: والنساءُ والرجال فيما يُنْهَى عنه من الإحرامِ في المُوَرَّسِ، والمعصفرِ المُفدَمِ، والمزعفرِ، سواءٌ، وَلا بَأْسَ بغير ذلك من الألوان، وإن أحرم في ثوبٍ مُوَرَّسٍ، أو مزغفرٍ، فليفتدِ. ومن "المَجْمُوعَة": وكره مالكٌ الإحرامَ في المعصصفرِ المُفدَمِ
للرجال والنساءِ. قال أشهبُ: اكره من المعصفرِ مالَه رَدْعٌ في الجسدِ. ولا فدية على /َن لبسه من رجلٍ أو امرأةٍ، وقد أساء. وأكره لُبس ما لم يردع منه للرجل المفتدِي به، وأفضل لباس المحرم البياض، ولا يمنع من سواه، والخَزُّ من أشهر ذلك. وما كان منه أبيضَ ومن الألوان ما لا شبهةَ به على الناسِ في لباسِ المصبغِ، فلا بأس به. قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وللمرأة أن تحرم في الحرير الصفر. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وللمحرمةِ أن تلبس ثياب حيضتها، ولتغسل ما فيها من الدمِ، ولا يُكره لها من اللباسِ غيرُ الوَرْسِ والزعفرن والمعصفرِ المفدَمِ. قال ابن حبيبٍ: ولها لباس المفدم إلا الذي ينتقض، فقد كره مالكٌ، ولها لباس الخزِّ في الإحرامِ. ومن "كتاب" محمدٍ، قال: وتلبسُ كيف شاءتْ، إذا اجتنبت النقاب، والبُرقعَ، والقُفازين، وإن فعلت لك افتدت، إلا أنْ تنزعه مكانها، وكذلك البرقع، وإن خافته، ولها لباس الخُفَّيْن. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة": وتلبس السراويلَ والخفين وال؛ لي والحريرَ، وَلا بَأْسَ أن تلبس عمامة حريةٍ. قال ابن حبيبٍ: كان مالكٌ يوجب عليها الفدية والنقاب والبرقع والقفازين، وأنا لا أبلغ بهاذ لك في القفازين، لرخصةِ عائشةَ فيهما، وأما الخفين والسراويل فمجتمَعٌ على الرخصةِ لها فيهما.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولا يحرم المحرم في ثوبٍ فيه ريحُ مسكٍ أو طيبٍ. فإن فعل فلا فديةَ عليه. قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": إلا أني كون كثيراً، أو يكون كالتطيبِ، فيفتدي، قال: وَلا بَأْسَ بالمورَّدِ، والأصفرِ بغير وَرْسٍ ولا زعفرانٍ، وأمَّا المعصفرُ، فإن غسلَ فذهب لونُه ورائحته فلا بأس به، وإن بقيت رائحته أو بقيت فيه صفرة فلا، إلا أن تكون معدَّةً يغشيها يوارى لونها. ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب "ابن الْمَوَّاز، قال مالك: ومن احرم في ثوبٍ فيه لُمعةٌ من الزعفران، فلا شيء عليه، وليغسله إذا ذكر. وَلا بَأْسَ أَنْ يحرم في ثوبٍ مصبغٍ. قال ابن القاسمِ: وإن كانت رائحته طيبةً، ما لم يكن مسكاً أو عنبراً. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا ينام على شيءٍ مصبوغٍ بورسٍ أو زعفرانَ، من فراشٍ أو وسائدَ، ولا يجلس إلا أَنْ يُغشِّيَه بثوبٍ كثيفٍ، فإن فعل ولم يغشه افتدى إن كان صبغاً كثيراً، أو معصفراً أخف ذلك، ولا أحب أَنْ ينام على ذلك، لئلا يعرقَ فيصيبه، إلا الخفيف لا يخرج على الجسدِ، ولا يتوسَّد مرفقة فيها زعفران، وكره أَنْ ينام
على خشبةٍ مزعفرةٍ قد ذهبت الشمس بصباغها حتى يغشيها بثوبٍ أبيضَ. قال مالكٌ: وللرجل أَنْ يحرم في ثوبٍ فيه حريرٌ، ما لم يُكثره. وأخبرنا أبو بكرٍ، عن يحيى بن عمر، عن ابن بُكيرٍ، أنه سأل مالكاً: هل يحرمُ في ثوبٍ فيه علمُ حريرٍ قدرَ الأصبعِ؟ قال: لا بأس بذلك. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وله أَنْ يرتدي بقميصه وبُرنسهِ ودُواجه وقبائه ويطرحه على ظهره. وكُره أنْ يرتدي بالسراويل. قال: وإن لم يجد مئزراً، فلا بأس بالسراويل، وإن افتدى، وفيه جاء بالنهي. قال في "المختصر" إذا لم يجد مئزراً، فليلبس سراويل، ويفتدِ. مالكٌ: وإذا اغتسل فجعل ثو به على رأسه، يتجفَّفُ به، فهو خفيفٌ، وتركه أحب إلينا، وإذا جرَّبَ خُفًّا فلبسه، ثم نزعه مكانه، فلا شيء عليه. قال مالكٌ: وإن لبس قميصاً ولم ينتفع به من حَرٍّ أو بردٍ، حتى ذكر فنزعه، فلا شيء عليه، وإن مكث يوماً، أو انتفع به لحرٍّ أو لبردٍ افتدى.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإذا لم يجد المحرم النعلين بثمنٍ يُشبه ثمنهما، أو يقاربه، فله أَنْ يلبس الخفين، ويقطعها أسفلَ من الكعبين، وإن فعل ذلك واجداً لشراء النعلين بماذ كرنا من الثمن، فليفتد. وقال ابن حبيبٍ: إنما أرخصَ في قطعِ الخفين في قلةِ النعالِ، فأما اليوم فقد كثرت فلا تقدم، ولا رخصة في ذلك اليوم، ومن فعله افتد. وقاله ابن الماجشون. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وكره مالك للمحرم الجوربين، أو نعلاً له عقب معطوف، يجاوز من وراء رجليه. قال الن الماجشون: وإن لحتاج على لباسِ قميصهِ، ثم استحدث لباس سراويل معه، ففديةٌ واحدةٌ، ولو احتاج أولا على السراويل، فلبسه ثم لبس قميصاً، ففديتين. وأما إن لبس قَلَنْسِيَةً، ثم بدا له فلبس عمامة، أو لبس عمامة ثم نزعها فلبس قلنسية، ففدية واحدة في هذا كله. وقال عنه ابن حبيبٍ: وكذلك إن احتاج على قميصٍ فلبسه لم ينوِ لُبسَ غيره، ثم احتاج إلى جُبَّةٍ فلبسها، ثم اختاج إلى فروٍ فلبسه، فليس عليه إلا فدية واحدة، وكذلك لو لبس قلنسية ثم احتاج إلى عمامة ثم على التقبُّبِ والتظللِ، ففعله، ففدية واحدة في ذلك كله. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: قال مالك: ولا ينبغي أَنْ يفعل ما فيه الفدية من غير الضرورة، ليسارة الفديةِ عليه، وأنا أعظه عن ذلك، فإن فعل فليفتدِ، وإن لبس لغير علةٍ، ثم مرض، فتركه، ثم صحَّ، فتركه، ففديةٌ واحدةٌ تُجْزِئه. ولو لبس لمرضٍ، ثن تمادى فلبسه يعد أن صحَّ فعليه فديتان. وكذلك ذكر ابن حبيبٍ، في أول المسألةِ، عن ابنِ الماجشون، وزاد: لا يبالي من مرضَ مرضةً ثانية بعد الأولى، ثم صحَّ منها، وهو عليه، أو لم يمرض ثانيةً، فليس عليه إلا فديتان. ومن هذا المعنى في باب التظللِ، وفي باب التطيبِ في تكرير ما يفعله مما نُهيَ عنه.
في العقد والاحتزام والتعصيب وشبهه للمحرم، وتقليد السيف
في العقد والاحتزام والتعصيب وشبهه للمُحرمِ، وتقليد السيف من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإن عقد الثوب عليه حتى صلَّى، افتدى. قال محمدٌ: وليس لأن هذا طويلٌ، ولكن لانتفاعه. وفي موضع آخرَ، قال ابنُ القاسمِ –وكأنه لا يرى عليه فديةٌ -: إن صلَّى كذلك لقربهِ، وقد قال مالكٌ: يفتدي، وما هو بالبينِ. قيل لمالك: أيَحْتَزِمُ المحرم بثو به على نفسه؟ قال: أمَّا إن أراد العملَ، فلا بأس به، وإلا فلا. قيل: يستثفر بثو به عند الركوب؟ قال: أرجو أَنْ يكونَ واسعاً، وما هو من الشأن. قال في "المختصر": واختُلفَ في استثفاره به عند الركوبِ والنزولِ والعملن وأرجو أَنْ يكون واسعاً. ومن "كتاب" محمدٍ: وإن احتزم فوق إزاره بعمامةٍ، أو حبلٍ، أو خيطٍ افتدى. وإن ائتزر بمئزرٍ فوق مئزره. افتدى إلا أَنْ يبسطهما ثم يأتزر بهما معاً، وكذلك ذكر ابن عبدوسٍ، عن عبد الملكِ: قال عنه: وأما رداءٌ فوق رداءٍ فلا بأسَ. قال: وَلا بَأْسَ فيما يجملُ من وفرةٍ أَنْ يعقده على صدره. قال في "المختصر": وَلا بَأْسَ أَنْ يحملَ متاعه على رأسه، أو يجعل فيه الحبل، ويلقيه خلفه، ويجعل الحبلَ في صدره. قال ابن عبدوسٍ: قال عنه ابن القاسمِ: وَلا بَأْسَ أَنْ يجعل إزاره في حجوته عند نزوله. قال عنه ابنُ نافعٍ: ولا يستثفره إذا ركب. قال عنه ابن القاسمِ: ومَن قصَّر إزاره أيعقده – إذا صلى – خلف قفاه؟ قال: لا،
وليأتزر به، فإن فعل فلا شيء عليه. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، وَلا بَأْسَ أنْ يتوشَّحَ بثو به، وأن يحتبي، فإنْ عقد ما يتوشح به على عنقه، فإنْ نزعه مكانه، فلا فدية عليه، وكذلك إن جلله عليه، فإن طال ذلك افتدى. وذكر نحوه ابن حبيبٍ، عن مالكٍ، وزاد عنه: وكذلك إن زرَّرَ عليه طَيلسانه. قال مالكٌ: في "العُتْبِيَّة": ولا يجعل الكساءَ يلبسه بعودٍ. ومن "كتاب " ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وأما أَنْ يحتبي بثو به، وليس من ناحية العقدِن ومَن عَصَبَ من وجعٍ يجده، فليفتد. قال مالكٌ: ويتقلد المحرم الشيفَ، إن احتاج إليه وخاف، ولا فدية عليه إن فعله من غير حاجةٍ، وإن نزعه، ولا يفتدي. ومن كتاب آخرَ قال ابنُ وهبٍ: إذا تقلده من غير حاجةٍ إليه، فعليه الفديةُ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يتخذ الخرقة، ويجعل فرجه عند نومه، وهو بخلاف لفِّها عليه للمنِيِّ أو للبولِ، هذا يفتدى. وإن استنكحه بفديةٍ واحدةٍ تُجْزِئه إذا استدامه، ولو اعتمر بعد حجته، افتدى لذلك فديةً ثانيةً. قال ابن القاسمِ: عن مالك، في "العُتْبِيَّة": وأما الذي يعصب على ذكره عصابةً للمنيِّ، أو للبولِ يقطر منه، قال: عليه الفديةُ. وقال في موضع آخرَ: يَلُفُّ على ذَكره خرقة للمَذْيِ أو للبولِ، والجواب سواء
في التظلل والتقبب للمحرم، وتغطية الرأس، وما يفعله من العقد ولصق الحرق ورباط المنطقة، ونحو ذلك
في باب التظلل من مسائل العقدِ. في التظلل والتقبب للنحرم، وتغطية الرأس وما يفعله من العقد ولصق الخرق ورباط المنطقةِ، ونحو ذلك من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا يستر المحرم على رأسه ولا على وجهه من الشمس بعصاً فيها ثوبٌ. فإنْ فعل افتدى، ولا بأسَ بالفسطاط والقُبَّةِ وهو نازلٌ، ولا يعجبني أَنْ يستظلَّ يومَ عرفة بشيءٍ. ولا يستظلَّ في البحرِ، إلاَّ أَنْ يكون مريضاً، فييفعل ويفتدي. قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أَنْ يستظلَّ تحت المحملِ وهو سائرٌ، أو يجعل يدَه على رأسه أو يستر بيده وجهَه من الشمسِ، وهذا لا يدومُ. وقا سحنونٌ: لا يستظل تحت المحمل وهو سائرٌ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: وإن غطَّى وجهه متعمداً، أو ناسياً حتى انقطع بذلك، لحرٍّ أو بردٍ، فلا فدية عليه، لما جاء فيه. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: لا بأس أَنْ يتظلل المحرم إذا نزل بالأرضِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يلقيَ ثوباً على شجرةٍ، فيقيل تحته، وليس كالراكب، والماشي. وهو للنازل كخباءٍ مضروبٍ. وذكر ابنُ المواز، في "كتاب المناسك"، أنَّه لا يستظلُّ إذا نزل بالأرضِ بأعوادٍ يجعل عليها كساءً أو غيرَه، ولا يحمله، قال: فإنما وُسِّعَ له في الخباء والفسطاط والبيتِ المبنيِّ. وقال
يحيى بن عمر: لا بأس بذلك إذا نزل بالأرضِ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يجعل يديه فوقَ حاجبيهن يستر بهما وجهه، وكره أَنْ يجفف رأسه إذا اغتسل بثوبٍ، ولكن يَحُكُّهُ بيديه. قال في "المحتصر": وهو خفيفٌ في الثوبِ، وتركه احب إلي. قال في "المختصر": وليس على المحرم كشف ظهره للشمسِ إرادةَ الفضل فيه. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أَنْ يواريَ المحرمُ بعضَ وجهه بطرفِ ثو به، وإذا جاز للمحرم أَنْ يتعممَ، أو يتفلسَ، جاز له انْ يتظلل. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، وكره مالك أَنْ يَكُبَّ وجهه على الوسادةِ من الحرِّ، ولا يرفعها يستظلُّ بها، وَلا بَأْسَ أَنْ يضع خدَّه عليها. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإذا عصَّبَ رأسه لصداعٍ بعمامةٍ، ثم ذهب عنه، فبعد ايامٍ عاوده، فعصب رأسه، فإن نوى أولا إن عاد إليه الوجعُ عاودها، ففديةٌ واحدةٌ وإلا ففديتان. ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وإذا جعل صُدغيه فعليه الفدية، وهو من ناحية العقد، وكذلك إن عصَّب رأسه. ومن "كتاب" محمدٍ، قال: وإذا غطت المحرمة وجهها، وأسدلت عليه
في الطيب للمحرم، وإلقاء التفث، وقتل الدواب، والدهن والكحل والحجامة وحلق الشعر والزينة، وغيرها، ومن فعله بغيره
لحرٍّ أو لبردٍ، لا لسترٍ، افتدت إلا انْ تنزعه مكانَها. وإذا مات المحرم خُمِّرَ وجهُه ورأسُه. قال مالك في المرأة تعادل الرجل في المحمل: لا يعجبني أَنْ يجعل عليهما ظلاًّ، وعسى أَنْ يكونَ في ذلك بعضُ السعةِ إن اضطُرَّ على ذلك، وفي رواية أشهب: لا يستظلُّ هو، وتستظلُّ هي. وقاله ابن القاسمِ. قال: وفي الدُّمِّلِ تُوضعُ عليها رُقعةٌ، قدرَ الدرهم، إنَّ ذلك كثيرٌ، ويفتدي. ومن "المختصر": وإن كان به قروحٌ، فألصق عليها رِقاعاً صغاراً، فلا بأس به، وإن كانت كباراً فليفتد. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولا باس أَنْ يربط نفقته في إزاره، ويعقد ذلك فيهن وإن لم يكن له منطقةٌ، وكره له مالكٌ شدَّ المنطقةِ على العضدِ والفخذِ والساقِ. قال ابن قالاسمِ: ولا فدية عليه إن فعل، قال أصبغُ: أما في العضدِ فليفتد. ومن "العُتْبِيَّة"، / قال ابن القاسمِ: عن مالكٍ: وإذا كان في إصبعه قطْعٌ بسكينٍ، فإن كان يسيراً وجعل عليه حِنَّاءً، وربطه بخرقةِ، فلا شيءَ فيهن وإن كان كثيراً، افتدى إذا فعل ذلك. في الطيب للمحرم، وإلقاء التَّفَثِ، وقتلِ الدوابِ، والدُّهنِ والكحل والحجامة، وحلق الشعرِ والزِّنَةِ، وغيرها، ومن فعله بغيره من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: ومَسُّ الطيبِ أشدُّ من شمِّهِ، وشربه أشدُّ من مسِّهِ، والفديةُ في شربهِ، أو مسِّهِ.
قال ابن وهبٍ، قال مالكٌ: في المحرم يشرب شراباً، فيه طيبٌ، أو رائحةٌ: فلا يعودُ، ولا شيء عليه، وقاله أشهبُ. قال محمدٌ: وهذا عندنا، فيما طبخته النار، أو فيما تغير لونه، ولا يوجد طعمه، كالترياقِ، وشبهه، والفُلُّونيَّةِ. وليس لما فيه من الزعفرن قدرٌ، ولا يُرى. وكذلك ذكرَ في "العُتْبِيَّة"، عن مالكٍ، في الفلونيَّةِ والترياقِ: وَلا بَأْسَ عليه في شربههما. قال ابن حبيبٍ: وله أنْ يأكل ما فيه زعفرانٌ، مما طبخته النارُ، حتى أذهبت ريحه، ولا يَعْلُقُ باليدِ، ولا بالفمِ منه شيءٌ مثلُ الخُشْكَنَانِ الأصفرِ، والخبيصِ، فأما الفالوذُ، والدقِّقَّةُ، فلا؛ لأنَّ الفالوذ، وإن مسته النارُ، فربما صبغ اليدَ، والفمَ، وأما الدِّقَّةُ المصبوغة فتصبغ اليد والفم. ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسمِ: ومَن شرب زعفراناً تداوياً؛ افتدى. قال مالكٌ: وليغسل ما أصابه من خلةق الكعبةِ بيده، ولا شيء عليه، وله تركه إن كان يسيراً، وإن أصاب كفُّه من خلوقِ الركنِ، فإن كان كثيراً، فأحب إليّ أَنْ يغسل يده قبل أَنْ يقبلها، وإن كان يسراً فهو منه في سعةٍ. وكُره للمحرم بيعُ الزنبقِ وشبهه من الطيب الذي يَعلقُ، فإن فعل،
فالله حسيبه. وكُره أَنْ يخرج في رفقها أحمال الطيب، وإن أخذ باناً بأصبعه، فوضعه على ظهر كفه، فلا شيء عليه، هذا ما لم يدهن به. ولا بأس أَنْ يضع يده على أنفه إذا مرَّ بطيبٍ. قال ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": أحبُّ إليَّ أَنْ يفعل ذلك، وَلا بَأْسَ إن سدَّ أنفه من الجِيفةِ، قال في "العُتْبِيَّة": أو الغبار. قال ابن عبد الحكمِ، عن مالكٍ: وإن قطرَ في أُذنيه باناً غيرَ مُطَيَّبٍ، لوَجَعٍ به، فلا بأس به. وكذلك لو جعله في فيه. قال ابن وهبٍ، وابن القاسمِ، عن مالكٍ: وما كان في باطنِ الكفِّ، والقدمِ من شقوقِ فدهنه بزيتٍ، أو سمنٍ ليمرَّ بهما، فلا شيء عليه، وأما على ظاهرالجلدِ مما يحسنه، فليفتدِ. قالا: عن مالكٍ، في المحرم الماشي يدهن باطن ساقيه أو ركبته أو ظاهر قدميه، لخوفِ أَنْ يصيبه شيءٌ: فعليه فديةٌ واحدةٌ، وإذا اشتكى بعضُ جسدهِ فدهن ذلك بدهنٍ، أو بزيتٍ، فليفتد. قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: وإن دهن باطن قدميه، وكفيه لشكوى، أو شقوقٍ بزيتٍ، أو شحم، أو دهنٍ لا طيب فيه ليمر بهما، فلا شيء عليه، وأما على ظاهر الكفِّ والقدمِ وسائرِ الجسدِ، فليفتد، لأنَّه يُحسِّنُه، ويثذهب قشفه، وأجاز ذلك غير مالك، في كل ما يأكله المحرم، وقاله الليث، ورُوِيَ عن عليٍّ، وابن عباس، وابن عمر، فلا فدية عندي فيه، وتركه أحوطُ.
ومن "كتاب" محمدٍ: وإن داوَى جُرحه بدواءٍ، فيه طيبٌ، فَبرِئَ، ثم انتقضَ فعاوده بهن فعليه فديتان، وإن حلق رأسَه، ثم وجد بَرداً، فتعمَّم، ففديةُ واحدةٌ، إن كان في موضعٍ واحدٍ، وكذلك إنْ حلق رأسَه ثم لبس ثوباً، ثم تطيب في وقتِ واحدٍ، ففديةٌ واحدةٌ. وإذا اكتحل نحرمٌ أو محرمةٌ بالإثمدِ لا طيبَ فيه لغير وجعٍ، فليفتديا. قال ابن حبيبٍ: إن اكتحلا به لزينةٍ، فليفتديا، وأما لغير زينةٍ، لحرٍّ وشبهه، فلا فدية فيه عن لم يكن فيه طيبٌ. قال في "المختصر": ولا باس للرجل بالكحل قبل أَنْ يحرم. محمدٌ: قال مالكٌ: وليس من أن المحرم والمحرمة النظرُ في المرآةِ إلاَّ من وجعٍ، وذلك خيفةَ أنْ يرى شعثاً فيصلحه، وليس من شانه تسوية الشعر، ولا الحمام، وإن نظر في المرآة فلا شيء عليه، ويستغفر الله. ومن "العُتْبِيَّة"، أشهبُ، عن مالكٍ، عن المحرمة تقيم أياماً، ثم تريد نظرَ وجهها، في المرآةِ، فكره لها ذلك. ومن "كتاب" محمدٍ: وإذا أخذ من شاربه، أو نتف من عينه شَعراً، فليفتد ولو سقط من شعر راسه شيءٌ بحملِ متاتعه، فلا شيء ععليه، وكذلك إن جر بيده على لحيته، فسقط منها الشعرة والشعرتان. قال ابن القاسمِ: ولو اغتسل فتسلقط منذ لك شعرٌ كثيرٌ، فلا شيء عليهن وإن كان تبرَّدَ، أو لو قتل لذلك قملاَ من رأسه، فلا شيء عليه في الجنابةِ، وعليه الفديةُ في التبردِ. قال أصبغُ: وهذا إن تناثر دوابٌّ وشيءٌ له بالٌ، فأما في مثل الواحدةِ، فليطعم تمراتٍ، أو قبضاتِ سويقٍ أو كسراتٍ.
قال في المختصر: ومن شأنه قرضُ اظفاره، أو لحيته بأسنانه، فعليه فدية واحدةٌ. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسمِ، عن مالكٍ: يفتدي. قال ابن القاسم: يريد في ظنِّي وإن كان مِراراً. ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن نتف شعراً من أنفه، أو من حلق مَرشحةٍ لضرورةٍ، أو لموضع المحاجمِ ناسياً، أو جاهلاً، افتدى. وكلُّ ما كان لإماطةِ أذًى وإن قلَّ، ففيه الفديةُ، وما كان لغير إماطةٍ ولا لمنفعةٍ، جاهلاً، أو ناسياً، فعليه في الشعرة أو الشعرات قبضةٌ من طعامٍ. قال مالكٌ: وإن قصَّ ظفرين من غير كسرٍ، افتدى. قال ابن القاسمِ: ولا شيء في الواحد إلا أَنْ يُميطَ به عنه أذًى. وقال أشهبُ: يُطعمُ فيه شيئاً، وإن قصَّ من كل يدٍ، افتدى. قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: في الظفر الواحد مسكيناً. ومَن فعل ما عليه فيه الفديةُ، فلم يفتدِ حتى فعله ثانيةً، أو غيره مما فيه الفدية، فإن قرَّبَ بعضَ ذلك من بعضٍ، وفي موطنٍ واحدٍ، ففديةٌ واحدةٌ، وإن لم يكن كذلك، ففي كل شيءٍ فديةٌ، إلا أَنْ يكون نَوَى أوَّل مرة أَنْ يفعل ذلك كله، ففدية واحدةٌ لذلك كله تُجزئه، وإن كان بينَ ذلك أيامٌ. قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: ولا يقصُّ المحرمُ شاربَ حلالٍ، ولا حرامٍ، ولا يأخذ من شعرهن فإن فعل فلا شيء عليه في الشارب، والأظفار، ويُطعم في الرأس جفنةً من طعامٍ. وقال مالك: يفتدى، ولا فدية فيه عندي.
قالا: عن مالكٍ: وإن حلق من شعرٍ حلالٍ ما يُوقن أنه لم يقتل دَوَابَّ، فلا شيء عليه. قال: وليَجُزَّ من شعر دابته ما شاء. قال ابن حبيبٍ: وأكره الحِجامة للمُحرمِ إلا لضرورةٍ، ولا فديةَ في ذلك ما لم يحلق شعراً. قال مالكٌ: ورُوِيَ عن ابن عمرَ، قال: فإن احتجمَ لضرورةٍ، أو لغير ضرورةٍ، فحلق لها شعراً في الرأس، أو القفا، أو سائر الجسدِ، فليفتد. قال سحنونٌ: وَلا بَأْسَ عليه أَنْ يحتجمَ إذا لم يحلق الشعر، ولا يحتجم في الرأس، وإن لم يحلق منه شعراً خِيفةَ قتل الدوابِّ. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، عن مالكٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ المحرم ما به من القروحِ حتى يخرج الدمُ. ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "العُتْبِيَّة": عن مالك: قال: وللمحرم أَنْ يَتَسَوَّكَ، وإن أدمَى فاهُ، ويَبُطَّ جراحَه، ويقطع عِرقه، ويقلع ضرسه، ولا يحتجم إلا من ضرورةٍ، ويحكّ جسده، وقروحه وإن ادمى جلده، ويحكّ رأسَه خكًّا رقيقاً. وفي موضعٍ آخر، وله أَنْ يقفأ دُمُّلَه. ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب: وإذا أخذ القملة من ثو به، أو من جلدهِ، فيضعُها منه في مكانٍ آخرن فأرجو ألا بأسَ به، وأما أَنْ يلقيها بالأرض، فلا. قال في "المختصر": وإذا سقطت من رأسه قملةٌ، فليدعها، ولا يردها مكانها. قال في "المختصر": وله أَنْ يحكَّ
ما يراه من جسده، وإن أدماه. قال سحنونٌ: وليترفقْ بحكِّ رأسه. وفي باب ما يقتل المحرم من الدواب بقية القولِ، فيما يلزمه من قتل الدوابِّ، والذّرِّ وغير ذلك. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، قيل لمالكٍ: أيُنْشِدُ المحرم الشعرَ؟ قال: لا. إلا الشيء الخفيف. وقال ابن حبيبٍ: لا بأس أَنْ ينشد الشعر، ما لم يكن فيه خنًى، وذكر النساء، وقد فعله أبو بكر وعمر وابن عباسٍ، وغيرهم. ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن طيَّبَ محرماً، وهو نائمٌ، أو حلقَ رأسه، فالفدية على فاعلِ ذلك بنُسكِ أو طعام، ولا بصيامٍ، وليغسل المحرم عنه الطيب، فإن فعل الفاعل عديماً، فليفتد المحرم، وليرجع على الفاعل – إن أيسر – من ثمن الطعام، أو ثمن النُّسك، إن افتدى بأحدهما، وإن صام فلا يرجع عليه بشيءٍ. وكره مالك للمحرم غسل ثو به إلا لنجاسةٍ، أو وَسَخٍ، فليغسله بالماء وحده، وإن مات فيه دوابُّ. ولا يغسل ثوب غيره، فإن فعل أطعم شيئاً من طعامٍ؛ خيفة قتل الدوابِّ فإن أمِن ذلك، فليغسله، ولا شيء عليه. قيل لمالكٍ: فالغسل بالأُشنانِ؟ قال: أما اليدين فجائزٌ ما لم يكن فيه طِيبٌ، وكرهه ابن حبيبٍ. ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: ومَن جهلَ فلَّى ثو به أو فلاَّ رأسَه حتى انتفع
بذلك، فعليه الفديةُ. فإن كان إنما قتل منه قملةٌ أو قملاتٌ، فليطعم حفنةً أو حفناتٍ، وما اطعم أجزأه، وأماإن فلاَّ ثوبَه أجمعَ، أو نشره، أو أكثر ما القى منه ليفتد، وكذلك إن امر بذلك غلامه الحلالَ، وإن كان حراماً أيضاً، فعليه فديتان، لأنَّه كأنَّه أكرهه بعزيمة الأمر، وكذلك لو أمره بذبحِ صيدٍ فذبحه، فعليه جزءانِ، أو وطئ أمَته المحرمة، فعليه هديان، طاعت له أو أكرهها. قال ابن القاسمِ، غعن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة": في محرم أمر جاريته المحرمة أن تَغْلِيَ إزاره، فغلته، وألقت الدوابّ عنه، فليفتد بشاة أو صيام ثلاثة ايامِ، ولو أمر بغليِ الثوبِ أجنبيًّا محرماً فعلى كل واحدِ فدية، ولو أمر حلالاً، لم يكن على الحلاِلِ شيءٌ، وهو على الآمرِ، ولو أمره بقتلِ الصيدِ، لم يكن على الآمر شيءٌ، والمحرم إذا حُلِقَ رأسُه، وهو نائم، فعليه تالفديةُ، وليرجع بها على الحالقِ، فإن كان الحالق محرماً، فعليه فديتان، قاله مُطرِّفٌ، وابن الماجشون. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يبيع إزاره لما فيه من القملِ، قال سحنونٌ: لي إذا باعه عرَّضَ جوابه للقتلِ. وفي باب ما يجوز أَنْ يفعله عند إحرامه شيءٌ من معنى هذا الباب.
ذكر فدية الإيذاء، وأين تذبح
ذكر فدية الإذاء، وأين تُذبحُ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: له أَنْ يذبح نُسُكَ الفدية، حيث شاء، في ليلٍ، أو نهارٍ، والنسك، وإن شاء أَنْ ينسكَ ببعيرٍ أو بقرةٍ، في بلدهِ، فذلك له، وقد فعله عليُّ بن أبي طالبٍ، وله أَنْ يجعله هَدْياً، ويقلده، ويُشعره، ثم لا ينحره بمنًى، أو بمكة، إن أدخله من الحِلِّ. قال: وإذا اختار الإطعام فأطعم الذرة نظرَ مجراه من مجرى القمح فيزيد من الذرة مثل ذلك. قال في "المختصر": وكذلك الشعيرُ. وقال في "المدونة": وإنما عليه مُدَّانِ، لكل مسكينٍ، من عيش البلدِ من شعيرٍ، أو بُرٍّ. قال مالكٌ: وإن غدَّى ستةَ مساكين معَشَّاهم شِبعاً لم يُجْزِئُهُ. قال أشهبُ: غل أَنْ يبلغ ذلك مُدَّيْنِ، فأكثرَ، لكل مسكينٍ، وإذا افتدى لشيءٍ قبلَ أَنْ يفعله، ثم فعله لم تُجْزِئه. قال في "المختصر": ولا يجب في الفدية جَدعاً. بابٌ في حج الصغير، والعبد، وذات الزوجِ، والمولَّى عليه، وما يدخل عليهم من جزاءٍ أو فديةٍ وفسادٍ، والعمل عن الصبيِّ من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ولا يُحَجُّ بالرضيعِ، فأما ابنُ أربعه سنين وخمسٍ، فنَعَمْ. وإذا حجَّ به أبوه، فما أصاب من صيدٍ، أو ما فيه فديةٌ، ففي مال الأبِ، إلا أَنْ يخرج به؛ نظراً لأنَّه لو تركه ضاع، فيكون ذلك في مال الصبيِّ، فإن لم يكن له مالٌ، أتبعه به، وقد قيل: إنَّ ما أصاب من صيدٍ، ففي ماله، يريد كالجناية
وإذا أفسد حجه، فعليه القضاءُ، والهَديُ. وإذا جُرِّد الصبيُّ، فل بأس أَنْ يترك عليه مثل القِلادةِ، والسوارين. قال مالكٌ: وإذا رمى الأبُ عن نفسه، حمل الصبيَّ، فرمى عنه، ولا يطوف به /َن لم يطف لنفسه، ولا باي بذلك في السعي، أَنْ يحمله، فيسعى به عنهما سعياً واحداً. قال ابن القاسمِ: وإن طاف عنه، وعن الصبيِّ طوافاً واحداً أجزأ عن الصبيِّ وأحبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ عن نفسه. قال أصبغُ: بل ذلك عليه واجبٌ، ولو أَعَادَ عن الصبيِّ، كان أحبَّ إليَّ، كقول مالكٍ، فيمن حجَّ حجةً عن فرضه، ونذره، أنَّه يُعِيدُ الفريضة ويُجزئه عن النذر. قال أصبغُ: وما هو بالقويِّ، والقياس أَنْ يُعِيدَ النذر. قال مالكٌ: ويَحلقُ الصبيَّ، وأمّا الصبية، فإن شاء حلقها، أو قصَّر، والحِلاقً أحب إلينا، وأما الكبيرة، فلتقصِّرْ. قال ابن حبيبٍ: وَلا بَأْسَ لمَن طاف عن نفسه، أنْ يطوف بصبيين، أو ثلاثة يحملهم، طوافاً واحداً، وليرمِ عن الصبيِّ، أو المريض، بعد رميه عن نفسهِ، فإن جهل فرمى عن نفسه جمرةً بسبعٍ بقدرٍ، ثم رماها عن الصبيِّ، أو المريضِ، ثم فعل ذلك في بقية الحمار، فقد أخطأ، ولا يُعِيد عن نفسه، ولا عنهما. ومن كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا أحبُّ أَنْ يدخل بالعبد الفاره ذي الهيئةِ إلا محرماً، وأما الصغير، والأعجميُّ، والجارية، يصونها للبيعِ، فما ذلك عليه، فإن سألته الإحرام، فخيرٌ له إلا يمنعها، وإن نقص
من ثمنها، وليس عليه بواجبٍ. وكذلك في "المختصر"، وزاد، وله أن يحُجَّ بعبدهِ النصرانيِّ. ولا بأس أن يحرم العبد بالحج، وإن لم يَختتن – يريد الغلام – إذا أذن له السيد. ومنه ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، قال مالكٌ، في رجلٍ مُوَلَّى عليه أحرم بالحجِّ، أو المرأة عند أبيها، أو زوجها: إنَّ ذلك من السعةِ، لا يقضي، ولا على المرأة قضاءٌ، وإذا أهَّلها زوجها وأبوها إذا حجَّتِ الفريضةِ، قال محمدٌ: كعتقِ المُولَّى عليه، يُرَدُّ، ثم يلي نفسه، قال: وإذا أحرم عبدٌ بغير إذن سيده، فحلله، ثم أذن له في القضاءِ، في عامٍ قابلٍ، فذلك جائزٌ، وعلى العبد الهَديُ في حجة القضاء، فإنْ أهدى عنه السيدُ، أو أطعم، وإلا صام هو، وأجزأه، وليس له أن يَنسُكَ، ولا يُهدِيَ عما لزمه في ذلك من ماله، إلا بإذن سيده، فإن لم يأذن لهن ولا أهدى عنه فليصمن ولا يمنعه الصوم، إن كان ما أصاب خطأً، وإن تعمد، فله منعه إن كان ذلك يُضِرُّ به. قال أشهبُ: إذا أحرم، فحلله سيده ثم عتق، أو حلَّلَ الصبيَّ وليُّه ثم بلغ، فليُحرما الآن بالحج، ويجزئهما عن حجة الإسلامِ، محمدٌ: لأن قضاء ما حللا منه لا يلزمُهما، ولو نذر ذلك العبد نذراً فلم يَرِدْ ذلك عليه حتى عتق، أو نَذَره سَفيهٌ بالغٌ، ثم رشد، فذلك يلزمُهما، وأما
الصبيُّ فلا يلزمه إنْ بلغ. وكله قولُ مالكٍ، لا اختلاف فيه. ولو أذن له سيده في الحجِّ، ففاته الحجُّ، قال: فعليه القضاء والهَديُ، إذا عتق. قال، في بابٍ آخرَ: قيل لأشهب: فهل يمنعه سيدُه أن يحل من ذلك في عمرةٍ، قال: إن كان قريباً، فلا يمنعه، وإن كان بعيداً، فله أن يمنعه. فإما أن يبقيه إلى قابلٍ على إحرامه، وإما أن يأذن له في فسخهِ في عمرةٍ. قال: وإن أفسد حجه. قال أشهبُ: فلا يلزم سيدَه أن يأذن له في القضاء، وذلك عليه إذا عتق، وقال أصبغُ: على السيد أن يأذن له. محمدٌ: والصواب قول أشهبَ. قال ابنُ حبيبٍ: وإذا أذن لعبده في الحجِّ، فما لزمه مما فيه صيامٌ، وإن كان عن تعمده، فليس له منعه منه، وإن أضرَّ به، وكذلك لو نكح بإذنه، فلزمه ظِهارٌ، فلا يمنعه الصومَ إنْ أضرَّ به، وهو قول ابن الماجشون، وابن وهبٍ، وقاله ابن شهابٍ، ويحيى بن سعيدٍ، وفرَّق ابن القاسم بين ما لزمه بتعمده، وبين خطئه، فيما يَضُرُّ بسيدِه من الصيام، ورأى غيرُه أنَّ إذنه في الأصلِ، يوجب ألا يمنعه مما جرَّ إليه، إلا مما يكونُ في مال العبدِ، فيجتمع عليه، أنَّ له منعَه فيه. قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: وليس على الزوج نفقةٌ لزوجته، في خروجها على فريضة الحج، وذلك من مالها، ولها أن تخرج فيها بغير إذنه، وإن لم تجد ذا محرمٍ. وبل تخرج في التطوع إلا مع ذي محرمٍ، وبإذنِ الزوج، وكره عمر بن عبد العزيز، أن يخرج بها عبدُها، قيل له: إنه أخٌ لها من الرضاعةِ، فلم يُرِدْ لها بأساً.
في العمرة، ووقها، وإيجابها
وقال ابن المواز، في التي حللها زوجُها من حجة الفريضةِ: إنَّ إحلاله باطلٌ، وهي على إحرامها. والذي قال محمدٌ، قول أشهبَ. قال محمدٌ: وعليها من الفدية وغيرها، ما على غيرها، وأن وطأها، أفسد حجها، وتقضي، وتُجزئها في حجة الإسلامِ، وتُهدِي في القضاء، أو يرجع بالهَدي على الزوج، وإن كان قد فارقها. وإن تزوجت غيرَه قبل القضاء، فنكاحها باطلٌ؛ لأنَّها مُحرمةٌ بعدُ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ، في التي تركت مهرَها لزوجها، حتى يتركها تحج الفريضة، قال: يلزمه الصداقُ، لأنَّه يلزمه أن يدعها. في العمرة، ووقتها، وإيجابها من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: العمرةُ سنَّةٌ واجبةٌ، كالوترِ، وليس كوجوب الحج، وذهب ابن حبيبٍ إلى أنها كوجوب الحجِّ، وذهب إليه ابن عبد الحكمِ وليس بقولِ مالكٍ، وأصحابه. قال ابن المواز: وكره مالك أن يعتمر عمرتين في سنةٍ، يريدُ فإن فعل لزمه. وقال محمدٌ: وأرجو أن لا يكون به بأسٌ. وقد اعتمرت عائشةُ مرتين في عامٍ، وفعله ابنُ عمر، وابن المنكدر، والمِسورُ. وكرهت عائشة عمرتين في شهرٍ، وكرهه القاسم بن محمد، وفرَّطَتْ عائشة في العمرة
سبع سنين، فقضتها في عام واحدٍ. ورُوِيَ عن عليٍّ: في كل شهر عمرة، قال ابن حبيبٍ: ولم يرَ مطرِّفٌ بأساً بالعمرةِ مراراً في السنةِ. قال غير ابن حبيبٍ: وإنما اختار مالكٌ العمرةَ في السنة مرةً، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه اعتمر ثلاث عُمَرٍ، في كل عام عمرةً. وقد كره كثيرٌ من السلفِ العمرة في السنة مرتين. ومن "كتاب" ابن المواز، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، عن مالكٍ: ولا بأس لغير الحاجِّ أن يعتمر في آخر أيام التشريق، لا يفعل بعدَ ذلك ولم يرَخَّصْ للحاجِّ في ذلك قبل أن تغيب الشمس، قال مالكٌ: والعمرةُ في أيام التشريق جائزةٌ لغير الحاجِّ، وأن يُحل منها في أيام التشريق، وأما الحاج، فلا يحرم بها حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق. قال محمدٌ: فإن جهل، فأحرم بها في آخر أيام الرميِ، قبل غروب الشمسِ، وقد كان يُعَجِّلُ في يومين، أو لم يتعجَّلْ، وقد رمى في يومه ذلك، فإنَّ إحرامه يلزمه، ولكن لا يُحِلُّ حتى تغيب الشمسُ، وإحلاله قبل ذلك باطلٌ، وهو على إحرامه. فإن وطئ بعد ذلك الإحلال، أفسد عمرته، وليقضها بعد تمامها، ويُهدِ. ولو أنَّ المتعجِّلَ أحرم بعمرةٍ في اليومين بعد أن حلَّ، وخرج، وتمَّ عملُه لم يلزمه الإحرام، أحرم ليلاً أو نهاراً، ولا قضاء عليه. قال مالكٌ: ولا بأس أن يعتمر بعد أيام الرمي، في آخر ذي الحجة، ثم يعتمر في المُحرَّمِ عمرة أخرى، فيصير في كل سنةٍ عمرة. ثم رجع
في القران والتمتع والإفراد، وإرداف الحج على العمرة، وما يلزم من قرن، أو تمتع، وما يدخل في ذلك من فساد أو فوات
فقال: أحب إليَّ لمن أقام ألا يعتمر بعد الحج حتى يدخل المُحَرَّمُ. وقال مالكٌ: والعمرة في ذي الحجة (بعد الحج) أفضل منها قبل الحجِّ في أشهر الحج، ولا بأس أن يعتمر الضرورة قبل الحج، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج، ومن احرم بالحج من مكة، فحَصِرَ بمرضٍ، ففاته الحج، فليخرج إلى الحل، ويُحلَّ بعمرة في أيام منًى. ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: وأحب للمعتمر أن يقيم لمرته ثلاثاً بمكة. في القِران والتمتع والإفراد، وإرداف الحج على العمرة، وما يلزم من قَرنَ، أو تمتع، وما يدخل في ذلك من فسادٍ أو فواتٍ من "كتاب" ابن الموازن قال محمدٌ: والتمتع والقران والإفراد واسع، والإفراد أفضل ذلك. قال مالكٌ: في "المختصر": والإفراد أحب إلي. قال عبد الملك: وقد اختلف في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحق أن يكون أولى ذلك وأصحه الإفراد، لأنه اسلم، ولا هدي فيه، ولا يكون الهدي لا ليجبر به شيءٌ، فالإثم لا يُهدي فيه، واختار ذلك الأئمة، وامتثله أهل الخبرة بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاء أن عائشة أفردت، وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد، وهي منه بموضع الخبرةِ الأكيدة، ليلاً ونهاراً، وسرًّا وعلانيةً. وأفرد أبو بكر سنة تسع، وأفرد عتَّابُ بن أسيد سنة ثمانٍ، وهو أول
حجٍّ تامٍّ للمسلمين، وأفرد عبدُ الرحمن عام الرِّدَّةِ، وأفرد الصديق السنة الثانية، وأفرد عمرُ عشر سنين، وأفرد عثمان عشرة سنة. والمفضِّلُ به العمل بالمدينة من الأئمة والوُلاة ومن علمائهم وعامتهم فأين العدل عن هذا. في "كتاب" محمدٍ، قال ابن المسيِّب: الحجُّ أفضلُ من العمرةِ. قال أبو محمد بن أبي زيدٍ: وأراه يعني أنه إذا جعل عملَه للحجِّ الذي هو أفضل من يوم يُحرمُ كان أفضل أن يشركه مع ما هو أفضل منه أو يبدأ في إحرامه بالعمرةِ. ويكون حَجُّه الذي هو أفضل إنما يحرم به من مكة، ليدلَّ أنَّ الإفراد أفضل. ومن "المجموعة"، قال أشهبُ: عن مالكٍ: أما من قدم مكة مرافقاً للحجِّ، فالإفراد له أحب إليَّ، وأما من قدم، وبينه وبين الحج طولُ زمانٍ يشتدُّ عليه، فردَ الإحرام، ويُخاف على صاحبه، فله الصبر، فالتمتع له أحب غلي، ومن قدم مقارنا، ولم يشأ الإفراد، فالقِران له أحب إلي من التمتع. ومن "كتاب" ابن المواز: وما أصابه القارن من شيءٍ، فهَديٌ واحدٌ لذلك، وجزءٌ واحدٌ، وفديةٌ واحدةٌ. قال مالكٌ: فيمن تمتَّعَ، وله أهلٌ بمكة، وأهل بغيرها: فأحوط له أن يُهْدِيَ. وقال أشهبُ: إن كان إنما يأتي أهله بمكة منتاباً، فعليه التمتع، وغن كان سُكناه بمكة، وإنما يأتي أهله التي بغير مكة منتاباً، فلا هَدي عليه، كالمكيِّ. قال ابن القاسمِ: بلغني عن مالكٍ. وقال في "العُتْبِيَّة"، سمعت مالكاً يقولُ، في من ترك أهلَه بمكة من
أهل الآفاقِ، وخرج إلى غزوٍ، أو تجارةٍ، ثم قدم في أشهر الحجِّ: فلا متعة عليه. قال محمدٌ: معناه عندي أنه دخل بها للسكنى، قبل يُحرمَ بالعمرةِ، يريد في أشهر الحجِّ، وكذلك لو سكنها بغير أهل، قبل أن يتمتع. قال أشهبُ: ومن انتجع إلى مكة للسكنى في غير أشهر الحج، ثم اعتمر، وتمتع في أشهر الحج، فلا متعة عليه، لأنه مكيٌّ، وإن كان لغير سكنى، فهو متمتعٌ. ومَنِ اعتمر من أهل الآفاقِ في أشهر الحجِّ، ثم رجع إلى مثل افقه، ثم حج من عامه، فإن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز، كالشام، أو مصر والعراق، أو أفق من الآفاق، أفقه أو غير أفقه، فلا هدي عليه، ولو قدَّم هَدياً فاعتمر، ثم خرج إلى بعض الآفاق، ثم حج لم يكن متمتعاً. ولو قدم نصريٌّ، ثم كان رجوعه إلى مثل العراق والشام، فليس بمتمتعٍ، فإن رجع إلى مثلِ الجُحفةِ، والمدينةِ، والطائف، فليس بقرانٍ له، وهو متمتعٌ. ورَوَى ابن عباس مثله. قال ابن حبيبٍ: ولا تمتع لأهل مكة، ولا لأهل القرى المجاورة، أما مثل مرَّ ظهران، وضَجنان، ونخلتان، وعرفة، والرجيع، وشبهها مما لا تُقصر في مثله الصلاةُ، فأما ما بعد مما تقصر فيه الصلاة، مثل جُدَّةَ، وعُسفانَ، والطائف، وراهطٍ، فعليهم هَدي المتعةِ، هكذا رُوي عن ابن عباسِ، وهو مذهب قول مالك، وأصحابه.
(قال أبو محمدٍ): والذي تأوَّل ابن حبيبٍ في هذا، ليس بقول مالكٍ، وأصحابه، فيما علمتُ. ومن "كتاب" ابن الموازِ: ومن اعتمر في أشهر الحج يريد التمتع، ففاته الحج قبل يحرم به، وفرغ من عمرته، فلا تمتع عليه. وفي "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: فيمن خرج يريد التمتع فألفى الناسَ قد فرغُوا من حجهم، فلا شيء عليه. ومن "كتاب" محمدٍ: ومن اعتمر في أشهر الحجِّ، فأفسد عمرته بالوطءِ، ثم حلَّ منها، ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته، فهو متمتعٌ، وعليه قضاء عمرته بعد أن يحلَّ من حجه، وحجه تامٌّ، ولو أردفه على العمرة الفاسدةِ، لم يلزمه ذلك الحج، ومن اعتمر عن نفسه، ثم حلَّ، ثم حج من عامه عن غيره، فهو متمتع، ومن حلَّ من عمرته في غير ذي الحجةِ، فتعجُّلُ إحرامه –يريد في غرَّةِ ذي الحجةِ – أحب إليَّ من تأخيره على يوم الترويةِ، فإن أخره، فلا باس بذلك. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن تمتع بالعمرة إلى الحجِّ، ثم مات بعرفة، فإن مات قبل رميِ العقبةِ، فلا شيء عليه، وإن مات بعد رميها، فقد لزمه هَديُ التمتعِ. قال ابن القاسم، وأشهبُ: من رأسِ ماله؛ لأنه لم يُفرِّطْ. قال ابن القاسمِ: وكذلك إن مات يوم النحرِ، وإن لم يرمِ فيه،
أو مات بعدَه، فقد لزمه ذلك، وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": وقال سحنونٌ: لا يلزم ورثته إلا أن يشاءوا، كمن حلَّت عليه زكاةٌ، فمات، ولم يفرِّطْ، ولم يُوصِ بها. والذي ذكر سحنونٌ، عن قول ابن القاسمِ في الزكاة، وخالفه أشهبُ. محمدٌ: قال مالك: ومن صام ثلاثة أيام في الحجِّ، لتمتعه، ثم مات بعد تمام حجه بمكة، أو بعد رجوعه إلى بلده، قبل يصومه السبعة، فليُهْدِ عنه هَدْيٌ. قال مالكٌ: إذا تمتع العبد فلا يُهدِي إلا بإذن سيده، فإن لم يأذن له، فليصم. قال: والمعتمر مراراً في أشهر الحجِّ إذا حجَّ من عامه، فهَديٌ واحدٌ يجزئه لتمتعه. ومن أردف الحج، وهو في طواف العمرةِ، قد طاف بعضه، قال ابن القاسمِ: يلزمه ويصير قارناً، وقال أشهبُ، وابن عبد الحكمِ: إذا طاف ولو شوطاً واحداً، لم يلزمه إلا أن يشاء أن يبتدئه بعد تمام عمرته. قال مالكٌ: لا أحب لأهل مكة أن يقرنوا، ما سمعت أن مكيًّا قرن، فإن فعل، فلا هدي عليه لقرانه، كتمتعه. قال ابن حبيبٍ: وكان ابن الماجشون يرى على المكيِّ هَدى القران. محمدٌ: قال مالكٌ: ولا يقرن المكيُّ إلا من الحِلِّ. قال: والقارن يعجِّلُ طوافه وسَعيه إلا أن يكون مراهقاً، ومن تمتع، ثم ذكر بعد أن حلَّ من حجه أنه نَسِيَ شوطاً، لا يدري من عمرته، أو من حجه، فإن لم يكن أصاب النساء، رجع فطاف وسعى وأهدى لقرانه فدية واحدة، لحلاقه ولباسه، لأنه إن كان الشوط من
حجه، فقد أتى له والهدي لتمتعه. وإن كان من العمرة، صار قارناً، قاله ابن القاسم، وعبد الملك، وإن كان أشهب يرى أنَّ مَن طاف شوطاً من العمرة، ثم أردف الحج، فلا يلزمه، فإنه إذا نَسِيَ هذا شوطاً من العمرة، وتباعد لا يبني فيه، بطل ما طاف، وصار كمن أردف قبل أن يطوفَ، واتفق أشهبُ معهما بهذا الوجه، ولو وطئ النساء، فإنه يرجع، فيطوف ويسعى، ويُهدي لقرانه وتمتعه، وعليه فديةٌ واحدةٌ، ثم يعتمرُ ويُهدِي لقرانه. وبقي من كلام محمدٍ في هذا شيءٌ ذكر فيه أنه إن كان الشوط من العمرةِ، صار قارناً وأفسد قرانَه، فعليه بدله مقرنا في قولهم أجمعين، وهذا من قول محمدٍ، لا أعلم معناه إلا على قول عبد الملك الذي يرى أن يردفَ الحج على العمرة الفاسدةِ. فأما في قول ابن القاسمِ: فلا، إلى أن يطأ بعد الإحرام بالحجِّ، وقبل رميِ جمرةِ العقبةِ والإفاضةِ، في يوم أنحر فيفسد حجه قِراناً، إذا كان الشوطُ من العمرةِ ولم يطأ فيها، وإن كان الوطء قبل يحرم بالحج والشوط من العمرة، فلا يكون قراناً إلا في قول عبد الملك، وقد بيَّنها في باب مَن أفسد حجه قِراناً. وقال مالكٌ: ومن أحرم بعمرةٍ، وساق هَدياً ثم بدا له، فأردف الحج على العمرة، فأحب غلي أن يهدي غيرَه لقرانه، وأرجو إن لم يفعل أن
يجزئه هذان وكذلك التي أحرمت بعمرةٍ، وساقت معها هَدياً، ثم حاضت قبل أن تطرف، فإن كانت في غير أشهر الحجِّ، انتظرت، وهَديها معها لا تنحره حتى تطوف وتُحلَّ. وإن كانت في أشهر الحج، وكانت تريد الحج فلتردف الحج حين حاضت، وتؤخر هَديها، حتى تنحره بمِنًى لقرانها، ولو أهدت غيرَه كان أحب إلي. وكذلك استحبَّ ابنُ القاسمِ. قال: والمتمتع إذا كان معه هديٌ، فلا يجعله لتمتعه؛ لأنه أوجبه قبل ذلك، وكذلك لو نوى به قبل ذلك لتمتعه. وقال ابن القاسمِ: وأرجو أن يجزئه، وغيره أحب إلي. وقال عبد الملك: لا يجزئه لتمتعه، وقاله أشهبُ، ورواه عن مالك، ورَوَى مثله ابن القاسم في "المدونة". قال ابن حبيبٍ: في المتمتع، تفسد عمرته دون حجه، أو حجه دونَ عمرته، أو تفسد عمرته ثم يردف عليها الحج، فقال ابن الماجشون، في هذا الذي أردف: يصير قارنا، فيقضي قارناً، والمتمتع يقضي ما افسد وما ضم إليه، فيقضي متمتعاً، قاله ابن الماجشون، وقال أيضاً ابن الماجشون، إنَّ مَن قرن من أهل مكة، فعليه دمٌ بخلاف المتمتع منهم. والذي ذكر ابن حبيبٍ عنه من هذا – وفي الذي أفسد عمرته دون حجه –خلاف مالكٍ وابن القاسم. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومن صام يومين من الثلاث في الحج، ثم وجد الهَدي، فله التمادي على الصوم، إلا أن يشاء أن يهديَ، ولو صام يوماً واحداً، فليُهدِ، ولا يَبنْ على الصوم.
في دخول المحرم مكة، وما يبدأ به، وذكر الطواف، والركوع، واستلام الأركان، والجنب في الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والسعى في المسيل، ومن صلى قبل أن يتم طوافه أو سعيه فرضا، أو نافلة، وذكر القراءة، والكلام، والجلوس في الطواف، وجامع القول فيه
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ، في المرأة تدخل بعمرةٍ، وهي حائضٌ، ثم تردف الحج عليها: إنَّ أحبَّ إليَّ إذا دخلت، تعتمر عمرةً، كما فعلت عائشة. قال سحنونٌ: وللمحرم أن يسافر اليومين والثلاثة، والمتمتع إذا حلَّ من عمرته ثم خرج لحاجةٍ إلى جدَّةَ والطائف، ثم رجع، فإن كان إذ خرج نوى أن يرجع على مكة، ليحج من عامه، فليس عليه أن يدخل بإحرامٍ، ويصير كالمختلفين بالحطبِ والفاكهةِ، وإن خرج لا ينوي الرجوع ثم رجع، فلا يدخل إلا بإحرامٍ. انظر ابن الماجشون، هل يعني أفسدها ثم انشأ الحج، هل يطوف أو يتم طوافه؟ فأما بعد أن حلَّ من العمرة الفاسدةِ، يُحرمُ بالحجِّ، فلا يكون. في دخول المحرم مكة، وما يبدأُ به، وذكر الطواف، والركوع، واستلام الأركان، والجُنبِ في الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والسع في المسيلِ، ومَن صلَّى قبل يتم طوافه أو سعيه فرضاً، أو نافلةً، وذكر القراءة، والكلام، والجلوس في الطواف وجامع القول فيه من "كتاب" ابن المواز، قال: وكان ابن عمر إذا دخل مكة دخل من عقبة كَدَاءَ، وإذا خرج خرج من عقبة كَدَاءَ. قال محمدٌ:
فالتي دخل منها، فهي الصغرى التي بأعلى مكة، التي يهبط منها على الأبطح، والمقبرة تحتها عن يسارك، وأنت نازلٌ منها، فإذا نزلت أخذت كما أنت على المسجد، محمدٌ: وعقبةُ كداءَ التي خرج منها، هي الوسطى التي بأسفل مكةَ. قال ابن حبيبٍ: وكذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم من كداءَ، وخرج من كداءَ. وقال في "كتاب" ابن المواز: ومن دخل من السفلَى، ويخرج من العليا، فلا حرج. قال: وكان ابن عمر يدخل المسجدَ من باب بني شيبةَ. ونحوه في "المجموعة". وقال ابن وهبٍ: وكان لا يُنيخُ راحلته إلا باب المسجد. وقال ابن حبيبٍ: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبةَ، وخرج إلى الصفا من باب بني مخزومٍ، وخرج على المدينة من باب سهمٍ. ومن "كتاب" محمدٍ، وغيره، قال مالكٌ: فإذا دخلت المسجدَ، فلا تبدأ بالركوع، ولكن تستلمُ الركن وتطوفُ، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال في "المجموعة": فإذا استقبل الركنَ، حمِد الله وكبر. قيلَ: أيرفع يديه عندَه؟ قال: ما سمعت، ولا عند رؤية البيتِ. وقال مكحولٌ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: " اللهمَّ زِدْ هذا البيت تشريفاً، وتعظيماً، ومَهابةً، وزِدْ مَن شرَّفه وكرَّمه ممن حجَّ إليه أو
اعتمر تشريفاً وتعظيماً وتكريماً". وقال ابن حبيبٍ: إذا دخلت مكةَ، فأتِ المسجدَ، ولا تُعرِّجْ على شيءٍ دونه، فإذا وقفت على باب بني شيبةَ، ونظرت إلى البيتِ، رفعت يديك، وقلتَ: اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربنا بالسلام، اللهم زِدْ هذا البيت. . . فذكر مثل قولِ مكحولٍ. قال: ويقال عند استلام الركنِ: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، وتصديقاً بما جاء به محمدٌ نبيك. ويستحبُّ من الدعاء حينئذٍ: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، اللهم إليك بسطت يدَيَّ، وفيما عندك عَظَّمْتُ رغبتي، فاقبل مسحتي وأقلني عثرتي. ومن "المجموعة"، و"كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسمِ، في قول عروةَ، في الرَّمَلِ: اللهم لا غله إلا أنت، وأنت تُحيي بعدَ ما أمَتَّ. يُخفى بها صوته. قال مالكٌ: ليس بمعمولٍ به. قال: وكذلك لا توقيت فيما يقال في بطنِ المسيلِ، ومحاذاة الركنِ، ولكن ما تيسر. وذكر ابن حبيبٍ، أنَّ ابن عمر كان يقول في الرَّمَلِ في طوافه: اللهم اغفر وارحمْ، واعفُ عما تعلم، إنك أنت الأعزُّ الأكرمُ، قال: ويقال ذلك في بطنِ
المسيلِ. وذكر قول عروةَ. ومن "المجموعة"، قال عطاءٌ: ولمن طاف أن يركع خلف الإمامِ، أو حيث شاء من المسجدِ. قال القاسمُ: أما أوَّل دخوله، فخلف المقام، يعني بعدَ الطوافِ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ولا يَحسِرُ عن منكبيه في الرَّمَلِ، ولا يحركهما، ولا يسجد على الركن، وليُقَبِّلْه إن قدَر، وإلا لمسه بيده، ويضعها على ما فيه من غير تقبيلٍ. قيل له: كان بعضُ الصحابةِ يقبِّلُه، ويسجد عليه. فأنكره، وقال: ما سمعت إلا التقبيل. قال ابن حبيبٍ: قد روي عن مرَ، وابن عباسٍ، ولعل مالكاً كرهه خيفة أن يُرَى واجباً. ومَن فعله في خاصته فذلك له. ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: ولا يرفعْ يديه عندَ رؤيةِ البيتِ، ولا آخذ بفعل عروة في استلام الأركان كلها. ولا أرى أن يُقَبِّلَ اليمانيَّ، وليلمسه بيده، ولا يلمسُه عند خروجه بخلاف الأسودِ، وما ذُكر عن مالكٍ من تقبيل اليدِ عندَ مسِّ اليمانيِّ، ليس بشيءٍ، ولم يرَ مالكٌ تقبيل اليدِ فيه ولا في الأسودِ. قال مالكٌ: ومن شأن الناسِ استلامُ الركنِ من غير طوافٍ، وما بذلك من بأسٍ. قال في "المختصر": ولا يستلم الركن إلا طاهراً. قال أشهبُ، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة": ومن ترك استلام الركنِ، فلا شيء عليه.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وليقلَّ الكلامَ في الطوافِ، وتركه أحب إلينا في الواجب. ومن "المجموعة" قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ولا بأس بالكلام فيه، فأما الحديثُ، فأكرهه في الواجب. قال أشهبُ: كان أكثر كلام عمرَ، وعبد الرحمن بن عوفٍ فيه {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وما القراءة فيه من عملِ الناسِ القديمِ، ولا بأس به إذا أخفاه ولا يُكثر منه. قال ابن حبيبٍ: والوقوف للحديث في الطوافِ والسعي أشدُّ منه بغير وقوفٍ، وهو في الطواف الواجب أشدُّ، ولا يجلس في طوافٍ أو سعيٍ إلا من علَّةٍ. يريد أثناءه. قال محمدٌ: قال أشهبُ، عن مالكٍ: ولا بأس أن يُسْرِعَ الطائفُ في مشيه ويتأنَّى، وقد يُسرعُ للحاجةِ، وكره مالكٌ أنْ يطوفَ أحدٌ مُغَطَّى الفمِ، أو امرأةٌ منتقبةٌ، كالصلاةِ، قال أشهبُ، في "المجموعة": ومن فعل ذلك أجزأه. ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: ومن فاته الحج، فلا يدع الرمل في طوافهِ، ويسعى في المسيلِ، وكان ابن عمر إذا انشأ الحج من مكة، لم يُر~مُلْ، والرَّمَلُ أحب إلينا. وإن ذكر في طوافه أنه نَسِيَ الرمل، ابتدأ وألغى ما مضى، وإن ترك السعي ببطن المسيلِ، فلا شيء عليه وهو خفيف، وقال أيضا: إن أهدى، فحسَنٌ، وقال أيضا: يُعيد إلا أن يفوتَ، فلا شيء عليه، وبه قال ابن عبد الحكم.
وقال أشهبُ في تارك الخَبَبِ في طوافه، والسعي في المسيل، أو أحدهما: إنه يعيد طوافه ما كان بمكة، وإن أهدى. وقال عبد الملك: لا يعيد الرمل، وعليه دمٌ. ورَوَى ابنُ القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، في من ترك الرمل أو السعي في العَوَادِيَّ، نسي أو جهل: إنَّ ذلك خفيفٌ، ولا شيء عليه. قال: ولا رمل على النساء ولا ببطن المسيل، ومن طاف عن مريضٍ، فليرمل، ولا يرمل عن النساء، ويرمل من طاف بصبيٍّ. وقال ابن القاسمِ: لا يرمل عن الصبي من طاف به. قال أصبغُ: وأحب إلي أنْ يرمل. قال مالكٌ: والسعيُ في بطنِ المسيلِ وَسَطٌ؛ وهو الخببُ، ومن تركه في المسيل، أو الطواف؛ لضعفٍ به، فلا شيء عليه. قال في "المختصر": ويرمل المعتمر؛ من مكيٍّ وغيره، ومن أخَّرَ الطوافَ حتى صدر، فليرمل، ومن ترك الرمل، فلا شيء عليه. وإن أهدى فحسنٌ. قال ابن حبيبٍ: وينبغي للطائف الطوافُ بسكينةٍ ووقار، وواسع إن طاف بنعليه، أو خلفهما، ولا يطوف مع النساء، ولتكن النساء خلفَ الرجال. وقال عن مجاهدٍ، أنه كره أن يقال: شَوْطٌ، ودَوْرٌ، وليقل: طوْفٌ.
ومن "المجموعة": وكره أشهب دخول الحجر بنعلٍ، أو خُفٍّ، لأنَّه من البيتِ. قال: وكراهيتي لذلك في البيت أشدُّ، ولم يكرهه ابن القاسمِ في الحجرِ. قال ابن القاسم: ومن طاف في سقائف المسجد للزحام، أجزأه، وإن كان فراراً من الشمسِ، لم يجزئه. قال أشهبُ: لا يجزأ من طاف في السقائف، وهو كالطائف من خارج المسجد، ومن وراء الحرم. قال سحنونٌ: ولا يمكن أن ينتهيَ الزحام إلى السقائف ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسمِ: ولا بأس بالطواف في سقائف المسجد من الزحام. وقال أشهبُ، عن مالكٍ، قيل له: ربما كثُر الناس في الطواف حتى يكونوا خلف زمزم، والنساءُ من ورائهم إلى البيت، أيؤخر الطوافُ حتى يخفَّ ذلك؟ قال: أرجو ألا يكون بالطواف كذلك بأسٌ. قال ابن حبيبٍ: وإذا خرجت إلى الصفا فارتقيت عليه، حيث ترى البيت، وأنتَ قائمٌ يديك حذوَ منكبيك، وبطونهما إلى الأرض، تقول: الله أكبر الله اكبر الله اكبر، ولله الحمد كثيراً، ثم تقولُ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ثم تدعو بما استطعتَ، ثم ترجعُ، فتكبر ثلاثاً، وتُهلِّلُ مرةً كما ذكرنا، ثم تعيد التكبير والتهليل، ثم تدعو، وتفعل ذلك سبع مراتٍ، فتكون إحدى وعشرين تكبيرةً وسبع تهليلاتٍ، والدعاء بين ذلك، ولا تدعِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله مرويٌّ، وليس ذلك بلازمٍ، ومن شاء زاد، أو نقص، ودعا بما امكنه، ثم تفعل سبعة أشواطٍ، بين الصفا والمروة، فيصير
لك بذلك أربع وقفاتٍ على الصفا، واربعٌ على المروةِ. وكذلك قال مالكٌ، في "المختصر": يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، ويسعى سبعة اشواطٍ بينهما، فذلك من الوقوف عليهما، أربعة على الصفا، وأربعة على المروة، ولا سعي على النساء ببطن المسيل. والذي ذكر ابن حبيبٍ من التكبير والتهليل والدعاء، على الصفا والمروةِ، مرويٌّ عن ابن عمرَ وغيره. ومن "كتاب" ابن المواز، مالكٌ: ولا باس بشرب الماء في الطوافِ، لمن يصيبه ظمأٌ. قال مالكٌ: ولا يصلِّي الطائف على جنازةٍ. قال ابن القاسمِ: فإن فعل فليبتدئْ، وقال أشهبُ: بل يبني. قال مالكٌ: ويصلِّي المكتوبة، ثم يبني قبل أن يتنفَّلَ. قال ابن حبيبٍ: يقطع، ثم يصلِّي، فإذ صلَّى بَنَى، وإنْ أحب ابتدأ طوافَه من الركن الأسودِ. ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: وإن أقيمت الصلاةُ، وقد بقي له طوافٌ، أو طوافان، فلا باس أن يتمَّه على أن تعتدل الصفوف، وأما المبتدئُ، فأخاف أن يكثر ويطولَ ذلك من الناس، فلا ينقطعن ورخَّصَ فيه. قال عنه أشهب: وليبتدئْ بركعتي الطواف، قبل ركعتي الفجر، فإذا فرغَ طوافه، وصلاة الصبح تقام، وهم يطيلون الإقامة، لطردِ الناسِ، أيركع؟ قال: لا ينبغي أن يركع أحدٌ بعد الإقامةِ، وعسى أن يكون هذا بمكة خفيفاً، وركعتا الفجر مثله، أرجو أن يكون خفيفاً.
في الطواف والسعي على غير طهر، ومن أحدث فيهما، أو طاف أو ركع بثوب نجس، والمرأة تحيض، وقد طافت أو لم تطف
أشهبُ عن مالكٍ: ومن طلع له الفجر وهو يطوف، فلا يركع للفجر ويبني. قال: وإن كان الطوافُ تطوعاً، فليركع. ثم يبني، وما أخاله بالنشيط، وما لم يدخل الطواف، وقد قارب ذلك، فإن فعل، ركع ثم بنى في التطوع، ولا باس لمن دخل المسجد أن يركع ركعتين، قبل ركعتي الفجرِ. قال ابن حبيبٍ: ويُستحبُّ أن يقرأ في ركعتي الطواف، بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. ومن "كتاب" محمدٍ، و "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ومن أُقيمتِ الصلاة عليه في السعي، فليتمادى إلا أن يَصِلَ لوقتِ تلك الصلاةِ، فليصلِّ، ثم يبني على ما مضى من سعيه. وقاله ابن حبيب، عن مالكٍ. قال: ولو حقنه بَوْلٌ، أو غائطٌ في السعي، فليقضِ حاجتهن ثم يبني على سعيه. في الطواف والسعي على غير طهرٍ، ومن أحدث فيهما، أو طاف أو ركع بثوبٍ نجسٍ، والمرأة تحيضُ، وقد طافت أو لم تَطُفْ من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَنِ انتقض وضوءه في طوافه، أو بعد تمامه قبل يركع، فليتوضَّأْ، وليأتنف الطوافَ إن كان واجباً، وليس عليه في التطوع أن يبتدئه به، إلا أن يشاء إذا لم يتعمَّدِ الحدثَ. وإن أحدث في السعي فلا ينقطع لذلك. قال ابن حبيبٍ: وأما الرعافُ، فليبنِ بعدَ غسلِ الدَّمِ في الطواف أو
في السعي، أو ذكر أنه غيرُ متوضيءٍ، فإن أتمَّه كذلك، أجزأه، وأحبُّ إلينا أن يتوضَّأَ، ثم يبني. قال مالكٌ: وفي الطواف لا بدَّ أن يبتدئ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسمِ: إن أحدثَ بعد الطوافِ الواجب قبل أن يركع، فتوضأ وركع، ولم يُعِدِ الطوافَ جهلاً حتى فعل، فليركع بموضعه، ويبعث بهَديٍ. قال محمدٌ: ولا تجزئه الركعتان الأولتان، ويبعث بهَديٍ. قال ابن القاسمِ: ولو احدث في الطوافِ، فتوضأ، وبنى وركع، فليرجع، وهو كمن لم يطف، ومن ذكر بعد تمتم حجه، وهو بمكة، أنه طاف أول دخوله مكة على غير وضوءٍ فليُعِدْ طوافه وسعيه ولا دم عليه. بخلاف المتعمد، أو الناسي. ومن طاف بثوبٍ نجسٍ، فعلم بعد طوافه فنوعه، وصلى بثوبٍ طاهرٍ، فلا شيء عيه، فإن ركع به الركعتين، أعادهما فقط إن كان قريباً ولم ينتقضْ وضوءه، وإن انتقض وضوءه أو طال ذلك، فلا شيء عليه، كزوال الوقت. قال اصبغُ: سلامُه من الركعتين كخروج الوقتِ، وليس إعادتهما بواجبٍ، وهو حسنٌ أن يعيدهما بالقربِ. قال أشهبُ: إن علم به في طوافه، نزعه إن كان كثيراً، وأعاد طوافَه، وإن علم بعد فراغه، أعاد الطواف والسعيَ فيما قَرُبَ إن كان واجباً، وإن تباعد فلا شيء عليه، ويُهدي وليس بواجبٍ. ومن العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالك: وأكره أن يطوفَ بثوبٍ نَجِسٍ. ومن "كتاب" ابن المواز، و "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ومن أحدث في سعيه فتمادى، فلا إعادة عليه، وأحسن ذلك أن يتوضأ، ويُتمَّ بقيةَ سعيه.
في تأخير الطواف، وفي طواف المراهق والمكي، ومن طاف راكبا، أو محمولا، وفي تأخير السعي لمرض، أو غيره، ومن جلس أو وقف في طوافه أو سعيه
قال أشهبُ، عن مالكٍ: وإن حاضت المرأة في سعيها، فلتتماد بخلاف الطواف، ولو حاضت بعد الركوع لسعت، وأجزأها. وفي سماع ابن وهبٍ، سئل مالكٌ عن المرأةِ، تطوف بالبيت ثم تحيضُ؟ قيل: أن تسعى وهي حائضٌ. ومن "كتاب" ابن المواز، ومن "المجموعة"، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: واستحبَّ بعضُ العلماء التطهُّرِ للسَّعي، ولرمي الجمار، ولوقوف عرفة ومزدلفة، ومن لم يفعل، فلا شيء عليه. في تأخير الطواف، وفي طواف المراهق والمكيِّ، ومن طاف راكباً، أو محمولاً، وفي تأخير السعي لمرضٍ، أو غيره، ومن جلس أو وقف في طوافه أو سعيه من "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، فيمن أخَّر طوافه، وليس بمراهقٍ: فلْيُهْدِ. وقال أشهبُ: لا هَدي عليه. قال مالكٌ: وللمراهق سَعَةٌ في تعجيل الطواف وتأخيره، ومن أهَلَّ من مكة، فلا سعة له في تعجيله. قال أشهبُ: إنْ قدم المراهق يومَ عرفة، فأحبُّ إليَّ تأخير طوافه، وإن قدم يوم الترويةِ، أحببت أن يعجِّلَ طوافَه وسعيه، وله في التأخير سعةٌ. قال مالكٌ في "المختصر": إنْ قدم يومَ عرفةَ، فليؤخر إن شاء، وإن شاء طاف وسعى، وإن قدم يوم التروية ومعه أهله، فليقدم إن شاء، وإن لم يكن معه أهله، فليطفْ ويسعى. وكلُّ مَن أحرم من منزله من الحرم،
فهو كمن أحرم من مكَّةَ من تأخير الطواف، وإن أحرم هؤلاء من الحِلِّ، فليُعجِّلُوهِ، إلا أن يكونوا مراهقين. قال مالكٌ، في المرأة ذات الجمالِ، تقدَمُ نهاراً: فلا بأس أن تؤخر الطوافَ إلى الليل. قال مالكٌ: ومن به مرض أو ضعفٌ يقدر أن يمشي في طوافه، فلا بأس أن يركبَ. ثم رجع عن قوله: أو ضعفٌ. قال مالكٌ: وإن طِيفَ بالمريض محمولاً ثم أفاق فأحبُّ إليَّ أنْ يعيدَ، وإن طيفَ به محمولاَ من غير عذرٍ، فلا يجزئه، فإن لم يقدر حتى رجع إلى بلده، فليبعث بهَديٍ. قال أشهبُ: إن ذكر قريباً أعاد. ومن "الواضحة": والكلام في السعي بغير ما أنت فيه أخفُّ منه في الطوافِ، والوقوف فيهما؛ للحديث اشد منه بغير وقوفٍ، فلا يجلس في الطواف والسعي، إلا من علةٍ، وليجلس ما شاء بموقف عرفة، ومن أطال الجلوس لحديثٍ أو استراحةٍ، بين الصفا والمروة، أو في بيعٍ أو شراءٍ، ابتدأ السعيَ، وليَبْنِ فيما خفَّ من ذلك. ومن "المجموعة"، قال أشهبُ: ومَن جلس بين ظهراني سعيه، فإن طال ذلك جدًّا، فليبتدئ فإن لم يتذكر فلا شيء عليه. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَن طاف فلا ينصرف إلى بيته حتى يسعى، إلا من ضرورة ومن حقْنٍ أو يخاف على منزله. قال مالكٌ: ومَن بدأ بالسعي قبل الطواف، فليس ذلك بشيءٍ، وليأتنف الطوافَ والسعيَ، فإن جهل حتى خرج من مكة رجع حتى يطوفَ ويسعى، وكره مالكٌ للمريض إذا طاف بالبيت أن يؤخر السعيَ، وأن يفرقَ بين الطوافِ والسعي، وكذلك من طاف وركع فمرض، فلم يقدرْ أنْ يسعى
في الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وكيف إن أخر الركعتين والسعي، وفي تأخير الطواف والركوع في الإفاضة
حتى انتصف النهارُ. قال ابن القاسمِ: ومَن أصابه لك، فليبتدئْ. قال مالكٌ: ومَن طاف بالبيت سبعاً، فلم يخرج إلى السعي حتى طاف تطوُّعاً أُسبوعاً أو أسبوعين، فأَحَبُّ غليَّ، أن يبتدئ الطوافَ ويسعى، وإن لم يعد الطوافَ، رجوت أن يجزئه. قال أشهبُ، عن مالكٍ: ومَن أتى ليلاً فطاف، ولم يَسْعَ إلا بعد أن أصبح، فإن كان بطهرِ واحدٍ، أجزأه، وإن نام أو انتقض وضوءه، فبئسَ ما صنع، فإن كان بمكة فليُعِدِ الطوافَ والسعيَ والحِلاقَ، فإن خرج من مكةَ، فليُهْدِ هدياً، ولا يرجع. قال أشهبُ: فإن ذكر بعد أن صلى ركعةً من الركعتين أنَّه طاف ستة، فليقطع، وليتم طوافَه. في الطواف بعد الصبح وبعد العصر وكيف إن أخَّر الركعتين والسعيَ، وفي تأخير الطواف والركوع في الإفاضةِ من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن دخل بعد العصرِ، فلا بأس أن يؤخر الطوافَ، فإن طاف وأخَّرَ الركعتين حتى صلى المغرب، فركع وسعى، فإن طاف بطهر واحدٍ؛ أجزأه، وإن لم يكن بوضوءٍ واحد أعاد الطوافَ والسعيَ، إن كان بمكةَ، فإن خرج وتباعد بعثَ بهَديٍ، وقد أخَّر عمرُ ركعتي الطواف حتى طلعت الشمس. وأحبُّ لمَن جاء مكة، وعلم أنه لا يدرك الطوافَ إلا بعد العصر، أن يقيم بذي طوًى حتى يُمسِيَ، ولو دخل فطاف وسعَى ولم يركع إلا بعد غروب الشمسِ، فليعد - إن كان بمكة - الطواف، ويركع ويسعَ. وإن خرج منها بعثَ
بهديٍ، وذلك لسعيه قبل أن يركع. قال مالكٌ: وإن طاف بعدَ الصبح، ثم سعى قبلَ أن يركع، فليرجع، فيركع، ثم يسعى، ومن أفاض من مِنًى، فوجد الناسَ قد صلوا العصرَ، فإن خاف فوات الصلاةِ، بدأ بها وطاف وأخر الركعتين حتى يصليهما بعد المغرب، وإن لم يخف فوات الصلاةِ، بدا بالطواف وركع وصلَّى العصر. قال مالكٌ: ومَن طاف بعد الصبح أو بعد العصر، وأخَّر الركعتين، فحلت النافلةُ، وهو في منزله، فأرجو أن يجزئه ركوعهما في المنزل. قال ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومن أخر الركعتين بعد العصرِ، فليصَلِّهما بعد أن يصلِّيَ المغربَ، وإن ركعهما قبل أن يصلِّيَ المغربَ، وبعد الغروب أجزأتاه، وبعد صلاة المغرب أحب إلينا. قال مالكٌ: ومن طاف للإفاضة بعد الصبحِ، فأحبُّ إلينا أن لا ينصرف حتى يركع الركعتين في المسجد، أو بمكةَ، وإن ركعهما في طريقه، فإن كان بوضوءٍ واحدٍ، فلا رجوع عليه، ولا يعيد ركعهما في طريقه في الحرم أو في غيره، فإن انتقضَ وضوءه فليرجع حتى يعيد الطوافَ، ويركع. قال ابنُ القاسمِ: ما لم يَبعُدْ، فلا يرجع، وليهدِ وليركعهما بموضعه. قال مالكٌ: ومَن صلَّى العصرَ بمنزله بمكة، ثم أتى المسجد، فطاف قبل أن يصليَ الإمام، فلا يركع حتى تَغرُبَ الشمس، وإن كان بعيداً عن الإمام. قال ابن حبيبٍ: قال مطرّفٌ، وابن الماجشون، فيمن طاف بعد
في من ذكر بعض طواف السعي أو الإفاضة، أو بعض السعي وقد رجع إلى بلده، أو لم يرجع، أو ذكر الركعتين، أو صلاهما في الحجر، وفي من طاف تطوعا، وعليه طواف واجب نسيه
الصبح، وهو في غلسٍ: فلا بأس أن يركعَ لطوافه حينئذٍ، وقد فعله عمرُ بنُ الخطاب. وفي بابٍ آخر، من "كتاب" ابن المواز، قيل لمالكٍ: هل يتنفَّلُ الرجلُ بعد الفجرِ بالركوعِ؟ قال: إنَّ الناسَ ليتركونه وما هو بالضيق جدًّا. ومن "كتابه"، قال مالكٌ، في المرأة ذات الجمال تقدَمُ نهاراً: إلا بأس أن تؤخر الطواف إلى الليلِ. وقد تقدم هذا. وقال مالكٌ: وإذا دخلتِ امرأةٌ بعمرةٍ، فطافت، ثم حاضت قبل أن ... تركع، فلتقم ختى تطهر، ثم تأتنف الطوافَ، وتركع وتسعَ. وإن خرجت قبل ذلك، رجعت حتى تفعل ذلك، وتُهدِيَ؛ يريد الذي خرجت. قال ابن حبيبٍ: ولو حاضت بعدَ الطوافِ - يريد والركوعِ - فلتسعَ. في من ذكر بعضَ طواف السعي أو الإفاضةِ، أو بعض السعي وقد رجع إلى بلده، أو لم يرجع أو ذكر الركعتين، أو صلاهما في الحجر وفي من طاف تطوُّعاً، وعليه طوافٌ واجبٌ نَسِيَه من "كتاب" ابن المواز، قا مالكٌ: ومَن ذكر شوطاً من طوافه، فليرجع له من بلده، وكذلك من السعي، وإلى هذا رجع ابن القاسمِ بعد أن كان يُخفِّفُ الشوط والشوطين. وكذلك من السعي. وإلى هذا رجع ابن القاسمِ بعد أن كان يُخفِّفُ الشوط والشوطين. وكذلك عن شكَّ في ذلك، فليرجعْ. قال مالكٌ: وإن ذكر بعد السعيِ شوطاً من طوافه، بنى وركع، ثم سعى. قا مالكٌ: ومن طاف مع اخٍ له فشكَّ في طوافه، فأخبره الذي معه،
أنه قد اتمه، فأرجو أن يكون ذلك واسعاً. وذكره ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة"، وقال: فأخبره رجلان معه، أنه قد أتَّمه. قال: أرجو أن يكون خفيفاً. قال: ومن بدأ بالركن اليمانيِّ، فإذا فرغ من سعيه - قال أبو محمدٍ: أراه غلطَ قولُه: من سعيه. وأراه من طوافه، أولَى - فإنَّه يعيدُ الركوعَ والسعيَ بعدَه، وما بعده بدلٌ أتمَّ ذلك، فتمادى من اليمانيِّ إلى ألأسود، فإن لم يذكر، حتى طال أو انتقض وضوءه، أعاد الطواف والسعيَ. وإن خرج من مكةَ وتباعد، أجزأه أن يبعث بهَديٍ، ولا يرجع. قاله أصبغُ. وغن كان متعمداً، فليبتدئ إلا فيما لا تراح مثله، مثل أن يعدِلَ إلى بعضِ المسجدِ، ثم يستفيقَ، فليبن كمَن يخرج من صلاته، إلى مثل جوانب المسجدِ، ثم يستفيق، فليبن كمن يخرج من صلاته، إلى مثل جوانب المسجد وأبوابه، وإن طال ذلك منه بنسيانٍ أو جهلٍ، ولم يتباعد، فليبنِ ما لم ينتقض وضوءه أو يطوِّلْ. ومن ابتدأ طوافه من بين الحجر الأسود، ومن بين الباب بالشيء اليسير، ثم ذكر، قال: يجزئه، ولا شيء عليه، وإن بدا من باب البيت ألغَى ما شاء من باب البيت على الركن، ولا يَعْتَدُّ به. قال مالكٌ: ومن جهل، فلم يسعَ بين الصفا والمروة، حتى رجع إلى بلده، فليرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه، حتى يطوف ويسعى. قال في رواية ابن وهبٍ: وأحَبُّ إليَّ أنْ يُهدِيَ، بخلاف رواية ابن القاسمِ. قال أشهبُ: وكذلك من ذكر شوطاً من حجٍّ أو عمرةٍ. قال:
فإن أصاب النساءَ، فليرجع حتى يطوف، ويسعى، ثم يعتمر ويُهدِي. وقال أشهبُ: هَديَيْنِ هَدياً في عمرته للوطء، وهَدياً للتفرقةِ، وليس هَديُ التفرقة بواجبٍ. وابن القاسمِ يرى في ذلك كله هَدياً واحداً. ومن "كتاب" محمدٍ، و "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: ومن دفع من عرفة بعد الغروب، فمضى إلى بلده كما هو، فليرجع أبداً حراماً من النساء والصيد، ويتقى الطيب، ويرجع لابساً للثيابِ حتى يطوفَ الإفاضة، وعليه هَديٌ واحدٌ لسائر ما ترك من الجمار وغيرها، ولو أصاب النساء اعتمر بعد إفاضته، وعليه هَديٌ آخر. وكذلك من أُحْصِرَ بعد وقوفِ عرفة بعدُوٍّ – وفي باب آخر بمرضٍ – حتى فاته الحج، فحجه تامٌ، وعليه لما ترك من المزدلفة والرمي والمبيت بمنًى وغيره، هَديٌ واحدٌ. وقد قال غيرُ ابن القاسمِ: إنَّ عليه لكل شيءٍ من ذلك هَدياً. قال أبو محمدٍ: قوله: بعدُوٍّ. فابن القاسمِ لا يرى في المحصرِ بعدُوٍّ هَدياً، وأشهب يراه. وإن كان بمرضٍ. فيريد، أنَّه قد أفاض. قال ابن القاسمِ: وكلُّ طوافٍ نَسِيَ فيه الركعتين، من طوافِ السَّعيِ أو الإفاضةِ، أو طاف عمرته، فذكر بعد أن تباعد من مكة، أو رجع إلى بلده، فليركعهما مكانه ويبعث بهَدْيٍ، وَطِئ النساء أو لم يطأ. وإن ذكره بمكةَ أو قريباً منها، ولم يطأ النساء، فإن كانتا من طواف السعي
وليس بمراهقِ –رجع فطاف، وسعى وأهدَى، وإن كانتا من طواف الإفاضةِ طاف ولا دم عليه، أو كانتا من طواف السعي الذي أخَّره؛ لأنَّه مراهقٌ، أو محرمٌ من مكة، أو كانتا من عمرةٍ، فليطف ويسعَ، ولا دمَ عليه، وإذا وطئ، وهما من أيِّ طوافٍ كان، فذكر بمكة أو قريباً منها، فليطف ويركع، ويسع ما فيه سعيٌ، وعليه عمرةٌ والهديُ، ولو رجع إلى بلده أو بعدَ، فلا يرجعْ، وليركعهما ويبعث بهَديٍ. ونحوه هذا في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسمِ. قال مالكٌ: ومن نسي الركعتين حتى سعى، فليركعهما وليُعْدِ السعيَ. وقيل: يأتنف الطوافَ، ويركعُ، ويسعى. قال ابن حبيبٍ: ومَن نَسِيَ الركعتين، فإن لم ينتقض وضوءه، ركعهما ولم يُعِدِ الطوافَ، وإن انتقض وضوءه، ابتدأ الطواف إن كان واجباً، وهو مخيَّرٌ في التطوعِ. ومن نَسِيَ طوافَ الإفاضة أو بعضه، أو طاف على غير وضوءٍ، فليرجع له من بلده، إلا أن يكون طاف بعدَه متطوعاً أو مُوَدِّعاً، فيجزئه من كواف الإفاضة. وقاله كله مالكٌ. ومن "كتاب" ابن المواز، وبعضه أيضاً في "المختصر"، قال مالكٌ: ولا بأس بركعتي طوافِ النافلةِ في الحِجرِ، وقال: لا أحبُّه. وأراه عن هذا رجع. ومن صلى المكتوبة في الحجر، أعاد في الوقت، فإن ركع فيه ركوعَ الطواف الواجب طواف السعي، أو الإفاضةِ سهواً، أو جهلاً، فليُعِدِ الطوافَ، ويركع، ويسعَ ما فيه السعيُ، وهذا إن كان بمكةَ، أو قريباً منها، وإن تباعد بما في رجوعهِ مشقةٌ، أو بلغ بلده، بعث بهَديٍ وركعهما مكانه، وَطِئَ النساء أو لم يطأ. قال مالكٌ: ولو ركعهما في الحجرِ، ثم
في الخروج إلى منى، وإلى عرفة، والصلاة بها
ذكر في بعض السعي، أو بعد تمامه، أحببتُ له أن يعيد الطوافَ، ولو لم بعده وركع ثم سعى، رجوت أن يجزئه، ويأتنف الطوافَ أحب إلي. قال مالكٌ، في المختصر": وإذا سعى بين الصفا والمروة، فلا يخرجُ من مكة حتى يخرج إلى منًى، إلا أن يرعى بعيره، أو ما أشبه ذلك. ومن "كتاب" ابن المواز: ومن طاف بالبيتِ لا ينوي فريضةً، ولا نافلةً ثم سعى، فلا يجزئه، ويعيد إن كان قريباً، وإن تباعد فعليه دمٌ. قال محمدٌ: إن عرف ما أحرم عليه، لم يُعِدْ. قال عبد الملكِ: ومن طاف متطوعاً، وظنَّ أنه قد أفاض، ثم أصاب النساء، ثم ذكر، قال: يجزئه طواف التطوع عنه. قيلَ: فكيف له بالركعتين؟ قال: حسبه أن ينوي بهما الواجب أولا من طواف التطوع. قال: وسائر أمر الحج، فإنه يُجزئُ تطوُّعُه عن واجبٍ، إلا الصلاة، فلا تكون إلا بنيةٍ. في الخروج إلى منًى، وإلى عرفة، والصلاة بها قال ابن حبيبٍ وغيره: وإذا مالتِ الشمسُ يوم الترويةِ، فطُف بالبيت سبعاً، واركع ثم اخرج إلى منًى وأنت تلبي، وإن خرجت قبل ذلك فلا حرجَن فإذا خرجت من منًى إلى عرفة، فلا تجاوز مُحسراً حتى تطلع
الشمس تنير، فإذا جئت عرفة، فانزل نَمِرَةَ، فإذا زالتِ الشمسُ، فرُح منها إلى مسجد عرفة. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وأكره المُقامَ يومَ الترويةِ بمكةَ إلى أن يُمسيَ، إلا من شغلٍ. قال مالكٌ: ومن أدرك الجمعة بمكة يوم التروية؛ من مكيٍّ وغير مكيٍّ – قال في باب آخر ممن أقام بها أربعة أيامٍ – فعليهم أن يصلوا الجمعة قبل أن يخرجوا. قال ابنُ القاسمِ: يريد ممن يتم الصلاة. وقال أصبغُ: فأما المسافر فليس ذلك عليه، وأحب إليَّ أنْ لو فعل. قال محمدٌ: وكان أحب إلي خروجه إلى منًى، ليدرك بها الظهر، والعصر، وإنما تكلم مالكٌ على من لم يفعل، حتى أخذه الوقت. قال ابن القاسم: قال مالك: ويغدو الإمام والناس إلى عرفة بعد طلوع الشمسِ، ولا أرى بأساً للضعيف ومن بدابته عِلَّةٌ، أنْ يغدوَ قبل ذلك. قال مالكٌ: والحج على الإبلِ والدوابِّ أحب إليَّ من المشي لمن لم يجد ما يتحمل به، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ومن غدا من منًى إلى عرفة، فله أن يُكبرَ أو يلبِّيَ، كلُّ ذلك واسعٌ. ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومَن فاته أن يجتمع بين الصاتين بعرفة. قال في "العُتْبِيَّة": ومن قويَ على ذلك، فليجمع بين الصلاتين في رحله إذا زالت الشمس، ويتبع في ذلك السُّنة. قال في "كتاب" محمدٍ:
وكان القاسمُ ربما صلَّى في رحله، وربما صلَّى مع الإمام. وقال ابن حبيبٍ: ولا ينبغي لأحدٍ أن يتركَ جميع الصلاتين بعرفة مع الإمامِ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: ومن جاء والإمامُ يصلي بعرفة، فلم يدرِ أي صلاةٍ هي، فدخل ينوي صلاة الإمامِ، فلا يجزئه. قال مالكٌ: ومن صلى في رحله يوم عرفة كَفَتْهُ الإقامة لكل صلاةٍ. لمالكٍ: أيتقدم أحدٌ من مسجد عرفةَ قبلَ الإمامِ، فإنَّ الأكرياء يفعلونه؟ قال/ إن ذلك ليكون ما لم يسرعوا. ومن "المجموعة": قال أشهب: وإذا قطع المحرم التلبية بعرفة، فليهلل، ويكبر، ويذكر الله. قال أشهبُ: ولا أكره تقديم الناس أثقالهم إلى منًى وإلى عرفة، وإن شاء من عرفة في رجوعه ومن مزدلفة وفي أيام منًى، ولا يُسئل عن تقديم مَن حجَّ، فقد اُرخصَ في تقديم النساء والصبيان وضعفةِ الرجالِ، من مزدلفة إلى منًى قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حبيبٍ: ويجمع بين الصلاتين بعرفة، ويبدأ بالخطبة إذا زالت الشمسُ، أو قبل الزوال بيسيرٍ قدرَ ما يفرغ من الخطبةِ، وقد زالت الشمسُ. قال أبو محمدٍ: في قول ابن حبيبٍ هذا نظرٌ؛ لأنَّه قال ألاً: فإذا زالت الشمسُ، فرُح إلى مسجد عرفة. وقال ههنا: يخطب بمقدار أن
في الوقوف بموقف عرفة والدفع منها، والمبيت بمزدلفة والدفع منها، والوقوف بالمشعر
تزول الشمس بعد الخطبة. وقال: يؤذن إذا جلس في الخطبة. والأذان يجب إلا بعد الزوال. وقال أشهب في "كتبه": إذا خطب قبل الزوال، لم يجزئه، وليُعِدِ الخطبة، إلا أن يكون قد صلَّى الظهر – يريد بعد الزوال – فتجزئه. قال ابن حبيبٍ: وإذا جلس في الخطبة الأولى، أذَّن المؤذن، ثم يخطب الثانية ثم يقيم، فإاذ جمع بهم ركب، فليرتفع إى عرفاتِ، فيقف عند الهضابِ، راكباً. والناس معه، وقد رُوِيَ في الجمع بينهما بأذانين وإقامتين، ورُوِيَ بأذان وإقامتين. وبهذا أخذ ابنُ الماجشون، وقاله ابن القاسمِ، وسالمٌ. قال ابن المواز: قال ابن شهابِ: ويُهْجِرُ بالصلاةِ يوم عرفة. في الوقوف بموقف عرفة والدَّفعِ منها، والمبيتِ بمزدلفة والدفع منها، والوقوف بالمشعرِ قال ابن حبيبٍ: فإذا تمت الصلاة بعرفة، فجدَّ في التهليل والتكبير والتحميد، وقاله سحنون وأشهب. قال ابن حبيبٍ: ثم اشتدَّ إلى الهضاب من سفحِ الجبلِ، وحيث يقف الإمام أفضل، وكل عرفة
موقفٌ، وعرفة في الحِلِّ، وعرفة في الحرمِ، فبطن عُرَنَةَ الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع منه، وهو بطن الوادي الذي فيه مسجدُ عرفة، وما قاربه لا يُوقف في ذلك الوادي، وهي ثلاثُ مسايلُ يسيلُ منها الماء أقصاها يلي الموقف، ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه بالدعاء عَشيَّةَ عرفة، واستحبَّ مالكٌ أن يقف راكباً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن وقف قائماً فإذا أعيا فليجلس. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة"، في الماشي إذا هبط من بطنِ مُحَسِّرٍ: أن يسعى على قدميه كما يفعل الراكب، ويدعو بعرفاتٍ قائماً، فإذا أعيا جلس. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ويقف راكباً أحب إليَّ. محمدٌ: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال مالكٌ: وأما الماشي، فأحب إليَّ أنْ يدعوَ قائماً فإذا أعيا جلس، وفي "المجموعة"، نحوه. قال مالكٌ: ولا أحب أن يقف على جبال عرفة، ولكن مع الناس، وليس في موضعٍ من ذلك فضلٌ إذا وقف مع الناسِ، ومَن تأخر عنهم فوقف دونهم، أجزأه. محمدٌ:
إذا ارتفع عن بطنِ عُرنة. قال مالكٌ: ولم يُصِبْ من وقف بمسجد عرفة. قيل: فإن فعل حتى وقع؟ قال: لا أدري. قال أصبغُ: لا حج لهن واراه من بطن عرنة، ووقف ابنُ عبد الحكمِ كما وقف مالكٌ. قال ابن حبيبٍ: فإذا رغبتَ وسألت فابسُطْ يديك، فإذا رهبت واستغفرت وتضرَّعْتَ، فحولهما، فلا يزال كذلك مستقبل بالخشوعِ والتواضعِ والتذللِ وكثرة الذكر، بالتهليل والتكبير والتحميد والتمجيد والتسبيح والتعظيم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء لنفسك ولأبويك، والاستغفار. قال ابن حبيبٍ: فإذا دفعت من عرفة، فارفع يديك على الله، سبحانه، وادفع عليك السكينة وامشِ الهُوينا، وإنْ كنت راكباً، فالعنقَ، فإن وجدت فُرجةً، فلا بأس أن تحرِّكَ شيئاً، وأكثر من ذكر الله وتحميده وتهليله، وتمجيده في مسيرك وفي مبيتك بمزدلفة ومقامك في منى، كما كمنت تفعل بالتلبية من رفع الصوتِ. ومن "كتاب" ابن عبدوسٍ، قال ابن الماجشون: ولا أحب أن يتعمَّدَ الوقوف بعرفة بغير طهرِ، وكل المناسكِ تحضرها الحائضُ، إلا المسجد والطواف والصلاة.
قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: واستحبَّ بعضُ العلماءِ الغسل للسعي بين الصفا والمروة، ولوقوف عرفة، ولرمي الجمار والمزدلفة، ولا يرون بأساً على من لم يفعل. قال أشهبُ/: وأحب موقف عرفة إليَ ما قرب من عرفة، ومن مزدلفة ما قرب من الإمامِ، وقال عطاءٌ: من أدرك أن يقف على أول من جبال عرفة مما يلي مكة إلى عرفة قبل الفجرِ، فقد أدرك الحج. قال مالكٌ: ولا أُحبُّ أن ينزل يوم عرفة في الموقف عن بعيره، وهو أحب إليَّ، وإن وقف قائماً، فله أن يستريح إذا أعيا. قال أشهبُ: وإن وقف بنفسه، ولا علة بدابته، فلا شيء عليه. وكره مالك أن يستظلَّ يومئذٍ من الشمس بعصاً ونحوها. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالك: ومن دفع قبل الغروب، فإن رجع فوقف قبل الفجرِ، أجزأه ولا هَدي عليه. وقال أصبغُ: وأحب إلينا أن يهديَ، وليس بواجبِ. قال مالك: وإن لم يرجع حتى طلع الفجرُ، فعليه حجٌّ قابلٌ والهَديُ. قال ابن القاسمِ، وأشهبُ: ومن تعمَّدَ تركَ الوقوفِ حتى دفع الإمامُ، ثم وقف بعد ذلك، فعليه الهدي. قال: ومن دفع قبل الغروب، إلا أنه لم يخرج من عرفة حتى غربت الشمسُ، فعليه الهَديُ. قال مالكٌ: ومن دفع قلب الغروب مثل الإمامِ، أجزأه، ومع الإمام أحب إلينا ما لم يتأخر. قال في "المختصر": ولا بأس أن يتراخى الناس بالدفعِ ما لم يُسرفُوا،
ومن دفع من عرفة، فلا ينزل تلك المياه، يتعشَّى، ويقضي حاجته. ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن أتى عرفة ليلاً، فليقف ويدعُ ولا يؤخر الصلاة إلى المزدلفة، محمدٌ: ومن بعرفة مارًّا شقَّها ليلاً، ولم ينزلْ، فذلك يُجزئه إذا عرفها نَوَى الوقوف بذلك وإلا بطل حجُّه. ومن أتى قرب الفجرِ، وقد نسي صلاةً، فإن صلاها طلع الفجر، ولم يقف، فإن كان قريباً من جبال عرفة وقف وصلى، وإن كان بعيداً بدأ بالصلاةِ، وإن فاته الحجُّ. وبلغني أنَّ محمدَ بنَ عبد الحكمِ قال: إنْ كان من أهل مكةَ وما حولَها، فليبدأ بالصلاةِ، وإن كان من أهل الآفاقِ مضى إلى عرفة، فوقف، وصلى. ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب عن مالكٍ: ومن جاء مكةَ عشيَّةَ عرفة فخرج إلى عرفة، فتغرب عليه الشمس، أيصلي مكانَه، أم يؤخر حتى يقف بعرفة، ويرجع إلى المزدلفة؟ قال: بل يصلي الصلاة لوقتها. ومن "كتاب" ابن المواز: ومن وقف به مُغَمًى عليه، أجزأه، ولا دمَ عليه، قال أشهبُ: وقيل: لا حج عليه، كمن فاته الحج. ومن "المجموعة"، قال ابن نافعٍ: لا يجزئه، قال أشهبُ: إلا أنْ يقفَ غيرَ مغمًى عليه بها، حتى صدروا، فيجزئه، ولا دم عليه. قال
ابن الماجشون: إن أُغمِيَ عليه بعد الزوال. فوقف به حتى صدروا. أجزأه. وإن أغمِيَ عليه قبل الزوال، فلم يُفِقْ حتى الفجرِ، فقد فاته الحج. قال ابن حبيبٍ: قال ابن القاسم، وأشهبُ: وإن أُغميَ عليه قبل الزوال. وقال ابن الماجشون، ومطرِّفٌ: يجزئه، إلا أن يغمَى عليه بعدَ الزوال، وإن كان ذلك قبل الوقوفِ، فإنه يجزئه، وروياه عن مالكٍ، واحتجَّا بإغماء الصائمِ قبل الفجرِ، وبعده. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَن صدرَ، وبه أو بدابته علة، لا يقدر يسيرُ بسيرِ الناسِ، فليُصَلِّ الصلاتين قبل المزدلفة، ولا يصلِّ حتى يغيب الشفق، فيجمع بينهما. قال ابن القاسم: ومن صلَّى قبل يأتي المزدلفة، وهو يسير بسيرِ الناسِ فليُعِدْ إذا بلغها. قال أشهبُ: لا يعيد – بئس ما صنع – إلا أن يكون صلى قبل غيبوبة الشفقِ، فليعد، العشاء أبداً. قال محمدٌ: وقول ابن القاسمِ أحب إلينا. قال ابن حبيبٍ: هو كمن صلَّى قبل الوقتِ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الصلاةُ أمامَكَ".
قال ابن المواز: وهذا لمن وقف مع الإمامِ، وأما من وقف بعده، فليصلِّ كل صلاةٍ لوقتها. وقال ابن القاسم: إن طَمِعَ هذا أن يبلغ المزدلفة في ثلثِ الليلِ، أخَّرَ الصلاتين، وإلا صلَّى كل صلاةِ في وقتها. وقال أيضا: يصلي كل صلاةٍ في وقتها. إلا أن يُعجله السيرُ، فيجمع بينهما. قال أشهبُ: عن مالكٍ، وفي "العُتْبِيَّة": ومن وصل إلى مزدلفة، فليبدأ بالصلاةِ قبل يَحُطُّ رواحله وزوامله، إلا مثلَ الرجلِ الخفيفِ، فليحطه قبل الصلاةِ. وقال أبو محمدٍ: قال أشهبُ في "كتبه": ومن أتى المزدلفة، فله حَطُّ رَحلهِ قبل الصلاة، وحَطُّه له بعد أن يصليَ المغربَ أحب إليَّ. ما لم يُضطرَّ إلى ذلك؛ لما بدابته من الثقلِ، أو لغير ذلك من العذر، فإذا صلى المغرب، حَطَّ رَحله إن شاء قبل يصلي العشاء، وإن لم يكن بدابَّته ثِقَلٌ؛ لأن ذلك قريبٌ، لا تفاوت فيه بين الصلاتين، ولا يتعشَّى قبل أن يصليَ المغرب – وإن خفَّفَ عَشاءه – وليُصَلِّ المغربَ ثم يتعشَّى قبل أن يصليَ العشاء، إن كن عشاؤه خفيفاً، وإن كان عشاؤه فيه طُولٌ، فليؤخره حتى يُصلِّيَ العشاءَ، أحب إليَّ. وذكر عبد الرحمن بن يزيد النَّخَعِيُّ أنَّ ابنَ مسعودِ، لمَّا نزل بالمزدلفة، صلى بهم المغرب، قال: ثم وضعنا أرحالنا، وتعشينا. ثم صلى العشاء، وفي حديث مالكٍ، في "الموطأ" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب
بمزدلفة، ثم أناخ كل إنسانٍ بعيره في منزله، ثم أُقيمت العشاء، فصلاها، ولم يُصَلِّ بينهما شيئاً. ومن "كتاب" ابن المواز، قال محمدٌ: قال أشهبُ: عن مالكٍ، ومن أدرك بالمزدلفة من المغرب ركعةً، فليقضِ إذا سلَّم الإمامُ ولا يقطعْ. قال ابن حبيبٍ: ومن شاء صلَّى ليلة المزدلفة مع ألإمامِ، وغن شاء في رحلهِ، ومع الإمام أفضلُ. والشأن أن يصلِّيَ الإمامُ بها الصبحَ حينَ ينصدعُ الفجرُ. ومن "كتاب" ابن المواز: ومن وقف بمزدلفة مغمًى عليه أجزأه، وإنما اختلف ابن القاسمِ وأشهب في عرفة. قال أشهبُ: وإذا لم يزل بمزدلفة حتى طلع الفجر، فعليه الهَديُ، وغن كان من ضعفةِ الرجال والنساءِ والصبيان. وقال ابن القاسم: إن نزل بها بعد الفجرِ، ما لم تطلع الشمسُ، فهو مدركٌ، ولا هَديَ عليه. وليقف بالمشعرِ الحرامِ. ما لم يُسفِرْ جدًّا. وإن دفع الإمامُ، وإنما الذي إلا يقف بالمشعر بعد دفع الإمام، من بات بها، أو وقف معه، فهذا لا يقف بعدُ. قال: ووقت دفع الإمام من المشعر الإسفار الذي يجوز تأخير الصلاة غليه. قال في "لمختصر": ويدفع إذا كان الإسفارُ الذي يجوز تأخير الصلاةِ إليه. ومن "كتاب" ابن المواز، قال: ويُستحبُّ ليلةَ المزدلفة كثرةُ
الصلاة والذكر، وكان ابن عمر يطيل بها التهجد، وكان الناس يستحبون الوقوف على الجبل الذي عليه الإمامُ. وقال سعيد بن جبيرٍ: وما كان بين الجبلين موقفٌ منها، وقال ابن أبي يحيى: وما صبَّ منه في منًى فهو منها. قال ابن حبيبٍ: المشعر ما بين جبلي المزدلفة، ويقال لها أيضا: جَمْعٌ، وكلها موقفٌ، ولا يرتفع عن بطن مُحَسِّرٍ، ويقف الإمام حيث المنارة التي على قُزَحَ. قال مالكٌ: ولترفع يديك بالدعاء والذكر، والرغبةِ على الله سبحانه، ويُكثِرُ من التهليل، ويفعل في الدفعِ من المشعر من الذكر والتلبية مثلَ فعلك في الدفع من عرفة، ويُهروِلُ في بطنِ مُحَسِّرٍ. وكان عروة يقول فيه: لا إله إلا أنت، وأنت تُحيي بعد ما أمتَّ. وقال غيره: إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جَمًّ ... وإلى عبدٍ لك ألَمَّا ومن "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسمِ: ومن دفع من عرفة بعد مغيب الشمسِ، فتمادى إلى بلده، فإنه يرجع لابساً للثيابِ حتى يفيضَ،
جامع القول في رمي الجمار
وعليه لجميع ما ترك هَديٌ واحدٌ، بَدَنَةً أو بقرةً، وهذا في باب الفوات. جامع القولِ في رميِ الجمارِ ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: لقطُ حصى الجمارِ أحبُّ غليَّ من كسرها، وليس عليه غسلها، قال ابن حبيبٍ: واستحبّ القاسمُ، وسالمٌ أخذها من المزدلفة، ولا باس بأخذها من غيرها، إذا اجتلب ما رمى به، وكان القاسمُ يرمي بأكبر من حصى الخذفِ قليلاً. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ: ووقت الرميِ يومُ النحرِ من طلوع الشمسِ إلى الزوالِ، فإذا زالت، فات الرميُ، إلا العليلَ، أو لمن نَسِيَ. ولو رمى بعد الزوال فلا شيء عليه، ولكن في صدر النهار أصوبُ في ذلك اليوم، وأما في أيام منًى، فمن حين تزول الشمس إلى أنْ تَصْفَرَّ، فإذا اصفرَّت، فقد فات الرمي إلا لمريضٍ أو ناسٍ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: والرميُ في أيام منًى بعدَ الزوال قبل الصلاةِ، وإن رمى بعد أن صلَّى الظهر أجزأه. قال مالكٌ في "الواضحة ": وقد أساء. قال: ويعيد من رمى قبل الزوال. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَن رمى جمرة العقبةِ، رجعَ، من حيث شاء. قال مالكٌ: ويرميها من أسفلها، ومن لم يصل
لزحامٍ، فلا بأس أن يرميها من فوقها، وقد فعله عمرُ لزحامٍ. ثم رجع مالكٌ فقال: لا يرميها إلا من أسفلها فإنْ فعل، فليستغفر الله. وكذلك في "المختصر": وإذا رماها من أسفلها، فليستقبلها، ومنًى. عن يمينه، والبيت عن يساره، وهو ببطن الوادي. وكذلك كان ابنُ مسعودٍ يفعلُ. قال: وليرمها كما هو راكباً، إلاّ أنْ يأتيَ قبل الفجرِ، وغن رماها ماشياً، فلا حرج ولا يقف عندَها بعد الرميِ. قال مالكٌ: وليمشِ في رمي الجمارِ أيام منًى في اليوم الآخر. قل: إنَّ الناس تحملوا براحلتين، قال: في ذلك سعة، ركب أو مشي. قال: وإذا رمى الأولى، تقدَّم أمامها وأطال الوقوف للدعاءِ، ويرمي الوُسطَى، وينصرف عنها ذات الشمال ببطنِ المسيلِ، فيقف أمامها مما يلي يساره، ووجهه إلى البيتِ، فيفعل كما فعل في الأولى، وليكثر الوقوف عندَها. وكان القاسمُ، وسالمٌ يقفان عندَهما. قدرَ ما يقرأ الرجل السريع سورة البقرةِ. قال ابن عبد الحكمِ: وهو موضع ذلك.
قال مالكٌ: ويرفع صوتَه بالتكبير عند الجمارِ. قال ابن القاسم، وأشهبُ: ويُطيلُ الدعاء. قال ابن حبيبٍ: ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل عند الأولى القيامَ، ويقومُ عند الوسطى دون ذلك، ولا يقوم عند العقبةِ. وكان ابن مسعودٍ يقفُ في الولى للدعاءِ قدرَ البقرةِ مرتين، وعند الثانية قدرَ قراءتها مرة. وكان قيام ابن عمر فيهما قدرَ قراءة البقرةِ. قال ابن حبيبٍ: والوقوف في الثانية دون الأولى. وكان ابن مسعودٍ كلما رمى أو عمل شيئاً من أمر الحجِّ، قال: اللهمَّ اجعله حجًّا مبروراً وذنباً مغفوراً. وأيام مِنًى أيام ذكرٍ، قال الله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}، وهي أيام منًى، والمعلومات أيام النحرِ لقولهِ: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}. وقال مالكٌ: وليعلن الحاج التكبير أيام منًى ويذكر الله؛ لقوله {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} الآية، فكان ابنُ عمر يكبّرُ
أول النهار في قُبَّتِهِ أو حيث كان من منًى رافعاً صوتَه، فيكبِّرُ الناسُ بتكبيرِهِ، ثم يكبِّرُ إذا ارتفع انهار كذلك، ثم يكبِّرُ إذا زالتِ الشمسُ كذلك، ويكبِّرُ الناسُ حتى تَرْتَجَّ منًى بالتكبير، حتى يبلغ ذلك مكة وبينهما ستةُ أميالٍ. ثم يكبِرُ بالعشاءِ كذلك أيام منًى كلها. فأما أهلُ الآفاقِ، فإنما يُظهرونَ التكبيرَ في غُدُوُّهم إلى المصلى، وفي دبرِ الصلوات. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا رمى في اليوم الثالث، فلا يقيم بعد رميه، ولينفذْ ويصل في طريقه، وإذا كان له ثقلٌ وعيالٌ، فله أن يؤخر ما لم تصْفَرَّ الشمسُ، ولا يصلى لك اليوم بمسجدِ منًى غيرَ صلاةِ الصبحِ. وذكر مثله ابن القاسمِ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة": وقال: لا يرمي، ويرجع إلى ثقله، فيقيم فيه حتى يتحمل. ومن "كتاب" ابن المواز، قال أصبغُ: والسنة للإمامِ أن يرميَ الجمرة الآخرة عند الزوال، ويتوجَّه فاصلاً، وقد أعاد رواحله قبل ذلك، أو يأمر من يلي ذلك له، ولا يرجع إليه. قال مالكٌ: أُرخِصَ لرعاة الإبلِ أن يرموا يومَ نحرِ العقبة، ثم يخرجوا، فإذا كان اليومُ الثاني من أيام منًى – يومُ نفرِ المتعجل – أتَوْا يرمون الجمار لليوم الماضي ولليوم، ثم لهم أن يتعجَّلُوا، فإن أقاموا، رَمَوا للغدِ مع
الناسِ. محمدٌ: فإن دعوا النهار ورَموا الليل، أجزأهم، ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في ذلك. قال عبد الملك: ومَن ترك جمرة العقبةِ، أول يومٍ، ثم رماها من الليلِ أو من الغدِ بغيرِ نيَّةٍ، لقضاء ما نَسِيَ منها؛ أنه يجزئه كلُّ ما فعله من أمر الحج تطوعاً لا ينوي به القضاء، إلا الصلاة فلا تجوز إلا بنيةٍ. قال: وخالف عبدُ الملكِ أصحابه؛ فقال: وإن لم يَرْمِ العقبة في شيءٍ من أيام الرميِ بطل الحج. وكذلك ذكره عنه ابن حبيبٍ، وزاد عنه، فإنْ لم يرمها يومَ النحرِ حتى أمسى، فعليه دمٌ ويرميها في ليلته، وإن ذكرها في اليوم الثاني أو قبل انقضاء أيام منًى، رماها، وعليه بَدَنَةٌ، فإن لم يذكرها حتى زالت أيام منًى بطل حجه، فإن ذكر منها حَصاةً إلى مَيِّتٍ ثم ذكرها في أيام منًى، فليرمِ منها ما نسي فقط وعليه دمٌ. وإنما عليه بَدَنَةٌ لو ذكر رميها كلَّه. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإن ذكر بعد أيام منًى حصاةً، ذبح شاةً، فإن كانت جمرة ذبح بقرةً. محمدٌ: وإن كانت الجمارَ كلها. فبدنة. قال عبد الملك فيمن ترك حصاةً إلى بيتٍ، فإن كانت سبعاً فهو كالجميعِ. وعليه بدنةٌ ما لم يكن جمرة العقبةِ.
قال محمدٌ: ومن ذكر في اليومِ الثالثِ قبلَ أن يرمي أنه لم يرمِ لأول يومٍ من أيام الرميِ إلا ستَّ حصياتٍ لكلِّ جمرةٍ. قال ابن القاسمِ، وأشهب: فليرمِ لأول يومٍ بحصاةٍ وللاثنين بسبعٍ سبعٍ، وكذلك إن كان رمى ليومه هذا، عند ابن القاسم، ثم يعيد رميَ اليومِ. وقال أشهبُ: إذا ذكر بعد الزوال أعاد رميِ أول يوم كله، ورمي اليومِ. قال ابن القاسم: ومن صدر في اليوم الرابع ثم ذكر أنه لم يرمِ، فليرجع فيرمِ ما لم تغبِ الشمسُ، فإن لم يقدر أن يرمي إلا جمرة أو جمرتين حتى غابت فليرم ما أدرك، وعليه في الآخرة دمٌ. ومن "كتاب" محمدٍ، و "العُتْبِيَّة": ابن القاسم، قال مالكٌ: وإذا شكَّ في حصاة من الأولى بعد أن رمى، فليرمها بحصاة ثم يعيد الجمرتين بعدها، فسبع سبعٌ، وأما إن بقيت بيده حصاة أو حصاتين، لا يدري من أيتهما هي، فليبتدئ الرميَ من أوله بسبعٍ سبعٍ، وقد قال: إنها مثلُ الأولى. قال ابن القاسمِ: وإن رمى الآخرة، ثم الوسطى، ثم الأولى، أعاد الوسطى، ثم الآخرة، ولو رمى الأولى ثم الآخرة ثم الوسطى أعاد الآخرة. قال ابن المواز: وإن رمى الجمار بحصاةٍ حصاةٍ كل جمرةٍ حتى أتمها بسبعٍ سبعٍ، فليرمِ الثانية بستٍّ، ثم الثالثة بسبعٍ، ومن نفذت حصاه ثم رمى بحصاةٍ من الجمرةِ، فلا أحب له ذلك، وقد أجزأه، قاله
ابن القاسم. وقال أشهبُ: لا يجزئه. قال مالكٌ: وأحبُّ إليَّ للمريض – إنْ طمع بصحةٍ – أن ينتظر بالرميِ آخر أيام الرمي، فإن لم يرجُ ذلك، فلا يؤخر، وليرمِ عنه ويهدِ، فإن صحَّ في أيام الرمي، أعاد ما رُميَ عنه وأُهديَ، يريد عما مضَى. وقال أشهبُ: لا هَديَ عليه إذا أعاد ما رُميَ عنه، وقاله عطاءٌ. واختلف قولُ ابن القاسمِ، في وقوف الرمي عن المريض للدعاءِ، فقال: يقف عنه. وقال: لا يقف. وقال أشهبُ: يقف عنه إذا لم يرمِ المريض، حتى غربت الشمسُ، ثم ركب فرمى، فعليه دمٌ. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومَن أفاض بعدَ رميِ الجمرةِ فأقام بمكة وكان مريضاً، فلم يرجع إلى منَى ولا رمى حتى ذهبت أيام منًى فقال: عليه بدنَةٌ فإن لم يقدر، فما استيسر من الهَديِ، يريد: شاة. قيل: إن قوماً قالوا: لو رمى بعد أيام منًى؟ قال: هذا خطأٌ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن وهبٍ: وليس على من رمى الجمار على غير وضوءٍ إعادةٌ، ولكن لا يتعمد ذلك، ولم يرَ عطاءٌ، والشعبي بهذا بأساً. وكان لبن عمر يغتسل لرميِ الجمار. وقال ابن أشهبٍ: لا يرمي إلا وهو طاهرٌ. قال عطاءٌ، ومجاهدٌ: وتتوضأ الحائض إذا توجهت إلى شيءٍ من ذلك. قال ابن حبيبٍ: ومن نسي رمي الجمار إلى بعد يوم النحرِ، رمى الساعة
ذكر، ولا دم عليه، إلا أن يذكر ذلك بعد الصدر وزوال أيام منًى، فليبتدئ، وإن ذكر بعد أن صدر قبل غروب الشمسِ، رجع فرمى، وعليه دمٌ، لأنه رمى بعد الصدرِ، وإنما يعتدُّ بأن يرميَ الأولى بسبعٍ، ثم الثانية ثم الثالثة لأول يومٍ ثم يعود، فيرميهم. هكذا عن اليومِ الثاني، ثم عن الثالثِ، ولا يرمي الأولى، ولا غيرها عن الثلاثة أيامٍ في مرةٍ. ومن "العُتْبِيَّة"، قال يحيى بن يحيى، عن ابن وهبٍ، عن مالكٍ، فيمن نسيَ الرميَ يوماً، أو يومين، ثم ذكر، قال: يرمي في اليوم الثالثِ لليومين الماضيين، ويُهدي. قال ابن وهبٍ: إن كان متعمداً، فليقضِ، ويُهدِ، إن كان ناسياً، فلا هدي عليه، إلا أن يذكر بعد أيام الرميِ، فليهدِ في العمدِ والسهوِ، وإذا أدرك في اليوم الثالثِ، فلا يرمي الأولى ليومين، ثم الثانية كذلك، والثالثة. ولكن يرمي عن أول يومٍ جميعهن، ثم يبتدئ كذلك للثاني. قال: وكان أحب إلى مالكٍ في تاركِ جمرةِ العقبةِ شاة، وفي جمرتين بقرةٌ، وفي الثلاث بَدَنَةٌ، ويرى أنَّ أدنى الهَدي في ذلك يُجزئُ أيضاً.
جامع القول في الحلاق، والتقصير للحاج والمعتمر، وما يحل للحاج برمي الجمرة
ومن سماع ابن القاسم: ومن نسي أن يرميَ نهاراً ورمى ليلاً، فلا هَديَ عليه، ثم رجع، فقال: يُهدي. قاله ابن القاسم. قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: ومَن أخطأ حين أفاض من عرفة، فلم يأت منًى إلا بعد يومِ النحرِ بيومٍ، أو يصيب امرأةً بعفة، أو مزدلفة، فلم يأتِ منًى إلا بعد يومِ النحر بيومٍ، فليرموا، وعليهم هَدْيٌ. جامع القول في الحلاقِ، والتقصير للحاجِّ والمعتمر، وما يَحِلُّ للحاجِّ برميِ الجمرةِ من "كتاب" ابن المواز، قال عروة: ول يجاوز أحدٌ جمرة العقبة، حتى يحلق. قال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا ينبغي لأحدٍ أن يحلق خلفَ العقبةِ. قال مالكٌ: ومن رمى جمرة العقبةِ يوم النحرِ، فقد حل له كل شيءٍ إلا النساء، والطيب، والصيدَ. وقاله عليُّ بن أبي طالبٍ. وقيل: إنَّ عمر لم يذكر الصيدَ في خطبته، لأنه ليس من شأن أهل منًى، وإنما شانهم ما بحضرتهم. قال مالكٌ: واراه لهذا لم يذكره. قال مالكٌ: وإذا أفاض بعد الرميِ حل له كل شيءٍ، من النساءِ، والطيبِ، والصيدِ، وكل شيءٍ. قال مالكٌ: ومن الشأنِ أن يغسلَ رأسَه بالغاسولِ والخِطميِّ، حين يريد أن يحلق، ولا باس أن يتنوَّرَ، ويقصَّ أظفاره، ويأخذ من شاربه، ولحيته قبل أن يحلقَ، وإذا رمى، فله لبس الثيابِ في الإفاضةِ.
قال ابن القاسم في المعتمر يغسل رأسه قبل أن يحلقه، أو يقتل شيئاً من الدوابِّ، أو يلبس قميصاً بعد تمام السعي، قال: أكره ذلك له. قال مالكٌ: ولو وطئ قبل أن يحلق كان عليه عمرة ثانية، وقال في بابٍ آخر: ليس عليه إلا الهدي. وقال في "العُتْبِيَّة": يبتدئ. وقال ابن حبيبٍ، عن مالكٍ: إذا لبس المعتمر الثيابَ، أو مسَّ الطيبَ، أو النساءَ، قبل أن يحلق، أو يُقَصِّرَ، فلا شيء عليه. محمدٌ: قال مالكٌ: وليُعَجِّلِ الحاجُّ حِلاق رأسه إذا رمى، وكذلك المرأة تُعَجِّلُ التقصير. فإن أفاض قبل أن يحلق، فإن ذكر في أيام منًى، حلق شيء ولا عليه. وإن ذكر بعدَها حلق وأهدى. قال ابن القاسمِ: إذا تباعد ذلك بعد الإفاضةِ، أهدى، وليس لذلك حدٌّ. وإن ذكر وهو بمكة قبل أن يفيضَ، فليرجع حتى يحل ثم يفيض. ومن "المختصر": ومن أفاض قبل الحِلاقِ، فقد اختُلفَ فيه؛ فقيل: يرجع فيحلق، ثم يفيض، فإن لم يُفِضْن فلا شيء عليه. وقيل: ينحرُ، ويحلقُ، ولا شيء عليه. والأول أعجبُ إلينا. ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ولا يتنفل أحدٌ بطوافٍ، وقد لزمه الحلاق، حتى يحلقَ، فإن وطئ قبل يحلق أو يقصِّرُ، فعليه هَديٌ قرُب أو بعُدَ. والمرأة كذلك كان في حجٍّ أو عمرةٍ. ومن "الكتابين": ومن نسيَ الحِلاقَ أو التقصيرَ، أو امرأة أقامت سنين نسيت التقصير أو جهلته، فليُهدياه، وتقصِّرُ المرأةُ. ويحلق الرجلُ.
مالكٌ: ولا بأس لمن طاف لعمرته ليلاً، أن يؤخر حِلاقه حتى يصبحَ، ولكن لا يتنفل بطوافٍ حتى يحلقَ، قال اصبغُ: فإن فعل فلا شيء عليه. قال ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": قال مالكٌ: إذا تأخر المعتمر بالليلِ حَلاقه إلى الصباح، فلا يتنفل بطوافٍ حتى يحلق، وكذلك فعل ابن عمر. وإن عجَّل حلاقه، فهو خيرٌ له، وإن أخَّره، فواسع، وقد فعله القاسم. قال مالكٌ: ولا يلبس الثيابَ حتى يحلقَ، فإن فعل، فلا شيء عليه، وإن أتم عمرته، ثم أحرم بالحجِّ، ذم ذكر أنه لم يقصر، فعليه هَدْيٌ لذلك مع هَديِ التمتعِ. ومن "الكتابين"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ولا أرى للمعتمر أنْ يدخل الكعبى حتى يحلق. قال في "كتاب" محمدٍ: فإن فعل، فذلك واسعٌ. قال في "العُتْبِيَّة": ولا يطوف ولا يقرب البيت حتى يحلق. قال في "المختصر": ولا يدخل البيت حتى يحلق، فإن فعل، فلا شيء عليه فذلك واسعٌ. قال مالكٌ: وليس تقصير الرجلِ أن يأخذ من أطراف شعره، ولكن يَجُزُّ ذلك جَزًّا، وليس مثل المرأةِ، فإن لم يَجُزَّه وأخذ منه، فقد اخطأ ويجزئه.
ومن "الكتابين": قال مالك وحلاق المعتمر أحب إلينا، إلا أن يقارب أيام الحجِّ، فليقصر أحب إلينا. قال محمدٌ لموضع حِلاقهِ في الحجِّ: واستحبَّ مالكٌ لمَ، حلق، أن يأخذ من شاربه، ولحيته وأظفاره، وليس بواجبٍ. وقد فعله ابنُ عمر. قال محمدُ بن كعبٍ في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}. قال: حلق الرأسِ. والأخذ من الشارب واللحيةِ والأظفار، ورمي الجمارِ، والذبحُ، والطوافُ، - وعن ابن عباسِ وعطاءٍ – نحوه وحلق العانةِ، ونتف الإبطِ. وإذا أرادت المرأة أن تحرم أخرجت من قونها شيئاً للتقصيرِ، فإذا أحلت قصَّرتْ. وجاء عن ابنِ عمرَ: أنَّ نساءً يُقَصِّرْنَ أُنملةً. وقالت عائشةُ: يكفيها قدرُ التطريفِ. قال مالكٌ: وليس ذلك عندَنا حدٌّ معلومٌ، وما اخذ منه الرجل والمرأة أجزأه. قال: والمرأة إذا أذاها أقملُ في رأسها، فلها سَعَةٌ في حِلاقه، وتدع التقصير، قال مالكٌ: وأما الصبية، فتحلق أحب إلي، والتقصير لها جائزٌ. قال عنه ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة": إن شاءوا حَلقُوا لها، أو قصَّرُوا.
قال محمدٌ: ومن لم يقدر على حلاق رأسه، ولا التقصير، من وجعٍ به، فعليه هَدْيٌ، بَدَنَةٌ، فإن لم يجد فبقرةٌ، فإن لم يجد فشاةٌ، فإن لم يجدْ، صام ثلاثةَ أيامٍ وسبعةً. قال ابن حبيبٍ: ومَن حلق قبل أن ينحرَ، فلا شيء عليه عند ابن القاسمِ. وقال ابن الماجشون: يُهدي؛ لقول الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. وما ذُكر من قول النبي عليه السلام، إذ سُئلَ، فقال: "احْلِقْ ولا حَرَجَ". يعني: أنَّ حجَّهُ تامٌّ. قال: ويبلغ بالحلاق إلى عظم الصُّدْغينِ، منتهَى طرفيِ اللحيةِ. وكان ابنُ عمر يأخذ من لحيته حينئذٍ ما جاوز القبضة، ويأخذ من شاربه، وأظفاره، ولا يأخذ من عارضيه. قال مالكٌ في "المختصر": ومن أخَّر طوافَ السعي، من مراهقٍ وشبهه، فإنَّه إذا رمى الجمرة، فليحلق، ويَحلُّ له ما يحلُّ لمَن طاف وسعى. وذهب ابنُ الجهمِ، إلى أنَّه إن كان قارناَ، فلا يحلق بعدَ الرميِ، حتى يطوفَ، ويسعَى. ومن "العُتْبِيَّة"، أشهبُ، عن مالكٍ، في من دخل بعمرةٍ، فحلَّ، وأنشأ الحج من مكة، وأخر الطوافَ، فإنه إذا رمى الجمرة، فله لُبْسُ الثيابِ، قبل أن يطوفَ، ويسعى.
في الإفاضة، والتعجل في يومين، وذكر المقام بمنى أيام منى، والمبيت بها، وذكر الصيد، وذكر المحصب
في الإفاضةِ، والتعجل في يومين، وذكر المقام بمنًى أيام منًى، والمبيت بها، وذكر الصيد وذكر المحصبِ من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: والتعجل بطواف الإفاضةِ أفضلُ، ولا رمل فيه، وله أنْ يؤخره إلى آخر أيام التشريقِ. قال: وإذا أفاض، وقد رمى، حل له كل شيءٍ، ومن أفاض قبلَ الرميِ، لم يجزئه، وليرمِ، ثم يحلقُ، ثم يفيص ثانية. وإن رمَى ولم يحلق ثم أفاض، فأحبُّ إليَّ قولُ عمر: أن يحلقَ بمنًى ثم يعيد الإفاضةِ، فإن لم يُعِدِ الإفاضةِ، أجزأه. ولو وطئ امرأته قبل أن يحلق، وقد أفاض، فعليه دمٌ. قال ابن حبيبٍ، في من رمى ثم أفاض قبل يحلق: فليرجع إلى منًى، فيحلق، أو يقصر، ثم يفيضُ، وغن حلق بمكة، أجزأه، وبمنًى أفضلُ. ومن "العُتْبِيَّة"، و "كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسم عن مالكٍ: ومَن طاف للإفاضةِ، ثم أراد أن يتنفَّلَ بطوافٍ أو طوافين، قال: ما هو من عمل الناسِ، وأرجو أن يكون خفيفاً. ومن فرغ من طواف الإفاضةِ، ثم سمع ألآذان، فواسع له أن يخرج، أو يقيم حتى يصلي. زاد في "كتاب" محمدٍ: وإن سمع الإقامة، فله أن يَثْبُتَ، ليصلي. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عنه أشهبُ، فيمن أفاض يوم النحرِ، يومَ جمعةٍ، هل يقيم حتى يصلي الجمعة؟ قال: أحب إليّ أن يرجع إلى منًى.
قال ابنُ حبيبٍ: ولمن طاف لإفاضته أن يتنفَّلَ بطوافٍ، أو طوافين قبل أن يرجع إلى منًى. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وللرجلِ أن يَطَّلِعَ أهلَه بمكةَ أيام منًى، ليُصيبَ منهم، وينظر من ظهر له، ما لم يختلف كل يومٍ، أو يُطِلِ الإقامة. قال مالكٌ: ومَن بات من وراء العقبةِ في أيام منًى، فعليه دمٌ. قال مالكٌ: وإذا أفاض يوم الجمعةِ، فأحبُّ إليَّ أن يرجع إلى منًى فلا يقيمُ لصلاةِ الجمعةِ، وإذا طلب الحاجةِ أيام منًى، فلا يبعد إلا مثل الاستقاء وشبهه، ولا أحب أن يتنفل بطوافٍ أيام منًى، بعدَ الإفاضةِ، وخفف الأسبوع والأسبوعين، وما ذُكر انَّ العباسَ، وابن عباسِ كانا يبيتان بمكةَ، فذلك رخصةٌ من النبي عليه السلام لهما لموضع السقايةِ. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومَن أقام بمكة أكثر ليلتهِ، ثم أتى إلى منًى، فأقام باقيها، أو أقام بمنًى أكثر ليلته ثم مضى إلى مكة، فأقام باقيها حتى أصبح، فلا شيء عليه حتى يبيت ليلةً كاملةً، فعليه دمٌ. وكان عطاءٌ يقولُ: يجزئه صدقةُ درهمٍ. ومن "كتاب" ابنِ المواز، قال ابنُ أبي سلمةَ: ليس نزول المُحَصَّبِ بواجبٍ، والفضل فيه. قال مالكٌ: ولا أعلم المحصَّبَ يكون لم، تعجَّلَ في يومين، وقال ابن أبي ذئبٍ، وقاله ابن شهابٍ. قلا مالكٌ: ومن أراد أن يتعجَّلَ في يومين فذلك له، وذلك في اليومِ
الثاني من أيام منًى، وهو ثالث أيام النحر أن يرمي فيه الجمار، إحدى وعشرين حصاةً، وذلك له ما لم تغرُب الشمس بمنًى، فإن غابت له بمنًى، فليقم حتى يرمي في غدٍ، فإن جهل، فتعجَّل في ليلته، فقد أساء وعليه الهَديُ، وإذا جاوز العقبةَ، ثم غربت الشمسُ، فلا شيء عليه، وإن شاء طاف ليلاً، وانصرف. وقاله اصبغُ. ومن أفاض في يومين وهو يريد التعجُّلَ، فلا يضرُّه أن يقيمَ بمكةَ حتى يمشي، وكذلك أهل مكة، ومن أفاض وليس شأنه التعجل، فبدا له بمكة أن ينفرَ، فذلك ما لم تغب عليه الشمسُ بمكة، فإن غابت فليقم حتى يرمي من الغدِ، ولو رجع إلى منًى، ثم بدا له قبل الغروبِ أن يتعجَّلَ، فذلك له، وهي السنَّةُ. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن تعجَّلَ فأتى مكةَ، فأفاض، وانصرفَ، فكان مَمَرُّه على منًى، فلم ينفذ منها حتى غابت الشمسُ، فلينفذ ولا يضرُّه. قال في "كتاب محمدٍ": وكذلك لو لم يكن ممره، إلا أنه نسيَ بها شيئاً فرجع له، فغابت له بها الشمسُ، فلينفذ، ولا يضره. قال: وللمتعجل في يومين أن يقيمَ بمكة، ولا يضره. وقال عبد الملكِ: إن بات المتعجل بمكة، فعليه دمٌ، قال محمدٌ: يريدُ: ويرمي من الغدِ، وليس كالمكِّيِّ. لأنه تعجل على بيته. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: أرَى أهلَ مكةَ مثل غيرهم في التعجلِ، ثم استثقله لهم إلا من عذرٍ من تجارةٍ، أو
في قصر الحاج الصلاة بمنى، وذكر صلاة العيد والجمعة
مرضٍ. قال مالكٌ: ويُعجبني افمامُ الحاجُّ أن يتعجَّلَ. محمدٌ: قال أشهبُ: فإن فعل، فلا بأس عليه. وأخذ ابن القاسمِ بقوله: إن هل مكة التعجل، كغيرهم. وذهب ابن حبيب على أن المتعجل في يومين، يرمي جمارَ يومهِ ذلك، ثم يرمي في فوره جمارَه لليوم الثالثِ، كما كان يرمي لو لم يتعجل مكانَه. وليس هذا قولَ مالكٍ، ولا اعلم من يهب إليه من أصحابه. قال ابن المواز: وإنما يصير رميُ المتعجل كله تسعاً وأربعين حصاةً، منها سبعة يوم النحرِ، ولليومين اثنان وأربعون. قال مالك في "المختصر": ولا باس بالصدر قبل دخول البيتِ. في قصر الحاج الصلاة بمنًى، وذكر صلاة العيد والجمعة من "كتاب" ابن المواز، ومن "العُتْبِيَّة"، وهو في كتاب الصلاة أيضاً، قال أشهبُ، عن مالكٍ: ومن أقام بمنًى آخر أيام الرميِ بعد أن رمَى؛ لزحامٍ أو لتبردٍ، أو لغير ذلك. قال في "العُتْبِيَّة": فحانت صلاةُ الظهر بمنًى، فَلْيَقْصُرْ. وكذلك لو رجع غليها بعد الرمي، فأقام حتى صلاة الظهر، فليقصرْ، كان مكيا أو غيره، ممن يريدُ الإقامة بمكة، أو لم يرد، وقد قال قبل ذلك: إنه يُتم. واختلف فيه قول ابن القاسمِ،
وقال أصبغُ: يقصُرُ. وإليه يرجع ابن القاسمِ. قال مالكٌ: وأهلُ منًى يُتِمُّونَ، ويقصرونَ بعرفة، وأهل عرفة يتمون بها، ويقصرون بمنًى، وليس الحج كغيره، وهو في الحجِّ سفرٌ يَقْصُرُ فيه. قيل له: فمن خرج من مكة، ممن قد أتمَّ بها الصلاة إلى منًى، أيقصر حين يخرج إلى منًى؟ قال: نعم. ثم قال السائلُ: يقصرُ بمنًى، ولا ادري ماذا خرج. قال مالكٌ: وعلى أهل مكة صلاة العيد، وليس ذلك على أهل منًى. قال مالكٌ: وإن كان يوم الترويةِ يوم الجمعة، فمن زالت له الشمس بمكة من أهلها، أو ممن أقام بها أربعة أيامٍ، فعليهم أن يصلوا الجمعة، وإن لم يأخذه الوقت، فالخروج إلى منًى أحب إلي، وهذا قد تقدم في باب آخر. قال مالكٌ: وإذا كان يومُ الترويةِ يوم الجمعة، فليصل الإمام بمنًى ركعتين بغير خطبةٍ ويُسِرُّ القراءة. قال مالكٌ: وأحب للإمام إن صدر يوم الجمعة، يصلي بأهل مكة الجمعة، ولا يقيم بالمحصَّبِ، وقد فعله عمر بن الخطابِ رضي الله عنه.
في وطء المحرم وتلذذه، وما يفسد من ذلك حجه، أو عمرته، وكيف إن أكره أهله، وفي نكاحه ورجعته، وغسله امرأته، وكيف إن وطىء ثم أحرم
في وطء المحرم وتلذذه، وما يفسد من ذلك حجه، أو عمرته، وكيف إن أكره أهله، وفي نكاحه ورجعته، وغسله امرأته وكيف إن وطئ ثم أحرم قال ابن حبيبٍ في قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}: فالرفث هاهنا، ما نلذ به من أمر النساء، من تذكر أو ما رجعةٍ أو غيره، ونحوه. وما ذكر منه في ليلة الصيام الجماع. قال مالكٌ: والفُسوق؛ الذبح لغير الله، ورُوِيَ عن ابن عمرَ، وابن عباسٍ، أنها المعاصي كلها، وأنَّ الجدال المراءُ حتى يُغاضب صاحبه. قال مالكٌ: هو ما كان من تفاخر أهل الجاهليةِ بآبائها. ومن "كتاب" ابن المواز، ابن القاسمِ، قال مالك: ومن نظر إلى امرأته فأنزل، فإن أدام النظرَ فسدَ حجه، وإن كان ذلك في نظره، من غير إدامةٍ، فليس عليه إلا الهدي. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وكذلك الذي يردد التذكر إلى قلبه حتى ينزل، ما أراه إلا وقد فسد حجه، وأما إن تذكر شيئاً، فينزل، فلا يَفْسُدً حجُّه. قال احمد بن مُيَسِّرٍ: ويُهدي. ومن "الكتابين" قال عنه أشهب: ليس على الذي يتذكر أهلَه حتى يُنزلَ حجُّ قابلٍ، ولا عمرةٌ، وعليه هَدْيٌ بدنة، ويتقرب إلى الله تعالى بما
استطاع من خيرٍ، قال محمدٌ: وبرواية عن ابن القاسمِ، أقول في إدامة ذلك وإدامة النظرة، فأما القُبلة والمباشرة والجسَّة والضمةُ فينزل مكانَه، فقد أفسد حجه. محمدٌ: وقال مالكٌ: ومن قبَّل امرأته، فلم يُنزل شيئاً فليُهدِ بدنةً، وإن غمزها بيده فأحب إلي أن يذبح في ذلك، وفي كلِّ ما يتلذذ به منها. قال مالكٌ: ولا يلمس كفَّها تلذذاً، ويُكره أن يرى ذراعيِ امرأته، ولا بأس أن يرى شعرَها، ويُكره أن يحملَها على المحملِ، وإن الناس ليتخذون سلالم، ولا بأس أن يُفتى المحرم في أمور النساء. ومن "الكتابين"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وأكره له أن يُقلِّبَ جاريةً للابتياع له أو لغيره. وقال عنه أشهبُ: ولا يَحضُرُ المحرمُ نكاحاً. قال محمدٌ: وقال اصبغُ: فإن حضره أساء ولا شيء عليه. قال أشهبُ: فإن حضره أساء ولا شيء عليه. قال أشهبُ: عن مالكٍ: وله – إذا أمِن – أن يمسك بيدِ امرأته، ورُبَّ رجلٍ لا يأمنُ. قال مالكٌ، في "الكتابين": وللمحرمِ أن يرتجعَ امرأته من طلاقٍ غير بائنٍ. محمدٌ: قال ابن القاسم، وأشهبُ: وإن تزوج بعدَ رميِ العقبةِ، قبل أن يفيضَ فُسخَ نكاحه. قال مالكٌ: بغير طلاقٍ. وقاله أشهبُ: وقال ابنُ القاسمِ: بطلاقٍ. قال مالكٌ: ولا ينبغي أني غسل أحدُ الزوجين المُحرمين الآخر، يرى عورته، فإن فعل، وكان عن ذلك مَذْيٌ فليُهْدِ، فإن لم يكن مذيٌ،
فلا شيء عليه، ويُكره له ذلك. ومن "الكتابين" قال محمد: وإذا أفسد حج الزوجين بالوطءِ، فليفترقا في حج القضاء، من يوم يُحرمان، ولا يتسايران، ولا يجتمعان في منزلٍ، ولا في الجُحفةِ، ولا في مكة، ولا في منًى. ومن "كتاب" محمدٍ: وإذا طاف معتمرٌ، وسعى على غير وضوءٍ، ثم وطئ، ثم تذكر، فعليه عمرةٌ والهَديُ. ومن أفسد عمرتَه بالوطءِ، فليُتمَّهَا، ثم لا ينصرف حتى يأتنف العمرةَ ويُهديَ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيامٍ وسبعةً. ومن وطئ قبل أن يُحرمَ ثم نسيَ أن يغتسل حتى حلَّ من حجهِ، فليرجع من بلده لابساً للثيابِ، ويتجنب النساء والطيبَ، فيطوف ويسعى، ويهديَ، ولو وطئ، لاعتمر، وأهدى هدياً واحداً عن ذلك كله. وإذا وطئَ المحرمُ أهلَه مُكرهةً، ثم طلقها، فتزوجت غيرَه، فعلى الأولِ أن يُحجَّها، ويُجبر الثاني على الإذنِ. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ عن مالكٍ: ومَن وطئ أمَته – وقد أذن لها – فعليه أن يُحِجَّهَا، ويُهديَ عنها. قال ابن القاسم: والإكراه فيها من السيد، وغير الإكراه سواءٌ، وطَوعها له بالإكراه. قال محمدٌ: قال عبد الملكِ: ولو باعها، لكان ذلك عليه لها. محمدٌ: وهو كعيبٍ تُرَدُّ به، إلا أن يبرأ منه.
وقال عبد الملكِ، ويُهدي عنها، ولا يصوم. قال العتبيُّ: روى عيسى، عن ابن القاسمِ، في مُحرمٍ وطئ أهلَه مكرهةً، وليس معه ما يُهدي عنها وهي مَلِيَّةٌ، فليس عليها هي حج ولا صيام. ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن أكره زوجته المحرمة، فلم يجد به ويُهدي عنها، فلتفعل هي ذلك، ويُرجع به عليه. فإن صامت لم يُرجع عليه من قبل الهدي بشيءٍ، وكذلك المُدْخِلُ على المحرم شيئاً كرها يوجب الفدية. وإن أفلس الزوج فللزوجة مُحاصَّةُ غرمائه، بما وجب لها من ذلك، ويُوقف ما يصير لها حتى تَحُجَّ به وتُهدي، فإن ماتت قبل ذلك، رجع بحصة الإحجاج إلى الغرماء، وأنفذ الهدي عنها. قال مالك: ومن أصاب أهلَه يوم النحر بعد الرمي، وقبل الإفاضةِ، فليعتمر ويُهد. وقاله ابن عباسٍ، وربيعة، وقال ابن عمر: يحجُّ قابلاً. وقاله الحسن، وابن شهابٍ، وقيل عن ابن عباسٍ: يجزئه بدنة. وقال ابن المسيب والقاسم، وسالم، وعطاء: ليس عليه إلا الهدي، وإن أفاض قبل أن يرمي، ثم وطئ قبل الرمي في يوم النحر، أو بعده، فليس عليه إلا الهدي، في قول ابن القاسم، وابن كنانة. وقال أشهب، وابن وهبٍ: إن وطئ يوم النحر في حجه، وإن أفاض إذا لم يرمِ. وقال اصبغُ مثل قول ابن القاسمِ، وقال: وأحب إلي أن يعيد الإفاضةَ، بعد أن يرميَ.
قال محمدٌ: لا يعيد الإفاضة، ولو لم يجزئه لفسد حجه. كذا قال أشهب، وابن وهبٍ، وذكر ابن حبيبٍ، أنه إن وطئَ يومَ النحرِ بعدَ الإفاضةِ، وقبل الرمي، فعليه عمرةٌ والهدي، وإن وطئ بعد يومِ النحرِ، وقد أفاض ولم يرمِ قائماً، عليه الهدي، وذكره عن أصبغ. ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ، في الذي وطئ بعد الرمي وقبل الإفاضةِ: إن طلقها فبانت منه فتزوج كل واحدٍ منهما قبل أن يعتمر، فنكاحها فاسدٌ، وإن طلقها طلقةً فراجعها في العدة، فلا بأس، فإن انقضت ثم تزوجها، فُسِخَ النكاح، فإن أصابها فلا يتزوجها حتى تستبرئ نفسها، بثلاث حِيَضٍ، من ذلك الماء الفاسد، وكذلك نحوه في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم، ونحوه في "المختصر"، في تزويجها هي خاصة. قال أبو بكر الأبهريُّ: إنما فُسِخَ نكاحها؛ لأنها بقيَ عليها الإفاضة؛ لأنها طافته بعد الوطءِ، فلم يتم إحلالها، فبقي عليها أن تبدأ به في عمرةٍ، فكأنها تزوجت، قبل تمام إحلالها. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: في من أفسد حجه فيُستحبُّ أن يكونَ الهديُ الذي يلزمه في فساد الحج، أن يكون منعه في حجه القضاء، فإن قدَّمه أداه. ومن "المحتصر"/ ومَن أصاب أهلَه بعد رميِ العقبةِ، فليتم حجه،
في من أفسد حجه قرانا أو متمتعا أو مفردا، أو فسد حجه ثم فاته، أو أفسد عمرته ثم تمتع، أو قضى حجا لفساده فأفسده، أو حج عن غيره أو لنذر فأفسد
ثم يعتمر من الميقات أحب إلينا، وإن اعتمر من التنعيم، أجزأه. في من افسد حجه قِراناً أم متمتعاً أو مُفرداً، أو افسد حجه، ثم فاته، أو افسد عمرته ثم تمتَّعَ، أو قضى حجًّا لفساده فأفسده، أو حج عن غيره أو لنذر فافسد من "كتاب" ابن المواز، و "العُتْبِيَّة": قال أشهب، عن مالكٍ، في قارنٍ أفسد حجه، قال: عليه الهدي لقرانه الآن، ويقضي الحج قارناً، ويُهدي معه هديين، هديٌ لقران القضاء، وهديٌ للفسادِ، فإن لم يجد صام ستة أيامٍ، فإن شاء أفطر بين كل ثلاثةٍ، وإن شاء وصلها، ثم يصومُ أربعة عشر يوماً بعد ذلك. ولو وجد هَدياً واحداً، صام عن الآخر ثلاثة ثم سبعة. ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابو زيدٍ: قال ابن القاسم: فإن أفسد هذا القارن حجه، ثم فاته الحج مع ذلك، فعليه أربع هَدَايا، هديٌ لقرانه الأول، وهديٌ ثانٍ حين صار يعمل عمل العمرةِ، محمدٌ: فكأنَّه وطئ فيها ثم هديٌ لقران القضاء، وهدي للقضاء في الفواتِ، محمد: ورَوَى أصبغُ، عن ابن القاسمِ، إنما عليه ثلاث هدايا. والأول أحب إلينا. قال مالكٌ: ومن أفسد حجه، ثم فاته، فلا ينبغي أن يقيم إلى قابل على أمرٍ فاسدٍ، وليُحِلَّ بعمرةٍ، ثم يحج قابلاً. قال ابن القاسم: ومن فاته الحجُّ، ثم وطئ، فليحل بعمرةٍ، ويُهدِ لوطئه فيها، وعليه حجُّ قابلٍ وهَديٌ آخر للقضاء، ولا بدل عليه لهَديِ
العمرةِ؛ لوطئه فيها، كما ليس عليه قضاءُ عمرةٍ إن وطئ في الحجِّ، ثم فاته الحج. وكذلك قال في سؤالٍ آخر، فيمن فاته الحج ثم وطئ في عمرته التي يتحلَّلُ فيها: إنه لا بدلَ إيه. وقاله عبدُ الملكِ، وابن وهبٍ. وليس عليه إلا حجٌّ واحدٌ، وهديٌ للفسادِ، وهديٌ للفواتِ، ولو أصاب صيداً، أو تطيب في هذه العمرة، كان عليه الجزاء والفدية. قال ابن القاسمِ: وسواءٌ أفسد حجه ثم فاته، أو أفسده بالوطء بعدَ الفواتِ، قبل أنْ يطوفَ، فلي عليه إلا حجٌّ واحدٌ، وهديٌ للفسادِ، وهدي للفواتِ. قال مالكٌ في رجلٍ حجَّ في وقتٍ خرج فيه حسين بنُ عبد الله، فلما رأى ما رأى، رجع إلى أهله، ورفض إحرامه، / ووطئ، ثم جاء العامُن قال: يدخل على إحرامه الأول، فيعمل عملَ العمرةِ، ثم يحج ويُهدي، لأنَّ حجه الذي أفسده قد فاته، فصارت عمرة. قال محمدٌ: وعليه في هذه التي جعلها عمرة هديٌ آخر، وكأنه وطئ فيها. قاله ابن القاسمِ. ولو رفض إحرامه من غير عذرٍ، فأصاب النساء والطيبَ والصيدَ، فلكلِّ ما أصاب من لباسِ وطيبٍ فديةٌ واحدةٌ، ولكلِّ صيدٍ جزاؤه، وللوطءِ هديٌ، مع حجٍّ قابلٍ، ومن افسد حجه مفرداً، لم يجزئه أني قضيه قارناً، ولو أفسده قارناً، لم يجزئه أن يقضيه مفرداً، ومن تمتع فافسد حجه، فقضاه مفرداً، فإنه يجزئه، وعليه هديان؛ هدي التمتع، وهدي الفسادِ. وذكره
عيسى، في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسم، وقال: يُعَجِّلُ هديَ التمتعِ، ويؤخر هديَ الفساد إلى حجة القضاء. وفي غير "العُتْبِيَّة": ومن حجَّ قارناً، فافسد بالوطءِ، فقضاه مفرداً، متمتعاً، لم يجزئه، وعليه في هذا دَمَانِ، دمٌ للقرانِ، ودمٌ للمتعةِ، ويقضي قابلاً قارناً، ويُهدي أيضاً هديين. والمتمتع إذا فاته الحج، فإنما عليه حجٌّ واحدٌ قابلٌ، فإن فاته وأفسده، فعليه هديان مع القضاء مفرداً. ورأيت لعبدِ الملكِ، ابن الماجشون، في غير "كتاب" ابنِ الموازن أنَّ من أفسد حجه مفرداَ، فقضاه قارناً، أنه يجزئه. ومن "كتاب" ابن المواز: ومن حلَّ عمرته، وانصرف ثم ذكر السعيَ، فليرجع حراماً، فيطوفَ ويسعى، ويُهديَ للتفرقةِ، وعليه فديةٌ. ولو وطئ لأت عمرته هذه، وقضاها وافتدى، وهديٌ واحدٌ يجزئه عن الفسادِ والتفرقةِ. قال أشهبُ: ومن افسد عمرته ثم حلَّ ثم حجَّ من عامه قبل يقضي عمرته، فحجه جائزٌ وهو متمتعٌ، وعليه هديُ التمتعِ، ثم يقضي عمرته، ويُهدي هدياً آخر. قال محمدٌ: فإن لم يُتمَّ عمرتَه الفاسدة حتى أنشأ الحج، فإنَّ أردافه باطلٌ لا يلزمه، ويرجع فيتم عمرتَه الفاسدة، ثم يقضيها، ثم عن احرم بالحج قبل يقضيها، لزمه وعليه قضاء عمرته بعد ذلك. ولو أتم عمرته في أشهر الحج، ثم أنشأ الحج فأفسده، لم يزل عليه دمُ المتعةِ، ويحج قابلاً
مفرداً، ويهدي للفسادِ. قال محمدٌ: إذا كانت عمرته صحيحة، وغن كانت فاسدةً، قضاهما جميعاً، واحدة بعد واحدةٍ. يريد وقد تقدَّم عليه هديٌ لفساد العمرةِ، ولو يسقط عنه هدي التمتعِ. ومن غير "كتاب" ابن المواز، روى اصبغُ عن ابن القاسمِ، في من تمتَّعَ، ثم فاته الحج بعد الإحرامِ، أنه يسقطُ عنه دمُ المتعةِ، بخلاف المفسد لحجِّ التمتعِ. ومن "كتاب" ابن الموازن قال ابن القاسمِ، ومن أفسد حجه فقضاه قابلاً، فأفسده، فعليه قضاءُ الحجتين. ورواه ابن القاسمِ عن مالكٍ، في من افطر في قضاء رمضان، أن يقضي يومين، وكذلك في رواية عيسى، عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة" من أول المسألة. قال محمدٌ: قال أصبغُ: هذه الرواية في الصومِ، وليس عليه إلا قضاء يومٍ بخلاف الحجِّ، وما ذلك في الحج بالقويِّ، وهو أحب إلينا أن يقضيَ حجه الآخر، ثم يقضي الأول. قال عبد الملكِ: ليس عليه إلا حجة واحدة، ولا يعيد حجة القضاء التي أفسد، وإن نحر فيها الهدي، فذلك الهدي يجزئه، كمَن عجَّل هدي القضاء، وإن كان أحب إلينا أن يكون مع حجة القضاء. وقال محمدٌ بقول عبد الملكِ. ومن "العُتْبِيَّة": روى عيسى عن ابن القاسمِ، في من حجَّ عن غيره، فأفسد حجهن فليقضِ من مال نفسه، أخذ ذلك على البلاغ أو بالإجارةِ، وإن أُحصرَ بمرضٍ، أو غيره فليقض أحب إلي، وإن استؤجرِ
في من فاته الحج، أو أحصره بعذر أو مرض، وفي المحرمة تحيض قبل الإفاضة، وذكر المستحاضة
مقاطعةً، فعليه القضاء بكل حالٍ. قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم في من حجَّ في مشيٍ عليه إلى مكة، فأفسد حجه بالوطء بعرفة: فليتم حجه ويقضي، ويعيد المشيَ من الميقاتِ، ويركب ما قبله؛ لأن المشي الذي يجوز له فيه الوطءُ يجزئه ولا يعيده، وعليه هديٌ للفسادِ، وهديٌ لتبعيض المشي. في من فاته الحج، أو أُحصر بعدوٍّ أو مرضٍ، وفي المحرمة تحيض قبل الإفاضةِ، وذكر المستحاضة من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ: وكلُّ مَ، فاته الحج بخطأِ العددِ، أو بمرضٍ، أو بخفاءٍ من الهلالِ، أو بشغلٍ، أو بأي وجهٍ غير العدوِّ، فلا يحله على البيت، ويحج قابلاً ويُهدي. قال مالكٌ: في "المحتصر": كان إحرامه بحجٍّ واجبٍ، أو تطوُّعٍ. قال، في "كتاب" ابن المواز: وأهل مكةَ وغيرهم في ذلك سواء. وقال ابن شهابٍ: لا حصر على المكيِّ وإن نُعِشَ نعشاً، قال محمدٌ: يريد: وإن حمل على نعشٍ على عرفة وغيرها؛ لمرضه. قال مالكٌ: ومن فاته الحج، فله أن يثبت على إحرامه على قابلٍ. قال عنه أِشهبُ: ويُهدي احتياطاً. قال عنه ابن القاسمِ، وابن وهبٍ: لا هدي عليه. وقاله أصبغُ. قال مالكٌ: وأحب إلينا، أن يتعجَّل إحلاله، / ثم يحج قابلاً ويُهدي. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، وفيها رواية أشه عنه في الهدي. قال مالكٌ: وإن اختار المُقام على إحرامه إلى قابلٍ، ثم بدا له،
فذلك له أنى حل متى ما شاء، ما لم تدخل أشهر الحجِّ، فليس له حينئذٍ، أن يُحِلَّ، حتى يُتمَّ حجه. قال: ولو دخل مكةَ أو الحرمَ قبل أشهر الحجِّ، وهو على إحرامه، لم يكن له أن يثبت على إحرامه، وليُحِلَّ بعمرةٍ، ما لم تدخل أشهر الحجِّ. ولو دخل مكةَ قبل شهور الحجِّ، فثبت على إحرامه حتى حج، فذلك يُجزئه، من فريضته، ولو دخلت أشهر الحجِّ، فحلَّ منها بعمرةٍ، فبئس ما صنع. قال أشهبُ: وقيل: إحلاله باطلٌ إذا قدم فيها ونوى الحجَّ من عامه، وإن أصاب في فسخه هذا صيداً ادَّاه، وإن حَلَقَ افتدى. وقال ابن القاسم مرة: فسخُه باطلٌ، وهو على إحرامه. وقال إنْ جهِل وفعل، كان متمتعاً، يريد إذا حلَّ وأنشأ الحج. وقال أيضا: لا يكون متتعاً إن حجَّ بعدَ إحلالِهِ، لأنها لم تكن عمرةً، إنما تَحلَّل بها من حجٍّ. قال أشهبُ: ومن فاته الحج وأحرم بحجةٍ أخرى قبل يُحِلَّ، فذلك لا يلزمه، وهو على إحرامه. قال أشهبُ: والعبد إذا أحرم بالحجِّ بإذن سيده، ففاته الحج، فلا يمنعه سيده أن يحل بعمرةٍ، إن كان قريباً، وإن كان بعيداً فذلك له، إن شاء أن يبقيه على إحرامه إلى قابلٍ، وإن شاء أذن له فحلَّ منه بعمرةٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أتى عرفة بعدَ الفجرِ من يوم النحرِ، فليرجع إلى مكةَ، فيطوف، ويسعى، ويُقَصِّرَ وينوي بها عمرةً، ويحُجّ قابلاً ويُهدي. ومن "كتاب" محمد: ومن دخل مفرداً أو قارناً من الحِلِّ من مكيٍّ، وغيره، ثم فاته الحج، فليحلَّ بعمرةٍ، ولا يخرج على الحل، ولو دخل بعمرةٍ فحلَّ منها ثم أنشأ الحج من مكة، أو أردف الحج بمكة أو بالحرمِ، فهذا يخرج إلى الحلِّ فيدخل منه ويُحلُّ بالطواف والسعي، وقد تقدم هذا في باب المواقيت. قال ابنُ حبيبٍ، في المحصرِ بمرضٍ قبل يَبلُغُ مكة: فله إن صحَّ قطعُ التلبيةِ، إذا دخل الحرم ورأى بيوت مكة، ولو مرض بعد أن طاف وسعى، ثم أفاق بعد أن فاته الحجُّ، فليطف ويسع، ولا يخرج على الحِلِّ، إلا من أحرم من مكة بالحج ثم فاته. ومن "العُتْبِيَّة"، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: إذا أخطأ أهل المَوسِمِ فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر، مضَوا على عملهم، وينحرون الغد، ويتأخر عمل الحجِّ كله يوماً، ويجزئهم. ولو وقفوا بعرفة يو التروية، لأعادوا الوقوف يومَ عرفة بعينه. واختلف فيه
قول سحنونٍ، فيما أخبرنا أبو بكرٍ، عن (حَمْدِ يس، عن سحنونٍ، وأخبرك عن يحيى بن عمر، في أهل المَوسمِ ينزل بهم ما ينزل بالناسِ من) سندٍ العلويِّ. وهروبهم عن عرفة، ولم يتموا الوقوف، قال: يجزئهم، ول دم عليهم. ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسم، والمحصَرُ بمرضٍ، بعدَ وقوفهِ بعرفة، فحجه تام، وليس عليه لما ترك من المزدلفة والرمي والمبيت بمنًى إلا هدي واحدٌ، وقال ابن شهابٍ: عليه هدي للمشعرِ، وهدي للجمارِ، وهدي للمبيتِ. وقال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في: هديٌ واحدٌ، وأحب إلي أن تكون بنية، فإن لم يجد صام. وكذلك في "كتاب" ابن حبيبٍ، وقال: إلا أنه إن لم يُفضْ، فلا يحله إلا الطواف بالبيت. وفي بابٍ آخر من "كتاب" ابن المواز، عن ابن القاسم، فيمن أُحصرَ بعد وقوفِ عرفة بعدوٍّ، قال: يُهدي هدياً واحداً. قال: والمعروف عنه، ما قال أولا: إنما الهدي في حصر المرضِ. وفي رواية سحنونٍ مبهمةٌ، قال سحنون: يعني بمرضٍ. قال ابن القاسم: ومن أُحصرَ بعدوٍّ، بعد أن احرم - في الحل أو في الحرمِ، في قربٍ أو بعدٍ – حتى فاته الحج، فليحل وينحر هدياً، إن كان معه. وكذلك يُحِلُّ من العمرة، وإن كان لا يخشى فيها فوتاً، فإن النبي
صلى الله عليه وسلم من العمرة حلَّ. قال: ولا يقضي الحج، إلا أن يكون ضَرورة. قال: وينحر هذا هديه، ويُحلُّ، وإن كان بغمر الحرمِ. وقد حلَّ النبي صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبية بالحرمِ، وليس بمحلٍّ للهدي؛ لقول الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}. قال ابن القاسم: فإذا اُحصرَ الحاج بعدوٍّ، تربَّصَ فإذا صار له وقتٌ ليي أن يدركَ الحج، حلَّ، وغن كلن قبل يوم النحرِ. قال مالكٌ: ول يقضي الحج إلا أن يكون صرورة، ولا هدي عليه، ولم يامر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية بقضاءٍ، ولا هدي عليه. قال أشهبُ: لا يحلَّ حتى يومِ النحرِ، ولا يقطع التلبيةَ حتى يروحَ على عرفةَ، وعليه الهدي، لقول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. وقال إسماعيل القاضي: هذا أحصارٌ مرضٍ، ولو كان عدوًّا لقال: فإن حصرتم، ومنه يقال: قَبَرَ وأَقْبَرَ، وقتلَ وأقْتَلَ، وضربَ وأضربَ، فما وليه بنفسه، فهو من فعلت، وما كان له فيه سببٌ أدَّى
إلى المسبَّبِ، فهو من أَفْعَلْتَ؛ فإذا حبس رجلٌ رجلاً، قيلَ: حبسه. وغن قتله قيل: قتله. فغن فعل به فعلاً عرَّضه للحبسِ، قيل: احتبسه. وكذلك إن فعل به ما عرَّضه للقتلِ. قيل: أَقْتَلَه. واخذ ابن المواز بقول ابن القاسمِ. وقال عبد الملكِ: وإذا أخَّر هذا المحصر حلاق رأسه، حتى رجع على بلده. فقال ابن القاسمِ: لا دم عليه. وقال أشهبُ: عن لم يحلقْ حتى ذهبت أيام منًى، فعليه هديٌ. ومن "كتاب" ابن حبيبً: قال ابن الماجشون: من حَصِرَ بعدوٍّ في حجٍّ أو عمرةٍ، فهو سواءٌ، وفي العمرة تَحلَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم، فليتربص في الحجِّ، ما رَجَى كشفَ ذلك قبل فواتهن فإذا أيسَ، حلَّ، وأما في العمرةِ، فليقم ما رجى إدراكها بفورهِ. وبرجائه يريد بحدثانه، ممَّا لا ضررَ به في الصبر عليه، فإن لم يرجه إلا فيما يطولُ، فليحل. قال في المحصر بالحجِّ: إن وصل إلى مكةَ، وأُحصرَ عن عرفة ومنًى، فليطف ويسع، ويؤخر الحلاق، فإن لم يرج كشف ذلك، حلَّ ونحرَ. ولو كان الهدي بمكة، فلم يدخلها وذهب فوقف بعرفة، وشهد جميع المناسكِ، وزالت أيام منًى، والعدو بمكة، فليحلَّ ويمضَ. قال ابنُ الماجشون في المحصر بعدوٍّ في الحجِّ: فيحلُّ سنة الإحصار، فغنها تجزئه من حجة الإسلامِ، وقال: إنما استحب مالكٌ القضاءَ. وقال ابنُ
القاسمِ: بل ذلك واجبٌ، وبه أقول. والمعروف عن مالكٍ في غير "الواضحة" إيجاب القضاء على الضرورة. ومن "المختصر": ويجب للمحصر أن يحل من حجه، فإن رجع ولم يفعل، فلا شيء عليه. قال ابن حبيبٍ: وإن أحصرَ في عمرةٍ بمرضٍ، حتى أتى الحج القابل، فإن شاء حلَّ منها وانصرف، وغن شاء أردف عليها حجًّا، وصار قارناً. ومن "كناب" ابن المواز، قال ابن الماجشون: وإن انكشف الخوفُ عن المحصرِ بعدوٍّ قبل يُحلَّ ويحلقَ وينحرَ في الموضع الذي فيه إدراكٌ، فله أن يحل ويحلق مثلَ ما لو كان عدوُّ قائماً. ومن "كتاب" ابن المواز، قيل لابن القاسم: فإن أحصر بعدوٍّ، قبل أن يحرم، ثم أحرم لطول السفرِ أو لغيره، قال: ما احسب هذا يحله إلا البيت؛ لأنه أحرم بعد أن تبين له المنع. قال: وإذا كان بطريقِ الحاجِّ، من مصر أو الشام عدوٌّ، فإن كان عدوًّا يَسُدُّ عليه سبيل طريقه على مكة، ويمنعه أن يسلكَ إلى غيرها، حتى يتخلَّصَ إليها، فهذا مُحصِرٌ، وليس عليه أن يسلك حيث لا يسلك، ولا المخاوف ولا حيث أل يسلك إلا بالأثقال فإن وجد سبيلاً مسلوكاً، وإن كان ابعدَ في المسافةِ، فليس بمحصرٍ، ومن حبسه سلطان في دَينِ، فليس بمحصرٍ، ولا يحله إلا البيت. وقال ابن القاسمِ، عن مالكِ مثلَه إذا حبس في ذين، وقد احرم. قال ابن القاسم: ومن أحرم من بلدٍ بعيدٍ، ثم جاء عليه من الوقت ما لا يدرك، فليثبت على إحرامه إلى قابلٍ. فإن حصره عدوٌّ، لم ينفعه ويبقى على إحرامه على قابلٍ، لأنَّ العدوَّ ليس الذي منعوه الحج.
وإذا حاضت امرأةٌ بعد الرميِ قبل الإفاضةِ، جلست تطهر أو تستحاض ويُحبس عليها كريها. قال أشهب: قال مالكٌ مرةً: خمسةَ عشرَ يوماً. وقال مرةً: شهراً ونحوه. وقال مرةً: خمسة عشرَ يوماً، وتستظهر بعده بيومٍ أو يومين أحب إلينا. وقال عنه ابن القاسم: قدر ما تقيم في حيضتها والاستظهار. وقال عنه ابن وهبٍ: تجل ما تقيم الحائض والنفساء. وعلى هذا أكثر أصحابه. قلت: فلتجلس كريها وحدَه.؟ قال: إن كان مثلَ يوم أو يومين، فتحبس كريها، ومن معه. وإن كان أكثر من ذلك، لم تحبس إلا كريَّها وحدَه، وول شرطت عليه عمرة المحرمِ، فحاضت عند ذلك قبل أن تعتمرَ، قال مالكٌ: لا يُحبسُ على هذه كريَّهَا، ولا يوضعُ لذلك شيءٌ من الكراء، أو لم يره كالحجِّ. ومن "كتاب" محمدٍ: و "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ مثله، وقال في التي حاضت قبلَ الإفاضةِ: يُحبسُ كريها خمسة عشرَ يوماً. وقال: يحبسُ على النفساء – يريد قدر ما تطهر فيه)، ولا تبالي كانت حاملا حين الكراء، أو غير حاملٍ، ولا عليها أن تخبره بحملها. قال في "العُتْبِيَّة": ولا أدري هل تعبِّنه النفساء خاصةً من العلفِ؟ قال أبو بكرِ بن محمدٍ: وقد قيل أيضا: إنها تحبسُ كريَّها إذا كان الأمنُ، وأما
في وداع البيت، وفي دخولها
في هذا الوقت، حيث لا يأمن في طريقه، فهي ضرورة، ويُفسخُ الكراءُ بينهما. قال ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة": قال مالكٌ في المرأة تريد العمرةَ بعدَ الحجِّ، وتخاف تعجيل الحيضة: فإني أكره أن تشرب دواءً لتأخير الحيضة. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وللمستحاضةِ أن تحجَّ وتطوفَ وتركع وتسعى، وتستثفر بثوبٍ. وفي باب القران وباب الطواف على غير طهرٍ، شيءٌ من ذكر حيض المحرمة. في وداع البيتِ، وفي دخولها من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: دخول البيت حسنٌ، وقد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسمع أنه اعتنق شيئاً من أساطينه، ولا باس بدخوله في اليوم مراراً. قيل: ما رأينا أحرص من النساء على دخوله. قال: هنَّ الجهلةُ الجُفاةُ. قال ابن حبيبٍ: وكان عمرُ بنُ عبد العزيز، يقول إذا دخله: اللهم إنك وعدت الأمان دَخّالَ بيتك، وأنت خيرُ منزولٍ به في بيته، اللهم اجعلْ أمان ما نؤتي به أن تكفيني مؤنة الدنيا، وكل هَولٍ دون الجنةِ، حتى تبلغنيها برحمتك. قال اب حبيبٍ: وغن قدرت المرأة على دخوله مع
النساء، فلتفعل، لما في ذلك من الرغبةِ. وقد دخلته عائشة مع نسائها. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ولا يدخل البيت بنعليهن ولا بأس أن يكون في حجرهِ أو يده، وإذا صلَّى، فلا يجعلها بين يديه، وليصلِّ وهما في إزاره، يريدُ: في البيت. وفي آخر الكتاب باب فيه ذكرُ الصلاةِ في البيتِ. قيل لمالك، في من نسي الوداع حتى بلغ مر ظهران. قال: لا شيء عليه. قال ابن القاسمِ: لم نجد فيه حدًّا، وأرى إن لم يخف فواتَ أصحابه، ولا منعه كريُّه أن يرجعه، وغلا مضى ولا شيء عليه. قال ابن عبد الحكمِ، عن مالكٍ، وإن وَدَّعَ، أقام بذي طوًى يوماً وليلةً، فلا يرجعن قال: وليتموا بذي طوَى صلواتهم؛ لأنها من مكة. قال مالكٌ: ومن وَدَّعَ، ثم خرج إلى الأبطح، فأقام نهارهن فواسعٌ ألا يرجع. قال ابن القاسم، عن مالكٍ: في من ودَّعَ قبلَ طلوعِ الشمسِ، ثم خرج وهو يريد أن يركع الركعتين بذي طوَى، فانتقض وضوءه، فإن تباعدَ، فلا شيء عليه، بخلاف ركعتي الطواف الواجب، وكذلك قال في "العُتْبِيَّة": وقال: ولو كان قريباً من الوداع رجع. قال ابن حبيبٍ: فيأتنف الكوافَ.
قال ابن حبيبٍ، في ركعتي طواف الوداع، عن مالكٍ: إذا لم يركعهما حتى بلغ بلده أو تباعد، فليركعهما، ولا هدي عليه. قال: وقال مالكٌ: طوافُ الوداعِ على النساء، والعبيدِ، والصبيانِ، إذا حجُّوا. ومن "كتاب" ابن المواز، قيل لمالكٍ: فإذا ودَّع أيأتي الملتزم إذا أمكنه؟ قال: ذلك واسعٌ، قيل: واليذ يلتزم أيتعلق بأستار الكعبةِ؟ قال: لا، ولكن يقفُ، ويدعو – وكذلك عندَ قبرِ النبي صلى الله عليه وسلم – ولا يُوَلِّي ظهرَه البيت، إذا دعا، وليستقبله. قال: وكان ابن عباسِ يقف عند الملتزم، بين الركن والباب، ولا يُقبِّلُ، ولا يلتصق بها، غيرَ أن ثيابه تكادُ أن تمسَّ ثياب الكعبةِ، وقال ابن حيببٍ، عن ابن الماجشون، عن مالكٍ: أنَّ الملتزم، ما بين الركن والباب. قال مطرف: يعني بالملتزم، أنه يعتنق ويُلحُّ الداعي عندَه، وانه يستحبُّ ذلك، وقاله هو، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، وقاله ابن نافعٍ، وابن الماجشون، وذُكرَ مثلُه في حديثٍ، لعبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن وهب: قال مالك: ويقال له: المتعوَّذُ أيضاً، ولا باس أن يعتنقَ ويتعوذ به، ولا يجعل ظهره على البيتِ جين يدعون وكره عطاءٌ اعتناق الملتزم، ولا التصاق به، ولكن يقف للدعاء عندَه، ولا يلصق بالبيت بطنه، ولا ظهره، ولا يعتنق شيئاً منه. قال: وكذلك فعل ابن عباسٍ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا ودَّعَ بعدَ العصرِ، فله أن
في تقليد الهدي، وإشعاره، وتجليله، وإيقافه
يركع الركعتين في الحرمِ، أو خارجاً منه. قال أشهبُ: عن مالكٍ، في من حلَّ من حجه، ثم أراد أن يخرج إلى الجُحفةِ ليعتمر، هل يُوَدِّعُ؟ قا: إن شاء فعَل أو ترك، وإنما الذي قال عمر: لا يصدر أحدٌ حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيتِ. فمن أفاض ثم عاد على منًى للرمي، ثم صدر، فليودع بالطواف، فإذا طاف هذا الطواف الذي هو آخر نُسكه، ثم أقام أياماً، ثم أراد الخروج، فليس عليه أن يودع، إن شاء فعل أو ترك. وقال عنه ابن عبد الحكمِ، الوداع في مثل الجحفةِ أحب إلينا. كرواية ابن القاسم. قال أشهبُ: عن مالكٍ، في من قدم معتمراً، ثم أراد الخروج على الرباطِ، فهو من الوداع في سعةٍ. وكره مالك أن يقال الوداع، وليقل الطواف. ومن "العُتْبِيَّة"، قلا ابن القاسم: قال مالك: في المعتمر يطوفن ويركعن ثم يودِّعُ، ثم يخرج فيسعى وينصرف، قال: يجزئه من الوداع. قال أبو محمدٍ: قوله يودعُ – يريدُ يطوف ويركع. في تقليد الهدي، وإشعاره، وتجليله، وإيقافه من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ: تقلَّدُ البُدنُ عندَ الإحرامِ بنعلين في رقبتها، ثم تشعر في شقها الأيسر عَرضاً، ووجها على القبلةِ، ثم تُجلِّلُ إن أحب، وليس الجلال بواجبٍ. قال عنه أشهبُ: ثم يركع، ثم يحرم، ويقول إذا أشعرها: بسم الله، والله أكبر.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: قال مالك: وكان ابن عمرَ يُشعرُ بدنه من الشقين جميعاً، إن كانت صعاباً، وإن كانت ذُلَلاً أشعرها من الشق الأيسر. قال في "العُتْبِيَّة": ولم يشعرها من الشقين؛ لأنه سنةٌ، لكن ليذللها. وإنما السنة في الشق الأيسرِ، في الصعابِ وغيرها. وقال ابنُ المواز، في قوله: يُشعرها من الشقين. أي من أيّ الشقين أمكنه. قال مالكٌ: ويجزئه نعل الواحدة في التقليد، والنعلان أحب إلينا. قال مالكٌ: وتقتل القلائد قتلاً.؟ وأحب إلينا أن تكون مما تنبت الأرضُ. قال مالكٌ: ولا يُجَلِّلْ بالمخلق، وغير ذلك من الألوانِ خفيفٌ، والبياض أحب إلينا. قال ابن حبيبٍ: وذلك بقدر السعة، فمنهم من يجلل بالوشي، ومنهم بالحبرِ، ومنهم بالمسطبِ، والقُباطِيِّ، وبالأنماطِ، وبالملاحفِ، والأرزِ. ومن كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وأحب إلينا شقُّ الجلالِ عن الأسنمةِ – عن كان قليل الثمنِ، كالدرهمين – ونحوها؛ لأنها تحبسه عن أن يسقطَ، وأن لا يشقَّ عن المرتفعةِ استبقاءً لها.
قال محمدٌ: وذكر نافعٌ أنَّ ابن عمر كان يعقد أطراف الجلالِ على أذنابها من البولِ، ثم ينتزعها قبلَ أنْ يُصيبها الدمُ، فيتصدق بها. قال ابن المبارك: وكان ابن عمر يُجلِّلُها بذي الحُليفة، فإذا مشَى ليلةً نزعها، فإذا قرُبَ من الحرم، جللها، وإذا خرج إلى منًى جللها، فإذا كان حين النحرِ نزعه. ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ، عن مالكٍ: ويَشُقُّ الأجلةَ عن الأسنمةِ لئلا يسقط، وما علمت من ترك ذلك، إلا ابن عمر استبقاءً للثيابِ؛ لأنه كان يُجلل الجللَ المرتفعة. وأحب إلي في المرتفعة، ألا يشقها، وكان ابن عمر لا يجلل حتى يغدو من منًى. ومن "كتاب" ابن المواز، أشهب، قال مالكٌ: وإذا لم يكن للإبلِ أسنمة، فإنها تقلدُ، ولا تشعرُ، كالبقرِ. ولا تُساقُ الغنمُ من البعدِ إلا من عرفة، وما قار بمكة، وبه قال ابن القاسمِ. ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: قال: والإشعارُ في السنامِ طُولاً في شقِّهَا الأيسر. وذُكر عن ابن عمرَ، أنَّه كان يشقها طولا. قال: فإن كانت صعاباً وقد قرنت، ولم يقدر أن يدخل بينها، فلا بأس أن تُشعر في شقها الأيمن. قال أبو محمدٍ: وما ذكر ابن حبيبٍ، عن ابن عمر، في الإشعار في شقها الأيسر طولا إلى آخ الحديث. وكذلك في "موطأ ابن وهبٍ"،
عن ابن عمر، إلى آخر الحديثِ. وقال ابن القاسم، في "المدونة"، عن مالكٍ: يشعرها في شقها الأيسرِ، وبلغني عنه أنه قال: عرضاً، ولم أسمعه منه. وقال مالكٌ في البقرِ: إن كانت لها أسنمةٌ أشعرتْ. ورُوِيَ عن ابن عمر، وابن شهابٍ، أنها تُشعر كانت لها أسنمةٌ، أو لم تكن، وبه أقول. قال ابن حبيبٍ: وتقلَّدُ الغنمُ، ولا تُشعرُ. روي ذلك عن عائشةَ، وعطاء، ولم ير مالك. أن تقلد. قال: ومن لم يجد نِعالاً يقلدها، أو ضنَّ بها فيقلدها ما شاء، ويجزئه. قال ابن عمر: يقلدها جرابه. وهي إذن المرادةُ. قال ابن حبيبٍ: واجعل حبلَ القلائد مما شئت. ومنه، ومن "كتاب" ابن الموازن قال: ويغدو بها من منًى، ليقف بها بعرفة. ومن اشتراه بعرفة، فقلده، وأشعره بها، وأمر الباعة أن يقفوه له مع الناس، أجزأه، وقاله، في "كتاب" ابن المواز، عن مالكٍ، وعبد العزيز: وليس كشرائه منهم بعدما أوقفوه بعرفة، هذا لا يجزئه. قال ابن حبيبٍ: ومن أوقف هديه بعرفة، فلا يدفع بع قبل الغروبِ، ولا بأس إن لم يبتِ الهدي بمزدلفة، وقدم إلى منًى. ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن الموازن وقال ابن القاسم: قال مالكٌ، في الشاميِّ، والمصريِّ: أكره أن يقلد هديه بذي الحُليفةِ، ويؤخر
في محل الهدي، وموضع النحر والذبح، وكيف تنحر البدن؟
إحرامه، إلا من يبعث بهدي، ويقيم من أهله. قال مالكٌ: ولا ينبغي أن تقلد المرأة بدنتها، ولا تشعرها، إلا ألا تجد من تلي ذلك مثلَ الذبحِ، وأنكر قول ابن شهابٍ: أنَّ المرأة تقلِّدُ وتُشعر. قال مالك: في "كتاب" محمدٍ: فإذا لم تجد إلا أن تأمر جاريتها، بالتقليد، والإشعار، فذلك لها. ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: ومَنِ اشترى كبشاً أو شاة، تطوعاً، فأستحسن أن يوقفه بعرفة. قال مالكٌ: لا بأس بالنعجةِ، والتيس في الهدي، ومن أصاب بدنة ضالَّةً مقلدة، فأوقفها لربها، فذلك يجزئه. قال ابن حبيبٍ/ ومن قال: لله عليَّ أن أنحر جزُوراً بمكة، فلينحر بها جزوراً، وليس عليه أن يقلده، ويُشعره. في محلِّ الهدي، وموضع النحر والذبح، وكيف تُنحرُ البدن؟ من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ما وقف به من الهدي بعرفة، فمحلُّه منًى، فإن نحر بغيرها، في أيام منًى، لم يجزئهن وكل مت نحره مما لم يوقفه بعرفة، فلا يجزئه. وإن دخله من الحلِّ كان تطوعاً أو عن واجبٍ، أو جزاءَ صيدٍ أو غيره، وكلُّ ما نحره بمكة، ممَّا لم يدخله من الحِلِّ، فلا يجزئه. وكل ما محله من الهدي مكة، فلم يقدر أن يبلغ به داخل بيوت مكة، حتى نحره في الحرم، فلا يجزئه. قال مالكٌ: وإنما محله مكة، أو ما
يلي بيوتها، من منازل الناس. زاد عنه أشهب، في "العُتْبِيَّة": ولا يجزئه أن ينحر عنه ثنية الهديين، وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه، بالحديبية في الحرمِ، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنَّ ذلك الهديَ لم يبلغ محله. محمدٌ: قال مالكٌ: ومنًى كلها مَنْحَرٌ إلا ما خلف العقبة، وأفضل ذلك عند الجمرةِ الأولى. قال أشهبُ: قال مالكٌ: وكل ما كان من هدي، فلا ينحر بمكة، إلا بعد أيام منًى، قال مالكٌ: والقارن إذا ساق معه الهدي، فدخل به مكة، فَعَطِبَ بها، قبل يخرجه على عرفة، فلينحره بمكة، إن شاء، ولا يجزئ عنه، وكذلك ما ساقه رجلٌ لعمرته، فنحره بمنًى، فلا يجزئه، وإن أوقفه بعرفة. قال: وجزاء الصيد إذا ساقه معه في عمرةٍ، فلا ينحره إلا بمكة، لا بمنًى. قال أشهبُ: وإن ساقه في حجٍّ، لم ينحره إلا منًى، بعد وقوفه به بعرفة، لا إن نحره بمكة في أيام منًى، لم يجزئه إلا أن تنحره بها، بعد أيام منًى، قال: فإن لم يقف به بعرفة، فلينحره بمكة. وقال عبد الملكِ: إن ساق هدياً واجباً، فعَطِبَ بمكة، فنحره بها، أجزأه وذلك له محلٌّ. قيل: فإن عَمَدَ لذلك؟ قال: نعم. لأنه محلٌّ، ولو مرَّ به من مكة إلى منى يريد به عرفة، فعطب بمنًى، أو بمزدلفة، أو بعرفة، فنحره، لم يجزئه حتى يرجع به إلى منًى، من عرفة، في أيام النحر، وذلك أنَّ منًى في البدأةِ كسائر المواضع. وقال مالكٌ: كل هديٍ
دخل مكة من الحل، فعطب بمنًى، فنُحرَ بهل فيجزئ، إلا هدي التمتعِ، لأنه إنما يبتدئ الحج من مكة، قال ابن حبيبٍ، عن ابن الماجشون: فكأنه عَطِبَ قبل محله، فلا يجزئ. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وكل ما وقف به بعرفة، فمحله منى، فإن جهل، فنحره بمكة، أجزأه، وقد أساء، ولو أن ما لم يقف به بعرفة، نحره بمنًى في بدائهن لم يجزئه، وليست منًى فغب البدأةِ منحره، ولو نحره بمنًى، بعد رجوعه من عرفة، أجزأه، وكذلك ما وجد بها مما ضلَّ عنه ولم يقف به بعرفة، فيجزئه نحره بمنًى، وكذلك لو وجده بها منحوراً. ومن "كتاب": محمدٍ: قال ربيعة، ومالكٌ، في جزاء الصيد: إن ساقه في حجٍّ، فمحلُّه منًى، وإن ساقه في عمرةٍ، فمحله مكة. قال أشهبُ: وإن أوقف الجزاء بعرفة، ثم نحره بمكة، في أيام النحر، فلا يجزئه، وإن نحره بمنًى ولم يوقفه بعرفة، لم يجزئه. قال ابن القاسم: وإن أوقفه بعرفة، ثم تعمد تركه، حتى زالت أيام منًى، فنحره بمكة، أجزأه. وقال محمدٌ: وقد أساء. محمدٌ: قال مالكٌ: ومَن بعث بهديه، ثم خرج معتمراً، فأدركه فأحب إلينا ألا حيلَّ، حتى ينحره.
فيما ضل أو عطب من الهدي قبل محله
قال عنه ابن القاسمِ: إذا حلَّ من عمرته نحره، ولا يؤخره على منًى، ولو كان إنما بعثه في حجٍّ أخره، حتى ينحر في الحجِّ. قال مالكٌ: في امرأةٍ قرَّبَتْ، فقيل لها: اشترِ شاةً من منًى. ففعلتن وظنَّتْ أنَّ ذلك يجزئها. فإنَّ عليها البدل، فإن لم تجد صامتْ. قال أشهبُ: ومن دخل بعمرةٍ في أشهر الحجِّ، ومعه هديُ تطوُّعٍ، فلينحره بمكة، إلا أن يكون ندره بمنًى، فإن نحره بمكة قبل عرفة، فعليه البدلُ. قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: ولا يكون النحر في الحجِّ إلا منًى، ولا يكون في العمرة إلا بمكة. فيما ضلَّ أو عَطِبَ من الهدي قبلَ محلِّه من "كتاب" محمدٍ: وإذا ضلَّ هديه المقلد المشعر به، ثم وجده بعدَ يوم عرفة – يريد في أيام النحر، ولم يكن وقف به بعرفة – فقد اختلف فيه قول مالكٍ، وأحب غلينا أن يجزئه عن قرانه، وعن ما وجبَ عليه ولينحره بمكة، إن دخل به من الحلِّ، وإلا أخرجه إلى الحلِّ ثم ردَّه فنحره بمكة. وقال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في من ساق هدياً عن قرانه، فضلَّ عنه قبل يقف بعرفة، ثم وجده يوم النحرِ بمنًى: أنَّه لا يجزئه، ولينحره بمكة، ويُهدي غيرَه، فإن لم يجد صام، وقال عنه أشهبُ: يجزئه. وإن لم يجده إلا بعد أيام منًى ولينحره بمكة. وقاله ابن القاسمِ، وابن
عبد الحكمِ. قال ابن القاسمِ: وينحره بمكة فإن عطبَ قبلَها، فعليه بدله/، إن كان واجباً. قال مالكٌ: ويُستحبُّ لكلِّ من لزمه هديٌ أو وجب عليه، ثم له أن لا يسوقه إلا في عمرةٍ – فينحره بمكة، وكذلك من تمتع، فلم يجد هدياً بمنًى، فرجع على مكةَ، فاشتراه فليسُقْهُ في عمرةٍ من الحلِّ، أحب إليَّ، فغن ساقه من الحلِّ حتى نحره بمكة، في غير عمرةٍ، أجزأه. وإذا لم يشعر هديه، فضلَّ عنه فنحرَ غيرَه ثم وجده، فله بيعه، وكذلك لو لم يشعر البدلَ، حتى وجد هدياً كان أشعره، فله بيع البدلِ. ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب، عن مالكٍ: ومَن ضلَّ هديه يوم النحر، وهو قارنٌ، فله أن يحل قبل أن يبدله، وكذلك لو مات هديه. ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: في من وجد بدنةً بمنًى – يريد مقلدة – قال: يعرِّفها إلى يوم ثالث النحرِ، وهو الثاني من أيام منًى، ثم ينحرها، ويجزئ عن صاحبها، ورُوِيَ ذلك عن عليٍّ بن أبي طالبٍ. وكذلك إن وجدها ربُّها. قال محمدٌ: فإن لم ينحرها بمنًى في ثالث النحر، فلا ينحرها بمنًى من ثالث أيام منًى، ولكن بمكة، فإن نحرها بمنًى، فعليه بدلها، كانت واجبةً، أو تطوعاً. وإذا ضلَّ هَدْيُ التطوُّعِ، أو عطبَ، لم يلزمه بدله، فإن أبدله، ثم وجد الأول، لزمه نحرهما جميعاً. وإذا ضلَّ له هديٌ أوقفه بعرفة، فوجده في ليلة اليوم الثالث من ايام منًى، فلا ينحره إل بمكة، لزوال أيام النحر.
في صفة النحر والذبح
قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومن ضلَّ هديه الواجب، فاشترى غيرَه، فقلده، ثم وجد الأول، فهما هديان، ولا يأكل من الأول. قال عنه ابنُ المواز: إن الأول وجبَ من جزاء الصيدِ. وتمامُ هذا في باب ما يؤكل منه من الهدي. في صفةِ النحر والذبح من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: والشأن أن تنحر البُدنُ قائمةً، قد صَفَّ يديها بالقيد، ولا يعقلها إلا من خاف أن يضعف عنها، وكان ابن عمرَ ينحر بيده، ويتلو: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}. وكان القاسم إذا صفَّ يديها بالقيودِ، وهي قائمةٌ، وأمسك رجلٌ بخطامها، ورجلٌ بذنبها، طعنها بالحربةِ، وقال: بسم الله والله أكبر، ثم جبذاها حتى يصرعاها. قال مالكٌ: ولا تُعرقَبُ بعد أن تُنحرَ، إلا أن يخاف أن تفلتَ، ويضعف عنها، ولينحرها باركةً، أحبُّ إليَّ من أن تُعرقبَ، وليريطها بجبلٍ، ويمسكها رجلان؛ رجلٌ من كلِّ ناحيةٍ، وهي قائمةٌ مصفوفةٌ أحب إليَّ من أن ينحرها باركةً. وذك ونحوه كله ابن حبيبٍ، عن مالكٍ. قال ابن حبيبٍ: في قول الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}: وذلك أن تصفَّ يديها بالقيود عند نحرها. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ "صوافنَ"؛ وهي المعقولة من كل بدنةٍ يدٌ واحدةٌ، فتقف على ثلاث قوائم. وقرأ الحسنُ: "صوافي"؛ أي: صافيةً لله سبحانه.
ما يتقى من العيوب في الهدي، وما يرجع به من قيمة عيب أو رأس، وما يحدث في الهدي من عيب، أو عجف، وفي الهدي يباع
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن نحرَ هديه بمنًى قبل نحر الإمامِ، فلا شيء عليه، وليس على الناس الئتمام في هذا بالإمامِ، ولكن يأتمونَ به في الدفعِ من مزدلفة، فالناسُ من بين مُسرعٍ ومبطئٍ، وإنما يأتمونَ بنحره في الأضحى، في الآفاقِ. ما يتقى من العيوبِ في الهدي، وما يرجع به من قيمة عيبٍ أو رأسٍ، وما يحدث في الهدي من عيبٍ، أو عجفٍ، وفي الهدي يُباع من "كتاب" محمدٍ، قال مالك: ولا تجوز الدبرةُ في الهدي إن كانت كبيرةً. قال ابن القاسمِ: وكذلك الجُرح الكبير. قال مالكٌ: وتجوز الشارف التي لا أسنان لها. قال أشهبُ، عن مالكٍ: وما وجد فيه عيباً بعدَ أن قلَّده، فليرجع بقيمةِ العيب، فيستعن به في البدلِ، إن كان واجباً، وإن كان تطوُّعاً صنع به ما شاء. ورَوَى عنه ابن القاسم، في التطوُّعِ: يجعل ما يأخذ فيه من هَدي، وإن لم يبلغ تصدَّقَ به وجعله كالعتقِ الواجبِ، يجد بالعبدِ عيباً بعد العتقِ. قال مالكٌ: فإن كان مما يجزئ به، فليجعله في رقيةٍ، فإن لم يبلغ ففي آخر كتابة مُكاتبٍ، وإن كان لا يجوز به صنع ما شاء إلا أن عليه البدل. قولُه: عن كان واجباً فعليه بدله – يريدُ: ووجدَ العيبَ به قديماً، ولم يُحدث بعدَ الإشعارِ. ويريدُ في الواجبِ: من لزمه من متعةٍ أو قِرانٍ، أو لنقصِ من أمر الحجِّ، أو جزاءٍ، أو فدية أهداها، أو نذرَ هدياً للمساكين، وليس بعينه. فأما لو نذر أن يهديَ هذا البعير بعينه فقلده وأشعره، ثم ظهر له به عيبٌ قديمٌ، فلا يدلُّ عليه؛ لأنَّ نذْرَه لم يتعدَّ إلى غيره: قال محمدٌ: وإنما يتصدَّقُ
بما يأخذ في عيب الهدي، إذ لله يبلغ بعد هَديٍ، لأنه لا يُشتركُ في الهجي، فيؤمر أن يشارك في هديٍ، بخلاف العتقِ. قال ابن القاسمِ: وإذا كان متطوعاَ بالعتقِ، صنعَ بما يأخذ في العيب ما شاء، وغن كان عيباَ لا يجزئ في الواجبِ، ولم يقل ذلك في هد التطوعِ. قال مالكٌ: وذلك أنه لو استحقَّ هدياً بعد التقليد، فأخذه ربه، لأمرت هذا أن يرجع بثمنه، فيجعله في هديِ، ولا آمره بذلك في عتقِ التطوعِ. ورُوِيَ أيضاً عن ابن القاسم، أنه يصنع ما شاء بما يرجع به من قيمة عيب هدي التطوع. قال أصبغُ: وذلك إذا كان عيبُ الهدي ممَّا يجزئ به في الهدي، وإلا فعليه بدله كله. محمدٌ: صوابٌ. لأنه يتطوَّعُ بعتقِ المعيبِ، ولا يتطوَّعُ بهدي المعيبِ. وما جُنِيَ على الهدي بعد أن قلَّد، فما أخذ في ذلك، فكالعيب يرجع به. قال محمدٌ: وأحب إليَّ في الجناية أن يتصدَّقَ به في التطوع، والواجب لأنه شيءٌ قد وجب لله. يريد محمدٌ: عن لم يكن فيه ثمن هديٍ، وكلام محمدٍ هذا لم أروه. قا مالكٌ: وللرجلِ أن يبدلَ هديه، ما لم يقلده ويشعره، وإذا عطب الواجب قبل محله، فلا بيع من لحمه في البدل وليأكل إن شاء. قال ابن حبيبٍ: وأجاز له ابن الماجشون البيع منه، كالأكل؛ لأنَّ عليه بدله، وكره مالكٌ البيعَ. قال ابن حبيبٍ: وإذا قلَّد هديه سميناً، فنحره، فوجده أعجف، فإن كان العجف يحدث في مثل مسافته، أجزأه، وإن كان لا يعجف في مثلها، لم يجزئه في الواجب، ولو أشعره أعجف، ونحره سميناً، فإن كان لا يسمن بمثلِ مسافته أجزاه. وإن كان يسمن في مثلها فأحب إلينا
فيما يؤكل منه -من الهدي- وما يطعم منه ومن يطعم، وذكر ولد البدنة ولبنها والأكل مما عطب من الهدي، أو من بدل ما ضل منه
أن يبدله، لما يُخشى أن يكون حدث سِمنةٌ. وكذلك قال ابن الماجشون. ومن أهدى هدياً معيباً، مضى في التطوعِ، ويعيد في الواجبِ، ولا يبع لحمَ المعيبِ. ومن "كتاب" محمدٍ، قال: ومن باع هديه بعد التقليد، ردَّ بيعه، فإن فات اشترى بثمنه مثلهن فأهداه، فغن لم يبلغ زاد من عنده، وإن زادت القيمةُ، اشترى بالجميع هدياً. ولم اسمعه من مالكٍ. فيما يؤكل منه – من الهدي – وما يطعن منه ومن يطعم، وذكر ولد البدنةِ ولبنها والأكل مما عَطَبَ من الهدي، أو من بدَّل ما ضلَّ منه من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ويؤكل من الهدي كله، إلا ما عُدلَ منه بالصدقةِ من جزاء الصيدِ، وكذلك فديةُ الأداءِ، وما نذره مُهديه للمساكين، وما عطِبَ من هذيِ التطوُّعِ قبل محله. قال مالكٌ: وله أن يأكل من الهدي النذر، والبدنةِ النذر إلا أن ينذر ذلك للمساكين، قال ابن حبيبٍ: بلفظٍ، أو بنيةٍ أنَّه للمساكين، فإنه لا يؤكل منه وما نذره تقرباً إلى الله بالهدي به فليأكل منه، إلا أن ينذره للمساكين. قال ابن المواز، قال مالكٌ: لا أحب له أن يأكل مما نذر من الهدي للمساكين، وما أخرجه بمعنى الصدقة. قال آخر: ومن ترك الأكل مما نذره للمساكين، يقوى كقوةِ الجزاءِ، أو الفديةِ، ومت عَطِبَ من التطوعِ، قبل محله.
قال محمدٌ: وكان الحسن يقولُ: يؤكل من كلِّ هديٍ. وقال سعيد بنُ جبيرٍ: لا يؤكل من النذرِ، ولا من جزاء الصيدِ، ولا الفدية. وقال طاووسٌ: لا يأكل من الجزاء، والفدية. قال ابن الماجشون: وإذا ضلَّ جزاء الصيد، فأبدلَه ثم وجد الأولَ، فلينحرهما، إن كان قلَّدَ الآخرَ أيضا ولا يأكل من الأول، ويأكل من الثاني إن شاء. قال محمدٌ: ولو أكل من الثاني بعدَ أن بلغ محلَّه، قبل يجد الأول، فليبدله، إلا أن يجد الأول، فيجزئه، ويثير الثاني هديَ تطوُّعٍ يأكل منه، بعد أن يبلغ محله. وذكر ابن حبيبٍ المسألة من أولها، عن ابن الماجشون، وقال في سؤاله: إن ضلَّ هديه الواجب، فأبدله. والذي ذكر محمدٌ، من جزاء الصيدِ هو اصحُّ. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومن معه هدي تطوُّعٍ، وهديٌ واجبٌ، فاختلطا، فلا يأكل من واحدٍ منهما، وإن ضلَّ أحدهما، ولم يدرِ أيهما هو، فلا يأكل من الباقي، ولا يجزئه الباقي، إذ لعلَّه التطوعُ، والبدلُ الواجبُ، ولا يأكل من البدل، إذ لا يدري أيهما التطوعُ. قال أبو محمدٍ: قولُه: الهدي واجبٌ. إنما يصحُّ على أنه جزاءُ صيدٍ، أو نذرٌ للمساكين. قال في "كتابه": إن ضلَّ منه هديُ تمتعهِ، وهو مقلِّدٌ، بعد أن بلغ، فأبدله، فَعَطِبَ البدلُ، قبل يلغ محله، فله أن يأكل منه، وعليه بدله لمتعته، فإن وجد الأول، نحره عن تمتعه، ولا يأكل من الثاني؛ لأنه صار تطوعاً أكل منه قل محله. قال: ويؤكل من هديِ القِرَانِ والمتعةِ والفوات والفساد. وقيل في هدي
الفسادِ: لا يؤكل منه. والقولُ: أن يؤكل منه أحب إلينا. ومن قال: إني أنحر في مقام إبراهيم، فأهدى هديه فله أن يأكل منه. وقاله أشهب. قال ابن القاسمِ: وإذا أكل من نذر المساكين بعد بلوغِ محله، لم يبدله، وعليه قدر ما أكل، وليس ترك الكل منه بالقويِّ. قال عبد الملكِ في "كتاب" محمدٍ، وابن حبيبٍ: عليه ثمنُ ما أكل طعاماً يتصدَّقُ به. وكذلك في قوله: إن أكل من جزاءِ الصيدِ. ولو عطيا قبل المحل، فنحرهما، فله أن يأكل منهما، لأنَّ عليه البدلَ. قال ابن الماجشون: وله أن يبيعَ. وكره مالكٌ البيع، وإن أكل من هدي التطوعِ قبل بلوغ محله، فعليه بدله، وله الأكل منه إذا بلغ محله. قال محمدٌ: قال ابن عباسٍ: إذا عطب الهدي، فانْحره، واغمس نعليها في دمها، واضرب بها صفحتها، فغن كانت تطوُّعاً فأكلت أو أمرت من يأكل غرمتَ، وقاله عليٌّ، وابن مسعودٍ. قال سفيانٌ: الرأي أن يغرم ما أكل، ولكنَّ السنةَ مضتْ بتضمينه كله. وقال الليثُ: إن أكل من فدية الأذى، فعليه بقدر ما أكل الطعام. قال ابن القاسم: وإن اطعم الأغنياء من جزاء الصيدِ، وفدية الأذى، وهو لا يعلم، فلا يجزئه. وقال أيضا: أرجو أن يجزئه إذا لم يتعمَّدْ، وإن اطعم منها مساكين أهل الذمةِ، لم يجزئه، وإن أطعمهم ممَّا يجوز له أن يأكل منه، أساء ولا بدل عليه. ولا يطعم من الجزاءِ والفديةِ ولده، ولا والده ولا أخاه ولا من فيه بقيةُ رقٍّ من أقاربه. قال أشهبُ: وإن أعطى جلال بدنته غير الواجبة لبعضِ ولده، فلا شيء عليه. وقال ابن القاسمِ: ويصنع بالجلال والخِطامِ ما يصنع بلحمها. وقاله أشهب.
قال مالكٌ: وإن أنتجت البدنة بعد التقليد والإشعار، فلينحر معها ولدها إذا نحرت. وما أنتجت قبل الإشعار، فأحب إلي أنْ يُنحر معها، إن نوى ذلك. محمدٌ: يريدُ: إن نوى بأمها الهدي قبل الإشعار. قال أشهبُ في نتاج البدنة: إن خلَّفَه فعليه أن ينفق عليه حتى يجد له محلاًّ، ولا محل له دون البيتِ، وغن باعه فعليه بدله هدياً كبيراً تامًّا. وقاله ربيعة، وقاله ابن القاسمِ، إن نحره في الطريق أبدله بهدي بعيرٍ، ولا يجزئه بقرةٌ. وكذلك من أضرَّ بولدٍ، فديته في لبنها حتى مات، فعليه بدله ممَّا يجوز في الهدي. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ولو سَقْبَ هدي التطوعِ سقباً قبل محله، كان مثل أمه إن أبدله، ولو سقبَ الهدي الواجب قبل محلهن فعطبَ السقبُ، لم يكن كأمه إن نحره، وليخلِّ بين الناس وبينه، ويصير كالتطوعِ، فإن أكل منه، أبدله، وإن نحر السقبُ قبلَ المحل، فليبدله. ومن "كتاب" ابن المواز، وكره ابن القاسم ضُرْبَ لبنِ البدنةَ بعدَ ريِّ فصيلها. قال: فإن فعل. فلا شيء عليه. قال محمدٌ: إلا أن يكون لها ضررٌ في ترك الحلاب، فيحلب قدر ذلك. قال ابن وهبٍ: لا يشرب
في الشركة في الهدي والأضحية، ومن أخطأ فنحر هدي غيره، وفي الهدي يختلط والأضحية
لبنها إلا من ضرورة، ولا تركب إلا من ضرورةٍ. وقاله مالكٌ. في الشركة في الهدي والأضحية، ومن أخطأ فنحرَ هديَ غيره، وفي الهدي يختلط والأضحية من "كتاب" ابن المواز، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: لا بأس أنْ يشترك في هدي العمرة، التي يتطوع بها الناس، وأما الواجب، فلا. قال محمدٌ: لا يشترك في تطوُّعٍ ولا غيره، وقد قال مالكٌ: ومن فعله في التطوعِ فهو خفيفٌ. قال مالكٌ: ومعنى حديث جابرٍ: نحرنا البدنة عن سبعةٍ؟. أنَّ ذلك في التطوعِ، وكانوا معتمرين. قال مالكٌ: ومن اشترى أضحية عن نفسه، ثم بدا له أن يُشركَ فيها أهل بيته، فلا بأس بذلك. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن نحر هدي غيره، ونحر غيره هديه، فذلك يجزئهما، ولا يجزئ في الضحايا. وقال أشهبُ: لا يجزئ في الهدي ويضمن كل واحدٍ منها لصاحبه. وذكراه عن مالكٍ. وكذلك في "المستخرجة"، وزاد: وكذلك لو ذبح هدي غيره، عن نفسه، لم يجزئه. ومن "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: وتجزئ في الضحايا عن ذابحها، ويغرم في الضحايا، كل واحدٍ قيمة ما ذبح لصاحبه، ويجزئه
في من نذر هديا أو بدنة أو جزورا
كمن ضحَّى بكبشٍ، فاستحقَّ. واختلف قول أشهب في الضحايا، قال محمدٌ: ذلك جائزٌ في الهدي، عن شاء الله، وإن اختار كل واحدٍ أخذ قيمتها في الضحية، أجزأت ذابحها، وغن اختار أخذ اللحم، كان ذلك له. قال محمدٌ: والهدي الضالُّ، من نحره عن نفسه، لم يضر صاحبه، وهو يجزئ عن صاحبه. وتقدم في الباب الذي هذا بعده شيءٌ منذ كر اختلاط الهدي. في من نذر هدياً أو بدنةً أو جَزُوراً من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: في من نذر بدنةً: فهي من الإبل ومحلها مكة، إلا أن يُسمِّيَ موضعاً، فهي على ما سمَّى، فإن لم يجد فبقرةٌ. قاله ابن المسيب، وسالمٌ، وخارجةٌ، وعبد الله بن محمد بن عليٍّ، قالوا كلهم، إلا ابنَ المسيبِ: فإن لم يجد فسبعٌ من الغنمِ. وقال ابنُ المسيبِ: فعشرٌ من الغنمِ. وبالأول أخذ مالكٌ. قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة"، في من نذر بدنة: فإنه يجزئه ذكراً أو أنثى، كان في تطوعٍ، أو وصيَّةٍ، أو غير ذلك. ومن " كتاب" محمدٍ: ومن نذر جزوراً، نحره حيث شاء. قال سليمان بن يسار، وربيعةُ، وغيرهما، في ناذر البدنة: ينحرها حيث نوى. وقال محمدٌ: إلا في موضع يتكلف فيه سوقها، فلينحرها بموضعه، ولا
تساقُ إلى غير مكةَ. قال مالكٌ، كانت بعينها، أو بغير عينها. ولو نذرها لمساكين البصرةِ، أو مصرَ، فلا ينحرها إلا بموضعه. قال أشهبُ: إن نوى بها مساكين المدينةِ، نحرها بالمدينةِ. وقال ابن القاسمِ: بل بموضعه، وقاله مالكٌ، وقال مرة أخرى: ينحرها حيث نوى، وكذلك في "المختصر". وقال في ناذر البدنةِ: إن لم يجد سبعاً من الغنمِ، لم يجزئه الصيامُ، فإن صام، فعشرة أيامٍ. قال مالكٌ: وكذلك مَن نذر عتق رقبةٍ، فلم يجد فلا يجزئه الصيام. فإذا وجد أعتق هذا وأهدى ها. وقال أشهبُ: إن لم يجد سبعاتً من الغنمِ، صام سبعين يوماً. وكذلك قال ابن حبيبٍ، وذكره عن مالك. وقال أشهب في "كتاب" ابن المواز: يصومُ سبعين يوماً، أو يطعم سبعين مسكيناً؛ لكل مسكينٍ مُدًّا، فإن وجد شاةً واحدةً، أهداها وصام ستين يوماً. ولو قال: لله هَديٌ، أجزته شاة إلا أن ينويَ أعلى منها، فإنْ نوى جذعةً من المعزِ، فعليه ثنيَّةٌ من المعزِ، أو جذعةٌ من الضأنِ. وكذلك إن نوى عوراء أو معيبةً، أهدى سليمةً، وهذا في غير شيءٍ بعينه، ومن نذر شيئاً بعينه، فلينحره، كما هو. أشهبُ: وقال: لا يجوز في السنِّ، والسلامةِ، إلا ما يجوز من الهدي. وقوله: أنا أهدي أو لله علي هديٌ، فذلك سواءٌ، وذلك عليه. قال مالكٌ: وقولُه: عليَّ المشيُ أو لله عليّ المشيُ سواءٌ.
في من لزمه هدي فلم يجده، أو تصدق به أو بثمنه، وفي صيام المتمتع والقارن وغيرهما، إذا لم يجد هديا، وفي هدي الفوات والفساد هل يعجل؟
ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنونٌ، عن ابن القاسم: ومن قال: عليَّ هديُ عبدٍ، أو ثوبٍ، فلينظر إلى وسطٍ من العبيدِ، أو الثيابِ، فيبعث به، فيشترى به هديٌ. قال ابن القاسمِ: ومن قال: عليَّ رقبةٍ من ولدِ إسماعيل، فلينظر على اقرب الناس من ولد إسماعيلَ، ممن يُسترق فيخرج قيمته يُشترى به هديٌ. وقال مثله مالكٌ، فيمن نذر عتق رقبةٍ من ولدِ إسماعيل. في من لزمه هديٌ فلم يجده، أو تصدَّقَ به أو بثمنهِ، وفي صيامِ المتمتعِ والقارنِ وغيرهما، إذا لم يجد هجياً، وفي هدي الفوات والفساد هل يُعجَّلُ؟ قال مالك في "المختصر": إنَّ ما استيسر من الهديِ، شاةٌ. من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ، في من لم يجد ثمنَ هديٍ وقد لزمه وهو مليٌّ ببلدهِ، فإن وجد مسلفاً، فليتسلف، فإن لم يجد، صام ثلاثةَ أيامٍ في الحج، وسبعة إذا رجع، ولا يؤخر الصيامَ ليُهديَ ببلده، فإذا صام أجزأه. قال مالكٌ فيمن لم يجد هدياً، فتصدَقَ بثمنه، فلا يجزئه. ومن دفعَ الهديَ حيًّا للمساكين، بعد أن بلغ محلَه، وأمرهم بنحره، ورجع على بلده، فاستحيوه، فعليه بدله، كان واجباً أو تطوعاً. وإنما يجزئه أن يدفعه إليهم، بعد أن ينحره، ولو نحره ثم سرق منه، أجزأه، وإن كان واجباً، ولو سرقَ، وهو حيٌّ مقلدٌ، فإن كان واجباً، بدله. ومن نحر بمكة جزاء صيدٍ، ثم حمله إلى غير مساكينها، أجزأ عنه.
قال أشهبُ: وإن لم يجد مساكين، ولا قدر على حمله، أجزأه. قال مالكٌ: في المتمتع: إن لم يجد الهدي، فليصم الثلاثة أيام في الحجِّ وسبعةً من يوم يُحرمُ إلى عرفةَ. وقال أيضا: يصومها قبل يوم عرفة، أو يكون آخرها يوم عرفةَ، فأن لم يفعل صام أيام منًى، ثم له وطءُ أهله في ليالي أيام صيامه بمنًى. قيل لمالكٍ: أفيصومُ السبعة إذا رجع إلى مكة؟ قال: إذا رجع إلى أهله احب غلي، إلا أن يقيم بمكة ويجزئه إن صام في طريقه. قال مالكٌ: فإن نسيَ الثلاثة حتى صام السبعة، فإن وجد هدياً فأحب إلي أن يهديَ، وإلا صام. قال اصبغُ: يعيد حتى يجعل السبعة، بعد الثلاثة. قال مالكٌ: ويصوم القارن ثلاثة في الحجِّ، مثل المتمتع، ولا يجوز له أن يؤخر رجاء أن يجد هدياً، وأحب إلي أن يؤخر إلى غير ذي الحجةِ، أو بعده عن رجا هدياً، وإن لم يرجُ فليصمْ. ابن وهبٍ: وسألت امرأة مالكاً، فقالت: قرنت عام أول ولم أجد هدياً، وقد قدمت العام. فقال لها: إن لم تجدي هدياً، فصومي ثلاثة أيامٍ في إحرامك، وسبعة إذا رجعتِ. أشهبُ: قال مالكٌ: ومن صام يوماً أو يومين من الثلاثةِ، ثم وجد هدياً، فليهدِ. ورَوَى عنه ابن القاسمِ، أنه إن شاء بنى على صيامه، وأجزأه. قال: والمعتمر في الصيام، كالحاجِّ، يصوم ثلاثةً – يريد في إحرامه – وسبعةَ بعد ذلك. قال مالكٌ: ومن لزمه هديان، مثلَ أن يقرن ويفوته الحج، فإن وجدَ واحداً صام ثلاثة في إحرامه وسبعة بعد ذلك، وإن لم يجد
صام ستة أيامٍ في إحرامه، وأربعة عشر إذا رجع. قال: وصيام من نسيَ حلق رأسِه في عمرته، حتى أحرم بالحجِّ، ثلاثةٌ وسبعةٌ، بعدَ ذلك. وكل ما يجب فيه الهديُ، فصيامه فيه صيام المتمتعِ، وكذلك صيامُ الفواتِ وصيامُ الفسادِ، يصوم كذلك في حجه القضاء. وقاله أصبغُ استحباباً. ولا أراه بواجبٍ، كالقارنِ. قال: ومن عجز عن مشيهِ، فليصم عشرة كيف شاء وحيث شاء، وكذلك من نقصَ من حجِّه، مثلُ رمي الجمارِ، أو ترك النزولِ بمزدلفة، إذا لم يجد الهديَ. ولا يصوم هذا في أيام التشريق، وليصم كيف شاء وحيث شاء. وقاله اصبغ، وعبد الملكِ. وهكذا من قبَّل امرأته في إحرامه، ومن أخَّرَ رميَ الجمارِ، أو بعضها على الغدِ، فليصم ثلاثةً، وسبعةً إذا رجع، مثل المفسدِ، والمتمتعِ. قال في "المختصر": ويصومُ المحصر السبعة في أهلهِ، أحب إلينا. ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى عن ابن القاسمِ، فيمن أفد حجه، ولم يجد هدياً، قال: يصوم ثلاثة في الحجِّ، وسبعة إذا رجع. ومن "كتاب" ابن المواز، ورُوِيَ عن مالك، في صيامِ فدية الإيذاء: أنه لا يصومها في أيام منًى. قال مالكٌ: ويؤخر هدي الفواتِ والفسادِ، فيخرجه مع حجة القضاء، قال في "المختصر": لا يقدِّمْ هدي الفوات عن
ما يقتل المحرم من الدواب
واجبٍ، أو تطوعٍ، وإن خاف الموتَ. قال أصبغُ، في "كتاب" محمدٍ: وإن قدَّمَ لم يجزئه، وبعده أحب إليَّ. وقال بعض العلماءِ: يجزئه على ضعفٍ، وإن تركه، فليس بواجبٍ. ومن قلَّد هدي تمتعه، قبل يحرم بالحجِّ، أو نحره، لم يجزئه. قال أشهبُ، وابن الماجشون: وسهَّل فيه ابن القاسمِ، أنه يجزئه، وإن ساقه في عمرةٍ ثم قرن، أجزأه عن قرانه، والثقة له أن يبدله. ما يقتل المحرم من الدوابِّ من "كتاب" ابن المواز، وكره مالكٌ للمحرم قتل الوزغِ؛ لأنها ليست مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بقتله، ولا بأس بقتلها للحلالِ في الحرمِ، ولو لم تُقتل فيه لكثرت وغلبت، وأما المحرم فشانه يسيرٌ. قال مالكٌ: وقد سمعت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلِ الوزغِ، وكانت عائشة تتخذ لها رمحاً. فأما المحرم، فلا يقتلها، فإن قتلها، رأيت أن يتصدَّقَ مثلَ شحمةِ الأرضِ. قيل له: لِمَ وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم
في قتلها؟ قال: وكثيرٌ مما أذن في قتله، لا يقتله المحرم، وقد احلَّ الله الطيباتِ من الرزقِ، والصيد من الرزقِ. قال مالكٌ: وال يقتل المحرم قرداً، ولا خنزيراً. قال ابن القاسم: ولا وحشيًّا ولا أهليًّا، ولا خنزير الماء. وقف محمدٌ عن خنزير الماءِ. قال ابن حبيبٍ: وقال عطاءٌ في القرد: أنَّ فيه الجزاءَ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال: ويقتل المحرمُ الفأرة والحية والعقرب، صغارهنَّ، وكبارهنَّ، وإن لم تؤذه، ولا يقتل صغار الذئابِ، ولا فراخَ الغربانِ. قال ابن عبد الحكمِ: واختلف قولُ مالكٍ في الذئب بعينه، فقال: لا يصيده المحرم، وقال: يصيده. وأحب إلينا أن يقتله إذا عدى عليه؛ لأنه داخلٌ في اسمِ الكلبِ العقورِ. قال في "العُتْبِيَّة" أشهبُ عن مالكٍ: لا يصيد المحرم الذئبَ، ولا الثعلبَ. قال مالكٌ: والحدأة والغراب لا يقتلها المحرم، ولا الحلال في الحرمِ، إلا أن يضراه، ويؤياه، قال في "المختصر": لا أحب لأحدٍ قتلهما في الحرمِ، خوفَ الذريعة لاصطياد، إلا أن يؤذياه. ولا تصاد في الحرمِ الرخمة، ولا الثعلب، ولا الضبع، ولا الهرُّ الوحشيُّ أو الإنسيُّ. وقال ابن حبيبٍ: ولا الدُبُّ وشبهه من السباع التي لا تؤذي. فإن قتلهم ولم يؤذوه، وداهم، وإن كانوا آذوه، فلا شيء عليه. وكان عطاءٌ يجعل الهرَّ الوحشيَّ من السباع العاديةِ، ويأمر المحرم بقتله. وقو لمالكِ أحب إليَّ. قال ابن حبيبٍ: ولا يقتل الضبع بحالِ. وقد جاء أنَّ فيها شاةً. قال مالكٌ: إلا أن يؤذيه ويعدو عليه، فله قتله. وقال اصبغُ: يديها، وإن بدأ بها. وهذا من اصبغ غلطٌ. وكذلك له قتل سباعِ الطيرِ إذا آذته. ومن "كتاب" ابن المواز، قال: ويقتل السبع والفهد والنمر، ويبتدئها، وإن لم تبتدئه. قال ابن القاسمِ: ولا يقتل صغارها، فإن فعل، لم يدهم. قال أشهبُ: بل يديهم.
قال ابن القاسمِ: وأحب إلي أن لا يقتل الغراب، والحِدأةَ، حتى يؤذياه، فإن قتلها قبل يؤذيانه، فلا شيء عليه. قال اصبغُ: يريد في كبارها، لأنها من الخمس الفواسقِ، وأما صغارها التي لا حِراكَ لها، فيديها إن قتلها، ويقتل بقية الخمسِ، وإن لم تؤذِ. قال اصبغُ: لأن صغارهن عدوٌّ يضرُّ. ويعقرُ. وقال البرقيُّ، عن أشهبَ: يقتل صغار السباع وصغار الحية والعقرب والفارةِ، عَدَتْ أو لم تَعُدْ. وقال أشهبُ، في "كتبه": إن قتلَ غراباً أو حِدأةً أو صغارَ السباعِ ممن غير أذًى، وداهم. ويقتل الكلبَ، وإن لم يعقرْ، وإن كان كلبَ ماشيةٍ، ولا يقتل سباع الطير عندَ مالكٍ. قلتُ: فما عدى عليه من الطيرِ؟ قال: لا شيء عليه فيه، إذا آذاه. قال أشهبُ: إذا عدى عليه شيءٌ من الطير فقتله، فعليه جزاؤه. قال: ولا بأس أن يلقيَ عن نفسه الذرةَ والبرغوث والقراد والنملةَ، وإن قتل شيئاً من ذلك، فعليه شيءٌ من طعامٍ، في قليلٍ ذلك وكثيره. قال مالكٌ: ويُلقي عن نفسه البراغيث والذبابَ والذرةَ، والحصان، وهي ذبابٌ صغارٌ، وإن لذعته دَرَّةٌ فقتلها ولا يشعر، فليطعم شيئاً، وكذلك النملة، وكذلك ما وطئ عليه من ذك ببعيره. قال: ولا بأس أن يقتل البراغيث، وأما القمل، فلا. وقال أيضا في البراغيث، والباعوضِ: عن أَطْعَمْ لذلك شيئاً، فهو أحب غلي. قال محمدٌ: وليس عليه في كثرةِ القملِ وقليله إلا قبضةٌ من طعامٍ.
ورُوِيَ لمالكٍ في كثيره، الفدية. قال ابن القاسمِ: وأرجو أن يجزئه شيءٌ من الطعامِ. قال مالكٌ: ولا يُشَمِّسْ ثوبَه، ولا يُفَلِّه، وإذا وجد عليه البَقَّةَ، فأخذها، فتموت في يده، فلا شيء عليه، وإذا كثر عليه الذَّرُّ، فلا يقتلها، فإن حكَّ فقتلها، أطعم شيئاً. قال مالكٌ: وإن وقعت من رأسه قملةٌ على ثو بهِ، فإن شاء تركها، وإن شاء حوَّلها من ثو بهِ، إلى موضع أخفى من مكانها. وقال عنه أشهبُ: يدعها مكانها. ورَوَى هون وابن القاسمِ مثل القول الأول. ومن "المختصر": وإذا جعلتِ المحرمة زاوُوقاً قبل الإحرامِ، قلتفتدِ. وتقدَّم هدا. وتقدَّم في باب غُسلِ المحرم ذكرُ دخوله الحمَّامَ. ومن "كتاب" محمدٍ: ولا شيء في الضفدعِ، إن قتلها. قال أشهبُ: وقيل: يطعم شيئاً. قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ، في جرادةٍ: قبضه من طعامٍ. وقال محمدٌ: بحكومة ذوي عدلٍ، فإن ودى بغير حكومةٍ، أعاد بحكومةٍ. قال مالكٌ: ولا يُصادُ الجراج في الحرمِ، وما أصابت البدنة في سياقٍ أو قيادٍ أو ركوبٍ، في ليلٍ أو نهارٍ، فهو ضامنٌ له؛ لأنه أوطأها، وكذلك لو ضربها فقتلت صيداً، وأما ما فعلت بنفسها، من غيرِ هذه السباب، فلا شيء عليه. قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في الذباب: يطأ عليه، لا يمتنع من
في المحرم يأكل ما صيد من أجله، أو ما ذبحه الحلال، أو صاده المحرم
ذلك لكثرته، فليطعم مسكيناً، أو مسكينين. وقال: بعد ذلك لا شيء عليه في مثل هذا الغالبِ. قال ابن عبد الحكمِ: وهذا أحب إلينا. قال في "المحتصر": وإذا كثر الجرادُ على الناسِ في حرمهم، فلا يقدرون على التحفظِ منه، فلا شيء عليهم فيه، إذا لم يتعمدوا قتله، ولو أطعم مسكيناً، لم أرَ بذلك بأساً. قال ابن القاسمِ: ولا يصيد المحرم سُلحفاءَ البرِّ. قال مالكٌ: ولا يصيد من الطير شيئاً مأواه البحرُ وجزائره. في المحرم يأكل ما صيد من أجله، أو ما ذبحه الحلال، أو صاده المحرم من "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: عن مالكٍ: لا باس أن يأكل المحرم من صيدٍ ذُبحَ للمحرمين، قبل أن يحرموا، أو صيدَ من أجلهم، قبل أن يحرموا، لقومٍ بأعيانهم، أو بغير أعيانهم. قال مالكٌ: ولو صيدَ من أجل محرم بعد إحرامه، لم يأكله، فإن أكل منه، وهو بذلك عالمٌ، وداه، وإن أكل منه غيره من أصحابه، وهو يعلم فلا شيء عليه، لما جاء عن عثمان. ولكن لا ينبغي أن يأكل من ذلك حلالٌ ولا حرامٌ. وقال في محرمٍ، قُتلَ من أجله صيدٌ، أو من أجل محرمٍ غيره، ثم أكل منه، وهو يعلم، فعليه جزاؤه. فإن لم يعلم، فلا جزاء عليه، وقد قيل:
لا جزاء عليه؛ علمَ، أو لم يعلم. لأنه أكل منه، إلا أن يعلمَه قبلَ يذبحه، فيذبحه على ذلك، أو يأمرهم بصيدهِ، فهذا عليه جزاؤه. ومن "العُتْبِيَّة"، روى يحيى بن يحيى، وسحنونٌ، عن ابنِ القاسمِ، مثل هذا كله. وقال: إذا أكله محرمٌ، ولم يُصَدْ من أجلهِ، وهو عالمٌ بذلك، فلا جزاء عليه، وبئس ما صنع، ولا يده، ولا أحب له ذلك، وإنما يديه من صيد من أجله، إذا أكله الذي صيدَ من أجله عالماً بذلك، وكان محرماً يومَ صيدَ من أجله، وإذا كان ذلك، فإنما أكله بعدَ أنْ حلَّ، فذلك مكروهٌ، ولا جزاء عليه عن فعل. قال عنه ابن القاسمِ: وإن صيد من أجله قبل أن يحرم كرهت له أكله، ولا جزاء عليه إن فعل. قال: وروى ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: أنه لم يرَ به بأساً بأكله إذا صيدَ من أجله، قبل إحرامه. قال ابن القاسمِ: وما صيدَ للمحرمينَ، يتلقَّوْنَهم به، فأكله محرمٌ يعلم أنه صيدَ لهم، وقد كان يومَ يصيدُ قد احرم، فليَدِه، وإن لم يعلم فلا شيء عليه، وغن كان أحرم، وبعدَ أن صيدَ للمحرمين، فلا شيء عليه، وإن علمَ به، فلا خطأ، وقد تقدم ما ينوب ذكره عن هذا. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ في المحرمِ، إذا قتل صيداً فوَدَاه ثم أكل منه – قال ابن القاسمِ: هو أو غيره من المحرمين – فلا شيء عليه في أكله، كمن أكل منه، وكذلك ما صيدَ في الحرمِ. وفي رواية
أشهبَ، عن مالكِ، في صيدٍ قتلَه محرمٌ، فأكله غيرُه من المحرمين. قال: في ذلك نظرٌ، وإن أكله حلالٌ، فلا شيء عليه. وقال مالكٌ، في المحرم، يصيد الصيد في الحِلِّ، فيذبحه الحلال، أو يذبحه هو، بعد حِلِّهِ، فلا يؤكل، وعليه جزاؤه، وكذلك ما صاد وهو حلالٌ، وقتله وهو محرمٌ. قال مالكٌ: وإذا اضطرَّ على الميتةِ، فليأكلها، ولا يصيدُ صيداً، فيأكله، فأما صيدٌ صيدَ من أجلهِ، بغير أمره، فله أكله، ويديه أحب إلينا من أكلِ الميتةِ. في المحرم يدلُّ محرماً، أو حلالاً على صيدٍ، وفي المحرم يجرح الصيدَ، أو يعين في قتله من "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: وغن دلَّ محرمٌ على صيدٍ، فقتله، فعلى كلِّ واحدٍ منهما جزاؤه. وإن دلَّ محرمٌ حلالاً على صيدٍ، فقتله، فلا جزاء على الدال، وليستغفر الله، وكذلك إن ناوله سَوطاً. وابن القاسمِ لا يرى على الدالِّ المحرم في الوجهين شيئاً. قال أشهبُ: وإذا قطع رجل صيد، وذبحه الآخر، فعليهما الجزاء جميعاً. محمدٌ: إن كان في فورٍ واحدٍ، بخلاف الإنسانِ، لأنَّ هذا لو لم يقتله الآخر، للزم القاطع جزاؤه.
ومن جرح صيداً، فعليه جزاؤه، إلا أن يعلم أنه سلمَ فلا شيء عليه. محمدٌ: وذلك إذا برئ على غير نقصٍ، وإن جرحه، ثم قتله في فورٍ واحدٍ، أو بعد ذلك، قبل يبرأ من الأول، فجزاءٌ واحدٌ، وغن برئ من ألأول، فعليه جزاؤه، وعليه في الجرحِ الأول ما نقصه، ما بين قيمته صحيحاً، وجريحاً. وقاله ابن القاسمِ. قال ابن حبيبٍ: ومن رمى صيداً، وهو محرمٌ، فأصابه، فتحاملَ حتى غاب عنه، فإن أصابه بما يفوت بمثله، فليَدِهِ، وإن وَدَاه، ثم وجده لم يعطب بعدُ، ثم عطبَ، فليده ثانية، لأن الجزاء الأول، كان قبل وجب لله. قاله ابن الماجشون. في الصيد يموت بسبب المحرمِ مثل أن يفزع منه أو يقع فيما نصبه لسبعٍ، أو يقتله كلبه، وقد أرسله على غيره، أو يذبحه ناسياً لإحرامه، ومن ادخل كلبه الحرم، وكيف إن افلت على صيدٍ من "كتاب" ابن الموزا: وإذا رأى الصيدُ محرماً، ففزع فعطبَ لذلك، قال أشهبُ: لا شيء على المحرمِ، وقال ابن القاسمِ: عليه الجزاءُ. وقول أشهب أحب إليَّ. قال ابن حبيبٍ: قال أصبغُ: إلا أن يكون كانت من المحرم حركةٌ نَفَرَ لها. ومن "كتاب" ابن المواز: ولو أرسل كلبَه على سَبُعٍ في الحرمِ،
فأصاب صيداً. فقال أشهبُ: لا شيء عليه. وقول ابن القاسمِ، إنه يديه أحب إلينا. ولو نصبَ شرَكاً لسبعٍ، فعطب فيه صيدٌ، وداه، عند ابن القاسمِ. وقال أشهبُ: إن كان في موضعٍ يتخوَّفُ فيه على الصيدِ، وداه، وإلا فلا. وهذا أحب إلينا. وقال في محرمٍ نزلَ بالسيالةِ، فاشترى عشرة من الطيرِ، فذبح منها ناسياً لإحرامه، ثم ذكر، ثم جاء بها – يعني ليردها على البائع – فما ذبح، أو أمر بذبحه، يلزمه، وما بقي رده، ويلزم البائع، شاء أو أبى. ويجزئُ كل كيرِ ذبحه، يعدله طعاماً، ولا يجزئه أن يجزئهم جميعاً بشاةٍ. قال مالكٌ: ولا أحب أن يصحبَ المحرم كلباً، ولا بازاً. قيل: فإن فعل؟ قال: ما أرى من أمرٍ بيِّنٍ إن لم يكن أفلتَ، أو أُرسلَ على شيءٍ. قال أشهبُ: إن أدخل حلالٌ بازًّا الحرم، فليخرجه، ولا شيء عليه، وغن افلت على شيءٍ من حمام الحرمِ، فإن صنعَ، فعليه الجزاء، وإلا فلا شيء عليه. في من أحرم وبيده صيدٌ أو بيدِ من جعله عنده، وكيف عن قتله غيرُه بيدهِ، وفيمن أخرج صيداً من الحرم، أو أدخله فيه من الحِلِّ، أو قص جناجه، وفي المرحم يبتاع الصيدَ من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا احرم، فعليه أن يرسلَ
كل صيدٍ معه، ولا شيء عليه فيما في بيته، وفيما ليس معه عند إحرامه. قال أشهبُ: قال مالكٌ: ولا يسافر المحرم بالصيدِ، فغن فعل، فلا شيء عليه يريد ويرسله ومن أرسله من يده، فعليه قيمته. قال محمدٌ: وقول ابن القاسمِ أحب إلي: أنَّ لا شيء على من أرسله من يده؛ لأن عليه هو أن يرسله، وكذلك لو حلَّ، فإن قيل: كيف يرسله في وقتٍ يحلُّ له صيده؟ قيل له: وكذلك يلزمه في الحلال، يخرج الصيدَ من الحرمِ، إنَّ له أن يحبسه، لأنَّ له أن يصيده هناك، وهذا لا يجوز. قالا جميعاً: ولو أرسله المحرم، فأخذه رجلٌ، لم يكن له أن يطلبه منه، إذا حلَّ. قالا: وما خلَّف عند أهله، فذبحوه، فله ولهم أكلُه، ولا جزاء عليه فيه. ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنونٌ: قال ابن القاسمِ، فيمن صاد صيداً، وهو حلالٌ، أو محرمٌ فأدخل الحلال صيده الحرم، أو احرم وهو معه، ثم حلَّ أو خرج من الحرمِ، أو حل الذي صاده، وهو محرمٌ، والصيد معهما، فأكلاه فعليها جزاؤه؛ لأنه وجبَ عليهما إرساله. قال: وخالفني أشهب، فقال: لا شيء عليهما جميعاً. ومن "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: وإذا أخذ محرمٌ صيداً، فقتله في يدهِ حلالٌ في الحرمِ، فعلى كل واحدٍ منهما جزاؤه، ويغرم الحلالُ قيمته للمحرم، كان القاتلُ حرًّا، أو عبداً، أو صبيًّا، أو نصرانيًّا، إلا انَّه لا جزاء على النصرانيِّ. قال: وإن كان في الحِلِّ غَرِمَ له قيمته، وعلى المحرم وحده جزاؤه. قال محمدٌ: وإنما نرى على
قاتله لصاحبه القيمة، إلا أن تكون اليمة أكثر من الجزاء، فلا يلزمه إلا الجزاءُ لحجة المحرمِ، وعليه إني كنتُ اقدرُ، على السامةِ، بإطلاقه، فعليك ما أدخلت على بقتله، وإن كان في الحرمِ غَرِمَ جزاءً ثانياً. وقال أشهبُ، وابن القاسمِ: وإذا صاد محرمٌ صيداً، أو احرم، وهو بيده، فأرسله من يده حلالٌ، فلا شيء عليه، ولو نازعه فيه حتى قتلاه، فالجزاء على المحرم بخاصَّةٍ فيه، ولو كان الآخر محرما وداه. وإذا أودع رجلٌ رجلاً صيداً، وهما حلالاً، في سفرٍ، ثم أحرم ربه، فإن كانا رفيقين، فليراه، وإن لم يكونا في رحل واحدٍ، فهو كالذي خلّفه في بيته، ولو احرم الذي هو بيده وديعة، فليرده على ربه، إن حضر. قال ابن حبيبٍ: ثم يطلقه الذي هو له إن كان محرماً، وإن كان حلالاً جاز له حبسه. قال في "كتاب" ابن المواز: فإن غاب، فلا يرسل متاعَ الناسِ، ويضمنه إن فعل، ولو كان يومَ استُودعَ محرماً، كان عليه أن يطلقه، ويضمن قيمته لربه. ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ، فيمن باع صيداً على أنه بالخيارِ ثلاثاً؟ ثم أحرم المتبايعانِ مكانهما، فليوقف من له الخيارُ، فإن لم يختر، فهو منه ويسرحه، وإن أمضى البيعَ، فهو من المبتاع، ويسرحه، ولو سرحه المبتاع قبل إيقاف الآخر، ضمن قيمته. ومن "كتاب" ابن المواز، ومن "الواضحة" قال: وإذا اشترى المحرم صيداً، فعليه أن يرسله، وإن حلَّ. وقال عطاءٌ: إا حل، فله حبسه. قال ابن حبيبٍ: وإذا لم يرسله المحرم وجهل، فردَّه على بائعه، فعليه جزاؤه. وفي باب الصيد يكون بسبب المحرم ذكرٌ من شراء المحرم، الصيدَ
وإذا صاده يف الحل، ثم أدخله الحرم. فإن كان إرساله بذلك المكان مصلحةً له، أرسله، وإلا فليرده إلى موضعِ أخذهِ منه. وول كان إذا حبسه في ذلك لم يعش، فليرسله، وليده. ولا بأس أن تطرد طير مكةَ عن طعامك ورحلك. قاله عطاءٌ، ومجاهد. قال أشهبُ: وإذا أخذ محرمٌ صيداً بمكة، فأخرجه على الحل، فسرحه، فإن كان صيداً ينجو بنفسه، فلا شيء عليه سواءٌ خَلاَّه قريباً، أو بعيداً، ولو كان بالأندلس، ولو كان صيداً مما لا ينجو بنفسه، فعليه جزاؤه. وذكر في "العُتْبِيَّة"، يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ، مثلَه، إذا صاده وهو محرمٌ، فيرحه بعد أن حلَّ، فليده، إن خيف عليه الهلاك.؟ قال: فإن ذبحه بعدَ أن حَلَّ رداه. ومن "كتاب" محمدٍ: وإذا أخرج عنزاً من الظباء نم الحرمِ، فكانت عندَه حتى ولدت، فعليه الكفارة فيها، وفي أولادها بشاةٍ شاةٍ، وغن كفَّرَ ثم ولدت، لم يحلَ له ولدُها، كما لم تحلَّ له هي، وليُخَلِّهَا، وأولادها. وإن أصابها رجلٌ بعدَ ما كفَّر، فعليه كفارة ثانية، وغن لم يكفر حتى قتلها، رجلٌ لم يكن عليه فيها غير كفارة واحدةٍ. قال مالكٌ في المحرم إن ابتاع صيداً، فقصَّه فليدفئه. ثم يدعه في موضعٍ ينسل فيه، ثم عليه جزاؤه، وكذلك لوم مات بيده. وإذا أصاب المحرم صيداً فنتفه ثم حبسه
في الغصن في الحل وأصله في الحرم، هل يصاد ما عليه؟ وفي من رمى صيدا من الحل في الحرم، أو من الحرم في الحل، وفي إرسال الكلب كذلك
حتى نسل، فكار فلا شيء عليه، وإن حلَّ فليرسله، ولا شيء عليه، إلا أن يخاف عليهن فليده. قال ابن حبيبٍ: إذا نتف المحرم صيداً، فليحبسه، حتى يعفوَ ريشه، ثم يرسله، ويطعم مسكيناً، فإن غاب عنه بعد أن قصَّه، أو نتفَ ريشَه، ما يخاف عليه فيه العطبُ، فليده. ومن "كتاب" ابن المواز: ومن صاد في الحرم صيداً، أو خلاه في الحِلِّ بموضعٍ له فيه معاشٌ، وحفظَ مثل ماله في الحرمِ، فلا شيء عليه، وإن لم يكن كذلك بيقينٍ، فعليه جزاؤه. في الغصن في الحِلِّ وأصله في الحرمِ، هل يُصادُ ما عليه؟ وفي رمي صيداً من الحِلِ في الحرمِ، أو من الحرمِ في الحِلِّ، وفي إرسال الكلب كذلك من "كتاب" ابن المواز: وإذا كانت شجرةٌ أصلها في الحل، وبعض غصونها في الحرمِ، فلا يصاد ما على الغصن الذي في الحرمِ، ولا باس أن يقطعن وغن كان أصلها في الحرمِ، وغصنٌ في الحلِّ، فلا بأس بصيدِ ما عليه، ولا يقطع ذلك الغصن، ورَوَى ابنُ عبد الحكمِ، عن مالكٍ، وقاله عبدُ الملكِ، أن لا يصاد ما على الغصن الذي في الحِلِّ، وأصله في الحرمِ، وقال: وإذا كان الغصن في الحرمِ، فقتل ما عليه، فقد قتل في الحرمِ، وإذا كان الغصنُ في الحل، فقد قتل ما كان
على ما أصله في الحرمِ، وهو قريبٌ منه. وقد قال أصحابنا، فيما قتلَ من الصيدِ، قريباً من الحرمِ: فيه الجزاءُ. ومثله عن مالكٍ في كتابٍ آخرَ. وقال مالكٌ: ومن كان في الحرمِ، فرمى صيداً في الحِلِّ، فلا يؤكل. محمدٌ: وعليه جزاؤه. قال ابن القاسمِ: وكذلك إن أرسل كلبَه من الحرمِ على الحلِّ، فعليه جزاؤه، ولا يؤكل. قال ابن القاسمِ: وكذلك إن رمى صيداً، وهو والصيد في الحلِّ، وقد مكرَّ سهمه في الحرم، فليده، ولا يأكله. وقال أشهبُ فيه، وفي الذي رماه في الحرم: لا جزاء عليه، ويأكله. وقال عبد الملكِ: إذا كان بعيداً من الحرمِ. قال أصبغُ: في المسالتين خطأٌ ولا يأكل منذ لك شيئاً. قال: وإن رمى صيداً في الحل فمات في الحرمِ، فإن نفذتْ مقاتله في الحل أكل، وإن لم تنفذ مقاتله في الحل، ومات في الحرم، فلا يؤك لولا جزاء فيه، وغن هرب. ومن "الواضحة"، قال ابن الماجشون، ومن أرسل كلبَه على صيدٍ في الحرمِ، فطرده حتى قتله في الحِلِّ بعيداً من الحرمِ، فليده، وكذلك لو عطب من غير ذلك في الحل، أو طرده من الحرم إلى الحلِّ، ثم رده من الحل حتى رجع على الحرمِ، فعطب فيه من غير ذلك، فإنَّ عليه جزاءه؛ لأنه حرَّكه من مكانه الذي كان فيه، ولو كان رجع في الحرمِ إلى مكانه الأول، فعطب فيه، فلا جزاء عليه، إلا أن يعطب مما ناله من اللبِ، وبسببه. وذهب ابن الماجشون إلى أنه يرسل كلبَه من الحرمِ على صيدٍ في الحلِّ بعيداً من الحرمِ، ولا يسكن بسكونه، ويرة أن يؤكل.
في ذبح ما دجن في الحرم للمحرم، وغيره، وفي بيض الطير وفراخه، وحمام مكة والحرم، وفي قطع شجر الحرم، وغيره، وذكر حرم المدينة، والصيد فيه
قال: لأن الحرم لا يحرم الصائد، إنما يحرم الصيدَ. قال: ورواية ابن القاسم أحوط، أنه يَدِيه. وقد قال مالكٌ: ما قتل من الصيد قريباً من الحرمِ، يسكن بسكونه، فعليه جزاؤه. في ذبح ما دجن في الحرمِ للمحرم، وغيره، وفي بيضِ الطيرِ وفراخهِ، وحمام مكة والحرم، وفي قطع شجر الحرم، وغيره، وذكر حرم المدينة، والصيد فيه من "كتاب" ابن المواز: وكره مالكٌ للمحرم ذبح الحمام الداجن، والحمار الوحشي، إذا دجنَ، أو أن يحج عليه راكباً، قال ابن القاسمِ: فإن أصاب المحرم حماراً وحشيًّا بعد أن دجن، وداه. ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسم، عن مالكٍ: وإن المحرم صيداً داجناً، فعليه جزاؤه وقيمته لصاحبه، فإن كَسَرَ رجله، فإن برئَ، فلا جزاء عليه، وعليه ما نقصه الكسر. قال ابن حبيبٍ: كره مالك للمحرم ذبح الحمامِ المتخذ في البيوتِ للفراخِ، ولم ير فيه جزاءً إن فعل، وكان عطاءٌ لا بذبحه بأساً. قال: وكره مالكٌ ذبح الحمامِ الأحمرِ، وقال: جنسه يمامٌ وله عرقٌ في الوحشيةِ.
ومن "كتاب" ابن المواز قال مالكٌ: ولا يذبح فراخ برجٍ له، ولا باس بما ذبح أهله منه، ولا يأكل هو ما ذبحوا له منه. قال أشهبُ: ولا بأس أن يأكل ما ذبحوا منه لأنفسهم، وهو محرم. قال أصبغُ: وما ذبح هو من حمام بيته، وهو أيسر، فليَدِهِ. وقال عبد الملكِ: ولا خير في بيض الحمام كله للمحرم. وقال في "العُتْبِيَّة": فأما بيض الدجاجِ والأوزِّ، فجائزٌ له أكله. وقال ابن نافعٍ: لا آخذ بقولِ مالكٍ في بيض النعامِ، وآخذ فيه بما ذكر عطاءُ بن يسارٍ، هن النبي صلى الله عليه وسلم: "في كلِّ بَيْضَةٍ صيامُ يومٍ". ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ، في مكيٍّ احرم، وفي بيته فراخ حمامٍ من حمام مكة، فأغلق عليهم باباً: فنفق فليُهدِ من كل فرخٍ شاةً، وإذا دخل مكةَ حمامٌ إنسيٌّ أو وحشيٌّ، فللحلالِ أن يذبحه، فإن ذبحه بها محرم، فعليه قيمته طعاماً، وليس عليه شاةٌ في هذا، إذا لم يكن من حمام الحرم. وحمام الحرم كحمام مكةَ عندَ مالكٍ، ولم يره ابنُ القاسمِ مثلَه. وقال: فيه حكومةٌ. وقال أصبغُ: وبقول مالكٍ أقولُ. وقَمَاريُّ مكةَ كحمامها. قال أصبغُ: وكذلك يمامها، وقماريُّ الحرمِ ويمامه. وقال عبدُ الملكِ: في ذلك حكومة، إلا حمامَ الحرمِ، ففيه شاةٌ، فإن لم يجد صام عشرة أيامٍ. قاله مالكٌ: وليس في ذلك صدقةٌ، ولا تخيير.
قال مالكٌ، في بيضِ النعام يكسرها المحرم، أو تكسر في الحرم: ففي كل بيضةٍ عشر ثمن أمها، كان فيها فرخٌ، أو لم يكن، أو كان ميتاً، أو حيًّا غير مستهلٍّ، وإن استهلَّ، ففيه الجزاءُ كاملاً، محمدٌ: بحكومة عدلين. قال أشهبُ: فيه ما في أمه، إذا خرج حيًّا. ولم يذكر: استهلَّ. قال مالكٌ: في "المحتصر": وفي بيض النعام عشر ثمن البدنةِ. وكذلك قال مالك، في بعض "الموطآت" عشر ثمن النعامةِ. قال ابن حبيبٍ: وكذلك في بيض حمام مكة، عشر ثمن الشاةِ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: في صغيرِ كل صيدٍ مثلُ ما في كبيره. قال محمدٌ: وإن شكَّ في حياته، فأحب غلينا أن يديه، ولعله إنما مات بكسره، ما لم يوقن أنه كان ميتاً قبل ذلك، بالرائحة وغيرها. وقاله كله ابن القاسمِ، رواه لي عنه أبو زيدٍ: وكذلك في بيضِ حمامِ مكة إن كان فرخها حيًّا، فشاةٌ، وإلا فعشر ثمن شاةٍ. قال مالكٌ: ولا يقطع شجرُ الحرمِ، ولا يكسرْ، ومن فعل لم يحكم عليه بشيءٍ، وبئس ما صنع، ولم يبلغنا أحداً حكم فيه بشيءٍ، ولم يثبت عندنا ما قال أهل مكةَ: في الدَّوْحَةِ بقرةٌ، وفي كل غصنٍ شاةٌ، ولا يقطع إلا السَّنَى والإذْخِرِ، وله أن يرعى، ولا يحتشَّ، وله أن يحتشَّ في غير الحرمِ عند الحاجةِ، وليتقِ قتلَ الدوابِّ. قال ابن حبيبٍ: قال عطاءٌ: من قطع شجرةً من الحرمِ، فعليه دمٌ. ولم يره مالكٌ، وقال: ما بلغني أن أحداً حكم فيه بشيءٍ.
ذكر جزاء الصيد، وذكر الحكمين فيه، وأين يخرج الجزاء؟
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ولا بأس أني قطع في غير الحرمِ من الشجر مثلَ العصاة والعصاتي والقضيبِ لحاجته. قال مالكٌ: وله أن يخبطَ في غير الحرمِ لبعيره. قال مالكٌ: ولا بأس أن يتفلَّى الحلال في الحرم. وكره قتلَ الجراد في حرم المدينةِ. ولا يقطع شجر الحرم، ولا غرم عليه إن فعل فيه، ولا في حرم المدينة – يريدُ وقد اخطأ -. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ولا نعلم فيما صيدَ في حرمِ المدينةِ جزاءً، وكل شيءٍ وسنته. ومن مضَى اعلم ممن بقيَ، ولو كان هذا لسنُّوا فيه وقد قُتلَ الصيد في أيامهم، ونزل ذلك وتكرَّر، وزاد في "كتاب" محمدٍ: قيل: أفيؤكل ما صيدَ بها، وذبح. قال: ما هو مثل ما صيدَ بحرمِ مكةَ، وإني لأكرهه، فروجعَ، فقال: لا أدري. قال في "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسمِ: وأخذ مالكٌ بالحديثِ في تحريمِ ما بين المدينة، ولم يرَ فيه جزاءً، ونراه ذنباً من الذنوب. ذكر جزاء الصيد، وذكر الحَكمين فيه، وأين يخرج الجزاءُ؟ ومن "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ: في الحمار الوحشيِّ
بقرة، ولا يؤديها، إلا بحكم ذوي عدلٍ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ويحكم في كل شيءٍ من الصيد يصيبه المحرم –صغيره أو كبيره، الجراد فما فوقه – حكمان، فإن كفَر قبلَ الحكمين، أعاد بهما. قال عنه أشهب، في "الكتابين": ولا يكتفي في الجراد ولا غيره، أو النعامة أو البقرة، فما دونها بالذي جاء في ذلك، حتى يأتنف الحكمَ فيه، ولا يخرجا عما مضى، قيل لمالكٍ: فإن أصاب صيداً، فأفتاه مفتٍ بما جاء في ذلك؟ قال: لا يجتزئ بذلك، إلا بحكمين، وقال أيضا في المفتي: لا، حتى يكون معه غيرهم ولو كان في جراجة وهذا في كلِّ صيدٍ إلا في حمام مكة، ففي ذلك شاةٌ يحتاج فيه على حكمين، لأنه لم يؤخذ من باب الاجتهاد في المماثلةِ لكنه أمرٌ خارجٌ عن ذلك مخصوصٌ. قال محمدٌ: وأحب إلينا أن يكون الحكمان في مجلسٍ واحدٍ، من أن يكون واحداً بعد واحدٍ. قا محمدٌ: وليس فيما دون الظبي من جميع الأشياء إلا الطعام، أو الصيام، إلا في حمام مكة أو الحرم. وتوقف ابن القاسم في حمام الحرم. وفي الضبِّ اختلافٌ، روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ: فيه شاةٌ، ورَوَى عنه ابن القاسم: عليه قيمته طعاماً أو صياماً، وكذلك الثعلب ولا يجزئه إن ذبح عناقاً، فأشبع منها عددَ ما يجزئه من الحنطةِ واللحم، لا يجزئ في كفارة يمينٍ ولا في كفارة فطرٍ، ولا غيره، ولي يقوم
الجزاء بالطعام، ولكن الصيد نفسه قيمته بالحنطة بموضع أصابه، أو بما قرب الموضع إليه من المُدين، إذا لم يكن بموضعه من يقومه. وكذلك يفرقه على مساكين أقرب المواضع إليه، عن لم يكن بموضع إصابة أنيسٍ. وإن قوَّمه بدراهم، وأخرج قيمةَ الدراهم طعاماً، أجزأه، وقيمته بالطعام أحب إلينا. وإن أصابه بالمدينةِ، فأطعم بمصرَ، لم يجزئه، إلا أن يتفق سعراهما، وإن أصابه بمصرَ وهو محرمٌ، فأطعن بالمدينةِ أجزأه؛ لأنَ السعرَ بالمدينةِ أعلى. قال اصبغُ: إذا أخرج على سعرهَ بموضعه ذلك، أجزأه، إن شاء الله حيث ما كان. ومن "العُتْبِيَّة"، قال يحيى، عن ابن وهبٍ: وإذا كان الطعامُ ببلدهِ أغلى من موضع قُتِلَ فيه الصيدُ، واُحكم عليه فيه، أو كان ببلده أرخص، فإنما يخرج قيمةَ الطعامِ الذي حُكمَ به عليه عيناً، حيث أصاب الصيدَ، فيشتري بمثل تلك القيمة طعاماً، حيث أحب أن يخرجه، فيتصدق به إلا بذلك البلدِ، أو رخص. قال: والسنة أن الحكمين يخيران الذي أصاب الصيد أن يحكما عليه إن شاء بهديٍ، أو بكفارةٍ طعامِ مساكينَ، أو عدلِ ذلك صياماً، ما لم يبلغ أن يحكم فيه بهديٍ، فليحكما فيه بطعامٍ، ثم هو مخير أن يطعم ذلك، أو يصوم عن كل مُدٍّ يوماً، وكذلك إن أحب أن يحكما عليه بطعامٍ – يريد فيما يبلغ الهدي – فله أن يصوم بمبلغ الأمداد أياماً. وقال ابن حبيبٍ: ولا يطعم الطعام إلا بموضع أصاب الصيد فيه، أو ما
في الوصية بالحج، وفي من حج عن غيره
قاربه، حيث يجد المساكين، فإن جهلَ، فأخَّره إلى يلده، فإن كان السعر ببلده ارخص، اشترى بثمن الطعام، حيث قتل الصيد طعاما ببلده، فأخرجه بها، وإن كان ببلده أغلى، فليخرج المكيلة التي حُكمَ بها عليه حتى يخرج مثلَها ببلده. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا أصاب صغيراً قُوِّمَ بالطعام، ثم يُسَوَّى الكبير منه، وكما يُهدي عن صغيره مثلَ ما يُهدِ يعن كبيره. في الوصية بالحج، وفي من حج عن غيره من كتاب ابن المواز، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: لأن يؤخر الرجل نفسَه، في سوق الإبلِ وحمل اللبنِ، أحب إليَّ من أن يعملَ عملاَ لله عزَّ وجلَّ عن غيره بإجارةٍ، وحسنٌ أن يتصدق عن الميت، ويُهدي عنه، ويعتق ويقضي دَينه. وهذه دارُ الهجرةِ لم يبلغنا أن أحداً بها منذُ زمان النبي صلى الله عليه وسلم حجَّ عن احدٍ، ولا أمر بذلك، ولا أذن فيه. قيل: فإن أوصى به أحدٌ؟ قال: فافعل ما أمرك به. قال مالكٌ: لا يحجُّ أحدٌ عن أحدٍ، ولا يعتمر عنه، لا عن حيٍّ، ولا عن ميت، إلا أن يوصيَ فينفذَ ذلك، ولا يصوم أحدٌ عن احدٍ، ولا يصليِّ عنه. قيل له: فمن أوصاني أن أحج عنه؟ قال: فافعل ما أمرك به. قيلَ: أفاحجُّ عنه أو أتصدَّقُ. قال قد وعدته أن تحج عنه، فافعل ما أمرك. قال محمدٌ: لعل هذا على الوصية لبعد الموت. وقال مالكٌ، في شيخٍ كبيرٍ زَمَنٍ، قد أيسَ أن يبلغ مكةَ، وهو ضرورةٌ:
فلا يجعل من يحجُّ عنه، ولا أحبُّ لابنه المليِّ أن يحجَّ عنه، ولن يحجه إن قدر، وإن مات ولم يوصِ بذلك، فلا يحج عنه، وليهدِ عنه من أحبَّ من ورثته، أو يعتق، أو يتصدَّقْ، فإن أوصَى بالحجِّ، فلتُنفَّذْ وصيته. قال أشهبُ، في الكبير، وقد يئس من الحج: فلا يحجَّ عنه أحد تطوعاً ولا بإجارةٍ، فإن فعل، فذلك يُجزئه. ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: في رجلٍ أوصَى أن يمشيَ عنه في يمينٍ حَنِثَ فيها بالمشي، أنه لا يمشي عنه، وليهِدِ عنه هديين فإن لم يجد، فهَدْيٌ واحدٌ يجزئُ عنه، ولا يمشِ أحدٌ عن أحدٍ. ومن "الواضحة"، قال مالكٌ: ولا ينبغي أن يحج أحدٌ عن حيٍّ ولا ميت، ولا والدٍ ولا غيره، إلا أن يوصيَ، فينفذَ. وقاله النخعيُّ. قال مالكٌ: وال أدري هل يجزئه عندَ ربِّه؟ ولو سألني قبلَ يموتَ لأمرته أن يجعل ذلك في الهدي. قال ابن حبيبٍ: وقد جاءت الرُّخصةُ في ذلك في الحجِّ عن الكبير الذي لا ينهض فيه ولم يحجَّ، أو عمن مات ولم يحج أنَّ ذلك جائزٌ لابنه أن يحج عنه، وإن لم يُوصِ، ويجزئه إن شاء الله والله واسعٌ بعباده وأحق بالتجاوز. ومن "كتاب" ابن المواز، وقال عن مالكٍ، في امرأةٍ أوصت أن يحج عنها: إن حمل ذلك ثلثها، فإن لم يحمل أُعتقَ به رقبةٌ، فحمل ثلثها الحج،
قال: أرى أن يعتق عنها، ولا يحج. قيل له: أفكل من أوصى أن يحج عنه، أينفَّذُ ذلك، من ثلثهِ؟ قال: نعم. ولا يحج عنه ضرورةً، فإن فعل أجزأه. قال أشهبُ: لا بأس أن يستأجر له ضرورةً، ممن لا يجد السبيلَ على الحج، فأما من يجد السبيل إليه، فلا ينبغي أن يعان على ذلك، فإن أحجوا عنه، أساءوا، ويجزئه. وقال ابن القاسم: إذا جهلوا فوجدوا ضرورةً. ممن لا يجد السبيلَ، أجزأه. قال أبو زيدٍ، عن ابن القاسم: فإن حجَّ عنه هذا لضرورةٍ، فنوى بالحجة عن نفسهِ وعن الميتِ، أجزأه عن نفسه، وأعاد عن الميت. ورَوَى عنه اصبغُ: لا يجزئه لواحدٍ منهما. وقاله أصبغُ. وليرجع ثانيةً عن الميتِ. وبه اخذ محمدٌ. مالكٌ: وإن أحجُّوا امرأةً، أجزأه، وكذلك رجلٌ عن امرأةٍ. محمدٌ: فأما العبدُ ومَن فيه بقيَّةُ رِقٍّ، فلا يجزئ عن الضرورةِ، ويضمن الدافعُ إليه، إلا أن يكون لا يعلم، ويظن به الحرية. ابنُ القاسم: وإن أوصَى وهو ضرورةٌ أن يحج عنه أو صبي، دُفعَ ذلك لغيرها مكانه، ولا ينتظر به عتق العبدِ، وكِبَرُ الصبي. قال أشهبُ: وأما التطوعِ يُوصِي أن يحج عنه عبدٌ، أو مكاتبٌ، أو صبيٌّ، فلينفَّذْ ذلك له، إذا لم يكن على الصبي مضرَّةٌ، وإن لم يأذن له وصيه، أو سيدُ العبدِ، تربَّصً بذلك حتى يونس من عتق العبدِ، وبلوغ الصبي، فإن عتق العبدُ، وبلغ الصبيُّ، فأبيا، رجع ميراثاً. قال: ومن أوصى أن يحج عنه، فأنفذ ذلك، ثم استحقت رقبةٌ، فإن كان معروفاً بالحريةِ، فلا ضمان على الوصي، ولا على الجير، وما لم يفت من ذلك رَدٌّ.
قال ابن القاسمِ: وإن أوصى أن يحج عنه بعض ورثته بثلثه، فلا يُعطَى إلا قدر النفقةِ، والكِراء، ولو كان أجنبيًّا كان ثلثه كله، وكان له ما فضل، وإن لم يُسَمِّ بعينه، فلينفذ ثلثه كله في حج، ويوسع على أهلها بقدر الثلث. وقاله أصبغُ، قال ابن القاسمِ: ومن أوصَى أن يحج عنه بهذه الأربعين ديناراً، فأحجُّوا بها رجلاً على البلاغِ. قال: فما فضل منها/ فهو ميراثٌ. وقاله لي مالك. وكمَن قال: أعتقوا بها عبدَ فلانٍ، فبيعَ بثلاثين. قال محمدٌ: إذا سمَّى ما يعطى، فذلك كله للموصَى له، إلا أن يرضى بدونه، بعدَ علمهِ بالوصيةِ، هذا إذا قال: يحج بهذه الربعين عني فلانٌ. أو قال: رجلٌ. فأما إن قال: حجوا عني بها، أو يحج عني بها، فأنفذ كلها في حجةٍ، أو حجتين، أو ثلاثةٍ، أو أكثر، ولو جعلت في حجة واحدةٍ، فهو أحسنُ، وكذلك عن قال: أعتقوا عني بهذه المائة، ولم يقل: عبداً. ولا سمَّى عدداً، فليعتق عنه بها كلها، وإن أوصَى أن يحج عهنه فلانٌ بهذه الأربعين، فأعطيَ ثلاثين، فرضيَ. قال مالكٌ: فالبقية ميراثٌ، وكذلك في عتق عبد فلانٍ. قال محمدٌ: وهذا إذا علم الموصَى له بالحجِّ، وسيد العبد بالوصيةِ، ومبلغها بأقل منها، وغلا فالوصية له نافذة، ولو قال: يحج بها فلانٌ، ولم يقل: عني. فله الأربعون كلها، إلا أن يترك منها شيئاً عد علمه بما أوصى له به. وقال أشهبُ في من أوصى أن يحج عنه بثلثه، ولم يقل: حجة واحدة. والثلث كثيرٌ، وهو ضرورة، فليدفع الثلث كله في حجة واحدة، وإن كان غيرَ رورة، فأستحسنُ أن يدفعَ لثلثُ كله في حجةٍ أيضاً، وإن حجَّ بها عنه حججاً، لم أرَ بذلك بأساً. والأول أحب إلي.
ورَوَى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة"، قال: يُعطَى الثلث، إن كان كثيراً، في حججٍ لرجالٍ يحجون عنه به حججاً. قال أشهبُ، في "كتاب" ابن المواز، في الوصايا: ومن أوصى أن يُحجَّ عنه بمائة درهمٍ، فاستؤجرَ من حجَّ عنه بخمسين، فإن كان أوصَى لرجلٍ عينه، أخذ الخمسين الباقية، وإن لم يكن بعينه، فليحجَّ عنه بالخمسين الأخرى، ولا يضمن من أحجه عنه، ولأنه بحجةٍ واحدة أاوصَى، ولو كان يضمن لردّ الخمسين على ذالي حجَّ. محمدٌ: يريد، لأن عليه نقداً ولا يُشبه النسمة، لأن النسمة تقلُّ ثمنها، ويكثر، والحجُّ هو حجٌّ واحدٌ. ولو أوصَى بعتقِ نسمةٍ بمائةٍ، فأعتقَ عنه بعشرةٍ ضمنوا. قال محمدٌ: قول أشهب صوابٌ، إذا قال: حُجُّوا عنِّي حجة. أو عرف أنه مراده، وأما لو قال: يُحجُّ عنِّي بهذه المائة، فليحج عنه بها كلها، وإن حججا. وكذلك النسمة، ما لم يقل أيضاً: نسمةً. أو رقبةً. ومن "كتاب" ابن المواز: ومَن أعطَى مالا ليغزوا به، ففضل منه فضلةٌ، دفعَ الفضلة، لمن يغزوا بها أيضاً، أو ردها، ولينفذها أحب إلينا. ابن القاسم: ومن دفع إلى رجلٍ عيناً، أو عَرَضاً، أو جاريةً، على أن يكون عليه حجة عن فلانٍ، فمات الذي عليه الحجة، فذلك في ماله حجة لازمة، تبلغ ما بلغت، لا يلزمه غير ذلك، بمنزلة سلعةٍ من السلعِ، وقاله اصبغُ.
قال: ومن أخذ حجة على البلاغِ، فله أن ينفق ما لا بدَّ له منه مما يصلحه، من الكعك، والزيت، والخل، واللحم، مرة بعد مرةٍ، وشبه ذلك، والوطاء، واللحاف، والثيابِ، فإذا رجع، ردَّ ما فضل من ذلك كله، وردَّ الثيابَ، وغنا لنكره ذلك. وهذه والإجارة في الكراهةِ سواءٌ. وأحب إلينا أن يؤخر بشيءٍ مسمًّى، لأنه إذا مات قبلَ أن يبلغَ، كان ضامناً لذلك. –يريد: محمدٌ: ضامناً للمالِ، ويُحاسب بما شار، ويؤخذ من تركته ما بقي وكان هذا أحوط من البلاغ، وليس عليه أن يؤجر من ماله غيرَه، لأنه شرط عليه أن يحج بنفسه، فانفسخ ذلك بموته، إلا أن تكون الحجة إنما جُعلت في ذمته. قال ابن القاسم: وإذا سقطت له النفقة أو سرقت، وقد أخذ المالَ على البلاغِ، فليس على الورثة شيءٌ، وإن كان في الثلث فضلٌ. قال أشهب: عليهم أن يحجوه هو أو غيره، من بقية ثلثهِ، مثل الرقبة يوصَى بشرائها للعتقِ، فيشتريها، فتهلك قبل العتق، فليعتق من بقية الثلث أخرى، لأنه لم يسم في ذلك شيئاً، ولو سمَّى لم يكن عليهم غيرُه. قال ابن حبيبٍ: إذا سقطت نفقة الذي اخذ المالَ على البلاغ قبلَ أن يحرم، فليرجع من موضع سقطت، ولا نفقة له في رجوعه، وأما لو كان احرم لتمادى، وله النفقة في مال الميت، ذاهباً وراجعاً، فإن لم يكن له مال، فعلى من دفع المال إلى هذا ليحج به.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال أشهبُ: ويُحج عن الميت من موضع أوصى، كالحالف يحنثن إن لم تكن له نيَّةٌ، فليمشِ من موضع يحلف، فإن أحجوا عنه من أمام ذلك إلى مكة، ضمنوا، وليحجوا عنه من موضع مات. ومن استؤجر ليحج عن ميتٍ، ثم بدا له لما بلغه في ذلك من الكراهة، قال ابن القاسمِ: الإجارة تلزمه. ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: وكتاب سليمانَ بن عمران، على سحنونٍ، في من استؤجر لميتٍ على أن يحجَّ عنه، فاشترى منها دابةً، ثم بدا له، فاستقال الوصي، فأقاله، وأخذ منه بقية المالِ، إلا الدابة فإنها ضاعت من يديه، فدفع الوصيُّ بقية الدنانير لغيره يحجُّ بها ثم وُجدتِ الدابةُ، وقد كان عليها المستقيلُ، فكتب إليه: إن أخذ المال على الإجارةِ، فاستقال، فهو ضامنٌ للدابةِ، ويؤدي ثمنها الذي اشتراها به، ويحج عن الميت بالمال كله. وإن كان الوصي قد دافع أقل مما أوصَى الميت أن يحج عنه، فهو ضامنٌ للمالِ، يحج به ثانيةً – يريد: يضم غليه ثمن الدابة -. قال: فإن أخذه على البلاغ، فالدابة ترجع إلى الورثة، وقد مضَى الحجُّ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ، في من أوصَى أن يمضيَ عنه في يمينٍ حَنِثَ بها: فليُهدَ عنه هَديان، وإن لم يجد، فهَدْيٌ واحدٌ، ولا يمشي أح ٌ عن احدٍ، وإن أوصَى بذلك ولدَه، فوعده الابنُ أن يمشيَ عنه، فليتم له ما وعده، وذكرها أيضا العتبيُّ في سماع ابن القاسمِ،
وقال في التي قبلها: فإذا لم يوصِ بشيءٍ، فأحب إلينا أن يهدي عنه هديان. وكذلك إن أوصَى أن يمشى عنه، فليهدَ عنه هديان، أحب إليَّ، لا يمشي أحدٌ عن أحدٍ، فإن لم يجد، فهَديٌ واحدٌ. قال سحنونٌ: لا يلزمهم الهديُ إلا أن يوصيَ به. قال سحنونٌ: قال ابن القاسمِ، في من عليه نذرٌ أن يمشي حافياً، وأوصَى أن يسأل عن يمينه، فيُنَفَّذَ عنه ما يلزمهم. قال: يُنظرُ إلى كفافِ النفقةِ، والكِراء إلى مكةَ، فيهدَى عنه هديٌ. قال ابن القاسمِ: ومن أوصَى أن يحج عنه بمالٍ، ولم يوجد من يحجُّ عنه به من مكانه لقلته، فليدفع من موضع يوجد. ولو سمَّى الميتُ، فقال: من الأندلسِ، أو من بلد كذا، فلم يوجد من يحجُّ بها عنه، رجعت ميراثاً. وكذلك روَى عيسى عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة"، أنَّه فرَّق بينه وبين إذا سمَّى، وإذا لم يُسَمِّ. قال محمدٌ: وقال أشهبُ: بل يتقدَّمُ بها إلى بلدٍ يُوجدُ من يحُجُّ عنه بها منه. يلزم ذلك الورثة. قال محمدٌ: عن كان ضرورةً، فقول أشهب أحسنُ، وإن لم يكن ضرورةً، فهو ميراثٌ، إذا عرفت عزيمةُ الميتِ أنَّه أرادَ من موضعٍ مسمًّى. قال اصبغُ: ذلك سواءٌ سمَّى الميتُ بلداً، أو لم يُسَمِّ، وليتقدَّمْ بها من موضع يبلغ، إلا أن يستثنِيَ الميتُ ألا يُحجَّ إلا من البلدِ الذي ذكر، أو لم يُعلم ذلك من مذهبه. قال مالكٌ: وإذا اشترطوا عليه إلا يُقَدِّمَ قبلَ الحجةِ عمرةً، فقدَم عمرةً، وتمتَّعَ، فذلك يُجزئُ عنه، ولا حجة عليه. وقال ابن القاسمِ: عليه أن
يوفِّيَهم ما شرطوا، أو يردَّ عليهم ما قبض منهم. ثم رجع إلى قولِ مالكٍ: إنَّه مُجزئٌ عنه. قال اصبغُ: وفيه مَغْمَزٌ، ويُجزئُ غنْ شاء الله تعالى. وإن شرطوا أن يحرم من الميقات، فاحرم من غيره، فعليه أن يبدل لهم الحجة بتعدِّيه. وقاله أصبغُ. وقال في "الأسدية": عن اعتمرَ عن نفسهِ، وحجَّ عن الميت من مكةَ، أجزأه، إلا أن يُشترطَ عليه من أُفقٍ من الأفاقِ، أو من المواقيتِ، فليرجع ثانيةً. قال محمدٌ: وكذلك، إذا أحرم عنه من مكة، فأما من ميقات الميتِ، فذلك يُجزئه. قال ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": سواءٌ شرطوا عليه من ذي الحُليفةِ، أو لم يشترطوا إلا منِ استؤجرَ على الحجِ عن ميتٍ، فعليه أن يُحرمَ من ميقات الميت. محمدٌ: قال ابنُ القاسمِ: وإن قرنَ فبدأ العمرةَ عن نفسه، والحجُّ عن الميتِ، فليردَّ المالَ. ثم رجع فقال: يضمن الحجَّ ثانيةً. وقال ابن حبيبٍ: إذا أخذ المالَ على البلاغ، فقرنَ، أو تمتَّعَ، فقد أساء، ولا يضمنُ، وعليه في ماله هديٌ، ولو اعتمر عن نفسهِ، ثم حجَّ عن الميتِ، أو قرنَ، فنَوَى العمرة عن نفسهِ فقط لضمن المال في الوجهين. ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسمِ: ومنِ استؤجرَ ليحجَّ عن ميتٍ، فوطِئَ في الحج، فليردَّ النفقة، ويثتمَّ ما هو فيه من ماله، ويحجَّ ثانيةً؛ للفساد من مالِه، ويُهدِ، ثم يَحُجَّ عن الميت بتلك النفقةِن إن شاء الورثةُ، وغن شاءوا أجروا غيرَه. وقاله أشهبُ.
ورَوَى عيسى، عن ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة": في من أوصَى أبوه أن يمشَى عنه لنذرٍ عليه، فمشَى ينوي به نذر أبيه، وحجة الإسلام عن نفسه. قال: قال مالكٌ: يُجزئه لفريضته، ولا شيء عليه لأبيه. ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن أوصَى لرجلٍ بعشرين ديناراً، أو بعشرين في حجةٍ، فإن كان ضرورةً، بدأتَ الحجة، وغن كان تطوُّعاً تحاصَّا، وكذلك إن أوصَى أن يحج بها لرجلٍ أحجه بها، فليتحاصا فإن لم يُردِ الأجنبيُّ الحجُّ، ردَّ ما نابه. قال: وما دُفعَ للحجةِ عن الموصِي فلم يبلغ، فليحج به عنه من حيث بلغ، فإن لم يكن إلا مثل الدينار وشبهه، رُدَّ إلى الورثةِ. قيل: فالأجنبيُّ. قال: إن أحبَّ الحج أعطيه يقوى به، وإن لم يُردِ الحج ردَّها على الورثةِ. ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أبي زيدٍ، قال ابن القاسمِ، في
الذي يحج عن رجلٍ بأجرٍ، فيفسد حجه بإصابةِ أهله، قال: عليه القضاءُ بحجةٍ صحيحةٍ من ماله، استؤجر عليها مقاطعةً، أو دفعَ إليه على البلاغِ، فذلك واحدٌ، وإن كان إنما أصابه أمرٌ من الله ليس من فعله، مثل أن يمرض، أو ينكسر، فإنه: يقضي ذلك الحج عن الميت، هو أحب إليَّ، وإن كان استؤجر مقاطعةً، فعليه القضاء أيضاً على كل حالٍ، وكذلك الذي يُحصَرُ حتى يفوته الحج، وما أشبه ذلك، والذي يَخفَى عليه الهلالُ حتى يفوته الحج. وقال في "كتاب" ابن المواز: قلتُ – يعني لابن القاسم -: فإن أُحصر عن البيتِ بعدوٍّ؟ وقال: إن أخذ المالَ على البلاغِ، فله نفقته، حتى يُحِلَّ بموضعه، أو حتى يرجعَ، ويردَّ ما فضل، وإن كان أجيراً، حُوسبَ، فكان له من الأجر بقدر مسيره، وردَّ ما بقيَ، وهو رأيي. وقال مالكٌ في أجيرِ الحجَّ، يموتُ قبل أن يبلغ، فقال: يُحاسب، فيكون له بقدر ما سار، ويردُّ ما بقي. قلت: فأحصر بمرضٍ؟ قال: إذا أخذ المال على البالغ، فله نفقته في مال الميتِ، ما أقام مريضاً، وإن أقام إلى حجٍّ قابلٍ. ويجوز ذلك عن الميت، وذلك إذا لم يقدر على الذهاب، إلى البيت، وإن قدر على أن يذهب إليها، فليذهب حتى يُحلَّ بعمرةٍ، ولا بد له من ذلك، وله نفقته، وكذلك إن أُغميَ عليه، حتى فاته الحجَّ. قلت: فإن كلن اخذ ذلك على الإجارة؟ قال محمدٌ: فذلك لازمٌ له أبداً.
في من أوجب على نفسه المشي إلى مكة في يمين، أو غير يمين
في من أوجب على نفسه المشي على مكةَ في يمينٍ، أو غير يمينٍ من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن قال: عليَّ المشيُ على بيتِ اللهِ. أو قال: أنا أمشي إلى بيت الله. فذلك يلزمه. قال: نذراً. أو لم يقل: نذراً. فهو نذرٌ. وكذلك قوله: عليَّ عتق رقبةٍ، أو صدقةٌ دينارٌ. أو قال: أنا اعتق رقبةً، أو أتصدَقُ بدينارٍ. فذلك يلزمه. ومن حلف بالمشي إلى مكةَ بمصرَ، وحنث بالمدينةِ، فليرجع إلى مصرَ حتى يمشي منها، إلا أن يكون نوى موضعاً يمشي منه، فله نيته، وإن لم يحرك به لسانه. وغن حلف بالمشي إلى مكة، وهو بمكة، فحنث، فليلزم حتى يمشي من الحِلِّ مُحرماً. فإن جهل فاحرم من مكةَ، فليخرج راكباً، ثم يحرم من الحلِّ ماشياً. قال عبد الملكِ: وإاذ حلف، وهو في مسجدِ بلدٍ، أو موضعٍ منه فحنثَ، فليمشِ من تلك المدينة، من حيث شاء منها أجزأه. قال: وإن حنث بغير البلدِ الذي حلف فيه، وهو ممن لا يقدر على المشي، فليرجع على تلك البلدِ، ثم يمشِ منه ما قدر، ويُهدِ. قال اصبغُ: إن كان قريباً، ليس عليه فيه كبيرُ مضرَّةٍ رجع، وإلا مشى من حيث حنث، وأهدى. قال مالكٌ: ومن عليه مشيٌ فأصابَ أخصَرَ من طريقٍ، فليختصرْ. قال مالكٌ: ولا بأس لمن حنث بالأندلس أن يركبَ البحرَ للمجازِ؛ لأنه لا بد له من ذلك. وكذلك روى أشهبُ عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة".
مالكٌ: ومن حنث، فعجز فعاد ثانيةً، فليجعلها إن شاء خلاف الأولى من حجٍّ أو عمرةٍ. قال مالكٌ: إلا أن يكونَ نذره الأول في مشي بعينه، فلا يقضِ إلا في مثله، قال: وليس له أنْ يقضيَ مشيه في حجٍّ فريضةٍ. وإذا نَوَى في الثانية على مشي الطريق كله، فليس ذلك عليه. قال ابنُ حبيبٍ: وله أن يجعل الثانية عمرةً إن حجَّ أولاً، إلا أن يكونَ نذرَ أولا الحجَّ، ولو نوى العمرةَ أولا – يريدُ نذراً – فله أن يجعل الثانية في حجةٍ؛ لأنه زاد ولم يرَ ذلك ابنُ القاسمِ، وأجازه غيرُه من أصحاب مالكٍ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن كثر ركو به حتى ربما مشَى عقبةً وركب أخرى، فليعدْ مشيه كله، وإنما يعيد ما ركب من كان ماشياً حتى عجز وركبَ. قال عبدُ الملكِ: وإذا مشى أولَ مرةٍ مشياً كثيراً، ثم عجزَ، فصار يمشي قليلاً، ويركب قليلاً، فليرجع على حدِّ مشيه المتصل، فيمشِ من ذلك الموضع إلى مكة. قال مالكٌ: ومن ركب يوماً وليلةً. قال، في موضعٍ آخرَ: يوماً ويومين، ومشى باقيَ ذلك، لم يرجع، وليُهدِ، فإن لم يجد صام عشرةَ أيامٍ، وليس كالراكب في المناسك. وقد ذكرها في "العُتْبِيَّة"، في سماع ابن القاسمِ، فذكر نحوَه، ولم يذكر يومين. قال محمدٌ: قال مالكٌ: في الذي ركب في المناسك: إنه يرجعُ حتى يمشي ما ركب، ولا يلزمه هديٌ، إلا أن يشاءَ. قال ابن القاسمِ: لأنَّ
بعض الناسِ يرى أنه بتمام السعي يتمُّ مشيه. ومن "الواضحة" قال: ومن مشى في نذرٍ لزمه، فركب بعضَ الطريق، من غير ضرورةٍ ولا ضعفٍ، ليقضيَ ذلك، فهذا يبتدئُ المشي، بخلاف ذي العذر، وجعله كمفطرٍ في صومٍ متتابعٍ، وحكاه عن بعض أصحا بمالكٍ، وقال: قال مالكٌ: وإذا كثر ركو به أول مرةٍ، حتى يُعلمَ أنه لا يقدر على قضائه، فلا يرجع، ويجزئه الهدي. قال ابن حبيبٍ: وكذلك لو لم يكثر، إلا أنه علم أنه لا يقوَى عليه؛ لضعفهِ، أو بعد بلده، فلا يرجع وليهِ بدنةً، فغن لم يجد، فبقرة، فغن لم يجد، فشاةً، فإن لم يجد، صام عشرة أيامٍ. ولو أهدى في هذا واجدَ البدنةِ شاةً أجزأه ولا يرجع في ركوب اليوم فأقلَّ منه ويرجع في أكثر منه وإذا مرضَ، فركب في رمي الجمار، أو في الإفاضةِ، فعليه دمٌ، ولا يرجع. ومن حيث في المشي فجعله في حجٍّ، فعجَّل طوافَ الإفاضةِ، فلا يركب في رجوعه على منًى. ولا في رمي الجمارِ. قال أبو محمدٍ: والذي ذكر ابن حبيبٍ من هذا خلاف ابن القاسمِ وروايته عن مالكٍ. قال ابن حبيبٍ: ومَن سفِهَ نفسه، فنذر ثلثي حجةً، وشبه ذلك، فمشى وعجز، فركب بعض الطريقِ، فليجتزئْ بالهدي، وليكن رجوعه لبقيَّةِ نذرهِ.
والمرأة إذا لزمها مشيٌ بنذرٍ، أو حنثٍ، فإن كان مثلها يقوَى، وقد تقرب دارها، فهي كالرجلِ، وإن ضعفت عن ذلك لثقلِ بدنٍ، أو تخفُّرٍ، ولينِ خلقٍ، أو لبعدِ الدارِ، فهي كالزَّمِنِ، والمريض الذي ايسَن وإن يرَ أن يقدرَ، أو بعد أن يعجزَ عن اكثر المشيِ، فهؤلاء يخرجون مُشاةً أو ليومٍ. ولو نصف ميلٍ أو أقل، فإذا وقفت بهم لطاقة، ركبوا بعد ذلك على مكة، وأهدوا. ومن "كتاب" ابن المواز: وإذا مشى في حجٍّ، ففاته، فعمل عمل العمرة، ثم حج للفوات راكباً، قال مالكٌ: فليس عليه أن يمشي في المناسك، لأن مشيه قد صار في عمرةٍ، فأجزأه، وقال ابن القاسمِ: يمشي المناسك، إذا قضى. مالكٌ: وإذا مشى الحالف في حنثه من بلدٍ على بلدٍ، فأقام بها شهراً، ثم خرج ماشياً أيضا، فلا شيء عليه. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم. قال في "كتاب" محمدٍ: وإذا حنث بالمشي، وقد نوى في يمينه الحج، فأحرم بحجةٍ ينوي بها نذره وفريضته، فهذا لا يجزئه عن واحدٍ منهما، ولغى الذي قال مالكٌ: تُجزئه لنذره في الذي لم ينوِ حين يمينه حجًّا ولا عمرةً، فيجزئه عن نذره، ويُعيد فريضته، كما قيل، في من مشى في حجٍّ لنذره، ففاته الحج: غنه أجزأه بمشي النذر، وإنما يُعيد للفوات لا لنقصِ النذرِ، فكذلك لا يضرُّه في نذره ما ادخل معه من مشاركة فريضته التي ألزمناه فيها القضاءَ. وقال عبد الملكِ
وحدَه، من بين أصحاب مالكٍ، عن مالكٍ: ويعيد هنا. استحباباً. وقاله أصبغُ. وقال المغيرةُ: يجزئه نذره. وبه قال عبد الملكِ. وقول مالكٍ أحب إليّ، وإنما يعيدها من كانت يمينه بحجه، فحنث، لأنَّ هذا لا يجزئه في ذلك عمرةٌ، وكذلك لو أحرم هذا بحجةٍ عن نذره في يمينه، ففاته الحج، فعمل عملاً فلا يجزئه، ولا بد له أن يأتنف الحج عن يمينه قابلاً. ولو حلف ولم ينوِ حجة ولا عمرة، فحنث، فخرج من بلده لحنثه خاصَّةً ماشياً، فلما بلغ الميقات أحرم بالحج عن فريضته خاصة، فأتمه ماشياً، فإنه يجزئه لفرضه، ويرجع فيمشي لنذره، من ميقاته الذي كان أحرم منه، وكذلك لو بدأ له، فرجع من هناك، ولم يخرج لعاد ثانيةً راكباً، ثم يمشي من الميقات. وقد روي عن مالكٍ في الطائف عن الصبي ينوي عنه وعن الصبيِّ: يجزئ عن الصبيِّن ويعيد عن نفسه. ولو طاف حاملاً لرجلٍ لزمه الحج ينوي عنه وعن نفسه، لم يجز عن واحدٍ منهما؛ لأنهما واجبان، وحجُّ الصبي تطوُّعٍ. فهذا أولَى من اختيار عبد الملكِ. يقول المغيرةُ، في الذي ينوي لنذره وفرضه: ويحتجُّ بأن الطائف بالصبي يجزئه عن نفسهن ويعيد عن الصبي، ولو اوجب على نفسه في حجِّ فريضته أن يمشي فيه، للزمه، وأجزأه، وهذا نذر مشياً في فريضته، وذلك طاعةٌ تلزمه.
وكذلك من نذر اعتكافاً في فرض رمضان، لزمه، وكذلك لو نواه ودخل فيهن فأما لو نذر اعتكافاً مبهماً، لم يجزئه أن يقضيه في صيام فرضه وظهاره، وقتل النفسِ، ولا في قضاءِ رمضانَ. قال: ولو أنه حين أحرم بحجِّ الفريضةِ نوى مشيها، لم يلزمه إلا أن يُوجب ذلك على نفسه، بنذرٍ نذره. قال محمدٌ: فإنْ أوجبَ مشيها، فعجز، فركب، عليه أن يرجع حتى يمشي ما ركب في حجٍّ أو عمرةٍ. قاله عبدُ الملكِ. ولو سمَّى في نذره حجة أو عمرةً مفردةً، فمشَى ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، فإن كانت العمرة لنذره، فلمَّا حل أحرم بحج فريضته، فذلك يجزئه. وعليه هديُ تمتعه، ثم قال: ولو نوى الحج والعمرة عنهما، فذلك يجزئه. واراه يريدُ: إذا لم يذكر في نذره عمرة ولا حجٍّ؛ لأنه قال: لأنَّ العمرةَ لم تكن وجبت عليه فأجزأته عن نذره، وانفرد الحج لفرضه، ولا نذر عليه به. يريدُ: بخلاف من سمَّى في نذره حجًّ أو عمرةً. قال: ولو كانت عليه عمرةٌ متقدمةٌ بنذرٍ، فاشترك فيهما، لم تجزئه عن واحدٍ منهما. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب: قال مالكٌ: ومن مشى عن واحدٍ، وحجَّ عن نفسه، وهو صرورةٌ، أجزأه لفرضه، لأنه لا يمشي أحدٌ عن أحدٍ. قال محمدٌ: وأحب إلي لمن عليه المشيُ، وهو صرورةٌ أن يبدأَ بفرضهِ، إذا كان في أشهر الحج، ويمشي بعد قضاء حجه، وإن أراد التخفيف، بدأ بالمشي في العمرةِ، فإذا حَلَّ منها أحرم بالحج عن فريضته، ولا بأس في أشهر الحج أن يبدأ بنذره. قال أبو محمدٍ: انظر: هل يريد إنما يلزمه مشيُ الفريضةِ، إذا نذره بلفظه؛ لأنَّ دخوله الحج ليس بدخولٍ
في المشي الذي ينوي اعتكافاً أو صوماً فلزمه بدخوله فيه ونيته؛ لأنه دخل في ما نوى، فلزمه تمامُه، والاعتكاف بتتابعٍ غير منقطعٍ، وكذلك صومُ يومٍ واحدٍ أو صلاةٍ تُلزم تمامَ ما دخل فيه من ذلك، بالاتصال والمشي، فيفصِلُ بعضَه من بعضٍ، ولا يلزمه بالنية في أوائله، كما لا يلزم من نوى صيامَ عشرة أيامٍ. بدخوله في أول يوم منها، وهو لم ينذرها بلفظه. والله أعلم. ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم، قال مالك، في امرأةٍ حلفت بالمشي سبع مراتٍ إن كلمت أباها. قال: تكلمه، وتمشي سبع مراتٍ، فإن لم تطق المشي، فلتحج أو تعتمر بع مراتٍ راكبةً، وتُهدِ في كل مرةٍ. ومن "كتاب" ابن الموز: ومن قال: إن كلمت فلاناً، فأنا محرِمٌ بحجة، أو قال: بعمرةٍ، ونوى، من وقت يكلمه، فذلك يلزمه كما نوى، فإن نوى، من موضع يحرم، فله نيته. ومن قال: عليَّ الركوبُ إلى مكةَ، فعليه أن يأتيَ في حج أو عمرة. قال أشهبُ: ولا يسعه أن يأتيها مشياً؛ لأنه يخفف عن نفسه مؤنة نفقةِ أوجبها الله. ومن قال: عليَّ السيرُ أو الذهاب أو الإتيان أو الركوب إلى مكة، إن فعل كذا، فحنث. قال ابن القاسم: لا شيء عليه، حتى ينويَ في حج أو عمرة. قال محمدٌ: ذلك يلزمه، إلا أن يمشي
مشياً، يريد موضعاً خارجاً من المسجد، أو ينويه، فلا يلزمه. وقال أشهب، في غير "كتاب" محمدٍ، في من قال علي المشي إلى الصفا أو المروة، أو ذي طُوَى، أو عرفة. فذلك عليه، إلا أن ينويَ موضع المشي بعينه. قال محمدٌ: والذي ذكر لنا عن ابن القاسم، أنَّ ذلك لا يلزمه، إذا صحَّ ما روي عنه وعن غيره في ذلك. قال ابن القاسمِ، في من قال: عليَّ المشي على الحرم: لا شيء عليه. قال محمدٌ: يُحمل ذلك على أوائل الحرم، ولو نوى جميع الحرمِ لزمه المشيُ لدخول البيت في ذلك. ومن أوجب على نفسه المشي إلى مسجد بيت المقدسِ، أو مسجد المدينة، فليأتهما راكباً. وقد قيل: إلا أن يكون بينهما وبينه الأميال اليسيرةُ، فليأتهما ماشياً. والمشي ضعيفٌ. وقاله أصبغُ. ومن غير "كتاب" محمدٍ، وقال ابن وهبٍ في الناذر المشي إلى مسجدِ المدينةِ، أو بيت المقدس: فليأتهما ماشياً. قال ابن حبيبٍ: ومن قال: كلُّ ثوبٍ أبتاعه من فلانٍ، فأنا آخذه إلى مكة، فابتاع منه أثواباً. قال أصبغُ: فإن ابتاعها في صفقةٍ، فمشيٌ واحدٌ يجزئه، وإن ابتاعها ثوباً بعد ثوبٍ، فليمش على عدد الأثواب.
باب في ذكر البيت والصلاة فيه، وذكر الحجر والمقام وزمزم، وذكر الحرم ومعالمه، ومنى وعرفة، وذكر خطب الحج، وذكر منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرم المدينة
باب في ذكر البيت والصلاة فيه، وذكر الحجر والمقام وزمزم، وذكر الحرم ومعالمه ومنًى وعرفة، وذكر خُطبِ الحج، وذكر منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحرم المدينة من "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: بكَّةٌ موضع البيتِ، ومكةُ غيره من المواضع، يريدُ: القريةَ. ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وبناء الكعبةِ هذا، هو بناء ابن الزبير، وكان الحجاج قد أحرقه بالنارِ، وهدمه حتى كان قد سُترَ بالثياب، وطاف الناسُ من وراء الثيابِ، فبناه ابن الزبير، هو بناه كله إلا الحائط اذلي يلي الحجر، فإن ابن الزبير كان أخرجه غلى الحجرِن فهدمه الحجاج، وردَّ الحائطَ إلى موضعه، وكان قد جعل ابن الزبير للبيت بأبين. وكان لاصقاً بالأرضِ، فلمَّا هدمه الحجاج، ردم البيتَ بما بقي من حجارته، فلذلك ارتفع البيت، وصار الباب في موضعه. قال اشهبُ: قال مالكٌ: سمعت من أهل العلمِ من يقول: إن إبراهيم عليه السلام أقام هذا المقام، وأنه إثرُ مقامه، وقد كان ملصوقاً بالبيتِ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، وإنما الصقَ إليه، لموضع السيلِ، فعمرُ هو الذي ردَّه، ويزعمون أن موضعه الذي رده غليه هو موضعه الأول الذي كان فيه. قال مالكٌ: أُريَ عبد المطلب أنه يقال له: احفر زمزمَ، لا ينزف
ولا بدمٍ، بين فرثٍ ودمٍ يروي الحجيج الأعظم، في موضع الغراب العصم، قال/ فحفره. قال ابن حبيبٍ: ويُستحبُّ أن تُكثرَ من شرب زمزم، والوضوء به ما أقمت، قال ابن عباسٍ: وليقل إذا شربه: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وشفاءً من كل داءٍ. قال وهب بن منبه: هي شراب الأبرار، طعام طُعْمٍ، وشفاء سقمٍ، قال ابن عباسٍ: هو شفاء لما شرب لهن وقد جعلها الله تعالى لإسماعيل ولأمه هاجرَ طعاماً وشراباً. ومن "كتاب ابن المواز"، قال مالكٌ: وقد سمعت أنه يكره كراء بيوت مكة، وكان عمر فيما بلغني يقلع أبوابَ بيوت أهل مكة. قال مالكٌ: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، من بني عبد الدار، فيرون أنها ولايةٌ من النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي أن يشاركوا فيها. وأستعظمه. قال مالكٌ: وبلغني أتن عمر جدَّدَ معالم الحرمِ، ووضع أيضاً بها بعدَ أن كشف عن ملك من يعرفه بعرفة، ممن له قدمٌ. قال ابن القاسمِ: والحرم خلف المزدلفة بمثل ميلين. قال مالكٌ: وعرفة في الحل. قال: وبطن عرفة هو وادي عرفة، ويقال: أن حائط مسجد عرفة القبلي على حده، فلو سقط، ما سقط إلا فيه.
ويقال: إن من وقف في مسجد عرفة فقد خرج من بطن عرنة، ولكنَّ الفضل بقرب الإمامِ، وقال ابن القاسمِ، عنه: ليس الوقوف فيه بحسنٍ. قيل: فإن فعل؟ قال: لا ادري. وكذلك وقف فيه ابن عبد الحكمِ. وقال أصبغُ: لا حج فيه. قال ابن القاسمِ: ومزدلفة في الحرم، وسمعت أن الحرم يعرف بان لا يجيئه سيلٌ من الحل، فيدخل الحرم، وإنما يخرج السيل من الحرم، إلى الحلِّ، وهو يجزئ من الحل فإذا انتهى إلى الحرمِ، وقف ولم يدخل فيه، ولا يدخل الحرم إلا سيل الحرم، ومجراه بين يدي موقف المزدلفة، وهو قُزَحُ، موضع بناء المنارة بما يلي منًى على منًى في أدنى موقف الإمامِ، والأخشبانِ من منًى فيما بينهما، والمأزمين اللذانِ يمر الناس بينهما منصرفهم من عرفة إلى المزدلفة. ومن "كتاب" ابن الموزا، لغير واحدٍ من أصحابنا: أن حد الحرمِ مما يلي المدينة، نحو من أربعة أميالٍ، إلى منتهى التنعيم، ومما يلي العراق ثمانية أميالٍ، على مكان يقال له: المقطع، ومما يلي عرفة تسعة أميالٍ، ومما يلي طريق اليمن سبعة أميالٍ، على موضع يقال له: أضاةُ، وعلى جدة عشرة أميالٍ، على منتهى الحديبية. ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: والحديبية في الحرم. ومن
"كتاب بن حبيبٍ"، قال: وحرم النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، بريداً في بريدٍ، لا يعضد شجرها، ولا يُخبط. ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، قال: نهيت بعض الولاة أن يطلع على منبر النبي صلى الله عليه وسلم بنعلين. قال عنه ابن وهبٍ: أو بخفين. وقد نهي عن ذلك في الكعبةِ، وليجعل نعليه في حجرته. قال عنه أشهبُ: وله أن يصلي في البيت على ايِّ جوانبه شاء. ثم سئل بعد ذلك، فقال: أحب إلي أن يجعل الباب خلف ظهره، ثم يصلى على أي موضع شاء بعد أن يستدبر الباب، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن المواز: وخُطَبُ الحج ثلاث خطبٍ؛ أولهنَّ قبل التروية بيومٍ قبل صلاة الظهر، في المسجد الحرام، وقيل: قبل الزوال، والأول قولُنا، وهي لا يجلس في وسطها، يُعلِّمُ الناس فيها مناسكهم، وخروجهم إلى منًى، وصلاتهم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وصلاة الصبح بها يوم عرفة، وغدوهم منها، وغير ذلك، والثانية، بعرفة، يجلس بينهما، وهي تعليم للناس ما بقي ومن مناسكهم، من صلاتهم بعرفة، ووقوفهم بها، ودفعهم، ومبيتهم بمزدلفة، وصلاتهم بها، ووقوفهم بالمشعر، والدفع منه، ورمي الجمرةِ، والحلق، والنحر، والإفاضة. والثالثة: بعد يومِ
باب جامع، وفيه ذكر القفل والمعرس
النحر بيومٍ، وهو اول ايام الرميِ، وهي خطبة واحدة، لا يجلس فيها، وهي بعد الظهر يُعَلِّمُ الناس فيها الرمي، واوقاته، وكيف هو ويوم نفرهم، ما لهم من التعجيل، في يومين، وتعجيل الإفاضةِ واسعة في تأخيرها والبيوتة بمنًى ليالي منى. ولا يجهر بالقراءة في صلاته في شيءٍ من هذه الخطبِ. قال ابن حبيبٍ: قال مطرفٌ، وابن الماجشون: ويفتتح في هذه الثلاث خطبٍ، بالتكبير، كالأعياد، ويكبر في خلال كل خطبةٍ، ويجل في وسطها بين كل خطبتين. باب جامعٌ، وفيه ذِكر القفل والمُعَرَّسِ من "كتاب" ابن المواز، و "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، قال مالكٌ: ولا بأس أن يحج بثمنِ ولد الزنا، قال في "كتاب" ابن المواز: ولا بأس من أن يحج ومعه النصراني يخدمه، وقد يُكري الحاج من النصراني، وحسن الصحبةِ. ومن "الكتابين" قال مالكٌ: وليس النبيذ الذي يعمل في السقاية، من السنة، ولو ذكرت لكلمت أمير المؤمنين في قطعه. وشدَّدَ فيه الكراهية. ومن "كتاب" ابن المواز، وغيره، قال مالكٌ والطواف للغرباء أفضل من الركوع، والركوع لهل مكة أفضل من الطواف. قال مالكٌ: والأيام المعلومات؛ أيام النحر الثلاثة، والأيام المعدوداتُ؛
ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحرِ، وهي أيام منًى. وسئل مالكٌ، عن التكبير في النفل من حج أو عمرةٍ يرفع به صوته؟ قال: يُسمع من يليه، وأحب إلي لمن بالمدينة أن ينزل بالمعرس، فيصلي فيه، وإن جاء في غير حين صلاةٍ حين تحين الصلاةُ. وفي غير "كتاب" لأصحابنا: ويُستحبُّ لمن قفل من حج أو عمرةٍ أن يكبر على كل شرفٍ ثلاث تكبيراتٍ؛ وهو: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وله الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، آيبون، تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدقَ الله وعدَه، ونصر عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده". ومن "كتاب" ابن المواز، وغيره، قيل لمحمدٍ: فالحج والجوار أحب إليك، أم الحج والقفل؟ قال: ما كان الناس إلا على الحج والقفل. ورأيته أعجب إليه. قيل: فالغزو؟ فلم يره مثله. وقال: قد أقام الصحابة بالشامِ، منهم أبو عبيدة، ومعاذ، وبلال، وأبو أيوبَ. وفي كتاب آخر: قيل: فالغزو أحب إليك، أم الحج؟ قال: الحج، إلا أن تكون سنة خوفٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ، في قول الله سبحانه: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، قال: رمي الجمار. وفي قوله سبحانه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الآية؛ فعرفة ومزدلفة، والصفا، والمروة، من الشعائر، ومحل الشعائر كلها البيت العتيق. قال مالكٌ: والموسمُ هو الحج، لا في الأسواق. قال: وجعل عمر بن الخطاب إبلاً من مال الله للنا سيحجون عليها، ويردونها. وقال ابن القاسم، عن مالكٍ، ورواه ابن أبي حسينٍ، عن معن بن عيسى، عن مالكٍ، في نصرانية بعثت بدينارٍ على الكعبة أيجعل في الكعبة. فقال: بل يرد غليها. تمَّ كتاب الحج الثاني من النوادر، والحمد لله رب العالمين وحدَه. كما هو أهله ومستحقه. وصلى الله على نبينا محمدٍ خاتم النبيين، وآله الطاهرين وسلم تسليماً
كتاب الجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجهاد ذكر بعض ما روي في فضل الجهاد وذكر شيء من الرباط وفضله قال أبو محمد: قد روي من فضل الجهاد ما يكثر ذكره , ونحن نذكر من مون الأحاديث فيه بعض ما روي فيه. من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن حبيب: روي أنه قيل: يا رسول الله , أي الأعمال أفضل؟ قال إيمان بالله وجهاد في سبيله. وفي حديث آخر: وحج مبرور , وروي أن الصحابة قالوا: يا رسول الله , وددنا لو علمنا أفضل الأعمال , فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله: وفتح قريب ". [3/ 11]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: لو قمت الليل وصمت النهار , ما بلغت يوم المجاهد. وفي حديث آخر: لم تبلغ غبار شراكه. وفي حديث آخر: ما بعد الصلاة المكتوبة أفضل عند الله من الجهاد. وقال: مثل المجاهد كمثل الصائم لا يفطر والقائم لا يفتر حتى يرجع إلى أهله. وقال ابن عمر: لأن أقف موقفاً في سبيل الله مواجهاً للعدو , لا أضرب بسيف ولا أطعن برمح ولا أرمي بسهم , أفضل من أن أعبد الله ستين سنة لا أعصيه , وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لموقف ساعة في سبيل الله أفضل من شهود ليلة القدر عند الحجر الأسود. وقال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها. وقال لرجل له ستة آلاف دينار: لو أنفقها في طاعة الله لم يبلغ غبار شراك نعل المجاهد. وقال الحسن: من قلت حسناته وكثرت سيئاته , فليجعل الدروب وراء ظهره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من اغبرت قدماه في سبيل الله , حرمه الله على النار. وروى أنه عليه السلام لم يكن يتلثم من الغبار في سبيل الله , وكره مكحول التلثم في سبيل الله. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: غزوة بعد حجة الإسلام خير من ألف حجة ومن صيامها وقيامها. [3/ 12]
ذكر بعض ما روي في فضل الرباط ولزوم الثغر، وفي الغارات، وذكر الأفضل من الحج والغزو والرباط، وذكر التكبير في الرباط، والحرس في لقاء العدو
وروى ابن وهب قال: قال نافع في تخلف ابن عمر عن الغزو ولزومه الحج: إنه إنما ترك الغزو لوصايا عمر ولصبيه وضيعة كثيرة لا يصلحها إلا التعاهد , وقد كان يغزي بنيه ويرى أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الصلاة. وقالت عائشة: من خشي من نفسه جبناً , فلا يغز. وقد روي من فضل أعمال البر في الجهاد من صلاة وصوم وصدقة وذكر الله: أن عمل ذلك في الجهاد أفضل منه في غيره. وكذلك إن مرض فيه أو نكب أو شاب فيه , فقد روي في ذلك فضل كثير , وفي من مشى في سبيل الله وفي من شيع غازياً أو حفظه في أهله أو جهزه أو أعانه. وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لم يوف بعهد ولا ذمة ولم يقم بكتاب ولا سنة , فالرباط أفضل غزوكم. قال مالك: الغزو على الصواب أحب إلي من الرباط ووالرباط أحب إلي من غزو على غير الصواب. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثمرة الجهاد الحرس , وحارس الحرس على فرس يصيح وقد أوجب يقول: استوجب الجنة ومن كتاب آخر. قال مالك لرجل سأله قد ابتلي بدم: تقرب إلى الله سبحانه بما استطعت والزم هذه الثغور. ذكر بعض ما روي في فضل الرباط ولزوم الثغور وذكر الغارات وذكر الأفضل من الحج والغزو والرباط وذكر التكبير في الرباط والحرس في لقاء العدو من كتاب ابن حبيب وغيره: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رباط الرجل ليلة [3/ 13]
في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقوم ليلها لا يفتر ويصوم نهارها لا يفطر. وقال: من رابط فواق ناقة , حرمه الله على النار. قال ابن حبيب: قوله: فواق ناقة: قدر ما تحلب. وقال أبو هريرة: لحرس ليلة أحب إلي من صيام ألف يوم أصومها وأقوم ليلها في المسجد الحرام وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم ستجدون أجناداً أو يفتح لكم أرضون , ويكون لكم ذمة وخراج , ويكون لكم على سيف البحر مدائن وقصور , فمن أدرك ذلك فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور , فليفعل. وروي في الرباط من الرغائب كثير. قال ابن حبيب: وهو شعبة من شعب الجهاد , وبقدر خوف أهل ذلك لسفك دماء المشركين والرباط لحقن دماء المسلمين , وحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين , وقيل إنما هذا حين دخل فيالجهاد ما دخل , وقال عمر: اغزوا ما دام الغزو حلواً خضراً قبل أن يكون مراً عسيراً , ثم يكون ثماماً ثم يكون رماماً ثم يكون حطاماً , فإذا انتاطت المغازي وكثرت العزائم واستحلت الغنائم , فخير جهادكم الرباط. والثمام: الرطب من الثياب , والرمام: اليابس , والحطام: الذي ينكسر ويتحطم , وقوله: العزائم يريد: حمل السلطان شدة الأمر عليهم والعزم فيما يشق عليهم لبعد الغزى وقلة عونه لهم وغير ذلك. [3/ 14]
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تمام الرباط أربعون ليلة. وروي أنه إذا نزل العدو بموضع مرة فهو مرابط أربعين سنة. وهذا والله أعلم على الترغيب في الرباط , وكلما كثر الخوف في ثغر من المرابطات كان أعظم لثواب أهله. وكذلك قال مالك. وسئل عن من جعل شيئاً في السبيل أيجعله في حده؟ قال: لا , قيل: قد نزل بها العدو مرة , فضعف ذلك. ومن العتبية: من سماع ابن القاسم ومن غير ديوان , قيل لمالك , ما أحب إليك الرباط أم الغارات في أرض العدو؟ قال: أما الغارات فلا أدري , كأنه كرهها , فأما السير في أرض العدو على الإصابة , يريد: السنة , فهو أحب إلي. قال ابن سحنون عن أبيه: قد مضى عبد الله بن نافع إلى المصيصة فأقام بها أربعين يوماً مرابطاً وترك دخول أرض العدو. قال في الكتابين: قيل لمالك: أيما أعجب إليك الرباط أم المصيصة؟ قال: المصيصة إلا أن يكون ما عندكم أخوف , فليؤثر الرجل ناحيته. فإن كان فيها غناء فالمصيصة , يعني: الغزو ودخول بلد الروم والرباط فيها , فذلك أحب إلي. قيل: فعندنا مدائن على البحر ضيعت من العدو , وفيها حشر من نساء وصبيان , فرباطهم أحب إليك أم دخول بلد الروم؟ قال: ما في هذا حد إلا على ما يرى وينزل. [3/ 15]
وقال الله سبحانه: " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " , يقول: من حولكم , فينبغي لكل قوم أن يرابطوا ناحيتهم ويمسكوا سواحلهم , إلا أن يكون مكاناً مخوفاً يخاف فيه على العامة. قال ابن وهب: قال ابن زيد: فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من قتال من يليه , نزلت: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " , إلى آخرها. وقال مالك: وليس من سكن بأهله في مثل الفسطاط والإسكندرية وطرابلس من أهل سواحل البحر مرابطين , وإنما المرابط من خرج من منزله فرابط في نحور العدو وعلى سواحل حيث الخوف. ومن كتاب ابن حبيب: سئل مالك عن سكان الثغور على السواحل , يريد: بالأهل والولد , قال: ليسوا بمرابطين , وإنما الرباط لمن خرج من منزله معتقداً للرباط في موضع الخوف. ومن العتبية: من سماع ابن القاسم , قيل لمالك: الحج والقفل أحب إليك أم الحج والمقام للجوار؟ قال: ما كان الناس إلا على الحج والقفل. قيل: فالجهاد مثله , فإنه قد قيل ذلك؟ قال: لا , قد أقام غير واحد من الصحابة بالشام حين فتحت وهي بحال الحرب , منهم: معاذ وأبو هريرة وبلال وأبو أيوب. قال أشهب , قيل لمالك: أعلينا بأس في إقامتنا عندكم وتركنا أهليا بالإسكندرية , وما أدركنا قط عدواً نزل بها وإنهم ليخافون؟ قال: قد قلتم: إن الموضع مخوف ضائع وأهلها قليل ومحارسها خالية , فلخوفكم بأهليكم أحب إلي وتكونون من وراء المسلمين. قيل: فنأثم في مقامنا ها هنا؟ قال: لا أدري ما الاثم وأنعم أعلم بموضع خوفكم , وكونكم معهم أحب إلي. قيل: فالمقام بأرض العدو أم الذهاب [3/ 16]
والرجوع؟ قال: كل حسن واسع. وفي باب الغزو مع ولاة الجور ذكر الرباط هل هو أفضل أم الغزو معهم؟ ومن العتبية: روى أشهب عن مالك , قال: لا بأس برفع الصوت: روى أشهب عن مالك , قال: لا بأس برفع الصوت ... بالتكبير بحضرة العدو وذلك حسن. وأما على السواحل في الرباط فلا بأس به إلا أن يؤذى بذلك الناس ممن يقرأ ومن يصلي , يؤذيهم برفع الصوت فلا أرى ذلك. قال ابن حبيب: ويكره التطريب في التكبير وفي الحرس ولا بأس بما سهل من ذلك , وإن كان بتحزين فلا تطريب. ويكره أن يلي واحد التكبير والتهليل ويجيب الباقون , ويكبر كل واحد بنفسه على نيته ورغبته وإن رفع به صوته. ولا بأس أن يكبر الواحد وينصت الباقون , ويستحب التكبير في العساكر والثغور بإثر صلاة الصبح وصلاة العشاء تكبيراً عالياً ثلاث مرات , وهو قديم من شأن الناس. ومن غير كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن مالك في من له بنات وأخوات وضيعة وأراد الجهاد أو الحج: أيهما أفضل , أيجاهد أو يقيم في أهله؟ قال: بل أن يجاهد أحب إلي من المقام في أهله وولده وضيعته , ويستخلف الله عليهم. وأما الحج , فإن كان صرورة فليحج , ولم يبلغني أن شأحداً ممن بالمدينة يقتدى به من صاحب وغيره خرج منها إلى الرباط إلا واحداً أو اثنين , وهي أحب المساكن إلي إلا أن يخرج أحد إلى الرباط ثم يرجع إليها. [3/ 17]
ذكر فرض الجهاد وتطوعه وذكر النفير والهجرة
ذكر فرض الجهاد وتطوعه , وذكر النفير والهجرة من كتاب ابن سحنون , قال سحنون , كان الجهاد في أول الإسلام فرضاً على جميع المسلمين , ثم هو الآن يحمله بعضهم عن بعض , يريد: إلا في الضرورات , قال: والآن هو مرغب فيه. قال: إلا أن يرى الإمام أن يبعث بعثاً نظراً للإسلام , فعلى الناس طاعته فيمن رأى أن يبعث منهم ووعليه أن يجهزهم من بيت المال. قال ابن المسيب: هو فرض على العامة إلا أن يتركوه , وليس كالصلاة على كل أحد. قالت عائشة: من حس نفسه جبناً , فلا يغز. وقال سحنون: وقد قرنه الله تعالى بالإيمان به فقال جل وعز: " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله " , ثم خفف ذلك فقال جل وعز: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً " , فدل أن ذلك على كل أحد في خاصته , وهو على الجميع فرض. قال غيره: ولقوله تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ". قال سحنون: هو فرض على الجميع يحمله بعضهم عن بعض , إلا أن ينزل أمر يحتاج إليهم أجمعين فيكون عليهم فرضاً. ولا ينبغي مع ذلك أن يعطل الإمام الجهاد والدعاء إلى الإسلام. قال سحنون: وأما قول الله تعالى: " انفروا خفافاً وثقالاً " , وقوله " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ". قال ابن زيد: آيتان مسنوختان بقوله: " فلولا نفر من كل [3/ 18]
فرقة منهم طائفة " وقوله: " انفروا خفافاً وثقالاً " كان في أول الإسلام , فلما كثر المسلمون قال: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة ". قال: والثقيل: من له ضيعة , والخفيف: من لا ضيعة له. قال سحنون: والنفير فرض يحمله بعض الناس عن بعض. وقال عن الوليد عن بشير بن عبد الله قال: كان الوالي في أيام عمر وعثمان إذا قام في الناس بنفير البعث , فالمتعجل الرائح من عشيته , والغادي من غداة غدة , والرائح من عشية غد مقصر , والغادي من غداة بعد الغد معتذر. قال: وإذا وقع النفير , ورجل معتكف , فإن حل بموضعه ما لا قوة لمن حضر على دفعة خرج ثم بنى. قال أبو محمد: وقد قيل يبتدىء , وإن كان فيهم قوة على دفعهم فلا يخرج. ولا ينفر العبد والمكائب ومن فيه بقية رق بغير إذن السيد , إلا من في ثغر فغشيهم ما لا قوة لمن حضر به فلينفر بغير إذن السيد , وقاله الأوزاعي. قال سحنون: ومن عليه دين قد حل وعنده له قضاء فلا ينفر ولا يرابط ولا يعتمر ولا يسافر حتى يقضيه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. وإن كان دين لم يحل أو لا وفاء له به فله أن ينفر. ولا أحب لمن له والدان أن ينفر إلا بإذنهما إلا أن ينزل بمكانه من العدو ما لا طاقة لمن حضر بدفعه فلينفر بغير إذنهما. ولو نزل ذلك بساحل بغير موضعه ولا غوث عندهم أو كان الغوث بعيداً منهم فلينفر إليهم بغير إذن الأبوين. قيل لسحنون: فلو نزل العدو بسوسة أينفر إليهم أهل سفاقس والمنستير وهو يخافون أن يخالفهم العدو إلى مواضعهم؟ قال: إن خافوا ذلك حذراً بغير [3/ 19]
معاينة مراكب ولا خبر فلهم النفير. وإن اشتد خوفهم مثل أن ينزل لهم مراكب وشبه ذلك فليقيموا بموضعهم. وقال نحوه الأوزاعي وسفيان إذا نزل عدو ببعض الثغور: إن لمن أحب من المتطوعة بالمصيصة أن ينفروا إليهم. وروى ابن وهب عن ابن شهاب في قول الله تعالى: " كتب عليكم القتال " , قال: الجهاد على كل أحد غزا أو قعد , فالقاعد إن استعين به أعان , وإن استنفر نفر , وإن استغيث به أغاث , وإلا قعد. قال غيره: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح , ولكن جهاد ونية , وإذا استنفرتم فانفروا. وقد رفع الله ذلك عن ذي العذر من أعمى ومريض وأعرج وشبهه. ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع الهجرة ما قوتل الكفار , وإنما الهجرة اليوم من دار الكفار إلى دار الإسلام , مثل أن يسلم بدار الكفر , عليه أن يهاجر. قلت: قال الحسن: هجرة الأعراب إذا ضمهم ديوانهم , قال: لا هجرة اليوم في الأعراب لأنهم دخلوا في أحكام المسلمين. وقد أسهم لهم عمر حين دون الديوان. وهم أهل البدو , وقد حكم في دياتهم بالإبل. قال ابن حبيب: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هاجر لعرض من الدنيا , فلا أجر له , وقوله: من هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها , فهجرته إلى ما هاجر [3/ 20]
في الغزو والسفر بغير إذن الأبوين أو غيرهما، أو العبد بغير إذن سيده، ومن نذر الغزو ثم تخلف لعذر أو لغير عذر، وهل يغزو المديان أو من له قرابة؟
إليه. وفي حديث آخر: قتل فلان في سبيل الجهاد. وقال عمر: ليس كل من قتل في سبيل الله بشهيد , ولكن الله يعذب عدوه بالبر والفاجر. قال سحنون: وإذا دخل المشركون أرض الإسلام فسبوا النساء والذرية وأخذوا الأموال فواجب على المسلمين إن كانت بهم قوة عليهم استنقاذ ذلك. فإن فصلوا إلى بلدهم فواجب عليهم اتباعهم ما دام لهم طمع باستنقاذ ذلك وفيهم له قوة. فإن صاروا إلى حصونهم ومدائنهم , وبمن اتبعهم قوة على ذلك ورجاء فيه فواجب عليهم استنقاذ ذلك حتى ييأسوا ولا يرجوا ذلك فلهم أن يذبوا عن أهل ذمتهم في أنفسهم وأموالهم مثل ذبهم عن أنفسهم في ذلك كله. ومن بلغه من نال العدو من المسلمين من هذا فعليه النفير لعونهم حتى يستنقذوا ذلك منهم أو يعجزوا عنه أو يقتلوا دونه. ومن كان بعيداً عنهم وإن نفر لم يدركهم حتى يفوتوا فله المقام. وإن غلب أنه يدركهم فعليه النفير لذلك. وهذا إذا لم يكن فيمن هو بإزائهم الذين خرجوا إليهم قوة عليهم والغالب عليهم الخوف. وهم مستطيعون لا يخاف عليهم فهو أخف في إيجاب نصرهم. في الغزو والسفر بغير إذن الأبوين أو غيرهما أو العبد بغير إذن سيده ومن نذر الغزو ثم تخلف لعذر أو لغير عذر وهل يغزو المديان أو من له قرابة من كتاب ابن سحنون وغيره: روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغزو بغير إذن الأبوين , ونهى عن ذلك كثير من الصحابة والتابعين. قال يحيى بن سعيد: وليطعهما وليقم ما لم ينزل بالناس ما لا قوام لهم به. قال [3/ 21]
الحسن: وإن أذنت لك أمك وأنت تعلم أن من هواها قعودك فاقعد. ونذر رجل الغزو فتجهز فنهته أمه فأمره أبو هريرة أن يقعد ويدفع جهازه لغيره. قال مالك: لا يكابر في ذلك أبويه وليصبر إلى عام آخر. ومن المختصر وكتاب ابن المواز , قال مالك: لا يغز أحد إلا بإذن أبويه , فإن أوجبه على نفسه وتجهز فليستأذنهما. قال محمد: إن خرج بغير إذن فليرجع حتى يأذنا له. قال مالك: وإن لم يأذنا له فلا يكابرهما وليدفع جهازه ولا يأكله , فإن خاف فساده باعه وحبس ثمنه إلا أن يكون ملياً فليصنع به ما شاء حتى يمكنه الغزو. فإن مات قبل ذلك فهو ميراث كصدقة نذرها فلم ينفذها. ولو جعله على يدي غيره فمات على ذلك فهو ميراث إلا أن يشهد على ذلك أشهاداً أن ينفذ بعد موته فيكون من رأس ماله , مات قبل ذلك أو بعده ز قال مالك فيمن تجهز يريد الغزو متطوعاً ثم بدا له: وأحب إلي أن يدفع جهازه لغيره. وذكر ابن المواز مثل ما تقدم أن أبا هريرة أمر بذلك في الناذر تكره ذلك أمه. وذكر ما تقدم من قول يحيى بن سعيد. قال: ورد عمر خداشاً من الشام وقال له: الزم أباك حتى يموت. وروى ابن وهب أن عبداً قاتل يوم أحد , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أذن لك سيدك؟ قال: لا , قال: لو قتلت دخلت النار. قال ابن حبيب: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أهل الأعراف ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم. وسمعت أهل العلم يقولون في العبد يغزو مع سيده: إنه لا يقاتل إلا بإذنه إلا أن يدخل العدو العسكر فله أن يدفعه , وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشهادة تكفر كل شيء إلا الدين وروي أن الله سبحانه يقضي عنه دينه. [3/ 22]
وأرخص مالك للذي عليه الدين أن يغزو إن خلف وفاء دينه أو كان بإذن غرمائه. وقال له رجل: علي دين كبير وأردت الغزو ولا مال لي. فإن مت فأحب الموضع إلي , وإن وجدت مالا ديني , فأباح له أن يغزو. و (وقال له رجل من أهل الأندلس أراد أن يلحق بالمصيصة والثغور , وله ولد وأهل بالأندلس: أترى له في ذلك سعة؟ قال: نعم. قال: أيخشى عليهم الضيعة؟ قال: نعم , فكأنه لم يعجبه ذلك). ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز مالك لمن عليه دين ولا وفاء عنده أن يغزو. قال سحنون: ومن له أبوان أو أحدهما باق فلا يغزو إلا بإذنه , وإن كانا مشركين , وقال سفيان. قال سحنون: وأما الجد والجدة فبرهما واجب , ولا يلحقان في هذا بالأبوين , وأحب إلي أن يرفق بهما حتى يأذنا له. فإن أبيا , فله أن يخرج. والعم والعمة من ذلك , ولا شيء عليه فيهما. وقال سفيان في الجدة المسلمة: لا يغزو إلا بإذنهما. قال الأوزاعي وسحنون: إن لم يأذن له أبواه المشركان فليطعهما , إلا أن يعلم أن منعهما له لا لحاجتهما إليه , لكن ليوهن الإسلام ولا يعين على النصارى فليخرج وإن كرها. قال سحنون: ولا يسع الأبوان منع ولدهما من الغزو. ولو أثما بذلك لوسعه ترك إذنهما. ومنع الجدة ضعيف , فإذا أذن له أبواه لم ينظر إليها. وإن أراد أن يخرج إلى حج الفريضة فليرفق بهما حتى يأذنا له , فإن لم يفعلا فله أن يخرج. وأما السفر للتجارة , فلا إلا بإذنهما. [3/ 23]
ويكره التجارة إلى العدو وإن كان مأمونا لا يحفر فيه عهد , فكيف إن لم يأذن له أبواه؟ وقد كتبت في كتاب الحج قول مالك في شيخ زمن كره خروج ابنه إلى السفر , فقال مالك: إن كان رجلا وكان رشيدا فله أن يخرج وقيل لسحنون فيمن ليس له أبوان وله زوجة وإخوة وأخوات وأعمام وعمات وأخوال وخالات: هل يغزو بغير إذنهم؟ فقال: إن لم يخف ضيعتهم أو كان غيره القائم بهم أو هم عنه في غنى فليخرج وإن كرهوا. وإن خاف أن يضيعوا وهو القائم بشأنهم , فالمقام عليهم أفضل. فإن لم يكن بيده مال يقوم به عليهم ولا في مقامه منفعة لهم فلا بأس أن يخرج. وكذلك إن كان له مال وترك لهم كفاية. وإن كان إنما يعود عليهم بفضل يده فالمقام عليهم أفضل. قال: والزوجة ومن يلزمه الإنفاق عليه من ولده , فله أن يخرج إن ترك لهم النفقة. وإن كان إنما يعود بعمل يده , فلا يقضى عليه بالمقام ولكن يؤمر بذلك لأنه ليس على الفقير أن يؤاجر نفسه وينفق. وهذا كله في الجهاد. وأما في النفير وما يدهم من العدو فليخرج بغير إذن أبويه ولا يطعهما , وهذا فرض , وإنما يطيعهما في النافلة. ويخرج في النفير العبيد بغير إذن السادة وإن نهوا , والنساء إن قوين , ومن أطاق القتال من الصبيان وإن كره الأبوان. وعن مليء فرط في الحج حتى ذهب ماله إن له أن يغزو ولا ينتظر أن يكسب ما يحج به. وعن فقير أفاد مالا فيه ما يحج به هل يغزو قبل أن يحج؟ قال: إن كان يرجع قبل إبانه فعل , وإلا فلقم حتى يحج. وكذلك لو كان مليا ففرط في الحج حتى افتقر ثم أفاد مالا على ما ذكرنا. ولو طلب تأخيره العام ليغزو فلا يفعل وليبدأ بالحج , تقدم له تفريط وملا أو لم يتقدم. قال سحنون: لا يغزو المكائب إلا بإذن سيده. فإن أذن له فشهد القتال ثم مات وترك وفاء وله ولد في الكتابة فلا يسهم للمكائب في المغنم. [3/ 24]
في الجهاد مع من لا يرضي من الولاة
في الجهاد مع من لا يرضى من الولاة من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن جابر بن عبد الله قال: قاتل أهل الضلالة , وعلى الإمام ما حمل وعليك ما حملت. وقيل لابن عباس: أغزو مع إمام لا يريد إلا الدنيا؟ قال: قاتل أنت على حظك من الآخرة. قال نافع: ولم يكره ابن عمر الغزو معهم وكان يغزي بنيه. وفي حديث آخر: ويبعث بالمال ويعين الغزاة. قال: وإنما تخلف لوصايا عمر ولصبية وضيعة كبيرة لا يصلحها إلا التعاهد. وقال الحسن: اغز معهم ما لم ترهم عهدوا ثم غدروا. ولم ير السلف بالغزو مع ولاة الجور بأسا. وقاله أبو أيوب وعبد الرحمان بن يزيد والنخعي ومجاهد والحسن وابن سيرين وطاوس وسالم بن عبد الله وأبو حذيفة وعمارة بن عمير , وقال مالك وقال: في ترك ذلك ضرر وجزأة لأهل الكفر. قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالغزو معهم وإن لم يضعوا الخمس موضعه وإن لم يوفوا بعهد , وإن عملوا ما عملوا. ولو ترك ذلك لا ستبيح حريم المسلمين ولعلا أهل الشرك. وقاله الصحابة حين أدركوا من الظلم , فكلهم قال: أغز معهم على حظك من الآخرة , ولا تفعل ما يفعلون من فساد وخيانة أو غلول. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال لا ينقضه جور من جار ولا عدل من عدل. وقال ابن عمر: اغز مع ائمة الجور وليس عليك مما أحدثوا شيء. وغزا أبو أيوب النصاري مع يزيد ابن معاوية أن كان توقف , ثم ندم على توقفه. [3/ 25]
في الغزو بغير إذن الإمام، وهل يسري أحد أو قاتل أو يبارز بغير إذنه، ومن يصلح في الإمارة في الحرب وطاعته
فى الغزو بغير إذن الإمام وهل يسري أحد أو يقاتل أو يبارز بغير إذنه ومن يصلح في الإمارة في الحرب وطاعته من كتاب ابن سحنون: واختلف في قول الله سبحانه: (يا ايها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) , فقال أبو هريرة: أمراء السرايا , ورواه ابن وهب. وقال جابر بن عبد الله: هم أهل الفقه والدين. قال بعض العلماء: وطاعة هاتين الطبقتين واجبة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوما أصحابه عن القتال وهم مستقبلو العدو , فقاتل رجل فقتل , فأمر النبي عليه السلام من ينادي: لا تحل الجنة لعاص. وقال عليه السلام: وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا. وفي حديث آخر: إلا أن يأمروا بمعصية , فلا سمع فيها ولا طاعة. قال سحنون: وليؤمر الإمام على السرية أميرا يتقدمون بأمره ويتأخرون , ويكون من ذوي المراس في الحرب والحنكة , ويستظهر بأهل الرأى ممن معه. ومن كتاب ابن المواز , قلت: أيغزى بغير إذن الإمام؟ قال أما الجيوش والجمع فلا خروج لهم إلا بإذن الإمام وتوليته عليهم واليا. وقد أرخص لأهل الثغور ممن بقرب العدو يجدون الفرصة ويبعد عليهم إذن الإمام , فسهل مالك في ذلك. فأما في سرية تخرج من عسكر فلا يجوز لهم ذلك. قال عبد الملك: وهم عاصون خرجوا ببدعة ورغبوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده , ولا أرى أن ينفلوا ولا ينفل إلا من أطاعه ويستألفه على حسن فعله , وليؤدبهم بما يرى. قال محمد: وإنما أبيح ذلك لمن بعد عن الإمام مثل اليوم ويجد الفرصة. [3/ 26]
قال أصبغ عن ابن القاسم في ناس في ثغر يخرجون سراياهم لغزة يطمعون بها وإمامهم على أيام: فإن كانت الغرة بينة من العدو ولم يخافوا أن يلقوا بأنفسهم فيحاط بهم فلا بأس به. فإن خافوا أن يطلبوا فيدركوا ولا قوة بهم في من يطلبهم , فلا أرى ذلك لهم. قال عنه أبو زيد في قوم سكنوا بقرب العدو فيخرجون إليهم بغير إذن الإمام فيغيرون: فإن كانوا يطمعون بالفرصة وخشوا إن طلبوا ذلك من إمامهم منعهم أو يبعد إذنه لهم حتى يفوتهم ما رجوا , فذلك واسع وإن كنت أحب أن لو كان بإذن الإمام. وكذلك في العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم. قال سحنون عن ابن نافع عن مالك , وهو في العتبية من سماع أشهب في العدو ينزل بساحل المسلمين: أيقاتلون بغير إذن الإمام؟ قال: إن قرب منهم استأذنوه , وإن بعد فليقاتلوهم ولا يتركوهم حتى ينفر إليهم. قال ابن حبيب: وسمعت أهل العلم يقولون: وإذا نهى الإمام عن القتال لأمر فيه مصلحة فلا يحل لأحد ان يقاتل إلا أن يغشاهم العدو ويدهمهم منهم قوة فلا بأس بقتالهم إذنه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم , وعن السرية تخرج مغيرة في أرض العدو وهم إذا ماتت دابة أحدهم لم يقفوا عليه ولم يرجعوا وتركوه وحده في أرض الروم فإن ظفر به الروم أسروه , قال: لا يعجبني أن يخرج معهم وهم هكذا. وروى عنه أشهب في الجيش بأرض العدو فاحتاج بعضهم إلى العلف , فخرج جماعة إلى قرية للعلف , فربما بعضهم أو أسر , قال: [3/ 27]
لا ينبغي أن يخرجوا إلا في كثرة ومنعة , وما جاؤوا به فلا ينبغي أن يبيعوه. قيل: فإنا نتعلف ولا نستأذن الإمام؟ قال: لو كان بإذنه كان أحب إلى إن استطعتم , ولكن الناس أكثر من ذلك. ولكن إن خرجتم ففي كثرة وعدة. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب , قيل: أيبارز أحد العدو بغير إذن الإمام؟ قال: إن كان عدلا فلا يفعله إلا بإذنه كالقتال. ومن كتاب ابن سحنون: ذكر حديث معاذ: الغزو غزوان , وذكر غيه: ويجتنب فيه الفساد ويطاع فيه ذو الأمر ألا فكل شيء منه أجر تام. قال سحنون: ويجب أن يطيعوا أميرهم فيما يأمرهم به وينهاهم عنه , ولا ينازعوه لقول الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا). فإذا أمرهم بأمر لا يدرون عاقبته فليطيعوا. وقد أمر عمرو بن العاص الجيش الذين معه ألا يقدوا ناراً في ليلة باردة. فلما قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك , فقال عمرو: كان في أصحابي قلة , فكرهت أن يراهم العدو , فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا أمرهم بأمر يخاف فيه الهلكة واجتمعوا على أنه خطا , فهذا الذي لهم أن يسألوه عنه ويناظروه فيه. فإما أن يظهر لهم صوابه فيرجعون أو يتبين له الزلل فيرجع , ولا يلزمهم طاعته في هذا. وقد رجع الصحابة إلى الصديق في قتال أهل الردة وانفاذ جيش أسامة. فإذا اختلفوا فرأى بعضهم رأي الأمير فليرجع إليه من خالفه , وليتهم رأيه حتى يأتي الأمر البين. والإمارة في الحرب غير الإمارة في غيره , وإنما يقدم فيها العالم بها ذو الحنكة والتجربة مع الفضل , وقد يقدم فيها الدون في الفضل على الفاضل لما عنده من فضل العلم بالحرب. [3/ 28]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأقدم الرجل وغيره أحب إلي منه , ولكن لعله أيقظ عينا وأسهر سهراً ومكيدة. قال سحنون: وإذا كان في الرجل الفضل والعلم بالحرب , فليقدم ولا ينظر في نسبه عربي أو مولى. وإذا نادى منادي الأمير: يكون فلان وجنده فيالميمنة وفلان وجنده في الميسرة وفلان في المقدمة وفلان في الساقة , فلا يتعدى أمره. ومن خالف ذلك من غير عذر فللإمام أن يؤدبه إذا رأى ذلك. وعلى الإمام حياطة الناس في خروجهم في المتعلقة يكونون ردءاً لهم , ولا يخرجوا إلا بإذن , ولا يركبوا الخطر , وأن يشتروا العلف خير من ذلك , والمشتري فيه أعذر من البائع. وإذا نادى منادي الإمام: من أراد العلف فليخرج تحت لواء فلان , فلا ينبغي أن يتعدوا ذلك ولا يفارقوا اللواء إلا مفارقة قريبة لا يغيب بعضهم عن بعض , وليحذروا عند دخول القرى فلا يدخلها إلا الجماعة. وإذا نهى عن قطع الشجر والحرق والهدم , فإن كان مذهب ذهب إليه فليس عليهم طاعته في ذلك إلا فيما يرجى ظهورنا عليه. وإن كان ذلك لئلا يشتغلوا عن مناصبة العدو فليطيعوه. وإذا نهى عن القتال فليقطع. وإذا بعث سرية وقال: لا يخرج إلا ثلثمائة , فلا ينبغي أن يتجاوز ذلك , فإن خرج أكثر من ذلك وغنموا فللإمام منع الذين تعدوا من سهامهم أدباً لهم , وله ألا يمنعهم. ولو نفل السرية الربع بعد الخمس , فهذا النفل عندنا لا يصلح. فإن عقده وخرجوا عليه فلينفذه كقضية قضى بها قاض بقول بعض العلماء. وفي باب السرايا ذكر خروج السرية بغير إذن الإمام , وكيف إن غنموا , وللمبارزة باب. [3/ 29]
في سيرة الإمام في الغزو، وما ينبغي في سفره من القول والعمل، والسيرة في أرض العدو، وأدب الإمام ووصيته في الغزو، ومسيره ورفقه بالناس، وذكر ما وقف من دوابهم
في سيرة الإمام في الغزو وما ينبغي في سفره من القول والعمل والسيرة في أرض العدو وأدب الإمام ووصيته في الغزو ومسيرة ورفقه بالناس وذكر ما وقف من دوابهم من كتاب ابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج في سفره يوم الخميس باكراً ويرجع يوم الإثنين باكراً , فيبدأ فيصلي في المسجد ركعتين , ثم يحدث أصحابه ساعة , ثم يدخل. وروي أنه كان يصلي ركعتين قبل أن يخرج. وكان عليه السلام يبعث السرايا أول النهار. قال ابن مسعود: ومن خرج إلى سفر فليأت إخوانه يسلم عليهم. فإذا قدم فليأتوه. وروي للنبي صلى الله عليه وسلم نحوه في المسير يرتجي بدعائهم خيراً. وكان عليه السلام إذا استوى على بعيره يريد سفراً , كبر ثلاثاً وقال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون " , اللهم يسر لنا في سفرنا هذا التقوى , ومن العمل ما ترضى , اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر واطو لنا بعيده , اللهم أنت الصاحب في السفر والخليف في الأهل. ثم ذكرنا في حديث الموطأ: وإذا رجع , قال: آئبون تائبون , إلى آخر الحديث المعروف. وذكر ما روي من القول والدعاء والتعويذ عند دخول قرية وعند النزول في ليل أو نهار. وذكر ما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية , فمن ما روي أنه كان يوصيهم به: اغزوا بسم الله وعلى عون الله , فامضوا بتأييد الله بالنصر ولزوم الحق والصبر , فقاتلوا في سبيل الله , ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين , ولا تجبنوا عن اللقاء ولا تمثلوا عند الغدرة ولا تسرفوا عن الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً ولا تغلوا عند الغنائم , ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا , وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به الله , وذلك هو الفوز العظيم. [3/ 30]
وهكذا في رواية ابن وهب من كتاب ابن سحنون. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الصحابة أربعة وخير الطلائع أربعون وخيرالسرايا أربع وخيرالجيوش أربعة آلاف , ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة إلا باختلاف كلمتهم. ونهى عليه السلام عن الوحدة في السفر وغيره. وقال في الإبل: احملوها على بلادكم من السير , فإنما يحمل الله , يريد: شدة السير. وكان ابن المنكدر شديد السير. وسار ابن عمر من المدينة إلى مكة في ثلاث وابن مسعود منها إلى العراق في سبع وابن الزبير من إفريقية في شهر , يريد ابن حبيب: وليس هذا في سير الجيوش , ولكن على ما هو أرفق بالناس وبقدر الحال الحاضر قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنجوا عليها بنقيها , وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. وقال: إذا سرتم في الخصب فأمكنوا الدواب من أسنانها ولا تجاوزوا المنازل , وإن سرتم في الجدب فعليكم بالدلج وإذا توغلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان , وإياكم والتعريس على جواز الطريق والصلاة عليها. وإذا ضل أحدكم أو أخطأ فليتيامن , وإذا أيى فليهرول. وارتووا من الماء وأقلوا المكث في المنازل. قال مالك: وكان من شأن الناس أن يقتادوا بعد الصبح إلى الإسفار وينزلوا من آخرالنهار فيقيموا حتى يناموا نومة إلى ثلث الليل وترعى دوابهم ثم يركبوا. قال: وكانوا يروحون عند الفياح وذلك عند زوال الشمس. [3/ 31]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وينبغي لإمام الجيش ألا يعجل على أصحابه , وأن يكون في وسطهم , ويبعث سراياه , وألا يقطع الناس. وقال أيضاً مالك فيه وفي الواضحة: وينبغي أن يكون الإمام في آخرهم حتى يتقدم الضعيف ويلحق المنقطع به. وكان عمر بن الخطاب يفعل ذلك وكذلك ينبغي , ويرفق بهم ولا يعجلهم. قال في كتاب ابن حبيب: وأوصى عمر بن عبد العزيز صاحب الصائفة أن يركب أضعف دوابه فيالجيش يضبط سيرها , وروي أن أقطف القوم دابة أميرهم. وينبغي للناس أن يرفق قويهم على ضعيفهم ويتفقد ذلك الإمام. وكان عمر يقول: أيها الناس اعملوا عملاً صالحاً قبل القتال , فإنكم إنما تقاتلون بأعمالكم. ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون: وينبغي للإمام أن يوكل بالساقة رجالاً في دخوله دار الحرب وفي خروجه يلحقون بمن تخلف ويقفون على الضعيف. ومن معه دابة لا فضل فيها أمروه بتركها واللحوق بالناس. فإن أبى فلينزعوها منه ويتركوها ويلحقوه بالناس ولا ضمان عليهم فيها , ولا فرق بين أن يزال عن دابته أو تزال دابته عنه , كما قال من خالفنا: وإذا خافوا على ربها ولا فضل فيها فلهم أن يذبحوها ولا يضمنوها. ومن معه رمك أو بقر أو غنم اشتراها من المغنم فلم يقدر أن يلحق بالناس , فعلى أصحاب الساقة قتل ذلك كله إن خافوا على الرجل. وإن تركوها وألحقوا ربها بالناس ثم مرت بها سرية لحقوا العسكر بعد ذلك بساعة أو يوم أو يومين , فقام ربها , فإن كان بقي خلف ربها بقية من المسلمين فليس لأهل الساقة أن يحولوا بينهم وبينها , فإن فعلوا فهم [3/ 32]
في الغزو بالمصاحف والنساء والاستعانة بالكفار
ضامنون لما قتلوا أو هلك منها. وإن فعلوا ذلك ولم يعلموا من خلفهم أو خلفهم سرية لم يعلموا بها لم يضمنوا ما قتلوا أو هلك منها. وإن جاء بها هؤلاء فاربابها أحق بها ويؤدون إليهم ما أنفقوا عليها وإلا أسلموها إليهم. ولو أنفقوا عليها وهم يظنون أنها للعدو غنيمة , فلا رجوع لهم بالنفقة على أربابها , كما لو غنموا عبيداً من أيدي العدو للمسلمين فلأربابها أخذها بغير نفقة. ولو قسمت أخذوها بالثمن , فلا نفقة لأنهم أنفقوا على أموالهم. وقال أكثر أصحابنا: من وقفت عليه دابته فتركها فأنفق عليها رجل , فلربها أخذها منه ويغرم له النفقة إلا أن يسلمها بالنفقة , والقول قوله فيما أنفق مما يشبه. فإن اختلفا في المدة فقال المنفق من وقت كذا وقال ربها من وقت كذا أو قال لا أدري وفالمنفق مدعٍ , فإن جاء بالبينة وإلا فلا شيء له إلا ما أقر به ربها. وقال ابن كنانة: إنما يغرم النفقة إن كانت يسيرة , فإذا عظمت فلا يلزمه , لأنه لم يكن له أن يحبسها حتى يذهب في نفقتها. وقال بعض أصحابنا في المنفق على الضالة إن كان ممن يطلب الضوال فله جعل مثله , ولا نفقة له إلا أن يكون جعله أكثر من قيمتها فلربها إسلامها بذلك الجعل أو غرمه. وإن كان مثله لا يطلب الإباق فئة النفقة , ولا جعل له إلا أن يسلمها ربها بالنفقة فذلك له. وكذلك الوديعة ينفق عليها. في الغزو بالمصاحف والنساء والاستعانة بالكفار من كتاب ابن حبيب: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وقال مالك: أراه مخافة أن يناله العدو. قال ابن حبيب: لما يخشى من تعنتهم واستهزائهم به وتصغير ما عظم الله منه. [3/ 33]
ومن كتاب ان حبيب وكتاب ابن المواز , قال ابن المواز: قال ابن الماجشون: ولو أن الطاغية كتب إلى السلطان أن يبعث إلية مصحفاً يتدبره أو يدعو إلية فلا ينبغى أن يفعل , وليس هذا وجه الدعوة , وهم أنجاس وأهل ظنة وبعض للإسلام وأهله. قال ابن سحنون قلت لسحنون: أجاز بعض العراقيين الغزو بالمصاحف إلى أرض العدو في الجيش الكبير كالصائفة ونحوها. فأما السرية ونحوها فلا. قال سحنون: لا يجوز ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك عاماً , ولم يفصل , وقد يناله العدو من ناحية الغفلة عنه. قال ابن الماجشون: لا يتعرض بما يكون سبباً لاستخفافهم به. قال: وإذا طلبك ذمي أو حربي أن تعلمه القرآن فلا تفعل لأنه خبيث , وإنما المشركون نجس. ولا بأس أن يقرأ القرآن على الكفار ويحتج عليهم به كما قال الله عز وجل. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون عن ابن وهب , قال مالك: ليس على النساء جهاد. قال سحنون: ولا نفير. ومن الواضحة نحوه. قال ابن عباس: وعزا النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء يداوين الجرحى ويمرضن المرضى. قال في الواضحة: ويسقين الماء. قال ابن عباس وغيره: ولم يسهم للمرأة. قال ابن شهاب: لم يبلغنا أنه أسهم لامرأة ولا لعبد , ولا أن النساء قاتلن معه. قال سحنون: وقد قاتل نساء يوم اليرموك لما هجم الروم على العسكر. قال سحنون: وهم ثلاثون ألفا والروم مائة ألف وعشرون ألفا. قال: وكانت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. قال سحنون: وكانت أم سليم معه يوم حنين. ومن الكتابين: وأجاز مالك أن يخرجن في الصوائف والعساكر العظام , وأجاز أن يخرج الرجل بأهله إلى الرباط. [3/ 34]
في السرايا والألوة والرايات والعمائم، وفي خروج السرية بغير إذن الإمام
قال سحنون: إلى المواضع المأمونة الكثيرة كالإسكندرية وتونس , وشك في سفاقس وسوسة. وأما غير هذين من سواحلنا فلا يخرج بهن إليها. وأجاز ابن القاسم الغزو بهن في العساكر المأمونة الكثيرة الأهل. وأجاز ذلك الأوزاعي في الجواري ونهى عنه في الحرائر , ولا فرق بين ذلك. قال مالك: ولا يعجبني أن يغزو بأم ولده , وأجاز مالك السكنى بالأهل والولد في الثغور المأمونة مثل ثغور الشام ومصر. ورب ثغر فيه ألف رجل وليس بمأمون ورب سواحل موطأة مثلالاسكندرية وشبهها , فهذه مأمونة. قال ابن حبيب: ويكره للإمام أن يكون معه أحد من المشركين أو يستعين ببعضهم على بعض. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لن أستعين بمشرك. قال ابن حبيب: وهذا في الزحف والصف وشبهه , فأما في هدم حصن أو رمي مجانيق أو صنعه أو خدمه فلا باس. ولا باس أن يقوم بمن سالمه من الحربيين على من لم يسالمه منهم بالسلاح ونحوه , ويأمرهم بنكايتهم. ولا بأس أن يكون من سالمه منهم بحذاء عسكره وقربه ومسايرين له يقوون بظلمه على من حاربه منهم ما لم يكونوا في داخل عسكره. في السرايا والألوية والرايات والعمائم وفي خروج السرية بغير إذن الإمام من كتاب ابن سحنون: قال ابن شهاب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير الجيوش أربعة الأف وخير السرايا أربع مائة , والحديث بتمامه في باب سيرة الإمام. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك قيل له: إنه يقال خير السرايا أربعمائة , قال: قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة على سرية فيها ثلاثمائة , وربما بعث الرجل الواحد والرجلين سرية. [3/ 35]
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وليس في السرية توقيت لا يتعدى , وإنما ذلك على اجتهاد الوالي بقدر ما يرى من شدة الخوف وكثرة العدو وقلة ذلك , فيقابل ذلك بما يراه على حياطة المسلمين. ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم قال: لا بأس ببعث السرايا وانتشارها سراً وعلانيةً , وهي من أمر الجهاد قديماً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرد على المسلمين أقصاهم. ولا أرى أن يكون إلا كتبية وذوي شجاعة وإن قلوا. ورب رجلين خير من مائة ما لم يبعثوا القلة على الحصون وشبهها , ولا ينبغي أن تكون السرية غرراً ولا إلى موضع غرر وغرة , فإن وهنها وهن العسكر. ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون: وأصحابنا يرون في سرية تخرج في قلة وغرر بغير إذن الإمام فغنموا: فللإمام منعهم العنيمة أدباً لهم. قال سحنون: فأما جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم العنيمة وإن لم يسأتذنوه , يريد ك وقد أخطأوا. قال ابن القاسم عن مالك في القوم يأتون المصيصة فيجدون الوالي قد أخرج سرية فيدعون دخول القرية لئلا يمنعهم الخروج معهم فيلحقون بهم , فلا بأس بذلك إن شاء الله إن لم يخالفوا على أنفسهم ضيعة. قال سحنون: فلذلك قلت في أولئك لا يمنعوا الغنيمة. قال ابن الماجشون في سرية خرجت بغير إذن الإمام: فإن أمنت حصناً على مال أو على غير مال خوفاً على أنفسهم , فإن كان غلب عليهم الشرك فلم يخلوهم حتى أعطوهم الأمان فذلك باطل. وإن كان على ذلك طلباً للمال فلا يفجأهم الإمام بشيء حتى ينذرهم أنه لم يجز أمان أولئك. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أعز هذا الدين بالعمائم والألوية. قال يزيد بن أبي حبيب أول من عقد اللواء الأبيض معاوية , وكانت الرايات سوداء. [3/ 36]
قال يحيى بن سعيد: أول من عقد الأولوية إبراهيم عليه السلام. قال زهير: وكان لواؤه أبيض. واعتم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب بعمامة سوداء قد أسدلها بين كتفيه على قطيفة حمراء. وروى ابن حبيب أنه عمم علياً وأسدلها بين كتفيه. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: والعمائم من لباس العرب. قال ربيعة: وهي تزيد في العقل , وكان من أدركت يلبسونها , وكان الإمام يخطب بها في الشتاء والصيف. قال مالك: ولم أتركها إلا منذ ولي بنو هاشم , فتركتها خوفا من خلافهم لأنهم لا يلبسونها. وكان من أدركت لا يرخي بين كتفيه منها شيئاً ولكن بين يديه يسدل منها , ولا أكره إسدالها من خلف لأنه غير جائز إلا أن هذا أجمل. قال غيره: وقد أسدل ابن عمر بين كتفيه بعمامة سوداء. وكانت عمامة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سوداء. قال ابن شهاب: أول راية عقدت على الحق يوم خيبر. وعقد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لواء في غزوة ذات السلاسل. قال الحسن: كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء تسمى العقاب. قال غيره: وكانت راية خالد يوم دمشق سوادء. قال ابن القاسم في العتبية: ولا بأس أن يتخذ راية من حرير. ومن كتاب ابن حبيب: روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أكرم هذه الأمة بالألوية والعمائم , وكان علية السلام يعقد الألوية يوم الخميس. وإن جبريل أتاه في بعض المغازي وعليه عمامة سوداء قد أسدلها بين كتفيه , وقيل: حمراء. وفي الباب الذي يلي هذا شيء من ذكر العمائم. [3/ 37]
في اتخاذ السلاح والعدة، ورباط الخيل والنفقة عليها، وذكر الفروسية والرماية والعوم وزي العرب
في اتخاذ السلاح والعدة ورباط الخيل والنفقة عليها وذكر الفروسية والرماية والعوم وزي العرب من كتاب ابن حبيب: قال ابن عباس في قول الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل): فالقوة: السلاح كله والعدة في سبيل الله , ومن القوة تعلم الرمي. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن من القوة الرمي , قالها مرتين. قال أبو معاوية الضرير: ومن القوة اتخاذ الحجور. قال عكرمة: القوة الحصون ورباط الخيل الإناث. قال عمر: ومن السلاح توفير الأظفار في الغزو. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من تقلد سيفاً في سبيل الله , البسه الله وشاح الكرامة , وكان يأمر بالقوس العربية ويكره الفارسية , وأمر بالعمة وعمم عليا بعمامة سواء أسدل منها بين كتفيه , وقد بعثه في سرية وقال: من أعد عدة في سبيل الله كانت له في زمانه كل غداة. ومن العتبية: قال ابن القاسم: قال مالك: لا بأس أن يحمل الرجل رمحه وسلاحه في الغزو ومعه من يحمله له من غلام وغيره. وقيل: أفيحمله غلامه؟ قال: لا بأس به , ولعل ذلك يكون خيراً له إن احتاج إلى القتال ألا يتعب نفسه , فذلك حسن أن يحمله غلامه. ومن كتاب ابن حبيب , قال: وكان في درع النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان عند الثندوة ومثلها في ظهره. قال محمد بن علي: لبستها فحطت في الأرض , وكان له مغفر وترس. [3/ 38]
ومن كتاب اخر: وكان لعلي رضى الله عنه درع وهو الذي أصدق فاطمة. وكان درع عمر تامة وكان لها ساقان كساقي السراويل , وما بينهما مرفوع مفتوح يلبس منه , ثم يربط بشراكين فيصير كمقعدة السراويل , وكان له مغفر من نحوها. وكانت قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم فضة وفي وسطه حلقة من فضة وفي جفنه حلقتان من فضة , واتخذ عمر مثله , وزاد فيه ابن عمر بعده بكرات فضة , وكان عريضا فيه قصر طوله أربعة أشبار من نعله إلى قبعته. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يكون الرجل سابحاً راميا فارساً وكتب عمر إلى أهل حمص: علموا أولادكم السباحة والرماية والفروسية والاختفاء بين الأغراض. وقال: أختفوا وتجردوا واخشوشنوا وتمعددوا واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا وارموا الأغراض , وإياكم ولباس العجم , البسوا الأزر والأردية والقوا السراويلات واستقبلوا حر الشمس بوجوهكم فإنها سامات العرب واطرحوا الخفاف والبسوا النعال. قال أسلم مولى عمر: ورأيت عمر يمسك بأذن فرسه ثم ينزو عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأدييه فرسه ورميه عن كبد قوسه وملاعبته امراته فإنهن حق. وقال: من ترك الرمي بعد أن تعلمه فقد عصاني. وروي أنه عليه السلام قال: لهوان تحضرهما الملائكة الرمي واستباق الخيل. وقال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وقال: ارتبطوها , فإن بطونها لكم وظهورها لكم عز , وأصحابها معانون عليها , قلدوها ولا تقلدوا الأوتار. قال ابن حبيب: يعني: الدماء والفساد , ونهى عن جز نواصيها وأعرافها وأذنابها. وقال: مثل الذي يربط فرساً كمثل [3/ 39]
في الدعوة قبل القتال
الصائم نهاره القائم ليله الباسط بالصدقة كفه فلا يقبضها. والفضل في رباط الخيل والتراغيب فيها في النفقة عليها كثير جدا. وكثير مما ذكر ابن حبيب من هذا مثله في كتاب ابن سحنون. وكره عليه السلام خصاء الخيل , وشدد الكراهية فيه ونهى عن ذلك. وقال في الخيل: خضرها صلبها. وكمتها ديباجها , وشقرها جيادها , وبارك في الشقر ثلاثاً , وروي عنه أنه قال: خير الخيل الحر. وكان يكره منها الشكال , وهو الذي برجله اليمنى بياض وبيده اليسري بياض أو في يده اليمنى ورجله اليسري , ونهى عليه السلام عن إنزاء الحمير على الخيل , ونهى عنه عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز. في الدعوة قبل القتال من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يعز عليهم حتى يصبح , وأمر علياً , بالدعوة ثلاثاً , وفعله علي رضى الله عنه. وقال نافع: إنما كان هذا قبل ظهور الإسلام. قال ابن المواز: يقول: قبل أن يفشو وينتشر. قالوا: وقد أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني مصطلق , وهم غارون , وبعث في قتل ابن أبي الحقيق وابن الأشرف وصاحب بني لحيان غيلة , واحتج بذلك يحى بن سعيد وقال: لا بأس أن تبتغي غرتهم إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون , فليدعوا , وقاله عمر بن عبد العزيز. وقال ربيعة: من لم تبلغهم الدعوة , فليدعوا ويقرا عليهم القرآن ويعرض عليهم الإسلام [3/ 40]
ويضرب لهم الأمثال والعبر. وإن آبوا جاز آلتماس غرتهم , ثم تصير الدعوة تحذيرا لهم. وقال النخعي في العدو: قد علموا ما يدعون إليه , وقاله الحسن. وقال أبو عثمان النهدي: كنا ندعو أو ندع. وقال ابن عباس: إذا لقيتم العدو فآدعوهم. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: الدعوة لأهل الكفر حسنة , وقاله عبد الملك. قال ابن المواز: وإنما الدعوة في من بعد عنهم خبر الإسلام. وقد قال مالك في أهل الكنيسة ومن دنا منهم من المصيصة والثغور: إن الدعوة فيهم ساقطة. قال عبد الملك: دعوة هؤلاء تحذير لهم وتحريض لأن يستعدوا. وأما من لم يكن مثلهم فالدعوة أحوط. ولعل الإجابة ستكون , فليدعوا بلغت الدعوة ما بلغت. قيل لسحنون: أتجب الدعوة اليوم في من بعدت داره أو قربت؟ قال: قد قال من ذكرنا: إن الدعوة اليوم قد بلغت جميع الأمم. قيل لأصبغ في العتبية وغيرها: أرأيت من دعي إلى الإسلام أو الجزية , فأبوا فقوتلوا على هذا مراراً , أيدعون كلما غزوناهم؟ قال: أما الجيوش الغالبة والصوائف , فلا يقاتلوا إلا بدعوة لأنهم ظاهرون. وأما السرايا فلا دعوة عليهم , ودعوتهم إنذار العدو. وهم مع الإختلاف في الدعوة , وقد قال جل الناس: إن الدعوة بلغت جميع العالم. وقال عمر بن عبد العزيز: لا يقاتلوا حتى يدعوا لأنهم يخيل إليهم وإلى كثير منا أنا نقاتلهم على الغلبة , فينبغي أن يبين , فإنما نقاتل على الدين. ومن كتاب ابن سحنون , قال: ولم يفرق سحنون بين الجيوش والسرايا وقال: إن وجبت فعلى الجميع , وإن لم تجب سقطت في الوجهين. قال ابن سحنون: اختلف في الدعوة على ثلاثة أوجه , فقيل: لا تلزم في كل أحد لبلوغ الدعوة , وقاله الحسن وغيره. وقيل: الدعوة واجبة في كل أحد بعدت داره أو قربت ,وقاله عمر بن عبد العزيز وغيره. وقاله مالك وأكثر العلماء. قال ابن [3/ 41]
الماجشون عن مالك: لا دعوة فيمن قرب منا مثل المصيصة والكنيسة وطرسوس. قال ابن حبيب: قال المدنيون من أصحاب مالك: إنما الدعوة اليوم في من لم يبلغه الإسلام ولا يعلم ما يقاتل عليه. وأما من بلغه الإسلام وعلم ما يدعى إليه وحارب وحورب كالروم والإفرنج ومن دنا من أرض الإسلام وعرفه , فالدعوة فيهم ساقطة. قال ابن حبيب: فليغر عليهم ويلتمس منهم الفرصة. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى خالد بن يليم فأغتاله. وكذلك فعل بابن الأشرف وابن أبي الحقيق. ومن العتبية , وهو في كتاب ابن المواز وغيره: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا أغار أهل المصيصة في أرض الروم فأتوا حصناً لهم , فأحب إلي ألا يغيروا حتى يدعوهم , قيل: قد بلغتهم الدعوة. قال: وإن. قال ابن سحنون: وقال أيضاً مالك: الدعوة أصوب إلا أن يعاجلوكم. قال ابن القاسم: غزوناهم أو جاءونا. وقد قال أيضاً مالك: لا يدعى من قرب من الدروب , وأما من بعد وخيف ألا يكونوا كهؤلاء فليدعوا. قال سحنون: ولو أن أهل الحرب ممن يظن أن الدعوة قد بلغتهم قوتلوا بغير دعوة فغنموا وقتلوا , فذلك ماض وليس عليهم رده , وقد أساءوا. [3/ 42]
ذكر ما يدعو إليه وذكر من تقبل منه الجزية، وكيف إن بذلوا مالا على هدنة أو صلح، وهل تقبل الجزية من العرب؟
ذكر ما يدعون إليه , وذكر من تقبل منه الجزية وكيف إن بذلوا مالأً على هدنة أو صلح وهل تقبل الجزية من العرب؟ من كتاب ابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعوا إلى الإسلام والصلوات الخمس وصوم الشهر وحج البيت والزكاة: فإن أجابوك وإلا فقاتلهم. وأمر الصديق خالدا أن يقاتل من أبى واحدة من هذه الخمس منها الشهادة. وقي حديث روي للنبي صلى الله عليه وسلم , ذكره ابن سحنون وابن حبيب , ومعنى ما فيه: وإن أجابوك إلى الإسلام فادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ولهم ما لهم وعليهم ما عليهم. فإن أبوا الإسلام وبذلوا الجزية , فكف عنهم وإلا فقاتلهم. قال سحنون: أما الدعوة إلى الإسلام فهي قائمة. قال ابن القاسم: يدعون إلى الله وإلى رسوله , فيسلمون أو يؤدون الجزية. قال سحنون: كانوث أهل كتاب أو غيرهم من مجوس أو عبده أو ثان. وأما ما ذكر في الحديث من التحول من دارهم إلى دار الهجرة فقد ذهب هذا بعد الفتح , ولكن إن كانوا الذين أسلموا فى القرب من سلطان الإسلام وحيث يأمنون أم يفتنهم الكفار عن دينهم فلا انتقال عليهم. وإن بعدوا من سلطاننا بحيث لا يؤمن عليهم منهم وأن تجري عليهم أحكامهم فعليهم الانتقال , ولا تقبل الجزية من هؤلاء إن بذلوها ولم يسلموا حتى ينتقلوا إلى دار الإسلام. وكذلك أمر الصديق رضى الله عنه يزيد ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة. قال ابن سحنون: وإنما [3/ 43]
كانت الدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وحده حتى أمره الله جل وعز بأخذ الجزية في غزوة تبوك من أهل الكتاب , قاله مجاهد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب , وأخذها من مجوس هجر ومجوس البحرين. وأخذها عمر من مجوس السواد , وقيل من مجوس فارس. وأخذها عثمان من البربر. ومن كتاب آخر: وقال ابن شهاب: ومن لم يتعلق من العرب بدين فلا يقبل منه إلا الإسلام. ومن تعلق منهم بدين قبلت منه الجزية لقول الله سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله). قال ابن سحنون: قلت لسحنون: روي عن ابن وهب قال: إنما قائل النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً على الإسلام أو السيف. فمن كان اليوم من العرب من تغلب وتنوخ وغيره لم يدخل في ملة فلا تقبل منهم جزية ويقائلون على الإسلام. ومن هذا , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب. وكتب إلى هجر إلى عظيم غطفان المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام وقال: من أبى فعليه الجزية. فما فرق بين عربي وغيره , وكان فيهم مجوس وغيرهم. وقال أشهب في الأمم كلها إذا بذلوا الجزية قبلت منهم , فأهل الكتابين بكتاب الله ومجوس بالسنة. وقال ابن القاسم: يسترق العرب إن سبوا كالعجم , ولم يفرق بينهم , وأرى ابن وهب ذهب في هذا إلى مذهب اهل العراق. ومن كتاب ابن المواز ذكر أصبغ أن ابن وهب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قائل مشتركي قريش على الإسلام أو السيف , وكذلك سبيل تنوخ وتغلب وشبههم. وإن دخلوا في دين اهل الكتابين قوتلوا على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية. قال ابن عباس: ومن دخل في ملة قوم فهو منهم. وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من [3/ 44]
مجوس هجر. وأخذها عمر من مجوس السواد وعثمان من البربر. ومن لم يدخل في ملة قوم لم يقبل منه غير الإسلام أو السيف , ولا تقبل منهم الجزية. قال ابن حبيب: وإذا وجبت الدعوة فإنما يدعون إلى الإسلام جملة من غير ذكر الشرائع , إلا أن يسألوا عنها فتبين لهم , قاله مطرف وابن الماجشون. قال ابن حبيب: وإذا حاصرنا حصناً للروم فبذلوا لنا الجزية على الانصراف عنه , فإن كنا على رجاء من فتحه لم يجز قبول ذلك من غير تحريم للتربص والصبر على الإضرار بهم إن كان في الجيش قوة على ذلك. قال: وإذا بذلوا الجزية قبلت منهم إن كانوا بموضع ينالهم سلطان الإسلام وحكمه , أو يكون المسلمون قد حازوا ما حولهم وخلفهم واحتووا عليه , فليقبلها منهم. وإن لم يكونوا بهذه الصفة , وهم في بعد من سلطاننا وقرب من سلطاننا. ويستحب إذا انتقلوا إلى دار الإسلام أن يخفف عنهم في شرطهم وجزيتهم لفراقهم أرضهم , فإن أبوا فالسيف. ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: إن كانوا بموضع لا نصل نحن إليهم إلا بخوف شديد , فلا تقبل منهم الجزية إلا أن ينتقلوا , فإن أبوا قوتلوا. وإن كانوا بموضع يقدر المسلمون على الإختلاف إليهم ولا يخافون على أنفسهم فلتقبل منهم الجزية. ومن كتاب ابن سحنون: وقد كان هارون الخليفة صالح قوماً من الروم على ثلاثين ألفاً , فكره ذلك أصحابنا ورأوا أن الجزية صغار لهم إن كانوا حيث ينالهم سلطان. قيل: فقد هادن النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة. قال: نعم , وذلك جائز إذا لم يكن بالإمام قوة على العدو وخاف الوهن فله أن يهادن حتى يكون للمسلمين قوة. وكان الإسلام قليلاً يوم صالح النبي صلى الله عليه وسلم والأرض كلها شرك. [3/ 45]
وسأله أهل الأندلس فقالوا: أرأيت إن انقطعت عنا الجيوش وضيع أميرنا الجهاد وبعد منا , وعدونا قريب في قوة , هل لأمير الثغر أن يصالحهم على غير شيء يطرأ إذ لا طاقة لنا بهم؟ قال: نعم , فلا يبعد في المدة لما قد يحدث من قوة الإسلام. في لقاء العدو ووقت قتالهم والبغتة للقتال والسكينة والذكر وذكر الشعار ولباس الحرير وغيره في الحرب وتسويم الخيل وفيمن قاتل للفخر , والنية في الجهاد , وطاعة الإمام من كتاب ابن حبيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله. وفي حديث آخر: فإن صاحوا فعليكم بالصمت والسكينة " ولا تنازعوا فتفشلوا " , وإذا أتوكم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله وعليكم بالأرض , وقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك , وإنما تغلبهم أنت فاهزمهم لنا. فإذا غشوكم فقوموا وغضوا أبصاركم واحملوا على بركة الله وكان النبي عليه السلام ينتهز إلى عدوه حين تزول الشمس , وكان يقول: اللهم منزل الكتاب , مجري السحاب , هازم الأحزاب , اهزمهم لنا وانصرنا عليهم وزلزل بهم. قال سحنون في كتاب ابنه: ويكره رفع الصوت عند اللقاء بالجدال والمنازعة ويعد ذلك فشلاً , وأما إن كان تحريضاً لقلوب المسلمين ونفعاً لهم فلا بأس به. قال قيس بن عباد: كره الصحابة رفع الصوت عند الجنازة وفي الصلاة وعند القتال. قال الحسن ويكره عند قراءة القرآن. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالسكينة " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ". [3/ 46]
قال ابن نافع عن مالك: لا بأس برفع الصوت بالتكبير في السواحل بحضرة العدو وبغير حضرتهم إلا أن يؤذى به القارىء والمصلي. وقد تقدم هذا في باب الرباط. قال سحنون: وتكره الخفة والطيش عند الفزع فيالعسكر , وينبغي التثبت والسكينة وترك العجلة حتى تتبين الأمور. وروي نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم: وإذا سمعت النداء في العسكر: السلاح السلاح , فالبس سلاحك ولا تذهب نحو الصوت ولكن إلى الإمام لتسمع أمره أو نهيه إلا أن تخاف العدو على الموضع الذي ضربوا فيه فاقصد الموضع. فإن كان النداء ليلاً فامض إلى مضرب الإمام. وإن نادى مناديه الصلاة جامعة فلا يتخلف أحد إلا من يحفظ الرحال , رجل أو اثنان في كل رحل. وإن الزموا الساقة لزم ذلك كل امرىء إلا من ضعف. قال سحنون. والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه عند اللقاء حسن ومن فعل الماضين. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت , برحمتك أستغيث , فاكفني كل شيء ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. وروي بلفظ آخر. ومن دعائه عليه السلام يوم الأحزاب: اللهم منزل الكتاب , ومجري السحاب , سريع الحساب , هازم الأحزاب , انصرنا عليهم وزلزل أقدامهم. وروي أنه يقول عند اللقاء: اللهم أنت عضدي ونصيري , بك أحول وبك أصول وبك أقاتل. وقال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , أعز جنده , ونصر عبده , وغلب الأحزاب وحده , فلا شيء يغلبه. ومن سماع ابن القاسم , قال ابن اقاسم: قلت لمالك: هل بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى قتال العدو بعد الزوال؟ قال: ما بلغني ذلك , وما كان قتال النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر إلا أول النهار حين خرجوا لما أصبح بمساحيهم ومكاتلهم , وما كان قتاله يوم أحد إلا أول النهار. [3/ 47]
قال ابن حبيب: ولم يزل الشعار من أمر الناس. قال ابن عباس: كان شعار يوم بدر: يا منصور , ويوم حنين: حم لا ينصرون , يريد: اللهم , وشعارهم حين انهزموا: يا أصحاب سورة البقرة , وكان ذلك تحضيضاً ليكروا فكروا. قال سحنون في كتاب ابنه: والشعار من الأمر القديم , وينبغي أن يتخذ كل قوم شعاراً , فمن ضل منهم ناداهم بشعارهم. قال مالك: كان شعار الصحابة يوم حنين: يا أصحاب سورة البقرة , قال غيره: وشعارهم يوم بيتتهم هوزان: أمت أمت. وقال عليه السلام: إن لقيتم العدو , فشعاركم حم لا ينصرون. قال ابن حبيب قالت عائشة: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من سيجان مكففة بديباج , يلبسها في الحرب. قالت أسماء: وأعطى عليه السلام للزبير ساعدي ديباج كان يقاتل بهما. ولم ير القاسم بن محمد بلباس الحرير في الحرب بأساً. ولبسه أنس بن مالك في قتال فارس , ونحوه عن عروة وعطاء. وقال ابن الماجشون: لا بأس بلبسه عند القتال , وأجازه مالك وغير واحد من صاحب وتابع , وذلك لإرهاب العدو ومباهاته. ومن كتاب ابن المواز قال مالك وهو في سماع أشهب: لا أحب لبس الحرير والذهب في الغزو , وما سمعت أن أحداً ممن يقتدى به لبس شيئاً من ذلك في الغزو , وقد كانت المغازي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وعن رجال بالإسكندرية يتهيؤون يوم العيد بالسلاح ويلبسون عليها ثياباً حريراً يتباهون بها. قال: ما يعجبني لبس الحرير. قال ابن القاسم: لا بأس أن يتخذ منه راية في أرض العدو. جهاد ومن كتاب ابن سحنون: ولا بأس باتخاذ التجافيف من جلود السباع [3/ 48]
تعلق على الخيل للتهيب بها. وإن كان فيها أجراس فلا بأس به. قال ابن سحنون: ونهى عن ذلك الأوزاعي وخالفه سحنون واحتج بأن أبا دجانة لما عصب رأسه بعصابة حمراء وتبختر بين الصفين يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن , فأجاز عليه السلام فيه ما لا يجوز في غيره. وقال ابن حبيب: واستحب أهل العلم تسويم الخيل عند القتال لقول الله تعالى: (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين): يعني: معلمين في أذناب خيولهم ونواصيهم بالصوف , قاله مجاهد. وقال غيره: وسيما الملائكة العمائم وسيما خيلهم الصوف الأبيض. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل وهو يريد وجه الله فذلك الشهيد. قال عمر: من الناس من يقاتل للدنيا ومن يقاتل رياء ومن يقاتل إن دهمهم القتال لا يستطيع غيره , ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأولئك الشهداء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته. وقال عليه السلام: شر ما في الرجل وشح هالع وجبن خالع. واتجز النبي صلى الله عليه وسلم , وهو يقاتل: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب وكان الصديق سالا سيفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يشرع القتل في المشتركين , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أغمد سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك. [3/ 49]
في لقاء العدو ووقت قتالهم والتعبئة للقتال والسكينة، وذكر الشعار ولباس الحرير وغيره في الحرب وتسويم الخيل، وفي من قاتل للفخر، والنية في الجهاد وطاعة الإمام في الفرار من الزحف والانحياز إلى فئة، وفيمن حصر فخاف الهلاك، ومن يلقي بنفسه من خوف النار إلى غرق أو قتل
في الفرار من الزحف والانحياز إلى فئة ومن حصر فخاف الهلاك ومن يلقي بنفسه من خوف النار إلى غرق أو قتل قال ابن حبيب: اختلف في قول الله سبحانه: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعيفاً) , الآية. فقيل: وهم الأكثر , يعني: ضعفاً في العدد لا في القوة ولا الجلد , فلا يحل أن يفر الرجل من رجلين ولا المائة من مائتين من العدو وإن كانوا أشد منهم سلاحاً وأظهر جلداً وقوة إلا أن يكونوا بأرض العدو وموضع مادتهم ولا مادة للمسلمين , فيخافون من استجاشة العدو عليهم فلهم حينئذ في الانحياز عنهم والتولية منهم سعة. وقيل: إنما ذلك في القوة والجلد , فلو أن مائة مسلم لقوا ثلاثمائة أو خمسمائة ليسوا مثلهم في القوة والجلد , لم يجز لهم التولية عنهم , فإنما الضعف في القوة والجلد لا في العدد. وهذا قول ابن الماجشون وروايته عن مالك وبه أقول. ولم يأخذ مالك بقول عمر: أنا فئة لمن انحاز إلي وهو بالمدينة , وإنما ذلك إلى رأس الجيش وولاته دون والي الطائفة. وإذا دخل والي الجيش المستعظم فانحياز السرية أو الخيل إلى الجيش دون من هو أبعد منه , وانحياز الطوائف والجيوش إلى من هو أقرب إليها من المسلمين ومن إذا دنا منه خيف منه وانتهي عنه. وقال الحسن: لم يكن الفرار من الزحف كبيرة إلا يوم بدر , لأن تلك العصابة لو أصيبت ذهب الإسلام. فلما نصره الله صار الجهاد تطوعاً , فلو جاء المسلمين عدو لا يطيقونه تحيزوا إلى البصرة. فإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى الكوفة. فإن جاء ما يغلب فإلى الشام. فإن جاء ما يغلب فإلى المدينة , ثم إن جاء أمر غالب , فلا تحيز لهم وصار قتالهم فريضة. [3/ 50]
قال يزيد بن أبي حبيب: أوجب الله سبحانه لمن فر يوم بدر النار. ثم كانت أحد , فقال جل وعز: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان , إلى قوله: ولقد عفا الله عنهم). ثم كانت حنين , فقال فيمن تولى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم , إلى قوله: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) , فنزل العفو فيمن تولى بعد يوم بدر. ومن كتاب ابن المواز , قال: لا يجوز الفرار من المثلين إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة , كما قال الله سبحانه. ولم فئتهم إذا كان على خوف التهلكة والضعف عن قتالهم , وقاله عبد الملك عن مالك. قال ابن المواز: وإنما الانحياز إلى والي جيشه الأعظم الذي دخل معه , وربما تكوؤن سرية دون سرية , فتنحاز المتقدمة إلى من خلفها ممن يليها , ثم تنحاز إذا جاءهما أكثر من مثليهما إلى من يليهما حتى يبلغ الانحياز إلى الجيش الأعظم وواليهم الأكبر , وقاله عبد الملك , والله أعلم بما يخرج من سخطه. وقال عن مالك: لا يجوز الانحياز إلا عن خوف بين وعن جيش مستطلع وضعف من السلطان , فأما عن أمر متناصف في الغلبة لهم طمع فلا. ولا يكون لأمير الجيش ما يكون للسرايا من الانحراف والتولي عنهم. قال: ولهم سعة أن يثبتوا لقتال أكثر من الضعفين والثلاثة وأكثر من أضعاف كثيرة , وهم يجدون مصرفاً عنهم. قلت: فإن علموا أنهم مقتولون إن ثبتوا؟ قال: وأحب إلي أن ينصرفوا عنهم إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً , فإن لم يجدوا (فلهم أن يقاتلوا حتى يقتلوا. فمن احتسب نفسه على الله فهو شهيد. ومن ثبت حتى قتل وهو يجد) منصرفاً وقد علم أنه إن ثبت قتل , فإنه يرجى له أفضل الشهادة , وإنما الشهادة لمن أيقن [3/ 51]
بالموت قبل أن يموت , فاحتسب كما قال عمر. وروى أشهب عن مالك الكراهية لذلك , ثم ذكر الرواية. وذكر العتبي قال: أشهب عن مالك في الرجل يحمل وحده على الجيش , قال: اخاف أن يكون ألقى بيده إلى التهلكة وليس ذلك سواء من كان في الجيش الكثيف , فيحمل وحده على الجيش , وآخر خلف خلفه أصحابه بأرض الروم أخطأوه , فهو يخاف الأسر فيحمل عليهم , فهذا خفيف. والأول مضطر , ويختلف إن حمل احتساباً بنفسه , وآخر يريد السمعة والشجاعة. قال عمر: والشهيد من احتسب نفسه قال عنه أشهب في الجيش بأرض العدو يصاح فيهم: السلاح , فيأخذ الرجل سلاحه , ثم يتوجه فيلقى جيشهم: فلا بأس أن ينحاز راجعاً إلى أصحابه. ومن كتاب ابن سحنون: قال عقبة بن عامر: الفرار الأعظم من الزحف الفرار إذا التقت الفئتان. قال عطاء: من فر من مراماة من حصن , فلا بأس عليه ما لم يفر من الزحف , وللواحد أن يفر من الثلاثة , وقاله ابن عباس. قال سحنون: لا يفر من المثلين ولهم أن يفروا الواحد من الثلاثة والمائة من ثلثمائة. وإذا دهمهم من العدو الأمر الذي لا فراق معه فلهم الفرار ولهم أن يقاتلوهم. وقال في قول الله تعالى " ومن يولهم يومئذ دبره " , الآية , إنه إنما كان ذلك في يوم بدر خاصة. قال محمد: لأنه لم يكن لهم فئة غير النبي صلى الله عليه وسلم. قال إسماعيل بن موسى: أول ما أمر النبي عليه السلام بالقتال , كان من فر عنه فر إلى غير فئة. فأما اليوم فحيثما فر فإلى فئة يفر. [3/ 52]
وقال أهل العراق: لا يفر اثنا عشر ألفاً من العدو وإن كثروا , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة. قال سحنون: لا أعرف هذا , ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفروا. وقد كان المسلمون يوم اليرموك ثلاثين ألفاً والعدو مائة الف , فرأى أبو عبيدة وخالد القتال. وقال غيرهم من الصحابة كثير ننحاز إلى فئة ويشاور أمير المؤمنين , ثم عزم أبو عبيدة على القتال. قيل لمالك: أسمعت أن عمر قال: أنا فئة لكل مسلم؟ قال: قد سمعته ولكن لا أحب أن يتحرفوا إلى فئتهم إلا عن هلكة وضعف. قال مالك في السرية القليلة يلقون أضعافهم فلهم الانحياز إلى عسكرهم. قال عنه علي: إن عملوا أنهم لا ينكون العدو لقلتهم فلينحازوا ولا يلقوهم فيستأسد العدو إذا قتلوهم. وذكر قول عبد الملك الذي ذكره ابن حبيب أول الباب , وحكاه ابن المواز وأجاز قول عبد الملك في ذلك كله واستحسنه. ومن كتاب ابن حبيب: ولا باس أن يحمل الرجل وحده على الكتيبة وعلى الجيش إذا كان لله وكانت فيه شجاعة وقوة , وليس من الإلقاء بيده إلى التهلكة , فلا يفعل ذلك لغير الله ولا يفعله الضعيف إن كان لله سبحانه , قال القاسم بن محمد والقاسم بن مخيمرة: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على عشرة آلاف إذا كانت به عليهم قوة , وليس من الإلقاء إلى التهلكة , وإنما ذلك ترك الإنفاق والجهاد في سبيل الله. وقال أبو أيوب الأنصاري: نزلت حين أردنا أن نقيم في أموالنا نصلحها وندع الجهاد بعد ما نصر الله نبيه وظهر الإسلام , فأنزل الله هذا. ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب في قوم نفروا في طلب عدو فأدركهم واحد من المسلمين أيحمل عليهم؟ قال: إن احتسب ولم يرد الفخر فذلك حسن , وإلا فلينصرف إلى أصحابه أو يتكعكع إليهم. وقال عن مالك في رجل لقي من العدو عشرة أو أكثر أيقاتلهم أو ينصرف إلى عسكره إذا أمكنه؟ قال: [3/ 53]
في المبارزة وقتل الرجل ذا محارمه يذكر: الحرب خدعة، والقتل في الشهر الحرام
ذلك واسع , وأحب إلي أن ينصرف إن لم تكن به قوة على قتالهم. قال محمد: ومن أحاط به العدو وهو وحده , وهو يدعى إلى الأسر , فله أن يقاتل وله أن يستأسر. ومن كتاب ابن حبيب ومن كتاب ابن سحنون , رواه ابن وهب عن ربيعة: وسئل ربيعة عن مدينة حاصرها العدو فضعفوا عن قتالهم وليس عندهم ما يكفيهم: أيخرجون فيقاتلونهم أم يصبرون حتى يموتوا جوعاً أو يقتلوا؟ قال: بل يخرجون للقتال أحب إلي. قال في كتاب ابن سحنون: وإن بلغ بهم الجوع والعطش مبلغاً لا قوة بهم على القتال , فإن طمعوا أن في الأسر نجاة ومفاداة وقد عرف ذلك من العدو في غيرهم , فليخرجوا إليهم , وإن كانوا يقتلونهم فليصبروا للموت جوعاً وعطشاً. قال ابن القاسم: ولا يحل للناس إن فر إمامهم أن يفروا من مثلي عددهم. قال ابن القاسم: ومن فر من الزحف وفراره من مثلين لم تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته. وذكر مسالة المركب يرمي بالنار فيلقي الرجل نفسه في الماء: فإن أيقن بالغرق إذا فعل ذلك فلا يفعل. وإن طمع بنجاة فذلك له. وكذلك سمعت الفقهاء. وقال عن ربيعة: إن أيقن أنه يلقي نفسه إلى ما فيه قتله فلا يجوز له. وإن رجا النجاة فذلك له. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا. في المبارزة وقتل الرجل ذا محارمه وذكر الحرب خدعة , والقتال في الشهر الحرام من كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك: سئل عن الرجل بين الصفين يدعو إلى المبارزة وقال: إن صحت نيته فلا باس. وقد فعل فيما مضى. [3/ 54]
قال ابن حبيب: وسمعت أهل العلم يقولون لا بأس بالمبارزة , وذلك على قدر النية , ولا يكون ذلك إلا بإذن الإمام , فرب ضعيف يقتل فيهد الناس , فلا بأس أن يعضد إذا خيف عليه الغلبة. وقيل: لا يعضد لأنه لم يوف بالشرط ولا يعجبنا , لأن العلج إذا أسره , يحق علينا أن نستنقذه إن قدرنا. وقد ضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في المبارزة فقطعها فكر عليه حمزة وعلي فاستنقذاه من يده. ومن كتب ابن سحنون: قال سحنون: وكره مالك وغيره من أصحابنا أن يبارز الرجل أباه المشرك , وكره أن يقتله , ويفتديه أن يعتقله. قالوا: ولا بأس أن يقتل ذوي رحمه مبارزة وغير مبارزة. قال سحنون: وإن اضطره أبوه المشرك وخافه فلا باس أن يقتله. وليس الجد كالأب عندنا في هذا , والجد للأم كسائر القرابات. وقال غيرنا: إن الجد للأب أو للأم كالأب في كراهية قتله , وليس كذلك. وقد تنازع الناس في الاب. وقد أتى أبو عبيدة النبي صلى الله عليه وسلم برأس أبيه , وقد نزلت " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر إلى قوله: آباءهم أو أبناءهم " , الآية. قال مالك: ولا بأس بالمبارزة. قال سحنون: وقد مضى ذلك من أمر الناس , ولا ينبغي أن يبارز إلا من يثق بنفسه لما يتقى أن يدخل من الوهن على الناس. وقد بارز أنس بن مالك مرزبان الواره من البحرين فقتله وأخذ منطقته وسواريه فقوما بثلاثين أو أربعين ألفاً. قال لي معن عن مالك: إذا دعا العدو إلى المبارزة فأكره أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام واجتهاده. واختلف قول سحنون إذا بارز مشركاً فخيف عليه هل يعان؟ فقال: لا يعان , وقال: لا بأس أن يعان , ولا يقتل الكافر لأن مبارزته كالعهد ألا يقتله إلا واحد , وقاله أشهب: كما لو أسره جاز لهم خلاصة منه. قال سحنون: وقد قيل لمالك: غذا خيق عليه أيعضد؟ قال: إن خاف الضعف فلا يبارز. [3/ 55]
قال سحنون: ولو أن ثلاثة أو أربعة بارزوا مثلهم جاز معاونة بعضهم بعضاً مثل أن يفرغ أحدهم من صاحبه من الكفار فلا بأس أن يعين أصحابه , كما فعل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث يوم بدر. وقال علي: سئل مالك أيبارز يخرج من الصف يطلب الشهادة؟ قال: لا يعجبني. قال سحنون: وتأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة , إنما هو المكر لا الكذب , ولا يجوز الكذب فيالحرب ولا في غيره , ولكن المكر مثل أن يكني عن الجهة التي يريد الخروج إليها ويخبر أنه يريد غيرها , ويقول القول وليس الأمر كما قال من غير كذب , ولكن يرى أصحابه أنه قد ظفر أو أمراً يقوي به أصحابه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج على طريق وهو يريد غيرها يعني بما يؤمل فيهم , لا يتحرجه , أو يقول أريد الخروج إلى موضع كذا مكراً بما أظهر من ذلك يريد أن يخرج إلى موضع ماكر ويرجع إلى موضع آخر. وكان بعض أهل الصائفة يقف في الناس فيحمد الله ويثني عليه ثم يقول: إني أردت إن شاء الله درباً كذا , ثم يأخذ إلى غيره. قال سحنون: وأجمع العلماء أن القتال في الشهرالحرام جائز. قال مالك: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حين صد عام الحديبية في الشهر الحرام , ولم أسمع أحداً قال: لا يقاتل فيالشهر الحرام. قال سحنون: كان الكف عنه في أول الإسلام حتى قتل ابن الحضرمي , فأنزل الله سبحانه " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " , إلى آخرها. [3/ 56]
في قتل النساء والولدان والعسيف والشيخ الفاني وذي الزمانة، وكيف إن قاتلوا هم أو الرهبان
في قتل النساء والولدان والعسيف والشيخ الفاني وذي الزمانة وكيف إن قاتلوا هم أو الرهبان من كتاب ابن سحنون وابن حبيب وغيره: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان , وفي حديث آخر: والشيخ الهرم والرهبان. وفي حديث آخر: نهى عن قتل الذرية والعسيف. قال ابن حبيب: يعني: الأجير الذي لا يقاتل. قال سحنون: لم يثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل العسيف وهو الأجير , وهو عندنا وغيره سواء. قال ابن حبيب: وروي النهي عن قتل الأكارين والفلاحين. قال ابن حبيب: إلا أن تقاتل المرأة بالسيف أو الرمح وشبه ذلك فلتقتل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة المقتولة فأنكر ذلك وقال: ما كانت هذه تقاتل. قال ابن حبيب: إلا أن يكون قتالها بالرمي من فوق الحصن وشبه ذلك فلا تقتل إلا أن تكون قتلت فتقتل وإن أسرت , إلا أن يرى الإمام استحياءها كما يستحيي من شاء من الأسارى. وكذلك الصبي المراهق مثل ذلك سواء. ومن كتاب ابن سحنون: وقال عمر بن عبد العزيز في قول الله تبارك وتعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) , قال النساء والصبيان من ذلك , ومن لم ينصب الحرب منهم. قال سحنون: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما أصيب في غشم الغارة من الذرية , فقال هم من آبائهم. ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في القاسم في المرأة والصبي لم يحتلم من العدو يقاتلان , ثم يؤسران: فإن قتلهما جائز بعد الأسر كما جاز قبل ذلك , فقد استوجبا القتل. [3/ 57]
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قاتل الشيخ الكبير والمرأة والصبي المطيق للقتال فليقتل. وإذا لم يطلق الصبيي القتال لطفولته فليس قتاله قتالاً وإنما ذلك ولع فلا يقتل. وإذا قاتل الراهب والشيخ والمرأة والصبي ثم أسروا , فأما الراهب فيقتل , وأما المرأة والصبي فلا يقتلان إلا في حال القتال ولا يقتلان بعد الأسر. قال ابن سحنون لأبيه: بلغني أنك قلت: ثم إن أسر الصبي أن الإمام فيه مخير في قتله وتركه , فأنكره وقال: لا يقتل إلا أن ينبت الشعر. قال محمد: وقاله الأوزاعي: إلا في حال القتال , وكذلك المرأة. وقال سفيان: تقتل المرأة ويكره قتل الصبي وقال الأوزاعي في المرأة والصبي يحرسان على الحصن: فلا بأس أن يقتلا ويرميان. وقال سحنون: لا يقتلان في الحراسة وليس ذلك كالقتال. وأخبرني ابن نافع عن مالك في نساء العدو وصبيانهم يرمون الحصن فيه المسلمون بالحجارة أيقتلون؟ قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان. قال سحنون: أرى أن يرميهم المسلمون كما يرمونهم وإن قتلوا في ذلك. قال سحنون: وإذا دعا إلى ذلك الصبي والمرأة فلا يبارزان. وقال في الأجذم الذي يقتل ويدبر فليقتل , وأما من أبطله الجذام فهو كالشيخ ولا يقتل. وكذلك المفلوج الذي لا حراك به إلا أن يكون فيه العقل والتدبير. قيل له: روى عبد الملك عن مالك في الرهبان أن فيهم التدبير والإجتهاد والبغض على دينه فهو أنكى من غيره , والشيخ الفاني الذي لا يدع السرايا والجيوش فليقتل بعد استخباره , وهو من أهل التدبير والحمية في دينه. قال: ما أعرف هذا وما سمعت من يذكره عن مالك. وإنما ذكر ابن وهب عن مالك في قتل الأسارى قال: أما من يخاف منه فقتله أمثل. قال: وكذلك الكبير السن إن خيف منه. قلت: قال ابن أبي زائدة: لا يقتل العسيف , قال سحنون: يقتل العسيف وهو يقوى على القتال. ابن أبي زائدة والأوزاعي: ولا يقتل الأعمى والمقعد. وقال سحنون: يقتلان , وقد يقودان الجيوش وفيهم المكر والتدبير [3/ 58]
والذهاب والمجيء. وأما المجنون فإن كان مطبقاً لا يفيق لم يقتل. وأما من يجن ويفيق فليقتل. وأما الزمانة فيختلف وقد وصفت لك ذلك. وقيل عن الأوزاعي في المقعد إن كان عنده معونة على قتال أو ذل فليقتل. وصوب ذلك سحنون. قال سحنون: ويقتل المريض الشاب من العدو والدنف لأنه قد يبرأ. ويقتل المجورح الملحوق إلا أن يكون منفذ المقاتل فهو كالميت. وانكر سحنون قول الأوزاعي في أقطع اليد والرجل أنه لا يقتل , وقال سحنون يقتل. قيل: فإن خيف من الشيخ الكبير والمرأة والراهب والصبي أن يدل على العدو , قال: لا يعرض للراهب. وأما الصبي والمرأة فقد صار فيئاً. فإذا غنموا لم يعرض لهم بقتل ولا أسر رضيع مع أمه , فلم يقدر المسلمون إلا على حمل أحدهما , وفي ذلك هلاك الصبي , قال: يتركان إلا أن يقدر على حملهما. واختلف أصحابنا في الصبي إذا أنبت الشعر ولم يحتلم فأكثرهم يرى أن يقتل. وذهب ابن القاسم وغيره أنه لا يقتل حتى يحتلم. قال: ومن قتل من نهي عن قتله من صبي أو امرأة أو شيخ زمن , فإن قتله بدار الحرب قبل أن يصير في المغنم فليستغفر الله سبحانه , وإن قتله بعد أن صار مغنماً فعليه قيمته يجعل ذلك في المغنم. ومن كتاب ابن حبيب قال: أما الشيخ الكبير فإن كان ممن له رأى وتدبير قتل وإن كان خرفا ً فانياً. وكذلك إن كان فيه بغية ومثله يخاف فليقتل وإن كان لا رأى له ولا تدبير. وإنما الذي لا يقتل الفاني الخرف الذي لا بغية فيه ولا رأي له ولا تدبير يتقى فهو الذى جاء أنه لا يقتل. قال: ولا يقتل الضمنى ولا الزمنى , فمن الضمنى المعتوه والمجنون والمختبل وشبههم , ومن الزمنى المقعد والأعمى والأشل والأعرج الذين لا رأى لهم تدبير ولا نكاية فيهم. وأما المريض الشاب فيقتل ويترك الشيخ. وكذلك من مرض من الأسرى بعد الأسر , فالشاب منهم يقتل إلا أن يرى الإمام إبقاءه نظراً للمسلمين. وأما الحصن والمراكب فيه الذرية فمذكور في باب بعد هذا. [3/ 59]
في الرهبان والنهي عن قتلهم، وهل يترك لهم أموالهم، والشيخ الكبير، وفي قتل الشمامسة، وهل تؤخذ الجزية ممن ترهب عندنا منهم؟
في الرهبان والنهي عن قتلهم وهل يترك لهم أموالهم؟ والشيخ الكبير , وفي قتل الشمامسة , وهل تؤخذ الجزية ممن ترهب عندنا منهم؟ من كتاب ابن حبيب وغيره: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الرهبان. (وفي وصية الصديق ليزيد بن أبي سفيان أنه نهاه عن قتل الذين حبسوا أنفسهم لله , يعني: الرهبان.) وقال فى الذين فحصو عن اوساط رؤوسهم: فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف , يعني الشمامسة. قال ابن حبيب: ولم ينه عن قتل الرهبان لفضل عندهم من ترهبهم وتبتلهم , بل هم أبعد من الله من غيرهم من أهل دينهم لشدة بصيرتهم فى الكفر , ولكن لاعتزالهم أهل دينهم عن محاربة المؤمنين بيد أو رأى أو مال. فأما إن علم من أحد منهم أنه دل العدو على غرة سرية منا أو دلهم عليهم وشبه ذلك فقد حل قتله. وكل من نهى عن قتله من أهل الحرب فلم ينه عن سباه وإخراج من أرض الحرب إلا الرهبان فلا يقتلوا ولا يخرجوا من مواضعهم ما لم يحدثوا ما ذكرنا. وهذا في رهبان الصوامع والديارات سواء. فأما رهبان الكنائس فلا , ويجوز قتلهم وسباهم لأنهم لم يعتزلوا. قال سحنون: ويقتل القسيس والشمامسة بخلاف الرهبان. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وجد الراهب من غير صومعة في دار أو غار فهو كأهل الصوامع. قيل: فبماذا يعرف أنه راهب؟ قال: لهم سيما يعرفون بها. وإذا قاتل الراهب قتل. قال العتيبي قال أشهب عن مالك: وسواء كان الراهب في صومعة أو ديارات فلا يهاج. قيل: فالراهبان من النساء؟ قال: النساء أحق ألا يهجن. [3/ 60]
ومن كتاب ابن سحنون: ومن وجد من النساء في الصوامع واليارات رواهب فلا بأس أن يسبين بخلاف الرجال. وإذا وجد العلج ببلد العدو وقد طين على نفسه في بيت في غير صومعة وله كوة ينظر منها , فهذا راهب لا يعرض له. وإذا مروا براهب فلا يستخبروه عن شيء من أمر عدوهم. قال الأوزاعي: ل يزل المسلمون يقتلون الشمامسة ويسبونهم , ولا يعرضون للرهبان الذين في الصوامع والغيران والديارات قد خرجوا إليها من ديارهم ويخلوا من الدنيا. قال سحنون: هذا كله قول مالك. قال: وإذا أصابوا بأرض العدو حبشياً قد ترهب في صومعة فلا يعرض له , وهو كغيره , فإن علموا أنه كان عبداً لمسلم أنزل. فإن كان مسلماً استثيب , فإن تاب رد على مولاه إن عرف وإلا صار مغنماً. وإن لم يتب قتل. وإذا أدركت حبشياً بأرض العدو وقد ترهب فلا تقتلة وخذه إن خفت أن يكون مسلماً. فإن قاتلك فاقتله. قال سحنون: ونحن نرى قتل الزراع والحرث ببلد الحرب. قال: ويقتل السائح في بلد الحرب. وقيل له روى عبد الملك عن مالك في الرهبان: أن فيهم التدبير والبغض على دينه فهو له روى عبد الملك عن مالك في الرهبان: أن فيهم التدبير والبغض على دينه فهو أنكى من غيره. والشيخ الفاني الذي لا يدع السرايا والجيوش فيقتل بعد استخباره. قال: ما أعرف هذا , ولا سمعت من يذكره عن مالك. قال أبو محمد: وقد تقدم هذا. قال سحنون: وإن صح عن راهب أن أهل الحرب يأخذون عنه الرأي عن حربهم فليقتل. ومنه ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وقال في أموال الرهبان: إنه يترك لهم ما يصلحهم والبقرتان بكفاية. ولو قبل قوله لا دعى الشيء الكثير. قال فى كتاب ابن سحنون: ولكن يترك لهم ما يصلحهم مثل المزراعة والبقرات لأنهم إذا تركوا لابد من مصلحتهم وعيشهم. قال سحنون وما وجد عند [3/ 61]
الراهب من المال والحلي والبز والخيل والبغال فليؤخذ منه كله ويترك له من الكسوة ما يستر عورته ويرد عنه البرد , ومن الطعام ما يعيش به. وأما ما سوى ذلك من الأموال فلا يترك للشيخ الكبير مثل ما يترك للراهب من العيش والكسوة. قال ابن نافع عن مالك في الراهب له الغنيمة والزريع في أرض الروم , قال: لا يعرض له وذلك يسير , ولا يعرض لبقره ولا لغنمه إذا عرف أنها له ولذلك وجه يعرف به , وما أدرى كيف يعرف. قال سحنون: يعني إذا كان قليلاً قدر عيشه. وأما ما جاوز ذلك فلا يترك له. قال أشهب عن مالك في العتبية في أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم: إن علم الجيش أن ذلك للرهبان فلا يمسوا منه شيئاً. ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يعرض للراهب ولا لماله. قيل: فإن وجد له المال والأعكام والبقر والغنم؟ قال: أما ما لا يشبه أن يكون للرهبان فلا يترك له ولا يصدق فيه. قال مالك: أما مثل البقرتين والغنيمات وما يكفيه ويقوم بعيشه ومثل المبقلة والنخيلات فليترك له , ويؤخذ ما بقي أو يخرب أو يحرق. وإذا لم يترك له ما يعيش به فقد قتله. وأهل الديارات كأهل الصوامع. قال: قال ابن القاسم ومن ترهب منهم في أرض الإسلام فلا تؤخذ منهم جزية إذا حبسوا أنفسهم في الصوامع. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وجد راهب قد نزل من صومعة وهو منهزم مع العدو فأخذ فقال: إنما نزلت وهربت خوفاً منكم , قال لا يعرض له. قال ابن نافع عن مالك قيل له ك وربما أسرى المسلمون سرية فيعلم بهم الراهب فيخافون أن يدل عليهم فلينزلوه يكون معهم , فإذا أمنوا أرسلوه. قال: ما سمعت أنه ينزل من صومعته. [3/ 62]
في إخراب بلد الحرب وقطع الشجر، وخراب أموالهم، وما يذبح لمأكله، وهل يحرق ما فضل من الغنيمة مما لا يطاق حمله
قال سحنون: وإذا وجدوا في صومعته طعاماً واحتاجوا إليه , فليأخذوا منه ويتركوا له قدر عيشه لأشهر. وأما إن وجدوا معه مالاً ناضاً أو غير ناض خباه عنده الروم فليأخذوه منه ولا يستحلون بذلك دمه. وفي باب قتل الأسارى شيء من معاني هذا الباب. في إخراب بلد الحرب وقطع الشجر وخراب أموالهم وما يذبح لمأكله وهل يحرق ما فضل من الغنيمة ما لا يطاق حمله؟ من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيما أوصى به أبو بكر يزيد بن أبي سفيان في نهيه إياه عن قطع شجر العدو وتحريق النخل وتغريقها وعقر بهيمة إلا لمأكل , وفي كتاب ابن حبيب: وخراب العامر , إنما ذلك فيما يرى ظهور الإسلام عليه. وأما ما لا يرجى ذلك فيه من داخل أرض العدو فلا بأس بقطع شجرهم وخراب حصونهم وإفساد أموالهم وعقر دوابهم وتحريق النخل وتغريقها , وقاله مالك واحتج بقول الله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموهم) , وقال: (ولا ينالون من عدو نيلا) , وقال ابن وهب. قال أصبغ: وخراب ذلك أفضل من تركه. قال مالك: ويحرق زرعهم وحصونهم بالنار , وكره تحريق النخل وتغريقها. وما فضل من الغنيمة لا يطاق حمله فليحرق بالنار وتعرقب الدواب , وقاله ابن القاسم. قال مالك: وإذا طلب أخذ العسل فخاف لدغ النحل فله أن يغرقها لأخذ العسل. قال ابن حبيب قال مالك وأصحابه: إنما نهى الصديق عن تحريق الشام وخرابه لأنه علم مصيرها للمسلمين. فأنما ما لا يرجى الظهور عليه فخراب ذلك الذي ينبغي , مثلما تقدم من الخراب وعقر الدواب والأنعام وإفساد [3/ 63]
الطعام , وذكر أن تحرق النخل وتغرق. قال وسمعت أهل العلم يقولون: وإذا لم يقدروا على أنعامهم إلا بعقرها فذلك لهم إذا ذكوها بعد العقر ولم يبلغ العقر منها مقتلا , ما لم يكن نهبة , فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبة , وهذا فينما في داخل أرض الكفر. فأما في بلد الإسلام أو بموضع يؤمن أن يأخذه العدو فلا يعقر هناك خيل ولا حيوان من الأنعام وغيرها. وكره بعض العلماء أن يفدوا منهم الأسارى بالخيل إذا وجدوا الفداء بغيرها , فكيف يترك لهم؟ واتفق مالك وأصحابه على عقر دوابهم إن لم يجدوا النفوذ بها. واختلفوا كيف العقر , فقال المصريون: تعرقب أو تذبح أو يجهز عليها , وقال المدنيون: يجهز عليها وكرهوا أن تذبح أو تعرقب , وبه أقول لأن الذبح مثلة والعرقبة فيه تعذيب. ومن كتاب ابن سحنون روى ابن وهب عن مالك: وتعرقب الدواب إذا خافوا أن يأخذها العدو ويحرق الطعام وقرأ (ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار) , الآية. ومن وقف له فرس بأرض العدو فليعقره. وقال عنه ابن نافع: تحرق بيوتهم , ووقف عن تحريق النخل , ولا بأس بقتل خنازيرهم. قال سحنون في كتاب ابنه مثل ما تقدم عن مالك في التحريق والخراب. قال: وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة أن يذهب إلى البلقاء , فيحرق فيها. قال لي الوليد قال الأوزاعي: وإذا ظهر على أهل مدينة أو حصن فلتخرب بيوتهم وكنائسهم , وكره تخريب الكنائس في القرى وتحريقها , ويؤخذ ما فيها من ستور وحبال القناديل وصليب من حديد أو نحاس. قال: ولم يكن من عندنا يكسرون صلبان الخشب. فإن كسر فلا بأس. قال سحنون: وقولنا إنها تكسر ولا تترك. [3/ 64]
قال سحنون في البقر والغنم: تذبح في أرض للحاجة إلى جلودها لا للحم. فإن كانت الجلود تراد لشيء من أمر الحرب من الدرق والدبابات فلا بأس به. وأما لحاجة الذابح في نفسه فلا إلا للحاجة للحم. قيل: فإن نزلنا بيرتهم في ثلج وبرد فنعدو أبوابهم؟ قال: نعم , ويطبخون بذلك ويشوون. قال ابن القاسم عن مالك: تعقر بقرها وغنمهم من غير حاجة إن أريد بذلك نكاية العدو. وإذا بقي من الغنيمة ما لا يقدرون على النفوذ به ولا بيعه ولا يريدونه , وإن ترك فلا قوة فيه للعدو في الحرب ولكن ينتفعون به , قال: فليحرق بالنار. قال: وهدم كنائس بلدهم أحب إلي من تركها , وتكسر صلبانهم التر في بيوتهم وأصنامهم , وتهراق خمورهم وتكسر خرائبهم وأزقاقهم ويحرق زرعهم وكلأهم. قال ابن سحنون عن ابيه: وكره الأوزاعي وسفيان لمن وقف فرسه أن يعقره وتأولا قول أبي بكر: إلا لمأكله , وليس هذا من ذلك , هذا مال المسلمين. وقد ذكرت لك قول مالك في معنى قول أبي بكر. وقال ابن وهب كقول الأوزاعي وسفيان , وروى هو عن مالك فيمن وقف فرسه قال: إن كان يتنفع بها العدو فليعرقبه. قيل: ولا يذبحه لئلا يعذبه. قال: فليبعجه أو يضرب عنقه وكره ذبحه , وبهذا أخذ سحنون. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا بأس أن يعقر بقرهم وغتمهم وإن لم يحتج إلى ذلك. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: وما ظفروا به من المطامر فأخذوا منه حاجتهم للعلف. فإن كان الإمام عازماً على الرجوع إلى دار الإسلام من ذلك الموضع فلا بأس أن يحرقوا ما بقي أو يغرقوه. وإن كان يريد التقدم ورجوعه على هذا الموضع فليبقوه إلا أن يأخذوا على طريق آخر فليحرقوه إن قدروا أو يغرقوه. [3/ 65]
في رمي العدو بالنار والمجانيق وهل يغرقون أو يقطع عنهم الماء وشبه ذلك، أو يسم لهم الحديد أو الطعام، وفي طرح الحسك
في رمي العدو بالنار والمجانيق وهل يغرقون أو يقطع عنهم الماء وشبه ذلك؟ أو يسم لهم الحديد أو الطعام وفي طرح الحسك من كتاب ابن حبيب , قال: وقد جاء النهي عن التعذيب بعذاب الله , فقيل: إن ذلك فيمن أسر أو قتل صبراً. فأما إن تحصن العدو في حصن فلم يوصل إليهم إلا بالنار فلا بأس بذلك. وروي نحوه عن أبي عبيدة. قال ابن حبيب: ما لم يكن فيهم النساء والأطفال أو أسارى من المسلمين من غير نساء ولا ذرية فلا يرموا بالنار. قال الله سبحانه: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم). وكذلك لا بأس أن يلقى عليهم في مراكبهم أتوا بها أو لم يأتوا بها , وإن كان فيهم الذرية والنساء إلا أن يكون معهم مسلم أسير. ولا بأس أن يرموا بالمجانيق في حصونهم ويلقى عليهم الماء ليغرقوا به ويقطع عنهم مجراه ويقطع عنهم المير وإن كان فيهم النساء والذرية , ما لم يكن فيهم أسارى للمسلمين. ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم في الحصون , قال: يرمون بالمجانيق وفيهم النساء والذرية. وأما بالنار فلا أحب ذلك بخلاف المراكب , إلا أن يرمونا به فحائز لنا أن نرميهم به , إلا أن يكون معهم مسلمون فلا ينبغي ذلك وقال اشهب: لا بأس أن يرموا بالنار إذا رمونا به. ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم عن مالك في مركب للعدو ومعهم ذرية المسلمين , فلا يلقى عايهم النار لقول الله تعالى: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم). قال ابن القاسم عن مالك: وكذلك إن كان معهم أسارى المسلمين. وإذا كان في الحصن النساء والذرية فلا يلقى عليهم النار. وإن لم يكن فيهم غير المقاتلة فلا بأس بذلك. وقال سحنون: لا يلقى عليهم النار وإن كان الرجال فقط. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: ولا يلقى على مراكبهم النار إلا أن يبدأونا بذلك. [3/ 66]
قال سحنون: وإذا كان العدو في مطمورة فلا أرى أن يلقى عليهم النار وإن لم يكن معهم ذرية. وأما الدخان يضطرون به للخروج فلا بأس بذلك. قال أشهب: وإن كان معهم في المطمورة الذرية أو أسارى المسلمين فلا يدخن عليهم , وقاله سحنون. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعذب العدو بالنار. وقال عمر بن عبد العزيز: وددت أن لو عاهدونا أن لا يقتلونا بالنار ولا نقتلهم به. وأجاز بعض أصحابنا رمي العدو بالنار وإن كان فيهم الذرية كما يسبون معهم. وقال: إنما قال الله سبحانه (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) , فلم يرفع إلا الرجال ولم يذكر الذرية , فأنكر هذا سحنون وقال: لا يرموا بالنار , وحجته بالسبي لا وجه له , لأن قتل الوالد دون الولد. قيل له روي عن ابن القاسم: أنه لا بأس أن يرسل على حصونهم الماء ليغرقوا وإن كان فيهم النساء والذرية , ويرموا بالمجانيق ويقطع عنهم الماء والمير. قال: لا أعرف إرسال الماء عليهم , ولا بأس أن يقطع الماء والمير عنهم إلا أن يكون فيهم أسارى المسلمين يخاف هلاكهم بذلك , وأجازه الأوزاعي. وخالفه سحنون وقال: لا بأس أن يذبح في مائهم البقر والغنم ليفسدوه عليهم , ولا يطرح على الحصن النار كان معهم أسارى المسلمين أو يكن وإن كان لا يؤخذ إلا بذلك. قيل له: روي عنك أنك قلت إن كان إذا دخلوا بلادنا ألقوا علينا النار فلا بأس أن يلقى عليهم إن لم يكن معهم أسارى المسلمين , فأنكره وقال: إنما قلت هذا في المراكب إذا رمونا به. قال: ولنا أن نحرق طعامهم الذي خارج الحصن لأنه قوة لهم. [3/ 67]
قلت: قال الأوزاعي إن كانت غارة لا يحرقوه وإن كانوا إنما يريدون حصارهم فقدروا أن يمنعوهم منه فليفعلوا ولا يحرقوه. قال: لا أرى ذلك وليحرقوه فى الغارة وفي الحصار. وإنما نحل الأوزاعي أنه لا يكره قطع البحر إليهم. قلت: فإن حصرناهم فقالوا إن لم ترحلوا عنا قتلنا أساراكم عندنا وسألهم الأسارى الرحيل؟ قال: إن كانوا على إياس من فتحه فليرتحلوا. وإن كانوا أشرفوا عليهم وهم منه على شبه اليقين فلا يرتحلوا وإن قتلوا الأسارى , وقاله الأوزاعي وسفيان. وإذا بذلوا لنا مالاً على أن لا نقتل خنازيرهم ولا نفسد خمرهم لم يجز لنا أخذ شيء على ذلك إن قدرنا عليه. ومن كتاب ابن المواز: قال في الغار أو الحصن فيه العدو ومعهم الذرية أو الركب , فلا يقدر على ذلك إلا بحرق المركب والتدخين على الغار والحصن أو تغريقهم فلا بأس بذلك كله , واجتناب النار أحب إلينا في ذلك كله , وهذا إن لم يكن معهم مسلمون , فإن كانوا فلا يحرقوا ولا يدخن عليهم. وقال في المطمورة فيها النساء والصبيان , فإن كان التدخين يقتلهم ولا خلاص لهم به غير القتل فلا يدخن عليهم. (وإن كان لهم خلاص فلا بأس بذلك. وذكر عن أشهب مثل ما تقدم من رواية سحنون في المطمورة فيها الذرية أو أسارى فلا يدخن عليهم.) وذكر ما تقدم ذكره عن مالك وابن القاسم في الحصون فيها الذرية أو أسارى فلا تحرق. وقال: وإنما تحرق أو تغرق إذا كان فيها الأعلاج فقط. ومن كتاب ابن سحنون: وكره مالك أن يسم النبل والرماح يرمى بها العدو وقال: ما كان هذا فيما مضى. وروى مثله ابن حبيب. [3/ 68]
في قتال الحبشة وشراء النوبة
ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعي: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلقى السم في آبار العدو ومياههم. قال الأوزاعي: ولا يفعل ذلك المسلم في طعام ولا سلاح , وهو قول مالك. قيل لسحنون: فإن أخذ المسلمون قلالاً مملوءة خمراً فجعلوا فيها سماً ونصبوها للعدو فشربوا منها فماتوا؟ فكره أن يعمل بهذا. قال: ولا بأس أن يلقى المسلمون الحسك حول عسكرهم إذا نزلوا يتحصنون به. وكذلك إذا التقوا فألقى المسلمون أمامهم الحسك يردعونهم به , فلا بأس بذلك. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: لا بأس أن يقطع عن حصنهم المير والماء ويرموا بالمجانيق. وقال مالك: ولا بأس أن يعقر بقرهم وغنمهم وإن لم يحتج إلى ذلك. وكل ما قدر أن يهلكهم به فعل. في قتال الحبشية وشراء النوبة من كتاب ابن سحنون: قيل لمالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذروا الحبشية ما ذرتكم؟ قال عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا , ولكن لم أزل أسمع ذلك يقال. قيل: قد كانوا خرجوا بدهلك. قال ينظر في أمرهم , فإن فعلوا وإلا لم يهجم عليهم إلا بأمر بين. وقد خلا له دهر ما فعلوا مثل هذا. ولكن أخاف أنه ارتكب منهم باطل. ولم يزل الناس يغزون الروم وغيرهم وتركوا هؤلاء. فما أرى ترك قتالهم إلا لأمر , فلا أرى أن يخرج إليهم حتى يستبان أمرهم. فإن كان عن ظلم صنع بهم لم أر أن يقاتلوا وألا يعجل في أمرهم. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك , وسئل عن أسير النوبة والبجة , وبيننا وبينهم هدنة: يعطينا النوبة رقيقاً ونعطيهم طعاماً ويعطونا البجة إبلاً ونعطيهم طعاماً , فهل نشترى شيئاً من رقيقهم؟ فقال: دع ما يريبك إلى ما [3/ 69]
في قتل الأسارى واسترقاقهم، والتمثيل بالعدو، وحمل الرؤوس وفداء الأسارى واسترقاقهم، ومن لا يقتل منهم، وفي أمان الأسير
لا يريبك , قاله ابن عمر. قيل: فيشترى رقيقهم الذين يبعثونهم إلينا للصلح الذي بيننا وبينهم؟ قال: لا أدرى ما هذا التفصيل الذي يفصل بين هذا وهذا. في قتل الأسارى واسترقاقهم والتمثيل بالعدو وحمل الرؤوس وفداء الأسارى واسترقاقهم ومن لا يقتل منهم وفي أمان الأسير من كتاب ابن سحنون , قال: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل سبعين اسيراً بعد الإثخان من يهود. وقتل عقبة ابن أبي معيط صبراً بعد أن ربط. ولم يقتل يوم بدر من الأسرى غيره , وكثر يومئذ الفداء , وأكثر ما فودي به الرجل أربعة آلاف. وربما فدي الرجل على أن يعلم عندنا الخط لأن أهل المدينة لم يكونوا يحسنون الخط. وقتلأبو بكر أسيراً بعد أن أعطى في فدائه مالاً فقال: اقتلوه فقتل رجل منهم أحب إلى من كذا. وقد قتل الأسرى غير واحد من الصحابة. وقتل عمر بن عبد العزيز أسارى من الروم وقتل أسيراً من الترك , وأمر بفداء من أسر من المسلمين وإن كان قد هرب إليهم من حر أو عبد. قال سحنون: والإمام مخير في أسرى العدو في قتلهم أو استرقاقهم قبل أن يستحييهم , فإذا استحياهم لم يجز له قتلهم. قيل: فما معنى الحديث: إن عبد الرحمان بن عوف أسر أمية بن خلف أراد به الفداء , فحرض بلال على قتله حتى قتله غيره. قال: ما أدري , ولعل عبد الرحمان لم يؤمنه. وقال مالك: إنما يقتل من الأسرى من يخاف منه , وقد كتب عمر: ألا تجلبوا إلينا من علوجهم أحداً. قال مجاهد: إذا أسلم الأسير لم يقتل. قال بكير: ومن قسم لم يقتل. قال سحنون: لأنه قد استحيي فلا يقتل. قال الأوزاعي: ولا يقتل الحراث والزراع وشبهه وليقسم. قال سحنون: إن خيف منه قتل. [3/ 70]
وكذلك في كتاب ابن المواز مثل ما ذكر عن الأوزاعي ومكحول وبكير وغيره. وقال مجاهد: ومن ترك ليقسم لم يقتل. قال بكير: ومن قسم لم يقتل. قال محمد: وإن كان من الخسيء. ومن كتاب ابن سحنون وابن المواز قال مكحول: إذا استأسر أسير لم يقتل إلا أن لا يقبل ذلك منه. قال سحنون وابن المواز: إنما هذا إن كان في منعه أو حصن , فإن قبلت منه حرم دمه. وإن لم تقبل منه رد إلى مأمنه. فأما أسير قدر عليه فبخلاف ذلك. ومن كتاب ابن حبيب قال: وإذا استأسر , وهو منك في منعه , فهو آمن لا يقتل ولا يسترق. وإن استأسر وقد رهقته فلا أمان له. وإذا استسلم الأسير حرم دمه وصار مملوكاً. ومن كتاب ابن سحنون: وأتى عمر باسرى فضلوا , فقسمهم ولم يقتلهم. قال ابن شهاب: إن طعنته فتشهد فقد حرم دمه , وقاله سحنون. قال: وأخبرني ابن نافع عن مالك أنه لا يقتل إذا اسلم. قيل: فقتل من مرض؟ قال: نعم , ومن يشك في هذا. قال عنه ابن وهب , قيل: يدعى الأسير إلى الإسلام قبل أن يقتل؟ قال: نعم. قيل: فإن حمل الأسير فمرض؟ قال: أخاف أن يكون ذلك أماناً , ولهذا وجوه. وإذا أخذ المسلمون أسارى فأرادوا قتلهم , فقال أحدهم: أنا مسلم , فإن ثبت إسلامه قبل الأسر فهو حر. وإن لم يكن غير دعواه فهو فيء ويسأل عن الإسلام. فإن عرفه فهو مسلم ولا يقتل وهو فيء. وإن تزيا بزي المسلمين لم يخرج من الرق بذلك حتى يثبت إسلامه قبل ذلك. قال ابن سحنون: وإن قال أنا مسلم ولم يصف الإسلام وصف له. قإن قبله فهو مسلم ويسترق. قال سحنون: وإن طلب الإسلام فلا يعجل عليه بقتل ويعرض عليه الإسلام , فإن أسلم لم يجز قتله. [3/ 71]
ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا ترك عن الأسير القتل لرجاء فداء أو بيع أو دلالة أو سبب سقط عنه القتل. وكذلك إن صلى. وإذا أخذوا إنساناً يستخبرونه الخبر فلا يقتل وهو رقيق لهم استبقوه لصنعه ظنوها فيه ولم يكن ذلك. قال سحنون: وللإمام قتل الأسارى ممن حضر القتال أو غيره , ما لم يعرض فيترك عنه القتل لما ذكرنا فإنه لا يقتل. وأما من ترك ليعاود فيه رأيه فله قتله إن رأى ذلك. وكذلك في المحتصر. وكذلك السرية تبعث فتلتقط الأعلاج من القرى والجبال وغيرها , فمن جيء به إلى الإمام فإما قتل أو ترك لفداء أو بيع أو لصنعة , أو ليطلقه لما يرى في ذلك من الصلاح والاستئلاف , ثم ليس له ولا لغيره معاودة القتل في من ترك لما ذكرنا. وليس لمن أسر أسرى قتلهم حتى يأتي بهم الإمام فيجتهد فيهم رأيه. وقد أجر أمير الجيش الهرمزان حتى قدم على عمر , فكلمه فاستعجم , فقال: هلم تكلم ولا تخف. فلما تكلم أراد قتله , فقال له: قد قلت لا تخف فتركه. وقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن من أسر ببدر إلا عقبة بن أبي معيط أمر بقتله. ولا ينبغي للإمام أن يدع قتل من يخاف منه أن بيع أو استبقي ضرراً لى المسلمين ممن يحامي على دينه. ولم يقتل عمر بن عبد العزيز في خلافته غير أسير من الخزر. وكان أبو عبيدة وعياض بن عقبة يقتلان كل من أتيا به من أسير. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي أمامة سيد أهل اليمامة فخيره بين أن يعتقه أو يفاديه أو يقتله. فقال: إن تقتل تقتل عظيماً , وإن تفاد تفاد عظيماً , وإن تعتق تعتق عظيماً , وأما أن أسلم فلا والله أسلم قسراً أبداً. فقال: فقد أعتقتك , فقال: أشهد أن لا إلاه إلا الله وأنك رسول الله. ومن كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن تقتل المشرك قبل ظفرك به بأي قتلة أمكنك. فأما بعد الظفر فلا ينبغي أن تمثل به , ولا تعبث عليه ولكن تضرب عنقه. [3/ 72]
قال سحنون: أخبرني معن عن مالك , قيل: أيضرب وسطه بالسيف؟ قال: قال الله سبحانه: " فضرب الرقاب " ولا خير في العبث. قيل: أيعذب إن رجي أن يدلنا على عورة العدو؟ قال: ما سمعت ذلك. قال ابن حبيب: وقد أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمثل بحيي بن أخطب. وإنما مثل المشركون بالمسلمين يوم أحد , فتواعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من ذلك , فأنزل الله سبحانه " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " , الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نصبر. وقد كره أبو بكر إذ حمل إله رأس البطريق من الشام وقال: هذا فعل العجم. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون لا يجوز حمل الرؤوس من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة. وذكر ما أنكر الصديق وقال: استنان بفارس والروم , يكتفى بالكتاب والخبر. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا أمر الإمام بتوقيف الأسير فيمن يرتد ولم يعطه أماناًفصيح به , ثم رأى قتله فذلك له إلا أن يكون الأسير هو سأله البيع فأجابه إليه فذلك أمان من القتل. ومن كتاب ابن المواز: وعن علج أسر فأمر الإمام بالنداء عليه فبلغ أحد عشر ديناراً ثم أراد قتله , قال: ذلك له. قال أصبغ: هذا إن عرضه يختبر ما يبلغ فيرى رأيه وإلا فلا. وينبغي للإمام إذا أراد قتل أسير أن يدعوه إلى الإسلام ويسأله هل له عند أحد عقد ممن أسره. قال: وقتل البالغين من الأسارى أحب إلى العلماء من إحيائهم. وكتب عمر إلى أمراء الجيوش أن يقتلوا كل من جرت عليه المواسي ولا يحمل إليه من علوجهم أحد. قال ابن حبيب: ومن لا يخشى عوره وعداوته من الشباب المراهقين فليباعوا ويقسموا. [3/ 73]
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: واتقى مالك قتل الشيخ الفاني ومن لا يخاف منه ومن له صنعة والحراث والعامل بيده. وقال عبد الملك: يقتل الشيخ الكبير إن كان ممن له الكيد. قال محمد: إذا عرف بذلك , وإلا تركه أحب إلي للنهي عن قتل مثله. وكذلك الصناع من لم يكن من مقاتلتهم فيؤثر. وأما مقاتلتهم فيقتل إلا أن يسلم , ولا يؤخ لمرض أو غيره. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ولا يقتل من الأسارى إلا من يخاف منهم , مثل من يعرف بالنجدة والفروسية , فله قتله. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ عن أشهب: إذا أسرت سرية فغنموا أعلاجاً , ثم أدركهم أمر فخافوهم أيقتلونهم؟ قال: إن لم يستحيوهم فذلك لهم. وإن استحيوهم فليس ذلك لهم إلا أن يقاتلوهم. والاستحياء أن يتركوهم على أنهم رقيق للمسلمين أو فيئاً لهم. فأما إن تركوهم ليأتوا بهم الإمام فيرى فيهم رأيه فليقتلوهم إن خافوهم , وقاله أصبغ. وفي الباب الذي يلي هذا شيء يشبه بعض معاني هذا الباب. ومن كتاب ابن سحنون: ومن اشترى علجاً من المغنم فأراد أن يدخله المركب فيأبى ويريد الهرب إلى العدو وهو قريب منه ولا يقوى الرجل على حبسه ولا معه عوين أيقتله؟ قال: لا , لأنه لم يحارب إنما أراد الهرب. ولو سار به في البر فضعف عن المشي فلا يقتله لأنه قد استحيي. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في مراكب الإسلام لقوا مراكب العدو في البحر فقاتلوهم , ثم طلب الروم الأمان فأمنوهم واستأسروا فجاؤوا بهم إلى أرض الإسلام: فإن أمنوهم على أن يكونوا ملكاً أو ذمة فالشرط لازم. وإن كان أمان مسجل لم يجز قتلهم ولا رقهم , وليردوا إلى مأمنهم إلا أن يرضوا بالمقام على الجزية أو يسلموا. [3/ 74]
في الأمان وذكر الإشارة بالأمان وما يجري من قول أو عمل فيظن أنه أمان، وما يكون منه على الخديعة
في الأمان وذكر الإشارة بالأمان وما يجري من قول أو عمل فيظن أنه أمان وما يكون منه على الخديعة قال أبو محمد: وقد أمر الله سبحانه ورسوله عليه السلام بالوفاء بالعهد والذمة , والأمان من ذلك. كتاب ابن سحنون وابن حبيب: وذكر حديث مالك عن عمر فيمن يقول للمشرك: لا تخف ثم يقتله: فمن فعل ذلك ضربت عنقه. قال سحنون , قال مالك: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه. وقال ابن حبيب , قال مالك: ذلك تشديد من عمر ولا ينبغي أن يقتل. وينبغي للإمام أن يقدم للجيوش ألا يقتلوا من أشاروا إليه بالأمان فإنه كالأمان. قال ابن حبيب: سمعت بعض أهل العلم يقولون فيمن رهق مشركاً بالقتل فاتقاه المشرك فقال له المسلم لاتخف أو لا بأس عليك ثم أسره فأراد قتله , فإن كان أراد بقوله تأمينه من الضربة التي أشرف بها عليه لا من القتل فله قتله. وإن أراد تأمينه م القتل فلا سبيل إلى قتله. فإن فعل فعليه قيمته يجعلها في المغنم. قال سحنون قال ابن وهب عن مالك: والإشارة بالأمان كالكلام , وليتقدم إلى الناس في ذلك. وذكر ما روي عن عمر في القائل للعلج: مترس , وهو بالفارسية: لا تخف , قال سحنون: فهو أمان. وكذلك إن ناداهم المسلمون بالأمان بأي لسان من قبطية أو فارسية أو بالرومية أو غيرها , فذلك أمان. وإذا كان ذلك اللسان لا يعرفه العدو فهو أمان لهم وإن لم يعرفوه. وهو معنى حديث عمر في: مترس. قال ابن المواز: ونزل عندنا أن مركباً من المسلمين لقي مركباً للعدو , فقاتلوهم يومهم , ثم طلب العدو الأمان , فنشر المسلمون المصحف وحلفوا بما فيه [3/ 75]
لنقتلنكم , فاستسلموا وظنوا أنه أمان , ثم طلبوا بيعهم , فأجمع فقهاؤنا أنه أمان لهم. قال: وإذا طلبوا مركباً للعدو فصاحوا به: أرخ قلعك , فيرخيه , فيأسرونهم , فهذا أمان إذا كان قبل الظفر بهم وهم على رجاء من النجاة. ومن المجموعة: قال مالك في قوم من العدو يأتون فيطلبون الأمان فينزلون فيقولون: الأمان الأمان , قال: إما أن يقبل منهم أو يردوا إلى مأمنهم. قال سحنون: وإذا أشار مسلم إلى مشرك في حصن أن تعال , وأشار مع ذلك إلى السماء , أو أشار إلى أهل الحصن أن افتحوا , فظن من ذكرنا أن ذلك أمان ففعل , أو كان عرف عندهم أن مثل هذا أمان أو لم يعرف , فهذا أمان كالإفصاح به. وكذلك إن أشاروا إليهم أن تعالوا واشاروا بأصابعهم إلى السماء. وكذلك إن أشار إني قاتلك فأتى كما روي عن عمر. قال سحنون: إلا أن يكون المشرك فهم قوله: إني قاتلك , فأتى فهذا فيء يرى فيه الإمام رأيه. قال سحنون في موضع آخر: لا تكاد العجم تفهم هذا. وقد روي عن عمر في من أشار إلى مشرك: إني قاتلك إن نزلت فينزل يظنه أماناً فأمنه عمر. قال ابن سحنون عن أبيه في المسلم يأسر المشرك فيقول المشرك: الأمان الأمان , فأمنه فإنه لا يحل له ولا لغيره قتله , ولكن يتعقب الإمام ذلك. فإن رآه نظراً أمضاه وصار فيئاً , وإن كان أصلح للإسلام قتله قتله لأنه أمن بعد أن صار أسيراً وفيئاً. ولو أسلم حرم دمه وكان فيئاً. ولو قال أكون ذمة لكم فليس له ذلك وللإمام قتله. ولو كتفوه أو ضربوه حتى يسلم فلا يجوز أن يفعل ذلك به لهذا. وإنما يجوز أن يفعل ذلك مخافة أن يهرب. فإن خيف أن يمنعه ذلك من الإسلام فليقيد ويدع التعكيم. وإن رام قتله فقال له العلج: الأمان الأمان , فأجابه المسلم: الأمان الأمان , رداً عليه وتغيطاً كالقائل: أتطلب الأمان؟ فليس هذا بأمان ويجوز قتله. ولكن إن سمعوا ذلك أصحابه رفعوه إلى الإمام يرى فيه رأيه. ولو [3/ 76]
قال لهم: إنما أردت تعجباً ومنعاً فلا يصدقوه وليرفعوا أمره. ولو زاد من القول ما يوضح قوله فقال: الأمان الأمان تطلب؟ أو: لا تعجل حتى ترى ما تلقى , ونحو ذلك مما يكشف الأمر فل ولهم قتله. وقد يأتي أمر ظاهر إنما يراد به التهديد كالقائل: أفعل كذا إن كنت رجلاً , أو: افعل ما شئت إن كنت صادقاً , فأجابه مسلم من الجيش بمثل ذلك , أو ابتدأ المسلم هذا القول , فنزل العلج فقال القائل: إنما أردت التهديد فلا يقبل منه فإما أمنه الإمام وإما رده إلى مأمنه. وكذلك لو قال له ذلك الإمام فهو كالخديعة. فإما أمنه أو رده إلى مأمنه. ولو أبان ذلك فقال: الأمان الأمان انزل إن صدقت ونحو هذا فإنه لا يقتل. وإما أمن أو رد إلى مأمنه. وكذلك لو قاله له الإمام. ولو قرن مع ذلك كلامه بكشف أسمعه المشرك بلساننا أو بلسان الروم وعلم أن المشرك فهمه , فهو فيء إلا أن يشاء الإمام قتله , مثل أن يقول له: الأمان ما أبعده! أو: انزل إن كنت صادقاً ونحوه , كمن قال لرجل: لي عليك ألف درهم , فأجابه: لك علي ألف درهم , فأجابه: لك علي ألف درهم؟ ما أبعدك من هذا! فليس بإقرار. وإذا أتى المسلمون حصناً للروم فأظهروا أنهم رسل الخليفة وجاؤوا بكتاب منه وذلك كله كذب فأدخلوهم , فلا يجوز لهم قتل أحد وليفوا بما أظهروا مما دخلوا عليه , والإشارة عند مالك بالأمان أمان , ولينه الإمام عن قتل من أشاروا إليه بالأمان. وكذلك لو صدقوهم من غير كتاب اتهروه معهم , أو قالوا نحن تجار فأدخلوهم فلا يجوز لهم قتل أحد ولا أخذ شيء. وكذلك لو تحلوا بحلية أهل الروم ولباسهم أو كانوا منهم ثم أسلموا وقالوا: كنا بأرض الإسلام بأمان , وانتسبوا إلى قوم من الروم معروفين ذكروهم , فدخلوا على هذا , فلا يجوز أن يؤذوا أحداً. وكذلك لو قالوا لهم نحن أهل ذمة أردنا نقض العهد فأدخلوهم. [3/ 77]
في أمان العبد والمرأة والصبي والمعاهد والمجنون وغيرهم، وكيف إن أمنهم أحد بعد أن نهى الإمام عن التأمين، ومن حكى الأمان عن غيره
قلت: فإن كعب بن الأشراف وسفيان بن عبد الله قتلا غيلة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم , وأظهر إليهما من جائهما غير ما جاء فيه , ولم يكن ذلك أماناً لهما. قال: هذان قتلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأذاهما الله ورسوله فلا أمان لهذين. ومن العتبية: قال سحنون في مراكب الإسلام حاربوا مراكب للعدو , فجرت بينهم جراح , فطلب العدو الأمان فأعطوهم , فاستأسروا فقدموهم بهم بر الإسلام , هل يجوز قتلهم؟ قال إن أمنوهم على أن يكونوا ملكاً أو ذمة فالشرط جائز. وإن لم يكن الأمان مسجلاً فلا يجوز ملكهم ولا قتلهم , وليردوا إلى مأمنهم إلا أن يقيموا على الجزية. في أمان العبد والمرأة والصبي والمعاهد والمجنون وغيرهم وكيف إن أمنهم أحد بعد أن نهى الإمام عن التأمين ومن حكى الأمان عن غيره من كتاب ابن سحنون وابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم. قال ابن حبيب: فأدناهم يقول: الدني من حر أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانه , ولا ينبغي للإمام ولا غيره أن يغدره , ولكن يوفي له بذلك أو يرده إلى مأمنه. وقوله: ويرد عليهم أقصاهم , أي: ما غنموا في أطرافهم يجعل خمسه في بيت مالهم. [3/ 78]
قال: ولا ينبغي لأحد من الجيش أن يؤمن أحداً غير الإمام وحده , ولذلك قدم , وينبغي أن يتقدم إلى الناس بذلك , ثم إن أمن أحداً قبل نهيه أو بعده , فالإمام مخير إما أمنه أو رده إلى مأمنه. ومن كتاب ابن سحنون , قال: وإذا أمن المسلم قوماً من أهل الحرب فهم آمنون , لكن ينظر الإمام فإما أتم ذلك أو نبذ إليهم. فإن نبذ إليهم ثم أمنهم ذلك الرجل فلا يحل قتالهم حتى ينبذ إليهم. وهكذا كلما أمنهم إلا أن ينذرهم الإمام فيقول: إن عاد هذا الرجل فأمنكم فلا أمان لكم , فهاهنا إن أمنهم جاز قتالهم بغير نبذ. وإذا أمن رجل حربياً فأدخله دار الإسلام فكره ذلك الإمام , فليعذر إليه أن يرجع إلى بلده ويؤجل له أجلاً يمكنه فيه ذلك ويحتاط له , فإن تعدى ذلك جعله ذمة ومنعه الرجوع. وهذا في من يقدر أن يرجع , وإلا على الأمير إبلاغه مأمنه. ولو قال الإمام لحربي: لا تقبل أمان فلان , فإن دخلت إلينا بأمانه فأنت فيء ففعل وتعدى فإنه فيء ولا أمان له , ويؤدب المسلم. ولو قال الإمام لأهل الحرب: من دخل إلينا بأمان فلان أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمة لنا لا ندعه يخرج , أو: فهو رقيق فهو على ما قال وذلك نافذ. وكذلك لو قال في حصار حصن: من خرج منكم بغير أمان الأمير إلى عسكرنا فهو فيء أو مباح الدم فهو كذلك. ومنالكتابين: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء. قال ابن الماجشون وسحنون: لم يجعل ذلك بيد أدناهم ليكون له نظر الإمام بالمصلحة , كما أنه إنما أتم أمان أم هانىء صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت. ومن كتاب محمد بن سحنون: وروي عن عمر أنه قال: أمان العبد أمان. وقال سفيان: وإذا أمن العبد من في الحصن فهو أمان وليذهبوا حيث شاؤوا. قال [3/ 79]
سحنون: إذا أشرفوا على فتحه قاهرين له فلا يقبل قول العبد بعد أن صاروا بأيدي المسلمين ولا قول لهم. وكذلك لو قال ذلك رجل حر مسلم حتى يثبت ذلك برجلين أن العبد أو الحر أمنهم , فيكون الإمام المقدم في إجازة ذلك أو رده. وإن ثبت أن العبد أمنهم فرده الإمام فأبوا إلا أن يقتلهم الإمام إو يسبيهم أو يتم أمانهم , قال: يقال لهم تحولوا إلى بلد الإسلام أو ودوا الجزية. فإن أبوا فهم فيء يرى فيهم الإمام رأيه فيمن يقتل أو يستحي. وإن لم يكن المسلمون مقتدرين عليهم , وهم في تحصين فهذه شبهة: فإما أن يردهم إلى حصنهم أو يؤمنهم. فإن أبوا سألهم النقلة إلى بلد الإسلام. فإن أبوا فهم فيء. وأجاز ابن القاسم أمان العبد والذمي. قال ابن القاسم: إن قالوا: طننا الذمي مسلماً ردوا إلى مأمنهم. فإن علموا أنه ذمي فهم فيء. قال سحنون: لا يجوز أمان الذمي بحال. وأما الصبي فليس أمانه بأمان إلا أن يجيزه الإمام للقتال فيصير له سهم , فالإمام مخير إما أجاز أمانه أو رده. فأما غن لم يجزه للقتال فأمانه باطل. قال: وأخبرني معن بن عيسى عن مالك: سئل عن رجل من الجيش يؤمن الرجل أو الرجلين بغير أمر الإمام قال ذلك جائز. قيل له: فالعبد؟ قال: لا , وما سمعت فيه شيئا. قال ابن وهب: قال إسماعيل بن عياش قال أشياخنا: لا أمان للمعاهد والصبي إلا أن يجيزه الإمام , وقاله الليث. قال الليث: إذا أمن العبد رجلا من العدو فليرده إلى مأمنه. قال ابن المواز قال الأوزاعي والليث: لا أمان للذمي. قال سحنون: وأمان الخوارج جائز. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه: أمان المرأة جائز على جميع الجيش وعلى جميع المسلمين. قال ابن المواز: ويجوز أمان العبد. قال ابن القاسم: ويجوز أمان الصبي إن كان مسلماً كان عبداً أو حراً. قال محمد: إذا بلغ سناً يعرف به الأمان ما هو. وأما من ليس بمسلم فليس بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجير على المسلمين أدناهم , يقول: من هو منهم. فأما الصبي فكالمرأة لا سهم لها وإن قاتلت , وهو إن قاتل فله سهمه , قاله مالك. وقال: إن أمنهم [3/ 80]
الذمى فلا أمان لهم وهم فيء قال محمد: فإن قالوا ظنناه مسلماً , فأحب إلى أن يردوا إلى مأمنهم إن أبى الإمام أم يؤمنهم. واختلف فيه قول ابن القاسم , فقال هم فيء وقال يردون إلى مأمنهم. وقال ابن حبيب: إذا قال الحربي الذي أمنه الذمي ظننت أنه مسلم فلا يقتل. وإما أمنه الإمام أو رده إلى مامنه. ولو علم الحربي أنه ذمي فلا أمان له. قال ابن المواز: وإذا قالوا: علمنا أنه ذمي وظننا أن امانه يجوز لذمته منكم كما يجوز أمان عبدكم وصغيركم , قال لا امان لهم وهم فيء. ومن كتاب ابن حبيب وابن سحنون وابن المواز: ذكروا ما روي أن عمر كتب به إلى سعيد بن عامر في الأمان وفيه: من أمنه منكم حر أو عبد من عدوكم فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه او يقيم معكم على الجزية. وإذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحداً ناسياً أو عاصياً او لم يعلم أو جاهلاً رد إلى مأمنه. وكذلك إن أشار إليه: إني قاتلك فأتى ظناً أنه أمان. وكذلك إن جاء مطمئناً تعلمون أنه جاء متعمداً. فإن شككتم ولم تتيقنوا مجيئه إليكم فاضربوا عليه الجزية ولا تردوه. ومن وجدتموه في عسكركم لم تعلموا به فلا أمان له ولا ذمة. جهاد قال سحنون: بهذا كله قال أصحابنا إلا قوله: وإن شككتم فإن هذا فيء للمسلمين. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أمنهم الرجل المخالط العقل إلا أنه يصف الإسلام ويعرفه فأمانه جائز , والإمام مخير في إمضائه أو ينبذ الحرب إليهم. وإذا أمر امير العسكر ذمياً ان يؤمنهم فذلك جائز وهو رسول. وكان ينبغي أن يرسل مسلماً إلايبعثه ليكلمهم بلغتهم. وإن أمنهم الذمي عن رجل مسلم من العسكر فقال قد أمنكم فلان المسلم أو قال فلان , فإن علموا أنه ذمي فلا أمان لهم لأنه لا أمان له على نفسه فكيف على غيره؟ فإن قالوا: ما علمنا انه ذمي فهي شبهة , وإن علموا فهم فيء. [3/ 81]
في أمان الأسير من المسلمين بأيدي العدو، وأمان المكره من الأسارى، وأمان من خرج من طاعة الإمام من الخوارج
ومن كتاب ابن المواز: وروى ابن وهب عن فضل بن يزيد , قال: كنا مصافين للعدو , فكيب عبد في سهم أماناً للمشركين ورماهم به فأتوا واحتجوا بالسهم , فكتب إليهم عمر بإجازة أمانه. قال ابن القاسم: ومن أتي إلى العدو يزعم أن الوالي بعثه إليهم على أنه من أراد أن يخرج إليه فقد أمنه على دمه وماله ويؤدي الجزية فخرج واحد على ذلك فأنكر الوالي فإنه يقال له: إما أن تتم له ذلك أو فرده إلى مأمنه بما معه. قال ابن المواز: فإن أخذ علج في العسكر فقال: جئت لأمان فلان ولا يعلم ذلك أحد , فإنه يسأل فلان ويصدق فيما يقول , وقاله ابن القاسم وأصبغ , كان فيه بينة أو لم تكن. قال أصبغ: فإن أنكر المحكي عنه فالوالي مخير أن يؤمنه أو يرده إلى مأمنه. قال ابن المواز: لا يعجبني هذا , وقد صار في أيدينا بلا عهد له فللإمام ان يقتله أو يرى فيه رأيه , وكذلك روي عن عمر. في أمان الأسير من المسلمين بأيدي العدو وأمان المكره من الأسارى وأمان من خرج من طاعة الإمام من الخوارج ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان بأيدي العدو أسير مسلم خلوه في بلادهم على أن أعطاهم الأمان , فما أظن أن ذلك كان منه لهم إلا لخوف غشيهم في وقتهم ولذلك الجيش وحده فذلك جائز. فأما امانه على أن لا يغزوهم أحد من المسلمين فلا يجوز ذلك. وإنما يجوز ذلك في الجيش الذي نزل بهم ما لم يخوفوه بالقتل. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من رواية أصبغ , ومن كتاب ابن سحنون: وقد قال أشهب فيمن شذ من سرية فاسر , فلما خشوا السرية طلبوا من الأسير [3/ 82]
الأمان فأمنهم , فإن كان آمناً على نفسه جاز أمانه. وإن كان خائفاً لم يجز , والأسير مصدق. قال ابن المواز: فإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول. وقال سحنون: لا أرى أماناً ولا أصدقه أنه أمنهم غير خائف , لأن المسلمين قدروا عليهم , وهذا ضرر على المسلمين , وهل يقدر الأسير إذا طلبوه الأمان إلا أن يؤمنهم؟ قال في كتاب ابن المواز وفى العتبية من رواية عيسى: قال ابن القاسم إذا امنهم عن تهديد بالقتل فلا أمان لهم. وأما إن قالوا له نخليك وتؤمنا فأمنهم فهو أمان جائز. قيل له: إنه بأيديهم وخاف إن لم يفعل قتلوه واغتنموا. قال: وما يدريه. قال في كتاب ابن المواز: بل أمانه جائز إن كان ذلك منه بعد أن أشرف عليهم المسلمون , ولو شاؤوا أن ينقذوا قدروا على ذلك وتخلصوا. قال في العتبية: ولو شاؤوا أن ينفذوا. وفي بعضها: بعد ما أشرف عليهم المسلمون ليس هذا بأمان إلا أن يخلوه ولا يشترطوا عليه شيئاً. وفي كتاب ابن حبيب مثل ذلك: إن هددوه بالقتل أو إنما قالوا له: أمنا ونخليك , ففعل وخلوه فلا أمان لهم إلا أن يخلوه بغير شرط. فإن أمنهم وهو على نفسه آمن فذلك جائز. ويقبل فيه قول الأسير , وقاله لي من أرضى. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في أسير بيد العدو أو أسيرين , أو دخلا مدينتهم بأمان , فإن سألوهم الأمان فأمناهم , فإن كان على القهرة لهما وأنهما لا يقدران على غير ذلك فالأمان باطل. وإن امناهم على غير قهرة لكن نظراً للمسلمين فالإمام مقدم في إجازة ذلك أو رده ويوذنهم بحرب. وكذلك لو أسلم منهم أحد ثم أمنهم , افترق أمانه على القهرة وعلى ما ذكرنا إذا ثبت أنه أسلم في دارهم ببينة مسلمين , وقاله الأوزاعي. ولا يجيز أهل العراق امانه ويرونهم فيئاً [3/ 83]
في تأمين الخوارج لأهل الكفر، أو استعانوا بهم علينا
وقال الأوزاعي في حصن أو مطمورة نزل بهم المسلمون وفيه أسير مسلم , فلما خافوا قالوا للمسلم: أمنا ونخليك , فأمنهم فخرجوا وخرج معهم: فالإمام مخير إن شاء أمنهم أو ردهم إلى حصنهم أو تركهم حتى يبلغوا مأمنهم. قال سحنون: إن أكرهوا الأسير حتى أمنهم فذلك باطل وهم فيء. وإن لم يكوهوه وإنما فعل ذلك نظراً وحياطة فالإمام مقدم أن يمضيه أو يردهم إلى مأمنهم. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن خرج عن طاعة الإمام بالأندلس وتغلب على ناحية من الثغر واستعان بمن أمكنه من العدو , فنزل عنده ناس منهم فأمنهم , قال: ذلك لهم أمان لازم ولكن ينتظر فيه الإمام: فإما أمضاه أو ردهم إلى مأمنهم. فإن طلبوا المقام على أداء الجزية , لم أحب أن يأبى لهم من ذلك. قال سحنون في كتاب ابنه مثله. قال أصبغ في العتبية في وال خرج عن جماعة المسلمين في حصن من حصونهم , فصالح من يليه من الروم واستمد بهم أيستباحون؟ قال: إن لم يغزوا ولا اعانوه فقاتلوا معه فلا يستحلوا. فإن فعلوا هذا فهم كمن نقض العهد وتلصص , قاله سحنون. وقد تقدم في باب آخر ذكر أمان الخوارج من المسلمين . في تأمين الخوارج لأهل الكفر أو استعانوا بهم علينا من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز. وكذلك لرجل حربي , وكذلك موادعتهم لهم , ولا ينكث لهم ذلك الإمام حتى ينبذ إلى الحربين إن كانوا في منعة , والإ فليبلغهم مأمنهم ثم ينبذ إليهم إذا رأى الإمام نقص ذلك وكان عنده على غير نظر. وإن كان خوارج لهم منعة امنوا قوماً [3/ 84]
حربيين على أن يخرجوا إليهم يكونون معهم بدار الإسلام يقاتلوننا. فظهرنا على الجميع بعد القتال أو قبل أن يقاتلونا فلا يستباح أولئك الحربيون بسبي ولا أخذ مال , لأنه انعقد لهم أمان على الكون بدار الإسلام. ومن قتل منهم قتيلاً فليس له سلبه وإن كان الإمام قد نفل الأسلاب. وليسوا كالذين أمنهم الخوارج على أن يخرجوا من دار الحرب ليقاتلونا معهم , هؤلاء على أصل الحرب ولم يذكروا أماناً فليس خروجهم أماناً. ولو دخل الخوارج أرض الحرب فأمن بعضهم بعضاً ثم دخلنا عليهم , فإن كان الحربيون في سلطانهم فما أصبنا منهم فيء ويكون السلب للقاتل إن نفله الإمام. وإن دخل إليهم الخوارج بموضع من بلد الحربيين لا يمتنعون فيه إلا بمنعة الخوارج , فإنا لا ننال منهم سبياً ولا غنيمة ولا فيئاً. ولو جاء حربيون إلى موضع لخوارج بأرضنا يسألونهم قتالنا معهم , فأنعموا ولم يفعلوا , فلا يحل لنا منهم قتل ولا مال حتى يقاتلونا , فيستحل منهم ما يستحل من الخوارج فقط. ولو قالوا لمسلم خارجي أو غيره أدخل إلينا إلى بلد الحرب وأنت آمن ففعل , فلا يحل له أن يستبيح منها شيئاً ولا يغدرهم. وإذا كان الخوارج يقاتلوننا ثم أمنوا قوماً حربيين فخرجوا عليهم فسألوهم قتالنا فأبوا إلا أن يكون الأمير منهم والحكم لهم فرضوا الخوارج أن يكون الأمير من الحربيين وقاتلونا فظفرنا بهم ,فإن كان الحربيون في منعه فهم فيء وما معهم , ولا يؤخذ لأهل البغي شيء , وسلب الحربي لقتاله إن نقل السلب الإمام. ولو كان سلاح خارجي قتيل أخذه عارية من حربي كان للقتال لأن الأمير حربي. ولو كان الحكم حكم الشرك. فإن قاتلونا نقضوا ما خرجوا عليه من دار الحرب فلا ينبغي أن ينال منهم الخوارج سبياً ولا مالاً. ولو سبوا منا وغنموا فعلى الخوارج قتالهم حتى يستنقذوا ذلك منهم. ألا ترى لو استأمن إلينا عدد لهم منعه مثل ألف رجل ثم أمروا عليهم أميراً , فأمروهم بقتالنا من ناحية والخوارج من ناحية , فإن كان أمير الحربيين منهم وهم في منعه بغير منعه [3/ 85]
الخوارج فهم فيء إن ظفرنا بهم. ولو لم يكن منعه إلا بالخوارج فليحكموا فيهم بحكم الخوارج إذا ظفروا بهم. ولو أن عشرة من الخوارج أمنوا عشرة من الروم على أن يخرجوا من أرض الروم فيغيروا علينا معهم ولا منعه لكل فريق فظفرنا بهم فلهم حكم الخوارج , ولا سبي فيهم ولا غنيمة ولا ضمان. ولو لم يؤمنوهم ولكن قالوا اخرجوا قاتلوا معنا فخرجوا وحدهم لذلك فقاتلوا معهم كان ما ذكرنا من الحكم في الخوارج خاصة وكان الحربيون فيئاً , كان أميرهم حربياً أو خارجياً. وإذا وادع الخوارج حربيين فليس لنا نقض ذلك حتى ننبذ إلى أهل الحرب. ولو استعانوا بهم ثم وادعوهم على أن يأخذوهم من طريق وأولئك من طريق ففعلوا فظفرنا بهم , فالحربيون فيء إلا أن يؤمروا أحد الخوارج فلهم حكم الخوارج في رفع السبي ومنع المال. ولو أن الموادعين أغاروا ببلدنا وحدهم فهو نقض للموادعة وهم فيء. وقال في الخوارج قتلهم يستعينون على قتالنا بطائفة من الحربيين فظفرنا بهم فلنا سبي أولئك الحربيين , ولا يكون استعانتهم بهم أماناً وهم فيء بجميع ما معهم. ولا يكون للخوارج قتلهم لأنهم في أمان منهم. فإن تعدوا فسبوهم فعليهم رد ذلك , ولا يشتري منهم أحد ولا مما غنموه لهم من أملاكهم. قال ابن سحنون فإن اشترى منهم أحد كرهناه له ولم نبلغ به الفسخ , وهو كمسلم دخل بلادهم فغدرهم وسبى منهم وأخذ المال فإنما نأمره برد ذلك ولا يقضى عليه , ويكره شراؤه منه ولا يبلغ به الفسخ. ولو قاتلوا مع من ساعدعم من الكفار وقد نفل الإمام السلب فقتل رجل منا مشركاً كان سلبه له وليس له سلب من قتل من الخوارج , ولا يسبون. ولو أخذ الحربيون الذين أعانوا الخوارج مال مسلم فأحرزوه في عسكر الخوارج ثم تاب الخوارج وأسلم الحربيون فليردوا [3/ 86]
في قتال الخوارج والحكم في أموالهم
كل ما أخذوا للمسلم إذا لم يحرزوه في دارهم. ولو أخذه منهم أهل العقل قبل أن يدخلوه دار الحرب ردوه على أهله. ولو أدخلوه دار الحرب ردوه على أهله. ولو أدخلوه دار الحرب ثم أسلموا عليه كان لهم. ولو أخذه منهم المسلمون كان لربه ما لم يقسم فيكون له بالثمن , وما سبى هؤلاء الحربيون من المسلمين فعلى أهل الحرب استنقاذ ذلك منهم وقتالهم عليه. وكذلك ما أخذوا من أموالنا. ولو استهلكوا ذلك ثم أسلموا لم يضمنوا. ولو أعان الحربيين لصوص كان كما ذكرنا في الخوارج. في قتال الخوارج والحكم على أموالهم قال سحنون في الخوارج: إنما قوتلوا وقتلوا لبدعتهم , وسماهم النبي صلى الله عليه وسلم مارقين. قال غيره: وقال: سمارا في الفرق. قال سحنون: فلم يسمهم كفاراً. وسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتالهم بما كان عنده من النبي صلى الله عليه وسلم من العلم فيهم , فلم يكفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم , فمواريثهم قائمة , ولهم أحكام أهل الإسلام في ذلك. وإنما قتلوا بالسنة وبما أحدثوا من البدعة , فكان ذلك كحد يقام فيهم , وليس قتلهم يوجب تكفيرهم , كما لو يوجب قتل المحارب تكفيره ولا قتل المحصن تكفيره , وأموالهم لهم , ولهم حكم المسلمين في أمهات الأولاد وعدد النساء والمدبرين والوصايا , ويردون ما أخذوا للمسلمين إلى أربابه , ولا يتبعون بما أسفكوا من دم ونالوا من فرج , ولا قود ولا دية ولا صداق ولا حد , وما لم يعرف ربه من الأموال فيوقف لأهله. وإن أيس منهم تصدق به. ولم يثبت عندنا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أجاز الانتفاع بسلاح الخوارج ما دامت الحرب قائمة. [3/ 87]
في رجل من العسكر يؤمن العدو على مال أو على غير مال، وهل يقبل قوله في ذلك بعد خروجهم، وكيف إن اختلف فيه رجلان؟
في رجل من العسكر يؤمن العدو على مال أو على غير مال وهل يقبل قوله في ذلك بعد خروجهم؟ وكيف إن اختلف فيه رجلان؟ من كتاب ابن سحنون: وإذا أمنهم رجل من العسكر فللإمام أن يمضي ذلك أو ينبذ إليهم ثم يقاتلهم. ولو كان قد خرجوا على هذا , فإن ثبت بالبينة أنهم إنما خرجوا لأمانة نظر الإمام: فإما أمضاه أو ردهم إلى مأمنهم. فإن لم يكن غير قوله وقولهم , فهم فيء ويقتل منهم من شاء , وقاله غيرنا ولكنهم كرهوا القتل. وإن شهد رجل مع الذي أمنهم , فقال سحنون: يجوز ذلك , ثم رجع فلم يجزه وجعلهم فيئاً. وقال الأوزاعي في السبي يرد العسكر فيقول المسلم: كنت قد أمنتهم , قال: ذلك جائز وإن لم تقم بينة. وكذلك لو قاله الإمام. قال سحنون: يقبل قول الإمام إني كنت أمنتهم. وأما غيره فلا يصدق وهو يشهد على فعل نفسه وهم فيء. ولو أمنهم مسلم على ألف درهم أخذها ثم علم الإمام وهم في حصنهم فهو مخير: فإما أجاز ذلك وأخذ الألف وكانت فيئاً , وإن شاء ردها إليهم ونابذهم. ولو كان قد خرجوا إلى العسكر وأخربوا حصنهم , فإن ثبت تأمينه لهم على هذا المال فالإمام مخير أن يجيز ذلك والمال فيء , أو يردهم إلى مأمنهم من بلد الحرب. وإن أرادوا إصلاح حصنهم وخرهم لذلك , وقد يضعفون عن التحمل إلى بلد آخر. ولو ادعى هذا بعد أن فتح الإمام الحصن وصدقوه لم يقبل ذلك وهم فيء , إلا أن يكون قبل الفتح وهم ممتنعون فيرى الإمام رأيه في إمضاء ذلك أو رده. قال الأوزاعي في مطمورة حاصرها المسلمون , فلما أشرفوا عليها جعلوا جعلاً لمسلم على أن أمنهم: فإن كان قبل أن يدخلها المسلمون جاز أمانه وبولغ في عقوبته وله ما أخذ. وقال سحنون: بل للإمام إبطال ذلك ويرد ما أخذ إليهم أو [3/ 88]
الطاغبة، هل يصدق في نكث أو غيره؟
يجيز ذلك والجعل فيء. قال الأوزاعي: وإذا جاء رجلان بعلج فقال أحدهما أسرناه , وقال الآخر أمناه , قال: يوضع في لمقاسم ولا يقتل. ومن جاء بعلج فقال قد أمنته , قال: يصدق. ولو قال العلج قد أمنني أو لقيني على الطريق أريد إليكم فقال الرجل: لقيته على الطريق وما أمنته , فهذه شبههة ويجعل فيالمقاسم ولا يقتل. قيل: أيحلف؟ قال: إن كان متهماً , حلف , وإن كان من أهل الصدق لم يحلف. وفي مثل هذا المعنى باب بعد هذا قد تكرر منه كثير. في المسلم يأتي إلى الحصن يزعم أن الأمير أرسله إليهم بالأمان بكتاب يخبر فيه أو بغير كتاب فصدقوه وفتحوا الحصن وقد كذب لهم. وكيف إن جاء رسول من الطاغية هل يصدق في نكث أو غيره؟ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا أرسل الأمير رسولاً مسلماً إلى حصن أو مدينة للروم في حاجة له , فأتاهم بكتاب افتعله أو بغير كتاب يزعم أن الأمير أرسله إليهم بكذا من أمانهم أو بأمر ذكره لم يؤمر به , ففتح الملك المدينة ودخل المسلمون فسبوا , فذكر الملك ما قال الرسول عن الأمير فأقام عدلين مسلمين أن الرسول قال ذلك فأنكر الأمير ذلك , قال: ذلك يلزمه ولهم الأمان ويرد عليهم ما أخذ منهم لأنه رسول له معروف , فليس عليهم أن يعلموا ما أمره كما لو نادى: إن هذا رسولي وجب قبولا قوله لأنه أمينه. وكذلك لو كان ذمياً أو مستأمناً , وإن كنا نكره إرسال الكفار في هذا. فأما إن لم يعرف أن الرسول قال لهم ذلك قبل الفتح بالبينة إلا بقبول الرسول بعد الفتح إني قلته لم يصدق على الإمام وهم فيء. فإن وقع للرسول منهم سبي لم يعتق عليه لأن ذلك القول لم يعقد لهم أماناً. [3/ 89]
وقال أهل العراق: يعتقون عليه لأنه مقر أنهم أحرار , ولكن لا يتركون يرجعون إلى دارالحرب. وأما إن جاءهم بهذا رجل ليس برسول للأمير بكتاب افتعله أو قول بلسانه بمحضر عدلين مسلمين بما حكى من الأمان ونحوه ففتحوا الباب فسبوا فقاموا بذلك , فلا سبيل عليهم لأمهم شبهة , ويرد ما أخذ لهم من مال أو سبي , , ولا يعارضوا حتى ينبذ إليهم كما لو أمنهم مسلم عندهم فهو أمان. ولو ادعوا أنه قال لهم ذلك أو جاءهم بكتاب ولا بينة لهم فهم فيء. ولو قال لهم هذا الذي ليس برسول هذا القول ففتحوا لكانوا آمنين حتى ينبذ إليهم , ولا يصدقون أنه قال لهم ذلك إلا بشاهدين من المسلمين عدلين. ولو قال لهم رسول الأمير: إن فلانا القائد يؤمنكم , أو إن المسلمون يؤمنوكم – قال ذلك بمحضر عدلين- ففتحوا , فهم في أمن حتى ينبذ إليهم ومن أخذ لهم شيئاً رده. ومن أرسل إليهم من مسلم أو ذمي أو حربي بالأمان فبلغهم , ثم رجع إليه فأخبره , فليف لهم وهم آمنون. ولو أمنهم رجل مسلم من العسكر فهي شبهة وهم آمنون حتى ينظر الإمام فيجيز ذلك أو يرده. فإن رده فأرسل رجلاً عدلاً ليأخذوا حذرهم ورجع إليه فأخبره أنه بلغ عنه , فليصدقه ويحاربهم إن شاء , ورجلان عدلان أحب إلي في هذا. ولو بعث مسلماً غير عدل أو ذمياً فأخبرهم , فلا يغير عليهم المسلمون بهذا. وليس وليس نقض العهد والنبذ مثل الأمان الذي يكف عنهم به لأن في النبذ القتل والسبي. ولو أغر عليهم المسلمون بذلك فسبوا فقالوا ما علمنا ذلك ولا نبذ إلينا , فليرد ما أخذ لهم ويؤتنف إليهم النبذ , ومن كان قتل منهم فلهم ديته , وليبعث في النبذ عدلين. وإن بعث أجزأه. وقال أهلالعراق: يرسل إليهم رجلاً في النبذ معه عدلان يشهدان على نبذه لأنه لا يشهد على فعل نفسه , فأنكر هذا سحنون وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث [3/ 90]
في المسلم يأتي إلى حصن يزعم أن الأمير أرسله إليهم بالأمان بكتاب يخترقه أو بغير كتاب، فصدقوه وفتحوا الحصن وقد كذب، وكيف إن جاء رسول من فيمن أمن على أن يدل على شيء أو يخبر بخبر، فلم يفعل أو خدعهم، أو أمنوا حصنا على أن يعرض عليهم الإسلام ليسلموا، ثم أبوا ذلك
إلى ملوك العجم فما بلغنا أنه أرسل بينة على رسله ولا عمل به الخلفاء. وإذا جاء رجل من عند الطاغية بكتاب إلى الأمير فيه: إني نبذت إليك وناقضتك العهد الذي بيني وبينك فلا يعجل حتى يبعث من قبله عدولاً إلى الطاغية ويخبره بما جاء عنه , ثم يعمل على ما يأتونه به. وأهل العراق يقبلون ذلك إن جاء به حربيان ولا يقبلون واحداً لأنهم يجيزون شهادة الكفار عليهم ولا يجيزون شهادة ذميين ولا مسلمين غير عدلين , وهذا تناقض. في من أمن على أن يدل على شيء أو يخبر بخبر فلم يفعل أو خدعهم أو أمنوا حصناً على أن يعرض عليهم الإسلام ليسلموا ثم أبوا ذلك من كتاب ابن المواز قال عبد الملك فيمن استأمن على أن يخبر فلم يخبر واستعجم وبان لدده , قال يكره أبداً على ما شرط , وهو كسرية أخذت لساناً فاستخبروه فتبين أنه أخبرهم بباطل تعمد التغرير بهم , أو لم يجدوا لما أخبرهم به أثراً فليحمل أمره على أنه عين على الإسلام أراد الغرة بهم , أو غرهم بقلة عدد فجاءهم أكثر منها , أو صرفهم عن طريق عدوهم ولولا ذلك ظفروا بهم , فهذا يقتل لأنه عين وجاسوس. وذكرها ابن سحنون في كتابه عن عبد الملك , فقال: إذا استأمن إلى العسكر ببلد الحرب على نفسه وأهل بيته على أن يدل على العورة والغرة فاستعجم ولم يخبر فما تبين عليه فيه الظنة والكتمان , فإنه يجبر على الخبر , فإما يبين للإمام وإلا رده إلى مأمنه حتى إذا ظهر أنه أخبر الإمام بكذب [3/ 91]
قربه به إلى غرة أو صدفة عن طريق إلى ما يضر بالمسلمين فقد أخفر وحل دمه. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في الحصن يحاصر , فقال رجل منهم: أمنوني على أن أدلكم على مائة رأس بقرية كذا أو مطمورة كذا , فأمنوه على هذا , فنزل فذهب بهم إلى قرية أو مطمورة فلم يجدوا شيئاً فقال كان ذلك بها وذهب , فإن علم كذبه وأنه لم يكن لذلك أثر فلا أمان له وهو فيء , وإن شاء الإمام قتله. وإن لم يتبين كذبه وتبين أنه كان ثم شيء فذهب فله الأمان حتى يرد إلى مأمنه. وكذلك لو فتحوا حصنه لردوه إلى مأمنه من أرضه. وكذلك لو كان في شرطه: فإن لم أدلكم فلا أمن لي فإنما يكون فيئاً إن تبين أنه غرهم. وكذلك لو كان عند المسلمين أسير شرط أن يؤمن على أن يدلهم على مال فدلهم عليه فلا ينبغي , وهو كفداص الأسير بالمال , فإن نزل ذلك وفى له. وإن لم يوجد ما قال وتبين أنه غرهم فللإمام قتله أو استرقاقه. إن تبين أنه لم يغرهم فهو أسير كان للإمام قتله إن شاء إذا لم يأت بما شرط. قال أبو محمد: يريد إذا لم يكن أبقى للاستحياء. قال الأوزاعي: ولو قال: أدلكم على عشرة فدلهم على خمسة , قال: يخلونه ولعله قد جرى فيه حدث. وقال غيرهم لا يخلى حتى يدل على عشرة. قال سحنون: ونحن ننهي عن هذا لأنه من فداء الرجال بالمال. فإن نزل وفي له إن دل على عشرة. فإن دل على أقل لم يطلق. ولو شرط من حصنه أمانه على الدلالة على عشرة غدل على أقل منها , فإن دل على أكثرها فهو آمن. وإن دل على خمسة فأقل فلا أمان له ويرد إلى مأمنه إن تبين أنه لم يغرهم. وإن نزل فقال [3/ 92]
لا أدلكم على شيء فهو فيء وللإمام أن يقتله أو يسترقه. ولو شرط إن لم أدلكم على ما ذكرت فأنا فيء فلم يف فهو فيء وليس للإمام أن يقتل هذا. وإن وفى فله شرطه , وكذلك في هذا. وإن تبين أنه لم يغرهم حين لم يجد شيئاً فإنه فيء لأنه لم يشترط إن لم أجدهم وزالوا فلا سبيل علي. وكذلك إن قال إن لم أف فأنا ذمة لكم فهو كما قال. وإذا قال لهم أهل حصن: نفتح لكم على أن تعرضوا علينا الإسلام فنسلم فرضوا وفتحوا فعرض عليهم الإسلام فأبوا فليجبروا على الإسلام أبداً بالسجن والضرب ونحوه. ولو كان في الشرط: فإن لم تسلموا فلا أمان لكم , كانوا فيئاً إن لم يسلموا , واللإمام قتل من شاء من رجالهم. وإن أسلم بعضهم فهم أحرار والباقون فيء. ولو هذا علج فنزل فعرض عليه الإسلام فأبى فليجبر عليه من غير قتل ولا يرد ولا يسترق. وإن شرط عليه إن لم تسلم فأنت فيء فرضي فهذا إن لم يسلم فيء وللإمام قتله. ولو أسلم فقد صار فيئاً بامتناعه , ولا ينتظر حكم الإمام أنه فئ ولكن يبقى رقيقاً ولا يقتل. وإن قال أمهلوني حتى أنظر لم يمهل إلى أجل , وإما أسلم أو صار فيئاً كما لا تؤخر المملكة. وقال غيرنا: يؤخر ثلاثاً كفعل عمر في المرتد , وتأخير المرتد لم ير مالك أنه أمر لازم ونحن نستحسنه. وقال قبل هذا سحنون: يؤخر المرتد. قال: وإن سكت في عرض الإسلام عليه ولم يتكلم فليعرفه الإمام أنه إن لم أسلم فأنه فيء فله شرط ويحسب من ساعة قال أسلم إلى مثل تلك الساعة من اليوم الرابع. فإن لم يسلم صار فيئاً ولا ينتظر فيه رأي الإمام. ولو قال على أن أسلم إلى ثلاثة أيام , فهذا إن مضت ولم يسلم جبر أبداً بالضرب والسجن حتى يسلم. ولو قال على أني إن أسلم إلى ثلاثة أيام فأنا عبد لكم , فهذا إن لم يسلم فهو عبد ولا يقتل , وإن أسلم كان حراً. وكذلك إن قال أكون لكم ذمة فهو كذلك , وكذلك أهل الحصون. [3/ 93]
وإن نزل على أن يدلهم على مائة رأس في قرية ويؤمنوه فدلهم على قرية قد كان المسلمون يعرفونها أو رأوا ما فيها , فإن عرف أنه لم يعلم بذلك ولم يغرهم فهي شبهة ويرد إلى مأمنه. وإن كان بذلك عالماً فهو فيء إلا أن يدلهم على قرية أخرى. وإذا وصف لهم مكان القرية ولم يذهب معهم فقد وفي. وكذلك لو ذهب معهم فعرفها المسلمون قبل أن يصلوا إليها. ولو نزل على أن يدلهم على بطريق بأهله وولده وإن لم يفعل فلا أمان له , فنزل فوجد بطريقاً قد أخذه المسلمون قبل نزوله أو بعد أو عرفوا موضعه ولم يأخذوه فقال: هو الذي وعدتكم , فإن عرف صدقه رد إلى مأمنه. وإن لم يعرف , فهو فيء إلا أن يدلهم على بطريق آخر بأهله وولده لم يعلموا به. فأما إن وصف البطريق الذي شرط أن يدل عليه قبل نزوله المدينة أو الحصن , فلما نزل وجد أنهم قد علموا بذلك قبل نزوله أو بعد , فقد تبين أنه لم يغرهم لأنه شيء بعينه وليس عليه أن يدلهم على غيره , وليرد إلى مأمنه. ولو كان ذلك بغير عينه , فإما دلهم على ما قال وإلا صار فيئاً إلا تتبين براءته فيرد إلى مأمنه. ولو دلهم على قرية كان دخلوها مرة ثم أشكل عليهم الآن مكانها فهي دلالة تامة. ولو نزل على أنه إن لم يدل حل قتله لزمه ذلك. قلت: لم ذلك وأصل نزوله على أمان؟ قال: قد نزل أهل خبير على النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم إن كتموا مالأ , حلت دماؤهم , فظهر على ما كتموه فاستباحهم بذلك. قال سحنون: وإذا قال الإمام لأسير من العدو دلني على حصن كذا وأخليك فدله , قال: يرسل ويوفى له بشرطه , ثم رجع فقال: لا يخليه لهذا , وكأنه فدي الرجل بمال , وإنما له أن يفادي به أساري المسلمين. ولو ضل عن الطريق , فدله علج أسير على أن يطلقه جاز هذا وكانه فادى به المسلمين حين خاف على هلاكهم. وكذلك من ضل عن العسكر فأسر علجاً ثم قال له: دلني على الطريق ونخليك , فذلك جائز ولا يشبه الفداء بالمال , وكأنه فدى نفسه به حين خاف أن يؤسر. [3/ 94]
في أهل الحصن يؤمنه أحد من أهل الجيش على مال أو على غير مال، أو يؤمن رجلا منهم على أن يدخل العسكر ويرجع، وكيف إن كان أمانا إلى أجل، وكيف إن كان الإمام قد قدم النهي عن ذلك
في أهل الحصن يؤمنه أحد أهل الجيش على مال أو على غير مال أو يؤمن رجلاً منهم على أن يدخل العسكر ويرجع وكيف إن كان أماناً إلى أجل؟ وكيف إن كان الإمام قد قدم النهي عن ذلك؟ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولا ينبغي لرجل من العسكر أن يؤمن أهل الحصن الذي حاصروه ولا رجلاً منهم بغير إذن الإمام , فإن فعل فهي شبهة , وللإمام رد ذلك أو من إمضاؤه على النظر , وله تأديب من فعل ذلك إلا أن يؤمن أحد رجلاً لصلاح رآه من وعده إياه أن يدله على عورة أو يفتح لهم الحصن ويخا فوات ذلك إلى إذن الإمام فأمنه على النظر فيعذر بذلك , ثم للإمام إمضاء ذلك أو رده ويردهم إلى مأمنهم. ومن أمن حربياً بمال أخذ منه على أن يدخل العسكر فيلقي رجلاً ثم يرجع إلى حصنه فأخذ في العسكر فهو آمن حتى يرجع إلى حصنه , والمال المأخوذ فيء. وإن فتح الحصن قبل أن يرجه فله الأمان حتى يرجع إلى مامنه من بلد الحرب والمال فيء. وكذلك لو رجل الحصن المحاصر على مال أخذه فللإمام إمضاء ذلك والمال فيء , أو رد الأمان ورد المال إليهم وينبذ إليهم قبل القتال. وإذا نودي في الجيش بأمر الإمام أن من أمن أهل الحصن أو رجلاً منهم فأمانه باطل , ففعل ذلك رجل من الجيش على جعل أو على غير جعل ولم يعلم أهل الحصن بنهي الإمام فهي شبهة وهم آمنون , ويؤدب من فعل ذلك , ثم للإمام رد ذلك أو إجازته. ولو كان الإمام بين ذلك لهم , ثم قبلوا أمان المتعدي فأتوا فهم فيء. وكذلك ما رد الإمام من هذا الأمان فعلموا برده ثم نزلوا بعد ذلك فهم فيء. وكذلك لو أمنهم رجل فرد الإمام أمانه فعلموا بذلك ثم نزلوا , أو تقدم إليهم الإمام أن لا أمان لكم بأمان من يؤمنكم ثم أمنهم رجل فنزلوا فهم فيء. ولو [3/ 95]
في السرية تؤمن الحصن، ثم تأتيهم سرية أخرى، وهل تدخل سرية فيما غنمت الأخرى، وذكر الدعوى في الصلح في ذلك
ثم مثل هذا لم يفتح حصن أبداً بأمان فاسق من الفساق , إذ كلما نقضنا ذلك عليه عاد فأمنهم , ولكن إذا قال الإمام لا أمان لمن أمنكم حتى أومنكم فهذا كالنبذ إليهم. ولو جاءهم رجل فقال: أرسلنى المير بأمانكم فنزلوا على ذلك وقد كذب الرجل , فهؤلاء يردون إلى مأمنهم إن كان يرسل في مثل هذا. وأما لو قال: لا أمان لمن أمنكم برسالة أو غيرها حتى آتيكم أنا فأؤمنكم فهؤلاء إن نزلوا بتأمين رسول فهم فيء إلا يصح أن الرسول من قبله , فهذا كرجوعه ولهم الأمان بذلك. وكذلك لو قال لا لكم إن أمنتكم ثم أمنهم. ولو أن رجلا وادع قوماً من أهل الحرب سنة على ألف دينار أخذها منهم , فالإمام مخير فإما امضى ذلك وجعل المال في بيت المال وإلا أبطل ذلك ودر إليهم المال ونبذ إليهم. إن لم يعلم مضت السنة أمضى ذلك وجعل المال في بيت المال , وله تأديب من فعل ذلك. وإن مضى بعض السنة فطلب الإمام أخذ حصة ذلك فعلى قياس قول سحنون إن كانت المنفعة قد وصلت اليهم بالموادعة فذلك له. وإن لم يمض إلا الأمر اليسير لا منفعة فيه فليرد جميع المال إن أبطل الموادعة. وإن وادعوهم ثلاث سنين في كل سنة بألف فمضت سنة , فله أن يحبس ألفاً لما سمي. ولو وادعهم الإمام ثلاث سنين فليس له نقض المودعة. وأعاب قول من رأى ذلك وقال: يقول الله سبحانه: " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ". في السرية تؤمن الحصن ثم تأتيهم سرية أخرى وهل تدخل سرية فيما غنمت الأخرى؟ وذكر الدعوى في الصلح في ذلك من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وقال في السرية تحاصر حصناً , ثم يصالحهم أهل الحصن على مال على أن يؤمنوهم حتى تخرج السرية إلى بلد [3/ 96]
الإسلام , ورأوا ذلك نظراً لامتناع الحصن ولما خشوا في انصرافهم عنهم من غير أمان , قال ذلك جائز ولا بأس أن تغير السرية على غيرهم , وأما هم فلا يغربوا لهم سرحاً ولا شيئاً من أموالهم إلا ما أخذوا قبل الصلح ثم إن دخلت سرية أخرى فلا يعرضوا لأهل الحصن إن شهد عدلان بالصلح قهم أمان لهم من جميع المسلمين حتى تخرج السرية الأولى إلى بلد الإسلام , وذلك كالأجل. وكذلك لو قالوا إلى أربعة أشهر , إلا أن ينقص أهل الحصن ذلك ويقولوا نحن ننفض ذلك الصلح وننابذكم الحرب فلهم أن يقاتلوهم. فإن ظفروا بالحصن ثم اجتمعوا مع السرية الأولى ونصراً لها لقلة عددها وخوفاً عليهم , وكانت كل سرية مأمون عليهم أن تقدر على التخلص من بلد الحرب من غير حاجة إلى صاحبتها. فأما إن كانت كل سرية لا تؤمن عليها لو انفردت ولا فيها مقدار على التخلص من بلد الحرب دون الأخرى , فكل ما غنمت كل سرية قبل أن تلتقيا أو بعدما التقيا بينهما , وإذا لم ينقض أهل الحصن ذلك لم يكن للثانية قتالهم وإن ردوا إليهم ما أخذ منهم الأولون إلا أن يرضى أهل الحصن بذلك , فلا ينبغي للمسلمين أن يردوا إليهم شيئاً ولا يعطوهم على النقض مالاً. فإن جهلوا فأعطوهم ونقض أهل الحصن ذلك وقاتلوهم فظفر بهم المسلمون , فإن كانت كل سرية نجاتها بالأخرى فللأولى الدخول معهم فيما غنموا , ولا يأخذوا ما ردوا إليهم من الغنيمة. وقال غيرنا: يأخذونه من الغنيمة , وهذا غلط لأن ما فعلوا خطأ ولم يؤدوه على أن يرجعوا به على أحد. ولو غرموه من غنيمة أخرى لم يرجعوا به. وإن لم تلتق السريتان حتى خرجوا من أرض الحرب سلم لكل سرية ما أخذت , ولم يرجع الذين ردوا إلى الحصن ما ردوا بشيء على الأولى. ولو اجتمعتا بأرض الحرب فإن كان نجاة بعضهم ببعض دخل بعضهم فيما غنم بعض. ولو لم تغنم الثانية شيئاً [3/ 97]
لدخلوا فيما غنمت الأولى إن كان بهم نجاتهم , ولا يرجعون بما ودوا من أموالهم. ولو غنموا من غير الحصن بعد ردهم المال على أهل الحصن فلا يأخذونه مما غنموا , وودوه من أموالهم أو مما غنموا. ولو أن الثانية لم تصدق أهل الحصن في الصلح ولم يجدوا بينة فقاتلوهم وظفروا بالحصن ثن صح عندهم الصلح فليردوا عليهم ما أخذوا , وديات من قتلوا على عواقلهم. وإن عرف كل قاتل فعلى عاقلته ديات من قتل في قول أشهب. وفي قول مالك: إنما الديات على جميع اهل السرية عرف القاتل أو جهل لأنه إنما قوي بمن معه. ولو أن أهل الحصن قالوا للسرية الأولى: امنونا أنتم على مال أعطوهم على أنا آمنون حتى تخرجوا من بلدنا فهذا والأول سواء. ولو قالوا على أن لا تهيجونا وتكفوا عنا حتى تخرجوا من بلدنا , فهذا لمن جاء بعدهم من السرايا أن يقاتلوهم ويغنموهم لأن هذا أمان مخصوص من هؤلاء خاصة , ولمن صالحهم أيضاً ان يسري على غيرهم , ولا ينبغي لأهل لسرايا أن يؤمنوا الحصون على مال إلا ان يؤمنواالحصون على مال إلا ان يأمرهم بذلك الإمام الكبير , لما جاء في ذلك من زوال الجهاد إلا لعذر أو ضرورة. فإن فعلوه لغير ضرورة لم ينقض إلا ان ينقضه الإمام الكبير. وإذا أمنتهم السرية الأولى حتى يخرجوا إلى بلد الإسلام فلا يهيجهم غيرهم. فإن خرج بعضهم فإن كان خرج الأمير والقوم الذين لهم المنعة حل قتال الحصن لغيرهم. ولو أصيبت السرية الأولى فقتلوا ولم يخرجوا فالأمان قائم إلى مقدار ما لو بقوا لخرجوا في مثله. وإن قتل بعضهم فإن لم يبق إلا الرجل والرجلان ومن لا منعة لهم فقد زال الأمان , يريد إلى تلك المدة. وإن بقي من لهم المنعة فالأمان قائم. قال الوزاعي في أهل ملطية لأن أهل ملطية لم يؤمنوهم من مدد , والروم هم , إلا أن يشترطوا عليهم أن تؤمنونا أنتم أيضاً من مدد رجالكم , وقاله سحنون. [3/ 98]
قال سحنون: ولو لم يقع الصلح إلى خر3جهم ولكن على أن امنوهم هذه السنة فذلك لهم أمان من جميع المسلمين , والسنة على سني المسلمين. وإنما لهم ما بقي منها إلى آخر ذي الحجة , بقي منها شهر أو أكثر. ولو قالوا: إنما صالحناكم على ما نحسب نحن عليه فالقول قولهم لأنهم طالبوا الأمان فذلك لهم على عرفهم يحسب. وإن قالوا: نحسب سنة من يوم الصلح لم يندر إلى قولهم لأنهم قالوا هذه السنة. ولو قالوا: أردنا حتى ترجعوا من صائفتكم لم يقبل منهم حتى يثبتوا ذلك في الصلح. ولو قالوا: على سنة أوتنف لهم أثنا عشر شهراً بخلاف قولهم: هذه السنة , وهذا أمان مطلق من جميع المسلمين. ولو حاصروهم فأمنوهم سة على ألا يقاتلوهم ولا يغيروا عليهم فهو أمان من هذا العسكر خاصة. وإن صالحوهم على مال ولم يوقتوا فهذا أمان منهم ومن غيرهم إلى خروخ هذه السرية من بلد الحرب. ولو أرسل إليهم الإمام من بلد الإسلام من يصالحهم على الأمان ولم يوقت فهذا على التأبيد بخلاف عقد السرية , وليس للإمام أن ينكث عليهم وإن رد المال الذي أعطوه إلا أن يرضى أهل الحصن بأخذه على انقض. ولو بعث الخليفة عسكراً من المصيصة وآخر من ثغر ثالث , فبعث أهل الحصن إلى أحد هذه العساكر قبل أن يصل إليهم أحد من العساكر مالاً على أن يؤمنوهم حتى يرجعوا من هذه الغزاة ففعلوا , فللعسكرين الآخرين قتالهم في قولنا. [3/ 99]
وقال غيرنا: لا يعرضون لهم أجمع حتى يخرجوا إلى بلد الإسلام لأن إماماً واحداً بعثهم. قال ابن سحنون: بل لكل عسكر حكمه كما ينفرد بغنيمته عن الآخر , ولكل عسكر أمير لا طاعة له على الآخر. وجامعونا على أن ذلك لو كان بعد وقوف هذا العسكر إليهم أن هذا أمان من هذات العسكر خاصة. قالوا: فأما قبل وقوفه بهم فهو أمان من الجميع حتى يقولوا: أمنونا منكم خاصة فيقصر عليهم. قال سحنون: ذلك سواء. قال سحنون: ذلك سواء. قال سحنون: ولو دخل الخليفة في أحد هذه العساكر فكان إرسالهم بذلك إليه فرضي فذلك أمان من جميع العساكر حتى ينصرفوا لهذا الحصن خاصة. ولو كان الإرسال من الطاغية فقال أمنونا على كذا كان أماناً لجميع مملكته. قال سحنون: ونحن نكره هذه الأمانات من السرايا ومن الأمير الأكبر , وكذلك نكرهه أيضاً من الخليفة لما في ذلك من توهين أمر الجهاد إلا لعذر. فإن نزل لغير عذر , مضى إلى مدته. وإذا أمنت السرية حصناً أربعة أشهر على مال أخذوه فليس لغيرهم قتالهم في الأجل إلا أن يرضى أهل الحصن بإسقاط العهد والحرب على أن يعطيهم هؤلاء ما ودوا إلى الأولين , أو على غير شيء يأخذزنه منهم فذلك لهم. فإن ظفروا بهم فليس لهم أخذ ما ودوا إليهم من الغنيمة. وإن عرفوه بعينة. ولو لم يقدروا عليهم بعد أن أعطوهم المال ثم مضوا إلى داخل أرض الروم فأتت سرية ثالثة فلهم قتالهم في الأجل وبعده. فإن ظفروا لم يدخل معهم من تقدم من السرايا في الغنيمة إلا ألا يقدروا على الخروج إلا بهم , وإلا فلا يدخلون معهم , وليس للسرية الثانية أخذ ما ردوا من هذه الغنيمة أصيب بعينه أو لم يصب [3/ 100]
كل ما ردوا بأمر الإمام أو بغير أمره , ولكن إن ردوه بأمره فليرده عليهم من بيت المال. قال: ولو لم يأتهم أحد غير أن السرية الأولى رجعت إليهم في الأجل فراضوهم على رد المال والحرب ثم ظفروا بهم فلا يأخذوا ما ودوا , وعليهم الخمس فيما أصابوا. وإن دخلت عليهم سرية أخرى فلا يشاركوهم إلا أ، يضعفوا , يريد عن التخلص. ولا ينبغي للإمام موادعة الروم سنة إلا لأمر يعرض فيجوز , ثم يكون ذلك المال كالخراج لا خمس فيه. قال أبو محمد: أعرفه لا خمس فيما يصالح به , يريد ولو كان صلح بعد دخول أهل الحرب , فصالحوا حصناً على مال فينبغي أن يكون فيه الخمس , قاله سحنون في موضع آخر. وقال ابن حبيب: لا خمس فيه كالجزية , قال ولو وادعهم , ثم تبين له أن ذلك خطأ وضرر بالمسلمين فلا ينبغي أن ينبذ إليهم حتى يرد عليهم ما أخذ ثم ينابذهم. وكذلك إن تبين ذلك لمن بعده , ولا سحبس من المال شيئاً بقدر ما مضى من الأجل بل يرده كله , ثم ليس له أخذه من الغنيمة تكون منهم. ولو ودت السرية الثانية إلى الحصن المال , يريد: ما صالحتهم عليه الأولى ودوه بغير أمر الإمام ولا بأمر أمير السرايا ولكن بأمر أميرهم , ثم حاصروه ثم جاءتهم سرية ثالثة ففتحت السريتان الحصن فالغنيمة بينهما بعد الخمس , ولا تأخذ الثانية ما ودت لأهل الحصن من الغنيمة. [3/ 101]
في المراوضة على الأمان والتداعي فيه، وهل يقبل فيه قول الرسل والوسائط، وهل يكون ما يترجم الترجمان يعمل عليه؟
في المرراوضة على الأمان والتداعي فيه وهل يقبل فيه قول الرسل والوسائط؟ وهل يكون ما يترجم الترجمان يعمل عليه؟ قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا حصر المسلمون حصناً فأنزلوا منهم عشرة ليوافقونا على الأمان ورضي أهل الحصن والطاغية بما حكم العشرة , فنزل العشرة وسألوا المسلمين ترك السبي فأبوا اتفقوا معهم على أن أمنوا العشرة خاصة في أنفسهم وأموالهم وعيالاتهم وكتبوا بذلك كتاباً أشهدوا فيه ومضوا , ففتحوا الحصن ودخل المسلمون فسبوا , فقال الطاغية وأهل الحصن: إنما قال لنا العشرة إنكم أمنتم السبي فأنكر ذلك العشرة أو أقروا , أو شهد مسلمان أنهم قالوا لهم قد أمنوا السبي , فهذا كله لا ينفعهم وعقد العشرة قد تم لرضى الطاغية أولاً بما عقدوا عليه وعلى أهل مملكته , ورضاه وحده كاف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يكاتب سيد القوم والرؤساء لا العامة , ويصير كل من في الحصن وكل ما فيه فيئاً غير العشرة وأموالهم وعيالهم , وهم مصدقون في عيالهم وأموالهم إلا أن يأتوا بأمر مستنكر. وكذلك لو أخذ الطاغية وأهل الحصن الأمان حتى يرجع إليهم العشرة فذلك سواء. ولو أخذ الطاغية وأهل الحصن الأمان حتى يرجع إليهم العشرة فيخبروهم بما عقدوا فيرضى ذلك الطاغية أو يرده , فقال العشرة د أخبرناه بما كان ورضي به وقال هو لم أرض فلا يلزمه قول العشرة إلا ببينة. ولو أرسلهم للمقاضاة فقاضاه العشرة على أمر فقال الطاغية أرسلتهم على غيره وقال العشرة بل على ما عقدنا عليه أرسلنا فالقول قولهم لأنهم رسله , إلا أن يشهد للطاغية بينة مسلمون بما أمرهم به فليرد فعل الرسل. ولو نزلوا على تعريف الطاغية ليرضى فقالوا أخبرناه فرضي وأنكر هو الرضى فلا يصدقون عليه. فإن فات في الحصن كسر ونهب ردوا إلى مأمنهم وغرم المسلمون ما أخذ لهم وقيمة ما نهب لهم , ولا تقبل شهادة العشرة [3/ 102]
عليه بالرضى وإن شهدوا بعد أن أسلموا. وكذلك لو شهد بعضهم أن بعضهم أخبره بالصلح فرضي. ولو أن العشرة أخبروا الطاغية وأهل الحصن بالصلح على خلاف ما راضاهم عليه المسلمون وقالوا إنهم أمنوا السبي فصدقوهم , فهذا والأول سواء ولا يعرض لما في الحصن من سبي ولا غيره. ولو أن الطاغية وأهل الحصن رضوا بهذا الصلح الذي هو بخلاف ما عقدوا عليه فقال المسلمون نحن نسلم لكم السبي ونأخذ ما بقي لأنكم رضيتم به وفتحتم عليه وقال الطاغية والقوم لا نرضى به الآن أو علمنا أن الصلح لم يقع عليه , قال يلزمهم ذلك إذا رجع المسلمون إليه , ثم رجع فقال: لا يلزمهم وهم آمنون حتى ينبذ إليهم إن كانوا في منعه ويردوا إلى مأمنهم , كالمأمور ببيع سلعة بما رآه فباعها بخمسة عشر ثم أخبر ربها فرضي ثم ظهر أن البيع بثلاثة عشر فلم يرض فقال المبتاع: فإنا نؤدي خمسة عشر فأبى البائع فذلك له. ولو بعث الإمام مع العشرة رجلاً مسلماً يشهد إخبارهم إياهم بالصلح فقالوا إنما قال لنا العشرة أمنوكم على السبي وصدقهم العشرة وقال الرجل كذبوا بل أخبروهم كيف كان الصلح أنه على أمان العشرة خاصة وأموالهم وأهليهم , فلا يجوز قول هذا المسلم لأنه واحد وأهل الحصن على أمانهم. ولو كانا رجلين جازت شهادتهما إن كانا عدلين , وصاروا كلهم فيئاً إلا العشرة , وتجوز شهادتهما وإن كان لهما في الغنيمة نصيب , كما لو شهدا أن ذمياً سرق من الغنيمة شيئاً إلا أن تكون الغنيمة جريدة خيل مما يصيب كل رجل منه ما له قدر كثير ومال عظيم فلا تجوز شهادتهما , ولا تجوز في هذا شهادة رجل وامرأتين ولا شهادة أهل الذمة [3/ 103]
وإن بعث الإمام بكتابه مسلمين عدلين مع العشرة فشهدا أن الطاغية قرأ الكتاب ورضي جازت شهادتهما ونفذ الأمر على ذلك , فإن لم يعرفا لغة العلج وقالا قرىء عليه مترجماً فرضي لم يجز حتى يعرفا لسان المترجم. ولو قالا لم نجتمع مع الطاغية وقد جاءا من عنده بكتاب مختوم لم يقفا على أنه كتبه وأرسله , فلما فتح الحصن أنكر هو ومملكته الكتاب وقالوا مفتعل فهم على أمانهم ولا يلزمهم ذلك صدقهم العشرة أو كذبوهم. وكذلك لو كاتب الإمام ملكهم الأعظم على مثل قسطنطينية أو عمورية ولم يدخل إلى نفسه أحداً من المسلمين , وكتب بالصلح إلى ملكهم كتاباً وأمره أن يكتب إليه بما يرضى به , وكتب الطاغية الجواب وطبعه ولم يشهد على نفسه أحداً من المسلمين لا الرسل ولا غيرهم بأنه كتابه ولا حضروا طبعه , فأتى الكتاب فقرأه الإمام وفيه الرضى بالصلح , فلما دخل المسلمون المدينة أنكر الطاغية الكتاب وما فيه وقالوا إنما رضينا بترك السبي , فلا يجب أن يستباحوا بهذا وهم على أمانهم. ولو حضر الرسولان كتاب الطاغية وطبعه إياه لجاز قولهما عليه. قال سحنون: وربما تبين لي أن تقبل شهادة رسول واحد في هذا فيما أتى به عن الطاغية. قال أبو محمد: ويدل على قول سحنون هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الواحد بكتابه وأوامره فيقبل ما يأتي به. وقال: اغد يا أنيس على امره هذا فإن اعترفت فارجمها , فكأنه شيء ولاه إياه من نقل خبر إليه أو عنه وإنفاذ أمر ونحوه. قال سحنون: ولو بعث الأمير عشرة مسلمين بكتاب النبذ إلى ملكهم فقرىء عليه وترجم له الترجمان وترجم عنه ولا يدرون هل بلغ عنه الترجمان الحقيقة فجاؤوا بالجواب على هذا , قال: فهم على أمنهم حتى ينبذ إليهم ويعرف الرسل أن ذلك بلغ إليهم بالحقيقة. [3/ 104]
باب في مسائل الأمان بمعان مختلفة
ولو أن مسلماً جاء بمشرك إلى الأمير , وهو يحاصر الحصن فقال قد كنت أمنت هذا فلا يصدق حتى يشهد شاهدان سواه بذلك , ثم قال سحنون بعد ذلك: أو يشهد شاهد معه أنه إنما جاء به على أمان متقدم. واستحب بعض العراقيين ألا يقبله والإمام بخلاف ذلك , والإمام لا يسأل البينة على فعله , وغيره يكلف عدلان بما فعل. وكان سحنون ربما قال هذا وربما قال غيره. باب في مسائل الأمان بمعان مختلفة من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال المسلمون لأهل حصن للعدو: أخرجوا إلينا أربعة نفاوضهم على الأمان فخرج إليهم عشرون. فإن خرجوا بإرسال من الطاغية فالأمان لأربعة يختارهم الإمام فيردهم , والباقون فيء ولا يقتلون. فإن خرجوا بغير إرسال منه ولا اختيار من أهل الحصن فهم كلهم فيء: إن شاء الإمام قتلهم أو أبقاهم , وليس كل من خرج تجوز مقاضاته. ولو جاز أن يخرجوا بغير إذن الطاغية فتجوز مقاضاتهم لجاز لو خرج عبد أو مجنون قاضيناه. وأما لو قال: من فتح الباب فهو آمن ففتحه عشرون معاً فهم آمنون لأن هذا أمان مقصور على من بادر الباب , والأول يوجب أمان الجميع فلا يكون إلا عن رأي الطاغية. ولو قال لهم الإمام: عشرة منكم آمنون على أن يفتح لنا الباب , ففتح ودخل المسلمون , فيختار الإمام منهم عشرة يؤمنهم ليسوا من أراذلهم وعبيدهم وصبيانهم , وأحب إلي أن يكونوا من خيارهم , ولا شيء لهم في أموالهم وعبيدهم ونسائهم وذراريهم. ولو كانوا هم القائلين نفتح الباب على أن شرة منا آمنون كان اختيار العشرة لهم ويختارون برؤوسهم دون من لهم من عبيد ونساء وذرية ومال , ولا يترك لهم إلا ما عليهم , ولهم أن يجعلوهم عبيداً أو أحراراً نساءً أو رجالاً , فإن اختلفوا فيمن يختارونه أقرع بين جميعهم في ذلك. واو قال الإمام: يخرج إلينا هؤلاء الأربعة وهم آمنون نراوضهم على الصلح , أو قال نراوضهم ولم يذكر أماناً ولا مراوضةً , فهو أمان عندنا للأربعة. [3/ 105]
وقال أهل العراق وإذا قال: تخرجون فقط فله قتلهم. قال سحنون: بل ذلك يشبه الأمان. وكذلك لو قال: يخرجون إلينا نبايعهم كان أماناً. ولو خرج غير الأربعة المشار إليهم كانوا فيئاً. ولو خرج أربعة فأشكل علينا هل هم أولئك أو غيرهم فيسألون فإن قالوا نحن هم صدقهم الإمام بلا يمين. وإن قالوا نحن غيرهم كانوا فيئاً. ولو خرج عشرون كل واحد يقول أنا من الأربعة كانوا كلهم آمنين. وكذلك لو دخل عشرة إلينا ثم لحقهم مثلهم فلم يعرف الأولون. ولو قال أمير الحصن أفتح لكم الباب على أني آمن على عشرة من الحصن أو على أن لي عشرة آمنين أو على أن تؤمنوا لي عشرة , كان هو وعشرة يختارهم آمنين في أنفسهم وأموالهم , وهو كقوله أمنوني وعشرة أو أمنوني على عشرة منهم. وإذا قال أفتح لكم على أن لي عشرة آمنين من أهل هذا الحصن فله عشرة يختارهم سوى نفسه , فيكونون هم آمنين وأموالهم لهم وهو آن معهم. وقال بعض أهل العراق مثله إلا في حرف واحد , فإنه قال إن اختار نفسه فيهم كان آمناً , وإن اختار عشرة غيره كان فيئاً. وروي أن أبا موسى حاصر حصناً فقال له صاحب الحصن أمن لي عشرة من أصحابي وأفتح لك , فرضي أبو موسى وقال له آعزلهم , فعزل عشرة ونسي نفسه فقتله. قال سحنون: ولسنا نأخذ بهذا لأن مخرج ذلك أنه لم يأخذ ذلك لهم إلا وذلك له أوكد. وأمن عمر مع الهرمزان بأقل من هذا. ولسحنون قول آخر أنه يكون عاشر تسعة منهم يختارهم أهل الحصن فيكونون آمنين وقاله بعض العراقيين , إلا أنهم قالوا يختارهم إمام المسلمين. ولو قال: على أني آمن وعشرة فهذا يكون هو وعشرة آمنون. وقال سحنون: الخيار في العشرة لصاحب الحصن. [3/ 106]
وقال أهل العراق: الخيار فيهم لأمير الجيش. وكذلك لو قال على أن تؤمنوني مع عشرة , كان هو وعشرة يختارهم هو آمنين. وفي القول الآخر يختارهم الإمام. قال: ولو قال أمنوني مع عشرة من أهل بيتي فهو آمن مع عشرة من أهل بيته يختارهم , وفي قوله الآخر هو وتسعة يختارهم. وكذلك في عشرة من بني أبي في اختلاف قوله. وأما إن قال في عشرة من إخوتي فهو أبين أن يكون هو وعشرة من إخوته يختارهم هو لأنه لا يحسن أن يقال للرجل هذا من إخوته. ويقال هذا من بني أبيه. ولو قال رأس الحصن أمنوا عشرة من إخوتي أنا فيهم أو أمنوا عشرة من ولدي أنا فيهم , أو قال من أهل بيتي أو من حصني أنا فيهم , أو قال في ذلك كله أنا أحدهم , فهو سواء وهو حادي عشر ممن قال , وهو ومن اختار آمنون , يعني ولهم أموالهم. قال وليس يؤخذ الأعاجم إلا بظاهر قولهم , ولا يحمل عليهم المعاني المنصرفة في اللغة , يريد ولكن بما يعرف أنهم قصدوا إليه. وقد كان يقول في قوله أنا فيهم أو أنا أحدهم أنه عاشر عشرة , وهذا بخلاف قوله أمنوا عشرة من إخوتي أنا فيهم , أو من ولدي أنا فيهم , لأنه لا يقال إن الرجل من إخوته ولا من ولده , ويجوز أن يقال إنه من أهل حصنه ومن أهل بيته. وإذا قال أمنوني في عشرة من ولدي أو قال من بني فهو آمن وعشرة غيره يختارهم هو من بنيه كانوا ذكوراً أو إناثاً , وله أن يختار من الذكور ومن الإناث أو من ولد البنين إن شاء , ولا يختار من ولد البنات , وله أن يدع الذكور ويختار الإناث أو من ولد الولد دون الولد. وقال بعض أهل العراق وإذا قال في عشرة من بني وكلهم إناث فذلك باطل ولا يؤمن إلا هو وحده لأن البنات لا يقال لهم بنين. [3/ 107]
قال سحنون هذا لو كان المستأمن من العرب أو ممن يعرف كلام العرب ومعانيه فأما العجم فلا يفرقون بين هذه المعاني وهم يذكرون المؤنث وؤنثون المذكر والبنات عندهم ينون وإنما يؤخذ في ذلك بمعانيهم. وكذلك في الإخوة والأخوات على هذا. ولو قال في عشرة من إخوتي لم يدخل في ذلك بنو الإخوة في لسان أحد من الأمم. ولو كان له أخوات لم يدخلن عندي في الإخوة إلا أن يكونوا عجماً لا يفرقون بين الإخوة والأخوات , ويجري الأعمام والعمات وبنوهم مجرى ما ذكرنا. وكذلك الأخوال والخالات وبنوهم. ولو قال على أن تؤمنوني في عشرة من أصحابي أو قال موالي أو عبيدي فهو مع عشرة منهم يختارهم آمنون. ولو نظر الإمام إلى فارس منهم فقال له أنت آمن في عشرة من فرسان الحصن إن فتحت الباب فهو مع تسعة من الفرسان آمنون. وفي قوله الآخر: فهو وعشرة آمنون , والخيار لصاحب الجيش لأنه هو مبتدىء ذكر الأمان. ولو قال في عشرة من الرجالة لم يكن بد من عشرة سواه لأنه فارس والخيار له. ولو قال لراجل أنت آمن في عشرة من الرجالة فمثله في اختلاف قوله في العدد. ولو قال من الفرسان لم يكن بد من عشرة سواه. ولو قال في عشرة من بناتي فلا يدخل الذكور ها هنا من بنيه ولا من بني بنيه. وإن لم يكن له إلا بنات بنات فلا أمان لهن إلا أن يسمي شيئاً يعرفن به مثل أن يقول لي بنات ماتت أمهن فأمنوني في بناتي فيكون هؤلاء كالبنات , أو يكون قوم عجم لا يفصلون بين بنات البنات ولا بين بنات البنين. ولو قال من موالي وله موالي من فوق وموالي من أسفل فهو على ما نوى منهم والقول قوله. وإن لم تكن له نية فإني أجعلهم في مواليه من أسفل. فإن لم يكن له أحد من أسفل كان ذلك في مواليه من فوق. [3/ 108]
ولو قال: أمنوني علي قريبي زيد بن عمر , فكان له قريبان بذلك الإسلام والنسب ابن خال وابن عم , قال فالقول قوله فيمن أراد إن شاء ابن عمه وإن شاء ابن خاله. وإن لم يكن نوى أحدهما فله الخيار الآن في أحدهما. وقال غيرنا: الأمان لمن نواه الإمام منهما , فإن لم ينو فما نواه المستأمن , فإن لم ينو فهما آمنان. ولو قال رأس الحصن: أمنوني على عشرة بنين من بني وأفتح لكم ففعلوا وفعل , وله بنون وبنات , فله أن يختار بنين وإن شاء بنين وبنات , وليس له أن يجعلهن بنات كلهن , لابد أن يجعل فيهن بنين ولو ذكر واحد , لقوله عشرة بنبن من بني , فأما قوله: على عشرة من بني فله أن يجعلهن بنات كما لو قال من عبيدي يجعلهن إن شاء إناثاً أو إناثاً وذكوراً. ثم قال سحنون: عاودني في قوله: عشرة بنين من بني وثبت على أنه إن قال عشرة من بني أن له أن يجعلهن إناثاً. وإن قال أمنوني في عشرة من عبيدي وله ذكور وإناث فله أن يخلط أو يجعلهن إناثاً كلهن أو ذكوراً وكذلك في العتق إذا لم تكن له نية في أعيانهم وقيل له اختر. وإذا قال أمنوني في عشرة من عبيدي وليس له إلا إماء بطل الأمان فيهن. وكذلك لو قال عبيدي أحرار أو عشرة من عبيدي أحرار وليس له إلا إماء فلا عتق عليه لأنه لا يقال للإماء إذا انفردن عبيد. وأما لو قال على موالي أو في موالي وليس له إلا مواليات فلهن الأمان لأنه وقع عليهن اسم موالي. ولو قال على إخوتي أو بني وليس له إلا أخوات أو بنات فلا أمان لهن إذ لا يقال لهن إخوة حتى يكون فيهن ذكر ولا بنون حتى يكون فيهن ذكر. قال الأوزاعي: وإذا: وإذا طلبك العلج الأمان بعد أن استأسر في القتال فلك أن تقتله أو تسترقه ولا تؤمنه , وقاله سحنون. وقال الأوزعي: ومن لقي علجاً فسأله الأمان لحاجة يريدها فهو مخير أن يؤمنه أو لا يؤمنه ولكن يرده إلى مأمنه. [3/ 109]
قال سحنون في العدو يريد لقاءنا في أمر يعقده من صلح أو فداء أو رهائن , فأراد من جاء بذلك لقاءنا فيه من غير استئذان أو إحداث عهد ثقة بأنفسهم أو لغير ذلك , فقالوا لنا أخرجوا بحشدكم ونخرج بحشدنا ونجتمع لذلك , فلما تراأى الجمعان أراد المسلمون أن ينتهزوا منهم فرصة , قال لا تفعلوا وليس هذا أصل ما خرجوا عليه. قال أبو محمد: وفي الجزء الثالث باب جامع في وجوه الأمان والخفر والخديعة. [3/ 110]
[الجزء الثاني من الجهاد]
باب آخر جامع لمسائل من معاني الأمان وفي أمان الأساري والقول فيهم من كتاب ابن سحنون: قال سحنون في قول الله سبحانه: " ثم أبلغه مأمنه " إنها قائمة معمول بها. وحد مأمنه أن يبلغه أول حصونهم ومعاقلهم وتكون حصون متصلة. وأما إن كان حصناً من حصونهم مما يلي الإسلام منقطعاً من حصونهم لا يأمنون فيه فأستحسن ألا يكون قد بلغ مأمنه. وإذا كانت الحصون متصلة فنزل في الحصن الأول فبات عندهم فأخذ المسلمون ذلك الحصن فلا أمان للذي بات عندهم. ولو لقيته السرية قبل بلوغه مأمنه فلا يعرض له. قال سفيان والأوزاعي وإذا أسر رجل علجاً ثم قال له لا تخف , قالا فإنما الأمان قبل الأسر ولكن هذا لا يقتل ويباع. قال سحنون وإذا كان يعني: لا تخف من القتل فليبع ولا يقتل. قيل له: فعمر حين قال للهرمزان تكلم لا بأس عليك , فوقف عن قتله لهذه الكلمة ولم يسترقه. قال فقد اختلف فيه وقيل إنما تركه لأن بعض أصحابه رآه يصلي , والصلاة لا توجب له الحرية وإنما صلى بعد الأسر. وإن جاء علج يطلب الأمان فبدر إليه رجل فقتله قبل أن يعطى الأمان فقد أساء ولا شيء عليه ولا دية. وإن كفن فحسن ولا ذلك عليه بواجب فيما يظهر. [3/ 111]
قيل: فإن سأل الأمان وهو في الحصن أيرمى؟ قال: إن رضي بالجزية فلا يرمى. وإن لم يرضى بها فلنا أن نرميه. وإذا بذل أهل الحصن الجزية بعد أن بلغوا من حصارنا مبلغاً ضيقاً أشرفنا فيه على أخذهم فلا يحابوا إلى ذلك ورقهم أولى , ولو أسلموا في هذا الحال لأنجاهم من الرق. وكره مالك كثرة جلب هؤلاء السودان وقال: هؤلاء العلوج لا يكاد يدخلهم الإسلام. وقد كره عمر جلبهم. قال: ولما قتل أبو لؤلؤة عمر رحمه الله وقد كانت السكين التي طعنه بها رئيت قبل ذلك بيوم فى يد الهرمزان وهو صاحبه , فقال عبيد الله بم عمر فقتلهما فحبس وتكلم الناس فيه , وكان رأى عثمان ألا يقتل , فترك قبل أن يلي عثمان. قال عبد الملك بن مروان , فترى أنها أول مظلمة وقعت في الإسلام. وقال سحنون في أسير في وثاق يسور من الليل خزفاً مما يتقى وضجراً من الألم , فقال له حارسه لا تخف , أذلك له أمان؟ قال ليس ذلك بأمان له. وإنما هذا أمان لو قال له ذلك وهو مطلق هارب في الهزيمة. قيل لسحنون فلو صاح به في الهزيمة لا تخف وقد أمكنه وعلم أنه لا يفوته؟ قال ومن يعلم أنه لا يفوته , فأراه له أماناً. قلت له: روي عنك أنك قلت: ويسترق. قال: ما أعرف ذلك وقولي الأن إنه حر. قيل فلو امتنع أربعة أعلاج فنادى واحد بالأمان فأمناه. فلما دخل عليهم لم يعرف من الصائح منهم , قال فالأمان لجميعهم وهم أحرار إلا أن يعطوه الأمان على استرقاقه فيرقون. قال ولو نادى علج بالأمان خارج العسكر فأمناه فهو حر آمن , وللإمام أن يجيز ذلك أو يرده إلى مأمنه. وإذا بعث الإمام سرية بأمير [3/ 112]
أمره عليهم , فغنموا وجاؤوا بأسارى وفيهم من يعرف بالنكاية للإسلام فهل يقتل؟ قال: إن أسروهم على شرط الأسترقاق أو أسروهم ثم استحيوهم على الإرقاق فلا يقتل منهم أحد. وإن أسروا قهرا وغلبة ثم لم يسحيوهم على الإرقاق فليقتل منهم الإمام من رأى قتله صلاحاً , وليسترق من يرى أم ذلك أفضل فيه. ولو اقتسموهم بأرض الحرب لم يكن للإمام قتل أحد منهم وإن كان ممن فيه نكاية ولو عزلوا خمسهم ببلد الحرب وفي رقيق الخمس من له نكاية , قال ك لا يقتل والقسم مانع للقتل. قال: وإذا بعث بأسرى إلى أمير المؤمنين , فإن كانوا من الخمس فلا يقتلون لأنهم قد قسموا. وإن لم يكونوا من الخمس وكان ذلك ليرى الإمام فيهم رأيه فليقتلهم إن كانوا أهل الحرب وله أن يستحييهم. وأحب إلينا ألا يفعل. وإن بعثوا ليستخدموا فلا يقتلوا , وإن بعث بهم إليه ليقتلهم فأسلموا أو بعضهم فليبع من أسلم منهم. فإن قدر على الجيش قسم الثمن بينهم وإلا بيعوا وتصدق بأثمانهم. قلت: قال الأوزاعي وسفيان: إذا أتي بالأسير إلى فأجمع رأيه على بيعهم ثم بدا له أن يقتلهم فذلك له. قال سحنون: لا أرى ذلك ولا ينبغي أن يقتلهم بعد أن استبقاهم. وعن الأسير يستخبره الإمام عن خبر فيخبره فيتهمه أيضربه ليصدقه؟ قال: ذلك له ولا أن يقتله إلا على الإجتهاد. قال الأوزاعي: لا يضربه , وكره سفيان ضربه. [3/ 113]
في الأمان ومن يدخل فيه بالمعنى وإن لم يسم، وما يكون فداء من ذلك وما لا يكون فداء من الأموال ويدخل في الأمان
قال سحنون: ولا بأس أن يوثق الأسير بالحديد إن خيف منه. وإن رأى أن يجعل في عنقه الحديد فعل إن خاف منه. قال سحنون: ولا بأس أن يؤمن الحربي على أنه إذا جاوز موضعاً كذا فلا أمان له. في الأمان ومن يدخل فيه بالمعنى وإن لم يسم وما يكون فداء من ذلك وما لا يكون فداء من الأموال ويدخل في الأمان من كتاب ابن سحنون: وإذا حاصر المسلمون حصناً فقال رجل من الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على فلان رأس الحصن فرضوا وفتح , فالرأس مع الرجل آمنان. وكذلك لو قال: أنا آمن على فلان , أو قلنا له: قد جعلناك آمناً على فلان , كما قلنا له أمناك على أهللك كان آمناً معهم , ولو قال أعقدوا لي أو عاقدوني أو اكتبوا لي الأمان عليه أو أجعلوا لي الأمان عليه كانا آمنين. وكذلك لو خاطبوه هم بذلك. وإن قال عاقدوني لي الأمان على ولدي أو قال على قرابتي أو بني أو بناني , أو قال إخوتي أو أعمامي أو عماتي أو عيالي فهو ومن اشترط آمنون. قال سحنون ولو قال عاقدوني الأمان على عيال فلان أو على ولده فهو آمن وكل من اشترط. وقال أهل العراق في هذا هو فيء والذي شرط أمانهم آمنون. وإن نسبهم إلى نفسه فقال عيالي أو بني أو إخواتي استحسنت أن يدخل معهم في الأمن. وأجمعوا لو قال على أهل بيتي أو أهل مملكتي أو أهل قلعتي أو حصني على أن أفتح لكم الباب أنه داخل معهم في المن. واما الأموال والسلاح ففيء. وأجمعوا لو قال آعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أدلكم على الطريق فهذا [3/ 114]
يكون كل من في الحصن آمنين على أموالهم وسلاحهم ومتاعهم. وأما قوله على أن أفتحه لكم دليل على أنه أراد الناس خاصة بخلاف قوله على أدلكم على كذا وكذا. ولو قال على أهل حصني على أن أفتحه فتدخلوا فتصلوا فيه ففعل وفعلوا فلا شيء لهم من سبي ولا مال. ولو قال أمنوني على اهلي على أن تدخلوه فهذا أمان على الناس خاصة. قال سحنون وإن قال أفتح لكم على أن تؤمنوني في بني أو أهلي أو في أهل حصني , أو قال معهم أو تؤمنوني وأياهم , فالأمان للرجال , والأموال فيء. وإن قال رجل من الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم نأخذها ففعل فله الألف وهو آمن وماله فيء وكل ما في الحصن فيء. ولو قال على ألف درهم من مالي أخذها من كان عيناً أو عرضاً فإن لم يف بها لم يكن له غيره. ولو قال من دراهمي فلم يكن له دراهم فلا شيء له وماله فيء وهو آمن بخلاف قوله من مالي وهذا كالوصايا إن أوصى له فقال من مالي وله عروض فذلك له. وإن قال دراهمي ولا دراهم له فلا شيء للموصى له. ولو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على عشرة أرؤس من الرقيق أو عشرة أفراس من الكراع فهذا والأول سواء ويعطيه ذلك المسلمون. وذلك على ألف درهم ويكون على ما في الحصن في ويعطونه الألف كما شرطوا له. ولو لم يشترطوا عليه فتح الحصن ولكن قال لهم قولاً مستقبلاً أمنوني حتى أنزل إليكم على ألف درهم , قال من مالي أو لم يقل , ففعلوا فنزل فعليه الألف الدرهم , وكذلك على عشرة أرؤس من الرقيق أو من رقيقي , وهذا كله فداء وليعطهم ذلك. قال سحنون وإن قال أمنوني على أهل بيتى أو قال على ولدي أو قال مالى حتى أنزل إليكم فأمنوه فهو آمن ولا شيء عليه , وما نزل به معهمن ذلك فهو آمن عليه. وإن لم ينزلوا معه فأهله وولده وماله له , بقي ذلك في الحصن أو نزل به , [3/ 115]
والقول قوله في تعيين ذلك ,وكذلك على رقيقي. ولو قال على نصفهم فعليه نصف رقيقه كالفداء. وكذلك على نصف ماله. ولو قال أمنوني على زوجتي أو قال فلان فهما آمنان وليس هذا بفداء. ولو قال على عشرة من ولدي فليس هذا فداء وو آمن عليهم ولا فداء عليه لأنهم ليسوا بمال. وكذلك لو قال على فلان هما آمنان. وكل ما نسبه إلى نفسه فعم به فقال على مالي أو قال على رقيقي أو على سلاحي فذكر صنفاً وهو ماله كله فليس بفداء وهو آمن على ذلك. وإن خص صنفاً من أصناف ماله كله كان فداء ووجب ذلك عليه كقوله ونصف رقسقي أو نصف مالي , أو قال على سيفي هذا أو درعي أو على عشرة من رقيقي أو خيلي لأنه إنما فدى نفسه. فإن نزل أخذ بالفداء. فإن نزل معه حين نزل بماله زوجته وبناته وعياله فهم فيء أجمعون , ولا نجيز له من ذلك إلا أن ينزل بنفسه وما عليه من لباسه , لأنا لو أمناه على أن ينزل بلا فداء لم يكن آمناً ألا على نفسه لأنا محاصرون له , فلا يدخل شيء من ماله في الحصن في الأمن إلا بأماننا. فإذا قال أمنوني على أن أنزل إليكم على عشرة أرؤس من رقيقي أو على ألف درهم فإن نزل معه بمثل ذلك وقال جئت به لشرطكم فله ذلك لأنا سلطناه بالشرط على أن يأتينا به. فإن جاء بزيادة فلنا أخذ الزيادة. وكذلك إن جاء بعشرين رأساً فقال جئت بها لتختاروا كان لنا أخذ الباقي. وإن جاء بعروض فقال جئت بها لأبيعها وأعطيكم الشرط لم يصدق لأنه غير الصنف المشترط فيكون ذلك فيئاً ويطلب بالفداء. وقال غيرنا إذا شرطنا عليه عشرة أرؤس ولم يقل من رقيقي , فنزل بمال وقال جئت لأبتاع به شرطكم صدقناه في العين خاصة مع يمينه وجعلنا ذلك فداء. وأبي ذلك سحنون وقال العين وغيره سواء لأنه خلاف الشرط. [3/ 116]
وقال سحنون وأهل العراق ولو كان قال عشرة أرؤس من رقيقي فنزل بمال , كان فيئاً ويطلب بالرقيق. ولو قال لم يدعني أهل الحصن أنزل بالرقيق فنزلت بالمال لأشتري به لم يصدق حتى يخبرنا قبل نزوله فنأذن له ولو يذكر في هذه المسائل نزولاُ ولا فتح الباب وقال أمنوني على كذا كان ذلك وذكره للنزول سواء في قياس قول سحنون. قال سحنون: وإذا قال صاحب القلعة أو الحصن أمنوني على قلعتي أو قال على حصني على أن أفتحه لكم ففعلوا وفعل , فهو آمن على الحصن أو القلعة وكل ما فيها من سبي وغيره من مال وسلاح وكراع وغيره. وكذلك لو جرى في كلام أخاف إن فتحتها لكم أن تهدموها , فقالوا له افتح وانت آمن على قلعتك ففتح , فقد دخل في الأمان القلعة وكل ما فيها من سبي. وكذلك الحصن والمدينة , لأنها لا تعتبر بهذا سلامة الحسطان من الهدم. وكذلك لو قال الملك تؤمنونني على أهل مملكتي كان عاماً على كل ذلك. ولو قال رجل من أهل الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي أو قال على أن تؤمنوني من مالي على ألف درهم أو بألف فهو سواء وله من ماله ألف درهم فقط إذا فتح. ولو قال على ألف درهم أو بألف ولم يقل من مالي , كانت الألف له على المسلمين , وماله وكل ما في الحصن فيء وقوله وتؤمنونني وعلى أن تؤمنوني سواء. وكذلك بألف أو قال على ألف. وكذلك لو لم يذكر فتح الحصن فذكر أمان نفسه فقط. وإذا قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي فلم يوجد له مال فهو آمن ولا شيء عليه لأنه هو شرط ذلك لنفسه من ماله فقال من مالي , حتى لو قال أمنوني على أن أنزل إليكم على ألف درهم من مالي كان لهم طلبه بها لأنه فداء بخلاف قوله أفتح لكم. [3/ 117]
ولو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على أهلي وألف درهم ففعلوا ففتح , فله أهله وألف درهم يعطاها من ماله أو غير ماله والباقي فيء. وكذلك بأهلي وألف درهم. ولو بدأ بالمال فقال أفتح لكم وتؤمنوني على ألف درهم وعلى أهلى وولدي فهو آمن على ألف درهم يعطونها له وعلى أهله وولده , وما سوى ذلك فيء. وكذلك قوله: بألف درهم وبأهلي وولدي. وكذلك قوله بجميع قرابتي وأهلي وولدي وبألف درهم من مالي. فإنما هو استثناء وله الألف من ماله. ولو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على أهلي أو بأهلي وألف درهم من مالي ففعلوا فنزل بمال كثير وبأهله , فهو واهله آمنون وألف درهم مما نزل به , وباقي ذلك فيء. وكذلك لو قال على أن تؤمنوني بأهلي وألف درهم من مالي فهو والأول سواء. ولو قال أنزل إليكم على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي وأهلي كان آمناً هو وأهله وعيله ألف درهم. وكذلك إن قال على أهلي وألف درهم. ولو قال أفتح لكم وأعطيكم مائة دينار من مالي ففعلوا , فعليه أن يعطيهم مائة دينار من ماله. ولو قال أفتح لكم وأعطيكم مائة دينار من مالي على أن تعطوني عشرة آلالف درهم من أموالكم فهذا ربا , والربا بيننا وبين أهل الحرب لا يجوز. ولو قال أفتح لكم الحصن وأعطيكم مائة دينار على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي فهذا جائز وهو آمن وعليه مائة دينار وله ألف درهم من ماله. ولو قال في الالف على أن يأخذها هو من المسلمين لم يجز. قال محمد: فإن أمنوه على هذا الذي لا يحل فهو آمن ويرد إلى مأمنه إلا أن يدع الألف فيتم أمانه , أو يترك إمام الجيش المائة دينار ويتم أمانه. [3/ 118]
في الحصن يصالحهم الجيش على أن لا يسلكوا عليهم إذا رجعوا، أو على ألا يشربوا لهم ماء لا يفسدوا زرعا ولا يأكلوه لا يخربوا لهم قراهم ولا نأسرهم ولا نقتل أسراهم، وشرطوا لنا ذلك، وكيف إن خالفوا
في الحصن يصالحهم الجيش على أن لا يسلكوا عليهم إذا رجعوا أو على ألا يشربوا لهم ماء ولا يفسدوا زرعاً ولا يأكلوه ولا يخربوا لهم قراهم أولا نأسرهم ولا نقتل أسراهم وشرطوا لنا ذلك وكيف إن خالفوا من كتاب ابن سحنون: وإذا مر الجيش بحصن أو مدينة لا طاقة لهم بها فتقدموا عنها , فطلبوا الصلح على ألا يرجعوا على هذه الطريق على ألا يقتلوا منا حداً ولا يأسروه , فإن رأي ذلك الإمام نظراً فليعطهم ذلك وإن كانت هذه أقرب. وقد يخاف أن يتبعوا الجيش ولا طاقة للمسلمين بهم ونحو هذا , ثم ليوف لهم ولا يرجعوا عليهم. وإن قال المسلمون إنا لا نزرأهم في شيء من رعي كلأ أو شرب ماء أو غيره وإنما نأخذ هذه الطريق لقربها فليس لهم ذلك. وقد يحتجون بأنكم قد تطلعون على عورة لهم وتنبهون من بلدنا على أمر لم تكونوا علمتم به فذلك جائز لهم. وكذلك صلحهم لهم على ألا يشربوا من نهركم على ألا تتبعونا ولا تر زؤنا بأسر أو قتل , فذلك جائز ويوفي لهم. ثم إن احتاج الناس إلى مائهم لأنفسهم ودوابهم وخافوا على أنفسهم فلهم تناوله وإن أضر ذلك بالماء. ولو كان على أن لا يأكلوا لهم زرعاً ولا ثمراً , فليوف لهم وإن كان لا ضرر على الكفار فيه , فإن اضطر المسلمون إلى ذلك فلهم تناوله. وإن كان على أن لا يحرقوا لهم الزرع والكلأ فليوفوا لهم. قال بعض العراقيين: ولهم الأكل والعلف لأن ذلك ليس بحرق. وقال سحنون: ليس ذلك لهم لأن مرادهم تحصين الزرع والكلأ إلا أن يرى المسلمون أن الزرع والكلأ غير المراد أن يكون داخلاً في الشرط , ويكون ما ينال منه تافهاً لا خطب له. فإن كان الأكل والعلف يذهب أكثر زرعهم فهذا غير وفاء بما جعل لهم. [3/ 119]
وإن كان على ألا نخرب قراهم. قال محمد وقال غيرنا: فلنا أن نأخذ ما وجدنافي قراهم من متاع أو علف أو طعام أو غيره مما ليس ببناء , ولا يمس البناء إلا الخشب الملقى. فقال سحنون: أما قولنا فإن الصلح على أن لا نخرب قراهم , فهذا عبارة عن تحصين أموالهم من زرع ومتاع وخشب ملقى وغيره إلا ما رآه المسلمون خارجاً عن ذلك. وقد يقال أحرق العسكر كذا , يعنون معرة الجيش من نهب وفساد وسيماء خراب الديار وذهاب أموال أهلها. قال غيرنا وإن قالوا على أن لا يأكلوا لهم زرعاً ولا يعلفوه لم يكن لهم حرقه. وإن قالوا على ألا تحرقوه فلهم أكله , وهذا تناقض. وإن شرطوا على ألا يحرق فليس لهم تغريقه. وكذلك لا يحرقون ما شرطوا ألا يغرقوه. وكذلك في السفن لأنه كله إتلاف العين , ما ليس لنا الذهاب بها ولا بإنقاص الديار التي شرطهم فيها. قال سحنون: وهذا رجوع إلى قولنا: وإن شرطوا ألا نقتل لهم أسيراً إذا أصبناهم على ألا يأسروا منا أحداً , فأصبنا أسرى لهم فليس لنا أن نسترقهم ولا نجعلهم فيئاً. وإن شرطوا ألا نأسرهم ولا يأسرونا فليس لنا أن نقتلهم. وأجاز غيرنا في رفع القتل الاسر , فلا فرق بين ذلك. قال سحنون: فإن قتلوا أسرانا ولم نأسرهم فلنا أن نقتل أساراهم أو نملكهم لأنه نقض. فإذا فعل ذلك واحداً منهم فليس بنقض حتى يفعله جماعتهم. أو أميرهم , أو يفعله أحدهم فلا يغيرون عليه. وإن شرطوا ألا يقتلوا أسرانا ولا نقتل أسراهم. فأسروا أسرانا ولم يسترقوهم ولا قتلوهم فليس ذلك بنقض. [3/ 120]
في الصلح على أن لا يكتموا مالا أو لا يحدثوا حدثا ونحو ذلك، فيظهر عليهم خلاف ذلك، أو ينكث أحد منهم أو منا ما وقع به الصلح
في الصلح على أن لا يكتمونا مالاً أو يحدثولا حدثاً ونحو ذلك فيظهر عليهم خلاف ذلك أو ينكث أحد منهم أو منا ما وقع به الصلح من كتاب ابن سحنون: قال يحيى بن سعيد: صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ألا يكتموه مالاً على أن لهم النخل والأموال , فظهر على مال كتموه فاستحلهم بذلك. قال ابن وهب: وقال عمرو بن العص للقبط حين فتح مصر: من كتمني كنزاً فظهرت عليه قتلته , فظهر على رجل كتمه فقتله , فأخرجوا كنوزاً كثيرة. وكتب أبو عبيدة لأهل ديرة من أهل حمص: أمنتكم على دمائكم وأموالكم وكنائسكم أن تخرب أو تكسر ما لم تحدثوا حدثاً أو تأووا محدثاً , فإن فعلتم برئت منكم الذمة , وعليكم إنزال الضيف ثلاثة أيام وبرئت من معونة الجيش. قال سحنون وإذا أمن المسلمون حربياً على أن يدلهم على حصن أو على أمر كذا فإن خانهم فهم في حل من دمه ورقه , فخرج معهم على هذا ثم ظهر أنه خانهم فللإمام قتله أو استراقه. وعن أمير الجيش يصالح قوماً من الكفار بمال أو بغير مال أو صالحهم رجل من المسلمين وصح ذلك , ثم أغارت عليهم سرية لم تعلم فسبوا وغنموا وقتلوا , فليردا الغنيمة , ودية من قتل على عاقله قاتله , وعليهم من أرش الجراح ما بلغ ثلث الدية , وأما ما دون ذلك ففي مال الجارح , ويردوا النساء ولكل موطأة منهن صداق مثلها , وولدها حر لاحق النسب , ويردوا الإماء إلا من حمل منهن , ففيها قيمتها يوم الوطء وتبقى أم ولد للشبهة. وكثير من مسائل النقض في غير هذا الباب الذي قبل هذا. وإن نكث أحدهم السبي لم يكن نكثاً حتى يفعله جماعتهم أو أميرهم. وعن مدينة حاصرها العدو فوثب عليهم أهل ذمتهم من اليهود فحاربوهم , فهذا يوجب رقهم عند ابن القاسم ورق ذراريهم إن قاموا من غير ظلم ظلموا به. [3/ 121]
في النزول بعهد على شرط لا يجوز، ومن نزل بشبهة أو بأثر عهد ذهبت مدته، أو زاد على شرط، أو لم يف به
وكذلك من خفر العهد ممن بيننا وبينه عهد من الحربيين فهو نقض على من وراءهم من النساء والذرية. وقال أشهب: يرد أهل الذمة إلى ذمتهم ولا يسترقوا. قال ابن سحنون: وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكاتب ويعاعهد الرؤساء , فيلزم ذلك من وراهم من النساء والذرية , فكذلك نقضهم نقضاً عليهم. وكذلك فعل الأئمة. وعن حربي استأمن إلينا على أن يدلنا على عورة ثم لقينا العدو فهزمناهم فوجدناه معهم , فقال أسروني في الصف الأول فلا يصدق وهو فيء يقتل أو يسترق إلا أن يوجد مع أسارى مسلمين فيصدقوه , أو يأتي بما يتبين فيصدقوه. ولو ودناه مقيداً أو مصفداً فلا يصدق. وكذلك لو انهزم المسلمون ثم كروا فهزموا العدو فوجدوه معهم وقد فقدوه قبل اللقاء , فإن وجدوه بعد الهزيمة فلا يدرى أكان معهم أم لا وقال هو ما زلت من عسكركم , وقد فقدوه قبل اللقاء , فإن كانت السرية قليلة لا يخفى عن مثلهم زواله لم يصدق إلا أن يقول: ذهبت للعلف أو أطلب الطريق فيصدق. وإن كان الجيش عظيماً صدق بكل حال. في النزول بعهد على شرط لا يجوز ومن نزل بشبهة أو بأثر عهد ذهبت مدته أو زاد على شرط أو لم يف به من كتاب ابن سحنون: قال ابن وهب في العدو يداينون المسلمين على أن يرجعوا من قابل فيأتون فيقولون لا ننزل إلا على ألا يعدى علينا غرماؤنا , فلا يجوز أن ينزلهم الإمام على هذا. فإن فعل فليعد عليهم غرماؤهم. فإن باعوا أخذ منهم العشر. وإن لم يبيعوا فلا يؤخذ منهم شيء ويرجعوا إن شاؤوا. قال سحنون: بل ينظر فإن كان ما يؤخذ منهم من العشر أضعاف الدين فلينزلهم على ذلك , ثم يؤخذ منهم العشر فيؤدى منه الدين لغرمائهم وما بقي انتفع به المسلمون. وإن [3/ 122]
كان ذلك كفافاً ورأى الإمام أن ينزلهم ليأخذوا منهم ما بأخذ أهل الدين القيام ليردوا على المسلمين ما أخذوا من العشر في الدين , قال لا شيء على العدو ولا على الإمام لأنه أمر جرى على المصلحة فيمضي. وإذا كان الدين أكثر مما يؤخذ منهم , وجهل الإمام وأنزلهم على أن لا يعدى عليهم بدين , قال: فليف لهم بالشرط ولا يبطل الدين , ولكن يردهم إلى مأمنهم ولا يدعهم يقيمون على منع الدين. وعن الجيش بأرض الحرب يستأمن إليه حربي من غير حصن حوصر على أن يرجع إلى أهله ثم يعود بتجارة أو لم يذكر تجارة , فلا يجوز التأمين ليذهب ليذهب ويجيء فيصير عيناً لهم. فإن نزل هذا فهي شبهة ويرد إلى مأمنه. وإن قال وعلى أن آتي بتجارة فهو بما جاء معه من تجارة داخل في الأمان. وإن جاء معه بزوجة وأهل وولد فهم فيء. وقال غيرنا هم آمنون ويصدق فيهم , فإن تبين كذبه فهم فيء , ثم ناقضوا فقالوا إن جاء معه برجال فقال هم ولدي لم يصدق وهم فيء , وإنما يصدق في الإناث من رحمة صغارهم وكبارهم وفي صغار الذكور من رحمه. وقال سحنون لا أمان له إلا في نفسه وماله وما جاء به من تجارة ويصدق في رقيقه للتجارة. وجامعونا أن كل من جاء به من الأجنبيين فيء. وإذا أمن الأمير حربياً ليدله على منفعة للمسلمين وفعل ثم عاد إلى بلده فليس له أن يرجع إلينا بغير أمان مؤتنف , وما معه فيء. وإذا أمن على أن يذهب ويرجع ولم يقل أرجع بمال أو تجارة فذهب ورجع فهو آمن في نفسه وولا أمان له فيما جاء به من مال أو تجارة وأهل وولد وقرابة وأجنبيين ممن جاء به , جاء بذلك من قرية قريبة من العسكر أو بعيدة , أو من حصن حاصرناه , فما جاء به من ذلك فهو فيء إلا بتفسير أمان عليه. ولو جاز هذا أن يخرج كل ما في الحصن على هذا. [3/ 123]
فيمن وجد من العدو ببلد الحرب أو ببلد الإسلام أو في العسكر، فقال: جئت للأمان أو للذمة أو للفداء أو للإسلام، أو رسول وشبه هذا مما لم يوجف عليه
قال سحنون: وإذا قال رجل من الحصن أنزل على أن تؤمنوني على مائة دينار فرضوا فنزل فلم يعطهم وقال ما عندي فلا أمان له حتى يعطي المائة. فإن أبى فهو فيء إن شاء الإمام قتله أو استرقه. وكذلك على أن يعطيهم رأساً وإن لم يصفه ولهم رأس وسط أو قيمته فإن جاء بذلك فهو آمن يذهب حيث شاء من أرض الروم. فإذا بلغ مأمنه منها حل قتاله. وكذلك لو رجع إلى حصنه أو رجع إليه بعد أن بلغ مأمناً من بلد العدو إلا أن يشترط أنه آمن إلى أجل يذكره أو حتى يرجعوا إلى أرض الإسلام فله شرطه. قال أبو محمد: ومن معاني هذا الباب في غيره. ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك , وعن تجار من العدو يأتوننا , وقد تقدم إليهم ألا ينزلوا إلا بموضع كذا فنزلوا دونه فيريدون أخذ الماء فمنعوا حتى يقاتلوا عليه , قال لا يقاتلوا عليه , وهذا مشكل فلا يقتلوا على هذا. وإذا نزلوا على أن لا يرد عليهم بما باعوا بعيب هو في باب في آخر الكتاب. في من وجد من العدو ببلد الحرب أو ببلد الإسلام أو في العسكر فقال جئت للأمان أو للذمة أو للفداء أو للإسلام أو رسول وشبه هذا مما لم يوجف عليه من كتاب ابن المواز: وإذا لقيت السرية علجاً على الطريق فيقول جئت أطلب إليكم الأمان أو أنا رسول , فإن كان ظفرهم به ببلد العدو لم يقبل منه إلا بدلالة تحق له قوله , فأما لو خرج في عمل المسلمين ولم يدخل بعد , ولعله يقول أنتهي إلى موضع سماه فينادي , فأمر هذا فيه شك وترك الشك أفضل. [3/ 124]
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية في العلج يوجد ببلدنا أو قبل أن يصل إليها فيقول جئت إلى الإسلام , وهم ربما تلصصوا الواحد والإثنين. قال: إن أخذ قبل أن يدخل بلد الإسلام فلا شك أن يقبل منه أو يرد إلى مأمنه , قاله ملك. وكذلك إن قال جئت أطلب الفداء. وأما إن أخذ ببلد الإسلام فإن أخذ بفور وصوله وحدثان قدومه فهو مثله. فأما إن لم يظهر عليه إلا بعد طول إقامة بين أظهرنا , فبعد إن قال هذا فلا يصدق ويسترق , وليس لمن وجده والإمام يرى فيه رأيه ولا يقتل إلا أن يعلم أنه جاء جاسوساً للعدو. قال عنه يحيى ابن يحيى في أعلاج من العدو تحملوا إلينا فأخذوا بأرضنا أو أو في مفاز بيننا وبينهم مترجلين ليسوا بحال أهل الحرب ولا مقتنصين فرصة , فقالوا جئنا نسكن عندكم على الجزية أو بغير جزية , فقال فلا يقتلوا ولا يسترقوا ويخيروا فإما أن يقيموا على أداء الجزية أو يرجعوا. وأما إن دعوا إلى الجزية حين خرجوا فيلزم الإمام أن يقرهم عليها ولا يقول لا أقبل إلا أن استرقكم أو أردكم. فإنما يحكم الإمام في الذين انكسرت مراكبهم فوجدوا , أو اضطرهم أمر حتى دخلوا بموضع غير هذا , فهذا له أن يبيعهم أو يصرفهم فيما رأى من مصالح الإسلام. وقال في علج وجد عند أقاربه ببلدنا فقال: جئت لأقيم وأؤدي الجزية أو جئت زائراً لقرابتي , قال فإما أقره الإمام على الجزية إن رضي العلج , وإن لم يرض رده إلى مأمنه , وليس له استرقاقه ولا قتله. قال عنه أصبغ في ثلاثة من العدو أتوا على خيل لهم متسلحين حتى دخلوا قرية هي آخر عمل الإسلام فقالوا جنحنا إلى الإسلام أو قالوا جئنا لنؤدي الجزية ونقيم , فإن قالوا ذلك قبل أن يظفر بهم فإنه يقبل منهم. وكذلك في كتاب ابن سحنون وقال: وللإمام – يريد إن ظهر عليهم قبل أن يقولوا هذا – أن يسترقهم أو يقتلهم إلا أن يسلموا فيكونوا رقيقاً للمسلمين , لا خمس فيهم ولا قسم , وقاله غير واحد من أصحاب مالك. [3/ 125]
ومن كتاب ابن سحنون: ذكر رواية عيسى في الحربي يوجد بأرضنا وتفرقته بين أخذه بحدثان قدومه أو بعد طول , فقال سحنون: إذا أخذ بأرض الإسلام بحدثان قدومه أو بعد طول فهو فيء يرى فيه الإمام رأيه إلا في الجاسوس فيقتل. وأما إن أخذ في أرض الحرب فروى ابن القاسم عن مالك أنه يرد إلى مأمنه. وقال عنه ابن نافع: من يعلم أنه جاء مستاًمنا فلا أرى أن يقبل منه وما ذلك بالبين , وفي الأمور أمور مشكلة. قيل لعبد الملك في العلج يطلع على السرية ويوجد بقرب من العسكر أو بعد أو كان بقرب محلة , أو أخذ بموضع لا يرى أنه جاء إلا لأمان وبحيث يمنعه البعد من النجاة , أو سفن ينزل معهم السلاح أو الأمتعة والتجارة: وكيف إن قلوا حتى يرى أن مثلهم في القلة والضعف لا يقدم ذلك الساحل , أو كثروا حتى يخافهم من ظهر عليهم , فألقوا بأيديهم وقالوا جئنا مستأمنين. قال يصرف هذا كله إلى اجتهاد الإمام , ولا يكاد يخفى ذلك فيما يستدل به. ومن أخذ بحيث لا مقدرة له فيه ولا منهض فليؤمنه , وما قدح فيه الشك فليجتهد فيه. وإذا كانت المراكب فيها التجارات ومن يدفع عنها إلى ناحية الضعف والاستئمان , يريد فيسعه الاجتهاد فيهم على حسب ما استدل به , قال ومنهم اهل قوة وعدة وسلاح والساحل الذي نزلوا به فيه ضعف وغرة , قال فهؤلاء يحبسهم ويجعلهم فيئاً وما معهم ويقتل مقاتلهم. وإذا كان العلج في موضع ممتنع لا يقدرون عليه ولو تكلم لسمعوه وقد أرادوا قتله أو سبيه أو لم يتعرضوا له فسكت حتى أتاهم من موضع منعة فوضع يده في أيديهم وقال أردت الإسلام فمقبول منه. وإن قال: جئت لأقيم على الذمة فللإمام أن يبقيه ذمة أو يردة إلى مأمنه. ولو نزل من معقله إلى موضع لا يحصنه منهم فناداهم بالأمان فهو آمن , فإما قبله أو رده إلى مأمنه. وكل من جاء وحده من منعة ولا سلاح معه علمنا أنه أراد الأمان , وكذلك لو كان معه سلاح ولم يروا فيه هيئة من يريد القتال فهو [3/ 126]
آمن. ولو جاء سالا سيفه رمحه فلما صار بموضع لا يكون ممتنعاً ناداهم بالأمان فهذا فيء لأن هذا يؤخذ فيه بالعلامات والدلائل. قال: ولو أن عسكراً بأرض الحرب للمسلمين هجم عليهم عسكر للروم فقالوا جئنا مستأمنين ووقع في قلوب المسلمين خلاف ما قالوا فهم فيء. فإن رأى الإمام قتلهم فعل. ولو نزل عسكر ليلاً بأرض العدو فجاء رومي يمشي على الطريق لا يعدوه ولا سلاح معه حتى لقي أول مسالح المسلمين ولم يعلموا به , فسألهم الأمان وذلك الموضع غير ممتنع من المسلمين فهو آمن. وكذلك المرأة. ولو وجد مسلم رجلاً من العدو وعليه سلاحه في موضع من العسكر أو عن يمينه أو عن يساره يعارض العسكر فلما بصروا به دعا إلى الأمان وهو في موضع غير ممتنع فهو فيء ويرى الإمام رأيه. وإنما هذا على ما يظهر من العلامات والدلائل , وما كان مشكلاً فليرد إلى مأمنه. وقال سحنون في الحربيين يريدون الدخول إلى دارنا فلا يقدرون أن ينادوا بالأمان حتى يصلوا إلى موضع لا يكونون فيه ممتنعين , فأتوا ونادوا بالأمان , فوثب المسلمون إليهم فأخذوهم وليس معهم آلات الحرب , قال هم آمنون , وهكذا يكون الأمان إلا أن يشاء الإمام أن يردهم إلى مأمنهم. ولو جاؤوا بمنعه وسلاح وهم قادرون على الامتناع فالمسلمون مخيرون في تأمينهم أو قتالهم. ولو تقدم المسلمون إلى تلك الديار أنه لا أمان لكم عندنا ولا يخرج أحد منكم إلينا , فعلموا ذلك أو علمنا أن القادمين علموا ذلك , وكانت دار قليلة الأهل لا يخفى عنهم ما يتقدم إليهم منا فلا أمان لمن جاء منهم وهم [3/ 127]
فيء. وإن كان قدمنا إليهم غير مستفيض أو كان البلد في كثرة يمكن أن يخفى ذلك عن من قدم فليردوا إلى مأمنهم إلا أن يؤمنهم الإمام. وإذا وجد حربي ببلدنا فقال جئت بأمان لم يصدق. فإن قال رجل أو رجلان بأماننا دخل قبل قول العدل في ذلك. وقد قال لا يقبل وإن كان عدلين لأنهما بينا فعلهما. فإن شهد عدل أو عدلان أن فلاناً أمنه فهو آمن ويرد إلى مأمنه. والحتياط فيما أشكل أولى. وإن قال بعد أن أخذ أنا رسول الملك إلى الخليفة , فإن أخرج كتاباً يشبه ورأى دلالة ذلك فهو آمن حتى يبلغ ويرجع , وإلا فهو فيء ولا شيء لمن أخذه. ولو قال من أخذه أخذته في دار الإسلام بأمان فلا أمان له بذلك لأنه أمنه بعد أن صار فيئاً. ولو قال أمنته بأرض الحرب حيث هو ممتنع به ولا يعرف صدقه , فإما قبل منه وإلا رد إلى مأمنه. قال الأوزاعي في الحربيين يوخذون بدار الإسلام فقالوا جئنا للتجارة بلا عهد ولا ذمة , فإن وجدهم ظاهرين في مجيئهم أو في بلد الإسلام فإما أن يؤمنهم أو يردهم إلى مأمنهم. وإن وجدهم مستخفين فهم فيء إن شاء الإمام قتل أو باع , والبيع أحب إلينا. قال سحنون: هم فيء إذا وجدوا ببلدنا من غير عهد ولا ذمة. وبرواية ابن نافع عن مالك أقول لا برواية ابن القاسم. قال الأوزاعي وإن وجد في عسكرنا بدار الحرب فقال جئت للأمان , فالإمام مخير في بيعه أو قتله. ولو قال جئت للإسلام فإن أسلم وإلا رد إلى مأمنه. قال سحنون: ولا أقول بهذا وبرواية ابن نافع أقول. وقد تقدمت. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا خرج الحربي إلينا فأخذ قبل أن يستأمن فقال جئت لتجارة أو لفداء أو جانحاً , فإن كان قد اعتاد المجيء وجاء مطمئناً مظهراً أمره غير متريب , فالوالي مخير بين أن يؤمنه على ذلك أو يرده إلى مأمنه , سواء أخذ قبل أن يصل إلى بلد الإسلام أو بعد وصوله إذا أخذ بحدثان وصوله. [3/ 128]
فأما بعد طول مقامه فلا يصدق ويرق للمسلمين , ولا يقتل إلا أن يتهم بالتجسس فيقتل. وإن أخذ وهو مستخف أو متريب غير مطمئن بإقباله فهو فيء , أخذ قبل يصل أو بعد. وإن تعود الاختلاف قبل ذلك فذلك سواء , وإن شاء الإمام قتله أو استرقه. وأحب إلي إن اتهمه بالتجسس أن يقتله. وإن أخذ قبل يدخل أرض الإسلام فهو فيء لمن أخذه وفيه الخمس. وإذا لم يكن معتاداً للمجيء لفداء أو تجارة فهو فيء كيف ما أخذ قبل دخوله إلينا أو بعد , أخذ مستخفياً أو مطمئناً بإقباله , ولا يكون هذا يجري إلا بأمر قد ثبت وجرى. وهذا قول ابن الماجشون وأصبغ ورواه ابن وهب عن ربيعة وقاله أشهب. إن أخذ قبل أن يظهر ما حاله فلا أمان له. ولو قبل من هذا عذر لقبل من المسلم يزني ويقول تزوجت والسكران يقول أكرهت. وإذا أخذ العلج على نحو ميلين عن العسكر فيقول جئت للأمان فلا يقبل منه إن ظهر عليه قبل يدعي ذلك. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا دخل أرض الإسلام بغير أمان وادعى أنه أسلم قبل يؤخذ , فإن ثبت فهو حر. وإن كان عن قوله أو أسلم حين أخذ فهو رقيق. قال مالك: قال الله تعالى: " فإما مناً بعد " فالمن العتق. فإذا أعتيق فقد ملك. وإذا دخل عندنا فأقام يبيع ويشتري ولم يعلم به ثم أخذ , فللمسلمين أخذه وما معه , وللإمام قتله أو استرقاقه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك ومن وجدناه قد دخل إلينا مستخفياً بغير أمان فأمره إلى الإمام وليس لمن وجده. فإن رأى قسمة على من يراه مستوجباً على الاجتهاد فعل. وذكر ابن سحنون هذه الرواية لأبيه فأعجبته. ومن كتاب ابن حبيب: وإن جاء حربي نهاراً حتى عسكرنا أو قرية من قرانا فيسأل عن شأنه فيقول إن مسلماً أعطاني عهداً , فإن أخذ قبل أن [3/ 129]
فيمن يوجد بساحلنا من مراكب العدو قد انكسرت أو لم تنكسر، فقالوا: نحن تجار، ونحو هذا وقاتلونا فظفرنا بهم
يتكلم بهذا فهو فيء إلا أن يصدقه ذلك المسلم على ما قله , وقاله ابن نافع وأصبغ. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا غزوا في البحر فلقيهم العدو في البحر فغلبوا على المسلمين وأوثقوهم , ثم وثب عليهم المسلمون من وثاقهم فغلبوا الروم وأسروهم وغنموا ما معهم , فإن كان ذلك قبل يصلوا بهم إلى أرض الحرب ففي ذلك الخمس وهم فيء. فإن كان ذلك بعد أن وصلوا بهم إلى بلادهم ثم فعل بهم المسلمون هذا فلا خمس في ذلك , وما غنموا فلهم. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقاله. ومن كتاب ابن المواز: وقال أراه – يعني ابن القاسم – في خيل للعدو يخرجون في أرض الإسلام على المسلمين فينهزمون عن غير قتال , ويشتت أمرهم فينهزمون , هل هم فيء؟ قال: هذا لا يكون , ولو كان لكان مما أوجف عليه وفيه الخمس وباقيه بين الذين أوجفوا عليهم وقاتلوهم. انظر قول عبد الملك في موضع آخر إن كانوا ممن لا تجارة لهم فهم كالأسرى ولا إيجاف فيه ويرى الإمام فيهم رأيه. في من يوجد بساحلنا من مراكب العدو قد انكسرت أو لم تنكسر فقالوا نحن تجار ونحو هذا وقاتلونا فظفرنا بهم من كتاب ابن المواز: قال – يريد ابن القاسم -: وإذا وجدنا بساحلنا مراكب للروم قد تكسرت فقالوا نحن تجار , فإن بان صدقهم وإلا فهم أسارى يرى فيهم الإمام رأيه من أسر أو بيع أو فداء برأي أهل الفقه , ولا خمس فيهم [3/ 130]
وليسوا لمن وجدهم لأنهم صاروا بموضع لا ملجأ لهم. وكذلك لو قاتلوا ومعهم العدة والسلاح حتى قتل من قاتل منهم وأسر الباقون , وهم كأسارى اجتمعوا فقاتلوا. قال محمد: إلا أن يكون بقي لهم مركب أو غيره مما يتحملون في مثله لو تركوا أو نجوا أو وجدوا إلى النجاة سبيلاً فيكونون فيئاً لمن ظفر بهم وفيهم الخمس. وفي كتاب آخر: وكذلك إن كانوا بقرب بلدهم يمكنهم الهرب والنجاة إليها. قال ابن المواز: وما وجد في هذه المراكب التي تكسرت من عروض وثياب وأطعمة وذهب وفضة فإن كان ذلك مع الحربيين الذين أخذوا فهم وما وجدوا معهم سواء يرى فيهم الإمام رأيه , فإن وجد ذلك في المراكب ولا رجل فيها فذلك لمن وجده ولا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه , إلا الذهب والفضة ففيه الخمس. وسواء تكسرت مراكبهم أو إنما طرحوا ذلك خوف الغرق فلا خمس فيه إلا أن يكون ذلك لجنب قرية من قراهم ففيه الخمس إلا أن يكون ذلك شيئاً يسيراً فلا خمس فيه. ورواه أيضاً أشهب عن مالك. قال عبد الملك في الذين تكسرت مراكبهم: إلا أن يرى من سببهم سبب من جاء يطلب الأمان لما معهم من التجارات , أو معهم آلة النقلة إلى بلدنا للمقام. قال ابن المواز: ونزل هذا عندنا فكتب فيه عبد الله بن عبد الحكم: إن أدنى ما يدخل في هذا الشك. قال عبد الملك في مراكب للعدو توجد بساحلنا فيقولون جئنا نطلب الأمان , فلا يعجل عليهم الإمام ولا يكاد يخفي ذلك , مثل مركب فيه العدة من [3/ 131]
المقاتلة والكثير من السلاح وآخر مملوء من التجارات , وهو مركب كبير ليس من الحربية وإن وجد فيه السلاح لأنهم يدفعون عن أنفسهم , فليقبل في مثل هذا قولهم أنهم جاؤوا للتجارة وإن كان نزولهم بغير موضع تجارة. ومن كتاب ابن سحنون: قال: ومن جاء من مراكب الروم وقد قرب من المرسى أو بعد فأخذ , فإن كان ممن عرف بالتجارة إلى المسلمين فلا يحل إلا أن يوجد ببلده أو يوجد وهو يريد غير بلد الإسلام. وإن كان ممن لا يعرف بالتجارة إلى المسلمين فهو حلال. وإذا أخذنا مركباً في البحر جاء من بلد الإفرنج أو غيرها فقالوا نحن ذمة لصاحب الأندلس يأخذ منا الجزية , فإن جاؤوا ببينة على ذلك وإلا فهم فيء. فإن أثبتوا ما قالوا وادعوا أن من أخذهم أخذ منهم أموالاً , فإن كانوا مأمونين لم يحلفوا لهم. وإن كانوا من أهل الشر وممن عرف به حلفوا لهم. ومن كتاب ابن حبيب قال لي غير واحد من أصحاب مالك: وإذا وجدوا على الساحل قد تكسرت مراكبهم فقالوا جئنا تجاراً , أو نزلوا للماء وادعوا أنهم كانوا على أن يستأمنوا للتجارة بعد أن ظهر عليهم فهم وما معهم فيء لا خمس فيهم ولا يقبل قولهم. فإن كان معهم ما هو للتجارة مثل الجوز واللوز والشحم والقطانية ونحو ذلك , وليس على جهة حرب , فإنهم حرب أبداً حتى يؤمنوا قبل الظفر بهم , إلا أن يكونوا تعودوا الأمان على الاختلاف بالتجارة قبل هذا فهم على الأمان إذا كانت هيئتهم هيئة التجارة. وروى ذلك المدنيون والمصريون عن مالك. قال عنه مطرف: وما شرد من بقر العدو عنهم إلى بلد الإسلام فهو لمن وجده ولا خمس فيه , ولا يأخذه الإمام إن كان يسيراً. وإن كان كثيراً نظر فيه الإمام وحاطه لجميع المسلمين. وفي الباب الذي قبل هذا في الحربي يوجد ببلدنا , فيه مسائل مراكب العدو توجد بساحلنا. [3/ 132]
في الحربي ينزل عندنا بلا عهد فيتزوج، أو معاهد يتزوج ببلد الحرب، ما حكم ولده
في الحربي ينزل عندنا بلا عهد فيتزوج أو معاهد يتزوج ببلد الحرب ما حكم ولده؟ من كتاب ابن سحنون: وإذا دخل الحربي إلينا بلا عهد فتزوجةذمية فإنه فيء وولده حر تبع لأمه. وإن تزوج أمه فولده منها رقيق لسيدها. ولو دخلت حربية فتزوجها ذمي فهي فيء وولدها منه تبع لأبيهم. وروى الأندلسيون عن ابن القاسم عن مالك في أهل قبرس يدخل إليهم الرومي فيتزوج أن ما ولد له فيء تبع للأب. ولو دخل القبرسي بلد الروم فتزوج فيهم فولده على مثابة أبيه في العهد. وقاله الليث , قالا: وإنما الولد تبع للأم في الملك. فأما في الأحرار من مصالح أو ذمي أو حربي فتبع للآباء. قال سحنون: أما ولد القبرسي من الحربية فكذلك. وأما ولد الحربي من القبرسية فلا أقول إلا أنه حر لأمه. في من دخل إلينا من الحربيين على المقام هل له أن يرجع؟ ومن نزل على المقام مدة فجاوزها وتجار الحربيين يركبون البحر من عندنا فيردهم الريح أو نحوه من كتاب ابن المواز قال: ومن دخل إلينا بأمان من الحربيين فإنه يكون عندنا حراً. فإن أسلم فله ما لنا وعليه ما علينا. وإن لم يسلم فهو حر وعليه الجزية إذا سكن عندنا. وقاله مالك: إن شاء كن على الجزية وإن شاء رجع. قال محمد: إنما يكون بالخيار قبل أن يرضى أن يدخل في أهل الذمة وتلزمه الجزية. فأما إذا رضي بأداء الجزية وألزم نفسه ذمة المسلمين فليس له أن يرجع إلى [3/ 133]
بلده , وكالعبد النصراني يعتقه النصراني أنه تلزمه الجزية لا يخرج من ذلك. ولو أعتقه مسلم لم تلزمه جزية وليس له الرجوع إلى أرض الحرب. وقاله مالك وابن أبي سلمة وابن القاسم وأشهب وأصحاب مالك أجمع. قال أشهب: قلت لمالك: فإن أعتقه نصراني؟ قال: لا أدري. وقال أشهب وابن وهب: عليه الجزية. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا استأمن حربي إلى الجيش ثم أراد أن يرجع قبل أن يصل إلى أرض الإسلام فله ذلك. ولو وصل إلى بلد الإسلام فله أن يرجع إلا أن يؤدي الجزية ويرضى بها فليس له أن يرجع إلى بلده. ولو قال حين جاء إلى الإمام في الجيش إني أريد المضي معكم إلى بلدكم لتجعلوا علي من الجزية مثل ما على أهل ذمتكم فأمن على ذلك ورضي به فليس له أن يرجع إلى بلده , وصل إلى أرض الإسلام أو لم يصل , ودى الجزية أو لم يؤدها. قال: والمستأمن الذي لم يشترط عليه شيء إذا وجد راجعاً إلى بلده بغير إذن الإمام؟ قال: أخطأ إذا لم يستأذن ولكن لا يعرض له. ولو جاؤوا به فقالوا أخذناه بعد أن بلغ مأمنه وقال هو قبل أن أبلغ مأمني , فإن كان الذين أخذوه مثل اثنين وثلاثة أو أكثر قليلاً فالقول قول العلج. وإن كان جماعة العسكر فقولهم أولى. ولو أخذ بعد طول مدة من ما يرى أنه قد بلغ به طول ذلط لصدق من أخذه وإن كان واحداً. أرأيت: لو أخذ بعد سنة أو ستين أيصدق؟ وهذا يتبين عند نزوله , فيجتهد فيه الإمام. ولو قال جئت لأقيم عندكم بغير جزية فجهل الوالي وأعطاه ذلك فقد أخطأ ولكن يعرض عليه أن يقيم على الجزية وإلا رده إلى مأمنه وإذا جاء فنزل للمقام على الجزية فاتهمه الإمام أن يكون عيناً , قال لا يمنعه من ذلك بالتهمة ولكن يحترس مه. وإذا جاء علج لحاجة فأمن على أن يقيم عشرة أيام فخرج فعرض له نهر أو مرض فأخذ بعد الأجل قبل بلوغ مأمنه لما عرض له , قال يطلق ولا يعرض له. قال ابن نافع عن مالك: قال في الحربيين ينزلون على أن [3/ 134]
لهم الأمان حتى ينصرفوا بسفنهم راجعين حتى لا تراهمخ العين , فيذهبوا حتى يراقبوا بعضهم جبال أرضهم ثم يردهم الريح , قال هم على أمانهم. قال سحنون: لهم الأمان حتى يصيروا من البحر إلى موضع يأمنون فيه من عدوهم , فعند ذلك يحلون لمن ظفر بهم من المسلمين. قيل له: إنهم اليوم لا يأمنون حتى يردوا بلادهم فيخرجوا من البحر لكثرة مراكب المسلمين. قال إذا كان هذا فلهم الأمان حتى يخرجوا من البحر إلى مأمنهم. قال عبد الملك: إن ردته الريح مغلوباً فهو على أمانه. وإن بلغ موضع منجاة لولا غلبه الريح فهو على أمانه حتى يصل إلى مأمن إن شاء أقام أو رجع , فهذا إن رجع فإنه حل إلا أن يأتنف أماناً. ولو رجع في البر فاشتدت عليه الطريق فرجع لكان على أمانه. وحد مأمنه أن يجاوز الدروب إلى سلطانه وحيث يأمن على نفسه. وأما ما كان في الفيافي والقفاز وحيث يخاف على نفسه فهو على أمانه. وقال إنه إذا ردته الريح في البحر إلى سلطان غير الذي أمنه فلا أمان له. وقال سحنون: بقول مالك أقول إن له الأمان حتى يرجع إلى مأمنه. ومن كتاب ابن سحنون قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: هو آمن إذا قلد حتى يبعد من بلد الإسلام ويقرب من حرزه ومأمنه فيصير كمن لا عهد له بعد فيمن لقيه من أهل ذلك السلطان الذي أمنه في رجوعه إليهم بريح غالبة أو رجع غير مغلوب أو نزل الماء أو شبهه. وأما من لقيه من غير أهل ذلك السلطان في البحر بقرب أو بعد من موضع قلد منه بأمانه أو سقط بساحل غير ساحل السلطان الذي أمنه فهو كمن لا أمان له. وكذلك المستأمن في ثغور المسلمين في غير بحر إذا رجع فاشتدت عليه الطريق بثلج أو غيره فهو على أمانه ما كان في قرب المكان الذي أمن فيه. [3/ 135]
في النازل على الأمان يظهر أنه مرتد أو عبد لمسلم أو رسول أو غير ما أظهر
في النازل على الأمان يظهر أنه مرتد أو عبد لمسلم أو رسول أو غير ما أظهر من كتاب ابن سحنون: روي عن ابن القاسم في حربي نزل بأمان فإذا هو مسلم ارتد , قال لا يعرض له. قال سحنون: لا أرى ذلك بل يستتاب فإن لم يتب قتل وإن تاب لم يرد إليهم. قال ابن القاسم: ولو استحق بعبودية وهو مرتد لم يعرض له للوفاء بالعهد. قال سحنون: بل يرد إلى سيده بعد الاستتابة وبعد أن يسلم. فإن أبى قتل. ولو جاز هذا لم يشأ إلا فعل هذا. وقال الاوزاعي في علج أسر فبيع ثم هرب إلى أرض العدو ثم استأمن على أن يكون حراً , قال. وقال ابن أبي ليلى وسفيان: يرد إلى سيده ولا يكون حراً , وبه قال سحنون. قال سحنون ولو جاءنا رسل لصلح أو هدنة , فإذا هم مرتدون , قال: يستتابون فإن تابوا لم يردوا إلى أرض الكفر , وإن أبوا قتلوا لأنا إنما أعطيناهم العهد على أنهم كفار لا على أنهم مرتدون , ولم ير ما روى يحيى بي يحيى عن ابن القاسم أنهم يردون ولا يعرض لهم. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا وجد المستأمن مرتداً أو عبداً لمسلم أو لمعاهد أو مديان عليه دين للمسلمين: إنه يحكم فيه بحكم الإسلام ولا يحجزه استئمانه عن ذلك. وقاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وابن نافع وأصبغ , ولا يجوز للإمام أن يؤمنهم على أن لا يحكم عليهم في هذه الأشياء إن وجدهم كذلك. فإن جهل فأمنهم على ذلك فليس جهلخ يزيل ما أوجب الله سبحانه من أحكام دينه في ذلك من استرقاق حر مسلم أو ذمي. [3/ 136]
قال عبد الله: يريد كما لو أسلم عليه لم يرق له حر مسلم. قال ابن حبيب: وكذلك إن وجد عبد لمسلم قد أبق أو أصيب , وليس هذا مما يمنعه العهد كما لا ينفع الإمام الجاهل تأمين المحارب , أو إن أمن سارقاً أو زانياً , وليستتب المرتد ويرد العبد إلى ربه. وأما إن أمن السلطان حربياً على ألا يتبع بما عليه من ديون المسلمين فلا ينقض عليه , ولكن ليتم له ذلك أو يرده إلى مأمنه , وليس كالمرتد يظفر به. قاله ابن الماجشون وغيره. وقال ابن القاسم وأشهب في حربيين نزلوا بأمان فاشتروا السلاح في خفية من المسلمين فدخل المسلمون إلى سفينتهم ليفتشوا على السلاح فكتفوهم وتنجوا بهم في البحر وأبوا أن ينزلوا إلا على أن لا يفدوهم منهم ولا ينزعوهم ولا يؤدوا ديناً عليهم , فلا ينبغي للإمام أن ينزلهم على هذا , وليقاتلهم إن قوي أو يدعهم. فإن جهل فأمنهم على ذلك فقد ضل. فإن قوي على قتالهم فليخيرهم: فإما ردوا من معهم من المسلمين أو يؤذنهم بحرب ثم يقاتلهم. وإن لم تكن به قوة عليهم أقرهم على ما أعطاهم من العهد , وليف لهم للأنهم قد نصوا ذلك نصاً. ولو نزلوا على أمان حادث بغير اشتراط فليؤخذ منهم المسلمون الذين غدروا بهم وأموالهم بلا ثمن ولا قيمة , وقاله أصبغ. وسمعت أهل العلم يستحبون للإمام إذا استأمنه الحربيون أن يشترط عليهم: إني لا أؤمنكم من حق للمسلمين أو لأهل الذمة قبلكم , غصبتم ذلك منهم في عهد وأمان , أو من نجده منكم مرتداً أو عبداً أبق لنا إليكم إلا من سبيتموه. [3/ 137]
في العدو ينزلون من الحصن على حكم الله أو على حكم فلان، وكيف إن نزلوا على ذلك أو حكم رجلين
في العدو ينزلون من الحصن على حكم الله أو على حكم فلان وكيف إن نزلوا على ذلك أو حكم رجلين من كتاب ابن سحنون: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقبل منهم النزول على حكم الله , فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم , وأنزلهم على حكمك. قال سحنون: فإن جهل الأمير فأنزلهم على حكم الله إذا طلبوا ذلك فنزلوا , فهذه شبهة , فليردوا إلى مأمنهم إلا أن يجيبوا إلى الإسلام. قال محمد: وليعرض عليهم الإسلام قبل ردهم. فإن أبوا عرضت عليهم الجزية. قال سحنون: فإن أسلموا فهم أحرار لا يعرض لهم في مال ولا غيره , فإن أبوا وبذلوا الجزية فإن قربت دارهم منا قبلت منهم ولا يعرض لهم في مال ولا غيره. وإن بعدوا لم يقبل منه إلا أن ينتقلوا إلى حيث سلطاننا أو يردوا إلى مأمنهم ثم ينبذ إليهم. ولا ينبغي أن ينزلهم الإمام على حكم غيره وإن طلبوه. فإن فعل مضى ذلك. وإن لم يكن عدلاً لفسقه فحكم تعقب الإمام حكمه فإن رآه نظراً للإسلام وإلا رده هو الحكم بما يراه نظراً ولا يردهم إلى مأمنهم. قال ابن القاسم: ولو حكم خصمان في الحقوق بينهما رجلاً فحكم جاز حكمه ولا يرده القاضي وإن خالف مذهبه. وأما أنا فرأيت أن لا ينفذ حكمه حتى يتعقبه القاضي فينفذه أو يرده. وكذلك لو حكما جاهلاً أو فاسقاً. وأما لو حكماً ذمياًَ أو حكموا امرأة أو عبداً أو صبياً وإن عقل وهم عالمون بهم لم يجز حكمه وليحكم الإمام بما يراه لأنهم رضوا بأقل المسلمين أو بذمي , فرددناهم إلى حكم من هو أعلى وأفضل فلا حجة لهم. [3/ 138]
وقال بعض أهل العراق: يكونون ذمة إذا حكموا العبد والصبي وليس كتحكيم المحدود في القذف. وإن لم تقبل شهادته لتهمته فإنا نقبلها في النكاح إذا تصادقوا عليه. قال سحنون: وهذا تناقض إن تأولوا قول الله تعالى " ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً " فلا يقبلوها في النكاح , وقبولهم شهادة العبد أولى إذ لا نص فيه. وقد أجاز أنس ابن مالك وشريح وغيره. وقال غيرنا: إن نزلوا على حكم امرأة جاز حكمها بكل ما حكمت إلا بالقتل فإنهم يصيرون فيئاً. قال سحنون: وإن نزلوا على حكم الله وحكم فلان , فحكم فلان بقتلهم أو بسبي الذرية وأخذ المال , فلا ينفذ ذلك وكأنه أنزلهم على حكم الله وحده , وليردهم إلى مأمنهم حسب ما ذكرنا. وقال غيرنا: يصيرون ذمة إن لم يسلموا ويوضع عنهم الخراج. ولو نزلوا على حكم رجلين فلان وفلان فمات أحدهما قبل الحكم ثم حكم الباقي بالقتل والسبي لم يجز حكمه وليردوا إلى مأمنهم لأن شرطهم حكم رجلين. ولو حكم أحدهما أن يكونوا فيئاً وحكم الآخر بالفتل والسبي لم يلزمهم حكم واحد منهما حتى يجتمعا وليردوا إلى مأمنهم. وكذلك إن حكم أن يكونوا ذمة أو أن يردوا إلى دارهم فيكونوا حرباً فذلك نافذ. ولو مات قبل أن يحكم اردوا إلى مأمنهم. ولو قال لا أقبل وقد رددت ما جعلوا إلي فذلك له ويردون حتى يجتمعوا هم والمسلمون على حكم غيره. ولو أنه بعد أن رد ذلك رجع فقبله وحكم بالقتل والسبي أو بتركهم ذمة لم يجز لأنه رد ما جعل له , فلابد من ائتناف رضاهم بحكم. ولو قالوا ننزل على حكم فلان فما حكم فينا بشيء مضى وإن لم يحكم رددنا إلى مأمننا فذلك جائز. فإن مات قبل الحكم ردوا إلى مأمنهم. ولو شرطوا أنه حكم فينا بالرد إلى مأمنهم فذلك لنا فذلك لهم. وقال غيرنا: إذا لم [3/ 139]
باب ذكر ما يكون أمانا من غير شرط من قديم زوجة مع زوج مسلم أو ذمي، أو مع ذي محرم وغير ذلك، وكيف إن تداعيا ذلك واختلفا
يشترطوا هذا فليس من الحكم أن يردوا إلى مأمنهم , ويجيزون حكمه بذلك ويكونون ذمة ويكون عليهم الخراج. وكذلك إن أبى أن يحكم , ثم نقضوا ذلك بقولهم في التحكيم إذا مات , وقد شرطوا إن لم يحكم رددنا إلى مأمننا أنهم يردون إلى مأمنهم إذا مات قبل الحكم. باب ذكر ما يكون أماناً من غير شرط من قدوم زوجة مع زوج مسلم أو ذمي أو مع ذي محرم وغير ذلك وكيف إن تداعيا ذلك واختلفا من كتاب ابن سحنون: وقال في مسلم دخل دار الحرب بأمان أو أسر أو أسلم وهو منهم فتزوج امرأة منهم وخرج بها إلينا فهي حرة لا سبيل عليها ولا يسترقها وليس لها أن ترجع إلى أرض الحرب كالذمية. ولو قال الرجل: كنت أخرجتها قاهراً لها وأنكرت ذلك فهي مصدقة , حرة كانت أو ذمية , لا تترك والرجوع إلى بلد الحرب , ولا نكاح بينهما لإقراره أنه ملكها , ولا يسترقها حتى يقيم بينة مسلمين أنه أخرجها قهراً فيسترقها ويبطل النكاح , وليس نكاحه إايها أماناً لها. ولو قالت لست بزوجة له ولا قهرني ولكن أمنني فخرجت وادعى لأنها زوجة له وأنه لم يقهرها فهي حرة , فإن شاء الإمام أقرها على الذمة أو ردها ولا تكون له زوجة. ولو قال هي زوجتي فقهرتها وأجبرتها لم يصدق إلا ببينة مسلمين. ولو أخرجها معه مقيدة بيده فهي أمة له لا خمس فيها. وإن لم يعلم أنه فعل هذا بها إلا بدار الإسلام وأنكرت الزوجية فلا سبيل له إليها وخروجها شبهة , فإما قبل منها وإلا ردت. [3/ 140]
فغي التداعي بين القادمين إلينا على عهد في استرقاق بعضهم بعضا أو في رقيق قدموا بهم
وعن ذمي دخل دار الحرب بأمان فتزوج بها امرأة فلم يخرج بها حتى استأمن عليها المسلمين فأمنوه فهي حرة ذمية إذا قبلت هي ذلك الأمان وخرجت معه , ثم ليس لها الرجوع إلى دار الحرب وإن أذن لها الزوج إن طلقها. ولو استأمن الذمي على أخته الكبيرة فخرجت راضية بذلك فهي آمنة لا سبيل عليها , وليس لها رجوع إلى أرض الحرب. ولو لم يستأمن عليها أحد أو أمنها هو فأخرجها حر مسلم فهي فيء وليست لمن أخذها. ولو قال أخوها أجرجتها وقد قهرتها بأرض الحرب لم يصدق وهي فيء. وإن قامت له بينة مسلمون فهي أمة له لا خمس فيها. وكذلك إن علم أنه أخرجها من أرض العدو مقيدة مغلولة , ولا يقبل في ذلك إلا مسلمون عدول. فإن لم يعلم أنه قهرها إلا في دار الإسلام فلا حق له فيها , وخروجها مع المسلم شبهة إذا قالت خرجت بأمانة , فإما قبل أو ترد إلى مأمنها وقد كان قال: تكون فيئاً لأنه لا يصدق على رقها , وهي فلم يعلم المسلمون بها إلا وهي في مقدرتهم. وإذا خرج المسلم بامرأة من أهل الحرب فقال تزوجتها فصدقته وليس إلا قولهما فهي له زوجة ذمية حرة. في التداعي بين القادمين إلينا على عهد في استرقاق بعضهم بعضاً أو في رقيق قدموا بهم. من كتاب ابن سحنون: وإذا خرج من بلد العدو علج ومسلم , فلما وصلا إلى عسكرنا قال المسلم أسيري , وقال الأسير جئت مستأمناً , فالأسير مصدق حتى يرد إلى مأمنه لأنه غير مقهور ولا مأسور. وكذلك لو قال أمنني فجئت معه فهو مصدق. [3/ 141]
ولو جاء معه مكتوفاً أو مغلولاً أو في عنقه حبل يقوده به لم يصدق أنه مستأمن ويصدق المسلم أنه أسيره. وأما لو جاء مع عدد في غير وثاق ولا حديد فقال جئت مستأمناً وقال القوم هو أسيرنا , فهم مصدقون لأنهم عدد قاهرون له لا يقدر أن يتخلص منهم , وهو فيء لأهل الجيش. ولو كانوا مائة فقالوا إلا واحداً هو أسير , وقال الواحد بل هو مستأمن , لم يقبل ذلك إلا بشهادة رجلين ويكون أسيراً حتى يشهد له رجلان. ولو خرج المسلم بحربية فقال تزوجتها فصدقته وليس إلا قومها فهي له زوجته ذمية حرة. ولو لم يدع الزوجية وقال أمنتها وجئت بها فهي شبهة , فإما قبل ذلك وإلا ردت إلى مأمنها , ولو لم يقل ذلك حتى أخذها المسلمون كانت فيئاً. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في حربيين قدما إلينا من بلد الحرب معهما رقيق وعروض , ومن ذلك ما سرقاه ببلدهما فتنازعا في ذلك وقد أسلما أو أسلم أحدهما , قال: أسلما أو لم يسلما فالرقيق والعروض بينهما إن لم يعلم أن ذلك في حوز أحدهما. فأما إن أسلم أحدهما فالذي لم يسلم , لو أقر بالرقيق والمتاع لصاحبه لم ينظر إلى إقراره لأنه عبد , وأمر ذلك إلى الإمام إذا كان يعرف ذلك في أيديهما , ويقاسم الإمام ذلك للمسلم. قال ولو أنكر الرقيق ملكهما وادعى كل واحد الحرية فهم كلهم سواء , لا يرق واحد للآخر حتى تقوم بينة بحيازتهما الرقيق والثياب أو حيازة أحدهما فيكون ذلك لمن حازه. قال: ومن أسلم منهم فماله له ومن لم يسلم فأمره إلى الإمام إن لم ينزل على عهد. وفي كتاب ابن سحنون هذه المسالة وقال إنها عن بعض أصحابنا وقالوا: لو قدمنا بأمان فأسلم أحدهما , فإن كان في حوزهما فهو له. [3/ 142]
قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا قدم مسلم مع علج من أرض العدو فقال سرقته أو اشتريته وقال العلج بل خرجت معه رغبة في المقام عندكم , فقالقول قول العلج وهو حر إلا أن يقيم المسلم بينة. وقال سحنون في كتاب ابنه: وهذا إذا لم يكن في وثاقه. وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ. قال ابن القاسم: ولو قدم علجان بأمان وادعى كل واحد ملك صاحبه فلا يقبل دعواهما وهما حران إن لم تقم بينة. قال عنه أصبغ في العتبية , وهو في كتاب ابن المواز وابن حبيب لأشهب إلا أنه قال في عبد مملوك لمسلم , وفي سؤال أصبغ في أسير نصراني بيد مسلم , فعاهده على أن تركه على أنه يأتيه بابن نفسه أو بابنه أو بزوجته يفدي بذلك نفسه , فيذهب فيأتيه بهم ويقول سرقتهم أو غنمتهم ويقولون خرجنا معه بعهد , قال: فالقول قول الجائي بهم. وقال ابن المواز: القول قولهم , ولا يقبل قوله لأنه مدع. قال أحمد بن ميسر: القول قوله لأنه سبق له الأمان قبلهم. ولو كانوا دخلوا أرض الإسلام وطلبوا الأمان ثم اختلفوا كان القول قولهم. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قدم من بلد الحرب عبد كان أبق لسيده ومعه عبيد استألفهم وأنكر العبيد وقالوا نحن أحرار جئنا إلى أرض العرب ودين الإسلام , فجئنا معه على الصحبة وما أمن , قال: إن لم يكونوا في وثاق العبد فالقول قولهم , وعلى الإمام أن يفي لهم بعهد العبد إن أعطاهم عهداً أو يردهم إلى [3/ 143]
في المستأمن إلينا يسلم رقيقه أو يقدم بهم مسلمين، أو بيده رجل حر أو ذمي أو عبد مسلم، أو يجني جناية أو يحدث عندنا حدثا، وكيف إن مات والقول في ماله وديونه، وفي الحصن يصالحون على ما بأيديهم، فيوجد بأيديهم مسلمون
مأمنهم. وإن كانوا في وثاق العبد فهم له عبيد. وإن ادعوا أنه إنما أوثقهم ببلد الإسلام حين خافوا على أنفسهم , فإن استدل على ما قالوا أنه إنما قهرهم بعد أن خرجوا معه فهم مصدقون , وإلا كانوا له أرقاء. في المستأمن إلينا يسلم رقيقه أو يقدم بهم مسلمين أو بيده رجل حر أو ذمي أو عبد مسلم أو يجني جناية أو يحدث عندنا حدثاً وكيف إن مات والقول في ماله وديونه وفي الحصن يصالحون على ما بأيدينا فيوجد بأيديهم مسلمون من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نزل عندنا الحربيون بأمان للتجارة فأسلم رقيقهم أو بعضهم أو قدموا بهم مسلمين فلا يمنعوا من الرجوع إذا ودوا قيمة ما رضوا عليه. ولو كن إماء لم يمنعوا من وطئهن. وقال عبد الملك: بل يعطون في كل مسلم أوفر قيمة تكون وينزعون منهم. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أسلم من رقيق المستأمنين فليبلغ عليهم كما يفعل بالذمي , ثم لا يكون ذلك نقضاً للعهد , وقاله مطرف وابن الماجشون وروياه عن مالك , وقاله ابن نافع , وهو قول الأوزاعي. وقال ابن القاسم: لا يباع عليهم وهذا وهم , ومن وجدناه بأيديهم من سبايا المسلمين فليؤخذوا منهم ويعطوا قيمتهم وإن كرهوا. وهذا أشد من الأول ولا يكون هذا خفراً. وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين من ما أخذوا أو اشتروا أو بغير ذلك فلا يعرض لهم فيه. وكذلك إن كان في ذلك رقيق على غير الإسلام. وإن وجدنا في أيديهم أحرار ذمتنا لم يعرض لهم فيهم بثمن ولا بغير ثمن , وقاله مطرف وابن الماجشون وابن نافع وغيرهم ورووه عن مالك. [3/ 144]
وانفرد ابن القاسم فقال: لا يعرض لهم فيما بأيديهم من سبايا المسلمين وأساراهم , ولا يعجبني. وأما إن أسلم المستأمن فيجتمع عليه أن يطلق من بيده من أحرار المسلمين وأهل الذمة , وأما أموالهم فهي له إلا أن يتنزه عنها ولا يحكم عليه. وقد كره مالك أن يشترى منه ومن المستأمن ما كان أحرز من أموال المسلمين , وإن لم يعرف ربه. قال ابن المواز: إذا أسلم وبيده أحرار ذمتنا فقال ابن القاسم يكونون رقيقاً له. وقال أشهب لا يسترقون وهم أحرار. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أودع المستأمن عندنا مالاً ثم رجع إلى بلده فمات أو مات عندنا فليرد ماله إلى ورثته. وكذلك لو قتل عندنا وكانت فيه الدية لبعث بالدية إلى من يرثه ويعتق قاتله رقبة. وكذلك لو قتل في محاربته المسلمين فإنا نبعث بماله الذي له عندنا إلى من يرثه. وأما لو أسر ثم قتل لصار ماله فيئاً لمن أسره وقتله لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله. وقاله ابن القاسم وأصبغ. قال ابن حبيب: وإذا مات عن مال وودائع فذلك لورثته إن قدموا , وعرفهم أنهم ورثته بشهادة مسلمين وإلا بعث إلى طاغيتهم. قاله مالك والأوزاعي وابن القاسم وأصبغ , وكذلك ديته إن قتل. قال ابن حبيب: وإن ظهرنا على ورثته قبل أن يأخذوا ذلك فذلك فيء. ولو رجع إلى بلده ثم سبي أو قتل بعد أن أسرناه كان ذلك فيئاً فيه الخمس. وإن قتل في المعركة فهو فيء لا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه. وقاله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: ولو أن المستأمن قتل عبداً مسلماً أو ذمياً لقتل به في العمد. وإن كان خطاً فعلى عاقلته الدية متى قدر على ذلك , وهو ما دام في عهده كالذمي في جميع أموره عند ابن القاسم وعبد الملك. ولو سرق من مسلم لقطع. ولو قذفه لحد , وليقطع من سرق منهم. وقال عبد الملك: يجري مجرى [3/ 145]
الذمي في جراحاته وقتله في عمد أو خطأ وجناياته وسرقته وغصبه , وكذلك الرسل. ولا يرد الرسول حتى يعرف ما جاء به , وديته لورثته بأرضه. وقال أشهب: لا يقطع الحربي المستأمن في سرقته من مسلم أو ذمي ما قل أو كثر من حرزه , ولا على من سرق منه ولا حد عليه إن قذف مسلماً ولكن يعاقب. وقال إن مالكاً قال: إن أخصني عبده لا يعتق عليه وكأنه أخصاه ببلده. قال أشهب: ولو أخصني ذمي عبداً عتق عليه. وقال ابن اقاسم: لا يعتق عليه في ذلك ولا في المثلة ما كان في أمانه وهو كالذمي. وقال ابن المواز: وإن لم يقم عليه حتى هرب إلى دار الحرب ثم عاد إلينا بأمان ثان , فليؤخذ بما تقدم ولا يزيله أمانه الثاني , ولا يؤخذ بما صنعه في بلده وفي غير عهده من قذف وقتل وغصب ونهب. ومن كتاب ابن سحنون ذكر عن ابن القاسم مثل ما تقدم في المستأمن والذمي وقال: لا يعرض لهم في شرب الخمر وينهون عن إعلانه. وإن زنى رد إلى حكام دينه إلا أنه قال في جناية المعاهد لا عاقلة له: لأن العواقل على ثلاثة أوجه , عشيرة الجاني أو أهل جزية النصراني أو مسلم لا عشيرة له ولا ولاء كمن أسلم فعقله علي بيت مال المسلمين وميراثه لهم , والمعاهد ليس من هذه الأوجه , فذلك في ماله وإلا ففي ذمته , ولإمام منعه من الرجوع حتى يؤديها أو يبعث إلى بلده في ذلك إلا أن الدية عليه في ثلاث سنين مؤجلة. وقال أشهب: فإن أبوا أن يبعثوا إليه شيئاً فإنما عليه بقدر ما يلزمه معهم لو أطاعوا على اجتهاد الإمام , وقال سحنون: بل ذلك في ذمته. [3/ 146]
ومن كتاب ابن حبيب: ذكر عن عبد الملك كما ذكر ابن المواز في المستأمن أنه يؤخذ بحوادثه عندنا , يحد في القذف والسرقة ويؤدب في الحوادث كالذمي. وقاله أصبغ وغيره , وهو قول الأوزاعي. وإن باع عبداً فظهرنا منه على عيب فليرد إليه وإن طال لبثه إلا أ، يكون العبد من المجوس أو الصقالبة أو شبههم فطال مقامهم بأيدي المسلمين فليرجعوا بقيمة العيب لأن ذلك فوت بإسلامهم. وكذلك عبد مجوسي إن أسلم عند مسلم وقد ابتاعه من ذمي أو مستأمن فليرجع بقيمة العيب. وقال ابن القاسم في هذا كله: يرد بالعيب ثم يباع عليه. والأول أحب إلي , وقاله ابن الماجشون وأشهب. وقد نهى مالك عن بيع المجوس من أهل الذمة والكتابيين , فإن اشتروهم فعثر على ذلك بحدثانه بيعوا عليهم. وإن طال ذلك ورجعوا إلى دين الكتابيين تركوا إلا أن يكون الإمام نهى الكتابيين عن شرائهم فتعدوا فليعاقبهم بما رأى من سجن وغيره ويبيعهم عليهم من مسلم. وإن لم يتقدم إليهم تركوا وهو آثم في تفريطه. وإن شرط المستأمن في أمانه ألا يرد عليه من باع من الرقيق بعيب فلا يجيبهم إلى هذا. فإن جهل وفعل مضى لهم بشرطهم على من بلغه ذلك أو لم يبلغه , وينبغي للإمام أن يشهر ذلك. وإن اشترى بعضهم من تلك الرقيق ثم باعوها من الناس ففي هذه العهدة , وإنما لهم الشرط في بيعهم أولاً , وقاله لي من سألته من أصحاب مالك , وقاله أشهب وأصبغ وغيره. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في شرطهم أن لا يرد عليهم ما باعوا بعيب: لا يلزم هذا ويرد عليهم بالعيب إن كان الرقيق من أهل الكتاب. وإن كانوا مجوساً فشراء المسلمين لهم فوت ويرجعون عليهم بقيمة العيب. [3/ 147]
ومن كتاب ابن المواز والعتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وعن قوم من العدو قدموا لطلب صلح ومعهم عبد كان أبق لمسلم فلا يعرض له. ولو صالحناهم على هدنة وأداء الجزية ولم يشترط عليهم فيما بأيديهم للمسلمين شيئاً فلا يعرض لهم فيما حازوا قبل ذلك منا من عبد أو حر أو غيره إلا أن يفادوا فيه برضاهم , كانوا أخذوا ذلك أو أبق إليهم بعض عبيدنا. وأما من أسلم منهم قال مالك: فلا يؤخذ ما بيده إلا الحر المسلم. قال ابن القاسم: وليس بقياس ولكني أستحسنه , ولو لم يسلم لم يؤخذ منه. وكره مالك أن يشترى من المسامن ما بيده من مال المسلمين. قال ابن المواز: أحب إلي أن يشتري منه ويعرض على صاحبه فيفديه إن شاء. ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم في رسل ملك الروم إلى الخليفة يسلم بعضهم عندنا: فللباقين ردهم. وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل. وقال سحنون: ولو قدم إلينا معاهد معه مكاتب أو مدبر أبق إليه المسلم , فللمعاهد كتابة المكاتب. فإن وداها عتق وولاؤه لسيده. وإن عجز رق له وله خدمة المدبر. فإن مات سيده والثلث يحمله , عتق أو ما حما منه , وباقيه للمعاهد. قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن قدموا لصلح أو تجارة ومعهم عبيد مسلمون فليمنعوا من ذلك ويتقدم إليهم فيهم. فإن عادوا عوقبوا. قال ابن القاسم [3/ 148]
عن مالك: ولا يمنعون من ردهم , وكذلك من أسلم منهم عندنا. وقال عبد الملك: بل يعطون فيهم أوفر قيمة ويؤخذون منهم. قال ابن المواز قال عبد الملك: إذا قدم ومعه حر مسلم فليعط فيه قدر قيمة مثله , ولا يمكن أن يسرف في ثمنه ولا في ثمن الصغير. قال محمد: وقول مالك الذي رواه عنه ابن القاسم أحب إلي , وقاله أشهب. ومن كتاب ابن سحنون في السير: وإذا أسلم عندنا عبد المستأمن بيع عليه. قال عيسى عن ابن القاسم في المعاهدين ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيداً لنا أو أحراراً , ثم قدموا ثانية بأمان ولم يعرفوا وهم معهم , قال: يؤخذون منهم ولا يتركون يبيعون الأحرار ويطأون المسلمات. قيل: أليس قد صاروا حرباً ثم استأمنوا؟ قال: بل هم كمداينتهم للمسلمين ثم يهربون ثم ينزلون ثانية أن الديون تؤخذ منهم. ثم رجع ابن القاسم فقال: لا يؤخذ منهم حر ولا عبد ولا ما داينوا به المسلمين قبل ذلك. وقال أشهب في حربي نزل عندنا بأمان فوجد كنزاً , قال هو له وعليه الخمس. وإن أقام عندنا ثم استأمن وله عبده فهو له. لفإن أسلم العبد بيع عليه وأعطى ثمنه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في المستأمن يصيب عندنا كنزاً: فإن كانت أرض عنوة فذلك لمن افتتحها بعد الخمس. وإن كانت صلحاً فذلك لأهل الصلح لا يخمس. وإن كانت من أرض العرب فهو لمن وجده من معاهد أو غيره. قاله ابن القاسم وخالفه أشهب. [3/ 149]
قال ابن المواز: وأهلا كان مع المستأمن عبد مسلم مرتد فلا يعرض له فى قول ابن القاسم وليبعه إن شاء أو يرده كما لو أسلم أحد عبيده. ولو باع الحربى هذا المرتد لاستتيب فإن تاب وإلا قتل. قال: ولو اعترف الحربى المستأمن أنه عبد لمسلم أو لذمى أو ارتد، قال: إذا حكم عليه وليس كمال الحربى المستأمن. قال أصبغ قال أشهب: وإذا عرفه سيده فله أخذه وكل ما معه. وبلغنى عن أشهب خلافه وليس بصواب. وإن دخل إلينا فظهر أنه مرتد فليحكم فيه بحكم المسلمين. قال أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم فى مسلم تنصر ولحق بأرض الحرب ثم قدم بأمان، قال: لا يقتل. وروى عنه فى الرسول يظهر أنه مرتد أنه يقتل. قال أصبغ: الرسول وغيره سواء. قال ابن المواز: وإن داين المستأمن الناس عندنا ببيع أو سلف ثم عاد إلى بلده فد خلناها فغنمناه وماله وله عندنا ودائع ودين، قال: لولا غرماؤه كان ماله الذى ببلد الحرب والذى عندنا لمن غنمه، ولكن غرما ءه أحق بماله فى بلد الإسلام يأخذون منه دينهم إن بلغه. وإما ما كان له ببلد الحرب فللذين غنموه. وقاله ابن القاسم وأصبغ لأنهم أوجفوا عليه. وفى كتاب ابن سحنون مثل ذلك وزاد: فإن وقع فى سهمان رجل أو اتباعه فآخرج لسيده مالا بأرض الشرك فذلك فىء للذين أصأبوه وليس لسيده إلا ما أفاد عنده، وليس له أيضاً ما كان له ببلد الإسلام من وديعة أو دين، وذلك للذين سبوه إلا أن يكون عليه ببلدنا دين فغرماؤه أحق بذلك دون ما كان ببلد الحرب. وقاله كله ابن القاسم. وقال غيره: المال الذى له ببلدنا عليه فيه أمان وهو لا يملكه لأنه عبد، ولا يتبعه فى البيع وليرد إلى أهله وأهل مملكته. ولو أسلم أو عتق لم يكن له فى ماله [3/ 150]
الذى بأرض الشرك شىء وإن أدركه بأيدى المسلمين. قال: وإما ما له أو عليه ببلدنا من دين أو وديعة أو رهن فليحكم له وعليه فى ذلك بحكم الإسلام. وإن مات عندنا أو كان حياً ولحق بأرض الحرب فمات أو قتل فتؤخذ منه الحقوق ويؤخذ له، وما فضل رد إلى ورثته. ولو أسر فصار عبداً كان ما فضل للمسلمين فيئاً فى قول ابن القاسم. وكذلك لو نقض العهد عندنا فقتل كان ما فضل بعد قضاء ديونه فيئاً فى بيت المال. ولو كان معه أم ولده فأسلمت ورجع إلى دار الحرب فلتعتق عليه إذا قال أنها أم ولدى ويتبعها ولدها. قيل: لا تعتق وتوقف حتى يسلم أو يموت. ومن كتاب آخر قال ابن عبدوس: ولو أن حربياً أودع وديعةً فى دار الحرب ثم غنمه المسلمون فصار فى سهمان رجل فإن تلك الوديعة تكون للعبد لا للجيش الذين سبوه. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قدم حربى عندنا فكاتب عبده فله الرجوع به إلا أن يسلم المكاتب فيباع كتابته من مسلم فيرق له إن عجز. وإن ودى فولاؤه للمسلمين ما دام سيده كافراً. وإذا نزل عندنا الحربيون على الرجوع فعدا بعضهم على بعض، فبعض أصحابنا يرى أن لا يحكم بينهم الإمام ويردهم إلى أهل الذمة. ومنهم من يرى أن له أن يحكم بينه إذا رضى الخصمان لا برضاء أحدهما. وإن لم يقدر بعضهم من بعض قطع السارق. ويقطع المسلم إن سرق منهم. وإذا لم يقدر على السارق فلا شىء للمستأمن. ولو قدم معه بأسير فاغتيل فليطلبه له الإمام وليجتهد فإن لم يجده فلا شىء عليه. [3/ 151]
وإن قدم ومعه ذرية فمات وله ذرية بأرض الحرب، فإن قدم على أن يرجع أو كان على ذلك جرى أمرهم على الرجوع فليرد ماله وذريته إلى بلده. وإن لم يكن كذلك فلا يرد ماله ولا لولده الرجوع وتؤخذ منهم الجزية، يريد: من ذكورهم إن بلغوا. وإذا مات عندنا ولم يكن يذكر رجوعاً فإن كان أكثر المستأمنين بذلك البلد إنما هو على المقام، فميراثه للمسلمين ولم يكن لهذا أن يرجع. ولو كان شأنهم الرجوع فله الرجوع وميراثه إن مات يرد إلى ورثته، إلا أن تطول أقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه. وإذا لم يعرف حاله ولا ذكر رجوعاً فميراثه للمسلمين. ولو قدم أخوه فقال أنا أستأمن إليكم وهو يريد الرجوع لم ينظر إلى قول أخيه. وإن بعث المستأمن عبده إلى أرض الحرب فأخذته سرية للمسلمين، فإن قدم على المقام رد غليه عبده وإلا لم يرد إليه إذا أخذ بعد أن بلغ مأمنه. ولو أخذ قبل أن يبلغ مأمنه رد إليه. وكذلك فى مال إن كان مع العبد. وإذا دخل مسلم بأمان دار الحرب فقتله حربى ثم قدم إلينا بأمان فقتله ولى المقتول فلا شىء على الوالى وليرد الإمام ديته لأنه أخذ الدم بما لا يجوز فى مثله من الخفر. وإذا جاء عسكرنا فاشترى أهله وقال أنا أبعث بالثمن مع عبدى فبعثه بالثمن فأبى العبد أن يرجع قال يرد إليه لأنه على هذا رجع. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون وإذا أعطى أهل حصن أمان اً على ما بأيديهم فوجدنا بأيديهم مسلمين، قال يعطون قيمتهم كما لو أسلم عبد الذمى فبيع عليه فهذا مثله. وهذا إن كان صلحاً مؤبداً. فإما إن كان صلحاً إلى [3/ 152]
في المعاهد يريد أن يبيع منا زوجته وولده، أو صالحت عبدك على أن يأتيك بذلك
وقت أو إلى أن يمر بهم الجيوش فلا يعرض لهم فيما بأيديهم من المسلمين. وعلى قول عبد الملك ذلك سواء ولهم القيمة فى الوجهين كما يعطى القادم بأمان قيمة المسلم فى يديه. فى المعاهد يريد أن يبيع منا زوجته وولده أو صالحت عبدك على أن يأتيك بذلك من كتاب ابن المواز: وإذا قدم الحربى إلينا معه أهله وابنه وابنته فنزل عندنا مستأمناً فأراد بيعهم فلنا شراؤهم إلا أمرأته وابنه الكبير الذى ولى نفسه فلا يجوز بيعه كما لا يبيع صاحبه، إلا أن ترضى بذلك أمرأته وابنه وابنته التى وليت نفسها، لأن نزوله معهم بالأمان نزول واحد، وله بيع صغار بينه ورهنهم. وكذلك من هادن المسلمون مثل السنتين والثلاثة. فإما من صالحناه صلحاً لا أمد له فلا يجوز لمن قدم منهم بيع أولادهم لدخولهم معهم فى الصلح. قال ابن القاسم إن صالحناهم على مائة رأس كل عام، فإن كان عام اأو عام ين فلا بأس أن نأخذ ما أعطونا من أولادهم ونأخذ منهم النساء. قال محمد: إنما جاز ها هنا أخذ النساء منهم لأنهم بأرضهم بخلاف من دخل بأمان ولو صولحوا على خراج كل سنة فأسلموا سقط عنهم. قال أشهب فى عبد لرجل طلب سيده أن يخليه ويأتيه بزوجته أو بولده يكون ذلك فداءه ففعل، وجاء وادعوا أنهم خرجوا معه بعهد وقال هو بل سرقتهم أو غنمتهم، (قال: القول قول الذى جاء بهم لسيده. [3/ 153]
في المستأمنة تريد أن تتزوج عندنا
وبقية القول فى الحربى والأسير يفدى زوجته بمال يرهن فيه ولده) وشبه ذلك فى أبواب الفداء فى كتاب آخر من كتاب الجهاد. فى المستأمنة تريد أن تتزوج عندنا من كتاب ابن المواز: قال أشهب فى علجة قدمت بأمان فأرادت نكاح مسلم وقالت ليس لى زوج أو قالت لى زوج تركته وحضت ثلاث حيض بعد خروجى، قال لها أن تتزوج. فإن كان لها زوج فاستبراؤها ثلاث حيض وهى مصدقة أنها حاضتها بعد آخر وطء وطئها. ولو قدم زوجها قبل تمام ثلاث حبض كان أحق بها إن لم تسلم هى. ولو أسلمت لم يكن أحق بها إلا أن يسلم قبل تمام عدتها. (قال وخروجها إلى بلد الإسلام وحدها فراق ما لم يسلم هو قبل خروجها، وخروجها كما لو سبيت بغير) زوج، فهى تحل لمن صارت له بعد حيضة. قال أصبغ وذلك كالسبى. قال محمد: فاستبراء السبى حيضة. وإذا جاءت وحدها فاستبراؤها ثلاث حيض. وإن قدم زوجها أو سبى قبل الحيضة وقبل أن توطأ فهو أحق بها، يريد فى المسيبة. وإن جاء بعد أن وطئت فلا نكاح بينهما ولا سبيل له إليها. ومن اشترى علجة وزوجها من المقاسم فلا يفرق بينهما فى النكاح، فإن هرب العلج لم يكن لسيدها وطؤها إن كانا أقرأ على النكاح وعلى ذلك بيعت. ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ فى المستأمنة تريد النكاح فلا ينبغى أن يتزوجها مسلم وإن قالت لا زوج لى، لأن لها أن ترجع إذا انقضى ما استأمنت [3/ 154]
عليه، إلا أن تريد المكث ببلد الإسلام وعلى ذلك أمنت فلهاالنكاح بعد ثلاث حيض، كان لها زوج أو لم يكن لأنها جانحة، والجانح من الحربيين ليس له أن يرجع إلى بلد الحرب. وتلك التى لها أن ترجع المستأمنة للفداء (أو لتجارة ونحوه فكرهنا أن تتزوج لئلا يبقى ولد المسلم فى رحمها إذا رجعت. والقول فى الرهائن) والرسل فى كتاب آخر من الجهاد. [3/ 155]
صفحة بيضاء
في سهمان الخيل وسهم الفارس والراجل، وذكر المريض والفرس الرهيص، والصغير والهرم وما أشبه ذلك
فى سهمان الخيل وسهم الفارس والراجل وذكر المريض والفرس الرهيص والصغير ولهرم وما أشبه ذلك من العتبية: روى يحيى بن يحيى قال: قال ابن نافع حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم فرض للفرس سهمين وللرجل سهماً. ورواه ابن وهب عن نافع عن عبد الله بن عمر بإسناده. وفعله عمر ابن الخطاب ومضت به السنة. وذكر ابن حبيب من الرواية مثله. وقال ابن سحنون: وما علمت أن من علماء الأمة من قال: إن للفرس سهماً ولفارسه سهم غير أبى حنيفة، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد، وما أرى مجوزاً أن يدخل هذا فى الإختلاف. ومن الواضحة قال ابن حبيب: اختلف الرواية فى السهم لفرسين، فروى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يسهم للزبير إلا لفرس واحد، وكان معه ثلاثة أفراس وروى أنه أسهم لفرسين. وأخذ به عمر بن عبد العزيز وغيره. [3/ 157]
قال أبو محمد: وكذلك فى رواية ابن وهب وبه قال ابن وهب، ذكره عنه ابن سحنون. قال ابن حبيب وقال مالك (فى الموطأ: قال الله تعالى فى كتابه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) قال مالك: فأرى البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالى. قال مالك: ولم أزل أسمع ان للفرس سهمين وللرجل سهم، ولم أسمع بالقسم إلا لفرس واحد. ومن كتاب ابن حبيب: وقال مالك) وأصحابه: لا يسهم إلا لفرس واحد وهى روايته فى أمر الزبير. قال مالك: والخيل والبراذين سواء فى السهمان. قال ابن حبيب: والبراذين الدك العراض، فإذا أشبهت الخيل فى القتال عليها والطلب بها أسهم لها. وقال ابن الماجشون عن مالك: ويسهم للفرس الرهيص وإن كان كذلك منذ أدرب به، وقاله أشهب وأصبغ. قال ابن حبيب: بخلاف الكسير أوالخطيم يدخل به كذلك هذا لا يسهم له، وكأنه مات قبل الإدراب. وإما لو أوجف عليه صحيحاً ثم أصابه الكسر لكان له سهمه كما لو مات بعد الإيجاف. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: يسهم للفرس المريض منذ أدربوا، وكذلك الرجل. وروى عنه أشهب وابن نافع أنه لا يسهم له، وبالقول الأول يأخذ سحنون. وروى عنه غير هذا فى المريض وقال: ما كل من حضر القتال يقاتل، وقال: ولا كل فرس يقاتل عليه. قال سحنون: وإن دخل دار الحرب بفرس لا يقدر أن يقاتل عليه من كبر أو مهر صعب لا يركب فهو راجل ولم يكن ينبغى للإمام أن يجيزه. [3/ 158]
قال ابن المواز قال مالك: ومن لم يزل مريضاً منذ خرجوا من أرض الإسلام حتى قفلوا، فله سهمه. وكذلك الفرس لم يزل رهيصاً حتى قفلوا. قال ابن القاسم: وإن نفق قبل أن يحضر القتال لم يسهم له. ولو نفق بعد القتال وقبل الغنيمة أسهم له. وكذلك فى الرجل يموت على هذا المعنى. قال ابن حبيب: وإما صغار الخيل لا مركب فيه ولا حمل فلا يسهم له. وإن كان فيه بعض القوة على ذلك أسهم له. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا دخل رجل بفرس صغير لا يقاتل على مثله فأقاموا حتى كبر وصار يقاتل عليه فله من يومئذ سهم فرس لا فيما قبل ذلك. وإن كان لا يركب لمرض أو رهصة أو طلع فهو كالصحيح بخلاف الأول، وهذا يتوقع برؤه. ومن بلغ وأنبت من الصبيان فى أرض العدو فلا يسهم له إلا فيما يغنمون بعدذلك. والفرس العقوق إذا وضعت وطال مقأمهم حتى كبر الولد، فمن يوم يصلح أن يقاتل عليه يسهم له. وأجمع أصحابنا أنه لا يرضخ لصاحب حمار أو بغل أو لصاحب برذون لا يجيزه الوالى. وقال ابن وهب عن مالك فى من غزا على حمار أو بغل فأعطى فرس فى السبيل أيأخذه؟ قال: الحمار ضعيف والبغل أقوى، وإما الفرس فلا أرى أن يأخذه إلا أن يعلم من نفسه أنه يقوى على التقدم إلى إلاسنة. قال سحنون: ومن دخل دار الحرب راكب حمار ومعه فرس يقوده، أو راجل وفرسه عليه جل وهو يقوده أسهمت له سهم فارس. وقال أصحابنا: وإذا عسكروا بأرض الحرب ولبعضهم خيل فسروا رجالةً فليسهم للفرس. [3/ 159]
فيمن دخل أرض الحرب فارسا أو راجلا، ثم انتقل إلى خلاف ذلك من ركوب أو رجلة، وفيمن قاتل على فرس بعارية أو تعد أو شراء أو كراء، ومن مات بعد الإدراب
وروى أصبغ عن ابن القاسم فى العتبية: وإذا لقوا العدو رجالةً وخيلهم فى رحالهم لغناهم عنها فأنه يسهم لخيلهم لأنها عدتهم. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: والخيل التى يتجاعل فيها أهلالديوان، يسهم لها إذا حضروا الغزو. وإذا دخل رجلان أرض العدو ومعهما فرس وهو بينهما، فسهماه للذى ركبه فى القتال، وعليه للآخر نصف إجارته. وإن شهدا عليه القتال جميعاً، فلكل واحد منهما ما حضر عليه من القتال، وعليه نصف الإجارة لصاحبه إن كان يعرف ذلك، وإلا اقتسما الجميع وتحإلا. قال: ولو ركبه أحدهما كل الطريق فلما حضر القتال ركبه آخرهما، فالسهمان للذى ركبه فى القتال، ويغرم نصف الإجارة لصاحبه، وعلى راكبه أولاً نصف إجارته. فيمن دخل أرض الحرب فارساً أو راجلاً ثم انتقل إلى خلاف ذلك من ركوب أو رجلة وفى من قاتل على فرس بعارية أو تعد أو شراء أو كراء ومن مات بعد الإدراب من كتاب بن سحنون قال سحنون قال مالك وأصحابنا: إذا دخل الجيش دار الحرب، فمن دخل منهم فارساً فهو فارس. ومن دخل منهم راجلاً فهو راجل وما مات من فرس أو رجل قبل الغنيمة فلا سهم له. ولو أخذ العدو فرسه قبل الغنيمة ثم رجع إليه فإنما يسهم له من كل ما غنموا بعد رجوعه إليه، وكذلك لو أسر ثم تخلص فإنما يسهم له فيما غنموا من يوم خلاصه. وكذلك الراجل يفيد فرساً فمن يوم يفيده يسهم له. وإذا قاتل فقتل فرسه ثم أسر ثم [3/ 160]
غنموا بعده من ذلك القتال غنيمة ً ثم غنموا آخرى ثم تخلص وجاءهم فله سهمه فى غنيمة قتالهم الذى أسر فيه على أنه فارس، (ولا سهم له فيما غنموا بعد ذلك فى أسره. وإما ما غنموا بعد خلاصه فله فيه سهم) راجل، إلا أن يتخلص وهو فارس فله من يومئذ سهم فارس. وكذلك لو قفل أصحابه وجاء آخرون فتخلص إليهم فله مع هؤلاء من يوم تخلص إما فارس أو راجل، وله فى الأولين سهم فارس. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أوجف فارساً ثم نفق فرسه قبل مشاهدة القتال لم يسهم لفرسه، ولو مات هو حينئذ لم يسهم له. ومن أوجف راجلاً ثم أفاد فرساً عند مشاهدة القتال بشراء أو كراء أو عارية أو بتعد فقاتل عليه فله سهم الفرس. وحد ذلك عند مالك مشاهدة القتال. وإما ابن الماجشون. فبالإيجاف يجب عنده وإن لم يشاهد قتالاً، فيوجب بالإيجاف لمن مات أو قتل من رجل أو فرس ما توجبه المشاهدة. ومن أوجف عنده راجلاً ثم أفاد فرساً حتى يمكن كونه بيده بملك أو كراء أو تعد فله سهمان الفرس. فإما إن ألفى فرساً عند زحمة القتال من خيل العدو أو خيل المسلمين فركبه بأحد هذه الوجوه فلا يأخذ سهميه، وسهماه لصاحب الفرس إلا أن يكون من خيل العدو فلا سهمان له. وإنما الفارس الداخل على فرس أو يفيده بحدثان ذلك وقبل شهوده القتال بأيما وجه وإن كان باعتداء إذا تمكن كونه بيده واستفرد دون الموجف عليه. قال ابن حبيب: وقول ابن الماجشون أقيس وبه أقول. وقول مالك استحسان وقال به أكثر أصحابه. قال ابن المواز: ومن دخل أرض العدو راجلاً فاشترى فرساً فقاتل عليه فله سهمه، ولو دخل بفرس فنفق أو باعه قبل القتال فهذا يعد راجلاً. قال ابن القاسم: لا ينظر إلى الفصول إلى أرض العدو ولا النزول عليهم وإنما ينظر إلى القتال، فبه تجب السهام. وقال عبد الملك: بالإيجاف يجب له سهمه فيما غنموا. [3/ 161]
ومن كتاب ابن سحنون ذكر سحنون قول عبد الملك هذا قال: وخالف فى ذلك أصحابنا وقال ولا يكون فارساً من أخذ فرساً عاثراً أو قتل مشركاً وركب فرسه أو استعاره من ساعته فلا يعطى سهم فارس وإنما الفارس من دخل على فرس أو اشتراه حتى تمكن فى كينونته له، وذلك لأنه إنما يجب عنده بالإدراب. قال سحنون: وسهم الفرس المحبس للغازى عليه ولا يجعل فى علفه وسلاحه. ولو كرى فرساً أو استعاره فله سهم فارس. وقال ابن القاسم: ومن معه فضل فرس فى الغزو فأعطاه لرجل يقاتل عليه على أن له سهماً ولربه سهم فلا خير فيه. قال سحنون: فإن نزل فسهمان لراكبه وعليه إجارة مثله لربه وإن جأوز ذلك سهم الفرس. وكذلك فى كتاب ابن المواز عن ابن القاسم عن مالك أن لربه أجر مثله. وقال ابن القاسم بل السهمان لربه إلا أن يكون دفعه إليه قبل خروجه من بلده. قال ابن القاسم صواب إن كانت عاريته غير بتل ومتى شاء أخذه. ومن كتاب ابن سحنون: وكره مالك أن يكرى فرسه ممن يحرس عليه ومثله من لا يقاتل. فإذا قيل: من يرمى موضعاً كذا فله مائة درهم فيذهب فيرمى فهذا قبيح وكرهه. وقال ابن القاسم فى فرس انفلت من ربه بأرض العدو فأخذه آخر فقاتل عليه حتى غنموا: إن سهمانه للذى انفلت منه وكذلك ذكر ابن المواز عن أصبغ عن ابن القاسم. قال سحنون: سهماه للذى قاتل عليه وعليه إجارة مثله إلا أن يكون هروبه من ربه بعد أن شهد عليه أول القتال وباشر عليه القتال فيكون السهمان لرب الفرس ولا أجر للمعتدى. [3/ 162]
قال ابن القاسم: ولو شد القوم على دوابهم للقتال فعدا رجل على فرس آخر فقاتل عليه فغنموا مكانهم: إن سهمان الفرس لربه. وكذلك عنه فى كتاب ابن المواز. قال ابن المواز: وكذلك لو تعدى عليه قبل يكون قتال، وليس ذلك مثل موت الفرس. وقال سحنون: بل السهمان للمعتدى وعليه أجر مثل الفرس إلا أن يأخذه بعد إثبات القتال، فيكون السهمان لربه. قال ابن القاسم: ولو تعدى عليه فى أرض الإسلام فغزا عليه أو فى أرض العدو قبل حضور القتال فشهد عليه سريا أو قاتل عليه، فسهماه فى هذا للمتعدى وهو له ضأمن. قال سحنون هو كذلك فى السهمين، فإما الضمان فإن رده بحاله لم يضمن وعليه الإجارة. وإن رده وقد تغير أو عطب فربه مخير أن يضمنه قيمة الفرس أو يأخذ منه أجره فيما استعمله فيه، وقاله أشهب. ومن عقر فرسه قبل الغنيمة، يريد بعد القتال، فله سهم فارس فى تلك الغنيمة. ولو خرجوا من المدينة للقتال ثم أمر رجل غلأمه برد فرسه إلى منزله لم يضرب لربه إلا بسهم راجل. ولو رده العبد فلم يخرج من معركة القتال حتى أنهزم الكفار فلمولى العبد سهم فارس فى قول أشهب وسحنون، إذ لو شاء ربه أخذه فقاتل عليه. (قال ابن المواز قال ابن القاسم: ومن تعدى فى أرض العدو على فرس لغيره فقاتل عليه) حتى غنم فسهمان الفرس للمتعدى وعليه لربه أجر مثله. قال ابن الموازعن أشهب: ولو وجد فرساً للعدو فأخذه قبل القتال فركب عليه فسهماه له وعليه أجر مثله لأهل الجيش. وروى لنا عن أشهب خلاف هذا فى المركب يمنعه الريح أن يلحق بأصحابه: أن لأهله سهامهم، وهذا أصح، وهو قول مالك فى المريض والفرس [3/ 163]
والرهيص والضال والمنفلت والمركب يعتل أو يرده الريح والأسير والدابة: إن سهمانهم قائمة لا يرد ذلك إلا الموت قبل القتال أو الرجوع بغير عذر أو البيع. وروى لنا عن أشهب قول آخر فى من ضل فرسه يوم اللقاء فأخذه رجل فقاتل عليه: إن سهميه للذى ركبه وعليه لربه أجر الفرس. وكذلك لو غضبه إياه، وهذا قول متروك إذا كان دفعه إليه، يريد عاريةً بعد أن وقع القتال، وليس هو بمثل إذا أفلت منه أو غصبه رجل فقاتل عليه. ومن كتاب ابن سحنون: ومن غصب فرسه بدار الحرب أو بدار الإسلام أو نزل عنه لحاجة أو غار فرسه، فإن رجع إليه قبل القتال فحضر عليه القتال فله سهم فارس. ولو قاتل عليه الغاصب كان له فى تلك الغنيمة سهم فارس، ويغرم لربه أجر مثله فى مثل ما استعمله، ثم يكون لربه فيما يستقبل سهم فارس، وابن القاسم لا يرى له أجراً. قال سحنون: وإن تغير الفرس فربه مخير فى تضمينه قيمته ولا اجر له، (أو أخذه ناقصاً وإجارته. وكذلك لو غصبه بأرض الحرب على ما ذكرنا).وإذا أخبر لصاحب المقاسم عند دخوله أن فرسه قد غار أو غصب فليكتبه راجلاً، ثم إن خرج فلا يصدقه على وقت وجده إلا ببينة. ثم يصير فيما يغنم بعد ذلك فارساً. وإذا أحرزت الغنيمة فأخذ رجل منها فرساً فقاتل عليه، فقد سهل مالك فيه أن يأخذه يقاتل عليه أو ينقلب عليه إلى أهله، وكرهه فى رواية آخرى، وأنا أرى لهذه إلاباحة أن سهمى الفرس لراكبه ولا أجر عليه. ولو صرع رجلاً من العدو عن فرسه فركبه وقاتل عليه فإما ما غنم فى قتاله هذا عليه فلا سهم له لذلك الفرس. وإما ما حضر عليه بعد ذلك من السرايا وغيرها فله سهمه. وقال فى الوالى [3/ 164]
يستعير منه رجل فرساً فى أرض العدو فيقاتل عليه إن سهمه لراكبه. وكذلك فى العتبية، رواه أشهب عن مالك. ورواه ابن القاسم عنه فى كتاب ابن المواز. قال سحنون: ومن اعار رجلاً فرسه يقاتل عليه فسهماه للمعار، أعاره قبل الإدراب أو بعده. ولو كانت العارية مؤجلة أو إلى رجوعه أو لم يوقت فذلك سواء كله وسهماه للمستعير. ولو أعاره فى حومة القتال فإن كان فى أوله قبل بيان الظفر فهما للمعار. وإن كانت فى ىخره وبعد بيان الظفر فالسهمان لربه، ثم رجع فقال: هما للذى ناشب عليه القتال أول القتال. قال ابن الماجشون: ومن أعار فرسه أول دخوله عليه بلد العدو واشترط إلى الرجوع أو لم يشترط فهذا للمستعير، وكان المعير قد أوجف بغيره. وإما إن أعاره واشترط السهمين أو بعضهما فأقام أو أوجف هو نفسه فله كراء مثله والسهمان للداخل عليه. وإما من تمكن من الإيجاف عليه والدخول فأعار بشرط أو بغير شرط أو بين فتحين، فإنظر ما وجب للفرس، فهو لمعيره لأنه بالإيجاف عندى وجب ذلك، ما لم يشترط جزءاً من سهم الفرس أو من سهمه، فهذا فاسد وله كراء مثله مع سهمى الفرس. وإما إن أعار فى سرية فما انفرد به من ذلك فهو له. فإما إذا رجع إلى أن يكون فى الجيوش والصوائف فهو لربه الذى أوجف عليه. قال أشهب ومن غزا بأفراس له فإذا كان حمل من يقاتل فسهمانها لمن قاتل عليها. ولو شرط ربها أن يكون له السهمان فليعطوه كراء خيله [3/ 165]
بقدر المسافة وبقدر إثخأنهم فى القتال وبقدر الخوف. قال سحنون: صواب ومن أعار رجلاً فرسه ليدخل به وليقاتل عليه لم يكن له نزعه منه قبل أن يقاتل، ثم إذا قاتل فله أخذه منه فيكون فيما يغنم بعد ذلك فارساً. ولو منعه منه أو جحده حتى فرغت المغانم فله حكم الغاصب. قال سحنون فيمن حضر القتال على فرس فلم يفتح لهم فى يومهم. فباعه فقاتل عليه مبتاعه اليوم الثانى فلم يكن فتح فباعه الثانى فقاتل عليه الثالث يوماً ثالثاً ففتح لهم: إن سهم الفرس لبائعه الأول لأنه قتال واحد، كما لو مات بعد أول يوم وقاتل عليه أحد ورثته فى اليومين أو لم يقاتل: إن سهميه لورثته، وكل قتال مبتدأ بعد موته قاتل فيه وارث له على هذا الفرس فسهماه فيه للوارث وعليه أجر الفرس موروثاً. قال الأوزاعى: ومن ابتاع فرساً وقد غنموا واشترط سهمه فجائز إن كان الثمن أكثر من السهم كمال العبد يشترط: قال سحنون: لا يجوز غن كان السهم ذهباً والثمن فضةً ويصير عرضاً بعرض وذهباً بذهب. ولو كان الثمن عرضاً والسهم معروفاُ جاز، وليس كالعبد لأن العبد يملك والفرس لا يملك. ولو كانت الغنيمة عروضاً والسهمان معروفةً جاز شراؤها مع الفرس بالذهب والورق. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السهمان حتى يعلم ما هى. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أعطى فرسه لمن يقاتل عليه على أن سهمى الفرس لربه أو بينهما لم يجز فإن وقع فإن كان قبل القتال بأمد يتمكن كونه بيده وحوزه إياه فسهماه له، وإن كان ذلك بحدثان القتال فسهماه لربه وله على راكبه أجر مثله فى الوجهين فى مثل ما ركبه له وعرضه إياه، والحكم فى سهمان [3/ 166]
فيمن مات بعد الايجاف أو بعد القتال، ومن تخلف لمرض أو عذر أو ضل عن أصحابه أو بعث في أمر، وفي المراكب يردها الريح أو يغرقها
الفرس فى صحة الكراء وفساده سواء. وكذلك لو أخذه متعدياً فالأمر فى سهمانه وكراته على ما ذكرنا. والأمر فى عاريته فى السهمان على ما ذكرنا ولا كراء فيه. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا نفق فرسه قبل القتال لم يسهم لفرسه. ولو حضر عليه القتال ثم نفق فله سهمه فى تلك الغنيمة. ولو نفق فرسه ثم كسب آخر قبل اللقاء فحضر القتال أو تركه فى العسكر فله سهم فارس وكذلك لو أفاده وقد التحم القتال. وكذلك لو قتل علجاً منهم فأخذ فرسه فقاتل عليه. وكذلك لو جاءه فرسه حينئذ. ومن مات أو قتل فى المعرطة قبل الغنيمة أو بعد فله سهمه. وكذلك بعد الهزيمة. ولو أصاب فرساً بعد هزيمتهم فقاتل عليه فله سهم راجل إلا فيما يستقبل بعد هذه الغنيمة. قال وينبغى للإمام أن يكتب أهل الجيش للغنائم إذا دنا من أهل الحرب قبل أن يغنموا وقبل أن يسروا السرايا. فيمن مات بعد الإيجاف أو بعد القتال ومن تخلف لمرض أو عذر أو ضل عن أصحابه أو بعث فى أمر وفى المراكب يردها الريح أو يغرقها من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن فضل من الغزاة فأدراب ثم مات، ولعله قد نزل وتهيئوا للحرب ثم مات وكان القتال بعده وغنموا فلا سهم له. ولو وقع القتال ثم مات ولم يكن فتح ولا غنيمة ثم غنموا بعد ذلك فللميت سهمه موروثاً لورثته. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله وذكره عن مالك وفى كتاب ابن سحنون نحوه، وقال: وكذلك لو قتل فله سهمه. [3/ 167]
ومن كتاب ابن المواز قال: ولو لم يبلغ العسكر حتى مرض فخلفوه فى الطريق لعله يفيق فيلحق بهم فقاتلوا وغنموا ورجعوا فله سهمه. وكذلك إن كان تخلفه ببلد الإسلام وقبل أن يدرب فى بلد الحرب فله سهمه. قال ابن وهب عن مالك فى من مات بعد الوصول إلى أرض العدو وقبل القتال فلا سهم له. وإن مات بعد القتال قبل الغنيمة فله سهمه. ولو كانت غنيمة بعد غنيمة فما كان متتابعاً فله فيه سهمه فى الجميع، مثل أن يفتحوا (حصناً ثم يموت ثم يفتحوا) آخر على جهة الأمر الأول. قال أصبغ: وإما لو رجعوا قافلين ونحو ذلك من انقطاع الأمر فلا شىء له فيما استؤنف بعده. كذلك روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية من أول المسألة، وقال عنه يحيى: ويقسم فى كل ما غنموا بعد موته من أسلاب الجيش الذين قاتلوهم أو من فتح حصن أو من ما أوجفت عليه خيلهم من سرايا وغير ذلك إذا مات بعد القتال. وإما إن لم يكن قتال إلا بعد موته فلا شىء له فيه وإن أوجف. قال فى كتاب ابن المواز: ولو حاصروا حصناً فقتل فى أول يوم ثم أقام أصحابه حتى فتحوه بعد أيام فله سهمه فيه. ولو مات قبل حضور القتال (فلا سهم له. ولو حضر القتال) وهو مريض ثم مات ثم فتحوه حصوناً بعده حصناً بعد حصن، فله سهمه فى الجميع وذهب عبد الملك إلى أن من مات بعد الإيجاف فله سهمه فى كل ماغنموا بعد ذلك، والإيجاف عنده الوصول إلى أرض العدو ومفارقة أرض الإسلام. [3/ 168]
قال ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك فى المراكب تفصل إلى أرض العدو ثم يرد بعضها الريح إلى أرض الإسلام ولم يرجع أهلها من قبل أنفسهم، فإن لهم سهمانهم مع أصحابهم الذين وصلوا إلى أرض العدو وغنموا. قال عبد الملك: وكذلك لو كان سلطانهم الذى ردته الريح فسلطأنه عليهم قائم والغنيمة له ولمن معه كما لو حضروا القتال. قال ابن سحنون: اختلف قول سحنون فى الذين ردتهم الريح فقال: لا سهم لهم مع الذين غنموا، وهذه الرواية على معنى من يقول بالإدراب، ثم رجع فقال: لهم سهمهم لأنهم مغلوبون كما قال مالك. ومن كتاب ابن المواز: من مات ممن ردته الريح أو خلفه بالطريق مرض فكمن مات بعد أن فصل: إن مات بعد القتال فله سهمه وإن مات قبله فلا شىء له. قال مالك: وإن خرجت مراكب من مصر غزاة فاعتقل منها مركب فتخلفوا لإصلاحه فخافوا إذ بقوا وحدهم فرجعوا إلى الشام فلا شىء لهم فيما غنم أصحابهم. وكذلك لو مرضوا فرجعوا أو انكسر مركبهم فرجعوا. قلت: فإن أسهموا لهم وأعطوهم؟ قال: فلا يرجعوا عليهم قد فات ذلك وأنفقوه. قلت: فلو ولجوا بلد العدو وجاءوا قبرس ثم عرض لهم ما عرض فرجعوا إلى الشام خوفاً من العدو حتى رجع الجيش؟ قال: هذا عذر إذا بان خوفهم فهذا مشكل ويسهم لهم. قال محمد: الرجوع عند مالك أشد إلا رجوع يتبين فيه العذر ولا يكون رجوعهم رغبةً عن أصحابهم. قال عبد الملك: وإن فرقت المراكب الريح وحالت بينهم الظلمة أو عرض لهم غير ذلك حتى غنم بعضهم ولم يغنم الباقون، أو ردت الريح أميرهم وأوجف الباقون، فكل رجوع كان بأمر غالب [3/ 169]
فهو كمن لم يرجع، وكالسرايا يغنم بعضها دون بعض فذلك بين الجميع ولواليهم معهم وكذلك لمن ضل منهم. ومن تاه عن السرية قبل القتال ولم يرجع حتى غنموا فله سهمه. وقاله أصبغ عن ابن القاسم فى من ضل عنهم. وكذلك من تاه بأرض العدو أو فى أرض الإسلام فى الطريق قبل بلوغهم. قال سحنون: قد قالوا فيمن مات بعد الإدراب فلا سهم له، فالذى رده المرض ومن ردته الريح أولى أن يمنع. وقال عن أشهب فى من تاه من سرية فلقى سريةً آخرى من غير عسكرهم فغنم معهم فإن كان السريتان خرجتا من أرض الإسلام فكلهم شركاء. قال ابن المواز: وإن كان السرية من غير أصحاب الثانية، فإن دخل معهم قبل القتال ثم قاتلوا وغنموا فله سهمه. ثم إذا رجع إلى أصحابه ضم ما غنم إلى ما غنموا وكانوا شركاء. وقال ابن سحنون عن أبيه مثل ما ذكر ابن المواز من أول المسألة، وذكر عن أشهب أنه لا شىء للذى ضل من ماغنم الجيش إذا ضل قبل الوقعة، ويصير حكمه حكم السرية التى صار إليها، غنم معهم أو لم يغنم. قال ابن سحنون: وهذا القياس على قولهم فيمن مات بعد الإدراب وقبل الغنيمة. قال ابن سحنون عن أبيه: واختلف فى رجل ضل من سرية فاجتمع مع آخرى فقاتل معها فأخذ سهماً ثم اجتمع مع الأولى، والذى أقول به أنه يضم ما أخذ مع السرية الآخرى إلى ما غنم أصحابه ويقسمون ذلك كله. وروى ابن نافع عن مالك فيمن ضل عن العسكر حتى غنموا أنه لا سهم له. وقال ابن نافع له سهمه. [3/ 170]
قال ابن المواز: ولو بعث الأمير قوماً من الجيش قبل أن يصل إلى بلد العدو فى أمر من مصلحة الجيش، من حشد أو أقامة أسواق أو غير ذلك، فاشتغلوا فى ذلك حتى غنم الجيش فلهم معهم سهمهم. وقد قسم النبى صلى الله عليه وسلم لعثمان يوم بدر وقد خلفه على ابنته، وقسم لطلحة وسعيد بن زيد وهما غائبان بالشام. قال سحنون: وكذلك روى ابن وهب وابن نافع عن مالك. وروى عن مالك أنه لا شىء له إن بعثه الإمام فى بعض مصالح المسلمين ثم غنموا بعده، وبالأول أقول. وقال: وإذا رد الإمام قوماً من بعض الطريق لضعف الناس وإثقالهم وما وقف من دوابهم، فإن كل من رده لمصلحة المسلمين فله سهمه فيما غنم الجيش بعده إذا رده بعد الإدراب فى بلد الحرب. ومن رده لذلك قبل الإدراب فلا سهم له. وقال أيضاً قبل هذا: ما أعرف الإدراب ولم يقله من أصحابنا إلا عبد الملك، وأنكر ما ذكر منه عن المغيرة وقال وأرى أن كل من رده للمصلحة فله سهمه. وقد أسهم النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر لعثمان وقد خلفه على ابنته، ولا أعرف الإمام يرد المرضى والخيل ولكن يرد الرجل للخبر وشبهه. وقال: ومن مرض بعد الإدراب وقبل القتال فرده الإمام لمرضه إلى بلد الإسلام فله سهمه على قول ابن القاسم. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهل مركب غزوا فنزلوا ببعض مواضع الروم فبعثوا رجلاً إلى ناحية من الجزيرة ليختبر لهم ما فيها من مراكب المسلمين فأبطأ عليهم فأقلعوا إلى موضع أصأبوا فيه غنائم فإن للرسول نصيبه معهم إن كان قد رجع فلم يجدهم. فإن كان قد أقام عند من وجد من المسلمين رافضاً لأصحابه فلا شىء له معهم. [3/ 171]
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أمير خرج بأصحابه فلما دنا من العدو عرض لهم نهر فأمرهم بجوازه فأبى بعضهم وخافوه وجازه الباقون معه فغنموا، فلا يشركهم من تخلف فيما غنموا. وإن أنكروا أن يكونوا تخلفوا عن أميرهم فالقول قولهم إلا أن تشهد عليهم بينة ممن تخلف أو من غير الفريقين. فإما من جاز مع الأمير فلا يقبلون لجرهم إلى أنفسهم، فلا تقبل شهادة الأمير عليهم. وقال ابن وهب مثله. وقال ابن سحنون عن أبيه مثله إن كان النهر جوازه خطر ومهلكة، فقد أخطأ الذين جازوا ويدخل من تخلف معهم فيما غنموا. وإن كان النهر على غير ذلك فلا سهم للمتخلفين إذ لا عذر لهم فى تخلفهم، ثم القول فى باقيها كما قال ابن القاسم إلا قوله إن الإمام كأحدهم فيما قال، وأرى أن الإمام إن كان عدلاً فقوله مقبول على من تخلف، وليس ذلك من طريق الشهادة. ومن كتاب ابن سحنون قال: وسأل شجرة سحنون عن أربع مراكب خرجت للغزو، فلما بلغوا سرادنية أو قرسقة وجدوا مركباً عظيماً للروم، فغنموه وأجمعوا على الغزو إلى بعض الجزائر، فلم يمكنهم السير بذلك المركب العظيم، فاتفقوا على أن يدخل فيه ثلاثة من كل مركب منهم ويقيم معه مركب منهم ويمضى الثلاثة، وقالوا للباقين تمضون إلى مرسى كذا من بلد الروم نأتيكم إليه، فإن أقمتم عشرين يوماً ولم نأتكم، فإذهبوا إلى بلد الإسلام، فمضوا على هذا فغنمت الثلاثة غنائم، ولم تأت الريح المركب الرابع مع المركب الكبير، وجاءت [3/ 172]
الثلاثة إلى موضع الموعد فأقاموا عشرين يوماً للموعد فلم يأتوا، فذهبوا إلى بلد الإسلام ثم طاب الريح للمركبين فأتوا أيضاً وقد غنموا أو لم يغنموا، فتنازعوا فيما غنمت الثلاثة مراكب وفيما غنم هؤلاء، قال: ذلك كله بينهم وقد ثبتت شركتهم لنصر بعضهم بعضاً، وأمرهم واحد وللفارس منهم سهمه وللراجل سهمه. قال سحنون: وإذا نزل المسلمون بحصن فيه حصون بعضها فى بعض فلما فتح الحصن الأول مات رجل أو قتل، ثم فتح حصنان بعده أو ثلاثة فى يوم أو أيام لم يسهم للرجل إلا فى غنيمة الحصن الأول. قيل له روى عيسى عن ابن القاسم: إن كان شيئاً متتابعاً قبل أن ينقطع ذلك فله سهمه فى ذلك كله، وقد يقاتل عشرة أيام وهذا قريب، وإن كانوا رجعوا وشبه ذلك ثم ائتنفوا قتالاً فهذا أمر مؤتنف. قال: لا أعرف هذا، وإنما له فيما وقعت فيه المناشبة قبل موته. وإما ما ابتدأ قتاله من الحصون بعد موته فلا شىء له فيه ولو كان للمدينة أرباص ولها أسوار فمات أو قتل بعد أن أخذوا فى قتال المدينة ثم فتح الربص الأول (وصار الكفار فى الربض الثانى فأخذ الناس فى قتالهم فى الثانى وانتهب الربض الأول) فتمادوا حتى فتحوا الثانى وانتقل العدو إلى الثالث، وتمادى الناس فى قتالهم فى غير فور واحد حتى فتحوا المدينة، قال: هذا قتال واحد ولمن مات فى أول القتال سهمه فى جميعه، وهذا كأنهزأم الميمنة أو الطلائع ثم يموت أحدهم ثم تنهزم الميسرة. قال: ولو قأمت الصفوف منا ومنهم ثم مات رجل قبل المناشبة فلا سهم له فى ذلك القتال. قال أبو محمد: وبعد هذا باب فى القسم للغائب والقتيل والأسير وغيره، فيه بعض ما فى هذا الباب الثانى. تم الجزء الثالث من كتاب الجهاد وبتمامه تم الجزء الثالث من كتاب النوادر ويتلوه إن شاء الله فى الذى يليه فيما تغنمه السرية تتقدم أو تتآخر عن العسكر [3/ 173]
صفحة بيضاء
[الجزء الثالث من الجهاد]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وصحبه الجزء الثالث من كتاب الجهاد فيما تغنمه السرية تتقدم أو تتآخر عن العسكر أو تضل وهل تدخل إحدى السريتين فى غنيمة الآخرى؟ وفى الجيش يغنم بعد انصراف طائفة منه من كتاب ابن المواز ومن قول مالك: أنه إذا بعث أمير الجيش سرية من بلد الإسلام تتقدمه ليتبعها فغنمت قبل خروجه، ثم لحقها بموضع غنمت فلا شىء له ولا لمن معه فيما غنمت. قال مالك: وكل سرية خرجت من عسكر قد فصل عن بلد الإسلام للغزو فما غنمت بينهم وبين جميع الجيش. ولو آخرجها من بلد الإسلام فما غنموا فلهم خاصةً. قال ابن المواز: ولو آخرجها من بلد الإسلام ثم أتبعها ببقية عسكره فغنمت وقفلت فلقيها الوالى بعسكره راجعةً فاختلف فيه: فقال عبد الملك: الغنيمة بينهم كلهم غنموا قبل خروج الثانية أو بعده، وقال أشهب: إن غنمت قبل فصول أصحابهم من أرض الإسلام فالغنيمة للسرية الأولى، وإن فصلت الثانية قبل الغنيمة فهم معهم شركاء وإن لم يلحقوهم إلا قافلين. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا. [3/ 175]
ولو أن العسكر غنموا غنائم فقسموا غنائمهم فأسرعت طائفة بالرجوع فلقيهم العدو فى ابطريق فقتلوهم وأخذو ما معهم، ثم إن المتخلفة لقوا سريةً آخرى للروم فقتلوا منهم وغنموا وهم بأرض الحرب أو بعد خروجهم منها فلا تدخل المسترعة فى هذه الغنيمة من بقى منهم ولا من قفل. ولو أن المتخلفة إنما لقيت سرية الروم الذين قتلوا أصحابهم فظفروا بهم واستنقذوهم ما أخذوا لأصحابهم من ما كان لهم من غنيمة أو غيرها فأنهم يردون كل ما كان للمسترعة من غنائم وغيرها على من بقى وعلى ورثة من مات، ويكون ما غنم (المتخلفة من سوى ذلك بينهم وبين أحياء المتسرعة، كانوا فى الأسر والحديد أو مطلقين. وكذلك للمرضى منهم والزمنى، ولا شىء لمن مات منهم قبل ذلك. قال عبد الملك وإذا بعث الوالى سريةً من ثغر المسلمين ثم أردفها بآخرى ردءاً لها: أنها تشارك الأولى فيما غنمت وإن غنمت قبل بعث الثانية، وكذلك غنمت الثانية دون الأولى، ود التقيا أو لم يلتقيا، فإن الأولى تشارك الثانية فيما أصابت، وهما كسرية واحدة، ولأنها من ماحوز واحد، علمت الأولى بالثانية أو لم تعلم. وهذا فى كتاب ابن سحنون عن عبد الملك. وقال سحنون: هذا قولنا إلا قوله: فيما غنمت الأولى قبل خروج الثانية، فلا تدخل عندى الثانية فيه إذا كانت الأولى قويةً مستغنيةً عن غيرها، يريد فى رجوعها. قال عبد الملك: ولو لم تبعث الثانية إلى الأولى لكن الجيش آخر فلا تدخل إحداهما على الآخرى إلا أن تجتمعا على حرب واحد. قال: وإن لم تكن بعثت إليها إلا أن الثانية لم تغنم، وغنمت الأولى أو غنمت الثانية دون الأولى، ثم إن الروم اجتمعوا عليهم فلقيتهم [3/ 176]
الطائفتان جميعاً حتى كانت النجاة باجتماعهما، قال: فالطائفتان شريكتان فيما كانت غنمته إحداهما. قلت: فما تقول فى قول عبد الملك؟ قال: إما إن بعث الثانية قبل أن تحرز الأولى غنائمها فالثانية شريكتها إن كان بعثها إليها. وكذلك غن أصابت الثانية ولم تصب الأولى. ولو كان بعثه الثانية إلى جهة آخرى فلا شركة لإحداهما مع الآخرى. ولو اجتمع الطائفتان فى حرب واحد فكانت سلأمة الغنيمة التى غنمها الأولون قبل اجتماعهما بالثانية فالغنيمة للأولين. وكذلك لو تخلصها الروم من الأولين فلما اجتمعا استنفذتا ذلك من أيدى العدو فذلك رد إلى الأولين. وكذلك لو استنفذتها الثانية وحدها لردت إلى الأولين كمال مسلم وجد فى المغنم. قال ابن سحنون قال سحنون: وقال بعض أصحابنا، وأنا أقوله، وإ، دخل الجيش أرض الحرب فمات أميرهم قبل القتال فافترقوا طائفتين وأمرت كل طائفة أميراً وانحازت كل طائفة على حدة فقاتلت وغنمت كل طائفة بين الطائفتين لأنهم على أصل ما دخلوا عليه وكل طائفة قوة للآخرى. قال محمد: إلا أن تتباعد كل طائفة عن الآخرى بعداً لا يمكنها المعونة والغياث لها فها هنا لا تدخل واحدة فيما غنمت الآخرى إذا لم يجتمعا إلا بدار الإسلام. فإما إن اجتمعا بدار الحرب فليرجعا على أمرهما هذا قياس قول سحنون. وعن سرية دخلت أرض العدو فغنمت غنيمةً فلم تقسم حتى غلب على ذلك العدو فأخذوه، ثم جاءت سرية آخرى فإنتزعوا ذلك من أيدى العدو، فهو للثانية دون الأولى. وقيل: إن أحق به كما لو قسموه لأنهم ملكوه، وهذا هو أحب إلى. وإما لو اقتسمه الأولون ثم كان ما ذكرنا فالأولون أحق به بكل حال ما لم يقع فى المقاسم. [3/ 177]
قال سحنون: وإن بعث الإمام سريتين فنفل إحداهما الربع قبل الخمس ولم ينفل الآخرى شيئاً، فحاصرا حصناً ففتحوه فليقسم ذلك على رؤوس الرجال. فإن كان عدد التى نفل مائتن وعدد الآخرى مائة فتأخذ المنفولة) نفلها من ثلثين وهو الربع قبل الخمس، ثم ضم ما بقى من جميع الغنيمة فخمس وقسم ما بقى بين أهل العسكر والسريتين على سهأم الغنيمة. وإن لم يكن غير السريتين قسم ما بقى على الغنيمة. وإذا دخل جيش أرض العدو ثم دخل قوم متطوعون بغير إذن الإمام فلهم حكم الجيش فيما غنم كل فريق. ولو سبق المتطوعون الجيش كان ذلك سواءً، وقد أخطأوا فى خروجهم بغير إذن الإمام إذا كان الإمام غير مضيع. ولو خرج عسكر بوال إلى أرض الحرب فغنموا ثم خرج عسكر آخر بإمام إلى جهة آخرى ثم اجتمع العسكران، وقال فى موضع آخر فى الجيش يغنم ثم يلحقهم جيش آخر قبل يخرجوا إلى بلد الإسلام ثم اجتمعا بأرض الحرب، قال فى الموضعين ثم خرجوا، فإن كان الأولون فى خوف فاجتمع العسكران للمعونة على السلام ة والخلاص بأنفسهم وما معهم فما غنمن كل جيش (فبينهما. وكذلك لو لم يغنم إلا أحدهما فهو بينهما. ولو كان كل جيش) فى قوة لا يحتاج إلى معونة الآخر لم يدخل كل جيش فيما غنم الآخر. وإذا بعث الإمام من العسكر سرية ثم غنم العسكر بعدهم، فكل ما غنم وغنمت سراياه بين الجميع، يدخل بعضهم فيما غنم بعض. وإذا أسر رجل ثم غنموا بعده ثم انفلت فجاءهم فما غنموا فى القتال الذى أسر فيه أو بسبب ذلك اللقاء فله فيه سهمه رجع أو لم يرجع، وما غنموا فى قتال مؤتنف فلا شىء له فيه إلاأن يأتى فيدخل فيما غنموا بعد مجيئه. وكذلك الأسير غنموا بعد مجيئه إليهم، وقاله معن عن مالك. [3/ 178]
في سهمان الخيل في بلد الإسلام إذا أتى العدو إلى مدائنهم وحصونهم، وكيف إن قاتلهم بعضهم أو اتبعوهم في بر أو بحر، ولمن تكون الغنيمة منهم
فى سهمان الخيل فى بلد الإسلام إذا أتى العدو إلى مدائنهم وحصونهم وكيف إن قاتلهم بعضهم أو أتبعوهم فى بر أو بحر ولمن تكون الغنيمة منهم من كتاب ابن سحنون قال سحنون: إذا أتى العدو بلد الإسلام فظفرنا بهم فالغنيمة لمن شهد الوقعة حسب ما حضر من فارس أو راجل. ومن فخرج الناس من المدينة فعسكروا دونهم فرساناً ورجالةً، ثم خرجوا من العسكر رجالةً فظفروا بالعدو وغنموا، فلكل من خلف فرسه فى العسكر سهم فارس. ولو أتبعهم الخارجون رجالةً حتى أبعدوا ثم غنموا، فإن كانت خيلهم منهم بموضع يمكنهم المعونة بها لو احتاجوا وأرسلوا فيها لقرب المكان فللخيل سهمانها فى قياس قول سحنون. وإن كانوا ببعد ولا يمكنهم عون أهل العسكر (لو أرادوا فليسهم للخارجين على أنهم رجالة ولا شىء لأهل العسكر) فيها إلا أن يكون الإمام حبسهم بالمكان خوفاً لما لا يأمن من رجعة العدو فيحولوا بينهم وبين المدينة، فلأهل العسكر مشاركتهم وإن بعدوا. وكذلك لو طلبهم القوم على إلابل والبغال والحمير وتركواخيلهم فإنتهوا مسيرة يوم ويومين أو أكثر فليضرب لهم بسهم الرجالة. وإذا خرج من المدينة مدد فأدركهم فى القتال قبل الغنيمة شاركوهم فيما يغنمون، قاتلوا أو لم يقاتلوا. وكذلك لوأتوهم قبل القتال أو نزلوا قريباً منهم بحيث يقرون على عونهم ويكونون ردءاً لهم. فإن أتوهم بعد القتال والغنيمة فلا شىء لهم إلا فيما يستقبل. ولو عأودهم العدو فى غد فهزموا المسلمين وألجأوهم إلى خندقهم فمنعهم هؤلاء المدد حتى أنهزم الكفار لم يدخلوا فى الغنيمة الأولى، ولهم من ما غنم فى هذا القتال دون ما غنم فى الأول فى قول سحنون وغيره. [3/ 179]
ولو استنقذ العدو منهم الغنيمة الأولى فخلصها منهم المدد فى هذا القتال فليردوا الغنيمة الأولى إلى أهلها لأن هذا فى دار الإسلام، فتفرقهم يوجبها لهم دون من أمدهم بعد ذلك، وليس كالذى يكون فى دار الحرب من سرية بعد آخرى وقد تقدم ذلك. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم العدو بلد الإسلام فقتلوا وأسروا وغنموا (ثم خرج المسلمون فى أثارهم فلحقوهم فى دار الإسلام منهم من ما غنموا فهو لأهله إن عرف أنه لمسلم أو ذمى إن قأمت عليه بينة. قال ولو غنم المسلمون منهم شيئاً فى المدينة فهو بين أهلها ممن قاتل أو لم يقاتل وفيه الخمس. وإما لو خرجوا فمن خرج فى أثارهم خاصةً أحق بما غنموا من أهل المدينة وفيه الخمس. وكل من قتله العدو فى المدينة من نيام أو غير نيام أو فى الأزقة فليدفنوا بدمائهم، قاله ابن القاسم، كما لو قتلوهم على غفلة فى أسواقهم. ولو خرج الناس فى أثرهم رعإلا بعضهم بعد بعض، فقاتلتهم أول رعلة وغنمت قبل تلحقها الآخرى فذلك كله بين كل من نفر أو برز ممن باشر القتال أو لم يدرك إذا علم أن الغنيمة كانت بعد خروجهم من المدينة. ومن خرج من المدينة بعد الغنيمة فلا شىء له، هذا قول أشهب. وقال عبد الملك: الغنيمة بين كل من خرج يريدهم، وقول أشهب أحب إلينا. وقد قال مالك فى الروم يغيرون على ما قرب من المصيصة فيقال: يا خيل الله اركبوا، فيخرج أهل النشاط فيلقون العدو فى أدنى أرض الروم، فيظهرهم الله بهم ويغنمون: أنه لا يدخل فى ذلك ما لم يخرج من المصيصة. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العدو يغير على بعض الثغور فيطلبهم الناس متفأوتين فيدركون أولهم فيظفرون بهم وقد خرج إليهم [3/ 180]
أهلمنازل شتى، قال: إن كانت مسالح منصوبة للرباط أهلها مقيمون بها لذلك فما غنم بين أهلتلك المسالح من خرج منهم ومن لم يخرج ومن قاتل ومن لم يقاتل. وكذلك إن كانوا من أهلحصن فى رأس الثغر. وإما إن كانت قرى فيها أهلها بعيالهم فالغنيمة بين كل من خرج ممن (أدرك القتال أو لم يدركه إذا ثبت بالبينة أنهم ممن خرج، وليس لمن لم) يخرج من أهلالقرية شىء. وذكر هذه الرواية ابن سحنون لأبيه فأعجبته. ومن كتاب ابن حبيب قال الأوزاعى: إذا نزل العدو إلى مدينة للإسلام فخرج بعضهم فقاتلوا، فإن نزلوا ببعد منها فالغنيمة لمن خرج دون من بقى فى المدينة. وإن نزلوا قريباً فخرجوا إليهم يعقب بعضهم بعضاً ومنهم من يحرس ومن ينقل إليهم الماء والطعام ويأتيهم منهم المدد، فهم شركاء فى الغنيمة إذا كان لو استعانوا بهم أعانوهم لقربهم منهم وإن كان لا يدركهم عونهم فلا شىء لهم. قال ابن حبيب: وقال مثله من لقيت من أصحاب مالك. وإذا شاركوهم أسهم للخيل التى بالمدينة. قال ابن حبيب وسألتهم فقلت: وإذا أغارت خيل العدو على بعض الثغور فتداعى عليهم المسلمون فأنهزموا فنالوا منهم مغنماً، قالوا: فأنه يخمس لأنه كالإيجاف وإن لم يقاتلوا وأنهزموا من غير ملاقاة لأن منهم جزعوا وهربوا، وباقى الغنيمة لأهل المكان الذى كانت فيهم الغارة. ولو تفرقوا فى القرى فظفر أهل كل قرية بمن عندهم فأهل كل قرية أولى بما أصأبوا وفيه الخمس، إلا أن تكون قرى متقاربة يتلأحق تناصرهم فهم فى ذلك كله شركاء، ويسهم للخيل ولما بقى فى القرى منهم إذا ربطوها فى سبيل الله ويصدق أهلها فى ذلك. قال: وإن قاتل معهم العبيد والصبيان والنساء وأهل الذمة فلا يسهم للعبيد وأهل الذمة إلا أن يحدوا من الغنيمة برضى أهلها الأحرار البالغين وإلا فمن [3/ 181]
الخمس. وإما النساء ومن اطاق القتال من الصبيان فإن ناصبوا وقاتلوا كقتال الرجال أسهم لهم. وإن كان كقتال النساء أو الصبيان لم يسهم لهم ولم يحذوا. ولو نفرت إليهم سرعان الخيل فوافقوهم وللعدو عيون على الجبال فرأوا أهل القرى قد خرجوا ليلحقوهم فرأى نظارهم ما لا طاقة لهم به فإنذروا أصحابهم فرعبوا وأنهزموا، فالغنيمة بين من قاتل وبين من نفر ومن أقام كجيش واحد، فيسهم لخيلهم ما نفر وما لم ينفر إذا ربطت فى السبيل. وكذلك كل مدينة أو حصن أو قرى فى ثغر نزل بهم العدو فقاتل بعضهم وأقام بعضهم فى الحصن أو المدينة أو القرى فذلك كله بينهم وبعضهم قوة لبعض. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا أغار العدو على قرى من بلد الإسلام فدفع أهل كل قرية عن أنفسهم وأنهزم العدو، فلأهل كل قرية ما غنموا لا يشركهم الباقون، وفى جميع الخمس إلا أن تكون القرى متقاربةً، فهم شرعاً سواء فى كل ما غنموا إذا كانت كل قرية تقوى بالباقين، وهى على ثقة من نصرها. قال سحنون: إذا كان مغار واحد ومضرب واحد، فهم فيه شركاء، كانوا أهل قرية أو قرى. وإن كان المغار ليس فى ماحوز واحد، فأغاروا على جهتين، فلكل جهة ما غنموا. قال أشهب: وليس لمن قاتل معهم من أهل الذمة والعبيد والنساء والصبيان سهم إلا أن يحذوا برضى الأحرار المسلمين وإلا فمن الخمس. قال سحنون: لا بأس بذلك على اجتهاد الإمام، ويسهم للخيل التى قوتل عليها وللتى لم يقاتل عليها إن ربطت فى السبيل، ويصدق أهلها. [3/ 182]
قال سحنون: الرجال والخيل سواء إنما يسهم لمن خرج وبرز إلى العدو، ولا حق لمن لم يبرز لا للرجال ولا للخيل إلا أن يكون ممن أقام فى القرى لضبطها وللخوف عليها وعدةً لمن خرج فيكون لهم أيضاً ولخيلهم. وعن مدينة أغار غليها العدو على عشرة أميال فخرجوا متعأونين فظفروا وغنموا فلا يدخل فى ذلك إلا من برز من المدينة وغن لم يردهم العدو ولا شىء لمن يخرج بعد الوقعة. ولو كانت المدينة ثغراً أو محرساً مثل محارس المنستير والحصون التى على ساحلنا ومثل بعض مواضع إلاندلس فالغنيمة لمن برز ولمن لم يبرز، لأن هذه المواضع كجيش مجتمع. وذكر يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله. وذكر سحنون عن أشهب مثل هذه المسألة وقال: لا شىء لمن لم يبرز ولم يذكر إن كانت ثغراً أو محرساً. قال سحنون: ولو أن الإمام لما خرج الناس من المدينة حبس فيها طائفةً حتى لا تخلى فيميل إليها العدو، كان لمن بقى فيها حقهم فى الغنيمة لأنه حبسهم لمصلحة المسلمين. قال: ولو أن أهلطرسوس غزوا مراكبهم إلى بعض الجزائر فقال لهم الإمام ليقم من كل مركب نفر لضبط المدينة ولما يخاف أن يأتيها العدو قال: ولا يدخل من بقى فى المدينة فيما غنمه الخارجون فى المراكب لأن هؤلاء لم ينزل بهم عدو إنما هم خرجوا إليه وأولئك نزل عليهم العدو فهم متظاهرون عليه، وأصحابنا يكرهون الغزو فى البحر، ونهى عنه ابن القاسم، وأبى عمر أن يغزى فيه. [3/ 183]
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أتت مراكب الروم إلى بلد الإسلام فخرجت إليهم مراكب الإسلام فقاتلوهم فى البحرفى مرسى المدينة فالغنيمة لمن قاتل فى البحر دون أهل البر. ولو نازلوهم فى البر فقاتلوهم فى البر والبحر فالغنيمة بين من حضرها للحرب فى البر والبحر. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى حصن للمسلمين وحاصره العدو فخرج نفر من الحصن فقاتلوا أقوإما وغنموا أسلابهم وخيلهم، فإن ذلك يخرج خمسه ثم يقسم ما بقى بين من خرج ممن قاتل أو لم يقاتل وبين جميع من فى المدينة من الرجال. قال: ويقسم لخيل من لم يخرج ولخيل من خرج راجلاً وخلف فرسه، إن كان الحصن مرابطاً سكنه أهله رصداً أو رباطاً. وإن كان على غير ذلك لم يكن لهم شىء، يريد من لم يخرج. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا دخلت سفن الروم إلى بلد الإسلام فخرج الناس إليهم خيلاً ورجلاً وركبوا فى السفن وأدخلوا معهم الخيل رجاء أن يمكنهم النزول بها للقتال فاقتتلوا فى السفن فأنهزم الروم، فمن كان له فرس فى السفن فله سهم فارس، كما لو لقوهم فى البر فى المضيق لا يقاتلون فيه إلا رجالةً. ولو ركبوا فى السفن رجالةً وتركوا خيلهم فكان الفتح، فإن تركوا خيلهم بعسكر معد للإسلام ضرب لأهل الخيل وشاركهم أهل العسكر فى الغنيمة، لقوهم فى قرب من العسكر أو بعد إذا كانوا يقدرون على معونتهم بركوب السفن إليهم بالخيل. وإما لو بعدوا حتى لا طاقة لهم بعونهم لو كانوا فى البحر أو فى البر لبعدهم فلا يشاركوهم فيما غنموا. ولا يسهم للخيل المقيمة معهم إلا أن يكون الإمام أمر هؤلاء إلا يبرحوا خوفاً أن يخالفهم العدو إلى دارهم، فها هنا يشاركونهم. إلا ترى لو كان للعدو فى جزيرة من بحر الإسلام وبينهم وبين عسكر المسلمين يسير مثل عرض دجلة، فركب إليهم طائفة فغنموا على أن بقية أهل [3/ 184]
العسكر يشاركونهم ويضرب للخيل بذلك. فإذا كانوا بالقرب هكذا لم ينظر إن بعدوا فى طلبهم للعدو أو طردهم لهم إلا أن يبعدوا بعد انقطاع لا يقدرون فيه على نصرهم. وإما إن كانوا يقدرون فليشاركوهم (فيما غنموا. وإن كان أصحاب الخيل إنما ركبوا بأبدأنهم وتركوا خيولهم) فى غير عسكر مقيم لهم وإنما تركوها فى أهليهم ومنازلهم أو مستودعة عند قوم مسلمين فى مواضعهم ممن لم ينفر إلى العدو فلا يسهم للخيل فى ذلك بشىء. إلا ترى لو دخل المسلمون إلى غيضة لم تدخلها الخيل فلقوا العدو بموضع يقرب من عسكرهم وحيث يسمعون صهيل خيلهم ويقدر أهل العسكر على عونهم فهم شركاء فيما غنموا ويسهم لخيلهم. وإن بعدوا حيث لا يمكنهم نصرهم لم يشاركوهم. وإن نزل العدو بقلعة منيعة بأرض الإسلام أو حصن منيع وخنقوا حول ذلك وسرحوا حولها الماء فلا يتوصل إلى القلعة أو الحصن إلا فى الماء وليس للخيل مدخل فى القلعة، فركب بعض المسلمين السفن وفتحوا الحصن أو القلعة وغنموا فلبقية أهل العسكر الذين لم يركبوا مشاركتهم فى الغنيمة ويسهم للخيل إلا أن يكونوا فى بعد لا يكونون ردءاً لهم. وهذا بخلاف دار الحرب: لو دخلت سرية فى مثل هذا بلد العدو وبينهم وبين العسكر شهر لكان ما غنموا لجميع الجيش ولخيولهم سهمانهم. وإذا دخل العدو إلى مدينة من مدائننا فقاتلهم أهلها على بابها فما غنموا فلهم دون من فى المدينة حين لم يخرجوا. ولو تهيأوا بالسلاح فركب من ركب فخرج البعض والآخرون خلفهم متأهبين فالغنيمة بين من خرج وبين من حضر يريد القتال. وكذلك لو كان رجل ممن تأهب للقتال واقفاً على بابه لا يمنعه من التقرب إلى باب المدينة إلا الزحام فله سهمه. وكذلك إن انتهى الزحام إلى بابه وهو واقف متسلح فى داره أو راكب فرسه وقد فتح بابه أو أغلقه فله سهمه لأنه يغلقه خوفاُ من تهجم الجمع عليه. [3/ 185]
فيمن يسهم له ممن لا يسهم من عبد وامرأة وصبي وأجير وتاجر وأسير وأمير الجيش وغيره، ومن ارتد بعد الغنيمة
ومن لم يتأهب للقتال فلا سهم له. ولكل من على سورها يرمون بنبل أو حجارة أويحرضون أو يرهبون سهمه. ولو كان العدو منها على أميال فخرجوا إليهم وأمر الأمير طائفة أن يقفوا على بابها لا يبرحون إلا أنهم يمنعون العدو من دخولهم فهم شركاء فى الغنيمة. وقال سحنون فى غير المدائن المنصوبة للعدو فى الثغور، فإما مدائن الثغور والمسالح المنصوبة للذب فالغنيمة لجميعهم من خرج ومن لم يخرج ومن قاتل ومن لم يقاتل. وكذلك الحصن فى رأس الثغر. وإما قرى ومدائن يسكنون بالعيال فليس الغنيمة إلا لمن خرج وباشر دون الباقين إلا من أمرهم الإمام بضبط المدينة خوفاً من دائرة العدو. قال ابن سحنون: وكذلك أمر النبى صلى الله عليه وسلم الرماة إلا يبرحوا من موضع كذا. قال: وإن خرج من المدينة رجالة فقاتلوا وقد أسرجوا خيولهم وهيؤها فى منازلهم، فليس لخيلهم سهم كما ليس لمن تخلف من الرجال شىء، إلا أن يخرجوا عليها ثم ينزلوا عنها وقد أمسكها غلمأنهم أو لم يمسكوها فيقاتلوا فليضرب لهم بسهأم الخيل. فيمن يسهم له ممن لا يسمه له من عبد وامرأة وصبى وأجير وتاجر وأسير وأمير الجيش وغيره ومن ارتد بعد الغنيمة من كتاب ابن حبيب، قال: ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يسهم للنساء والصبيان والعبيد، ولكن كان يحذيهم من الغنيمة شيئاً. قال سحنون فى كتاب ابنه قال ابن وهب عن مالك، سئل أيحذى النساء والصبيان والعبيد من الغنيمة؟ قال: ما علمت، وروى نحوه ابن القاسم عنه. وقال ابن وهب عن الليث: لا يسهم لهم إلا أن يحذوا من الغنائم. [3/ 186]
ومن كتاب ابن المواز، ونحوه فى كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: ويسهم لمن لم يبلغ الحلم من الفىء إن أطاق القتال وقاتل. قال ابن المواز: وإن حضر العسكر ولم يحضر القتال لشغل أو غيره فلا سهم له حتى يقاتل. وكذلك إلاجراء والتجار إن قاتلوا أسهم لهم وإن لم يقاتلوا فلا شىء لهم وإن حضروا القتال. وكذلك الصبى. وإما من سواهم فليسهم له إن حضر القتال وإن لم يقاتل، قاله مالك. قال سحنون فى كتاب ابنه: وإلاجير قد أخذ مالا باع به خدمته فلا سهم له إلا أن يترك خدمة من استأجر ويقاتل مع المسلمين فله سهمه، ويبطل أجره عن من واجره بقدر ما اشتغل عن الخدمة. وكذلك أهلسوق العسكر لا سهم لهم ولا رضخ إلا أن يقاتلوا فيسهم لهم. ومن العتبية قال مالك: (ما علمت أن النبى صلى الله عليه وسلم أسهم لامرأة فى مغازيه. وقال مالك: ويسهم للصبيان إذا قاتلوا وأطاقوا. قال مالك فى كتاب ابن سحنون) ولا يسهم للمرأة والعبد وإن قاتلا وأجزيا. ولو أحذاهما الوالى من الخمس لم أر به بأساً. وقال ابن حبيب: أحسن ما سمعت فى ذلك أن من شهد العسكر من الغلمان الذين قد راهقوا وأنبتوا أو بلغوا خمس عشرة سنةً فأنه يسهم لهم، قاتلوا أو لم يقاتلوا، سبيلهم سبيل الرجال، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر يوم الخندق وزيد بن ثابت والبراء بن عازب، وهم أبناء خمس عشرة سنةً. ورد ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنةً. وأجاز عقبة بن عام ر وأبو بصرة الغفارى يوم فتح إلاسكندرية غلإما قد أنبت. قال ابن حبيب: وإذا أجيز هذا ألحق بالبالغين قاتل أو لم يقاتل. وما كان دون ذلك مثل أربع عشرة سنةً ةما قاربها فإن قاتل أسهم له وإن لم يقاتل فلا شىء له. [3/ 187]
ومن كتاب ابن سحنون: ذكر من رواية ابن وهب مثل ما ذكر ابن حبيب فى إجازة ابن عمر وزيد ثابت يوم الخندق وهما ابنا خمسة عشر. قال سحنون: ولا يأتى عليه خمس عشرة سنةً إلا وقد أنبت فإذا أنبت أجيز وأسهم له. وقال مالك: إذا أطاق القتال وقاتل أسهم له، وقال سحنون: وإن لم يحتلم، ثم قال: لا يسهم له حتى يحتلم أو ينبت. قال ابن حبيب: ومن قاتل من النساء كقتال الرجال نصباً للقتال فأنه يسهم لها. إلا ترى أن المرأة من العدو إن قاتلت قتلت؟ ولا يسهم للعبيد وإن قاتلوا، ويستحب للإمام أن يحذيهم من الخمس، ويحذى النساء والغلمان الذين لم يبلغوا. وإما إلاجير فإن قاتل أسهم له إن كان حراً، وإن لم يقاتل فلا وليحذ من الخمس. وإن كان فى العسكر نصارى من خدم وأعوان ولصنعة المجانيق فلا بأس أن يحذوا من الخمس. وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رضخ لناس من إليهود كانوا فى العسكر، ورضخ لعبيد وغلمان لم يبلغوا، وقاله ابن عباس وابن المسيب وغيرهم. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وذكر خبر أم سليم يوم حنين، فقيل له: فهل أسهم لها النبى صلى الله عليه وسلم أو لمن خرج معه من النساء فى مغازيه يدأوين الجرحى أو لغير ذلك؟ فقال: ما علمت أنه أسهم لامرأة فى مغازيه. قال مالك: ويسهم للصبيان إذا قاتلوا وأطاقوا ذلك. قال: ولا يعطوا من المال الذى جعل فى سبيل الله حتى يحتلموا. قال عنه أشهب فى إلاجراء فى المراكب فى الغزو للقذف ولغير ذلك، أو يؤاجروا فى البر لتسوية الطرق وتوسعتها وإصلاح ما فيه ضرر على المسلمين ثم يحضروا القتال فيقاتلوا قتالاً عظيماً، قال لا يسهم لهم. قيل قد يخرج الرجل مع عمه أو مولاه يخدمه ويعينه، وكان ابن معيوف يحلفه أنه ما خرج لخدمته فإن لم [3/ 188]
يحلف حرمه. قال: بئس ما صنع ولا يمين فى هذا. وقد خرج الرجل مع من ذكرت يعينه ويكفيه، يريد: فليس هو كالأجير. قال ابن المواز روى ابن وهب عن مالك فى إلاجير إذا قاتل فله سهمه إن كان حراً، وقال الليث مثله. وقال ابن سحنون عن أبيه: يسهم له إذا قاتل كل من ذكر، وقال ليس رواية أشهب على أصل مذهبنا، وروى ابن القاسم وابن وهب خلافهما. وقال فى العبد والمرأة يحضران القتال: لا سهم لهما إلا أن يحذيا من الغنيمة. قال يحيى ابن سعيد: وقد أطعم النبى عليه السلام يوم خيبر طعمه. قيل لمالك أيحذى النساء والعبيد والصبيان من الغنيمة؟ قال ما علمت ذلك. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال ويسهم للأسير ولفرسه إذا أسر بعد القتال، وأصيب معه فرسه أو عقر أو تركه عند أصحابه إذا شهد القتال. قال أصبغ قال أشهب: ويسهم لأمير الجيش (كما يسهم لرجل منهم. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أسر من الجيش) فليعزل له سهمه فيما مضى لا فيما يؤتنف ومن الغنيمة. وكذلك من فقد كان ذلك بعد خروج الغنيمة من دار الحرب أو قبل. ولو أن تجاراً من المسلمين أو من أهل الذمة خرجوا مع العسكر على خيولهم لا يريدون إلا التجارة ثم بدا لهم بدار الحرب فلحقوا بالمسلمين وقاتلوا معهم قال فلهم سهمان الفرسان إلا أهل الذمة فلا سهم لهم [3/ 189]
ولا إرضاخ. وقال أشهب: للإمام أن يرضخ لهم من الخمس إن رأى ذلك. وإن أتوا بعد الغنيمة لم يرضخ لهم. وكذلك لو نفقت خيول المسلمين بعد اللقاء. ولو نفقت قبل اللقاء سهم رجالة إلا أن يفيدوا خيلاً قبل الغنيمة. ولو أسلموا الذميون قبل الغنيمة فلهم سهمانهم فيما يغنم من يومئذ حسب ما هم به من فرسان أو رجالة لا فيما قبل ذلك. وكذلك العبد يعتق، فمن ما يغنم بعد العتق. وإن كان له فرس وأمن يستشن السيد ماله فله يهم فارس. وكذلك إن (استعار فرساً. وما جدى به فى قول أشهب فيما قاتل قبل أن) يعتق فهو له إلا أن يستشنيه سيده أو يستشنى ماله. ولو لم يإذن له السيد فى القتال فلا يرضخ له فى قول أشهب، وينبغى فى قياس قوله أن يرضخ له كما لو واجر نفسه بغير إذنه لكان له إلاجر إلا ان ينزعه السيد. والمكاتب يعتق مثل ما قلنا فى العبد إلا أنه لا يستشنى ماله، ويرضخ للمكاتب يقاتل عند أشهب، وذلك له دون سيده. ولو عجز فرق وجدى فذلك لسيده. ومن جن بعد الغنيمة فله سهمه فيما مضى إلا فى المستقبل. وقال: إما المطبق فلا يسهم له. وإما المصاب وبه هوج ومثله يقاتل فليسهم له. وأرى ان يسهم للأعمى لأنه يرمى بالنبل ويكثر الجيش، وقد يدبر. وإما المعقد فأنه يسهم له وهو يقاتل فارساً، ويسهم لمقطوع اليدين، ويسهم للمجذوم. وإما المفلوح اليابس الشق فلا يسهم له ولا نفع فيه. ولو ارتد فله سهمه فيما تقدم من غنيمة يكون ذلك مع ماله فى بيت المال إن قتل. فإن أسلم فذلك له. وإذا ارتد بعد الإدراب فلا سهم له فيما غنموا. فإن عأود الإسلام فله سهمه (فيما يغنمون بعد إسلأمه. وإن ارتد بعد الغنيمة ولحق بأرض الحرب ثم أسلم فله سهمه) من ما تقدم من الغنيمة قسمت أو لم تقسم. وإذا عتق العبد أو من فيه بقية رق بعد القتال فأنه يسهم له فيما يغنمون بعد ذلك. وكذلك الصبى يحتلم أو ينبت. [3/ 190]
قال الأوزاعى: والبيطار والشعاب والحداد لا يسهم لهم. (قال سحنون إلا أن يقاتل فيسهم له كالتاجر. وكذلك المكارى وإن باع ظهره). قال سحنون فى الجيش بأرض العدو: إذا خرج إليهم أسارى جماعةً، يريد مسلمين، بعدما غنموا، ثم غنموا معهم شيئاً أو لم يغنموا، ثم لقيهم عدو لهم قوة فنجوا منهم، فإن كان الجيش لهم قوة على دفع من لقوا ورجاءً فى التخلص دون معونة الأسارى فلا سهم لهم معهم إلا فيما حضروه. وإن كان لا غنى بهم عنهم فى دفاع من لقوا، فليدخلوا معهم فيما غنموا قبلهم بحسب ما خرجوا من فرسان أو رجالة لأن بهم نجوا. ولو خرج إليهم أسير مسلم على فرس للعدو فأمتنع (بالعسكر فالفرس فىء بين جميع العسكر والخارج به فارس فى كل ما حضر عليه). ولا كراء عليه فى قول سحنون. وكذلك لو أسلم مشرك أو مرتد بأرض الحرب ثم فعلوا مثل ذلك أو أسلم جماعة مرتدون ثم خرجوا حسب ما تقدم من القول. ولو نفقت خيولهم بقرب العسكر أو ببعد فلا يضرب لهم إلا بسهم رجالة فيما حضروا بعد مجيئهم. وكذلك لو نفقت فى العسكر قبل يلقوا أحداً. وكذلك لو لحقهم من أرض الإسلام فارس ثم نفق فرسه قبل لقاء العدو. قال أبو محمد: وفى باب جامع القول فى إلانفال ذكر العبيد هل يدخلون فى النفل. [3/ 191]
في القسم للغائب والقتيل ومن أسر والمريض والضعيف ومن ضل
فى القسم للغائب والقتيل ومن أسر والمريض والضعيف ومن ضل ومن كتاب ابن حبيب ونحوه فى كتاب ابن سحنون قال ابن الماجشون قال ابن شهاب: لم يقسم النبى صلى الله عليه وسلم لغائب فى مغنم لم يشهده إلا يوم خيبر، فأنه قسم لغائب أهل الحديبية لأن الله سبحانه وعدهم بها وهم بالحديبية، بقوله سبحانه: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) فكانت خيبر لمن شهدها من أهل الحديبية ولمن غاب منهم مع سائر من شهدها من غيرهم. وقسم لعثمان يوم بدر وقد خلفه على ابنته، وقسم لطلحة وسعيد بن زيد يوم بدر وهما غائبان. قال ابن حبيب وقال أهل العلم: هذا خاص للنبى صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون بعده أن لا يقسم للغائب. وأجمع أصحاب مالك على أنه لا يسهم لمن مات قبل القتال إلا ابن الماجشون فأنه قال: يجب له القسم بالإيجاف وهو مجأوزة الدروب. وسمعت أصحاب مالك يقولون: أنه يسهم لمن أسر فى القتال فليسهم له فيما غنموا قبل القتال أو بعده كمن مات أو قتل. وإن أسر قبل القتال فلا سهم له فيما غنم بعده إلا أن تكون الغنيمة بفور ذلك وبحضرته. وإن أسر بعد القتال فله سهمه فيما غنم قبله وبعده يسهم له ولفرسه أسر معه أو غفر أو خلفه عند أحد. قالوا: ومشاهدة القرية أو المدينة أو الحصن أو العسكر كالقتال وإن لم يكن قتال. قالوا: ومن ضل أو أخطأ أو فل قبل المشاهدة أو بعدها وإن رجع فى فلوله إلى دار الإسلام فله سهمه وسهم فرسه فيما غنم قبله أو بعده، وإن كان مغلوباً لا يجد فيه مرجعاً إليها. واحتجوا بغزاة البحر ترد الريح بعضهم. [3/ 192]
وجه كتابة الناس من فارس وراجل في قسم الغنيمة، وكيف تقسم وأين تقسم
وقال ابن الماجشون: كل من مات أو قتل أو ضل أو فل فقد وجب له السهم بالإدراب. قال ابن حبيب: وبه أقول. وقالوا فى سرية بأرض العدو بلغهم أن العدو خرجوا على بعض نواحى المسلمين فأرسلوا واحداً ينذرهم فله سهمه فيما غنموا بعده. وقال مالك فىالأسير يخرج إلى العسكر من الحصن: أنه إنما يسهم له فيما غنموا بعد خروجه. وكذلك من خرج فأسلم. وذلك إذا كان أمراً متبايناً يعرف أوله من آخره. فإما إن اشتبه ولم يعرف فليسهم له من الجميع. قال ابن المواز قال أشهب: وإذا قوتل العدو فظفر بهم وبأيديهم أسارى مسلمون فللأسارى معهم حق فى كل ما غنموا ويسهم لهم مع من استنقذهم. وقد تقدم فى باب آخر ذكرالأسير ومن ضل أو مات، واختلف فيمن ضل، وقد تقدم هذا. وجه كتابة الناس من فارس وراجل فى قسم الغنيمة وكيف تقسم؟ وأين تقسم؟ من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وينبغى للإمام إذا غزا أن يعرض الناس ويكتبهم إذا جازوا الدروب وصار فى أرض العدو قبل بعث السرايا والقتال، يكتب الفارس والراجل ويسميهم ويحليهم. فمن مات قبل القتال محا اسمه. ومن نفق فرسه محا الفرس. قال محمد: وإذا خرجوا من أرض الحرب بغنيمة تآخر قسمها فليعرضهم عند قسمها بأرض الحرب أو بأرض الإسلام. فمن مات فرسه قبل القتال فلا سهم له. وإن قال ربه نفق بعد الغنيمة فعليه البينة لأنه يريد الأخذ. وإن شهد [3/ 193]
عدلأن من غير أهل المغنم أو من أهل المغنم أو من التجار أن فلأناً باع فرسه قبل الغنيمة فإنى أقبلهم وأمنعه سهم الفرس ويصير سهمه للمبتاع. ولو تقدمت قبل البيع غنيمة فللبائع فيها سهم الفرس. ومن كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه: تقسم الغنيمة ببلد الحرب إذا بلغ ذلك مجمع عسكرهم ووإليهم ولا ينتظر به القفول وافتراق الجيش، وليحط كل واحد ما يصير له. قال الأوزاعى: وبه مضت السنة. قال محمد: ولا يكون ذلك للسرية قبل أن تصل عسكرهم وإلى من أرسلهم يعنى قسم الغنيمة. قال محمد وقاله أصحابنا إلا عبد الملك وحده فأنه قال: إلا أن يخشى من ذلك فى السرية ضيعةً من مبادرتهم إلانصراف وطرح بعضهم النفل على بعض فيتماحكون فى ذلك وتقل طاعتهم لصاحب السرية، فما جاء من هذا وغيره مما له وجه فله أن يبيع ويحوط من اشترى شيئاً متاعه، ويثبت البيع على من غاب من الجيش. فإما إن لم يكن هذا فلا حتى يبلغ بذلك مجمع الجيش إذا كان ببلد العدو ثم لا يتأنى فيه ولى الجيش أن يقسمه أو يبيعه. قال: وله قسمة ذلك بالبيع حسب ما يمكن ويتهيأ له. والقسم أن يقسم كل صنف على خمسة أسهم، والرقيق كذلك: ويجعل وصيف وصيف حتى يعتدل ذلك، ثم يجعل كذلك النساء المشتبهات ثم الذكران. فإذا اعتدل ذلك بالإجتهاد برأى النظر بالقيمة وإلاقتسأم، (ثم) يسهم عليها ويكتب فى سهم منها الخمس أو لله، أو لرسول الله. [3/ 194]
وروى ذلك عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم فعله والأئمة بعده. ويبيع الإمام للناس أربعة أخماسهم ويتوثق لهم. وربما رأى بيع الجميع أفضل قبل القسم ليخرج الخمس من الثمن لئلا يدخل الغنيمة ضيعة أو تلف، فذلك له. وإذا نزل الخليفة أو أمير الجيش بماحوز أو ثغر وأرسل الصوائف والجيوش والسرايا وأقام فهذا كالمقيم بداره، فليس عليهم تأخير قسم الغنيمة وبيعها حتى يأتوه، ولا له ولا لمن بقى معه من الجيش فيما يغنمون حق حين لم يدربوا معهم. قال ابن سحنون قال سحنون: وينبغى أن يأمر الإمام يبيع الغنيمة من العروض بالعين ثم يقسم، فإن لم يجد من يشترى العروض قسم العروض بالقيمة على خمس أجزاء بالقرعة، فيأخذ الخمس ثم يقسم الأربعة أخماس بين أهل الجيش. قال ابن حبيب سمعت أهل العلم يقولون: ما يستطاع قسمه قسمه الإمام إذا شاء، وما لا ينقسم بيع فقسم ثمنه مع ما غنم من ذهب أو فضة، وله بيع الجميع وقسم ثمنه على الإجتهاد منه وممن معه من أهل العلم بالنظر للمسلمين، ولا يبيع إلا بالنقد إلا أن يرى فى ذلك ضرراً فليكتبه حتى يخرجوه ثم يتقاضاه ويقسمه قبل تفرق الناس. وبالنقد أحب إلينا قدر، وليس يرد فيه بعيب ولا عهدة، وهو بيع براءة إلا أن يقوم قبل القسم وتفرق الجيش فلا بأس على الإمام أن يقبل ذلك ممن رده بعيب ثم على يبيعه على بيان. والذى ذكر ابن حبيب من هذا استحسان وليس بلازم للإمام لأنه عند أصحابنا بيع براءة. قال ابن حبيب: والسنة قسمها ببلد الحرب قبل تفرق الناس كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل الناس بأمر الخلفاء، وينبغى أن يؤذن الناس بذلك ويواعدهم بمكان يأمن فيه من كرة العدو، ولا يخلفهم وليوافهم غير مبطىء ولا مسرع، فيقسم ويعزل الخمس ويقسم الأربعة أخماس بين من حضر، ومن غاب رفع له سهمه. [3/ 194]
في الغنائم والخمس وسهم ذي القربى، ومصارف الفيء والخمس
قال ابن حبيب: وقد أمتنع النبى صلى الله عليه وسلم أن يعطى من المغنم عقإلا حتى يخرج الخمس. قال ابن حبيب: فما أعطى الوالى قبل الخمس أو احتبس فهو غلول على معطيه وأخذه. كذلك سمعت أهل العلم يقولون، يريد إلا أن يحبسه من الخمس. فى الغنائم والخمس وسهم ذى القربى ومصارف الفىء والخمس قال ابن حبيب: قال النبى صلى الله عليه وسلم: أحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى. قال ابن حبيب: وكان يوم بدر استباح الصحابة الغنيمة قبل أن تنزل فيها إباحة إلا عمر، فعاتبهم الله بقوله عز وجل: (لولا كتاب من الله سبق، يقول: فى تحليلها: لمسكم فيما أخذتم، إلى قوله: فكلوا مما غنمتم) إلاية. ثم تنازعوا فيها: طائفة غنموا وطائفة اتبعت العدو وطائفة أحدقت بالنبى صلى الله عليه وسلم، فتنازعت الغنيمة كل طائفة منهم دون غيرها، فنزلت (يسألونك عن إلانفال قل إلانفال لله وللرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)، فسلموا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان هذا ببدر. ثم نسخ ذلك بقوله: (واعلموا أن ما غنمتم من شىء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتأمى والمساكين وابن السبيل)،والله غنى عن الدنيا وما فيها. وإنما يريد لله ولرسوله الحكم فيه، فكان حكم النبى صلى الله عليه وسلم فى الخمس من حكم الله. وإما الأربعة أخماس، فإن لله تعالى حكم بها لمن غنمها ورد حكم فى الخمس إلى الرسول عليه السلام. [3/ 196]
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: مإلى أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، يعنى: على الغنى والفقير والكبير والصغير والذكر وإلانثى كالفىء الذى أنزل الله تعالى فيه ما أنزل. وتأول عمر فى قول الله سبحانه (والذين جاءوا من بعدهم) أنه أبقى لمن يأتى فى ذلك حقاً، فأقر الارض فلم يقسمها لتكون لنوائب المسلمين ومرافقهم. ومن كتاب ابن سحنون قيل لسحنون: فقول من قال إن للنبى صلى الله عليه وسلم خمس الخمس له خاصةً؟ قال: هذا غير معروف عند أهل المدينة. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: والخمس مردود عليكم ولم يستشن منه شيئاً. وقد أعطى جميع الخمس لهوازن من ما غنم منهم وسأل لهم الناس فيما غنموا منهم. قال ابن حبيب: ففوض الله سبحانه أمر الخمس إلى رسوله عليه السلام يجتهد فيه. قال سحنون: فكانت أفعاله فيه جائزة على ما رآه من المصلحة لا على هذا التقدير. قال ابن دينار: ولو كان الخمس على هذا التقدير لكان سهم ذى القربى يجرى فيه المواريث وقد أجمع الخلفاء على خلاف ذلك. قال سحنون: وأجمع الأئمة من صدر هذه الأمة أنه ليس لذى القربى فةى ذلك سهم ثابت. قال غيره: وقد أعطى النبى عليه السلام بعض ذى القربى من خمس خيبر ومنع آخرين، (واستخدمته فاطمة رضى الله عنها من سبى جاء فمنعها. قال سحنون وأصبغ: وأمر) الخمس والفىء واحد ليس فيهما قسم محدود لكل نفس. وقد سأوى أبو بكر الصديق رضى الله عنه بين الناس كافةً فيه. [3/ 197]
وفضل عمر بقدر السابقة والهجرة والحاجة، وكل صواب على الإجتهاد. وقد قال عمر: ولئن بقيت إلى عام قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم. قال ابن حبيب: فما كان من خمس الغنائم وجزية أهل الذمة وما يؤخذ من أهل الصلح ومن تجار أهل الذمة وأهل الحرب وخمس الركاز فسبيله سبيل الفىء، ويبدأ فيه بالفقراء والمساكين واليتأمى وابن السبيل ثم يسأوى بين الناس فيما بقى، غنيهم وفقيرهم وشريفهم ووضيعهم. ومن الفىء يرتزق وإلى المسلمين وقاضيهم ويعطى غازيهم وتسد ثغورهم وتبنى مساجدهم وقناطرهم ويفك أسيرهم وتقأم صوائفهم ويقضى دين ذى الدين منهم، وتعقل جناياتهم ويزوج عازبهم ويعان حاجهم وشبه ذلك من إلأمور، ولا يحل أن يعطى من العشور والصدقات فى شىء من هذه الوجوه، ولكن على الفقراء والمساكين ومن سمى معهم فى آية الزكاة، ولا يحل لغنى إلا لغاز أو غارم وهو المديان، أو ابن السبيل يضعف وهو غنى ببلده. قال أبو محمد: وفى الجزء الثالث باب فى قسم الفىء من خراج الارض والجزية، وباب فيه السيرة فى مال الله من الفىء وغيره وسهم ذى القربى وغير ذلك. [3/ 198]
فيما يغنم العبيد وأهل الذمة من العدو في تلصص أو غير تلصص هل يخمس، وما يغنمه المرتدون، وفي العبد يصيب كنزا، ومن خرج من الحربيين إلى العسكر بمال، وكيف إن أسلم، أو كان عبدا، وكيف إن رجع
فيما يغنم العبيد وأهل الذمة من العدو فى تلصص أو غير تلصص هل يخمس؟ وما يغنمه المرتدون وفى العبد يصيب كنزاً ومن خرج من الحربين إلى العسكر بمال وكيف إن أسلم أو كان عبداً وكيف إن رجع؟ من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى عبد مسلم وحر خرجا يتلصصان فى أرض العدو، قال: يخمس ما أصابا ثم يقسم ما بقى بينهما. قلت: أليس العبد لا حظ له فى المقاسم؟ قال: ليس المتلصص من العبيد كالذى يغزو. قال: ولو تلصص ذمى وحر مسلم قسم بينهما ما أصابا فيخمس حظ المسلم دون حظ الذمى. وكذلك لو خرج ذمى وحده لم يؤخذ منه ما أصاب، فليس حال المتلصص كمن حضر مع المسلمين جهادهم هذا لا شىء له. وقال سحنون فى العبد والحر مثل قول ابن القاسم فى الذمى أنه لا يخمس نصيب العبد. وقال سحنون فى كتاب ابنه: ولو أن مسلماً وعبداً وذمياً غزوا وغنموا فأنه يقسم ذلك بينهم، وإنما لا يسهم للعبد وللنصرانى إذا كانا (فى جيش المسلمين وخرجوا بإمام وهم لهم تبع. وكذلك لو كانوا) أربعة والنصرانى، وإنما لا يسهم إذا كانوا قليلاً فى كثير من حماعة بإمام وبغير إمام. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهلذمة فى ثغر يغزون من يليهم من العدو فيغنمون، قال لا ينبغى للإمام أن يإذن لهم فى ذلك. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: لن أستعين بمشرك، فخروجهم من ذلك وإن لم يكن معهم مسلم. قال ولا [3/ 199]
يخمس ما أصأبوا وهو لهم. قال وإن حكموا مسلماً يقسم ذلك بينهم فليقسمه بينهم على حكم الإسلام، وإلا فأمرهم إلى أساقفتهم فى ذلك، وقاله سحنون. وقال أصبغ عن ابن القاسم فى أهل الذمة يخروجون سرية إلى أرض الحرب ليس معهم مسلم أو معهم مسلمون يسيرون واحد أو إثنين يخروجون معهم متلصصين. قال: يمنعون من ذلك لوجهين: لقول النبى صلى الله عليه وسلم لن أستعين بمشرك، ولوجه آخر أنهم يستحلون قتل النساء والصبيان والغلول وغيره، ولا يجاهد العدو إلا بسنة وإصابة. فإن فعلوا نهوا عن العودة، وترك لهم ما أصأبوا. ومن كان معهم من مسلم فليخمس نصيبه. قال: ويمنع أيضاً العبيد من مثل ذلك ليس لأنهم لا يصيبون لكن لأنهم لا حق لهم فى الفىء، ولا يخمس ما غنموا ويترك لهم. ومن كتاب ابن حبيب: وإن أراد نفر من أهل الذمة الغزو مع صوائفنا وسرايانا فلا ينبغى أن يإذن لهم، فإن جهل فإذن لهم فأصأبوا قسم بينهم وبين المسلمين، فما صار لهم ترك لهم ولم يخمس، وما صار للمسلمين خمس وقسم بينهم. وإن خرج أهل الذمة وأهل الصلح وحدهم ترك لهم ما أصأبوا ولم يخمس. وكذلك سمعت ممن أرضى. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا دخل عسكر المسلمين دار الحرب، فارتدت طائفة منهم واعتزلوا وحاربهم من بقى وفارقوهم، ثم غنم من بقى من الجيش من الروم غنائم وغنم المرتدون غنائم ثم رجعوا إلى الإسلام، فلا يدخل الذين ارتدوا فى غنائم الباقين أدباً لهم ويكون ما غنم المرتدون بينهم وبين بقية أهل الجيش لأنهم على حكم الإسلام خرجوا أولاً، وفى ذلك وفى جميع الغنيمة الخمس. [3/ 200]
ولكن لو قتلوا على الردة فلأهل الجيش نصيبهم من المرتدين بعد الخمس، وما بقى فللمسلمين. قال ابن القاسم: وإذا وجد العبد ركازاً بأرض العدو فلا شىء له فيه فىء. ولو وجده بأرض الإسلام عبد أو ذمى أو امرأة أو صبى فهو له وفيه الخمس. ومن كتاب ابن سحنون أيضاً: وإذا إذن الإمام لنصارى أو لذميين أن يغيروا على الروم، أو فعلوا ذلك بغير أمره فلا خمس (فيما أصأبوا وهو لهم، ولا ينبغى للإمام أن يستعين بهم. ومن أسلم بدار الحرب وقدم إلى عسكرنا بمال أخذه لهم قبل أن يسلم أو بعد أن أسلم فهو له ولا خمس) /فيه، ولا مغنم فيه لغيره إلا أن يكون لم يكن لمثله نجاة إلا بهذا العسكر فيكون مثل ماغنموا، وله سهمه معهم فيما غنموا من يوم خروجه. وأن خرج بذلك إلينا على أنه ذمة فالمال له خاصةً لا يخمس. ولو رجع هذا الذمى إلى أرض الحرب مغيراً عليهم فقتل وغنم وأتى فما جاء به فلأهل العسكر دونه كذمى قاتل مع الجيش. وكذلك لو إذن له الإمام أن يغير إلا أن يرى الإمام أن يحذيه منه فذلك له فى قول أشهب خاصةً. ولو أسلم فكان أول ما أسلم أخذ ذلك وجاء به فهو له خاصةً إن كان لمثله نجاة لو لم يكن العسكر. قال أشهب فى العبد يؤسر فيفلت إلى العسكر بشىء أخذه للعدو فهو وما جاء به لسيده. ومن كتاب ابن سحنون: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العبد يتلصص فى قرى أرض العدو فيغنم: أنه يخمس ما أصاب وله ما بقى، ولا [3/ 201]
يخمس ما غنم فى إباقه لأن الخمس فيما أوجف عليه وتعمد به الخروج إليه، وإلابق لم يقصد ذلك. وقال سحنون: لا يخمس ما أصاب العبد متلصصاً أو غير متلصص، وقد كان يقول يخمس. وسأله الاندلسيون عن عدو بيننا وبينهم هدنة ويؤدون إلينا الجزية، فدهمهم عدو لهم لا عهد لهم منا، فإنتصر أهل ذمتنا بنا، فخرج إليهم وإلى البلد، فلما قرب منهم توقف خوفاً من مكرهم أن يجتمع الجميع عليه، فتسلل منا رجال يسيرون بغير إذن الأمير، فلما نظر الراجعون إلى ذمتنا إلى أعلام المسلمين أنهزموا فغنم أولئك غنائم وأصاب أهل ذمتنا أيضاً، قال: إن كان أهل ذمتنا بائنين عنكم وعن مقدرتكم فى سلطانكم وبقرب أرض الحرب فما كان من هذه الغنيمة فهو بين أهل ذمتكم وبين من تقدم منكم وبين من توقف مع الأمير بالسوية إن كان الأمير ومن معه بالقرب منهم، وقد نظروا أعلام المسلمين وخافوهم وهؤلاء ردء لهم. وإما إن بعد الأمير منهم بمن معه فلا يدخل فى الغنيمة إلا من تقدم منكم إذ لو احتاجوا إلى من تركوا لم يعينوهم، ويعاقب الإمام من نفر بغير إذنه وخاطر إن رأى ذلك. قال سحنون: ولا ينبغى للإمام أن يعاهد مثل هؤلاء ممن يبعد عن سلطأنه إلا أن ينتقلوا إلى حيث يأخذهم سلطأنه. قيل: فإن استنصر بنا أهل ذمتنا هؤلاء فبعثنا إليهم ألفاً وخمسمائة فارس فغنموا؟ قال: فلا سهم ها هنا معهم لأهلتلك الذمة لأنهم تبع لعسكركم، ولا سهم لأهل الذمة إذا كانوا تبعاً. وإن رأى الإمام ان يرضح لهم من الخمس فعل. ولا ينبغى أن يستعان بالمشركين فى الجهاد. [3/ 202]
في العلول وفيمن غل من الغنيمة
فى الغلول وفيمن غل من الغنيمة من كتاب ابن حبيب قال النبى صلى الله عليه وسلم: لا تغلوا، فإن الغلول عار ونار وشنار، وأطلق الوعيد فى شراك أو شراكين، وفى عقال من الغلول، وترك الصلاة على رجل عليه خرازات من خرز يهود غلها وقال: صلوا على صاحبكم. قال أهل العلم: فلا تترط الصلاة عليه لقوله عليه السلام صلوا على صاحبكم. وإذا جاء تائباً أخذ ذلك منه ولا نكال عليه. فإن تفرق الجيش تصدق عنهم. وإن ظهر عليه قبل أن ينتصل عاقبه عقوبةً شديدةً. وإن انتصل منه عند الموت فإن كان أمراً قريباً ولم يفترق الجيش فهو من رأس ماله. وإن كان أمراً قد طال آخرج من ثلثه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: إن ظهر على أنه غل من الغنيمة قبل أن يتوب، ودب وتصدق به إن افترق الجيش. وإن لم يفترق رد فى المغنم. وأنكر مالك أن يحرق رحله. وقال الليث: إن تفرق الجيش جعل خمسه فى بيت المال وتصدق بما بقى. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قيل لمالك: أيعاقب من غل؟ قال: ما سمعت فيه بشىء، ولو عوقب لكان لذلك أهل ا. قال ابن القاسم: إن جاء تائباً لم يؤدب. قال سحنون: كالزنديق والراجع عن شهادته قبل أن يعثر عليه. قال ابن سحنون عن أبيه عن معن ابن مالك: لا بأس أن يصلى على من غل. [3/ 203]
فيما يصاب من الغنيمة من الطعام والماشية والعلف وغير ذلك، وكيف بما فضل له من ذلك، أو بيع منه، وما لا يكون غلولا
فيما يصاب من الغنيمة من الطعام والماشية والعلف وغير ذلك وكيف بما فضل له من ذلك أو بيع منه وما لا يكون غلولاً من كتاب ابن حبيب: قال: ومن السنة أن لا يقسم مطعم ولا مشرب، ومن أصابه أحق به إلا أن يؤاسى فيه فضل عن حاجته، وله ان ينفق منه إلى منصرفه. فما فضل تصدق به ولا ينفقه في أهله إلا التافه مثل يسير بن قديد وكعك واحتج بحديث الجراب الذي فيه شحم من شحم يهود, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب المغانم: خل بينه وبين جرابه, وليس علي الناس استئمار الإمام في كل ما وجدوا من الغنم والبقر. ولو نهاهم السلطان عن إصابة ذلك ثم اضطروا إليه لكان لهم اكله. ولو أخذ الناس من ذلك حاجتهم وفضلت فضلة فضمها صاحب المغنم كان للناس. أكل ذلك إن احتاجوا إليه أو من احتاج منهم. ولا بأس بأكل طعام العدو قبل الدعوة فيمن يدعي منهم ولا بأس بما لت من السويق من سمنهم وعسلهم. وإذا لم يقدروا علي أخذ البقر ونحوها إلا بالعقر فلم ذلك ويأكلوا ما ذكوا مما لم يبلغ المقاتل, والعربقة وشبهها أسلم ذلك إن أمكنهم, ولا تجوز النبهة في ذلك. ولابأس بجبن الروم, ولا يؤكل جبن المجوس. وما أصيب من العلف فهو كطعام في إباحته. ومن الجهل فباع شيئا مما ذكر رد ثمنه إلي المغنم. ومن أقرض من ذلك شيئا لم يلزم للمستقرض رده علي المقرض لأن يعطي ما استغني عنه. وإذا كان بيد أحدهم صنف من الطعام وبيد الآخر صنف فلا بأس به أن يتبادلوا ذلك من [3/ 204]
قمح بشعير وسمن بعسل أو لحم ولم يروه بيعاً. وكره بعضهم التفاضل بين الشعير والقمح فى هذا وخففه آخرون، وهو خفيف لأن عليهم المؤاساة فيه بينهم. ومن جهل فباع بثمن واشترى جنساً آخر من الطعام فهو مكروه لأنه إذا صار ثمناُ ابتغى أن يرجع مغنماً بخلاف المناقلة. وما أكل لحمه فله النفع بجلودها فى غزوهم إن احتاجوا، وإلا جعلت فى المغنم إن كان لها هناك ثمن، ولا يحملها معه إلا أن لا يجد لها هناك فى المغنم ثمناً. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا خرجت السرايا من العسكر فجلبت العلف وإلاطعمة، فإما العلف والطعام فلمن جلبه خاصةً. وإما غيير ذلك فهو غنائو لجميع أهل الجيش. وينبغى أن يؤاسى جالب الطعام من احتاج إليه ولا ييبيع منه شيئاً. فإن باع منه شيئاً جعل ثمنه فى المغنم، وله بدل الطعام بطعام. وغن جلبوا من الطعام ما لا يحتاجون إليه لكثرته فليدخلوا ذلك فى المغانم بعد أن يأخذ منه من احتاج إليه فى علف وأكل فى/غزوه ممن جلبه ومن غيرهم. قال ابن القاسم: وما احتاج إليه وهو فى السرية من ثوب يلبسه أو ركوب دابة أو يحمل عليها علفاً فذلك له. وإذا كان إذا بلغ العسكر استغنى عنه جعله فى المغانم. وكذلك غرارة يحمل فيها طعام هـ. ووسع ابن القاسم أن يبقى عليه الثوب يحتاج إليه ثم إن استغنى عنه رده إن كان له ثمن. وما لم يكن من ذلك كله ثمن مثل الخرقة يرقع بها أو يخيط به أو مسلة أو إبرة فله أن ينتفع بذلك. وقاله أصبغ ولا اختلاف فيه. قال مالك: وإن الذى يرد مثل الكبة وشبهها مما يمنه دانق وشبهه، أخاف أن يرائى بهذا، وليس بضيق على الناس. ورواه فى العتبية أشهب عن مالك. [3/ 205]
قال ابن المواز (قال ابن القاسم): ولو أحرز مثل هذا فى المغنم ثم احتاج إليه رجل فله أخذه. وكذلك الثوب يلبسه ودابة يركبها ويرد ذلك إذا استغنى عنه. وما احتاج إليه من غير ذلك فله أخذه بعلم من يلى المغنم أو بغير علمه ويرد ما استغنى عنه. وإن فات الأمر باع ذلك وتصدق به. وله حبس ما ليس له ثمن أو ما ثمنه الدرهم وشبهه ولا يبيعه. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يأخذ مما أحرز النعل يحتذيه والجلد لإكافه أو يجعله خفاً والغرارة يحتاج إليها والفلفل والدراصينى لطعام هـ. وقال عبد الملك: يأخذ مما أحرز فى المغانم ما خف من طعام وعلف وشبهه مما يحتاج إليه ولا ثمن له، وله أن لا يرده. وإما ما له البال فليرده بعد غنائه عنه. قال مكحول وسليمان بن موسى: يأخذ الطعام بغير استئذان، ومن سبق إليه فهو أولى به إلا أن ينهى عنه الأمير فليتركه. وما بيع منه بثمن صار مغنماً. قال ابن المسيب لا قسم فى الطعام. قال ابن القاسم قال مالك: وما قدم به من قديد أو طعام فإن كان يسيراً أكله مع أهله. وإما الكثير قليتصدق به. قال محمد: يتصدق به حتى يبقى اليسير فيكون له أكله مع أهله. قال مالك: ولا أحب أن يبيع المتعلفة ما فضل عنهم من علف وطعام ومن احتاج إليه فاشتراه فهو فى سعة. وإن وجد عنه غناءً لم أر له شراءه. ومن استغنى عن شىء منه أعطاه لصاحبه بغير ثمن. وإن أخذ فيه ثمناً رده فى المغنم. قال مالك: وله أن يبدل عسلاً بلحم أو طعام. قال ابن القاسم: وإن باع الغازى طعام امن غير غاز بطعام غيره أو بعلف فلا بأس به. وذكر أشهب أن مالكاً كرهه. قال محمد: وليس لكراهيته فيه وجه. [3/ 206]
قيل لأشهب: أيدفع منه إلى من يحجمه؟ قال: إما بشرط فلا أحبه. قال ابن القاسم: ولهم أن يضحوا بغنم العدو ومما أحرز فى المغانم، ولهم إن احتاجوا إلى اللحم أخذه من البقر والغنم من المغنم بغير إذن، وليطرح الجلود فى المغانم إن كان لها ثمن. فإن لم يكن لها ثمن صنع بها ما شاء. وكذلك (ما استغنى عنه من الطعام قاله مالك. وكذلك) قال فى العتبية من سماع ابن القاسم. ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم فيمن باع طعام اببلد الحرب ممن يأكله، ثم علم بعد أن خرج فليرد الثمن فى المغنم لا على المبتاع، وقاله مالك. قال ابن القاسم: وإذا رأى الإمام بيع الطعام ببلد الحرب لغنائهم عنه ببلد الحرب وحاجتهم إليه ببلد الإسلام فلا بأس بذلك. قال أصبغ: ولو دخل بلد الحرب بسويق فلته بإدام أو ثوب فصبغه فإن كان ما زاده يسيراً فذلك خفيف. وإن كان كثيراً كان شريكاً بقيمة ثوبه وسويقه فى ذلك. قال محمد بن المواز قال ابن القاسم: وله ذلك فى السلاح والبراذين. وكذلك فى السرية يأخذ الرجل الدابة يقاتل عليها وتبقى معه حتى يقفل عليها إلى أهله إذا اتصلت حاجته إليها ثم يبيعها ويتصدق بثمنها. وكذلك إن وجد الغنيمة قد قسمت، وقاله ابن القاسم كله. وكذلك الثياب يحتاج إليها وإذا بلغ إلى العسكر ردها. فإن اتصلت حاجته إليها حتى قفل باعها وتصدق بثمنها. [3/ 207]
وروى على بن زياد وابن وهب فى المدونة: أنه لا ينتفع بدابة ولا سلاح ولا ثوب. قال ابن حبيب: ولهم أن ينتفعوا قبل القسم بما أصأبوا من أموال العدو من خيل ودواب ونبل وسلاح إذا احتاجوا إليه، ويعطيه ذلك صاحب المغنم ويستوثق إلى أن يرده إليه وله أن ينتفع بما لم يصل إلى رب المغنم ولا يحسبه إلا لحاجته إليه لا للاختصاص به. ومن كتاب ابن سحنون: قال بعض أصحابنا: ومن باع من رجل طعام امن المغنم فأكله، فإن باعه ليتأثل منه مالا فالثمن مغنم إن كان شيئاً له بال. وإن كان تافهاً ترك له. وقد غمزه بعض إلاحتلاف. وإن كان باعه لحاجته أن يصرف ثمنه فى كسوة أو سلاح ولا شىء عنده فلا بأس به كما لو أخذه من المغنم. وإن بلغ بلد الإسلام وبقى من ذلك ما له بال فليتصدق به. ومن واجر عبداً بطعام من الفىء فليغرم قيمة الطعام يجعله فى الفىء. ومن العتبية قال أشهب بن عن مالك قيل له: بأرض العدو أشجار لها ثمن كثير ببلد الإسلام وحملها خفيف وثمنها بأرض العدو يسير. قال: لا بأس بأخذ هذا وإن أخذه للبيع. ولو جاء به إلى صاحب المقاسم لم يقبله ولم يقسمه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا ألفوا فى الغنيمة مثل القصعة وشبهها قيأخذها الرجل. قال: إذا تركوها ورحلوا فهى له ولاخمس فيها. قيل: فالابرة أهى من الغلول؟ قال: إن كان ينتفع بها فلا بأس بذلك. قال عنه أشهب: وله أخذ الغرارة يحتاج إليها يحمل فيها متاعه والقربة والجلد يحتذيه [3/ 208]
فيما يجوز أن ينصرف به معه ولا يدخل في المغانم، وما يدخل فيها مما يصنع أو مما لا يصنع، ومن الحيوان وغيره، وفي الكلب، وكتب الفقه هل تقسم، وفي كتب العدو، وما يوجد في قبورهم، وفيمن كسب من صنعة يده مالا بأرض العدو
والشيخ للدواء. وإن وجد عسلاً فلت به جذيذة فله أن ينصرف بها إلى بلده. وإذا وجدوا قدوراً لعدو مملوءةً فلهم أكلها. قال أبو محمد: وبقية القول/فيما يشبه هذا الباب الذى يلى هذا. فيما يجوز ان ينصرف به معه ولا يدخل فى المغانم وما يدخل فيها مما يصنع أو مما لا يصنع ومن الحيوان وغيره وفى الكلب وكتبه الفقه هل تقسم؟ وفى كتب العدو وما يوجد فى قبورهم وفيمن كسب من صنعة يده مالا بأرض العدو قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون فيما يجوز للرجل الإختصاص به مما أصابه بأرض العدو: إن كل ما صنعه بيده من أعوادهم المباحة من سرج نحته أو سهم أو مشجب صنعه أو قدح أو قصعة وشبه ذلك أو ما عمل من أحجارهم ورخأمهم المباح لا ثمن له هناك، أو حمله غير مصنوع فله آخراج ذلك كله لمنفعة أو بيع، وله بيع ذلك فى العسكر ولا شىء عليه فى ثمنه وغن كثر. وإما ما وجده مصنوعاً فى بيوتهم فلا يستأثر به وإن دق. وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بأداء الخيط والمخيط إلا ما ينتفع به ثم يرده إلى المغنم إن استغنى عنه. فإن بقى معه شىء لم يعلم به حتى رجع تصدق به وإن قل. وما صاد بأرضهم من طير ووحش وحوت فهو أحق به وبثمنه. وإن شاء خرج به إلى أهل. وإن واسى به فهو أحب إلينا وليس بلازم، وهو شىء لم يملكه العدو. وإما الصقور والبرازة وما يصاد به مما يعظم قدره فليرد فى المقاسم، ولا يكون لمن صاده أن يخرج به. وإن باعه رد الثمن فى المغنم. [3/ 209]
وهذا/قول كثير التابعين، وقاله مالك وأصحابه إلا ابن القاسم، فقال: كل ما نض من هذا مما عمله من شجرهم ورخأمهم وترابهم صار مغنماً. قال ابن حبيب: وإما الهر فإن وجد به ثمن بيع ورده فى المغنم وإلا أخذه من شاء. وإما الحمأم فله ثمن ويجعل مغنماً. وخفف بعض العلماء الهر والحمأم. وإما الكلب فإن كان صائداً بيع فى المقاسم. فإن لم يوجد له ثمن أخذه من شاء. وإن لم يؤخذ فليقتل. وإما غير الصائد مما لم يرخص فيه فليقتل. ومن كتاب ابن سحنون قال: ولا يعجبنى ما روى عن مالك من بيع الكلب فى المقاسم، وأخبرنى عن معأوية فى العتبية: روى معن عن مالك فى كلاب العدو الصائدة وغيرها أنها لمن وجدها وليس عليه أن يأتى بها إلى المغانم. وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ولا يجوز لمن وجد الكلب بأرض العدو أن يحبسه دون الإمام. قال ابن كنانة فى كلب الصيدك أنه يباع ويجعل ثمنه فى المغنم بخلاف الذى نهى عن كسبه لأن هذا يلزم من قتله قيمته. قاله عبد الملك. وقال ابن القاسم وأصبغ لا يباعن وهو داخل فى النهى، وليس القضاء بقيمته كابتداء بيعه. قيل: فما يصنع به؟ قال: يقتل: قال ابن القاسم: ولو ترك لمن وجده فخرج به فلا بأس به. وقال أصبغ: هذا قليل الثمن. وإما الكثير/الثمن فقتله احب إلى. ومن العتبية: روى عيسى ويحيى فى الكلب الكثير الثمن، يريد للصيد، قال يدخل فى المقاسم ويباع فيها. قال عنه عيسى: وكذلك الظبى يصاد بأرض العدو. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وما قطع من شجر العدو لفسطاط أولقتب أو لا كاف فله ذلك ما لم يرد به البيع. وإما الخشب لعمل المراكب فهذا من الغنائم ويخمس. [3/ 210]
ومن كتاب ابن المواز قال: قد ذكرنا تخفيف ما قطع من خشب أرض العدو لفسطاطه من عموده وأعواده، ولا كاف وقتب وسرج. وفى العتبية نحوه من سماع ابن القاسم، قال: ولنشاب يرمى به. وقال: وإن فضل شىء من هذا بيده فهو له. قال فى كتاب ابن المواز: فإما إن عمل من ذلك سروجاً كثيرة ً أو توابيت أو رحإما فيجعل ثمن ذلك فى المغنم، وله قدر عمله وعنائه، وليس عليه قيمة الخشب ليكون له لأن أجر عمله إلاقل والثمن إلاكثر. ولو تطبب فكسب مالا بأرض العدو فذلك له. وإن استعان بشىء من أوديتهم جعل قيمته فيئاً. وكذلك البيطار والخياط وأصحاب الصنائع، ويغرم قيمة ما استعان به من صباغ ودواء. ومنه ومن العتبية من سماع عيسى قال ابن القاسم: وما صاد من الحيتان والطير فلا شىء عليه إن أكله. وإن باع منه جعل ذلك فى المغانم. وما حمل إلى أهله من ذلك من حيتان مصنوعة أو طيور أحياء، فما كان كثيراً/بيع وصار ثمنه مغنماً إن استغنى عن أكله. قال ابن القاسم: إلا أن يذخر قدر ما يكفيه فى طريقه، ثم إن بقى يسير لأهله فلا شىء عليه فى أكله إلا أن يبيعه. وإما الكثير يرجع به إلى أهله فليبعه ويتصدق بثمنه. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم: أن ما عمل بأرض العدو من نشاب ومحأمل وسروج أو فخار أو صاد من طير أو حيتان فيبيع ذلك كله: ان ثمنه فىء، ولا أجر له فى عمله. ولو اصطاد بازا أو وجده فى منازلهم فليبع إن كان له ثمن ويجعل فى المغانم ثمنه. [3/ 211]
قال ابن المواز: قال ابن وهب عن ابن القاسم وسالم فى من صاد فى أرض العدو حيتاناً أو طيوراً فباع ذلك فله أكل ثمنه، وهو له وإن بلغ ذلك مالا كثيراً. ومن كتاب ابن سحنون قال: وإما كتب الفقه فلا تدخل فى المقاسم ولكن يعطيها الإمام من استحق النظر فيها ممن غنمها أو غيره. وكذلك من مات عن كتب فقه فالوارث فيها وغيره سواء، ولمن هو لها أهل ان ينتفع بها من وارث وغير وارث. قال أبو محمد: هذا قول مالك وسحنون، وذهب غير واحد من أصحابنا أنها تباع فى دين المفلس وتورث. وقال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بعد وفاته بثلاثمائة دينار، وإنى وأصحابنا/متوافران فما أنكروا ذلك. قال سحنون: ومن غضبها أو استهلكها فعليه قيمة الخط والرق. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم، ونحوه فى كتاب ابن المواز عنه، قال: وما وجد من مصاحفهم فلتمح ويباع الورق. وإما صلب الذهب والفضة فتكسر وتقسم. قال سحنون فى كتاب ابنه: وكذلك صلب الخشب تكسر. وقال الأوزاعى ك لا تكسر، فهذا مكرر فى الجزء الأول. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وما وجد فى بيوتهم من بقر وغنم وحمأم ودجاج فلتبع وتجعل مغنماً إلا ما يريد أكله، وقاله أصبغ: أو يسمح الوالى لأحد أن يخرج بها إلى أهله فذلك له. قال محمد: فيما تقل قيمته. ومن العتبية: قال سحنون فى عسكر نزل ببعض السواحل، فنبشوا قبراً [3/ 212]
فيما يضعف المسلمون عن حمله من الغنيمة ومن أموالهم، وكيف إن تركوه فمر به غيرهم، وهل له ترك مايقدر على حمله
للعدو فوجدوا فيه حلياً وثياباً، قال ذلك فىء لهم، وجده من وجده قبل تفرق الجيش أو بعد تفرقه، كما فعل عمر فى السفطين. وروى أشهب عن مالك فى العتبية فيممن ابتاع بأرض العدو كبائب خيوط فلما رجع إلى بلده حلها فوجد داخلها ذهباً نحو سبعين مثقإلا، قال: أرجو إلا يكون به بأس قد تفرق الجيش وما أدرى ما يصنع به. وفى الباب الذى قبل هذا قول مالك فى الأخذ من أشجار إلادوية إن ذلك جائز له وإن أخذه للبيع وإن كان له ثمن كثير فى بلد الإسلام وشأنها يسير ببلد العدو إن ذلك جائز. ولو جاء بها لصاحب المغانم لم يأخذ ولم يقسمها. ومن كتاب ابن الموازك ولا بأس بأخذ أشجار الدواء والسمن والحجر والعصا وقصب النشاب والسرج ينحته وشبه هذا، وهذا خفيف. وكذلك عيدان يعمل منها المشاجب. وقال مالك فى العتبية من سماع ابن القاسم: إما العصا وأشجار الدواء فلا بأس به. وإما الحجر والسمن ففيه شك ولأنه لم يوصل إليه إلا بالجيش. فيما يضعف المسلمون عن حمله من الغنيمة ومن أموالهم وكيف إن تركوه فمر غيرهم وهل له ترك ما يقدر على حمله قال ابن حبيب: وما عجز الإمام عن حمله من إلاثاث والمتاع ولم يجد به ثمناً فلا بأس أن يعطيه لمن شاء أخذه. فإن لم يأخذه أحد فليحرقه. وإن لم يحرقه [3/ 213]
تم حمله احد فلا خمس عليه فيه ولا قسم. وكذلك من أعطاه له الإمام ومن اشترى رقيقاً من السبى فعجز عن حملهم فتركهم ثم أخذهم أحد (من أهلهذا الجيش أو) ممن دخل غيرهم، فإن تركهم الأول فى حوزة الإسلام فهم له ويغرم للجائى بهم أجر مؤنتهم. ومن كان فيهم عجوز أو شيخ فهم أحرار لأن ترك مثلهم كالتحرير لهم، قاله من أرضى. وغن كان تركهم فى حوزة العدو فهم لمن جاء بهم، ولا عتق للشيوخ منهم لأنهم لم يخلهم، وهو يملكهم ملكاً تإما وهو كالمغلوب. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وما تركته السرية أو المتعلفة أو ترك من المغنم لكثرة ما معهم منه فهو لمن أخذه وحمله ولا خمس عليه فيه. وقال أشهب: ليس لمن حمله وهو فيه كرجل منهم. قال محمد: وقول أشهب فيما أظن فيما لو تركت السرية من لو رجعت إليه لحملوه ما دام وا بأرض العدو. فإما ما تركوه عند قفولهم مما يؤيس من الرجعة فيه فهو لمن أخذه ولا يخمس، وهو قول مالك. قال أشهب فيمن اشترى شيئاً من السبى عن بعضه فتركه فدخلت خيل آخرى فأخذته فهو لصاحب الأول. قال محمد: صواب من لم يكن رقيق أعتقهم فتركهم على العتق. قال أشهب: ولو كانت عجوز فأعتقها فأخذتها خيل آخرى فهى حرة. قال ابن المواز: ومن أخذ ذلك لنفسه وليس مما وقع فى سهمه ولا هو من المغنم فليس له حمله فى مركب المسلمين إلا بإذن الإمام. قال ابن القاسم وليس للإمام أن يإذن له إذا خاف أن يعيب به المركب. [3/ 214]
في السرية يغنمون رقيقا هل يشتري منهم ولم يؤدوا الخمس
وكذلك فى العتبية عن أصبغ عن ابن القاسم. قال فى كتاب ابن المواز: وإما ما خف مثل ثوب وشبهه فلا. وكذلك فى مراكب الشركة إلا بإذن إلا بالشىء اليسير إذا لم يكن من المغانم التى يتبايعوا، وقد أمر بمباشرة الشريك فى الغزو. قال فيه وفيه العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: إذا وقف عليه فرسه وهو قافل فليعقره أو يعرقبه أو يشق بطنه أو يطير عنقه، وكره ذبحه قيل فإن وجد غنيمة فى بيوتهم أله تركها؟ قال لا يسعه ترك ما له بال إلا لعذر، إما لضعفه عن حمله أو لخوفه منه أو لما هو أفضل. قال ابن القاسم وله أن يترك ذلك لئلا يتعب نفسه ودابته إلأمثل الجوهر ونحوه. وكذلك روى عنه أبو زيد فى العتبية وقال إلا النفيس من متاع وجوهر. فى السرية يغنمون رقيقاً هل يشترى منهم ولم يؤدوا الخمس؟ من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: سئل عن قوم غنموا رقيقاً أيشترى منهم قبل أن يؤدوا الخمس؟ قال: لا. قيل: فإن كانوا صالحين يظن بهم أن يؤدوه؟ قال: وإن، إلا أن يعلم أنهم يؤدون الخمس. وروى يحيى بن عمر عن أبى المصعب أنه يشترى منهم ويوطأ الأمة منهم، وإنما الخمس على من يبيع. قيل: إن الخليفة منعهم أن يخمسوها فى ذلك [3/ 215]
فيما يهديه العدو للخليفة أو لأمير الجيش أو لبعض الغزاة، هل يخمس؟
الموضع قال: لا أعرف هذا، ولهم الشراء والوطء، والخمس على البائع. قال غيره: إذا كان البائع قد علم أنه يبيع ويمنع الخمس من سرية أو وال، فلا يشترى منه لأنه قد علم أنه يبيع ليتعدى فى الخمس فكأنه بيع عداء. قال سحنون فى قوم سروا فقسموا الرقيق قبل أن يخمسوها أيشترى منهم؟ قال لا، ولكن إذا أدوا الخمس فى موضعه فهو جائز والشراء منهم حسن. فيما يهديه العدو للخليفة أو لأمير الجيش أو لبعض الغزاة هل يخمس؟ من كتاب ابن سحنون: روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من أبى سفيان ودحية من المقوقس وأكيدر، وأهدى إلى بعضهم، ولم يقبل هدية عياض المجاشعى. قال سحنون: وإذا أهدى أمير الروم إلى أمير المؤمنين هديةً فلا بأس بقبولها وتكون له خاصةً. وقال الأوزاعى: تكون للمسلمين ويكافيه بمثلها من بيت المال. قال سحنون: ليس عليه أن يكافيه. وقال سحنون: وإن أهدى إلى أمير الصائفة، فإن كان الروم فى منعة وقوة فله قبولها وهى خاصةً ولا مكافاة عليه. وقال الأوزاعى: هى بين الجيش. قال سحنون: وإن كان الروم فى ضعف والمسلمون مشرفون عليهم فقصدوا بها توهين عزمهم والتخفيف عنهم فهذه رشوة لا يحل قبولها. قال أشهب لا يقبل أمير الجيش هديةً من مسلم أو ذمى تحت سلطأنه، ويقبل ممن ليس له عليه سلطان من مسلم أو ذمى أو حربى وتكون له خاصةً، وقاله سحنون. وقال: قال ابن نافع عن مالك فى السرية يبعثها الوالى فيرجعون بالفواكه فيهدون إليه من ذلك مثل قفة عنب أو تين والأمر اليسير فلا بأس به، وتركه [3/ 216]
أمثل لأنا نكره له قبول مثل هذا فى غير الغزو. وكذلك قال فى أمير الثغر، وربما أغار مع الجيش. ومن كتاب ابن المواز وهو فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم فى العلج من الحصن يهدى هديةً إلى رجل من الجيش فهو له دون أهل الجيش. فإما إن أهدى لأمير الجيش فأنه يكون مغنماً، وقاله ابن القاسم، لأنه على سبيل الخوف. قال ابن المواز: لأنتهاء الجيش لأمره ونهيه. قال ابن القاسم: إلا أن يتبن أنه لغير سبب الجيش من ذى قرابة أو لسبب مكافأة يرجوها أو ما دل أنه لخاصته فذلك له. قال ابن المواز: وقال ايضاً ابن القاسم: وإذا أهدى إليه مسلم يجرى عليه سلطأنه فليرده إليه. وإن لم يجر عليه سلطأنه فلا يرده كان لمسلم أو ذمى وهو له خاصةً. وكذلك وإلى الثغر الذى يغير عليهم أحياناً. وإذا دفع علج عند اللقاء إلى مسلم دنانير فهو أحق بها. فإما إن دفعها إلى الوالى فلا أدرى كأنه يراه مغنماً. وكذلك فى العتبية عن أبى زيد عن ابن القاسم. قال ابن المواز: قال عبد الملك فى أسير أعطى لرجل شيئاً طوعاً، قال: هو لجميع الجيش بخلاف عطية من لم يؤسر بعد. ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا أهدى رومى إلى مسلم فى الجيش فله قبول ذلك بغير إذن الإمام وهى له خاصةً كان ذا قرابة أو أجنبى، وقاله الأوزاعى. وإما هدية المسلم إلى أحد منهم فلا ينبغى كان ذا قرابة أو غير ذى قرابة إذن له الإمام أو لم يإذن، وأجازه الأوزاعى بإذن الإمام. [3/ 217]
قال سحنون: والرسول إلى الطاغية يجاز بجائزة فهى له دون السلمين ولا خمس فى ذلك. وإذا جاء رسول من الطاغية لم ينبغ لأمير المؤمنين ان يجيزه بشىء إلا أن يرى لذلك وجهاً فيه صلاح للمسلمين فيجتهد فيه. ومن كتاب ابن حبيب قال: سمعت أهل العلم يقولون: أمير الجيش هو كأحدهم فيما يقسم له وفى ماله وعليه. وما أهدى إليه حربى فأنه مغنم كمن وجد كنزاً ببلد العدو من أهل الجيش، ولا يقبل هديةً ممن فى عمله من مسلم أو ذمى إلا من صديق ملاطف مستعن عنه، وله أن يقبل ممن ليس فى سلطأنه منهم. وكذلك الأمير إلاعظم إن غزا فما أهدى إليه الحربيون فهو مغنم لأهل الجيش. وما أهدى إليه الطاغية أو غيره من أهل الحربفى مقأمه فهو لجميع المسلمين. ولا حجة لأحد فى هدية المقوقس إلى النبى صلى الله عليه وسلم مارية وشيرين وبغلة شهباء مات عنها، واتخذ مارية أم ولد وأعطى شيرين لحسان. وهذا من خواصه صلى الله عليه وسلم. وهذا المعنى مذكور فى الجزء السادس فى باب أرزاق العمال والحكأم والهدايا إليهم، وهناك زيادة فى هذا المعنى. ومن العتبية من رواية أبى زيد عن ابن القاسم وذكره ابن المواز عنه، وعن رومى أهدى ابنته إلى رجل أن له وطأها. ولو سبى جارية ممن ببيننا وبينهم عهد مثل النوبة وشبههم لم ينبغ لى أن أشتريها ولا أطأها. [3/ 218]
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فى الدخول إلى أرض الشرك والخزر، وهم يبيعون أبناءهم وأمهاتهم، قال: شراؤهم منهم جائز، ولكنا نكره دخول أرضهم. آخر الجزء الثالث من كتاب الجهاد من النوادر والزيادات والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم [3/ 219]
صفحة بيضاء
[الجزء الرابع من الجهاد]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء الرابع من كتاب الجهاد جامع القول فى إلانفال وذكر السلب وفى شرط النفل قبل الغنيمة قال أبو محمد قال مالك وأصحابنا: النفل من الخمس. وقال بعضهم: لأن الله سبحانه قال: (واعلموا أن ما غنمتم من شىء فإن لله حمسه) وجعل الأربعة إلاخماس لمن غنمها، فلا يجوز أن يؤخذ لهم منها شىء بإلاحتمال. وقولنا إن ما نفل النبى صلى الله عليه وسلم من السلب إنما هو الخمس أولى لأن الله سبحانه فوض إليه أمر الخمس يجتهد فيه. وإما الأربعة إلاخماس فمملوكة لهؤلاء. وليس تأويل من قال أنه من جميع الغنيمة أولى من قولنا أنه من الخمس. ودليل آخر أنه لو كان السلب مستخرجة من جملة ما أوجب من الغنيمة لأهلها، لم يؤخر النبى صلى الله عليه وسلم البيان فيه عند الحاخة إلى بيأنه، لأن هذه إلاية نزلت فى شأن خيبر أو النضير فلم يكن يؤخر بيأنه إلى يوم حنين، ففى حنين قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه، بعد أن برد القتال. ولو كان أمراً متقدماً لعمله أبو قتادة الذى قتل قتيلاً يوم حنين، وهو من فرسان النبى صلى الله عليه وسلم وأكابر [3/ 221]
سلبه، فلم يطلب أحداً سلباً حتى نادى بذلك، ولم يكن هذا ليخفى لو كان أمراً مرتباً. وشىء آخر أن قوله من قتل ظاهره أنه من قد فعل. فمن قال أنه فيما يستقبل فعليه الدليل. وظاهر هذا أنه شىء فعله فيما قد كان اجتهاداً، ومخرجه من الخمس الذى قد حكمه الله فيه. ودليل آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبى قتادة واحد بلا يمين. فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من غنم إلا بما تنقل به إلأملاك من البينات أو شاهد ويمين. وشىء آخر أنه لو كان أمراً وجب للقتال فلم يجد بينةً لكان يوقف كاللقطة ولا يقسم. وهو إذا لم تكن بينة يقسمن فخرج من معنى التمليك، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذى يجعل فى غير وجه. قال ابن حبيب: وحديث ابن عمر فى السرية التى كان فيها، بعثها النبى صلى الله عليه وسلم فغنمت إبلاً: فكان سهماننا أحد عشر بعيراً أو اثنى عشر بعيراً ونفلنا بعيراً بعيراً، فدل هذا أن النفل من غير حقوقهم. وليس ذلك إلا الخمس. قال: ابن المسيب: كان الناس يعطون النفل من الخمس. قال ابن حبيب: وعلى ذلك العلماء. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وكل نفل من الخمس، وقاله ابن المسيب. واحتج ابن المواز بحديث ابن عمر قال مالك: ولا نفل قبل الغنيمة. قال ابن المواز ولا يعطى أمير الجيش شيئاً من الغنيمة أحداً منهم دون أصحابه إلا الطعام وما لا يبقى إلا إلأيام، أو ما يكون على العارية ويرد، فإما [3/ 222]
تمليك فلا إلا لما له وجه من نفل الرجل الشجاع أو من قد اختص بفعل فيعطيه ما يزيده به إقدام اويحرض بذلك غيره من الشجعان، ويكون ذلك من الخمس. أو من صعد موضعاً كذا فله كذا. قال سحنون وابن حبيب: والنفل قبل الغنيمة مما يكرهه العلماء. قال ابن حبيب: وقد استخفه بعضهم إذا احتاج إليه الإمام مثل أن يدهمه كثرة من العدو أو نحوه. وقد فعله أبو عبيدة يوم اليرموك لما دهمه كثرة العدو حتى قاتل يومئذ نساء من قريش. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يكون السلب للقاتل حتى يعطيه الإمام على الإجتهاد. وإنما قاله النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين، ولم يبلغنا أنه قال ذلك فى غيرها، ولا فعله بعد ذلك، ولا فعله أبو بكر وعمر. قال ابن المواز: ولم يعط عمر البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه. ومنه من كتاب ابن حبيب قال: وأهل الشام يرون السلب لمن بارز خاصةً نفله الإمام أو لم ينفله، ولا يجعلون لأحد سلباً فى هزيمة ولا فتح. والأمر على قول أهل المدينةرأنه من الخمس إذا قاله الإمام. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال أصبغ: قال ابن القاسم فى السيرة تبعث بأرض العدو على أن لها ثلث ما تغنم أو جزءاً معلوماً إن ذلك لا ينبغى، وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: وهذا مما تفسد به النيات ويصير عملهم للدنيا، ولا يخرج معهم على هذا، ولا أرى لمن خرج معهم على هذا أن يأخذ منه شيئاً. وبلغنى أن بعض أهل العلم خرج معهم، وما بذلك بأس لمن لا يريد أن يأخذ من هذا. [3/ 223]
قال أصبغ: وما أراه حرإما لمن أخذه وقد عملت به السرايا. ولا أحب أن تكون السرية إلا كثيفةً ذوو شجاعة ونشاط، ولا يكون غرراً ولا إلى موضع غرر. وقول مالك وأصحابه فى هذا الصواب وقول أهل الورع. قال ابن القاسم: وللإمام أن ينفل بعض أهل السرية بعد الغنيمة من الخمس لما يراه من شجاعة رجل وشبه ذلك. فإما وحالهم سواء فلأن لا من الخمس ولا غيره. قال عبد الملك: ولا يكون النفل لغير من ولى الأخذ وجاء به. ومن كتاب ابن سحنون وذكر ما يكره من قول الإمام قبل القتال: من قاتل موضعاً كذا فله كذا، ومن فعل كذا فله كذا. قال سحنون: وإنما ينبغى أن يخرج المجاهد على إعزاز دين الله وإعلاء كلمته ثم إن عرض له رزق قبله. فإما أن يكون أصل جهاده على دنيا يصيبها فهذا يدخل فى الحديث فى قوله: ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته على ما هاجر إليه. ولأمير الجيش أن ينقل فى أرض العدو على الإجتهاد. قال: وإن بعث أمير الثغر سرية وأمر عليهم أميراً وسمى لهم موضعاً أو لم يسم، ولم ينهه عن النفل ولا إذن فيه، فإن نفل لم يجز نفله لأنه ولاه القتال، وليس إليه النظر ولأمير الثغر لو خرج، إلا أن يرضى جميع أهل السرية بما نفل وإليهم من انصبائهم لا من الخمس فيجوز. وكذلك لو نهاه عن النفل فلا ينفل إلا برضاهم من انصبائهم دون الخمس. وما روى من السرية التى كان فيها ابن عمر وقوله: فنفلنا بعيراً بعيراص، يحتمل أن يكون عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم متقدماً. قال سحنون قال ابن عباس والسلب من النفل. قال مالك: لا يجوز ما (فنل قبل الغنيمة، وإنما فعله النبى عليه السلام بعد الغنيمة. قال سحنون: [3/ 224]
ولو) فعل ذلك إمام من أهل الإجتهاد فنفل قبل الغنيمة لم أنقضه، مثل أن يقول لهم: آخرجوا على أن لكم الربع بعد الخمس، كقضية حكم بها حاكم لما فيه من الإختلاف. وكذلك إن قال: ما غنمتم فلكم نصفه. وقال نحوه بعض أهل العراق. قال: ولو نفل الإمام من الغنيمة بعد أن أحرزت بعض من له شجاعة فقد أخطأ ولكن لا ينقضه من رفع ذلك إليه. قال: وكذلك من أسهم لفرسين على قول أهل الشام لم أنقضه. قال سحنون: وإن قال بعد القتال من قتل قتيلاً فله سلبه، فلا يخمس السلب ولكن يكون كله من الخمس. قال سحنون: كان ابن المبارك لا يأخذ لعبده من النفل شيئاً. قال سحنون: صواب، وقال الأوزاعى وغيره من أهل الشام: إن كراء حمل النفل يخرج من النفل خاصةً. وروى أيضاً عن الأوزاعى ان ذلك من جملة الغنيمة قبل الخمس. قال سحنون: وحمل ما عجز الجيش عن حمله يبدأ بالكراء فيه قبل الخمس. قال سحنون: ولا حق فى النفل لأهل الذمة والعبيد إن حضروا، كما لا يرضخ لهم عندنا ولا للمكاتب. وقال بعض أهل العراق: يدخل الذمى فى النفل لأنه يرضخ لهم عندهم، ولا يدخل فى قسم الغنيمة. والأوزاعى يرى أن يدخلوا مع المسلمين فى النفل وفى الغنيمة إذا غزوا مع المسلمين ويروى فيه حديثاً. وبعد هذا باب فى النفل هل يأخذه الذمى. قال مكحول: لا نفل فيما أصاب العسكر فى طريقه أو فى مقدمته. [3/ 225]
في تفريع مسائل نفل السلب وما يدخل في السلب، وذكر نفل الذهب والفضة
قال الأوزاعى: ولا نفل فيما وجد فى العسكر ولا فيما وجد فى بيوت قرية نزلوا بها. وإذا استقر العسكر فمن خرج يسرى من العسكر أو يتعلق فله النفل فيما أصاب. وكذلك من سار عن يمين العسكر ويساره وناداً عن طريقه فله نفله من ما أصاب. قال مكحول: لا سلب يوم هزيمة أو فتح. قال سحنون: لسنا نعرف هذا كله، والنفل من الخمس ولا يكون راتباً وإنما هو على الإجتهاد من الإمام: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل على اجتهاده إذا برد القتال. وله أن ينفل إلاسلاب يوم الهزيمة أيضاً باجتهاده، وإنما يكون ذلك إذا برد القتال. وإإذا قال من قتل فله سلبه ولم يستشن فى هزيمة فله السلب وإن كانت هزيمة، يريد سحنون: وإن قاله قبل القتال على غير مذهبه أنه يمضيه كقضية نفذت. قال سحنون: وكيف يجوز أن يقول: ما أصبتم فهو بينكم بالسواء بعد الخمس، وفى هذا إبطال السهام التى أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد: فى تفضيل الفارس. فى تفريع مسائل نفل السلب وما يدخل فى السلب وذكر نفل الذهب والفضة قال سحنون قال أصحابنا وأهل الشام: ولا نفل فى العين وإنما هو فى العروض السلب والفرس والسلاح ونحوها. وقال أهل العراق إذا نادى الإمام بنف السلب للقاتل فأنه يكون له ما على المقتول من سوارين وطوق ذهب ودنانير ودراهم وحلية سيف ومنطقة. وذكر عن مكحول فى المبارز أنه جعل من السلب الطوق والسوارين (بما فيها من جوهر. [3/ 226]
قال سحنون: إما حلية السيف فتبع للسيف. ولا شىء له فى الطوق والسوارين) والعين كله. وكذلك إن كان عليه تاج أو قرطان فلا شىء له فى ذلك. ويكون له فرسه وسرجه ولجأمه وخاتمه ودرعه وبيضته وسيفه ومنطقته بما فى ذلك من حليه وساعديه وساقيه وروايته. قال مكحول: بما فى ذلك من حلية وجوهر. قال سحنون والأوزاعى: وليس له ما فى منطقته من مال ونفقة ولا ما فى كمه وتكته. قال سحنون: وكذلك الصليب يكون فى عنقه. قال الوليد وقال الأوزاعى: يدخل الصليب فى السلب، وهو أحب إلى وقيل: وليس مما تزين به لحربه وإنما هو من دين تدين به فليس من السلب. قال ابن حبيب: يدخل فى السلب فرسه وكل ثوب عليه وسلاحه ومنطقته التى فيها نفقته وسواراه وفرسه الذى هو عليه أو كان يمسكه لوجه قتال عليه. وإما إن تجنب أو كان منفلتاً منه، فليس من السلب. ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعى: وإذا أسر علجاً فأتى به إلى الإمام فقتله الإمام فليس له سلبه. وكذلك لو بارزه فصرعه ثم خرج فذهب به إلى الإمام فقتله. قال سحنون: إلا أن أنفذ مقاتله بالضربةة فله سلبه. قال سحنون: ولو أخذ إمام بغير قولنا فقال قبل القتال: من قتل قتلاً فله سلبه، فخرج رجل علجاً وأجهز عليه آخر، فإن كان الأول أنفذ مقاتله فالسلب له، وإن لم ينفذها فهو بينهما. قال الأوزاعى: وإن عانقه واحد قد بارزه وقتله آخر فسلبه للمعانق. قال سحنون: هذا إن قهره حتى لا يتخلص منه كأسيره. وإن كان يمكنه التخلص فالسلب للقاتل. [3/ 227]
قال الأوزاعىك وإن بارز علجاً فوضع العلج بعض سلاحه بالارض، ثم قاتله فقتله المسلم فليس له إلا ما عليه دون ما فى الارض، وقاله سحنون. قال الأوزاعى: ولو قاتله على فرسه ثم نزل عنه العلج وقاتله ومقود فرسه بيده فليس له فرسه إلا أن يكون المسلم صرعه عن فرسه بطعنة أو ضربة. وقال سحنون: الفرس له من السلب كان بيده أو مربوطاً فى منطقته بخلاف ما وضع بالارض من سلاحه. وإذا صرعه عن فرسه ثم جره إلى العسكر فمات بعد ذلك فإن كان أنفذ مقاتله فله سلبه، وإن لم ينفذ مقاتله فلا شىء له وإن مات بعد يوم أو أيام من ضربته فلا شىء له من سلبه وكذلك لو جره المشركون فمات عندهم وأخذ المسلم فرسه فلا شىء له من سلبه إلا أن تكون الضربة أنفذت مقاتله. قا الأوزاعى: ومن حمل على فارس فقتله فإذا هو امرأة أو صبى أو مراهق: فإذا قاتلت المرأة فله سلبها، وكذلك الصبى. قال سحنون: إذا كان الإمام قد نفل إلاسلاب. قال سحنون فى الإمام يقول: من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتله رجلان أو أكثر، فسلبه بينهم بالسواء للاختلاف. ولو قال: غن قتل رجل منكم وحده قتيلاً فله سلبه فلا شىء لهم إذا لم يختلف فى هذا ينفرد الواحد بقتل قتيل. قال محمد بن سحنون: ولو برز عشرة علوج فقال الإمام لعشرة من المسلمين: إن قتلتموهم فلكم أسلابهم فقتلوهم كل رجل يقتل واحداً، فلهم أسلابهم لا ينفرد كل قاتل بسلب قتيله فى قياس قول سحنون، لأن بعضهم معونةً لبعضهم. ولمن قتل صاحبه أن يعين بقية من برز معه ولا يعينهم غير من برز من المسلمين. ولو قتل تسعة منهم تسعة وقتل المشرك الباقى العاشر من المسلمين وذهب، فأسلاب التسعة بين التسعة القاتلين، لا شىء للمقتول معهم. ولو بقى [3/ 228]
في المقاتل يجعل له السلب، أو غير السلب، فيقتل الإمام قتيلا
المسلم العاشر حياً معيناً لهم لشاركهم فى إلاسلاب إلا أن يبين الإمام أن سلب كل قتيل لقاتله. ولو قال لكم أسلابهم إن قتلتموهم أجمع ولم تغادروا منهم أحداً فلا شىء لهم حتى يستوعبوهم. وبعد هذا باب فى نفل الذهب والفضة والعروض. فى المقاتل يجعل له السلب أو غير السلب فيقتل الإمام قتيلاً قال سحنون: وإذا قال الأمير فى أول القتال من قتل قتيلاً فله سلبه فنحن ننهى عن هذا، فإن نزل مضى. فإذا قال هذا ثم لقى هو علجاً فقتله فإن له سلبه. كذلك إن قتله فى مبارزة. ولو قال: من قتل قتيلاً منكم فله سلبه، أو قال لما بارز رجل من العدو من قتله منكم فله سلبه، لو يكن له هو سلب من قتل، كان هو المبارز أو غيره، لأنه آخرج نفسه بقوله: منكم. ولو قال: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه فلا شىء له لما خص نفسه. وكذلك لو قال بعد ذلك: ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه فى المستقبل. ولو قتل الأمير قتيلاً بعد أن خص نفسه وقتيلاً بعد أن قال من قتل قتيلاً فله سلبه فإنما له سلب الثانى. ولو قتل الأمير قتيلين أحدهما قبل أن يقول من قتل منكم قتيلاً فله سلبه، والآخر بعد قوله من قتل قتيلاً فله سلبه، وقد كان قال قبل قتل القتيلين إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، فإن سلب القتيل الأول فى الغنيمة، وله سلب الثانى. ولو قال الأمير: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، (ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه)، فقتل الأمير قتيلين وقتل رجل من القوم قتيلين، كان للأمير سلب القتيل الأول دون الثانى. وإما [3/ 229]
جامع القول في النفل يبذله الإمام قبل الغنيمة من جزء مسمى أو مال مسمى لمن قتل قتيلا أو لمن تقدم إلى الحصن، والقول في نفله للسرية، وفيما غنمت أو تغنم بعدها
القوم فمن قتل منهم قتيلين كان له سلبهما بخلاف الأمير لأن الأمير إنما خص نفسه بقتيل واحد، وهو بخلاف المسألة الأولى لنه قال فى الأولى: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، ثم قال بعد ذلك: من قتل قتيلاً فله سلبه، وهذا: إنما قال ذلك كله فى مقأم واحد، فخص نفسه معهم بقتيل واحد. ولو قال لرجل: إن قتلت قتيلاً فذلك سلبه، فقتل قتيلين أحدهما بعد الآخر، فغيرنا يجيزه ويعطيه سلب الأول خاصةً. ونحن نكره هذا كله، فإن نزل وقاله الأمير على الإجتهاد مضى، وكان له سلب الأول فقط. فإن جهل سلب الأول، فقيل له نصفهما، وقيل: أقلهما. وإذا قالك من قتل منكم قتيلاً فله سلبه، فمن قتل منهم اثنين أو ثلاثة فله سلبهم. محمد: ونحن وغيرنا مجمعون أنه إن خص نفسه فلا شىء له. فإما إن قال لعشرة هو احدهم من قتل قتيلاً فله سلبه، أو قال من قتل منا قتيلاً فله سلبه، فقال غيرنا: إن قتل هو وغيره قتيلين أو ثلاثة فله سلبهم، فنحن نمضيه على قولهم. وإن قال يا فلأن إن قتلت قتيلاً فلك سلبه فقتل قتيلين معاً، فقيل له نصف سلبهما، وقيل له أكثرهما. وكذلك قوله: إن أصبت أسيراً فهو لك فأصاب أسيرين، فله نصف كل واحد منهما. جامع القول فى النفل يبذله الإمام قبل الغنيمة من جزء مسمى أو مال مسمى لمن قتل قتيلاً أو لمن تقدم إلى الحصن والقول فى نفله لسرية وفيما غنمت أو يغنم بعدها قال ابن سحنون قال سحنون: وكل شىء يبذله الإمام قبل القتال من هذه إلانفال لا ينبغى عندنا، إلا أنه إن نزل وقاله الإمام أمضيناه وإن أعطاهم ذلك [3/ 230]
من أصل الغنيمة للاختلاف فيه. فلو ظأنه قال من تقدم إلى الحصن فله كذا أو إلى الباب فله كذا فليعطهم ما قال. وكذلك الصائفة يبعث أميرها سرايا على أن لهم الثلث بعد الخمس، أو قال قبل الخمس، فأنه يمضى ويعطون ما قال، ويدخلون فى السهام فيما يبقى بعد الخمس منه. ولو بعث سرية على الثلث وآخرى إلى جهة آخرى على الربع، وفى كل سرية قوم بأعيأنهم، وكل ذلك على اجتهاده على قدر صعوبة أحد الموضعين، فدخل فى كل سرية رجل من الآخرى فغنموا، فليحرم الإمام النفل من دخل منهم فى غير سريته عقوبةً له، وله حقه من الغنيمة. ولو خرج معهم رجل لم يأمره الإمام بالخروج، والأمير متفقد لأمر جيشه، فلا نفل له أيضاً. ولو قال يخرج فى كل سرية من شاء، فللذى دخل فى غير سريته النفل مثل أصحابه. قال الأوزاعى: وإن خرج فى سرية فلقى آخرى فإنضم معها، فإن كان من أهل الديوان أحرم النفل بتعديه. وإن كان متطوعاً فله نفله ويضمه إلى السرية التى كان معها فيقسمه معهم، ولييشركهم فى نفل ماغنموا. ولو بعث أمير الجيش سريةً على أن لهم الربع بعد الخمس، ثم نفل وإليها قوماً على فتح حصن أو نفل رجلاً ففتحوا وغنموا، فنفل أمير السرية باطل، إلا أن يجيزه جميع أهل السرية، فيجوز مما نفلهم أمير الجيش فى تلك السرية ومن سهامهم فيها بعد النفل لا فى سهأم أهل العسكر. ولو ضل من السرية رجل عن قوم من العسكر فتركوا هناك نفراً لأنتظاره، ثم رجعوا إليهم غانمين، قال: لا نفل للذى ضل منهم بخلاف الغنيمة، وقد أخطأ الأمير فى تغريره بمن خلف منهم إلا فى موضع مأمون. قال ابن سحنون: وللذين أقاموا على النضال من النفل ما لأصحابهم لأنه خلفهم فى مصلحة. ولو لم يتخلف أحد عليه فرجع الضال غانماً وقد غنم [3/ 231]
أصحابه فالتقوا، فلهم النفل فيما غنموا وللضال نفله فيما غنم، وما بقى جمع إلى ماغنم العسكر فقسم بين الجميع. وكذلك لو افترقت على فرقتين، فرجعت كل سرية غانمة فقط، فالتقوا عن العسكر بأميال لا يلحقهم فى مثلها فى النصر، (فلكل سرية نفها مما غنمت دون الآخرى، إلا أن يكون لا غنى لواحدة عن الآخرى وبها خلصت) فلتشركا فى النفل. قال سحنون: وإن بعث الإمام سرية على الربع بعد الخمس على مذهبه فقدموا غانمين، فلم يأخذوا النفل حتى مات أو عزل وولى من يرى قولنا، فأنه لا ينفذ ذلك إلى الحصن ونحو ذلك مما لا نراه. قال ابن سحنون: وأنا أرى أنها قضية نافذة لا ترد، قبضوا ذلك أو لم يقبضوه. قال سحنون: وإذا بعث الوالى سرية على أن لهم الثلث بعد الخمس على مذهبه، فبعدوا من العسكر بعداً لا يمكنهم الرجوع إليه، فرجعوا إلى دار الإسلام من موضعهم، فما غنموا بينهم خاصةً بعد الخمس فقالوا للإمام سلم لنا نفلنا فلا يسلم لهم لأن الغنيمة صارت لهم كلها. قال سحنون: ويسقط حقهم فيما غنم أهل العسكر بعد انقطاعهم عنهم. وإما ما غنموا قبل خروج السرية فحق السرية فيه معهم. قال سحنون: ولو أصابت السرية غنائم فى موضع يكون العسكر رداءاً لهم لو استعانوا بهم، ثم خرجت السرية إلى دار الإسلام ولم ترجع إلى العسكر، فأهل [3/ 232]
العسكر شركاؤهم فى غنيمتهم، ولهم نفلهم فيما غنموا ولو كان خروج السرية إلى دار الإسلام على إلاضطرار والغلبة لكثرة العدو فلا يقدرون أن يرجعوا إلى العسكر. قال ابن القاسم: نرى للسرية حقاً فيما غنم أهل العسكر بعدهم، لأنه روى عن مالك فى المراكب تفرقهم الريح فترد بعضهم إلى أرض الإسلام: أن لهم حقهم (فيما غنموا. وأنا أرى فى السرية الخارجة بغلبة أن لهم حقهم) مع العسكر فيما غنم قبل خروجهم، (وساقط فيما غنم بعد خروجهم) كالميت لا شىء لعه بعد موته. ولو خرجوا اختياراً فحق أهل العسكر ثابت فيما غنمت السرية، وحق أهل السرية ساقط فيما غنم العسكر بعد دخولهم دار الإسلام فى قول ابن القاسم وقول غيره. وإذا بعث الأمير سرية من المصيصة ليلحقها على أن لهم الثلث بعد الخمس أو قبل، فتقدموا فغنموا، فإن ادركهم الإمام بأرض الحرب كما قال فلهم نفلهم، ثم يشركهم أهل العسكر فى بقية الغنيمة. وإن بدا للإمام فلم يخرج حتى رجعت السرية أو خرج فأخذ غير ناحيتهم وخرجت السرية إلى أرض الإسلام فلا حق للعسكر فيما غنمت، وليعزلوا الخمس ويقسم ما بقى بينهم خاصةً. قال محمد: هذا إن نفلهم الثلث بعد الخمس لأن كل ما يبقى لهم خاصةً. فإما إن نفلهم الثلث قبل الخمس فلهم الثلث بدءاً ثم يخمس ما بقى ويضم أربعة أخماس إلى الثلث فيقسمون ذلك، وكأنه نفلهم بعض الخمس. قال سحنون: وأصحابنا يكرهون أن يبعث سريةً ثم ينفلها جميع الخمس لأنه أمر لم يمض به سلف. وإما بعضه فله أن ينفلهم بعضه أو ينفل بعضهم. [3/ 233]
في النفل على فعل شيء فيفعل بعضه أو ما يشبهه أو خلافه، وفي النفل لمن جاء من المال بكذا أو جاء بكذا فله كذا
قال أهل العراق: ولو بعث الإمام رجلين أو ثلاثة وقال: ما أصبتم فلكم لا خمس فيه فهو جائز بخلاف السرية والجيش. قال محمد: لا فرق بين ذلك ولا ينبغى إبطال الخمس قلوا أو كثروا. وقال غيرنا: ولو أن هؤلاء الثلاثة سروا بغير أمر الإمام فما أصأبوا فلهم لاخمس فيه. قال محمد: هذا خطأ وفيه الخمس، ولا فرق بين هذا وبين الجماعة. قال محمد: وإن بعث سرية على نفل الربع بعد الخمس وآخرى على فنل الثلث، فضل من كل سرية رجل فدخل فى السرية الآخرى وبعد ما بينهما فلم يجتمعا إلا فى العسكر، ففى قياس قول سحنون يصير نفل الضال وسهمه مع السرية التى صار إليها وعلى نفلهم. وقال غيره من أصحابنا: بل يأخذ معهم مثل نفلهم يضمه إلى نفل التى ضل منها، فيأخذ نفله معهم كما يأخذون. وقال مثله الأوزاعى: إذا أخطأ طريق سريته فدخل مع الآخرى. قال محمد وإذا نفل سريةً الرع بعد الخمس فأنه يسأوى فيه بين الفارس والراجل فى قسم النفل، لأنهم أعطوه لما ينالهم، والراجل أشد غرراً وتعباً. وإما ما بقى بعد الخمس فيعطى للفارس سهم فارس، وقاله أهل الاشم وأهل العراق. قال محمد: ولو بين لهم فى النفل أن يقسم للفارس سهمان وسهم للراجل قسم على ما قال. فى النفل على فعل شىء فيفعل بعضه أو ما يشبهه أو خلافه وفى النفل لمن جاء من المال بكذا أو جاء بكذا فله كذا من كتاب ابن سحنون وإذا قال الإمام بعد الغنيمة: من قتل قتيلاً فله سلبه، فجاء فارس وراجل بسلب علج قتلاه فليقسم بينهما بالسواء. ولو قال لسرية قبل القتال، يريد على مذهب غيرنا، من فعل كذا فله كذا فقد تقدم قوله: إنا ننهى عنه فإن نزل أمضيناه. قال سحنون: وإذا قال للسرية: إن قتلتم مقاتلة هذا الحصن وقتحتموه، فلكم الربع بعد الخمس، فقتلوا بعضهم وأنهزم من بقى وفتحوا فلهم نفلهم. [3/ 234]
وكذلك لو لم يقتلوا غير أمير الحصن وأنهزموا وفتح. وكذلك لو أنهزموا لما أقبل إليهم المسلمون خلوا عن الحصن فلهم نفلهم. وإما لو خلوا عن الحصن قبل إقبال المسلمين إليهم فأتوا فوجدوه خالياً فلا نفل لهم. ولو قال: إذا قتلتم المقاتلة وسبيتم الذرية فلكم الربع، فقتلوا بعض المقاتلة وسبوا فلهم نفلهم. وكذلك لو هجموا عليهم فهزموهم بغير قتال فلهم النفل. وإن قال: من قتل بطريقاً فله سلبه، فقتل غير بطريق فلا شىء له. وكذلك لو شرط قتل الملك فقتل بطريقاً. ولو قالك من قتل قتيلاً فله سلبه وقتل مسلم ومشرك مشركاً أخطأ به المشرك، فللمسلم نصف السلب والنصف يقسم قسم الغنيمة. ولو قال: من قتل رجلاً من صعاليك المشركين فله سلبه فقتل رجل بطريقاً أو ملكاً فليس له سلبه لأنه منع سلب البطارقة لكثرة سلبهم. ولو قال: ففله مائة درهم، فله ذلك من الخمس. ولو قال: من قتل شيخاً فله سلبه فقتل شاباً فله سلبه إلا أن يعلم أنه خص الشيوخ لكيدهم وتدبيرهم فلا شىء له. ولو شرط شاباً فقتل شيخاً فلا شىء له. ولو قال: من جاء بأسير فهو له أو له كذا، فجاء رجل بوصيف أو وصيفة فلا شىء له. ولو قال: (من جاء بوصيف أو وصيفة فجاء بأسير، فإن أراد الأمير أن يكثر السبى فلا شىء له. وإن لم يرد ذاك فله نفله. وإن قال: من جاء برضيع فجاء بوصيف فلا شىء له. ولو شرط وصيفاً فجاء برضيع فهو له. وإن قال:) من جاء بوصيف فله مائة درهم من الخمس فجاء بوصيفة، فإن كانت فى القيمة مثله فأكثر فله نفله. وإن كانت أقل، فلا شىء له. وكذلك فى مجيئه بوصيف والشرط وصيفة. وإما إن جاء بشيخ والشرط شاب فلا شىء له. وإن قال: من جاء بشيخ فله مائة درهم فجاء بشاب، فله نفله فى إجماعنا إلا ان يكون إنما حرض على الشيوخ لكيدهم ورأيهم. وغيرنا يرى النفل فى المال بقول إن قال: من جاءنى بألف درهم فله مائة منها، إن ذلك لازم، وليس بقولنا. [3/ 235]
في النقل في الذهب والفضة والعروض، وكيف إن استثنى شيئا، أو ذكر أشياء تنصرف إلى أصناف، وفي النفل في الأرض
وفرغ فى هذا على أصله: إن جاء بأفضل عيناً أو دون عيناً على ما قدمنا. وإن قال: من جاء بعشرة من الغنم فله شاة منها أو قال مائة درهم، فجاء رجل بعشر بقرات فله ما جعل له. وكذلك من جاء بثياب كذا فله كذا. فإن جاء بثياب غيرها مثل قيمتها فأكثر فله شرطه. وإن كان دون القيمة فلا شىء له. وإن قال من جاء بفرس (أو قال: ببردون فله كذا، فجاء ببغل أو حمار فلا شىء له. ولو قال من جاء بفرس) فلا شىء لمن جاء ببرذون. وإن قال من جاء ببرذون فجاء بفرس فله نفله. وأن قال من جاء بفرس فله مائة درهم، فجاء رجل بفرس ثم لم يغنموا غيره فله من خمسه مائة درهم إن بلغ ذلك خمسه. فى النفل فى الذهب والفضة والعروض وكيف إن استثنى أو ذكر أشياء تتصرف إلى أصناف وفى النفل فى الارض قال ابن سحنون عن أبيه قال أهل الحجاز وأهل الشام: لا نفل فى ذهب ولا فضة، وخالفهم آخرون. قال: فلو قال الإمام من أصاب ذهباً أو فضةً فله منها الربع بعد الخمس أمضيناه على ما قال كقضاء نفذ بقول قائل، ولمن أصاب ذلك نفله منه كان مسكوكاً أو غير مسكوك من سكتنا أو من سكتهم أو حلى أو تبر. وإن قال من أصاب شيئاً فله ربعه إلا ذهباً أو فضةً فهو كذلك لا شىء له فى ذهب أو فضة على أى حال كان. [3/ 236]
وإن قال من أصاب حديداً فهو له أوله منه كذا، فإن كان ذلك أمراً عرفوه فهو ذلك. فغن عنوا به السلاح دخل فيه الدروع والسيوف والسكاكين وغيرها من السلاح. وإن عنى نقر الحديد لم يدخل فيه السلاح. وإن كان ذلك قولاٌ مبهماً، فإن كان بلد معادن حديد حمل على أنه عنى زبر الحديد لا السلاح. وإن لم يكن بلد معادن حمل على كل حديد من سلاح وزبر وآنية، ولا يدخل أجفإن السيوف ونصال السكاكين فى ذلك. وإن ذكر البز فإن ثياب الكتان والقطن من البز. وكذلك يعرف عند الناس من البز، ولا يدخل الغزل فى ذلك. ولو قال: من أصاب ثوباً دخل فى ذلك ما أصاب من ثوب ديباج أو بزيون من لباسهم أو كساء بز كانوا يلبسونه فى أعيادهم. وإن أصاب كسساء للنوم أو عمأمةً أو قلنسوةً فلا شىء له. وكذلك فى الفراش والبساط أو النسج وإنما الثياب ما يلبس. ولو قال من أصاب متاعاً دخل هذا فيه، ودخل فيه الفرش والثياب والبزيون والمرافق، ولا يدخل فى ذلك إلانية كلها. وإن قال من أصاب ذهباً أو فضةً فهو له فأصاب سيفاً محلى، فإن كانت حليته تبعاً يسيرةً فلا شىء له. وإن كان النصل تبعاً فهو له. وكذلك ما حلى من سرج ولجأم أو مصاحفهم. وكذلك أبواب فيها مسأمير ذهب أو فضة يسيرة فلا شىء له. ولو وجد حلياً مرصعاً بالجوهر فى الغنيمة، وكذلك فص الخاتم، فله الذهب والفضة. وكذلك لو كثرت قيمة الفص، وهذا بخلاف ما مضى لأن هذا منسوب إلى الذهب والفضة، (يقول: خاتم ذهب أو فضة. وكذلك صليب ذهب مرصع. [3/ 237]
ولو قال من أصاب ياقوتاً أو زمرداً أو لؤلؤاً فهو له فوجد حلياً مرصعاً بذلك، فهذا ينزع الجوهر ويكون له دون الذهب والفضة). وكذلك من الخاتم. ولو قال من أصاب فصاً من ياقوت فأصيب فى الخاتم فأنه يقلع. ولو قال من أصاب حديداً ولا دليل على قصده فجاء بسرج فله الركابان. وليس له مسأميره ولا ضبة فيه يتفكك بنزعها، كما لا ينزع مسأمير السفينة ولا حشو الجبة المحشوة مما شرط، لأنه لا اسم له منفرد إلا بزوال اسم ما تضمنه. ولو قال من أصاب ثوب قز فأصاب جبة بطانتها قز ووجهها غير قز فله فيها بمبلغ قيمة القز منها. ولو قال جبة حرير فكان وجهها حريراً فله الجبة كلها لا ينظر إلى بطانتها، ولا شىء له فيها. وإن قال: من أصاب ذهباً فجاء بثوب فيه ذهب ونسيج، فإن كان ذهبه تافهاً فلا شىء له. وإن كان كثيراً نزع منه وأخذه، ولا يباع ويقسم ثمنه إذ لا يجوز تركه كذلك. وإن وجد قصعةً مضببةً بذهب فإن كان له بال جعل للزينة ولا يضر نزعه فله فصله وأخذه. وإن كان شيئاً تافهاً فلا شىء له. وكذلك وكذلك المائدة. وإن قال من أصاب حريراً فوجد جبة علمها حرير أو لبنتها حرير فلا شىء له. وإن قال ذهباً فوجد ياقوتةً فيها مسمار ذهب فلا شىء له. وإن وجد أسيراً قد اتخذ أنفاً من ذهب فله إلانف الذهب لأنه بائن بخلاف ما ضبب به أسنأنه. فإن قال ثوب حرير فوجد ظهارةً تحتها فرو نسور أو فنك فلا شىء له لأنه فرو، هو الغلب على اسمه. ولو قال من أصاب حلياً فأصاب حلياً مرصعاً فهو له بجوهره. وإن قال من أصاب سيفاً فله السيف بجفنه وما فيه حلية تافهة. وإما الكمثيرة فتنزع إلا أن يعلم الإمام ومن معه أن سيوف ذلك العدو كذلك فهو [3/ 238]
له. وكذلك المناطق والثوب النسيج إذا قال من وجد ثوباً. وإن قال ذهباً فوجد درعاً مموهاً أو لجإما مموها ص بذهب، فإن كان لو كان تافهاً فلا شىء له فيه، ولا تباع هذه الأشياء حتى ينزع ما فيها من الذهب. وإن قال من وجد حلياً فوجد تاجاً للنساء أو تاج الملك فهو له ولا فرق بينهما، وقد أخطأ من فرق بينهما. والخاتم من الحلى فهو له كان ذهباً أو فضةً. فإن لبس رجالهم الذهب، قال والسلك المنظوم والقرط المنظوم هو من الحلى وإن كان لم يكن فيه ذهب. ولو قال ومن وجد صوفاً فوجد جلود صوف أو ثياب صوف أو غزله فلا شىء له فيها. وكذلك إن قال شعراً فلا شىء له فى جلود الماعز ولا فى مسوح الشعر ونحوها. ولو قال خزاً فوجد جلود خز فهى له ها هنا، نزع الخز عنها أو لم ينزع لأنه الغرض منها. وكذلك له غزل الخز وثياب الخز، ولا شىء فى راية الخز. ولو قال من أصاب فرواً فله الفرو بما ظهر به من حرير أو خز بخلاف قوله جبة خز فيوجد بطانتها فنك أو نسر لأن إلاسم فرو. وإن أصاب جبة خز بطانتها مروية فله الظهارة وحدها لأنه يقع عليها جبة خز بلا بطانة. ولو قال جبة مروية، فيوجد ظهارتها مروية وبطانتها جنساً آخر فهى له ببطانتها. وكذلك فى القلأنس هى له ببطانتها، ويعمل على ما عرف من إلاسماء. ولو قال: هذه الجبة الخز وهى على علج فأخذها رجل كانت هذه ببطانتها. ولو قال من أصاب قباءً مطلقاً، أو قال قباء خز أو مرورى، فلا يكون له فى هذا كله غير ظهارة القباء دون بطانته لأنه سمى قباء. وقد أخطأ من فرق بين قوله قباء وبين قوله قباء خز أو مرورى. والسرأويل كذلك لا شىء له من بطانته. قال أهل العراق: وإذا نفل الإمام سريةً الربع بعد الخمس من الارض فذلك جائز لهم. قال سحنون: لا ينفل الارض ولا شىء لهم كما لا تخمس. [3/ 239]
في النفل المجهول
فى النفل المجهول من كتاب ابن سحنون قال: وإذا قال الإمام على غير قولنا من جاء بشىء فله منه طائفة أو قال بعضه أو جزء منه فليعطه بقدر اجتهاده. وكذلك قوله فله منه يسير أو قليل. قال وما أعطاه فمن الخمس. وقد قال أشهب فى الحالف لأقضينك بعض حقك إلى شهر: أنه يبر بما قضاه منه. ولو قال لأقضينك حقك إلا أن تؤخرنى ببعضه، أو أحلفه الطالب بذلك فليؤخره بما شاء وهو بعض. وقال ابن القاسم: يؤخره بقدر ما يرى من ناحية الحق وناحية الرجل، وليس تأخيره بدينار من ألف دينار أو مائة وجه مراده. وقال سحنون: وهذا يرجع إلى اجتهاد الرأى. قال أشهب: ولو وخره بالجميع لم يحنث. وولو قال من جاء بشىء فله منه سهم فإن له سهماً منه. ولو أعطاه السدس كان حسناً. قاله بعض أصحابنا في الموصى له بسهم من ماله ,لأن أصل الفرائض من ستة. وقال أشهب: له سهم ما تستقيم عليه فريضته. وإن كان وارثه واحداً فللموصى له الثلث إلا أن يجيز له الورثة الجميع. فإن ترك من لا يجوز له المال أو لم يترك وارثاً فله الثمن لأنه أقل سهم ذكر لأهل الفرائض، فيأخذه إن كان مليئاً وإن كان فقيراً، لم أر بأساً أن يزاد بالإجتهاد. ولو قال من جاء بشىء فله منه نصيب فذلك يرجع إلى الإجتهاد أيضاً كمن لرجل نصيباً من دار فإنما له ما أعطاه. ولو قال فله شرك فيه فهو كذلك يجتهد فيه ولا بأس أن يبلغ به النصف. وهو على غير قول ابن القاسم فى المقارض على أن له فى الربح شركا: إن له النصف، وهو أحسن. ولو قال من جاء بشىء فله منه مثل سهم أحد القوم، نظر [3/ 240]
سهم راجل من الجماعة إن كانوا رجالةً أو سهم فارس إن كانوا فرساناً. وإن كانوا صنفين، فنصف سهم من كا صنف فى غير قول ابن القاسم. وفى قول ابن القاسم تقسم الغنيمة على الفرسان والرجالة بالسواء، ويعطى مثل ذلك السهم كمن أوصى بمثل نصيب أحد ورثته وفيهم رجال ونساء. ففى هذين القولين قال: فإن لم يبلغ الذى جاء به ما ذكر لم يزد عليه، وذلك يحسب من الخمس. وإنما جعلت له جميع ما جاء به إذا كان مثل السهم فأقل والأمير إنما قال فله منه سهم. ولأن ذلك مثل من أوصى لرجل بعبد من عبيده ولم يدع غير عبد واحد فإن له جميعه. وأنه لا يزاد على ما جاء به كما لو قال من جاء بمائة فله مائتان فلا يزاد عليها، وهذا خطأ من الإمام إن قاله. ولم يبلغنا أن أحداً من السلف نفل إلا بعض ما جاء به أو ما جاء به لا أكثر منه، قال: ولم يختلف الناس أنه لا يعطى أكثر مما جاء به فى السلب وفى غيره. ولو قال من جاء بوصيفة فله ألف فجاء بوصيفة تسأوى خمسمائة دينار فلا يزاد على قيمتها. وكذلك سائر العين والعروض. وإما إن قال من جاء بأسير فهو له وله أيضاً خمسمائة، فهذا عندنا خطأ، ولكن إذا فعل ما أراده ويعطى ما قال: وليس كالأولى لأن فى هذا تحريضاً على الجهاد. وكذلك من جاء ببطريق فله سلبه وله ألف درهم، أو قال من قتل الملك أو جاء به فله ألف دينار، أو كان رجل قد أنكى على الحصن فقال من صعد إليه فأسره أو قتله فله كذا، ففعل ذلك رجل فله ما قال. ولو سقط ذلك العلج خارج الحصن بموضع يمتنع فيه فقتله رجل أو أسره فلا شىء له لأنه زال من الموضع الذى أنكى فيه. ولو وقع داخل الحصن فصعد [3/ 241]
في الإمام ينفل السلب لمن قتل قتيلا، فيقتل الرجل من ينهى عن قتله أو يقتل عبدا
رجل ونزل إليه فقتله أو جاء به فله نفله. ولو طعنه على السور فرمى به إلى المسلمين فى موضع يمتنع فيه فأخذه رجل آخر وقتله فالنفل بينهما. ولو لم يقل من قتله ولكن قال من قتله أو جاء به، فوقع من غير فعل أحد بموضع يمتنع، فقتله رجل أو جاء به، فإن أراد الإمام زواله من موضعه لثملة سدها أو غير ذلك فلا شىء له لأنه زال من غير فعله. فإن لم يقصد هذا فالنفل لمن جاء به أو قتله إلا أن يقع فى موضع لا يمتنع فيه. وإن قال من قصد الحصن ونزل عليهم أو من دخل عليهم من ثملة كذا فله كذا. فلا ينبغى هذا إذا كان فيه خطر. فإن لم يكن فيه خطر ونزل هذا فله نفله إذا كان فيه نكاية وجرى على الإجتهاد. وإن دخل من ثملة آخرى أو صعد من حائط آخر وهو مثل ما دعا إليه أو أنفع للمسلمين فله نفله. وإن كان أشد خطراً فينبغى أن يحرمه نفله عقوبةً له فيما غرر بنفسه. وإن كان موضعاً أقل نفعاً وفائدةً فلا شىء له. وكذلك من جاء بدون ما شرط له به النفل. فى الإمام ينفل السلب لمن قتل قتيلاً فيقتل الرجل من ينهى عن قتله أو يقتل عبداً من كتاب ابن سحنون: وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتل رجل رجلاً أجيراً للمشركين أو تاجراً لا يقاتلأن أو عبداً لا يقاتل أو مرتداً أو ذمياً لحق بأرض الحرب فله سلب هؤلاء. ولو قتل منهم امرأة فليس له سلبها إلا أن تكون تقاتل وقأمت بذلك بينة. وكذلك الغلأم إذا ثبت أنه قد قاتل وإن لم يبلغ ولم ينبت وهو يطيق القتال، فله سلبه. وإن قتله وقد أنبت فله سلبه وإن لم يقاتل. وإن قتل مريضاً لا يقدر أن يقاتل أو يقدر أو مقطوع اليد فله سلبه. وإن قتل شيخاً فانياً فليس له سلبه فى قول أكثر العلماء إلا فى قول من يرى قتل مثله [3/ 242]
في السلب يحوزه المشركون وقد وجب للقاتل
لما فيه من الرأى والتدبير. وإن قتل راهباً فليس له سلبه. وإن قتل أسيراً مسلماً أكرهوه على القتال فلا شىء له وسلبه لورثته مع ماله، إلا أن يكون سلبه أعاره إياه العدو فهو لقاتله. وليس له سلب من لم يقاتل من امرأة وصبى وشيخ فإن وإن كان سلبهم عاريةً للعدو، لأنه قصد إلى قتل من لا يجوز له قتله. ولو قتل مشركاً وسلبه أعاره إياه كافر أو رجل أو امرأة أو شيخ أو من يحل ماله من الكفار فذلك للقاتل. وإن كان أعاره ذلك مسلم من تاجر عندهم أو رسول فلا شىء للقاتل. وإن كان السلب لرجل أسلم بدار الحرب فالسلب للقاتل فى قياس قول ابن القاسم، لأنه يرى ماله فيئاً إن دخلنا إليهم أو خرج هو وحده ثم دخلنا إليهم. وأنا أرى أنه أحق به ما لم يقسم. فإن قسم فهو أحق به بالثمن. ولو أن سلاحه كان غصبه للمسلم لكان للقاتل بخلاف أن لو أعاره إياه. فى السلب يحوزه المشركون وقد وجب للقاتل من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام السلب فرمى رجل علجاً فقتله وهو فى صف المشركين، فلم يقربه المشركون حتى أنهزموا فهو للقاتل. ولو أخذوه ثم أنهزموا ثم وجدنا ذلك السلب والدابة، فإن كان أخذه ورثته أو وصيه أو ملكهم أمر بأخذه على ما رأى من النظر لهم، فلا شىء لقاتله لأنه قد ملك عنه قبل يحوزه. وإن أخذ على غير هذا أو سرقه أو خلسه فالقاتل أحق به. وإن أخذ بعد أن أخذه من له أخذه فهو فىء. وإن أنهزموا فلا يدرى أخذوه أم لا، فما وجد عليه فلقاتله. وكذلك دابته إن أصيبت معه. وإما ما نزع عنه ففىء، لأن الغلب أنه نزعه من له نزعه. وإن وجدوا دابته بيد من أخذها من وصى أو وارث له فهى فىء. وإما بيد مختلس أو سارق فهى للقاتل. وإن وجدت بعد سير العسكر مرحلةً أو مرحلتين فهى للقاتل ذلك بخلاف لو وجدت بعد أمد طويل. ولو حمل أهله أو وصيه القتيل على دابته مع سلاحه ثم ساقوها منهزمين فذلك للقاتل. وكذلك لو فعله أحد من العسكر على الخلسة، لا أفرق بينهم وبين ورثته إذا كان بحدثان [3/ 243]
في التداعي في السلب وجامع القضاء فيه
القتل، ولأن الوارث أيضاً لم ينزع عنه سلبه، ولا فات فيه أمر كما لو لم يجروا القتيل إليهم، وليس يملك الوارث السلب عندنا فى هذا لجر المشركين القتيل إليهم إذا كان أم يفت فيه أمر. فى التداعى فى السلب وجامع القضاء فيه من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام السلب للقاتل فضرب رجل علجاً ثم احتز آخر رأسه، فإن كانت الضربة أنفذت مقاتله وإن تآخر موته فالسلب للضارب دون المجهز. وإن لم ينفذ مقاتله فالسلب للثانى. وكذلك لو قطع أوداجه أو نثر حشوته وأجهز آخر عليه. محمد: ولا اختلاف فى هذا لأن حياته حياة موت. وقول الله تعالى فى أكيلة السبع وما ذكر معها (إلا ما ذكيتم)، ومعناه: إذا كان خرجاً من معنى ما (حرمت عليكم) ولو كان فى معناه لكان تكريراً وكان الميتة قد جمع ذلك. إلا ترى أن ذكره للجمع بين إلاخيتن فيه معنى من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها لأنهما قرابة محرم كما إلاختين قرابة محرم، وليس اينتا العم قرابة محرم؛ ولأن من قطعت أوداجه أو انتثرت حشوته أو قطع نصفين له حياة ولا تذكية فيه، ولم يختلف فيهم. و‘ذا تداعيا قتله الجارح والحتز الرأس وقد ذهب الجسد، فالسلب بينهما لاحتمال دعواهما. وأهل الشام يرون سلبه للجارح الأول وإن لم ينفذ مقاتله. وغيره يراه لمحتز رأسه لأنه متيقن أنه عن فعله مات، ونحن نشك فى الجارح هل قتل أو [3/ 244]
لم يقتل. قال وإذا احتمله من فرسه فأتى به إلى الصف أو إلى عسكر المسلمين لم يكن له سلبه لأنه صار أسيراً تعدى فيه بغير أمر الإمام. ولو صرعه بين الصفين فله سلبه. ولو جاء به إلى الإمام فأمر بقتله لم يكن له سلبه. ولو أسلم حين صرعه بين الصفين حرم معه، وليس له سلبه ويصير فيئاً إن كان قاهراً له. وكذلك لو أسلم بعدما جاء به إلى صف المسلمين أو عسكرهم. ولو جره بدابته بوهق إلى غسكر المسلمين أو صفهم فقتله فليس له سلبه إذ صيره بذلك مستأسراً غير ممتنع. ولو كان بعد أن أتى صف المسلمين غير ممتنع فقاتل غير مستسلم فله سلبه إذا قتله. وكذلك فى العسكر لن قتاله عند إلااس أشد. وكذلك الذى يحمل فيدخل العسكر وهو يقاتل حتى قتل فقتاله سلبه، إلا أن يقتله بعد أن يلقى بيده ويطرح سلاحه ويستأسر فلا شىء له. ولو جرحه رجل ثم جرحه آخر وليسا بجراح مقتل فمات فسلبه بينهما. وإذا قال الأمير عند اللقاء من جاء برأس فله كذا فنحن نكره هذا. فإن نزل أمضيناه وكان من الخمس إذا كان اجتهاداً وتحريضاً وإن جاء رجل برأس وقال أنا قتلته، وقال آخر أنا قتلته وهذا احتز رأسه، فالذى جاء بالرأس أولى بالنفل مع يمينه ولا بينة عليه. وإن ثبت ببينة أن هذا قتله وهذا احتز رأسه فالنفل لقاتله، كما لو غلب على رأسه أو وقع فى نهر كان له السلب. وقد قال لى أيضاً، يعنى سحنون: وإن جاء بسلب وقال قتلت صاحبه فلا يأخذ السلب إلا ببينة على القتل. وكذلك إن جاء بالرأس فاختلف قوله فى الرأس. ولو شك فى الرأس أرأس مسلم هو أو مشرك، نظر إلى علأمة وسيماء يستدل بها هذا فى قوله الأول فيأخذه مع يمينه. فإن نكل فلا شىء له. وإذا أشكل فلا شىء [3/ 245]
له فى القولين. وإذا علم أنه مشرك وداعى آخر أنه قتله فأقر له الجائى به فالسلب للمقر له. ولو جاءا به وقإلا قتلناه فالنفل بينهما فى قوله الأول وإن كان بيد أحدهما، ولا شىء لهما فى قوله الآخر. ولو قال من بيده قتلته أنا وهذا، وقال الآخر بل أنا قتلته، فالسلب بينهما فى قوله الأول. وإذا كان بأيديهما كل واحد يقول أنا قتلته، ففى قوله الأول يحلفإن والسلب بينهما. ومن نكل فهو لمن حلف. وإن نكل فلا شىء لهما. ولو رأى قوم رجلاً يحز رأساً فقال هو أنا قتلته وحلف فالنفل له فى قوله الأول. ولو رأوه جاء من موضع بعيد لا يقتله من مثله فاحتز رأسه فلا شىء له فى القولين. قال: ولو قال الإمام بعد هزيمة العدو من جاء برأس فله كذا، فأخذوا يقتلون يأتون بالرؤوس، فقال الإمام إنما عنيت رؤوس السبى فإنما يحمل هذا على رؤوس الرجال. فإن كان بعد الهزيمة حتى جىء ببينة، أو يكون شىء قد عرفه أهل الثغور بينهم، أو كان الغالب عندهم فيعمل عليه، ثم لا يقبل قول الإمام أنه عنى غير ذلك. وكذلك لو أنهزموا ولا تؤمن كرهتهم. ولو تفرق المشركون وكف المسلمون عن القتال، كان محمل قول الإمام من جاء برأس فله نصفه أو رأس من رأسين فقد أخطأ، ولكن أمضيه إن جرى على الإجتهاد، ويكون هذا على السبى دون رؤوس الرجال. ولو أن بطريقاً عرف بالنكاية فقتل، فرأى الإمام أن ظهور رأسه ونصبه للناس فيه وهن للعدو وتثبت للمسلمين فقال: من جاء برأسه فله من الخمس كذا، فإن كان رأسه فى موضع لا يوصل إليه إلا بقتال فقاتل رجل حتى جاء به، أو كان بموضع يخاف ان يقاتل عليه، فإنا نكره هذا شديداً أن يغرر بنفسه فى هذا، ولكن إذا جاء به فله النفل. ولو كان موضع مأمون فجاء به فله النفل. وكذلك لو عرفه بين القتلى فحز رأسه فجاء به، وهذا كالعجل. [3/ 246]
في الأمير ينفل، ثم يعزل أو يموت، أو يموت أحد ممن نفل، أو يلحق بالعسكر قوم أسلموا
وإذا قتلنا الخوارج مع قوم من أهل الحرباستعانوا بهم علينا، فقال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه، فإن من قتل خارجياً فليس له سلبه وله سلب الحربى. ولو أن سلاح الخارجى ودابته عارية من حربى، فذلك لقاتله إن ثبت ذلك. ولو كان القتيل حربياً استعار ذلك من خارجى فلا شىء فيه لقاتله ويأخذه الخارجى. ولو دخل جربيون بأمان عسكر الخوارج فاستعاروا منهم سلاحاً قاتلونا به لم يكن فيئاً إن ظفرنا بهم. ولو أخذوه منهم غضباً بعد أن دخلوا عندهم لم يكن للقاتل هذا السلب لأنه مال مستأمن، ولا يقسم ويوقف لأهل. وإن خاف عليه الإمام ضيعه باعه وأوقف ثمنه. وإن مات الخوارج أو هزموا فليرد هذا السلاح إلى الحربيين ويتركهم يذهبون به إلى دار الحرب إذا لم يكن اشتروه من بلد الإسلام. فى الأمير ينفل ثم يعزل أو يموت أو يموت أحد ممن نفل أو يلحق بالعسكر قوم أسلموا من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام قبل الغنيمة على غير قولنا ثم مات بعد الغنيمة أو عزل لم ينقص ما فعل، وإن لم يقسم وثبت على هذا بعد أن قال يرد ما لم يقبضوه. وإذا نفل سريةً الربع بعد الخمس ثم قدم عليه وال غيره فذلك قائم للسرية حتى يلحقوا بالعسكر، ثم يبطل عنهم تنفيل الأول إلا أن يجدد لهم الثانى نفلاً. ولو مات أميرهم واستحلف غيره عليهم فالأمر قائم لأن هذا خليفته إلا أن بنهى المستخلف عنه. وإن كان باعث الأولى قال فإن مات فلأن ففلأن بعده، فأنه يزول سبب النفل بموته حتى يأتنف الثانى نفلاً. [3/ 247]
في الغنيمة فيها شرط نفل هل يقتل منها الأسارى، وكيف إن استهلك أحد من تلك الغنيمة شيئا
ومن مات من أهل السرية قبل القسم وبعد الغنيمة أو قبل فتح الحصن ثم فتح فى ذلك القتال فحقه فى النفل والمغنم لورثته. ومن مات ممن فى العسكر دون السرية فحقه فى غنيمة السرية موروث. وإذا قال أمير العسكر: من قتل قتيلاً فله سلبه فلحق بالعسكر قوم أسلموا من العدو، فإن من قتل منهم قتيلاً فله سلبه. ولو كان قال من قتل منكم قتيلاً فله سلبه لم يدخل فى ذلك هؤلاء ولا من لحقهم من أهلسوق العسكر ولا جند جاء من بلد الإسلام، لكن الذين كانوا يقاتلون ذلك اليوم لأنه خصهم بقوله منكم، ولا يدخل أهل العهد ومن استأمن فيما ذكرنا من شرط إلاسلاب. وإذا نفل أمير الجيش من قتل قتيلاً ثم عزل الإمام أمير الجيش الأول وولى ثانياً جعله أمير الجيشين بطل ما جعل الأول م النفل فى المستقبل من يوم قدوم الثانى. فى الغنيمة فيها شرط نفل هل يقتل منها الأسارى وكيف إن استهلك أحد من تلك الغنيمة شيئاً قال سحنون: وإذا نفل الإمام سريةً الربع فأراد قتل الرجال، فقال أهل السرية لنا فيهم نفل، فلا قول لهم فيهم فى نفل ولا مغنم لأن الحكم قتل الرجال، والغنيمة ما بقى وفيه النفل، ما لم يستحيهم الإمام أو يقع فيهم قسم. وإذا جاءت سرية بما غنمت ولهم نفل، فاستهلك رجل من أهل العسكر بعضها فهو ضأمن لأهل النفل ولأهل الغنيمة. قال محمد وقال العراقيون: لا يضمن إلا النفل، إلا من قتل من الرجال فلا يضمنه. [3/ 248]
في السرية ينفلها أمير الجيش أو أمير السرية، وهل ينفل بعض السرية، والسرية تنقطع عن الجيش
قال سحنون: إما بعد أن استحياه الإمام فأنه يضمنهز وإما الطعام وغيره من المأكول والعسل وشبهه يأكله فلا يضمنه لأنه مباح أكله ولو حتى أتى عليه فى أرض الحرب فلا ضمان فيه. وإما إن أحرزه الإمام فى المقاسم ونقله إلى دار الإسلام فإن من أكل منه بعد هذا فأنه يضمن. قال: وللتجار وإلاجراء فى العسكر إلاكل مما فى العسكر من الطعام ولا يضمنون فى نفل ولا غيره. فى السرية ينفلها أمير الجيش أو أمير السرية وهل ينفل بعض السرية؟ والسرية تنقطع عن الجيش من كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا يجوز نفل أمير السرية. وكذلك لو خرج أمير الجيش فى سرية وترك ضعفاء العسكر فأمر عليهم أميراً فقاتلوا بعض الروم فنفلهم أميرهم فلا نفل لهم. وإذا بعث أمير الجيش سريةً فنفلهم جزءاً بعد الخمس، فلما بعدوا عن الجيش بعث أمير السرية بعضها سريةً ونفلهم أقل من ذلك أو أكثر، ثم رجع الجميع إلى العسكر، فإن نفل أمير الجيش جائز ونفل أمير السرية باطل إلا أن يرضى به بقية أهل السرية فيجوز من نفلهم وسهامهم من تلك الغنيمة. وإذا انقطعت عن العسكر أياما حتى لا يكون لها فيه رد ثم سرت سرية منهم فغنموا، ورجع الجميع إلى أرض الإسلام ولم يروا العسكر، فأنه يبطل نفل السرية الأولى لأنقطاعهم عن العسكر، فبطلت إمارته عليهم وحقه فيهم، وبطل نفل السرية الثانية لأنها بنفل أمير السرية، إلا أ، يرضى لهم أهل السرية الأولى بذلك. ولا يجوز لأمير أن ينفل بعض السرية دون بعض، والعناءوالعمل واحد. وكذلك لو كان منهم أصحاب مجانيق وقوم يحفرون الحصن فلا ينفلهم، وإنما ينفل مثل هؤلاء من الخمس. [3/ 249]
في الحكم في النفل والغنيمة في دخول عسكر على عسكر وسرية على سرية، أو يرجع الأمير على ما نفل
قال سحنون: فإن نفلهم من غير الخمس أنفذ لاختلاف الناس فيه. وكذلك إن فضل الفارس على الراجل أو الراجل على الفارس أو أهلخيل أفرة من خيل على قدر الجزاء. وهذا كله يجيزه غيرنا. فى الحكم فى النفل والغنيمة فى دخول عسكر على عسكر وسرية على سرية أو يرجع الأمير على ما نفل قال سحنون: وإذا بعث أمير الجيش سريةً ونفلهم الربع بعد الخمس، يريد: على قول غيرنا، فأبعدت أياما عن العسكر فغنمت، ثم لقيها عسكر ثان آخرجه الخليفة فى جهة آخرى، فإن كان انقطاع السرية عن عسكرها لا يرجو منه رداء وكانت ضعيفةً عن النفوذ بما غنمت، فالعسكر الثانى شركاؤهم فى النفل والغنيمة. فما صار لهم من نفل أخذوه وما صار لهم من المغنم ضموه إلى العسكر الأول واقسموه. وإن كانت السرية قويةً على التخلص، لم يشركهم العسكر الثانى فى نفل ولا سهأم ولهم نفلهم، وما بقى بينهم وبين عسكرهم بعد الخمس. وكذلك لو نفذت مع العسكر الثانى إلى بلد الإسلام لم يرجعوا إلى العسكر الأول، وهى قوية على التخلص، هذا إن لم يحل بينها ويبن العسكر بغلبة. وإن كانت تضعف عن التخلص بما غنمت فليشركها العسكر الثانى فى النفل، ثم يكون ما بقى بعد الخمس بينها وبين العسكرين. وإن كانت مغلوبةً عن النفوذ إلى عسكرها فقد أعلمتك بقول ابن القاسم وبقولى. [3/ 250]
قال ابن القاسم: لا يقطع حظ عسكرهم مما غنموا كان خروجها باضطرار أو اختيار، ولهم نفلهم. ولو شاركهم العسكر الثانى فى القتال حتى غنموا ورجعوا إلى عسكرهم قسم ما غنموا بينهم وبين العسكر الثانى بلا نفل. فما صار للسرية أخذوا منه نفلهم وقسم ما بقى بينهم وبين عسكرهم بعد رفع الخمس أولاً على سهأم الغنيمة. وكذلك لو تمادوا مع الثانى إلى الإسلام عن غير ضرورة ولو يرجعوا إلى عسكرهم، وللسرية حقها فى غنائم عسكرها قبل خروجهم إلى أرض الإسلام، ولا شىء لهم فيما بعد ذلك فى قول ابن القاسم وقولى. وإذا نفل الأمير سريةً الربع فغنموا، ثم غلبهم عليها الكفار، فأتى جيش آخر فاستنقذوا ذلك من أيديهم وأتوا به بلد الإسلام، فإن كانت السرية الأولى أهلقوة ومنعة أو كانت أهلصائفة، فلهم أخذ ذلك ممن غنمه، ما لم يقسم فيكون لهم أخذ ذلك بالثمن، وكذلك فى النفل. ولا تدخل السرية الثانية على الأولى إذا كانت قويةً ولا على الصائفة والجيش فى النفل ولا فيما غنموا قبل هؤلاء. وإن لم تكن الأولى قويةً مأمونةً ولا كثيفةً، فلا شىء لهم فيه، قسم أو لم يقسم، ولا حق لهم فى النفل. وإذا غنمت سرية غنيمةً وليس بكثيفة والخوف عليها أغلب، ثم أتت سرية آخرى فعززتها حتى خلصت من دار الحرب، فأنهم يشاركونهم فى تلك الغنيمة وفى النفل منها، وليست كالصائفة تبعث سريةً على نفل فتغنم وتأتى، فيكون لسرية الصائفة نفلهم وإن كان لهم القوة بالصائفة، لأن الصائفة شركاء فى غنيمة السرية من أول، والسرية بعد السرية إنما حدثت الشركة لهم بتعزيزهم إياهم. قال سحنون: وإن بعث الأمير سريةً على نفل بعد الخمس ثم أتبعها بآخرى وأشركهم فى نفلهم فوجدوا الأولى قد غنمت، فإن كانت تضعف عن [3/ 251]
في الأمير ينفل جميع الغنيمة أو يقول: من أصاب شيئا فهو له، والمنفول يعتق بعض عبد، وكيف إن كان في النفل من يعتق عليه
النفوذ لولا الثانية فالنفل بينهما. وإن كانت تقوى لم تدخل معها فى ذلك النفل فيما غنموه قبل مجيئهم. ولو كانت السرية الأولى والثانية خيل ورجل وقال لهم أنتم شركاؤهم بالسوية، فاجتمعت السريتان فغنمتا فالنفل بينهم كما قال، ذكروا ذلك للأولى أو لأميرهم أو لم يذكروه. ولو قال للثانية لكم ثلثا النفل أجمع ولم يخبروا بذلك الأولى، فلا يقسم النفل بين السريتين إلا بالسواء، وهذا لا يمضى من فعل الإمام. ولو قال للثانية لكم النفل كله فذلك باطل، أعلمهم بذلك أو لم يعلمهم. قال: ولو نفل سريةً الربع بعد الخمس، فلما فصلت أشهد أنه قد أبطل ذلك لما رآه من النظر، فإبطاله ولذلك نافذ حسن إلا أن يكون إبطاله لذلك بعد أن غنمت فلا يجوز إبطاله وذلك نافذ لهم. وكذلك لو قال لرجل إن قتلت هذا العلج فلك سلبه ثم أبطل ذلك، فغنما فعل إلا أن يبطله بعد ما قتله، فإن له سلبه لأن مثل هذا من النفل نكرهه. فى الأمير ينفل جميع الغنيمة أو يقول من أصاب شيئاً فهو له والمنفول يعتق بعض عبد وكيف إن كان فى النفل من يعتق عليه من كتاب ابن سحنون وإذا قال أمير الجيش للسرية: ما غنمتم فلكم بلا خمس فهذا لم يمض عليه السلف، فلا يجوز وإن كان فيه اختلاف، فإنى أبطله لأنه كقول شإذ حكم به فهو رد. قال محمد: إلا أن يكون مضى فى هذا من صدر الأمة من الإختلاف مثل ما مضى فى نفل جزء بعد الخمس فليمض، ثم يكون سبيله سبيل النفل يسأوى فيه بين الفارس والراجل. [3/ 252]
في النفل هل يكون لأهل الذمة أو لامرأة، وفي الأمير ينفل لا يعلم بذلك بعض الجيش
فإن كان فيه ذو رحم من أحدهم يعتق عليه، ففى قول سحنون يعتق عليه ولا يعتق فى قول ابن القاسم وأشهب. وكذلك من أعتق منهم بعض الرجل أو نصيبه من الرقيق لم يعتق فى قولهما ويعتق فى قول سحنون. وللإمام أن يقتل الرجال منهم ولا قول لأهل السرية فيهم. قال سحنون وكذلك لو قال من أصاب منكم شيئاً فهو له لم ينظر إلى هذا وقسم ذلك بين جميع أهل السرية بعد الخمس وفرق أهل العراق فى ذلك بين الطليعة مثل إلاثنين والثلاثة وبين السرية فى عتق القرابة وعتق من أعتق منهم نصيبه، ولا فرق عندنا بين ذلك. قال سحنون: وإن أعتقت الطليعة، وهم رجل أو رجلان أوثلاثة، ما غنموا من الرقيق أو بعضهم بدار الحرب ثم لقيهم جيش خرجوا معه إلى أرض الإسلام فإن العتق موقوف. فإن كان لا نجاة لهم إلا بهذا الجيش شركهم الجيش فى الغنيمة وقوم على المعتقين أنصباءهم. إلا ترى لو أعتقوا ما غنموا وهم بهذا الضعف ثم أخذهم العدو منهم ثم غنموا بعد ذلك أنهم رقيق لأن ذلك العتق فيه ضعف إذ لم يقو ملكهم لهم. فى النفل هل يكون لأهل الذمة أو لامرأة وفى الأمير ينفل ولا يعلم بذلك بعض الجيش قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال الإمام بعد أن برد القتال أو قبل القتال: من قتل قتيلاً فله سلبه فلا شىء من السلب للذمى وإن ولى القتال، إلا أن يقضى له به الإمام وينفذه له فلا يتعقب برد، لأن أهل الشام يرون ذلك للذمى. وكذلك لو قتلته امرأة فلا شىء لها إلا أن يحكم بذلك لها فيمضى. وأشهب يرى أن يرضخ لأهل الذمة، ففى قياس قوله له السلب من الخمس لأنه نفل، ونحن نقول كما لا حظ له فى الغنيمة فكذلك النفل. ولو قال: من قتل كافراً من المسلمين فله سلبه فقتله ذمى شىء له بإجماعهم للشرط. وكذلك لو قال من قتل حراً. وإن قتل قتيلاً فله سلبه أو له كذا فسمع ذلك بعض الناس دون بعض، فالسلب للقاتل وإن لم [3/ 253]
في الإمام يقول: من قتل قتيلا فله فرسه، أو قال: فرسا، وكان تحت المقتول برذون أو حمار أو بعير أو نحوه، وكيف إن قال: من قاتل على فرس فله كذا، فقاتل على برذون
يكن سمع وإن كنا نكره هذه إلانفال، ولكن نمضيها إذا وقعت. وكذلك لو جعل للسرية نفلاً فهو كذلك وإن لم يعلم ذلك جميعهم. وإن لم يسمع ذلك أحد منهم فلا شىء للقاتل منهم فى هذا. وكذلك لو دخل عسكر ثان لم يسمعوا ما جعل للأول فلهم مثل ما للأول إذا كان أمير العسكرين واحداً، كما يشركون فيما يغنمون فى المستقبل، ولا يدخلوا فيما مضى إلا أن يكون الأول يضعف عن النجاة لولا الثانى فأنهم يشتركون فيما مضى أيضاً. فى الإمام يقول من قتل قتيلاً فله فرسه أو قال فرساً وكان تحت المقتول برذون أو حمار أو بعير أو نحوه وكيف إن قال من قاتل على فرس فله كذا فقاتل على برذون من كتاب ابن سحنون وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله فرسه فقتل رجل علجاً راجلاً وله فرس مع غلأمه، فلا يكون له فرسه حتى يكون معه يقوده. ولو كان معه إلا أنه فرس أنثى أو برذون ذكر أو أنثى فهو للقاتل. وإن كان بغلاً أو حماراً فلا شىء له فيه. ولو قال الإمام من (قتل قتيلاً فله فرس، فقتل راجلاً أو فارساً فله فرس من الخمس وسط ولا يعطى برذوناً. وهذا كله نكرهه. وإن قال من) قاتل موضعاً كذا على فرسه، أو من نزل عن فرسه فقاتل فله كذا، فالنفل لمن فعل ما قال، كان تحت برذون أو فرس. وإن قال: من قتل قتيلاً فله برذون فأنه يكون له كان ذكراً أو أنثى. فإن كان فرساً لم يكن له كان ذكراً أو أنثى. وإن قال: من قتل قتيلاً فله دابته فأنه يكون له كان فرساً أو برذوناً ذكراً أو أنثى. وإن كان على بعير أو بغل أو حمار أو ثور لم يكن له إلا أن يكون قوم لا مراكب لهم إلا ما ذكرت فذلك له. [3/ 254]
في الحكم فيما يوجد في الغنيمة من مال مسلم أو ذمي، وكيف إن كان عبدا فبيع أو أسر ثانية ثم غنم، أو كان جنى جناية أو كان مرهونا
وإن قال: من قتل قتيلاً على بغل فهو له فكانت بغلة فهى له. ولو شرط على بغلة لم تكن له إن كان بغل. وإن قال على حمار فكان أتان فهى له. ولو قال على أتان أو على حمارة فكان على حمار ذكر لم يكن له. وكذلك يفترق فى البعير والناقة فذكره للناقة يمنع من أخذ الذكر. وإن قال من قتل فارساً فله دابته فقتل من تحته بغل أو حمار أو بعير فلا شىء له. وإن كان تحته فرس أو برذون ذكر أو أنثى فهو له. فى الحكم فيما يوجد فى الغنيمة من مال مسلم أو ذمى وكيف إن كان عبداً فبيع أو أسر ثانيةً ثم غنم أو كان جنى جناية أو كان مرهوناً من كتاب ابن حبيب وغيره: قال النبى صلى الله عليه وسلم للذى وجد بعيره فى المغانم: إن وجدته فى المغنم فخذه وإن قسم فإنت أحق به بالثمن. قال فى كتاب ابن المواز: رواه ابن عباس. قال ابن حبيب: ولو قسم وبيع وتدأولته إلأملاك بالبيع فلربه أخذه إن شاء بأقل إلاثمان كالشفعة يأخذها بأى ثمن شاء. قاله من أرضى وبه أقول. وقال غيره من أصحاب مالك: ليس له أخذه إلا بالثمن الأول، واختلف فيه قول ابن القاسم فقال بهذا وبهذا. واختلف إن كان عبداً فى عتق فاديه من العدو والموهوب له أو عتق مشتريه، فأشهب ينقض العتق ويأخذه ربه، وابن القاسم يرى ذلك فوتاً وفى إيلاد الأمة. ولا شىء لربه عليه إلا أن يكون وهبه له العدو، فيؤدى القيمة إلى السيد. وإن كان مشترياً ممن ذكرنا فلا شىء عليه، ويرجع ربه بالثمن كله على بائعه. وإن كان بائعه مشترياً من العدو ومفدياص قاصه به فى ذلك كله ورجع عليه بفضل إن بقى له، وقال كله أصبغ. وبه قال ابن حبيب. وذكر ابن سحنون عن أبيه: إذا تدأوله إلأملاك أخذه بأى ثمن شاء، ثم رجع فقال: يأخذه بما وقع به فى المقاسم بخلاف الشفعة: إذ لو سلم الشفعة [3/ 255]
فى بيع ثم بيع الشقص كان للشفيع فيه الشفعة. وهذا إذا أسلمه لم يكن له أخذه إن بيع بعد ذلك، وهو قول ابن القاسم. وكذلك رواه عنه سحنون فى العتبية واحتج بهذا. وإذا أراد ربه أخذه بالثمن جبر مشتريه على تسليمه إليه. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا عرف ربه فلا يقسم. فإن بيع بعد ذلك فى المقاسم فقد أخطأ، ولربه أخذه بلا ثمن. قال مالك: وإما إن عرف أنه للمسلمين ولا يعرف ربه فأنه يقسم، ثم يكون ربه إن جاء أحق به بالثمن، وقاله الأوزاعى وسفيان. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا عرف أنه لمسلم ولم يعرف ربه ولم يقسم فأكره أن يشتريه أحد. قال عنه ابن وهب: إن عرف ربه واستطيع على دفعه إليه وإلا قسم. قال سحنون فى كتاب ابنه: وإذا عرف ربه بعينه أوقف له ولو كان بالصين. قيل لسحنون: وإذا عرف أن العدو أخذوه من بلد معروف من بلدان المسلمين أيوقف ويبعث إليهم يسأل لمن هو؟ قال: بل يقسم وليس يوقف حتى يعرف ربه بعينه. قال ابن المواز وإذا عرف ربه وهو غائب، فإن كان خيراً له أن يبعث إليه ويؤخذ منه الكراء والنفقة فعل ذلك به. وإن لم (يكن ذلك خيراً له باعه عليه الإمام وأوقف له الثمن، ولزمه البيع لأنه بيع على النظر. وإن لم) يعرف ربه بعينه بيع فى المقاسم ولم يكن لربه أخذه إلا بالثمن. وإذا عرف ربه ويقدر على إيصاله إليه مثل العبد والسيف وما لا مؤنة كثيرة فيه فباعوه فى المقاسم بعد المعرفة بربه فلربه إن جاء أخذه بلا ثمن. وإذا عرف أنه لرجل غصب منه ولا يعرف بعينه فهذا يباع ويقسم ثمنه. وقال مالك فى هذا: ما سمعت فيه بشىء. [3/ 256]
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وقع عبد فى المغانم وقد عرف ربه بعينه، فجهل الإمام فوضعه فى المقاسم أو تأول أو تعمد. قيل له: فروى عن ابن القاسم أن لسيده أخذه بلا ثمن، ويرجع المشترى على المغانم إن أدركها فقال سحنون: ليس له فيه شىء إلا أن يؤدى ما وقع به، وهى قضية من الحاكم وافقت اختلافاً من الناس، فقد قال الأوزاعى: أنه يقسم وإن عرف ربه ولا يأخذه إلا بالثمن. ومن العتبية رواية سحنون عن ابن القاسم: ولو سبى بعد ثانيةً بعد أن تدأولته أملاك، فليس لأحد فيه مقال إلا للذى سبى منه أولا وللذى سبى منه آخراً، إلا أن المسبى منه آخراً أحق به من الأول إذا دفع إلى من هو بيده ما وقع به فى المقاسم. فإن أخذه فربه الأول مخير: إن شاء أخذه بما وقع به فى المقسم الثانى لا بما وقع به فى الأول، لأنه جاء ملك ثان أملك به. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبداً من المغنم بمائة ولم يعرف ربه، ثم سبى ثانيةً فاشتراه رجل بخمسين ثم قأم ربه، فأنه يقال له: أدفع مائةً للأول وخمسين للثانى وخذه. فإن أبى فلا سبيل له إليه، ثم إن شاء الأول فداه من الثانى بخمسين وكان له. فإن أسلمه إليه الأول فلربه الأول أن يعطيه خمسين ويأخذه. ولو أن مشتريه بالمائة فداه بخمسين من الثانى فلا يأخذه ربه حتى يعطيه خمسين ومائة. ولو كان قد جبى قبل الأسر جنايةً وغصب دابةً ثم بيع فى المقاسم قفيم فى ذلك، فأنه يقال لربه: إن شئت فافده بما بيع به فى الفىء وبما فى رقبته من جناية وإلا فأسلمه. فإن أسلمه بدى بمبتاعه من المغنم فقيل له: آفده وإلا فأسلمه إلى الرجلين يكون بينهما بالحصاص. [3/ 257]
قال ابن المواز: وقيل إذا أسلمه ربه بدى بولى المقتول ورب الدابة فقيل لهما: افدياه بما بيع به فى المغنم فكان بينهما بالحصص، وليس لأحدهما فداء قدر (مصابته فينتقص على مبتاعه. وإن فداه أحدهما كله بعد إسلأم) صاحبه إياه فذلك له ويكون له وحده. وإن فداه بغير علم صاحبه فلصاحبه أن يشاركه فيه إن أعطاه حصته مما فداه به. وإن لم يعترفه ربه حتى فدياه، ثم اعترفه ربه، فإن لربه أن يفديه من هذين بما فدياه به من مشتريه وبدية المقتول وقيمة الدابة. وإن شاء فداءه ممن شاء منهما بما صارت له تلك المصابة لحقته جميعاً، وسواء كان مشرياً من المغنم أو من العدو. ومن كتاب ابن سحنون: قال أشهب: ولو ابتاعه الأول من المغنم بمائة، ثم ابتاعه الثانى بخمسين فى المغنم الثانى، ثم سبى ثالثةً فغنم فابتاعه آخر بعشرة، ثم قأم ربه والآخران، فلربه إن شاء فداؤه بأكثر إلاثمان وهو مائة، فيدفع منها عشرةً للثالث وخمسين للثانى وأربعين للأول. ولو كان البيع الأول بعشرة والثانى بخمسين والثالث بمائة، فليأخذ الثالث المائة ولا شىء لمن قبله. ولو أسلمه المستحق الأول كان الثالث أحق به. ولو كانت أم ولد لكان عليه إلاقل من قيمتها أو من أكثر إلاثمان المذكورة. وفى باب أم الولد تقع فى المقاسم قول بعض المدنيين فى الأمة إذا كان الثالث أقلهم ثمناً، وهو خمسون إن الثانى مبدأ على ربها. فإن فداها منه بخمسين فللأول أن يفديها من الثانى بالمائة التى ودى، ثم لربها أخذها من الأول بما فداها به من العدو وهو مائتان. فإن أسلموها أخذها ربها من الثالث بخمسين. قا ل سحنون فى العبد المإذون له يركبه الدين ويجنى جنايةً، ثم يأسره العدو فيغنم ويقع فى سهم رجل: فلربه إن قأم أن يفديه بإلاكثر مما وقع به فى المقاسم [3/ 258]
أو من أرش الجناية. فإن كان إلارش عشرين وثمنه فى المقاسم عشرةً، أخذ من صار له عشرةً وصاحب الجناية عشرةً. وإن كان إلارش عشرةً أخذ من هو بيده العشرين ولا شىء لصاحب الجناية، ثمل ما لو سبى فغنم فابتاعه رجل، ثم سبى ثانيةً وغنم لفداه ربه بإلاكثر كما ذكرنا، هذا قول سحنون وتقدم لابن القاسم جواب غير هذا. قال يحيى بن يحيى: إذا وقع العبد الذى أخذه العدو لمسلم وقع فى سهمان رجل ثم سبى ثانيةً فغنم، (فللذى كان وقع فى سهمه أخذه بغير شىء ما لم يقسم، فيكون لربه الأول أخذه ويعطى لهذا قيمته). قال سحنون: إن أراد قيمته التى وقع بها فى المقاسم فصواب. وإلا فعليه ما وقع به فى المقاسم. قال يحيى: فإن قسم ثانيةً فإن مولاه الذى وقع فى سهمه أحق به بالقيمة إن شاء، ثم لمولاه الأول أخذه من هذا بالقيمة إن شاء. قوال سحنون: ليس كذلك إنما يفديه ربه بإلاكثر مما وقع به فى المرتين. فإن كان وقع فى المغنم الثانى بأكثر أخذ الجميع ولا شىء لصاحب السهمان الأول. وإن كان ما فى الأول أكثر فداه من الثانى بما وقع عليه، وما بقى فللأول. قال يحيى: ولو تقدم فى رقبته جناية خطأ ودين فى ذمته لم يلحقه شىء من ذلك وإن كانت الجناية عمداً لم تبطل. قال سحنون: ليس كما قال، وقد تقدم قولى لك فى الجناية، وقد ناقض فى قوله: إن كانت عمداً أو كانت خطأ. وإما الدين فلا يسقط وهو فى ذمته. قال يحيى: وإن أصاب العدو لمسلم دنانير أو دراهم أو تبر ذهب أو [3/ 259]
فضة، ثم غنم فعرف قبل القسم، فربه أحق به ما لم يقسم. فإن قسم فلا سبيل له إليه لأنه إنما يعطى مثله. قال سحنون: هذا صواب. قال سحنون: وإن وقع العبد الرهن فى الغنيمة فللمرتهن أخذه قبل يقسم ويبقى بيده رهناً. فإن قسم فللراهن فداؤه بما وقع ويأخذه المرتهن رهناً. وإن أسلمه فللمرتهن فداؤه بما وقع به ثم يباع فى ذلك مكأنه، حل أجل الدين أو لم يحل قيأخذ من ثمنه ما فداه به. فإن فضل شىء قبضه فى دينه. وإن أسلمه المرتهن رجع بدينه على الراهن. وابن القاسم يقول: لا يباع حتى يحل الدين، ولا أقول به وهذه المسألة مثل مسألة العبد الرهن يجنى. قال ابن سحنون: وما غنم من متاع المسلمين مما كان بأيدى العدو فباعه الإمام فلم يقسم الثمن بين الجيش حتى استحق، قال يأخذه أهله ويرجع المبتاع على الإمام بالثمن، وإنما يؤخذ بالثمن إذا قسم. قال أصبغ فى العتبية فى العبد يهرب من المغنم ثم يسبى فى جيش آخر وهو مغنم للجيش الأول لا شىء فيه للثانى، ولا يخمس مرتين إلا أن ينفلت بحدثان أخذه قبل استحكأم الغنيمة مثل أن ينفلت عند أخذه من رباطه أو يختفى وشبه ذلك فيكون للجيش الثانى. ومن كتاب ابن سحنون: ومن نفله الإمام فرساً فتدأولته بياعات ثم قأم ربه فله أخذه بأى ثمن شاء. وإن شاء أخذه بالقيمة من الذى أعطيه نفلاً. وقال فى عبد غنمه المسلمون ومعه أموال كسبها بأرض الحرب أو وهبت له وقد كان أقروه عندهم على الجزية أو على أنه عبد لهم، قال فمولاه أحق به وبما معه من مال. وقال الأوزاعى: إذا كسب مالا من عمل يده فربه أحق به وبماله. وعن عبد أبق لسيده المسلم فلقيه خيل المسلمين بقرب أرض الحرب فى مفاز بيننا [3/ 260]
وبينهم وأخذوه وباعوه وقسموا ثمنه، قال: ربه أحق به بلا ثمن لأنه لم يصل بعد إلى أيدى العدو، ويرجع المشترى عليهم بالثمن كإلاستحقاق. وإذا أبق العبد من الخمس ثم غنماه ثانيةً فليرد إلى الخمس، ولا خمس فيه كالمستحق. ولو أبق من المغنم رد إلى المغنم الأول وفيه خمس واحد، إلا أن يأبق قبل استحكأم الغنيمة، فيكون كما لم يؤسر كالذى ينفلت فى الأخذ أو من الرباط أو يختفى وشبهه. وإذا قسم الأسارى فابتاع رجع منهم جماعة فعجز عن بعضهم وتركهم بأرض العدو ثم غنمهم جيش آخر، فلربهم أخذهم إلا أن يقسموا قيأخذهم بالثمن. ومن اشترى أسيراً من المغنم فأعتقه، يريد: (ثم رجع إلى أرض الحرب، قال: دخلت خيل للمسلمين فأسروه فهذا لا يرجع) إلى رق، ولأنه أعتقه مسلم قاله أشهب وبه أقول. وكذلك الذمى إذا حارب ولم يتبين لى فيه قول ابن القاسم. ولو لقى العدو مسلماً، فخافهم فصالحهم على أن أعطاهم سلاحه ودابته، ثم ظفر بذلك المسلمون، فهو لهم فىء لأن الحربيين قد ملكوا ذلك. وقال أبو محمد: كأنه رأه فداءً. وقال الأوزاعى: ولو صالح العدو أهلحصن على تسليم الحصن إليهم والكراع والسلاح، فأخذوا ذلك ونفذوا به إلى بلدهم ثم غنمه المسلمون، قال: يرد إلى أهل الحصن. وقال سحنون: بل ذلك فىء لأن العدو ملكوه. قإلا: ومن أهدى إلى العدو هديةً أو باع منهم عبداً نصرانياً أو دابةً أو ابتاع منهم وقبضوا ذلك ثم غنماه فلا يرد إلى ربه وهو فىء. ومن كتاب ابن المواز وغيره: ومن قول مالك: إن من فدى أمةً من العدو فلا يطأها حتى يعرضها على ربها. [3/ 261]
فيمن اشترى أمة من المغنم أو فداها من العدو أو وهبت له، ثم أحدث فيها عتقها أو أولدها أو باعها، وهل يصدق فيما فداها به
فيمن اشترى أمةً من المغنم أو فداها من العدو أو وهبت له ثم أحدث فيها عتقها أو أولدها أو باعها وهل يصدق فيما فداها به؟ من كتاب ابن سحنون: وما أحرزه العدو من مال مسلم أو ذمى بغنيمة أو عبد أبق إليهم فغنمناه فوقع فى سهمان رجل فلا يأخذ ذلك ربه إلا بالثمن. فإن كانت أمةً فأولدها من وقعت فى سهمه أو أعتقها فقد فاتت ولا سبيل لربها إليها. قاله انب القاسم وغيره. وقال أشهب: هى كالمستحقة ويأخذها ربها ملكاً ويأخذ قيمة الولد. وقاله ابن القاسم، ثم رجع. قال ابن نافع: ولو وهبت ولم يثب عليها فربها أحق بها ويرد العتق. وإن أثاب عليها شيئاً أعطاه ما أثاب. ومن اشترى منهم أمةً وعرف أنها لمسلم لم ينبغ له وطؤها، اشتراها منهم فى بلدهم أو فى بلد الإسلام. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن كان عبداً فأعتقه مشتريه من العدو أو دبره أو كاتبه أو اتخذ الأمة أم ولد فذلك نافذ ولا سبيل لربه إليه. ولو باعه لم يرد بيعه، وكان لربه فى البيع ما فضل من ثمنه بيد مبتاعه من العدو أو من المغنم على ما ودى فيه. ولو قال إنما وهب لى فلربه أخذ جميع ما بيع وليس له نقض بيعه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا فدى أمةً من العدو وهو يعلم أنها لفلأن فليردها إليه. قال ابن القاسم: يريد بالثمن، وهو فيه مصدق إلا أن يأتى بأمر يستنكر لا يشك فى كذبه فيأخذها بالقيمة. ومن كتاب ابن حبيب: وعن أمة أبقت إلى العدو فباعوها ممن علم أنها لمسلم، فلربها أخذها بالثمن، ومشتريها مصدق فيه ما لم يأت بمستنكر فيعطى القيمة. [3/ 262]
في الفرس والسيف يوجد في المغنم وفيه مكتوب: حبس، وكيف إن باعه ربه وذلك فيه، وفي النبل يوجد في المعركة
ومن كتاب ابن سحنون: قا ل سحنون: ولو أخذ العدو عبيداً نصارى للمسلمين فصالحهم الإمام منهم على ثمن، قال: يكون ذلك لأرباب العبيد ولا يكون مغنماً. ولو أن العبيد مسلمون لم ينبغ للإمام أن يأخذ فيهم المال فإن فعل لم أر للسادة أخذه ولا أحب لأهل الجيش أن يقتسموه. وروى ابن أبى حسان عن ابن القاسم قال: وإن أخذ المشركون رقيقاً للمسلمين فصالحهم الإمام على ثمن أخذه منهم، فليس لاربابهم أخذ المال، وكأنهم وقعوا فى المقاسم فلا يأخذهم إلا بالثمن. ومن كتاب ابن حبيب: ومن وهب له العدو عبداً (فباعه فلربه أخذه من مبتاعه بلا ثمن ويرجع المبتاع بالثمن على بائعه إلا أن يكون البائع غريماً) فلا يأخذه ربه إلا بالثمن ويرجع بما غرم على بائعه، ولربه الرضى بالبيع وأخذه الثمن. قاله ابن الماجشون وغيره: وكذلك غن فات بيد المبتاع بعتق أو غيره. فى الفرس والسيف يوجد فى المغنم وفيه مكتوب: حبس وكيف إن باعه ربه وذلك فيه وفى النبل يوجد فى المعركة من العتبية: قال أصبغ فى الفرس يوجد فى المغنم فى فخذه موسوم: حبس، قال: لا يقسم ويكون حبساً فى السبيل، وقاله سحنون فى العتبية. وقال فى كتاب ابنه: لا يمنعه ذلك من أن يقسم لأن الرجل قد يوسم فى فخذ دابته: حبس فى سبيل الله ليمنعه ممن يريده منه قال: ولو أن رجلاً باع فرسه وفى فخذه حبس فى سبيل الله فذلك له إذا زعم أنه لم يرد به الحبس فى السبيل. [3/ 263]
في أم الولد تقع في المقاسم فتشتري أو تفدي من العدو
قال ابن سحنون: واختلف فيه قول الأوزاعى، فقال مرة: أحب إلى أن يحمل عليه الإمام رجلاً فيكون بيده حبساً. وروى عنه أنه يقسم. وقاله سفيان: ما لم يأت صاحبه فله أخذه بالثمن. قال الأوزاعى وسحنون: ولو وجدوا سيفاً فيه مكتوب: حبس، لم يمنعه ذلك من المقاسم. قال الأوزاعى: وليس هو كالفرس. قال سحنون: وكذلك لو لم يكن فى فخذ الفرس إلا: الله، فهو حبس إذا استيقن أنه من خيال الإسلام، كالسبى يستحق قبل القسم. ومن كتاب ابن حبيب: وذكر ابن حبيب أن الأوزاعى قال فى الفرس الذى فيه مكتوب حبس ولا يعرف صاحبه: يكون حبساً يوقفه الإمام فى سبيل الله. قال ابن حبيب: فيكون كما لو جاء صاحبه. قال الأوزاعى: وإذا رموا العدو بالنبل ثم انكشفوا، فما أصيب مما العدو عليه أغلب، فمن عرف سهمه أو رمحه أخذه. وما لم يعرف وضع فى المقاسم. ومن عرف رمحه أو سهمه فأخذه فلا يجوز له بيعه لأن رميه به يصير به كالحبس حين آخرجه من يده. وما وجد مما المسلمون عليه أغلب فهو كاللقطة يعرف به. فإن لم يعرف تصدق به. فى أم الولد تقع فى المقاسم فتشترى أو تفدى من العدو من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن ابن شهاب فى أم الولد تعرف فى المقاسم، يريد بعد أن قسمت، فليأخذها ربها بالقيمة. ولو عتقت لم تؤخذ فيها فدية. وقال مالك فى الموطأ: إذا وقعت فى المقاسم فليفدها الإمام لسيدها. فإن لم يفعل فعلى سيدها فداؤها. وروى عنه ابن القاسم أن عليه ثمنها الذى أخذها به، كان أكثر من القيمة أو أقل. فإن لم يكن معه ذلك اتبع به. [3/ 264]
وقال المغيرة وعبد الملك فى كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: عليه إلاقل من الثمن أو القيمة، وقال سحنون وابن المواز بقول مالك. وفى كتاب ابن حبيب: بإلاقل مثل الجناية، ذكره عن عبد الملك وغيره، ويتبع به فى عدمه. قال ابن حبيب: وإن فداها رجل من العدو فقال مالك: يأخذها سيدها ويتبعه بما فداها به قل أو كثر. وقال المغيرة: يتبعه بإلاقل كالجناية. ومن كتاب ابن المواز قال: يرجع الذى اشتراها على سيدها بما اشتراها به من العدو أو من المغنم. وإن أخذها بسهمه فليرجع بقيمتها. وليس لواحد منهما أن يأبى ذلك، ويتبع السيد بذلك عى عدمه. وهذا كله قول مالك وابن القاسم وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك: على السيد إلاقل من قيمتها أو الثمن، اشتراها من العدو أو من المغنم. قال عبد الملك: وسيدها أحق بما فى يدها من غرمائه. قال محمد: وقول مالك أحب إلى أن عليه الثمن ما بلغ، وقاله ابن القاسم وابن وهب وأصبغ. ولم يختلفوا فى العبد أن يؤخذ فيه الثمن. قال أشهب: وإن كان مائة ألف. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا عرف أنها أ/ولد فلا تدخل فى المقاسم. قال ابن سحنون وقال سفيان: ولو قسمت كان لربها أخذها بلا ثمن. وليس هذا قولنا. قال سحنون: ولو صارت فى سهم رجل بمائتى دينار ثم تسبى ثانيةً فتغنم فتصير فى سهم آخر بمائة ثم تسبى فتغنم فتصير فى سهم آخر بخمسين، فسيدها أولى بها يأخذها بإلاكثر وهو مائتان يأخذ منها من هى فى يديه خمسين والذى قبله مائةً، وما بقى فلللأول وهو ثالثهم الذى وقعت فى سهمه. ولو صارت فى سهمه بخمسين والثانى بمائة والثالث بمائتين، أخذها من الثالث بمائتين وسقط الأولأن. [3/ 265]
ولو كانت أمةً غير أم ولد، فالذى فداها آخراً أحق بها، وللثانى فداؤها منه بها، ثم كان للأول أن يفديها بمائة دون سيدها، ثم لسيدها فداؤها من هذا وهو الأول بمائتين فقط. ولو أسلمها الأولأن إلى الثالث فلربها فداؤها منه بخمسين فرجع، يعنى فيما أظن سحنون، عن ما قال فى الأمة وقال حكمها حكم أم الولد. قال سحنون: وإذا أعتقها من صارت فى سهمه وهو يعلم أنها أم ولد لمسلم فكأنه وضع المال عن سيدها، ولسيدها أخذها منه بلا ثمن ويبطل العتق. ولو لم يعلم فعلى سيدها غرم ما فداها به ويبطل العتق. ولو أولدها لأخذها بالثمن ورجع بقيمة ولد أم ولد. قال سحنون: ولو مات سيدها قبل يعلم بها فأنها حرة ولا يرجع على أم الولد بشىء ولا فى تركه سيدها. قيل: فلم قلت فى الجناية إذا مات السيد ولم يفدها أنها تتبع؟ قال: لأن هذا فعلها وليس لها فى الأول فعل. ولو ماتت بيد من صارت بيده لم يتبع سيدها بشىء، وكذلك فى الجناية. قال: ولو وطىء أمةً ثم أخذها العدو فغنمت ومعها ولد فقالت هو من وطء سيدى، فإن لم يدع السيد استبراء وثبت أنها ولدته، وربما تبين لى أن الوطء إذا ثبت صدقت الأمة فى الولد، قال: ويأخذها سيدها وولدها. ولو قسمت جبر على افتكاكها. قال أشهب: ولا قيمة عليه فى الولد لأنه حر لا يرجع فيه بما وقع فى المقاسم، وإنما يلزمه إذا فدى به من العدو ما فدى به. قال سحنون: وإن ادعى إلاستبراء لم ييلحق به ويأخذها السيد بما صارا به فى المقاسم. [3/ 266]
قلت له: قال أشهب الولد فىء، وهو مخير فى فدائها هى إن بيعت ويجبر على أن تباع مع ولدها. قال: القول ما قلت لك، وهو قول ابن القاسم وغيره. قال سحنون: ولو وطئها، ثم سببت فوطئها علج ثم قدم بها فأسلم عليها. فإن وطئها العلج بعد زمان فيه استبراء لرحمها فالولد ولد العلج. وإن وطئها فى طهر فوضعت لما يشبه أن يكون منهما دعى له القافة، فإن ألحقوه بالمسلم لحق به وجرى فيها حكم أم الولد. وإن لحق بالحربى لحق به ولا شىء عليه فيها، كمن أسلم على عبد بيده لمسلم. وإن قالت القافة اشتركا فيه، فابن القاسم يقول: يوإلى إذا كبر أيهما شاء. وقال غيره، يعنى ابن الماجشون، يدعى إلى قائف غيره أبداً حتى يلحقه بواحد. قال: وبه أقول كما لو نفاه عنهما لم يقبل منه. وقد أتى مروان بأمة أصابها ثلاثة، فقالت القافة: اشتركوا فيه، فقال لهم: ألحقوه بأفصحهم به شبهاً، فقالوا: هذا فألحقه به. ولو غلب أهل الحرب على أم ولد رجل ثم أسلموا عليها فليأخذها سيدها ويؤدى قيمتها إليهم. ومن العتبية: روى أصبغ عن أشهب فيمن وطىء علجةً من السبى ثم أبقت فوجدها بعد سنين معها أولاد فقالت هم منك، فإن لم يدع استبراء فهم ولده إن كانوا من بطن واحد. وإن كانوا من بطنين لم يلحق به غير البطن الأول. [3/ 267]
في المدبر يقع في المغانم أو يفدي من العدو أو يسلمون عليه، وكيف إن أحدث فيه من فداه تدبيرا أو عتقا، وما دخل فيه من ذكر المكاتب والمعتق إلى أجل
فى المدبر يقع فى المغانم أو يفدى من العدو أو يسلمون عليه وكيف إن أحدث فيه نم فداه تدبيراً أو عتقاً وما دخل فيه من ذكر المكاتب والمعتق إلى أجل من كتاب ابن سحنون قال سحنون قال ابن القاسم: وإذا وقع فى الغنيمة مدبر قد ارتد وهو لمسلم فاستتيب فتاب فليأخذه سيده. قال سحنون: وإن عرف أنه لمسلم لا يعرف فلا يقسم ولكن تدخل خدمته فى المقاسم. قال فى كتاب آخر: توقف خدمته لافتراق الجيش. وإنما تجوز الشهادة فيه أن يقولوا: أشهدنا قوم يسمونهم أن سيده دبره، ولم نسألهم عن اسم السيد أو: سموه ونسيناه، قاله سحنون، وقال نحوه ابن حبيب. ولسيد المدبر أخذه قبل القسم. فإن قسم فله فداؤه بما وقع فى المقاسم. وكذلك إن فدى من العدو فبما فدى به، ثم لا يتبعه بشىء من ذلك هو ولا ورثته إن عتق فى ثلثه. قال سحنون: وإن أبى أن يفديه اختدم فى ثمنه. فإن مات ربه خرج من ثلثه عتيقاً واتبع بما بقى. وكذلك إن عتق بعضه أتبع حصة العتيق بمقداره ورق ما بقى. وقال عبد الملك فى الكتابين: لا يتبع بشىء أعتق فى ثلثه أو ما خرج منه، ولابد أن تضم قيمته إلى ماله. وكذلك إذا كان إنما بيع فى المغنم بعد خروجه من الثلث. وقاله سحنون: يعتق فى نفسه وفيما ترك سواه. قلت له: قال عبد الملك إذا أبى سيده أن يفديه أنه يبقى بيد من اشتراه، يكون له من ورقه ما كان لسيده لا يحاسبه فيه بخدمته حياة سيده. قال: لا أرى ذلك، وإنما أسلم سيده خدمته، فيقاص بها كما قال ابن القاسم. وذكر ابن حبيب كلام الماجشون وهذا فى المدبر والمعتق إلى أجل سواء. [3/ 268]
ومن سماع ابن القاسم عن مالك: إن المدبر إذا وقع فى المقاسم فإن فداه سيده بما وقع فى المقاسم إن شاء رجع إليه مدبراً إلى سيده. (قال ابن المواز: وإما المدبر والمكاتب والمعتق إلى أجل ابن القاسم: إن ذلك) فيهم كالجناية ويخير السيد بين أن يؤدى إلى مشتريهم من المغنم أو من العدو ما ودوا ويبقوا عنده بحالهم، وإلا أسلم ما له فيهم، فيختدم المسترى المدبر والمعتق إلى أجل فى الثمن. فإن مات سيد المدبر عتق فى ثلثه واتبعه المبتاع بما بقى له. وكذلك إن أجل المعتق إلى أجل عتق واتبعه بما بقى له. وإما إن أعتق بعض المدبر فى ثلث سيده فأنه يتبع ذلك البعض بما يقع عليه مما بقى ويرق باقيه للمبتاع. ولا يحاسب فيه بخدمة لأن سيده أسلم ما كان له فيه. وكذلك فى المعتق إلى أجل حين أسلمه صارت خدمته وإن كثرت للمبتاع حتى يحل إلاجل ويعتق. فإن بقى له شىء اتبع به. وإما المكاتب فيقال له: ود ما اشتراك به حإلا وتبقى مكاتباً، وإلا رققت. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فى المعتق إلى أجل يتم إلاجل ولم يستوف المشترى فى الخدمة ما بقى له أنه لا يتبعه بشىء، وهذا الصواب ورجوع منه عن قوله الأول. وكذلك ينبغى فى المدبر يعتق فى ثلثه إلا يتبع بشىء مما بقى للمشترى، وقاله عبد الملك وغيره. وهو أصل قول مالك. وإن رق من هذا المدبر شىء بقى للمشترى. قلت: وهو فى هذا كبيع ما كان له فيه من خدمة ومرجع وليس كجناية فيحسب فى تركه السيد، وهو يرق بعضه للمشترى؟ قال: نعم، وقد قال عبد الملك: يقوم فى الثلث قيمة رقيق فإن خرج لم يتبع بما بقى إن كان من الفىء اشتراؤه، كالحر لا يتبع فى الفىء. وإن كان اشتراؤه من العدو اتبعه بما بقى له بعد أن يحسب عليه قيمة خدمته وما استغل، لأن فى هذا يتبع. [3/ 269]
قال محمد بن المواز: صواب ولأنه لا يأخذ أكثر مما أعطى فيه فيدخله الربا. وكذلك المعتق إلى إن بقى له بعد عتقه ببلوغ إلاجل شىء اتبعه فى شرائه من العدو ولم يتبعه فى شرائه من الفىء. وإن استوفى من خدمتها كل ما ودى قبل موت السيد فى المدبر وقبل تمام إلاجل فى المؤجل رجعا إلى سيدهما يخدمأنه. قال عبد الملك: وإما المكاتب فإن اشتراه من العدو فأبى سيده أن يؤدى ذلك، قيل للمكاتب: هذا يلزم ذمتك. فإما وديته وإلا عجزت الساعة ورققت لمشتريك. وإن وديته بقيت مكاتباً لسيدك. وإن اشتراه من الفىء فأسلمه السيد قيل له: هذا فى رقبتك دون ذمتك، وليس عليك غير الكتابة تؤديها إلى مشتريك، قلت أو كثرت، ثم تعتق. وإ، عجزت رققت له. قال ابن المواز: صواب كله، اشتراه بأمره أو بغير أمره. وقاله ابن القاسم وعبد الملك. قال ابن سحنون: وسأوى عبد الملك بين أن يشترى المدبر فى المقاسم أو يفديه من العدو فيسلمه سيده أنه يبقى بيد مبتاعه لا يحاسب سيده بخدمته. فإذا عتق فى ثلث سيده افترق هاهنا فيما يتبع، فيتبع المشترى من أرض الحرب بجميع ما ودى فيه، ولا يتبع فى المقاسم بشىء، والولاء لورثة سيده، يعنى: الذكور. وكذلك قال ابن حبيب فى المدبر والمعتق إلى أجل. قال سحنون: وإذا أسلم بعض أهل الحرب على مدبر فأنه يكون لهم جميع خدمته ولا يقاصون فيه بشىء، وإذا مات السيد عتق فى ثلثه ولم يتبع بشىء كحر أسلموا عليه. ولو كان على السيد دين محيط بجميع ماله رق المدبر لمن أسلم عليه. ولو ترك ما يعتق به بعضه فى ثلثه، رق باقيه لمن أسلم عليه ولم يتبع ما عتق منه بشىء. [3/ 270]
وقال فى مدبرة اشتريت من العدو أو من المقاسم أو أسلموا عليها ثم وطئها من صارت له فحملت، فأنها تكون له أم ولد لا ترد إلى سيدها. ولو دبرها الذى اشتراها من العدو ولم يعلم سيدها، فإن سيدها إن دفع إليه ما فداها به بطل تدبير (الثانى وعادت إلى ربها على حالها. وإن أسلمها بقيت بيد مشتريها يختدمها ولا يبطل) تدبيره. فإن مات الأول وثلثه محتمل له عتقت واتبعها هذا بجميع ما فداها به، ثم إن مات هذا وثلثه يحتملها لم يسقط ذلك ما فداها به. وهو حكم قد تم قبض أو لم يقبض. ولو كان على الأول إذا مات دين يرقها عتقت فى ثلث الثانى إن مات. قال سحنون: ويتبعها ورثته بما فداها به. وإن لم يحمل ثلثه إلا بعضها اتيعوا ذلك البعض بحصته ورق لهم باقيها. وإن حمل الثلث الأول نصفها، عتق (نصفها واتبع مفديها ذلك النصف بنصف الفداء وبقى نصفها بيده بحال التدبير. فإن مات عتق فى ثلثه واتبع ببقية الفداء. قال: ولو أسلم على المدبرة ثم دبرها فتدبيره جائز ولا يأخذها الأول ويختدمها الثانى. فإن مات الأول وخرجت من ثلثه، لم تتبع بشىء كالحر يسلم عليه الحربى. وإن خرج بعضها فباقيها مدبر على الثانى يعتق فى ثلثه ولا يتبع بشىء. وإن رق باقيها لدين عليه، بيع لغرمائه ولا يتبع ما عتق منها بشىء. قال ابن سحنون: ولو مات الذى أسلم عليها أولاً) فخرجت من ثلثه، عتقت ولم تتبع بشىء وولاؤها لمن خرجت من ثلثه. وإن كان عليه دين محيط بقيت بيد ورثته إلى موت الأول. فإن كان عليه دين محيط رقت لورثة الذى [3/ 271]
في المدبر يجني، ثم يؤسر، ثم يقع في المقاسم
أسلم عليها. وإن ترك ما يخرج به من ثلثه أو نصفها عتق ذلك، وما رق منها فلورثه الذى أسلم عليها. قال سحنون: وإما الذى صارت له فى السهمان ثم دبرها فتدبيره باطل، فداها ربها أو أسلمها، لأنه إنما يسلم إليه خدمتها يحسب عليه فى ثمنها فإذا تم رجعت إليه. قال ابن سحنون: ويلزم عبد الملك أن يجيز تدبير صاحب السهمان لأنه يرى أن خدمتها له إذا لم يفدها ربها ما دام حياً. قلت: روى عن أشهب فى الحربى يسلم على أم ولد رجل أنها ترد على سيدها. قال: لا أعرف هذا له ولا لغيره من أصحابنا، وهذا غلط عليه. ومن كتاب ابن المواز: وقال فى المدبر يبتاعه من المغنم فأعتقه ولم يعلم: قال ابن القاسم: ينفذ عتقه ولا يرد. وإما أم الولد والمعتق إلى أجل، فلينقض عتق مبتاعهما ويأخذهما السيد وعليه قيمتهما، فإن لم يكن عنده شىء اتبع بذلك ديناً. وقال أصبغ: إما المعتق إلى أجل فليس للسيد نقض عتقه. فى المدبر يجنى ثم يؤسر ثم يقع فى المقاسم من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وعن مدبر جنى ثم أسر فغنم فوقع فى سهم رجل، فليقل لربه أفد خدمته بإلاكثر مما وقع به فى المقاسم أو من الجناية، ثم سبيله سبيل ما ذكرنا فى العبد. فإن أبى قيل لأهل الجناية: آفدوه بما وقع به فى المقاسم. فإن فدوه اختدموه بذلك أولاً ثم بالجناية. فإن وفى عاد مدبراً إلى سيده، وإن مات عتق منه محمل الثلث ورق ما بقى لأولياء الجناية، ولا خيار للورثة فى فداء ما رق منه، ثم يقسم ما بقى عليه من الفكاك ومن الجناية، فيتبع العتيق بما يقع عليه من ذلك. فإن أسلمه أولياء الجناية اختدمه الذى صار له فى السهمان وقاصه. فإن استوفى رجع إلى أولياء الجناية فاختدموه وقاصوه. فإن استوفوا عاد إلى سيده. وإن [3/ 272]
في المعتق الى أجل يشترى من المغانم أو من العدو أو يسلم عليه أحد
مات السيد ولم يستوف من صار له سهمان حقه وكان الثلث يحمله عتق واتبعه بما بقى من صار غليه من السهمان، واتبعه أهل الجناية بجنايتهم. وإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث منه ثم يقسم ما بقى مما بيع به فى السهم على ما رق منه، وما عتق فيتبع ما عتق منه بحصته، ويبطل ما صار على الرقيق، ويرق باقيه لمن أخذه فى القسم، وتقسم الجناية على ما رق منه وما عتق، فيبطل ما قابل الرقيق، ويتبع بما وقع على العتيق منه، ويبدأ بالذى وقع به فى السهم. ولو ودى ما وقع به فى السهم، والسيد حى، وأخذه أهل الجناية، ثم مات السيد ولم يؤد ما فداه به من أرض الحرب، فضت الجناية على ما ذكرنا على ما رق منه وما عتق، ولا خيار للورثة. وإن حمله الثلث فكما قلنا إذا عجز بيد صاحب السهمان. فى المعتق إلى أجل يشترى من المغانم أو من العدو أو يسلم عليه أحد من كتاب ابن سحنون قال سحنون: والمعتق إلى أجل إذا سبى ثم غنمناه كالمدبر: إن عرف ربه أوقف له وإلا وقعت خدمته فى المقاسم. ثم سيده مخير كالمدبر. ولو أسلم عليه حربى كان له خدمته إلى إلاجل دون سيده. فإذا عتق بتمام إلاجل لم يتبع بشىء. ولو فداه رجل من العدو بمال فإن شاء سيده فداه بذلك ولا يحاسبه بعد العتق. وإن أسلمه صارت جميع خدمته للذى فداه إلى إلاجل. فإذا عتق اتبعه بجميع ما فداه به. وإن وقع فى المقاسم فى سهم رجل فإن فداه ربه بالثمن عاد إلى سيده. وإن تم إلاجل ولم يف عتق ولم يتبع بشىء. قلت له قال بعض أصحابنا: ولو أعتقه من صار فى سهمه لم يجز عتقه ويبقى بحاله. ولو كان مدبراً مضى عتقه. قال: أصاب فى المدبر. وإما المعتق [3/ 273]
في المكاتب يسبي، ثم يغنم فيقع في سهم رجل، أو يفديه من العدو، أو يسلم عليه حربي وفي العبد في المغنم يدعي أنه مكاتب أو مدبر أو معتق إلى أجل ونحو ذلك
إلى أجل فإن أعتقه ولم يجز عتقه. وإما فداه ربه وأسلمه. وإن أعتقه وهو يعلم أنه معتق إلى أجل، فإن كان ما أخذه به أكثر من خدمته مضى عتقه. وإن كان أقل لم يجز عتقه، وكان لربه أن يفديه ويبقى بحاله إلى أجله أو يسلمه فيتم عتقه. ولو كان معتقة إلى أجل فأسلم عليها حربيى وأولدها، فإن عليه قيمة ولده على أنهم يعتقون إلى إلاجل مع أمتهم. قلت: لم وهو قد ملك منها ما كان يملك السيد؟ قال: لأنه لم يملكها ملكاً تإما. ولو قتلت كانت قيمتها للذى أسلم عليها. ولو ولدت من غيره كان ولدها معها فى الخدمة. ولو فداها من بلد الحرب ثم أولدها، فإن ودى سيدها إلى الواطىء ما فداها به قاصة بقيمة الولد على أنه ولد أم ولد. وإن أسلمها فعلى الواطىء قيمة ولده. وكذلك لو أخذها فى المقاسم ثم أولدها. فإن فداها السيد قاة بقيمة الولد. (وإن أسلمها أخذ منه قيمة الولد). وفى باب الحر يفدى شىء من ذكر المعتق إلى أجل فى المكاتب يسبى ثم يغنم فيقع فى سهم رجل أو يفديه من العدو أو يسلم عليه حربى وفى العبد فى المغنم يدعى أنه مكاتب أو مدبر أو معتق إلى أجل ونحو ذلك من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا غنم المكاتب وعرف أنه مكاتب ولم يعرف ربه فإن كتابته تباع فى المقاسم. فإن جاء ربه ففداها عاد إليه مكاتباً. وإن أسلمها وعجز رق لمبتاعها. وإذا ودى فولاؤه لعاقدها، ولا خيار فيه لربه بعد العجز ولا يعصمه من بيع رقبته إن شهدت بينة أنه مكاتب أو [3/ 274]
مدبر لا يعرفون سيده، ولا تجوز فى شهادة السماع، وإنما ينفعه أن يشهدوا أن فلأناً وفلأناً أشهداهما أن مولاه كاتبه أو دبره ولم يسألهما عن اسمه، أو قإلا ذكراه لنا فنسيناه. وكل ما استنقذ من أيدى العدو من عبد فلا يخرجه من الرق إلا بينة بحرية أصل أو حرية غير أصل، أو أنه مكاتب أو مدبر أو معتق إلى أجل أو الأمة أم ولد. وإذا بيع المكاتب فى المقاسم (ثم قأم سيده قال ابن القاسم: إن قدر المكاتب على غرم ما وقع به فى المقاسم) ويعود مكاتباً إلى سيده فعل. وإلا فقد عجز وخير سيده بين أن يسلمه عبدا ً أو يفديه بما ذكرنا كالجناية. وقال سحنون مرةً: يبدأ بسيده فإن فداه بقى له مكاتبا ً. وإن أسلمه قيل للمكاتب: إما وديت ما صرت به لهذا أو تمضى على كتابتك. فإن لم يقدر فهو كمكاتب عليه دين فأفلس به فأنه يعجز. ثم رجع سحنون إلى قول ابن القاسم، ووجدت له قولاً آخر: أنه يخير سيده بين أن يفديه بالثمن ويبقى مكاتباً له، وإلا، أسلمه فصار عند مبتاعه مكاتباً: إن عجز رق له، وإن ودى عتق فقرأته عليه فخطأه وقال بقول ابن القاسم. قال ابن حبيب بعد أن ذكر اختلاف مالك والمغيرة فى أم الولد تباع فى المقاسم أو تفدى وذكر المعتق إلى أجل والمدبر ثم قال: إما المكاتب فيجتمع عليه من قولهم فى الوجهين أن سبيله كما لو جنى جنايةً. قال سحنون: وإذا أسلم حربى على مكاتب بيده لمسلم فأنه تكون له كتابته. فإن عجز رق له، وإن ودى فولاؤه لعاقدها. ولو كان مع المكاتب آخر بيد السيد فى عقد واحد فأنه يقال للذى أسلم على الواحد وللسيد: إما أن يبيع أحدكما من الآخر كتابة الذى بيده ليصير المكاتبان فى ملك واحد وأداء واحد، [3/ 275]
في الخدم يشتري من العدو
وإلا فبيعا كتابتهما جميعاً واقتسما الثمن بقدر قيمة المكاتبين وقوتهما على إلاداء. فإن وديا فالولاء للأول، وإن عجز رقا لمبتاع كتابتيهما. ولو أن مكاتباً فداه رجل من العدو أو ابتاعه منهم فهو كما ذكرنا إذا وقع فى المقاسم فى سهم رجل على قول ابن القاسم واختلاف قول سحنون كما تقدم. وفى باب الحر يفدى شىء من ذكر المكاتب يفدى. فى المخدم يشترى من العدو من كتاب ابن سحنون: قال سحنون فى الموصى بخدمته لرجل سنين ثم هو لفلأن، فأخذه العدو فى الخدمة فابتاعه رجل، فأنه يقال للمخدم أفده بالثمن. فإذا تمت خدمتك قيل لصاحب الرقبة: ادفع إليه ما فداه به وإلا فأسلمه إليه رقاً. فيمن ابتاع عبداً فغنمه العدو قبل دفع ثمنه ثم غنمناه فصار فى سهم رجل من كتاب ابن سحنون: ومن باع عبداً من رجل فللبائع حبسه فللبائع حبسه حتى يأخذ الثمن. فإن أسره العدو قبل ذلك ثم غنم فى سهم رجل بمائة دينار، فإن شاء البائع فداه بالمائة، ثم للمشترى أخذه إن دفع إليه الثمن الأول ومصيبة المائة التى ودى البائع منه لأن ضمأنه منه لو مات بيده، وإن أبى أن يفديه فللمبتاع أن يفديه بإلاكثر. فإن كان ثمنه فى السهمان مائتين وثمنه القديم مائةً فليؤد مائتين إلى صاحب السهمان ولا شىء للبائع، وإن كان ثمن السهمان مائةً والثمن القديم مائتين فليؤد إن شاء مائتين يأخذ منها صاحب السهمان مائةً، وللبائع مائة وليس له غيرها، وإن أسلمه المبتاع كما أسلمه البائع فليس للبائع على المبتاع شىء من الثمن، ومصيبته منه كموته. [3/ 276]
في الحر المسلم أو الذمي يفدي من العدو أو يقع في المقاسم، أو يسلم عليه حربي، كيف بمن بعضه حر وبعضه رقيق أو عبد أسر فأعتقه ربه ثم غنمناه، أو أعتقه ربا، ببلد الحرب، أو أسلم نصراني ببلاده ثم غنمناه
قال ابن سحنون: وهذا على مذهب سحنون وبعض أصحاب مالك أن ما حبسه البائع بالثمن فهو منه. قال ابن سحنون: وعلى قول ابن القاسم هو من المشترى، فعلى قوله لا خيار للبائع فى العبد. وقد لزم المشترى الثمن ومنه المصيبة، وهو يخير فى فدائه أو إسلأمه، ويغرم الثمن للبائع بكل حال. وإن شاء افتكه من السهمان أو أسلمه. فى الحر المسلم أو الذمى يفدى من العدو أو يقع فى المقاسم أو يسلم عليه حربى وكيف بمن بعضه حر وبعضه رقيق أو عبد أسر فأعتقه ربه ثم غنمناه أو أعتقه ربه ببلد الحرب أو أسلم نصرانى ببلاده ثم غنمناه من كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم فى الحر أو الحرة يقع فى المقاسم: أنه يتبع بشىء مما وقع به فى المقاسم، وكذلك الذمى. قال عبد الملك: ولا يرجع مشتريه على أهل المغنم ولا على أحد منهم بشىء. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: كان حراً أو ذمياً لا يتبع بشىء ولا يرجع من كان فى يديه على أهل الجيش بشىء إلا أن يكونوا نفراً يمكن ذلك فيهم لقلتهم، مثل عشرة ونحوهم وهم حضور فليرجع عليهم. وروى بعض أصحابنا عن أشهب أن مبتاعه بالثمن، وخالفه رواته عنه وقالوا لا شىء عليه. قال سحنون لا يتبع بشىء كان حراً مسلماً أو ذمياً. قال وروى عن عيسى عن ابن القاسم: أنه لا يتبع بشىء، وينبغى للإمام أن يغرم لمن وقع فى سهمه من الخمس أو من بيت المال لافتراق الجيش. قال عيسى هذا إن كانا ممن يجهلأن ذلك كالصغير. وإما من لا يعذر بجهل ذلك فعليه أن يرجع. وإن كانت جارية فوطئت فلا شىء عليها إذا عذرت بجهل أو تأويل. [3/ 277]
قال سحنون: لا أعرف أن يعطى من الخمس أو من بيت المال، وهى مصيبة نزلت به كان ممن يجهل أو يعلم فلا شىء عليه عندى. وقد سمعت من يقول إن كانا ممن لاتجهلأن فيرجع عليهما. وكذلك الحر يمكن من نفسه من يبيعه أنه يتبع بثمنه لأنه غار. وقال غيره لا غرم عليه وإن كان عالماً. ومن العتبية قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وهى مصيبة نزلت به، يعنى بالمشترى إلا ان يدرك ذلك قبل المقاسم فيسقط عنه الثمن. قال ابن المواز: وإن كان نصفه رقيقاً لم يرجع إلا على مالك نصفه بنصف ثمنه فقط إن شاء ربه. وكلما اعترفه ربه من عرض أو رقيق أو حيوان أو غيره مما قسم فى المغنم أو ابتيع من المغنم أو من العدو، فلا يأخذه ربه إلا بالثمن إلا فى الحر والحرة، فأنه إ، بيع فى المغنم، فأنه يخرج ولا يتبع بشىء. وإما إن اشترى من العدو فليتبع لأنه فداء. وكذلك إن فدى، فإن لم يكن له شىء اتبع فى ذمته. ولو كان معه مال وعليه دين فالذى فداه أو اشتراه من العدو أحق من غرمائه إلى ما ودى فيه، لأن ذلك فداء له ولماله، كما لو فديت ماله من اللصوص أو فديت دابته من ملتقطها أو متاعاً له أكريت عليه، فليس لربه أخذه ولا لغرمائه حتى يأخذ هذا ما ودى فيه. وكذلك ما أنفق المرتهن على الرهن. وإن فدى أمةً من العدو، لم يطأها حتى يعرضها على ربها. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فى الحر المسلم يشترى من العدو بأضعاف الثمن فأنه يتبع بذلك وإن كثر، شاء أو أبى. قال ابن المواز وقال عبد الملك مثله فى مال الحر الذى فدى من العدو: إن مشتريه من العدو أحق بماله من غرمائه. قال محمد: وهذا فى ماله الذى أحرزه [3/ 278]
العدو مع رقبته لأنه قد فدى ذلك كله. وإما إن اشتراه فى المغنم أو أخذه بسهمه فلا شىء له عليه، لم يختلف فى هذا مالك وأصحابه إلا شىء بلغنى عن أشهب. قال عبد الملك: والحر الذمى كالمسلم فى هذا لا يتبع بما وقع به فى المقاسم، ويتبعه مفديه من العدو ويكون أحق بالفداء من غرمائه، سواء صار بأيدى العدو بأسر أو غضب. قال وقال ابن القاسم: إذا نودى على الحر من المغنم المبيع، وهو ساكت معتمد بلا عذر ولم ينكر، فليرجع علييه مشتريه إن تفرق الجيش بالثمن إذا لم يجد على من يرجع، وإما الحر الصغير أو كبير قليل الفطنة كثير الغفلة أو أعجمى أو من يظن أنه قد أرقه ذلك فلا يتبع هؤلاء بشىء. وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية نحوه: لا يتبع الحر والحرة بما بيعا به فى المقاسم إذا سكتا ومثلهما يجهل مثل ذلك. وإن كانا ممن لا يعذران فى ذلك فعليهما غرم أثمأنهما. قال فى الكتابين: ولو كانت جارية فوطئت لم يكن عليها شىء إذا عذرت بما ذكرت لك من الجهالة والتأويل. ومن كتاب ابن المواز قال: وأو قالت الحرة قد علمت أنى حرة محصنة، لم يكن عليها فى وطئها شىء إلا أن يطأها عالماً بأنها حرة. وقد كره مالك لكل من اشترى أمةً من العدو أو من المغنم أن يطأها حتى يستبرىء أمرها. ولو وهبه العدو هذا الحر المسلم لم يرجع عليه بشىء إلا أن يكافىء عليه فأنه يرجع عليه بما كافأ فيه وإن كثر، شاء المفدى أو أبى، كافأ بأمره أو بغير أمره. وكذلك فى عبد لمسلم أو لذمى إن لم يكافىء فيه بشىء فلربه أخذه بغير شىء. وإن كافأ فيه فلا يأخذه إلا بما ودى فيه من عين وبقيمة العرض. وكذلك ما أخذ من المغنم ببيع. وإن أخذه مقاسمةً بلا ثمن أخذ فيه قيمته. [3/ 279]
قال ابن المواز: ومن ابتاع أمةً وزوجها نصرانيين فاعتقهما ثم لحقها بأرض الحرب ثم سبيا، فأنهما يكونان حرين لأن الولاء نسب لا ينتقل. وإما إذا أسلم الحربى على حر فى يديه أو ذمى فهو مذكور فى موضع آخر. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فى العبد يؤسر أو يهرب إليهم فيعتقه ربه قال: عتقه موقوف، فإن خرج إلينا فهو حر، وإن سبى فربه أحق به إن لم يقسم فيكون حراً. فإن قسم فهو أيضاً حر حين غنم كالحر إذا قسم. ثم قال بعد ذلك: إن كان يوم أعتقه سيده لم يحدث فيه أهل الحربحدثاً يزيل ملك ربه عنه مثل هذه الحوادث فهو حر ولا يضره. ويكون ما اشتراه به إن اشتراه مسلم ديناً عليه. ومن العتبية وقال فى النصرانى، يريد الذمى، يعتق عبده النصرانى ثم يخرج العبد إلى أرض العدو فيسلم هناك ثم يأسره المسلمون. قال: هو حر ولا يقع فى المقاسم. ورورى أشهب عن مالك فى رجل مسلم رهنه أبوه فى أيدى العدو ثم مات أبوه ففداه رجل: أيرجع عليه أو على أبيه؟ قال: لو فداه السلطان. ومن كتاب ابن سحنون: وروى أصبغ عن أشهب فى ذمى ومسلم حرين سبيا فبيعا فى المغنم أنهما حران ويتبعهما مبتاعهما بالثمن. قال أصبغ: هذا وهم، بل هما حران ولا يتبعان بشىء. وقال ابن المواز: لم يختلف فى هذا مالك وأصحابه إلا بشىء قد بلغنى عن أشهب. وقال ابن سحنون قال يحيى بن سعيد: ومن اشترى ذميةً من اعلدو فهى حرة وليتبعها بما ودى فيها. وقاله مكحول، وهو قول مالك. [3/ 280]
في الحرة أو الأمة أو الذمية تسبى فتوطأ فتلد، ثم ظهرنا عليهم بغنيمة أو خرجوا إلينا، والحربي يسلم ويقدم إلينا أو لا يقدم، ثم نظهر نحن على بلاده، ما حكم ماله وأهله وولده أو مسلم تزوج عندهم
ومن كتاب ابن المواز: فإذا أسلم نصرانى ببلاده ثم غنمناه فأنه يكون حراً لا يرق. وكذلك لو خرج إلينا وهو على دينه لكان حراً أيضاً. قال سحنون: ومن دخل دار الحرب بأمان فابتاع منهم رقيقاً فأعتقهم ثم خرج وتركهم ثم ظهرنا على تلك الدار، فإن كان العبيد مسلمين فهم موإلى ساداتهم. وإن كانوا نصارى فهم فىء يباعون. فإن عتقوا فابن القاسم يرى ولاءهم لسيدهم الثانى. وقال غيره بل للذى أعتقهم أولاً. وقال أشهب: لا يسترق هذا العبد أبداً وهو حر على عتق سيده الأول. وكذلك عنده لا يسترق أهل الذمة إذا نقضوا العهد، وابن القاسم يرى أن يسترقوا. وفى الجزء الثالث فى أوله باب فيمن فدى زوجته فيه شىء من هذا (وبقية أبواب من الفداء هى أول الثالث). فى الحرة أو الأمة أو الذمية تسبى فتوطأ فتلد ثم ظهرنا عليهم بغنيمة أو خرجوا إلينا والحربى يسلم ويقدم إلينا أو لا يقدم ثم نظهر نحن على بلاده ما حكم ماله وأهله وولده؟ أو مسلم تزوج عندهم من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم فى الحرة المسلمة أو الذمية يسبيها العدو فيولدها ثم تغنم، فهى وولدها الصغار أحرار. ومن كبر من ولدها وقاتل فهو فىء. وإما أمة المسلم تسبى ثم تغنم وقد ولدت فأولادها الصغار والكبار لسيدها. [3/ 281]
وقال أشهب فى ولد الأمة جميهم فىء إلا أن تكون الأمة تزوجت فولدت فهذا الولد لسيدها معها. قال سحنون: ذلك سواء وكلهم لسيدها. واختلف قول أشهب فى ولد الحرة المسلمة، فقال: ولدها فىء. وقال: هم أحرار. وقال سحنون بقول ابن القاسم. وقال ابن حبيب: ولا سبيل على الحرة المسلمة ولا الذمية، وترد إلى ذمتها والأمة إلى سيدها. واختلف فى أولادهن، فقال ابن الماجشون وأشهب: أولادهن فىء صغارهم وكبارهم. وروى مطرف عن مالك: أن أولادهن تبع لأمهاتهن إلا أولاد الذمية الكبار البالغين فهم فىء، وولد الأمة الصغار والكبار لسيدها، وولد الحرة صغارهم وكبارهم تبع لها فى الإسلام والحرية. فإن أبوا الإسلام جبروا عليه. وإن تمادوا، يريد كبارهم، قتلوا عليه كالمرتد. وقاله ابن وهب، وقاله ابن حبيب. وقال النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وقاله ابن القاسم: إلا فى كبار ولد الحرة فأنهم عنده فىء كالكبار من ولد الذمية. قال ابن حبيب: ما يعجبنى، أرأيت المسلمة يغصبها نصرانى ببلد الإسلام فتلد منه، أيكون الولد إلا مسلم؟ ولو كان عبداً لكان الولد حراً. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أسلم الكافر ببلده فدخلنا عليهم فإن ماله وولده فىء عند ابن القاسم، ورواه عن مالك. وقال سحنون، وهو قول أشهب: إن ولده أحرار وتبع له، وماله له وأمرأته فىء. وكذلك لو هلجر وحده وترك ذلك كله بأرضه، أو رجل مسلم دخل أرضهم فتزوج وكسب مالا وولد له ولد، فذلك كله سواء وأمرأته فىء. قال الأوزاعى: وإن تزوج بأرض الحرب فولد له ولد فدخل المسلمون تلك الدار فولده حر لأحق به، وله ماله ويسقط نكاحه، ويؤدى قيمة أمرأته فى المقاسم، ثم إن شاء تزوجها. [3/ 282]
فيمن أسلم من عبيد أهل الحرب، ثم قدم أو غنمناه، أو قدم ثم أسلم
قال سحنون: له ماله وولده حر كما قال. قوله: يسقط نكاحه، فإن زوجته فىء للمسلمين. فإن أسلمت بقيت امرأة له، إذ لا تحل له أمة كتابية بنكاح. وذلك إذا كان ممن لا يجد الطول. وإما قوله: يقوم عليه فليس بقولنا ولا أعرفه. وإن كبر ولده وقاتلوا فهم كالمرتدين يستتأبون. فإن لم يتوبوا قتلوا. قال الأوزاعى: وإن أكرهالأسير سيده على تزويج أمته فإن ولده منها أحرار. قال سحنون: بل هم رقيق ويدخلون فى المقاسم. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم إلينا بأمان فأسلم ثم غزا معنا بلاده فغنم ماله وأهله وولده، فإما ماله ورقيقه ودوابه وخرثى فهو له. وإما أمرأته وولده الكبير ففىء له ولأهل الجيش، ويفسخ النكاح لشركته فى ملك زوجته. وإما أولاده الصغار فأحرار مسلمون بإسلأمه. وقال أشهب: ولو هربت علجة لسيدها المسلم ثم أصابها بعد سنين ومعها أولادها، وقال هم منى، فالأول به لأحق. وإن لم يدعه إلا أن يدعى استبراء قبل إباقها فيصدق. قال محمد: يريد أشهب أنها أم ولد له. فيمن أسلم من عبيد أهل الحرب ثم قدم أو غنمناه أو قدم ثم أسلم من كتاب ابن حبيب قال: وإذا أسلم عبيد الحربيين ثم خرجوا إلينا فهم أحرار لخروجهم لا ملك عليهم لساداتهم. وإن أسلموا ولم يخرج العبيد إلينا وقد أسلموا، فملك ساداتهم قائم عليهم فى البيع وغيره. وإن أسلم ساداتهم فهم لهم رقيق. وإما لو دخلنا إليهم غلبين، فابن القاسم يرى دخولنا إليهم كخروجهم إلينا وهم أحرار. وقال أصبغ: بل هم عبيد، والقولأن إذا لخصا كانا كقول واحد. فإن كان إذا دخلنا بلده غلبين، فزع إلينا العبيد من دون ساداتهم فهم أحرار. وإن لم [3/ 283]
يلجأوا إليهم حتى غنموهم فهم رقيق كما لو باعوهم ساداتهم. ولو خرج إلينا عبد لحربى تاجر بأمان ومعه مال لمولاه فأسلم عندنا فهو حر وما فى يديه له. وقال أصبغ: المال لسيده إلا أن يكون استأمن على الإسلام وعلى ما معه فى أول نزوله، فهذا يكون له كما لو هرب به مسلماً، بخلاف إسلامه بعد أن استقر نزوله بالعهد. وقول ابن القاسم أحب إلينا. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: إذا أسلم العبد عندنا فهو حر فى حكم الإسلام ولا يعرض له المال إلا أن عليه أن يفدى لسيده، لأنه خرج على أن يرجع إليه، فليرجع وليرد إليه المال، وهو حر على سيده كما لو بعث أسيراً مسلماً لتجارة فهو حر لا يكلف أن يرجع، ولا يمنع مما فى يديه إلا أن عليه الوفاء لمن بعثه بما خرج عليه. وقال ابن القاسم: المال للعبد ولا خمس فيه ولم يذكر رجوعه. قال ابن حبيب: وقال أشهب فى حربى دخل إلينا بأمان فاشترى عبيداً مسلمين، ثم مضى بهم إلى بلد الحرب، ثم عنمنا بلدهم فغنمنا العبيد أنهم أحرار، وقال أصبغ هم غنيمة لأهل الجيش لأن حكم إنما كان يوجب بيعهم عليهم ولم ينتقل ملكهم عنهم، وبه أقول. [3/ 284]
في العلج يباع في المغنم فيوجد معه مال أو له ببلده أو ببلدنا
فى العلج يباع فى المغنم فيوجد معه مال أو له مال ببلده أو ببلدنا من العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فى الأمة تسترى من المغنم فيوجد معها مال، قال: فإما ما ليس من هيئتها ولباسها مثل الدنانير والدراهم فذلك لأهل الجيش لأن المبتاع لم يشترطه. وقال أشهب عن مالك: إذا وجد معها الحلى وقد بيعت فى المقاسم، فإما اليسير مثل القرطين ونحو ذلك فلا بأس به وإما ما له بال فلا. قال يحيى عن ابن القاسم: وما كان للعلج المبيع فى المقاسم من مال وديعة ً بأرض الإسلام، فهو فىء لأهلذلك الجيش. وكذلك لو قتل بعد أن أسر. فإما لو قتل فى المعترك، لرد ماله المودع إلى ورثته حيث كانوا. قال عنه عيسى: ولو كان معه مال أو له ببلد الإسلام مال من وديعة ودين وعليه دين للمسلمين، فإما ما أوجف عليه من ماله فأهل الجيش أولى به. وإما ما لم يوجف عليه من وديعة له أو دين فغرماؤه أولى به. وهذا الباب قد تقدم مثله فى الجزء الأول. فى العتق من المغنم وكيف إن كان فى المغنم من يعتق على بعض أهل المغنم وفى الوطء والسرقة من المغنم قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال سفيان إذا كان فى الغنيمة من يعتق على بعض أهل المغنم من أقاربه فلا يعتق عليه شىء منه إذ لا يعلم قدر نصيبه منه إلا بعد القسم. وكيف إن كان فى المغنم من يعتق على بعض أهل المغنم وفى الوطء والسرقة من المغنم قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال سفيان إذا كان فى الغنيمة من يعتق على بعض أهل المغنم من أقاربه فلا يعتق عليه شىء منه إذ لا يعلم قدر نصيبه منه إلا بعد القسم. [3/ 285]
قال: هذا كقول ابن القاسم وأشهب أنه إذا أعتق أمةً من المغنم فلا عتق له. قال مالك: ويحد إن وطىء أمةً من المغنم. وإن سرق منه قطع. قال سحنون: وكذلك لو قال عدد الجيش فكان عشرة أو أقل أو أكثر فى قولهم. وفى قول غيرهم لا يحد فى الزنا ويقطع إن سرق. وقال سحنون: إن سرق فوق حقه من المسروق بثلاثة دراهم قطع. وبه أقول وأنه يعتق من أعتق ويؤدى نصيب أصحابه. وإن كان فيها من يعتق عليه أعتق وغرم نصيب أصحابه. وكان سحنون يقول: إن سرق حقه (من المغنم بثلاثة دراهم قطع. ثم رجع إلى أنه: إنما يقطع إن سرق فوق حقه) من المسروق بثلاثة دراهم. قال مالك: إذا أحرزت الغنيمة قطع من سرق منها كمال بين رجلين أودعاه رجلاً. فمن سرق منهما قطع. قال سحنون: وإن وطىء أمةً من المغنم فأولدها وهو من ذلك الجيش فقد اختلف فيه. وأحب إلى أن يدارأ عنه الحد للشبهة بالشرك الذى له فيها. وهو يورث عنه بخلاف بيت المال، ويخرج قيمة الأمة يوم أحبلها فيدفعه إلى أمير الجيش إن لم يفترقوا. فإن افترقوا تصدق به. فإن كان عديماً فمصابته منها بحساب أم الولد، ويباع باقيها فيما لزمه من القيمة ويتبع من قيمة الولد بقدر ذلك. قال ابن المواز: ومن زنا بما غنمه أصحابه أو سرق منه، فإن كان ذلك بعد أن أحرز عند أصحابه، فقال ابن القاسم: يحد فى الزنا ويقطع فى السرقة. وقال عبد الملك: لا يحد فى الزنا ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم. وإما من بيت المال فيحد فى الزنا ويقطع فى السرقة. [3/ 286]
في تعارف السبي بين الزوجين والأقارب والتفرقة بينهم، يما يحل به وطء سبي النساء
فى تعارف السبى بين الزوجين وإلاقارب والتفرقة بينهم زما يحل به وطء من سبى من النساء من كتاب ابن المواز: فإذا تعارف الزوجان من السبى عند البيع فى المغنم والمقسم، أو تعارف إلأبوان والولد أو إلاخوان، فإما الزوجان فلا يقبل ذلك منهما إلا أن يعرف ذلك من أسرها مثل أن يجدهما فى سرير واحد أو مجمع واحد فيصدقان فى هذا. وإن بيع كل واحد على حدة جاز ذلك ويشترط على كل واحد من المالكين أنهما زوجان. وإما إلأم فتصدق فى ولدها إن ادعته قبل البيع والقسم فيجمع معها فى البيع، كان ذكراً أو أنثى قليلاً كان الولد أو كثيراً. وإما غير إلأم وحدها فى الولد فلا يقبل، ولا يجمعان أيضاً فى البيع وإن عرف صدقهما، لا إلاخوان ولا غيرهما ولا والد مع ولد صغار أو كبار، وما علمت ممن يجب اتباعه قال غير هذا غير قول بعض أهل العراق فأنه قال: يباع مع الاب ابنه الصغير. قال مالك وأصحابه: ولا يفرق بين الولد وإلأم حتى يثغر وليس فى أول إلاثغار. قال الليث: فى عشرين سنة، ولم يختلف فى غير ذلك. وروى على ابن زياد عن مالك: إن حد التفرقة البلوغ. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يفرق بينهما بعد البلوغ. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فى الإمام يبيع السبى على أن هذا زوج هذه، أو يبيعهم الربانيون القادمون بهم على هذا، فليس للمشترى أن يفرقهم ويقران على تلك الزوجية، وليس فى هذا اختلاف. قال أصبغ قال ابن القاسم: ويفرق بين الجدة وبين ولد ابنها أو ابنتها فى البيع فى السبى وغيره. [3/ 287]
ومن كتاب ابن حبيب: وإن اشترى جاريتين من السبى أو وقعتا فى سهمه فقالتا نحن أختان أو أم وابنتها، فلا يجمع بينهما فى الوطء إذ لعل ذلك كما قالتا. وإن اشترى علجاً وأمرأته من السبى أو وقعا فى سهمه، فقال زوجتى وصدقته فله أن يطأها. ولو اشتراهما من أهل الحرب ولم يسبيا فادعيا أنهما زوجان أو قال ذلك بائعها، فلا يطأها لأن البيع ل يهدم النكاح بخلاف السبى، ولا يفرق بين الوالدة وولدها فى البيع والسبى وغيره، وحد ذلك إلاثغار، وليس ذلك فى غيرها من القرابة من أب أو غيره. وما بيع على التفرقة والولد صغير فسخ البيع. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم سبى أوطاس: لا توطأ حأمل حتى نضع ولا حائل حتى تحيض. قال ابن حبيب: وهذا فى الكتابيات. وإما المجوسية فحتى تسم (وتحيض. وإن حاضت قبل أن تسلم أجزأه، وإسلأمها أن تشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله)، أو تجيب بأمر يعرف دخولها فيه بإشارة أو كلام. والصغيرة التى تعقل ما يقال لها فلا توطأ حتى تجيب إلى الإسلام. وإن ماتت قبل ذلك لم يصل عليها. فإما الصغيرة التى لو ماتت لصلى عليها فتلك توطأ إن حملت ذلك. وينهى عن وطء المسيبة فى بلد الحرب لئلا تهرب إلى أهلها. وفى حديث الخدرى ما يدل على إجازته ويجوز وطء المسيبة الكتابية لها زوج ببلدها أو معها فى السبى، والسبى يهدم النكاح، سبيا معاً أو سبى الزوج قبلها أو بعدها، إلا أن يسلما أو يسلم الزوج مكأنه، يريد بعد إسلأمها لأنها أمة، ويريد ما لم يقرأ على نكاحها بعد السبى، فليس للسيد بعد ذلك وطء الأمة، ولو وطئت أولاً بالملك لزالت العصمة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إن سبيا معاً أو سبى أحدهما قبل صاحبه فهما على نكاحهما ما لم تستبرأ المرأة ويطأها السيد. فإن وطئها قبل يدركها الزوج ويعلم بذلك فالنكاح منقطع. [3/ 288]
باب في الشهداء ودفنهم والصلاة عليهم
قال ابن بكير البغداداى قال مالك: إذا سبيت قبل الزوج انفسخ النكاح وحلت لمالكها إذ عهد لزوجها. وإن سبيا معاً فاستبقى الزوج أقرا على نكاحهما إذ صار لزوجها عهد حين استحيى، فصار أحق من المالك. قال أبو محمد: يريد إذا صحت الزوجية: باب الشهداء ودفنهم والصلاة عليهم قال أبو محمد: وهذا الباب مثله فى كتاب الجنائز، فيه ما جرى فى المجموعة وكتاب العتبى وبعض ما فى كتاب ابن سحنون، وها هنا بقية كتاب ابن سحنون وابن حبيب. قال ابن حبيب: ويدفن الشهداء فى المعترك بدمائهم وثيابهم كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وينزع منهم السلاح كله والمناطق والمهأمز والدرع والمغفر والساعدان وغير ذلك من السلاح، ولا تنزع العمأمة والقباء والقميص والدراعة والسرأويل ونحوه، وهذا مجتمع عليه. واختلف العماء فى القلنسوة والخف والفرو والجبة المحشوة. وأكثر ما عليه علماؤنا أن لا ينزع ذلك، وهو أحب إلى. ولا بأس بترك الخاتم إن كان لا قدر له. فإن كان له قدر نزع. ومن كتاب ابن سحنون: روى سحنون عن ابن نافع عن مالك، قال: ينزع السلاح. قيل فالخفإن؟ قال: لا أدرى ما الخفإن. قال أيضاً مالك: لا ينزعا. وقال أشهب: ينزع الخفإن والقلنسوة والمنطقة والفرو والحشو وجميع السلاح. قال سحنون: لا ينزع شىء من هذا إلا السلاح. وكذلك روى معن وابن القاسم عن مالك فى الفرو. وكذلك قال ابن المواز وقال: ولا يغسل من دمه شىء. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: ولا أحب أن يزاد عليه فى الكفن ولا ينزع منه، إلا أن يقتل فيما لا يواريه أو يسلب فليكفن. [3/ 289]
قال ابن حبيب: وإن كان عليه ثوب عارية أعطى ربه قيمته من تركته وترك عليه. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإنما الذى لا يصلى عليه من قتل فى المعركة قعصاً. وإما من حمل من المعركة إلى بيته فمات فيه أو فى أيدى الرجال أو بقى فى المعركة حتى مات فليغسل ويصلى عليه. قال سحنون وابن حبيب فى الذى بقى فى المعركة: إنما هذا فى الحياة البينة الذى لا يقتل قاتل مثله إلا بالقسأمة. قال ابن حبيب: كذلك سمعت أهل العلم يقولون. قال سحنون: ومن حمل وهو فى غمرة الموت فمات مكأنه أو بعد ذلك بقليل فى أيدى الرجال أو أنفذت مقاتله فحمل فمات فى بيته، فلا يغسل ولا يصلى عليه. وإن أوصى بوصية وهو فى غمرة الموت بكلام يسير ثم مات مكأنه فلتنفذ وصيته ولا يغسل ولا يصلى عليه. ولو أنفذت مقاتله لم تجز وصيته. وقال غير سحنون من أصحابنا: تجوز وصتيه وقد أوصى عمر حين طعن، وهذا مذكور فى كتاب الديات. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أسره العدو فلم يؤمنوه حتى قتلوه ورموه إلينا فلا يصلى عليه. ولو أمنوه ثم قتلوه لغسل وصلى عليه. ومن قتله العدو فى غير قتال فى علاقة أو سرية أو ساقة أو غفلة فى المسير أو فى القفل فأنه لا يغسل ولا يصلى عليه. وكذلك لو حلوا بالمسلمين فى مدينة أو حصن فقتلوهم فى عقردارهم يريد فى وسط دارهم، أو فى حصن من حصنوهم، فقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فليدفنوا بغير صلاة ولا غسل. وإذا احتيج إلى دفن اثنين فى قبر واحد أو جماعة من الشهداء أو بوباء نزل فلا بأس بذلك ويقدم أحسنهم حإلا وإن كان أصغر سناً وأقلهم قرآناً. فإن استووا فأعلمهم وأكثرهم قرآناً. فإن استووا فأسنهم. [3/ 290]
قال: وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقدم أكثرهم قرآناً لأن الحال منهم كلهم حسنة. قال: ومن وجد قتيلاً فى قرية من قرى العدو ممن شذ فلا يغسل ولا يصلى عليه حتى يعلم أن قاتله من غير العدو أو أنه عاش بعد أن جرح. قال ابن حبيب قد قيل: أنه يغسل ويصلى عليه حتى يعلم أن العدو قتله قعصاً وبالأول أقول. وإن قدر على دفن الشهداء حيث صرعوا فعل ذلك وهى السنة. ومن قتله نصرانى أو مسلم بدار الإسلام فأنه يغسل ويصلى عليه. ومن كتاب ابن سحنون قيل لمالك: روى أنه يبدأ بالشهداء بأكثرهم قرآناً؟ قال ليس هذا من إلاحاديث المعروفة. قال ابن حبيب: كان هذا أول الإسلام والحال منهم كلهم حسنة. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم فى القوم بأرض العدو يوجد منهم رجل فى القرية قد قتل لا يدرى من قتله بسلاح أو غيره، فليغسل ويصلى عليه. ولو عرف أنه قتله أحد من العدو قعصاً فى قتال بينهما قتلاً لم يحى بعده فلا يغسل ولا يصلى عليه. ومن وجد ميتاً فى المعترك ولا أثر فيه فلا يغسل ولا يصلى عليه. قال سحنون: إذا وجد من ساعته أو من يومه من المتعلفة أو نحوهم مقتولاً لم يصل عليه. وإن وجد بعد أيام فليغسل ويكفن ويصلى عليه. ومن وجد بحضرة القتال ميتاً فى المعترك ولا أثر فيه، أو وجد الدم يخرج من فيه أو من أنفه أو إذنيه أو عينيه أو دبره أو من ذكره، أو خرج منه مرةً حمراء أو صفراء فلا يغسل ولا يصلى عليه. وكذلك من قتل فى الصف بنشاب أو حجر، أو سقط فأوطأته دابة مشرك قاصداً أو غير قاصد، أو نفحته أو كدمته أو ضربته بيدها أو بذنبها فمات فلا يغسل ولا يصلى عليه. ولو لم يكن عليها راكب وقد غارت لمشرك ولا سائق لها ولا قائد فقتلته بصدم أو أوطأته فمات يغسل ويصلى عليه. وإذا أنهزموا فقتلهم العدو فى الهزيمة فلا يصلى عليهم. وإن عثرت برجل دابته فرته [3/ 291]
فقتلته أو وطئت دابته على رجل فقتلته وعليها راكب أو لها سائق أو قائد فهذا يغسل ويصلى عليه. ولو رمى مشركاً بسهم فأصاب مسلماً خطأ لغسل وصلى عليه. وكذلك من نفرت دابته بتنفير المشركين إياها فرمته فقتلته أو زجروا دوابهم وضربوها فرمت برجل دابته فمات فأنه يغسل ويصلى عليه. وكذلك لو ضربوا بالدرق وجهها فنفرت فرمتهم فمات بعضهم. وكذلك من نفرها من حمل خيل المشركين عليها. وكذلك لو ألجأوهم إلى نهر فغرقوا فيه، أو إلى نار فاحترق بعضهم أو غرقوا، فليغسلوا ويصلى عليهم. وكذلك لو طعنوهم برماح فرموهم فى الماء أو فى نار عن دوابهم أو عن السور فماتوا فكما ذكرنا. وإذا قتل الشهيد جنباً قال سحنون: يغسل ولا يصلى عليه لأنه حى عند ربه. وقال أشهب لا يغسل. وإذا وجد فى المعركة حريقاً أو غريقاً لا يعرف سببه لم يغسل ولم يصلى عليه. ولو طلعوا حصناً فزهقت رجل أحدهم فسقط فمات، أو سقط عليهم حائط السور فماتوا، أو نقبوه فخر عليهم، فليغسلوا ويصلى عليهم. ولو نقبة العدو وعلقوه ثم دفعوه عليهم فهلكوا، فلا يصلى على هؤلاء ولا يغسلون. ولو سقط عليهم من غير دفع لغسلوا وصلى عليهم. وإذا خندق المشركون خندقاً جعلوا فيه ماءاً أو ناراً أو رموا حولهم الحسك فهلك بذلك أحد فأنه يصلى عليه. ولو رمونا بالنار لم يصل على من مات من ذلك. وكذلك لو جعلوا النار فى أطراف الشجر لتصل إلينا لقربها منا. ولو لم يجعلوها لذلك إلا لإحراق الخشب ونحوه فليغسل من مات بذلك ويصلى عليه. وإن رموا العسكر بالنار فأخذت فى الفساطيط فأحرقت وقتلت أو ذهب بها الريح فقتلت فلا يصلى على من مات بذلك. وكذلك ما رمونا به فى البحر، فتراقت النار إلى حرق مركب وأهله بخلاف نار تلحقنا من غير رميهم. وإذا وجد فى المعركة أحد قد مات بأحد هذه الوجوه فلا يدرى بفعل [3/ 292]
بقية مسائل من صلاة الخوف، زيادة على ما في كتاب الصلاة من ذلك في صلاة المسايفة وصلاة الراكب
المشركين أو بغير فعلهم، فهو على أنه بفعلهم حتى يظهر خلافه. وهذا إن وقع بينهم لقاء أو حرب أو مرإماة، وإلا فالغسل والصلاة عليه واجبة. قال أشهب: إذا أغار الروم على مدينة للمسلمين فقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فإن كان على وجه قتال فلا يغسلوا ولا يصلى عليهم، (ومن قتل منهم على غير قتال صلى عليه وغسل, وقال سحنون: لا يغسلون ولا يصلى عليهم). قال أشهب: ومن أكله سبع أو مات من تردى من جبل أو سقوط جدار أو غرق أو فى بئر، أو قتيل يوجد فى القبيلة لا يدرى ظالم هو أو مظلوم بحديد أو غيره، فليغسل ويصلى عليه. بقية مسائل من صلاة الخوف زيادة على ما فى كتاب الصلاة من ذلك فى صلاة المسايفة وصلاة الراكب من كتاب ابن سحنون فى السير قال مالك: إذا اشتد الخوف والقتال وأخذت السيوف مأخذها صلوا بقدر الطاقة إيماءً، وحيث توجهوا مشاةً وسعاةً وركباناً تومئون بالرؤوس. وقال أهل العراق: إنما صلاة الخوف والقوم متوافقون. فإما فى المسايفة والطعان والمرإماة فلتؤخر الصلاة إلى زوال ذلك، لأن هذا عمل فى الصلاة. قالوا: وقد صليت المغرب يوم الخندق بعد هوى من الليل. قال سحنون: كان ذلك قبل نزول إلاية فى صلاة الخوف. وإما قولهم: هذا عمل، فإن من قولهم: إذا صلت الطائفة الأولى ركعة، ذهبت وجاه العدو وهى فى الصلاة، فهذا العمل أكثر. وقال ابن عمر فى صلاة الخوف ما قال، قال: فإن كان خوفاً أشد من ذلك، صلوا كما قال الله عز وجل: (فإن خفتم فرجإلا أو [3/ 293]
ركباناً)،حيث ما توجهوا ويؤمئون بالسجود أخفض من الركوع. فإن لم يقدروا على إلايماء فالتكبير يجزيهم فى كل ركعة تكبيرين، وقاله مجاهد. وقال الأوزاعى ومكحول: إن لم يقدروا على إلايماء وخروا. قال سحنون: قد اعلمتك بقولنا. قال الأوزاعى: إن لم أن يصلوا صلاة الخوف مع الإمام كما روى وقدروا أن يصلى كل واحد ركعتين بأربع سجدات، ويقاتل عنه صاحبه فليفعلوا. قال الوليد: ولا يجب عليهم صلاة الخوف إن قدروا على هذا. قال سحنون: أقامة صلاة الخوف أولى بهم إن قدروا. قال أشهب: وإذا صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعةً، ثم حمل عليهم العدو فأتموا الصلاة بإلايماء أجزاهم. وكذلك إن حملوا عليهم فى الركعة الثانية. قال أشهب وإذا أتوا العدو وخافوا منهم صلوا (على الدواب. قيل: أيصلى بطائفة وطائفة تكف العدو؟ قال: نظن أنه) إن كان فى طائفة كف للعدو أنه يقدر أن يصلى بالآخرى بالارض. وإذا خاف على الطائفة المواجهة، (فله أن يصلى بالآخرى ركباناً. وغن صلى بطائفة ركعةً ثم ركبوا أو واجهوا العدو) لم تفسد صلاتهم بالركوب والقتال للضرورة، كما لم يفسدها عمل الشىء للضرورة. قال أشهب: وللإمام أن يستخلف فى صلاة الخوف إذا أحدث فيعمل المستخلف ما كان يعمل. وإن كان الإمام مقيماً أتم بهم. وإن كان مسافراً وخلفه مسافرون ومقيمون، صلى بكل طائفة ركعةً ويعمل على أصل أشهب كما تقدم، إلا ان المقيمين يتمون بعد سلأمه. وإذا لم يقدر الركبان على النزول من العدو، وقدروا أن يصلوا ركباناً بإمام فعلوا. وإلا صلوا أفذإذا. وإن قدروا أن ينزل بعضهم فيصلون بالارض ممسكين دوابهم. ولو رجلاً والباقون وقوف ركباناً فعلوا. ولا يجوز حينئذ أن يصلوا على الدواب إلا ان يخافوا أن يفوت المتربصين منهم فليصلوا على الدواب. [3/ 294]
في إقصار الصلاة في الغزو أو في بلد العدو
قال سحنون: وإن حاصروا حصناً وحضرت الصلاة فخافوا إن نزلوا فاتتهم غرة أمكنتهم فليصلوا على دوابهم. وقاله الأوزاعى. وقال: وإن كانوا راغبين غير راهبين. وقاله مكحول فى قرية عدوا عليها، وقد انتشر أهلها وخافوا الفوت وأمكنتهم فرصة. وفعله شرحبيل بن السمط. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم إذن فى ذلك للسرية إذا بلغوا المغار عند الصلاة. قال سحنون: وإذا اشتد القتال ورجى فتح الحصن جاز أن يصلوا إيماء وهم يسعون ويقاتلون. قيل: فإن لم يقدروا على (إلايماء؟ قال: هذا محال أن يأتى بهم حال لا يقدرون على إلايماء. وقال الأوزاعى: إن لم يقدروا على) ذلك، وخروا حتى يفتحوا أو تمكنهم صلاة الخوف. وقال أنس بن مالك: ما صلينا صلاة الصبح فى فتح تستر مع أبى موسى إلاشعرى إلا بعد طلوع الشمس، وما أعدل تلك الصلاة ما طلعت عليه الشمس. فى إقصار الصلاة فى الغزو أو فى بلد العدو قال أبو محمد: وهذا الباب قد جرى منه شىء فى كتاب الصلاة الثالث. ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإذا قأموا على حصن بأرض العدو وقد وطنوا أن يقيموا عليه شهراً أو يفتحوه قبل ذلك أو على أقامة شهر، فإن فتحوه فليقصروا لأن دار الحرب ليست بدار أقامة. وإن كان بين الحصن وبين دار الإسلام ما لا يقصر فيه (ونيتهم إلا يجأوزوه فليتموا فى طريقهم ومقأمهم. ولو خرجوا إلى ما يقصر فيه) من بلد الحرب ثم رجعوا فحصرهم الثلج فى آخر بلد [3/ 295]
الحرب فأقاموا باقى سنتهم حتى انكشف، قال: يقصرون لأن بلد الحرب ليست بقرار وقد يرهقهم العدو، إلا أن يجرى بينهم فى ذلك هدنة فليتموا فى أقامتهم. ومن دخل دار الحرب بأمان فله حكم من بدار الإسلام فى مقأمه وفى نيته أن يقيم أربعة أيام بموضع. ومن أسلم منهم وأمن أو كتم إسلأمه، فهو كمن فى وطنه فى سفره ومقأمه. وإما أسير مسلم بأيديهم فهو كالعبد يغلب على مراده. فإن سافروا به إلى ما يقصر فيه وهو لا يريد السفر أو يريد المقام أربعة أيام فليقصر. وإن نووا هم أقامة أربعة أيام أتم هو. وإن لم يرد هو مقاما يعمل على مرادهم. وكذلك حكم العبد والزوجة يسافر بها فى بلد الإسلام. وكذلك الرجل يبعث فيه الخليفة ليؤتى به من بلد كذا وهو لا يريد فإنما يقصر أو يتم على قصد الذاهبين به. وإن انفلت منهمالا سير المسلم فليقصر أبداً ما بدار الحرب. وإن نوى أن يقيم شهراً أوغيره، فليقصر لأنه لا يأمن. وكذلك من أسلم منهم فطلبوه فهرب، أو مستأمن منا غدروه فطلبوه، فهو على القصر فى هربه فى مسافة يقصر فيها. ومن خرج بغير علمهم فيقيم كأمناً فى موضع ينوى فيه أقامة شهر ونحوه فليقصر. قال ابن سحنون: ومن أوطن من هؤلاء مدينة من مدائن الحرب، ثم لما طلب اختفى فيها، فليتم ما أقام بها حتى يظعن. وكذلك إن خرج إلى مسيرة نصف يوم ليقيم فيها مختفياً فليتم. ولو أسلم أهلمدينة فحاصرهم الروم فليتموا حتى يخرجوا إلى مسافة يقصر فيها فليقصروا، (غلبوا على مدينتهم أو لم يغلبوا. وإن أقاموا ببلد الحرب شهراً [3/ 296]
فليقصروا). وإن رجعوا إلى مدينتهم ولم يكن عرض لها الروم فليتموا بها. وإن كان قد غلب عليها الروم ثم لما رجع أهلها تركوها لهم، فإن أراد أهلها إيطانهم فليتموا. وإن لم يريدوا ذلك ولكن ليقيموا بها شهراً ويذهبوا فليقصروا كمن لا يأمن بدار الحرب. وكذلك المسلمون يغلبون على مدينة للروم، فأقاموا بها ليوطنوها وهم ممتنعون فليتموا. وإن لم يكونوا ممتنعين وإنما يقيموا وإنما يقيموا مدةً ويرتحلوا، فليقصروا. ولو أتى العدو مدينة للمسلمين فخرجوا فعسكروا على ميلين منها فحضرت صلاة الجمعة فلا جمعة عليهم، وليصل بهم ظهراً على سنة صلاة الخوف فى الحضر، وليس عليهم صلاة العيد لشغلهم بالعدو. ولو حوصروا فى المدينة صلى بهم الإمام بكل طائفة ركعةً. قال: واختلف أهل الشام فى الصلاة بدابق إذا نزلها الإمام فى الإقصار. فقال الأوزاعى: هى من منازل المسلمين. فإذا لم يدر متى يرحل منها. فأقصر إلى اثنى عشر يوماً، ثم أتم. واختلف قول مكحول فى الإتمام بها والإقصار، ورجع إلى أن يتم. قال سحنون: هى من بلد الإسلام، والأمر عندنا على حالين: فإن نزل بأرض الإسلام قصر ما لم ينو أقامة أربعة أيام. وإن كان بأرض الحرب فليقصر ومن أقام السنين، أقام على حصن أو غيره. وروى الوليد عن مالك أنهم كانوا يجمعون الصلاة فى الغزو، وما سمعت أحداً يحكى هذا عن مالك، ولا جمعة عند مالك ببلد الحرب. قال الأوزاعى: يصلون صلاة العيد بإمامهم. قال سحنون: لا صلاة عيد ولا جمعة ببلد الحرب، ولا أضحية عليهم. [3/ 297]
وقال الأوزاعى ومكحول: يضحون بغنم الروم. قال سحنون: إنما يضحى الرجل بملكه وغنم الروم غير مملوكة. قال سحنون: وإذا كانت مدينة هى أقرب إلى دار الحرب من آخرى، وأمر الخليفة أهلها بالغزو، فكتب بذلك أمير الدنيا إلى القصوى فخرجوا إلى الدنيا فإن كان بين المدينتين ما يقصر فيه قصروا. وإن لم يكن بينهما ذلك وبين القصوى وبلد الحرب ما يقصر فيه، فإن كان أهل القصوى على عزم فى الخروج، خرج أهل القريبة أو قعدوا، فليقصروا من يوم خرجوا، ولا قصر على أهل الدنيا إن خرجوا حتى يكون بينهم وبين أرض الحرب ما يقصر فيه. وإن كان أهل القصوى لا ينفذون إلا بخروج أهل الدنيا فلا يقصر أهل القصوى حتى يبرزوا مع أهل الدنيا منها إلا أن لا يكون بسير منها إلى أرض الحرب ما يقصر فيه فلا قصر على أحد منهم. وإذا جهلوا أقصى سفرهم لم يقصروا على شك حتى يوقنوا بما يقصر فيه. وإن كان بين المدينتين أربع برد فأكثر قصر أهلها بخروجهم وفى مقأمهم فى الدنيا وإن طال مقأمهم إن كانوا عازمين على النفوذ، ما لم ينووا أقامة أربعة أيام بها فليتموا حتى يبرزوا منها فيرجعوا إلى أصل سفرهم فيقصروا. وإن جهلوا أقصى المغزى فلا يقصر من خرج من المدينة القريبة حتى يوقن بمسيرة أربعة برد، إما لخبره أو علمهم بمخارج أسفاره. وإذا خرجوا عازمين والسفر تقصر فيه الصلاة فعسكروا خارجاً حتى يلحقهم الوالى فليقصروا ما أقاموا إن كان لابد أن يخرجوا، خرج وإليهم أو لم يخرج. وإن كان لا يخرجون إلا به أتموا حتى يرحل بهم عن عسكرهم إلى ما يقصر فيه. وإن خرجوا وبينهم وبين المدينة الآخرى بريدان، وبينهم وبين أول دار الحرب أربع برد فليقصروا. فإن قصروا فلما بلغوا المدينة [3/ 298]
الآخرى قال الوالى: قد كتبت إلى الخليفة قبل خروجكم إلا تغزوا، فإن كان خروجهم من مدينتهم على إلا يخرجوا إلا بخروجه وقصروا فليعيدوا كل ما قصروا فيه. ولو كتب إليهم وإلى القرية من أراد الخروج فليواف موضع كذا من أول دار الحرب، ولم يخبرهم مدى سفره فأتوه، فإن علموا أن فى سفرهم ما تقصر فيه قصروا من يومئذ. وإن قصروا قبل ذلك أعادوا أبداً أربعة. وإن ظعنوا فى الوقت فركعتين. آخر الرابع من كتاب النوادر والحمد لله يتلوه الخأمس والحمد لله [3/ 299]
صفحة بيضاء
[الجزء الخامس من الجهاد]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولأنا محمد وآله وسلم الخامس من الجهاد والنوادر فى فداء الأسارى المسلمين وهل يفدون بالخيل والسلاح والرجال والنساءوالصبيان والأشياء المحرمة وفى رجوع من يفدى الأسير عليه من العتبية روى أشهب عن مالك (قال: ويجب على المسلمين فداء أساراهم بما قدروا عليه، كما عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم. قال أصبغ عن أشهب عن مالك) وإن لم يقدروا على فدائهم إلا بكل ما يملكون فذلك عليهم. وذكر ابن سحنون نحوه عن مالك، وذكر ابن حبيب رواية أشهب هذه كلها. قال: ورواها ابن الماجشون عنه. قال ابن حبيب: وقاله الأوزاعى. وقد سمعت أهل العلم يقولون يجب ذلك على الإمام وعلى العام ة. فإما على الخاصة فمستحسن. وأمر عمر بن عبد العزيز أن يفدى من هرب إليهم طوعاً من حر أو عبد، وذكر ابن سحنون عنه مثله. ومن العتبية قال أشهب: فإن طلبوا الخيل والسلاح فلا بأس أن يفدى بها. وإما الخمر فلا ولا يدخل فى نافلة بمعصية. [3/ 301]
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: يفدى بالخيل والسلاح، والمؤمن أعظم حرمة. وإن طلبوا الخمروالخنزير والميتة أمر الإمام أهل الذمة بدفع ذلك إليهم وحاسبهم بقيمته فى الجزية. فإن أبى من ذلك أهل الذمة لم يجبروا، ولم ير قول أشهب. قال سحنون: لا بأس ان يبتاع لهم الخمر للفداء وهذه ضرورة. وفى غير كتاب ابن سحنون: أن ابن القاسم لم ير أن يفدى بالخيل والخمر (قال: والخمر أخف. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا طلبوا منا فداء المسلم بالخيل والخمر). فلا يصلح ذلك بالخيل، وهو بالخمر أخف. وأجاز أبو زيد أن يفدى بالفرس وقال: مسلم أحب إلينا من فرس. ومن كتاب ابن سحنون: ومن فدى أسيراً مسلماً بخمر أو بخنزير أو ميتة أو اشتراه بذلك أو وهب له فكافأ عليه بذلك فلا رجوع له عليه بشىء من ذلك إلا ان يكون المعطى ذمياً فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير. وإن كانت الميتة مما يملكون أخذ منه قيمتها. قلت: فلم أرجعته بما كافأ فيه والمكافأة تطوع؟ قال: لأنهم يرى أنهم أرادوا الثواب. قال ابن حبيب: قال لى مطرف وابن الماجشون وأصبغ لا بأس بفداء المسلم بالخيل والسلاح وبالمشرك الذى له القدر عندهم والنجدة إذا لم يرضوا إلا به. [3/ 302]
قال عمر: لبقاء مسلم أحب إلى من فتح حصن حصونهم. قال ابن حبيب: وهذا إذا أيس أن يقبلوا مالا، ويجتهد فى ذلك ويبذل. قال والسلاح والخيل أيضاً إذا لم يكن أمراً كبيراً يظهر لهم بالقوة القاهرة. وكذلك العدد الكثير. فإما الرجل والرجلان والشىء بعد الشىء فى الفرط فذلك جائز إلا أن ياتى مشرك إلينا معه أسير مسلم فلا يفادى بالسلاح. فإن أبى إلا ذلك أخذ منه صاغراً وأعطى به القيمة. وكذلك إن جاء به ليفدى به مشركاً فوجده قد مات، فلا يترك يرجع به ويعطى القيمة. والذى ذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون وغيره، وخالفه ابن القاسم. قال أبو محمد: وفى باب فداء أسارى المشركين من هذا. ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا فدى الأسير بأضعاف ثمنه، فأنه يرجع عليه به على ما أحب أو كره. قال ابن نافع عن مالك: وإذا أسلم الصبى عندنا فلا يفدى بهالأسير المسلم. قال سحنون: وإن طلبوا علوجاً بأيدينا لهم نكاية فى فداء المسلم فلا بأس أن يعطوا ذلك. وكذلك صبيان صغار من أطفالهم إلا ان يسلموا ويعقلوا الإسلام فلا أرى ذلك. وقد قال مالك: إذا سبوا أطفالهم وليس معهم أب ولا أم فلهم حكم المسلمين ويصلى عليهم إن ماتوا. وأجاز ان يفادى بهم المسلم. وقال لى معن عن مالك: لا يفادى بمن صلى من السبى. قال سحنون: ولا بأس أن يفدى مسلم بذ مى إن رضى الذ مى وكانوا لا يسترقونه. فإما إن كانوا يسترقونه فلا. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك: وإذا قدم مشرك بأسير مسلم فطلب أن يفدى به قريباً له مشركاً رقيقاً لمسلم، فأبى سيده فليجبره [3/ 303]
الإمام على أن يأخذه فيه قيمته ويفدى به المسلم. قال: وإن طلب المشرك بأسيره شططاً من الثمن فإن كان قريباً من القيمة أعطيه. وإلا أخذ القيمة، ولو طلب الرجوع به جبر على أخذ القيمة ونزع منه، قاله ابن نافع. وقال ابن القاسم: لا يؤخذ منه إلا برضاه ويترك الرجوع به، وخالفه أصبغ وغيره، وليس من الختر ولم يعاهدهم على أن يخالف بالعهد أحكأم الله سبحانه. وذكر ابن سحنون عن عبد الملك نحوه وقال: إن كان فى قيمة المشرك فضل بين على المسلم منع القادم به من الرجوع به. قال سحنون وقال عبد الملك: ولا يزاد على قيمته إلا الشىء القريب. وقال مالك: يمنع من التشحيط فى ثمنه. وكذلك إن كان العلج والعلجة تشبه قيمتهم قيمة المسلم، نزعها ممن هما بيده وأعطاه القيمة على الإجتهاد. قال ابن سحنون عن أبيه: إذا طلبوا فى فداء أسارى مسلمين علوجاً استرقهم المسلمون وأبوا إلا هذا، فلا بأس أن يجبر الإمام ساداتهم على البيع ويعطيهم الثمن ويفدى المسلمين بهم، ولا يباع منهم جبة مشرك ذات ثمن، ولا بأس أن يفدى بها مسلم، يريد: كأنها مما يتزين به فى الحزب. وإذا قدم علج بأسير يطلب به فداء زوجته أو ولده فوجدهما قد أسلما، فمالك وابن القاسم يريان ان له رده، وغيرهما يرى أن يجبر على أخذ القيمة. قال: ولو كان إنما فاتا بتدبير أو كتابة أو عتق إلى أجل، فهو فوت ويعطى قيمةالأسير عند من ذكرنا، ومعنى القيمة فى هذه المسائل أى فداء مثله، ليس العربى والقرشى كإلاسود والمولى. قلت: فقد فديت الأسارى الذين كانوا بسردانية على قيمتهم عبيداً. قال: إنما ذلك لأنهم غير معروفين عندى من ذوى القدر. [3/ 304]
وقد روى ابن نافع عن مالك فى مسلم رهنه أبوه بيد العدو فمات الاب فخرج رجل مسلم ففداه على من يرجع قال: لو فداه الإمام. قال سحنون: وأنا أرى إن كان رهنه أبوه فى مصلحة للمسلمين وما ينزل بينهم وبين العدو ثم التاث الأمر فعلى الإمام فداؤه، وأحب إلى أن يفتكه ويغرم لمن فداه. وإن كان إنما رهنه فى تجارة فغرم ذلك على الاب ويؤدب. وإن مات فذلك فى تركته يرجع به إلابن ويؤدى إلابن لمن فداه ويرجع بذلك فى تركه إلاب. وقال ربيعة: وإذا فدى الذمى مسلماً فليرجع عليه بما فداه به إن كان من ذمتنا ممن علينا نصره. وإن كان ممن ليس علينا نصره فلهم رضاهم. قال: يعنى من ليس علينا نصره: من ينزل عندنا بأمان وقد فدوا مسلماً فلهم رضاهم. قال ابن حبيب: إلا أن يطلب هذا المستأمن ثمناً شحيطاً فليعط القيمة. قاله مالك من رواية مطرف وابن الماجشون، وقاله أصبغ. قال سحنون: ومن فدى خمسين أسيراً مسلماًببلد الحرب بألف دينار رجع عليهم، ومنهم ذو القدر وغيره الملىء والمعدم، فإن كان العدو قد عرفوا ذا القدر منهم وشحوا عليهم فليقسم عليهم الفداء على تفأوت أقدارهم. وإن كان العدو جهلوا ذلك فذلك عليهم بالسوية. وكذلك إن كان فيهم عبيد، فهم سواء والسيد مخير بين أن يسلمهم أو يفديهم. قال: ومن فدى أسيراً مسلماً فهو أحق بماله من غرمائه حتى يأخذ الفداء. قال عبد الملك: وذلك آكد من الدين لأنه يفدى وهو كاره وبأضهاف ثمنه وديته، فقد حل ذلك فى ذمته بغير طوعه فلهذا صارأولى. وقد يبيع الرجل العبد بيعاً فاسداً فيفسخ وقد أتلف البائع الثمن وفلس فالمبتاع أحق به حتى يأخذ الثمن كالرهان. فإن بقى عن قيمتهم شىء، حاصهم (به فيما سواه من ماله. [3/ 305]
وكذلك من فدى مكاتباً أو مدبراً أو معتقاً إلى أجل، وسيد أم الولد) فيما يلزمه فيها. قال سحنون: ومفديها أحق من غرماء سيدها بما فداها به. وقد تقدم فى الجزء الثانى فى باب الحر يفدى أو يباع فى المغنم ذكر الرجوع على الحر بالفداء. قال سحنون: ومن فدى ذميةً من العدو فلا يطأها وله ما فداها به، يريد: عليها. ولو أهدى مالك الروم إلى أمير المسلمين أو إلى المسلمين مسلماً أو ذمياً لم يكن عليهما شىء. قال: وروى ابن نافع عن مالك فيمن اشترى عبداً من العدو فلما قدم به تكلم بالعربية وأقام البينة أنه حر أسره العدو فأنه يغرم لمبتاعه الثمن. فإن لم يكن عنده فليبتع به ديناً. قال عنه ابن نافع فيمن عنده أم ولد نصرانية ابتاعها من السبى فطلب قريب لها ان يعطيه فيها أسيراً مسلماً، قال: إن رضيت أم الولد. قال فى كتاب ابن المواز: وكانت على شركها فذلك جائز. وإن كرهت فإنى أكره ذلك. وإما لو أسلمت فلا يجوز ان يفدىالأسير بها. وذكره ابن حبيب عن مالك وقال: فإن كرهت أو كره ذلك سيدها فلا يفعله. واستثقله أصبغ وإن رضيا. وبقول مالك أقول. وقال العتبية أبو زيد عن ابن القاسم فى أم الولد النصرانية لمسلم طلب وليها أن يفديها، قال: فلا يفعل ذلك سيدها. قال: ولو أعتقها فله أن يدفعها فى الفداء وبعد أن يستبرئها، وكذلك لو أولدها فله ان يدفعها فى الفداء. قال أبو محمد: إنما يعنى، والله أعلم، فى التى أعتقها أو أولدها: إنما يدفعها فى فداء مسلم برضاهم لا بمال يأخذه. وإنما يدفعها فى فداء مسلم [3/ 306]
فيمن فدى زوجته أو أحدا من ذوي محارمه، وفي الفداء على شرط زيادة أو عرض
على أن لا يسترقوها. وقد قال سحنون فى الذمى أيفدى به مسلم برضى الذمى؟ قال: إن كان لا يسترقونه فنعم وإلا فلا. قال ابن حبيب قال مالك فى أسير مسلم قال لرجل: افدنى ولك كذا غير ما تفدى به: فلا شىء غليه غير ما فداه به. وبعد هذا باب فى فداء المشركين فيه من معانى هذا الباب، وباب فى بيع صغارالكتابيين والفداء بهم من هذا، وزيادة فيه. فيمن فدى زوجته أو أحداً من ذوى محارمه وفى الفداء على شرط زيادة أو عرض ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، ومثله فى كتاب ابن سحنون عن مالك والمغيرة فيمن ابتاع زوجته من العدو وقد أسروها أو فداها: فإن لم يعلم بها حين الشراء فله اتباعها بالفداء. وإن علم بها فليس له اتباعها بشىء. قال عنه يحيى بن يحيى: إلا ان تأمره بذلك. قال ابن حبيب: ومن فدى من الزوجين صاحبه فلا رجوع له عليه إلا ان يكون فداؤه بأمره أو يفديه وهو غير عارف به، فليتبعه بذلك فى عدمه وملائه. وقاله مطرف وابن الماجشون عن مالك، وقاله ابن القاسم. وسبيل فداء القريب لقريبه كالزوجين لا رجوع له على الأباء والأمهات والابناء والبنات والاخوة والاخوات والاعمام والعمات والاخوال والخالات والاجداد وبنى الاخوة وبنى الاخوات. فإن فداه وهو لا يعرفه رجع عليه إلا فيمن يعتق عليه فلا يرجع عليه. وإما ان فداه بأمره فليرجع عليه، كان يعتق عليه أو لا يعتق عليه. [3/ 307]
قال سحنون: من فدى أحداً من ذوى رحمه من العدو أو اشتراه منهم، فكل من لا يرجع عليه بثواب فى الهبة فلا يرجع عليه فى هذا إذا كان عالماً به. وكذلك أحد الزوجين يفدى صاحبه إذ لا ثواب بينهما فى الهبات. وإن كان لا يعلم به رجع عليه فى ذلك كله. وكذلك فى إلأبوين والولد لأنه لم يملكه بالفداء. ولو كان ملكاً لكان إذا فدى زوجته حرمت عليه. فإن كان عالماً به لم يرجع عليه. ومن كتاب ابن حبيب: وإن قالت الأسيرة لزوجها آفدنى ولك مهرى أو ولك كذا فليس له إلا ما ودى. وقال ابن القاسم: إن وفيت له الفدية فالمهر موضوع لأنه أمر بين لا خطر فيه. قال ابن حبيب: وقول مالك فى إلاجنبى يكشف هذا: إذا قال له افدنى ولك كذا أنه ليس له غير ما ودى. (وكذلك هذا ليس له غير ما ودى) والمهر ثابت عليه. ومن العتبية: روى يحيى عن ابن القاسم فى الأسيرة تسأل زوجها أن يفديها ولم تسم له شيئاً على أن تسقط عنه مهرها فلا يجوز إذا لم تسم العوض الذى له تركت المهر، ويبقى لها مهرها وعليه غرم ما فداها به. وإما إن سمت له الفدية، فإن سمت دراهم والمهر دنانير لم يجز إلا أن تقبض هى منه الدراهم صرفاً مكأنها قبل التفرق ثم تدفعها إليه للفداء، فيجوز إن كان المهر حإلا. وكذلك لو كانت الفدية دنانير والمهر دراهم. وإن كان كلاهما دنانير والسكة سواء والمهر حال فلا بأس أن يفديها بأقل منه أو بأكثر إذا قبضت ما يفديها به والمهر حال، لأنها إما قبضت أقل منه وتركت باقيه أو قضاها جميعه وزادها. وإن كان المهر إلى أجل لم يجز أخذها أقل منه لأنها وضعت وتعجلت. وإن أخذت أكثر فهو بيع ذهب بذهب إلى أجل متفاضلاً. وإذا كان الذى عليه [3/ 308]
فيمن فدى حرا من العدو، ثم اختلفا في مقدار الفداء، أو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه، أو ادعى استرقاق من قدم معه أو نحو ذلك
عروضاً جاز أن يفديها بمثلها صفةً وجنساً. وإن كانت عليه دنانير أو دراهم جاز الفداء بما شاء حل المهر أو لم يحل إذا قبضت ما يفديها به. وإن كان الذى عليه عروضاً جاز فداؤها بعروض وإن خالفتها، وبدنانير أو دراهم إذا عجل الفدية. فإن تآخرت فلا يجز فيما ذكرنا من ذلك ومن اختلاف العروض. وإن كان المهر طعام افيجوزو أن يفديها بمثله صفةً وجنساً حل أو لم يحل. وإذا لم يحل لم يجز بأكثر منه ولا بأقل. ومن كتاب ابن سحنون روى ابن نافع عن مالك قال: إذا قالت لزوجها افدنى وأضع عنك مهرى وهو خمسون ديناراً، ففداها بعبد قيمته خمسون ديناراً، قال لا شىء له من مهرها إلا أن يفديها وهو لا يعلم أنها أمرأته. وقال ابن نافع عن مالك فىالأسير يقول لرجل: افدنى بكذا وأرده عليك وأزيدك كذا، فليس له إلا ما ودى. وكذلك فى كتاب ابن حبيب عن مالك. فيمن فدى حراً من العدو ثم اختلفا فى مقدار الفداء أو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه أو ادعى استرقاق من قدم معه أو نحو ذلك ومن كتاب ابن المواز عن أصبغ، رواه عن ابن القاسم, ونحوه فى العتبية عن ابن القاسم: ومن فدى أسيراً من بلد الحرب وقدم به وقالالأسير ما فدانى بشىء أو قال بشىء يسير وقال الآخر بكثير، فالأسير مصدق فى الوجهين، كان يشبه ما قالالأسير أو لا يشبه، يريد مع يمينه. قال لأن مالكاً قال لو قال لم [3/ 309]
يفدنى أصلاً لصدق مع يمينه إلا أن يأتى الآخر ببينة. قال ابن القاسم وإن كان هو آخرجه من أرض الحرب. قال: ولو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه لم يصدقا ولا يتبع كل واحد منهما صاحبه بشىء. قال فى العتبيةو يحلفإن. ومن كتاب ابن سحنون إذا قال قد فديتك بمائتين وقالالأسير بمائة، فالقول قولالأسير مع يمينه، وقاله ابن القاسم من غير رواية سحنون. وقال سحنون مرةً: القول قولالأسير إن اختلفا إن ادعى ما يشبه، ثم رجع فقال القول الذى فداه لأنه هو آخرجه من أرض الحرب فهو كالحيازة. وكذلك لو قال لم يفدنى بشىء. قال ابن حبيب: وإذا اختلف المفدى والمفدى فى مبلغ الفداء فالمفدى مصدق مع يمينه (وإن كان مالا يشبه فداء مثله، كما لو قال لم يفدنى بشىء وقد خرجا من بلد الحرب. وكذلك لو قأمت بينة أنه فداه ولم يوقت فالمفدى مصدق مع يمينه). وإذا خرج تاجر من بلد الحرب وخرج معه أسير مسلم أو رجل أسلم من الحربيين وقال فديتهما أو أحدهما فكذباه، فهما مصدقان مع أيمأنهما. ولو صدقه المفدى واختلفا فى مبلغ الفداء فالمفدى مصدق مع يمينه فى مبلغه، وقاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ. وقيل: إذا أقر المفدى أنه فداه واختلفا فى قدر الفداء فالفادى مصدق ويصير كالرهن فى يديه وهذا خلاف قول مالك. وإذا خرجت مسلمة كانت مأسورةً مع حربى أسلم فادعى كل واحد أنه فدى صاحبه فليتحالفا. فمن نكل صدق عليه ما حلف. ومن كتاب ابن سحنون (قال الأوزاعى: إذا حلفالأسير والمشترى فيما اشتراه به. صدق المشترى. وقاله سحنون) إن كإن الأسير فى يدى المشترى. [3/ 310]
جامع القول في الأسير المسلم وفي إكراهه على القول أو عمل وذكر صلاته وغير ذلك من شأنه، وهل يطأ أهله
وقال سفيان: إن أقر أنه أمره أن يشتريه ولم يوقت فالمشترى مصدق. وإن قال: أمرتك أن تشترينى بكذا وقال المبتاع بل بكذا فالأسير مصدق. وقال ابن أبى ليلى: القول قول المشترى. وقال ابن حبيب: قا ل ابن القاسم، (وذكر مثله العتبى من رواية يحيى عن ابن القاسم) قال فى أسير مسلم هرب من العدو أو قدم برقيق فزعم أحدهم أنه حر مسلم وانتسب، وهو فصيح وذكر قوماً عرفوا ما يقول أن رجلاً أسر من عندهم عما يصف وينسب ولا يعرفونه بعينه، قال فى العتبية: وفيهم عدول، قال يبقى بيد الذى خرج بيده رقيقاً حتى تثبت حريته. قال فى العتبية: حتى يثبت أنه الذى سبى بالعدول. وقال فى الكتابين: أو يثبت أنه كان يعرف بالإسلام بأرض العدو فلا يجوز استرقاقه بآخراجه من أرضه، وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن سحنون وقال الأوزاعى: وإن خرج إلينا أسير مسلم بامرأة وصبية فزعم أن المرأة زوجته وأن الصبية ابنته، فإن صدقته المرأة فهى زوجته. وإن أنكرت فهى مصدقة، ولا يلحق به ولدها إلا ببينة، وقاله سحنون، وكذلك لو لم يكن معها ولد لم يقبل قوله إلا ببينة أو تقر له بالزوجية. جامع القول/فى الأسير وفى إكراهه على القول أو عمل وذكر صلاته وغير ذلك من شأنه وهل يطأ أهله؟ من كتاب ابن سحنون: روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من استأسر ولم تثخنه جراح فليس منا. وجاء الفضل فيمن قتل منهم، أو خير بين القتل والكفر [3/ 311]
فاختار القتل. وقد أنزل الله سبحانه فى عمار بن يأسر: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بإلايمان) ومن كتاب ابن حبيب قال الله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة)، وقال (إلا من أكره)، إلاية. وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعمار: إن عادوا فعد. فمن ترك الرخصة وصبر على إظهار الإسلام فذلك له واسع فيما يعرض من القتل، وذلك أحظى له عند ربه إن صدق. وقد جاءت به إلاثار. قال: وإنما الرخصة فى القول والقلب مطمئن بإلايمان. وإما على أن يعمل عملاً فيسجد لغير الله أو يصلى إلى غير القبلة أو يشرب الخمر ويأكل الخنزير أو يزنى أو يقتل مسلماً أو يضربه أو يأكل ماله وما أشبه ذلك فلا رخصة له وإن خاف القتل. قال ابن عباس: التقية بالقول وليس بالفعل ولا باليد. وقال محمد بن الحسن: إن كان الصنم إذا سجد إليه قبالة القبلة فله أن يسجد وينوى القبلة، وهو قول حسن. ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعى: أبيح للمكره القول ولا يصدق ذلك بعمل. قال: فإن أكره على ذلك مثل السجود للوثن أو صليب أو أكل خنزير وشرب خمر، فلا يفعل وليختر القتل، وقاله قتادة. وقال سحنون: يسعه أن يفعل ذلك كما يسعه فى القول. وقال الحسن ومكحول: يكره على القول والعمل وهو يسر إلايمان. قال سحنون قال مالك والأوزاعى أخبره عنهما الوليد: قد أسر عبد الله ابن حذافة صأحب النبى صلى الله عليه وسلم، فطبق عليه فى بيت مع خمر وخنزير ليأكل من ذلك ويشرب، فآخرج بعد ثلاث ولم يفعل وكاد أن يهلك، فقال لصأحب قيسارية: إن الضرورة تبيح لى ذلك ولكن كرهت أن أشتمك بالإسلام. [3/ 312]
وروى الوليد عنهما فى أسير قدم للقتل بعد أن صلى العصر أيركع ركعتين؟ قإلا: ليركع فى كل وقت. وقال ابن نافع عن مالك قال ما سمعت ذلك. قال سحنون: لا يركع إلا فى وقت تصلى النافلة. قال الأوزاعى وسحنون فى أسير موثوق منع من الصلاة، قإلا: يصلى إيماء. قال سحنون: فإن أطلق فى الوقت أحببت له أن يعيد وما ذلك عليه. قإلا: فإن حيل بينه وبين الماء فليتيمم ويصلى. قال الأوزاعى: فإن حيل بينه وبين التيمم فلا يدعه وإن قتل، إلا أن يكون فى حديد ولا يقدر معه على وضوء ولا تيمم. قال سحنون: إذا خاف القتل وسعه ترك التيمم، وكذلك ترك الصلاة. وروى معن عن مالك فيمن كعمه العدو ثم حلوه، أنه لا يعيد ما مضى وقته من الصلاة. وعلى رواية ابن القاسم فى الذين تحت الهدم: يعيدون أبداً. وابن نافع لا يرى على من تحت الهدم إعادةً. قال الأوزاعى: ليس على أسارى المسلمين جمعة. قال سحنون: ولو كانوا جماعة يكون لمثلهم جمعة ولم يمنهم من ذلك العدو فليجمعوا، كانوا فى سجن أو فى مدينة مسرحين. قال ابن شهاب ومالك والأوزاعى: إن الأسير يتم حتى يسافر. قال سحنون: ويسألهم عن المسافة ويقبل منهم. قال معن عن مالك: ولا بأس على المجاهد أن يصلى بالسيف قد قتل به المشرك ولا يغسله. قال الأوزاعى: وإذا دعى الطاغية من عنده من أسارى المسلمين أن يقاتلوا معه من خالفه من أهلملته ويخليهم إن فتح له، فإن قاتلوا معه لأنجاز ما وعدهم لا ليحظوا عنده أو ليعزوا دينه فلا بأس بذلك. فعله فروة بن مجاهد فى أصحاب [3/ 313]
له من التابعين مع طاغيته الرومى غزوة برجان، ففتح لهم فأطلقهم، فلم ير من كان يومئذ من العلماء بذلك بأساً. قال الأوزاعى: ويسعهم أن يقاتلوهم من غير دعوة إلى الإسلام، وما غنموا فهو له لأنهم كعبيده. قال سحنون: بقول مالك أقول: أنهم لا يقاتلون معه وإلى من يدعوهم. قال ابن القاسم: وكذلك لو كان عنده تجار فأراد أن يقاتلوا معه فلا يفعلوا ولا يجوز لهم ذلك. وقال مالك فى الروم يقولون لأسارى مسلمين عندهم: قاتلوا معنا أعداءنا من الروم ونطلقكم، فلا يجوز هذا إلى من يردونهم. من العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهلبرشلونة حين أجل لهم العدو سنةً لرحلتهم، فتخلف بعد إلاجل من المسلمين من أغار على المسلمين وأخاف وسبى وقتل أو لم يقتل، قال: هو كالمحارب إن أصابه الإمام رأى كالمحارب ولا قتل عليه ولا عقوبة إذا تبين أنه يخاف وأنه مأمور. ومن كتاب ابن سحنون: قال قتادة فى امرأة سبيت فخافت الفضيحة: أتقتل نفسها؟ قال: لا ولتصبر. قال الأوزاعى: ولا تؤتى إلا عن ضرب. قال سحنون: إنما عليها أن لا تؤتى طائعة، فإن أكرهت وسعها. وإذا خافت القتل أو ضربت وسعها. وكذلك المطلقة ثلاثاً يطأها زوجها فليس عليها قتلها ولا قتله ولكن لا يأتيها إلا مكرهة. قال الأوزاعى فىالأسير يأمره سيده أن يسقيه الخمر قال: لا يفعل وإن قتل. قال سحنون: بل يسقيه إن خاف القتل أو قطع جارحة له. قيل: فأى ذلك أفضل؟ قال: يسقيه إن خاف القتل أو خاف ضرباً يخشى منه الموت وإلا فلا، ثم رجع فقال مثل قول الأوزاعى. [3/ 314]
قال الأوزاعى: وإن أمره الطاغية بقتل العلج فليفعل. قال سحنون: كل من للأسير قتله إن جفى له فليطعه فى قتله ولا يطيعه فى من ليس له قتله إن جفى له، مثل أن يطلق ويؤتمن فلا يسعه ذلك. وإما الذى فى وثاق أو سجن فله ذلك بأمره أو بغير أمره. ولو كان مطلقاً وأخذ الطاغية عدواً له من البرجان فله قتلهم بأمره لأنهم عدو لم يأتمنوه على شىء. وإن أمر بقتل أسير مسلم فلا يفعل وإن خاف القتل. فإن قتله قتل به إن طفر به. قال الأوزاعى: وإن أخذ مال أسارى مسلمين فأعطاه إياه كرهت له أخذه. قال سحنون: حرأم عليه أخذه، قال: وإذا رأودته امرأة سيده أن يطأها فإن لم يفعل كذبت (عليه أنه رأودها فخاف على نفسه، فلا يسعه وطأها بهذا. وإن أكرهه الطاغية على أن يزنى بمسلمة) أو حربية وإلا قتله أو قطع جارحة له فلا يفعل. قال سحنون: وللأسير أن يخيط عندهم ويعمل من الصنائع مالا يضر بالإسلام، ولا يصقل سيفاً أو يعمل سلاحاً إلا أن يخاف القتل أو الضرب فليفعل. وله أن يشترى منهم المضحف ويحتال آخراجه من بلدهم، وأكره أن يأخذ منهم قراضاً، وإنما لم أكره أن يخيط لهم ويعمل لضرورته، ولا يعمل لهم سلاحاً قد علم أنهم لا يقاتلون به الإسلام وإنما يقاتلون به البرجان. قال سحنون: وللأسير أن يحرم بالحج وأن علم أنهم لا يخلونه. وقد أحرم البنى صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أنه يصد. قال: فإذا أتى إلى الوقت لو أطلق علم أنه لا يدرك حل مكأنه. وإن خاف العنت فله أن يتزوج وينكح مسلمة أحب إلينا، ولا يعقد هو نكاحها وليل ذلك رجل مسلم بأمرها. فإن لم يجد لم يجزله النكاح. (قال أبو محمد: لم ذلك؟ فإن كان لأنه كعبد فإن العبد يعقد على غير، وإنما أراه لاشتهار النكاح). [3/ 315]
قال ابن حبيب: كره له مالك أن يتزوج حتى يخشى العنت. فإن خشيه فأحب إليه أن يتزوج من قعد عن الولد، وحكى مثله سحنون عن الأوزاعى. قال سحنون: صواب، ولا يتزوج صغيرة ًلا يلد مثلها إذ قد يأتى وقت يلد مثلها إلا أن يخشى العنت. وكذلك إن لم يجد من الكبار من لا تلد وخاف العنت فليتزوج ولا يعزل إلا بإذنها، وشراؤه للأمة أحب إلى لأنه يعزل عنها لأنه إنما يكره له لئلا ينتشر ولده بأرض الكفر، وكرهه ابن شهاب ومالك والأوزاعى. وإذا سبى هو وزوجته وكان العلج يطأها فلا يطأها الزوج. وله أن يقبل ويباشر وينال ما فوق إلازار كالحائض وكالمغصوبة حتى يستبرئها. وكذلك عندى: من اشترى أمةً بينة الحمل بالبراءة فهى فى ضمأنه، وله التلذذ منها فوق إلازار بخلاف من فيها مواضعة. قال أبو محمد: ومالك لا يرى له ذلك. قال سحنون: وكذلك لمن ابتاع أمةً من وخش الرقيق بيعت على القبض، يريد ولم يطأها البائع، فله أن يقبل ويباشر ولا يطأها حتى تحيض. وكذلك لو وهبه رجل جارية لم يطأها فللموهوب أن يقبل ويباشر ولا يطأها حتى تحيض. وقال الأوزاعى: وإذا أسر مع أمته فلا يطأها لأنها فى ملكهم. قال سحنون: له وطؤها إن خفى له، ولا يزول ملكه عنها إلا أن يسلموا عليها. قال أبو محمد: يريد إن لم يطأها سيدها، أو يريد: فوق إلازار إن كانت يطؤها سيدها. قال ابن حبيب: إذا كانت معه زوجته أو أمته، وهى عند سيده أو عند غيره، فكره له مالك وطأها خيفة أن ينتشر ولده بأرض الكفر. وكذلك ذكر ابن المواز عن مالك: كما يكره للأسير أن يتزوج هناك. قال ابن حبيب: وهذا إنما يكره إذا خلوا بينه وبينها ... فإما إن لم يفعلوا وصار من هى له أملك بفرجها فلا [3/ 316]
يجوز له وطؤها سراً ولا جهراً، بإذن من صارت له ولا بغير إذنه، وقاله الأوزاعى. وقال نحوه ابن القاسم: إن أمره أن يطأ الحرة والأمة من سباها فذلك له وإلا فلأن، ثم كره الأمة لأنها بملك الكافر معلقة، إذ لو أسلم عليها كانت له. قال سحنون: ذلك له. وكذلك روى يحيى/بن يحيى عن ابن القاسم فى العتبية: أنه إن أيقن أن من سباها لا يطؤها، فلزوجها وطؤها حلال، إلا أنى أكرهه لنشر ولده بدار الكفر. وذكر فى الأمة مثل ما تقدم أنه كره له وطأها لتعلق ملك من سباها بها لو أسلم عليها، فتركه أحب إلى. وقال سفيان فى كتاب ابن سحنون فىالأسير يقال له: مد عنقك للقتل فيفعل خوفاً إن لم يفعل أن يمثل به، فلا يعجبنى أن يعين على نفسه. قال الأوزاعى وسحنون: ذلك له، وليس بمعين على نفسه لخوف المثلة. ولو كان مع ابنه فقال: قدموا ابنى قبلى لأحتسبه، فكره ذلك سفيان وأجازه الأوزاعى وسحنون. قال الأوزاعى: وإن كانوا نفراً فقال لهم أحدهم آبدئوا بهذا فبئس ما قال. قال سحنون: هذا إن كان العدو يسمعون منه وإلا فلا بأس عليه. ولم يعجب الأوزاعى أن يقول لقاتله خذ سيفى فأنه أحد وأجازه سحنون. قال سحنون: وللأسير إن شاء أن يأخذ سيفاً فيقاتلهم ولا يرجو نجاةً يريد الشهادة، وفى ذلك توهين لهم. وإن خاف أن يضر بغيره من الأسر ى فذلك له وإن كان بقسطنطينية، وقاله الأوزاعى. وإن ألقى نفسه وقال لا أتبعكم، وهو لا يمتنع من ذلك إلا قتل فذلك له. [3/ 317]
في الأسير المسلم أو من أسلم بدار الحرب: هل له أن يفعل ما يمكنه من هروب أو جناية أو قتل أو سبي، وكيف إن سرحوه بشرط، أو عاهدهم على أمر، كيف إن زنى أو سرق
في الأسير المسلم أو من أسلم بدار الحرب هل له أن يفعل ما يمكنه من هروب أو جناية أو قتل أو سبى وكيف إن سرحوه بشرط أو عاهدهم على أمر وكيف إن زنى أو سرق من كتاب ابن المواز، وهوفى العتبية عن أصبغ وعن ابن القاسم: وقال في الأسير إذا أمكنه الهروب ممن هو عنده من العدو، فإما المخلى يذهب ويجىء فذلك له جائز إلا من خلى على عهد. فإن لم يخل على عهد فله أن يقتل ويغنم ويأخذ ما أمكنه. وكذلك من كان منهم فى وثاق (فاحتال فى كسر قيده بنفسه، فإما إن أطلق من وثاق) بشرط إلا يهرب ولا يخونهم فهذا لا يسعه ذلك. وروى نحوه عيسى عن ابن القاسم قال: وقاله من أرضى، وأشك أن يكون قاله مالك فى الذى خلى على أمان فلا يجوز له أن يهرب ولا يأخذ لهم شيئاً، وإن أرسلوه على غير أمان على ما يرسلون العبد ولا يخافونه فله أن يهرب ويأخذ ما قدر عليه. قال ابن المواز: (إلا أن يكون الذين أطلقوه من وثاق خلوه فى بلد لا يقدر أن يهرب منها وخلوه على أن لا يهرب فهذا له أن يفعل من ذلك ما أمكنه. قال ابن المواز) قال ابن القاسم: وإذا لم يشترطوا ذلك عليه حين أطلقوه من وثاقه فله أن يفعل ما أمكنه من ذلك من أخذ مال وقتل وسبى النساء والذرية. وإن أطلق بشرط أن لا يهرب ولا يحدث حدثاً فلا يجوز له أن يفعل شيئاً من ذلك وذلك كالعهد. [3/ 318]
قال أصبغ: وإن لم يكن فيه يمين. قال ابن المواز: وإذا خلوه على أيمان، فإما مثل العهد والوعد فذلك له لازم. وإما أيمان بطلاق أو عتق أو صدقة فلا يلزمه لأنه إكراه. وقاله لى أبو زيد عن ابن القاسم: إذا خلوه على أن حلف بطلاق أو عتق أو غيره فلا يلزمه وهذا مكره. قال أشهب: وإن خرج به العلج فى الحديد ليفادى به فله إذا أمكنه قتل العلج والهرب أن يفعل. قال يحيى بن سعيد: إذا ائتمنوه على أموالهم فليرد أمان ته. وإما إن كان مطلقاً فقدر أن يتخلص يأخذ من أموالهم ما لم يؤتمن عليه فذلك له. قال ابن المواز: ولو هرب بجارية أو غيرها فلا خمس فى ذلك لأنه لم يوجف عليه، وهذا إن كان إنما أسروه فى بلد الإسلام. فإما إن كان هو خرج إلى بلد الحرب فأسر فعليه الخمس فيما غنم لأنه لم يصل هو إلا بالإيجاف. قال ابن المواز: ولا يطأ الأمة ما دام ببلد الحرب حتى يصل إلى بلد الإسلام فيطأ، يريد وقد إستبرأها. قال ابن القاسم: وله أن يسرق ما بأيديهم ولا يعام لهم بالربا. وقال أشهب فىالأسير يدفعون إليه ببلد الحرب الثوب يخيطه فلا يجوز أن يسرق منه. قال محمد بن المواز: وما سرق منهم ثم تخلص منهم فلا إثم عليه. وإما ما عام لهم فيهم بالربا فليتصدق بقدر ما أربى. وكذلك ما خان إذا لم يقدر على رد ذلك على من خأنه. وإما إن زنى ثم قدم فقال ابن القاسم: يحد إن قأمت به بينة، وإلا فليستتر. فإن أتى الإمام فأقر وتمادى على إقراره (فأنه يحد. قال أصبغ: زنى بحربية أو أمة لأن ذلك حرأم عليه لا تأويل فيه). وقال عبد الملك: لا حد فى زناه بهم ولا فى سرقته أموالهم. [3/ 319]
ومن كتاب ابن سحنون قال: قال الأوزاعى إذا زنى فيهم حد حد البكر وإن كان محصناً. قال سحنون: لا أرى ذلك، وابن القاسم يقول: حد حد الزنا. وأشهب يقول: لا يحد لأنها شبهة لما كان له أن يسيبهم ويسترق ويأخذ ما قدر عليه صار بذلك شبهةً. ولوكان زناه فيهم بمسلمة أو ذمية أو سرق من مسلم أو ذمى لزمه الحد كما يجب فى ذلك كله. وكذلك لو حارب فقطع الطريق فلا شىء عليه إلا أن يفعل ذلك بمسلم أو ذمى. وقال سحنون: يقول ابن القاسم: كما لو زنى بأمة من الخمس. وإما لو حاربهم فى بلدهم فقتل وأخذ المال لجاز له لأن له قتلهم، وليس له وطء نسائهم. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فىالأسير يدخلونه فى بلادهم على القهرة له: فله إذا أمكنه أن يهرب ويسبى النساء والذرية ويأخذ ما قدر عليه. وإذا خلوه على أن لا يهرب ولا يحدث حدثاً فليس له أن يفعل شيئاً من ذلك، سواء إذا تركوه على هذا كان فى وثاق أو مطلقاً. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: كل أسير حر أو عبد كان عند العدو غير ممتنع منهم فأمنهم وأمنوه (أو أخذوه، ثم أطلقوه وائتمنوه فليف لهم. وإن لم يؤمنهم من نفسه ولكنهم أمنوه) وأدخلوه دارهم فلا يغدرهم ولا يخنهم ولا يأخذ لهم شيئاً. وقال ابن حبيب فىالأسير: إذا اؤتمنالأسير على شىء من أموالهم ورقيقهم ونسائهم فليؤد أمان ته، لا يجوز له أن يهرب بشىء من ذلك كان مطلقاً أو غير مطلق، وله الهروب بنفسه خاصةً وإن أطلقوه على الطمأنينة له ما لم يطلقوه على أن لا يهرب. قال: وله أن يهرب بما لم يأتمنوه عليه. قال: ولو جعلوا أموالهم/فى يديه على وجه الغلبة والرق فله أن يهرب بها، وهى لا خمس فيها. [3/ 320]
قال مالك ومطرف وابن الماجشون: ولو كان هروبه إلى جيش دخل بلد الحرب، فإن كان لولا الجيش لم يمكنه الهروب فذلك داخل فى الغنيمة ويخمس، إلا ما كان له خاصةً من كسبه أو هبة وهبت له ونحوه. والقول قوله فيما قال أنه له من ذلك مع يمينه، وقاله كله أصبغ. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا أطلقوه من وثاق بعهد على أن لا يهرب ولا يخونهم فذلك يلزمه، وإن أخذ شيئاً رده. قال محمد وقال سفيان: له أن يهرب، واختلف فيه عن الأوزاعى، فقال: يكفر يمينه ويهرب فى أحد قوليه. قال سحنون: لا وجه للكفارة فى العهد، وإنما فيه الوفاء به أو لا يوفى إذا لم يلزمه الوفاء به. وإن كان على إلا يجاهدهم لم يلزمه وله أن يجاهدهم. قال: وله أن يعاهدهم على ذلك لينجو ولا يلزمه، ثم قال بعد ذلك: وأحب إلى أن لا يغزوهم إلا فى ضرورة تنزل بالإسلام. وإذا كفل به مسلم أو ذمى أو حربى على أن يطلق من وثاق على أن لا يهرب، فإن كان شأنهم قتل الكفيل فلا يهرب كان حربياً أو غيره. وإن كان شأنهم أن يغرموه مالا فليهرب وليبعث إليه بما غرموه. وإن كان شأنهم حبسه يسيراً أو ضربه ضرباً خفيفاً فله أن يهرب. وإن كان يضرب الكفيل كثيراً أو يحبس طويلاً أو مؤبداً فلا يهرب الأسير. وإذا حلوه من وثاق وأمنوه وهو فى حصن نزل به المسلمون أو سمع بهم لم يسعه أن يدل المسلمين على عورة ولا ينزل إليهم من سلاحهم ولا ينزل إليهم حبإلا يصعدون بها ولا يغتالهم فى نفس ولا مال. قال مالك: وإما الموثق فليأخذ ما أمكنه ويهرب ويدل على العورة. وإن حلوه من وثاق ليسقوه ماءً أو يأتى لحاجة فليس له أن يحمل عليهم فيقاتلهم. فإن رأى فلينبذ إليهم على سواء. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا خلى أهل الحربأسارى مسلمين ببلدهم مسرحين، فقال غيرنا إن لهم إن قدروا على أن يقتلوا من أمكنهم ويأخذوا [3/ 321]
ما قدروا عليه ويهربوا. قال سحنون: ليس لهم ذلك، وهذا كأمان من الأسر ى لهم. قال سحنون: إما الهروب فذلك إن أمكنهم، قاله مالك. قال سحنون: إذا قالوا للأسرى قد أمناكم فإذهبوا حيث شئتم، فلهم أن يهربوا ولكن لا يقتلوا أحداً ولا يأخذوا مالا. قال أبو محمد قال غيره: إن سرحوا على عهد فلا يفعلوا شيئاً من ذلك. وإما لو لم يطلقوهم على عهد لكان لهم ذلك. قال سحنون وإذا أسلم قوم بدار الحرب حل لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم. ولو أخذهم الملك فإنكروا إسلأمهم فتركهم، فلهم أن يفعلوا مثل ذلك وليس كمن دخل إليهم المسلمين يقولون إنا نصارى، فيصدقونهم ويدعونهم يدخلوا لأن تركهم يدخلون أمان وعهد فلا يتعدوا عليهم. وإن ذكروا للملك إسلأمهم فقال أنتم أمنون، ولم يؤمنوه هم ولا قالوا له شيئاً ولا فشا هذا بالبلد حتى يعرف أهل البلد أنهم فى أمان، فلهؤلاء ان يقتلوا ويأخذوا ما شاءوا. وكذلك لو قال لهم أمنتكم فألحقوا بأرض الإسلام فلم يقولوا له شيئاً، فلهم أيضاً ما أمكنهم من قتل أو غيره ويخرجون من بلد الحرب. وإن فشا أمان الملك لهم فلا أحب لهم أن ينالوا منهم دماءً ولا مالا. وقال بعض أهل العراق: وإن دخل مسلم أرض الحرب بلا أمان فأخذ (فقال أنا منكم أو قال جئت أقاتل معكم فتركوه فله أن يأخذ من أموالهم) ما أمكنه ويقتل من أمكنه، وليس الذى قال بأمان منه لهم. فقال سحنون: ما تبين لى هذا، وقد كان قال: لا يقتل ولا يأخذ شيئاً، وتركهم له كالأمان. وإذا أمنوه أمنوا منه. [3/ 322]
في الأسر المسلم يؤمنونه على أن يأتيهم بمال أو يبعث إليهم بسلاح
فىالأسير المسلم يؤمنونه على أن يأتيهم بمال أو يبعث إليهم بسلاح من كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فى أسير مسلم بيد العدو فأطلقوه على أن ياتيهم بفدائه: فله أن يبعث بالمال إليهم ولا يرجع هو. فإن لم يجد الفداء فعليه أن يرجع. وإما إن عوهد على أن يبعث إليهم بالمال فلم يجده فهذا يجتهد فيه أبداً وليس عليه أن يرجع، وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن سحنون: قال عطاء والأوزاعى فيمن أسرته الديلم، فأطلقوه بعهد على أن يبعث إليهم بكذا فإن لم يقدر فليرجع، فلم يقدر، قإلا: يرجع إليهم، ولكن على المسلمين أن يفدوه. وقال سفيان: لا يرجع إليهم. قال سحنون: من أصحابنا من قال لا يرجع ويسعى فى فدائه، ومنهم من يقول يرجع، وقاله أشهب. قال سحنون: وأنه لحسن وربما تبين لى هذا وربما تبين لى القول الآخر. قال: ولو فدى أسير نفسه بألف دينار يبعثها إليهم ففعل، ثم غنمها المسلمون بعينها، فهى فىء لا حق للأسير فيها. وعن أسير مسلم صالح العلج الذى هو فى يديه على مال على أن يطلقه ليأتيه به، وأخذ عليه عهد الله إن لم يجد ليرجعن، فذهب فلم يجد؛ فإما على قول مالك فليرجع إليه، وقال سحنون. لا يرجع إليه وليبعث إليه بما وجد، ويبقى الباقى عليه حتى ييسر. ولو خلوه على أن يبعث إليهم بخيل وسلاح فليبعث إليهم بذلك ولا يمنعه الإمام. فإما على أن يبعث بالخمر والخنازير فلا يفعل، وليبعث إليهم بفداء مثله. فى الحكم فى زوجةالأسير وماله وغير ذلك من أحكأمه من كتاب ابن حبيب: قال مالك وأصحابه فىالأسير يوقف ماله وزوجته وينفق عليها منه وعلى من تلزمه نفقته حتى يعلم صحة موته بالبينة.، إن [3/ 323]
فيمن دخل دار الحرب بأمان، هل له أن يحدث حدثا؟
عرف موضعه ولم ينقطع خبره. (فإما إن انقطع خبره بعد أن عرف موضعه أو جهل خبره من أول ما فقد فى المعترك، فليعمر ثم يحكم) بموته، ويرثه ورثته يوم ذلك الحكم بموته، ومن يومئذ تعتد أمرأته للوفاة. وقال مالك مرةً فى التعمير أقصاه ثمانون، وقال مرةً تسعون. وبالثمانين أخذ ابن القاسم ومطرف، وبه قال ابن حبيب. قال وأخذ بالتسعين ابن الماجشون. وما قضىالأسير فى ماله الذى خلف عندنا، فما كان فى أول أسره وعند الخوف عليه فهو فى ثلثه إن مات أو قتل فى فوره، إذا كان خوفه كخوف من حبس للقتل وصح علم ذلك. فإما من طال لبثه عندهم فذلك فى رأس ماله، قاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وأصبغ وغيرهم. ومن مات له من موروث وقد علمت حياته أو علم أنه مات بعد موروثه فليؤخذ ميراثه منه فيضم إلى ماله. وإن جهل خبره أوقف له ميراثه فى ولده أو غيره. فإن صحت حياته أو أنه مات بعده ضم إلى ماله. وإن جهل ذلك حتى موت بالتعمير رد ذلك إلى ورثة ولده وبقى مالا لأسير لورثته يوم قضى بموته. وإن علم أنه تنصر طائعاً أو لا يدرى طوعاً أو كرهاً، فرق بينه وبين زوجته ويوقف ماله، ولا ينفق منه على من كان ينفق منه عليه. وإن علم أنه مكره فأحكأمه قائمة كمن لم ينتصر فى الزوجة والمال. وهذا الباب أكثره فى المدونة ومكرر فى غير موضع. فيمن دخل دار الحرب بأمان هل له أن يحدث حدثاً من كتاب ابن سحنون: ومن دخل دار الحرب بأمان منهم فهم فى أمان منه لما أمنوه. وإن اغتالهم فقال أمنونى ولم يعطهم هو أمان اً لم ينفعه. وإذا أمنوه فلا يسفك لهم دماءً ولا يأخذ لهم مالا. وإن دخل بغير أمان فله قتل من أمكنه [3/ 324]
منهم وأخذ ما قدر عليه من مالهم. ولو كان إنما أمنه رجل واحد من الروم فذلك يوجب أن يكون الروم كلها أمنين منه. ولو أعطاه ملكهم شيئاً من أموال أهلمملكته أو أمره أن يقتل رجلاً منهم فإن كان دخل إليهم بأمان فلا يفعل. وإن كان أسيراً عندهم ولم يدخل بأمان فله أن يقتل من أمره ويأخذ بأوأمره. ولو أنزله عند بعضهم وأمره أن ينفق عليه، فإن كان دخل عندهم بأمان وكان ذلك النزول ظلماً من الطاغية للمأمور بالنفقة فلا يجوز ذلك. وإن كان أمراً قد صبر عليهم كالجزية وأمراً جرى عليهم وليس بظلم، فله أن ينزل حيث أمره. وإن كان لم يدخل بأمان فله أن ينزل عليه ويأكل ماله كيف أمكنه. وعن رجل دخل إلى ملك السودان زائراً له، فيجعل مالا على بعض مملكته فيهبه فلا يصلح أن يأخذ من ذلك شيئاً. وعن قوم مسلمين أتوا دار الحرب غير ممتنعين، فقال لهم مشائخ أهل الحربآدخلوا أمنين فدخلوا، فلا يحل لهم أن يعرضوا لأهل الحربفى شىء. ولو أن أهل الحربلقوا مسلمين فأخذوهم، فقالوا نحن تجار (دخلنا إليكم بأمان من أصحابكم فصدقوهم، فلا ينبغى للمسلمين بعد هذا أن يقتلوا منهم أحداً). فإن عرض لهم أهل الحرب وعلموا كذبهم فحبسوهم ثم انفلتوا فلهم قتلهم وأخذ أموالهم. وكذلك لو دخل مسلمون إلى ملكهم بأمان، فغدر بهم فحسبهم، فلهم إن أمكنهم القتل والسبى فليفعلوا. وإما لو فعل هذا عام تهم فإنكر ذلك ملكهم وغيره فالقوم على عهدهم ولا ينبغى لهم أن يستحلوا منهم دماءًولا مالا. وإن لم يغير ذلك ملكهم ولا أنكره حلت لهم دماؤهم وأموالهم. [3/ 325]
في مفاداة أسارى المشركين، وكيف إن رهنوا رهائن أو أعطوا عهدا، وفي حربي فدى زوجته وأرهن ولده في الفداء
فى مفاداة أسارى المشركين وكيف إن رهنوا رهائن أو أعطوا عهداً وفى حربى فدى زوجته ورهن ولده فى الفداء من كتاب ابن حبيب: قال الله سبحانه: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)، فنهى عن الأسر فى أول اللقاء: (حتى إذا اثخنتموهم)، يقول: بالقتل والغلبة (فشدوا الوثاق) فإذن فى الأسر هاهنا. وقال سبحانه: (فإما منا بعد وإما فداء)، فالمن العتق، والفداء أخذ المال منهم، وذلك فى الضعفاء منهم والنساء والصبيان. فإما من يخشى منهم من الشباب والمراهقين فقد استحب من مضى من الخلفاء قتلهم. فإن استبقوا فلا يقبل منهم الفداء بالمال. ولا حجة لقائل إن النبى صلى الله عليه وسلم قد فادى أسارى بدر، لأن الله تعالى لم يإذن له فى ذلك، وقد عاتبه عليه فقال: (ما كان لنبىء أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الارض)، إلى قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، إلاية. ولا بأس أن يفدى المسلمالا سير بمشرك وإن كان الكافر قائداً شريفاً. وإما أن يفدى الكافر بالمال فلا، قاله مطرف وابن الماجشون. وإما الضعفاء والنساء والصبيان فلا بأس أن يفادوا بالمال ما كان الجيش بأرض الحرب أو بفوز خروجه إلى بلد الإسلام. فإما بعد تقرقهم فى بلد الإسلام وقرارهم بها، طال مكثهم أو لم يطل، فلا يفادوا إلا بأسرى المسلمين، قاله الأوزاعى ومطرف وابن الماجشون وأصبغ. قالوا: ولا يفادى الصغار منهم بمال إذا لم يكن معهم آباؤهم وإن كانوا من أهل احد الكتابين، ويفادوا بالمسلمين. وإذا رضى مسلم فى فداء أسير بيده بمال فلما أخذه تبين له أنه من قوادهم أو أشرافهم ولم يكن عرفه فذلك يلزمه ولا رجوع له. [3/ 326]
ومن كتاب ابن المواز: ويفدى العلج منهم بمسلم لا بالمال، ما لم يكن المفدى منهم معروفاً بالشجاعةوالذكر، فليفد بمثله فى الذكر من المسلمين. فإن لم يوجد اجتهد فيه الإمام. قال أبو محمد: وهذا فى باب ما يكره بيعه من أهل الحرب. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال فىالأسير من الروم بيد مسلم، فيفاديه على مال ويرهن فيه ابنه أو أخاه صغيراً أو كبيراً حربياً أو ذمياً، أو شرط أن يكون لهم عبداً إن لم يأته المال، (قال: لا يصلح فداء الرجال بالمال ولكن بالمسلمين، ولكن لا ينبغى أن يأخذ هذا فيه رهناً إلا رجلاً هو فى بأسه كالأول أو أشد، ثم إن شرط أن يكون هذا عبداً إن لم يأت بالمال) فله شرطه. وإذا رهنه بالمال وأبطأوا فلم يأت بالمال فوداه هذا الرجل المرهون، فليخل ويوفى له بشرطه. وإن شرط أن يكون هذا الرهن عبداً، أو ذمى أو معاهد فلا يرق نفسه، ولكن عليه قيمةالأسير أو المال الذى شرط فى فدائه. وقال سحنون عن أشهب فى علج سبى أهله فقال للأمير: أعطنى أهلى وأدلك على مائة رأس، فرضى وبعث معه خيلاً فدلهم على سبعين، قال: لا يعطى أهله حتى يتم المائة، وهذا عهد ليس من باب الإجارة. وقال ابن القاسم: إن لم يبق إلا يسير تافه، فليأخذ أهله. وقال الأوزاعى: كانوا يقولون إن جاء بالنصف فأكثر أخذ أهله. وإذا أسروا مسلماً أوعبداً فخرج إليهم أخو المسلم أو سيد العبد فى بر أو بحر ففداه بمال أو بعبد ورهنهم رهناً، ثم طلبهم المسلمون فظفروا بهم بعد أن بلغوا بلدهم أو قبل: إن ذلك فىء إلا الرهن فربه أحق به لأنهم لم يملكوا الرهن، وعليه أن يبعث إليهم بالفداء ويفى لهم به. [3/ 327]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العلج يباع فى المغنم، فيفدى نفسه بمال فيرهن فيه ابنه أو ابنته، ثم يذهب ليأتى به، فيقيم ببلده ويخيس بهم؛ فإن كان الولد كبيراً فليسترق وللسيد بيعه إذا تبين قعود العلج ونقض ما خرج عليه. وإن كان إلابن صغيراً فليطلق إذا تبين خفر أبيه. وإلابنة مثل إلابن البالغ بخلاف الصغير كما قلنا. وإما إن مات أو قتل فى الطريق وتبين أن له عذراً ولم يمكث حتى مضى عليه، لزم السيد إطلاق الولد ورده إلى مأمنه. وقال سحنون فى كتاب ابنه: قولنا المعروف أن لا يفدى علج بمال ولكن بالأسارى المسلمين. قال: فإذا جىء بالولد من أرض الحرب فرهنهم على أن يكونوا (رهناً بأبيهم، فخاس بهم فأنهم يكونوا رقيقاً، صغاراً كانوا أو كباراً ذكوراً أو إناثاً ولا) يقتلوا ولا خمس فيهم. وإن كان إنما قدموا على أن يكونوا ذمةً ويؤدوا الجزية، فرضى الكبير أن يكون رهناً بأبيه فخاس بهم، فهؤلاء لا يسترق منهم صغير ولا كبير وعلى إلابن الكبير فداء مثل إلاب، ولا يسترقون لأن الذمة فيهم ثابتة. ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز وابن حبيب عنه، فى العلج يفدى نفسه بأمة، فاعترفت أنها حرة، زاد ابن حبيب: أو حرة مسلمة كانت قد سبيت، (قالوا: فأنها تطلق ولا تتبع هى ولا أبوها بشىء كما لو بيعت فى المغنم ويتبع العلج بقيمتها)، زاد ابن حبيب: يوم فادى بها، ولا يرد كالمكاتب يقاطع بعبد فيستحق. وقال فى العتبية عيسى عن ابن القاسم، وكتاب ابن المواز: وليسالأسير يسبى بمنزلة من قدم بأمان فيما فى يديه من مسلم استرقه، هذا لا يعرض [3/ 328]
له فيه وله بيعه. وإن باعه من مسلم صار حراً واتبعه مبتاعه بالثمن مثل ما لو فداه، وقاله أصبغ وابن المواز. قال عنه أصبغ: وإن قدم إلينا بأمان ففدى زوجته بمال رهن فيه ابنه ثم أبطأ، قال: فإن جاء وإلا بيع عليه إلابن واستوفى من ثمنه المال، وما بقى رفعه له حتى يأتى. وكذلك ذكر ابن المواز عن أشهب مثله سواء. قال أشهب: ولو دفع إليه بعض الثمن وعجز منه اليسيركتبوه عليه وذهب وتركها، فلم يجد شيئاً: أنها تباع عليه. قيل له: أنه اشتراها على أنها حرة. قال: نعم يباع عليه منها ما بقى من الثمن. قال فى كتاب ابن حبيب: إذا لم يأت بالفداء وقد رهن ولده فأنه يسترق الكبير والكبيرة ويطلق الصغير والصغيرة وذلك إذا خاس بهم. وإن تبين أنه قتل أو مات أو منع المجىء فلا يسرق ولده، وليطلق وإن كان كبيراً ويرد إلى مأمنه. وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: إن كان الولد فى عهد أو هدنة فأنه يسرق، كان كبيراً أو صغيراً، خاس به الاب أو لم يخس، أو مات أو منع، لأن هذا شأن الرهن. قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا وافقهم فى فداء زوجته على أربعة أسارى من المسلمين سماهم، فأتى بثلاثة وقال لم أقدر على الرابع، قال فإما أعطوه أمرأته أو ردوا عليه الثلاثة. قال عيسى بل ينبغى أن يعطوه أمرأته. وذكرها ابن المواز من أولها وقال: إذا اتى العلج فوقف قريباً من عسكر المسلمين ثم ذكر مثله. وقال أصبغ وأبو زيد: ولا يسعهم إلا أن يعطوه أمرأته. قال أبو زيد: وهذا أحسن فى النظر للمسلمين، وكذلك لو لم يأتهم إلا بواحد واستقصى أمره فى الباقين وأيس له من وجدان ذلك. قال ابن المواز: وإن ظن أن ذلك منه إربة نظر فيه. فإن طمع به أنه لا يترك أمرأته فلا يعطاها إلا بما فارقوه عليه أو من العرض بما هو أفضل للمسلمين. [3/ 329]
وقال سحنون فى كتاب ابنه مثل قول أبى زيد: إذا بقى (عليه واحد فذكر مثل ما ها هنا. قال: وقاله معن بن عيسى وابن الماجشون، وذكر ابن حبيب) مثله. ومن كتاب ابن سحنون قال: ومن اشترى علجاً من المغنم فجاء أهله يريدون فداءه وفيه نكاية، قال يمنعه الإمام من ذلك، ولا يرد إليهم أسير يفدى بمال أو غيره إلا أن يفدى به مسلم من الرجال، وقال مرةً: إن هؤلاء الذين فيهم النكاية ويتقى منهم إذا استحياهم الإمام قسموا فإن ذلك خطأ ولا يمنعهم ذلك من القتل، ثم رجع فقال: لا يقتلوا وهذه شبهة، ولا بأس أن يؤخذ فى فداء النساء المال وفى صغار إناثهم. فأما فى صغار الذكور فلا. وقال بعض الرواة: إن كانت صبية مع أمها فذلك جائز لأنها على دين أمها. وإما إن كانت وحدها فلا يصلح لأنها على دين من سباها، ويصلى عليها فى قوله إن ماتت. قال سحنون: وإما فداء الحأمل بالمال فذلك خفيف. وإن كانت قد تلد ذكراً فذلك بعيد. قيل لسحنون: لم منعت من فداء الأسارى بالمال، وقد أخذ النبى صلى الله عليه وسلم المال فى أسارى بدر؟ قال: قد خصت مكة وأهلها بخاصة منها أنها لم تقسم ولاخمست وهى عنوة، وقد من عليه السلام على بعض الأسارى بلا فداء، وقد أبيح له ذلك بقول الله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)، وذلك فتح مكة، ثم لا يجوز اليوم المن على المشركين، ولكن إنما هو القتل أو الرق أو الفداء بأسارى المسلمين. وقال الأوزاعى مثل قول سحنون: وليس الأمر على ما قال الحسن وعطاء إن الأسير يمن عليه أو يفادى، وإنما كان ذلك فى حرب النبى صلى الله عليه وسلم خاصةً. وسأل الأمير سحنون عن أسرى أسروا من صقلية، فلما أراد الوالى قتله، يريد: قتل رأسهم، قال: دعونى وأعطيكم [3/ 330]
جامع القول في الرهائن من العدو
الحسنى، فتركه واستحيى الباقين ليفدى بهم أسارى المسلمين، فأرسل إلى الطاغية فى ذلك، وقد غنم المسلمون لهم بطارقة أكثر من هؤلاء، فأرسل الطاغية أن لا أفدى بالحسنى من ذكرت إلا بالبطارقة الذين أخذت ولا أفدى بالباقين حتى أفدى حتى أفدى بالمأخوذين من بعدهم. قال سحنون: أما العلج الذى بدل الجسنى فقد أعوزه ذلك فليقتل، وهو ممن يوصف بالنجدة. وأما الباقون فوخرهم واكتب إلى الوالى بكتابة الطاغية: فإن كان عنده بهم فداء فودى بهم، وإلا قتلوا. (وفى الباب الذى يلى هذا من معانى هذا الباب). جامع القول فى الرهائن من العدو من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون فى الرهن يرهنهم العدو عندنا فيجوز رهنهم، فهو غدر ممن رهنهم بهم ويصيرون فيئاً لا خمس فيهم ولا مغنم، وهم أنزلوا أنفسهم بهذه المنزلة. فإن كانوا صغاراً فآباؤهم أنزلوهم بهذا، وقد كان لهم بيعهم ولنا شراؤهم، ولا يقتلهم الإمام وهم رقيق للمسلمين. قال ابن حبيب: وإذا رهن حربى مستأمن ابنه الصغير أوقريباً له أو أجنبياً عند مسلم فى مال، فإن أسلمه بالمال طوعاً فهو رقيق للمرتهن بذلك. وإن غدر وخرج إلى بلد الحرب ولم يسلمه ولا ودى كان الرهن بذلك رقيقاً للمرتهن. قال ابن الماجشون: وإذا أسلم الرهن فذلك مخرج لهم من الرهن. وإن أسلم عبيدهم بيعوا ودفع ثمنهم إلى المرهونين. (وإن كانوا للراهن بعث بثمنهم إليه، والمرهونون) فيما لهم وعليهم من دية وحد وميراث بمنزلة المعاهد. وروى ابن وهب عن مالك أنه سألوه أهل المصيصة إذا رهنوا منهم سبعةً وارتهنوا من الروم سبعةً حتى يفرغ ما بينهما، فأسلم الذين بأيدينا وأبوا الرجوع إلى بلدهم إنهم يردون إليهم. قال ابن حبيب: قال من لقيت من أصحاب [3/ 331]
المدنيين: ومعنى ذلك أن الروم حبسوا من عندهم من المسلمين، فيرد هؤلاء يستنقذ بهم أولئك. فإن رجى خلاص أولئك فلا يرد إليهم هؤلاء. ولو شرط أن يرد إليهم من أسلم، قال ابن الماجشون وغيره: ولا يوفى لهم بذلك، وهذا جهل من فاعله. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب فى الرهن وغدر الراهن: فما دام أمر ينتظر وله وجه فليتربص له. فإن طال ففيه المراجعة، ولهم حكم المستأمنين فيما لهم وعليهم. فإذا استبيح الأمر الذى كان له الرهن غلق الرهن وذهب الأمان. قال سحنون: إذا تبين غدر الطاغية الراهن فللإمام أن يسترقهم أو يقتلهم، وهم كالفىء. وقال سحنون: فإن جنى أحدهم خطأ فإن صح الغدر فالجناية فى رقبته إن بقى. وإن قتل بطلت. فإن تم الوفاء فذلك فى ماله وذمته. قال أشهب: وإن أسلم أحدهم خرج من الرهن ولا سبيل عليه، ومن بقى رهن. ولو أسلم عبد أحدهم بيع عليه ودفع إليه ثمنه. وإن كان لغيرهم بعث بثمنه إلى ربه. قال سحنون: وليس هذا قول مالك، ومالك يرى أن يرد من أسلم من الرسل والرهن، وقاله سحنون مرةً، وقال أيضاً سحنون لا يردون. وسأله أهل الاندلس إذا رهنوا أولادهم وقد صالحناهم إلى خمس سنين فأسلموا، فقال ابن القاسم: يقول: إن شرطوا رد من أسلم فليردوا. وكذلك العبيد. وقال غيره: لا يردوا. وإن كانوا عبيداً أعطوا قيمتهم. فإن لم يشترطوا رد من أسلم فمن أصحابنا من يرى ردهم ومنهم من لا يرى ردهم. وإن نكثوا فالإمام مخير فى الرهن فى إبقائهم لما يرى من المصلحة وإمضاء الصلح لضعف المسلمين فعل ذلك. وإن فسخه لقوة المسلمين وكثرة غدر العدو كان الرهن فيئاً، إن شاء قتل أو باع. وأنكر ما قال عبد الملك أنهم لا يقتلون. قال: والإمام فيهم مخير. وإن لم يشترطوا أنهم لنا إن نكثوا فذلك سواء. ولكن إن كانوا صغاراً لم يقتلوا (وهم فىء. [3/ 332]
جامع القول في الرسل من أهل الحرب هل يقاتلهم والرسل عندنا؟
وقال عبد الملك: إن شرطنا للرهون إنا نقتلكم بنكث أصحابكم فذلك لنا. وليس لنا ذلك فى الصغار) وإن شرطناه. قال سحنون: ولو بلغ الصغار ثم نكث الروم لم يجز قتل من بلغ إذ كان دمهم قبل ذلك لا يحل. وكذلك لو بلغوا مجانين. ولو كان فى الره مجنون لم يقتل. وإما الراهب والشيخ الزمن فيقتل لأنه لما رضى أن يكون رهناً فقد أباح دمه. ومن كتاب ابن سحنون قال: إذا رهنوا ورهانهم فقتلوا رهننا فقد غلق رهنهم ولا أمان لهم ولا للرهن. قلت: قال بعض أصحابنا إن أخذ الرهن منهم حسن على وجه النظر وإن شرطنا عليهم إن غدرتم أو خالفتم فلنا أن نقتل الرهن أو نسترقه. قال لا يجوز هذا الشرط ولا يلزم، ولا يقتل ولا يرق. وإن شاء أبقاه رهناً أو رده. قال سحنون: ليس هذا قولنا والشرط لازم. جامع القول فى الرسل من أهل الحرب وهل يقاتلهم والرسل عندنا؟ ومن كتاب ابن حبيب وهو لأشهب فى كتاب ابن سحنون قال: والسنة تأمين الرسل أن لا يهاجوا ولا يخرجوا ما دام لما أرسلوا وجه وانتظار جواب، ولهم فى هذه الحال فيما لهم وعليهم ما يحدثون ويحدث فيهم وفى دمائهم ومواريثهم مثل حكم المستأمنين. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا جاء الرسول لفداء أو لحاجة فالإمام مخير: إن شاء رده إلى مأمنه ولم يسمع منه شيئاً، وإن شاء أمنه وسمع منه حسب ما يراه أحوط على المسلمين. قال ويترك الرسل فى حاجتهم بقدر قضائها، فإذا فرغ منها ومن بيع تجارته خرج. وإن استبطأه الإمام أمر بإخراجه. فإن كان له دين [3/ 333]
مؤجل فلم يكن له أن يبيع إلى أجل. فإن كان قريباً انتظر. وإما البعيد ومثل السنة، فليؤمر بالخروج. فإن شاء وكل، أو يقدم إذا حل. قيل: فإن لم يشترط عليه قدر المقام فقال: ما ظننت أنكم تجعلونى، وقد بعت إلى أجل، قال ما علمت أنه يشترط عليه مقاما. قال: وليفعل الإمام ما ذكرنا. فإذا جاء لحلول الدين لم يدخل إلا بأمان مؤتنف. فإن دخل بغير أمان لم يبح لأن لذلك أصلاً وشبهة، ولا يمنعه الإمام من الدخول لدينه إلا ان يقبضه فيدفعه إليه. قال سحنون: وإذا جاء إلى العسكر ببلد الحرب حربى بأمان، أو رسول استدل أنه رسول، فرأيا عورةً أو خيف ان يرياها فليس للإمام حبسهما بعد انقضاء ما دخلا فيه، وقد يطول إصلاح تلك العورة، ثم قال عاودنى فعاودته، فقال ان كان إصلاح العورة إلى قريب فعله. وإما إلى بغيد فلا، ثم قال: عاودنى. قال ابن سحنون: وأرى إلا يخليهما حتى يأمن من ذلك الأمر ولا يقبل منهما يميناً أنهما لا يخبران بما علماأو حلفا أنهما لم يعلما فلا يخيلهما لأن فى ذلك هلاك الإسلام، ولكن لا يحبسهما فى قيد ولا غل، وليوكل من يحرسهما. فإن حضر قتال وخاف الشغل عنهما فليقيدهما. فإذا زال القتال حلهما وجعل من يحرسهما. فإذا قفل إلى أرض الإسلام مضى بهما حتى يصل إلى موضع يأمن منهما. فإن أطلقهما ببلد الإسلام، ثم سألاه مالا يتحملان به، فليعطهما مالا يبلغهما إلى الموضع الذى اكرههما فيه الرجوع. فإن خاف عليهما، بعث معهما من يبلغهما إلى خبرهما إذا كان يأمن فيه على المسلمين، (وإلا فليس عليه أن يبلغهما إلا إلى أدنى موضع يأمن فيه على المسلمين) وليخرج ما يعطيهما من ذلك المغنم لأنه لمصلحة الجيش حبسهما، إلا ان يقسم فيعطيهما من بيت المال. وكذلك فى الإنفاق عليهما. [3/ 334]
ومن كتاب ابن حبيب قال: وإذا وجدنا الرسول مرتداً فليستتب ولا يرد إليهم. وان وجد عبداً لمسلم أبق إليهم أو غنموه فهو لمرسله، فإن كان العبد مسلماً بعث بثمنه إليهم. وكذلك إن كان مرتداً ويستتاب. وإن كان نصرانياً فله الرجوع. وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ، وقاله ابن القاسم وأشهب إلا أن ابن القاسم قال: إن أمنوه وهم يعلمون أنه مرتد ترك. وخالفه الباقون، وقولهم أقوى. وإن وجد الرسول ذمياً نزع إليهم أو سبى فإنه يمتنع بالرسالة ولأنه صار حربياً. وإن ألفى الرسول عليه ديون وحقوق للمسلمين أو فى يديه حر مسلم حكم عليه (فى ذلك بحكم الإسلام. وكذلك فيما أحدث من زنا أو شرب خمر وفاحشة كالحربى المستأمن. وإن أسلم) الرسول لم يرد إليهم، يريد ابن حبيب: هذا فى غير قول ابن القاسم. (قال: وإن أراد الرسول المقام ورفض ما أرسل إليه فيه لم يكن من ذلك). ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قيل: فإن أرسل إلينا العدو رسلاً أنغير على العدو والرسول عندنا قبل ان ينعقد الصلح؟ قال: إن كان ذلك عندهم أماناً (قد عرفوه منكم فلا تهاجموا. وإن كانت رسلكم عندهم فهو كذلك. فإن لم يكن ذلك عندهم كالأمان). فلكم ان تغيروا عليهم ان أمنتم على رسلكم. فإن خفتم عليهم فلا تفعلوا. وإذا قدم حربى بأمان ومعه سلاح، وقد كانت الرسل تقدم ومعها السلاح، فلا ينزع منهم. ونزع النبى صلى الله عليه وسلم سيف عمير بن وهب إذ قدم. وما اشتروا من سلاح وخيل فلا يتركوا يخرجون به ولا يباع منهم. [3/ 335]
فيمن أسلم من حربي أو مستأمن على شيء في يديه من مال لمسلم أو لذمي، أو على استرقاق حر مسلم أو ذمي استأمن على ذلك
فيمن أسلم من حربى أو مستأمن على شىء فى يديه من مال لمسلم أو لذمى أو على استرقاق حر مسلم أو ذمى استأمن على ذلك ومن كتاب ابن سحنون وابن حبيب: (روى أن النبى عليه السلام قال: من أسلم على شىء فهو له. قال ابن حبيب): فإذا أسلم الحربى أو كان مستأمناً عندنا فأسلم فلم يختلف مالك وأصحابه أن ما بيده (من أموال المسلمين أنه له دون أصحابه لهذا الحديث. وأما ما كان بيده) من حر أو من أحرار ذمتنا فليطلق ولا سبيل عليه ولا ثمن. وكل ما بيد من أسلم من أموال المسلمين فهو له إلا أن يتنزه عنه متنزه. وقد كره مالك ان يشترى ذلك منه أومن معاهد وإن لم يعرف صاحبه من المسلمين. وذكر ابن سحنون عن أبيه ان ما بيده من مال مسلم فهو له، وكل من بيده من حر مسلم فلا سبيل عليه. واختلف فى احرار ذمتنا، فابن القاسم يراه رقاً له، وأشهب يراه حراً. قال ابن حبيب: وما وجدنا بأيدى المستأمن من حر مسلم جبر على أخذ قيمته فى قول عبد الملك ومطرف، وروياه عن مالك. وقاله ابن نافع وخالفهم ابن القاسم، وقد ذكرنا هذا فى باب آخر. ولا يؤخذ منهم ما أحرزوا من مال المسلمين إلا بثمن وطوع. وكذلك من بأيديهم من أحرار ذمتنا. وقال ابن المواز: لا يعرض للمستأمن عندنا فيما بأيديهم من متاع المسلمين ومن عبيدهم، ولا أحرار مسلمون وذ ميون ومكاتبون ومدبرون، يريد وأمهات وأولاد، قال: وله بيع ما شاء من ذلك وأخذ ثمنه أو الرجوع به بعد أن يغرم ما نزل عليه، يريد: على قول ابن القاسم وروايته. وعبد الملك يرى ان يعطوا قيمة المسلمين الأحرار وإن كرهوا. [3/ 336]
قال ابن المواز: فأما إذا أسلم المستأمن والحربى فلا حق له فى كل من بيده من حر مسلم ويخرجون من يده بلا عوض، لم يختلف فى ذلك. واختلف فى الذمى الحر فرآه ابن القاسم رقيقاً له. وقال أشهب: لا يرق ويرجع إلى ذمته بلا ثمن. وأما كل مال لمسلم فهو له حلال إذا أسلم عليه، فلا يؤخذ منه إن عرفه ربه، ولا بالثمن إلا بطوعه. وكذلك فيمن بيده من عبد لمسلم أو ذمى، وإنما ينزع من يده الحر والحرة من المسلمين. وأما أم الولد فلترد إلى سيدها ويتبع بقيمتها. وأما الحر الذمى فقد اختلف فيه كما ذكرنا. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فى العدو يغلبون على مدينة للمسلمين فاسترقوا الأحرار، ثم راسلونا على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية على أن لا يعرض لهم فيما ملكوا من الأحرار من مسلم ومسلمة وذرية، ومال، قال: إن قوى عليهم المسلمون فلا يجيبوهم إلى هذا إلا أن يرضوا بالأموال فقط، فهو سهل إذا كان لا ينالونهم إلا بقتل من المسلمين. وإن علم أنهم لا يقوون عليهم فذلك لهم. وهم كالروم لو طلبوا الإسلام على هذا فإنا نجيبهم. وكذلك من لا يطمع بهم. فأما إذا جابوا إلى الإسلام وهو بأيديهم فليعتقوا عليهم لإسلامهم. وان لم يسلموا وصالحوا على الجزية، لم تؤخذ منهم إلأموال، ولكن يباع عليهم العبيد المسلمون كمن أسلم بيد الذمى. وأما الأحرار فليدفع إليهم قيمتهم من بيت المال ويخرجوا أحراراً. وذكر ابن سحنون عن أصبغ فى أمير الجيش إذا صالح حصناً أن يخرجوا إلى أرض الإسلام على اداء الجزية على ان يسترقوا من بأيديهم من أحرار المسلمين، وفعل هذا جهلاً، قال قد أخطأ وللإمام ان يعطيهم قيمتهم من بيت المال ويطلقهم أحراراً. [3/ 337]
في أهل الحرب يسلمون، ثم يطالب بعضهم بعضا بالحقوق
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وكل من أسلم من الحرب وقد غلب قبل إسلامه على شىء من مال مسلم أو معاهد أو محارب فهو له، كان قائماً أو مستهلكاً. وإما الدين فمن كان له ربا فلا يأخذ إلا رأس ماله. وما كان له من خمر أو خنزير فلا شىء له، يريد: كان لمن أسلم ديناً يربى على نصراني أو كان خمراً. وان كان الدين عليه لم يلزمه كما لو كان بيده مال مسلم. وقال سحنون فى المكاتبين فى كتابة يغلب العدو على احدهما، ثم يسلمون عليه، فلتقض الكتابة عليهما، ثم يقال لهما اجمعا بينهما فى ملك، يبيع احدهما ما صار على عبده من الكتابة، أو بيعا كتابتهما من رجل واحد ثم يقسم الثمن بين السيدين بقدر ما ثبت من كتابة كل واحد. فى أهل الحرب يسلمون ثم يطالب بعضهم بعضاً بالحقوق من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا أسلم قوم من أهل الحرب وقد نال بعضهم من بعض، ثم تخاصموا فى ذلك بعد الإسلام، فكل ما تقدم بينهم من غضب أو استهلاك فساقط عنهم، أسلموا طوعاً أو كرهاً. وكل معاوضة بينهم بفساد من نكاح أو بيع خمر أو خنزير ونحوه وتقايضوا فيه فلا يراجع بينهم بسببه. قال ابن حبيب: وإذا أسلم قوم من الحربيين، فإن كانوا إنما سبوا، فإن ما كان لبعضهم على بعض قبل السبى من حق ودين وجناية وغضب وكل تباعه فهدر، وإن أسلموا بعد ذلك وعتقوا. وإما إن دخلوا إلينا بغير سبى لكن متطوعين، إما مسلمين أو ليقيموا على ذمة، فلهم اتباع بعضهم بعضاً بذلك إذا كانوا هم ألزموها انفسهم يومئذ، وسواء بقوا على ذمة أو أسلموا، كان فى ذلك [3/ 338]
في عبد نصراني لمسلم أحرزه العدو، ثم أسلم العبد وخرج إلينا
من ثمن خمر أو ربا أو بيع أو قرض أو مهر أو غيره. وأما ما غضب بعضهم بعضاً بدار الحرب أو جناية لبعضهم على بعض فذلك هدر كله. فى عبد نصرانى لمسلم أحرزه العدو ثم أسلم العبد وخرج إلينا من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا احرز العدو عبداً نصرانياً لمسلم فأسلم ثم خرج إلينا، فأنه يرد إلى سيده كما لو غنمه المسلمون لرد إليه، وليس كما أسلموا عليه. فإن لم يعرف سيده بعينه وعرف أنه لمسلم، فقال أصبغ: يصير كالفىء فى مثل من وجد بساحلنا من العدو. وقال سحنون: لا حق لأحد فيه، وهو كعبد يعرف ربه، لا سبيل لأحد عليه حتى يأتى سيده. وقا أصبغ فى المسألة الأولى: إن كان العبد عندهم بمحل الأسر والقهر فالأمر على ما قلنا. وان كان حارب معهم الإسلام وصار منهم ومن أعدادهم لا يبالى كان عندهم على الملك أو على الحرية ثم أسلم (وخرج، فهذا حر لا يأخذه ربه لأنه لحق بالحرب وصار من أهله وصار كعبيدهم، سواء أبق أو أسر. وقال) سحنون: هذا غلط ولا أراه حراً. فيمن أسلم وله دين من ربا أو عليه أو له دين من خمر من بيع أو نكاح من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإن تسلف نصراني من نصرانى خمراً أو خنزير ثم أسلم الذى عليه الدين فليغرم قيمة الخمر والخنازير. وإذا أسلمت النصرانية وقد قبضت فى صداقها خمراً أو خنازير، فإن فات ذلك عندها ردت قيمته. ولو لم يفت ذلك لردت القيمة وكسر عليها الخمر ويقتل [3/ 339]
في الصلح والهدنة بيننا وبين أهل الحرب على الجزية أو على غير الجزية
الخنازير. وإذا أسلم نصرانى وعليه خمر وخنازير من سلم فليرد رأس المال إلى ربه. ولو أسلم الطالب فإنه يؤخذ الخمر والخنازير من الآخر ويهراق الخمر على المسلم ويقتل الخنازير وتغيب بموضع لا يصل إليها النصرانى. ولو رضى المطلوب ان يرد عليه رأس ماله عيناً فذلك جائز. وإن أسلم إليه ديناراً فى دينارين ثم أسلم فليس على المطلوب غير دينار. وإن أسلم الطالب فلا يأخذ إلا ديناراً. ولو أسلم المطلوب لودى دينارين. وإذا أسلما وقد أسلفه خمراً أو خنازير فلا شىء له عليه. وان تزوجت بخمر وخنازير وقبضت ذلك، ثم أسلما قبل البناء، فأحب إلينا أن يعطيها ما يستحلها به قبل أن يبنى بها. قال عيسى: وقد اختلف فيه وأحب إلى أن يعطيها ربع دينار. وإذا لم تكن قبضت شيئاً فليعطها صداق (المثل ان لم يكن بنى بها والنكاح لازم. ولو بنى بها وقد قبضت ذلك ثم أسلم فلا شىء عليه). ولو كان بنى بها ولم يدفع إليها ذلك ثم أسلم فليدفع إليها صداق المثل. فى الصلح والهدنة بيننا وبين أهل الحرب على الجزية أو على غير الجزية من كتاب ابن المواز: وإذا طلب منا أهل الحرب الهدنة على قطع الحرب (بيننا وبينهم على مال يعطوناه فى كل عام ونؤمنهم براً وبحراًن فإن علماءنا يكرهون ذلك). ولقد طلب الطاغية ذلك إلى عبد الله بن هارون، وبذلوا مائة الف دينار كل عام. فشاور الفقهاء فقالوا له: إن الثغور اليوم عامرة، فيها أهل البصائر، وأكثرهم نازعون من البلدان، فمتى قطع عنهم الجهاد تفرقوا وخلت الثغور للعدو، والذى يصيب أهل الثغور منهم أكثر من مائة الف، فصوب ذلك ورجع إلى رأيهم. [3/ 340]
وقال عبد الملك فيما كان من هدنة الروم وما ضرب عليهم المهدى من الجزية، قال: فكره ذلك علماؤنا وقالوا: لم يكن هذا فيما مضى. قا ابن المواز: ولا تقبل الجزية إلاممن (يجرى عليه حكمنا وسلطاننا. فأما وهم فى عزهم وسلطانهم، فلا) ينبغى ذلك، ولعلهم إنما يريدون سد ما انثلم من حصونهم وعورتهم نحو هذا. قال عبد الملك واحتج عليه بمهادنة النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة فقال: كان ذلك أصلح فى وقته لقلة أهل الإسلام ليكثر العدد والعدة حتى أعلى الله الإسلام. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإذا كان الإمام على رجاء من فتح حصن لم ينبغ ان يصالهم على مال. وإن كان إياس منه لضعفه أو لأمتناعهم أو لما يخاف أن يدهمه من العدو فليفعل، وليس يحرم عليه أن يصبر عليهم إن كان ذا قوة. وإذا بذلوا الجزية فإن كانوا بحيث ينالهم سلطاننا وإلا لم تقبل منهم إلا ان ينتقلوا إلى بلد الإسلام، أو يكون المسلمون قد حازوا ما خلفهم وما حولهم واستحوذوا عليهم فلتقبل منهم. وقاله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وهو قال مالك. وقال نحوه ربيعة: أنهم إن كانوا بموضع لا يقدر على أخذها منهم إن منعوها فالمسلمون بالخيار: إن شاءوا قبلوها منهم أو قاتلوهم. قال ابن حبيب: ولا بأس أن يصالحوا على غير شىء يؤخذ منهم، وقد صالح النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على غير شىء. قال ابن حبيب: وما صولح به أهل الحصن من مال أعطوه إلى الجيش الذى نزل عليهم، فإنما هو مثل مال الجزية لا خمس فيه لأنه ليس بمغنم لأهل الجيش. قاله لى أهل العلم وقاله ابن القاسم. [3/ 341]
ذكر ما يبيح دم الذمي مما يشبه النكث
قال ابن سحنون: ولا بأس أن يصالح أهل الحرب على أن يبيعوا فى الجزية من شاءوا من أولادهم ونسائهم وصغارهم ومن قهروه من كبارهم ان كان شرط فى العهد مع بطارقتهم، وإن لم يكن شرط فى العقد فلأولادهم من العهد مثل ما لهم وكذلك لضعفائهم ولجميعهم، وقاله مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك. ورووه عن مالك فيمن قدم إلينا منهم: فلا بأس أن يبتاع منهم أبناءهم ونساءهم إلا أن يكون بيننا وبينهم هدنة فلا يجوز ذلك، كانت الهدنة إلى عام أو إلى عام ين أو إلى غير مدة، إلا أن يكون شرطوا ذلك وعقدوا عليه هدنتهم. قال ابن حبيب: سواء علم أهل مملكة البطريق بما شرط أو لم يعلموا. وذكر ما ذكر ابن سحنون من صلح أبى موسى لأهل مدينة ملكها على أن يؤمن ثمانين رجلاً ولم يذكر نفسه. وذكر سحنون الإختلاف فى هذا، واختار ان مجرى القول فى هذا أنه أمن مع الثمانين. وهذا مذكور فى الجزء الأول، وفيه ذكر بذل الجزية مستوعباً. وإذا صالحوا على جزية تؤخذ منهم كل سنة أو كانت سنين مسماه، فأسلموا بعد تمام سنة وقبل أن يؤدوا ما عليهم فيها فإنه يسقط عنهم ما مضى وما بقى. وكذلك من أسلم من أهل الجزية بعد تمام سنته وقبل أن يؤديها، قاله مالك وأصحابه. ذكر ما يبيح دم الذمى مما يشبه النكث من كتاب ابن حبيب: روى عن عمر فى ذمى اغتصب مسلمة أنه يقتل، وهو كنقض العهد. وروى عنه يهودى دهس ناقةً عليها امرأة فوقعت فإنكشفت، فضربه ابنها بالسيف فقتله فأهدر عمر دمه. وروى عنه أن نصرانياً [3/ 342]
في أهل الذمة ينكثون العهد وفي سبي ذراريهم
نخس بغلاً عليه امرأة يعنى: مسلمة، فوقعت فإنكشفت (عورتها، فكتب ان يصلب فى ذلك الموضع. وقال إنما عاهدناهم على اعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون.) قال ابن حبيب: فإذا غصب ذمى مسلمة قتل ولها الصداق من ماله، والولد على دين أمه، والولد مجذوذ النسب. ولو أسلم الاب لم يقتل لأنه إنما كان يقتل لنقض العهد لا للزنا، ولا يلحق به الولد وعليه الصداق. وقاله كله أصبغ. فى أهل الذمة ينكثون العهد وفى سبى ذراريهم. من كتاب ابن حبيب قال الأوزاعى فى الذمى يهرب إلى أرض الحرب ويدع ذريته: أنه لا سبيل عليهم. ولو خرج بهم وحارب عليهم فهم فىء. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فى أهل الذمة ينزع رجالهم فيحاربونا فيظفر بهم، هل يسبى نساؤهم وذراريهم ومن زعم من ضعفاء رجالهم مكره ومن يرى أنه مغلوب على أمره؟ قال إن كان الإمام عدلاً قوتلوا وقتلوا وسبى ذراريهم ونساؤهم وأبناؤهم المراهقون والأبكار وهم تبع لهم. وأما من يرى أنه مغلوب على أمره مثل الكبير والضعيف والزمن فلا يعرض لهم بقتل ولا رق ولا غيره. وإذا قاتلونا وظفرنا بالذرية قبل ظفرنا بهم فلا بأس أن نسبيهم إذا كان الإمام عدلاً ولم ينقموا ظلماً. قال: ولو نقضوا ومضوا إلى بلد الحرب وتركوا الذرية لم يجز سباؤهم. ولو تحملوا معهم ثم ظفرنا بهم جاز سباؤهم. وهذا فى الإمام العادل. فأما إن لم يكن عادلاً ونقموا شيئاً يعرف فلا يقاتلوا. ولو ظهر عليهم فى تلك الحال لم يسترقوا ولم تسب لهم نساء ولا ذرية وردوا إلى ذمتهم. وكذلك لو تحملوا بذراريهم إلى أرض العدو، ولم يستحل منهم شىء على هذا إلا أن يعينوا علينا المشركين بعد دخولهم إليهم ويقاتلوا معهم فيسلك بهم مسلك الحربيين فيهم وفى ذراريهم ونسائهم. [3/ 343]
وقال عنه يحيى بن يحيى فى ناس من أهل الذمة هربوا ليلاً، فأدركتهم خيل المسلمين وقد دخلوا أرض العدو فقسموا وخمسوا، ثم ادعوا أن ما فعلوا خوفاً من البيع والظلم، وكان بجوارهم قوم من العرب أهل استطالة وظلم وقهر لأمثالهم، ومن مثلهم من يهرب ويخاف، ولكن لا يعرف ما خافوا منهم وهل أريد ذلك منهم، قال: إن عرف تصديق دعواهم فى ناحية ما شكوا الظلم من جيرانهم وقدرتهم على ما يخاف منهم وسوء حالهم وما يرتكبون به من جاورهم، آخرجوهم كرهاً أو كانوا بأيديهم على قهرة وظلم، فأرى أن يصدقوا ولا يستحلوا ولا يسبوا، ويردهم الإمام إلى ذمتهم إن كان الذى يلى ذلك يقوى على دفع الظلم عنهم من هؤلاء ومن غيرهم والوفاء لهم بعهدهم، وإلا فليدعهم يذهبوا حيث شاءوا من أرض العدو وغيرها. قال أصبغ: وكذلك إن أشكل أمرهم لا يستحلوا حتى يظهر نكثهم تحت إمام عادل. ومن كتاب ابن سحنون: وعن العدو يحل بمرسى لنا فيخرج إليهم المسلمون فيهرب إليهم علوج عندنا، منهم من أسلم ومنهم من لا يسلم، فظفرنا بهم وقد علمنا أنهم ارادوا عونهم علينا، قال لا يقتلوا وليحبسوا. قيل: فإن لم يصلوا إلى حبسهم إلا بأن يثخنوا بالجراح؟ قال فلا ينبغى ان يجرحوا، ولا ينال منهم جرح ولا قتل إلا فى محاربة. وكذلك من هرب من أحرار ذمتنا. ولو خفنا أن يطلعوا منا على عورة فيها هلاكنا لم ينبغ أن نثخنهم بالجراح ولكن نحتال فى حبسهم إن أمكن ذلك. قال يحيى ابن يحيى فى قوم من أهل الذمة كانوا فى ربض مدينة للمسلمين، فلما نزل بها العدو مع رجل من المسلمين قادهم إليها هربوا إلى العدو طائعين ثم ظفرنا بهم. قال: إن كان ذلك عن ظلم ركب منهم فلا يباح منهم دم ولا مال، وإن لم ينل منهم ظلم ولا خافوا ذلك من ناحية من عرف بالظلم، فأنهم إن أصيبوا بعد أن وصلوا إلى أرض الحرب فقد حلوا. [3/ 344]
وقال: ولو وجدوا عند هذا المسلم الذى ساق العدو إلى المسلمين وقالوا نحن لم نأو إلى العدو ولا إلى أرضهم ولكن صرنا إلى هذا المسلم وإن أحدث خلافاً وبغياً، قال لا يستحلون بهذا ولهم بذلك شبهة ما كانوا ببلد الإسلام. وقال ابن القاسم فى أهل الذمة ببلد المسلمين، فظفر بها العدو وأقام بها أهل الذمة وتليهم مدينة آخرى للمسلمين يغزونهم ويغيرون عليهم، فذكروا أن أولئك الذميين يتجسسون عليهم يطلبونهم مع العدو فيستنقذوا ويقتلوا، فإذا ظفرنا بأحدهم قالوا نؤمر بهذا ونقهر عليه ونخاف القتل إن لم نفعل، ولا يعلم ما ادعوا من القهرة والخوف إلا بقولهم، فما ترى فيمن ظفرنا به منهم؟ قال: إما من قتل منهم مسلماً فليقتل. ومن لم يقتل ولكن يطلب مع العدو ويستنقذ الغنيمة ونحو هذا، فلا يقتل ويطال سجنه. قال وإن وجل لهم أجلاً فى الرحيل من عند العدو فجاوزوه وأغاروا معهم علينا وسبوا وأسروا وزعموا أنهم منعوا من الرحيل وأمروا بما فعلوا ولا يعرف ذلك إلا بقولهم، قال: إن تبين ما قالوا لم يستحلوا. قال: ولو أن أهل ذمتنا سرقوا لنا سرقات فأخفوها حتى نكثوا وحاربونا، ثم صالحناهم على أن رجعوا إلى ذمتهم من غير الجزية التى كانت عليهم وتلك السرقات فى أيديهم، قال: فلا يؤخذ منهم ما وقع الصلح وهو بأيديهم، إلا أن للإمام أن يخيرهم فى ردها طوعاً أو نقض الصلح والحرب، إلا أن يشترطوها فى صلحهم فلا كلام له. وأما ما أخذوا فى حال حربهم فلا خيار للإمام فيه بعد الصلح. قال ابن القاسم فى ناس من أهل الذمة ركبوا البحر بأموالهم وذراريهم أو بأبدأنهم فقط مع عبيد استألفوهم أو بغير عبيد، وذلك بغير إذن الإمام، وتساحلوا فى البحر يرتادوا طيب ريح لغير ذلك فظفر بهم، أيستباحون بذلك؟ قال: لا هم ولا أموالهم، وقد يقولون أردنا انتجاعاً إلى بلد لمير أو لمرفق. قال ولو لججوا [3/ 345]
فى البحر حتى ينقطع عنهم مثل هذا العذر ما استحلوا بهذا حتى يلحقوا بدار الحرب ويصيروا فى منعهم فحينئذ. قال ابن المواز عن ابن القاسم فى قوم من أهل الذمة: إذا قطعوا الطريق وقاتلوا على العصبية قظفر بهم فليحكم فيهم بحكم المحاربين من المسلمين. وأما إن خرجوا نقضاً للعهد ومنعاً للجزية من غير ظلم ظلموا به، فإن كان الإمام عدلاً قوتلوا ويكونون فيئاً. وقال أشهب: لا يكونون فيئاً ويردون إلى ذمتهم، ويقتل منهم من قتل ويجرح من جرح. ومن كتاب ابن المواز ذكر نحو ما تقدم وقال: وقف ابن القاسم عن القتل فيما كانوا قتلوا أن يستقاد منهم وقال فيه: لا أدرى. قال أحمد بن ميسر: لا يؤخذ منهم أحد بما قتل فى مصاف ولا غيره. ومن كتاب ابن حبيب: روى أن قوماً من المسلمين لجأوا إلى حصن لأهل الذمة، وهم شاتون فلم يفتحوا لهم فباتوا فمات بعضهم من البرد، فاستبحاهم عمر ورآه نقضاً للعهد. قال ابن القاسم: إذا حارب أهل الذمة والإمام عدل فليستحل بذلك نساؤهم وذراريهم. وإما من يرى أنه مغلوب منهم أو من زعم من ضعفاء رجالهم من شيخ كبير وذوى زمانة أنه استكره فلا يستباحوا بذلك ولا يسترقوا. وقال أصبغ: كلهم مستباحون لنقض أكابرهم كما صلحهم صلح عليهم، وقاله الأوزاعى وابن الماجشون، وهو أحب إلى. قال ابن الماجشون: وكذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى قريظة وغيرها: إنما يقوم بالأمر رجالهم وأكابرهم من حرب وعقد وصلح، فيجرى ذلك على الجميع. قال ابن القاسم ولو ظهر على الذرية قبل أن يظهر على الأباء لا يستحلوا أيضاً. [3/ 346]
قال: وإن كان الإمام غير عدل أو نقموا ظلماً به يعرف فلا يقاتلوا. وإن قوتلوا وظفر بهم لم يستباحوا بسبى ولا أخذ مال، ولم يسترقوا ويردوا إلى ذمتهم، وصلوا إلى دار الحرب أو لم يصلوا. قال أصبغ: وكذلك إن لم يعرف أنهم ظلموا بشىء إلا الإمام جائر والظلم الغالب فى البلد، كما أن بيع المضغوط عندى عند الإمام الجائر لا يلزمه. وإن كان قبل أن تحل به عقوبته. وقول أشهب لا يسترق الذمى بنقض العهد ويرد إلى ذمته، وانفرد بهذا أشهب. قال ابن القاسم عن مالك: إن خرجوا عن ظلم فلا يقاتلوا وإن قتلوا المسلمين فى مدافعتهم. قال ابن الماجشون وذلك ما احتجروا فى دارهم فلا يقاتلوا ما لم يخرج ذلك منهم إلى الغياثة والخروج على المسلمين والفساد فى الارض. فإن فعلوا هذا جوهدوا وصاروا فيئاً. وقال مثله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره. قا ل مطرف وابن الماجشون فى بلد صولح أهلها على اداء الجزية، فجعل الإمام عليهم ولاةً لجباية ذلك، فيستحلون نساءهم ويظلمونهم ويبيعون أولادهم، فيقومون من العمال فيقاتلونهم وينقضون العهد ويمنعون بلادهم: فلا ينبغى أن يقاتلوا ولا يجاهدوا ولا يسبوا (إذا لم يخرجوا على المسلمين ولا قتلوهم. وأما إن خرجوا ودخلوا بلد الإسلام وقتلوا وسبوا فليجاهدوا ويستباحوا ويسبوا). ووقف مالك فى قتال الحبشة حين خرجوا بدهلك وقال: إنى أخاف أن يكونوا ظلموا بشىء، ولم يزل المسلمون يغزون الروم وقد ترك هؤلاء، فلا أدرى أتركوا عن شىء كان منهم، فلا ينبغى أن يقاتلوا حين خرجوا حتى يكشف الأمر. فإن كان عن ظلم ركب منهم تركوا. وإن لم يكن عن ظلم حل قتالهم. قا مطرف وابن الماجشون: وان دفعوا عن انفسهم لظلم نيل منهم ثم تعدوا وغزوا المسلمين فليقاتلوا ويستباحوا. وقاله ابن وهب وابن نافع وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره. [3/ 347]
القول في المرتدين وهل يسبون ويغنمون في الردة أو في النكث، وإذا تابوا هل يؤخذون بما جنوا، وشيء من ذكر المحاربين، وشيء من نكث المعاهدين
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا نقض أهل الذمة العهد بعد ان سرقوا لنا أموالاً وعيبداً فحاربونا، وذلك فى أيديهم ثم صالحونا على أن يعودوا ذمة، قال: يوفى لهم. فإذا لم يطلعوا على تلك السرقات إلا بعد الصلح، فللإمام أن يخيرهم: أما ردوها أو يرجعوا إلى حالهم من الحرب، إلا أن يشترطوها فى الصلح. وهذا بخلاف ما أخذوا فى حين حربهم: هذا لهم ولا خيار للإمام فى نقض الصلح بهذا. القول فى المرتدين وهل يسبون ويغنمون فى الردة أو فى النكث؟ وإذا تأبوا هل يؤخذون بما جنوا؟ وشىء من ذكر المحاربين وشىء من نكث المعاهدين من كتاب ابن حبيب قال: وبلغنى عن ربيعة أنه قال فى قوم اتونا بأولادهم ونسائهم فأسلموا، ثم تركوا الإسلام ورجعوا إلى بلدهم فأدركناهم فأسرنا منهم وقتلنا: أنه يستتاب كبار من نفى. فإن تأبوا وإلا قتلوا. وكذلك من كان قدم صغيراً فبلغ بدار الإسلام وأسلم. ومن لم يبلغ إلان منهم ورجعوا به فأنه يسترق ولا يقتل ولا يستتاب. وإما من ولد وأبواه مسلمان ولم يبلغ إلان فأنه إذا بلغ يستتاب، فإن أبى قتل. وقاله ابن الماجشون. وقال ابن القاسم: هم كالمرتدين فى المال والدم، ويجبر صغارهم على الإسلام إذا بلغوا من غير استتابة. وقال أصبغ: ليسوا كالمرتدين، وهم كالمحاربين لأنهم جماعة، فهم كأهل النكث (لأن المرتد انما هو كالواحد وشبهه. [3/ 348]
قا ابن حبيب: ليس قول أصبغ بحسن، وانما أهل النكث) أهل الذمة، ونحن نسترقهم إذا ظفرنا بهم، ولعمرى أنه أمر خالف فيه عمر ابا بكر فى أهل الردة من العرب: جعلهم أبو بكر كاناقضين، فقتل الكبار وسبى النساء والصغار، وجرت فيهم المقاسم وفى أموالهم. وسار فيهم عمر السيرة فى المرتدين/، فرد النساءوالصغار من الرق إلى عشائرهم كذرية من ارتد، فلهم حكم الإسلام إلا من تمادى بعد بلوغه، والذين كانوا أيام عمر لم ياب احد منهم الإسلام. وعلى هذا جماعة العلماءوأئمة السلف إلا القليل منهم، فأنهم أخذوا فى ذلك برأى أبى بكر أنهم كالناقضين، وبه قال أصبغ. وذهب ربيعة وابن الماجشون وابن القاسم إلى فعل عمر فى ذلك، وبه نقول وعليه جماعة أهل العلم. (ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم وإذا نزل عندنا من تجار الحربيين احد بأمان فذهبوا بعبيد لنا ابقوا إليهم أو غلبوا عليهم ثم عادوا إلينا بأمان أخذناهم منهم ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم). ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن لحق بأرض الحرب، فتنصر واصاب دماء المسلمين وأموالهم فى ردته ثم أسلم: فإن ذلك يزيل عنه القتل وكل ما اصاب. ولو اصاب ذلك قبل يرتد، أقيد به. وروى مثله سحنون. وروى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم أنه يقتله الإمام ولا ينظر إلى أولياء من ثتل لأنه كالمحارب، ولا عفو فيه لولى الدم، ولا يستتاب استتابة المرتد فى دار الإسلام، وذكر مثله كتاب ابن المواز. وروى سحنون عن ابن القاسم فى حصن ارتد أهله عن الإسلام: فليقاتلوا ويقتلوا ولا تسبى ذراريهم ولا تكون أموالهم فيئاً. قال فى كتاب ابن المواز: وتجبر ذراريهم على الإسلام، وما ولد لهم بعد الكفر فليردوا إلى الإسلام ما لم يكبروا على الكفر. [3/ 349]
قال محمد بن المواز: ولو خلعت قرية من أهل الذمة ونكثت وقاتلوا وقتلوا، فأنه يستباح نساؤهم وذراريهم وأمولهم بنقض رجالهم وأكابرهم. قال عبد الملك: إذا ارتدت قرية من المسلمين فقوتلوا فظفر بهم فلا سبيل/على نسائهم وذراريهم وأموالهم لأنهم يقولون: لم نرتد نحن. ولو كانوا أهل الذمة نكثوا وقاتلوا فظفر بهم، فنساؤهم وذراريهم وأموالهم لهم تبع: يستباح ذلك بنقض رجالهم. وكذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى بنى قريظة وغيرهم، فنساؤهم وذراريهم وحاشيتهم فى العهد معهم. فلو باعوا منا نساء منهم لم يجز لنا ذلك إلا ان يكون عهدهم السنتين والثلاثة. ومن العتبية قال أشهب: ومن نقض من أهل الذمة أو ارتد من المسلمين سواء فى إلا تسبى ذرارايهم ولا تؤخذ أموالهم ولا يعودوا إلى رق، وترجع عليهم الجزية. وروى يحيى عن ابن القاسم فى رسول جاء من قبل الروم للهدنة فإذا هو مرتد قد نزع إليهم ممن كان قد أسلم، قال: ان كان قد أمن وفى له ورد. ان جاء بغير عهد ولا أمان استتيب. فإن تاب وإلا قتل. وان كان أبواه مسلمين أصابهما العدو فولد لهما فى ارض الشرك فتنصر وترك دين أبيه، فإن هذا بخلاف ما ولد لهما فى دار الإسلام، وهذا فىء ان استحيى. وان رأى الإمام قتله قتله. وان كان ولد بدار الإسلام فأصابه العدو مع أبويه أو دونهما فتنصر، فهذا يكره على الإسلام بالضرب ولا يقتل، وهو حر لا يسترق، وليس لمن اصابه فيه شىء لأنه فى ارض الإسلام فهو من ابناء المسلمين الأحرار. ومن كتاب ابن حبيب: والسنة فى المرتد يلحق بدار الحرب فيقتل المسلمين ويزنى ويسرق ثم يتوب أنه لا يؤخذ بشىء من ذلك. وان فعل ذلك فى دار الإسلام بعد ردته فليؤخذ بذلك وان أسلم. وإذا مجن مسلم فى دار الإسلام ولحق بأرض الحرب على مجونة فحارب معهم وقتل منا أو لم يقتل: أنه يحكم [3/ 350]
فيه بحكم المحارب فى بلد الإسلام من القتل والصلب، ويؤخذ فيه بأعظم عقوبة الله فى المحارب، قتل أو لم يقتل، ولا تقبل توبته ولا عفو فيه. وان ادعى أنه كان فى فعله ذلك مرتداً لم يصدق إلا ببينة، فحينئذ يسن به سنة المرتد فى قبول التوبة وهدر ما كان فعل. وليس تركه الصلاة بدار الحرب وشربه الخمر بردة حتى يفصح بالردة. وقاله لى ابن الماجشون وقاله أصبغ عن ابن القاسم. قال أبو محمد هذا خلاف ما قال ابن حبيب فى موضع آخر ان ترك الصلاة واحدة فهو بذلك كافر. (ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فى المرتد) يلحق بدار الحرب فيولد له بها أولاد ويولد لهم أولاد ثم ظفرنا بجميعهم، قال سبيله وسبيل ولده وابنائهم سبيله، لا يسلط عليهم السبى، ويستتاب هو ومن بلغ من ذريته. فمن لم يتب منهم اجمع قتل، ويكره الصغار منهم على الإسلام. ومن وقعوا فى سهمه نزعوا منه بغير ثمن، ثم رجع سحنون فقال: من بغ من ولده وولد ولده فإن السبى يأخذهم. وقيل لسحنون: ربما أخذنا اسارى فيسلمون فيباعون ثم يهربون إلى العدو فينكثون ويقاتلون، فنغنمهم فيسلمون فيباعون، ثم يأبقون فيحاربونا فنغنمهم فيعمل على ربط أفواههم لئلا يسلموا فنمتنع من قتلهم.، وقد صار لهم هذا عادةً. قال: لا ينبغى هذا ويقبل منهم الإسلام، ويباعون بشرط ممن يخرجهم من ذلك البلد ويبعدهم عنه، فإن لم يجد من يشتريهم على ذلك فليبعث بهم الإمام إلى بلد قاص عن موضعهم. فإن جاء الثمن وقد تفرق الجيش تصدق به. ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم: وإذا نزل عندنا من تجار الحربيين احد بأمان، فذهبوا بعبيد لنا ابقوا إليهم أو غلبوا عليهم، ثم عادوا إلينا بأمان فأصبناهم معهم فلنا أخذهم منهم. ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم. وبقية القول فى المرتد فى كتاب المرتد. [3/ 351]
فيمن تخلف ببلد الحرب وحارب المسلمين ولم يرتد
فيمن تخلف ببلد الحرب وحارب المسلمين لم يرتد من العتبية قال يحيى بن يحيى: قلت لأبن القاسم فيمن تخلف من أهلبرشلونة من المسلمين على إلارتحال عنهم بعد السنة التى اجلت لهم يوم فتحت، فأغار على المسلمين واخاف وقتل وسبى أو لم يقتل وأخذ إلأموال وانما أقامته هناك على الإسلام تعوذاً مما يخاف من القتل إذا ظفر به. قالوهو كالمحارب من المسلمين فى دار الإسلام. فإن اصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بما يحكم فى المحارب. وإما ماله فلا يحل لأحد، قال: وان كان ما صنع مما يكره عليه ويؤمر به فلا يستطيع ان يعصى خوفاً على دمه فلا اراه محارباً، ولا يقتل ان ظفر به ولا يعاقب إذا تبين أنه يؤمر ويخاف على نفسه. فى الجاسوس من مسلم أو حربى أو معاهد وشى من معانى النكث من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا وجدنا بأرض الإسلام عيناً لأهل الشرك، وهو حربى دخل بغير أمان، أو كان ذمياً أو مسلماً يكاتبهم بعورات المسلمين: فإنا الحربى فللإمام/قتله ول هاستحياؤه كمحارب ظفرنا به، وللإمام أخذ ماله ولا خمس فيه وهو فىء. فإن أسلم قبل ان يقتل فأنه لا يقتل ويبقى رقيقاً كأسير أسلم. وإما المسلم يكاتبهم فأنه يقتل ولا يستتاب وماله لورثته، وهو كالمحارب والساعى فى الارض فساداً. وقال بعض أصحابنا: يجلد جلداً منكلاً ويطال حبسه وينفى من موضع كان فيه بقرب المشركين. قال: وان كان ذمياً قتل ليكون نكإلا لغيره. ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم: يقتل الجاسوس ولا تعرف لهذا توبة. [3/ 352]
وقا انب وهب عن مالك فى الجاسوس المسلم على الإسلام: ما سمعت فيه بشىء وليجتهد فيه الإمام، ورواه ابن القاسم عن مالك فى العتبية. قال ابن سحنون قال ابن وهب: إذا ثبت ذلك عليه قتل إلا ان يتوب. قال ابن المواز قال ابن القاسمك ان ظاهر على أمور المسلمين بأمر دل به على عوراتهم قتل. وان لم يكن فيما كان منه مظاهرة على عوراتهم سجن حتى تعرف توبته. وقال ابن الماجشون: ينظر فيه، فإن ظن به الجهل وعرف بالغفلة وان مثله لا عور عنده وكان منه المرة ولم يكن عادةً وليس من أهل الطعن على الإسلام فلينكل لغيره. وان كان معتاداً وتوطأ عليه فليقتل. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وان كان حربى قدم لتجارة فظهر لنا أنه عين للعدو ويكتب باخبارنا فللإمام قتله وأخذ ماله. وان شاء استحياه ولا أمان له فى نفس ولا مال، لأنه لو طلب المقام/لم يكن له إلا بأمان جديد. وان قدم للمقأم فأنه يقتل ويرث ماله ورثته. وكذلك ان كان ذمياً لأن الذمة انعقدت لهم ولأولادهم، فليس غدر احدهم يازم باقيهم. وكذلك من حارب من اله الذمة يرثه ورثته إذا قتل. وكذلك ان غصب مسلمة فوطئها قتل. وإذا عاهدنا قوماً من أهل الحرب على مال أو على غير مال عهداً إلى وقت أو إلى غير وقت، ثم تبين لنا أنهم يدولون المشركين على عوراتنا واخبارنا ويأوون عيونهم وثبت ذلك بالبينة فهذا نكث، ولينبذ إليهم لقول الله تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة ً فإنبذ إليهم على سواء)،فالخيانة دون ما فعلوا. فإما من صالح من المستأمنين، ثم ان احدهم قتل مسلماً من غير ملاء منهم فلا يؤخذون بفعله. وذلك كمن فعل هذا من أهل الذمة فليقتل القاتل. قال: ولو وجدنا قتيلاً منا فى قرية من قرى أهل الصلح لا يدرون من قتله فإن لم يكثر [3/ 353]
فيمن قتل مؤمنا أو معاهدا خطأ وهو مع أهل الحرب
ذلك منهم ولم يمتنعوا من الحكم عليهم فيه فليس ذلك ناقضاً للصلح، ويطلبون بذلك كما يطلب غيرهم من أهل الذمة. وفى هذا ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثين إلى القسأمة فأبوا فوداه من عنده. فيمن قتل مؤمناً أو معاهداً خطأ وهو مع أهل الحرب من العتبية: روى ابن القاسم عن مالك فى قول الله تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) لم يذكر/فيه دية. قال: هذا فى حرب النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، وفيهم المؤمن لم يهاجر فيصيبه المسلمون، والله سبحانه يقول: (ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا)، وإما قوله: (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق)، فهذا فى الهدنة التى كانت بين النبى صلى الله عليه وسلم ويبن المشركين أنه ان اصيب مسلم خطأ لم يهاجر فديته على المسلمين إلى قومه. وقد رد النبى صلى الله عليه وسلم أبا جندل، فكذلك ترد ديته لو قتل خطأ. وقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، يقول: ان حبسوا عنكم مهر امرأة ثم حبستم عنهم مهر امرأة آخرى فادفعوا إلى هذا المسلم ما كان انفق على أمرأته التى هربت إلى الكفر، وذلك قوله سبحانه: (وان فاتكم شىء من ازواجكم إلى الكفار) إلاية. وكان فى تلك الهدنة ان من جاءهم من الرجال مسلماً ردوه إليهم. وان جاءت امرأة ترغب فى الإسلام لم ترد إليهم. وكان علينا ان نعطى زوجها الكافر ما كان ساق إليها. وان فاتت منا إليهم امرأة كان عليهم ان يعطونا مثل ما انفق عليها زوجها، وهو قوله سبحانه: (وسئلوا ما أنفقتم)، وحرم إلأمساك بعضهم الكوافر. [3/ 354]
ذكر فرض الجزية وعلى من تجب من أصناف أهل الكفر، ومقدارها، وجزية أهل الصلح وأهل العنوة
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوقف الكفار فى صفهم مسلماً فى وثاق فقتله رجل منا ولم يعلم قال: على عاقلته الدية ويعتق رقبة. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه/ومن ضرب علجاً فى القتال فأخطأ فأصاب نفسه فهو شهيد، ولكن يصلى عليه، وروى ان رجلاً اخطأ فاصاب مرتداً فأزال جلدة وجهه، فودى ذلك عثمان من بيت المال. وقال سحنون فى سرية لقيت سرية ببلد العدو فاقتتلا وكل سرية تظن ان الآخرى من الروم: ان كل سرية تحمل عواقلهم دية من اصأبوا من قتل أصحابهم، ومن الجراح الثلث فاكثر. وما كان دون ذلك ففى أموالهم، والكفارة عليهم فى كل نفس. وخالفنا فى ذلك غيرنا، وقد اجمعنا أنه ان قتل مسلماً فى الصف يظنه مشركاً أو رمى مشركاً فرجع إليهم فاصاب مسلماً: ان فيه الدية والكفارة. ذكر فرض الجزية وعلى من تجب من اصناف أهل الكفر ومقدارها وجزية أهل الصلح وأهل العنوة (قال مالك رحمه الله فى الموطأ: ان السنة عندنا إلا جزية على نساء أهلكتاب ولا صبيأنهم، وان الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين بلغوا الحلم منهم صغاراً لهم). قال ابن حبيب: أول ما بعث الله عز وجل نبيه عليه السلام بعثه بالدعوة بغير قتال ولا جزية، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم، ثم أنزل عليه: (إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)، إلاية، ةأمره بالقتال [3/ 355]
من قاتله والكف عن من لم يقاتله، فقال عز وجل: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً). ونسخ الكف فأقام على هذا ختى نزل براءة لثمان سنين من الهجرة، فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب من قاتله أو كف عنه إلا من عاهده، فقال: (واقتلوهم/حيث وجدتموهم)، إلى قوله: (فإن تأبوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة) إلاية فلم يسن على العرب الذين لم يتعلقوا بكتاب إلا الإسلام ولم يقبل منهم غيره. وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية، فقال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)، إلى قوله: (وهم صاغرون)، فدخل فى ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم الجزية من أهلنجران وأهل ايلة، وهم نصارى من العرب، ومن أهل اذرح وأهل اذرعات وأهلدومة الجندل، وهم نصارى واكثرهم عرب. ولم يسم أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب. وأمره بقتال غيرهم من مشركى العرب ومن مجوس إلأمم حتى يدخلوا الإسلام، ولم يستن فيهم الجزية، ثم نسخ الله تعالى من ذلك المجوس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فيما سن لهم من سنة بغير تنزيل القرآن، فأحل له أخذ الجزية من مجوس العجم إذا رضوا بها، وأقر مشركى العرب، وهم عبدة إلاوثان، على ان يقاتلهم حتى يدخلوا الإسلام بلا جزية، استثناها فيهم اكرإما للعرب وعلماً منه أنهم يدخلون الإسلام، فدخلوا فيه اجمعون إلا من تعلق منهم بكتاب، ولم يكن فى العرب مجوس لكن عبدة إلاوثان. وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم من نصارى هجر ومجوسها الجزية وكتب المنذر ابن سأوى وهو رئيسها، ان يقبل ذلك منهم. ومجوس هجر هم مجوس البحرين، وهى حاضرة البحرين، ومجوس السواد هم مجوس فارس. قال ابن حبيب: والسأمرة هم صنف من يهود والصابئون صنف من النصارى فى جزيتهم ونكاح نسائهم واكل ذبائحهم،/وهم يقرأون الزبور ويعبدون [3/ 356]
الملائكة. وكل جزية أخذها النبى صلى الله عليه وسلم فإنما هى جزية صالحهم عليها وليست جزية عنوة. وصالح خالد بن الوليد نصارى بنى تغلب بالشام على ان يأخذ منهم الضعف مما يأخذ من المسلمين من مواشيهم، وكتب به إلى عمر فاجازه. وهم عثمان ان يأخذ منهم الذهب والورق حتى صح عنده ان عمر فعله، فأمضاه بتلك جزيتهم، وليست بصدقة ولكنها جزية صولحوا عليها. قال أبو محمد: وتقدم فى الجزء الأول ذكر هذا المعنى والإختلاف فى أخذ الجزية من مجوس العرب مستوعباً. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب عمر فى السأمرة يسبتون ويقرأون التوراة ولا يؤمنون بالبعث: أنهم صنف من أهل الكتاب. قال سحنون وبهذا نقول فى ذبائحهم وغيرها. وقال فى طائفة من السودان يسبتون ويختتنون لم يعتقلوا من إليهودية إلا بهذا، قال: ان كان لهم كتاب وإلا فلهم حكم المجوس. قال سحنون: حق على المسلمين ان يجاهدوا من كفر بالله، أهل الكتاب كانوا أو أوثان أو مجوس أو عبدة نار أو غيرهم من انواع الكفر، ولايهيجوهم حتى يدعوهم إلى عبادة الله وإلاخلاص له وإلايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشرعون لهم شريعة الإسلام، فإن اجابوا فاخوان، وان أبوا دعوا إلى الجزية. فإن قبلوها فرضت عليهم ان كانوا فى قرب منا. وان بعدوا عرض عليهم إلانتقال إلى حيث ينالهم سلطاننا وإلا حوربوا. فإن اجابوا فرضت عليهم/الجزية كما فرض عمر: اربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهماً على أهل الورق. وان لم يكونوا إلا أهل ابل فما راضاهم عليه الإمام ورآه نظراً. ولا ينقص أهل الذهب والورق مما ذكرنا إلا ان يحضر الإمام أمر يراه بمشورة أهل الرأى لما يرونه صالحاً للمسلمين فيفعله. وكان عمر لا يأخذها إلا ممن جرت عليه المواسى، ولا يأخذ من النساء والعبيد شيئاً. وكان قد فرض عليهم ارزاق المسلمين من الحنطة مدان على كل [3/ 357]
نفس فى الشهر مع ثلاثة اقساط زيت ممن كان من أهل الشام والجزيرة. وإما أهلمصر، فاردب من حنطة كل شهر، ولا ادرى كم من الودك والعسل، وعليهم من الكسوة التى كان عمر يكسوها للناس، وعلى ان يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام. وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعاً كل شهر على كل رجل، ومع هذا كسوة معروفة لا اعرف قدرها كان عمر يكسوها للناس. ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا حد لجزية الصلح، وانما ما صولحوا عليه. وإما جزية العنوة، فذكر مثل ما يقدم ذكره من عمر على أهل الذهب والورق. قال: وقال أسلم مولى عمر: مع ارزاق المسلمين من الطعام يحمل إلى عمر وضيافة ثلاثة أيام. فمن كان منهم من أهل الشام والجزيرة، فذكر مثل ما ذكرلا سحنون وزاد: وشىء من عسل لا اعرف قدره كل شهر. ومن كان من أهلمصر فاردب من حنطة كل شهر يعنى: كل رجل منهم. ومن كان من أهل العراق فخمسة الف صاعاً كل شهر على كل رجل، ومع هذا كسوة معروفة لا اعرف قدرها كان عمر يكسوها للناس، وعلى ان يصيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام. قال ابن حبيب: وإلاردب بمصر قدر قفيز قرطبة، وخمسة عشر صاعاً اكثر من قفيز قرطبة شيئاً، والضيافة هى على قدر ما استيسر بالعلج مما ينفق على نفسه وعياله، ليس عليه ذبح الغنم أو الدجاج، ولا يكلف إلا ما طاع به وتيسر له. وكذلك أمر عمر ورأى مالك ان يوضع اليوم عنهم ما جعل عمر عليهم من إلارزاق والضيافة لما احدث عليهم من الجور، وقاله النخعى. قال الثورى: أوفوا لهم يوفوا لكم. قال ابن حبيب: ومعنى حديث مالك ان عمر كان يؤتى بنعم تؤخذ فى الجزية: أنه انما أخذها بالقيمة فى الجزية رفقاً بهم. قال ابن حبيب: ولا يزاد فى الجزية العنوية أو الصلحية على الغنى ولا ينقص منها الفقير إذا كان فيه قوة على احتمالها. قال ابن الماجشون: ولا تؤخذ من إلاصاغر [3/ 358]
ولأمن النساء ولا إلارقاء، وقاله مالك فى المحتصر وغيره وروى عن عمر. قال ابن الماجشون: ولا تؤخذ من العديم من الرجال. قال ابن حبيب قال مالك: ولا تؤخذ من الرهبان المنهى عن قتلهم ممن اعتزل فى الصوأمع والديارات، وقاله سفيان. قال مطرف وابن الماجشون: وهذا فى مبتدأ حملها. فإما من ترهب بعد ان ضربت عليه وأخذت منه فأنها لا تزول عنه. وكذلك قال مالك. وإما رهبان الكنائس فلم ينه عن قتلهم ولا توضع الجزية عليهم، وهم الشماسة وهم الذين قال فيهم الصديق: وستجد قوماً قد فحصوا عن أوساط رؤسهم،/فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. قال ابن القاسم وابن وهب: وإذا عنق عبيد أهل الذمة أخذت منهم من يومئذ. قال ابن حبيب: فإما العبد النصرانى يعتقه المسلم فاختلف فيه: فروى ابن شهاب ان معأوية أخذ منهم دون ما يأخذ من أهل الارض، فيأخذ منهم الدينار والدينارين والثلاثة بقدر قوتهم وقال مالك وعبد العزيز واصحاب مالك: لا جزية عليهم. وقال ابن حبيب: وأحب إلى ان تؤخذ منهم صغاراً لهم. وأول من فرض الجزية على أهل العنوة عمر حين فتح مصر إذ بعث إليها عمرو بن العاص، ثم اتبعه بالزبير فى اثنى عشر الفاً فافتتحها عنوة. وشأور عمر فى قسم الارض فكتب إليه ان يقسم ما سواها وتبقى الارض وعمالها. وتأول قول الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم)، فابقى خراجها نفعاً لمن يأتى من بعدهم، وجعل عمر على كل علج منهم اربعة دنانير من غير خراج ارضهم. وجعل على الارض على حدة. وقال غير ابن حبيب: أنه أقرهم فى الارض وجعل عليهم خراجاً واحداً على الارض والجماجم. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال مالك: لا يزاد على أهل الذمة (فى جزية جماجمهم وان أيسروا على ما فرض عمر على أهل) الذهب: [3/ 359]
جامع القول في أرض العنوة والصلح وذكر خراج الأرض، وكيف تقسم، والحكم في أهل العنوة، ومن أسلم منهم أو من أهل الصلح،
اربعة دنانير، وعلى أهل الورق اربعون درهماً. قال ويطرح عنهم ضيافة ثلاثة أيام إذ لم يوف لهم. قال عبد الملك بن الحسن فى الرهبان فى ارض الإسلام فى صوأمع أو غيرها: فلا جزية عليهم. ومن كتاب ابن المواز: ذكر عن مالك فى جزية جماجم أهل العنوة مثل ما ذكر ابن القاسم عنه فى العتبية إلى آخره، ويسقط/الضيافة عنهم لما قصر عنهم فى حق ذمتهم. قال أبو محمد: وفى الباب الذى يلى هذا شىء من ذكر جزية الارض، وبعد هذا باب فيما ينبغى ان يلزموه أهل الذمة فى لباسهم وشكلهم. جامع القول فى أرض العنوة والصلح وذكر خراج الارض وكيف تقسم والحكم فى أهل العنوة ومن أسلم منهم أو من أهل الصلح ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وفى كتاب ابن المواز ونحوه، قال مالك: والعمل فى ارض العنوة على فعل عمر ان لا تقسم وتقر بحالها. وقد ألح بلال واصحاب له على عمر فى قسم الارض بالشام فقال اللهم أكفنيهم، فما أتى الحول وبقى منهم احد. ومن كتاب ابن المواز قال: وما كان من ارض منقطعة عن بلد الإسلام لا يقسم. وما كان يصل إليه سلطان الإسلام ويقدر على احيائه، فليقر ولا يقسم كما تأول عمر قول الله عز وجل (والذين جاءوا من بعدهم). ومكة مما فتح عنوة ولم تقسم. وجرى بذلك فعل عمر وعثمان وغيره، فلم يقسم بذلك دار ولا أرض. ومن العتبية من سماع أشهب، قال مالك فى خيبر افتتحت بقتال يسير، [3/ 360]
قال: وقد خمست إلا ما كان منها عنوة أو صلحاً وهو يسير فأنه لم يخمس. فقلت: فالعنوة والقتال ليس واحد؟ قال: انما اردت الصلح. وسمعت ابن شهاب يقول: افتتحت خيبر عنوة ومنها بقتال، وما ادرى ما اراد بذلك/. قال مالك: قسمت خيبر ثمانية عشر سهماً على الف وثمانمائة رجل لكل رجل سهم، قال: وصدقات النبى صلى الله عليه وسلم كلها من أموال بنى النضير، ولم تخمس لأنها كانت صافية، وخمس قريظة لأنها كانت بقتال. واجلى عمر أهلخيبر. وإما فدك فصواحوا على النصف، صالحهم النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يوجف عليها إلا أنها كانت عنوة بلا قتال، ثم اجلاها عمر وقوم لهم نصفهم، فأعطاهم به جمالا وأقتاباً وذهباً، واخبر الناس أنه اشتراه من بيت مال المسلمين، فلم يخمس فدك لأنه لم يوجف عليها. وما افتتح من خيبر بغير قتال فلم يكن فيها خمس، وأقطع منها ازواجه. وما كان منها بقتال خمسه وقسم باقيه على من افتتحها وهم الف وثمانمائة. قال مالك: ومن العنوة مثل الصلح يطيعون لهم بغير قتال ولا ايجاف بخيل ولا ركاب. ومن كتاب ابن المواز عن مالك وذكر ارض العنوة أنها لا تقسم، قال: ويكون أهلها ذمة للمسلمين وتقسم غلة ذلك وخراجه قسم الفىء، يبدأ فيه بإصلاح بلدهم من سد ثغورهم وتحرزهم من عدوهم. وما بقى منهم قسم: يبدأ فيه بالفقراء من الرجال والنساء وتعطى الذرية ايضاً. وما فضل قسم إلاغنياء. وقا أشهب: لا شىء للنساء فيما يقسم من غنيمة الجيش. وإما الخمس فلهم فيه سهم بقدر الحاجة. قال: وأراه، يعنى مالكاً، قال: ويقر أهل الذمة فى دورهم لعمارة البلد وخراج جماجمهم. قال: نعم،/ويكونون احراراً ويكتفى منهم بما يؤخذ من خراج جماجمهم. ومن أسلم منهم سقط الخراج عن جمجمته وأخذ ما كان بيده [3/ 361]
من ذلك. وكذلك من هلك منهم ولم يدع من يخلفه من عصبته وورثته فيما ترك من ارض ودار. وما كان يملك من ماله فلأهل الإسلام، وتبقى تلك الارض موقوفة ابداً ما بقيت الدنيا. وما كان من مال يعلم أنه كان بيده يوم الفتح فيكون كالفىء. قال مالك: وارض مصر عنوة. فمن أسلم منهم فلا يكون له ارضه ولا داره. وإما الصلح فذلك لهم وان أسلموا، ويسقط عنهم خراج جماجمهم وأرضهم. ومن كتاب ابن حبيب، قال: ومن أسلم من أهل العنوة احرز نفسه وماله، وإما الارض فللمسلمين، وإما ماله وكل ما كسب فهو له، ولأن من أسلم على شىء فى يديه كان له. وان مات العنوى ولم يسلم فذلك كله لورثته إلا الارض فهى للمسلمين وتسقط جزية رأسه، يريد: ان أسلم. قال: وإذا مات ولا وارث له فكل ما ترك للمسلمين فى بيت المال، وتبقى الارض على ما كانت عليه. قال والجزية الصلحية جزيتان: فجزية محملة على البلد (وجزية على جماجمهم. فإذا كانت محملة على البلد) فهى موقوفة لا تباع ولا تورث ولا تقسم، ولا يملكها ان أسلم وانما له ماله. وإما الارض فموقوفة ابداً لما عليها من الخراج، وذلك بأسره باق على من بقى من النصارى. فإما ان صولحوا على الجزية على جماجمهم فلهم بيع الارض، وهى لهم ملك يصنعون بها ما يشاءوا وتورث عنهم، وتسقط الجزية بموته عن ذمته وتبقى الارض ملكاً لورثته./وان لم يدع وارثاً فأرضه للمسلمين كميت لا وارث له. وان أسلم هذا فارضه له وماله لا حق به ولا جزية عليه ولا على ارضه. وكذلك فسر لى من كاشفته من اصحاب مالك وغيرهم، وجاءت به إلاثار. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا باع الصلحى ارضه من مسلم: فإن كان على ان الخراج على المبتاع لم يجز، يريد: وان ثبت ذلك على البائع فجائز. [3/ 362]
ومن المدونة قا أشهب: يكون الخراج على المبتاع ويزول عنه باسلأم البائع. قال ابن المواز: وأهل العنوة كالأحرار لا يسترقون. قال ابن مزين قال عيسى بن دينار: والفرض الذى يفرض عليهم فعلى جماجمهم، وتترك الارض بايديهم عوناً لهم كما فعل عمر. ومن أسلم منهم كان حراً وماله للمسلمين. قا ابن المواز: ما كان له قبل الفتح. قا عيسى فى كتاب ابن مزين وفى العتبية عن ابن القاسم: ونساؤهم كالحرائر لا ينظر إلى شعورهن، ودية المرأة منهن كدية حرة ذمية. ومن العتبية روى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم قال: ومن مات من أهل الصلح ولا وارث له من أقاربه فميراثه لأهلخراجه ولا يضع موته عنهم شيئاً من خراجه، وما صولوا عليه قائم عليهم. وان مات احد من أهل العنوة لا وارث له فيمراثه للمسلمين. قيل: وكيف علمنا من وارثه ولا علم لنا بمن يرث عندهم ممن لا يرث؟:قال: يرد ذلك إلى أهلدينهم واساقفتهم. فإن قالوا يرثه من يذكرون من ذى رحم أو غيره من رجل أو امرأة سلم إليه. وان قالوا لا وارث له كان للمسلمين. قا سحنون عن ابن القاسم: وإذا/أسلم أهل العنوة أخذ منهم أموالهم من عين ورقيق وغيرها. قا ابن المواز: مما كان بايديهم يوم الفتح. قا سحنون قال ابن القاسم: ويجوز شراء رقيقهم منهم، وكأنهم على ذلك تركوا كالمإذون له فى التجارة. وانما يمنعون ان يهبوا أو يتصدقوا أو يفسدوا أموالهم. قيل: قتزوج بناتهم؟ قا ل: انى لأتقيه وما اراه حرإما. قال عنه عيسى: ولهن حكم الحرائر فى النظر إلى شعورهن وفى دياتهن. وان أسلمن فهن احرار. قلت: فأهل الصلح إذا صولحوا على ان عليهم الف دينار كل عام أو على ان على جماجمهم دينارين على كل رجل منهم أو على ارضهم على مبذر كذا [3/ 363]
القول في كراء أرض الجزية، وذكر الحكم في أرض الأندلس التي قسمت ولم تخمس
شىء سموه وعلى كل زيتونة كذا؟ قال: ذلك سواء ولهم بيعها. فإذا أسلموا وضع عنهم ذلك الخراج كله. القول فى كراء أرض الجزية وذكر الحكم فى الارض إلاندلس التى قسمت ولم تخمس من كتاب ابن حبيب: وقد روى التغليظ فى النهى عن أخذ المسلمين مالك كراءها، وكره ان يزرعها ايضاً عاريةً. ونهى ابن عباس عمن يتقبل أرض أهل الذمة وقال: يجعل صغار الكافر فى عنقه. قال ابن عمر: لا يحل ان يكتب على نفسه الذلة والصغار فى أخذه أرض الجزية بما عليها من الخراج. وقد كانوا يكرهون الشغل عن الجهاد بالحرث اصلاً، فكيف بكراء ارض الذمة؟ وكان عمر ينهى عن الحرث وكتب/ان يمحى من الديوان من زرع. قا ابن حبيب: وسألت مطرفاً وابن الماجشون عن ارض إلاندلس التى اختطت وقسمت على وجه المغانم، فقإلا: كان ينبغى ان تقر أولاً خراجاً للمسلمين، كما فعل عمر بأرض العنوة. فإذا لم يكن ذلك أو كان لا يقدر على ذلك لقربها من العدو، فينبغى لإمامكم ان كان عدلاً ان يعزل خمسها يكون للمسلمين، إذا ايقن أنه لم يوخذعند الفتح من الغنيمة عوضاً عن خمس الارض، ثم لا يعرض للناس فى باقيها على ما توارثوا عليه من المغنم والخطط. قلت: فمن يجرى ماء الزرع وبيده منها شىء بميراث ان ابتياع وهى لم تخمس؟ قال: يخمسها ويجعل سهم الخمس لجميع المسلمين كما لو حبسه، ثم [3/ 364]
ذكر قسم ما يؤخذ في الجزية وخراج الأرض، وشبه ذلك من الفيء
يسوغ له ما بقى بيعهوملكه. وإذا لم يفعل ذلك فهو فى خرج من إلانتفاع بها وكرائها، (ولا ينبغى ان يمنع منها احداً من المواساة بقدر الخمس فيها. قلا: وهذا كله إذا علم أنها قسمت بوجه التسأوى والعدل) إلا أنها لم تخمس. قلت: فلو كا نكل رجل قعد على ما فتتح وغلب عليه ولم يعدل بينهم بالقسم، أو لعله خرج بعد من حضر الفتح ولم يأخذ منها شيئاً حين خرج موسى بن نصير وطارق مولاه اللذان قد فتحاها، أو لعل الرجل قد غلب على قرية أو بعض قرية وغلب اقوى منه على اكثر منها ثم توارثوا على هذا؟ قا هذا كله غلول ولا ينتفع بشىء منه، وحق عليهم اجتنابها والشراء من أهل الصلح منهم، وقاله كله أصبغ. ذكر قسم ما يؤخذ فى الجزية وخراج الارض/ وشبه ذلك من الفىء وهذا الباب مستوعب فى كتاب الزكاة وخزء منه فى هذا الكتاب فى باب فرض الجزية. من كتاب ابن المواز قا ملك فيما يؤخذ من خراج الارض والجزية: يسلك بذلك مسلك الفىء، ويبدأ فى قسم الفىء وسبهه بأهل البلد الذى جبى فيه ويؤثر الفقراء، ثم ان فضل شىء دفع إلى غيرهم. وان بلغه عن أهلبلد حاجة وشدة بعث اكثر ذلك إليهم. قا ابن القاسم: ولا يعمل فيه للحسب لكن للفقر. وهذا كله فيما جبى من عنوة أو صلح مما أوجف عليه. قال ابن عبد الحكم عن مالك: وما افاء الله مما لم يوجف عليه، فقد كان ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم خاصةً، من ذلك أموال بنى النضير وغيرها. وإما النضير خاصةً [3/ 365]
فقد قسمها النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين وثلاثة من إلانصار: أبو دجانة والحارث ابن الصمة وسهل ابن حنيف. ومن المجموعة قال ابن غانم عن مالك: ان النضير لم يوجف عليها، فصالحت النبى صلى الله عليه وسلم على ان لهم الصفراء والبيضاء والحلقة، يريد: السلاح. قال: وما اقلت إلابل. قال: فتحملوا إلى خيبر وبقيت الارض والنخل، فقسمها النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين لحاجتهم وخروجهم من ديارهم وأموالهم، ولتخف مؤنتهم عن إلانصار، ولم يقسم منها للأنصار شيئاً إلا لثلاثة كانوا ذوى مسكنة وحاجة: أبو دجانة والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف/ ومن كتاب ابن المواز قا ابن عبد الحكم: والنضير ما سوى النضير مما يشبهها، فكان عليه السلام يأخذ منها نفقته على أهله سنةً، وما فضل جعله فى الكراع والسلاح. وكذلك فعل فى ذلك من ولى الأمر بعده: ينفذه فى الخيل والسلاح ومصالح المسلمين، ولك يكن ينفق منه على نفسه وأهله. وانما كانت النفقة للنبى صلى الله عليه وسلم خاصةً. قال ابن القاسم: ومما يقسم الفىء ما جبى من خراج أرض وجزية وعشور أهل الذمة إذا تجروا من افق إلى افق والركاز وما أخذ من الحربيين إذا نزلوا. وإما المعدن فما كان منه فيه الزكاة قسم قسم الزكاة. وما كان فيه الخمس قسم قسم الفىء. قال: ولا يرتزق العمال من الزكاة ولكن من الفىء. وانما يرتزق الزكاة، يريد: على غير الفقير، العام ل عليها يأخذ بقدر سعيه وبعد سفره وقربه فيها. قال أشهب: ان كان من ولاه يضع الأمر فى وجهه وإلا فإنا نكره له ان يرتزق منه. قال مالك: ولا باس ان يجيز الوالى من الفىء رجلاص يراه لذلك أهل ا، ويجوز للرجل أخذها. قال أصبغ: ان كان الإمام عدلاً. [3/ 366]
قال ابن القاسم: ويعطى من الفىء القضاة ولاعمال الذين يلون اعمال المسلمين وما بهم الحاجة إليه، ومستخرجى جبايتهم والقائمين بأمرهم واسواقهم ويفرض لهم فيه، ويعطى منه الغزاة، وذلك على الإجتهاد لا على جزء معلوم. وإما العام ل على الزكاة فيأخذ منها بقدر/عمله، لا ينظر إلى كثرة عياله وولده، وأولئك يعطون من الفىء. ولا سهم للمؤلفة قلوبهم اليوم، ولا يقسم ذلك بين بقية إلاصناف الثمانية إلا على الإجتهاد، واسعدهم به احوجهم إليه. وربما انتقلت الحاجة فى عام آخر إلى الصنف الآخر فيصرف إليه. قال أصبغ: وأحب إلى ان يرضخ المستغنى من إلاصناف لئلا يندرس اسمه من ذلك. وبعد هذا الباب فى سيرة الإمام فى مال الله، فيه معانى هذاالباب. آخر الخأمس من الجهاد من النوادر والحمد لله وصلواته على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه وسلم [3/ 367]
صفحة بيضاء
[الجزء السادس من الجهاد]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولأنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الجهاد السادس ذكر ما يؤخذ من أهل الذمة إذا تجروا من بلد إلى بلد وما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا وهذا الباب مستوعب فى كتاب الزكاة الأول إلا ما كان لابن حبيب، وكتبنا ها هنا شيئاً منه لتعلق احكأمه باحكأم الفىء. من كتاب ابن حبيب قال ابن شهاب: كان يؤخذ من النبط العشر إذا تجروا إلى المدينة، وكان يؤخذ ذلك منهم فى الجأهلية، فألزمهم اياه عمر، وأخذ منهم فى الحنطة والزيت نصف العشر ليكثر حملهم ذلك إلى المدينة، وأخذ منهم فى القطنية العشر. قال مالك: وذلك إذا تجروا من بلدهم إلى بلد آخر، فإن تجروا إليها مراراً فى السنة أخذ منهم كلما رجعوا، ولم يؤخذ بما روى عن عمر بن عبد العزيز فى الكتاب لهم براءة إلى الحول فى تحديد ما يتجرون به من مال. قال ابن القاسم: ولا يؤخذ منه حتى يبيع، وله ان يرجع بمتاعه ولا يؤخذ منه شىء. قال ابن حبيب: ب يجب عليه العشر بالنزول، ويصير المسلمون شركاءه فيما بيده/من رقيق وغيرهم، ويحال بينهم وبين وطء إلإماء. ويبين ذلك ان عمر [3/ 369]
انما كان يأخذ منهم الحنطة والزيت نصف العشر ومن القطنية العشر، ولم يأخذ عشر الثمن. وكذلك قال مالك والمدنيون من أصحابه: فيؤخذ منه عشر ما معه من العين. وفى قول ابن القاسم: حتى يشترى به فيؤخذ منه عشر المشترى. وإما ان باع واشترى مراراً قبل ان يرجع إلى بلده فلا يزاد عليه شىء عند جمعيهم. قال ابن حبيب: وإذا أخذ منه عشر ما قدم به وكره البيع لبوار سلعته فرحل إلى بلد آخر، فليؤخذ ايضاً منه بالبلد الآخر عشرما معه لحركتهم يتقلبون بالتجارة فى غير بلدهم أمنين. وإذا اكرى منهم الشامى ابله إلى المدينة أخذ منه لأنه انما تم له بالمدينة، وابن القاسم لا يرى عليه شيئاً حتى يكريها من المدينة، ونحن لا نرى عليه شيئاً كما لو تجر مراراً قبل ان يرجع، واجمع مالك وأصحابه أنه يؤخذ من عبيدهم إذا تجروا إلى غير بلدهم. قال: وإما الحربيون فإنما يؤخذ منهم ما صولحوا عليه. وان كان فيهم يهود من بلدهم معهم فإن نزلوا إلى خمس أو عسر ثم طلبوا الرجوع قبل البيع فقد لزمهم ذلك والمسلمون شركاؤهم بذلك الجزء، ويحال بينهم وبين ذلك وبين وطء إلإماء حتى يقاسموا ما ينقسم يبع وقسموا الثمن. ومن المجموعة قال ابن نافع: لهم الرجوع ولا يؤخذ منهم حتى يبيعوا ونحوه لأشهب. وهذا مذكور فى كتاب الزكاة. قا ابن حبيب: وان نزل/الحربيون على أمر مبهم انزلهم الوالى كذلك وجهل، فإن نزلوا قبل ذلك على أمر فهم عليه. وان كان أول ما نزلوا فعليهم العشر لأنه الأمر الفاشى. وما كان معهم من خمر وخنازير فليرق الوالى الخمر ويقتل الخنازير ويغيب جيفها. وان طلبوا النزول على بقاء خمرهم وخنازيرهم فلا يمكنهم من ذلك. وان [3/ 370]
جهل فشرط لهم ذلك فإن عثر على ذلك بحدثأنه وقبل ان يبيعوا قيل لهم: إما نزلتم على اراقه الخمر وقتل الخنازير وإلا فإنصرفوا. وان لم يعثر على ذلك حتى باعوا بعض متاعهم وطال لبثهم جبروا على اراقه الخمر وقتل الخنازير، ولا عهد فيما خالف الكتاب والسنة. وكذلك ان شرطوا ان من أسلم من رقيقهم ترك فى ايديهم فلا يوفى لهم بهذا، وليبع عليهم من أسلم من عيبدهم. وكذلك لو شرطوا إلا ينزع منهم من معهم من أسير مسلم ومسلمة فأنهم يؤخذون منهم بالقيمة، ولا يكون رضى الوالى بما لا يجوز فى الكتاب والسنة بمانع من أقامة الحق عليهم فيه. وكذلك قال ابن الماجشون ورواه عن مالك. ومن المجموعة روى ابن نافع عن مالك فى أهل الذمة: إذا تجروا بالخمر تركوا حتى يبيعوه فيؤخذ منهم عشر الثمن. وان خيف من خيانتهم جعل معهم أمين. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولا باس ان يراض تجار الحربيين على النزول ببلدنا على دينار واحد إذا كان على الإجتهاد. قال ابن المواز: وأحب إلى إلا ينزلوا على اقل من العشر، ولا باس ان ينزلوا على اكثر منه من نصف أو ثلث أو اكثر. ومن العتبية قال أشهب عن مالك فيما/يؤخذ من الربانيين إذا نزلوا قال: يؤخذ منهم ما صولحوا عليه من ربع أو خمس أو ثلث أو عشر أو ما صالهم الإمام عليه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا نزلوا على العشر أو غيره ثم بدا لهم ان يرجعوا قبل ان يبيعوا أو قد باعوا البعض فقد اختلف فيه: فابن القاسم لا يرى لهم ذلك حتى يعطوا ما قد صولحوا عليه، ثم ان وقعوا إلى بلد آخر لم يكن عليهم شىء حتى يردوا بلادهم. فإن بلغوها ونزلوا ثم رجعوا بذلك المتاع بعينه أخذ منهم مرةً آخرى. وقال أشهب: لهم الرجوع قبل البيع ولا يؤخذ منهم شىء حتى يبيعوا حيث ما باعوا، إلا ان يكون اشترط عليهم ذلك حين نزلوا فيلزمهم. [3/ 371]
وذكر عيسى عن ابن القاسم فى العتبية مثل ما ذكر عنه ابن المواز. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نزلوا إلى العشر فإنما هو عشر الثمن، وليس للوإلى ان يقاسمهم الرقيق ولا غيرها حتى يبيعوا إلا ان يبدو لهم فى البيع فيؤدوا عشر القيمة. فإن نزلوا على بيان ان يقاسموا فى اعطاء العشر فليس لهم وطء الرقيق ولا البيع حتى يقاسمونا، ثم لهم الوطء والبيع. وقال سحنون فى كتاب ابنه: إذا نزلوا على العشر ومعهم رقيق ثم ارادوا إلانصراف به فلا بد ان يقاسموا الرقيق، ولم يذكر: نزلوا على بيان القسم أو على العشر مبهماً. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو اشتروا من بلدنا عبيداً مسلمين لبيعوا عليهم بخلاف من/قدموا به مسلماً أو أسلم بعد قدومهم به. قال أبو محمد عبد الله: وقد ذكرنا قول غير ابن القاسم فى اسلأم من معهم. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإما أهل الذمة يرديون الرجوع قبل البيع، قال ذلك لهم ولا شىء عليهم، واين ما نزلوا أخذ منهم. (زإما ان أسلم من رقيقهم شىء فلابد ان يباعوا عليهم ويؤخذ منهم) عشر الثمن. وكذلك فيمن جاءوا به مسلماً من عبيدهم. ولو قدم الذميون بخمر جاز لنا أخذ عشر ما بيع به، ولا يقال انا ملنا العشر فيراق علينا ذلك. قال ابن الموازك وقد ذكرنا اختلاف ابن القاسم وأشهب فى الحربيين ينزلون بتجارة ثم يريدون الرجوع قبل البيع. قال أصبغ: ولا ينبغى ان يتركوا يدورون بساحلنا فيطلعون على عوره. قال ابن القاسم: فإذا انصرفوا فلهم الأمان حتى يفارقوا بلد الإسلام. قال ابن المواز: بل حتى يصلوا إلى مأمنهم من بلدهم. [3/ 372]
ومن العتبية قال مالك: إذا انصرفوا فالأمان لهم حتى يصلوا إلى موضع يأمنون فيه. فإذا صاروا إلى ذلك حلوا لمن قدر عليهم من المسلمين. قيل أنهم اليوم لا يأمنون حتى يبلغوا بلدهم ويخرجوا من البحر لأن مراكب المسلمين قد كثرت عليهم. قال فلا يحلون حتى يخرجوا من البحر على ما ذكر، ثم قال: وإذا نزلوا على غير تسمية فلا يجبروا على اداء اكثر من العشر، ولكن ان رضوا على شىء بعد نزولهم أو قبل فذلك وإلا ردوا إلى مأمنهم. قا أشهب: وإذا باعوا واشتروا فردتهم/الريح، فهم على أمنهم حتى يردوا سلطانهم، ثم ان رجعوا فالإمام مخير بين انزالهم أو ردهم، ولا يؤسروا ولا يباعوا. وان لم يبلغوا مأمنهم فلا يمنعهم النزول ان شاءوا. ومن أشهب قيل لمالك: ان الروم عندنا إذا قدموا بالرقيق جعلوا من كل صنف عشرة فيختار الروم (من احد إلاصناف رأساً من عشرة ثم يختار المسلمون من التسعة الباقية رأساً)، ثم يبدأ فى الصنف الثانى باختيارباختيار المسلمين ثم فى الثالث باختيار الروم، هكذا حتى يفرغ قد احكموا ذلك. قال: بئس ما احكموا. قال: وروى أصبغ وسحنون وابن القاسم قال: ويمنعون من الوطء للشرك الذى للمسلمين معهم باعوا أو لم يبيعوا، وفيما مات أو نقص إلا ان يكونوا صولحوا على مال فلا يمنعوا من الوطء. وان رحلوا من ذلك الموضع إلى موضع آخر من سواحل الإسلام لم يؤخذ منهم غير عشر واحد. وروى سحنون عن ابن القاسم فى الروم ينزلون على العشر ومعهم رقيق مجوس فارادوا إلانصراف قال: يقاسمون ويذهبون بما بقى. ولو أسلم الرقيق لقوسموا وذهبوا بما بقى. واحتج برد النبى صلى الله عليه وسلم ابا جندل. [3/ 373]
في أهل الذمة والنهي عن ظلمهم، وما ينبغي أن يلزموه في لبساهم وشكلهم، هل يستعان بهم في أمور المسلمين، وما يؤكل من طعامهم، ومخالطتهم والسلام عليهم
فى أهل الذمة ولأنهى عن ظلمهم وما ينبغى ان يلزموه فى لباسهم وشكلهم وهل يستعان بهم فى أمور المسلمين وما يؤكل من طعام هم ومخالطتهم والسلام عليهم ومن كتاب ابن سحنون، قال: وقد أمر الله سبحانه بالوفاء بالعهد. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا بيوت المعاهدين إلا بإذن، وتواترت إلاحاديث فى النهى عن ظلم أهل الذمة أو أخذ/شىء من أموالهم إلا بحق. قال سحنون: لا يجوز ان يؤخذ شىء من أموالهم إلا عن طيب نفس إلا الضيافة التى وضعها عمر رضى الله عنه، ولا يدخل كافر المسجد من ذمى أو غير ذمى، ولا يتشبه احد منهم بالمسلمين فى الزى، ويؤدبوا على ترك الزنانير. من كتاب ابن حبيب وابن سحنون: وكتب عمر بن عبد العزيز ان يختم فى رقاب رجال أهل الجزية بالرصاص ويظهروا مناطقهم وتجز نواصيهم ويركبوا على إلاكف عرضاً. قال ابن حبيب: وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم: إلا تبدأوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم فى طريق، فألجئوهم إلى أضيقها. وقال عمر: سموهم ولا تكنوهم وإذلوهم ولا تظلموهم ولا تبدأوهم بالسلام. وقال النخعى: إذا كانت لك إليه حاجة فلا بأس ان تبدأه بالسلام. وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى المشركين كتب: السلام على من اتبع الهدى. ونهى عمر ان يتخذ احد منهم كاتباً لقول الله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم)، ونهى عنه عثمان. وقال عمر بن عبد العزيز: كان المسلمون إذا فتحوا البلاد لم يكن لهم علم بأمر الخراج حتى استعانوا بالعجم، ثم ان المسلمين ع رفوا من ذلك ما يحتاجون [3/ 374]
إليه وكثروا، فلا ينبغى ان يستعملوا فى شىء من أمور المسلمين. وكتب عمر ان يقأموا من اسواقنا، وقاله مالك. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك: سئل عن الحزم للأقباط، أيلزمون ذلك؟ قال: انى أحب لهم الذلة الصغار، وقد كانوا ألزموا ذلك فيما مضى. (قيل: أفيلزمون ذلك؟ قال: نعم) قيل: أفيكنون؟ قال/ (انى لأكره ان يرفع بهم، وقد رخص فيه قبل ذلك. قال ابن القاسم): وأرجوا ان يكون خفيفاً. قال غيره: وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لصفوان: انزل ابا وهب. قال سحنون فى أهل الكتاب: ولا يؤكل فى آنيتهم حتى تغسل. قال وقال مالك: يكره اكل طعام هم وذبائحهم، أهل الذمة أو أهل الحرب، من غير تحريم. قال سحنون: ولا بأس بأكل ما وجد ببلد الحرب من ذبائحهم وخبزهم وجنبهم، ولا يؤكل ما وجد بأرض المجوس من اللحم، ويؤكل خبزهم. وكره مالك جبنهم مرةً وأجازه مرةً، ولا بأس به عندى. وأجازه ابن عمر وعائشة وزيد ابن أسلم. قالت عائشة: ان لم تأكله فأعطه آكله. وقال ابن شهاب: ان لم تعلم ان المجوس صنعوه. فكله. وكان ابن كنانة لا يجيز ان يؤكل فى بلد المجوس شىء من طعام هم مما صنعوه فى آنيتهم. وإما اكل الثمر وشبهه فجائز. ومن كتاب آخر: ان بعض اصحاب مالك كره الأشياء المائعة من طعام هم، وهو نحو ابن كنانة. وكان ابن سيرين يكره فى نفسه الجبن الرومى. وقال سحنون فى قلال أو زقاق كان فيها الخمر فغسلت فلم تذهب الرائحة، فلا يضر ذلك ولينتفع بها. [3/ 375]
ذكر ما ينهى عنه من إحداثهم الكنائس وإظهارهم الصليب والخمر والخنازير
وفى مختصر ابن عبد الحكم: إما الزقاق فلا ينتفع بها. قال أبو محمد: يريد: زقاق الخمر التى قد كثر استعمالها. قال: وإما القلال, فليطبخ فيها الماء مرتين وثلاثة وتغسل وينتفع بها. وهذا المعنى فى كتاب الذبائح مستوعب. ذكر ما ينهى عنه من احداثهم الكنائس واظهارهم الصليب والخمر والخنازير/ من كتاب ابن حبيب: روى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا ترفع فيكم يهودية ولا نصرانية، يعنى: البيع والكنائس. قال ابن الماجشون: ولا تحدث كنيسة فى بلد الإسلام. وإما ان كانوا أهلذمة منقطعين عن بلد الإسلام ليس بينهم مسلمون، فذلك لهم، ولهم ادخال الخمر وكسب الخنازير. وإما بين المسلمين فيمنعون من رم كنائسهم القديمة إذا رثت، إلا ان يكون ذلك شرطاً فى عهدهم فيوفى لهم، ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة. وان صولحوا على ان يحدثوا الكنائس ان شاءوا، قال ابن الماجشون: فلا يجوز هذا الشرط ويمنعون منه لأنه ما قال النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى بلدهم التى لا يسكنها المسلمون معهم فلهم ذلك وان لم يشترطوه. قال ابن الماجشون: وهذا فى أهل الصلح. فإما فى أهل العنوة فلا يترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة إلا هدمت، ثم لا يحدثوا كنيسة وان كانوا معتزلين عن بلد الإسلام. ويمنع أهل الذمة الذين يسكنون مع المسلمين من اظهار الخمر وحملها إليهم من قرية إلى قرية، وتكسر عليهم ان ظهرنا عليها وان قالوا لا نبيعها من مسلم، وكذلك لا يدخلون الخنازير إليهم، ويضرب من فعل ذلك منهم، ومن أخذ سكران منهم أدب. وكذلك لا يظهرون صلبهم فى أعيادهم واستسقائهم وتكسر ان فعلوا ويأدبوا. وقال مثله مطرف وأصبغ وغيره. وكتب به عمر رضى الله عنه./ [3/ 376]
ذكر ما يمنع الداخلون إلينا بأمان من حمله إلى بلدهم، وما ينهى عن بيعه منهم والمفاداة به
ذكر ما يمنع الداخلون إلينا بأمان من حمله إلى بلدهم وما نهى عن بيعه منهم والمفاداة به من كتاب ابن حبيب: وقال فى أهل العهد وتجار الحربيين إذا انصرفوا من عندنا منعوا من حمل السلاح والحرير والحديد والصفر وإلادم معمولة أو غير معمولة، ومن الخيل والبغال والحمير والغرائر والآخرجة، ولا يترك لهم حمل كل شىء فيه قوة فى المغازى ولا الزفت ولا قطران الشمع واللجم والسروج والمهأمز والسياط ولا شقق الكتان والصوف ولا الطعام من القمح والشعير، ولا كا ما لهم فيه قوة حربهم. وليأخذ الإمام فى منع ذلك والتغليظ فيه وينذر ان من فعل ذلك فهو نقض للعهد، ويتقدم للمسلمين ان لا يبيعوه منهم وينادى بذلك، ويفتش عليهم فى انصرافهم، وكذلك جرى عمل أهل العدل. قال الحسن: فمن حمل إليهم الطعام فهو فاسق. ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن. وكره الأوزاعى بيع الطعام والسلاح منهم. وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: إما فى الهدنة فيجوز. وإما فى غير الهدنة فلا يباع منهم طعام ولا شىء مما فيه قوة، فيبيعونه فى دار حربهم. وإما الكراع والسلاح والحديد والنحاس واللجم والسروح والحرير والجلود وما يستعان به فى الحرب فحرأم بيعه منهم فى الهدنة وغيرها. ومن دخل إلينا منهم بأمان فلا يترك يبتاع ذلك عندنا. وان دخل بسلاحه فله الرجوع به، وله من عندنا من غير بيع بمثله أو بادنى منه./فإما بأرفع أو بنصف غيره من السلاح فلا يترك يخرج به. (فإما ان باع سلاحاً بثمن ثم اشترى به سلاحاً فلا يترك يخرج به) كان مثله أو خلافه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل: أيباع الديباج من الروم؟ قال: ان لم يتخذوه عدةً للقتال فلا بأس بذلك، وذكره ابن سحنون من رواية ابن وهب [3/ 377]
عن مالك، وقاله الأوزاعى: ومن اشترى من المغانم صليباً من ذهب فكسره أحب إلى من بيعه من النصارى. قال سحنون: لا يجوز بيعه منهم. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فى التجارة فى النبل والسلاح والسيوف، قال: لا بأس بذلك لم يزل الناس يجيزونه إلا ان يخاف ان يصل إلى العدو. قال سحنون: ومن اهدى للمشركين سلاحاً فقد شرك فى دماء المسلمين. وكذلك فى بيعه ذلك منهم، وهو كمن أخذ رشوة فى دماء المسلمين، ولا ينزع ممن قدم من الرسل سلاحاً ويمنعون من شراء السلاح. ومن كتاب ابن المواز: وعن الحربى يبيع عندنا تجارته فله شراء ما شاء إلا (ما فيه ضرر علينا مما يدخل فى السلاح والنفط ونحوه، ويمنعون من شراء) الخيل والسلاح، ولا يمكن من شراء علج منهم أو غلأم بثمن، ولكن ان كان بمسلم فنعم ما لم يكن المفدى منهم من أهل الذكر بالشجاعة وإلاقدام فلا يفدى إلا بمثله من المسلمين المذكورين بمثل ذلك. فإن لم يجد ذلك اجتهد فيه الإمام. قال ابن القاسم: وإذا قدموا بأمان فى شراء من قد سبى منهم فلا يمكنوا من شراء الذكور بثمن وان كان/صغيراً، ولهم شراء النساء ما لم تكن صغيرة، ويشترى الزمنى وأهل البلاء من الرجال والشيخ إلا من يخاف كيده وشدة رأيه فلا يفدى إلا برجل مسلم. وبقية هذا فى أبواب الفداء. وبعد هذا باب الفداء بصغار الكتابيين وسأل حبيب سحنون عن الناقلين: هل يمنعون من شراء الخفاف؟ قال: ما اعلم أنهم يمنعون من شراء السلاح، وكأنه رأى الخفاف بمنزلة الثياب. [3/ 378]
في بيع المجوس من الصقالبة والسودان من أهل الكتابين، وكيف إن وجدوا في ملكهم، وفي بيع أهل الكتابين بعضهم من بعض
فى بيع المجوس من الصقالبة والسودان من أهل الكتابين وكيف ان وجدوا فى ملكهم وفى بيع الكتابيين بعضهم من بعض من العتبية من سماع ابن القاسم: وعمن ابتاع رقيقاً من السودان والصقالبة أيبيعهم من النصارى قبل ان يسلموا؟ يريد الكبار، قال: ما اعلم حرإما. وإما الصغار فلا. ويفسخ البيع ان فعل لأن صغارهم يجبرون على الإسلام ولا يجبر كبارهم. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى الروم يقدمون بعبيد من مجوس الصقالبة، قال: يمنعهم الإمام من بيعهم من إليهود والنصارى والمجوس، لا صغير منهم ولا كبير، لأنمه يصيرون إلى دين ملكهم، ولا يبيعون إلا من المسلمين. فإن وجدوهم فى ايدى إليهود والنصارى قد اشتروا منهم، قال: يباعون عليهم إلا ان يوجدوا قد صأورا على دين من ملكهم من نصارى أو يهود أو مجوس فلا يباعوا عليهم لأنهم لم يكونوا يجبرون على الإسلام إذا ملكهم المسلمون. ولو كان قد تقدم اليمه إلا يشتروهم، ففعلوا/وردوهم على دينهم، عوقبوا لئلا يعودوا إلى مثل ذلك. قال عبد الملك بن الحسن قال ابن وهب: ولا يجوز ان يباع النصارى من إليهود ولا إليهود من النصارى. قال سحنون: يكره ذلك للعدأوة التى بينهم. قال أصبغ قيل لأبن القاسم: أيباع العبد من أهلدينه النصارى؟ قال: لا، واخاف ان يكون عورةً للمسلمين. ولولا ذلك لم أكرهه ان ثبت على دينه. ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز ابن القاسم ان يباع من الروم من سبينا منهم من النساء والأولاد بعد ان صاروا بأيدينا ببلد العدو وبعد ان بلغوا المصيصة. [3/ 379]
في المجوس وصغار الكتابيين هل يجبرون على الإسلام إذا ملكوا؟
قال: وانى لأتقيه فى الصغار لأنهم على دين من اشتراهم. وإما المجوس فلا يباعون منهم لأنهم يجبرون على الإسلام، ولا بأس ان اشترى أهل البيت ان يعتق العجائز منهم ببلد الروم. فى المجوس وصغار الكتابيين هل يجبرون على الإسلام إذا ملكوا؟ وهذا الباب مستوعب فى كتاب الجنائز من العتبية، قال أصبغ فى المسلم يشترى عبداً مجوسياً من المجوس الذين بالعراق قد أقروا بين المسلمين على مجوسيتهم، فليس عليه ان يجبره على الإسلام. وانما ذلك فيما يشترى من السبى من الصقالبة ونحوهم من المجوس. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: لا يجبر صغار الكتابيين إذا ملكوا على الإسلام وا نلم يكن معهم احد أبويهم. قال ابن القاسم وأشهب فيمن/سبى صغيراً ونيته ان يدخله الإسلام مثل ابن سنتين أو ثلاثة ثم مات، فلا يصلى عليه حتى يبلغ فيعرف الإسلام ويجيب إليه. وقال عبد الملك فى صبيان من أهل الكتاب سبوا بغير أب ولا أم فملكهم المسلم: ان سبيلهم سبيل المسلم إذا لم يكن معهم أبوهم. وان أعتق فقتل أو جرح فسبيله سبيل المسلم ويصلى عليه ان مات ويقبر ويواريه المسلمون. وإما ان كان مع أبيه فهو على دين أبيه، وكان مملوكاً أو حراً، ولا ينبغى ان يفرق بينه وبين أبيه فى البيع إذا عرف ذلك إذا كانوا صغاراً. فإن استيحى أبوهم فهم على دينه. وان أسلم فهم مسلمون كالمعاهد. قال عبد الملك وقال قائل: وروى ان الإسلام أولى بهم ان أسلمت أمهم، وليس على ذلك الأمر ببلد الرسول ولا عند أصحابه والتابعين، والأمر الماضى [3/ 380]
في الفداء بصغار الكتابيين وبيعهم منهم أو بالنساء برجال أو بيع الرجال منهم، وذكر ولد الحربي من مسلمة
عندهم على ان يكون على دين أبيه. وقال عبد الله بن عبد الحكم: لا يباع الصغير مع أمه من نصرانى. قال ابن المواز: إما إذا ملكه مسلم فاستحسن ذلك من غير ان ألزمه ذلك. وإما ما كان ببلد الحرب فلا بأس ببيعه ما لم يكن لللصغير اب قد أسلم وعرف ذلك. وفى كتاب الجنائز شىء من هذا، وقول ابن وهب: ان لم يكطن معه إلا إلأم. فى الفداء بصغار الكتابيين وبيعهم منهم أو بالنساء وبرجال أو بيع رجال منهم وذكر ولد الحربى من مسلمة من كتاب ابن المواز قال أشهب: ولا بأس ان يفادى بصغار الروم الذين لم يثغروا، كانوا ذوى آباء وأمهات أو لم يكن لهم آباء ولا أمهات، ولا يجبروا على الإسلام كان لهم وإلان أو لم يكونا. قال ابن المواز: ويجوز/ان يفادى بهم مسلمين. وإما بغير مسلمين فأكره ذلك. قال أشهب: ولو سبوا حرةً فظفرنا بها وهى حأمل، فإن حملها وولدها فىء أرقاء للمسلمين وهى حرة. قال ابن المواز: وان سبى أولادها الصغار معها فهم أحرار ويكونون مسلمين كما لو زنت وولدت. وإما الكبار فهم فىء. قال ابن القاسم: لا يباع من الروم شىء تعدوا به على المسلمين، وكان عبد الملك يشدد فى ذلك ويقول: لا يباع منهم النساء ولا شيخ ولا غيره إلا من يعلم ان عليه فيه الضرر من الزمنى ومن لا رأى ولا عون، يريد من الزمنى. وإذاجاء علج بمسلم يفدى به أمرأته فوجدها قد ولدت من سيدها المسلم، فإن كانت على شركها فذلك جائز. قال ابن المواز: والمسلم أفضل منها. قال ابن القاسم: لا يفديها اتلا ان يعتقها سيدها فلا بأس ان يدفعها حينئذ فى الفداء بعد ان يستبرئها. وكان أشهب اسهلهم فى ذلك، وأجاز الفداء [3/ 381]
في شراء الكنيسة أو بعضها من الأسقف، أو شيء مما جعل لمصالحها، والقول فيما يحكم فيه بين أهل الذمة
بالصبيان ممن معه أبوه أو لا أبوين معه، إلا ان تكون معه أمه فلا يفدى إلا معها، يعنى من اجل التفرقة. وهذه المسائل مكررة فى باب تقدم فى الفداء. وقا أشهب فى علج أسرناه فأرغبونا الروم فى ثمنه أيباع منهم؟ قال: نعم ان كان ذلك نظراً للمسلمين. وسحنون لا يرى ان يفدى بالمال. قال أشهب فى الرومى المعتق يريد الخروج إلى بلد العدو فأنه يمنع. قال ابن المواز: وان أعتقه نصرانى لأنه قد لحقته ذمته مولاه. فى شراء الكنيسة أو بعضها من إلاسقف أو شىء مما جعل لمصالحها والقول فيما يحكم فيه بين أهل الذمة من العتبية:/روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن اشترى عرصةً من الكنيسة أو حائطاً منها من أسقف ذلك البلد القائم عليها فإن كانت البلد عنوةً لم يجز ذلك ورد. وان كانت صلحاً فذلك جائز. قال أصبغ عن ابن القاسم فى نصرانى دفع إلى نصرانى طائراً ليبيعه ويجعل ثمنه فى الكنيسة أيشتريه المسلم؟ فرآه خفيفاً. وقال أصبغ: لا يفعل، وهو بذلك آثم وهذا فى ايمأنه مرض. قال أصبغ فى بيع إلاسقف لشىء من الديارات فى الخراج أو في شىء من مصالح الكنيسة، وذلك حبس عليها، قال لا يشتريها المسلم ولا يجوز من ذلك فى أحباسهم إلا ما يجوز فى أحباس المسلمين، وقاله أصبغ. ولا يحكم حاكم المسلمين فى منع بيع حبس الكنائس ولا رده ولا انفإذ حبسها ولا اجازته ولا الأمر فيه. قال عيسى عن ابن القاسم قيل له: أيحكم حاكم المسلمين بين أهل الذمة فيما تظالموا فيه من أموال البيوع والرهون والغضب؟ قال: ذلك الذى يحق عليه، وانما الذى لايحكم فيه يبنهم فى حدودهم وعتقهم وطلاقهم والربا من [3/ 382]
في دخول بلد الحرب والتجارة فيها، والاجتماع إلى أعياد أهل الكتاب
بيعهم الدرهم بالدرهمين ونحوه ونكاحهم وغير وجه. وما القتل والجراح والغصب وتظالمهم إلأموال فعليه ان ينظر فيه بينهم. فى دخول بلد الحرب والتجارة فيها وإلاجتماع فى أعياد أهل الكتاب من كتاب ابن حبيب قال: ومن قول مالك وأصحابه أنه لا يجوز دخول دار الحرب تاجراً ولا غير تاجر إلا ان يدخل لمفاداة، وينبغى ان يمنع الإمام من ذلك ويجعل الرصد فيه ويشدد فى ذلك. قال/الحسن: من تجر إلى بلد الحرب فهو فاسق. وقاله الأوزاعى. قال سحنون: من ركب البحر إلى بلد الروم فى طلب الدنيا فهى جرحة، ونهى عن التجارة إلى ارض السودان لجرى أحكأم أهل الكفر عليه. قال ابن حبيب: وكره مالك ان يشترى من أهل الذمة بدارهم وفيها اسم الله تبارك وتعالى. وكره ان يعطى لحبى أو ذمى. قال مطرف وابن الماجشون: ولا يباع من الحربيين الطعام وان جاؤوا بأمان إلا فى الهدنة فليبع منهم الطعام فقط. قال ابن القاسم فى قوم دخلوا دار الحرب فشهد عليهم بينة مسلمون أنهم كانوا بأرض الحرب نصارى: فلا يقتلون بذلك لأنهم يقولون خفناهم على أنفسنا وأموالنا، ولكن يمنعون من الدخول إليهم. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن اعياد الكتابيين يحمل إليها المسلمون المتاع والثياب وغيرها للبيع، قال: لا بأس بذلك. وكره الخروج إلى أرض الحرب فى البر والبحر تجرى عليه أحكأمهم. [3/ 383]
باب سيرة الإمام العدل في مال الله عز وجل
باب سيرة الإمام العدل فى مال الله عز وجل وهذا الباب كثير منه فى كتاب الزكاة وفى غير باب من الجهاد. وفى الثالث من كتابالجهاد باب فى الغنائم والخمس وسهم ذى القربى. قال ابن حبيب: مال الله سبحانه الذى جعله رزقاً وقوةً لعباده المؤمنين على ايدى ولاة الأمر من عباده مالا ن: فمالا جعله للفقراء وحرمه على إلاغنياء، ومال آسى فيه بين إلاغنياء والفقراء. فالمال الذى خص به الفقراء: ما أخذ من الزكاة من عين وحرث وماشية وزكاة معدن وزكاة فطر. فقال الله سبحانه: (انما الصدقات/للفقراء والمساكين والعام لين عليها)، إلى قوله: (وابن السبيل) إلاية، فسمعت محمد بن السلام البصرى يقول: الفقير الذى له علقة مال، والمسكين المدقع الذى لا شىء له. قال ابن حبيب: والعام لون: السعاة، لهم بقدر العمل وقربه وبعده إذا عدلوا فى أخذها وصرفها فى حقها، وانقطع سهم المؤلفة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستألفهم بكثرة العطاء ليسلم من قومهم بأسلأمهم، وهو من إلاستيلاف لا من إلالفة. فكان يعطيهم من الزكاة ومن الفىء، فكان ذلك أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأيام أبى بكر. ثم قطعه عمر وتأول ان الإسلام قد كثر وعز واستغنى عن ذلك. وقال ذلك لأبى سفيان وهو منهم، وأبقى حقهم فى الفىء كخق سائر الناس. وقوله: (وفى الرقاب)، الرقبة تعتق من الزكاة وقد اجيز ان يعتق فيها سهم يتم به عتقها لا على ان يبقى منها شيئ رقيقاً. وكذلك ما يعتق به المكاتب (الغارمين) منعليه دين فى غير سرف ولا فساد ولا شىء له أو له مال احاط به الدين، فليعط منه، ويعطى من الفىء ايضاً. وكذلك على الإمام ان يقضى عنه. [3/ 384]
وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ديناً فإلى. وقاله ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز: ان على الأمير قضاءه عنه من مال الله. وقوله سبحانه: (وفى سبيل الله): فى الجهاد (وابن السبيل):هو المسافر يحتاج فى غربته وهو غنى ببلده. وانما هى فى إلاصناف على الإجتهاد لا على يسأوى القسم فى هذه إلاصناف. وكذلك قال على بن أبى طلب وابن عباس. قال انب الماجشون: ولافقراء والمساكين أولادهم إلا ان يكون عدو قد اظل. قال مالك: ولا يحمل منها إلى الإمام شىء/ولتقسم فى مواضعها إلا ان يرى الإمام حمل شىء منها إلى فقراء موضعه أو إلى بعض عمله من حاجة وفاقة هم بها فله ذلك ويكرى على نقلها منها، ورواه مطرف وابن وهب عن مالك. قال مالك: ونصيب من هو اشد فاقة وتعففاً عن المسألة وصلاحاً أجزل من نصيب أهل السؤال وفساد المال ولكل فيها نصيب. قال ابن حبيب: ولا بأس ان يعطى المسكين المتعفف العشرين درهماً وإلاربعين إلى مائة درهم، وقاله عروة ابن الزبير. قال ابن حبيب: ومن الطعام المدين ونحوهما، ويعطى من له العيال اكثر من ذلك بالإجتهاد، ويعطى من له مسكن وخادم لا فضل فيها عن كفايته. وإما من له غير ذلك من غنيمة أو مزروعة أو شجر، فإن كان فى ثمن ذلك ما يغنيه عن الصدقة لم يعط ولا يجزى من اعطاه. وأم كان لو باعه لم يسد عنه مسداً مثل الدريهمات والدنانير القليلة فليعط. ولا يقوى منها الحاج الغنى بخلاف الغازى، ولا يشترى منها مصحف ليسبل. ولا بأس ان يفك منها أسارى المسلمين، وذلك داخل فى عموم ذكر الرقاب. وذكر حديث مالك: لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة، ولا يرتزق منها الإمام ولا عماله وقضاته. وكره مالك للرجل الصالح ان يعمل على الصدقة ان [3/ 385]
كان الإمام لايعدل. فإن اكره فلا ياكل منها ولا يأخذ شيئاً. وما جاء ان لا تحل الصدقة لآل محمد، فهم نبوا هاشم فمن دونهم، لا يدخل فى ذلك من فوقهم من بنى عبد مناف وغيرهم، قاله مطرف وابن الماجشون. وكذلك عندهما الموإلى. وقال ابن القاسم: تجوز/لموإليهم. واجاز ذلك للجميع فى التطوع، وخالفاه. وقد جاء فى الحديث وعن السلف ما شد قولهما، فإما الهبة والعطية فمجتمع على اجازتهما لهم حتى تسمى صدقة. قال ابن حبيب وإما المال الذى آسى فيه بين إلاغنياء والفقراء فهو فىء من خمس وجزية أهل العنوة وأهل الصلح وخراج ارضهم، وما صولح عليه الحربيون من هدنة، وما يؤخذ من تجار الحربيين وتجار أهل الذمة وخمس الركاز. قال عمر بن عبد العزيز: آية الفىء وآية الخمس سواء، وهو قول مالك وأصحابه. قال ابن حبيب: وقول الله تبارك وتعالى فى إلايتين: (فلله)، فهو مفتاح كلام فيما أمرنا ان نجعله فيه وقوله: (وللرسول)،يقول، يجعله فى مواضعه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ما لى مما افاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم. وكذلك قوله فى إلانفال: أنها لله وللرسول، يقول: الحكم فيها. وقوله (ولذى القربى) قرابة النبى صلى الله عليه وسلم، بنو هاشم فمن دونهم وهم آل محمد، فوسع عليهم من الخمس لا على سهم لهم معلوم، وبذلك عمل العمران. وليس على ان يقسم ما ذكر فى إلايتين على خمسة أجزاء، بل هو اعلم بوجوهه كما ذكر فى ثمانية اصناف فى الزكاة. وكذلك عمل الخلفاء وأئمة العدل فى ذلك كله. وتأول قوم ان خمس الخمس للرسول صلى الله عليه وسلم يضعه حيث اراه الله تعالى وان منه اعطى المؤلفة قلوبهم وما/أكثر من العطاء يوم حنين. وان ذلك كل من ولى الأمر بعده: له خمس الخمس يضعه فيما يخص به الإسلام وأهله. [3/ 386]
وخمس آخر من الخمس لذى القربى غنيهم وفقيرهم سواء، للذكر سهمان وللأنثى سهم، والثلاثة إلاخماس الباقية لليتأمى والمساكين وابن السبيل. وهذا ما قال بنو هاشم فيه: وأبى ذلك عليهم قومهم من قريش. قال ابن عباس: وأبى ذلك علينا قومنا. قال ابن حبيب: وانما كانوا يرون ذلك فى خمس الغنائم دون مال الفىء وشبهه. وقد أبى ذلك بقية قريش والخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان، وقاله عمر بن عبد العزيز. قال غير ابن حبيب: ولما ولى على عمل فى ذلك عمل أبى بكر وعمر حتى عاتبه ابن عباس، فقال على: تأولا وتأولنا ولسنا بتأويلنا أولى منهما، وقد كان رشيدين وما أحب ان يؤثر عنى خلافهما. قال ابن حبيب قال عمر بن عبد العزيز: آية الخمس كآية الفىء، أخبر الله سبحانه ان الله ولرسوله الحكم فى ذلك، فأجرى ذلك فى الخمس كما أجراه فى الفىء، ثم اخبر بمواضعها التى يجرى ذلك فيها على الإجتهاد لا على قسم معلوم. ولو كان كذلك لكان على معنى المواريث وتجريتها، ويسأوى فيه الغنى والفقير. ولو كان أمراً مرتباً للأول لورثت عنه ورثته، ولكان لهم حق فيما غنم النبى صلى الله عليه وسلم من صأمت وعرض وحيوان وعقار، فلم يعرف أنه كان منه عليه السلام فى ذلك فرض يعلم. وقد/قسم لهم يوم حنين مقسماً لم يعم به عام تهم ولا خص به قريباً دون احوج منه. وقد أعطى منه من لا قرابة له منه لما شكوا من الحاجة، وأعطى حلفاءهم. ولو كان حقاً ثابتاً لقرابته لكان أخواله وأخوال أبيه وجده ذوى قربى منه وكل من ضربه برحم. ولو كان ذلك لأعطاهم ذلك أبو بكر وعمر وعثمان. ولهم يفعل ذلك على حين ولى. ولو كان هذا وجهه لكان قد أعلمهم من ذلك ما يعمل به فيهم، ولكنه كما قال الله سبحانه: (كيلا يكون دولة بين إلاغنياء منكم). فلو كان ذلك السهم جارياً لم يكن دولةً ولكن كان توراثاً يورث، [3/ 387]
ولكن كان يقوم لهم بحقهم فى ذلك قرابتهم وحاجتهم كما يقوم بحق المسكين واليتيم لحاجته. فإذا استغنى زال حقه. ولم يكن الخلفاء الراشدون يصنعون هذا من حكم الله سبحانه، وهم القائمون بكل حق الله تعالى. وقد قال النبى عليه السلام: ما لى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأين ما قال هؤلاء من هذا؟ قال ابن حبيب فى قوله فى اليتيم والمسكين يزول حقه بغنائه، يريد: لزوال إلاسم الذى به أخذوا وهو الفقير، والقرابة لذى القربى لا تزول بالغنى، ولكن خمس الخمس مرتباً لهم فرضاً، ولكن لهم منه ما رآه الإمام باجتهاده، يعطى فقيرهم وغيرهم من الفقراء والمساكين. وهذا فعل الخلفاء فيهم، وإنما لم يروا لهم سهماً مرتباً كالمواريث. وإما حق القرابة فقد كانوا يرعونها منهم ويؤثرونهم بها. وكذلك/استحب فى إلادنى، قإلادنى من قريش ممن هو اقرب بالنبى صلى الله عليه وسلم نسباً ورحماً يؤثر بقدر ذلك. قال مطرف قال مالك: ويعطى الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس كل عام بقدر ما يرى من قتله وكثرته. وبلغنى ان عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك. وكان عمر بن عبد العزيز يخص ولد فاطمة رضى الله عنها، يعطيهم كل عام اثنى عشر ألف دينار سوى ما كان يعطى غيرهم من ذوى القربى. وقد سأل عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم أن يكشف عن الكتيبة من خيبر هل هى خمس النبى صلى الله عليه وسلم من خيبر، فسأل عمرة فقالت: كانت هى الخمس الذى خرج للنبى صلى الله عليه وسلم من خيبر حين جزأها خمسة أجزاء، وأقرع بين ذلك وقسم ما بقى على ثمانية سهماً. [3/ 388]
قال ابن حبيب: فما افاء الله على المسلمين بغير إيجاف فليسلك به مسلك الفىء ولا يستأثر به ولى الأمر. ومما أفاء الله على نبيه مما لا يوجف عليه أموال بنى النضير وفدك وبعض خيبر، فلم يجز فيها مغنماً ولا خمساً فكان القضاء فيه له خالصاً، فلم يصرفها صلى الله عليه وسلم ولا حازها لنفسه ولا لقربته ولا خصهم منها بسهم، ونظر فيها بما أراه الله، فكانت لنوائبه ونفقة نسائه وما يعدوه من أمور غير معتقد لشىء منها ولا مستأثر لنفسه ولا لمن بعده، فكان يخرج من غلتها نفقة نفسه وعياله سنةً، ويجعل ما بقى فى الكراع والسلاح، فكان هذا عمله فى غلة قريظة والنضير. وإما فدك، فجعلها لأبناء السبيل. وإما خيبر فجزأها على ثلاثة، ثلثاً للمهاجرين الذين آخرجوا من ديارهم/وثلثاً لرجال من إلانصار، وثلثاً لفقراء المسلمين. وأراد نساؤه أن يطلبن بعده ميراثهن من ذلك، وظنن أنه ملك له فقالت لهن عائشة: ألم يقل: لا نورث ما تركنا صدقة؟ وقاله لهن أبو بكر فأمسكن. ثم وليها أبو بكر بمثل ذلك، فكان يخرج منها نفقة عمالها، ثم نفقة أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يفرق سائرها فى المسلمين. ثم وليها عمر بمثل ذلك حتى سأله على والعباس ان يوليها إليهما ففعل على ان يفعلا فيها كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، ففعلا. فكان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يرتزقن منها حتى متن، فمضت صدقةً للمسلمين إلى اليوم ولم يرث أحد منها من ورثة من كان يجرى عليه النفقة منها، ولم يكن لأحد ممن ولى الأمر بعد النبى صلى الله عليه وسلم منها ما كان له، بل كانوا أسوةً للمسلمين. وكذلك ما أفاء الله بعده بغير إيجاف فهو لجميع المسلمين. وكطذلك قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأصحابه. قال ابن حبيب: والسيرة التى مضى عليها أئمة العدل فى قسم الفىء وشبهه أن يبدأ فيسد خلل تلك البلد التى جبى فيها أو أفىء فيه، ويسد حصونه ويزيد فى كراعه وسلاحه، ويقطع منه رزق عمال ذلك البلد وقضاته والمؤذنين ومن يلى شيئاً من مصالح المسلمين، ثم يخرج عطاء المقاتلة الذين دونهم من أهلذلك البلد لجهاد عدوهم، ثم للعيال والذرية وسائر المسلمين على قدر المال، ويبدأ بالفقراء. [3/ 389]
فما فضل حمله إلى بيت المال يقسمه على من عنده من المسلمين، فيبدأ فيه بمثل ما بدأ فيه فى البلد الذى أخذ فيه. وإن لم يكن فيه/ما يعم الفقراء وإلاغنياء آثر الفقراء كما بدأ الله بهم فقال: (كيلا يكون دولة بين إلاغنياء منكم). إلا ان تنزل ببلد سنة وشدة وليس عندهم ما يحملهم، فليعطف عليهم من غيرها بقدر ما يراه. وإذا اتسع المال فليبق منه فى بيت المال لما يعرو من نوائبهم وبناء مساجد وقناطر وغزو وفك أسير وقضاء دين ومعونة فى عقل جراج وتزويج عازب وإعانة حاج وإرزاق من يلى مصالهم ويدبر أمورهم. قال عبد الله بن عبد الحكم فى قسم الفىء الذى يصير فى بيت المال: أن يبدأ فيعطى الرجال المقاتلة من جميع البلدان، ويعد فيهم من بلغ خمس عشرة سنةً، ويحصى ذرية المسلمين ممن بلغ دون السن أو دون المحتلم من ذكر أو أنثى، ويحصى النساء، ويعلم ما يحتاج الجميع إليه فى عام هم ويبدأ بالمقاتلة فيسد بهم الثغور وإلاطراف وعورات المسلمين، ويفاضل بينهم فى العطاء على قدر قرب المغزى وبعده مؤنته، ثم يعطى النساء والذرية والمنفوس لقوأم عام هم، ولا يعطى المماليك، وليعط إلاعراب وأهل البوادى ممن له قرار أو لا قرار له، كما يعطى النساء والذرية والزمنى، لا كما يعطى المقاتلة لأنهم حشوا الإسلام وبقدر المؤنة. وكذلك الزمنى من أهل الحاضرة، وإنما العطاء للمقاتلة من أهل المدائن ممن تضرب عليهم البعوث، فليس هؤلاء كإلاعراب: أولئك إنما يعطون لحرمة الإسلام كالذرية. قال عمر بن عبد العزيز: إلا من انتقل من دار أعرابية إلى دار الهجرة وجهاد العدو، فهو أسوة المجاهدين فيما أفاء الله عليهم. قال ابن عبد الحكم:/وما فضل عم به المسلمين فقيرهم وغنيهم، الرجال والنساء والذرية بقدر ما يرى. وإن قل ذلك آثر الفقراء به بعد أن يقيم منه ما يحتاج إليه من مصالح المسلمين وما يقوم به أمورهم. وإذا أصاب إلاعراب سنة فلا بأس ان يعينهم منه، وقد فعله عمر. [3/ 390]
ذكر بعض ما روي من السيرة في مال الله عز وجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الخلفاء بعده
ذكر بعض ما روى من السيرة فى مال الله عز وجل عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء بعده من الواضحة قال ابن حبيب قال ابن شهاب: قدم أبو عبيدة على النبى صلى الله عليه وسلم من البحرين بجزية مجوس أهل البحرين. قا قتادة وهو ثمانون ألفاً. قال ابن حبيب وهو أكثر مال قدم به عليه صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: وقدم ليلاً، قعد إلانصار فصلوا مع النبى صلى الله عليه وسلم. فلما سلم تبسم فقال: (أظن أنه بلغكم قوم أبى عبيدة بالمال، فأبشروا بما يسركم الله، فوالله ما أخاف عليكم الفقر ولكن أخاف عليكم الغنى أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت لمن كان قبلكم فتنافسوا فيها، فتهلككم كما أهلكتكم). قال قتادة: فصب المال على حصير ففرقه وما حرم منه سائلاً. وجاء العباس فقال: خذ، فجعل يحثى فى حجره حتى عجز عن حمله وقال: هذا خير مما أخذ منا. ورأيت فى غير كتاب ابن حبيب: فاستعان بمن يعينه على القيأم به، فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم حتى نقص منه حتى قوى على النهوض به. قال ابن حبيب: وسأله حكيم بن حزأم أن يعطيه من فىء الفتح فأطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فقال: خير/لأحدكم إلا يأخذ من أحد شيئاً. قيل: ولا منك يا رسول الله؟ قال: ولا منى. وكا نعمر يعرض عليه العطاء فلا يأخذه. وقدم على أبى بكر حملأن من مال اليمأمة فما أمسى حتى فرقه، وجمع المهاجرين وإلانصار وأبناء السبيل والمساكين، وكان يحثى بيديه ويجعل فى ثوب أحدهم حتى يفرغ. ولما ولى أبو بكر قال: من كان له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد فليأتنى، فأتاه جابر بن عبد الله، فقال: سألته فقال: إن جاء مال اليمن [3/ 391]
أعطيتك هكذا وهكذا، فحفن بيديه. قال: فلما جاء المال من اليمن أعطاه أبو بكر فحفن له ملأ يديه فقال: عدها، فوجدها خمسمائة فزاده عليها ألفاً. وكان أبو بكر قد سأوى بين الناس فى القسم. قال غير ابن حبيب (ولم يكن يكثر المال فى أيامه. قال ابن حبيب):وفضل عمر بين الناس فى العطاء. قال يحيى بن سعيد: بلغت الغنائم يوم جلولاء ثلاثين ألف ألف، فبعث سعد بن أبى وقاص خمسها إلى عمر، فاستكثره هو والمسلمون، فصب فى المسجد وغطاه بالمسوح وإلانطاع وبات عليه جماعة منهم على بن أبى طالب وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف وعبد الله بن أرقم، وكان خازن عمر على مال المسلمين. فلما أصبح عمر دعا بالناس ثم كشف عنه. فإذا فيه حلى وجوهر وتيجان، فلما أضحى، أصابتها الشمس فائتلقت، فحمد عمر والمسلمون الله حمداً كثيراً، وفرح المسلمون وبكى عمر واشتد بكاؤه، فقال له عبد الرحمان بن عوف: يا أمير المؤمنين ليس هذا حين بكاء إنما هذا حين شكر الله، فقال عمر: والله ما فتح هذا على قوم إلا قطعوا أرحأمهم وسفكوا دماءهم ووقعت/العدأوة بينهم. وكان فى المال تاج كسرى وسواراه وفروه، فدعا عمر سراقة بن جعشم، وكان رجلاً طوإلا طويل الشعر، فألبسه فرو كسرى ووضع تاجه على رأسه وسواريه فى يديه، ثم قال: اللهم لك الحمد، أنت سلبت هذا كسرى وألبسته سراقة، فلك الحمد كثيراً، ثم أمره أن ينبذ ذلك فى المال ففعل، ثم قال: اللهم منعت هذا نبيك إكرإما له وفتحته على لتسألنى عنه، اللهم فقنى شره واجعلنى أنفقته فى حقه. فما برح حتى لم يبق منه شىء. قال مالك: كان عمر لا يأتيه مال إلا أظهره ولا رسول إلا أنزله، وكا ن يقسم للنساء مع الرجال حتى كان يعطيهن المسك والورس. قال حذيفة: لم يزل أمركم ينمو صعداً ما كان عليكم خياركم. وكان عمر يستجيد الحلل الرفيعة باليمن، [3/ 392]
ثمن ألفين وألف وخمسمائة يكسوها الصحابة، ويلبس هو الخشن والمرقوع يأخذ فى نفسه بالقصد. قال: فخرج الحسن والحسين إلى المسجد، وعمر جالس، ولم يلبساها، فقال عمر: لما لم تلبساها، فقإلا: كبرت علينا يا أمير المؤمنين، فاغتنم وأسرع بكتاب إلى عام ل اليمن يستحثه فى حلتين على قدرهما، فبعث بهما فكساهما ذلك عمر وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما. قال ابن حبيب: ولا تكون الحلة ثوباً واحداً ولكن رداء مئزراً ورداء وجبة. يدل على ذلك قول أسيد بن حضير الذى كان يبيع حلته ويعتق بها الرقاب، فقال وقد أعتق بثمنها خمسة أرؤس: إن رجلاً آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء أنه لغبى الرأى./ قال ابن حبيب: ولما كثر المال أيام عمر، فرض العطاء ودون لهم ديواناً فاضل فيه بينهم. وأمر شباب قريش بتدوينه، فكتبوا بنى هاشم، ثم الصديق وقومه، ثم عمر وقومه. فلما نظره، قال: ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إلاقرب فإلاقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله. وابدأوا من إلانصار بسعد بن معإذ ثم إلاقرب فإلاقرب منه، فقال العباس: أنه وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. فقال له: يا أبا الفضل لولا رسول الله ومكأنه الذى وضعه الله به كنا كغيرنا من العرب، وإنما تقدمنا بمكاننا منه. فإن لم يعرف لأهل القرابة منه قرابتهم لم تعرف لنل قرابتنا. وقال لأهلمشورته: أشيروا على فإنى أريد أن أفاضل بين الناس، فقالوا: إذكر ما تريد، فإن كان حسناً تابعناك، وإلا أعلمناك برأينا. فقال: أريد أن أبدأ بإزواج النبى صلى الله عليه وسلم فأفرض لكل واحدة اثنى عشر ألف درهم إلا صفية وجويرية، فأفرض لكل واحدة ستة إلافز وأفرض لآل الرسول لكل رجل اثنى عشر ألفاً، فذكر علياً والعباس والحسن والحسين. قال: وأفرض للمهاجرين صليبهم وحليفهم ومولاهم لكل رجل منهم خمسة إلاف، (وأنا رجل منهم فى الفرض. وأفرض لأهلبدر من قريش وغيرهم صليباً وحليفاً ومولى مثل ذلك. وأفرض للأنصار صليبهم [3/ 393]
وحليفهم ومولاهم لكل رجل أربعة إلاف) ثم أفرض للناس بقدر منازلهم فى الإسلام، وأعطى (أكثر حظاً من كان) أكثرهم قرآناً وعلماً وأحسنهم حإلا، فلم ينكروا من رأيه شيئاً. وفرض لصهيب خمسة إلاف ولسلمان أربعة إلاف لإبنه عبد الله ثلاثة إلاف ولأسأمة بن زيد ثلاثة إلاف وخمسة مائة. فقال ابنه:/ليس أسأمة أقدم منى إسلإما ولا شهد ما شهدت. فقال عمر: كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه أحب إليه من أبيك. وفرض لأبناء شهداء بدر وأحد لكل واحد ثلاثة إلاف ولمهاجرة الفتح ألفين ألفين، وفرض للقبائل بعد عل ىقدر منازلهم فى الإسلام حتى فرض لربيعة العراق ثلاثمائة لعربهم ومائتين وخمسين لموإليهم، لأن عربهم سبقوا إلى الإسلام. قال: فقال ربيعة: جعلتنا أوضع العرب فريضةً. فقال: كنتم آخر العرب إسلإما وأسلمتم فى دياركم ولم تهاجروا. وفرض للمنفوس مائة درهم فى السنة، وفرض للعيإلات لكل عيل من ذكر وأنثى من بر من كل شهر وقسطين من زيت وقسطين من خل ومائة درهم فى كل سنة. قال ابن حبيب: الجريب قدر قفيز بالقرطبى، والقسط ثمن ربع الزيت بالقرطبى. قال: وقال عمر: لئن بقيت لأجعلن عطاء الغازى أربعة إلاف. وقال أيضاً: لئن بقيت لأعطين المهاجرين فى السنة (خمسة أعطيات، وفى حديث آخر: لجعلن عطاء كل مسلم) ثلاثة إلاف. وجعل عمر على بيت مال المسلمين وخزائنهم عبد الله بن أرقم، ثم جعله عثمان بن عفإن، فأقام عليها ست سنين، ثم استعفى فعفاه وأمر له بعمالته ثلاثمائة ألف درهم، فلم يأخذها وقال: إنما عملت لله. [3/ 394]
قال الحسن: وكان عثمان لما ولى يقيم للناس إلاعطية كما فعل عمر، ويعطى الحلل والسمن والعسل، فكان العطاء داراً والعدو منفياً وذات البين حسناً والخير كثيراً، وما عىلى الارض مؤمناً يخاف مؤمناً أن يسل عليه سيفاً حتى زعموا أنهم رأوا ثرةً. فلو صبروا لوسعهم/ماكانوا فيه من العطاء والتكمين ونفى العدو. وقال ابن سيرينك كثر المال أيام عثمان حتى بيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم ونخلة بألف درهم. قال: ولما ولى عمر على بن أبى طالب سار فى قسم المال بالعراق سيرة عمر غير أنه لم يفاضل فيه بينهم. قال: وأخبره صأحب بيت ماله بما قد اجتمع فيه قال: قد أمتلأ من صفراء وبيضاء، ففتحه وقال: (هذا جبائى وخيارةً فيه وكل خار يده فيه)، ثم قسمه بن الناس كله وأمر بكنسه ونضحه وقال فيه قا ل محمد بن على بن حسين: وصنع فى الخمس ما صنع أبو بكر وعمر كان يكره خلافهما. قال ابن حبيب: وولى عمر بن عبد العزيز بعد أن حال الأمر عن طريقة العدل فى دين الله وسيرة الخلفاء فى مال الله، فغير البدع ورد المظالم سار بالعدل ورفض الدنيا وسار فى المال سيرة جده حتى مات رحمه الله. وقال عمر بن عبد العزيز: ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق من الفىء والخراج وشبهه، من المقاتلة وغيرهم، من غنى وفقير. وقد قسم الصديق ما جاءه من الخراج من مجوس البحرين ومن عمان، ولاخمس الذى بعث به خالد بن الوليد من قرايات العراق التى صالح عليها، ولم يكن يومئذ ديوان، وسأوى بين الناس، وأعطى من يغزو ومن لا يغزو والغنى والمحتاج عطاءً واحداً. وقد قال عمر بن الخطاب بعد أن قسم للمقاتلة وغيرهم: ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا المملوك/. وكان معأوية من دونه يدرون العطاء لأهل المدينةرولا يضربون عليهم البعث، ويقولون: لا بعث عليهم. فلو كان [3/ 395]
لا يصلح لهم لم يأخذوه. وكان القاسم بن محمد وابن المسيب وشبههما يأخذون وهم لا يغزون. وكان عمر بن عبد العزيز يفرض لمن يغزو ولمن لا يغزو، ويسوى بين الناس فى العطاء الرجل والمرأة والصغير والكبير والغنى والفقير. وكتب إلى أبى بكر بن حزم: افرض للناس إلا للتاجر الموسر الموسع عليه، وفرض للمنفوس وقال: لو بقيت خمسين سنةً لظننت أنى لا آتى على الحق كله. وأمر أن ينفق على أبناء السبيل من مرض منهم، ومن هلكت دابته أخلفت له. ومن ضعف فليقو. ومن عليه دين فى غير سرف ولا فساد قضى عنه. وكذلك بعد موته ولم يجد قضاء. وكذلك من لم يجد ما يتزوج به فزوجوه. قال: وكان يكثر العطاء، وربما طلب الرجل من يعطى صدقته فلا يجد أحداً إلا وقد أعطاه عمر من مال الله. وفرض عمر بن عبد العزيز لأهل المدينة، ففرض لزيد بن أسلم ولأبى حازم وصفوان بن سليم وغيرهم ممن يشبههم، لكل رجل منهم فى كل شهر ستين صاعاً من بر وثلاثين صاعاً من تمر وفرق زيت ونصف فرق سمن ودرهم لحم كل يوم. قال: وأرسل إلى القاسم بن مخيمرة، وقد ذكر له فضله، فجاءه فوجد له فضلاً فقال: سل حاجتك، فقال: قد علمت ما يقال فى المسألة، فقال: ليس سؤإلى من ذلك، أنا قاسم بينكم حقاً لكم. قال: تلحقنى فى العطاء. قال: قد ألحقتك فى خمسين، سل حاجتك. قال: وتلحق بناتى فى العيال. قال: قد فعلت، سل. قال: (تحملنى على دابة. قال قد فعلت، سل. قال) وما الذى بقى؟ قال: قد أمرنا لك بخادم./ قال ابن حبيب: اختلف أئمة العدل فى التسوية والتفضل فى القسم بين الناس، فسأوى بينهم الصديق، فقال له عمر: أتجعل الفقراء المهاجرين الذين [3/ 396]
آخرجوا من ديارهم وأموالهم كمن دخل فى الإسلام كرهاً؟ فقال أبو بكر: تلك فضائل عملوها لله، ثوابهم فيها على الله، وهذا المعاش الناس فيه أسوة والدنيا بلاغ. فلما ولى عمر فاضل بين الناس بقدر البلاء والسابقة والفضل فى الإسلام ونحوه. وفعل عثمان مثله. وفعل على كفعل أبى بكر وأعطى المولى ومعتقه عطاءً واحداً ولمولاه سابقةً وكان أنصارياً فتكلم، فقال على: أسابقته مثل سابقتى؟ ما أنا أحق بهذا المال من وكيلى هذا. وولى عمر بن عبد العزيز ففعل بالوجهين: ففضل بقدر السابقة والحال، وقسم قسمين على العام ة بغير ديوان العطاء فسأوى فيه بين الناس. قال ابن حبيب: وذلك سائغ للإمام العدل، فضل أو سأوى. وأحب إلى أن يفضل ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذرية أهل السوابق فى الإسلام، ويلحقوا بآبائهم وإن لم يلحقوا بهم فى ذروة الفضل، كما ألحق الله تعالى ذرية أهل الدرجات بهم فى جنته وإن لم يكونوا مثلهم فى الفضل، فقال (الحقنا بهم ذرياتهم). قال: ويفضل أهل العلم والفضل فى القسم وإن لم يكن لهم قدم ولا سابقة فى آبائهم على من لا فضل فيه ولا علم. ويفضل المجاهدون وأهل النكاية، ولعل علياً لم يكن بين الذين لحضرته بالعراق كثير تفاضل فى الحال، وقد كان عنهم غير راض. ولا بأس إذا حضره مال أراد تعجيل قسمه لكثرة فىء أتاه وشبهه أن يقسمه على غير ديوان وعلى المسأواة. وقد فعل مثله عمر وقسمه غرفاً/باليدين سأوى فيه، وإن شاء فاضل فيه بالإجتهاد. قال: وقول عمر: لئن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلائهم لم يرد به التسوية، إنما أراد التوسعة أن يكثر عطاءه حتى يصير نصيب أدناهم حينئذ مثل نصيب أعلائهم إلان لكثرة عطائه. قال ابن حبيب: ومن التفضيل إكرأم أهل العلم والفضل وتفضيلهم فى العطاء، كما كان عمر يكسو الصحابة الحلل دون غيرهم، وما خص به عمر بن عبد العزيز أهل المدينةرفى التوسعة، وما خص به المهدى وهارون مالكاً من سعة [3/ 397]
في نفقة الإمام من مال الله
العطاء دون غيره لفضله وعلمه وعنائه فى فقهه فتياه والنفع به، وهذا سائغ للإمام. وإن أراد أن يقسم على غير ديوان فليبدأ بالفقراء، ثم ما بقى يسأوى فيه بين الناس شريفهم ووضيعهم. وإن شاء فضل. وإن شاء حبس ذلك للنوائب بقدر اجتهاده، وقاله مالك. قال: ومعنى قوله: يسأوى فيه بين الناس بعد الفقراء، هو أن يعطى كل واحد ما يغنيه، الصغير ما يغنيه والمرأة ما يغنيها والرجل ما يغنيه، وما فضل اجتهد فيه. قال ابن حبيب: وهذا التفضيل بعينه، ولم ير مالك لمن سب السلف فى الفىء حقاً لقول الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بإلايمان) إلاية، فهذه صفة من له فيه حق. فى نفقة الإمام من مال الله قال ابن حبيب قال مالك قال ابن شهاب: كان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذ مما أفاء الله عليه نفقته ونقفة أهله سنةً ويسلم/ما بقى للمسلمين. قال مالك: ولما ولى أبو بكر حضر السوق بقلائصه فقالوا له: بالناس إلى نظرك حاجة. قال: فمن يسعى على عيإلى؟ فقالوا: تأخذ من بيت المال، فاجتمعوا ففرضوا له درهمين كل يوم فرضى، ثم وضع ماله فى بيت المال فمات ولم يستوعبه. قال ابن حبيب: وفى رواية أسد: فإنفق من ماله الذى أدخل أربعة إلاف درهم فى عام ين وبعض عام، ولم ينفذه، وقال لعائشة: وديها عنى للخليفة من بعدى. وفى حديث آخر: إن ماله الذى جعل فى بيت المال سبعة إلاف درهم. فقالت عائشة: فربح المسلمون على أبى ولم يربحوا على أحد من بعده. قال ابن حبيب فى روايته: ولما ولى لم يكفه درهمان فزاده درهمين، فكان يرتزق أربعة دراهم فى كل يوم. فلما فرض للناس لكل عيل جريبين وما [3/ 398]
يصلحه من الخل والزيت، فرض لعياله كذلك وترك الأربعة دراهم. وكان يكتسى من بيت المال ويأخذ عطاءه كما يأخذ أصحابه من المهاجرين، ويأكل مع الناس من بيت المال، ثم ترك ذلك وجعل طعام هـ من خالص ماله. فلما احتضر، أمر أن يحسب ما وصل إليه من بيت المال من ذلك كله، فوجده أربعة وثمانين ألفاً فأمر ابنه عبد الله أن يقضيها عنه من صلب ماله، فإن لم يف فليستعن فيها ببنى عدى، ففعل فباع من ماله بعده بمثل ذلك وأتى بها إلى عثمان، فقال: قد قبلناها منك ووصلناك بها، فقال: لا حاجة لى أن تصلنى بأمان ة عمر. قال: ثم ولى عثمان فكان على منهاج من قبله فى النفقة من ماله قصداً وتنزها. قال: وولى على بن أبى طالب بالعراق فتنزه أن ينفق من مال الله شيئاً وقال: قال النبى صلى الله عليه وسلم:/ليس للخليفة من مال الله إلا قطعتان: قطعة يأكل منها هو وأهله وقطعة للمسلمين، فترك على رضى الله عنه القطعة التى له ولأهله، وكان ينفق من عطائه الذى كان يأخذ من مال الله كرجل من المسلمين، واشترى قميصاً يثلاثة دراهم، وهو الخليفة، فلبسه وقطع من الكم ما فضل عن أصابعه. وقال الحسن بن على: لقد مات وما ترك إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن بتاع بها خادماً. قال: وولى عمر بن عبد العزيز وقد استؤثر بالفىء كله، فسار فيها بالعدل وتنزه أن ينفق منه لا على نفسه ولا على عياله ولا أخذ منه لنفسه ولا لولده عطاءً، وكان ينفق من غلة نخل له بالسويداء حتى خلصت الحاجة إليه وإلى عياله وقيل له: إن العام ل من عمالك يرتزق المائة دينار فى الشهر والمائتين وأكثر، فقال: ذلك لهم يسير إن عملوا بكتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأحب أن أفرغ قلوبهم من الهم بمعاشهم وأهليهم. فقيل له: فإنت أعظمهم عملاً، وقد وصل الضر إليك وإلى أهلك فارتزق مثل ما تراه حلإلا لرجل منهم، فوضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى وقال: إنما [3/ 399]
في أرزاق العمال
نبت هذا العظم واللحم من مال الله، فوالله لئن استطعت إلا أغير فيه شيئاً لأفعلن. فى أرزاق العمال قال ابن حبيب: قال زيد بن أسلم: ولما فتح النبى صلى الله عليه وسلم مكة، ولى عتاب بن أسد عليها، ففرض له كل يوم درهمين. قال مطرف عن عبد الله بن عمر العمرى: إن عمر أمر على الكوفة عمار ابن يأسر وبعث معه عبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف، فجعل عماراً على جيوشهم وصلاتهم وابن مسعود على قضائهم وبيت مالهم وعثمان على خراجهم، وفرض لهم كل شاة لطعام هم، وشطرها لعمار شطرها بين ابن مسعود وعثمان. قال ابن حبيب: سوى ما كان يرزقهم من البر والدنانير والدراهم، وذلك كله من الفىء وما ضارعه. وكذلك يقول مالك فى أرزاق العمال والحكأم والكتاب وكل من ولى مصلحةً للمسلمين: ولا يرتزق من الصدقات إلا السعاةالعام لون عليها كما أمر الله تعالى. قال مالك: وكانت أرزاق العمال أيام بنى أمية من الصدقات، وكان أبو بكر بن محمد ابن عمر بن حزم يرتزق منها. فلما ولي عمر بن عبدالعزيز، ولاه وكتب إليه أن يرتزق أولأمن الصدقات ويقول: كانت غفلةً. وفرض له من فدك فى كل شهر سبعة وثمانين ديناراً وثلثاً. قال ابن حبيب: وكان عمر بن عبد العزيز يوسع فى إلارزاق. وقال الليث: كان يفرض للعام ل المائة دينار فى الشهر والمائتين ويقول: ذلك لهم قليل إذا عملوا. [3/ 400]
في الهدايا إلى الأمراء والعمال والحكام وغير ذلك
بكتاب الله وسنة رسوله. قال مالك: وإنما ذلك على قدر عمالتهم وما يستحقونه من كفايتهم، وليس فيه حد. قال ابن حبيب: إلا أن التوسعة فيه أحب إلينا إذا كانوا أهلعدل. فى الهدايا إلى الأمراء والعمال والحكأم وغير ذلك قال ابن الحبيب:/ولم يختلف العلماء فى كراهية الهدية إلى السلطان الإمام إلاكبر أوإلى العمال وجباة المال أوالحكأم، أهداها إليهم مسلم أوذمى من أهلعملهم، ويكره قبولها للقاضى ممن كان يهديها إليه قبل أن يلى، أومن قريب أوصديق أوغيره ولو كافأه بأضعافه، إلا من الصديق الملاطف ومن الاب وإلابن وشبهه من خاصة القرابة التى تجمع من خاصة القربى ما هو أخص من الهدية، قال مطرف وابن الماجشون، وهوقول مالك ومن قبله من أهل السنة. وقد رد علي خروفاً أهدى إليه. وقال ربيعة: الهدية ذريعة للرشوة وعلة الظلمة. وأهدى سلمة بن قيس من الفىء سفط جوهر بإذن الجيش إلى عمر فرده وتواعده، وتواعدرسوله إن افترق المسلمون قبل أن يقسمه بينهم. وأهدى أبوموسى، وهوعام له على العراق، وسادتين إلى أهلعمر، فلما رآهما آخرجهما من بيت أهله وتصدق بهما، وذلك أنهما ليسا من الفىء. قال ابن حبيب: وللإمام أن يأخذ ما أفاد العمال ويضمه إلى ما جبوا. وقد فعله النبى صلى الله عليه وسلم فى عام ل له قال: هذا أهدى إلى، فأخذه منه وقال: هلا جلس فى بيت أبيه أو أمه حتى ينظر أيهدى إليه وفعله الصديق. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هدايا العمال غلول. [3/ 401]
قال ابن حبيب: فكل ما أفاد الوالي فى ولايته من مال سوى زرقه أو قاض فى قضائه أو متولى أمر للمسلمين فللإمام أخذه منه للمسلمين. وكان عمر إذا ولى أحداًأحصى ماله لينظر ما يتزيد. ولذلك شاطر عمر العمال حين كثرت ولم يقدر على تمييز ما ازدادوه بعد الولاية، قال مالك. قال: وشاطر أباهريرة/وأبأموسى وغيرهما. وقال مطرف عن مالك: إن معأوية لما احتضر أمر أن يدخل شطر ماله في بيت مال المسلمين تأسياً بفعل عمر بعماله ورجا أن يكون ذلك تطهيراً له. قال سفيان: ولما قدم معإذ بعد النبى صلى الله عليه وسلم على أبى بكر، وكان والياً على اليمن، فقدم بوصائف ووصفاء وأشياء قدم بها معه، فاجتمع مع عمر بمكة، فقال له: ماهذا؟ فقال: هدايا أهديت إلى. قال: إنى أرغب بك عن هذا فادفعها إلى أبى بكر. قال: لم، وإنما وصلت بها على إلاخاء في الله، فرأى معإذ فى تلك الليلة وكأنه يجر إلى النار وعمر يأخذ بحجزته يجره عنها، فتأول قول عمر ودفع ذلك كله إلى أبى بكر، وذكر له قول عمر ورؤياه فقبض ذلك أبو بكر ثم قال لمعإذ ما أرى له موضعاًغيرك، قال معإذ: اشهدوا أن الوصائف والوصفاء أحرار. وإما هدايا الحربى إلى أمير الجيش أو بعض أهله فتقدم فى باب مستوعباًفى الجزء الثانى، وذكرنا منه ها هنا بعض الذكر لابن حبيب. قال ابن حبيب: وما أهداه الحربى إلى وإلى الجيش فهو مغنم. وما أهداه الطاغية إلى وإلى ثغر أو الوالى إلاعظم فهو للمسلمين يضم إلى بيت المال لأنه نيل سلطانهم فهو فيه كرجل منهم. وقد فعله عمر فى جوهر أهدته امرأة ملك الروم إلى زوجته مكافأة لها فى ربعة طيب أهدتها إليها، فأخذ عمر الجوهر للمسلمين وأعطى زوجته ثمن الطيب. [3/ 402]
في رد الإمام العدل ما استأثر به من قبله من مال الله تعالى، وفي رده المظالم
فإن قيل: قد أهدى المقوقس جارتين وحماراً، فقبله النبى صلى الله عليه وسلم، قيل: النبى صلى الله عليه وسلم ليس كغيره، لأنه إنما يهدى إليه قربة إلى الله ورسوله لأنه/بمحل نبوة ولمكأنه من الله تعالى، وكان يأخذ مما أفاء الله عليه قوته وقوت أهله سنةً ويجعل ما بقى للمسلمين. وقد أباحه الله جميعه، وهذا من خصائصه. وكذلك ما يهدى إليه أهل الحرب وأهل الإسلام. قال: وما أهدى للوإلى، فلم يقصد به إلا السلطان الذى وليه، وذلك السلطان للمسلمين. وما أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم، قصد به النبى صلى الله عليه وسلم عينه. وقد قال عمر فيما أهدى إليه راهب: كانت الهدية يومئذ هدية وهى اليوم رشوة، وأخشى أن له عندنا حاجةً. وسحنون يخالفه فى الهدية إلى أمير المؤمنين، وهذا مفرد بباب فى الجزء الثانى. فى رد الإمام العدل ما استأثر به من قبله من مال الله تعالى وفى رده المظالم قال ابن حبيب قال أبو الزناد: ولما ولى عمر بن عبد العزيز نظر فيما كان بيد سليمان. فما رأى أنه لم يكن يجوز لسليمان رده عمر إلى بيت المال. وقال غيرأبي الزناد: ورد كل شىءأخذ من أهله إليهم من جارية أو أرض أوغير ذلك، ونظر فيما كان بيد بنى أمية من القطائع فردها إلى مال المسلمين. ومن شكا أن شيئاً ظلم فيه رده إليه. قال مالك: ورد ما كان بيده من القطائع وإلأموال، فقيل له: كيف يعيش ولدك من بعدك؟ قال: أكلهم إلى الله. قال يحيى بن سعيد: وكلمه رجال من بنى أمية فيما بأيديهم وقال بعضهم: دع ما مضى عليه أولوك واعمل بما يوفقك الله له واترك ما عملوا، [3/ 403]
في الأخذ من الأمراء بعد ما أحدثوا من الجور
فقال: كيف ألقى الله وفى يديك ويد أصحابك مظالم أقدر على ردها؟ فقال بعضهم: إنا لا نعيب آباءنا ولا نضع شرفنا. فقال عمر: وأى عيب أعيب مما عابه القرآن؟ وتلا: (ومن لم يحكم بما أنزل الله). قال أبو الزناد: وكتب فى رد المظالم، فكتب إلى العراق إلى عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب برد المظالم فإنفذ ما فى بيت مال العراق حتى حمل عمر إليهم المال من الشام، وكان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة ويكتفى بأيسر ذلك. فإذا عرف وجهاً من مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق ذلك لما كان يعرف من غشم الولاة. فى الأخذ من الأمراء بعد ما أحدثوا من الجور روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خذوا العطاء ما كان عطاءً، فإذا كان رشوة عن دينكم، فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة. وفى حديث آخر ذكر ما يكون من ظلم الأمراء وقال: فأدنى الحق عليكم إلا تأخذوا منهم العطاء ولاتحضروهم فى الملاء. قال ابن حبيب: ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أخذ العطاء منهم وإن كان مجباهم غير خبيث، لاستعانتهم بأهل الديوان على معصية الله وتعديتهم أهل الديوان إلى المسلمين. قال ابن حبيب: فإذا كانوا هكذا لم يجز لأحد أن يكتب فى ديوأنهم لأخذ أعطياتهم وإن كان مجباهم صحيحاً، خيفةً مما خوف منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال: لن يدع الديوان صاحبه حتى يقوده إلى النار كما تقاد الراحلة بزمأمها. [3/ 404]
ولا بأس بقبول ما أعطوا من المال على غير الديوان إذا طاب المجبى. فإذا خبث المجبى فلا يؤخذ منهم على كل حال، على ديوان أو بغير ديوان لاعطاء ولأمبايعة ولاغيرها، إلا أن يعرف صحة ما يعطى من الفىء وما ضارعه مما لم يختلط، فعلى هذا من مضى من أهل الفقه والسنة ومن يقتدى به فى الدين والورع. والناس فى الأخذ من الأمراء على أصناف: فإما الأمراء الذين اختصوا بالمال ولم يقسموه فى الناس والمجبى صحيح فإن العلماء فيه على فريقين: فريق كرهوا الأخذ حتى يواسى فيه بين الناس وذلك منهم احتياط، فمنهم أبو ذر وابن المسيب والقاسم وبسرابن سعيد وربيعة وابن هرمز. وفريق آخر أخذ لما لهم فيه من الحق والنصيب. قال ابن حبيب: والأخذ منهم وإن لم يواس فيه بين الناس كافة حلال جائز إذا طاب المجبى. فإماإذا خبث المجبى فيجتمع على النهى عنه والعيب له، وافترقوا فى الأخذ له منهم على ثلاثة أصناف: صنف أخذ حين أعطوا وهم له عائبون والناس عنه ناهون، والله أعلم بما كانوا فيه وما تأولوا فى أخذه منهم مالك بن أنس والليث بن سعد. وقال مطرف قال مالك: لاتقبل أموال الظلمة أمراء كانوا أو غير أمراء، إذا أخذوا المال بغير حقه، ولا يحل أخذه لقاض ولا عالم ولا غيره. قيل له: فإنت تأخذه؟ قال: إنى أكره أن أبوءبإثمى وإثمك. وإما الليث فكان كثير الصدقة وكان يعطى أكثر مما يأخذ. وصنف أخذوا وفرقوا ما أخذوه، منهم عائشة وعبد الله بن عمر والحسن، وبعث معأوية إلى عائشة بمائتى ألف فقسمتها فى ساعتها. وأخذ ابن عمر عشرين [3/ 405]
ألفاً ففرقها وتصدق بألف من عنده. وأجاز عمر بن هبيرة الحسن بألف فأمر ابنه فقسمها. وصنف لم يأخذوا ما أعطوا وكرهوا ان يأخذوه ويفرقوه، منهم أبو ذر، أرسل إليه بعض الولاة بجائزة فلم يقبضها. وأرسل عبد الملك إلى ابن المسيب بخمسمائة دينار فلم يقبلها. وأرسل الوليد إلى بسر بن سعيد (خصياً بمال فوجده يصلى فى المسجد، فلما سلم قال له: أتعرفنى؟ قال: نعم أنت بسر بن سعيد). قال: لعله أراد غيرى، فخذ المال وعأوده، فإن قال أنا فارجع إلى هنا. ففعل ذلك الخادم وذهب، فإنصرف بسر هارباً. فلما جاء الخصى لم يجده، فأعلم الوليد فاستشاط غضباً وقال لعمر بن عبد العزيز: دللتنى على حرورى وحلف ليقتلنه، فقال عمر: لعله كان غنياً عنه وأنت تجد مثله وأفضل منه يقبل ذلك. قال: من هو؟ قال: فلأن، فذكر رحلاً صالحاً، فأرسلها إليه فقبلها فسري عن الوليد. وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر بألف دينار إلى القاسم فلم يقبلها. وبعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة بمال فلم يقبله. وبعث خالد بن أسيد إلى مسروق بثلاثة إلاف فلم يقبلها وهو محتاج. وبعث عمر بن هبيرة إلى بن سيرين بألفى دينار فلم يقبلها، ودخل عليه فسلم سلإما عام اولم يخصه فأجازه فلم يقبلها. فلما ألح عليه ولم يقبل، فقال: ردوا علي أرضى أحب إلي، قال نعم، قال: وأزيلوا عنها الخراج قال نعم، قال: فما تصنعون فيه؟ نفضه على أهل البلد. قال: إن رفعتموه من إلاصل وإلا فلا حاجة لى فيها، فأبى ابن هبيرة فتركها ابن سيرين فلم يقبلها. ودخل ابن محيرز على سليمان بن عبد الملك فقال له سليمان: بلغنا أنك أنكحت ابنك/قال نعم، قال قد أصدقنا عنه. قال بن محيريز: إما العاجل فقد نقده. وإما إلاجل فهو عليه. [3/ 406]
ودخل طاؤس ووهب بن منبه على محمد بن يوسف أخى الحجاج، وهو إذ ذاك وال باليمن، فى يوم بارد وطاؤس يقفقف من البرد، فأمر بطليسان به من الجودة ما الله أعلم، فألقى على كتفيه، فجعل طاؤس يحرك منكبيه حتى سقط عنه، فغضب محمد. فلما خرج قال له وهب: ما كان عليك لو أخذته وتصدقت به؟ فقال له: ما أحسن ما تقول لولا أنهم يقولون: أخذ طاؤس ثم يأخذولا يتصدقون. وبعث خالد بن أسيد إلى طأوس ثلاثين ألفا فلم يقبلها، فقيل له: لو تصدقت بها؟ فقال: أرأيت لو أن لصاً نقب بيتاً فنهبه ثم أهدى إليك هدية أكنت تقبلها؟ قال ابن حبيب وما روى: إذا جاءك شيء عن غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك، إنما ذلك فيما صح أصله لأن من أخذ من سارق ما سرق أو اشتراه منه فقد شاركه فى إثمها، وكذلك فى بعض الحديث ما يوهن العالم بأخذه ذلك من الحق ويعين به الظالم على الظلم. ومن العتبية، وهو فى الشهادات مذكور، وسئل سحنون عمن يقبل جوائز السلطان، قال: إما من يقبل ذلك من العمال عمال أمير المؤ منين المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة. وإما إلاكل عندهم فمن كان منه الزلة والفلتة لم ترد بذلك شهادته. وإما المدمن على ذلك فساقط الشهادة. وإما قبول مالك للجائزة وقبول ابن شهاب، فإنما قبلا وقبول/من ذكرت ممن تجرى على يديه الدوأوين، وهو أمير المؤمنين، فجوائز الخلفاء عندنا جائزة على ما شرطت لك لاجتماع الناس على قبول العطاء من الخلفاء، من يرضى به منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل فى بيوتات إلأموال بالأمر المستقيم، والذى يظلمون فيه قليل فى كثير، ولم نعلم أحداً من أهل العلم أنكر أخذ العطاء من زمان معأوية إلى اليوم. وإما قولك: إن ابن عمر أخذ جوائز الحجاج فسمعت على بن زياد ينكر ذلك ويدفعه. [3/ 407]
في الإنفاق في سبيل الله، هل يأخذ الغازي ما أعطى، والمال يجعل في السبيل كيف ينفذ، وهل ينفق منه المعطى على أهله، وكيف إن مات أو رجع وفضلت منه فضلة، أو كان أعطاه فرسا، وما يصنع بما فضل
فى الإنفاق فى سبيل الله وهل يأخذ الغازى ما أعطى؟ والمال يجعل فى السبيل كيف ينفذ؟ وهل ينفق منه المعطى على أهله؟ وكيف إن مات أو رجع وفضلت منه فضلة؟ أو كان أعطاه فرساً وما يصنع بما فضل؟ قال ابن حبيب: وجاءت الرغائب فيمن أنفق فى سبيل الله أو أعان بماله. قال: ونفقة الخارج أفضل. قال زيد بن أسلم فى نفقة الخارجين. (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) إلاية. وقال فى الذين يقوون من خرج ولا يخرجون، (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منأولا إذى لهم أجرهم عند ربهم). ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن أعطى فرساً أوسلاحاً فى سبيل الله أيقبله؟ قال: لابأس به إن كان محتاجاً. ومن كتاب ابن المواز فى المال يعطى فى السبيل (قال: لا بأس أن يأخذ منه من يأخذ من العطاء إن كان محتاجاً وكان لذلك أهل ا، ولا بأس أن) يعطى منه من لا سلاح له. وإما من يعطى مالا يقسمه من الزكاة فلا يقسمه إلا فى إلاصناف التى ذكر الله سبحانه أو فى بعضها على الإجتهاد. ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز/ابن عمر وحكيم بن حزأم أن يعطى مثل ذلك للغنى الغازى. وكان أبوه عبيدة بن عقبة يؤتى فى سبيل الله بالكبة من الشعر وبالمسلة وبالثوب قيمته ثلاثة دنانير فيأخذه. فيقال له قد أغناك الله عن ذلك [3/ 408]
فيقول: أجل، نأخذه منه فيؤجر عليه ونعطيه نحن فنؤجر عليه. قال سحنون: أحب إلي إلا يأخذه المستغنى. قيل لمالك فى السلاح أوصى به فى السبيل: أيعطى لأهل الديوان؟ قال: أحب إلى ان يعطى للمحتاج منهم ولا أحب للغنى قبول ذلك، ولابأس به للمحتاج. وكان ابن عمر يقبل ما أعطى. قال بكر بن سوادة: ما رأيت من ينكر ذلك، وروى عن كثير من السلف فى قبول ما يعطى فى الغزو وهو غنى. وأعطى مكحول رجلاً شيئاً فى الغزو فلم يأخذه، ولم يدعه حتى أخذه منه، وقال: تنتفع به وتقوى غيرك. وكان مكحول إذا بعث إليه شىء فى السبيل قسمه ولم يأخذ منه شيئاًإلا أن يسمى له أن يأخذ منه كذا. ولو سمى له كله لقبله. قال ابن حبيب: ولم يختلف فى كراهية المسألة للغازى، غنياً كان أو فقيراً، والفقير يجلس ولا يتكلف مالا يطيق. قال جابر بن عبد الله: دخل رجل المسجد بسهم فى يده يقول: من يعين فى سبيل الله؟ فقأم إليه عمر فلببه، ثم آجره سنةً من رجل أنصارى فعزل له نفقته، (ثم أعطاه الفضل فقال أحرز هذا. قال ابن حبيب: وإما أعطى الغازى من غير مسألة فأكثر) العلماء لا يرى بأخذه بأساً أن يأخذه. فإن احتاج إليه أنفقه وإلا فرقه فى السبيل. وقالت طائفة: أفضل له إلا يأخذه/إن كان له عنه غنى. وقبول الفقير الغازى ما أعطى أفضل من تركه، ولا يتأثل منه مالا فى غير السبيل ولا ينفقه فى أهله، ولا بأس ان ينفقه فى قفله إلى أهله. (وما كان فيه عن ذلك فضل فليفرقه فى أهلسبيل الله قبل قفله) أو يرده إلى معطيه، إلا أن يبقى اليسير فلا بأس أن ينفقه فى أهله. قال: ومعنى قول ابن عمر لمن كان يعطيه شيئاً فى السبيل: إذا بلغت وادى القرى فشأنك به، إنما ذلك فيما كان يعطى هو عن نفسه، ويبتله [3/ 409]
للمعطى إذا بلغ رأس مغزاه لأنه قد استعمله. فإما أن يكون ذلك لكل من أعطى شيئاً فى السبيل على غير هذا الشروط فلا. ولم يكن مالك وأصحابه يتأولون ذلك إلا لمن تطوع بإبتال ذلك عن نفسه. فإما عن نذر أو أعطى ذلك تطوعاً ولم يشترط هذا الشرط أو أوصى إليه بإنفإذ ذلك، أو أمره به أحد أن يفرقه فى السبيل أو يحمل عليه فى السبيل، فليس فى هذا إبتال ولا يتأثله المعطى ولكن يغزو به أو عليه. فما استغنى عنه رده على غيره فى السبيل أو يرده إلى معطيه لينفذه أيضاً فى مثل ذلك حتى لا يبقى منه شىء، هذا قول مالك وأصحابه. وللمعطى أن ينفق منه منذ يخرج وفى قفله حتى يصل إلى بيته لأن ذلك كله غزو. والذى يبتل له ليس له أن يتعجل ياثله حتى يستعمله استعمالا له آثار ومعتمد. ومن كتاب ابن المواز قيل لمحمد: ومن أنفق فى السبيل أو أعطى فيه أو تصدق أو أنفق فيه على نفسه وعياله سواء فى الثواب؟ قال: لا بل النفقه فيه والصدقة فيه وعلى الغزاة أفضل. قال: والرباط فى أرض العدو متقارب وإن كان قد قال مالك فى السير فى أرض العدو أفضل. وقد قال عمر فى أهل الشام: إن لهم التضعيف فيما أنفقوا فى أهليهم أو إذا فصلوا، وقاله عثمان. وقال بالمدينة على المنبر: عليكم بإلاجناد المجندة والجنود العام رة، فإن لهم التضعيف. وذكر عنه سحنون أن لهم التضعيف فى النفقة أقاموا أو خرجوا. ومن كتاب ابن المواز: ولا يجوز أن يعطى الرجل لرجل شيئاً على ان يرابط أو يرابط عنه وإن ضرب أجلاً. ولكن إن أعطى خارجاًعن نفسه شيئاً لينفقه فى رباطه فجائز. وقال ابن عمر: إن أجمع على الغزو فجائز أن يعطى. وإما ان كان إن أعطى غزا وإن منع ترك فلا خير فيه. قال ابن المواز: ولا بأس أن يقبل ما [3/ 410]
أعطى. وكان ابن عمر يقبل ما أعطى. قال ابن لهيمة: يعنى: فى السبيل وغيره وهو ملىء. ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن جعل مالا فى سبيل الله ثم مات، قال مالك: فلا يبعث به إلى الثغور ولكن يعطيه ها هنا لمن يخرج إليها، فذلك خير إما أن يخرج مرابطاً أو يخرج إلى موضع القتال إن لم يسم موضعاً. قال ابن المواز: إنما يدفعه إلى من عزم الخروج لا لمن لا يخرج إلا لما يعطى. قال مالك: وإن سمى فقال إلى المصيصة فليعطه من يخرج إليها من المدينة ولا يبعث به إليها. فإن لم يجد فليحبسه حتى يجد وإن كان قريباً لأن طريقها سافل. قال: وإن كان موضع لايكاد يجد من يخرج إليه فليبعث به إلى غيرها، وله حبسه مثل الثلاثة شهور والأربعة وشبه ذلك. قيل لمالك: فالذى يأخذه كيف يصنع؟ قال: إن قال ربه: خذ هذا الفرس فى سبيل الله، أو: هذا المال خذه فى سبيل الله، أو: أنفقه في سبيل الله، فليس له من المال إلا انتفاعه به ما كان فى سبيل الله وفى سيره، ولا يخلف منه لأهله ولا ينفق منه فى روجوعه، وليدفع ما فضل منه إلى غيره ممن فى السبيل إلا لمن يرجع. قال ابن المواز: وليس الراجع بغاز فيمن هو من أبناء السبيل. وإن كان فرساً رده إلى ربه. ولو قال: خذه فى سبيل الله ثم هو لك فله بيع الفرس إذا بلغ رأس مغزاه وبان أثره، وينفق ثمنه فى غزاته ولا ينفق منه فى رجعته، إلا أن يقول هو لك فآصنع به ما شئت، فله تأثل ثمنه وينفق منه فى أهله وحيث شاء بعد أن يأثر منه فى السبيل ولو شىء. [3/ 411]
قال محمد: إذا قال هو لك آصنع به ما شئت فقد أبتله له. قال ابن القاسم: إذا قال: هو لك فى السبيل فله بيعه إذا أثر به فى السبيل. وإن قال هو فى سبيل الله أو أعطاه إياه فى سبيل الله فليرده إلى ربه بعد قفوله. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أعطى رجلاً فرساً أو ذهباً فى سبيل الله فقال: آصنع به ما شئت هو لك، فهذا تمليك، فليصنع به فى غزوه إذا هو بلغه ما يعمل فى ماله. فإن كان وصى قال له ذلك، فليس قول الوصى بجائز فيه أن يصرفه فى غير سبيل الله. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وإن مات المعطى قبل أن يخرج به أخذه ربه إن قال لم أبتله، وليس لورثة الميت أن يقولوا نحن نغزو به، ولربه أخذه ويصرفه فى الوجه الذى يرى. وكذلك فى الدنانير ترجع إلى ربها. قال ابن المواز: وأحب إلينا أن ينفذها فى مثل ذلك. وقال ابن حبيب: يأخذه ربه فيصرفه فى مثل ذلك. قال ابن المواز قال ابن وهب، قيل لابن شهاب فيمن أعطى شيئاً فى سبيل الله أينفق منه؟ قال: يجعله تلك السنة فى السبيل. فإن بقى منه شىء صنع به ما شاء إلا أن يستثنى فيه بشىء. قال ابن المواز. بل يرد ما بقى إلى ربه أو يعطيه لغاز، ما لم يقل: ثم شأنك به تصنع به ما شئت. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فيمن أعطى دراهم يقسمها فى السبيل أيعطى منها من قد قضى رباطه وهو منصرف إلى أهله ولا يجد ما يتحمل به إلى أهله؟ قال: لا يعطى منه المنصرف وليعط غيره. [3/ 412]
وعن من أعطى شيئاً فى السبيل فقضى رباطه وأراد إلانصراف إلى أهله وقد بقى معه منه فضل، قال يعطيه لغيره من أهل السبيل أو يرده إلى من أعطاه إياه، (ولا ينفعه فى انصرافه. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك فذكر مثله: أنه يرد ما بقى إلى من أعطاه إياه).فيجعله فى مثل ذلك أو يعطيه لرجل من أهل السبيل، كل ذلك واسع. وقال فى باب آخر: أو يعطيه لأهلسبيل الله. قال مالك: وإن أعطى رجلاً فرساً فى السبيل، فقال: تغزو به فغزا عليه ثم مات المعطى، فإن قال ربه: لم أبتله له فله أخذه منه، قال الوليد قال مكحول فيمن أوصى لفلأن بمال فى سبيل الله فمات فلأن قبل أن يأخذه، فليضعه ورثة الموصى فى السبيل، وقاله لى مالك والأوزاعى. قال سحنون: لا أعرف هذا، وهى ميراث لهم. قال سحنون فى مال جعل فى السبيل فإن خص به قوماً معينين قسم بينهم الرجال والنساء سواء، يريد: وإن لم يخص قسم على الإجتهاد ويؤثر إلاحوج. وقال فيمن أوصى بمال فى سبيل الله أو لأهلسبيل الله، أيعطى منه من هو ساكن بموضع الجهاد من النساء والصبيان وإلاعمى ومقطوع اليدين والشيخ الزمن؟ قال: نعم إلا أن يكون فى الوصية دليل أنه أريد به الرجال المقاتلة. قال الأوزاعى: ومن أعطى فرساً فى السبيل وشرط عليه إنى إن عدت غازياً كنت أحق به. قال هو نافذ لايورث. وإن غزا هذا ثانيةً فهو أحق به. وإن قال: إن شئت فبعه واستبدل واجعل ثمنه إن شئت فى سكين ونعل ونحوه ولا تأكل منه فله شرطه. قال سحنون: إلا أن يبتله حبساً فلا يباع إلا فى تغيره ويرد ثمنه فى مثله. قال الوليد عن مالك والأوزاعى فى نال جعل فى سبيل الله: فليعط فى السبيل. قيل له: فإن لم يكن فى زمأنه غزو، أيعطى للحاج؟ قال: لا، ويطى ذلك فى سبيل الله، وأجاز ذلك غيرهما. [3/ 413]
قال مالك: ولا يعطى منه حاج منقطع به بالمدينة وهو حاج من أهل الثغور حتى يرجع إلى ثغره. قيل: فهو إلى ثغره راجع؟ قال: لا حتى يرجع إليه. ومن العتبية: قال مالك من رواية ابن القاسم فى المال يعطى فى السبيل: فلا بأس ان يعطى منه المرضى، يريد من أهل السبيل. قيل: أنها وصية؟ قال: الله اعلم وكأنه خففه ولم يثبته. قال ابن القاسم: لا باس به إلا مريضاًقد ايس منه، ومن تعطل من القتال من مفلوجواعمى وشبهه فلا يعطى منه. ومن كتاب ابن سحنون: ابن وهب عن مالك لا بأس ان يعطى منه المريض، واعطاء الصحيح احب الي. ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كان فى الثغر غلمان يعطوا. ومن أوصى بسلاح فى سبيل الله أيعطاه أهل الديوان؟ قال: ما أحب ان يعطى أهل الغنى ولكن أهل الحاجة. ومن كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب ان ابن عمر كان إذا حمل على البعير أو الدابة فى سبيل الله يقول لصاحبه: لاتبعه ولا تملكه حتى تبلغ وادى القرى من طريق الشام أو جدة من طريق مصر ثم شأنك به. قال سحنون: كأنه متعتها وثوابها إلى ذلك الموضع، ثم للمعطى عمل الدابة لا الدابة بعينها، وانما تجب الدابة عندنا للمعطى إذا بلغ اقصى مغزاه ثم تصير ملكاًله يصنع بها ما يشاء، وان لم يلق عليه العدو. قال ابن المسيب: إذا بلغ بها رأس مغزاه فهى له. وقاله القاسم وسالم فى المال فيما فضل منه. وكذلك ما فضل من متاع وثياب ودواب، وقاله ابن عمر وقاله القاسم: ولا يدع منها لأهله شيئاً. [3/ 414]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قيل: فالرجل يعطى الفرس فى سبيل الله يحمل عليه أو الدنانير؟ قال: إما من الوالى فلا بأس به. قال ابن القاسم، يريد: من الخلفاء. وإما من غيره، يريد من الولاة، فلا يجوز. وإما من الناس بعضهم لبعض، فإما الغنى فتركه أحب إلى وكذلك السلاح. وروى ابن وهب عن مالك فيمن اعطى مالا يقسمه فى السبيل فيأتيه رجل جلد لا سلاح له فلا بأس ان يعطيه ما يبتاع به سلاحاً إذا كان يؤمن ان يجعله فى غير ذلك، ولا بأس ان يعطى منه المريض، واعطاء الصحيح احب إلينا. قال سحنون اراه عن الوليد: وأعطى مكحول عشرة إلاف دينار فى السبيل، فكان يعطى الرجل خمسين ديناراًثمن فرس، عندى فرس فيقول: بعه وانفقه على عيالك. قال سحنون: يبدأ عندنا بالضعفاء. وإذا دفع إلى المستحق فينفقها فى السبيل، ولا يأمره ببيع فرس قد أوقفها للجهاد ولكن يستعين بما أعطى. قال: وأوصى عبد الرحمان بن عوف بخمسين ألفاً فكان يعطى للرجل ألف دينار. قال الأوزاعى: ومن أعطى شيئاً فى السبيل فلا بأس ان يتجهز منها بثياب وغيرها ولا يخلف منها لأهله. قال مالك لا يخلف لهم منها ولايرسل إليهم منها ولا يرد ما فضل إليهم. قال: وأرخص الأوزاعى ان يكرى منها إلى الثغر. ولا بأس ان يعقب رب الدابة عقبه بلا شرط. قال سحنون: إما الثغر البعيد فلا يكرى إليه لأن ذلك يذخب بالمال. قال سحنون: ولايحدث فى الدابة التى يعطاها فى الغزو حدثاً حتى يبلغ بها اصى مغزاه الذى قصد إليه فى البر والبحر. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل لمالك: من أعطى فرساً فى سبيل الله أيبيعه؟ قال: ان كان ليبتاع بثمنه فرساًغيره أو يتكارى به فى سبيل الله فجائز. وإما ان يبيعه ويأكل ثمنه فى أهله فلا. [3/ 415]
ومن كتاب ابن سحنون: (روى ابن وهب عن ابن عمر كان إذا قيل) قال فى المعطى فرساً فى السبيل أيبيعه؟ قال: على أى وجه أعطيه؟ قيل: بتل له. قال: ان أقام عنده أقامة يستعمله فيها، كأنه يقول يبالغ فى العمل، فذلك له. وان كان شيئاً يسيراً فليس ذلك له. ومن أعطى فرساً فله بيعها قبل ان يخرج ليتقوى بها ولا يخلف من ذلك شيئاً لأهله، ولا ينتفع بذلك فى غير سبيل الله إلا ان يقول له: شأنك به آفعل به ما شئت. قال مروان ابن الحكم: لا يقضى منه دينه ولا يتزوج منه ولا يعقد منه مالا. قال مالك: وما فضل من/المال الذى يعطى فى السبيل فليفرقه فى السبيل أو يرده إلى معطيه. قال سحنون: ان أعطى ليفرق فى السبيل فلا يرد ما فضل وليفرقه فى السبيل. وان كان أعطيه لينفقه على نفسه فليرد الفاضل إلى معطيه فيكون هو يعطيها. ولو مات كان ما فضل فى ثلثه والعطية التى أعطى فى السبيل قد نفدت لا ترد. ولو كان أشهد فيها حين أعطاها كان أقوى. وليس اعطاء المال مثل اعطاء الخيل والسلاح التى تصير ملكاً للمعطى لأنه ينتفع بذلك بغير اتلاف عينه، والمال يذهب عينه. قيل لمالك فيمن أعطى شيئاً فى السبيل وهو غنى عنه: أيعطيه لجيرأنه؟ قال: بل يرده على صاحبه. قال سحنون: هذا ان أعطاه ذلك لينفقه على نفسه. فإما ان أعطاه ليفرقه فى السبيل فلا يرده وليفرقه على أهل السبيل. قال مالك: ومن بعث معه بمال فى غزو أو حج يعطيه لمن قطع به فاحتاج هو فله ان يأخذ منه بالمعروف. ولو تسلف إلى ان يرجع إلى بلده كان أحب الي. وله ان يأخذ وقد يحتاج وهو ملىء ببلده فهو ابن السبيل. وله ان يأخذ من الصدقة ويسع ذلك معطيه وان لم يعرف صدقه إذا كان عليه هيئة السفر. وانى لا أكره للذين لا يجدون ما ينفقون إلا بالمسألة ان يخرجوا فى حج أو غزو. ولا يأخذ الغنى [3/ 416]
مما يجعل فى السبيل من العلف والطعام. فإن أخذ منه فلا يجب عليه رده. وكذلك لو أخذ فرساً أو سلاحاً وهو غنى عنه. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن أعطى مالا ص يقسمه فى سبيل الله على المجاهدين وهو أحدهم: أيأخذ منه؟ قال: أحب إلى ان يعلم رب المال بذلك. قيل: فمن أعطى له دنانير يقسمها فى السبيل وقيل له: ان احتجت فخذ منها/فاحتاج إلى دينار فقضاه فى دينه، وانما يعطى الناس منها نصفاً نصفاً؟ قال: ان كان المعطى أراد هذا فلا بأس. وأخاف ان يكون آخر عليه ثلاثين. فإن كان رب المال أراد هذا فلا بأس. قال ابن حبيب: ومن اعطى مالا يقسمه فى السبيل فلا يعطى منه إلا غنياء ولكن الفقراء، ولا يأخذ هو منه إلا ان يسمى له شىء. وذكر ابن وهب عن مالك فيمن خرج بعياله إلى الثغر، وبه دور السبيل. قال يسكن بكراء أحب الي. وكذلك السلاح المحبس ان استغنى عنه فهو أفضل. قال سحنون: لا يجوز ان تكرى دور السبيل. (ومن سماع: ابن القاسم عن مالك نحوه. قال: ان كان غنياً عن دار السبيل) فأحب إلى ان يسكن غيرها. وان سكنها لم أرى بذلك بأساً. وكره مالك ان يحمل على الفرس العقوق فى السبيل ويشترط ما فى بطنها. قال سحنون: فإن فعل وقبضت مضت فى السبيل وبطل الشرط. وان لم تقبض بقيت فى يد ربها كما كانت. ومن حمل رجلاً على فرس فى السبيل فلا يعود فيشتريه. قال سحنون: فإن فعل رد البيع ورجع إلى بائعه. قال مالك: ولو وجده بيد غير المعطى فاشتراه فلا بأس بذلك. وفى موضع آخر أنه كرهه. [3/ 417]
قال مالك فى التى جعلت حلخالين فى السبيل: أرى مثل ذلك ان يباعاً ويقسم ثمنها فى السبيل. قال. وفرق ابن قاسم بين عطية الخيل والسلاح فى سبيل الله فى حياته أو يوصى بها، فيرى فى الوصية ان ذلك حبس فى السبيل، ينتفع به من غير استهلاك بخلاف العطية، وغيره يراهما سواءً ولا يكون ذلك عنده حبساً موقوفاً. قال ابن القاسم: والوصية بالمال فى سبيل الله فالوجه فيه ان يفرق بأجزاء. قال سحنون فيمن حبس سلاحاً أو فرساً، يعنى: فى المرض والثلث يحمله على بعض ورثته، ولم يجزه الباقون وفيهم أم وزوجة، قال: يؤاجر ذلك وتقسم بينهم الإجارة على المواريث. وان شاء أحدهم غزا به باجارة. قال الأوزاعى: ومن أوصى بمال فى السبيل فلا يجعله الوصى فى خيل ولا سلاح ولكن ينفق فى السبيل. ومن أوصى بخيل فى السبيل فلا يجعل حبساً إلا ان يوصى بذلك، قاله بعض أصحابنا. وابن القاسم يرى الوصية بهذا لا تكون إلا حبساً، وبه أقول. قال الأوزاعى: ومن أوصى بسيف محلى فى السبيل، قال: تنزع الحلية فيشترى بها سلاح فى السبيل، وقال سحنون: لا يغير ولا ينزع منه شىء. وكذلك حلية المصحف الحبس. قال الأوزاعى: ومن دفع إليه حبس فى سبيل الله فى ثغر بعينه ولم يشترط إلا يخرج منه فأراد ان يتحول به إلى غيره فذلك له. وقاله سحنون: حيث كان الجهاد فله ان يمضى به فيه. قإلا: وان اشترط إلا يخرج منه فلا يزال به إلى غيره. قال الأوزاعى: ولو أعطى الرجل لرجلين لكل واحد منهما فرساً فى سبيل الله حبساً فتبادلا بزيادة من عند احدهما فلا بأس به، ولم يجزه سحنون. [3/ 418]
في الدواب الحبس هل تباع لكبر أو ضعف أو ترد بعيب على بائعها، هل يعمل بها غير ما حبست له، ومن تجهز للغزو ثم بدا له، ومن حبس بعض فرسه
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وكره مالك ان يقول رجل لرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه ولايدرى ما يبلغ من ثمن، حتى يوقت فيه ثمناً. قال سحنون: ذلك جائز، وليس لها معنى. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حمل على فرس فى السبيل على أنه ان أسلم فهو رد إليه، فيصاب فيجعل أمير الجيش لمن أصيب فرسه خلفاً، قال: فالخلف لرب الفرس الأول. ومن سماع ابن القاسم، وعن القوم يتراحلون فى الغزو والرباط، وقد/أعطى أحدهم رجلاً ذهبا فى سبيل الله، فيتخارجون النفقة فيخرج معهم المعطى والمعطى، أيكره ذلك للمعطى؟ قال: لا وليس هذا مما يتقى. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى بريرة: هو لها صدقة ولنا هدية. (وهذااكثر معانيه فى كتاب الصدقات والهبة وإلاحباس) فى الدواب الحبس هل تباع لكبر أوضعف أو ترد بعيب على بائعها؟ وهل يعمل بها غير ما حبست له؟ ومن تجهز للغزو ثم بدا له ومن حبس بعض فرسه من كتاب ابن سحنون قال مجاهد ويحيى بن سعيد والأوزاعى ومالك فيما ضعف وكبر من الدواب فى السبيل: فلا باس ان يباع ويرد فى مثل ذلك. قال مالك: فإن لم يكن فى ثمنه ثمن فرس أو هجين أعين له فى مثله. وكذلك الثياب [3/ 419]
ان لم تبق فيها منفعة بيعت واشترى بثمنها ما ينتفع به. فإن لم يكن فى ثمنها ذلك تصدق به فى السبيل. وقال غيره لا يباع شىء من ذلك لا دواب ولا ثياب. وذلك كالربع الخرب. قال مكحول: لا تعيروا الدواب ولا تركبوها إلا فى الغوطة من حول دمشق إلا الذى حبسها نفسه فله ان يركبها ويسافر عليها ويعيرها، وقاله الأوزاعى. قال سحنون: لا يركب الفرس إلا فى مصلحة الفرس. وإما ان لم يخرج عن يده فهذا يورث عنه ان مات. وكره الأوزاعى عارية الفرس. ومن أعطى فرساً حبساً فى ثغر آخر ضمن، وقاله سحنون. قال الأوزاعى: لتصن دواب السبيل عن السفر عليها فى غير ما جعلت له، وللذى هى فى يديه أن يتنأول عليها حوائجه من طعام وعلف مما حول الثغر/وقربه ولا يسافر عليها. وقال سحنون: انما يركبه فى مصلحة الفرس لا فى حوائج نفسه. قال الأوزاعى: ومن أعطى نبلاً فى السبيل فلا يرم بها بين إلاغراض ويتعلم بها الرمى، وقاله سحنون. قال الأوزاعى فى السبى يؤمرون بسوقه، يكرى عليه فلا بأس أن يحمل السبى على الفرس الحبس (ان لم يقسم السبى. وان قسم فأكره حمل ما اشتراه لنفسه. قال سحنون: لا يحمل الفرس الحبس) بكراء قسمت أو لم تقسم، لأنه غير ما حبس فيه. قال الأوزاعى: إذا دعا الإمام أهل الديوان لعرض عليهم فطلبه رجل ان يعيره هذا الفرس الحبس، فإن كان مقلاً فلا بأس به، وإما الموسر فلا. وهذا إذا عرض قبل أن يصل إلى أهل الروم. وإما بأرض الروم فلا يعيره بعد القسمة أو قبلها، قال: والذى بيده الفرس يأخذ له فى الثغر رزقاً فيضعف عن الغزو فيدفعه إلى غيره، ويبقى بيده فضل من ذلك الرزق فلا بأس ان ينفقه على نفسه. [3/ 420]
(ومن كتاب ابن المواز والعتبية: من سماع أصبغ، ومن أعطى فرساً فى السبيل، أيحرث به؟ قال: وإما اليسير وهو فى رباطه ممل يكون لعلفه ونفقته مما لا يضره فلا بأس به. فإما ان يكريه لنفسه أو لغيره فلا خير فيه. ولا يعجبنى ان يسافر به فى حوائجه، إلا ان ابتل له ليكون مالا من ماله فليصنع به ما يشاء). ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا يحرث عليه لنفسه ولا للفرس، وانما يأخذه من يضمن مؤنته. ولو جاز ان يحرث عليه لقوته جاز ان يكريه ممن يقضى عليه حوائجه لقوته. قال أشهب: ومن عنده دابة حبس فلا يحج عليها ولا يعتمر ولا يركبها إلا لحلجة من أمر الجهاد، وقاله سحنون. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أصبغ: قال ابن القاسم فى فرس حبس أبدله ربه بفرس حبس، فوجد باحدهما عيب وأصيب الآخر، فليرد المعيب ويأخذ قيمة فرسه الفائت. وقد أخطأ حين تبادلا، وليترادا وان لم يجدا عيباً. قال ابن القاسم: ولو حدث/عضاض أو حطم أو ضعف، فها هنا يجوز بيعه. وما لم يجز بيعه لم تجز فيه المبادلة. ولو كان ذلك فى احدهما والآخر سليم فليرد السليم إلى صاحبه. قال فى كتاب ابن المواز: يرد الحاضر ويرجع بقيمة الغائب. ومن سماع ابن قاسمك ومن ابتاع فرساً ثم حمل عليه فى سبيل الله ثم وجد به عيباً: فإن كان قد مضى وخرج فله ان يرجع بقيمة العيب على بائعه. وان كان حاضراً بيده رده على بائعه وجعل عيره فى مكان ما أنفذه فيه. ورواها ابن وهب عن مالك. كذلك فى كتاب ابن سحنون. قال سحنون فى فرس بين رجلين، حبس أحدهما نصيبه منه فى السبيل: فإن طلب الآخر البيع قيل للمحبس: بع معه أو خذه بما بلغ. فإن باع جعل نصيبه (فى فرس فى سبيل الله. وان لم يبغ أعان به فى فرس. وان اشتراه بما بلغ) لم يكن منه حبس إلا نصفه، ولا يجبر على تحبيس [3/ 421]
في المطاواة في البحوث والمجاعلة في أهل الديوان في غيبة بعض أهل الديوان لحج أو غيره
باقية. ولو بقى بيده حتى يموت بطل جميعه، ولا يجبره السلطان على آخراجه من يديه فى مثل هذا، ولو أوصى بان نصفه حبس فى سبيل الله ثم مات فطلب شريكه البيع فليبع ويجعل ثمن حصة الميت فى فرس. فإن لم يحمل اعان به فى فرس. (قال ابن وهب عن مالك فيمن حمل رجلاً على فرس) فى السبيل على ان يحبسه سنين ينفق عليه ثم هو له فأجازه. ثم كرهه ابن وهب عن مالك. ومن أعطى فرساً فى السبيل، فحبس فى فخذه حبساً أيبيعه؟ قال: لا. قيل: أفيمنعه ممن اراد أن يتنزه؟ قال: نعم، لأن ذلك يضعفه عما حبس له. وكذلك إلابل. ومن كتاب ابن سحنون، مما كتب به سحنون/إلى شجرة فى قوم نزلت بهم فتنة، وبأيديهم دواب محبسبة فى السبيل وقد نهوا عن ركوبها، ولا يقدرون على بيعها إلى ان يجدوا إلى الشراء سبيلاً، ولا يجدون من بأخذها ممن يرضى حاله، فكتب إليه: تدفع إلى من يخرج إلى الثغر مثل المصيصة وغيرها من ثغور الشام ولاتباع. وفى كتاب إلاحباس شىء ن معانى هذا الباب. فى المطأواة فى البعوث والمجاعلة فى أهل الديوان فى غيبة بعض أهل الديوانلحج أو غيره ومن العتبية: روى أشهب ان مالكاً سئل عن البعوث المكروهة تقطع عليهم إلى المغرب ونحوها فيجعل القاعدون للخارجين، وللوإلى هوىً فى بعضهم من ذوى الصلاح، فيكتبهم فى رفعة ليعافو من الغرم الذى غرمه القاعدون لمن خرج. قال: لاادرى ما هذا يخرجهم من الغرم ويغرم غيرهم ولا يغرم عنهم، فكأنه كرهه. قيل له: ان الوالى يكون له رفع على كل حال، فإن احتاج إليهم استعان [3/ 422]
باب جامع لمعان مختلفة
بهم. فإذا وقع البعث المكروه الذى يكون فى العزم جاء الرجل الذى له الفضل يطلب ان يكون فى رفع الوالى ليسلم من الغرم. قال ليس هذا الذى سأل عنه الرجل، هذا قد جعل إلى السلطان فهو أخف. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك فى الذى يرتفع من أهل الديوان عن الغزو لحاجة من حج أو غيره، قال: لا بأس بذلك. قيل: أنه نهى عن ذلك قوم وقالوا: أنه يأخذ العطاء إذا جاء. قالك ليس كما قالوا: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة). باب جامع لمعان مختلفة/ من كتاب ابن سحنون قال مالك: لا بأس بالكراء فى الغزو إلى القفل من بلد العدو، وفيه للناس توسعة. وكذلك على أزوادهم إلى القفل، ولأن وجه غزوهم معروف. (قيل: وقد تختلف الطرق ويكون المقام نحو الشهر وأقل وأكثر. قال: وجه ذلك معروف) ومن العتبية: سئل سحنون عن أشجار بينهم وبين أهل الشرك، فغلبهم عليها العدو، ثم تمر بها الجيوش: هل يؤكد منها؟ فأباح ذلك فى الواحد وإلاثنين والنفر ومن لا ثمن لتلك الثمار عندهم فجائز. وإما الجيوش التى تكون لها فيها قيمة فلا إلا بقيمة ذلك، ويتصدقون بالقيمة كاللقطة. وكذلك الشاة بالفلاة، فأنه ان وجدها الجيش ولا ثمن لها فلا بأس ان يأكلوها. وقيل لسحنون فيما غلب عليه الروم من بلد المسلمين من شجر ثم دخلنا بلدهم، أنأكل منها وأهلها معروفون أولا يعرفون؟ قال: جائز ان تأكلوا منها، وهى إذا تركت تفسد. قال: وإذا كانت بموضع يرجو المسلمون الظهور عليه، فلا يحرقوها ولا يغرقوها. وان لم يرجو ذلك فلا بأس بخرابها. [3/ 423]
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا اتى الإمام ما سره من فتح من الكفار أو قتل عظيم أو سلأمة سرية ونحوه فليشكر الله تعالى وليكثر من حمده، ولا أحب له ان يخر لذلك ساجداً، ولم يره مالك. قال سحنون: وللجريح مدأواة جرحه بعظم إلانعام ان كان ذكياً، ولا يدأويه بخمر أو عظم انسان أو عظم خنزير أو ميتة أو روث أو مالا يحل أكله. وإذا وجد عظماً بالياً ولم يدر عظم شاة هو أو أعظم انسان أو خنزير، فلا بأس/به إلا ان يكون معترك عرف بكثرة عظأم الناس أو موضع عرف بكثرة عظأم الخنازير فلا يصلح حتى يعرف العظأم بعضها من بعض. وإما جهله هل هو ذكى أم لا فهذا ليس هو عليه وهو على التذكية. وقد قيل: دأوى النبى صلى الله عليه وسلم وجهه يوم أحد بعظم بال. ولا بأس ان تضبب إلاسنان بالذهب ان اضطربت أو طرحت. ومن كتاب ابن سحنون: قيل لمالك فى هذا النفط الذى يلقى على الرجال وعليهم الطلاء: فإن كان أمراًان قد عرفوه فلا بأس به. قال ابن وهب: هذا خطر عظيم ان ينتصب لنار تلقى عليه. قال سحنون: مالك اعلم بما قال. ومن سماع ابن القاسم: وقال فى بقر الروم لا يقدرون على أخذها حتى تعقر وتطعن وهى انسية ثم تذبح قال: لا ارى ذلك. أرأيت البدنة إذا لم يقدر على نحرها أتعقر ثم تنحر، هذا باطل؟ وقال فى البقر لا تعرقب ثم تذبح: ولا أحب اكلها. وقال أصبغ فى قوم كانوا كميناً فى ناحية العدو، فغشيهم العدو فبادروا إلى خيلهم فركب بعضهم خيل بعضهم عمداً أو خطأ فعطب تحته، قال: يضمن فى العمد والخطا. وسئل سحنون عن مفاز كان بين المسلمين والعدو وفيه شجر كان للمسلمين فأقفروه، وفيه ثمار تمر بها الجيوش والوصائف والسرايا أياكلونها؟ قال: إما الجيوش الكثيفة فلا يأكلوها لأنه يصير لذلك فيهم ثمن. وإما السرية والنفر [3/ 424]
فذلك لهم، ويصير كالشاة الضالة بالفلاة. وفى العسكر الكبير كالشاة توجد بقرب العمران./ وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب فيمن له أم نصرانية عمياء فتسأله المضى بها إلى الكنيسة: فلا بأس أن يسير معها حتى يبلغها ولا يدخل معها الكنيسة. ولا بأس ان يعطيها لنفقة عيدها فى طعام ها وشرابها، ولا يعطيها ما تعطى فى الكنيسة. ومن سماع ابن القاسم، وعن القوم يخرجون إلى الغزو بأموال يشترون المغانم الرقيق والخرثى، قال لا بأس بذلك. وقال فى الأمة تباع ومعها ابن صغير حر لا يستغنى عنها، قال: يشترط على مبتاعها إلا يفرق بينه وبينها وان مؤنته عليه. وان بيعت بغير أرضها فذلك جائز. (آخر السادس من النوادر والزيادات والحمد لله وحده [3/ 425]
صفحة بيضاء
كتاب السبق والرمى
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب السبق والرمى باب فى السبق والرمى (قال أبو محمد عبد الله بن أبى زيد: ومن كتاب محمد بن عبد الحكم روى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال، فى قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استعطم من قوة) إلا ان القوة الرمى. قال ذلك ثلاثاً، وكان يعجبه ان يكون الرجل سابحاً رأمياً. وكتب عمر ان يعلم الصبيان السباحة والرمى والفروسية: (وقال عليه السلام: تعلموا القرآن والرمى، وخير ساعات المؤمن حين يذكر الله) وقال صلى الله عليه وسلم، لا سبق إلا فى نصل أوخف أو حافر. فدل على إلا يجوز السبق فى غير ذلك. [3/ 427]
قال محمد بن عبد الحكم: وليس على الملمتنا ضلين ان يصفا السهم ولا الوتر بدقة ولا غلظ، وذلك للرأمى يرمى بما يشاء ويبدل من ذلك ما يشاء من سهم طويل بقصير وثقيل بخفيف، وكذلك إلاوتار، وقوساً بآخر من جنسه، مالم يبدل قوساً عربيةً بفارسيةً أو بدونانيةً بصقلية أو رومية أو حبشية إذا تعاقد على جنس غير ذلك/ولا باس بالمناضلة بهذه القصى كلها وبقوس الرجل وغيره. وإذا تعاقد على فارسية لهذا وعربية لهذا فذلك جائز ثم لكل واحد منها بدل قوسه بأى صنف شاء من إلاقواس. ولا بأس ان يسابق رجل رجلين أو أكثر، كان الواحد المسبق أو المسبق، فإذا بدأ الواحد رمى إلاثنان بعده، وكذلك أكثر من اثنين، فإذا رموارعاد الأول فرمى، وكذلك ان بدأ إلاثنان أو الثلاثة رمى الواحد بعدهم، ولا بأس ان يرمى اثنان واثنان، وكذلك ثلاثة ثلاثة. ولا بأس ان يرأمى من يجهل رميه، كما يجوز فى الخيل مع من لا يعرف جريه، ولا بأس ان يشترطوا ان مرض واحد ان يكون مكأنه رجل من أهلذلك الغرض، كما يجوز فى الخيل وان لم يعرف جريها، ولابأس ان يرمى رجلان مع رجل على ان يرمى مع كل واحد بمثل سهأمه، وكذلك خمسة مع أربعة على أن يدير واحد من الأربعة على الخأمس يرمى مكان رميه، يقوم ما يدير به من النبل مقأم رجل، وان اشترط الأربعة ان من يشاء منهم ادار أو يدير كل واحد منهم رشقاً فما احبه ولا أفسخه ان وقع، والذى أحب ان يعرف الذى يدير بعينه. [3/ 428]
قال محمد وإلاغراض كلها سواء جائز التناضل فيها، وكان عقبة بن عام ر يرمى فى غرض ذرعه أربعمائة ذراع. ولا بأس ان يشترط ان يعلق الجلد فى الهدف أو يجعل على الارض تعمده إلاعواد، وان رميا على شىء من ذلك ثم طلب احدهما خفضه أو رفعه فليس ذلك لهما حتى يجتمعا. وليس لهم بدل جلد صغير بكبير، أو كبير بصغير، إلا باجتماعهم/وكذلك ان طأبوا العودة إلى الأول، وإذا قال بعضهم نرمى وناكل. وقال بعضهم لا ناكل الساعة. حملوا على عرف الناس، يستريحون نصف النهار فى الحر، ويقيلون، وفى الشتاء ياكلون ويتوضأون ثم يعودون الرمى، وليس لاحد منهم ان يطيل الركوع ليقطع وقت الرمى، وليحملوا على عرف الناس، ولأحدهم ان يرمى قاعداً أو قائماً، وكذلك لجميعهم، إلا ان يشترط عليه القيأم. وله إذا رمى فى موضع ان يتحول منه إلى آخر يميناً وشمالا مالم يضيق بذلك على من يرمى منه فيمنع. وليس لأحدهم أن يرمى من فوق الغرض إلا برضى من معه، ويجوز ان يشترطوا من يرموا فى جلد صغير يوماً، وفى جلد كبير يوماً، وكذلك ان شاقا معلومة فى هذا، ومثلها فى الآخرى، وخلافها من العدد، وإذا لم يسم ذرع العرض يرميان فيه حملاً على عرف الناس فى ذلك البلد، وهو مائتا ذراع بذراع اليد، وان شرطا أقل أو اكثر فجائز، ولا بأس ان يشترط ان يرميا فى رقعة يكون ذرعها ما أراد من قلة أو كثرة. ولا بأس ان يتناضلا على ان يرمى هذا من الغرض إلى الغرض، والآخر من نصف الغرض أو أبعد من الغرض بجمسين ذراعاً أو أقل أو أكثر، ولا بأس ان [3/ 429]
يرمى احدهما بعشرة اسهم فى كل وجه، والآخر بخمسة عشر، ويشترط من يرمى الفضل ان شاء إذا رمى ذلك بسهم رمى هذا سهمين، أو بعد ان يرمى الخمسة الفضل ويفرغ منها، أو يرمى هذا خمسة وهذا خمسة، ثم يرمى من له الفضل ولا بأس ان يرمى واحد منهم وآخر بسهمين. ولا بأس ان يتناضلا على ان بلغ الواحد عشرة، ويرمى الآخر خمسة ايهما بدر نضل، ان بدر صاحب/الخمسة بإلاصابة إلى الخمسة نضل صاحبه، وان بدر صاحب العشرة فأصاب بها نضل صاحبه، ولا بأس ان يرميا إلى خصل مائة أو أقل أو أكثر وعلى ان يحسب لواحد ما أصاب به من سهم سهمين، وللآخر بالسهم الصائب سهم. وان كان هكذا فلا يكون فى ذلك فرد لا يكون الخصل إلى خمسة ولا إلى سبعة، ولا إلى أحد وخمسين وشبه ذلك؛ لأنه لا يكاد يحسب لصاحبه خمسة إلا بثلاثة هى لها بستة، فيذهب له بواحد باطلاً، ولا بأس ان يكون الخصل إلى عشرة واقل وأكثر. وقال الشافعى: ولم أرى احداً ممن يحسن الرمى يجيز ان يرميا بعشرة عشرة على ان يحعلا الفرع من تسعة، ومنهم من لا يجيز ان يجعل الفرع من عشرة. ويقول: لا يجوز ان يكون الفرع يوتى به إلا فى إلاكثر من رشق، فإذا كان هذا جاز فيما قل أو كثر. قال محمد: وليس هذا معنى، ولا فرق بين عشرة وأحد عشر، وما رأيت من الرماة من يعرف ما حكاه الشافعى. قال محمد وقال بعض الرماة: لا يجوز ان يكون السبق إلى واحد مبادرةً، لأنه قد يجوز ان يرمى بسهم فيصيب، فينضل الآخر ولم يرم بشىء، ومنهم من [3/ 430]
يجيزه، ومنهم من يقول: إذا كان الخصل إلى واحد بأول سهم لم يكن باطلاً حتى يرمى الآخر مثله، فإن أصاب كان تهاتراً، وان أخطا كان منضولاً. وكذلك لو كان الخصل من أربعة إلى خمسة، فوإلى الأول إلاصابة إلى منتهى الخصل، والآخر كذلك وإلى إلاصابة من أول رمية، فلا يكون منضولاً حتى يرمى بمثل ما رمى به الأول من العدد. وقالوا: لا يكون من لم يحط بشىء مما رمى به مفصولاً ولا منضولاً./قال محمد: وهذاقول حسن إذا اراد التناصف ان لا يفضل احدهما الآخر. ولكن الرماة عندنا يقولون: من سبق، وان كان بأول سهم، فقد بدر ونضل. وأخبرنى من أثق به من الرماة، عن أشهب، فيمن يرمى ويحسب خاسفة خاسفتين، أو يجعل لاحد المتناضلين سهماً راتباً يحسب له فى كل وجه، فلا بأس بهذا وشبهه مما تراضى به الرماة. قال محمد: ولا بأس ان يرميا على ان ما اصاب به أحدهما فى دوارة الجلد حسب، وما أصاب به فى غيرها لم يحسب، ويحسب للآخر ما أصاب فى الجلد كله أو يحسب لهذا ما اصاب فى الجلد خاصةً وللآخر ما اصاب فى الجلد والهدف. قال: ومن اجاز الخصل على سهم على ان ما بدر باصابته فقد نضل، يقول: أنه إذا سبقه على أنه ان أصاب بهذا السهم فله سهم سبق، وان لم يصب به رمى الآخر سهمه، فإن اصاب أحرز رشقه، وان أخطأ رميا ايضاً، وعلى هذا رايت جماعةً من عندنا من الرماة. قال محمد: ولا باس ان يسبقه سبقاً إلى أجل معلو م، ولا يجوز إلى أجل يختلف فيه مثل قدوم فلأن، ولا يجوز السبق إلا معلوم وإلاجل معلوم، وجائز ان يكون السبق عيناً أو عرضاً ان كان موصوفاً، ولا يجوز على غرر، وإذا نضل فيجوز به الحوالة، لأنه دين ويجوز ان يؤخره ويأخذ به حميلاً أو رهناً. ولا بأس ان [3/ 431]
في سبق الخيل ورهانها
يسبقه على أنه ان اصاب الغرض بالعشرة إلاسهم فله السبق، وكذلك اقل من عشرة، ويجوز على سكنى منزل يوماً أو أكثر أو ركوب دابة أو عفو عن جرح عمداً أو خطاً. فى سبق الخيل ورهأنها من كتاب محمد بن عبد الحكيم/، قال محمد وليس يعرف العرب السباق إلا بين الخيل وإلابل، وكذلك فى الإسلام، وقد سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل وإلابل وليس يعد راكب البغل والحمار فارساً. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا فى حافر أو خف أو نضل دليل إلا يكون ذلك فى البغال والحمير، وهى لا تتخذ فى الحرب. وقد سئل النبى صلى الله عليه وسلم، عن الحمر فقال ما انزل علي فيها إلا هذه إلاية الجأمعة الفإذة (فمن بعمل مثقال ذرة خيراًيره). فدل أنها لا تتخذ فى للحرب، ولا أعلم ان أحداً سابق بين بغل ولا حمار ولا اجاز ذلك، وروى مالك ان النبى صلى الله غليه وسلم، سابق بين الخيل التى لم تضمر من الثنية إلى مسجد بنى رزيق. قال محمد: وفى هذا أدلة منها ان الحفر اريد به الخيل، ومنها اجازة إلاضمار انما يكون ناشئاً من منع بعض العلف واستحلاب عرقها. [3/ 432]
ومنها من اجازه ان يركب عليه من يجريها؛ لأن السباق من غاية إلى غاية، ومنتهاه ان لم يشترط فى الراكبين شرطاً من صغر وكبر وقلة لحم وكثرته ولا صفة. وكانت القصوى ناقة النبى صلى الله عليه وسلم لا تدفع فى سباق إلا سبقت فسبقت يوماً فا كتأب الناس لذلك، فقل النبى صلى الله عليه وسلم: ان حقاص على الله إلا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه وسابق يوماً بين الرواحل فسبقت ناقته الجدعاء. وسابق عمر بين الخيل، وكتب به وسابق ابن عمر. وكتب عمر ابن عبد العزيز: لا تحملوا إلا من احتلم. ولم يزال يراهن بين الخيل منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم،/فلم اسمع عنه أحد منهم أنه لم يجزه حتى يعرف جرى الخيل التى سابق بها، بل يسابق الرجل ويرأميه، وان جهل جرى فرسه ومبلغ رميه، وانما السبق الخيل والركاب، قال الله تعالى: (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) والركاب إلابل فهى والخيل التى ينتفع بجريها ويولع فى ثمنها، وفيها نكاية العدو. وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: خير الخيل إلادهم إلافرح إلارثم المحجل ثلاث طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية. ومن كتاب ابن المواز قيل لابن القاسم: أيجوز السبق والرمى على ان يخرج أحد مما سبقه ان نضلوه وان نضل هو أحرز سبقه؟ قال: ما أحبه، ولا خير فيه إلا ان يكون حظ السبق خارخاً بكل حال نضل أو لم ينضل كسبق الإمام. قال أصبغ: الأول أيضاً قد عمل به الناس، ولكن كرهه مالك، إلا على ان [3/ 433]
يخرج بكل حال. قال: ونحن نقول به، وبه نأمر، ولا يحرم الآخر وليس بفساد بين. وسمعت ابن وهب وغيره يجيزه. ومن كتاب ابن مزين وغيره قال ابن المسيب: لا بأس برهان الخيل إذا كان فيها محلل، ولا بأس ان يتراهن الرجلان، يجعل هذا سبقاً وهذا سبقاً، ويدخل بينها سابق لا يخرج شيئاً، فإن سبق أخذ، وان سبق لم يرد شيئاً. وهذا لا يقول به مالك، وانما يجوز عنده ان يجعل الرجل سبقه خارجاً بكل حال، كسبق الإمام. ومن سبق فهو له، ولا بأس ان يجرى معهم من آخرج السبق، فإن سبق هو كان السبق للمصلى ان كانت خيل كثيرة، فإن لم يكن غير فرسين، فيسبق واضع السبق، فالسبق طعم لمن حضره. /وروى عنه يحيى أنه أجاز ان يشترط واضع السبق ان سبق أحرز الآخر، وان سبق أخذه الآخر. وكذلك الرمى نضل أو نضل. والمصلى هو الثانى من السابق سمى بذلك لأنه جحفلته على صلى السابق، وهو أصل ذنبه، ويقال للعاشر السكيت، ومن بعد التاسع إلى الثانى لا يسمى إلا بتسمية العدد. قال محمد بن عبد الحكم ولا بأس ان يتراهنا بسبق كل واحد منها صاحبه دنانير، وعلى ان يدخلا بينها محللاً، ولا يكون المحلل إلا من يخاف ان ينضلها، وان كان ممن لا يخاف ان ينضلها، فهو كالرهان بلا محلل فلا يجوز. والمحلل ان نضل أخذ سبق الرجلين، وان نضل احدهما أخذ سبق صاحبه، وليس على المحلل شىء نضل أو نضل، ولا بأس ان يكون المحلل أدناهما رمياً، ان رمى ممعهما من الغرض إلى الغرض أمناه، وان رمى هو من النصف وهما من الغرض لا يأمناه ولا بأس ان يرمى هو من النصف أو الثلثين وهما من الغرض، وإذا كان أرمى منها فرموا من النصف على ان يرمى المحلل من الغرض [3/ 434]
فلا بأس به إذا كان يخاف من الغرض، ولا بأس ان يرمى أحدهما مع المحلل من النصف والآخر من الغرض ان شرطا ذلك. وذكر ابن وهب عن مالك، أنه لا باس ان يسبق الرجل القوم فمن سبق منهم أخذه، وان أجرى معهم فرسه فإن سبق احرز سبقه. وروى عنه أنه استحب إليه شىء مثل ما يسبق الوالى الناس. قال محمد: وكراهة مالك للمحلل انما هو على قوله أنه يجب آخراج السبق بكل حال. وفى قياس قوله الآخر أنه جائز. وهو قول ابن المسيب وابن شهاب أنه لا بأس/برهان الخيل إذا أدخل الفارسان بينها محللاً. وقال ابن شهاب عن رجال من أهل العلم: إذا أدخلا بينهما محللاً لا يأمنان ان يذهب بالسبق، فإذا لم يدخلا إلا ما يأمنان فذلك الرهان. ولا بأس ان يسابقب بين الخيل وإلابل، يجرى الفرس مع الجمل مثل الفرسين. ولا بأس ان يشترط على احدهما من فرس أو جمل حمل خفيف أو ثقيل، وليس على الآخر إلا راكبه، ولا يحمل على الخيل فى الجرى إلا محتلم يضبط. وكره مالك حمل الصبيان عليها. ولا بأس ان يتراهن رجلان على فرسين، على ان يضمراها شهراً أو أكثر أو أقل، فإن مضى الوقت فقال أحدهما: لم يتم اضمار فرسى. وقال الآخر: بل تجرى معى إذ جاء الوقت الذى شرطنا إلاضمار إليه فذلك له، ويجبر ان يجرى معه. ولو قال: أزيدك ديناراً على ان تزيدنى فى إلاضمار أو فى الغاية التى يجريان منها أو يجريان إليها؛ جاز. [3/ 435]
وان تراهنا بلا شرط، وكان لأهل البلد سنة يجرون منهإذلك السبق حملاً عليها. وأهلمصر قد عرف عندهم من اين يجرون القارح والرباع، ومن أين يجرون الحولي والثنى، وكذلك الغاية عندهم معروفة، عرف جرى لا يحتاج معها إلى الشرط، وكذلك الغاية إلى موضع معروف يجلس فيه الوالى أو من أقامة الوالى لذلك. وان كانوا ببلد ليس فيه هذا، لم يجز الرهان إلا بشرط من أين يجرون وإلى اى غاية. ولا بأس ان يخرج واحد خمسة، وآخر عشرة ان كان بينهما محلل، وفى الخيل مثل ذلك، وأحبسه أنه كان يكون مثله فى الجأهلية كأن يثق بفرسه، ولم أعلم ان ذلك غير فى الإسلام./ قال بعض الناس هو محدث فى الإسلام، لا أعلمه كان. قال محمد: واجازته احب إلى، لأنه يدعو إلى المعاناة فى الخيل والقيأم عليها. ولا بأس ان يجعلا سرادقا، من دخله أولاً كان سابقاً، أو يخطأ خطأً من جازه أولاً فهو سابق. وإذا تراهن على الخيل فسقط فارس أو ألقاه فرسه فى الطريق أو زاغ عنها حتى سبق أو سقط الفرس فإنكسر، فاان كانوا خيلاً جماعة فالرهان بين من بقى من الخيل قائمة، فإن كان فارسين، فالذى رأيت أهل الخيل عليه ان يعد الذى بلغ الغاية سابقاً، وما لهذا عندى وجه، وهذه علة لا توجب السبق عندى، ورأيتهم إذا سقط الفارس ثم جرى فرسه عرياً، ثم وثب عليه آخر فأجراه إلى الغاية أنهم يعدونه سابقاً، وقد يحتج من يرى هذا ان هذا يدعوهم إلى التحفظ فيما يستقبل والتثبت، ويقولون: لو جاز هذا كان لمن إذا خاف هذا طرح نفسه على فرسه وقال سقطت، وفى هذا افساد الرهان. وقد يحتج من لا يراه مسبوقاً ان هذه أمور لابد ان ينزل مثلها، فلا يحسب مسبوقاص ولا يحسب له السبق، لأنه جرى خفيفاً والآخر عليه راكبه. [3/ 426]
قال محمد: لا أرى أن يحسب سابقاً، واحسن عندى ان كل ما كان من قبل الفارس من تضييع السوط حتى يسقط أو لجأم ينقطع وفرس يحرن، وان لم يكن حرنه بسبب فارسه، فهذا كله ينبغى ان يكون صاحب الفرس الذى هذا فيه إلا يدخله السباق. وقد يقول له ان فرسك حرون رواغ عن الطريق ويرضى ان يراهنه، فهذا لا يمنع الآخر من السبق إذا أصابه/بعد ذلك إلا ترى لو رأى السرادق فنفر منه فلم يدخل حتى دخل الفرس الآخر أنه قد سبق، وعلى هذا الجماعة فى أمر الخيل. قال محمد: ولو عدا عليه رجل فإنتزع سوطه أو ضرب وجهه حتى راع فى الطريق فهو عذر له، ولا يكون بهذا مسبوقاً، ولا بأس ان يجرى فرسان لرجلين، ويقدم احدهما الآخر غلوة أو غلوتين أو ما تراضيا عليه، أو شرطاً ان يقيم احدهما فرسه فى وسط الطريق أو أقل، فإذا بلغه المرسل فرسه جرى معه إلى الغاية، فأيهما سبق كان سابقاً فذلك جائز، وكذلك لو قدمه ميلاً أو ميلين أو أكثر أو أقل، وإذا تراهن الثنى فأدخل رجل فرساً رباعياً أو قارحاً، لم يعد سبقه سبقاً، وان ادخل مكان الرباع جذعاً أو ثنياً أو حولياً، كان سبقه سبقاً، وان أدخل هجيناً مع عراب فسبقه سبق، وان أدخل عربياً مع هجين لم يكن سبقه سبقاً، ولا يعد سبق البغل سبقاً، ولا بأس ان يجعل فى صدورها حبل يجمعها، فقإذا أرادوا ارسالها طرحوا الحبل فدفعت. ولا بأس ان تجرى بغير حبل تدفع دفعةً واحدةً، ومن اعتل فرسه علةً بينةً، لم يكن عليه ان يجرى حتى تذهب علته، قال ابراهيم النخحى: كان لعلقمة برذون يراهن عليه. [3/ 437]
باب آخر في مسائل الرمي
باب آخر من مسائل الرمى من كتاب محمد بن عبد الحكم: ولم ار بين الرماة اختلافاً ان المسبق أولى بان يبدأ بالرمى بسهمه الأول، ثم يرميان سهماً سهماً/حتى يفرغ من الرشق، ثم يبدأ المسبق فى الرشق الثانى هكذا حتى يفرغ الرمى، ومنهم من يشرط من فرغ ان يبدأ احدهما، وهو جائز، وان لم يكن شرط فليبدأ المسبق، وللذى يبدا فى وجهه ان يقوم من المقام حيث شاء ثم يقف الآخربعده حيث شاء، وان كانوا جميعاً بدأ المسبق، ثم آخر من الحزب الآخر، ثم آخر من حزب المسبق، ثم آخر من الحزب الآخر. وان اختلفوا فقأم رجلان ورجلان، فقأم أحد الحزبين لا يقوم إلارجل واحد، فإن كان بينهم شرط حملوا عليه، وإلا فذلك إلى المسبق، ان شاء أقام رجلاً مع رجل أو رجلين مع رجلين، لا يكون له ان يقيم أكثر إلا بشرط أو تراض؛ لأن أكثر من أربعة يختلط بين الرمى، وانما له ذلك فى الوجه الذى له ان يبدأ فيه، وإما الوجه الذى للمستبقين ان يبدأوا فيه فلهم فى ذلك ما كان للمسبق فى الوجه الآخر. هذا قول عام ة الرماة عندنا، ورأيتهم إذا رموا إلى خصل معلوم فاستوى الرأميان فى بعضه، فللمسبق ان يزيد فيه الزيادة التى تعرف لا زيادة من يريد الفرار. ومنهم من يشترط مثل الخصل أو أقل أو مثل نصفه، لا يزيد على ذلك، وليحملوا على ما تعارفوه وأجمعوا عليه ويصير ذلك كالشرط حتى يشترط غيره، وليست الزيادة عند احد منهم حتى يستوا فى الخصل، ولا يكون له ان يزيد وهو مفضول، ولولا ما عليه الرماة من ذلك لكان القياس إلا يزيد أحدهما من الخصل إلا برضى الآخر. [3/ 438]
ورأيتهم إذا فضل احدهما الآخر يشترون/مه الفضل بشىء يعطونه، ولا بأس ان يسبق احدهما الآخر على أسها أو أحدهما المسبق وا المسبق بالخيار أياما، فإذا مضت أيام الخيار لزمهما، ولا بأس ان يشترطوا ان يرموا كل يوم أرشاقاً معلومة أو يوماً ويدعوا يوماً أو من غدوة إلى الظهر أو إلى العصر، ولا بأس ان ناضلهعلى أنه ان نضله أعتق عبده عنه أو عن نفسه، أو يخيط له ثوبه أو يعمل له عملاً معروفاً، أو على ان يبنى بالسبق الغرض أو يتصدق به أو يشترى به حصراً يجلسون عليها. ولا احب القرعة من وقعت له سبقه الحزب الآخر، ومن الماة من يجيزه، والقياس إلا يجوز، وكذلك على ان من خرج سهمه اجاز من احب من الرجلين يكون معه، والآخر مع الحزب الآخر، فإن نزل هذا كله لم أفسخه. وما جاز فى الرمى جاز فى الخيل. ولا بأس ان يتراهن حزب وحزب واحد واحد أو اثنان اثنان أو اكثر ويدخلا بينهما محللاً واحداً ان نضل المحلل أخذ من الحزبين، وان نضل احد الحزبين أخذ من الحزب الآخر. ولا بأس ان شاء الله ان يخرج هذا ديناراً وهذا دينارين، وهذا بقرة وهذا شاة وبينهما محلل، وقد طعن فيه طاعن فى دينار ودينارين، وهو عندى جائز لدخول المحلل، كما بدخوله جاز فى دينار ودينارين وعنده، ولا أرى ان يسبقه على أنه ان سبق ودى عنه فلأن ديناراً؛ لأنه لم يخرج شيئاً يؤديه ان سبق ويجوزه ان سبق، فإن قال: على ان أضمن لغريمك عنك ديناراً ان نصلتنى لم يجز ان كان/يرجع عليه، لأنه ضمان بعجل، وان كان على ان لا يرجع به عليه فذلك جائز. ولا بأس على ان يسابقه غلى ان يرميا فى الرجاس، ويكون من آخرج منهما فى الحلقة كمصيب القرطاس، ولا بأس ان يسبق واحد واحداً أو حزب حزباً على ان يرموا شيئاً ينصب يسمى الدوبة يرمونه على الخيل يرميه الراكب مقبلاً ومدبراً راكضاً، وليس لمن يرمى هكذا موضع يوقته يرمى فيه، ولا عدد من إلاذرع، وهو [3/ 439]
يرمى من القرب أو البعد والفرس يجرى. ولا يجوز ان يقول اسبقكم على ان تسبقونا أنعم سبقاً آخر أو حزب بحزب على ان لا يزال سبقكم حتى تنضلونا. وقال سالم ابن عبد الله: لا بأس بالسبق مالم يجاره. قال خالد بن نزار، يعنى بقوله اعد على. قال نافع: كنا نتناضل، فلما أحرزوا السبق قالوا: أعيدوا علينا. فقال عمر بن دينار: وقد حضر: مه مه. وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالسبق فى الرمى ما لم يكن جزءاً واحدة بواحدة. وقال ابن شهاب يحل من اسباق الخيل ما كان عن طيب نفس لا يتقاضاه صاحبه ولا يلتمس به ثواباً. قال ابن وهب قال مالك: إذا سبق الرجل القوم ولم يرم معهم فلا بأس بذلك. وان رمى معهم ولم يلتمس منهم ان يسبقوه كما يسبقهم فلا بأس به، ولا بأس ان يسبق رجل رجلاً على ان يرميا بسهم سهم، فأيهما كان أبعد سهماً كان الناضل، فإن استويا فلا شىء له. وان جاز احدهما الآخر فهو الناصل، وان/سميا خصلاً عد لمن جاز سهمه سهم الآخر هكذا إلى تمام الخصل. وإذا رميا فى غرض فلما مر بعض الخصل تراضيا ان يتما بقية ذلك فى غرض آخر أقل من الأول أو أكثر مذا فلا بأس. وان أبى بعضهم فليس للآخرين ذلك حتى يجتمعوا. وإذا ترأميا، فنضل احدهما الآخر، فقال صاحبه: اقلنى ولك كذا لأقل من السبق فلا يجوز. ولا يجوز ذلك قبل ان يرميا، وان سبق رجل رجلاً ديناراً, فقال السبق للآخر: أنا أزيدك ديناراً على ان يرمى معى مكانك فلأن لم يجز، أو يقول [3/ 440]
المسبق أنا أحط عنك نصف دينار على ان يرمى فلأن معى مكانك أو معك مكانى فلا يجوز، ولو فعلاً ذلك من غير نقصان ولا زيادة جاز. وان سبق احدهما الآخر على ان يرميا فى يوم بعينه، فزاد احدهما الآخر على ان يؤخرالرمى إلى يوم آخر فلا بأس. ولا بأس على ان يسابقه على ان يرميا وجهاً أو وجهين، على ان من فضل صاحبه بسم أو سهمين أو أكثر فقد نضله، ولا بأس ان يسبق رجل رجلاً على ان يرمى المسبق عشرة أوجه، ثم يحسب صوابه وخطأه، فإن كان الخطأ أكثر كان منضولاً، وان كان الصواب اكثر كان ناضلاً. وليس قول الشافعى فى هذا بشىء فى قوله لا يجوز ان يناضل المرء نفسه. وهو قد أجاز ان يقول له ابداً فإن اصبت بسهم فلك كذا. فهذا مثله. ولا باس ان يترأميا مخاطة، وذلك ان يرميا ولا يحسبان شيئاً حتى يفرغ من الوجه، فإذا فرغ فإن كان احدهما اصاب بخمسة والآخر/بأربعة حسب لصاحب الخمسة واحد، ولا يحسب للآخر شىء، ويطرح ما تسأويا فيه. ولو اصاب واحد بخمسة والآخر بسهم حط السهم الخأمس ولا يزإلان كذلك حتى يكون لأحدهما فضل على صاحب الخصل الذى جعلاه له وانما يحسبان بعد فراغ الرشق، هكذا رأينا الرماة يفعلون، وحكاة الشافعى ايضاً. ولولا اتباع الرماة لكان القياس إذا فضل احدهما الآخر بمثل الخصل الذى جعلاه إليه وان كان فى بعض الوجوه فقد نضل، وان كان فيهما بلا شرط حمل على عرف الناس، فكان كالشرط. وان تشارطا على أنه من سبق صاحبه إلى فضل الخصل الذى جعلاه بينهما فقد نضل. فذلك جائز، وهو اقيس القولين. فإما الذى عليه الرماة فلا يتعادون ولا يفضل واحد واحداً حتى يفضله بعد الفراغ من الرشق بالخصل الذى سمياه، وأنه ان بلغ فضله مثل الخصل ولم يتما الرشق فأنهما يتمان الرشق، فإن [3/ 441]
أصاب المفضول بعد ذلك شيئاً حط من فضل صاحبه، ولا بأس ان يترأميا محاطة على ان يكون خأسراً منها بعد خاسقين، وما جاز فى المبادرة جاز فى المحاطة، ولا يحسب ما أصاب الخرق وسقط ولم يعلق، ولا ما اصاب الجلد وخرمه حتى يكون الجلد مديراً به من جميع نواحيه. وإذا اصاب فتعلق وخيف سقوطه، فإن كان هو المبتدىء فى ذلك الوجه قيل للآخر ارم. فإن سقط بعد رميه بالسهم لم يحسب، وان ثبت حسب، وليس فيه قياس يصح انما هذا اتباع لما وجد عليه الرماة. وان اصاب/فى الجلد خرقاً فدخل فيه، وثبت فى الهدف فإن كان الجلد محيطاً به حسب خاسقاً، وان تعلق بالجلد ونكس ولم يسقط فليحسب، وان اصاب الجلد راجعاً على الارض لم يحسب، وان تعلق بالجلد، ولا يضر الريح باصراف الريح فهو مخطىء، وان طرحت الريح الجلد قبل يقع فيه السهم، ثم وقع فإن وقع فى موضع لو لم يزل الجلد أخطأه لم يحسب، وكذلك لو وقع بموضع لو لم تبتل الجلد كان مصيباً فلا يحسب؛ إذ لعله لو ثبت الجلد لم يثبت فيه السهم. وقال الشافعى: له ان يعود فيرمى به زالت الريح الجلد أو أزالت الجلد. وهو قول حسن، والذى عليه الرماة إلا يعود. وإذا أزالته الريح عن موضعه من الغرض يميناً وشمالا حسب له إذا اصابه وقال الشافعى: لا يحسب له فإن اصاب السهم الجلد فثبت النضل وبعض السهم ةانكسر اعلاه، فأنه يحسب خاسقاً، ولو اصاب بفوقه ثبت فى الجلد أو سقط لم يحسب، واصاب العرى، فكان ملصقاً بالجلد غير خارج عن استدارته حسب، وإلا لم يحسب. وكذلك ما دخل فى العروة من الجلد، إلا ان يشترط ما [3/ 442]
اصاب العرى فيلزم ذلك، وإذا اصاب الجلد فخسفه ودخل فى الغرض فغاب فيه، أو مرق منه حسب خاسقاً، ولا يحسب ما اصاب به الوتر. وإذا انكسر قوس المناضل، فهو عذر ويصبر عليه ليأتى بغيره، وكذلك ان انقطع وتره، أو انكسر سهمه ابدل، وليس له ان يطول عليه، ولكن على ما يتعارف/الناس. وإذا كان معه وتر يبعد من وتره فى الغلظ والرقة لم يلزمه ان يرمى به، إلا ان يقاربه فى المعنى، وكذلك من السهم، ولو انخرم غشاء اصبع من اصابعه أو مضربه، فليس عليه رمى حتى يصلحه، وأهل الرمى يقولون إذا انقطع وتره وهو يرمى فخرج سهمه، فإن جأوز نصف الغرض كان كسهم أخطأ، وان لم يجأوزه فله ان يرمى بآخر مكأنه. ومنهم من يقول ان جأوز الثلثين، ولا اعلم فيه حجة غير اتباعهم. وقالوا كما لو انقطع واصاب الغرض حسب له، وكذلك ان أخطأ لم يحسب. وأحسنه عندى أنه ان بلغ السهم مبلغاً يعلم أنه من قطع الوتر لا من التضييع لم يحسب، وليرم ثانيةً، وان بلغ مبلغاً يبلغ مثله إذا أخطأ الرأمى عد كسهم أخطأ، وكذلك لو حاد عن الغرض بما يكون مثله فى الرمى فهو كسهم أخطا، وان علم أنه ليس من سوء الرمى، ولكن من قطع الوتر لم يحسب عليه خطأ. وإذا سلم احدهما للآخر فقال: قد نضلتنى. فإن كان قبل ان يرميا أو بعد ما رميا ما لا يتبين فيه بمثله فليس على صاحبه قبول ذلك، وكأنه كره ان يسمى منضولاً ويؤدى، ولو كان هذا بعد ان جاء من فضل صاحبه عليه مالا يرجو ان ينضله فهو جائز ان قبله الآخر، ورأيت الرماة لا يسلم احدهم للآخر حتى ييأس ولا يجد حيلةً. [3/ 443]
قال: ولا يجوز ان يشترطا ان من ترك منهما الرمى من غير عذر، فهو منضول أو يؤدى مثل السبق وعليه ان يرمى، ولا احب ان يشترطاً إلا يرمى إلابقوس بعينها، وليس كذلك الفرس لأن الفرس هو الذى يجارى الفرس، وفى الرمى الرجل/هو الذى يرأمى الرجل. وإذا وجب السبق كان ديناً يحاص به الغرماء، وان غربت الشمس فليس عليهما رمى وليقطعا، وان كانا فى بعض وجه ان تشاحا. ولو رمى بعد مغيبها، فعليهما تمام ذلك الرشق. والمطر والريح العاصف عذر يقطع به الرمى. وإما غير العاصفة فلا، وعلى الرأميين إلا يحبس احدهما الآخر على عمد الضرر به أو لينسيه ما تقدم من احسأنه ان كان محسناً. وللمسبق ان يبدأ من اى وجهى الغرض شاء، استقبل الريح أو استدبرها. وان شرطا ان يرميا مع الريح أو عليها جاز ذلك. وان شرطا إلا يرميا إلا من وجه واحد جاز ذلك، وإذا سبق حزب حزباً فعلى أهل الرمى ان يخلو الغرض لهم حتى يفرغوا من رميهم، وكذلك الميدان إذا تراهن رجلان أو جماعة بجماعة، فعلى من حضر من أهل الرهان ان يخلى لهم الميدان، على هذا أهل الرمى. ولا بأس ان يجعل بين المتناضلين أميناً، يحسب ما رآه مصيباً، ويطرح ما لا يجب ان يحسبه، ويحفظ العدد لئلا يختلفوا فيه، وليس يجوز للذى يرأمى الآخر إذا أخذ رسله فى الرمى ان يتحدث ولا يتكلم، وهذا يودى رسله، ولا بأس ان يشترط إلا يزجر السهم إلا الرأمى وحده، وما شغل الرأمى من الرسيل أو غيرهم بعليهم ان يجيبوا ذلك الرماة. [3/ 444]
ولا بأس ان يرمى الرجل الرجل بأن يقول بسم الله، واسترزق الله، وأخذر موضع كذا من الغرض إذ الريح عليك. فلا يضنع البدع وشبه هذا. وان شرطا خصلاً معلوماً ثم قال له: ارم هذا السهم فإن اصبت به فقد نضلتنى، فإن كان لو لم يصب/كانا رميهما فجائز، وان كان ان أخطأ فقد نضله فلا خير فيه. وإذا تقدم فرميا، ثم انقطع وتر احدهما، فمن الرماة من يقول: ان بعد بدله رمى غيرهما. وقال احدهم إلا ان يعرف الفلج، فلهما إلا يتقدم غيرهما. وإذا شرط ان يبدأ احدهما بوجه أو وجهين، ثم يرميان ويحسب للبادىء ما اصاب فذلك جائز، وان بدأ بالرمى من ليس له ان يبدأ طرح ذلك اصاب أو أخطأ. وذكر محمد ما حكاه الشافعى عن رماة أهلمكة ما عابد. قال محمد: وأصل الرمى اريد به المعاداة، وان يكون ما هم فيه يحضهم على الرمى والمحإماة فيه يكون أدعى لهم للزومه وإلاحتيال فيه وتجويد اداته، وإذا نضل المسبق فله السبق يصنع به ما شاء، ان شاء أخذه لنفسه، وان شاء صنع به طعام المن حضر، وهذا احسنه. وسئل عمرو بن دينار عن إلاسباق فقال كل واطعم معك. وقال ربيعة: لا بأس به؛ يعنى سبق الوالى ولك فى بيت المال حق. قال نافع مولى بن عمر: وكان الناس يسألون الوالى فيسبقهم. قال محمد: ولا بأس ان تستأجر رجلاً يوماً يعلمك الرمى والفروسية والمطاعنة والضرب بالسيف والوثوب على الخيل، وادارة القناة، وإلاتقاء بالدرقة والنرس، والرمى بالمزاريق والمنجينيقات والعرادات والمقاليع، وكل ما كان عدةً على العدو. [3/ 445]
في الافتخار عند الرمي والتحريض على تعلم الحرب
فى إلافتخار عند الرمى والتحريض على تعلم الحرب من كتاب ابن عمر: ولا بأس بإلافتخار عند الرمى وإلانتماء إلى القبائل والرجز. وهكذا إذا رمى بالسهم فظنه مصيباً ان يصيح عليه، وبالذكر/لله احب إلى. وان قال انا الفلأنى فجائز ذلك كله نستحبه، وفيه اغراء لبعضهم ببعض. وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم، رمى، فقال: انا ابن العواتك. ورمى ابن عمر بين الهدفين، فقال: انا بها. وقال: انا أبو عبد الرحمن. وقال مكحول انا الغلأم الهذلى. قال محمد: كان مكحول فارساً، وكانت لغته بالدال. قال: ورأى حذيفة يسعى بين الهدفين، وعليه قميص حسنة محلول إلازار،. قال محمد: ولا احب ان يرى الرماة أنه يسهل عليهم النضل، ولينقض كل واحد منه على أصحابه بالحق وكلما ارادوا فيه مغاراة وتحاسداً، وكذلك أمور الحرب بين لأمسلمين وعدوهم وكل ما كان من العدة عليهم فلا بأس بالمفآخرة فيه وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى دجانة حين تبختر فى مشيته فى الحرب: أنها لمشية يبغضها الله إلا فى مثل هذا الموطن. واجاز المسلمون تحلية السيف، وما ذلك إلا لما أجيز من التفآخر فيه، وكرهوا آنية الذهب والفضة، واجازوا ذلك فى [3/ 446]
باب في التداعي والبينات في الرمي وسبق الخيل
السلاح. وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم اجرى الخيل، فجاء فرسه إلادهم فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: أنه لبحر. وقال عمر كذب الخطيئة حيث يقول: وان جياد الخيل لا تستفزنا ولا جاعلات العاج فوق المضاعد ولو ترك هذا احد تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عمر يهرول بين العرضتين من الرمى. باب فى التداعى والبينات فى الرمى وسبق الخيل/ قال محمد بن عبد الحكم: ولا يجوز فى الشهادة على إلاسباق إلا العدول، ويجوزفيه شاهد ويمين فى التعاقد فيه، وفى مبلغ السبق المجعول فيه، وفى أنه نضل. ويجوز فيه شاهد وأمرأتان، وان شهد فيه أبناء أحدهما أو أبوه وابنه، فإن كان طالباً لم تجز شهادتها، وان كان مطلوباً جازت لأنها عليه. وكذلك يجوزان عليه فى انكاره لشراء صفقة، فإن أدعى شراها لم يقبلا، وان شهدا ان فلأناً سبق فلأناً ديناراً فحكم عليه ان يراهيه ففعل، فنضل المسبق ثم رجعا فلا شىء عليهما لأنه لم يغرم، وانما ألزإماه الرمى. ولو نضله الآخر غرماً ما ادى. وان شهدا أنه سبقه وجعل الخصل إلى مائة، وقال هو إلى خمسين. فقضى عليه فبلغ إلى مائة، ثم نصل المسبق ثم رجعا فلينظر، فإن كان الناضل هو سبق ايضاً إلى خمسين قيل له: انت منضول بكل حال: ولا غرم على الشاهدين. وان كان المشهود عليه سبق إلى الخمسين ونضله الآخر إلى تمام المائة غرم الشاهدان الدينار الذى غرمه المسبق. [3/ 447]
وان قال احدهما ترأمينا على ان نرمى بقوس عربية. وقال الآخر بفارسية. فشهدا على آحدهما ثم رجعا وقد نضل المشهود عليه، فأنهما يغرمان، بخلاف ما لو شهدا على ان يرميا يوم كذا، والآخر يدعى يوما غيره، فقضى عليه، فلا يغرمان ان رجعا شيئاً. وكذلك لو اختلفا فى عدد السهام، فقال هذا: على ان يرمى فى كل وجه بخمسة. وقال الآخر بعشرة. قشهدا على ذلك، فنضل احدهما الآخر، فلا شىء على الشاهدين فى هذا ان رجعا. ولو شهدا لأحدهما أنه سبقه على خيار، وقال الآخر على غير خيار. فحكم للآخر، فاختار إلا يرمى، ثم رجعا/فلا شىء عليهما. وكذلك لو شهدا أنه اقاله ثم رجعا. وإذا قال المسبق سبقتنى ديناراً. وقال المسبق: نصف دينار. تحالفا وتفاسخا. وعلى قول ابن القاسم: ان رميا وأمعنا فى الرمى حلف المسبق وصدق. وفى قول أشهب: يتحالفإن ويتفاسخان أبداً. وإذا فرغا من الرمى ونضل المسبق، فالقول قول المسبق مع يمينه، ما لم يأت بما يتبين فيه كذبه، فمن الرماة من لا يجرى عليهم سبق الدرهم وشبهه؛ كما ول قال رجل: سبقت مثل ابن مهدى بالبصرة، وكبيس بمصر لكان كإذباً، وهذان غاية فى الرمى، كما لو قال: تزوجت فلأنة بثلاثة دراهم. وصداق مثلها مائتان، فيحمل أمرهما على ما يعرف الناس بعد إلايمان. وان قال: سبقتك على ان ترمى بعشرة فى كل رشق. وقال الآخر بخمسة تحالفا وتفاسخا، وان ترأميا على عدد فهو ما ابتدؤوا عليه الرمى، وان تداعيا فى الغرض فالقول قول المسبق مع يمينه ان كان الذراع واحداً، ولا يفسخ فى مثل هذا لأن إلاغراض ليس فيها تفاضل. ولو قال قائل: يتحالفإن ويتفاسخان. لكان مذهباً، والأول احب إلى. ولو أنهدم الغرض، أو كان جلداً بعينه فسرق، رمياً فى غرض آخر وجلد آخر على قدره ولم يفسخ. وان قال احدهما: سبقتك على ان يكون الخصل [3/ 448]
إلى مائة. وقال الآخر إلى خمسين. تحالفا وتفاسخا ان لم يرجع واحد إلى آخر. وان قال احدهما: رضينا بفلأن، وقال الآخر بل بفلأن. قيل لهما: ارضياً إلان بمن شئتما. وإلا جعل الحاكم عدلاً بينهما ممن يعرف الرمى. ومن كتاب ادب القاضى لمحسن بن عبد الحكم: وإذا سبق احدهما الآخر ديناراً أو درهماً، وجعل الخصل إلى شىء مسمى، وقبل منه ما سبقه، وأبى احدهما ان يرمى، فإن القاضى يقضى عليه ان يرمى معه حتى يفرغ، وكذلك ان رميا ثم بدا لأحدهما ان يرمى قضى عليه ان يرمى معه حتى يفرغ، وإذا نضل المسبق أخذ السبق، فإن شاء هيا به طعام المن حضر من الرماة أو غيرهم، وان شاء أخذه لنفسه، وكان مالك يحب ان يجعل السبق خارجاً على كل حال لسبق الرماة غيرهم، فيأخذه المصلى، كما يفعل الركاب فى الخيل، ويخرجه الذى سبقه نضل أو نضل، وقد اجاز ايضاً ذلك على ما قلت لك. تم كتاب السبق والرمى بحمد الله وعونه بعده كتاب النذور وإلايمان [3/ 449]
كتاب الأيمان والنذور
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه / 40/ 156/ظ كتاب الأيمان والنذور في اليمين بغير الله، وما يكره من كثرة الحلف، وذكر اليمين بالله، وما ينبغي منه من الواضحة قال ابن حبيب: حدثني الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: [ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم] الآية. قال: نهاهم أن يكثروا الحلف به وإن كانوا بررة مصلحين بين الناس. وفي كتاب ابن المواز، قال: هو أن يحلف على ما لا يصلح، فينبغي أن يكفر ويأتي ما هو خير. ومن الواضحة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [شر الفجار من كثرت أيمانه، وإن كان صادقا]: وقال للتجار: [لا تلفحوا بيوعكم بأيمانكم فإنها ملفحة للمال ممحقة للدين]. [4/ 5]
وقال ابن عمر: اليمين مأثمة أو مندمة. قال ابن حبيب وأنا أقول مأثمة ومندمة ولا يكاد يسلم من حلف من مواقعة الحنث. 4/ 157/وومن العتبيَّة [من سماع أشهب قال مالك قال ابن مسعود ما أحب أن أحلف إلا اعتد هذا] إن البلاء موكل بالقول. وروي أن عيسى عليه السلام قال [قال موسى لقومه لا تحلفوا بالله إلا صادقين، قال وأنا] أنهاكم أن تحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين، قولوا لا أو نعم. قال ابن حبيب وروى أن النبي عليه السلام قال: [لا تحلفوا بذمة الله ولا بعهود الله وبالكعبة ولا بآبائكم ولا بحدود الله ولا بالطواغيت، ومن كان حالفا فليحلف بالله، ومن حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله]. قال ابن عباس: لأن أحلف بالله فأثم أحب إلي من أن أضاهي فقيل معناه الحلف بغير الله، وقيل يعني الإلغاز والخديعة بربه أنه حلف ولم يحلف، والأول أولى، لأنه عظم غير الله في الحلف به، لقوله عز وجل [يضاهون قول اللذين [4/ 6]
كفروا] أي ما يشبه قولهم وقد بينه ابن عباس فقال [لأن أحلف بالله مائة مرة فأثم] أحب إلي من أن أحلف بغيره واحدة ثم أبر فيها، وقال ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا. وقال ابن وهب ومطرف وابن الماجشون: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "لا ومقلب القلوب" قال ابن حبيب وكان ابن الماجشون يحلف لا والعظيم، وكان غيره يحلف لا والذي لا شيء أعظم منه. ومن كتاب آخر وكان عمر 4/ 157/ظ لا يكره أن يحلف الرجل إذا كان صادقاً. وكان ابن عمر يتوقف أن يحلف وإن كان صادقا. قال ابن حبيب وروي أن النبي عليه السلام قال: لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق فإنهما من أيمان الفُسَّاق. قال مطرف وابن الماجشون فمن لزم ذلك واعتاده فذلك السلطان أحداً في دم ولا غيره ولينه عنه الناس ويؤدَّب عليه. قيل لمالك: إن هشام بن عبد الملك كتب أن يجلد من حلف بذلك عشرة أسواط، قال مالك قد أحسن هشام إذ أمر بالضرب [4/ 7]
في اليمين الغموس ولغو اليمين، والإلغاز في اليمين ونية المستحلف
فيه، قال ابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك يضرب الناس على ذلك إن نهوا فلم ينتهوا. وفي كتاب آخر أن عمر بن عبد العزيز كتب أن يجلد في ذلك أربعون سوطا وكذلك روى ابن القاسم عن مالك في العتبية. قال ابن حبيب: وكره مالك أن يقول الرجل رغم أنفي لله أو يقول الصائم والذي خاتمه على في. قال ابن حبيب إن عمر بن عبد العزيز لما بلغه موت الحجاج [ابن يوسف] خرَّ ساجداً لله وقال رغم أنفي لله، الحمد لله الذي قطع مدة الحجاج، فلا بأس أن يتأسَّاه في مثل هذا. في اليمين الغموس ولغو اليمين والإلغاز في اليمين ونية المستحلف ومعاريض الكلام من الواضحة قال عمر بن الخطاب: اليمين الغموس تدع الديار بلاقع. قال ابن حبيب: هي اليمين الكاذبة متعمدا 4/ 158/ظ، وهي من الكبائر، وهي أعظم من أن تكفرها الكفارة، وليتب إلى الله سبحانه الحالف بها ويتقرب إليه بما قدر من عتق أو صدقة. قال ابن المواز: وكذلك الحالف على شك أو على الظن فإن صادف ذلك كما حلف فلا شيء عليه إلا أنه كان مخاطراً [قال أبو محمد] قوله على الظن يريد وهو لا يوقنه. وأما قولهم في اللغو أن يحلف على الأمر يظنه كذلك فيعني بالظن ها هنا اليقين به. [4/ 8]
قال ابن حبيب وروي عن ابن عباس وأبي هريرة والنخعي في لغو اليمين أن يحلف على الشيء يظنه كذلك فيكون خلافه كما ذهب إليه مالك. قال بعض البغداديين: وقول عائشة هو قول الرجل لا والله وبلى والله هو في مثل معناه، لأنها لا تعني تعمد الكذب لكن على ما يظنه. قال ابن حبيب: ولا لغو إلا في اليمين بالله أو بعهد الله أو بنذر لا مخرج له قال مالك في العتبية: ولا يكون لغو اليمين في اليمين بالمشي إلى مكة أو بطلاق أو عتاق، يريد ولا في غيره، إلا في يمين تكفره. ومن الواضحة قال مالك والإلغاز في اليمين فما كان مكراً أو خديعة أو ليفرَّ به من حق عليه فهو فيه آثم ولا يكفر، ولا يأثم فيه في غير ذلك ولا كفارة فيه، ولا أحب لأحد أن يفعله. قال ابن حبيب: ما كان على وجه العذر أو تنحياً من سخط أخيك لما بلغه عنك ونحوه 4/ 158/ووالليث. قال أبو محمد: وقد قال ابن حبيب في أول الكلام عن مالك أنه قال لا إثم فيه ولا أحب أن يفعله. قال النخعي فيمن بلغه عنك شيء قلته فيه فلا بأس أن تقول له والله إن الله ليعلم ما قلت فيك من شيء، وقال إن في هذه المعاريض لمندوحة عن الكذب فكان النخعي إذا كره أن يخرج إلى رجل جلس في مسجد بيته وقال للخادم قولي له هو في المسجد. قال ابن حبيب فما كان من هذا في مكر أو خديعة ففيه الإثم والنية نيتك، وما كان في حق عليك فالنية نية الذي حلفك، قاله مالك. [4/ 9]
في تأكيد النذر وتكريرها أو تكرير النذور والعهد والميثاق يشبهه
وإذا حلف وهو مظلوم أو تبرع باليمين فالنية نيته، وكذلك قال النخعي. في تأكيد اليمين وتكريرها أو تكرير النذور والعهد والميثاق وشبهه أو يحلف على أشياء مختلفة أو بأيمان البيعة وبأشد ما أخذ أحد على أحد قال ابن حبيب قال مالك: تأكيد اليمين أن يحلف بالله على شيء واحد مرارا فعليه كفارة واحدة، وكان ابن عمر يعتق إذا وكد اليمين، وكان يستحب ذلك أن يعتق أو يكسو في التأكيد. قال ابن حبيب: ويضارع التوكيد إن حلف على أشياء مختلفة ألا يفعلها فكفارة واحدة عليه، فعل جميعها أو أحدها، ثم لا شيء عليه في باقيها. ومن كتاب ابن المواز 4/ 159/وومن حلف لا باع منك سلعته فقال له آخر فأنا؟ فقال والله ولا أنت، فباعها منهما فعليه كفارتان، وفي الطلاق طلقتان. ولو باعها من أحدهما ثم ردها إليه فباعها من الثاني فعليه كفارتان، قاله مالك وابن القاسم. قال ولو قال لا بعتها من فلان ولا من فلان فكفارة واحدة باعها منهما أو من أحدهما أو ردها عليه فباعها أيضا من الآخر فهو سواء. قال ابن القاسم عن مالك في العتبية فيمن حلف لا باع سلعته من فلان ثم حلف لا باعها من فلان فباعها منهما فليكفر كفارتين، وإن باعها من أحدهما فكفارة [كما ذكر ابن المواز] وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال والله لا كلمتك غدا ووالله لا كلمتك بعد غد فإن كلمه في اليومين فعليه كفارتان، وإن كلمه في أحدهما فكفارة واحدة. [4/ 10]
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال والله ثم والله ثم والله لا كلمت فلانا ولا لبست ثوبا فلبسه وكلم فلانا فكفارة واحدة، إلا أن ينوي لكل يمين كفارة كالنذور، وكذلك قوله والله ووالله ووالله قال مالك فيه وفي العتبية وإن حلف بالله فقيل له ستحنث، فقال والله لا أحنث فكفارتان إن حنث. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالله إن فعلت ثم قال علي نذر إن فعلت فكفارتان. ومن قال علي النذر إن فعلت ثم قال علي النذر إن فعلت فكفارتان، إلا أن يريد بالنذر الثاني النذر الأول. وإن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي عشرة 4/ 159/ظ نذور ففعله لزمه عشر كفارات، وكذلك لو قال علي عشر كفارات أو عشرة عهود أو مواثيق أو كفالات فلكل واحدة كفارة، ولو قال علي نذور فحنث فثلاث كفارات. وقوله علي عهد أو قال عهد الله سواء يلزمه به الكفارة، وكذلك قوله عهود أو عهود الله فثلاث كفارات. ومن قال لا وعهد الله فعليه كفارة يمين. ولو قال علي عهد وميثاق فكفارتان. وكذلك كفالته وذمته مع كل واحدة كفارة وإن قال كفالاته فثلاث كفارات، وقوله والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم العزيز العليم كفارة واحدة. وإن قال علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في العهد والميثاق والكفالة ثلاث كفارات، وأما في أشد ما أخذ أحد على أحد، فإن لم تكن له نية فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمشي إلى الكعبة، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال إلا أن يكون قد عزل الطلاق والعتاق من ذلك فليكفر ثلاث كفارات ولا شيء عليه. قال وإن لم [4/ 11]
تكن له نية فذكر مثل ما ذكر ابن المواز في رفع النية ومن كتاب ابن المواز: ومن قال علي أيمان البيعة في 4/ 160/ويمين ثم حنث وقال نويت بالله وبالمشي وبالعتق وشبهه ولم أرد الطلاق فذلك إلى نيته، وهذا المعنى في باب آخر بعد هذا. ومن العتبية وقال سحنون: ومن حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فعليه كفارة واحدة. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن قال في يمينه علي عهد الله وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في العهد كفارة يمين وفي قوله أشد ما أخذ أحد على أحد كفارة يمين. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك في امرأة حلفت بعشر نذور لزوجها لا تزوجت إلا أن يغلبها أمر فطلقها واحتاجت، فإن لم يكن لنذورها مخرج فلتطعم مائة مسكين مدّاً مدّاً، فإن لم تقدر صامت ثلاثين يوما ولم تجعل الحاجة أمراً عليها. ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بعشرين نذراً فحنث فإن لم يجعل لذلك مخرجا من صيام أو حج أو غيره فليكفر عن يمينه، يريد بعشرين كفارة. ومن قال علي أربعة أيمان فعليه أربع كفارات. قال أبو محمد: وأعرف أن ابن المواز قال كفارة واحدة إلا أن ينوي أربع كفارات بقوله أربعة أيمان. [4/ 12]
في العهد أو النذر، واليمين الذي لا كفارة له إلا الوفاء، وما فيه الكفارة
في العهد أو النذر واليمين الذي لا كفارة له إلا الوفاء وذكر ما فيه الكفارة من ذلك من كتاب ابن المواز قال: ومن النذور والعهد ما لا كفارة فيه، وذلك ما أريد به المعاقدة والمعاهدة لى البيعة والحلف، وما مخرجه على هذا ليس على اليمين ولا توجيهها. ومنه ومن العتبية قال مالك في الذي أوصى امرأته أن تلي على ولده على أن أعطته يميناً بصدقة مالها أن لا تتزوج وأن عليها عشرة نذور وأراها ذكرت عهد الله. قال مالك: يلزمها ذلك ولا أرى فيه كفارة لقول الله تعالى [وأوفوا 4/ 160/ظ بالعهد] وإنما أعطاها الولاية على أن لا تتزوج بالعهد الذي أعطته. قيل وإذا تزوجت انفسخ خلافتها؟ قال نعم لأنها تركت ما أعطاها الولاية عليه. ومن كتاب ابن حبيب قال: ومن أعطى مشركا أو خائفاً عهدا أو قوماً في أمر من طاعة الله عز وجل ثم خفر فيه فلا كفارة في هذا، وهو أعظم من أن تكفره الكفارة وليتب إلى الله وليتقرب إلى الله سبحانه بالخير. قال ابن شهاب فيمن عاهد امرأته وعاهدته أن لا يتزوج من بقي منهما بعد صاحبه فبقيت بعده فلتف له بالعهد حتى تخشى العنت. قال ابن حبيب وهذا مما لا تكفره كفارة، وكأنه رأى باب ضرورة بالعنت. [4/ 13]
في اليمين بشىء من صفات الله سبحانه أو بأسمائه أو بالقرآن أو بأمانة الله وذمته
قال ابن حبيب وقول الرجل للرجل على عهد الله إن فعلت كذا فهذا يكفر، فأما إن قال قد أعطيتك عهد الله أو لك على عهد الله إن فعلت كذا فلا كفارة في هذا ولا رخصة في تركه إلا فيما أفتى به ابن شهاب من خوف العنت. ومن قال أعاهد الله أو أبايع الله إلا أفعل كذا فكفارته كفارة اليمين، وكذلك عاهدت الله أو بايعت الله. ومن سماع أشهب من العتبية ومن قال أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا أفعل كذا ثم فعله، قال يكفر بإطعام عشرة مساكين، وأحب إلي أن يزيد ويتقرب إلى الله سبحانه. في اليمين بشيء من صفات الله سبحانه أو بأسمائه أو بالقرآن أو بأمانة الله وذمته وكفالته ولعمر الله وايم الله ومعاذ الله وعلم الله ونحو هذا 4/ 161/و ومن أقسم على غيره أو حلفه وجامع الأيمان من الواضحة قال مطرف وابن الماجشون: ومن حلف بالعزة والعظمة والجلال هكذا فهو كقوله وعزة الله وعظمته وجلاله إنما هو حالف بالله، لأن ذلك لله ومن نعت الله وليكفر. وكذلك وكتاب الله أو وقرآن الله، أو قال لا والكتاب ولا والقرآن لا والآيات فليكفر أضاف ذلك إلى الله سبحانه أو لم يضفه، لأن ذلك لله ومن الله وهي أيمان كثيرة، غير أن كفارة واحدة تجمعها بمنزلة من حلف بالله مراراً. [4/ 14]
قال ابن الماجشون: وأمانة الله يمين يحلف بها العرب، فمن قال أمانة الله أن أفعل كذا أو قال وأمانة الله فحنث فليكفر يمينه. وقال أشهب في غير الواضحة من حلف بأمانة الله التي هي صفة من صفاته فهي يمين، وإن حلف بأمانة الله التي بين العباد فلا شيء عليه أو قال في عزة الله التي هي صفة ذاته وأما بالعزة التي خلقها في خلقه فلا شيء عليه. وكذلك تكلم ابن سحنون في معنى قول الله سبحانه [سبحان ربك رب العزة] أنها العزة التي هي غير صفته التي خلقها في خلقه. ومن كتاب ابن المواز ومن حلف بذمة الله فليكفر، ونحن نكره له اليمين بأمانة الله، فإن فعل فحنث فليكفر كالعهد والذمة. قال مالك ومن حلف بكتاب الله فعليه إن حنث كفارة يمين ولم ير عطاء عليه الكفارة. وفي غير كتاب ابن المواز أن الناقل عن عطاء شك فقال: سئل عن اليمين بالكعبة أو بكتاب 4/ 161/ظ الله، وهذا أشبه أن يحمل الوهم على الناقل عن عطاء. وذكر علي بن زياد عن مالك في العتبية نحو ما ذكر عن عطاء، وهي رواية منكرة، والمعروف عنه غير هذا. وقال في رواية علي بن زياد فيمن حلف بالمصحف فيحتمل أن يريد إن صح ذلك جسم المصحف دون المفهوم فيه والله أعلم. قال سحنون في العتبية فيمن حلف بالتوراة والإنجيل، قال عليه كفارة واحدة إن حنث. ومن كتاب ابن المواز ومن قال على أربعة أيمان فعليه أربع [4/ 15]
كفارات. وأعرف أن ابن المواز قال كفارة واحدة إلا أن ينوي أربع كفارات بقوله أربعة أيمان قال مالك وقوله لعمري ليس بيمين حتى يقول لعمر الله. وقال في موضع آخر من كتابه: وقوله لعمر الله: وايم الله أخاف أن يكون يمينا. قال ابن حبيب قال مالك في قوله لعمر الله وايم الله يمين يكفرها. قال ابن المواز: ويمينه بالمصحف أو بالكتاب أو بالقرآن أو بما أنزل الله يمين وفيها كفارة اليمين. قال ابن حبيب قال مالك وأصحابه في الحالف بالمصحف أو بالقرآن أو بسورة منه أو بآية فكفارته كفارة اليمين. قال وقال سفيان من قال شهد لا أفعل كذا ولم يقل أشهد أنه كمن قال أشهد، وإن أراد بالله فهو يمين مثل أحلف أو أعزم أو أقسم. قال ابن حبيب وذلك حسن. ومن قال لرجل أعزم عليك بالله إن لم تفعل فهو كقوله أسألك بالله فينبغي له أن يجيبه ما لم يكن معصية وكذلك إن كان تعنتاً أو ضرراً أو إجحافاً وهو من قول الله سبحانه [واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام] وكذلك إن سئل بالرحم، فإن لم يفعل فلا كفارة على واحد منهما. وأما قوله أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا فهذا يحنث الذي أقسم إن لم يجبه، وهو كقوله حلفت 4/ 162/وعليك بالله. وأما إن لم يقل فيهما بالله ولا نواه فلا شيء عليه. [4/ 16]
في النذر الذي له مخرج من الأعمال أو لا مخرج له
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لغيره أعزم عليك بالله أن لا تفعل ففعل فلا شيء عليهما. ومن العتبية من سماع أشهب: ومن قال لغريمه الله يعلم أني لا أضع لك من حقي شيئاً فوضع له، قال لو كفر بإطعام عشرة مساكين. قال سحنون في غير العتبية فيمن قال علم الله إن فعلت كذا فإن أراد العلم فهي يمين كالحالف بصفة من صفات الله سبحانه، وإن لم يرد العلم فليس فيه شيء. وقال بعض أصحابنا في معاذ الله ليست بيمين إلا أن يريد بها اليمين، وقيل في معاذ الله وحاشى لله ليستا بيمين بحال. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال بايعت الله إن فعلت كذا أنه إن حنث فعليه كفارة يمين قال أصبغ وقوله وحق الله ولا وحق الله سواء عليه كفارة يمين. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لا وعهد الله فعليه كفارة يمين. في النذر الذي له مخرج من الأعمال أو لا مخرج له والحالف بذلك قال أبو محمد ومن قول مالك وأصحابه أن من نذر شيئا من الطاعات في غير يمين أن ذلك يلزمه، وإن كان في يمين لزمه ذلك بالحنث. ومن نذر نذراً لا مخرج له بلفظ ولا بنية فليطعم عشرة مساكين، وإن كان في يمين فحنث فليكفر كفارة يمين. [4/ 17]
في الاستثناء في اليمين بالله والاستثناء في الفعل في غيرها
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به فليكفر كفارة يمين. ومن كتاب ابن المواز: وقوله إن فعلت كذا فعلي نذر أو فعلي النذر أو لله علي نذر سواء، وفيه الكفارة. وكذلك قوله إن لم أفعل كذا من طاعة أو معصية. وأما إن قال 4/ 162/ظ علي نذر أن أفعل كذا أو لأفعلن فلا كفارة عليه، وليف بالطاعة ويكف عن المعصية. وإن قال إن شفاني الله من مرضي فلله علي ألا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزو أو أصوم فلا شيء عليه من الكف عن امرأته، وليس كفه عنها بطاعة لله، وعليه ما قال من حج أو غزو وشبهه. ومن قال علي نذر لا يكفره صيام ولا صدقة فعليه كفارة يمين، وكذلك في قوله نذر لا كفارة له. وقاله الليث. وبعد هذا باب في النذور مستوعب. في الاستثناء في اليمين بالله والاستثناء في الفعل في غيرها وفيمن حلف يجمع على أن يكفر ومن كتاب ابن المواز قال: ولا استثناء إلا فيما فيه الكفارة من الأيمان إذا نوى بقوله إن شاء الله استثناءً، فأما إن قالها سهواً أو استهتاراً لم ينفعه. قال أشهب عن مالك في العتبية وكذلك من قالها لهجاً. وذكر له ما قيل عن عمر: من قال إن شاء الله فقد استثنى، فقال إنما ذلك إذا نوى به الاستثناء. [4/ 18]
ومن كتاب ابن المواز: وإذا لم يقصد الاستثناء حتى انقضى آخر يمينه ثم أتبعها بالاستثناء من غير صمات ولا نفس قال لاينفعه حتى يبدو له في الاستثناء قبل انقضاء آخر حرف من يمينه فيكون له ذلك إذا لم يكن بين ذلك صمات إلا النفس، كقوله والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، فإذا لم يلفظ بالهاء من الشهادة حتى أجمع على الاستثناء نفعه، وإذا لم يجمع على ذلك حتى لفظ بالهاء لم ينفعه. وكذلك أنت طالق ثلاثاً البتة، فإن بدا له أن يستثنى قبل يلفظ بالهاء نفعه، ولو بدا له فيه بعد لفظه بالهاء في الوجهين فوصله بها قبل الصمات م ينفعه. وذكر ابن القاسم في المدونة عن مالك بخلاف ما ذكر ابن المواز من هذا، وقال إن هذا ينفعه. وقال إن هذا ينفعه. وقال ابن حبيب إذا بدأ في يمينه لا ينوي الاستثناء ثم بدا له وعرض له في قلبه فأتبعه يمينه نسقا قبل يقطع كلامه فذلك له، قاله مالك وأصحابه. قال ابن المواز قال مالك، إذا حلف ولم ينو الاستثناء ثم استثنى قبل يقطع كلامه فإنه ينفعه إذا لم يصمت، مثل من حلف بالبتة فبعد أن قال البتة بدا له عن اليمين. قال مالك وكذلك إن حلف في وديعة ما هي في بيته فلقنه رجل فقال في علمي فإن كان نسقا فله ثنياه. ولا بأس أن يحلف الرجل لأهله في الشيء يجمع أن يكفر ولا يفي بيمينه. قال ابن حبيب ولا ينفع الاستثناء بالقلب دون اللسان، وإن حرك به شفتيه أجزأه وإن كان مستحلفاً لم يجزئه إلا الجهر به. وإذا ضمن يمينه [4/ 19]
في كفارة اليمين بالله سبحانه
بالطلاق أو بالعتق ففعل وقال إن شاء الله فابن القاسم قال لا ينفعه ولم يذكر في الفعل ولا في اليمين، وقال ابن الماجشون إن نوى به الفعل أجزأه وقال وهذا لا شك فيه. وبعد هذا باب في الاستثناء في جميع الأيمان مستوعبا. في كفارة اليمين بالله سبحانه قال الله عز وجل في كفارة اليمين بالله وهي التي أذن في اليمين بها [فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم إلى قوله فصيام ثلاثة أيام] فجاز أن يخرج في الكفارة الوسط من الشبع، ولم يذكر في الظهار وسطا فعملنا فيه على الغاية من الشبع وصرفناه إلى ما أبهم الله عز وجل من إطعام فدية الأذى، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في ذلك مدين لكل مسكين، فكان الظهار مثله. ومن كتاب ابن المواز قال ومد بالمد الأصغر وسط من الشبع بالمدينة، وإن مداً وثلثا بمصر لوسط، ولو أخرج بها مداً أجزأه، وإن شاء غذى المساكين وعشاهم عنده الخبز والإدام. وقد أفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث، وإن مدا وثلثها لوسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء. ومن الواضحة قال ابن حبيب إن شاء جمعهم أو فرقهم. قال ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة مدا لكل مسكين. وقاله كثير من التابعين بالمدينة، وروي عن عمر مدين. وقاله الحسن ومجاهد وليس بلازم ولو زاد على مد بغير المدينة كان حسنا، وقال أصبغ يجزىء مد بكل بلد وإن رخص السعر. [4/ 20]
قال ابن حبيب: وإن أطعمهم عنده فيغذيهم ويعشيهم حتى يشبعوا ولا يجزئه الخبز قفاراً ولكن بإدام من زيت أو لبن أو قطنية أو لحم أو بقل. قال ابن عباس أعلاه اللحم وأوسطه اللبن وأدناه الزيت. قال ابن حبيب ولا يجزئه أن يغذي ويعشي الصغار، وإن أعطاهم الحنطة أعطاهم المكيلة كاملة، وإن كساهم فليعط كل صغير مثل كسوة الكبير. قال أصبغ وله أن يعطي الصغير من الطعام المصنوع ما يأكل الكبير قال ابن المواز إذا كان فطيما قد أكل الطعام. قال ابن حبيب ولا بأس أن يعطى صغار الإناث ما يعطى الرجال قميصا كبيرا بغير خمار إذ لا صلاة عليهن، وكذلك ذكر ابن المواز عن أشهب إذا لم يبلغن الصلاة، فإذا بلغن وحضن فدرع وخمار. وقال عيسى عن ابن القاسم في العتبية يعطى الصغار من الطعام والكسوة مثل ما يعطى الكبير، وإن أعطى صغار الإناث فليعط درعا وخمارا، والكفارة واحدة لاينقص منها لصغير ولا يزاد لكبير. قال ابن المواز ولم يعجب ابن القاسم كسوة الأصاغر بحال، وكان يقول من أمر منهم بالصلاة فله أن يكسوه قميصاً مما يجزيه. قال محمد يعطيه كسوة رجل. قال ابن حبيب ويعطى الرجل إن شاء قميصا وإن شاء إزاراً يبلغ أن يلتحف به مشتملاً، وللمرأة مالها أن تصلي به من درع يستر ظهور قدميها وخمارا وصدارا وإزاراً ولفافة تغطي بذلك شعرها أو رأسها وصدرها وعنقها. ومن الواضحة قال ولا يخرج في الفطرة ولا قد ربعه فيجزئه. [4/ 21]
وإذا أعطى من الخبز قدر ما يخرج من كيل الطعام أجزأه في الفطرة وفي الكفارات التي يطعم فيها طعاماً مصنوعا، فأما في الظهار وفدية الأذى فلا يجزئه. وإذا كان بلده يأكل أهله القمح وهو الشعير فإن كان لضيق وجده أجزأه أن يخرج منه في الظهار وكفارة اليمين وفدية الأذى، وأما إن كان له سعة فلا يجزئه إلا البر، وإن كان أهل البد يأكلون الشعير وهو البر لم يجزئه إلا البر، قاله أصبغ، وذكره أو أكثره عن ابن القاسم. ومن كتاب الزكاة قال ابن المواز قال ابن الماجشون: يخرج الفطرة من جل عيش البلد. قال ابن المواز يخرج مما يأكل هو ومما يفرض على مثله. وإذا كان يأكل الشعير فليطعم منه في الكفارة قدر مبلغ شبع القمح، ولا تجزئه الذرة إلا أن يكون هو أكله. ومن أخرج أفضل مما يأكل منه فحسن. وإن أطعم خمسة وكسا خمسة فاختلف قول ابن القاسم فيه، فقال يجزئه وأظنه قول مالك، وقال لا يجزئه، وقاله أشهب، وليضف إلى ما شاء تمام العشرة. ومن كتاب ابن المواز: ومن عليه ثلاث كفارات فأعتق وكسا وأطعم، يريد كل صنف عن يمين غير معينة، أجزأه. ولو كان كل صنف عن جميع الأيمان لم يجزئه العتق وأجزأه من الإطعام عن ثلاثة مساكين ومن الكسوة عن ثلاثة فليطع سبعة ويكسو سبعة، وليكفر عن اليمين الثالثة بما شاء غير الصوم من عتق أو إطعام أو كسوة. وإن شاء عن اليمينين أن يكسو سبعة عشر أجزأه أو يطعم سبعة عشر. [4/ 22]
جامع القول في العتق عن كفارة اليمين
وكره مالك لمن عليه كفارتان أن يطعم اليوم عشرة ليمينه ثم يطعمهم في غد أو بعد أيام ليمينه الأخرى. قال ابن القاسم فإن فعل بعد أيام أجزأه، وكذلك لو كساهم بعد أن عروا من الكسوة الأولى. ومن اشترى صدقته أو زكاته أو كفارته كرهت ذلك ولا يبطل عليه ذلك ما تقدم. جامع القول في العتق عن كفارة اليمين من كتاب ابن المواز قال أشهب: وأجاز مالك عتق الرضع في الكفارة، وقاله أشهب إلا في قتل النفس، فإن من صلى أحب إليه، وإلا فهو يجزئه. قال ابن القاسم: يجزئه في كل كفارة، وكذلك الأعجمي وإن وجد غيره. وقال ابن وهب لا يجزىء الأعجمي حتى يجيب إلى الإسلام، ولا يجزىء عند مالك الأصم وأجازه أشهب، ولا يجوز الأخرس وأجاز من به البرص الخفيف، ويجوز أقطع الأنملة أو الجذع من الأذن، وقيل يجوز أقطع الإبهام ولا يجزىء أقطع الإبهامين. واختلف في الخصي، ويجوز المريض ما لم ينازع. ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا يجزىء عتق المريض بمرض مفسد للجسد مثل السل والمد والجنون والجذام والبرص والفالج وشبهها، وقاله مطرف وابن الماجشون، قالا ولا يجزىء الأجذم ولا الأجدع المصطلم، ويجزىء الجدع الخفيف والصمم الخفيف والعرج الخفيف وقطع الأنملة وذهاب الضرس ما لم يكن نقصانا فاحشا ينقصه ويعيبه فيما يحتاج إليه من عناية وجزاية. قالا وإن أعتق آبقا لم يجزه إلا أن يجده صحيحا وقد علم أنه كان يوم العتق صحيحا وإن كان يومئذ عليلا لا يجوز لم يجزه وإن صح. وكذلك لو كان يومئذ صحيحاً ثم اعتل في إباقه وقاله ابن القاسم. [4/ 23]
في الصوم عن كفارة اليمين وبقية القول فيها
ولا بأس بعتق الرضيع من قصر النفقة إن كان أبواه مؤمنين أو كان من سبي المجوس أو كان من سبي الكتابيين ولم يسب معه أبوه. وأما من ولد في أبناء عبيد المسلمين النصارى الذين في أيديهم فلا يجزىء في رقبة واجبة ولا كفارة حتى يبلغ ويسلم، قاله مطرف وابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز: وإن قال إن اشتريت فلاناً فهو حر عن يميني أو عن ظهاري أجزأه إن اشتراه، يريد لما ذكر، وإن قال إن ابتعته فهو حر ولم يقل عن كفارته لم يجزه إن اشتراه عتقه عن يمين ولا غيره، ولا بأس أن يعتق من قرابته ما لم يكن ممن يعتق عليه بالحكم. ومن أعتق جميع عبد بينه وبين رجل، يريد في ملائه، عن ظهار أو يمين لزمه وأجزأه. قاله ابن القاسم. قال ابن القاسم وأشهب ومن أعطى لرجل مالاً على أن يعتق عنه عبده لم يجزه وإن أعطاه أضعاف ثمنه لأنه شرط. في الصوم عن كفارة اليمين وبقية القول فيها في كتاب ابن المواز قال مالك: لا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته، أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيها. قال ابن مزين قال ابن القاسم إن كان له فضل عن قوت يومه فليطعم إلا أن يخاف الجوع وهو في بلد لا يعطف عليه فيه. ومن كتاب ابن المواز: ومن صام أيام التشريق ليمينه لم يجزه ووقف فيه مالك. قال محمد: يعيدها، وقد قيل عسى أن يجزيه في اليوم الرابع. قال ابن القاسم: ومن صام لكفارة يمين أو تمتع ثم أيسر فليتماد في الكفارة وفرق مالك بين ذلك وبين صيام الظهار وقتل النفس فاستحب فيهما إن صام يسيراً أن يرجع إلى العتق، وقال عبد الله بن عبد الحكم ذلك كله سواء، واستحب له إن لم يصم إلا يومين من التمتع أن يرجع إلى الهدي. [4/ 24]
جامع القول في النذور
وقد قال عبد الملك مثل قول ابن القاسم قال ابن القاسم: وإذا كان يقدر أن يعتق فلم يعتق حتى أعدم فصام ثم أيسر فليعتق، ولم أسمعه من مالك. وكذلك ذكر في كتاب الظهار. والذي في المدونة فيمن ظاهر وهو معسر ثم أيسر فلم يعتق حتى أعسر فليصم، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر. ومن له مال غائب وليس له إلا دين فليتسلف ويعتق. وقال أشهب وقيل فإن لم يجد سلفا أو كان الدين قريبا انتظره، ولو كفر بالصيام ولم ينتظر الدين أجزأه. أشهب: والمتمتع لا يجد الهدي يؤخر إلى أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة ليجد هديا أو يجد من يسلفه، ولو لم يؤخر أو ترك السلف وهو يجده وصام أجزأه، والأول أحب إلينا. ومن كتاب ابن المواز: ويجزيه إن كفر عنه غيره بأمره أو بغير أمره كالميت. قال ابن القاسم قال أشهب وقيل لا يجزيه وإن كان بأمره بخلاف الميت. قال وليس له أن يعطي من كفارة اليمين المكاتب وأم الولد والعبد، وله أن يعطي سيدهم إن كان محتاجا، ولا يقضي منها ديناً عن ميت ولا في كفنه. ومن عليه دين يحيط بماله فليكفر بالصيام. قال ابن حبيب وإذا أذن السيد لعبده أن يكفر بالإطعام والكسوة فترك ذلك وصام لم يجزه لأنه بالإذن خرج من أهل الصيام. وفي المدونة أن ذلك يجزيه. وضعف إذن السيد في ذلك. جامع القول في النذور من كتاب ابن المواز: ومن قال علي النذر إن لم أفعل كذا أو إن فعلت كذا، فإن لم يجعل لنذره مخرجاً لزمه بالحنث كفارة يمين، ولا ينبغي له أن يبرَّ [4/ 25]
بمعصية إن كان بها بره، فإن فعل أثم ولم تلزمه الكفارة، وإن كان بالطاعة بره ففعل بر، وإن لم يفعل كفر إلا أن يجعل للنذر الذي حلف به مخرجا من طاعة فتلزمه بالحنث فعل تلك الطاعة، وإن كانت معصية فلا حنث عليه ولا كفارة. ومن قال علي النذر شرب الخمر أو أن أشربها أو لأشربنها فلا شيء عليه لأنها مخرج نذره. وأما إن قال إن شربت الخمر فعلي نذر فإن شربها كفر وكذلك قوله إن لم يشربها فليكفر ولا يشرب. ولو قال علي النذر صوم شهر أو أن أصومه أو لأصومنه في نذر أو يمين فمخرجه فعله ذلك، لأنها طاعة تلزمه في النذر وفي الحنث. وقوله علي نذر أو لله علي نذر في ذلك كله سواء. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: النذور على خمسة وجوه، فإذا قال لله علي نذر شرب الخمر أو أن أشربها أو لأشربنها فلا شيء عليه في هذا فعله أو تركه، وإن قال علي نذر إن شربتها فليكفر إن فعل، وإن قال إن لم أشربها قيل له لا تشربها وكفر، فإن شربها أثم ولا يكفر. وقوله علي نذر إن كلمت أبي أو قال فلاناً فليكفر إذا كلمه. قال عنه أبو زيد فيمن قال لله علي أن لا أكلم فلانا أو لا أدخل المسجد أو لا أصوم غداً فلا شيء عليه فيما فعل من ذلك. ولو قال علي إن فعلت ذلك لزمه بالفعل كفارة يمين. ومن قال علي نذر عتق رقبة لأصومن غداً، فإن صام فلا شيء عليه، وإن لم يصم أعتق رقبة، هو في ذلك مخير. [4/ 26]
ومن كتاب ابن المواز: ومن جمع في نذره طاعة ومعصية أو مع شيء ليس بطاعة ولا معصية لم يلزمه إلا ما هو طاعة فقط. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال علي نذر أن أكلم فلانا أو لا أكلمه فلا شيء عليه، لأنه جعل نذره في الكلام أو في تركه، وكذلك قوله أن أحمل هذا الحجر. قال ابن حبيب: من قال علي نذر أن أفعل كذا في يمين أو في غير يمين، فهذا فعله هو نذره، فإن كان طاعة لزمه، وإن كان معصية فلا يفعل ولا يكفر. ولو قال علي نذر إن لم أفعل كذا فهذا نذره غير فعله، فإن لم يجعل لنذره مخرجا ولا نواه فيؤمر أن يفعل الطاعة فيبر ولا يفعل المعصية ويكفر كفارة يمين. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لامرأته علي نذر أن أطلقك فلا شيء عليه. ومن قال علي نذر أن أصوم العام رمضان بالمدينة لزمه، فإن خلفه مرض فلا شيء عليه، وإن كان لشغل فليصم في قابل، وكذلك الحج. مالك: ومن نذر صوم شهر بعينه فما غلب عليه من الإغماء والحيض في المرأة فلا قضاء فيه، وأخاف في المرض أن يقضي. قال محمد: والمعروف من قول مالك أن لا يقضي ما مرض منه. وأما الشغل عنه فليقض، وإن كبر حتى يئس من القضاء أطعم عن كل يوم مداً. ومن قال علي يمين أو قال نذر أو قال عهد في يمين ولم ينو مخرجاً فعليه كفارة يمين إن حنث، وإن نوى مخرجا من طاعة لزمه ما نواه ولا شيء عليه فيما ليس بطاعة. [4/ 27]
في ناذر المشي إلى مكة وغيرها في نذر أو يمين
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن نذر عتق عبده قال ينبغي له الوفاء بذلك باللازم كما يلزمه في الحنث، وهذا ناذر فليوف بنذره. ومن كتاب آخر قال أشهب: إن قال أنا أفعل ترك، وإن قال لست أعتقه قضي عليه بعتقه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن نذر إن رزقه الله ثلاثة دنانير أن يصوم ثلاثة أيام فرزق دينارين فصام ثلاثة أيام ثم رزق دينارا ثالثا فإنه يبتدىء صيام ثلاثة أيام. وقال فيمن قال إن قضى الله عني المائة دينار التي تحملت بها فعلي صيام ثلاثة أشهر، فقضاها إلا دينارا ونصفاً فصام ثلاثة أشهر ثم قضى الدينار والنصف قال أرجو أن تجزئه، ورأيته عنده ضعيفا. وقد تقدم باب في النذر الذي لا مخرج له أوله مخرج فيه من معاني هذا الباب من نذر إن شفاه الله أن لا يقرب امرأته حتى يحج. في ناذر المشي إلى مكة وغيرها في نذر أو يمين أو أن يحمل شيئا إلى مكة من كتاب ابن المواز: ومن قال علي المشي إلى الكعبة نذراً أو لم يقل نذراً فذلك سواء، وكذلك علي أو لله علي في هذا وفي غيره من نذور الطاعات فهو لازم. قال ابن حبيب: من سمَّى في نذره أو في يمينه المشي إلى الكعبة أو قال مكة أو المسجد أو بيت الله، يريد ولا نية له، لزمه المشي. ولو قال إلى الحجر أو [4/ 28]
الحطيم أو زمزم أو الصفا أو المروة والأبطح والحجون وحيادين وقعيقعان وأبي قبيس وشبه ذلك مما هو داخل القرية لزمه عند أصبغ، ولا شيء عليه في ذلك كله عند ابن القاسم. قال أبو محمد والذي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في الحجر والحطيم خلاف قوله في المدونة. قال ابن حبيب: وإن سمَّى ما في خارجها من مزدلفة ومنى وعرفات وشبه ذلك لم يلزمه. وأصل ذلك في قول الله تعالى في المتمتع [ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام] واستحسن ابن حبيب أن يلزمه في كل ما تضمنه الحرم، فإن سمى ما في خارجه لم يلزمه خلا عرفات فإنه يلزمه فيها. ومن العتبية سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف بالمشي ذراعا ويحفر ذراعا، فليمش ولا هدي عليه ولا حفر. ومن كتاب ابن المواز: والذي ينذر المشي إلى الحرم فلا شيء عليه إلا أن ينوي ما فيه من البيت وغيره فيلزمه، وإن قال إلى مكة وقال نويت بيوتها فلا شيء عليه إلا أن يكون ذلك على معنى الرتابق فلا تجزئه النية حتى يسمى البيوت كما يسمي الصفا والمروة وغيرها. وقال أشهب وأصبغ: كل ما سمَّي من الحرم أو من مواضع مكة فهو له لازم. [4/ 29]
ومن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس فإن نوى الصلاة في مسجديهما أتى ذلك راكبا، وقيل إن كان قريبا مثل الأميال أتاهما ماشيا، وهذا خفيف، وقيل لا يمشي وإن كان ميلا. وقال ابن وهب في غير كتاب ابن المواز يمشي إليهما وإن بعدا. ومن نذر أن يصلي في مسجد غير الثلاثة مساجد فليصل بموضعه ويجزئه، إلا أن يكون قريبا جدا فليأته فيصلي فيه. قال ابن حبيب قال مالك إن كان معه في البلد مشى إليه وصلى فيه، وأوجبه ابن عباس في مسجد قباء من المدينة قال ابن حبيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه ماشيا وراكبا. ومن كتاب ابن المواز ومن قال علي الركوب إلى مكة فلا يجزئه أن يأتيها ماشيا، قاله أشهب، لأنه يخفف عن نفسه مؤونة أوجبها في ماله وليأتيها في حج أو عمرة. ومن العتبية من سماع أشهب: وسألت مالكاً سوداء حلفت بالمشي إلى مكة أن ابنها لم يعطها دراهم ولا دفعتها ثم ذكرت أنها فعلت، فقال لها امشي فإن لم تقدري فاركبي وأهدي وليس عليك عجلة حتى تجدين وتقوين. قال في كتاب جامع الأحاديث فبكت وارتعدت وقالت والله ما أستطيع يا أبا عبد الله، فصعد مالك فيها النظر وصوبه وما رأيناه فعل ذلك في امرأة غيرها ثم قال لها: اذهبي لا شيء عليك، ثم قال: خافت مقام ربها. قال في [4/ 30]
الكتابين لا يضرها سوادها إن دخلت الجنة، وثم من هي أهيأ منها لا تخاف ما خافت هذه. وقال مالك في التي نذرت السير إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فماتت قبل ذلك فلا يفعل عنها ذلك أحد، وإن شاؤوا تصدقوا عنها بقدر كرائها وزادها ذاهبة وراجعة. قال عيسى عن ابن القاسم في امرأة حلفت بثلاثين نذراً مشياً إلى مكة فحنثت قال فلزوجها أن يمنعها أن تخرج في ذلك. ومن كتاب بن المواز: ومن قال إن فعلت كذا فأنا محرم بحجة فحنث في غير أشهر الحج فليؤخر ذلك إلى أوان الحج إلا أن ينوي أنه محرم ساعة حنث، فإن وجد صحابه وإلا فلا شيء عليه حتى يجد صحابه. قال ابن حبيب ولو قال فأنا محرم بعمرة فإنه محرم بها ساعة حنث ولا ينوي، إذ لا وقت للعمرة بخلاف الحج ولينتظر صحابه، قاله مالك. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن حلف أن يحمل شيئا على عنقه إلى مكة فعجز عن المشي فركب فإنما عليه هدي الركوب ولا شيء عليه لترك الحمل. وفي كتاب الحج باب مستوعب في ناذر المشي إلى مكة في نذر أو يمين. [4/ 31]
فيمن نذر هديا أو بدنة أو أن ينحر ابنه أو غيره
فيمن نذر هدياً أو بدنةً أو أن ينحر ابنه أو غيره أو قال مالي في رتاج الكعبة أو جعل ماله أو شيئا منه هديا من كتاب ابن حبيب: ومن نذر هدياً فليهد بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام. قال مالك: ولو نذر بدنة أو حلف بذلك فحنث فليهد بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فسبع من الغنم، فإن لم يجد صام سبعين يوما. وكذلك قال أشهب في كتاب ابن المواز. قال مالك في المختصر في ناذر البدنة إن لم يجد سبعا من الغنم لم يجزه الصوم، فإن صام فعشرة أيام، يريد فإذا وجد أهدى ما ذكرنا. وهذا كله مستوعب في كتاب الحج. ومن كتاب ابن حبيب: ومن قال لرجل أنا أهديك إلى بيت الله في يمين فحنث أو قاله لابنه أو لأجنبي في غير يمين، قال مالك فعليه الهدي وعليه مع ذلك أن يحجه أو يعتمره فإن لم يطعه أجزأه الهدي بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام. قال مالك: وأحب إلي أن يهدي عن ابنه بدنتين، فإن اقتصر على واحدة أجزأه، ولا يسأل في ذكره الهدى عن نيته. فأما لو قال لابنه أو لأجنبي نحرتك أو أنحرك في يمين فحنث فهذا إن قال عند مقام إبراهيم أو عند البيت أو في المنحر أو بمنى أو بمكة فليهد كما ذكرنا، وإن لم يسم شيئا من ذلك سئل ماذا أراد، فإن نوى الهدي فعليه ما ذكرنا، وإن لم ينو الهدي تحلل بكفارة يمين، قاله مالك، ثم رجع [4/ 32]
إلى أنه لا شيء عليه، وبالأول يقول أصبغ. وكذلك فيمن قال أنحر نفسي قال ربيعة ومن جعل جاريته هديا فإنه يهدي مكانها هدياً، وقاله مالك والليث. قال أبو محمد: لعله يريد أم ولده، وقد قال ابن القاسم في المدونة فيمن أهدى عبده أنه يخرج بثمنه هدايا. وفي العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن نذر عبده أو دابته هدياً، فإن شاء جعل قيمته في هدي، وإن شاء باعه وجعل ثمنه في هدي. قال أبو زيد عن ابن القاسم: ولو قال لولده أنت بدنة فلا شيء عليه إلا أن يريد الهدي. ومن كتاب ابن المواز: ومن نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشاً. قال أبو محمد [أراه] يريد إن سمَّي موضع المنحر بمكة. قال ومن أهدى ثوبه فليخرج ثمنه في هدي، وقال مرة أخرى قيمته. قال ابن القاسم والثمن أحبّ إلي، وذلك واسع. وما عجز عن هدي دفعه إلى خزان الكعبة في نفقتها، وإن خاف أن يضيع تصدق به. وإن جعل شيئا من ماله في مقام إبراهيم، فإن احتاج البيت إلى شيء ينفقه فيه فعل وإلا جعله في هدي، وما لم يبلغ هديا تصدق به. ومن قال مالي هدي أو قال بدن فليهد ثلثه وتكون منه النفقة. ولو قال إبلي هدي أو بدن فعليه أن يبلغها ولا يبيع منها شيئا. ومن قال فرسي بدنة فليبعه ويجعل ثمنه في بدن. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن قال مالي هدي، قال يهدي ثلثه وينفق عليه حتى يبلغه من غير الثلث، وقاله مالك فيمن وجبت عليه صدقة [4/ 33]
ماله وهو بموضع ليس فيه مساكين، فليكر عليه من ماله، وكذلك إن قال إبلي هدي فعليه أن يبلغها من ماله. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال أنا أهدي من مالي ولم يسم شيئا فليهد هدياً. ومن أهدى ابنه فلم يجد بدنةً ولا كبشا فلا يصم. قال ابن حبيب: ومن نذر أن ينحر جزوراً بمكة فعليه أن ينحر بها وليس يهدي. ومن كتاب ابن المواز ومن نذر هدي بدنة ذات عوار وما لا يجوز فإن كانت بعينها أهداها، وإن لم تكن بعينها فليهد ما يجزئ من غير معيب. وكذلك إن نذر جدعة من غير الضأن فليهد ثنّثية. وقال محمد: وكذلك في هديه المعيبة فليهد بقيمتها ما يجوز. وقال ابن حبيب إن إعرابيا سأل مالكا عن ناقة له نفرت ثم انصرفت فقال لها تقدمي وإلا فأنت بدنة، فقال له أردت بذلك زجرها لكي تمضي؟ فقال نعم، فقال لا شيء عليك، فقال رشدت يا بن أنس. وذكر ابن المواز هذه المسألة في روايته عنه أنه حانث، وكذلك رواها أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم عن مالك وقال في السؤال مرّ بها من زقاق فجبنت فقال [لها] أنت بدنة إن لم تمرِّي فجبنت فلم تمر، قال أرى أن يخرجها. من الواضحة: ومن قال مالي في رتاج الكعبة في نذر أو يمين فكان ابن عمر يوجب ذلك عليه. وقال عائشة يكفّر كفارة يمين فأخذ بقولها مالك ثم رجع إلى [4/ 34]
في الناذر بصدقة ماله أو بعضه في يمين أو غير يمين
أن لا شيء عليه وهو قول عمر. وكذلك من قال في الحطيم، والحطيم ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى المقام وعليه تنحطم الناس. قال ابن حبيب وأرى أن يسأل، فإن نوى أن يكون ماله للكعبة فليدفع ثلثه إلى خزنتها يصرف في مصالحها، فإن استغني عنه بما أقام السلطان له تصدق بذلك. وإن قال لم أنو بهذه الكلمة شيئا ولا عرفت لها تأويلا فكفارة يمين أحب إلي. في الناذر بصدقة ماله أو بعضه في يمين أو غير يمين وكيف إن حلف مرارا أو حنث بذلك مرارا من الواضحة قال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: اختلف في الحالف بصدقة ماله أو بماله في السبيل، فقال ربيعة يخرج [قدر] زكاة ماله، وكذلك في صدقة جزء منه يطهره ما تطهره الزكاة. ورواه أصبغ عن ابن وهب عن الليث عن ربيعة، واستحسنه عبد العزيز، وأكثر المحدثين يرون فيه كفارة يمين، وقاله الثوري ورواه عن عمر بن الخطاب وابن عمر وعائشة. وقال مالك يخرج ثلث ماله على حديث أبي لبابة. وقال أبو حنيفة يخرج ماله كله، وجميع أصحاب مالك على قول مالك إلا ابن وهب فقال في الملي بقول مالك، وفي القليل المال الذي يجمعه الثلث بقول ربيعة، وفي الفقير بكفارة يمين، وبهذا كان يفتى الليث واستحسنه أصبغ وكان فتياه يقول مالك. وقد تقدم في باب قبل هذا ذكر من قال مالي في رتاج الكعبة. [4/ 35]
ومن كتاب ابن المواز قال [روى] ابن وهب عن ابن عمر وأبي هريرة في الحالف بصدقة ماله أنه يخرجه كله، وقال ابن المسيب يخرج الثلث وقال عبد العزيز [يخرج] زكاة ماله. قال وروي عن عائشة كفارة يمين. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال مالي نذر أو صدقة أو في السبيل أو هدي فليخرج ثلثه. وكذلك من قال مالي لوجه الله. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في القائل مالي لوجه الله فليخرج ثلثه. قال أصبغ يخرجه في الصدقة دون غيرها فهو مخرج نذره. ولو قال ذلك في عبده كان مخرجه العتق. وإن قال مالي لسبيل الله أو في سبيل الله كان مخرجه الغزو والجهاد خاصة. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بصدقة ماله على المساكين أو ثوبه على فلان لرجل بعينه فحنث فإنه يؤمر في ذلك ولا يقضى عليه. وقد تقدم في باب النذور ذكر من نذر عتق عبده أو حنث به في يمين. ومن الواضحة: ومن قول مالك فيمن قال مالي كله إلا درهماً وصدقة أن ذلك يلزمه، وكذلك في جزء منه. قال ابن حبيب: وإن حلف بصدقة مال مسمّى فحنث لزمه إخراجه وإن اغترق ماله. وإن قال مائة فلم يف ماله بها بقي باقيها ديناً عليه، قاله مالك وأصحابه. ومن كتاب آخر قال ابن وهب عن مالك: إذا سمّى أكثر من ثلث ماله اقتصر على الثلث في الإخراج، وقال ابن نافع من تصدق بشيء بعينه وهو ماله كله أنه يجزئه الثلث وهو نحو رواية ابن وهب، وقال بذلك محمد بن عبد الحكم. [4/ 36]
ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون ومن حلف بصدقة داره فحنث ثم حلف بصدقة عبده فحنث ثم بصدقة ماله فحنث فليخرج العبد والدار وثلث ما بقي من ماله. وإذا حلف بصدقة ماله فحنث فلم يخرج شيئا حتى حلف فحنث والمال الأول بيده لم يزد فليس عليه إلا ثلث واحد. وكذلك في كتاب ابن المواز. قال ابن حبيب قاله مالك وأصحابه. قال ابن حبيب وقالوا لو حلف فحنث وماله مائة ثم حلف فحنث وهو مائتان ثم حلف فحنث وماله ثلاثمائة فليس عليه إلا مائة وبذلك قال في كتاب ابن المواز إلا أنه قال وقد نما ماله بتجارة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم ومن حلف بصدقة ماله فحنث ثم حلف بصدقته ثانية فحنث فليخرج ثلثه الأول ثم ثلث ما بقي، وقاله مثله في الحالف مرتين بصدقة ماله، ثم قال يخرج ثلثه مرة واحدة ويجزيه، وقاله ابن كتانة، وبالأول أخذ محمد. وقاله أشهب. قال أشهب ومن حلف بصدقة ماله فحنث فلم يخرج شيئا حتى أنفقه فلا شيء عليه ولا يتبع به دينا. قال ابن القاسم يضمن إذا أنفقه أو ذهب منه كزكاة فرّط فيها حتى ذهب ماله. وقال سحنون فيمن حلف بصدقة ماله فحنث ففرّط في أخراج ثلثه حتى هلك المال إنه يضمن. قال أصبغ وكذلك لو حلف لأفعلن فتلف المال قبل يحنث أنه ضامن إلا أن يتلف بعد حنثه، فهذا إن تلف بغير سببه لم يضمن، وقاله محمد. [4/ 37]
قال أبو محمد: أراه يريد ولم يفرط، وإنما ضمنه أصبغ قبل الحنث لأنه كان على حنث. قال مالك ومن حلف بصدقة ماله فحنث وقد زاد ماله، قال في العتبية بتجارة أو فائدة، فعليه ثلثه يوم حلف، وإن نقص فثلثه يوم حنث. وإذا حنث ثم نما ماله ثم حنث فيه بيمين ثانية ثم نما ثم حنث فيه بيمين ثالثة فليخرج ثلث المال الأول وثلث الزيادة لليمين الثانية وثلث الزيادة الثالثة لليمين الثالثة، وذلك أن يخرج ثلث جميع ما معه الآن، ولو لم يزد ماله لم يخرج إلا ثلثاً واحداً. ولو حنث أولاً وماله مائة ثم حنث ثانية وهو ستون، ثم حنث ثالثة وهو أربعون، فليس عليه إلا ثلث المائة التي حنث فيها أولا، إلا أن يبقى بيده أقلَّ من ثلثها فلا شيء عليه غير ما بيده، إلا أن يذهب بإتلافه أو أكله فيلزمه ديناً. ولو تلف بعضه بغير سببه لم يضمنه وإن فرط في إخراجه لأنه كالشريك، وقاله مالك في التلف وقاله أصبغ كله، وما نما بعد الحنث فلا شيء عليه فيه. قال ابن المواز إذا حلف إن فعل أو أن لا يفعل لم يضمن ما أكل أو تلف قبل الحنث. ولو حلف لأفعلنَّ أو إن لم أفعل فهو كتلفه بعد الحنث يلزمه ما تلف بسببه ولا يلزمه ما ذهب بغير سببه. ومن الواضحة: ومن حلف بصدقة مائة فحنث ثم ذهب ماله باستنفاق فذلك دين عليه، وإن ذهب بغير سببه فلا يضمن ولا يضره التفريط حتى أصابه، ولم يختلف في هذا مالك وأصحابه. وإن حلف بصدقة ماله فحنث وقد زاد ماله، فإن زاد بتجر فليخرج ثلث الأصل، وإن زاد بولادة لزمه الثلث منه ومن الولادة، وإن نقص لم يلزمه غير ثلث يوم الحنث. ولم يختلفوا في هذا وكذلك ذكر ابن المواز، إلا أنه لم يذكر الولادة. [4/ 38]
ومن العتبية روى يحيى عن ابن القاسم فيمن حلف بصدقة ماله في أيمان مختلفة في وقت أو في أوقات فحنث فيها كلها أو في بعضها في وقت واحد أو حنثاً بعد حنث فليس عليه أن يخرج إلا ثلث ماله مرة واحدة، حنث في جميع أيمانه أو لم يحنث إلا في يمين واحدة، إلا أن يحلف فيحنث فيخرج ثلثه ثم يحلف فيحنث فليخرج ثلث ما بقي هكذا كلما حنث. فأما ما وكد من الأيمان أو أكثر من الحنث قبل يخرج ثلث ماله لحنثه، وإن كان في أشياء مختلفة فليس عليه إلا ما على من حلف يميناً واحدة في أمر واحد. ثم إذا حنث في أحد الأيمان ثم حنث في باقيها قبل يخرج ثلث ماله فلا شيء عليه في باقيها، حنث فيها قبل إخراج الثلث أو بعده. وإذا نما ماله بعد الحلف بتجارة أو فائدة ثم حنث فلا يخرج إلا ثلث ما معه يوم حنث. قيل فما أتفق بعد الحنث؟ قال أحب إلي أن يخرج جميع ثلثه يوم حنث مما كان يملكه يوم حلف، وما هو عليه بواجب. وروى أبو زيد عن ابن القاسم نحو رواية يحيى في اليمين بالصدقة في أشياء مختلفة. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بصدقة ماله ثم حنث دخل في ذلك العين وغيره من طعام ورقيق وغيره إلا أن ينوي العين خاصة. قال أبو محمد. وهذا الباب قد كتبناه في كتاب الصدقات بابا في مثل معنى كثير منه ولا غنى بالناظر في هذا الباب عنه. [4/ 39]
فيمن قال في يمين أو في غير يمين: كل ما أكسب صدقة
فيمن قال في يمين أو في غير يمين: كلّ ما أكسب صدقة، وقد ضرب أجلا أو لم يضرب ومن الواضحة: ومن قال في يمين أو في غير يمين كل ما أكسبه صدقة فلا شيء عليه، كمن عم في الطلاق والعتق. ولو قال كل مال أكسبه بالمدينة أو ببلد سماه صدقة لزمه عند ابن القاسم وابن عبد الحكم، وكذلك في قوله كل ما أكتسبه إلى كذا وكذا سنة صدقة، فليخرج ثلث ما يكسبه بالبلد أو إلى أجل. وأما إن قال كل ما أملك إلى أجل كذا وكذا صدقة فتلزمه صدقة ثلث ما بيده وثلث ما يكسب إلى أجل. وقال ابن الماجشون وأصبغ لا شيء عليه فيما يكسب سمَّى بلداً أو أجلاً أو لم يسم، بخلاف الطلاق والعتق، والقول الأول أحوط. وكذلك قوله كل ما أربحه في هذه السلعة صدقة يلزمه الاختلاف، إلا أنه يتصدق بجميع الربح في القول الأول. وذكر العتبي عن أصبغ وابن عبد الحكم مثل ما ذكر ابن حبيب عنهما، وذكر ابن المواز عن أصبغ قال إذا قال كل ما أكسب صدقة أبداً فلا شيء عليه، وليتصدق ويعمل خيراً. ولو ضرب في ذلك أجلا يعيش إلى مثله لزمه، وهذا خلاف ما ذكر عنه ابن حبيب والعتبي قال إبراهيم النخعي في رجل جعل على نفسه مثل سواري المسجد ذهباً صدقة إنه لا يجتمع له مال إلا تصدق به ويحبس منه قوته. باب من النذور ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك في رجل قال في بعيرين له هما بعد سنة صدقة في السبيل ثم مات قبل السنة فليس هذا بشيء، وليس مثل من يعتق [4/ 40]
إلى سنة وقد يدبر العبد. قال عنه أشهب فيمن قال إن جاءني الله بأبي يوم كذا وكذا فعلي أن أتصدق أو أعتق أو أصوم أو أصلي فذلك حسن. قال الله تعالى [يوفون بالنذر] قيل فمن نذر إطعام مسكين أيطعم كل مسكين خمس تمرات؟ قال ما هذا وجه إطعام المساكين إلا أن ينوي ذلك فذلك له, وإن لم ينو فليطعم كل مسكين مدّاً بمد النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الله سبحانه [فإطعام عشرة مساكين] فكان مد لكل مسكين. قال عيسى عن ابن القاسم في امرأة حلفت بثلاثين نذراً مشياً إلى مكة فحنثت, قال: لزوجها أن يمنعها الخروج إلى ذلك. قال ابن حبيب قال الحسن فيمن نذر أن يصلي عند كل سارية من سواري المسجد ركعتين قال يعد السواري ويصلي إلى واحدة ركعتين, وهو قول مالك. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن قال لله عليَّ صيام ولم يسمه, أو قال صدقة, فإنه يصوم ما شاء ويتصدق بالدرهم وبالنصف درهم وربع درهم وبالكسر, قيل فالفلس والفلسين قال ما زاد فهو حسن. [4/ 41]
باب في يمين المرأة ذات الزوج وصدقتها وعتقها
باب في يمين المرأة ذات الزوج وصدقتها وعتقها ومن الواضحة قال ويمين ذات الزوج بصدقة تلزمها لأنه مصروف إلى الثلث إلا أن تسمي أكثر من الثلث فيرد الزوج ما زاد على الثلث في رواية ابن الماجشون عن مالك. قال غير ابن حبيب وقاله عبد العزيز. قال ابن حبيب وقال ابن القاسم إذا نافت عن الثلث رد الزوج الجميع فأنكره عبد الملك وقال إنما هذا في العتق أن تعتق ما يجاوز الثلث فيرد الجميع إذ لا يتبعض. وروى ابن القاسم قوله عن مالك في غير الواضحة. قال سحنون في العتبية عن ابن القاسم إذا حنثت في اليمين بصدقة مالها فلتخرج ثلثه ولا قول للزوج فيه. ولو كانت يمينها بجزء أكثر من الثلث كان للزوج رد جميعه إن شاء وقال أصبغ إذا حنثت بصدقة مالها كله فللزوج رد جميعه إن شاء. ومن الواضحة قال: وأما العتق إذا حلفت بعتق عبيد أكثر من الثلث فحنثت فللزوج رد جميعه لئلا يخرج ذلك إلى خلاف السنة من عتق النصيب بغير تقويم, هذا قول ابن الماجشون. وقال مطرف وابن القاسم يرد كله في العتق والصدقة وغيرها حتى يقتصر على الثلث, وبالأول أقول. وإذا حنثت بعتق عبيد لا تملك غيرهم أسهم فأعتق ثلثهم بالسهم, فإن وقع تمام الثلث في بعض عبد لم يعتق من ذلك العبد شيء على ما ذكرنا. ولو قالت أثلاثهم حر لم يعتق منهم شيء كان ذلك في يمين أو في غير يمين. وكذلك لو أعتقت ثلث عبد لا تملك غير ذلك العبد لم يعتق منه شيء, وكل ما جاوزت فيه الثلث من حنث بعتق أو صدقة أو غير يمين فهو مردود أبداً حتى يجيزه الزوج [4/ 42]
في قول مطرف وابن الماجشون. وقال أصبغ هو جائز أبداً حتى يرده الزوج وبالأول أقول. وإذا قال لها فيما جاوزت فيه الثلث في يمينها بعتق أو صدقة قد رضيت لك أن تحنثي وتنفذي ذلك ففعلت ما أحنثها لزمها إنقاذه ولا يرده الزوج. ولو قال لها افعلي ما حلفت ألا تفعليه ولا حنث لك معي ففعلت فلا شيء عليها. وإن أذن لها في الفعل ولم يبين لها ألا شيء عليها ففعلت فله رد ذلك أو إمضاؤه, حتى يبين لها الرضى بالحنث أو يريد ذلك عند الإذن. وسواء حلفت فيما نفذت في اليمين فيه أو فيما يجوز أن يحلف فيه ويمتنع منه, قاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. قالوا وإذا أشهد أنها متى حنثت في هذا اليمين فقد رضي بحنثها لزمها ولا رجوع له ولا لها. ولو أشهد بهذا قبل اليمين أنها متى ما حلفت بهذا فقد رضي بحنثها لم يلزمه, وله رده إن حلفت قبل الحنث وبعده. ولو قال بعد يمينها رددت حنثها متى ما حنثت أشهد بذلك أو لم يشهد, أو قاله عند سفر خاف أن تحنث في غيبته فذلك مردود أبداً, وإن سكت عن رده حتى يجيزه إلا في قول أصبغ الذي يراه ماضيا حتى يرده أو يشهد بعد يمينها أنه رد ذلك إن حنثت فيكون رد. ومن كتاب ابن المواز: وإذا حلفت بعتق رقيقها ولا زوج لها ثم تزوجت ثم حنثت والرقيق أكثر من ثلثها فللزوج رد ذلك, وكذلك ذكر ابن حبيب عن من لقي من أصحاب مالك وهو مذكور في باب يمين البكر بزيادة فيه. ومن كتاب ابن المواز: وعن التي حلفت بعتق رقيقها إن تزوجت بعده قال لا تتزوج إلا أن تبيعهم, وإن حلفت بحرية أمتها إن تزوجت فباعتها ثم تزوجت فردت عليها بعيب فإنها تحنث, وكذلك لو ردت إلى المبتاع قيمة العيب, ولو حبسها المبتاع ورضي بالعيب لم تحنث. [4/ 43]
في يمين البكر والثيب وأفعالهما والمولى عليه والصبي والعبد
في يمين البكر والثيب وأفعالها والمولى عليه والصبي والعبد من الواضحة: وإذا حنثت البكر في ولاء الأب أو ولاية وصيه أو من جعله الإمام عليها خليفة فذلك رد, كان عتقا أو صدقة, لأن مالها محجور عنها. وإن لم تكن في ولاية أحد وهي في ولاية نفسها ومالها بيدها تنظر فيه باستيجاب [كذا] لذلك أو بغفلة السلطان عنها, فإن بلغت الثلاثين سنة لزمها الحنث بالعتق والصدقة, وجاز فعلها في مالها من بيع وغيره, وقاله ابن وهب وابن الماجشون, وابن القاسم يرى أن أول التعنيس أربعون. وقال سحنون: معروفها وهبتها وأفعالها جائزة إذا لم تول باب أو وصي وإن لم تعنس. قال ابن حبيب وأما الأيّم التي مات عنها زوجها أو فارقها بعد أن بنى بها فأفعالها جائزة إذا كانت بالغاً وإن كانت بنت خمسة عشرة سنة. ومن كتاب ابن المواز: وعن بكر حلفت بالصدقة لا تزوجت رجلاً فزوجها إياه أبوها بغير أمرها فالنكاح جائز ولا شيء عليها في يمينها لأنها في ولاية. قال مالك في البكر المعنسة بنت أربعين وهي صحيحة العقل محمودة الأمر جاز أمرها ولزمها الحنث في أيمانها. وعن مولى عليه حلف بالعتق أن لا يكلم رجلاً, قال مالك أحب إلي أن لا يكلمه. فإن فعل فلا شيء عليه, وإن زال عنه الولاء فلا يلزمه شيء إلا أن يتبرع, وما أراه يخرج من المأثم. قال ابن حبيب: وإذا حلفت بكر معنسة أو ثيب جائزة الأمر أن لا تتزوج ثم تزوجت زوجا علم بيمينها أو لم يعلم, فهي كذات الزوج في حنثها فيما جاوز الثلث, وإنما النظر متى وقع الحنث لا متى كان اليمين, وكذلك قال لي من كاشفت عنه من أصحاب مالك. [4/ 44]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم, وعن المرأة المولى عليها تحلف بصدقة مالها في نذر إن تزوجت ابن عمها أن تحمله إلى بيت الله, فتزوجته فلتمش فإن لم تقدر فلتركب وتهتدي, وإن كانت صرورة دخلت بعمرة في نذرها ثم تحرم بالحج عن فريضتها إذا حلت وتصير متمتعة, وعليها هدي للمتعة وهدي لركوبها, وتتصدق بثلث مالها لحنثها. قال سحنون هذا خطأ ولا يلزمها ذلك لأنها في ولاء. قال مالك ومن قال لغلام أبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر, فمات الأب وورثه الابن فذلك يلزمه, إلا أن يكون يوم قال ذلك سفيها فلا يلزمه. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك في عبد جعل على نفسه شيئا في سبيل الله ثم ثبت أنه حر الأصل أن ذلك يلزمه، والحدود كذلك. قال وإنما كانت يمين عبد الله بن أبي حبيبة بالحر والغثا بعد أن احتلم. قال محمد بن عبد الحكم: ولو حلف عبد بطلاق امرأة إن تزوجها فزوجه إياها سيده جبراً بغير رضاه أن لا طلاق عليه. قال ابن حبيب قال ربيعة ومالك: من حلف في سفهه وهو في ولاء بالعتق إن فعل كذا وكذا ففعله بعد زوال الولاء عنه فلا شيء عليه. قال مالك ولا أراه إلا وقد أثم. قال ابن حبيب لا أثم عليه, كنصراني حنث بعد إسلامه. فأما حنث العبد بعد عتقه وذات الزوج بعد زوال العصمة عنها فلازم لهما إذا كان ذلك بأيديهما بعد الحنث. قاله مطرف وابن الماجشون. وفي كتاب التفليس أبواب في أفعال السفيه وأفعال البكر وذات الزوج موعبة بأزيد مما ها هنا. [4/ 45]
في الاستثناء في الأيمان بمشيئة الله والاستثناء المستخرج به من المذكور
في الاستثناء في الأيمان بمشيئة الله والاستثناء المستخرج به من المذكور وذكر المحاشاة ومن خص بنيته الجنس أو المدة وما تنفع فيه النية من ذلك كله من كتاب ابن المواز قال: وإنما الاستثناء واللغو في اليمين بالله أو نذر لا مخرج له. ومن قال إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا فامرأته طالق أو عبده حر أو عليه كذا وكذا لما يذكر من البر إن شاء الله, فإن نوى باستثنائه الفعل دون اليمين فقيل ينفعه ذلك وقيل لا ينفعه لا في الفعل ولا في اليمين. قال ابن حبيب قال ابن القاسم: لا ينفعه, وقال ابن الماجشون وأصبغ ينفعه إن نوى به الفعل, وإن نوى به ما ذكر من طلاق وعتق وعمل بر لم ينفعه. وقال أصبغ ولا شك في هذا. وهذا قد تقدم في باب قبله. قال ابن حبيب: ولا ينفع الاستثناء بالقلب دون اللسان, فإن كان الحالف غير مستحلف فحرَّك به شفتيه وإن لم يجهر به أجزأه, وإن كان مستحلفاً لم يجزه إلا الجهر به وقاله أصبغ وغيره. قال ابن المواز: وأوجه الاستثناء التي لا تجزئ النية بها دون اللفظ ثلاثة: أن يستثني بإلا وبإلا إن وبإن. فأما قوله إن فكقوله إن شاء الله فلان إن فعل فلان ونحوه, فأما إلا فمثل يمينه إن صحبت اليوم قرشياً ونوى إلا فلاناً وما أكلت طعاما ونوى إلا لحماً. ولو حرك بإلا فلان لسانه ونوى في نفسه وفلان أجزأه. لأن الواو بخلاف ما ذكرنا من أحرف الاستثناء. وقد اختلف في إلا خاصة فقيل تجزئه بها النية كما تجزئه في محاشاة امرأته في الحرام بنيته. وقد قال ابن أبي سلمة لا تنفعه المحاشاة في الحرام بنيته. [4/ 46]
قال وما كان من الاستثناء في يمين بوثيقة حق أو شرط في النكاح أو عقد بيع أو فيما يستحلفه أحد عليه فلا تجزئه حركة اللسان به حتى يظهر ليسمع منه. ومنه ومن العتبية قال مالك فيمن استحلف رجلا ألا يخبر أحداً بما أخبره به فحلف لا أخبرت به أحداً واستثنى في نفسه إلا فلاناً فلا ينفعه حتى يحرك بذلك لسانه. قال ابن القاسم ينفعه وإن لم يسمعه المحلوف له في هذا. قال سحنون لا ينفعه حتى يسمع الذي حلفه لأن اليمين له. وتأول سحنون أنه لم يتطوع بخبره حتى حلفه فكأنه حق. قال ابن المواز ولو استحلفه ألا يخبر به إلا فلانا فحلف ونوى في نفسه وفلان فلا يحنث أن أخبر به من نواه, إلا أن يكون على يمينه بالطلاق بينة. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن حلف ما فعل واستثنى في نفسه إلا كذا, فإن حرك به لسانه نفعه وإلا لم ينفعه. قال عنه أشهب وإن حلف ما أكل عند فلان ونوى في نفسه إلا التمر فلا ينفعه إلا أن يحرك به لسانه. قال سحنون عن ابن القاسم: وإن حلف إن كلم بني فلان ونوى في نفسه إلا فلانا لم ينفعه حتى يتكلم بذلك. ولو حلف لا دخل دار زيد ونوى في نفسه شهراً أجزأه. قال ابن حبيب ومما يجزئ فيه النية وليس باستثناء أن يحلف إن كلمت فلانا ونوى في نفسه شهراً فذلك ينفعه إلا أن يكون على يمينه بالطلاق بينة, وقاله ابن القاسم وأصبغ ورواه أشهب عن مالك. وكذلك يمينه ما لقيت اليوم قرشيا ونوى فلانا فذلك له في الفتيا, ولو نوى إلا فلانا لم ينفعه في الفتيا ولا في القضاء. [4/ 47]
ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لا أكل لبنا ثم قال نويت لبن ضأن أو معز فله ذلك في الفتيا ولا يقبل منه في القضاء, وكذلك يمينه لا أكل سمنا وقال نويت سمن بقر فله نيته في الفتيا دون القضاء. ومن العتبية قال أشهب في الحالف بالحلال عليه حرام وحاشى امرأته فلا شيء عليه, وفي رواية أصبغ أنها البتة, وذكر في المجموعة قول أشهب أن له ثنياه فيها، وقال قال أشهب ولو قال الحلال كله على حرام ونوى في نفسه إلا امرأته لم ينفعه وهو مدع حتى يستثنيه متكلما به. ومن حلف لا كلم فلانا أبدا ونوى في نفسه إلا يوم الجمعة فلا يجزيه حتى يحرك به لسانه. ومن قال امرأته طالق ثلاثا ونوى في نفسه إلا واحدة لم ينفعه وهي طالق ثلاثا. ومن حلف لا كلم فلانا فسكت عنه ثم كلمه فذلك له لازم لأنه لم يضرب أجلا ولا قال ولا أبدا. قال أبو محمد: يريد إنما نوى في نفسه ساعة أو يوما فذلك له. ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لا كلم فلانا أو لا دخل داره ونوى في نفسه شهرا فذلك ينفعه في الفتيا لا في القضاء. وأما الاستثناء فلا ينفعه إلا بالقول مثل قوله إن كلمت قرشيا ونوى في نفسه إلا فلانا أو لا أكلت طعاما اليوم ونوى إلا اللحم فلا ينفعه حتى يتكلم به. ومنه ومن المجموعة, أشهب وابن نافع عن مالك في منزل بين رجلين حلف أحدهما لا بنى فيه مع شريكه لبنة على لبنة, أيبني جدارا لقسم يقطع به بينهما. [4/ 48]
قال إن نوى إلا جدار القسم فذلك له, وإلا فهذا بنيان. وقال أشهب في العتبية هذا استثناء لا يجزيه إلا بالكلام به. قال ابن حبيب قال مطرف في المستحلف يحاشي, فإن حاشى زوجته في الحرام فذلك بنفعه لاختلاف الناس في هذه اليمين وإن كان مستحلفا, وأما في غيره فلا تنفعه المحاشاة ولا النية, واليمين للذي استحلفه, ورواه مالك وقاله ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم وعمن صحب رجلا في سفر فاستخانه فحلفه فحلف أنه ما خانه منذ صحبه, وهو يريد في سفره هذا ولم يحرك به لسانه, وقد صحبه قبل ذلك في سفرات خانه فيها. قال لا شيء عليه إذا كان لذلك سبب, كأنه خانه في هذه السفرة في قمح أو عين فحلفه ولم يكن هو ابتدأه باليمين متطوعا فله نيته, ولو كان على يمينه بينة وثبتت خيانته له قبل ذلك لم يكن عليه شيء وتقبل نيته في هذا, وقاله كله أصبغ. قال ابن حبيب ومن حلف لامرأته بالطلاق لا كان مني إليك الليلة شيء ونوى الإفضاء بوطئها ولم يفض, قال له نيته, وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن حلف بالطلاق أن ثوبي خير من ثوب فلان وزيادة درهم, فإن قال أهل المعرفة إنه ليس كذلك حنث. ولو قال نويت في رأيي حلف ودين. وقال ابن القاسم إن قامت عليه بينة لم يقبل منه. قال المغيرة فيمن حلف ألا يطأ مكانا سماه فإنه إن جاءه راكبا أو ماشيا حنث إذا لم [4/ 49]
في الاستثناء بقوله: إلا أن يبدو لي، أو أرى غير ذلك أو أشاء
يستثن. وإن ادعى نية لم تظهر ويمينه بطلاق أو عتق لم يصدق, وله نيته في اليمين بالله أو بالمشي وما ليس لأحد فيه حق وذلك لله تعالى وهو يدين فيما نوى من ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال في امرأته طلقت منه إن تزوجتها, فتزوجها ثم قال نويت طلاق الولادة لم ينفعه ذلك. في الاستثناء بقوله إلا أن يبدو لي أو أرى غير ذلك أو أشاء أو إلا أن يقضي الله أو يبدل ما في نفسي أو إلا أن أغلب ونحوه من كتاب ابن المواز, قال مالك فيمن حلف بالمشي أن لا يخرج إلى بلد فلان إلا أن تصيبه حاجة شديدة أو يقضي الله أمراً فيصيبه فلم تصبه حاجة, فلا ينتفع بقوله إلا أن يقضي الله, ولو استثنى مشيئة نفسه نفعه ذلك. وإذا حلف لا أكلت معه امرأته إلا أن أرى غير ذلك فجاءته وهو يأكل فأكلت معه فتركها فإن تركها فإن تركها وقد رأى أن يتركها فذلك ينفعه. وكذلك لو قال إلا أن أرى رأيا خيرا من رأيي, ثم قال رأيت أن آذن لها خيرا من رأيي الأول فذلك ينفعه. وكذلك في العتبية في سماع ابن القاسم إن حلف لا أنفق عليها إلا إن رأى غير ذلك ثم تركها أكلت معه فذلك ينفعه إن رأى ذلك حين تركها. قال في كتاب ابن المواز: وإن حلف بالحرية لا كلم فلانا إلا أن يبدو له أو إلا أن أرى غير ذلك فذلك ثنيا ينفعه. قال ابن القاسم وكذلك إلا أن يريني الله غير ذلك فهو ينفعه, وقال أصبغ ليس بشيء. [4/ 50]
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فى الحالف أن يفعل إلا أن يقدر فأنت طالق قال إن فعله فهو طالق، وقال أشهب فى المجموعة لا شىء عليه. ومن حلف فى أمر فقال إلا أن يقضى الله غير ذلك أو يريد الله غير ذلك فليس ثنيا ينفعه. قال عيسى وهو فى اليمين بالله ثنيا ينفعه، كقوله إن شاء الله، وقوله إلا أن يرينى الله غير ذلك ثنيا. ومن قال أنت طالق إلى سنة إلا أن يبدو لى أن لا أطلقك، أو قاله فى العتق، فالطلاق والعتق يلزمه ضرب أجلا أو لم يضرب. قال ابن حبيب ومن قال أنت طلق لأتزوجن عليك فلانة إلا أن لا يقدر، فخطبها غير مرة فأبت فاستثناؤه باطل ما كان فلانة تحته ولا يقرب امرأته كما لو لم يستثن، فإن رافعته ضرب له أجل الإيلاء، فإن ماتت فلانة سقطت اليمين وعاود وطء امرأته وعرف أنه لم يقدرله نكاحها، وما كانت حية فهو لايدرى لعله من قدر له نكاحها، وقاله أشهب وأصبغ. ومن المجموعة ابن نافع عن مالك فيمن قال لامرأته حرمت على إن لم تقومى عنى فلا ترجعى إلى حتى أشاء، ثم قامت ثم سألته الرجوع مرة وثانية فأبى ثم سألته فقال تعالى إن شئت وهو لا يشاء ذلك بقلبه، فقال لا تأتى ثم خرج ثم جاء وقج اشتهى أن تأتيه فأتته قبل أن يأمرها، فقال أخاف عليه هى لم تدر ما أراد بقلبه، أرأيت أولاً إن قالت له آتيك فقال لا وهو يشاء بقلبه أن تأيته فأتته بعد يمينه ايخرج من يمينه، هذا لا ينفعه، ولا يطلق الرجل بقلبه إلا أن ينوى فى يمينه حتى أشاء يعنى بقلبه فلا شىء عليه، ثم قال فى قوله: تعالى إن شأت ثم قال لا تأتى إنه ليأخذ بقلبى إنه أذن وما أدرى. [4/ 51]
ما يعد من الاستثناء ندما، ومن استثنى بعد ممات
ومن كتاب ابن المواز عن مالك فى الحالفة بعشرة نذور لزوجها لا أتزوج إلا أن يغلبنى أمر، فاحتاجت فتزوجت فلتطعم مائة مسكين إن لم يكن لنذرها مخرج. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فى امرأة حلفت بالحرية لزوجها إن لم تستأذنى عليه وأجهد نفسى حتى لو وقع سوط فى عينك لأخذته، وقالت إنى قلت إلا أن يرينى الله رأيا غير هذا. قال فاستأذنت عليه فهرب فكلمت فيه فتركته وقالت قد أرانى الله رأيا غير الأول وقد استثنيت ذلك، فإن قامت بينة أنها استثنت ذلك وسمعوها فذلك لها، وإلا فقد حنثت. ومن حلف لا يجاور أباه ولو يستطيع فليس ذلك مخرجا. ولو استأذن عليه أبوه أو حلف عليه لم يكن له به مخرج ولا يجبر السلطان أحداً على ها. ومن العتبية من كتاب الشهادات روى أشهب عن مالك فى امرأة حلفت بالعتق إن كلمت فلانا وكان عندها أربع نسوة فقلن لها قد استثنيت فقلت إلا أن أرى خيراً من رأى هذا، قال فلا ينظر إلى شهادتهن بذلك، يريد إلا أن تذكر هى ذلك. ومن استثنى ما يعد من الاستثناء ندماً بعد ممات، والاستثناء فى الطلاق من كتاب ابن المواز قال أصبغ: من نازع امرأته فغضب فقال أنت طالق البتة أن هذا عمود إنها تطلق عليه إذا لم يتنازعا فى العمود أنه عمود [4/ 52]
في نية الحالف ومحاشاته وقد حلف في حق مستحلفا أو متبرعا بالطلاق
فيحمل هذا أنه ندم. وقال حوه سحنون فى قوله أنت طالق إن شاء هذا الحجر، وخالف ابن القاسم وذكر ابن حبيب مسألة العمود كما تقدم عن مالك. قال أشهب فى المجموعة: ومن قال والله لا كلمت فلانا حتى يشاء هذا الحجر أو هذا الميت فلا يكلمه أبدا لأنه استثنى مشيئة من لا يشاء. ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن قال لمن أودعه رددت إليك وديعتك فأنكره فحلف الراد بالطلاق ما هى فى بيته، ثم قال له رجل فى علمك، فقال فى علمى، فإن قاله نسقاً من غير صمات فله ثنياه. ومن سماع أشهب وعن الحالف يستثنى فيقول علمى قال ذلك له وما أجود ذلك إن صدق. قال عيسى عن ابن القاسم فى القائل أنت طالق إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله فهو سواء، وهى طالق. وقد تقدم الاستثناء بمشيئة الله عز وجل فى العتق والطلاق. فى نية الحالف ومحاشاته وقد حلف فى حق مستحلفاً أو متبرعاً بالطلاق أو بالحرام أو غيره ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وكل يمين على وثيقة حق أو شرط أو لتأخير أجل دين فما كان يقضى فيه السلطان من طلاق أو عتق فلا يقبل منه فيه نية، وما كان لا يقضى به كيمين بصدقة أو مشى ونحوه فلا يلزمه ويدين فى نيته، مثل أن يقول نويت فى المشى مسجدا ونحوه. قال أصبغ وهذا إن لم يحكم عليه به فيلزمه بينه وبين الله عز وجل ولا ينفعه النية إذا كان فى حق أو استحلف. وكذلك فى العتبية. [4/ 53]
قال ابن المواز قال أشهب إذا نوى المسجد فله نيته وقد حلف ليقضينه حقه إلى أجل كذا، وروى مثله أصبغ عن ابن القاسم فى العتبية تبرع باليمين أو استحلف. ومن كتاب ابن المواز ونحوه من رواية عيسى ويحيى عن ابن القاسم فى العتبية فيمن حلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل كذا بالطلاق، فحنث فقال حنثت بواحدة، وقال الطالب بل بالثلاث فهى ثلاث. وفى رواية يحيى بن يحيى استحلفه غريمه فحلف ثم قال نويت واحدة أو استثنيت وحركت لسانى، قال يلزمه الطلاق بما ظهر مما استحلف عليه، وأما بينه وبين الله فلا شىء عليه. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب أنه إن قال الطالب أحلفته بالبتة وقال الغريم حلفت بواحدة، فالغريم مصدق مع يمينه. وقال عيسى عن ابن القاسم الطالب مصدق. قال يحيى بن عمر إن صدقه الطالب أنه إنما قال امرأتى طالق ولم يقل ثلاثا ولا البتة فله لانيته وله الرجعة إن ارتجع، وإن قال الطالب إنما أحلفته بطلاق البتة فالطالب مصدق، ولا تحل للغريم زوجته إلا بعد زوج وإن صدقته المرأة. قال ابن سحنون عن أبيه: إذا سأله سلفا فقال حتى يحلف لى بالطلاق فحلف له به ليقضينه غلى أجل كذا، ثم أحلفه وقال نويت واحدة فإنها تطلق عليه البتة، ولو كانت واحدة لم تكن وثيقة من حقه. وأما من كان له عليه دين فقال وخرنى فقال حتى تحلف لى بالطلاق فحلف به ليقضينه إلى أجل كذا فلم يفعل ثم قال نويت واحدة فله نيته. والفرق أن الأول يخرج المال فيتوثق وهذا غير مخرج شيئا. [4/ 54]
ومن الواضحة: وكل مستحلف فى حق فلا ينتفع بنية تخالف نية من استحلفه ولا بالاستثناء بلسانه سراً. وإذا استحلفه ليقضينه حقه غلى شهر فحلف ونوى إلا أن أغيب ولا أعدم وتكلم بذلك سرا فلا ينفعه، غلا أن يحلف له بالحرام متحاشياً امرأته فينفعه فى هذا لاختلاف الناس فى هذه اليمين. وفى كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا حلف له بالطلاق على قضاء الحق لم تنفعه محاشاة زوجته. قال ابن القاسم سواء استحلفه الطالب أو ضيق عليه حتى بدر باليمين فلا تنفعه النية ظهر أمره أو ترك، وكذلك إذا خاف ألا يتخلص إلا باليمين. فأما إن ابتدأه باليمين من غير أن يستحلفه أو يخرجه إلى اليمين فله نيته، وقد قيل ذلك سواء، لأنها وثيقة على كل حال فلا ينوى، إنما له النية والمحاشاة فيما حلف فيه من أمور نفسه كان على يمينه بينة أو لم تكن. قال أشهب وقد قيل فى يمينه بالحرام ليقضينه حقه غلى أجل كذا فقال حاشيت امرأتى إن ذلك له وإن كانت على يمينه بينة، وكذلك روى ابن حبيب. قال أشهب وسمعت ابن أبى حازم لا يجيز المحاشاه فى الزوجة فى الحرام ويقول هذه نية فى القلب. قال ابن سحنون عن أبيه: إذا حاشى امرأته وقد حلف لطالب يطلبه بحق، فإن قال له الطالب احلف لى بالطلاق وحلف بهذا لن تنفعه المحاشاه وكذلك لو قال له احلف لى ولم يقل بالطلاق فحلف له بالحرام فلا تنفعه المحاشاه أيضا لأنه غنما يريد بالطلاق واليمين للمستحلف. وروى أصبغ فى العتبية عن ابن القاسم فى الحالف على قضاء الحق بالحرام وعليه بينة فيقول حاشيت امرأتى، قال اختلف فيه، وبلغنى أن مالكا حنثه، وقال [4/ 55]
لى ابن أبى حازم وغيره إن ذلك ينفعه وهو رأيى وإن كانت على يمينه بينة. قال أصبغ وله فيه قول غير هذا. وفى سماع أشهب فيمن حلف بالحرام وقال نويت من المطعم والمشرب فذلك له ويحلف، وإن قال نوي طلقة لا ينفعه ذلك. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العتبية إذا استحلف بالطلاق ليقضينه إلى أجل كذا فحلف وقال نويت واحدة إن ذلك لا ينفعه، ولكن ينفعه بينه وبين الله عز وجل. ولو حلف بالله أو بالمشى إلى بيت الله أو الهدى وما لا يطلبه العباد فله نيته وثنياه. وأما إن تطوع لها باليمين من غير أن يحلفه، قيل فهذا يلزمه اليمين على ما أظهر ولا ينفعه ما أسره من لغز أو استثناء لا فى نذر ولا مشى ولا غيره مما يتطوع باليمين له. ومن حلف بالمشى إلى بيت الله ونوى مسجداً من المساجد، فإن كان فى غير مكر ولا خديعة فى حق فلا شىء عليه من إثم ولا غيره، وإن كان فى مكر أوخديعة فهو آثم ولا شىء عليه، وإن كان مستخفاً بها فى حق فعليه المشى ولا نية له. والمستحلف مظلوماً والحالف متبرعاً فى أن النية نيته. كذلك قال مالك والليث. ومن الواضحة: وكل حالف بالطلاق فى وثيقة حق مستحلفاً أو متبرعا ليتخلص من الطالب فلا ينفعه إن نوى واحدة حتى يسمع المحلوف له ذلك فى لفظ يمينه وإلا لم ينفعه ذلك فى الحكم وينفعه فى الفتيا وقد أثم، وسواء ادعى صاحبه أنه حلفه بالبتة او لم يدع، استحلفه أو تبرع له باليمين على الوثيقة له. وكذلك إن شرط لزوجته فى عقد النكاح إن نكح عليها طلاقها أو طلاق المنكوحة فلا ينوى فى واحدة منهم وهى البتة، أكذبته هذه أم صدقته، كانت اليوم حية [4/ 56]
أو ميتة. وهذا قول مالك وأصحابه وتفسير مطرف لى وابن الماجشون وأصبغ، وذلك ابن عبدوس عن ابن القاسم نحو ذلك فى الشرط فى النكاح تنازعه فى البتة فيها أو فى غيرها فهى مصدقة، وذكره عن مالك. قال وكذلك فى كل يمين بطلاق يأخذه صاحبه فى حق فهو البتة حتى يلفظ بأقل منها. وقال ابن الماجشون: وكذلك الشرط بطلاق المنكوحة أو بالحرام فهو البتة، وكذلك إن أنظره بدين على أن حلف له أو بايعه على ذلك، وكذلك لا ينفعه إلغاز إن حلف مع شاهده فى حق أو حلف فى قسامه أو فى رد اليمين يميناً أو فى غيرها فلا تنفعه النية بغير ما طلب منه، لكن على موقع ذلك من المحلوف له. وأما إن حلف لغريمه أو لزوجته من غير شرط فى عقد ولا أخذ عليه غريمه اليمين فالنية نية الحالف. ومن حلف لزوجته ليفعلن أو إن لم يفع فكما قلت لك إذا أخذ باليمين شيئا. ولو حلف لزوجته بطلاقها إن تزوج عليها ففعل قبل البناء فالزمه واحدة لأنه تبين بها، ويلزمه بعد البناء ثلاثا. ومن العتبية والمجموعة قال سحنون قال أشهب: ومن وخر غريمه بحقه على أن حلف له ليوفينه إلى رمضان فحلف ثم قال نويت رمضان قابل فهو حانث ولا تنفعه نيته. قال ابن القاسم وله نيته بينه وبين الله سبحانه. [4/ 57]
فيمن حلف بالطلاق أو العتاق مستحلفا أو متبرعا في حق أو شرط نكاح
فيمن حلف بالطلاق أو العتاق مستحلفاً أو متبرعاً فى حق او شرط نكاح، أو حلف لزوجته فنوى فى ذلك كله إحدى نسائه أو من سمى من ليس فيهن أو نوى أجنبية توافق اسم من عنده من وجة أو أمة أو قال امرأتى ونوى الميتة أو المطلقة من كتاب ابن المواز: ومن حلف فى حق وثيقة بطلاق فلانة أو بعتق فلان ولم يقل امرأتى ولا غلامى وسمى الاسم فلا ينفعه ذلك وهو حانث. قال ابن القاسم وهو كما لو قال امرأتى فلانة وعبدى فلان واحتج بمسألة مالك فى الذى وجد امرأة مع امرأته فضربها وحلف لأهلها بطلاق امرأته ونوى امرأة كان طلقها وتبرع باليمين فلم ير ذلك ينفعه. ولو كان فى غير حق انتفع بما نوى ما لم يقل امرأتى فلا ينفعه وذكر مسألة حكمه طالق وقال نويت جارية له تسمى حكمه، قال فإن حلف فى حق أو دفع عن نفسه أو كان على يمينه بينة لم ينفعه. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: وغن حلف بالطلاق فى مال ليدفعه وقت كذاوعنده نساء فقال نويت فلانة فذلك له وهى البتة فيها ويحلف ما أراد إلا هذه. ولو حلف بتحريم ما أحل الله له وقد علم من حلفه من عنده من الزوجات فهن أجمع طوالق البتة لأنه لم يخص بعضا دون بعض. وإذا لم يعلم الذى حلفه بعدد من عنده وقال لم أنو أن أعم وإنما أردت واحدة غير معينة حلف أنه لم يرد أن يعم ولا نوى واحدة بعينها وقيل له طلق من شئت منهن البتة، ولو قال نويت واحدة بعينها طلقت عليه بالبتة بعد يمينه ما نوى غيرها ولا عم. [4/ 58]
ولو قال حلفت له فى حقه بطلاق زينب ونويت واحدة وليس له زينب فإنه تطلق عليه واحدة يختارها بعد أن يحلف ما نوى واحدة بعينها إلا ما نوى من التى ليست عنده ولو قال حرم على ما حل لى وصاحبه لا يعلم أن له أكثر من واحدة وقال أردت زينب وسميتها له ولم أرد واحدةً ممن عندى فإنه تطلق عليه نساؤه أجمع بالبتة. ولو علم مستحلفه أن له امرأة تسمى زينب فحلفه بطلاقها وقال امرأتى طالق وله عمرة بنية الحالف، وإن نوى فى عمرة خاصة طلقة واحدة فذلك له. قال أبو محمد لأنه لم يستحلف بها. وقال المغيرة فيمن طلق امرأته واحدة وخطب غيرها فقيل له إن لك امرأة فحلف بالعتق ما له امرأة، فغن زوجوه حنث فى الرقيق لأنها يمين أخذ بها حقاً ولنهما يتوارثان، فإن لم يزوجوه فغنه ينوى فإن نوى ليس لى زوجة لموضع الطلاق حلف على ذلك ولم يحنث. قال ابن نافع عن مالك فيمن خطب امرأة فقيل له طلق زوجتك وهى أم ولده فأبى وأبوا فتركها حتى نكح غيرها، ثم خطب المرأة فلم ترض حتى يطلق زوجته يعنى الأولى ففعل وأشهد من حضر أن امرأته طالق البتة إذا ملك نكاح هذه وهو ينوى الآخرة ولا يظنون أن عنده غير الأولى، قال له نيته ويحلف، وهو كخاطب شرط طلاق امرأته وعنده امرأتان وهم لا يعلمون إلا أولهما، فهو ما نوى. ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب: ومن عوتب فيما صنع بامرأته فحلف بالطلاق والعتق ما صنع بها شيئاً، ينوى بامرأة أخرى، لم ينفعه ذلك فى القضاء ولا فى الفتيا. ولو قال امراتى وسمى اسمها وقال أردت سميةً لها فى عصمته فذلك له [4/ 59]
فيما ينفع من النية في أيمان الطلاق والعتاق في الفتيا ولا ينفع في القضاء
فى الفتيا لا فى القضاء. ولو قال امراتى ونوى التى طلقها أو ماتت لم ينفعه فى الفتيا ولا فى القضاء. قال ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك ومن حلف للسلطان طائعاً بطلاق امرأته فى أمر كذب فيه وجاء مستفتياً وقال نويت امراة كانت لى لم ينفعه ذلك وتطلق عليه امرأته. وكذلك فى كتاب ابن المواز. قال ابن عبدوس قال أشهب وإن حلف لغريمه فقال غزيل طالق إلا وفيتك حقك فحنث وامرأته غزيل وجاريته غزيل وقال نويت الجارية فلا ينفعه وقد حنث. وكذلك رواها سحنون فى العتبية من ابن القاسم وأشهب، وكذلك فى كتاب ابن المواز فيمن ابتاع سلعة على أن يحلف بالطلاق ليوفينها ثمنها وسمى جاريته وهو يوافق اسم زوجته. ومن المجموعة وغيرها روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن ضرب امرأة اتهمها مع امرأته فطالبه قومها وحلف بالطلاق والمشى ما ضرب فلانة ينوى امرأة غيرها فلا ينفعه ما نوى، وقد حنث بالطلاق والمشى. فيما ينفع فى النية فى أيمان الطلاق والعتاق فى الفتيا ولا ينفع فى القضاء، وما ينفع فى الطلاق والفتيا وذكر الشك فى الحنث من كتاب ابن المواز ومن ادعى نية فى يمينه فى غير ما تقدم ذكره من اليمين لوثيقة حق أو شرط أو تأجيل دين وشبهه فله نيته إلا أن منه ما إن قامت عليه بينة لم ينو كمن حلف بالطلاق إن فعلت كذا ثم قال نويت شهرا أو حتى يقدم أبى فيصدق فى الفتيا مع يمينه ولا يصدق فى القضاء إن قامت على يمينه بينة. ومن [4/ 60]
ذلك ما يقبل قوله فى القضاء، يريد وإن قامت عليه بينة، مثل أن يحلف لزوجته بطلاق من يتزوج فى حياتها أو يكون ذلك شرطاً فى أصل نكاحها فتبين منه ثم يتزوج ويقول نويت ما كانت تحتى فيصدق. ومثل أن تحلف هى بالحرية لا دخل على من أهله أحد فلما مات قال نويت ما دام حيا فذلك لها. وأما لو حلف بعد أن طلقها فمذكور فى باب ثالث من هذا. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن طلق امرأته واحدة ثم حلف بالبتة إن راجعها فأراد نكاحها بعد العدة وقال نويت أن لا أرتجعها فى العدة، قال ذلك له ويحلف إلا أن تكون عليه بينة، وقيل إنما ينفعه ذلك فى الفتيا، فأما إذا دفع لم ينفعه كانت على يمينه بينة أو لم تكن إذا أقر بيمينه لا ينفعه ما نوى. قال ابن القاسم وإن لم تكن له نية فهو حانث. وقوله إن ارتجعتها أو إن أرجعتها سواء. قال أصبغ فى العتبية عن ابن القاسم وإن راجعها وقال نويت أن لا أراجعها بنكاح جديد، قال لا يصدق إلا أن يتكلم بذلك بيانا. قال أصبغ: وكذلك إن حلف إن تزوجها فمخرجه الارتجاع من طلاقه حتى يظهر طلاقه ببيان أو بسبب أو بساط له مخرح. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن حلف ألا يطأ جاريته فإن الفرج خاصة فله أن يطأ ما بين الفخذين وعلى الفرج ولا يقرب الدبر إلا أن يحاشيه، فإن لم تكن له نية فلا يقرب ما تحت الإزار منها. [4/ 61]
وعمن حلف لعبده بعتقه إن أدخلت بيتى قصباً فأدخل العبد بيته حصير قصب اشتراها، فإن حلف السيد ما أراد إلا القصب الذى يوقد به وما أراد الحصر فلا شىء عليه. ومن العتبية قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن قال لأمرأته إنى كنت حلفت لا فعلت كذا ثم فعلته، ورجلان يسمعان إقراره، إنه يلزمه ولا ينفعه ما نوى. قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن رمى امرأته بعصا فعوتب فحلف بالطلاق ما ضربها بيده فهو حانث إلا أن ينوى ما ضربها بيده بلطمة ونحو ذلك من ضرب الناس فله ما نوى، ولو كانت عليه بينة ما دينته قال بيده أو لم يقل. ومن سماع ابن القاسم فيمن حلف فى ولدته بالطلاق أنها فظة غليظة عليه قال يدين ويحلف. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية قال مالك فيمن أعطى بسلعته عشرة فحلف بالطلاق ما قامت بعشرة وقد قامت بأقل فقد حنث إلا أن ينوى الكرى والمؤنة فذلك له مخرج وإن لم يسمه. ومن كتاب ابن المواز عن مالك: ومن عوتب فى إدخال يده فى كوة فحلف ما أدخل يده فيها يعنى بسوء وريبة فله نيته وليس هذا بسوء، وكذلك دخول البيت. وعن عبد يعمل فى الحائط فحلف بالطلاق ما جنى ثمرة واحدة فشهدت بينة أنه وصاحبه جنيا يوما رطباً فذهبا به إلى منزلهما وبقى فى المريد قدر صاع نوى فاشتريا به لحما، فقال لم أنو ما وسع لنا فيه، إنما نويت الخيانة، وقد قال [4/ 62]
وكلاء سيده قد وسعنا فيه للقومة، قال يحلف ما أراد إلا ما خان وسرق ولا شىء عليه. وعن أجير زرع حلف لا خان فيه قدراً يدريه ثم عمد إلى التبن فأعاده فخرج له منه شىء فأخذه فإن كان ذلك التبن تركه ربه لا يريد معاودته فلا شىء عليه وهو مثل اليسريت يريد السنبل يلقط خلف الحصادين. محمد: وذلك إن علم بذلك رب الزرع. ومنه ومن المجموعة عن مالك وهو فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك قال فيمن سأل رجلا حاجة لعبد الله بن عمر وله أخ اسمه سعيد بن عمر فعوتب فى طلبه لابن عمر حاجة فحلف بالطلاق ما طلبت لابن عمر حاجة يعنى سعيد ولا مشيت معه وأقر عند قوم بالمشى مع ابن عمر قبل يمينه، فقال إنما مشيتمع عبد الله وإنما يمينى على سعيد أخيه فذلك له ويدين ويحلف، كان على يمينه بينة أو لم تكن، وهما كأجنبيين اتفق اسمهما واسم أبيهما. قال ابن القاسم فى المجموعة وكتاب ابن المواز وما يعجبنى، وقد سمعت من مالك فيما يشبهه أنه حانث وإن كان قاله فلعله رجع عنه. قال أحمد بن ميسر والأول أجود. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز والعتبية روى اشهب وابن نافع عن مالك فيمن حلف لامرأته فى جارية له تغار عليه فيها، يريد بعتقها، أنه لا وطئها ونوى برجله أولا يطأها ينوى على بطنها، قال أكره هذا وهذا ينوى، قال غيره قال فى كتاب ابن المواز أرجو أن ينفعه إلا أن تقوم عليه بينة فيعتق. [4/ 63]
وقال سحنون فى المجموعة إن له نيته. وكذلك أن نوى غيرها فى يميمنه لا وطئتها. ومنه ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن عاتته امرأته فى جوار له يطؤهن فوضع يده على ثياب لهن فقال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة يريد أثمان الثياب يلغز بذلك فلا شىء عليه فيهن، ولكن إن فعل تصدق بتلك الثياب فقط إلا أن ينوى كل ثوب لهن. ومن كتاب ابن المواز وابن عبدوس روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف لامرأته بعتق كل امرأة يشتريها يتخذها عليها، ونيته ألا يمسكها إلا اليسير، فهل يشترى الجارية يمسكها الشهر قال لا إن لا يطأها. قال ابن القاسم فيمن ابتاع جارية فسأله رجل أن يوليها له فحلف بحريتها إن كان اشتراها بدينار أو بدرهم ونيته أكثر قال هى حرة. ومن كتاب ابن المواز قال: ومن قال فى امرأة طلقت منه إن تزوجتها فتزوجها، وقال نويت طلاق الولادة فلا ينفعه ذلك. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فى عبد أراد قيم سيده أن يقيده فحلف بالطلاق أنه لا أبق إلى أهله، فقيده فكسر القيد ثم أبق إلى أهله فأقام عندهم سنين ثم أبق من عندهم إباقا بيناً وقال نويت أن لا أبق يومئذ من موضع كنت به إلا إليكم، قال مالك يحلف وله نيته فى ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لامرأته إن دخلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك، وكانتا فى بيت فخرجت الأم عنها فمنع البنت من الخروج إليها وقال [4/ 64]
إنما نويت ما كنتما فى بيت، فأما إذ خرجت فلم أحلف عليه فله نيته ويحلف، وإن نكل فلها الخيار، فإن قضت بالبتة فله أن ينكرها، وإن كان فى عقد النكاح فلا نكرة له، وإن تبرع بها بعد البناء فله نيته ويحلف فإن نكل فالقضاء ما قضت. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لمن استأجره أنك ما واجرتنى على أن أعمل لك بمعول كما تدعى، فإن كلن على يقين من ذلك فلا شىء عليه. ومن قالت له امرأته فى حمام اشتراه لمن نهيتك عنهم، فحلف بالطلاق ما اشتريتهم لمن تظنين، فقال يحلف لها ما اشتراه لمن ظنت إن طاوعها فى اليمين. ومن سماع أشهب: ومن استعار زوج حمام ففرخ عنده فرد الذكر والأنثى الذى استعاره ثم وجد عنده فرخاً ادعى المعير أنه فرخه وحلف فيه بالطلاق فأنكره المستعير فليحلف المعير بالله إنه لفرخه بعينه، يريد ويدين فى اليمين، ولا يأخذ الفرخ إذا حلف المستعير بالله إنه له. قال ابن المواز: ومن حلف بيمين ثم شك فى بره أو حنثه فهو حانث ما لم تكن يمينه بالله تبارك وتعالى. وفى الجزء الثانى باب فى الشك والبر والحنث. [4/ 65]
ذكر ما يرد فيه الحالف الى معنى يمينه وبساطه وإن خالف لفظه
ذكر ما يرد فيه الحالف إلى معنى يمينه وبساطه وإن خالف لفظه وما لا يلزمه من اللفظ الذى ليس هو معصية أو ما يجرى له من اللفظ على الغلط من الواضحة ابن الماجشون: ينبغى إصراف اللفظ إلى معنى مخارجه وإلا بطلت الأمور، قال الله سبحانه [فاعبدوا ما شئتم من دونه] وقال [فاسجدوا لله واعبدوا] وهذا أمر والأول نهى واللفظ سواء، وهذا فى القرىن كثير. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا لم يكن ليمين الحالف سبب يدل على مقصده ولا ادعى نية فيما ينوى فيه حكم عليه بلفظه بعينه وبذلك الاسم، يريد وإذا كانت نية أو بساط أو مقصد عرف منه صرف إليه وإلى معناه. ومن كتاب ابن حبيب والعتبية قال مالك فيمن باع حماماً فسئل عن هديره فحلف بالطلاق إن كان يسكت وقال نويت أنه يكثر الهدير ولم أشك أنه يسكت، وفى رواية أخرى أنه احتج بقول النبى صلى الله عليه وسلم فى أبى الجهم أنه لا يضع عصاه عن أهله. قال ابن حبيب وكذلك قال مالك فى الذى ذكر له وطؤه لأهله فحلف بالطلاق أنه ما ينزل عن بطنها وقال أردت كثرة الوطء فلم يرد عليه شيئا. قال ابن الماجشون وكذلك قال المغيرة وجميع كبرائنا فى هذا الأصل، وقاله مطرف وأصبغ، وقاله أصبغ عن ابن القاسم. [4/ 66]
ومن كتاب ابن سحنون روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شجر بينه وبين أختانه شر فسألوه طلاق أختهم فقال إن قلت فى اليوم هى طالق فأتوها فقالوا لها طلقك زوجك ونقلوا متاعهم إليهم ونقلوها وهى لا تعلم ما كان، ثم قالت والله ما علمت ولا انتقلت من هواى وإنما قالوا لى طلقك زوجك. قال إن عرف ذلك وشهد على ما قالت فلا طلاق عليها، وقال سحنون هى طالق ولو علم ذلك وشهد عليه لم ينفعه. قال ابن حبيب فى رجل دفن مالاً ولم يجده وغلط بموضعه فحلف لامرأته بالطلاق ما أخرجه غيرك فأنكرت، ثم وجده فى موضع آخر، فأفتى مالك والمغيرة وغيرهما أن لا حنث عليه لأن مقصده إن كان ذهب فلم يأخذهغيرك فهو لم يذهب. ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن وضع دراهم فى بيته فلم يجدها فى فرشه فأتهم بها زوجته فأنكرت فحلف بالطلاق ما أخذها غيرك ثم وجدها تحت مصلاة وضعها تحتها ونسى، فقال يحنث. فقيل له فى ذلك فتعجب ممن يقول لا يحنث، وكان ابن دينار لا يحنثه، فدخلنا على مالك فقال يحنث. ومن المجموعة والعتبية وغيرهما روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن رفع قرطا عند امرأته فصرته فى خرقه ثم سألها خرقة ليصر فيها دواء فأعتطه تلك الخرقة ونسيت القرط فرماها فى البيت ثم صر فيها الدواء بعد يومين روفعها فى زنفليجته ولم يدر بالقرط، ثم طلب القرط من زوجته فطلبته فلم تجده فحلف بالحرية إن لم يكن ضاع منك أو سرق، قال لا شىء عليه. وكذلك لو لم يلق الخرقة إلا على وضع التناول ووضعها فى الزنفليجة فأرجو ألا شىء عليه. [4/ 67]
قالا عن مالك فيمن يسأل رجلا دينارا فدار له على الطالب دراهم، فقال قاصصنى بها وإلا فخذها وهات الدينار، فصمت ثم غاب ثم قدم فعوتب طالب الدينار فى الرفق بغريمه، قال لى عليه دينار قد تركته له فقيل له أنه قال غير هذا فحلف طالب الدينار بالحرية ما أخذه منه ثم ذكر القصة فذكر، وقال لم أحبس ماله عندى على القصاص، قال يحلف على ذلك ولا شىء عليه. ومن الواضحة: وقالوا يعنى مالكا والمغيرة وغيرهما فى رسول بدنانير إلى رجل فنقصت دينارين فحلف بالطلاق ما بعث معى غير هذا ففتشوا فى لف الثوب فإذا بالدينارين فلم يروا عليه شيئا لأن قصده أنى ما احتجت منها شيئا. ومنه ومن العتبية وكتاب ابن المواز ورواها ابن القاسم وقال مالك فيمن سأل عبده فى خرج فقال بعته من أخيك فلم يصدقه فحلف العبد بالطلاق لقد أرسل إلى فيه أخوك فبعته منه، ثم تذكر أنه لقيه فباعه منه ولم يرسل إليه فلم ير عليه شيئا لأن معناه أنه لم يخبئه عنه ولقد باعه. ومن هذه الكتب قال مالك فيمن تسلف من رجل ديناراً فوجده ناقصا فسأله بدله فحلف ما معه ألا أنقص منه، ثم فتش فإذا معه مثل وزنه فلا شىء عليه، لأن معناه ما هو أوزن منه. ومنها أيضا قال مالك فيمن سال سلف عشرين ديناراً فحلف ما معه فى كمه أو تابوته إلا عشرة دنانير ثم نظر فيه فلم يجد إلا تسعة فلا شىء عليه. قال ابن القاسم ولو وجد أحد عشر لحنث. [4/ 68]
ومن كتاب ابن المواز: وكذلك من سئل سلف خمسة دنانير فحلف ما معه غلا خمسة دنانير، فنظر فى كمه فلم يجد إلا أربعة دنانير فلا شىء عليه. ومن الواضحة عن مالك وذكرها العتبى من سماع ابن القاسم فيمن جاء بزيت فسمطته امرأته فحلف بالطلاق لألقينه فى البلاعة فالقاه دونها فلا شىء عليه لأن قصده إتلافه. وقال ابن حبيب قال ابن الماجشون وسواء تعمد طرحها دون البلاعة أو سقط من يده دونها فلا شىء عليه. ومن سماع ابن القاسم عن مالك فيمن قال لجلاب أدخلت غنمك السوق يوم الأحد فحلف بالطلاق لقد ادخلتها يوم الجمعة يريد قبل الجمعة فإذا هو أدخلها يوم السبت فلا شىء عليه. ومن موضع آخر من كتاب ابن المواز قال مالك أخاف عليه. قال ابن القاسم لو كان إلى لم أر عليه شيئا. قيل لمالك فلو حلفه الوالى قال هو أخف، ومسألة جلاب الغنم هذه فى العتبية رواية أبى زيد عن ابن القاسم مثل رواية ابن المواز. ومن الواضحة عن مالك وهى من سماع ابن القاسم فى العتبية ذكرها ابن كنانة عن مالك فيمن سال رجلا سلفا فتوقف فحلف بالطلاق مالك منى بد، فرجع فأسلفه، قال لا شىء عليه، إذا أعطاه حنث وإذا منعه حنث، ليس هذا الذى أراد. وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم فى صيرفى سأل فى سلف دينار فحلف بالطلاق ما فى تابوته درهم، وتابوته مملوء دراهم وإنما أراد دينارا، قال [4/ 69]
لا شىء عليه. وذكرها عيسى عنه فى العتبية فيمن سال سلف درهم فحلف ما فى تابوته دينار ولا معى دينار وفى تابوته دينار ومعه دينار، وإنما أراد يقول درهم فغلط فلا شىء عليه وكذلك لو حلف لقد لقى أمس عبد الرحمن بن عبد الله وإنما أراد عبد الله بن عبد الرحمن فغلط. ومن كتاب ابن المواز: ومن أراد أيحلف أن لا يبيع سلعته إلا بعشرة فأخطأها فحلف لا باعها إلا بأثنى عشر فلا يبيعها إ بأثنى عشر، وإن قال إلا بثمانية وغنما أراد أن يقول إلا بعشرة فليبيعها بثمانية ولا شىء عليه. قال عيسى عن ابن القاسم وذكرها ابن حبيب فى رجل خرج يطلب خلاص رماك ختنه من المعسكر فقال لمن هى بيدههى لختن بكير النفزى فقالوا له هى للجند وليست للبربر وإلا فاحلف، فحلف بالطلاق ما هى إلا لختنة بكير النفزى، ثم سأل عن بكير فإذا هى من مصمودة وكان يظنه من نفزة، قال لا شىء عليه إذا كان استحلافهم له أنها ليست للجند لا على أنها لنفزة. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن أعار لأبن أخيه مضمداً ثم امتنع عن رده وقال هو لأبى، فحلف عمه ما هو إلا مضمدى عملته بيدى ثم ذكر أنه لم يعمله وأنه أخذه معاوضة من مضمد عمله بيده، قال هو حانث لأنه أراد بذكر عمل يده ليكون شاهداً لتصديقه، وقال اشهب لا شىء عليه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه سئل عن رجل ألا ينام زيداً ولا يواكله ولا يشاربه، فكان الحالف يشرؤب وزيد لا يشرب قاعد لا يشرب معه، وغذا أكل لا يأك معه على مائدة، ويعطى زيد طعاما فى صفحة فيتنحى فى ناحية البيت يأكل فغذا اراد أن يشرب خرج بالشراب فشرب خارجا ثم يعود فيقعد مع الحالف، قال لا أراه إلا وقد حنث، والحالف فى مثل هذا إنما قصده ترك ما كان عليه مع صاحبه وما هذا بترك. [4/ 70]
باب آخر من رد الحالف إلى المقاصد والمعاني
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من حلف لا يأكل فى المسجد شيئا من ماله، فكان ياكل فيه من طعام أصحابه، فخرج على باب المسجد فأعطاه رجل قرصة فدخل المسجد فأكلها فيه فلا يحنث، قيل قد صارت من ماله قبل أكله. وقال وهو إذا رفع اللقمة فى أكله مع صاحبه صارت من ماله، وذكرها العتبى عن أصبغ عن أشهب، وأنها نازلة سئل عنها أشهب. باب آخر من رد الحالف إلى المقاصد والمعانى وما يدخل فى ذلك من الغلط والنسيان من كتاب ابن حبيب قال مطرف فى رجل قال لرجل بلغنى أنك رفعت على للساعى أن عندى صدقة، امرأتى طالق لأرفعن عليك، فحلف له ما فعل، فترك أن يرفع عليه حتى عزل الساعى، قال لا شىء عليه لأن مراده إن كان فعل، فلما خبر علم أن ذلك لم يكن فلا شىء عليه. وقال ابن الماجشون قد حنث لأنه حلف على تصديق من أخبره ولا ينفعه غن رفع عليه عند ساع آخر. قال ابن حبيب غن تحقق عنده أنه لم يرفع فأستحب قول مطرف، وغن شك فقول عبد الملك أحب إلى. قال ابن الماجشون: ومن ابتاع ثوبا فدفع الثمن إلى أخى البائع منه يظن أنه مبايعة فطلبه البائع فقال له دفعت إليك فأنكر فحلف بالطلاق لقد دفعت إليك، فقال لعل إلى أخى فاعترف، فقال الحالف ما ظننت أنى دفعت إلا ألى الآخر، قال لا شىء عليه لأن مقصده لقد برىء منه وما حاسبه. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن اشترى ثوبا بدينار ودرهم فاراد بيعه مرابحة فاستحلفه مبايعة بكم أخذته، فحلف بالطلاق لقد أخذته بدينار ونسى الدرهم فلا شىء عليه لأن مقصده لم يشتره بأقل من دينار ولم يقصد إلى أكثر. [4/ 71]
وقال ابن نافع عن مالك فيمن ضاع له كتاب بذكر حق فساله البينة تجديده فتوقفوا فحلف بالطلاق ما يعلم أينه وما هو فى بيتى، ثم وجده فى بيته، قال لا شىء عليه إذا كان مراده أنه لا يدرى مكانه ولا أنه عنده، يريد فى علمه، وأنه لم يكن يكتمه. فيرجو أن لا شىء عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن واجر عبداً سنة فحلف له العبد بالطلاق ما خرجت من عندك فأراد مستاجره أن يخرجه ويعطيه الإجارة كلها فذلك له ولا حنث على الأجير إن لم يقبل ذلك منه، ولكن لا يعمل عند غيره لأجل يمينه. قال مالك فى امرأة كانت تبيت مع عمها فى سطح ثم نزل ليلا يضيق عليها فحلفت بالحرية ليبيتن معها فى السطح ففعل، ثم مرض فنزل إلى الكن، قال فلتنزل هى فتبيت معه. قال ابن القاسم لا شىء عليها إن لم تنزل، وإنما أرادت وجه الضيق لا وجه المن. قال مالك فى المطلوب يطلب منه اليمين فحلف بالطلاق لأحلفن لك فى الجامع، فمضى معه فكلم فيه فحلف معه فى بعض المساجد فلا شىء عليه. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن سأل النقيب امراتك حاضرة فحلف بالطلاق إن لم تكن فى البيت وقد كان تركها فى الحجرة فلا شىء عليه، الحجرة يكون فيها الإذن ويقطع من سرق منها. أرأيت لو كانت فى الخزانة أو فى المغتسل. [4/ 72]
ومن كتاب ابن المواز وقال ابن عبدوس فيها عن سحنون: وهذه المسألة على البساط. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن دعا صباغاً يصبغ له شيئا فى بيته فقال لا آخذ منه شيئا فحلف ليعطينه فذهب به إلى داره فوجد صباغا آخر يصبغ ذلك وأدخله حين جامعه فانصرف المحلوف عليه فغن كان هو الذى رجع وأنى العمل من غير ان يرده رب الدار لم يحنث، وإن رده ولم يتركه يعمل فليعطه وإلا حنث. قال وإن نوى لأعطينك إن لم يكن عمل فله نيته، وإن لم تكن له نية حنث غن لم يعطه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه قال فيمن حلف ليقيدن غلامه سنة ثم مات الغلام فلا شىء عليه، لن مقصده فى يمينه إن عاش. وقد قال مالك فى الحالف لا وطئها حتى يفطم ولدها فمات الولد قبل ذلك فلا شىء عليه لأن معناه إن عاش، وإن كان نيته حولين كاملين دخل عليه الإيلاء. وقال فيمن له صك بدين فتلف فسأل البينة الشهادة فأبوا فحلف بالطلا قلا يعلم موضعه وما هو فى بيته ثم وجده فى بيته فلا شىء عليه لأنه إنما أراد فى علمه وإن لم يكن ذلك لحنث. قال عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف لأقضينك حقك غداً يوم الجمعة وكذلك يظنه وهو يوم الخميس فغن لم يقضه فيه حنث. وكذلك لو قال يوم الجمعة غدا لأن عجل يمينه على غد يعنى التعجيل. وفرق أهل العراق بين قوله غداً الجمعة والجمعة غدا، وهذا باطل. قال أصبغ إلا أن يستثنى يقول إن كان غدا الجمعة استثناءً يتكلم به يسمع نفسه وإلا لم ينفعه. وقاله كله سحنون فى كتاب ابنه. [4/ 73]
وهذا باب أيضا فيما يرد فيه الحالف إلى نيته
ومن المجموعة: ابن نافع عن مالك فيمن باع لرجل بعيراً وحلف له بالطلاق إن ذهب من دراهمك شىء إلا درهماً ونصفا ثم ذكر أنه بقى عند الصراف قيراط حين وازنه أبى أن يعطيه إياه، فغن أراد أنه لم يخنه ولا ذهب له شىء فلا شىء عليه. وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف لا يشهد لرجل من أهل حبس فى ذلك الحبس فساله غيره من أهل ذلك الحبس أن يشهد له، قال لا يفعل إلا أن يجيره السلطان على ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق لا أسلف رجلا إلا نصف دينار فتسلف الحالف لنفسه ديناراً فأسلفه للرجل قال قد حنث. وفى كتاب العتق مما جرى فى الأيمان به كثير من معنى هذا الباب ومعنى الذى قبله، وفى غيره شىء من أبواب مختلفة فى وجود الأيمان. وهذا باب أيضا فيما يرد فيه الحالف إلى نيته من المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف ألا ينكح عبده، فنكح بغير إذنه، فغن لم تكن له نية حنث، وإن نوى بإذنه لم يحنث. ومن حلف لا يختلى بامرأنه فاختلاها فى بيته وقال نويت فى بيتها فذلك إلى نيته. ومن حلف لامرأته أن لا يتهمها بأحد من ولد أبيه ثم ذكر أن رجلا ولدته امرأة من ولد أبيه وإنما نيته على فخد من ولد أبيه فذلك إلى نيته ولا شىء عليه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع لامرأته ثوبا بدينار فسخطته فحلف بالطلاق لئن رددته إن كسوتك ثوباً بدينار، ينوى بأكثر أو [4/ 74]
بأقل، فذهب ليرده فلم يقبل بائعه أو بدا لهذا فى رده فلا شىء عليه حتى يقبله بائعه. ولو حلف ليردنه فلم يقبله بائعه لكان قد حنث. وإن كان البائع حلفه ألا يرده عليه فرده عليه فلم يقبله لحنث، لأنه إنما كره رده وشغبه، فهذه وجوه تختلف فتحل على سببها ومساقها. قال ابن سحنون عن أبيه إذا رده ولم يقبله البائع فقد لزمته اليمين. وروى موسى عن ابن القاسم فى رجل تأتيه نفقته ونفقة امرأته من أبيه فحلف بالطلاق لإن أنفقت عليك اليوم فأتى من عند أبيه فى اليوم طعام فتأكله، فغن كان مما لو شاء منعه فقد حنث، وإن كان لا يقدر على منعه دين. فإن نوى من عندى لا ما يجرى أبى فلا شىء عليه، وغن أراد تلك النفقة التى يبعث الأب فقد حنث وهو لا يقدر على منعه، وإن لم تكن له نية وهو لو علم به لم يقدر على منعه فى شىء عليه. وروى أبو زيد فيمن قال لأمته إن لم ألتمس الولد منك فأنت حرة، أو لأمرأته فأنت طالق، فقال أشهب لا شىء عليه إن لم يعزل، وله أن يبيع بعد الوطء. قال أصبغ فيمن أنكح ابنته بمائة دينار مهراً فحلف بالطلاق إن نقصه منها شيئا ثم ناداه على أن لا يتبعه بنقد ولا كالىء وادعى أنه إنما أراد أن لا يبتنى بها إلا بتمام المائة، قال يدين إذا خرجت يمينه على ذلك وعلى نيته فيه ولا يحلف، ولو استحسن قائل اليمين لم أر به بأسا. قال لو نكحها ثانية بأقل من مهر مائة حنث، كمن باع سلعة ثم سأل أن يحط فحلف لا باعها منه يريد ليفاسخنه ففاسخه فلا ينبغى له أن يبيعها منه بشىء، فإن فعل حنث. [4/ 75]
فيمن حلف على فعل شيء أو تركه، هل يبرأ ويحنث بفعل بعضه أو تركه
ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لامرأته بعد أن بانت منه إن مسست امرأة ما عشت فهى طالق، فتزوجت ثم طلقها أيتزوجها؟ قال نعم إن شاء، وأما غيرها فلا ما عاشت، لأنه حلف بعد أن فارقها. وإن كانت يمينه وهى عنده لنوى إن أرادت ما عاشت عندى ولم أرد أن أفارقها وأقيم بلا شىء. قيل لابن القاسم فيمن حلفلا يتزوج ثبيا فتزوج بكرا قد طلقت قبل البناء، قال أن نوى أن لا ينكح من نكحت قبله فلا يتزوجها، وإن نوى تزويج الأبكار لنهن أنتق أرحاماً وأعز خلقاً فله أن يتزوجها. فيمن حلف على فعل شىء أو تركه هل يبرأ ويحنث بفعل بعضه أو تركه؟ قال أبو محمد: من قول مالك وأصحابه ان يحنث الحالف أن لا يفعل بأقل الفعل، وأن الحالف لا يفعل كذا لا يبر إلا بفعل جميعه، لأن من حلف أن لا أكل هذا الرغيف فأكل جزءاً منه محلوفاً عليه الا يأكله فما أكل منه حنث به. وإذا حلف ليأكلنه فلا يبر إلا بأكل جميعه، لأن كل جزء منه محلوف عليه ليأكلنه، فباقيه لم يبر فيه، إلا أن ينصرف اللفظ عن ظاهره بمعنى يقصد إليه وينويه. قال سحنون فى العتبية قال أبو يوسف للمغيرة لم قلتم فيما حلف بالطلاق ألا ياكل هذه البيضة فاكل بعضها إنه يحنث وإن حلف ليأكلنها لم يبر إلا بأكل جميعها؟ فقال: ذلك يجرى على بساط الكلام ومعانى الإدارة. فلو أن رجلا يكره أختا له ويباعدها فحلف بالطلاق لا أكل لها بيضةً فبعثت إليه بيضة [4/ 76]
لحنث بأكل بعضها إلا أن يعلم أنه كره أمرها إلا أن يدل بساط على مقصده. ولو كان به ضعف فداووه من يكرمه من أهله على أكل بيضة تقويه من ضعفه وقالوا لنا تصبر لنا على أكلها ولا بد منها فأكل بعضها فلا يحنث لأنه قصد كراهيته إيعابها لمشقة الأكل عليه لا لكراهية أكل شىء منها. قال مالك فى كتاب ابن المواز من حلف لا أكل هذا القرص كله فأكل بعضه فقد حنث ولا ينفعه قوله كله. قال سحنون فى كتاب ابنه فى الطلاق فيمن حلف ألا يهدم هذا البئر بالطلاق فهدم بعضها إنه حانث قال إلا أن يشترط فيقول إن هدمتها كلها فهذا لا يحنث إلا بهدم جميعها. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال إن صلى ركعتين فامرأته طالق فصلى ركعة ثم قطع أو أحرم ثم قطع فقد حنث، وكذلك يمينه لا صام غداً فبيت الصوم حتى طلع الفجر فقد حنث وإن أفطر. قال مالك في الحالف بالطلاق ليتزوجن على امرأته فلا يبر بالعقد دون البناء، فإن قال إلى شهر فتزوج في الشهر ودخل بعده فقد حنث، ولو قال إن تزوجت لحنث بالعقد. قال المغيرة في المجموعة في الحالف ليتزوجن فلا يبر بالعقد إلا أن يكون له بساط. وفي سماع أصبغ قال أصبغ حلف لا لبس لامرأتة ثوبا، فلما أدخل طوقه في عنقه عرفه فنزعه، أو حلف لاركب دابة فلان فأدخل رجله في الركاب [4/ 77]
واستقل عن الارض وهم أن يقعد على السرج ثم ذكر فنزل، فروى ابن وهب عن مالك أنه حانث، قال ولو ذكر حين استقل من الارض ولم يستوعليها فلا شيء عليه إلا أن يكون استوى عليها. ومن سماع ابن القاسم وعمن حلف في رجل شتمه ليكتبن بينة عليه ويرفعها فهل يبر برفعها دون خصومته قال لاحتى يخاصمه ويقاعده. ومن دعته امرأته إلى الفرقة فقال إذا أخرجت إلي التاع الذي لي عندك فأنت طالق، فرضيت فأخرجت بعضه ثم ندمت فقد لزمه الطلاق ولتخرج باقيه. وروى عيسى عن ابن القاسم قال مالك فيمن حلف بالطلاق ليتزوجن على امرأته امرأة يمسكها سنة، فتزوج امرأة أمسكها أحد عشر شهرا ثم ماتت، قال يتزوج أخرى يمسكها سنة مبتدأة. وقال سحنون يجزيه أن يحسبها بقية السنة الأولى. قال ابن القاسم: ومن حلف ليتزوجن عليها إلى سنة فتزوج قبل السنة فماتتقبل السنة ولم يبن بها فليتزوج أخرى قبل السنة ويدخل بها قبل السنة وإلا فقد حنث، كانت التى تزوج حية أو ميتة، وإن دخل بها قبل السنة بر. وعمن باع من رجل سلعة ثم سأله رجل أبعتها؟ فقال لا، فقال إن كنت لم تبعها فامرأته طالق، فإذا هو باع أكثرها وبقى اليسير، قال هو حانث. ومن سماع أبى زيد عن ابن القاسم: ومن حلف بطلاق زوجته إن أعطيتنى الوديعة التى عندك فأعطته مائة فقال بل هو مائتان، قال يحنث، وهو فيما بقى مدع: ولو قال أنت طالق إن أعطيتنى المائة التى أودعتك فوعدته ثم أعطته خمسين ثم امتنعت، قال تغرم الخمسين الأخرى بإقرارها وقد حنث، وإن جحدت فلا شىء عليها وتطلق عليه. [4/ 78]
ومن حلف بالطلاق ليتسرى عليها فاشترى جارية فوطئها، قال فقد برىء قال يريد بالوطء مراراً كمن يريد حبس جارية. قال ابن القاسم مرة أو مرارا سواء أراد حبسها أو لم يرد. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم وعمن أرادت زوجته أن تخرج إلى أهلها فحلف لتبيتن معه هذه الليلة فى هذا البيت فباتت فيه فخرجت إلى دكان بباب البيت فباتت عليه وإنما نيته لا تذهب إلى بيت أهلها، قال يحلف بالله ما أراد إلا ذلك ولا أراد أن لا تخرج من البيت ولا شىء عليه. ومن كتاب ابن المواز وعمن خطف كتاباً من رجل فحلف ربه لا يقرأه وحلف الخاطب لامرأته فتجاذباه فبقى فى بعضه فقرأه فقد حنث جميعا. وكذلك رواها أبو زيد عن ابن القاسم فى العتبية وقال ولو قرأه الخاطف كله لم يحنث. قال ابن القاسم: ومن حلف لا باع دابته حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين فلا شىء عليه إلا أن تكون له نية. قال أصبغ ليس هذا المقصود ولا يبر حتى تقيم ماله بال ونجع ونفع إلا أن ينوى اليوم واليومين. وكذلك الحالف ليهدمن بئرا فلا يبر بهدم حجرين وثلاثة إلا أن تكون له نية وإلا لم يبر إلا بهدم جميعها أو بهدم ما هدمه إبطال وفساد، وهو قول مالك فى البئر، وكذلك رواها العتبى [4/ 79]
وذكر أيضا قول ابن القاسم من رواية عيسى. قال عيسى قلت فإن أراد ناحية السمن فلم تسمن أفيه حد؟ قال إلى ما تسمن فى مثله. ابن المواز: ومن حلف بالطلاق ليقرأن القرآن اليوم أو سورة كذا فقرأ ذلك ثم ذكر أنه أسقط حرفا، فإن حلف وهو يعلم أنه يسقط مثل ذلك حلف وله ما نوى، فإن جاء ما لا يعرف من الخطإ الكثير أو ترك سورة فهو حانث. ومن المجموعة ابن القاسم: ومن حلف إن كان فى كمه دنانير أو قال إن كان الذى فى تابوته فسطاطى ومروى وغيره فهو حانث، وسواء قال إن كان الذى أو قال إن كان فى كمى، وكذلك إن كان إن قال فى بطنك جارية فولدت غلاما وجارية وكذلك روى عنه عيسى فى العتبية قال وقاله أشهب. قال العتبى: ورواه أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لا وطىء فرجاً حراماً أبداً فأخذ جارية امرأته فضمها إلى صدره وجعل يده على محاسنها أو قبلها حتى أنزل فقد حنث ولا ينوى أنه أراد الوطء نفسه. ومن كتاب ابن المواز ومن حلف لا تسرر على امرأته فجرد جارية له ووضع يده على ملاذها فليس ذلك بيمين، وإن حلف لا خرجت إلى بيت أهلها فخرجت فردها قبل أن تصل فقد حنث، وإن ردها قبل أن تحرم لم يحنث. قال ابن المواز يحنث بخروجها إلى الحج وإن لم تحرم بخلاف قوله إن حجت. ومن كتاب ابن حبيب: ومن حلف أن لا يحج أو حلف على غيره وهو من أهل الأمصار فإنه إذا توجه إلى الحج حنث ولا ينتظر به أن يحرم، وإن كان منزله قريباً من المواقيت فحتى يحرم. [4/ 80]
وهذا باب من نحو ذلك فيمن حلف لا دخل فلان إليه فأدخل رجله أو رأسه
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالطلاق ليخرجن اليوم إلى القيروان فخرج، فلما كان ببعض الطريق رجع فى حاجة ثم قعد فى بيته فلم يخرج حتى غربت الشمس من يومه. قال إن كان إنما أراد تهديد من يهمه خروجه يريد ليخرجن غلى الطريق لا يريد مضياً فله نيته إن لم تكن عليه نية، فإن كان عليه بينة أحنث، وكذلك إن لم تكن له نية حنث. وسئل سحنون عن رجل حلف لا خرج مع أمه إلى موضع كذا حتى يخرج معها ختنها، فخرجت إليه مع ابنها وختنها ثم رجع الختن بعد أن سار يومين معها. قال إن خرج ابنها معها من ذلك الموضع فقد حنث. وهذا باب من نحو ذلك فيمن حلف لا دخل فلان إليه فأدخل رجله أو رأسه أو لا خرجت امرأته فأخرجت مثل ذلك من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق لا دخل فلان على امرأته فأدخل رجل ثم ذكر ورجع. قال مالك فقد حنث كمن حلف لا أكل رغيفين فأكل أحدهما. ومن حلف لا خرجت زوجته من عتبة الباب فأخرجت إحدى رجليها ثم ردتها قال قد حنث. وروى ابن وهب ذلك عن ابن عمر وسعد بن أبى وقاص. قال يحيى بن عمر: وقد قيل تعيد رجلها موضع كانت، فإن منعته من غلق الباب حنث وإلا لم يحنث، وهو أحب إلى. [4/ 81]
ومن الواضحة قال ابن الماجشون فى الحالف لا يدخل هذه الدار أو هذا البيت فأدخل رجلا واحدة، فإن كان وقوفه عليهما جميعا لم يحنث، وإن كان وقوفه على الداخلة وقد أقل الخارجة ليدخل ثم ذكر فخرج فقد حنث، ولو كانت رجلاه خارجاً وأدخل يده أو رأسه أو صدره فلا شىء عليه وليس ذلك بدخول. وإن كان مضطجعاً فأدخل رجله او رجليه أو رأسه فلا شىء عليه وليس بدخول لأن اعتماده فى الاضطجاع على يديه فإن أدخل رأسه وصدره حنث لأن هذا جل البدن الذى عليه اعتماده، وكذلك لو أدخل أسلفه إلى وسطه مما هو جل بدنهحنث. واستحسن ذلك كله أصبغ وأخبرنى عن ابن القاسم وابن وهب أنهما قالا إن وضع رجله من وراء الباب إذا غلق أو فى موضع من العتبة يمنع الباب الذى ينغلق فقد حنث. قال أصبغ وقال ابن الماجشون أحب إلى. وذكر حديث ما ذكرنا من قول ابن عمر وسعد بن أبى وقاص، وذكر عن الحسن قال: إن أدخل رأسه لم يحنث حتى يدخل الرجلين جميعا. ومن المجموعة ذكر مسألة عن ابن القاسم من حلف لا دخل هذه الدار فهدمت وصارت طريقا فدخلها أنه لا شىء عليه. قال وقال مالك إلا أن يكون ليمينه سبب يعمل عليه. وكذلك الحالف لا اكل القمح فلا يحنث بأكل الخبز منه إلا على هذا المعنى. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن حلف لا دخل على زوجته إلى الهلال فوقف على الباب فكلمها فلا يحنث بذلك. [4/ 82]
فيمن حلف على فعلين على نفسه أو على غيره ففعل أحدهما
فيمن حلف على فعلين على نفسه أو على غيره ففعل أحدهما أو قال لأمتيه أو زوجتيه إن دخلتما فدخلت واحدة أو لأمته إن دخلت الدارين فدخلت إحداهما من المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك: من حلف ألا يأكل شيئين فأكل أحدهما أو لا يفعل فعلين ففعل أحدهما فهو حانث. قال ابن القاسم وإن حلف لا أكل خبزا بزيت أو بجبن فأكل أحدهما حنث إلا أن تكون له نية، وإن كره جمعها لم يحنث إلا بجمعها. وقال أشهب لا شىء عليه إن أكل أحدهما. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فى الحالف على امرأته إن دخلت الدارين فإنه يحنث بدخولها فى إحداهما ثم لا شىء عليه إن دخلت الثانية. قال عنه ابن وهب ولو قال لا دخلت المسجد ولا كلمت فلانا ولا فعلت كذا ففعل شيئا واحداً من ذلك فقد حنث ثم لا شىء عليه إن فعل ما بقى. وقال أشهب يحنث بدخول لزوجة أو الأمة إحدى الدارين، وكذلك فى أكل الرغيفين يحنث بأكلها أحدهما أو بعضهما. وإن حلف إن لم تدخلى لم يبر إلا بدخولها الدارين وأكلها الرغيفين، إلا أن ينوى فى يمينه أن لا تستوعبها أكلا ولا تدخلهما جميعا لكن أحدهما فله نيته ويحلف، كذلك لا كسوتك هذين الثوبين وكساها أحدهما يحنث إلا أن تكون له نية أن لا يجمعهما لحاجته إلى أحدهما. وفى رواية ابن القاسم أنه وإن أراد أن لا يكسوها جميعا فهو حانث. [4/ 83]
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فين قال لامرأتيه إن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقتان فدخلتها واحدة فإنهما تطلقان، كقول مالك إن لو قال لا دخلتما دارين فدخلتهما واحدة أنهما تطلقان. وكذلك من اكل القرصين. وعاب قول من قال تطلق الداخلة فقط وقال لم يقله مدنى ولا أهل المشرق. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بطلاق زجاته أو لأيمائه بعتقهن لا دخلن داراً فدخلتها واحدة فإنه يحنث فى الداخلة، وقاله أشهب فى المجموعة. وروى عيسى فى العتبية عن ابن القاسم قال تطلق نساؤه أجمع وتعتق إماؤه بدخول إحداهن. وقال فى المدونة لا شىء عليه حتى يدخلن كلهن. ومن المجموعة قال أشهب فيمن قال لعبديه إن دخلتما هذه الدار فأنتما حران إن لم أضربكما عشرين عشرين، فدخلها أحدهما فيلزمه فيه اليمين، ثم إن لم يضربه عشرين عتقا جميعا، ولا يلزمه ضربهما بدخول أحدهما. ثم إذا دخل الثانى لزمه بدخوله مثل ذلك. وقال أشهب فيم قال لعبديه أنتم حران إن كلمتما أباكما وكلمه أحدهما فلا يعتق إلا هو. وعاب قول من قال يعتقان بذلك وقول من قال لا يعتقان حتى يكلماه، وقال أرأيت إن قال إن أهديتما إلى كل واحد منكما فرق أرز فأنتما حران فأهداه أحدهما فلا يعتق إلا هو. وإن قال إن شئتما العتق فأنتما حران فشاء العتق أحدهما فهو وحده يعتق، وكذلك فى الطلاق والتمليك فى مشتبه الزوجتين. قال ابن القاسم عن مالك فيمن عليه حق لرجلين فحلف لأقضينكما رأس الشهر إلا أن تؤخرانى فأتى فى الأجل بنصف الحق فقضاه أحدهما ووخره الآخر، قال لا شىء عليه. [4/ 84]
فيمن حلف لا أكل شيئا فذاقه أو أكله مخلوطا بغيره
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق على رجلين إن لم يأكلا طعامى إن أكلت طعامها أبداً، فأكل أحدهما فله أن يأكل طعام الآكل لطعامه ولا يحنث وإن لم تكن له نية. ومن العتبية من سماع ابن القاسم وعن من كسا امرأته ثوبين وأقرهما عند الخياط فطرح إليها أحدهما فكرهته فقال إن رددتهما إلى فأنت طالق إن رجعا إليك إلا بقضية من السلطان، فردته إليه فرده إليها ثم ردته إليه، فقال قد حنث. قال إنما نويتهما كليهما قال لا ينفعك، أرايت لو كانت عشرة فردت تسعة ألم تحنث؟ فيمن حلف لا أكل شيئا فذاقه أو أكله مخلوطا بغيره أو قال لا أكلته حتى يأكله فلان فأكلا جميعا أو حلف إن هذا لفلان فإذا هو له ولغيره من كتاب ابن المواز قال: والحالف على الشىء أن لا يأكله لا يحنثبذوقه ويحنث بما جاوزه. ومن حلف لا أكل سمنا فأكل سويقا بسمن فقد حنث، وجد فيه طعمه ورائحته أو لم يجد، إلا أن ينوى السمن خالصا. وقيل إن كان سبب يمينه مضرة السمن له حنث، وإن كان لأنه قيل له إنك تشتهيه لم يحنث، وذكر ابن عبدوس هذا عن أشهب والأول عن ابن القاسم. قال أحمد بن ميسر: إذا لم يجد طعم السمن لم يحنث بحال. [4/ 85]
فيمن حلف لا شرب خمرا فشرب نبيذا مسكرا
وقال ابن القاسم فى الحالف لا أكل خلا وأكل مرقا فيه خل إنه لا يحنث إلا أن ينوى أكل طعام دخله الخل. قال ابن المواز وأحب إلى أن يحنث إلا أن تكون له نية، وقاله ابن حبيب. ومن كتاب ابن المواز وفى العتبية من رواية أبى زيد عن ابن القاسم: فإن حلف لا يأكل هذا الطعام حتى يأكله فلان فأكلاه جميعا فهو حانث، إلا أن يريد حتى يأكل معى. وكذلك إن حلف لا يشترى ميمونا حتى يشترى مباركاً فاشتراه فهو حانث، إلا أن تكون له نية. وكذلك لا نكحت فلانة حتى أنكح فلانة فتزوجهما معا. ومن المجموعة قال ابن القاسم فى رجلين بأيديهما كتاب فحلف هذا أنه لفلان وحلف الآخر أنه لفلان فإذا هو كتابهما جميعا فالحالفان حانثان. فيمن حلف لا شرب خمرا فشرب نبيذا مسكرا من كتاب ابن المواز، يعنى مالكاً، ومن حلف لا يشرب خمرا بعينها فما شرب مما يسكره كثيره حنث به ما أسكر كثيره وغيره أو مطبوخ وغيره. وكان ابن القاسم ينويه فى الفتيا. قال غيره فى المجموعة ولا ينوى فى قيام البينة. قال ابن المواز وليس ذلك بشىء ولو نفعته البينة لنفعه قوله الخمر بعينها مع رفع النية لأن القول قوله، وكذلك قال ابن حبيب وذكره عن مالك. [4/ 86]
محمد وقال مالك فيمن حلف لا شرب وقال نويت عصير العنب إنه ينوى، وقاله ابن القاسم ونحن نرى أنه يحنث حتى يقول عصير العنب إفصاحاً. قال فى المجموعة عن ابن القاسم مثل ما ذكرنا عنه أولاً، قال أشهب هو حانث. ومن المجموعة روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أخذ وبه رائحة شراب فحلف بالطلاق أنه ما شرب خمراً فشهدت بينة أنه رائحة مسكر، فقال أردت الخمر بعينها، قال ينوى والقول قوله. ولو حلف لا شرب مسكراً حنث بكل مسكر. قال عنه عيسى: إذا حلف لا شرب الخمر بعينها فشرب الطلا، فإن كان لم يبلغ أن يسكر، يريد من الطبخ، وكان يسكر كثيره حنث، إذ لا يخرجه من السكر غير طبخ يعود به لا يسكر فأما إن شرب غيره من ما يسكر فينوى فى الفتيا لا فى القضاء. وقال فى الواضحة عن مالك مثل ما ذكر ابن المواز عن مالك وما نقله ابن المواز. قال ابن حبيب: والخمر اسم جامع، فالتخصيص منه من ناحية الاستثناء الذى لا يجوز بالنية دون اللفظ. قال ومن حلف على شىء ولم يعينه فى يمينه وله مذهب يذهب إليه بنيته غير الذى حلف عليه فله نيته فى الفتيا لا فى القضاء. ومن حلف أن لا يشرب خمراً فشرب نبيذاً حلواً خلط بشىء من دردى المسكر أو الخمر أو درديه فهو حانث، وقاله كله أصبغ وذكر ابن سحنون عن [4/ 87]
أبيه مما روى عن ابن القاسم فى الحالف لا شرب فشرب طلا أو نبيذ عسل فسكر وقال نويت الخمر بعينها أنه حانث. وقال سحنون لا أرى عليه حنثا. قلت فإن لم تكن له نية؟ قال لا حنث عليه، لأن مقاصد الناس فى الأيمان فى هذا إنما هى على الخمر بعينها. تم الجزء الأول من الأيمان والنذور من كتاب النوادر بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم [4/ 88]
[الجزء الثاني من الأيمان والنذور]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثانى من كتاب النذور والأيمان فيمن حلف إن فعل أو ليفعلن فيفعل ما يشبه ذلك أو يقاربه وما يرد فيه من ذلك إلى معنى يمينه ونيته من العتبية من سماع ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق أن لا يكلم امرأته وقتاً، هل يطؤها ويقبلها؟ قال فذلك له إلا أن يكون نوى اعتزالها فلا يفعل. وعمن وجد فى المجزرة زحاما فحلف بالطلاق لا اشترى اليوم لحما لأهله، فاشترى كبشا فذبحه لهم فهو حانث، إلا أن تكون نيته كراهية الزحام فى المجزرة، فله إن وجد فى غيرها كبشاً أو لحما أن يشتريه وينوى. وإن حلف لا ركب حماراً فى حج وهو مدنى فركبه إلى جدة مرابطاً فلا ينبغى له ذلك. قال عيسى إنما نهاه لأن طريقه على مكة، ولو كان طريقه على غيرها كان ذلك له إن شاء. [4/ 89]
وعمن دخل بين ابنى عمه يصلح فاتهماه فحلف بالطلاق لا دخل فى أمرها بشىء، فذكر أحدهما أمره لرجل فقال الرجل للحالف: ادع لى فلاناً فذهب فلم يجده. فإن أراد الكلام والإصلاح ولم يرد المشى فلا شىء عليه. ومن قال أنت طالق إن فوضت إليك شيئا، ثم أمر معلمه أن يدفع إجارته إليها وهو حائك وهى لم تقبض بعد. قال قد حنث لأن الأمر تفويض. ومن حلف إن خرج إلى سفر أن لا يرجع إلى سنين، فإن أراد مصرا ثم تركها وخرج إلى غيرها فلا شىء عليه، وإن لم يرد موضعا فاليمين عليه إن خرج إلى أى سفر. ومن تحمل لرجل بأجر فقال له الحميل حين أراد الحمالة: أخشى أن تغرمنى فحلف لا غرمتك منها شيئا، فحل الأجل فأراد الحميل أن يسلفه ويغرم عنه حتى يقبضه. قال لا يفعل وليتسلف من غيره، وكذلك هى فى المجموعة عن مالك، وزاد قال ابن القاسم وكذلك لو حلف له لأعطينك إياها عند الأجل فتحمل له، فلما حل الأجل قال له الحميل أخشى أنك تحنث ولكن أنا أسلم إليك دنانير على قمح أو اشترى منك ثوبك هذا أو أسلفك إياها لتقضيها فهو يحنث بذلك كله. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن جاء ببينة يدخلهم على ابنته فيشهدون على وصيتها، فحلف الزوج لا دخلوا عليها. فخرجت هى إليهم فأشهدتهم خارجاً من الدار، فينوى، فإن نوى ما يكره من أن يروا من حال بيته مما يكره فله نيته ويحلف، وإن كان إنما كره إشهادهم حنث. ولو خوصم فى هذه اليمين فأنكرها فلما ثبتت عليه البينة قال نويت كذا فله نيته تلك، وليس إنكاره اليمين يزيل ما يدعى من البينة، فإن تبين بالبينة كراهيته لما تشهد فيه والسخط فيه وهو ليس برب المنزل، قال له نيته ويدين ويحلف. [4/ 90]
ومن العتبية من سماع أشهب وابن نافع: ومن حلف لا دخل على أخته بيتا ما دام زوجها زوجها فغاب الزوج ومرضت فنقلتها أمها، فأحب إلى أن لا يدخل إليها. ومن حلف فى فراش ألا يضطجع عليه بعتق فالتحفه مع امرأته فهو حانث، وقال أشهب فيمن حلف على بساط لا يجلس عليه فمشى عليه فإن أراد اجتنابه أو كره النفع به والجلوس عليه حنث، إلا أن يكون له نية أو سبب. ومن سماع عيسى عن ابن القاسم ومن حلف لا يسأل رجلا حاجة فسأله رجل سؤاله فعرفه بيمينه وقال له كلم أبى يقوم لك بذلك، فلا حنث عليه إلا أن يأمر هو أباه بذلك. ومن حلف لامرأته بالطلاق لا تغيبت عنك، فخرج فى حاجة لم يخرج ليغيب عنها فلا حنث إلا أن يريد إن غبت عنك. ومن حلف بطلاق نسائه إن حلف بالطلاق فطلق واحدة منهن فلا حنث عليه. ومن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها إلا كفئا فأعتق جارية ثم تزوجها فنسى يمينه وهو فى بيت من الموالى فأراد الكفء فى الحب فقد حنث. قال ابن القاسم عن مالك فى التى حلفت فى عبد لها لا باعته ولا وهبته أتتصدق به على ولدها؟ قال لا يعجبنى وهو كالهبة. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف أن يطأ امرأته فوطئها وهى حائض أو فى نهار رمضان فلا يبر بذلك ولو كانت يمينه ألا يطأها حنث بوطئه فى الحيض وفى نهار رمضان. [4/ 91]
وذكر ابن المواز عن ابن القاسم أنه يزول بذلك الوطء عنه يمينه ويأثم ولا حنث عليه. ولو كانت يمينه أن يطأها حنث بذلك الوطء. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن عوتب فى ضربه غلام رجل فقال إن كنت فغلامى حر، ثم أقر أنه كان خنقه. قال الخنق كالضرب، وإنما ينظر إلى بساط يمينه، فأذى الخنق أشد من أذى الضرب. ومن المجموعة قال مالك فى عبد حلف لسيده ألا يأبق فأبق عنه ليلة فجعل على يد طالب الإباق فلقيه بالبلاط، فقال لم أبق إنما حملت البارحة شيئا إلى العقيق بأجر فلا شىء عليه، وليس هذا بإباق. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن قال أنت طالق إن بت معك اليلة فى منزلك فبات معها فى حجرتها فهو حانث إلا أن تكون له نيته. وقال أصبغ عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق لا دخلت امرأته الحمام سنة فذهبت إلى بيت أهلها بإذنه فأتيت بماء من الحمام فاستحمت به عندهم فلا شىء عليه. قيل إنها ذهبت إلى الحمام فرفعت ثيابها خارجا عند الباب ولم تدخل هى، فقال له أحلفت لا تخرج إلى الحمام ولا تدخله؟ قال بل لا تدخله، قال لا شىء عليك إن أيقنت أنها لم تدخله. قال وموضع الثياب ليس من الحمام وإن كان يستر وتخرج إليه المرأة عريانة. قال أصبغ وكأنه يحنث لو حلف لا يخرج إلى الحمام أو لا يسير إليه بعورته، وقال به سحنون فى كتاب ابنه. وقال أصبغ ولو حلف بالطلاق لا حضرت جنازة فأتى نعى رجل فبكته امرأته واجتمع النساء عندها فحضر عندها. قال ابن القاسم هو حانث. قال أصبغ قال مالك فيمن حلف لا خرجت زوجته من المدينة إلا برضاه، فأقام عنها بمصر دهراً لا يبعث إليها بنفقة فخرجت إليه، قال يحنث لأنه هو ألجأها إلى الخروج. [4/ 92]
قال أصبغ فى امرأة تكثر الخروج إلى بيت أهلها فحلف الزوج بالطلاق لئن خرجت وبعث فى ردها وبعث فى ولدها الصغير فأخذه منها فرجعت لأخذه منه، قال هو حانث لأنه تسبب بذلك إلى ردها. وقال ابن سحنون عن أبيه لا يحنث بذلك وكذلك قال فى التى أبت أن تخرج مع زوجها إلى سفره فحلف لا أرسلت وراءك، فأبى أن يبعث إليها نفقة فخرجت إليه لذلك قال لا يحنث بذلك. قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن حلف إن دخلت امرأته بيتاً من الدار إلا بإذنه، فدخلت حجرة من حجر البيوت قال يحنث. وكذلك فى كتاب ابن المواز فيمن حلف لا دخل بيتا من الدار فدخل حجرته حنث. ومن العتبية قال أصبغ: ومن حلف ليغسلن رأس فلان فغسله وهو ميت، قال يحنث. وعمن تزوج فى غيبته فحلفت زوجته لتسألنه الطلاق إذا قدم فبلغه فحلف إن سألته ليجيبنها، فقدم فسألته ذلك فملكها ولم تختر شيئا فلا شىء عليه، إلا أن ينوى بقوله لأجيبنها أى لأطلقنها. وكذلك فى كتاب ابن المواز. والمسألة التى فيها لئن سألتنى الطلاق لطلقنها فملكها مذكورة فى باب جامع الأيمان فى آخر كتاب الطلاق. ومن كتاب ابن المواز وهو فى العتبية من سماع أصبغ وعن صانع حلف لا عمل فى هذه القرية إلا لفلان وفلان، فأراد أحد منها أن يؤاجره لنفسه سنةً بأجر معلوم ويجعله يعمل فى الحانوت وما أصاب فلمن آجره، فإن كان الذى استأجره يلى المعاملة وهذا يعمل ولا يأخذ ولا يعطى لم يحنث، وإن أطلقه فى [4/ 93]
الحانوت للأخذ والإعطاء حنث لأنه يضمن ما يدفع إليه. وهذا الذى ذكره فى مخرج يمينه. قال فى كتاب ابن المواز وقيل إلا أن يكون يكره الصنعة وأراد قطعها وقطع نفعها فيحنث بكل حال. وعن رجل كان يستعمله أخوه بأجر فحلف لا عمل له عملاً فجلس فى حانوته يعمل فيها فخبز له قمحا فأخذ من الخبز أجر عمل الدواب فقد حنث، إلا أن يكون الكراء لرب الطاحونة والحالف أجير عنده بأجر معلوم وليس له دزء من العمل فلا شىء عليه. ومن حلف لا تحمل برجل إلى سنة فتحمل برجل اليوم إلى بعد السنة فهو حانث. ومنه ومن المجموعة قال مالك: ومن حلف بالطلاق إن أخرج من خراج زوجته لسيدها شيئا فأسلفها درهما فربحت فيه ما يؤدى، فقال له إن كنت لم تردها وإنما أردت ألا تخرج خراجها فلا شىء عليك، وما أحب أن تسلفها وأخاف عليك الحنث، وليأخذ الدرهم فيما يستقبل. ومن كتاب ابن المواز: وعمن ولدت امرأته غلاماً فحلف ليجتنبن منها ما يفسد اللبن فكان يتفخذها ويعبث عليها دون الفرج، فليسأل عن ذلك، فإن كان مما يفسد اللبن حنث، وإلا فلا شىء عليه. ومن حلف أن لا يشهد لى فلان ولا على فبعث منه سلعة بثمن إلى أجل وكتب به كتابا فكتب به شهادته على نفسه فى ذلك فقد حنث إن دفع الكتاب إلى صاحب الحق. ومن اشترى لزوجته حيتاناً فسخطته فحلف لا أشترى لها عشاء لحماً ولا حيتاناً ولا نية له، فلا بأس أن يشتريه فى الغداء إذا لم ير به وجه الضيق والضرر، ولا يحنث إذا لم يكن فى ذلك فضل عن الغداء، فإن كان فيه فضل فأخرجه ولم [4/ 94]
يبقه للعشاء فلا شىء عليه. ولا بأس أن يشترى عشاء غير اللحم والحيتان إلا أن يريد ترك العشاء كله. ومنه ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: ومن غدى رجلاً ثم حلف بالطلاق لا غداه أبدا فعشاه، فإن لم يكن له نية فلا شىء عليه. وزاد العتبى فى روايته: وهو كمن حلف فى جار أذاه لا ساكنه ولا جاوره فى هذه الدار، فله أن يساكنه أو يجاوره فى غيرها إن لم تكن له نية. وكذلك لو حلف لا ساكنه بمصر فله أن يساكنه بغيرها. وكذلك لو حلف لا كسا امرأته قرقل كتان ولا نية له فكساها قرقل خز فلا شىء عليه. ومن حلف لا يحضر عرساً فعرس بعض إخوانه وانقضى ثم صنع طعاما ً فدعاه إليه، فإن كان ذلك الطعام لأجل ذلك العرس وشبهه فلا يدخله، وإن كان لغير ذلك فلا حنث. وإن صنعه لسببه لأنه لم يحضر العرس فلا يدخله. وكذلك إن صنعه لحرارة العرس فلا يدخله، وكذلك رواها العتبى عن أصبغ عن ابن القاسم. وقال قال أصبغ وإن صنعه لحرارة العرس فلا يدخله. وإن زعم أنه صنعه لغير ذلك لما يخالط الناس الشك واستجازة الناس مثل هذا وتأويلهم فيه فإن فعل حنث. ومن المجموعة ورواها أبو زيد عن ابن القاسم فى العتبية فيمن حلف لا يتعشى فشرب الماء فلا شىء عليه. وكذلك إن شرب نبيذاً، فإن شرب سويقا حنث، وإن تسحر فلا شىء عليه. ومن العتبية والمجموعة ابن القاسم عن مالك: ومن خرجت زوجته فعاتبها فقالت خرجت فى حق لك فحلف لا خرجت فى حق وجىء الحج، ثم سافر قبل [4/ 95]
ذلك فأمرها أن تخرج إلى أهلها فتقيم عندهم حتى يرجع فلا شىء عليه. وهذا ليس بحق. وروى ابن القاسم عن مالك فى الكتابين. قال فى المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن حلف لا تواكله زوجته فى صفحة شهراً فجاءته بطبق فيه رطب ليأكله وفيه بضعة لحم جعلتها للخادم وهى لا تأكل معه فهو يأكل الرطب فأخذت المرأة البضعة لتأكلها فأخذها من يدها وقال حلفت لا تأكلين معى ثم وامر نفسه ثم قال إنما حلفت لا تؤاكلينى فى صفحة وهذا طبق، فأعطاها البضعة فأكلتها، قال هو حانث والطبق والصفحة واحد. ومن المجموعة قال على عن مالك: ومن حلف لا يعين بزيت ولا بطعام فلا يعين بزيت ولا طعام مفتت، وكذلك فى العتبية قال غيره فى المجموعة إن نوى الزيت خاصة لم أبلغ به الحنث، ولا أحب بعضه ببعض متفاضلا. كما أكره التفاصيل فى ولم ير مالك ما تغير بأشجار الأرض يخرجه من صنفه وإنما يخرج ذلك إذا طيب بصريح الطيب كالمسك والعنبر والعود وشبهه. ومن العتبية قال سحنون فيمن حلف لا اشترى أكثر من عشر شياه فاشترى هو ورجلان ثلاثين شاه أثلاثاً، فغن قاسم شريكيه فنابه أكثر من عشر شياه حنث، وإن نابه عشرة فأقل لم يحنث. قال: ومن حلف لا يحكم بين الناس فأتاه صبيان الكتاب فجار بينهم فليس هذا بساط ما حلف فيه. قال وإذا لم يكن لليمين بساط فاهرب. [4/ 96]
فيمن حلف ألا يأكل شيئا فأكل ما تولد منه واختل معناه
ومنها قال عبد الملك بن الحسن فى العتبية عن ابن القاسم فيمن حلف لا ركب فرسا فركب برذونا حنث، وإن حلف لا ركب برذوناً فركب فرساً لم يحنث. وبعد هذا باب فيم نحلف لا دخل على فلان مسألة من حلف لا دخل دار فلان فدخل قريته أو حانوته. فيمن حلف ألا يأكل شيئا فأكل ما تولد منه واختل عن معناه أو أكل ما يشبهه أو قال لا أكلت كذا فشربه أو لا شربته فأكله قال مالك وأصحابه فى الحالف ألا يأكل لحماً غنه يحنث بما أكل من لحم أو شحم، والحالف على الشحم لا يحنث بأكله اللحم. والعلة أن القائل لا أكلت لحما قد دخل تحت هذه الكلمة الشحم واللحم فى اللغة والعرف، كما لو أسلم في لحم ضأن وسط لم يكن للبائع ولا للمبتاع أن يقول هو شحم لا لحم فيه لكن له اللحم وإن كان فيه شحم لأن ذلك يقتضيه الاسم كما كان ذكر الله سبحانه لتحريم لحم الخنزير ينوب عن اسم الشحم وكان الاسم جامعا لذلك، فكان تحريمه للشحم على بنى اسرائيل لا يدخل معه اللحم ولا يدخل تحت هذا الاسم إلا الشحم، فكذلك الحالف على أكله الشحم لا يحنث بأكله اللحم لما ذكرنا. ورأيت فى كتاب ابن سحنون قال سحنون: واللحم اسم جامع للحم والشحم. ومن كتاب ابن المواز وهو فى المجموعة عن ابن القاسم وأشهب: ومن حلف لا شرب لبنا ولا أكله أو قال هذا اللبن، فله أن يأكل ما تولد عنه من سمن [4/ 97]
وزبد وجبن. فأما إن قال من هذا اللبن فإنه يحنث بأكل ما تولد منه من زبد وغيره. وكذلك قوله لا أكلت من لبن هذه الشاه بعينها، كان ذلك السمن وغيره مستخرجاً منها قبل يمينه أو بعده. ولو قال لا أكلت لبنها لم يحنث بأكل ما تولد منه ما لم تكن له نية، فإن كانت نيته على اللبن فهو أخف إذا خرجت من ملك ريها. وإذا حلف لا يأكل من جبن هذه الشاه فله أن يأكل من لبنها وسمنها. وإن حلف لا أكل من سمنها فله أن يأكل من لبنها وزبدها وجبنها. وإن حلف لا يأكل من بسر هذه النخلة فلا يأكل من رطبها تمرها، يريد وكذلك لو قال من رطبها فلا يأكل من تمرها. قالا ومن حلف لا يأكل رطبا فله أكل التمر. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: إن حلف لا أكل سمناً لم يحنث بأكل الزبد. ولو حلف لا أكل زبدا لم يحنث بأكل السمن، وإن حلف بالطلاق لا أكل لبنا بإطلاق وقال نويت لبن أحد الأنعام فذلك له فى الفتيا ما لم تقم عليه بينة وكذلك إن حلف فى السمن وقال نويت سمن البقر. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم: وإن حلف لا أكل قصباً فله أن يأكل عسل القصب والسكر، وإن حلف لا يأكل عسلا فله أكل رب العسل إلا أن ينوى ترك ما يخرج من ذلك. وكذلك على عنب فشرب العصير إلا أن يكون له نية فى ذلك كله. واما خل ذلك كله فلا يحنث به لتغيره منه فى المعنى والصفة وقاله أشهب. وكذلك قال ابن حبيب فى الحالف على العسل أو التين يحنث بشرب نبيذه إلا أن تكون له نية. ومن كتاب ابن المواز وهو فى المجموعة لابن القاسم وأشهب فيمن حلف لا أكل من هذا الطلع فلا ياكل من بسره وتمره إلا أن ينوى الطلع بعينه. [4/ 98]
واستحسن أشهب أنه لا يحنث فى الطلع بأكل بسره ورطبه لبعد ذلك منه فى النفع والمعنى. قال ابن المواز ولم يختلف فيمن حلف لاأكل رطباً فأكل بسرا، واختلف فى المتولد منه فلم يره ابن القاسم إلا فى الشحم من اللحم، وفى النبيذ من التمر، والزبيب من العنب، والمرق من اللحم، والخبز من القمح والعصير من العنب فأما غيرهذه الأشياء فلا شىء عليه فى المتولد إلا أن يقول لا أكلت منه فينحث، أو تكون له نية أو سبب وذهب ابن وهب فى المتولد أن من حلف على البسر فأكل رطباً أو على الرطب فاكل تمراً أو على الزبد فأكل سمناً أنه حانث بمنزلة الشحم من اللحم. قال ابن القاسم ويحنث الحالف على اللحم بشرب مرقه ولا ينوى لأنه كبعضه ذبل وتهرأ فيه. قال عنه عيسى فى العتبية أخاف أن يحنث ومن كتاب ابن المواز وهى لأشهب فى المجموعة وأما من حلف لا أكل من هذه الضأن فلا يحنث بأكل لبنها وزبدها إلا أن ينوى ذلك. قال أحمد بن ميسر وقد اختلف فى الحالف لا أكل من هذه النعجة فأكل من نسلها. وقال ابن حبيب: أما إن حلف لا آكل تمراً فله أن يأكل الرطب والزهو، والحالف على الرطب والزهو فله أكل التمر إلا أن ينوى وما يؤول إليه. وكذلك إن قال عنباً فله أكل الزبيب. وأما إن قال هذا العنب أو عنب هذا الكرم فلا يأكل زبيبه، وكذلك إن قال رطب هذه النخلة أو هذا الرطب فإنه يحنث بأكل تمره. وسواء عنده قال من رطب هذه النخلة أو قال رطبها وسواء قال من هذا الرطب أو قال هذا الرطب ولم يقل من فإنه يحنث بأكله من تمره، إلا أن يقول لا أكلت [4/ 99]
من تمر هذه النخلة رطباً فليأكل منها تمرا. وكذلك إن قال عنب هذا الكرم أو قال هذا العنب قال يأكل زبيبه. ولو قال من هذا الكرم عنباً لم يحنث بأكل زبيبه وإذا حلف لا آكل هذا اللبن بعينه أو قال لبن هذه الشاة فلا يأكل ما تولد منه. ولو قال من هذه الشاه لبناً فله أن يأكل منها سمنا وجبنا وقال هذا أحسن ما سمعت، وقد اختلف أصحابنا فيه. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وأما الحالف لا آكل هذه الحنطة أو هذا الدقيق أو قال من هذه الحنطة أو من هذا الدقيق فأكل ذلك خبزاً أو كعكاً أو سويقا فإنه يحنث. ومن كتاب ابن المواز ومن حلف لا أكل قمحاً فإنه يحنث بأكل الخبز والسويق لأنه كذلك يؤكل فى الأغلب إلا أن تكون له نية فى القمح لأنه ينبت التالول ولغير ذلك فينوى. وقد قيل ليس القمح من ذلك، من حلف لا أكل هذا القمح إنه لا يحنث بأكله خبزا حتى يقول من هذا القمح أو من هذا الدقيق. محمد: وهذا أجود. ولو قال لا أكلت من هذا القمح فزرع فأكل ما أنبت فلا يحنث، كما لو اشترى بثمنه قمحا فأكله إلا أن يريد التضييق على نفسه. وقد قيل إن كره رد الحب لم يحنث وإن كان للمن حنث. وذكر ابن عبدوس هذا القول عن ابن القاسم، والأول عن أشهب. قال أشهب وكذلك إن باعه فأكل غيره بثمنه فلا يحنث، إلا يريد التضييق على نفسه فيما يخرج منه من نبات أو تمر. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: ومن حلف لا شرب لبنا فلا يأكله، وإن حلف لا أكله فلا يشربه. قال وكذلك السويق فى الوجهين. [4/ 100]
في الحالف على اللحم أو الرؤوس أو الدجاج أو البيض أو صنف من الحيوان ما الذي يحنث به؟
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف لا أكل من هذا العجين فعجن له دقيق ففضلت منه خميرة فعجن بالخميرة خبزا وبقى أيضاً من العجين خميرة ثم عجن بها ما أكل منه الحالف فإنه حانث إن كان يمينه على المن أو لكراهيته الدقيق. وإن كان يمينه لكراهيته ملك من كان ذلك العجين فزال من ملكه فلا حنث عليه. ومن المجموعة قال ابن القاسم: والحالف على الثوم لا يحنث بأكل البصل، وإن حلف لا يأكل البصل فلا يحنث بأكل الثوم. قال ابن المواز إلا يكون كره الرائحة فيحنث. فى الحالف على اللحم أو الرؤوس أو الدجاج أو البيض أو صنف من الحيوان وما تولد منها ما الذى يحنث به من ذلك؟ من المجموعة قال ابن القاسم فى الحالف على الرؤوس أو البيض فأكل رؤوس السمك وبيضها أو رؤوس الطير أو بيضها سوى الدجاج، فليحمل على ما جرى به يمينه، فإن لم يكن له بساط أو كلام يدل على قصده ولا نية له لزمه الحنث بما يقع عليه ذلك الاسم. قال فى كتاب ابن المواز والحالف على اللحم يدخل فيه لحم الطير والحوت طريه ومالحه، إلا أن تكون له نية أو سبب يدل على مراده. وقال أشهب فى المجموعة لا يحنث فى اللحم والرؤوس إلا بلحم الأنعام الأربع ورؤوسها لأن عليها يقع أيمان الناس، إلا أن ينوى اللحوم كلها من طير وحوت وغيره. وأما البيض بكل بيض أكله استحسانا وليس بقياس. ويفرق ما بين ذلك بعد ما بين رؤوس الضأن والطير وقرب ما بين بيض الدجاج والطير ومنه ما يشبهه فى الخلق والطعم. [4/ 101]
وقال ابن حبيب لا يحنث فى الرؤوس بأكل رؤوس الحيتان والجراد إلا أن ينوى ذلك. وفى البيض يحنث بأكل بيض الطير، ولا يحنث ببيض الحوت حتى ينويه، وذكر قول ابن القاسم وأشهب. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا أكل لبناً أو سمناً فذلك من جميع الأنعام يحنث به، وإن حلف على أحد منها لم يحنث بأكل الآخر. قال ابن القاسم فيه وفى المجموعة: والحالف على الدجاج يحنث بأكل الديكة، والحالف على الديكة لا يحنث إن أكل دجاجة. قال عبد الملك ابن الحسن مثله وزاد: فإن قال لا أكلت دجاجة لم يحنث بأكل الديكة، ولو قال ديكا لم يحنث بأكل دجاجة، وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون. ومن حلف لا أكل لحوم الوحش فله أكل لحوم الأنعام والطير الوحشى والإنسى، وإن حلف لا أكل لبنا فلا يأكل لبن الأنعام كلها، إلا أن تكون له نية فى بعضها. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف على الكباش فلا يأكل النعاج ولا يأكل صغار ذلك كله. ولو حلف لا أكلف كبشا ولم يقل كباشا لم يحنث بأكل الصغار من ذكر أو أنثى. قال ابن حبيب إلا أن ينوى اجتناب لحوم الكباش فلا يأكل صغارها. قال ابن المواز: وإن حلف لا أكل نعجةً أو قال نعاجاً فلا يحنث بأكل كبار الذكور وصغارها ولا بصغار النعاج. قال ابن حبيب إلا أن ينوى اجتناب إناث الضأن على كل حال فلا يأكل صغارها. قال ابن المواز: والحالف على أكل لحوم الأنعام لا يحنث بأكل الوحش. ومن حلف على الوحش فلا يأكل كل ما هو عند الناس من الوحش ولا يأكل [4/ 102]
الطير كله وحشيه وإنسيه. ومن حلف لا أكل خروفا لم يحنث بأكل الكبير مما خرج من الخرفان. ومن حلف لا أكل تيساً أو قال تيوساً فلا يأكل عتوداً ولا صغار الذكور من المعز. وإن حلف على العتود أو العتدان، قال ابن حبيب والجديان فلا يحنث بأكل التيوس ولا بكبار الإناث. وأما صغار الإناث فيحنث به لأنه داخل فى العتدان. قال محمد ومن حلف لا أكل خروفا فلا يأكل عتوداً لأنها عند الناس خرفان، ووقف عنها محمد، وقال أصبغ أمرهما واحد إلا أن تكون له نية أو سبب. قال ابن حبيب: وإن حلف لا يأكل معزا فليأكل تيوسا، وإن حلف على التيوس فلا يأكل جديا لأنه وإن صغر من التيوس عند العرب، إلا أن تكون له نية. وإن حلف على العتدان فله أكل الخروف بخلاف الحالف على الخرفان. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف على لحم البقر فذلك جامع لصغارها وكبارها وذكورها وإناثها وكذلك الإبل. وإن حلف لا أكل عجاجيل حنث بذكورها وإناثها، ولا يحنث بكبارها من ذكر وأنثى. قال ابن حبيب: وإن حلف لا أكل لحوم الإبل فلا يأكل فصلاناً لأن الاسم يجمعهما. وذكر فى لحوم ذكور الأنعام مثل ما ذكر ابن المواز، وذكر فى الحالف على اللبن وما يتفرع من مسائله نحو ما ذكر ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف على النوق فذلك يجمع الإناث من الصغار والكبار ولا يحنث بالذكور. وإن حلف لا أكل جملاً فلا يحنث بصغار الإبل من ذكر وأنثى ولا بكبار الإناث إلا أن تكون له نية أنه أراد لحوم الجمال. [4/ 103]
وقد قيل فيمن حلف لا يأكل جزوراً إنه لا يأكل لحوم الأنعام كلها من ضأن ومعز (وإبل وبقر) إلا أن تكون له نية أو سبب يدل على مراده. قال ابن حبيب وكذلك إن قال جزوراً. والحالف على جبن لا يحنث بأكل الحالوم، والحالف على الحالوم لا يحنث بأكل الجبن، إلا أن تكون له نية أو سبب يدل أنه كره ما يخرج من اللبن لضرره. قال ابن حبيب مثل أن يجرب عليه وجعا فيقال له إنه ضرك فيحلف فيه فلا يأكل الآخر، وإن كان لا ججه أحد فلا يمنع من الاسم الآخر. قال ابن حبيب: فإن حلف على اللبن الحليب فله أكل المضروب، وإن حلف على المضروب فله أكل الحليب. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف لا ياكل لحماً فأكل قديداً فهو حانث، إلا أن تكون له نية. فإن حلف على القديد لم يحنث بأكل اللحم ولا أسأله عن نيته. والحالف عن اللحم يحنث بأكل الرأس، وإن حلف على الرأس لم يحنث بأكل اللحم. قال ابن حبيب: يحنث بكل ما أكل من الشاة من كرش وأمعاء ودماغ وغيره. [4/ 104]
في الحالف ألا يأكل القطنية أو القمح أو التمر أو الخبز أو الإدام أو الفاكهة والعسل
فى الحالف ألا يأكل القطنية او القمح أو التمر أو الخبز أو الإدام أو الفاكهة أو العسل أو الزيت أو الخل ما الذى يحنث به مما شمل ذلك (الاسم)؟ من كتاب ابن حبيب: ومن حلف لا يأكل القطنية فليتجنب كل ما هو عند الناس منها، إلا أن يخص منها بنيته صنفا يحلف عليه. ومن حلف لا أكل قمحا حنث بأكل الخبز والسويق وشبهه، إلا أن تكون له نية فى أكله صحيحاً. والحالف على الخبز فله أكل القمح والسويق وشبهه، إلا أن يريد اجتناب ذلك كله، ولا يحنث بأكل خبز الحمص وغيره من القطنية لأنه خاص حتى ينويه. ومنه وهو فى المجموعة: ابن القاسم ومن حلف لا أكل خبزاً فأكل كعكاً، قال ابن حبيب أو خشكنانا فقد حنث. وإن حلف على الكعك لم يحنث بأكل الخبز اللين. قال مالك فى المختصر وكتاب ابن حبيب: ومن حلف لا يأكل تمراً فلا يأكل منه الكتل ولا كل صنف منه، وإن حلف على الكتل فليأكل المنتور إلا أن تكون له نية. وإن حلف أن لا يأكل لبناً حليبا فله أن يأكل مضروباً، وإن حلف على المضروب فله أكل الحليب. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف على الرطب لم يحنث بأكل التمر، وقد تقدم هذا. وإن حلف على عنب أسود لم يحنث بأكل الأحمر، ولا يسأل عن نيته. [4/ 105]
قال ابن حبيب وإن حلف على العسل فلا يأكل عسل القصب إلا أن تكون له نية. وكيف ما أكل العسل نياً أو طبيخا أو فالوذاً أو قباطا أو خبيطا أو طعاما دخله العسل فإنه يحنث. وقد تقدم فى باب قبل هذا ذكر من حلف على خل أو سمن فأكله فى طعام صنع به. قال ابن المواز: ومن حلف لا أكل زيتاً، فزيت الشام وزيت الفجل والقرطم والكتان يحنث به. وإن حلف على الخل والنبيذ فإنه يحنث بما أكل منه وإن اختلف عناصره. وكذلك فى كتاب ابن حبيب. ومن حلف لا أكل إداماً ثبت فى معرفة الناس أنه إدام فلا يأكله، فمنه السمن والعسل والخل والزيت والودك والشحم والإهالة وما يصطبغ به، ولا يأكل الزيتون والجبن والحالوم والصير والسلجم وهو اللفت والحلاط والكاسخ والمرى والشيراز وشبهه إلا أن تكون له نية فى شىء يفرده. ولا أرى الملح الجريش ولا المطيب من الإدام. فإن كان قد قاله بعض العلماء فأحنثه به. ومن حلف ألا يأكل فاكهة ولا نية له فى تخصيص شىء منها فلا يأكل رطباً منها ولا يابسا. ومن الفاكهة بعد النخيل والأعناب والرمان وشبهه من خضر الفاكهة من قثاء وبطيخ وجزر وقصب وأخضر الفول والحمص والجلبان، إلا أن يكون له نية خص بها نوعا أو بساط يدل على ما أراد. وذكر ابن المواز نحو ما ذكر ابن حبيب فى الفاكهة وقال: إذا حلف على يابسها ورطبها فما ضمه اسم الفاكهة يحنث به، إلا أن تكون له نية أو بساط بتخصيص شىء. ومن الفاكهة النخل والعنب والرمان والبطيخ والخربز والقصب والفول الأخضر والموز والإترنج. وقاله ابن القاسم وابن وهب فى البطيخ. [4/ 106]
قال ابن القاسم فى المجموعة ومن حلف لا أكل فاكهة فأكل بطيخا أو فقوسا أو قثاء حنث إلا أن تكون له نية. ومن حلف لا أكل جوزاً فلا يحنث بأكل اللوز. ومن العتبية قال أصبغ عن أشهب فى الحالف لا أكل خبزاً وإداما، فأكل خبزا وملحا إنه حانث كان مخصاً أو مبذرا. قال أصبغ ومن حلف لا أكل كل يوم إلا خمس قرص فعملت له امرأته القرص أكثر مما كانت تعمل، فلا يحنث إذا أكل ذلك إذا زادت على القدر ولم تزد فى العدد. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف لا أكل مما تنبت الأرض فأكل مما تنبت الجبال فهو حانث. وإن حلف لا أكل مما تنبت الجبال فلا يحنث بأكل ما تنبت الفحص، لأن هذا قد خص. وإذا قال الأرض فقد عم. كما أن الحالف على اللحم يحنث بأكل الشحم لأن اللحم اسم لهما. فيمن حلف على أكل شىء أو لباسه أو النفع به فبيع هل ينتفع بثمنه؟ أو قال طعام فلان أو عبده أو داره فابتاعه هو أو غيره. هل ينتفع بذلك فى الملك الثانى؟ أو قال لا أكل فلان طعامى فباعه من كتاب ابن المواز قال: وإذا لم يوجد للحالف سبب أو بساط يدل على مراده ولا ادعى نيةً فألزمه ظاهر لفظه وما لزمه ذلك الاسم. ومن حلف لا أكل طعام فلان ولا لبس ثوبه ولا سكن داره فباع ذلك فلان، فإن كان سبب أو نية تدل أنه أراد تعيين ذلك الشىء حنث إذا فعل ذلك فيه فى ملك من كان، وإن لم يكن يريد التعيين لم يحنث إلا أن يقول هذه الدار أو هذا الطعام أو هذا الثوب فهذا يحنث، إلا أن ينوى ما كان فى ملك فلان. [4/ 107]
وكذلك إن حلف لا أكل فلان من طعامى أو قال من هذا الطعام وهو له ثم باعه فإنه يفترق فيه الجواب كما ذكرناوكذلك لو حلف لا أكل طعام فلان ولا لبس ثوبه ولا سكن داره فابتاع الحالف ذلك وفعل فيه ما حلف عليه فلا يحنث، إلا أن ينوى تعيين الشىء. ولو وهب له ذلك ففعل فيه ما ذكرنا فقيل لا شىء عليه، وقال أشهب والمغيرة وابن دينار وابن كنانة هو حانث. وقال مالك فى امرأة حلفت لا تلبس لزوجها ثوباً، قال أكره أن تشترى منه ثوباً تلبسه. قال ابن القاسم ولو صح ذلك لم يحنث. قال ولو كساها ثوباً فسخطته فحلف لا لبسته هى فرده يريد على بائعه فاشترته هى فهو حانث، إلا أن ينوى لا لبسته من ماله. ومن حلف فى ثوبه لا يلبسه فأكره أن يبيعه ويشترى بثمنه ثوباً إلا أن يكرهه لشىء فيه من ضيق أو صنعة فلا شىء عليه. وكذلك قال ابن القاسم فى المجموعة وقال فى السؤال فى ثوب عرض عليه وقال وكذلك فى الطعام إن كرهه لخبثه أو رداءة أو سوء صنعة. وإن كان للمن فلا يأكل مما اشترى بثمنه. ومن الكتابين قال ابن القاسم فيمن حلف لا أكل من هذا القمح فباعه وابتاع بثمنه قمحا فأكله، فإن كره رداءة الحب لم يحنث، وإن كان للمن حنث. وقال أشهب مجملاً لا يحنث إلا أن يريد التضييق على نفسه فيحنث فيما أكل بثمنه. ومن المجموعة روى على عن مالك فيمن حلف بالطلاق فى تمر ألا يأكله فباعه واشترى بثمنه دقيقاً فأكله، قال يحنث. قيل له إنه نوى التمر بعينه؟ قال لعن النبى عليه السلام اليهود فى بيع الشحوم وأكل ثمنها ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وعمن كان له ولزوجته ولابنه دابتان فحلف بالطلاق لا انتفع بشىء [4/ 108]
منهما، قال يسلمهما إليهما فيبيعانهما، ولا أحب أن يجعل ثمنها فيما ينتفع هو به من دابة أو كسوة من عليه نفقته، ولا يعرض لهما فيما يجعلان ذلك ولا يجعلانه فيما يدفع به النفقة عنه. قال أصبغ يعنى أن الحالف أراد تسليم ذلك إليهما، فأما من حلف لا ينتفع بثمنه فله أن يحبسه لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدق به، لأنه إذا فعل ذلك به فقد انتفع به، وهذا إذا حلف لا ينتفع بشىء من ثمنه، فإن لم يرد ذلك فلا بأس أن يبيعه وينتفع بثمنه ويهبه. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق لا يستخدم خادم فلان فأعتقت ثم استخدمها فإن نوى ما دامت فى ملكه، أو كانت يمينه لمن لسيدها عليه لم يحنث، فإن لم تكن له نية حنث. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن مر على أخيه بفاكهة جنان فحلف الأخ ألا دخل تلك الجنان فباعها أخوه فلا يدخلها الحالف لقوله هذه الجنان ولو قال جنانك لم يحنث بذلك. وإذا حلف لا دخلها فحرثت فلا يدخلها إلا أن تصير طريقا للعامة لا جنان فيها ولا تحمى عن الممر فيها فلا يحنث بسلوكها. وإذا حلف لا يركب دابة رجل فإن قال هذه الدابة فلا ركبها وإن ملكها غيره، ولو قال دابته كان ذلك له. ومن سماع ابن القاسم وعن امرأة كست زوجها ثوباً اشترته (بدين) فمنت به عليه، فحلف بالطلاق إن لبسته حتى تكتبى على ثمنه، فكتبت عليه به كتابا وشهد عليه به امرأتان، ثم لبسه وباعه، فقال له ما أردت؟ قال أداء ثمنه من عندى، قال فادفعه إلى رب الثوب واكتب له بذلك كتابا ولا تدفعه إلى زوجتك ولا شىء عليك. [4/ 109]
ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف فى الطعام فى ملكه أن لا يأكل منه فلان فباعه فاشتراه فلان فأكله فلا يحنث الحالف، وقال فيما يشبهه إن لم يكن نوى ما كان فى يديه إنه يحنث، وهذا أحب إلى. والحالف لا يدخل دار فلان لشىء كان بينه وبينه لا يحنث بدخولها بعد أن باعها. قال ابن حبيب فيمن حلف لا انتفع بمال فلان فزال من، ملكه فإن كان لوجه المن لم يحنث إن انتفع به، وإن كان لخبث ماله أو لشىء لازم فيه فهو حانث حيث ما انتفع به وإن تداولته الملاك. هذا قول مالك وأصحابه. (قال ابن المواز قال) ابن كنانة فيمن حلف لا لبس من عمل امرأته فاشترى ثوباً من عملها ولم يعلم فلبسه، فإن حلف للمن لم يحنث، وإن كان لشىء يكرهه فى الثوب حنث، وقال نحوه ابن القاسم. ومن المجموعة ابن القاسم وأشهب: ومن حلف لا يجاور عبد فلان ولا يكلمه وسماه، فباعه وباع الدار التى فيها العبد، فهل يحنث إن أقام على ذلك أو كلمه؟ قال إن لم يرد عتق العبد فلا شىء عليه إن فعل. وكذلك يمينه على طعامه وداره. وكذلك لو ملك ذلك الحالف بوجه. قال أشهب: وإن كره ذلك لشىء فى عين العبد والدار والطعام فاليمين قائمة. ابن القاسم: وإن حلف لا أكل لفلان طعاماً فتسلفه منه فأكله، فإن حلف للمن لم يحنث، وإن لم تكن له نية حنث. وروى عيسى فى العتبية عن ابن القاسم مثله. وإن حلف لا أكل من مال فلان فأكل من تركته قبل أن تقسم، فإن لم يكن عليه دين فلا شىء عليه، فإن كان عليه دين محيط بماله أو غير محيط وإن قل حنث. [4/ 110]
فيمن حلف لا أكل طعام فلان ولا ركب دابته ولا دخل عليه ففعل ذلك لمن هو بسببه
قال أشهب سواء عليه دين أو لا دين عليه، وذكرها ابن المواز، فذكر القول الأول وقال وقد قيل لا يحنث وإن أحاط به الدين لأنه إنما يأكل مال وارث أو غريم. وبعد هذا باب من حلف لا يبيع من فلان، فيه هذه المسألة وزيادة فيها. فيمن حلف لا أكل طعام فلان ولا ركب دابته ولا دخل عليه ونحو ذلك ففعل ذلك فيما هو لعبده أو لمن هو بسببه أو يشاركه فيما أكل وما الذى يحنث به من ذلك وفى الدخول عليه؟ من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب فيمن حلف لا ركب دابة فلان فركب دابة عبده فلا يحنث، ولو حلف فى دابة عبده لم يحنث بركوب دابة عبده كما لو ركب دابة لولده مما للأب اعتصارها لم يحنث. وقال ابن القاسم يحنث بركوب دابة عبده، ألا تراه يعتق من يد عبده من يعتق على سيده قبل ينتزعهم السيد منه. ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا يستعير من فلان فاستعار من امرأته، فإن كان شيئاً هو لها لم يحنث، وإن كان للزوج حنث. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا أكل فى بيت فلان فأكل فى بيت غيره، يريد من طعامه، قال فإن كان لأذى أصابه فى البيت من أحد فلا شىء عليه، وإن أراد الرجل فقد حنث. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب فيمن حلف لا دخل بيت فلان فدخل عليه بيتاً وهو فيه بكراء إنه يحنث والبيت ينسب إلى ساكنه. قال [4/ 111]
أشهب: وإن حلف لا دخل منزل فلان فدخل على رجل يسكن بكراء فى منزل فلان فلا شىء عليه، وإنما منزل الرجل حيث هو نازل. قال غيره فيمن حلف لا يدخل بيت فلان فدخل داره دون البيت، فإن كانت الدار لا تدخل إلا بإذن ومن سرق منها قطع حنث. فأما دار جامعة تدخل بغير إذن فهى كالطريق فلا يحنث. وقال غيره لا يحنث إلا أن يكون نوى الدار أو يقول منزله، فالدار تعنى المنزل، إلا أن تكون داراً مشتركة فيكون فيها هذا التفسير. وذكرها العتبى وذكر القولين عن ابن القاسم من رواية عيسى، وذكر نحوه ابن المواز. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف لا أكل من طعام أخيه وكانا شريكين فاشتريا فى السفر طعاماً فأكلاه، فإن أراد لا أكل من طعام هو له خالصاً لئلا يكون له من عليه ولما كان بينهما فلا شىء عليه. قال مالك ومن حلف لا أكل طعام فلان فسافر معه فاشتريا طعاما فأكله، ويمينه بالطلاق، قال يحلف ما أراد إلا طعاما له خالصاً ولا شىء عليه. قال ابن القاسم إذا علم أنه لا يأكل أكثر من صاحبه. قال فى المجموعة وكره ابن القاسم أن يقربا سفرتيهما من غير شراء فيأكلا من الطعام وإن كان ذلك كفافا، وذكرها العتبى عن عيسى عن ابن القاسم، قلا إذا اشتريا طعاما فأكلاه، فإن كان أكل قدر حقه لم يحنث وهو رأى إن نزل وما أحب ذلك بدءا. ولو قربا سفرتيهما فأكلا منها من غير اشتراك وكان كفافا لم يعجبنى وخفت فيه الحنث. قال أصبغ لا يحنث، وهو كالاشتراء إذا أكل مثل طعامه فدون. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن حلف لا أكل من عمل امرأته وكسب يدها شيئا فدعا [4/ 112]
فيمن حلف لا لبس لامرأته أو لفلان ثوبا أو حلف على ثوب له لا لبسه، ما الذى يحنث به؟
بسويق من ماله ودعا بعسل فى تابوته فأخطأت امرأته بزيت كان لها من عمل يدها لرأسها فصبته له فشربه، فإن كان زيتا حنث، وإن كان دهنا لم يحنث. فيمن حلف لا لبس لامرأته أو لفلان ثوبا أو لا غزلت له امرأته أو لا لبست هى من ثيابه أو حلف على ثوب له لا لبسه ما الذى يحنث به من ذلك كله؟ من كتاب ابن حبيب: ومن حلف لا لبس من ثياب زوجته شيئا وذلك لمنها عليه فلا شىء عليه فيما يلتحف بليل ولا فى البسط والفرش وشبهها، وإنما كره المن فى ثياب الجسد التى تنازعا فيها حتى يريد بيمينه جميع ذلك، وإن لم تجر المنازعة فيها بعينها ولا كانت له نية فليجتنب ذلك كله وإلا حنث. والزوجة بخلاف الأجنبى فلو حلف لا لبس من ثياب الأجنبى شيئا لزمه اجتناب ذلك كله وإن نوى الثياب بعينها، ولزمه الاجتناب للنفع بشىء من ماله من عارية أو سلف أو ركوب دابة أو أكل طعام أو غيره ويحمل أمره فيه على طرح منه عنه وقطع نفعه، وليس يحمل فى المرأة على قطع منافعه كلها منها لما يخصه منها من حقوق النكاح وخواصه منهما. وهو لو حلف لا يعطيها دنانير أو دراهم فكساها لم يحنث ويحنث بذلك فى الأجنبى. وإن حلف لا يلبس من غزلها لزمه ذلك كله فى كل ما يلبس ويفرش ويلتحق مما عملته قبل يمينه أو بعده، إلا أن يريد ما عملته بعد يمينه، ولا ينتفع بذلك فى شىء من الأشياء ولا بثمن ما حلف ألا يلبسه من ثيابها، فإن فعل حنث إذا كان أصل يمينه للمن، إلا أن كره ثيابها لصنعة أو غلظ أو لغير ذلك فله أن ينتفع بثمنها. وهكذا فسر لى ابن الماجشون وأصبغ فى ذلك كله. وإن حلف لا يلبس لها ثوبا فقام من الليل فأخذ ثوبا لها ولا يعلم فائتزر به وجعله على ظهره أو منكبيه أو لف به رأسه حنث. ولو جعله على فرجه لم يحنث، قاله مالك وأصحابه وكذلك فى العتبية وغيرها عن مالك. [4/ 113]
فيمن حلف لا يكسو امرأته أو رجلا، أو لا يهب أو لا يفتدي لها رهنا
قال ابن الماجشون وإن سألها أن تغزل له مشملة فأبت فحلف إن غزلت له خيطاً أبداً ثم أعطاها قطنا لتغزله لنفسها وتكتسى به فإن فعلت حنث لأنه يخفف بذلك مؤنة كسوتها إلا أن تكون كانت قبل يمينه تغزل لنفسها وتكتسى فلا حنث عليه. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن حلف لا لبست امرأته من ثيابه فطرح ثوبا منها فوق مشملته ثم دخلت امرأته تحت ذلك وهو ناس فقد حنث إلا أن ينوى لبسا بعينه. وقال فى كتاب ابن المواز إلا أن ينوى بعض الثياب دون بعض. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك عى أعمى حلف لا لبس ثوبا بعينه فدعا بثوب يلبسه فألبسته امرأته الثوب الذى حلف عليه ثم أخبرته، فقال أخروه عنى فأخروه. قال قد حنث. قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن حلف لا قعد على بساط سماه فمشى عليه، فإن أراد الاجتناب والنفع حنث حتى تكون له نية أو سبب يخرج به من الحنث. فيمن حلف لا يكسو امرأته أو رجلا أو لا يهب أو لا يفتدى له رهنا أو لا لبست أو لا أعرت ثوبا. ما الذى يحنث به من ذلك؟ من المجموعة: ومن حلف لا كسا فلاناً فأعطاه دنانير أو حلف لا يهبه دنانير فكساه أو وهبه عرضا أو دابة، قال مالك يحنث، ولم يحنث فى الزوجة إن كساها وقد حلف لا يهبها دنانير. قال ابن حبيب قال مالك: إن قال نويت العين فله نيته فى الزوجة ولا ينوى فى الأجنبى فى الوجهين، قاله مالك وأصحابه. [4/ 114]
ومن المجموعة قال أشهب إن حلف لا كساها فلانة فأعطاها دنانير فاكتست بها فإن أعطاها لتكتسى وإن لم يأمرها بذلك حنث. قال أشهب عن مالك فى العتبية وهو فى المجموعة من رواية ابن نافع: إن حلف لا خدم أم ولده ولا اشترى لها خادما فأعطاها دنانير فاشترت به خادما، قال لا يحنث، قيل إنهم يقولون هى لا تشترى إلا بإذنه، فإذا أذن لها أو علم فكست حنث، قال لا ولها أن تشترى. قال ابن نافع إذا أعطاها فاشترت حنث. ومن العتبية من سماع عيسى ومن كتاب ابن المواز قال مالك فى الحالف لا كسا امرأته ولا أطعمها ففدى لها ثوباً أو طعاما رهناً قال يحنث ثم وقف، قال فى العتبية ثم رجع إلى أن يحنث وإن لم تكن له نية. وإن نوى استحداث شراء لم يحنث وذكر ابن المواز أن هذا قاله ابن القاسم. قال ابن حبيب قال أصبغ: وإن حلف لا تلبس امرأته ثوبا له بعينه فأعطته لجارتها لتلبسه وأخذت منها ثوبا لبسته، فإن أراد أن يحرمها لبسه ومنفعته حنث. كما لو باعته وابتاعت بثمنه ثوبا لبسته يحنث، لأن مجراه على المن، كما لو حلفت هى لا لبسته للمن فرهنته فى ثوب لبسته تحنث، لبس أو لم يلبس. وكذلك لو أعارته تحنث. ولو حلف لسوء لباسها وقلة توقيها أو لأمر فى الثوب من صنعة ونحوه لم يحنث، ولو أراد صيانته حنث. وإن حلف لا ارعت لى ثوبا فأعارت إزار سريره أو لحافه، فإن كانت تعير ذلك قبل يمينه فقد حنث، وإن كانت إنما تعير ثياب جسده أو جرى الخطاب فيها لم يحنث، وإن لم تكن له نية ولا سبب يدل على قصده حنث حتى ينولا ثياب جسده. ومن كتاب ابن المواز: ومن كسا امرأته قرقلا فسخطته فحلف لا كساها قرقل كتان سنةً، فكساها قرقل خز، فإن لم تكن له نية فى تضييق أو غيره فلا شىء عليه. [4/ 115]
فى العتبية أصبغ عن ابن القاسم: وإن حلف لا فدى لها ثوبها من الخياط ثم رهن عنده درهماً وجاء به ثم ذهب الخياط فلم يوجد، فإن أخذ الدرهم من زوجته لم يحنث، قاله مالك. قال ابن القاسم: إلا أن يكون أجره نصف درهم فلا يأخذ منها إلا نصف درهم. قال عنه عيسى فيمن حلف لا كسا أخاه وابتاع سلعة بخمسة دنانير فقال له بعها ولك فضلها فإنه يحنث. قال عنه أبو زيد وإن حلف لا كسا امرأته فكست نفسها وكسا هو نفسه فقالت له ثوبك خير من ثوبى قال لها: أنا أبعثه فإن كان خيرا فخذيه وأعطينى ثوبك فلم يأتها بالثوب، فإن كان ثوبه خيرا فقد حنث، وإن كان أسوأ لم يحنث وإن أتاها به. ومن سماع ابن القاسم وإن كساها ثوباً فحلف لا لبسته ورده فاشترته هى فلبسته، فإن نوى من مالى ولم يرد إن ملكته هى بعد بيعه لم يحنث ويحلف، وإن لك تكن له نية حنث. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن كسا امرأته ثيابا فدفعها إلى الخياط ثم حلف لا غرم فى خياطتها شيئا، فهل يفتكها أو يحبسها أو يبيعها أو يفتكها أخوه أو بعض أهله؟ قال ليفتكها غيره من عنده ولا يفتكها الزوج لنفسه ولا لبيع إلا أن ينوى لا افتكها لها. وذكرها ابن سحنون لأبيه من رواية عيسى فأجازها إلا فى قوله إنه نواه فوقف عنه. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ألا يكسو أخته فماتت فكفنها حنث، إلا أن ينوى فى حياتها. وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم فى العتبية وقال حلف لا كسا أخت امرأته وكانت تشتمه. [4/ 116]
فيمن حلف ألا ينفع فلانا لا يهبه أو لا يصله أو لا يسلفه ما الذي يحنث به من ذلك؟
وعمن عاتبه غلامه فى كسوة فحلف إنك لا لبست غير هذين الثوبين إلى مدة ذكرها، فأراد أن يحبسه فى البيت أو يبعثه فى السفر لئلا يرى عليه ذينك الثوبين فلا ينبغى ذلك، وإنما حلف ليرى عليه ذينك الثوبين بموضعه ليهينه ويكسره. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فى عبد طلق امرأته الحرة طلقة ثم حلف بالطلاق لا أنفق عليها إلى الهلال، ثم أعطاها درهمين تصنع بهما ما شاءت. قال ما رأها إلا بانت. قال سحنون ومن حلف لا كسا امرأته إلى أجل فكست نفسها، فلما حل الأجل أعطاها ثمن الكسوة. أو حلف لا كسا عبده إلى أجل فكساه مديان للسيد، فقال له لم آمرك، فقال قد علمت أنه لا يلزمك فحبسه له بعد الأجل، فإن كساه الغريم بأمر يرجوه من ربه وقصد إلى الحيلة فى يمينه ورآه رب الحق فلم يغيره وفى قلبه أن يكافئه أو كان مثل ذلك فى الزوجة مما يتعدى من الحنث فى الأمرين، وإن لم يعلم الحالفان ولا أضمرا ذلك حتى مضى الأجل ثم علما فكافأ فأرجوا أن يسلما. قال ابن القاسم عن مالك ومن حلف لا أنفق على امرأته حتى تستأذى عليه وحلفت هى بالصدقة لا استأذت عليه فاليمينان لهما لازمة، فإن استأذت تصدقت بثلث مالها له أن ينفق عليها، وإن زادها على قوتها فلا شىء عليه إن لم تكن له نية. وإن نوى ألا ينفق عليها أكثر من قوتها فهو على ما نوى. فيمن حلف ألا ينفع فلانا ولا يهبه أو لا يصله أولا يسلفه أو لا يعيره أو لا ينفق عليه ما الذى يحنث من ذلك من العتبية من سماع ابن القاسم وهو فى كتاب ابن المواز وابن عبدوس قال مالك فيمن حلف ألا ينفع أخاه بشىء فبعث لحما إلى بيت نفسه فأخطأ [4/ 117]
الرسول فدفعه إلى أخيه ثم علم بعد ذلك فلا شىء عليه. وله طلب الرسول بالثمن ويطلب الرسول بذلك أخاه. قال عيسى بن دينار فى العتبية إن تجافى الحالف عن إغرام الرسول بالثمن وإغرام الرسول الأخ لم يحنث. وإن أغرم الحالف الرسول وتجافى الرسول عن الأخ لم يحنث. وإن تجافيا عنه جميعا حنث، وقاله أصبغ وغيره. قال عيسى عن ابن القاسم فى الحالف بالطلاق إن نفع فلانا بأمر من عنده فساقه الماء فقد حنث، إلا أن تكون له نية من سلف أو غيره. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بعتق عبده لا نفع فلانا بما معه، فأوصى له بوصية ثم رجع عنها أو صح فقد حنث، ويعتق من رأس المال، وإن مات فمن الثلث. ومنه ومن المجموعة ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن حلف لا نفع فلانا بشىء والحالف وصى رجل على صدقة، أيعطيه منها؟ أو أوصى له الميت هل يلى الحالف دفعها إليه؟ قال مالك إن نوى ألا ينفعه من ماله، ولعل له منه عوائد، فلا يحنث إن دفع إليه ما صار له فى يديه من ميراث أو دين له على الميت أو وصية. قال ابن القاسم فى العتبية وإن لم تكن له نية فلا يجرى عليه شيئا. هذا وجه ما سمعت من مالك. قال ابن سحنون: وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا ينفع فلاناً فأمر غلامه فسقاه ماء وليس ذلك نيته إنما أراد لا ينفعه. قال هو حانث، وقال سحنون ينظر بساط يمينه وإلى المنافع التى كان ينفعه بها فعلى مثل ذلك تجرى يمينه. [4/ 118]
ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف لا يسلف فلانا أيقارضه؟ فكره ذلك وخاف أن يكون كره نفعه وهذا خير نفع من السلف؛ وعن امرأتين بينهما رقيق فإحادهما تعالج بهم لرجل طعاماً فحلفت بعتقهم لا عملت له، فأرادت شريكتها فيهم أن تعمله بهم، فإن كانت تهوى ذلك الأخرى ولعلمها بذلك تولته بهم فأخاف أن تحنث، وهذا شديد, وأخاف أيضا أن لا تسلم أن تدفع صحفة أو تطبخ قدراً ونحوه. قال ابن القاسم وأشهب: من حلف ألا يهب لفلان فلا يتصدق عليه ويحنث بكل ما نفعه به عند مالك. قال أشهب: والهبة لغير الثواب كالصدقة، والصدقة هبة لغير ثواب, ويحنث إن وهبه أونحله أو أعمره أو أسكنه أو تصدق عليه أو حبس، إلا أن تكون له نية يعرف لها وجها فيصدق. قالا وإن حلف ألا يهبه فأعاره حنث. قال أصبغ إلا أن تكون له نية فله نيته. قال ابن القاسم: وأصل اليمين فى هذا على النفع. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: من حلف أن لا يصل رجلا فأسلفه حنث، وإن حلف ألا يسلفه فوصله لم يحنث، وقد يكره السلف للمطل وغيره. قال ابن حبيب فإذا حلف أن لا يصله حنث بالسلف والعارية وإطعام الطعام وبكل منفعة نوى قطع النفع عنه أو لم ينو. ولو قال نويت السلف بالدنانير لا بالدراهم لم ينفعه إلا بتحريك لسانه، لأن الصلة اسم جامع فلا يخول منه شىء إلا بحركة اللسان. والمعروف من قول أصحابنا أن الذى لا يجريه إلا حركة اللسان (إنما هو فيما ينوى فيه إلا كذا أو إلا إن. وأما إن حلف ألا ينفعه ونوى فى نفسه بالسلف أو بشىء يخص به فلا شىء عليه. وكذلك إن حلف ألا يكلمه ونوى فى نفسه شهراً. وأما إن نوى إلا شهراً فلا يجزئه إلا حركة اللسان). [4/ 119]
وإن حلف ألا يسلفه فلا يحنث إن أعاره أو وصله أو أطعمه أو باع منه بنظره أو نفعه مما شاء غير السلف، إلا أن ينوى قطع منافعه عنه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. قال ابن الماجشون عن مالك فيمن حلف لا نفع فلانا ما عاش فمات فكفنه قال يحنث، وكذلك لو حلف ألا يؤدى إليه حقا ما عاش فكفنه، قال مالك يحنث. وكذلك إن حلف لا تدخل امرأته بيت فلان أو لا تزوره ما عاش فحضرت مأمته إنه يحنث. قال ابن الماجشون وكأن الكفن من أمور الحياة وهو من رأس المال. قال ابن سحنون قال عبد المالك فى الحالف لا دخل عليه ما عاش فدخل عليه ميتا إنه يحنث. ولو حلف لا نفعه ما عاش فكفنه إنه حانث لأن الكفن مما يخصه ويكون من رأس ماله. والتى تموت ولا شىء لها يكفنها زوجها فكأنه من واجب أمرها. وقال سحنون: أما الدخول عليه ميتاً فلا يحنث به وترجح فى الكفن ثم رأى أنه يحنث به. قال ابن الماجشون وإن حلف لا نفعه بنافعة ما عاش فوجده مع رجل يشتمه فنهاه عنه فلا يحنث. وإن وجده متشبثا به فخلصه منه حنث. فإن سئل عنه فى نكاح أو هل يبايع بثمن إلى أجل فأثنى عليه خيرا حنث. وإن أراد أن يتحمل برجل فأثنى عليه سواء يعنى فترك، فإن تعمد صرف الحمالة ونفعه بذلك حنث، وإلا لم يحنث. وقال فيمن كان يرفق امرأة برعى غنمها فلم تره له فحلف لا رعى لها غنماً فضمتها إلى غنم غيره، فوقع بينه وبين الحالف مباعدة، وفى كتاب ابن عمر منازعة، فتراعيا ماشيتهما وهو يعلم بما للمرأة فيها أو لا يعلم، فلا يحنث. ولو رعاها لها بأجر ولم يحابها لم يحنث، وقاله أصبغ. وكالحالف لا لبس لزوجته ثوباً يريد ترك منافعها فابتاع منها ولبس فلا يحنث إن لم تحابه. [4/ 120]
فيمن حلف ألا ينتفع من فلان بشيء أو لا يسأله شيئا أو لا يستلف منه ما الذى يحنث به؟
وفى آخر باب من حلف ألا يكسو امرأته مسألة من هذا. فيمن حلف ألا ينتفع من فلان بشىء أو لا يسأله شيئا أو لا يستلف منه أو لا يأخذ منه ماله عليه ما الذى يحنث به؟ من العتبية من سماع ابن القاسم، وهو فى كتاب ابن المواز وكتاب ابن عبدوس، قال مالك فيمن حلف ألا يدخل إليه من أخته هدية ولا منفعة وكان بنوه يدخلون إليها ويصيبون اليسير من الطعام. قال أما الكبار ومن خرج من ولايته فلا يحنث بذلك، وأما الصغار فما نالهم مما لا يحمل عنه مؤنة لقلته فلا يحنث به، وما كان من طعام يحمل عنه به منهم مؤونة أو كسوة ثوب فإنه يحنث. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أبت امرأته أن تسلفه ولها مال عين فحلف لا أخذ منه درهما، ثم أقام زماناً حتى أولجته فى عروض فبيعت ثم دخل فى عروض أخرى فأخذ من ثمنها (مثل) نصف درهم انتفع به، قال: يحنث إلا أن يكون نوى لا يقرب من مالها شيئا. قال أصبغ: ومن حلف لا أخذ من مال فلان درهماً فأخذ منه قميصا وفيه درهم ولم يعلم به ثم علم بالدرهم فرده إليه. قال لا شىء عليه. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا يزرا امرأته من مالها شيئان فقربت إليه طعاما فأكل منه فهو حانث. [4/ 121]
ومنه ومن المجموعة: ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا انتفع من بيت امرأته بشىء، فإن نوى شيئاً خصه فلا ينتفع بما نوى، فإن لم تكن له نية فلا ينتفع بشىء مما فى البيت. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فى مطلقة حلفت بالعتق لا قبلت من زوجها منفعة فقدم فخدمته جاريتها فلما خرج كساها ثوبا وأعطاها دراهم، فلا رأى أن تقبلها ولتردها لأن ذلك نفع لها وعون فى كسوتها وغير ذلك ولتبعت بذلك إليه إن غاب، وإن مات قبل أن تبعث به ولم يقبله فلا شىء عليها، وإن فات ذلك وقد قبلته دينت، فإن قالت لم أرد هذا ولا أردت خادمى ولا عبدى حلفت ودينت، وإن انتفعت من ذلك بشىء وإن قل فقد حنثت. ولو كانت الوليدة إنما نالت منه طعاماً أكلته فهذا خفيف. قال ابن نافع وأشهب عن مالك فيمن حلف لا يقرب من مال أخيه شيئاً إلا بثمن ولا ينال منه دينارا ولا درهما، فأهدى أخوه لابنة الحالف أو لزوجته هدية فلا يقربها الحالف إن كانت يمينه غليظة وأخاف أنه أريد بذلك لو كانت يمينه تكفر لكفر وتناول. قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لامراته عند سفره بالطلاق إن أخذت من فلان قمحا أو زيتا أو علاضا فاحتاجت فى غيبته، هل تأخذ منه دنانير؟ قال لا تأخذ منه شيئا. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا يسأل فلانا شيئا فبعث إليه فلان شيئا من غير مسألة قال لا يحنث وإن كانت يمينه على المن حتى يسأله. قال أصبغ لا يعجبنى، وأخاف أن يحنث. قال ابن القاسم: إذا أعطاه شيئا فلا يحنث إلا أن ينوى لا أخذت منه شيئا, وكذلك روى عنه عيسى فى العتبية. [4/ 122]
قال ابن القاسم فى كتاب ابن المواز وفى العتبية من رواية أصبغ: ومن حلف لا يسأل فلانا حاجة فاحتاج إلى ما فى يديه فلزم الجلوس يتعرضه ولا يسأله، قال لو تعرضه بالكلام مثل أن يكلم غيره وهو يسمع وهو يريده فقد حنث، كما لو حلف لا يكلمه. قال أصبغ ومثل أن يتعرض بذكر الحاجة عن نفسه لا يكلمه بذلك لا هو ولا غيره فهو تعريض يحنث به. وتعريض بالكلام قيل لابن القاسم: فإن لم يتعرض إلا بالجلوس فقط ولم يكن ممن يجالسه، قال لا يحنث، ولا أحب له أن يفعله ولا يعود. قال أصبغ وإن سلم من فنون ذلك بكل وجه والحركة فيه، كمن حلف لا يكلم امرأته ثم يجلس معها ويطؤها. زاد فى والتطاول فيه وله والمطاولة عليه حتى يستدل المطلوب على إرادته فهو حانث. ومن كتاب ابن حبيب قال مالك وأصحابه: ومن حلف ألا يقبل لرجل صلة فلا ينتفع له بسلف ولا بعارية ولا بطعام ولا منفعة. قال ابن الماجشون فيمن له قبل رجل دراهم قتركها له وحلف بالطلاق لا أخذها ولا انتفع منها بشىء فوهبها المطلوب لابن الحالف بائن عنه، ثم طلب الأب من ابنه سلفاً فقال ما عندى غير تلك الدراهم التى حلفت فيها، فقال حلفت وهى له وهى الآن لك فأخذها سلفا، قال لا يفعل هذا بدءاً، فإن وقع وكان على تصنع حنث، وإن لم يكن على تصنع لم يحنث. قال أصبغ وإن حلفت امرأة لا تتنفع بعمل خادمتها حتى تبيعها فأسلمتها لخدمة زوجها فإن لم تكن نوت ذلك فهى حانثة، وقد انتفعت بها حين كفتها من خدمته ما كانت تليه منه. قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن حلف لا انتفع من مال امرأته بشىء فنادى بغلامه فأمرت المرأة جاريتها فنادت به فقد حنث. قال أصبغ لا يحنث [4/ 123]
بالنداء حتى تكون قد سعت فيه ومشت. وقول ابن القاسم أحوط. وقال بعض أصحابنا يعنى ابن القاسم أن الخادم سمع العبد نداءها فجاء ولو لم يسمعها ومضت إليه فلم تجده لم يحنث. قال أصبغ ومن من عليه أخوه بطعام فحلف لا أكل له طعاما، قال فلا يركب دابته ولا يلبس له ثوبا ولا ينتفع من ماله بشىء، فإن فعل حنث. وقال ابن الماجشون فيمن حلف لا يسلف من أم امرأته دينارا فتسلفت منها امرأته دينارا فأعطته إياه ولم يعلم ثم علم، فليرده حين علم ولا حنث عليه. إلا أن يحبسه بعد علمه. وكذلك قال فيمن حلف لا قبل من أخيه صلة فدس عليه شيئا مع رجل أن الرجل وصله به فقبله فلا يحنث بقبوله حتى يعلم فيحبسه بعد العلم، وإن رده لم يحنث. وقال أصبغ وابن عبد الحكم: ومن حلف لا أكل من طعام أخيه فبعث أخوه طعاما إلى أمهما فدخل الحالف إلى أمه فأكل منه وهو يعلم فلا يحنث لأن ملك أخيه زال عنه. قال ابن الماجشون فيمن حلف لا أكل من تمرهذا الحائط فاحتطب غلامه منه وانتفع هو بذلك إنه حانث، لأنه أراد قطع منافعه من الحائط. ومن سماع أشهب: ومن حلف لا أخذ لفلان مالاً فمات فلان فأخذ من تركته فلا يحنث إلا أن يكون عليه دين أوأوصى بوصايا. قال سحنون وكذلك قوله لا أكلت من طعامه، فإن أكل قبل تقسيم ماله فإن كان عليه دين أو أوصى بوصايا حنث. قال ابن القاسم فى المجموعة: كان الدين محيطاً أو غير محيط، وقال أشهب سواء عليه دين أو لا دين عليه. وذكر ابن المواز قول ابن القاسم قال وقد قيل لا يحنث وإن أحاط الدين به وهذا قد تقدم فى باب قبله فيمن حلف على أكل شىء أو النفع به هل ينتفع بثمنه. [4/ 124]
فيمن حلف ألا يكلم رجلا أو ليكلمنه أو ليخبرنه فكاتبه أو أرسل إليه
قال ابن سحنون فيمن حلف لا يأكل من مال فلان ولا ينتفع منه بشىء فانتفع من ماله بشىء منه بعد موته قبل جمع ماله أو بعده قبل أن يدفن أو بعد ان دفن، فإن كان عليه دين فهو حانث، كان دين محيط أو غير محيط، فأما إن لم يكن عليه دين وقد أوصى بوصايا فلا يحنث لأن المال يرد بعد موته لأهل الميراث وأهل الوصايا، وما جرى فيه من حادث فمنهم وقال وقد أخطأ من ساوى بين الوصية والدين. فيمن حلف ألا يكلم رجلا أو ليكلمنه أو ليخبرنه فكاتبه أو أرسل إليه أو عناه بالكلام أو أشار إليه من كتاب ابن المواز: ومن حلف ألا يكلم رجلاً فكتب إليه أو أرسل إليه، قال مالك يحنث فى الكتاب ولا ينوى، واختلف قوله فى الرسول فقال يحنث إلا أن ينوى مشافهته، وقال لا شىء عليه. ومن المجموعة قال مالك: الكتاب أشد، فمرة نواه فيه مع يمينه، ثم رجع فقال لا ينوى. قال وإن رد الكتاب قبل أن يصل إلى الرجل فلا شىء عليه. قال عنه ابن نافع ويدين فى الرسول ويحلف أنه أراد مشافهته، يريد فى أيمانه بالطلاق والعتاق. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: لا يحنث بالرسول ولا بالكتاب إلا أن يسمع الكلام الذى أرسل به الرسول فيحنث، لأنه لو حلف ليكلمنه فكتب إليه لم يبر. قال أشهب وإن ارتجع الكتاب بعد أن وصل إلى فقرأ منه بقلبه ولم يقرأ بلسانه فلا شىء عليه، قال لأن من حلف لا يقرأ شيئا فقرأ بقلبه لم يحنث وإذا كتب المحلوف عليه إلى الحالف فقرأ كتابه لم يحنث عند أشهب، واختلف عن ابن القاسم، فروى عنه أبو زيد أنه يحنث، وروى عنه أبو زيد أنه لا يحنث. [4/ 125]
قال عنه أبو زيد فى العتبية إنه لا يحنث. قال فى الكتابين فى هذه الرواية: وكذلك إن أمر عبده فقرأه عليه إلا أن يقرأه عليه أحد بغير أمره فلا يحنث. قال فى العتبية وما ذلك بالبين، قال فإن كان الكتاب إلى غير الحالف فإذا قرأه على الحالف بعد أن أخبره به فلا شىء عليه. قال محمد: والصواب أن لا يحنث الحالف بقرأة كتاب المحلوف عليه، وقد أنكر هذا غير واحد من أصحاب ابن القاسم، وفى المجموعة عن ابن القاسم أنه لا يحنث، ومن المجموعة قال أشهب لا يحنث الحالف بالكتاب إلى المحلوف عليه ولا بالرسول، كما لا يبر بذلك إن حلف ليكلمنه. وقال ابن القاسم: لا ينوى فى الكتاب وينوى فى الرسول، فإن لم يكن له نية حنث، لأن الله تعالى جعله كلاما فقال (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا إلى قوله أو يرسل رسولاً). ومن كتاب ابن حبيب: ولا يحنث بالكتاب حتى يقرأه المحلوف عليه، وحين يقرأ عنوانه يحنث، وإن لم يكن له عنوان فلم يقرأه أو قطعه ولم يقرأه لم يحنث. وكذلك إن سقط من الرسول فلا يحنث حتى يعلم أنه وصل إلى المحلوف عليه وقرأه. ولو قال الحالف للرسول اقطع كتابى ولا تقرأه أو رده على فغطاه وأعطاه للمحلوف عليه فقرأه فلا يحنث. كما لو رماه راجعا عنه بعد أن كتبه فقرأه المحلوف عليه. وأما الرسول فروى غير واحد عن مالك أنه يحنث إلا أن ينوى مشافهته فلا يحنث، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. [4/ 126]
وقال ابن الماجشون: الحنث بالرسول بخلاف الكتاب. قال ولو أمر الحالف من يكتب عنه إلى فلان فى كذا فكتب ولم يقرأه على الحالف ولا قرأه الحالف ووصل الكتاب فلا يحنث. ولو قرأه الكاتب على الحالف أو قرأه الحالف أو أملاه لحنث، والقول الأول فى الرسول أحب إلى. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: ولو حلف ليكلمنه قبل الليل لم يبر بالكتاب ولا بالرسول، وإن سمع المرسل إليه ما قال للرسول والحالف لا يعلم فلا يبر بذلك ولا يبرا إلا بأعلى الأمور مما لا شك فيه. قال عيسى عن ابن القاسم إذا حلف لا كلمه فكتب إليه ثم رد الكتاب قبل يصل إليه فحرقه فلا يحنث، قاله مالك وابن وهب. قال عنه ابن القاسم إذا كتب إلى زوجته بالطلاق غير مجمع ثم حبسه فلا شىء عليه. قال ابن القاسم فإن خرج من يده لم ينفعه قبل أن يصل وقد لزمه، وقاله ابن وهب، إلا أن يدفعه غير عازم فله رده ما لم يبلغها. قال ابن حبيب فى الحالف على الكلام لو كلم رجلا لايريد به الرجل لكن إسماع المحلوف عليه وأن يفهمه بخطاب غيره حنث، وإن رمز له بكلام كلمه به فلم يفهمه ولا سمعه لم يحنث وإن كان معه جالسا. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإن حلف لئن علم كذا ليخبرن به فلاناً أو ليعمنه فكتب إليه او أرسل بذلك إليه فقد بر كالحالف ألا يخبره فكتب إليه بخبر أو أرسل به إليه أنه يحنث، وكذا فى المجموعة عن ابن القاسم وأشهب. قال أشهب وإن كان قد علمه من غيره فلا ينفعه ذلك فى البر والحنث، ويحنث الحالف أو يبر بفعله. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من رواية ابن القاسم عن مالك. ومن حلف لئن علم كذا ليخبرن فلانا فعلماه جميعاً ينفعه حتى يخبره. ولو حلف ألا يخبره به فعلمه الآخر من غيره، فإن أخبره به الحالف حنث. [4/ 127]
في الحالف على كلام رجل وتركه فكلمه وهو نائم أو غافل أم من حيث لا يسمعه أو وهو لا يعرفه
قال ابن المواز قال ابن وهب: ومن حلف لا يكاتب وكيلاً له فأرسل إليه رسولاً يقبض ما فى يديه، قال يحنث وليخرج إليه بنفسه إلا أن تكون له نية. قال أحمد بن ميسر لا يحنث بالرسول ولكن يخرج إليه بنفسه إلا أن يكون له نية، ولا يحنث بالرسول لأنه لم يوجهه برسالة إنما بعثه لقبض ماله. ومن المجموعة وإذا حلف أن لا يكلمه فأشار إليه، قال ابن القاسم لا يحنث ولا أحب أن يفعل، وقال غيره يحنث لأن الله يقول (ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً) وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية قال ابن حبيب كان أصم أو سميعاً، وقال عن ابن الماجشون يحنث فى الإشارة التى تفهم عنه بها. قال إن لم تكن الإشارة فى الصلاة كلاماً فهذا النفخ فيها كالكلام فلا يبر به الحالف على الكلام ولا يحنث به لو نفخ فى وجهه، وهو يحنث بالكتاب إليه ولا يبر بذلك. وفى باب من حلف لا دخلت إلى فلان من معنى هذا الباب. فى الحالف على كلام رجل وتركه فكلمه وهو نائم أو غافل أو من حيث لا يسمعه أو وهو لا يعرفه أو ناسيا أو يسلم على قوم وهو فيهم أو يؤمه أو يأتم به أو خاطب غيره يريد إسماعه من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا كلم رجلا فمر به وهو نائم فقال له الصلاة يا نائم فرفع رأسه فعرفه فقد حنث. وكذلك يحنث إن لم يسمعه وهو مستثقل نوما وهو كالأصم. وكذلك إن كلمه وهو مشغول يكلم رجلا ولم يسمعه. ومثله فى كتاب ابن المواز، وقال فى السؤال حركه وقال قم صل ولم يسمعه. قال اصبغ وهذا فى نوم يشك فيه لا يوقن باستثقاله أو يوقن بثقله وأيقظه بحركته. فأما إن أيقن باستثقاله ولم يوقظه بحركته ولم ينتبه وأيقن أنه لا يسمع فلا حنث عليه. كمن كلم ميتا وقد جعله الله أحد الميتين، أو كمن ناداه من [4/ 128]
مكان بعيد لا يسمعه وكان ابن القاسم يحنثه فى ذلك كله، كان أصم أو مشغولاً أو مستثقلا نوماً، وقال أيضا لا يحنث فى الأصم، وإذا كلمه من بعيد وهو لا يسمعه لم يحنث إلا أن يكون مد فى صوته مداً لو يسمع لسمعه فإنه حانث، وقاله ابن القاسم فى المجموعة. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا كلم عبد الله فمر بليل فسلم عليه ينوى إن كان غير عبد الله فقد حنث، ولا ينفعه إلا أن يكونوا جماعة فيحاشيه. فإن لم يذكره ولا حاشاه ولا علم به حنث إلا أن يرى القوم فيسلم على من رأى منهم وعرف، أو يسلم عليهم ولا يرى أن معهم غيرهم. فأما إن لم يعرفهم أو لم يعرف إلا بعضهم فسلم عليهم ولم يحاشه حنث، وهذا كله فى المجموعة عن أشهب. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا كلم رجلا فجمعهما مجلس فقال الحالف لرجل بلغنى أن زيداً قال لك إننى قلت كذا والله ما قلته وزيد يسمعه والحالف لم يرد إسماعه فلا شىء عليه. ولو كان زيد بدأ فقال أخبره بكذا وكذا فقال الحالف لرجل إلى جانبه هل رأيت مثل هذا ما كان شىء من هذا فهذا شديد ويحنث. قال: وإذا دق الحالف باب المحلوف عليه فقال له من هذا؟ فلا يحنث إلا أن يجيبه الحالف بشىء فيحنث. وإن كان المحلوف عليه هو الداق فقال له الخالف من هذا؟ حنث أجابه الداق أو لم يجبه. وإن قال الحالف لرجل انظر من هذا والمحلوف عليه يسمع فلا شىء عليه. وإذا أم الحالف قوماً والمحلوف عليه فيهم فسلم، قال محمد إن سلم اثنتين فأسمعه الثانية حنث، قال أحمد بن ميسر لا يحنث. قال وإن تعايا الحالف فلقلنه المحلوف عليه لم يحنث، وإن كان الحالف مأموماً فرد عليه السلام لم يحنث. [4/ 129]
قيل إن أسمعه رده حنث، قاله ابن القاسم وأشهب. وأما إن تعايا فرد عليه الحالف فقد حنث. ومن حلف لا يكلم رجلا فكلمه يظنه هو قاصداً للحنث فإذا هو غيره لم يحنث، ولو كلمه وهو يظنه غيره حنث. ومن المجموعة: أشهب عن مالك فيمن حلف بالطلاق لا كلم فلانا إلا ناسياً، فصاح ببابه المحلوف عليه فقال الحالف من هذا؟ أو لم يجبه وجلس وتقنع فخرج إليه الحالف ولم يعرفه فحركه وقال لعلك الذى صحت الآن، فقال الرجل الآخر قريباً منه أنا فلان، فعرفه الحالف فولى عنه. فال أراه حانثاً لأنه لم يكلمه ناسياً إنما كلمه جاهلا به، ولكن ليكلمه كلاماً يحنث به حنثا بيناً ثم يرتجع امرأته، وقاله ابن القاسم. وقال ولو حلف لا يكلمه إلا ألا يعرفه فكلمه وهو يعرفه ناسياً حنث، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم فيه وفى الذى حلف لا كلمه ناسيا فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس إنه حانث. قال ابن نافع عن مالك: وإن حلف لا يكلمه إلا ناسياً فكلمه وزعم أنه كلمه ناسيا، قال ذلك إليه، ورواها أشهب فى العتبية. قال ابن القاسم وإن حلف لا يكلم رجلاً فكلم رجلاً يظنه هو وليس هو فلا يحنث، وإن كان هو ولم يسمعه فإن كان فى موضع يسمع من مثله حنث وإن لم يسمعه، وإن كلمه وهو أصم ولم يسمعه لم يحنث. ومن العتبية قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لا كلم فلانا فشتمه فلان فقال الحالف لرجل إلى جانبه ما أنا كما قال، فإن أراد أن يسمعه فأسمعه فقد حنث. وعن مرأة حلفت لا كلمت مرضعة انبها فسمعت بكاء الصبى فنادتها أرضعيه فقد حنثت، قيل فأنكر زوجها، قال ليس ذلك على المعنى أراه يريد حلفت بالصدق. [4/ 130]
فيمن حلف ألا يكلم فلانا عشرة أيام كيف يحسب، أو خلف لا كلمه حتى يرى الهلال فغم
فيمن حلف ألا يكلم فلاناً عشرة أيام كيف يحسب أو حلف لا كلمه حتى يرى الهلال فغم أو لا كلمتك حتى تبدأنى أو حتى تفعل كذا أو أفعل كذا من العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق أو غيره لا كلم أخاه عشرة أيام، فأحب إلى أن يلغى ذلك اليوم ولا يعتد به، وقاله ابن القاسم، ورواه عنه سحنون فى كتاب النذور فيمن حلف ضحى لا كلم فلانا يوماً قال يكف عن كلامه إلى مثل تلك الساعة من الغد. وكذلك إن حلف فى الليل لا يكلمه ليلة. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن حلف إن كلم فلانا حتى يريى الهلال فغم قبل ذلك. قال إذا ريى الهلال فهو الذى أراد رآه أو لم يره، وإن حلف لا كلم فلانا حتى يخرج من المدينة فليخرج فتجاوز مسيرة اليوم أربعين ميلا فأكثر كالإفطار فليجاوزه لأن مسيرة اليوم من المدينة كعملها، واسم المدينة يجمعه، فإذا جاوز ذلك فقد خرج منها. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم وهى فى المجموعة فيمن قال لزوجته إن كلمتنى حتى تقولى إنى أحبك فأنت طالق، فقالت غفر الله لك نعم إنى أحبك فقدحنث. ومن قال إن كلمتك حتى تفعلى كذا فأنت طالق فاذهبى الآن إنه حانث. وقال أصبغ وابن كنانة لا يحنث، قال ابن القاسم: وفصل لى فيها مالك على ابن كنانة، قال ابن سحنون فقيل لسحنون اختار بعض أصحابنا قول ابن كنانة، قال القول قول ابن القاسم. [4/ 131]
فيمن حلف لا كلم امرأته أو ابنته ولا دخل إليهما فخالطهما
قال أصبغ وقد قال ابن القاسم فى أخوين حلف كل واحد لا كلم الآخر حتى يبدأه، فليس يمين الثانى تبدية بالكلام وهما على أيمانهما، فمن بدأ الآخر بالكلام حنث، وقاله ابن كنانة، وكذلك فى كتاب ابن المواز. قال ابن سحنون وكذلك روى محمد بن خالد عن ابن نافع وقال سحنون إن اليمين الثانى تبدية بالكلام فيقال للأول كلم الثانى ثم يكلمه الثانى بعد ذلك ثم لا شىء عليهما. ومن العتبية روى محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن حلف لآخر بالطلاق لا كلمتك حتى تبدأنى، فقال له الآخر أنا والله لا أبالى، فليس ذلك تبدية. ومن كتاب ابن المواز: وعن أخوين كانا باليف فحلف الواحد لا كلم أخاه حتى يرجع من مكة، فلما رجع منها لقيه أخوه بالفسطاط فكلمه فلا شىء عليه إلا أن يكون نوى بموضعه. وقال عيسى بن دينار عن ابن القاسم فى العتبية لا يكلمه حتى يرجع إلى الريف، أرأيت لو لقيه بالجحفة أكان يكلمه؟ فيمن حلف لا كلم امرأته أو ابنته ولا دخل إليهما فخالطهما أو حلف لا كلمتك إلا فيما لابد منه أو إلا فى شر قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: من حلف لا يكلم امرأته فيؤاكلها من غير كلام فلا شىء عليه، وأما القبلة والوطء فلا يحنث بذلك إلا فيما يخالف عليه من الغلط بالكلام عند غلبة الشهوةوالإشارة التى تفهم مما يحنث به. [4/ 132]
فيمن حلف ألا يأتم بفلان أو لا يخبر، ما الذي يحنث به من ذلك؟
ومن المجموعة قال ابن القاسم قيل لمالك أيقبلها؟ قال إن نوى الاعتزال فلا يفعل. وروى عنه أشهب فى المجموعة فيمن حلف لا كلم ابنته ولا شهد لها محيا ولا مماتاً أبدا ولا دخل إليهما بيتا فخرجت امرأته إليها فصحبها فجلس قرب بيت ابنته فخرجت إليه فتلقته فأطعمته بكفها وسقته. قال فلا شىء عليه، قيل إن منزلها فى حائط ومن دونها حائط آخر، فقعد الأب لما انتهى إلى الحائط الأدنى، قال لم يقولوا هذا. قيل وفى اليمين لا شهدت لها محيا ولا مماتا وقد أكل طعامها، قال هذا مشكل ولا أدرى ما هو. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب فيمن حلف لا كلم فلانا إلا فيما لابد له منه، فوقع له عليه حق فكلمه فيه فقد حنث. قال ابن حبيب قال أصبغ وإن حلف لا كلمه إلا فى شر أو خصومة فمر به وهو يكلم رجلا فكذبه، فإن كان ما كذبه له فيه من سبب شرهما الذى كانا فيه لم يحنث، وإن لم يكن ذلك أو كذبه فى غير ما كانا فيه فقد حنث. وإن مر به فشتمه ابتداءً أو كلمه بما يسوؤه حنث. وفى باب الحالف لا دخل على فلان طرف من هذا. فيمن حلف أن لا يأتم بفلان أو أن لا يخبر بخبر ما الذى يحنث به من ذلك؟ من المجموعة وكتاب ابن سحنون فيمن حلف لا صلى خلف فلان فصلى خلف غيره فأحدث فقدم المحلوف عليه فقد حنث الحالف. قال فى المجموعة قيل فلو صلى المحلوف عليه بقوم فأحدث فقدم رجلاً فدخل الحالف خلفه، قال إن لم تكن له نية، فإن كان الأول قد قرأ فى الركعة ثم استخلف الثانى فركع وركع الحالف خلفه حنث، وإن كان الأول ركع ثم استخلف هذا فسجد فدخل الحالف خلفه [4/ 133]
فيمن حلف لا دخلت على فلان بيتا أو لا يأويهما بيت أو لا دخل هو علي
فسجد معه لم يحنث. وقال عنه ابنه إذا صلى الحالف خلف المستخلف وقد وجب على الأول سجود السهو قبل السلام أو بعد السلام، قال لا شىء على الحالف إذا صلى خلف المستخلف. قال ابن القاسم فى صبى سرق لمعلمه ثوباً من البزازين فعلم به أبوه فهدده ليخبره لمن هو، فحلفه الابن بالطلاق ألا يخبر فحلف فأخبره الابن عند من رهنه، فمضى الأب إلى السوق ليستدل لمن هو فجاء لمنهو فجاء رجل فأخبره الأب أين هو مرهون ففداه فقد حنث لأنه إنما حلف على الكتمان. وعمن أخبر بخبر لعبد الله عن رجل وأخبر به لزيد وحلف زيد ألا يخبر بذلك الرجل، فقال الحالف لذلك الرجل اذهب إلى فلان يخبرك فمضى إليه فأخبره، أنه يحنث. فيمن حلف لا دخلت على فلان بيتاً أو لا يأويهما بيت أو لا دخل هو على أو لا دخل فلان على فلان أو حلف لا دخل هذا البيت فصار مسجداً ما الذى يحنث به؟ من العتبية أشهب عن مالك فيمن حلف لا دخل على فلان بيتاً فدخل عليه وهو ميت قال يحنث. قال ابن كنانة وقاله عبد الملك، وقال سحنون لا يحنث. ومن العتبية قال أصبغ فيمن حلف لا دخل بيت فلان ما عاش أو قال حتى يموت، فدخل بيته وهو ميت قبل يدفن، قال يحنث. [4/ 134]
قال أشهب عن مالك وإن حلف بالطلاق لا دخلت امرأته على أختها حتى تأتيها هى وبناتها فماتت أختها ولم تدخل إليها، قال إن جاءها بناتها فلها أن تذهب إليها. وعمن حلف لا كلم ابنته ولا دخل إليها أبداً وهو يريد تسليما فى صحة أو عيادة فى مرض، فمرض زوجها فنقله إلى جانبه وفتح بينه وبينه باباً فكان يدخل عليه إذا خرجت ابنته فإذا خرج دخلت، فمات الزوج فجعل على ذلك الباب ستراً فسقط فدخل فأصلحه وهى فلا الدار وقال لم أرد هذا، فلما غسلوه دخل به فى بيت من الدار ومعها قريب منها وقال لم أرد هذا إنما أردت زيارة فى صحة أو عيادة فى مرض، فلما دفن قال لامرأته قولى لابنتك أعظم الله أجرك وهى وراء ذلك الباب، قال إن سمعت منه ابنته التعزية فقد حنث. ولو أرسل بذلك إليها لم يحنث، وأما فى دخوله عليها فلا يحنث لأنه إنما حلف على زيارتها وعيادتها. قال ابن القاسم عن مالك فى التى حلفت لا تشهد لأخيها محيا ولا مماتاً، فماتت ابنته فأحبت أن تنتظرها عند باب المسجد وتصلى عليها فكره ذلك، وقال عنه فى التى حلفت لزوجها لا دخل إليها من قرابتها أحد فمات أو طلقها، فإن نوت ما دمت تحتك فلا شىء عليها، وإن لم تنو شيئا فلتحتط ولا تدخلهم. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا يأويه مع فلان سقف بيت فجمعهم المسجد فلا شىء عليه ولا ينتفع من هذا وليس هذا مخرج يمينه. قال عنه أبو زيد: وإن جامعه فى الحمام حنث لأنه لو شاء أن لا يدخله فعل، وكذلك ذكر عنه ابن المواز أنه لو دخل عليه المسجد لم يحنث ويحنث إن دخل عليه الحمام، وفى سؤاله ألا يجامعه تحت سقف ولا يدخل عليه، فإن جامعه فيه أو دخل بيت جار له حنث، وإن كان المحلوف عليه هو الداخل عليه لم يحنث فى يمين الدخول إلا أن ينوى ألا يجامعه فى بيت فيحنث، وقيل لا يحنث إلا أن يقيم [4/ 135]
معه بعد دخوله عليه. ولو حمل الحالف فأدخل مكرها لم يحنث إلا أن يتراخى، ثم إن قدر أن يخرج فلم يخرج مكانه حنث، وفى سماع عيسى قال ابن نافع فى الحالف لا دخل مع فلان تحت سقف فتحول عن ذلك البيت فإن أراد اجتناب معاشرته وسوء خلقه وكراهية مجامعته فهو يحنث دخل معه تحت سقف بيت أو فى ظل جدار أو شجرة. قال عيسى عن ابن القاسم، وهو فى كتاب ابن المواز، ومن حلف لا دخل على أخته فى بيتها فدخل عليها فى غير بيتها، فإن نوى القطيعة حنث، وإن نوى بيتها بعينه لم يحنث، وإن لم تكن له نية حنث. قال عنه أبو زيد قال مالك: وإن حلف لا يأويه وفلان سقف بيت أبداً فمر بسقيفة فيها طريق ولم يعلم أن المحلوف عليه فيها وقال: إنما نويت الجلوس، وإنما سلكت طريقا، فإن كانت الطريق نافذة تسلك بلا إذن لم يحنث وإن كان بيت يستأذن فيه فقد حنث. قال ابن حبيب فى الحالف لا يجمعه وفلان سقف فإن أراد اجتناب الجلوس وغيره أو لا نية له فلا يجامعه فى بقعة ولا فى موقف، لا تحت سقف ولا فى صحراء، فإن فعل حنث، وإن لم يرد إلا مجامعته فى البيوت المسكونة فلا بأس أن يجلس معه فى الدار والصحراء حيثما شاء عدا السقف ولا شىء عليه فى المسجد للصلاة والجلوس، وليفترقا فيه ولا يجتمعان فيه فى مجلس، ويحنث فى الحمام. وأما السجن فإن سجن الحالف لم يحنث بدخول المحلوف عليه إليه طوعاً أو بسجن، وإن كان الحالف غير مسجون فكيفما دخل عليه المحلوف حنث، بطوع دخل أو بسجن، فالحالف حانث، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. وإذا حلف لا جامعه تحت سقف، فإن دخل عليه المحلوف عليه حنث ولا ينفعه إن خرج إلا فى يمينه لا دخل على فلان، وقاله أصبغ وغيره. [4/ 136]
ومن العتبية قال أصبغ فى الحالف لا يجامع فلانا تحت سقف بيت فحبسه الإمام كرهاً، قال يحنث إلا أن ينوى طائعا. قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق امرأته لا يأويهما سقف حتى تأتى فتقبل رأسى وتعتذر. قال إن دخلت عليه فقبلت رأسه واعتذرت بر وإن خرجت قبل تفعل ذلك حنث. وقال مالك فى التى بات زوجها عند ضربتها ليالى فحلفت بالحرية إن بت معه تحت سقف حتى يبيت معى مثل ما بات معها، قال مالك يبيت معها فى غير سقف ويدع الأخرى حتى تفرغ تلك الليالى. وكذلك ذكر فى كتاب ابن المواز. قال مالك ولا يعجبنا هذا ورأى مخرج يمينها على أن لا يقربها ولا تقربه إلا أن يكون للحالف نية ومراد. قال أصبغ فى العتبية يحنث حيث ما بات معها لأنها قصدت الاجتناب ولكن يبيت معها فى الحجرة مثل تلك الليالى ولا يمسها فيها. ثم يبيت فى البيت إلا أن تنوى هى المصاب فى الحجرة فلا ينزلانه فى تلك الليالى. ومن المجموعة والعتبية روى أشهب وابن نافع عن مالك فيمن حلف لا يبيت مع أمه فى قاعة الدار سنة، قال فليدع ذلك سنة، قيل ففى سطح بيتها، قال يسأل عن نيته. قال فى المجموعةوالعتبية أشهب وابن نافع عن مالك فيمن حلف إن أدخلت فلانا بيتك لا دخلت إليك سنة، ثم أراد الحالف إدخاله وأبى المحلوف عليه، فإن أدخله حنث إلا أن يستثنى إلا برضائى. [4/ 137]
فيمن حلف لا دخل قرية إلا عابر سبيل أو لا دخل علي فلان أو لا سافر مع فلان أو لا صحبه فيه
قال ابن القاسم فيمن حلف لا دخلت بيت أبى يومين حتى أفرغ ما بينى وبينك، فلم يدخل البيت يومين ولم يفرغ ما بينه وبينه فلا حنث عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا دخلت امرأته بيت أمها فدخلت الابننة بيتاً فدخلت الأم عليها فكره ذلك. ومن حلف لا دخل لفلان بيتاً فدخل سقيفته، فإن كان أكرى السقيفة لنفسه وحده فقد حنث، وإن كان أكرى مجلساًَ فيها مع غيره لم يحنث بدخوله عليه فيها. ومن حلف لا دخل بيتا من الدار فدخل حجرته حنث. ومنه ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف ختنه إلى بيته حتى ينزع عما هو عليه، فأتى البيت والحالف وزوجته غائبان فكسر بابه ودخل بيته، فقال له مالك فهل نويت بإذنك؟ قال نويت ألا يدخل، قال قدحنثت. قال ابن حبيب ومن حلف لا دخل دار فلان فلا يدخل حانوته ولا قريته ولا خباه ولا موضع له فيها أهل أو متاع وإن لم يملكه، إلا أن يكره عين الدار لما يكره فيها مثل عيال الرجل أو لغير مما يكره من الدار وهو قول مالك وما فسر لى أصبغ. ومن كتاب ابن المواز ومن حلف لا دخل هذا البيت فحول مسجداً فلا يحنث بدخوله. فيمن حلف لا دخل قرية إلا عابر سبيل أو لا دخل على فلان أو لا سافر مع فلان أو لا صحبه فيه ما الذى يحنث به من ذلك؟ ومن العتبية من سماع عيسى ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن كان ساكنا فى قرية فحلف لا دخلها سنةً إلا عابر سبيل فقدمها مجتازاً فبات بها [4/ 138]
ليلة أو قدمها نهارا فأقام بها بعض النهار او اكثره، فإن كان لم يقصد الخروج إليها والنزول بها لكن لحاجة اخرجته فلا يبالى إذا اقام بها كما يقيم المسافر لحاجته مما لابد منه فى المناهل قال فى كتاب ابن المواز إذا لم يقصد بإقامته المنزل خاصة ولا استحدث ما يؤديه إلى المقام. قال فى الكتابين وإن أراد الإقامة فليتباعد عنها مثل خمسة أميال او عشرة، قال فى كتاب ابن المواز ثم يقيم ما شاء، وإن اتخذ ذلك متجرا، ومسكنا. ومن كتاب ابن المواز ورواها اصبغ عن ابن القاسم فى العتبية ومن حلف لا دخل بلدا كذا وعليها فلان والياً فمر مختاراً بقرية من عمله بينها وبين المدينة اليوم واليومان وهو لا يدخل المدينة، قال يحنث. وقد تقدم شىء من هذا المعنى فى باب الحالف لا يأكل طعام فلان. وإن حلف لا صحب فلاناً فى سفر فاكترى كل واحد منهما جمال فأدركه فى الطريق فسايره وهما مفترقان فى النفقة والكراء فقد حنث، وكذلك فى العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك وقال فكانا يسيران ويتحدثان وينزلان إنه يحنث وقاله ابن القاسم. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن سافر مع ختنته فحلف لا صحبها فى سفرها هذا فإن نوى بعد أن يردها من هذا السفر فله ما نوى، وإن لم ينو شيئا فلا يرجع معها ولا يصحبها فى سفر آخر، وإن عرض لهما بعد زمن سفر إلى أرض واحدة لهما بها حاجة واحدة فركب الختن فى البحر وركبت هى فى البر وتواعدا إلى الموضع، قال: إن كان نوى لا يخرج معها فى سفر لها فيه بحاجة ومنفعة خفت أن يحنث، وإن كان على ألا يكون معها على طعام او صحبة. [4/ 139]
فيمن حلف لا عاد مريضا فأرسل إليه، أو لا يصحب رجلا فعاده
فيمن حلف لا عاد مريضا فارسل إليه أو لا يصحب رجلا فعاده من المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا عاد احداً فمرض له أحد وبينه وبين بعض أهله صداقة فأراد أن يأتيهم إلى منازلهم فيسألهم عنه، فإن وجدهم عند المريض أرسل إليهم ليسألهم عنه فنهاه عن ذلك، وكره لمن حلف أن لا يعود فلانا أن يجوز ببانه إليه بالسلام أو يرسل إلى أهله ليسألهم عنه وإن لم يجز ببابه. قال ابن القاسم اما الذى يقف ببابه ويرسل إليه وإلى أهله يسألهم عنه فقد عاده وحنث، وأما أن يرسل إليه من منزله ولا يخرج إليه فأخاف عليه الحنث وليس بالبين وأنويه، فإن لم يرد الإرسال أو لم تكن له نية فلا حنث عليه. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لا يصحب أخاه فى حاجة فمرض فأراد أن يعوده أو عاده إلى طعام منزله أيحنث؟ قال لا، إلا أن ينوى اعتزاله. فيمن حلف لا يشهد لأخيه محيا ولا مماتاً أو لا تخرج امرأته لأبيها إلا فى فرح أو حزن ومن المجموعة قال أشهب فيمن حلف لا شهد لأخيه محيا ولا مماتاً، فرأى رجلا يريد ظلمه فنصره قال يحنث. قيل فإن وكله أو كلمه، قال يحنث. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بطلاق امرأته أن لا تخرج إلى بيت أبيها إلا فى فرح أو حزن فولد له ولد ذكر أو أنثى فسربه الأب فخرجت فيه ثم مات الولد فحزن عليه فخرجت فيه، ومات عبد نفيس عليه، قال الولد فرح وهو له حزن، وأما العبد الذى هو قوام الرحل ووجهه فليس يقع عليه فيه اليمين. [4/ 140]
في اليمين على الهجران وترك الكلام، وكيف إن سمى أجلا أو حينا أو دهرا أو زمانا
فى اليمين على الهجران وترك الكلام وكيف إن سمى أجلاً أو حيناً أو دهراً أو زمناً؟ من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لامرأته إن لم تعملى كذا لأهجرنك، فلم تعمله، قال يهجرها ثلاثة أيام، وقاله ابن الماجشون واصبغ فى الواضحة، وذكرها ابن سحنون عن أبيه مثله. قال وأحب إلى لو زاد على الثلاثة أيام وإن كانت الثلاثة أيام تجزئه. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليجهرن زوجته، قال يهجرها شهراً، ولو قال لأطيلن هجرانك فليهجرها سنةً. قال وقال ابن أبى مطر: الهجرة ثلاثة فى الحديث، والطول عندى شهر. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فى طول الهجران سنة، قال ابن القاسم إنما استحب مالك ما هو أبين وأقطع للشك، وإن الشهرين والثلاثة ليس بطول، فإن طال هجرانه وإن لم يتم السنة فلا حنث عليه، ولم ير الستة أشهر طولا، وكأنه رأى الثمانية وأكثر طولا. وكره أن يوقت فيه. وإن قال لهجرتك فليجهره سنة. قال ابن حبيب قال مطرف وابن القاسم وابن المجشون عن مالك الحين والزمان سنة فى الحالف ليهجرنه حيناً أو زماناً قال مطرف فى رواية فى الدهر أكثر من السنة وسنتان قليل وما أوقت فيه وقتاً، قال ابن حبيب الأول أحب إليه، ولم ير أصحابنا قول ابن المسيب أن الحين ستة أشهر من طلوع تمر النخل إلى حين يرطب، وقد يكون الحين والزمان أكثر من سنة وأقل على معنى ما يجرى فى الحلف على الهجران وبره فيه وقد أثم. قال ابن الماجشون وهى جرحة وقال فى الحالف ليطيلن هجرانه فالشهر ونحوه، فما نقص أو زاد طول وقاله انب الماجشون وبه أقول. [4/ 141]
وقول ابن القاسم سنة قال أصبغ عن ابن القاسم: وإن سلم عليه ولم يكلمه فى غير ذلك فإن كان خاصا به لم يخرج بذلك من الهجران فى الإثم والجرحة، وإن لم يكن خاصاً به أجزأه فى ذلك كله. وإن حلف لا يكلم فلانا حتى يرحع فلان من سفر أراد الخروج إليه، قال ابن الماجشون فليدع كلامه من الأن حتى يخرج فيرجع، وإن كسر عن السفر فإن كان الحالف قد كان كره خروجه فأبى أن يكسر ثم كسر فله أن يكلمه ولا يحنث، فإن عاد إلى الخروج أمسك عن كلامه، وإن لم يحلف لكراهية خروجه لكن لغير ذلك فكأنه جعل قدومه من سفر أجلاً فلا يكلمه. وإن كسر حتى يمضى وقت قدر ذهابه ومقامه وإيابه، وقاله أصبغ. قال ابن الماجشون وإن حلف لأهجرنك سنةً فليس عليه وصل السنة بيمينه ولكن يهجره سنة حتى ما شاء عجلها أو أخرها. ومن قال امرأته طالق إن كلمتك سنة فالسنة من يوم يمينه. ولو قال إن شربت نبيذاً لا كلمتك سنة فالسنة من يوم يشربه، فإن قال إن شربته لا كلمتك إلى الفطر أو إلى الصدر فإنما يهجره إلى ما يأتى من الفطر والصدر بعد يمينه قرب شربه أو بعد لأنه وقت معلوم، والسنة مجهولة، وإن شربه بعد الفطر والصدر فلا شىء عليه، وليس عليه هجرانه إلى فطر آخر أو صدر آخر. ولو حلف بالحرية إن شربته إن كلمتك شهرا فلا بيع رقيقه قبل شربه، فإن شربه فلا يبيعهم حتى يهجره شهرا وإلا حنث والشهرمن يوم شرب، وإنما يحنث فيمن ملكه يوم حلف لا يوم الشرب ولا يوم الحنث، وقال أصبغ فى موضع آخر له بيع رقيقه بعد الشرب. قال ابن الماجشون: وإن حلف ليهجرنه شهرا فكان الشهر الذى هجره فيه تسعة وعشرين يوماً فليس عليه تمامه بيوم. [4/ 142]
فيمن حلف ألا يساكن فلانا أو لا يجاوره، أو قال لا أبيت مع امرأتي
ومن كتاب ابن المواز وعن امرأة حلفت لزوجها إن لم تخبرنى بكذا لا كلمتك شهرا فأمر نفسه ثم أخبرها بعد شهر، قال محمد فليقدر فى ذلك بقدر ما أرادت من استعجال خبره أو تأخيره، ولعلها أرادت فى مقامها أو لها وقت قد عرف، فإذا فات لم ينفعها إخباره بعد ذلك. فيمن حلف ألا يساكن فلانا أو لا يجاوره أو قال لا أبيت مع امرأتى من كتاب ابن المواز قال مالك فيمن حلف لا يسكن معه أو لا يجاوره فذلك كله سواء. فإن انتقل أحدهما فى مسكن بقربه والدار تجمعهما وكل مسكن بمنافعه ومدخله على حدة، فإن كانا أولاً فى منزل كالرفيقين فلا يحنث بهذا، كانا اجنبين أو ذوى قرابة، إلا أن ينوى الخروج من الدار. قال وإن كانا متجاورين لم يجزه حتى يخرج من جميع الدار. ولو قسمت بجدار وفتح فى كل نصيب باب إلى الشارع فكرهه مالك ولم يحنثها ابن القاسم بهذا وقال أشهب وإن كانت يمينه وهو بهذا الموضع ساكن فهو حانث على ما ذكرنا، وإن تباعد ما بينهما حتى انقطع ما كانت له اليمين فلا يحنث، وإن كان إنما ساكنا فى موضع آخر مما لا يشبهه قرب هذا الآن فلا حنث عليه. ولو كان أولاً جاراً له فى القبيل فإنه ينوى، فإن قال نويت لا أسكانه فى دار صدق مع الكشف عن سبب يمينه، وإن لم تكن له نية حنث بالمقام إن أراد النقلة عنه من القبيل إن لم يكن له فلينتقل. قال ابن القاسم: وإن كان معه فى دار فانتقل لم يحنث بسكناه معه فى قرية، وإن كان أولاً فى قرية وليسا فى دار، فإن ساكنه فى قرية حنث إلا أن ينوى فى دار، وإذا كان من أهل العمود فحلف لا يجاوره أو لينتقلن عنه، فينتقل إلى قرية والمضرب واحد فلا يجزيه إلا نقله حتى ينقطع ما بينهما من خلطة العيال والصبيان حتى لا ينال بعضهم بعضاً فى العارية والإجتماع إلا بالكلفة والتعب، ويكون رحله كرحلة جماعتهم من مكان إلى مكان. [4/ 143]
ومن المجموعة قال ابن القاسم فى الحالف لا يجاوره، فإن كان فى دار فليخرج منها، وإن كان معه فى رحبة فليتنح عنه ويبعد حتى ينقطع ما كان بينهما من تناول العيال وأذاهم، وإن كان كمساكن البادية والخصوص فليتنح حيث لا يلتقى عبيدهم وأغنامهم فى الرعى، وقاله مالك. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم إن حلف ألا يجاوره وهما من أهل الباديى فليخرج إلى بادية أخرى إلا أن تكون له نية فيعمل عليها، وليذهب عنه إلى مثل ما لا يكون به جارين من البعد. قال عنه يحيى بن يحيى: وإذا انتقل عن أخيه بنية ثم يأتيه عائداً لمرض أو زائراً فيقيم عنده يومين أو ثلاثة قال لا يحنث بذلك. قال عنه أصبغ: إذا حلف لا يساكن أخاه وهما فى دار لم ينفعه أن يبينا جدارا بينهما ويقيما. ابن حبييب قال ابن القاسم فى الحالف على المجاورة إن كانا فى دار فلا يحنث إن ساكنه فى قرية، ولو كان فى قرية فساكنه فيها أو فى قرية غيرها حنث. قال انب حبيب وإن كان فى حارة فساكنه فى حارة غيرها حنث. لأن محمل يمينه على رفع المجاورة، فلا ينفعه إلا الإبعاد منه ومن الحضر الذى يجمعهما فى المصلى والاختلاف إلى مسكنهما. قال ابن الماجشون إذا حلف لا يساكنه وكانا فى دار فقسماها بجدار من جديد وسكن كل واحد فى مسكنه وخرج على باب نصيبه فلا يعجبنى ذلك [4/ 144]
إلا بجدار وثيق بالبناء فلا يحنث إذا أضرباه بينهما، إلا أن ينوى لا يجاوره فليبعد منه ولا يجمعهما معاملة ولا طريق وسواء قال إن ساكنتك فقط أو قال فى هذه الدار فلا يساكنه فيها ولا فى غيرها. ومن كتاب ابن المواز: ومن أذاه جاره فحلف لا ساكنتك أو قال لا جاورتك فى هذه الدار أبداً فلا بأس أن يساكنه فى غيرها ولا يحنث إن لم تكن له نية. وأما إن كره مجاورته أبدا فإنه يحنث، وكذلك إن قال لا ساكنتك بمصر فساكنه بغيرها مثل ذلك سواء. ولو حلف لا يجاوره، فأما فى أمهات القرى فيتنحى عن الطريق التى تجمعهما فى الدخول والخروج، وأما فى البادية فإن افترقا فى الشرب والمورد والجمع فلا شىء عليه. ومن المجموعة قال أشهب: وإن حلف لا ساكن رجلاً فسكن فى دار لها مقاصير كل واحد فى مقصورة فقد حنث إذا كان الاب الأعظم يجمعهم والدار شرعاً بينهما وما بينهما متقارب وأما أن تساعد ما بينهما كتباعد الجيران وكل واحد مستغن ولا شرك بينهما فى مرافق القاعة التى جمعتهم فلا يحنث، إلا أن يكونا هكذا قبل اليمين فيحنث، وإن كانت دار ذات مقاصير فى كل بيت ساكنه أو فى كل مقصورة ساكنها وكان هذا فى بيت أو كانا فى مقصورة والحالف فى حجرة المقصورة وصاحبه فى البيت فليخرج حين حلف إلى أى بيوت الدار شاء ولا يقيم معه فى المقصورة، وفإن أقام فى البيت أو المقصورة يوماً وليلة حنث. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف على جار له أن لا يجاوره فأقام بعد اليمين أكثر منيوم وليلة فإنه حانث وإن أقام أقل من يوم وليلة وقال أشهب لا يحنث إن أقام أقل من يوم وليلة، ويحنث فى يوم وليلة لا جاورتك ولا ساكنتك. [4/ 145]
ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف لا يساكن رجلاً فى دار فبات عنده ليلةً لأمر نزل به من عرس ونحوه أو كان صهره فيضيف به ليلةً فليس هذا سكنى، وقاله مالك. وأما إن حلف لا يأوى إليهم فألجأه مطر أو خوف أو جنة ليل فأوى إليهم ليلة أو بعض ليلة فقد حنث إلا أن يكون نوى السكنى. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإذا حلف أن لا يساكن رجلا فلا يحنث بالسفر معه إن كانت يمينه مستحبة، وإن رأى أن ليمينه وجهاً أو سبيلاً حمل عليه، ومثله فى العتبية. من سماع ابن القاسم قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالطلاق لا يبيت مع امرأته فأراد أن يطأها ويقيل معها فيسأل عن نيته وبساط يمينه، فإن كره المبيت ف؟ إن من الناس من تبخل ذلك عليه فله أن يقيل معها ويطأها نهاراً، وإن كانت نيته اعتزاله لها وأن يعمها باجتنابه فإنه يحنث إذا قال معها ووطئها نهارا. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن حلف لا يساكن أخاه فمرض فأتاه مرضه ليالى، فإن كانت يمينه لما يقع بين العيال والصبيان لم يحنث، وإن كانت بعد هذا فقد حنث. قال مالك ولا يحنث بالزيارة وليست سكنى وذلك مختلف، ليس زيارة الحاضر كزيارة من انتقل من قريته، هذا يقيم اليومين والثلاثة وإذا كانت يمينه لما يقع بين العيال فنحاهم وأقام ببدنه فهو أخف. وقال أشهب ليست الزيارة مساكنة وإن طالت إن صح أن ليس القصد فيها السكنى. وإذا كان الحالف مغلوباً عليه فأقله إليه بعد أن انتقل عنه فلا شىء عليه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فى من سكن مع أخت امرأته فى بيت فحلف لا يساكنها فخرج وترك امرأته معها فأقامت معها أياما حتى وجد مسكنا نقل إليه أهله، ثم سافر فانهدم المسكن فعادت امرأته مع أختها حتى [4/ 146]
في الحالف ألا يساكن رجلا أو لا يسكن هذه الدار أو لينتقلن منها
قدم، فإن لم ينو لا يدخل عليها لزيارة أو مرض لم يحنث إن دخلت ومرضتها لأنه خرج ولم يسكن بها وإنما كان ذلك منها على غير ما نوى. قال أصبغ يعنى أنه نوى لا يساكنها هو بنفسه، ولو أبهم يمينه حنث فى تركه إياها معها حتى وجد منزلا. وقال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا يساكنه بداره فأقام عنده أياما، فإن كان فى الحضر فليزره نهارا ولا يكثر، ولا أرى أن يبيت إلا لمرض فليبت الليلة. وأما فى غير الحضر فركب إليه فله أن يقيم اليومين والثلاثة، وقال مالك. وما يشبهه. قال أصبغ فى الواضحة فإذا أكثر الزيارة نهارا فى الحضر أو أكثر من المبيت والمقام فى شخوصه إليه يعنى فى الحضر فهو حانث. فى الحالف ألا يساكن رجلا أو لا يسكن هذه الدار أو لينتقلن منها وكيف أن أقام بعد يمينه من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا حلف لا يساكنه فإن لم يخرج ساعة حلف حنث، وإن حلف فى جوف الليل خرج حينئذ وإلا حنث إلا أن ينوى الصباح فينتقل إذا أصبح ولا يصبر حتى يجد مسكنا. وكذلك قال فى العتبية وقال لو حلف لينتقلن فليطلب منزلا ولا يطأها حتى بينتقل. قال أشهب فى المجموعة فى الحالف لا يساكنه فيخرج ساعة حلف، ولكن لا يحنث فى إقامة أقل من يوم وليلة قال أشهب فى كتاب محمد: لا يحنث فى إقامة أقل من يوم وليلة إلا أن ينوى تعجيل الخروج قبل ذلك. قال أصيغ حد المساكنة عندنا يوم وليلة بعد اليمين، فإن زاد أكثر حنث، وإن انتقل فلا يرجع أبداً بخلاف يمينه لأنتقلن. ولو قال الحالف على السكنى نويت ثم صدق فى الفتيا ولا ينفعه فى القضاء إن قامت عليه بنية. وكذلك لو قعد وقال نويت [4/ 147]
فيمن حلف لينتقلن أو ليخرجن من هذه الدار أو هذه المدينة أو ليسافرن
لا أساكنه بعد مضى شهر او سنة لصدق فى الفتيا ولا ينفعه إن قامت عليه بينة، وإن لم تحضر يمينه بينة إلا أن أخبر بيمينه لغير واحد، فإن أخبرهم مع ذلك ببينة فذلك له وإلا لم ينفعه. فيمن حلف لينتقلن أو ليخرجن من هذه الدار أو هذه المدينة أو ليسافرن، أو قال لا سكنت هذه الدار من العتبية من سماع أشهب قال مالك فى فيمن نازع جاراً له فحلف بالطلاق لينتقلن عنه، فإن كان كره جواره فلينتقل ولا يساكنه أبداً، وإن أراد النقلة ترهيبا ثم يعود فينتقل ثم يقيم شهراً ثم يعود إن شاء وهو وجه النقلة، وليس يوم نقله. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك يقيم شهراً أو نحوه إلا أن ينوى ألا يساكنه قال ابن القاسم ولو رجع بعد خمسة عشر يوما لم يحنث، والشهر أحب إلى إلا أن ينوى ألا يساكنه. ومن كتاب ابن المواز قال ولو انتقل بعياله وولده وترك متاعه لحنث، وقال أشهب لا يدع شيئاً من متاعه ولا ممن كان يسكن مسكناً، ولكنه لو خلف متاعه كله لم أحنثه، وإنما يحنث إن ترك أهله وولده لأنه مسكن بعد. قال ابن القاسم من قول مالك إنه يحنث إن ترك متاعه أو بعضه ولو تصدق بذلك على صاحب المنزل او غيره فتركه فى المنزل لم يحنث. وقال فى المنتقل إن ترك مثل الوتد والمسامير والخشبة فلا شىء عليه، وكذلك لو تركه ناسياً، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية. [4/ 148]
قال ابن القاسم فى المجموعة: إن ترك مثل سرير وآنية أو مثل طعام كثير ترك أكثره ويمينه على وجه النقل فلا يبر بذلك ولا يعجبنى لأنه له فيه منفعة وإن لم يحتج إليه إلا أن يترك شيئا يلقيه من شىء لا يريد يرجع إليه. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فى العتبية إن ترك مثل الزير والوتد والفخار وهو لا يريد الانصراف فيه لم يحنث، وإن كان إنما نسيه حنث. ومن كتاب ابن المواز: وإذا حلف فى الانتقال بطلاق زوجته فلا يقربها حتى ينتقل، فإن رفقته ضرب له أجل من يوم يرفع، وتعجيل النقلة له أحب إلى. قال فى العتبية وإن حلف لينتقلن فليطلب لنفسه منزلا ولا يطأها حتى ينتقل. قال فى كتاب ابن المواز: ومن حلف لينتقلن عن أبيه وكان يمن عليه فلا يدخل بيت أبيه ولا حانوته، فإن دخل حنث، وكذلك الدار. قال محمد وأظن فى يمينه ولا دخل له دارا. ومن سكن بمنزل لامرأته فمنت به عليه فحلف بالطلاق لينتقلن ولم يؤجل فأقام ثلاثة أيام يطلب منزلا فلم يجد فأرجو ألا شىء عليه. قيل فإن أقام شهراً، قال إن توانى فى الطلب خفت أن يحنث وإن حلف لينقلن فلاناً من دار له لأذى أذاه فيها فنقله ثم رده بعد أن طال ذلك فلا شىء عليه إن لم يكن له نية. ومن الواضحة وقال فى الحالف بالطلاق لينتقلن فلا يحنث وإن أخر انتقاله، ولكن لا يمس امرأته حتى ينتقل إلا أن يضرب أجلا فله مساسها، فإن حان ولم ينتقل حنث، وإذا انتقل أقام قدر الشهر. [4/ 149]
قال ابن الماجشون: ولكن لا احب له أن ينتقل على نية شهر لكن ينتقل على غير نية توقيت، فإن بدى له بعد شهر رجع، قال أصبغ وإن رجع فى أقل منه لم أبلغ به الحنث. قال ابن الماجشون وكذلك إن حلف ليخرجن فلانا من داره فأخرجه فله رده بعد شهر. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليخرجن من المدينة فإن لم ينو إلى بلد بعينه فليخرج إلى ما تقصر فيه الصلاة فيقيم نحو الشهر قاله مالك، وهو استحسان، والقياس أن يخرج إلى موضع لا يلزمه فيه أن يأتى الجمعة فيقيم ما قل أو كثر ثم يرجع إن شاء، والأول أبرأ من الشك وأحسن فى رأيى إن يكن ليمينه سبب فيجرى عليه. وقال فى موضع آخر فى الحالف لا يتزوج من الإسكنرية فإن نواها وعملها وإلا فالاستحسان أن يبعد إلى موضع لا يجب منه المجىء إلى الجمعة. قال ابن القاسم وقال أصبغ يخرج إلى حيث يقصر عنده الصلاة إذا برز إلى سفر وحيث لا يعم فيه إذا قدم. هذا القياس والأول استحسان وهو أحب إلى. وإن تزوج فى الموضع الذى يقصر فيه من قريته لم أفسخ نكاحه. قال أشهب فيمن حلف ليخرجن العام إلى مصر فخرج ثم رجع من بعض الطريق، فإن لم يدخل مصراً قبل تمام السنة حنث. وفى موضع آخر من كتاب ابن المواز عن مالك: ومن حلف ليسافرن فليخرج إلى ما تقصر فيه الصلاة ويقيم شهرا أحب إلى. وقيل أما سفر القصر فلا بد منه إلا أن ينوى دونه. وأما إقامة الشهر او أكثر فهو احب إلى، إلا أن يرى ليمينه وجه ييريد به التغرب الطويل، وإلا فعل ما ذكرنا كالانتقال، وإن رجع دون الشهر لم يحنث إذا صحت النقلة والمقام بعد النقلة إلى الغاية فى الحضر والسفر. وإن حلف لا يسكن فى هذه الدار الواسعة، فإن قصد لسعتها لوحشته فيها أمر غير ذلك مما يعلم سببه فضيقت لم يحنث إن سكنها، وكذلك إن كرهها لتشييدها فانهدمت فسكنها، إلا أن يريد عين الدار وإنما ذكر الواسعة والمشيدة [4/ 150]
فيمن حلف على سكنى دار أو دخولها أو ركوب دابة أو لباس ثوب وشبه ذلك
على الاسم لها وأنه يحنث بسكناها على كل حال، وكذلك المزوقة فذهب تزويقهاثم سكنها حنث. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن حلف لا فعل كذا وكذا حتى ينتقل من منزله وهو صاحب خيمة، فلا احب له أن ينتقل إلى موضع قريب حتى ينتقل نقلة يعرف أنها نقلة. ومن المجموعة: ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لزوجته لئن خرج عنها إلى سفر وعاد إلى سنتين، فإن أراد بلداً مثل مصر فبدا له فتركها ورجع إلى غيرها فلا شىء عليه، وإن لم يرد موضعا فاليمين عليه. فيمن حلف على سكنى دار أو دخولها أو ركوب دابة أو لباس ثوب وشبه ذلك وهو حال فى ذلك مقيم من المجموعة: ابن القاسم ومن حلف على نفسه أو على زوجته لا لست ولا سكنت أو لا ركبت فيما هو او هى فى حالين، فإن استداما ذلك حنث، قال مالك إلا أن يترك ذلك مكانه. قال ابن القاسم وإن حلف لها وهى فى الدار إن دخلت هذه الدار فلا شىء عليه فى تماديها، وإنما اليمين على امر مستقبل. ولو قال لحامل إذا حملت ولحائض إذا حضت ولنائمة إذا نمت فأنت طالق لم تطلق بتلك الحال ولكن بأمر مستقبل إلا الحائض فتطلق مكانها من باب أنه كأجل أت فى الحيضة المستقبلة. وقال أشهب هو مثل الحمل. قال ابن المواز قال أشهب فى يمينه إن دخلت هذه الدار وهو فيها: إنه أن لم يخرج مكانه حنث. [4/ 151]
فيمن حلف ألا يبايع رجلا أو لا يداينه أو لا يعامله أو لا يتسلف منه أو لا يلابسه
فيمن حلف ألا يبايع رجلا أولا يداينه أو لا يعامله أو لا يتسلف منه او لا يلابسه او لا يفوض إليه او ليقاسمن شريكه، ما الذى يحنث به؟ من المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف لا يبايع رجلا فآجره فقد حنث إلا أن يكون له نية، وقاله مالك. وكذالك يمينه لا يداينه إلا أن ينوى السلف والبيع، فإن حلف أن لا يلابسه فى متاع وفلان حميل بذلك المتاع فقد حنث. قال أشهب عن مالك فيمن حلف لا يتسلف من رجل لا له ولا لغيره هل يتعاين منه؟ قال لا. قال أشهب فيمن حلف ليفاصلن شريكه فيما بينه وبين ثلاثة أيام فخاف الحنث فحل الأجل ولهما ديون غائبة وحاضرة وطعام ودواب حاضر وغائب، قال إذا تقاسما الدواب الحاضرة والطعام الحاضر وغيره من الحاضر مما يقسم متقاسما ما على كل غريم واحتال كل غريم من أهل الدين بحقه الذى يصير إليه ووفى بذلك الغرماء وحضروا وكتب بذلك كتاباً وتصدق المحلوف عليه على الحالف بحصته من الدواب الغائبة وكل من غاب عنه معرفته مما لم يذاكره عند المفاصلة صدقه لئلا كذا لم يحنث إن فعل ذلك قبل غروب الشمس من آخر يوم. وإن تصدق الحالف بذالك على الآخر لم يبر به وحنث، ولا بأس أن يزيده فيما صار عنده فى قيمة العلروض دنانير إلا أن يزيد للأجل الصدقة فيحنث، وإن لم يحنث الغرماء حتى قسما ما على كل واحد منهم أو تراضوا بالحوالة عليهما على ذلك فلا يبر بذلك ويحنث. قال ابن القاسم عن رجلين كانت بينهما أرض فتقاوماها على أن أربح أحد منهما ال أخر أربع فدادين، وذلك قبل يبدو صلاح زرعها، ثم حلف الذى صار له [4/ 152]
في الحالف ليفعلن فعلا أو لا يفعله فأمر غيره ففعله
ذلك الزرع بالطلاق لا خالطه شريكه ولا شاركه فى شىء أبدا، قال فليرفعه إلى السلطان حتى يفسخه ولا شىء عليه، لأنه إنما حلف لا خالطه يريد بأمر مبتدأ إلا أن يكون نوى غير ذلك. ومن كتاب ابن المواز وهو فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف بالحرية أن لا يعامل أخاه ابداً وقد كان جحده ثمن شىء باعه منه، ثم إن الحالف أسلفه دنانير أو أودعه مالاً فهو حانث إلا أن تكون له نية فى البيع خاصة فيدين. قال محمد بن عند الحكم فيمن حلف لا يشترى من رجل شيئاً وبينه وبينه عبد فأعتق الحالف نصيبه منه فقوم عليه السلطان نصيب صاحبه إنه حانث، لأنه لما أعتق نصيبه علم ان نصيب الآخر يقيم عليه، ثم رجع فقال لا يحنث لأن الحكم أوجب القيمة عليه، فإذا حلف أن لا يبيع منه شىء فأعتق المحلوف عليه نصيب من العبد فقوم عليه الإمام نصيب الحالف فلا شىء عليه. فى الحالف ليفعلن فعلاً أو لا يفعله فأمر غيره ففعله من كتاب ابن المواز ومن المجموعة قال أشهب فيمن حلف أن لا يشترى عبداً فأمر غيره فاشتراه فهو حانث إلا أن تكون له نية أو ليمينه سبب مثل أن يكره أن يلين لأنه قد عتق غير مرة، وإما أن كره شراءه أصلا فقد حنث وكذلك فى يمينه ألا يبيعه، ولم ينوه ابن قاسم. قال ابن المواز قال مالك فى المأمور يبيع السلعة بأمر غيره فيبيعها ثم حلف لربها لاأنى ما بعتها وعليه بينة وقال مالك فى المأمور يبيع السلعة بأمر غيره فيبييعها ثم حلف لربها أنى ما بعتها وعليه بينة وقال نويت أنى لن آل البيع فهو حانث لأنه أمر بالبيع. [4/ 153]
في الحالف ليضربن عبده أو امرأته أو لا يضربهما
ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب فى الحالف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه إنه يبر. قال أشهب كانت عليه بينة أو لم تكن، إلا أن ينوى يليه بيديه. قال أشهب ينوى. قال ابن القاسم وإن حلف لا يضربه فأمر من يضربه إنه حانث إلا أن ينوى لا يليه بنفسه. قال أشهب إن شكاه إليه رجل فقال إضربه لم يحنث، وإن كان إذا حلف أمر رجلا بحضرته أن يضربه له فهو حانث، فإن كانت عليه بينة لم ينو، وإن لم تقم عليه بينة فله نيته. قالا ومن حلف بطلاق أو عتاق أن لا يطلق امرأته فملكها فاختارت نفسها فقد حنث، قال اشهب إلا أن تكون له نية لها وجه. قال ابن القاسم إن نوى أن لا يطلقها هو بلسانه فله نيته. قالا ومن حلف بطلاق أو عتاق أن لا يطلق امرأته فملكها فاختارت نفسها فقد حنث، قال أشهب إلا أن تكون له نية لها وجه. قال ابن القاسم إن نوى أن لا يطلقها هو بلسانه فله نيته. ابن القاسم عن مالك فيمن أمر وكيله يبيع ثوبه فباعه، فحلف ربه ما بعته فهو حانث، هو باعه حين أمر ببيعه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالمشى إلى مكة لا زوج ابنته فلاناً فعذله فولى له فقال له قد وليتك ليمينى فزوجها المولى ودخل بها. قال النكاح تام وعليه المشى إلى مكة. فى الحالف ليضربن عبده أو امرأته أو لا يضربهما أو على فعل غير الضرب من الواضحة: ومن حلف بالطلاق ليضربن امرأته مثل العشرة أسوات فقد أساء ويخلى وذلك، وإن حلف على مثل الثلاثين ونحوها، فإن رفع إلى الإمام قبل أن يفعل طلق عليه إلا أن تستوجب ذلك بعصيان أو نشوز فيخلى وذلك، وإن [4/ 154]
كان لغير شىء فلم يمنع حتى فعل فلا يعاقب بغير الزجر والسجن، ولا يطلق عليه إلا أن يكون بها من اثار الضرب أثار قبيحة أو أمر مشتهر فيطلق عليه للضرر وإذا طلبت الفراق. وروى ابن القاسم عن مالك فى العتبية فى الحالف ليضربن امرأته إلى شهر انه لا يعجل عليه بالطلاق قبل الشهر قال ابن القاسم إلا أن يحلف على ضرب لا يترك والبر فيه فليجعل عليه الطلاق. ومن الواضحة ومن حلف ليضربن عبده مائة سوط فقد أساء ولا يعتق عليه، ويخلى وذلك، فإن حلف على أكثر من المائة مما فيه التعدى والمثل والشنعة فليعتق عليه الإمام لا يمكنه منه لأنه لا يقدر ان يبيعه عليه لليمين الذى فيه، فإن ضربه ذلك قبل أن يهتق عليه فيباع عليه ولا يعتق إلا أن يبلغ به من الضرر أمر شنيع فظيع يخشى عليه منه الهلاك فليعتق. وهكذا قال لى مطرف وعبد الملك وأصبغ فى ذلك كله، وقال ربيعه فى جواز ضربه المائة وكراهية ما فوقها. قال ابن الماجشون وإن حلف ليضربن أمته مائة جلدة فلم يفعل حتى حملت فليعتقها عليه الإمام، فإن ضربها قبل ذلك بر فى يمينه وأثم، ولو لم يضربها حتى باعها فأولدها المبتاع فاليفسخ البيع فتعتق على بائعها ويرد جميع الثمن على المبتاع، ولا ثمن عليه فى ولده وهو حر. ومن حلف ليضربن امراته أو أمته فقال قد فعلت وكذبتاه فالقول قوله بلا بينة، وقال مالك. ولو ادعى ذلك ورثته بعد موته لصدقوا، ولو قالوا لا علم لنا وقال العبد ما ضربنى فالقول قول العبد ويعتق، ولو باعه أو تصدق به قبل موته لم يضرب العبد ويعتق إذا جهل الورثة الضرب ولم يعلم أن السيد أدعاه وقامت باليمين بينة. [4/ 155]
ومن حلف بحرية عبده ليعطينه عطية أو حلف بطلاق امرأته ليعطينها أو ضرب أجلاً فجاوزه وقالا لم يعطنا شيئا وقال قد أعطيتكما قبل الأجل فعليه البينة وإلا حنث، بخلاف الضرب، وكذلك فى الوطء. فأما العطاءو الهبة فبالبينة عليه وإلا حنث، وكذلك على فعل يفعله، وكذلك قال مطرف وابن الماجشون وأصبغ فى ذلك كله. قال مالك: وإن حلف بعتق ميمون ليضربن مرزوقاً فباعه فإنه يعتق ميموناً كما لو مات مرزوق أو أعتقه، ولو باع ميموناً لفسخ بيعه وقال ذلك كله أصبغ. ومن حلف ليضربن غلامه أو امته، فأدنى الضرب يجزيه إذا كان ضربا يوجعه وإن لم يكن شديدا. وقال عبيد بن عمير: يبر من يمينه بأدنى الضرب، قال وما تحلل به أيوب النبى صلى الله عليه وسلم يمينه بالضرب بالضغث خاص له، قال مجاهد ومالك. والضغث ما جمعه الرجل بيده من شرك أو قصب أو نبات فيجمعه فيضرب به. ومن العتبية والمجموعة روى أشهب وابن نافع عن مالك فيمن حلف ليضربن أمته أنه لا يبر بالضرب فى قدميها، واحتج بقول الله سبحانه مائة جلدة ولا يجوز ذلك فى القدمين. وقال فى الحالف ليضربن أمته، فان حلف على ضرب لا ينبغى فإنه يمنع ويعتق عليه، قال عنه ابن القاسم ومن حلف لأمته فى عود بيده بالحرية ليكسرنه على رأسها فكسر العود ثم ضربها ثم انفلق، قال هو حانث، قال ابن المواز قال ابن القاسم إلا أن ينوى فيحلف ويدين. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف ليضربن غلامه الرأس فضرب وجهه فقد حنث، وإن لم يرد ذلك فقد بر إذا ضرب وجهه وخديه، ولا يبر بضربه [4/ 156]
فيمن حلف ليفعلن أو إن لم يفعل هو أو غيره وقد ضرب أجلا أو لم يضرب
فى اللحى الأسفل ولا الأنف. وإن حلف لا يضربه فى الرأس فضربه فى جبهته حنث إلا ان يريد فوق رأسه. قال مالك: وإن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة إنه لا يبر بذلك. قال أشهب إلا أن يكون نوى ذلك ولا بينة عليه. قال ابن القاسم: وإن حلف لا يضرب عبده فلكزه أو فتل أذنه أوقرصه فغنه يحنث، إلا أن يكون نوى بالسوط أو غيره. ابن وهب عن مالك: ومن حلف ان خرجت امراته ليضربنها، فخرجت فضربها وخنقها فلا شىء عليه، إلا يرى الإمام أن يفرق بينهما لمكان ضربه إياها فيكون طلقة. قال ابن حبيب قال ربيعة ومالك: ومن حلف بحرية عبده أن لا يحله من قده سنة فحل العبد نفسه، فإن رده حين علم به فلا شىء عليه، وإن تركه يوماً أو بعض يوم حنث. فيمن حلف ليفعلن أو إن لم يفعل هو أو غيره وقد ضرب أجلا أو لم يضرب، وما حكمه فى البر والحنث والوطء والولد والبيع؟ وكيف إن مات الحالف؟ من الواضحة: ومن حلف بالطلاق أو بعتق أمته ليفعلن كذا، فإن أجل أجلاً فهو على بر، وإن مات قبل الأجل ورثته المرأة ولم تعتق الأمة إذا كان بقى من الأجل ما يمكن فيه الفعل، فاما إن ضاق باقى الأجل عن فعل ما حلف ليفعلنه فقد مات على حنث، فتعتق الأمة من ثلثه وترثه المراة، لأن الطلاق والموت وقع وهذا كله قول مالك وأصحابه. ولو حلف على فعل عبده فإن ضرب أجلاً فهو كما لو ضربه فى فعل نفسه، فإن لم يضرب أجلاً فقد اختلف فيه، فلم يره ابن القاسم كالمولى ولا الأمة [4/ 157]
باليمين المرتهنة، ولكن يكون فيه التلوم بقدر ما يطلب المحلوف عليه، فإن أبره وإلا طلق عليه الإمام وأعتق عليه. وإن مات فى التلوم عتقت فى الثلث وورثته الزوجة، وإن مات بعد إنقضاء التلوم أو بعد مقدار التلوم عتقت الأمة من رأس المال. وقال ابن الماجشون بل هو مثل الحالف على فعل نفسه فى جميع وجوهه، وحكاه عن مالك، وبه أقول. قال عبد الملك: وكل من حلف ليفعلن هو شيئا ولم يضرب أجلاً يعتق أمته، وقد يحنث فى حياته، مثل أن يحلف أن يضرب عبده أو يقضى غريمه، لأنه قد يموت العبد أو الغريم والحالف حى فيحنث بهذا الإبطاء. قال: وكل ما لا يحنث فيه إلا بموت نفسه، كقوله لأسافرن سفراً أو لأقدمن بلداً فهذا له وطء الأمة قبل البر لأنها كالمدبرة، وقاله ابن الماجشون وابن كنانة، وأبى ذلك ابن القاسم وأصبغ ولم يجز له الوطء، والأول أحسن. وقال مالك وأصحابه المدنيون فإذا حلف بحريتها ليفعلن كذا فما حدث لها من ولد اليمين فبمنزلتها، ولو كانت يمينه لا فعلت كذا فما حدث لها من ولد بعد اليمين فلا يدخل فى حكم اليمين، وكان ابن القاسم يلوذ فيها. وقال أصبغ فيها كقول مالك، وكذلك فى المجموعة عن عبد الملك. وفى كتاب ابن المواز عن غير واحد من أصحاب مالك، وذكر عن ابن القاسم فيه اضطراب. وذلك مذكور فى كتاب العتق مستوعب فى باب مفرد. ومن كتاب ابن المواز ورواها أبو زيد فى العتبية عن ابن القاسم: ومن حلف بحرية أمته ليبيعنها ولو بوضيعة عشرة دنانير فلم يعط إلا وضيعة خمسة عشر فلا شىء عليه وليطأها وليبتغ بها الأسواق أبداً. وإن مات لم تعتق فى ثلث. [4/ 158]
ولا فى غيره. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، وقال يعرضها أبداً ما عاش، فإن لم يجد من يأخذها بذلك حتى مات فلا حنث عليه، فإن وطئها فحملت منه عتقت عليه ساعة حملت. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق لئن بان له قبل فلان حق ليضربنه فلا يوقف عن امرأته حتى يدور له قبله حق ويثبت، وإن هرب عنه فيستأنى عليه ما كان يستأنى عليه لو حضر، ولا يقصر ولا يفرط، فإن مضت شهور الإبلاء فيضربه وإلا طلق عليه. وإن ترك أن يثبت عليه حقه حتى هرب فإن مضى من الوقت ما يمكنه فيه التثبيت وقف عنها وكان الجواب كما ذكرنا. وهذا إذا غاب الشهود أو الحاكم، فأما إذا أمكنه أن يثبت ففرط فها هنا يوقف عنها ويكون الجواب كالأول. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف ليفعلن شيئا بطلاق أو عتاق فمات قبل يفعله فالزوجة ترثه والأمة تعتق عليه فى ثلثه. ولو كان إنما قال زيد أو مبارك حر لأفعلن كذا فيعتق واحد منهما بالسهم فى ثلثه، من خرج سهمه منهما كان أعلاهما قيمة أو أدناها يعتق من الآخر الثلث، وإن خرج السهم وهو أدنى من الثلث عتق وحده ولم يعتق من الآخر شىء. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وعمن قال يوم تسألينى الطلاق فأنت طالق فلا يوقف عن الوطء وهو كمن قال يوم أدخل الدالر فأنت طالق. وقال فى الحالف ليبيعن داره إذا أمكنه بيعها فأعطى بها إذ عرضها ثمناً خسيسا قال لا يمنع فى الوطء حتى يعطى ثمناً يمكنه البيع به، كمن حلف ليحجن فإنما يكف عن الوطء إذا أتى إبان الحج وأمكنه الخروج، فإن فعل وإلا ضرب له أجل الإيلاء إن رفعته. [4/ 159]
ومن المجموعة قال ابن الماجشون فيمن قال إذا جاء الهلال فامرأتى طالق وأمتى حرة إن لم أقضك حقك، فإنه لا يطأ الأمة لأنه أجل لم يرد أن يكون حالفا إلا إذا جاء الهلال، فبمجيئه ينعقد عليه يمين مجلسه ليس لها أجل يبر فيه أو يحنث، ولا يبيع الأمة، وله مصاب الزوجة. لآنه لو كان الهلال يأتى بحنث أو بر لحل له وطؤها، فكيف وإنما يأتى بإلزام يمين مرسلة، ثم لا يطؤها بعد الأجل. ولو وقت بعد الهلال وقتاً جاز له أن يطأ قبل الهلال وبعده، لآن الوقت الثانى يأتى يبر أو حنث. ولو قال إن كلمت فلانا لآحملن حملا فما حلف بعد وله المصاب حتى يكلمه، فإذا كلمه صار كمن حلف على ما لا يطيق، فهو كمن حلف إن كلم فلانا، ولو كان مما يقدر على فعله فله المصاب قبل كلامه، وإذا كلمه صار مولياً إن رفعته إلا أن يضرب لفعله أجلاً بعد كلامه، فهذا يصيب أيضا بعد الكلام ويمنع فى الآمة من بيعها ومصابها بعد كلام فلان، وله هبتها وإصابتها قبل يكلم فلانا. ومن العتبية روى أشهب وابن نافع عن مالك فيمن حلف لزوجته بالطلاق لئن لم تقومى على لأتزوجن عليك أرفق بى منك أو أخرج إلى اطرابلس فلم تقم عليه، ثم قال بعد ذلك هى طالق البتة إن لم أتزوج عليها إلى ثلاث سنين أو اخرج إلى اطرابلس، قال فلفى كذا بذلك قبل مدخل الأجل ولم يفعل، قال ليس له ذلك. قال أشهب يضرب له أجل المولى ولا يقربها فيه، لأنه عقد على نفسه فى اليمين الأول إلى غير أجل، فإذا حل أجل الإيلاء قيل له تزوج او أخرج إلى اطرابلس وإلا طلقنا عليك طلقة الإيلاء، فإذا انقضت الثلاث سنين ولم يفعل شيئا وهى فى بقية من عدتها من طلاق الإيلاء حنث فطلقت بالبتة، وإن لم تنقض الثلاث سنين بانت منه بتمام العدة، ولا يلزمه طلاق [4/ 160]
الحنث. قال ابن نافع ويحنث بهذه اليمين الآخرة إذا أنقضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه. قال أبو محمد يريد الثلاث سنين. ورى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن لك يجىء أبى إلى شهر أو إن لم يعطنى فلان ديناراً إلى شهر أو إن لم يقضى غريمه حقه والحق حال أو مؤجل، فإن ضرب أجلا فى قدوم أبيه فله الوطء إليه، وإن لم يضرب ضرب له أجل المولى من يوم يرفع، فإن جاء وإلا طلق عليه بالإيلاء. وأما يمينه على أخذ الحق وهو حال فيتلوم له ولا يضرب له أجل الإيلاء، لأنه حلف على فعل غيره فيتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد، فإن فعل وإلا حنث. وإن كان الدين مؤجلاً لم يحنث حتى يحل، إلا أن يحلف على يأجيله فيتلوم له. والحالف على غريمه ليقضينه لا يبر بالقضاء بإكراه السلطان إلا أن يكون نوى طائعا أو كارها. ولو حلف المطلوب لأقضينك شيئا فقضاه بالحكم فهو حانث، إلا أن ينوى إلا أن يقضى على به السلطان. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن حلف بعتق عبد ابن له لئن ظفر به يعاقبنه فظفر به فأخر عقوبته فلا يحنث إلا أن يموت الحالف ولم يعاقبه فيكون حنث فى ثلثه. ومن كتاب ابن المواز: وعن امرأة حلفت لزوجها إن لم تخدمنى أمتك إن اكتسيت من مالك أبداً فغابت الأمة سنةً ورهنت المرأة رهناً فيما اكتست، ثم أخدمها تلك الأمة بعد أن جاءت وافتك لها الرهن فلا شىء عليها لأنه الآن كساها بالافتكاك بعد الإخدام. قال محمد وذلك إذا غابت الجارية بإثر يمينها وقربه ولم يفرط. [4/ 161]
ومن تشاجر مع زوجته فقال له أبوها إما أن تمسك بمعروف أو تفارق، فقال له احلف بالطلاق إن فارقتها الا زوجتها فلاناً، فحلف له، فأقاما وقتا ثم تشاجرا فعادته، قال مالك فاليمين للأب لازمة. فإذا أستأذنت الأبنة الإمام فليزوجها ولا يحنث الأب. ومن الأيمان ما معنى قوله فيه إن فعلت بمعنى لأفعلن مثل قوله عفوت عن فلان معناه لا طلبته، وهكذا يكون على حنث حتى يطلبه. وهى مكتوبة فى العتق من رواية أشهب. ومن المجموعة: ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بحرية جاريته ليخرجن بها إلى مصر، فخرج ولم يمض بها رجع فخرج بها فلا شىء عليه، إلا أن ينوى فى فورى هذا. قال ابن القاسم: فإن قال ذلك وخرج غيرها ينوى الحنث تاركاً لليمين فقد حنث، وإن لم يكن خرج تاركاً ليمينه فلا يحنث وليخرج بها. وإن قال لا خرجت من المدينة إلا بها فلم يخرج بها فذكر ذلك بعد أن سار يوماً فإنه حانث. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فى امرأة حلفت لزوجها إن لم تأخذ منى هذه الجارية وتطأها، قال فهو كما قالت. قال أشهب فيمن قال لامرأته إن لم أحبلك فأنت طالق قال يطؤها أبداً إلى الموت ولا يوقف عنها ولا يؤجل ولا يقع عليه حنث بموته ولا بموتها، وكأنه حلف على أن يطأ إلا أن تبلغ هى من السن ما لا يحمل مثلها فتطلق عليه ويكون كالحالف. [4/ 162]
قال ابن القاسم يمكن منها مرة، فإن حملت فهى امراته، وإن لم تحمل فهى طالق، ثم رجع فقال لا يمكن من وطئها، وكأنه قال إن لم يكن بك حمل فأنت طالق فتطلق مكانها. قال ابن القاسم: ومن حلف لأعطين فلانا عبداً فإن نوى من رقيقى لم يبر إلا أن يعطيه منهم، فإن لم يقل منهم فما أعطاه فهو يبر به منهم او من غيرهم. قال ابن عبدوس وقال أشهب فيمن حلف بطلاق أو مشى أو عتق إن فعل كذا فليس ينفعه تعجيل الحنث قبل الفعل إلا فى اليمين بالله، وإن حلف بطلاق أو عتق او مشى أو صدقة أو صيام او بغير ذلك لأفعلن فله تعجيل حنثه ضرب أجلاً او لم يضرب. ومن فرق بين ضرب الأجل وغيره فقد غلط، إنما ذلك فى الوطء. وفى الإيلاء بقية القول فيه. قال ابن المواز: وله تعجيل الحنث إن حلف بطلاق بائن إن فعل كذا. أما من حلف إن فعل كذا بطلاق غير بائن او بعتق عبد بغير عينه أو بصدقة غير معينة أو صدقة شىء بعينه، فأعتق العبد وتصدق بالشىء بعينه فقد زالت يمينه وكذلك طلاق بائن فطلق تلك المرأة ثلاثا فهذا نزول يمينه. وكذلك فيما كفر قبل الحنث من اليمين بالله. وقد اختلف قول مالك فى الحالف إن وطىء امرأته بعتق عبد بغير يمينه فأعتق رقبة قبل الوطء، فقال يجزئه، وبعد الحنث أحب إلى، وقال لا يجزئه فى هذا كله، وكذلك فى صدقة بغير عينها مثله قياس قوله. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف فى جارية له رهن بالطلاق لئن افتكها ليتصدقن بها على ولده فأيسر فلم يفتكها، قال أخشى أن يحنث، وقاسها على الحالف لئن أخذ عطاءه ليقضين دينه. وعمن حلف لا ترك ابنه يذهب إلى موضع كذا فذهب إليه بغير إذنه، فإن كان يستأذنه قبل ذلك ويأذن له فلا شىء عليه. قال محمد هذا إذا نوى أن لا يأذن له وإلا فهو حانث لأنه فرط. [4/ 163]
ومن حلف لا نكح عبده فنكح بغير إذنه فقد حنث، إلا أن ينوى لا يأذن له فليرد النكاح حين علم، فإن تركه حنث. [4/ 164]
[الجزء الثالث من الأيمان والنذور]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الكتاب الثالث من الأيمان والنذور فيمن حلف لغريمه ليقضينه حقه إلى أجل فمات أحدهما أو غاب أو جن وكيف إن قضى عنه أحد بغير أمره؟ وكيف إن تسلف من عبده ثم قضاه؟ من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب فيمن حلف ليقضين غريمه غداً وقد مات ولم يعلم فلا يحنث، وليقض ورثته أو وصية أو الإمام، لأن القضاء يورث قبره كذا فى وفاء الحق. ولو حلف على ضرب عبده إلى أجل فمات فلا ينوب فى الضرب أحد عن أحد. قال مالك والحالف فى القضاء إلى أجل يبرأ بالدفع عند الأجل إلى وكيل الطالب أو إلى الإمام، فإن بعد عنه الإمام أو حجب عنه او لم يكن بالبلد سلطان فأشهد عدولاً وآتاهم بالحق فإنه يبر بذلك وإن لم يقبله منه أحد، وكذلك فى كتاب ابن المواز والواضحة عن مالك. قال ابن المواز: وقد قيل ولو دفع إلى بعض الناس بغير عذر من سلطان وأشهد لم يحنث. قال مالك فى هذه الكتب: وإذا لم يجد وكيلا على الحق ولا سلطاناً مأمونا إلى ثقة من أهل الطالب أو وكيل ضيعته أو إلى أجنبى بر [4/ 165]
ولكنه يضمنه. وإذا وجد وكيلاً بالحق أو سلطانا مأمونا لم يبر فى يمينه بالدفع إلى غيرهما، وقد قال أيضا مالك يبر بالدفع إلى وكيل ضيعته. قال ابن سحنون عن أبيه: إذا أشهد بينةً عدولاً وأحضرهم الحق إحضاراً بين الصحة فذلك يبر به فى يمينه وإن لم يرفع إلى السلطان إذا كان لا يقدر على أن يصل إليه. وأما إن كان يصل إليه ولا يحجب عنه فتركه فلا يبر بذلك وإن أشهد. وإذا كان لا يمكنه فأحضر الحق إلى العدول عند الأجل ثم جاء الطالب بعد الأجل يقتضيه منه فمطله به فلا شىء عليه من يمينه. وقال مالك فى كتاب ابن المواز وإذا كان السلطان غير عدل فدفع إليه ولم يعلم فهو بار إن ثبت أنه دفعه إليه ببينة، وإن علم به غير عدل ضمن. قال ابن عبدس قال أشهب: وإذا كان سلطان البلد لا يؤمن ان يأكله فدفع ذلك إلى ثقة من أهل الطالب أو من غيرهم بأمر يصح بر بذلك. قال مالك: وإذا دفع إلى وكيل الطالب فى صنعته بر فى يمينه وإن لم يكن وكيلاص على الحق. قال أشهب إن أمكنه الدفع إلى الوكيل على الحق أو إلى السلطان يبر بالدفع إلى وكيل ضيعته. فأما إن لم يمكنه فإنه يجزئه الدفع إلى وكيله فى غير الحق أو إلى أجنبى ثقة، إلا أنه يضمن الحق فى هذين حتى يصل إلى ربه. وقاله ابن القاسم: وأما إن حلف ليأتينه غداُ فأتاه فلم يجده فلا شىء عليه. ومن الواضحة: وإذا حل أجل يمينه على القضاء والمطلوب مريض أو مسجون، فإن وصل إلى قضائه بإشهاد وتوثق فعل، وإن لم يمكنه فهو كالغائب، [4/ 166]
ثم ذكر فى الغائب مثل ما فى كتاب ابن المواز وابن عبدوس قال وإن كان الحالف هو المريض أو المسجون فليرسل الحق إلى الطالب كما يرسله إلى الإمام لا يبرئه إلا ذلك، وإن كان الحالف هو الغالب وأراد بعض أهله القضاء عنه من ماله أو من مال نفسه فذلك يجزىء الحالف من الحق ولا ينجيه من الحنث، إلا أن يبلغه قبل الأجل فيرضى بذلك، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. قال عيسى عن ابن القاسم فى العتبية: وكذلك إن كان له وكيل على الشراء والبيع والتقاضى لم يبر بقضائه عنه إلا أن يكون أمره بذلك. وأما وكيل الطالب الغائب على ما ذكرت فإن الحالف يبرأ بالدفع إليه. وإذا كان الحالف عند الأجل مسجوناً فأرسل إلى الطالب ليأتيه فأبى فليدفع إلى السلطان ويبر. قال ابن حبيب فيمن حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل فحل الحالف عند الأجل إن الإمام يقضى عنه ويبر، فإن لم يفعل حتى مضى الأجل فلا حنث عليه، كما لو حلف حينئذ لم يلزمه. قال أصبغ هو حانث والأول أحب إلى. قال سحنون فى العتبية عن ابن القاسم إن غاب الحالف فرفعت زوجته الأمر إلى الإمام لئلا يحنث فقضى عنه الإمام من ماله لم يبر الحالف بذلك من الحنث إلا أن يكون وكل من يقضى عنه السلطان أو غيره، ولا ينفعه قضاء أحد عنه بغير وكالة، بخلاف غيبة الطالب. قال سحنون فى كتاب ابنه عن ابن القاسم: وهو خلاف تغيب المحلوف له ودفع الحالف المال إلى السلطان. قال فى كتاب ابن المواز وكذلك لو حلف لأرضينك من حقك إلى أجل كذا فغاب فقضى عنه بعض أهله أو أجنبى، قال مالك فإن أمرهم بذلك بر. ولو [4/ 167]
قال له رجل إن غبت قضيت عنك فرضى ذلك فذلك له مخرج، وإن لم يكن شىء من ذلك حنث، يريد بجواز الأجل. قال ابن القاسم فى المجموعة: قيل لمالك فإن زعم المقضى عنه أنه امره بذلك قال إن كان يظن أن مثله يوكل مثله صدق مع يمينه. وروى أبو زيد فى العتبية عن ابن القاسم فى الحالف على القضاء يخشى الحنث فيتسلف من عبد الطالب الحق وهو دينار فقضاه لسيده والعبد وكيل لسيده والقائم بأمره فلا يبر الحالف بهذا. قيل فإن قال رددت الدينار على العبد قبل الأجل وصدقه العبد، قال فلا ينفعه ذلك إلا ببينة أنه قضى العبد قبل الأجل. قال عيسى عن ابن القاسم ولا يبر الحالف بقضاء أجنبى عنه إلا بأمره بالقضاء عنه. وإذا باع من رجلين وحلفا له أن يقضياه إلى أجل فقضاه أحدهما بجميع الحق بغير أمر صاحبه فصاحبه حانث وإن كان شريك عقد فهو كأجنبى، إلا أن يكون احدهما حميلا لبعض أو يكون امره أن يقضى عنه. ومن المجموعة قال مالك فى رواية ابن القاسم وابن وهب وغيره إنه إن مات الحالف قبل الأجل ولم يقضه مات على بر ولم يلزمه حنث فى عتق ولا طلاق، ولا ينظر إلى قضاء ورثته. قال ابن وهب: ولو حلف بعتق أمته ليتزوجن على امراته إلى سنة فمات لعشرة شهور فلا يحنث فى امته. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف ليقضين فلانا حقه فمات فلان قبل يقضيه، فإن أراد وجه القضاء، فلا شىء عليه. قال ابن القاسم كأنه فى معنى قوله إن أراد أن يوصله إليه وصله فى بريد فقد حنث إذا أقام بعد اليمين ما يمكنه ذلك فيه، وذلك رأيى. [4/ 168]
في الحالف لأقضينك إلا أن تؤخرني فمات الطالب
فى الحالف لأقضينك إلا أن تؤخرنى فمات الطالب من المجموعة قال ابن القاسم فى الحالف لأقضينك إلى أجل كذا إلا أن تؤخرنى فمات الطالب فإنه يبر بتأخير الورثة او الوصى فى الأصاغر ولا دين عليه وتأخير الغرماء فى المديان. وقال أشهب يبر بتأخير الورثة كما يجزئه قضاؤه للورثة وإن كان مديانا والورثة أصاغر أجزأه تأخير الوصى. ثم إن قدر الغرماء على أخذه به قبل الأجل الذى اخره إليه الوصى بذلك فذلك لهم. قال ابن القاسم وإذا أخر الوصى على غير وجه النظر فقد ظلم نفسه ويبر الغريم بتأخيره. وقال غيره لا يجوز تأخير الوصى. قال ابن القاسم إن كان الدين غير محيط فرضى الغرماء بالحق انه عليه وأخروه وأبرؤا الورثة فلا يجوز إلا أن يجعل الورثة بأيديهم من النظرة لما كان بأيديهم لأن المطلوب لو أحال بالحق رجلا فأنظره المحتال لم يبر بذلك إلا أن يجعل بيده التأخير كما كان إليه. ومن كتاب ابن المواز وهى فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم فى امرأة أسلفت رجلاً ديناراً وأمرت من يدفعه إليه وحلف ليؤدينه إليه وقتا كذا إلا أن يؤخره الدافع، فحل الأجل والدافع غائب، فأخرته المرأة، ثم قدم الدافع فذكر أنه أشهد قبل الأجل أن كل من أخذت عليه يمينا فى حق فقد أخرته حتى ألقاه وكانت له أيمان على الناس غير هذا الرجل. قال ابن القاسم إن ثبت هذا ببينة نفع ذلك الحالف، ولو لقيه فوخره فهو له مخرج، ولو فارقه بعد لقياه ولم يوخره حنث ولا ينفعه تأخير المرأة وإن كان الحق لها، وإن لم يقم شاهدين بما قال حنث، هذا قول محمد. وقد قيل ليس هذا بشىء وتأخيرها جميعاً هو النافع بما جعلت إليه، ولا يكون إشهاده بتأخير حقوقه نافعاً للحالف حتى يفصح بتأخير هذا، وليس له فيه إلا التأخير إلا أن يكون لا حق له هو قبل أحد فذلك ينفعه. [4/ 169]
في الحالف لأقضينك إلا أن تؤخرني أو يغلبني أمر أو يدخل علي عرجه
وروى عيسى فى العتبية عن ابن القاسم فيمن حلف لأقضينه إلى أجل كذا إلا أن يؤخرنى هو أو رسوله فأخره الرسول وأبى ذلك رب الحق فلا يحنث بذلك. قال فى كتاب ابن المواز لا يخرجه ذلك من يمينه، وتأخير الرسول تعد إذا أبى صاحب الحق، يريد ولا يلزم صاحب الحق تأخير الرسول إلا أن يرضى أولاً بذلك. قال عيسى عن ابن القاسم وإذا حلف لأقضينك إلى شهر إلا أن تؤخرنى، قال إذا أراد أن يؤخره فليشهد لئلا ينزع عن ذلك ولا يجد بينةً بتأخيره. فى الحالف لأقضينك إلا ان تؤخرنى أو يغلبنى أمر أو يدخل على عرجه. وكيف إن أخره فى غيبته أو أخره ولم يعلم؟ وهل يزول اليمين بالتأخير وهو يعلم؟ من العتبية من سماع ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز عمن حلف بالطلاق ليقضينك حقك إلى أجل كذا إلا أن تحب أن تؤخرنى، فأنظره عند الأجل، فلما حل أجل النظرة قال لا يمين عليه، يريد لما أخره. قال مالك: اليمين عليه، إن لم يقض حنث. ولو حلف ليقضينه إلى أن يحب أن يؤخره فى مثل يمينه، فقبل الشهر بيوم خاف الطالب عليه الحنث فأنظره شهراً آخر وأشهد له ولم يسأله وهو حاضر بالبلد، قال مالك عسى يريد أن ذلك يجوز، فخففه مالك ولم ير عليه حنثاً. وروى عيسى عن ابن القاسم مثله. قال ابن المواز وقال ابن وهب لا حنث عليه وقاله سحنون. [4/ 170]
وروى عيسى بن يحيى عن ابن القاسم فى العتبية وهو فى المجموعة وإن حلف ليقضينه إلى شهر إلا أن ينظره فأراد المطلوب سفراً فسأله الزيادة فى الأجل فقال الطالب فقد أنظرتك قدر مسيرك إلى البلد أملت ورجوعك وزيادة عشرين يوما بعد رجوعك فيخرج ثم يرجع من الطريق لخوف اللصوص ويترك السفر، قال مالك النظرة تسقط لترك السفر ولا يصح منها العشرون يوما ولا غيرها، فإن جدد له نظرةً وإلا حنث يتجاوزه الشهر. قال سحنون فى العتبية وفى المجموعة عن أشهب فى الحالف لأقضينك إلى شهر إلا ان تؤخرنى أو يأتى أمر غالب من سلطان أو غيره، فلما جاء الأجل وخاف الحنث أخره إلى أيام فعرض فى تلك الأيام أمر من السلطان او غيره، فلما جاء الأجل وخاف الحنث أخره إلى أيام فعرض فى تلك الأيام أمر من السلطان فلم يقدر أن يقضيه فلا يحنث فلا ذلك. قال أبو زيد عن ابن القاسم وذكره فى كتاب ابن المواز والمجموعة: قال وإن حلف لا قضيت أحداً مثلك ولأقضينك إلى سنة إلا أن تؤخرنى فأخره فأراد أن يقضى غريماً له مثله، قال أرجو ألا شىء عليه. ومن المجموعة ذكر المسألة الثانية من هذا الباب فذكر جواب مالك ثم قال: وقال غيره عن مالك إذا غاب الحالف وأخره الطالب فى غيبته حين حل الأجل، فإن نوى ذلك الحالف فى التأخير بغير حنث من هفهو كما نوى إذا كان على ذلك مخرج يمينه، وإن نوى أن يوكل من يسأل له التأخير فسأل له ذلك فأخره فالتأخير ينفعه، وإن لم ينو وكيله فإن تأخير الطالب تأخير فقد حنث ولا ينفعه تأخير الطالب لأنه أخره وهو لا يجد إن أخذه بدين سبيلا لغيبته عنه. قال ابن نافع ولأن الحالف لم يرد تأخيراً حين لم يطلبه ولم يقض. [4/ 171]
وقال أشهب إن علم المطلوب بتأخير الطالب إياه قبل محل الأجل بأيام يقدر أن يقضيه فيها قبل يحل عليه الحنث فلا يحنث، فإن لم يعلم إلا بعد ذهاب إمكان ذلك وبعد ذهاب الأجل فقد حنث. وقال ابن كنانة: إذا غاب الحالف فلا يجزئه تأخير الطالب إلا أن يكون وكل من يطلب له التأخير فله ذلك. وقال ابن القاسم: الغائب والحاضر سواء، وذلك يخرجه من الحنث ولو كان مفترقا إذ لا يقدر فى الغائب على أخذه له، للزم مثله فى المعسر الحاضر، وما شرط مالك فرقاً بين حاضر وغائب. وقال مالك أيضا: وإن حلف لأقضينك إلى أجل كذا إلا أن تؤخرنى ولم يوقت فللطالب أن يؤخره بما شاء. ولو قال إلا أن تؤخرنى أجلاً أنقض من الأجل المذكور فلابد أن يسمى الطالب كم ينظره وإلا حنث الحالف، وإن سمى حداً كانت اليمين إليه كما هى، ثم له أن يؤخره تأخيراً ثانيا واليمين إليه عنى، وإنما أزلنا عنه اليمين كما لو وهبه الحق ولو أخره ولم يضرب بتأخيره أجلا كانت اليمين بحالها إلى قدر ما يتلوم له الإمام مما يرى أنه أخره إليه للرفق به. كما أنه لو أخره فى غير يمين إلى غير أجل ثم قام عليه فليس ذلك له حتى يمضى لما نوى أنه أراد بتأخيره، ثم لا يقرب امرأته فى ذلك الأجل، لأن التأخير كان منهما. وإن رافعته ضرب له أجل الإيلاء. ولو أخره إلى أن يموت فلا قيام له ولا يحنث الحالف، وكذلك لو أخره إلى ميسره فلا قيام له قبل الميسور ور حنث. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فى الحالف لأقضينك حقك إلى أجل كذا إلا أن تؤخرنى فغاب الطالب فأراد أن يؤخره وكره أن يحنث، قال فى [4/ 172]
في الحالف لأقضينك حقك الى أجل كذا أو لأرضينك منه أو قال إلا أن تؤخرني
كتاب ابن المواز ولم يسأله تأخيراً أو هرب عنه، قال ابن القاسم: إذا أحضر بينة حين أخره فلا يحنث، وأن إن نوى فى نفسه أن يؤخره حين لم يجده لم يخرجه ذلك من الحنث. ومن المجموعة ومن العتبية من سماع أشهب قال مالك فيمن حلف بحرية أمته إن لم يقض فلاناً حقه إلى أجل كذا إلا أن يدخل على عرجه فى بيع جاريته هذه فباعها عند الأجل فطلب منه الإشتراء، فقال له مالك أهذه العرجة التى أردت؟ قال نعم إلا أن يدخل على فى بيعها دخل، قال يحلف على ذلك ولا شىء. وكذلك عنه فى كتاب ابن المواز. قال ابن المواز وهذا إذا باعها لوقت يمكنه استبراؤها قبل الأجل فيطول ذلك بها، فهذا يقبل منه ويحلف. فأما إن تركها إلى آخر وقت فهذا لم يدخل عليه دخل بل هو أدخله على نفسه فلا يقبل منه أنه أراد هذا، لأن نيته بلسانه نسقاً مع يمينه لأنه استثناء. فى الحالف لأقضينك حقك إلى أجل كذا أو لأرضينك منه أو قال إلا أن تؤخرنى فيفسخ الدين فى غيره أو حلف لغريمه لا خرج حتى يعلمه من المجموعة ابن نافع عن مالك وذكره فى العتبية من رواية أشهب فيمن حلف بعتق أو طلاق لأقضينك حقك إلى أجل كذا أو لأرضينك منه فأرضاه ببعضه إلى ذلك الأجل وأخره بباقيه إلى أجل آخر ولم يأخذ عليه يميناً بعتق ولا بطلاق، أترى اليمين باقية عليه؟ قال أخاف ذلك وليس بالبين. قال فى المجموعة: قيل فإن كلم صاحبه قبل الأجل أتراه له مخرجا؟ قال أرجو وليس بالبين. قال فى كتاب ابن المواز: قيل فلم يحل الأجل أترى أن يؤخره صاحبه؟ قال نعم وأرجو أن يكون مخرجاً وما هو بالبين. [4/ 173]
قال ابن نافع فى الكتابين: ولا يلزمه شىء للتأخير الثانى إلا أن يشترط ذلك الطالب. قال ابن القاسم وإذا قال إلا أن تؤخرنى، فلما حل الأجل فسخ عليه الدنانير التى عليه فى دراهم أو عرض فلا شىء على الحالف فى يمينه. وكذلك فى كتاب ابن المواز وبعد هذا باب فى الحالف ليقضين صدرا من حق أو ليرضينه منه فيه إيعاب هذا المعنى. قال سحنون فى المجموعة فيمن حلف لغريمه لا خرج حتى يعلمه فأراد الخروج فأعلمه فنهاه فخرج، فإن كان معناه عنده وعند من حلف حتى يأذن له فقد حنث، وإن كان يعنى معنى أن يعلمه ليس بإذنه له فلا شىء عليه وليسأل عما أراد من ذلك ورواها عنه ابنه فى السؤال فأعلمه مرة فقال لا يخرج فقعد ثم أعلمه فنهاه ثم أراد أن يخرج فقال له لا تخرج حتى نجتمع معك، فأتاه فسلم عليه فرد عليه ولم يقل له شيئا ثم انصرف فخرج، فأجاب بما ذكر ابن عبدوس. ثم قال وما أرى من يحلف على مثل هذا يحلف إلا على الإذن. فى الحالف لأقضينك حقك إلى أجل فأعطاه به عروضاً أو رهناً أو ضماناً أو أحاله به أو أعطاه أكثر من حقه حتى يوازنه أو اشترى منه فقضاه من ثمنها أو أحال إليه. من العتبية من سماع ابن القاسم فيمن حلف فى دنانير عليه لغريمه ليوفين إياها، أيرهنه بها سوارى ذهب؟ قال لا خير فيه. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف ليفضين حقه إلى الهلال أو ليرهنن داره، فلما حل الأجل أراد أن يرهنه نصف الدار ويرهنه نصف الحق، قال [4/ 174]
إن لم يقضه جميع الحق أو يرهنه جميع الدار حنث. ولو قال لأقضينك أو أرهنك بحقك وفاءً، فقضاه نصفه وأعطاه بباقيه رهناً فيه وفاءًبما بقى لم يحنث، وكذلك روى أبو زيد وأصبغ عن ابن القاسم. ومن المجموعة قال المغيرة: وإن حلف لأقضينه عشرة دنانير إلى أجل فأعطاه عند الأجل خمسة عشر ديناراً حتى يوازنه وحان الأجل، قال أخاف أن يحنث وهذا رهن. ولو قال اتزن منها عشرتك لم يحنث وإن لم يزنها إلا بعد الأجل، لأنه قضاه. قال ابن سحنون عن ابن القاسم مثله. وقال قال سحنون: هو حانث فى هذا كله إلا أن يتزن العشرة من الخمسة عشر قبل الأخل ببينة. قال فى المجموعة قال ابن القاسم: إذا قال له استوف حقك منها ورد ما بقى فضاعت أو حبسها حتى مضى الأجل، قال إن كان الذى عليه قائمة وكان فى التى قبض عشرة قائمة قال إذاًلم يحنث. وإن كانت مختلفة الوزن إلا إنها إذا جمعت كان فيها أكثر من ثلاثة عشر قائمة فقد حنث. قال ابن سحنون لأبيه قال بعض أصحابنا إذا أعطاه قبل الأجل خمسة عشر فقال استوف حقك، فإن جاز الأجل حنث، ولو ضاعت الدنانير كان ضامنا لعشرة وأميناً فى خمسة، وإن ضاعت العشرة قبل الأجل بر فى يمينه وهو ضامن للخمسة. قال سحنون ليس كذلك وهو حانث ضاعت قبل الأجل أو بعده. قال أبو محمد هكذا فى الأم وأراه يعنى ضاعت عشرة قبل الأجل فصارت خمسة باقية هى قضاء من دين، إذ لم يسبق فيها موازنة وضمن من العشرة خمسة فصار باراً بهذا. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن له عند امرأته ذهب فأسلفت منه أخاها فعلم الزوج فحلف لا خرج إلى سفره حتى يأخذ حقه منه أو يقضى [4/ 175]
عليه سلطان، فقالت زوجته أنا ضامنة وأنا أسلفته، فلا يقبل ضمانها ولا يخرج حتى يأخذها إلا أن يؤخره الإمام إن رأى ذلك. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لغريمه بالطلاق إن خرجت من الفسطاط وأنت تسألنى شيئاً، فأحال على رجل فلا شىء عليه إن رضى وكان من أهل دين، وإن لم يكن من أهل دين لم تنفعه الحوالة وإن كانت من أهل دين وعند من حلف إن قضيتك اليوم حقك وإن أعطيتك شيئاً فألح عليه فأحاله به على رجل فلم يدفع إليه ذلك اليوم فقد حنث الحالف ولا يدين لأن الحول قضاء، ولو أنه لما أحاله للرجل قال إن على يمينالأقضينه اليوم وقد نسيت فلا يقضين اليوم، قال لا يقال فقد حنث. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا يؤخر غريمه فأراد أن يتحول بالحق على ملى، قال إن فعل حنث. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليقضين فلانا حقه طعاماً فحل لرجل طعام على الطالب مثله فقال له أحبسه قضاءً عن فلان بأمره فذلك جائز فلا شىء عليه كان ثمنه من هذا أو من شىء لزمه بموت أو غيره. ومن المجموعة: أشهب وابن القاسم فى الحالف إن فارق غريمه حتى يستوفى منه حقه فأحال به فقد حنث. قال أشهب فإن فارقه بعد الحوالة حنث وإن استوفى فإنه قبض بعد المفارقة، وقال غيره من مريض قال لبنيه كنت حلفت بعتق رقيقى لأعطين فلانا مائة دينار وعليه بذلك بينة ولا يحضرنى مال، فرضى البنون أن يكتبوها عليهم ديناً فى أموالهم وأحضر ذلك ثم مات الأب، فإن كانت المائة عطية وترك مالا تحملها بينة فذلك له مخرج، وإن كانت ديناًعليه فقضاها فى مرضه من ماله ومن مال [4/ 176]
غيره فقد بر، إن ضمن له ذلك أحد وارث أو غيره فقد حنث، يريد إن مات قبل قبض الطالب. قال ومن ذلك من حلف بالعتق ليقضين حقه إلى أجل فأحاله به فرضى، فإن مضى الأجل قبل يقبضه من المحال عليه فقد حنث، ولا يبر بالحق له. وكذلك روى ابن نافع عن مالك. ولو باعه بذلك جارية فى اليوم الذى هو آخر الأجل لم يبر لأن عليه العهدة حتى يقبض. قال ابن القاسم وابن وهب وأشهب عن مالك فى الحالف ليقضينه حقه إلى أجل فيعطيه فى الدنانير عرضاًفيه وفاءً لو أخرج إلى السوق إنه يبر. قال ابن القاسم وابن وهب: ثم رجع مالك فقال لا أرى ذلك، وإذا سويت فلم لا يقضيه دنانير. وبالأول قال ابن القاسم وأشهب. قال ابن القاسم إنما كرهه للذريعة، قالا وسواء قال لأقضينه حقه أو قال دنانيره. قال ابن القاسم إذا نوى القضاء ولم يقصد تعين الدنانير، فإن قصد ذلك حنث إن لم يقض دنانير. قال ابن القاسم وأشهب لا يخرج من يمينه أن يبرئه الطالب من الدين أو يهب له ويتصدق به عليه. قال أشهب ثم إن مضى الأجل ولم يقضه حنث. قال ابن القاسم وإن أعطاه قبل الأجل بعشرة دنانير تسوى أحد عشر ديناراًلم يحنث، فإن طلب شراءها منه بعد الأجل فإن كان فضلها قريبا فلا بأس به، وأما أن يأخذ من دنانير دين ما يسوى خمسة ثم يبيعه منه فلا خير فيه. قال ابن القاسم وإن قرب الأجل وخاف الحنث فاشترى سلعة من الطالب بثمن إلى أبعد من الأجل فباعها وقضاه حقه قبل الأجل فإن تعاملا على ذلك حنث وليس عليه فى السلعة الثانية إلا الثمن الذى باعها به. [4/ 177]
فيمن حلف لأقضينك حقك إلى أجل كذا وهو من بيع فأقاله أو صالحه أو رد السلعة بعيب
قال فى كتاب ابن المواز ويلزمه البيع الثانى، يريد محمد بيع المديان لها يلزم بائعها من المديان. قال ابن القاسم وإذا حلف لأقضينك طعامك إلى أجل كذا، فأحضر الطعام عند الأجل ولم يجد دواب تحمله إلى الطالب، فأعاره الطالب دواب حملته إليه فلا شىء عليه. قال ابن المواز كما لو استرخص فزاده المبتاع فى الثمن لجاز ولم يحنث الحالف على القضاء. قال ابن المواز: لا يعجبنى وهو غير بار. ومن العتبية ومن كتاب العتق أشهب عن مالك فيمن حلف إن لم أقضك حقك إلى أجل كذا، فلما كان اليوم الذى هو آخر الأجل باعه الدين بجارية، قال لا يخرج من يمينه لأن العهدة عليه باقية حتى تحيض، ولا يجزئه أن يحيله به على رجل. وفى باب جامع اليمين على قضاء الحق واقتضائه من هذا مسألة إذا أعطاه ضامنا. فيمن حلف لأقضينك حقك إلى أجل كذا وهو من بيع فأقاله أو صالحه أو رد السلعة بعيب أو استحقت أو فسح البيع لفساده من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبداً وحلف ليوفينه ثمنه إلى شهر فوجد به عيباً فرده به فلا يخرجه من يمينه إلا أن يوفيه ثمنه ثم يخاصمه، وكذلك فى جميع السلع. [4/ 178]
قال أصبغ من كتاب النذور: وإن خاصمه قبل يقضيه حتى يرد عليه بيعه قبل القضاء كان حانثاً، ثم أن رجع يقضيه الثمن بعد ذلك قبل الأجل لم ينفعه وقد لزمه الحنث. وقال ابن وهب مثله أحب إلى أن يقضيه ثم يخاصمه. قال ابن حبيب: وإذا ردت السلعة بعيب أو بفساد بيع بقضية أو بتراض فاليمين على القضاء باقية وليقضه ثم يسترجعه. وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية وهو فى كتاب ابن المواز فيمن عليه طعام من سلم أو فرض فحلف ليقضينه إلى أجل ثم استقاله قبل الأجل فأقاله فلا أحب ذلك، فإن وقع ذلك وكان من الدنانير التى استرد وفاء الثمن قال منه يومئذ. قال فى كتاب ابن المواز: ولو اشتريت لم يحنث، وإن كان أقل حنث. قال عنه عيسى: ولو رد الدنانير وأبقى البيع لحنث، ولو وهبه تلك السلعة عند الأجل عطية أو صدقه لحنث، وقاله مالك. قال عيسى عن ابن القاسم ولو كان الحق من ثمن عبد فاستحقه أو وجد البيع حراماً أو رده بعيب فلا تزول يمينه حتى يوفيه ما حلف إليه ثم يرده إليه. وكذلك لو أخذ منه درهماً بدرهمين وحلف ليوفينه لم يبر يمينه حتى يدفع إليه الدرهمين ثم يرد الزائد. ولو كان عليه طعام من سلم وحلف ليقضينه إلى أجل فخاف لا يجده فطلب أن يقيله أو يصالحه قبل الأجل ففعل وقبض وأخبر أن ذلك لا يبر به، فقال الطالب أنا أرد ما قبضت منك ويبقى الطعام إلى أجله فلا ينفعه ذلك فقد حنث. وهذا بيع حادث، والصلح والإقالة قد تمت، وقاله مالك. قال ابن القاسم وأشهب: إذا قاله قبل الأجل، فإن كان ما يقبض منه مثل ثمن القمح لم يحنث. يعنى نفس قيمته يوم الإقالة. [4/ 179]
فيمن حلف على قضاء الحق ثم نبين أنه لا شىء عليه أو إنما قبل بعضه أو وهبه له الطالب أو وهبه عوضا منه أو مات فورثه عنه من العتيبة من سماع عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف على قضاء الحق فشهد عدلان أنه قد قضاه لم ينفعه حتى يقضيه ثم يرده إليه. ومن تحمل برجل فى ثلث دينار عليه من خراج الأرض فأداه فطولب بنصف دينار ولم يؤخره إلى غد فحلف بالطلاق ليأتينهم غداً بالسدس ثم عرف المتقاضى أن ليس له قبله إلا ثلث، فقال لا شىء عليك، فقال إن لم يقضيه السدس فى غد حنث. كذلك لو تقاضى غريمه فقال قد قضيتك فأنكره ولم يدعه حتى حلف ليقضينه إياه فى غد ثم ذكر الطالب أنه قبضه منه وأبرأه فلا يبر منه من الحنث حتى يقضيه ذلك ثم يرده إليه. وكذلك لو قامت بينة بالقضاء. وقد قال مالك فيمن أسلف أخاه دنانير فأحلفه ليؤدينها إلى شهر فمات المتسلف والحالف وارثه فأحب إلى أن يأتى إلى الإمام فيقضيها إياه ثم يردها إليه، وأنا أتحسن ذلك، فإن لم يفعل لم أره حانثا. قال ابن عبدوس وروى ابن وهب عن ربيع ومالك أن الوراثة كالقضاء ولا شىء عليه، وكذلك فى العتبية من سماع ابن القاسم إذا كان وارثه لم يحنث. قال ابن القاسم وأشهب فى المجموعة ولا يبرئه من الدين أن يهبه الطالب الدين أو يبرئه منه أو يتصدق بهه عليه. قال أشهب ثم إن مضى الأجل ولم يقضه حنث. قال فى سماع عيسى: وكذلك إن كان الدين سلعة فوهبه إياها عند الأجل عطية أو صدقة يحنث يريد أن لم يقضه، وقاله مالك. [4/ 180]
ومن كتاب ابن حبيب: وإن حلف ليقضينه إلى أجل كذا فتصدق به عليه الطالب أو وهبه له قبل الأجل، فإن قبله حنث مكانه ولا ينفعه أن يقضيه إياه قبل الأجل ليتحلل من يمينه، لأن الحق يسقط بالقبول، فإن لم يقبله ثم قضاه ثم لا قيام له فيما رد من الهبة والصدقة، وإن لم يظهر منه رد ولا قبول وقضاه عند الأجل أو قل ذلك بر، ثم له القيام فى أخذ ما وهبه له أو تصدق به عليه ويقضى له به وكذلك فسر لى أصبغ. وروى عن سحنون فى موضع آخر أنه يحنث فى الهبة وإن لم يحل الأجل، فأما غن ورثه الطالب فلا يحنث إذ لا يقدر على دفعه. وروى عن مالك فى الحالف الوارث أن يرفع إلى السلطان ويعلمه بيميه فيقضيه ثم يرده إليه فيبر. ومن كتاب ابن عبدوس قال ابن القاسم فيمن قبله طعام من بيع إلى أجل فقال للمبتاع قد بعتك رخيصاً وحلف ليوفينه إياه إلى الأجل، فقال له البائع فأناأهبك عشرة دنانير فلا بأس بذلكإلا أن يعلم أنه يريد أن يستعين به فى القضاء. ومن كتاب ابن المواز: وغن حلف ليقضينه حقه من طام أو سلعة فأقاله، فإن كان فى الثمن وفاء بالسلعة لو اشتريت لم يحنث قبل ذلك، فإن قضاه وتعدى عنده، قال مالك لا يعجبنى. قال ابن القاسم كأنه أراد الاشتراط، يريد نقض المطلوب عند الطالب. ومن المجموعة قال أشهب فيمن عليه تسعون ديناراً لرجل بالمغرب فدفع منها إلى ابن أخت له بمصر عشرين ثم قدم المغرب فطالبه وحلفه ليدفعن التسعين إلى ابن أختى إذا قدمت مصر، فحلف ونسى العشرين، قال يدفع إليه تسعين ثم يأخذ منه العشرين. وكذلك فى كتاب ابن المواز وقال يأخذها منها إن أقر بها أو قامت بها بينة، وقاله الليث. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليقضينه حقه بساحل الفسطاط فلا يبر إن وفاه بالموقف. [4/ 181]
في الحالف لا يفارقه إلا بحقه فقضاه ثم وجد فيها نحاسا أو ناقصة أو قضاه أجود عينا
فى الحالف لا يفارقه إلا بحقه فقضاه ثم وجد فيها نحاسا أو ناقصة أو قضاه أجود عينا أو من خيانة اختانها أو حلف لأقضينه كل يوم قيراطا وبذلك باع منه وإنما يجب له فلوس ثم فسدت الفلوس من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا حلف لا يفارقه إلا بحقه فقضاه ثم فارقه ثم أصاب بعضها نحاسا أو رصاصا أو بينة النقصان أو استحقت فقد حنث، قال أشهب إلا أن تكون نويت فى جهدك وقد اجتهدت، فلا تحنث فى الفتيا وإن قامت عليك لا يقبل منك. قال ابن القاسم ومن اشترى ثوبا على أن يدفع كل يوم قيراطا وحلف ليقضينه طذلك فأفسدت الفلوس وصارت فلسين بفلس، قال يعطيه كما كانت قيراط فلوس لأنه على ذلك حلف. ومن العتبية والمجموعة قال ابن القاسم عن مالك فى عبد حلف ليقضين غريمه إلى أجل كذا، فلما خاف الحنث قبض من غريم لسيده ما قضى بغير أمر السيد فاسترجع ذلك السيد، قال يحنث العبد، يريد إن جاز الأجل. قال وكذلك لو سرق من مال سيده ما قضاه قبل، فإن أجاز ذلك السيد بغد الأجل، قال ما أرى من أمر بين. قال ابن سحنون عن أبيه فى الحالف ليقضينه حقه إلى أجل كذا، وحقهدينار فأعطاه ديناراً أفضل عينا، فبعد الأجل طلب منه أفضل عينة فضة، فإن كان على هذا أعطاه فقد حنث ويرد الدينار إليه ويقضيه ما عليه، وإن لم يكن بينهما ولا إعادة فأعطاه متطوعاً فلا شىء عليه فى يمينه، وإن أعطاه الدينار كله فيمن عليه طعام، لرجل بيمين وطعام له مع شريكه بغير يمين فقضى الذى حلف له فيشاركه فيه الآخر أو كان الدينان لرجل واحد فقضاه يريد عما حلف عليه. [4/ 182]
فيمن حلف لغريمه ليقضينه صدرا من حقه أو ليرضينه منه
من العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن أسلم فى طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى أجل ثم أسلم إليه هو وآخر فى طعام اشتركا فيه، فحل أجل الصفقة الأولى فوفاه إياها، وشريكه فى الثانية غائب، فلما قدم طلب أن يدخل معه فيما قبض، قال ذلك له ويقضى ما قبض على الأولى والثانية ويأخذ هذا ما وقع له من االثانية ويحنث الحالف إذا لم يحصل للأول حقه من الأولى كلها حتى مضى الأجل. وهذه المسألة هكذا وقعت فى العتيبة والمجموعة فحل أجل الأولى فوفاه إياها وأراه غلطاً فى النقل، ورأيت فى بعض النسخ من المجموعة فأعطاه عند الأجل عدد الصفقة الأولى، وهذا أصح لأنه لما أعطاه العدد ولم يفسر عن ماذا دفع قسم إلى الصفقتين. ومن المجموعة قال أشهب فيمن عليه لرجل عشرة دنانير حلف ليوفينه إياها إلى أجل كذا، وعشرة أخرى بلا يمين، فقضاه عشرة وقال هى التى حلفت فيها، وقال القابض هى التى لا يمين فيها، قال يكون عن كل عشرة منها خمسة بعد يمينها وحنث الحالف. فيمن حلف لغريمه ليقضينه صدراً من حقه أو ليرضينه منه من المجموعة والعتبية: ابن القاسم عن مالك فيمن حلف أن لم يقضى صدراً من حقى يوم كذا قال فى العتبية لألزمتك به كله. قال فى الكتابين إن الصدر الثلثان، ولو قيل النصف كان قريبا، ولكن الثلثين أحب إلى إلا أن يكون نوى شيئا فله ما نوى. قال عنه ابن وهب فى المجموعة فيمن حلف إن لم أرضك من حقك يوما كذا فامرأيه طالق فأحاله عند الأجل على غيره أو باعه به بيعا أو سأله فأخره به فذلك له مخرج. [4/ 183]
فيمن حلف ليقضين غريمه إلى أجل فقضاه قضاء فاسدا
قال ابن القاسم: إن أحاله به أو رهنه رهناً أو قضاه بعضه أو أعطاه به حميلا فذلك له مخرج. وأما إن أنظره فليس ذلك له رضى بل يصير الطالب أرضى المطلوب وأراه حانثا. وكذلك فى كتاب ابن المواز وفى رواية عيسى عنه فى العتبية، وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم وابن وهب فى هذه الوجوه المذكورة فى غير الأنظار مثل ما ها هنا، ولكنه كان أو قضاه منه صدراً مثل الثلث فما فوقه، ثم قال وأما إن أنظره بلا حميل ولا رهن ولا حوالة فروى ابن وهب عن مالك أن ذلك ينجيه من الحنث، وأباه ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ، وبقولهم أقول. قال ابن الماجشون: فإن قضاه الثلث وأخره بما بقى بر فى يمينه، وإن قضاه دون الثلث خفت أن يحنث، وكذلك لو حلف لا أخذت منه إلا حقى كاملا أو رضى منه ففى أخذه الثلث بره إلا أن يكون المال كثيرا مثل ألف وألفين، فإذا قضاه منه صدراً صالحا وإن نقص على الثلث لا يحنث، وقاله أصبغ. فيمن حلف ليقضين غريمه إلى أجل فقضاه قضاء فاسداً أو قضاه فأبى أن يأخذه منه من العتبية قال سحنون فيمن عليه لرجل عشرة دنانير فحلف ليوفينه إياها بعد شهر فأعطاه بها فى الأجل سوار ذهب فيه أحد عشر مثقالاً بيعا باعها به فلم يعلم بفسخ ذلك حتى مضى الأجل، قال هو حانث لأن ذلك منتقد فقد حضر الأجل ولا قضاء فيه. قال أصبغ وقال أشهب فيمن عليه طعام من بيع حلف للطالب ليقضينه إياه إلى أجل فابتاع له طعاما وأحاله به قبل يقبضه ومضى الأجل، فإن قبضه المحتال قبل الأجل بر الحالف فى اليمين، وقاله أصبغ، ويفسخ البيع بينهما. قال أصبغ: سمعت أشهب يقول فى الرجل يحلف ليقضين فلاناً حقه فأبى أن يقبله، أراه فى سعة من ذلك؟ قال يأتى الإمام فيجبره الإمام على أخذه. وهذا فى موضع آخر لمالك مثله. [4/ 184]
في اليمين على قضاء الحق إلى الهلال أو في الهلال أو في ذهابه أو استهلاله
فى اليمين على قضاء الحق إلى الهلال أو فى الهلال أو فى ذهابه أو استهلاله أو انقضائه أو انسلاخه وشبه ذلك من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن حلف ليقضين فلانا حقه وجعل أجله الهلال، فإن ذكر إلى أو ذكر الانسلاخ فهو يحنث بغروب الشمس من آخر شهر هو فيه، كقوله إلى الهلال أو إلى مجيئه أو إلى رأسه أو إلى استهلاله أو إلى رؤيته كيف ما ذكر إلى، زكذلك الانسلاخ إن قال فى انسلاخ الهلال أو إلى انسلاخه فبغروب الشمس يحنث إذا لم يذكر فى الانسلاخ إذا أو عند، فيكون له يوم وليلة. وقال فى أول الباب عند انسلاخه إنه يحنث بغروب الشمس. قال وإذا لم يذكر الانسلاخ ولا ذكر إلى، فله يوم وليلة، كقوله لرؤية الهلال أو لدخوله أو لحلوله أو لاستهلاله أو لرأسه أو لمجيئه، أو جعل فى هذا بدلاً من الللام فى أو عند أو إذا، فله فى ذلك كله يوم وليلة يهل الهلال ويوما أجمع وكذلك أذا ذهب وإذا انقضى وإذا دخل وإذا جاء الهلال وجب ما ذكر إذا، وكذلك عند انقضى ومضى وإذا انسلخ أو عند انسلاخه أو عند الهلال. قال وأما إلى فكيف ما ذكرها فبغروب الشمس يحنث، وكذلك قوله فى آخر رمضان أو فى انقضائه أو إلى انقضائه أو عند آخر الهلال أو إلى آخره أو فى ذهابه أو إلى ذهابه أو إلى رأسه فبالغروب يحنث. وإذا ذكر فى ذلك كله إذا فله يوم وليلة، وهذا كله قول ابن القاسم وروايته. وروى ابن وهب عن مالك أن الانسلاخ والمستهل ولرأس الهلال أو إلى رأسه واحد، له فى ذلك يوم وليلة، وهو خلاف رواية ابن القاسم عن مالك. قال وأما إذا قال حين مثل قوله حين ينقضى الهلال أو حين يهل أو حين يستهل أو حين يرى أو حين يدخل أو حين يجىء فكيف ما ذكر حين فى جميع [4/ 185]
ما سمينا فليجعل القضاء ما استطاع وليس فيه حد، وله يوم وليلة، والتعجيل فيه أحوط، وقاله أشهب. ومن العتبية من رواية عيسى وسحنون عن ابن القاسم فذكر نحو ما ذكر ابن المواز، وقال والانقضاء مثل الانسلاخ، وقال من حين ينقضى له يوم وليلة أرجو ذلك، ومثله حين يستهل وحين يذهب. وإن قال فى رمضان وهو فيه فبغروب الشمس من آخره يحنث، وكذلك إلى دخوله وإلى حلوله وإلى دخول رمضان أو قال لحوله فبغروب الشمس من آخر يوم من شعبان يحنث. وفى كتاب أصبغ فى قوله لحوله يوم وليلة. وإذا قال فى حلوله أوإذا دخل أو حين يحل أو لمجىء أو فى مجىء يوم وليلة. اما إلى مجىء فبغروب الشمس يحنث. قال وإذا قال إذا جاء رأس الهلال أو إذا ذهب الهلال أو عند ذهابه أو عند ذهابه أو عند انسلاخه او استهلاله أو قال فى، فله يوم وليلة، هذا كله فى رواية سحنون عن ابن القاسم. وفى المجموعة ذكر نحو ما ذكرنا عن ابن القاسم عن مالك من ذلك كله، وقال عبد الملك: وإذا قال قبل الهلال فقد حرم على نفسه الهلال وما بعده إلا يحنثه. ومن الواضحة ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم وروايته عن مالك نحو ما ذكرنا من العتبية وغيرها وذكر ابن الماجشون وابن وهب رويا عن مالك أنه إذا قال إلى رمضلن أو إلى مجيئه أو إلى رأس الهلال أو إلى حلوله ونحو ذلك فله يوم وليلة. قال ابن الماجشون وقال بعض علمائنا له ليلة الهلال وصدر يوم الهلال إلى قيام الأسواق. وقولى على قول مالك له النهار كله، وأخذ ابن عبد الحكم وأصبغ بقول ابن القاسم وروايته، وبه أقول. [4/ 186]
وذكر ابن حبيب اجتماعهم فيما عدا إلى ما قدمنا ذكره، ولكن لم يذكر الانسلاخ إلا فى قوله إذا انسلخ أو عند انسلاخه، فقال له يوم وليلة كما ذكرنا فى العتيبة وكتاب ابن المواز فى إذا وعند. قال ولم أعلم أصحاب مالك اختلفوا فيمن حلف وهو فى شعبان ليقضينه عند آخر الهلال أو إلى آخره أو إلى ذهابه أو فى ذهابه أنه يحنث بغروب بغروب الشمس من آخره. وقال ابن الماجشون وإذا قال قبل الهلال فبغروب الشمس يحنث، بخلاف إلى الهلال عنده. وكذلك ذكر عنه فى ابن عبدوس. قال ابن الماجشون: وأما إن قال إذا جاء الهلال فلم أقضك فامرأته طالق فهذا لا يشبه ما تقدم من التوقيت، وهذا إنما أراد أن يكون حالفاً إذا جاء الهلال، فكأنه ابتدا حينئذ اليمين فلا يقرب زوجته، كمن أرسل يمينه بغير توقيت حتى لو جعل بدل قوله فلم وقال ولم فهذا جعل الهلال وقتاً لقضائه فله يوم وليلة، ف إن لم يقضه حنث. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليقضينه إذا رأى الهلال فغم الهلال تلك اليلة فقضاه فى غد فقد حنث وإنحلف ليقضينه يوم الفطر فغم الهلال ثم ثبت أن الفطر قبل بيوم، قال مالك فقد حنث. ومن سماع عيسى من ابن القاسم: فإن حلف ليقضينه حقه الهلال، فإن أراد الهلال فله يوم وليلة، وإن أراد إلى الهلال فقد حنث بغروب الشمس. [4/ 187]
في الحالف ليقضينه في شهر كذا أو في نصفه
فى الحالف ليقضينه فى شهر كذا أو فى نصفه أو ليفعلن كذا قبل مضى نصف الشهر ما الذى يحنث به؟ ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، وهو فى كتاب ابن المواز وغيره فيمن حلف على قضاء الحق فى رمضان فإنه لا يحنث إلا بغروب الشمس من آخره. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ إلا أن يحلف بذلك قيل رمضان مما يعنى به مجىء رمضان فله يوم وليلة من أول رمضان إلى ما قبله وإلا حنث. وقال ابن وهب إذا حلف ليقضينه فى شعبان فبدخول شعبان يحق الحق ولا يحنث حتى يهل رمضان وقاله أصبغ وفى موضع آخر. وإن حلف ليقضينه فى شهر كذا فقضاه بعد غروب الشمس من آخره فالذى عندنا أن الليلة من اليوم المقبل فإن كان عندهم إلى أن الليلة من اليوم الماضى فلا شىء. ومن كتاب ابن المواز أيضا وإن حلف ليقضينه حقه فى النصف من شهركذا فخاف أن يقضى فليقضيه يوم أربعة عشر، فإن قضاه يوم خمسة عشر أول النهار أو آخره حنث، وقبل لا شىء عليه، وهو النصف المتعارف عند الناس. قال أشهب لا يحنث إن قضاه يوم خمسة عشر وإن نقص الشهر، وقاله ابن وهب وأصبغ. وفى المجموعة عن أشهب أنه حانث. وعن ابن القاسم من رواية أبى زيد يحنث إذا انقضى. وقال عبد الملك إذا حلف ليكلمنه قبل مضى نصف الشهر فكلمه يوم خمسة عشر بعد العصر ثم نقص الشهر فلا شىء عليه لأن النصف الأول إنما [4/ 188]
فيمن حلف على قضاء الحق أو على أن يفعل فعلا أو ألا يفعله فقال الليلة أو اليوم
العمل فيه على خمسة عشر ليس على أربعة عشر ونصف فى نقصه، فكذلك يكون الأربعة عشر نصفا من الناقص. فيمن حلف على قضاء الحق أو على أن يفعل فعلا أو ألا يفعله فقال اليلة أو اليوم أو قال ليلة أو فى غد أو إلى غد أو إلى الليل أو إلى يوم أو فيه أو إلى عشرة أيام أو قال غدوة أو بكرة أو عشية من المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: ومن حلف ليقضينه اليوم إلى الليل، فإن لم يقضه حتى غربت الشمس حنث، وإن حلف ليقضينه قمحه يوم كذا فكان يكيل فيه حتى غربت الشمس ولم يفرغ قال فكأنى رأيت معنى قول مالك أنه حانث. قال ابن القاسم فى كتاب ابن المواز ولو أخذ فيه فى أول النهار مما يعلم أنه يفرغ قبل الليل أو بدأ فيه قبل ذلك بأيام وتمادى ثم لم يفرغ فقد حنث إذا مضى اليوم الذى أجل. قال ابن القاسم وإن حلف ليقضينه غداً يوم الجمعة أو قال يوم الجمعة غداً، وكذلك يظن، فإذا هو يوم الخميس فإن لم يقض غداً يوم الخميس فقد حنث. وقد ذكرناه فى الجزأ الأول. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف لثقضينه إلى عشرة أيام فله اليوم العاشر إلى الليل، وإن قال إلى يوم الجمعة وإن غربت الشمس من يوم الخميس ولم يقضه حنث. ومن المجموعة قال مالك وإن حلف لا كلمه عشرة أيام وهو فى ضحى فأحب إلى أن يلغى ذلك اليوم. [4/ 189]
قال ابن القاسم أحب إلى أن يتم يوم حادى عشر إلى الليل، فإن كلمه فيه بعد الوقت الذى حلف فيه لم يحنث. ومن العتبية من كتاب النذور قال سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف لا كلمت فلاناً يوماً وهو فى ضحى أو أو فى نصف النهار فلا يكلمه بقية نهاره وليله وإلى غد إلى مثل تلك الساعة، وكذلك إن كان ليلا وقال لا كلمته ليلةً فلا يكلمه إلى مثل تلك الساعة فى الليلة الثانية. قال سحنون فى كتاب ابنه: أما قوله ليلة فذلك عندى على بقية الليلة ويفارقه ذلك اليوم عندى، فإذا قال يوما فلا بد أن يكون الليل مع النهار ومن كتاب ابن المواز ومن حلف لغريمه لا يمر به خمس ليال حتى يقضين حقه، فمرت خمس ليال فأصبح فى يوم الليلة الخامسة ولم يقضه، قال عبد العزيز إن بين الليالى فقال ليال سود فقد حنث وإن قال لا أدرى وإنما حلفت على خمس ليال تماما لم يحنث وأيامها منها. وقال ابن القاسم أن أراد ليالى بغير أيام حنث بطلوع فجر الخامسة، وأن لم ينو شيئا فالليالى من الأيام، وقاله مالك. قال ابن كنانة فيمن حلف لا يكام فلاناً ليلةً فإن أراد ليلته بعينها أو قال ليلة يريدها بعينها فعسى أن له نيته، وإن قال ليلةً ولا نية له فأحب إلى أن يتبعها بيومها، وقاله مالك. وفى باب آخر: وإن حلف لا يكلمه الليلة فلا يكلمه الليلة بطلوع الفجر، وإن قال اليوم فحتى تغرب الشمس، وإن قال ليلة فليدعه يوما وليلة، وكذلك إن قال يوما. وفى المجموعة عن ابن القاسم عن مالك: إن قال ليلةً فليدع كلامه الليلة التى نوى ويومها، وإن قال اليلة لم يحنث بكلامه فى يومها، وإن حلف لا يدخل بيتاَ بليل فدخل بعد الفجر فلا يحنث، ولو قال نهاراً حنث. [4/ 190]
ومن العتبية من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم وأشهب: وإن حلف لأقضينك حقك إلى الليل، قال فله الليل كله. قال أصبغ: وإن حلف لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة فحملت إليه فيها فلم تصل إليه حتى طلع الفجر فإن كان شأنهم بالبلد إدخال النساء بعد الفجر هو الغالب عليهم لم يحنث خرج بها قبل الفجر أو بعده، وإن كان شأنهم الدخول ليلا ًفأخرجت ليلاً ووصلت بعد الفجر لرفق السير ولبعد المكان فقد حنث. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف ليقضيته غدوةً، قال فله ما بينه وبين انتصاف النهار، وإن قال بكرةً فإلى ارتفاع الضحى الأعلى، وإن قال عشيةً فالعشى من وسط وقت الظهر إلى الغروب. وقال ابن سحنون عن أبيه إن غدوة وبكرة سواء وذلك ما بينه وبين الضحى الأعلى قبل نصف النهار، والعشى من زوال الشمس إلى غروبها. ومن كتاب ابن المواز، وهى فى المجموعة، وعمن حلف لا باع عبده اليوم ولا غداً فقال لرجل فمن طلبه غداً قد أوجبته لك بأربعة دنانير بعد غد، قال قد حنث. وهذا بيع، والبيع إلى بعد غد جائز. قال أصبغ فى العتبية فيمن حلف أن يتزوج إلى أيام فالأيام ثلاثة إلا أن ينوى أكثر من لك، وكذلك من حلف ألا يتزوج أياماً وهو أشد. [4/ 191]
فيمن حلف على قضاء الحق أو غيره فقال إلى الظهر أو إلى العتمة
فيمن حلف على قضاء الحق أو غيره فقال إلى الظهر أو إلى العتمة أو قال لا أبيت حتى أفعل كذا من الواضحة قال ابن الماجشون: ومن حلف لأقضينك قبل أن أصلى الظهر فأتاه به بعد صلاة الناس ولم يصل الحالف فلا ينظر إلى صلاة الحالف، ولكن إن كان الموضع مسجد جماعة، فإن صلوا ولم يقض حنث، وإن لم يكن بموضع جماعة يجمعهم إمام فإن جاوز أن يصير ظل كل شىء مثله ولم يقضه حنث. وكذلك فى يمينه إلى الظهر. قال ابن المواز فى قوله غدا إلى الظهر إن مال الفىء ولم يقض حنث، وإن قال عند صلاة الظهر فله إلى أن يصير ظل كل شىء مثله، وإذ قال قبل أن أصلى، فإذا انصرف الناس من الجامع ولم يقضه حنث، وإن لم يصل هو وقال نويت حتى أصلى أنا لم ينفعه. وإن لم يكن عندهم مسجد جماعة لم يحنث حتى يخلرج آخر الوقت. ووى عن ابن القاسم فى العتبية فى قوله إلى الظهر أحده إلى أن تصلى الجماعة والعامة. وروى غنه سحنون فى قوله صلاة الظهر قا: يقضى أول صلاة الناس عند الزوال، وهى فى كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم، فقال أول صلاة الناس أو عند الزوال. قال فى الكتابين قيل فإن صلى قوم وبقى لآخرون فلم يذكر جواباً. قال فى العتبية قا لأبو بكر بن محمد لا شىء عليه. وفى كتاب ابن سحنون قال سحنون لا حنث عليه إلى آخر وقت الظهر، وقال عنه أضبغ: وأن حلف أن بات الليلة وله عنده شىء، فحده إلى ثلث الليل. قا لأصبغ بل ذلك على ما يعرف من معانى الناس. فإذا حلف نهاراً فحده غروب الشمس، وإن حلف عشاء فحده انقطاع الرجل وهدوء الناس [4/ 192]
في الحالف في القضاء وغيره إلى العيد أو الصدر أو إلى الصيف أو الحصاد
قال ابن حبيب قا لابن الماجشون فى الحالف ألا تقيم امرأه عنه إلى العتمة فقامت حتى صلى الناس وإمام قريتهم فقد حنث، ولا ينظر فى هذا إلى ثلث الليل. فى الحالف فى القضاء وغيره إلى العيد أو إلى الصدر أو إلى الصيف أو إلى الحصاد أو قدوم الحج أو قدوم أبى من المجموعة قال اب القاسم: وإن حلف لأقضينك حقك إذا ذهب العيد فأيام التشريق من العيد، وإن قال إلى الأضحى فقضاه فى اليوم الثانى من النحر فقد حنث، وإن قال فى الأضحى فلا شىء عليه فى اليوم الثانى والثالث. وإن قال فى العيد فقضاه ف أيام التشريق حنث، وإن قال فى أيام العيد أو أيام الأضحى أى يوم النحر، فإن لم يقضه فى يوم النحر بعينه وقضاه فى أيام التشريق حنث. ومن العتبية قال أصبغ: ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى العيد، فلا يطأها حتى العيد وبعد انصراف الإمام، فإن وطأها قبل ذلك حنث، والعيد عندى انصراف الإمام. وإن حلف لا دخل بيته يوم العيد وكان ذلك في الفطر فلا يدخل يوم الفطر ويومين بعده، وقال سحنون لا أرى ذلك والفطر يوم واحد. قال سحنون فى كتاب ابنه وقرأ عليه قول أصبغ فقال: إذا وطئها ليلة العيد فلا شىء عليه، وليلة العيد من العيد. وأما فى الفطر فالعيد فيه يوم واحد. وقال ابن عبدوس فى غير المجموعة فيمن حلف لأقضينك بعد العيد بخمسة أيام، قال يقضيه بعد يوم النحر بخمسة ايام، ولو قال بعد الأضحى بخمسة أيام، قال فتحسب له الخمسة بعد ثلاثة أيام النحر لأنه يضحى فيها. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فى الحالف ليقضينه إلى الحصاد إنه لا يحنث إلا بانقضاء آخره ويقضى عليه بالحق فى وسطه ومعظمه، يريد إذا كان [4/ 193]
أجلاً، وكذلك إلى الجذاذ والقطاف، وإلى الصدر يقضى به فى وسطه ولا يحنث إلا بانقضاء آخره، وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ، وروى مثله عيسى عن ابن القاسم فى العتبية والمجموعة. ومن كتاب ابن المواز قال: وإن حلف إلى الصدر فهذا له آخر أيام التشريق إلى الليل وبقيا الليل إلى الفجر، فإن لم يقضه حتى طلع الفجر حنث. وإن قال لاكلمته حتى الصدر أو قال إلى الصدر إلا فى الصدر الآخر، فإن كلمه فى الأول لم يحنث. وإن حلف ليكلمنه فى الصدر فليكلمه فى الأول، فإن لم يكلمه إلا الثالث لم يحنث روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف لا يجتمع مع امرأته تحت سقف حتى يقدم الحاج فقدم أوائل البربر، قال فى المجموعة أصحاب الحمير فلا شىء عليه. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن حلف ليقضنه فى الصيف فهو يونية ويوليه وأغشت. فإن انقضى أغشت ولم يقضه حنث، وتتلوه شهور القيظ وهى شتنبر واكتوبر ونونبر. فإذا قال فى القيظ أو فى الخريف فلم يقضه حتى خرج نوفمبر حنث والشتاء دجنبر ويناير وفبراير، فغذا قال فى الشتاء أو إلى فلم يقضه حتى خرج فبراير حنث. ويحنث فى قوله فى الربيع أو إلى الربيع بانقضاء مايو، وكذلك قال فى هذا كله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ، وكذلك فى العتبية وفى المجموعة عن ابن القاسم. وفى المجموعة قال ابن القاسم: وإن قال إن قدم أبى ولم أقضك فامرأته طالق فقدم ولم يقضه فهى طالق إلا أن ينوى أنه إذا قدم قضاه. وإذا قال أبى فلم أقضك فلا يحنث حتى يقدم ثم لا يقضيه، وله فى ذلك يوم وليلة. [4/ 194]
فيمن حلف لأقضينك إلى حين أو دهر أو زمان
فيمن حلف لأقضينك إلى حين أو دهر أو زمان أو قال لا كلمتك إلا شهراً أو شهوراً ومن حلف لا فعل كذا هذه السنة وقد مضى بعضها قال ابن المواز قال مالك: الحين والزمان سنة، قال عنه ابن نافع فى المجموعة، ولعل الدهر مثله وما أدرى. وقال ابن القاسم وأشهب فى الدهر سنة. قال ابن وهب عن مالك فى الحين سنة وأما الزمان فليس عندى مثله، وهو عندنا مثله، وهو احسن ما سمعنا إلا أن تكون له سنة فى أكثر من ذلك. ومن كتاب لعض أصحابنا فيمن حلف لا كلمتك الدهر، قال لا يكلمه أبداً، وإن قال لا كلمتك دهراً فلا يكلمه سنةً. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: إذا حلف وهوفى نصف السنة إن فعل كذا وكذا هذه السنة، فإن نوى ما فيها فذلك له، وإن حلف لم ينو شيئاً ائتنف من يوم حلف اثنى عشر شهرا. ومن كتاب ابن سحنون ومن حلف لا كلم فلانا إلا شهرا أو قال أشهرا فلا يكلمه ثلاثة أشهر، فإن كلمه قبلها حنث، وإن قال الشهور فلا يكلمه سنة، فإن كلمه قبلها حنث؛ وإن قال شهوراً سئل عن ذلك أهل اللغة، فإن قالوا إنه مثل الأشهر فثلاثة أشهر، وإن قالوا مثل الشهور فذلك سنة. قال الله تعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً). [4/ 195]
فيمن حلف على قضاء الحق أو أن يفعل فعلا إلى أجل فعجل ذلك قبل الأجل
فيمن حلف على قضاء الحق أو أن يفعل فعلا إلى أجل فعجل ذلك قبل الأجل من المجموعة والعتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم فى الحالف لأقضينك حقك فى شعبان ورمضان فقضاه جميعه فى شعبان فلا حنث عليه، وكذلك لو قضاه فى شعبان بعضه وباقية فى رمضان، وأحب إلى أن يقضيه النصف فى كل شهر، فإن قضاه الربع والثلث فى شعبان وباقيه فى رمضان لم يحنث، وإن لم يقضه فى شعبان شيئاً وقضاه جميعه فى رمضان حنث، ولو قضاه جميعه فى شعبان لم يحنث. وكذلك روى ابن وهب وأشهب عن مالك فى القضاء قبل الأجل. ومن كتاب ابن المواز عن ابن القاسم: وإن حلف ليقضينه حقه فى شعبان ورمضان وشوال فقضاه بعضه فى شعبان وباقيه فى شوال ولم يقضه فى رمضان شيئاً فلا شىء عليه، ولا يعجبنا قول من قال غير هذا، لأنه حلف ليقضينه في كل شهرمنها ديناراً فقضاه دينارين فى شعبان وديناراً فى شوال وفى رمضان ما كان عليه شىء. ولو قضاه ديناراً فى شعبان ودينارين فى شوال ولم يقضه فى رمضان شيئا فهو بار، وكذلك لو قضاه أقل من دينار فى شعبان وبعض الحق فى رمضان، وباقيه فى شوال فلا شىء عليه. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: وإن حلف ليقضينه فى كل جمعة كذا حتى يتم حقه فعجله له فى جمعة فلا شىء عليه. قال ابن القاسم عن مالك: والحالف على أكل طعام غداً يحنث إن أكله اليوم، بخلاف القضاء، لآن القصد فى قضاء الحق التعجيل، والطعام يراد به اليوم. [4/ 196]
في الحالف لأقضينك إذا أخذت عطائي أو إذا أمكنني وتواني
قال أشهب: إن سئل فى أكله الآن فقال دعونى الآن فأنا والله اكله غداً فلا حنث عليه إن أكله اليوم لأن قصده الأكل لا تعيين اليوم، وإن كان على غير ذلك من عمد الغد حنث. فى الحالف لأقضينك إذا أخذت عطائى أو إذ أمكننى وكيف إن توانى فى أخذ العطاء؟ من كتاب ابن المواز: ومن حلف لغريمه إن خرج عطائى وقبضته ولم أقضك وامرأتى طالق، فتهاون فى أخذ العطاء وهو قادر على أخذه فهو حانث، وإن لم يتوان حتى غلب عليه لم يحنث. وقيل لا يحنث حتى يرتفع العطاء وينقطع الإعطاء، فأما ما دام قائماً يرجوه فلا ييأس من أخذ ذلك العطاء. ومن حلف فى دين على امرأته لئن وقع قسمها فى يديه ليقضينه عنها فلا شىء عليه حتى يمكنه أخذه، فإن تهاون فيه وهو يقدر على أخذه حنث. قال ابن القاسم فى العتبية من رواية عيسى: فإن تهاون فى قبضه بتوليج أو تثلاقا أو داهن فيه حتى غلب عليه فقد حنث. فيمن حلف إن ترك غريمه او خصمه حتى يبلغ به أقصى حق أو حتى يقبض منه حقه من كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف إن فرطت أو توانيت فى حقى على فلان حتى آخذه فتوانى رجاء أن يأتيه حتى مرض فحال بينهما المرض فقد حنث، وإن أقام يوماً أو يومين أو نحو ذلك مجتهداً حتى اخذه المرض فأشغله والله أعذر بالعذر. [4/ 197]
قال مالك فى العتبية من سماع ابن القاسم فيمن بينه وبين رجل خصومة فى سلعة ابتاعها منه فحلف لا يتركه حتى يبلغ أقصى ما فيها، فأقام شاهداً ولم يحلف معه ورد اليمين على بائعه، فلا أحب ذلك ورأى أنه إن فعل لم يبلغ أقصى ما حلف عليه. وروى عيسى فى الذى حلف لا يفارق خصمه حتى يبلغ أقصى حقه، فأقام شاهدا ولم يحلف معه، فإن كان حقه يعلمه فنكل فهو حانث، وإن كان لا يعلمه أنه حقه إلا بشهادة الشاهد من مورث وقع له أو غيره فهو حانث بنكوله، وإن علم أنه لا حق له عليه وأراد غيظه وأن لا يأخذ شيئا وترك اليمين فلا شىء عليه. قال عنه أبو ريد وإن حلف فى غريم له ليستقضينه منه حقه ولا يرخص له فهو يخاصم حتى هلك الغريم فليستقضه ورثة الغريم ولا ييرخص له وروى أشهب عن مالك فيمن بينه وبين رجل خصومة فحلف بالطلاق ألا يتركه وليجتهدن عليه. ثم قال له بعد ذلك لا أخاصمك وقد وكلتك إلى الله سبحانه، ثم ذكر يمينه فطالبه فقد حنث، فقال له خصمه إنه حين رجع إلى جعلت بينى وبينه رجلاًَ وحلفت بالعتق لأرضين بحكمه. فحكم على بدينارين فدفعتهما إليه، فقال له فاذهب إلى السلطان فارفع إليه شهادتك ولا تطلب الدينارين وإن أعطاكهما فلا تأخذهما منه. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن أخذ لعمه ألف درهم بعث بها إلى البصرة فحلف أبوه لا أقلع عنها حتى يردها، فطلب له ألف درهم فدفعها إليه، ثم استوهبه إياه فوهبها له. فإن كان من غير رأى عدة من العم فلا شىء عليه، وإن كان عن رأى عدة أو كان الأمر قريبا لم ينفعه فى يمينه. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فى رجل له عند زوجته دنانير فأسلفت منها أخاها فحلف لا خرج حتى يأخذ حقه منه أو يقضى عليه [4/ 198]
جامع الأيمان على قضاء الحق واقتضائه
السلطان، وقالت امرأته أنا ضامنة لذلك وقد أراد السفر، قال لا يخرج حتى أخذها ولا يقبل ضمانها إلا أن يؤخره السلطان. جامع الأيمان على قضاء الحق واقتضائه من مسائل مختلفة المعانى من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف إن لقى غريمه أن فارقه حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فلقيه فقضاه حقه فلا شىء عليه. ومن حلف لا ينقص غريمه من عشرة قائمة، فلم يقر له إلا بدنانير خروبة خروبة، فخاصمه فلم يقض له إلا بها، فليأخذها ولا يضع عنه شيئا والله حسيبه. وإن كان أراد ألا يأخذ منه إلا قائمة فلا يأخذ منه إلا قائمة. قال عبد الملك ابن الحسين عن أشهب فيمن حلف ليوفينه حقه إذا أخذ عطاءه فأخذ من عطائه ما لا يفى بدينه فقضاه، قال لا يحنث. قال أصبغ وأن حلف لأبعثن إليك بحقك يوم كذا، قال مع فلان أو لم يقل، فإن لم يصل إليه الحق يوم قال لأبعثن به فقد حنث. قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن عليه طعام من سلم فحلف لأوفينكه بساحل الفسطاط إلى إلى أجل كذا، فإن وفاه أياه بالموقف كان حانثا. قال ابن سحنون عن أبيه فى رجلين عليهما حق لرجل فحلف ليقضيانه حقه، فقضاه أحدهما الحق كله أو بعضه، فإن كان تحمل بعضهما عن بعض فقضاه أحدهما جميع الحق فلا حنث عليهما، وإن قضاه أحدهما نصف الحق أو ما يصيبه حنثا جميعا. وإن لم يكونا حميلين فإن قضى ما يصيبه منه فلا حنث عليه ويحنث الآخر، وإن جميع الحق بغير أمر صاحبه لم يحنث القاضى ويحنث الغائب. [4/ 199]
قال وإن حلف ليقضين غريمه حقه يوم كذا فوجد لقطة فقضاه منها، فإن قضاه منها قبل السنة حنث مليا كان أو معدماً. قلت قال بعض أصحابنا: إن كان مليا لم يحنث، فلم ير ذلك سحنون. ومن كتاب ابن المواز ومن تحمل بوجه لأجل وحلف الحميل ليأتين به فى الأجل، فلما حل الأجل أتاه المطلوب ولم يأت الحميل فقد حنث إلا أن يكون نوى إن غاب أتاه به فله نيته. قال محمد لا شىء عليه إذا لم يكن حمالته به إلا بسبب الحق وحده. وإذا حلف ليقضينه طعامه لأجل كذا فأتاه بقمح قبضه له وقال سأرجع أكتاله لك فتأخر فلما جاز الأجل وخاف الحالف الحنث أكتاله لنفسه، ثم جاز الأجل فقد حنث. قيل إنه رفعه إلى السلطان، قال يقضيه السلطان ولا يخرجه ذلك من يمينه. ومن أعطى حميلا بحق وحلف للطالب ليقضينه حقه إلى أجل كذا، فلما حل الأجل قضاه الحميل والمطلوب غائب فلا حنث عليه. ومن حلف ليقضينه حقه إلى أجل فلم يجد من يسلفه إلا بحميل فتحمل بها طالب الحق وجاز الأجل فقد حنث. ومن حلف لأقضينك إلى أجل كذا إلا أن يقول غرمائى ويحول السلطان بينى وبين مالى فقام غرماؤه وعقل السلطان ماله ثم بدا لهم أن يردوا يردوا ماله إلى يديه، فإن رد إليه بعد الأجل لم بحنث وإلا فاليمين له لازمة. ومن سجن رجلا فى دين وحلف لا يخرجه حتى يقضيه أو حتى يقبض حقه، قال منه أو لم يقل، فتبرع أجنبى فقضاه عنه أو تبرع من يسأل الطالب مالاً فقاصه به وأشهد لنفسه به إلى المسجون إلى شهر وأخرجه الطالب، فإن حلف حتى آخذ حقى لم يحنث، وإن حلف حتى يعطينى أو حتى آخذه منه [4/ 200]
حنث، إلا أن تكون له نية. وإن كانت يمينه ليستوفين حقه فقاصه بما يسأله فلم يحنث، إلا أن ينوى أن يأخذ المال منه ووفى العدة أو لفظ بذلك فلا تنفعه المقاصة. وإن حلف لأقضينك فى منزلك فجاء به إلى منزله فقال اذهب به إلى حانوتى فى أقصى المدينة، قا لهو منزله أيضا. وكذلك لو قال: اذهب به إلى منزل فلان وهو إذا جاء به إلى منزله صرفه حيث شاء فلا شىء عليه. وإن حلف ليوفينه حقه يوم كذا بموضع كذا فجاء فى اليوم فلم يجده فى الموضع فلا شىء عليه إذا ظل يومه ذلك ولم يأته ولم يكن بينهما وقت من النهار يأتيه فيه، ولا يجزئه أن يمسح الموضع مسحاً فلا يجده عند مجيئه. قال فى موضع آخر من كتاب ابن المواز: وإن حلف ليوفينه بموضع كذا فبعث به إليه، فإن نوى القضاء برإلا أن يكون بساط يمينه إلا أن يوفيه بنفسه. والمسألة من أولها فى العتبية من سماع أصبغ من ابن القاسم. وفى السؤال حلف ليوفينه بموضع كذا. ومن قوله إذا ظل يومه إلى آخرها من كلام أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: من تعلق بغرمه فحلف له لأوفينك غداً فى منزلك، فأتاه فى غد فلم يجده فلا حنث عليه. ورواها أبو زيد عن ابن القاسم فى العتبية. ومن المجوعة والعتبية رواية ابن القاسم عن مالك فيمن مطل بحق عليه ثم حلف لربه إن أعطيتك حتى أسجن ثم أسجن ثم أسجن يريد أياما، وحلف الآخر إن أنظره حتى ينظره السلطان فرافعه فأنظره السلطان أجلا، فلما حل تغيب عنه فأراد عمه أن يقضى عنه فلا بأس به. قال فى العتبية ولا يحنث إن علم بقضاء العم عنه، غير أن اليمين عليه باقية فى قضائه لعمه كما كانت لصاحب الحق، إلا أن لا يقضيه حتى يسجن أياما كما حلف وإلا حنث. [4/ 201]
قال المغيرة فى المجموعة: وللعم أن يرجع عليه، فإن قضاه قبل أن يسجن حنث ويقف العم موقف الأول، وإن تركه العم لم يحنث. قلت: فما مخرج قوله حتى أسجن ثم أسجن ثم أسجن؟ قال حتى يسجن ثلاثاًيسجن ثم يسجن ثم يخرج ثم يسجن، فأحب إلى أن يقيم فى كل مرة يوماً وليلة. قال أشهب: ومن حلف لئن قضيتنى حقى لأفعلن بك كذا فقضاه بعضه فلا يلزمه شىء إلا بقضاء الجميع، لأن عرض هذا الاستيعاب. وإن حلف المطلوب لئن اقتضيتنى حقك لأهدين إليك ميسره بإقتضائه لأنه كان يأبى أخذه فلا يلزم هذ الهدية حتى يقضيه الجميع. قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن حلف لغريمه لأقضينك دينك من دين لامرأتى وهو يعرفه، فقضاه من غيره ولم يقبض دين المرأة فقد بر. وكذلك لو قبضته المرأه وقضاه الحالف من غيره، وإنما ذكر دين المرأة كأجل فأجل ضربه فلا يبالى مما قضاه. ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، وهى فى المجموعة، فيمن تعلق بغريمه وطلب بحميل حتى يوافيه دار القاضى، فحلف له بالطلاق إن غبت عن دار القاضى سنة حتى أوفيك حقك أو يقضى بيننا، قال فليختلف كل يوم إلى دار القاضى حين تختلف الناس حتى يوفيه. قال وإن وضع عنه حنث. قيل فإن غاب الطالب؟ قال احضر أنت، وإن غاب فليس عليك شىء. وقال ابن القاسم فى عبد حلف لغريمه ليقضينه أول دينار يجده، فباعه سيده فقال المبتاع للبائع أكسه فأعطاه ديناراً من ثمنه يكتسى به فلم بقضه العبد للغريم، قال لايحنث للمبتاع كأنه استوضعه أو ابتاع به كسوة [4/ 202]
ومنه ومن المجموعة قال سحنون عن ابن القاسم فيمن عليه لرجل عشرة أرادب فحلف ليوفينها له إلى أجل، فجاءه بها فى الأجل كما ابتاعها واكتالها فقال له صبها على هذا القمح لقمح كان فى بيته قال كلها فقال أنت صادق فصبها عليه. قال إن كانت عشرة أرادب تامة لم تنقص كما ينقص الكيل لم يحنث. قيل: ومن أين يعلم أنهلو أعاد كيلها نقصت؟ قال فلينظر لنفسه، وليس يحنث بترك الكيل، ولكن إن كانت لو أعيد كيلها نقصت حنث. ومن العتبية من سماع عيسى قال ابن القاسم فيمن له قبل رجل دنانير فحلف أن لا يأخذ منه فيها دراهم فأحال عليه بالدنانير رجلاً فأخذ منه الرجل فيها دراهم قال لا حنث على الحالف. ومن مسائل سحنون: وسئل عمن عليه لرجل عشرة دنانير فحلف ليوفيننه إياها إلى شهر فأعطاه قبل الأجل أوقية سوار ذهب باعه إياها بيعا وفيه أحد عشر مثقالا فلم يعلم بقبيح ذلك حتى مضى الأجل، قال هو حانث، ذلك منتقض، فقد مضى الأجل ولا قضاء فيه. قال أصبغ وقال أشهب ومن عليه طعام من بيع فحلف للطالب ليقضينه إياه إلى أجل فابتاع له طعاما وأحاله به قبل يقبضه ومضى الأجل، فإن قبضه المحتال قبل الجل بر الحالف، وقاله أصبغ فى اليمين ويفسخ البيع بينهما وقد بر. [4/ 203]
فيمن حلف لا باع بكذا كم يزاد؟ أو إلا بكذا فوضع
فيمن حلف لا باع بكذا كم يزاد أو حلف لا يبيع إلا بكذا وكيف إن وضع بعد البيع من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا باع سلعته بدينار فلا يبر إلا بزيادة يرى أن مثلها يزاد فى ذلك. قال ابن نافع قال مالك أفيزيده ثمرة أو قرصاً؟ ما هذه زيادة. قال سحنون لا تبرئه زيادة الخيار فى المائة، قال غيره إلا أن تكون له نية فى شىء معلوم أو أن لا يبالى ما زيد، فإن لم تكن له نية لم يبره اليسير فى الثمن الكثير ويرى أن درهما يبرأه فى الدينارين وفى خمسين درهما وهو فى المائة درهم قليل، ويرى الدينار فى المائة دينار يبرئه. وهذا الذى ذكر ابن عبدوس لغيره وهو قول أصبغ وابن حبيب أيضا. وذكر ابن الماجشون: أستحب الثلاثة دنانير فى المائة. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن حلف لا باع بمائة دينار فزيد خمسة دنانير قال يبرئه. قال أصبغ يبر بدينار ف المائة وبنصف دينار فى خمسين، وقاله ابن القاسم إلا ان تكون له نية فيما يزاد. قال أصبغ ولا يبر بخمس دينار فى عشرين ولا بخمس ونصف خمس فى الثلاثين وإذا جزى الدينار هكذا لم يقع لمثل هذا منه بال. قال ابن سحنون قلت لسحنون قال بعض الناس: إن ربع دينار يبرئه فى المائة دينار لأن القطع يجب فيه، قال لا يبر بذلك وأراه حانثاً إن فعل. ومن كتاب آخر أن محمد بن عبد الحكم يقول: يبر بأقل من ذلك، والذى قاله سحنون أولى، لأن الأيمان إنما تحمل على مقاصد الناس فيها. ومن المجموعة قال سحنون فيمن حلف لا باع بثلاثين فباعها بثلاثين ديناراً ويبرئه اليمين ولميسمه شرطاً ثم باعها المبتاع من آخر بيعاً صحيحا، فالبيع الأول [4/ 204]
فاسد فات بالبيع الثانى. فإن كانت القيمة تزيد عن الثلاثين ما يبر بمثله أخذ ذلك وبر، فإن كانت أقل فإنى أخاف عليه الحنث. ومنه ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالكفيمن ابتاع عبدا ً بثمن ثم كساه إزالراً بثمانية دراهم وحلف بحريته لا باعه بربح خمسة دراهم حتى تزداد ونوى ما قل من الزيادة أو كثر فباعه بذلك وبزيادة درهم على أن يسأل عن يمينه، فإن كان على فيه شىء فإن شئت أن تأخذ على ذلك وإلا فدع، وإن لم يكن على شىء فهو لك، قا للا يترك ثمن الإزار لموضع الحنث ولم يوجبه فى الشرط بشىء. قال له قد طرحته عند الحجام يعلمه بشرط سنة وله عنده خمسة أيام قال أرض الحجام من عبدك ولا تحنث بذلك، وليس هذا من ناحية ما حلفت عليه. قال وقال مالك فيمن حلف بالعتق لا ينقص سلعته من مائتين فباعها بمائتين ثم حط منها فى مجلسه بسؤال فقد حنث، ولو وضع له بعد يومين وثلاثة لم يحنث. قال فى العتبية ويحلف ما أراد إلا عقد البيع وما هذا الذى أردت ألا يضع ولا شىء عليه. ومن الكتابين ومن حلف ألا يقاطع مكاتبه إلا على كذا فقاطعه عليه ثم حطه فأكره بحدثانه. فأما بعد أيام فلا بأس به. قال ابن حبيب فى مسألة البيع إنه يحنث وضع عنه بقرب من عقد البيع أو ببعد إلا أن ينوى لا يضع عنه فى عقد البيع، وعليه مخرج يمينه ونيته فلا شىء عليه إن وضع بغير حداثة البيع وبعد التطاول وإذا صح ولم يتعاملا عليه، وإن لم تكن له نية حنث. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن باع بيعاً فسئل الوضيعة فحلف بالعتق إن فعل فقضاه جميع حقه، ثم سأله أن يهبه منه قال لا يهب له منه. [4/ 205]
من المجموعة ابن قاسم عن مالك فيمن حلف بالطلاق لا باع بمائتين حتى يزاد فيزيد كما طلب وقبض بعض الثمن وقبض المبتاع السلعة ثم استوضعه، فأما بقرب البيع فلا ينبغى، وأما ما تطاول من ذلك فلا بأس به. ابن القاسم: وإن حلف لا باع سلعته إلا بمائة دينار فباعها بمائة وعشرين إلى اجل ، فإن كان لو بيع الدين بعرض نقداً سوى العرض مائة فأكثر فقد بر، وإن سوى أقل من مائة فقد حنث. قال ابن القاسم وابن نافع عن مالك فيمن حلف لا با إلا بكذا فباع بذلك إلى أجل، فقال يحنث إلا أن ينوى بدين أو بنقد، قال ابن نافع ويحلف. من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا أكرى من منزله إلا بثمانية دنانير، فأكرى نصفه بأربعة فلا يحنث، ولو أكرى نصفه بأقل من أربعة حنث. ابن القاسم عن مالك فيمن حلف فى طعام له لا يزيد فيه على ثلاثة أرادب ووبيتين بدينار فبعث إليه أخ له عشرين ديناراً ليعطيه بها فبعث إليه بثمانية عشر كما حلف وبعث إليه بدينارين حمص وجلبان أكثر من سعره يكون بدينار ما يسوى دينارين، قال قد حنث. ومن المجموعة ابن القاسم: وإن حلف لا باع إلا بثمانية عشر حبتين حبتين، فباع بتسعة عشر قيراطا قيراطاً، فإن كان يمينه على الزيادة لم يحنث وإن كانت يمينه على الدنانير ليأخذن ثمانية عشر حبتين حبتين حنث، وإن لم تكن له نية حنث. وروى ابن نافع عن مالك ورواه أشهب فى العتبية فيمن حلف لا باع جاريته بثلاثمائة دينار حتى يزيد فباعها بثلاث مائة ودينار وانتقد ثم سأله ابن عم [4/ 206]
فيمن حلف ألا يبيع سلعتيه إلا بعشرة فباع إحداهما بخمسة
له بعد تمام البيع أن يهبه خمسة عشر ديناراً عن غير شرط ولا موعد ففعل فوهبها ابن عمه للمشترى، فقال أخاف أن يحنث قد علم أنه إنما يعطيه إياها. وفى الباب الذى يلى هذا من معانى هذا الباب وفى باب من باع شيئا ثم أخذه رهنا. فيمن حلف ألا يبيع سلعتيهإلا بعشرة فباع إحداهما بخمسة أو كانت سلعة فباع نصفها أو باعها من أخرى معها من المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف لا باع سلعتيه إلا بعشرة فباع إحداهما بخمسة أو بأقل أو بأكثر، فإن باعها بأقل مما يقع عليها من حصة العشرة حنث، وإن كان بمثل ما يقع لها من العشرة فأكثر لم يحنث، إلا أن يبيع الثانية بأقل من تمام العشرة يوماً ما فينحث. وله أن يهب الثانية أو يصنع بها ما شاء. قال ابن حبيب: بعض الثمن الذى حلف عليه على الأكثر من قيمتها يوم باع أو يوم حلف فما وقع لها، فإن باعها بمثله فأكثر لم يحنث، ثم إن باع الثانية بما يصيبها مماحلف سقطت اليمين فاكثر أو بتمام العشرة، وإن كان أقل مما يصيبها فهو بار وإن باعها بأقل مما كان يصيبها من الثمن ولا تمام فيه لليمين والمحلوف عليه فقد حنث. وكذلك لو باعها بما يصيبها من الثمن ولا تمام فيه لليمين الذى حلف عليه لأنه باعها بأقل مما حلف عليه. ولو باع الأولى بأقل مما يصيبهاحنث، ثم لا ينتفع بما باع به الثانية وإن كثر. وكذلك قال لى أصبغ فى ذلك كله. ومن المجموعة قال أشهب: إن باع واحدة بعشرة ثم باع الثانية بخمسة، فإن كان هو الذى يصيبها من العشرة بالقيمة من السلعة الأخرى لم يحنث، وإذا أصابها خمسة فباعها بها فأكثر لم يحنث، وإن باعها بأربعة حنث، وإن باع الأولى بأقل مما يصيبها فقد حنث، باع الثانية بتمام العشرة أو بأكثر. وذكر ابن المواز فى كتابه مثل ذلك. وقال: وإنما بعض الثمن على قيمتها يوم حلف لا يوم حنث. [4/ 207]
قال سحنون فى المجموعة: ومن حلف لا باع سلعته بعشرين فباع نصفها بعشرة أو بأكثر، فإن باعه بثلاثة عشرة مما يعلم أنه باع النصف الثانى صح له أكثر من عشرين فلا شىء عليه، وإن كان غير ذلك فقد حنث. وكذلك لو أمر رجلاً يبيع سلعته بعشرين فباع نصفها بخمشة عشر أو بما لو أراد بيع النصف الباقى لم ينقص جميع الثمن من عشرين لم يكن متعدياً، وإن كان ينقص فه متعد. ومن مسائل محمد بن عبد الحكم فيمن حلف بحرية عبديه إن باعهما إلا بعشرين وقيمتها سواء، فباع واحدا باثنى عشر ثم باع الثانى بثمانية إنه يعتق الثانى ولا شىء عليه فى الأول لأنه كان منه على بر، وقع الحنث بعد أن خرج من ملكه بصحة. ولو باع الأول بأقل من عشرة نقض بيعه وعتق. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لا باع سلعته إلا بمائة فباعها مع أخرى بمائتين، فإن وقع لها من الثمن مائة يريد فأكثر فلا شىء عليه، وإن وقع لها أقل حنث. قال أصبغ وإن باع معها غيرها فباعهما بمائتين ثم أراد أن يضع من ثمن السلعة التى أضاف إليها شيئاً فإن وضع من ثمن هذه المضافة الذى هو عند أهل البصر شيئاً حنث. قال أبو محمد وفى الباب الذى هذا يليه من نظائر هذا الباب مسألة الحالف لا أكرى منزله إلا بكذا فأكرى نصفه بنصف ذلك. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف لا أكرى داره فى السنة إلا بعشرة فأكراها نصف سنة بخمسة فإن كانت سنة بعينها فإن كانت تتفاضل شهورها مثل دور مكة والمدينة تكرى الأشهر فى السنة فإن ما أكراها به مثل ما يقع لتلك الأشهر من حصتها مما حلف فأكثر لم يحنث، وإن كان أقل وباقى الشهور [4/ 208]
في الحالف بصدقة السلعة إن باعها بكذا فباعها به
انفق حنث، وإن كا نت من الدور التى لا تتباين أكرية الشهور فيها مثل دور القبائل لم يحنث إذا أكرى شهوراً مما يقع عليها من كذا السنة على التساوى تفاضلت الشهور فى الكراء أو لم تتفاضل. وروى أشهب عن مالك فيمن بيده منزلان بكراء فحلف ألا يزيدها فيهما على أربعة دراهم، فاستغنى عن أحدهما وأكرى الآخر باثنين ونصف، قال لا أدرى يكون أحدهما بدرهم من يقدر هذا ويحصيه. ومن كتاب ابن المواز ومن حلف ألا يكرى منزليه إلا بكذا وكذا، فأكرى أحدهما، فإن أكراه بما يقع عليه مما سمى فقد بر، وإن أكراه بأقل فقد حنث. فى الحالف بصدقة السلعة إن باعها بكذا فباعها به، أو بحرية العبد إن باعه أو لا أكل له ثمنا فباعه من الواضحة والعتبية قال أصبغ: ومن حلف بصدقة سلعته لا باعها إلا بكذا فباع بدونه حنث والسلعة قائمة فلا يرد البيع وليتصدق بثمنها، فإن حابى فيها فعليه الصدقة بالقيمة، وإن كان الحال بيده قراضاً لم يلزمه من الصدقة إلا بقدر ما ينويه من قيمتها إن كان فيه فضل. قال فى العتبية ومن تصدق بسلعة بينه وبين آخر لم تلزمه إلا فى نصيبه، وليس لشريكه أن يلزمه قيمة حصته. وفى البا الذى يليه مسألة الحالف بحرية عبديه إن باعهما إلا بكذا. ومن المجموعة قال سحنون فيمن قال لأمته أنت حرة إن أكلت لك ثمنا أبداً ولا نية له، فباعها فهى حرة ويرد الثمن إلى المبتاع، فإن كانت على ذلك بينة [4/ 209]
في الحالف ليبيعنه عبده أو غيره أو لا يبيعه فيبيعه بيعا فاسدا
يفسخ البيع وعتقت، و‘ن لم تكن بينة فهى حرة ولا يحل له أكل الثمن ولا يحكم على المبتاع بفسخ البيع بقوله. وفى كتاب العتق تمام هذا المعنى. فى الحال ليبيعنه عبده أو غيره أو أن لا يبيعه فيبيعه بيعا فاسدا أو بيع خيار أو باعه ثم رد بعيب أو بدله بثمن معلوم لمن شاء من المجموعة روى أشهب وابن نافع عن مالك وقال فى الذى قال لعبده إن لم أبعك فأنت حر فباعه بيعاً حراما رد عليه أو بيعا صحيحا فرد بعيب، فإنه يؤثر ببيعة ثانية. قال أشهب بن عبد العزيز وإن ضرب لبيعه أجلا فرد بعيب فإن لم يعلم به لم يحنث إن مضى الأجل وإن رد عليه ولم يمض الأجل فعليه أن يبيعه ثانية ويبين العيب فإن لم يفعل حتى مضى الأجل حنث. وإن باع عالما بالعيب فرد عليه بعد الأجل فقد حنث، وقال عبد الملك لا يحنث لأن لضمان على المبتاع، ولو شاء تماسك به. وكذلك من باع أمة وعنده أختها ودلس فيها بعيب ثم وطىء الباقية ثم ردت المبيعة فليس على وطء أختها التى وطئها بعد دخول المعيبة فى ضمان المبتاع، وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون إلا أنه قال: إذا ردها بعيب بعد الأجل وقد فاتت بحوالة سوق أو لم تفت كان عالما بالعيب حين باعه أو غير عالم فلا حنث عليه والرد كبيع. وذكر مسألة الأختين فذكر مثله، وقال إن ردت بفساد بيع فكأنه لم يبع يمسك عن وطئها حتى يحرم فرج إحداهما، ولو كان لم يطأ الثانية مضى على وطء الأولى ولو ردت بعيب، ولم يطأ الثانية وطىء أيتهما شاء. [4/ 210]
قال ابن حبيب قل مطرف وابن الماجشون: ومن حلف بحرية عبده ليبيعنه إلى أجل فباعه بيعا فاسدا وفسخ بعد الأجل فقد حنث، إلا أن يكون تغير بيد المبتاع قبل الأجل فى سوق أو بدن بزيادة أو نقص حتى تلزمه قيمته قبل الأجل، وإن لم يقض بذلك إلا بعد الأجل فقد سلم من الحنث. وإن لم يفت إلا بعد الأجل حنث لأنه يوم لزمه لزم فيه البيع بالقيمة، وقاله أصبغ. قال وكان ابن القاسم يساوى فى ذلك بين البيع الفاسد وبين الرد بالعيب ويحنثه فى الوجهين، واختار أصبغ قول ابن الماجشون ومطرف. قال ابن القاسم فى المجموعة فيمن حلف بعتق عبده إن كلم فلانا فباعه ثم كلمه ثم ردً عليه العبد بعيب إنه يحنث، وإن أعطى للمبتاع قيمة العبد حنث، وإن رضى المشترى بعيبه لم يحنث. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بحرية عبده إن باعه فباعه بيعاً حراما فإنه يعتق ويرد الثمن، وإن حلف ليبيعنه فباعه بيعا فاسدا فرد عليه فلا يبر واليمين عليه حتى يبيعه. ولو حلف لا يبيعه فباعه بالخيار فليس ببيع حتى يمضيه. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية لا يحنث حتى يتم البيع. قال ابن أبى مطر: إن كان الخيار للمشترى وحده فقد حنث. ومن حلف لا باع غلامه ثم نسى فقال من جاءنى فيه بعشرة فهو له فلا شىء عليه إلا أن يأتيه أحد بعشرة فيلزمه البيع ويحنث. وإنما يلزمه البيع من قال هذا لمن جاءه فيما قرب مثل شهر أو شهرين. قال محمد وأحب إلى أن لا يلزمه إلا فى مثل الشهر فأقل. ومن المجموعة قال المغيرة فيمن حلف بالطلاق ليبيعنه نصف ماله بنصف مال صاحبه وحلف الآخر بمثل هذا حرام. فإن حلف على ذلك وهما [4/ 211]
لا يعلمان أنه حرام ولا يريدان إن كان حراماً أن يجيزاه فلا حنث عليهما بعد أن يحلفا ما علمناه حراماً ولا أراد إن كان حراما إجازته. وإن حلفا ليفعلانه كان حراما أو حلالا وعلما بحرامه فحلفا على ذلك فعلى كل واحد منهما الحنث، فعلاه أو لم لا يفعلاه، لأنه مردود أبدا. ومن كتاب العتبى من هذا الباب فيمن حلف ألا يبيع عبده أو صوره فغصبه منه غاصب فأخذ منه قيمته أو أكرهه على بيعه أو أسر فلم يعده من المغنم أوحلف لا وهبه فباعه، أو لا يبيعه فوهبه أو لا وهبه فتصدق به. من المجموعة قال ابن القاسم وهو فى كتاب ابن المواز والعتبية من سماع عيسى بن دينار، ومن كتاب ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: ومن حلف لا يبيع عبده فاغتصبه منه غاصب فنقدت قيمته عنده فأخذ منه قيمته، فإن نقص بأمر من الله تعالى فقد حنث إذا كان مخيراً فى أخذهفاختياره لأخذ القيمه بيع. قال ابن المواز: وكذلك إن أصابه ذلك بجناية الغاصب أو بجناية أجنبى. وقال أبو محمد: وهذا الذى قال ابن المواز على أصل أشهب وسحنون لا على أصل ابن القاسم فى جناية الغاصب. قال ابن القاسم فى هذه الكتب ولو أصابه غيره فأخذ له إن شاء أو لم يأخذ فأسلمه كان حانثا إذا رضى بالقيمة من غاصبه. ولو أخذ عبدهفأخذ ما أخذ الغاصب من جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شىء. قال فى كتاب ابن حبيب: وكذلك لو مات فأخذ قيمته من الغاصب. قال ابن المواز: ولو كان ثوبا فأخذه مع ما نقص اللباس منه لم يحنث، وقاله أصبغ. قال ابن حبيب: ومن حلف فى ثوبه لا يبيعه فغصبه منه غاصب فأخذ من الغاصب قيمةً أو عوضاً، فإن كان ذلك والثوب قائم فقد حنث، وإن كان بعد [4/ 212]
أن فات فوتاً بيناً فلا شىء عليه، قاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ، ورواه أصبغ عن ابن القاسم. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا باع سلعته فغصبها منه غاصب ففاتتت عنده، فإن فات بنماء أو نقصان يسير فأخذ منه قيمتها حنث، وإن فاتت بنقص فاحش مثل الثلث فأكثر فلا يحنث بأخذ قيمتها ولا يأخذ سلعة مثلها. وقال فيمن غصب له سرح فأخذ فيه سلعة أخرى فإن لم يفت حنث، وإن فات لم يحنث. ومن المجموعة وقال ابن نافع عن مالك فى عبد طلبه من ربه سلطان فحلف لا باعه ولا أكل له ثمناً، فلم يزل يكرهه حتى أخذه منه كارهاً وصاح به فيمن يريد فأخذه منه بأربعمائة دينار، فأحضر بينة وكتب الشراء على إخوته ودفع المال إليهم وربه يتظلم ويأبى. ثم إنه بعد ذلك أخذ المال من إخوته، هل له أن ينتفع به؟ قال أرجو ألا يكون عليه من ذلك شىء. قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف لا باع عبده فوهبه لبعض قرابته، فإن نوى لا يفارقه ولا يملكه غيره فقد حنث، وكذلك فى الصدقة؛ وإن أراد ألا يأخذ له ثمنا فلا شىء عليه. قل ابن القاسم فى امرأة حلفت فى عنز لها ألا تبيعها ولا تهبها، فتصدقت بها على ولدها. قال الصدقة من وجه الهبة ويحنث فيها. وأما إن حلف لا باع عبده بعتقه، فوهبه أو لا وهبه فباعه فإن أراد لا يملكه غيره حنث، وينقض البيع والهبة ويعتق إن قامت بينة أنه كان مقرا بما ذكر من نيته قبل أن يتصدق به أو يبيعه، وإن لم تكن على ذلك بينة فلا يصدق بعد البيع والصدقة، ويتهم أن يكون نادماً. [4/ 213]
في الحالف ليتزوجن على امرأته فتزوج نكاحا فاسدا
وإن حلف بعتفه لا باعه فوهبه فإن نوى لا يأكل له ثمنا فلا شىء عليه، وإن أراد لا يملكه أحد حنث. قال محمد بن عبد الحكم فين حلف ألا يبيع عبده فأسر العبد ثم غنمه المسلمون فاشتراه رجل من المغنم، ثم جاء سيد فاختار تركه فلا حنث عليه. ولو حلف ليبيعنه فلم يعده ممن ابتاعه من المغنم وسلمه له قال يحنث. فى الحالف ليتزوجن على امرأته فتزوج نكاحاً فاسداً أو من طلق بعد يمينه أو من لا يشبه أن يتزوجها من المجموعة روى ابن نافع عن مالك فيمن حلف بالظهار فى امرأته إن لم يدخلوها عليه هذا الشهر ليتزوجن عليها قبل أن يبتنى بها، فمضى الشهر ولم يدخل، فإنه إن بنى بها قبل ينطح لزمه الظهار، ةإن نكح قبل أن يبنى فقد بر، وإن بنى وكفر فهو أحب إلى، إذ لأنه ينكح لمن لا ينكح مثله مثلها فلا ينفعه، وقاله المغيرة فلا ينفعه حتى يتزوج امرأة تشبهه وتشبه زوجته، لأن ذلك أغيظ لها قال ابن المواز: وقد سهل فيها ابن القاسم. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف ليتزوجن من أهل مصر فتزوج نصرانية أو ذمية فلا يبر حتى يتزوج نكاح مثله. قال وإن حلف بطلاق امرأته لينكحن عليها اليوم فنكح نكاحا فاسداً فإنه حانث، كالحالف بحرية أمته ليبيعنها فألفاها حاملاً أنها حرة، ورواه ابن وهب. قال سحنون وابن المواز: لا شىء عليه فى الأمة كمسألة الحمامات التى حلف ليذبحنها، فإذا هى قدة ماتت. ومن المجموعة، وهى رواية عيسى من كتاب ابن سحنون، قال ابن القاسم: وإن حلف لإحدى امرأتيه ليتزوجن عليها فطلق ضرتها ثم تزوجها، فإن كان طلاقاً بائنا أو خلعا فذلك له، إلا أن يكون إنما صالحها على أن يبر يمينه بتزويجها، وعملا على ذلك فلا يبر بذلك. ألا تراه لو قال لواحدة إن تزوجت عليك فأنت [4/ 214]
فيمن حلف ليبيعن شيئا فباعه ثم أخذه رهنا بالثمن
طالق فطلق ضرتها ثم تزوجها عليها أنه يحنث. وقال ابن الماجشون وغيره لا يجزئه ذلك حتى يتزوج غير التى كانت تحته يوم حلف، لأنه أراد أن يغيظها بتزويج يحدثه غير ما عرفت، ولا يشبه الذى حلف ألا يتزوج عليها لأنا نحنثه. وقال سحنون فى كتاب ابنه: أما إن كان الطلاق ثلاثاً فذلك يبرئه، وأما الخلع فلا لأنها تعود إليه على بقية الملك الأول. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال أنت طالق لأتزوجن عليك، فتزوج أخته جاهلا بها وبنى بها فلا يخرجه ذلك من يمينه. ولو حلف ليشترين عبداً فاشترى أباه لم يبر. قال عنه يحيى بن يحيى فيمن له امرأتان فحلف لواحدة بطلاق الأخرى ليتزوجن عليها، وحلف للأخرى بطلاق هذه أن لا يتزوج عليها، فتزوج أخته من الرضاعة ولم يعلم وبنى بها. قال يفسخ نكاحها ولا يبر فى يمينه ليتزوجن على فلانة، ويحنث فى التى حلف لا تزوج عليها، وكذلك لا يبر فى التى حلف أن يتزوج عليها إن تزوج معتدة ولا بنكاح تحليل ولا بعقد غير صحيح ووطء فى حيض ولكن بعقد صحيح ومسيس صحيح. فيمن حلف ليبيعن شيئاً فباعه ثم أخذه رهنا بالثمن أو باعه ثم أقال منه أو اشتراه أوحلف بعد البيع لا ملكه فوضع من الثمن لعيب ظهر فيه من العتبية من سماع ابن القاسم: وعن عبد بين أخوين حلف أحدهما بالطلاق ليبيعن نصيبه منه أو يقاوى فيه أخاه، أو يبيعه منه فابتاعه منه أخوه بدين [4/ 215]
مؤجل على أن يأخذه رهنا يكون بيد رجل، فقال لا يفعل كأنه فى يديه بعد. قيل قد نزل، قال ارتجع العبد من غيره ولا شىء عليك. وكذلك فى كتاب ابن المواز. وقال ابن القاسم فى العتبية إذا صح البيع وسلم من الدلسة فقد برى، ارتهنه أو لم يرتهنه، وغيره من البيوع أحب إلى. وقال ابن القاسم فى المجموعة إنما أخاف أن يدخله البيع الفاسد كأنه شبهه بمن باع عبده على أن لا يدفعه إلا إلى أجل. ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا نقص فى سلعته من خمسين فباعها بها، ثم قال له رجل إن أقالك منها المبتاع أخذتها منك بأحد وخمسين، قال لا يفعل رب إقالة خير من نقصان. قال غيره عن مالك هو حانث إذا أقاله لأنه وضع عنه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لرجل بعنى جاريتك بمائة دينار، فقال له يمينك فى يمينى لتأخذها بمائة، فقال نعم، فحلف ربها بالطلاق ليبعنها بمائة قائمة، فغاب عنه المبتاع أربعة أيام ثم جاءه فقال خذ منى المائة ثم أقلنى، وسأله فى ذلك رجلان وقالا وهو يكسوها بدينارين، فقال إن لم يدخل على وعليه مكروه فعلت، فدفعا إليه الدينارين وذهبا، ثم رجعا مع المبتاع فدفع المائة إلى البائع. فقبضها بيده ثم سئل الإقالة فردها إليه مكانه، ثم وجد بعد أيام الدينارين فاحشى النقض فأعلم أحد الرجلين فقال هما على وزن المال الذى قضت ورددت قال ابن القاسم لا حنث عليه، ولو باعها منه بأقل من المائة أو بتسعين لأنه لم يقل لا نقصتك من مائة، وإنما يحنث لو لم يبعها منه ويمكنه منها حتى زاده على المائة، وإنما الحنث على المشترى. [4/ 216]
فيمن حلف ألا يبيع عبده فرهنه أو آجره أو أصدقه امرأته
ومن كتاب ابن المواز ومن باع عبده ثم حلف أن لا يملكه أبدا فقيم عليه فيه بعيب فقال للمبتاع لا ترده على وبعه فما نقصت فعلى فلا يحنث. ومن حلف ليبيعن غلامه وأجل أجلاً فباعه ثم ابتاعه قبل الأجل فبقى عنده حتى جاز الأجل فلا شىء عليه. فيمن حلف ألا يبيع عبده فرهنه أو آجره أو أصدقه امرأته من الواضحة ومن حلف ألا يبيع ثوبه فرهنه فيما يستغرقه أو فيما لا يستغرقه ولا وفاء له بافتكاكه فهو حانث ساعة رهنه، وإن كان معه مما يفتكه به اتنظرته فإن أفتكه بر وإن علق حنث. ومن كتاب ابن المواز قال إذا رهنه فيما يغترق ثمنه حنث، وإن كان ثمنه أضعاف ما رهنه فيه لم يحنث، افتكه أو لم يفتكه. وهو قول مالك إن شاء الله، والحمالة كذلك. ومن حلف بحرية أمته ليبيعنها فلا يمهرها امرأته وليبيعها. ومن المجموعة عن ابن القاسم فى مكارى حلف لا يبيع دابته فأعطاها لرجل يركبها بعلفها فلا شىء عليه، فإن خشى أمراً فليرتجع دابته. وروى فى العتبية عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف ألا يبيع عبده فرهنه فباعه السلطان حين لم يكن له مال غيره فلا يحنث، وإن اشتراه بعد ذلك فلا شىء عليه. باب مسائل مختلفة من اليمين على بيع السلعة: من العتبية والمجموعة قال ابن نافع وأشهب عن مالك فى رجل مع أخيه فى منزل فحلف فى شاة له ليبعنها وليخرجنها عن أخيه، فباعها فتداولتها أملاك [4/ 217]
فأراد البائع الأول أن يشتريها ويردها، قال لا يشتريها وأخاف إن فعل أن لا يكون أخوه خرج من يمينه. ومن المجموعة قال ابن الماجشون فيمن حلف فى أمة له بعتقها ليبيعنها إلا ألا يجد لها ثمنا أو تكون حاملاً وقد أصابها، قال فلا يصيبها حتى يبيعها، لأنه ربما منع البيع مصابها، فإن أصابها بعد ما حلف فانظر، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الآخر علمنا أنه لم تعتق، وإن أتت به بستة أشهر صار فى شك إذ لعلها قد عتقت فلا تقيم على شك. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا حلف ليبيعنها بثمن سماه إلا ألا يجد من يأخذها به فليرضها، فإن وجد من يأخذها بذلك فلم يبعها عتقت، وما لم يجد فلا يحنث، ولا يمنع من وطئها، فإن حملت عتقت لامتناع البيع. فإن لم تحمل فليعرضها أبداً بذلك الثمن حتى يجد من يأخذها به، وقال أصبغ، ورواه عن ابن القاسم. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف فى أمة بحريتها إن لم يبعها بعشرين ديناراً إن وجد وإن لم يبعها بوضيعة عشرة من رأس ماله إن وجد من يشتريها، فعرضها فلم يجد من يأخذها بذلك، قال لا يحال بينه وبين وطئها، وليعرضها أبداً ما عاش، فإن لم يجد من يأخذها بذلك حتى مات فلا حنث عليه، وإن وطئها فحملت عتقت عليه ساعة حملت. وكذلك روى عنه أبو زيد فى الحالف ليبيعنها ولو بوضيعة عشرة فلم يجد إلا بوضيعة خمسة عشر قال يتعرض بها البيع أبداً وله الوطء ولا تعتق إن مات قبل البيع فى ثلث ولا غيره. ومن المجموعة قال غير ابن القاسم فيمن حلف لا يبيع من فلان شيئاً أبداً، ثم بلغه بعد مدة أنه طلب سلعة عنده، فقال قد بعتها منه بعشرة وقد نسى يمينه، ثم [4/ 218]
ذكر قبل يعلم الرجل. قال ما أراه إلا قد حنث. كمن حلف لا وهب لفلان فوهب له وهو غائب فإنه يحنث، قبله الموهوب له أو رده. وذكر ابن المواز هذه المسألة كما هى ها هنا ثم قال ابن المواز: وهذا فى الهبة لغير ثواب، فأما فى البيع أو هبة الثواب فأحب إلى أن لا يحنث حتى يرضى المبتاع. قال ابن سحنون فيمن حلف لا باع أمته باطرابلس أو فى حواضرها فركب بها البحر فباعها فيه بحيال أعمال اطرابلس، أو كلم هناك من حلف ألا يكلمه ما دام باطرابلس. قال سحنون لا يبيعها فى البحر فى جوار اطرابلس إذا سافر من اطرابلس إلى مصر. وهذا من مشتبهات الأمور، وما أراه بعيداً من الحنث. أرأيت من أمن من الحربيين فباع باطرابلس ثم ركب وهو قريب من الساحل أيحل وقد بلغ مأمنه، فعليك بالاحتياط. قال عبد الملك فيمن أمر من يبتاع له وصيفاً صفته كذا، فإن ابتعته لى فعبدى فلان حر، فإن لم تجده فابتع لى وصيفة فلم يجده فابتاع له الوصيفة، ثم وجد الوصيف الذى كان أمره به فابتاعه، فإنه لا يعتق لأنه لما ابتاع الوصيفة بطل أمره فى الوصيف، وهو متعد فى شرائه له فإن قبله فكأنه ولى شراءه بنفسه، ثم رجع فقال هو كمن قال لرجل ابتع لى غلاماً بمائةفإذا ابتعته فعبدى حر فابتاعه بمائة ودينار، فأجاز ذلك المتعدى عليه فهو حانث. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عمن حلف فى رقيق لابنه أن لا يبتاعهم بثمن سماه، فهل لأبى الحالف بيعهم؟ قال إن لم يكن الحالف سفيهاً فلا أرى له بيعهم.219/ 4 [4/ 219]
فيمن حلف ألا يضع من الثمن فأقال أو أخره أو حلف ألا ينظره فوضع وتعجل
فيمن حلف ألا يضع من الثمن فأقال أو أخره أو حلف ألا ينظره فوضع وتعجل أو ألا يعير أو ألا يحط فوهب أو أن لا يسلف فأخر أو ألا يصالح خصمه فأعطاه دعواه من المجموعة عن ابن القاسم قال مالك: من باع جارية كان حلف ألا يضع من ثمنها شيئاً هل يقيله؟ قال لا رب إقالة خير من وضيعة. قال عنه غيره ولو حلف بعد البيع ثم أقاله لحنث. قال ابن القاسم ووجه قوله إذا كانت السلعة قيمتها يومئذ أقل من الثمن، فأما مثل الثمن فأكثر فلا يحنث، وهو كعرض أخذه فى الثمن. ومن العتبية زكذلك روى أصبغ عن ابن القاسم، وقال أصبغ كمن حلف ليوفينه طعاما من بيع فأقاله منه، فإن لم يكن فى الثمن وفاء به لو اشترى حنث. قال عنه عيسى ومن حلف ألا يعير فلاناً ثوباً فوهبه فإن أراد ألا ينفعه حنث، وإن لم يرد المنفعة فلا شىء عليه. ومن باع سلعته فردت عليه بعيب فسأل المبتاع أن يصبر عليه بالثمن وقد كان حلف أن لا يسلف أحداًفصبر عليه، قال ابن القاسم فهو حانث. ومن المجموعة قال أشهب عن مالك فى وصى باع شيئاً من التركة وحلف بالطلاق أن لا يضع شيئا من الثمن، فسأله المبتاع أن ينظره فسأل فأفتى أن لا شىء عليه فأنظره، فليحلف ما أراد الإنظار وما نوى إلا الوضيعة ولا شىء عليه. قال عنه ابن نافع فى المبتاع يسأل البائع حطاط ثلاثة دنانير فيحلف لا حطه إلا أقل من دينارين ونصف، فتبرع أخو الحالف بغرم ما بقى، فإن لم يكن من مال الحالف فلا شىء عليه. [4/ 220]
قال مالك فيمن حلف ألا يضع من دينه فأخر به، قال رب نظرة خير من وضيعة، تكون للعشرة أحد عشر. قيل فما حده؟ قال قدر ما يتقاضاه اليوم واليومين. قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف ألا ياخذ أقل من مائة دينار فى دين وجب له، فأخذ خمسين وأخر الخمسين، فلم ير أن يؤخره شىء، وكذلك البيع. قال ابن القاسم وابن نافع عن مالك وإن حلف أن لا يضع من ثمن سلعة فقضاه تاما ثم سأله المبتاع أن يهب له ما شاء، قال إن كانت يمين غليظة فلا يفعل، وإن كانت تكفر فأحب إلى أن يفعل ويكفر. وكذلك هى فى العتبية من سماع ابن القاسم قال وإذا حلف البائع أن لا يقبل ولا يضع وقد باع ثمراً فوجد فيه المبتاع ما كرهه، فقال خذ منى دينارا ورده، فقال لا يفعل إلا بقضية فيكون ذلك مخرجاً. قال اشهب وإذا حلف لا أنظره بدينه فأحاله به فقبل فلا يخرجه من يمينه. وقال غيره من حلف ألا ينظر غريمه أو لا يقبه فوضع عنه فلا حنث عليه. قال سحنون إن كان كره رجوع السلعة استثقالاً لها ونحوه فلا شىء عليه، وإن حلف على الاغتباط بالثمن خفت عليه الحنث. قال ابن حبيب: من حلف لا أنظره فوضع لم يحنث، وإن حلف لا وضع فأنظر حنث، قاله مالك، إلا أن يؤخره اليوم واليومين على التقاضى فلا شىء عليه. وإن حلف لا أقال فوضع لم يحنث، وإن حلف لا وضع فأقال فإن كانت تسوى الثمن وإلا حنث إن لم تسو. [4/ 221]
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا تسلف من رجل شيئاً، وكان عليه دين لرجل فسأله أن يؤخره ففعل فقد حنث، وإن حلف لا أسلف أحداً فأخره غريمه بدينه حنث. ومن المجموعة قال المغيرة: إذا سأله النظرة أو الوضيعة فقال إذا أنظرتك وحلف ألا يضع له، لم يحنث إن أخره ها هنا لأنه بدل له ذلك. قال أشهب ومن حلف لا باع سلعته إلا بعشرين فباعها بها وقبض ثم أقال منها فلا يبيعها بأقل من عشرين ثانية. قال ابن نافع عن مالك وإذا حلف ألا يضع من الثمن شئياً وقد سأله فى وضيعته شيئاً فرضى إن وضع له دونه فلم يقبل، قال قد حنث. وقد تقدم من معانى هذا الباب فى غيره قبله. قال ابن القاسم عن مالك فى العتبية فى البائع يحلف ألا يضع من ثمن السلعة فقام فيها المبتاع بعيب فوضع له السلطان من الثمن فلا يحنث الحالف بذلك. وبقية تمام معانى هذا الباب فى الباب الذى يليه. ومن كتاب ابن سحنون وغيره عيسى عن ابن القاسم فيمن تخاصم مع رجل فى أرض ثم حلف أحدهما ألا يصالح خصمه، فلما طال ذلك أعطى الحالف للآخر من الأرض كل ما ادعى فلا حنث عليه. وإن أعطاه بعض ما ادعى فهو حانث إلا أن يكون نوى ألا يسلم إليه من ذلك فهو حانث بكل حال. قال سحنون يحنث وإن أعطاه كل شىء لأنه يحنث بالبعض فكيف بالكل. [4/ 222]
فيمن حلف لا يقيل أو قال ولا أستقيل من سلعة باعها أو ابتاعها
فيمن حلف لا يقبل أو قال ولا أستقيل من سلعة باعها أو ابتاعها ثم اشتراها أو باعها أو حلف على الشراء أو البيع فأقال قال أبو محمد وهذا الباب كله فى الواضحة كله عن أصبغ، وهو فى المجموعة إلا أنه كنى عن اسمه فقال: وقال غيره فيمن ابتاع سلعة وحلف ألا يقيل بائعها، فإن باعها منه بأكثر من الثمن لم يحنث إلا أن يريد حرمانها له، وإن باعها منه بأقل من الثمن بكل حال، لأن ذلك خير من الإقالة للبائع. ولو حلف ألا يستقيل بائعها فباعها منه بأقل من الثمن أو أكثر فهو حانث، إلا أن يحلف على الأنفة من الاستقالة فلا يحنث إن باعها منه بيعاً ظاهراً بزيادة أو نقصان. وأما إذا حلف البائع ألا يقبل منها المبتاع فابتاعها منه بأقل من الثمن لم يحنث إلا أن يريد ألا ترجع إليه، وإن كان باعها بأكثر من الثمن حنث، لأنه أعطاه أكثر مما حلف عليه، والزيادة والنقصان فى المسألتين فيما يبرئه إنما هو فى الأمر البين الظاهر الذى يكون بيعا مفارقاً للإقالة وما قاربها، فإن حلف البائع أن لا يستقيل منها فاشتراها بأكثر أو بأقل حنث. وقوله لا أقيل بخلاف قوله لا أستقيل، إلا أن يحلف على منفعة المبتاع فتركها فى يديه وكان على الأنفة من الاستقالة، قال يحنث إن اشتراها شراء ظاهرا بالزيادة والنقصان على ما يحدث فيها من تغير السوق كغيرها. وإذا ابتاع سلعة فحلف ألا يبيعها من بائعها فأقاله فيها فقد حنث. ولو أن بائعها حلف أن لا يشتريها من مبتاعها فاستقاله فيها فهو حانث. وإن حلف لا نقص فى سلعته من كذا فباعها به ثم أقال منها فلا يحنث إلا أنه إن كان بحضرة البيع فاليمين عليه بحالها، وإن لم يقله بحضرة البيع وكان بيعا صحيحا لا مدالسة فقد خرج من يمينه، ثم يبيعها بعد بما شاء. [4/ 223]
فيمن حلف ألا يبايع فلانا فبايعه وكيله أو من هو لسببه
ومن العتبية قال محمد ابن خالد عن ابن القاسم قال: ولإذا حلف لا أقاله مبتاعه ولا وضع عنه فقضى السلطان عليه بردها فلا حنث عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع بعيراً ثم استقال منه فقال المبتاع هو بدنة إن أقتلتك، فقال البائع هو لأمرأتى فأقاله، قال مالك إن كان بقضيه لم يحنث، وإن أطال حنث. قال أبو محمد أراه يريد قضى أنه للمرأة فليشتر بدنة ويهديها. قال ابن المواز هذا إن فات، وإن لم يفت فليهده بعينه ألا أن تقوم للمرأة بينة. فيمن حلف ألا يبايع فلانا فبايع وكيله أو من هو لسببه أو حلف لا باع له فباع لمن ذكرناه من المجموعة ذكر قول ابن القاسم فى الحالف لا باع من فلان فباع من وكيله ولم يعلم أنه إن كان من سببه أو ناحيته حنث. وكذلك إن قال لا بعت له فباع لمن هو سببه ثوباً له ولم يعلم. وقال أشهب إنما يحنث إذا علم أنه من سبب المحلوف عليه فى الوجهين. قال ابن حبيب قوله من ناحيته هو وكيله يدير أمره أو أب أو أخ ممن يلى أمره، فأما الصديق والجار والجلساء فلا. وإذا كان ممن ذكرنا أنه من ناحيته فلا يبالى علم به الحالف أو لم يعلم فإنه يحنث. فإن كان خليطا أو جاراً أو صديقاً فلا يحنث علم به أو لم يعلم حتى يعلم أنه إنما يبتاعه له، إلا الخليط المعامل القائم ببعض أموره فهو يحنث، وهو كمن هو سببه، وقاله مالك فى ذلك كله. [4/ 224]
ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك فى دار بين رجلين حلف أحدهما لا باع نصيبه من شريكه، فباع من أجنبى فأخذه الشريك بالشفعة، قال لا شىء عليه وإن كانت نيته على الخروج او لا نية له فقد حنث. ومن المجموعة قال مالك: ومن حلف لا أشترى من فلان فلا يشترى من عنده ولا يشترى الحالف من المشترى منه. قال ابن القاسم إن استشركه بحضرة البيع حنث لأن عهدته على البائع الأول، وإن كان بعد أن بان عنه وتباعد لم يحنث، ولو شرط ها هنا عهدته على البائع لم يجز. قال فى كتاب ابن المواز: ولو باع منه بحضرة البيع فالعهدة على البائع الثانى، إلا أن يشترط على الأول فيلزم، ولو تفاوت البيع لم يلزم الشرط والعهدة على الثانى. قال ابن القاسم عن مالك: ومن حلف لا يشترى لامرأته ثوباً فاشترى لنفسه ثم ولاها فكره ذلك. قال ابن القاسم وإن صح ذلك منها لم يحنث، ولاها أو ربح عليها، وإن عملا على الدلسة فى يمينه حنث. وقال فى العتبية استثقل مالك أن يوليها قال ابن القاسم فإن فعل لم يحنث إلا أن يكون عند مواجبة البيع وحضور البائع الأول لأن عهدتها حينئذ على البائع الأول وقاله مالك. ومن المجموعة وقال عن مالك فى امراة أنفقت فى دار زوجها نفقة فحلف بالطلاق لا أسكنها بتلك النفقة إلا أن يقضى عليه، ثم حلف ثانية لا أسكنها وليخرجنها، فأراد رجل أن يكترى منه الدار ويسكنها، قال لا أحب ذلك، ولو أكراها رجل على الصحة من غير قصد لهذا جاز، فأما وهما عالمان حتى يقاربه ويكون منه ما يحلل يمينه فلا. ولو خرجت وتركت متاعها لحنث. [4/ 225]
ومنه ومن العتبية عن ابن القاسم وأشهب وابن وهب وعمن حلف لا يبيع من فلان أبدا ثوبا لنفسه ينوى قطع نفعه وإن فارقه وينوى أن يبيع منه ما يشتريه لغيره، فباع منه ابن الحالف ثوبا وهو فى حجره، فإن كان لا ينفذ له بيع ولا شراء إلا بأبيه فهو حانث إن أجاز بيعه، وإن كان هو يلى البيع والشراء وربما استشار آباه فلا شىء عليه، وقاله أشهب. قال فى المجموعة: وإن ابتاع منه مقارض للحالف لم يحنث، وإن أدرك المبتاع لم يفت فليس له رده ولا يحنث. ولو باع منه شريكه مفاوضةً يحنث، وإن كان غير مفاوض فإن أجاز البيع حنث وإن رده لم يحنث. وإن حلف لا باع من فلان لأنه مطله فلا يبيع من مقارضه وهو كوكيله. قال ابن نافع عن مالك وإن حلف لا أكرى أرضه العام من فلان فوجد وكيلاً له قد أكراها منه فرد ذلك، فهل يكريها من أخ له؟ قال أما من رجل يريد أن يدخله فيها أو من أجله أو هو شريك له فى المال فلا، ولكن إن خاصموه حتى يقضى عليه. قال ابن القاسم وأشهب: وإن حلف لا كفل له فكفل لوكيله عن رجل، فإن لم يعلم ولم يكن المتكفل له من سبب المحلوف عليه لم يحنثن وإن كان من سببه حنث. قال ابن المواز قال أشهب إن لم يعلم أنه من ناحيته أو من وكلائه أو من حشمه أو من أعوانه أو من ينسب إليه لم يحنث، فإن علم بذلك حنث. قال ابن القاسم: ومن له قبل رجل دناينر فحلف لا أخذها دراهم فأحال بها رجلاً فأخذ بها دراهم فلا يحنث الحالف قال أشهب: ومن حلف لا عامل رجلاً فعامله مقارض للحالف لم يحنث، إلا أن يعلم فيقره، فإن كان المحلوف عليه مقارضاً فشاركه الحالف حنث. من العتبية أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف ألا يبيع من رجل ثوباً فكره أن يبيع من مقارضه. [4/ 226]
فيمن حلف ليبيعن أمته ممن يغربها أو يخرج بها
فيمن حلف ليبيعن أمته ممن يغربها أو يخرج بها أو ابتاعها وحلف ألا يجزيها البحر من كتاب ابن المواز ومن العتبية روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم فيمن قال لعبده أنت حر إن بعتك إلا ممن يجيزك البحر، فباعه ممن حلف له ليجيزنه البحر بحريته، ثم باعه المبتاع أو أبقى قبل أن يجيزه، قال يعتق على الأول. قال ابن المواز وقاله أصبغ ولو باعه المشترى ممن أجازه البحر لم ينتفع بذلك الأول وعتق عليه. قال عيسى عن ابن القاسم ولو حلف لا بعتك إلا ممن يحلف أن يجزيك البحر، وفى رواية أصبغ عنه فى كتاب ابن المواز: ولو حلف لا أبيعنك إلا ممن يحلف أن يجيزك البحر، قالا عنه لم يكن عليه شىء وعليه القيام على المبتاع حتى يجيزه. روى عنه محمد بن خالد فى العتبية قال إذا حلف ليبيعنها ممن يجيزها البحر فباعها بذلك الشرط فأولدها المبتاع وأعتقها فلا شىء على الحالف، ويسلك بها مسلك التى تباع على أن تتخذ أم ولد. من كتاب ابن المواز: وإن باعها بشرط ممن يجيزها البحر فوطئها المبتاع قبل يجزيها فحملت، فإنه يحنث البائع وتعتق عليه، ويرد على المشترى الثمن إذا أراد بيمينه تغريبها، وله قيمة الولد على المبتاع. وإن كان إنما أراد أن يشترط ذلك على مبتاعه فلا تعتق وترد إلى القيمة يوم باعها إن كانت أكثر حتى يتم البائع ما وضع للشرط. قال ابن المواز: لا شىء له فى قيمة الولد لأنها عتقت عليه وهى حامل. وكذلك من استحق أمة وهى حامل فأعتقها فلا شىء له من قيمة الولد. وكأم الولد تعترف بعد موت سيدها أو المكاتبة بعد الأداء، فقد عتق الولد بعتقها. قيل فإن أجازها البحر بعد أن حملت من أيخرج البائع بذلك من يمينه؟ قال ما أظن ذلك يخرجه من يمينه. [4/ 227]
فيمن حلف ليشترين عبد غيره أو حلف بعتقه
من كتاب ابن المواز والعتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا حلف ليبيعنه ممن يخرج به إلى الشام فباعه على ذلك فمات مبتاعه قبل يخرجه، فإن كانت نيته ليشترط ذلك فلا شىء عليه، وإن كانت نيته على الخروج أو لا نية له فقد حنث. قال أصبغ جيدة ومحمل نيته الإخراج حتى ينوى غيره. وفى المجموعة عن أشهب مثله. قال ابن المواز لم يبر ويفسخ البيع إلا أن يموت فيحنث البائع فتكون فيه القيمة. قال ابن حبيب فيمن باع أمته واستحلف المبتاع ألا يجيزها البحر فباعها المبتاع من رجل لا يدرى أن يجيزها البحر فأجازها فهو حانث، علم أن يجيزها أو جهل، حتى يأخذ عليه أن لا يفعل، كما أخذ عليه هو. وقاله أصبغ، وكذلك روى العتبى عن أصبغ. فيمن حلف ليشترين عبد غيره أو حلف بعتقه أو ألزمه نفسه بثمن وذكر ما يقضى به من عتق أو صدقة فى يمين أو فى غير يمين ومن الواضحة: ومن حلف بعتق عبد غيره فحنث لم يلزمه شىء، ولا إن ملكه يوماً، ولو رضى ربه أن يلزمه إياه بقيمته أو بثمن ما يلزمه حتى يقول هو حر من مالى بخمسين فيسمى ثمنا، فإن رضى ربه بذلك لزمه أخذه وعتق عليه. ولو قال له بعنى غلامك بقيمته وهو على حر فرضى ربه بذلك لازم للقائل بقيمته كبيع فاسد فات فيه. وكذلك لو قال هو حر فى مالى بقيمته فرضى ربه، وكذلك قال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره. قال أبو محمد ابن أبى زيد وهذا موعد فى كتاب العيوب. [4/ 228]
قال وإن قال لرجل إ بعتنى سلعتك فلم أشترها فهى صدقة، فرضى ربها ببيعها منه بالقيمة أو بأقل فلا يلزمه شىء حتى يقول فهى صدقة من مالى بكذا وكذا دينارا فيرضى له بما سمى فيلزمه بالقضاء، ولا يقضى عليه بصدقتها ويؤمر أمراً، بخلاف العتق. وفى العتق يجبر لحرمته فإنه يجبر عليه، خرج عن يمين أو غيرها، ولا يجبر فى الصدقة فى يمين حتى يكون تطوع بر فيقضى بها. وقالابن المواز أما على المساكين فلا يقضى فيه ويؤمر لأنهم مجهولون، وأما النفر بأعيانهم فيقضى لهم إذا قاموا به. وهذا له باب مفرد فى كتاب الهبة والصدقة. قال ابن حبيب: وإن قال إن بعتنى سلعتك ولم أشترها فثمنها صدقة فى المساكين، فهذا إن رضى أن يبيعها منه بثمنها الذى هو ثمنها فلم يقبلها فعليه أن يتصدق بقيمتها بالفتيا لا بالقضاء، وهو بخلاف قوله فهى صدقة، وقاله أصبغ. [4/ 229]
صفحة بيضاء
[الجزء الرابع من الأيمان والنذور]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الرابع من الأيمان والنذور فيمن حلف بحرية عبده ثم عاد إليه وما تعود فيه اليمين من ملك ثان من المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف بحرية عبده لا كلم رجلاً فباعه ثم كلمه. قال فى كتاب ابن المواز إن حلف لا أتزوج بحريته فباعه ثم تزوج، قال فى الكتابين ثم رد عليه بعيب إنه يحنث، وإن أدى إلى المبتاع قيمة العيب حنث، وإن رضى المشترى بعيبه لم يحنث. قال أبو محمد: وقد ذكرنا فى باب الحالف ليبيعن عبده فيمن حلف ليبيعنه إلى أجل فباعه بعيب دلس به ثم رد عليه بعد الأجل قول أشهب إنه حانث وقول ابن الماجشون إنه لا يحنث لأنه كان فى ضمان المبتاع، ورده كبيع ثان، وأصل أشهب أن الرد بالعيب نقض بيع فى الاشتراء. ومن الواضحة: ومن حلف بحرية عبده على شىء ألا يفعله، فباعه ثم رجع إليه بميراث، فلا شىء عليه إن فعله. وكذلك إذا كان بيعه أو ابتياعه لحادث يرتفع [4/ 231]
في الحنث هل يتكرر في اليمين الواحدة؟
فيه الثمن مثل أن يباع فى تفليس ثم يشتريه أو يوهب له فيقبله أو يبيعه طوعا ثم يفلس مبتاعه فيباع عليه فيشتريه الحالف فلا شىء عليه، كان قد باعه من هذا المفلس أو وهبه له. وكذلك لو باعه من رجل أو وهبه له ثم مات فباعه ورثته من الحالف أو وهبوه له فقبله فلا شىء عليه فى هذا كله من يمينه إن فعله، ولا تعود عليه اليمين فى هذا كله. كذلك فسر لى ابن الماجشون، وذكر له قئل مالك والمغيرة وابن دينار وابن أبى حازم ولم يكن فيه عند المصريين إلا مثل قول ابن القاسم. يعنى ابن حبيب ومن حكى عنه هذا القول أن اليمين ارتفع عنه لمثل هذه التهمة والمضايقة حتى إذا باعه هو ثم ابتاعه فإنه تعود عليه اليمين، وابن القاسم يخالف ذلك. وقال ابن حبيب وإنما تعود عليه اليمين فيما يتكرر فعله مثل اليمين، مثل يمينه ألا يزوج فلانا ولا يدخل من داره فيبيعه ثم يزوج فلانا ويدخل من داره ثم يشتريه فلا شىء عليه، باعه أو اشتراه على أى وجه. وهو قول مالك وأصحابه. وفى الباب الذى يلى هذا شىء من ذكر عودة إلى اليمين فى الملك الثانى. فى الحنث هل يتكرر فى اليمين الواحدة؟ وشىء من ذكر تكرير اليمين ومن عودته ومن حلف لا فعل كذا على شرط ففعله على غير شرط ومن كتاب ابن المواز قال محمد: ليس يبر أحد ولا يحنث إلا مرة واحدة، فإذا وجدت له برا بفعل فيبر به سقطت عن اليمين، إلا أن ينوى أن ذلك كلما. [4/ 232]
وكذلك فى يمينه فى خروج امرأته لا يحنث إلا مرة واحدة، إلا أن ينوى كلما خرجت. وكذلك إذا حنث مرة لم يحنث فى المستقبل. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بطلاق امرأته البتة لا خرجت إلى أهلها إلا بإذنه ليضربنها، فخرجت فضربها، فإن خرجت ثانية فلا شىء عليه إلا أن يكون نوى ذلك. ومنه ومن المجموعة ابن القاسم قال مالك وإذا حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار، فنام ليلة قبل أن يوتر، هل عليه إن نام ليلة أخرى شيئا قبل يوتر؟ قال ذلك إلى نيته، وما يريد أحد فى مثل هذا مرة واحدة إلا ينوى. قال فى كتاب ابن المواز: ومخرج يمين الناس فى هذا على التكرير والاستدامة إلا ينوى مرة واحدة، وقاله ابن القاسم وأصبغ. وأما الحالف لا خرجت امرأته إلا إلى ميت من أهلها، فمات منهم ميت فخرجت فليس من هذا. وهذا اليمين عليه أبداً أن لا تخرج إلا إلى ميت منهم. ومن المجموعة قال مالك: وإن قال إن بت عندك فأنت طالق واحدة، فبات عندها فلزمته طلقة، ثم بات عندها، قال لا شىء عليه إلا أن ينوى كلما بات. وقاله أشهب. وكذلك من حلف لا كلم فلاناً عشرة أيام، فكلمه فيها ثم كلمه فيها ثانية فلا شىء عليه، ولا يحنث إلا مرة واحدة. ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن حلف لا كلمتك ما دمت بمصر فسافر المحلوف عليه إلى الحج ثم رجع إلى مصر، فإن كلمه فلا شىء عليه. وكذلك إن قال لا دخلت عليك ما دمت فى هذا المنزل فانتقلت منه [4/ 233]
ثم عادت إليه فلا يحنث إن دخل إليها، لأن تلك الإدامة قد ذهبت بانتقالها وهو كأجل ضربه. قال فى كتاب ابن المواز: وقوله إن دخلت هذا البيت ما كانت فيه هو كقوله ما دمت فيه، ولكن هذا أثقل، وكأنه وقف ولم يعزم. وقال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف لا يشرب النبيذ اثنى عشر شهرا ما دام باطرابلس، فأقام بها أشهراً لا يشربه ثم خرج إلى سفر فأقام فيه أشهراً ثم عاد إلى اطرابلس قال بينى على الأشهر التى أقام باطرابلس بعد يمينه تمام سنة لا يشربه، وإلا حنث. قال ابن المواز: ومن حلف بالطلاق ثلاثا ليقضينه حقه، أو إن صالحت امرأتى أو طلقتها ثم ارتجعتها بعد الأجل ولم أقضه فهى طالق ثلاثا، فحل الأجل فلم يقضه فلا ينكحها إلا بعد زوج. وإن كان فى يمينه قال أنا طلقتها البتة ثم تزوجتها عند الأجل ولم أقضه فهى طالق فحنث فلا تحل له إلا بعد زوجين. قال محمد ولو صالحها قبل الأجل تزوجها بعد الأجل وحنث لحلت له بعد زوج واحد. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بالبتة لأقضينك حقك إلى سنة ثمحلف لآخر بالبتة ليقضين غلى أربع سنين، فحنث فى اليمين الأول ثم نكحها بعد زوج قبل الأربع سنين، قال حنثه فيها بالبتة أزال عنه كل يمين فيها. قال مالك فى الكتابين وإن حلف بالطلاق ثلاثا ليقضين حقه أول يوم من صفر وحلف لآخر لقضينك أول يوم من صفر أو فى اليوم الثانى، فإن هو لم يقضه ثم ارتجعها بنكاح بعد زوج فإنه أيضا يحنث فيها بالبتة، ولها نصف الصداق، فإن نكحت زوجاً ثانيا حلت بعده للأول وذلك بعد زوجين. قال مالك وهو كمن قال لأمراة طلقها يوم أراجعها فهى طالق البتة. [4/ 234]
ومن حلف بالطلاق ثلاثا ليقضينه حقه إلى ستة أشهر ثم عامل آخر وحلف له بالبتة ليوفين إلى سنة، فحنث فى الحق الأول ثم تزوجها بعد زوج قبل حلول الثانى، ثم حل الجل الثانى وهى عنده فهذا لا يمين عليه قد سقطت أيمانه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لامراته غن أمكنتنى من حلق رأسك فأنت طالق، فأمكنته فلم يحلق فإنها تطلق عليه، ثم إن أراد أن يلحق بعد ذلك فأمكنته فلا ينفعه، وقد حنث، يريد فى السؤال فلم أحلق. ومن سماع ابن القاسم: ومن قال لامرأته أنت طالق البتة أنت طالق البتة إذ أذنت لك إلى أهلك، ثم قال أردن إسماعها بتكرير اليمين ولم أقطع كلامى، قال مالك أظنها بانت منه وقد ألبس وإن فيه لإشكال. قال ابن القاسم يحلف أنه أراد أن يفهمها ويسمعها ولا شىء عليه. قال فى رواية عيسى: فإن لم ينو ذلك ويحلف فهو حانث، وإنما خاف مالك أن يكون نادماً يتدارك ما خرج منه. ومن سماع أشهب: ومن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال مثل ذلك بعد أيام ثم قال بعد أيام أخرى ثم كلمه فلينو، فإن نوى واحدة يكررها ليفهمهما ويهددهما فهى واحدة ويحلف. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق فى سلعة لا باعها من رجل، ثم حلف على آخر لا باعها منه، فباعها منهما فعليه طلقتان، وفى اليمين بالله كفارتان، بخلاف من كرر اليمين بالله فى أمر واحد. ولو سأله رجل بيعها فحلف بالطلاق لا باعها ثم سأله هو أو رجل آخر فحلف لا باعها، فهذا إن باعها لزمته طلقتان إلا أن يريد واحدة بخلاف الأول. قال أبو محمد عبد الله ابن أبو زيد رحمه الله لن تلك كفعلين. [4/ 235]
قال محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن حلف بطلاق امرأته غن بنى بها حتى يوفيها صداقها فطلقها قبل البناء واحدة وأخذت نصف الصداق، ثم تزوجها بأقل من الصداق الأول فما كان يرجع فى تزويجه على بقية طلاق الملك الأول فالحنث يرجع عليه، وإن كان بتها ثم تزوجها بعد زوج فلا شىء عليه. ومن سماع أشهب قال مالك فيمن أبق غلامه فحلف إن عاد ليضربنه، فعاد فلم يضربه، ثم عاد فضربه، قال أراه قد وقت وقتاً واحداً ذلك قد أخرجه من يمينه إذا ضربه ضرباً لا عذاب ولا دون. ومن الواضحة قال ابن الماجشون: وإن حلف ليكسون أمته جبة صوف فكساها إياها ثم ندم على يمينه، فإن نوى وقتاً أبقاها إليه، وإن لم ينو شيئا حمل على بساط يمينه، فإن كان عندما طلبت قميصا فلا يبر حتى يأتى وقت الكسية المؤتنفة ولا بد لها من لبس الجبة فيما تسد الجبة مسده من القميص فإن يمينه على الأدب، فإذا أسمعها بها وقامت عليها حتى يعلم ذلك فلا شىء عليه فى زوالها. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف لابنته إن استقيت من يبر فلان لأضربنك، فاستقت فضربها، ثم إن استقت بعد ذلك فلا شىء عليه. وفى باب من عليه يمين فأراد أن يحتال فيها بشىء من ذكر عودة اليمين. وكذلك فى باب من حلف بحرية عبده فباعه ثم عاد إلى ملكه. وفى باب من حلف لا خرجت زوجته إلا بإذنه شىء من ذكر تكرير الحنث. [4/ 236]
فيمن عليه يمين فيريد أن يحتال أو ينقل ملكه عما حلف بصدقيه
فيمن عليه يمين فيريد أن يحتال لأن أو ينقل ملكه عن ما حلف بصدقته أو أراد تعجيل الحنث وما دخل فيه من يمينه بعتق عبد ابنه من العتبية من سماع أشهب: عن امرأة قلت لابنها انكح فلانة، فقال هى طالق إن تزوجتها إلا أن تعطينى عسرين دينارا، هل للأم أن تعطيه ذلك فإذا تزوجها ردتها منه، قال لا بأس بذلك. قل ابن نافع فى المجموعة وهذا غلط، ولا أرى أن يعمل عليه. قال عبد الله بن أبو زيد: إنما يريد مالك أنها لم تواطئه على ذلك، ثم إنه أطاع لها بالرد بعد النكاح والله أعلم. وعمن باع جارية فسأله المبتاع وضيعة ثلاثة دنانير فحلف لا وضع منه إلا أقل من دينارين ونصف، فقال أخو الحالف أنا أغرم ما بقى، فلا شىء على الحالف إذا صالحه الأخ من مال نفسه. وعمن اشترى ثوبا بدرهم ورهن فيه خاتمه فطلب أخذ الخاتم فحلف الصانع إن خرج من عنده حتى يأخذ الدرهم وحلف ربه لا أعطاه إياه، فإن أراد الصانع ليأخذن الدرهم لا يبالى ممن أخذه فلو أن أجنبياً أعطاه درهما فذلك لهما مخرج. ومن سماع عيسى قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق طلقة واحدة وبالمشى والصدقة ليتزوجن على امرأته، فأراد ان يطلق امرأته واحدة ويطأها ويكون فى سعة من المشى والصدقة حتى يتزوج فيزول عنه، قال ذلك له. وعمن حلف لئن رئى [4/ 237]
هلال رمضان الليلة إن صام غداً فخرج فى الليل مسافراً إلى ما يقصر فيه فأفطر فهو حانث إلا أن يكون نوى ذلك فيدين، وإن كانت عليه بينة فله نيته فى هذا. ومن حلف بطلاق امرأته البتة ليطلقنها رأس الهلال واحدة، فله أن يعجل تلك الطلقة ويزول يمينه. ولو قال أنت طالق واحدة إن لم أطلقك فى الهلال واحدة، فإن عجلها زال عنه ذلك فى الهلال، فإن لم يفعل فهى تطلق عليه الآن بواحدة ولا يؤخر إلى الهلال. ولو أوقف فى يمينه ثالثة لقيل له طلقها الآن واحدة وإلا طلقت عليك بالبتة. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن رهن أمته عند زوجته فخافت إن افتكها أن يطأها فحلف لها لئن افتكها ليتصدقن بها على ابنه، فأيسر فترك افتكاكها. قال أخشى أن يحنث، وقد قال مالك فى الحانث لأقضينك إذا أخذت عطائى فأمكنه أخذه فتركه أنه حانث. ومن سماع أصبغ قال ابن القاسم عن مالك: وإن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبنه فترك مخالتطه ثم تزوج ثم أراد أن يرجع فيخالطه، فاستثقله مالك. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن نازع رجلاً فى أرض فحلف لا صالحه فيها فأعطاه ما أدعى، قال لا يحنث إن أعطاه كل ما يدعى، فإن أعطاه بعضه حنث، وإن نوى أن لا يسلم إليه شيئا منه حنث. ومن كتاب ابن سحنون: وقال فى الحالف ليفعلن كذا وكذا إلى أجل، أو قال إن فعلت كذا وكذا ويمينه بواحدة، فلا ينتفع بتعجيل حنثه، لأنه فى الأجل على بر، والذى قال إن فعلت كذا فعلى بر أيضا. وأما لو قال إن لم يفعل كذا ولم يؤجل فله أن يحنث نفسه ويزول يمينه. وهذا المعنى فى آخر باب من الجزء الأول. [4/ 238]
ومن المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن حلف بعتق رقيقه فى شىء أن لا يفعله، أيتصدق بهم على ولده وأمه صدقة صحيحة ثم يفعل؟ قال لا، بل يبيعهم فى السوق. قال عنه هو وابن القاسم إن كرهه لامرأة حلفت بذلك أن تبيعهم من ولد أو زوج. وقال فى الذى حلف بذلك لا يصالح عن أخيه هل يسأل رجلاً أن يصالح عنه؟ قال لا أحبه. قيل فيهبهم لابنه قال لا، وقال أيضا فيه وقد حلف بذلك على وطء أمة فوهب الرقيق لابنه ما أراه له مخرجا. قيل فقد فعل ووطىء. فوقف وقال ما هو بمحرم. قال أشهب إن تصدق بهم على بنيه الكبار صدقة صحيحة فلا شىء عليه، وإن تصدق بهم على ما يلى من ولده فقد حنث. كما لو أعتق عبد ابنه الصغير عن نفسه لعتق وودى قيمته، ولا يلزم ذلك فى عبد الكبير. ولو حلف بعتق عبد الصغير عتق إن كان للأب. قال وليس ذلك فى الكبير. قال ابن القاسم ومن حلف بعتق أمة له إن باعها فتصدق بها على ابن له فى حجره فإنه إن باعها حنث وودى القيمة لابنه. وقال سحنون فيمن أراد أن يحلف بعتق رقيقه فتصدق بهم على بنات له أبكار صدقةً صحيحةً وقبض لهن، ثم حلف بعتق كل مملوك له، قال لا شىء عليه، إلا أن يسميهم أو ينويهم فى يمينه. قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف بعتق رقيقه لا يكلم فلانا، أيهبهم هبة صحيحة ويكلمه؟ فكره الهبة وقال يبيعهم. قال أشهب إن باعهم أو وهبهم أو تصدق بهم بأمر صحيح بغير مدالسة فلا شىء عليه، وإن كان بمدالسة أو تاليج فقد حنث. قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف لا أقلع عن غريمه حتى يقضيه حقه، فذهب به إلى السلطان فأمره فدفع إليه حقه وقبضه، ثم سأله أن يسلفه فأبى فسأل أم الحالف فأسلفته، فإن كان من مالها دون مال الابن فلا شىء على الابن. [4/ 239]
فيمن حلف بالطلاق ثم أراد أن يخالع ليزيل اليمين
وقال ابن حبيب فى الحالف بعتق رقيقه أن لا يفعل شيئا فأراد أن يتصدق بهم إلى أحد أبويه أو إلى ولده الصغير أو الكبير أو امرأة على زوجها، فقد كرهه مالك. قال ابن الماجشون ومطرف وابن القاسم: وإنما كرهه خيفة الحيلة به وأن لا يصح. وأما لو صدق وصحت الصدقة وحيزت زال عنه الحنث غلا فى ولده الصغير فقط، فإنه إن فعل حنث، وغن حازها لهم أو جعل من حازها لهم وخرجت من يده فإنه يحنث. وفى باب من حلف ليفعلن أو إن لم يفعل فى الجزء الأول شىء من ذكر تعجيل الحنث. فيمن حلف بالطلاق ثم أراد أن يخالع ليزيل اليمين وما الذى يجوز ذلك فيه؟ وما دخل فيه من عودة اليمين من المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن حلف بطلاق البتة ليقضين حقا إلى أجل كذا وكذا، فدنا الأجل ولم يجد، فخالع امرأته ثم جاز الأجل ثم نكحها بعده فلا حنث عليه، وأكره ما صنع. قال عنه ابن نافع: وهو مكروه بينه وبين الله سبحانه. قال ابن كنانة ليس مما يومر به الناس ولا يدلون عليه. وقال ابن سحنون عن أبيه: وإن كانت امرأته غائبة فأراد الخلع ليلا يحنث، قال يخلعها منه أجنبى يعطيه على ذلك درهماً أو شيئاً فيخلعها بما أعطاه وتزول يمينه، ولا بأس على الحالف أن يسأل فى ذلك هذا الأجنبى. [4/ 240]
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، ونحوه لأصبغ فى كتاب ابن حبيب، وذكرها ابن عبدوس إلا أنه قال وقال غيره فيمن له امرأة فنكح أخرى على أن الأولى طالق بدخول الثانية، فخالع الأولى ثم دخل بالثانية ثم نكح الأولى فلا شىء عليه، بخلاف يمينه لا دخل دار فلان فخالعها ثم دخل فنكحها، فهذا يعود عليه اليمين. ولو حلف بطلاقها إن دخل دار فلان فخالعها ثم تزوجها وهو داخل الدار فلا شىء عليه ما دام داخل الدار حتى يخرج ثم يدخل فيحنث، وإن حلف بطلاقها إن لبس هذا الثوب أو ركب هذه الدابة فتزوجها وهو على تلك الدابة ولابس للثوب، فغن لم ينزع أو ينزل مكانه حنث بخلاف دخول الدار. ومن حلف لا ركب هذه السفينة بطلاق امرأته فصالحها ثم ركبها ثم تزوجها وهو فى السفينة، فإن لم ينزل مكانه حنث. وإن كانت يمينه لا دخلت فلا شىء عليه وإن بنى بها فيها حتى يخرج من السفينة ثم يدخلها. وقال أصبغ فى الواضحة إن الدخول فى هذا كالركوب، وكذلك فى دخول الدار إن لم يخرج ساعة دخلت عليه حنث. قال ابن حبيب وغيره وإنما يعود عليه اليمين فيما يتغير فعله من كلام فلان أو دخول الدار، وأما ما لا يتكرر فبخلاف ذلك. وهذا ذكرناه فى باب تقدم. ومن العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم فيمن تحته امرأتان فحلف بطلاق إحداهما ليتزوجن عليها، فصالح الأخرى ثم تزوجها، فإن كان طلقها طلاقابائناً بالثلاث أو بخلع فذلك يبره، إلا أن يكون إنما خالعها ليحلل يمينه ثم يتزوجها ليبر، فهذا لا يبر بذلك؛ وكذلك لو كانت يمينه ألا يتزوج عليها ففارق الأخرى ثم تزوجها أنه يحنث فى امرأته. ومن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها على امرأته ثم قال لها إن لم أتزوج عليك إلى عشرة أشهر فأنت طالق يعنى ثلاثا، قال ابن القاسم فليصالحها، فإذا [4/ 241]
في الحنث بغلط أو سهو أو بما لم يعلم ويمين الموسوس
جازت العشرة الأشهر تزوجها ثم لا شىء عليه. ولو لم يضرب أجلا عادت اليمين عليه. ومن سماع أصبغ عمن حلف بالطلاق يريد ثلاثا ألا دخلت أخته على زوجها. قال يصالح زوجته ثم تدخل أخته ثم يتزوج امرأته التى صالح ولا شىء عليه. ولو طلق أخته زوجها قبل البناء ثم تزوجها ودخل بها ةامرأة الأخ تحته بحالها فهو حانث، إلا أن تكون له نية. قال أصبغ لا تنفعه النية فى هذا إلا أن يكون لها سبب بعمده من ثقل صداق أو سرط كرهه حتى يأتنف نكاحاً على ما يريد يتعمد ذلك بالنية والإرادة، وإلا لم ينفعه. قال وقال ابن القاسم فيمن حلف لا يبتدىء رجلاً يريد حلف بالطلاق ثلاثا فصالح امرأته ثم ابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه، قال لا شىء عليه. قال أبو محمد: هذه المسألة ليست على أصولنا. وقوله فابتدأه الثانية هى فى بعض الكتب من رواية العتبية وليست فى بعضها وأراه غلطاً فى النقل. من سماع ابن القاسم: ومن سأل زوج ابنته أن يمسكها بمعروف أو يفارق فقال له فاحلف بالطلاق إن فارقتها أن لا تزوجها فلانا، فحلف له، ثم أقام معها ما شاء الله ثم تنازعها فخالعها، هل ينكح فلانا المحلوف عليه؟ قال فاليمين عليه، فإن شاءت نكاحه فليستأذن السلطان حتى يزوجها، ولا شىء على الأب. فى الحنث بغلط أو سهو أو بما لم يعلم ويمين الموسوس والسكران وفعل النائم من العتبية من سماع عيسى وأبى يزيد من ابن القاسم: ومن حلف بطلاق أو غيره ليصومن غداً ثم أفطر ناسياً فلا شىء عليه. [4/ 242]
قال عنه عيسى ومن حلف لا كلم فلانا إلا أن يعرفه، فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فقد حنث. قال عنه يحيى بن يحيى فيمن حلف ليقضينه حقه ساعة يباغ منزله أو يدخل منزله، فأتى معه الطالب منزله عند الغروب فدخل ونسى واشتغل، فذكر يمينه بعد الليل فخرج فقضاه حينئذ فقد حنث، إلا أن ينوى بقوله ساعة أبلغ أى إذ بلغ ليقضينه ولم يرد ساعة بلوغه أو نزوله فينوى ويحلف، ثم لا يحنث إن قضاه ليلته أو من الغد، ولا يسعه ترك القضاء اليومين والثلاثة، وإنما له هذا فى يوم وليلة. ومن حلف ليقضينه حقه يوم الفطر وهو من بعض القرى فأفطروا يوم السبت فقضاه فيه ثم جاء الثبت أن الفطر يوم الجمعة، فقال مالك يحنث. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيم حلف بطلاق امرأته ليخرجن به فى مرته هذه، ويريد سفرا، فخرج فلما سار ذكرته يمينه فانصرف فحملها، قال هوحانث. قال عنه عبد الملك بن الحسن فيمن قال لرجل وهو يتوضأ قم معى فى حاجة، فقال امرأتى طالق إن قمت معك حتى أتوضأ وأفرغ من وضوئى، فتوضأ ثم ذهب معه ثم ذكر مسح رأسه أو أذنيه أو المضمضة فهو حانث، لأن مراده الوضوء الذى يتوضأ الناس لا يريد المفروض ولا المسنون. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا وطىء امرأته فوطئها وهو نائم لا يشعر فهو حانث، وهو كالناسى. ومن أسفى السيكران فحلف فى تلك الحال بطلاق أو عتق وهو لا يعقل فلا شىء عليه، وإنما شربه ولم يعلم. وقد قيل لمن شربه عالماً على وجه دواء ونحوه فلا شىء عليه بخلاف السكران من الخمر. [4/ 243]
ومن طلق امرأته بوسوسة فى قلبه فلا شىء عليه. ومن حلف ألا يحمل لرجل دراهم فأدخلها فى مكتل فيه جبتان استحمله إياه فقد حنث، ويعاقب من فعل ذلك به. ومن حلف لا ساكن أخاه ولا أنفق عليه حتى يتوب من شرب السكر فغاب الحالف فأسكنته أمه فى دار الحالف وأنفقت عليه من ماله، ثم أخرجوه بقرب قدومه فلا يحنث بذلك. قيل فلما قدم سأل عنه غير واحد فقيل له قد ترك الشرب فأنا له وأنال ولده وأهله شيئا، ثم تبين له أنه بتلك الحال فكف، فقال فقد حنث ولا ينفعه خبر من أخبره، وقد يترك ظاهرا ويشرب سرا، وتغرم الأم ما أنفقت عليه من مال الحالف فى غيبته، فإن تركها على علم حنث. ومن المجموعة قال أشهب فيمن حلف بالطلاق ليصومن رمضان وشوال، قال إن صام يوم الفطر فلا شىء عليه، وإن أفطره حنث، وإن قال لم أنو صومه لم يصدق. ابن وهب عن مالك فيمن وهب شاة لامرأته ثم ردته إليه ثم ردها إليها، ثم دار بينهما شىء فحلف لا كانت له الشاة من ملك أبداً، ثم طلب شراء أضحية لأمه وأثاب زوجته منها عوضا ونسى يمينه، قال ما أراه إلا قد حنث. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف لأمه أن امرأتى ما تأمرنى فيك ولا تمنعنى أن أنفعك والمال الذى بيده لزوجته، فقال له قد كنت قلت لك عام الأول لا تعطيها شيئا من مالى، فذكر ذلك، قال قد حنث. وعن رجل كان يضر بامرأته وكان يقول ابن بنى عمى يحملونى على ذلك، ثم حلف بطلاقها إن كانوا قالوا له شيئا، فذكرته فقال قد وهمت فى يمين ولم يشهد على قوله وهمت إلا شاهد، وإن كان بائنا قضى عليه بالحنث وإلا حلف. [4/ 244]
فيمن حلف ليفعلن كذا فغاب ما حلف عليه قبل يمينه
فيمن حلف ليفعلن كذا فغاب ما حلف عليه قبل يمينه أو بعده أو أعوزه فلم يجده أو ظهر له أمر ممتنع من العتبية روى عيسى وأبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لعبده إن لم أبعك فامرأتى طالق، فمات العبد أو أبق، فإن مات ولم يفرط فى بيعه فلا شىء عليه، وإن فرط حتى لو شاء بيعه فعل فقد حنث. وأما الإباق فإن رفعته زوجته ضرب له أجل المولى من يوم رفعته، وإن ضفر بالعبد فباعه قبل تمام أجل الإيلاء بر، وإن يم الأجل قبل ذلك طلق عليه بالإيلاء، فإن وجد العبد فى العدة فله الرجعة، وإن لم يكن ذلك حتى انقضت فلا رجعة له. قال عنه أبو زيد فيمن حلف أكل مع امرأته فحلف بطلاقها لتأكلن هذه البضعة فأكلتها الهرة فأخذت المرأة الهرة فذبحتها فأخرجت البضعة فأكلتها المرأة، قال لا يخرجه ذلك من يمينه، ولكن إن لم يكن بين أخذ الهرة إياها وبين يمينه قدر ما لا تأخذها المرأة فلا حنث عليه وإن توانت قدر ما لو أرادت أخذها فعلت فقد حنث. ومن المجموعة روى ابن نافع عن مالك فيمن حلف فى طعام ليأكلنه فتركه حتى فسد ثم أكله فقد حنث إذا كان قد خرج عن حد الطعام. وقال سحنون فى العتبية عن ابن القاسم لا يحنث إلا أن يكون أراد أن يأكله قبل يفسد. ومن المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن حلف لينظرن غريمه بحقه سنة فمات غريمه قبل السنة، فإن حلف أنه أراد الرفق به فلا شىء عليه. قال ابن دينار ومن حلف ليشترين لزوجته بهذا الدينار ثوباً فخرج به لذلك فسقط منه، فإن أراد الدينار بعينه فقد حنث، وإن أراد الشراء به أو بغيره فليشتر بغيره ولا يحنث. [4/ 245]
قال أشهب: ومن حلف ليبيعن إلى امرأته بنفقتها إلى سنة، فبعث إليها قبل الأجل فأخذها اللصوص ومضى الأجل فلا شىء عليه. ومن حلف ليصربن عبده غداً أو ليركبن دابته غداً فمات ذلك قبل غد أو سرق فلا شىء عليه. وكذلك على لباس ثوب فى غد فذهب أو سرق، وقال أشهب لأنه على بر بضرب الأجل، قال ابن القاسم إلا فى السرقة فإنه يحنث إلا أن ينوى إلا أن يسرق فلا أحنثه. قال أشهب فإن لم يؤجل ومضى وقت يمكنه ذلك فيه فلم يفعل حتى فات ذلك فقد حنث. قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف لئن لم يبعث إلى ابنتى زوجها إلى الليل لا دخلت إليه سنة، فذهب إليه الرسول فلم يجده حتى الليل، قال هو كما لو وجده قد سافر فيدين، فإن قال لم أرده إن لم يوجد أو قد سافر أو مات فلا شىء عليه. وكذلك من حلف إن لم يأت فلان الآن فوجده قد مات أو سجن فلا شىء عليه وكذلك فى العتبية من رواية أشهب. قال عنه ابن وهب وإن حلف بالطلاق ليبيعن غلامه فوجده حراً من أصله، هل يبيعه ليبر من يمينه؟ قال لا، ولوطلق كان أبرأ له. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالعتق ليتزوجن على امرأته إلى سنة فماتت قبل تسعة أشهر فلا حنث عليه، لأنه على بر بضرب الأجل، فرط أو لم يفرط. وكذلك ليبيعن عبده إلى شهر أو ليضربنه فمات العبد قبل الشهر، أو ليضربن امرأته إلى أجل فماتت قبل تمامه وقبل يفعل ذلك فلا شىء عليه. وإن لم يضرب أجلا فى هذا فهو على حنث، فإن أمكنه الفعل وفرط حنث، وإن لم يمكنه ولا فرط لم يحنث. [4/ 246]
وإن حلف ليأكلن هذا الطعام غداً أو ليلبسن هذا الثوب غدا أو ليركبن هذه الدابة فهلك ذلك قبل غد أو سرق الطعام فلا شىء عليه. وإن لم يضرب أجلاً حنث إن أمكنه الفعل قبل الفوات. قال ابن القاسم: ومسألة الحمامات أصل لهذا، وقد أجمع عليها المدينون، وقد ذكرنا ما روى عن ابن القاسم فى السرقة. وإن قال ميمون حر لأضربن مباركاً أجلا فمات مبارك، فإن أمكنه ضربه ولم يفعل حتى مات ولم يضرب أجلا حنث، وإن مات والسيد مريض عتق ميمون فى ثلثه إن مات، وإن عاش فمن رأس ماله. قال أشهب فى الحالف ليضربن امرأته فأصبح فإذا هى هربت من الليل فلا شىء عليه إذا فرت فيما لا يمكنه فيه الضرب، وكذلك فى المجموعة إلا أنه قال فى أولها وقال غيره، وقال فى السؤال ويدعها تلك الليلة. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليخرجن إلى عذق كذا فليقطعنه، فبادر إليه فوجده قد قطع فلا شىء عليه، إلا أن يتوانى قدر ما يفوت به إمكان قطعه. ولو قطع قبل يمينه لم يحنث، فرط أو لم يفرط. ومن حلف على ابنته ألا يضع من صداقها شيئاً فإذا هى قد وضعته قبل يمينه فإن عرف ذلك فلا شىء عليه إلا أن يريد إن كانت فعلت فيحنث. ورواها عيسى عن ابن القاسم فى العتبية وفى السؤال: وشهد أربع نسوة على الصدقة منذ سنين فلا شىء عليه إذا استيقن أنها فعلت قبل ذلك، إلا أن يريد إن كنت فعلت. وذكر ابن سحنون رواية عيسى لابنه فصوبها وقال: ولكن لا يستقين ذلك بالنساء ولا بقولها ولكن بشاهدين. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن حلف بطلاق امرأته لا أعتقت أمتها فإذا هى قد أعتقها قبل يمينه فلا شىء عليه، وقد كانت تستأذنه فى ذلك فيأبىن إلا أن يريد إن كنت فعلت فيحنث. ومن حلف بطلاق من يتزوج إلى [4/ 247]
سنة فيتزوج امرأة فى السنة وحلف لها بالعتق إن طلقها إلى أجل كذا فلا شىء عليه فى رقيقه، لأنها مطلقة بالعقد. ومن بعث غلامه يأتى بماء فأبطأ فبعث غيره وقال له: خذ منه القلال وإن تركته يستقى فأنت حر لا يبعثك فذهب فوجده مقبلا قد استقى، فأخذ من الدابة فتابعه حتى جاء بالماء فصبه فى الدار فلا شىء عليه. كما لو قال إن تركته يطبخ القدر فألفاه قد طبخها. وفى باب اليمين على الخروج مع الدار ما يشبه بعض معانى هذا الباب. قال ابن القاسم فى المجموعة فيمن قال لعبده أنت حر إن تركت فلانا يطبخ هذا القدر أو يملأ هذه القلال فوجده قد طبخها وملأ القلال فلا شىء عليه. ومن الواضحة قال ابن القاسم فيمن حلف لأقضينك حقك من هذه الصبرة فأتى سيل فأذهبها، فإن لم يتوان مثل أن يأخذ فى الكيل مكانه فيذهب فلا شىء عليه، وإن فرط حنث، وإن فرط الطالب فى القبض فلا يفرط الحالف وليأت الإمام حتى يأمره بالقبض. ومن العتبية من سماع ابن القاسم وعمن طلب ضرب عبده بسوط سأل عنه أهله فقالوا لا نعلم مكانه فظن بهم كتمانه، فحلف بالطلاق إن لم يأتو به فطلبوه فلم يجدوه وأتوه بغيره، فقال أهله هو فلم يعرفه وأنكره، فإن لم يعرفه حنث. قال ابن القاسم كأنى رأيت معنى قوله إنه لو ذكر نية كان ذلك له أن يقول لم أرد، وإن لم تكن له نية وحلف على ظن أنهم غيبوه حنث. [4/ 248]
قال مالك: ومثل أن يقول لأمته أنت حرة إن لم أبعك فإذا هى حامل منه ولم يعلم، فإن نوى إلا أن تكون حاملا وإلا فقد عتقت. قال ابن القاسم وكذلك السوط فيما رأيت من معنى قوله. وقال ابن المواز وذكر هذه الرواية ثم قال لا شىء عليه فى الأمة كمسألة الحمامات، وكذلك قال سحنون. قال ابن المواز: وإن أصابها حاملاً من غيره فليبيعها بالبراء من الحمل. قال ابن حبيب ومن حلف بحرية جاريته ليبيعنها إلا أن تكون حاملا وقد كان أصابها فلا يعود لمصابها، فإن جهل فعاد فحملت نظر، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من وطئه الثانى زالت يمينه لأنها كانت يومئذ حاملاً، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر من الوطء الثانى عتقت عليه بالشك، إذ لعله من الوطء الثانى الذى لا شرط فيه، وقاله ابن الماجشون. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بنى امرأته وحلف بالطلاق ليفرعنها الليلة فوطئها فلم يجدها عذراء فلا شىء عليه، لأنه إنما حلف وهو يظن أنها عذراء. قيل فلو علم بذلك يريد بعد يمينه أنها ثيب واستقر ذلك عنده فترك وطأها تلك الليلة، قال يحنث. قال اصبغ يحنث إن علم بعد يمينه وقبل الوطء. وقال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف ليطأن امرأته فقطع ذكره من غير تفريط فى الوطء فلا شىء عليه. قال ابن حبيب قال ابن القاسم: وإن حلف أن لم يطأ امرأته الليلة فقام فوجدها حائضاً، فإن فرط قدر ما يمكنه الوطء قبل تحيض حنث، وإن لم يفرط فلا شىء عليه. [4/ 249]
قال أصبغ: يحنث فرط أو لم يفرط بخلاف ليأكلن هذا الطعام فذهب به كلب أو نار أو سرق لأن لم تذهب والذى حلف عليه قائم، ولكن لا تحل له. ولو وطئها وهى حائض لم يبر. وأخذ ابن حبيب بقول ابن القاسم هذا وقال لا يبر بوطئها حائضاً، ولو حلف لا وطئها حنث بوطئها حائضاً. ومن كتاب ابن المواز قال يحنث حاضت مكانها او كانت حائضا قبل اليمين، ولا آمره بالوطء فإن تحرى فوطىء لم يحنث وقد أثم. قال ابن سحنون عن أبيه فى الحالف ليأكلن هذا الطعام أو ليبيعن هذا الثوب وذلك فى نيته، فقام ولم يفرط فوجد ذلك قد ذهب أو سرق فلا شىء عليه. وكذلك إن حلف ليبيعن أمته فوجدها حاملاً منه أو ليطأنها فقام مكانه فوجدها حائضا فلا حنث عليه فى هذا وفى كل ما فات قبل يمينه أو فات بعد يمينه من غير تفريط. قال محمد ثم رجع فقال لا يحنث، وإن أمكنه الوطء قبل أن تحيض، لأنه قد ضرب أجلاً بقوله اللية. قال محمد قوله الأول القياس على أصلنا. قال سحنون وإن وطئها حائضا بر فى يمينه وأثم. من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لريب له لئن جئت إلى بيتى بخبز ووجدته لأطرحنه فى الخربة، فدخل عليه الغلام بخبز فوضعه على سريره وهو يراه فسحبت له أمه فخرج بالخبز، فإن كان يقدر على أخذه فتوانى فقد حنث، وإن فاته هرباً ولو أراده ولم يقو عليه فلا شىء عليه. وفى باب من حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه من معنى هذا الباب. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق ليتزوجن هذه المرأة إن حلت له، فشهدت امرأة أنها أخته من الرضاعة فليطلق التى تحته ولا يتزوج هذه. وإن تجرأ فتزوجها لم يقض عليه بفراقها. كذلك فى العتبية وقد كتبناه فى باب آخر. [4/ 250]
في الحالف لا فعل كذا فيكره على فعله أو يغلب أو يقضى عليه به
قال ابن حبيب عن أصبغ: ومن حلف ليصومن الاثنين أبدا فصادف يوم عيد فلا شىء عليه فى فطره، ولم يقصد أن يصومه على ما لا يجوز، وكذلك لو مرضه فأفطر فلا شىء عليه. فى الحالف لا فعل كذا فيكره على فعله أو يغلب أو يقضى عليه به أو حلف ليفعلن فيمنعه منه مرض أو مانع أو خوف أو لم يقدر من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا دخل هذه الدار، فبينا هو واقف على بابها أو بقربة على دابته فنفرت لشىء فاقتحمت به فدخلتها، فإن كان يقدر أن يمسك رأسها أو يملكها أو يثنى رجله فينزل أو يترامى من غير عيب يصيبه فلم يفعل حنث، وإن قدر على شىء من ذلك لم يحنث. قال ابن عبدوس: وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا دخل دار فلان فحمله رجل قسراً فأدخله فيها فلا شىء عليه. قال أشهب إذا جهد أن لا يدخل ولم يقم بعد أن قدر أن يخرج. قال سحنون فإن قال لزوجته أنت طالق إن دخلت أنت هذه الدار فأكرهها هو أو غيره على الدخول فلا يحنث بإكراه غيره، وأما هو فأخاف أن إكراهه لها رضى بالحنث. قال ابن وهب عن مالك فيمن حلف بالطلاق إن لم يضرب عبده كذا وكذا ففرمنه العبد، أو قال قبل الليل أو ضرب أجلاً بعيداً أو قريبا، فإن لم يفرط وكان أمر عليه وكانت تلك نيته فلا شىء عليه، وإن فرط فقد حنث. [4/ 251]
قال عنه ابن وهب: وإن حلف لا فارق غريمه حتى يقضين حقه، فأتى أهل المطلوب فخلصوه منه قسراً وضربوه فله نيته، فإن نوى لا فارقته طائعاً ولا أرسلته وأنا قادر على إمساكه فلا شىء عليه. قال أشهب إذا فر منه أو أفلت حنث، إلا أن تكون له نية فيدين ويحلف, ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا يأخذ حقه إلا كله، فقضى عليه القاضى بأخذ نصفه فلم يقبضه حتى عزل، فإن قضى عليه الذى بعده بأخذ نصفه حنث إلا يقبضه، ولا يكون ذلك من الوالى إلا على الاجتهاد. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم ونحوه فى كتاب ابن المواز فيمن قال لامرأته أنت طالق إن قبلتنى فاستغفلته فقبلته فقد حنث. ولو كان قال إن قبلتك لم يحنث باستغفالها له. وكذلك يفترق إن فارقتنى أو فارقتك أو تركتنى أو تركتك فينزع منه بشدة أو يصرعه ويفك يده ويهرب. وكذلك قوله إن ضاجعتنى أو ضاجعتك، وكذلك إن قال إن دخلت هذه الدار فيوثق حتى أدخلها فلا شىء عليه، ولا يحنث فيما يكره فيه أو يستغفل، وقاله فى كتاب ابن المواز والمجموعة. ابن القاسم عن مالك فى الحالف لا قبلتك فاستغفلته فقبلته ولم يكن منه استرخاء، فيحلف أن تلك نيته. قال فى رواية ولم يوانس. قال ابن المواز: وإذا أراد بقوله إن فارقتنى معنى فارقتك فله نيته، أو ينوى إلا أن أغلب فله نيته. وقوله إن افترقا مثل قوله إن فارقتنى، ويحنث إن أفلت منه، بخلاف إن فارقتك إلا أن يتراخى. وقيل إن نوى ألا يفارقه طائعاً ولم يرد أن يغلب فله نيته. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية من رواية ابن القاسم قال مالك فى المطلوب بحق ألا يقضيه شهراً، فرفعه الطالب فأمر له ببيع متاعه حتى [4/ 252]
يقضى عنه فإنه ينوى، فإن قال لم أرد إلا أن لا أقضيه أنا ولم أرد السلطان فذلك له وأدينه إذا حاشى الشلطان، وإن لم يحاشه حنث. وإن حلف لا أنفق على امرأته سنة فغاب سنة ورفعت أمرها فقضى لها فدفع إليها نفقتها فهو حانث، إلا أن يكون نوى ألا أنفق عليها طائعا ولم يرد وإن قضى على بها، فلا يحنث. قال أشهب عن مالك فى الحالف على أمر ألا يفعله ولم يتشن قضاء السلطان فقضى عليه، قال يحنث إن لم يستشن قضاء السلطان. ورب رجل يحنث مغالبةً له، فإن لم يرد ذلك حلف ودين. قال أبو زيد فى العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن كنانة فيمن حلف فى أرض نازعه فيها رجل إنك لا حرثتها إلا أن تغلبنى عليها، فطرقها ليلاً فحرثها إنه يدين ويحلف ما أراد إلا أن يمنعه إذا أراد الحرث ولا بدعه إلا أن يغلبه، ولا شىء عليه. وقال ابن القاسم لا ينوى ويحنث إلا أن يؤخذ فيربط ويحبس وتحرث فلا شىء عليه. وفى باب اليمين لا دخلت أو لا دخل إلى فلان من هذا إذا دخل عليه وكسر الباب ولم يعلم. قال سحنون عن أبيه فيمن حلف فى شقص له فى عبد أن لا يبيعه فأعتق شريكه حصته فقومه عليه الإمام، أو طلب شريكه البيع معه فخبره الإمام أن يبيع معه، فإنه يحنث، إلا أن يكون نوى إلا بقضاء السلطان فلا يحنث. وكذلك لو حرث فى أرضه رجل متعدياً فحلف ربها ليحرثنها فمنعه من ذلك السلطان، فإن لم ينو إن أغلب حنث. وليس هذا كمسألة الحمامات لأن تلك قد فاتت العين. [4/ 253]
وفى كتاب النكاح الرابع فى آخره فى باب سكنى المرأة مع أبوى الزوج. وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية فيمن حلف ليعتمرن فى شوال فأحرم ثم منعه خوف من المسير حتى خرج شوال ولم يطف، قال ابن القاسم يحنث إلا أن يكون جعل ليمينه مخرجاً. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لئن كان كذا لأخرجن إلى موضع سماه، فكان ذلك فمنعه من الخروج خوف فلا ينفعه ذلك، إلا أن يكون استشناه. ومن المجموعة وغيرها قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا نكح عبده فنكح بغير إذنه إنه حانث. وقال عنه فيمن عليه دين فتقاضاه عبد الطالب فحلف بالطلاق لا قضاه شيئاًن فأتاه السيد فقضاه، وقال إنما أردت العبد بعينه، قال لا ينوى ويحنث إن قضاه. وأقرب فى هذا إذا استأذى عليه السلطان فقضى عليه أن لا يحنث. قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف لا دخلت امرأته على أمها، فقالت له فسر معى أسلم عليها على الباب ففعل فاقتحمت على أمها فقد حنث. ومن العتبية أشهب عن مالك فيمن دعا زوجته إلى فراشه فأبت، أيضربها؟ قال لا، فقد يكون لها العذر، قيل فإن حلف بالطلاق ليصيبنها قبل الصبح فأبت، فأمكنته فعالج حتى مل فلم يقدر، قال وقد استشينت إلا أن لا أقدر فعالجت فلم أقدر حتى الصبح، قال لا شىء عليك إن لم تنم حتى أصبح قال قد نمت، قال لا أدرى ما هذا. [4/ 254]
في المكره على اليمين أو يحلف على مخافة ومن حلف للسلطان أن لا خرج إلا بإذنه
قال عنه ابن القاسم فى حبس لم يبق من يشهد فيه إلا رجل فسأله بعض من حبس عليه أن يشهد فحلف لا شهد له فيه، فسأله غيره من أهل الحبس أن يشهد، قال لا آمره أن يشهد إلا أن يجبره السلطان. قال ابن القاسم وإن أجبره حنث إلا ان يضربه أو يعاتبه. قال ابن سحنون قال بعض أصحابنا يعنى أصبغ فيمن حلف ليدخلن بامرأته إلى مدة سماها فدفع النقد وتهيأ أمرها، فلما شارف الأجل شهد رجلان أنه حنث فيها. قال يمنعه الإمام من البناء حتى ينظر، وإن كان فى ذلك حنث فينبغى للقاضى أن يبدأ بهذين ولا يشتغل عنهما لما رهقهما، فأجازها سحنون إلا قوله يتفرغ لهما فإنهما وغيرهما سواء، ولو جاز هذا لم يشأ خصم إلا حلف على القاضى أن يبدأ به. ومن حلف ليطأن زوجته فى هذه الليلة فلم ينعظ ولم ينتشر تلك الليلة فقد حنث. فى المكره على اليمين او يحلف على مخافة ومن حلف للسلطان أن لا خرج إلا بإذنه أو أن رأى كذا ليرفعنه إليه من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: ليس يمين المكره بيمين. قيل له فالعمال يأخذون على الناس أيماناً بالطلاق فى أشياء يخرجونها عليهم إن لم يأتوا بها إلى وقت كذا، وربما جعلوا عليهم ما لا يجدون فيحلفون خوفا منهم ومن ضربهم. قال لو علم صدق ما قالوا لم أرد عليهم شيئا. قال ابن القاسم إذا كان إماماً جائرا قد علم أنه فعل ذلك بغيره من ضرب أو عذاب فليحلف ويتخلص منه. قال ابن القاسم فى أسير بيد العدو مقيد فيعرضون عليه الكفر ويقولون احلف بالطلاق أن لا تهرب ونطلقك، فيحلف ويطلقونه فيهرب، قال لا شىء عليه، لأن أصل يمينه إكراه. [4/ 255]
قال عنه محمد بن خالد فى العتبية عن مالك فى اللصوص يستحلفون الرجل بالحرية ألا يخبر بهم فحلف ثم اخبر بهم، قال لا شىء عليه. قال سحنون فى المجموعة إذا حلفوه أن لا يخبر بهم ليلا يحذر الناس طريقهم فحلف بالطلاق والعتق وهو خائف إن لم يحلف قتلوه فأخبر بهم فلا شىء عليه. ثم رجع فقال ليس هذا من أيمان الكره. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حلف على خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب فى يمينه فهو حانث، ولا تنفعه التقية ها هنا. قال ابن المواز كأنه غصب شيئاً أو فعل أمراً وحلف ما فعله. قال مالك فيمن طلب ليقتل ظلماً فخبأه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده فحلف، قال قد اجر وطلقت عليه امرأته، وقال أشهب لا شىء عليه، والمكره على اليمين لا يلزمه، وكذلك المكره على الحنث، يريد أشهب إن خاف إن لم يحلف عذب بضرب أو سجن. قيل فمن حلف لا حلف بالطلاق إلا لسلطان يخافه ما حد ذلك؟ قال هو أعلم بنفسه، ليس القوى كالضعيف، ولا الشجاع كالجبان، وذلك على قدر ما يحس من نفسه. وعمن صالح امرأته وشرط عليها إن تزوجت بعده فمالها صدقة، فإن حلفت عن ضرورة فلا شىء عليها، كما لو افتدت من ضرورة وعلم ذلك. قال مالك: ليرد ما أخذ منها. قال وقيل ليس كالفدية، وليس الضرب إكراهاً عليها حاصة فى اليمين، واليمين يلزمها. قال ابن المواز فى يمين المستكره الذى يخاف إن حلف سجناًَ أو عذابا: فإن كان ذلك عنده كاليقين لا شك فيه فذلك له مخرج وعذر، وإذا أخذ الوالى على الشرط اليمين بالطلاق أن يخرج أحد منهم إلا بإذنه فمات الوالى، قال [4/ 256]
مالك فلا يخرج أحد منهم إلا بإذن الوالى بعده إذا جرى ذلك على وجه النظر لا على الظلم، وما جرى على وجه الظلم لم يلزمه فى الأول ولا فى الذى بعده. ولو حلف لأمير متطوعاً أنه لا يرى كذا وكذا إلا رفعه إليه، فعزل، فإن كان ذلك أمر يخص الأول فى نفسه فليرفعه إلى من بعده، هكذا وقع فى الكتاب، وأراه غلطا، وإنما هو فليس عليه أن يرفعه إلى من بعده، وهى فى المجموعة بينة وهى لأشهب. قال أشهب: إن كان ذلك من شأن المعزول فى نفسه فعليه رفعه إلى من بعده يوم يراه، وإن كان مما يخص فى نفسه فإذا رآه بعد عزله فليعلمه به وإلا حنث، فإن لم ير ذلك مات فلا شىء عليه، وليس عليه رفع ذلك إلى وارثه ولا وصيه ولا إلى الأمير بعده. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف للوالى ألا يفعل كذا إلا بإذنه فنادى منادى الوالى بالإذن فى ذلك للناس كلهم، فإن كان ذلك نيته فى يمينه فلا شىء عليه، وإن شىء عليه، وإن لم يرد هذا فليسمع الإذن هو نفسه فيزول يمينه. ومن طلب منه السلطان شراءجارية فقال له هى مدبرة أو حرة فلا شىء عليه. قال أشهب قامت عليه بينة أو لم تقم إذا كان ذلك للسلطان مخافة من شرائها. ومن مر بأمته على عاشر فقال هى حرة ولم يرد الحرية فلا شىء عليه. ومن قول أصحابنا إن اليمين تقيه العقوبة فى البدن إكراه إذا كان يوقن بذلك، وقد اختلف فى الإكراه بمخافة المال. وقال ابن سحنون عن أبيه فى كتاب الطلاق: سئل عن السلطان يمنع الناس أن يجوزوا فى البحر إلا من مجازه ليتوفر ما يؤدون، أو يقال لهم إذا جازوا من مجازه اركبوا فى مراكبنا على أن تؤدوا الثلث وإلا لم يكرهكم على الركوب فيها وهم يمنعون من غيرها، فيرضون بالركوب فى مراكبهم فيحلفونهم أن لا يكتموهم كل [4/ 257]
فيمن حلف ألا يبيع ما قد باع أو في زوجة لا يتزوجها
ما معهم من مال، فيحلفون وهم قد كتموا بعضاً، قال لا حنث عليهم وإراه إكراها. وكذلك من كان بقرب هذا المجاز. قال أبو محمد وقد أفردنا للإكراه والمضاغيط كتاباً. فيمن حلف ألا يبيع ما قد باع أو فى زوجة لا يتزوجها أو فى شريك ألا يشاركه ونحو ذلك ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وعن غلام ناهز الحلم وتحته أمة فشكته إلى سيدتها، فقال لها: أمسكى أمتك هى طالق إن تزوجها. قال هذا مشكل وسئل عما نوى قبل، فإن لم ينو شيئا قال يفرق بينهما، وشك فى إلزامه البتة أو واحده. قال عيسى قال ابن القاسم إن ما نوى فهى البتة. قال أبو محمد قوله ناهز إنما يريد وقد أنبت وذكرها فى الواضحة فقال غلام تزوج أمة ولم يذكر ناهز الحلم، وفى كتاب ابن المواز قال مالك: ما أرى من أمر بين، فأحب إلى أن يفرق بينهما. قال أصبغ إذا كان ممن يجرى عليه الحدود. ومن سماع سحنون من ابن القاسم وأشهب: وعمن باع منزلاً فقيل للمبتاع إن لزوجته فيه شركاً فأعلمه المبتاع بذلك فحلف بالطلاق لا باع منه شيئا، فخاصمه المبتاع وسلمت زوجته، قال لا يحنث لأن البيع قد تم وإنما يمضى ما ثبت، وقاله سحنون. وقال أصبغ فيمن باع سلعةً فسأل المبتاع أن يبدل له بعض الدراهم فأبى، فحلف لا باعها منه أو حلف المبتاع لا اشتراها، فسئل المبتاع عن نيته فقال: ظننت ألا يتم بيع إلا بالافتراق أو لا يدعى نيته وأن يمينه مسجلة، قال إن تسالما حنثا إن حلفا لأن يمينهما على المنع من البائع والترك من المبتاع، وإن حلف أحدهما وسالمه الآخر بر، وإن لم يسالمه وقام على حقه حنث. وليس فى هذا شك [4/ 258]
إلا فى الجاهل الذى يظن أن البيع لم يتم ففيه ضعف وهو حانث عندى، ومسألة مالك فى الأمة هو حانث. وكالذى يدعى إلى نكاح امرأة فيقول هى طالق ولا يقول إن تزوجها فليزمه إن تزوجها، وهو كالجواب، وقاله أشهب. ومن المجموعة روى ابن وهب وابن القاسم عن مالك فيمن غيب أمة لزوجته فسألته ردها فحلف بعتق رقيقه لا رجعت إلى ملكها، ثم سألته فردها إليها، قال قد أثم وأعتق رقيقه. قال عبد الملك فيمن باع دابة فماطله المبتاع بالثمن فحلف لا باعها منه فلا شىء عليه إذا ثبت البيع الأول، لأنها فى ملكه. قال ابن حبيب فى الغلام الذى حلف لا تزوج امرأته أو حلف لا باع ما قد باعه إنهما حانثان ولا ينويان. وقد قال مالك فى الحالف ألا تعتق زو جته أمتها وقد كانت أعتقتها إنه لا شىء عليه، إلا أن يريد إن كنت فعلت، فهذا يدل أنه لو كان أنها فعلت أنه حانث ولا ينوى. ومن كتاب ابن المواز وعمن باع ثوبا ثم تشاجر مع المبتاع فحلف لا أخذ فى ثمنه ديناراً ولا درهماً، فإن كان سمى له فى أخذها فأبى عليه فله أخذ العروض، وإن لم يكن كذلك فلا يأخذ منه شيئا إلا حنث، ثم قال للسائل ما سبب يمينك؟ قال سألته الإقالة، قال فإذا لا تأخذ منه شيئا، وإن رد ثوبك بعينه فخذه. وكذلك إن رده بعد أن قطعه ولا تأخذ ما نقصه القطع ولا قيمة الثوب إن قطعه، فإن أخذت منه ثوبك وبعته من آخر فباعه الآخر منه ولا يبيعه ممن يرى أنه يبيعه منه، وبعه من أبعد الناس منه. وقال فيمن باع جلداً له غائباً ثم جاءه الجلد فبعث به مع أخيه إلى ربه، فحبسه الأخ ورماه فى الدباغ لنفسه، ثم طلب أن يبيعه منه فحلف بالطلاق لا باعه من أحد، فجاء المشترى فى طلبه فلا حنث على البائع، وهو للمشترى بالبيع الأول أن ينوى لا خرج من ملكه إلى المبتاع ولا إلى غيره. [4/ 259]
فيمن حلف لا يجاور أباه أو لا يخرج امرأته إلا بقضية
ومن كان شريكا لرجل فى مقتاة أو زرع ثم حلف ألا يشاركه فإنما يلزمه ذلك فى غير ما اجلا فيه. ومن له رهن بدينار فحلف ألا يرهن شيئاأبدا ثم أخذعلى ذلك/الرهن دينارا آخرفإن كان الرهن يسوى أكثر من دينار حنث والا فلا شيء عليه. فيمن حلف لا يجاور أباه أو لا يخرج امرأته الا بقضية وهل له منعها أن تخرج بغير يمين؟ من العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بالطلاق لا جاوره أبوه وهو يستطيع فليس ذلك مخرجاً. ولو استأذى عليه أبوه أو حلف عليه لم يكن له به مخرج، ولا يحيى السلطان على مثل هذا أحداًٌُ. وروى عنه أشهب فى الحالف بطلاق امرأنه إن خرجت من بيته إلا أن يقضى عليه السلطان أو تخرج بغير إذنه فضربها، وكانت تسكن مع أمه فخاصمت ألا تسكن معها فقضى لها أن تخرج فنقلها فلا شىء عليه، واليمين عليه فى المنزل الثانى. وإذا حلف بطلاق وعتق لا يتركها تخرج أبداً أيقضى عليه بالخروج فى جنازة أبيها وأمها ويحنث؟ قال لا أرى ذلك عليهإذا حلف. وإذا حلف لا خرجت إلا أن يقضى على به السلطان فأراد أن يقضى عليه بذلك، فإن نوى إذا أخبر الإمام غيره فقضى عليه ألا أن يكون عليه شىء، وليس على السلطان بأس أن يفعل إذا علم أنه يجب ذلك. قال ابن المواز وقيل لابن عبد الحكم فإن جهل فأخبر هو بذلك الإمام. قال ما أشبهه أن يحنث. [4/ 260]
ومن سماع سماع أشهب قال وإذا لم يحلف فإنه يقضى لها عليه أن تشهد جنازة أبيها وأمها وأن تزورهما، والأمر الذى فيه الصلة والصلاح. وأما الجنائز واللعب والعبث فليس ذلك عليه. وقال فى الحالف ألا تخرج أبدا إنه لا يقضى عليه فى أبويها ويقضى عليه أن تخرج إلى الحج إن شاءت كانت صرورةً، ولكن ما أدرى ما تعجيل الحنث فى هذا يحلف بالأمس ويقول أنا أحج اليوم ولعله يؤخر ذلك سنة بسنة. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف لا خرجت زوجته إلا بقضاء الإمام، فإنه يقضى عليه فيما يلزم من جنازة أمها وما ينبغى فأرجو ألا شىء عليه. وأما إن قضى عليه بغير الحق فأذن له بحكم منه فلا شىء عليه وأما إن أخبر بذلك لرجل فمضى الرجل إلى الإمام فأخبره فحكم عليه بغير الحق فهو حانث. وذكرها فى كتاب ابن المواز إلى قوله فأرجو ألا شىء عليه، ثم قال: فإن أذن لها، يريد الإمام، فيما يلزم فلا يأذن لها، يريد الزوج وإلا حنث. وإذا أذن السلطان فى أمر لا يدريه فهى على ذلك الإذن وليس له مخرج فيما لم يأذن لها فى غير الواجب، فإن أذن لها حنث. هكذا وقعت فى الكتاب مشكلة، وروايت ابن عبدوس التى تقدمت أبين. وقال ابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك فى الحالف لا أذن لها إلى بيت أمها، فمرضت الأم مرضا شديدا فقالت لزوجها اتق الله، فقال لها استأذى علي الإمام حتى يأذن لك، فقلت له قد وكلتك على ذلك، فذكر هو ذلك للقاضى، فقل قد أذنت لها، فبلغها عنى كما بلغتنى عنها، فأخبرها فخرجت، قال قد حنث. وفى باب الحالف لا تخرج امرأته إلا بأذنه بقية القول فيما يلزم الزوج الإذن فيه لها ويقضى به عليه. [4/ 261]
فيمن حلف لا يعطي خصمه شيئا ولا يصالحه إلا بقضية
فيمن حلف لا يعطى خصمه شيئا ولا يصالحه إلا بقضية أو حلف على رجل ليستأذين عليه أو ليرافعنه أو ليجتهدن عليه ونحو هذا أو ليرفعن أمراً غلى السلطان ما الذى يبرئه فى ذلك كله؟ ويحنث به؟ من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن خاضم رجلاً فى ميراث فحلف لا دفع إليه شيئا إلا بقضية، ثم اختصما فقضى على الحالف باليمين فأراد الفداء منها، فكره، يريد مالك، أن يدفع إليه شيئا إن كان باراً. قال عنه ابن نافع فيمن حلف ليصيحن على الأمير فى فلان فصاح فلم يدع به، قال يرجع فيصيح، فإن صاح ولم يدن أو لم يستعد عليه لا ينفعه. قال ابن نافع إذا صاح من موضع بسمعه الإمام بر فى يمينه. وقال عنه فيمن ابتاع ثمراً فخاف أن يضيع فيه فأخبر البائع فقال له: بع ولا نقصان عليك، فخلطه بغيره ةباع فنقص فحلف البائع بالطلاق إن حطه لأنه خلطه بغيره، فخاصمه إلى صاحب الشرط فقضى على البائع باليمين فلم يحلف، فقال له مالك إن لم تحلف لزمك الغرم قال قد قال لى صاحب الشرط اصطلحا فقال حلفت لا أحطه إلا بقضية السلطان، قال قد قضيت عليك أن تصالحه، فقال مالك لا أرى ذلك مخرجاً أن تصالحه على أمر تتماسكان فيه، ولكن لو قال قضيت عليك أن تحطه النصف أو الثلث كان ذلك مخرجا لك. قال عنه ابن القاسم فيمن حلف لمن شتمه ليرفعن فيه بينةً، أيجزئه أن يرفعها؟ قال بل حتى يخاصمه ويقاعده. قال عنه ابن نافع: ومن ستمه رجل فحلف ليجهدن عليه وليستأذى ثم تركه، قال أخاف عليه إذا قال له إذهب وتركه، ولو أجهد عليه فلا يقضى له [4/ 262]
بشىء فلا شىء عليه. قيل فإن أجتهد عليه الآن بعد أن تركه، قال أخاف أن يكون قد حنث إن تركه وقال عفوت عنك، وإن انصرف عنه ولم يقل له عفوت عنك ففى ذلك شىء. يقول لم أتركه. وقال عنه فيمن حلف ليستأذين على إمرأته فستأذى واحداً طائعا وجاء فلم يجدها فى المنزل، وحضره سفر إلى ينبع، قال لا يعجل وأخاف عليه الحنث. وقال عنه فيمن حلف لرجل بالعتق ائن مات أبوك لأجهدن أن لا تلى ما كان، فمات الأب وولى الأبن سنين وولى ثلاثة أمراء كل ذلك لا يتكلم فيه. قال أخاف أن يكون قد حنث، قيل فإن لم يكن حنث فإنه يبيع رقيقه قبل أن يخاصم؟ قال لا. قال ابن نافع إذا غفل عن ذلك فلا يحنث ويقال له الآن فافعل ما حلفت عليه. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ومن حلف لا فارق خصمه حتى يذهب به إلى السلطان أو إلى صالح فلقى خاطب خليفة صالح، فقال له أرسله فرآه حانثا حين لم يجلس معه حتى يلقى صالحا. قال ومن حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان لم يبره أن يرفعه إلى صاحب الحرس. قال ابن القاسم يريد الذى يعس، فأما صاحب الشرطة فهو سلطان، وليس صاحب المسلحة سلطانا. قال عنه أشهب فيمن حلف بالطلاق إن لم أخاصمك إلى فلان الوالى فمات فلان أو عزل فليخاصمه إلى من ولى بعده ولا شىء عليه، لأن قصده مشافهته إلا ينوى الأول بعينه، وإن لم تكن له نية لم يحنث إذا خاصم إلى الثانى. وإن أقام بعد يمينه شهرين لا يرافعه حتى مات الوالى أو عزل فذلك له إلا أن ينوى الأول بعينه، وإن لم تكن له نية لم يحنث إلا أن يتطاول ذلك جداً. قال سحنون فى المجموعة شهرين كثير، وأخاف أن يحنث. [4/ 263]
فيمن حلف لا تخرج زوجته إلا بإذنه أو خص موضعا
قال ابن الماجشون إذا قصد ذلك الوالى لصداقة رجاها أو لعداوة بينه وبين خصمه أو لصلابة فيه، فإن لم يوقت وترك وهو قادر أن يستأذى حتى عزل أو مات أو فات المحلوف فيه فقد حنث، وإن لم يرد ذلك فالذى ولى بعده فيه اليمين. ولو ضرب أجلا فى ذلك كله ففات ما فات من ذلك فى وقته الذى لو استعدى فيه بر، ولو استعدى بعده فلا شىء عليه. فيمن حلف لا تخرج زوجته إلا بإذنه أو خص موضعا أو قال لا أعرت شيئا إلا بإذنى وما الذى يبرئه من الإذن؟ وما الذى له منعها من الخروج فيه بغير يمين؟ من الواضحة قال ابن حبيب: وللرجل منع زوجته من الخروج إلى بيت أبويها، ولا يحكم به عليه إن امتنع وإن لم يحلف، ولكن يحكم عليه بالإذن لها فى الدخول عليهما المرة بعد المرة، وليس له منع الوجهين ويقطع ما أمر الله به أن يوصل. فإما أن يتركها تخرج إليهما أو يدخلان إليها، ويقضى عليه بأحد الأمرين إن طلبته هى أو أحد أبويها هو حق لها ولهما. فإن حلف بالطلاق لا دخلا إليها ولا خرجت إليهما قضى بإحناثه بأحد الأمرين إن خوصم، وكذلك قال من كاشفت من أصحاب مالك ويقضى عليه أن لا يمنع أخاها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها من دخولهم إليها أو خروجها إليهم، فإن حلف فى الوجهين فقد ظلم وأساء ولا يبلغ به الحنث. وكذلك سمعت. ومن حلف لا خرجت امرأته مبهما أو سمى موضعا، فإذا خرجت بعلمه أو غير علمه حنث. ومن حلف لا أذن لها فى الخروج فخرجت بغير إذنه ولا علمه فلا يحنث، فإن علم فسكت قادراً على منعها فلم يفعل حنث، إلا أن يحلف على التاسم لها والتحرج عن الإذن لها ويتركه إياها على سخطة وغير رضى فلا يحنث، وهكذا قال ابن الماجشون ومطرف، وقاله ابن القاسم وأصبغ. [4/ 264]
ومن حلف لا خرجت امراته إلا بإذنه فأراد سفراً فأذن لها أن تخرج كلما شاءت وحيث شاءت، قال ابن القاسم يقول إذن واحد يكفيه، إلا ان يقول لا خرجت إلى موضع من المواضع أو يقول إلى موضع فقط، فإن قال ذلك لم يجزه حتى يجدد الإذن فى كل موضع عن علم منه بالموضع الذى تخرج إليه، وحكاه عن مالك وقاله مطرف وأصبغ. وقال ابن الماجشون إذن واحد يحزئه فى الوجهين، وقاله أشهب. وقول ابن القاسم أحب إلي، فإن نزل ذلك لم أبلغ به الحنث وأخذت بقول أشهب وعبد الملك. وذكر ابن المواز عن مالك وابن القاسم مثل ما ذكر ابن حبيب، وذكر عن أشهب مثل ما ذكر، وكذلك عنهم فى المجموعة. قال ابن القاسم فى المجموعة ومعنى قول مالك فى قوله إلى موضع يعنى أن يأذن لها فى كل إذن بعد أن يعلم الموضع، فأما لو قال إن خرجت إلى دار فلان إلا بإذنى ثم قال اخرجى حيث شئت أو اخرجى إلى دار فلان هذه متى شئت وكلما شئت فلا شىء عليه. فكذلك ذكر ابن المواز فى قوله إلى دار فلان كقوله اخرجى مطلقا فإذن واحد يكفيه بخلاف قوله إلى موضع، وكلك قال أصبغ. وذكر ابن الماجشون فى الحالف لو خرجت إلا بإذنى أنه لابد من إحداث الإذن فى كل مخرج، إلا أن يقول نويت هذا الأمر جملة بعينه، أى نويت إذنا واحداً فيحلف وينوى. ولو أراد سفراً وجها أو وقت وقتاً له سبب فأذن لها إليه لما لا يقدر أن يستأذنه لغيبة فيجيز من هذا ما كان له وقت وللإذن فيه جملة سبب. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف بالطلاق لا ذهبت مكانا إلا بإذنك، يعنى امرأته، فأذنت له فى شهود جنازة ابن عمه فاستأخر إلى المساء ففزع أن يرجع من الحرس فبات عندهم، قال لا شىء عليه. أرأيت لو أخذه الحرس أعليه شىء؟ [4/ 265]
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لا خرجت إلا بإذنى، فأذن لها فخرجت ثم رجعت إلى الدار ثم خرجت بغير إذن حنث، إلا أن يقول لها اخرجى إلى أى موضع شئت. قال ابن المواز عن ابن وهب وقال العتبى عن أبو زيد عن ابن القاسم: وإذا أذن لها إلى موضع فخرجت ثم رجعت من الطريق لحاجة ذكرتها مثل ثوب ذكرته تتجمل به ثم خرجت فلا شىء عليه، إلا أن ترجع إلى الدار تركاً لمخرجها الذى أذن فيه ثم تذكر فتخرج على الإذن الأول، فهذا حانث. وقال ابن المواز عن ابن القاسم إنه حانث بكل حال، وكذلك ذكر عنه ابن حبيب عن أصبغ، وذكر عن ابن نافع ومطرف وابن الماجشون أنها إن رجعت لما ذكرت قبل بلوغ الموضع الذى خرجت إليه فلا شىء عليه، فأما لو بلغت ثم رجعت فلابد من تجديد الإذن وإلا حنث، وبه قال ابن حبيب. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف لا أعارت امرأته من بيته شيئاً إلا بإذنه، ثم يقول لها قد أذنت لك أن تعيرى كل ما شئت فلا ينفعه فلا ينفعه ذلك حتى يعرف كل ما تغير، كمن قال إن خرجت إلى موضع إلا بإذنى. وقيل ليس هذا مثله، وليس بشىء حتى يقول إن أعرف شيئا من الأشياء فيكون مثل قوله إن خرجت إلى موضع من المواضع. وأما يمينه إن أعرت فمثل قوله إن خرجت. قال ابن المواز وقال أشهب فيمن حلف ألا تخرج إلى عيادة مريض إلا بإذنه، فأذن لها فى العيادة فذهبت منها إلى غيرها فقد حنث. وإن حلف ألا تخرج إلى بيت أمها إلا بإذنه فأذن لها إليها فخرجت إليها ثم مضت منها إلى الحمام فلا شىء عليه. قال أحمد بن ميسر لأنها لا تحتاج فيه إلى إذن. قال ابن حبيب وإن حلف لا أذنت لك إلا إلى بيت أهلك أو إلى موضع كذا فأذن لها إليه فخرجت إلى غيره أو خرجت إليه، فابن القاسم لا يحنثه، فقال أصبغ يحنث كان مبتدأ خروجها إلى موضع استثناء أو إلى غيره، وبه أقول. [4/ 266]
ومن كتاب ابن المواز وغيره قال أصبغ: إن حلف لها لا خرجت إلا بإذنى فمر بأمها فسألته أن يأذن لها إليها، فقال نعم أنا آذن لها وأبعثها إليك، فبعثت الأم إليها قد أذن لك زوجك فجاءتها قبل مجىء الزوج وإذنه، فإن أراد بما قال للأم إذناً إنى قد أذنت لها وتلك نيته فلا شىء عليه، وإن لم يرد ذلك فقد حنث. وكذلك ذكر العتبى عن ابن القاسم عن مالك. وفى المجموعة عنه وعن أشهب وابن وهب عن مالك. ومن المجموعة قال أهشب عن مالك فى الذى حلف لا خرجت امراته إلا بإذنه فأراد سفراً فأذن لها بإشهاد قوم أن تخرج حيث شاءت، وأشهد بذلك فلم يبلغها حتى خرجت بعد ذلك الإذن فقد حنث، لأنها خرجت بغير إذنه، وقالها ابن القاسم. قال ابن القاسم وأشهب: وإن أذن لها فخرجت ثم رجعت فاليمين باقية عليه. قال أشهب كما لو حلف لا كلم فلاناً إلا ناسيا فكلمه ناسياً إن اليمين عليه، أو حلف لا يتزوج إلا بإذن امرأته فأذنت له فى امرأة ثم نكحها ثم فارقها وبانت منه، فلا يتزوجها إلا بإذنها. ومن العتبية قال أصبغ: وإن حلف لا خرجت إلا بإذنى، فأذن لها إلى موضع فذهبت منه إلى غيره فقد حنث. وكذلك إن قال فى موضع من المواضع. وقال أشهب عن مالك فيمن حلف فى سفر ومعه زوجته فقال: إن قدمنا ودخلت الدار فأنت طالق إن خرجت إلى سنة، فقدمت فدخلت داراً أو دارين قبل تدخل دار زوجها ثم دخلتها، فلا شىء عليه حتى تخرج بعد أن دخلتها قبل السنة. قيل قدمت نهاراً؟ قال تأتنف السنة من الليلة التى تأتى، وأحب إلى ألا تنزل فى منزل أحد حتى تنزل فى منزله ثم لا تخرج إلى سنة. [4/ 267]
فيمن حلف ألا تخرج امرأته فأكرهت على الخروج أو لأمر غالب أو خوف هدم
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لا خرجت امرأته إلا انتقال، فأراد إخراجها إلى قريته ثم ترجع فلا يفعل إلا على أن يدع سكنى موضعه. وكذا قال عنه أبو زيد، وزاد فقال: وإن كان خروجه يقيم الشهر ونحوه فلا شىء عليه. قال عنه أبو زيد وإن حلف لا أذن لها إلى أهلها فأذن لها إليهم فلم تذهب فقد حنث سارت أو لم تسر. وفى باب من حلف على شىء فيفعل بعضه من معنى هذا الباب. وقد تقدم فى باب من حلف لا يجاور أباه ولا تخرج امرأته زيادة فى ذكر ما يؤذن فيه للزوجة من الخروج. فيمن حلف ألا تخرج امراته فأكرهت على الخروج أو خرجت لأمر غالب أو خوف هدم أو انتقل الزوج أو حلف ليخرجن فخاف أمرا ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن حلف لا مرأته لا خرجت أبدا، فأخرجها رب الدار فليرفق به، فإن أبى فلا شىء عليه ولكن اليمين باقية عليها فى الدار التى ينتقل إليها. وكذلك إن خرجت لحريق أو هدم وشبهه. قال مالك وكذلك لو كان الزوج غائبا فكاتبته فأذن لها أو لم تكتب إليه ولا أذن فهو سواء إذا أخرجها رب المنزل، فاليمين باقية فى المنزل الآخر. قال ولو انتقل الزوج ولم يخرجه رب الدار فلا شىء عليه إذا كان على سبيل النقلة، واليمين باقية حيثما انتقل. وكذلك إذا خرج بخوف سقوط البيت أو أراد النقلة أو خرج إلى بادية وما كان مما يخشاه من أمر السماء فيغلبه فلا شىء عليه. [4/ 268]
فيمن حلف ألا فعل كذا إلا بإذن فلان أو حتى يقدم
ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك فيم حلف بالطلاق لا خرجت امرأته من الدار، فأتاها سيل أو هدم أو أمر لا قرار معه أو أخرجها أهل الدار وهى بكراء قد انقضى، فلا شىء عليه فى خروجها هذا واليمين عليه فى الدار التى انتقلت إليها. وكذلك إن رجعت إلى الدار التى انتقلت منها. قال ابن القاسم فإن ضرب أجلاً فحتى تبلغ إليه. قال ابن سحنون عن أبيه: وكذلك لو أخرجها السلطان فى يمين يحلفها عند المنبر لم يحنث. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فيمن حلف بطلاق امرأته إن خرجت من باب بيتها حتى الصدر، فغاب وكان من شأن المبيضة ما كان، فخافت المرأة فخرجت من خوفها من دبر البيت إلى أمها ولم تخرج من بابه. قال أراه قد حنث. ومن حلف لئن كان كذا لأخرجن إلى موضع كذا، فكان ذلك فمنعه من الخروج الخوف، قال لا ينفعه ذلك إلا أن يكون ذلك فى أصل بيناه. فيمن حلف ألا فعل كذا إلا بإذن فلان أو حتى يقدم وكيف إن مات فلان أو لم يمت أو قال أنت طالق إلا أن يمنعنى فلان من كتاب ابن المواز: ومن حلف أن لا يقضى فلاناً حقه إلا بإذن زيد فمات ن فلا ينفعه إذن ورثته ولا قضاء السلطان إلا أن يكون على يمينه بينة ونوى إكراه الوالى. ولو حلف لا دخل الدار إلا بإذنى فلان فمات فلان لم ينفعه إذن ورثته، وكذلك قال ابن القاسم وأشهب فى المجموعة. وإن أذن له فلان فدخل ثانية إلا بإذنه، إلا أن يقول له قد أذنت لك أن تدخل كلما شئت فذلك له. ولو أذن له أن يدخل فلم يدخل حتى نهاه، [4/ 269]
قال أشهب قد قيل لا يدخل، فإن فعل حنث، وكذلك يمينه لا يخرج إلى بلد كذا إلا بإذن فلان فلا يخرج إلا بإذنه إلا أن يحلف بذلك لدين عليه أو يدفعه ويقضيه أو يدفعه بعد موته إلى السلطان فليخرج. وإذا حلفت امرأة لا زوجت أمتها عبد فلان إلا بإذنه فمات فلا تزوجها إياه إلا بإذن من ورثته. وكذلك فى المجموعة عن ابن القاسم عن مالك. ومن المجموعة قال أشهب ومن حلف لا دخل دار زيد إلا بإذن محمد، فأذن له أن يدخل كلما شاء فذلك إذن كاف، إلا أن يكون إنما قال له أناه أذهب أدخل دار فلان فأذن له فدخل، فهذا لا يدخل إلا بإذن آخر. ولو أذن له ثم نهاه قبل أن يدخل فلا يدخل، فإن فعل حنث. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت دار أبيك حتى يقدم أخوك من سفره، فمات أخوها قبل يقدم، فهذا ينوى، فإن أراد مثل قدوم الحاج ونحوه ولم يرد الموت وإنما أراد الجل وأقامت لمثل ذلك ثم دخلت فلا يحنث، وإن لم تكن له نية فهو حانث إن دخلت. وقال أصبغ: ومن قال أنت طالق ثلاثاً إلا أن يمنعنى أبى، فمنعه أبوه فلا شىء عليه إذا كره الأب ذلك ومنعه بصحة وإدارة، وكأإنه قال أنت طالق إن شاء أبى فلم يشأ. وإن قال امرأته طالق إن خرج من المسجد إلى الليل إلا بإذن فلان، فقال فلان لا آذن لك إلى الليل وأشهد بذلك، ثم أذن له بعد ذلك فلا ينغعه ذلك، لأنه نهاه أولاً وعزم على ذلك وأشهد، وهو كالتوقيف لو وقف فأبى ثم أذن بعد ذلك بل هو أشد منه. [4/ 270]
فيمن حلف ليخرجن إلى فلان فقدم، أو لا فعلت حتى يقدم فلان فمات
فيمن حلف ليخرجن إلى فلان فقدم أو لا فعلت حتى يقدم فلان فمات أو حتى يقدم من سفرى أو ليخرجن معى فكسر أو قال لا أخرن غلانا أو لا صحبته أو لأنفقن عليه فمات فلان من المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلفت لا تخرج إلى موضع كذا حتى يقدم زوجها من الحج فمات فى عيبته، فإن أرادت لمقدار قدومه كالحاج ونحوه، فإذا مضى ذلك المقدار فلا شىء عليها، وإن لم تكن له نية فاليمين عليها أبدا. قال ابن المواز إذا أرادت مغيب زوجها. وقال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف لا دخلت امرأته موضعا حتى يرجع من سفره فى حج أو عمرة فكسر فلا تدخله إلى مثل مقدار سفره ورجعته إذا لم يكن له نية ولا ما يدل على أكثر من لفظه. ومن المجموعة والعتبية قال ابن نافع وأشهب عن مالك فيمن استأذنته زوجته فى الخروج عند سفره فحلف لا أذن لها حتى يرجع فكسر، فإن نوى أن لا يأذن لها فى غيبته إذ لا واعظ لها ولا معاتب وخاف من ضرر خروجها فهو أخف. قال أشهب فى المجموعة: ومن قال لعبده إذا قدمت أنا من المدينة فأتت حر أو امرأته طالق، فكسر عنه الخروج فلا شىء عليه. قال أبو محمد وأعرف فى موضع آخر أنه إذا أراد أن يجعله أجلا طلقت المرأة الآن. وعتق العبد إلى مثل مقدار خروجه ورجوعه. من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أراد النقلة بزوجته فأبت، فقال أنت طالق إن لم تنتقلى معي، ثم بدا له عن الانتقال فلا شيء عليه. [4/ 271]
وإن قال إن ولدت غلاما إن لم احج بك فانت طالق، فاتت بغلام وابت الحج، فأراد أن يفي لها بما كان يسأله، فإذا عرض عليها ذلك فأبت فلا شيء عليه، وإن أغلق على نفسه ليفعلن ذلك ليس على وجه العطيه لها فقد لزمه ذلك، وله أن يكرهها على الحج وذكرها في كتاب ابن المواز فقال: إن كانت هي سألته ذلك فلا شيء عليه إذا أبت الخروج، وإن كان منه على وجه العطية لله لاعلى العطية لها وليسرها لزمه أن يخرج بها ويكرهها. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أصبغ من ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق ليخرجن إلى أخيه إلى العراق فقدم أخوه ولقيه فى الطريق وقد خرج إليه أو بلغها موته فإن كان إنما أراد لقيه فلا شىء عليه وليقم، وإن كان إنما أراد إتيان العراق فليأتها. وقال سحنون فى كتاب ابنه: إن فرط حنث وإن لم يفرط لم يحنث. وقال عبد الملك بن الحسن قال ابن القاسم: ومن حلف لا أنفق هذا الدينار إلا فى حلى ابنته، فماتت قبل أن يعمله لها، فليحبسه ولا ينفقه. وقال فيه كتاب ابن المواز لا شىء عليه. وقال سحنون قال مالك فى الحالف لينظرن غريمه شهراً فمات الغريم قبل الشهر، فليحلف الطالب ما أراد إلا نفع الميت والرفق به ويأخذ حقه ولا حنث عليه. قال ابن المواز قال أشهب: وإن حلف لينتقلن عن فلان إلى شهر، فمات فلان قبل الشهر، فلا يحنث، فإن لم يضرب أجلاً، وإن فرط فى النقلة حتى مات حنث الحالف. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف لأمه ليخرجن بها فى هذا الموسم إلى مكة إذا قدمت من سفر لى فقدم، فهل يسافر سفراً آخر قبل الموسم؟ قال [4/ 272]
فيمن حلف بطلاق أو عتق ليفعلن كذا ثم قال قد فعلت
مالك ما أحب ذلك، وليخرج بها، فإن أبت لا شىء عليه، وإن قالت له حتى يرجع من هذا السفر الثانى فخرج فلا شىء عليه فى سفره هذا. قيل إنه أفتى إذا أبت الخروج حنث. قال يقال لمن قال ذلك فإن وجدها قد ماتت أو مرضت أو انكسرت أعليه شىء؟ قال لا شىء عليه. فيمن حلف بطلاق أو عتق ليفعلن كذا أو ليعطين حقا ثم قال قد فعلت ذلك من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بطلاق امرأته أو عتق عبده ليضربن أمته أو عبده كذا وكذا، ثم يقول قد فعلت ذلك، فأكذب العبد أو المرأة فالحالف مصدق. قال مالك: ولو حلف على قضاء فلان حقه إلى أجل فحل فقال قد قضيته، فإن لم تقم بينة بأنه قضاه طلق عليه بالبينة على أصل الحق. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قال الطالب بعد الأجل قد قضانى، فإن كان من اهل الصدق حلف مع شهادة صاحب الحق ولا شىء عليه، وإن كان من أهل التهم لم يقبل منه حتى يأتى بشاهدين أنه قضاه. وذكرها ابن سحنون لأبيه من رواية عيسى عن ابن القاسم مثل ما ها هنا فقال سحنون: لا أعرف هذا، كان عدلاً أو غير عدل. وقولنا إذا قال قبضت برىء الحالف من يمينه. ومن العتبية روى ابن وهب عن مالك قال: إنما هذا إذا لم يكن على أصل يمينه بينة إلا إقراره إنه حلف فالقول قوله أنه قضاه بلا بينة. وكذلك قوله حلفت بالطلاق لأضربن فلاناً وقد ضربته أو لأعطينه كذا وقد أعطيته فهو مصدق بلا بينة حين لم يكن على أصل يمينه بينة ويكون عليه المخرج بالبينة، وقاله أصبغ. [4/ 273]
قال ابن كنانة إذا قال رب الدين قد قضانى عند الأجل لم تقبل شهادته فى ذلك ولا فى كل ما بينهما فى مخالطة على يمين فى ذلك بالبراء وبالحنث حتى يكون ذلك لغيره. ومن الواضحة: وإذا قال الحالف بالطلاق على قضاء الحق إلى أجل قد قضيته قبل الأجل وصدقه القابض فإنه يبرأ من الحق ولا يبرأ من الحنث إلا بشاهدين على ما قال، ولا يقبل فيه شاهد ويمين ولا شهادة النساء ولا تصديق الطالب. وروى ذلك عن مالك وأصحابه، وأفتوا به إلا ابن عبد الحكم وأشهب فقالا إن كان المقر بالقبض مأموناً فلا يحنث، والأول أحب إليه. وأخبرنى مطرف وابن الماجشون أن مالكاً أجاز فى ذلك شهادة قابض الحق مع غيره إن كان عدلاً ولا يقبل وحده قال ولو قال قبل الأجل قد قضيته وصدقه رب الحق أو أنكره فأقام شاهدا وامرأتين أو شاهداً وحلف فسقط الحق قبل الأجل فذلك يسقط الحنث، وإن لم يقم عليه بالحنث إلا بعد الأجل إذا حكم بزوال الحق قبل أجل بما قلنا من شاهد ويمين أو غيره. وإذا لم يحكم بزوال الحق إلا بعد الأجل لم يسقط الحنث وسقط الدين، وقاله مطرف وعبد الملك. وقالا لو أتى بعد الأجل بشاهد وناقلين عن امرأتين أنه قضاه قبل الأجل برىء من الحنث، وإن كانت المرأتان حاضرتين إذا قال الناقلان عنهما أشهد أنا على شهادتهما قبل الأجل. وأما لو شهدت المرأتان بعد الأجل بأنفسهما مع الرجل أنه قضاه قبل الأجل لم يبر من الحنث، ونقل الشاهدين عنهما ذلك بعد الأجل كما لو شهدتا بأن القابض أقر عندهما قبل الأجل بالقبض وكانت شهادتهما بذلك بعد الأجل لسقط بذلك الحنث. ومن كتاب ابن المواز: ومن له قبل رجل حق فأتاه فقضاه بعضه فأبى فحلف إن فارقه وبينهما عمل فأعطاه ما طلب، ثم طلبه بباقى حقه فادعى إنه قضاه الجميع وجاء بشاهدين أنهما سمعا الطالب يحلف بهذه اليمين ولا يعلمون سوى ذلك فلا يبر بذلك فى بقية الحق ويحنث الحالف، إلا أن يحلف أنه إنما أراد [4/ 274]
فيمن حلف بالطلاق ما فعلت كذا ثم قامت بينة بخلاف ما قال
قبل ما تقاضاه فقط، وهو الذى قبض فلا يحنث فى الفتيا، ويحنث فى القضاء على ظاهر يمينه. فيمن حلف بالطلاق ما فعلت كذا أو ما كان كذا أو ما علي كذا ثم قامت بينة بخلاف ما قال قبل أن يحلف أو بعدما حلف من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف فى بيت فيه ابنة عم له ما لها فيه حق، فأتت بينة أنه لجدها، وجاء هو بينة أن أباه حازه دون أخوته وبشاهد أن أباه استخلصه من إخوته، فليحلف بالله إن حقه لحق وما لها فيه حق ولا شىء عليه. من سماع أشهب وعن ثلاثة نفر اشتروا غنماً وتقاوموها فاشترى أحدهم شاتين منها فأتى بالثمن إلى أحد صاحبيه، فقال له بقى عليك من الثمن نصف درهم وصدقه الثالث فحلف الذى أخذ الشاتين بالطلاق ما أخذتهما إلا بما بان، فقال مالك له قد حنثت، وبماذا ترد شهادتهما عليك؟ قال بأنهما شريكان لى، قال لا يتهمان فى نصف درهم فى الجر إلى أنفسهما هو بين ثلاثة. قيل له فالنصف درهم أيطرح عنه أو يقع عليه؟ قال لا أدرى، وقد قلت إذا لم يكن عليك فعلى من يكون؟ قال علينا أجمعين، وما أراه إلا وقد صدق. وروى عيسى عن ابن القاسم: وعمن حلف بالطلاق لرجل إن كان بغاه عند فلان فشهد عليه شاهد أنه بغاه عنده وشهد بذلك فلان أيضا، قال يلزمه الطلاق. وكذلك لو قال ما بغيتك عند فلان وفلان فشهدا عليه بعد يمينه أنه [4/ 275]
وروى عنه يحيى بن يحيى فيمن أقر عند قوم أنه حلف بالطلاق لا كلم فلانا ثم شهد آخرون أنه كلمه بعدما أقر باليمين، فقال امرأتى طالق إن كنت حلفت وما كان ذلك إلا كذبة كذبتها. ولقد كلمته وما على يمين بطلاق ولا غيره، قال يحنث، لأنه ثبت عليه أنه فعل ذلك بعد إقراره باليمين ألا يفعله. قال: ومن قال قد كلمت فلاناً اليوم أو أتيته أو أكلت كذا ثم حلف بالطلاق إن كان فعل شيئا من ذلك، فهذا يدين ويحلف ولا شىء عليه، إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمين أنه لم يفعل ذلك فتشهد عليه البينة أنه فعله قبل أن يحنث أو يقر بعد يمينه أنه كان فعله لزمه الحنث. ومن شهد عليه قوم بحق أو أنه فعل شيئا ينكره فحلف بالطلاق لقد شهدوا عليه بزور، فهذا يدين ويحلف ولا شىء عليه، ثم إن أقر بعد ذلك بتصديق الشهود أو شهد آخرون بتصديق شهادة الأولين فقد حنث. وكذلك لو حلف بالطلاق ما كلم فلانا أو ما له عليه شىء، ثم شهدت عليه بينة بالحق أو بكلامه إياه فإنه يحنث. وروى سحنون عن ابن القاسم فيمن قال لقوم فعلت كذا أو فعل بى فلان كذا، ثم سأله رجل عن ذلك فحلف بالطلاق إن كنت فعلت ذلك ولا فعل بى فلان، فقامت البينة على إقراره الذى كان أقر، فها يحلف ماكان إلا كاذبا ولا شىء عليه، إلا أن تقوم بينة أنهم عاينوه فعل أو فعل به فيطلق عليه. قالوا ولو أنه أقر بعد شهد عليه الشهود بيمينه فلم يلزمه حنث، فأقر بعد ذلك أنه قد كان فعل وشهد على إقراره لطلقت عليه. وكذلك هذه المسألة فى المجموعة عن ابن القاسم عن مالك. وقال غيره وكذلك لو قامت بينة بعد يمينه أنه لم يفعله شهدوا أنه فعله قبل يمينه فإنه يلزم الحنث. ومن سماع أصبغ قال ابن القاسم: ومن عليه بينة بدين لرجل فأنكره فأخبراه أنهما يشهدان عليه به، فحلف بالطلاق إن كان لفلان على شىء فشهد عليه فقضى عليه بالدين فلا يلزمه الطلاق إذا كانت يمينه بعد إخبارهما إياه [4/ 276]
بشهادتهما عليه، وهو كيمنيه بعد شهادتهما عليه به عند الحاكم، قال أصبغ لأنه يمكن أن يكون كاذباً فى الإقرار الأول، وكذلك فى كتاب ابن المواز وفى المجموعة عن ابن القاسم وابن نافع عن مالك نحو ما تقدم. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن له على رجل دين فأتاه بذكر الحق يتقضاه، فحلف بالطلاق ما له عليه ما ذكر، فأقام البينة قال يطلق عليه. قال أشهب إن كانت يمينه إن كان لك على شىء من الأشياء فثبت بالبينة فإنه يسأل إن كان عليه شىء فإنه قد كان له على وقضيته، وهذا الذى أردت، لم يلزمه الطلاق ولزمه الحق. وإن قال لا مكان له على شىء قط لزمه المال والطلاق. وإن قال المطلوب: كل من شهد على فى هذا المال فامرأتى طالق إن شهد إلا بباطل، أو قال له الطالب يشهد عليك فلان وفلان فقال ذلك، وذلك قبل أن يشهدا عليه فلا شىء عليه فى امرأته إذا شهدا وثبت الحق. وهذا كمن قال لرجلين امرأتى طالق إن كتنما دخلتما الدار، فقالا قد دخلناها، فلا يقبل منهما. قال ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق إن لم يكن فلان يشهد عليه بكذا، أو إن لم تكن أخذت هى بشعادة فلان فأنكر فلان الشهادة فلا حنث عليه. وقالا عن مالك فيمن آجر رجلاً واجعى أنه آجره بمعول وعتلة وشهد بذلك رجل، فأنكر الآخر وحلف ما آجره على معول ولقد شهد بزور من شهد على، قال لا شىء عليه إن كان على يقين من يمنه. وقال عن مالك فيمن شهد عليه أنه به ريح خمرفحلف بالطلاق ما شربت خمراً فليحد ويدين فى امرأته. [4/ 277]
ولو حلف ما شربت خمراً فشهد عليه أن به رائحة مسكر، فابن القاسم ينويه إن قال نويت عصير العنب. وقد تقدم في الأول باب فيه فى هذا. وإن حلف ما شربت مسكراً ثم شهد عليه طلقت عليه. وإن حلف بعدما شهدوا فلا شىء عليه. وفى كتاب ابن المواز: ومن شهد عليه رجلان أن عليه حقاً لرجل أو أنه شرب خمراً فحلف بالطلاق ما شربته وما ذلك الحق على فلا شىء عليه، لأنه حلف على تكذيب الشهود. ثم إن جاء شاهدان آخران بعد ذلك فشهدا أنه شربها وأن عليه الحق فأعاد اليمين بالطلاق على تكذيبهما فإنه تطلق عليه بيمينه الأول بشهادة الشاهدين الأخيرين بعد يمينه الأولى، وكذلك لو تقدمت يمينه بذلك عند أول الدعوى، فقامت عليه البينة بعد ذلك لطلقت عليه. ولو قال له الخصم إن فلاناً وفلاناً يشهدان عليك فحلف هو كيمينه بعد شهادتهما ولا شىء عليه. قال ابن القاسم فى المجموعة عن مالك فيمن له امرأتان فحلف بطلاق إحداهما إن دخلت دار فلان، فقامت عليه بينة إنه دخلها إن كان دخل تلك الدار، وما شهدوا عليه ... فلا طلاق عليه فى الثانية، ويطلق فى الأولى. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالطلاق ما لك على حق أنه تطلق امراة الحالف. ولو كان قال له أنت زانى إن كان لك على شىء يحد إذا قضى بالحق بشاهد ويمين. قال سحنون: ومن حلف بالطلاق ما لفلان عليه حق ثم شهد به عليه رجل وامرأتان فذلك يوجب عليه الحق ويلزمه الحنث. [4/ 278]
فيمن قال حلفت بالطلاق أو بغيره ثم قال إنما كنت كاذبا
فيمن قالحلفت بالطلاق أو بغيره الح كذا أو قال طلقت امرأتى أو أقر بما يحنث به ثم قال إنما كنت كاذبا أو معتذرا أو أقرت الزوجة بالحنث ثم قالت كذبت من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن سئل عن شىء فقال عليه فيه يمين وهو كاذب وإنما اعتذر فلا شىء عليه، إلا فى الطلاق والعتاق إن قامت عليه بينة. قال عنه ابن وهب وإذا جاء مستفيتاً ولا بينة عليه دين ولا شىء عليه فى الفتيا. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: ولا يصدق فى القضاء إلا أن يكون قد أشهد قبل أن يقول ما قال إنى إنما أقول ذلك معتذراً. قال ابن حبيب: ومن وجد امرأته قد خرجت فقال: لم خرجت وقد كنت حلفت بطلاقك لا خرجت؟ ثم قال ما حلفت وما قلت ذلك إلا تعبطا عليها، قال لا شىء عليه فى الفتيا، وأما فى الحكم فيلزمه الطلاق. وفى كتاب ابن المواز: ومن سئل فى أمر فقال على فيه يمينه بصدقة أو مشى وهو لم يحلف وإنما أراد أن يعتذر فلا شىء عليه، قامت عليه بينة أو لم تقم إلا أن يقول حلفت بالطلاق يردي والعتق فلا يلزمه فى الفتيا ويلزمه فى القضاء. وكذلك روى عن ابن القاسم عن مالك فى العتبية. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن قيل له بلغنا أنك طلقت امرأتك قال قد كنت ذلك، ثم قال والله ما طلقت، قال يلزمه ما أقر به يريد فى القضاء. قال عنه ابن نافع فيمن قيل له اشتريت فلانة، فقال حلف بالطلاق [4/ 279]
فيمن حلف إن فعل كذا إلا برضا زوجته ففعله وادعى رضاها وهي ساكتة
لا أشتريها وهو لم يحلف، إنما خاف أن يحمل عليه فيها ثم اشتراها، قال إن لم يكن عليه بينة وكان صادقاً فلا شىء عليه. ولو قال هذا بمحضر رجلين ولم يكن حلف لزمه الطلاق، يريد فى القضاء. قال ابن القاسم وإن حلف بالطلاق إن دخل دار فلان ثم أقر عند بينة أنه قد دخلها، ثم قال كذبت فيما قلت، قال هو فى سعة بينه وبين الله عز وجل، ويطلق عليه الإمام، وكذلك قال مالك فى الواضحة. قال ابن القاسم فى المجموعة وإن لم يسمع منه هذا القول إلا امرأته وقال لها كنت كاذباً فلا يسعها المقام معه إلا أن لا تجد بينة. قال ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن دخلت أنت الدار، فقالت قد دخلتها فصدقها الزوج ثم قالت كذبت، فإان صدقها لزمه ذلك، وإن كذبها لم يقض عليه رجعت أو تمادت. ويستحب له ألا يقيم عليها من الوجهين لما غاب عنه من صدقها أو كذبها، وكذلك فى العتق يؤمر ولا يقضى عليه. فيمن حلف إن فعل كذا إلا برضى زوجته ففعله وادعى رضاها أو فعله وهى ساكتة من العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف لا فعلت كذا إلا برضاك ففعل وقال قد أذنت لى وقامت عليه البينة وأنكرت الإذن، قال يطلق عليه، وهى مثل مسألة الدين. وكذلك ما كان مثل هذا، وقاله المخزومى، وإن صدقته فلابد أن أحلفه لقد أذنت له. قال أصبغ فيمن حلف لزوجته لا وطئت فلانة إلا برضاك وإلا فهى حرة، أو قال فأنت طالق، فوطئها وهى ساكتة تراه فزعمت أنها لم ترض، فهو حانث. [4/ 280]
فيمن شك في البر أو الحنث أو حلف على شك
وإن ادعى رضاها قبل أن يطأ فعليه البينة إلا أن يكون المحلوف لها زوجته أو أم ولده ممن لا يشهد فى مثل هذا عليها، فأرجو ألا شىء عليه إذا وطىء وعلم الإذن بالرضا والصحة وجاء مستفتيا فيدين فى ذلك، فإن كان مخاصماً أو مشهوداً عليه كلف البينة على الإذن، وإلا لزمه الأمر. قال عيسى قال ابن القاسم: ومن حلف لا يخرج زوجته إلا برضاها ورضى أخيها وأختها، فرضيت هى أن تخرج أبى الأخ والأخت فلا يبر إلا باجتماعهم. فيمن شك فى البر أو الحنث أو حلف على شك أو مايشبه الشك من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن حلف بالطلاق على موت ناقة له لقد ماتت بين الظهر والعصر ثم شك فقد حنث. فإن كانت يمينه لواحدة فليرتجع إن لم تنقض العدة. وعن بائع لحم حلف لا زاد على رطل وربع بدرهم. فباع صدراً وزناً ثم باع مابقى بالأجزام فلم يدر أقل مما سمى أو أكثرفقد حنث، إلا أن يوقن أن كل جزء أقل من رطل وربع. وعمن قالت له امرأته يابن الخبيثة ثم قالت له لم أقل إلا يابن الخبث فحلف بالطلاق لقد قلت لى يابن الخبيثة ثم سكت قليلاً ثم قال لها قلتها ثلاث مرات ثم شك أن تكون قالتها ثلاثاً وهو موقن أنها قاتلها، فإن لم يذكر بعد سكوته كلاماً فيه طلاق أو أراد به طلاقا فلا شىء عليه. [4/ 281]
قال ابن القاسم فى كتاب ابن المواز: إذا كان بعد صمات فلا شىء عليه، إلا أن يريد إدخال كلامه الآخر فى يمينه. قال ابن المواز ومن حلف بيمين ثم شك فى بره أو حنثه فهو حانث مالم تكن يمينه بالله. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف له قبض منى فلان خمسة وعشرين درهماً ثم شك وعنده براءة بأحد وعشرين، فإن لم يوقن بالخمسة وعشرين فقد حنث. ومن حلف أن لا يأكل هذه الثمرة ثم اختلطت بثمر فأكل منه ثمرة لا يدرى أهى أم غيرها فهو حانث حتى يوقن أنها غيرها. ومن الواضحة: ومن حلف فى حمام وقع أنه حمام ثم طار قبل يعلم ما هو، فإن كان قريباً بحيث يتبينه الناظر حلف ودين، وإن كان بموضع لا يتبنه الناظر حنث. وكذلك لو حلف هذا إنه حمام وحلف الآخر إنه غراب، فيدينان فى القريب، ويحنثان فى البعيد، وقاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وأصبغ. وذكر ابن سحنون أن عسيى روى عن ابن القاسم فيمن حلف فى غراب أنه ذكر ثم طار الغراب، قال إن زعم أنه عرف أنه ذكر دين فى ذلك، وإن قال إنما قلته هكذا ولا أدرى فقد حنث. وقال سحنون لا موضع للنية ها هنا، إنما هو رجل حلف على ما أيقن فهو مصدق. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حلف فى طائر أنه ذكر وحلف الآخر أنه أنثى ثم طار، فإن كان عند الناس تعرف أنثاه من ذكره من موضع رأياه دينا وحلفا أن ذلك يقينهما ولا شىء عليهما. وإن نكلا أو قالا ذلك ظناً طلق عليهما. وإن حلف واحد وأيقن وشك الآخر طلقت على الشاك. [4/ 282]
وكذلك العبد بينهما يحلف أحدهما بحريته لقد دخل المسجد، ويحلف الآخر ما دخله. فإن قالا على الظن حلفنا فليعتقاه بغير قضاء، وقال أشهب بل بالقضاء. وكذلك كل ما يحلف فيه ثم يرجع إلى يقينه فيعلم أنه على شك، وهو قول ابن عمر وغيره. وكمن قال أنت طالق واحدة أو اثنين أو ثلاثا. وإن قال أحدهما فى العبد حلفت على يقين، وقال الآخر حلفت على شك قوم نصيب الشاك على الموقن. قال أشهب وإذا حلفا أنهما على يقين بقى بينهما رقاً، وإن نكلا عتق عليهما، وأن نكل أحدهما قوم نصيب الحالف عليه. وكذلك من قال لعبده إن كنت دخلت الدار فأنت حر ولا يدرى أدخلها أم لا هو من باب الشك. فأما قوله إذا دخلت ثم يدعى العبد دخولها فبخلاف ذلك، ولا شىء على السيد بقوله إلا بالبينة. وكذلك فى الطلاق. قال ابن نافع عن مالك فى سكران قال لرجل امرأتى طالق إن لم أحبك وأكرمك، قال هو يقدر أن يكرمه يهب له ويعطيه فكيف له بالمحبة؟ أرى أن لو ألزم نفسه طلق وارتجع. قال أشهب عن مالك فى رجل قال فى جاريته هى حرة إن كنت أحب أن أطأها ولى كذا وكذا، قال يمينه منكر وما يدريه، وإن الناس يحلفون مثل هذا إن كنت أحب لباس هذا الثوب ولى مائة دينار وهو كاذب، ويمسك عن وطئها ويرجع إلى. وكذلك الذى سأل أخته شيئا كانت أعطته إياه فأبت، فحلف بالطلاق إن موتك ودفنك أحبه إلى من أن أسألك من مالك، وهذا من أيمان الناس، يحلف أحده إن كنت أحب أن أفعل كذا فامرأته طالق. وهو لا يدرى كيف يكون إذا حل ذلك قال إنما حلفت على يقين، قال أمرك شديد وأنت أعلم بنفسك، وما بان لى أمرك. قال ابن القاسم فيمن حلف فى أترنج وفى كتاب ابن المواز فى رابح لا باعه إلا مائة بدينار فباع من رجل بدينار فاعتد لنفسه وذهب، ثم قال أصبت نقص. [4/ 283]
اثنين وغلطت وحلف له فزاده اثنتين. قال يحنث البائع لأنه لا يلزمه فى الحكم أن يعطيه شيئا ولعلها ذهبت فى الطريق. وقال مالك فيمن حلف لا أكل من بيض هذه الدجاجة واشترى دجاجاً فبضن وباضت فاختلط البيض فأكل من جملته فهو حانث. قال عنه ابن نافع فى عبد حلف لا خرج من بيته حتى يؤتى بمفتاحه، فأتى به فخرج، ثم شك أهو مفتاحه أم لا، فقد حنث. وعن امرأة قالت لزوجها إنك حلفت ألا تكسو أمك حتى تخرج إلى ينبع فحنثت وقد حرمت عليك، فقال ما علمت، ولكن ذلك إليك إن علمته، قالت أنت أخبرتنى بذلك، قال ما أدرى. قال أحب إلى أن يطلقها هى قد قالت قد حرمت عليك ثم قالت مرأة لا أدرى، هى متهمة. ةعمن وجد شيئاً مكسورا فقال لزوجته لأنت كسرته فأنكرت، فقال أنت أمى ما كسوه غيرك، فإن حلف على علم فلا شىء عليه، وإن لم يعلم لزمه الظهار. وقال مالك فيمن بيده قدح زجاج فيه شق فرمته زوجته بشىء فأصابته فقال أنت أمى لقد كسرته، فنظر فإذا فيه شق، فقالت زدت فى شقه، وقال هو ما أراك زدت فيه، قال مالك إن كانت كسرته فلا شىء عليه، وإن تكسره لزمه الظهار وإن لم ينوه. وقال فيمن حلف فى قرص رآه بيد زوجته إنه لمن الدقيق الذى حبتهم به، فقال له وما يدريك أنه منه، وما أراك تعرف ذلك، فإن لم يأتوا ببينة فعليك اليمين. ومن العتبية أشهب عن مالك فيمن حلف لا كلم فلاناً بالحرية حتى يمنع امرأته النفقة ما طخلت إليها فلانة، فكان يسلم عليه فلا يرد ويجعل من [4/ 284]
في الحالف على الغيب أو على شك أو ظن أو كذب فصادفه
يكشف له ما عنده، ثم رد عليه السلام قبل يخبره الرسول بشىء، ثم أخبره الرسول أنه سأله عن ذلك قبل رد السلام فأخبره أنه كان أسلفها النفقة قبل يمينه وأنه لا ينفق عليها. وما يدريه هل صدقه، وأحب إلى عتق رقبة. فى الحالف على الغيب أو شك أو ظن أو كذب فصادفه أو على يقين فظهر خلافه، أو رجع فشك من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: سئل عمن حلف على ما لا يدرى فقال وهو بمصر: امرأته طالق لقد أمطر الليلة بالإسكندرية، قال قال مالك فى الحالف بالطلاق إن لم تمطر غدا أوإلى الهلال إن الطلاق يلزمه، فكذلك هذا. ونحوه، قرب استخباره أو بعد. فإن رفع إلى الإمام طلق عليه مكانه ولم يرتقب استخباره، وإن لم تطلق عليه حتى وجد ذلك الشىء حقاً لم يطلق عليه. هذا وجه قول مالك. قال ابن القاسم ومن حلف فى غراب طائر أنه ذكر، فإن زعم أنه عرف ذلك دين، وإن قال قلته ولا أدرى حنث. قال مالك: ومن قال أنت طالق أنى من أهل الجنة إنها تطلق عليه مكانه. قال ابن القاسم وكذلك إن لم أدخل الجنة. قال عبد الملك بن الحسن أخبرنى واحد من المصريين عن ابن القاسم فى الحالف فى الصديق أو الفاروق أنه من أهل الجنة أنه لا حنث عليه. قال عنه الصلت فى عمر بن عبد العزيز مثله. ومن سماع أشهب: وإن حلف بآخر تطليقة بقيت له فيها إن كان يدخل بطون العباد أخبث من الشراب المسكر، قال فليفارقها، وذكر الميتة والدم ولحم [4/ 285]
الخنزير ثم قال وشارب الخمر يجلد ويترك، وآكل الميتة يعذب عذاباً أليما وقد قال الله سبحانه فى الربا (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وليس هذا فى الخمر. ومن كتاب ابن حبيب: وإن حلف بالطلاق إن حج فلان فرمى به ناحية الغيب فقد حنث مكانه. وقاله أصبغ. وقال أشهب فيمن حلف فى جدى يذبح إن كان يقبض روحه إلا ملك الموت قال فلا شىء عليه، وإنما سماه الله ملك الموت لأنه يقض روح كل ميت من إنس وجان وبهيمة وغير ذلك. وقال أصبغ عن ابن القاسم فيمن حلف أن فلاناً فى هذا البيت أو أن فى كم فلان ديناراً وهو لا علم له بذلك فجاء الأمر كما قال، قال ابن القاسم لا شىء عليه إذا صادف ما قال، كمن حلف لتمطرن غداً فلا يبريه لذلك حتى يكون كما قال فلا شىء عليه. وكذلك قال فى الحالف إن فى هذا القند كذا وكذا رطلاً ولا يدرى ما فيه، فوزن فوجد كذلك أو أكثر فلا شىء عليه، وقد غرر فسلم. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالطلاق ما أخذ فلان ثوبك أو لقد أخذه وهو لا يدرى إلا متعمداً للكذب أو لما لا يعلم به فوجد ذلك كما قال، فلا شىء عليه. وقد غرر فسلم. محمد وقيل لا يعجبنى هذا وأراه حانثاً لأنه حلف على الغيب. ومن كتاب غيره أنه كان مما خاطب به المغيرة أبا يوسف عند المنصور بمحضر مالك، فقال إن أبا عبد الله يقول فيمن حلف أن فى هذه اللوزة تؤما ثم كسرت فوجد فيها تؤما إنه حانث لأنه حلف على الغيب. [4/ 286]
ومن المجموعة روى عن المغيرة فيمن حلف بالطلاق لتمطرن غداً أو ليكونن كذا فى شىء من الغيب، فإن ادعى علم الغيب عجل عليه بالطلاق، وغن لم يدع علم الغيب إلا أنه قال قولا ً لا يدعى علمه، فإن كان ما حلف عليه قبل يرفع غلى الإمام فلا شىء عليه. وقال ابن حبيب فيمن حلف فى أمته أنها عذراء، فإن قال حلفت عن خبره وعلم دين فى ذلك، وإن قال حلفت لعمى فعفاها حنث لأنه حلف على شك، ولا ينفعه إن نظرها النساء وقلن هى عذراء، لأن شهادتهن لا تجوز فى الحرية ولا فى إسقاطها، وقله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: ومن اتهم رجلاً بسرقة متاعه فحلف رجل بالطلاق أنه ما سرقه، فليقف عن امرأة حتى يستبين ولا يقضى عليه. ومن حلف لزوجته إن كتمتنى ولتصدقنى، فتخبره الخبر ولا يدرى أصدقته أم كذبته فهو فى شبهة، والشأن أن يفارقها. وقله الليث، قال ابن القاسم وأصبغ بغير قضاء. وقد قال أصبغ فى هذا وفى الحالف إن كنت تبغضينى فتقول أحبك ونحو هذا إنها تطلق عليه بالقضاء على ما روى عن ابن عمر أنه يفرق بالشك. قال مالك وهذا فتيا ابن عمر ستين سنة. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف لرجل بالطلاق أنى أتقى لله منك وأشد حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هو حانث، قال ولو قال إن لم يكن فلان أتقى لله منك وأشد حباً لرسوله، فإن كان قال ذلك فى أحد من أصحاب النبى لله مثل أبى بكر وعمر فلا شىء عليه، وإن قالها فى أهل هذا الزمن حنث، إلا أن يعلم من المحلوف عليه فسقاً بيناً فأرجو ألا شىء عليه. وقال ابن المواز إن قال ذلك فيمن له الصلاح والفضل مع من لا يرعوى عن الحرام وقتل النفس فهو بار، وإن أشكل ذلك فهو حانث. [4/ 287]
وقال أشهب فى المجموعة فيمن قال لنصرانى إن لم تكن من أهل النار فامرأتى طالق، فأسلم النصرانى، قال فإن أراد حاله التى كان فيها فلا شىء عليه، وإن أراد القطع أنه من أهل النار فهو حانث، وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق ليربحن غداً درهمين، فإن كان لشىء عنده رجاه من ثوب أو قال أقبض من غلامى درهمين أو يهب لى فلان درهمين، فإن أصاب فى غده درهمين بشىء من هذه الوجوه فلا شىء عليه قال ابن المواز إذا كان ليمينه معنى أو سبب يظنه. قال ومن حلف لقد قبض منى فلان خمسة عشر ديناراً ثم شك وعنده براءة بأحد وعشرين، فإن لم يوقن بالخمسة وعشرين فقد حنث. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن حاسب شريكه ثم لقيه فقال قد بقى لى كذا وكذا، فحلف الآخر بصدقة دنانير بيده ما بقى لك عندى شىء، ثم ذكر أنه بقى عنده له ما قال، فقد لزمه أن يتصدق بالدنانير، ولا ينفعه هذا إلا فى اليمين بالله، لا ينفع اللغو فى غيره. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف أن فلان يتعرض لجارية فلان، فإن أيقن أنه يتعرض لها وسمع ذلك منه حتى لا يشك فلا شىء عليه، وإن كان إنما رأه يكلمها لا يدرى تعرض أم لا فقد حنث. وعمن حلف بالطلاق لرجل أن أبى ميتاً خير م أبيك حياً، أو أنى ميت خير منك حى، فقد طلقت امرأته. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن أمر غريمه أن يدفع حقه إلى وكيله، فكتب إليه الوكيل أنه لم يفعل، فكلمه فحلف بالطلاق لقد دفع إليه، وحلف الطالب ما فعلت، فالطالب حانث من عاجل أمره، ولا ينبغى للإمام أن يقرها تحته لأنه حلف على غيب. وأما المطلوب فيدين ولا يبرأ من الحق إلا ببينة. [4/ 288]
ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن بعث بشىء مع رجل يدفعه إلى آخر فقال قد دفعته، فحلف الباعث بالطلاق أنك ما دفعته، إنه حانث، كقول كالك فى الذى جاءته امرأته بمرق وفيه ذباب فحلف بالطلاق لقد كان فيه قبل أن تأتى به، وهذا من اليمين على الغيب. وقال سحنون عن ابن القاسم وأشهب عن رجل مع قوم فى سفر فأخذهم الليل فحلف لقد أخطأتم الطريق الذى تريدون، فلما أصبح تبين لهم أنهم على غير الطريق التى خرجوا فيها إلا أنها طريق إلى البلدة التى قصدوا، قال لا حنث عليه. قال سحنون وقال أشهب فيمن وفى لرجل حقه عند صيرفى، فقال الصيرفى ليس فيها وفاء، وقال الغريم بل فيها وفاء، فحلف الطالب بالطلاق ما فيها وفاء، فوزناها عند غيره فوجداها وفاء من حقه. قال له قد حنثت، قال إنما حلفت على غير الصيرفى، قال قد غرك. ومن معانى هذا الباب فى باب الحالف على الشىء هل يبرأ ويحنث بفعل بعضه، وفى باب ما يرد فيه الحالف إلى معنى يمينه، وفى باب الحنث بالغلط. وروى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن مرت به امرأة فى ظلمة الليل فظن أنها امرأته فحلف لا وطئها الليلة ثم وطئها، ثم علم أنها غير امرأته فلا شىء عليه. قال سحنون قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لرجل سرقت منى ديناراً، فحلف بالطلاق مالك عندى دينار، ثم نظر فغذا جاريته سرقت الدينار وجعلته عنده فقد حنث، إلا أن ينوى فى علمى. وعمن حمل جلود الرجل فلما بلغها غايته وجعلت بيد رجل حتى يوفين كراءه فلما وفاه حلفه الكرى ما لغيرك فيها شىء، فنظر إلى غلامه فلم ينكر شيئاً فحلف له، ثم نظر فإذا الذى رفعت عنده أبدل منها شيئا، قال قد حنث. [4/ 289]
فيمن لم يدر بماذا حلف من الأيمان أو شك في اليمين أو الحنث
قال ابن المواز: ومن حلف لقد اشترى فلان الثمر بثمانية ونصف، وإنما أخبر بذلك، فهو حانث حتى يوقن بذلك. فيمن لم يدر بماذا حلف من الأيمان ومن شك فى اليمين أو فى الحنث من كتاب ابن المواز قال أصبغ فيمن قال على ثلاثون يمينا فحنث فلم يدر شيئاً بعينه إنما كانت يمينه على غضب وحمية فكان يرى عليه الأيمان كلها كمن حلف وحنث ثم لم يدر بأى يمين حلف، فهذا يلزمه كل يمين الطلاق والعتاق والمشى إلى مكة وصدقة ثلث ماله وكفارة يمين إلا ما أيقن أنه لم يحلف به. وبمنزلة من حلف أن عليه أشد ما أخذ أحد على أحد من الأيمان ولم ينو شيئا بعينه. وقال ابن حبيب فى الذى لم يدر بماذا حلف، قال إن كانت له يمين قد اعتادها ألزم ذلك نفسه قال ابن المواز إنما جواب أصنغ فيمن حلف يمينا لم يدر أى يمين، فأما من لم يرد يمينا بعينها فنسيها فإنما عليه كفارة يمين، وعلى صاحب الثلاثين يمينا ثلاثون كفارة. وفى كتاب الطلاق لابن حبيب: وقال فيمن قال لا أدرى حلفت فحنث أو لم أحلف أو لم أحنث فلا شىء عليه. فإن أيقن باليمين وشك فى الحنث فليلزم نفسه الحنث. ومذهب ابن حبيب لإن يقضى عليه فى الشك فى الطلاق والعتاق. وقد ذكرنا ما قاله فى موضع آخر. قال ابن حبيب: وأما من حلف إن فعلت زوجته كذا فهى طالق، ثم تقول له نفسه لعلها فعلت وأنا لا أدرى فلا شىء عليه فى هذا حتى يخنره مخبر بذلك. [4/ 290]
في رجلين يحلف كل واحد منهما على تكذيب صاحبه
فى الرجلين يحلف كل واحد منهما على تكذيب صاحبه أو على أن يفعل خلاف ما حلف الآخر أن يفعله أو حلف ليفعلن شيئا وحلف ألا يفعله من المجموعة قال ابن وهب عن مالك فى امرأة حلفت بالحرية لقد حلف زوجها بالطلاق لا يتسرر عليها فأنكر ذلك، قال لا شىء عليها ولا على زوجها. قال ابن القاسم فى رجلين بينهما أمر فحلف أحدهما بالطلاق لقد أعطيتك فى موضع كذا تسعة دنانير وحلف الآخر بالطلاق ما أعطيتنى فى ذلك الموضع إلا ستة دنانير، فذهبا إلى الموضع فوجد ثلاثة ملقاه، فقال كل منهم للآخر منك سقطت قال: يدينان إذ لم يعرف الثلاثة ممن سقطت وكذلك ذكر ابن المواز. قال ابن نافع عن مالك فيمن وجد عند رجل فرخ حمام فحلف بالطلاق أنه فرخه، وحلف الآخر بالله ما هو فرخك، قال يحلف بالله أنه فرخه يعرفه بعينه، يريد يحلف بالله الحالف بالطلاق الذى ليس بيده هو ولا يلزمه طلاق ولا يقضى له بالفرخ. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق غن كان فلان يعرف هذا الحق لحق الذى يدعيه، وحلف فلان بالطلاق إن كان يعلم أنه له فيه حق، قال يدينان ولا يحنث واحد منهما. قال ابن حبيب: ومن حلف بالطلاق ما شرب خمراً وحلفت امرأته بالعتق لقد شربه، قال يدينان، قاله مالك وربيعة. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبداً بعرة دنانير وله على البائع دينار فأعطاه تسعة ليقاضيه بالدينار، فحلف البائع بالمشى إلى مكة إن [4/ 291]
فيمن حلف ماله مال ثم ظهر له مال لم يعلم به
قاصصتك به، وحلف المبتاع بعتق العبد إن أخذته إلا مقاصة، قال إن تخاصما حنث البائع، وإن تتاركا البيع جمبعا بتراض ولم يتخاصما فلا شىء عليهما. وفى باب الشك فى البر والحنث مسائل من الحالفين عل أمرين متدافعين ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ومن حلف بالحرام إن أنفق على امرأته حتى تستأذى عليه وحلفت هى بالصدقة لا استأذيت عليك، فاليمين عليهما، فغن شاءت أن تبقى بلا نفقة، وإن استأذت عليه فلتتصدق بثلث مالها، وإن لم تكن عليه نية فلا شىء عليه إن فعل. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف بحرية عبده إن باعه من فلان وحلف فلان بالطلاق ليشترينه فباعه منه فليعتق العبد على بائعه ويطلق على الآخر امرأته، وقال سحنون فى كتاب ابنه. قال ابن عبدوس قال أشهب: ومن حلف بعتق أمته إن باعها، ثم حلف بالطلاق ليبيعنها، فإن باعها عتقت عليه ولا طلاق عليه. من هذا المعنى فى كتاب الطلاق قيل: ولم لا يحنث والبيع الذى حلف فيه لم بعتم؟ قال لأنه إنما حلف ليبعنها بعد أن حلف بالعتق لا يبيعنها، وإنما حلف على هذا البيع نفسه فهو بره. ولو حلف بالطلاق أولاً ليبيعنها ثم حلف بعتقها أن لا يبيعها ثم باعها فحنث فى الأمة وفى الزوجة. ومن هذا المعنى فى كتاب الطلاق. فيمن حلف ما له مال ثم ظهر له مال لم يعلم به من العتبية والمجموعة روى سحنون عن ابن القاسم عن مالك فيمن سءل سلفلً فحلف بالطلاق إن كان له شىء يملكه، ثم طلع له ميراث لم يكن علم به [4/ 292]
فيمن قال لرجل احلف ويميني في يمينك
فإنه يحنث، إلا أن ينوى علمه. وكذلك فى كتاب ابن المواز فى ميراث لم يعلم به أو له عمرى مرجعها إليه فغن نوى مالاً أعلمه غائباً أحاضراً لم يحنث. وقال أيضا إن استثنى علمه وإلا حنث، وقيل لا ينفعه أن يستثنى علمه حتى يجرى به لسانه. قال ابن المواز قال ابن القاسم أما العمرى فإنه حانث وإن لم ترجع إليه يومئذ لأنها ماله. ولو تصدق عليه قبل يمينه بصدقة فإن قبلها الآن حنث، وإلا لم يحنث. وقيل لا يحنث وإن قبلها الآن إذ بالقبول صارت له. ومن حلف بالطلاق ماله ثوب غير ما عليه، وله ثوبان رهن ف أكثر من قيمتها، فإن نوى ما له ثوبان يقدر عليهما حنث ولا شىء عليه، يريد والنية تنفعه وإن لم يلفظ بها. قال يحيى بن عمر إن لم تكن له نية حنث، كان فيهما أفضل أو لم يكن. قال ابن عبدوس قال ابن القاسم وأشهب فى الحالف بالطلاق ما له مال وله ديون وعروض وشوار وخادم فهو حانث، قال أشهب إلا أن تكون له نية ولا بينة عليه. قال أشهب ولو حلف لغريمه أنه ما يملك ديناراً ولا درهماً ولا يقدر عليه وله مثل هذا فإنه حانث. فيمن قال لرجل احلف ويمينى فى يمينك من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن قال لرجل احلف ويمينى على ما حلفت عليه فيحلف بالعتق أو بالطلاق فأنكر ذلك فقال إن أنكر ذلك مكانه فذلك له، وإن صمت لزمته اليمين. وقال عيسى عن ابن القاسم غن قال يمينى فى يمينك ولم ينو شيئا فحلف بالطلاق أو العتاق وأنكر الآخر وقال لم أظن أنك تحلف بهذا، فإن ظن أنه يحلف [4/ 293]
بالله ولم يرد هذا فلا يلزمه، ولو أنه حين قال يمينى فى يمينى رضى بما حلف مسلماً لم يحول شيئا عن شىء ولم يرده لزمته ولم ينفعه إنكاره. قال عنه أبو زيد فيمن قال يمينك فى يمينى على أن لا تفعل كذا وكذا، فقال له الآخر يمينى فى يمينك فحلف بالطلاق، وليس للحالف امرأة فلا شىء على الآخر، علم أن هذا لا زوجة له أو لم يعلم. قال ابن حبيب إلا أن يحلف بها الثانى محاكاه له ويفصح بها فيلزمه، أو يقول فعلى مثل ما فعلت به. فأما إن قال فعلى مثل ما عليك لم يلزمه شىء، وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال ابن القاسم وإن حلف هذا الحالف بالمشى إلى بيت الله وقال نويت مسجداً فأحب إلى للآخر أن يحتاط بالمشى. قال ابن حبيب فى القائل يمينى فى يمينك فحلف الحالف بالطلاق فقال الآخر لم أنو إلا اليمين بالله أو لم أرد الطلاق حلف وكان ذلك له. ولو قال لم يرد بالله ولا بطلاق ولا وقعت نيتى على شىء بعينه إذ إنى لا أحب أن أحلف بطلاق فلا ينفعه ذلك. زكذلك لو قال ذلك ولم يعلم يمينه، فلما علمها أنكرها فمثل الأول. وهذا قول مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فى رجلين بينهما كتاب فقال أحدهما هذا كتاب فلان، وقال الآخر بل كتاب فلان، فقال أحدهما للآخر اجعل يمينى فى يمينك، قال نعم، فحلف بالطلاق أنه كتاب فلان، فنظر فإذا هو كتاب فلان وفلان جميعاً فقد حنث جميعا. [4/ 294]
فيمن حلف على أمر قد مضى من رجل أن لو أدركه لفقأ عينه
فيمن حلف على أمر قد مضى من رجل أن لو أدركه لفقأ عينه أو فعل به كذا أو يقول لئن كان كذا لأفعلن كذا مثل ضرب أو هوان أو فعل لا يمكن وما يشبه هذا من الواضحة قال أصبغ: من حلف عل أمر قد سلف أن لو أدركه لفعل كذا فهو حانث، كان مما يمكنه فعله أو لا يمكن، مثل أن يحلف لو جئتنى أمس لقضيتك فهو حانث، لأنه غيب لا يدرى ما كان فاعلاً، وإنما يفترق ما يمكن وما لا يمكن فى المستقبل، فما كان يمكن فعله من شق ثوب وضرب أو قصاص أو عطية مال وشبهه فلا شىء عليه حتى يفعل أو لا يفعل، وما كا نلا يمكن من شق جوف وكبد أو فقاع عين أو قطع أو قتل فشبهه فهو حانث مكانه ولا ينتظر. وقاله ابن القاسم عن مالك. ومن الواضحة أيضا وهو ف غيرها قال مالك: ومن حلف بالطلاق لو كنت حاضراً فى شرك أمس مع أخى لفقأت عينك أو لشققت جوفك، قال تطلق عليه. وقال مالك فيمن حلف فى أمر كان بينه وبين إنسان أن لو أدركه لفلق كذا وكذا من أمه، وأمه قد ماتت، فقال له مالك لو أدركته ما كنت فاعلا به؟ قال لا أزيد على أن أشجه، فرأى ألا حنث عليه. قال مالك فيمن ذم رجل ثوبه فقال أرسله فامرأته طالق لو شققته لشققت بطنك، قال يحلف لو فعل لفعل. قال ابن القاسم لا يعجبنى وهو حانث، وهى مثل ما تقدم وهى فى العتيبة وهى من سماع ابن القاسم، وقال لو شققته لشققت جوفك ثم حلف ثانيةً لو شققتك لشققت كبدك إلا ألا أقدر، فقال له مالك لا شىء عليك واستغفر له. قيل له كأنك لم تر عليه شيئاً إلا أن يشقه، قال نعم. قال سحنون جيدة، فرد إليها كل رواية عن مالك تشبهها فقد اختلف فى هذا. [4/ 295]
وقال ابن الماجشون فى الواضحة سواء حلف فى أمر قد سلف أو مستقبل، فإن كان يمكن فعله فلا شىء عليه، وإن كان غير ممكن فهو حانث فى الوجهين، إلا أن تكون له نية فى فعل غير ما سمى، وقاله مالك فيهما. وقاله مالك فى الذى قال لو أدركت فلانا فى شره البارحة مع فلان لقطعت رأس أمه، وأمه ميتة، فقال له ما أردت؟ قال أردت أنى كنت أشجه إذا فعل به كذا فعلا ما وقد علمت وفاة أمه، فدينه مالك ولم يحنثه، فهذا فيما قد سلف. ولم تكن له نية أحنثه كما أحنث القائل لو حضرت شرك مع أختى افقأت عينك حين لم تكن له نية فيما يفعله به. ولو كانت له نية فيما يفعله به مما يمكن لم يحنثه. وكذلك القائل ليسلخن إن نوى ضربا أو استعداءً نفعته نيته. وكذلك القائل لشققت جوفك لو نوى شيئا يفعله دين. وقول ابن الماشون أحب إلى. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق لو اقيتك أمس لقتلتك أو لفقأت عينك، قال هو حانث، ولو قال لوهبتك أو لو جئتنى لأسلفتك فلا شىء عليه. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفى عليك، فضربها حتى أشتفى فى نفسه فلما رفع عنها ضحكت وقالت ما أشتفيت، قال إذا أشتفى فى نفسه لم ينظر إلى قولها ولا شىء عليه. وعن امرأة قالت لزوجها والله لأسيلن أبحرا على ساقيك، فقل لها أنت طالق لتعلمين من يفعل ذلك به، قال أخاف أن يكون حنث كأنه قال لتعلمين من ذا الذى يفعل ذلك بى. ومن المجموعة والواضحة فيمن آذته أمه لقوم فحلف بالطلاق لأستنهين أهلك فإن لم تنتهى لأسلخنك، قال قد حنث وما يدريه أنها تسلخ وقد أيس. [4/ 296]
فيمن حلف لزوجته لأجيعنك أو لأغيظنك أو لأشفين منك
وعن التى حلفت لزوجها لئن فعلت كذا ليكونن بينى وبينك كل شر ففعل فما لها راحة إلا أن تحنث نفسها. ومن الواضحة: ومن تقاضاه عبد ديناً فحلف بالطلاق لا قضاه اليوم حتى يأتى يمشى على رأس مولاه، قال لا يقضيه شيئاً حتى يأتى معه مولاه، وعلى هذا يحمل يمينه. وعمن حلف فى طعام بينه وبين رجل بالطلاق أن لو كان لك وحدك لظننت إنى أرميه فى البحر فلا شىء عليه وهو أعلم بنيته. قال أصبغ فيمن قال لأمرأته ومعها نسوة أنت طالق لولا من معك لحلقت شعرك، قال هو حانث. قال ابن الماجشون لا شىء عليه، وبه أخذ ابن حبيب. فيمن حلف لزوجته لأجيعنك أو لأغيظنك أو لأشتفين منك أو لأتركنك آية أو قال لرجل لأكافئنك ما الذى يبر به فى ذلك؟ من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن حلف بطلاق امرأته ليجيعنها جوعاً شديداً، فإن نوى شيئا ووقتاً فهو ما نوى، وإلا حمل على بساط يمينه ومحمل أمره، وليس محمل هذا عندنا جوعة واحدة، ولكن إذا نقص من قوتها حتى يعلم أنه قصر عنه. قال أصبغ وغن حلف ليغيظنها فإن نوى شيئا يغيظنها به من نكاح أو تسرر فه بره وإن لم ينو أمراً يقصده فهو حانث، إذ لا يحاط بسبيل ذلك. وكذلك إن قال إن لم أتركك آية فإن نوى شيئا من حلق رأس أو تسخيم وجه أو غيره فهو ما نوى، وإلا فهو حانث. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب فيمن منعه رجل عارية ثوب فحلف لأكافينك، فليكافئه فى ثوب مثله أو حاجة مثلها ومن حلف لامرأته وهى فى [4/ 297]
في الحالف لختن لئن سألتني حاجة لأقضينها فسأله الطلاق
سفر لأشتفين منك ما بينى وبين إفريقية، فضربها فى الطريق ثم قالت أين يمينك؟ قال قد فعلت، قالت ما كان ذلك إلا لعبا، قال إن صدقت فأنت على حرام. قال له ابن القاسم أليس قد اشتفيت وبالغت؟ قال نعم، قال فلا شىء عليك. وإذا حلفت لزوجها لئن فعلت كذا ليكونن بينى وبينك كل شىء ففعل، فليس لها مصرف إلا أن تحنث نفسها لأنها جمعت كل شىء وهذا لا يحاط به. وذكر عن أشهب فى الحالف بالطلاق ليغيظن زوجته قال إن نوى التزويج ونحوه فذلك يبرئه ويدخل عليه الإيلاء حتى يفعل، وإن لم ينو أمراً يقصده، فهو حانث، قال سحنون لا يلزمه حنث والذى يغيظها به أكثر من ذلك وهو قد عرف ما يغيظها به مما جرى مثله يبنهما فيغيظها فإذا فعله بر. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال لامرأته أنت طالق لأغيظنك أو لأسودن وجهك فليس معناه أن يسود وجهها بالسواد، ولكن يفعل بها من الأمور التى يعلم أنه يغيظها به ويبلغ ذلك منها. فى الحالف لختن لئن سألتنى حاجة لأقضينها فسأله الطلاق أو حلف بذلك لعبده فسأله أن يعتقه من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لزوج ابنته احلف بطلاقها لتقضينى حاجة أسألك فيها، فحلف له فقال له طلق ابنتى فطلقها واحدة، فقال الأب أردت البتة فذلك للأب إن كان كلامه واحداً على المراجعة والنسق فأما إن لم يقل ذلك حتى افترقا ثم تداعيا، فقال الزوج سألتنى فى طلقة، وقال الأب فى ثلاث، فالزوج مصدق، وعلى الأب البينة. وقال سحنون فى كتاب ابنه لا يلزم الزوج الطلاق إن قال لم أظن أن تسألنى فى مثل هذا، قال سحنون لأن ليس من الحوائج التى تعارف الناس سؤالها أو جرى من الكلام ما يدل أنه أراد لحاجته الطلاق. [4/ 298]
فيمن حلف إن رجع من سفره حتى يستغني
ومن العتية وكتاب ابن سحنون قال سحنون فى العبد يقول لسيده أسألك حاجة فاحلف لى فيها بالطلاق فيفعل، فيقول له أعتقنى، قال لا يلزمه لأن هذا ليس من الحوائج المتعارفة، ولو قال لسيده يقول ما أقول، فحلف السيد له بالطلاق ليفعلن، فقال له بل أنت حر، قال هذا يحنث ويلزمه أن يقول كما قال العبد إلا أن يستشنيه السيد فيقول إلا أن تقول أنت حر فذلك له. ثم رجع سحنون فى كتاب ابنه وقال هى مثل الأولى ولا شىء عليه. فيمن حلف إن رجع من سفره حتى يستغنى من العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف عند خروجه إلى سفره إن رجع حتى يستغنى، فإن أفاد قدر مائتى درهم وفيها غنى لمثله ولا دين عليه ويلزم مثله زكاتها فليرجع، ولا شىء عليه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه قال لا يعجل عليه الحنث وينظر، فإن كان خرج فقيراً فإنه إذا كسب أقل ما فيه الزكاة من ذهب أو ورق فلا حنث عليه، لأنه صار ممن عليه الزكاة وممن ليس له أخذ الصدقة، وإن كثر عياله. قال وإن قدم بعرض يسوى عشرين ديناراً فليس ينجيه من الحنث إلا أن يكون عرضاً كثيرا، وقد يأخذ الصدقة من له من خادم ودار إلا أن يكون عرضاً كثيراً ويبيعه بعشرين ديناراً وبمائتى درهم. مسألة ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم فيمن سأل امرأته فى ثوبين لها ليرهنهما فقالت أخاف أن تبيعهما، فحلف بالطلاق إن دفعتها إلى أن بعتهما، فخالفها إليهما فباعهما، قال لا شىء عليه، لأنه قال إن دفعتهما إلى وهى لم يفعل. قال سحنون صواب. [4/ 299]
فيمن حلف يعتق مكاتبه أو يضع عنه فقاطعه
فيمن حلف بعتق مكاتبه إن وضع عنه فقاطعه أو بطلاق امرأته إن خالعها ففعل من كتاب ابن المواز وغيره ابن القاسم: ومن حلف يعتق مكاتبه لا وضع عنه فأخذ صدراً من نجومه ثم قاطعه على شىء فقد عتق باليمين وليرد كل ما قاطعه عليه فقط، وكمن حلف بحرية عبده إن باعه أو كاتبه أو كلم فلاناً ثم اقتضى من غلته وانتزع من ماله ثم حنث فليس عليه مما أخذ قبل ذلك شىء. ومن حلف بطلاق امرأته إن صالحها ففعل بمال أخذه فليرد ما أخذ منها وقد حنث فيها. فيمن حلف لا أمرت أمتى بشتمك فقال لها إن انتقلت فاشتميها من كتاب ابن المواز وكتاب ابن عبدوس قال ابن القاسم: ومن حلف بحرية جاريته إن أمرها أن تشتم امرأته، ثم قال لها إذا انتقلت أنا نت هذه الدار فاشتميها، وإن شتمتك فاشتميها، قال لا يحنث حتى ينتقل هو، قال فى كتاب ابن المواز وحتى تشتمها الحرة وإن لم ترد عليها. وفى كتاب ابن عبدوس حتى يرتحل هو وتؤذيها الحرة. وليس هذا بإذن وعسى أن لا يرتحل. قال فى الكتابين ولو قال إذا أهل الهلال فاشتميها حنث. قال فى كتاب ابن المواز وكذلك إذا جاء غداً قال فى الكتابين ولو قال قائل لا يعتق حتى يهل الهلال كان قولاً. قال ابن المواز وقف عنه. وفى كتاب ابن عبدوس فى موضع ذكر الشتم كله إلا إذا وقوله أو تشتمها الحرة أجود من إسقاط الألف على ظاهر السؤال إلا أن يريد وإن شتمتك أو آذتك يريد بعد انتقالى وشتمها فيصح ما روى ابن عبدوس. [4/ 300]
يمين المرأة بأكثر من الثلث
يمين المرأة بأكثر من الثلث وإن حلفت امرأة بعتق لا يطأها مرة، فله أن يحنثها ويطأها ولا رد له فى مقدار الثلث فأقل، فإن كان أكثر منه رد الجميع. ومن حلف إن لم يكن لى عندك دينار بشهادة فلان أو قال إن لم يكن يشهد لى به فقال فلان لا أشهد بشىء فلا حنث عليه. قال ابن أبى مطر: وليس يعنى أنه يشهد لا محالة هذا يحنث. من حلف على التأخير من كتاب ابن المواز من حلف لا وخرغريمه إلا أن يؤخره السلطان، فعلم السلطان عسره فوخره إلى أجل، فحل فأخذ منه بعض الحق وأخره بالبعض، قال يحنث إذا أخره بغير أمر السلطان، لأنه لم يستشن مرة ولا مرتين. ومن حلف لا ارتجاعها من طلاق فطلقها فى الحيض ومنه إن قال لامرأته إن طلقتك ثم ارتجعتك فعلى المشى إلى مكة، ثم قال لها وهى حائض أو نفساء اعتدى فليجبر على رجعتها وعليه المشى. فإن جهل فلم يرتجع حتى انقضت العدة فقد بانت منه ولا شىء عليه، وإن ارتجعها بنكاح فعليه المشى. مسألة ومنه قال مالك: ومن حلف بالطلاق فى منزل أكراه لا دخل ما دامت زوجته تلى كراءه، فولى كراءه غيرها من صاحبه، فلا أرى أن يدخل عليها. وقال ابن القاسم أنويه، فإن نوى توليها للكراء لا كراهية دخوله عليها فلا شىء عليه، وإن كان لكراهية الدخول عليها فذلك يلزمه. [4/ 301]
مسائل
مسألة من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطاً لابنه، فما نكح قبل يفارقه حنث فى، وإن فارقه ثم نكح فلا أحب له مخالطته ولا أن يشاركه بماله ويعمل معه. مسألة ومنه قال ابن كنانة فيمن حلف لامرأته لأنكحن عليك غداً أبعض خلق الله إليك، نوى أم ولد له كانت اسمها عائشة، فقال له امرأته: فانكح فلانة، فقال وهى أبغض إليك من عائشة فقالت ما أبغض عائشة وهى التى نوح الزواج بها. قال فليجتهد فى نكاح عائشة، وإن أبت حلف لقد اجتهد وما قصر ولا شىء عليه. وقال ابن القاسم لا يمين عليه وليجتهد. مسائل ومنه سئل ابن القاسم عن رجل قال لرجل هذا الخاتم لأختك فحلف بالطلاق ما هو لأختى ولا يصلح على أصبعها، فإذا الخاتم ليس لأخته ولكنه يصلح على أصبعها لأن عليه خيطا لف عليه قد ضيق به، فلما نزع الخيط سلس وصار يصلح لها. قال لا حنث عليه. قال ولو كان عليه خيط ورق وهو يصلح به لحنث لأن خيط الورق منه بخلاف الكتان ونحوه. وكذلك فى كتاب ابن المواز. ابن القاسم: ومن حلف أن لا يشهد لى ولا على فبعث منه سلعة وكتبت بالثمن إلى اجل عليه كتاباً وشهد على نفسه فى الكتاب، كتب شهادته فيه على نفسه قال يحنث. قال ابن كنانة فيمن حلف كان بينه وبين رجل متاع فيه ثم نازعه فى أمر فحلف بالطلاق لقد سرقتنى كذا وكذا، يريد تلك الخيانة، فإن نواها فى يمينه [4/ 302]
مسائل
وإياها أراد لم يحنث، وإن لم يذكرها وأراد سرقة يقطع فيها حنث. وكذلك فى يمين السيد على سرقة عبده إياه من بيت السيد. وقال أشهب فيمن سئل هل رأى أحداً من بنى فلان بالطلاق ما يعلم أنه منهم أحداً وقد كان رأى رجلا منهم وأنسيه، قال لا شىء عليه لأنه إنما يعنى فى علمه ساعة حلف. ولو قال إن كنت علمت وهو ناس يحنث. قال أشهب فيمن حلف بالطلاق لزوجته ليذهبن على وجهه ولا نية له، قال هو حانث إلا أن يذهب على وجهه لا تراه أبداً. مسألة ومن الواضحة قال: ومن قال لعبده أنت حر إن قدم أبى، قال مالك فله أن يبيعه قبل أن يقدم. قال ولو قال إذا قدم فهو أشد، يريد ويمنع من البيع. قال وإن مات قبل أن يقدم فإن أراد شكراً لقدومه فلا عتق عليه، وإن أراد به ناحية الأجل فإنه يعتق حين يقدم أبوه لو لم يمت مثل قدوم الحاج وقفل الغزاة إن كان غازياً، أو يكون فى سفر آخر، فإذا قدم أهل ذلك السفر من أهل بلده عتق عليه، قاله ابن الماجشون. مسألة من كتاب ابن سحنون قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف ليتزوجن على امرأته قبل أربعة أشهر، فتزوج ولم يدخل إلا بعد الأربعة الأشهر، قال فهو حانث، وقاله سحنون. مسألة من الواضحة: ومن حلف لامرأته قبل البناء بالطلاق إن دخلت عليك إلا بهواك، فقالت لا أهوى أن تدخل على سنةً، ثم قالت بعد ذلك أنا أهوى فادخل [4/ 303]
على فليدخل ولا شىء عليه ولا يضره قولها الأول، وإذن واحد يجزئه حتى تمنعه، وقاله أصبغ. ومن حلف لا ضرب جارية لامرأته فرمى بحجر فأصابها خطأ فشجها فقد حنث، قاله ربيعة ويحيى بن سعيد. ومن العتبية من كتاب الطلاق، ومن مسائل أصبغ وعمن حلف بالطلاق ثلاثاً ليدخلن بزوجته إلى أجل سماه فدفع حقها إلى وليها، فلما أشرف على البناء وقرب الأجل أتىالولى ببينة ان الزوج حنث فيها هل يمنعه الحاكم من البناء حتى يعدل البينة، وفى ذلك تعجيل الحنث عليه؟ قال يمنعه إن كان ذلك يحنثه، وينبغى للإمام أن يتفرغ له ولا يتوانى ولا يشتغل بغيره، فلمثل هذا وضعوا لما هو من نوازل المسلمين. وعن رجلين بينهما أرض ولكل واحد منهما بقرة فحلف أحدهما بالطلاق لا حرث بالبقرتين إلا فى الأرض التى بينهما، ثم ولى الحالف نصيبه من تلك الأرض رجلا ثم حرثها له يتلك البقرتين، قال يحنث إلا أن تكون له نية. وكذلك ذكرها ابن المواز عن ابن القاسم ولم يقل إلا أن تكون له نية. وعن رجل لزوجته عليه دين فلزمه فيه، فقال إن مات ولا بياعة لك فأنت طالق. قال عيسى قال ابن القاسم فلا يقضيها دينها، فإن صحت وأخذت حقها منه طلقت يومئذ، وإن قضاها بعضه وبقى البعض فلا شىء عليه. ومن الواضحة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق زو جته لئن رآها ليطلقنها، فإذ رآها لزمها الطلاق ولا يقبل منه أنه لم ينو أن يطلقها أول ما يراها. وإن حلفت هى بالعتق لئن رأت زوجها ليسألنه الطلاق فرأته تسأله فقد حنث. وذكر ابن المواز عن ابن وهب فى المرأة مثله. [4/ 304]
مسألة
مسألة ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن شرط لزوجته ألا يخرجها إلا برضاها، فخرج بها إلى بلد برضاها ثم رجعت ثم استأذنها فأبت حتى حلفته بالطلاق أن لا يحبسها أكثر من عشرة أيام، قال مالك قد قرى على البارحة سؤال لأردنها إلا أن يغلبنى أمر لا أملكه، فإن كان نوى أن يحبسها فلا شىء عليه إذا لم يحبسها وسرحها فلم تذهب. قال عنه ابن القاسم فإن كان على ما قرى على البارحة فلا ينفعه ذلك إلا أن يردها وإلا حنث، كأنه لم ير قوله إلا أن يغلبه أمر شيئا. قالعنه ابن وهب وإن حلف أن يردها إليك فليردها ثم تخاصم هى زوجها ولا ألزمه الحنث. قيل فإن ردها فأبت أن ترجع، أينفعه شىء؟ قال لا، هذه المسألة مختلطة ها هنا، والذى فى كتاب ابن المواز أبين، والذى فيه مختصر. ومن حلف لزوج ابنته وقد تركها تخرج معه إلى باديته بالطلاق لا حبسها عن هأكثر من عشرة أيام قتأخرت، فإن لم يكن هو حبسها فلا شىء عليه. ولو كانت يمينه أردها عليك إلا أن يغلبنى أمر لا أملكه كان حانثا. ومن سماع يحيى من يحيى عن ابن القاسم: ومن حلف من ذوى السلطان لا أمن فلاناً فقدم فلان يقدر فيه الحالف على عقوبته فتركه غير مؤمن له فهو حانث أيضا، ثم لا تنفعه عقوبته بعد ذلك ويصير سكوته عنه بعد علمه بمكانه تأميناً له، إلا أن يكون تركه الأمر اليسير اليوم ونحوه، وهو يتروى فى أخذه وعقوبته. ومن سماع أبى زيد من ابن القاسم: وعن رجل طلق امرأته واتخذ عليها يميناً غن تزوجت بعد فمالها فى المكساكين صدقة، قال قد ظلم، فإن تزوجت لزمها صدقة ثلثه. قال ابن القاسم إلا أن تحلف على ضرر فلا يلزمها شىء كالتى تعطيه مالها على الضرر فليرده. [4/ 305]
مسألة الافتداء من اليمين
مسألة الافتداء من اليمين من العتبية روى ابن القاسم عن مالك فى ابنى عم تشاجرا فحلف أدحهما إن دفع إلى الآخر شيئاً إلا بقضاء السلطان، فاختصما فقضى باليمين على الحالف، فأراد أن يفتدى منها، فكره ذلك وقال لا تدفع إليه شيئاً، ويحلف إن كان باراً. قيل فرجل قضى عليه باليمين فأراد أن يفتدى منها، قال لا بأس بذلك، أراه إنما خاف أنيحنث فيما يعطيه من فدية اليمين، فذلك كره أن يعطيه شيئاً لئلا يحنث، ولأن القاضى لم يقض عليه بدفع ثمن فيبر، وقد توقف ابن عمر عن اليمين وابن عمر يرى أن ذلك جائز لا حرج فيه ولا نقص. ومن وقف تنزها وتعظيما فقد أخذ بنصيبه من الخير. فيمن جحده رجل مالاً فظفر له بمال هل يأخذ حقه ويحلف؟ قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن جحد لرجل مالاً ثم ظفر له بمال هل يحبسن منه قدر حقه ويحلف إن حلفوه؟ قال لا يحلف كاذباً إلا أن يقبلوا منه يمينه: ما له عندى شىء، فإن من الناس من يقبل مثل هذا فى اليمين فإن قبلوا ذلك فليحلف ما لك عندى شىء. وروى فى موضع آخر عن مالك وابن القاسم كراهية حبس ذلك من تحت يديه، وأجازه ابن كنانة إذا علم أنه لا دين على صاحبه أو عليه دين يصيب فى الحصاص مثل حبس له، وإذا أمن أيضا أن يحلف على أصل الشىء. فأما ما لك عندى شىء فليس عليه من ذلك شىء، وقاله ابن القاسم وغيره. [4/ 306]
وروى عن محمد بن عبد الحكم أنه إن حلف على أنه ما أودعه أو ما أسلفه أو ما وصل إلى يدك من مالى شىء كذا، أن له أن يحلف وينوى يجب لك على الرجوع به، وأرى ذلك له مخرجا لأنه محق. وقول محمد هذا مستبعد. لأن النية فى الحلف على المحلوف له، وقد ينسى ويتأول أمراً. وما تقدم من القول أصح إن شاء الله. وفى كتاب العز شىء يسير من الأيمان وكذلك فى كتاب الطلاق. تم كتاب الأيمان والنذور بحمد الله وعونه وتأييده وتسديده [4/ 307]
صفحة بيضاء
كتاب الضحايا
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل محمد وسلم كتاب الضحايا ذكر وجوب الضحية ومن يلزم الرجل أن يضحى عنه وهل يشرك فى الضحايا قال مالك: قال الرسول عليه السلام: أمرت بالنحر وهو لكم سنة. وقال ابن حبيب تارك الضحية وهو قادر عليها آثم. وقال غير واحد من أصحابنا البغدادين يدل على أنها غير واجبة قول النبى عليه السلام: ومن رأى منكم هلال ذى الحجة وأراد أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره شيئاً حتى يضحى. واستدل بعض من أوجبها بقول النبى صلى الله عليه وسلم للذبح قبله فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد فقال ليس عندى إلا جدعة من المعز فقال اذيحها ولا تجزىء أحداً بعدك، وهو أبو بردة بن دينار. [4/ 309]
ومن كتاب ابن المواز وغيره قال مالك هى سنة واجبة لا ينبغى للقادر عليها تركها من أحرار المسلمين إلا الحاج بمعنى، وهى على الصغار والكبار من ذكر وأنثى حاضر وباد مقيم أو مسافر. قال ابن حبيب وللفقير غن وجد ثمنها أو وجد من يسلفه فيستلف وحكاه عن مالك. قال أشهب وهى أحب إلى من الصدقة بثمنها. قال ربيعة هى من الأمر اللازم، وهى أفضل من صدقة سبعين دينارا. قال ابن حبيب وهى أفضل من العتق ومن عظيم الصدقة لأن إحياء السنة أفضل من التطوع. قال مالك وليس على الحاج أضحية، فإن أراد جعلها هدياً على سنة الهدى. قال ابن حبيب إلا أن الهدى للحاج رغيبة، والضحية لغير الحاج سنة واجبة تاركها مؤثم. قال فى كتاب ابن المواز فى تارك ذبح أضحيته حتى زالت أيام النحر قد أساء فى تعمده وفاته خير كثير فى نسيانه. وقال ابن القاسم فى المدونة قد أثم فى تعمده. قال مالك فى سماع أشهب وابن وهب: والصدقة بثمنها أحب إلى للحاج من أن يضحى قال أشهب والضحية بمنى بالإبل والبقر أحب إلى من الغنم وإن كنت لا أرى على من بمنى أضحية. والضحية لسائر الأمصار بالغنم أحب إلى. ومن كتاب ابن المواز والمختصر: ومن لم يحج من أهل منى ومكة فليضح. قال ابن المواز قال مالك ولا ينبغى أن يذبح أضحيته عن نفسه وعن اجنبى تطوعاً، وإنما ذلك فى أهل البيت، ولا يدخل يتيمه فى أضحيته، ولا يشرك بين يتيمين فى أضحية وإن كانا أخوين، وإنما يدخل فى أضحيته إن شاء أهله وولده ووالديه الفقيرين، وإن كنا نحب للواحد فى أهل بيت أن يذبح على كل نفس شاة. وإن كان أبواه مليين فإن ضحى عنهما فعن كل واحدة شاة. [4/ 310]
محمد. وأما جده فكالأجنبيين لا يضحى إلا عن كل واحد بشاة، إلا أن يكون زوجها الجد فيدخلهما فى شاة، كما لو بعثها إلى الجد فذبحها الجد عنه وعن زوجته. وقال ابن ميسر وإنما ذلك بإذن الجد. قال محمد وكذلك إن ذبح عن جده وعمومته وعماته الصغار الذين يدخلهم الجد فى أضحيته من عياله، وهو كله رأى محمد. قال مالك فيمن ابتاع أضحيته ثم أراد أن يذبحها عن أمة فذلك له. قال ابن القاسم ولو ابتاعها ليكون عن نفسه فله أن يدخل فيها أهله وقاله مالك. ولا يضحى عن أم ولد ولا عن من فيه بقية رق ولا عن من البطن ولا عن ميت. ابن حبيب وغيره قال مالك وإنما يضحى عن امرأته إن شاء وإن أدخلها فى أضحيته أجزأها وإن يفعل فذلك عليها بخلاف الفطرة. قال ابن حبيب وليس على من فيه رق أضحية ولا على سيده فيهم لا أم ولده ولا غيرها، إلا أن يشاء أن يضحى عنهم أو يدخلهم فى أضحيته أو يأمرهم بذلك من أموالهم أومن فذلك حسن. قال ابن حبيب: وعلى الرجل أن يضحى عنه وعن أولاده الصغار الفقراء الذكور حتى يحتملوا ن والإناث حتى تزول عنه نفقتهن. ولو كانوا أملياء لم يلزمه ذلك عنهم إلا أن يشاء. ابن حبيب وليس عليه أن يدخل فى ضحيته من بلغ من ولده وإن كان فقيرا إلا أن يشاء لسقوط نفقته عنه، فإن أدخله فى أضحيته أجزأ ذلك الولد فقيراً كان أو ملياً إذا كان فى نفقته أبيه، وفى بنيه وكذلك الصغير الموسر. [4/ 311]
قال ولو أدخل فى أضحيته من قد ضمه إلى عياله من أخ أو ابن أخ أو قريب فذلك يجزىء عنهم ولا يجزىء إدخال الشريك والمرافق له فى السفر ونحوه من الأجنبيين فى ضحيته. قال ابن المواز: فإن ذبح أهل المسافر عنه بأمره بعد ذبح إمام بلدهم وقبل ذبح إمام البلد الذى فيه المسافر فذلك يجزئه وكذلك عليهم. قال مالك: وإن أمر أهله يضحون عنه أجزأه. وكونها معه أحب إلى. ومن العتبية وغيرها من سماع ابن القاسم قال مالك تجزىء البقرة والبدنة فى التطوع يذيحها عنه وعن أهل بيته عن سبعة وأكثر فى الضحايا، والكبش يذبحه عن أهل البيت، ولا يشرك فى البدن فى تطوع ولا غيره فى الهدى وإن كان أهل بيت واحد. قال أشهب عن مالك فى يتيم له ثلاثون ديناراً أيضحى عنه وليه بشاة بنصف دينار؟ قال نعم. قال ابن حبيب يلزم من ماله فى يده من وصى أو غير وصى أن يضحى عنه منه، ويقبل قوله فى ذلك كما يقبل قوله فى النفقة عنه سواء. ومن العتبية قال أشهب قلت لمالك: أيضحى عن أمهات أولاده؟ قال إن شاء وهو من ذلك فى سعة. قال عيسى عن ابن القاسم فى أهل الصائفة فى أرض الروم يضحون من غنمهم قال لا بأس به. قال ابن حبيب وإذا ولد يوم النحر أو فى أيام النحر وقد ضحى أو لم يضح فعليه أن يضحى عنه، وكذلك من أسلم حينئذ فذلك عليه عن نفسه، بخلاف الفطرة. من كتاب ابن المواز: وسئل مالك عن رفقاء فى سفر فى بيت لهم نفقة أخرجوها، فلا يجوز لهم أن يشتروا منها كبشاً يضحون به عنهم، ولا يشترك فى الضحية. [4/ 312]
ذكر وقت ذبح الضحية وأسنانها وما يجزئ منها وما يتقى فيها من العيوب
ذكر وقت ذبح الضحية وذكر أسنانها وما يجزىء منها وما يتقى فيها من العيوب ومن ذبح ذات عيب وذكر الأيام المعلومات ويوم الحج الأكبر قال محمد بن المواز قال مالك: الأيام التى يضحى فيها يوم النحر ويومان بعده إلى غروب الشمس من آخرها. قال محمد وقاله على ابن أبى طالب وابن عباس وابن عمر وأنس وكثير من التابعين. وأما ما روى عن عمر ابن عبد العزيز عن الحسن أن الأضحى ثلاثة أيام بعد يون النحر فقد عيب ذلك، وقد قال يونس إن الحسن قال الشهر كله. قال مالك: ويوم الحج الأكبر يوم النحر. قال غيره سمى الأكبر لن المشركين كان يقف بعضهم بعرفة وبعضهم بالمشعر، ثم يأتى من عرفة ويقف يوم النحر بالمشعر فصار فيه اجتماعهم، فأمر أن ينذرهم بسورة براءة فى أكبر مجتمعهم، وهى آخر ليلة هذا اليوم من طلع عليه فجرها ولم يقف بعرفة فاته الحج. والليلة من اليوم. قال مالك والأيام المعلومات أيام النحر، والأيام المعدودات أيام التشريق وهى ثلاثة أيام بعد يوم النحر. قال ابن حبيب وغيره واليومان بعد يوم النحر معدودات معلومات، ويوم النحر من المعلومات خاصة، والرابع من المعدودات خاصة ولا ذبح فيه، رواها ابن وهب. وعن عمر وعلى ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك وأفضل الذبح فى هذه الأيام فى أولها بعد ذبح الإمام. محمد ولا يراعى فى اليوم الثانى والثالث ذبح الإمام ولا غيره، ولكن إذا أرتفعت الشمس وحلت الصلاة. ولو فعل ذلك بعد الفجر أجزأه فى هذين اليومين. [4/ 313]
قال مالك والصواب ذبح الإمام كبشه بالمصلى بعد نزوله عن المنبر، ثم ذبح الناس بعده فى منازلهم. فإن أخره الإمام إلى داره جاز ذلك، ولغير الإمام ذبح أضحيته فى المصلى عبد ذبح الإمام، وقد فعله ابن عمر. وأما فى الهدى فله أيذبح قبل ذبح الإمام بخلاف الأضحية وإذا تحرى أهل البادية ذبح الإمام فذبحوا قبله. فقال ابن القاسم يجزيهم، وروى أشهب عن مالك لا يجزيهم، قال محمد وهذا أحب إلينا. وذكر ابن حبيب عن ربيعة إن ذبحوا بعد طلوع الشمس أجزأهم وإن كان قبل الإمام، وإن كان قبل طلوع الشمس لم يجزهم. وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك إذا تحرى أهل البادية صلاة أقرب الأئمة إليهم فذبحوا قبله فإنه يجزيهم مثل رواية ابن القاسم. ومن كتاب محمد قال مالك: ولو ذبح الحضرى عبد انصراف الإمام وقبل ذبحه فى وقت لو ذبح الإمام فى المصلى، فإن هذا إذا ضحى قبله لم يجزه إلا أن يتوانى الإمام بعد وصوله إلى داره. فمن ذبح فى وقت لو ذبح الإمام فى المصلى، فإن هذا إذا ضحى قبله لم يجزه إلا أن يتوانى الإمام بعد وصوله إلى داره. فمن ذبح فى وقت ولو لم يتوان الإمام وذبح فى داره كان هذا ذابحاً بعده أجزأه. وإذا ذبح عن المسافر أهله فإنما يراعى ذبح إمامهم لا بعد ذبح إمام البلد الذى هو فيه. وروى عن أشهب أن الإمام إذا أخر الذبح فيذبح الناس ولا ينتظرونه. وقال أبو المصعب إذا أخطأ الإمام أن يذبح فى مصلاه، فمن ذبح بعد ذلك فذلك له جائز. قال ربيعة: من كان فى غير جماعة حيث ليس ثم إمام يفتدى بذبحه فذبح قبل طلوع الشمس فلا يجزئه، وإن ذبح بعد طلوعها أجزأه وإن كان قبل ذبح الإمام. [4/ 314]
ومن الواضحة قال: ووقت ذبح الضحايا فى أيام الذبح من الضحى إلى زوال الشمس، ويكره بعد ذلك إلى العشاء. فمن جهل فذبح حينئذ أجزأه، ومن ذبح بليل لم يجزه، وقاله كله مالك. وأما من لم يضح إلى عشاء اليوم الثالث فهذا يؤمر أن يضحى حينئذ. فأما إذا زالت الشمس فى اليوم الأول فهذا يؤمر بالصبر إلى ضحى اليوم الثانى. وكذلك إن زالت الشمس فى اليوم الثانى فهذا يؤمر بالذبح فى ضحى اليوم الثالث. قال مالك فى المختصر وغيره: وفحول الضأن فى الضحايا أفضل من إناثها، وإناثها أفضل من فحول المعز، وفحول المعز من إناثها، وإناثها أفضل من الإبل والبقر فى الضحايا. وأما فى الهدايا فالإبل والبقر أفضل. ومن كتاب ابن القرطبى: ثم ذكور الإبل فى الضحايا ثم إناثها ثم ذكور البقر ثم إناثها. ومن الواضحة روى ابن وهب عن عدد كثير من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يستحسنون الضحية بكبش عظيم سمين فحل أقرن أملح ينظر بسواد ويسمع بسواد ويشرب بسواد، والفحل أحب إليهم من الخصى، والخصى أحب إليهم من النعجة والنعجة أحب إليهم من التيس، والحليل السمين أحب إليهم من غيره. وأمر النبى عليه السلام باستشراف العين والأذن وقال: دم عفراء أحب إلى من دم سوداوين ويقال إن قربان ابنى آدم كبشان فتقبل السمين ولم يتقبل المهزول. قال ابن حبيب والخصى السمين أفضل من الفحل المهزول، والفحل السمين أفضل من الخصى. [4/ 315]
ومن موطأ ابن وهب قال ابن شهاب فى الخصى إن الخصى لا ينقصه شيئا. وقال ربيعة: الفحل أحب إلى أن يضحى به الخصى. وقال عطاء فى المكسورة القرن التى قد جبرت: لا بأس أن يضحى بها. وقال مالك مثله فى التى يصيب عينها الشىء أو يصيب ظهرها فيداوى فتبرأ، فلا بأس بالضحية بها. قال ابن القاسم عن مالك فى العتبية لا بأس بالضحية بمكسورة القرن إذا لم يدم وهى كالجلحاء. ابن المواز لا بأس بمستأصلة القرنين كالجلحاء. قال ابن حبيب: لا يضحى بها وهى العضباء التى نهى عنها، كانت تدمى أو لا تدمى، وإنما يراعى دمها فى كسر خارج قرنها، فإن لم يدم فهى جائزة، وذكر نحوه عن النخعى، وهى القصباء والذكر أقصب. وكذلك نهى عن عضباء الأذن وهو قطع نصفها أو ثلثها، قاله ابن المسيب وأما اليسير من قطع أو شق فلا بأس به، وكثير الشق هى الشرقاء، وقد نهى عنها، وهى العطوى والخرقاء التى فى آذانها ثقب مستدير فى مقدم الأذن ومؤخرها. وربما ترك معلقا كأنه زنمة. والجدعاء المقطوعة الأذن، قال ابن المواز والنصف عندنا كثير من غير أن يجد فيه حدا. ومن كتاب ابن حبيب وفى الواضحة، والجد أخذ الضرع يابسة الضرع والمصرمة المقطوعة الإطاء والبنزاء المقطوعة نصف ذنبها أو ثلثه. وما أقل من ذلك فلا بأس به. وأما الترماء التى لا تجزىء فهى التى تسقط أسنانها من كبر أو كسر، فأما من إثغار فجائز. قال ابن المواز: ولو خلقت بغير أذنين خلقاً ناقصاً لم يجز أن يضحى بها. من كتاب ابن حبيب قال ابن المواز فى الشطر الضرع إن كان يبس كله فلا يجوز، وإن كان يرضع ببعضه فلا بأس به. [4/ 316]
قال محمد ونهى عن الجداء وهى المصرمة عن الإطا، وعن الهيماء والجرباء والعجفاء. وروى عن سحنون فى التى أقعدها الشحم أنه لا بأس بالضحية بها. وقال أشهب فى الكسيرة القرن إن كان يدمى فلا يضحى بها، فإن فعل أجزأه، وفى رواية ابن القاسم قال مالك هى كالمريضة. قال ابن القاسم عن مالك فى العتبية لا بأس أن يضحى بالهرمة. قال أصبغ فى موضع آخر، ما لم تكن بينة الهرم. قال فى كتاب ابن المواز وإذا سقطت أسنانها من إثغار أو هرم أو خفيت فلا بأس بها، وإن كان من غير ذلك فلا يضحى بها. وكذلك قال مالك فى العتبية من سماع ابن القاسم، قال ابن القاسم فى كتاب محمد إلا أن تكون سقطت لها واحدة فلا بأس بها فذلك جائز. قال ابن القاسم فى الجرباء إن كان مرضاً فلا يجزىء. ومن موطأ ابن وهب قال ابن شهاب: لا يجزىء مسلولة الأسنان، ويرى الجدع ثلث الأذن ومن أسفل منها. وسئل ابن المسيب عن عطباء الأذن فقال النصف فما فوقه. وقال ابن حبيب إن طرحت سنها ورباعيتها من غير إثغار لم يجز. واستخف مالك العرج الخفيف لا يمنعها أن تسير بسير الغنم. ولا بأس بالجلحاء وهى الحماء، والسكاء وهى صغيرة الأذنين وهى الصنعاء، ولا بأس بالكسيرة التى قد انجبرت، وقاله أشهب عن مالك فى العتبية قال ابن المواز وإذا أخذ أضحية للذبح فاضطربت فانكسرت رجلها لم تجزه. قال ابن حبيب إلا [4/ 317]
أن ينالها ذلك أو تفقأ عينها من اضطرابها بعد الذبح فلا شىء عليه. محمد ولا بأس باليسير يقطع من الذنب والثلث عندنا كثير ومن العتبية أشهب عن مالك إن قطع من قبضة فليخلها إن وجد غيرها. قال مالك ولا يضحى ولا يعق بشىء من الوحش والطير، وذلك بالأنعام. قال وإذا وجد جوف الضحية بعد الذبح فاسدة، فإن لم تكن مريضة فهى مجزئة. قال ابن حبيب: ومن جهل فضحى بما لا يجزئه من ذات عيب فلا يبيع لحمها وإن أبدلها، لأنه ذبحها لنكسه وإن جهل ولم يعلم بالعيب. وكذلك التى تضطرب قبل الذبح فتنكسر رجلها أو تفقأ عينها فيتمادى فيذبحها فلا يجزيه، ولكن لا يبيع لحمها. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: ومن ظن أن يوم التروية من أيام النحر فنحر فيها أضحيته، قال يعيدها، ولا يبيع ذلك اللحم، كمن نحر قبل الإمام يوم النحر. قال ابن حبيب: والأملح ما كان بياضه أكثر من سواده، والجذع من الضأن والمعز ابن سنة وقاله أشهب وابن نافع. وروى عن ابن وهب فى غير الواضحة أنه ابن عشرة أشهر. وقال سحنون عن على بن زياد إنه بن ستة أشهر قاله سحنون. قال ابن حبيب: والثنى ابن سنتين، والجذع من البقر ابن سنتين، والثنى ابن أربع، وجذع الإبل ابن خمس سنين والثنى ابن ست سنين. ولا يجزىء الجذع فى شىء من الأنعام فى ضحية أو هدى أو عقيقة أو نسك إلا فى الضأن خاصة. قال محمد قال مالك: والثنى من الضأن أحب إلى، وهما جميعا جائزان. [4/ 318]
وجه العمل في ذبح الضحية ونحر الهدى والتسمية والأكل منها والصدقة
وجه العمل فى ذبح الضحية ونحر الهدى والتسمية وفى الأكل منها والصدقة وذكر جنينها وصوفها ولبنها من العتبية قال مالك من سماع ابن القاسم: نحر البدن قياماً أحب إلى، ورآه وجه الأمر. قال والبقر والغنم تضجع فتذبح، ويلى نحر بدنته وذبح أضحيته بيده أحب إلى وليقل بسم الله والله أكبر، فإن قال (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) فواسع، ولم ير قوله اللهم منم وإليك مستحسناً ولم ير العمل به. قال عيسى سئل ابن القاسم أيضجع أضحيته على أى شقيها شاء؟ قال الثواب على شقها الأيسر على ما مضى من عمل المسلمين، ولو فعل ذلك جاهلاً لم يحرم أكلها عليه. قال ابن حبيب وروى ابن وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم فى الضحية وغيرها أمر بحد الشفار قبل أن تصرع وأن يواريها عند أخذها. وتوضع بالأرض عند الذبح وضعاً لينا رفيقا. قال ابن حبيب ومن اكتفى بالتسمية أجزأه، ومن أحب أن يزيد منك وبك ولك فتقبل منى كما تقبلت من خليلك إبراهيم فعل. وقد روى أن النبى عليه السلام فعله. ومن اقتصر على التسمية فلا أحب أن يدع اللهم تقبل منى إنك أنت السميع العليم، أو ربنا تقبل من فلان ومن آل فلان أو قال عن فلان وآل فلان فهو حسن إذا أدخل أهله معه فيها. ومن كتاب محمد قال مالك: ولا يتولى ذبح أضحيتك غيرك، ولكن تليه بنفسك. قال محمد: إلا من ضرورة أو ضعف، قال ابن حبيب أو كبر أو رعشة به أو نحو ذلك فيولى بذلك غيره مسلماً. [4/ 319]
قال محمد قال مالك: فإن أمر مسلم غيره من غير عذر فبأس ما صنع ويجزيه. وروى ابن وهب عن مالك فى سماعه وذكر مثله ابن حبيب عن مالك وحكى عنه ابن حبيب قال: إن وجد سعة فأحب إلى أن يعيد ويذبحها نفسه صاغراً فهو من التواضع لله سبحانه، وكما فعل النبى صلى الله عليه وسلم. قال محمد: ولتل المرأة ذبح ضحيتها بيدها أحب إلى. وكان أبو موسى الأشعرى يأمر بناته بذلك. محمد قال ابن القاسم: ومن أمر نصرانياً بذبح أضحيته ففعل لم يجزه، ولا ينبغى له بيع لحمها. قال ابن وهب قال مالك: أرى أن يعيد أضحيته، وقال أشهب فى غير كتاب ابن المواز إنها تجزئة وقد أساء. قال سعيد بن جبير ولا بأس أن يلى سلخها. قال ابن حبيب فى قوله تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) فالشعائر معالم الحج وسننه وعمله، وقوله (لكم فيها خير) والخير الثواب (فاذكروا اسم الله عليها صواف) يقول تصف أيديها بالقيود عند نحرها. وفى قراءة ابن مسعود صوافن وهى المعقول منها يد واحدة من البدن وتصير قائمة على ثلاثة قوائم. وقرأ الحسن صوافى بمعنى أنها صافية لله سبحانه (فإذا وجبت جنوبها) صرعت للموت (فكلوا منها وأطعموا القانع) والقنوع فى اللغة قنوعان قنوع عفاف وقنوع سؤال، وقال الجعدى: قليل المال يصلحه فيغنى مفاقرة أعف من القنوع [4/ 320]
يريد السؤال، وهو تفسير ابن عباس فى هذه الآية، وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم ومالك فى تفسير مجاهد والنخعى والحسن وقتادة والضحاك: إن قنوع العفاف أن يجلس فى بيته ولا يسأل ولا يتعرض وأجمعوا أن (المعتر) الزائر المتعرض لما ينال من غير سؤال ولكل حق، وكله من البأساء (والبائس الفقير) (ولكن يناله التقوى منكم) يقول ما يبتغى به وجهه فذلك يصعد إليه. قال محمد قال أشهب إن نتجت الضحية فلا يذبح ولدها ولا يجوز، وقال مالك إن ذبح مع أمه فحسن، وقال قبل ذلك إن تركه فليس بواجب ذبحه. قال ابن حبيب إلا أن يخرج بعد الذبح فعليه ذبحه كولد البدنة بعد إشعارها. وما ولدت الضحية قبل الذبح فإن شاء ذبحه معها وإن شاء أبقاه، كما له أن يبيعه. وكذلك يفترق فى لبنها فيشرب لبن الضحية، وإن تصدق به فحسن. ولا يجوز له شرب لبن البدنة ولا ما فضل عن فصيلها، وكذلك قال مالك. قال أبو بكر قال أشهب: له أن يجز صوفها قبل الذبح وبعده، وكذلك اللبن. ومن العتبية قال أبو زيد ضحى ابن القاسم بنعجة حامل فركض ولدها عند الذبح فى بطنها فأمر بتركها حتى ماتت ثم شق عنه فأخرج وأمر السكين على حلقه فسال دمه فأمر أهله فشووا له منه. قال ابن حبيب: وينبغى أن يأكل منها ويطعم، وكذلك البدن كما قال الله سبحانه. ولو أراد أن يتصدق بلحم أضحيته كله لغنائه عنه، كان كأكله له كله ولم يتصدق منه، حتى يفعل الأمرين جميعاً كما ذكر الله سبحانه، قال وكذلك قال مالك. [4/ 321]
ويستحب أن يكون أول ما يأكل يوم النحر من أضحيته، قاله عثمان وابن المسيب وابن شهاب. قال ابن شهاب: يأكل من كبدها قبل أن يتصدق. قال ابن المسيب: ويأكل يوم الفطر قبل أن يغدو. قال ابن حبيب وليس لما يأكل منها حد ولا لما يطعم، ويجزىء منه ما قل أو كثر، قاله مالك وابن المسيب والحسن وقتادة إذا أطعم منها الربع أجزأه. قال ابن حبيب: وهذا وما روى عن غيرهم الثلث فمن باب الاستحسان لا ضيق فيه، وليس عليه أن يعم منها القانع والمعتر والبائس الفقير، وهم كأصناف الزكاه المذكورين. ومن كتاب ابن المواز: يستحب له أن يتصدق ببعض لحم أضحيته، ولو لم يتصدق بشىء منها جاز له. وكذلك له أن يتصدق به كله وهو أعظم لأجره. ولا بأس أن يطعم منها جاره الغنى وصديقه والحر والعبد، قاله مالك. وخفف مالك أن يطعم منها أهل الذمة، وقال إنما النهى عن ذلك فى المجوس، وقد خفف مالك أن يطعم منها جيرانه الكتابين ثم كرهه وكرهه ابن القاسم، إلا لمن فى عياله منهم. واختلف قول مالك فى ظئر ولده النصرانية والكراهية واستحب ابن القاسم. وفى العتبية أن ابن القاسم اختار إجازته. وإذا أطعم من الهدى الواجب الذى ليس له أن يأكل منه كتابياً أو عبداً فليبد له. واختلف قوله فى الغنى. وأما التطوع فلا بدل عليه. وكذلك ما له أن يأكل منه من الواجب إن أطعم منه نصرانياص فلا بدل عليه. [4/ 322]
قال مالك فى العتبية فى سماع ابن القاسم: لا بأس أن يهب جلد أضحيته لظئر ولده النصرانية ويطعمها من اللحم، وأن يهدى منه لجاره النصرانى. ثم كره ذلك كله وكلك قال فى العقيقة فى سماع أشهب. قال ابن حبيب وأرخص ابن كنانة أن يطعم من الضحايا النصرانى. قال ابن حبيب: وجه الرخصة فيه عندى فيمن فى عياله من النصارى من مملوك أو أبويه أو أجيره وضيفه ومن غشية فى منزله. وأما تعمد البعث إليهم منه فلا يجوز ذلك، وكذلك فسره مطرف وابن الماجشون، وقاله أصبغ عن ابن القاسم. [4/ 323]
في بدل الضحية والتغالي فيها ومن مات عنها أو عن لحمها
فى بدل الضحية والتغالى فيها، ومن مات عنها أو عن لحمها. وفى جلدها يباع، وإذا ذهب عند الصانع شىء منها وفى جز صوفها وبيعه وذكر ما يرجع به من قيمة عيوبها من العتبية قال أشهب: كره مالك تغالى الناس فى الضحية، قال وخير الهدى هدى محمد وأصحابه وليشتر كشراء الناس وإن غلت، فأما أن يجد بعشرة فيذهب فيشترى بمائة فإنى أكرهه ويدخل فى الناس مشقة. قال ابن القاسم قال مالك فيمن ابتاع ضحية فسماها له أو لغيره ثم يريد أن يبدل أضحيته لغيره وهو يذبح ما سمى لغيره. قال أرى إن أبدلها بخير منها فلا بأس، وإن اشترى أضحيه فأراد أن يعطيها لأمه فلا بأس بذلك. قال عيسى قال ابن القاسم: من باع أضحيته ليبتاع أفضل منها ثم وجد خيراً منها بدون الثمن، قال مالك لا يحبس من الثمن شيئا وليشتر به وأنكر الحديث فى ذلك. وأما إن تركها واشترى أفضل منها فلم يأت يوم النحر حتى صارت الأولى أفضل فليذبح الأفضل. قال ابن حبيب: وإذا أبدلها بدونها يتصدق بما بين القيمتين أحب إلينا. وكذلك إن باعها واشترى بدون الثمن مثلها أو أخيراً أو أدون فليتصدق بما [4/ 324]
استفضل، فإن شح فى الوجهين صنع بالفضل ما أحب، وكذلك قال من لقيت من أصحاب مالك. وفى حديث حكيم بن حزام الذى أعطاه النبى عليه السلام ديناراً ليشترى ضحية فابتاعها ثم باعها بدينارين فاشترى أخرى بدينار وأتاه بها وبالدينار فتصدق به النبى صلى الله عليه وسلم ودعا له بالبركة. قال ابن القاسم أنكر مالك هذا الحديث. قال فى كتاب ابن المواز: وإن ترك ذبح أضحيته حتى مضت أيام النحر فلا شىء عليه، وقد أساء فى تعمده وفاته خير كثير فى نسيانه. قال ابن القاسم فى المدونة وقد أثم فى تعمده. مالك ويكره بدل أضحيته باشر منها. وإن أبدأها بأقل منها فى ثمنها وهى مثلها أو خير منها فجائز، لأنه لم يبعها. قال مالك وكذلك إن حبسها واشترى غيرها. وأما إن باعها واشترى أخرى بدون الثمن فذبحها فإنه يتصدق بالفضل. وفى المختصر وكتاب ابن المواز قال مالك: ومن مات عن أضحيته قبل أن تذبح فإنها تورث. محمد واستحب ابن القاسم أن يذبحها عنه الورثة ولا يلزمهم. قال وما اشتراه لغيره فإن أقره وأشهد عليه بتعمد الإشهاد فهى لمن أشهد له، وكذلك إن أجازها فى صحته. قال ابن حبيب وإلا فهى تورث وتباع فى دينه. قال مالك فى المختصر وغيره: ومن مات عن لحم أضحيته أكله ورثته ولم تبع فى دينه. قال فى كتاب محمد: ولا يقتسمونه فيصير بيعا. قال ابن حبيب إن شاءوا اجتمعوا على أكلها بعد أن يطمعوا منها كما يطعم، وإن شاءوا اقتسموها لأنهم يرثون منها ما كان له ثم ينهون عن بيع أنصائهم منها. هكذا فسره مطرف وابن الماجشون عن مالك. [4/ 325]
وقال ابن القاسم عن مالك: إذا قام عليه غريمه وقد اشترى أضحيته فله بيعها عليه فى دينه، ولو ضحى بها لم تبع. وقال عيسى فى العتبية عن ابن القاسم: إن مات عن أضحيته قبل الذبح فأحب لورثته ذبحها عنه، وإن أبوا فهى مال من أمواله ويأخذها غرماؤه إن لاحقه دين. ولو ذبحها ثم مات لم يأخذها الغرماء واقتسمها الورثة على الميراث، وللغرماء أخذ البدنة وإن قلدها كما مر فى العتق. قال عبد الملك بن الحسن قال أشهب: إذا مات عن أضحيته فلا يضحى بها عنه وهى ميراث. قال أبو زيد قال ابن القاسم فيمن دفع جلد أضحيته إلى من يدبغه فيقول سرق منى، فإن وثق به فلا يغرمه شيئا، وإن اتهمه فليأخذ قيمته ويتصدق بها أحب إلى، وضعفه. قال عنه أصبغ إن باع أهله جلد أضحيته فليتصدق بثمنه، فإن أفات الثمن فليس عليه أن يغرمه من عنده. قال ابن حبيب: وكذلك إن باعوا من لحمها، وذلك إذا لم يأذن لهم فى بيع الجلد واللحم ولا رخص لهم فيه ولا أعطاهم الجلد واللحم ليصنعوا به ما شاءوا من بيع أو غيره، فإن فعل هذا فهو البائع وعليه إخراج الثمن من عنده والصدقة به، وكذلك قال أصبغ. قال مالك ولا يبيع جلد أضحيته بجلد غيره، قال ولو جاز ذلك جاز له بقلنسوة وشبهها. قال سحنون فى موضع آخر: وللرجل أن يؤاجر جلد أضحيته، وكذلك جلد الميتة، يريد إذا ذبغ. قال ابن حبيب: من باع جلد أضحيته جاهلا فلا يجوز أن ينتفع بالثمن، وعليه أن يتصدق به. وكذلك إن باعه عبده او بعض أهله. قال: ومن سرقت رؤوس ضحاياه من الفرن فاستحب ابن القاسم أن لا يغرمه شيئاً وكأنه رأه بيعاً. قال ابن حبيب وله أخذ القيمة ويصنع بها ما شاء من أكل أو هبة أو صدقة أو [4/ 326]
شراء ما يحتاج إليه، وكذلك جلدها يضيع عند الرقاق أو يستهلك، وليس كالبيع ألا ترى من حلف ألا يبيع ثوبه فغصبه غاصب أو استهلكه أحد فله أخذ قيمته ولا يحنث، وله أخذ قيمة جلد مثله من الرقاق ينتفع به كما يأخذ من اللحم المستهلك ماشاء من حيوان أو طعام، وقاله لى فى ذلك كله ابن الماجشون وأصبغ. وروى عن سحنون فيمن باع جلداً من أضحيته أو شيئاً من لحمها أو صوفها، فإن أدركه فسخ البيع وإلا فيجعل ثمن الجلد فى ماعونه أو فى طعام وثمن اللحم يشترى به طعاما يأكله. وقال محمد بن عبد الحكم: من باع جلد أضحيته فله حبس ثمنه وأن يصنع به ما شاء. قال فى كتاب ابن المواز: إذا اختلطت رؤوس الضحايا عند الشواء كرهت لك أكل متاع غيرك، ولعل غيرك لا يأكل متاعك أو متاعه خير. ولو اختلطت برؤوس الشواء فهذا خفيف لأنه ضامن، كمن ضمن لحم الأضاحى بتعدن وكما يضمن زرعاً لم يبد ضلاحه، وقيمة كلب الغنم بالتعدى، وفطرة المسكين. ومن كتاب ابن المواز ولا يتصدق بجلد الضحية على من يعلم أنه يبيعه. ومن تصدقت عليه به فلا يبيعه ولا يبدله بمثله من جلد أضحيته أو غيرها. وكذلك لو هبته لخادمك قاله مالك. قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن تصدق بأضحيته على رجل بعد أن ذبحها إن للمعطى بيعها إن شاء، ذكرها ابن حبيب فى كتاب الحدود. قال ابن المواز ولا يدفع جلودها لمن يعملها على النصف، وكذلك العقيقة، وكذلك صوفها ووبرها إذا جززته بعد الذبح. ومن كتاب محمد ومن العتبية من سماع ابن القاسم قالمالك: لا يجز صوف الضحية بعد أن سمى وقبل الذبح، فإن ذبحها فله أن يجزها إن شاء، فإن [4/ 327]
فيمن ذبح أضحية غيره بأمره أو تعديا أو غلطا
جزها قبل الذبح ثم ذبحها أجزأته وقد أساء، ولينتفع به ولا يبيعه، وقاله ابن القاسم إن جزه بقرب الذبح. قال سحنون ولو باعها لم أر به بأسا بأكل ثمنه إلا أن يجزه بعد الذبح فلا يبيعه. قال محمد قال أشهب: له أن يجزها وينتفع به ويبيعه ويصنع به ما شاء لأنه لم يجب، وخفف أصبغ بيعه قبل الذبح. قال عيسى بن دينار قال سعيد بن حسان أخبرنى هارون قاضى المدينة عن مالك فى الحذاء أيدهن بشحم أضحيته شرك النعل؟ فنهى عنه. قال أصبغ فى العتبية إذا وجد بأضحيته عيباً بعد الذبح فرجع بقيمته، فإن كان مما لا تجزى صنع به ما شاء، فإن كان فى أيام الذبح أعاد وإن فاتت فلا شىء عليه ويصنع به ما شاء، وإن كان عيبا تجزى بمثله تصدق بما أخذ وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم سواء، وقال ذلك بخلاف ما يرجع به من قيمة عيب بعبد قد اعتقه، هذا يصنع به ما شاء كان مما يجوز فى الرقاب أم لا. وفى العتبية قال سحنون فى الرفيقين يشتركان فى الشاتين للضحية فيتقاسمانها فيقول هذا خذ أنت هذه فضح بها وأنا هذه أضحى بها، فذلك جائز إن استويا فى السمانة، فإن لم يستويا كرهت ذلك لأخذ الأدنى إلا أنها تجزيه، ولا يأخذ للفضل شيئاً، قال أبو بكر بن محمد، قال غيره: وتجزئه لأنها بالقسم وجبت ضحية إذا كان فى كل شاة جزء. فيمن ذبح أضحية غيره بأمره أو تعدياً أو غلطاً وفى الأضاحى تهرب أو تختلط هى أو لحومها أو تسرق من العتبية ذكر مالك من سماع أشهب حديث ابن عمر حين اشترى أضحيته من راع وأمره بذبحها، فذبحها الراعى وقال اللهم تقبل منى، فقال ابن عمر ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل. [4/ 328]
وذكر ابن حبيب أن تأول أصبغ هذا أن ابن عمر ضحى في سفره وعلى حسن النية منه في الضحية ولو تبالغ فيما / فعل الراعي لرآها لا تجزئه وضمن الراعي وضحى بغيرها. ومن كتاب ابن المواز قال ابن قاسم: إذا أخطأ رجلان فذبح كل واحد أضحية صاحبه عن نفسه غلطا ً فلا تجزئ عن واحد منهما، ورواه عن مالك، وقال أشهب يجزى عن الذابح كما لو استحقت بعد الذبح. واختلف فيه قوله. وأما نحر الهديين غلطا ً بعد أن قلدا فروى أشهب عن مالك أنه لا يجزيهما، وروى عنه ابن القاسم وابن وهب أنه يجزي عن الذي قلده لا عن من نحره لوجوبه بالتقليد، وبهذا يأخذ محمد. قال وأما الضحايا فإن أجاز مستحقها ذلك وطالت القيمة أجزت عن ذابحها، كعبد أعتقه عن ظهاره ثم استحق فأجاز به البيع، وهو معنى قول أشهب عندي [وكذا إهداء] ولدها ثم جاء ربها فأخذ قيمتها فهي لهذا أم ولد. وكذلك مستحق البدنة المقلدة، له أخذها وحل قلائدها، فإن ترك أجزت مهديها. وكذلك إن قلد بدنة صاحبه غلطا فاختار ربها أخذ القيمة أجزت عن مقلدها. وروى عن ابن القاسم في الضحية أنه إن أخذ ربها قيمتها لم يجز على من ذبحها ولا أرى له بيع ذلك اللحم لأنه أراد به النسك، وقاله أصبغ وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. قال محمد والصواب ما قلنا أولا، وهذه من المجالس لم تتدبر. وقال ابن حبيب في الضحية إن عرف ذلك بعد فوات اللحم أجزأت عن ذابحها غلطا وودي القيمة، وإن لم يفت اللحم فربها مخير، فإن شاء أخذ اللحم [4/ 329]
فله بيعه، وإن أخذ قيمة الشاة لم تجز عن ذابحها ولا له بيع لحمها نحو ما ذكر محمد عن ابن القاسم وأعابه. قال قال ابن القاسم في العتبية / من ضحى يوم التروية يظنه يوم النحر لم يجزه ولا يبيع لحمها. وهذه من العتبية. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو ذبح لك جارك أضحيتك بغير أمرك إكراما لك فرضيت لم تجزك إلا أن يكون مثل الولد أو من بعض عيالك مما يحمل عنك ذلك. قال عنه أبو زيد والصداقة بينهما أو وثق به حتى يصدقه أنه ذبحها عنه. قال أشهب: لا يجزيه وإن كان ممن في عياله وهو ضامن. قال محمد: وإذا هربت الضحية فعليه بدلها لا يبالي دون الأولى أو خيرا منها، فإن كانت خيرا فهو أحسن، ثم إن وجدها صنع بها ما شاء، بخلاف الهدى المقلد يضل. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: ومن ضلت أحضيته فوجدها بعد أيام النحر وقد ضحى بأخرى أو لم يضح فليصنع بها ما شاء. وكذلك إن وجدها في أيام النحر وقد ضحى. وإن أختلطت أضحيته بغنم رجل فهو له شريك بها بجزء من مبلغ عددها إن كانت مائة كان له جزء من مائة، فإن شاء أن يتعجل أخذ شاة احاجته فله ذلك، ويأخذ شاة من أوسطها وليست من أعلاها ولا من أدناها. ومن موضع قال ابن القاسم في رؤوس الضحايا يحظى [كذا] بها في الفرن فليتحال أصحابها، وليس لكل واحد طلب قيمة متاعه ولا طلب فضل قيمة متاعه من الآخر. ولو سرقت ضمنها السارق، ولا أحب إن طالب بشيء. قال عيسى بل يأخذ منه القيمة ثم يتصدق بها أحب إلي. [4/ 330]
في التلقي في شراء الضحايا ومن سلف فيها فلم يؤدها إلا بعد أيام النحر
وروي عن بعض أصحابنا في شاتين في بيت لرجلين لكل واحد شاة بعينها فذبحاهما ثم اختلطا بعد السلخ أنهما يجزيانهما ولا يأكلان لحمهما وليتصدقا به جميعا. / قال عبد الله بن عبد الحكم: إذا اختلطت الضحايا فلا بأس أن يصطلحا فيها إذا أخذ كل واحد كبشا يضحي به ويجزيه. قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن اشترى أضحية له وأخرى لا مرأته فذبحهما عن نفسه ساهيا، فأحب إلى أن يبدل أضحية امرأته، فإن أبى لا تجزى عنها. وقد تقدم في باب آخر ذكر صوف الضحية يجز وذكر جلودها تباع أو يتلف عند الصباغ جلدها أو رأسها أو يتبدل، وما يرجع به في عيوبها. في التلقي في شراء الضحايا ومن سلف فيها فلم يؤدها إلا بعد أيام النحر، وهل يشتري؟ من العتبية من سماع ابن القاسم في الذي يخرج إلى مثل الإسطبل وهو على نحو ميل ليشتري أضحيته وبه يجتمع الغنم ويخرج إليه الناس يشترون، قال لا يعجبني حتى يرد السوق وهو قد بان فيحتاط لها. وقد نهي عن تلقي السلع. وكذلك كره إذا مرت الغنم في بعض نواحي الفسطاط أن يشتري منها حتى ترد السوق، ولو مر بها على قرية عن الفسطاط على ستة أميال فلا بأس أن يشتروا لحاجتهم ولضحاياهم، وأما للتجارة فلا. قال عيسى قال ابن القاسم عن مالك في الغنم تجلب فتترك على ميلين أو ثلاثة عن المدينة ثم يخرج الجزارون لشرائها، قال لا، وهذا من التلقي. [4/ 331]
في سنة العقيقة والعمل فيها
ولو ضحى بما ابتاع في التلقي فعليه البدل في أيام النحر، ولا يبيع لحم الأولى. ومن سماع أشهب قيل لمالك: أيشتري في السفر من الراعي؟ قال قد يرعاها ربها فأما العبد الأسود الأعجمي لا يؤتمن مثله فأحب إلي أن لا يشتري منه. وأما الفصيح الذي يبيع لأهله ويقول أمرت بالبيع وولي فيها فأرجو فيه سعة. قال: ومن سلف في ضحايا إلى أجل / إلى رجل ليأتي بها في الأضحي فلم يأت بها إلا بعد فوات ذلك فإنها تقبل منه. وكذلك الطالب يأتي بها في الشتاء فتأخرت فيلزم المبتاع قبولها، كما لو تأخر بالقمح عن وقت إنفاقه. وهذا خلاف من يكرى إلى الحاج فيخلفه. قال محمد لأنها أيام بأعيانها في الحج. وروى ابن حبيب عن مطرف عن مالك في الضحايا يأتيه بها بعد أيام النحر بيوم أنها تلزمه، وإن جاء بها بعد ذلك بالأيام والأمر البعيد فهو مخير إن شاء قبلها أو يرجع برأس ماله. في سنة العقيقة والعمل فيها وذكر الذبيح من ولد إبراهيم عليهم السلام من الواضحة قال مالك: والعقيقة سنة وإن لم تكن واجبة فيستحب العمل بها، وكانوا يكرهون تركها. قال ابن المواز: هي مستحسنة وليست بواجبة، لقول النبي عليه السلام [من ولد له فأحب أن ينسك عنه فليفعل] قال ابن حبيب ليست كوجوب الضحية. وقد عق النبي عليه السلام عن ولده إبراهيم، وعن الحسن والحسين يوم سابعهما. [4/ 332]
وقال مالك عن الذكر شاة وعن الأنثى شاة، وكذلك قال ابن عمر. وروى عن عائشة عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة. قال مالك: ومن ولد له توءمان فليعق عن كل واحد شاة، وكذلك روى عيسى ابن دينار عن ابن القاسم في العتبية. قال ابن حبيب: وهذا في شاة العقيقة التي تذبح عن المولود، فأما ما ينبغي ويحسن من التوسعة والإطعام ودعاء الناس فأكثر من ذلك. قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم ليس الشأن عندنا دعاء الناس إلى طعامها، ولكن يأكل أهل البيت والجيران ويسمى الصبي يوم السابع. قال مالك: والضأن والمعز سواء يجزئ في العقيقة. قال في سماع أشهب ولا يعق ولا يضحى بشيء من الوحش والطير، ولا يتقرب إلى الله سبحانه في هذا إلا بالأنعام. قال الله تبارك وتعالى {ثمانية أزواج} الآية وقال في موضع آخر في سماع سحنون قال مالك: لا يجزئ في العقيقة الإبل والبقر، وإنما سنتها الغنم خاصة وبه جاءت السنة. قال ابن حبيب: إن العقيقة عند مالك بالبقر وبالغنم والإبل، والضأن أحب إلي من المعز ومن البقر على سبيل أمر الضحية في الأنعام الأربعة، والضأن أفضلها. والذي يجزئ من سنها الجذع من الضأن، والثني من المعز وغيرها. ابن المواز: يعني بالجذع من الضأن والثني من المعز وغيرها. قال ابن المواز: يعق بالجذع من الضأن والثني. قال في سماع ابن القاسم في العتبية في العقيقة ضحوة كالضحية. قال ابن حبيب [4/ 333]
من ضحى يوم السابع إلى الزوال قاله مالك، وتحسب الأيام بلياليها والليلة سابقة ليومها. فإذا طلع الفجر قبل يولد كان يوم لا ليلة ولا يحسب، قاله مالك. قال ابن حبيب: ولو عق عنه إلى مثل الحين الذي ولد فيه بعد أن يكون حينا يذبح في مثله نهارا ً أجزأه ولم يعد، قاله ابن الماجشون أصبغ، قالا: وذلك اليوم أحب إلينا. قال ابن الماجشون: ولا يذبح ليلا ولا بسحر ولا بالعشي، ولكن من ضحى إلى الزوال. قال في العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فإن عق ليلاً لم يجزه وأعاد. قال ابن حبيب ومعنى قول مالك تكسر عظامها بما كان الجاهلية يقطعونها من المفاصل ويحلقون رأس الصبي ويجعلون على رأسه من دمها / في قطنة، فلذلك نهى مالك أن يمس الصبي بشيء من دمها. قال ابن حبيب: ويجعل مكان الدم على رأسه خلوق، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه فضة؛ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله بحسن وحسين. ولا بأس أن يتخير له الاسم في تلك الأيام ولا يوقف عليه إلا يوم السابع، وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمي الحسن والحسين وزينب أوم كلثوم يو السابع، قال ابن وهب: وبه يأخذ مالك. قيل له: فإن مات قبل سابعه أيسمى؟ قال فذكرت له الحديث في السقط بقول لأبيه يوم القيامة تركتني بغير اسم، فلم يعرفه. قال ابن حبيب وأحب إلي إن مات قبل السابع أن يسمى، وكذلك السقط يسمى لما روى من رجاء شفاعته والله أعلم. قال ابن حبيب: ومن ترك أن يعق عن ولده في سابعه فليعق عنه في السابع الثاني فإن لم يفعل ففي الثالث فإن فاته فلا يعق بعد ذلك. وروى ذلك ابن وهب [4/ 334]
عن مالك وروي مثله عن علي وعائشة، وروى ابن عبد الحكم عن مالك القولين واختار رواية ابن وهب. قال ابن حبيب: ومذهب ابن القاسم وروايته إذا فاته السابع الأول فقد فاتته العقيقة، وأهل العراق يعقون عن الكبير، وروي عن ابن سحنون، وهذا لا يعرف بالمدينة. وكانت عائشة تعق عن بني أخيها من أموالهم. وروي عن مالك في المختصر: ويعق عن اليتيم إذا كانت له سعة. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: سئل عن حلاق رأس الصبي يوم سابعه والصدقة بوزن شعره ورقا ً، فقال: ما هو من عمل الناس وما ذلك عليهم. قيل أيدخر لحم العقيقة؟ قال شأن الناس أكلها وما بذلك بأس. قال مالك: ويقع في قلبي من العقيقة أنه مدخل يقرب به المولود إلى طريقة الإسلام وشريعته. قال في سماع أشهب لا يعق بعد اليوم السابع ولا في الأسبوع الثاني ولا عن الكبير ولا عن اليتيم، وهو لأصحابه الذين ما عق عنهم وما عقوا عن أنفسهم. قيل فيعمل منها الطعام فيدعى إليه؟ قال ما رأيتهم عندنا يفعلون ذلك، إنما يقطعونه ويأكلون منه ويطعمون ويبعثون إلى الجيران. ولا بأس أن يطعم منه نيئا ً وغير نيء، شاءوا أن يصنعوا طعاما ما صنعوا من غيرها ودعوا إليه الناس. ومن مات ولده قبل السابع فلا عقيقة عليه فيه ولا يسميه. قال معن قال مالك: إذا كان سابع ولده يوم الأضحى وليس عنده إلا شاة، قال يعق بها. قال العتبي وابن حبيب إلا أن يكون يوم السابع آخر أيام النحر فليضح بها لأن الضحية أوجب. قال عيسى عن ابن القاسم قيل: أيطعم [4/ 335]
في الاختتان والخفاض وإتيان الولائم
منها إخوانه الأغنياء؟ قال الفقير أحب إلي، فإن فعل فلا شيء عليه. ولا يعجبني أن يجعله صنيعا يدعو إليه. قال ابن حبيب والأحسن أن يوسع بغير شاة العقيقة لإكثار الطعام ودعاء الناس إليه فروي أن ابن عمر ونافع بن جبير كانا يدعوان إلى الولادة. قال النخعي كانوا يستحبون أن يطعموا على الولادة. قال ابن حبيب فجمع الناس لا يكون إلا على الكثير. قال ويسلك بالعقيقة مسلك الضحايا في اجتناب العيوب وفي أسنانها وفي النهي عن بيع شيء منها، فإن ذبح الأب غير شاة العقيقة يريد بها التوسعة في إطعام الناس، فإن لم / ينو أن يجعلها عقيقة فله بيع جلودها، ولا يبالي فيها بعيب ولا يراعي فيها ما ذكرنا. ومن كتاب ابن المواز قيل لمالك: أيعق العبد عن ولده الحر ويضحي عنه؟ قال نعم إن أذن له سيده، وإلا فلا. قال مالك في السماع من العتبية وفي غير ديوان: الذبيح إسحاق. وقال ابن حبيب إن الذبيح إسماعيل، وهذا قول العراقيين والله أعلم. في الأختتان والخفاض وإتيان الولائم من سماع ابن وهب قال مالك: الختان من الفطرة، ولا أرى أن يختن المولود في اليوم السابع فإنما ذلك من عمل اليهود، ولم يكن من عمل الناس إلا حديثا. قال عنه أشهب: ليس لختانه حد ينتهي إليه، وأحب إلي إذا أثغر، وإن عجل قبل ذلك فلا بأس، وكلما جعل ختانه قبل الإثغار فهو أحسن إلي. قيل له فختان الجواري؟ قال إنهن يخفضن ويفعل ذلك بهن ابن وهب. قيل لمالك وربما ولد الصبي وفي رأس ذكره بتره فيخاف منها فيعجل إختانه حتى يسقط من الجلدة التي تقطع، قال إذا كان من الضرورة فلا أرى به بأسا، يريد بتعجيل ختانه. [4/ 336]
قال عنه أشهب: وإنما يسمى يوم السابع يوم يعق عنه، وأنكر أن يؤذن في أذنه حين يولد قال يسمى السقط. قال عنه ابن وهب: ولا يسمى المولود إلا يوم السابع، ولا يضره إن مات قبل أن يسمى فلا يسمى، فذكرت له الذي في السقط أنه يقول لأبيه يوم القيامة تركتني بلا اسم وأنكره وقال ما سمعنا هذا. قال ابن حبيب: لم يكن الأختتان قبل نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو من ملة الإسلام. قال الله تبارك وتعالى [ملة أبيكم إبراهيم] وأمر الله سبحانه بذلك إبراهيم ونسخ به ما تقدم من ترك الاختتان وكل طاعة الله في وقته، فاختتن صلى الله عليه وسلم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة. قال مالك: الاختتان من الفطرة، فمن تركه من غير عذر ولا علة لم تجز إمامته ولا شهادته. قال ابن شهاب ولا يتم إسلام من أسلم حتى يختتن. قال ابن المسيب كان إبراهيم عليه السلام أول الناس اختتن وقص شاربه وقلم أظفاره ونتف إبطه وحلق عانته وفرق شعره، وأول من استاك وأضاف الضيف، وأول الناس رأى الشيب فقال يارب ما هذا؟ قال وقار. قال رب زدني وقارا. قال عطاء بن أبي رباح: عشر خصال من الفطرة وفطر عليها إبراهيم علية السلام، خمس في الرأس: المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وفرق الرأس وفي الجسد خمس: قص الأظافر ونتف الإبط والاستحداد والختان والاستنجاء. [4/ 337]
وروي عن الحسن أنه تفسير قوله تعالى / [وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن] وروي أن إبراهيم ختن إسماعيل ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق ابن سبعة أيام. وروي أنه أطهر للمولود وأعفى من الألم يريد العنة والمرض والعيب. وكره مالك الختان يوم يولد الصبي وفي يوم سبعة أيام وقال هو من فعل اليهود ولم يكن من عمل الناس إلا حديثا. وكان لا يرى بأسا أن يفعل لعلة تخاف على الصبي. قال مالك: وحد ختان حين يؤمر الصبي بالصلاة من سبع سنين إلى عشرة. قال ابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الختان سنة للرجال مكرمة للنساء وقال يحيى بن سعيد وربيعة: وذلك كالختان في الرجل في إلزامه لأنه لايقطع من أحد شيء ولا يلزمه، وكذلك هما في حلق العانة ونتف الجناحين، وقاله كله مالك. ويقال إن إبراهيم أمر سارة أم إسحاق أن تفعله بهاجر أم إسماعيل وكانت أمة لها وهبتها لإبراهيم، ثم غارت بها فحلفت ليغيرن منها ثلاثة أشراف، فأمرها إبراهيم أن تثقب أذنيها، وتخفضها. وقال النبي عليه السلام لأم عطية: أشمي ولا تنهكي فإن ذلك أسرى للوجه وأحظى عند الزوج. يقول: ألا تبالغ في القطع ولكن تخفف، وقوله أسرى يقول أشرق وأنضر وأكثر لماء الوجه ودمه، وإذا بالغت في القطع أذهب ماء وجهها وأمات لونها. وقوله أحظى عند الزوج يقول أحسن في جماعها. وروى أن عليا بن أبي طالب كره أن تخفض حتى تبلغ سبع سنين، وليس من الشأن الإطعام عند ذلك، بل الشأن عند الناس ستره وإخفاء ذكره. [4/ 338]
وأما ختان الذكر فكانوا يدعون إليه فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعى إليه. وكان ابن عمر يدعو إليه وإلى الولادة، ونافع عن حبيب بن مطعم. قال عبد الله بن زيد رأيت وائلة ابن الأسقع دعا الناس إلى ختان ابنه وهو مؤتز بشملة غليظة، وفي كلتا يديه إناء شراب من حلال الأشربة، يقول أشربوا رحمكم الله. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا وليمة إلا في عرس أو عذار قال العرس البناء بالزوجة، والخرس نفاسها والإعذار ختان المولود. يقال أعذرت الغلام فهو عذر إذا اختتنته. وكل ما يدعى إليه الناس فهو وليمة، فخص الناس اسم طعام العرس بالوليمة، واسم طعام الخرس بالعقيقة، وطعام الإعذار عذيرة. زاد الحسن بن يحيى الدمشقي إلى هذه ثلاث ولائم العتيرة والبقيعة، فالعتيرة الطعام الذي يبعث إلى أهل الميت، قال مالك إلا أن يرسل لنياحة فإني أكره ذلك. قال ابن حبيب والبقيعة طعام الإصلاح كانت العرب تفعله في النايرة تقع بين القبيلتين فتأتي قبيلة أخرى للصلح بينهما فيجمعهما بأفنيتهما لذلك وينحر البقر ويقدم الطعام بعد الصلح. ومن العتبية روى أشهب عن مالك العتيرة شاة كانت تذبح في رجب يبتدرون وقد كانت في الإسلام ولكن ليس الناس عليها. [4/ 339]
فارغة
كتاب الصيد
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الصيد في اللهو بالصيد وما يحل من صيد الجوارح المعلمة وذكر التسمية من الواضحة ومن كتاب ابن المواز قالا: وكره مالك الصيد للهو به ونهى عنه ولرآه سفهاً، ولم يجز قصر الصلاة فيه، وأجاز ذلك لمن يصطاد لعيشه وعيش أهله. قال عنه ابن حبيب أو من قرم إلى اللحم من غني أو فقير. قال وكره الليث الصيد للهو وقال ما رأيت حقا أشبه بباطل منه. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بدا جفا، قال ومن لزم الصيد لها، ومن لزم السلطان فتن، وفي حديث آخر: من لزم الصيد غفل. قال مطرف وابن الماجشون: استخفت مالك الصيد لأهل البادية وقال هم بمكانه ولا غنى عنه، وإن خروج أهل الحضر إليه خفة وسفاهة. قال عبد الملك في قول الله سبحانه {وما علمتم من الجوارح مكلبين} فتكليبها تعليمها الاصطياد. قال غيره ودخل مدخل الكلاب غيرها من السباع المعلمة، وسباع الطير بدخولها في اسم الجوارح، والجوارح الكواسب. قال الله تعالى {ويعلم ما جرحتم بالنهار} يقول ما كسبتم. [4/ 341]
في الجوارح المعلمة وما يكون من فعلها ذكاة وما أكلت
قال ابن حبيب: فتعليم الكلب أن يدعوه فيجيب، ويشليه فينشلي، ويزجره فينزجر. وكذلك الفهود. وأما البزاة والصقور والعقبان فإنما تعليمها أن تجيب إذا دعيت وتنشلي إذا أرسلت، فأما أن تنزجر إذا زجرت فليس ذلك فيها ولا يمكن منها، وكذلك قال ربيعة وابن الماجشون. وقال غير ابن حبيب من أهل اللغة: يقال للزجر أشلا كما تقول زجرت التنور إذا أوقدته. قال ابن حبيب قال مالك: ولا يؤكل صيد النمس إذا قتل وأنفذ المقاتل لأنه ليس بمعلم ولا يفقه التعليم، ولا يؤكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته حيا. قال مالك في تارك التسمية في الصيد والذبائح: إن كان عامدا ً فلا يؤكل، وإن كان ناسيا أكلت. وقال أشهب في العامد إن لم يكن مستخفا فليؤكل، قال أشهب وابن القاسم: ولا يحتاج إلى التسمية في صيد الحوت، وقاله ابن القاسم. قال أشهب ولا في صيد الجراد، إلا أنه حين يقتلها يعتملها فعليه حينئذ أن يسمي لأن ذلك ذكاتها. وروى عن ابن المسيب إذا خرجت قانصا فذكرت اسم الله حين تخرج كفاك. وروي نحوه عن ابن القاسم. قال ابن حبيب يعني إذا نسي التسمية. في الجوارح المعلمة وما يكون من فعلها ذكاة وما أكلت وذكر ما فات أو توارى عنك وما أدركت ذكاته من الصيد أو أعان عليه سبع أو تردى وغيره قال ابن حبيب في قوله تعالى {فكلوا مما أمسكن عليكم} يقول ما صدن وأدركن ليس يريد أن يمسكنه فلا يأكل منه. [4/ 342]
قال ابن المواز قال مالك: وإذا أكل الكلب المعلم مما أخذ قبل أن يقتله أو بعده فإنه يؤكل ما أخذ. قال محمد ولا يؤكل ما أخذ غير المعلم إلا ما أدركت ذكاته. قال ورأى قوم أن الكلب إذا أكل لم يؤكل منه، ويؤكل مما أكل منه البازي إذ لا يقدر على طرده. والعمل على حديث عمرو ابن شعيب عن أبي ثعلبة أنه يؤكل وإن أكل منه. قال ابن حبيب وروى نحوه في حديث عدي بن حاتم. قال غيره اختلف عن عدي ابن حاتم فيه، فقال ابن حبيب: وممن قال إنه يؤكل وإن أكل علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو هريرة وسلمان وابن المسيب وسليمان ابن يسار وابن شهاب وربيعة وعطاء ابن أبي رباح. قال ابن المواز قال مالك وأصحابه: لا يؤكل ما مات بنطح الكلاب وصدمها أو كدمها من غير تنييب، ولا ما مات من الجري، وكل ما جرحته أو نيبته ولو في أذنه، إلا أشهب فإنه قال يؤكل ما مات بصمها وبطحها وبضرب السيف وإن لم يجرح، والأول أحب إلينا. قال مالك: وإذا توارى عنك فصرع الصيد ثم أصبت فيه أثر كلبك أو بازك أو سهمك، قال ابن حبيب وقد عرفت الصيد، قال مالك فكله وإن لم يكن مقتلا ً. وإن لم تجده إلا آخر النهار، قال أصبغ إذا كان متماديا في طلبه، فأما إن اشتعل بغيره أو انقطع عنه فلا يؤكل، إذ لعله لو طلبه أدرك ذكاته، ويصير كالذي يحاول إخراج السكين من خرجه حتى مات بنفسه، إلا أن يكون في ذلك كله قد أنفذت الجوارح مقاتله أولا ً. قال ابن القاسم وأما إن مات عنه ثم وجد فيه سهمه قد أنفذ مقاتله فليأكله. وأما في أثر الباز والكلب فلا يؤكل وإن كان معلما. وكذلك لو رجع إلى منزله ثم رجع فوجد أثر بازه أو كلبه فيه وهو معقل لم يؤكل، إذ لعله لو حضر أدرك ذكاته قبل إنفاذ مقاتله، وقاله أصبغ بخلاف السهم. [4/ 343]
وقال ابن القاسم وأشهب: لا يؤكل إذا بات وإن كان سهما. ومن قول ابن عباس: كل ما أصبت، يريد ما حضرت موته، أو قربت منه، ولا تأكل ما انبت، يريد ما بعد عنك وعن موته. قال محمد: ولعل ذلك فيما لم ينفذ السهم مقاتله، وهو بين، قال أسبغ وقد قيل إلا ما بات ولم ينفذ فيه السهم المقاتل لما يخاف أنه أعان عليه في الليل من السهم والوحش. قال أصبغ ولا معنى لرواية ابن القاسم وأراها وهما ً. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: يؤكل ما مات إذا وجد قد أنفذت الجوارح والسهم مقاتله إذا لم يشك في ذلك، وقاله أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال ابن القاسم لا يؤكل، والأول أحب إلينا، وذكر ابن أبي حبيب عن أشهب غير ما ذكر ابن الماجشون. قال ابن المواز قال مالك: وإذا أدركه في أفواه الكلاب فتركه حتى مات وهو يقدر على تذكيته في أفواهها، أو يقدر على خلاصه، فلا يؤكل. وكذلك لو أدركه غير صاحبه وهو يقدر على ذكاته فتركه حتى جاء صاحبه وقد مات بنفسه فلا يأكله. قال مالك: وإن رميته بسهمك فأصابه منه ما منعه الفرار، ثم رميت أنت أو غيرك فقتلته لم يؤكل، لأنه أيسر. قال ابن القاسم للأول قيمته على الثاني. قال ابن حبيب قال ابن شهاب وربيعة ومالك: إذا رميت صيدا أو أرسلت جارحاً فلا تتربص في إدراكه، فإن توانيت حتى مات وأنت تعلم لولا توانيك لأدركته حيا ً فلا تأكله. قال عبد الملك وإن عالجت خلاصه من الكلب أو الباز حتى مات ولو شئت ذكيته تحتهما فلا تأكله، وإن لم تقدر على تذكيته وهو تحتهما لم يضرك شغلك بخلاصه وإن مات بنفسه. [4/ 344]
في السهم المسموم وما قتل المعراض والحجر والبندق والعصا
ومن العتبية قال يحيى عن ابن القاسم في الصيد يتوارى بالكلب فيوجد عليه قد قتله إنه إن لم ير قريبا ً منه صيدا ً يشك في أن يكون غير الذي أرسله عليه أو غيره فأكله حلال، وإن خفت ان يكون غير صيدك فلا تأكله بالشك. قال سحنون وإن أرسله على صيد بعينه فانبعثت صيود فرادها وتوارى عنه ثم وجده قد قتل صيدا ً، قال لا يأكله حتى يعرفه. قال أبو زيد قال ابن القاسم: إذا أنفذ سهمك مقاتل الصيد ثم وقع في بئر أو رأيت سبعا ً قد أعان عليه أو تردى من جبل فإنه يؤكل، إلا أن يشك أن يكون أنفذ مقاتله أو لم يعلم فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته. في السهم المسموم وما قتل المعراض والحجر والبندق والعصا والسهم بعرضه والصيد يضرب فيقطع بعضه من العتبية وكتال ابن المواز قال ابن القاسم: قال مالك فيمن رمى صيدا ً بسهم مسموم ثم أدرك ذكاته فلا يأكله، فلعل السهم أعان على قتله، وأخاف على من أكله. ولا يؤكل ما قتل السهم والرمح بعرضه. ومن رمى بعصا أو عود لا حديد فيه فأصاب فإنه يؤكل ما قتل. قال وكذلك المعراض إذا سحق. قال مالك: وقيل الحجر والبندق من الموقوذة، وقاله ابن عمر في الجلاهق، مالك وذلك رض. قال ابن حبيب وإن دخلت في اللحم فهو رض فلا يؤكل إلا ما أدركت ذكاته. وأخبرني أصبغ عن ابن القاسم في رامي الصيد بالحجر أو الذي مثله يذبح به فقطع رأس الصيد وهو ينوي اصطياده فلا يعجبني أكله، إذ لعل الحجر قطع رأس الصيد بعرضه. [4/ 345]
فيمن أرسل على جماعة أو صيد فأخذ غيره أو أخذه وغيره
ومن كتاب ابن المواز قال ربيعة: ومن رمى صيداً فأبان وركيه مع فخذيه فلا يأكل ما أبان منه وليأكل باقيه، وقاله مالك. قال مالك: وكذلك لو قطع يديه أو رجليه، واما لو جزله نصفين أو قطع رأسه لأكله جميعه، وكذلك ما ابانت الكلاب منه مثل ذلك. قال محمد بخلاف لو جزله نصفين أو أبان رأسه. مالك: ولو أبان يده ثم أعجزه ثم وجده ميتا ً أو وجده أولاً قد مات بنفسه فليؤكل إلا ما أبان منه. ولو أدركه حياً ففرط في ذكاته حتى مات لم يؤكل منه شيء. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: كل ما ضربه من الوركين إلى الرأس فجزله جزلين فليؤكل جميعا ً، ولو أبان فخذيه ولو يبلغ ضربته إلى الجوف فلا يؤكل ما أبان منه ويؤكل منه ما بقى. قال سحنون في الصيد يعدو في المغار فينفذ مقاتله فيقطع قبل أن يموت، قال فلا ينبغي أكله ولا أحرمه. قال أبو زيد قال ابن القاسم فيمن رمى صيداً فأصاب مقاتله ثم والى عليه بالرمح حتى قتله ولو شاء ذكاه، فإنه يؤكل. فيمن أرسل على جماعة أو صيد فأخذ غيره أو أخذه وغيره أو أرسل كلياً بعد كلب أو ظنه سبعاً أو حجراً فإذا هو صيد، أو قتله بغير نية الصيد من كتاب ابن المواز: وإذا أرسل كلبه على جماعة ينوي ما أخذ منها فأخذ اثنين واحداً بعد واحد فلا يأكل إلا الأول، إلا أن يقتلهما في مرة واحدة، فيصير كقول مالك في السهم يؤكل كل ما قتل في رميته، إلا ان ينوي في السهم وغيره [4/ 346]
واحداً بعينه فلا يأكل غيره. وهذا عندي معنى كلام مالك فيما قتل السهم من الجماعة أنه يؤكل. ورأى ابن القاسم أن الكلب والباز إذا قتل تلك الجماعة كلها أكلت، وجعله كقول مالك في السهم، وذلك يفترق لأنها رمية واحدة في السهم، والكلب إذا قتل واحدا احتاج في قتل الثاني إلى إرسال ثان. وروى ابن وهب عن مالك فيمن أرسل كلبه على صيد فأخذه ثم رأى صيداً آخر فذهب إليه فأشلاه صاحبه عليه فقتله. قال محمد ولا أظنه أراد أن يأخذ اثنين ولكن إذا لم ينو صيداً معيناً فما أخذ أكل، يريد أول مرة. يدل على ذلك قوله: وكذلك الرمي. قال محمد: ولو أرسله على طيور وظباء ينوي ما أخذ منها فما أخذ من طير أو ظبي فإنه يؤكل. وكذلك لو أرسلت عليهما كلبين فأخذ هذا ظبيا وهذا أرنبا، فإنه يؤكل ما أخذا. ومن أرسل كلبا على صيد ثم أتبعه بآخر بعد أن فارقه الأول فقتلاه أوقتله أحدهما فأكله جائز. قال أصبغ ما لم يكن إرساله الثاني بعد أن أخذ الأول فشاركه في قتله الثاني وحده فهذا لا يؤكل، يعني ما لم يقتله بعد إنفاذ الأول مقاتله فهذا يؤكل، قال أصبغ ولو أرسل الثاني قبل أن يأخذه الأول فهذا من قتله منهما فإنه يؤكل. قال ابن القاسم وأشهب: ومن رمى صيدا ً يظنه سبعاً أو خنزيراً أو حجراً فإذا هو ظبي فقتله فلا يؤكل. قال أصبغ ولو ظنه تلتلاً فإذا هو ظبي فلا يؤكل. ومن كتاب آخر قال أشهب: ومن رمى طيراً يظنه غراباً فقتله فإذا هوغير غراب فإنه يؤكل لأنه نوى صيده، ولا ينوي صيد حجر. [4/ 347]
في إرسال الجارح كيف إن انشلى كم أرسله
قال محمد قال ابن الواز قال مالك: وإن رمى فقطع رأسه فإن لم ينو اصطياده لم يؤكل. قال ابن حبيب وكذلك إن رماه على وجه اللعب لا يريد صيداً. وفي أصل سماع ابن وهب فيمن رمى صيداً بسكين وقطع رأسه ولم يرد أكله ولا اصطياده ولكنه أراد قتله، قال لا أرى أن يؤكل مل لم تكن نية اصطياده، فترك أكله أحب إلي. ومن كتاب ابن المواز: ومن رمى صيدا لينفره من مكانه لا للاصطياد فقتله فلا يؤكله. في إرسال الجارح وكيف إن انشلى ثم أرسله أو أرسله على ما لم يره أو في غار أو غيضة أو شاهقة جبل أو بحله من كتاب ابن المواز: وإذا أشلى الكلب على الصيد ثم أتبعه سيده بالإشلاء عليه، قال مالك لا يؤكل حتى يبتدئ ربه إشلاءه. وأجاز أصبغ إذا تلاه ربه بالإشلاء والتحريض والتسمية. قال محمد لا يعجبني. محمد: ومن رأى كلباً يحد النظر وكالمتلفت فأرسله على شيء لم يره فليأكل ما أخذ، وذلك كإرساله إياه في الغياض والغيران لا يدري ما فيها، عرف بالصيد فيها أو لم يعرف، قاله مالك. ومن العتبية قال ابن القاسم قال مالك في البازي يضطرب على يد صاحبه على شيء رآه صاحبه، فيرسله على غير شيء يراه، فأخذ صيداً فلا أحب أكله، ولعله غير الذي اضطرب عليه بعينه أو غيره إلا أن يوقن أنه الذي اضطرب عليه بعينه، مثل أن يراه غيره ولم يره هو. [4/ 348]
ومن كتاب آخر قال مالك: ومن أرسل كلبه أو بازه على جماعة صيد ونوى إن كان خلفها جماعة أخرى فهو عليها مرسل فأصاب صيداً من الجماعة الثانية ولو يعلم بها فإنه يؤكل، وقال أشهب: لا يؤكل إلا ما أخذ مما يراه حين الإرسال عليه، وإلا فلا يأكل مما لم يره إلا ما أدرك ذكاته. وكذلك إذا أرسله في غيضة ولا يعلم ما فيها فلا يأكل ما صاد. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك أنه أجاز ما صاد من الغار يرسله فيه للصيد وإن لم يدر ما فيه. وقال عيسى وقاله ابن القاسم، قال ابن حبيب وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. وإنما لم يجوز أن يرسله أول خروجه من بيته على غير شيء رآه أو رآه لكن على ما أصاد في إرساله، وليس هذا كإرساله في الغار، والغار إرساله على جماعة لم يقصد واحداً بعينه. وكذلك ما رجاه وأشرف وقاله أصبغ، وقال وكان أشهب وابن القاسم لا يجيزان ذلك في الغيضة. قال أصبغ: والغيضة والغار وما وراء الشرف سواء، وذلك جائز إذا أرسل على ما رجا في ذلك. ومن العتبية قال سحنون فيمن أرسل كلبه في الجحير ولا يدري أفيه صيد أم لا، ينوي أنه مرسل على ما أصاب فقتل فيه إنه لا يؤكل، وكذلك الغيضة عنده. ومن كتاب ابن المواز: ولو أرسل بازه على وكر في شاهقة جبل أو على شجرة، قال أصبغ فإن كان لا يصل إليه ولا إلى إلقائه بالأرض بطلوع غيره إلا بأمر يخاف فيه العطب أو التعب فإنه يؤكل بالصيد، ويصير كالغيضة والغار. ولو وصل إلى إلقائه بالأرض برمح أو غيره حتى يقع فيذكيه فلا يؤكل بالصيد. وفي العتبية عن أصبغ مثل هذا كله. [4/ 349]
في الكلاب تضطر الصيد إلى مجلس أو غار لا نجاة له منه
في الكلاب تضطر الصيد إلى مجلس أو غار لا نجاة له منه أو جزيرة أو انكسر ثم يقتله بعد ذلك من كتاب ابن المواز: وإذا طردت الكلاب الصيد حتى وقع في حفرة لا مخرج له منها أو انكسرت رجله فتمادت الكلاب فقتلته فلا يؤكل، لأنه أسير. محمد: وهذا إذا كان لو تركته الكلاب قدر ربها على أخذه بيده. ولو لجأ إلى غار لا منفذ له أو غيضة فدخلت الكلاب إليه فقتلته لأكل ولو لجأ إلى جزيرة أحاط بها البحر فوعر طريقه إليها وأطلق إليه كلابه وتمادت فقتلته، فأما الجزيرة الصغيرة التي لو أجتهد طالبه لأخذه بيده ولا يكون له في الماء نجاة فلا يؤكل، وإن كان له في الماء نجاة أو كانت جزية كبيرة يجد الروغان فيها الأمن كذا لاتساعها حتى يعجز طالبه على رجليه أو على فرس أن يصل إليه بيده إلا بسهم أو كلب فإنه يؤكل بالصيد. ومثل ما ذكرنا في هذا الباب في العتبية من كلام أصبغ. في المنصب يقع فيه صيد ألجاه إليه أحد، من أحق به؟ ومن صاد بكلب رجل أو فرسه أو سهمه من العتبية قال عيسى قال ابن القاسم فيمن نصب حباله أو فخاً أو حفر للصيد فطرد غيره صيداً ليقع فيه فأراه شريكاً لصاحب المنصب في الصيد بقدر ما يرى له. قال أصبغ هو للذي طرده إلى المنصب وعليه لرب الحبالة أو الفخ أو الحفرة قيمة ما أنتفع به من ذلك، كمن رمى بسهم بسهم رجل فصاد به كلابه أو بازه فعليه كراء ذلك لربه، والصيد للصائد. قال عيسى عن ابن القاسم طرد قوم الصيد ولم يقصدوا وقوعه في الحبالة والمنصب ولم يضطروه إليها، أو انقطع عنهم ثم وقع فيه، فهو لرب المنصب [4/ 350]
خاصة. وإن فأشرفوا على أخذه كالمقتدرين عليه فضغطوه حتى وقع في المنصب فهو للذين طردوه دون رب المنصب، وقاله أصبغ. قال ابن حبيب: وكذلك إن اقتحم دارا. وأما إن قصدوا تعمد إيقاعه في الحبالة أو الفخ أو المنصب فوقع فليه وهم بقرب منه، فها هنا يكونون ورب المنصب شركاء فيه بقدر ما لهم وله. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم فيمن صاد بكلب رجل أو بازه، فالصيد لرب الكلب أو البازي، وعليه أجر الصائد إن شاء، وإن شاء أسلمه إليه وأخذ منه أجرة كلبه أو بازه. قال ابن حبيب وهذا بخلاف الحبالة والحفرة، وأحب إلي من قول أصبغ الذي جعل ذلك سواء، وجعله للصائد. وكذلك ذكر ابن المواز عن ابن القاسم أن الصيد لرب الكلب والبازي كالعبد. قال ابن حبيب كمن تعدى على عبد رجل فجعله ليصيد له الحيتان، فما صاد فلسيده، وضمان ما حدث بالكلب والعبد والبازي من المتعدي عليهم، وقاله ابن المواز. ولو صاد على فرس رجل تعدياً فالصيد له، وعليه أجر الفرس لربه. وذكر أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثل ما ذكر ابن حبيب عنه سواء، وخالفه أصبغ في الكلب وقال ليس كالكلب وقال ليس كالعبد هو الفاعل، والكلب لا يصيد إلا بما يفعل به من الإشلاء والإرسال، وهو كالدابة يحمل عليها. وقال سحنون مثله إن الكلب كالفرس، وعلى الصائد أجرهما والصيد له. وفي كتاب ابن المواز في نفي الضرر شيء من هذا. [4/ 351]
في صيد السكران والكافر والمجنون
في صيد السكران والكافر والمجنون من كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يؤكل صيد مرتد ولا مجوسي ولا كتابي. قال محمد ولا صيد الصابئ ولا ذبيحته. وقد كره الحسن مع ذلك نكاح نسائهم. قال مجاهد هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم. وأجاز أشهب صيد الكتابي ولا يعجبنا، وقد كرهه مالك في الكتابي. قال ابن حبيب وقال ابن وهب إنه جائز كقول أشهب فيه، ونحن نكرهه من غير تحريم. والقياس أنه كذبائحهم، وإنما ذكر الله تعالى {تناله أيديكم ورماحكم} في ذكر ما نهى المحرمين عنه من الصيد. محمد قال مالك: ولا يؤكل صيد السكران ولا المجنون الذي لا يعقل ولا ذبيحة الأعجمي لا يعقل الصلاة. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: لا خير فيما صاد المجوسي من الجراد إذا جاء به مقتولاً، فأما إن باعه حياً فلا بأس به على مبتاعه. قال أشهب في كتابه اعتملها المجوسي أو ماتت في يديه فلا يؤكل. وكذلك إن اشتراها من مسلم ثم اعتملها. ولو اشتراها نصراني من المجوسي حية فعملها لأكلت. ومن سماع يحيى بن يحيى قال في نصراني خرج مع المسلمين في طلب صيد فبدر إليه فذكاه، فإن كان خوفا من فوته وبحال الضرورة فأكله جائز، وأما إن تمكن المسلمون من ذبحه ثم قدموه لذلك كره أكله. ومن الواضحة: وما أدرك من صيد المجوسي والكتابي حياً فذكاه مسلم جاز أكله، ويؤكل ما صاده مسلم بكلب مجوسي أو بازه أو سهمه، ولا يؤكل ما صاده مجوسي بكلب مسلم أو بازه وسهمه. [4/ 352]
في صيد ما ند من أهلي أو وحشي وفي الحمام والنحل
قال ابن حبيب: وإني لأكره صيد من لا يتحفظ من المسلمين من جاهل بحدود الصيد غير متحر لصوابه. وإذا اجتمع على الصيد كلب أرسله مجوسي وكلب أرسله مسلم فقتلاه لم يأكله المسلم ولا يقسم، وكذلك سهماهما، إلا أن يوقن أن سهم المسلم قتله دون سهم المجوسي، مثل أن يوجد سهم المسلم في مقتله، والآخر في عضو سواه فيحل ويقسم بينهما. ولو أخذاه حياً حكم للمسلم بذبحه وأخذ نصفه. وقال بعض أصحابنا: فإن قال المجوسي أنا لا آكل ذبيحة مسلم فإنهما يؤمران ببيعه وقسم ثمنه، إلا أن يكون بموضع لا ثمن له فيه فيمكن المسلم من ذبحه إن شاء. في صيد ما ند من أهلي أو وحشي وفي الحمام والنحل وما دخل في الأجباح والأبرجة وبجحر مواضع الحرب قال ابن القاسم من صاد بازياً في رجليه شيء قال أو ظبياً في عنقه قلادة أو في أذنيه قرطان فإنه يعرف به، ثم إن كان ليس بهروب انقطاع وتوحش فهو لمعرفته، وإن كان هروب انقطاع وتوحش فهو لمن وجده، فإن قال معترفه منذ يومين ذهب لي، وقال واجده، لا أدري فعلى الأول البينة. قال سحنون البينة على الذي صاده وهو المدعي، يريد والقلادة وشبهها للأول بكل حال أنه جعلها. قال أشهب إذا علم الذي صاده أنه قد طال زمانه ويراه من الوحش فليس عليه أن يعرف به، ولا يأخذه ربه إن عرفه. وإن جهل أمره عرف به، ثم سئل عن قرب ذلك وبعده. قال محمد بن عبد الحكم: هو لصائده الأول وإن طال زمانه في ندوده عنه منذ عشر سنين فلا يزول ملكه عنه. [353/ 4]
قال ابن القاسم: من صاد ظبياً فانفلت منه فصاده غيره، فإن كان بحدثان ما ذهب منه بمثل يوم أو يومان فهو للأول، وإن طال أمره واستوحش فهو لمن صاده آخراً. ومن الواضحة: إذا توحشت الإنسية من الأنعام لم تحل إلا بذكاة، وروي فيها بعض الرخصة وليس بقول مالك. وأما ما أصله التوحش من الظباء والأرانب والأيائل وحمر الوحش يتأنس ثم يستوحش فإنها تحل بالصيد، وقاله مالك في اليمام واليعاقيب وجميع الطير يتأنس ثم يستوحش، فإنه يحل بالصيد، وقاله مالك. وحمام البيوت وكذلك البرك ولإوز الإنسية تستوحش، ولا أرى هذا في الإبل والغنم والدجاج إذ لا أصل لها في الوحشية ترجع إليه، ولا بأس أن تعقر عقرا يبلغ مقتلا أو تعرقب ثم تذكي. وأما البقر فهي عندي لها أصل ترجع إليه من بقر الوحش، فإذا، ستوحشت حلت عندي بالصيد. قال مالك في سماع ابن وهب في البقر في أرض العدو تستوحش فيريد رجل ظان يدركه برمبه فيعرقبه ثم يذكيه، فكره ذلك. قال ابن حبيب لا يجوز صيد الطائر ولا النصب له برجي أوغيره، وإن دخل من برج غيره إلى برجه فليرده إن عرفه، فإن لم يقدر وعرف عشه رد فراخه، وإن لم يعرف عشه فلا شيء عليه، وإن عرفه ولم يعرف ربه فلا شيء عليه ولا في فراخه. وكذلك النحل لأن النحل وحمام الأبرجة أصلها التوحش والناد، فأمام حمام البيوت فكاللنطة إن يعرف ربها في إنشادها تصدق بها. قال ابن الماجشون وهذا قول مالك وأصحابنا. ومن ذلك الحمام الأهلي، وكذلك البازي والصقر والواشق إذا لم يعلم وصاد ثم أفلت وند فهو كاللقطة، لا يسرع لأخذه، وإن لم يكن بهذه الصفة من دجانته [4/ 354]
وخرابه وإجابته وهو وحش كما أخذ، لم يقتته الناس، فهو لمن أخذه وإن كان ربه يراه على بعد منه ويئئس من إدراكه، لأنه عاد إلى وحشته كذلك قال مالك، إلا أن يأخذه محتبلاً بخيطه أو متشبثاً بشجرة أو نحو هذا فهو للأول. وكذلك كل ما كان من وحش الطير من العماري والدمام وغيرها، وكذلك الظباء والإوز وحمر الوحش والأرانب وشبه ذلك، فما ند من ذلك بعد إنسه ودجانته فهو للأول، وما ند بحدثان وحشته فلمن أخذه، إلا أن يأخذه محتبلاً وسعى في ربطه. هذا قول مالك وابن الماجشون ومطرف وابن عبد الحكم وأصبغ. ومن العتبية قال ابن القاسم قال مالك في الجبح يضعه الرجل في الجبل فما دخل فيه من النحل وأطعم فهو له دون غيره، كالحبالة ينصبها فما وقع فيها فهو له. قال عيسى عن ابن القاسم وليس لأحد أن يسد سداً في خليج بحر ولا يمنع الناس به من الصيد، وهو وهم فيه سواء. ورأيت في تأليف ابن الحجام قال غيره في النحل لرجل يخرج منها فينزل بموضع ثم يأتي فرخ لغيره فيبول عليه فتختلط النحل، أن ذلك كله بينهما، وهو خلاف ما قال سحنون ها هنا، ولا أدري حكى عنه ابن الحجام. قال سحنون في النحل يفرخ فيخرج الفرخ فيهرب في الشجرة ثم يخرج فرخ آخر لرجل آخر فيضرب عليه، قال ذلك للأول. ولو ضرب فرخ في بيت نحل لرجل فذلك لصاحب العائل. [4/ 355]
في نصب جبح النحل وبرج الحمام
ومن كتاب آخر ومن آوت إليه جماعة من حمام البيوت عرفها، فإن لم يعرف ربها تصدق بها عن ربها. قال سحنون فإن ازدوجت بذكر له فليردها مع نصف الفراخ إلى ربها، فإن لم يعرفه تصدق بذلك معها، لأن الذكر والأنثى في الحمام خاصة متعاونان في زق الفرخ وتربيته. قال ابن القاسم وأشهب لا يعيد من حمام الأبرجة شيئاً، فإن فعل فليرده، وإن لم يعرف ربه أو أي برج هو تصدق بقيمته. في نصب جبح النحل وبرج الحمام قال ابن القاسم عن مالك من نصب جبحاً في الجبل فما دخله فهو له. قال أشهب: هذا إن كانت جبلية، وإن كانت لقوم فهو فيه أسوة، ولا يجب أن ينصب هناك جبح. وإن كان هناك نحل كثير غير مربين ونحل مربون، فلينصب وما دخل فيه فهو له، إلا أن يعرف شيء لقوم فيرد إليهم. وكره ابن كنانة أن ينصب جبحاً بمكان قريب من أجباح الناس، ولينصبها في بعيد من العمران. قال ابن حبيب قال مطرف: ولا ينصب للنحل جباح في القرية إذا كان ذلك يضر بهم في نوار ثمارهم وزرعهم، ويجوز في الحمام، وذلك بخلاف المواشي، وهذه لا يقدر أهل الحوائط والزروع على الاحتراس منها. وقد مالك في الدابة الضاربة لفساد الزرع إنها تغرب وتباع على ربها، وكذلك الإوز والدجاج الطائرة التي لا يقدر على الاحتراس منها. وقال أصبغ ذلك كله مثل الماشية لا يتخذها إن ضرب على أهل القرية حفظا لزرعهم وشجرهم، وقاله ابن القاسم. قال ابن كنانة: لا يمنع من اتخاذ البرج وإن تأذى به جيرانه في زرعهم وثمارهم، وأكره له أن يؤذي أحداً. [4/ 356]
في صيد الجراد وأكلها وأكل الحلزون
في صيد الجراد وأكلها وأكل الحلزون ودواب البحر وطافي الحوت وصيد طير الماء من كتاب محمد وغيره: لم يجز مالك أكل الجراد بأخذها حتى يفعل بها ما تموت به من قطع رؤوسها أو أرجلها وأجنحتها أو إلقائها في ماء حار أو في نار، وإن ماتت بيده لغير ذلك لم تؤكل، وقاله ابن شهاب وربيعة. قال ابن المسيب وعطاء إذا ماتت بعد أن أخذها أكلت وكرها ما وجد منها ميتاً. قال ابن حبيب وأجازه مطرف وقال ابن عبد الحكم: وعلى آخذها التسمية عند قطع رؤوسها أو أجنحتها أو غير ذلك مما يقتل به. قال ابن حبيب أو تنغز بالإبرة أو بالشوك حتى تموت، أو تقلى حية أو تموت شواء. ومن كتاب آخر قال أشهب: إذا قطع أجنحتها أو أرجلها ثم تركها ثم ماتت من غير ذلك فلا تؤكل، بخلاف الرأس. ولو طرحها في ماء حار قبل موتها أكلت ولم يؤكل ما زايلها من أفخاذها. وأما الأجنحة فهي عندي كصوف الميتة وتؤكل، ولو سلقت الأفخاذ معها لم تؤكل هي ولا أفخاذها، وهذا غلط بين. قال سحنون: ولو سلقت جراداً موتا لأكلت التي سلقت أحياء، بمنزلة خشاش الأرض تموت في القدر. وأجاز مالك أن تلقى في النار وهي حية. قال عنه أشهب وقطع رؤوسها أحب ألي، وكره سحنون قتلها بالإلقاء في ماء بارد ولم يجز ذلك إلا في ماء حار. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ولا يجوز صيد المجوسي لها إن قتلها بفعله إلا أن تؤخذ منه حية فتعمل فذلك جائز. وقال ابن حبيب: وأجاز مالك أكل الحلزون وقال يذكى بما يذكى به الجراد من فعل تموت به، ولا يؤكل ما مات منه بغير فعل، وتسمي الله عند فعلك ذلك به من سلق أوبنغز بالإبر أو الشوك أو غير ذلك. ومن الواضحة قال ابن حبيب: ولا بأس بأكل الضفادع بغير ذكاة لأنها من دواب الماء ولا تفسد ما ماتت فيه وقال بالكراهية في خنزير الماء. [4/ 357]
قال: وكره علي ابن أبي طالب رضي الله عنه شقائق له من الحوت من غير تحريم. قال ابن حبيب فقال كل ما لا شقائق له فهو دابة من دواب البحر والماء وليس بحوت وإن كان على خلقته وقال ابن عباس لا بأس بأكل خنزير الماء، وإنما حرمته اليهود. قال ابن حبيب وأنا أكرهه، لأنه يقال أنه من الممسوخ. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك في حيتان برك بقي ماؤها يطرح فيها السيكران فسكر فتؤخذ، فكره أكلها. قيل إنه لا يخاف على أكلها ولا يعجبني هذا من فعل العجم. وأجاز في رواية أشهب أكلها ولم ير به بأساً إذا لم تؤذ من يأكلها. قال ولا بأس بقطع الحوت قبل أن يموت وأن يلقى في النار حياً، ويؤكل ما وجد منه ميتاً. وكره في رواية أشهب غمس رؤوسها في الطين ولم يره شديداً. قال وفرس البحر الذي يقيم فيه أياماً حياً حتى يذبح قال هو من صيد البحر لا بأس بأكل ميته. ويصيد المحرم إياه، وإنما يذبح استعجالا لموته، وما كره ذبحه إلا أن يدخل به على الناس شك إن دار عليهم فيه. ومن طير الماء ما يعيش في الماء وهو من البر لا يؤكل إلا بما يؤكل به صيد البر قال وما أكره طرح الحوت في النار حيا كل الكراهية، ولو تركه قليلا مات. ومن كتاب ابن المواز قال مالك، والليث: طعام البحر ما ألقى. قال ابن المسيب ويؤكل التمساح وإن كان دويب وجميع دواب الماء، واختلف في خنزير الماء، فأجاز أكله ربيعة، وكرهه يحيي ابن سعيد. وظاهر القرآن والسنة في صيد البحر يبيحه، وقد سمى من رواية على غيره فلا يحرم. ويؤكل السرطان والسلحفاة والحوت الحري الذي لا قشر له. قال مالك: ولا يحتاج في صيد البحر تسمية. [4/ 358]
في صفة الذبح وذكر التسمية والتوجه وفي الغلصمة تجوز إلى البدن
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الذبائح في صفة الذبح وذكر التسمية والتوجه وفي ترك بعض ذلك وفي الغلصمة تجوز إلى البدن وفي البجع ومن استعجل السلخ من كتاب محمد قال: والسنة أخذ الشاة برفق وتضجع على شقها الأيسر إلى القبلة ورأسها مشرف وتأخذ بيدك اليسرى جلد حلقها من اللحي الأسفل بالصوف وغيره فيمده حتى تتبين البشرة وموضع السكين في المذبح حتى تكون الجرزة في الرأس، ثم يسمي الله ويمر السكين مرا مجهزا من غير ترديد، ثم يرفع ولا ينحى ولا يرد. وقد حددت شفرتك فبل ذلك ولا تضرب بها الأرض، ولا يجعل رجله على عنقها، ولا يجرها برجلها. وكره ربيعة ذبحها وأخرى تنظر، وكره مالك ذبح طير وشبهه والدجاجة وهو قائم، فإن فعل أكل إذا أصاب الذبح. قال مالك: ويكره ذبحها على شقها الأيمن، فإن فعل أكلت، ولو كان أعسر كان ذلك له. قال ابن حبيب عن أصبغ: ولو فعل ذلك متعمدا من غير عذر أكلت. قال ابن حبيب ويكره للأيسر أن يذبح، فإن فعل واستمكن أكلت، ولا يكره ذلك للأيسر لأن يمينه يذبح. قال محمد ونهى مالك الجزارين أن يدوروا بالحفرة بالذبح، ولكن ليستقبلوا القبلة، قاله محمد، فإن لم يتوجه للقبلة، ساهيا فلا شيء [4/ 359]
عليه، وإن تعمد لم تؤكل، وقاله ابن عمر والشعبي. وأما الجاهل فأرجو ألا شيء عليه. وأما تارك التسمية عامدا قال أشهب إن كان مستخفاً لم تؤكل. قال ابن حبيب في تارك التوجه في الذبح عامداً من غير جهل إنها تؤكل. قال ويقول في التسمية: بسم الله والله أكبر، ولو قال بسم الله فقط والله أكبر فقط، أو لا إلاه إلا الله أو سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله من غير تسمية أجزأه، وكل تسمية لله تعالى، ولكن ما مضى عليه الناس أحسن ولا يذكر في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. قال أصبغ قال ابن القاسم: إن في بعض الحديث موطنين لا يذكر فيهما إلا الله: الذبيحة والعطاس، فلا يقل بسم الله والله أكبر محمد رسول الله، ولا في العطاس الحمد لله محمد رسول الله، ولو قال مع ذلك وصلى الله على محمد لم تكن تسمية له مع الله سبحانه. وقال أشهب لا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم في هذا استنانا. ومن نزل عن المذبح أو ارتفع فذلك جائز له إذا كان ذلك في الحلق، وأما إن جازت الجرزة إلى البدن فقال ابن القاسم لا تؤكل، وقاله أصبغ، وهو أحب إلى، لأن الحلقوم لم يقطع منه شيء وأجاز ذلك عبد الحكم وذكر العتبي عن ابن القاسم وأشهب وسحنون أنها لا تؤكل، وقال أشهب وابن القاسم وأشهب وسحنون أنها لا تؤكل وأن ابن وهب قال تؤكل. ومن كتاب آخر مما روينا عن ابن وضاح قال قال عبد الله بن عبد الحكم: لا تؤكل، وقال أشهب وابن وهب وأبو المصعب وموسى ابن معاوية إنها تؤكل. قال ابن وضاح: ولم يحفظ لمالك فيها شيء، وذكرت لأبي زيد أنه روى عنه عن ابن القاسم عن مالك أنها لا تؤكل فأنكره، وقال أبو زيد تؤكل، وقال سحنون أنها تؤكل ثم رجع فقال لا تؤكل، وقال محمد بن عمر قال مالك وابن القاسم إنها لا تؤكل. وقال ابن وضاح لم يتكلم فيها إلا ابن عبد الحكم فنزلت به. قال محمد بن عمر وقال محمد بن عبد الحكم تؤكل. قال: وعلى قياس قول ابن [4/ 360]
القاسم إنها إذا صارت إلى البدن وبقي في الرأس منها قدر حلقة الخاتم أنها تؤكل إلا أن يبقى في الرأس منها ما لا يستدير فلا تؤكل. قال بعض شيوخنا إن ذبح الجزار لرجل فأجاز الغلصمة إلى البدن ضمن قيمة الشاة على مذهب مالك وابن القاسم، ولا يضمن في قول غيرهما. وإن ذبح الصياد في ظلمة الليل ثم تبين له أنه ذبح من خلف القفا فلا تؤكل، وكره له الذبح قائما، وكذلك في ذبح الدجاجة وشبهها، وأخاف أن لا يتمكن، فإن فعل وأصاب أكلت. ولابن حبيب في الواضحة: وإذا قطع الأوداج وأكثر الحلقوم النصف فأكثر أكلت، وإن قطع يسيراً منه تؤكل، ولو لم يقطع منه شيئاً فقيل له في ذلك فرجع وأجهز على الحلقوم، فإن كان في فور الذبح قبل يذهب عنها ويدعها فذلك جائز، وإن كان بعد أن تباعد فلا يؤكل. وقال سحنون: وإذا رفع يده قبل تمام الذكاة ثم علم فردها مكانه وأجهز فلا تؤكل. وروى ابن وضاح أن سحنون كره أكلها، وتأول بعض أصحابنا على سحنون أنه إذا رفع يده كالمختبر أو ليرجع فيتم الذكاة ثم رجع في فوره فأتم أنها تؤكل. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: لا يؤكل ما ذبح من القفا، وأما لو ذهب يذبح فأخطأ فانحرف فإنها تؤكل. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور والحمام إذا أجهز أوداجه ونصف حلقه أو ثلثه، قال لا بأس بذلك إذا لم يتعمد، ولم يجز ذلك سحنون حتى يجهز على جميع الحلقوم والأوداج. وكره مالك تعمد بجع الذبيحة، فإن تعمد أكلت وقال علي بن أبي طالب تلك ذكاة واجبة، وقال ابن عباس لا تؤكل في التعمد. [4/ 361]
في الذكاة بحال الضرورة وما يذبح من الأدوات ونحر ما يذبح وذبح ما ينحر
ويكره أن تسلخ بعد الذبح حتى تموت، وكذلك القطع منها، وتؤكل إن فعل. قال مالك وينهى الجزارون عن نفخ اللحم ويؤدبون عليه. في الذكاة بحال الضرورة وما يذبح من الأدوات ونحر ما يذبح وذبح ما ينحر من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن ذبح بحال الضرورة بفلقة قصبة أو فلقة عصا أو حجر فأنهر الدم فإنها تؤكل، وكذلك من نخار أو حرف عظم أو قرن إذا أمر مراً والسطرة فلقة العصا وهي الصرر، والليطة حجر، والصرر فلقة الحجر، والليط القصبة، والمروة الحجر والمدية السكين. قال الليث: ما مر مراً فكل، وما تردد فلا يؤكل. وكذلك روي عن ابن عباس. قال حبيب: الترداد أن يرفع يده ثم يعيدها فلا يجوز حتى يجهز أول مرة. قال: ولا يؤكل ما ذبح الظفر أو السن. قال في كتاب ابن حبيب إذا كان مركباً، فأما إن كان منزوعين ولم يسفرا عن الذبح بهما وعظما حتى يمكن الذبح بهما فلا بأس بالذبح بفلقة العظم وإن لم يكن ذكيا، وإنما ينبغي الذبح بمثل هذه الأشياء بفلقة الحجر أو العصا والقصبة ونحوهما عند فوات نفسها ولم تحضر الشفرة. فأما في السعة فلا إلا بالشفار الحادة، فإن ذبح بذلك من غير ضرورة فقد أساء ولا تحرم. ولا بأس بالذبح بشفرةلا نصاب لها والرمح والقدوم والمنجل الأملس الذي يبرد به، فأما المضرس الذي يحصد به فلا خير فيه لأنه يبرد، ولو قطع كقطع الشفرة فلا بأس ولكن ما أراه يفعل ذلك. [4/ 362]
في ذكاة الجنين وما أزلمته البقرة
محمد قال أشهب: إن ذبح بعيرا ونحر بقرة من ضرورة فقد صار كالضرورة ويؤكل، وأبى ذلك مالك وابن القاسم وأصحابهما إلا من ضرورة من وقوع في بئر ونحوه. قال ابن القاسم إن نحرت النعامة أو غيرها من الطير لم يؤكل. ومن المستخرجة قال ابن أبي سلمة: ويؤكل ذلك كله إذا ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح من طير أو غيره من غير ضرورة. ومن كتاب محمد ولا يؤكل ما ند من الأنعام بالصيد. في ذكاة الجنين وما أزلمته البقرة قال مالك: وذكاة الجنين ذكاة أمه إن تم خلقه ونبت شعره، لابد من هذا وهذا، فإن كان أحدهما لم يؤكل وإن كان حيا. ومن المستخرجة وغيرها: أشهب عن مالك: وعن الذبيحة يخرج جنينها ميتاً قال يؤكل إذا تم خلقه ونبت شعره. قال: ويستحب مر السكين على حلقه ليخرج الدم من جوفه. قال ابن حبيب وكذلك إن خرج وبه حياة ضعيفة وهو في رمق الموت فيستحب ذبحه ويؤكل، فإن لم يذبح أكل، وإن كان به من الحياة ما يرى أنه يعيش منها لو ترك أو يشك في ذلك، فإن لم يذك حتى مات فلا يؤكل. قال أبو زيد قال ابن القاسم في بقرة أزلمت ولدها، فإن كان مثله يحيى ويعيش فلا بأس بأكله إذا ذكي. قال ابن حبيب إذا تم خلقه ونبت شعره. قال ابن القاسم فإن كان مثله لا يعيش لم يؤكل، وكذلك إن شك في ذلك فلا يؤكل وإن ذكي. ومن كتاب محمد قال مالك: وإذا خرج جنين الذبيحة يتحرك أحببت أن يذبح، فإن هو سبقهم بنفسه كرهت أكله. [4/ 363]
فيمن تجوز ذبيحته ومن لا تجوز
وقال يحيى بن سعيد: لا يحل أكله إلا أن يموت قبل خروجه بعد ذكاة أمه، فأما إن بقر عليه بأثر ذبحها، فإن خرج يتحرك فلا يؤكل إلا بذكاة. قال مالك ولو أبطأ موته في بطنها بعد ذكاة أمه وموتها فإنه يؤكل إذا لم يخرج وفيه روح. قال ابن القاسم قال مالك في بهيمة طرحت ولدها حياً يرتكض قد تم خلقه فذبح، لم أحب أكله. قال أصبغ إذا كان مثله لا يعيش إن ترك لخروجه قبل وقت الولادة. فيمن تجوز ذبيحته ومن لا تجوز من كتاب محمد قال مالك: تكره ذبيحة الصبي والمرأة أضحيتها، ولا يذبح الصبي أضحيته. ويجوز ذبح الأغلف والجنب والحائض. قال ابن القاسم والأخرس. مالك ولا تؤكل ذبيحة من لا يعقل من جنون أو سكر وإن أصاب لعدم القصد. قال مالك والأعجمي لا يعرف الصلاة. قال مالك: تؤكل ذبيحة السارق لأنه إنما حرم السرقة لا عين الذبح والمحرم حرم عليه الدبح نفسه في الصيد. ومن العتبية أشهب عن مالك لا أحب ذبيحة الخصي، فإن فعل أكلت. [4/ 364]
في ذبائح أهل الكتاب وأكل طعامهم وطعام المجوس وغيرهم
في ذبائح أهل الكتاب وأكل طعامهم وطعام المجوس وغيرهم ومعونتهم على أعيادهم والانتفاع بآنيتهم من العتبية قال ابن القاسم عن مالك عن رجل من بني عبد الأشهل له فضل، قال كان الناس يبتغون لذبائحهم أهل الفضل، قال ابن حبيب وأهل الإصابة والمعرفة. ابن المواز قال مالك: ولا أحب أن يذبح النصراني، واختلف قوله في كراهية أكل ما ذبح وليس بحرام، ولو كانت ملكاً للنصراني فهو أخف. والشاة بين مسلم ونصراني لا أحب أن يمكنه من ذبحها. مالك: ومن ذبح من ذمي أو حربي أكلت ذبيحته إلا من عرف بأكل الميتة منهم، فلا يؤكل ما غاب عليه من ذبيحته. وكره مالك أن يذبح العبد النصراني لمواليه إلا أن يحتاجوا إليه في ذلك. وما ذبح اليهود فلم يستحلوه لأجل الدية أو لغير ذلك فقد اختلف قول مالك في كراهيته، وثبت قوله على الكراهية من غير تحريم. وأشد من ذلك ما حرمه الله عليهم من الإبل من النعام إنها من ذوات الظفر فلا تحل لنا. قال ابن حبيب والإوز. قال محمد: والشحوم المجملة كالتروب والكلأ وأما المبعر والحياوات اللين وما اختلط بعظم ولحم فجائز. وكره مالك ما ذبحوا للكنائس أو لعيسى أو لجبريل لأعيادهم من غير تحريم. وأما ما ذبح للأصنام فمحرم لقول الله تعالى {وما ذبح على النصب} قال محمد ابن حبيب: وإن ما ذبح للكنائس ولعيسى وللصليب ولمن مضى من أحبارهم ليضاهي ما أهل لغير الله به مما ذبح للأصنام، ولكن لم يبلغ به مالك التحريم، لأن الله أحل لنا طعامهم وهو يعلم ما يفعلون، وترك ذلك أفضل. [4/ 365]
قال محمد وتؤكل ذبيحة النصراني العربي والمجوسي إذا تنصر، قال وتلا ابن عباس {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وتؤكل ذبيحة السامرة صنف من اليهود لا يؤمنون بالبعث، قاله عمر بن الخطاب وغيره، ولا تؤكل ذبيحة الصابئ وليس بحرام، كتحريم ذبائح المجوس. وقد حرم الحسن وسعيد ابن جبير ذبائحهم ونكاح نسائهم وقيل أنهم بين المجوسية والنصرانية. وإذا ولى المجوس مسلما فذبح له فاختلف في أكله، فأجازه ابن سيربن وعطاء، وكرهه الحسن، وسئل الحسن عن مجوسي قال لمسلم اذبحها لصنمنا أو لنارنا فاستقبل بها المسلم القبلة وسمى الله فكره أكلها. قال محمد إنما يكره إذا أمره بذبحها على هذا الشرط، فأما لو تضيف به مسلم فأمر بذبحها مسلما فذلك جائز وإن عدها لعيده. قال مالك أحب إلي غسل آنية النصاري، وان تسألهم عما قربوا من الطعام أطيب هو؟ وأما القدر الذي يطبخون فيها فأحب ألي أن يغلى فيها الماء حتى يذهب ودكها لأكلهم الميتة والخنزير. ولا يؤكل جبن المجوس لعملهم فيه أنفخة الميتة إلا ما لم ليسوا عليه. وأما اللبن والزبد فإن كانت آنيتهم نظيفة فكل، وإن شككت فدع. قال محمد: ما ليس أهل الذمة من خفاف وعملوا من القرب فلا خير فيه إلا من بعد غسله، وما كان جديراً فلا بأس به من أهل الكتاب، ولا خير فيه من المجوس/ لأن الغالب عليهم أكل الميتة إلا ما أيقنتم حلاله. وأما غير المجوس فلا بأس به إلا ما أيقنتم حرامه. ومن المختصر: ولا بأس بأكل طعام المجوس وكل الذي ليست له ذكاة. قال الأبهري وقد أكل الصحابة من طعامهم حين فتح الله بلادهم مما لا ذكاة فيه. [4/ 366]
ومن الواضحة: ولا بأس بذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم إذا أصابوا الذبح، وتؤكل ذبائح أهل الحرب من أهل الكتاب. وكره مالك الشراء من تجار اليهود، ونهى عمر أن يكونوا في أسواقنا، ولا بأس أن يكون لهم مجزرة على حدة وينهوا عن البيع من المسلمين، وينهى عنه المسلمون. ومن اشترى منهم لم يفسخ شراؤهم وهو ورجل سواء إلا أن يكون ما اشترى منهم مثل الطريف وشبهه مما لا يأكلونه فيفسخ شراؤه، قاله مطرف وابن الماجشون. وقالا في الشاة بين مسلم وذمي فلا يواليها للذمي يذبحها، فإن تشاحا تقاوماها أو باعاها. وكذلك محرم وحلال صادا صيدا قبل إحرام المحرم فليتقاوماه، فإن وقع للمحرم أطلقه، وإن وقع للحلال صنع به ما شاء. قالا وليس كالعتق هذا مختلف فيه، قيل له احبسه حتى يحل من إحرامه، وقال أصبغ كقولهما. قال ابن حبيب: وكل ذي ظفر مما حرم الله على اليهود في الإبل وحمر الوحش والنعام والإوز وكل ما ليس بمشقوق الخف ولا منفرج القائمة. ألا ترى الدجاجة والعصافير انفرجت قوائمها فاليهود تأكلها، وقاله كله مجاهد. فلو ذبح يهودي من هذا المحرم عليهم شيئاً لم يحل لمسلم، والشحوم المجملة محرمة عليهم مثل الترب والكشا وهو شحم الكلا وما لصق بالعظمة وشبهها من شحم محض، واستثنى ما حملت الظهور وهو ما يغشى اللحم من الشحم على الظهر وسائر الجسد، واستثنى الحوايا وما اختلط بعظم، فالحوايا المباعر والمرابض التي تكون فيها الأمعاء وتسمى بنات اللبن، فما في ذلك من شحم فهو مستثنى، فما كان من هذه الشحوم المحرمة عليهم فلا تحل لنا من ذبائحهم لا أكله ولا ثمنه، وما لم يكن في اللفظ محرماً عليهم وإنما حرمه بعضهم مثل الطريف وشبهه فهو مكروه أكله وأكل ثمنه لأنه ليس من طعامهم، وفي ذلك تخفيف من بعض أصحاب مالك. وقال مالك في المختصر: لا أحب أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حراماً، وأجاز أشهب أكل ما حرموه على أنفسهم مما ليس في النص تحريمه عليهم، وقال [4/ 367]
ابن القاسم لا يؤكل هذا ولا هذا. وقال ابن وهب لا بأس أن يؤكل هذا وهذا، وقاله محمد بن عبد الحكم. قال أبو بكر بن العلاء: لأن الذكاة تذكي الشحوم وغيرها، ولا تكون التذكية لبعض دون بعض، وقد أباح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح بعض حصون خيبر، فأخذ رجل مزوداً مملوءاً شحماً فنازعه صاحب المغانم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خل بينه وبين جرابه يذهب إلى أصحابه، وليس كأكل ذي ظفر لأن ذلك كله محرم لا تعمل الذكاة في شيء منه. واختلف في تأويل قول الله سبحانه {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} فقيل ذبائحهم، وقيل ما أحل لهم، ولاحتمال الآية كره مالك ذلك من غير تحريم، يعني الشحوم المحملة. قال ابن حبيب: وأما ذبحوه لأعيادهم ولكنائسهم ولعيسى وللصليب ونحوه فيكره من غير تحريم، وإنه ليضاهي ما أهل به لغير الله، وإن أكله لمن تعظيم شركهم. وقد سئل مالك عن الطعام يتصدق به النصاري عن موتاهم، فكره للمسلم قبوله وقال لأنه يعمل تعظيما لشركهم. قال ابن القاسم وكذلك من أوصى أن يباع من ماله شيء للكنيسة فلا يجوز للمسلم أن يشتريه. قال ابن القاسم وإذا باع الأسقف من الكنيسة شيئاً لمدفنها وربما حبست تلك الأرض على الكنيسة لمصلحتها فلا يشتريه، كما لا يجوز ذلك في أحباسنا، ولا ينبغي للحاكم أن يعرض في ذلك ببيع ولا تنفيذ ولا شيء. وكره مالك الركوب معهم في المراكب التي يركبون فيها لأعيادهم لما يخاف من نزول السخط عليهم، وكره ابن القاسم أن يهدي المسلم للنصراني في عيده مكافأة له، وقال هذا عون على تعظيم عيده وكفره. ولا يباع شيء منهم من مصلحة [4/ 368]
ذكر المنخنقة والمتردية والموقودة والنطيحة وما أكل السبع والمريضة
عيدهم لحم ولا إدام ولا ثوب ولا عارية دابة، قال مالك وغيره: وينبغي للإمام الزجر عن ذلك. ولا يحل ما ذبح المجوس وعبدة الأوثان لأن الله سبحانه قد عم فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {والرجز فاهجر} وهو الكفر وما ضارعه وعم تحريم النساء المشركات، ثم استثنى نساء أهل الكتاب فأباح ذبائحهم ونكاح نسائهم. قال ابن حبيب قال ابن شهاب: ولا ينبغي الذبح للعوامر من الجان، وقد نهى النبي عليه السلام عن الذبح للجان. ذكر المنخنقة والمتردية والموقوذة والنطيحة وما أكل السبع والمريضة من الواضحة ابن حبيب: المنخنقة: ما يخنق بحبل أو غيره أو ينوطها برقيتها، والموقوذة المضروبة في مقاتلها أو حيث لا ترتجى لها حياة مما أصابها من ضربة حجر أو عصا أو بندق أو غير ذلك، والمتردية التي ترد من شيء منيف أو جبل أو شرف أو سقطت في هوة، والنطيحة التي ينطح بعضها بعضا أو تنطح جداراً أو صخرةً فيبلغ ذلك منها، وما أكل السبع: ما يمرط السبع بطنها أو يصيب مقتلها أو يوهنها. وقوله تعالى {إلا ما ذكيتم} يعني في الحياة القائمة لا في حال الإياس منها يقول إلا ما ذكيتم في حال الحياة فمات بتذكيتكم، ولو كان تحريمها إنما هو لموتها لكان قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة} يغني عن سائر ما وصف، وكذلك فسر لي ابن الماجشون فيما يئس لها من الحياة أن ينقطع نخاعها أي ينتشر دماغها أو تنشق أوداجها أو ينخرق مصرانها أو ينثر حشوتها، بهذه المقاتل لا يرجى بعدها حياة. وأما إن انكسر صلبها ولم ينقطع النخاع أو ينشرخ رأسها ولم ينتثر دماغها أو ينشق جوفها ولم [4/ 369]
ينشق قصيرها ولا انتثرت حشوتها فلا تحرم بهذا إذا ذكيت، وكذلك ما أصابها من كسر غير هذا إذا ذكيت والروح فيها، إلا أن تكون قد انتهت مما أصابها، وإن لم يكن من المقاتل المذكورة إلى حد الموت وشبهه مما فيه الإياس أو يشكل ذلك من أمرها ثم ذبحت فلا تؤكل، وإن طرفت بعينها أو استفاض نفسها أو حركت ذنبها أو ركضت برجلها، وهذا قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم، وأجاز أكل هذه ابن القاسم وأصبغ، والأول أحب إلينا. وكان ابن القاسم وأصبغ لا يريان دق العنق مقتلا حتى ينقطع النخاع، قالا وهو المخ الأبيض الذي داخل العنق والظهر، وليس النخع عندنا إلا دق العنق وإن لم ينقطع المخ كذلك قال ابن الماجشون ومطرف عن مالك. قال ابن حبيب فأما في انكسار الصلب ففيه يحتاج إلى انقطاع المخ الذي في الفقار، فإن انقطع فهو مقتل، وإن لم ينقطع فليس بمقتل وقد يبرأ على حدوثه. قال ابن المواز: وتؤكل النطيحة والمتردية وإن كانت لو تركت ماتت إذا سلمت المقاتل، فمن ذلك انقطاع مخ العنق أو الظهر، أو ينقطع بعض الأوداج أو ينشق الجوف، وقد قيل لا يضر شقها حتى يخرج شيء من الحشوة أو ينقطع بعض المصارين. قال مالك: والمريضة التي تضطرب للموت وإن تركت ماتت إذا ذكيت أكلت. قال محمد إذا ذبحها قبل خروج نفسها، وذلك إذا سال دمها وتحركت بعد الذبح فإن لم يكن ذلك لم تؤكل إلا أن يكون بها الحياة بينة بالنفس البين أو العين تطرف. قال ابن القاسم وابن كنانة إذا اضطربت أكلت وإن لم يسل دمها. قال مالك فيمن ذبح شاة وجري دمها ولم تتحرك لها رجل ولا ذنب ولا طرفت بعين، فأما النطيحة فتؤكل، وأما المريضة فإن كانت نفسها يجري وحركتها تعرف فإنها تؤكل. قال محمد ويعرف ذلك بحركة الرجل والذنب، قاله زيد بن ثابت وابن [4/ 370]
ما يجوز أكله من الحيوان وذكر لحوم الجلالة
المسيب قال والعين تطرف قال ابن حبيب أو يستفيض نفسها في جوفها ومنخرها فأي هذه الحركات الأربع كان منها عند مر الشفرة في حلقها فإنها تؤكل. ومن المستخرجة قال أشهب قال مالك في قول الله سبحانه {إلا ما ذكيتم} إلا ما فيه موضع للذكاة وينبغي أن يذبح المنخنقة في خناقها إذا كان فيها لذلك موضع مثل أن يتنفس في عينها بطرف. قال مالك إذا شق الذئب بطنها وإن لم يشق الأمعاء فلا تؤكل. قال عنه ابن القاسم: ولا أرى أن تذكى التي ينثر أمعائها ولا يضر في المتردية اندفاق عنقها إلا أن ينقطع مخه. قال سحنون في شاة أو بقرة غرقت في ماء فذكاها داخل الماء وهو يعلم أنها مجتمعة الحياة حين الذبح إنها تؤكل. ما يجوز أكله من الحيوان وذكر لحوم الجلالة وذكر غير المسفوح من الدم وما يعاف أكله من الشاة وذكر لبن المرأة والأتن من الواضحة قال مالك وغيره: ومن احتاج إلى شيء من خشاش الأرض لدواء أو غيره فكان مما لا لحم له ولا دم فذكاته كذكاة الجراد كالعقرب والخنفساء وبنات وردان والعقربان والجندب والحيتان والضبعة والزنبور واليعسوب والزر والنمل والسوس والحلم والدود والبعوض والذباب وشبهه، قال وهذا ما مات منه في طعام أو شراب لم يفسده، وما كان منها من هوام الأرض ودوابها مما له لحم ودم سائل مثل الحية والفأرة وشبه ذلك لأنه يفسد ما مات فيه مما يؤكل ويشرب، ويكره أكله لغير ضرورة إذا ذكي ولا يكره ذلك لمداواة وشبه ذلك، وهذا يذكى بالذبح في الحلق أو بالصيد بنية الذكاة. [4/ 371]
قال وأمر عمر بن عبد العزيز أهل أريحا بذكاة حياة الترياق، وقال ربيعة وأبو الزناد في الترياق اشربه ولا تسل وعليك بعمل أريحا وإن عملته فذلك للحيات. قال مالك لم أدرك أحداً ينهي عن شيء من الطير سباعه وغير سباعه ولا ما يؤكل الجيف منه إلا أن يتقذره متقذر. وأجاز مالك لحم الجلالة من غير تحريم، وروي النهي عنها عن ابن عمر أنه كره لحومها وألبانها وركوبها، قال ابن حبيب وروثها وبولها وعرقها نجس. والجلالة من الطير أخف، ولم يأتي فيها كراهية علمت إلا عن ابن عمر، كان يربطها ثلاثة أيام تأكل الحب ثم يذبحها. وأما ذرقها فنجس. قال ابن حبيب: وكره عروة أكل الغراب والحدأة لما سماهما النبي علي السلام فاسقين. قال محمد بن الجهم ليس هذا بحرام أكلهما وإنما سماهما لأذاهما المحرم. والفاسق المتعدي في اللغة. قال ابن حبيب: ولم يختلف المدنيون في تحريم لحوم السباع العادية والنمور والذئاب واللبؤ والكلاب، وأما غير العادية مثل الدب والثعلب والضبع والهر الوحشي والإنسي فيكره أكلها ولا يبلغ بها التحريم لاختلاف فيها، قاله مالك وابن الماجشون. قال ابن الماجشون كل ما عض إذا ما أخذ فلا يؤكل، ولا يؤكل لحوم الدواب، وقد نهى النبي عليه السلام عن لحوم الحمر الأهلية، والبغال مثل ذلك، ولا يؤكل الفرس ولا يبلغ ذلك في التحريم للاختلاف فيه. قال محمد بن الجهم وأبو بكر الأبهري: إنما نهى مالك عن لحوم السباع والدواب على الكراهة والاحتياط لا على صريح التحريم، وهو المعنى في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم السباع والحمر بدليل اختلاف الصحابة في ذلك، وما روى مالك في حديث عبيدة بن سفيان أكل كل ذي ناب من السباع حرام فشيء انفرد به عبيدة بن سفيان فلا يدري محله من الحفظ لقلة روايته وقد رواه الزهري فلم يذكر فيه هذه اللفظة، وأما المخلب فلم يصح فيه حديث. [4/ 372]
من كتاب ابن المواز قال: وأجاز ابن المسيب أكل الفرس. قال ابن شهاب ما رأيت أحدا يأخذ به، وقد كرهه ابن عباس. قال مالك وقد وصف الله لما خلقت له فقال لتركبوها وزينة قال ابن القاسم: وكرهه عباس. وإذا تأنس حمار وحشي وحمل عليه فلا بأس بأكله كما لا يحل الأهلي بالتوحش. قال ابن كنانة وكذلك لو ربي صغيرا. وقد روى ابن القاسم عن مالك كراهية أكل الوحشي يتأنس. محمد ولم أجد لهذا أصلا وأراه وهما، والمعروف من قوله انه جائز ولا يذبح في الأعياد، وإذا دجن صيد مالك ثم توحش فليؤكل بالاصطياد، وإذا ند شيء من الأنعام لم يؤمل بذلك، وهذا في كتاب الصيد مستوعب. قال والسبع والنمر والفهد محرمة بالسنة. قال مالك والذئب والثعلب والهر الوحشي والإنسي هذه مكروهة، وأكره الضبع وإن كان أكله غير واحد من الصحابة، منهم سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله، وذكر عن علي بن أبي طالب قال ابن القاسم والضبع أيسرها، وهو ذو ناب. ومن كتاب ابن حبيب: وأجاز مالك أكل الوبر والورد والخلد واليربوع. والوبر والضرب والقنفذ. وذكاة ذلك كله كذكاة الصيد، فالوبر واليربوع من دواب الحجاز، والوبر أكبر من واليربوع أصغر منها، والحرباء الحرطون وهو الورد ويكون بأرض البربر والخلف، فإذا عمر يكون بالصحراء أو بالأجنة. والضرب يسمى بالأندلس الصلوة، والقنفذ المشوك. وكره مالك أكل الحية والعقرب والفأرة من غير تحريم، ومن أكل ذلك فليذكيه. فأما العقرب فيقطع رأسها وهي كالخنفساء والجراد. ولا بأس بأكل الضب المضرب ولم يحرم النبي عليه السلام الضب وعافه. وكذلك روي عنه في الأرنب. [4/ 373]
ومن المستخرجة: ولا يؤكل الخطاطيف، وقاله ابن القاسم وروي عن علي بن زياد عن مالك انه كره أكلها. قال ابن حبيب والدم المسفوح ما سال عند الذبح ولم يحرم ما بقي في اللحم مما خالطه أو كان في العروق، واستخف ابن الماجشون سقوط الحلمة في اللبن، وإن سال منها فيه ما لم يغلب الدم اللبن. قال ابن حبيب: ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يستثقل أكله من الشاة من غير تحريم الطحال والعروق والغدة والمرارة، والأنثيان والكليتان والحما والمثانة وأذنا القلب فذلك عشرة. وسأل عبد الله بن إبراهيم ابن الأيتاني في خصيتي الشاة الخصي ترد إلى داخل ويربطان فيبطل فعلهما أو يتغير خلقهما هل يؤكل ذلك؟ وإذا طبخ ذلك في قدر هل يؤكل؟ فقال لا بأس بذلك. والذي قال الأيتاني من هذا صواب وهو بمنزلة الغدة والغرا يصل إليها ويجدها في لبن الأتن. قال محمد بن المواز: ولم أسمع من أصحابنا شيئا في لبن الأتن إلا عن ابن شهاب أنه كرهه، وكره مرارة السبع، وقاس لبنها بلحمها ودمها، وليس يعجبني ذلك. ولين بنات آدم محرم وقد جعل لبنهن غذاء للأبناء وأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الرجال أن يرضعه، فمن شربه لم أقل شرب حراماً. ولا بأس بأكل الجلالة من الطير والأنعام. قال ابن القاسم في جدي رضع خنزيرة لا بأس بأكله بحدثان رضاعه أو بغير حدثانه' ورواها عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال: أحب إلي أن لو صبر حتى يذهب ما في جوفه من غذاء، ولو ذبح مكانه لم أر بأكله بأساً. قال مالك عن ابن عمر: أن ناقة سقيت خمرا أو شحم خنزيرة فكره ركوبها. قال ابن حبيب قد روي إباحة التداوي بلين الأتن للنبي صلى الله عليه وسلم، وأجازه ابن المسيب والقاسم وعطاء بن أبي رباح ومالك حدثنيه الحواى عن الواقدي. [4/ 374]
باب ما ينتفع به من جلود السباع والميتة وعظامها
من العتبية أشهب عن مالك لا بأس بالتداوي بشرب أبوال الإبل، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام كلها، وأما أبوال الأتن وأبوال الناس فلا خير في ذلك كله. وقال في الشاة تحلب فتبول في اللبن لا بأس به. وحدثنا أبو بكر بن محمد عن فرات بن محمد عن سحنون عن ابن القاسم قال: لا بأس أن يتداوى بلبن المرأة ويشربه الناس. وقد قال مالك لا بأس أن يستعط بلبنها فهذا مثله إذا كان على وجه التداوي. باب ما ينتفع به من جلود السباع وذكر جلود الميتة وعظامها وما ينتفع به منها وربط الأسنان إذا وقعت من كتاب ابن المواز قال مالك: لا يباع شيء من الميتة لا جلد ولا غيره إلا الشعر والصوف والوبر إذا جزرته فلا بأس به، والقرن والعظم فهو ميتة، وما قطف من طرف القرن والظلف مما لا يؤلم الحي ومما لك أخذه وبيعه في حياته فلك أخذه بعد مماته، قال مالك الحي في ذلك مثل الميت، وما قطع من ذنب الشاة الحية فميتة لا يؤكل ولا يستصح به. وإذا دبغ جلد الميتة طهر للانتفاع به لا للبيع. قال ابن حبيب ولا للباس. قال غيره كما لا يطهر للأكل. قال أبو بكر الأبهري في الشعر والصوف ليس مما فيه الروح، ولو كان ذلك لما أجاز أخذه منها في حال الحياة. محمد ابن المواز قال مالك: ويجوز بيع الريش ينتف من الإوز وله سبح يعني موضعاً يكون فيه الدم. قال ابن حبيب لا خير في ريش الميتة لأنه له سبح إلا ما لا سبح له مثل الزغب وشبهه فلا بأس به إذا غسل. محمد ونهى مالك عن الانتفاع بعظام الميتة والفيل والادهان به، ولم يطلق تحريمها لأن ربيعة وابن شهاب وعروة أجازوا الامتشاط بها. [4/ 375]
قال ابن حبيب وأجاز الليث وابن الماجشون ومطرف وابن وهب وأصبغ الادهان والامتشاط بها، ثم قال ربيعة: كل عظم لا لحم عليه فلا بأس به، يريد ناب الفيل قال ابن حبيب وهذا في الانتفاع بأنياب الفيل، فأما في بيعه فمجمع على أنه لا يحل، إلا أن ابن وهب قال في عظام الفيل إذا غليت جاز بيعها وجعله كالدباغ، كما قال في جلد الميتة يذبغ إنه يباع. قال أصبغ فإن وقع البيع في الجلود والعظام بعد الدباغ وغليان العظم وفاتت العين مضى ذلك بالثمن، وإن لم يدبغ ولا غليت فسخ، فاتت أو لم تفت. وقال محمد قال ابن القاسم: لا بأس أن يخلط بعظام الميتة الغصة. مالك ولا يطبخ بها طعام أو شراب أو يسخن الماء للوضوء. قال ابن حبيب كرهه مالك، يريد فإذا فعل لم ينجس الماء وحل أكل الطعام. قال محمد: إذا ذكيت جلود السباع جاز بيعها والصلاة بها وإن لم تدبغ إذا غسلت، ولا يصلى بجلد الميتة وإن دبغ، ولا بجلد حمار وإن ذبح ودبغ، وكذلك الفرس والبغل. قال مالك وأكره ذكاتها للذريعة إلى أكل لحموها، وأجاز الليث الصلاة في جلود الميتة يعني إذا دبغت أشهب قيل لمالك أتباع ويتصدق بثمنها؟ قال أيعصي الله ويتصدق بثمنها؟ قال يحيى بن سعيد: ما دبغ به جلد الميتة من دقيق أو ملح أو قرظ فهو له طهور. ومن العتبية قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في قدح من بيض نعامة ميتة لا أرى أن يشرب فيه ولا يتداوى بقشر تلك البيضة لأن الميتة قد سقته. قال مالك في المرتك يصنع من عظام الميتة إن جعل في قدحه أو جرح فلا يصلي به حتى يغسل. قال ابن حبيب وإن صلى به لم يكن كمن صلى بنجاسة للنار التي أحرقته. وقد خفف ابن الماجشون أن يصلي به. [4/ 376]
ومن الواضحة قال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا يلبس الفرو فيه شيء من جلود الميتة وإن نزع عند الصلوات، وإنما ينتفع بها في غير اللبس وغير الصلاة والبيع. قال عبد الملك: ولا بأس أن يطحن عليها ويجعل منها السقاء وقربة اللبن وزق الزيت، وإنما كرهه مالك في خاصته وما فيه ما يكره. قال ابن حبيب في جلود السباع العادية وإن ذكيت فلا تباع ولا يصلى بها، ولا تلبس ولينتفع بها في غير ذلك. وأما السباع التي لا تعدو فإذا ذكيت جاز بيعها ولباسها والصلاة بها. وكذلك إذا ذكي الفرس فجلده مثل ذلك للاختلاف فيه. فأما سائر الدواب فلا تعمل الذكاة فيها لجلد أو غيره. قال عبد الله: وقول ابن حبيب وتفريقه بين جلود السباع العادية وغير العادية ليس بقول مالك، ولم يفرق مالك بينها في إباحة ذلك بالذكاة. ومن المختصر قال مالك: ولا ينتفع بريش الميتة لأن الميتة تسقى أصوله ولا تستقى الشعر والصوف. ولا بأس أن يخرز بشعر الخنزير. قال الأبهري ولا ينتفع بجلده وإن دبغ، ولا يدخل فيما أبيح من الانتفاع بإهاب الميتة إذا دبغ إذ لا يحل هذا بذكاة ولا غيرها. قال مالك في كتاب ابن الواز: ولا ينتفع بشحم الميتة ولا يستصبح به. وقال محمد بن الجهم وأبو بكر الأبهري: ولا بأس أن يوقد به إذا تحفظ منه. قال الأبهري وينتفع بلحمها بأن يطعمه كلابه، وكذلك الخمر يصبها على نار يطفئها به. والمعروف من قول مالك وأصحابه أنه لا ينتفع بالخمر في شيء. وأما لحم الميتة فإذا شاء ذهب بكلابه إليه ولا يأتي بالميتة إليها. وقد نهى ابن عمر أن يداوي ناقته بالخمر. وذكر الأبهري أنه روي للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لقوم ماتت لهم ناقة أن يأخذوا شحمها فيدهنون به سفينة لهم. ومن الواضحة: والدجاجة الميتة يخرج منها البيضة فلا يحل أكلها، وإن سلقت في قدر لحم لم يحل أكله، أو مع بيض صحيح حرم، لأنه يرشح ويسقي [4/ 377]
في زيت الفأرة وما تموت فيه الدابة وودك الميتة
بعضه بعضا. وكذلك إن سلق بيض ثم وجد في واحدة فرخ قد انعقد ولو حضنت البيضة التي خرجت من الميتة فأفرخت أكل فرخها. ومن السير لأبن سحنون، قال سحنون: ولا بأس أن يداوي جرحه بعظام الأنعام الذكية ولا يداوي بعظم ميتة أو عظم إنسان أو خنزير أو بروث، ولا بعظم ما لا يحل أكل لحمه من الدواب، وإن أصاب عظما باليا لا يدري عظم ما هو فلا بأس أن يداويه به إلا أن يكون بموضع القتلى مما الغالب فيه أن يكون من عظام الناس، أو بموضع يعرف بكثرة عظام الخنازير، ولا ينبغي التداوي بها حتى يعلم عظم ما هو. ولا بأس أن تضبب الأسنان بالذهب إذا اضطربت أو طرحت. في زيت الفأرة وما تموت فيه الدابة وودك الميتة ومن كتاب محمد قال مالك: يوقد بزيت الفأرة والوزغة في غير المساجد، وإذا خرجت حينئذ لم يضر ذلك. وخفف مالك أن يدهن البغال بزيت الفأرة، قال ابن القاسم ويغسل بعد ذلك. قال مالك إذا خرجت الفأرة من الزيت حين ماتت أو علم أنها لم يخرج منها شيء فيه، ولكني أخاف فلا أحب أكله. وأما ما ماتت فيه من العسل فلا بأس أن يعلف للنحل بغير بيع ولا عوض ولا عوض ولا منفعة فيمن يأخذه. وليمنع عبده النصراني بما فيه من أكل الميتة وشرب الخمر، ولا يدله على ذلك، وله أن يطعم الميتة كلابه، ولكن لا يأخذه فيحمله إليها ولا يأمر من يأتيه بها، وليذهب بالكلاب إليها ويسلطها عليها. وكره مالك أن يعمل بزيت الفأرة صابوناً. قال ابن القاسم: ولو أن الغاسل به يبلغ إلى أن يغسل نفسه وثيابه التي يغسل فيها لم أر بذلك بأسا. قال ولا يستصبح بشحم الميتة ولا ينتفع به. [4/ 378]
وسئل مالك عن زيت وقعت فيه فأرة قال: أكرهه، قيل يطرح؟ قال لا أرى، قيل فالجرة؟ قال يطرحه أو يستصبح به. قال سحنون في الفأرة تموت في عسل جامد أنها تطرح وما حولها إلا أن تقيم فيه إقامة تسقيه صديدها فليطرح، وكذلك السمن الجامد. وقال في المختصر: إذا وقعت في زيت أو سمن أو عسل جامد طرحت وما حولها. قال ابن حبيب والفأرة تقع في السمن أو العسل الجامد تطرح وما حولها إنما ذلك إذا كان شديد الجمود، وخالف ابن الماجشون مالكاَ في زيت الفأرة فقال: لا يستصبح به إلا في البيوت، وإن تحفظ منه، ولو صيد في الكرباس للانتفاع به لكرهت ذلك ولا يعجبني قوله. وقد أذن النبي عليه السلام بالانتفاع بإهاب الميتة وهذا منه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستصبح به وعن كثير من الصحابة والتابعين. وروى أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في الواضحة والعتبية عن باز طبخ ثم ظهرت فيه فأرة قد تفسخت وهيمن ماء النهر التي طبخ بها، فأمر مالك أن يلقى ويتم طبخه ثم يعاد طبخه بماء طاهر مرتين أو ثلاثا، ثم أجاز له بيعه والادهان به، واستحسنه أصبغ في الكثير، ورأى في اليسير لا ضرر فيه أن يطرح أو يوقد به. قال عبد الملك: ولا يجوز مثل هذا في زيت تموت فيه فأرة، لم تمت في الباز وإنما ماتت في ماء البئر. وقال أصبغ عن ابن القاسم فيمن فرغ عشر جرار سمن في ستين زقاَ ثم وجد في جرة منها فأرة يابسة ولا يدري في أي الزقاق فرغها أنه يحرم عليه جميع الزقاق في أكله وبيعه. قال ابن حبيب كشاة ميتة مختلطة في شياه كثيرة ذكية كلها مساليح [4/ 379]
كذا. وكان مالك لا يجيز بيع زيت الفأرة وإن بين لا من مسلم ولا نصراني، وكذلك أصحابه إلا ابن وهب فإنه أجازه إذا بين، وذكره عن ابن القاسم وسالم. قال ابن حبيب وبلغني ذلك عن أبي موسى الأشعري وابن المسيب والنخعي وقتادة، إلا أن أبا موسى قال من غير مسلم، ولسنا نقول ذلك لأن ما حرم بيعه ولو وقع البيع لرد الثمن بكل حال، قاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. ولا بأس إن عمل به صابونا لنفسه أو يدبغ به جلودا يغسل بعد ذلك. ومن المستخرجة أشهب عن مالك: ولا يباع زيت الفأرة لمن يدهن به الجلود، ويرد إن فعل. وقال في اللبن يموت فيه الخنفس أو العقرب لا بأس بأكله، وإذا باعه فليبين ذلك. ومن كتاب السير لأبن سحنون قال ابن نافع في الجباب التي في الشام للزيت تموت فيه الفأرة إن ذلك لا يضر الزيت، وليس الزيت كالماء في هذا. وكذلك سمعت، وقال المغيرة ينجس بذلك ماء الجب الذي يكون في الدور إذا كان فيه الماء، فأما الجباب الخارجة التي تصب فيها الأدوية فإن تلك لا يضيرها ما وقع فيها. وسئل مالك عن جباب الزيت يكثر فيها الزيت فتقع فيها الفأرة فكان يكره ذلك وإن كان كثيراً. قال يحيى بن يحيى قال ابن القاسم في البيض يسلق فيوجد في إحداهن فرخ فلا يؤكل شيء منها، لأن بعضه يسقي بعضا، وقاله ابن وهب. ومن المختصر: ولا بأس أن يسقى العسل الذي وقعت فيه الميتة الخيل والنحل، ويعلف القمح المبلول الذي تقع فيه ميتة للدجاج. وسئل سحنون في قملة وقعت في ثريد أو برغوث، قال لا بأس بذلك أن يؤكل. [4/ 380]
في الماء تموت فيه الدابة
في الماء تموت فيه الدابة من كتاب محمد والواضحة قال مالك: وإذا ماتت الدابة في بئر من آبار الدور، قال في الواضحة من فأرة أو وزغة أو دجاجة أو شاة فلم تغيره، فإن كان ماؤها قليلاً نزف، وإن كان كثيراً نزع منه حتى يقل ويطيب، فإن كان كآبار السواني لم ينزع منه شيء، قال مالك وهو كالبرك العظام. قال في الواضحة: ولو ماتت فيها جزورة لو رحبت هذه البئر لم يضرها حتى يتغير اللون أو الطعم فيجتنب، وكذلك فسر لي ابن الماجشون وقاله أصبغ وإذا لم يتغير البئر الصغيرة فيعاد منه الصلاة في الوقت ويطعم ما عجن به للدواجن والكافر. وروى ابن الماجشون عن مالك أنه إن أصاب ثوباً يفسده الغسل أنه أرخص في الصلاة به وبيعه ولا يغسل، ولم يكن ابن شهاب وربيعة يريانه نجساً حتى يتغير لونه وطعمه وريحه، وإذا تغير فلم يختلف في نجاسته، ويرى مالك أن تعاد منه الصلاة أبداً ولا يطعم ما عجن به بهيمة ولا غيرها، ويغسل منه الثوب الرفيع وغيره، وما ماتت فيه من جب أو ما جل فإنه ينجس. وإذا ماتت دجاجة في قدر فيطرح ما فيها من اللحم لأنه قد يشرب. قال مالك: ما سمعت أنه يغسل الإناء من ولوغ الكلب، إلا في الماء، وأما في الطعام فلا، ويؤكل الطعام. وقال ابن وهب ويغسل في الطعام، وقول مالك أحب إلي. وهذا الباب مكرر وقد تقدم في كتاب الوضوء. في أكل الميتة للمضطرب، وهل يشرب الخمر؟ وهل يأكل من ثمار أو من مال أحد بغير إذنه؟ من كتاب محمد: ويحل للمضطر الميتة والخنزير حيه وميته، والدم، ولو أن يمتلئ شبعاً ويتزود، وإذا استغنى عنه ألقاه. وقال ابن حبيب: وذلك لمن اشتد به. [4/ 381]
الجوع وخاف الموت ولم يقدر على النهوض فليأكل ما يقيم به رمقه ولا يشبع ولكن بقدر ما يقيم صلبه وينهضه وذلك إذا كان في قفز فحسب، لا قرية ولا بأس أن يسألهم. وإذا تغذى منها فلا يتعشى أو تعشى فلا يتغذى، فإذا كان الغداء وبه رمق صبر حتى يصير من الضرورة إلى حاله الأول، وكذلك قال عبد العزيز وابن أبي سلمة وابنه عبد الملك. قال ابن حبيب كالصائم يضطر إلى الماء فيشرب ما يرد به نفسه ثم لا يفطر بعد ذلك. وقال سحنون: إذا أفطر لما ذكرنا من العذر فله أن يتمادى على الفطر. وقال في كتاب ابن المواز: والمضطر إلى الميتة إذا منعهم قوم فضل طعامهم بهبة أو بيع وبذلول ثمناً معهم فلم يجدوه منهم فلهم قتالهم بمنزلة الماء. قال مالك لا يتضيف قوم على قوم إلا برضاهم، فيأكل الميتة ويدع أموالهم إلا ما لا قطع فيه من التمر المعلق وإن خفي له ذلك. وإن وجد له زرعا أو تمراً أو غنما لقوم فظن أن يصدقوه ولا يعد سارقاً فيأكل من ذلك أحب إلي من الميتة، ولا يحمل منه مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر، فيستبيح أموال المسلمين. قال مالك والميتة للمحرم أحب إلي من أكل الصيد. وقال محمد بن عبد الحكم ولو نابني هذا لأكلت الصيد. قال مالك وإباحته للمضطر ممن لم يخرج بغيا ً ولا عدوانا ً، ومن خرج كذلك فلا رخصة له قاله سعيد ابن جبير ومجاهد. قال ابن حبيب ولا لعبد آبق أو من خرج في قطيعة رحم إلا أن يعقدوا التوبة مما هم فيه فيباح لهم. قال ولا يباح الخمر للمضطر من جوع أو عطش، قاله مكحول. من المستخرجة قال ابن القاسم قال مالك: ومن اضطر إلى الخمر فلا يشربها ولن تزيده إلا عطشاً، ولأن الله سبحانه لم يستثن في الخمر المضطر من جوع أو عطش/ كما استثنى في الميتة. [4/ 382]
في عقر الدابة المريضة والتي تقف في السفر
قال أصبغ عن ابن القاسم: يشرب المضطر الدم ولا يشرب الخمر، ويأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل. وقال ابن وهب قال مالك في المختصر: لا يشرب المضطر الخمر قال الأبهري لأنها لا تغني من جوع ولا تروي من عطش فيما يقال. وأما إن كانت تشبع أو تروي فلا بأس أن يشربه لذلك كالميتة عند الضرورة. وذكر عن ابن حبيب أنه أجاز ذلك غص بطعام وخاف على نفسه أن له أن يجوزه بالخمر. في عقر الدابة المريضة والتي تقف في السفر من المستخرجة قال أصبغ قال ابن القاسم في الدابة لا يؤكل لحمها يطول بها المرض وتعيا بأرض لا علف فيها، فليدعها ولا يذبحها. ولو كانت لرجل دابة مريضة زمنة أيس من النفع بها ولا يريد علفها فلا بأس أن يذبحها، وذلك أحب إلي. ومن الواضحة: ومن وقف له بعير في سفر لا يحتاج إلى لحمه أو لما به من العجف والمرض فليدعه ولا يعقره إلا أن يبلغ مرضه أن لا يبقى فيه نهضة، أو كسر أو اسقطه الجوع فلينحره إلا أن يكون مما يعاف ويستقذر ويخاف على آكله فلا يذبحه وليقتله، كان في سفر أو حضر، ولا يعد ذبحه أحداً كذا وكذلك الشاة والبقرة إلا أنه لا يدعها وإن استغنى عن لحمها بخلاف البعير، لأن معه حذاءه وسقاءه إلا أن يبلغ من الخوف بالمرض ما لا تحامل معها ويعاف لحمها ويخاف على من أكله، فليجهز عليهما بالقتل. والدابة التي لا يؤكل لحمها إذا بلغت مبلغاً لا يرجى فليقتلها بغير ذبح ببلد الإسلام أو الكفر، وأما التي ترجى فليدعها ببلد الإسلام وإن كان موضعا لا رعي فيه، وإن كانت ببلد الكفار فليقتلها. [4/ 383]
في ثمن الكلب واتخاذه وثمن الهر والقرد وكسب الحجام
في ثمن الكلب واتخاذه وثمن الهر والقرد وكسب الحجام من الواضحة: ونى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن والحلوان الرشوة. يقال حلوت الرجل حلواناً إذا رشوته. والبغي هي الزانية، ومهرها ما تأخذ على الزنا. وثمن الكلب يعني المنهي على اتخاذه لا المتخذ في الدور فأما كلب الحرث والصيد والماشية فلا بأس يبيعه. ويجوز بيع الهرة واقتناؤها، ولا يحل ثمن القرد ولا لحمه ولا اتخاذه وجبة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بأس بثمن الهرة، وكره مالك ثمن الكلب صائداً أو غير صائد ويجوز كسبه للصيد والزرع والأجنة والماشية، وأجاز ثمنه لهذه الثلاثة الأشياء ربيعة وعطاء ويحيى بن سعيد، ولم يختلف في تحريم ثمنه في غير هذه الثلاثة الأشياء. وكره مالك لأهل الريف اتخاذه في دورهم لدوابهم، ولا بأس به للذين يرعون الدواب، وكرهه للمسافرين ولدور البادية، ولا غرم على من قتل هذا ومن قتل كلب صيد أو زرع أو ماشية ودى قيمته. محمد: ولا يجوز كسب القرد ولا ثمنه ولا سمعت فيه من طريق مالك وأصحابه شيئا. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمنه، وأن عمر أمر الذي جاء به من اليمن أن يرده. ولا يكره مالك وأصحابه كسب الحجام وإنما يعافه من تنزه عنه من ناحية التكرم، وقد اعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة على ذلك أجراً، وكانت قريش تتنزه عنه. [4/ 384]
في أكل النهبة
في أكل النهبة. والقوم يجدون شيئا فيسبق إليه أحدهم من كتاب ابن حبيب: ولا يحل أكل النهبة. قال مالك وأصحابه: وإن طابت نفس صاحبها كالقوم يصيدون الصيد في المغازي ثم ينتبهونه بعد عقره، أو فيما نالوا من بقر العدو بعد تذكيته، ونهب الفاكهة عند نكاح أو حداق الصبي. ومن المستخرجة قال سحنون في المسافرين وجد أحدهم عشاء فقال أنا رأيته قبلكم فهو لي وبدر غيره فأخذه فهو لآخذه، وليس قوله هو قبضا ولا حيازة. وكذلك لو وجدوه كلهم فبدر أحدهم فأخذه فهو له، ولو تدافعوه فلم يدع بعضهم بعضاً يصل إليه فهو بينهم، وقاله مالك. في الذي يدخل رجله في جوف الشاة والصبي يلعب بالطير من المستخرجة من سماع أشهب قال مالك في المنهوش يوصف له شق بطن شاة حية فيدخل رجله في كرشها فما يعجبني وما هو بالبين، قيل فيذبحها ويشق بطنها وهي تركض فقال يقول إنه على وجه الدواء، كأنه كرهه. قال ابن المواز وكره النخعي أن يعطى الصبي الطير يلعب به. قال عبد الله: حرم الله الدم المسفوح في كتابه ودل بذكره المسفوح وهو الجاري أن ما بقى في اللحم من الدم معفو عنه، وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة وعائشة تكون في برمتها اللحم تعلوه الصفرة من بقايا الدم. فإذا ذبحت الشاة أو غيرها فسال دمها وبقى في المذبح ما بقى، فلولا أنا نخاف أن يكون قد تكاثف مما بقي في منحرها من بقايا الدم الجاري ما لا يشبه من بقاياه في اللحم لاخترنا أن يطبخ ذلك من غير غسل، ولكن ليشبه مما أبقينا من هذا فأمر بغسل المذبح. وإن طبخ ذلك ولم يغسل فالذي به من نزل ذلك به يغسل اللحم ويأكله. [4/ 385]
وأما في سائر اللحم من بقايا الدم يرشح من اللحم فلا جناح أن يطبخ ولا يغسل. ولو أن دجاجة لم يغسل مذبحها فسمطت في ماء حار ثم غسلت بعد ذلك جاز ذلك، طبخت بعد ذلك أو شربت، وإذا كان الدم في الدجاجة لم يتعد المنحر كان خفيفا إن لم يبق منه أمر يتكاثف، ونحن نكرهه حتى يغسل. واستحب إن لم يغسل وطبخت من غير غسل أن يغسل اللحم ويؤكل، وليس بحرام، لأن الدم المسفوح في اللغة الجاري، ولم يختلفوا فيما في اللحم من الدم عندما يقطع ويرشح منه أنه معفو عنه. وكذلك قال بعض أصحابنا في الحوت يقطع ويملح. ولابد من الدم يرشح منه فلم يروا بذلك بأسا. ولو شوط الرأس ولم يغسل المذبح ثم غسل بعد التشويط فلا بأس بذلك، ولو لم يغسل بعد التشويط وقد تناهى فيه النار بالتشويط حتى أذهب الدم الذي كان في المذبح فلا بأس بأكل جميع الرأس، وإن شك في ذهاب جميعه بالتشويط فليجتنب أكل ما في المذبح من اللحم ويأكل باقيه. وقيل عن سحنون إنه قال في دجاجة طبخت ولم يغسل مذبحها إنها لا تؤكل، ولا أدري وجه ذلك، ولا يصح هذا عن سحنون، وقد قال عن ابن عباس في قدر طبخت وفيها بيضة فاسدة فيها دم إن اللحم يغسل ويؤكل، فعلى هذا لن يكون أكثر ما في ذلك أن يغسل الدجاجة ويؤكل. تم كتاب الصيد والضحايا والذبائح والعقيقة والختان من النوادر بحمد الله وعونه يتلوه الجزء الأول من كتاب النكاح والحمد لله وحده [4/ 386]
في التحضيض عن النكاح ومن يرغب فيه من النساء
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الأول من كتاب النكاح في التحضيض على النكاح وذكر من يرغب فيه من النساء وفيمن يمسك المرأة تكرماً من الواضحة وغيرها روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالباه فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يكن له طول فعليه بالصوم فإنه له وجاء. وحض النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الأبكار، وقال إنهن أطيب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأطيب أخلاقاً. قال ابن حبيب أنتق أرحاماً: أقبل للولد. وفي موضع آخر قوله عليه الصلاة والسلام تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين ترتب يداك ورغب في نكاح الولود، وفي حديث آخر الودود والولود العدد. وقالت عائشة ــ رضي الله عنها ــ لا تلد المرأة بعد الخمسين وقال عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ بنت عشر سنين تسر الناظرين وبنت عشرين لذة [4/ 387]
في نكاح الأكفاء وذكر العضل
للمعانقين، وبنت ثلاثين ذات شحم ولين، وبنت أربعين ذات بنات وبنين، وبنت خمسين عجوز في الغابرين. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح في الأكفاء، ويستحب أن يستنخب الخال وقد نهى عن رضاع الفاجرة فكيف بهذا. ومن العتبية قال مالك في سماع ابن القاسم بلغني أن لقمان قال لأبنه: يا بني ليكن أول ما تفيد في الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة. قال أشهب قال مالك: تزوج عمر امرأة فأخبرته ابنته حفصة أنه لا ولد فيها فطلقها ولم يبن بها. قال عنه ابن القاسم لقد أدركت من له امرأة ما له بها من حاجة ويمنعه الحياء والتكرم أن يفارقها ليلاً يطلع غيره منها على ما اطلع. قال سحنون: أراه عبد الله بن يزيد بن هرمز. وقال ابن عمر: إذا كبر الرجل ذهب حسامه كما يذهب حسام السيف، وهو وحده. في نكاح الأكفاء وذكر العضل وفي التي ترضي بدونها في الحال والمال من الواضحة، نهى الله سبحانه وتعالى الأولياء عن العضل، وروي أن الآية نزلت في معقل بن يسار. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم حض الآباء على نكاح بناتهم. قال عمر: لا يزوج الرجل وليته للقبيح الذميم، ولا الرجل الكبير. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في المرأة تريد البيت ترضى برجل دونها في الحسب وهو كفء في الدين ويرده الأب والولي فرفعت ذلك إلى السلطان فليزوجها. قال ابن القاسم: فإن كان كفئاً في الدين وليس كفء في المال فلا بأس به إذا لم يأت من ذلك الضرر. قيل لمالك: فما جاء عن عمر [4/ 388]
لا تزوجوهن إلا الأكفاء وأنه فرق بين امرأة تزوجت غير كفء وبينه. قال قد صاحبه غير هذا قوله: دين الرجل حسبه وكرمه وتقواه، ومروءته خلقه، فليس الحسب والشرف إلا في الإسلام والتقوى. قال ابن وهب قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه ورأيه فأنكحوه، قيل وإن كان أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}. قال محمد قال ابن القاسم قال مالك: وإن تزوجت كفئاً بغير ولي فيفسخ ذلك، فلها أن تتزوجه مكانها، يريد ولم يدخل، فإن أبى وليها زوجها إياه السلطان وإن لم يكن مصلها في الغنى واليسار والحسب إذا كان يرضى دينه وعقله، إلا أن يكون سفيهاً ومن لا يرضى حاله. ومن كتاب محمد: ولو فسخ بعد البناء لم تنكحه حتى تعتد من مائة. ومن كتاب محمد قال مالك: وللرجل أن يتزوج مولاته التي أعتقها إذا كان عدلاً ولم يخدعها، ورب مولى أسفل خير من أعلى. ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا يكون الأب في منعه ابنته البكر النكاح عاضلاً وإن طلبت ذلك منه، ولا للسلطان أن يتسور في ذلك عليه، وقد فعله غير واحد من السلف قبل مالك، وقد فعله مالك في بناته، كما له إنكاحها ممن كرهت، كذلك له منعها من النكاح وإن كرهت. وأما الثيب فليس له ذلك فيها ولا يكون فيها بأول خاطب عاضلاً حتى يتظاهر ذلك من فعله ويتبين فيه ضرره، [4/ 389]
في خطبة النكاح وعقده وخطبة الرجل على خطبة أخيه
فيكون للإمام التسور فيها عليه، ممن لها فيه الحظ وإن كان أول من خطبها؛ وللسلطان أن يتسور عليه في ذلك إذا تبين له الرشد، وقاله مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: لا يعترض على الأب في رد الخطاب عن ابنته البكر حتى يتبين أنه أراد الضرر بها وتطلب هي ذلك، وأما غيره من الأولياء فلينظر السلطان في منعهم إياها، فإن تبين صوابه عذره، وإذا رأى الغبطة والحظ زوجها برضاها وإن كره وليها. ومن كتاب ابن حبيب: ولا يملك الوصي من عضل البكر ما يملك الأب، فإذا رد عنها من فيه لها الغبطة والحظ المرة بعد المرة وتظاهر ذلك عليه زوجها الإمام، وهو في غير البكر عاضل برد أول خاطب ممن فيه الغبطة. والوصي في عضل البكر كالأب في الثيب، وفي عضل الثيب كالأخ والعم فيها. والقول في الأب يزوج ابنته لفقير أو بأقل من صداق المثل في باب نكاح الأبكار. ومن كتاب ابن المواز وغيره مالك: لا يتزوج إلى القدرية ولا يزوجوا. في خطبة النكاح وفي عقده وذكر خطبة الرجل على خطبة أخيه وإباحة النظر للخاطب وفي تهنئة النكاح وما يستحب من الواضحة قال مالك: وكانوا يستحبون أن يحمد الله الخاطب ويصلي على نبيه ثم يخطب المرأة، ثم يجيبه المخطوب إليه بمثل ذلك من حمد الله والصلاة على نبيه ثم يذكر إجابته. ومن الواضحة قال مالك: الخطبة في النكاح مستحبة، وهي من الأمر القديم، وما قل منها فهو أفضل. [4/ 390]
قال محمد: وقد خطب إلى ابن عمر مولاته، فلما فرغ الخاطب من كلامه لم يزد بن عمر على أن قال قد أنكحناك على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ومن الواضحة قال ابن الماجشون: ولا بأس أن يفوض الناكح وولي المرأة للرجل الصالح أو إلى الشريف أن يعقد النكاح، وكان يفعل فيما مضى. وقد فوض في ذلك إلى عروة فخطب واختصر فقال: الله حق ومحمد رسوله، وقد خطب فلان فلانة وقد زوجته إياها على بركة الله وشرطه. قال ابن حبيب: هو {إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لمن خطب امرأة أن ينظر إليها إن شاء قال مالك وذلك إذا نظر إليها وعليها ثيابها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: لا بأس أن يدخل الرجل على المرأة يريد نكاحها فينظر إليها، قيل فهل يغتقلها من كوة أو نحوه، قال ما سمعته وكره ذلك. قاله ابن حبيب. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ابتنى بزوجته أن يأمرها أن تصلي خلفه ركعتين ثم يأخذ بناصيتها ويدعو بالبركة. ونهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، وإنما ذلك إذا ركنت إليه وأظهرت الرضا به وإن لم يتفقا على صداق. وقاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وقال ابن نافع له أن يخطب ما لم يتفق مع الأول على الصداق، وبالأول أقول لجواز النكاح على غير تسمية. قال ابن حبيب: ومن خطب على خطبة أخيه وعقده لم يقض بالفسخ بخلاف البيع، إلا أن يتورع. وقال ابن نافع: يفسخ وخالفه أصحابه. [4/ 391]
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإنما معنى النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا رضيت به وأركنا إليه ولم يبق إلا الشرط، وأما قبل ذلك فجائز. وكذلك السوم في البيع إذا أركنا واتفقنا على الثمن ولم يبق إلا شرط الوزن ونحوه، فإن وقع في موضع النهي فسخ النكاح والبيع. وروى عنه أشهب أنه لا يفسخ وما سمعت أنه يفسخ ولأنه يحجر ذلك. وأما لو ثبت ذلك حتى لا يشك فيه لفسخناه. وقد ذكرت فاطمة بنت قيس أن أبا الجهم ومعاوية خطباها، فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة. ومن العتبية روى عيسى بن دينار عن ابن وهب قال إذا عقد فليتب ويعرضها على الخاطب، فإن حلله رجوت له ذلك مخرجاً، وإن أبى فليفارقها. ثم إن نكحها الأول وإلا فلهذا أن يأتنف معها نكاحها ولا يقضي عليه بالفراق، وهذا على التنزه والاستحسان. وقال ابن القاسم: إن لم يحلله فليستغفر الله ولا شيء عليه. قال ابن وهب: وأما في البيع فله أخذها بالثمن، زادت أو نقصت، إلا أن يكون أنفق عليه شيئاً حتى زادت فليعطه ما أنفق مع الثمن. وروى سحنون عن ابن القاسم قال: لا يفسخ في بيع ولا نكاح، ويؤدب فاعله. وقال في الرجل المسخوط الفاسد في حاله كله يخطب امرأة فترضى به وسميا الصداق ولم يبق إلا العقد، فيأتي رجل مرضي حسن الحال فيخطبها، هل يقال فيه ذلك؟ قال لو كنت وليها لأمرتها بنكاح هذا المرضي، ولا أرى على من دخل في ذلك شيئاً إن شاء الله، ولا أرى الحديث إلا في الرجلين المتقاربين فأما فاسق وصالح فلا. قال ابن حبيب: واستحبوا تهنئة الناكح والدعاء له، وكان مما يقال له: بالرفاء والبنين، بارك الله لك. ولا بأس بالزيادة على هذا من ذكر السعادة وما أحب من خير قال والرفاء: الملاءمة. يقال رفأت الثوب: لا يمت بين خرقه. [4/ 392]
فيما يلزم له النكاح من مراجعة القول وما يلزم به البيع من التساوم
فيما يلزم النكاح من مراجعة القول وما يلزم به البيع من التساوم وفي جد النكاح وهزله ومن قال لرجل إن فارقت زوجتك أنكحتك من كتاب ابن المواز: من قال لأبي البكر أو لأبي الثيب وقد أذنت له أن يزوجها: زوجني فلانة، فقال فعلت أو قال زوجتك، فقال الخاطب لا أرضى فقد لزمه، بخلاف السايم في البيع يقول بكم سلعتك؟ فيقول بكذا، فيقول قد أخذتها، فقال ربها لا أرضى وقد أوقفها للبيع. قال مالك: يحلف ما ساوم على الإيجاب وإلا لزمه. قال مالك: ومن قال لرجل وهو يلعب: زوج ابنتك من ابني وأنا أمهرها كذا، فقال الآخر على لعب وضحك أتريد ذلك؟ قال نعم زوجه، وهو يضحك، فقال: قد زوجته، فذلك نكاح لازم وللأبوين أن يفسخاه إذا رضيا، يريد على وجه الخلع والمباراة. قال المسبب: ثلاث لا لعب فيهن: النكاح والطلاق والعتاق. وكان في الجاهلية يناكح ويقول كنت لاعباً، وكذلك يقول في الطلاق والعتاق، فأنزل الله سبحانه {ولا تتخذوا آيات الله هزؤاً} قال مالك فيمن خطب أخت رجل فقال ما عندك؟ فقال خمسون درهما، قيل فإن جاء بها أتزوجه؟ قال نعم إن جاءني بها فقد زوجته. قال لا يعجبني ولا تزويج بينهما، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. وقال سحنون عن علي بن زياد: لا يجوز نكاح هزل ولا لعب، ويفسخ قبل البناء وبعده. [4/ 393]
في إنكاح الآباء للأبكار والثيب وهل يزوجن في غيبة الأب؟
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في رجل نصر رجلا في شيء فقيل انصره فقد بلغنا أنه ختنك، فقال: اشهدوا أني قد زوجته بنتي. قيل بكم؟ قال بما شاء، ثم قام الرجل بحدثانه أو من بعد ذلك بيومين، فقال امرأتي، فقال الأب: ما كنت إلا لاعباً، قال يحلف بالله ما كان ذلك منه على وجه النكاح ولا شيء عليه. قال أبو بكر بن اللباد يلزمه النكاح، وقد قال أبو هريرة {وعبادة بن الصامت أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال في النكاح والطلاق، وقال أبو هريرة والرجعة، وقال عبادة والعتق: هزلهن جد وجدهن جد}. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب فيمن قال لمن خطب إليه ابنته أو وليته إن أنت فارقت امرأتك فقد زوجتك، فهذا يلزمه وقد ثبت ذلك. وأما إن قال إن أنت فارقت امرأتك زوجتك فقد خدعه ولا يلزمه نكاح، وأحب إلي أن يفي له. وبعد هذا باب فيمن يقر أنه أنكح فلانا يريد بع اعتذاراً ونحوه. في إنكاح الآباء للأبكار والثيب وهل يزوجن في غيبة الأب؟ وذكر العفو عن نصف الصداق وهل يزوجها الأب بأقل من صداق مثلها؟ من كتاب محمد ابن المواز قال مالك في البكر البالغ إن شاورها الأب فحسن، وله أن لا يفعل وأن يكرهها. وكذلك في العتبية من سماع أشهب، وقال ولأني أخاف أن يتراقى في استئذان الأب للبكر حتى يجري في الناس قال في سماع ابن القاسم وكتاب ابن المواز قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن شعيب [4/ 394]
عليه السلام {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني} ولم يذكر مشورة قال الحسن وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته عثمان ولم يستشرها. قال ابن حبيب: يستحب للأب مؤامرة البكر ويذكر لها الزوج ويختبر من أمها ومن غيرها رضاها أو كراهيتها، وأحب إلينا أن لا يكرهها من غير أن يلزمه. وليس للبكر قول مع أبيها في عقده عليها، ولا يتعقبه سلطان ولا غيره، كبيرة كانت أو صغيرة، زوجها بأقل من صداق مثلها أو من رجل ضرير أو غائب أو على ضرة، يريد زوجة له أخرى، أو ممن هو أدنى منها حالاً أو مالاً أو من الرجل القبيح، فذاك ماض ولا كلام لها في الأحكام، والله أعلم فيما بينه وبين الله، إلا أن يزوجها مجنوناً يخاف عليها منه، أو أبرص مستلحاً أو مجذوماً مقطعا ومن منع من الكلام وتغيرت رائحته فلا يلزمها في أحد هؤلاء الثلاثة وتخرج من ولا يته، ويكون بهذا مسخوط الحال. وقال سحنون: إذا كان ضرراًً في بدنه فلا يلزمها. ومن كتاب محمد قال مالك: وللأب أن يزوج البكر بأقل من صداق مثلها على وجه النظر، ولا يحط من الصداق بعد العقد إلا على الطلاق أو بعد وقوع الطلاق وقبل البناء يهبه للزوج فذلك جائز عليها. قال مالك: وللأب أن يكره البكر ويزوجها بغير إذنها وإن عنست عنده ومن غير كتاب ابن المواز روى ابن وهب عن مالك أنها إذا عنست عنده لم يزوجها إلا برضاها قال أصبغ: وإذا زوج الأب البكر إلى رجل سكير فاسق لم يومن عليها لم يجز وليرده الإمام وإن رضيت هي به. ومن كتاب ابن حبيب قال: وإذا زوج ابنته البكر بربع دينار وصداق مثلها ألف دينار لزمها، وليس ذلك لغير الأب، ولا للسلطان ولا لها هي أن تنقص من صداق المثل وذلك للثيب، وليس للأب في البكر بعد تمام التسمية وضيعة منها إلا في الطلاق وقبل البنا. [4/ 395]
ومن كتاب محمد ابن مواز قال ابن المسيب: لا نكاح لمن في البطن، وقال ربيعة فإن وقع لم يجز، وذلك جائز في التي ولدت. وقد تزوج قدامة بن مظعون مولودة للزبير، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بنت ست سنين. وقال مالك في البكر إذا غاب أبوها فأطال الغيبة وأبعد فلا يزوجها الأخ إلا في مثل من خرج إلى المغازي فانقطع في مثل إفريقية والأندلس قال عنه أشهب: ومثل من انقطع خبره، ومثل من طلب وضربت فيه الآجال فلم يعلم له مكان، فروى ابن القاسم أن للسلطان أن يزوج ابنته إذا بلغت ورضيت، وروى عنه أشهب أن الأخ يزوجها برضاها وفي مسائل ابن غانم في التي أبوها أو بمصر في تجارة طويل الغيبة وليس لها ولي، قال يكتب إليه في البكر، وأما الثيب فالسلطان يزوجها. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب في الأب يطيل الغيبة ببلد إما لأنه أوطنه أو لأنه يتردد بتلك الناحية، قال إذا انقطع عنها نفقته وطال غيبته فليزوجها الإمام أو وليها برضاها. وإن كانت نفقة الأب عليها جارية فلا يزوجها أحد إلا بإذنه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في التي بنى بها فلم يصل إليها وفارق، فإن فارق بعد السنة فهو بعيد، وتصير كالثيب لا يزوجها إلا بإذنها. وقال أيضا لها حد سنة، ولكن إن طال ذلك وشهدت المشاهد. ولو أقر بالوطء وهي منكرة، فإن لم تطل إقامته فهن كالبكر في الإذن، وإن افتضها وفارقها قبل المحيض فهي كالبكر في الإذن والنفقة، وقاله أشهب حتى تبلغ المحيض فتصير كالثيب البالغ، ويجب عليه استئذانها. وروى مثله عيسى عن ابن القاسم عن مالك في العتبية. قال ابن القاسم: وعليه نفقتها حتى تحيض، فارقها الزوج أو مات عنها. قال سحنون يزوجها بغير رضاها وإن حاضت وينفق عليها. [4/ 396]
فيمن وهب ابنته لمن يكفلها هل يزوجها؟
قال ابن القاسم في الذي يقيم مع البكر ستة أشهر يعرض عنها فيها فيفارقها، فليؤامرها الأب إن زوجها، فإن لن يؤامرها فالنكاح جائز. وزاد عيسى في روايته قال مالك: إذا فارقها بعد شهرين فلا يستأمرها. قال سحنون قال ابن القاسم: وللأب أن يزوج ابنته المجنونة. قال ابن حبيب من قول مالك في غيبة الولي إن كان قريباً كتب إليه الأب وإن سافر انتظره وإن بعدت غيبته، وزوجها الإمام إلا في أب البكر فلا يزوجها إلا أن تطول غيبته جداً فيزوج الثيب، فأما البكر فلا إلا أن ينقطع بالسكنى في بلد منقطع بعيد قد أيس من رجعته وطال كالعشرين سنة والثلاثين فليزوجها، ولا يفعل ذلك أحد من الأولياء فإن زوجها ولي لها بإذن السلطان في الغيبة البعيدة مضى النكاح، وإن جهل السلطان أو الولي فزوجها في الغيبة القريبة لك يجز وفسخ إذا جاء الأب وإن ولدت الأولاد، وإن أجازه الأب لم يجز، وقاله ابن القاسم. فيمن وهب ابنته لمن يكفلها فهل يزوجها؟ وفي مباراة الأب أو الوصي عن الصبية من كتاب ابن المواز قال مالك: وللرجل أن يهب ابنته لمن يكفلها وإن كرهت أمها إذا كان على وجه النظر، ثم ليس للأب أخذها بعد بلوغها إلا بوجه إساءة وضرر، وإنما هذا في ذوي محارم الصبية، وإلا فليس بحسن، وليس لهذا الذي وهبت له أنكاحها بغير رصا أبيها حتى يجعل ذلك له، ولا له ذلك بعد موته إلا بإذنها. وللأب أن يباري عن البكر بمالها وإن بلغت، وليس ذلك للوصي وإن كانت صغيرة زوجها الأب، ولا إذا بلغت إلا برضاها، زوجها الأب أو الوصي. وللوصي أن يباري عن يتيمة الصغير، يريد بما يأخذ له. [4/ 397]
باب في إنكاح البكر اليتيمة واستئذانها
باب في إنكاح البكر اليتيمة واستئذانها وإنكاح الوصي من يلي عليه من ذكر وأنثى وهل ينكح غير من يلي عليه؟ وإنكاح التي لم تبلغ ومن أوصى بتزويج ابنته فلانا من كتاب ابن المواز قال مالك: لا يزوج البكر قبل البلوغ غير الأب لأحد، ولا وصي ولا ولي حتى تبلغ وترضى، وإذنها صماتها، ولا تسألها البينة أن تتكلم ولا الولي، وقاله ابن القاسم عن مالك في العتبية وأما إنكارها فبالكلام. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون قال مالك: يستحب للشهود على البكر اليتيمة أن يعرفوها أن إذنها صماتها، فإن صمتت زوجت، وإن أنكرت بالقول لم تزوج. وقال ابن المواز في كتاب ابن القرطبي: ويطيلوا المقام عندها قليلاً. ومن كتاب ابن المواز وقال ابن القاسم: ولا تزوج البكر اليتيمة حتى تبلغ وترضى، فإن تزوجت صغيرة برضاها لم يجز إلا أن يتقادم بعد البناء فيمضي. قال أصبغ إذا تطاول وولدت الأولاد مع ذلك. قال أصبغ عنه وقد سئل عنها وقد ولدت وقد بنى بها منذ ثمانية عشر شهراً، فقال يفسخ. قال ابن القاسم وأما قبل البناء فيفسخ. وإن طال وتقادم حتى بلغت ورضيت. قال مالك في اليتيمة المحتاجة تصلح للوطء فلا تزوج حتى تبلغ المحيض. قال ابن القاسم إن أشعرت وشارفت زوجها الوصي أو الولي يرضاها، وقال أصبغ مرة، وقال بل حتى تبلغ ويفسخ قبل ذلك. قال محمد لا يفسخ إذا أنبتت. وقد روي عن مالك في بنت عشر سنين تطوف تسأل تزوجت برضاها وولت أمها [4/ 398]
رجلاً على ذلك، فأجازه مالك، ولم يجزه في الصغيرة. قال سحنون في العتبية وهي رواية ضعيفة. ومن كتاب ابن سحنون: وسأل ابن حبيب سحنون عن جارية أنثى ولا ولي لها ولم تبلغ المحيض إلا أنها شارفت وأنبتت، فقال له زوجها، فزوجها بأمره. ومن كتاب محمد بن المراز قال مالك: وللوصي إنكاح اليتيم قبل بلوغه بخلاف الصغيرة لأن الصبي إذا بلغ وكره فارق، وليس للصبية ذلك. قال مالك وإذا زوج الوصي اليتيمة قبل أن تبلغ فلا يفسخ ما تقادم وجرت فيه المواريث. محمد: بعد البناء {والأولاد، فأما التقادم قبل البناء يفسخ، وكذلك فيما قرب بعد البناء}. قال مالك في صغيرة زوجها عمها ثم كبرت ورضيت إنه يفسخ، وذكر في العتبية أشهب عن مالك نحوه، قبل له إذا تفاوتت ووقعت المواريث أيفسخ؟ قال لا أدري، وقد جوز هذا بعض الناس فلا أدري. وروى عيسى عن ابن القاسم في التي زوجها العم أو الوصي قبل البلوغ ثم مات أحد الزوجين، قال الميراث بينهما، وقد أجازه جل الناس. وإذا لم يفسخ حتى بلغت ورضيت فليفسخ إلا أن يفوت بالولد أو يطول بالزمان، وإذا فسخ قبل البناء فسخ بطلقة. قال عبد الملك بن الحسن قال ابن القاسم: وإن كانت مسكينة لا قدر لها زوجها الوصي قبل بلوغها فإن ذلك يمضي وإن لم يبن بها. قال أصبغ الوصي كالأب في الصغيرة في كل شيء إلا في إنكاحها قبل تبلغ للحديث الذي جاء أن اليتيمة تستأمر في نفسها. [4/ 399]
ومن كتاب محمد قال مالك: والوصي أولى من الولي في البكر، وللوصي نقض ما عقده الولي فيها. وللولي إنكاح اليتيم واليتيمة إلا أن يكون لهم وصي فالوصي أحق بذلك. ولا يستأمر العبيد قال مالك: وحسن للوصي أن يشاور الولي، ولا يضره إن لم يفعل أو كان كارهاً. ولو زوج البنت لجاز على الأولياء قال أشهب: هو فيها كالأب، وإن زوجها غيره من الأولياء مضى ذلك وقاله أصبغ. قال أشهب وهو فيها أولى من الأولياء قال يحيى بن سعيد: الوصي العدل كالوالد. وقاله أصبغ. ومن الواضحة والولي أولى بإنكاح من ولاه الموصى من أوليائه، وبإنكاح من له عليها ولاية من البنات والأخوات وغيرهن. وقد كان الزبير وصي أبي العاص بن الربيع، وهو زوج أمامة بنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم من علي بعد موت فاطمة. وهذا قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين. وليس للوصي ولا للولي إنكاح صغيرة حتى تبلغ، فإن فعل فسخ ذلك أبداً وإن طال وكان الولد وإن رضيت، وقاله مالك وأصحابه. والبلوغ فيها الحيض، ولا ينظر إلى الإنبات، إلا أن يتأخر عنها المحيض وتبلغ ثمانية عشر سنة فتكون كالبالغ، وقاله أصبغ. قال: وإن نكحت قبل ذلك فسخ قبل البناء وبعده وإن أنبتت، إلا أن هذه التي قد قاربت إن طال الزمان وكان الولد فاستحسن لا يفسخ، قيل وبالولد الواحد؟ والسنتين طوال؟ قال لا، ويفسخ. ومن كتاب آخر قال أبو زيد بن أبي الغمر وقال مالك في الوصيين ينكح أحدهما الجارية فلا يجوز ذلك إلا باجتماعهما. قال ولا يزوج الصبي الذكر في ولايتهما إلا باجتماعهما، فإن زوجه أحدهما فأبى الآخر نظر السلطان، فإن رأى صواباً أمضاه وإلا رده. وكذلك في بيع أحدهما لا يجوز إلا أن يكون الآخر قد فوض إلى صاحبه. [4/ 400]
ومن كتاب محمد والواضحة قال مالك: وإذا قال الأب للوصي زوج ابنتي فلاناً، أو قال ممن ترضاه، قال في الواضحة أو قال زوجها فقط، فقال فهذه يزوجها الوصي قبل البلوغ وله إكراهها على ذلك بعد البلوغ. قال في كتاب محمد: وقاله ابن القاسم وأصبغ لأنه فوض إليه أمرها قال محمد وإنما يلزم أن يستأمرها الوصي الذي لم يأمره أبوها بتزويج. قال في الواضحة وإن قال فلان وصيي على بضع بناتي أو على تزويجهن، فلا يزوجهن هذا حتى يبلغن ويرضين. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا أوصى رجل رجلاً بمال ابنته فله أن يزوجها ولو رفعه إلى الإمام كان حسنا. وإذا أوصى أبوها بتعجيل نكاحها وهي بنت ثماني سنين فليعجل قيل إن لها حاضنة ً أينفق عليها من مالها؟ قال نعم. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رجل أوصى رجلين أن يزوجا ابنته من رجل بشهادتها فزوجاها منه بعد وفاة الأب، فأنكرت أن يكون أبوها أوصى بذلك فيما عملت، فلا تجوز شهادتهما على ما أوصى به بعد عقد النكاح، وتجوز قبل أن يعقداه، فإذا رضيت ما صنعا ولم تنكره فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز والعتبية ونحوه في الواضحة قال أصبغ: وإن كان الذي أوصى الأب أن يزوجها منه فاسق لا يؤمن عليها لم يجز ذلك عليها، كما لو فعله الأب بها لكان للإمام رده وإن رضيت هي به، وهذا ضرر. ولو دعت هي إلى مثله لم تجب. قال أصبغ وإذا قال الأب للوصي زوج ابنتي من فلان بعد عشر سنين أو بعد أن تبلغ، فذلك لفلان إذا بذل صداقة المثل، وليس لها ولا للوصي أن يأبيا ذلك إلا أن يحدث بفلان فسق أو تلصص. قال في الواضحة: أو سقم بين فتبطل الوصية، سواء أحبته أو كرهته. وإن لم يحدث منه إلا أن تزوج وكان خلواً أو اتخذ السراري فلا حجة لها بذلك. [4/ 401]
قال مالك: وإذا أوصى الأب بتزويج البكر بعد موته لزمها ما أوصى به وإن كرهت وبلغت. وكذلك لو سافر ووكل بذلك رجلاً. قال في العتبية وكذلك إن قال للوصي زوجها ممن ترضاه بعد عشر سنين أو بعد بلوغها جاز عليها ولزمها. وإذا رضي الأولياء أو اليتيمة وكرهه الوصي فذلك إلى الوصي، وفي رواية عيسى عن ابن القاسم قال مالك فيمن قال في مرضه لأبن أخيه قد وصلتك بابنتي، كان يزوج ويخفف عنه في الصداق بقدر ما يرى أنه أراد بذلك. ومن الواضحة: ولا يزوج الصغير أحد من الأولياء إلا الوصي، فإن لم يكن فالسلطان أو خليفته، والكبير السفيه في عقله ورأيه بمنزلة الصغير في إنكاحه. وقال ابن الماجشون: لا يزوجه إلا برضاه، فإن تزوج برأي نفسه فلمن ذكرنا إجازته أو رده إن لم يكن له في ذلك حظ، فإن فسخ بعد البناء أخذ منها ما أصدقها ولا يترك لها ولا ربه دينار، قال مالك في غير هذا الباب: إلا ربع دينار، ولا تتبع ذمته، بخلاف العبد ينكح بغير إذن سيده فيفسخه ويأخذ من الزوجة ما أخذت وتتبع هي ذمة العبد. وبعد هذا باب في نكاح السفيه فيه بقية مسائله. وروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب الحدود في المولى عليه وإن كان كبيراً أن تزويج أبيه أو وليه لح جائز عليه، كما يجوز على الصغير، ومباراتهما عنه جائزة ولا يستأمرانه. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن لزم صقلية وأطال المكث بها وترك أبنته البكر فتريد النكاح وشكت الضيعة وهو يرسل بالنفقة شيئاً بعد شيء وإن قل. قال إذا رفعت ذلك وطلبت النكاح وشكت الضيعة كتبت إلى الأب في أمرها فيأمر من يزوج أو يقدم، فإن تبين لدده وضرره زوج عليه السلطان. وسأله حبيب عن المرأة تطلب مني أن أزوجها ولها ولي بفارس أو باريس، قال أما من قربت غيبته فكاتبه ليحضر، يريد أو يوكل، ومن كان بعيد الغيبة [4/ 402]
فيمن أوصى إن كفل فلان ولدي فقد وصلته بابنتي
فليزوجها الحاكم ولا ينتظره، إلا الأب في ابنته فإنه ينتظر إلا في غيبة منقطعة. وفارس والأربس في غيبة الولي بعيد فزوجها. فيمن أوصى إن كفل فلان ولدي فقد وصلته بابنتي أو أوصى أن يزوج ابنته فلاناً من كتاب ابن المواز قال مالك فيمن أوصى في مرضه لرجل فقال: إن كنفت ولدي ووازرتهم وقمت معهم إلى أشدهم فقد وصلتك بابنتي، فرفض ذلك وتركهم، فلا تكون له بذلك زوجة، إلا أن يبتدئ نكاحاً برضاهما. وكذلك في العتبية قاله ابن القاسم عن مالك وهو في سؤاله: إن قام ابن أخي مع ولدي في تركتي حتى بلغوا فقد وصلته بابنتي. قال إذا ترك هذا الشرط فلا شيء له، إلا أن تشاء الجارية. قال ابن القاسم ولو قام بما قال الأب لزوجت منه والصداق عليه. قال عنه ابن القاسم: وكذلك لو أوصى أن تزوج ابنته للزم، كما إذا زوج، وفرق غيره بين ذلك، ولم ير مالك فرقاً بين قوله زوجها أو سمى فقال فلاناً. وفي الباب الذي قبل هذا من ذكر الوصية بتزويج ابنته. جامع القول في أولياء النكاح وفي غيبة الولي وفي التي لا ولي لها، وفي النكاح بغير ولي من كتاب محمد قال مالك: لا بأس أن يزوج المرأة العربية الرجل من مواليها له الصلاح والفضل البين، في البكر والثيب، فإذا زوجها هذا وأنكر الأخ والابن فلا قول لهم. قال أشهب عن مالك: وإذا غاب أكثر إخوتها إلى الحج ولها أخ صغير فليزوجها ولا ينتظر أخاه إذا دعا إلى سداد وكان عدلاً، وإلا نظر السلطان. [4/ 403]
ومن الواضحة قال: وكان ابن الماجشون يقدم السلطان على ذوي الرأي من أهلها ويرويه عن مالك، وإن زوج ذو الرأي دون السلطان جاز. وقال ابن القاسم عن مالك هو الرجل من العشيرة، وقال ابن الماجشون ليس كل من كان من العشيرة لأنها تتشعب، ولكنه الرجل من بطنها أو من بطن من أعتقها، والبطن ألصق من العشيرة، وقال هو معنى قول مالك، وأنكر رواية ابن القاسم في الدنية في الحال والموضع لا ولي لها بقرابة ولا ولاء يزوجها أجنبي دون الإمام، قال وإنما قال مالك وعلماؤنا مثل العجمية الوعرة وتستند إلى الرجل في الحال فيصير لها كنفاً ومستنداً ويأخذ لها القسم ويجرى عليها النفع ويلي منها ما يلي من مولاته، فلا بأس أن يعقد لها بإذنها إذا لم يكن ولي، فأما ذات النعمة والحال والنسب والمال فلا. ومن كتاب ابن المواز: وروى ابن وهب عن مالك في امرأة لا ولي لها أو لها بعيد الغيبة أو ضعيف، محمد: ضعيف العقل، فتولي رجلاً ينكحها، فيجوز إذا لم تضع نفسها في دناءة. قلت: فالسلطان؟ قال يكون، وليس كل امرأة تقدر على رفع ذلك إلى السلطان. قال محمد وهذا في التي يعسر عليها تناول السلطان. وروى عنه أشهب في الدنية تولي رجلا ينكحها وتشهد، فقال لا، إذا عمل بهذا ضاعت الفروج. وروى عنه ابن وهب في المرأة تكون في البادية وشبه ذلك فلتول رجلا يزوجها، وكذلك في التي لا أحد لها. وروى عنه ابن عبد الحكم في التي لا ولي لها تتفق مع رجل ثم تأتي السلطان فذلك جائز ما لم يخل بها. وقال في المراة الغريبة تقدم مع الحاج فتريد النكاح فليزوجها السلطان وإن لم يعلم هل لها زوج أم لا ولا يكلفها البينة أنها لا زوج لها. قال أصبغ: وهذا في البعيدة الغربة، وأحب إلي إن كان في رفقتها أحد من بلدها أن يسأل من صلحائهم من غير تكلف شهادة، فإن استراب أمراً منعها. [4/ 404]
وإذا ولت امرأة أجنبياً على إنكاحها فلا عقوبة عليها إن لم يبن بها وكان نكاحها مشهوراً. قال ابن القاسم فإن بني عوقب هو وهي والمتولي ومن علم من البينة وكذلك في العبد بغير إذن سيده. وإن زوجها غير ولي فللولي أو السلطان فسخ ذلك بطلقة بائنة، دخل بها أو لم يدخل. قال محمد تأويل الحديث فإن استمروا يريد قبل النكاح. قال محمد: ولكل ولي رد ما عقده غير الولي أو إجارته على الاجتهاد إلا الأب في البكر يزوجها ولي غيره فلا يجوز إجازة الأب ذلك، وكذلك السيد في أمته إلا في مثل الابن المفوض إليه أمر أبيه يزوج ابنته أو أمته فيرضى بما فعل فيجوز، كما زوجت عائشة بنت أخيها في غيبته فرضي. قال مالك: وذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وكلت عائشة رجلا على العقد. والأخ بمثل الابن في ذلك، وهذا فيمن لا ولاية لها في نفسها مثل البكر في الأب والسيد في الأمة وأما التي لها الولاية في نفسها مع أوليائها فللولي أن يجيز أو يزد. قال مالك: إلا أن يطول بعد البناء أو تلد الأولاد ويكون صوابا، وقد كان يقف في إجازة الولي فيه بالقرب، ويحب فسخه. قال مالك في التي أسلمت من النبط والسود المعتقد ذلك فيها أحب إذا زوجها أجنبي أن يجوز إن كان نكاحا طاهراًُ. وكتب مالك إلى ابن غانم إذا تزوجت امرأة وكلت أجنبيا فزوجها وأولياؤها غيب، فرفع إلى السلطان بقرب ذلك أو ببعد فلا ينظر فيه إلا أن يقدم الولي فيطلب الفسخ فيفسخ ذلك، إلا فيما تطاول وولدت الأولاد، وأما التي لا خطب لها ليس لها الحال ولا من العرب فلا يفسخ وإن قرب. وكتب إليه أيضاً إذا زوج ذلك إليك وقد ولت من زوجها في كفاية وأولياؤها غيب. فأما الدنية ليس لها الحال ولا من العرب فلا ينظر فيه وإن قرب، [4/ 405]
وأما إن كانت ممن لها الحال والعشيرة على أوليائها، فما كان قريبا لم يطل فافسخه، وأما ما تفاوت وطال منه فلا ينظر فيه، رفعه ولي أو غير ولي. قال ابن القاسم ينظر في الشريفة في غيبة الولي إن رفع فيه بقرب، فإن كان الولي بعيد الغيبة نظر له كنظرة إن حضر من رد أو إجازة، ثم يلزمه ذلك. قال محمد: وأكره للزوج بغير إذن ولي أن يطأ حتى يرضى الولي. وقد كره ذلك مالك. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيما كتب إلى ابن غانم في امرأة لها ولي على مسافة ثلاثة أيام أو أربع مشتغل في صنعته لا يقدم، فإن كانت هكذا ودعت إلى كفء فليزوجها السلطان، وهو أحد ولاتها. وقال في امرأة زوجها غير ولي لإلى ابن عم لها وأشهدت، ووليها قريب الموضع، قال مالك: أدخل بها؟ قال نعم، وتزوجها كفء؟ قال نعم، قال لا يتكلم في هذا. وذكر ما أصاب النساء من الضيعة. ومن الواضحة قال: والأقرب من الولاة أحق إلا أن الأولياء إذا تباعد واحد مثل ابن عم غير دينه أو الولي، فلا بأس أن يليه من يلي من له منهم السن والصلاح وإن لم يكن أقعدهم: فإن لم يكن لها عصبة ولا موالي فذو الرأي من أهلها أو السلطان. وهذا قول أصحاب مالك وعبد العزيز. قال وأما الإخوة في درجة أو بنو العم في درجة يختلفون فذلك إلى أفضلهم، فإن استووا فأسنهم، فإن استووا فكلهم يلونه عند المشاحة وإن سبق أحدهم إلى عقده جاز وإن كان دونهم في الفضل والسن، وقاله مالك وأصحابه. قال وإذا زوجها الأبعد من الأولياء فللأقعد فسخه إلا أن يعلم أو يحضر وقد صمت فيحمل محل الرضا ولا رد له. وإن كان في البلد أو في غيبة قريبة فله [4/ 406]
في الوصي يعقد نكاح من يلي عليه لنفسه أو لولده
رد ذلك ما لم يبن بها فيمضي. فأما لو زوجها غير ولي لفسخ وإن بنى بها وطال، وليس للولي إجازته كذلك. قال ابن الماجشون عن مالك يفسخ بعد البناء بلا طلاق ما لم يطل جداً وقاله أصحاب مالك إلا ابن القاسم فقال للولي أن يجيزه أو يرده. قال ابن وهب عن مالك في الولي يغيب لا يزوجها السلطان إلا أن تطول غيبة الولي. قال ابن القاسم وإذا رفعت امرأة إلى الإمام أمرها لتنكح عنها، فإن لم يكن لها ولي زوجها برضاها إن ثبت عنده أنها دعت إلى كفء في الحال والمال والقدر وإن عرف أن لها ولياً أحضره وسأله لم منعها ممن ذكرت؟ فإن ذكر صواباً ردها إلى رأيه، وإن لم ير من قوله صواباً ورأى منه عضلاً بيناً أمره بالعقد، فإن أبى زوجها الإمام وهذا كله من قول ابن القاسم حسن. وإذا غاب الأقعد غيبة بعيدة زوجها الأبعد، وكذلك إن كان حاضراً مضاراً. قال مالك: ومن زوجها وليها ثم طلقت فلا تنكح هذا الزوج إلا بإذن وليها، وإن ولت غيره لم يجز. قال ابن المواز قال مالك: ليس الخال بولي، وإنما الولاة من العصبة قال سحنون بقول ابن القاسم وإذا اختلف الأولياء نظر السلطان، إنما هذا في الوصيين إذا اختلفا. في الوصي يعقد نكاح من يلي عليه لنفسه أو لولده من كتاب ابن المواز قال مالك: لا أحب للولي أن يعقد على نفسه نكاح يتيمته بإذنها ولها أولياء، فإن فعل نظر فيه، فإن كان غبطة أمضي. قال مالك وكذلك إن زوجها لابنه بإذنها وكان غبطة، وقد بلغت، فإن لم تبلغ لم يجز. قال مالك وكذلك إن زوجها لابنه بإذنها وكان غبطة، وقد بلغت، فإن لم تبلغ لم يجز. قال مالك وإن زوج يتيما من ابنته وزاد عليه في المهر فليس ذلك له، ولا بأس به إن خطبها. [4/ 407]
في عقد المرأة والعبد النكاح على أنفسهما
قالت عائشة ــ رضي الله عنها ــ نهى الله سبحانه من في حجره يتيمة له رغبة فيها وفي مالها أن يزوجها إلا أن يقسط لها في الصداق، قال تعالى [وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء] يقول: غيرهن، وقال بعد ذلك [وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء] الآية. قال أشهب: لا يزوج يتيمته من نفسه وإن بلغت ورضيت. وأما الثيب فنعم، يريد الثيب ليست في ولايته. قال محمد فإن فعل في البكر البالغ بإذنها نظر فبل البناء، فإن عدل أقسط في المهر جاز، وهذا ظاهر القرآن، فإن لم يعدل ولا أحسن النظر رد ذلك إلا أن يعم لها ما يشبهها، إلا أن ينزل بها بعد النكاح ضرر في بدن أو مال حتى يصير الفسخ ليس بنظر فيمضي استحسانا. وقال أشهب عن مالك في وصي على أبن أخيه فزوجه أبنته ورفع في المهر ثم مات، فأوصى بهما إلى رجل فلا أرى ذلك يجوز. قيل له قد فني حالها، قال إن رأى وصيها أن يحط عشرين من الخمسين ويكتب بذلك كتابا أنه فعل ذلك نظرا لها فهو في سعة، ولا ينفق عليها من مال اليتيم وإن راهق حتى يبلغ الحلم. ومن العتبية روى عيسى عن أبن القاسم فيمن في حجره يتيم زوجه لابنته، فإن كانت لا مال لها ولليتيم مال رغب فيه لم يجز، وإن كان لها مال مثل ماله ويصلح مثلها لمثله جاز ذلك. في عقد المرأة والعبد النكاح على أنفسهما أو على غيرهما وعقد النصارى على غيره وهل يزوج النصرانية من مسلم أو ذمي؟ من كتاب محمد قال مالك: إذا عقد العبد نكاح ابنته الحرة أو غيرها وأجاز ذلك ولاتها أو كان بإذنهم، أو عقدت امرأة نكاح ابنتها أو ابنة غيرها أو [4/ 408]
نكاح نفسها فلا يجوز ويفسخ قبل البناء أو بعده وإن ولدت الأولاد وطال الزمان، أجازه الأولياء أو كان بإذنهم، كان لها خطب أو لم يكن ويفسخ بطلقة، ولها المسمى إن دخلت وكذلك إن كانت المرأة وصية على التي عقدت عليها أو كان العبد وصياً. قال مالك إلا أن للمرأة الوصية أن تولي أجنبيا على العقد فيجوز وإن كره الأولياء وكذلك العبد الوصي قال أصبغ ولا ميراث فيما عقدته المرأة أو العبد وإن فسخ بطلاق لضعف الخلاف فيه قال ابن القاسم: وكذلك عقد من فيه بقية رق بكتابة أو معتق بعضه كعقد العبد وأما العبد يعقد على نفسه فذلك جائز، يريد بإذن سيده. ومن العتبية قال أشهب عن مالك في التي زوجت نفسها: أحب إلي أن يفسخ بطلقة، دخل أو لم يدخل، وكذلك إن زوجتها امرأة أخرى قال عيسى قال ابن القاسم وإن عقدت لأمتها فطلقها الزوج البتة قبل علمه بفساد النكاح، فلا ينكحها إلا بعد زوج. قال عيسى عن ابن القاسم: وللرجل أن يستخلف نصرانيا أو عبدا أو امرأة يعقد عليه نكاحه، قال وتعقد المرأة على عبدها نكاحه ولا تعقد على أمتها. قال ابن حبيب: وكذلك المرأة لا بأس أن تعقد على كل ذكر في ولايتها أو يأمرها رجل أن تعقد عليه أو يأمر الرجل بذلك صبيا أو نصرانيا، فذلك إن عقدوه عليه جائز. ومن العتبية من رواية عيسى قال ابن القاسم: والعبد والمرأة إذا أوصي إلى واحد منهما وكلا من يعقد على البنات، ولهما العقد على من يليان من الذكور. [4/ 409]
وكذلك النصراني يفوض إليه وإنما يعقد على من يعقد على نفسه يوما، ولا يعقد على من لا يعقد على نفسه يوما ما. قال ولا يزوج المسلم النصرانية كانت أخته أو أمته أو مولاته. وإذا رفعت النصرانية أمرها إلى الإمام في إنكاحها ردها إلى أهل دينها. وقال في مسلم يوصي إلى نصراني بتزويج بناته قال لا يجوز إلا أن يرى الإمام لذلك وجها، فإن رأى له وجها فليوكل النصراني مسلما يلي إنكاحها بنات الميت وأما النصراني في ابنته المسلمة فلا يزوجها ولا يستخلف من يزوجها ولا يطلب في ذلك رضاه وأما العبد في ابنته الحرة، فإن كان ذا نفاد وحسن نظر فليحضر ويسمع من رأيه، وليس له في الاستخلاف شيء. قال عبد المالك بن الحسن وقال ابن وهب: وللمسلم أن يعقد نكاح ابنته النصرانية لمسلم، وإن كان لنصراني فلا يليه أبوها. قال أصبغ عن ابن القاسم ويزوج النصراني وليته النصرانية من مسلم قال فإن أرادته وأبى ذلك وليها النصراني وهي بكر أو ثيب فلترد إلى أهل دينها وحكامهم. ومن سماع ابن القاسم وإذا كانت ذمية من نساء أهل الجزية فلا يزوجها أخوها المسلم قال ابن القاسم وإن كان الأخ والأخت معتقين فليزوجها، وإنما لا يزوجها إذا كان من أهل الصلح. ومن كتاب ابن المواز: وللسيد المسلم إنكاح أمته النصرانية من نصراني لأنها ماله، وليس ذلك له في ابنته النصرانية من مسلم ولا نصراني، فإن فعل فسخ نكاح المسلم ولا يعرض للنصراني، وقد ظلم الأب نفسه. قال مالك في النصرانية لا يزوجها وليها المسلم من مسلم إن كانت حرة ذمية، وإن كان معتقة فذلك له، وكذلك لمولاها إنكاحها من مسلم بأمرها قال [4/ 410]
فيمن يكره على النكاح ممن فيه بقية رق ومن لا يكره
أصبغ: والنصرانية يزوجها وليها النصراني من مسلم، فإن لم يكن لها ولي فأساقفتهم وبعض ولاتهم دون وليها المسلم قال أصبغ لا يفسخ، وعقده أولى وأفضل، وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ قال ابن المواز وهذا غلط لأنه غير ولي لها وقد خالف مالكا وابن القاسم وأشهب وغفل عن الحجة وأما لو عقده لنصراني لم يعرض لنصراني تزوج نصرانية بغير ولي، وقد ظلم المسلم نفسه. ومن العتبية قيل لأبن القاسم فيزوج الذمي ابنته البكر وإن كرهت، أو تنكح هي من أحبت؟ قال: يردون إلى أهل دينهم وحكامهم وإن تزوجت بغير إذن الأب ثم أسلما ثبت النكاح. ومن الواضحة ولا يزوج العبد ابنته الحرة المسلمة ولا يستخلف على ذلك غيره، فإن جهل واستخلف غيره فعقد فسخ ذلك، وإن فات بالبناء مضى ولم يفسخ. فيمن يكره على النكاح ممن فيه بقية رق ومن لا يكره، وذكر من ينزع منه ماله من كتاب محمد قال مالك في العبد نصفه حر فلا يزوجه سيده إلا برضاها، ولا يتزوج هو إلا برضا سيده. وإن تبين أن السيد مضار به ويمنعه النكاح وهو محتاج إليه فلا يقضي عليه، والعبد والمكاتب يحتاجان إلى النكاح مثله. قال في كتاب الخيار قال مالك في الأمة بعضها حر لا تجبر على النكاح ولا تزوج إلا برضاها قال في العتبية من سماع ابن القاسم: ولا تتزوج هي إلا برضاها، لا يتم إلا برضاهما. ومن كتاب محمد قال: ولا يمنع عبده من ارتجاع زوجته من طلاق فيه رجعة واختلف قول مالك في المعتقة إلى خمس سنين: فقال يزوجها بغير رضاها، [4/ 411]
وقال لا يزوجها إلا برضاها وكذلك إلى سنة أو إلى شهر وقال أشهب له أن يكرهها كما له أن ينزع مالها ويسافر بها بخلاف المعتق بعضه وكذلك روى ابن القاسم عن مالك. قال محمد: من له انتزاع ما لها فله أن يكرهها على النكاح، ما لم يكن من السيد طلبا للضرر بها. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أن له أن يكرهها ما لم يقرب الأجل كانتزاع ما لها وروى ذلك أصبغ عن ابن القاسم كقول مالك في المال ما لم يقرب الأجل وكذلك في النكاح وإذا مرض السيد قبل عتقها بالسنة فلا ينتزع ما لها لأنه ينتزعه لغيره وهو الوارث انتزاعه بعد موته قال أصبغ ولا لهم إنكاحها كما ليس للسيد يمرض إنكاحها ولا أخذ ما لها، فليس لهم ذلك بعده. وروى يحيى بن يحيى في الموصى بعتقها إلى أجل وهي تخدم الورثة فليس لهم إكراهها على النكاح ولكن برضاها، ولا لهم انتزاع ما لها، قرب الأجل أو بعده، وقاله سحنون، ولأنها قومت في الثلث قال ابن القاسم قال مالك فيمن أخدم أمته رجلا ومرجعها إلى حرية بعد الأجل فلا يزوجها إلا برضاها، يريد ورضا المخدم، ولا ذلك للمخدم أيضا. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن له جارية فارهة أراد أن يزوجها عبدا له قيما له في ضيعته وأموره وتقاضيه، فما لم يتبين أنه ضرر فذلك له قلت: قد يكون وغد المنظرة، قال رب وغد المنظرة له المخبرة في الحال فينظر فيه فيمنع ما يرى أنه ضرر ويجوز ما لا ضرر فيه، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم [4/ 412]
في نكاح العبد أو الأمة بغير إذن السيد والحرة بغير إذن وليها
قال مالك وكذلك لا يضر بعبده فينكحه ما لا خير فيه. قال محمد: وله أن ينكح أم ولده ومكاتبه ومدبره وقال في كتاب المكاتب: لا يزوج مكاتبته إلا برضاها. قال مالك في المختصر لا يزوج أم ولده إلا برضاها، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن زوج أمة أم ولده لعبده ثم مات السيد فليس ذلك بانتزاع للأمة، وهي لأم الولد، والنكاح ثابت. كما لو زوج امة عبده ثم أعتقه فليس بانتزاع، وهي للعبد، والنكاح ثابت. ومن الواضحة: وله أن يكره أم ولده على النكاح كأمته، واختلف فيه قول مالك، ولا يزوجها من العبد من لا يشبهها في حالها، وثبت مالك على أنه لا يزوجها إلا بإذنها، وأنه يكره له إنكاحها أصلا إلا أن يخاف عليها. وبهذا أخذ جميع أصحابه. وفي باب نكاح العبد بغير إذن سيده شيء من ذكر إكراهه على النكاح والطلاق. في نكاح العبد أو الأمة بغير إذن السيد والحرة بغير إذن وليها وكيف إن أجازوه؟ وذكر مهر العبد وهل يكره على النكاح أو الطلاق؟ من كتاب محمد وقال في العبد ينكح بغير إذن سيده، فإن أجازه السيد جاز، بعد ذلك أو قرب. وأما الأمة فلا يجوز وإن أجازه وإن عقده رجل حر لم يختلف في هذا مالك وأصحابه، وذلك أن العبد لو أذن له يعقد على نفسه، ولو أذن للأمة لم يجز أن تعقد لقول الله تعالى {فانكحوهن بإذن أهلهن} وللأمة ما [4/ 413]
سمي لها إن بنى بها إذ قال ابن القاسم: ولو لم يعلم أنها أمة لرجع عليها بالزائد على صداق المثل، إن وجد ذلك بعينه. قال أصبغ: وما تلف لم يتبع به. قال ابن القاسم: وإن أصدقها أقل من صداق مثلها رجع السيد تمامه على الزوج. وقال أشهب: لا يرجع بشيء، كما لا يرجع إن أمكنته فزنى بها. وابن القاسم يرى للسيد في الزنا ما نقصها وإن أمكنته. وفي باب نكاح المريض حجة في نكاح العبد بغير إذن سيده والفرق بينه وبين المريض وغيره. ومن أذن لعبده في النكاح فنكح حرة ولم يخبرها فأجازه، السيد، فلها أن تفسخه ولها المسمى إن تقاولا قول السيد لأنه أجازه، وإن لم يبن فلا شيء لها. وإن أبى السيد أن يحيز نكاح عبده بغير إذنه ثم أجاز، فأما في المجلس وما خرج كالجواب والمراجعة فله أن يجيز، وإذا عزم وبين ذلك وثبت عليه فقد تم الفراق. وكذلك إن قال لا أجيز، ثم بعد أن كلم أجاز. محمد: ولو قال والله لا أجيز اليوم أو حتى أنظر وقد تبين له انه لم يعزم، وكذلك إن لم يرد بقوله لا أجيز أني فسخت فله أن يجيز، إلا أن يفترقوا على قوله لا أجيز فيكون فراقا، ما لم يبين فيه فيقول اليوم أو حتى أنظر فذلك له وإن افترقوا، ما لم يتركه بعد علمه على ما يرى أنه منه رضى. قال ابن القاسم يصدق السيد على أنه لم يرد عدم الفراق في المجلس ما لم يتهم. وإن شك السيد على أي وجه خرج ذلك منه فهو فراق واقع. قال مالك: وأما البيع فبخلاف ذلك، إذا قال فيما بيع عليه قد رضيت فقد تم للمشتري وأما المرأة، يريد الحرة، تزوج بغير إذنها ثم تعلم فتجيز فلا يجوز بحال إن بعدت، فأما إن قربت فيجوز. فإن أنكرت ثم أجازت لم يجز، بخلاف السيد في عبده والولي في وليته تتزوج بغير إذنه. هذا قول ابن القاسم عن مالك. وروى عنه ابن وهب تزوج بغير إذنها مثل ذلك، والأول أحب إلينا. [4/ 414]
ومن العتبية روى عيسى وأبو زيد عن ابن القاسم في العبد يتزوج بغير إذن سيده فرآه يدخل عليها. فإن قامت بينة أنه علم بنكاحه فأقره جاز النكاح والصداق على العبد. ومن الواضحة: ومن أذن لعبده فالمهر في ذمة العبد، فإن تزوج بأكثر مما ينكح به مثله رد إلا أن يجيزه السيد. قال ابن الماجشون لا يجوز أن يزوج عبده على أن الطلاق بيد سيده، ويفسخ، فإن بنى بها مضى وبطل الشرط. وإذا نكح العبد بين الرجلين بإذن أحدهما فللآخر رده وينتزع جميع الصداق منها يبقى بيد العبد، إلا أن يجتمعا على قسمه، ولا يترك لها منه ثلاثة دراهم، ولا حجة لها إذا علمت أن الآذن فيه شريك. وإن اقتسما الصداق أو ماله فلها أن تأخذ من الآذن حصته من الصداق، ولو غرها الآذن ولم يعلمها رجعت عليه بجميع ما ينزع منها من صداقها، وإن استهلكته اتبعها الذي لم يأذن بجميعه، واتبعت هي الآذن بمثله، ولها اتباع ذمة العبد بما أخذ منها إلا أن يسقطه عنه الذي لم يأذن فيسقط عنه جميعه، لأن الذمة لا تنقسم. وفي أبواب الغارة والمغرورة شيء من معاني هذا الباب ومن نكاح الأمة بغير إذن أحد السيدين، وفي الجزء الثاني باب في نكاح العبد وتسوره. ومن الواضحة: ومن أذن لعبده في النكاح فالمهر في ذمة العبد، فإن تزوج بأكثر مما ينكح به مثله رد إلا أن يجيزه السيد، قال ابن الماجشون لا يجوز. ومن كتاب محمد ولا يزوج الرجل عبده أمته إلا بصداق وإلا فسخ إن نزل بطلاق. وللرجل إكراه عبده وأمته على النكاح إلا ما قصد فيه الضرر، ولا يكرهه على الفراق. وإن وهب له زوجته فكره ذلك أصبغ وأجازه إن نزل. وقال ابن عبد الحكم: إن قصد إلى الفرقة لم يجز، وقال ابن الماجشون إن كان مثله يملك مثلها فذلك له ويفسخ النكاح. محمد: وإن لم يملك مثلها فالهبة باطلة. [4/ 415]
في نكاح الصغير والسفيه والسفيهة ونكاح المرتد
ومن زوج أمته بمائة دينار ثم قتلها السيد قبل البناء فله أخذ المائة ويضرب مائة ويسجن سنة. في نكاح الصغير والسفيه ونكاح المرتد وفي نكاح السفيه وليته، وحكم الصداق في ذلك من كتاب ابن المواز قال مالك في يتيم زوجه أخوه أو وصيه، قال إن كان صغيراً فليس في هذا نظر له ولا يعجبني. قال ابن القاسم: وإذا بلغ الصبي الوطء وهي في ولاية فتزوج بغير إذن وليه، كشرائه. فإن أجازه جاز، وإن رد نكاحه لم يترك لها شيء وإن وطىء، إلا أن يكون قد بلغ الحلم فيترك لها ربع دينار. وقال محمد: وهو إذا اشترى فأتلفه أو أكله لنزع جميع الثمن من البائع ولم يتبع الصبي بشيء. قال: ومن عقد لغيره في نكاح، يريد من الإناث، فإنه يفسخ، ويمضي عقده لنفسه إن أجازه وليه، وهو كالعبد في ذلك. ومن الواضحة قال والصغير والسفيه الكبير لا يجوز نكاحهما وهما متفقان في أمورهما إلا في الطلاق، فلا طلاق للصغير، وطلاق السفيه الكبير يلزمه، وهو كالصغير في إنكاح الأب إياه يجوز عليه، وكذلك وصي أبيه والسلطان وخليفة السلطان يجوز إنكاحهم إياه وإن كره بما سموا من الصداق في ماله وذمته، وإن بلغ الرشد فلا رد له. وقال ابن الماجشون في السفيه الكبير لا يزوجه من يلي عليه إلا برضاه، وقال ابن حبيب وإذا تزوج السفيه بغير إذن من ذكرنا فإليهم إجارته أو رده، فإن ردوه بعد البناء ردوا جميع ما أصدقها إلا قدر ما يستحل به مثلها. ولم يجده مالك. وقال مالك في موضع آخر من كتاب ابن حبيب وفي كتاب ابن المواز يريد إلا ربع دينار قاله ابن حبيب. قال ابن القاسم: يجتهد السلطان فيترك للدنية ربع دينار، ولذات القدر أكثر من ذلك بما يراه. وقال ابن الماجشون لا يترك لها شيء إن كان لها قدر قال ابن حبيب وهذا القياس، وقول مالك استحسان، وبه أقول. [4/ 416]
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: إذا تزوج السفيه بغير إذن وليه فإن أجاز مضى، وإلا فسخ وكانت طلقة قال ابن القاسم: وهو في كتاب ابن حبيب، فإن لم يعلم وليه حتى مات أحدهما، فإن مات هو فلا ميراث لها منه. قال ابن حبيب ولا صداق، وإن ماتت هي فالنظر لوليه قائم، إما أن يجيزه فيأخذ الميراث ويؤخذ الصداق، أو يرد النكاح ويدع الميراث. قال ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون. وقال لي مطرف وقال عبد العزيز وابن أبي حازم إذا مات هو بعد أن علم الولي، فإن مات بحدثان ذلك حلف الولي ما رضي ذلك ولا أجازه ثم لا ميراث، وإن كال ذلك بعد علمه فلا كلام للولي. وذكر أصبغ عن ابن القاسم أنهما يتوارثان ويمضي الصداق فيه، لأن فيه قد فات بالموت. وذكر ابن المواز عنه خلاف هذا. قال ابن المواز قال أصبغ: وإن مات هو لم ترثه وردت عليه ما أعطاها إلا ربع دينار إذا أصابها وذلك في حياته إن فسخه. قال أصبغ هذا في الدنية. وقال ابن القاسم ويجتهد في الزيادة لذات القدر، قال أصبغ بما يرى مما لا يبلغ صداق مثلها ولا مذهب صداق، وقاله ابن القاسم فيما يفسخ من النكاحات بعد التلذذ من غير افتضاض، وقاله مالك، وأنكر سحنون هذه الرواية. قال ابن المواز: ورواية ابن وهب عن مالك في السفيه لا يترك لها إلا ربع دينار. قال محمد وقال أصبغ أيضاً في موت السفيه إنها ترثه الولي، فإن كان مما يجيزه نظراً فلها الصداق مع الميراث، وإن كان مما لم يكن يجيزه نظراً فلها الميراث ولا صداق لها إن لم يبن بها، وإن بنى بها فلها ربع دينار. وإن ماتت هي نظر، فإن كان فيه غبطة جرى فيه الميراث والصداق، وإن لم ير غبطة فلا ميراث فيه ولا صداق. قال مالك في المولى عليه يشكو الغربة ويطلب النكاح، قال منهم من لا يخاف أن يمسكها فيتربص به. قال ابن القاسم ينظر له وليه على الاجتهاد. قال أصبغ: فإن عطله بغير وجه يعذر به زوج عليه. [4/ 417]
قال: ويلزم طلاق السفيه، ولا يجوز عتقه كان محجوراً عليه أو غير محجور. وكذلك لا يجوز جميع صنيعه في المال، إلا أن عتقه أم ولده يجوز. قال ابن حبيب: كان في ذلك كله محجوراً عليه أو غير محجور. من كتاب محمد قال ابن القاسم: وإذا تزوج المدبر ودخل لم يكن لها شيء من الصداق. قال أصبغ: وهذا إذا تزوج بعد الحجر والتوقيف، وذلك كبيعه وشرائه. قال ويزوج السفيه ولا يكون له ذلك إلا بإذن وليه إلا في السفيه الضعيف فلا ينظر إلى سخطه ورضائه، وهو كالميت. قال ابن وهب في السفيه إن وليه أولى بإنكاح بناته وإمائه، ولا أمر له فيهن، ويستحب حضوره ولا تضر غيبته فلو عقد ذلك السفيه فلوليه إجازته أو رده، فإن كان عليه ولي فإنكاحه إياهن ماض إن كان ما فعل صوابا. وكذلك الأخ السفيه في أخيه، قال أصبغ هذا كله صحيح، قال محمد إلا قوله إن لم يكن له ولي أنه جائز. وذلك سؤاله ولي أم ولد لا ينظر فيما فعل كنظر الولي، فيجاز ذلك أو يرد بالاجتهاد. وإن كانت اليتيمة سفيهة فلا يزوجها الوصي حتى ترضى. قال أصبغ في العتبية قيل لأشهب: السفيه يزوج أخته؟ قال نعم، حسبته قال إن كان ذا رأي ولا مولى عليه فذلك جائز وإن كان سفيها. ومن كتاب محمد: ومن زوج البكر بصداق كبير فدست هي إلى الزوج ما أعانته به فلها أن ترجع بعد البناء محمد: ولو عقدت هي معه على ذلك لم ينفعه، وكذلك إن حطته عنه، قاله مالك. [4/ 418]
في نكاح الصغير والشروط فيه فيما عقد على نفسه أو عقده وليه
في نكاح الصغير والشروط فيه فيما عقد على نفسه أو عقد وليه، وفي عقد أبيه عليه وذكر الصداق وحمله أو ضمانه عن ولده أو عن أجنبي ونفقة الصغير من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا تزوج الصغير واشترط عليه شروط بتمليك وعتق وطلاق فأجاز له ذلك وليه، أو زوجه وليه على ذلك، فلا يلزمه منها شيء إلا أن يلزمها نفسه بعد البلوغ. وإذا بلغ قبل البناء وعلم بالشروط ودخل عليها لزمته، وإن بنى ولم يعلم بما شرط عليه لم تلزمه. قال أصبغ عن ابن القاسم: وإن لم يرض قبل البناء بالشروط قيل: إما أن ترضى أو تطلق، فإن طلق فعليه نصف المهر. قال أصبغ إذا اختار الفسخ فلا شيء عليه ولا على أبيه إذا لم يدخل. ولو كان يوم زوجه لا مال له. قال محمد: وهذا أحب إلينا إلا أن تسقط المرأة الشرط فيلزمه النكاح، كرسول الرجل يزوجه بشرط، فإن بنى بعد العلم لزمه، وإذ لم يبن ولم يرض، فإن رضيت بغير شرط وإلا فسخ ولا شيء عليه، قال أصبغ ولا على الرسول إن كان زعم أنه بذلك أمره. قال ابن حبيب: وإذا أسقطت المرأة الشروط ثم فارق هو لزمه نصف الصداق، وإن لم يدعها وأبى هو وفارق فلا صداق عليه. وذكره عن ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ. وروى أبو زيد في العتبية عن ابن وهب فيمن زوج ابنه الصغير بشروط من عتق وطلاق فذلك يلزمه إن كبر، بنى أو لم يبن. وقال ابن القاسم لا يلزمه إلا أن يدخل بها بعد علمه بالشروط، ومن الشروط إن نكح عليها أو تسرر فهي طالق البتة. ولو قال الصبي شرط علي هذا وأنا صغير، وقال أولياء المرأة بل وأنت كبير، فعلى الزوج البينة، وإلا حلف أولياء المرأة ولزمه. [4/ 419]
ومن كتاب محمد قال مالك: ومن زوج ابنه الصغير ولا مال للصبي فالصداق على الأب في حياته في رأس ماله وبعد وفاته، وميراث الابن له كامل، ولا يرجع عليه فيه بشيء. وإن كان للابن مال يوم العقد فذلك على الابن إلا أن يشترطه الأب على نفسه فيلزمه عاجله وآجله في ملاء الابن وعدمه، ولا يرجع به على الابن، قاله مالك. قال محمد إلا أن يكون بمعنى الحمالة وللصبي يومئذ مال، يرجع به على الابن الأب أو ورثته، فإن كان لا مال للصبي يوم العقد فذلك على الأب بكل حال. قال ابن القاسم: ولو كتبه على الابن لم يكن على الأب منه شيء. قال أصبغ إذا كتبه على الابن برضى الزوجين له أن يكون هكذا على الابن محدداً. فهو على الابن، كما لو اشترى سلعة باسمه وكتب الثمن عليه، وإنما يلزم الأب إذا زوجه مبهماً لم يسمه على أحد والابن عديم يومئذ. قال محمد قول ابن القاسم أحب إلي أنه على الأب وإن كتبه على الابن حتى يوضح ذلك بأن يقول ولست منه في شيء لكنه لكم على ابني، فهذا إن علم به الابن قبل البناء وقد بلغ فهو مخير أن يلزمه نفسه وإلا لم يلزمه. وإن بنى بها قبل يعلم بذلك سقط عنه منه ما جاوز صداق المثل وثبت النكاح. قال محمد إذا كان الابن وقت العقد له مال فكتبه باسم الابن وقال الأب ضمان الابن لكم علي فهذه حمالة وإن قال الأب بعد العقد ذلك ولكم عليها احتمال احتملته عنه فليأخذوا من شاءوا منهما. وإن كتبه باسم الأب فهو في ماله لا يرجع به على الابن وإن كبر، أراه قال إلا أن يشترط أنه حمالة، وإلا فهو على الأب لا يتبع الابن بشيء منه وإن أعدم الأب، إلا أن يعدم قبل البناء فيقال له إن شئت البناء فادفع الصداق عن الأب، ولو طلق قبل البناء لم يتبع الابن بشيء، واتبع الأب بنصفه في حياته ومماته، ولو كان دفع رجع إليه النصف أو إلى ورثته. [4/ 420]
ولو كان ذلك بحمالة ببينة من الأب فأخذ من مال الأب بعد موته، رجع الورثة به على الابن في ميراثه وغيره. وكذلك لو كتبه على الابن ولا مال للابن وتحمل به عنه فذلك على الأب، فإن كبر الابن قبل أن يدفع وقد بنى فلا شيء عليه عند ابن القاسم، والأب عنده المتبع به، وإن لم يدخل فلا دخول له حتى يدفعه ويلزمه نفسه، ويكون كالشرط عند ابن القاسم يشترط عليه فيعلم قبل البناء فيدخل عليه فيلزمه. وإن دخل ولم يعلم لم يلزمه. وإن قال قبل البناء لا أرضى فرق بينهما وليس لها من المهر شيء، إلا أن يرضوا أن يدخلوا بغير شرط ولا يتبعوا بمهرهم إلا الأب فيكون ذلك لهم. قال: فإن طلق قبل يعلم الشرط بالمهر المؤخر لم يكن له إلا الأقل مما جعل لها مهراً ولو دفع إليها فلا شيء لها منه، وإن طلق في موضع له فيه الخيار، وإن طلق بعد أن رضي أهلها بإسقاط الشروط لزمه نصف المهر. قال محمد ليس المهر المؤخر كالشروط، والمهر المؤخر لازم كالمعجل وكما لو كان مؤخرا كله إذا كان له قدر ذلك. وإن طلق بعد أن كبر وإن كان قبل يعلم بالشروط لزمه نصف المهر. قال أشهب قال مالك: من زوج ابنه الصغير وضمن عنه مهره فهو على الأب ولا يرجع على الابن إن أيسر إلا أن يكون للابن مال يوم العقد. فإن كان للابن يومئذ مال فكتبه الأب على نفسه وهو عديم فهو على الأب يتبع به إن دخل الابن، ولا يرجع على الابن وإن أعدم أو مات عديماً، ولا يحال بين الابن وبين امرأته إن بنى بها، وتكون المصيبة بالزوجة. وإن لم يدخل والأب عديم أو مات عديماً لم يكن للابن البناء حتى يؤدي. محمد: ما حل من الصداق، ويتبع الأب بما لم يحل. وإن شاء فارق ولم يتبع بشيء، ويتبع الأب بنصف المعجل والمؤجل. ومن العتبية روى أشهب عن مالك قال: وإذا أنكح الأولياء الزوجين صغيرين، ثم بلغ الزوج فأنكر، قال لا أدري إلا أن يكون الميراث بينهما. [4/ 421]
ومن سماع عيسى عن ابن القاسم قال: من زوج ابنته الصغيرة لصغير عقد عليه أبوه، فبعد العقد سكتا سنين ثم قال أبو الصبية من هلك منهما لم يتبع بعضهما بعضاً بشيء، فرضيا بذلك، فالنكاح ثابت ولا يضره ما شرط بعد العقد، والصداق ثابت، فإن تحمل به الأب لزمه، وإلا فهو في مال الابن، فإن لم يكن له مال يوم زوجه فهو على الأب. ولو عقد له على هذا الشرط لفسخ قبل البناء، وإن بنى، يريد بعد البلوغ، فلها صداق المثل، وإن مات أحدهما في الصغر توارثا وكذلك لو شرط أن لا ميراث بينهما ولا نفقة لها، قال عيسى يفسخ ولو بنى. ومن زوج ابنه الصغير ولا مال له وكتب عليه الصداق فبلغ قبل البناء، فإما رضي بذلك أو فارق ولا شيء عليه، وإن بنى قبل يبلغ ويجوز أمره فالصداق على الأب، وإن بنى بعد البلوغ فالصداق على الأب والشرط باطل. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تحمل عن ابنه بالصداق فدعت الزوجة إلى البناء وقبض الصداق، فإن كان مالاً فهو على الأب دونه في حياته ومماته، فإن طلق قبل البناء وهو بالغ فنصفه على الأب أو في تركته إن مات، وليس للابن عليه شيء في النصف الباقي. ولو مات الأب كان الصداق في رأس ماله، وإن كان حمالة ودعت إلى البناء ولم يكن منه أو منها صغر يمنع من ذلك فذلك على الابن، فإن كبر عديماً فعلى الأب ثم يرجع به على الابن، وكذلك إن غرم نصفه في الطلاق. ومن سماع عيسى قال ابن القاسم: ومن حمل صداق ابنه أو صداق ابنته في صحته، فذلك كالدين يؤخذ من تركته ويحاص به في فلسه وموته، ولا يحاسبان به في الميراث، وإن كان ذلك منه في مرضه فهو باطل لا يلزم الورثة. وإن شاء الابن ودى ودخل أو فارق ولا شيء عليه وإن كره لما بلغ. وكذلك زوج الأمة إن ودى دخل وإلا فارق ولا شيء عليه. [4/ 422]
قال سحنون عن ابن القاسم فيمن زوج ابنه وضمن عنه الصداق، يريد حمل عنه الصداق، فأعدم الأب، فإن ودى الابن الصداق وإلا طلقت عليه واتبعت الأب بنصفه، وإن وداه ودخل رجع به على الأب إن أيسر. ومن الواضحة ومن حمل الصداق عن ولد صغير أو كبير أو أجنبي أو لابنته عن زوجها فذلك عليه دون الزوج في حياته ومماته، فإن أعدم قبل البناء لم يكن للزوج دخول حتى يؤدي، فإن ودى رجع به على الحامل في حياته وبعد مماته كالدين لا العطية، وإن حمله بعد العقد وترتب الصداق على الزوج فهي عطية وهي عليه في حياته ولا يتبع بها إذا مات وإذا طلقت قبل البناء وقد ودى الحامل رجع الحامل على المرأة بنصفه فكان له، حمل ذلك في العقد أو بعده. ولو لم يوده رجعت هي عليه بالنصف ولم يرجع على الزوج، يريد ابن حبيب في هذا: والحمل في العقد. وإن ألفي النكاح فاسداً رجع الحامل بما ودى فكان له. ولو تباريا قبل البناء على المتاركة والنكاح صحيح لرجع الحامل بما ودى، وسقط عنه إن لم يوده، وقاله ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: يرجع إلى الزوج النصف الذي وجب لها بالطلاق، وبه أقول. كما لو باراها بعد البناء على رد الجميع الذي وجب لها بالبناء كان ذلك للزوج، فكذلك ما وجب لها بالطلاق قبل البناء. ومن زوج ابنه الصغير أو الكبير أو غير ابنه وكتب في الكتاب أنه ضمن الصداق، ثم قال الأب إنما أردت الحمالة أو قاله ورثته، وقالت المرأة والابن أو الأجنبي بل أردت الحمل، فإن لم تذكر البينة تفسير ذلك فهو على الحمل، قال ابن الماجشون: حتى تنص الحمالة نصاً. قال ابن الماجشون: ومن حمل على ابنه الصداق والنفقة، فأما الصغير لا مال له فالنفقة على الأب، وأما الكبير البائن فهي حمالة من الحملات. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ عن أشهب فيمن قال لرجل زوج ابنتك بخمسين دينار وهي لك علي ففعل، ثم مات ولم يدفع ولم يدخل الزوج، فذلك في [4/ 423]
تركته، ولا يرجع بها على الزوج إن كانت صلة، وإن كانت ضمانا رجع عليه. قال ابن القاسم: من تحمل عن ابنه أو عن أجنبي بالصداق وغاب الزوج قبل البناء وقيم بالصداق كله، فإن قربت غيبته بدى به وبعث إليه، فإن جاء وإلا ودى الأب، وإن بعدت غيبته أو لا يعلم موضعه غرم الحميل الجميع ولا يضرب له أجل، فإن جاء الزوج وطلق رجع الضامن بنصفه، وهذا فيمن لا يعرف موضعه كالمفقود الذي يجعل لزوجته الصداق وإن لم يدخل. قال أصبغ: صواب ذلك كله. قال مالك: ومن تزوج ابنه على أن الصداق قبل الأب فلم يدفعه حتى مات أو فلس، فإن دخل الزوج اتبع به الأب ولا شيء على الابن وإن كان ملياً، ولا يحال بينه وبينها. محمد: وإن لم يدخل خير ولا يؤخر بين أن يأتي بالمهر ويدخل أو يفارق ولا يلزمه شيء، وتكون طلقة، وتتبع هي الأب بنصف المهر. قال أصبغ وإن دفع الابن المهر رجع به على الأب وحاص غراماءه به، وقاله أشهب. قال مالك وكمن نكح بمصر فدخل بها ولم ينقد ثم أعسر، فليس لها أن تمتنع منه ولا من الانتقال معه لينقدها، ولكن تتبعه إلا أن يكون دخوله بمعنى الزيارة فذلك لها. قال: ومن قال لرجل تزوج بمائة وأحلهم علي ففعل، ومات القائل قبل الدفع وقبل أن يحال عليه، فهي عطية لم تقبض. محمد إلا أن يكون أشهد على نفسه قبل النكاح أنه ألزم نفسه إن تزوج فله كذا وكذا من صداقه ففعل فقد لزمه في صحته. [4/ 424]
فيمن زوج ابنه أو ابنته في مرضه وضمن المهر
فيمن زوج ابنه أو ابنته في مرضه وضمن المهر أو لم يضمن أو دفعه إليها أو أقر بقبض مهر أمته في مرضه أو ضمنه لها في مرضه أو صحته ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن زوج أبنه الصغير والأب مريض وضمن صداقه جاز النكاح وبطل الضمان، يريد وقد مات الأب. محمد: كان للابن مال أو لم يكن له مال، ولا يصل الابن إليها إلا بدفع المهر. وإن قالت المرأة اتبع به زوجي نظر له وصيه إن لم تكن توليه، فإن كان غبطة جاز وإلا فسخه ولا شيء لها. محمد وكذلك الكبير ينظر لنفسه في إمضاء ذلك أو فسخ. قال مالك: وكذلك لو تحمل للكبير في المرض ما نكح به لا ينتزع ذلك الورثة، وكان ما ذكرناه. قال مالك: وإن بلغ الصغير في مرض الأب فدخل ثم مات الأب ردت المرأة ما أخذ وتتبع به الزوج. محمد ولا يحال بينه وبينها إلا أن تكون لم يبق بيدها منه ربع دينار فيمنع منها الزوج حتى يؤدي ربع دينار. وكذلك من سرق سرقة فنكح بها أو استعار خادما فنكح بها فأخذ ذلك من المرأة بعد البناء فلها منع نفسها حتى تأخذ مهرها. ومن زوج ابنته في مرضه من ابن أخيه وأصدقها عنه فالنكاح ثابت غير مختلف فيه، واختلف في المهر، فقال ابن القاسم وأشهب هو عطية لابنته ولا يكون في ماله، وقال أصبغ. قال في العتبية ويقال الابن الأخ إن وديت الصداق من مالك تم النكاح فإن أبى فليدع النكاح ولا شيء عليه. قال ابن المواز وقال مالك وابن وهب وعبد [4/ 425]
الملك هو عطية للزوج نافذة من ثلثه إلا أن يكون أكثر من صداق مثلها فترد الزيادة، وبهذا أخذ ابن المواز وابن حبيب، وروى مثله أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم. فإن طلقها قبل البناء وقبل موت الأب فلها نصف المهر من ثلثه، ولا شيء للزوج في النصف الباقي، لأنها عطية فيما لزمه في نكاحه مما لم يجب عليه، فهو عطية لم تقبض، وما وجب عليه فكالمقبوض. قال ابن الماجشون وقال ابن دينار وغيره من أصحابنا إن طلقها قبل البناء فلا شيء لها من تركة الأب، لأنه اعطاها على أنه إن هي دخلت تمت لها، وإن طلقت أخذت بمعنى الوصية للوارث، وخالف ذلك عبد الملك وأخذ بقول مالك. ومن العتبية قال ابن وهب: فإن أبى ابن الأخ فلا شيء له من مال الميت، قيل له: فهذا يدل على أنها وصية للإبنة لا للزوج، قال إنما هي وصية للزوج على شيء فعله تم إلا لم يتم له. قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال قد أصدقت امرأة ابني عن ابني مائة دينار وهو مريض فلا يجوز. ولو قال في مرضه قد زوجت ابنتي فلانا وأصدقتها عنه مائة دينار فذلك جائز من ثلثه إن كان أجنبيا، وهذا خلاف ما روى عنه محمد. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب فيمن أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته ولم يدخل بها زوجها ثم مات الأب، فإن ترك مالا أخذ من ماله. قال محمد: قد ترك قوله الأول أنها عطية للأبنة فكذلك هذه. قال أشهب في العتبية وإن لم يكن له مال لم يكن للزوج إليها سبيل حتى يؤدي الصداق ويتبع به الميت. ومن ضمن لأبنته في صحته صداقها في العقدة اتبعته به في حياته وبعد مماته، ولا يرجع به الأب على الزوج لأنه كالصلة ولو ضمنه بعد العقد إن مات الأب قبل يدفع فهو باطل. [4/ 426]
فيمن زوج وليته الغائبة أو الحاضرة بأمرها أو بغير أمرها ثم رضيت
فيمن زوج وليته الغائبة أو الحاضرة بأمرها أو بغير أمرها ثم رضيت أو كان بإذنها فأقرت بالإذن أو أنكرت وفيمن زوج [بياض] من كتاب ابن المواز قال مالك فيمن زوج اخته وهو بالبلد معه، فقالت لم آمره، ثم أقرت أنها أمرته فلا يجوز ذلك. قال مالك في العتبية إلا بنكاح جديد. وإذا افتات عليها الولي فزوجها أو الأب في ابنه الكبير لك يجز، وإن أجازه بعد ذلك، وإنما يجوز بالإجازة ما افتيت على الأولياء وعلى السيد في عبده، فأما ما أفتيت على المرأة أو على الرجل في نفسه، فما قرب من ذلك فلا يفسخ حتى تعلم المرأة أو الزوج فإما رضيا أو ردا فيفسخ. وإذا قال الخاطب أمرني الرجل وقال الولي أمرتني المرأة فليس للحاضر يعجل فسخه بأن يقول لا أريد نكاحا على فيه خيار، ولينتظر الغائب منهما، فإن قدم وأقر بالوكالة ثم ذلك، وإن أنكر حلف ما أمره وسقط عنه النكاح. وذكر ابن حبيب أنه إن لم يحلف لم يلزمه النكاح بنكوله، وذكر عن غير واحد من أصحاب مالك أنه لا يميز في ذلك. ومن كتاب محمد قال: ولو ثبت أنه افتيت على الغائب فزوجه بغير أمره لعجل فسخه ولم ينتظر، ثم لو تأخر ذلك حتى قدم ثم أجاز لم يجز ذلك، وإن لم يثبت ذلك وأقر الرسول أنه فعل ذلك بغير أمره لم يقبل قوله بعد النكاح حتى يثبت بما لا شك فيه، أو بقدوم الغائب فيخلف. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، وقال لا يقبل إقرار الخاطب بالتعدي حتى يقدم الغائب فيقر أو يجحد، ولو رفعه إلى الإمام كان أحب إلي. قال عيسى وأصبغ: لا خيار له حتى يقدم الغائب، فإن أنا أمرته تم النكاح، وإن قال لم آمره فسخ ذلك، وإن قال لم آمره ولكني أرضى به الأن ورضي الأب أيضاً فلا يجوز ذلك، لأنهما يجيزان نكاحا فاسدا. [4/ 427]
ومن كتاب محمد قال أشهب عن مالك في امرأته زوجها أخوها ثم مات الزوج قبل البناء، فقال ورثته لم تكن رضيت، قال تسأل هي الآن، فإن قالت كنت رضيت فذلك لها. ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن يزوج أخته أو ابنته الثيب وهي بالبلد معه مقيمة، ثم تخبر فترضى، قال خففه مالك وأجازه. وإذا كانت نائية عنه في البلد فلما علمت رضيت لم يجز هذا النكاح. وقيل لسحنون ما معنى قوله معه في البلد أن يكونا في حضر واحد أو هي بعيدة والبلد يجمعهما؟ فقال بل في حضر واحد وبينهما قريب مثل البريد واليوم وشبهه. والقلزم من مصر ما هو بكثير وبينهما يومان إذا أرسل إليها في فور ذلك فأجازت، فأما مثل الاسكندرية وأسوان فلا يجوز ذلك وإن أجازته وقاله أصبغ. قال ابن القاسم عن مالك فيمن زوج أخته ابنة عشرة سنين برضى أمها، فأقام الزوج مدة يحوز مال امرأته ويقوم معهم فيه، فطلب البناء فأنكرت الزوجة وقال الأخ ما أعلمناها، فإن لم تقم بينة برضاها حلفت على ذلك هي وأخوها وفرق بينهم. وروى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم فيمن زوجه الولي وأشهد ثم أنكرت المرأة أن تكون علمت أو وكلته، فإن كان إشهادا ظاهرا ووليمة بينة والأمر في دارها أوجبت يد [كذا] فإنها عالمة، فتحلف ما وكلته ولا رضيت ولا ظنت ما ظهر من الأمر لها، وإن نكلت لزمها النكاح لوجود الأسباب الدالة على الرضا. وروى عنه أبو زيد في الجارية يزوجها الولي على أن رضيت، قال يفسخ ذلك وإن كانت قريبة، قيل فإن دخل قال ما أدري، وكأنه ضعف الفسخ بعد البناء وكأنه لم يره. [4/ 428]
باب في معنى ذلك من إنكاح الغائب
وروى عنه عيسى فيمن أعتق جاريته أو أم ولده وهي غائبة عنه، ثم أشهد قوما أنه يزوجها وأمهرها أمة لها، فبلغها فرضيت، قال لا يجوز، كما قال مالك فيمن زوج ابنته الثيب الغائبة ثم ترضى. قال ولا يتوارثان قال ابن القاسم فإن بنى وطال وولدت الأولاد مضى ذلك، والولد لا حق به. وفي باب نكاح العبد أو الأمة بغير إذن السيد شيء من معنى هذا الباب. باب في معنى ذلك من إنكاح الغائب وفي قبوله أو وده أو إقراره وفي الحرمة لهذا النكاح وأحكامه من كتاب ابن المواز قال مالك: من زوج غائبا وهو ولده، أو أجنبيا بغير أمره ثم بلغه فأجاز فلا يجوز ذلك ويفسخ بطلقة وما هو بالبين، قال أصبغ: وكذلك الجارية، يريد الثيب، يزوجه أبوها وهي بعيدة الغيبة، فإنه يفسخ وإن بنى بعد رضاها، ويتوارثان قبل الفسخ. قال محمد: وأحب إلينا فيها وفي الإبن الكبير البائن عنه أن لا يفسخ بعد البناء إذا رضي حين بلغه. وقاله ابن القاسم في الابن الغائب. وقال أيضا أصبغ: يأمران قبل البناء بالفسخ بغير حكم للإختلاف فيه، وقد قال مالك: لا أحب المقام عليه وقد قال مرة: إن رضي به الغائب جاز. قال مالك وهو إذا لم يرض به وفسخ لم أحب لآبائه وأبنائه نكاحها. قال أصبغ بل لا يحل لآبائه وأبنائه. قال محمد: وقال عبد الملك عن مالك إن الحرمة يقع به ولو لم يكن عبد الملك يحرم به إذا فسخ قبل الرضا. وروى ابن وهب عن مالك نحو قول عبد الملك إنه يفسخ بغير طلاق. قال ابن القاسم وإنما يجوز إذا رضي به الغائب الذي لم يثبت أنه افتيت عليه، ولا يقبل إقرار أبي الزوجة أن الوكيل افتات على الزوج، ولا قول الوكيل نفسه. [4/ 429]
حتى يصح ذلك، وإلا لم يعرض له حتى يعرض على الزوج فيقر أنه أمره، أو يجحد فيحلف. وكذلك الابنة الثيب الغائبة يزوجها أبوها ثم تقدم فتخبر. قال أصبغ وحسبته أيضا قال وكذلك الأب إذا زوجت عليه ابنته البكر. قال محمد: وهذا في الأب في البكر والسيد في الأمة أثقل. قال أشهب فلو زوج رجل صبية بكرا في غيبة أبيها ثم قدم الأب فقال أنا أمرته فلا يصدق، وقال أصبغ. وكذلك في العتبية عنهما، وقالا إلا أن تكون ثيباً. قال محمد قال مالك وإذا قدم الابن أو الاجنبي فرضي وقال أنا أمرته فلا يلزم الأجنبي ولا يلزم الأب شيء من المهر، إلا في ابن صغير وابن كبير مولي عليه ولا مال لهما. وكذلك إذا زوج ابنه الكبير البائن عنه وهو حاضر ساكت، فلما فرغ قال لا أرضى، فليحلف ولا يلزمه شيء ولا أباه، وإن رضي وقال لا أؤدي المهر. وقال الأب لم أرد حمله عنك، وقعت الفرقة ولا شيء عليهما بعد أن يحلفا. قال ابن القاسم إلا أن يدخل الابن فيحلف الأب ويبرأ، ويتبع الابن في ملائه وعداً. إلا أن يكون مولى عليه فيكون على الأب لا في مال الابن. ومن الواضحة: ومن زوج ابنه الحائز الأمر البعيد الغيبة، أو كان أجنبيا فبلغه وأجاز، قال أصبغ يفسخ قبل البناء وبعده، ويتوارثان بعد الرضا، دخل أو لم يدخل، ولا يتوارثان قبل الرضا. ومن العتبية قال أصبغ: وإذا زوج ابنه الكبير الغائب وقال أمرني بذلك ثم قدم وأنكر فيحلف ولا يكون على الأب صداق. ولو مات قبل أن يقدم ويعلم رضاه فلها الميراث مع الأب إن كان لا وارث له غيره، وإلا فلها ما يصيبها من نصيبه إن كان معه غيره، كمن أقر بزوجة للميت. [4/ 430]
في الوكالة على النكاح من الرجل أو المرأة أو وليها
قال ابن المواز قال ربيعة ويحيى ابن سعيد فيمن زوج ابنه الغائب وشرط أن الصداق على إن أنكره الغائب إنه يؤخذ بذلك، فإن قدم فأنكر أخذ الأب بنصف الصداق. قال محمد: لسنا نقوله إذ لا يثبت حتى يثنت النكاح. ولو فرضي لم أجزه إلا أن يقول العاقد من أب أو أجنبي أمرني بذلك الغائب وأنا ضامن فنلزمه نصف المهر إن أنكر القادم. ومن زوج ابنه الغائب وقال أمرني بذلك ثم قدم فأنكر فإنه يحلف ويبرأ ولا صداق على الأب. فإن مات قبل قدومه وقبل يعلم رضاه فإن لم يرثه غير أبيه ورثت معه الزوجة، وإن كان معه غيره ورثت ما وقع للأب لأنه مقر لها بأنها زوجة، وقاله أصبغ. في الوكالة على النكاح من الرجل أو المرأة أو من وليها وفي الوكيل يؤذي على ذلك جعلا لله ويأحذه وفي فبض الأب لصداك أو الوكيم ومن العتبية روى أشهب عن مالك في المرأة تأذن لوليها أن يزوجها ممن يرضاه ولا يؤامرها، فيزوجها ممن رضيه. وكيف إن كان بأقل من مهر مثلها. قال لا ينبغي أن يزوجه حتى يذكره لها ويخبرها بحاله، فإن فوضت إليه بكفء، فرب كفء إذا ذكر لم تحبه. قال سحنون إذا فوضت إليه في إنكاح من يرضى لزمها نكاحه وإن لم يخبرها به، بكراً كانت أو ثيباً. وفي رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك قال مالك في التي فوضت إلى وليها في إنكاحها فزوجها ممن لم يذكره لها، إذا لم ترضه فلها رد النكاح حتى يسميه لها. [4/ 431]
ومن كتاب ابن المواز قال: وللولي أن يولي أجنبيا يعقد نكاح وليته برضاها، وكذلك يوكل من يعقد نكاح نفسه وكذلك المرأة. قال ابن القاسم في كتاب محمد وفي العتبية من رواية عيسى: ومن رواية عيسى: ومن قال لرجل ولني نكاح ابنتك ولك كذا وكذا فذا لا يجوز ويرد الجعل، فإن عقد النكاح رد الجعل وتم النكاح إن عرفت المرأة الزوج ورضيته وهي جائزة الأمر أو كانت بكراً في حجر أبيها. وإذا لم يسم للمالكة أمرها الزوج فسخ قبل البناء، وثبت بعد البناء، قاله أصبغ في رواية عيسى، وله أن يعزله كان يجعل أو بغير جعل. قال محمد: ولو كان الأب أو الوالد هو دافع الجعل من ماله جاز، وكان له الجعل إلا على الدلالة فلم يجزه مالك ولم يره كالدلالة على البيع والأكرية. ومن كتاب محمد: وإذا قالت له المرأة لا تزوجني بعد أن كانت وكلته لذلك، فأجابها قد زوجتك، فذلك يلزمها إن أقرت بالوكالة. محمد وسمي لها الرجل. وكذلك لو وكلته على بيع سلعة فقال بعت من هذا فأكذبته فهو مصدق، وهذا بخلاف الوكيل على قبض مال يقول قبضت وضاع مني، هذا لا يصدق إلا ببينة. محمد: يريد لا يبرأ الدافع، وأما الوكيل فإنما عليه اليمين وعلى من وكله اليمين أنه ما قبض إذا ادعى عليه. ومن كتاب ابن المواز والعتبية عن أشهب وابن وهب: وإذا قال الأب في صداق البكر ضاع مني، فإن قبضه ببينة لم يضمن وبرئ الزوج، وكذلك الواصي ويدخل بها الزوج. وإن كان القبض بغير بينة فلا دخول له إلا بدفعه. وقال ابن وهب، وقال: ولا ضمان على الأب. قال ابن القاسم لا يضمن الأب إلا أن يستهلكه. [4/ 432]
قال ابن القاسم: وإن قال جهرتها به حلف وبرئ إلا أن يتبين كذبه. وإن قال دفعته إليها عيناً ضمن لأن البكر لا يدفع إليها العين. وكذلك روى عنه في العتبية أصبغ وأبو زيد قال: هو مصدق في قوله جهرتها به فأنكرت وقد دخل بها صدق مع يمينه. قال أصبغ: ما لم يكن التناكر عند الدخول وتبين كذبه أنه أدخلها بغير شيء. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في الأب يقبض صداق ابنته البكر بالبينة ويدخلها على زوجها، فتقيم زماناً تقوم بعد موته بالبينة على إقرار الأب بالقبض وتقول ما دفع إلي شيئاً من ذلك، فكتب إليه إن قامت بعد البناء زماناً طويلاً لا تدعي على الأب شيئاً فلا شيء لها، وإن كان بحضرة البناء أو لم يبين بها نظر إلى الجهاز إذا لم يكن لها مال معروف تجهزت به وهو باق في يديها، فإ كان الجهاز يشبه ما أخذ الأب فلا شيء لها في ماله، وإن كان لا يشبه نظر في ذلك. قال أبو محمد قوله وهو باق في يديها، يريد إن لم يكن دخل بها والجهاز الأن في يديها، وأما لو دخلت به وصح إدخال الأب إياها لم ينظر إلى ذهابه. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: إذا أقر في مرضه بقبض صداق ابنته البكر ولم تدخل ثم مات، فذلك في تركته، فإن لم يكن له مال، لم يكن للزوج البناء إلا بأداء الصداق ثم يتبع هو زمة الميت بما أقر بقبضه. قال محمد: هذا في يسار الزوج فأما في عدمه فيتهم الأب في إقراره بالتوفير على ابنته العطية، ولا يتهم في يساره ويلزمه. محمد: لأنه لم يقل ضاع مني وذلك مثل ما قال في الأول فيسقط عنه. وهذا من أشهب على قياس قوله الذي قال إن لم يكن للزوج بينة على الدفع. وإن كانت له بينة فمصيبة ذلك على الجارية. قال محمد وعمر كذا ذلك أصبغ من جهة أخرى فقال هو كالموصي بإنكاح ابنته في مرضه لإبن أخيه وحمل عنه صداقها، وقد قال في هذا أشهب هي وصية لوارث وأحد هذين ينقض الأخر، هذه غفلة من أشهب وقال محمد: يتهم بإقراره في عدم الزوج ثم رجع محمد وقال يصدق في القبض في ملاء الزوج أو في عدمه. [4/ 433]
وفي العتبية ذكر رواية عن أصبغ نحو ما ذكرها هنا وقال: وإن كان صحيحا فذلك على الأب في ملائه، وإن كان عديما اتبع به دينا ولو قال قبضته وضاع مني ولا بينة له بالدفع، قال إن كانت بكرا فهو مصدق وقبضه قبض لها، والضياع منها، ولا شيء على الزوج. قال ابن حبيب: وكذلك قبض الوصي في البكر. وقد تقدم في باب من زوج ابنه في مرضه ذكر الاختلاف في هذه المسألة مستوعباً. ومن الواضحة: وإذا دفع الزوج الصداق إلى المرأة الثيب أو إلى وليها بغير توكيل لم يبره ذلك وينظر، فإن دفعه على التقاضي فهو ضامن ذلك للزوج، وإن كان رسولا للزوج لم يضمن. وأما إن وكلته هي على القبض فلا يضمن بكل حال، فإن دفعه الزوج ببينة برئ، وإلا وداه ثانية، ولا طلب له على الأب لأنه مقر له أنه قبضه بما يجوز له. وأما البكر فقبض الأب والوصي لها قبض، والضياع منهما على أي وجه قبضاه. وأما وليها وليس بأب ولا وصي فدفع الزوج إليه على التقاضي أو على الرسالة أو بتوكيل منها فلا يبرئه إذا تلف، وتوكيله ليس بتوكيل، وليرجع به الزوج على الذي قبضه منه إن قبضه على التقاضي، فأما إن قبضه أو قبضه على الرسالة لم يرجع به الزوج عليه في الثيب على الأب إن قبض منه على التقاضي، وإن كان على الأئتمان له والإرسال به طوعا فلا ضمان له عليه، وإن كان بتوكيل الثيب على قبضه فيأخذه على التقاضي أو على الأئتمان أو على أي وجه كان فالزوج يبرأ إن كانت للزوج بينة على الدفع إليه، كان أبا أو وليا. فإن لم تكن له بينة فالزوج ضامن ولا شيء على الوكيل وكذلك قال لي من كاشفت فيه من أصحاب مالك، وهو قول مالك، وقاله أصبغ عن ابن القاسم. [4/ 434]
في تعدي الوكيل في النكاح والدعوى بينه وبين الزوج والزوجة في الصداق
في تعدي الوكيل في النكاح والدعوى بينه وبين الزوج والزوجة في مبلغ الصداق وغير ذلك من التداعي من العتبية روى عيسى عن ابن القاسيم عن مالك فيمن وكل رجلا يزوجه امرأة ولم يسم لها صداقا، فزوجها إياه بعبد للآمر، فلا يلزمه إلا أن يرضى، ولا شيء عليه إن سخط، كما لو أمره بشراء سلعة ولم يسم الثمن فاشتراها له بدار الآمر فلا يلزمه إلا أن يشاء ولم يأمره أن يبيع عليه. ولو نقض عنه في النكاح أو في البيع عينا لزمه إن كان يشبه صداق المثل أو ثمن السلعة، ولو بلغه ذلك قطلق لزمه نصف ما نقد عنه، ويعد طلاقه رضى بذلك، ولو رد النكاح لم يلزمه شيء وتكون طلقة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا وكل من يزوجه امرأة بعينها أو بغير عينها بخمسين فزوجه بمائة وقال بذلك أمرتني وقال الزوج بخمسين، فإن لم يدخل حلف الزوج، ثم إن رضيت الزوجة بخمسين وإلا فسخ ولا شيء لها على الزوج، أصبغ ولا على الرسول، فإن نكل الزوج ولا بينة على أن النكاح كان بمائة إلا قول الرسول حلفت هي، وإن كانت بينة على أن العقد كان بمائة مع الرسول لم تحلف هي إذا نكل الزوج. قال ابن القاسم: وإذا حلف الزوج وتفرقا كانت طلقة. وإن بنى بها قبل المناكرة وهو عالم غرم مائة، علمت هي بتعدي الرسول أو لم تعلم. وإن لم يعلم هو حتى بني بها حلف ما أمره إلا بخمسين ولا علم بما زاد إلا بعد البناء، ولا يؤدي إلا خمسين. فإن كانت بينة بأن العقد كان بمائة يريد مع الرسول ونكل الزوج غرم المائة. قال أصبغ: فإن لم تكن بينة على أن العقد كان بمائة لم يضر ذلك الزوج، قال محمد فإن لم يحلف هو هاهنا حلفت هي وأخذت المائة، وإنما تحلف هي أن العقدة كانت بمائة لا على أن الزوج أمره بمائة. [4/ 435]
وإذا حلف الزوج بعد البناء فلها أن تحلف الرسول أنه أمره بالمائة، فإن نكل غرم الخمسين الأخرى. قال أصبغ وكذلك إن نكل الزوج وثم بينة على أن العقد بمائة، أو لم يكن فعلى الرسول اليمين للزوج أنه أمره بالمائة، فإن نكل غرم له الزيادة. قال محمد: هذا غلط، ولا يحلف الرسول، إذ لو أقر بالتعدي لم يكن له على الزوج حجة لأنه بنكوله راضي بتعديه، وإنما اليمين للمرأة على الرسول، ولو كنت أحلف الرسول للزوج كنت أرد له اليمين على الزوج وقد نكل أولا. قال أصبغ: وهذا فيما يشبه أن يكون صداقا، وإن كان دون صداق مثلها وقد بنى فيحلف وعليه ما أقر به. وإن لم يشبه أن يكون صداقا وجاء بأمر مفرط مثل الدينارين والثلاثة والخمسة في ذات القدر واليسار، فيحلف قبل البناء، وإن بنى بلغ لها صداق مثلها على تزويج التخفيف والصلة والقريب المواصل. قال عبد الملك إذا بني ولم يعلم حلف ما أمره إلا بما يذكر، ثم عليه صداق المثل. وإن أقر الرسول بالتعدي غرم ما بقي، وإن لم يدخل فسخ. قال محمد: ولا تقبل شهادة الرسول، وكذلك لو كانا رجلين لأنهما خصيماه. وإذا قال وكيل الشراء أمرتني بمائة وبها اشتريت، وقال الآخر بخمسين أمرتك، فيحلف ويرد السلة إلى البائع إن أعلمه أنه ابتاعها لفلان، وإن لم يعلمه لزمت المأمور. وقال أشهب: وإن قال الآمر لم آمرك بهذه المرأة ولا بهذه السلعة فهو مصدق، ولا يغرم المأمور للزوجة شيئا. قال ابن حبيب وقال لي مطرف عن مالك: أنه فرق بين المرأة والسلعة، فقال في السلعة القول قول المأمور. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: وإذا أنكر الآمر ما زوجه به ثم أقر ورضي بعد ذلك، فإن كان إنكاره رداً وفسخاً لفعله فلا يجوز أن يجيزه قرب أو بعد إلا بنكاح جديد، وإن لم يكن على الرد مثل أن يقول أكثرتم علي، وما كنت أحب هذا، وما أراني أرضى وشبه هذا، فلا بأس أن يجيز، فإن طال الأمر ولا يعلم له رضى ولا سخط فلا يجوز إلا أن يأتنف نكاحا حين لم يجز حين علم، [4/ 436]
إنكاح الوليين
ولأنهما لا يتوارثان. وأما ما قرب فيتوارثان استحسانا. قال وتحرم على آبائه وأبنائه، رد ذلك أو رضيه. وقاله أصبغ وقال: التطاول بغير رضى ولا سخط لا يكون إلا بعد الرضا أو الإنكار، وذلك كله ما لم يدخل. قال أبن القاسم وابن وهب: وإذا زوجه الرسول ثم مات فلم يدر أمات قبل تزويجه أو بعد، فلا ميراث بينهما حتى يعلم أنه مات بعد النكاح. قال الليث: وكذلك لا صداق لها. وفي باب إنكاح الغائبة مسألة من زوج أخته ثم مات الزوج فقال ورثته لم تكن رضيت. ومن الواضحة: وإذا فوضت إلى وليها في صداقها فذلك جائز، ثم إن اختلف فيه الولي والزوج تحالفا، يريد قبل البناء ولا تحلف المرأة في هذا. ولو كان أخذ الصداق برضاها وتسميتها لزمها اليمين بينها وبين الناكح، وقاله أصبغ. إنكاح الوليين من كتاب محمد قال مالك في المرأة لها وليان فزوجها كل واحد على حدة من رجل، فإن لم يول كل واحد صاحبه لم يجز نكاح كل واحد منهما، وإن أمر كل واحد صاحبه فنكاح أولهما أولى، إلا أن يبني الآخر. محمد: وهذا في الوصيين والسيدين. وأما الأخوان والعمان ونحوهما فإذا وكلت كل واحد منهما، فمن زوجها منهما بغير إذن الآخر جاز نكاح الأول إلا أن يبني الآخر. قال مالك: وكذلك الأب من وكله الأب هو يزوجها الأب، وقضى به عمر بن الخطاب، وقاله ابن شهاب وربيعة وعطاء ومكحول ويحيى بن سعيد. قال يحيى بن سعيد: فإن لم يعلم الأول فسخا جميعا إلا أن يدخل أحدهما، وقاله ابن القاسم. [4/ 437]
قال محمد: فإن مات الأول أو طلق قبل بناء الثاني وبعد نكاحه، فدخل الثاني بها بعد موت الأول أو طلاقه، فإن لم يعلم الأول حتى دخل الثاني ثبت نكاح الثاني، كدخوله في حياة الأول وقبل طلاقه، ولا ميراث لها من الأول ولا عدة عليها منه. وإن انكشف ذلك فبل بناء الثاني فسخ نكاح الثاني، واعتدت من الأول وورثته. وكذلك إن كان طلاقا فإنه يفسخ نكاح الثاني إذا علم به الآخر قبل دخوله، أو كان نكاحه قبل طلاق الأول وقل موته. قال محمد: ولو مات الأول أو طلق قبل عقد الآخر فيختلف الموت عن الطلاق، لأنه تزوج في الموت من عليها عدة، وأما في الطلاق فيثبت نكاحها ما لم يعقد في عدة وأظن أني سمعت عبد الملك يقول: إن كان الأب العاقد أخر بعد طلاق الأول فنكاحه ثابت، وإن كان الوكيل فنكاحه مفسوخ ما لم يدخل قال وإذا بنى الآخر فأقر الذي زوجه أنه زوجه وهو عالم بالأول فلا يصدق إلا أن تقوم بينة أنه أقر بذلك عندهم قبل تزويجه فيفسخ نكاحه بغير طلاق ولو أقر بذلك الزوج الآخر نفسه صدق على نسخه نفسه وفسخ ذلك بطلقة بائنة، ولها جميع الصداق وقال عبد الملك: يفسخ بغير طلاق. ومن العتبية قال أبو زيد عن ابن القاسم في الأب يجعل بضع ابنته بيد عمها، فمن أنكحها منهما بغير إذن الآخر فذلك نافذ. وفي هذا الباب زيادة لابن حبيب قد كتبناها في باب البيوع، وهو باب في بيع الوليين وإنكاحهما فكرهت إعادته. [4/ 438]
في المرأة تنكر توكيل من زوجها
في المرأة تنكر توكيل من زوجها أو تنكر أنها بنت فلان أو انه زوجها وفيمن زوج ابنته وله ابنتان فلم تعرف وفي الشهادة على البكر لا تعرف وتأخر الإشهاد في النكاح من كتاب ابن المواز: ومن زوج وليته وقال هي أمرتني فأنكرت فتحلف ما أمرته ولا رضيت ويسقط عنها النكاح. ومن العتبية من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب وابن القاسم وقال فيمن زوج ابنته البكر لا ولد له غيرها ثم مات فأنكرت أن تكون ابنته وقالت كنت يتيمة عنده ولا بينة للزوج علي عينها إلا سماعا أنه زوج ابنته ولا تثبتها البينة، أو لها إخوة غير عدول شهدوا عليها وكيف إن رجعت عن ذلك؟ قال: لا يلتفت إلى قولها، وقول الأب عليها جائز، ونسبها لاحق، وميراثها واجب، والنكاح لها لازم. ومن كتاب ابن سحنون وكتب سليمان بن داوود إلى سحنون فيمن أقام بينة أن عمه فلان بن فلان زوجه ابنته فلانة، ولا يعلمون له ابنة غيرها وهي بكر في حجره، بصداق ذكروا رضيا به، وقد أنكرت الآن وتغيبت، فكتب إليه إن أقام البينة بما ذكرت وأنه لا ابنة لأبيها غيرها، فإن كانوا عارفين بشخصها يوم النكاح، أو كان غيرهم يعرف عينها وهم يشهدون على ما ذكرت، فقد لزمها أن تخرج أو توكل إن أنكرت لتقع البينة على شخصها أمامهم أو غيرهم كما ذكرنا، فإن ثبت ذلك وخيف عليها الهروب يوثق منها، وإن لم يخف ذلك منها وسألت تعجيل النقد أمهل الزوج على قدر ما يرى من أن لا يضر بها، فإن كان عنده فأحب التعجيل وإلا فارق ولا يضرها. [4/ 439]
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم قال مالك في المرأة البكر لا تعرف فلتكشف لمن يشهد على رؤيتها إذا زوجها وليها. محمد: وعلى قولها إن كانت ثيبا وعلى صمتها إن كانت بكرا، ثم تزوج تلك التي عاينوا وشهدوا على عينها. قال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى قال مالك: وإن لم يعرفها الشاهدان. قال محمد قال مالك: وليعجل الإشهاد على النكاح عند العقد لا يؤخر، فإن تأخر فلا بأس به، يريد محمد: ما لم يبن. قال مالك: وإذا زوج رجل رجلا ابنته وقال آخر من لقيت كذا وكذلك أنا، ففعلا ثم ندم أحدهما فقد لزمها النكاح، والشهادة جائزة، ولا يفسد النكاح بتأخير الإشهاد. وقد ذكر عن النبي صلى الله علية وسلم حين أنكح أميمة بنت ربيعة، وفعله ابن عمر وسالم. ومن الواضحة ومن زوج ابنته وله ابنتان بكران فقال الزوج أنكحتني فلانة وقال الأب بل فلانة ولم تسمها البينة، فلا يثبت النكاح حتى يجتمعا على إمرأة واحدة، أو تحفظ البينة أسمها وقاله أصبغ. وقال سواء شهدت فيه بينه أو لم تشهد ولا تخالف بينهما فيه كالتداعي في النكاح. ولو اختلفا بعد موت أحدهما فلا ميراث له منها والجواب سواء، وعلى الزوج نصف الصداق يكون بينهما، قاله ابن القاسم فيمن تزوج أماً وابنتها من الرضاع ولا يدري أيهما نكح أولاً أنه يفرق بينهما ويغرم نصف صداق واحدة تكون بينهما، فكذلك هذا. قال أصبغ فإن رجع الناكح فصدق الأب فلا يثبت بذلك النكاح، ولكن يغرم للأولى نصف صداقها، ويغرم نصف صداق التي صدق الأب فيها. قال ولو أن الأب رجع إلى تصديق الزوج فلا يتم أيضاً بذلك النكاح. [4/ 440]
في الدعوى في النكاح، والمرأة يدعي نكاحها رجلان
في الدعوى في النكاح والمرأة يدعي نكاحها رجلان وفي الأختين تدعي نكاح رجل والرجل يدعي نكاح أختها أو الزوج الأب إحداهما وجهلت من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن ادعى نكاح امرأة أو ادعته عليه فلا يمين بينهما وإذا تزوجت رجلا وبنى بها ثم أقام رجل آخر شاهداً واحداً أنه تزوجها قبله فإنها تعزل عن الأول حتى يتبين أمره إن ادعى شاهداً آخر يأتي به إن ادعى أمراً قريبا. وكذلك قال في الشاهد بحرية أمة بيد رجل تنزع وتوقف، وكذلك الدور، وقاله عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ. وكذلك العبد والأمة يقيمان بالحرية شاهداً. محمد فإن لم يصح لهما شاهد آخر وكان ذلك بعيداً حلف السيد ولا شيء على الزوجة ولا على زوجها. وإذا ادعى كل واحد من رجلين نكاح امرأة وأقام كل واحد بينة عادلة فإنه يفسخ نكاحهما بطلقة، ولا ينظر إلى أعدل البينتين. ولا يعمل بإقرارها لأحدهما، وينظر في البيع لأعدل البينتين. قال محمد قوله بطلقة فلست ألزم من نكحت الآن منهما، ونلزم الآخر إن نكاحها يوما لأن من نكحته الآن إن كان أولا فهي امرأته بحالها، ولكن أحب إلي أن يأتنفا نكاحا بولي ومهر لما من أمره، وإن كان هو الآخر فلم تكن له قط زوجة. وإن نكحت غيرهما لزماهما طلقة. قال محمد وذلك عندي إن أنكرتهما جميعا، فأما إن أقرت أن أحدهما الأول، فأحب إلي أن تكون امرأته لأني لو فسخت نكاحهما ثم رجعت إلى الذي أقرت أنه الأول بغير ائتناف لم [4/ 441]
أمنعهما إذ لم يبق لهما خصم ينفي قولهما. وإذا لم توقت بينة الآخر وقتا فهي زوجة من أقرت له أنه الأول حتى يأتي ما يبطل ذلك. وقد قال أشهب فيمن أقام بينة على نكاح امرأة وأقامت أختها البينة أنه زوج لها ولم توقت البينتان وقتا فالقول قول الزوج فيمن قال إنها الأولى عقدا ولا شيء عليه للآخرة ولا طلاق عليه فيها. محمد وهذا عندنا صواب يقوي ما قلت لك. قال أشهب: وكذلك لو قال في إحداهما لم أتزوج قط كان ذلك له، وجعل الإقرار كالإنكار، فلم يعجبنا هذا وأرى إذا لم يقر أنها الآخرة بمعرفة منه أن أفرق بينها وبينه، لأنه كمن قال لا أدري أيتهما الأولى من الآخرة لأنه لم يدع بطلاق نكاحها بأن يقول هي الآخرة والبينة قد أثبتت لها نكاحا. وإنما لم أحكم بها إذا لم توقت. قال أصبغ قال أشهب: ومن أقام بينة أن هذه امرأته فأنكرته وأقامت بينة أن فلانا زوجها وفلان منكر، ولم يوقتا تاريخا وهم عدول، قال لا أنظر إلى التكافئ في العدالة وأفسخ النكاحين. وقال أصبغ: ما لم يقع الدخول بإحداهما. محمد: وذلك أنه أقرت له المرأة وهي منكر. وقال في الواضحة أصبغ عن أشهب: فإذا دخل بها أحدهما قبل الفسخ كانت زوجته، وقيل للآخر أقم البينة أنك الأول. قال عنه في كتاب ابن المواز قلت لأشهب فيمن أقام بينة أنه تزوج فلانة وهي تنكر وأقامت أختها البينة أن هذا الرجل تزوجها وهي تنكر ولم يوقتوا، قال يفسخ النكاحان، ولا أنظر إلى التكافئ. وكذلك لو شهدت كل بينة على البناء لفسخا ولهما الصداق. محمد. وهذا لإنكاره نكاح الآخرة، ولو كان مقرا ويدعي أنها الآخرة لقبلت قوله، لأن البينة لا تكذبه، ولا ينفع التي زعم أنها الأولى حجودها لأن البينة أثبتت نكاحها، وهذا يقويه في المسألة الأولى حين ذكر عنه أنه جعل الإقرار مثل الإنكار قاسه على التي ادعى أنها امرأته الأولى، ولو أنكر أصلا فسخ جميعا، وهو معنى ما ذكر عنه أصبغ. ولو أقر في مسألة أصبغ التي ادعت [4/ 442]
عليه وقال هي الآخرة فالقول قوله لأن بينتهما لا تدفع قوله إذ لم يوقت، ولا ينفع حجود التي قال هو إنها الأولى لقيام البينة أنها زوجته، وليس قول بينة أختها مما يدفع ذلك. قال ولو وقتت البينة التي أنكرها الزوج وقتا ولم يقول أولى هي أم آخرة، وقال هو هي الآخرة، ولم توقت بينة التي قال هو أنها الأولى وقتا، فبينة التوقيت أثبت، والتي أقر بها الزوج لا يدري أقبل ذلك الوقت هي أم بعده، وصار كمن ظهرت عنده أخت امرأته تدعي أنه تزوجها قبلها، وامرأته معروفة له، ولا يدري متى تزوج هذه ولا يصدق، ويفرق بينه وبينها بطلقة، لقوله أنها قبل ولا صداق لها، لأنه يقول لم أطلق وإنما حيل بيني وبينها مع إنكارها تزويجه، ولا سبيل له على التي ينكرها، ويكون لها نصف المهر لذكر بينتها للوقت، وهي كانت أولى بالنكاح، ولكن إنكاره حال بينه وبينها وكان ذلك فرقة. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في امرأة يدعيها رجلان زوجة، وزعمت في أحدهما أنه تزوجها فأضر بها فهربت وظنت أن ذلك فراق، فنكحت الآخر ثم طلقها. فإن كانت للأول بينة ردت إليه بعد أن يحلف ما طلقها، وليستبري رحمها، وإن لم تكن له بينة فرق بينهما، ولا يقبل إقرارها له. وإن أقام الآخر بينة ردت إليه وحلف ما طلق، وإن لم يأتي ببينة فرق بينهما ونكحت من شاءت، يريد بعد العدة. وإذا ادعت امرأة نكاح رجل ادعت شهادة قوم على أن نبطية زوجتها إياه فأنكروا، فإن أقر بالدخول وديا كذا ولو أتت بالبينة على ما قالت لفسخ النكاح بكل حال لأنه نكاح فاسد. [4/ 443]
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن ادعى على امرأته أنها زوجته فأنكرت فلا يؤمر بانتظاره إلا أن يدعي بينة قريبة لا تضر بالمرأة ويرى الإمام لما ادعى وجهاً، فإن أعجزه ثم جاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت أو لم تنكح، قال: قد مضى الحكم. ومن كتاب ابن المواز ومن ادعى نكاح ذات زوج أنه تزوجها قبله وأتى بشاهد فليعزل عنها الزوج ليأتي هذا بشاهد آخر إن ادعى أمراً قريباً، وكذلك العبد أو الأمة يقيمان بالحرية شاهداً. محمد: وإن لم يصح لهما شاهداً آخر وكان ذلك بعيداً أحلف السيد ولا شيء عليه، ولا يمين على الزوجة ولا على زوجها. وبعد هذا باب في الدعوى في الصداق وكيف تدعو المرأة فيه بشاهد. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه كتب إليه سليمان فيمن أقام بينة على امرأة أنه تزوجها بصداق معلوم وأنكرت، فقيل له زك بينتك، فطال الأمر ولم يفعل، ثم قال للحاكم عجزت عن التزكية وأشهد عليه الحاكم بذلك؛ فكتب إليه: إذا كان هذا فحل بين الجارية وبين ما تريد. قيل له: فإن جاء بعد هذا العجز بشاهدين على إقرارها بالنكاح، فقال إقرارها وهي من أهل موضوع معروف بالنكاح ضعيف إلا أنها ما دامت مقرة بالنكاح وهي ممن يجوز بإقرارها فإنها تمنع أن تحدث في نفسها شيء. وعن امرأة ادعى رجل أن أباها زوجه إياها وهي طفلة وأتى بلطخ فكتب الحاكم بإحضاره فادعى أن عمها زوجها إياه برضاها، أو حضر العم فاعترف بذلك، وكل واحد من الزوجين يقول للآخر أنت غيبتها أتسمع البينة على إثبات نكاحها بالاسم والنسب وإن لم تحضر؟ فكتب إليه إن وقع على الذي زوجه العم لطخ أنه غيبها أمر بإحضارها، فإن لد حبس حتى يحضرها أو تظهر براءته، ثم هما على دعواهما، ويجتهد الحاكم في طلبها، فإن طال ذلك ولم تظهر أمراً جميعا بإيقاع البينة على اسمها ونسبها وصفتها. [4/ 444]
في الإقرار بالزوجية في الصحة والمرض
قيل فإن كتب أمين القاضي إليه فيما سأل في الكشف عنها أنه قد تبين أن المدعي لإنكاح الأب مظلوم وأن أمها غيبتها وأتهم الزوج في تغييبها؛ فكتب إليه: ما تبين على الأم من ذلك فخذها بالحبس حتى تظهر براءتها. وسأله حبيب عمن أدعى نكاح امرأة فتنكره فلم يجد بينة بأصل النكاح، ويجد بينة تشهد أن هذه المرأة كانت تسكن معه في جوارنا خمس عشرة سنة وولدت معه وهي مقرة أنه زوجها وهو كذلك مقر بالزوجة. قال: خمس عشرة كثير، وما أحلفه أن ذلك يوجب نكاحه، ثم قال دعني أنظر فيها ثم قال: إن لم تكن سنين كثيرة لم يوجب ذلك النكاح إلا في الطارئين فيقبل قوله، وأما من أهل الموضوع فلا بد من البينة على النكاح، إلا أن يكون ذلك فاشيا مشهورا في الناس وعند القراب، يريد أنه كان البناء مشهورا وعقد النكاح. وأما تقاررهما بعد البناء بالنكاح فلا يقبل، هذا معنى هذه المسألة. في الأقرار بالزوجية في الصحة والمرض وشهادة السماع في النكاح أو شاهد واحد ومن كتاب محمد قال أصبغ عن ابن القاسم وهو في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم فيمن أشترى أمة فولدت منه فكان يقول هي امرأتي تزوجتها، وحلف بطلاقها، ثم مرض فأقر لها بمال بقية مهرها، وتصدق عليها بأشياء في مرضه، ثم صح سنين ثم مرض فمات. قال هي امرأته ولها ميراث وبقية مهرها الذي أقر به في المرض الأول، لأنه صح بعده، ولها ما تصدق به إن حازته بعد صحته، وإن لم تقبضه فلا شيء له منه. وإن مات في مرضه الأول بطل ذلك وبطل إقراره لها بالمهر، ولها ميراث بإقراره في الصحة في أنها زوجته. قال عنه أصبغ: في كتاب محمد: ولم يقر لها بالزوجية إلا في المرض لم ترثه وإن كان يحلف بطلاقها في صحته، إلا أن يكون له معها ولد فيثبت نسبه بإقراره ويرثه، ثم وقف عن الميراث إن لم يكن له معها ولد إلا أن يكون سماع على [4/ 445]
النكاح من أهل العدل عن الثقات فترث مع إقراره بالمرض، إن لم يكن معها ولد ولم يصح بعد من مرضه. محمد: ولو صح ذلك المرض من قوله وإن لم يكن معها ولد كإقراره بالدين لمن يتهم عليه، وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: وكذلك في شهادة السماع في كل شيء فإنهم يوقفون من سمعوا من الثقات أومن غيرهم في جميع الأشياء. قال أصبغ فيمن أقر في مرضه أن فلانه امرأته والولد الذي معها ولده، فإنه يلحق به وترثه المرأة. قلت: فإن لم يكن معها ولد؟ قال لا أدري. وكذلك جواب ابن القاسم. ثم قال ابن القاسم: لا ترثه إلا سماع من العدول عن الثقات أنها امرأته. ومن غير كتاب ابن المواز روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم: لا تجوز شهادة السماع إلا عن العدول إلا في الرضاع، فيجوز أن يشهد العدول على لفيف القرابة والأهلين والجيران وإن لم يكونوا عدولا كالنساء والخدم أنه عندهم في سماعهم أن فلانة أرضعت فلانا. ومن العتبية روى يحيي ابن يحيي عن ابن القاسم في خصي أشهد في مرضه في جارية أني كنت أعتقها في الصحة وتزوجها وأشهدكم أنها طالق البتة فلا تعتق هذه في ثلث ولا غيره ولا صداق لها ولا ميراث إلا بأمر يثبت في الصحة من العتق ثم النكاح، إلا إن قال في مرضه: وأمضوا عتقها فإنها تعتق في الثلث، ولو صح ثبتت حرمتها ولم تحل له إلا بعد زوج لما طلق. قيل فما لها من الصداق ولم يكن أقر بتسمية وقد اختلفا فيه الآن؟ قال القول فيه الزوج [4/ 446]
فيمن أقر أنه زوج فلانا أو باعه وقال أردت اعتذارا
فيمن أقر زوج فلانا أو باعه وقال أردت اعتذارا من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن خطب إليه رجل ابنته، فقال قد زوجتها فلانا، فقام بذلك فلانا، فأنكر الأب وقال: إنما اعتذرت ذلك دفعا لمن جاءني قال إن ادعى المقر أنه زوجه فبل ذلك حلف وثبت النكاح ببينة الإقرار في الخطبة، وإن لم يدع الإقرار في الخطبة حلف الأب أنه قال ذلك اعتذارا يريد إيجاب نكاح له وصدق، وقاله أصبغ وكذلك في العتبية عن أصبغ عن ابن القاسم. قال محمد وهذا أحب إلينا. وكذلك إن سيم سلعة فقال بعتها من فلان، أو كانت أمة فقال أعتقها، فإن لم يدع المقر له غير هذا الإقرار فإنما له اليمين. وفي العتق إشكال فاستحسن إنفاذه إلاأن يتبين أن من ساومه ممن يخاف وممن يحتجز منه بأمر بين. قال محمد ولولا ما قاله ابن القاسم كان أحب إلي أن يكون. وإن ادعى المقر له بالحق كان له قبل هذا لا يقبل قوله. وقال ابن حبيب في مسألة النكاح ذلك لازم بأي ذلك طلب الطالب، بقوله هذا، أو بإيجاب متقدم. وكمن قال طلقت أو أعتقت، ثم قال كنت متعذرا فلا يقبل منه ويلزمه عتقه، ولو سيم به فقال قد بعته من فلان أو هو لفلان أو لابنتي أو لأمر أتى فبخلان ذلك، هذا لا يلزمه ألا يثبت غير هذا، ويحلف أنه كان متعذرا ويبرأ. تم الجزء الأول من كتاب النكاح بحمد الله وعونه ويتلوه في الجزء السادس إن شاء الله تعالى الثاني من النكاح والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد وأله وسلم [4/ 447]
[الجزء الثاني من النكاح]
في مقدار الصداق ونكاح الموهوبة وذكر الشغار من كتاب ابن المواز قال: وأقل الصداق من الذهب ربع دينار، ومن الورق ثلاثة دراهم، ومن العروض ما قيمته ثلاثة دراهم، ومن تزوج بدرهمين، فإن لم يدخل خير؛ فإما أتم لها [ثلاثة دراهم]، وإلا أوقعنا علية طلقة واحدة، وكان لها نصف الدرهمين، وإن دخل، فقال عبد الملك: يلزمه تمام صداق مثلها، وقال ابن القاسم وأشهب: يتم لها ثلاثة دراهم. قلت: فقول ربيعة: يجوز بدرهم. وقال يحيي بن معين: يجوز بسوط وبنعلين إن كان صداقها لو أخذته بدرهم، لأخذته بأقل منه إلى ما لا يكون صداقا، وقد أجمل الله ما تقطع فيها اليد في السرقة، فوقت النبي صلى الله علية وسلم فيه ربع دينار مما له بال، فلا يباع فرج بما لا بال، فلا يباع فرج بما لا بال له. وأما يحيي بن سعيد، فقد إستثنى إن كان صداقها. [4/ 449]
قال ابن حبيب: والمياسرة في الصداق أحب إلينا وأقرب إلى يسر الدين، وكان صداق النبي صلى الله علية وسلم لأزواجه خمسمائة درهم وزوج عليا على درعه، فبيع بخمسمائة درهم، وتزوج عبد الرحمن على وزن نواة من ذهب، واستكثر النبي صلى الله علية وسلم لرجل مائتي درهم، واستحب عمر أربع مائة درهم. وتزوج ابن عمر بستمائة درهم، وزوج ابن المسيب ابنته على ثلاثة دراهم، وكن بنات عبد الله ابن عمر، وبنات أخيه يصدقن بألف دينار لكل واحدة، وعشرة آلاف درهم، وكان ابن عمر يجعل لهن قريبا من أربعمائة دينار حليا. وتزوج ابن عباس على عشرة آلاف، وتزوج القعقاع بن سوار بنت قبيصة ابن هانىء على أربعين ألفا، في أيام علي، وولاه علي ولاية بعد ذلك، ثم كره منه شيئا فقرعة بذلك، فقال: لو كان كفؤا ما فعل هذا. ومن كتاب آخر: أمهر النجاشي عن النبي صلي الله علية وسلم أربعة آلاف دينار. قال ابن حبيب: ومن تزوج بأقل من ربع دينار ودخل. فإنه يخير على إتمام ربع دينار، ولا يفسخ للاختلاف فيه أجازه ربيعة. وقال يحيى بن سعيد: بنعلين، وبسوط. وابن قسيط وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد، وأجازه ابن وهب بدرهم وليس بأمر متبع وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف: على وزن نواة من ذهب: يعني خمسة دراهم، ولم يكن ذهب كانوا يسمون الخمسة دراهم ناة. والنش عشرون، والأوقية أربعون. وقال ابن حبيب، في نكاح الهبة: إن عنى به غير النكاح، ولم يعن به هبة الصداق، ولكن وهبت نفسها له، فهذا يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل: وإن عنى بها نكاحها بغير صداق، فلا يجوز، وما أصدقهاـ ولو ربع دينار فأكثرـ فجائز، لها لازم، عثر على ذلك قبل البناء أو بعده ـ والميراث بينهما في هذين الوجهين، ولا صداق فيه في الموت. [4/ 450]
قال ابن المواز: الموهوبة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل لمن بعده بغير صداق، فمن تزوج على الهبة، فلم يختلف مالك وأصحابه، أنه يفسخ قبل البناء [واختلفوا] إذا دخل بها. وقال أصبغ: وفساده في البضع، وقال ابن القاسم، وعبد الملك: لا يفسخ، ولها صداق المثل. وروى عن مالك، قال أشهب: إذا فسخ قبل البناء، فلها ثلاثة دراهم، وقال أصبغ: صداق المثل وقاله ابن وهب فيما أحسب. قال ابن حبيب: وقول مالك في الشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، فسواء عنده كان في ذلك صداق أو لم يكن، فسخ إذا كان يشترط على أن يزوجه الآخر، لأنه يفترق في الفسخ، فإذا لم يكن بينهما صداق فيفسخ قبل البناء وبعده، وإن كان فيه صداق فسخ قبل البناء، وثبت بعده، وكان لكل واحدة صداق المثل. وقال ابن القاسم، في المدونة: لكل واحدة الأكثر من المثل أو ما سمي إذا بنى بهما في نكاح التفويض والتحكيم. ومن الواضحة: ولا بأس بنكاح التفويض ونكاح التحكيم، كان الحكم فيه إلى الزوج أو إلى المرأة أو وليها أو إلى أجنبي، ثم لابد من فريضة، وكذلك في السكات وقد قالوا زوجناك فقط، فإذا اختلفوا بعد البناء فمجتمع عليه أن في ذلك كله صداق المثل، فأما قبل البناء، فإن فرض صداق المثل فلا حجة لهم، وإلا فارق ولا شيء عليه. وهذا مجتمع عليه في كل ما ذكرنا، إلا في قولهم: قد أنكحناك على قولها. فابن القاسم يراه مثل السكات أو تحكيم الولي. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. [4/ 451]
قال أشهب وعبد الملك: إن لم يرض بما حكمت، لم يلزمها بدله لصداق المثل قبل البناء، وبه أقول. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم، فيمن تزوج على حكمه أو حكمها أو حكم فلان، فذلك جائز، فإن رضيت بما حكم، أو رضي هو بما حكمت، أو رضيا بما حكم فلان، وإلا فرق بينهما، كالتفويض إذا لم يفرض صداق المثل. قال عبد الملك: أما على حكمها، فالنكاح يفسخ ما لم يدخل، وأما على حكمه، فهو التفويض الجائز. وأجاز ابن عبد الحكم على حكمها إذا رضي. وقاله أشهب، إن رضي بما سمت، أو رضيت بما سمى جاز، وإلا فسخ. وذكر عن مالك، قال أشهب: وإن بنى قبل التراضي، فلها صداق المثل. قال ابن القاسم: وإن تزوج امرأة على صداق مثلها، فهو جائز، وهو أبعد من نكاحه على شوارها، وكل جائز، ولها في الشوار شوار مثلها. قال أشهب: لو قال: زوجني ابنتك. فيقول: قد فعلت فذلك التفويض، ولو قال: بعني غلامك. فقال: قد فعلت لم يكن ذلك بشيء. قال ابن حبيب: إذا كان المفوض إليه قريب القرابة، أو مولى نعمة، أو أجنبيا فاضلا، خفف عنه من صداق المثل بقدر ما يرى أنه أريد من مقاربته، ولا يحط عنه جزء له بال، لكن بمعنى التخفيف والمقاربة. ولا ينبغي أن يبني في التفويض، ولا يخلو بها حتى يقدم ربع دينار فأكثر، فإن مسها ثم طلق لزمه صداق المثل. ومن فوض إليه في المرض، فعقله فيه، ثم مات قبل البناء، وقد فرض فيه، أو لم يفرض، فلا ميراث لها، ولا صداق، ولا متعة، ولو بنى فيه ولم يفرض، فلها [4/ 452]
صداق المثل في الثلث مبدأ، ولا ميراث لها، ولو فرض فيه أكثر من صداق المثل، بدئت في الثلث بصداق المثل وحاصت بالزائد، كالوصية، وهي غير وارثة. ومن كتاب ابن المواز: ومن تزوج على تفويض ودخل لزمه صداق المثل، ليس صداق أمها وأخواتها ونساء قومها، ولكن في شبابها وجمالها في زمنها، ورغبة الناس فيها، وينظر في ذلك أيضاً للزوج، إن زوجوه إرادة صلته ومقاربته خفف عنه، وإن كان على غير ذلك أكمل عليه صداق المثل. وإذا دفع إليهم شيئاً أو سماه ولم يدفعه، ثم طلق قبل البناء؛ فإن كان صداق المثل أو كان أقل منه، فرضوا به، فلها نصفه، وإن لم يف بالمثل، ولا رضوا به ردوا جميعه، ولها المتعة، ولا يقبل منهم بعد الطلاق أنهم كانوا رضوا به، إذا لم يكن صداق مثلها إلا ببينة على الرضا ولو قدم إليهم شيئاً، ثم دخل بها، ثم طلبوا بقية المهر، فلا شيء لهم؛ لأنهم أدخلوها عليه، إلا أن يكون الشيء التافه لا يشبه أن يكون صداقا، كالدرهمين والثلاثة والطعام، فهذا عليه صداق المثل. ولو سمى لها في صحته صداقا إن رضيت به قبل يمرض فهو لها من رأس ماله، قل أو كثر، مات أو عاش وإن طلق قبل البناء في مرضه فلها نصفه، وما سمى لها في المرض، فلا شيء لها فيه إن مات قبل صحته، فإن صح، تم لها ذلك، ثم إن مات، كان لها. وإن طلق قبل البناء، فلها نصفه، وإن ماتت قبل يفرض لها فلا صداق عليه. وله الميراث وإن سمى، ثم دخل في مرضها فعليه ما سمى ويرثها. قال أصبغ: وإن سمى في مرضه ثم ماتت هي ثم صح هو بعدها، لزمته التسمية لورثتها وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية قال محمد: لا يعجبني قول أصبغ. [4/ 453]
قال مالك: وإن سمى في مرضه ودخل بها فلها ما سمى إن مات من رأس ماله؛ إلا أن يزيد على صداق مثلها فتبطل الزيادة، إلا أن تكون ذمية لا ترثه، فيكون لها الزيادة في ثلثه. قال محمد: ولو سمى للأمة أو للذمية في مرضه ولم يبن بها، فلها ذلك كله في ثلثه، وتحاص به أهل الوصايا. قال عبد الملك: لا شيء لها لأنه لم يسم لها إلا على المصاب. قال محمد: ولا يعجبنا ذلك. وإذا نكح على أن لها نقد عشرين ديناراً، وعلى أنه يفوض إليه في بقية مهرها، ثم لم يرضوا بما فرض لها ولا بما زاد لأنه أقل من صداق مثلها حتى فارق، فله أخذ العشرين ولا يلزمه شيء، وليمتعها. وكذلك لو تزوجها على تفويض، وعلى دفعه لأبيها خاصة، ثم طلق قبل البناء، فعليه المتعة، ويأخذ من الأب كل ما أعطاه وليس لهم إلا ما أرسل إليها. قال يحيى بن سعيد قال محمد فيمن فوض إليه إذا كان الأب قد قبله فبعث بثياب ومتاع، فأدخلت عليه ثم ماتت: فليس لهم إلا ما أرسل إليها. قال يحيى بن سعيد: إذا كان الأب قد قبله وأدخلها. قال ابن وهب، عن مالك فيمن تزوج امرأة، ثم خطب أختها لابنه، فقيل له: أتصدقها كصداق أختها؟ فقال: لم أكن أقصر بها. ثم طلقها الابن، قال مالك: لو صالحتموه، ورأيت معنى قوله: إنه لزمه الصداق بقوله: لا أقصر بها قال ابن القاسم: وكأنهم زوجوه على المكافأة. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم: وكأنهم زوجوه على المكافأة وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، قال: يلزمه، وقال مرة: لو اصطلحوا، وكأنه يوجبه عليه، ولم يعينه قال ابن القاسم: وكأنهم زوجوه على المكافأة. [4/ 454]
في البناء قبل أن يقدم شيئا
ومن كتاب محمد، والعتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: وإذا تزوج امرأة على ثلاثين ديناراً، بعد أن ماتت خالتها تحته، فقال الأب: اشتر لابنتي خادماً من صداقها. فقال: عندنا خادم. قال: فمتاعاً لبيتها من مهرها. قال: هذا بيت خالتها. يعني المتاع، ثم دخلت. قال مالك: يقوم ذلك؛ فإن كان فيه فضل، فهو للمرأة، لأنه رضي أن يعطيها إياه، وإن كان أقل اتبعته بما بقى قال محمد: إذا لم تكن المرأة رضيت بذلك ولا علمت، ثم لم ترض بذلك حين رأته. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم فيمن تزوج بتفويض، فبعث إلى أهلها بشيء فسخطوه، فقال: فإن لها صداق المثل، ثم إن طلق ولم يدخل، فإن لها نصف صداق المثل. في البناء قبل أن يقدم شيئاً وفي طلب تعجيل النقد قال ابن حبيب: وإذا رضيت له بالبناء قبل أن يقدم شيئاً فليس بحرام. وهو معنى قول الله سبحانه {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} وقال في باب آخر: هو ما أعطته، أو وضعت عنه من صداقها. وأجازه ابن المسيب، وغيره، وكرهه آخرون. وكرهه مالك حتى يقدم ولو ربع دينار. وكره ابن القاسم أن يدخل بالهدية التي قد أهدى. وقد أجازه مالك، وابن المسيب، وابن شهاب، وغيره. ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، فيمن أذنت له زوجته أن يدخل عليها، ويبني وتمنعه نفسها حتى تأخذ الصداق، قال: ذلك لها، إلا أن ترضى [4/ 455]
له بنصفه، وأما النفقة، فهي لها عليه، ومن دخل، ولم يقدم شيئاً فإنه يقال له: أعطها ربع دينار، ولا تجتنب مسيسها بعد الدخول بها. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإن أهدى إلى زوجته فلا يدخل حتى يقدم من الصداق ربع دينار، وإذا رهنا بالصداق، فلا بأس أن يدخل بذلك. وأجاز بعض الناس أن يدخل بحمالة، وما أحب ذلك حتى يقدم ربع دينار. ومن الواضحة: وإذا طلبت قبل البناء أخذ النقد وأبى الزوج ذلك إلا عند البناء، فذلك للزوج، إلا أن تشاء هي تعجيل البناء فلها قبضه؛ فإن أعسر به تلوم له، وكانت عليه النفقة إن شاءت وأجل في الصداق أجلاً واسعاً. فإن عجز عن النفقة قصر له في أجل الصداق، فإن جاء به وإلا فرق بينهما، واتبعته بنصفه، وإن كان النقد شيئاً بعينه من دار أو عبد أو عرض فلها تعجيله. وإن تأخر البناء، وقاله لي كله من سألته من أصحاب مالك. وكذلك قال في الصغيرة تتزوج صغيراً أو كبيراً، فأصدقها داراً، أو عبداً فلأبيها استعجال قبض الدار والعبد واستغلال ذلك، وإن لم يمكن من الدخول، بخلاف ما ليس بعينه، لأن الذي ليس بعينه في ضمان الزوج، والذي بعينه في ضمان الزوجة، فلها تعجله، ولا تتبعه في نفقتها، وكذلك الصغير يتزوج الكبيرة بصداق بعينه فيما ذكرنا. وهو قول مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: إذا أعسر بالنقد فأخروه به، لم يجز أن يدخل حتى يقدم ولو ثلاثة دراهم فإن دخل قبل يقدم شيئاً، فليتلاف ذلك، بأن يعطيها ما ذكرنا، ولا تنكل في هذا، وإن كان غير جاهل، قال أصبغ: ما لم يكونا من أهل التهم بتلفيق النكاح. [4/ 456]
فيمن نكح امرأة بعبد غائب أو دار غائبة أو بدين له
قال مالك: وإنما كره أن يدخل قبل يقدم شيئاً أن تتصدق عليه بصداقها، ولم يصل إليها منه شيء وفي رواية أشهب عن مالك فيمن نكح بصداق مؤجل: أكره أن يدخل قبل يقدم شيئاً، فإن فعل جاز، ولا أحبه قال أشهب: فإن عجل ربع دينار ليدخل بها فأبت حتى تقبض الجميع فإنها تجبر على الدخول، إلا أن يتراخى ذلك إلى حلول أجله، فلها أن تأبى حتى تأخذ جميعه أو ما حل منه. وكذلك من تزوج بعاجل وآجل، فله البناء بدفع المعجل؛ فإن لم يدخل حتى حل المؤجل، فلها منعه حتى تقبض جميعه ولو بقى للمؤجل سنين، فليس لها منعه حتى يحل، ولو دخلت بعد حلول المعجل ثم حل المؤجل بعد البناء، فليس لها أن تمنعه نفسها لتقبض ذلك، ولا لأن تقبض ما كان حل قبل بنائها. وإذا وهبته قبل البناء جميع صداقها، خير على أن لا يدخل يعطيها ربع دينار فأكثر، فإن لم يفعل حتى طلق فلا شيء لها عليه، ولو قبضته ثم وهبته له فلا شيء لأحدهما على الآخر، وإن وهبته لأجنبي، رجع عليها الزوج بنصفه قال ابن القاسم: فترجع هي على الموهوب فتغرمه ما غرمت. فيمن نكح امرأة بعبد غائب، أو دار غائبة أو بدين له على رجل، أو بأرش جرح له عليها وهل يدخل بذلك؟ ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولا بأس بالنكاح بعبد غائب بعيد الغيبة. قال ابن حبيب: إذا وصفه لها أو للأب في البكر، كان معه عين أو لم يكن، وكذلك بعبيد، قالا: إلا ما بعد جداً مثل خراسان والأندلس، فأكرهه لانقطاع خبره، قال ابن حبيب: مثل إفريقية من المدينة، كان مع ذلك عين أو لم يكن، فلا خير فيه ويفسخ، قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وأما مسيرة الشهر ونحوه، فذلك جائز، والضمان من الزوج حتى تقبضه المرأة. [4/ 457]
قال ابن القاسم: وله أن يدخل إن كانت الغيبة قريبة، ولا يدخل بها في الغيبة البعيدة وإن قدم إليها ربع دينار. وإن سماه مع العبد لأن النقد في هذا البعيد لا يجوز، والدخول انتقاد، ولو كان هذا العبد بعينه على أن يكون مضموناً عليه لم يجز النكاح قال: وإن لم يكن بعينه، وكان مضموناً بصفة جاز، وإن كان بعينه ولم يصفه فسخ النكاح قبل البناء وثبت بعده، ولها صداق المثل. وكذلك القريب الغيبة في هذا، ولو كان في المنزل، وإن كان قريباً فوصفه فأصيب العبد قبل تقبضه، فلها قيمته في تلك الصفة، وكذلك إن بعد فردته بعيب، فإن نكحت بدار أو أرض غائبة بعيد الغيبة، جاز إذا وصفت، ولم يجز إن لم توصف، ويفسخ إلا أن يبني فيثبت، ولها صداق المثل، ويجوز ذلك في الخلع وإن لم يوصف. ومن الواضحة، قال ابن حبيب: وإذا نكحت برقيق غائبة على مثل شهر أو عشرة أيام فذلك جائز إن وصفت لها، أو للأب في البكر، ولها البناء قبل تقبضه، وله البناء قبل يقبضها، بخلاف البيوع، لا يجوز النقد في البيع في مثل هذه الغيبة وأحب إلي أن يعطيها قبل قبض الرقيق ربع دينار، أو ما يسواه، وهم من الزوج، فإن ماتوا ودى قيمتهم على ما وصف يوم العقد، ولا بأس أن يشترط فيهم الزوج الصفقة، كالبيع. وقاله كله ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن تزوجها بدين له على رجل، فذلك جائز، ولا يدخل حتى تقبض من ذلك ثلاثة دراهم يدفعها هو إليها، وقال مالك أيضاً: له أن يدخل وإن لم تقبض شيئاً، لأنه حق لها، لأنها لو شاءت باعته وقبضت ثمنه. ومن كتاب الرجوع عن الشهادات، لابن سحنون: وإذا جرحت امرأة رجلا جرحا خطأ، منقلة أو موضحة فبرئ منها، فتزوجها بما وجب له عليها من ذلك، فقد كره بعض أصحاب النكاح بذلك، وأجازه غيره، فإن طلقها قبل البناء فعليها نصف العقد، وإن لم يطلقها حتى انتقض الجرح، فبرئ فيه فمات فإن [4/ 458]
فيمن نكح برقيق أو شوار بغير صفة ولا أجل
أقسم ورثته لمن جرح مات، أخذت الدية من العاقلة، وأخذت هي من ذلك أو من صلب ماله قيمة الموضحة أو المنقلة، لأنها كثمن معروف، وكأنها لما صار الجرح نفساً إنما تزوجت بشيء فاستحق فلها قيمته، والنكاح جائز، ولها الميراث من المال، ولا ميراث لها من الدية، وكأنها جنت عليه، وهي زوجة له؛ وإن أبوا أن يقسموا أنه لمنه مات، فقد سقط عقل الموضحة، وصار كدين كان له عليها، فتزوجها به فمات فسقط عنها. ولو تزوجها وهو مريض على الضربة وما يحدث فلا يجوز؛ لأنه نكاح مريض وصداق مجهول، فإن مات من مرضه فلا ميراث لها ولا صداق لها، فإن أقسم الورثة أخذوا الدية من عاقلتها وسقط ما عليها، وإن أبوا أن يقسموا رجعوا عليها بمبلغ خراجها من الموضحة والمنقلة في مالها. فيمن نكح برقيق، أو شوار بغير صفة ولا أجل، أو بشيء لم يصفه، أو بعبد يختاره أحدهما أو بشيء ذكر ثمنه ولم يصفه، أو على دار فلان من كتاب ابن المواز: ومن تزوج بعبد بغير صفة ولا أجل جاز بخلاف البيع، ولها عبد وسط حالا وإن نكح برقيق ذكر العدة ولم يذكر حمراناً، ولا سوداناً، فلها الوسط من الأغلب في البلد من الصنفين وكذلك العتبية من سماع ابن القاسم. قال في كتاب محمد: فإن لم يكن في البلد أحد الصنفين أغلب، نظر إلى وسط الحمران، ووسط السودان، فأعطيت نصف ذلك، وذلك على قيمته ذلك يوم وقع النكاح وكذلك إن طلق قبل البناء، وقاله أصبغ. قال مالك في العتبية ويعطى الإناث دون الذكور. وكذلك شأن الناس وقاله سحنون، قيل لمالك: فمن سمى في صداق جارية بخمسين، وسريراً بكذا، [4/ 459]
وفرشاً بكذا، ثم يعطيهم دون تلك القيمة؟ قال: يلزمه مثل ما سمى قيل لسحنون: لأنهم يسمون للسمعة ويعطون ذلك، قال: ما أعرف هذا عندنا. وأرى أن تلزمه التسمية. قيل: فإذا كان هذا أمراً يتناكحون عليه. قال: يتقدم الإمام فيه وفي الذي ينكح عليه أهل مصره. قال أصبغ، وفي الواضحة: وأرى إن سمى للمرأة الدنية الرداء بعشرين ديناراً، أو خمار قز، أو درع خز بثلاثين، وشبه هذا مما يرى أنه أريد به السمعة: أن تعطى وسطاً من ذلك، ولا تعطي الثمن الذي سمى لها وإن كانت تشبه أن يسمي لها ذلك، أخذ بالتسمية. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شرط في صداقه رأسين كل رأس بخمسين، فغلت الرقيق أو رخصت، فإن وصفوا كل رأس بصفة، وكان ذكر الخمسين عبارة عن تلك الصفة فلهم الصفة؛ غلت فزادت على الخمسين أو رخصت وإن كان ذكر الخمسين لا يقصد بها صفة إلا ترتيب الخمسين فعليه شراؤها بخمسين ديناراً كل رأس في الغلاء والرخص. قال ابن حبيب: إذا سمى للرقيق ثمناً أخذ بالتسمية، ولم ينظر إلى الوسط من ذلك، والمرأة مخيرة، إن شاءت أخذته بالتسمية وتركت الرقيق، وإن شاءت أخذته بالرقيق على تلك التسمية، إلا أن يحصر بالرقيق على التسمية، فليس لها غيرها، كمن وكل على شراء شيء فاشتراه فيلزم الأمر وإن طلقها قبل البناء فلها نصف التسمية، ولا يجبر الزوج أن يأتي برأس فيكون بينهما وهكذا أوضح لي عن مالك من كاشف فيه من أصحابه، وكله مما اجتمع عليه أصحابه. قال ابن حبيب: ومن نكح على خادم رضاً، فإن كان معناه عندهم أنها الجائزة فذلك جائز، وعليه خادم وسط من خدم النقود، وإن كان معنى الرضا عندهم رضا المرأة فهو على وجه التحكيم، كأنه نكح على حكمها؛ فإن تراضيا على شيء وإلا فلها مثلها. [4/ 460]
في النكاح بصداق إلى غير أجل أو أجل مجهول
ومن كتاب ابن المواز: وإن نكح بعرض لم يصف من أي العروض لم يجز، ويفسخ، ما لم يدخل حتى يقول: بثوب. أو: بكذا من الكتان أو الصوف وإن يصفه فلها الوسط، وكذلك في اللؤلؤ قاله ابن القاسم. ولا يجوز على أن يشتري لها دار فلان، أو عبد فلان، ويفسخ قبل البناء وإن نكح باحد عبديه، تختاره هي فجائز، وإن كان يختاره هو لم يجز، ويفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل. وإن نكح برأس بمائة، ولم يصفه، وبمائة دينار، فطلق قبل البناء، فعليه مائة دينار زاد عيسى بن دينار في روايته: والنكاح جائز. في النكاح بصداق إلى غير أجل أو إلى أجل مجهول، أو أجل بعيد، أو على أنه إن لم يجد، فهو في حل، ومتى يحل المهر؟ من الواضحة وغيرها قال مالك: إذا كان الصداق نقداً كله والمؤخر منه محدث، فلا أحبه، ولا يفسخ إن نزل إلا أن يكون إلى غير أجل فيفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك الصداق بعضه معجل وبعضه إلى ست سنين. وقال: لم يكن من عمل الناس. وقال ابن القاسم: لا يعجبني إلا إلى سنة وسنتين؛ فإن وقع في المسألة الأولى لم أفسخه إلا في الأجل البعيد قال أصبغ: إلا أن يطرحوا ذلك عنه أو يجعلوه إلى أجل قريب أو يبني فيكون لها صداق المثل نقداً كله. وقال ابن وهب: القريب الجائز إلى خمس ولا يفسخ، وكذلك العشرون أو أكثر قليلاً، ما لم يبعد جداً مثل الأربعين، ثم رجع فقال: وإن وقع إلى أكثر من ثلاثين، لم يفسخ وإن لم يدخل ما لم يبعد جداً. وذكر ابن حبيب، في رجوع. [4/ 461]
ابن القاسم، أنه قال: وإلى الأربعين فلا أفسخه، قالا عنه: ويفسخ في الخمسين والستين، ويصير إلى مثل موت أو فراق. قال أصبغ: ولو فسخه أحد في الأربعين لم أعبه؛ وابن وهب يفسخه فيما زاد على العشرين. وقال أيضاَ: يفسخ فيما زاد على العشرة. وقاله ابن القاسم، ثم رجع. قال أصبغ: ولا أكره المهر إلى عشرين سنة وقد زوج أشهب ابنته على أن جعل مؤخر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة. قال ابن المواز: قال مالك: ونكاح أهل مصر والشام بعضه بنقد، وبعضه إلى غير أجل، إلا أن ما تعارفوا وعملوا عليه أنه إلى موت أو فراق، فهذا غرر لا يصلح. قال ابن القاسم: وإذا وقع بمائة نقداَ، ومائة إلى غير أجل، أو إلى موت أو فراق، فإن مات بالبناء فلها صداق المثل، ما لم تنقص من مائة فلا ينقص، أو يزيد على مائتين أو رضيت بتعجيل فلا يزاد على مائتين نقداَ، ولو رضي يريد قبل البناء بتعجيل المائتين، أو رضيت هي بأخذ مائة فقط، تم النكاح، وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وكذلك في الواضحة. قال ابن حبيب: ولم يختلف مالك وأصحابه أنه يفسخ قبل البناء إن لم تسقط هي المائة المؤخرة ولا عجلها الزوج، وأنه إن بنى، وصداق المثل اقل من مائة، انه لا ينقص من مائة. واختلفوا إن كان أكثر من المائتين؛ فقال ابن القاسم: لا يزاد. وقال مطرف وابن الماجشون: لها بالزائد ما بلغ، ورواه مطرف عن مالك. ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب: ولو أصدقها مائة نقداً، ومائة إلى سنة، ومائة إلى موت أو فراق، ومات بالبناء، وكان صداق المثل مائتين فأقل فلها مائتان مائة نقداً ومائة إلى سنة، وتسقط المائة الأخرى. وإن كان صداق المثل مائتين وخمسين: كان لها مائة وخمسون نقداً، ومائة إلى سنة. [4/ 462]
قال ابن حبيب: وكذلك إن زاد على ذلك تعجلته إلا مائة إلى سنة. قال في كتاب ابن المواز وإن كان أكثر من ثلاثمائة، لم يزد. وهذا ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم. قال ابن حبيب: وسواء فيما ذكرنا من أول المسألة، كان بعضه مؤخراً إلى غير أجل أو إلى موت أو فراق، أو إلى ميسرة، أو إلى أن تطلب المرأة وهو الآن مليء أو معدم، قاله ابن الماجشون، وأصبغ. وقال ابن القاسم، في قوله إلى ميسرة. أو إلى أن تطلبه به المرأة: إن كان يومئذ ملياً فجائزة. ومن العتبية روى يحيى ابن يحيى عن عبد القاسم فيمن تزوج بصداق إلى ميسرة فإن كان يومئذ ملياً فالنكاح جائز، وليؤخروه قدر ما يرى من التوسعة على مثله، وإن كان يومئذ معدماً فسخ، إلا أن يبني فيثبت، ولها صداق المثل. قال ابن المواز: وروى ابن وهب عن مالك فيمن نكح بمائة نقداً وبمائة إلى ميسرة فلا يعجبني، وإن كان له مال يومئذ فلا بأس به إن شاء الله. ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عمن تزوج امرأة وشرط في شيء من صداقها إلى ميسرة خادماً أو غير ذلك، قال: النكاح فاسد، يفسخ قبل البناء ولا شيء لها، وإن بنى بها فلها صداق المثل، إلا أن يكون أقل مما عجل لها، فلا تنقص منه، يريد أنه لم يكن في الصداق شيء مؤخر غير ذلك الشيء المشترط فيه الميسرة. قال ابن المواز قال مالك: وإن نكح بمائة نقداً، ومائة على ظهره؛ فإن كان يحل بالبناء فجائز. محمد: وكذلك لو قال: ومائة بعد البناء بسنة، لأن البناء كالحال، إذ للزوجة أن تدعوه إليه متى ما شاءت، وقد كان أصبغ يرى في قوله بعد البناء بسنة انه فاسد، وأجل مجهول، وهذا غلط منه لما ذكرنا. [4/ 463]
وقد قال مالك في المسألة التي ذكرنا: إن كان يحل بالدخول فجائزة فجعله وقتاً معلوماً، فإذا طلبته فهو محله عندي، دخل أو لم يدخل. فكذلك بعد البناء بسنة، وإذا طلب البناء، وأجرى النفقة فذلك له، فوقته طلبها للبناء، لا طلبه هو للبناء، فإن أخّرت ذلك، فحق لها أخَّرته. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تزوَّج بخمسين نقداً وخمسين تحل بعد البناء بسنة: فأنا أكرهه ولا أفسخه إن نزل، وليس الدخول كالمجهول. وقد أجاز مالك البيع على التقاضي أنه جائز، لأنه قد عرف وجهه. وقال مالك فيمن نكح بخمسين نقداً وخمسين تحل بعد البناء: إنه جائز. قال ابن القاسم: وأرى في الخمسين التي تحل بعد البناء بسنة أنه إن مضى من الزمان ما بنى أكثر بلده إلى مثله، فإنها تحل بعد ذلك بسنة. وقاله سحنون. وكذلك لو قال مع ذلك: وخمسين إلى خمس سنين. فذلك جائز. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في ذلك أنه يفسخ قبل البناء، فإن دخل نظر إلى صداق مثلها على أن خمسين منه إلى خمس سنين، فما زاد عليها أخذته حالا، وبقيت خمسون إلى خمس سنين. قال ابن حبيب: وإذا وقع بعض الصداق إلى غير أجل، فمات أو طلق قبل البناء، فلا شيء لها من معجل ولا مؤجل، وكذلك بمائة دينار بعد البناء، وبعبد آبق، وبعير شارد، فلا شيء عليه من معلوم ولا مجهول. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، فيمن تزوج بصداق على أن ينقد بعضه ويؤخر بعضه، فإن مات ولا وفاء له، فهو في حل لم يجز، وفسخ قبل البناء ولا شيء لها، وإن دخل بطل الشرط وثبت النكاح. [4/ 464]
في النكاح بجعل أو إجارة أو على أن يحجها
وبعد هذا باب في النكاح بصداق فيه غرر وفساد. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وسأله حبيب متى يحل المهر؟ يريد وقد كان معه نقد فدفعه أو لم يدفعه. فقال ليس محل المهر قبل البناء ولا بعد البناء إلا بقدر اجتهاد الحاكم، فرب رجل ينقد عشرة ومهره مائة، فلو قيل له: تؤخذ بها لمَّا تدخل لم يرض بذلك، غير أن المهر لا يؤخذ قبل البناء على حال وإن كان في الكتاب مهراً حالا، لأن ذلك قد عرف وجهه. وقد يكتب، فإن لم يؤد المكاتب النجم عند محله فهو رد في الرق، ثم لا يكون ذلك حتى يتلوَّم له الإمام. وقول مالك: إذا ادَّعى بعد البناء أنه دفع الصداق فهو مصدَّق، إنما هذا لأن نكاح الناس كان بتعجيل الصداق كله، وصار نكاح الناس الآن بتأخير المهر، ومن الناس من يرى أنه لا يؤخذ إلا إلى موت أو فراق. في النكاح بجعل أو إجازة أو على أن يحجَّها ومن كتاب ابن المواز: واستثقل مالك أن يتزوج امرأةً على أن يؤاجر نفسه منها سنين معلومة، أو أشهراً، يكون ذلك صداقها، قال: ولا أعلمه كان من عمل الناس. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن وقع له صبي في جب فقال لرجل: إن أخرجته، فقد زوجتك ابنتي. أو أنا أزوِّجكها. فأخرجه: قال: لا يجوز ذلك ولا يكون النكاح جعلاً ولا كراءً، وله أجر مثله في إخراجه إياه، حيا أو ميتاً. قال: وما ذكر الله سبحانه في كتابه من نكاح موسى عليه السلامعلى الإجارة فالإسلام على غير ذلك، فإذا وقع فسخ قبل البناء، وثبت بعده، ولها صداق المثل، وله هو أجر مثله. [4/ 465]
قال عنه أصبغ، فيمن نكح على أن يعمل لها سنةً، وينقدها مع ذلك شيئاً، أو لا ينقدها، فلا يعجبني، فإذا لم ينقد شيئاً فهو أشد، وإن نقد شيئاً ففيه اختلاف. وكره مالك ما يشبهه. قال أصبغ: إنما كره أن يعمل له بدءاً، فإذا نزل مضى، كان معه غيره من النقد أو لم يكن. واحتجَّ بقصة شعيب، قال: ولا يدخل ثم يعمل قال أصبغ، عن ابن القاسم: إذا قدَّم ربع دينار فأكثر إذا رضيت وأمكنته. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك أن يتزوجها على أن يحجها من ماله. قال ابن القاسم: فإذا كان مع الحج غيره لم يفسخ، فإن لم يكن معه غيره فسخ قبل البناء، وثبت بعده ولها صداق المثل، قال محمد: لا يعجبني النكاح، ولا سمعت أن أحداً فسخه من أصحابنا، وإنما استثقله مالك كما استثقله بالإجارة. ولم يقل في شيء منه: يفسخ. وهو جائز إن نزل، وليس فيه تغرير. ولو كان غراً ما أجاز مالك أن يسلف فيه، وإن كان إنما فسخه ابن القاسم، لأن الحج كلا شيء قائم. قال: فإن طلقها قبل البناء، اتبعته بنصف الحج. ذكره عنه أصبغ. وذكر ابن حبيب مثل قول ابن المواز، قال: وأعاب أصبغ قول ابن القاسم، قال: وغيره من أصحاب مالك يراه صداقاً معروفاً ونكاحاً جائزاً، بنى أو لم يبن. قال ابن حبيب قال مالك وأصحابه: إن نكح على أن يحجها، فأحب لهم أن يكون مع ذلك ما تستحل به، فإن لم يكن فذلك جائز عند أصحاب مالك إلا ابن القاسم، وخالفه أصبغ وإنما كره على الحج وحده لئلا يبني قبل ذلك، فإن وقع مضى ومنع من البناء حتى يحجها أو يعطيها قدر الحجة من نفقة وكراء، ثم إن شاءت حجت أو تركت. [4/ 466]
وكذلك النكاح على أن يعمل لها عملاً كرهه مالك. وهو إذا لم ينقدها مع ذلك شيئاً أشد كراهية. قال ابن حبيب: فإن وقع مضى، بنى أو لم يبن، وليس له البناء حتى يعمل، أو يقدم قدر ربع دينار. وقاله بعض أصحاب مالك. قال ابن المواز قال ابن القاسم: فإن سمَّى مع الحج غيره لم يكن لورثتها إلا حجة يكرونها، وإن مات هو فلها أن تكتري لها من ماله، ويقام لها منه نفقتها ومصلحتها. وتكتري ممن أحبت. وإن طلقها قبل البناء فعليه نصف قيمة ذلك. قال ابن القاسم: كمن أعطى رجلاً جارية ودنانير، على أن يحجَّها، فمات من ذلك، فليس لهذا إلا حجة في ماله، يصرف ذلك إلى من شاء. وإن مات الدافع فما لورثته غير الحجة. قال محمد: وقد أجاز مالك وأصحابه النكاح برأس بغير تسمية ولا صفة. قال أصبغ: ولا يعجبني قول ابن القاسم، والنكاح جائز بالحجة وحدها. وقاله أشهب. قال: وله البناء قبل أن يججها، كمن نكح بمائة إلى سنة، فله البناء قبلها. وقال ابن القاسم: لا يبنى حتى يقدم ربع دينار. قال محمد: وبه أقول، وكذلك في الحجة. قال أشهب: وإن لم يضرب للحجة أجلاً، فذلك جائز، فإذا جاء زمن الحج وجب لها، كمن نكح بشيء لم يضرب له أجلاً فهو حال. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن نكح امرأة بصداق وعلى أن يحجها من ماله، قال يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها ما سمَّى مع قيمة ما ينفق على مثلها في الحج من كراء ومؤونة وكسوة، ولو لم يصدقها غير الإحجاج فلها إن بنى بها صداق المثل. وقد قال مالك: إن نكح على شيء مسمَّى وإحجاجها، فماتت بعد البناء وقبل الحج، فلورثتها مثل ما كان ينفق عليها في الحج، ولا أرى ذلك. وإنما لهم [4/ 467]
في النكاح يقارنه بيع أو يشترط الزوج على الأب عطية
حمل مثلها، إلا أن يتراضوا على أمر جائز، ولو لم تمت فأرادت منه أو أراد منها دفع ما ينفق عليها في الحج وأبى الآخر، لم يكن ذلك لمن أراده. قال: وإذا كان صداقها حملها إلى بلد أو خدمة الزوج، أو عبد لها مدة فلا يصلح ذلك. ويفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل. في النكاح يقارنه بيع أو يشترط الزوج أن يعطيه الأب عطية، أو الزوجة من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن تزوج امرأة بمائة على أن أعطته خادماً لم يجز ويفسخ، ما لم يفت فيكون فيه ما في المكروه. وقال ابن الماجشون: لا يفسخ إلا أن لا يبقى لها بعد قيمة ما أعطته. قال ابن حبيب عن مطرف: لزم إذا وقعت الصفقة بربع دينار فأكثر. وقال ابن حبيب: إذا كان نكاح وبيع كان البيع في الذي أصدقها أو في سلعة أخرى منه. ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: يفسخونه قبل البناء. وذكر عن مطرف ما روى ابن المواز عن ابن الماجشون، وذكر هو عن ابن الماجشون، وذكر هو عن ابن الماجشون، إن كان في ما أعطت وأخذت فضل بين جاز، وإن كان يقاربه أو يستغرقه فسخ قبل البناء، وإذا فاتت السلعة ففيها القيمة. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: لا يقارن البيع نكاح ولا صرف ولا قراض ولا مساقاة ولا شركة، فإن وقع نكاح وبيع فسخ قبل البناء وردَّت السلعة، وإن فاتت بما تفوت به في البيع الفاسد ردَّ القيمة، وإن بنى فلها صداق المثل، ويرد في الصرف والبيع الذّهب والورق وقيمة السعة إن حال سوقها، ومثله في القراض والشركة والمساقاة، وله فيما عمل أجر مثله في القراض، وله في المساقاة مساقاة مثله. [4/ 468]
في النكاح بصداق فيه غرر أو مجهول أو فساد
قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن اشترى أمة على أن يزوجها لعبده فزوجها، فالبيع فاسد ويفسخ وترد السلعة، فإن فاتت فقيمتها، ويفسخ النكاح بكل حال. قال سحنون عن ابن القاسم فيمن نكح امرأة على أن أعطاه أبوها داراً، فالنكاح جائز، بنى أو لم يبن، وكذلك لو قال لرجل: تزوج وأنا أعينك. فذلك يلزمه إن تزوج. وأما إن قال: تزوج ابنتي بخمسين، على أن أعطيك هذه الدار لم يجز، وهذا نكاح وبيع. قال ابن القاسم: ومن تزوج بكراً بمائة دينار فأعطته ذلك من عندها ثم علم الأب، فالنكاح ثابت، بنى أو لم يبن، ويرد ما أخذ منها ويغرم المائة من ماله، كالعبد يعطي مالاً لمن يشتريه. قال في رواية عيسى: ومن أعطته امرأته مائة دينار يتزوجها بها، فإن كانت ثيباً فزادها على ما أعطته ربع دينار فالنكاح جائز، وإن كانت بكراً ولم يبن بها، فإن أتم لها الصداق وإلا فسخ، وأصل النكاح صحيح، وإن بنى فعليه صداق المثل، ثم رجع فقال: النكاح ثابتبنى أو لم يبن، فإن كانت بكراً فعليه أن يعطيها من ماله مثل ما أعطته، وإن كانت ثيباً فزادها من ماله ربع دينار لم يكن لها حجة. في النكاح بصداق فيه غرر أو مجهول أو فساد من كتاب ابن المواز: ومن نكح بثمرة لم يبد صلاحها، أو بعبد آبق، أو جنين في بطن أمه فإنه يفسخ قبل البناء فإن فات بالبناء فلها صداق المثل، وعليها رد الثمرة، فإن فاتت فمثلها. قال أصبغ: إن علمت كيلها، وإن أكلتها رطباً ردَّت قيمتها يوم جذّتها، ولو لم يبن حتى طابت الثمرة فلابد من فسخه. وكذلك في الآبق والجنين مثل البيع، فإن فات بعد القبض، رد قيمته يوم قبضه المبتاع. وكذلك ترد قيمة الجنين إن قبضته لأنه يفيته النماء والنقص، فإن أصدقها [4/ 469]
مع ذلك عشرة دنانير أو عبداً أو ثوباً فليفسخ قبل البناء، فإن بنى فلها صداق المثل، ما لم يكن أقل من العشرة أو من قيمة العبد أو الثوب فلا ينقص، وإن كان أكثر فلها الأكثر، وكل ما كان مثل هذا من غرر الصداق، أو بخمر، أو خنزير مما يفيته البناء، فإن موت أحدهما قبل البناء يفيت فسخه أيضاً، وبينهما الميراث، ولا مهر لها لأنه لم يسمَّ فيجب لها صداق المثل. وإن طلّق فيه أو خالع لزمه. قال ابن القاسم وأصبغ قال محمد: وقد قيل يفسخ النكاح بالخمر وإن دخل. وهذا ليس بشيء. وقد اختلف قول مالك في المختصر الكبير في فسخ النكاح بعد البناء إذا عقد بخمر أو خنزير أو بثمرة لم يبد صلاحها أو بجنين في بطن أمه، أو ببعير شارد أو بعبد آبق. قال ابن المواز قال أشهب: من نكح بثمرة لم يبد صلاحها وطلق قبل البناء، فلا صداق عليه، والطلاق يلزمه. وفرق بين الطلاق والموت، فجعل في الموت صداق المثل. وهذا غلط. قال أصبغ: لا صداق لها ولها الميراث. وقال أشهب في الناكح بالآبق أو بالثمرة قبل بدو صلاحها: إنه يفسخ قبل البناء بلا صداق، وإن مات أحدهما توارثا. ومن نكح بثمرة لم يبد صلاحها على أن يجذها بلحا فذلك جائز، فإن تأخرت حتى طابت، فجذله رطبا أو بسراً أو تمراً فلا يفسخ النكاح، وإن لم يدخل، وتفسخ الثمرة وترد ما جذت منها، ولها قيمة البلح مجذوذاً يوم النكاح، وترد إليه ما أكلت منه، فإن لم تعرف فقيمته. وإن طلقها قبل البناء فلها نصف قيمة البلح مجذوذاً يوم النكاح. قال أصبغ: وإن تزوجت بصداق بعضه صحيح وبعضه غرر، فرضيت بإسقاط الغرر وأخذ الصحيح منه، لم يفسخ إذا كان في الصحيح منه ربع دينار [4/ 470]
فأكثر, فإن لم ترض بذلك فسخ ما لم يبن. وكذلك بمال بعضه إلى غير أجل وبعضه نقداً، فإن رضيت بإسقاط المؤجل جاز. وكذلك لو رضي الزوج بتعجيل المؤجل إلى غير أجل معلوم, وكذلك لو تراضيا على أن جعلا بدلاً ممَّا سمَّيا من الغرر شيئاً معلوماً تم النكاح. ولو نكحت بعبد آبق وبالربع دينار, فرضيت بالربع دينار وإسقاط الآبق لجاز, ولو رضي الزوج بتقديم قيمة العبد على غير إباق نقداً تم النكاح, وإذا لم يكن مع الآبق شيء, ولا مع الثمرة أو الجنين فلابد من فسخه وإن رضيا بصداق صحيح, إلا أن يدخل. ولو كان مع الآبق أو الشارد أو الجنين ربع دينار ولم يفسخ حتى رجع الآبق والشارد وخرج الجنين حيا؛ فإن لم ترض هي بالربع دينار وحده فسخ النكاح, إلا أن يرضى الزوج أن يدع ذلك لها, فيجوز. قال أصبغ: وإن في هذا لمغمزاً, ولكنه قول أصحابنا، والقياس فيه الفسخ, إلا أن يبني. قال أصبغ: والمسلم إذا نكح مسلمة بربع دينار وبخمر أو خنزير, مثل ذلك, إن رضيت بالربع دينار فقط تم النكاح, وإلا فسخ, إلا أن يرضى الزوج في هذه أن يفرض لها صداق المثل فيلزمها ولا يفسخ, فإن لم ترض وفسخ لم يكن لها نصف الربع دينار, لأنه قبل أن يجب بالبناء صداق. ولو نكح نصراني نصرانية بخمر أو خنزير ثم أسلما قبل البناء, قال ابن القاسم: إن فرض لها صداق المثل تم النكاح, سواء قبضت الخمر أو الخنزير أو لم تقبضه. قال محمد: ولا أرى أشهب إلا قال: إن قبضته وفرض لها ربع دينار تم النكاح, وفرق بين قبضها وغيره, وهما عندي واحد. ومن كتاب ابن حبيب: ومن نكح بأرض لزوج بلا كيل بذر. . . قد عرفوه لم يذكر موضعها أو قال: بقرية كذا ولم يصف. أو قال: تختارها من [4/ 471]
فيمن نكح امرأة على أبيها أو على عتقه
أرضي. فذلك فاسد, إلا في وجه واحد، أن يقول: بأرض لزوج أو زوجين من أرضي التي بموضع كذا. ولا يقل: تختارها. وتكون المرأة أو الأب في البكر يعرف أرضه هناك, فيكون شريكه فيها سمى من دفع. فيمن نكح امرأة على أبيها أو على عتقه وفي عتقه الأمة على شرط النكاح فيها من كتاب ابن المواز: ومن نكح امرأة على أن يعتق أباها وهو لا يملكه لم يجز, فإن أعتقه نفذ عتقه ولا يتبعها بشيء؛ لأنها لم تملكه طرفة عين. وقال مالك: وليس كالتي نكحته على عبده فلان على أنه حر, هذه عليها نصف قيمته إن طلقها قبل البناء. ولو نكحها بأبيها ولم تعلم هي فقد غرَّها إن كان عالماً. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن نكح امرأة على أن يعتق أباها, فاشتراه فأعتقه, ثم طلقها قبل البناء. فعليها نصف قيمته ويجوز العتق. قال ابن القاسم: النكاح فاسد يفسخ قبل البناء, فإن بنى ثبت, ولها صداق المثل؛ لأنها لم تملكه، وولاؤه له. وقال أيضاً مالك: لا يرجع عليها بشيء. وقوله الأول أحب إلي أنه يرجع عليها بنصف قيمته. ومن الواضحة: ومن نكح امرأة على أبيها ومن يعتق عليها, وهي تعلمه أو لا تعلمه, أنه يعتق عليها, كانت بكراً أو ثيباً؛ فإن طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته يوم أصدقها إياه, فإن لم يجد لها غيره فانظر؛ فإن كان هو علم يوم العقد أنه ممن يعتق عليها فليس له رد العتق ويتبعها بذلك, وإن لم يعلم به إلا عند الطلاق فله أخذ نصفه. إلا أن يشاء اتباعها بنصف قيمته فذلك له ويمضي عتقه كله. وقاله لي من كاشفت من أصحاب مالك. [4/ 472]
فيمن تزوج بشيء فاستحق
قال ابن الماجشون: وإن نكحها على أن يعتق لها أباها فالنكاح مفسوخ, وإن كان معنى قوله لها عنها, فالولاء له ولا شيء عليها؛ لأنها لم تملكه, وإن كان معنى: لها. لعتقه عن نفسه, فالولاء له, ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده, ولها صداق المثل. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز أن يكون عتق أمة صداقها. قال محمد: كان مع ذلك مهر أو لم يكن. قال مالك: وإن أعتق أم ولده على أن يعطيها عشرة دنانير يتزوجها بها, ففعل وبنى بها, فأرى أن يفسخ ثم يتزوجها إن شاءت بعد الاستبراء, ولها العشرة, والعتق ماض. وكذلك إن أعتقها على أن تنكح فلاناً, جاز العتق وبطل الشرط. وإن أعطاه رجل ألفاً على أن يعتق أمته, ويزوجها له فأعتقها على ذلك, فللأمة أن تأبى, والألف للسيد والعتق نافد, والولاء له, واستحسن أصبغ أن تقسم الألف على قدر صداق مثلها وفكاك رقبة مثلها, فما أصاب قدر الفكاك فللسيد, وما أصاب قدر المهر رد على الدافع, إلا أن يستدل أنه إنما دفع ذلك للعتق وحده, ثم يزوجه إياها من ذي قبل برضاها, فتكون الألف كلها للسيد, فأما على الفكاك والنكاح إيجاباً, فيرد السيد ما يقع للنكاح, وذكر ابن حبيب, عن ابن الماجشون مثل قول أصبغ. قال ابن حبيب: وإذا لم يشعر بذلك حتى بنى بها بهذا العقد مضى النكاح ولم يفسخ, ولها عليه صداق مثلها. وكذلك قال فيمن جعل عتق أمته صداقها, وفات ذلك بالمسيس فلا يفسخ, ولها صداق المثل. فيمن تزوج بشيء فاستحق من كتاب ابن المواز ومن العتبية رواية أشهب عن مالك فيمن نكح بعبد فوجد مسروقاً, قال في كتاب ابن المواز: من سرق سرقة فنكح بها وقد [4/ 473]
بنى بها, فلها أن تمنعه نفسها حتى تأخذ مهرها. وكذلك لو استعار خادماً فنقدها إياها، وقد نكحها على خادم؛ وكالمكاتب يقاطع سيده بشيء سرقه. قال في كتاب ابن المواز: بخلاف الخلع على ذلك. قال في العتبية, قيل له: فمن نكح بمال حرام, أتخاف أن يضارع الزِّنا؟ قال: إي والله, ولكن لا أقوله. ومن سماع عيسى من ابن القاسم, فيمن نكح بجنان على أن فيها عشرة فدادين, فلم تجد فيها إلا خمسة, فالنكاح ثابت, وترجع عليه بقيمة خمسة فدادين, بنى أو لم يبن. ومن تزوج إلى قوم بمال لغيره أعطاهم إياه, ثم جاء أهل المال وعلم أنه بعينه لهم فليأخذوه, فإن كان قد بنى لم يحل بينه وبينها واتبع بذلك, وإن لم يبن تلوم له في الصداق, فإن جاء به وإلا فرق بينهما. قال في رواية عيسى وكتاب ابن المواز عن ابن القاسم: ولو كان القوم أسلفوه أو باعوه فالمراة أحق بذلك ويتبعون مع الغرماء ذمته. قال ابن المواز: يريد إذا فلس بعد أن أمهرها ذلك. قال ابن القاسم: وأما ما استنجدوه به أو قارضوه أو واجروه فاختانهم به وثبت على ذلك بعينه ببينة فلهم أخذه. محمد: وتصير كالعارية والسرقة, وإن دخل بها منع منها حتى يدفع إليها مهرها كله. وقاله أشهب, عن مالك فيمن نكح بعبد سرقه أو استعاره, ومن العتبية قال سحنون: ومن تزوج بعبد اغتصبه فالنكاح ثابت وعليه قيمته, بخلاف الحر إذ لا ضمتن عليها في الحر, وتضمن العبد الغصب. ولو كانت عالمة فسخ قبل البناء وثبت بعده ولها صداق المثل. وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن نكح بعبد لغيره أو بحر, فلا يفسخ ذلك بحال؛ تعمَّد ذلك بمعرفة أو لم يتعمد. قال أصبغ: وكذلك لو علمت هي بحرية [4/ 474]
فيمن تزوج بمال ولده الصغير أو الكبير أو ولد ولده
الحر ولم يعلم هو, إلا أن يعلما جميعا فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده, ولها صداق المثل. قال ابن حبيب: فمن أصدقها شسئاً غرَّها به مما لم تجد له فيه شبهة ملك من حر أعتقه أو عبد أغتصبه, فالنكاح يفسخ قبل البناء, ويثبت بعده, ولها صداق المثل. قاله ابن الماجشون وابن كنانة. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن نكح بشيء فاستحق منه الشيء بعد البناء فلا يمنع منها, ولتتبعه به. يريد بقيمته, فإن لم يبن تلوم له الإمام؛ فإن جاء به وإلا فرق بينهما. قال أصبغ: إن بنى بها لا يمنع منها إن بقي لها ربع دينار أو دفع الزوج قدر ربع دينار, وإن كان عرضاً بعينه رجعت بقيمته, وإن كان موصوفاً أو كان عيناً رجعت بمثله. وفي باب من زوَّج ابنه في مرضه, مايشبه هذا الباب. فيمن تزوج بمال ولده الصغير أو الكبير أو بمال ولد ولده من كتاب ابن المواز قال مالك: من تزوج بمال ابنه أو ابنته الصغيرين, قال في موضع آخر: بمال ولده الذي يلي عليه, وذلك رقيق أو عرض أو غيره, فلا سبيل إلى ذلك إن وجد بعينه, والمرأة أحق به في عدم الأب وملائه, قرب ذلك أو بعد. ويتبع به الأب للولد بقيمة ذلك يوم أصدقه فيما له قيمة. قال في موضع آخر: والمثل فيما له مثل, علمت المرأة أنه مال ولده أو لم تعلم. قال في الوصايا: بنى بها أو لم يبن, مات الأب أو لم يمت, وكأنه ابتاع ذلك لنفسه منهم وكذلك عتقه عبداً لهم. يريد في ملائه عن نفسه. وأما إن أعتق عبداً لهم عن نفسه في عدمه فذلك مردود, إلا أن يطول أمره أو يكون له مال, ولا يرد إن أصدق ذلك في عدمه؛ لأن عتق المديان يرد, ولا [4/ 475]
فيمن طلب تعجيل البناء وكيف إن شرطوا ألا يبني إلى أجل
يرد ما أصدقه, لأن ذلك مبايعة, وصار بذلك للولد ديناً على الأب. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. قال محمد قال ابن القاسم: فأما من تزوج بمال ولده الذي يولى عليه, أو بمال ولد ولده. – يريد الصغير أو الكبير – فهذا ينزع من المرأة وحيثما وجد, فإن لم يوجد بعينه فلا شيء لهم على المرأة, إلا أن يكون طعاماً أكلته, أو ثوباً أبلته فعليها غرم ذلك. قال عيسى عن ابن القاسم: علمت أو لم تعلم. ومن الواضحة, قال: ومن نكح بمال ولده الكبير أو ولد ولده الكبير أو الصغير, فهم أحق به من المرأة, بنى أو لم يبن, في عدمه وملائه, علمت أنه للولد أو لم تعلم. فأما مال ولده الصغير: فإن كان ملياً فلم يختلف أنها أحق به, بنى أو لم يبن. وقال مطرف عن مالك: الابن أحق بذلك في عدم الأب إلا أن يبني الأب فتكون المرأة أحقَّ به, ويتبع الولد أباه بالقيمة. قال ابن حبيب: وبهذا أقول. وهذا إذا لم يكن الإمام قد تقدم إليه ألا ينكح من مال ولده, فأما إن نهاه عن ذلك فلا يمضي ذلك على الولد، وهو أحق به من المراة, وإن كان الأب عديماً, بنى أو لم يبن, وهذا لم يختلف فيه. فيمن طلب تعجيل البناء وكيف إن شرطوا ألا يبني إلى أجل؟ من العتبية من سماع أشهب: ومن دفع الصداق وطلب البناء فمنعه أهلها حتى يسمِّنوها, قال: الوسط من ذلك, ليس له أن يقول أدخلوها الساعة. ولا لهم حبسها عنه، ولكن وسط بقدر ما يجهزونها ويهيئون أمرها. [4/ 476]
في اختلاف أبي الزوج وأبي الزوجة الصغيرين في تسمية الصداق
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب فيمن نكح وشرط ألا يدخل إلى خمس سنين, قال: بئس ما صنعوا, والنكاح جائز, والشرط باطل, ويدخل متى شاء, وقاله ابن وهب عن مالك. وروى ابن القاسم عن مالك فيمن شرط عليه ألا يدخل إلى سنة, فإن كان لسفره بها وظعنه وهم يريدون أن يستمتعوا منها, أو كان ذلك لصغرها وشبه ذلك. فذلك عذر وإلا فالشرط باطل. قال أصبغ في العتبية وذكر هذه الرواية عن مالك في الظعن بها, أو لصغرها, قال أصبغ: وما هو بالقوي إذا احتملت الوطء في اختلاف أبي الزوج وأبي الزوجة الصغيرين في تسمية الصداق من كتاب ابن المواز: ومن زوج ابنه الصغير من ابنة رجل صغيرة, فمات الصبي, فطلب أبو الصبية المهر, فقال أبو الصبي: لم أسم مهراً, وإن ذلك كان منك على الصلة لابني. قال محمد: لا يصدق ولها ما ادعى أبوها إن كان صداق مثلها. قال مالك: ليس لها إلا الميراث. قال محمد: إذا حلف أبوه. وذكرها محمد في كتاب الشهادات ولم يذكر قول محمد: إن لها ما ادَّعى أبوها. قال مالك: فإن كان لها شاهد على تسمية المهر, أخِّر ذلك حتى تبلغ الجارية, فتحلف وتأخذ. محمد: بعد يمين أبيه – يريد الآن – وهذا بخلاف مبايعته لها. ويقيم شاهداً, فيحلف الأب معه, لأنه إن لم يحلف ها هنا, لزمه غرم ما نكل عنه؛ لأنه أتلفه إذ لم يتوثق, ولأنه لا بيع إلا بثمن معلوم وبينة, والنكاح على التفويض يجوز, فلم يتعمد, وإنما عليه أن يشهد في أصل النكاح، لا في تسمية الصداق. [4/ 477]
في التداعي بعد البناء أن قد بقي لها من النقد شيء
محمد: وذلك عندي ما لم يدع أبوها التسمية مع الشاهد, فإن ادعى هذا، فقد ضيع في التوثق, ولها إذا كبرت أن تضمنه فيكون لأبيها أن يحلف ويأخذ لها من تركة الصبي, وإلا ودى من ماله, ولها أن تدع أباها وتحلف مع شاهدها, ولها ذلك في موت أبيها وفي عدمه, وإذا قضي لها بالصداق على أبي الصبي, إلا أن يكون يوم العقد للصبي مال: فلا شيء على أبيه. في التي تدعي بعد البناء أن قد بقي لها من النقد شيء من كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يقبل دعوى المرأة بعد البناء أنها لم تقبض صداقها, إلا فيما يحل منه قبل البناء. وكذلك من قبض رهنه وقال: قضيتك الحق فهو مصدق مع يمينه, وقبضه الرهن كالشاهد وهذا كله لأنه الغالب والعرف من الناس, فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه. قال مالك: وما حلّ من المؤجل قبل البناء ثم بنى بعد حلوله فهو مصدق في دفعه, ويحلف, وهذا إن كان الإهداء معروفاً, وإن لم يكن ذلك حلفت هي وصدقت. قال مالك: وإذا أقامت معه بعد البناء ثمانية أشهر ثم مات، فادَّعت الصداق، فلا ينفعها إلا أن تكون أشهدت عليه قبل أن يدخل عليها، ولها عليه مهرها, وإلا حلف ورثته ما علموا بقي لها عليه صداق حتى مات. وإذا دخل بنقد قدَّمه والمهر إلى سنة. فحلّت بعد البناء, فلا يبرأ منه إلا ببينة, ولو دخل بعد السنة قبل قوله مع يمينه أنه دفع ذلك كله. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن فوِّض إليه في الصداق, وبنى وأرخيت الستور, فقال الزوج: دفعت الصداق. وأنكر أهلها، فالقول قوله. [4/ 478]
قال عنه يحيى بن يحيى: وإذا تحمَّل للمرأة رجل بالصداق، فطلبته به بعد البناء, وزعم الزوج والحميل أنها قبضته قبل البناء, قال: يحلف الحميل ويصدق قال سحنون: ولو أخذت بالصداق رهناً ثم بنى بها فهو كالحميل, ويتم له الدخول, وهو كالإبراء, ويأخذ رهنه. قال مالك: وليس يكتب في الصدقات براءة. وروى عنه أبو زيد, في المرأة تأخذ في صداقها خادماً, فادَّعى الزوج أنه صالحها منها على دنانير دفعها إليها فأنكرت, فالزوج مدَّع, فإن أقرَّت بالصلح فلا شيء لها, ويصدق في دفعه إليها، يريد: لأنه بنى بها. ومن الواضحة قال ابن الماجشون: إذا ادعت الزوجة بعد البناء, أنه بقي لها بقية من مهرها, وقال الزوج: لم يبق لها شيء. فإن كان الأمر قد طال فهو مصدق بغير يمين, فإن كان الأمر قريباً, وجاءت بلطخ حلف وصدق, وإن مات حلف ورثته على العلم, وإذا أشهد الزوج عند البناء في النقد أو في بعضه أنه أخرَّ به إلى بعد البناء برضا الزوجة. فذلك كالمهر لا يبرأ منه وإن بنى إلا ببينة. ولو أشهدت هي أو وليها عند البناء بما ذكرنا بغير محضر الزوج، فذلك باطل, وإن كان بالصداق حامل أو حميل, فزعم الحامل بعد البناء أنها قبضت ذلك منه, أو زعم الحميل أنها قبضته من الزوج, فهو مصدق مع يمينه, ويسأل الزوج؛ فإن زعم أن الحامل بريء، أو قال في الحمالة: إني قد برئت منه صدق مع يمينه. قال أبو محمد: قول ابن حبيب أراه, يعني في الحمالة. وقال: وإن قال في الوجهين: لم تقبض الزوجة شيئا لم يلزم الحامل ولا الزوج شيء؛ وأما في الحمالة فيلزم الزوج دون الحميل. وإن قال الحميل دفعته إليها وأكذبه الزوج برىء الحميل, ولم يجب له رجوع به على الزوج إلا ببينة, ويؤديه الزوج إلى المرأة بإقرار. ولو قال الزوج: أنا دفعته إليها من مالي. وقال الحميل: بل أنا دفعته برىء الزوج، ولا رجوع للحميل عليه, [4/ 479]
في التداعي في الصداق وكيف إن ادعت صداقا فاسدا؟
ويحلف للمرأة ويحلف للحميل على تكذيبه فيما ادعى من دفعه ذلك من ماله إلى المرأة، ويبرأ الحميل أيضاً. فى التداعى فى الصداق وكيف إن ادعت المرأة صداقاً فاسداً؟ قال ابن القاسم فيمن زوج ابنته الصغيرة على صداق ابنته الكبرى، فادعى الأب أنه مائتان، وقال الزوج: مائة. فالقول قول الزوج ويحلف، وإن نكل حلفت الجارية وقضى لها، ولم يحلف الأب. قال محمد: وهذا بعد البناء، فاما قبل البناء فيتحالفان ويفسخ النكاحز والأيمان بين الأب والزوج، ويبدأ الأب باليمين، فإن حلف لزم الزوج، إلا أن يحلف فيبرا ويفسخن كالوكيل فى البيع يحلف هو دون رب السلعة، وهى لم تفت، ولأن رب السلعة لم يل شيئاً. وكذلك الجارية لم تعلم، ولو عبمت ما كان لها فيه حكم ولو كانت ثيبا حتى لا يتم أمر إلا بامر ها وعلمها وحضورها، فاليمين عليها. وقاله أصبغ. وإنه معنى قول ابن القاسم. قال ابن حبيب: وسواء اختلفا فى عدد الصداق أو نوعه، كان مما يصدقه النساء او ما لا يصدقه النساء. قال: وإن اختلفا فى نوع الصداق بعد البناء، كان ما يصدقنه او مما لا يصدقنه، تحالفا وردت إلى صداق مثلها بالعين، إلا ان يرضى الزوج ان يعطيها ما ادعت أو ادعاه أبو البكر. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم فى امرأة ادعت على زوجها مائة دينار صداقها إلى موت أو فراق، عقدت على ذلك نكاحها مع مائة دينار نقداً؛ فإن كان ذلك قبل البناء لم يقبل فى الفسخ شاهد واحد مع يمينها إذا أنكر الزوج. ولو قام بذلك شاهدان قبل البناء فسخ وبطل الصداق. ولو أقامت [4/ 480]
الشاهد بما ذكرت بعد البناء حلفت معه واستحقت صداق المثل، إلا أن يكون ما قبضت من النقد أكثر منه، فلا ينقص مما أخذت، وسقط المؤخر؛ وإن كان ما قبضت أقل منه أتم لها صداق المثل إن وجد، وإلا اتبعته به. قال ابن حبيب وقال أصبغ: لها أن تحلف مع شاهدها قبل البناء؛ لأن الفسخ لا يجب بذلك مكانه حتى يخير الزوج فى تعجيل ذلك كله، او يأبى فتخير المرأة فى اسقاط المؤخر، فإن أبت فسخ النكاح. ولو ادعت انه نكحها بجنين أو بابق أوبثمرة لم تزه لم يحلف مع الشاهد لان هذا فسخ محض لا خيار فيه للزوج. ومن كتاب الشرح لابن سحنون، عن أبيه، فيمن تزوج امرأة وادعى أنه تزوجهاعلى أمها. وقالت هى: بل على أبى، يريد وهو مالك لابويها، ولم تحفظ البينة على أيهما عقد، وحفظت عقد النكاح وشهدت به. فقال سحنون: الشهادة ساقطة، فإن كان لم يدخل بها تحالفا وفسخ النكاح، ويلزمه عتق الأم، لأنه اقر أنها حرة، وإن كان قد دخل بها، حلف أيضاً وعتقت عليه الأم بإقراره، فإن نكل حلفت المرأة وعتق الأب بقولها، وعتقت الأم بغقرار الزوج. وإن نكلا يريد قبل البناء كان الحكم فيها مثل إذا حلف، ويريد بدعواه أنه تزوجها على أمها: أنها بها عالمة فى دعواه. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وكتب إليه سليمان فى الرجل يأتى إلى الحكم فيقول: زوجت ابنتى فلانة لهذا الرجل بصداق معجل مائتى دينار عيناً، وخمسين ديناراً قيمة خادمين، وقبضت منه مائة دينار، فلما ثبت ذلك عنده سال الزوج عن منافعه. فأتى بعدلين شهدا بمحضرها ومحضر الأب: أن الأب أشهدهما أنه لم يبق على الزوج من ذلك غلا خمسون ديناراً، وهى بكر فى حجره، فلما ثبت هذا عنده، دعا الأب بمنافعه وأمهله، فلم يأت بشىء، فأمر الزوج بدفع الخمسين الباقية إليه، ثم أمره بغدخالها عليه، وضرب له أجلاً، ثم أجلاً، ثم [4/ 481]
في الصداق يرفع فيه وكيف إن أعلنوا شيئا وأسروا دونه
أجلاً، ففى آخر آجاله قال: المائة والخمسون التى قبضت قد ذهبت، وقد هربت ابنتى. وقال ذلك بمحضر جماعة. فكتب إليه: ما ثبت من قول الأب أنه لم يبق على الزوج إلا خمسون فذلك يبرىء الزوج، وهو مصدق فى ذهاب ما ذهب فى يديه من النقد ويحلف، إلا أن يطلق الزوج قبل البناء، فيجب للزوج عليه نصف ما قال أنه تلف، غلا أن يقيم الأب بينة أن المال قد تلف، إذا علم أن الطلاق قد وقع عليها وهى حية. وأما قوله: قد هربت ابنتى. وقد ظهر له من لدده وكراهيته للزوج ما يرى أنه غيبها، فليحبس ويطال حبسه حتى يظهرها؛ فإن أظهرها وعرفت فقد برىء، وإن كانت لا تعرف، فأظهر من قال: هذه ابنتى وعرفها الزوج فقد برىء، وإن لم تعرف فلابد من أن يبين انها ابنته. فى الصداق يرفع فيه وكيف إن أعلنوا شيئاً وأسروا دونه؟ والدعوى فى ذلك وكيف إن نكحا على مهر لم يسمياه وأقر بمعرفته من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا رفعوا على الزوج فى المهر فذلك يلزمه؛ قيل له: إنما سموا ذلك إرادة السمعة، وهم يعطون أقل. قال: لا أعرف هذا، وارى ان تلزمه التسميةن وارى أن يتقدم للسلطان فى مثل هذا وفى نكاح أهل مصر. يريد: إلى موت او فراق. قال: وإذا ادعى الزوج أنهم، أسروا من المهر أقل مما أعلنوا لم يصدق إلا ببينة او شاهد يحلف معه، فإن شهدت بذلك بينة، فقال الولى: كان ذلك كلاماً سراً، وقد صرنا إلى غيره بعه وزوجناه عليه. وقال الزوج: بل هو الأمر الأول، والثانى سمعة. قال: احب إلى أن لو اشهدوا حين سموا المهر القليل أن هذا الذى أنكحوه به، وأنا نسمى فى العلانية غيره، فغن لم يكن هذا وأشكل [4/ 482]
في الشراء بالصداق شوارا، هل ذلك عليهما؟
الأمر، فالقول قول الزوج مع يمينه، حتى يظهر من السبب ما يعلم به ان الأول قد انقطع وأن على الثانى وقع النكاح. وكذلك لو كان ذلك من الثيب بغير علم الولى. محمد: ولا يكون ذلك من أبيها إلا برضاها. قال مالك فى البكر ذلك إلى الأب دونها، فغن لم يكن ابب فليس ذلك تاماً إلا بإذن وليها مع رضاها. وقاله الليث. قال ابن حبيب: ولا يضر الشاهدين على السر أن تقع شهادتهما على العلانية؛ لأنهما يقولان على هذا أشهدنا أن يكون سراً كذا، وفى العلانية كذا للسمعة، ولم يختلف فى هذا قول مالك وأصحابه. قال: ولا بأس أن يقول الوصى: اشهدوا أنى قد زوجته بصداق قد سماه لنا ورضيناه، ولا يذكره للبينة. قال أصبغ: وقاله ابن القاسم وابن وهب. قال ابن حبيب: وكذلك على صداق أختها، ولا يذكر له ويقر الزوج أنه قد رضيه وعرفه. فى الشراء بالصداق شواراً، وهل ذلك عليهما؟ او اشترت به عرضاً، وهل يكشف عنه الولى؟ وكيف إن طلق قبل البناء؟ وفيمن طلق أو فسخ نكاحه وقد أهدى هدية وما يشهد فيه أنه عارية من شوار أو حلى أو هدية من كتاب ابن حبيب: وللزوج أن يسأل ولى المرأة فيما جعل الصداق ويفسر ذلك ويحلف عليه: يريد: إن اتهم وإذا أقام الولى البينة أنه أحضرهم عند توجيه الجهاز إلى بيت الزوج عند البناء، فقوموه فبلغت قيمته كذا، فذلك يجزئه إذا قالوا بمحضرنا وجهه، ولم يفت عليه بعد التقويم، وإن لم يصحبوا الجهاز إلى بيت الزوج. [4/ 483]
وليس للزوج حجة فيما يذكر أنه احتبس منه شىء بالطريق أو صد عن بيت الزوج، ولو كان له هذا كان له أن يقول: اختانه الب فى بيتى حين دخل إلى ابنته، وأرسل من خدمه وعياله من رد بعضه. فليس ذلك له. وإن عمل ببعضه حلياً، فأحضر القوم ودفعه إليها بمحضرهم فذلك يبرئه، وإن كانت بكراً، فى الأب وغير الأب؛ لأن ذلك وجه البراءة فى هذا. وقاله لى بعض أصحاب مالك. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا اشترت المرأة بالصداق جهازاً، وخادماً وطيباً، ثم طلقت قبل البناء. فذلك بينهما، وليس لها حبسه، ولا له تركه إن استغلاه، إلا أن تشترى ما ليس من مصالح دخولها. ولو امهرها عرضاً، أو ابتاعته منه ببعض الصداق، فهو منهما؛ فإن باعته، فعليها نصف الثمن؛ إلا ان تشترى بثمنه جهازاً، فيكون كالذى أصدقها. قال محمد: وما اشترت بمهرها من زوجها، فلم ينقدا، فإن عينته فهو زيادة منه لها، وإن عينها فهو وضيعة منها له. قال مالك: وعليها ان تتجهز له بما يصلح الناس فى بيوتهم مما يحتاجون إليه من المتاع والفراش والصحفة وما لا غنى عنه. وإن كان فيه ما يتخذ منه خادم فعلت. محمد: فإذا امهرها على ان تتجهز فكأنه أصدقها ذلك بعينه، وما منهما وبينهما إن طلق قبل البناء، وما أرسلت به إليه عند البناء من غلالة وملحفة وسبنية طيب وسفط، فهو كسائر جهازها، فهوبينهما إن طلق قبل البناء. ومن أنكح أمته من أجنبى أومن عبده بصداق، فله ان ينزع ذلك، ولا يجهزها به إذا ترك بيدها منه ربع دينار. قال أصبغ: هذا عندى فى عبده، فأما فى [4/ 484]
أجنبى، أو عبد أجنبى، فعليه ان يجهزها به. وقاله ابن عبد الحكم. قال محمد: فإن باعها، فالسيد أحق به. ومن العتبية قال سحنون قال ابن القاسم: وللسيد انتزاع صداق أمته، وأنا لا أرى ذلك، كما قال مالك: ليس للحرة أن تقضى منه الدين. وقال ابن حبيب: ليس له أن ينزعه، وعليه أن يهجرها ببعضه، ولو باعها فاستثنى المبتاع مالها فعليه أن يجهزها منه، كما كان على البائع؛ واختلف فيه قول ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن بعث غلى زوجته متاعاً وحلياً وأشهد أنه عارية، ولم يعلم أولياؤها، فذلك على ما أشهد؛ إن ادركه أخذه، وإن تلف ولم تكن عملت بما أشهد حتى تقبله على العارية فلا ضمان عليها. وقال ابن القاسم: ومن جهز ابنته وأشهد أن ذلك عارية منه لابنته، ولم يشهد على ابنته بشىء، واشهد بنته بوصول ذلك إلى بيت زوجها، ثم طلب ذلك الأب فلم يجد ذلك عند ابنته، فلا شىء له عليها، بكراً كانت أو ثيباً، إذا لم تكن علمت بذلك ولا قبلته على العارية. ولو قبلته البكر خاصةً على العارية لم تضمنه إلا أن يهلك ذلك بعد بلوغها ورشدها، وبعد أن رضيته عاريةً، او تقره بعد علمها به فتضمن، إلا أن يظهر هلاكه من غير سببها، ولو لم تعلم لم تضمن ولو هلك بعد جواز أمرها. وقاله كله أصبغ. قال: ولا يضمن ذلك الزوج، غلا أن يستهلك، وإنما ذلك إذا كان فيما سواه مما جهزها به قدر صداقها؛ ويشهد بذلك قبل أن يجهزها به ويعطيها. قال محمد: أما إذا أشهد أنه عارية ولم يكن فيما سواه قدر صداقها منه، يستتكم لها صداقها منه، يغرم باقى الصداق من غيره، ويكون هذا عارية له، إن شاء أخذه أو تركه. [4/ 485]
ومن العتبية روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم فيمن أهدى هدية لزوجته، ثم طلق قبل البناء، والهدية قائمة فلا شىء له فيها. ولو عثر على فساد النكاح ففسخ، فما ادرك منها أخذه، وما فات فلا شىء له فيه. قال عنه أصبغ: ولو طلق عليه لعدم النفقة وشبه هذا، فهو كطوعه بالطلاق، ولا شىء له فيه. وكذلك قال ابن حبيب: إذا اهدى ثم طلق قبل البناء. ومن سماع سحنون، وعمن نكح بصداق ومن سنتهم أن الزوج يهدى الهدية ليسر زوجنه وأهلها، فاهدى إليها وأشهد سراً أن ذلك منه عارية إذا شاء أخذها، فقبل ذلك أهلها على الهدية، ولا يعلمون بما أشهد، ثم طلب ذلك قبل البناء أو بعده، قال سحنون: فما تغير من ذلك أو نقص، فلا شىء عليهم فيه وله أخذه، وما ضاع لزمهم، إلا أن تقوم بينة بضياعه. وروى أصبغ، عن ابن القاسم انهم لا يضمنون ما تلف إذا لم يعلموا أنه أشهد حتى يقبلوه على العارية، فحينئذ يضمنون ما يغاب عليه. قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا أهدى الزوج هدية، ثم عثر بفساد النكاح، وكان مما يثبت بعد البناء او لا يثبت ففسخ قبل البناء، فغن وجدها أخذها، وما فات منها فلا شىء له عليهم، كمن أثاب من الصدقة، ولم يعلم أنه لا يلزمه لم يكن له أخذه إن وجده، قال: وما اصابه بيد الزوجة قد تغير او نقص فلياخذه بنقصه، ولا شىء عليهم، وما زاد ونما فلا يأخذه، وله القيمة يوم الخطإ. والقياس أنها له بزيادتها. قال أصبغ: وإذا دخل فى النكاح الفاسد فلا شىء له، وإن أدرك ذلك بعينه؛ لأن النكاح قد تم بالبناء، ولو كان العطاء بعد البناء ثم فسخ النكاح كان [4/ 486]
له الرجوع فيها؛ لأنه أعطى على الثبات والمقام والحمال بذلك، هذا إن كان الفسخ بحدثان العطية، وأما إن مضت السنتان والثلاث قبل الفسخ فلا شىء له فيه إذا فسخ إلا أن أدركه بعينه؛ مثل خادم أو منزل؛ لأنه قد استمتع بما اعطى. ومن سماع أصبغ عن ابن القاسم: ومن ادعى بعد دخول ابنته بحين أن بعض ما أدخلها به عارية، وصدقته هى او كذبته، قال: إن قام بحدثان ذلك صدق، وقال ابن حبيب: مع يمينه، قال ابن القاسم: ولا ينظر إلى انكارها، ولا إنكار الزوج؛ كان ما أدعى مما يعرف له أو لم يكن، إذا كان فيما بقى وفاء بالصداق، وإن ادعى ذلك بعد طول زمان. أو بقى ما فيه وفاء بالمهر لم يصدق لطول حيازة الابنه له، وللزوج فيه منال، ولو صدقته الزوجة بعد طول الزمن، لم ينتفع بذلك، عرف أن أصله للاب أو لم يعرف، وإن كان ما بقى قدر المهر؛ لأن ذلك كعطية منها للزوج ردها. قال ابن حبيب: ولا أرى السنة فيه طول. قال ابن القاسم: ولو قام بحدثان ذلك، والمتاع يعرف بالأب، وليس فيما أبقى ما يفى بالمهر فهو له، وعليه تمام المهر من الشوار. قال ابن حبيب: وهذا فى الاب خاصةً فى ابنته البكر، فاما فى الثيب، او فى وليته البكر او الثيب فلا، وهو فيها كالأجنبى. وقاله لى بعض أصحاب مالك. وفى باب المرأة تهب مهرها وضمان الصداق، وعليه ذكر دعواها لهلاك الصداق من غير طلاق، وهل عليها شراء جهاز؟ وفيه: هل للمرأة أن تلبس من صداقها، أو تنفق، أو تقضى ديناً. وفى باب الحباء ذكر من أهدى هدية هل يحسبها فى الصداق؟ [4/ 487]
في الأب يذكر ما لابنته أو لوليته عند الخطبة أو يصفها فلم تكن كما قال
فى الأب يذكر ما لابنته أو لوليته عند الخطبة أو وصفها بصفة فلم تكن كما قال من كتاب ابن المواز: ومن خطب إلى رجل فرفع عليه فى المهر، فأنكر سومه، فقال الولى: إن لها كذا. فيسمى رقيقاً وعروضاً، فأصدقا ما طلب، ثم لم يجد ما ذكرز قال أصبغ عن ابن القاسم: فيما أظن، غن ذلك على التزين والتجمل، والمهر له لازم، ولا حجة له، كما لو قال بيضاء جميلة حسنة شابةً. فوجد سوداء أو عرجاء، فلا كلام له ما لم يكن ذلك شرطاً له، فله به رد النكاح. وكذلك غن كانت مست قبل يعلم، ثم علم، فليرجع بالمهر على من غره. قال محمد: وذلك فى السوداء والعجوز، فاما فى كثرة مالها الذى رفع فى الصداق من أجله؛ فإن كان بشرط فى كتاب وإشهاد، فإنما يرجع على من غره بما زاد من المهر لما سمى له على من شرط له بذلك، إن فارقها حين علم ولم يرض. فأما إن لم يكن ذلك بشرط، يقول: إنما أنكحها بكذا على أنها كما وصفت. أو على ان لها ما وصفت، فقد امهرتها على هذا كذا وكذا. فإن لم يكن هذا، وإنما قالك لها كذا، أو قال: ذلك لها عندى، او أراه شيئاً لغيرها، سماه لها، فذلك كله واحد، ولو شاء الزوج لاستحسن كذا، ولا يكون قوله لها عندى او على كذا إقراراً، إلا ان تشهد البينة انه اراد بذلك الإقرار على نفسه والإلزام فليزمه، وإلا فلاز قال اصبغ ولو كان أبوها لم يلزمه أيضا بقوله: لها عندى أو على إلا أن يعرف انه كان لها ميراث وشبه ذلك، وإلا لم أره إقراراً منه لها، ولا صدقة تلزمه، إلا ان ينص ذلك باشتراط عليه، وهو من غير الأب إقراراً، إذا شهد بذلك عليه. ومن الواضحة: وإذا قال الولى للخاطب: لها عندى أو على أو فى مالى كذا، فذكر مالاً ورقيقاً أو عرضاً ظاهراً أو خفياً أو عقاراً يعرف او لا يعرف. فذلك يلزمه إن كان شرطاً عند العقد او قبله عند الخطبة، يؤخذ به فى ماله فى حياته وبعد وفاته، بخلاف الهبات، وهو كمن أعطى على ما نكح عليه ناكح، فلا [4/ 488]
يراعى فيه القبض، وسواء كان اباً، أو اخاً، أو عماً، أو مولى؛ بكراص كانت أو ثيباُ. وأما إن قال: لها من المال كذا، ومن الحلى والثياب كذا، فإن كان أباً أو وصياً أو من ولاه السلطان عليها، وهى بكر بولاء، فذلك يلزمه، ويؤخذ به فى ماله، ويتبع به فى عدمه، كالأب يقر للابن، أو الوصى ليتيمه بمال؛ لأن ماله فى يديه، فإن ادعى ان ذلك توين على الجارية لم يصدق فيما يخفى من الأموال، وأما ما يظهر فيقول: عندها رأس أو دار أو رؤوس أو أرض. ولا يعرف لها شىء، فتلك كذبة لا تلزمه والزوج مخير؛ إن شاء فارق ولا شىء عليه، أو حسبها على ان عليه جميع الصداق، وليس لها ما ذكر. وإن لم يعلم حتى بنى مضى النكاح وردت إلى صداق مثلها، على ان ذلك ليس لها، ورجع بالفضل على من غره لا عليها؛ بكراً كانت أو ثيباً، والولى أب أو غيره، إلا أن تكون ثيباً، ويقدم على علم بكذب وليها، فتكون هى التى غرته، فيرجع عليها، فإن لم يكن لها مال فعلى الولى. وغذا زوجها غير أب او وصى أو ولى من السلطان عليها، أو كانت ثيباً تلى نفسها، فما سمى الولى لها مما يخفى أو يظهر فهو كذب لا يؤخذ به، والزوج مخير قبل البناء؛ إن شاء بنى على جميع الصداق أو فارق، وتكون طلقة، وغن لم يعلم حتى بنى ردت إلى صداق ماليس لها ذلك، ورجع بالفضل على من غره وعقد له فى البكر والثيب، إلا ثيباص عرفت كذب الولى له فدخلت على ذلك، فعليها يرجع ولا يضر البكر علمها بذلك. وإن قال دارى الفلانية أو عبدى فلان لزمه ذلك لها؛ حياً أو ميتاً؛ لأنه نكح عليه، إذا كان معروفاً له. وهذا أحسن ما سمعت من بعض أصحاب مالك، وق كان فيه بعض الاختلاف. ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن فى الأب يسأله الخاطب مالها؛ فيقول: لها كذا وكذا، فيرفع فى الصداق لذلك، ثم لا يوجد ذلك، فغن لم يبن [4/ 489]
القول في الحباء والهدية والنكاح على وضيعة دين على الأب أو تأخيره
خير، فإما رضى وإما فارق ولا صداق عليه، وإن لم يعلم حتى بنى فلها صداق المثل. القول فى الحباء والهدية والنكاح على وضيعة دين على الب أو تأخيره أو على هبة مال لأجنبى وفى الزوج يهدى هدية فأراد ان يحسبها فى الصداق من كتاب ابن المواز قال مالك: وما شرط الب فى الحباء لنفسه فى عقد نكاح ابنته فهو لها إن اتبعته، وإن طلقت قبل البناء فلها نصفه ونصفه للزوج، فى البكر والثيب. واما ما جعل لجنبى لا يملك عقد النكاح على ان يزوجه فذلك له، وإنكما أعطاه على أن يقوم له قال: وما اكرمت به المرأة أو أبوها أو أهلها بعد العقد، ثم طلق، فلا شىء فيه للزوج، ولو كان فى العقد كان لها نصفه؛ قبضته او لم تقبضه، وللزوج نصفه. وكذلك الوصى أو ولى ممن له العقد، فما شرط لنفسه من حباء فى العقد فهو للزوجة. قال ربيعة: إلا أن يقيم على إجازة ذلك له بعد البناء. وما شرط بعد العقد، لم يكن عن مدالسة فهو له دون الزوجة، ولا شىء فيه للزوج إن طلق. قال مالك: وإن أكرمها بمتاع كثير بعد النكاح، قبضت بعضه، ثم طلق قبل البناء، فلها جميعه ما قبضت وما لم تقبض، ولو مات لا يصح لها غير ما قبضت. ومن تزوج على عطية شرطها للأب؛ وفوض إليه فى المهر، فله أن يحسب ما أخذ الأب فى فريضة صداق المثل، وإن طلق قبل البناء لرجع بجميعه على الأب، ولها المتعةن ولو قال: هذا للأب خاصة وأنا مفوض إليه فى مهر ابنته، فعليه لها [4/ 490]
صداق المثل إن دخل غير ما أخذ الأب، ويكون ذلك كله للابنة، وإن طلق قبل البناء، أخذ الزوج ذلك كله؛ محمد يريد إذا لم يفرض لها ما تراضيا به. قال مالك: ومن تزوج ابنة رجل على أن وضع عن أبيها ديناً له عليه أو أخره به، كرهت ذلك. قال ابن القاسم: أما الوضيعة، فهو كالحباء، وهوللابنة إن شاءت. وأما التأخير فلا يجوز، ويفسخ النكاح إلا أن يبنى فيمضى، وعليه صداق المثل، ويرجع الدين إلى أجله. قال أشهب: ومن تزوج على أن يهب عبده لفلان فذلك جائز، فإن طلق قبل البناء رجع بنصف العبد، فإن مات بيد الموهوب رجع عليه بنصف قيمته. قال أصبغ: صواب. قال محمد: ما أدرى لم صوب ذلك اصبغ، وهو عندى كالحباء الذى وهبته هى للأب أو وليها. فلا يكون لها رجعة فى طلاق ولا غيره، ولا ارى ان يضمن الموهوب العبد فى الموت؛ لأنه حيوان ما لم يكن موته بتعد من الموهوب. قال ابن حبيب: لا باس أن تتزوج المرأة على أن يهب عبده لفلان، وأن يكون ذلك جميع صداقها. وقاله أشهب. وذكر ابن حبيب فى باقى المسألة نحو ما ذكر ابن المواز. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال: وما نحل الزوج ولى المرأة او بعض أختانها، فإن لم يكن على ذلك انكحه، ولا على عده منه عامله عليها، تكون كالشرط، وإنما هو من الزوج شكر وصلة للولى أو لبعض الأختان، او صلة لهم قبل النكاح، فلا كلام للزوج فيه فى طلاق ولا غيره ولا للزوجة. وإذا نحل الزوج ولى زوجته نحلة لعلها أكثر من الصداق، ويكره للمرأة أن تتبع [4/ 491]
وليها بشىء، ويريد الزوج الرجوع به على الولى، فلا حق فيه للزوج، ولا رجوع له به على الولى ولا على المرأة. قال عيسى عن ابن القاسم: ومن أهدى إلى زوجته هدية ثم طلق قبل البناء، والهدية قائمة، فلا شىء له من الهدية، وإنما يرجع بنصف الصداق إن دفعه. قال: ولو عثر على فساد النكاح، ففسخ قبل البناء، فله اخذ الهدية إن وجدها، وإن ماتت فلا شىء له. وقد تقدم فى باب الصداق يشترى به شوار شىء من هذا. ومن الواضحة، قال: وما حبى به الولى فى العقد فهو للزوجة، فإن أجازته للولى ثم طلقت قبل البناء، فإنما يرجع بنصفه الزوج على الولى، أب أو غيره، وهى جائزة الأمر أو فى ولاء، إلا أن للمولى عليها أن ترجع إلى الولى بالنصف الباقى، ولا يجوز تركها له. قال مالك: وما نحله الزوج عند الخلوة مما يكثره الناس على النفخ والفخر وبعض الحماقات. فذلك باطل، إلا ما كان غرماً من الزوج، يعرف أنه اراد به إكرامها فهو كالهدية، لا يرجع به فى الطلاق قبل البناء، ويرجع به إن فسخ النكاح بأمر غالب، إلا أن يفوت باستنفاق أو غيره، فلا شىء له على المرأة. ومن الواضحة، وما أهدى الناكح من حلى وثياب ثم أراد أن يحسب ذلك فى الصداق، فليس ذلك له إذا سماه هدية، وإن لم يسمه هدية حلف ما ارسله هدية، وما بعثه إلا لينقص من الصداق، وذلك له، فإن شاءت الزوجة قاصته به أو ردته، وقاله أصبغ عن ابن القاسم. وقاله غير هـ من أصحاب مالك. وفى باب من يشترى بالصداق من الشوار شىء من هذا المعنى. [4/ 492]
في المرأة تهب مهرها أو تعتق أو تبيع ثم تطلق
فى المرأة تهب مهرها أو تعتق أو تبيع ثم تطلق وفى غلة الصداق وضمانه وجنايته وهل تنفق منه أو تقضى دينها؟ وضمانه فى النكاح الفاسد من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا وهبت المرأة مهرها لأجنبى، والثلث يحمله، فقبضه الموهوب له من الزوج، ثم طلق قبل البناء، فليتبعها بنصفه، ووجدنالابن القاسم أنها ترجع إلى الأجنبى بما تغرم للزوج. وهذا خلاف قوله الأول. وإذا أصدقها عبداً فأعتقته، أو غير عبد فتصدقت به، ثم طلقا قبل البناء، فعليها نصف قيمته يوم أحدثت ذلك فيه. قاله مالك وابن القاسم. وقال عبد الملك: بل قيمته يوم قبضته. ولا يعجبنا ذلك؛ لأن ضمانه منها، ولو باعته، فالثمن بينهما، والبيع جائز، إلا ان تشترى بالثمن بعض ما يصلحها، فيكون كما نقد من العين. ولو جنى العبد فأسلمته فإسلامها جائز، فإن طلق قبل البناء لم يرجع عليها ولا فى العبد، إلا أن تكون حابت، فيكون له فداء حصته أو إسلامها. ولو فدته لم يكن له أخذ نصفه حتى يدفع إليها نصف ما فدته به، حابت او لم تحاب، ولو حابت فى بيعه وفى إسلامه ثم مات العبد، فعليها تمام نصف ثمنه يوم حابت فيه. ولو جنى وهو فى يده فالنظر فى إسلامه وفدائه إليها دونه، إلا أن يطلقها قبل النظر فيه. ولا بأس بأخذ المرأة فى صداقها ذهباً من ورق. قال ابن القاسم: يريد والورق معجله. ومن الواضحة: وإذا وهبت الصداق ثم طلقت، فلا يرجع الزوج على الموهوب بشىء، ولكن عليها بنصف قيمته يوم الهبة، فى عسرها ويسرها، وذلك إذا علم بهبتها فسكت وهى معسرة، فإن لم يعلم حتى طلق فألفاها الآن معسرة؛ فإن [4/ 493]
دفع إليه الموهوب نصف القيمة فلا حجة له، وإن ابى رجع عليه بنصف الهبة بنمائه ونقصه؛ ثم لا يرجع الموهوب عليها بشىء. ولو أصدقها عبداً فاعتلته، فلترد نصف غلته مع نصفه، ولا تحاسبه بما أنفقت عليه، بخلاف ما أنفقت على الثمرة. وما باعت مما أصدقت ردت نصف الثمن، ومال اشترت بالمال من غير شوار وطيب ومصلحة بنائها ضكمنت نصف الثمن، وما اشترت من مصلحة البناء فبينهماز وليس لها حبسه ودفع نصف الثمن إلا برضاه، وما لبست من من الثياب التى اشترت فابلته فلا شىء عليها فيه، وكذلك ما افترشته وطوت به واستعملته من لحاف وستر حتى بلى فلا شىء عليها فيه. قاله كله مالك وابن وهب وغيره ممن لقيت من أصحابه. وقال فى قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) وهو ما أعطته من صداقها، أو وضعته عنه. ومن كتاب ابن المواز: وما أصدقها من عبد ثم طلق قبل البناء وقد هلك بيدها أو بيدها فهو منهما، وما أغل بيده أو بيدها فهو بينهما. وكذلك الحائط، ويعطى من أنفق منهما فى علاجه شيئاً ذلك من الغلة لا يجاوزها، وما وهب للعبد أوكسب عند أحدهما فبينهما. يغرم نصفه من أخذه؛ استهلكه أو لم يستهلكه. وكذلك غلة الحيوان ونسلها بينهما. وما جنى على العبد فأرشه بينهما، وكذلك عليهما ما جنى. ومن العتبية روى اشهب عن مالك أن العبد إذا مات بيد الزوج قبل قبضها إياه وبعد العقد، فضمانه منها. قيل: فمات بيدها، أيرجع عليها فى الطلاق بنصف قيمته؟ قال: ما أحرى ذلك. وقاله أشهب وابن نافع. [4/ 494]
وقال مالك: لا يرجع عليها بشىء. قال مالك: ولو باعته لم يرجع عليها إلا بنصف الثمن، إن لم تحاب. ومن كتاب ابن المواز قالك وما اغتلت فهلك بيدها من غير سببها لم تضمنه، وهى فيه مصدقة مع يمينها إن أخذت فى الغلة حيواناً، ولا تصدق فى هلاك العين إلا ببينة، وأما الزوج فهو ضامن لما اغتل من عين وغيره؛ لأنه متعد فيما يستغل وفى حبسه وما مده ونما فى يديه فلا رجوع لمن أنفق عليه منهما بما أنفق، إلا فى غلة إن كانت لا يعدوها. وكذلك لو داوى مرضاً به. قال ابن القاسم: ولو انفقت على العبد فى تعليم صناعة نفقة عظيمةفلا رجوع لها بشىء من ذلك، وكذلكقال مالك فى رده بعيب فى البيع، وكذلك ما أنفقت فى أدب الجارية وتعليمها الأدب والرقم. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، فى العتبية. قال فى كتاب محمد: وإن كانت غنماً فزكتها، رجع بنصفها ناقصةً، ولو كانت مائتى درهم زكتها، رجع بمائة كاملة، قال محمد: لأنها فى العين ضامنة، فالنماء فيها لها، وما ادعت أنه تلف مما قبضت صدقت فيما يصدق فيه المستعير والمرتهن مع يمينها، وما يغاب عليه من عيب أو عرض فلا يبرأ من ضمانه غلا ببينة. قاله ابن القاسم، وعبد الملك. قال أصبغ: وأرى فى العين خاصةً أنها تضمنه، وإن قامت بينة بهلاكه بغير تفريط. قال عبد الملك: ولو لم يطلقها، وادعت تلف ما يغاب عليه، وطالبها أن تتجهز بالصداق، فليس ذلك له؛ لأنه مالها ضاع، فلا تضمن مالها، وعليها اليمين، وبالطلاق يسير ماله له. [4/ 495]
وقال عبد الملك فى العتبية: عليها أن تخلف ذلك من مالها، إذا لم تقم بينة بهلاكه، تشترى به جهازاً. قال ابن المواز قال أصبغ: ولو اشترت بالعين جهازاً بامر معروف ظاهر فضاع أو تلف لم تضمن، كما لو أصدقها ذلك بعينه. قال محمد، فى قول أصبغ: لا تنفعها البينة فى هلاك العين: لا يعجبنى، ولا تضمن إذا قامت البينة إذا لم يكن تحريكها ذلك لغير الجهاز، وهى كالورثة. قال: وما أكلت من مهرها، فإن طلقت قبل البناء، حوسبت به، وإن لم تطلق، وبنى فلا شىء عليها. قال ابن عبد الحكم، عن مالك فى المرأة المحتاجة: لها أن تاكل من صداقها بالمعروف وتكتسى. وروى مثله ابن القاسم، فى العتبية. قال محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن نكحت بعروض من قرافل وثياب أو بدراهم، فلها أن تنفع من ذلك بالشىء الخفيف، ولا تقضى منه ديناً غلا بالشىء التافه، مثل الدينار والدينارين والثلاثة. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن قام عليها الغرماء لم تقض منها إلا مثل الدينار ونحوه. قاله مالك. وأما بعد البناء فلها قضاء دينها من شوارها، ومن كالىء صداقها، وليس لذلك بعد البناء وقتن وكذلك لوماتت قبل البناء. قال سحنون: وابن القاسم يرى ان للسيد انتزاع صداق أمته، وبه أقول. كما قال مالك. ليس للحرة أن تقضى منه الدين، إلا الشىء اليسير. وفى باب الشراء بالصداق شواراً من معانى هذا الباب. [4/ 496]
في العفو عن نصف الصداق في الطلاق
قال ابن حبيب: وما نكحت به من جنين وآبق وشارد وحال بيدها بنماء أو نقص أوموت وقد بنى بها فعليه القيمة تحاسب بها فيها لها من صداق المثل بغير ذلك؛ قبل البناء أو بعده، إذا لم ينظر فيه حتى بنى بها، فإن عثر على ذلك قبل البناء ففسخ فما حدث من موت فهو من الزوج وإن قبضته الزوجة، وما كان من نقص وزيادة فللزوج وعليه، كما لو طلق فى الصداق الصحيح. وقال ابن القاسم هى ضامنة لذلك فى الصداق الفاسد، ولا يعجبنى، وذلك سواء. وقاله مطرف وابن الماجشون. فى العفو عن نصف الصداق فى الطلاق من كتاب ابن المواز قال مالك: لا يضع عن الزوج بعد الطلاق قبل البناءمن صداق البكر وصى ولي إلاالأب فله يضع بعد الطلاق قبل البناء نصف الصداق في أمته، ويباري عنها على وجه النظر، ولا عفو لها هي عن شيء. وأما الثيب فذلك إليها دون الأب وغيره. ومن العتبية قال ابن القاسم في التي لم ئحض إذا طلقت بعد البناء فلا عفو فيها للاب عن الصداق. وقد جرى ذكر متعة المطلقة في كتاب الر جعة والخلع مستوعبا، فأغنى عن إعادته. في إرخاء السر وتداعي المسيس في نكاح أو غصب، ومايوجب الصداق من ذلك من كتاب ابن المواز قال ابن المسيب: إذا دخل بزوجته في بيتها لم تصدق عليه، إلاأن يكون دخول اهتداء أوتعريس، وإن دخلت في بيته صدقت عليه مع ميينها، وحديث عمر يوجب حيثما أخذئهما الخلوة. [4/ 497]
قال مالك: فإن قال هى بكر فاروها النساء لم ينظر إلى قوله ولم يكن ذلك عليها. وأخذ مالك بمعنى قول ابن المسيب فى دخوله عندها، إن كان اهتدى، ولم تكن زيادة، واخذ به ابن القاسم. وروى ابن وهب عن مالك حيثما أخذتهما الخلوة، وإن كانت زيارة صدقت عليه. وقال به ابن وهب وأشهب وأصبغ. وهو أشبه بحديث عمر، سواء جمعتهما الخلوة بإغلاق باب أو إرخاء ستر أو غيره، إلا انها خلوة بينة، وإنما يجب لها بذلك الصداق إذا ادعت المسيس مع يمينها، والستر كالشاهد لها. فغن قالت لا يمسسنى فليس لها إلا نصف الصداق إن طلقت، كانت مولى عليها أو بكراً صغيرة، أو بالغاً أو أمةً أو حرةً مسلمةً أو كتابيةً، أو كانت يتيمة فالقول قولها لها وعليها. وكذلك فيما يفسخ من النكاح. وكذلك روى أصبغ عن ابن وهب فى العتبية قال: وهذا مما لا يعرف إلا بقولهن. وقد قبل قول النساء فى العدة والحيض والولادة. كما لا يجب الصداق إلا بدعواهن يسقط بإقرارهن؛ كانت مولى عليها أو غير مولى، صغيرة أو كبيرة. وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ مثله سواء. وقال أصبغ عن ابن القاسم: إن ادعت مسيسه فى أهلها فعليه اليمين، عرفت الخلوة أو لم تعرف. وقال أصبغ: إن عرفت الخلوة فى أهلها فالقول قولها، وإن لم تعرف الخلوة فعليه اليمين. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: وإذا قلت إن بالخلوة بغير اهتداء يقبل قولها، فكذلك يقبل فيها قول الزوج فى دفع الصداق قبل هذه الخلوة؛ لأنهم قد أخلوه معها. قال محمد فإن ادعى الزوج أنه وطىء؛ ليقبل قوله فى دفع الصداق وأكذبتهفهو مصدق بالخلوة. قال ابن القاسم: مع يمينه فى دخول الاهتداء، وأما فى غير الاهتداء تحلف هى ما قبضت، وتأخذه منه. [4/ 498]
وإذا كان يختلف إلى منزلها، ويخلو ولا يبيت فلا تصدق هى فى الوطء، ولها نصف الصداق إن طلق، وعليها العدة للخلوة. والخلوة وإن لم تكن خلوة اهتداء توجب العدة. ولو مات أحدهما فى هذه العدة من هذا الطلاق لم يتوارثا، إذ لا رجعة له إلا أن يظهر بها حمل فأقر به، فيستتم لها الصداق، وله الرجعة. قال محمد: أما فى ظهور الحمل فهو ذلك. وإن لم تعرف لها بها خلوة، إذا كان لوقت العقد ما يلحق فيه الحمل. وإذا احتملها بمعاينة بينة حتى غاب عليها، وليست له بزوجة فادعت المسيس فلها الصداق، ولا حد عليه. قال ابن القاسم: ومن دخل بزوجته، فافتضها بأصبعه، ثم طلق فلها الصداق كاملاً لأنه فعل ذلك على وجه الافتضاض بالنكاح، بخلاف الأجنبى ذلك عليه ما شانها. قال أصبغ: هذا فى الاستحسان، واقياس أنهما سواء، وعلى الزوج قدر ما شانها مع نصف الصداق. قال ابن القاسم: وإذا ادعت المسيس فذلك يحلها لمن كان أبتها. وقال ابن وهب: إن اختلفا بقرب الطلاق وفوره لم ترجع بذلك إلى الأول، وإن لم يكن ذلك حتى حلت وطال ذلك ثم أرادت الرجوع، فذكر ذلك الزوج، فلا يقبل منه. وهى المصدقة. قال أصبغ: هذا قول يستحلى. والقياس قول ابن القاسم أنها مصدقةعند الفراق أو بعده، ولا تمنع من الأول بحكم، ولكن لا أبيح ذلك للأول إذا أنكر المسيس زوجها الثانى عند الفراق أو بعده أو بعد التزويج. وقد جرى فى باب عيوب النساء شىء من ذكر تداعى المسيس، وهل ينظر إليها النساء؟ [4/ 499]
فيمن أدخلت عليه غير زوجته ودعوى الوطء في ذلك
فيمن ادخلت عليه غير زوجته ودعوى الوطء فى ذلك وفيمن أقام على وطء مبتوتته أو وطء غير زوجته غلطاً أو ادخلت عليه غير زوجته فوطئها وحكم الصداق فى ذلك كله من كتاب ابن المواز: وإذا ادخلت عليه غير امرأته فادعت المسيس وكذبهافهى مصدقة ولها الصداق وعليها العدة، فإن أقر بالوطء لم يحد إذ لم يعرفها، وعليه صداق المثل. قال محمد: وإن عرف بها، فعليه الحد ولها وعليها الحد، عرف هو بها أولم يعرف. وإن قالت: طننت أنكم زوجتموني إياه قبل قولها صداق المثل، فان فان لم يعرف الواطى بها رجع بها غرم لها على الذي غره بها فأد خلها عليه. قال: ومن طلق امرأئه قبل البناء ثم جهل فظن أن له الرجعة فوطئها، فليفرق بينهما، وليس لها إلامهرها، لوطئه على النكاح الأول. مالك: وكذلك المطلق بعد البناء البتة، ثم جهل فأقام يطؤها. قال محمد: ولو كان غير هذا لكان عليه لكل وطء مهر. وهذا الذى ذكر محمد لابن الماجشون فى كتبه حتى قال: ولكل إيلاج وأخراج. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن سأل الخلوة مع زوجته، فطلب ابوها لرجل أن يعطيه ابنته يخليها مع ختنه ففعل، فاخليت معه، فافتضها ولم يعلم، فإن طاوعته ضربتت الحد ولا صداق لها، وإن أكرهها فلها الصداق على أبوى الجارية المملكة، فإن لم يكن لهما شىء، غرمه لها الواطىء، ورجع به عليهما، وعلى أبوى المستكرة النكال بكل حال. وعمن طلب الدخول فادخلت عليه جارية بكر لامرأته، وامرأته ثيب، وقيل له: لا تقربها الليلة فحلف بعتق رقيقة لا وطئها الليلة، وهو يظنها امرأته، فوطئها [4/ 500]
تلك الليلةن واستمرت حاملاً، وعليه شرط لزوجته بعتف كل جارية يتخذها، وأمرها بيدها، قال: يلحق به الولد، ولا حد عليه ولا عليها، ويعتق عليه رقيقه، وليس عليه طلاق ولا تمليك لزوجته، وعليه لزوجته قيمة الولد إن لم يعلم زوجته بما صنع أهلها، ولا تقوم عليه الجارية، ولا يرجع الزوج على الذى غره بقيمة الولد، ولا يكون أشد من المستحقة من يديه تحمل فيؤدى قيمة الولد ولا يرجع به على الغاصب. ولو كان ذلك بعلم زوجته لم يرجع بقيمة الولد، ولا تقوم عليه الجارية إلا أن يشاء هوذلك. ولو لم يخرجوها إليه ولكن سألوه أن لا يطأها الليلة، فحلف ولم تكن الأمة حاضرة فلا شىء عليه من يمينه. ومن كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون: ومن زوج ابنته لرجل وادخل عليه أمته على أنها ابنته، فهذه تكون له بما تلد ام ولد. وعليه قيمتها يوم الوطء؛ حملت أو لم تحمل، ولا قيمة عليه فى الولد بكنزلة من أحل أمته لرجل، وتبقى ابنته زوجة له، ولو علم الواطىء أن التى أدخلت عليه غير زوجته ثم وطئها فهو سواء، ولا حد عليه. ومن الواضحة قال ابن حبيب: ومن أدخل أمته على زوج ابنته فوطئها، درى عنه الحد، ولزمته القيمة، وتحد الأمة، إلا أن تدعى أن سيدها زوجها منه ويعاقب السيد. ومن الواضحة، وكتاب ابن المواز، وكتاب ابن سحنون: ومن زوج أمته لرجل وقال له: هى ابنتى فولدت من الزوج لم تكن له أم ولد؛ لأنه إنما وطئها بنكاح لا بوجه الملك. ويخير الزوج بين أن يقيم على نكاحها، وأولاده فيما يستقبل أو لاد امة، وإن شاء فارق ورجع على سيدها بجميع المهر، إلا ثلاثة دراهم، وولده منها قبل يظهر عليه أحراراً، وعليه قيمتهم لسيدها يوم الحكم. قال ابن حبيب فى اخوين ادخلت على كل واحد زوجة أخيه بخطإ من أهلها، فوطئها، فصداق المثل فى عمده وخطئه إذا لم تعلم هى، ويحد العالم منهاا، ولا صداق لها إن عملت. [4/ 501]
في مهر المغتصبة
فى مهر المغتصبة من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ويجب للحرة المغتصبة الصداق بمعاينة أربعة شهداء للوطء؛ فإن كانوا دون أربعة، فهم قذفة ولا شىء لها حتى لو شهد عليه شاهدان بإقراره، أو أنهما عايناه احتملها فخلا بها، فادعت الوطء، فإنها تحلف وعليه الصداق، وعليه الأدب، إن أنكره وقاله مالك. ولا حد عليها ولا على الشاهدين. قال مالك: ومن اغتصب أمة بالوطء، فعليه ما نقصها فى البكر والثيب، فى الرفيعة والوضيعة. قال مالك: وإذا جاءت المرأة متعلقة به تدعى ذلك عليه بغير بينة، فذلك لها عليه بغير يمين فى البكر التى تدمى، وفى الثيب بما بلغت من فضيحة نفسها، وما سمعت فى ذلك شيئاً. قال ابن المواز: وقد أوجب لها عبد الملك، وأشهب صداق المثل بعد يمينها. ولم ير عليه ابن القاسم صداقاً وإن كان من أهل الدعارة. قال ابن حبيب: وإذا شهد عليه شاهدان أنه غصب امرأة بعينها يريد أنه أقر بذلك عندهما لزمه الصداق، ولا يحد إذا أنكر، وإذا شهد أنه حملها فغاب عليها، فذكر مثل ما ذكر ابن المواز. قال ابن حبيب: وإذا لم تقم بينة باحتماله لها وأتت متعلقة به، فإن ادعت ذلك على رجل صالح حدت له للقذف، إلا أن تأتى تدمى فيسقط عنها الحد، ولا يحد الرجل الصالح، ولا تحد هى فى رميها غير الصالح، اتت تدمى أو لا تدمى، ويكشف الإمام عن ذلك الرجل، ويعمل فيه على ما ينكشف له. وكله قول مالك وأصحابه. وقد جرى من هذا المعنى باب مستوعب فى كتاب الحدود. تم الجزء الثانى من النكاح بحمد لله وعونه وتوفيقه [4/ 502]
[الجزء الثالث من النكاح]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الجزء الثالث من كتاب النكاح ذكر المحرمات من النساءء بنكاح أو بملك من غير كتاب لأصحابنا قالوا: حرم الله سبحانه من القرابة ومن الصهر والرضاع سبعاً، فقال: (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله: (وبنات الأخت). فهؤلاء بالقرابة سبع، وقال: (وأمهاتكم التى أرضعنكم) إلى قوله) وإن تجمعوا بين الأختين) وقال: (ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء) فهؤلاء سبع بالرضاع والصهر، فهؤلاء محرمات مؤبدات التحريم، إلا الجمع بين الأختين، فإنما هو تحريم فى حال جمعهما. وحرم غير هؤلاء فى حال دون حال، فمن ذلك أنه حرم الخامسة، وحرم المحصنات من النساء، يقول: ذوات الأزواج، إلا ما ملكت أيمانكم، يقول: بالسباء ولهن أزواج بدار الكفر. قال ابن حبيب: أو سبوا معهن. وحرم نكاح المشركات بقوله: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن). فهن محرمات بنكاح أو ملك. وأباح الكتابيات الحرائر منهن بنكاح يقوله) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) وهذا إحصان بحرية، وأباحهن بالملك بقوله حين [4/ 503]
حرم ذات الأزواج (والمحصنات من النساء) وهذا إحصان نكاح، ثم استثنى المسبيات، فقال: (إلا ما ملكت أيمانكم) ولم يبح الأمة الكتابية بنكاح، فهى باقية فيما أجمل من تحريم الكوافر، واشترط فى نكاح الإماء بعدم الطول أن يكن مؤمنات، فقال (من فتياتكم المؤمنات). وحرم نكاح المعتدة ما دلمت كذلك، وحرم المبتوتة على الذى أبتها إلا بعدزوج؛ والجمع بين الأختين هو محرم فى حال جمعهما، ثم تحل له كل واحدة إذا انفردت. ومما حرم على لسان نبيه عليه السلام والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، وقيل: إن فى القرآن ما دل على تحريم ذلك مجملاً، فأبانه النبى عليه السلام، ونهى الرسول عليه السلام عن نكاح المتعة؛ ونكاح المحرم ونكاح المحلل، ونكاح الشغار. فممن ذكرنا فى هذا الباب مؤبدات التحريم، ومنهن محرمات فى حالدون حال. ومن الواضحة: وقال فى قول الله سبحانه، فى آخر آية التحريم) إلا ما قد سلف) يقول فى الجاهلية، يقول: فإنه مغفور لكم، وكانت تضر خاصة تحرم [4/ 504]
من ذلك ما حرم الإسلام، إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، أخذوه من ملة إبراهيم. ويدخل فى قوله) ما نكح ءآباؤكم) آباء الآباء، وآباء الأمهات، وإن بعدوا. ويدخل مسيس الإماء مدخل ذلك، وتجمع المهات جميع الجدات؛ وفى البنات بنات الذكور والإناث وإن سفلن؛ وفى الأجوات كل أخت لأب أو لأم أو لهما؛ وكذلك العمات والخالات وخالات الأباء وعماتهم وخالات الأمهات وعماتهن، لا يدخل فيه بنات العمات وبنات الخالات. قال غيره: قال الله سبحانه: (وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك).قال: ويدخل في بنات الأخ وبنات الأخت كل أخ أوأخت لأب أولأم أو لهما. وكذلك في قوله: (وأخواتكم من الرضاعة) ويحرم بقوله: (وأمهاتكم التي أرضعنكم).الأمهات وبناتهن وأخواتهن وعماتهن وخالاتهن. ويحرم من قبل الفحل بالسنة. ويدخل فى أمهات نسائكم أمهات الأمهات، ومن بع من الجدات، ولا يدخل أخوات الأمهات، ولا بناتهن وهم حلال إذا فارق الزوجات أو متن. وأما الربائب فإنما يحرمن بالبناء بالأم أو بالتلذذ بها بلباس أو تجريد، أو مغازلة أو مداعبة، أو نظر شهوة إلى وجه أو ساق أو شعر. وقوله: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلبكم) لم يعن دون أبناء الرضاع، لكن دون من يدعى ابناً بالتبنى، وأمر أن يدعو لأبائهم، وكان النبى عليه السلام قد تبنى زيد بن حارثة، ثم تزوج زينب بنت جحش وكانت تحت زيد، فقال المنافقون فى ذلك، فأنزل الله هذا. [4/ 505]
ويحرم فى افماء بالقرابة والرضاعة ما يحرم فى الحرائر. ولا يجمع بين الأختين فى وطء الملك، ولا بين المرأة وعمتها ولا خالتها. كما تحرم الأم والابنة فى الملك، على هذا وفر الصحابة والسلف. وقوله) الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة) غلى آخر الآية. فالنكاح ها هنا الزنى، لا يزنى بها إلا زان أو مشرك. روى عن ابن عباس، وقال ابن المسيب: هى منسوخة بقوله) وانكحوا الأيامى منكم). قال ابن حبيب: ولا يجوز نكاح الزانية المجاهرة ذات الخدر. ويستحب لمن تحته امرأة تزنى أن يفارقها؛ فغن بلى بحبها فلها حبسها. وروى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم وما علم من ذلك فعليه الاستبراء بثلاث حيض. وفى مملوكته حيضة. قال مالك: ومن زنى بامرأة، فله ان يتزوجها بعد استبراء رحمها بثلاث حيض. قال مالك: والمرأة المعلنة بالسوء، لا أحب للرجل أن يتزوجهاا، ولا أراه حراماً. [4/ 506]
وهذا باب في معنى الأول: في ذكر حلائل الأبناء والآباء والربائب وأمهات النساء
وهذا باب فى معنى الأول فى ذكر حلائل البناء والأباء والربائب وأمهات النساء وما ضارع ذلك وهل يحرم ذلك بالوطء الحرام أو بشبهة؟ من كتاب محمد قال مالك: إذا قبل الرجل امرأته يريد اللذة، ثم ماتت، حرمت بذلك عليها ابنتها، كالوطء، إلا أن يكون صغيراً فليس بشىء. وكذلك النظر تلذذاً تحرم بذلك على آبائهه وأبنائه، وتحرم عليه أمها وابنتهاز وكذلك إن نظر إلى ساق أمته أو معصمها تلذذاً، أو إلى بعض عورتها للذة. وقاله عمرو بن عمر. قال مالك: وإن مرضته أو مرضها فاطلع أحدهما على عورة الآخر ومسهالم تحرم، إلا أن يكون للذة. قال أصبغ: إن صح ذلك وسلم من اللذة بقلبهأو بصره أو يد أو فعل. قال مالك: ومنله شرك فى جارية، وكانت تغمز رجلى أبيه ويمازحها، ثم ملك الابن جميعها، قال: ترك مصابها أحب إلى. وقال ابن حبيب: وإذا ملك الأمة أبوك أو ابنك، وإن كان الابن صغيراً ومثله يلذ بالجوارى، فلا يقربها حتى يبين له أبوه أو ابنه أو أنه لم يلذ منها بشىء. قوله: صغيراً لا أدرى ما هو؟. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ماتت امراته قبل البناء فقبلها ميتة، أو وطئها، فإنها تحرم عليه ابنتها، وقد حرمت عليه أمها يريد بالعقد ومن زنى بامرأة، فلا ينكح ابنتها، وله أن يتزوج أختها. [4/ 507]
ومن العتبية: وقد اختلف مالك في التحريم، وفي موطأه: أن لا تحرم به، وبه قال سحنون. وذكر ابن المواز اختلاف قول مالك فيه. قال محمد: فإن وقع لم أفسخه. وروى عنه أشهب أشهب فى واطىء ختنه فى الفرج أو فى دونه أنه لا تحرم بذلك امرأته، ونهاه عنها فى رواية ابن القاسم، وكره فى روايته نكاح امرأة وطىء أمها حراماً فى الفرج أو دونه. وروى عنه ابن عبد الحكم ان له نكاح ابنتها، وينكحها ابنه. قال مالك: والوطء بالنكاح الحرام تحرم عليه به أمها وابنتها، وتحرم على آبائه وأبنائه. قال ابن حبيبك ولا يقع تحريم بعقد نكاح حرام. ومن عقد نكاح امرأة بنكاح حلال أو نكاح شبهة يثبت بعد البناء فإن أمها تحرم عليه بذلك. قال ابن حبيب: ورجع مالك عما فى الموطأ أن الزنى لا تقع به الحرمة إلى أن ذلك تقع به الحرمة. ومن العتبية: روى ابو زيد عن ابن القاسم: ومن وطىء أمة ثم زوجها عبده فولدت منه جارية أنها لا تحل لابنه من غيرها. وروى عنه عيسى أنها تحل له، قال عيسى: كما أن للرجل أن ينكح بنت امراة ابنه من غيره، ولدتها بعد أن فارقها أو قبل أن يتزوجها، ولابنها من غيره نكاح ابنته من غيرها. وكذلك قال ابن المواز مثله سواء. وللرجل أن يتزوج ربيبة زوج أمه. ومن كتاب ابن حبيب: روى ان طاووساً استثقل للرجل نكاح ما ولدت امراة أبيه من غير أبيه بعد أبيه، ولم يكره ما ولدت قبل أن ينكحها ابوه. قال محمد ابن الجهم: وهذا شاذ لا وجه له، انظر لعل طاووساً كره ذلك إذا اتصل لبن الأول حتى أرضعت به فى ملك الثانى. [4/ 508]
ومن كتاب ابن المواز: ومن وطىء امة ثم أعتقها أو باعها فولدت من غير صبية، فلا بأس على أبيه أن يتزوجها. وكذلك لو كانت لعبد قبل ذلك. وكل ما حرم جمعه بالنكاح حرم بملك اليمين، يريد فى الوطىء والتلذذ لا فى الملك، من الأختين والمرأة وعمتها أو خالتها. ومن الواضحة وغيرها: ولا بأس أن ينكح الرجل أخت أخته من النسب، مثل أن يكون لأخته لأبيه أو لأخته لأمه أخت لأمه، أولأخيه لأمه أخت لأبيهن قاله مالك: وكذلكينكح أخت أخته من الرضاع. ومن كتاب محمد: ولا باس أن يتزوج الرجل امرأة ابن امرأته، وامرأة أبى امراته، ولا يتزوج امرأة ابيه أو أبيه من الرضاعة. وهو قول مالك وأصحابه. ولا ينكح امرأة جده من قبل أبيه أو من قبل أمه. وسئل سحنون، فى كتاب السير، عمن زوج ابنته الطفلة لابن عم لها طفل سأله ذلك؛ فقال قد زوجتكها ولم يسم صداقاً ولا حضر ذلك بينة. ثم ماتت الطفلة، ثم مات أبوها. ثم بلغ الصبى فتزوج أمها، فامره سحنون أن ينزل عن الأم لشبهة نكاح البنت. وهذا على قول مالك. وقال بعض أصحابنا لا ينزل عن الأم، لأن نكاح الطفل لم ينعقد، والذى قال ابن المواز: إنه إذا بلغ لزمه، وليس يقال: لم ينعقد إنما هونكاح حتى يرد. [4/ 509]
فيمن تزوج أما وابنة أو أختا بعد أخت ولم يعلم
فيمن تزوج أماً وابنة أوأختاً بعد أخت ولم يعلم، ثم مات أو لم يمت، وقد بنى او لم يبن أو بنى بواحدة وعلمت الأولى أو لم تعلم، أو مات عن خامسة مجهولة أو عن ذات محرم من كتاب ابن المواز: ومن مات عن امرأتين، فوجدت إحداهما أم الأخرى، فإن بنى بالآخرة سقط الميراث بينهما؛ أما كانت الآخرة أو ابنة، دخل بالولى أو لم يدخل، وللتى بنى بها جميع الصداق المسمى؛ عاجله وآجله، ولا شىء للتى لم يبن بها. فإن لم يدخل بالآخرة فلا صداق لها ولا ميراث، وللأولى الصداق والميراث، دخل بها أو لم يدخل. فإن لم تعرف الآخرة، فللتى بنى بها الصداق، ولا صداق للتىلم يبن بها، اولى كانت أو آخرة. وقيل: إن للتى بنى بها نصف الميراث وقاله ابن حبيب. قال محمد: ولا يعجبنى إن ترث شيئاً؛ لأنه لا يرث أحد شيئاً بشك، وإنما تعطى نصف الميراث فى موضع يوقن أن أحدهما ترث لا شك فيه، فيقسم بينهما. فأما من يمكن ان يكون له شىء، ويمكن أن لا شىء له فلا يرث هذا. فغذا كانت المدخول بها هىالآخرةفلا ميراث لها ولا للاولى، وإن كانت هى الأولى ورثت ولم ترث الآخرة، فليست واحدة وارثة بكل حال. ولو لم يبن بهما لكان الميراث بينهما؛ لأن الأولى لا شك أن لها الميراث، فلما لم تعرف قسم بينهما، ولكل واحدة نصف صداقها المسمى؛ لأن الآخرة لا صداق لها، وللأولى صداقها، فلما جهلت قسم بينهما. وإن بنى بهما، فلا ميراث لهما. ولكل واحدة ما سمى لها. [4/ 510]
قال أصبغ قال أشهب، فيمن تزوج أختاً بعد أخت وبنى بهما، ثم مات ولم تعلم الأولى، وكلاهما تدعى أنها هى، فليحلفا، ولكا واحدة صداقها، والميراث بينهما. محمد: لأن وطأه الآخرة ها هنا لا يفسخ نكاح الأولى، فقد مات وهى امرأته بكل حال، بخلاف الأم والبنت، لأن وطأه إحداهما يحرمالأخرى، قال أشهب فى الأختين: وتعتد كل واحدة عدة الوفاة والإحداد. محمد: مع ثلاث حيض على المدخول بها. قال مالك: وكذلك إن كانت واحدة عمة الأخرى أو خالتها. قال ابن حبيب: فإن لم يبن بهما، فالميراث بينهما، ولكل واحدة نصف صداقها، وإن بنى بواحدة معروفة فلها الصداق، والميراث بينهما، وللتى لم يبن بها نصف صداقها، وإن نكحهما فى عقدة فلا ميراث لهما، ومن بنى بها فلها الصداق، ولا صداق للاخرى. وكذلك لو نكح أماً وابنةً فى عقدة عامداً أو جاهلاً. ومن كتاب ابن المواز قال ابن وهب عن مالك فيمن نكح أختاً بعد أخت ولم يعلم وبنى بالآخرة وحدها، فليفارقها ولها المسمى، ويبقى مع الأولى، فإن أحب الآخرة وحدها فارقها، ثم نكح الآخرة بعد ثلاث قروء، إن كان طلاقه الأولى بائناً، ولا ميراث بينهما. وكذلك العمة والخالة، وإنلم يدخل بهما، وجهل الأولى، فارقهما، ولكل واحدة نصف صداقها بعد أن يحلفا. قال ابن القاسم: فإن كانتا أم وبنت، ولم يعلم الأولى ولا بنى بهما، فرق بينهما، وحرمت عليه الأم للأبد. محمد: ولكل واحدة نصف صداقها، كما لو مات عنهما، وله نكاح البنت منهما، وتكون عنه على تطلقتين؛ لخوفى أن تكون [4/ 511]
هى الأولى، فلزمتها طلقة. وكذلك فى مسألة الأختين من تزوج منهما كانت عبده على طلقتين. قال ابن حبيب: ومن مات عن خامسة لا تعرف، فالميراث بينهما أخماساً، بنى بهن أو لم يبن، وإن بنى ببعضهن فاللتى بنى بها صداقها، والميراث بينهما أجمع، وإن كان قد طلق رابعة ولا تعرف المطلقة، فإن عرفت الخامسة فلها ربعالميراث وجميع الصداق، بنى بها أو لم يبن إذا كان قد طلق الرابعة ثلاثاً او واحدة وانقضت العدة قبل نكاح الخامسة، ويكون للاربع ثلاثة أرباع الميراث بينهن. ومن دخل بها منهن فلها صداقها، ومن لم يدخل بها فلها ثلاثة أرباع صداقها، وهنسواء فى الميراث، وكذلك قال بعض اصحاب مالك. ومن كتاب محمد: قال أشهب فيمن نكح أختاً بعد أخت ولكل واحدة شهود، ولم تؤرخ البينة، ولم تعرف الأولى، فالزوج مصدق فيمن قال أنها الأولى، ويفارق الآخرة بغيرطلاق ولا صداق. محمد: وهذا لا يعجبنا، فإن لم ينكر الآخرة بعينها فرق بينه وبينها، كالقائل جهلت الأولى. قال مالك: ومن مات عن امرأتين، فوجدت واحدة عمة الأخرى أو خالتها، لم ترثه إلا الأولى. قال محمد: ولو دخل بالثانية فلا ميراث لها ولا عدة للوفاه عليها، ولها مهرها وعليها ثلاث حيض استبراء، وللأولى الميراث وجميع الصداق، بنى بها او لم يبن، وعليها عدة الوفاه. قال محمد: ومن مات عنامرأة، فقامت بينة أنها أخته من الرضاعة، فلا ميراث لها، ولا الصداق إن دخل بها، وعليها الاستبراء، ويحل المؤجل من صداقها بموته، ولو فسخ فى حياته لم تأخذه إلا إلى أجله، إلا أن يموت قبل ذلك. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن زوج أمتين له لرجل، ثم [4/ 512]
جامع القول فيما يحرم من الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها
زعم أنهما ابنتاه، قال: يلحق نسبهما ويفارق الزوج الآخرة. قال عيسى: ولو نكحهما فى عقدة فسخ نكاحهما جميعاً. قال ابن حبيب: وكل وطء حرام وقع بنكاح وشبهة بجهالة، فالولد فيه لاحق، والحد ساقط، وما كان تعمداً بغير شبهة نكاح أو ملك، فالولد ينهى، والحد واجب، وحيثما ثبت الملك سقط الحد، وإن كان الوطء حراماً متعمداً مثل أنيملك خالته، او عمته. وأما لو ملك من تعتق عليه فوطئها عالماً بالنسب وبالتحريم وبأنها تعتق عليه، فهو زان إذا لم يعذر بجهل؛ لأنه بالعقد تعتق عليه، ويتوارثان. وقاله لى بعض أصحاب مالك. جامع القوم فيما يحرم من الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها وما يجوز الجمع بينه من النساء من كتاب ابن المواز: ومن باع أمة وطئها ثم اشترى أختها، فلا يطؤها حتى تحيض التى باع، ولو حاضت ثم استقال فيها أو ابتاعها؛ فإن كان قد وطىء أختها فلا يقرب هذه حتى يحرم فرج أختها. وإن لم يطأها فهو مخير فى إحداهما. قال: ولا يجزئه تحريم من وطىء منهما بيمين بحريتها بظهارها أو لا يطؤها أو بغير ذلك، لأن الوطء ها هنا غير محرم. قال ابن أبى سلمة: ولا يهبها لمن يعتصرها منه، ولا لمن إذا شاء أخذها منه بثمن أو بغير ثمن بغير امتناع منه، ولا يبيع مفسوخ، وقيل ولا ببيع صحيح يعلم بها عيباً فيكتمه، ولا ببيع فيه استبراء ولا على العهدة والخيار حتى ينقضى ذلك كله. محمد: يريد عهدة الثلاث. [4/ 513]
ولو ملك زوجته بمثل هذا الشراء فسخ نكاحه إلا فى الخيار، ولو باع واحدة، أو زوجها من عبده، أو من غيره فمات عنها أو فارقها فكان قبل يمس فقد حلت له أختها. وقال على بن ابى طالب وابن عمر: ما حرم جمعه بالنكاح حرم بملك اليمين. وقاله عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فى عدد من الصحابة. ومن الواضحة: ومن وطىء أختين بالملك، ثم أخدم إحداهما أشهراً أو سنةً، فلا يحرمها ذلك عليه ولا يبيح أختها؛ فإن أطال الأجل مثل السنين الكثيرة أو حياة المخدم، فذلك يحل له أختها. قاله ابن الماجشون. ومن عنده أختان فوطىء إحداهما، ثم زوجها، ثم طلقت، فأصابها فى العدة، فله أن يصيب الأخرى وتلك فى عدتها أو بعد انقضائها لأنها صارت محرمةعليه للأبد. ومن كتاب محمد: ومن عنده أمة يطؤها، ثم تزوج أختها، فقال أشهب وابن عبد الحكم: النكاح جائز وله الزطء فيه من غير تحريم للأولى؛ لأن نكاح الثانية حرمها، لأنه لم يكن وطىء الأولى لم يكن مخيراً فى وطء من شاء، كما لو اشتراهما، وإنما له وطء المتزوجة، ولو وطىء الأولى لم تحرم بذلك المتزوجة، وقد قال ابن القاسم: لا يجوز نكاحها، إذلايقع نكاح فيمن لاله الاستمتاع بها بعقد نكاحها، وهذه لايقربها حتى تحرم الأولى، ولكن إن نكحها فلا أفسخه، وأوقفه عنها حتى يحرم من شاء منهما. وقال عبد الملك: يفسخ النكاح ولا يقر ولو أعتق أختها فلابد من فسخه. قال ابن دينار: أحب إلى أن يحرم فرج التى كان يطؤها، ثم له حينئذ وطء الثانية. [4/ 514]
وذكر ابن حبيب عن مطرف وأصبغ أن الكاح يفسخ، وكذلك الما جشون، وذكر عن أشهب أنه يقف عن وطء التي تزوج، حتى يحرم فرج الأمة، وهذا خلاف ما روي عن سحنون وابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: ومن تزوج أمة فلم يمسها حتى اشترى أختها فوطئها، قال ابن القاسم: يقف عنهما حتى يحرم إحداهما. وقال أشهب: بل يطأ امرأته لأن فرج أختها حرام بالنكاح في هذه، وإذا وطى بالملك أختا بعد أخت، فليقف عنهما حتى يحرم فرج واحدة، فإن حرم الأولى، استبرأالثانية، وإن حرم الثانية لم يستبرئ الأولى، إلاأن يكون وطى الثانية، فليستبرئها أيضا، لأنه وطء لا ينبغي، والجاهل والعالم في جميع ما ذكرنا سواء والجمع للأ ختين، أوالمرأة مع عمتها أو خالتها بالنسب والرضاع سواء وكذلك مع خالة أوعمة لأبيها أو لامها. وقاله ابن شهاب، في نكاج أو في وطء بملك. ولا أن يجمع بين العم، وإنما كرهه مالك لما يقع بينهما من التقاطع. وقاله يحيى بن سعيد. قال مالك: وناس يكرهونه وما أعلمه حراما. قال ربيعة ومالك: لابأس أن يجمع بين المرأتين بينهما نسب، لو كانت إحداهما رجلا حلت له الأخرى، وإن كانت لاتحل له الأخرى يجمع بينهما. قال مالك: فأما المراة وربيبتها، فله أن يجمع بينهما، يريد إذ ليس بينهما نسب. ومن طلق امرأته طلاق رجعة فلا يتزوج أختها حتى تنقضى العدة أو يكون الطلاق بائناً. وكذلك فى نكاح الخامسةة وقد طلق واحدة من الأربع. ومن العتبية: روى أبو زيد عن مالك فيمن ماتت امرأته، فتزوج أختها قبل أن تقبر الميتة، فإنى أكرهه له غسلها ولا أحرمه. [4/ 515]
ومن كتاب ابن حبيب: ولا يجمع بين امرأة مع خالة ابيها أو مع عمة أبيها، ولا مع خالة أمها أو عمة أمها لا بنكاح ولا فى وطء بملك، أو كانت واحدة زوجته والأخرى أمته، يريد يطؤها، ولا يجمع بينها وبين خالة خالتها، ولا مع عمة عمتهان فأما مع عمة خالتها فإن تكن الخالة أخت أمها لأبيها فعمتها عمة أمها فلا يجوز، وإن كانت خالتها أخت أمها لأمها فذلكجائز؛ لأنها أجنبية. لو كانت إحداهما رجلاً حلت له الأخرى. وأما جمعها مع خالة عمتها؛ فإن تكن ام العمة وأم الأب واحدة فهى كالخالة فلا يجوز. قال فى كتاب أبى الفرج: وكذلك إن كانت شقيقة الأب، قالا: وإن تكن أمها غير أم الب فذلك جائز، وهى أجنبية. ولا اختلاف أن للرجل أن يجمع امراة رجل وابنته من غيرها، وقد فعله عبد الله بن جعفر؛ تزوج امرأة على وابنته من غيرها. وفى كتاب الرضاع شىء من معانى هذا الباب. قال ابن حبيب قال أصبغ فيمن أسرت امرأته فغاب خبرها، فأراد نكاح أختها أو عمتها أو خالتها، قال: فإن طلق الماسورة البتةن جاز له ذلك الآنن وإن طلقها دون الثلاث لم يجز إلا بعد خمس سنين من يوم سبيت، إذا كان طلاقه بحدثان السباء؛ لاحتمال تمادى الريبة بها بجس البطن كذا، فلا يبريها إلا خمس سنين. وإن طلق بعد السباء بسنة، فلا يفعل ذلك إلا بعد أربع سنين، وإن كان بعد السباء بسنتين، فبعد ثلاث سنين، وكذلك إن طلقها بعد ثلاث سنين من السباء فأكثر؛ لاحتمال أن تستراب فتأتيها الحيضة فى آخر السنة، ويصيبها فى الثانية كذلك، وفى الثالثة يكمل إما ثلاث حيض أوسنة لا حيض فيها. وإن كانت مسترابة بالجس، فما تقدم بالطلاق من المدة محسوب من الخمس سنين التى به أقصى الحمل. [4/ 516]
في المدعي لنكاح امرأة وهي تنكر هل يتزوج أختها؟
قال: ولو سبيت وهى نفساء، وطلقها بحدثان ذلك انتظر سنةً؛ لأنها عدة التى ترفعها الحيضة لنفاسها. انظر ما معنى قول ابن حبيب كأنه تكلم على أنه تمادى بها الدم، وقد تطهر من نفاسها ثم تستراب، وقد تحيض فى آخر السنة ثم تستراب، فكيف لم يأمرها بجبر ثلاث سنين؟ وليست تؤمر بخمس سنين؛ لأنه موقن أنه لا حمل لها منه؛ إذا لم يطأها بعد النفاس. وهذا صحيح. فى المدعى فى نكاح امرأة وهى تنكر هل يتزوج أختها؟ والمرأة تقر أن زوجها طلقها ثلاثاً ثم تريد نكاحه قبل زوج من العتبية، روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة، فأنكرته وتفرق شهوده فلميقض لها عليها، هل يتزوج أختها؟ قال: لا، حتى يطلق هذه ثلاثاً، وكذلك لا يتزوج رابعة سواها حتى يطلقها، وأنا احب إن لم يطلقها أن تكون فى سعة إن تزوجت غيره، ولا يديمها؛ نكح اختها أو لم ينكحها. وقال فى المرأة تزعم أن زوجها إنما طلقها ثلاثاً، ثم تريد نكاحه قبل زوج، فلا تفعل ذلك، فإن فعلت ذلك فرق بينهما، ولو قالت كنت كاذبة لم تصدق، ولو أنكرت أن تكون قالت ذلك وشهد عدلان أنها قالته فلتمنع من نكاحه، ولو كان شاهداً واحداً وهى منكرة فلا تحلف. فى نكاح الحر والعبد، وتسرى العبد، ونكاح الإماء، ونكاح الأمةعلى الحرة من كتاب ابن المواز وغيره: قال الله سبحانه وتعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتمى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث وربع [4/ 517]
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة). قالت عائشة: نهى الله سبحانه وتعالى من فى حجره يتيمة يرغب فيها وفى مالها أن يتزوجها، إلا أن يقسط لها فى الصداق، فقال: (وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتمى فانكحوا ما طاب لكم من النساء). يقول: غيرهن. قال مالك: وللعبد أن ينكح أربع نسوة، وهو أحسن ما سمعت، وقاله ربيعة. قال عنه أشهب: وإن كان له حرتان ومملوكتان فذلك جائز إن إذن له أهله، وروى عنه أشهب أيضاً فى نكاح العبد أربع نسوة، إنا لنقول ذلك وما ندرى ما هو؟ وروى عن ابن وهب أنه لا يتزوج العبد إلا اثنتين، وقاله الليثز قال مالك: ولا باس أن يهب السيد لعبده الدنى الهيئة الأمة يطؤها، إذا كانت هبة مستقيمة، قيل إن كان يخاف ان يزوجه إياها فلا يقدر أن ينزعها منه إذا باعه، فيقول أهيه فإن بدا لى نزعتها منه، فكره ذلك وقال: هذا يعيره إياها، فلا يعجبنى إلا هية صحيحة يريد بها سروره وإعفافه. قال مالك فى المختصر: وإذا كان له مال فى يد عبده فلا يجوز له أن يأذن له أن يتسرى فيه، ولكن حتى يهبه ثمنها، أو يسلفه إياه. وقال الله سبحانه: (ومن لم يستطع منكم طولاً) إلى قوله: (ذلك لمن خشى العنت منكم) قال ابن حبيب: هى محكمة، فلا تحل له الأمة إلا بعدم الطول وخوف العنت وهو الزنى وهو قول على وابن عباس وابن مسعود. وهو قول أصحاب مالك، وهو رواية ابن وهب عن مالك. [4/ 518]
ومن كتاب ابن المواز قال محمد: وأكثر قول مالك أن الحر لا يتزوج الأمة حتى يغشى العنت ولا يجد طولاً. وبه أقول. قال غيره: وهو ظاهر الآية، وقد اختلف فى نسخها. قال فى كتاب ابن المواز: فإن تزوجها بهذا الشرط ثم وجد طولاً ثبت على نكاحها. قال مالك: والطول والمال. وقال ربيعة: والعنت الهوى. قال مالك: وإذا وجد ما ينكح به حرة ولا يجد النفقة فلا يتزوج الأمة. قال مالك: وإذا خشى العنت ولم يجد طولاً فله أن يتزوج من الإماء أربعاً إن شاء، ولو كان تحته ثلاث حرائر لم يكنذلك طولاً يمنعه الأمة، ولكن لا يتزوجها إلا بإذن الحرة أو الحرائر. وكان من قول مالك: إن الحرة تحته طول يمنعه الأمة وإن خشى العنت وكان ممن لا يجد طولاً. قال: فإن فعل فسخ. قيل: أفيعاقب؟ قال: لا، ثم رجع فقال: يجوز، وتخير الحرة. وهو قول ابن المسيب، وأخذ بذلك ابن القاسم. وبالأول أخذ أشهب وابن عبد الحكم أنه يفسخ. وروى ابن وهب عن مالك. إذغ أخشى العنت ولم تكفه الحرة أن ذلك له. وكان من قول مالك فيمن تزوج أمة على حرة وهو يجد طولاً، انه يفرق بينهما وإن خشى العنت، قال: ويضرب. ثم رجع فأجازه، وجعل الخيار للحرة، وقال: لولا ما قاله من قبلى من العلماء يريد ابن المسيب وغيره لأجزته لأنه حل فى الكتاب. قال محمد: أراه يعنى قوله تعالى: (وانكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم). قال ابن شهاب: من تزوج أمة على حرة وهو يجد طولاً فليعزر قال أصبغ: وإنما يجوز نكاحه ويخير الحرة إذا كان فيه الشرط: أن يخشى العنت، [4/ 519]
لا تكفيه الحرة، ولا يجد طولاً مع ذلك الحرة، أو يهوى الأمة. هوى يخاف فيه على نفسه العنت إنه لم يتعزوجها. وللعبد تزويج الإماء على الحرة إن وجد طولاً ولم يخش العنت، ولا كلام للحرة، وله نكاح أربع إماء أو حرائر. ومن الواضحة قيل لأصبغ: ما الطول وقد يتساوى صداق الأمة والحرة؟ قال: تأويله الا يجد ما يقيم من أمر الحرة من صداق ونفقة ومؤنة. والأمة ينفق عليها اهلها إن لم يضمنها إليه. وقال ابن الماجشون: هو المال من عين او عرض أو دين وإن كان مؤجلاً، إذا كان على ملى يمكنه بيعه وإن كان على عديم فليس بطول. ومن له مدبر أو معتق إلى اجل فليس بطول، ولا عبده الآبق وإن قرب إباقه. وأما بعيره الشارد فليتأن حتى يبعد ذلك. وكتابة المكاتب طول لأنه يبيعها، وما أعكمر من عبد أو مسكن فليس بطول، وإن اسكن الدار سنة ونحوها ممات يجوز له بيعها إليها فهو طول حتى يبعد، وسنة فى العبد ودونها بعيد لا بياع إليه. وإن كان يجد طولاً إلى حرة، أو كانت تحته حرة فهوى أمة، فمتى خاف العنت فيها فله نكاحها بعينها. قاله مالك وأصحابه. وإذا نكح أمة لعدم الطول وخوف العنت ثم أفاد طولاً ثبت على الأمة، إلا ان لا يتزوج حرة فتحرم عليه الأمة التى عنده، روينا ذك عن ابن عمر وابن عباس إلا ان لا يكتفى بالحرة ولا يجد ما ينكح به حرة أخرى، فلا تحرم عليه الأمة التى عنده. [4/ 520]
وكذلك فيمن تحته حرة ولم تعجبه وخشى العنت ولم يجد طولاً لحرة، فلينكح إذا رضيت له الحرة. قال ابن الماجشون: لا يتزوج أمة وحدها، ولا على أمتين ولا على ثلاث، ولا حرة قبله أو بعده، إلا بعدم الطول وخوف العنت، فله ذلك فى جمع هذه الوجوه حتى يجتمع عنده أربع إماء أو حرائر وإماء، ولم يختلف فى هذا أصحاب مالك غلا فى خيار الحرة. قال ابن القاسم، ومطرف: تخير أن تقيم أو تفارق بواحدة أيمن كانت قبل الأمة او بعدها. وقال المغيرة وابن دينار وابن الماجشون وابن نافع: إنما تخير إذا دخلت على الأمة، فاما إن كانت هى الأولى فإنما تخير فى رد نكاخ الأمة أو تركه. وبه أقول. قال ابن الماجشون: وللذمية فى هذا ما للحرة المسلمة. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وأما نكاح الحرة على الأمة فجائز، فإن لم تعلم الحرة فلها الخيار. ورواه ابن القاسم وابن وهب عنه. وروى عنه أشهب أنه لا خيار لها. وكذلك فى المختصر. وقال مالك: وإذا تزوج الأمة والحرة فى غقد وسمى صداق كل واحدة منهما، فجائز إن علمت الحرة، وإلا فلها وحدها الخيار، وإن تزوج أمتين على حرة وعلمت بواحدة فرضيت، فأعلمت بالأخرى فلها الخيار، وكذلك الحرة يتوزجها عليهما. ومن العتبية، روى ابن القاسم عن مالك، أنه أجاز للحر نكاح الأمة وهو يجد طولاً إلى حرة فليتزوج أمة؛ فإن لم تكفه ولم يجد فليتوزج أخرى. هكذا إلى اربع. [4/ 521]
في الرجل هل يتزوج أمة له فيها خدمة أو أمة ولده أو والده؟
قال: وإذا تزوج العبد أمة على حرة فلا حجة لها؛ لأن الأمة من نسائه قاله مالك وأصحابه إلا ابنالماجشون فإنه قال: للحرة معه مثل ما لها مع الحر. فى الرجل هل يتزوج أمة له فيها خدمة؟ أو أمة ولده أو والده أو أمة أصدقها زوجته أو يزوج ابنته لعبده ومن يبعث زوجته الأمة مع ولده هل له أخذها بالثمن؟ من العتبية، روى ابن القاسم عن مالك قال: لا أحب للرجل أن يتزوج أمة أخدمنها إياه رجل وإن رضى ربها، وكأنه كالشريك فيها. وذكر ابنالمواز عن مالك مثله، إلا أنه قال: أخدمهما إياه حياته. وقال: وهو لا يجد طولاً. قال مالك، فى الكتابين: ولا يتزوج الرجل أمة ابنه أو ابنته. قال فى العتبية: ويفسخ إن نزل، وتقوم الأمة على الب فى ملائه وعدمه، حملت أو لم تحمل، وإن لم تحمل كانت له أم ولد، وكان بوطئه إياها متعدياً، كان الأبن صغيراً أو كبيراً. وفى كتاب أم الولد لابن القاسم أن الابن مخير إذا لم تحمل فى التعدى. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ساق إلى زوجته جارية فى صداقها، فأراد أن يتزوجها فلا يفعل، وهو كالشريك فيها يريد قبل البناء [4/ 522]
في الأمة الغارة بالحرية
ومن كتاب ابن المواز: ولا يجوز أن يزوجح أمته من والده، ولا بأس أن يزوجها من ولده، ولا يزوج ابنته من عبده وليس بحرام. قال: ولا أعلم من أجاز نكاح أمة الابن إلا عبد الله بن عبد الحكم، فإنه يجيزه. وقل: مع إنى أكرهه. فإن وقع لك أفسخه. ومن العتبية قال ابن القفاسم، عن مالك فى الحر تحته أمة له منها ولد، فبيعت، فله أخذها بما بلغت لما فى ذلك من عتق ولده. فى الأمة الغارة بالحرية من كتاتب محمد، ومن العتبية من رواية سحنون عن ابن القاسم: وعن الأمة تغر الحر فيتزوجها على أنها حرة، فبنى بها ثم استحقت وفسخ النكاح، فليؤخذ منها ما زادها على صداق المثل. قال فى كتاب محمد: ولو غره منه أحد ولم يخبره أنه غير ولى لها يريد عقد نكاحها، فليرجع عليه بالصداق كله، وإذا لم يغره منها أحد لم يرجع عليها بجميع الصداق لما غرت لأنه ليس لها، وإنما يرجع بما زاد عن المثل. قال فى كتاب محمد: فإن كان صداق مثلها أكثر، فقال أشهب: قلا يزاد عليه، ولا حجة للسيد، كمات لو زنى بها طائعة. وقال ابن القاسم: يتم لها صداق المثل وقاله أصبغ ومحمد. وذكر سحنون عن ابن القاسم فى العتبية لا يزاد ما أعطاها من ربع دينار فأكثر، ولو أقبضها ونقصها ذلك أكثر فلا يزاد، إلا ان يكون كا أعطاها أقل من ربع دي نار، أو لم يصدقها شيئً، فلتعط صداق مثلها. [4/ 523]
قال سحنون: وقال غيره مثله، وزاد فقال: إن أصدقها مثلى صداق مثلها، أعطيت ما بين صداق أمة وحرة، نصف صداق أمة، ونصف صداق حرة. ومن الواضحة: وعلى المغرور بالأمة أنها حرة فى ولد قيمتهم يوم الحكم، فى قول مالك وأصحابه، إلا المغيرة فقال: عليه قيمتهم يوم ولدوا. ومن العتبية: قال أصبغ، عن ابن القاسم: وغذا قال الزوج ظننتها حرة فهو على قوله. قال أصبغ: والسيد مدع فعليه البينة، وليس على الزوج بينة أنه نكح على أنها حرة. قال فى كتاب محمد: وإذا تزوج الحر أمة ولم يشترط أنها حرة، فله الخيار إذا ظهر انها أمة. ومن العتبية قال أصبغ: ولو أقر الزوج الآن أنه نكحها عالماً بأنها أمة، وقد فشا أنها غرته من الحرية، والسماع على ذلك او الشك، فلا يصدفق الأب غلى كا يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده، ويريد من إرقاقهم/ قال: وإذا قتل الولد فأخذ لالأب ديتهم فاستهلكها، ثم أعدم فى قيام السيد، فلا يرجع السيد على غارم الدية بشىء؛ لأنه ودى ذلك بحكم لزمه. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: ولا يرجع المغرور بالأمة بما يؤدى من قيمة الولد على من غره منها بشىء من ذلك، وإذا كان الأب عدجيماً فرجع عليهم لم يأخذ من الملى منهم إلا قيمة نفسه، ولا يؤدى قيمة أخيه المخدم، ولا ما عجز فيها، ويتبع بذلك أول من أيسر من الأب أو الولد، وليس للمستحق ولاؤهم، ولو كانوا ممن يعتق عليه فليس له أخذ قيمتهم. [4/ 524]
وإذا كانت الغارة أم ولد أخذ قيمتهم على إنهم إن بقوا إلى موت السيد عتقوا من راس ماله. قال: فإن لم يقم بذلك حتى مات فلا شىء لورثته؛ وإن كانت مدبرة قوموا على أنهم يعتقون من ثلثه إن بقوا، أو لا يكون ثلث فيروقوا. قال محمد: لا يعجبنى، والصواب فى ولد المدبرة، أن يأخذ قيمتهم عبيداً، كمنت ابتاع مدبراً فأعتقه. قال ابن القاسم: وتؤخذ قيمة ولد المكاتبة غبيداً فتوقف؛ فإن رقوا بالعجز أخذها السيد، وإن عتقوا رجعت إلى اغلأب. قال محمد: بل المكاتبة أحق بقيمتهم، وتدفع إلى السيد فى الكتابة؛ فإن وفت بها عتقت وولدها، وغ لا حسنت من آخر الكتابة كالجناية عليها. ومن الواضحة روى مطرف عن مالك أنه بغرم إن كانت معتقة إلى أجل قيمتهم إلى ذلك الجل، وإن كانت مدبرة أو أم ولده فقيمتهم على أنتهم يعتقون بموت السيد، وليس لهم ما كانوا صغاراً قيمة حتى يبلغوا العمل والخراج، فإن مات قبل بلوغهم ذلك فأعتقت أم الولد وعتقت المدبرة بالتدبير أو المؤجلة ببلوعغ الجل فلا شىء على الأب. ومن كتاب محمد: وإن غرت أمة عبداً بأنها حرة، فسيدها يسترق ولدها، ويرجع العبد على من غره بالمهر، ثم لا يرجع من غره عليها، وإن لم يغره أحد رجع عليها بالفضل على صداق مثلها؛ لحجته أنه رغب فى حرية ولده. ةهذا غن شرط أنها حرة، أو نسبت له إذا العزلة بوجه يعلم به إن عمل على أنها حرة، وإلا فلا يرجع بشىء من الصداق، بخلاف الحر لا يشترط حريتها ثم يجدها أمة، والأمة بيت الرجلين يزوجها أحدهما بغير إذن شريكه فإن ذلك يفسخ، فإن بنى بها فاللذى زوجها نصف المسمى، ولغائب الأكثر من ذلك أو من نصف [4/ 525]
في المغرورة بالعبد، والمسلم يتزوج نصرانية على أنه على دينها
صداق المثل، فإن غر العاقد الزوج فقال له هى حرة أم هى لى وحدى فلا شىء للذى زوجها، ويؤدى الزوج نصف المهر، ويرجع به على الذى عقد. ولو اجاز الغائب النكاح ولما علم الزوج أنها أمة لم يرض، فعليه لغائب القل من نصف المسمى أو نصف صداق المثل، ويرجع بذلك علىة الذى غره باانها حرة وعقد له: فى المغرور بالعبد والمسلم يتزوج نصرانية على انه على دينها وفيمن تزوج نصرانية ولم يعلم من كتاب محمد: وإن غر عبد حرة بأنته9 حر فتزوجها بغير علم سيده، ثم علم فأجاز، فلها الخيار، فإن فاغرقت قبل البناء فلا شىء لها، وإن بنى فلها الصداق. وإن لم يقل لها إنى حر ولا عبد، فلها الخيار ابداً، وهو غار حتى يخبرها أنه عبد. وكذلك إن كان مكاتباً او بعضه حر. وكذلك الحر يتزوج المرأة ولا يشترط أنها حرة، فله الخيار إذا ظهر أنها أمة. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فى العبد يغر الحرة بأنه حر فتتزوجه، فلها أن تختار دون الإمام. ومن سماع ابن القاسم: وعن الآبق يتزوج حرة فيقيم معها نحو عشرين سنةً، ثم اعلمها أنه عبد فقرت، ثم علم سيده فأقر نكاحه، فقيل لزوجته لك الخيار. فاختارت الفراق واشهدت به، فقال الزوج قد رضيت بى قبل هذا فأقرت بذلك، قال: قد طلقت نفسها فلا تصدق بما أقرت به من الرضا قبل ذلك إلا ببينة، وهذا الأمنر كان اوله على غير صواب. [4/ 526]
في عيوب النساء من أمر قديم أو محدث
ومن كتاب محمد: وإذا أقامت سنين مع مكاتب تزوجها ثم قالت لم أعلم أنه مكاتب وقد غرنى. فلتحلف أنها ما عملت ولها الخيار. قال أصبغ: تحلف ما علمت أنه مكاتب، ولا ينفعها أن تقول: ظننت المكاتب حراً. قال ابن حبيب: ولو قالت جهلت أن لى خيار لم تعذر لم بذلك. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا تزوج العبد حرة بغير إذن سيده، وبنى بها، فللسيد أخذ ما أعطاها إلا ربع دينار. ومن تزوج نصرانية ولم يعلم فلا حجة له فى ذلك حتى يشترط أنها مسلمةً، أو يطمئن، ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة لما كان يسمع منها، فيكون منها الكتمان وإظهار الإسلام، فهذا كالشرط. وأما المسلم يغر النصرانية فيقول: أنا على دينك. فتزوجه ثم علمت، قال مالك: لها الخيار لأنه غرها ومنعها من كثير من شرب الخمر وغيره. وقال ربيعة: لا خيار لها، وليس الإسلام بعيب، وقول مالك أحب إلينا. فى عيوب النساء من أمر قديم أو محدث ومن غر من الزوجين والتداعى فى ذلك ومن كتاب ابن المواز: وإذا ظهر بالمرأة أحد العيوب الأربعة بعد البناء فلها الصداق، ويرجع به على وليها إن كان قريب القرابة؛ أباً أو أخاً أو ولياً لها مصافياً ملاطفاً، فإن كان بائناً لم يزل غائباص مع الجفوة منه وقلة الخبرة بها فلا شىء عليه، وذلك عليها ويترك لها ربع دينار. قاله ابن القاسم، وابن وهب. وقال أشهب: بل ذلك عليه وإن كان غائباً لم يعلم إذا كان مثل الأب والابن والأخ، وهى السنة، وقد يكون البرص بموضع لا يقدر أن يراه. [4/ 527]
قال محمد: وأرى أن يلزمه حتى يصح من غيبته ما يعلم أنه بذلك غير عارف. وقاله ابن عبد الحكم عن مالك: إذا علم أنه لم يعلم فلا شىء عليه. وذكر ابن حبيب مثل قول ابن القاسم وقال: ويحلف أنه ما علم بدائها ولا اطلع، ثم يرجع الزوج عليها بالصداق. قال فى كتاب ابن المواز: إلا ربع دينار. ومن كتاب محمد: وإذا كان الولى الذى يرجع عليه عديماً أو مات ولا شىء له لم يرجع على المرأة بشىء، وليس عليها أن تخبر بعيبها ولها ولى، والبكر والثيب فى ذلك سواء. وكذلك ذكر أصبغ، فى العتبية، عن ابن القاسم. وقال ابن حبيب: بل رجع على المرأة إن كانت مليةً، فإن كانت عديمةً، رجع إلى أولهما يسراً. قال فى كتاب ابن المواز: وإذا كان الولى البعيد يعلم ذلك منها ذلك منها حين عقد فعليه يرجع الزوج، ويبقى للمرأة مهرها، وهذا إن أقر أو قامت البينة عليه، وإلا لم يحلف، إلا أن يدعى بأمر علمه الزوج فليحلف، فإن نكل حلف الزوج: لقد علم وغره، فإن نكل فلا شىء عليه ولا على المرأة؛ لإقراره بعلم الولى به وأنه غره. محمد: وأما الولى القريب فذلك عليه لغرم المعجل، فإذا ودى الزوج المؤجل رجع حينئذ به عليه. وإن زوجها الأخ وهى بكر بأمر الأب فالغرم على الأب، وإن كانت ثيباً فعلى الأخ، وإن زوجها غير ولى عالماً بعيبها أو كتمه فعليه يرجع، إلا أن يعلمه أنه غيرو ولى، أو يعلم ذلك الزوج، فلا شىء عليه وإن كتمه، كالمنادى على السلعة يخبر أنها لغيره فالعهدة على ربها. [4/ 528]
وإذا كان الوالى البعيد كابن العم والمولى عالماً بالعيب وعقد، رجع عليه دونها وإن علمت. قال ابن حبيب: فإن اتهم أن يكون علم حلف ثم لا شىء عليه. قال محمد قال مالك: وليس على الولى أن يخبر بعيب وليته ولا بفاحشة لها إلا العيوب الأربعة، ومثل أن يعلم أنها لا تحل له من رضاع أو نسب أو معتدة. ومن الواضحة قال: وتفسير داء الفرج ما كان فى الفرج والرحم مما يقطع اللذة فى الوطء، فإن علم بذلك أو ببقية العيوب الأربعة ثم دخل بها فلا خيار له، وإن بنى قبل يعلم فلما علم أمسك، هو مخير، فإن ادعت أنه مسها أو تلذذ منها بعد العلم فأنكر حلف وصدق، فإن نكل حلفت وصدقت، وإن لم تدع ذلك عليه فلا يمين عليه، وإن اختار فراقها فى داء الفرج وغيره وقد بنى فعليه الصداق، ويرجع به على الوالى، ولا يرجع الوالى عليها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: والرتق إذا كان من قبل الختان فإنه يبط على ما أحبت أو كرهت إذا قال النساء أن ذلك لا يضرها، وإذا كان خلقةً، فإن رضيت بالبط فلا خيار له، وإن أبت فالخيار إليه. قال أصبغ: وإذا أقامت للعلاج وهو يتمتع بها، فإن طال ذلك كطول أمر العنين فى علاجه، فلها جميع الصداق، كالسنة وما قاربها من كثير الأشهر. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا أرادت الرتقاء البط وأبى الزوج، فغن قال النساء إن فيه مصلحتها من غير عيب ولا قطع لذة فذلك لخا، فإن طلق لزمه ما يلزمه فى طلاق الصحيحة، فغن طلب هو بطها فأبت لم تجبر، فإن كرهها وفارق فلا صداق عليه، إلا أن يطول تمتعه كالسنة، وكذلك إن أقامت للعلاج ثم فارق. قال ابن حبيب: وإذا أقام مع الرتقاء مثل السنة رجاء العلاج ثم أيس ففارق، فلها جميع الصداق لطول تلذذه، ولو تكلم بعد الشهر أو الأشهر يريد وفارق حينئذ وقال: قد تربصت رجاء العلاج، فإن ذكر ذلك من أول ما رآه، وأشهد أنه مجتنب لها لا يضاجع ولا يتلذذ فذلك له، فإن ادعت عليه جماعاً [4/ 529]
وتلذذاً حلف. فإن لم يعرف ذلك من قوله وإشهاد إلى حينفارق بعد شهر أو نحوه، وهو أقر أنه علم ذلك منها حين بنى، فليس ذلك له، إلا أن يغرم نصف الصداق وإن قال لم اطلع على ذلك إلا اليوم وقد كان يخلو بها، وقالت هى: قد رأى ذلك منى فهى مصدقة وتحلف، وإن كان هذا التداعى فى برص؛ فإن كان بموضع يخفى مثله على الرجل من امرأته صدق أنه لم يره مع يمينه، وإن كان بموضع لا يخفى مثله صدقت هى وحلفت. وإذا زعم أن بها رتقاً أو غيره من داء الفرج فكذبته فهى مصدقة، وإن طلب أن ينظر إليها النساء فليس ذلك له، فإن فارق وادعت المسيس فلها جميع الصداق، فإن أتى بامرأتين فشهدتا أنهما رأتاها رتقاء، ولم يكن ذلك عن أمر الإمام، جازت شهادتهما، إذ الطلاق بيده لم يوجبه شهادتهما، وإنما أوجبت صداقاً. فإن قيل: فإذا لم تمكنهما من النظر، فقد صار نظرهما تعمداً جرحةً، قيل: هذان يعذران بجهلهما. وأخبرنا أبو بكر قال: قال سحنون: ابن القاسم يقول: لا ينظر إليها النساء فى عيب الفرج يدعيه الزوج، وقد قال: ترد به. فكيف يعرف إلا بنظرهن؟ وروى ابن سحنون عن أبيه، أنه ينظر إليها النساء إذا ادعى ذلك الزوج. ومن الواضحة: ومن بنى بزوجته فادعى المسيس فأكذبته، وشهد لها امرأتان أنها عذراء، فلا تقبل شهادتهما لأنه يؤول إلى الفراق، وقد كذبهما من له الفراق، فافترق عن الأول. وكذلك قال فى هذا وفيما قبله من هذا الباب مطرف وابن الماجشون وابن الحكم وأصبغ. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل لمالك: أترد المرأة من البرجى القليل؟ قال: ما سمعت إلا ما فى الحديث. وما فرق بين قليل وكثير. قال ابن [4/ 530]
القاسم: ترد من قليله، ولو أحيط علماً فيما خف منه أنه لا يزيد لم ترد منه، ولكنه لا يعلم ذلك فلترد من قليله. وعمن زوج ابنته على أنها صحيحة، فتقيم سنة ونحوها ثم تنجذم، فيدعى الزوج أنه زوجه وذلك لك بها وينكر الأب، فالبينة على الزوج في ذلك. قال ابن حبيب: واليمين علي وليها إن كان أبا أخا، فإن كان غيرهما فعليه اليمين. ومن كتاب محمد قال مالك ولو قال الزوج كان بها الجذام قديما. وقال الأب بل زوجتك صحيحة. فالأب مصدق مع يمينة. قال ابن المواز قال مالك: وليس على الرجل أن يخبر بعيب وليته ولا بفاحشة لها إلا العيوب الأربعة، وقيل: إن يعلم أنها لا تحل له من رضاع أو نسب، أو معتدة. ولا ترد السوداء إلا بشرط. قال ابن القاسم: ومن الشرط إذا قال له: قيل لى إن ابنتك سوداء. فقال: بل هى بيضاء. وكذلك ليست ابنتى عمياء ولا عرجاء. فما وجد خلاف ذلك فله الرجوع. وقاله أصبغ. وكذلك روى عيسى وأصبغ فى العتبية عنه، إن قال: إنى أخاف أن تكون ابنتك سوداء أو عمياء. فيقول: ليس لك شئ من هذا. وقال ابن حبيب: ليس له رد فى غير العيوب الأربعة إلا بشرط، إلا فى فى السوداء فليردها وإن لم يشترط أنها بيضاء، إذا كان أهلها لا سواد فيهم، فكأنه شرط. وكذلك القرعاء إن كان فاحشاً؛ لأنه مما تستره الوقاية، وذكر أنه روى ذلك فيهما عن عمر. [4/ 531]
ومن كتاب محمد بن وهب عن مالك: ومن غر من عاقر لا تلد، أو امرأة غرت من رجل عقيم، فلا كلام لواحد منهما. قال مالك: وترد الحامل من الزنى وله المهر على من غره من ولى علم ذلك فإن لم يكن ردت هى الصداق إلا ربع دينار. قال مالك: ويكون كالواطىء فى العدة. قال ابن القاسم: لا يكون كالعدة، ثم رجع فقال: يكون كالعدة فى حمل الزنى خاصة، فيرجع عليها. وهى تقولك لم أعلم بحملى وأخطأت العدة، قال: لا شىء له ولم يظهر بأنه غر بأمر يثبت. وقد روى أشهب عن مالك فى الأب يزوج ابنته رجلاً فيجدها حاملاً من غيره وقد بنى بها، فلها الصداق، وقد يخطئون العدة ويتعمدون فى هذا. ومن الواضحة: فإذا زنت أو غصبت ثم تزوجت قبل الاستبراء فليفسخ، ويرجع عليها بجميع الصداق لما غرته، ثم له بعد الاستبراء نكاحها، وإذا نسب وليته فلانة بنت فلان، ثم وجدت لغية، فإن فارق قبل البناء فلا صداق عليه، وإن بنى رجع بجيعه على وليها فى البكر والثيب، ولا يرجع الولى عليها بما غرم. ولو انتسبت هى رجع عليها إلا فى عدمها فيرجع على الولى، وأما فى البكر فعلى الولى دونها. وقاله لى فى ذلك كله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم. وقاله ابن القاسم وأصبغ. ومن العتبية روى اصبغ عن ابن القاسم فى المرأة تنتسب للرجل: فلانة بنت فلان. فيجدها لغية فله الفسخ، وإن وجد أباها لغيةً لم يفسخ بذلك. وكذلك فى انتساب الرجل للمراة. [4/ 532]
في عيوب الرجال ومن طلق عليه لعدم بمهر أو بنفقة
ومن كتاب محمد: وما حدث بالمرأة من جميع العيوب بعد النكاح فهو نازلة بالزوج ولا حجة له، وإن كان قبل البناء فإن شاء بنى وإن شاء طلق وعليه نصف الصداق. وبعد هذا باب فى البكر يجدها ثيباً. فى عيوب الرجال، ومن طلق عليه لعدم بمهر أو بنفقة، وهل لها صداق؟ وفى اختيار الفراق فى هذا وغيره من كتاب ابن المواز، قال مالك: وللمرأة أن ترد الرجل مما يردها به من الجنون والجزام والبرص وما غرها به، ولها المهر إن بنى، وإن لم يبن فلا شىء لها، وإن دخلت عالمة فلا حجة لها إلا أن تزيد العلة به. وما حدث بالرجل من جنون أو جذام فلها الخير فى فراقه. قال أشهب عن مالك فى الجنون الغالب: فغن فارقته قبل البناء فلا مهر لها، وإن كان بعد البناء فلها مهرها. قال مالك: وليس حدوث البرص الشديد مثل ذلك، ولا سمعت أن أحداً فرق فيه ولا أرى ذلك. وروى عنه أشهب: لا يفرق فيه بينهما وإن غرها. وقال ابن القاسم، وابن عبد الحكم: يفرق فيه أحب إلينا. وفى باب آخر، قال ابن القاسم: أما فى حدوث البرص بالرجل فلا خيار فيه لها وإن كان شديداً. وروى عيسى عن ابن القاسم: إذا حدث به البرص الخفيف فلا يفرق فيه، وأما ما فيه ضرر لا يجبر على المقام عليه فليفرق بينهما، وأما الجذام فيفرق فيه إذا تبين. وقاله مالك. ومن زوج أمته من عبده وظهر به جذام فله أن يفرق بينهما، ولكن ليرفع ذلك إلى الإمام إذا كان قد بنى بها. وقال: وليس للتى بزوجها جذام أن تختار [4/ 533]
الفراق دون الإمام، ثم لا يفوض ذلك إليها الإمام متى شاءت، ولكن يخيرها؛ فإن كرهته فرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه، وقاله سحنون، بخلاف المغرورة بالعبد؛ هذه لها الفراق دون الإمام. وأما المسوس والذى يغت مرة بعد مرة فهما سواء، وقد قال مالك، فى المعيوب: يضرب له سنة. قال عبد الملك بن الحسن قال ابن وهب: إذا كان بالرجل جذام بين لا شك فيه، وإن لم يكن مؤذياً ولا فاحشاً، فليفرق بينهما إذا طلبت ذلك؛ لأنه لا يؤمن زيادته، وأما الأمر الخلفى الذى يشك فيه ولا يعرف أنه جذام، فلا يفرق فيه. وأما المجنون، فسواء جنون إفاقة أو مطبق؛ فإن كان يؤذيها ويخاف عليها منه حيل بينهما فى الخوف؛ وأجل سنةً يتعالج، قال مالك: ويحبس فى حديد أو غيره أن خيف عليها منه، وينفق عليه من ماله، فأن برىء وإلا فهى بالخيار، وإن كان يعفيها من نفسه ولا يرهقها بسوء ولا يخاف منه فى خلوته بها فلا حجة لها. وقال أشهب فى المجنون الذى لا يفيق: ولو خيف أذاه مرة او مرتين فى الشهر فلها الخيار، وإن لم تخف منه فلا خيار لها وإن كان لا يفيق. قال أشهب: وليس للجذام حد، إلا أنه إذا كان متفاحشاً لا يحتمل النظر إليه وتغض الأبصار دونه فلها الخيار، ولو شاءت المقام ثم بدا لها فذلك لها. قال ابن حبيب: ومن زوج ابنه صغيراً فلما بلغ ظهر أنه أحمق مطبق، وأرادت هى أو ولى الصغيرة الفسخ، وقالت: كان الجنون به قديماً وبالبلوغ ظهر. فهذا لا يعرف وهو على أنه حادث. ومن كتاب محمد، قال مالك: يؤجل للجنون سنة، وكذلك الموسوس الذى لا يغت والذى يخنق ويفيق، ويحال بينه وبينها إذا كان يأذيها، ويحبس فى [4/ 534]
الحديد وغيره إن عبث. وقال محمد، فى كتاب الطلاق: غنما يفرق بينه وبينها إذا كان يؤذيها ولا يؤمن عليها. قال: وإذا خيرها الإمام فى الأجذام فاختارت المقام، ثم قامت بعد سنين. قال ابن القاسم: فإن زيد أمره غلى ما هو أردى وأشد فذلك لها، وإن لم يتزيد فلا حجة لها غذا رضيت به عند السلطان أو عند غيره أو أشهدت. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: ولا حجة لها إذا قالت: ظننت أنه سيذهب. ومن الواضحة: وللمراة الخيار على الزوج فى العيوب الأربعة التى ترد بها النساء، فعيوب فوجد أن يكون خصياً أو مجبوباً أو عنيناً أو معترضاً أو حصوراً، فإن اختارت فراقه فرق بينهما الإمام بطلقة ولا صداق لها، ولكن المعترض يؤجل سنة للعلاج، وكذلك المجنون. ومن كتاب محمد قال مالك: ومن تجذم قبل البناء ففارقته زوجته فلا صداق لها، كالنصرانية تسلم قبل البناء. وقاله ابن القاسم، وفى العتبية، قال: وأما من طلق عليه لإعسار بصداق أو بنفقة، فلها نصف الصداق. وقال أصبغ عن أشهب فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهى طالق، فتزوجها فطلقت فلها الصداق. ومن الواضحة: وإذا لم يبرأ المجنون فى السنة ففرق بينهما فلا صداق لها. وإذا اطلعت على عيوبه بعد البناء، فاختارت الفراق فى الجنون والبرص، أو الالخصى قائم الذكر أو بعضه، فلها جميع الصداق وتعتد. وأما المجبوب المسموح والحصور خلق بغير ذكر أو ذكره كالزر، فلا صداق لها، ولا عدة عليها إلا أن يحمل لمثلهم. وروى ابو زيد عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة على نسب انتسب لها إلى قريش أو إلى فخذ من العرب، ثم يوجد من غير ذلك الفخذ، فإن كان مولى [4/ 535]
فيمن طلق ثم علم عيبا بالمرأة أو خالعته ثم علمت عيبا به
فلها الخيار إن كانت عربية، وإن كان عربياً وهو من غير لبقبيلة التى سمى فلا خيار لها، إلا أن تكون قرشية تزوجته على أنه قرشى فإذا هو من قبيلة من العرب، أو تكون عربية تزوجت على ادعائه فذلك لها. ومن كتاب محمد قال: ولو صبغ شيخ راسه بسواد غرها به حتى تزوجته، فلا خيار لها فى ذلك. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن جن فبل البناء فاختارتفراقه فلا صداق لها، وإن فرق بينهما لعدم الصداق أو النفقة فلها نصف الصداق. وقال ابن نافع: إن فرق لعدم الصداق، أو لأنه مجنون، فلا صداق لها. فيمن طلق ثم علم عيباً بالمرأة أو خالعته ثم علمت عيباً به من كتاب محمد قال مالك: ومن فارق ثم ظهر على عيوب بالمرأة ترد منها فلا رجوع له عن الصداق بشىء، فارق قبل البناء أو بعد، ويغرم ذلك إن لم يدفعه. وكذلك لو اختلعت لمضى ذلك. ولو مات أحدهما قبل الفراق وعلم العيب توارثا، والصداق لها، وكذلك فى الواضحة مثله كله. وكذلك فى العتبية رواه ابن القاسم عن مالك إن ماتت أو طلقت أو خالعته قبل علم الزوج بعيبها فلا يرجع يشىء. وقال سحنون: بل يرجع على من غره بالطلاق، فإن غرته هى رجع عليها. وكذلك لو غرها من نفسه بعيب فخالعته ثم علمت لرجعت عليه بما أعطته. وبعد هذا ذكر الخلع فى النكاح الفاسد. [4/ 536]
فيمن نكح بكرا فأصابها ثيبا
فيمن نكح بكراً فأصابها ثيباً من العتبية روى أصبغ عن أشهب فيمن تزوج جاريةً على إنها بكر فقال وجدتها ثيباً. فلها عليه جميع الصداق. قيل: فإن صدق الأب انه شرط له ذلك وقال: إنها كانت تكنس البيت فذهب ذلك منها ولم تعلم، فخذ مالك واسكت. فاخذه منه. قال: فللأب أن يسترجعه من الزوج ولا شىء له. قال أصبغ: ليس له ذلك من وجهين: أحدهما أنه شرط أنها بكر، والاخر لو لم يشترط فإن للأب رده طائعاً، فليس جهله حجة ولا يصدق، ويحمل على أنه أراد الستر، وصار كالفدية؛ لنه يكون فيه فرقة، وترجع به المرأة على الأب. جامع القول فى العنين والمعترض وذكر نكاح الخصى من الواضحة قال: وإنما يضرب الإمام الأجل للمعترض إذا أقر بذلك وذلك يفرق بينه وبين العنين بغير أجل إذا أقر بذلك وكذلك إن أقر أنه حصور أو مجبوب إذا طلبت ذلك الزوجة منهم، وإذا قال المعترض بعد الفرقة: قد أطلقت بعد اعتراضى فلا رجعة له، وهى طلقة بائنة. قال ابن المواز: لأنها قبل البناء. قال ابن المواز قال مالك: والبكر والثيب سواء، إذا اعترض عنها ضرب له أجل سنة من يوم يرفع. قال ابن حبيب: وهذا فى إقرار الأزواج، فإن أنكر، فأما الحصور والمجبوب المسموح ذكره فقط، او ذكره وأنتياه، أو مقطوع الخصا خاصةً، فهذا يختبر بالجس على الثوب. [4/ 537]
وأما دعواها أنه عنين أو معترض فأنكر هو فهو مصدق مع يمينه. قاله مالك وعبد العزيز عندما نزلت بالمدينة. وقال ابن أبى ذئب: يخلى معها ويكون عدلان خارجاً؛ فإن خرج إليهما بقطنة فيها نقطة صدق. وقال ابن ابى ذئب: يلطخ ذكره بزعفران، فإذا فرغ ادخل إليهما امرأتان عدلتان، فإ وجدتا الزعفران فى فرجها داخل فرجها صدق. وقال محمد بن عمران: يخلى معها ثم يخرج وتلازمها امرأتان، فإن تطهرت صدق، وإن لم تغتسل فهى مصدقة، فقضى بقول مالك وعبد العزيز، ولم يريا عليه شيئاً. وقالا: لو أقر بالاعتراض فأجل، ثم ادعى المسيس فى الأجل، حلف وصدق، وقاله أصحاب مالك عنه، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: لابد أن يحلف فى دعوى المسيس قبل ضرب الأجل وبعده. قال ابن حبيب: وحال العنين والحصور والمعترض مختلف؛ فالعنين لا ينتشر ذكره كالأصبع فى جسده لا ينقبض ولا ينبسط، والحصور الذى يخلق بغير ذكر أو بذكر صغير كالزر وشبهه، لا يمكن به وطء، فهذان إن أقر بحالهما فطلبت الزوجة الفراق فرق بينهما بطلقة، وكذلك المجبوب، ولا تأجيل فيهم. وإنما يؤجل المعترض، فيؤجل سنة من يوم يرافقه امرأته إذا اقر بالاعتراض، فإذا تمت السنة ولم يطلق من اعتراضه، فإن طلبت زوجته الفراق لم يكن لها هى أن تفارقه، ولكن السلطان يطلق عليه بطلقة واحدة، ولا رجعة له وإن قال قد أطلقت، ولها جميع الصداق لطول تلذذه بها. وذكر أن عمر وعلياً أميرى المؤمنين قضيا لها بجميع الصداق بعد أجل سنة. ومن كتاب محمد: وإذا ادعى المعترض الإصابة فأنكرت فهو مصدق، قال ابن القاسم: مع يمينه فى البكر والثيب، وذكر لى أن مالكاً نحا إليه، فإن نكل حلفت، فإن نكلت فهى امرأته. وذكر عن عبد الملك: وقال أظ، نه عن مالك: [4/ 538]
مثل ما ذكر ابن حبيب عن مالك وعبد العزيز، أنه لا يحلف إلا بعد ضرب الأجل ثم يدعى المصاب؛ فإن نكل طلق عليه عند انقضاء الأجل. ولو ساله اليمين قبل محل الأجل فأبى، ثم حل الأجل فقال: أصبت وأبى أن يحلف فذلك له، وليس الحكم قبل الأجل بشىء، فإن نكل الآن طلق عليه، ولو قال بعد الطلاق فى العدة أنا أحلف. لم يقبل منه ولا رجعة له عليها لأنه طلاق قبل المسيس، ولا نفقة لها، وعليها العدة للخلوة. وأما الصداق فروى أشهب عن مالك: إن ضرب له الجل بحداثة دخوله فلها نصفه. قال محمد وقال مالك مرة: لها جميعه، وروى عنه أشهب: إن رفعت بعد طول العهد وضرب لها ثم فرق بينهما فلها الصداق، وإن ضرب بحدثان البناء فإنه له نصف ما يجد عندها من صداقها، ويسقط عنها ما أبلت من ثوب وما تطببت به، وتغرم نصف ما أفدته وأنفقته. وبهذا أخذ ابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم: إذا تمت سنة فلها جميع الصداق، وبهذا أخذ محمد. ومن الواضحة: وإذا فرق بينهما بعد السنة غرم جميع الصداق، وإن طلقها قبل السنة وتقاررا أنه لم يمس فلها نصف الصداق. قال فى باب آخر: وإذا طلق المعترض امرأته طوعاً من نفسه؛ فإن كان بعد سنة أو قربها مثل ثمانية أشهر فجميع الصداق لها، وأما بعد أربعة أشهر أو ستة أشهر فلها نصفه. وكذلك امرأة العنين ووالحصور والمجبوب. فأما فى الوفاه فلهم جميع الصداق والميراث فى قرب السنة أو بعدها. وقد تقدم قبل هذا فى باب عيوب الرجال إذا كان الفراق باختيارهم ما حكم الصداق. [4/ 539]
قال أصبغ فى امرأة المقد تدعى أنه لا يمسها، وإنها تمكنه من نفسها فيضعف عنها. وقال هو: تدفعنى عن نفسها فهى مصدقة مع يمينها، ولا يعجل بفراق إلا بعد سنة، كالمعترض. ولو جعل الإمام بقربة امرأتين، فإن سمعتا امتناعاً منها أمر بها فربطت وشدت، وأمرها أن تلين له فى ذلك فذلك عندى حسن. ومن كتاب ابن المواز: ومن وطىء امرأة ثم اعترض عنها، فلا حجة لها؛ فإن طلقها ثم تزوجته فرافعته، فليضرب له الأجل، إلا ان يعلمها فى النكاح الثانى أنه لا يقدر على جماعها فترضى فلا حجة لها. وروى يحيى بن يحيى فى العتبية عن ابن القاسم: إذا طلق المعترض فى الأجل ثم نكحها فاعترض، فلها ذلك فى النكاح الثانى إذا قامت قدر ما يقدر من اختيارها له، ومثل أن يأتى غيرها فتقول: رجوت أن يذهب عنه أو قد تداوى فلها أن تفارق بعد أجل سنة. ومن كتاب ابن المواز: وإذا جاء الأجل والعنين مريض أو مسجون، أو هى مريضة أو حائضة، قال ابن القاسم: يفرق بينهما ولا ينتظر به، وعبد الملك ينتظر به. وهو أحب إلى إلا أن يقر أنه بحاله لا يصيب النساء. قال يحيى بن يحيى فى العتبية عن ابن القاسم: إذا رفعته وهو مريض، فلا يضرب له أجل حتى يصح، وإن مرض بعد ضرب الأجل طلق عليه ببلوغ الأجل. وقال فى كتاب محمد: ولو أنه بعد ضرب الأجل وتمامه لم تقم به وتركته فلها القيام به متى ما بدا لها، فيوقف مكانه بغير ضرب أجل ثان، كقول مالك فى [4/ 540]
المولى تتركه امرأته بعد تمام الأجل، ثم إن قامت به بعد حين فذلك لها منى ما شاءت. وكذلك روى ابو زيد عن ابن القاسم فى العتبية إلا أنه قال: ولها أن تطلق نفسها متى شاءت بغير لأمر السلطان. ومن الواضحة: وإذا صبرت امرأة العنين يريد المعترض ثم بدا لها؛ فإن كان بحدثان رضاها لأمر وقع بينهما فليس لها ذلك فإن بدا لها بعد زمن وقالت رجوت ألا يتمادى به فذلك لها، وأما إن صبرت على العنين فلا خيار لها بعد ذلك، وكذلك الحصور. ومن كتاب محمد: وإن ضرب الأجل للعنين فقطع ذكره فى الأجل، فقال ابن القاسم: يقع الفراق ساعة قطع ولا ينتظر تمام السنة. وقال أصبغ عنه: من قطع ذكره قبل البناء فرق بينهما ساعتئذ. يعنى إن طلبت ذلك المرأة، بخلاف من وطئها مرة ثم قطع ذكره. وكذلك روى عنه عيسى فى العتبية. قال محمد قال أشهب وعبد الملك وأصبغ وغيره من رجال ابن القاسم: لا فراق فى شىء من ذلك ولا حجة لها، وذلك أنه ليس بطلاق لا بد منه، إنما هو يكون أو لا يكون، إذا لو رضيت بالمقام وقد ضرب الأجل كان ذلك لها، وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قطع ذكره قبل البناء مثل قول ابن القاسم، قال ابن المواز: وقد اجتمعوا فى المولى يقطع ذكره فى الأجل أن الأجل يبطل ولا حجة لها. قال أصبغ غير أن الإيلاء يوقف فيه ليكون منه. قالا: يمنعه من ذلك يمينه من المباشرة ةالاستمتاع. [4/ 541]
قال أصبغ: والإيلاء فيه لازم ولو قطع قبل الإيلاء. وكذلك الظهار، وكذلك إن تزوجت مجبوباً أو خصياً عالمةً به، فالظهار والإيلاء فيهما، وهما من الأزواج. ولا يطلق على المولى إذا ما بقى له من الفيه من المباشرة والاستمتاع. قال مالك فى الحالف أيضا بالطلاق: فيؤجل للإيلاء، فقطع ذكره، فلا يعجل عليه إلى تمامه. وقد ترضى بالمقام معه. وهذا حجة على ابن القاسم فى تعجيله الطكلاق على العنين بقطع ذكره فى الأجل. وقد قال مالك فى الحالف ليتزوجن عليها، يعنى بطلاقها، وحلف بطلاق من يتزو عليها، فإنها إن رضيت بالمقام معه فذلك لها. وروى أبو زيد فى الحصور له مثل المالولة أنه كالخصى، لا يضرب عليه أجل ويطلق عليه مكانه، يعنى إن طلبته. وقاله سحنون. قال ابن المواز قال مالك فى العبد العنين يضرب له أجل ستة أشهر فى البكر والثيب، فى الحرة والأمة، ثم لا يزاد على نصف الصداق. ولو طلق العنين الحرة قبل تمام أجله فلها نصف الصداق، وإن طلق عليه بعد السنة فلها جميعه. ومن تزوجت خصياً ولم تعلم ففارقته قبل البناء، فلا صداق لها، وإن بنى وأقام وتلذذ، ثم علمت ففارقته. قال ابن القاسم: تعاض من تلذذه وتعتد، إلا أن يكون مثله لا يطأ، وقيل: إنها لا تعتد إذا كان مثله لا يولد له، ولها الفراق بواحدة. قال أشهب: بائنة. ومن الواضحة: ولا بأس بنكاح الخصى وإن كان مقطوع الخصا والذكر إذا علمت به المرأة، وحكم نكاحه كحكم غيره، إلا أنه لا يلحق به ولد ولا يلاعن، [4/ 542]
فيمن أذهب عذرة امرأة وفيمن أفضى زوجته أو ماتت من جماعه
وتحد زوجته إن حملت، ولا تعتد منه فى طلاق، وتعتد من الوفاه، ولا يحصن وطؤه ولا يحل، وإن بقى أنثياه أو اليسرى منهما، ومعه من عسيبه بعضه لحق به الولد، ولاعن، واعتدت من طلاق. وقال ابن الماجشون وابن الحكم وأصبغ: إذا زوج رجل ابنته البكر خصياً، أو عنيناً يعرف بذلك أو يقر به، أو مجبوباً، لزمها ذلك؛ علمت به أو لم تعلم إذا كان على وجه النظر. فيمن أذهب عذرة امرأة وفيمن أفضى زوجته أو ماتت من جماعه من العتبية قال سحنون قال ابن القاسم فيمن افتض بكراً بيده فعليه ما شانها مع الأدب، فإن كانت زوجته فلا شىء عليه ولا يلزمه بذلك الصداق، وروى أصبغ عن ابن القاسم أن عليه جميع الصداق بذلك؛ لأنه فعله على وجه النكاح. قال أصبغ: هذا استحسان، ويضعف فى القياس، وهو وغيره سواء، وما ذلك عليه بواجب، ولها نصف الصداق. ومن الواضحة: ومن قول مالك وأصحابه فى الرجل يدفهع المرأة فتسقط عذرتها أو يفعل ذلك بأصبعه أن عليه ما شانها ونالها من عيب ذلك ومعرته. وكذلك إن فعل بها امرأة أو صبى بذكره أو بأصبعه فلا صداق فى وطئه ولو أكرهها، ولو أن زوجها افترعها بأصبعه لزمه الصداق. ومن قولهم فيمن أفضى زوجته فاختلط مهبلها بمبالها حتى لا ينتفع منها بوطء فعليه ديتها، وإن بقى فيها استمتاع بوطء فعليه ما شانها، والزوج فى ذلك وغيره سواء ويحد غير الزوج إذا أكرهها، ويعاقب بما جر إليها من المعرة. [4/ 543]
في أحكام النكاح الفاسد لعقده أو لصداقه في طلاقه وميراثه
وروى ابن القاسم، عن مالك فيمن افتض زوجته فماتت؛ فإن علم أنه منه ماتت فعليه ديتها هو كالخطإ، صغيرة كانت أو كبيرة، وعليه فى الصغيرة الأدب إن لم تكن بلغت ذلك. وقال ابن الماجشون: لا دية عليه فى الكبيرة، ولا غير دية، وعليه فى الصغيرة التى لا توطأ الأدب، والدية على عاقلته. فى أحكام النكاح الفاسد لعقده أو لصداقه فى طلاقه وميراثه والحرمة به والخلع فيه، وما ذلك النكاح؟ وذكر الشغار وفى النكاح بإكراه هل يقع فيه الطلاق؟ من كتاب محمد قال: كل نكاح فسد لصداق فإنه يفسخ قبل البناء ولا صداق فيه، ويثبت بعد البناء ويكون لها صداق المثل، ومن مات منهما قبل البناء توارثا، ويلزم فيه الطلاق والخلع قبل الفسخ، ويسقط الصداق. فيمن ذلك النكاح بالآبق والشارد وما فى البطن وما لم يبد صلاحه من تمر أو حب، أو بصداق إلى أجل مجهول أو رأيى، أو بعارية سلف أو بيع بشرط، أو على النفقة على غير الزوج، أو على أن ينفق على غيرها من ولد أو غيره، أو على أكثر من خادم لها، أو على خمر أو خنزير. فأما النكاح بلا مهر فيفسخ بعد البناء، وما صحمهره وفسد عقده يفسخ قبل البناء وبعده، ولها المسمى إن بنى، ولا شىء لها إن فسخ قبل البناء. وفسخ كل ما ذكرنا بالطلاق وفيه الميراث، إلا ما لا يختلف فى حرامه فإنه يفسخ أبداً بغير طلاق، ولا ميراث فيه، ولا يلزم فيه طلاق، مثل الخامسة والأخت من الرضاعة والعمة والخالة وذات المحرم من الرضاع، وجمع الأختين، وجمع المرأة مع العمة أو الخالة، والمرأة فى العدة، والمكره والمكرهة. [4/ 544]
وقال ابن حبيب: فى كل ما فسد صداقه فيفسخ بطلاق، ويلزم فيه الطلاق والميراث، وتقع به الحرمة، وإنما الصداق فيه بالمسيس، إلا أن فيه ما يفسخ قبل البناء وبعده، ومنه ما لا يفسخ إلا قبل البناء. ومن الأقضية لابن سحنون قال سحنون فى الصغيرة يزوجها وليها قبل البلوغ ثم يتراخى النظر فيها حتى يبنى بها وتبلغ المحيض فلا بد أن يفسخ، وفسخه بغير طلاق، ولا أقول بقول عبد الرحمن: إن كل ما اختلف فيه الناس، أنه يفسخ بطلاق. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وقد يقع بعد صحة العقد ما يوجب الفسخ بلا طلاق، كنكاح الأم أو رضاع يحدث مما يحرم، أو ملك أحد الزوجين صاحبه. قال محمد: وكل نكاح فسد لعقده عندنا إلا أن بعض العلماء يجيزه فإنه يفسخ قبل البناء وبعده بطلقة، ويقع فيه الطلاق والميراث. قال: وما للولى فسخه مما عقد بغير إذنه بعقد رجل حر، فيفسخ بطلاق، وفيه الطلاق والميراث والخلع، والتى ينكحها الولى بغير أمرها فلا يتوارثان قبل الرضا، وما عقدته المرأة فلا ميراث فيه. وكذلك العبد يتزوج بغير إذن سيده، وللسيد ها هنا أن يطلق عليه واحدةً أو ثلاثاً، وأما الموهوبة ونكاح المريض والمحرم والنكاح فى العدة، والأمة على أن ولدها حر أو يعتق على أن تنكح، وعقد المرأة والعبد النكاح، فهذا وشبهه لا يقر بحال، وفيه الطلاق. وقال أشهب: فى هذا فسخ بغير طلاق، ومنه الأمة تنكح بغير إذن السيد، ويقع بمثل هذا الحرمة مما لم ينص الله ورسوله على تحريمه، فأمر غير مختلف فيه. وقال ابن حبيب فى نكاح المحرم ونكاح المريض يفسخان بغير طلاق لضعف الاختلاف فيهما، ومثل الأمة تنكح بغير إذن السيد، والحرة بغير إذن وليها، [4/ 545]
عقدت على نفسها أو وكلت أجنبيا، وإنكاح الرجل وليته الغائبة بغير أمرهان أو ابنه الكبير الغائب الجائز الأمر. والشغار المحض لا صداق فيه، ونكاح التحليل، ونكاح السر، والمتعة، فهذا كله يفسخ أبداً، طال أو لم يطل، دخل أو لم يدخل، بغير طلاق ولا ميراث فيه ولا صداق إلا بالمسيس، ولا تقع به حرمة إلا بمسيس أو التذاذ. وأما ما ليس تحريمه نصاً فى كتاب ولا سنة، واختلف فيه العلماء، مثل الشغار يسمى معه صداق، وعقد الولى الأبعد دون الأقعد، ومن نكح على أنه إن لم يأت بالمهر إلى كذا فلا نكاح بينهما أو فأمرها بيدها، فله حكم ما ذكرنا فيما فساده فى صداقه. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم أن ما اختلف فيه الناس فإنه إن طلق قبل الفسخ لزمه مثل نكاح السر ببينة استكتمهم، أو تزوج امرأة حلف بطلاقها أن لا يتزوجها، ونكاح المريض، فإنه يفسخ بطلاق للاختلاف فى ذلك. قال: ولم يختلف بالمدينة أن النبى عليه السلام إنما تزوج ميمونة وهو حلال. ومن كتاب ابن المواز وقال أصبغ: ومن صالح زوجته فبانت ثم ارتجعها بغير نكاح وظن أن ذلك يجوز له ثم طلقها البتة، فلا أحب أن يتزوجها إلا بعد زوج. قال محمد: لا بل له ذلك. والمواعدة فى العدة، والخطبة فيها والنكاح بعدها هو من ذلك، ويفسخ بطلاق عند ابن القاسم وأشهب. [4/ 546]
وإنكاح السيد عبده أمته بغير مهر يفسخ أبداً بطلقة. وابن القاسم يرى فسخ الشغار بطلاق للاختلاف، وقال أصبغ: لا يقع فيه طلاق ولا ميراث. وهو قول أشهب. وقال أصبغ: يفسخ نكاح المحرم والمريض بطلاق، وكذلك نكاح الأمة بغير إذن السيد، ولا ميراث فى نكاح المريض لأنه بسبب الميراث فسخ. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن خالع زوجته على مال وكان نكاحه فاسداً؛ فإن كانت تعلم بفساده فلا رجوع لها، وإن لم تعلم رجعت بما اعطت، ولو اعطته شقصاً وهى عالمة ففيه الشفعة. قال: فإن استحق بعض ما خالعته به فى هذا النكاح، / قال: فلا يرجع عليها بشىء، لانه لم يكن ينبغى أن يأخذ منها شىء وفى باب مقدار الصداق فى الجزء لأول شىء من ذكر الشغار ومن كتاب ابن سحنون: وكتب سليمان الى سحنون فى رجل زوج ابنته البكر من رجل ذكر أنه اخافه وهدده فى وقت حرب ثم لم يبن بها حتى صالحه على دينارين اخذمنها الزوج وطلقها ثلاثاً، ثم خطبها وألح على فزوجته وخفته، وقيل: إن النكاح الأول لا يلزم فيه طلاق. فكتب إليه: قد أقر بالطلاق ثلاثاً فلا يجوز له نكاحها قبل زوج حتى يثبت أن النكاح الأول كان بإكراه، فلا يلزمه فيه طلاق، ويرد الزوج الدينارين. [4/ 547]
جامع ما يفسد به النكاح لشرط فيه من خيار أو ميراث
جامع ما يفسد به النكاح لشرط فيه من خيار أو ميراث وإن لم يات بالمهر إلى مدة كذا فلا نكاح له أو على أن من مات فلا طلب على الحى أو على أنه إن كان عبداً فلا نكاح له ونحو ذلك من شرط البناء إلى أجل من كتاب ابن المواز قال: وإذا عقد النكاح بالخيار، فسخ قبل البناء، ولا يتوارثان قبل البناء، فإن بنى ثبت ولها المسمى، قاله ابن القاسم. وروى عنه أصبغ فيمن نكح على أن يستشير فلاناً أنه يفسخ وإن بنى. والمعروف عندنا أنه يفسخ قبل البناء، قال ابن القاسم: إلا أن تكون مشورةفلان أمراً قريباً، وهو بالبلد فى فوره، فهو جائز إلا أنه إن مات فى هذا القريب لم يتوارثا، ولو استشاره فلم يرضى الزوج فذلك له ويثبت النكاح، وإن قال مشورته :أنا اثبت النكاح ولا أشاوره فذلك له كالبيع. قال اصبغ: النكاح اثقل، وفيه مغمز، وذكر مثله ابن حبيب عن ابن القاسم وعبد الملك، قال ابن حبيب فى النكاح على الخيار لأحدهما وعلى مشورة غائب أو على أن لا ميراث بينهما، قال ابن القاسم: يفسخ وإن بنى ولا ميراث فيه، وفساده فى عقده، ثم رجع فقال: يثبت بعد البناء ويسقط الشرط ويتوارثان قبل الفسخ، إلا فى الخيار أو فى المشورة فلا يتوارثان قبل، ويتوارثان بعد قطع الخيار وبعد المشورة قبل الفسخ. وبهذا قال ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. قال: ومن عقد على ابن له صغير نكاح صبية بعقد أبيها، ثم قال أبوها بعد العقدة: من هلك منهما فلا تباعة على الآخر فتراضيا بذلك، قال ابن القاسم: النكاح ثابت؛ لأن الشرط بعد وقوع العقدة كغير شرط، والصداق على الأب، عاشا أو ماتا، إلا أن يكون للصبى مال. ولو عقدا النكاح بهذا الشرط فسخ قبل البناء، وإن بنى بها ثبت ولها صداق المثل، ويتوارثان ما لم يفسخ. وكذلك على أن لا ميراث بينهما أو على أن لا نفقة [4/ 548]
لها. وقاله أصبغ، إلا فى قوله فيمن نكح على أن لا ميراث بينهما فقال فيه: يفسخ وإن دخل، لأن فساده فى البضع لا فى صداق، وكل نكاح لا ميراث فيه، فيكون حراماً فباطل. قال محمد: ليس بنكاح لا يتوارث فى أصله، وإنما رفعا الميراث بالشرط، فأحب إلى أن يسقط الشرط ويثبت النكاح. وبلغنى ذلك عن مالك والمغيرة، وذكره ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن نكح على أنه إن لمسأت بالمهر إلى أجل كذا فلا نكاح بينهما، قال: فذلك فاسد، لأنه لا ميراث بينهما فيه. قال فى رواية أشهب: ولو جاء به عند الأجل لفسخ ولا يتوارثان. قيل لمحمد: فإن فات البناء، قال: يفسخ وإن دخل، وهو أصل مذهب مالك. وروى عيسى عن ابن القاسم، فى العتبية أنه يفسخ قبل البناء وبعده. وقال: وقد قال: لا يفسخ بعد البناء، ولها صداق المثل. وليس بشىء، وخالفه ابن عبد الحكم وأصبغ، قال أصبغ: لأن فساده البضع والعقد وهو قول مالك. وقال مالك، فيمن قال إن لم يأت بالمهر إلى أجل كذا فأمرها بيدها. قال: هذا نكاح ليس بحسن، واختلف قوله فى فسخه، فروى عنه ابن القاسم أنه يفسخ ما لم يبن. وروى عنه أشهب أنه نكاح جائز. قال ابن القاسم وأشهب: إنه جائز، بنى أو لم يبن، وقاله أصبغ، قال: وهو شرط لازم، كشرطه إن غبت عنك سنة فأمرك بيدك. [4/ 549]
ومن العتبية، وقاله أشهب: يبطل الشرط ويصح النكاح. وقل سحنون: وهو جائز دخل أو لم يدخل. وذكر ابن حبيب فيها: وفى الذى شرطإن لم ينفق نفقة مثلها فأمرها بيدها، أو على أن لها من القوت كذا أن ابن القاسم قال فيهم: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ثم رجع، فقال: وهو جائز وبهذا قال ابن الماجشون ومطرف وابن عبد الحكم وابن وهب وأشهب وأصبغ. قال ابن حبيب: فإن عجز مشترط ما يصلحها من النفقة عما يصلحها فأمرها بيدها كما شرط، فإن رضيت شرط سقط شرطها وزال ما بيدها؛ لنه فعل واحد. ومن العتبية ومن سماع ابن القاسم قال مالك: ومن زوج عبده لأمة رجل على أن كل ما أصابها به فلا شىء عليه منه لم يجز قال عيسى ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده. وقال ابن حبيب، فيمن زوج عبده حرة وشرط أن ما أصابها به من حرج فلا شىء عليه. قال: النكاح جائز والشرط باطل. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن زوج رجلاًعلى أنه إن كان حراً فنكاحه ثابت، وإن كان عبداً فلا نكاح بينهما، قال: يوقف عنها، بنى أو لم يبن، حتى يتبين أمره، فإن كان حراً ثبت نكاحه، وإن كان عبداً فلا نكاح له، ولو عتق قبل ذلك يفسخ، بنى أو لم يبن وعليه الصداق أن بنى، فغن لم يستثن السيد ماله، فذلك لها، وإن استثناه رجع عليها بما أخذت إلا ربع دينار يترك لها. وضعف مالك هذا الترك وقال: هو من مال السيد، وإن لم يبن بها فلا شىء لها. قال ابن حبيب فيمن شرط لامرأته فى العقد أن الطلاق بيدها وأن الجماع بيدها، فالنكاح يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده ويبطل الشرط، ولها صداق المثل. [4/ 550]
جامع ما يفسد به النكاح من الشرط في النفقة
ومن كتاب محمد: ومن شرط عليه ألا يبنى إلا سنة؛ فإن كان لظعنه بها أو لصغرها فذلك عذر، وإلا فالشرط باطل. وقد ذكرت هذه السألة بباب مفرد فى الجزء الأول، وفيها زيادة مستوعبة هناك، وفى أبواب الشروط شىء من معانى هذا الباب. جامع مل يفسد به النكاح من الشرط فى النفقة من كتاب محمد قال مالك: ومن نكح وشرط ألا نفقة لها، أو على أن لها نفقة مسماه كل شهر، فغن ذلك يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها نفقة مثلها على مثله. قال ابن القاسم: ولها صداق المثل، ويفسخ قبل البناء بطلقة. وقاله أصبغ. قال محمد: وهو كصداق مجهول لما شرط فى العقد. قال أصبغ: وإن لم يبن وترك الشرط ثبت النكاح، كالنكاح بصداق بعضه معجل وبعضه إلى موت أو فراق. وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية مثله من أول المسألة إلا قول أصبغ، وقال: ويتوارثان قبل البناء وبعده. وقاله مالك فى كل ما يفسخ قبل البناء، وقال: وكذلك على أن لا ميراث بينهما، أو بصداق إلى موت أو فراق. وفى أبواب الشروط والتمليك منه: إن نكاحها على أن ينفق عليها نفقة مثلها، فإن لم يفعل فأمرها بيدها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شرطت النفقة فى الزوج الصغير على الأب فذلك جائز ما عاش الأب وما دام الولد مولى عليه، فإن مات الأب فلا [4/ 551]
شىء فى تركته؛ لا من رأس مال ولا من ثلث، وإن كان الولد غير صغير، ولا مولى عليه لم يجز شرط النفقة على غير الزوج، وفسخ قبل البناء. وقال ابن القاسم: إذا شرطت النفقة على الأب فسخ قبل البناء، فإن بنى ثبت وبطل الشرط، والنفقة على الزوج، وقال مالك مرة فى شرط النفقة فى الصغير أو المولى عليه على الأب إلى أن يبلغ ويلى نفسه إنه جائز. وروى عنه ابن عبد الحكم: لا يجوز فى صغير ولا كبير، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل، لأنه لا يدرى كم يعيش الصبى. وبه قال ابن عبد الحكم، وقال أصبغ: وإن طرحت عنه الشرط ثبت. وقاله ابن القاسم فيه وفيما يشبهه. وقال مالك فيها فى العتبية من سماع ابن القاسم: يفسخ قبل البناء ويثبت بعد البناء ولها صداق المثل، والنفقة على الزوج، أرأيت إن مات الأب أيوقف لها ماله أو يحاص غرماؤه؟ قيل: فعبده؟ قال: لا خير فيه، ولو جاز هذا جازت الحمالة بالنفقة. قال عيسى عن ابن القاسم: يفسخ قبل البناء، قال عيسى: فإن بنى مضى وكانت النفقة على العبد. قال ابن القاسم عن مالك: وإذا شرطت عليه نفقة ولد لها صغير من غيره لم يجز. قال ابن القاسم: ويفسخ وإن تركت الشرط، إلا أن بنى فيمضى ويبطل الشرط ولها صداق المثل، وهو نكاح مكروه، وقد تقصر حياة الصبى وتطول. ومن كتاب محمد قال أشهب فى شرطها عليه نفقة ولدها من غيره: يفسخ، إلا أن يبنى فيمضى ويبطل الشرط قال ابن القاسم: وإن كان إنما ضمن الأب عن ابنه نفقتها سنين معلومة فى كل سنة كذا، أو لم يقل: فى كل سنة كذا وهو أمر معروف؛ فإنه يلزم الأب ما عاش، فإذا مات سقط عنه. وقاله أصبغ. [4/ 552]
في الأمة تنكح على أن ما تلد حر أو على أنه بينهما
قال أصبغ: وكذلك إن ضمن الأب للمطلقة نفقة ولد ابن منها مثل ذلك. قال محمد: هذا جائز، وأما ما ضمن عن ابنه فى النكاح من نفقة امرأته، فذلك صداق عقد به النكاح ولا أمد له ومتى تفارقا أو ماتا فسقط فالعقد يفسد بهذا الشرط، وهو كصداق مجهول، ولو ضمنه بعد صحة العقد فهو كالحمالة. فى الأمة تنكح على أن ما تلد حر، أو على أنه بينهما وكيف إن نكح بها بعد ذلك أو باعها؟ من كتاب محمد قال مالك: من زوج أمته من عبد رجل على أن ما تلد بينهما، فهذا يفسخ قبل البناء وبعده، والولد لسيد الأمة، ولها صداق مثلها، ولو شرط أن ما تلد حر لفسخ أيضاً والولد حر، وولاؤه لسيد الأمة، وكذلك لو تزوجها حر على هذا الشرط، أو كان عبداً لسيد الأمة. قال محمد قال ابن القاسم، وذكر مثله عيسى عن ابن القاسم فى العتبية فيمن زوج أمته من حر أو عبد على أن أول ولد تلد حر، ثم إن السيد أصدقها امرأته أو باعها؛ فإن لم تكن يومئذ حاملاً فنكاحه بها وبيعه لها جائز إن لم يشترط على الزوجة أو المبتاع عتق ولدها؛ لان نكاح الأمة أولا ساقط، وهو يفسخ بكل حال، وما وضعت عند المرأة وعند المبتاع فرقيق، وإن لم يفسخ نكاحها بعد، ولأن من قال لأمته أول ولد تلدينه حر ثم باعها ولا حمل لها، فما ولدت بعد ذلك فرقيق والبيع نافذ. وغذا كانت حاملاً ثم تزوج بها أو باعها، قال فى كتاب محمد: فسد النكاح بها والبيع، ولم يذكر عنه عيسى فساد بيع ولا نكاح. وكذلك فى الواضحة أن النكاح بها جائز إن كتمها ذلك، وترد إلى ربها، وللزوجة قيمتها غير مستثناه الولد. وكذلك اختلف محمد ثم عاد الكلام إلى ما [4/ 553]
ذكر محمد عن ابن القاسم قال: ترد الأمة إلى سيدها ما لم تفت بالوضع أو تغير فى بدن أو سوق، فيكون على الزوجة أو على المبتاع قيمتها يوم قبضت حاملاً على أن ولدها مستثنى أن لو جاز بيعها على ذلك. فإذا وضعت الأمة ولدها حر. قال: وإن بنى بالمرأة، فلها قيمتها بلا استثناء قيمتها يوم أصدقها لا يوم قبضها، وليس لها صداق المثل. قال محمد: لأنها لا تعلم بحرية ما فى بطنها، فلها قيمتها بلا استثناء، وعليها قيمتها على أن ولدها حر فيتقاصان، ويرتجع فضل ما بين القيمتين، والولد حر، وولاؤه لسيده. وكذلك إن لم يبن بالمرأة فليفسخ نكاحها ولا شىء لها، وعليها قيمة الأمة مستثناه الولد، وغن بنى بها ولم تفت الأمة ردتها، ولها قيمتها بلا استثناء يوم النكاح، وأما نكاح الأمة، فيفسخ قبل البناء وبعده. قال: وكذلك إن ماتت عند المبتاع غرم قيمتها يوم قبضها حاملاً مستثناه الولد، وولادتها فوت أيضاً، ولم ير ابن حبيب ولادتها فوتاً أيضاً فى هذا. قال ابن المواز: المسألة صحيحة كلها إلا قوله: يفسخ نكاح الحرة إذا كانت الأمة حاملاً يوم العقد. فهذا لا يفسد نكاح الحرة لأنها لم يشترط ذلك عليها ولا علمت، فهو كعيب وجدته، وكذلك فى رواية عيسى لم يفسخ بذلك النكاح ولا البيع. وهذه المسألة كتبتها من كتاب ابن حبيب فى البيوع الفاسدة مستوعبةً، فلم أعد كلامه ههنا. قال ابن حبيب فى كتاب النكاح: ومن زوج أمته وشرط حرية ولدها فسخ النكاح قبل البناء وبعده، ولو شرط أن أول ولد تلده حر؛ فإن عثر على ذلك قبل [4/ 554]
الولد فسخ قبل البناء وبعده، وإن لم ينظر فيه حتى ولدت عتق الولد وثبت النكاح، ولم يبق فيه شرط. ومن كتاب محمد: ومن تزوج أمة كتابية على أن أول ولد تلده حر، فالنكاح فاسد، والولد حر وولاؤه للمسلمين إن كان رب الأمة نصرانياً؛ لأن الولد على دين أبيه المسلم، وبقية ولدها رقيق مسلمون. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أراد أن يزوج أمة لعبده فكره العبد أن يرق ولده فقال له: تزوجها على أن ولدك حر. ففعل، فالنكاح يفسخ قبل البناء وبعده، وما ولدت فحر. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله وزاد: وما مات السيد وهى به حامل فولدت، فهو حر من رأس ماله، وما حملت به بعد موته فرقيق، وإذا مات وهى حامل فللورثة بيعها، احتاجوا إلى ذلك أو لم يحتاجوا، ولهم قسمها، فإن وضعت وقد صارت بالقسم لأحدهم، فما ولدت فرقيق له. قال أصبغ: لا يقسمها الورثة إن كانت حاملاً حتى تضع، إلا أن يرهق بدين، ويخاف تلف المال. قال يحيى عن ابن القاسم فى الأمة التى شرط فى نكاحها: اول ولد تلده حر، فولدت تومأين، فكل ما فى لك البطن حر، ولابد من فسخ النكاح وإن طال زمانه، وكذلك إن ولدت هذا فى البطن بعد موته قبل القسم، أعتق كل من فى ذلك البطن. وقال أصبغ: إذا طال وخيف على المرأة التلف، وإلا أوقفوا. [4/ 555]
في نكاح المحرم
فى نكاح المحرم من كتاب ابن المواز: وقال مالك فى نكاح المحرم يفسخ بغير طلاق، ثم قال بطلاق. وقال أشهب بغير طلاق ولا ميراث فيه. ومذهب أشهب أن كل ما يرى أنه وقت فسخه لا يقره هو، فهو بغير طلاق. وقال ابن حبيب: قال مالك وأصحابه: ويفسخ وإن بنى وطال زمانه وولدت الأولاد. واختلف فى فسخه بطلاق، ورأى على قول ابن الماجشون أنه يفسخ بطلاق للاختلاف فيه. قال: ولم يختلف بالمدينة أن النبى عليه الصلاة والسلام تزوج ميمونة وهو حلال. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم قال مالك: ومن نكح بعد رمى الجمرة قبل الإفاضة فسخ بغير طلاق، ثم رجع فقال: بطلاق. وقاله ابن القاسم، ولو كان أفاض ونسى الركعتين، فإن نكح بالقرب فسخ نكاحه بطلاق، وإن تباعد جاز نكاحه، وإن نسى الإفاضة وطاف للوداع وخرج وأبعد، ثم نكح فالنكاح جائز لأن طواف الوداع يجزئه. ومن أمر رجلاً أن يزوجه ثم أحرم فزوجه بعد إحرامه فسخ النكاح. قال ابن القاسم: وإذا نسيت امرأة من طواف الواجب شوطاً ورجعت إلى بلدها وتزوجت، فإنه يفسخ ولها صداق لها، إلا أن يبنى بها فلها المسمى، وترجع على إحرامها، فإذا فرغت فإن كان بنى به ااعتمرت وأهدت، وتعتد بثلاث حيض. [4/ 556]
في نكاح المتعة وإحلال الأمة
فى نكاح المتعة وإحلال الأمة والهبة لها على الأتخاذ ومن نكح على أن يأتيها نهاراً أو نكح وبيته أن يفارق أو على الأثرة من كتاب ابن المواز: ونكاح المتعة النكاح إلى أجل، وهو حرام بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عمر: لو تقدمت فيها لرجمت. قال ابن حبيب: ومن نكاح المتعة أن يتزوج المسافر امرأة ما كان مقيماً بهذا البلد، وشبهه هذا، فإن كان معه صداق، فهو حرام. وما تقدم من إباحة المتعة فقد فسخه نهى النبى عليه السلام عنها، وقد أغلظ فيها الخلفاء، وقد رجع ابن عباس وعطاء عما كانا قالا من إباحتهما. ومن كتاب ابن المواز: ومن أحل جاريته لرجل فذلك حرام. قال ابن عباس: هو السفاح. وقال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومجاهد: ومن أحل وليدته لرجل فهى له. قال محمد: والذى نأخذ به أن لا أجيزه، وترد الأمة إلا أن توطأ فيدرا فيه الحد ويلزم الواطىء القيمة يوم الوطء، ولا يجوز ردها إلى السيد وإن رضى بأخذها فى القيمة، ولو بيعت عليه فى ذلك لم يجز لصاحبها شراؤها منه خاصةً، حتى ينفذ بيعها من غيره. قال ابن القاسم: ومن تصدق بجارية على رجل على أن يتخذها أم ولد فلا يجوز وطؤها بهذا الشرط، فإن فعل وحملت فهى له أم ولد، ولا قيمة عليه. قال محمد: ولو لم تحل ردت على الواهب إلا أن يدع الشرط. قال ابن القاسم: وهو بخلاف التحليل. [4/ 557]
قال ابن القاسم: ويلزمه بالوطء فى التحليل وإن لم تحمل، وله أن يبيعها ويصنع به ما شاء، وفى شرط الاتخاذ إذا وطئها لا ترد وإن لم تحمل، لأنه قد طلب الولد بالوطء فذلك فوت، حملت أو لم تحمل. وقاله أصبغ. قال مالك: ولا بأس أن يتزوج المرأة ليقضى فيها لذته وليس ينوى إمساكها، ولكنه ليس من الجميل ولا من أخلاق الناس. ورب امرأة لو علمت ذلك ما رضيت. قال محمد: ولو علمت قبل النكاح كانت المتعة بعينها قال مالك: ومنتزوج امرأة وهو يريد أن يفارقها وأخبرها بذلك قبل النكاح ثم أراد أن يمسكها، فلا أرى هذا ولا أرى أن يقيم عليها. قال مالك: وإنما يكره من ذلك من نكح على أن لا يقيم عليها. قال مالك: وبالعراق قوم يقال لهم النهارية يتزوجها على أن لا تأتيه ولا ياتيها إلا نهاراً أوليلاً، فلا خير فى هذا. قال ابن القاسم: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل، وليأتها ليلاً ونهاراُ وإن كره، وإن شاء طلق. قال محمد: لها المسمى وليس فى الطلاق فساد. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم أنه يفسخ قبل البناء وبعده. وقال ابن كنانة فى الغريب يريد مقام شهر فى البلد، فيتزوج وفى نفسه أن يفارق، فلا شىء فى ذلك إذا كان شيئاً يحدث به نفسه، وأما إذا أظهر ذلك فلا. من كتاب محمد، قال ابن القاسم: وإذا نكح على أن يؤثر عليها امرأة فليفسخ قبل البناء، ويثبت بعده ويبطل الشرط. قال محمد: ولها المسمى. قال أشهب: ومن تزوج متعة ووطىء وافترقا، فلا يتزوجها حتى يستبرئها من ذلك الماء، وغيرها من النساء أحب إلى. [4/ 558]
في نكاح المريض والمريضة
قال ابن حبيب: وقول عمر في المتعة لو تقدمت فيها لرجمت. تغليظاً في الزجر، ولايبلغ مبلع الحد وان كان حراماً، ولكن يعاقب عقوبة موجعةً، ويلحق به الولد. هذا قول مالك وأصحابه. في نكاح المريض والمريضة من كتاب ابن المواز: ونكاح المريض المنوع من ماله يفسخ ما دام مريضاً لم يحتلف في هذا مالك واصحابه، وإن صح قبل الفسخ فروي عن اشهب وابن وهب عن مالك انه يفسخ وان صح. ووقف فيه ابن القاسم. وقال محمد: وقال ابن القاسم وعبد الملك: لايفسخ أن صح. محمد: واحب الينا ان يفسخ، دخل اولم يدخل، لانه عقد نكاج لاميراث فيه، فكما منع ان يحرم بالطلاق وارثاً، بطل ان يريد بالنكاح مثله. وقاله ابن عبد الحكم. وكذلك لو اذن له جميع ورثته، وهم بلغ، لم يجز. وقال اصبغ: والفساد فيه في عقده، الا ترى ان طلاقه لايعد ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا يجوز وإن أذن له ورثته، ولعل غيرهم يرثه، قال: وإن صح ثبت، والفسخ فيه بغير طلاق؛ لأنهما معلومان فى المرض على فسخه، وفيه يفسخ. ومن كتاب ابن المواز: وإذا بنى المريض فلها المسمى فى ثلثه وإن زاد على صداق المثل، يبدأ على الوصايا بالعتق الواجب وغيره، فيما علم وفيما لم يعلم، ولو كان من معنى الوصايا لكان لها إن بنى، ولكنه بسبب فعله ومسيسه، فلا يبدأ عليه إلا المدبر فى الصحة، قاله ابن القاسم. وله قول، أنه مبدأ على المدبر. وليس بشىء. قيل: فلم لا فسخت نكاح العبد بغير إذن سيده وإن اجازه؛ لأنه لا فساد فى صداقه؟ قال: نعم، ولا فى عقده، وإنما حجة السيد لما تعين على [4/ 559]
وينقص من ثمنه، فهو من باب الاستحقاق؛ ولما أفات على مال السيد. وكذلك الصغير والمولى عليه ليس فى عقده ولا فى صداقه فساد. وذلك كالمراة تنكح على الآخرى، وللأولى شرط أن أمر من يتزوج الزوج بيدها، فهذا نكاح الخيار فى رده وإجازته لغيره، ولا خلاف فى هذا، فكذلك ما ذكرنا، وليس من فساد العقد. وجعل ابن حبيب نكاح المريض كنكاح العبد بغير إذن سيده، وقال: ليس فيهما فساد فى عقد ولا صداق، فإن عتق قبل يعلم سيده جاز، وإن صح المريض قبل يفسخ جاز أيضاً. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: ومن نكح فى المرض وبنى فيه ثم مات فلا ترثه، ولها الصداق من ثلثه، ولا عدة عليها للوفاة، وعليها ثلاث حيض، وإن لم يبن فلا صداق ولا عدة ولا ميراث. قال: ونكاح المريضة لا يجوز، ولها الصداق إن بنى، ولا ترثه ولا يرثها، وإن كان أبوها قد زوجها ولا وارث لها غيره. وإذا تزوج المريض وبنى ثم مات فعدتها ثلاث قروء. قاله أشهب. وإليه رجع ابن القاسم، وكان يقول: عدة الوفاه. وقال: يفسخ نكاحه بطلاق. وقال أشهب: بغير طلاق، وما طلق قبل الفسخ لم يلزمه عند أشهب. ولذلك إن تزوج ذمية أو أمة وهو مريض او هى المريضة؛ لما قد يحدث مما يتهم به الورثة. قال مالك: وإذا تزوج حرة فى مرضه ثم مات لم يرثها. قال: وحاضر الزحف والصف والحامل المثقل كالمريض فى ذلك، ولو خالع الحامل المثقل زوجها لم يجز أن يتزوجها، ولا يجوز نكاح المرتد ونكاح راكب البحر فى شدة هوله، كطلاقه، وقد اختلف فيه؛ وقال ابن القاسم: طلاقه جائز، وعتقه من رأس ماله. وقال أشهب: بل هو كالزاحف والحامل المثقل، وعتقه من ثلثه. قال مالك فى موضع آخر: فإذا بلغت الحمل ستة أشهر فهى كالمريض، وإذا تزوج المريض وأصدق جاريته فماتت بيد الزوجة فلا يتبع بشىء، وإذا أعتق [4/ 560]
أم ولده فى مرضه ثم تزوجها بطل نكاحه وجاز عتقه من رأس ماله، وإذا فوض إليه فى نكاحه فى مرضه فسمى لها ثم مات فلا شىء لها، إلا أن يمسها فذلك فى ثلثه، وإن كان أضعاف صداق المثل. وكذلك يحاصص به. قال محمد: وأحب إلى قول عبد الملك، أن لها صداق المثل مبدأ، ويبطل ما زاد عليه، يريد فى المفوض إليه فى المرض، لأن الواجب لها بالطء صداق المثل، فما زاد فليس بوصية؛ لأنه لم يرد به بالوصية، وأما التى تزوجها بتسمية فبتلك التسمية رضيت، فلها جميعه فى الثلث. وهذا التفسير من غير رواية ابن أبى مطر عن ابن المواز. وقال سحنون، فى كتاب الإقرار فى المتزوج فى المرض وقد سمى لها أكثر من صداق مثلها: فلا يكون لها إلا صداق مثلها فى قول عبد الرحمن، ويكون مبدأ على الوصايا على المدبر فى الصحة. قال ابن حبيب فى المريض الذى بنى فى مرضه الذى نكح فيه. فلها جميع ما سمى لها مبدأ، وإن زاد على صداق المثل، يدخل فيما علم من ماله وما لم يعلم. وفى كتاب العتق مسألة من أعتق أمة فى مرضها ثم تزوجها، أو أقر فى مرضه أن ذلك كان فى صحته. [4/ 561]
في نكاح السكران وغير ذلك من أموره
في نكاح السكران وغير ذلك من أمو ره ومن اكرة في النكاح من رجل او امرأة ومن نكح بغلبة من العتبية قال ابن القاسم عن مالك لايجوز نكاح السكران ويلزمه طلاق قال عنه اشهب ولايجوز بيعه ان استوقن وكيف يعلم ذلك؟ قديربح فيقول كنت صحيحا وقد يخسر فيدعي السكر قيل فنكاحه؟ قال ومن يعلم انه سكران اذ يقتل هذا ويا خذ متاع هذا ويقع في الحدود ويدعي السكر فما ادري ما هذا قال سحنون قال ابن نافع يجوز عليه كل مافعل من بيع وغيره قال سحنون اما نكاحه وبيعه وهبته وصدقته وعطيته وانكاحه بناته فلا يجوز شي منه وعليه اكثر الرواة. واما احدود التي تكون في بدنه وطلاقه وعتقه فذلك يلزمه ويلزمه تدبيره وعتقه ووما عدا تدبيره فلا يلزمه واقراه بالدين لايلزمه واذا اوصى في مرضه بوصيه لقوم وفيها عتق فلا يجوز وما بتل من العتق في مرضه فذلك جائز ثم رجع سحنون فقال تجوز وصيته بما فيها من عتق اووصايا لقو م ولايكون اسوا حالا من الصبي والسفينه. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الما جشون وابن عبد الحكم واصبغ قالوا سبل السكران في نكاحه وانكاحه وبيعه وابتياعه وعطاياه وهباته واقراره بالدين سبيل المعتوه لا يلزمه منه شي الاما كان من الحدود مثل الزنى والسرقة والقذف [4/ 562]
والطلاق والعتق والجراح والقتل فانه يلزمه لانه ادخل ذلك على نفسه ولم يبلعي عن اصحاب مالك في ذلك اختلاف. وفي العتبية من سماع ابن القاسم وعن امراة زوجت على وجه الغلبة قال ذلك فاسد لا تنكح حتى تستبرا من ذلك الماء. ومن كتاب ابن سحنون قال اصحابنا اجمعون بابطال نكاح امكره والمكرهة قال سحنون ثم لا يجوز للمكره ولاللمكرهة ولالاوليائها اجازة ذلك النكاح والمقام عليه لانه لم يكن عقدا ولو كان عقد البطل لانه نكاح على خيار. وقال ابن سحنون وفي قياس بعض مذاهب مالك ان للمكره امضاء النكاح امنا وكذلك لاولياء المكرهة وفي قياس بعض مذاهبهم ان اجازة ذلك ايضا بقرب ذلك وبحدثانه فاذا طال ذلك لم تجز اجازتهم وانما يجبر المكره على صداق المثل ما لم يكن المكره وطئها وكذلك اجازة المكرهة او اوليائها بالمسمى وان كان اقل من صداق المثل الا ان يشاء الزوج ان يتم لها صداق المثل ويرضى الأولياء بذلك فيتم النكاح. وهذا خلاف قول ابن سحنون، فإن وطئها المكر غير مكرهة لزمه إمضاء النكاح على ما سمى من المهر فى قياس قول سحنون. وإن قال وطئت راضياً بالنكاح درى عنه الحد بالشبهة، ولزمه المسمى من المهر، وإن أقر على انه وطىء على غير إمضاء النكاح لزمه الحد، ولها ما سمى لها، قال: وإن علمت أنه مكره على النكاح إذا وطئها مكرهة على الوطء فليحد فى قول سحنون وغيره، ولها صداق المثل، ولا حد عليها للإكراه. وفى قياس قول بعضهم إن وطئت على الطوع منها ومن الأولياء فهو رضى بالنكاح، ولها المسمى. وفى قول سحنون: لا نكاح بينهما. [4/ 563]
فإن لم توطأالمكرهة على النكاح وهى بكر أكره أبوها على إنكاحها، فلم توطأ حتى ترافعه إل الحاكم، فليس للأب إمضاء ذلك النكاح. وفى قول سحنون وغيره من أصحابنا أن للأب إمضاء ذلك النكاح بالصداق المسمى وإن صدق عن صداق المثل، إذا كان نظراً من الأب ما لم يطل ذلك، ولا كلام لا مع الأب، وإن كان الولى غير الأب، فالخيار إليها وإلى وليها فى إبطال النكاح أو إمضائه، فإن اختلفت المرأة والولى، فلا إجازة للنكاح إلا بهما جميعاً، إذ لا يزوجها غير الأب إلا برضاها. ومن كتاب ابن المواز: ومن نكح امرأة بغلبة لم يجز نكاحه ويفسخ، فإن شاءت نكاحه فبعد الاستبراء. [4/ 564]
[الجزء الرابع من النكاح]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه الجزء الرابع من كتاب النكاح فى نكاح السر ومن نكح ولم يشهد من الواضحة، قال: وقول عمر فى نكاح السر: لو تقدمت فيه لرجمت تشديداً فى الزجر عنه. وفى كتاب ابن المواز، قال مالك فى نكاح عقد بشهادة امراتين ودخل بها، قال ابن حبيب: وفى نكاح السر العقوبة على الزوجين والولى والبينة، ويلحق به الولد، ولها المسمى إن مسها ويفسخ بطلقة، إلا أن تطاول زمانه فى يفسخ. هذا قول مالك وأصحابه. وكل نكاح استكتمته الشهود وإن كثروا أو عقد على وجه الاستسرار، فهو من نكاح السر. وإذا سألوا الشهود أن يكتموا ذلك من امرأة له أخرى، أو يكتموا ذلك فى منزل التى نكح، ويظهروه فى غيره، أو يظهروه فى المنزل ويكتموه فى غيره، أو يكنموه بثلاثة أيام أو نحوها، فذلك كله من نكاح السر الذى يفسد أبداً ما لم يطل. وكذلك اخبرنا عن مالك من سمعه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن نكح بشهود واستكتمهم، فهو من نكاح السر ويفسخ بطلقة إن بنى، فلها المسمى، وتعاقب البينة إن لم يعذروا [4/ 565]
بجهل. قال في سماع أشهب: يفسخ بطلقة، فإن شاء نكاحها وقد بنى فبعد الاستبراء. ومن العتبية وكتاب ابن المواز وأشهب عن مالك فيمن نكح في مؤخر المسجد، ثم قام فلقيه رجل فقال له: كأنكم كنتم على إملاك. قال: لا. قال: أكره كتمان ذلك، وأحب إلى أن يشاد ولا أرى عليه فى هذا القول شيئاً. قال أصبغ: وسألت أسهب عما عقد فلما فرغ استكتم البينة. فإن لم يكن ذلك بينة ولا عليه نكح بضميره، فلا بأس. قلت: فغن نكح على ذلك فى ضميره؟ قال: فليفارق. قال أصبغ: لا أرى أن يفسد النكاح إن لم يكن إلا ضميره فى نفسه، لأنه لا بأس أن يتزوج ونيته أن يفارق، ولكن إن كان مع ضميره مواطأه بينه وبين المرأة أو الأولياء أو حداه ما حدا الاستسرار فهو فاسد، وليفارق. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: ومن تزوج ولم يشهد، فإنتقارا بعد ذلك أشهدا ولا يفسخ النكاح، وغن بنى ولم يسهد فرق بينمها بطلقة، ويخطبها إن شاء بعد الاستبراء بثلاث حيض. ومن زوج غلامه أمة رجل، لم ينفع حضور السيدين حتى يشهدا غيرهما. ومن نكح بلا بينة، ولم يرد سراً لم يضره إلا أن يبنى قبل أن يشهد. ومن الواضحة قال مالك: ومن نكح ولم يشهد، لم يضره ولكن لا يبنى حتى يشهد، فإن بنى قبل أن يشهد فاشياً، لم يحدا، عالمين كانا أو جاهلين، وإن لم يكن فاشياً حدا، عالمين كانا أو جاهلين. قال: والشاهد الواحد لهما بالنكاح [4/ 566]
ما ينبغي من إظهار النكاح وما يستجاز فيه من اللعب بالدف ونحوه
أو معرفة أبنائهما باسم النكاح وذكره وإشهاده، فهو كالأمر الفاشى من نكاحهما. قاله ابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن القاسم: إذا لم يعذرا بالجهالة حدا، وإن كان أمرهما فاشياً، ولم أجد من يقول ذلك. قال ابن الماجشون: ومن زوج عبده أمته ولم يشهد، فإن وقعت الإشادة بذلك والتهنئة وشبهه بالنكاح فذلك جائز، والحر والعبد فى ذلك سواء. قال مطرف وابن الماجشون فى نفر شهدوا على نكاح وقالوا: حضرناه ضيفاناً ولم يكن غيرنا. فالنكاح جائز إن كان القوم مرتضين، ولو عثروا عليهم وهم صبيان، لم يجز وكان فيه الحد. ما ينبغى من إظهار النكاح وما يستجاب فيه من اللعب بدف ونحوه وذكر الوليمة، وإجابة الدعوة من كتاب ابن المواز وابن حبيب: روى أن النبى عليه السلام قال) أظهروا النكاح وأضربوا عليه بالغربال)، يعنى بالدف المدور. وقال غيره: وهو مفشى من جهة واحدة. قال ابن حبيب: وكان عمر بن عبد العزيز يستحب ذلك. قال ابن المواز قال مالك: لا بأس بالكبر والدف. وقال أصبغ: يعنى فى العرس خاصةً، لإظهار النكاح، ولا يعجبنى المزهر، وهو المربع، فإن لم يكن معه غيره فهو أحب إلى، فإن كان معه الكبر فلا يكن معهما غيرهما، ولا ينبغى ذلك [4/ 567]
فى غير العرس، ولا يجوز الغناء فى العرس ولا فى غيره، إلا مثل ما كان يقول نساء الأنصار. زاد أصبغ فى العتبية: أو رجز خفيف لا بكبر ولا طبل، مثل ما كان جوارى الأنصار، ولا يعجبنى الصفق بالأيدى، وهو أخف من غيره. ولا بأس فى الإملاك بمثل ذلك فى العرس. قال ابن المواز: وكبت عمر بن عبد العزيز بقطع اللهو إلا بالدف وحده فى العرس وحده. ومن الواضحة قال ابن حبيب: وقد أرخص فى العرس إظهار الكبر والمزهر، وينهى عن اللهو بذلك فى غير العرس وإشهاره. قال: وكان النبى عليه السلام يستحب الإطعام على النكاح عند عقده وعند البناء ولم يدع الوليمة على أحد من نسائه، قل أو كثر. قال أنس: ولم يولم مثلما أولم على أم سلمة، وكان ذلك الخبز واللحم، وأولم على صفية بالصهبا بالسويق والتمر، وقد ابيح أكثر من يوم. وروى: أن اليوم الثانى أفضل، والثالث سمعة. وأجاب الحسن رجلاً دعاه فى اليوم الأول، ثم فى الثانى، ثم فى الثالث فلم يجبه. وفعل ابن المسيب مثله. قال ابن حبيب: وهذا يكره إن تكرر استذانه أياماً. فأما إن دعا فى الثالث من لم يكن دعاه أو دعاه مرة فذلك سائغ. وقد أولم ابن سيرين ثمانية [4/ 568]
أيام، ودعا فى بغضها أبى ابن كعب، فمن وسع الله عليه فليولم من يوم ابتنائه إلى مثله. وروى أن النبى عليه السلام، قال) إذا دعا أحدكم إلى الوليمة فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك) وقد أجاب على فدعا ولم يأكل. وفعله ابن عمر، ومد يده وقال: كلوا باسم الله. فلما مد القوم أيديهم كف وقال: إنى صائم. وقال: إنما يجاب فى الوليمة من لا يخرج عن السنة فيها. قال سفيان: وإنما تجيب من لا يفسد عليك دينك. وروى ابن مسعود قال: نهينا أن نجيب من يرائى من طعامه ومن يتخذ بيته مسجد الكعبة، أى من يدعو الأغنياء ويترك الفقراء، وبذلك ذم أبو هريرة طعام الوليمة. ودعا ابن عمر فى وليمته الأغنياء والفقراء فأتوا مع الأغنياء، فقال ابن عمر: ها هنا لا تفسدوا عليهم ثيابهم، وإنا نطعمكم مما يأكلون. وقد رجع ابن مسعود حين سمع لهوا. ورجع أبو ذر من ضرب. وأبو وائل مثله. وقال مالك والأوزاعى: قال الحسن فى وليمة فيها برابط، لا دعوى لهم ولا نعمة عين. وقد روى أن النبى عليه السلام، قال: لا عليكم أن تأتوا العرس ولا محرحه غرما. [4/ 569]
ودعى الحسن وابن سيرين إلى عرس، وفى البيت ريحان وطيب، فجلس ابن سيرين فى أدنى البيت، فقيل ها هنا أبا بكر. فأبى، وقيل ذلك للحسن، فأتى حيث قيل له، حتى جلس فى ججلة فيها فراش ديباج، فأخبره ابنه أنه فراش ديباج، فانسل حتى نزل عن الفراش، وجاء الطعام فلما أكل ابن سيرين الثريد مسح يده وقام، وجلس الحسن إلى آخر الطعام، وجىء بخبيص فى جام من فضة، فكف الناس عنه، فأخذ رغيفاً رقيقاً فنفض مما عليه وجعله وسط المائدة، فأكفأ عليه إناء الخبيص فأكل وأكلوا، ثم جىء بالغسل، فغسل، ثم جىء بمجمر بيد جارية فاجمرته، وادخلت يدها تحت ثيابه، فلم يمنعها، ودهنت لحيته بيدها بغالية، فلم ينهها، ثم قام، فقيل له: إن الرجل يحب أن يأتى إليه فيدعو له بالبركة. فخرج مع أصحابه حتى دخل عليه فدعا له بالبركة، ثم انصرف. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيما جاء من إتيان الدعوة: ذلك فى العرس وحده، ورأى أن يجيب وإن لم يأكل وكان صائماً. قال أصبغ: وكان الصحابة يجيئون صياماً وغير صيام، وليس بالمؤكد، وإنه لخفيف، وإن كنت أحب أن يجيب من دعى إلا من عذر ونحوه. هذا كله فى العتبية. ومنها من سماع ابن القاسم قال: وليات الوليمة. قيل: فإن كان فيها زحام؟ قال: فهو فى سعة. قال عنه أشهب قيل: أفيجيب النصرانى فى صنيعه فى ختان ابنه؟ قال: إن شاء فعل، وإن شاء ترك. قال: وليجيب إلى الوليمة إلا أن تكون له علة من مرض أو غيره. قيل: فمن وخر ذلك إلى السابع؟ قال: فليجيب وليس مثل الوليمة، وربما عمل الوليمة والسابع. قال [4/ 570]
عيسى قال عنه ابن القاسم: فإن كان فيها اللعب؟ قال أما الخفيف مثل الدف والكبر يلعب به النساء فلا بأس به. قال أصبغ: وأحب إلى أن يرجع. قال ابن وهب عن مالك: لا أحب لذى الهيئة أن يحضر اللعب. قيل: فالكبر والمزمار وغيره من اللهو، وينالك سماعه وتجد لذته وأنت فى طريق أو فى مجلس؟ قال: فليقم من ذلك المجلس، وقد رجع ابن مسعود من لهو سمعه فى وليمة وقال قال النبى عليه السلام: ومن كثر سواد قوم فهو منهم. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وأستحب الإطعام فى الوليمة، وكثرة الشهود فى النكاح، ليفشو ويثبت معرفته. قال ربيعة: والوليمة فيه لإثباته وشهرته وقد تهلك البينة. قال مالك: والوليمة التى تؤتى وليمة النكاح، وما سمعت أنه يجب أن يؤتى غيرها من الأصنعة، وأرى إن لم يولم بعد البناء أن يجاب الدعوة له إلا من عذر. قال محمد: وإنما جاءت العزيمة فى الوليمة النكاح. قال مالك: وإن رأى أحداً من المغنين، فليخرج، إلا الكبر والدف، وإن لم يأكل فليبارك ولينصرف. قال فى العتبية: وإنى لأفعله. قال: ولا بأس أن يأتى وليمةً فيها سرف فى طعامها، وإذا كان العرس زحام فأرجو أن يكون فى سعة إن تخلف، ولا بأس أن يقول للرجل ادع من لقيت. ولا بأس على من دعى لهذه الدعوة أن لا يأتى، لأنه لم يتعمده ولا يعرفه. [4/ 571]
في نفقة العرس والهدية عند الخلوة
قال مالك: وأكره لأهل الفضل الإجابة إلى الطعام يدعون إليه يريد فى غير العرس ومن جاء للوليمة فوجد رجلاً يلعب، بأن يجعل على جبهته صارى، أو يلعب على حبل فليخرج، ولا يأتى إذا ادعى، وأكره لأهل المسجد الإجابة إلى الطعام يفطرون عليه فى المسجد فى رمضان، وأن يجيبوا إلى كل من دعاهم. ومن العتبية روى أشهب، عن مالك قيل له: أترى أن يولم بعد البناء؟ قال: لا بأس بذلك. فى نفقة العرس والهدية عند الخلوة من كتاب ابن المواز قال مالك: لا أرى هدية العرس واجبة، ولا أرى ما يحملها عند اختلائه يلزمه. قال فى هدية العرس: إلا أن يعلم أنه من شأنهم وما جروا عليه فليلزمه، إلا أن يتقدم فيه السلطان. قال ابن القاسم: وقال قبل ذلك: لا يلزمه إلا بشرط وهو أحب إلى. قال ابن القاسم فى كتاب العدة: أرأيت لو مات أحدهما، أكان يكون لها فيه حق؟ فهذا يدل أنه لا يقضى به، كان مما جروا عليه أم لا. قال أصبغ: أحب إلى إذا كان قد جروا عليه أن يقضى به إلا أن يبرئوا منه الزوج. وقال ابن حبيب: يقضى بهدية العرس فى قول مالك وأصحابه، ولا يقضى بهدية الإملاك، فإن طلق قبل البناء فلا يرجع بهدية الإملاك، وإن لم تفت، ويرجع بهدية العرس إلا أن تفوت فلا شىء له. فيمن نكح فى العدة، أو وطىء فيها بالملك من كتاب ابن المواز: ومن نكح امرأته فى عدتها. فعليهما العقوبة إذا تعمدا، ولا تحرم عليه إلا بالمسيس. [4/ 572]
قال ابن القاسم: وتحرم بالقبلة والجلسة والمباشرة. ابن حبيب: أو مس شعرها للذة. محمد: قال أصبغ: وقد قال لى مرة: أحب إلى أن لا ينكحها من غير قضاء، لأنه فى الوطء نفسه اختلاف، فكيف فيما دونه؟ وكذلك روى عنه عيسى فى العتبية. محمد: وقال أصبغ: وهو كالوطء نفسه، ويفسخ بالقضاء. وقد رجع ابن القاسم إلى هذا. وإذا نكح فى العدة وأرخيت الستور ثم تقاررا على أنه لم يمس فلا تحل له أبداً. قاله ابن القاسم وأشهب، قالا: ويقضى بذلك عليه، وعليها بالعدة. وقاله أصبغ. وكذلك فى الواضحة. محمد: قال ابن القاسم: ومن واعد فى العدة ونكح بعدها فإنه يفسخ وإن بنى. وقال أيضاً: يؤمر بالفراق بغير طلاق، وتكون طلقةً. قال أشهب وابن وهب عن مالك: إنه يفسخ أبداً. وقاله ابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم ثم لا ينكحها أبداً يريد أن بنى وذكر عن مالك أنه قال: ذلك أحب إلى. وروى عنه أن له أن يتزوجها بعد الاستبراء. هذه رواية أشهب فى العتبية. قال محمد وقال أشهب: لا تحل له أبداً. قال أصبغ: تطلق عليه بالحكم، وإن بنى لم تحل له أبداً بحكم. قال محمد: لا يعجبنى. قال أصبغ وأشهب: ومن واعد أم ولد فى حيضتها من وفاة السيد، فلما انقضت تزوجته، قال مالك: أكره ذلك، فإن فات جاز. قال ابن عبد الحكم: أما بالبناء فلا شك، وأما بالعقد فأحب إلينا الفراق بغير قضاء. وقال أصبغ: يفرق بينهما ولا يترك بحال. وقال أشهب: لا يفرق بينهما ولم يره شيئاً. ونهى مالك أن تواعد فى الحيضة فى موت سيدها أو عتقه. قال أشهب: ولو نكحت فيها لفرق بينهما، وله أن ينكحها بعد ذلك بعد الاستبراء بثلاث [4/ 573]
حيض. وقال عبد الملك وأصبغ: لا يفسخ ذلك وليفرق بينهما ولا ينكحها أبداً إن مسها، رق كذا قبل أن تحيض. قال أصبغ: وليس كتحريم عدة النكاح. قال مالك: أكره مواعدة الولى فى الحرة، والسيد فى الأمة. وقاله عطاء: قال محمد: وأما الأب فى البكر والسيد فى الأمة فبمواعدة الحر وأما ولى لا يزوج إلا بإذنها فيكره، فإن وقع لم يفسخ. قال: ومن قول المعروف الذى أبيح فى العدة: إنى فيك لراغب. وإنك على لكريمة. وقال بعضهم: وأرجو أن أتزوجك، وإنى بك لمعجب، فإن يقدر أمر يكن. ولا بأس أن يهدى إليها، وكله مذهب مالك وأصحابه. قال ابن حبيب: ولا أحب أن يباح هذا بالفتيا، إلا لذوى النهى، ومن تحجزه التقوى، لئلا يكون ذريعة إلى ما يتقى. قال محمد قال مالك: ما لم يسم صداقاً، ولم يواعد، إلا أنه بين لها أنه يخطبها، أما إن تواعده وتعطيه عهدا فلا يحل. قال: والوطء بالملك أو بالنكاح فى عدة نكاح صحيح أو فاسد يحرم. وقد ذكرنا الوطء بالنكاح فى استبراء الملك فى كتاب أم الولد. ولا يحرم وطء ملك فى استبراء ملك وأما المعتقة تنكح فى حيضة الاستبراء من وطء السيد ويبنى بها، ثم يعلم فيفارقها، فأجمع ابن القاسم وأشهب أنها لا يحرم عليه نكاحها بعد ثلاث حيض، ثم إن نكحت أحداً فى هذه الثلاث حيض حرمت عليه إن وطئها فيها. محمد: وكذلك فى استبراء ما فسخ من نكاح فاسد. وقاله أشهب وعبد الملك وأصبغ. قال ابن القاسم: لا الذى فسخ نكاحه ولا غيره، أو كانت أمة [4/ 574]
فبيعت ووطئت فى ذلك، فتحرم على سيدها. وأما التى زنت فتوطأ بنكاح قبل الاستبراء أو وضع حمل. قال ابن القاسم: لا تحرم بذلك عليه بعد اليوم، ثم رجع فقال: أما فى الحمل فتحرم عليه ولا تحرم فى غيره. وأظن أنها رواية ابن وهب عن مالك فى الحمل. وقال ابن عبد الحكم مثله عن مالك. قال أصبغ: أكرهه فى الحمل. والقياس أنه وغيره سواء، فلا أحب أن يتزوجها ذلك كله، ولا أقضى عليه به، وينبغى إذا حرم بالنكاح أن يكون بالسفاح أحرم. قال ابن القاسم: ومن له أمة، وهى حامل من غيره بنكاح، أو زنى، فلا يتلذذ منها قبلة، أو غمزة، أو غيرها، ولا أحب أن يمس لها يداً ولا رجلاً أن تناوله الشىء، ولا يعتق عليه ما فى بطنها. محمد: لا ينبغى أن يطأها فى ذلك الماء. قال أشهب: والحامل من زوجها حملاً بيناً منه يوم غصبت أحب إلينا أن يتوقف عنها إيجاب. وكذلك قال أصبغ: وإن لم تكن بينة الحمل فلا يطأ إلا بعد ثلاث حيض. ومن كتاب محمد: ومن تزوج أمةً بغير إذن سيدها فوطئها ثم اشتراها وهى تحته فلا يطؤها حتى يستبرئها، ولو أعتقها سيدها قبل فسخ نكاحه فلا يتزوجها هو ولا غيره إلا بعد استبراء، قال محمد: بحيضتين. قال مالك: وإذا مات زوج الأمة قبل البناء وهى صغيرة، فلا تحل للسيد إلا بعد شهرين وخمس ليال، وإن كان الزوج وطئها فبعد ثلاثة أشهر، أو شهرين وخمس ليال مع حيضتين للتى تحيض. قال مالك: وإذا انقضت عدة المطلقة بالحيض فتزوجت ودخلت، ثم ظهر بها حمل فى مدة قريبة فلا تحل له أبداً، وكذلك لو اعتدت بالسنة. قال: ولو ارتجعها الأول بعد السنة، فظن أنه جائز، ولم يعلم بتزويجها، كان غائباً، ثم وضعت لأقل من ستة أشهر من نكاح الثانى، كانت رجعة فسخ نكاح الثانى، ولم [4/ 575]
تحل له أبداً لما تزوجها قبل رجعة الأول، وهى فى عدة منه بالحمل. ولو ارتجعها الأول قبل نكاح الثانى، كان الثانى غير واطىء فى عدة، لكن تزوج ذات زوج. ومن ارتجع فى عدة من طلاق ثم طلقها طلقةً بائنةً فى عدتها، فلم تعرف برجعته ولا بطلاقه الثانى حتى تمت عدة الطلاق الأول وتزوجت، ودخلت قبل تمام عدة الطلاق الثانى، فلا تحل لهذا الآخر أبداً، ولو كان الطلاق الأول بخلع ثم نكحها فى العدة، ثم طلق قبل أن يمس فتزوجت بعد تمام عدتها من الطلاق الأول، فذلك جائز، لأنها ليس عليها ائتناف عدة، ولا لطلاقها الثانى عدة، لأنه نكاح جديد، وطلق فيه قبل أن يمس، وأما الطلاق الذى فيه الرجعة فالرجعة تهدم عدته، ثم إن طلق كان عليها ائتناف عدة، فلذلك افترقا. ومن طلق زوجته واحدة فارتجع وهى لا تعلم، فانقضت عدتها ونكحت، فشهد رجلان أنهما أعلماها برجعته قبل نكاح الثانى، فقالت هى أو قال زوجها الثانى: قد صدقا ولم يكونا عندنا ممن يعدل. فليفسخ نكاحهما ويدرأ عنهما الحد بهذه الشبهة حين لم يكونا عندهما بعدلين، ولو شهد عدلان أنها أقرت قبل تزويجها أن الرجعة قد بلغتها لحدت. قال عبد الملك: وإذا أسلمت النصرانية تحت النصرانى أو المشركة فتزوجت فى تلك العدة ودخل بها إنه ناكح فى عدة لا تحل له أبداً، لأنها عدة تحل بها للأزواج. وكذلك لو أسلم زوجها فى تلك العدة. وكذلك من نكح من لزوجها عليها الرجعة. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى الرجل يتزوج المرأة من مجوسية أو نصرانية، وفى الزوجين الكافرين إذا أسلما، وكان قد نكحها فى عدة فلا يفرق بينهما. [4/ 576]
قال سحنون: أخبرنى ابن نافع عن عبد العزيز ابن أبى سلمة أنه كان يقول فيمن تزوج فى العدة ودخل فيها ثم فرق بينهما أنه يجوز له أن يتزوجها بعد ذلك إذا انقضت عدتها. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون فى مسلم تزوج نصرانية فى عدتها من نصرانى: إنه ناكح فى عدة، قيل لمالك فيمن تزوج نكاحاً فاسداً وبنى ففسخ ذلك، أيتزوجها هو فى عدتها منه؟ قال: إن كان نكاح ليس إلى أحد إجازته فلا يتزوجها فى استبرائها منه، وإن كان للولى أو للسلطان إجازته فله أن يتزوجها فى عدتها منه قبل تمامها. ومن طلق زوجته ثلاثاً ثم تزوجها فى عدتها منه، قال ابن نافع: لا تحل له أبداً. وقال ابن القاسم: هو بخلاف الأجنبى، لأن العدة منه، وعلى هذا جماعة أصحاب مالك. قال: ومن زنى بامرأة ثم تزوجها قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبداً، وليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح فيما حملت به بعد حيضة، أو أتت به لستة أشهر من برم نكحها. وما كان قبل حيضة فهو من الزنى لا يلحق به. وقاله كله أصبغ. ومن زنت زوجته أو غصبت ثم وطئها قبل الاستبراء فلا تحرم بذلك عليه، ولك أكن أحب له ذلك، ولكن لو حملت من الغصب فليكف عنها حتى تضع، فإن وطئها لم تحرم عليه، ثم إن طلقها زوجها وهى حامل فلابد لها من ثلاث حيض بعد وضع هذا الحمل، ولو لم تحمل من الغصب أجزأتها منهما ثلاث حيض. وكذلك الجواب فى المنعى لها. ومن أسلم عن امرأة نكحها فى عدة، فإن أسلم قبل تمام العدة فسخت نكاحه بغير طلاق، دخل أو لم يدخل، وله أن يتزوجها بعد الاستبراء، إلا أن [4/ 577]
في المفقود أو المنعي لها تتزوج امرأته
يطأها بعد إسلامه وقد بقى من عدتها شىء. ولو أسلم بعد العدة لم أعرض له. قال: والعدة فى ذلك ثلاث حيض من وفاة أو من طلاق. ومن نكح فى العدة، فلم يبن حتى نكح أمها، فنكاح الأم ثابت، والأول ليس بنكاح فى الابنة، وتحل لآبائه وأبنائه. وروى أشهب، عن مالك فيمن خالع امرأته على أنها إن طلبت ما أعطته عادت زوجة فطلبته فردها فوطئها، فرآه واطئاً فى عدة، ولها بمسيسه ما كان أخذ منها، وأبى هذا غير واحد من أصحاب مالك وقالوا: لا تحرم عليه. وهو بخلاف غيره. وبهذا أقول. قال ابن القاسم: والتى تنكح وقد نسيت فى الحج شوطاً من الطواف الواجب وقد بنى بها فإنه يفسخ، ولها المسمى، ولترجع حراماً حتى تتم ثم تعتمر وتهدى، وعليها ثلاث حيض، فإن نكحها فيها زوجها الأول فهو واطىء فى عدة, وقف محمد عن تحريمها عليه وقال: لو نكحها غيره فيها ودخل حرمت عليه. فى المفقود أو المنعى لها تتزوج امرأته وما يجرى فى ذلك من معنى الوطء فى العدة من كتاب محمد بن المواز: وإذا انكحت امرأة المفقود بعد الأجل المضروب فى الأربعة أشهر وعشر، فناكحها ناكح فى عدة. وكذلك روى عيسى فى العتبية عن ابن القاسم. قال فى كتاب محمد: ما دام أمره لا يعرف، فإن عرفت حياته أو عرف أن موته كان فى وقت لا تكون تلك الأشهر عدةً، فلا يحرم [4/ 578]
بذلك. وكذلك لو جاء أنه مات بعد الأربعة أشهر وعشر، فلا يكون الناكح فى الأشهر ناكحاً فى عدة. وكذلك لو أنه قدم ثم مات فأحمل أبداً يوم موته كيوم قدومه، محمد حكم ذلك سواء. قال ابن حبيب عن أصبغ: وإذا نكحت بعد الأجل والعدة وبنى بها، ثم مات أو طلق، ثم قدم الأول فأراد نكاحها، فإن كان تقدم له فيها طلقتان فلا تحل له إلا بعد زوج، لأنه بدخول الثانى بها انكشف أن طلقة ثالثة لزمت بذلك. ومن كتاب ابن المواز: وإذا تزوجت فى الأربعة أشهر وعشر ففسخ نكاحها، فاستبرأت من مائه مع تمام الأربعة أشهر وعشر، ثم تزوجت غيره، وبنى بها، ثم قدم المفقود أو لم يعلم خبره، فإ، ناكحها فى الشهور ناكحها فى عدة، لأن المفقود لو قدم وقد بنى بها الثانى، لكان الثانى أحق بها، ولزمت المفقود طلقة، ولو فارقها الثانى لم يكن المفقود إليها سبيل إلا بنكاح جديد، فإن كان يلزم المفقود طلقة فقد انكشف أن عدتها عدة الطلاق. قالا: وإنما هل نكاحها بعد تمام عدة الطلاق فى بقية من الأربعة أشهر وعشر فسلم من النكاح فى العدة أو قبل ذلك فيكون ناكحاً فى عدة؟ قال ابن حبيب: قال أصبغ: فإن تزوجت فى الأربع سنين، فسخ نكاحه وله نكاحها بعد السنتين والأربعة أشهر وبعد الاستبراء. قال فى كتاب ابن المواز: ولو قدم قبل بناء الثانى الناكح بعد العدة، لفسخ نكاحه ورجعت إلى المفقود، ويصير الناكح فى الشهور غير ناكح فى عدة. وكذلك لو جاء خبره أنه مات قبل بناء الثانى، لم يكن دخول الآخر أن يكون الأول ناكحاً فى عدة، لأن نكاح الثانى مفسوخ، فلا يكون الناكح فى الشهور ناكحاً فى عدة حتى يثبت نكاح الذى بعده. ولو جاء العلم أن المفقود مات بعد الأشهر والعشر بما يكون الآخر ناكحاً فى عدة، لحرمت على الآخر للأبد، [4/ 579]
وحلت لنا كحها فى الأشهر. ولو وقع نكاح الآخر قبل فراغها من الاستبراء من ماء نكاحها فى الأشهر كان ناكحاً فى عدة، فإن عمى خبر المفقود، كان الناكح فى الأشهر أيضاً ناكحاً فى عدة، وإن ظهرت حياته أو أنه قدم أو مات قبل تنكح زوجته بعد هذين الزوجين، أو جاء يصح نكاحه، لم يكن الناكح فى الشهور ناكحاً فى عدة. وإن تزوجت بعدها وبعد الاستبراء منها زوجاً قبل أن يأتى خبر المفقود بموت أوحياة، صار الناكح فى الأشهر والناكح فى الاستبراء من مائة ناكحين فى عدة، فإن جاء أن موته لوقت يكون الآخر متزوجاً فى عدة من موته، فهو بذلك ناكح فى عدة. وكذلك الناكح فى الاستبراء، ويسلم الناكح فى الشهور أن يكون ناكحاً فى عدة، لأنها لم تنكح بعده نكاحاً يصح حتى تكون الشهور عدةً ويرث المفقود. وكذلك فى كتاب ابن حبيب. ولو تزوج الأول فى الأشهر، والثانى فى الاستبراء من ماء ذلك النكاح، ثم مات المفقود بعدهما، فليس بشىء حتى يتزوجها زوج يبنى بها قبل موته نكاحاً بائناً، والنكاح قائم بينها وبين المفقود. ولو كان موته بعد نكاح الآخر وقبل دخوله فسخناه، وورث المفقود. قال أصبغ: ولو أشكل حتى مات لم يتوارثا. قال محمد: ولم أجب لهذا نكاحاً أبداً. وروى سحنون عن ابن القاسم فى العتبية فى المفقود قبل البناء يقضى لزوجته بجميع الصداق ويفرق بينهما بعد الأجل ثم يقدم: أنه يرجع عليها بنصف الصداق. وروى عنه عيسى أنه لا يرجع عليها بشىء، ولها الصداق أجمع؛ لأنها قد حبست عليه وحكم لها به. وللمفقود باب آخر فى أبواب الطلاق فيه الحكم فى ضرب الأجل لزوجته وفى ماله وغير ذلك من أحكامه. [4/ 580]
في نكاح المحلل وجامع ما يحل المبتوتة ويحصن الزوجين
وإذا اعتدت المنعى لها زوجها ثم تزوجت، فلم يبن بها الثانى حتى مات المنعى لها أو طلق، ثم دخل بها الآخر بعد خروجها م عدة الأول، فليفرق بينهما، ويؤمر بالتورع عنها، وهى أخف ممن نكح فى العدة ودخل بعدها، وهو كمن تواعد فيها ونكح بعدها، وهذا قد عقد وهى ذات زوج، فقعدة لإنكاح، ولكنه وطء في نكاح كانت فيه عدة فليتنزه عنهاأحب إلى. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى التى تغيب عنها زوجها فتنكح، ثم يقدم فتقول: نعى لى، ولم يكن ما ادعت فاشياً، قال مالك: فلا ترجم، دعواها ذلك شبهة، ويفسخ نكاحها، وترد إلى الأول وتعتد من مسيسه. فى نكاح المحلل وجامع ما يحل المبتوتة ويحصن الزوجين من كتاب ابن المواز: وقد جاء النهى عن نكاح المحلل حتى يكون نكاح رغبة. قال مالك: ولا يجوز أن يتزوجها ليحلها علمت هى أو زوجها الأول أو لم يعلما، فإذا لم ينو هو ذلك فذلك جائز، ولا يضرها ما نوت هى أو زوجها الأول، ولو نكحها ونيته على الصحة، وقد عملت المرأة على ذلك، وخطب إليه، فلما دخل أعلمته ففارق، أو افتدت منه. قال مالك: ذلك جائز، وتحل للأول، وروى أشهب عن مالك فى العتبية. قال فى كتاب محمد: ولو أن الأول أمره بنكاحها ودله عليها، وقال لها هى أنكحيه حتى يحللك لى. والناكح لا يعلم، فذلك جائز، إذا لم يرد ما أراد. قال مالك: ولا يضر ما نحت هى لأن الطلاق ليس بيدها. [4/ 581]
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا نوى أن يتزوجها فإن أعجبته أمسكها وإن كان قد احتسب فى تحليلها للآخر لم يجز ذلك أيضاً، إذا خالطت نيته التحليل، ولا تحل بذلك للآخر إن علم، وعلى هذا أن يعلمه بما اعتقد حتى يجتنبها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا فسخ نكاح المحلل وقد بنى، فله نكاحها بعد ذلك، وأحب إلى ألا ينكحها أبداً. قال مالك: وإذا وقع فى نفس الأول أن هذا أراد التحليل فلا يتزوجها، وليس كتحريم من ظهر ذلك منه، وإذا قال لها الأول: تزوجى فلاناً، فإنه مطلاق ودعى فلاناً لم يضره ذلك، ما لم يعلم الآخر ذلك ولا وعد عليه. قال ابن عبد الحكم، عن مالك: ويفسخ نكاح المحلل، وإن بنى بها فلها صداق المثل. قال محمد: بل المسمى. وهو قول مالك، وكذلك ابن حبيب. قال فى كتاب ابن حبيب: ويفسخ بطلقة بائنة بالقضاء إن كان بإقرار منه، ولو ثبت عليه أنه أقر بذلك قبل النكاح فليس بنكاح، ولو تزوجها بذلك زوجها الأول، فسخ ذلك بغير طلاق إذا علم بذلك، وإن لم يعلم فإثمها على من علم ذلك ما بقيا. قال مالك: ولا يحلها إلا نكاح يصح عقده ويصح النكاح فيه. قال مالك، فيقول النبى عليه السلام: حتى تذوقى العسيلة، هى والله أعلم اللذة ومجاوزة الختان. قال: ولا يحلها نكاح عبد بغير إذن سيده وإن دخل حتى يجيزه السيد ثم يطأ العبد بعد ذلك. وقال أشهب: إذا أجازه أحلها الوطء الأول. قال مالك: وما فيه خيار الولى أو لأحد الزوجين من العيوب ونحوها، فيرضى من له ذلك ثم [4/ 582]
يوطأ بعد ذلك، فذلك يحلها، وكل ما أحصنها أحلها، وأما ما يحلها فهو يحصنها إلا الصغيرة والنصرانية والأمة فإن ذلك يحلهن ولا يحصنهن. قال: والخصى الذى له ذكر يطأ به يحلها ويحصنها. قال: وإن كان حراً أحصنته. قال ابن القاسم: ويحصنها وطء وإن لم ينزل، وإنما الوطء مغيب الحشفة فيه يجب الإحصان والإحلال، وكذلك لو كان مقطوع الحشفة والأنثيين، فذلك يحلها. قال مالك: ويوجب الغسل والحد، ويوجب الصداق ويفسد الصوم والحج. ومن كتاب محمد قال: والمجبوب لا يحل ولا يحصن، وإذا كانت مجنونة أو مجنوناً قد تزوجها فى الإفاقة، قال ابن القاسم: فإن وطئها السليم فى جنوبها لم يحصنها ذلك ولم يحلها، والزوج به محصن، وإن وطىء المجنون الصحيحة فهى بذلك محصنة محللة، ولا يكون هو بها محصناً. قال أشهب: وطء المجنون لا يحل السليمة ولا يحصنها، وإن كان سليم وطىء مجنونة فى حال جنوبها، فذلك يحصنها ويحلها، لأن الوطء للرجل، وإليه ينظر. قال عبد الملك: لا أبالى من كان منهما مجنوناً، أو كانا مجنونين فى حال الوطء جميعاً، فذلك يحل ويحصن إذا صح العقد فى الإفاقة وبعقد من يجوز عقده عليهما. قال: والزوج إذا لم ينعظ للوطء، فأدخل فى فرجها على تلك الحال، ليس فى كتاب محمد تمام الجواب. وقد ذكره ابن حبيب. روى أصبغ عن ابن القاسم أنه سئل عن التى تزوجت شيخاً فلم ينتشر، فأدخلت ذكره بأصبعها ثم فارقها، فإن انبعث بعد أن أدخلته وعمل أحلها ذلك لمن أبتها، وإن بقى كذلك فلا يحلها. [4/ 583]
ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: وإذا وطىء فوق الفرج فأنزل ودخل ماؤه فى فرجها وأنزلت هى، فلا يحلها ذلك ولا يحصنها، وإذا وطىء العبد الحرة بنكاح ومس، فذلك يحلها لسيده الذى أبتها إذا لم يرد الإحلال ونكح بإذن السيد. قال وقد قيل: إذا قال لها تزوجى فلاناً فإنه مطلاق ودعى فلاناً ففعلت، فلا يضره إذا لم يعرف المتزوج ذلك ولا وعد عليه. قال: وإذا تزوجها رجل على الصحة وبنى وأقر بالوطء ولم يكن فعل، ثم طلقها ثلاثاً فيتزوجها الذى كان أبتها ودخل ثم مات أو طلقها، فلا تحل للذى كان طلقها ثلاثاً وهو مقر بالوطء، لأنه علم من نفسه أنه لم يطأ فلم تكن حلت للأول، نكاحه لا يحلها لهذا، إذ هو فى الباطن ليس بنكاح، فلا يحلها إلا غيره. محمد: ولو أقرت هى أن الذى قبله لم يكن يمسها لم ترث واحداً من الزوجين إذا ماتا أو من مات منهما. قال: ولا تحل الأمة المبتوتة بوطء السيد. قال: واجتمع ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ فى وطء الصائمة، قال فى سؤال ابن القاسم، فى نهار رمضان، ولم يذكره عن الباقين فى قولهم وروايتهم. قالوا: والحائض والمعتكفة والمحرمة، أو كان هو محرماً أو مظاهراً منها أنه لا يحلها ولا يحصنها، ورووه عن مالك فى الحائض. ورواه عنه فى بقية ذلك عبد الملك. وقال المغيرة وابن دينار وروياه عن مالك: إن ذلك يحصن ولا يحل. وقال عبد الملك: إن ذلك يحل ويحصن. وذكر ابن حبيب عن عبد الملك والمغيرة وابن دينار وأصبغ مثل ما ذكر عنهم محمد، ومثل ما ذكر من اختلاف قول مالك، وقال: قال مطرف بقول ابن القاسم، وزاد ابن حبيب، فى سؤاله: أو فى صيام ظهار أو قتل أو يمين أو فدية [4/ 584]
أو صوم واجب فى القران أو فى الصيام نذر أيام بأعيانها. ثم ذكر عنهم ما ذكرنا وقال: ومعنى محرم أو محرمة فى نكاح عقد قبل الإحرام. قال ابن حبيب: ولو بنى بها فى صيام تطوع أو قضاء رمضان، أو نذر أيام غير معينة، فوطئها جاهلاً أو عامداً، فمجمع عليه من قول مالك وأصحابه أنه يحلها ويحصنها، ولأن لو أفطر يوماً من قضاء رمضان أو من نذر بغير عينه ساهياًجاز له فطر باقيه إن شاء ويقضيه. وذكر سحنون فى العتبية عن ابن القاسم أن وطء الصائم فى فرض أو نذر لا يحلها، ولا يحصنها، ووقف فى صيام التطوع، ثم قال قال مالك: لا يحصن ولا يحل غلا فى عقد صحيح لا خيار فيه لأحد، ووطء صحيح لا فى اعتكاف أو حيض أو إحرام أو صوم وشبه هذا. قال ابن القاسم: وإذا فارقها بعد البناء لجنون أو جذام أز برص ظهر بها، لم يحلها ولم يحصنها حتى يطأها بعد العلم بدائها. ومن كتاب محمد: وإذا اختلفا فى الوطء بعد البناء، فلا يحصنها ذلك ولا يحلها. قال ابن القاسم: أما الإحلال فالزوج يتهم، وهى مصدقة انه جس. قال محمد: قول مالك أحب إلى، إلا فى تهمة ظاهرة من الزوج، وما يدل على تكذيبه. قال ابن القاسم: وإذا كان يأتيها فى أهلها فقالت: وطئنى. وصدقها هو ثم مات، فإن عرف الناس أنه كان يبيت عندها ويأتيها فى أهلها صدقت، وإن لم يعرف فلا يحلها ذلك. قال: ولا تكون به محصنة. قال: وإذا أقام معها عشرين سنة ثم فارقها فزنت، وقد اختلفا فى الوطء قال ابن القاسم وابن عبد الحكم: إن اختلفا بعد الزنى، لم يقبل قول من أنكر الوطء والرجم قائم. وكذلك لو لم يقم معها إلا ليلةً واحدةً. [4/ 585]
وقال ابن القاسم: هذا فى المدونة، فى كتاب النكاح. وقال فى كتاب الرجم: إذا أخذ الزوج بزنى فقال لم أكن وطئت أنه يصدق إلا أن يعلم منه إقرار بالوطء أو ولد يظهر. قال يحيى بن عمر: وهذا احب إلى من قوله فى كتاب النكاح. قال محمد: وهو قول أصحابنا. قال عبد الملك: وإن كان اختلافهما قبل الزنى، فعليهما حد البكر، وإن طالت إقامته معها، كانت تحته او فارقها. كما لو قالت بعد طول السنين وهى تحته لم يمسنى. وطلبت أجل العنين وصدقها، أن ذلك لها. قال أشهب: أما إذا طال المكث معها وكانت معرفة الناس أنه قد أصابها فى مكان سمع منه قراد كذا إغشائه أو افتضاضه وما يشبه ذلك مما كثر عند الناس فإنه يرجم، وإن كان فى طول مكثه المستفيض أنه لم يصل إليها، أو كان بقرب دخوله لم يرجم، وكان عليه حد البكر. وقال عبد الملك: إن لم يذكر أو لم يختلفا فى الوطء حتى زنى أحدهما فعليه الرجم، وإن لم يقم معها إلا ليلةً واحدةً حتى زنت، سواء فارقها، أو مات عنها أو كانا على حالهما. وإذا ارتدت المحصنة ثم تابت ثم زنت فعليها حد البكر، ولا تحل بذلك لمن أبتها، وإنما يثبت على المرتد إذا رجع حقوق الناس وما يؤخذ به فى كفره، وقال غير ابن القاسم، فى المدونة: لا تزيل ردته إحصانه ولا أيمانه بالطلاق وإن راجع الإسلام، ولا يتزوج من أبت قبل ردته إلا بعد زوج. [4/ 586]
ما يحل من وطء الكوافر
ما يحل من وطء الكوافر وذكر نكاح أهل الكفر وأحكامه وسبى أحد الزوجين من كتاب ابن المواز قال مالك: قال الله سبحانه: (والمحصنت من النساء) يريد تحريم ذوات الأزواج: (إلا ما ملكت أيمانكم) يريد ممن لها زوج بأرض الحرب وهى كتابية فقد حلت بالسبى، فإن سبيت مع زوجها فبيعا؟ قال مالك: فإن زعم بائعوها أو غيرهم أنها امرأته فلا يفرق بيتهما، وإن لم يعلم ذلك إلا بقول الزوجين فليس بشىء. وقال: وإن اشتراهما من تجار العدو، فإن زعم بائعوها أو غيرهم أنهما زوجان لم يفرق بينهما، وإن لم يعلم ذلك بقول أحد إلا بقولهما فلا أرى ذلك شيئاً. روى عن محمد بن على، وابن شهاب أن السباء يهدم نكاح الزوجين إلا أن يسلما. قال مالك: وقال الله سبحانه فيما أحل: (والمحصنت من الذين أوتو الكتب من قبلكم) وهذا إحصان حرية، ولم يبح الأمة بالنكاح إلا مؤمنة بقوله: (ومن لم يستطع بنكم طولاً) إلى قوله (من فتيتكم المؤمنت) قال مالك: ولا يجوز أن يزوج عبده المسلم أمةً كتابيةً، وأكرهه، وله إن كان له عبيد نصارى أو مجوس ان يزوج بعضهم بعضاً. قال ابن شهاب: وللرجل نكاح أربع كتابيات، وقد تزوج عثمان كتابةً، وكذلك طلحة وحذيفة. قال ابن حبيب: وقد كرهه عمر لحذيفة من غير تحريم. وقال: أخاف أن يرتخصهن المسلمون فيتركوا المسلمات، فطلقها حذيفة. وتزوج عثمان نصرانيةً فأسلمت عنده. [4/ 587]
وقال ابن حبيب: ولا تحل الأمة الكتابية لعبد مسلم كما لا تحل للحر، ولا بأس أن يزوج الرجل عبده النصرانى أمته النصرانية واليهودية والمجوسية، ينكح بعضهم من بعض. ومن كتاب ابن المواز: وما عقده كتابى أو مجوسى من نكاح فلم يمس حتى مات أو فارق فى شركه، فلا يحرم بذلك على آبائه وأبنائه المسلمين، وليس ذلك بنكاح حتى يسلموا عليه، وليس عقد الشرك دون الوطء يوجب التحريم إذا أسلم فى أم من كان نكح، ولا يحرم على أبائه وأبنائه، وهذا قولنا. وكذلك قال ابن القاسم، وذكر لنا عن أشهب أنه تحرم عليه الأم بعقد الشرك فى الابنة ويحرمها على آبائه وأبنائه، والذى نحن عليه أن عقد الشرك لا يحرم حتى يقع المسيس. وفى قول أشهب، أنه لو فارق زوجته فى شركه قبل أن يمس، ثم نكحها ابنه أو أبوه، ثم فارقها أو مات، ثم نكحها الأول، ثم أسلمت أو أسلم وهى تحته، فإن كان الثانى قد مسها حرمت عليهما، وإن لم يمسها ولا تلذذ بها تثبت تحت الأول إن أسلم؛ لأن النكاح الثانى لو أسلم عليه لم يقر عليه، فلا يضر إلا بالمسيس. فكل نكاح عقده من ذمى أو مشرك لو أسلم أقر عليه فذلك يحرم بعقده إن مات أو فارق قبل أن يمس. وكل ما لا يقران عليه إن أسلما أو أحدهما، فذلك لا يحرم بالعقد، إلا أن يمس فيه أو يتلذذ. وابن القاسم لا يحرم بعقود الشرك من غير وطء أو لذة. وهذا أحب إلينا. ولو كان عقده يحرم كان من أسلم على أكثر من أربع لم يختر إلا الأولى، وكذلك فى أخت بعد أخت. وقد خير النبى عليه السلام فيروز فى أكثر من أربعة. [4/ 588]
في إسلام أحد الزوجين وردته ونكاح المرتد
ومن كتاب محمد: والمسلم إذا فارق امرأته النصرانية، لم يمنع أبوه، ولا ابنه النصرانى أن يتزوجها. وقاله أشهب، إلا أنه قال: إن أسلم الثانى والمرأة حرمت عليه بإسلام من أسلم منهما. والحربى إذا أسلم وأتانا، ثم سبيت زوجته وولده وماله، فولده عند ابن القاسم وماله فىء، إلا أن يدرك ماله قبل القسم، ولا تنقطع العصمة بينه وبين امرأته بالسبى إن أسلمت أو عتقت، وإن لم تعتق ولم تسلم وقعت الفرقة لأنها أمة نصرانية، ومهرها عليه فى كذا، وإن سبى الزوج وامرأته فهما على نكاحهما، وإن سبى أحدهما قبل صاحبه إذا ثبت ذلك بالبينة، ما لم تستبرأ المرأة بحيضة ويطؤها السيد، فإذا وطئها قبل يدركها الزوج ويعلم بها فالنكاح منقطع. وإذا سبى الزوج ثم خرجت هى إلينا مسلمةً، فإن أسلم فى عدتها فالنكاح بحاله. قال ابن القاسم: وإنما يكره للمسلم نكاح الحربية ببلاد الحرب لبقاء ولده بأيديهم، وأما لو خرج بها لم يكن به بأس، فإن نكح منهم امرأة ثم سباها المسلمون، فأحب إلى يفارقها؛ لأنها الآن أمة. قال أصبغ: بل واجب فسخه. قال ابن القاسم: ولا يكون أحق بها بالثمن، ولكن اشتراها، وطلبها بالمملك على ما نكاحه بالاستبراء. وقال أشهب: قيل لمالك: أيفرق بين المجوس ذوات محارمهم؟ قال: يتركون وما هم عليه. قلت: سمعت ابن عمر قال: فرقوا بينهم وبين ذوات المحارم، وامنعوهم الزمزمة. قال: أو تأخذ كل ما تسمع؟ قال: لا. فى إسلام أحد الزوجين وردته ونكاح المرتد من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن اسلم وتحته أمة نصرانية فليفارقها. وقال أشهب: لا يفارقها. لعله يريد إن عتقت أو أسلمت، لأنه ذكر [4/ 589]
عنه محمد بعد هذا مثل قول ابن القاسم. وإن نكح أربعاً فى عدتهن ثم أسلم بعد خروجههن منها ثبت عليهن. وقاله ابن القاسم وأشهب، قال أشهب: بنى بهن أو لم يبن، ولو أسلم قبل انقضاء عدتهن يفارقهن، وعليهن ثلاث حيض، يريد وقد مسهن. قالك وكذلك لو طلقهن بعد إسلامه، وقد خرجن من العدة، لم أمنعه من نكاحهن. ولو أسلم وقد انقضت عدة بعضهن فسخ نكاح من لم تتم عدتها، كن فى عقدة أو فى عقود بنى بهن أو ببعضهن. وإن وطىء بعد إسلامه ما لم تنقض عدتهن لم تحل أبداً. قال: وإن تزوج نكاح متعة فأسلم قبل الأجل فسخ نكاحه، وإن أسلم بعد الأجل ثبت، بنى أو لم يبن. قال مالك: وإذا أسلم مجوسى عن عشرة، فأسلمن فله أن يختار أربعة، أوائل، أو أواخر. قالمحمد: فإن مات قبل الخيار، فسمعت من يقول: يرثن منه الربع بين جميعهن إن لم يكن له ولد مسلم، ولكل من بنى بها منهن صداقها، ومن لم يبن بها فلها خمسا صداقها. محمد: لآنه لم يكن عليه إن لم يدخل بهن إلا صداق أربع يقسم ذلك بين عشر. وإذا أسلم مجوسى ولم تسلم امرأته ولم يبن بها، فقال ابن القاسم، وذكره عن مالك: يعرض عليها الإسلام، محمد: يريد فإن أسلمت مكانها وإلا فرق بينهما. وقال أشهب: تنقطع العصمة بينهما. محمد: يريد بإسلام الزوج، ولم يقل يعرض عليهما. وقاله أصبغ وهو أحب إلى. قال مالك: وتقع الفرقة بإسلام من أسلم منهما قبل البناء ولا صداق لها، ولم يختلفا غى إسلامها هى قبله أن الفرقة تقع مكانه، ولا يعرض عليه. قال ابن القاسم: وكذلك النصرانية. [4/ 590]
قال ابن القاسم: وإن بنى المجوس ثم أسلم عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا فسخ نكاحه بغير طلاق، فإن غفل عنها حتى تطاول إلى مثل الشهر فقد برى منهما. وقال أشهب: لا يفرق بينهما حتى تخرج من عدتها. وأصحابنا على قول ابن القاسم. وفى رواية أبى زيد عنه: يعرض عليها الإسلام اليومين والثلاثة، فإن أبت استبرأت نفسها بحيضة. وقال أيضاً أشهب: يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا فلا سبيل له إليها. قال: ولو أسلمت هى ولم يسلم هو فلا اختلاف فى هذا عندنا فى السنة، ويتفق فيه المجوسى والكتابى أيضاً فإن أسلم فى العدة فهو أحق بها، وإن أسلم بعد العدة فلا سبيل له إليها إلا بنكاح برضاها، ولا يكون ذلك إسلامهما معاً. وقال ابن القاسم: وكذلك الأمة النصرانية تحت النصرانى، حراً أو عبداً، إن أسلم الزوج عرض عليها، فإن أسلمت أو أعتقها سيدها ثبت نكاحه وإلا فسخ بغير صداق، وإن غفل عن ذلك قدر الشهرين برىء منهما. وقال أشهب: لا أفسخه حتى تنقضى العدة. قال: والفرق بين أحد الزوجين أنه فسخ بغير طلاق، وبين الرد بأنه تلزمه طلقة، لأن المسلم يلزمه طلقة. فكذلك يلزمه لما أحدث من الردة الطلاق، والكافر لو طلق لم يلزمه إن أسلم، فلم يلزمه بما فعل طلاق. قال محمد: وإذا ارتدت مسلمة تحت مسلم فإنها تبين منه بطلقة. قاله ابن القاسم وأشهب. وبه أقول، واختلف قول أشهب فقال أيضاً: إن رجعت إلى الإسلام بقيت له زوجةً. وقاله ابن حبيب. [4/ 591]
قال ابن الماجشون: إذا ارتد الزوج ثم عاود الإسلام فى عدتها، فهو أحق بها بالطلاق كله، كما لو أسلمت ثم أسلم فى عدتها. ولزم المرتد حتى انقضت عدتها، لزمته فيها طلقة. وكذلك لزمه طلقة. قال ابن حبيب: لو أسلمت ثم أسلم بعد عدتها ونكاح المرتد بعد أن حبس للاستتابة يفسخ، وإن قبل فلا صداق لها، بنى أو يبن، مسلمةً كانت أو نصرانيةً، لأنه حجر عن ماله، فإن رجع إلى الإسلام قبل يفسخ ثبت نكاحه، لأنه إنما كان يفسخ للحجر فى ماله، وقد زال الحجر وكذلك قال لىابن الماجشون. قال ابن سحنون عن أبيه فى الرجل يقول لزوجته إنك ارتددت عن الإسلام وهى منكرة ويرفعها إلى الإمام، قال: فليفرق بينهما لأنه بزوال عصمته، فإن كان مسلماً تحته نصرانية فقال قد أسلمت وأنكرت هى ذلك، قال: يفرق أيضاً بينهما لإقراره بارتدادها. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم فى النصرانى تسلم زوجته قبل البناء، فإن لم يسلم هو مكانه فلا رجعة له، وهى طلقة بائنة، ولا عدة عليها، ولو كان أصابها عند أهلها فلها جميع الصداق وإن أسلم فى العدة فهو أملك بها. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: وإذا أسلم فى غيبة وأسلمت هى ولم تعلم فاعتدت ونكحت، وقامت بينة أنه أسلم قبلها؛ فإن أدركها قبل البناء كان أحق بها، وإن فاتت بالبناء فالناكح أحق بها، وإن ثبت أنها أسلمت قبله فاعتدت ونكحت فلا سبيل له إليها بعد العدة نكحت أو لم تنكح. وفى باب عتق الأمة تحت العبد زيادة فى إسلام الغائب. ومن المختصر: وإذا أسلمت وزوجها غائب، فلها أن تنكح ولا تنتظره، فإن قدم وهو مسلم بعد انقضاء عدتها فلا سبيل له إليها، وقيل: إنها تستأنى خيفة [4/ 592]
أن يكون أسلم. وهو احسن، إلا أن يكون أسلم فى عدتها، فهو احق بها ما لم تنكح، فإن نكحت فلا سبيل إليها. وقال ابن الماجشون فى كتاب آخر: إن ثبت أنه أسلم قبلها أو ثبت أنه أسلم فى العدة فهو أحق بها، وإن ولدت من الثانى، كالمنعى لها. ومن المختصر: وإذا أسلمت النصرانية فأراد زوجها أن يسلم، فقالت له: أنا أفتدى منك على أن لا تسلم حتى أملك أمرى أو على أن لا رجعة لك على ثم أسلم فهو أحق بها، وما أخذ منها رد إليها. وقال أبو زيد عن ابن القاسم: إذا أسلم وتحته مجوسية، فعرض عليها الإسلام فلم تسلم، ثم أسلمت بعد ذلك فلا سبيل له إليها إلا بنكاح جديد. وإذا أسلم عن نصرانية وقد شرط عليه أبوها: إن أسلم فأمرها بيدى أو بيدها فذلك ساقط، أسلم قبل البناء أو بعده، وقد احتلم أو لم يحتلم. ومن كتاب محمد: وإذا أسلم العبد وتحته أمة نصرانية حرمت عليه، إلا أن تسلم أو تعتق مكانها، وكذلك إن كانت مجوسيةً. وإن أسلمت قبله كان أحق بها إن أسلم فى العدة. وإذا أسلم الكافر ثم طلق، فإن كان تحته كتابية حرة لزمه وإن كانت مجوسية حرة أو أمة كتابية لم يلزمه. وفى كتاب العدة ذكر أن ابن القاسم يقول يلزمه وأشهب يقول لا يلزمه. وروى عن ابن القاسم فى مجوسى أسلم وتحته مجوسية ثم تظاهر منها ثم أسلمت مكانها أنها إذا بقيت زوجته على النكاح الأول، ولم تنقطع العصمة بالعبد وبالإباق كذا. ومن أسلم وله ولد قد عقلوا دينهم، بنى اثنتى عشرة سنةً، فلا يكون إسلامه إسلاماً لهم، وذلك إليهم، فإن أسلموا فلا رجوع لهم، وتحرم الجارية منهم [4/ 593]
في نكاح الذمي حربية أو الحربي ذمية ما حكم ولده؟
على زوجها، على الذكر امرأته المجوسية، إلا أن تسلم هى، فإن وقفت ولم تفعل وقعت الفرقة، وإن لم توقف فحتى يمضى مثل الشهر عند ابن القاسم، وإن أسلمت قبله قبل البناء وقعت الفرقة، وإن كان الولد بنى ست سنين، فإسلامه إسلام لهم. فى نكاح الذمى حربية، أو الحربى ذميةً، ما حكم ولده؟ من العتبية، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى حربى دخل إلينا بغير أمان أو حربية، فتزوج أو تزوجت من أهل ذمتها، ثم ولد ولد. قال مالك: الولد فى هذا تبع الآباء. وذكره فى أهل قبرس. قال: إذا تزوج حربى قبرسية، فولده فىء، وإن تزوج قبرسى حربية، فولده فى عهده. وقاله الليث. وإنما الولد تبع للأم فى الرق فأما فى أحرار أهل الذمة أو الحربيين، أو المصالحين، فهم تبع للآباء. وقاله مالك والليث. فى الكافر إذا أسلم وقد عقد نكاحه بخمر أو خنزير أو بغيره من الصداق الفاسد، أو تزوج مسلم ذميةً من كتاب محمد بن المواز: وإذا نكح نصرانى بخمر أو خنزير ثم أسلم أو أسلما، فإن قبضته، فليس لها غيره، بنى أو لم يبن، وإن وجد بيدها. يريد محمد: وقد اسلمت، كسر عليها الخمر، وقتلت الخنازير. محمد: وإن لم يقبض ذلك، فابن القاسم وعبد الملك يقولان: إن شاء البناء ودى صداق المثل كالتفويض، وإلا فسخ ولم يلزمه شىء. وقال ابن القاسم فى الأسدية: سواء قبضت أو لم تقبض، إذا لم يبن، فإن شاء بنى وودى صداق المثل، وإلا فارق وكانت طلقة ولا شىء عليه. وهذا غلط، [4/ 594]
وقال أشهب: يفسخ إن لم يدخل. قال أشهب: إلا أن يعطيها ربع دينار. يريد إذا كان قبل البناء وقد قبضت ذلك. وكذلك فسره فى غير هذا الموضع. وقال البرى عن أشهب: يعطيها صداق المثل. وقول ابن القاسم وعبد الملك هو المعمول به أنه كالتفويض، فإن قبضت نصفه كان قد بقى لها نصف صداق المثل، وكذلك أقل أو أكثر على هذا الحساب، يريد: إن شاء البناء أو لم يكن بنى. قال: ولو وهبت نفسها لرجعت إلى صداق المثل، وهذا كله قبل البناء، وأما لو بنى ولم تقبض شيئاً، فلا شىء لها فى الخمر والخنزير، ولا فى الهبة وهذا بخلاف ما فى المدونة. قال فى كتاب محمد: وكذلك لو كان أوله زنى تراضيا بالمقام عليه حتى أسلما، فلا شىء لهما، وهما على نكاحهما. ومن الواضحة وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم: إن شاء بنى وودى صداق المثل، وإن بنى فارق ولا شىء عليه، سواء قبضت الخمر والخنزير أو لم تقبض أسلمت أو بقيت على دينها. قال وإن أسلمت هى دونه قبل البناء فسخ النكاح ولا شىء عليها فيما قبضت من خمر أو خنزير لا نصف ولا غيره، وإن بنى بها ثم أسلم هو وقد قبضت هى جميعه، فالنكاح ثابت، ولا شىء عليه، وإن لم تكن قبضت أو كان نكاحها على أن لا صداق عليه، فلها عليه فى الوجهين صداق المثل، ولو قبضت نصف الخمر والخنزير وقد بنى فعليه نصف صداق المثل، وإن تلف قتلت كذا قال ابن القاسم فى كتاب ابن المواز: ولو أصدقها ثمن حمولة على رجل فلم تقبضه حتى أسلما، فلها قبضه والنكاح ثابت. [4/ 595]
في نفقة الزوجات، ومن عجز عن ذلك
وإذا أسلم وله دين من ثمن خمر فحلال له قبضه. وقال عبد الملك: ولا يدخل بالزوجة حتى يقدم ربع دينار، ولو أصدقها ديناً له من ربى ديناراً بدينارين، فلم تقبضه حتى أسلما فليس لها على الزوج شىء، وله البناء إن لم يكن بنى، ولا تأخذ هى من الغريم إلا ديناراً، كما كان له أن يقبض، وكذلك لو كان رأس المال درهمين فى ثلاثة، فلا تقبض الزوجة من الغريم إلا درهمين، ولا ترجع على الزوج بشىء، وله البناء، لأنه كان صداقاً يوم أصدقها، وإن أصدقها خمراً بعضه نقد قبضته وبعضه مؤجل فأسلما أو أسلم الزوج قبل قبضها المؤجل، فإن بنى فلا شىء لها، وإن لم يدخل نظر ما المؤجل منه؟ فإن كان الثلث بالقيمة، رجعت عليه بثلث صداق المثل معجلاً. قال عبد الملك: ولو أصدقها درهماً أو درهمين قبضتهما ثم أسلما، فهى كالموهوبة، وليس كالمجهول فيقضى ولا يقوم، ولو كان أصدقها خمراً مع خنازير فقبضت الخمر ثم أسلما، قوم هذا بهذا، فترجع من صداق مثلها بمقدار ما بقى لم يقبض. محمد: وإذا تزوج مسلم نصرانيةً بخمر فقبضته وفات بيدها، فإن لم يبن فسخ ولم يتبعها بشىء، وإن بنى فقيل يفرق بينهما، ولا أقوله، ولكن يثبت ولها صداق المثل. قال ابن القاسم، وقال أشهب: يعطيها ربع دينار، قال أصبغ: وقولى على قول ابن القاسم استحساناً، وأما قوله: إن لم يبن فهو القياس. ولو نكحها بخمر وهما نصرانيان ثم أسلم أو أسلما قبل البناء، فعليه لها صداق المثل ويفسخ. هكذا وقع عندى، وإنما هو: أو يفسخ. وقال أشهب: يعطيها ربع دينار، واستحسنه أصبغ. قال محمد: وقد ثبتت هذه المسألة أول الباب. فى نفقة الزوجات، ومن عجز عن ذلك ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب: والنفقة بقدر العسر واليسر. قال مالك: يفرض للزوجة مد بمد مروان كل يوم، وهو مد وثلث بمد النبى عليه [4/ 596]
السلام. قال ابن حبيب: اتخذه هشام بن إسماعيل لفرض الزوجات، فاستحسنه مالك. قالا قال ابن القاسم: يفرض لها فى الشهر ويبتان ونصف إلى ثلاث ويبات، وفى ويبتين ونصف مكفاة. قال ابن حبيب: وفى الويبة اثنان وعشرون مداً بمد النبى عليه السلام، وأرى قفيزاً بالقرطبى وسط عندنا فى الشهر، وفيه أربعة وأربعون مداً. قال ابن المواز فى قول ابن القاسم: ليس هذا فى كل إنسان ولا فى كل وقت، رب رجل ضعيف وسعر غال، فتكون ويبتان عليه اجتهاد، ومد مروان الذى قال مالك: هو عندى وسط من الشبع بالأمصار، وهو مد وثلث، وهو قدر ويبتين فى الشهر بالويبة الليثية، وإن مداً بمد النبى عليه السلام بالمدينة لوسط من عيشهم. وليضم لها إلى ثمن القمح دراهم لطحين وخبز وحطب وكاء وزيت، والطبخة بعد الطبخة من اللحم، فإن وجد سعةً زيد عليه بقدر سعته وبقدرها هى، وكذلك الكسوة. قال فى كتاب العدة: إن كان ممن له السعة الوسط زيد عليه فى القمح والطبخ، وإن كانت سعته أكثر من ذلك زيد عليه أكثر من ذلك حتى الخادم ونفقتها. قال ابن القاسم: ولا يفرض عليه اللحم كل ليلة، ولكن المرة بعد المرة. قال ابن حبيب: يفرض لها عندنا فى كل شهر من الزيت نصف وربع، ومن الخل ربع، ومن اللحم على الملى بدرهم فى الجمعة، ودرهمين أو ثلاثة فى صرفها من ماء وغسل ثوب وطحين وخبيز وغيره، ولا يفرض لها فاكهة ولا عسل ولا الجبن، والصبيرة ونحوه، ولا ينقص من هذا لغناها، ولا يزاد عليه لفقرها، هذا فى تشاححهما. [4/ 597]
ومن كتاب ابن المواز: ولا يفرض العسل والسمن والحالوم، ولكن الخل والزيت، وما لا غنى لنا عنه بقدر الرجل والمرأة، والمشط رأسها ودهنه وسراحها، وهذا للموسر والمعسر، إلا أن الموسر يزاد عليه بقدرها من قدره. وإذا كان العسر البين فلا أقل مما تعيش به، وقد يختلف ذلك ويكون الرجل يعمل بيديه فى قلة كسبه، فيفرض عليه بمصر ويبتان من قمح فى الشهر، مع حق طحبين وخبيز، ودريهمات لزيت وماء وحطب، والطبخة بع دالطبخة، وما لابد منه. وقال فى موضع آخر: وما يكون لطحين وخبيز وماء، ودهنها وحناء رأسها ومشطها قيل لمالك: فإن قالت: لا يكفينى ما فرض لى. وهى ترضع. قال: ليس المرضع كغيرها، وليفرض لها ما تقوم به فى رضاعها. قال ابن حبيب: وأما اللباس والوطاء واللحاف فإن كانت حديثة عهد بالبناء وعندها شورتها من صداقها فلا شىء عليه، وله أن ينتفع معها بأرزها وبسطها ومرافقها ووسائدها، فإن طال العهد حتى خلقت الشهرة، أو لم يكن فى صداقها ما تشور به، فعليه الوسط من كسوة الشتاءوالصيف، فيفرض لها فراش ومرفقة وإزار ولحاف ولبد للشتاء والصيف، وسرير إن كان موضع فيه عقارب أو حياة أو براغيث أو فأر، وإلا فلا شىء عليه. ومن كتاب ابن المواز، عن ابن القاسم مثله، إلا أنه لم يذكر اللبد. وقال أصبغ فى هذا فى التى لا شوار لها، ولا شىء منه. قال ابن حبيب: وعليه حصير من حلفا أو بردى يكون تحت الفراش، ومن اللباس قميص وفرو لشتائها من لباس مثلها، من حراف وتجليبات، وقميص يواريه، ووقاية ومقنعة، وإن لم يكن فخمار، وإن لم يكن فإزار، وخفان وجوربان لشتائها، وعليه دهن لرأسها، وليس [4/ 598]
عليه حناء، ومشط وكحل، والحاكم مخير، إن شاء أخذه، وإن شاء باثمان ذلك يدقعه فى أوقاته. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وليس عليه نضوح ولا صباغ ولا المشط ولا المكحلة، وعليه اللباس بقدرها من قدره، من غير خز ولا وشى ولا حرير وإن كان متسعاً، وعليه ما يصلح للشتاء والصيف من قميص وجبة وخمار ومقمعة والوسادة هى التى تلف بها القماش لا يدنس والسبنية والإزار وشبه ذلك مما لا غنى لها عنه. محمد: وإن قال الزوج: لا أقدر على ذلك فهو على ما كان يعرف من حاله إلا أن تشهد له بينةً من أهل الخبرة به بالعدم، فيحمل بقدر طاقته. قال: وإن كان مثلها يلبس القطن ومثله يقدر عليه فرض عليه. قال أشهب: ومنهن من لو كساها الصوف أنصف، وأخرى لو كساها الصوف أدب وذلك على أقدارهن. قال: وإن لم يجد غير الطعام وحده والكسوة فقط لم يفرق بينهما إذا كان فيها قوتها، والكسوة من غليظ الكتان، مثل الفسطاطى، وغليظ القطن، وإن كانت من ذوات الغنى، قيل لمالك: فغليظ الثياب وخشين الطعام؟ قال: كل شىء بمقدار، ليس الصوف من لباسهن، وليحكم بما يرى أنه من لباسها. قال أشهب عن مالك، فى العتبية وكتاب محمد: وإذا أراد أن يطعمها الشعير فأبت، فإن كان للناس قد أكلوه فذلك له، فأمااإن كان القمح كثيراً يؤكل، وهو شىء واحد، فذلك عليه. وروى عيسى عن ابن القاسم مثل ما ذكر عنه ابن المواز فى وجوه النفقات حسب ما ذكرنا. [4/ 599]
ومن العتبية من سماع يحيى عن ابن القاسم: وقال فى زوجة ذات شرف، ولا تجد من يعينها، ولا تلبس من الثياب إلا الخشنة، ولا تتناول غليظ العيش، فأعدم زوجها حتى لا تجد خادماً ولا تجد إلا كسوة دنية، ومثل قوتها دون قوة خادمها من قمح أو شعير أو سلت غير مأدوم، ويجعل دهنا زيتاً. قال: لا يفرق بينهما إذا وجدت ما ذكرت من قوتها شعباً لها من قوت بلده ورب بلدة لا ينفق فقيرهم ولا غنيهم الشعير، ورب بلدة يستحقه، فلي سلها أن يخصها بما لا يحمله أهل البلد إذا كان تجاوز فيه إلى الشعير من الجر إليه، فليس لها أن تأتى ذلك، وأدنى ما يجزيه من الكسوة الفسطاطى وشبهه، وذكر نحوه كله عن ابن وهب، وذكر أنه إن عجزعن أحد الأمرين من كسوة أو قوت فرق بينهما. قال: وليستأذن بمن لم يجد الكسوة شهرين. وقال ابن وهب فى الموسر له زوجة ذات شرف وهيئة: فليفرض عليه من الطعام والإدام والحطم وصالح الثياب الوسط من ذلك، مما لا يعرها إذا لبسته ولا يحجف بماله ولها من اللحم المرة ونحوها فى الجمعة، وليس لها فاكهة ولا عسل وشه ذلك مما ينفقه الناس، وليس عليه الطيب والزعفران وخضبات الأيدين والرجلين إلا أن يشاء، ولها الحناء لرأسها، ولا يلزمه من العصب إلا غليظه، وكذلك من الشطرى والزخرف. قال يحيى: يعنى فى بلد يكون شىء من ذلك لباسهم، ويكون ما يفرض على مثله فى قدر ماله. ومن كتاب ابن المواز: وإذا لم يجد إلا قوت شهر لم يفرق بينهما، ويتلوم له إذا فرغ. قال ابن حبيب: وغن لم يجد غير الخبز وحده وما يوارى عورتها ولو بثوب واحد. قال مالك: من غليظ الكتان، لم يفرق بينهما، كانت غنيةً أو فقيرةً، فإن عجز عن هذين أو عن أحدهما فرق بينهما بطلقة، فإن وجد فى العدة يساراً بيناً ما يقدر فيه على رزق شهر بشهر وما يستوجب من اللباس [4/ 600]
والوطاء فله الرجعة، وإن لم يجد إلا مثل عيش يوم بيوم وما يوارى عورتها فلا رجعة له. وهذا فيمن عليه سهراً بشهر، فأما من كان عليه الفرض بالأيام، والذى به كانت تعرف حاله، فله الرجعة بوجود ما لو وجده أولاً، لم تطلق عليه قاله ابن الماجشون. ويؤجل فى طلب النفقة الشهر والشهرين إذا نكح ولم يجد شيئاً. وقاله ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز. وقاله مطرف عن مالك. قال أصبغ: إذا لم يطمع له بمال فلا يؤجل إلا الشهر، لا يبلغ به الشهرين إذا لم تجد هى ما تنفق. قال ابن حبيب: أخبرنى قرعوس أنه سمع مالكاً يقوله، إن الذى لا يرجى له الشىء لا يؤخر كتأخير من يرجى له. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا لم يجد النفقة طلق عليه. وكذلك لو تزوجته عازمةً بأنه مجتاج، إلا أن تكون نكحته وهو سائل يتكفف عالمة بذلك، فلا حجة لها. قال ابن حبيب قال مالك: إذا نكحته وهو فقير فلا شىء عنده قد عرف أن مثله لا يجرى النفقة على النساء لفقره، فليس لها بعد ذلك قول. قال مالك: وما علمت أنه يضرب أجل فى النفقة إلا الأيام. قال محمد: وقول أصحابنا فيه قدر الشهرز وقاله مالك. قال ابن القاسم: وإذا طلق عليه لذلك توارثا فى العدة، لأن له الرجعة إن وجد النفقة فيها. قال مالك: ولو كان قبل البناء اتبعته بنصف الصداق. قال مالك: وإذا ارتجع التى بنى بها لم تصح رجعته وهو بحال عدمه، وإن وجد نفقة شهر فله الرجعة، فأما العشرة أيام وخمسة عشر فليس ذلك له، ويدخل من هذا ضرر يرتجع ثم تطلق عليه إلى أيام. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم. [4/ 601]
في العجز قبل البناء عن النفقة وعن الصداق
قال محمد قال مالك وابن القاسم وأشهب: إن أجل أجل التلوم وهى حائض، وخرت حتى تطهر. وروى أشهب عن مالك مثله فى المولى. وروى عنه ابن القاسم فى الموطأ: تطلق، وقد أفرض بالنفقة للمطلقة باب فى كتاب العدة. ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عن الرجل قليل ذات اليد، ولا يجد ما يجرى على امرأته من رزق شهر كامل، هل يجرى عليها رزق يوم بيوم ومن خبز السوق، وقد طلبته بالنفقة؟ فقال: نعم، يجرى عليها رزق يوم بيوم بقدر طاقته. قيل: فإن كان له جدة وليس بالحلى وطلب أن يرزقها جمعةً بجمعة؟ قال: يجرى عليها بقدر ما يرى السلطان من جدته، فمن الناس من يجرى يوماً بيوم، ومنهم جمعة بجمعة، ومنهم شهراً بشهر. فى العجز قبل البناء عن النفقة وعن الصداق وذكر أجر القابلة والكفن من كتاب ابن المواز: وغذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها، فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها، قيل له: ادخل أو انفق، ولو قال الزوج: أنظرونى حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له، ويؤخر الأيام بقدر ما يرى. وهذا قول مالك، ولا شىء عليه فيما تقدم إلا أن يكون وليها قد خاصم فى ذلك ففرض لها السلطان. ولا يطلب فى النفقة من لم يبلغ الحلم ولا بالصداق، وللصبية النفقة إذا بلغت ان توطأ، وإن لم تحض، وكذلك للعبد فى زوجته الحرة. وبعد هذا باب فى نفقة العبد. ومن الواضحة: وإذا عجز عن الصداق قبل البناء وأجل له الأمام السنة والسنتين، إذا أقام النفقة وثبت عنده عجزه عن الصداق. قال محمد قال ابن [4/ 602]
القاسم: فأما أجرالقابلة فإن كانت المنفة بها للمرأة فذلك عليها، وإن كانت للصبى فعلى الأب، وإن كانت لها فبينهما، وتتبعهما بقدر مبلغ الانتفاع لا نصف ونصف. وقال مالك فى أجر القابلة: ما علمت ذلك ولا سمعت من سأل عنه. قال أصبغ: بل ذلك عليه، كما يطلق على المطلقة الحامل. وقاله ابن حبيب وقال: وليس عليه أجر الحجامة أو الطيب: قال محمد: وإذا ماتت فلا شىء لها، فليس عليه أن يكفنها. وقد ذكرنا فى كتاب الجنائز الاختلاف فى الكفن. قال فى كتاب محمد: وإذا كسا امرأته ثوباً فقالت: هو هدية. وقال الزوج بل مما فرض على فالقول قوله، إلا أن يكون مما لا يفرض على مثله فالقول قولها. قال ابن حبيب: وإن لم يظهر له مال واتهخم أن يكون أخفاه لم يوسع عليه أيضاً فى أجل الصداق، ولم يؤخر إلا الأشهر ونحوها إلى سنة أكثره. وقاله كله أصبغ. وفى الجزء الأول باب فى البناء قبل أن يقدم شيئاً فيه هذا المعنى وزيادة فيه. ومن كتاب محمد قال: والتلوم فى الصداق مختلف، وليضرب له أجل بعد أجل، فإذا استقضى له فرق بينهما ومن الناس من يرجى قبل السنتين. قيل لمالك: فيزداد على السنتين فى الأجل؟ قال: لا يعجل عليه بعدهما حتى يتلوم له تلوماً آخر قدر السنة، فإن جاء به وإلا فرق بينهما. [4/ 603]
في نفقة الغائب ومن يريد السفر ونفقة الناشز
قال ابن القاسم وابن وهب: وتتبعه بنصف الصداق، ولا تطلب الصغير بالصغير، ولا يبلغ بالنفقة حتى يبلغ، ولا يجب لذلك لصغيرة حتى تبلغ حد البناء، وفى موضع آخر: حتى الوطء. ومن العتبية قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب قال مالك فى واجد النفقة دون الصداق، قال: يضرب له فى الصداق ثلاث سنين. وقال أيضاً مالك: سنتين أو ثلاثاً. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب عمن نقد بعض النقد وعجز عن بعضه قبل البناء، فطلبته بذلك وبالبناء فقال ليس عندى. فحبسته لها، وإنمايتبع الفاكهة، فاقام بينة عادلة بعدمه، فابت المراة ان تصبر، وارادت الفراق، فقال الزوج اجليني اجلاً. قال: لايوجل مثل هذا وهذا، لايرجى له شيء، وليفرق بينهما ان ارادت ذلك المراة ويلزمه نصف الصداق، ويحسب له ما ادى ثمنه وتطلبه بما بقي. في نفقة الغائب ومن يريد السفر ونفقة الناشز ومن الواضحة، قال: فإذا رفعت امرأة الغائب أمرها إلى الإمام فى النفقة وله مال حاضر، حلفها أنه ما ترك لها نفقة ولا بعثها إليها ولا وضعته عنه، ثم فرض لها. وإن لم يكن له مال حاضر وعرف بملائه فرض عليه بقدره واتبعته. وإن عرف عدمه بموضعه لم يفرض عليه، ثم هى مخيرة أن تصبر عليه بلا نفقة، وإن أحبت فرق بينهما. وكذلك إن جهل ملاؤه من عدمه. وإن أحبت إذا جهل أمره إن تصبر لترجع عليه إن ظهر ملاؤه فذلك لها. [4/ 604]
وليشهد لها بذلك الإمام، إن كان ملياً، فقد فرضت لها عليه نفقة مثلها من مثله، ويؤرخ اليوم ويذكر السعر. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أنفقت الزوجة بقبضة فى غيبة الزوج وملائه اتبعته به وإن أعدم بعد ذلك. ومن كتاب محمد، والعتبية ابن القاسم عن مالك: وإذا أشهدت أهل محلتها ثم تسلفت، ثم قدم فزعم أنه خلف النفقة أو بعث بها ووصلت إليها حلف وصدق، وكذلك الحاضر إذا ناكرته، ولا يكتب فى هذا براءة. قال فى العتبية قال ابن القاسم: قيل لمالك فى الغائب عن امرأته ويعلم جيرانها أنها تنفق سلفاً، ولم يبعث إليها، ومات فى غيبته، قال: هذه أمور إنما يقضى فيها على نحو ما يترك واجتهاد الإمام فى ذلك، والحى إن قدم أبين أنه يغرم إن طلبته، فإن أنكر حلف وبرىء، وكذلك إن قال: كنت أبعث. قال فى الكتابين وأما لو مات الغائب وإنما كانت أعلمت الجيران، فالحى أبين شأناً أرايت لو غاب عشرين سنةً ثم مات أترجع بذلك إنكاراً لهذا؟ وأبى أن يجتهد الإمام. قال ابن القاسم: إن شكت ذلك إلى السلطان، فذلك لها يومئذ. قاله أصبغ ورآه كالحكم لها. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: ولو قدم لاتبعته بما كان فى تلك المدة موسراً، وسقط ما كان فيه معسراً، يتحرى ذلك فى أوقات يسره فيجمع عليه، كان وقت الحكم أو وقت القدوم موسراً أو معسراً. قال ابن القاسم: وإن قدم معسراً، أو قال: ما زلت كذلك مذ غبت. وأكذبته فهو مصدق مع يمينه حتى تقوم بينة، ولو قدم موسراً وادعى مثل ذلك لم يصدق إلا ببينة. [4/ 605]
وقال فى العتبيةعن ابن كنانة وسحنون: إذا قدم وقال كنت فى غيبتى معدماً فالقول قوله، وعلى المرأة البينة. فياأعدم في وقت يذكره، ويزول عنه في عدمه وإذا خرج معدما فالقول قوله أنه كذلك، يعني وعليهتا البينة بملائه، وإن خرج مليا فعليه البينة أنه أعدم، وإن أشكل أمره يوم خرج فعليه البينة أنه معدم في غيبته. قاله ابن الماجشون في ذلك كله. ومن كتاب محمد: وإذا طلبته با لنفقة عند مراه للسفر، نظر قدر سفره، فوضع لها من النفقة بقدر ذلك، أوأقام بذلك حميلا، ولا يؤخذ الحاضر بحميل قال ابن احبيب قال ابن لماجشون: في الذي يريد السفر: فليعين لها عنه حميلا بالنفقة وإذا قامت في غيبته، وليس له الأداء فليضرب له أجل. وكذلك في الدين ,فان جاء وإلا باع داره الامام في النفقة. ومن كتاب ابن المواز قيل لابن القاسم: فاذا لم يكن للغائب مال حاضر، أيومر من قام بالنفقة أن يتسلف عليه؟ أما الزوجة فنعم، وأما الأبوان فلا، ولأنهم لو لم يقوموا حتى يقدم فاقر لم يتبعه الآبوان، وتتبعه هي، وهي لها النفقة في ملائها ويضرب بها في الفلس والموت، ولا يضرب بها أنفقت علىصغاربنيه في فلسه، وكذلك لايضرب الابوان بهاأنفقا في يسره. وقال أشهب: يضرب بها أنفقت على الو لد، وأما الأبوان، فان كان يقضيه ضربا به، وإلا لم يضربا. [4/ 606]
قال سحنون في العتبية تحاص الزوجة غرماءه بما أتفقت على نفسها في الدين المستحدث، فاما دين قبل نفقتها فلا تحاص معه. قال: ويفرض لها على الغائب فيما يوجد له من دين أووديعة، ولها أن تقيم البينة على غرمائه، وكذلك الأبوان. وإذا قدم، فقال: كنت أبعث إليها، وقد رفعت إلى الامام، فانما تصدق من يوم رفعت لا فيما قبل ذلك إن قال وصل إليها. ولا يغنيه أن يقول بعثت حتى يقول ووصل إليها. ويحلف لقد وصل إليها. قلت: كيف يحلف ولم يحضر؟ قال: يكون قد جاءه كتابها أو خبر من عندها قال مالك: وإذا غاب قبل البناء فقالت بالنفقة فى غيبته فرض لها. وكذلك فى العتبية من سماع ابن القاسم. وقال فى سؤاله: فيغيب الأشهر. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم فى الغائب يقدم، فتدعى الزوجة أنها أنفقت على ولده الصغار، وقال هو كنت أبعث إليها فهو مصدق، إلا أن ترفع ذلك إلى الإمام، فما فرض لها ولهم فلهم اتباعه به. وقال سحنون عن ابن القاسم فيمن أنفق على ولد غائب وزوجته، ثم علم أنه كان عديماً يومئذ فلا يرجع ولا يرجع على الولد، ويرجع على المرأة بما أنفق عليها. ومن كتاب محمد: وإذا غلبت امرأة زوجها وخرجت من منزله وأبت أن ترجع وأبى أن ينفق عليها حتى ترجع، فأنفقت من عندها، قال مالك: فلها اتباعه بذلك. قال عيسى فى العتبية عن ابن القاسم: وكذلك لو حلف بطلاقها واحدةً أو البتة إن أرسل إليها حتى تكون هى التى ترسل أو تأتى، فعليه النفقة ما أقامت، ولو شاء لنقلها. [4/ 607]
في نفقة العبد على زوجته
من كتاب ابن سحنون: أن سحنونا قال بذلك، وسأله حبيب عن المرأة تهرب عن زوجها إلى تونس أو تنشز عنها الأيام، فتطلبه بالنفقة، فقال: إن نشزت عنه لأنها تدعى أنه طلقها فلا نفقة لها، وإن قالت: إنما فعلت ذلك بعضةً له فلها النفقة، كالعبد الآبق نفقته على سيده. قال ابن القاسم، فى المبتوتة تخرج من منزله، وتسكن سواه فلا رجوع لها بالكراء. محمد: بخلاف النفقة. في نفقة العبد علىزوجته، وفي النفقة على الآمة تحت عبد او حر، وهل يظعن العبد بزوجته او ولده الحر؟ وفى ظعن الحر بزوجته فى نفقة العبد على زوجته، وفى النفقة على الأمة تحت عبد أو حر، وهل يظعن العبد بزوجته أو ولده الحر؟ وفى ظعن الحر بزوجته من كتاب ابن المواز قال: ولا اختلاف فى ان العبد عليه أن ينفق على امرأته الحرة. قال مالك: ويقال للعبد فى زوجته الحرة: إما أن ينفق وإلا طلق. قال مالك: وأحب إلى إذا نكح العبد أن يشترط النفقة بإذن سيده. وروى أشهب عن مالك فى العبد تحته الحرة أو الأمة، قال: ذلك يختلف فى الأمة، وأرى أن لا نفقة إلا أن يشترط عليه أنه ينفق. وقال أيضاً: إذا أرسلوها إليه بشىء. قال ابن القاسم فى العبد: إن خراج سيده أولى من نفقة امرأته إذا عجز عنها، ويتلوم له، فإن لم يجد فرق بينهما. ومن الواضحة: وعلى العبد النفقة على زوجته الحرة والأمة، لا على سيده، ويتلوم له فى عدمه، فإن لم يجد طلق، ولا ينفق من خراجه. [4/ 608]
ومن كتاب ابن المواز قال مالك في الآمة تحت حرأو عبد: فإن بويت معه بيتا، فعليه نفقتها، وان كانت عند أهلها، فاذا أرادها جاءئه، ثم رجعت إليهم فلا نفقة ها، إلاأن يشترط عليه في عقد النكاح باذن سيد العبد. وقال أيضا ملك: إن كانت تبيت عنده بالليل خاصة، فعليه نفقتها وكسوئها. ثم قال ملك: لها النفقة بكل حال، كانت تبيت عنده أوعند أهلها، بوئت بيتا أولم تبوا. وإلى هذا رجع ابن القاسم بعد أن قال بالأول وروى ابن وهب عن مالك: إن كانت هي تاتيه فعليه النفقة، وإن كان هو ياتيها في أهلها، فلا نفقة عليه. ومن الوضحة قال ابن اماجشون: نفقة الأمة وكسوتها على أهلها دون الزوج، وعندهم عدتهاحتى يشترط ضمها إليه. ولا يمعوه إذا أتاهالما يريد منها من ليل أونهار الاتيان الذي بسببه ليس له أن يضر بهم في كثرة الترداد، وعليهم أن يرسلوها إليه في كل أربع ليال، ونفقة تلك اليلة ويومها عليه وإن ردها إليهم في صبيحتها، وكذلك لو تركها عندهم فنفقة يوم وليلة كل أربع تلك اليلة ويومها ليال لازم له، هذا إن لم يشترط أن تضم إليه ولا شرطوا إمساكها عند هم، فان شرطوا ضمها إليه وسكناها معه في العقد فنفقتها كلها عليه، وعنده تعتد. ولو أرادبعد ذلك ردها إليهم ليزيل النفقة فليس ذلك له. ولو شرط في العقد حبسها عندهم لم يلز مهم إرسالها إليه في كل أربع ليال، ولاعليه هو نفقتها فان [4/ 609]
طاع بذلك، لزمه، وألا ام يلزم. وهذا كله أحسن ما فيه عن مالك مبن الاختلاف. وقال اصبغ: النفقة عليه كانت، وهى مع أهلها حيث كانوا حتى يشترط ضمها إليه، وليس للعبد أن يظعن بزوجته الحرةاوالامة إلا مثل البريد ونحوه، حتى لا يخاف عليها فيه ضيعة، وكذلك بولده الحر. قاله مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز عن مالك، ونحوه رواية عيسى بن دينار عن ابن القاسم فى العتبية قال مالك: وليس للعبد أن يظعن بزوجته الحرة والأمة، إلا إلى الموضع القريب مثل بعض الأرياف الذى لا يخاف عليها فيه ضيعة ولا ضرر. قال مالك: وللحر أن يظعن بزوجته حيث شاء يسافر بها. قال محمد: ربما كثرت شيكة المرأة للزوج، فيومر أن يسكنها بين قوم صالحين، فكيف بالخروج من البلد بها. قال مالك: وينظر إلى حاله وصلاحه قبل يخرجها. وقد ذكرنا ظعن الحر والعبد بولده فى باب العدة والنفقات، وسم فى إخدام الحرة وما عليها من خدمة زوجها. ومن الواضحة: وإذا كانت المرأة ذات قدر فى نفسها وصداقها، والزوج ملى، فليس عليها من خدمة بيتها شىؤ لا غزل ولا نسج ولا عجن ولا طبخ ولا كنس ولا غيره، وعليه أن يخدمها. وإذا كانت إلى الضيعة ما هى فى نفسها [4/ 610]
في القسم بين النساء والعدل بينهن
وصداقها، وليس فى صداقها ما يشترى به خادم، فليس على الزوج أن يخدمها، وعليها الخدمة الباطنة، من عجن وطبخ وكنس وفرش واستقاء ماء إذا كان اماء معها، وعمل البيت كله. وإن كان زوجها ملياً إلا أنه فى الحال مثله أو أشف، ما لم يكن من إشراف الرجال الذين لا يمتهنون نسائهم فى الخدمة وإن كن دونهم فى القدر. قال: وأما الغزل والنسيج فليس له ذلك عليها بحال، إلا أن تتطوع. وإذا كان معسراً فليس عليه إخدامها، وإنت كانت ذات قدر وشرف، وعليها الخدمة الباطنة، كما هى على الدينية. وهكذا أوضح لى ابن الماجشون وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا قال الزوج أنا أدفع إليها خادماً، ولا أنفق على خادمها. وطلبت هى خادمها فذلك لها، ولينفق عليها وإن لم تخدمه. فى القسم بين النساء، والعدل بينهن من كتاب محمد وقال مالك: من تزوج وعنده امرأة غيرها، فليقم عند البكر سبعاً، وعند الثيب ثلاثاص، ولا تخيرالثيب إن لم يسبع عندها وعند الآخرى، أو يقيم عندها ثلاثاً ويدور، ولو طلبت هى التسبيع لا يفعل، فقد مضت سنة ذلك أن يقيم عندها ثلاثاً. قاله مالك: وهو حق لازم، وليس ذلك بيد الزوج. وقال أيضاً: ليس بلازم. وقال ابن عبد الحكم: وإلزامه أحب إلينا. قال أصبغ قال أشهب: لا يقضى لها به، قال أصبغ: وأرى أنه حق عليه ولا يقضى به، كالمتعة. وقال محمد بن عبد الحكم: يقضى به. قال ابن حبيب: يقيم عند البكر سبعاً والثيب ثلاثاً، وإن كان له غيرهما، ثم هو فى ذلك يتصرف فى حوائجه إلى المسجد وغيره، فإن لم يكن عنده غيرهان فليس عليه أن يقيم عندها بكراً أو ثيباً. [4/ 611]
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ولا يتخلف العروس عن الجمعة ولا عن حضور الصلوات في جماعة: قال سحنون: وقد قال بعض الناس إنه لا يخرج وذلك حق لها بالسنة. ومن كتاب ابن المواز: وليبتدى في القسم بالليل قبل النهار، أو بالنهار قبل الليل، وليبتدى بالتي أقام عندها بعد الثلاث أو السبع، وإن شاء بغيرها، ويبدأ بغيرهاأحب إلينا. وقاله مالك في القادم بإحداهن من السفر. قال مالك: ولابأس إذا أتى منزل امرأته فطردته وأغلقت دونه أن يذهب إلى ألاخرى, وإن قدرأن يثبت في بيتها أو في حجرتها فليفعل. وقال ابن القاسم: إذا أغلقت الباب دونه فيلؤذنهاوليس له أن يذهب بيومهاإلى الأخرى وإن طلبت. قال أصبغ: إلا أن يكثر ذلك ضررامنها، بعدالإنصات منه، وليس له مأوى سواهما، وإلافلا. قال مالك: وليبت عندها، وإنحاضت. قال مالك: وليس له أن يجمع بينهما في بيت إلا برضاهما، ولا يجوز أن يجمعها على فراش وإن رضيتا. وكرهه في الإماء أوتعروا بغير ثياب. وكره مالك أن يطأ امرأئه أو أمته ومعه في البيت من يسمع حسه. وبعد هذا باب فيه من هذا المعنى. وقال ابن حبيب. ولايجمع امرأئين في بيت إلا برضاهما، فإن رضينا فلا يطا إحداهما والأخرى معه في البيت تسمع حسه أولا تسمع. قال ابن الماجشون: وينبغي أن يكون معه في البيت أحد، نائما أوغير نائم، صغيراأو كبيرا. وكان ابن عمر يخرج الصبي في المهد. وكره في بعض الأخبار أن تكون معه البهيمة. [4/ 612]
ويكره أن يجمع الحر تين في فراش وإن رضيتا، وله ذلك في أمتيه أن ينام معهما في فراش، ولكن لايطأ واحدة والأخرى معه في البيت، ولاوهي نائمة وقال ابن الماجشون: ولابأس أن يطأ أمته في يوم أحد زوجتيه، وإن لم يطأها في يوم الأخرى. قال وإذا وطى واحدة في ليلتها فليس عليه وطء الأخرى. في ليلتها، إذالم يرد ذلك ميلا، ولابأس أن يتوضأ أويشرب من ماء زوجته في غير يومها، ويأكل من طعام تبعثه إليه من غير تعمد، ويقف ببابها ويسال ويسلم من غير أن يدخل إليها ولا يجلس عندها. ومن كتاب محمد قال مالك: ولايأتى إلا واحدة فى يوم الأخرى إلا لحاجة أو عيادة، وله أن يجعل ثيابه عند أحدهما ما لم يرد ميلاً وضراراً. مالك: ولا ينبغى أن يقيم هو فى بيت وتأتيه كل واحدة فيه، ولا يأتيهن فى بيوتهن، كما فعل النبى عليه السلام، إلا أن يرضين بذلك. وكذلك فى العتبية عنه من سماع أشهب. قال عنه ابن حبيب: ولا بأس بذلك إذا رضين بذلك. قال محمد بن عبد الحكم: ويقضى عليه أن يسكن كل واحدة فى بيت، ويقضى عليه أن يدور عليهن فى بيوتهن ولا يأتينه إلا أن يرضين. ومن كتاب محمد: واختلف قول مالك فى القرعة بينهن إذا سافر، قال مالك: لا قرعة فى هذا، وليخرج بمن هى أصلح لأمره فى سفره فى الخفة والنشاط. ولعله عناها، فإن تساورا أقرع بينهن. قال محمد: ليس له أن يقصد السفر بواحدة من نسائه، وعليه أن يقرع بينهن، فمن خرجت لها القرعة خرج بها، وله أن يخرج باثنتين إذا كان ذلك بالقرعة. [4/ 613]
وإذا خرجت هى لحج أو غيره ثم رجعت، ائتنف لها القسم فيما يستقبل، وغذا قدم بواحدة من سفره القصير، فلا يتعمد ببقية يومه أحداً، وليأتنف بليلته تلك ويومها، خالفه من شاء منهن القادمة أو غيرها. محمد: وأحب إلى أن يتبدىء بالقيمة وما ذلك عليه، وغن سافر من عند واحدة صلاة الظهر ثم رجع مثل ذلك الوقت فليرجع إلى الآخرى، والناس يروحون من عند بعض نسائهم للظهر، فإذا أمسوا رجعوا إلى بيت الأخرى. قال ابن حبيب: إذا رجع نهاراً من سفره، فله أن يتعمد ببقية يوم أيتهما شاء، وليس عليه أن ينزل عند التى خرج من عندها إلا أن يشاء، ولا يحسب ذلك، ومؤتنف القسم إذا أمسى، وأحب إلى أن ينزل عند التى خرج من عندها، ليوفيها بقية يومها وما ذلك عليه بواجب. وقاله مالك وأصحابه. ومن كتاب محمد: ومن له امرأتان فى بلدين، فليعدل جهده، ولا يكثر المقام عند واحدة إلا لعذر، من تجارة أو علاج أو اقتضاء دين. ومن جار فى القسم أمر بائتناف العدل، فإن عاد أدب. قال مالك: ولا يقسم يومين يومين ولا أكثر. قال: قال محمد بن عبد الحكم: ليس له ذلك، إنما كان النبى عليه السلام يقسمه يوماً يوماً، يريد إلا أن يرضين. قال فى كتاب محمد: وإذا تركت واحدة يومها للأخرى عندما أراد طلاقها أو لغير ذلك بغير عوض فذلك جائز، ولها الرجوع متى شاءت. قال مالك: ولا أحب أن تشترى من صاحبتها يوماً ولا شهراً، وأرجو أن يكون فى الليلة خفيفاً. [4/ 614]
قال مالك: وقد يرضيها بالشىء يعطيها، ليكن فى يومها عند الأخرى، وغير ذلك أحب إلى. وإذا أذنت له فى وطء الأخرى فى يومها فلا بأس بذلك، وإن كان قبل أن يغتسل من الأخرى، ولو كان لواحدة شباب أو ذات شرف وسماح وعيال فأراد إيثارها، فأما فى المبيت فليعدل، وكذلك فيما يصلح لكل واحدة من نفقة مثلها بقدر حالها، ثم له أن يؤثر الأخرى بعد ذلك باليسير بغير ميلة، ولا بأس أن يكسوها بعد ذلك الخزى والحلى، ما لم زميلاً. وكذلك إذا كانت واحدة الظعن به فى إتحافه بطرائف الطعام والطيب فيؤثرها، فأرجو أن لا بأس به، والمساواة أحب إلى. وقيل: إن معاذاً كان له امرأتان، فلم يكن يشرب الماء من عند واحدة فى يوم الأخرى، سمعته ولم أدر ما حقيقته؟ وأنهما ماتا فأقرع بينهما، أيتهما يدفن أولاً. قال مالك: وإذا كانت واحدة نصرانية أو أمة، فليقسم بينهما بالسواء ولكل واحدة بقدرها وقدره من النفقة. قال مالك: وله أن يطأ أم ولده وأمته فى يوم إحدى نسائه، وليس لها قسم مع الحرة، ولا للسرائر بينهن قسم. من العتبية قال مالك: ومن له امرأتان فكسا إحداهما الخز والحرير وحلاها دون الأخرى، فإن لم يكن ميلاً له. قال ابن حبيب: ومن له زوجتان حرة وأمة، فابن الماجشون يقول: يقسم يومين للحرة، ويوماً للامة. وذكر ابن مالكاً رجع إلى هذا. وهو قول ابن المسيب، وابن شهاب ويحيى بن سعيد وسليمان بن يسار وعطاء. وقال بالأول ربيعة. وقاله مطرف. [4/ 615]
اختلاف الزوجين في متاع البيت
ومن كتاب محمد، والواضحة: ولا يجوز أن يتزوج امرأة على أن يؤثر عليها، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويبطل الشرط. قال ابن حبيب: وإنما يجوز هذا بعد النكاح صلحاً عن الآخرة. اختلاف الزوجين فى متاع البيت ومن الواضحة قال: وما اشتراه أحد الزوجين بماله من متاع البيت وهو يشبه أن يكون للآخر، فلا يحل للآخر دعواه ولا يحل له بالحكم إن ادعاه، وإن تداعيا فى شىء من متاع البيت فى العصمة أو عند فراق، أو تداعاه ورثتهما بعد الموت، فما يعرف بالمرة فهو لها مع يمينها، وما يعرف بالرجل فهو له مع يمينه، وما يعرف بهما فهو للرجل مع يمينه. وكذلك قال محمد بن عبد الحكم فى كتابه. وقال المغيرة وابن وهب فى العتبية فيما يعرف بهما فهو بينهما مع أيمانهما، واليمين منهما على البت، وإذا حلف ورثتهما حلفوا على العلم، وإنما يحلف من ذكرنا منهما إذا ادعى أن ذلك له بشراء أو كسب. يريد ابن حبيب: وقد ادعاه الآخر. قال سحنون فيما يعرف بأحدهما أنه له بغير يمين، وما عرف بهما فهو للرجل مع يمينه. وقال مالك فى المختصر: ما عرف بأحدهما فهو له، وما عرف بهما، حلف الرجل وكان له، فإن نكل حلفت المرأة وكان لها. وما عرف بالمرأة فأقام هو فيه بينة حلف ما أخذ منها فيه ثمناً وكان له. قال ابن حبيب: وما كان من متاع النساء فأقام الرجل بينة أنه ولى شراءه، فهو له مع يمينه أنه ما اشتراه لها ولا أعطته ثمنه إن ادعت هى بذلك. وما كان من متاع الرجال فقال الزوج هو لى لأنه من متاع الرجل فليس له ذلك حتى يدعى أنه اشتراه أو كسبه، وكذلك فى المرأة فيما يعرف بالنساء. [4/ 616]
فمن متاع النساء، الحلى مما يصلح لهن والعقود والنظوم والشوادر والقواقب. ومن متاعهن: الأسرة، والقباب والحجال والفرش واللحف، والقطف، والوسائد والمرافق والبسط، والحصر، والمصلبات، والطنافس والنوابت، والمشاحب وشبه ذلك. وكذلك فى العتبية نحوه من روتية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم. قال ابن حبيب: والنمارق، والحجال والطست والإبريق والتنور والمجامر والطنابر والقمقم والخباز والقصاع والقدور والبرد. وما يصلح للرجال السلاح كله، والمناطق والمهامز والسكاكين وإن كان ذلك كله مفضضا، والدواب كلها والسروج. ومما يشبه النساء القراقل من الجباب، وجبب الخز والوشى والأحمرة، والمقانع واللفائف، والثياب المصبغة، وثياب الحرير كله. وما ادعاه الزوج أنه له من ذلك بشراء أو ميراث فعليه اليمين فإن لم يدع ذلك لمتحلف هي. قال: وما يلبسه الرجال دون النساء: العلام البيض والملونة الموغر، وأوجب الصوف والبركانات، والسراويلات، وشبه ذلك، فهو له بغير يمين، إلا أن تدعي المرأة أنه دار إليها بميراث وشبهه فيحلف هو. ومما يكون للرجال والنساء المصحف والرقيق من ذكر أوأنثى والبقر، والغنم، والمعز، وجميع الحيوان والأطعمة والأدم والثمار، وما يدخر من المعاش. قال أبو محمد: فأدخل في ذلك الدواب من البقر والغنم ولعله يريد ما كان سائمة غير المراكب، مما يأوي إلى دار البوادي وما جرىمن عرف البلد وقد تقدم قوله في الدواب أنها للرجل. قال ابن حبيب: قلت لأصبغ فإن النساء لا يدخلن عندنا بمثل القمقم، وثور وطست ونحو ذلك من الانية قال: إذا عرف هذا واشتهر فإن ادعاها [4/ 617]
الزوج بحدثان البناء فهو فيه مصدق مع يمينه، وإن كان بعد البناء بمدة يمكن فيه أن يستعيده فهي مصدقة مع يمينها، لأنه من متاع النساء، وإن لم تدع به. وهذا في اليكر، وأما في الثيب فالقول في ذلك قولها، كان بحدثان البناء أو بعد مدة طويلة. قال مطرف وأصبع في المرأة تدعي بعد موت زوجها بعض ما في بيتها يصلح للرجال، ولايعرف أن الميت مات عنه، وتخول هي: كسبته بعد موته. وهذا قبل القسم، قال: البينة عليها، قرب ذلك أوبعد، ما لم يطل ذلك جدا، فتكون البينة على الورثة. قال: واختلاف أهل المطال من الأعراب في المطال يأوون فيها قبل الزواج كالدور. قال أصبغ في امرأة توفيت فاختلف الووج في رداء عملته، فقال الزوج هو لها، إلا أن الكتان لي ابتعته فهو مصدق، ويكون له منه بقدر قيمة كتانه، وللميتة بقدر قيمة عملها، لأنه لوادعاه قبل قوله. قال مالك، في المختصر: وما نسجته هي والصوف من عنده فهو بينهما، لها بقدر قيمة العمل، وله بقدر صوفه. قال ابن حبيب: والحصن للرجل كالدار، إلا أن يعرف للزوجة. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وما يكون للنساء والرجال، كالساج والرابطة فللرجل مع يمينه، والصحاف والزجاج والبسط للمرأة. قال ربيعة: والرقيق، إناث أو ذكور، والدبة للرجل. قال محمد: ومكا دخلت به من منديل ثيابه من أنواع الثياب، معلمة أو غير معلمة، أو ما كان من نساج، وعمامة، وسراويل، ومنطقة أو رداء أو قميص وغلالة، فطلقها فطلبت ذلك فهو لها، لأنه من جهازها إن دخلت به، إلا ما أبلاه الزوج. [4/ 618]
في سكنى المرأة مع أبوي الزوج ودعواها الضرر
فى سكنى المرأة مع أبوى الزوج ودعواها الضرر ودعواه الضرر من يدخل إليها وهل يمنع من دخول أقاربها ومن خروجها إليهم وإلى مواهم من العتبية روى ابن القاسم عن مالك فى الرجل يسكن زوجته مع أبويه وأهله فشكت الضرر، قال: ليس له ذلك. قيل: إن أباه أعمى. قال: ينظر فى ذلك، فإن رأى ضرراً لما تقول فليحولها عن حالها. ومن كتاب محمد، والعتبية قال أشهب عن مالك فيمن يتهم حنته بغفساد زوجته عليه، فمنعها من الدخول إليها، قال: ينظر فى ذلك فإن كانت مسيئة منعت بعض المنع ولا كل ذلك، وغن كانت غير مسيئة لم تمنع من الدخول على ابنتها. ومن كتاب محمد وعن الزوج يريد منع أخى زوجته أن يدخل إليها، قال لا يمنع. وقد كتبت فى كتاب الأيمان من معنى خروج النساء والدخول إليهن كثيراًهناك، لتعلقه بمنع الزوج ذلك بيميه أو بغير يمينه. قال ابن حبيب: ولا ينبغي للزوج منع زوجته من الخروج إلى أبويها في لوازم الخقوق، ولا يمنع منها أبويها، وإن كره خروجها لذلك لم يجبر، لكن لا يمنع أبويها من الدخول إليها، وكذلك ولدها من غيره، فإن حلف لم أحنثه إلا فى [4/ 619]
الأوبوين والولد، يريد إذا حلف لا خرجت هى ولا دخلوا هم إليها. وهو مبين فى كتاب الأيمان. وقال فى دخول ولدها من غيره إليها، قال: الصغار كل يوم، والكبار من الجمعة إلى الجمعة، فإن حلف فى دخولهم، فليدعها تخرج إليهم، فإن حلف فى ذلك أيضاً حنثه الإمام، وإذا كرهه لم يحنث إلا أن يريدوه بالسلطان. قال أبو محمد: الذى أعرف لابن القاسم فى قضاء الحق أنه يحنث، إلا أن يريد إلا بقضاء سلطان. قال: وإذا تزوجت ذات ولد صغير، فمنعهت كونه معها، فإن كان يجد من يكلفه لم يجبر الزوج على تركه، وإن لم يكن له كافل أجبر على كونه معها، لأنه نكحها وهو به عالم. وإذا كان أهل الزوج معها فى دار فقالت له: إما أن تخرجهم عنى، أو تخرجنى. فأما المرأة الوضيعة فليس ذلك لها، وذلك لذات القدر، قاله ابن الماجشون. وفى باب القسم بين النساء ما يدل على أن له أن يسكن زوجتيه فى دار، ولا يجمعهما فى بيت إلا برضاهما. من كتاب ابن المواز قال مالك: ويقضى على الرجل أن يدع امرأته تخرج فى جنازة أبيها وأمها وزيارتهم والأمر بالمعروف من الإصلاح والصلة، فأما شهودها الجنائز واللعب والحمام، فليس ذلك عليه. قيل لمالك: فإن حلف بطلاق أو عتاق أن تخرج فيه، أيقضى عليه فى أبيها وأمها؟ قال: لا، وإن حلف أن لا تخرج، وهى صرورة أجنبية كذا فى الحج، ولا يدرى هل يعجل عليه الحنث؟ ولعله يؤخر سنةً وشبهها ولا يعجل [4/ 620]
عليه. قال: مالك: ولا بأس أن تعود أخاها فى غيبة زوجها وإن لم يأذن لها حين خرج. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك: وليس له أن يمنع امرأته أن تسلم على أخيها وأختها وأمها، وليس كل النساء سواءً، فالمتجالة لا تمنع، ورب امرأة لا تؤمن فى نفسها فذلك له. قال: ويؤمر للمرأة بالخروج فى مثل ذلك إلا أن يكثر ذلك، أو تأتى أمراً لا يؤمن فيه، وعن امرأة كانت برفق زوجها ثم قطعت ذلك عنه، فلما سافر حرم عليها أن تخرج من عتبة بيتها، وكانت فى دار ليس معها إلا ذو محرم منها، قال مالك: فأمرتها أن تخرج إليهم، ورأيت ذلك ضرراً من فعله. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم قال: وليس للرجل أن يسكن أولا ده من امرأة مع امرأة له أخرى فى بيتها، ولا مسكن يجمعهم. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فى المرأة تدعى عند الحاكم أن زوجها مضر بها، ويدعى هو منها الضرر وسوء الصحبة، وتسأل هى أو هو أن يجعلا مع من يختبرهما، فكتب إليه إذا لم يظهر ذلك جعل الحاكم معهما من يختبر ذلك، أو يجعلهما مع من يتبين أمرهما، ثم يعمل على ما تبين له. وسأله حبيب عن المرأة تشتكى أن زوجها مضر بها وبها آثار ضرب ولا بينة لها على معاينة ضربه، لها، قال: يسأل عنه جيرابه، فإن قيل: إن مثله لا ينزع عن ظلمها وأذاها أدبه وحبسه، قيل: فإن سمع الجيران الصياح منها ولم يحضروا ضربه إياها؟ قال: لا شك فى هذا أنه يؤدب، ولأن هذه الآثار لو كانت من غيره لشكاهو ذلك وأنكره. [4/ 621]
في الاستئذان ومن يجوز له النظر فيه والخالطة من محارمه وغيرهم
وسأله عمن طلق امرأته، فوجب لها المقام بمنزله للعدة، وأخرج الحاكم الزوج عنها، قال: ذلك لها ولا تترك وحدها. ومن سماع ابن القاسم: ومن حلف ليجلدن امرأته خمسين سوطاً، قال: يمنع من ضربها، وليحنث. فى الاستئذان ومن يجوز له النظر فيه والمخالطة من محارمه وغيرهم وما ينبغى من الستر والمخالطة فى المواكلة والمنام وغيره للرجال والنساء ومن تخرج إليه المرأة من كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: لا بأس أن يدخل الرجل على المرأة يريد نكاحها ينظر إليها. قيل أفيغتفلها من كوة ونحوه؟ قال: ما سمعت. وكره ذلك. قال: وليستأذن على أمه وأخته، ولا يجوز أن يرى أمه عريانةً. وعن الرجل يدخل على زوجته ومعها صاحبة لها جالسة، قال: لا بأس بذلك، إذا أكفت عليها ثيابها. ومن كتاب محمد قال مالك: ولا بأس أن يرى الخصى الوغد شعر سيدته دون غيرها. فإن كان له المنظر فلا أحبه، وأما الحرة فلا وإن كان وغداً والعبد الفحل يرى شعر سيدته دون غيرها إن كان لا منظر له، وكذلك مكاتبها، فأما الحر [4/ 622]
أو العبد لها نصفه فلا، كان وغداً أو غير وغد، ولا ينظر الرجل إلى شعر المرأة له بعضها. قال: والخادم الخصى للرجل يرى فخذه منكشفاً فذلك خفيف، ولا بأس أن يرى الرجل شعر أم امرأته وامرأة ابنه، ولا بأس أن يقبل خد ابنته إذا قدم من سفره. وكره أن يعانق ختنته المتجالة إن قدم من سفره. ومن كتاب محمد والعتبية من سماع ابن القاسم قيل: أيسافر الرجل بأم ولد أبيه، وامرأة ابنه، ويحملها على الدابة ويضمها إليه ولو صارت فى عصمته غير أبيه؟ فلا أحب أن يسافر بها الابن ولا يعجبنى، فارقها أبوه أو كانت تحته. قال مالك: ولا بأس أن يسافر بأخته من الرضاعة. قال: وهو محرم منها. قال مالك: ولا بأس أن تخرج المتجالة إلى مكة فى جماعة نساء، وناس مأمونين. ومن كتاب محمد قال مالك: وإذا أراد حمل المرأة فى السفر على الدابة من ليس بمحرم منها، فليتطأطأ لها حتى تضع رجلها على ظهره، وإن وجدت عنه عوضاً فلا تفعل، وإنما هذا فى الضرورة. قال أصبغ: وكل من لا يحل لك فرجها فلا تطلع على عورتك فى مرض ولا صحة، ولا على اضطرار. قال واحتجت عائشة عن أعمى، وقيل لها: إنه لا ينظر إليك. قالت: لكنى أنظر إليه. قال: فلا يعجبنى للحرتين ولا للأختين، أن تبيتا فى لحاف واحد، وكره تعرى النساء فى لحاف واحد ونهى مالك عن لبس الوصائف لأقبيته، وهو يصف أعجازهن. [4/ 623]
قال: ولا يعجبنى خروج الجوارى للأسواق بالميازر، وأراه من الباطل ونهى عمر عن لبس النساء القباطى، وقال: إنه يصف. قال مالك: الذى يصف ما يلصق بالجسد. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ولا يرى عبد الزوجة فخذ الزوج منكشفاً، ولا بأس أن يدخل على المراة خصيها، وأرجو أن يكون خصى زوجها خفيفاً، وأكره له خصيان غيره. قال ابن القاسم: أحب إلى أن لا يرى شعرها وزينتها من لا تملكه منهم، كان لزوجها أو غيره ممن بلغ الحلم، ولير وجهها بخلاف من تملك. قال مالك: ولا بأس بالخصى العبد يدخل على النساء ويرى شعورهن، إن لم يكن له منظر، وأما الحر فلا. قال أشهب عن مالك فى الخادم زوجة الرجل يدخل عليه فى المرحاض، قاللا، ولا خادم والده أو ولده. وروة عيسى عن ابن القاسم: سئل عن المرأة الكبيرة العزبة، تلجأ إلى الرجل يقوم بحوائجها، ويناولها الحاجة، فلا بأس به، وليدخل معه غيره أحب إلى. قال أشهب، وكره مالك خروج الأمة متجردة، قال: وتضرب على ذلك. قال فى الموطأ: ولا بأس أن تأكل المرأة مع غير ذى محرم، ممن يؤاكله زوجها، يريد معها. [4/ 624]
في إكرام المرأة زوجها ولذة الجماع
فى إكرام المرأة زوجها ولذة الجماع، وما يفعل عند الجماع، غير ذلك من العتبية أشهب عن مالك فى المرأة تبالغ فى بر زوجها تتلقاه إذا دخل، فتأخذ ثيابه عنه وتقف حتى يجلس، فكره قيامها حتى يجلس، ولم ير بغير ذلك بأساً، وقيامها من فعل الجبابرة، وبعضهم يخرج فيقوم الناس له. قال عنه ابن القاسم: ولا بأس على النساء أن يطرفن أصابعهن بالحناء. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك أن يجامع امرأته أو جاريته وفى البيت من من يسمع حس ذلك من جواريه. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: ولا يكون معه فى البيت أحد نائم أو يقظان، صغير أو كبير. وفى باب القسم بين النساء زيادة فى هذا المعنى. قال ابن المواز: وفى كتاب الحضانة قال مالك: ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة، وعمار ابن ياسر بالباب، ذهب عليه السلام ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال: خذيها. فأخذتها، وهداتها، ثم ذهب ليدنو منها فبكت الصبية، فقالت خذيها فسمع عمار فقال: نحن نأخذها يا رسول الله، فأمر له عليه السلام بها. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكلم الرجل زوجته وهو يطؤها. قال أصبغ: ولا بأس أن ينظر إلى فرجها، ويلحسه إن شاء، وإنما يكره النظر إليه من ناحية الطب، يقال: إنه يضعف النظر. [4/ 625]
في الأجذم هل يمنع من وطء أمته؟
ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم عن الدراوردى، عمن حدثه عن ابن القاسم، سئل عن النخير عند الجماع، فقال: إذا دخلتم فاصنعوا ما شئتم. وروى ابن حبيب، عن بعض السلف قال: من نخر نخرةً فليكبر ثلاث تكبيرات. يريد أنه كره له ذلك. ومن غير هذا الكتاب قال مالك: ولابأس بالتجرد عند الجماع، وإن لم يكن بينه وبين زوجته ستر حينئذ، وقد كان النبى عليه السلام يغتسل هو وعائشة عريانين والجماع أولى بالتجرد، ولا بأس أن ينظر إلى الفرج فى الجماع. قال ابن وهب عن مالك: لا بأس أن يغسل الرجل الصبية ابنته ست سنين ونحوها. ومن العتبية، روى أشهب عن مالك أنه أجاز للمرأة أن تجعل فى أطراف شعرها الصوف تمسك به المشط. فى الأجذم هل يمنع من وطء أمته؟ من العتبية روى ابن القاسم عن مالك فى الأجذم الشديد الجذام، قال: يحال بينه وبين وكء إمائه إذا كان ضرر. يريد: إن طلبن ذلك، كما يفرق بينه وبين الحرة للضرر. وقال سحنون: لا يمنع من وطء إمائه. وفى آخر كتاب الأقضية باب فيه من هذا المعنى. [4/ 626]
في المرأة تريد بيع جهازها وخياطته
فى المرأة تريد بيع جهازها وخياطته من كتاب ابن سحنون قال: وكتب سليمان إلى سحنون فى المرأة تريد بيع رقيقها وعروضها وجهازها، هل للزوج منعها؟ فكتب إليه: أن ليس له منعها، ولها بيع جهازها، إلا ما لابد لهما من النفع به من ذلك، ولها بيعه وتستبدل منه ما لابد لهما من النفع به. قال محمد بن عبد الحكم فيمن دخلت على زوجها بجهاز، فأرادت بيعه فمنعها، فغن كانت تبيعه تستبدل به جهازاً غيره فذلك لها، وأما أن ترفع ثمنه فليس ذلك لها، وذلك مما اشترت من الجهاز بقدر الصداق، فأما ذلك فالمرأة أولى بالنظر فيه، وإن أرادت بيع جهازها وهو جديد لتشترى مكانه قديماً فذلك لها إن كان ذلك على النظر منها، وله أن يتوطأ هو منه، فأما أن يوطئه لأضيافه، أو لعبيده فليس ذلك له إذا منعته، ولا لها هى أن تعطيه رقيقها يتوطؤه إذا منعها ذلك، إلا فيما جاوز الصداق من الفضل. فى امرأة طلبت النكاح بأمر القاضى وكان لها زوج فادعت أنه خيرها أو فارقها ونكحت بأمر القاضى أو لم تنكح وفى المراة ترفع إلى القاضى أنها تريد النكاح ولا ولى لها من كتاب ابن سحنون: وكتب سليمان بن عمران إلى سحنون فى امرأة تأتى إلى الحاكم تريد النكاح، فأمرها أن تأتى بمن يشهد أنه لا زوج لها ولا ولى حاضراً، فكشف عنها الحاكم، فشهد من يعرف أن لها زوجاً لها منه ولد، فسألها عن ذلك فاعترفت به وقالت: شرط لى إن غاب عنى كذا وكذا من غير نفقة يبعث بها إليها، فأمرى بيدى فى أى الطلاق شئت، وقد تمت المدة، فلا نفقة [4/ 627]
تركها ولا بعث بها، وقد طلقت نفسى. فأمرها بالتوقف عن النكاح حتى ينظر، ومضت فترة فتزوجت، فبعث الحاكم إلى الزوج فاعترف أنه زوجها، ولم يبن بها، وادعى الجهالة بأمرها، وزعم أن الولى أمر بإنكاحها. فكتب إليه: إذا أقرت بالنكاح وأنكرت البناء، وثبت النكاح والبناء ببينة، وإنما نكحت بعد أن أمرها بالتوقف، فليشدد وقفها ويمنع منها حتى يثبت ما ادعت من الشرط بالعدول ويثبت أنها اختارت فى وقت يجوز لها فيه الاختيار، ثم انقضت عدتها بعد ذلك، ثم يمسك الحاكم عنها إن كان زوجها الأول بعيد الغيبة، وإن كان قريباً كتب إليه، وإن كان نكاحها الثانى قبل هذا، فأفسخه، فإن مسها فلها قدر ما استحلت به. يريد كالغارة، وإن لم يثبت شرطها، فحل بينها وبين الزوج، ولا تجز ما فعلت. وقال: أرأيت إن ثبت شرطها وقالت هى: مضت المدة وهى عامان ولم يبعث إلى نفقة؟ فكتب إليه: إن استأذنت فى السنتين وقالت لم تأتنى منه نفقة وكثر ذلك منها فلها شرطها إذا ثبت الشرط، إلا أن تكون أقامت بعد السنتين سنين كثيرة على ما شهد به الشهود أنه بعث مرةً بنفقة وكتاب وهى تقول: بعد الكتاب الأول والنفقة الأولى لم يأت منه شىء، أقامت سنين كثيرة تذكر هذا وتستعدى، ثم أرادت أن تختار فليس ذلك لها. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ فى المرأة تأتى تسأله أن يزوجها رجلاً قد رضيته، فليسألها من مكانها ومن يعرفها، فإن سمت من يثق به سألهم عنها، وإن لم يجد من يثق به كفلها البينة بأنها امرأة خرة لا يعلمون لها زوجاً ولا ولياً، فإذا ثبت هذا عنده نظر لها، وإن كانت طارئة ليس بالبلد من يعرفها، فلا يعرض لشىء من شانها، وليمنعها النكاح حتى تأتى بالبينة من أهلها، من يعرفها ويعرف أصلها أنهم يعرفونها حرةً لا يعلمون لها زوجاً ولا ولياً فيأمر بإنكاحها. ومن المجموعة قال ابن القاسم فى القوم يرفعون إلى القاضى أن امرأة غاب زوجها عنها منذ عشر سنين لا يعلمون أنه فارقها، وأنها اليوم تحت رجل، هنا تسأل المرأة؟ وكيف إن ادعت أنه فارقها؟ قال: أما الحاضرة فى البلد فليكشف [4/ 628]
في الدعوى في النكاح
ويسأل ما لم يظل ذلك السنين الكثيرة مما يعلم أن البينة يموت فى مثلها، وقد فارقها منذ حين، لو طلب منها علم ذلك لم تجده فإنها تترك. وإن كانت امرأة قدمت من بلد أو موضع فهى كالتى طال زمانها بالبلد، وقد تقدم المرأة الضعيفة من مصر أو الشام فتشق عليها البينة فى ذلك. فى الدعوى فى النكاح من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وسأله حبيب عمن ادعى نكاح امرأة فتنكره فلم يجد بينة بطل النكاح، ويجد بينة أن هذه امرأة كانت تسكن معه فى جوارنا خمس عشرة سنةً وولدت معه، وهى مقرة أنه زوجها، وهو كذلك مقر بالزوجية، فإن خمس عشرة سنةً كثير وما أحلفه أن ذلك يوجب كناحه، ثم قال: دعنى أنظر فيها. ثم قال: إن لم تكن سنين كثيرة لم يوجب ذلك النكاح إلا فى الطارئين، فيقبل قوله، وأما من أهل الموضع فلابد من البينة على النكاح، إلا أ، يكون ذلك فاشياً مشهوراً فى الناس وعند القرابة. يريد إن كان البناء مشهوراً وعقد النكاح، وأما تقاررهما بعد البناء بعقد النكاح، فلا يقبل، هذا معنى هذه المسألة. وقال فى الخامس من الأقضية: كتب سلمان بت غانم فى التى ترفع إلى القاضى تريد النكاح، ووليها عم، وتزعم أنه على مسيرة ثلاثة أيام أو أربعة، مشغول فى ضيعته لا يقدم إليهان وقد دعته إلى سداد وكفاية، قال: إذا كان هكذا فليزوجها الإمام، وهو أحد ولاتها الذين ذكرهم عمر بن الخطاب. وقال فى البكر، أبوها مقيم بمكة أو بمصر أو بطنحة مثلاً، يفتات عليه فيها، وليكاتب. وأما الثيب فيزوجها السلطان برضاها، إذا رأى ذلك. [4/ 629]
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات لأبي محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيراوني 310 - 386 هـ تحقيق الأستاذ محمد عبد العزيز الدباع محافط خزانة القروين بفاس المجلد الخامس دار الغرب الإسلامي [5/ 1]
1999 دار العرب الإسلامي الطبعة الأولى دار الغرب الإسلامي ص. ب 5787 - 113 بيروت جميع الحقوق المحفوظة لا يسمح بإعادة إصدار الكتاب أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل كان أو بواسطة وسائل إلكترونية أو كهروستاتية، أو أشرطة ممغنطة، أو وسائل ميكانيكية، أو الاستنساخ الفوتوغرافي، أو التسجيل وغيره دون إذن خطي من الناشر. [5/ 2]
النوادر والزيادات [5/ 3]
كتاب الاستبراء
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الاستبراء جامع القول في المواضعة وأحكامها قال مالك، في سماع أشهب، من العتبية وفي الواضحة أرى أن يحمل الناس على المواضعة. وقال ابن حبيب في الرائعة وفيما وطئه البائع من الوخش، قال ابن حبيب: ويؤدب تاركها، [قال ابن عبدوس تتواضع] لما يتقى من الحمل فيها، وإذ لم يلزم المبتاع تعجيل الثمن فيها لذلك لم يلزم البائع دفعها من المبتاع، وفارق الحمل فيها سائر العيوب أن الظاهر من العيوب السلامة، ولا يظهر لها سبب يبقى، وهذه الغالب فيها أن لا يؤمن منها الحمل، وسببه قائم فيصير النقد تارة سلفا وتارة ثمنًا، وتصير البراءة فيها لهذا غررًا بينًا يخالف سائر العيوب التي الغالب منها السلامة، وخرجت الوخش من ذلك لأن الغالب من حالها غير الوطء، فصار ذلك فيها كسائر العيوب في تعجيل قبضها وكذلك في البراءة من الحمل فيها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وضع الجارية للحيض على يدي النساء حسن. [5/ 5]
قال ابن القاسم ووضعها على يدي رجل غير المشتري أحسن من المشتري، ويكون الرجل عدلا له أهل ينظرون إليها، فإن وضعت على يد المشتري فجائز وهو مصدق، إلا أن للبائع [أن يبدو له فيضعها بيد غيره، ولو وضعها بيد أحسن لم يكن لأحدهما أن ينقلها إلا أن يرى لذلك وجه. ولو وضعها بيد أجنبي لم يكن لأحدهما أن ينقلها إلا أن يرى لذلك وجه. قال مالك وإن اختلفا في الثمن وضع أيضا بيد عدل وكذلك في الواضحة وكتاب ابن عبدون. قال وهو مكروه أن يوضع على يد المشتري. في العتبية، من سماع ابن القاسم وليس عليه أن ينقذه حتى تحيض ولا يمكنه مواضعة الثمن إن طلب ذلك البائع. قال عيسى عن ابن القاسم ولو تطوع بالنقد من غير شرط ثم استبرأت فليس له استرجاعها إلا ان تستمر حاملا. من كتاب محمد ولا يجوز أن توضع بيد البائع وإن طبع عليه، وإن نقده المبتاع تطوعا بعد العقد جاز. ثم ليس له أخذه ليجعله بيد غيره. قال مالك والضمان على كل حال من البائع في كل ما يصيب الجارية قبل الحيضة والنفقة عليه. قال أصبغ وما بيع على المواضعة أو على معرفة المواضعة والاستبراء فإن شرط النقد فيه يفسد البيع إلا أن يتطوع بالنقد بعد العقد على غير شرط وعلى المواضعة فذلك جائز، فأما ما بيع على البت ممن لا يعرف المواضعة مثل بيع أهل مصر، ومن لا يعرفها من البلدان يتبايعون على النقد ولكن لا يشترطون نقدا ولا مواضعة فهو بيع لازم لا يفسخ ويقضى عليهما بالمواضعة. وإن طلب البائع إيقاف الثمن فذلك له. قال مالك وينزع من البائع إن قبضه إن طالب ذلك المبتاع. قال مالك في العتبة من سماع ابن القاسم ولو انصرف بها المبتاع وغاب عليها رد إلى المواضعة ولا حجة للبائع بغيبته عنه وهو قد ائتمنه] / عليها. قال [5/ 6]
مالك: ولو بيعت بيع ميراث فلابد من المواضعة، ولا يجوز فيها البراءة من الحمل. قال في كتاب محمد: وبيعها بالبراءة مطلق جائز، ولا يدخل في ذلك الحمل، فإن تبرأ منه بشرط فسد البيع. ومن كتاب محمد قال مالك: ومن باع من مسافر حاج أو غيره فعليه المواضعة، ولا ينقد إلا أن يطول ذلك ولا إقامة له فيصير ضرارًا ويفسخ. وقال أيضًا مالك: على المسافر المواضعة، وكذلك أهل مني، وكذلك المجتاز والمرأة. قال مالك وإذا تواضعا الثمن، فضمانه ممن يصير له الثمن، كان عينا أو عرضا أو حيوانًا، وإن أتتها الحيضة فهو من البائع، وإن ظهر بها حمل من البائع فالثمن من المبتاع، وإن لم يكن حمل ولكن حدث بها عيب قبل الحيضة ترد به وقد هلك الثمن قبل ذلك، قال: فالمبتاع مخير في قبولها بالعيب بالثمن التالف، فتصير من البائع، وإن شاء ردهاوكان الثمن منه، وكذلك في ظهور حمل من غير البائع، وروي عن ابن القاسم مجملا، إن ظهر بها حمل رجعت إلى البائع، ومعناه عندنا أنه من البائع، وأما إن كان من غيره، فهو كالعيب، وذكر لي عنه بعض أصحابه، أنه وإن ظهر حمل من غير البائع أنها ترد، ولا يخير المشتري، ولم يروه لي غيره عن ابن القاسم، ولا عن غيره. وقال سحنون في العتبة: إن ابن القاسم وأشهب يقولان: إذا هلك الثمن في المواضعة وتخرج الجارية وبها عيب، أن للمبتاع أخذها/ معيبة، بالثمن التالف. وقال غيرهما: ليس له أخذها إلا بغرم ثمن ثان. وقيل: يفسخ البيع، وعن مالك أن الثمن من المشتري. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن الثمن من المشتري، والجارية للبائع، والفسخ للبيع. قال وقال أصبغ: الخيار للمشتري قائم، وليس بشيء، ولو كان ذلك للمبتاع أخذها حبن تلف الثمن دون ترقب براءة رحمها، إن لم يكن البائع يطؤها. وذكر ابن عبدوس عن ابن الملك أن المشتري بالخيار في قبولها، بغرم ثمن ثان أو ردها، وكذلك لو كان رضيها قبل علمه [5/ 7]
بإتلاف الثمن، فهو سواء. وإلى هذا ذهب سحنون، قال: لأنه إنما يكون الثمن لمن يصير له بما لا خيار فيه لأحد، فأما والخيار بحدوث العيب للمشتري، فقد خرج الثمن من أن يكون مضمونا على البائع، إذ لا يجب الثمن إلا باختيار يحدث من المشتري، فصار كبيع مؤتنف يختاره بلا ثمن، فليس له ذلك وله الخيار كما ذكرنا. ولو اختارها قبل يعلم بتلف الثمن، لم يوجب ذلك عليه غرم الثمن، والخيار له كما ذكرنا، وهذا إن تلف الثمن قبل حدوث العيب، فأما إن تلف بعد حدوثه قبل تحيض، أو تلف بعدما حاضت وقبل رضى المبتاع بالعيب، فها هنا صار له خيار قبل تلاف الثمن، فهو عليه فله أن يختارها ها هنا بلا يمين، كمبتاع بالخيار ثلاثا وتلف الثمن في أيام الخيار وهو بيد عدل، فله الخيار بلا ثمن، والثمن هو من البائع. ومن كتاب محمد قال: والنقد والقبض يجب في الوخش بالتعاقد، إذا لم يطأها / البائع، ثم إن شاء المبتاع جعلها نفسه عند أمين فإن ظهر حمل رد به، فذلك له. قال ابن عبدوس: وإن دفع البائع الرائعة إلى المبتاع بعد صحة العقد على أن المبتاع راض بما يظهر بها من حمل وغيره ولم يكن البائع وطئها فابن القاسم يرى ذلك جائزًا، له أن يتعجل قبضها على هذا أحب البائع أو كره، كما له الرضا بحمل لو ظهر، وإذا قبضها على ذلك برضى البائع أو بغير رضاه فعليه تعجيل الثمن. وقال سحنون: ليس له ذلك، وكأنه أسقط ضمانها عن البائع لما تعجل من خدمتها. وكذلك إن طاعا جميعا بذلك مكانه، عجل له الثمن بما تعجل من نفعها، فهو كسلف بنفع. ومن الواضحة: وإذا قبض المشتري الرائعة على غير مواضعة، فهو على أحد ستة وجوه: على ائتمان المبتاع على استبرائها، أو على وجه الجهل [بالاستبراء، أو على تعمد ترك] الاستبراء وقبضه إياها، كوخش الرقيق أو على وجه تبري [5/ 8]
البائع من وطئها، ومن حملها أن يكون منه. أو على تبرئة من وطئها، ومن حمل يظهر من غيره، أو على تبرئة من حملها، وهو مقر بالوطء، فأما على ائتمان المشتري على استبرائها، فهو جائز، وهو أمين على حيضتها، ونفقتها على البائع حتى تحيض، وما أصابها في ذلك فهو من البائع، والقول قول المشتري، أن ذلك أصابها قبل تحيض، لأنها لو كانت بيد غيره فتأخر حيضها تربصت ثلاثة أشهر ثم تحل للمبتاع وتخرج من ضمان البائع إلا أن/ يظهر بها حمل فترد، أو يشك فيها بجس بطن، فيكون المبتاع مخيرا أن يرضى بالتربص، فترفع إلى تسعة أشهر، فإن شاء يردها لأن تأخر ذلك إلى ما فوق الثلث كعيب ترد به، وإما على الجهل بالاستبراء، أو على تعمد تركه، وقبضها كقبض الوخش، أو على البراءة من وطئها، أو من حملها أن يكون منه، أو على البراءة من حملها، وهو مقر بوطئها، فإن في هذه الأربعة وجوه تخرج من يد المشتري، ويجري فيها حكم المواضعة ويلحق الولد في التي أقر بوطئها إن لم يدع استبراء، وإن لم ترفع أمرها حتى ماتت بيد المبتاع، وهو يقول: ما حاضت. فإن ماتت فيما يكون فيه استبراؤها، فهي من المبتاع بعد يمين، وإن ماتت في مثل ما يكون فيه استبراؤها، فهي من البائع بعد يمين المشتري أنها لم تحض عنده. وكذلك قال مالك. وقال ابن حبيب: ومعنى ما فيه استبراؤها: إن كان أيام حيضتها معروفة، [فذهاب قدرها فيها استبراؤها. قال وإن لم تكن أيام حيضتها معروفة]، جعل على أغلب أحوال النساء، وذلك شهر، فإذا مضى شهر قبل أن تموت، فهي من المبتاع، وإن ماتت قبله، فهي من البائع، وإن لم تمت وجاء بها بعد الشهر أو أكثر وقد حدث بها عيب فقال: لم تحض فهو مصدق ويردها بعد شهرين وثلاثة بالعيب الذي زعم أنه حدث قبل أن تحيض، فالعيب تبع للحيضة، وهو مصدق أنها لم تحض ما لم تفت، ولأنه لو لم يحدث بها عيب كان له ردها بعيب تأخير الحيض، وأما إن دفعها إليه على التبرؤ من وطئها، والبراءة من حمل إن ظهر بها حمل من غيره، فإن لم تكن/ رائعة جدًا، وهي وسطة، فذلك جائز، وتدخل في ضمان المبتاع بالعقد، ولا يطؤها حتى تحيض، وله التلذذ في هذه دون الوقاع، وإن [5/ 9]
كانت رائعة، لا يصلح مثلها إلا للفراش، فالبيع فاسد، وترد إلا أن تفوت، فيضمن قيمتها، وهذا كله قول من أوضحه من أصحاب مالك، وهو منهاج مالك ومذهبه. وهذا الذي ذكر ابن حبيب، أن شرط البراءة من الحمل في التي أقر بوطئها لا يفسد البيع، غير معروف لمالك. وفي المدونة، أنه يفسد البيع، وكذلك في كتاب ابن المواز، عن مالك، وغيره. وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا قبض المشتري الرائعة، أو كانت وخشا، كان يطؤها البائع، فهلكت في مدة في مثلها استبراء. محمد: قدر الشهر ونحوه، فهي من المبتاع، وإن هكلت فيما لا يكون فيه استبراء، فهي من البائع، ولو شرط في إحداهما البراءة من الحمل، وهلكت فيما لا يكون فيه استبراء، فهي من المبتاع، لأنه بيع فاسد. قال محمد: بل هي من البائع، وليس قبضه فيها قبضًا، وهي في البيع الصحيح من البائع قبل الحيضة فكيف بالفاسد؟ ألا تراه لو اشترط النقد في الخيار، وقبضها المبتاع، وهلكت بيده في أيام الخيار، أنها من البائع، والبيع فاسد؟ ولو هلكت فيما فيه استبراء، كانت من المبتاع، وذكر ابن القاسم، في المدونة هذا القول الذي أنكره محمد، إلا أنه قال في التي أقر البائع بوطئها: إنما يضمن قيمتها يوم جعلتها حائضا، / وضمنها إياه ليس يوم قبضها في هذه خاصة. ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن القاسم: لا مواضعة في الوخش، ومن لا يوطأ مثلها، والمواضعة في من تراد للوطء، ممن لم توطأ. قال ابن حبيب: والنفقة في المواضعة على البائع، باع عليها أو رده السلطان إليها. ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنونا، عن الجارية تباع فيقبضها المشتري من غير مواضعة ثم يأتي المشتري فيقول: رفعتها حيضتها. وذلك بعد عقد الشراء بشهر، قال: قد أخطأ في ترك المواضعة. قال: والشهر قليل، ولو جاء بعد الصفقة بشهر ونصف، وشهرين أحسن؛ فنظرها القوابل، [5/ 10]
جامع القول في استبراء الإماء في البيع
فإن قلن: مشغولة الرحم. وإن لم يكن بها حمل بين ردها وإن كان قد غاب عليها. جامع القول في استبراء الإماء في البيع من كتاب محمد: قال مالك في الجارية تباع قبل أن تبلغ: فاستبراؤها ثلاثة أشهر، فإن انقلب بها المبتاع فأرى أن تحلف ثم تستبرأ. قال ابن القاسم: من تحمل الرجال منهن، فإنه يخاف عليها الحمل، ففيها الاستبراء قال عبدالملك بن الحسن، في العتبية، عن ابن وهب، في الصغيرة. مثلها يوطأ، ومثلها لا تحمل، ففيها المواضعة؛ فإن لم تتواضع، وماتت بيد المبتاع، فإذا جهل الاستبراء، فهي من البائع. ومن الواضحة، قال مالك: نستبرأ الصغيرة إذا بلغت أن توطأ، وإن أمن منها الحمل. قال ابن حبيب: وهذه سديد، وقد روي عن كثير من السلف أنها إنما تستبرأ إذا قاربت البلوغ/، وخشي الحمل على مثلها؛ لأنها قد تحمل قبل الحيض إذا قاربته، وأما إن لم تقاربه ولا يحمل مثلها فلا تستبرأ، روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم، وسالم، والحسن، والنخعي، وعطاء المكي، وابن شهاب، وأبي الزناد، وربيعة، وابن هرمز وقاله مطرف، وابن الماجشون. وإن قاربت الحيضة، ففيها الاستبراء. وقد اختلف [في مبلغه] فقال سليمان بن يسار، وعمر بن عبدالعزيز والحسن ومكحول وربيعة وابن هرمز والليث ومالك وأصحابه، ثلاثة أشهر. وروي عن عمر وعلي وابن المسيب والنخعي وعطاء وأبي الزناد وابن أبي ذئب شهر ونصف. وقال بعض العلماء: شهر. وبعضهم: شهران. سمعت ابن الماجشون يقوله، ولا أعلم من قاله بتسمية. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: واستبراء المستحاضة والتي ترفعها حيضتها ثلاثة أشهر إلا أن تستربت فتبلغ أشهر، وأما التي لا تحيض [5/ 11]
إلا في ستة أشهر أو في الحول فثلاثة أشهر تبرئها إذا لم ترتب لأنها والمرضع تبرءان في عدة الوفاة بتمام أيامها إذا ترتب، وروي عنه يحيى بن يحيى، في التي لا تحيض إلا في ستة أشهر، قال: لا تبرئها إلا الحيضة، فإن ارتابت، رفعت إلى التسعة، وأما التي لا تحيض إلا بعد التسعة في نحو سنة فثلاثة أشهر تبرئها في الاستبراء، إلا أن ترتاب فتبلغ التسعة، وأما المرضع فاستبراؤها ثلاثة أشهر، فإن ارتابت بلغت التسعة، وكل من/ رفعت الشهر الى التسعة أشهر، فهي في ضمان البائع لها إلى تمامها، ولا توطأ دون ذلك. ومن الواضحة، قال: وإذا كانت ممن تحيض، فرفعت حيضتها في الاستبراء، فاستبراؤها ثلاثة أشهر إذا نظرها النساء، وجسسن بطنها، وقلن: لا حمل بها ولا حس ريبة. ويلزم للمستبرئ أن ينظر بها ثلاثة أشهر؛ فإ، قال: إن البائع قال له: إنها تحيض في كل شهر فلا حجة له بذلك، وإذا كانت ممن لا تحيض إلا بعد ثلاثة أشهر ما فوق، فلا يبرئها إلا الحيضة، وهذا فيها كعيب، للمبتاع ردها به إن لم يبين ذلك له البائع إلا إن رضي بانتظار حيضتها، فذلك له، وإن بينه له البائع في البيع، فارتفعت حيضتها، وقد كانت تحيض في خمسة أشهر أو ستة أشهر فارتفعت حيضتها، فلترفع إلى التسعة، ولا مقال للمشتري في ذلك. وقد قال ابن القاسم: إن ارتفاع حيض التي تحيض في كل شهر عيب إلى ذهابه، ولا يلزمه تربض ثلاثة أشهر. والذي قلت لك قول مطرف، وابن الماجشون، ورواتهما، وأشهب عن مالك. والذي ذكر ابن حبيب، عن ابن القاسم، روي عنه خلافه، وقد ذكرتها في كتاب العيوب بأزيد مما ها هنا. قال ابن حبيب: وإذا وقفت الأمة للحيضة، فلما حاضت استمر بها الدم واستحيضت فللمبتاع ردها بذلك إلا أن يرضى بعيب الاستحاضة فاستبراؤها ثلاثة أشهر، إلا أن يحس النساء بها شيئا، فترفع إلى التسعة، ثم له الخيار في ردها أيضا بهذا، أو الرضى والتربص، وليس تأخير الحيض كالاستحاضة في الرد/ بذلك لأن الأمة لو كانت تستحاض المرة بعد المرة لم يكن عليه أن يبين ذلك، ولا هو عيب ترد به ولزمه تبرص استبرائها بثلاثة أشهر، ولا تصدق الأمة في [5/ 12]
الاستبراء، على أنها قد حاضت حتى ينظر إليها النساء ويصدقنها وكذلك في السقط. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع أمة في حيضتها فإن لم يبق منها إلا يوم أو يومان لم يجزه، وإن بقي أيام قدر ما تعرف أنها حيضة أجزأه، ولا يجزئه إن بقي اليسير منها، ثم إن رأت دما بعدها بأيام ليس في مثلها طهر فهو مضاف إلى الأول، وإن كان في مثلها طهر ولم يبقق الدم إلا يوم أو يومان، سئل عنه النساء فإن قلن: إن ذلك حيضة أجزأها، إلا أن تكون حيضتها قبل ذلك أكثر من هذا فلا يجزئها حتى تقيم ما يبرئها قال: ومن اشترى ممن هو معه ساكن من زوجته، أو ولد له صغير في عياله جارية وقد حاضت، قال ابن القاسم يقول: إن كانت لا تخرج أجزأه ذلك. وقال أشهب: إن كانت معه في دار هو الذاب عنها، والناظر في أمرها [أجزأه]، كانت تخرج أو لا تخرج، إذا كان سيدها غائبا، فيمن قدم اشتراها منه، قبل تخرج، أو خرجت وهي حائض، فاشتراها منه تطهر، والجارية بين الشريكين، تشتري أنت نصيب شريكك، فإن كانت بيدك وحاضت عندك، فلا استبراء عليك، وتضمنها مكانك، وتنقده/ الثمن، وإن كانت بيد شريكك، فلابد من الاستبراء والمواضعة. قال مالك وابن القاسم فيمن وضعت على يديه جارية للاستبراء، فحاضت عنده، ثم اشتراها حينئذ أو بعد أيام، وهي لا تخرج، ولا يدخل عليها سيدها، فذلك يجزئه، وليطأ مكانه، قال: وإذا وضعت الأمة للاستبراء، فولاؤها للمبتاع، بربح أو برأس المال، فلا تنقد حتى تحيض، وكذلك لو أربحه البائع فلا ينقده الربح، ولو أربحه البائع فيها بعد أن خرجت من الاستبراء بأيام، وحلت للمبتاع، وهي بيد الأمين، فللبائع أخذها ووطؤها مكانه، وكذلك الأجنبي يتولاها بربح، أو بغير ربح. وهذا الذي ذكر محمد ها هنا في المدونة خلافه. قال: وإن كان هذا بعد غيبة المبتاع عليها فلابد من ائتناف المواضعة، وإذا ردت بعيب ففيها المواضعة، والضمانة فيها من المبتاع. وروي أشهب، عن مالك، أن ضمانها من البائع في الرد [5/ 13]
ما يحل من الأمة في ترقب براءة الرحم في بيع أو عدة
بالعيب، وإنما توضع ليعرف أنها حامل أم لا، فإن ماتت قبل ذلك، فهي من البائع، وطئها المبتاع أو لم يطأها. قال: وإن كانت من الوخش، فلا توقف، وليقبضها البائع مكانه في الرد بالعيب، قال محمد: وبالأول أقول. وقاله مالك، وابن القاسم، أنها من المبتاع، ونفقتها عليه، في الإيقاف في الرد بالعيب حتى تحيض. قال ابن القاسم: إلا أن يكون قبضها المشتري قبل الاستبراء، وغاب عليها، ثم ردها بعيب أو بإقالة قبل وقت يكون فيه استبراء، فلا مواضعة فيها لأنها بعد في ضمان البائع إذا لم تكن منا لوخش ولكن لا يطؤها البائع بكل/ حال، حتى يستبرئ لنفسه، إلا أن يكون دفعها أولا إلى المبتاع يستبرئ لنفسه، لا على وجه الاستبراء، فلا يكون على البائع استبراء إذا رجعت إليه. قال مالك: ومن ابتاع جارية في أيام الخيار فقبضها فحاضت في أيام الخيار، فذلك يجزئه، والجارية تبضع فيها فيبتاعها لك الوكيل ويبعثها فتحيض في الطريق، قال مالك: لا يجزيك ذلك. قال أشهب تجزيك حيضتها في الطريق، أو عند الوكيل، ولا يستبرأ من سوء الظن. قال ابن الحبيب: وكل من يملك أمة بشراء أو هيبة أو ميراث فلا يحل له وطؤها حتى يستبرئها، وإن كانت وخشا، وإن أيقن أن من كانت له [لا يطؤها ومن كاتب جارية] ثم عجزت، فلا يطؤها حتى يستبرئ، لأنه لما حرم عليه فرجها كان كزوال ملكه عنها. وقال ابن القاسم، في المدونة: يستحب له أن يستبرئ، إلا التي في يديه تخرج. ما يحل من الأمة في ترقب براءة الرحم في بيع أو عدة أو غير ذلك من العتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن ابتاع معتدة، فلا يجردها عند البيع، ولا يلذ منها بشيء حتى تتم العدة، قال عيسى، عن ابن [5/ 14]
القاسم: وإذا كانت معتدة من وفاة، وهي بائسة من المحيض، فلا يطؤها حتى يتم بثلاثة أشهر من يوم موت الزوج، ولا ينقلها من بيتها قبل شهرين وخمس ليال من يوم موته، فإذا تمت، نقلها إن شاء، ولكن لا يطؤها حتى تتم ثلاثة أشهر من يوم البيع/، يدخل فيها الشهران وخمس ليال، من يوم مات الزوج. قال ابن القاسم، عن مالك: ومن له أمة حامل من غيره، حملت عنده أو عند غيره من نكاح، أو زنى فلا يطؤها ولا يلذ منها بقبلة ولا مباشرة ولا غيره حتى تضع. ومن الواضحة، قال: ولا يجوز للمبتاع أن يتلذذ من الأمة المبيعة بلذة ولا قبلة لأنها في ضمان غيره، ولا يجوز ذلك للبائع فيها، فإذا دخلت في أول دم الحيضة حل للمبتاع منها القبلة والمباشرة، ودخلت في ضمانه، وأما المسبية تقع في سهمه أو ابتاعها في المقاسم فله أن يلذ منها بالقبلة والمباشرة والتجريد وغيره، عدا الوطء ليلا يسقي ماؤه ولد غيره، وهذه قد تم ملكه فيها، وبيع المقاسم بيع براءة، وإن ظهر بها حمل لم ترد به. وهذا الذي ذكر ابن حبيب أنه يدخل البراءة من الحمل في بيع السلطان، ليس بقول المالك إلا أن يعني في الوخش. وقد ذكرتها في باب البراءة. وقد روي عن سحنون، في كتاب السير، في المشتري يقبض الجارية الرائعة، فليس له أن يلذ منها حتى تحيض، إلا أن ترضى بترك عهدة الاستبراء، أو بكل ما يظهرمنها من حمل فذلك له إن كان البائع لم يطأها. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن المواز: قال ابن القاسم، في المبتاع يطأ الأمة البكر في المواضعة، فيظهر بها حمل، فينكره البائع، فيتربص بها، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر، برئ منه، والمبتاع مخير، فإن شاء حبسها بالثمن ورجع بقيمةعيب الحمل، أو يردها بعيب الحمل ويغرم ما نقصها الافتضاض، وإن لم/ يظهر بها حمل، وقد حدث بها حمى أو داء، فليردها بذلك، ويرد ما نقصها الافتضاض، ثم إن ماتت بعد أن ردها بالعيب، فهي من البائع، وإن بقيت بيده بعد الرد حتى ظهر بها حمل وضعته لستة أشهر فأكثر من وطء المبتاع، ردت إليه أم ولد بقيمتها يوم وطئ، لا بالثمن، لأنه ردها بالعيب أولا؛ ولو لم يكن ردها بما حدث بها في المواضعة حتى وضعت لما ذكرنا من المدة فله إن [5/ 15]
فيمن باع جارية بجاريتين أو بجارية وعبد أو جارية، أو عرضا بعين
شاء ردها بالعيب الحادث فيلزمه بقيمتها يوم وطئها، ونصير أم ولد، وإن شاء رضي بالعيب وألزمها نفسه بالثمن. ومن العتيبة، قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم، في المشتري للأمة إذا أعتقها في المواضعة، فإن كان البائع لا يدعي حملها إن ظهر حمل مضى عتقه ولا رد له بحملها إن ظهر لأنه عتقه رضى بذلك. وكذلك في كتاب ابن المواز، ولكنه قال: إن كان البائع لم يطأها، عجل عتقها، ثم إلى آخرها سواء. قال ابن المواز، في كتاب العيوب: إن له الرجوع يحمل إن ظهر. فيمن باع جارية بجاريتين أو بجارية وعبد أو جارية، وعرضا بعين، وحكم المواضعة والضمان في ذلك وظهور عيب أو حمل بإحداهن من كتاب محمد، قال ابن القاسم: ومن باع جارية بجاريتين، وكلهن مرتفعات، فإن ماتت منهن واحدة قبل أن تحيض، انقض البيع كله، كانت المنفردة أو إحدى الاثنين، أرفعهما أو أدناهما قبل طمث سواها، أو بعد طمثها، أو بطمث/ إحداهما، وكذلك إن استمرت واحدة حاملا. محمد: قوله: أو واحدة؛ فإنها تصير كالثمن الموقوف، وكالعبد، وضمانها ممن نصير له، فإذا هلكت بعد أن طمثت، وهي المنفردة، كانت من بائع الجاريتين إن حاضتا، فإن هلكتا أيضا أو لم يخرجا من الاستبراء فهما من بائعها ونصير المنفردة من بائعها ويزول البيع كله، وإن ماتت واحدة أو الاثنين، أو ظهر بها حمل، وحاضت صاحبتها، انتقض البيع وأخذها منه صاحبها، طمثت أو لم تطمث، وكانت المنفردة من بائعها إن هلكت، أو تأخذها إن لم تهلك. [5/ 16]
قال محمد: صواب إلا في قوله في موت أدنى الجاريتين وظهور حمل بها أنه موجب لنقض البيع كله فليس يعجبني، بل هو كاستحقاقها أو ظهور عيب بها، وليرجع مبتاعها بقدر قيمتها من صاحبها في قيمة المنفردة، إن لم تملك. وروي عيسى، عن ابن القاسم، في هذه المسألة من أولها مثل ما اختار محمد. قال محمد: قال ابن القاسم: وإذا طمثت المنفردة، وقفت، فإن حاضت الرفيعة من الاثنين، قبضها مبتاعها، وقبض المنفردة مبتاعها، ولكل واحد أن يطأ ويبيع ويصنع بها ما شاء، ثم إن هلكت الثانية أو لم تخرج انتقض البيع فيها وحدها ويرجع مبتاعها بحصتها بقيمتها من قيمة المنفردة لا في رقبتها؛ لضرر الشركة، وكذلك لو ماتت الدنية أو حملت قبل تحيض المرتفعة ثم حاضتت المرتفعة/، وإنما ينتقض بموت المنفردة، أو بموت الرفيعة من الاثنين قبل الحيض، ولو حاضت المنفردة وقفت كالثمن، فإن هلكت وحاضت الدنية أو لم تحض، ومصيبة المنفردة من ربها، وكذلك لو ماتت الرفيعة منهما انتقض البيع وأخذ الدنية ربها سالمة أو غير سالمة. ولو ظهر بالدنية وحدها حمل رجعت إلى ربها ولا شيء عليه فيها ولو حاضت المنفردة فأوقفت، فهلكت، ثم ماتت الدنية من هاتين قبل تطمث أو [ظهر بها حمل فله تقف الرفيعة] فإن خرجت، أخذها مشتريها وحدها، ولا شيء له، وترجع الدنية الحامل إلى ربها، ولا شيء عليه فيها لأنه لم يصل إليه من ثمها شيء، ولو طمثت الدنية بعد هلاك المنفردة التي طمثت لم يأخذها مشتريها، وزاد في رواية عيسى في هذه المسألة في العتبية، فقال: وإن أصاب المنفردة عيب قبل الحيض انتقض البيع إلا أن يرضى بها المبتاع فيتم البيع، وكذلك إن سلمت وأصاب ذلك أرفع الاثنين، وإن سلمت أيضا، وأصاب الدنية عيب، أو ماتت انتظر [5/ 17]
بالرفيعتين فإن خرجتا تم البيع ورجع مبتاع الجاريتين الدنية في قيمة المنفردة وإن حاضت الدنية أولا ثم ماتت فإن خرجت صاحبتها من الاستبراء فالمصيبة من المشتري وإن لم تخرج صحيحة أو ماتت فالمصيبة من بائعها. وإذا وجد بإحدى الجاريتين عيب بعد أن حاضتا جميعا، ردها رجع/ بحصتها في قيمة المنفردة، وإن وجد بأرفعهما ردها وأخذ المنفردة إلا أن تفوت في سوق أو ثمن، فيرجع بقيمتها يوم قبضت، وإن كان بالمنفردة إلا أدناها، أخذ قيمتها، وأخذ الرفيعة. وهذه المسألة مذكورة في كتاب العيوب، في العيب يوجد ببعض الصفقة مستوعبة، وفي رواية عيسى زيادة معان، فلذلك كتبتها، وهي في كتاب ابن حبيب مثل ما ذكرنا ها هنا سواء. ومن كتاب محمد، قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن ابتاع جارية وعبدا بمال في صفقة واحدة، والجارية أرفعهما، فلا يقبض العبد ولا يضمنه حتى تحيض الجارية، فإن هلك العبد قبل حيضتها انتظرت، فإن حاضت قبضها مبتاعها، وكان الغرم منه، وإن فاتت أو ظهر بها حمل أو أصابها عيب فهي والعبد من بائعها وينتقض البيع. وروي عنه أبو زيد أن العبد من المشتري، ويقبض الثمن، فلم منع المشتري إذن من قبضه؟ فهذا محال. قال أصبغ: ولقد قال ابن القاسم: ولو رضي المبتاع فأخذ الغلام بحصته من الثمن، إذا لم تخرج الجارية من الاستبراء، ورضي له بذلك البائع، لم يجز ذلك إلا بعد المعرفة بحصته بأمر مستقبل قال ابن القاسم: وإن كان العبد أرفعهما، فيقبضه، وليصنع به ما شاء، وإن لم تخرج الجارية التي معه، وهلكت لزمه العبد بحصته من الثمن. محمد: وهذا يرد قوله الأول في فوت الأدنى. وهذا أصل مالك وأصحابه. وكذلك/ في رواية عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، مثل رواية أصبغ. وقال: [5/ 18]
باب فيمن باع أمة وهي زوجة لابنه، وذكر المواضعة والولد
ويصير ضمان العبد الذي قبض منه إن هلك قبل تحيض الجارية التي هي تبع له. وهي في الواضحة مثل ما ذكرنا سواء. ومن كتاب محمد: من ابتاع جارية مع دار أو عرض أو مع مائة أردب قمح بمائة دينار فتواضعا الجارية والثمن فهلك ما مع الجارية من عرض أو طعام فإن كان تبعا لها نظر؛ فإن حاضت، فذلك من مشتريها إن كان القمح قد كيل أو أخذ بكيلة، وإن كان بقي في الكيل فهو من بائعه بكل حال، بخلاف العبد والعرض والدار، وإن لم تخرج الجارية من الاستبراء فما تلف مما هو معها تبع من بائعه، وانقض البيع، وهو لو كان قمحا وهو تبع لم يكن يقدر على حوزه، ولو اكتاله، ولا كان يجوز له قبضه لأنه لا يعرف بعينه، وقد لا تحيض فيصير سلفا يرد، وقد تحيض فتصير بيعا. باب فيمن باع أمة وهي زوجة لابنه، وذكر المواضعة والولد ابن عبدوس: قال سحنون: ومن زوج أمته لولده ثم باعها فالبيع جائز ولا مواضعة فيها وينتقد، ولا يمنع منها الزوج، فإن وضعت لستة أشهر فأكثر من يوم البيع فالولد رقيق للمبتاع، وإن كان لأقل من ستة أشهر فسخ البيع ها هنا لأنه كان قبل الشراء وقد عتق على حدة، ولا تفوت بحوالة الأسواق وهي حامل، كأنه يقول: إنها على حكم بيع الصحة حتى تضعه لأقل من/ ستة أشهر، فيس فساد البيع. قال: وتقوم يوم قبضها على أنها حامل، كأنه يقومها على أن حملها لغيره، ولو كان يجوز بيعها كذلك، وهذا على مذهب أصحابنا في الولد يموت ولا أب له، وأمه حامل من زوج، فإن وضعت ولدا لأقل من ستة أشهر ورث أخاه، وإن كان لأكثر لم يرثه، ولا يعمل الزوج عنها إلا في قول ابن وهب، فإنه روي عن مالك أنه يحال بينه وبينها. وهو خلاف قول أصحابنا، ولو كان هذا لحلت بينه وبين زوجته إذا استبرأها المالك إن جاء ولد لأقل من ستة أشهر كان له أن ينفيه بلعان، وإن كان لستة أشهر كان في الملك، لا لعان فيه. [5/ 19]
باب في استبراء المعتدة وذات الزوج ومن زنت
باب في استبراء المعتدة وذات الزوج، ومن زنت، ومن اشترى زوجته، وذكر الحمل والمرأة منه، وذكر شيء من المواضعة قال ابن عبدوس: بيع الوضيعة بالبراءة من الحمل جائز، ولو بيعت بيع الإسلام وعهدته لم يكن فيها مواضعة لحقه فوقع الحمل فيها والخطر فيه، فإن جاء حمل لستة أشهر من يوم قبضها لزمته، وإن كان لأقل فله الرد به. قال غيره: والرفيعة ترد بالحمل، وإن جاء لأكثر من ستة أشهر. قال غيره: ومن باع جارية زاينة أو معتدة، فإن كان الزنى معروفا أو الزوج فالبيع جائز، ولا مواضعة فيها ولا ترد بحمل إذا كان الزنى قريبا من الحمل، مما يمكن أن يكون الحمل منه، وإن كان الزنى والزوج لا يعرف، فالبيع فاسد؛ لأنه أراد بذكر ذلك/ تجويز بيع الرائعة بلا مواضعة وبالبراءة من الحمل. قال عبد الملك: ولا مواضعة في ذات زوج ولا معتدة من طلاق، ولكن لا يطأ المعتدة إلا بعد حيضتين إلا أن يبيعها بعد انقضاء عدتها [قال عبد الملك وإن ابتاعها بعد عدة وفاة فانقضت عدتهاٍ بعد شرائه بيومين، فلا يقربها حتى تحيض، ولا مواضعة في هذه الحيضة على البائع، ولو حاضت حيضة بعد البيع قل تمام العدة، أجزائه، وحلت له بتمام العدة، ولو ظهر بها حمل لم ترد به، وإن وضعته لسته أشهر من يوم البيع، ولا مواضعة [في ذات الزوج إن لم يبن] بها الزوج، ولا ترد حمل، إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها، ولا يلحق به، ويفسخ النكاح، وللمشتري ردها بعيب هذا الحمل ولا يفسخ البيع. وإن اشتراها زوجها فلا مواضعة فيها ولا استبراء عليه، ومن دخل بزوجته ثم اشتراها ثم باعها قبل أن يطأها بعد الشراء ففيها المواضعة في هذه العدة، بخلاف شراء الأجنبي، كانت من العلية أو من الوخش، لأنها تصير بما يظهر من الحمل أم ولد، وترد [5/ 20]
ما يجوز من تقليب الأمة في البيع وهل يأخذ البائع ما عليها؟
لذلك لا لعيب الحمل، وأما الأجنبي فتدخل في ضمانه بالشراء، ولا يردها بحمل إن ظهر. ولو اشترى زوجته بعد أن طلقها أو بعد أن حاضت حيضة، ثم باعها، ففيها المواضعة في الحيضة الثانية. ما يجوز من تقليب الأمة في البيع وهل يأخذ البائع ما عليها؟ وقد شرط ذلك أو لم يشرطه من كتاب ابن المواز، والواضحة، وكره مالك للمشتري عند/ استعراضه للجارية أن يضع يده على عجزها أو ثديها، ولا يكشف معصما أو صدرا ولا ساقا، قال، في الواضحة: وليسأل بائعها عما يريد في ذلك. قال في كتاب ابن المواز: وليجعل النساء في ذلك، لما روي عن عمر في ذلك، قال ابن الحبيب: فلا أجيز ذلك للعازم على الشراء، ولم يفعله متلذذا ولا عابئا، وكان ابن عمر يضع يده من ثديها وعلى عجزها ويكشف ذلك، وذلك إن أعجبته وإلا لم يفعل. وقال عطاء: لا أحب أن ينظر إلى جواري، البيع، إلا من أراد الشراء. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وله أن ينظر إلى كفها. وكره أن ينظر معصمها، وساقها، وليخير عن ذلك كما يخبر عن الحرة، وكره مسه لعضدها. قال أصبع: وصدرها، ولا ينظر إلا إلى وجهها وكفيها وقدمها وشعرها وما ظهر من نحرها، لغير لذة. ومن الواضحة، وروي عن عمر بن الخطاب، في الجارية تباع وعليها الحلي والثياب تزين به أن ما زينت به من ذلك للبيع فللبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، وقال مالك: إلا ما عرف أنه من هبتها ولباسها، فهو للمبتاع، وإن لم يشترطه؛ من الثوب اليسير تبتذله، فليس للبائع حبسه عنها ولا نزعه. [5/ 21]
ومن العتبية وكتاب محمد، من سماع أشهب، قال مالك، فيمن باع جارية وعليها ثبات، فقال: إن الذي عليها عارية، ولها خلفان في البيت، فباع على هذا، ثم جاء يخلقين لا يواريانها؛ قال: رب خلق يواري، فأما إن كان لا يواريها، فعليه أن يعطيها أزارا يواريها، ولا يفسخ البيع. قيل، فقميص. قال: لا، ولكن إزار يواريها. / وقال مالك: إذا باعها وعليها إزار وشرط نزعه، وباعها على أنها عريانة، فلا يفسخ البيع، ويقضي عليه أن يعطيهم ما يواريها، إما بذلك الإزار أو بغيره، ولا ينفعه شرطه. ومن العتبية، قال أشهب، عن مالك: إذا أوقفها للبيع بثمن، فقيل: يقطع نصف دينار لكسوتها؛ فإنها عريانة. ففعل، ثم باعها مبتاعها، فطلبت منه النصف دينار، قال: يستخلف هذا الذي باعها آخرا لقد انتزع من النصف دينار. قال ابن كنانة: ثم رجع، فقال: يؤخذ النصف دينار من بائعها، فيدفع إليها. وهذه المسألة في كتاب ابن المواز من أولها. ومن كتاب محمد، قال مالك، في الحارية تباع عليها حلي وثياب، فما عرف أنه من هبتها ولباسها، فهو للمبتاع، وما عرف أنها زينت به، فهو للبائع، وإن لم يشترطه، ولا يفسخ به البيع ولو اشترطه المبتاع، وهو حلي، فلا خير فيه إن كان الثمن ذهبا أو ورقا، إلا أن يكون ذلك الحلي للجارية. وقال مالك: إذا تنازعا الثوب عليها؛ فإن كان مما يشبه بذلتها ومواهبها، فليس للبائع أخذه، وما علم أنه لتزين به، فللبائع أخذه. [5/ 22]
كتاب العدة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب العدة باب في عدة المطلقات من ذوات الأقراء أو من اليائسات واللائي لم يحضن والحوامل، وذات الريب وذكر من مات أو طلق في بعض الشهر وذكر الأقراء ما هي؟ من كتاب ابن المواز وغيره، قال مالك في قول الله سبحانه وتعالي: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، أنها الأطهار، بدليل قوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن". وإنما تطلق في طهر تعتد به. وقرأ ابن عمر: لقبل عدتهن. وفي حديثه دليل أخر، إذا أمره النبي عليه السلام أن يطلق للطهر، وقال: تلك العدة الذي أمر الله أن يطلق لها النساء قال بعض متبعي مالك، والقرء مذكر، ولو عنى به الحيض لقال: ثلاث قروء. والقرء: جمع الرحم الدم، ولا يجمعه إلا في الطهر، ومنه قريت الضيف. جمعته إليك ... [5/ 23]
قال الشاعر: ذراعي حرة أو ماء بكر ... هجان اللون لم تقرا جنينا وقال آخر: لما ضاع منه من قروء نسائكا ومن طلق آخر الطهر، فقد حصل له طهر تام، لأن المبتغي من الطهر، أن يخرجك إلى حيض، فحينئذ يدل أنه قروء، ولو تعدى فوطئها في الحيض، لم يكن مجئ الطهر والأعلى براءة الرحم، كان الخروج من الطهر إلى الحيض أبلغ في براءة الرحم، فدل ذلك أن الأقراء الأطهار. قال ابن المواز: قال مالك: وذكره عنه أشهب في العتبية، في قول الله سبحانه: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم"، قال: ذكر سبحانه عدة الحائض والحامل في آية، ولم يذكر فيها التي يئست من المحيض، والتي لم تحض، ثم ذكرها في آية أخرى، فقال: "إن ارتبتم". يقول:] فلم تدروا ما عدتهن ["فعدتهن ثلاثة أشهر". وقال غيره: إن ارتبتم في معاودة الحيض لهن. وهي ريبة مستقبلة/، ولو كانت ماضية لقال: أن ارتبتم، بفتح الألف، والله اعلم، واحتج غيره بما تأول مالك، فقال: بل يعني بقوله: "إن ارتبتم"، إذا ارتبتم، لا يأتي في معنى إذا فتصير ماضية، والله أعلم. قال مالك: فذكر تعالى العدة في الطلاق في ذوات الحيض وعدة من لم يحضن، ومن يئسن من المحيض. وقال في الحوامل: "وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن"، فكان هذا عاما في الطلاق والوفاة. [5/ 24]
ومن كان ابن المواز، قال مالك: وهو [في كتاب ابن سحنون عن] أشهب وسحنون، قال سحنون: وهو قول مالك وأصحابه: إن عدة المطلقة الحرة من ذوات الحيض ثلاثة قروء، والأمة قرآن، وعدة الحوامل الوضع، من حرة أو أمة، من طلاق أو وفاة، وعدة اليائسة من المحيض، والتي لم تبلغ، حرة كانت أو أمة، قال بعض أصحابه: ولم تنقص الأمة، إذ لا يبرأ رحم في الأصول من الشهور بأقل من ثلاثة أشهر. قال مالك وأصحابه: وأكثره من شرح أشهب. وأما المرتابة – وهي التي كانت قد حاضت ثم فقدت الحيضة المعتادة- فإنها ترفع ألى تسع أشهر استبراء، ثم ثلاثة عدة، وكذلك لو حاضت مرة من دهرها، ثم انقطع عنها سنين كثيرة، لمرض أو غيره، وقد ولدت أو لم تلد، ثم طلقت، فإن عدتها الأقراء ما لم تبلع سن من لا تحيض فلا ترتقب الحيضة، فإن لم ترها في وقتها فلترجع إلى تسعة أشهر استبراء الريبة، فإن لم تحض فيها صارت كاليائسة فلتأتنف حينئذ ثلاثة أشهر عدة/ اليائسة، فتحل بالسنة، حرة كانت أو أمة، وهذا فيمن في سن من تحيض مثلها، حتى إذا بلغت سن من لا تحيض مثلها، فعدتها ثلاثة أشهر في الحرة والأمة في الطلاق وليست هذه بمرتابة. وإذا حلت المرتابة بالسنة ثم تزوجت ثم طلقت، فعدتها ثلاثة أشهر في الحرة والأمة، وإن تبلغ سن اليائسة، لأنها اعتدت بالشهور مرة فصار لها حكم اليائسة إلا أن يعاودها الحيض ولو مرة فترجع إلى الحيض، ولا تحل إلا بثلاثة قروء في الحرة في الطلاق، وقرأين في الأمة، إلا أن ترتفع الحيضة، فترجع إلى حال المرتابة، فلا تحل إلا بسنة لا تحيض فيها، أو بما ذكرنا من الحيض، وما رأته اليائسة من الدم وقلن النساء: ليس بحيض لم تعتد به وتدع له الصلاة وتتطهر منه، وعدتها ثلاثة أشهر من يوم طلاق، والمرتابة التي تفقد الحيضة فترفع إلى السنة فإنها تحسب السنة يوم طهرت من تلك الحيضة، وإذا كانت من شأنها [5/ 25]
أن تحيض من ستة أشهر إلى مثلها أو من سنة إلى سنة أو إلى أكثر فلتأخذ في السنة وترتقب الحيضة، فإن جاء وقت الحيضة في السنة فلم ترها، حلت بتمام سنة من يوم طلاق، وإن حاضت كالعادة، فقد حلت، وإن مرت سنة ولم يأت وقت حيضتها، انتظرت وقتها، فإن لم ترها فيه، حلت، ثم إن حاضت بعد مضي وقتها بيوم لم يلتفت إلى ذلك، وإن جاء وقتها فحاضت فيه رجعت إلى الحيض فاحتسبت به، ثم حسبت السنة من يوم طهرت من الحيضة الثانية، فإن تمت سن ولم يات وقت/حيضها انتظرت وقت حيضها، وإن أتتها ائتنفت أيضا السنة ووقت مجئ حيضتها، فإن لم تأتها عند وقتها فقد حلت. وكذلك التي تحيض في السنة مرة تعمل هكذا حتى تعمل هكذا حتى تكمل لها ثلاث حيض، وسنة لا حيض فيها. قال سحنون، في كتاب ابنه: وخالف ابن نافع أصحابنا أجمع في المطلقة تحيض حيضة أو حيضتين، ترفعها الحيضة، فقال: إذا كانت ممن يحيض مثلها، انتظرت خمس سنين، وإن كانت ممن ييأس مثلها من الحيضة، اعتدت بالسنة تسعة أشهر، ثم ثلاثة، وأصحابنا لا يفرقون بينهما، والعدة فيهما بالسنة. يعني سحنون – والله أعلم- فيمن يحتمل أن تحيض، وأما فيمن لا يحتمل ذلك منها، فعدتها ثلاثة أشهر. وقد تقدم هذا من كتاب ابن المواز. قال مالك، في كتاب ابن المواز: وإذا مضى للمسترابة في الطلاق سنة، وفي الوفاة تسعة أشهر، فقد حلت، إلا أن تحس من بطنها حسا، فلتتربص إلى أقصى حمل النساء، خمس سنين، أو أربع، هكذا قال ابن القاسم. أراه يريد فيه القولين، قال: إلا أن تنقطع الريبة قبل ذلك، فتحل، وقال أصبغ: أربع سنين أقصى الحمل، وقال في موضع آخر: خمس سنين. وقال ابن عبدالحكم: تقيم أقصى حمل النساء. قال أشهب: ولا أرى المرأة تلد أبدا وهي ترى الدم على حملها، وقد تحمل أربع سنين، وخمسا وستا وأقل وأكثر، وبلغني أن امرأة ابن عجلان حملت سبع سنين. قال مالك، في كتاب ابن سحنون، وغيره: وعدة المستحاضة في الطلاق [5/ 26]
باب في عدة الوفاة للحرة والأمة
سنة، حرة كان أم أمة، وللزوج الرجعة في السنة كلها وتحمل بالسنة، إلا أن/ تقيم إلى زوال الريبة، وبعد هذا باب في عدة المستحاضة، وباب في عدة المرضع والمريضة. قال مالك: وعدة الحامل الوضع، في الطلاق والوفاة، وإن وضعت ولدا، وبقي في بطنها ولد، فله الرجعة إلى وضع آخر ولد، ولو طلقها بعد وضع الأول فله الرجعة إلى آخر ما تضع. قال أشهب: وتنقضي العدة بوضع المضغة والعلقة في الوفاة والطلاق، وأما الدم المجتمع فلا. وهذا في البائن وغير البائن في الحرة والأمة. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وفي كتاب ابن الموز، قال مالك: وإذا مات، أو طلق وعدة زوجته بالشهور، فليحسب إلى مثل تلك الساعة التي مات فيها أو طلق. ثم رجع، فقال: أرى إن بلغن ذلك اليوم، فإن نكحت بعد أن بلغت مثل تلك الساعة، لم أفسخ نكاحها لأنها قد أكملت، قال في كتاب ابن المواز: وتحصي ما بقي من هذا الشهر، وتحتسب بعد تمامه بالأهلة في الوفاة ثلاثة أشهر، ثم تتم على بقية الشهر الأول ثلاثين يوما، كان تاما أو ناقصا، ثم عشرة أيام، وفي الطلاق على نحو هذا. باب في عدة الوفاة للحرة والأمة وكيف إن كانت حاملا أو مسترابة أو مستحاضة؟ ومن كتاب ابن المواز، وابن سحنون، قال: ومن قول مالك وأصحابه: أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر، كانت صغيرة أو كبيرة، مدخولا بها أو غير مدخول بها، وفي الأمة شهران وخمس ليال، لا يراعى فيها حيض، إلا أن ترتاب حداهما/ بتأخير الحيضة عن وقتها، فترتفع إلى تسعة أشهر في الحرة والأمة، فتحل، إلا أن تحس تحريكا، فتقيم إلى خمس سنين. [5/ 27]
قال أصبغ: كانت حرة أو أمة، كانت الحرة مسلمة أو كتابية، أو كانت أم ولد أو استبراء في بيع. وكذلك في الوفاة والطلاق، في الأمة والحرة، قال: والمرتابة بتأخير الحيض في الطلاق يبدأ فيها بتسعة أشهر استبراء، إذ هو أكثر الحمل في أكثر النساء، فإذا لم تردها كانت كاليائسة، وقيل لها: اعتدى بثلاثة أشهر. وأما في الوفاة، فليس عدتها بالحيض، لكن بالشهور، وإن فقدت الحيضة في وقتها، بلغنا بها إلى شهور الحمل في أكثر النساء فكان لها ذلك براءة، وكذلك قضى عمر. قال مالك: وذلك في الحرة والأمة، إلا أن تحيض الحرة قبل التسعة وبعد الأربعة الأشهر والعشر، أو الأمة بعد الشهرين وخمس ليال، فتحل حينئذ، وإذا كانت الحرة لم تحض، أو يائسة من المحيض، فإنها تحل بأربعة أشهر وعشر. وكذلك التي بلغت حد المحيض فلم تحض، ولا تحل الأمة من هؤلاء إلا بتمام ثلاثة أشهر. قال أشهب: إلا أن يؤمن مثلها الحمل فتبرأ بشهرين وخمس ليال. وكذلك كل من فيها بقية رق، ومن لم تتم لها أحكام الحرية. وإذ اعتدت الحرة بالأربعة الأشهر والعشر، والأمة بشهرين وخمس ليال، ورأينا في ذلك الحيض على العادة، حلتا، وإن تأخرت رفعتا إلى تسعة أشهر. قال مالك، في الكتابين وفي العتيبة من رواية ابن القاسم: وإذا كانت لا تحيض إلا من ستة أشهر إلى/مثلها، أو من سنة إلى مثلها، فانقضت عدتها في الوفاة، ولم يأت فيها وقت حيضتها المعتادة، فقد حلت، وإن قرب وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بحس البطن، وإن مر بها وقت الحيضة فلم تحض، رفعت إلى التسعة من يوم الموت. قال في العتيبة: فإن مضت الأربعة أشهر وعشر فلم ترتب، فلينظر إليها النساء، فإن لم يرين بها ريبة حلت. قال ابن المواز: قال أشهب: وقد قال مالك لابن كنانة في هذه التي تحيض من ستة أشهر إلى مثلها، فإن لم يأت وقت حيضتها في شهور العدة: أنها تقيم حتى تحيض، ثم رجع إلى ما ذكر، وذكر ابن [5/ 28]
حبيب عن أشهب، وابن الماجشون. وذكره سحنون عنهما، وقال به في التي تتم العدة أربعة أشهر وعشرًا، ويمر بها وقت الحيضة فلم تحض أنها لا تنظر إلى ذلك وتحل بتمام عدتها، وتحل الأمة بتمام ثلاثة أشهر إلا أن يحسا ريبة الحس المولد فتقفا أقصى حمل النساء. وذكر ابن حبيب؛ عن ابن القاسم ومطرف، وأصبغ، مثل ما ذكر ابن المواز عن مالك مما تقدم، وقال: هو أحوط. قال سحنون: وقال أشهب في أم الولد يموت السيد أو يعتقها، وفي الأمة تعتق أو تباع وشأنها أن تحيض في كل ستة أشهر مرة، وفي السنة مرة: أنهن يحللن بثلاثة أشهر إذا نظرهن النساء ولم يربن بهن شيئا، بخلاف الحرة، لأن تلك عدتها، وهذه استبراء، قال أشهب: وهذا على حد قول مالك، وعلى أول قوله، يبلغ بهن تسعة أشهر. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب، عن مالك، وعدة / الأمة في الوفاة شهران وخمس ليال، فتحل بها إن مرت في ذلك وقت حيضتها فحاضتها، وإذا لم يمر عليها وقتها فلتتم ثلاثة أشهر وتحل إذا لم يمر أيضا عليها فيها وقت الحيضة فإنها تحل بتمامها وإن قرب وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بالحس، ولو مر عليها وقت الحيضة فإنها تحل بتمامها وإن قرب وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بالحس، ولو مر عليها في الثلاثة وقت الحيضة فلم ترها رفعت إلى تسعة كالحرة. يريد: إلا أن تحيض قبل ذلك. قال: وكذلك في الاستحاضة، فعدة الحرة والأمة في الوفاة –وهي مستحاضة- تسعة أشهر، وفي الطلاق سنة، فإن لم تكن ريبة ولا استحاضة، فعدة الأمة في الوفاة شهران وخمس ليال إن كانت صغيرة لم تبلغ الوطء أو كانت لم يقربها أو كانت يائسة من المحيض، فثلاثة أشهر، فإن نكحت قبل تمامها، فسخ نكاحها. قال بعض أصحابه ولم نجد في الأصول رحما يبرأ من وطء بغير حيض ممن يمكن منها الحمل في أقل من ثلاثة أشهر. قال أشهب، عن مالك: عدة الامة في الوفاة شهران وخمس ليال. قال ابن المواز: فإذا بنى بها وخيف من مثلها الحمل ولم تحض، فلتتم ثلاثة أشهر، وكذلك ذكره سحنون، عن أشهب وغيره. قال ابن المواز: قال أشهب: وقاله عمر بن عبدالعزيز، وابن شهاب وربيعة، ويحيى بن سعيد ومالك، والليث. قال ابن المواز: فإن نكحت بعد [5/ 29]
باب في عدة المريضة أو المرضع من حرة أو أمة في الطلاق
شهرين وخمس ليال، وقبل [ثلاثة أشهر فسخ ولم يعاقبا إلا أن تنكح قبل شهرين وخمس ليال وقبل] شهر ونصف في الطلاق. وهذا كله قول أشهب؛ لأنه لا يبرأ رحم ولا يستبين حمل في أقل من ثلاثة أشهر. وروي/ أبو زيد عن ابن القاسم، في العتيبة، في الأمة المرضع، أن عدتها في الوفاة شهران وخمس ليال، وتحل بها وإن لم تحض، إلا أن تستريب. يريد: بالحس. ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ: وإن تزوجت الحرة المستحاضة والمسترابة بتأخير الحيض بعد أربعة أشهر وعشر، في الوفاة، وقبل تمام تسعة أشهر لم أفسخ نكاحها، لأنها اعتدت بما أمرت به، وقد أبهم الله سبحانه ذلك، وقد علم أن منهن من تحمل، وإنما الزيادة استظهار، إلا أن تجد من بطنها حركة، فيفسخ إن نكحت قبل زوال ذلك، وعدة الحامل في الوفاة والطلاق الوضع. وقد ذكرنا تمام ذكرها في الباب الأول. باب في عدة المريضة أو المرضع من حرة أو أمة في الطلاق وهل يعزل الولد عن المرضع ليعاودها الحيض؟ ومن كتاب ابن المواز، ونحوه في كتاب ابن سحنون، عن عبدالملك وأشهب وسحنون، قال ابن المواز: ولم يختلف مالك وأصحابه في المرضعة إذا لم تحض أنه لا يبرئها أبدا في الطلاق إلا الحيض ما أقامت حتى يزول الرضاع، وتأتنف الحيض، وتقيم سنة من يوم قطعت الرضاع بموت الصبي أو فطامه أو عزله. وقال ابن المواز: وإنما السنة لمن لم يدر لم رفعتها الحيضة؟ والمرضع، وقد علمت أن بالرضاع تأخرت، وقاله علي بن أبي طالب، وعثمان، وزيد بن ثابت. [5/ 30]
قال مالك: وإن طلب انتزاع ابن المرضع/؛ ليتعجل حيضها، خوفا أن ترقه، فذلك له في طلاق الرجعة خاصة، أو قال: لأني أريد نكاح أختها، أو عمتها. أو كانت راتبة فقال: لأتزوج غيرها. فذلك له بالقضاء إذا علم صدقه، وإنه لتأخير الحيض، ولم يطلب ضررا بها ولا بالوالد. قال مالك: وهذا في صبي يقبل غير أمه، فأما إن خيف إن انتزع منها مات، فهذا لا ينزع منها. وكذلك فيما ذكرنا إن كانت هي الطالبة لطرحه. وكله قول مالك في طلاق الرجعة، فأما في البائن وفي الوفاة، فلا. قال ابن المواز: [واختلف في عدة المريضة في الطلاق إذا]، لم تحض، فروى ابن القاسم، عن مالك، عدتها سنة، وقال ابن القاسم، وعبدالملك، وأشهب، وأصبغ، عدتها الأقراء وإن تباعدت. قال محمد: وهذا أحب إلينا، وعليها واحدة. قال ابن المواز: قال مالك: وذكر مثله ابن سحنون، وعن أشهب، وعبدالملك، وسحنون، قالوا: وعدة المريضة أو المرضع في الوفاة سواء، لأن عدتها الشهور، وإن كانتا ممن يحيض، ويحلان بالأربعة أشهر وعشر، إلا أن يحسا التحريك. قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كانت أمة، فثلاثة أشهر، لأنه أقل ما يبرأ به الرحم. قال ابن المواز: قال ابن القاسم، عن مالك، في المريضة المثقلة تحمل، ثم وضعت ثم طلقت ولم تحض، فعدتها سنة كالمستحاضة. ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم في الأمة تباع وهي ترضع فاستبراؤها ثلاثة أشهر، وإن طلقت فعليها حيضتان بعد الرضاع، وفي الوفاة، عليها شهران وخمس/ ليال وإن لم تحض إلا أن تستريب. قال عبدالله: ذكر ابن المواز في كتاب الرضاع، فيمن طلق امرأته وهي مرضع، فانقضت عدتها، فتزوجت واللبنمتماد بها، ثم أرضعت [5/ 31]
في المعتدة من زوجين ممن نكحت في العدة أو المنعي لها
به: أنه ابن للزوجين، فانظر حتى تنقضي عدتها مع الرضاع وتحيض لا تأتي معه في أكثر النساء، إلا أن نقول: إنه إن جاء فيه أنها تعتد به كما قال بعض أصحابنا في المستحاضة. في المعتدة من زوجين ممن نكحت في العدة أو المنعى لها أو امرأة المفقود، والتي تعتد للطلاق ولا تعلم بالرجعة من كتاب ابن المواز، قال في المرأة تتزوج في عدتها، فيفسخ ذلك بعد البناء، قبل تمام العدة، فائتناف ثلاث حيض تجزيها، فإن كان بها حمل، فإن كان من الأول، وذلك قبل أن تنكح قبل حيض أو تنكح بعد حيضة، فتضعه لأقل من ستة أشهر من يوم نكاح الثاني، فهذه يبرئها الوضع من الزوجين، قال مالك: وإن تزوجت في حيضة، ووضعت لستة أشهر فأكثر من يوم نكاح الثاني، فهو له. وروى أشهب عن مالك أن ذلك يبرئها من الزوجين. محمد: إن في ذلك لضعفا. قال محمد: وتأتنف ثلاث حيض بعد الوضع، قال مالك، وابن القاسم: ولو كان الحمل من زنى، لم يبرئها وضعه ولا تبرأ بوضع ما يلحق بأبيه إلا في الملاعنة فإنها تبرأ به لأنه إذا استلحقه لحق به، والمنعى لها، إذا نكحت بعد العدة ثم قدم فطلقها وهي حامل من الثاني فلا يبرئها الوضع ولتأتنف بعد وضعها ثلاث/ حيض، كالمرضع إذا طلقت، تأتنف بعد زوال الرضاع، وإن لم تحمل، إئتنفت من طلاق الأول ثلاث حيض وأبرأتها، ولو لم يطلق، ولكن مات بعد أن قدم وهي في الاستبراء من الثاني فعليها أقصر الأجلين. هذا قول مالك وابن القاسم وأصحابهما إلا أشهب، فقال: إن أتى الأول ثم مات وهي حامل من الثاني إن وضعها يبرئها منها. قال ابن القاسم: ليست هذه كالناكحة في العدة تلد فيبرئها ذلك منها. قال أصبغ: ولو طلقها الأول في حملها من الثاني لم يكن لها بد من ائتناف العدة بعد الوضع ثلاث حيض، كان الطلاق بائنا أو غير بائن، وغير هذا خطأ [5/ 32]
لأن الطلاق وعدته وجبت بعد الحمل، والحمل من غير من تعتد منه ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أن ائتناف الحيض يبرئها منها في المنعي لها، والناكحة في العدة، وإنما اختلفا في الحمل في امرأة المنعي. قال أشهب: يبين بها وضع الحمل وإن كان من الثاني، وإن كان في وفاة الأول وطلاقه. وابن القاسم يقول: تأتنف في الطلاق بعد الوضع ثلاث حيض، وفي الوفاة يحسب لها من يوم موته أربعة أشهر وعشر ويكون عليها الإحداد فيها وإن تضع انتظرت الوضع تطالب أقصى الأجلين، وتحل. قال مالك، في امرأة المفقود تتزوج في الأربع سنين ويدخل بها ويفرق بينهما: إنها تقيم تمام الأربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، لابد في ذلك من ثلاث حيض وليس بنكاح في عدة. قال مالك والأمة تباع في بقية عدة من طلاق [أو وفاة فعليها حيضة مع بقية العدة، وإن كانت لا تحيض فثلاثة أشهر من يوم البيع. قال والتي تعلم بطلاق ولا تعلم برجعة من مسافر أو حاضر سواء إن بنى بها الثاني فهو أحق بها وكذلك كتب محمد. قال محمد والحاضر أعظم ظلما ولو دخل بها الثاني قبل موت الأول جاز نكاحه ولم ترث الأول. ولو مات المرتجع قبل بناء الثاني بعد نكاحه فدخل الثاني في عدة الأول فهو واطئ في عدة لا تحل له وترث الأول. ويختلف أصحاب مالك في هذا. يريد أصحاب مالك القائلين أنه لا يفيتها إلا الدخول. قال محمد وتعتد هذه أقصى الأجلين أربعة أشهر وعشرا مع ثلاث حيض. محمد قال ابن القاسم ولو بنى بها الثاني بعد موت الأول وتمام عدته فرق بينهما وورثت الأول بعد وينكحها هذا إن شاء بعد ثلاث حيض. محمد ولو ارتجعها الأول ثم طلقها ثانية فلم تعلم برجعته ولا بطلاقه الثاني حتى بنى بها الثاني قبل تمام عدتها الثانية كان ناكحها في عدة. قاله لنا عبد الملك. قالو التي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تتزوج [فهو أحق بها ما لم [5/ 33]
باب في عدة من يبلغها الطلاق أو الموت بعد مدة أو يظهر حنث متقدم
يبن بها الثاني فيكون الثاني أحق بها وليس] كالمفقود إذا لم يقم بينة أنه ارتجع قبل عقد الثاني حتى يصح ذلك عند الزوج الثاني أو عندها قبل البناء فإما بقوله بعد عقده النكاح إني ارتجعت قبل عقدة الثاني فلا يقبل ذلك منه. باب في عدة من يبلغها الطلاق أو الموت بعد مدة أو يظهر حنث متقدم والتي تبني على عدتها أو تأتنف العدة فيما يحدث/ من طلاق ثان أو موت أو عتق في الأمة وأم الولد تلد في العدة أو بعدها من العتبية، من سماع ابن القاسم في الذي يشك في يمينه فيقف ويسأل ثم يتبين له الحنث، فإن عدتها من يوم وقف عنها، ليس من يوم تبين له الحنث. قال ابن القاسم: فإن مات قبل ذلك، نظر في يمينه، فإن كان يحنث فيها لم يرثها ولا ترثه. وفي باب طلاق المريض في كتاب الطلاق: ذكر من الميراث فيما يشبه هذا. ومن كتاب ابن [المواز من شك في حنثه بطلاق البتة] ثم أقام أياما ثم تبين حنثه، فإن أيقن بالحنث فالعدة من يوم كان فيها حانثا، وإن ألزم ذلك نفسه للشك فالعدة من يوم ألزم ذلك نفسه أو ألزم. وقال أصبغ. محمد: لأن ما قبل ذلك مشكوك فيه. ومن غير هذا الكتاب عن مالك في التي يبلغها موته أو طلاقها، فالعدة من يوم [يصح موته، أو يصح طلاقه، ولو قدم، فأقر بالطلاق في سفره، فالعدة من يوم] إقراره، إذا لم تقم بينة، ولا يرتجع [5/ 34]
إلا في بقية العدة من تاريخ طلاقه على ما أقر به، ولو قامت بذلك بينة، كانت العدة من أول ما طلق، فإن انقضت فلا رجعة له. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن خالع زوجته ثم نكحها في العدة ثم طلقها قبل أن يمس، فهذه تأتنف العدة التي على عدتها الأولى ولها نصف الصداق، ولو طلقها طلاق رجعة، ثم ارتجعها في العدة ثم طلق قبل أن يمس فهذه تأتنف العدة، لأن الرجعة صدمت العدة، وكذلك قال فيها في سماع ابن القاسم في العتبية. ومن أعتق أمته/ أو أم ولده في عدة وفاة أو طلاق حلت بتمامها ولو لم يبق منها إلا يوم واحد، ولو أعتقها بعد خروجها من العدة، فأم الولد تأتنف حيضة والأمة تحل مكانها، وأم الولد إن كانت معزولة عن السيد، أو غابت عنه مدة فلا بد من حيضة في موته أو عتقه مؤتنفة، لا يجزئها إن كانت حائضا يومئذ. كما يجزي في البيع في أول الدم، ما لم يكن الموت أو العتق في بقية عدة الزوج وحدوث العتق في العدة لا ينقلها إلى عدة الحرة، وحدوث الموت في طلاق الرجعة خاصة بوجب الانتقال إلى عدة الوفاة، وهدم العدة من الوفاة، كما تهدمها الرجعة. قال مالك فيمن صالح امرأته ثم تزوجها في العدة ثم طلقها، يريد قبل البناء، فلتبن على عدتها الأولى، فإن مات في بقية منها وقد طلق لم تنتقل، ولو مات بعد أن نكحها ولم يطلق ثانية فعليها أقصى الأجلين تم بقية عدتها الأولى، وأربعة أشهر وعشرا من يوم مات بالإحداد. قال سحنون: فإذا تمت الأربعة أشهر وعشر، سقط الإحداد فيما بقي من تمام عدة الطلاق. قال ابن المواز: وإذا طلقت الأمة واحدة ثم عتقت ثم مات الزوج فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة عدة الحرة، ولو عتقت بعد موته انتقلت إلى عدة الوفاة، عدة أمة. من كتاب ابن سحنون، قال: وممن يطالب أقصى الأجلين، إن شهد [5/ 35]
في عدة المستحاضة في الطلاق والوفاة في الحرة والأمة وأم الولد
على رجل أنه قال: إحدى نسائي طالق البتة. ثم مات وهي مجهولة، فعليهن أقصى الأجلين. وأما الذي يقر أنه كان طلق زوجته منذ وقت تنقضي فيه العدة، فليس في هذا أقصى الأجلين]، أو مات، فتعتد عدة الوفاة، وإن عاش فعدة الطلاق، وهي ترثه ولا يرثها./ في عدة المستحاضة في الطلاق والوفاة في الحرة والأمة وأم الولد واستحاضة الحامل من كتاب ابن المواز، قال مالك: عدة المستحاضة في الطلاق سنة كالمرتابة، تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدة، كانت حرة أو أمة أو كتابية، والرجعة في ذلك تائمة، فإن ظهر حمل فالوضع يحلها، وإن جاءت الحيضة وزالت الاستحاضة رجعت إلى الحيض، وإن تمت سنة في الاستحاضة حلت. قال مالك: ربما عرفت إقبال الحيضة بكثرة الدم وإدبارها بقلة الدم، ولكن عدتها سنة؛ لأنها لا توقن أن ذلك كذلك. قال مالك في التي طلقت فحاضت ثم تمادي بها الدم استحاضة ثم انقطع قبل السنة، فإن أيقنت أول أوله حيضة حسبت السنة من يوم القطع أو تحيض حيضتين، وإن شكت طالبت ثلاث حيض بعد الاستحاضة، أو سنة من يوم الطلاق. محمد: وقال بعض أصحابنا: تحسب السنة من بعد الحيضة والاستظهار إن أيقنت أنها حيضة، فإن شكت فالسنة من يوم طلقت. قال محمد: والقياس في شكلها لن يكون السنة من بعد أيام الاستظهار، وقول مالك أولى لأنه أشبه بقول عمر. وابن المسيب: أن السنة في شك الحيضة من يوم طلق حتى توقن بالحيضة. [5/ 36]
قال أصبغ: وقد كان قال ابن القاسم في التي تطلق وهي مستحاضة ثم ينقطع الدم: أن السنة من يوم انقطعت الاستحاضة قبل تمام السنة ولو لم يبق منها إلا شهر. وليس هذا بشيء (وإنما) تنقطع السنة بحيضة/ مستقيمة قبل السنة، فهذه تبتدي سنة من بعد الحيضة، فأما إن انقطع مع الاستحاضة بلا حيضة فالسنة من يوم الطلاق انقطع ذلك الدم أو لم ينقطع [وإلى هذا رجع ابن القاسم. قال محمد إذا طلقت في الدم ثم انقطع لسنة من يوم الطلاق انقطع ذلك الدم أو لم ينقطع فإن كان] ذلك حيضة أو استحاضة، وهو جواب ابن القاسم، خبرني به أصبغ. قال أصبغ: إذا طلقت وهي مستحاضة وأقامت ستة أشهر ثم انقطع عنها ستة أشهر فقد حلت. وكذلك لو لم تر دما من يوم الطلاق ستة أشهر ثم استحاضت فبتمام سنة من يوم الطلاق تحل إلا أن تحس حركة البطن فتقيم إلى أن تنفش أو تأتي حيضة أو تبلغ خمس سنين ثم تحل. قال: وإن طلق فاسترابت فانتظر سنة فرأت فيها دما يوما أو ما لا يكون حيضا انتظرت سنة من يوم الطلاق. قال أصبغ: وإذا صلت المستحاضة صلاتين بوضوء واحد، لم تعد إذا رأت دما لا تشك أنه دم حيضة تركت صلاة فيه، وإن طلقت فيه جبر على الرجعة، وتغتسل بانقطاع هذا الدم الجديد ولا تعتد به من طلاق، وعدتها لسنة، وإن تمادى بها الدم المستنكر استطهرت بثلاثة أيام، ثم اغتسلت كغير المسحاضة، وقيل: لا تستظهر هذه ولا التي أول ما تبلغ ولا الحامل. قال مالك: وعدة المستحاضة في الوفاة في الحرة أربعة أشهر وعشر وفي الأمة، ثلاثة أشهر إلا أن تستريب إحداهما فتقيم (إلى زوال الريبة). وقال ابن كنانة وأشهب، ورواه ابن القاسم عن مالك. وقال ابن وهب عن مالك: تقيم [5/ 37]
جامع من ذكر عدة الأمة وأم الولد والاستبراء في بيع أو عتق
تسعة أشهر. وقال ابن وهب. [قالا واستحاضتها من أشد الريبة وإنما هريقت على] ولدها، وإذا استحيضت الحامل تركت الصلاة، واختلف فيه عن مالك؛/ فروى عنه أشهب وابن وهب – وقال به- أنها تستظهر على أيام حيضتها بثلاث. وقال أصبغ. قال أصبغ: وتستظهر الجارية أول ما تبلغ على أيام لذاتها بثلاث، وإذا استحيضت أم ولد في وفاة السيد أو أمة قد عتقت أو بيعت فثلاثة أشهر يبرئنها، وكذلك في الريبة لتأخير الحيضة أو تأخيرها للرضاع أو مرض إلا أن تحس حركة البطن فتقيم إلى زوال ذلك، وإذا فلن النساء: لا حمل بها. وقد تمت الثلاثة أشهر، فقد حلت. جامع من ذكر عدة الأمة وأم الولد والاستبراء في بيع أو عتق ومن اشترى زوجته وشبه ذلك من كتاب ابن المواز، روى ابن القاسم عن مالك في تأخير حيض الأمة في البيع ترفع إلى التسعة. وروى عن أشهب: ثلاثة أشهر تبرئها إذا نظرها النساء وقلن لا حمل بها. وعلى هذا أصحاب مالك، بخلاف تأخير الحيضة في أم الولد والأمة في النكاح فهي تكون كالحرة في النكاح ويتفقن في اللواتي لم يحضن أو يئسن من المحيض أن ثلاثة أشهر براءة في ذلك كله إلا أن تحس حركة. ومن ابتاع زوجته ثم باعها أو أعتقها قبل أن يطأها فلابد من حيضتين، عدة الفسخ. قال جميع أصحاب مالك. وكان من قول مالك: أنه تجزئها حيضة ما لم يكن طلقها قبل أن يستبرئها ثم رجع فقال: حيضتين من يوم الشراء إلا أن [5/ 38]
يطأها بعد الشراء فتجزئها حيضة، ولو لم يطأها حتى مضت حيضتان، أجزأها ذلك في العتق، وله أن يزوجها، وإن باعها، فلابد من الاستبراء./ محمد: وإن باعها بعد حيضة من يوم شرائه أجزائها حيضة أخرى، وإن تأخرت فلابد من السنة لأنها في عدة نكاح. قال ابن القاسم ولو كانت تحت عبد فاشتراها وهو مأذون ثم انتزعها منه السيد مكانها قبل أن يصيبها العبد، فلا يقربها إلا بعد حيضتين، لا لبيع من غيره، ولو وطئها العبد قبل الانتزاع استبرأها سيدها بحيضة، وإن تأخرت فبثلاثة أشهر، بخلاف ريبة العدة. ومن ابتاع زوجته ثم اعتقها قبل أن يطأها فله هو نكاحها وإن لم تحض شيئا. وكذلك لو كانت حاملا، إلا أن يأتي عليها ستة أشهر من يوم حملها فتصير كالمريضة لا تنكح. وكذلك في أم الولد يعتقها ثم يتزوجها. ومن خالع زوجته الأمة ثم اشتراها قبل تمام العدة فله وطؤها مكانه. ومن ابتاع أمة، فخلا بها، ثم استحقت حرة فلا بد لها من عدة الحرة: ثلاثة قروء وإن تصادف أنه لم يمس. ومن أعتق أمته في أول الحيضة، أجزتها، كالبيع ولا تجزي أم الولد. ومن قال لأمته: إذا مات زوجك فأنت حرة. فعدتها من شهران وخمس ليال لأن العتق بعد الموت وقع. قال: وذهب ابن المسيب، أن على أم الولد من وفاة سيدها أربعة أشهر وعشرا. وإنما هذا عدة الزوجات وهذه مملوكة، وخالفه كثير من التابعين وقالوا: حيضة. وهو قول ابن عمر، وزيد ابن ثابت وغيرهما من الصحابة. ومن ابتاع زوجته قبل البناء حل له وطؤها مكانه لأنها حلت له بالنكاح. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، ومن غصب أمة نفسها/، فاستبراؤها حيضتان، وإن طاوعته، فاستبراؤها حيضة. قال أصبغ: في ذلك كله حيضة. [5/ 39]
باب في عدة النصرانية، وكيف إن أسلمت تحت كافر أو أسلم؟
باب في عدة النصرانية وكيف إن أسلمت تحت كافر أو أسلم؟ وكيف إن أسلم ثم مات؟ وعدة امرأة المرتد من كتاب ابن المواز، قال: ولا أعرض لنصرانية في عدتها من نصراني إلا أن تنكح مسلما فلا يجوز أن ينكحها إلا بعد ثلاث حيض في الوفاة والطلاق، إلا أن يكون لم يبن بها، فلا عدة عليها لوفاة أو طلاق. ومن تزوجها قبل تمام الثلاث حيض ودخل بها. قال ابن وهب: يفسخ نكاحه. وقال أصبغ: لا يحكم بذلك للاختلاف في الاستبراء، قد قيل: حيضة واحدة، ولكن الثلاث احتياط. قال مالك: وعدتها من المسلم الحر والعبد عدة الحرة في الوفاة والطلاق تجبر على ذلك وعلى الإحداد. قال أشهب: وإن أنكحت تحت نصراني فمات في عدتها كافرا فليس عليها غير تمام ثلاثة قروء من يوم أسلمت، ولو أسلم فيها ثم مات لانتقلت إلى عدة الوفاة تأتنفها من يوم موته، ولو أسلم هو دونها فعليها ما على المسلمة من العدة والإحداد إن كانت كتابية، فإن عرض عليه الإسلام بعد إسلامه فأبت فلا عدة عليها للوفاة وعليها ثلاث حيض تجبر على ذلك، وإن لم يعرض عليها الإسلام حتى مات فقد قيل: عليها في الحرة أربعة أشهر وعشر وفي الأمة شهران وخمس ليال. وقد قال: ليس عليها إلا ثلاث حيض لأنه كان بريا من عصم الكوافر ولا كان له عليها عصمة/ ولا رجعة، وإن أسلم وتحته ستة، ثم طلقها، لم يلزمه الطلاق عند أشهب ويلزمه عند ابن القاسم يريد هذا إن أسلمت بالقرب قبل يعرض عليها الإسلام. [5/ 40]
باب في عدة النكاح الفاسد، وذكر امرأة الصبي والخصي
باب في عدة النكاح الفاسد وذكر امرأة الصبي والخصي من كتاب ابن المواز: وعدة النكاح الفاسد في الحرة والأمة كالنكاح الصحيح إلا في الوفاة فإنه لا يختلف فيما كان يفسخ قبل البناء، فعدتها أربعة أشهر في الحرة إذا مات قبل الفسخ بنى أو لم يبن، وما يفسخ بعد البناء، فلا عدة وفاة فيه، وإن بنى، فقيه ثلاث حيض. قاله أشهب وأصبغ. وإليه رجع ابن القاسم. قال أصبغ وغيره: هذا خطأ. قال محمد: يعني، شيئا ذكر عن ابن القاسم، فيمن نكح في العدة، ثم مات أنها تعتد أربعة أشهر وعشرا. قال محمد: ولعله إنما تزوجها في عدة منه. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن نكح في المرض، وبنى فيه، ثم مات، أن عليها أربعة أشهر وعشرا. وقال ابن سحنون عن أبيه: قال مالك في امرأة المرتد: إنها تعتد من يوم ردته عدة المطلقة ولا ميراث بينهما في العدة، وإن حبس حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه. في الدعوى في انقضاء العدة من كتاب ابن المواز: وإذا قالت المعتدة: قد انقضت عدتي. قبل قولها فيما لا يستنكر. وإن قالت: حضت في شهر ثلاث/ حيض لم تصدق. وقد قيل: تصدق في الشهر. وليس بشيء. وروى ابن وهب عن مالك قال: يسأل النساء عن ذلك فإن صدقنها حلت. وروى عنه أشهب في امرأة قالت: قد انقضت عدتي في أربعين يوما. قال: قد أتت عظيما، وما أرى هذا يجوز لها. قيل: إن النساء يحضن إلى ذلك في هذه المدة؟ قال: لا، قد جعل الله سبحانه بدل كل قرء شهرا. قيل: فإن كان ذلك معروفا عندهن؟ قال: إن كان معروفا [5/ 41]
في الإحداد للمعتدة من الوفاة
عندهن، فهو كذلك. وروى ابن وهب أن أبان بن عثمان [صدقها في خمس وأربعين ليلة] وحلفها. قال أشهب: ولست أرى عليها يمينا إذا كن النساء يحضن في مثل ذلك ثلاث حيض. وروى أيضا عن مالك في التي قالت: حضت ثلاث حيض في شهر ونصف. لا أرى أن تمكن من ذلك، وأراها قد عجلت، وأقل حيض النساء أن يقيم خمسا، وإنما تقيم هذه عشرة أيام حتى تحيض، ما أرى أن تمكن من ذلك. قال أشهب: وتصدق في الحيضة الأولى لو قالت: حضتها يوم طلقني. وتنظر في الحيضتين وطهرها. كم قدر ذلك؟ فتصدق في مثله. قال مالك في المطلقة واحدة تقيم سنة ثم يهلك زوجها فتقول: لم أحض إلا حيضة واحدة وتطلب الميراث، فإن كانت ترضع صدقت وإلا لم تصدق، إلا أن تكون قد تذكر من تأخير حيضتها وتظهر ذلك. وذكرها عيسى عن ابن القاسم، في العتبة قال: أما المرضع فتصدق حتى يفطم ولدها وبعد فطامه بسنة، وأما التي لا ترضع فتصدق حتى تأتي عليها سنة ذكرت ذلك أو لم تذكره وعليها اليمين، إلا أن يكون/ سمع منها أنها حضات ثلاث حيض. ومن كتاب محمد، قال أشهب: وإذا أراد رجعتها، فقالت: أسقطت في المغتسل مضغة فهي مصدقة وإن كان بعد طلاقها بيوم. في الإحداد للمعتدة من الوفاة من كتاب ابن المواز قال مالك: وتجتنب الحاد الصباغ إلا السواد فلها لبسه، وإن كان حديثا، ولا تلبس الملون من الصوف ولا من غيره ولا أدكن ولا أخضر، ولا تلبس حليا وإن كان حديدا، ولا خرص فضة ولا غيره، ولا تحضر [5/ 42]
باب في سكنى المعتدات
عمل طيب يعمل لبعض أهلها ولا تنجز به، ولا تبيعه وإن لم يكن لها كسب إلا فيه حتى تحل. قال محمد: ولا يحل الإحداد لمن مات أبوها وولدها وأخوها وإنما ذلك في الزوج. قال مالك: وإن اكتحلت من علة وضرورة بالصبر بالليل، فلتمسحه بالنهار وإن كان فيه طيب عند الضرورة ودين الله يسر، قال مالك في المختصر الصغير: ولا تكتحل الحاد إلا أن تضطر؛ فتكتحل بالليل، وتمسحه بالنهار من غير طيب يكون فيه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن القاسم عن مالك: إن الإحداد على المرتابة حتى تنقضي الريبة وإن بلغت خمس سنين. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك في المتوفى عنها زوجها لا بأس أن تحضر العرس ولا تتهيأ فيه بما لا تلبسه الحاد ولا تبيت إلا في بيتها. وروى أشهب عن مالك في التي مات زوجها وقد امتشطت قال: لا تنقض مشطها، أرأيت لو اختضبت بالحناء؟ وقاله ابن نافع/. قال سحنون: قال ابن نافع: وعلى امرأة المفقود الإحداد في عدتها. وقال ابن الماجشون، في موضع آخر: لا إحداد عليها. وروى أشهب، عن مالك في التي يموت زوجه فتحلق رأسها، هل فيه كفارة؟ قال: أما شيء مؤقت فلا "وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم". باب في سكنى المعتدات من كتاب ابن المواز، قال مالك: للمبتوتة السكنى على زوجها في العدة ويحبس في ذلك ويباع عليه ماله، أو يستيقن أنه لا شيء له، فيكون ذلك علما ولا تخرج. وكذلك لما فسخ من الحرام البين، فحيث يجب الصداق تجب السكنى. [5/ 43]
قال مالك: ومن مات وله زوجة وهي في دار هي له، أو نفد كراءها، فلها السكنى وإن أحاط به الدين فإن قام الغرماء، بيعت الدار واشترط سكنى عدتها على المشتري فإن ارتبات فهي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة وتحل، وأحب إلينا أن يرجع المشتري على البائع، فإن شاء فسخ بيعه وأخذ الثمن، وإن شاء تماسك بغير شيء يرجع به لأن البيع إنما وقع على استثناء العدة المعروضة أربعة أشهر وشهرا؛ ولو وقع بشرط زوال الريبة كان فاسدا. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في العتبية أنه لا حجة للمبتاع، وإن تمادت الريبة إلى خمس سنين فلا حجة له؛ لأنه قد علم أن أقصى العدة خمس سنين، فكأنه دخل على علم، وإن مات وليست الدار له ولا نقد كراءها فليكرها، ويؤدي الكراء من مالها،/ إلا أن يخرجها، وبه قال مالك. وإذا أكراها مدة فمات وبقيت من المدة بقية ولم ينقد الكراء، فالكراء لازم للميت في ماله ولا تكون الزوجة أحق بذلك ثم يتحاص الورثة في ذلك، وللورثة إخراجها، إلا أن تحب أن تسكن في حصتها، وتؤدي كراء حصتهم، وإن نقد بعض الكراء، سكنت في حصة ما نقد بأسره، وكان الحكم فيما لم ينقد كما ذكرنا، وإن شاء الورثة أن يكروا منها لزمها المقام، وإن شاءوا إخراجها فذلك لهم، وكذلك صاحب الدار بعد المدة، ولو كان المنزل حبسا عليه حياته كان لها السكنى في عدتها، وإن تأخرت حتى تنقضي الريبة ولو إلى خمس سنين؛ لأن العدة من [أسباب أمر الميراث] وهذا بخلاف السنين لما يلزمه لسكنه إياها، فإذا انقضت قبل تمام عدتها، فلرب المسكن إخراجها. وأما المطلقة واحدة أو البتة. قال في المدونة: واحدة بائنة، أو ثلاث إذا مات في العدة، فقد لزمته السكنى وهي في تركته إذا لم يكن نقد الكراء، وروى ابن نافع في المدونة أنها كالمتوفى عنها التي لم تطلق. [5/ 44]
باب في انتقال المعتدة ومبيتها، وعدة البدوية ورحلتها، وعدة المسافرة
ومن كتاب محمد، قال مالك: والبكر التي لم يبن بها تعتد في الوفاة في دار أبيها، ولو كان بنى بها وهي لا يوطأ مثلها، كان لها السكنى في منزل في عدة الوفاة، وأما في الطلاق فلا سكنى لها إذا كانت لا توطأ مثلها، إذ لا عدة عليها، ولو نقلها إليه لغير البناء لعلة، أو سبب لم يكن لهذه سكنى/ في وفاة ولا طلاق، كانت صغيرة أو كبيرة. قال أصبغ في هذه الصغيرة التي لم يبن بها وهي لم تبلغ حد الوطء. إن كان أكرى لها موضعا جعلها فيه ثم مات وقد نقد كراءها أو الدار له، فلها السكنى في عدتها، وإذا مات زوج المعتكفة أو طلقها، فلا تقطع اعتكافها، ولو مات أو طلق وهي حائض قد خرجت إلى منزلها، لرجعت إذا طهرت، لتمام الاعتكاف. قال ابن القاسم، في المبتوئة تخرج من منزله وتسكن بسواه فلا حق لها بالكراء. محمد: بخلاف النفقة. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم في من أسكن أخا له منزلا فطلق امرأته وخرج فليس لرب الدار إخراجها حتى [تتم العدة]. ومن العتبية روى سحنون، عن ابن القاسم، في المبتوتة يموت زوجها، فيقسم الورثة منزله، فلا بصير لها ما يكفيها من السكنى، فعليهم أن يتوسعوا لها حتى يكفيها. باب في انتقال المعتدة ومبيتها وعدة البدوية رحلتها وعدة المسافرة وسكناها من كتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك: إذا كانت داره ذات منازل ولم يكن فيها غير الزوجين فمات الزوج فلا تبيت إلا في مسكنها منها، ولها أن تبيت في حجرة بيتها وأسطوانه وسطحه خزانته، حيث شاءت من ذلك كما [5/ 45]
كانت، وقال مالك، وإذا مات في دار لها بيوت/، فأرادت أن تتصيف في القاعة فلا تتصيف إلا حيث كانت تتصيف في حياته. قال محمد: ومعنى الحديث في الزوجات لمن يتحدثن عند إحداهن ليلا، ثم يرجعن إلى بيوتهن فأبيح لهن. يعني- والله أعلم- أن يقمن إلى وقت قيام الناس. قال مالك: تقيم المعتدة في الوفاة والطلاق في الزيارة إلى قدر هدوء الناس بعد العشاء، وتخرج سحرا إن شاءت، ولها أن تخرج نهارا لشغل لها بين حرث أو زيارة، أو غير ذلك. وكره أن تكون عند أمها النهار أبدا محمد: خاف في الأم خاصة أن تكون مثل النقلة، وأما غير ذلك فجائز إذا رجعت بالليل، ولا تنتقل المعتدة إلى بيت هو لزوجها أيضا وإن كان أصلح لها. وقال مالك: ويمنع السلطان المعتدة في الوفاة أن تنتقل إلا لخوف أو ضرورة، وما لا يقدر أن تقيم عليه كخوف منبوذة، وإنما خرجت عائشة لأختها أم كلثوم فرارا من الفتنة. قال مالك: وتنتقل إذا تهدم منزلها. قال مالك: والتي لا جار لها وتبعد عن أمها فإن انتقلت الأم إليها لم تحملها في متوضإ ومطعم ومشرب. قال: ولا تنتقل من منزلها ومن نقل امرأته بمتاعها إلى بيت أمتها أو نقلها إلى منزل وسكنها ثم طلقها قال مالك: فلترجع إلى البيت التي كانت تسكن فيه قبل يطلقها. وروى عنه ابن وهب، في من يكاري لامرأته منزلا فانتقل معها إليه أياما ثم طلقها فيه ورجع إلى منزله وتركها، قال: ترجع المرأة إلى منزله الأول إلا أن يكون حين انتقل أولا، [والانتقال من شأنه .. ] لأن يطلقها وتعتد فيه، ولو مات فخرجت من ليلتها إن خرجت حين أخرج نفسه، فانتقلت عند أهلها أو غيرهم، قال مالك: ترجع إلى منزلها، ولو طلقها وهي في بيت أهلها، قد نقلها إليهم ليمين عليه فلترجع، وإن حنث لتعتد في بيتها، قال: ورجع مالك عن قوله في المطلقة [5/ 46]
واحدة أنه يأكل معها إن كان معمها من يتحفظ منه، وقال: لا يدخل عليها بإذن ولا بغير إذن، حتى يراجعها. محمد في الطلاق البائن أو غير البائن سواء. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، في المعتدة وتكون مع أبيها في دار، وهو مريض أتبيت عنده؟ قال: لا تبيت إلا في بيتها. قال: ولا تمكث عنده إلى نصف الليل، ولتخف المقام بالليل عنده، ولا بأس أن تخرج إليه عند الفجر أو قبله بقليل. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، في البدوية في الموت والطلاق: لها أن ترتحل إلى أهلها؛ كانوا في بادية أو قرار إلا أن يكون زوجها أخرجها من قرار، فلترجع إليه، ولا تنتوي من قرار، ولا تنتوي مع أهل الزوج وإن كانوا في قرار إلا ان يكون الزوج هو انتوى بها من القرار، فلتعد إليه إلا أن يكون انتقل رفضا له فلترجع حيث شاءت. قال: وإذا مات الرجل، أو طلق وهي في سفر، فإن أبعدت لم ترجع إلا مع ثقة إذا كان يبقى لها بقية من العدة بعد وصولها، ولو خرج بها رافضا لقراره فلها أن تنحاز إلى موضع قريب فتعتد فيه ولها أن ترجع أو تتمادى، ولا تذهب في الوجهين فيما بعد إلا مع ثقة، وإلا أقامت فيما قرب منها. وروى ابن / عبدالحكم عن مالك في التي يخرج بها الثغور في مقام سنة فيموت بها أنها تعتد هناك وقوله الأول أحب إلينا أن ترجع. قال مالك: وأما سفرها إلى حج، فإنها ترجع من مثل اليومين والثلاثة ما لم تحرم، فإن أبعدت نفذت بخلاف غير الحج؛ فإنها ترجع فيه وإن أبعدت إن وجدت ثقة، وكان يبقى لها بعد الرجوع بقية. [5/ 47]
في سكنى الأمة في عدتها، وكيف إن أعتقت؟ وأم الولد يموت سيدها أو تعتق
في سكنى الأمة في عدتها وكيف إن عتقت؟ وأم الولد يموت سيدها أو تعتق من كتاب ابن المواز: وإذا أعتقت أم الولد ومات سيدها؛ فابن القاسم لا يرى لها السكنى ولا المقام به، ورآه أشهب لها، وعليها على تضعيف من غير إيجاب. وقال: ذلك أحب إلي. قال ابن القاسم: وإن كانت حاملا في العتق فلها السكنى والنفقة، ولها المبيت في غير بيته، ولها ذلك في العتق والوفاة. ورأى أصبغ رأي أشهب وأسد. وأما عدتها من زوج في وفاة وطلاق فلم يختلف أصحابنا أن السكنى في الموت لها، كان الزوج حرا أو عبدا. وكذلك الأمة إن بوئت بيتا فلا تبيت إلا في بيتها. قال مالك: وتعتد الأمة حيث كانت وكان الزوج يأتيها عند أهلها، اعتدت عندهم، وإن كانت عندهم بالنهار وتمضي إلى زوجها بالليل لتبيت عنده فلتعتد في منزله فتبيت فيه ولا يمنعونها الإحداد، ولا يبيعونها ممن يخرجها. قال ابن القاسم: إلا أن ينتقل سادتها بها عن البلد فلتنتقل/ معهم، وتتم هناك بقية عدتها، بخلاف الحرة الصغيرة ينتقل أبوها. قال ابن القاسم: وإن كانت الأمة منقطعة إلى زوجها، وليس ممن تأتيه من ليل إلى ليل بعد ليال فانتقل أهلها، فلا تنتقل معهم حتى تتم عدتها. قال أصبغ: إذا كان انقطاع سكنى عند ومعه. قال أشهب: إن كان ينفق عليها، فعليه السكنى، وإلا فلا. [5/ 48]
باب في نفقة المطلقات وسكناهن ونفقة الحامل
باب في نفقة المطلقات وسكناهن ونفقة الحامل من حرة أو أمة، والمرضع قال في كتاب ابن المواز: قال مالك، في المبتوتة: لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، فإن ادعت الحمل فلا يقضى لها بالنفقة حتى يتبين الحمل فتكون حاملا، فإن ادعت الحمل، فلا يقضى لها حتى يتبين الحمل، فترجع بما أنفقت قبل ذلك، وبما يستقبل. قال: ولا تمنع من السفر، ولا عليه وضع النفقة إن ادعت حملا. محمد: قال أصبغ: إن تبين طول السفر وهي ممن يخاف عليها الحمل، فليعطها حميلا بالنفقة ويوقف لها مالا، وإن لم تكن كما وصفنا فلا شيء عليه ولا تمنع من السفر. قال مالك: وإن أنفق عليه لغير قضية وقد ادعت الحمل لم يرجع عليها إذا أنفق بدعواها أو بقول القائل، وإن أنفق بقضية رجع عليها. محمد: لأنه انكشف أنما قضى به غير الحق. وقال عبدالملك: إن أنفق بغير قضاء فله أن يرجع، وأراه عن مالك. قال في كتاب النكاح: وإن أنق بحكم لم يرجع عليها بشيء. محمد: وأحب إلى أن يرجع عليها في الوجهين، إذا سن ذلك بإقرار منها، أو بغير إقرار/. قال محمد: وإن طلبت الكسوة فذلك لها، وينظر إلى ما بقي من مدة الحمل، فيقضي قدر ذلك من الكسوة ثمنا. قال مالك: والكسوة الدرع والخمار والإزار وليست الجبة عندنا من الكسوة. قال ابن القاسم: ونحن نقضي ها هنا بالحق. وهذه المسألة كلها في العتبية من سماع ابن القاسم. روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المبتوتة الحامل تطلب الكسوة؛ فإن طلبتها في أول الحمل [5/ 49]
فذلك لها، وإن كان في آخره وقد بقي منه شهران أو ثلاثة قوم لها ما تصير فيه تلك الأشهر من الكسوة لو اكتست أول الحمل، فتعطي دراهم. ومن كتاب محمد، قال مالك: وإن مطلها بالنفقة حتى ماتت وقد تبين حملها فإن كان بينا فلتتبع بالنفقة من يوم طلق. وبيان الحمل ما يبلغ به تحريم الولد، وإذا لم يكن له شيء ثم أيس في بقية الحمل لم يتبع بما مضى وأنفق يوم عسره لغير المطلقة. وكذلك الكسوة، وإن أيسر بعد الوضع لم يتبع. وإذا طلق ثلاثا في مرضه وهي بينة الحمل فالنفقة في رأس ماله. وكذلك في الخلع والمبارأة وكذلك إن كان ذلك ثم مرض. فإذا مات انقطعت النفقة. قال مالك وإذا طلق امرأته وهي حامل ترضع فعليه نفقة الحمل ونفقة الرضاع جميعا. وكذلك في العتبية عن مالك. قال مالك: والمطلقة إذا أخرجها أهل المنزل، فعلى الزوج أن يكري لها بقية العدة. قال مالك: وإذا مات سيد أم الولد فلا نفقة في ماله، ولا في مال الولد كالحرة، ولو أعتقها السيد كان لها النفقة عليه. قال مالك: والأمة الحامل من زوج، لا نفقة لها/عليه في الطلاق البائن، وإن أعتق ولدها في بطنها، إذ لا يتم عتقه حتى يخرج. ومن أبان امرأته الحامل على أن عليها رضاع الولد فطلبته بنفقة الحمل؛ فأما قبل المباراة فلها ذلك، ولا نفقة لها بعد المبارأة، ولم يكن يمنعها الرضاع ويعطيها هذا. وكذلك في العتبية عن مالك. قال مالك: والغائب إذا طلق ثم أنفقت من ماله لم يرجع عليها بخلاف الموت، لأن الحي فرط، ولو قدم عليها رجل واحد يشهد بطلاقها فأعلمها أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشيء حتى يشهد عندها من يحكم به السلطان في الطلاق، وترجع بما تسلفت عليه، ولا يرجع في ذلك بما تغيبت به. وكذلك في العتبية من [5/ 50]
سماع ابن القاسم من أولها، ولم يذكر ما سلفت، وذكره في رواية أشهب إلى آخرها. وقال سحنون، عن ابن نافع: لا يرجع بما تسلفت، بخلاف ما أنفقت من ماله. ومن كتاب محمد، قال مالك: وإذا دفع نفقة أو كسوة عن سنة ثم طلقها قبل تمام- يريد طلاق بائنا- فليرجع بباقي النفقة ولا يرجع بالكسوة (عبدالله) يريد إن مضى لها مدة كبيرة. وقد أنكر هذا سحنون. محمد: ويتبعها ببقاي النفقة إن أعتقت، وإن دفع إليها نفقة من تلي من ولدها أو كسوتهم، فمات الولد، فإن كان عن قرب لم يفترق رجع عليها، وإن تطاول لم يرجع عليها. محمد: وأما كسوة المرأة، فلا تتبع بشيء، وذلك كالعطية المحازة. وأما النفقة، فلم يبتلها، إنما أعطاها من يظن أن يبلغ أمده/. قال مالك: وما أخذت المطلقة من نفقة نفسها في حمل أو غيره، أو نفقة ولدها، ضمنته إن هلك. قال محمد: وما كان للولد فما كان بدعواها ضمنته، ولا تضمن ما قامت فيه البينة إلا في آخر الرضاع فتضمنه. قال: والنصرانية تسلم تحت النصراني فعليه النفقة في العدة، كانت حاملا أو غير حامل؛ لأنه أحق بها في العدة لو أسلم كالرجعة. وقال أصبغ. وقال في إسلام أحد الزوجين المجوسيين: لا نفقة في العدة ولها السكنى. قال محمد في النصراني تسلم زوجته: فلا نفقة لها عندنا كالمجوسي تسلم زوجته لأنه لا رجعة له حتى يسلم. وهذا صواب عندنا. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، وقال: إلا أن تكون حاملا فلها النفقة. [5/ 51]
في النفقة على الولد ورضاعته والأم في العصمة أو مطلقة أو مات عنها الأب
في النفقة على الولد ورضاعه، والأم في العصمة أو مطلقة أو مات عنها الأب وهل لها أو عليها أجر رضاعه أو حضانته؟ [قال مطرف وابن الماجشون: وكل مطلقة لا يملك زوجها رجعتها إلا بقول وفعل فلا نفقة لها عليه حتى ترجع كالتي يفرق بينهما بالإيلاء أو لعدم النفقة وهما متوارثان في العدة، ارتجع أو لم يرتجع. ولا رجعة للمقدم حتى يعسر في العدة]. من كتاب ابن المواز: قال الله سبحانه في الطلاق: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن". قال مالك، في العتبية وكتاب محمد: فليس على الأم بعد الطلاق نفقةعلى الولد ولا عليها رضاعه بأجرة إن شاءت، فإن كان الأب عديما ولا مال للولد فرضاعه عليها، وإن كانت قليلة اللبن أو شريفة لا يرضع مثلها، فذلك في مالها. قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية/: وكذلك إن مات الأب ولا مال للولد ولا لبن لها فعليها أن تسترضع له. قال مالك: وكذلك إن مات الأب ولا مال للولد ولا لبن لها فعليها أن تسترضع له. قال مالك: وكلك التي في العصمة إن كانت لا يرضع مثلها لمرض أو لشرف ولا مال للزوج ولا للولد وهي ملية. فذلك في مالها في رضاعهم خاصة. وكذلك الحرة في موت الزوج. ولو صالحها على رضاع ابنه حولين فانقطع لبنها فذلك في مالها، فإن لم يكن لها مال فعلى الأب، ثم له أن يتبعها، وبهذا أخذ ابن القاسم وعبدالملك وابن عبدالحكم وأصبغ، (قال وعلى الأب للمطلقة) أجر الرضاع ما يحتاج إليه الصبي من خرق وزيت وما لابد له فيه، فإذا بدأ يأكل، فذلك على أبيه غير أجر الرضاع، وإن كانت حاملا فلها نفقة الحمل مع أجر الرضاع، ولو كانت في العصمة سقط أجر الرضاع. [5/ 52]
وروى ابن وهب عن مالك، في الأب يجد من يرضعه بدون ما ترضعه به الأم، فذلك لها إلا أنترضعه الأم بمثله، وإن وجد باطلا، فذلك له، إلا أن ترضعه الأم باطلا. وقال ابن حبيب، عن مالك مثل رواية ابن وهب، قال إن ذلك للأولياء إن مات الأب وللولد مال ووجدوا بدون طلب الأم أو باطلا فذلك لهم، إلا أن ترضع الأم بمثل ذلك للأب في الطلاق، فإن أخذته باطلا كما وجدوا، وإلا تركته إلا أن لا يقبل غيرها، فتجبر على رضاعة باطلا أو بما وجدوا. قال مالك: وإذا أراد الأب أخذ الولد لترضعه أمته، فإن لم يكن بالواحد فذلك له، وإلا فلها أجر مثلها وهي أحق به. محمد: ورواية ابن القاسم أقول: إذا وجد الملي من يرضعه باطلا/، أو بدون الأجر، فليس ذلك له؛ لقول الله سبحانه: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" ولا بما يرضع غرها بالتراضي، لقول الله سبحانه: "إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءاتيتم بالمعروف". قال مالك: وإن لم يكن للأب سعة، فله ذلك إلا أن ترضعه الأم باطلا وبما وجد الأب من الأجر. قال أشهب عنه: ولم يكن ذلك في الأب على الضرر. قال مالك في قول الله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك" يقول لا يضار. قال زيد بن أسلم لا تلقيه إليه وهو لا يجد من يرضعه، ولا ينزعه منها وهي تريد رضاعه، وعلى الوارث يريد ولي الميت مثل ذلك. قال ابن وهب: قال ربيعة: إذا أرادت أن تتزوج وتلقي الولد إلى عمه أو وصي أيه ولا مال للولد فذلك لها. قال محمد: قول مالك أحب إلى أن ليس ذلك لها، إلا أن يكون للولد مال، ولا يقبل غيرها. وقال ابن وهب: وقد قال ربيعة. [5/ 53]
قال محمد: وإن كان الولد لا يقبل غيرها، فلتحبس عليه رضاعه، وكذلك إن لم يكن له مال يستأجر منه، إلا أن يؤاجر له من مالها، ويقبل غيرها. قال: وإذا انقضت عدة المطلقة فلها النكاح وتترك رضاعه إن شاءت، إلا في عدم الأب، وكذلك في الموت ولا مال للولد. يريد محمد: والرضاع عليها تزوجت أو لم تتزوج. قال: ومن طلب من الأبوين فطامه قبل الحولين فليس له ذلك، إلا عن تراض منهما وتشاور، ما لم يكن ضرارا بالولد. قال مالك: وليس على العبد في ولده الأحرار ولا المماليك نفقة ولا رضاع/، إلا أن يكونوا لسيده، ولا على الحر نفقة في ولده العبد إلا أن يعتق الولد قبل احتلام الغلام، وقبل نكاح الجارية فيلزمه ذلك. وكذلك روى ابن القاسم، عن مالك، في العتبية قال ابن القاسم: وإذا أبت المطلقة رضاع الولد فواجر له فطلبت الأم كون الظئر عندها فذلك لها إن كانت الظئر ممن تتبع الولد في أهله، وإن لم تكن كذلك فليس ذلك للأم، ولا يجبر الأب أن يستأجر ظئرا على أن يكون به عند أمه. قال أصبغ: إلا أن يكون الأجر واحدا، فذلك للأم، وإن كان مختلفا فليس ذلك لها إلا في الأب الواجد الملئ فذلك عليه لرفق أمه به وأنه أقصد له. وإن لم يكن فيه. محمد: لم يكلف ذلك. قال محمد: ذلك للأب وإن كان مليا. قال أصبغ: وهو القياس، والأول استحسانه. قال ابن سحنون، عن أبيه من سؤال حبيب، قال: وإن وجد الأب من يرضعه باطلا فقالت الأم: فات به أرضعه عندي ليلا ونهارا ولا يحال بيني وبين ولدي. قال: ذلك للأم. قال أشهب: قيل المالك: فمن طلق زوجته، أتطرح إليه ولدها الرضع منع من ساعتها؟ قال: لا، حتى يلتمس من يرضعه له. ومن سماع ابن القاسم: وإذا أسلم أحد الأبوين، فنفقة الولد- وهو حمل، أو بعد أن تضعه- على الأب، وهو على دين الأب. ومن كتاب محمد: وإذا حاضت الزوجة في العصمة لزم الأب أن يستأجر لرضاع الولد إلى أن يعتق أمه ويعاودها اللبن. قال: وإذا مات الزوج ففطمت [5/ 54]
ولدها بعد الحولين لم يلزمها نفقته لا في غذاء ولا في/ كسوة وإن مات جوعا، وكذلك فيما يحتاج إليه من النفقة في رضاعه، وإن كانت ظاهرة الملا، قال مالك: ولا أحب لها ترك النفقة عليهم. قال مالك: وإذا كانت الأم غير محتاجة وهي تحضنهم ما لو تركت ذلك لم يكن لهم بد من حاضنة، فلينفق عليها من مالهم بقدر حضانتها وكفايتها، وإن كانت مع الأم خادم لها فإن لم يكن لها، قال: أنفق عليها، ثم رجع مالك في الملية فقال: إلا أن تكون محتاجة. وكذلك روى ابن القاسم في العتبية. وإن كانت تقوم عليهم وتلي أمرهم، فلا تأكل معهم إلا أن تكون محتاجة. قال مالك: وإذا مات الأب وأوصى أن ينفق على الأم من مال الولد ما أقامت عليهم؛ فإن كانت فقيرة وإلا ينفق عليها، وأما ما أنفق عليها قبل الرفع فلا ترده. ولا بأس على الملية أن تخلط نفقتها معهم إذا كانت بفضل. وقال مالك في خلط اليتيم في طعامه: إن كان يفضل عليه وإلا فلا يعجبني. قال محمد: وروى أشهب عن مالك في الأم لها خادم وهي تنفق وخادمها من مال الولد، وهي ملية، وإن كان ما للولد من الخدمة والحضانة والرفق بقدر ذلك، جعل ذلك لها، وإن كان يوجد من يخدم ويقوم قيام جارية أمه بدون ذلك لم يكن لهم أن ينفقوا من ماله. وقال أيضا مالك: ينفق على الأم من مال الابنة، إذا قامت عليهم، ثم رجع: فقال: إلا أن تكون محتاجة. ومن العتبية عن ابن القاسم: وإذ تزوجت المطلقة يفرض لها في رضاع الولد خمسة دراهم في الشهر، فلما صار ابن سنة ونصف وأكل الطعام، طلبت النفقة [5/ 55]
باب في الأب يقدم أجر رضاع الولد أو نفقته ثم يموت الأب أو الولد
وأبى الأب إلا الخمسة دراهم، قال: عليه النفقة للصبي مع الخمسة دراهم لرضاعه. ورأيت في كتاب عبدالله بن مسرور، أن علي بن زياد، روى عن مالك في التي توفي عنها زوجها أو طلقها وهي ترضع. (ولدها فتمادت في رضاعه حتى) فطمته، ثم طلبت الأجر، قال إن أخرت ذلك لغيبة الزوج أو لتفرق ورثته في الموت أو لغيبة وصيه أحلفت بالله ما أرضعت إلا لترجع بأجر رضاعه ثم أعطيت ذلك، وإن كان ذلك منها على وجه الإبطال والترك، فلا شيء لها، وفي باب بعد هذا ذكر من النفقة على الولد. باب في الأب يقدم أجر رضاع الولد أو نفقته ثم يموت الأب أو الولد، أو يفلس الأب من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا قدم إلى (الأم) نفقة الولد ثم مات الولد رجع ما بقي إلى الأب، وإن مات رجع ما بقي إلى ورثته. وكذلك كل من تلزمه نفقته، ولأنها ليس بعطية ولا صلة. وقال ابن القاسم، عن مالك: وإن واجر الأب ظئرا أربع سنين وقدم إليها الأجر ثم مات الأب قبل الوقت، فبقية ذلك يرجع إلى ورثة الأب ميراثا، وما مضي نافذ للابن، ولا يحاسب به/. قال ابن القاسم لأنه لو مات الصبي لرجع الأب بما بقي فليس بعطية للابن إنما هذا نفقة طن أنها تلزمه. قال مالك: وكمن قدم نفقة امرأته ثم مات هو لردت ما بقي، أو قدم نفقة ابن السنتين والثلاث. وروى عنه أشهب، إن لم يقدم شيئا فما أرضعتت قبل موت الأب ففي مال الأب، وما بقي فعلى الابن يحاسب به وإن قدم أجر الرضاع كله، فذلك نافذ للابن لا يرجع إلى ورثة الأب. وقاله أشهب. وكذلك لو قدم لمعلم ابنه دنانير على تعليمه فالصبي أولى من بقية ورثة الأب، قال: وإن مات الصبي قبل موت الأب [5/ 56]
فذلك راجع إلى الأب، وإلى ورثة إن كان ميتا. قال أشهب: وهو كمن أخدم عبدا فمات المخدم. وقال ابن القاسم إنما للظئر والمعلم من ذلك إلى موت الأب، ويرجع ما بقي إلى ورثته لأن كنفقة قدمها. وكذلك في الواضحة، قال ابن المواز: وقاله أصبغ استحسانا. والقياس أن ينقد للصبي ويبقي للظئر والمعلم لأن الباقي عليهما تعليم ورضاع. والذي أقول به: أنه ميراث يحاسب به الصبي، ولا يرجع. وقال محمد: قول مالك وابن القاسم الصواب، ولو كان ما احتج به أصبغ يصح لكان يجب للظئر المعلم، (وإن لم ينقداه) حتى مات الأب لأنه صار حقا لهما يطلبانه وعليهما رضاع وتعليم؛ نقد أو لم ينقد، وسواء في قول ابن القاسم نقد أو لم ينقد فالأجرة ثابتة بينهم في حق الصبي إن صار ذلك في حظه. قال محمد: والخدمة صلة لا تلزم، والرضاع ليس بصلة ولا صدقة/. وذكر ابن سحنون عن أبيه فيمن شارط رجلا على تعليم ولده سنة بأجر معلوم فمات الأب بعد سنة أو شهر وتمادى الصبي حتى أتم السنة، قال: يكون تمام الحق في مال الأب قال: وليس مثل الظئر لأن الصبي رضاعه واجب على أبيه، فلما مات سقط عنه ذلك، والتعليم لم يكن واجبا عليه، إلا أن يشاء، فلما ألزمه نفسه، لزم في حياته وبعد مماته، كمن قال لرجل: بع فلانا سلعتك والثمن علي، أو زوجه ابنتك والصداق علي. فذلك في ماله حيا وميتا، يريد: قبض أو لم يقبض، ويلزم الصبي ما عقد عليه الأب من شرط يجب، وينبغي على قول سحنون أن الرضاع كنفقة عليه، فإذا مات رجع ما بقي لورثته، وكذلك في موت الصبي يرجع إليه، والتعليم لم يكن عليه، فكأنه شيء بتله للصبي، على ما تقدم تفسيره. قال ابن المواز: ولو شرط الأب أني إن مت قبل أجل الرضاع فالباقي عطية لابني بتلا في الآن، لم يجز له لأنها عطية لم ينفذها لوارثه إلا بعد موته ما لو عزل مالا بيد أجنبي لينفق منه على ولده، فإذا مات فما بقي لولده كان كالوصية. [5/ 57]
باب ما يلزم الأب في الولد من الإخدام والسكنى مع أمه المطلقة
ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: إذا قدم الأب رضاع الولد سنة ثم فلس بعد ستة أشهر فإن كان فعله وهو قائم الوجه لم يكن من سرف ولا محاباة، فذلك نافذ، وما جرى على غير ذلك فيرد ما بقي منه. وقال في موضع آخر: إذا دفع إليها نفقة كثيرة ثلاثين دينارا ونحوها، وقد فارقها والولد معها، فإن كان يوم دفع ذلك عليه دين محيط أخذ ذلك كله منها وأدى فرضا له، وإن لم يكن عليه دين، لم يؤخذ منها شيء. من كتاب محمد، قال: ويجبر الأب على دفع نفقتهم شهرا شهرا أو أقل أو أكثر على قدر ما يرى الإمام إلى من يليهم من أم أو جدة أو غيرهما، ولا أجر حضانة للأم، ولا للجدة، وإن كان الأب واجدا. باب ما يلزم الأب في الولد من الإخدام والسكنى مع أمه المطلقة ومن الدمياطية، قال ابن القاسم، فيمن طلق امرأته وله منها ولد، فإن كان مليا فعليه أن يخدم، والسكنى عليه وعليها. قال يحيى بن عمر: يريد: على الجماجم. وقال أيضا فيمن طلق امرأته، وله منها ولدان: إنه ليس عليه لهما إلا النفقة، وليس عليه أن يكتري لهما. ومن كتاب ابن سحنون، وقال في المطلقة لها ولد، قال: على الأب أن يكري لها منزلا ويغرم قدر ما يصيبه من الكراء، قيل: عليه النصف؟ قال: بقدر الاجتهاد. وقال ابن وهب: لا خدمة عليه لهم ولا سكنى. وكذلك قضي أبو بكر على عمر؛ دفعه إلى الجدة، وأمره بالنفقة عليه. [5/ 58]
باب ذكر الحضانة وانتزاع الولد إذا نكحت أمه والانتجاع بالولد
وسئل أشهب عمن طلق امرأته وله منها ولد يلزمه كراء منزل لولده؟ قال: نعم. وقال ابن القاسم. قال ابن القاسم: وإن لم يكن له ما ينفق على ولده منها إلا دارا، فإن كان فيها فضل وإلا فلا نفقة عليه. باب ذكر الحضانة وانتزاع الولد إذا نكحت أمه وكيف إن أسلمته ثم قامت فيه؟ وغير ذلك من معنى الحضانة والانتجاع بالولد من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا نكحت الأم فالجدة للأم أحق بحضانة الولد إن كان لها منزل تضمهم فيه لا يكون بضمهم مع أمهم، فإن لم تكن جدة فالخالة وخالة الخالة كالخالة، وأم أبي الأب كأم الأب، وأم أم الأم كأم الأم، وسواء كن مسلمات أو كتابيات أو مجوسيات. وروى ابن وهب، أن لا حق للنصرانية في حضانتهم لأن المسلمة لو اثنى عليه ثناء سوء وكانت تطوف لنزعوا منها فكيف بهذه؟ قال محمد: الحضانة لها واجبة، وكذلك الجدة النصرانية. مالك ولا حق منهن من كانت متزوجة، إلا أن يكون زوجها زوج الجدة جد الصبي فلا يضرها ذلك. وقال ابن وهب: لا حق لها وإن كان زوجها جد الصبيان. وقال أصبغ، والحارث بن مسكين: العمل على ما قال مالك، ثم بعد الجدات والخالات، الأب ثم العصبة. قال محمد: قال أصبغ: والنساء من قرابة الأب أو أخت الصبي ثم عمته ثم بنت الأخ. وهذا مطروح في كتاب محمد، قال: فإن لم يكن، فالأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العم. قال محمد: والوصي وولي النعمة أولى من الأم إذا تزوجت. وروى عن مالك: أن الأب أولى من الخالة. قال أصبغ: وليس هذا بشيء، وقوله المعروف: أن الخالة أحق. [5/ 59]
ومن كتاب ابن سحنون، قال أشهب: والخالة أحق من الأخوات الشقائق، قال: وعماته أولى من بنات خالاته بالحضانة. ومن كتاب المواز، قال مالك: ووصي الأب في أخذ الولد إذا نكحت أمه، وليس له جدة ولا خالة. قال: ومن لم تكن في حرز، أو كانت غير مأمونة، أو تضعف عنهم، أو سفيهة، أو ضعيفة، أو مسنة، فلا حضانة لها كانت جدة أو غيرها. قال ابن حبيب: وجدة الأب إن لم يكن، أو كان لها زوج أجنبي، فأخت الصبي بعدها أولى، فإن لم يكن، وكانت متزوجة فالعمة، ثم ابن أخي الصبي، ثم الأب، وابن لبنت الخالة، ولا لبنت العمة، ولا لبنت أخت الصبي من حضانته شيء. وقاله أصبغ كله. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإن تزوجت الأم والجدة فلم يؤخذ منها الولد حتى فارقها الزوج، فلا ينتزعوا منها، بخلاف أن لو أخذوا منها. قال مالك: ولو ردتهم استثقالا من غير نكاح، ثم بدا لها، فليس لها أخذهم. قال مالك: إلا أن تأتي بعذر وله وجه. وقال في رواية اشبه: مثل ان تكون مرضت، أو انقطع لبنها، وإلا فليس ذلك لها. قال مالك: وإذا بقي الولد مع أبيه، والأم منتحيه عنه، فلما مات الأب أرادت أخذه، فليس ذلك لها. قال مالك: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة، وعمار بن ياسر بالباب، فذهب عليه السلام ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال: خذيها فأخذتها وهداتها، ثم ذهب ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال خذيها فأخذتها وهدأتها، ثم ذهب ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال خذيها فسمع عمار، فقال: نحن نأخذها يا رسول الله فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: للرجل أن يعلم ولده، ويخرجهم بالنهار، ويرجعوا إلى أمهم بالليل وهي مطلقة. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا كانت الأم مع الأب في بلد وهي تحضنه فلا تمنع الاختلاف إلى أبيه في تعليمه ومكتبه، ويأوي إليها، فإذا [5/ 60]
استغلظ /، وقارب الاحتلام، وأنبت واسود إنباته، فللأب ضمه إلى نفسه. وكان ابن القاسم يؤقت فى ذلك الاحتلام. ومن كتاب محمد، قال ابن وهب فى أم الولد تعتق: أن لا حضانة لها فى الولد، وإنما فى الحرة يطلقها الزوج. ومنه، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وقال مالك: أم الولد أحق بالحضانة، مثل الحرة، وكذلك الأمة يطلقها الحر. وقال مالك، في الصبية تنكح أمها فتأخذها الجدة، فيبعث إليها عمها رسولا لزيارة، فلا ينبغي أن يمنع منها تسلم وتعود، ولا لهم أن يمنعوها أن تأتي عمها في الفرض. ومن كتاب محمد قال مالك: وللعم والجد أخذ الصبية إذا نكحت أمها. وأما الصبي فليس بينه وبينها محرم. وكونها مع زوج أمها أحب إلى لأنه محرم منها إلا أن يخاف عليها غيره، فالوصي أحق. قال: وإذا تركت الولد وهو يرضع، ثم طلبته بعد أن فطم، قال مالك: إن كان لها عذر بين من الرضاع، رد إليها. قال أصبغ: وإن كان لغير عذر لم يرد إليها. وإذا كتب أبوان في ابنتها أنها لجدتها حياتها تليها، إلا في البضع فهو لأبيها، ولا تخرج بها الجدة من البلد، فإن ماتت فهي إلى أمها. قال مالك: يلزمهم ما كتبوا. قال مالك: ومن وهب ابنته لرجل على الكفالة وأشهد له، قال مالك: ذلك جائز إن كان محرما من الابنة، وإلا فلا وإن كان منها محرما فليس له نزعها منه إلا أن يرى وجه ضرر وإساءة وللذي وهبت له إنكاحها إن جعل ذلك إليه ما لم يمت الأب، فإذا مات لم ينكحها حتى ترضى. ومن/العتبية، من سماع ابن القاسم، ومن كتاب محمد قال مالك: وإذا تزوجت الأم فرضي لها الأب أن يقيم الولد عندها حولين ثم يأخذه وأشهد بذلك [5/ 61]
في كتاب ثم طلقت قبل ذلك فحبسته وقام الأب بالكتاب، قال مالك: أرى أن يدعه عندها، فإن هي تزوجت ثانية انتزعه من غير أن أرى ذلك: وذكر نحوه في العتبية، وزاد، فقال: ثم رجع، فقال: له أن يأخذ ولده. قال مالك: يبقى عندها إلى أن تتزوج ثانية. قال في كتاب محمد: وإن تزوجت، فأخذتهم الجدة ثم طلقت، فردتهم الجدة إليها وأبى الأب فذلك للجدة إلا أن تكون تزوجت الأم فيكون القول للأب. قال مالك: ولا ينبغي للأولياء أن يحولوا بين الولد وبين أمه إلا أن تنكح أو ينتزعوا أو يضيع عندها ثم لا يأخذوه أيضا إلا إلى كفاية وصلاح. قال ابن القاسم: وإن كان لها وليان فنكحت الأم أحدهما، فلا ينتزع عنها إذا كان ذلك أرفق به، والزوج ولي، قال أصبغ: إلا أن يخاف عليه عندها هفوة أو ضيعة ويخلو دونه ويدعه، فيكون الولي الآخر أحق به. قال مالك: وإن تزوج امرأة ومعها بنت صغيرة قد علم بها ودخل وهي معها، ثم قال: أخرجيها عني. فليس ذلك له. قال مالك: وإذا كان الزوج عبدا وتزوجت الأم وليس له أحد من قرابة الأم، فالأم أحق به من الأب العبد. قال مالك: كانت الأم أمة أو حرة. قال ابن القاسم: لأنه لا قرار له ولا عليه للولد نفقة ولا حضانة وأرى في الاستحسان إن كان العبد التاجر/ له الكفاية أن يكون أحق بولده إذا تزوجت، وأما العبد المخارج والذي يسافر فلا. قال مالك في حر طلق زوجة الأمة فيعتق واره وله جدة حرة فالأم أحق به إلا أن تباع أو تنكح أو يظعن الأب. [5/ 62]
قال مالك: وإذا أوصى إلى رجل وأوصى ان امرأته أولى بولده فأرادت امرأته الخروج به إلى العراق وثم أهلها وللولد هناك دين فليس ذلك لها. ثم قال: ينظر الولى؛ فإن كان ذلك أرفق بالولد تركه، وإن كان أرفق بهم المقام، أقاموا. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم قال: الوصي كالأب في الولد إلا في إنكاح البكر قبل البلوغ. قال أصبغ: فإن تزوجت الأم فالوصي أحق بالصبيان جواري كن أو غلمانا وإن حضن الأبكار وهو أحق من الأخ والعم وابن العم وإن كان رضى. وإذا انتقل الوصي من البلد فله أن يرحل بهم جواري كن أو غلمانا وليس لإخوانهم وأعمامهم وجدودهم (منعه قال عيسى). قال ابن القاس، فيمن أعتق أم ولده على أن تركت له ولدها الصغير: إنه يرد إليها بخلا الحرة تصالحه على تسليم الولد إليه فذلك جائز ولا يرد إليها، ورواه عنه أبو زيد. وفي موضع آخر: أن الشرط لازم كالحرة. ومن سماع أشهب عن مالك: وعن المتوفى عنها زوجها تترك أولادها خمسة أشهر أو سبعة ثم قيل لها: أنت أحق بهم. فقالت: لم أعلم. قال: لها القيام وقد تجهل ذلك. وعن الأم تدع ولدها وتلحق بأهلها فقامت مدة ثم تزوجت ثم ماتت وقامت الجدة في الحضانة؛ فإن كان لذلك/ سنة فأكثر فليس ذلك لها، وإن كان ذلك يسيرا فذلك لها. وإذا تركت الأم ولدها ثم طلبته؛ فإن كان بعذر من مرض وانقطاع لبن فذلك لها، وإلا فليس لها ذلك. قال ابن نافع: وللجدة أخذهم إذا كان في موضع أبيها. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإذا كانت الأم نصرانية فهي أحق بالولد في الموت والطلاق [فإن تزوجت ولها أخت مسلمة أو نصرانية فالأب أحق منهم]. قال سحنون: الجدة والخالة وإن كانت نصرانية أحق بهم. وكذلك ذكر ابن المواز نحوه في أول الباب. [5/ 63]
باب الانتجاع بالولد، وذكر انتجاع العبد بولده أو بزوجته
قال ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون في الخالة تجب لها الحضانة فيقول الأب: يكون عندي للأدب والتعليم. ويقول: إن ما يعطيها تأكله وتجيع الصبي، وهي تكذبه وتقول: يكون طعامه عندي وإيواؤه إلى. كتب إليه: هي أولى بالحضانة إن لم يكن لها زوج وكانت حاضرة معه، وليؤدبه أبوه عندها وتبعثه إلى المعلم. وإن شكا أكلها لرزقه فليطعمه هو يكون عندها تحضنه. وكتب إليه في صبي أو صبية في حضانة أمه فتزوجت وليس له قرابة هل يأوي إلى أمه وينفق عليه الحاكم؟ قال: نعم إن لم يجد موضعا. فلا بأس بذلك لرفقها به. وسأله حبيب عن الود يرضى الأب والأم، على أن يكون الولد عند الأب، وقد طلق الأم ولم يتزوج، فقال: لا بأس بذلك، وهذا خفيف. وسأله حبيب، عن المطلقة تتزوج ولها ولد أم عارية، فكانت الحضانة للجدة، فأرادت أن تسكن/ بالصبي مع أمه المتزوجة في حجرة، فأبى الأب من ذلك، إلا أن تنفرد. قال: المجدة أن تسكن به مع أمه في حجرة واحدة، وعلى أبيه نفقته. باب الانتجاع بالولد وذكر انتجاع العبد بولده أو بزوجته وهل للولد أن يظعن عن والديه والخروج إلى بلد يخاف فيه الفتنة من كتاب محمد، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا هلك عن ابنته ابنة ثمان سنين، وأرادت أمها الرحلة بها إلى موض خوولة الصبية على مسيرة مرحلتين من الماء الذي كان الأب يسكن به، وأبى عمومة الجارية، قال: فذلك [5/ 64]
لهم دون الأم. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: وليس لها أن ترحل بهم من الأسكندرية إلى الفسطاط، إلا مثل المرحلة والمرحلتين. ومن العتبية، قال مالك، فمن له أخت بالأندلس خاف عليك الضيعة، فأراد أن يخرج إليها وبينه وبينها حرب وفساد يخاف فيه الهلاك على دينه، قال: لا أحب له أن يخرج إلى موضع يخاف فيه الهلاك على دينه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: والأب إذا انتجع من البلد أخذ الولد، وإن كان يرضع؛ ذكرا أو أنثى. قال مالك: وليس له أن يخرج بالولد لطلب الفرض عند أمير المؤمنين ببلد آخر. قال مالك: ومن تزوج فولد له ثم فارقها فله الخروج بولده إلى وطنه إن كان بعيدا، وإن كانوا كبارا، ما دام الأب يليهم، ما لم يكن الموضع قريبا مما لا ينقطع عنه خبرهم إلا أن تريد أمهم اللحوق بهم، / فذلك لها، وتكون أولى بهم. وأما السفر بهم فليس ذلك للأب إلا بإذن أمهم، إلا في الانتجاع. مالك: وإذا انتجع من المدينة إلى مصر والشام ولا يريد الرجوع فله الخروج بهم، وليس للأم أن ترحل بالولد عن أوليائهم إلى مصر من الاسكندرية، إلا مثل المرحلة أو المرحلتين (قلت) لمحمد: فأقصى ما للأب ينتجع بولده وأقربه، والذي لا ترحل إليه الأم بالولد عن عصبتهم. فقال لي: الموضع الذي لا يكاد يصل خبرهم، وأقرب ذلك ستة برد. قال مالك في المرحلتين. وقال أصبغ: إذا انتجع من الاسكندرية إلى الكربون فله الرحلة بهم. محمد: فهذا قريب قدر بريدين، ولم أسمع من قاله إلا أصبغ، ولم ير أشهب للأم أن ترحل به إلى ثلاثة برد قال أشهب: إذا مات الأب وترك صغيرًا فأراد وليه أن ينتجع من البلد، فله أخذه من أمه وإن لم تتزوج، وإن انتجع إلى أقرب ميل من الفيوم إلى الصعيد، فذلك له. وقاله مالك، فقال له السائل مرحلتين. وأجاز مالك [5/ 65]
باب ما يلزم من النفقة عل الولد والأبوين
للأم أن ترتحل بهم إلى مسافة يوم. وقال أيضا: ما لها أن تضر بأوليائه، ولتطلبهم هي بها، ولا تخرج إلا إلى المكان القريب. قال مالك: وليس للعبد أن يظعن بالولد إذا طلق أمهم، وللأم أن تنتجع به حيث شاءت، وليس ذلك للعبد إلا أن يكون له ولد حر. قال مالك، في عبد تزوج حرة، وله منها ولد ابن عشر سنين، وهم بالقلزم، فركب به البحر إلى الحال، فهلك الصبي، فقامت الأم عليه في ذلك، فقال: لا شيء على الأب في ذلك، وذكر ظعن العبد بزوجته. قد كتبته في كتاب النكاح/الثاني، في باب نفقة العبد على زوجته. وهل يظعن بها؟ قال مالك، في الرجل يتزوج بغير إذن أبيه، ويريد أن يذهب مع زوجته، ويترك أباه شيخا زمنا والأب كاره لذلك، قال: إذا بلغ الغلام، وليس بسفيه، ولا ضعيف العقل، فجائز له أن يذهب حيث شاء، وإن كان سفيها لا يلي نفسه لم يكن له ذلك. باب ما يلزم من النفقة على الولد والأبوين ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم قال مالك: وإذا كانت الأم لها [زوج معسر فعلى الابن نفقتها] ولا حجة للولد إن قال حتى يطلقها الزوج، قال: ولينفق على أبيه وعلى زوجة أبيه دون صغار بنيه. قال في سماع أشهب في العتبية: إن كان الابن مليا وكان ذلك يسيرا وما أشبهه، وإن كان الأب نكاحا يأتي بامرأة ملية فما ذلك عليه. قال ابن حبيب: إن مطرفا قال: إذا كانت الأم فقيرة والولد صغار يتامى، فالنفقة عليها في مال الولد، على قدر المواريث، على الذكر مثلا حظ الأنثى، لأن النفقة إنما وجبت في أموالهم؛ لصغرهم، وأما لو ولوا أنفسهم [كانت نفقتها عليهم [5/ 66]
بالسوية]. وقال أصبغ: بل هي عليهم بالسواء في صغرهم وكبرهم. وقال ابن حبيب يقول مطرف؛ وهي مذكورة في كتاب الوصايا. وأعرف في كتاب أبي الفرج، في الأب يكون له بنون: أنه إن كان كل واحد تلزمه النفقة على انفراده، لزمتهم النفقة أجمعين بالسواء، وإن كان بعضهم لا يلزمه على انفراده شيء فنفقته على باقيهم، وكأن محمدا أشار إلى أن على/ كل واحد بقدر يسره. قال: قال مالك: ولا يجبر السلطان أحدا على أن يحج بابنه ولا على أن يزوجه. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. محمد: قال مالك: إذا بلغ الغلام سفيها أو أعمى، أو به زمانة، أو به بلاء لا يقوى معه على الكسب، فلا تنقطع نفقته عن الأب، قال: وإذا بنى بالبكر زوجها وهي زمنة ثم فارقها فالنفقة باقية على الأب، كالصغيرة تطلق بعد البناء وقبل المحيض، واختلف في نفقة هذه بعد المحيض. وقال ابن وهب ما في الولد يبلغ أعمى أو مبتلى أو مكسورا فلا نفقة على أبيه، وعلى كل محتلم نفقة نفسه. قال أصبغ: وذلك إذا نزلت به الزمانة بعدالحلم. قال مالك: وللرجل المعسر أن يؤاجرابنه لينفق عليه من إجازته ما لم يعقد عليه سنين يجاوزها احتلامه. قال أصبغ: فإن فعل سقط عنه بما جاوزه الاحتلام. وقال مالك: وإن كان الابن مليا، فليس له أن يؤاجره بحال، ويجبر على أن ينفق. ومن فارق زوجته وله منها صبية فقال ما عندي لها نفقة، ولكن ابعثها تأكل معي. فلينظر، فإن كان ما قال معروفا فذلك له. ومن كتاب محمد، قال: وإذا رفع الأبوان إلى السلطان في مغيب الابن، ولا له مال حاضر، لم يأمرهما أن يتسلفا عليه بخلاف الزوجة، إذ لا يلزم نفقتها إلا بالحكم. قال ابن القاسم: وإذا ورثت البكر خادما من أمها، لم يلزم الأب أن [5/ 67]
باب في إنفاق الأب على الولد من عنده ومحاسبته، وكيف إن مات الأب وأوصى
ينفق على الخادم، وإما أنفق عليها أو باعها، قال أشهب: ولا يلزمه نفقة الابن/ من يوم ورثت الخادم، حتى لا يبقى من ثمنها شيء. وقال سحنون مثله، أنه لا يلزمه نفقة عليها، ولا على خادمها، لأنها ملية بالخادم. باب في انفاق الأب على الولد من عنده ومحاسبته وكيف ان مات الأب وأوصى في ذلك أو لم يوص؟ من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا أنفق الأب على الولد من عنده وللولد مال عين بيده الآن أو بيد غيره، فله الرجوع فيه، وإن مات الأب قبل أخذه، فأراد الورثة الرجوع عليه بالنفقة منذ كان مال الابن عينا، وهو عنده يمكنه أخذه فلم يفعل، لم يكن للورثة الرجوع عليه وإن كتبه الأب عليه إلا أن يوصي به، وذلك أن من شأن الآباء أن ينفقوا على الأبناء وإن كان لهم أموال، قال: وأما إن كان مال لولد عروضا، أو حيوانا، فللورثة محاسبة الابن بذلك إذا كتبه، وهذا كله في العتبية، من سماع ابن القاسم. قال ابن القاسم: وهو أحسن ما سمعت. وروى عنه عيسى: إذا كان مال الولد عرضا فأنفق الأب عليه من عنده ثم قال في مرضه: لا تحاسبوه. فذلك نافذ جائز، ولا تكون وصية لوارث لأنه شيء فعله في صحته. قال ابن المواز: ووجدنا لمالك أيضا أنه قال: يحاسبونه إن كان المال عروضا. ولم يذكر كتبه، ويحسب كل وقت بسعره. وقال أشهب: أرى أن يحاسب في العين؛ وإن أوصى الأب ألا يحاسب/؛ لأني كنت أنفق عليه من مال، لم يصدق. قال أصبغ: أحب إلى أن يحاسب بعد موته حتى يقول في صحته، لا تحاسبوه. أو يقول: إنما كنت أنفق عليه من مالي، لأوفر ماله. وإن كان قوله ذلك في المرض، فذلك جائز، وإن أوصى بذلك، فهو سواء. قال ابن [5/ 68]
في نفقة الوصي أو غيره على اليتيم هل يرجع عليه؟
القاسم: إن كان مال اليتامى ناضا لم يحاسبوه النفقة، وإن كان عرضا حاسبوه، ولعله لم يمكنه البيع حتى مات. ومن العتبية وكتاب محمد: قال مالك، فيمن أنفق على ولده، ثم ورث الغلام، فأنفق عليه مدة ثم مات الغلام، فأراد محاسبة الأم أو الجدة: إن لم يكن أم بما أنفق عليه من يوم ورث المال، فأبت هي، قال: ذلك له، ولا يمين عليه إن كان مقلا، وإن كان مليا، فليحلف لها أنه ما أنفقه من عنده. وفي رواية سحنون، قال مالك: لا يمين عليه. ثم رجع مالك، فقال: يحلف. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن كان يأخذ لابنه عطاء قسما، وهو في حجره، ثم هلك الأب، فإنه يحسب في ذلك نفقة الابن في سائر السنين بقدر غلائها، ورخصها، وما كان من فضل رجع به الابن في مال الأب، وفي كتاب الوصايا من معاني هذا الباب. في نفقة الوصي أو غيره على اليتيم هل يرجع عليه؟ ومن أنفق على أهل غائب من كتاب ابن المواز والعتبية، من كتاب التفليس، قال مالك: وما أنفق الوصي في ختان اليتيم وعرسه من أمر معروف في غير سرف ولا باطل جاز لمن دعي إليه إجابته، والأكل سنة، وما كان من/ سرف، أو في لعب أو باطل ضمنه، وحسب له العدل. وكذلك في سرف الإنفاق من كل ما يلي على مولى عليه. من كتاب محمد: وإذا أنفق عليه الولي من مال الولي رجع عليه في ماله، وإن لم يكن كان للصبي مال لم يتبع بشيء. قال مالك: ويوسع عليهم ولا يضيق. وقال ربيعة: قال ربيعة: ويشتري لهم بعض ما يلهون به وذلك مما يشب به، وما [5/ 69]
في الإنفاق على أهل الغائب أو على عبد له عنده، وبماذا يرجع؟
أنفق الأخ على أخيه اليتيم من ماله، رجع في مال اليتيم وكذلك من أنفق على مريض وطلب له الأطباء، فهو في ماله، وإن لم يكن له مال، لم يتبع بشيء. قال ابن القاسم: ومن أنفق على صغير له مال رجع عليه في ماله، فإن تلف ذلك المال وأفاد مالا ثانيا، لم يتبعه بشيء إلا فيما كان له قبل الانفاق. قال مالك: وسواء أشهد أنه إنما أنفق ليرجع أو لم يشهد إذا ادعى أنه أنفق عليه، كلف البينة بذلك أو بأنه كان في حوزه وحجره، يكفله ولا يعلم أحد ينفق عليه غيره، ويقول هو: أنفقت عليه لأتبعه. قال: ويحلف أنه أنفق عليه ليتبعه. وإن كان يليه غيره، كلف البينة بالدفع إلى ما كان عليه. وإذا قال الولي في اليتيم لا مال له: أن أنفق عليه، على أن أتبه إن أفاد شيئا، وإلا فهو في حل. ولا أدعه يموت. فلا ينفعه ذلك، ولا اتباع له، ولو أنفق ليتبعه في عروض له، فعجزت عن ذلك لم يتبع عاتقي. ومن أسلف يتيما في عمارة منزله، فإن كان مما يخاف انهدامه أو خرابه رجع عليه، وأما غير ذلك من مرمة أو شراء دابة أو شراء سلعة وحوالة بها يركبها فلا يلزم/ اليتيم، إلا أن يجد شيئا بعينه من ذلك، فليأخذه. في الانفاق على أهل الغائب أو على عبد له عنده وبماذا يرجع؟ وهل تباع أمة أو صبي بعتقها؟ ونفقة العبد المخدم من كتاب ابن المواز: ومن أنفق على أهل غائب وولده الذين يلزم نفقتهم وله بينة بذلك وحلف ما أنفق إلا على وجه السلف وصادف ملء الغائب في غيبته، فليتبعه ولو كان معسرا يومئذ لم يلزمه، يريد: وإن أيسر. قال ابن القاسم: ومن أنفق على صبي على الحسبة، ثم ظهر أن له أبا موسرا، ولم يتبعه بشيء إلا أن يعلم أن الأب تعمد ذلك بهم. قال أشهب، في غير كتاب محمد: لا يتبع الأب وإن تعمد طرحه. قال مالك: ومن غاب وقد أوصى في أمة أنها حرة بعد موته في سفره وله أصل وولد بلا نفقة فلهم بيعها في النفقة. [5/ 70]
قال مالك: ومن ترك خادما عند رجل فأنقق عليها آصعا من تمر فقال: أعطيتك الملكية. وقال المنفق: آخذ بسعر يوم أنفقت، وقد رخص الآن. فله بسعر يوم أنفق. قال ابن القاسم: إن اشترى التمر، فله الثمن الذي نقد، وإن كان التمر من عنده فله الملكية. وكذلك عند العتبية. ومن كتاب محمد قال مالك: ونفقة العبد المخدم بوصية على الموصى له بالخدمة، وكذلك في الجناية على المخدم إذا قتله. قال مالك، في العتبية وكتاب محمد: ومن حبس على أم ولده خادما يخدمها فنفقتها من مال الميت. وقال ابن القاسم، وأشهب:/ على الذي له الخدمة. ولو أوصى بالنفقة على أم الولد وبخدمة الأمة لها لكان نفقتها ونفقة الخادم من الثلث. قال مالك: ولو أوصى لثلاث أمهات أولاده بالنفقة عليهن ثلاث، وأما بعد ذلك فعليهن، ولو وقت لهن في الثلاث سنين نفقة، لم يزدن عليها، وعليهن نفقة الأمة في ثلاث سنين وبعدها. تم كتاب الاستبراء، والعدة والنفقات. [5/ 71]
صفحة بيضاء [5/ 72]
كتاب الرضاع
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الرضاع ذكر ما تقع به الحرمة من الرضاع وذكر الوجور والسعوط ونحوه وما در من لبن أو استنزل، والرضاع بعد الحولين، ورضاع الكبير قال أبو محمد: قال غير واحد من أصحابنا: إن حديث التوقيت في الرضاع مضطرب، وظاهر القرآن أولى بنا عن اضطراب الحديث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: إن عمك، فيلج عليك. وهذا رضاع قديم، لا توقيت فيه، وقد قال عقبة ابن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تزوج امرأة: إن امرأة ذكرت أنها أرضعتهما، وهي كاذبة. فقال عليه السلام: كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما، دعها عنك. وهذا قد أدخله البخاري (في كتابه). وهذا من أدل دليل أنه لا توقيت في الرضاع. [5/ 73]
من كتاب ابن المواز، قال: ويحرم من السعوط ما وصل إلى الجوف. وروي عن ابن عباس، أنه [لايحرم بالسعوط بالبن في الحولين]. قال ابن حبيب: وكذلك لو حقن بلبن امرأة؛ لأنه إلى الجوف، وما/ وصل إلى الجوف يحرم عند مالك. قال: والوجور: ما صب في الحلق. واللدود: ما صب تحت اللسان. قال: وإذا اكتحل الصبي بكحل أميع بلبن، فإن كان كحل بعقاقير تخرق إلى الجوف مثل الصبر المر، والعتروت والحبة السوداء، فهو يحرم، لأنه يجري في عروق العين إلى الخيشوم، إلى الحلق، إلى الجوف، ولو كان مما يقيم لم يحرم، ولا أفطر به الصائم. قال في كتاب ابن المواز، في الصبي يحقن بلبن، فإن كان يكون من ذلك غذاء حرم به وإلا فلا. محمد: يعني عندي لو لم يطعم ولم يسق إلا بالحقن لعاش به، فهذا يحرم. ومن كتاب ابن سحنون قال: وقال أصحابنا، إنه ما وصل إلى جوف الصبي من غير مدخل الطعام والشراب مثل الحقنة وغيرها، فإن كان يكون ذلك غذاء له، حرم، وإلا لم يحرم. قال ابن حبيب: وما خلط من دواء أو طعام بلبن فأطعم صبيا بابن القاسم لا يحرم به حتى يكون اللبن هو الغالب. وقال مطرف، وابن الماجشون: يحرم به وإن كان اللبن الغالب. ومن العتبية، روى أشهب عن مالك في امرأة تشربت شجرة فدرت لبنا أنه يحرم بذلك. وكره أن يفعل هذا، قيل له: بلغنا أن رجلا تشرها فدر له لبن. قال: بلغك الباطل، إنما ذكر الله رضاع النساء وقاله سحنون. قال ابن المواز: وما در من بكر أو معنسة فالحرمة بلبنها واقعة، بخلاف الرجل يدر. ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن القاسم: ولو أن امرأة در من ثدييها ماء، فأرضعت به [5/ 74]
صبيا، فلا يحرم، ولا يحرم إلا باللبن الذي يكون غذاء، ويغني عن الطعام، فأما ما اصفر ونحوه فلا. قال ابن حبيب: ويحرم ما قرب من الحولين بشهر وشهرين، لتقارب الشهور من النقص والتمام. وفي المختصر عن مالك: الأيام اليسيرة ونحوها. [قال عبدالملك، عن مالك: يحرم بعد الحولين مثل الشهر ونحوه]. وقال سحنون. وفي كتاب أبي الفرج البغدادي عن مالك: مثل اليوم واليومين وما تنقصه الشهور، إذ لا يتفق أن تكون سالمة من النقصان، ولقوله الله سبحانه كاملين. [وكذلك في المبسوط لإسماعيل القاضي، عن عبدالملك، أنه إذا جاوزت الحولين بالشيء القليل يعدو زيادة الشهور نقصانها، فكذلك الحكم]. وقال سحنون، في موضع آخر من كتابه (الحولين ثم أرضعت، ويتبع ذلك بالأمر) القليل بقدر ما يكون من حساب تقارب الشهور في النقص والتمام، فإنه يحرم. قال ابن حبيب: وإذا فطم قبل الحولين ثم أرضعته أجنبية لم يحرم عند ابن القاسم واصبغ، وقال مطرف وابن الماجشون: يحرم إلى تمام الحولين. قال في كتاب ابن المواز: وإذا فصل قبل الحولين وتم فصاله، وتمادى على الطعام وعاش به، فهو فصال لا يحرم بعدم ما أرضع، سواء فصل بعد حول واحد أو أقل أو أكثر. قال ابن حبيب: وقد أرى بعض العلماء الأخذ برضاعة الكبير في الحجابة خاصة، لحديث سهلة بنت سهيل من رضاع سالم، وهو كبير. قال ابن المواز: ولو أخذ به أحد في الحجابة خاصة لم أعبه كل العيب، وتركه أحب إلينا، وليس في الحديث أنه يحرم، إنما قال: أرضعيه. فذهب ما في وجه أبي حذيفة. [5/ 75]
باب جامع ما يحرم بلبن الفحل، وذكر أخت الأخ من نسب أو رضاع
وفي حديث آخر، فذهب غيرته فليس حجة لمن أطلق التحريم. وما علمت من أخذ به عاما إلا عائشة رضي الله عنها، وخالفها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورأين ذلك خاصا لسالم./ باب جامع ما يحرم بلبن الفحل وذكر أخت الأخ من نسب أو رضاع وما ضارع ما يوجب الرضاع من التحريم به لتحريم النسب وقد حرم الله سبحانه بالرضاع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وحرم لبن الفحل، وقال لعائشة، رضي الله عنها، إنه عمك، فليلج عليك في أبي القعيس. وعرضت عليه ابنة حمزة: فقال: هي ابنة أخي من الرضاعة. ومن كتاب ابن المواز، قال: وحرم بلبن الفحل [وقال لعائشة، رضي الله عنها] فإذا أرضعتك امرأة، فقد صار زوجها أباك من الرضاعة، وأخوه من نسب أو رضاع عمك، وأبوك من النسب إن كان له أخ من رضاع فهو عمك من الرضاع، ولو كان لعمك من الرضاع أخ من نسب أو رضاع -يريد محمد- من رضاع آخر، لم يكن بينك وبينه تحريم. وأخوك من النسب إن كانت له أخت رضاع فهي لك حلال وحلال لولدك، وهي أخت عمه، وليس بعمته. وكذلك أخو العم لا يحرم، ويحرم عم العم لأنه عم لأبيها، وجدها لأبيها. وكذلك تحرم عليك خالة الخالة لأنها خالة أمك، وابنة جديك لأمك. [5/ 76]
قال محمد: وأخوك من الرضاعة يحل لك نكاح أخته من نسب أو رضاع ما لم ترضعك أمها، وإلا فلك نكاحها ونكاح أمها. قال: والأختان من الرضاع برضاع أجنبية إن كان لكل واحدة منهما أخ من النسب، فله نكاح التي أرضعت مع أخيه بلبن الأجنبية، وإن كانت أم الواحد أرضعتها، لم تجز له/ نكاح الصبية التي أرضعتها أمه مع أخته، ويجوز لأخي تلك الصبية الأجنبية من النسب نكاح أخت أخيه من الرضاع. قال: وزوجة أبيك أو ابنك من الرضاع حرام عليك، وأم الأب من الرضاع. [وبناتها حرام، وبناتها عماتك ولا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من الرضاع]. ومن طلق امرأته وهي ترضع ابنته فتمت العدة وتزوجت وحملت ثم أرضعت صبيا، أنه يكون ابن للزوجين، إن كان لبن الأول لم ينقطع قال ابن حبيب: وكذلك لو مات هذا، أو طلق، ثم تزوجت ثالثا قبل انقطاع لبنها فوطئها ثم أرضعت صبيا، فهو ابن الثلاثة الأزواج. ومن كتاب محمد: ومن تزوج بكرا فبنى بها فدوت قبل أن تحمل فأرضعت صبيا فهو ابن لزوجها. قال مالك: لأن الوطء يدر اللبن ويستنزله. ومن العتبية، روى أشهب عن مالك: ومن تزوج امرأة، وقد كانت أرضعتها امرأة أخيه في الحولين بلبن أخيه فإنه يفسخ نكاحها لأنها ابنة أخيه من الرضاع. وعن امرأة أرضعت أختها بلبن زوجها ثم مات فنكحت غيره فتلك الأخت ربيبة لهذا الزوج وبنت لامرأته وله أن يرى شعرها، وإذا أرضعت أجنبية ابنا لك فلك أن تتزوج ابنتها. وقال سحنون، في أخوين ولد لأحدهما جارية وللآخر غلام فأوضع أحد الطفلين أم الأخوين، قال: لا يتناكحان أبدا. وقال أصبغ في صبية أرضعتها جدتها لأمها فلا تحل لابن عمها إن كان ابن خالتها، لأن الصبية تصير خالة للغلام، ولو كان ابن عمها هذا ليس ابن خالتها كانت حلالا له. [5/ 77]
قال أصبغ: ومن بنى/ بزوجته، ثم فارقها، فتزوجت غيره، فولدت صبية، فهذه الصبية حرام على زوجها الأول، وربيبة له، وكل ما تلد أو ترضع فيما يستقبل ربائب له وحرام عليه، ويجوز لابن الأول من غيرها أن ينكح هذه الصبية وسائر بناتها من غير أمه، وكذلك لابنها من الزوج الثاني أن يتزوج ابنة الأول من غيرها. ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن الماجشون: وإذا أرضعت امرأة صبيا، فكل ولد تقدم لها، أو يكون لها أبدا بولادة أو رضاع، وكل ولد لفحلها- يريد الفحل الذي كان الرضاع أولا بلبنه - إخوة له، وحرام عليه، وهو حلال لإخوته، وإن أرضعت صبية، حرمت على كل ولد لها ولفحلها، أو لم تحرم الصبية على من كان أخ أو أخت لم ترضع أمهم. قال: ولا بأس أن يتزوج الرجل مع من أرضع مع ابنه لصلبه إذا أرضعتهما غير امرأته. قال ابن المواز: وإذا أرضعتك امرأة، فأمهاتها وجداتها وبنات بناتها وبناتها نفسها يحرمن عليك، وبنات أم التي أرضعنك حرام عليك، وبناتهن حلال لك، وبنات جدة التي أرضعتك حرام، لأنهن خالات أمك، وبناتهن حلال لك وما تناسل من أولادهن. وأبوك من الرضاع يحرم عليك أمهاته وجداته؛ ومن أرضعته أم ابنك هذا فهو أخ له، أو أخت له، وعم لك، أو عمة تحرم عليك، ولا يحرم عليك بناتها، وإن كان الرضيع صبية حرمت على كل من ولدته أم التي أرضعتها، ولا يحرم على بني بني جدتها. قال: وخالة الخالة حرام لأنها بنت للجدة، وهي خالة الأم؛ وبناتها/ حلال، وعمة العمة حرام، وبناتها وجميع ولدها حلال، وأخت العم وأخت العمة، وأخت الخالة حلال. أبو محمد، يريد محمد: من لعمك وعمتك، وخالك وخالاتك، وأخيك وأخيك من النسب، من لهم من أخت برضاع، فحلال لك وكذلك إن كان لأخيك لأبيك أخت لأمه فحلال لك، ولأخيك لأمك من أخت الأب فحلال لك، أو كان لعمك أو لعمتك أو خالتك على هذا المعنى. [5/ 78]
باب ما يقع من التحريم بالرضاع يحدث بعد النكاح
ومن العتبية، من سماع أصبغ، قال ابن القاسم، فيمن اشترى أمة، ولها بنت ترضعها، فيطؤها، وهي ترضعها، فهل يهب الصبية لابن يطؤها؟ قال: لا خير في ذلك. باب ما يقع من التحريم بالرضاع يحدث بعد النكاح وما يدخل في ذلك من لبن الفحل ومن كان ابن المواز: ومن نكح امرأة فمسها، أو تلذذ منها ثم فارها، فبعد عشرين سنة تزوج رضيعه أرضعتها تلك التي كانت له زوجة؛ لحرمت الرضيعة عليه، ولو أرضع زوجته المرضعة نساء أهل الأرض لحرمن عليه. والرضيع إذا زوجه أبوه أو وصيه امرأة، ثم بارا عنه زوجته، وتزوجت رجلا فأولدها ثم أرضعت الصبي الذي كان تزوجها وهو في الحولين لحرمت على زوجها هذا لأنها من حلائل أبنائه، إذ صار هذا الصبي ابنا له من الرضاع. وكذلك في العتبية، عن ابن القاسم. ومن كتاب محمد: ومن له أربع نسوة إحداهن رضيعة في الحولين ولم يدخل بالكبار ولا تلذذ بهن فأرضع الثلاثة الصغيرة فقد حرم الكبار وتبقى له الصغيرة، ولو سنة واحدة من الكبار، أو تلذذ منها، حرمت عليه الصغيرة أيضا وزلو تزوج كبيرة وثلاثا صغارا فأرضعتهن الكبيرة، فإن كان مس الكبيرة أو تلذذ منها حرمن أربعتهن، ولو لم يتلذذ منها حرمت هي، واختار واحدة من الأصاغر ولا مهر للكبيرة لأنه نكاح يفسخ، فعليه قبل البناء، وعليه للتين فارقهما من الصغار لكل واحدة سدس صداقها لأنه لو فارقهن في كملة فعليه نصف صداق واحدة يقسم بينهن يقع لكل واحدة سدس صداقها، لأن واحدة يصح نكاحها بالاختيار. وقال ابن القاسم: ولا شيء على التي نقدت. [5/ 79]
وإذا كانت له زوجة رضيعة، فأرضعتها زوجة له كبيرة قد مسها، فحرمتها على الزوج أو أرضعتها أم الزوج وأخته فلا شيء عليها، إلا أن هذه تؤدي، لأن ماءه قد وقع في لبنها. وكذلك من تزوج امرأة معها صبية ترضع فوطئها في ذلك اللبن فلا تحل الصبية لابنه لأنها أخته. ومن أصلهم أنه إذا تزوج امرأة، فأرضعت صبيا قبل دخوله بها فإن ذلك الرضيع لا يكون ابنا له، وإن كانت صبية فهي ربيبة له. قال أصبغ، عن ابن القاسم: ومن له زوجتان فأرضعت إحداهما أخا له طفلا فلا يحل للطفل نكاح زوجة أخيه التي لم ترضعه إن فارقها أو مات عنها لأنها امرأة أبيه من لبن الفحل. وقال ابن القاسم في ذات زوج أرضعت صبيا بلبنه، وله منها ولد/، ومن غيره ولد، ولزوجها ولد من غيرها: إن ذلك الصبي الأجنبي يحرم عليه ولدها من هذا الزوج ومن غيره؛ وتحرم عليه بنات زوجها هذا منها ومن غيرها لأن أب له. قال أصبغ في صبي أرضعته جارية لجده، يعني: لأبيه بلبن من وطء جده: إن بنات عمه يحرمن عليه لأنه عم لهن. قال ابن حبيب، وفيمن تزوج رضيعتين ثم تزوج كبيرة فأرضعتهما قبل بيني بالكبيرة. حرمت الكبيرة، واختار واحدة من الصغيرتين وفارق الأخرى ولها نصف الصداق؛ لأنه طلاق باختياره وليس كالفسخ. وقال ابن المواز: لها ربع صداقها، ولو فارقها جميعا لم يكن لهما إلا نصف الصداق بينهما. وقال ابن القاسم في غير كتاب محمد فيما أعرف: لا شيء لمن فارق بالفسخ. قال ابن حبيب: وكذلك المجوسي يسلم عن عشر نسوة لم بين بهن ثم يختار أربعة، أنه يعطي لكل من فارق نصف صداقها. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج كبيرة فبنى بها ثم تزوج صبية صغيرة فأرضعتها أم الكبيرة فليختر واحدة منهما ويفارق الأخرى لأنهما صارتا أختين. وقاله أصبغ. [5/ 80]
باب في التحربم بلبن الكافر والميتة ولبن الزنا والنكاح الفاسد
ومن كتاب ابن المواز: ومن زوج عبده الرضيع أمه له كبيرة، ثم وطئ السيد الأمة فحملت منه فرضعت، أو درت في حملها فأرضعت زوجها في الحولين قبل فطامه فإنها تعتق مكانها، وتحرم على سيدها وعلى زوجها للأبد؛ لأن زوجها صار ابنا لسيدها فصارت من حلائل أبنائه، وهي أم ولد لا حرمة فيها، وهي للزوج من نساء/ الآباء لو لم يطأها، ولكن أعتقها فاختارت نفسها ونكحت فولدت أو درت وقد بنى الزوج فأرضعت العبد الذي كان زوجها لحرمت على زوجها هذا؛ لأنها ابنة وهي من حلائله. ومن كتاب ابن حبيب: ومن له أمة يطؤها فتزوج رضيعة فأرضعتها أم أمته هذه فلا يفسخ النكاح ويبقى على صحته، وليوقف على وطء أمته هذه حتى تحرم امرأته، وإن بلغت الزوجة لم يطأها حتى تحرم الأمة. قال ابن المواز وابن سحنون قال مالك: وإذا تزوج امرأة ودخل بها ثم وضعت عنده لأقل من ستة أشهر، فما أرضعت بلبنها فهو ابن للزوج الأول والآخر، وقد كان الثاني نكاح شبهة. قال ابن سحنون عن مالك، فيمن تزوج صبية صغيرة ترضع في الحولين فأرضعتها امرأة له: إنها لا تحل للزوج ولا تحرم عليه امرأته الكبيرة بذلك. وقال ابن نافع: أراهما يحرمان جميعا. والذي قال ابن نافع هو المعروف من قول مالك وأصحابه، وقد تقدم هذا مبينا. باب في التحريم بلبن الكافرة والميتة ولبن الزنا والنكاح القاسد والملاعنة ولبن الملك وما در من لبن أو شبه ذلك ونكاح البنت من غيره ومن كتاب ابن حبيب، قال: ويحرم بلبن الكوافر، ولبن الزنى. قال: ولبن الحرة والأمة في الملك والنكاح سواء ولبن المتزوجة وغيرها، من بكر أو ثيب، أو عجوز درت فذلك سواء، ويحرم لبن الميتة، ولا يحرم بلبن سائر الحيوان ولا بلبن [5/ 81]
رجل در له لبن، واللبن في وطء / صحيح، أو فاسد، أو حرام، أو زنى، أو سنبهة، فالولد منها لاحق، والحرمة منها ومن واطئها الذي ذلك اللبن منه سواء، وكما لا يحل له نكاح ابنته من الزنى، كذلك لا يحل له نكاح من أرضعته الموطوءة بلبن ذلك الوطء، واللبن لبنه، والولد من ذلك الوطء ولده وإن لم يلحق به. وقد كان مالك يرى أن كل وطء لا يلحق فيه الولد فلا تحرم عليه بلبنه. يريد: من قبل فحله، ثم رجع إلى أنه يحرم، وذلك أصح، وقاله أئمة من العلماء. قال المشيخة السبعة: وما حرمه الحلال، فالحرام أشد تحريما. ومن كتاب ابن سحنون: وكل نكاح لا يثبت بحال، فاللبن فيه يحرم البنات بسبب الولد. ومن وطئ أمته وهي تحت حر أو عبد أو بعد أن يطلقها وهي حامل أو مرضع، أو كانت أمة للعبد، فإن ذلك اللبن يقع به الحرمة للزوج السيد. قال عبدالملك: والحرمة به لهما الحق الولد بالزوج أو بعبده فرجع إلى السيد. وقد قال مالك في المتزوج يطأ المرأة ثم تأتي بولده من عبده لأل من ستة أشهر فيفسخ نكاحه: إن ذلك اللبن لهما يحرم به عليهما. قال سحنون: وإذا نكح خامسة أو أخته من الرضاعة وهو يعلم ولا يعذر بجهل وهي لا تعلم أو علم هو أن لها زوجا حيا وهي لا تعلم فإنه يحرم بلبنها ذلك من جهتها ومن جهته. وقال عبدالملك: بل يلحقه هو بذلك اللبن حرمة حين لم يلحق به الولد، ولا يحرم عليه الولد إن كانت ابنته. وقال سحنون: وهذا خطأ صراح، ما علمت من قاله من أصحابنا معه، وقد أمر/ النبي عليه السلام سودة أن تحتجب من ولد ألحقه بأبيها لما رأى من شبهة بعتبة، قال: وكذلك من زنى بها غصبا فولدت ثم أرضعت فذلك اللبن يحرم على الوصي، ولا يحرم عليه بذلك شيء عند عبد الملك. [5/ 82]
في الشهادة في الرضاع والإقرار به
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أرضعت بلبن الصبي صبيا فهو لها ابن، ولا يكون ابنا للذي زنى بها، ولو أرضعت به صبية فتزوجها الذي كان زنى بها لم أقض بفسخه، وأحب إلي أن يجتنبه من غير تحريم، وأما ابنته من الزنى فلا يتزوجها، وإن كان أجازه ابن الماجشون، وأباه ابن عبدالحكم، وأصبغ في صبي، ومكروه، بين لقول النبي عليه السلام لسودة في الولد: احتجبي منه وقد ألحقه بأبيها، وصار لها أخا في الميراث وغيره، وحجبها عنه لشبهة بعتبة، فكيف يتزوجها عتبة لو كانت جارية؟ وأما لبن الزنى فلا يحرم، يريد محمد: من قبل الفحل. وكل لبن من وطء بفساد نكاح مما لا حد فيه، أو وطء لا يجوز بالملك فالحرمة تقع به من قبل المرأة والرجل، واللبن في ولد الملاعنة من الرجل والمرأة، وتقع الحرمة بلبن الشرك. ومن تزوج امرأة وبنى بها ثم وضعت لأقل من ستة أشهر ففرق بينهما، ثم أرضعت صبيا، فهو من الزوج الأول ولهذا الثاني وذكر التحريم بما در من لبن لأمرأة أو رجل قد ذكرته في الباب الأول. في الشهادة في الرضاع والإقرار به من كتاب ابن حبيب: وإذا قال الأب قبل النكاح، [أو قال أحد الزوجين]: إن فلانا أو فلانة أرضع مع ولدي ثم زوجه إياها، لو كانت صبية فزوجها/ إياه: إنه يفسخ بذلك. وكذلك يفسخ بقول الأم قبل النكاح، أو قاله أحد الزوجين اجتمع على هذا مالك وأصحابه. وأما بعد النكاح فلا يقبل إلا أن يتنزه عنها، إلا في قول الزوج وحده، فإنه يعد على نفسه. قال ابن المواز: إذا قال الأب أو الأم للخاطب للابنة: هي أختك من الرضاعة ثم رجع، فقال: أردت اعتزاز الردة أو وهمت. أو قالت ذلك الأم، فلا يقبل منهما ولا يتزوجها ويفسخ إن فعل. ولو قالته الجارية لخاطبها أنه أخوها من الرضاعة، أو أنها أرضعته، ثم نكحته، لفسخ قبل البناء وبعده، إذا قامت بينة أنها [5/ 83]
قالت قبل النكاح. ولو قالت أجنبية عند الخطبة قبل العقد: أرضعتهما. قال مالك: يؤمر بالتنزة عنها [إن وثق بقولها، وإن كانتا امرأتين ثقتين، فإن كان ذلك في المعارف فاشيا وإلا لم يقض بذلك، وأمر بالتنزه عنها]، ولا يقبل بعد النكاح قول الأب والأم، وإن كانا عدلين، ولا قول الجاريتين، ولا امرأتين عدلتين من غير أمر فاش في المعارف، ويؤمر بالتنزه، وإن كان مع المرأتين أمر فاش في المعارف قضي بالفسخ. وأم الزوج وأم الزوجة بعد النكاح كالأجنبيتين، قال: والأجنبيتان قبل النكاح وبعده سواء، وقول أحد الأبوين أو أحد الزوجين قبل النكاح مقبول، ويفسخ به النكاح وإن لم يفش في المعارف. ومن العتبية، قال أشهب عن مالك، في بينة شهدت على امرأة تحت رجل أنها كانت تقول: أخي أخي. فلا أرى هذا شيئا يحرم، ولا يضرها، وهذا شيء لا يعرفه، وقد يقول/ الرجل للرجل: أخي. على البر والتقرب له. قال ابن حبيب: وذهب مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع، وابن وهب، أنه يفرق بين الزوجين بشهادة امرأتين، أو رجل وامرأة واحدة في الرضاع، وإن لم يكن فاشيا في الأهلين، وإذا قاموا حين علموا بالنكاح، ولم يأت عليهم حال يتهمون فيها. وقاله أصبغ، وعليه جماعة الناس، وأما شهادة المرأة الواحدة فيؤمر بالتنزه عنها، وقد روي للنبي عليه السلام، في المرأة الواحدة بالتنزه عنها. ومن العتبية، قال عيسى ابن القاسم، فيمن خطب امرأة، وقالت له أمه: هي أختك من الرضاعة، فحلفا بطلاق أخرى لئن حلت له ليتزوجها، فليطلق التي تحته ولا يتزوجها، فإن تحرى فتزوجها لم أقض عليه بفراقها؛ لأنه لا يكون في ذلك امرأتان. [5/ 84]
باب جامع الرضاع
باب جامع الرضاع فيه ذكر الصورة، وذكر الغيلة، وغير ذلك من كتاب ابن حبيب: روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استرضاع الفاجرة، وأنه عليه السلام قال: اتقوا ارضاع الحمقاء، فإنه يعدي. وقال عمر، رضي الله عنه: أن اللبن يرع، فمن استرضع فليستحسن. قال ابن حبيب: والرضاع تحر السنة. وكان عمر، رضي الله عنه بسبب الرضاع. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح استرضاع النصرانية. قال مالك: لا بأس باسترضاعها إن أمنت ما تغذيه به من خمر وخنزير، وقد يكون في النصرانية طباع حسنة من عفاف وسخاء ومحاسن أخلاق؛ وليس الطباع في الدين وهي في الغرائز. وقيل للنبي عليه السلام: ما يذهب عني مذمة الرضاع؛ يعني: حقه فقال "عبدا ووليدة". وبسط عليه السلام رداءه لأمه من الرضاع، وقال "سليني ما شئت" فسألته خادما، فأعطاها. ومن العتبية: أشهب عن مالك في المسلمة ترضع ولد النصراني، قال مالك إما أن يكون عندهم فأكرهه، وإما أن تعطيه ثديها فلا بأس بذلك. ومن كتاب ابن المواز: ويكره استرضاع اليهودية والنصرانية من غير تحريم. [5/ 85]
قال ابن حبيب: وإذا تزوجت المطلقة أو المتوفى عنها [ولها ولد أخت وأحبت رضاعه وكره] ذلك زوجها هذا فذلك له إن كان للصبي مال، أو وجدوا من يرضعه باطلا إن كان لا مال له، وإن لم يكن ذلك، أو كان لا يقبل غيرها فلترضعه وإن كره الزوج. وقاله مالك. والمرضع إذا واجرت نفسها في الرضاع بغير إذن زوجها فله فسخ ذلك، وإن كان بإذنه فأراد أبوه منع زوجها من الوطء للغيلة فذلك له. قال ابن القاسم. [وقال أصبغ: ليس ذلك له، إلا أن يشترط في أصل الإجارة، وإلا فلا، إلا أن يكثر ضرر ذلك بالصبي ويتبين فيمنع لذلك، وبقول ابن القاسم أقول. قال ابن حبيب: والغيلة: وطء المرضع حملت أو لم تحمل، والعرب تتقيه أن يعود على الولد من ضرر في جسمه، أو علة وسقم، وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه، أو لا ترى ان من حلف ألا يطأ زوجته حتى تفطم ابنه لا يكون موليا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم اتقاه. وقد تقدم شيء في ذكر الغيلة. تم كتاب الاستبراء والعدة والنفقات والرضاع من النوادر بحمد الله [5/ 86]
كتاب طلاق السنة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب طلاق السنة ما جاء في طلاق السنة قال الله سبحانه: "يا أيها النبي، إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" إلى قوله: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا" وأمر سبحانه أن تطلق النساء للعدة، فكان ظاهر ذلك نهيا عن إيقاع الثلاث في كلمة، ودل بآخر الآية أنه إذا أوقع الثلاث المنهي عنها أنها لازمة بقوله: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرأ" وهي الرجعة فيما قال العلماء، فجعلها بائنة بإيقاع الثلاث في كلمة ولو لم يقع ويلزمه لم يفت الرجعة (كذا) ودلنا سبحانه أن الطلاق يقع لسنة ولغير سنة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن عمر إذ طلق في الحيض مرة: فليراجعها. فدل على أنه ألزمه الطلقة، ثم قال: يمسكها، وفرق بين الكلمتين. وقد ذكرنا في كتاب العدة الحجة في هذا وفي الاقراء. والذي ينبغي أن لا يطلق إلا طلاق السنة كما أمر الله سبحانه ورسوله عليه السلام. ومن كتاب ابن المواز، روى ابن القاسم وأشهب وابن وهب عن مالك قال: طلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة ثم لا يمسها حتى تنقضي العدة. وأنكر أن يطلقها في كل طهر طلقة. وقال أشهب: لا بأس أن [5/ 87]
يطلقها في كل طهر طلقة، إذا لم يمسها أو يرتجع، فإن ارتجع وهو يريد أن يطلقها، فالبأس عليه في ذلك، لأنه يطول عليها/ العدة، يقول الله تعالى: ولا تمسكوهن ضرارا ولو ارتجع لغير ذلك لم يكن بذلك بأس، ويطلقها بعد ذلك. قال مالك وأصحابه: ويطلق التي لم تبلغ، واليائسة متى شاء، لا ينتظر بها الأهلة، ويطلق الحامل متى شاء. قال: ولا يجيز ابن القاسم أن يطلق ذات الحيض في كل طهر طلقة. قال ابن المواز: والطلقة الواحدة هي السنة، فطلقة في كل طهر أحب إلى من طلقتين في طهر، فطلقتان في مجلسين أخف عندي منه في مجلس. وقال ابن مسعود: من أراد أن يطلق ثلاثا، فليطلق في كل طهر طلقة قبل أن يمسها فيه بغير رجعة. وأجازه ابن عمر. وأجاز ابن شهاب في التي لا تحيض أن يطلقها في كل هلال طلقة قبل الجماع. وكانوا لا يأمرون إلا بطلقة. قال مالك: وطلاق السنة في المستحاضة إذا زال عنها الدم الذي تنكره وتترك الصلاة، فإذا تطهرت منه، طلقها طلقة قبل يمسها، ثم عدتها سنة، وللزوج فيها الرجعة. وروى ابن وهب عن مالك أنه يطلق المستحاضة إذا طهرت للصلاة. قال محمد: فإن طلقها في حيضها قبل أن تستحاض، ثم استحيضت، فإنه يجبر على الرجعة إليها إلى تمام السنة. قال مالك: والطلاق للسنة في الحرة والأمة، والمسلمة والكتابية سواء. وكره مالك الحلف بالطلاق. قال أشهب: لوجهين: لنهى النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بغير الله، ولأنه قد يصادف بحنثه وقوع الطلاق في الحيض أو في طهر مس فيه/؛ فإن كانت ممن يئسن من المحيض كره لوجه واحد، وهو خلاف السنة. [5/ 88]
في الطلاق في الحيض، وهل يوقع فيه طلاق إيلاء أو خلع؟
ومن العتبية: قال سحنون، في من قال لزوجته: أنت طالق، كما قال الله في كتابه. قال: لزمه طلاق السنة. قال ابن سحنون، عن أبيه، في من أمر رجلا أن يطلق امرأته طلاق السنة فطلقها ثلاثا، قال: لا يلزمه إلا واحدة. في الطلاق في الحيض وهل يوقع فيه طلاق إيلاء أو خلع؟ قال مالك وأصحابه: ولا يجوز لأحد أن يطلق امرأة في دم حيض أو دم نفاس. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر حين طلق في الحيض أن يرتجع. من كتاب ابن المواز، في سياق كلام أشهب، قال في من طلق في حيض أو نفاس، أجبر على الرجعة، سواء ابتداه أو حنث فيه، قال: فإن أبى هددته بالسجن، فإن أبى سجنته، فإن فعل وإلا ضرب بالسوط، ويكون ذلك قريبا في موضع واحد لأنه على معصية؛ فإن تمادى، ألزمه الرجعة، وكانت له الرجعة. قال ابن القاسم وأشهب: فإن غفل عنه حتى طهرت فعل ذلك أيضا، فقال ابن القاسم: ما لم تخرج من تلك العدة. وقال أشهب: ما لم تطهر من تلك الحيضة ثم تحيض، ثم تطهر فلا يجبر ها هنا لأن الطلاق فيه سائغ له لو ارتجع، ولم يكن ينبغي له أن يطلق في الطهر الأول فيكون مطلقا في طهر طلقتين. قال أشهب: وإذا كان في نفسه طلاقها يكره له رجعتها في الطهرالثاني، وفي الطهر الثاني أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يطلق إن شاء، وقول/ ابن القاسم أحب إلينا لأنها رجعة وجبت. وقاله عبدالملك. قال ابن القاسم واشهب: ولا يصالح امرأته في الحيض، فإن فعل لزمه، ولا رجعة في ذلك. [5/ 89]
قال ابن القاسم: لا بأس أن يطلق التي لم يبن بها في حيضتها. وكرهه أشهب. وأما الطلاق الذي يكون بغلبة السلطان في من به جنون أو جذام أو عنين أو لعدم النفقة فلا يطلق عليهم في دم الحيض، ولا في دم النفاس. قال مالك وابن القاسم واشهب. وأما المولى، فروى أشهب مثل ذلك عن مالك، وقال: كيف أطلق عليه وأجبره على الرجعة! وقاله أشهب. وروى القاسم عنه أنه يطلق عليه. قال محمد: وبه أقول، يطلق عليه بكتاب الله ويجبر على الرجعة بالسنة. ولم يختلف أصحاب مالك، أنه إن قال: أنا أفي أنه يهمله حتى تطهر، وليس للعنين منهم رجعة. ولا رجعة لغيره ممن ذكرنا إلا أن يزول عنه ما من أجله طلق عليه، مثل المعدم يجد النفقة في العدة، ويخف ما بالأجذم حتى يصير إلى حال لو رفع فيها لم يطلق عليه فله الرجعة، وكذلك المجنون يزول ما به، وأما المولي، فله الرجعة مطلقا، وكلهم لو طلق في الحيض مبتدئا لجبرته على الرجعة إلا العنين. وقال: ومن منعتني الحيضة أن أطلق عليه لم أحل بينه وبين أهله حتى تطهر، إلا المجنون الذي يخاف منه عليها. قال: ولا يتلاعن الزوجان في الحيض/، والأمة تعتق تحت العبد فلا ينبغي أن تختار في الحيض، فإن فعل مضى، قال: ولا ينبغي أن يملك أحد امرأته في دم حيض أو نفاس؛ لأنه يتعرض خلاف السنة؛ وإن ملكها منعه السلطان من الفراق وذلك بيدها حتى تطهر إلا أن يرد ذلك؛ ولو سبقت بالفراق تجبر على الرجعة فيما دون الثلاث. قال: وكل نكاح يفسخ بعد البناء مما لا يحل المقام عليه، وليس لأحد إجازته، وإن احتيط في بعضه بطلقة فليفسخ في الحيض، وتأخيره أعظم، كالخامسة، ونكاح المحرم والمرأة على عمتها أو خالتها، وفي العدة وإن بنى بعدها بالموهوبة أو الأمة بغير إذن السيد أو على أن ولدها حر، وما يفسخ بعد البناء. قال: وأما ما يفسخ لفساد صداقه، فليفرق فيه قبل البناء في الحيض. قال ابن القاسم، وأشهب. وأما ما للولي فسخه أو إجازته فلا يفرق إلا في الطهر، ويؤخر ذلك السيد في العبد، والولي في المولى عليه إلى الطهر، فيطلقها طلقة ثانية [5/ 90]
في الغائب كيف يطلق؟ ومن كتب ثم بدا له
ذلك لها، فإن عتق العبد أو رشد السفيه في العدة، ولكن لو لم يعلم بالنكاح من إليه فسخه حتى كان العتق والرشد لم يفسخ. وإذا أجبر المطلق في الحيض على الرجعة، قال أصبغ: يجبر ثانية ويلزمه الطلاق، وكذلك لو طلق في الحيضة الأولى بعد رجعته لجبر ثانية. قال ابن القاسم: لو أجبرته، فارتجع في الحيض ثم لما طهرت طلقها ثانية فبس/ ما صنع، ولا أجبره على الرجعة، ولو لم يجبر في الحيضة حتى طهرت، فطلها ثانية لجبر على الرجعة. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم في المطلق في الحيض إذا جبر على الرجعة فارتجع ثم طهرت، أيطؤها وهو يريد طلاقها في الطهر الثاني؟ قال: نعم له ذلك. وروى عنه أصبغ في من طلق امرأته، فقالت: طلقتني في الحيض. وقال هو: بل وأنت طاهر. فالقول قوله. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: ومن حلف ليفعلن كذا، أو لا يفعله بالطلاق واحدة، فوقع حنثه وهي حائض فليجبر على الرجعة. وروى مثله أشهب، عن مالك. قال ابن سحنون، عن أبيه في من طلق امرأته فقالت: إني حائض: إنها مصدقة، ولا يكشف، ويجبر على الرجعة، ولا أرى أن ينظر إليها النساء. بعد هذا باب فيه القول في من قال لحائض أو حامل: أنت طالق للسنة. في الغائب كيف يطلق؟ ومن كتب ثم بدا له، أو كتب يمنيا به لغريمه ثم بدا له غير ذلك من كتاب ابن المواز: ومن أراد أن يكتب في غيبته إلى زوجته بطلاقها، فأما أشهب، فقال: أرى أن يكتب إليها: إذا طهرت من حيضتك فأنت طالق. [5/ 91]
ولم يجعل ذلك أجلا، ورآه ابن القاسم كالمطلق إلى أجل، إلا في التي تحض واليائسة من الحيض. قال محمد: وأحب إلى أن يكتب إليها: إذا جاءك/ كتابي، فإن كنت حضت بعدي حيضة وطهرت فأنت طالق. يريد محمد: وجاءك كتابي وأنت طاهر. قال: وإن كنت وضعت وطهرت فإنت طالق. ثم لا ترد إليه جوابا حتى تنقضي العدة. وإن كانت يائسة أو لم تحض طلقها مكانها، أو كتب إليها. قال: وإذا كتب بالطلاق على غير عزم، تركه ما لم يخرج عن يده، وليحلف، ويدين. فأما إن خرج من يده فهو كالناطق به، وكالإشاد. قال مالك. كان في الكتاب: أنت طالق. أو: إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق. قال مالك: ولا يتوارثان، وإن لم يصل إليها الكتاب واسترده. وقال أشهب، وأصبغ. قال مالك: وخروجه من يده كالإشادة فيه؛ وكذلك إذا كتب كتاب طلاق، ثم خرج من يده، فهو كالإشادة وهذه المسألة من أولها في العتبية من سماع أشهب. قال ابن المواز وأشهب: إن طلق في كل طهر طلقة، أو كتب إليها: إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، ثم إذا حضت ثم طهرت فأنت طالق، وإن كانت حاملا ولا تحيض طلقها مكانه إن كتب إليها. وروى ابن حبيب عن إبراهيم النخعي فيمن كتب إلى زوجته: إذا جاءك كتابي هذا، فأنت طالق. فلم يأتها الكتاب فليس بشيء، وإن كتب إليها: أنت طالق. فذلك جائز. وقال عطاء. ومن كتب بطلاق امرأته، ولم يتكلم به، فليس بطلاق. ومن كتاب ابن المواز: ومن عليه/ دين، فكتب كتابا للطالب، وكتب في على نفسه الطلاق إن لم يوفه حقه وقت كذا، فامتنع الشهود أن يكتبوا فيه [5/ 92]
في طلاق العبد والمجنون والسكران والصبي والسفيه
لذكر الحق، فخرقه، وكتب كتابا بغير ذكر الطلاق، قال: يلزمه الطلاق إذا رضي بالكتاب الأول. في طلاق العبد والمجنون والسكران والصبي والسفيه من كتاب ابن المواز قال مالك: طلاق العبد طلقتان، فإن طلق واحدة ثم عتق فلا ينبغي له فيه إلا طلقة لأن نصف طلاقه قد ذهب فصار كحر ذهب له طلقة ونصف، فصارت طلقتان، وبقيت واحدة. ومن كتاب ابن المواز: وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه حتى إذا عتق صار له حكم الحر من يومئذ. قال ابن القاسم: ولو طلقها طلقتين ثم ثبت أنع أعتق قبل طلاقه فله الرجعة إن لم تنقض العدة، وإن انقضت فقد بقيت له فيها طلقة إن تزوجها، وسواء علم أن جميع طلاقه طلقتان، أو لم يعلم، إذا لم ينو البتات، أو يلفظ بالبتة، كمن طلق طلقة، وظن أنها تحرم عليه فلا يلزم إلا واحدة، لا يلزمه ذلك إلا من عرف أن له الرجعة، فنرى أنها في قلبه البتة. فأما من ظن ذلك، فلا يضره. وكذلك التي تعتد/ حيضتين، ثم ثبت أنها عتقت قبل ذلك، فلتتم عدة الحرة؛ فإن نكحت قبل ذلك، فسخ النكاح ووطئها واطئ في عدة. قال عنه عيسى في العتبية وسواء ثبتت حريتها بعتق أو بأصل حرية. قال ابن المواز: قاله كله أشهب. والمسألة من أولها رواها عيسى عن ابن القاسم، قال: وسواء علم أن طلاقه ائنتان أو لم يعلم، إلا أن ينوي البتة، أو يلفظ بها فلا [5/ 93]
تحل له إلا بعد زوج. قال ابن المواز قال مالك: وطلاق العبد بيده دون سيده. محمد: هو قول عمر وعلي وعثمان وعبدالرحمن بن عوف وكثير من التابعين. قال مالك: وليس بيع الأمة فسخا لنكاحها، ولو كان الزوجان لسيد واحد فليس له نزع الأمة من الزوج وإن وهبها [له وقال ابن عبدالحكم إن فعله لينزعها لم تجز الهب والنكاح قائم وإن وهبها] ليبلغن ذلك ثم بدا فانتزعها فله ذلك. وقاله أصبغ. وإن وهبها له لينزعها، فقد أساء، وذلك نافذ. وله انتزاعها وقال عبد الملك: إن كان العبد ممن لا يملك الأمة مثله في دانية وليس بمأذون له في التجارة لم تجز الهبة، وليس بانتزاع. محمد: وهذا تبع لقول مالك. وذكر عن ابن شهاب مثل ما قال أصبغ وقال: قد ظلم السيد نفسه. وقال مالك: في المريض يهذي، فيطلق في هذيانه، قال: لا يلزمه، ولو طلق وقد ذهب عقله من المرض ثم صح فأنكر ذلك وقال: لم أعقل. حلف، ولا شيء عليه. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، وفي سؤاله في من طلق في مرضه ثم صح فأنكر وزعم أنه/ لم يكن يعقل. قال ابن المواز: قال مالك في المجنون الذي لا يؤمن على زوجته، فليسجن في الحديد سنة، فإن أفاق، وإلا لها الفراق. وأما السكران، فيلزمه طلاقه وعتقه لأنه لو قتل لقتل، ويلزمه الحدود. وبذلك قضى عمر؛ ولا يلزم طلاق الصبي حتى يحتلم أو ينبت الشعر أو يبلغ سنا لا يبلغه أحد إلا احتلم. وكذلك في الحدود، وقال ابن وهب في غير كتاب ابن المواز: إذا بلغ خمس عشرة سنة، جاز طلاقه. قال في كتاب ابن المواز: وأما السفيه المحتلم الضعيف العقل، فإنه يلزمه الطلاق والعتق. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم، في من سقي السيكران، ثم حلف بطلاق أو بعتق فلا شيء عليه، وهو كالبرسام، وهو لم يدخله على نفسه. وقاله [5/ 94]
في طلاق المكره ويمينه وحنثه، والناسي والمخطئ وأفعالهم
أصبغ. وقال أصبغ: ولو قصد شربه على سبيل الدواء والعلاج فأصابه ما بلغ ذلك منه فلا شيء عليه، وليس كشارب الخمر. في طلاق المكره ويمينه وحنثه والناسي والمخطئ وأفعالهم وفيمن حنث بطلاق ثم أقام عليها ناسيا أو جاهلا من كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يجوز على المكره طلاق ولا نكاح ولا غيره، ولو أكره على يمين بطلاق أو بعتق أو غيره لم يلزمه، ولو كان إنما أكره على الحنث، لم يلزمه. قال: والتهديد بالضرب -وإن قل- والسجن إكراه، ولو أنه إن/ لم يحلف أخذ بعض ماله، كالإكراه في البدن. قاله مالك: في من مر بعاشر، فقال في أمة: إنها حرة. فلا شيء عليه. وقاله في لصوص أكرهوه على طلاق امرأته. وقد ذكرنا في اختصار الإكراه اختلافهم في الإكراه المؤدي إلى تلف المال. قال ابن المواز: ومعنى ما جاء في الحديث من رفع الخطإ والنسيان، فإنما ذلك في الإثم ببنك وبين الله تبارك وتعالي. أما حقوق العباد، فلازمة لك في الخطأ والنسيان في الدماء والأموال، وسقط عنك في قتل الخطأ ما كان يجب لله عز وجل من عقوبة أو قصاص، والخطأ في المال يلزمك، فلو أكرهت على تلفه، أو حملك القوم مربوطا أو مغلوبا على نفسك بالقود على رجل فقتلته، أو على مال فأتلفته، لم يلزمك شيء، ولو وثبت أنت في موضع لم يظن فيه شيء فأتلفت بذلك مالا لزمك في حق العباد. قال مالك: ومن حلف: لا أدخل بيتا فأدخل فيه مغلوبا فلا شيء عليه إلا أن يمكن الخروج فيقيم. [5/ 95]
وقال ابن القاسم: ومن حلف لا فارق غريمه فهرب منه، أو لا قبل امرأته فقبلته وهو غافل فلا شيء عليه ما لم يكن على التهاون فيهما، ولو حلف: لا قبلتني أو لا فارقتين لحنث حتى يستثنى استطاعته وغلبته. وقال مالك. نحوه. قال مالك: وإن قبلته نائما فلا شيء عليه إن كانت يمينه/: إن قبلتك. قال مالك: ولو قال لها أنت طالق إن دخلت هذا البيت. فحملت كارهة فأدخلته، لم يحنث. ومن حلف: لا يجتمع مع فلان في بيت. فدخل فلان عليه، فجلس معه حنث. ومن حلف: لا يجتمع مع فلان في بيت. فدخل فلان عليه، فجلس مع حنث. ومن العتبة روى عيسى، عن ابن القاسم، في يمين المكره إذا كان لم يحلف، فعل به ما يخافه؛ فإن كان ذلك عنده يقينا لا شك فيه من عذاب أو سجن أو قتل إن لم يحلف فلا شيء عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن حنث بالطلاق ثم نسي فأقام معها ثم ذكر فليتعتزلها، وعدتها من يوم حنث، فإن انقضت فلا رجعة له؛ وإن مسها بعد الحنث فلابد من عدة أخرى استبراء من ذلك الماء، ولا رجعة له في ذلك، يريد فيما جاوز العدة الأولى ثم يخطبها إن شاء، ولو ذكر قبل تمام العدة الأولى لم يكن وطؤه رجعة له، وله أن يرتجع ها هنا بالقول، ثم لا يطأ إلا بعد ثلاث حيض من آخر وطء وقع له فيها. ومن تزوج امرأة ثم نسي أن يكون تزوج، فقال: امرأته طالق. ولا يظن أن له امرأة فقد حنث. وبعد هذا باب فيمن طلق غلطا، وكثير من هذا الباب قد يكون في كتاب الأيمان. قال ابن حبيب، فيمن شرط أن الداخلة على امرأته طالق، فجهل فنكح عليها، فليفرق بينهما متى ما عثر عليه، ولها نصف الصداق، وإن بنى بها فلها جميع الصداق، ولا ميراث لها إن مات قبل الفراق، وإن كان ولد، لحق به وورثه، ولو عثر عليه قبل موته، وهو/ مقر بالشرط لم يلحق به الولد ورجم. [5/ 96]
في طلاق المريض أو يقر أنه كان طلق في صحته أو قامت بذلك بينة
قال أبو محمد: انظر قوله: ويرجم. وهذا نكاح مختلف فيه. وابن القاسم يقول: يتوارثان قبل الفسخ. قال ابن حبيب: وإن أنكر، وقامت بينة بذلك، فرق بينهما، ولم يحد بالحجر كمن شهد عليه بالطلاق وهو يجحد فتقوم البينة بعد موته، فقد قال مالك ترثه وقلت أنت في المسألة الأولى لا ترثه. قال: لأن التي فيها الشرط بانت منه بالعقد، فلم يملك عصمتها إلا مع طلاق قارن العصمة، والأخرى إنما طلقها بعد عصمة مستقرة، وإنما يثبت ذلك عليه بعد موته. قال ابن المواز: قال مالك، في الذي طلق في سفره ببينة ثم قدم قبلهم فوطئ فشهد عليه وهو ينكر: إنه لا يحد ويفرق بينهما. قال محمد: لأن الطلاق وقع يوم الحكم. وفي باب طلاق المريض شبه من هذا، وفي باب الطلاق قبل النكاح ذكر من الميراث في مثل هذا. في طلاق المريض أو يقر أنه كان طلق في صحته أو قامت بذلك بينة بعد موت أحد الزوجين ومن حنث في مرضه ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في المريض يطلق زوجته إنها ترثه. فكل مرض يرقد صاحبه عن الدخول والخروج، فهو يحجب فيه عن ماله، وإن طلق فيه زوجته ورثته، وليس الريح واللقوة والرمد مثل ذلك إذا كان صحيح البدن. وأما الجذام والبرص والفالج فإن أرقده فلا يخرج ولا يدخل/، ويخاف فيه عليه، فإنها ترثه إن طلق فيه، فأما من صح فيه بدنه وهو يتصرف فهو كالصحيح حتى يعرض أو لغيره ما يرقده. ومن طلق في صحته طلقة ثم مرض فأوقعها ثانية قبل الرجعة ثم مات فلها الميراث في العدة الأولى لأنها تبني على عدتها من الطلاق [5/ 97]
الأول ولو لم يرد بها طلاق أو انقضت عدتها في مرضه لم ترثه، ولو ارتجع من الأولى انفسخت العدة، ثم إن طلق فهو كمريض ابتدأ الطلاق في مرضه. وإذا وقع الطلاق في المرض بنشوز منها أو بلعان أو غيره فإنها ترثه إلا الردة فلا ترثه. وإن رجع مسلما ثم مات في مرضه فلا ترثه. قال ابن القاسم: وإن طلق نصرانية أو أمة في مرضه لورثتاه. وكذلك روى أصبغ، في العتبية عن ابن القاسم. وقال سحنون: لا ترثه، ولا يتهم في ذلك. وذلك في طلاق البتة، إلا أن يطلق واحدة ويموت في العدة بعد أن أسلمت هذه وعتقت هذه فترثانه. وكذلك في كتاب ابن سحنون. وقال: وإن مات بعد العدة ولم يرتجع لم ترثاه. قال محمد ولم يختلف مالك وأصحابه في الزاحف في الصف أنه كالمريض في الطريق وغيره. فأما من تناله شدة هول في البحر فلم يره ابن القاسم كالمريض، وأراه رواه عن مالك. وقال أشهب: هو كالمريض في كل شيء. ومن زعم في مرضه أنه كان طلق امرأته البتة في صحته لم يصدق إذا ردت ذلك عليه وترثه، فإن أقام بينة/ قد كتموا ذلك، ثم أظهرواه عند وفاته اتهموا، ولا تقبل شهادتهم وعوقبوا، إلا أن تصدقهم المرأة فلا ترثه، وإذا ماتت المرأة فشهدوا أن الزوج طلقها البتة فلا يرثها، وإن مات ورثته جعله ابن القاسم كالمطلق في المرض، لأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم لا قبل ذلك ولو كان يوم القول كان فيه الحد. وقاله مالك في الذي طلق في سفره ثم قدم فوطئ وقامت البينة وهو منكر: أنه لا يعتد، ويفرق بينهما. وفي باب التي يبلغها الطلاق ذكر الميراث في مثل هذا. قال ابن سحنون: قلت لسحنون: بلغني عن المغيرة، في من حلف ليقضين فلانا حقه فمرض الحالف ولم يقضه، فحنث في مرضه. يعني: مات، أنه إن كان بين الملك، فلم يقضه؛ فإن لم يعلم به حتى مات، فقد حنث ولا [5/ 98]
في الطلاق إلى أجل آت أو موت ميت، والعتق إلى أجل
يرثه. قال سحنون: ولا أعلم هذا، ولا أراه، وقول أصحابنا أنها ترثه بكل حال لأنه طلاق وقع في المرض. في الطلاق إلى أجل آت أو موت ميت والعتق إلى أجل من كتاب ابن المواز، ومن غيره، وهو لمالك في العتبية، ولغيره من أهل المدينة، قالوا: ولما لم يكن للزوج في الزوجة غير المتعة فحرمت المتعة عليه بطلاقه إياها إلى أجل لم تجز أن تبقى في عصمته وعجلنا عليه ما أجل من الطلاق كما لم يجز أن يتزوجها إلى أجل، وليس كالعتق إلى أجل/، لأنه بقي له في الأمة الخدمة، والعتق يتبعص والعصمة لا تتبعص. وهذا قول عمر وغيره من الصحابة ومن التابعين. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم قال مالك: هو يشبه نكاح المتعة. وذكر له قول عطاء، فقال: لا قول لعطاء وغيره مع قول العلماء بدار الهجرة. قال عيسى قال ابن القاسم وإن قال: أنت طالق بعد أن تموتي فلا شيء عليه. قال في موضع آخر وكذلك بعد أن أموت، ولا يوصى بالطلاق. قال عن عيسى: ومن طلق امرأته إلى مائة سنة أو مائتي سنة فلا شيء عليه، وأراه من قول مالك. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: وإذا طلقها إلى وقت لا يبلغه عمرها أو لا يبلغه عمره أو لا يبلغانه لم يلزمه. [قال سحنون: وإذا أعتق إلى وقت لا يبلغانه، لم يلزمه]. وإن كان يبلغه السيد ولا يبلغه العبد فكذلك؛ وإن كان [5/ 99]
يبلغ مثله العبد ولا يبلغه السيد فهي وصية من الثلث؛ فإن كان لوقت يشبه أن يبلغه عمراهما فهو من رأس المال. ومن كتاب ابن المواز: ولو قال- وهو ابن أربعين سنة-: أنت طالق ثلاثا إلى ستين سنة. فلا شيء عليه، وكأنه طلاق وقع بعد الموت، وقوله: أنت طالق إن مت وإذا مت سواء. ووقف ابن القاسم في قوله: إن مت. وقال أصبغ: هما سواء. وقاله مالك، وابن القاسم: وإذا (كان) محملهما سواء، فحملها واحد إلا أن يعلم أن هذا حلف أن لا يموت مماحكة وعنادا، أو ذلك أراد بسبب يعرف أو بساط/، أو مرض يقول: لا أموت منه، فإذا عرف ذلك من يسأله عجل عليه الطلاق مكانه كما قال ابن القاسم. وإذا قال: إذا ماتت ابنتك فأنت طالق. فمات مكانه عند تمام كلامه قبل القضاء عليه من غير مرض لم يتوارثا لأن الطلاق وقع عليه عند تمام كلامه. وقال ابن عبدالحكم ولو قال: يوم أموت فإنت طالق. فهو مطلق إلى أجل. قال عيسى عن ابن القاسم: وكذلك يوم تموت أنت. وقال أشهب: لا شيء عليه. قال أشهب في المجموعة: وكذلك لو قال: قبل موتى بشهر. وهو أصله في العتق إلى مثل هذا أنه من الثلث لأنه لا يكشفه إلا الموت. قال ابن القاسم وابن وهب: خمسة أشهر فأنت طالق. فلا شيء عليه، كأنه قال: إن مت أنا إليها فأنت طالق بعدها، وإن كان قوله يريد: لا أموت فيها. طلقت مكانها. قال مالك: وإن قال: ما يمنعني من فراقك إلا ابني هذا إذا كفلته ثلاث سنين فأنت طالق. فهي طالق مكانها. قال ابن سحنون عن أبيه في من قال لزوجته: أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا. فهو سواء، وهو طلاق إلى أجل، وتطلق الساعة. ولو قال: أنت طالق إذا صليت أنت؛ وإذا صليت أنا. فهو سواء، وهو طلاق إلى أجل، ولابد من الطلاق. [5/ 100]
فيمن طلق إلى قديم غائب، أو قال إن مت قبل فلان فأنت طالق
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا قال: أنت طالق إذا قدم الحاج/طلقت الساعة لأنه أجل آت. فيمن طلق إلى قدوم غائب أو قال إن مت قبل فلان فأنت طالق أو إن مت إلى السنة أو أنت طالق اليوم إن فعل فلان كذا وكذا أو إن مات أبي ولا دين لك علي فأنت طالق ونحو هذا وأنت طالق بمكة أو في الدار أو في يوم كذا قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال أنت طالق إذا قدم ثلاثة. فإن قصد أن يجعل قدومه أجلا، كقوله إذا صدر الحاج أو جاء الهلال طلقت الساعة؛ فإن نحا ناحية يعني القدوم أنه لا يقدم هذا البلد، فقدم ميتا، فلا شيء عليه، وقد تقدم ذكر الطلاق إلى قدوم الحاج. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإذا قال: إن قدمت أنا بلد كذا، وإذا قدمه أبي، فأنت طالق. فلا شيء عليه. قال عنه عيسى: ولا يمنع من الوطء حتى يقدم، فيطلق عليه. ولو قال: إذا بلغته أنا، أو بلغه فلان، فأنت طالق. قال في العتبية أو بلغت معي. فإنها تطلق عليه الساعة إذا كان قد توجه سائرا أو شارف الخروج. وأما قوله: بغير قصد سفر ولا مريد له فهو كمن حلف ليسافرن، [ويلزمه الإيلاء، ويكون منه على ذم الخروج، وكاليمين ألا يخرج هو ولا فلان، فلا شيء عليه]. وقوله: إن بلغت وإذا بلغت سواء، والمعاني تختلف. [5/ 101]
قال ابن سحنون عن أبيه: وإن قال لها أنت طالق في ثوبك الكذا، وفي ثوب كذا. فإن كانت/ له لابسة فقد طلقت، وإن لم يكن عليها؛ فإن أراد إذا لبسته، فلا شيء عليه حتى تلبسه، وإن لم يكن له نية، هوحانث. وكذلك إن قال: أنت طالق في مكة أو بمكة؛ فإن نوى إذا دخلتها أو أبتها، فله نيته، وإلا فهو حانث ساعة تكلم بذلك. وكذلك إذا قال لها: أنت طالق في دار وهي في غيرها، أو قال: في البيت وهي في الدار، أو قال في الظل وهي في الشمس، فإن لم يكن له نية، فالطلاق لازم مكانه. ومن العتبية روى عبدالملك قوله الحسن فيمن قال إن مت قبل فلان فأنت طالق البتة. قال: تطلق مكانها. وإن قال: امرأتي طالق إن مت إلى سنة. فهي طالق ساعتئذ. وروى عنه عيسى، في من قال: أنت طالق اليوم، إن دخل فلان غدا الحمام. فلا تطلق حتى يدخله، وله أن يمسها. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن طلبته امرأته يدينها، فقال: إن مات أبي ولا تباعة لك علي، فأنت طالق. فلا يدفعه إليه فإن صحت وطلبت حقها فليدفعه إليها، وتكون طالقا ساعتئذ، وإن قضاها ببعضه فلا شيء عليه. وقال محمد بن عبدالحكيم، ومن قال لأمرأته أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا اليوم فأنت طالق، وأنت إن طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا قال: إن كلمه اليوم طلقت عليه بواحدة وإن كلمه غدا فلا شيء عليه قال أبو محمد: هذا خلاف أصل مالك، والطلاق يلزمه إذا كلمه غدا وليس لتعلق الطلاق بالأيام وجه/ [5/ 102]
فيمن قال أنت طالق إن حضت أو طهرت أو حملت أو ولدت
فيمن قال: أنت طالق إن حضت أو طهرت أو حملت أو ولدت أو قال إذا جاء المطر أو إن لم يكن المطر من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجسون: إذا قال لزوجته، ولم تحض: إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن، ولو كانت قعدت عن المحيض لم تطلق إلا أن تحيض، يريد: ويقول النساء إنه دم حيض، قال ولو قال إذا حملت فأنت طالق فله وطؤها في طهر. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب في قوله: إذا حضت، وإذا وضعت ليس بأجل، ولا شيء عليه حتى يكون ما شرط. وقال ابن وهب في: إذا حضت وإذا وضعت، وقاله المغيرة وابن دينار، وقال أصبغ مثل قول ابن القاسم: إنه أجل آت في الأغلب. قال ابن عبدالحكم: روى عن مالك في إذا حضت أن لا شيء عليه حتى تحيض فيلزمه الطلاق وكذلك قوله كلما حضت فتطلق إذا حاضت واحدة، ثم إن ارتجع لزمه إذا حاضت ثانية، فإن ارتجع ثم حاضت الثالثة بانت منه بثلاث وروى عنه أنها تطلق في الوجهين مكانها والأول أحب إلينا. وكذلك قوله للحامل: إذا وضعت اختلف قوله فيه، وقوله ليس بأجل حتى تضع أحب إلينا، قال: ومن قال لامرأته الحامل: إذا وضعت فأنت طالق فقال مالك مرة: لا تطلق حتى تضع، فإن وضعت ولدا، وبقي في بطنها ولد فلا/ تطلق حتى تضع الثاني. وروي عنه أنها تطلق عليه قال ذلك واختلف فيها قول ابن القاسم، فقال: تطلق مكانها فيها، وفي قوله: إذا حضت وإن حضت فإن وإذا في الحيض والوضع وقدوم فلان سواء، ولا تطلق في قدوم الأب حتى يقدم. ومن المجموعة قال سحنون: وإن قال: إذا حملت فأنت طالق فلا تطلق بهذا الحمل إلا بجمل مؤتنف. [5/ 103]
في القائل للحامل: إذا وضعت فأنت طالق، أو قال إن لم يكن بك حمل
ومن كتاب ابن حبيب: ومن قال للحامل: إذا وضعت جارية فأنت طالق، فلا شيء عليه حتى تلد جارية، كقوله: إذا مطرت السماء غدا فأنت طالق فلا شيء عليه حتى يكون ذلك، لأنه قد يكون وقد لا يكون، فهو كقوله إن قدم فلان، وإنما تعجل الطلاق في قوله: أنت طالق وإن لم تلدي جارية وإن لم تكوني حاملا وإن لم تحيضي غدا، وشبه ذلك فهذا يعجل حنثه فإن لم ترفع إلى الإمام حتى ولدت وكان المطر فلا شيء عليه وكذلك يمينه إن لم يكن المطر الليلة بموضع كذا، فإن لم يقض عليه حتى صح ذلك فلا شيء عليه. وأما إن قال: أنت طالق إذا مطرت السماء وإذا غابت الشمس فإنها تطلق الساعة لأنه أجل لا محاله، وقال ابن الماجشون، وقال كله أصبغ. ومن كتاب ابن سحنون: وإن قال للحامل أنت طالق كلما ولدت فوضعت من حملها ذلك ثلاثة أولاد، فإنها تطلق اثنتين، لأنه بوضع الثالث انقضت عدتها، ولو وضعت ولدين، طلقت واحدة، لأن بوضع/ الثاني انقضت عدتها. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال: إن ولدت غلاما فلك مائة دينار، وإن ولدت جارية فأنت طالق، فقد وقع عليه الطلاق، ولا تلزمه المائة. في القائل للحامل إذا وضعت فأنت طالق أو قال إن لم يكن بك حمل، أو قال لغير حامل إذا حملت فأنت طالق ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه قال: ومن قولنا وهو قول مالك في القائل لزوجته الحامل: إذا وضعت فأنت طالق أنها تطلق الآن، لأن بالوضع تنقضي العدة. [5/ 104]
وقال بعض أصحابه، يعني أشهب، لا تطلق حتى تضع، وتأتنف العدة بالحيض بعد الوضع، قال سحنون القائل لمن تحيض أو لمن لم تحض: إذا حضت فأنت طالق: أنها تطلق الآن. قال أبو محمد: يريد في قول ابن القاسم قال: وإن قال لمن تيأس من المحيض فلا شيء عليه، وإن رأت دما فلا شيء عليه إذ ليس بحيض، وكذلك إن قال لها: إذا حملت. قال ابن سحنون قال غيره: وهو كالقائل إن قدم أبي فلا شيء عليه حتى يقدم، وكذلك هذه لا شيء عليه حتى تحيض حيضا بينا، أو تحمل. قال سحنون: وقال بعض اصحابنا فيمن قال لزوجته إذا حملت فأنت طالق، فليطأها في كل طهر مرة، فإذا حملت طلقت، وإذا تأخر عنها الحيض نظرها النساء، فإن اجتمعن في اليقين أن لا حمل بها، ترك ووطأها، وإن/ شككن توقف حتى لا يشككن أو تيأس من أن تحمل، وكذلك في قوله: إن لم أحبلك فأنت طالق فليرسل عليها بعد يمينه مرة ثم يمسك عنه، فإن استمرت حاملا فهي امرأته، فقال سحنون هذا ثم رجع فقال: يرد هذا فيهما قول مالك في قوله: إن كنت حاملا أو إن لم يكن بك حمل، فأنت طالق: إنها تطلق ساعتئذ من أجل الميراث، وكذلك في هاتين. قال سحنون: واصل قوله: ينظر إليها النساء، فإن قلن إنها حامل/ طلقت بقولهن [وقال أشهب في قوله: ينظر إليها النساء، فإن قلن إنها حامل طلقت بقولهن]. وقال أشهب في قوله: إن ل أحبلك فأنت طالق: أنه يطؤها أبدا، حتى تقعد عن الحمل، أو يوأس لها منه، وكذلك إن قال في أمته: إن لم أحبلك فأنت حرة. [5/ 105]
فيمن قال: أنت طالق كلما حضت أو قال إلى أجل بعيد تنقضي العدة في مثله
فيمن قال: أنت طالق كلما حضت أو قال إلى أجل بعيد تنقضي العدة في مثله أو إلى وضع الحمل من المجموعة وكتاب ابن سحنون، قال: وقال عبد الملك فيمن قال لزوجته يريد وهي طاهر: أنت طالق كلما حضت، طلقت ثلاثا في الحرة، وتطلق في الأمة اثنتين، في قوله يريد مكانه. قال: انظر، فإذا وجدت غاية الطلاق في هذا أتأنى في العدة وأوقف الآن، أو ما دخل في العدة منه، فإن وجدت العدة تنقضي قبل ذلك فأسقط ما جاوز العدة منه ففي مسألتك جعل الطلقة الأولى في الحيض، وتلك الحيضة/ لا تدخل في العدة، والعدة بعدها. يريد وقد لزمته طلقة قال: والطلقة الثانية والثالثة جعلها في كل حيضة من العدة طلقة، فتتم بثلاثة قبل تتم العدة، ثم تحل بالحيضة الثالثة، وكذلك تقع الثانية في الأمة قبل مضي عدتها، فعجلنا ذلك وذكره ابن سحنون، ثم قال: وخالفه سحنون، وقال: بل تعتد بالحيضة الأولى، فتقع بذلك على الحرة اثنتان، وعلى الأمة واحدة. قال ابن سحنون أيضا في كتابه وقاله في سؤاله إذا قال أنت طالق إذا حضت الأولى، وأنت طالق إذا حضت الثالثة، وأنت طالق إذا حضت الخامسة أنه لا تقع عليه إلا طلقة، لأن الثالثة والخامسة لا تقع إلا بعد العدة، فجعل سحنون الحيضة الأولى تدخل في العدة. ومن المجموعة وبعض من كتاب ابن سحنون وإذا طلق الحرة بدءًا ثم قال لها: أنت طالق كلما حضت وقع عليها ثلاثا، وفي الأمة طلقتان. ولو قال لها: أنت طالق إذا حضت ثانية بعد أولى فأنت طالق، وإذا حضت ثالثة فأنت طالق، لزمته طلقتان، الطلقة التي أوقع أولا، وطلقة عجلت [5/ 106]
عليه. قال أبو محمد: يريد وقعت الثالثة بعد انقضاء العده بدخولها فى الحيضة الثالثة. ولو قال لها: أنت طالق إذا حضت ثانية بعد أولى فأنت طالق، وإذا حضت ثالثة فأنت طالق، لزمته طلقتان، الطلقة التى أوقع أولا، وطلقة عجلت عليه. قال أبو محمد: يريد: وقعت الثالثة نعد انقضاء العدة بدخولها فى الحيضة الثالثة. ومن الممجموعة وكتاب ابن سحنون، وإن قال: أنت طالق إلى شهر، وأنت طالق إلى سنة، وأنت طالق إلى خمس سنين، فأعجل التى أوقع إلى شهر، وارتقب بالتى أوقع إلى سنة، فإذا/ انتهت العدة إليها وقعت عليها، وإلا لم تقع، وأما التي أوقع إلى خمس سنين فلا تلزمه، لأنها أقصى العدة. فإن قال: أنا أرتجع وأصيب فله الرجعة والمصاب، ويكون مرتجعا من واحدة أو اثنين فواحدة وقعت وإن لم يسترب لم يقع غيرها، وإن أصابتها ريبة إلى سنة لزمته طلقتان، وإن قال: أنت طالب واحدة الساعة وواحدة إلى سنة، وواحدة إلى أربع سنين فتلزمه الآن واحدة، ويرتقب بها على ما ذكرنا الآن هذا يلزمه الثلاث إن بلغت العدة إلى أربع سنين ويلزمه اثنتان إن بلغت إلى سنة، وله الرجعة بالقول، ولا يطأ لاحتمال وقوع الثلاث، تبقى العدة إلى الأربع سنين، فأن قامت عليه ضرب له أجل الإيلاء، فإن بلغ الأجل طلق عليه بغير فيئة يدعى إليها، إذا كانت مدة العدة لم تنقض، وله الرجعة من طلقة الإيلاء بالقول، ولا يطأ وتأخذ هي عدة مؤتنفة؛ فإن انقضت عدتها الأولى قبل السنة لم يلزمه إلا طلقة مع طلقة الإيلاء، [فتكون رجعته من طلاق الإيلاء رجعة، إن لم تنقض عدة طلاق الإيلاء]. وإن قال للحامل: أنت طالق [إذا وضعت وأنت طالق الساعة] لزمته طلقتان. [5/ 107]
فيمن قال لطاهر أو حائض أو حامل أو مستحاضة: أنت طالق ثلاثا
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال أنت طالق الساعة أو قال: إلى شهر، أو أنت طالق إلى خمس سنين، فلا تقع عليها إلا طلقة، لأنه أوقع عليها الثانية بعد أن صارت في عدة بطلاقه الأول فكأنه قال لها بعد ذلك، فإذا انقضت عدتك فأنت طالق/ فلا يلزمه ذلك لأنه خمس سنين أقصى العدد. وأما لو ابتدأ بالطلاق إلى أجل بعيد إلى خمس سنين أو أكثر، لعجل عليه، ولزمه الآن؛ لأنها لم تكن في عدة من طلاق فيعتبر فيه أو يكون مطلقا بعد العدة. فيمن قال لطاهر أو حائض أو حامل أو مستحاضة أنت طالق ثلاثا أو قال للسنة أو قال للبدعة وقد بنى بها أو لم يبن وقال لك قرء طلقة قال ابن سحنون عن أبيه: ومن قال لزوجته الحائض: أنت طالق للسنة لزمته مكانه طلقة وأجبر على الرجعة، وكأنه قال: إذا طهرت فأنت طالق. ولو قال لها أنت طالق ثلاثا لسنة فكأنه قال لها: أنت طالق كلما طهرت، فلتزمه الآن ثلاث لأن الثلاث التي عجلت عليه تقع عليها على التنزيل قبل فراغ العدة، لأن واحدة تقع إذا طهرت، وثانية في الطهر الثاني، وثالثة في الثالث، وبانقضائه تنقضي العدة، وكذلك لو قال لها وهي طاهر: أنت طالق ثلاثا للسنة، وهذا يدخل في قول ابن القاسم. طلاق 7 قال سحنون: ولو قال لغير مدخول بها: أنت طالق واحدة للسنة لزمته مكان طلقة. ولو قال: ثلاثا للسنة لم يلزمه فيها إلا طلقة، لأنه لا عدة عليها، فكأن الطلقتين أوقعهما على غير زوجه، كما لو قال: أنت طالق اليوم، وطالق غدا، وطالق بعد غد فهي قد بانت بالأولى، ولا تقع عليها إلا اثنتان، وليس كمن سبق/ بالطلاق في مقام واحد، ولكن لم قال لمدخول بها أنت طالق اليوم، وطالق إذا حضت الحيضة الثالثة، وإذا حضت عشر سنين قلت لا نرى في غير المدخول بها
أن تتحرى وقتا يطلقها فيه وإلا لزمت الثلاث فيها؛ إذ لا عدة عليها قال لأن إيقاع الثلاث عليها في كلمة ليس بطلاق السنة فيها وكأنه طلقها الزائد وقد بانت منه وإنما ينبغي أن يطلقها واحدة. ولو قال لمدخول بها لا تحيض: أنت طالق ثلاثا للسنة لزمته ثلاث الساعة وكأنه قال: أنت طالق الساعة، وطالق ثانية إذا أهل الشهر، وطالق ثالثة إذا وصل الشهر الثاني، فتتم الثلاثة قبل العدة، فعجلت عليه، وإذا قال لحامل: أنت طالق ثلاثا للسنة، فإنه لم يلزمه فيها إلا واحدة كأنه قال: طالق الساعة، وطالق إذا وضعت، وهي بالوضع تتم عدتها من الطلقة الأولى، قال ابن سحنون: إلا أن يعني في الحامل طلاق السنة على رأي العراقيين أن يطلقها في كل شهر طلقة، حتى تتم الثلاث، فإن نوى هذا لزمت فيها الثلاث مكانه. سحنون: وكذلك لو قال للمستحاضة: أنت طالق ثلاثا للسنة، لم تلزمه فيها إلا واحدة، على ما ذكرنا. وإذا قال للمدخول بها: أنت طالق للسنة أو قال: طالق سنية وهي طاهر اعتدت بذلك الطهر وإن وطئها فيه، وإن كانت حائضا عجلت عليه الطلقة، وأجبر على الرجعة، وكذلك النفساء وإذا لم بين بزوجته، فقال لها: أنت طالق/ للسنة أو قال: للبدعة أو قال: لا لسنة، ولا لبدعة، أو قال ذلك لمدخول بها حامل، لزمته مكانه طلقة، وكذلك إن لم تكن حاملا وهي ممن لا تحيض ولو قال لها وهي حائض: أنت طالق كلما حضت لزمته الثلاث مكانه وإن قال لها وهي طاهر أو حائض: أنت طالق ثلاث عند كل قرء طلقة؛ فإن كانت لا تحيض على حملها، لم يلزمه فيها غير طلقة؛ لأن الزائد جعله بعد انقضاء عدتها بالوضع، فإن كانت ممن تحيض على حملها، عجلت عليه طلقة، ونظرنا، فإن تمادى بها الحمل حتى تطهر بثلاثة أطهار لزمته الثلاث أو قرأين، فيلزمه اثنتان يوم قال ذلك، وإن لم تحض حتى وضعت لم يلزم غير طلقة. وكذلك في قوله: أنت طالق الساعة وطالق إذا مضى شهر، وطالق إذا مضى [5/ 109]
فيمن قال لمن بنى بها أو لم يبن: أنت طالق طلقة سنية أو قال بدعية
شهر ثان فإنها إن وضعت قبل مضي شهر لم يلزمه غير طلقة، وإن وضعت بعد شهر لزمه طلقتان، وإن وضعت بعد شهرين، لزمته ثلاث، وإن قال لمستحاضة: أنت طالق ثلاثا عند كل قرء طلقة فإن كانت ممن تعرف دم الحيضة من دم الاستحاضة، وتعتد بها في قول ابن القاسم، لزمته الثلاث قال ذلك لها في دم الحيض، أو في دم الاستحاضة، وإن كان دمها لا يتميز، لم يلزم فيها غير طلقة، وكان طلقتين وقعنا/ على غير زوجة. فإن قال للحامل: أنت طالق الساعة وأنت طالق إذا وضعت لم يلزمه غير طلقة، وإن قال: أنت طالق إذا وضعت، وأنت طالق الساعة لزمته طلقتان وإن قال: كلما ولدت ولدا فأنت طالق للسنة فولدت ثلاثة أولاد في بطن، لزمه طلقتان. فيمن قال لمن بنى بها أو لم يبن أنت طالق طلقة سنية أو قال بدعية أو لا للسنة ولا للبدعة أو طلقة للسنة وأخرى للبدعة أو ثلاثا بعضهن للبدعة وبعضهن للسنة أو قاله لحامل من كتاب ابن سحنون: ومن قال لمدخول بها طاهر أو حائض: أنت طالق طلقة سنية أو قال: بدعية أو قال: لا للسنة ولا للبدعة، لزمته طلقة وإن قال: أنت طالق طلقة سنية، وطلقة بدعية لزمت طلقتان وأجبر في الحائض على الرجعة، والطلقة السنية في الطاهر وقعت الآن والبدعية كأنه أوقعها إذا حاضت، فعجلناها كذلك المعجلة في الحائض بدعيه والمؤخة سنية، عجلت عليه. ولو قال ثلاثة للسنة، وثلاثة للبدعه لزمه ثلاث فيها، كان طاهرا أو حائضا، أو قال لحامل: أنت طالق طلقة للسنة، وأخرى للبدعة، وهي ممن تحيض على الحمل لزمه الآن طلقة للسنة، وعجلت عليه التي للبدعة، وإن كانت لا تحيض لزمته طلقتان، وليس فيها موضع لطلاق البدعة؛ فكأنه/ أوجب الثانية ثم [5/ 110]
فيمن قال للحامل: إن كان في بطنك جارية فأنت طالق كذا وإن كان غلام فكذا
نفاها، ولو قال: أردت بالبدعة بعد أن تضع لم ينو في القضاء، وله ذلك في الفتيا، وتلزمه طلقة، وإن قال لمدخول بها ممن تحيض: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة لزمه ثلاث مكانه فعلى قول من يرى طلاقه لها أكبر من واحدة بدعة، ومن قوله ترى أن طلقتين للبدعة مع طلقة للسنة وقعن الآن عليها، وعلى القول الآخر طلقها الآن طلقة للسنة، وطلقة للبدعة إذا حاضت، وثالثة إذا طهرت فعجلن عليه، وإن قال ذلك لغير مدخول بها طلقت مكانها ثلاثا، لأن طلاق السنة فيها واحدة، وطلاق البدعة ثلاث [ومن قال لزوجته أنت طالق بخلاف السنة أو على خلافها فهي طالق واحدة أو لم تكن له نية فكأنه قال لها أنت طالق إذا حضت أو قال في طهر وطئتك فيه]. وفي الباب الذي هذا بعده عقبة مسألة فيمن قال: أنت طالق للسنة أو قال: للبدعة أو قال لا للسنة ولا للبدعة. فيمن قال للحامل إن كان في بطنك جارية فأنت طالق كذا وإن كان غلام فكذا أو قال إن كان في جوالقك كذا أو كان كذا على هذا الوجه من كاب ابن سحنون، عن أبيه، فيمن قال لزوجته: إن كان حملك هذا جارية فأنت طالق واحدة، وإن كان غلاما فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية فإن ولدت غلاما أولا، طلقت اثنتين، وتنقضي العدة بوضع الجارية، ولا يلزمه بوضعها طلاق، وإن وضعت الجارية أولا، لم يلزم إلا طلقة؛ لأن العدة تنقضي بوضع/ الغلام. وإن قال في جوالق إن كان ما فيها حنطة فامرأتي طالق، وإن كان ما فيها دقيق، فعبد حر. فوجد فيها قمح ودقيق، فهو حانث؛ لأنه يحنث عندنا بالأقل، ولكن لو قال: إن كان ما فيها كله دقيق، فأنت طالق، أو قال في الحمل: إن كان حملك كله غلام يريد، فأنت طالق، فولدت غلاما وجارية، وكان
فيمن حلف بطلاق امرأته في زمن ليطلقها أو غيرها في زمن بعده أو قبله
في الجوالق قمح ودقيق فلا شيء عليه، كمن قال: إن هدمت هذه البئر كلها فأنت طالق، فهدم بعضها، فلا شيء عليه هاهنا حتى يهدم جميعها لاشتراط الكل. فيمن حلف بطلاق امرأته في زمن ليطلقها أو غيرها في زمن بعده أو قبله بطلاق مختلف أو متفق أو لم يذكر وقتا أو قال فأمرها بيدها. ومن طلق إلى أجل فعجله ذكر ابن سحنون، عن أبيه الاختلاف في قوله: أنت طالق لأطلقنك، وإن بعض أصحابنا يقول: يضرب له أجل المولي. ومن كتاب ابن المواز؛ ومن قال أنت طالق ألبتة لأطلقنك في الهلال واحدة. ثم أراد تعجيل الحنث بالواحدة، فوقف فيها ابن القاسم، وقال: لا أرى أن يجزئه، ولو جاء الهلال ولم يطلقها، طلقت بالبتة. وقال ابن القاسم، في العتبية، والمجموعة: له أن يعجل الطلقة، ولو لم يعجلها وقف، فإما عجلها وإلا ألزمناه ألبتة، قال ابن/المواز: إن سألته في ذلك أو أهلها فحلف بهذا، لم ينفعه التعجيل، وإن كان ابتداء منه ليغمها، فيجزئه تعجيل الطلقة. وقال مالك وابن القاسم في القائل: أنت طالق البتة إن لم يطلق فلانة إلى سنة: أن يوقف، فإما طلق هذه أو هذه الساعة؛ لأنه يحنث في إحداهما إلى أجل، فعجل عليه وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، وزاد فإن امتنع سجن، ولا يكون موليا، وقال في القائل: إن لم أطلق فلانة إلى سنة، فأمرها بيدها فليوقف فإما طلق هو الآن، وإلا قيل لهذه طلقي أو تركها. وهذا في العتبية قول ابن [5/ 112]
في الطلاق قبل الملك أو العتق، ومن عم أو حلف بطلاق من يتزوج من بلد ما
القاسم ومسألة مالك في الذي تزوج على امراته ثم قال للقديمة: إن حسبتهاأكثر من سنة فأمرها بيدك: قد كتبتها في التمليك. ومن كتاب ابن المواز وإن قال أنت طالق إلى شهر ثم قال: الآن أنت طالق الطلقة التي إلى شهر، قال لا يلزمه إلا طلقة، قال محمد بن المواز: هذه جيدة. ووقف عما قبلها، ورأيي: أنها أيمان لم يجب فيها الطلاق. وقال: أرأيت إن قال أنت طالق ألبتة إن لم أطلقك إلى سنة ألبتة، أكنت أعجل عليه ألبتة، ولم أحرم عليه وطأها إلى الأجل؟ ألا ترى لو قال: أنت طالق ألبتة لأعتقن جاريتي إلى سنة ايحرم عليه وطؤها؟ قال عبدالملك، فيمن قال: أنت طالق واحدة إن لم أطلقك ثلاثة إلى الهلال/ أو بدأ بالثلاث وأخر الواحدة إلى الهلال، أو لم يذكر هلالا، أو ذكر الهلال في الطلاقين، فذلك كله واحد، لا يلزمه إلا واحدة، أقل مما حلف به أو أحلف عليه، وكذلك ذكر عنه ابن سحنون. قال ابن المواز قال عبدالملك: فإن قال: أنت طالق إلى مائة سنة، إن لم أطلقك الساعة فلا شيء عليه. فإن قال: أنت طالق الساعة إن لم أطلقك إلى مائة سنة فهي طالق الساعة، وقاله سحنون في كتاب ابنه. في الطلاق قبل الملك أو العتق ومن عم أو حلف بطلاق من يتزوج من بلد ما ومن كتاب ابن المواز: قال وإنما الذي لا يلزم من الطلاق قبل النكاح، والعتق قبل الملك، أن يوجب ذلك في الجمع، أو يطلق امرأة ليست تحته أو يعتق عبدا ليس في ملكه ولا شيئا منه بغير يمين يعقده، قال ابن حبيب: فهذا مجمع عليه. [5/ 113]
ومن العتبية، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها بمصر، ثم حلف بطلاق كل من يتزوج بغير مصر، فلا يلزم اليمين للثانية، وليتزوج بغير مصرما شاء، ولو كانت يمينه أولا على غير مصر، ثم حلف بطلاق من يتزوج من مصر، فاليمين الثانية ساقطة. ومن كتاب ابن حبيب، وإن قال كل امرأة أتزوجها من/ قرطبة طالق فذلك يلزمه، وحد ذلك إن نوى الحاضرة لزمه أيضا فيمن على ثلاثة أميال منها فأقل حدا مجمعة، وإن لم ينو الحاضرة وأشمل يمينه لزمه في مسيرة يوم منها، حتى تجاوز أربعين ميلا، فأكثر حده حد الصلاة ما تقصر فيه الصلاة. وقال ابن كنانة وابن الماجشون، وأصبغ. وإن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها من الأندلس، لزمه في جميعها من بلد الاسلام منها وبلد الكفر، ومن حلف عندنا بطلاق من يتزوج من الأندلس، ومن المشرق، فلا يلزمه، لأن عم المشرق والمغرب، لأن محمل ذلك عند العامة عندنا أن ما وراء بحر الاندلس مشرق. قال ابن سحنون، عن أبيه في الحالف بطلاق من يتزوج من قرطبة، قال: لا يلزمه إلا في قرطبة وأرباضها، ولو كان من القيروان لم يلزمه إلا المدينة نفسها، ومن تزوج من منزل العلوي، لم يلزمه شيء ولم ير قول أصحابنا أنه يلزمه فيمن عليه السعي إلى الجمعة، إلا أن ينوي أعمالها فيلزمه أعمالها، إلا أن القياس أن يلزمه فيما تقصر في مثله الصلاة، فأعاب هذا كله سحنون. قال هذا القائل: ولو تزوج هذا في أبعد مما تلزم فيه الجمعة، دون مما تقصر في مثله لم افسخه، وأنهاه قبل وقوعه. قال سحنون: وهذا من قوله صواب. ومن كتاب ابن الموز، قال ابن القاسم فيمن حلف ألا يتزوج بالاسكندرية؛ فإن نوى عملها لزمه، وإن لم تكن له نية/ فاستحب أن ينتقل إلى حيث لا تلزمه الجمعة. قال أصبغ: والقياس أن بتباعد إلى حيث تقصر في مثله الصلاة في سفره، وفيما لا تتم فيه الصلاة إذا قدم، فالأول استحان. [5/ 114]
ولو تزوج في الموضع الذي إذا برز لم يقصر حتى يجاوزه، لم أفسخه لم أحبه وأحب أن لو تجاوز إلى موضع لا تجب عليه فيه جمعة ومن حلف بطلاق من يتزوج بمصر، فله أن يتزوج بغيرها مصرية مقيمة بغيرها إلا أن ينوي لا يتزوج مصرية أو يحلف لا يتزوج مصرية فيحنث قال مالك بمصر مصرية يريد في هذا. ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن القاسم، في الحالف لا يتزوج مقيمة بمصر، قال عن بعض أهل العلم: لا بأس أن يتزوج مصرية بغير مصر، وإن كانت مقيمة بمصر، قال ابن القاسم: [من حلف بالطلاق: لا اشترى سلعة كذا بالفسطاط، أو بحرية عبد إن اشتراه بالفسطاط فاشترى من ذلك بغير الفسطاط، وذلك الشيء بالفسطاط، فلا شيء عليه] وإن حلف بطلاق من يتزوجها بالمدينة، / فلا بأس أن يواعدها بالمدينة، ويعقد نكاحها بغيرها، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، وذكر ابن حبيب في الحالف لا يتزوج في الأندلس مثل ما ذكرنا في الكتابين. قال: وإن نوى كراهية نساء الأندلس لجفائهن فلا يتزوج أندلسية حيثما كانت، وله نكاح غيرهن بالأندلس وبغيرها، وإن لم تكن له نية، فلا يتزوج بالأندلس مصرية ولا غيرها، وله نكاح أندلسية بمصر والعراق، ويحنث ما جاوز بحر الاندلس، ولو كان بالأندلس، فلا ينبغي أن يعقد نكاحها بغير الأندلس مع وليها، إلا الأب في البكر، ولو أشهد عليها وليها غير الأب بالأندلس برضاها، فالحالف لم يجز عقده بغيرها لبعد ما بين أرض المرأة وأرض الزوج، وإنما يحوز ما كان بقرب ذلك وبقدره، فأرى المواعدة أيضا ببلد الحلف توجب الحنث، وقال من أرضى وسهل فيه بعض الناس، ولا يعجبني. ومن المجموعة، قال ابن دينار، وابن ابي حازم: ومن قال كل امرأة أتزوجها من أهل مصر طالق، فتزوج امرأة أبوها مصري وأمها شامية، فإنه يحنث، قال ابن [5/ 115]
أبي حازم فإن كان الأب شاميا، والأم مصرية، فله أن يتزوجها، والولد للأب تبع إلا أن ينوي كل امرأة ساكنة بمصر، فيدين وإن كره نساء مصر، لأن أكثرهن قبط، فذلك له، وإن لم تكن له نية، حنث لأنه قد تزوج من سكان مصر. قال ابن حبيب: ومن حلف بطلاق من تزوج بقرطبة فوكل رجلا بزوجه، فعقد عليه نكاح امرأة بقرطبة، فإن بنى بها، فلها نصف الصداق، ثم ينظر، فإن ذكرالوكيل يمينه فضمان نصف الصداق على الوكيل، وإن لم يذكر له ذلك، فلا يضمن الوكيل شيئا، وذلك على الحالف/. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية، من رواية عيسى عن ابن القاسم، وإن قال: كل امرأة أنكحها بأرض الاسلام طالق، فإن كان يقدر على دخول أرض العدو والنكاح بها وإخراجها لزمه ذلك، وإلا لم يلزم اليمين، وكذلك في الواضحة. قال ابن المواز قال أصبغ: وإن قدم على دخولها، كمن استثنى قرية صغيرة، أو عددا قليلا، قال محمد، في أرض الحرب: ما يأتيه المسلمون/ وهي متجر لهم، فإن أراد هذه لزمه، وإن أراد مثل فرنجه ونحوها، لم يلزمه. ومن العتبية من سماع عبدالملك بن الحسن: ذكر مسائل عن ابن القاسم، ثم مسألة عن أشهب، ثم قال: وقال فيمن قال إن كلمت فلانا، فكل امرأة من الفسطاط طالق فيتزوج منها ثم كلمه، فلا شيء عليه، إلا فيمن تزوج بعد كلامه. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا قال: كل امرأة أتزوجها من افريقية طالق، فذلك يلزمه في كل من تزوج، من أول عمل إفريقية إلى آخر طيبة، وإن قال: من العرب فله أن يتزوج من أهل الشام، ومن مصر وكورهما وأعمالهما. [5/ 116]
فيمن قال: كل امرأة أتزوجها إلا فلانة طالق
فيمن قال كل امرأة أتزوجها إلا فلانة طالق أو قال غير امرأتي أو استثنى عددا قليلا من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، فيمن قال كل امرأة أتزوجها طالق إلا فلانة، يعني التي تحته لزمه ذلك، كأنه قال: سواك أو معك، بخلاف إذا لم تكن تحته. قال ابن المواز: وليس هذا بشيء، ولا شيء عليه في الوجهين، وقد قال مالك في الحالف بكل امرأة: إنه لا تلزمه في امرأته، قال سواك أو لم يقل لأنه إنما قال ذلك/ في سواها حتى يقول: معك أو في حياتك أو ينويه. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، إن قال لامرأته: كل امرأة أنكحها غيرك، فهي طالق فهو كالقائل: كل امرأة أنكحها طالق، إلا فلانة وهي أيم أو ذات زوج فلا شيء عليه، وهو كمن قال: إن لم أتزوج فلانة، فكل امرأة أتزوجها طالق فلا شيء عليه. ومن كتاب ابن حبيب في القائل: كل امرأة أتزوجها، إلا فلانة فهي طالق، فاختلف فيه مالك وأصحابه، فروى عنه أصحابه وقالوا به: إنه لا شيء عليه، كمن عم إذا استثنى المرأة والاثنتين والعدد اليسير كالعشرة ونحوها وكذلك قوله إلا قبيلة كذا، أو قرية كذا، وهم قليل. روى عيسى، عن ابن القاسم: سئل إن استثنى عشرة، فقال: ليس في ذلك حد، ولكن إذا استثنى العدد القليل الذي ليس فيه سعة في النكاح، فهو كمن عم ولا شيء عليه، وإن استثنى عددا، وإن سمى نساءهن إن شاء نكاح [5/ 117]
فيمن قال: كل بكر أو قال كل ثيب أنكحها طالق
بعضهن أمكنه وكان من نكاحهن في سعة لزمه ألا ينكح إلا منهن وإلا حنث، ولم يذكر ابن القاسم في روايته ما ذكر ابن حبيب، من تحديد العشرة عن مالك. قال ابن حبيب: وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك قوله: إلا فلانة: أنه يلزمه حتى إن ابن الماجشون قال: ولو أن المرأة التي استثنى ذات زوج، أو تزوجت بعد يمينه، لزمه ما قال لأنه يرجى له أن تخلو من الزوج ويتزوجها، وقال/ لو تزوجها ثم طلقها ألبتة، لكانت اليمين عليه باقية، إلا أن يتزوجها في عدة فهذه تحرم للأبد عليه، وتزول عنه اليمين، وكذلك لو لاعنها، أو وجدها ذات محرم زالت يمينه، قال: ولو كانت صغيرة تبلغ مبلغ النكاح قبل انقضاء يمينه لزمه اليمين. قال مطرف: وإن كانت ذات زوج، أو تزوجها، ثم ابنتها فاليمين لا تلزمه ولو طلقها واحدة أو اثنتين، فاليمين عليه، قال ابن حبيب: فهذا استحسان، والقياس قول ابن الماجشون. ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم قال: قال مالك فيمن قال لامراة من النساء كل امرأة أنكحها غيرك طالق فهو كالقائل: إن لم أنكحك، فكل امرأة نكحتها غيرك طالق فلا شيء عليه. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه، قال: ولو حلف بطلاق كل امرأة يتزوج، إلا قبيلة كذا، وبلد كذا، ثم حلف بطلاق من ينكح من البلد، أو القبيل المستثنى، فلا شيء عليه في اليمين الثاني، لأنه يخرج إلى تحريم النساء كلهن. فيمن قال كل بكر أو قال كل ثيب انكحها طالق أو قال كل حرة أو قال كل امرأة أتزوجها إلا كفؤا أو إلا بتفويض طالق من كتاب ابن المواز: ومن قال: كل ثيب أتزوجها طالق (لزمه) كما لو قال: كل بكر. ثم إن حلف على كل بكر بعد أن حلف على كل ثيب، فقيل: [5/ 118]
يلزمه فيها وأحب إلينا أن تلزمه اليمين/ الأولى، ولا تلزمه الثانية وكذلك قال سحنون وروى عيسى في العتبية، عن ابن القاسم، أن لا تلزمه الثانية، [وذكر عن مالك أنها تلزمه]. قال ابن حبيب: روى ابن وهب، عن مالك، وقال به هو وابن عبدالحكم، إنه يلزمه اليمينان، وقال ابن كنانة ومطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ: لا تلزمه اليمين الثانية، وبه أقول. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية، من رواية عيسى عن ابن القاسم في الحر يقول: كل حرة أنكحها طالق: أن ذلك يلزمه، وله نكاح الأماء وقاله ابن حبيب، وقال: إنه أبقى الاماء (وهو) بيمينه كمن لم يحدد، وقال ابن المواز: لا يلزمه إن كان مليئا عند من يقول بالطول، لأنه لا سبيل إلى الحرائر اللاتي حرمهن، وجواب ابن القاسم مجمل لأنه يقول بالطول. ومن كتاب ابن المواز: وإن قال: كل امرأة أنكح، إلا كفؤا - طالق أتنكح جارية أعتقها؟ قال: قد قيل: الكفؤ في الحسب، والكفؤ في الدين واليمين تلزمه، وليس المولى الأسفل كفؤا لمولاه إلا في الدين. من العتبية قال أشهب: فإن قال: كل امرأة أتزوجها [تفويضا فهي طالق لزمه ولو قال كل امرأة أتزوجها إلا تفويضا طالق لم يلزمه التفويض غير مبدول ولا مرجع ومن كتاب ابن المواز قال سحنون ومن قال كل امرأة أتزوجها] طالق أو قال: كل حرة، أو قال: كل بكر لزمه. [5/ 119]
فيمن حلف بطلاق من يتزوج إلى أجل معلوم أو قال في حياة فلان
فيمن حلف بطلاق من يتزوج إلى أجل معلوم أو قال في حياة فلان أو حتى يتزوج فلان أو ما دمت خليط فلان أو ما دمت عبدا أو حتى تحج أو بعد موت موالى / ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن الماجشون في حلف بطلاق من يتزوج إلى عشرين سنة أو عشر سنين، فإن كان ممن يشبه أن يعيش إلى مثل ذلك لزمه، وإن كان لا يشبه، فله أن يتزوج، والتعمير في مثل هذا سبعون سنة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في الحالف إلى ثلاثين سنة: لا يتزوج إلا أن يخشى العنت. قال ابن القاسم: ولا أحب مقدار ما يقدر فيه، ولا أشك أن عشرين سنة كثير، قال أصبغ: بعد تصير وتعفف قال أشهب وابن وهب: لا يتزوج وإن خاف العنت في الحالف إلى ثلاث سنين [قال ابن القاسم نكاحه أولى في الزنى، وقد اختلف في هذا النكاح، فأجازه ابن المسيب وغيره]. قال ابن القاسم: ولو حلف بعتق من يملك من الجواري في هذا الأجل، لم يعذر لخوف العنت وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية، قال ابن المواز قال أصبغ: وهما في القياس واحد، ولكن قوله أحب إلي، لقوة العتق، وصدقه، وسعة الناس في النكاح. ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن حلف بطلاق من يتزوج إلى ثلاثين سنة، لأقضيتك يوم كذا وكذا، فحنث، فإن قدر أن يتسرر، فلا ينكح، إلا أن يخشى العنت، فإن خشي العنت، فليتزوج، ولا شيء عليه، [5/ 120]
وتدخل التي حلف فيها في سائر النساء، وينكحها إن شاء وغيرها إذا خشي العنت. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك لو كانت يمينا بطلاق التي تحته، وبطلاقه من يتزوج إلى ثلاثين سنة، فحنث فلتزمه/ في التي تحته طلقة، فإن لم يرتجعها حتى تنقضي العدة، فلا يتزوجها هي ولا غيرها إلى ثلاثين سنة. قال ابن المواز: وإن حلف بطلاق من يتزوج إلى ثلاثين سنة، ففارق من تحته ثم تزوجها، فإنه يلزمه فيها اليمين في الأجل، ومن قال: كل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق إن كلمت فلانا فكلمه بعد سنة، قبل تمام الثلاثين، فإنه يحنث فيمن تزوج قبل تكلمه، وبعد أن كلمه قبل تمام الثلاثين قال ابن القاسم وأشهب وذكر عن مالك، قال أشهب: إلا أن ينوي من يوم، حنث، قالا: وإن قال: إن كلمت فلانا ثلاثين سنة، فكل امرأة أنكحها طالق، فلا شيء عليه محمد: لأنه لم يجعل ليمين وقتا يحنث إليه في النكاح خاصة. قال مالك: ومن حلف بطلاق من يتزوج في حياة فلان لزمه، إلا أن يخشى العنت، قال محمد: ولو قال حياتي لم يلزمه شيء ومن قال كل امرأة أتزوجها ماعاشت فلانة لامرأة فارقها لزمه ذلك فيمن سواها، ولا ينوي أنه أراد ما كانت عندي كما ينوي لو كانت إذ حلف في عصمته ثم فارقها [إلا أن له في الوجهين نكاحها هي، ولو شرط لها عتق من يتسرر ما عاشت، ثم فارقها] فلا يتسرر إلا أن ينوي ما كانت تحتي كالطلاق. قال أصبغ: ومن قال كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج فلان فهي طالق، لزمه ذلك، فإن مات فلان، فلا شيء عليه، وهي كما في العتبية برواية أصبغ عن ابن القاسم، وقال: هو كما قال: قبل أن يتزوج فلان/ قال مالك: وإن قال: ما [5/ 121]
دمت خليطا لفلان لزمه قال ابن القاسم: وإن قال ذلك قبل أن يشاركه، فلا شيء عليه، وهو مذهب مالك، وإن قاله بعد أنه خالطه لزمه ما دام خليطا. ومن كتاب ابن سحنون، ومن قال: كل امرأة أتزوجها حتى تتزوج فلانة فلانا فهي طالق، فلا تلزمه إلا أن يموت الرجل، فيسقط اليمين. ومن كتاب ابن المواز، وإن قال أن تزوجك فأنت طالق غدا، فإن تزوجها في غد، أو قبل غد، لزمه، وإن تزوجها بعد غد لم يزمه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن طلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج، ثم قال: إن مات امرأتي إن تزوجت حتى أغزو أو أحج، فالتي أتزوج طالق، ثم ذكر أن نكاحها فاسد لتزويج محلل أو لغير ذلك، وكان صحيحا، فطلقها فهل يتزوج قبل الحج أوالغزو، قال: لا شيء عليه إلا أن يريد: إن خلوت منها [بموت أو غيره قال له: إنما نويت خلوتي منها ولم اذكر إلا الموت]. ومن قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك بعد موتك طالق، وكل جارية أتسررها حرة. فماتت، فليتزوج ولا يتسرر؛ لأنه من قال: كل جارية اشتريها أطؤها حرة. يلزمه؛ لأنه لا يتزوج من لا يطؤها، ويملك من لا يطؤها. ومن كتاب ابن سحنون، ومن قال: كل امرأة أتزوجها، مادامت أمي حية طالق. لزمه. لو قال: ما دام هذا الصبي حيا. وهو ابن عشر سنين، والحالف ابن/ ثلاثين سنة، أو أربعين، قال: ذلك يلزمه، ولا يعمل فيه على الغالب من التعمير، وقد يموت صغير قبل كبير. قال: وإن قال كل امرأة أتزوجها إلى عشر سنين طالق فتزوج قبل ذلك امرأة فطلقت ثم تزوجها فإنه يتكرر عليه ذلك كلما تزوجها وكذلك في البلد المخصوص. قال ابن القاسم يتكرر عليه الحنث في القبيل والجنس. وأما لو قال [5/ 122]
فيمن قال: آخر امرأة أو أول امرأة أتزوجها طالق
لامرأة معينة إن تزوجتك أبدا فأنت طالق ففعل فطلقت ثم تزوجها فلا شيء عليه ولا يحنث فيها إلا مرة لأنها معينة ولا في نساء معينات. وإن قال إن تزوجتك وأخواتك فلا يعود فيها اليمين وقد يعود في أخواتها. قال سحنون إن كن أخواتها معروفات فهن مثلها لا تعود فيهن اليمين إلا في المجهولات. قال سحنون ولا يضره في المعينة قوله أبدا لأن التأييد إنما جعله في أظهر الأمور على بداية تزويجه لا على التأييد الذي يشبه كلما تزوجتك وهو كمن قال امرأته طالق إن كلم فلانا أبدا فحنث مرة فلا يحنث بكلامه ثانية وليس مخرجه مخرج كلما. وكذلك التأجيل إذا قال إن تزوجتك عشر سنين إن أراد أن يجعل العشر سنين أجلا قبل نكاحها وإن أراد أن يجلعها طالقا كلما نكحها فيها لزمه ذلك وأما القائل إن تزوجت امرأة عشر سنين فهي طالق فيتكرر عليه الحنث لأنه منع نفسه النكاح عشر سنين بخلاف من عين امرأة. وأما إذا طلق مجهولة في أجل أو من قبيلة أو فخذ فالحنث يتكرر فيها]. فيمن قال آخر امرأة أو أول امرأة أتزوجها طالق من كتاب ابن المواز: ومن قال: آخر امرأة أتزوجها طالق. قال ابن القاسم: لا شيء عليه. ونحن نرى أن يقف عن وطئها، حتى ينكح ثانية، فتحل له الأولى، ويقف عن الثانية حتى ينكح ثالثة، وهي التي يقف عنها، كالمولي، فإن رفعته، فالأجل من يوم ترفعه. وقال سحنون مثله في العتبية، وفي كتاب ابنه، وقال: وكذلك لو تزوج رابعة لزمه فيها الإيلاء، إلا أن تموت من عنده أو يطلق، فيتزوج. ومن المجموعة، عن ابن الماجشون نحو، وقال: فإن تزوج امرأة، فماتت أوقف ميراثه منها حتى يتزوج ثانية، فيأخذه، أو يموت قبل يتزوج، فيرد إلى [5/ 123]
فيمن حلف بطلاق امرأة إن تزوجها ففعل، هل يفسخ نكاحه بالقضاء؟
ورثتها، وإذا طلق عليه بالإيلاء فلا رجعة له، لأنه لم بين بها. وإن قال: آخر من أتزوجها طالق إلا واحدة. يريد تطليق التي تلي الآخرة، فإن تزوج، أوقف عنها، ثم إن تزوج ثانية، أوقف عنها وعن الأولى؛ إذ لا يدري في يلي الآخرة منهما؟ فإن مات، فالأولى. ولو قال: فالتي تلي الآخرة طالق، حتى تكون ثالثة منهما. فهذا يمسك عنها حتى يتزوج رابعة، فتحل له الأولى، إن مات في هذه الحال، فالثانية من الأولى هي المطلقة./ ومن كتاب ابن المواز، ومن قال: أول امرأة أتزوجها طالق. فتزوج، فإنها تبين منه، ولها نصف الصداق، ثم يتزوجها ثانية إن شاء، ونحو ذلك، وقد زالت يمينه فيها وفي غيرها، ولو كانت يمينه بالبنات؛ فلم تحل له إلا بعد زوج، وتحل له سواها. فيمن حلف بطلاق امرأة إن تزوجها ففعل هل يفسخ نكاحه بالقضاء؟ وكيف إن كان قد حلف لا أتزوج حراما؟ وهل يتوارثان؟ ومن كتاب ابن المواز، ومن تزوج امرأة حلف بطلاقها إن تزوجها، قال مالك: يفرق بينهما بالقضاء. وقضى به ابن أبي حازم. وتقع عليه طلقة، إلا أن يكون حلف بأكثر منها، ولو نصف الصداق، إلا أن يبني جهلا، فعليه جميعه؛ ولا تحرم عليه بعد ذلك؛ إذا لم يقل: كلما. قال أبو محمد: يريد بعدالاستبراء من ذلك الماء، إن بنى بها. ومن العتبية روى أبو زيد، عن ابن القاسم، أن صاحب الشرط كتب إليه في رجل تزوج امرأة حلف بطلاقها إن تزوجها، هل أفسخ نكاحه؟ فكتب [5/ 124]
ذكر ما يتكرر فيه الحنث وتعود فيه اليمين من الطلاق قبل الملك وما لا يتكرر
إليه: لا يفسخه. وقد أجازه ابن المسيب. وكان المخزومي ممن حلف أبو على أمه يمثل هذا. وقال عنه عيسى فيمن حلف بطلاق من يتزوج على امرأته، ثم قال لها: إن وطئت حراما فأنت طالق. فتزوج عليها امرأة، فوطئها، قال لا تطلق عليه القديمة/. ولم يرد مثل ذلك من الحرام. وهذا مختلف فيه، وتطلق الثانية. قال ابن حبيب، عن أصبغ: إذا حلف بطلاق امرأة إن تزوجها، أو بطلاق من يتزوج على امرأته أو من يتزوج من بلد بعينه فتزوج، ثم مات أحدهما قبل يقضي بالفراق، فإنهما لا يتوارثان. وأما الولد، فلاحق ووارث، وإن لم يبن، فلها نصف الصداق؛ عاش أو مات. ذكر ما يتكرر فيه الحنث وتعود فيه اليمين من الطلاق قبل الملك وما لا يتكرر وكيف إن خص جنسا أو بلدا أو ضرب أجلا قال سحنون في كتاب ابنه: اختلف اصحابنا في قول الرجل: إن تزوجت من بني فلان أو قال: من بنات فلان فهي طالق. فقيل: إن كانوا معروفين، يحصون ويعرفون، فهم كامرأة معينة، ولا يتكرر فيهم الحنث إن تزوج منهم، فطلقت، ثم تزوجها ثانية، فلا شيء عليه. وقال آخرون: إذا قال من بني فلان. فلا تكون إلا مجهولة، وإن قال: من بنات فلان. فلا يكون إلا في قليل معروف محاط به، وكالمعينات لا يتكرر فيهن الحنث. وأما إن قال: من بنات تميم. أو: من بنات عدي، أو من بنات زهرة. فذلك على المجهولات. ومن كتاب ابن المواز، وأما من حلف على قبيلة أو صنف، فنكح منهن فالحنث يتردد عليه كلما نكحها، ما لم يضرب أجلا فيتجاوزه. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: إن قوله إن تزوجت/ ومتى فهما [5/ 125]
سواء. قال: وإذا قال: إذا تزوجت فجمع البلد، أو الفخذ، أو بنات الرجل، أو ضرب أجلا في طلاق من يتزوج، أو قال: كل أعرابية، أو من الموالي. فهذا كله يرجع عليه اليمين، وإن تزوجها عشرين مرة. ولو قال لامرأة: إن تزوجتك أبدا فكانت طالق البتة. فتزوجها مدة، فطلقت؛ ثم تزوجها بعد زوج، فلا شيء عليه. وكذلك إن قال: إن تزوجت فلانة وفلانت. فلا يعود عليه اليمين، إن حنث فيها إذا سمى. ولو قال: بنات فلان أو أخواته أو الفخذ إذا أبهم ولم ينص أسماءهم، فاليمين يعود عليه أبدا. ولو قال: إن تزوجتك وأخواتك. فأما هي، فلا يحنث فيها إلا مرة، وأما أخواتها، فيعود عليه اليمين فيهن أبدا. وقال سحنون في كتاب ابنه: إن كن أخواتها معروفات، فهن مثلها لا تعود عليه فيهن يمين، إلا في المجهولات، ولا يضره في المعينة قوله أبدا؛ لأن التأييد إنما جعله في أظهر الأمور على بداية تزويجه، لا على التأييد الذي يشبه "كلما"، وكالحالف بالطلاق، وإن كلم فلانا أبدا إنما يحنث مرة، وليس مخرجه مخرج "كلما". وكذلك التأجيل إن قال: إن تزوجتك عشر سنين إن أراد أن يجعل العشر سنين أجلا قبل نكاحها، وإن أراد أن يجعلها طالقا كلما نكحها فيها، لزمه ذلك. وأما القائل: إن تزوجت امرأة عشر سنين فهي طالق. فإنه ينكر عليه الحنث. وكذلك نساء قبيلة أو قرية، بخلاف يمينه في امرأة بعينها، تلك لا يحنث فيها، إلا مرة./ ولو قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك طالق واحدة. أو خص بلدا أو جنسا، أو ضرب أجلا، فإنه يعود عليه اليمين في كل من يحنث فيها منهن. ولو قال: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق واحدة. فتزوجها عليها، فطلقت، ثم تزوجها عليها، فلا شيء عليه ولا يتكرر فيها الحنث. وهذا اختيار ابن المواز. قال العتبي: وروى عنه يحيى بن يحيى أن اليمين تعود عليه في المرأة المعينة ما دامت المحلوف لها في عصمته، إن تزوجها مرارا كثيرة، وكذلك بعد أن يطلق [5/ 126]
بالبتة، ما دامت الاولى عنده. قال: وهي مثل الذي يقول: إن تزوجت فلانة بمصر فهي طالق. فهذا كلما تزوجها بمصر تطلق، ولو بعد أزواج، وإن نكحها بغير مصر، فلا شيء عليه. قال: وأما من حلف بطلاق فلانة إن تزوجها، ولم يقل: على امرأتي، فهذا إنما يحنث مرة واحدة. وأما القائل: إن تزوجتك على امرأتي. كالقائل: إن تزوجت في هذه السنة. فهو كلما تزوجها في السنة يتكرر عليه فيها الحنث، وإذا لم يقل: على امرأتي. فهو كمن قال: امرأتي طالق إن تزوجت فلانة. فتزوجها، فطلقت الأولى، ثم فارق الثانية، ونكح الأولى، ثم تزوج الثانية، فلا شيء عليه؛ لأنه حنث فيها. ومن كتاب ابن سحنون، قال: وأما في يمينه لا يتزوج بطلاق من يتزوج على امرأته، فيلزمه، وكأنه قال: ما كانت عندي. وكذلك لو قال: إن/ تزوجت عليك فلان فهي طالق. وشرط ذلك في أصل النكاح، فهذا يتكرر فيه الحنث، وإن كانت بعينها، ومخرج هذا كأنه قال: كل امرأة أجمعها معك طالق. فصارت كغير معينة. وكذلك قال ابن القاسم: المعينة في هذا وغيرها سواء. قال ابن سحنون: ورواه عنه أيضا يحيى بن يحيى. وروى عنه عيسى أنه لا يحنث في المعينة في هذا إلا مرة واحدة، ثم لا شيء عليه إن تزوجها عليها. وقال ابن القاسم: ومن قال تزوجت فلانة بمصر فهي طالق، فتزوجها فطلقت ثم تزوجها، قال: يلزمه الطلاق فيها كلما تزوجها. وقال ابن المواز: لا يحنث إلا مرة واحدة. ومن كتاب ابن المواز، قال عبدالملك: وإن قال لامرأة: إن تزوجتك عشر سنين فأنت طالق. فتزوجها فيها، فطلقت وبانت، فله نكاحها في بقية العشرة؛ لأنها معينة. وكذلك قوله: إن تزوجها بمصر أبدا فهي طالق، ولو قال: إن تزوجت فلانة على امرأتي فلانة. فهذا إن فعل لزمه إن نكحها ثانية، ويتكرر ذلك. قال محمد: لا يعجبنا، ولا يحنث فيها إلا مرة، حتى ينوي "كلما" وأراه مراد عبدالملك في جوابه هذا، وهي كقوله: إن تزوجها بمصرفهي طالق. وليس عليه إلا مرة واحدة، بخلاف إذا لم يسم امرأة بعينها. [5/ 127]
جامع مسائل مختلفة من الطلاق قبل النكاح، والعتق قبل الملك
قال مالك: وإن قال: إن تزوجتك أبدا فأنت طالق أبدا. كانت البتة. وإن قال "كلما" لم تحل له/ أبدا ووقف محمد في قوله: أنت طالق أبدا. ومن المجموعة روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك، وقال مالك، في الواضحة، في قوله: إن تزوجتك أو متى ما. فهذا لا يحنث إلا مرة، حتي يقول: "كلما". وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلى أجل كذا طالق، وتحته نساء فيهن منه، فلا يتزوجهن حتى يجوز الأجل، ولو طلقهن طلاق رجعة، كان له الرجعة في العدة. وكذلك لو حلف لا تزوج من الموالي وتحته امرأة منهن، على هذا الشرح. (بياض) الأخرى: ستراجعها؟ فقال هي طالق، أبدا، فإن تزوجها بائت منه بواحدة، إلا أن ينوي البتة. قال ابن القاسم: محمل يمينه إن تزوجتها. وكذلك ما تقدمه كلام يرد فيه دليل على قصده. جامع مسائل مختلفة من الطلاق قبل النكاح والعتق قبل الملك من كتاب ابن المواز بعد مسائل لمالك وابن القاسم: ومن قال كل امرأة أنكحها من البادية لا أنظر إليها فهي طالق. فعمي، فلا أحب أن يتزوج من البادية. قيل: أينكح امرأة خرجت في البادية، فسكنت بغيرها أربع عشرة سنة؟ قال أرأيت إن كان بصيرا، أينكحها قبل أن يراها؟ ولو قال: كل امرأة أتزوجها حتى انظر إليها. فعمي، رجوت ألا شيء عليه، وكذلك حتى ينظر إليها فلان. فمات فلان. قال ابن المواز: إذا مات من استثنى نظره، فلا يتزوج حتى يخشى العنت/، ولا يجد ما يبتاع به أمة. قال ابن حبيب، في الذي قال: حتى أراها. قال مطرف، وابن الماجشون وأصبغ: له أن يتزوج من كان رآها قبل أن يعمى، واليمين عليه قائمة فيمن لم يكن رأى. [5/ 128]
ومن كتاب ابن المواز، وإن قال: إن تزوجتك فأنت طالق. ثم حلف بطلاق من يتزوج من قريتها، فتزوجها، فإنه لا يقع عليه فيها طلقتان. وكذلك الحالف: لا كلم فلانا. ثم حلف: لا أكلم أحدا. ثم كلم فلانا، فيلزم طلقتان، قال أشهب: إن كلمه، لزمته طلقة، ثم إن كلم غيره، لزمته ثانية. قال محمد: والأول أبين، إلا أن يحاشي فلانا في العموم. ومن حلف بطلاق من يتزوج على امرأته، ثم صالحها، ثم تزوج، ثم نكح القديمة، قال ابن القاسم: فيلزمه طلاق الأجنبية، لأن معناه: لا جمع بينهما. ولو قال: نويت أنه لا شرط فيمن نكحت بعدها. فالأمر عليه قائم حتى يطلق امرأته البتة. قال أشهب: لا يلزمه في المنكوحة بعد خلع الأولى شيء إن عاود الأولى. محمد: وقول ابن القاسم أحب إلي، وهو قول مالك، كالحالف: لا دخلت عليها هذا البيت. فدخلت هي عليه، فإن لم يخرج حنث. ولو حلف ليتزوجن عليها وصالحها، ثم تزوج ثم فارق قبل يرتجع الأولى؛ ثم نكح الأولى فلا يبر، واليمين عليها يها قائمة في قول ابن القاسم، وأشهب. ولو نكح الأولى قبل فراقه الجديدة، قال محمد: فإن ثبت عليها، وجوت أن يكون قد بر. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن قال/ كل امرأة أتزوجها سنة طالق. فتزوج امرأة، فقال لها: إن طلقتك إلى وقت، فكل مملوك لي حر. فلا عتق عليه؛ لأنها مطلقة من أول العقد. ومن طلق امرأته واحدة، ثم قال: إن أرجعتها فهي طالق البتة. فانقضت العدة، ثم تزوجها، أو تزوجها بعد زوج، وقال: نويت أن لا أرتجعها، حيث لي عليها الرجعة. ولم ينو شيئا، قال مالك: يحنث، ولم يذكر نية. وقال ابن القاسم: وإن لم تكن له نية حنث، وإن نوى فله نيته ويحلف. ومن حلف لامرأته بطلاق كل من يتزوج عليها، فتزوج عليها سرا منها، ولم تعلم ثم مات، وقد علم الشهود بذلك أو لم يعلموا؛ قال: إن علموا، فلا شك أنها ترثه، وإن لم يعلموا، فاختلف فيه، وأرى أن ترثه. ومن قال لأمة رجل: إن [5/ 129]
في الاستثناء في الطلاق وفي اليمين به أو بالعتق أو بمشيئة الله أو مشيئة أحد
تزوجتك فأنت طالق. فاشتراها، فوطئها، فلا شيء عليه. [ولو حلف إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة وأنت علي كظهر أمي فتزوجها فوطئها فلا شيء عليه]. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لأمة غيره إن وطئتك فأنت حرة. فملكها ببيع أو ميراث، فوطئها، فإن تعتق. ثم رجع فقال: إن لم تكن له نية فلا شيء عليه، وإن أراد إن ملكتك فوطئتك حنث. وقال أصبغ. في الاستثناء في الطلاق وفي اليمين به أو بالعتق أو بمشيئة الله أو مشيئة أحد أو بغير ذلك أو استثناء من العدد أو استثناء في اليمين بالطلاق، وله باب في كتاب الأيمان قال أشهب في المجموعة: ومن قال امرأته طالق، أو عبده/ حر، إن فعلت كذا. أو قال: ولم أفعله إن شاء الله. فإن أراد: إن شاء الله أن أطلق أو أعتق لم ينفعه، وإن أراد الفعل إن شاء الله أن أفعلن، ويمينه: أن لا أفعل. فيمينه: لأفعلن فلا شيء عليه وهو قول عبدالملك. ولم ير غير ابن القاسم في جوابه تفصيلا، قال: لا ينفعه. قال أشهب: ولو حلف: إن دخلت هذه الدار - إلا أن يقضي الله- فلا شيء عليه. قال ابن القاسم، فيمن قال أنت طالق إلى سنة، إلا أن أشاء غير ذلك فلا ينفعه، وتطلق مكانها، وكذلك في العتق: أنت حر إلا أن اشاء غير ذلك. ومن قال. أنت طالق إن شاء هذا الحجر. فقال ابن القاسم: لا شيء عليه. وقال أيضا: إنها تطلق. وبه أخذ سحنون. وقال: ويعد نادما. ومن كتاب ابن المواز، ومن قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة لزمه اثنتان. وإن قال: إلا اثنتين: لزمته واحدة. وإن قال إلا ثلاثة لزمته الثلاثة. وإن قال أنت طالق البتة. وقاله مطرف، في كتاب ابن حبيب. ومن المجموعة، قال
سحنون: إذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة. لزمته طلقتان. ولو قال البتةإلا واحدة، لزمته الثلاثة؛ لأن البتة لا تتبعص. وقال أشهب: تتبعض، ولا يلزمه إلا اثنتان وكذلك عنه في العتبية رواه عنه البرقي وعبدالملك بن الحسن. وقال العتبي: وقاله سحنون. وكذلك في كتاب ابنه عنه أنها تتبعض وله ثنياه؛ لأن البتة صفة الثلاث، بنى بها أو لم يبن. قال محمد: وأنكر قول من قال لا تتبعض./ قاله بعض أصحابنا، وأنكره سحنون، وقال: يلزم من قال هذا أن لو شهد عليه شاهد بالبتة وشاهد بالثلاث، أن تكون شهادة مختلفة. وهذا خلاف قول أهل الحجاز؛ لأن معنى البتة، الثلاث، وهذا يلزمه ثلاث. ومن قال: أنت على حرام إلا واحدة، أن له ثنياه وإن بنى بها. قال ابن سحنون، عن أبيه مثل ما تقدم في المستثنى من الثلاث واحدة أو اثنتين، أن يلزمه ثلاث. ومن قال: أنت علي حرام إلا واحدة، أن له ثنياه وإن بنى بها. قال ابن سحنون، عن أبيه مثل ما تقدم في المستثنى من الثلاث واحدة أو اثنتين، أن يلزمه ما بقي، وكذلك اثنتين إلا واحدة. فأما إن قال: ثلاثة إلا ثلاثة. أو اثنتين إلا اثنتين. أو: واحدة إلا واحدة، فهذا يلزمه ما سمي، ويعد نادما؛ وكمن قال: طالق لا طالق، ولو قال: أنت طالق واحدة إلا واحدة لزمته طلقة، وإن قال: أنت طالق الطلاق كله، إلا نصفه. لزمته طلقتان. وكذلك ثلاثة إلا نصفها، ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا نص الطلاق. لزمته الثلاث، وكذلك قوله: الطلاق كله، إلا نصف الطلاق. لأن الطلاق المبهم واحدة، واستناؤه منها لا ينفعه، فإن قال: أنت طالق أربعة إلا ثلاثة، أو مائة إلا تسعة وتسعين أن ثلاثة تلزمه، وهو كمن قال: ثلاثة إلا ثلاثة،. وكذلك قوله مائة إلا واحدة، والأربعة إلا واحدة. وكذلك ذكر العتيبي وابن عبدوس، عن سحنون، في قوله: مائة إلا تسعة وتسعين؛ أنه يلزمه ثلاث؛ لأن اللازم منها ثلاث، فكأنها هي المستثناه [قال في المجموعة ثم رجع فقال لا يلزمه إلا واحدة ولو كانت اللازم من المائةتكون في [5/ 131]
المستثناة] لكان لو قال: مائة إلا اثنتين أن تلزمه واحدة، فهذا تلزمه ثلاث، ويكون اللوازم فيها أبقى. قال في كتاب ابنه: وإن قال: أن طالق، أنت طالق/، أنت طالق إلا واحدة، فإن نوى واحدة فكررها لتسمعها لزمته واحدة، كالقائل: واحدة إلا واحدة، إن لم يرد واحدة ليسمعها، أو لم تكن نية فهي ثلاث استثنى منها واحدة، ولو قال: أنت طالق، ثم أنت طالق إلا واحدة، وقال في موضع آخر: ثم وأنت فقد اختلف فيه قوله؛ فقال إن المستثنى واحدة من ثلاث وقال: إنها ثلاث، ولا استثناء في هذا المقر بمائة ومائة ومائة، إلا مائة، أو كان موضع الواو "ثم" فلا ينفعه استثناؤه، وقوله: ثم أبين من نسقه بالواو في الطلاق، وفي الاقرار بالدين وكذلك في المجموعة في قوله: وأنت طالق: أنه لا استثناء له، وذكر في قوله: أنت، وأنت: إن أراد الاسماع، فهي واحدة، وإن أراد الثلاث، ثم ذكر اليمين تأكيدا، ثم ذكر الاستثناء، لم ينفعه، لأنه جعل بين الاستثناء والطلاق يمينا. ورأيت لأبي عبيد القاسم بن سلام مسألة في الاستثناء هي على أصولنا، فيمن قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة أنها اثنتان؛ لأنه استثناء من الاستثناء؛ لقول الله تعالى: "إلا آل لوط، إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته" فاستثنى من المستثنى. قال ابن سحنون في كتاب الاقرار: ومن قال حمدة طالق ثلاثا، وعائشة طالق ثلاثا، إلا طلقتين من طلاق حمدة بطل استثناؤه، [لأنه غير متصل حين أخذ في صفة غير طلاق حمدة ثم استثنى] وهذا الذي ثبت عليه سحنون فيما أعلم. [5/ 132]
في تبعيض الطلاق أو تبعيض البتة أو الثلاث أو يطلق عضوا من امرأته
في تبعيض الطلاق أو تبعيض البتة أو الثلاث أو يطلق عضوا من امرأته/ أو شعرها أو يشرك نساءه في طلقة أو أكثر منها قال أبو محمد: قد جرى في المدونة ذكر من طلق بعض طلقة، أنها تجبر عليه، وكذلك طلقة ونصف، ومن كتاب ابن المواز، فيمن قال: أنت طالق ثلث الثلاث، أنها واحدة، وإن قال: ثلث البتة، فهي البتة روى البرقي عن أشهب، في غير كتاب ابن المواز في القائل أنت طالق ثلث البتة أنها واحدة، وقد تقدم ذكرنا لقوله ولقول سحنون أنها تتبعض، وينفعه الاستثناء منها؛ لأنها صفقة الثلاث. ومن العتبية، قال أصبغ فيمن قال لاحدى نسائه الثلاث: أنت طالق البتة، ثم قال للثانية: وأنت شريكتها فإنهن طوالق البتة كلهن، ولا يفترق إذ ذكر البتة أن يذكر الثلاث أولا أواخرا؛ لأنها لا تتبعض. ولو قال للأولى أنت طالق ثلاثا. والمتأنية وأنت شريكتها. وللثالثة وأنت شريكتها. فإن الأولى أنت طالق ثلاثا. والمتأنية وأنت شريكتها. وللثالثة وأنت شريكتها. فإن الأولى والثالثة يقع عليهما ثلاث ثلاث، وعلى الوسطى اثنتان يريد: لأن الأولى لزمها الثلاث بأول قوله، ثم شاركتها الثالثة فيها، وشاركت الثانية في اثنتين فصار للثانية طلقتان ونصف جبرت عليها. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وإن قال لأربع نسوة بينكن طلقة، أو قال: طلقتان أو قال: ثلاث، أو أربع لزم كل واحدة طلقة ولو قال شركتكن في ثلاث، لزم كل واحدة ثلاث، ولو قال: شركت بينكن في طلقتين طلقت/ كل واحدة اثنتان. ومن قال لزوجته: رأسك طالق، أو طلق عضوا منها، أو قال: نصفك، أو ثلثك، أو جزءا ذكره، فهي طالق قال سحنون: ولو قال: شعرك طالق، أو قال: حرام فلا شيء عليه، ولو قال لعبده: شعرك حر لم يلزمه عتق، وليس الشعر بشيء. [5/ 133]
في تكوين الطلاق وتكوين الحلف وتكوين البتة فيه
قلت: قال بعض اصحابنا تحرم عليه إذا حرم شعرها لأنه من محاسنها، [ومن خلقها حتى يزايلها وكذلك لو قال كلامك على حرام لحرمت لأنه من محاسنها] وأشد من الشعر. وقال سحنون: لا أرى عليه شيئا في الكلام والشعر، وكذلك ذكر ابن الموالأ، عن ابن عبدالحكم، وذكر عن أشهب أنها تحرم عليه، وقد ذكرناه في باب: من قال أنت حرامه. في تكوين الطلاق وتكوين الحلف وتكوين البتة فيه أو طلق على ضرب الحساب قال ابن حبيب: روي عن الحسن فيمن قال لامرأته أنت طالق واعتدى فهي واحدة. وإن قال: أنت طالق اعتدى أنها طلقتان ومن المجموعة، قال ابن القاسم: إن قال انت طالق واعتدي فهي طلقتان، ولا ينوي وإن قال: أنت طالق اعتدي أو فاعتدي لزمه اثنتان، إلا أن ينوي واحدة. قال ابن حبيب: إن قال: أنت طالق، ثم أنت طالق: أو قال: ثم طالق، أو قال: وأنت طالق، أو قال: وطالق حتى أتم في ذلك ثلاث مرات، فهي ثلاث لا ينوي، بني أو لم يبن. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: فيمن قال: أنت طالق ألبتة، أنت طالق البتة إن أذنت لك إلى موضع سألته فيه، قال هو حانث، أذن لها أو لم يأذن، وما هو بالبين، وفيه إشكال/ قال أصبغ: أرى أن يحلف ما رددها إلا إرادة الاسماع، ويبين. فإن نكل حلف وعده مالك كالنادم، ولم يره بالبين. فإن قال: أنت طالق إن فعلت كذا، ثم قال مثل ذلك في وقت آخر، ثم قال مثل ذلك وقتا آخر، فإنه ينوي، فإن لم تكن له نية فهي البتة، ولا ينوي في الطلقة الأولى يرددها ويعينها. وإن [5/ 134]
قال إن كلمت إنسان فأنت طالقـ ثم قال إن كلمت فلانا فأنت طالق، فكلمه، لزمته طلقتان. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن قال أنت طالق واحدة في واحدة، أو قال في اثنتين، أو اثنتين في اثنتين، أو في ثلاث أو [ثلاثا في] ثلاث، وهذا أو نحوه، فإنه يجري مجرى ضرب الحساب؛ فواحدة في واحدة واحدة، واثنتان في اثنتين أربعة، تبين من ثلاث، وكذلك بقية هذا المعنى. وإن قال: أنت طالق الطلاق. فهي كقوله أنت طالق أنت طالق، إلا أن يريد واحدة، وإن قال: أنت الطلاق فهي واحدة. وأخبرني معن عن مالك قال: أنت الطلاق لا تحلين لي ما كنت مملوكة فعتقت، قال: هي واحدة. فيرجع. قال سحنون: ومن قال: كلما طلقتك، فأنت طالق فطلقها واحدة [فإنها تطلق عليه ثانية لا أكثر وكذلك إذا ما طلقتك أو متى ما في هذا كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فطلقها واحدة] فهذا يلزمه الثلاث؛ لأن هذا أوجب الطلاق بكلما وقع عليها الطلاق، يريد: والأول إنما أوجبه بكلما طلق بلفظه، لا بما تسبب عن لفظه. قال ابن سحنون: ثم رجع سحنون، وقال: يلزمه ثلاث ثلاث في المسألتين، والأول لبعض أصحابنا. وبقية القول في هذا الباب الذي يلي هذا وإذا قال لزينب: أنت طالق إذا طلقت عمرة، ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم طلق زينب فإن زينب تطلق طلقتين وعمرة طلقة. وقال بعض أصحابنا لا تطلق زينب إلا طلقة، ولو قال في المسألة كلما لهذه ولهذه، فإنه إن طلق زينب، طلقت كل واحدة ثلاثا ثلاثا؛ لأن ذلك كلما وقع على واحدة أوجب وقوع مثله على الأخرى. وهذا باب من معنى تكرير الطلاق. [5/ 135]
في القائل لإحدى نسائه: إن طلقتك أو حلفت بطلاقك فصوا حباتك طوالق
في القائل لاحدى نسائه إن طلقتك أو حلفت بطلاقك فصواحباتك طوالق أو إن لم أطلقك فهن طوالق أو من وضعت منكن فالبواقي طوالق وما شاكل هذا المعنى من كتاب ابن المواز، فيمن قال يعني ابن القاسم لاحدى امرأتيه: إن طلقتك أو متى طلقتك فصاحبتك طالق، وقال لأخرى مثل ذلك، ثم طلق واحدة، فإنه يقع على المطلقة طلقتان، وعلى الأخرى واحدة؛ لأن الحنث لا يتكرر. وروى مثله في العتبية عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز، ولو قال ذلك لواحدة، ثم طلقها، فوقع على الأخرى طلقة، ثم طلق الأولى ثانية، فلا يقع على صاحبتها شيء. ولو قال للأولى: إن طلقتك، فصاحبتك طالق [وقال للثانية كلما طلقتك فصاحبتك طالق] فطلق التي قال لها كلما طلقتك؛ فإنه يلزم كل واحدة طلقتان، ولو كان إنما طلق الأولى طلقة، لوقع عليها اثنتان، وعلى الثانية واحدة. ولو قال لأربع نسوة: متى طلقت منكن واحدة، فصواحباتها طوالق، أو إن طلقت منكن واحدة، فسائركن، أو انتن طوالق، فإن طلق الأربعة طلقة طلقة، لزمته في كل واحدة طلقتان، وإن لم يطلق إلا/ واحدة، لزمه فيها طلقتان، وفي الباقيات، طلقة طلقة، [فإن طلق أخرى] لزمه في كل واحدة طلقتان، ولا تلحق من سواها بطلاق الثانية طلاق؛ لأن قوله: إن ومتى قد حنث، وسقطت فيه اليمين، كمن حلف بطلاقين في ثياب لا لبس منها شيئا، فلبس ثوبا واحدا فيلزمه طلقة، ثم لبس ثانيا، فلا شيء عليه، ولو قال: كلما طلقت واحدة منكن [5/ 136]
فصواحباتها طوالق، فطلق واحدة منهن فإنه تلزمه في كل واحدةألبتة، وفي الباب الذي هذا عقيبه مسألة من هذا. ولو نظر إلى امرأة منهن متطلعة فطلقها ثم نسيها، لزمه الطلاق في جميعهن، ولو كان إنما قال لها: إن لم أطلقك فصواحباتك طوالق، فله أن يختار أن يطلق ثلاثا منهن ويحبس واحدة، ليس عليه أن يتوخى المطلقة، لعله يريد: فصواحباتك طوالق ألبتة، وإلا فلم لا تلزمه فيهن طلقة طلقة. ولو قال: وهن حوامل كلما وضعت منكن واحدة فصواحباتها طوالق، فوضعن كلهن، أن التي وضعت أولا، والرابعة يطلقن ثلاث ثلاثا، والثانية تطليقة، والثالثة تطليقتين. قال سحنون في كتاب ابنه: لأن الثانية انقضت عدتها بالوضع بعد أن وقع عليها طلقة، وانقضت عدة الثالثة بالوضع بعد أن وقع عليها طلقتان. قال في كتاب ابن المواز لو قال: إن وضعت منكن واحدة أو متى وضعت، فصواحباتها طوالق لزمه فيهن طلقة طلقة حتى يقول: كلما. قال أبو محمد: لعله يريد في صواحبات الأولى وأما/ التي وضعت أولا، فلا يلزمه شيء بوضع من بعدها إذ لا يتكرر الحنث فيه ولا يلزمها هي بوضعها شيء، إلا أن تحمل الأولى. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه وإن قال أيتكن ولدت جارية فهي طالق وصواحباتها طوالق، فولدت ثلاث منهن جواري، وولدت الرابعة من ولادتهن غلاما، قال: تطلق الأولى ثلاثا، والثانية في الولادة طلقة، والثالثة طلقتين والرابعة ثلاثا؛ لأن بزيادة الأولى طلقن طلقة، وانقضت عدة الثانية بالوضع، ووقع بوضعها على الباقيتين طلقة طلقة، ثم انقضت عدة الثانية بوضعها، ووقع على الأولى والرابعة طلقة طلقة. ومن العتبية قال سحنون، فيمن له أربع نسوة، فقال لواحدة: إن حلفت بطلاقك فنسائي طوالق، فطلقها: أنهن يطلقن كلهن، لأن التي أفرد، حلف [5/ 137]
في الشك في الطلاق، ومن لم يدر ما طلق ومن طلق، والحالف يشك في الحنث
بطلاقها قد دخلت في اليمين معهن. قال أشهب: إلا أن يريد بنسائي غير التي أفرد، فلا يحنث حتى يحلف بطلاقها، فيحنث في غيرها، ولا شيء عليه فيها. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، إذ قال لواحدة منهن إن حلفت بطلاقك فصواحباتك طوالق ثم قال للثانية مثل ذلك، فإن تطلق عليه الثلاث وتسلم الأولى من الطلاق، لأنه لما حلف للثانية بطلاق الأولى التي حلف بطلاق الثلاث أن لا يحلف بطلاقها طلقن. قال سحنون، فيمن له ثلاث نسوة، فقال إن لم أطلق فلانة، ففلانة وفلانة طوالق. ثم نسي اسم التي حلف ليطلقها، قال: يطلق اثنتين، من شاء منهن، ولا شيء عليه/ في الباقية قال: ولو قال لواحدة منهن: إن لم أطلق إحدى صاحبتيك، فأنت طالق، فلم يطلق واحدة منهن حتى نسي التي حلف لها، قال: فليطلق واحدة منهن، أيتهن شاء، ويمسك من بقي، ولا شيء عليه ولو قال: إن لم أطلق صاحبتيك فأنت طالق فنسي المحلوف لها، قال: يطلق اثنتين، أيتهما شاء، ولا شيء عليه في الباقية. في الشك في الطلاق ومن لم يدر ما طلق أو من طلق والحالف يشك في الحنث ومن قال: أنت طالق واحدة واثنتين أو ثلاثا وما بين الواحدة إلى ثلاث من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن شك في طلاق امرأته، أن لا يطلق عليه، ومن طلق امرأة من امرأتين له، ونسيها، وواحدة لم يبن بها، ثم [5/ 138]
ماتتا، فإن ماتت المدخول بها في العدة ورثها، وإن شاورت الاخرى، أو ترك في الاحتياط. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وابن عبدالحكم فيمن شك في طلاق امرأته: أن يؤمر بفراقها ولا يجبر. قال أصبغ: ذلك يتصرف، أما إن قال: ما أدري أحلفت فحنثت، أو لم أحلف ولم أحنث؟ فهذا لا يومر بفراقها في القضاء ولا في الفتيا، وكذلك التي حلف بطلاقها لا خرجت أو لا كلمت فلانا، ثم يقول: ولعلها كلمته، أو خرجت، ولا أدري يشك في ذلك خبر لم يتيقنه، فليؤمر بفراقها في الاحتياط، وكذلك/ في يمينه على غيره: لا فعل كذا هو مثل الزوجة في هذين الوجهين، فأما الحالف على أمر قد كان، كالحالف إن كنت تبغضينني، أو إن كنت كتمتني، أو حلف على رجل إن كنت كتمتني، فتقول هي: إني أحبك. وتقول هي والرجل ما كتمتك، فهذا من الشك الذي يقضي عليه عندي بالفراق، لأنه أمر قد فات ومضى، وهو منه في شك وقال ابن عمر: يفرق بالشك، وكذلك من أيقن بالحنث، ولا يدري كم حلف أبواحدة أو بثلاث؟ فيلزم الثلاث. وكذلك لو لم يدر، أحلف بطلاقه أو عتقه أو ظهار أو مشى أو بالله، فيلزم هذه الأيمان كلها بالفتيا والقضاء، إلا ما لا يشك أن لا يجري على لسانه بالشك. وقاله ابن حبيب إلا في قوله: إن كنت تبغضينني فقالت: أن أحبك، والذي لم يدر أبواحدة أو بثلاثة مع هذين، يؤمر، ولا يقضي عليه، قال الليث وابن القاسم ومطرف وابن الماجشون. قال ابن الماجشون: وإن قال: طلقت امرأتي طلقة وطلقتين أو قال طلقتين أو طلقة، فإن بدأ بالأكثر، لزمه وإن بدأ بالأقل، ثم شل في الأكثر، لزمه الأقل، [5/ 139]
وأحلف في الأكثر، وإن زعم أنه شكه قد ذهب، وإن أقام على شكه، فليطق عليه. ومن كتابي ابن حبيب وابن سحنون، قال مالك، والمغيرة، وإن قال أنت طالق واحدة أو اثنتين أو ثلاثة فالواحدة تلزمه، وهو فيما زاد مخير. وإن قال: أنت طالق ثلاثا أو اثنتين أو واحدة لزمته الثلاث، ويصير متهما في النقصان منها/ وقال سحنون: إن قال أننت طالق واحدة أو اثنتين أو ثلاثة قال: يطلق اثنتين، وتحلف في الثالثة. من كتاب ابن المواز: ومن لم يدر ما طلق، فإن أبتها في العدة حلت له بعد زوج، وتكون عنده على طلاق مبتدأ، وإلا فهي عند أبدا على طلقة. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: قال مالك يؤمر بطلاقها ألبتة، فتزول يمينه فإن لم يفعل، ثم ذكر في العدة أو بعدها أنها واحدة، فهو مصدق، قال عبدالملك، في المجموعة ويحلف، قالوا في كتاب ابن حبيب: ويرجع في العدة، ويكون خاطبا بعدها، فإن بقي على شكه، لم تحل له إلا بعد زوج، هكذا إلى ثلاث أزواج، ثم يزول شكه. وقال أشهب وأصبغ: وقال ابن القاسم وابن نافع: يرجع على الشك أبدا، ولو بعد مائة زوج، وكذلك في المجموعة، عن أشهب، كقول ابن القاسم، وزاد: فإن لم يدر وطلقها واحدة أو ثلاثة، فإن أبتها، زال شكه، وإن لم يفعل فلا يتزوجها إلا بعد زوج، ثم تكون عنده على طلقتين، فإن طلقها اثنتين، لم ينكحها الا بعد زوج، ثم تكون عنده على طلقة؛ إذ لعل الأولى ثلاثا، فهكذا أبدأ ترجع في نكاح أول على اثنتين، وفي الذي بعده على طلقة أبدا، حتى يبتها في ملك واحد، ولو لم يدر طلقها واحدة أو اثنتين وأيقن أنه لم يطلق ثلاثا، فلتكن عنده على طلقة للاحتياط، إن ارتجعها في العدة، أو أنكحها بعدها، فإن طلقها اثنتين انقضى شكه/، ولم تكن مسألة، وإن لم يطلقها اثنتين، وطلقها أيضا طلقة، لم تحل له إلا بعد زوج، ثم تكون عنده على اثنتين، هكذا تارة على طلقة، وتارة على اثنتين أبدا، إلا أن يطلقها في بعض ما يرجع إليه، فيزول شكه، وترجع بعد زوج على مالك مبتدأ، ولو طلقها في أول ملك من هذا الشك طلقتين، زال شكه، وترجع بعد زوج على ملك مبتدأ، وإن لم يدر أطلقها اثنتين، [5/ 140]
أم ثلاثا؟ فإن طلقها في العدة طلقة، صارت مبتوتة، وزال شكه، وإن لم يبتها حتى زالت العدة، لم تحل له إلا بعد زوج، ثم تكون عنده على طلقة، فإن طلقها طلقة، لم ينكحها إلا بعد زوج، فتكون عنده على طلقتين، ثم إن طلقها طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، فتكون عنده على طلقة، هكذا أبدا، هي بعد زوج على طلقة، وبعد الثاني على طلقتين، وبعد الثالث على طلقة وبعد الرابع على طلقتين، هكذا أبدا حتى يبتها في خلال ذلك. قال ابن نافع، عن مالك، في رجل قالت له امرأته إنك طلقتني، قال ما علمت، ثم تذكر شهودا، فلم يذكر، قال: إذا لم يعلم ذلك، فلا شيء عليه. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال إن تزوجتك فأنت طالق، ثم لم يدر ما أراد؟ فإن تزوجها، بانت منه ولها نصف الصداق، ولا ينكحها إلا بعد زوج؛ إذ لعله أراد البتة، ثم إن تزوجها بعد زوج، فطلقها واحدة، لم تحل له هكذا أبدا حتى تبين بثلاث تطليقات؛ لكل نكاح طلقة محسوبة/، فطلقها إياها، ثم ينكحها بعد زوج غيره، وقد اختلف فيها بعد هذا، هل ترجع على الطلاق كله، أو طلقة؟ قال: أحب إلي أن ترجع على طلقة وقاله أصبغ، وقاله أشهب في المدخول بها، وهما سواء. قال ابن حبيب قال ابن القاسم وأشهب: ومن شك زمانا في طلاق امرأته، ثم قيل له لا شيء عليك فلا شيء عليه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في عبد قال لامرأته أنت طالق، فقيل له ما نويت؟ [قال: لا أدري. فهي ألبتة، قال محمد: لأنه لم يقل: لم أنو شيئا، إلا قال لا أدريما نويت]؟ فكأنه نوى شيئا، فنسيه، ومسألة العبد الذي لا يدري ما أراد بطلاق من أجل العمومة مذكورة، بعد هذا قال أصبغ، ومن قال لزوجته: أنت طالق إن كنت حائضا: [فقالت: إنها حائض] فليخل سبيلها، ولو [5/ 141]
فيمن طلق إحدى نسائه أو أعتق أحد عبيده ولم يعينه، أو قال أنت طالق أو أنت
قالت: لست بحائض، فلا يصدقها، وليفارقها، لأن على الشك، إلا أن يعلم ذلك بأسباب تقع على ثقتها. قال ابن سحنون، عن أبيه، في القائل: إن كنت حائضا فأنت طالق، فقالت: أنا حائض، فعلى مذهب ابن القاسم، تطلق، وإن قالت: لست بحائض، فلا يقبل منها وليفارها؛ لأنه لا يدري أصدقته أم كذبته؟ إلا أن ينكشف أسباب ذلك [وقال أشهب: لا شيء عليه إذا قال ذلك على النفي: إني لست بحائض وبه قال سحنون؛ لأن المرأة مدعية]. ومسألة الذي طلق المتطلعة، ثم لم يعرفها في باب من طلق إحدى نسائه. قال سحنون في كتاب الإقرار الثاني فيمن قال لزوجته أنت طالق فيما بين الواحدة إلى الثلاث، كانت طالقا اثنتين، ولو أقر لرجل عليه ما بين درهم إلى ثلاثة، أنه يلزمه درهمان، ولو قال: من درهم إلى ثلاثة/ فاختلف قوله في هذا، فقال مرة تلزمه ثلاثة، ثم قال تلزمه درهمان، وكذلك ينبغي في الطلاق، على اختلاف قول سحنون في الاقرار. فيمن طلق إحدى نسائه أو أعتق أحد عبيده ولم يعينه أو قال أنت طالق أو أنت أو بل أنت ولا أنت وأنت طالق، أو أمتى هذه حرة ومن كتاب ابن المواز، ومن له نسوة، فقال: امرأته طالق في يمين، فحنث، وإن قال: نويت واحدة دين. وإن لم تكن له نية، فقال أصحاب مالك المصريون أجمع، ورووه عن مالك: أنهن يطلقن كلهن وقال المدينيون من أصحابه: يختار واحدة مثل العتق، وقول المصريين أحب إلينا، لأن العتق قد يتبعض، ولا يتبعض الطلاق، وقد يعتق في مرضه جماعة، فيجمع في بعضهم بالسهم، ويقول الصحيح: بعضكم حر فيعتق بعضهم بالسهم. [5/ 142]
ولو قال: بعضكن طالق طلقن كلهن، والعتق مال، والطلاق حد من الحدود، وقاله ابن عباس. قال: ولو قال نويت واحدة ذكرها، صدق مع يمينه، قال ذلك في يمين أو في غير يمين، وكذلك لو كانت على يمينه بينة وقد حلف في حق، وإن قال: نسيتها طلقوا أيضا بالقضاء في هذا وفي الأول، ولو شهد عليه فأنكر، لم تقبل له نية واحدة إن عاد إلى الإقرار. ومن قال لامرأتين له: أنت طالق، وأنت طالق فله الخيار في واحدة، لأنه أفصح بالتخيير، فإن أبى أن يوقع على واحدة، طلقهما عليه الإمام، وكذلك ذكر ابن حبيب، عن أصبغ. قال ابن المواز: وهذا/ كاليمين كقوله: أنت طالق، وإن لم أطلق هذه، وليس كمن أنفذ الطلاق في واحدة منهن، فصار لكل واحدة جزء من الطلقة، فخيرت عليه، كما قال: أنت طالق، وأنت حرة لأمته، لأوقف عنهما حتى يعتق أو يطلق، فإن طلق، فلا عتق عليها، وإن عتق، فلا طلاق عليه، فإن مات عتقت الأمة، وترثه الزوجة. وروى عيسى عن ابن القاسم، في العتبية، فيمن قال أنت طالق أو أنت حرة، إن فعل كذا فلم يفعله حتى مات، قترثه الزوجة، وتعتق الأمة في الثلث ولو قال يزيد، أو مبارك حر إن لم يفعل كذا فمات ولم يفعله، فليعتق أحدهما بالسهم، وإن اختلفت قيمتهما، فليعتق أحدهما بالسهم، لا نصف قيمتهما. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في القائل أنت طالق أو أنت حرة، فحنث، أنه يوقع الحنث على من شاء منهما من طلاق أو عتق. وقال ابن حبيب: في القائل: فلانة طالق، أو فلانة. إن فعل كذا، فحنث، فإن لم ينو واحدة، طلقتا جميعا، وأما من العتق، فيختار. قال ابن المواز وإن قال لعبديه أنت حر أو أنت. ثم قال لأحدهما ولثالث: أنت حر أو أنت فليوقف حتى يوقع العتق على أحدهم، فإن أوقعه على الأوسط، فالباقيان عبدان، وإن أوقعه على الأول أو على الآخر، فلابد أن يختار أحد الباقيين. [5/ 143]
ومن كتاب ابن المواز، عن أبيه، ومن قال لامرأتيه: أنت طالق، وأنت طالق. طلقت الأولى، وحلف في الثانية. فإن قال: أنت طالق. أو: أنت حر لعبده إن فعلت كذا. ثم فعله، قال: تطلق عليه المرأة، ويحلف في/ العبد، [أنه ما أراد عتقه فإن حلف رق له وإن أنكر عتق عليه ومن قال أنت طالق أو أنت حر من غير يمين قال تطلق المرأة ويحلف في العبد]، فإن مات قبل أن يحلف في العبد، قال: لا يعتق العبد. وأما إن قال: إن لم أفعل كذا، فامرأتي طالق. أو: عبدي حر. فمات ولم يفعله، قال: ترثه المرأة، ويعتق العبد في ثلثه. فإن قال: ميمون حر أو مبارك حر إن فعل كذا. ففعله، قال: يعتق ميمون، ويحلف في مبارك. وإن قال: إن لم أفعله. فمات ولم يفعله، فليعتق ميمون ومبارك في الثلث، ويبدا في الثلث بميمون. ولو قال رجل من غير يمين: ميمون حر، أو مبارك. ثم مات، لعتق ميمون من رأس ماله، ومبارك في الثلث؛ لأنه مشكوك فيه، وعليه فيه يمين. ومن كتاب ابن المواز، ومن نظر إلى امرأة من نسائه مطلقة، فقال لها: أنت طالق. ثم لم يعرفها، فإنهن يطلقن كلهن، قال ابن سحنون، عن أبيه: وإن قال لامرأته ولأجنبية: إحداكما طالق. فلا ينوي – كما قال غيرنا- أيهما أراد، ولكن تطلق عليه امرأته. ومن كتاب ابن المواز، وهو في العتبية عن أصبغ، عن ابن القاسم، فيمن قال: إن جمعت بين امرأتين فإحداهما طالق. فإن نوى الأولى، أو نوى الآخرة، فهي طالق، وإن لم تكن له نية، طلقتا عليه جميعا. ومن كتاب ابن سحنون، ومن له أربع نسوة، فقال لواحدة أنت طالق. ثم قال للثانية: لا، أنت، ثم للثالثة: أو أنت ثم للرابعة: بل أنت. وذلك نسق، قال: تطلق الأولى، ولا شيء عليه في الثانية، ويحلف في الثالثة، وتطلق الرابعة. [5/ 144]
فيمن مات عن مطلقة لم تعرف أو من خامسة لم تعرف، أو عن أم وابنة
وقال بعض أصحابنا: تطلق الآخرة، ولا شيء عليه في الثانية، وهو مخير في الأولى، والثانية، يطلق إحداهما. فأنكر هذا سحنون/. وإن قال: لواحدة: أنت طالق. ثم قال للأخرى: بل أنت. طلقتا جميعا. ولو قال: لا أنت. طلقت الأولى فقط. ولو قال للثانية: بل أنت، والثالثة. أو: أنت. ففي قول سحنون: تطلق الأولى والثانية، ويحلف في الثالثة. وفي القول الآخر: أن الثانية طالق، ويخير في الأولى والثانية. وهذا الذي أنكره سحنون هو قول أصبغ، وهو في كتابي ان المواز، وابن حبيب. قال ابن حبيب قال أصبغ: وإن قال: أنت طالق. وللأخرى: لا، أنت. فإذا أراد: لا، بل أنت. طلقتا جيمعا. وإن أراد: لست أنت. لم تطلق الثانية. ولو قال للأولى: أنت طالق، وللثانية: لا أنت. وللثالثة: بل أنت. وللرابعة: أو أنت. لم تطلق الثانية على معنى ما ذكرنا، وتطلق الثلاثة بكل حال، ويخير في الأولى والرابعة؛ يطلق من يشاء منهما، وكأنه لم يقل ذلك إلا لهما. فيمن مات عن مطلقة لم تعرف أو من خامسة لم تعرف أو عن أم وابنة روى ابن حبيب عن علي بن أبي طالب، فيمن قال لأمرأة من نسائه الأربع البتة. ثم تزوج خامسة ثم مات، ولم تحفظ البتة المطلقة؛ فإن عرفها/ فذلك، وإلا وقف عن ميراثهن، فلم يرث منهن شيئا. ومن كتاب ابن سحنون، قال محمد: ويعني أن المطلقة مجهولة، والخامسة معلومة. قال سحنون: ومن مات عن امرأتين، واحدة مدخول بها معروفة، وقد كان طلق واحدة منهما، فحملت، وواحدة قد فرض لها، ولم تعلم، فللتي بنى بها نصف صداق المثل، ونصف المسمى؛ لاحتمال أن تكون هي المسمى لها أو [5/ 145]
لا تكون، وللتي لم بها ربع التسمية، ونصف ربعها؛ لأنها إن كانت المسمى لها. ونوزعت الطلاق، كان لها ثلاثة أرباع المسمى، ثم ينازعها الورثة أن تكون المسمى لها، فيقسم بينها وبينهم ثلاثة أرباع الصداق. ,إن جهلت المدخول بها أيضا، أخذ نصف التسمية، ونصف المثل، وربع المسمى أو ثمنه، فيقسم بينهما، وإن لم يبن بهما، فالمسمى بينهما نصفان بعد أيمانهما؛ وإن فرض لهما، وطلق واحدة لم تعرف، ودخل بواحدة، فللتي بنى بها نصف صداقها؛ لأنها تزول عنها تارة، وتثبت لها تارة، وإن جهلت التي لم يبن بها، فبينهن أربعة أصدقة ونصف؛ فيصير لكل واحدة أربعة أخماس صداقها ونصف خمسه، ولو كان ثلاثة مدخول بهن معروفات، فلهن صداقهن، وللتي لم يدخل بها صداق وصنف، ولكل واحدة ثلاثة أرباع صداقها، وإن/ جهل المدخول بهن، فالجواب كما في المسألة الأولى. وإذا تزوج ثلاثة في عقدة، وثلاثة في عقدة، وواحدة في عقدة، ومات عنهن، ولم تعرف الأولى، قال أبو محمد: يريد: ولم يبن بهن. قال: فللواحدة ربع الميراث، ولها صداقها، وللستة ثلاثة أصدقة؛ فكل واحدة نصف صداقها. وإذا كان له امرأتان دخل بإحداهما ولا تعرف، وسمى لواحدة لم تعرف؛ فإن كان حيا وقال: لا أعرف. وادعت كل واحدة أنه بنى بها بتقويض، أو تسمية حلفتا وأخذتا ما ادعتا، وإن مات والمسمى لها معروفة، فالميراث بينهما، وللمسمى لها سبعة أثمان صداقها، لأنه نصفه يثبت بكل حال، ونصفه لا يثبت في ثلاثة أحوال، ويزول في حال، فيسقط ربعه، وللتي لم يسم لها نصف صداق مثلها، لأن الصداق يثبت لها في حالين، ويزول في حالين، ولو لم يعرف المسمى لها أيضا، فإنا نقول: إن منكما مسمى لها مجهولة، وجب لها سبعة أثمان ما سمى لها، كما ذكرنا، وغير مسماة مجهولة، وجب لها سبعة أثمان ما سمى لها، كما ذكرنا، وغير مسماة مجهولة، وجب لها نصف صداق المثل، فيقسم ذلك كله بينهما، وإن كان صداق مثلها مختلفا هذا ستون وهذا أربعون، فاجمع نصف هذا، ونصف هذا، يصير خمسين، فيؤخذ نصفها يكون بينهما مع سبعة أثمان المسمى، كما ذكرنا. [5/ 146]
وقال بعض أصحابنا فيمن تزوج امرأتين في عقد، وواحدة في عقد، فدخل بالمنفردة، ثم قال لها: أنت طالق. أو أنتما للاثنتين ثم مات، ولم يقل من أراد/، فللمنفردة الصداق بالمسيس، والميراث تارة لها ثلثه، إن كانت [المطلقة وتارة لها جميعه إن كان غيرها] فأعطيناها ثلثيه، وثلث الميراث للاثنين؛ لأن لهما تارة ثلثاه، وتارة لا ميراث لهما إن كانتا مطلقتين، ولكل واحدة ثلاثة أرباع صداقها؛ لأن لها في حال الطلاق نصفه، وفي غير الطلاق جميعه. ولو قال: أنت طالق ألبته. أو أنتما، فللتي بني بها نصف الميراث؛ لأنه في حال لها جميعه إن لم تكن مطلقة، وفي حال لا شيء لها إن كانت مطلقة، وللتين لم يبن بهما؛ لكل واحدة ربع الميراث. ولو قال إحداكن طالق. ولم يقل ثلاثا. فللتي بنى بها في حال ثلث الميراث، وتارة نصفه، فالثلث لها ثابت، والسدس يزول عنها في حال، منها نصفه، فيحصل لها خمسة أجزاء من اثنى عشر من صداقها، وللتين لم يبن بهما تارة ثلثا الميراث، وتارة نصفه لواحدة مجهولة، فيصير لها سبعة أجزاء من اثنى عشر، وللتي بنى بها صداقها، ولهاتين صداقان إلا ربعا لكل واحدة سبعة أثمان صداقها؛ لأن إن كان الطلاق في إحداهما، فلهما صداق ونصف، وإن كان في غيرهما، فلهما صداقان، فأخذا منه سبعة أثمان الصداقين. قال سحنون: أما من قوله إحدامن طالق فصواب، وأما أول المسألة في قوله أنت طالق أو أنتما فلا أقوله، وأرى أن المنفردة طلقت بقوله، ولها ثلث الميراث إن مات في العدة، ولصاحبتها ثلث الميراث، وإن مات بعد العدة، فالميراث لهاتين دون المنفردة، ولكل واحدة منهما صداقها، لأنه إنما/ كان عليه فيهما اليمين، وإن كان الطلاق ثلاثا، فلا ميراث للمنفردة، ولهاتين جميعه مع صداقيهما. قال سحنون: ومن تزوج ثلاث نسوة في عقود متفرقة، وطلق أولاهن، ولم تعرف، ومات، ولم يبن بهن، وألفيت واحدة أم الاثنتين، فلا ميراث للأم؛ لأنها [5/ 147]
إن كانت الأولى فهي مطلقة، وإن كانت بعد نكاح إحداهما فسد نكاحها، ولها سدس صداقها؛ لأن لها النصف في حال إن كانت أولا مطلقة، ولا شيء لها في حالين، إذ تكون ثانية وثالثة، فأعطيت ثلث النصف، وليس لأبنتيها ميراث لأنهما إن كان بنى أولا فقد نال أولاهما الطلاق، والثانية نكحت على أختها وذلك فساد، وإن كان بنى بعد الأم، فسد أيضا ذلك عليهما، ولكل واحدة سدس صداقها؛ لأن النصف ثبت لها في حال، ويزول في حالين. وإذا تزوج واحدة في عقد [وثلاثا في عقد] واثنتين في عقد، ولم تعلم أولاهن، فنكاح الواحدة ثابت بكل حال؛ كانت أولى، أو بعد الاثنتين، أو بعد الثلاث، وأما الاثنتان والثلاثة فيفسد عقدهن في أحوال، ويصح في أحوال، فيؤمر بفراقهن بطلقة، ويعطي لكل واحدة منهن ربع صداقها؛ لأنه لم يبن بهن، فتارة يصح لكل واحدة نصف صداقها، وتارة يبطل، فأعطيت نصف النصف، ولو مات عنهن أجمع، فللواحدة التي يصح في كل حال من المال سبعة أسهم من أربعة وعشرين سهما؛ لأنها تارة تكون مع الاثنتين، لها الثلث ثمانية، وتارة مع الثلاثة، لها الربع ستة؛ فستة لها/ لا يزول؛ سهمان ثبتا في حال، ويزولان في حال، فلها نصفهما سهم، وذلك سبعة. وأما الاثنتان فيصح لهما في حال ثمانية أسهم، وتسقط في حال، فلهما أربعة أربعة، والثلاثة تسعة أسهم بينهما، لأن لهما تارة ثمانية عشر، وتارة لا شي لهما، فأخذت نصف ذلك؛ فال: وللواحدة صداقها كامل، ولكل واحدة من الخمس نصف صداقها، لأنه تارة يزول، وتارة يثبت، فإن دخل بأربع فحملن فالميراث كما ذكرنا، وللواحدة صداقها، ولكل واحدة من الخمس أربعة أخماس صداقها، وخمس ربع صداقها، لأنه لا يشك أن ثلاثة منهن دخل بهن، لهن ثلاثة أصدقة، ونصف آخر، يزول عنهن تارة إن كانت المنفردة هي من المدخول بهن الأربعة، وتارة يثبت لهن إن كانت الرابعة من المدخول [5/ 148]
بهن، من الخمس اللاتي ليس فيهن المنفردة؛ فذلك أربعة أصدقة، وربع صداق بين خمسة، فيقع لكل واحدة أربعة أخماس صداقها، وخمس أربع صداقها، وعليهن عدة الوفاة والإحداد، يستكملن في ذلك ثلاث حيض، ولا حيض على المنفردة، وإن نكح امرأتين بتفويض، فدخل بواحدة معلومة، وفرض لواحدة ولم يعلم وقد مات، فالميراث بينهما، وللتي بنى بها نصف المثل ونصف المسمى؛ لأنه تارة يصح لها وتارة يزول عنها. ومن مات عن أم وابنة، ولا يعلم الأولى، فإن بنى بهما فلا ميراث لهما، ولكل واحدة صداقها، وإن لم يبن بها، فالميراث بينهما، ولكل واحدة/ نصف صداقها، وإن بنى بواحدة مجهولة، فكل واحدة نصف صداقها، ونصف الميراث بينهما. ولو كان قد طلق إحداهما، ولم تعرف، ولا عرفت الأولى، ولم يبن بهما، فلكل واحدة ثلاثة أثمان صداقها، ونصف الميراث بينهما؛ لأن الثانية نكاحها باطل، ولا صداق لها، ولا ميراث، وتارة تكون الأولى مطلقة لها نص الصداق؛ وتارة لا تكون مطلقة فلها جميعه، فأعطيت ثلثه إن باعها، فلما جهلت هذه الأولى التي يرد لها ثلاثة أرباع الصداق، قسم ذلك بينهما، وكذلك الميراث؛ وذلك أن الأولى تكون غير مطلقة فترث، وتارة تكون مطلقة فلا ترث، فلها نصف الميراث، فلما جهلنا الأولى لها ذلك، قسمناه بينهما. ولو تزوجهما تفويضا وطلق الأولى، فلا صداق لهما، ونصف الميراث بينهما، ولو لم يبن بهما، وواحدة مسمى لها، وطلق واحدة لم تعرف، فنصف الميراث بينهما، لأن الأولى فقط يصح نكاحها، وقد تكون المطلقة فلا ترث، وقد لا تكون فترث، فلها نصف الميراث، وهي لا تعرف، فقسم بينهما ذلك النصف، وصداق واحد بينهما، لأن الأولى تارة لها جميع الصداق، إن كانت مسمى لها غير مطلقة، وتارة لا شيء لها إن كانت لم يسم لها، كانت مطلقة أو غير مطلقة، فأعطيت نصفه، فجعل بينهما. [5/ 149]
في تصرف ألفاظ الطلاق في البتة والبائنة والخلية والبرية
قال ابن سحنون: اصبت هذا لبعض الرواة، وأما أنا فرأيت أن الأولى ثلاثة أثمان الصداق المسمى، يكون ذلك بينهما؛ لأنها إن كانت لم يسم لها؛ فلا شيء لها؛ طلقت أو لم تطلق، فهذه حالان، وإن كانت مسمى لها مطلقة فلها النصف، وإن كانت غير مطلقة فلها الجميع، فإن الصداق يسقط أحد نصفيه في حالين، ويثبت في حالين، فأعطاها نصف النصف، وأرى النصف الآخر يثبت لها في حال؛ ويسقط في ثلاثة أحوال؛ فتأخذ أيضا ربع النصف، فذلك ثلاثة أثمان الصداق للأولى منهما، فلما لم تعلم من هي منهما، كان ذلك بينهما. في تصرف ألفاظ الطلاق في البتة، والبائنة، والخلية، والبرية، وذكر الثلاث فيمن لم يبن بها ومن قال حبلك على غاربك من كتاب ابن المواز روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم البتة من طلق بها، وألزم الثلاث من طلق بها وإن عصى وقصى عمر في البتة أنها ثلاث. وقاله علي وعائشة وابن عباس وزيد بن ثابت. قال ابن ابي حازم: روي عن علي بن أبي طالب، في البتة والبائنة والخلية والبرية، والحرام، ثلاث ثلاث. [5/ 150]
قال ابن زيد: وكل من أدركت يقول في البائنة إنها ثلاث وقاله أبو الزناد [وقال ابن عمر وابن الزبير] وأبو هريرة، في الثلاث قبل البناء وبعده سواء، ومن التابعين ممن يكثر ذكرهم. قال ابن حبيب فيمن قال: أنت بتة أو بتة فذلك سواء، وهي ثلاث، ولا ينوي، بني أو لم يبن. ومن المجموعة قال عبدالملك فيمن قال للتي لم يبن بها: أنت بائنة. إن أراد وصف الطلقة، فهي واحدة/، ويحلف، وإن قال: مبتوتة فهي ثلاثة، وهي وصف المرأة، وبائنة لا يكون وصفا للمرة. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون، في القائل: أنت طالق البتة، وأنت مبتوتة، أو: ابتت مني ولا نية له، فالطلاق له لازم، يلزمه عند جميع اصحابنا، بني بها أو لم يبن، قال: وكذلك قوله: أنت باتة مثل قوله مبتوتة ولكن عبدالملك قال: إن قال لها قبل البناء أنت باتة فهي واحدة ويحلف، لأنها صفة الطلقة باتة، بخلاف قوله: مبتوتة وطالق البتة، وهذه صفة للمرأة، ولا يكون قوله: مبتوتة صفة للمطلقة، ولكن للمرأة، وكذلك: ابتنت مني. قال مالك: وإذا قال للتي لم يبن بها: أنت باتة أو خلية أو برية وقال: أردت واحدة فليحلف إذا أراد نكاحها، أنه أراد ذلك. قال سحنون: ولا يحلف حتى يريد نكاحها، قال عبدالملك: وكذلك قوله فيها: حبلك على غاربك، أو قال لأهلها: شأنكم بها أو انتقلي إلى أهلك يريد الطلاق قبل البناء، يحلف إذا أراد نكاحها، أنها أراد واحدة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: إذا قال: برئت مني، وبرئت منك، فهي ثلاث، وإن قال: لم أرد طلاقا. لم يصدق وإذا قال- وقد بنى بها: أنت طالق واحدة بائنة أو واحدة خلية فهي ثلاث قال محمد: وأخاف أنه كقوله: واحدة بائنة لا ينوي وقاله أشهب عن مالك. [5/ 151ٍ]
باب في قوله: خليتك وسرحتك وفارقتك وخليت سبيلك، وطلاق الأعجم
قال عنه ابن وهب: إن قال: أنت طالق البتة، وقال: أردت احدة، قد علم الله ذلك، مني فلا ينفعه، لأنه أمر قد عرف في الناس، فلا ينفع/ فيه نية. ومن العتبية، روى عسى، عن ابن القاسم فيمن قال برئت مني، كما برى الأقرع من المشط. قال: قد بانت منه وقال أشهب عن مالك، في قوله: حبلك على غاربك فهي ثلاث في الدخول بها، فإن لم يدخل بها، فعسى أن تكون واحدة، ولو ثبت عندي أن عمر قال هذا ما خالفته. وقال بعض أصحابنا البغداديين: يحتمل أن يكون ما جاء عن عمر أنه في التي لم يدخل بها، ولم يذكر في الحديث أنه بنى بها أو لم يبن فهو محتمل، وذكر أبو الفرج في كتاب رواية الأشهب، عن مالك في الخلية والبرية، أنه منوى فيها في التي بنى بها. باب في قوله خليتك وسرحتك وفارقتك وخليت سبيلك، وطلاق الأعجم من كاتب ابن المواز قال مالك فيمن قال لأهله قد فارقتك، أو قال: خليت سبيلك، فهو سواء، وقد اختلف قوله في ذلك، وصح قوله أنه ينوي في التي بنى بها؛ فإن لم تكن له نية، فهي ثلاث، وفي التي لم يبن بها واحدة، إلا أن يريد أكثر، وقاله ابن القاسم، وابن عبدالحكيم، وقال في الفراق: وإن نوى شيئا إلا فقد بانت. والأول أحب إلينا واختلف قول مالك فيها. قال ابن المواز: في: خليت سبيلك فروى ابن القاسم ينوي ويحلف، وروى عنه ابن وهب: هي واحدةحتى يريد اكثر وبهذا أخذ ابن عبدالحكم؛ وأخذ أصبغ، ومحمد بقول ابن القاسم: أنها ثلاث، وإن لم ينو شيئا، وإن نوى دونها، فله نيته، ويحلف/ وروي عن أشهب، أنها البتة، ولا ينوي، وروي عنه أنها واحدة حتى يريد أكثر، وسرحتك مثله. محمد: ولعل القول الثاني، في التي لم يبن بها.
قال ابن القاسم: وإن قال في خليت سبيلك أو فارقتك: لم أرد طلاقا فهو أشد، وهي ألبتة قال ابن المواز: وسرحتك وخليتك مثله، إلا أنه إن قال في هذا لم أرد طلاقا فذلك له ويحلف، ولا يقبل منه هذا في خليت سبيلك. قال محمد: ويقبل منه في: خليتك، وسرحتك أنه لم يرد طلاقا، ويحلف مال يكن جوابا لسؤالها للطلاق فلا يقبل منه؛ ويكون كمن بدأ بالطلاق؛ فإن نوى واحدة، حلف وصدق، وإن لم تكن له نية ولم يحلف فهي ثلاث. وقال أشهب، في: سرحتك فهي واحدة، حتى يريد أكثر. قال ابن شهاب: إن قال بسراح فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر. ومن كتاب ابن المواز، من سماع ابن القاسم، في عبد اعجمي عاتبه سيده في أمة له تحته فقال: قد فارقتها، قال: يسأل؛ فإن عرف ما أراد وإلا فهي البتة، إذا كان لا يدري من أجل العجومة قال ابن القاسم، في العتبية: كأني رأيت محمل قوله: إذا لم يعرف الطلاق أنه إنما أراد أن يبرأ منها، فلذلك ألزمه البتة. وروى عيسى عن ابن القاسم وذكر قوله لامرأته، في شأنك بأهلك ثم قال: وكذلك قوله فارقتك وخليت سبيلك هي ثلاث في التي بنى بها، إلا أن ينوي أقل، فله نيته، ويحلف، وهي في التي ل يبن بها واحدة حتى ينوي أكثر، وقاله مالك، وقال أيضا هي ثلاث في التي لم يبن بها حتى/ ينوي أقل. قال ابن القاسم: سرحتك وسرحت سبيلك مثل خليت سبيلك، وقال مالك: وفارقتك وسرحتك سواء هو ثلاث في المدخول بها حتى ينوي أقل فيحلف. وقال ابن القاسم في سرحت بعض الضعف، والقياس أن ذلك كله سواء، فإن لم يبن بها فهي واحدة في ذلك كله، حتى يريد أكثر. [5/ 153]
فيمن قال لأهله: وهبت لك نفسك أو طلاقك، أو وهبتك لأهلك والحقي بهم
فيمن قال لأهله وهبت لك نفسك أو طلاقك أو وهبتك لأهلك والحقي بهم أو رددتك إليهم أو قال لهم شأنكم بها أو وهبتها لكم أو نحو هذا ومن كتاب ابن المواز، روى ابن وهب عن مالك فيمن قال لأهله وهبتك لنفسك: أنها ثلاث، كقوله: وهبتك لأهلك، ولا ينوي في هذا، إلا في التي لم يبن بها، ويحلف؛ فإن نكل، قال أصبغ: يلزمه الثلاث. قال ابن العزيز: وكذلك وهبتك لأبيك. قال مالك: وكذلك لو قال لأهلها: وهبتها لكم، قال ابن القاسم: إن قال وهبتك طلاقك فهي البتة، ولا ينفعه أن يقول نويت واحدة وكذلك وهبت لك نفسك، أو فراقك ولا ينظر فيه إلى قول المرأة: قبلت، أو لم تقبل، إلا عند خلع فتقبل منه، وكذلك في العتبية من رواية أصبغ عنهم، وقال: ولا ينظر إلى قبولها، إلا أن يكون قال: إن أعطيتني كذا، وهبتك طلاقك. أو فراقك فلا شيء عليه، حتى تقبل، ويحنث بقبول أو فعل، وتنفعه/ النية إن أراد الواحدة، أو بسبب صلح، أو خلع، وإلا لزمه الثلاث. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم ولو قالت له بلغني أنك تريد فراقي فلا تفعل، وهب لي ذلك، فقال قد وهبت لك طلاقك فلا شيء عليه، إذا كان هكذا، أو قالت له هب لي نفسي هذه المرة أو قال ذلك له أهلها، فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: قال مالك: ومن قال لأهل امرأته: شأنكم بها فإن لم بين بها فهي واحدة، إلا أن يريد أكثر، وإن بنى بها، فقد بانت، ولا نية له، كالموهوبة. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، وذكر ابن حبيب مثله عن ابن [5/ 154]
القاسم، وذكر عنه في التي لم يبن بها أنها واحدة، على حديث ابن القاسم يراه في التي يبن لها، وذكر عن أصبغ انها ثلاث، بنى بها أو لم يبن، إلا أن ينوي واحدة، كالموهوبة [انظر لعله يريد في التي لم يبن بها وذكر ابن عبدالحكم وإن قال في المدخول بها نويت واحدة فذلك له] وقال ابن الماجشون، عن مالك مثل رواية ابن القاسم، وروى عن أشهب وابن وهب أنها البتة. قال وقال أشهب: إذا قال لأهلها شأنكم بها فهي ثلاث، لا ينوي إلا أن يكون قبل ذلك كلام يدل أنه لم يرد به الطلاق، وأما إن قال لها: شأنك بأهلك، إنه ينوي. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم، قوله شأنكم بها وشأنك بأهلك سواء، وينوي في التي لم يبن بها، وهي ألبتة في التي بنى بها، وقال ابن سحنون: وكذلك قال ابن كنانة وسحنون. ابن المواز: قال مالك: وإن قال اذهبي إلى بيت أقل. فلا شيء عليه، إذا لم يرد طلاقا، وإن أراد، فهو ما أراد منه، مثل الحقي بأهلك: ويحلف/. قال مالك، في القائل الحقي بأهللك فليس لك عندي سعة، فإلى أهلك لا إلي فليس بالطلاق البين، ويحلف ما أراد طلاقا، ولكن أردت أن تذهب إليهم فتعيش، وكذلك انتقلي إلى أهلك أو قال لأمها: انقلي إليك ابنتك، وزاد في العتبية، من سماع ابن القاسم ثم لقيها بعد ذلك فأعطاها دنانير كانت لابنتها عنده، ثم قال انقلي إليك ابنتك، قال في الكتابين: ثم سئل فقال: لم أرد طلاقا وأردت تخويفا، حلف وصدق، وإن أراد طلاقا، فهو ما أراد منه ومن الكتابين، قال أشهب: عن مالك: وإذا قال: اذهبي إلى بيت أهلك فقالت: على ماذا؟ فقال على طلقة فقالت: لا فقال: علي طلقتين، فجلست، قال: فقد لزمه طلقتان. [5/ 155]
فيمن قال لامرأته: أنت علي حرام، وما شاكل ذلك من مسائل تحريمها
قيمن قال لأمرأته أنت علي حرام وما شاكل ذلك من مسائل تحريمها قال ابن المواز وغيره: قال علي بن أبي طالب وزيد من ثابت في الحرام: إنها ثلاث. ومن كتاب ابن حبيب، قال أصبغ: إذ قال: الحلال علي حرام. أو حرم علي ما أحل الله لي أو ما انقلب إليه حرام، أو: انقلبت إلى حرام، فذلك كله تحريم لازم، ما لم يحاش امرأته. وأما قوله: علي حرام فليس بشيء، وكأنه قال تقلبت في حرام، وكأنه قال: زنيت. قال ابن المواز: إذا قال علي حرام فلا شيء عليه، حتى يقول: الحلال علي حرام فيلزمه في الزوجة ما لم يحاشها. وفي/ كتاب الأيمان من هذا زيادة [قال عبدالعزيز بن أبي سلمة في كتاب ابن سحنون في الاملاء إذا قال الرجل لامرأته أنت حرام وقوله حرم علي ما حل لي منك فهي تطليقة واحدة إن لم ينو البتة وتكون له الرجعة]. قال ابن حبيب: وإن قال لامرأته: فرجك علي حرام أو دبرك علي حرام فقد حرمت عليه، إلا أن يريد في الدبر حكاية ما جاء في ذلك، ولم يقصد التحريم فلا شيء عليه. ومن العتبية أشهب عن مالك، فيمن قالت له امرأته: مالي عليك حرام، فقال لها: وأنت علي حرام، فإن أراد جواب قولها في تحريم مالها، يقول: وأنت علي حرام أن أظلمك في مال أو عرض، فلا شيء عليه، وإن أراد تحريمها وفراقها، فقد بانت منه قال ابن المواز: والقائل: علي حرام، فسواء حاشى زوجته، أو خص غيرها، لا شيء عليه، ويحلف. ولو قال لغريمه ما أنقلب إليه من أهلي حرام [5/ 156]
لأقضينك وقال نويت من خدم ومال فليس ذلك له ويحنث؛ كانت عليه بينة أو لم تكن. وإن قال: ما أعيش في حرام ولا نية له، فلا شيء عليه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن قال لزوجته أنت علي كالميتة أو كالدم أو كالخنزير في يمين فحنث، فهي ثلاث، ولا يقبل منه أنه لم يرد طلاقا وقال عنه أشهب، فيمن قال: رأسي من رأسك حرام، قال يلزمه الطلاق. قال عيسى عن ابن القاسم، في العتبية وجهي من وجهك حرام فهي ألبتة؛ وكذلك قوله: أنت أحرم من أمي علي فهي ألبتة. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب: فيمن قال: كلامك علي حرام، فقد حرمت عليه، ولا ينوي أنه لم يرد الطلاق قال ابن عبدالحكم، وغيره: لا/ طلاق في ذلك، أرأيت من قال سعالك علي حرام أو بزاقك؟ وبهذا قال ابن المواز؛ وقال: حرم الله النظر إلى أزواج النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يكن الكلام منهن حراما على من سمعه منهن وقال سحنون في الكلام والشعر لا شيء عليه في طلاق ولا عتق. ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن قال: حلفت بالطلاق حتى أن امرأتي تحتي حرام قال: يحلف ما أراد طلاقا ولا أن امرأته عليه حرام، ولا شيء عليه. قال أصبغ: من استحلف غريمه بالحلال عليه حرام، فحلف، وهو جاهل يظن أن الطلاق لا يدخل في ذلك، فيحنث، قال: يلزمه، ولا ينفعه جهله، وهو من ألفاظ الطلاق. وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ وزاد: ألا ترى الأعجمي يحلف بالطلاق، ولا يدري ما هو، ولا حدود فيلزمه ما يلزم العالم به: ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن حلف بالحلال عليه حرام، ونوى واحدة، وهو لم يبن بها، فحنث بعد البناء، وقامت على يمينه بينة، فلا يقبل ما نوى [5/ 157]
فيمن باع امرأته لضرورة أو لغير ضرورة
بعد البناء؛ لأنها يوم الحنث من لا ينوي فيها. قال ابن سحنون: قال بعض اصحابنا: إلا أن يعلم ذلك من البينة، فلا يلزمه إلا طلقة، وله الرجعة، وإذا لم تقم بينة، وجاء مستفتيا، فله نيته فيما وبين الله يريد: بعد البناء. قال سحنون: إذا حلف قبل البناء بالحرام أو الخلية أو البرية ثم حنث بعد البناء، وقال: نويت واحدة، أن ذلك له، وله الرجعة. وفي الباب الذي يلي هذا/ فيمن قال حلفت بطلقة بائنة قبل البناء، ثم حنث بعد البناء. فيمن باع امرأته لضرورة أو لغير ضرورة من العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن أصابته مسغبة فباع امرأته واقرت له بذلك قال: يعذران بالجوع، ولا يحد، وتكون طلقة من زوجها بائنة، وبلغني ذلك عن مالك، ويرجع عليه المشتري بالثمن. وروى عبدالملك بن الحسن، عن ابن وهب، فيمن باع امرأته، قال: لا يكون طلاقا؛ فإن طاوعت، وأقرت أن المشتري أصابها طائعة فعليها الرجم. وفي رواية أسد عن ابن القاسم، أن بيعه طلاق، وقال سحنون، عن ابن نافع: طلقة بائنة قال سحنون: غاب عليها المشتري أو لم يغب. وقال أصبغ: من باع زوجته هازلا أو زوجها هازلا، فليس بطلاق، فإن كان جادا في الوجهين، فهو البتات ومن كتاب ابن المواز: قال: ومن باع امرأته فقال ابن عبدالحكم، وأصبغ: قد حرمت عليه، كالموهوبة وهذا أحب إليى من قول ابن القاسم. [5/ 158]
فيما قال أنت طالق ولا نية له، أو نوى البتة، أو قال نويت من وثاق
فيمن قال أنت طالق ولا نية له أو نوى ألبتة أو قال نويت من وثاق أو شيئا يسمى به أو قال يا مطلقة أو طالق أبدا إذا طلق من جعل بالربدة من كتاب ابن المواز، قال مالك، فيمن قال أنت طالق، ولا نية له، فهي واحدة، وإن قال: نويت واحدة. فلا شيء عليه. قال ابن القاسم/ وكذلك في قوله لها أنت الطلاق فلا يمين عليه إن نوى واحدة قال مالك: وناس يقولون هي واحدة وإن نوى البتة، وما ذلك بالبتة، وأنا أكرهه ورأى مالك إن نوى البتة أن تلزمه. قال ابن سحنون، عن أبيه، فيمن قال: أنت طالق، ولا نية له، فهي واحدة إلا أن يكون نوى شيئا ونسيه، فلا يقيم عليها، وليفارقها ولا يرتجعها إلا أن يذكر في العدة أن ذلك أقل من الثلاث، فيحلف، وذلك له وإن قال: أنت طالق، تطلق من حمل بالربدة فهي البتة ولا ينوي وإن قال: أنت طالق أبدا فهي ألبتة، ولا ينوي وإن قال: أنت طالق أبدا، فهي ألبتة، وله نكاحها بعد زوج، ما لم يرد: كلما نكحتك. قال محمد لمن قال أنت طالق كل يوم أبدا وإن قال: أنت طالق ثم قال أردت من وثاق، قال مالك: لا تنفعه، إلا أن يكون جوابا لكلام كان قبله. قال ابن حبيب قال الزهري فيمن اسم امرأته مدينة، فقال: مدينة طالق، وقال: نويت مدينة من المدائن، قال: لا يطلق الجدر. قال: وقال قتادة في قوله: تعالي يا مطلقة فإن كانت قد طلقت مرة، طلقها هو أو غيره ونوى ذلك، فهي تلك، وإلا فهي واحدة. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ قال ابن القاسم وإن قال: يا مطلقة يريد أنها في الكلام كالمطلقة فلا شيء عليه. قال أصبغ أو يريد كسوة لها، وعزل الطلاق، أو ينوي أنها مطلقة مرة، وكذلك في العتبية عنه. قال أصبغ: وإن لم يقر [5/ 159]
فيمن قال لامرأته أنت طالق طلقة بائنة أو طلاق الخلع أو الصلح أو طلاق الحرج
بها زوجها، إذا لم يعن طلاقا، أو عزل الطلاق، فلا شيء عليه. قال ابن سحنون، عن أشهب/، فيمن قال: علي الطلاق إن فعلت كذا، فحنث ثم قال: إنما نويت أن علي الطلاق كما هو على الناس لازم لهم لم ينفعه، وهي طالق واحدة، ولو نفع من قال: أردت من وثاق. ومن كتاب ابن حبيب ومن قال أنت طالق، ثم قال: أردت شيئا فأنسيت فهي ثلاث. كذلك إن قال: ما أدري أردت شيئا، أو لم أرده؟ فإن قال لم أنو شيئا. فهي واحدة. فيمن قال لامرأته أنت طالق طلقة بائنة أو طلاق الخلع أو الصلح أو طلاق الحرج أو طالق لا رجعة لي عليك أو اشترت منه عصمته ومن قال لا عصمة لي عليك من العتبية وروى يحيى عن ابن القاسم، فيمن قال أنت طالق واحدة بائنة فهي ألبتة في التي بنى بها، وإن قال: هي طالق طلاق الخلع فهي واحدة بائنة، وكذلك إن قال: خالعت امرأتي أو باريتها أو افتدت مني، لزمته طلقة بائنة. قال أصبغ: وإن قال لها: أنت صلح أو: طالق طلاق الصلح، أو قد صالحتك، أو يقول: اشهدوا أني صالحت امرأتي. وهي غائبة أو حاضرة، راضية أو كارهة، أخذ منها عوضا أو لم يأخذ، فهي طلقة بائنة. وكذلك قوله: أنت مبارأة أو: طلقتك طلاق المبارأة أو: قد بارأتك رضيت أم لم ترض والقائل: أنت طالق طلقة بائنة قالوا: قوله: طالق طلقة. كأنه قال: أنت بائنة وكذلك قوله، أنت طالق طلاق الصلح فإنه ما قبله وجعله صلحا. وقال ابن حبيب قال مطرف فيمن قال أنت طالق طلاق الصلح، أو أنت صلح فهي طلقة، وله / الرجعة، ولا يكون طلاق صلح إلا بعطية. وقال ابن [5/ 160]
الماجشون هي ألبتة وكذلك إن قال: أنت طالق كما طلق فلان امرأته وقد كان فلان خالع امرأته. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال أنت طالق، ولا رجعة لي عليك، فله الرجعة، قال ابن عبدالحكم: إذا قال: أنت طالق، لا رجعة لي عليك. فهي ألبتة محمد: كأنه قال طلاق لا رجعة لي عليك فيه، وإذا أدخل الواو، فقد أفرد الطلقة، ولم يجعلها طلقة لارجعة فيها. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال لامرأته قبل البناء: أنت طالق طلقة بائنة أو: أنت طالق بائن إن فعلت كذا وكذا ثم يبني بها ثم فعل ما حلف ألا يفعله: إنه حانث بالثلاث ألبتة، ولا ينفعه قوله: كنت نويت واحدة. وفي الباب الذي قبل هذا في الحرام والخلية يحلف بها قبل البناء ويحنث بعد أن له نيته وذكر ما فيه من القول والاختلاف. ومن كتاب ابن المواز، وإذا قال أنت طالق طلاق الحرج فقيل: تلزمه طلقة، إلا أن يريدا ألبتة، قال محمد: بل تلزمه ألبتة، وقد رويت. وإن قال: أنت طالق طلاق الخلع. أو: طلاق الصلح. فقال عبدالملك: هي البتة، قال ابن عبدالحكم؛ ثم رجع: فقال: واحدة بائنة. واختلف فيها ابن القاسم واشهب؛ فقال أحدهما: هي ألبتة، وقال الآخر: هي واحدة. قال ابن سحنون، عن أبيه: هي ثلاث قال: وقال في امرأة اشترت من زوجها عصمته عليها، ورضي بذلك، فهي ثلاث، لأنها ملكت جميع ما كان يملك من عصمتها/ وقال بعض أصحابنا؛ ابن القرطي، وعبدالله بن إبراهيم، في القائل لزوجته: لا عصمة لي عليك: إنها ثلاث إلا أن يكون معها فداء فتكون واحدة، حتى يريد ثلاثا. [قال أبو محمد: ذلك صواب؛ لأن ابن القاسم قال في المدونة] في القائل لعبده مبتدأ: لا ملك لي عليك أنه عتق. وإن قال لزوجته: لا ملك لي [5/ 161]
فيمن طلق امرأته طلقة كبيرة أو عظيمة أو طويلة أو شديدة أو قبيحة
عليك فلا شيء عليه إن كان الكلام عيانا يريد ولو كان كلامه مبتدأ، لكان البتات، كما قال في العتق، وكذلك قوله: لا عصمة لي عليك. فيمن طلق امرأته طلقة كبيرة أو عظيمة أو طويلة أو شديدة أو قبيحة أو أحسن الطلاق أو أقبحه ونحو هذا من كتاب ابن سحنون، عن أبيه، ومن قال لامرأته: أنت طالق واحدة عظيمة. أو قال: كبيرة أو شديدة أو طويلة، أو خبيثة، أو منكرة، أو مثل الجبل. أو مثل القصر، أو انت طالق إلى الصين، أو إلى البصرة. فذلك كله سواء، وهي طلقة، وله الرجعة حتى ينوي أكثر. وإن قال: أنت طالق خير الطلاق. أو أحسنه. أو جميله، أو فضله. فهي واحدة حتى ينوي أكثر. فإن قال: أنت طالق أكثر الطلاق. قال عددا أو لم يقل، فهي ثلاث. وإن قال: أنت طالق أقبح الطلاق. أو أسمجه، أو قال أشره. أو أقذره. أو أنتنه، أو أبغضه فهي ثلاث. قال سحنون: وأكمل الطلاق عندي مثل أكثره/، يكون ثلاثا، وإذا قال: أنت طالق بخلاف السنة. أو: على خلافها. فهي واحدة، إن لم يكن له نيه، وكأنه قال لها: أنت طالق إذا حضت، أو قال: في طهر، وطئتك فيه. فيمن نوى الطلاق بقلبه ولم ينطق به أو أراد اللفظ به فلفظ بغيره أو تكلم به ليحلف به أو ليطلق ثم أمسك ومن توسوسه نفسه، ومن قال لامرأته أنت حرة ولأمته أنت طالق ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن طلق بقلبه ثلاثا محجعا على ذلك، فلا شيء عليه. قال ابن عبدالحكم: وقد قيل: إنها تطلق عليه، وليي بشيء. [5/ 162]
قال أبو محمد: وهي رواية أشهب عن مالك في العتبية. ومن كتاب آخر: والإشارة بالطلاق طلاق، أشار بيده أو برأسه، وقال الله تعالى: "أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا". فجعله كالكلام. وقد قال مالك، في الذي أشار برأسه، أن نعم في الإقرار يدين: أنه يلزمه، وطلاق الأخرس إشارة. ومن المجموعة قال أشهب فيمن أراد أن يطلق فلفظ بغير لفظ الطلاق فليس بشيء إلا أن يريد أنها بذلك اللفظ طالق إذا قلته. وكذلك العتق، وإن كان إنما يقول هذا اللفظ بعينه، هوعتيق، لا أراه عتقا، كما لو ظن أنه من دخل الدار طلقت امرأته، أو من قبل امرأته صائمة طلقت، فقبلها صائمة فلا شيء عليه. روى عيسى عن ابن القاسم فيمن توسوسه نفسه بالطلاق أو يتكلم به/ يريد تيقنه، أو يتشككه، قال: فلا شيء عليه، ويقول الحبيب فعلت فلا شيء عليه. ومن كتاب آخر وقال رجل لأبي حازم: إن الشيطان يقول إنك طلقت امرأتك، فقال: كما قال لك. فقال: لا تفعل يا أبا حازم. فقال: قل هذا الشيطان. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال: أنت طالق. على أن يقول: ثلاثة. أو: ألبتة. ثم سكت عن ذلك في يمين أو في غير يمين، قال: لا يلزمه الثلاث حتى يريد بقوله: أنت طالق. يريد بتلك الكلمة: ألبتة. ومن كتاب ابن حبيب، ومن قال لامرأته: أنت حرة. أو لأمته، أنت طالق. غلطا فلا شيء عليه، حتى ينوي أنها بذلك اللفظ طالق في الحرة وحرة في الأمة. وقال ابن الماجشون: إن قال لامرأته: أنت منى حرة ولأمته: أنت مني طالق. أو أنت طالق لوجه الله. فأمته حرة، وامرأته طالق. فلا اسأله عن نيته. وبعد هذا باب في تكلم بالطلاق معتذرا، فظن أنه قد لزمه. [5/ 163]
باب مكنى الطلاق وما يلزم به الطلاق من الألفاظ المحتملة للطلاق وغيره
ومن العتبية، أراه من سماع يحي، قال ابن القاسم، عن مالك، في من حلف؛ امرأته طالق. إن كلم فلانا وكان بدء كلامه (على أن يقول:) أبدأ. فبدا له، وقال: شهرا. موصولا بيمينه، قبل يصمت، قال: ذلك له. باب مكني الطلاق وما لم يلزمه به الطلاق من الألفاظ المحتملة للطلاق وغيره البتات في ذلك من كتاب ان المواز قال أشهب وبيعع، فيمن قال لامرأته: لا سبيل لي إليك. فإن أراد الطلاق، لزمه ما أراد منه، وإن لم يرد الطلاق دين. قال محمد: ويحلف. قال: وإن قال: احتالي لنفسك/. فكذلك، يلزمه ما أراد من الطلاق، وإن لم يرد الطلاق دين. محمد: ويحلف في ذلك كله إن رفع أمره، وإن قال: لا حاجة لي بك. وقال: لم أرد طلاقا دين وحلف. وكذلك قوله: ليس بيني وبينك حلا، ولا حرام. ومن قال: لست مني بسبيل ألبتة. فاختلف فيها، رأي عمر بن عبدالعزيز أن يدينه ذلك. ومن قال: ما أنت لي بامرأة، أو: لم أتزوجك. أو قيل له: هل لك امرأة؟ فقال: لا. فلا شيء عليه حتى يريد الطلاق. قال أصبغ: فيكون البتات إلا ينوي أقل. وكذلك: لا نكاح بيني وبينك. أو: لا ملك لي عليك. أو: لا سبيلي لي عليك. إلا أن يكون الكلام عتابا فلا شيء عليه حتى ينوي الطلاق. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم: ومن قال لامرأته: جمعي عليك ثيابك، ولا حاجة لي بك. أو الحقي بأهلك. أو: لا نكاح بيني وبينك. أو: لا سبيل إليك. أو: لست مني بسبيل. أو: اذهبي، لا ملك لي عليك. أو: لا تحلين لي. أو: احتالي لنفسك. أو: أنت سائبة. أو:
مني عتيقة. أو: ليس بيني وبينك حلال ولا حرام. أو: لم أتزوجك. أو تقنعي. أو: استتري عني. أو: لست لي بامرأة. أو: لا تكوني لي بامرأة حتى تكون أمه أمرأته. أو: يا مطلقة. أو: اعتزلي. أو: تأخري عني. أو: أخرجي. أو: انتقلي عني. وشبه ذلك، فذلك كله سواء، بني أو لم يبن، لا شيء عليه، إلا أن ينوي طلاقا، فيكون ما نوى. قال أصبغ: فإن لم ينو شيئا، أو نوى / الطلاق، فهو ثلاث حتى ينوي أقل. ومن قال لامرأته: قد أذيتني، فقد حللت عقالك. قال ابن الماجشون: تطلق بالبتة. ومن كتاب ابن المواز، وهو لمالك، ومن قال لزوجته: أتحبين أن أفارقك؟ فقالت: ما شئت. فقال: قد شئت. وقال: إنما شئت أن أحبسك. قال: هو طلاق، كقوله: قد فعلت. ويحلف ما أراد إلا واحدة، قيل: هو يقول: لم أفارق. قال: تجعل واحدة. قال: وإن قال إن شئت أن تقيمي، وإن شئت فالحقي بأهلك. فقالت: قد لحقت بأهلي، فإن أراد الطلاق، فهو ما أراد؛ وإن قال: لم أرده، وإنما أردت تخويفا. حلف، ولا شيء عليه. وقال ابن شهاب: هي واحدة، وإن أراد الطلاق، فهو ما نوى. وإن قال لها، في منازعة: إجمعي عليك ثيابك. وقال: لم أرد طلاقا. وإنما أراد تخويفا. حلف وصدق. وإن قال لأبيها: اقبل مني ابنتك. فقال: قد قبلتها فقال: على أن ترد علي مالي. قال: قد بانت منه ولا شيء له ما لم تكن ذلك منه نسقا. وإن قال لها: اعتدي. فهي طلقة، وله الرجعة حتى ينوي طلقة بائنة، فتكون ألبتة. وإن قال لها: اذهبي وتزوجي، فلا حاجة لي بك. أو قال لأمها: زوجيها ممن شئت فلا حاجة لي بها فلا شيء عليه ما لم يرد بلفظ ذلك الطلاق. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم في العتبية. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن هي زوجتها بعد تمام عدتها من يوم قال ذلك وهو حاضر عالم فقد [5/ 165]
وهذا باب آخر فيما يلزم به الطلاق من القول وما لا يلزم
بانت منه ولا يقبل قوله: إني لم أرد طلاقا، فإن قال: أردت واحدة. دين، وحلف. قال محمد: وإن عرف أن ذلك ليس بطلاق فألزم نفسه به الطلاق فألزمه ما ألزم نفسه منه، فأما إن ظن أن ذلك طلاق فتركها، فاعتدت فلا يضره ذلك حتى يتزوجها غيره، فتعتد من الاثنين، إلا أن تتزوج بعلمه وتسليمه فيلزمه الطلاق ويفسخ نكاح الثاني؛ لأني إذا لم ألزمه الطلاق إلا بتزوجها، فإنما ألزمها العدة من يوم تزوجت. وهذا باب آخر فيما يلزم به الطلاق من القول وما لا يلزم وجامع مسائل هذا المعنى وما يشبهه ومن قال في لفظ الطلاق كنت لاعبا، أو نذر الطلاق نذرا من كتاب ابن المواز، قال أشهب عن مالك: ومن قالت له أم زوجته: إنك معها في حرام. فقال: لا. قالت: بلى. قال: فاشدد يديك بها، فلا تزوجها إلا الخليفة. وقال: لم أرد طلاقا. فيسأل؛ فإن أراد أن يثبت أن ما قالت حق، وأنه لم يرد طلاقا حلف، ودين. قال الشيخ أبو محمد عبدالله بن أبي زيد، رحمه الله: هكذا في الأم، وما أراه إلا إن كان ما قالت حقا، كالمكذب لها. قال في العتبية: فإن لم يحلف، طلقت بالبتة. قال في كتاب ابن حبيب: هي واحدة/. قال أصبغ وإن لم تكن له نية فلا شيء عليه إلا أن يريد تصديقها، فيحنث. ومن العتبية قال سحنون، فيمن أراد البناء بزوجته في ليلة، فامتنع أهلها، فقال لهم: لا حاجة لي بها. فإن لم يرد طلاقا فلا شيء عليه. [5/ 166]
قال أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن دعا امرأته إلى الوطء، فأبت، فقال: إن قمت ولم تفعلي ما دعوتك إليه فما أنت لي بامرأة. يريد به الطلاق، فدق رجل الباب فقامت ولم ينو واحدة ولا أكثر، قال: هذا يقبل، وكأنه يرى أن تلزمه البتة. ومن كتاب ابن سحنون، عن أشهب، وهو في كتاب ابن المواز لأشهب، فيمن قال لامرأته: قد شاء الله أن أطلقك. ولعبده: قد شاء الله أن أعتقك. فلا شيء عليه، إن لم يرد بذلك عتقا، ولا طلاقا وقاله سحنون قال، في كتاب ابن المواز: وهذا كاذب على الله سبحانه، ولو قال: قد شاء الله أنك طالق. فهي طالق. وقاله أصبغ. وكذلك في العتبية. ومن كتاب ابن المواز: ومن توجه إلى سفر، فقال لزوجته: هذا فراق بيني وبينك. أراد: يفزعها، ولم يرد الطلاق؛ قال ابن القاسم: أخاف أن تكون قد بانت منه. قال أصبغ: هذا للشر الذي كان بينها. [وبه استوت المسألة، وإن (كان) فيها بعض الضعف. ولو أراد بذلك سفره] خاصة، وخروجه عنها، لم يكن عليه شيء. ومن العتبية روى أشهب عن مالك، فيمن قال لامرأته: إن خرجت من بيتك فهو فراق بيني وبينك، فخرجت، فقال له مالك: ما نويت؟ قال: لم أنو شيئا. قال: أحب إلي ألا يقربها، وأن يدعها. ومن كتاب ابن المواز، وإذا/ سألها الرجوع إلى بيتها وقد عصت، فأدبر عنها، وهو يقول: طالقة البتة. لا يردد الطلاق، ولكن لتسمع فترجع، قال له ابن القاسم: أعليك بينة [؟ قال: لا. قال: ولم ترد طلاقا؟ قال: لا. قال: لا شيء عليك. قال أصبغ: ولو كانت بينة لدين] لأنه لم يقل: أنت. ولا [5/ 167]
سماها، ولا هو جواب لكلام لها. قال: يريد ابن القاسم: وإذا قيل له: فارقت امرأتك؟ قال: نعم. فهي واحدة، ويحلف، فإن نكل، فهي البتة. وقاله أصبغ، [ولو قال قد كان ذلك ثم قال كنت لاعبا فقد لزمه ذلك] ولو قال: أجل. وقال: أردت واحدة. أنه يدين، ويحلف. ومن قيل له: لا تريد فراق امرأتك؟ فقال: أتأمرونني أن أقيم على حرام؟ فلا شيء عليه إلا أن يريد ذلك. ومن قالت له امرأته: قد فارقتني. فحلف أنه ما فعل، فحلفت أنك فعلت. فقال: أتحبين أن أجعل ذلك إليك؟ قال: قد فارقتك، ثم قالت: ما كان طلقني. قال: ما أراه إلا قد فارقها. ومن قال لامرأته: قد وليتك أمرك إن شاء الله. فيقول: قد فارقتك إن شاء الله. وهما لاعبان لا يريدان طلاقا فلا شيء عليهما، وليخلف، وإن أراد الطلاق على اللعب فهو طلاق. ومن قال له رجل في امرأته: من هذه؟ فقال: مولاة لي أتحب أن أزوجك إياها؟ قال: نعم. ففعل: وكان يهزل فلا طلاق عليه إلا أن ينوي ذلك. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. وقال في السؤال، ففعل. وقال سحنون عن ابن القاسم: ويحلف ما أراد طلاقا، ولا شيء عليه، ويؤدب/. وقال ابن القاسم، في المجموعة تحرم عليه بالثلاث، بنى بها أو لم يبن. ومن كتاب ابن المواز، ولو قال لرجل: مر امرأتي تعتد. وغاب، ثم قدم ولم يأمرها الرسول، فإن أقر الزوج، ائتنفت العدة، ولا رجعة له، إن تمت العدة من يوم القول، فإن أنكر أحلف والرسول كشاهد. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لرجل: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم، كما طلقت أنت. يقول ذلك لاعبا، فإذا الرجل قد طلق امرأته ولم يعلم بذلك مخاطبه، فإن لم يعلم ولم يرد طلاقا فليحلف ولا شيء عليه. [5/ 168]
فيمن أقر بالطلاق كاذبا أو معتذرا أو ظن أنه قد لزمه بظنه أو بغلط مفت
قال ابن القاسم: إذا استوقن أنه لم يعلم. وروى عنه عيسى، فيمن قال: علي أن أطلقك. فلا شيء عليه؛ لأن نذره الطلاق ليس عليه الوفاء به. ومن سماع أشهب، وهو في المجموعة، قال مالك، فيمن كان بينه وبين امرأته محاورة واختلفا، فقال لها زوجها: احلفي بالطلاق، فقالت أنت الطلاق. وفي المجموعة: أنت طالق إن لم يكن كذا وكذا. قال: ليس للنساء طلاق. فيمن أقر بالطلاق كاذبا أو معتذرا أو ظن أنه قد لزمه بظنه أو بلغط مفت أو تكلم به غلطا ثم تذكر مخرجا ويقول نويت امرأة ماتت، أو قال زل لساني ولفظ بالبتة ومرادي واحدة من كتاب ابن المواز ومن قال لامرأته: قد كنت طلقتك ألبتة، ولعبده: قد كنت أعتقتك/. ولم يكن فعل، فقال أبو الزناد: أما في الفتيا، فلا شيء عليه. وقال مالك: ذلك يلزمه، كمن قال: أنت طالق. أو قال: أنت حر. لا يريد عتقا، ولا طلاقا. وقاله ربيعة، وابن شهاب. قال ربيعة: إلا أن يأتي بعذر بين له وجه. قال: ومن اعتذر في شيء، سئل فيه بأنه حلف بطلاف أو عتق ولم يحلف، قال مالك: لا شيء عليه في الفتيا. ومن حكى للناس يمين رجل بالبتة، فقال: امرأتي طالق آلبتة. وإنما أراد أن يقول: قال الرجل: فإن ذكر ذلك كلاما نسقا لم يقطعه فلا شيء عليه. قال ابن القاسم، في كتاب ابن المواز. وفي العتبية، من رواية أبي زيد وأصبغ فيمن أفتى في يمين أن أمرأته قد بانت منه، فقال لها وللناس: قد بانت مني. ثم علم أنه لا شيء عليه، قال: لا ينفعه، وقد بانت منه. قال ابن حبيب: [5/ 169]
وقال ابن القاسم، وأشهب. وقيل عن مالك: لا شيء عليه. قال سحنون ما في كتاب ابنه: إن قال ذلك على وجه الخير، يخبر بما قيل له فلا شيء عليه، وإن قال ذلك يريد الطلاق، طلقت عليه. وقال ابن القاسم، وأشهب من كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع أشهب، وعن امرأة كتبت إلى ابنها ليزورها، فأبى، فقالت لزوجها: اكتب إليه أنك طلقتني لعله أن يأتي. فكتب بذلك إليه ولم يرد طلاقا، قال: إن صح ذلك وجاء مستفتيا، فلا شيء عليه. قال في كتاب ابن المواز: وإن أقيم عليه بخطه، وشهد عليه لم ينفعه ما يدعي إلا أن يشهد قبل أن يكتب إليه بالذي/ أراد، فلا شيء عليه. قال في العتبية: إن كان أشهد حين كتبه: أني إنما أكتبه لكذا فلا شيء عليه، وإن لم يكن أشهد، وصدقت هي الزوج فأرى أن يستخلف إن كان مأمونا وإن قالت: أردت خديعته. وأنكر هو ذلك، وقد علم ما ذكر من شأنهما، فلا شيء عليه، وإن لم يكن إلا قوله وقد ظهر كتابه وثبت عليه لزمه الطلاق. قيل: كم؟ قال: ينوي: وتكون واحدة. قال أبو محمد: انظر قوله: ينوي، وأعرف لأشهب في نظرها: يحلف أنه لم يرد طلاقا، وتكون واحدة. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق: لا خرجت امرأته إلا بإذنه فخرجت، فقال لها: قد كنت حلفت، فاعتدي، ثم ذكر أنه قد كان أذن لها، قال: قوله: اعتدي، طلاق، فإن لم يرتجع حتى مضت العدة، فقد بانت منه. قيل: إنما قال اعتدي. يريد من الطلاق الذي ظن أنه حنث فيه. قال: إذا اقنضت العدة، لم أنوه، وكمن قال لامرته: أنت طالق، اعتدي. قال أبو محمد: يريد: فلو ذكر قبل العدة أنه لمن يرد ائتناف طلاق، لم يلزمه غير الطلقة الأولى. [5/ 170]
فيمن شهد عليه بطلاق البتة وهو منكر فقضي عليه، هل يمنعه نكاحها قبل زوج؟
قال ابن حبيب: يلغني عن أشهب في الرجل يقول للقوم: طلقت امرأتي ألبتة. فيسألونه: كيف كان ذلك؟ فيخبرهم بسبب. لا يلزمه به شيء، أن الطلاق لا يلزمه، وإن كان بين قوله وبين أن أخبرهم بالسبب صمات. وقال أصبغ: يلزمه طلاقها بإقراره الأول، وهو متهم في السبب. ومن كتاب ابن المواز، ومن حلف لسلطان، أو غيره، امرأته طالق، ينوي امرأة/كانت له، يلغز بذلك بأمر كذب فيه، وجاء مستفتيا، فلا ينفعه ذلك، وقد طلقت عليه. قال أبو محمد: يريد: ولو قال فلانا، ولم يقل امرأتي، لنفعه. ومن غير كتاب ابن سحنون، قال سحنون، فيمن قال لزوجته: أنت طالق. فزل لسانه فلفظ بالبتة، فقال ابن القاسم: تلزمه ألبتة، ولا ينوي في الفتيا، ولا في القضاء. وقال ابن نافع: يدين فيما بينه وبين الله عز وجل. وكل ذلك من مالك. فيمن شهد عليه بطلاق ألبتة وهو منكر فقضي عليه هل يمنعه نكاحها قبل زوج؟ وفي الحاكم يقضي في الطلاق بمذهب لا يراه المحكوم عليه من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن شهد عليه رجلان بالبتة، وهو منكر، فقضي عليه، فله نكاحها قبل زوج، إن كان محقا، قال أصبغ: يريد إن خفي له، وأنا لا أرى ذلك؛ لأنه لا يلبس عليه غيره، ولعله يقتدي به، ويعرض نفسه العقوبة، فلا يسعه بينه وبين الله سبحانه، وإن خفي له، كالذي يرى هلال شوال، فلا يفطر. يريد للتغرير بنفسه. وروي عن سحنون، فيمن طلق امرأته ألبتة، فرفعها إلى قاض يرى البتة واحدة فقضي له بالرجعة، والزوجان يريانها ثلاثة، فلا تحل له بذلك، ولا يحل لها أن تمكنه من نفسها، ولا تحل له إلا بعد زوج، ولو خيرت فاختارت نفسها وهي ممن يرى الخيار ثلاثا، والزوج يراه واحدة، فلا يحل لها أن تمكنه من نفسها. وإن حكم له القاضي، قال: ولو قال لعبده اسقني الماء يريد: عتقه. والسيد لا يرى أن/ ذلك مما يلزم، والعبد يرى أن ذلك يلزمه، فللعبد أن يذهب حيث شاء من غير قضية حاكم. [5/ 171]
في الدعوى في الطلاق، وكيف إن مات أحدهما ثم كذب نفسه وطلب الميراث
في الدعوى في الطلاق وكيف إن مات أحدهما ثم أكذب نفسه وطلب الميراث أو طلب نكاحها قبل زوج، وكيف من العتبية، قال سحنون عن ابن القاسم، في المرأة تدعي أن زوجها طلقها ولا بينة لها، ثم مات الزوج فطلبت ميراثها منه وقالت: كنت كاذبة فيما ادعيت. قال: لها الميراث. قال ابو بكر: قال سحنون: وكذلك إذا جحدت النكاح، ثم أقرت بعد موته فلها الميراث. كتب بذلك، ثم سئل عنها، فقال: لا أرى لها ميراثا، بخلاف المدعية للطلاق إن أكذبت نفسها بعد موت زوجها، ومدعية الطلاق، فلا ميراث لها، وإن أكذبت نفسها في حياته ثم مات، فلها الميراث. وقال سحنون، في التي تدعي طلاق زوجها البتة، ولا يثبت ذلك؛ ثم تفتدي منه، ثم تريد تزويجه قبل زوج وتزعم أنها كذبت أولا؛ قال: لا يقبل، ولا تنكحه إلا بعد زوج، وليس كالميراث. وروى أصبغ عن ابن القاسم، في التي صالحت زوجها، وادعت أنه طلقها البتة، ثم أرادت نكاحه قبل زوج؛ فإن قامت بذلك عليها بينة، منعت من نكاحه، وإن قام بذلك شاهد واحد وهي منكرة حلفت، وإن نكلت لم يصنع به الحكم، وإن أقرت أنها كانت قالت/ ذلك كاذبة، لم تصدق ومنعت منه بالحكم. ومن سماع ابن القاسم، وعمن قامت عليه بينة أنه طلق امرأته البتة، وقد ماتت، أيرثها؟ قال: لا يرثها، وإن مات قبلها، ورثته. قال سحنون: يعني أن الشهود كانوا معها حضورا، فلم يقوموا عليه حتى مات، ورواها عيسى عن ابن القاسم عن مالك، أن الشهود كانوا غيبا سنين، ثم أتوا بعد موته، فشهدوا، قال: [5/ 172]
ترثه، وما يدريك ما كان يدرا به عن نفسه؟ أرأيت لو كان حيا ولم يمت، أترثه؟ وقال يحيى ين عمر: لا ترثه. من سماع عيسى، من ابن القاسم: وإذا ماتت امرأة، فقال أبوها لزوجها: قد كنت طلقتها ثلاثا فلا ترثها. فقال الزوج وله الميراث. وكذلك لو اختلفا في موتها في العدة أو بعدها، حلف الزوج، فإن نكل في الوجهين حلف الأب وصدق. وعن امرأة قالت في مرضها: قد كنت تركت صداقي لزوجي. ثم ماتت فقال الزوج: صدقت، وقد كنت طلقتها قبل تركها ذلك لي أو بعد، في يمين أو في غير يمين، وأكذبه الورثة، قال: فالصداق عليه ولا ميراث له، ولو ثبت الطلاق لم يقبل قولها في وضع الصداق أنها وضعته في الصحة. قال مالك فيمن قال: كنت تصدقت على فلان في الصحة. أو كنت أعتقت في الصحة فلانا عبدي. إلا أن يقول: فانفذوه. فينفذ الآن من ثلثه، ولو صحت لزمها (ما) قالت، ولا تدخل الوصايا إذا ماتت فيما أقرت بوضعه في صحتها، فأبطلناه. وعن امرأة/ أوصت لزوجها بثلث مالها وهو غائب، فقيل لها: لا وصية لوارث. فقالت: قد كان كتب إلي بطلاقي وكتمت ذلك، ثم قدم فصدقها، ولم يصدقها ورثتها، قال: يكون له الأقل من الثلث أو الربع، والفرق بينهما أن هذه أراد الثلث، والأولى لم ترد ثلثا. من كتاب ابن سحنون، قال: ورواه عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك طالق البتة. فتزوج عليه سرا ولم تعلم ثم مات، أترثه التي تزوج عليها؟ قال: نعم، ترثه؛ علم الشهود أو لم يعلموا، قال سحنون: لأنها طلقت حين تزوجها. قال ابن عبدوس في المرأة تقول: طلقني زوجي في مرضه. وقال ورثته: بل في صحته. فإن علم أن زوجها قد مرض، فالقول قولها، كالقائل: طلقت امرأتي [5/ 173]
في القضاء في الطلاق وشهادة الأنداد فيه واختلاف البينات فيه
وأنا مجنون أو صبي. فهو مصدق إن علم منه جنون. وكذلك الأمة تحت الحر، يموت سيدها، فتقول الأمة: أعتقت وأنا تحته، وهو حي. ويقول: الورثة: أعتقتك بعد موت الزوج. فالقول قول الورثة، وأصلهما واحد، إلا ما كانت في بيع الموارثة، فهي مدعية لزوال ذلك؛ والزوجة كانت في إيجاب الموارثة في المرض، فالورثة مدعون. ومسألة المبتوتة تقول: تزوجت زوجا، وبنى بي، ثم طلقني، هل تحل بذلك للأول في كتاب الإقرار. في القضاء في الطلاق وشهادة الأنداد فيه واختلاف البينات فيه والتداعي في غير شيء فيه من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا شهد شاهد أنه طلق/، وشهد آخر أنه طلق في وقت آخر، فقضي بذلك، ووجب الطلاق، والعدة من الوقت الثاني لا يوم الحكم؛ وليس اختلافهم في وقت القول اختلافا، بخلاف الأفعال. ولو شهد رجلان أنه حلف: لا ركب سفينة ولا حمارا. وشهد أحدهما: أنه ركب سفينة، وشهد الآخر أنه ركب حمارا، لم يلزمه غير اليمين أنه ما ركب سفينة ولا حمارا؛ وكذلك لو كان غيرهما، حتى يجتمع شاهدان أنهما رأياه ركب هذه وهذا، أو أحد الركوبين. قال عبدالملك: عن مالك: ولو شهد واحد بطلقتين، وآخر بالبتة؛ قال ابن سحنون، عن أبيه: دكان في مجلس واحد، وإلا حلف، وكانت طلقتين. ابن المواز: ولو شهد شاهد طلقة، ثم شاهد البتة، ونكل الزوج، فروى عبدالملك، عن مالك: تلزمه البتة؛ ثم قال: يسجن وبه أخذ ابن القاسم؛ فإن طال سجنه سنة، خلي وترك. وقال أشهب بقول مالك الأول. وقال ابن حبيب: روى مطرف عن مالك أنه قال: إن شهد أحدهما بواحدة، وآخر بالبتة، حلف مع كل واحد منهما، أن ما شهد به باطل، لا شيء [5/ 174]
عليه، بخلاف الثلاث؛ لأن البتة لا تتبعض. وكذلك المملكين طلاق امرأة؛ إن طلق أحدهما واحدة، وآخر ثلاثا، لزمته واحدة؛ وإن طلق واحدة بتة، وآخر بواحدة، لم يلزم شيء، وفرق مالك بين الحكمين؛ يطلق هذا بالبتة، وهذا بواحدة، أنه تلزمه واحدة. وقال المغيرة: في ذلك كله: البتة، والثلاث سواء، ويلزمه ما اجتمعا عليه. وقال ابن الماجشون: وقال أصبغ بقول مطرف. ورواه عن ابن القاسم. وقال مطرف، وابن الماجشون: إن شهد/ واحد بالبتة، وآخر بالثلاث، مضت الشهادة. وقاله أصبغ. وقال ابن سحنون قال عبدالملك وسحنون: ولو شهد بطلقة، وقال الآخر: طلقة بائنة. فهي واحدة، وله الرجعة ويحلف. وكذلك إن قال واحد: إنه قال: أنت طالق بائنة. وقال الآخر: أنت الطلاق. قال: وإن شهد واحد أنه قال: أنت بائنة. وشهد الآخر أنه قال: أنت الطلاق واحدة. فيلزمه واحدة في المدخول بها، ويحلف. وكذلك إن شهد واحد باثنتين، وأخر ببائنة، أو مبتوتة، لزمه اثنتان، ويحلف، واسلك بالبرية والخلية مثل ذلك، إن شهد بها واحدة، وشهد آخر بواحدة، قال سحنون: هذا قول جميع أصحابنا، إلا المغيرة، فإنه قال في شاهد بالبتة، وآخر بواحدة: إن ذلك كله يبطل، وكذلك في خلية وبرية. وإنما يرى أن يلزمه الأقل في شاهد بواحدة، وآخر بالثلاث. ومن كتاب ابن المواز، في شاهد بطلقة، وآخر بطلقة بائنة، أنه يحلف ويملك الرجعة. قال ابن شهاب، وأبو الزناد، في شاهد بواحدة، وآخر باثنتين، وآخر بثلاث، فقضي باثنتين، ولو شهدا أنه طلق واحدة من نسائه، نسياها، لم تجز الشهادة، ويحلف، ولو كان في العتق لبطلت الشهادة في الصحة وبعد الموت؛ وإن شهد شاهدان أنه قال: أحد عبدي حر. فيفترق الصحة والموت؛ فابن القاسم يقول: هو مخير في الصحة، وأما في الموت فليعتق نصف قيمتها بالسهم. وقال أصبغ: يختار الورثة. [5/ 175]
باب جامع لمسائل مختلفة في الأيمان بالطلاق، وقد تكرر أكثرها
وفي رواية عيسى في العتبية يعتق أحدهما بالسهم لا نصف قيمتها. قال ابن المواز قال ابن القاسم: / وإن شهد شاهدان بطلقة، وآخران بطلقة، في مجالس شتى، والزوج يقول: هي واحدة. فإنه تلزمه ثلاث، وقاسه بالسلف. قال أصبغ: يعني شهد عليه كل اثنين منهم بمائة في مجالس شتى: أنه يغرم ثلاثمائة. قال أصبغ: وأروى أنه أدينه في الطلاق فألزمه طلقة، إلا أن يجدد عند كل شاهدين الطلاق، فيقول: اشهدوا أنها طالق لفظا. وتلزمه الثلاث، ولا تقبل دعواه، وإن قال: اشهدوا أني قد طلقتها. دين، وترك، وأما الحق، فإن كان في كل إشهاد كتاب على حدة، فهي أموال مختلفة، وإن كان كتاب واحد فهو مال واحد، وإن كان لفظا بغير كتاب، فهي مائة واحدة، ويحلف، وذلك إذا تقارب التاريخ، مثل أن شهد ها هنا، ثم يقوم فيشهد موضعا آخر، وكذلك بعض الناس. ومن كتاب ابن سحنون: وإن شهد شاهد أنه طلقها، وشاهد أنه صالحها على مال، قال: لا يلزمه شيء، ويحلف على شهادة الشاهدين. وإن شهد واحد أنه طلقها البتة، وشهد آخر أنه طلقها بائنة ولم يبن بها، قال: قد بانت منه، ولا يمين عليه، إلا أن يريد أن يتزوجها قبل زوج فيحلف أن شاهده بالبتة ناكل؛ وأنه أراد بقوله: بائنة، واحدة. وفي كتاب الإقرار ذكر المبتوتة تقول: تزوجت غيرك، وطلقني هل تحل للأول؟ أو يطلق امرأة سماها، ويقول: هي امرأة لي غائبة، أو يشهد عليه بطلاق زوجته طلقة، فيقول: كان ذلك في العصمة الأولى. وقد كان طلقها أولا ثلاثا، وتزوجها بعد زوج، ونحو هذا. باب جامع لمسائل مختلفة في الأيمان/ بالطلاق، وقد تكرر أكثرها في كتاب عبارة الشروط وغيره من كتاب ابن سحنون فيمن حلف بالطلاق ثلاثا لأقضينك حقك إلى كذا؛ ثم حلف عند الأجل بالثلاث أن لا يقضيه، أنها تطلق عليه بالثلاث [5/ 176]
بيمينه الثاني ساعة حلف بها، وكانت يمينه الثانية بواحدة، وقع عليه أقل الطلاقين، وهو واحدة؛ وقد حلف بها؛ فإن حل الأجل وقد انقضت عدتها، فلا شيء عليه، وإن كانت في العدة، فإن قضاه قبل حله، لم يلزم غير الواحدة، وإن لم يقض حتى جاء الأجل ولم تنقض العدة طلقت بقية الطلاق، ولو كانت اليمين الأولى بواحدة والثانية بالثلاث، طلقت الساعة بأدنى الطلاقين، وهي واحدة عجلت عليه، فإن جاء الأجل ولم يقض، لم يلزمه شيء؛ لأنه حنث بذلك اليمين، قال سحنون: وإن حلف: إن لم أحج بك فأنت طالق. ثم قال: إن حججت بك فأنت طالق، فإن رفعته، ضرب له أجل الإيلاء، فإن مضى الأجل طلقت عليه، وإن لم ترافعه لم يطلق عليه. قيل: فله أن يكرهها على أن يحج بها. فوقف عن إكراهها. وبلغني عنه أنه قال: له أن يجبرها على أن يحجها ليبر. ولو قال: أنت طالق إن لم أحج بك هذه السنة. ثم قال: أنت طالق، ثلاثا إن حججت بل هذه السنة. إن خالعها، ثم تركها حتى تجوز السنة؛ ثم تزوجها، لم يحنث في يمينه. قيل لسحنون: فمن قال لغريمه: إن لم تدفع حقي فامرأته طالق، لاستعدي عليك السلطان. وقال نويت أبا جعفر البغدادي. قال له: عليك بذلك بينة؟ قال: نعم. قال: أخاف أن يشهدوا عليك لقولك: السلطان. ولكن فاستعد عليه السلطان لمكان/ البينة، استعد من عند أبي جعفر، لأنك نويته، وكتب له في جوابه إلى البغدادي أن يكتب له عدوا على الرجل، فأما أن يقضيه أو يرفع إليك ثم قد خرج من يمينه إن رفع إليك أو لم يرفع. قال سحنون، فيمن حلف ألا يسأل فلانا حاجة أبدا، ثم ساله بعد أيام أن يجيبه إلى طغام، قال: إن كان سبب يمينه أنه سأله سلفا أو عارية، فأبى، فلا يحنث بهذا. قيل لسحنون: إن حلف بالطلاق أن لا يستعير من فلان شيئا ثم سأله في أن يعيره شيئا، فقال له: قد أعرتك ذلك. فأخذه منه أو لم يأخذه، وكيف إن لم ينعم له بشيئ وقد سأله؟ قال: هذا يستدل عليه بما كان عليه بساط كلامهما؛ فإن كان سأله مرة فمنعه فحلف لحنث سؤاله إياه، أعطاه أو منعه، وإن كان أعطاه مرة، ثم من عليه، أو اغنم بكثرة عارية منه، فهذا لا يحنث [5/ 177]
حتى تصل إليه العارية، وإن كانت يمينه مسجلة، فيأخذ العارية، يحنث. والله أعلم. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى فيمن حلف فقال: أنت طالق، لئن سألتني الطلاق لأطلقنك. فسألته، وقال: أمرك بيدك فقضت بالطلاق أو تركته أنه ذلك لا يجزئه من يمينه. وقال سحنون: إن طلقت نفسها، بر، وإن لم تطلق نفسها، حنث. وعمن تعلق برجل ليبيت عنده، فحلف بالطلاق إن بات إلا في بيته، فحال بينه وبين ذلك شيء، أو وال جائر، قال: إن لم يكن استثنى ذلك ولا نوى، فهو حانث. وروى ابن القاسم، عن مالك، قال: ينهي الناس السلطان عن الحلف بالطلاق، فإن لم ينتهوا، فليضربهم. تم كتاب طلاق السنة من كتاب النوارد بحمد الله وعونه يتلوه في الجزء السابع إن شاء الله كتاب الشروط والتمليك في النكاح [5/ 178]
كتاب الشروط والتمليك والتخيير في النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم يسر وأعن كتاب الشروط والتمليك والتخيير في النكاح ما يكره أن يعقد عليه النكاح من شروط التمليك وما يلزم منها وما لا يلزم وما يفسد به من النكاح .. من كتاب ابن المواز: قال: وكره مالك عقد النكاح على شيء من الشروط، وقال: لقد أشرت على القاضي أن ينهي الناس عن ذلك، وأن لا يزوج الرجل إلا على دينه وأمانته. وكره ما يؤخذ من الأيمان فيها. قال: وكل شرط وإن كان في العقد فلا يلزم إلا ما كان فيه تمليك أو يمين. وكره كل شرط فيه: ألا يمنعها من كذا أو لا يخرجها، وكل ما يمنع من الوطء في الأمة في البيع ويفسخ به البيع ولا يفسخ به النكاح، وينهي عنه. وإن شرط في العقد ألا يخرجها وشبهه، فينبغي له أن يفي لها بذلك، ولا أراه بالواجب. وكره مثل هذا في العقد ألا يخرجها ولا يمنعها ممن يدخل عليه ولا من حج ولا عمرة، فلم يملكها ملكا تاما، وأكرهه كما أكره شراء الأمة بشرط، وهذا كله في العتبية نحوه من سماع أشهب. وقال عيسى عن ابن القاسم عن مالك: لاينبغي لأحد أن يشهد كتابا فيه شرط طلاق أو حرية أو مشي إلى مكة. ومن كتاب محمد: قال ابن عبد الحكم: قال مالك: وكل ما شرط لها بغر يمين، فلا ينبغي له أن يفي به ولا يقضي عليه. [5/ 179]
قال عنه أشهب: وكذلك على ألا يمنعها من المسجد. قال مالك: وإن/ أعطى عهد الله وميثاقه ومشيا إلى بيت الله إن خرج بها، فهذه أيمان يؤخذ بها ولا أرى أن يترك يخرج بها، وما أدري ما السلطان صانع في ذلك، ولو شاورني لرأيت ألا يدعه يخرج بها لأيمانه هذه، فليتق الله وخير له أن يفي لها. قال محمد: وكان ابن شهاب يوجب الشرط وإن لم يكن فيه عهد ويقول: إن [من أدرك كانوا يقضون به)] قال محمد: فلهذا شدد مالك فيما فيه العهد. فإذا خلا من يمين وعهد وتمليك فلا يلزم، وقد أبطله عمر. قال مالك: وليس العهد وشبهه كالطلاق والعتق، لأنه لابد أن يقضي فيهما السلطان، والعهد ونحوه إن لم يقض فيه وتركه فهو أخف. قال مالك: وإن تزوجها على أن لها عليه عهد الله وميثاقه ألا يخرجها من بلدها، وأنها لا تحل له إلا بالوفاء بذلك فليس بطلاق، فليتق الله ولا يخرجها. وقال في المجموعة ابن نافع: حرام عليه أن يخرجها. ومن كتاب محمد: ومن شرط أن كل امرأة يتزوجها عليك طالق، وأمرها بيدك إلا ألا تلدي، فذلك لازم. قال أصبغ: هذا ما لم تقعد عن الولد بما لا يشك فيه في الناس أجمعين. قال أشهب: فإن قال: كل امرأة يتزوجها عليها إلى عشر سنين طالق، إلا ألا تلد، فذلك يلزمه طلاق من يتزوج في العشر سنين عليها، قال محمد إلا أن يعيش قبل العشر سنين فله أن يتزوج. قال مالك: فإن زوج/ أمته من أجير له على أنه رأى منه ما يكره فأمرها بيدها، فهذا لا يحل شرطه ولا أفسخ به [5/ 180]
النكاح، قال ابن القاسم: كمن شرط: إن أضر بها أو شرب خمرا أو غاب عنها فأمرها بيدها، فذا يكره العقد عليه فإن دخل كان جائزا. ومن العتبية قال سحنون: ويفسخ دخل أولم يدخل. قال عيسى: إذا وقع النكاح مضى ولزمه الشرط. قال أصبغ: إنما يكره أن يشرط: إن رأت منه ما تكره أو ما لا يعجبها، أو ما لاترضى فهي طالق، فإذا وقع مضى وكان لها ذلك، أو رأت منه ما تكره فهي طالق لأنها يمين، فلا يفسخ النكاح قبل البناء ولا بعده. ومن زوج جاريته من عبده على أنه إن أبق فأمرها بيدها فذلك لازم. قال عبدالملك: كل ما وقع به التمليك من شيء فعله به الزوج وإن شاء لم يفعله. فذلك ثابت، وما كان من تمليك يقع بفعل غيرالزوج مثل أن يقول: إن بعتك أو بعتها، فالشرط باطل، والتمليك ساقط، والنكاح جائز. دخل أو لم يدخل، وكذلك في المجموعة عن عبدالملك، وقال: ومنه: وإن يزوج أمته عبده على أنه إن أب أو خرج فأمرها إلي، فذلك لازم، وكذلك من شرط إن لم أنفق عليك فأمرك إليك، قال: ولو خرج بالعبد مأسورا وقامت بذلك بينة فلا شيء عليه. قال محمد ابن المواز: والذي أقول به: أن كلما فعله بيد غير الزوج فهو يفسخ. بني أو لم يبن/، لأنه وقع على أن الطلاق بيد غير الزوج، فهو كالمتعة. ومن جعل شرط التمليك بيد غير الزوجين إلا أن الفعل بيد الزوج فذلك لازم. قال مالك: ومن تزوج أمة وشرط: إن جاءت وبها أثر تدعي أنه منه، فهي مصدقة، وأمرها بيدها. فجاءت وبها أثر خنق زعمت أنه فعله بها، فالطلاق يلزمه [5/ 181]
بقولها إن شاءت كما شرط لها، وذكرها ابن عبدوس من سماع ابن القاسم، وقال: فأمرها بيد (السيد) في البتة، فجاءت وبها أثر خنق فزعمت أنه فعله بها والزوج ينكر، يطلقها السيد البتة. قال: ذلك لازم نافذ كما شرط قال: وإلى هذا رجع سحنون فيمن شرط أن زوجته مصدقة فيما تدعي من الضرر فأمرها بيدها: أن ذلك يلزمه وأكره النكاح بهذا الشرط، وكان يقول: يفسخ قبل البناء، كمن شرط طلاقها بيدها متى شاءت، فإذا بنى بها فهو كتمليك يزيله وطؤه إياها طائعة. ومن العتبية: أصبغ عن ابن القاسم: ومن تزوج وشرط أنه إن أساء إليها فأمرها بيدها فتزوج عليها أو تسرر فليس هذا من الإساءة. إلا أن يكون هو وجه الإساءة عندهم فيما يشرطونه من هذا وإلا فلا. ولو ضربها على الأدب فيما يستوجبه بالأمر بالمعروف فليس من الإساءة، ولو كان على غير ذلك، ضربها مرارا أو جاء من ذلك أمر مفرط وإن لم يكن مرارا فهذا من الإساءة. ومن الواضحة وإن شرط: إن شكت منه أذى فأمرها بيدها. فذلك يلزمه إن شكت وإن/ لم يعر إلا بقولها وهي مصدقة، ولو شرط: إن أذاها فأمرها بيدها لم يكن لها ذلك بقولها حتى يعرف أذاه لها ببينة، فيكون الأمر بيدها، وإن افترقا من المجلس إلا أن توقف أو تلذذ منها طائعة فيزول، ما بيدها، ثم إذا اشتكت منه أذى مستقبلا، استقبت التمليك كالأول، وإن شرط لها أنه إن منعها من القضاء في مالها فأمرها بيدها، فذلك لازم، والنكاح جائز، كشرطه ألا يضربها وشبهه، وكذلك إن قال في شيء من ذلك: فهي مصدقة بيمينها أو بغير يمين، فذلك لازم وإن لم تشترط ذلك لم يقبل منها إلا ببينة على الأذى أو الضرر. [5/ 182]
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن شرط في العفد أن ينفق عليها نفقة مثلها، وإن لم يفعل فأمرها بيدها، فإنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون على شرطها إن لم يقدر على شيء، فإن لم يقدر على نفقة مثلها فأمرها بيدها، فإن رضيت بذلك فلا قول لها بعد ذلك، وقد زال ما بيدها، لأنه فعل واحد ليس بفعل بعد فعل، كمن قال إن لم أقضك مهرك إلى أجل كذا، فأمرك بيدك فإن لم يجد عند الأجل فلم يقض شيئا. وأقامت معه يطؤها فلا شيء لها بعد ذلك، وأما من قال: إن تزوجت عليك إلا بإذنك فأمرك بيدك، فأذنت له فتزوج ثم بدا لها فليس لها ذلك في تلك المرأة. ولها ذلك في غيرها، وتحلف ما كان ذلك منها تركا. وفي أبواب التمليك: باب من شرط بعد العقد أنها مصدقة، وقال سحنون: وإنما الشرط الذي لا يفسخ به/ النكاح وإن كنت أكره كل شرط إنما يجب لها عن فعل من الزوج من نكاح أو تسرر. ومن كتاب الأقضية لابن سحنون: قال سحنون في الذي شرط لأمرأته: إن فعل بها كذا فهي مصدقة فأمرها بيدها، قال: قد كنت أخاف أن يكون هذا شرط يفسد به النكاح ثم خفت ألا يفسد به وإنه له لازم، وهذا الغالب علي. ومن كتاب ابن المواز: ومن تزوج أمة على أنه لا شيء عليه فيما أصابها به لم يجز النكاح، قال محمد: ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده. ومن تزوج امرأة على أنه إن بنى (بها) فالتي عنده طالق، فذلك جائز ولا يطلق حتى بيني بالثانية، كقوله إذا دخلت فلانة البيت، قال محمد: بل هو مول، من الجديدة. وكأنه قال لها: القديمة طالق إن دخلت بك. وقال ابن حبيب: ومن تزوج امرأة فسألته طلاق الداخلة وعتق السرية فقال: ذلك إذا بنيت بك، فذلك جائز وله أن ينكح ويتسرر، فإذا بنى بالأولى فلا شيء عليه في الزوجات بنى بهن أو لم يبن، ويكف عن السراري حملن أو لم [5/ 183]
في التي تضع من صداقها لشرط تشترطه
يحلمن، لأن معاودتهن تسرر، قال مالك: ومن شرط في العقد أن كل امرأة أتزوجها عليك طالق، فإن أطلق فأمرك بيدك، فذلك جائز، ولها شرطها، قال أصبغ: فإن لم يطلق الجديدة ولا طلقت القديمة نفسها فهما امرأتاه وقاله ابن القاسم وذكرها في العتبية من سماع ابن القاسم وقال: ولا يضرر في التمليك قوله: إن الجديدة طالق البتة لأنه في أصل النكاح،/ وأمر عقد أوله بآخره. فإذا تزوج فلها التمليك. قال عنه عيسى قال مالك: ويقال له طلق الثانية وإلا اختارت الأولى نفسها، فإن لم يفعل- يريد الثانية- فلا شيء عليه. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن شرط في نكاح زوجته: إن تسرر عليها أمته. فالأمة صدقة عليها، قال: يفسخ قبل البناء، وإن بنى بها فالشرط باطل ولا صدقة لها، وفي المجموعة، روى ابن نافع عن مالك فيمن شرط طلاق من يتزوج عليها، وعتق كل أم ولد يتخدها عليها، وكل امرأة يتسررها عليها فهي لها. قال: يلزمه في الطلاق والعتق، فأما تمليكها للسرية فلا يلزمه، وفي كتاب النكاح باب في النكاح يفسد لشرط فيه، وفيه من معنى هذا الباب. في التي تضع من صداقها لشرط تشترطه من كتاب ابن المواز: وما وضعته المرأة في عقد النكاح من الصداق لشرط تشترطه، فروى ابن القاسم عن مالك أنه إن ترك الشرط فليس لها عليه رجوع، وروى أشهب أن ذلك لها إلا أن يكون ما بقي من صداقها يفي بصداق مثلها، وقاله ابن عبدالحكم ورواه. قال محمد: لا ترجع بشيء لأن ما تركت لم يثبت لها، ولا اختلاف أن لها الرجوع فيما وضعت بعد العقد ووجوب الصداق لشرط إذا خالفه. وروى أيضا أشهب عن مالك فيمن واطأ امرأة على ستين دينارا فلما أراد العقد قال له أبوها [5/ 184]
في شرط التمليك في العقد أو بعده يجعل بيد الأب والأم أو السيد
هل لك أن أضع عنك عشرين دينارا على أن لا تخرجها من المدينة، فرضى/ فعقدا على ذلك ثم أخرجها فعليه العشرون الوضيعة. وإنما الذي لا يرجع من يقول: أزوجك بمائة أضع عنك منهاخمسين على ألا يفعل كذا، فهذا لم يكن صداقا ثابتا، قال مالك: ولو طلق في المسألة الأولى قبل البناء فعليه نصف الأربعين، لأنه قد وفى شرطها، قال محمد: إنما أجاب مالك في الستين على معرفة أنه كان يرضي بها صداقا أو يحط منها للشرط شيء. فعلم أن للشرط وضعته وأما إذا لم يكن من الزوج رضى إلا ما عقد بعضه ببعض ولم يعلم أنه كان يرضى بالستين ولم يذكرها وحدها فيرضى بها، ثم حطوه بعد الرضى فما عقد من أوله بالوضيعة للشرط فلا يرجع به، وما تراضيا به وركنا إليه وإن لم يعقداه، وقد علم أنه إنما منعهم العقد به لإدخال الشرط، فلها أن ترجع، وإنما جعل لها مالك أن ترجع فيما تواطؤوا به ورضي به الزوج، وهو قول ابن القاسم واشهب وابن وهب وعبدالملك واصبغ، وهو الصواب. وروى ابن وهب عن مالك، وقاله ابن القاسم واشهب فيمن تزوج على خميسن على أنه إن أخرجها فصداقها مائة، فالشرط باطل، ولها خمسون، وله أن يخرجها، ولو قال مع ذلك: وإن تزوج عليها امرأة فهي طالق، وإن تسرر فهي حرة، فهذا يلزمه، قال ابن القاسم: ولو نكحها بألف، فإن كانت له زوجة فصداقها ألفان فهذا غرر ويفسخ. في شطر التمليك في العقد أو بعده يجعل/ بيد الأب والأم أو السيد ومن زوج عبده على أن الطلاق بيد سيده من كتاب ابن المواز: قال مالك: من شرط في عقد النكاح ألا يخرجها إلا برضاها ورضا أبيها فلا تخرج حتى يرضيا. [5/ 185]
قال في العتبية من سماع ابن القاسم: وإن كان شرط رضاها وحدها فله أن يخرج بها إذا رضيت. كانت بكرا أو ثيبا. قال محمد: إذا كان التمليك بيدها وحدها. وجعل الخروج برضاها مع أبيها أو برضا أبيها وحده، فإن فعل فأمرها بيدها ولم يقل بأيديهما، فالأمر والرضا إليها، والأب في هذا لغو، لأنها إذا رضيت بالخروج ولم يرض الأب فلا حكم للأب إذا كان إنما قال: أو فمن رضي منهما بالخروج فلا تمليك لها، وكذلك لو شركهما فقال: برضائها ورضا أبيها، ولكن إن رضى الأب ولم ترض هي وقد شركها في الرضى فالأمر أيضا إليها، إن تطلق حتى يفرد الأب بالرضا فيرضى هو ولا ترضى هي، فلا تمليك لها، فإما في سخطه فلا يمنعها التمليك كان شرط رضاها أو رضاه وحده. ولو قال: برضاها أو رضا أبيها لكان رضاه يمنعها التمليك، وليس سخطه بشيء لأن التمليك بيدها، ولو شرط في العقد: إن أخرجها أو تزوج أو تسرر فأمرها بيد أبيها، أو قال بيد أمها، فرضيت الابنة بالخروج، وأبى ذلك الأب أو الأم، فذلك للابنة ويمنع السلطان الأم القضاء إلا أن تبادر قبل منعه فتطلق فيلزم (قلت): فإنطلقت بعد منع السلطان، قال: ذلك أخف، وهذا جواب ابن عبدالحكم، ورواه لمالك، قال محمد/: إذا نزع ذلك من يدها بحكم لم يلزم طلاقها. قال مالك فيمن قال لامرأته: إن غبت عنك سنة فأمرك بيد أبيك فأراد الأب عند السنة أن يفرق فأبت الابنة. فذلك لها، ويجبره الإمام ألا يفعل، قال أشهب: فإن طلق بعد منع الإمام لزم طلاقه، إلا أن ينزع ذلك من يده، محمد: يريد: ينزعه بحاكم. قال في كتاب التمليك: ولو وخر الأب الفراق بعد السنة وأرادت الابنة تعجيله فذلك للأب دونها. [5/ 186]
قال مالك: وللأب أن يوصي بذلك بعينه وإن لم يفعل لم يكن [لوصيه منه شيء قال ابن القاسم] ومعناه أن يرجع ذلك إلى المرأة إن لم يسنده إلى أحد. وقال أشهب: لا يرجع إلى المرأة ولو أسنده إليها أو إلى غيرها فليس ذلك له. وقال ابن عبدالحكم وأصبغ، قال ذلك ساقط بموت الأب وإن أوصى به إلى غيره. قال محمد: ولو قال: إن خرجت بك أو تزوجت بغير إذن أبيك فأنت طالق. فمتى فعل ذلك طلقت عليه، فأما التمليك فيسقط. ومن الواضحة قال: وإن شرط إن غاب سنة فأمرها بيد أبيها فليس للأب أن يوصي بذلك إلى غيره، ويستحب أن يرجع ذلك إلى المرأة، والقياس، ألا يرجع إلى أحد. وإذا شرط ألا يخرجها إلا برضاها أو رضا أبيها فإن فعل فأمرها بيدها وبيد أبيها فرضيت بالرحلة وأبي الأب، أو رضي فأبت هي وطلب من أبى أن يطلق فإنما ينظر إلى قولها في الخروج لأن الشرط لها أخذ، ولينة الأمام الأب أن يفرق، فإن فعل قبل النهي أو بعده لم يلزم ذلك، وإذا أرادت هي الفرقة وأبى الأب/ لم يلزمه الفراق حتى يجتمعا كالوليين. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها فأمرها بيد مولاها، فهلك السيد، قال: فذلك بيد ورثته أو وصية إن كان بنوه صغارا. ومن تزوج امرأة وشرط إن تزوج عليها فأمرها بيدها وذلك من صداقها، فوضعت الزوجة عنه الصداق بوضع الشرط. قال قوله: وذلك من صداقه، باطل، ولا يوضع الشرط بوضع الصداق. [5/ 187]
ما يجب للمملكة بالشرط القضاء فيه، وكيف إن لم تعلم ما نكح أو اتخذ؟
وإذا تزوج وأراد الأب أن يطلق فأبت هي نظر، فإن كان ما أرادت أحظى لها فلا قول للأب، وإن كان قول الأب خيرا لها فله القضاء دونها، وللأب أن يوصي بذلك فيقوم به وصيه، فإن لم يوص فلا شيء لها هي من ذلك، قال عنه يحيى: فإن طلق الأب قبل أن يمنعه السلطان جاز طلاقه. فإن طلق بعد المنع لم يلزم. ما يجب للمملكة بالشرط القضاء فيه وكيف إن لم تعلم ما نكح أو اتخذ؟ وكيف إن كانت صغيرة ... ومن شرط تمليكا إن غاب سنة هل لها أن تقضي بعدها ما أقام؟ والتداعي في ذلك وكيف إن قدم الغائب مناكرا فأتى بحجة؟ من كتاب محمد قال مالك: وما شرط للزوجة من التمليك فذلك بيدها من يوم عقد النكاح في البكر وغيرها، بنى أو لم يبن، ولها أن تأذن فيه دون أبيها في الخروج أو التزويج عليها أو التسرر. وإن تزوج عليها أو تسرر فأرادت أن تقضي بعد مدة، فإن علمت فأقامات يوما أو أقل قدر ما يمكنها إلى/ أن تشده على فراقها أو عتقها فتركت ذلك. فلا شيء بيدها، والقول قولها إنها لم تعلم، وإن بعد كثير السنين، إلا أن تقوم بينة أنها علمت ثم لم تقض مكانها، [وقاله الليث، وإن لم تعلم حتى ماتت المنكوحة أو فارقها فلها أن تطلق نفسها الآن] وقاله أصبغ. ومن العتبية وروى أصبغ عن أشهب قال: ولو تزوج عليها في سفره ولم تعلم، ثم علمت فلها أن تقضي ماتت الثانية أو فارقها أو بقيت قاله ابن القاسم. [5/ 188]
وقال ابن سحنون: وروى بعض كبار اصحابنا عن ابن القاسم فيمن شرط لها إن تزوج عليها فأمر الجديدة بيدها، فتزوج عليها سرا ولم تعلم حتى طلق القديمة قال: لها أن تقضي. وقال سحنون: إن كان طلاقه إياها طلاقا بائنا فلا شيء لها، وإن كان غير بائن فذلك لها. وروى أبو زيد عن ابن القاسم: وإن كانت الأولى صغيرة يعني: وشرط لها إن تزوج عليها فأمرها بيدها، فتزوج عليها، فإن كانت قد عقلت وعرفت الطلاق، فلها الخيار. وإن لم تبلغ ذلك استؤني بها حتى تعقل ثم تختار، ولو شرط أن أمر الثانية بيدها، والأولى الآن صغيرة لا تعقل، فسخ نكاح الثانية. وقال ابن حبيب في ذات الشرط: إذا نكح عليها فعلمت فلها القضاء ما لم يطل ذلك بأيام كثيرة يعد فيها [أنها رضيت. كان الشرط فيها أو في المنكوحة [ولو مسها والشرط فيها، زال ما بيدها]، وكذلك إن أمكنته من المنكوحة فخلا بها. ومن العتبية وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج/ وشرط إن تزوجت عليك فأمرها بيدك، أو قال: بيد أبيك، فتزوج فلم تقض هي أو الأب شهرا، ثم أراد من له ذلك أن يقضي قال: إن أشهد أن ذلك بيده ينظر فيه. فذلك له ما لم يدخل بالجديدة فلا شيء لهما، وإن لم يشهد حين نكح الثانية فقد زال ما بيديهما. ومن كتاب ابن الموز: وإن شرط إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها أو قال: بلا نفقة، فغاب أكثر من سنة فلم تخير، قال مالك: أما بعد السنة بالشهر والشهرين. فذلك لها بغير يمين، وإن طال بعد الشهرين فلا قول لها، وكذلك لو شرط ذلك عند سفره أو عقد نكاحه، وقال في كتاب التمليك إذا أقامت بعد [5/ 189]
السنة شهرا أو شهرين فلابد أن تحلف ما كان سكوتها رضي بالزوج. قال محمد: فإن لم تحلف فلا خيار لها. ومن العتبية روى يحيى عن ابن القاسم: إذا جاوزت الأجل ولم تقض بشيء بجهل أو نسيان ثم تريد أن تقضي فلتحلف، ولها أن تقضي، وقال ابن حبيب في روايته عن أصبغ عن ابن القاسم بجهل أو نسيان أو تترك ذلك عمدا، فلها أن تقضي إذا حلفت. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولو أشهدت عند الأجل: أني أنتظر سنة أخرى أو أكثر، فذلك بيدها ما أخرته قرب أو بعد. قال مالك: وكذلك إن قالت أنا منتظرته، وأنا على رأيي، كان ذلك بيدها أبدا، وإن أقامت عشرين سنة، ولا يحتاج إلى إشهاد ثان في هذا على تأخير ثان، ثم لها القضاء متى شاءت وإذا جهلت لتأخيرها/ وقتا، ثم أخرت القضاء بعد ذلك الوقت بأكثر من الشهر لم يكن لها بعد قضاء، وإن طلقت قبل وفاء الأجل لم ينفعها إلا أن تشهد: إذا حل الأجل فقد اخترت نفسي. قال ابن عبدالحكم وغيره: وإن شرط لها التمليك إن غاب عنها سنة وتركها بلا نفقة ففعل، ثم طلقت بالبتات، ثم قدم يزعم أنه كان خلف لها النفقة في مدته، قالوا: فقد لزمه لها الفراق إلا أن يقيم بينة ولا تلزمه نفقة إلا أن تكون رفعت إلى السلطان، ولكن عليه فيها اليمين. ومن العتبية روى أبو زيد عن القاسم فيمن قال [إن غبت عنك] سنة فأمرك بيدك، فاختارت نفسها بعد أن مضى لها سنة ثم قدم فقال: لم أرد إلا واحدة: إنه يحلف ويكون أحق بها إن أدركها في عدتها، وإن لم يدركها حلف وكان خاطبا. [5/ 190]
في المناكرة في تمليك الشرط، وبكم تقضي قبل البناء وبعده فيها أو في غيرها
وروى عنه عيسى فيمن جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة فأراد أبوها سفرا وأشهد أنه قد زاده بعد السنة خمس عشرة ليلة. ثم بدا للأب: قال: ليس ذلك له ولا قضاء له إلا بعد الخمس عشرة ليلة بعد السنة. ومن المجموعة قال: ومن أنكح رجلا على أنك إن غبت سنة فأمرها إلي، فغابها فطلق عليه واعتدت وتزوجت، ثم قدم فأقام بينة أنه قدم إليها قبل السنة، قال: ترد إليه، وكذلك لو شرط إن لم أبعث النفقة إلى وقت كذا وكذا فأمرك بيدك، فجاء الوقت، فطلبت ذلك بالبينة عندك فطلقت نفسها فلها أن تنكح ولا تنتظر/ لما عسى أن له حجة فإن قدم فأقام بينة أنه كان ينفق سقط التمليك، ونزعت من زوجها الآخر. وقال المغيرة في كتابه وهو في المجموعة في الرجل يريد أن يغيب فتقول له امرأته: أخشى أن تطول غيبتك، فيقول لها: إن جاء شهر كذا ولم أقدم فأمرك بيدك، فيأتي الشهر ولم تقض بشيء ثم تريد أن تقضي بعد ذلك قال: ذلك لها ما لم توقف أو توطأ. في المناكرة في تمليك الشرط وبكم تقضي قبل البناء وبعده فيها أو في غيرها؟ وهل تقضي مرة بعد مرة؟ ومن عليه شرط هل تكتم زوجته ما أحدث من نكاح أو سرية؟ من كتاب ابن المواز: إذا ملكها فقضت فناكرها، وقال: أردت واحدة فإن كان شرط في عقد النكاح لم يقبل منه لأنها لم تكن ترضى بواحدة، لأنه له فيها [5/ 191]
الرجعة، ولو تطوع بهذا الشرط يعد النكاح فله أن يناكرها، ويحلف على ما نوى إذا ناكرها مكانه، ولو كان في العقد فقضت بالبتات أو بدون البتات فذلك لها. قال ابن القاسم: وإن شرط أمر المنكوحة بيد القديمة فأرادت أن تطلقها بالبتات، فللزوج إن فعلت أن يناكرها، إلا أن يدخل بالآخرة قبل علم الأولى. فليس ذلك بدخول، قال أصبغ: يريد أنه دخول لا يحل، فلا يبطل ما بيدها إذا لم تعلم، فإذا علمت بعد البناء فلها أن تطلق بالبتات، قال أصبغ: ولو طلقتها بالبتات قبل البناء فذلك لازم له. ولا مناكرة للزوج/ إذا كان شرطا في أصل النكاح. قال أصبغ في كتاب التمليك: ولو كان تبرعا في غير أصل النكاح فله أن يناكرها في نفسها وفي غيرها قبل البناء وبعده ويحلف على ما نوى. قال: ومن شرط لامرأته في العقد إن نكح عليها أو تسرر فهي طالق، ولم يقل واحدة، فبعد أن بنى بها نكح أو تسرر، قال: تطلق القديمة واحدة وله الرجعة، قيل: إنها تقول لم أكن لأشترط ما لا ينفعني. قال: هي فرطت، لأنها شرطت الطلاق، وهو واحدة ولا يكون بعد البناء بائنة ولو قال إن فعلت فأمرك بيدك فإذا فعل فلها أن تختار نفسها ولا مناكرة له، قال ابن وهب: وهي البتة. ... شروط 3 وروى ابن القاسم عن مالك: أن قوله فأمرك بيدك أو فأنت طالق، هما سواء، وهي البتة إن اختارت نفسها، وهي البتة في قوله: أنت طالق. ولو قال: فالتي أتزوج عليك طالق، [كان القول قوله. قال محمد في قوله: فأنت طالق: هي] واحدة وله الرجعة إلا أن يتزوج عليها قبل البناء فتبين بواحدة. وأما قوله: فالتي أتزوج عليك طالق فهذه طلقة تبين بها، لأنها تطلق بالعقد قبل البناء، وما روى عن ابن القاسم غير هذا فغلط. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة على أن يطلق [5/ 192]
امرأة عند أخرى فقال: أطلقها واحدة، وقالت الثانية: بل البتة. وعليه تزوجتك قال: يلزمه فيها البتة. وكذلك لو شرط طلاق كل من يتزوج/ عليها لزمته فيها البتة، ومن سماع ابن القاسم: وإن شرط لها في العقد: إن تسرر عليها فهي طالق ثلاثا. فقال عند موته في ابن أمة له هو ابني، قال مالك: يلحق به وترثه المرأة، قال ابن المواز: قال ابن دينار: ومن قال لغريمه: إن لم أقضك حقك إلى شهر فأمر امرأتي بيدك. فله أن يطلق بالبتات لأنه وثيقة. وفي كتاب الأيمان زيادة في هذا المعنى. ومسألة من قال للخاطب إن فارقت امرأتك فقد زوجتك، في الجزء الأول من النكاح، في باب ما يلزم به النكاح من القول، من المجموعة قال ابن القاسم في التي شرط لها في العقد: إن تزوج عليها فأمرها بيدها فيتزوج فتقول: قد اخترت نفسي واحدة، فذلك لها، وله الرجعة، وإن قضت بالثلاث فذلك لها، ولأن من ملك امرأته ولم ينو شيئا فقضت بواحدة كانت واحدة. وإن قضت بالثلاث فذلك لها، وإذا شرط: إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها فغاب أو تزوج بعد البناء فطلقت نفسها واحدة، ثم قدم في العدة فارتجعها، ثم غاب ثانية أو نكح فليس لها أن تطلق نفسها، كما لو شرط: إن غاب عنها سنة أو تزوج فهي طالق، ففعل، ثم طلقت نفسها، ثم غاب عنها ثانية [أو نكح]، فلا شيء عليه، إلا أن يشترط: كلما غاب أو تزوج. فإذا شرط: إن تزوج عليها أو تسرر، فأمرها بيدها، فتزوج أو تسرر، ثم طلق الحرة أو أعتق الأمة، [فشرطه الأول] قائم فيهما أو في غيرهما. [5/ 193]
قال مالك/: لا ينبغي له أن يقرب واحدة منهما حتى يعلم امرأته ولا يكتمها، فإن دخل بها ووطئ، ثم علمت فطلقت عليه طلقة فله الرجعة عند ابن القاسم، ثم لا يكون له فيها طلاق ثان إلا أن تبين منه، فتصير كغيرها، وابن القاسم يرى له أن يناكرها قبل يبني بالثانية لأن الواحدة تبينها ولا يناكرها فيها بعد البناء إن طلقت نفسها بالبتات، وشرطها قائم حين لم تعلم. قلت: فإن جعلت له الرجعة في طلقة التمليك حين [بنى وهي] لم تعلم ببنائه وقد كان لها أن يطلقها قبل بنائه فتكون (بائنة) فكيف نفعه الوطء وهو لا ينفع المولي بالطلاق ليفعلن شيئا إذا وطئ في الأجل قبل يفعل. قال: هو في الإيلاء على حنثه لأنه لم يضرب أجلا لفعله، ومسألتك كالحالف بطلقة فيمن لم يبن بها إن كلم فلانا: فبنى ثم كلمه فله الرجعة، وقد تبين بحنثه قبل البناء، ولو حلف بأنهاعليه حرام، ثم حنث بعد البناء وقال: نويت واحدة فذلك له. وفي كتاب ابن سحنون: قال أشهب: ومن قال لغير مدخول بها: أنت طالق بائن، أو قال: طلقة بائنة إن كلمت فلانا، فبنى بها ثم كلمه: إنه يحنث بالبتات. ولا ينفعه إن قال: نويت واحدة، وإنما ينظر إليه يوم حنث فيؤخذ بلفظه. قال ابن حبيب: ومن شرط لزوجته: إن نكح عليها أو تسرر فأمر الداخلة بيدها من زوجة أو سرية: فأما النكاح فله عقده، وإن لم يعلمها ولكن لا يطأ/ حتى يعلمها فتقضي بعتقها أو تدع. [وأما السرية فله أن يطأها وطأة واحدة ثم يكف حتى يعلمها فيقضي بعتقها أو يدع]. وإن شرط: إن تسرر عليها فالسرية حرة، فاشترى جارية أو كانت عنده فله أن يقبلها ويتلذذ منها دون الجماع. [5/ 194]
في ذات الشرط يطلقها ثم يتزوجها هل يعود الشرط؟
ومن كتاب ابن المواز: قال: وكره مالك العقد على هذه الشروط. فإن نكح عليها فتزوج أو تسرر فلا أحب له أن يطأ حتى يعلم القديمة. محمد: يريد مالك: إذا شرط أمر المنكوحة بيدها، أو أمر القديمة بيد نفسها، فلا يطأ حتى يعلمها. في ذات الشرط يطلقها ثم يتزوجها هل يعود الشرط؟ وكيف إن تزوجها ثانية على رفع الشرط؟ من كتاب ابن المواز: ومن طلق امرأته التي لها عليها شرط ثم تزوجها بغير شرط فإن كان الطلاق ثلاثا سقط كل شرط لها. وكل يمين فيها بطلاق أو ظهار، وكل تمليك فيها، وإن كان الطلاق طلاقا بائنا بخلع أو صلح فالشروط راجعة عليه، وكذلك لو شرط في نكاحه الثاني: أن لا شرط لها عليه لم ينفعه ذلك، والشروط لها قائمة والأيمان، ما بقي من الطلاق الأول شيء ولا يسقط إلا البتات، لم يختلف في هذا قول مالك وأصحابه، ولكن لو حلف عليها بطلاق غيرها فابن القاسم يجعله مثل طلاقها، ويسقط أيضا وقد روي عن مالك. قال مالك: إن شرط: إن تسرر عليها أمة فهي حرة فطلق امرأته واحدة، فلما تمت العدة أو كانت بخلع. تسرر أمة وأولادها، ثم تزوج/ تلك المرأة. فلا يقرب أم ولده ما كانت امرأته حية، إلا أن يكون الطلاق الأول البتة. قال محمد: والذي هو أثبت عندنا، إذا طلقها البتة ثم تزوجها بعد زوج، فإنما يزول عنه كل يمين بطلاقها نفسها [وكل شرط كان لها في نكاح أو بعده أو بغير شرط، أو يملكها نفسها]، وأما ما كان بطلاق غيرها، كقوله: كل امرأة أتزوجها عليك طالق، أو إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق، فطلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج، أن ذلك له لازم، ورواه ابن وهب عن مالك فيما أظن، وقاله أشهب، وبه أخذ أصبغ. قال ابن حبيب: رواه مطرف عن مالك. [5/ 195]
قال ابن المواز: وقال أشهب: وكذلك قوله: إن تسررت عليك فهي حرة، أو تزوجت عليك فعبدي حر، قال أبدا أو لم يقل، فهو على الأبد حتى ينوي غير ذلك، وهو كالحالف بالله أو بالمشيء أن لا أطأك، فلا يزيل يمينه هذا طلاقه إياها (البتة) إن تزوجها بعد زوج إلا أن يكون نوى في هذا الملك، قال: وإنما تسقط أيمانه بطلاقها وظهارها. ولو قال لأجنبية: إن تزوجت عليك فتلك المرأة طالق البتة فتزوجها ثم تزوج عليها إن ذلك يلزمه. ولو قال لها: إن تزوجت عليك فأنت طالق البتة لم يلزمه شيء إن تزوج عليها حتى ينوي: إن تزوجتك ثم تزوجت عليك. وروى عن مالك فيمن شرط لزوجته في العقد أن كل امرأة أتزوجها أو أمة أتسررها ما دامات حية فالمرأة طالق والسرية حرة، فطلق زوجته ثلاثا، ثم تزوجها بعد زوج، فذلك له لازم، وكذلك/ لو أنه تزوج قبل ترجع إليه، أو تسرر فذلك يلزمه. وإن لم تكن تحته، إلا أن يكون نوى: ما كانت تحته، فليحلف ولا يلزمه إلا ما كانت تحته، ولو نيته في هذا الشرط، ولو قال بعد أن بانت عنه: كل امرأة أتزوجها ما دمت حية فهي طالق البتة لزمه ذلك في غيرها، كانت هي تحته أو لم تكن، وله أن يتزوجها بعد زوج، وإنما ينوي في (يمينه) وهي تحته، ففي هذا ينوي ما كانت تحتي. قال مالك: وإذا شرط في نكاحه: إن لم يبن بها إلى أجل كذا فأمرها بيدها، وإن خرج بها من بلدها فهي طالق البتة. فغاب حتى حل الأجل وطلقت نفسها قبل البناء، ثم تزوجها بغير شرط فالشرط الأول عائد عليه لبقية طلاق الملك الأول. وإذا شرط لها في النكاح التمليك إن تزوج عليها، فخالعها ثم تزوج غيرها، ثم تزوج الأولى فقال الزوج: إنما شرطت لك أو حلفت فيمن تزوجت عليك، وهذه لم أتزوجها عليك، بل تزوجت عليها، [فأما أشهب فقال: لا شيءعليه، والحجة له أن لو كان شرط: إن تزوجت عليك] فأنت طالق البتة، أو كانت القديمة [5/ 196]
إذا تزوجها تطلق عليه، فلا تطلق عليه كانت الجديدة عنده أو قد فارقها قبلها. قال ابن حبيب: وقال ابن أبي حازم مثل قول أشهب هذا، والمدنيون من أصحاب مالك على خلافه، وهم على قول مالك، قال مالك: وأما لو شرط لها ذلك بعد عقد النكاح، فصالحها ثم نكح غيرها. ثم تزوج الأولى: بلا يمين عليه في التي يتزوج بعد عقد النكاح، فصالحها ثم نكح غيرها. ثم تزوج الأولى: بلا يمين عليه في التي يتزوج بعد/ صلح هذه، إذا قال: لم أرد أن لا أجمعها مع غيرها قال مالك: فله نيته في الطوع، ولا نية له في الشرط. ومن شرط لامرأته طلاق من يتزوج عليها فصالحها ثم نكحها على أن لا شرط لها فشرطه الآن باطل، لأنها لو أذنت له في الملك الأول أن يتزوج لم ينتفع بذلك، ولو كان الشرط بتمليك أنه إن نكح عليها فأمر المرأة بيدها، أو لا ينكح عليها إلا بإذنها فهذا ينتفع بوضعها للشرط عنه. ومن كتاب ابن المواز: وروى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق [امرأته البتة] إن تزوج عليها فطلقها واحدة وبانت منه، قال في كتاب الخلع: أو خلعها ثم نكح سواها، ثم إذا تزوج القديمة رجع عليه الشرط واليمين فيمن تزوج. وفي غيرها ما لم يطلقها ثلاثا، لأن القصد ألا يجمع معها غيرها، قال في كتاب الخلع: ولكن لو طلق امرأته البتة لم يلزمه طلاق الأجنبية متى نكح الأولى بعد زوج، قال أصبغ: وإنما يسقط ذلك عنه إذا أراد بها البتة إن كانت يمينه بطلاقها هي، فأما إن كانت يمينه بطلاق غيرها فذلك ثابت عليه، وإن طلق امرأته البتة ثم تزوجها بعد زوج. وروى ابن وهب عن مالك فيمن قال لزوجته: كل امرأة أتزوجها عليك طالق البتة، فصالح هذه، ثم تزوج أخرى، ثم تزوج القديمة فإنه يحنث في الحديثة حتى يفرغ طلاق الأولى كله. ومن حلف لامرأته أو شرط: إن تزوج عليها فعليه المشي إلى بيت الله، فتزوج/عليها فحنث فله أن يتزوج ثانية ولا يحنث مرتين. [5/ 197]
في المرأة تسقط شرطها أو تأذن فيه، وكيف إن أذنت ثم رجعت؟
وقال ابن حبيب من تزوج على امرأته فغارت، فقال لها: إن دخلت بها فأمرها بيدك، فخالع الأولى أو طلقها ثلاثا. ثم دخل بالثانية، فأرادت الأولى أن تطلق عليه، وليست في عصمته، فذلك لها، وقاله أصبغ وغيره. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة وشرط لها: إذا بنى بها فأمر التي تحته بيد الجديدة، فخالع القديمة ثم دخل بالجديدة ثم راجع القديمة بنكاح فلا قضاء للجديدة، لأنه دخل بها والقديمة في غير ملكه. في المرأة تسقط شرطها أو تأذن فيه وكيف إن أذنت ثم رجعت؟ وما ينفع فيه إذنها، وكيف إن حنث؟ وكيف إن فعل فسكتت؟ ومن كتاب محمد: وإذا كان لها شرط تمليك في النكاح أو التسرر أو الخروج، فأذنت له، قال مالك وابن القاسم: ذلك له جائز، وقاله أصبغ، وقال أشهب: لا يجوز إلا أن يكون في الشرط: لا يتزوج إلا بإذنها. فإن فعل فأمرها بيدها. قال محمد: ومن حجته: أنها أذنت فيما لم تملك، ولو كان قال: إن تزوجت عليك إلا بإذنك فذلك جائز، وقول أشهب حسن. وقال سحنون مثله في المجموعة وشبهه بتسلم الشفعة قبل الشراء، وذكر محمد عن أشهب فيمن قال لزوجته: إن غبت عنك أو قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فأذنت له في/ الغيبة والنكاح فذلك الإذن باطل، لأنها أذنت فيما لم تملك ولها الخيار بعد الفعل. قال محمد: هو [قياس] قوله إلا أن يقول في يمينه إلا بإذنك فينفعه إذنها ولا رجعة لها فيه إن فعل وقول أشهب هذا خلاف مالك والليث، قال ابن المواز: [5/ 198]
والجائز من إذنها فيما تأذن فيه عند مالك عندما يريد أن يتزوج أو يتسرر أو يخرج، وأما قبل ذلك فلا يعجبني إلا عند كل ما يريد أن يفعل فحينئذ يلزمها إذنها، وقاله مالك وكذلك في العتبية رواه ابن القاسم عن مالك. قال ابن القاسم: وثبت على هذا بعد أن قال يجزئه إذنها فيه حتى يبيع الأمة ويطلق الزوجة ويرجع بها إلى موضعها، أذنت في شيء بعينه في حرة أو أمة، أو أذنت في التزويج والتسرر منهما والأمر لها في المستأنف قائم، إلا أن يعلم أنها قد طرحت شرطها أو بينت ذلك، فأما أن يستأذنها عند نكاح أو تسرر أو إخراج فتأذن فذلك يحمل على أنه لتلك المرأة بعد أن تحلف ما كان ذلك تركا لشرطي، فإن كان اسقاطا لشرطها. فلا رجوع لها فيما اسقطته ثم رجع مالك في الخروج بها فقال: متى ما أرادت أن يردها إلى موضعها فذلك عليه ولم يقل يحلف، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، قال محمد: وذلك إذا كان إذنها بغير إسقاط الشرط، وقال به أصبغ في الخروج، وقاله/ في التسرر أنها متى شاءت أن تمنعه من وطء من أذنت له في تسررها فذلك لها، وأما النكاح: فليس ذلك لها لفوات العقد كما فات ما مضى من وطء الأمة، وتمنعه من مستقبل وطئها وكذلك عنه في الواضحة. قال محمد: والحجة له قول مالك في الذي شرط تمليكا إن تزوج وتسرر، فظهرت له امرأة قديمة وأم ولد. فلا شيء عليه في المرأة، ولا يقرب أم الولد، لأن وطأها تسرر مؤتنف، قال ابن القاسم: وسواء كانت المرأة عالمة بهما أو لم تعلم، ولها عتق أم الولد بالشرط إن وطئها، قال أصبغ فكذلك ترد التي أخرجها بإذنها إذا شاءت. فإن أبي فلها أن تختار نفسها، وروى على بن زياد عن مالك في المجموعة مثل قوله الأول، أنه إن شرط في العقد: إن خرج بها بغير إذنها فهي طالق، فخرج بها بإذنها إلى منزله، ثم أرادت الرجوع وأراد هو نقلها إلى منزل آخر، أنه [5/ 199]
ليس لها هي رجوع، ولا له هو نقلها إلى منزل آخر بغير إذنها، فأعجب ذلك سحنون. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن أذنت له فتزوج فطلق الجديدة واحدة فليس للقديمة أن تمنعه رجعتها في العدة. قال مالك فيمن حلف لامرأته في غير شرط: إن أخرجتك من موضعك بغير رضاك فأنت طالق البتة، فرضيت بالخروج منه ثم طالبته أن يردها فذلك عليه، فإن لم يجد مايردها به فلا أرى له أن يخرجها إلا إلى موضع إن سألته ردها إن قدر على ذلك فإنما عليه ردها لازما إن شاءت. قال مالك: وإذا خرج وحده فأطال الغيبة فخرجت/ إليه فهو حانث، لأنه هو أخرجها حين تركها جائعة بلا نفقة، لو شاء بعث إليها، قيل: أفلا يعذر بالمرض أو بالسجن؟ قال إن لم يجد ما ينفق فليفارق، وهذه المسألة في العتبية من رواية أشهب عن مالك. وقال في السؤال: تزوجها على أنه إن أخرجها من بلدها فهي طالق، قال أشهب في المجموعة، إن كان الزوج إنما حبس النفقة عنها والقدوم ليخرجها إليه فهو حانث وأما إن أقام في حاجته، أو لم يقدر على النفقة، أو تعذر عليه الإرسال بها فخرجت إليه فلا شيء عليه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بغير شرط بالطلاق أن لا يخرجها إلا برضاها. فأخرجها برضاها، ثم سألته أن يردها، قال: يلزمه ذلك، قيل: وإن لم يجد ما يردها به. قال: ذلك عليها. قال سحنون: ليس عليه ردها إلا أن يكون شرط لها أن يردها، محمد: قال مالك: وإذا شرط في العقد إن غاب سنة أو أخرجها وأمرها بيدها، فتريد رضاه فتقول: قد رددت عليك أمرك، ووضعت عنك الشرط، فأحب إلي أن لا يكون أذنها إلا عندما يريد أن يفعل، وقال ابن عبدالحكم: إذا أسقطت شرطها وأبانت [5/ 200]
ذلك فليس لها رجوع في ذلك، قال ابن القاسم: ورواه أشهب عن مالك، إذا شرط لها إن نكح عليها أو تسرر فأمرها بيدها فأذنت له في النكاح أو التسرر، فتقيم بعد ذلك تطلب ثم تنزع عن ذلك، فقال مالك: إذا أشهدت أني وضعت شرطي فأبطلته فذلك. وإن أشهدت على أمر واحد فذلك لها. وفي العتبية من رواية أشهب مثله، قال: وإن أشهدت على امرأة / واحدة فذلك لها، وفي الواضحة قال مالك: ولو شرط أن لا ينكح عليها إلا بإذنها، فلا أحب أن يكون الإذن إلا عند النكاح، فإذا كان الإذن عند النكاح فلها أن ترجع ما لم ينكح، فإذا نكح فلا رجوع لها، وقد قال قائل: إنَّ إذنَها قبل أن ينكح ليس بإذن، وليس بشيء. قال ابن القاسم: ولو تزوج عليها أو تسرر بغير إذنها فعلمت فلم تطلق ولم تعتق حتى تزوج أخرى أو بانت هذه منه، ثم تزوجها فقامت الأولى بشرطها، قال مالك: فذلك لها، ويحلف ما كان ذلك تركا لحقها ولا إسقاطا له، وكذلك لو أذنت في الخروج ثم أراد الخروج بها ثانية فأنكرت. فلتحلف وهي على شرطها. قال ابن القاسم فيمن قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فأذنت له في التزويج قبل أن يريد النكاح بكثير، فتراضى في تزويجه، فأرادت أن ترجع فليس ذلك لها، كما لو قالت: أذنت لك أن تفعل متى ما أرادت، قال أشهب: لها أن ترجع، لأنها أذنت قبل أن يصير الأمر بيدها، فإن لم يفرق بينهما ساعة علمت فلا شيء لها، ولو شرط: إن تزوجت عليك إلا بإذنك نفعه إذنها. قال محمد: وقد ذكرنا رواية أشهب عن مالك خلافه في الذي شرط إن نكح عليها فأمرها بيدها فأذنت له فتراضى نكاحه ثم نزعت. قال أبو محمد: وفي باب ذات الشرط تقضي قبل فعله مسألة من معنى هذا الباب في الإذن. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال: إن تزوجت عليك [5/ 201]
إلا بإذنك فأمرك بيدك، فأذنت له فنكح ثم بدا لها، فليس لها ذلك في تلك المرأة، فإن نكح غيرها فذلك لها، وتحلف ما كان إذنها/ في الأولى تركا للشرط. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شرط أن كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك فذهب عقلها. قال: ليس له أن يتزوج عليها أبداً. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إن استؤني في أمرها فلم تفق فإذا أفاقت فذلك بيدها. قال اصبغ: لا يتزوج عليها، فإن فعل منع من وطئها حتى تفيق امرأته فتقضي أو تأذن كالغائب. ومن ملك مجنوناً أو مجنونة أمر امرأته فلا يسقط ذلك التمليك عنه. وروى عيسى عن ابن القاسم: وإن شرط لزوجته في العقد: إن قرب أم ولده إلا بإذنها فإن لها أن تعتق أو تحبس فوطئها بإذنها أو وهي تعلم وسكتت ثم قامت بذلك فليس ذلك لها. قال أصبغ: ومن قال لزوجته: إن وطئت جاريتي فلانة إلا برضاك فهي حرة، أو فأنت طالق فوطئها وهي تنظر فزعمت أنها لم ترض قال: حنث وليس سكوتها رضى، وإن ادعى أنها أذنت له قبل وطئه، فإن أقام بينه بذلك وإلا لزمه قال أصبغ: وإن جاء مستفتيا دين. قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن شرط أن كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك فأذنت له فنكح، ثم أرادت أن تطلق عليه فذلك لها، وكذلك في التسري قال ابن دينار في المجموعة في الذي شرط في العقد أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، ثم راضته على أن يترك وطأها وتضع شرطها. فإن أكرهها على الوطء رجعت في شرطها فلا ينبغي هذا، وهي على شرطها الأول، والشرط الثاني باطل. وذكر عن ابن نافع عن مالك بعد ذلك ولا رجوع، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في النكاح والتسرر، قال محمد: وقال أشهب: ذلك باطل إلا ما [5/ 202]
في المرأة لها شرط تمليك إن فعل كذا، فتقول متى ما فعل فقد اخترت نفسي
يقضي به يوم يتزوج عليها أو يتسرر، وقاسه أشهب على أصل مذهبه، وخالفه أصبغ. قال ابن القاسم عن مالك: ولو أقدمت معه عشرين سنة يطؤها ثم قالت له قبل تفعل شيئا: إن تسررت علي أو تزوجت فقد اخترت نفسي ثلاثاً، ثم بدا لها فأذنت له، قال مالك ألا يفعل فإن فعل فليفارقها بالثلاث. قال ابن القاسم: وكذلك في العتبية إن قالت: أختار زوجي إن غاب فلما غاب رجعت فليس ذلك لها، قال محمد: وهي كالتي أسقطت شرطها. وفرق مالك وابن/ القاسم بين هذا وبين الأمة تحت العبد يحلف سيدها بحريتها إن لم يبعها إلي سنة فتقول الأمة: اشهدوا أنه إن جاءني العتق بالحنث فقد اخترت نفسي فلا ينفعها ذلك، وكذلك من يقول: متى طلقت امرأتي فقد ارتجعتها؟ فلا يكون ذلك رجعة إن طلق، فيمن قال: كل امرأة أتزوجها إلا بإذنك فهي طالق ثم قال: أنا أتزوج، فقالت له: وأين يمينك؟ اذهب تزوج فأبعدك الله، قال: لو أذنت بغير غضب وأشهد عليها كان جائزاً. وأما هذا فلينظر لنفسه، فإن أمر الفرج عظيم. في المرأة لها شرط تمليك إن فعل كذا فتقول متى ما فعل فقد اخترت نفسي أو طلقت من ينكح وفي الأمة تقول إن عتقت فقد اخترت نفسي ومن قال إن طلقتك فقد ارتجعت من كتاب ابن المواز: قال مالك في التي شرط لها في العقد أو تطوع بذلك أنه إن غاب عنها فأمرها بيدها، فقالت قبل يغيب: اشهدوا أنه متى غاب عني [5/ 203]
فيمن شرط لامرأته طلاق من يتزوج عليها، ثم تزوج امرأة شرط لها مثل ذلك
فقد اخترت نفسي أو قالت اخترت زوجي، قال مالك: ذلك لازم قضاء لها وقال أصبغ، في ظني هو من الأمة قضاء كالحرة. قال محمد: وقول ابن القاسم أحب إلي، وليست الرجعة قبل الطلاق كإسقاط التمليك، وإسقاطه كالإذن، والإذن يكون قبل الفعل وهذا كله [عند أشهب ليس بشيء ومثله] الأمة رواها ابن وهب عن مالك. كتب بها مالك إلى ابن فروخ، قال محمد: وهي بخلاف الحرة، وليس بيد الأمة تمليك تقضي فيه، والحرة قد ملكها أمرها الآن أن تقضي إذا غاب عنها فلها أن تسقط ذلك أو تتمسك به، وإنما تشبه الأمة أن تقول الحرة: متى ما ملكني فقد اخترت نفسي؟ أو تقول: زوجي، فليس هذا بشيء، وقال: لا يلزم في الحرة وفي الأمة حتى تختار الأمة بعد العتق. والحرة بعد الغيبة أو التزويج، وهو قول حسن. وقال ابن نافع في المجموعة في الأمة تحت العبد قالت: متى ما عتقت تحته فقد اخترت نفسي؟ إن ذلك يلزم. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن شرط: إن تزوجت عليك أو تسررت فأمر الداخلة بيدك من عتق أو طلاق، فقالت: اشهدوا إن فعل فقد طلقت عليه واعتقت، قال: فذلك باطل، إلا ما يستأنف بعد التزويج والتسرر، قال أصبغ: ونحن نخالفه. قال أبو محمد: وفي أبواب التمليك باب من معاني هذا الباب. فيمن شرط لامرأته طلاق من يتزوج عليها ثم تزوج امرأة شرط لها مثل ذلك أو قال للأولى أنت طالق لأتزوجن عليك من كتاب ابن المواز: ومن شرط لامرأة أن كل امرأة يتزوجها عليها طالق فتزوج أخرى فشرط لها مثل ذلك. وفي رواية التلباني: فشرط لها أن كل امرأة له [5/ 204]
طالق، وهو الصواب، قال محمد: فقولي أن يطلقا عليه جميعا، وروي عن ابن القاسم أن لا تطلق عليه الثانية، وقال: وليس باستقصاء النظر، وخالفه أصبغ. وقال: يطلقان جميعا وقال: ولو يتزوج عليها ولكن قال لها: أنت طالق البتة أو قال: واحدة لأتزوجن عليك فإن قال: واحدة ولم يضرب أجلا فله أن يحنث نفسه مكانه بتلك الطلقة، ولا شيء عليه غيرها، وإلا فاليمين عليه أبدا. ولا يقرب امرأته حتى يتزوج عليها امرأة ويطأها لا يبره إلا ذلك، وهو لا يقدر على ذلك الشرط، ويكف عن وطء امرأته ويكون مولياً، فإن رفعت ضرب له الأجل من يوم ترفع، هذا قول مالك وأصحابه، وله تحنيث نفسه إذ ليس ليمينه أجل، ولو كان ضرب لتزويجه أجلا، لم يقدر أن يحنث نفسه، ولا يقدر أن يتزوج لشرطها فلابد أن يحنث عند الأجل بطلقة. قال ابن القاسم: وإن ضرب أجلا فهو أخف لأنه يطأ امرأته حتى يقرب الأجل فيصالحها، فإذا زال الأجل تزوجها وزالت اليمين فإنه يضرب أجلا فلا يقدر على البر للشرط ويلزمه اليمينان، قال ابن القاسم وأشهب، [فلا يطأ ولا يتلذذ ولا يخلو بها، فإن صبرت عليه توارثا /. وإن رافعته ضرب له أجل الإيلاء فطلقت به ثم لا رجعة له فيها، ولو ارتجع ما انتفع بذلك لأن اليمين قائمة وكذلك لو زالت العدة ثم لم يقدر أن يطأ، وتعود اليمين ويصير مولياً، كأول مرة يقدر أن يبر، لأنه كلما عقد نكاح امرأة طلقت بالشرط، وأما أشهب فيقول: إذا عقد النكاح فقد بر في يمينه وطلقت بالشرط، وقاله ابن عبد الحكم وخالفهما أصبغ وغيره، وهو قول مالك وابن القاسم وابن وهب وعبد الملك وهو الصواب أن لا يبرأ بالمسيس، ولو مس لمس حراما، لأنها طلقت بالعقد، ومذهب مالك وأصحابه فيمن حلف ليتزوجن لا يبر إلا بالوطء، إلا ما شذ به أشهب وابن عبد الحكم. [5/ 205]
فيمن شرط أن ينكح بشرط، وتراخى العقد فعقد ولم يذكر الشرط
وإن حلف لأتزوج حنث بالعقد لأنهم يحنثون بالأقل، ولا يبر إلا بالأكثر، وقد حرم الله ما نكح الآباء فحرمنا بالعقد وأرباح المبتوتة بعد زوج فلم يحلها النبي عليه السلام إلا بالوطء من ذلك الزوج، ولو أن الحالف أراد العقد وحده نفعه ذلك كما ينفعه لو نوى مالا يشبهه من النساء من أمة وكتابية وسوداء ودينة، فذلك له مخرج، وإلا فلا مخرج له إلا بغاية الأمر ومناكح مثله. ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم: ومن شرط في العقد إن خرج بها بغير إذنها فهي طالق، فخرج بها بإذنها فسألته أن يردها فحلف الطلاق ثلاثاً إن ردها، قال: يحنث، وكذلك لو لم يحلف إذا كان عليه شرط طلاق أن لا يخرجها إلا بإذنها فسألته أن يردها فلم يفعل، فإنه يحنث ولو كان إنما حلف/ بعد العقد أن لا يخرجها إلا بإذنها فلا يحنث بامتناعه من ذلك. وليس ذلك عليه، وروى سحنون عن ابن القاسم في التي شرط لها ذلك في العقد: أنه ليس عليه ردها إلا لمن يردها طائعا فيحنث، واختار هذا من قولي مالك، وقال: هي كقول مالك في التي شرط لها أن لا يتزوج إلا بإذنها فنكح بإذنها فليس لها فسخه بعد الإذن فيمن رضي أن ينكح بشرط وتراخي العقد فعقد ولم يذكر الشرط وفي الولي يعقد من الشرط علي غير ما رضيت به الزوجة أو على تأخير ذلك ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن خطب امرأة وشرطها: إن تزوج عليها أو تسرر فهي طالق بمحضر بينة، وكتبوا كتابا برضاه بذلك ثم خطبها ثانية [5/ 206]
وعقد يبينة غير الأولين وعقد ولم يذكروا شرطا فطلبت المرأة شروطها، وقال الزوج: لم أعقد عليها وقد كنت تركت الأمر الأول، قال مالك: يلزمه ذلك حتى يقيم بينة أنه تزوج بغير شرط، وكذلك في المجموعة ورواها ابن وهب عن مالك في العتبية ورواها عنه ابن القاسم. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن زوج وليته بإذنها ثم ذكر عند العقد شروطها من طلاق من يتزوج وعتق من يتسرر ولأنها كانت رضيت نكاحه، وشهد الزوج على نفسه بما في الكتاب من صادق وشرط حدا به قال: ما ألزم نفسي الشروط إلا بعد البناء، فيمن ينكر عليه بعد ذلك بثلاث سنين فقامت الزوجة بالشرط فقيل لها: قد استثنى زوجك فيها /، فقالت: لم أعلم، وأما الآن فلا أرضى بنكاحه، وقال الزوج: بالشرط فأبت هي، قال: ذلك لها إذا تباعد الأمر وطال. ولم يكن تم يومئذ النكاح حين لم ترض بما استثنى، ولو رضيت هي الآن بترك الشروط فأجاز ولأنها لو ماتا لم يتوارثا. قال أصبغ: وذلك إذا أقر لها بأصل الشرط أو قامت به بينة أن به رضيت، ومن سماع سحنون منه، وعن امرأة أمرت وليها أن يزوجها ويشترط لزوجها ولم يشترط، وبنى بها، ثم علمت بترك الشرط قال: يبطل الشرط ويتم النكاح، ولو علمت قبل البناء قيل لها: أترضى بترك الشرط؟ فإن أبت قيل للزوج: اشترط لها، فإن أبى فرق بينهما، وروى مثله محمد بن خالد، وقال في سؤاله: أمرته أن يزوجها فلاناً. [5/ 207]
فيمن شرط ألا يتسرر وهما يظنان الحمل، أو شرط ألا يتخذ أم ولد
فيمن شرط ألا يتسرر وهما يظنانه الحمل أو شرط ألا يتخذ أم ولد أو شرط أن من تسرر عليها حرة وله أم ولد أو شرطت عليه طلاق امرأته وله امرأة غير التي عرفت من كتاب ابن المواز: ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن شرط لامرأته أن لا يتسرر عليها وهو وهي لا يريان ذلك إلا الحمل، فيريد أن يطأ، قال، لا يفعل، وجهله بذلك لا ينفعه، قال في كتاب ابن المواز: كمن ظن ان البتة واحدة فلا ينفعه. قال سحنون: لا يعجبني وله أن يطأ أمته، ولا يضره إذا عندها هكذا وقد قاله مالك، وكذلك في المجموعة عن مالك ورواه عنه علي بن زياد/ قال أبو بكر بن محمد، وقد روى علي بن زياد وابن أشرس عن مالك: إذا وطئها وأراد منها الولد فهو تسرر. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب: قلت ما قولك في التسري وهل نأخذ برواية علي بن زياد؟ قال: التسري الوطء، ورأيت المدنيين ينكرون رواية علي وأرى إذا وطىء فقد تسرى، ووجب لذات الشرط الخيار. وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن شرط لزوجته أن كل جارية يتسررها عليها حرة، وله يومئذ أمهات أولاد فيطأهن يعد ذلك: أنهن يعتقن لأن وطأه تسرر، قاله أصبغ وأبو زيد بن أبي الغمر. قال سحنون: لا شيء عليه في أمهات أولاده وإنما يلزمه الشرط فيمن يستقبل من الملك، وأنكر هذه الرواية، وقال ابن حبيب عن أصبغ وابن القاسم مثل ما روى يحيى بن يحيى، وقال: وأما لو قال: فكل جارية أتخذها عليك حرة فلا شيء عليه فيمن عنده قبل الشرط، وذلك عليه فيمن يستقبل اتخاذهن، قال: وسواء علمت بمن عنده أو لم تعلم، لأن الاتخاذ فعل واحد إذا اتخذ جارية فقد [5/ 208]
اتخذها، وليس عودته إلى وطئها اتخاذا أو العودة إلى المسيس تسرر لأن التسرر الوطء فهو يتكرر والاتخاذ كالنكاح يشترط ألا ينكح عليها فلا شيء عليه فيمن عنده وعليه فيمن ينكح من ذي قبل وقاله ابن القاسم وأصبغ ومن الواضحة ومن شرط أنه تسرر فأمر السرية بيدها، أن تعتق أو تدع، فله أن يطأ ما شاء من الجواري وطأة وطأة / ثم يمسك حتى تقضي امرأته، أو لا تقضي ولا يجوز له بعد تلك الوطأة وطء ولا بيع، وقال ابن القاسم وأصبغ، فإن شرط إلا يتسرر عليها أم ولد فإن فعل فهي حرة. قال ابن القاسم: له وطء أمته في كل طهر مرة، وقال أشهب وابن الماجشون وأصبغ، له ان يطأ أبدا حتى يظهر بها حمل فيكف، وقال أصبغ: ما لم يفض إليها ويلتمس ذلك منها فإذا فعل هذا عتقت عليه ساعة ذلك فإن حاضت بعد ذلك فقد مضى عتقها. قال ابن حبيب: إذا قصد ذلك منها تربصت حتى تحيض أو يظهر بها حمل، ولا آخذ بقول أصبغ، وإذا شرط ألا يتخذ عليها جارية، فله وطء إمائه ما لم يلزم الواحدة منهن فأما المرة بعد المرة ما لم يظهر بها حمل أو يفض إليها قاصدا لذلك فيها، فهذا تمسك عن معاودتها ويصير قاصدا إلى تخاذها، وقاله أصبغ. وإن شرط: إن اتخذها عليها أم ولد فهي طالق، فله وطء إمائه، فإذا ظهر بواحدة حمل طلقت امرأته، قاله ابن الماجشون وأشهب وأصبغ. وقال ابن القاسم: تطلق عليه بأول وطأة للأمة لأنه يصير على شك من حملها وهذا استسحان والأول القياس ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن خطب امرأة فسألوه أن يطلق زوجته فأبي وتركهم مدة ثم نكح أخرى وعاود خطبة تلك المرأة ورضي أن يطلق امرأته وأشهد لها أن امرأته طالق إذا عقد نكاح هذه وهو ينوي الآخرة وهي تنوي الأولى التي عرفت له قال فله نيته ونكاحه ثابت وتحلف ما نوى إلا الآخرة وهو كمن له امرأتان ولم تعلم المرأة إلا بواحدة فسألوه طلاق امرأته ففعل فله نيته] [5/ 209]
في الدعوى في الشروط
في الدعوى في الشروط من كتاب ابن حبيب: ومن شرط لزوجته أن لا يرحلها إلا بإذنها فرحلها وقال بإذنها رحلتها، وقال هي: يغير اذني، فعليه البيئة، وهي مصدقة كقول مالك فيمن ملك امرأته ثم افترقا فقالت: قد فارقته قبل افتراقه المجلس، وقال هو لم تقض شيئا، فهي مصدقة. من كتاب ابن المواز: قال اصبغ عن ابن القاسم فيمن شرط لأمرأته طلاق من تزوج عليها أو أمرها بيدها فظهرت له امرأة فقال للأخرى: قد كانت تحتي قبل نكاحك، وقالت هي: بل بعد نكاحي، فالزوج مصدق كمن حلف بحرية من يشتري إلى ثلاثين سنة، فقام عليه عبد له، فقال السيد ابتعتك قبل اليمين، فالسيد مصدق إلا أن تقوم بينة أو للزوجة. قال أبو محمد: وفي أبواب التمليك باب في التداعي فيه. مسائل مع معنى الشروط مختلفة قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف أن لا تخرج امرأته من منزلها حتى تأذن له، فأذنت له، فلما أراد أن يرحلها بدالها في الخروج، فليس لها ذلك، وإن قال في يمينه: إلا بإذنك أو قال: بغير إذنك، فليس له أن يرحلها إن أذنت له ثم بدا لها وقوله إلا بإذنك أو بغير إذنك مخالف لقوله: حتى تأذن لي. وسأله حبيب عمن شرط لامرأته في كتابه: إن أضربها فأمرها بيدها فتأتي فتذكر أنه ضربها، مثل ذلك من الضرر؟ قال: إن كان مثله يؤدب امرأته يريد وهو مأذون على ذلك، فليس هذا من الضرر، وهو مصدق أنه ضربها لذنب كان منها، وعليها هي البينة أنه ضربها ظالما، ثم يكون لها الخيار، قال وإن كان مثله لا يؤدب أهله ولا يعنى بهذا لرداءة حاله وقلة عنايته بأمرها، فعليه هاهنا البينة أن ضربه ذلك كان لذنب منها تستوجب به ذلك وإلا فهي مصدقه أنه ضربها ظلما، ويكون مضارا إن أقر بالضرب، وإن جحد الضرب [في الوجهين فأقامت عليه [5/ 210]
البينة] بالضرب فهذا حنت لجحده، ويصير ضربه ضررا في الوجهين، ولها الخيار، ولا يقبل منه الآن إنه لذنب وإن كان ممن يؤدب مثله أهله، لأن جحوده أخرجه من التصديق. [5/ 211]
[5/ 212]
كتاب الخيار والتمليك في الخيار
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الخيار والتمليك في الخيار والتمليك وما للمرأة في ذلك من القضاء وللزوج من المناكرة من كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه في المخيرة إذا طلقت نفسها واحدة فليس بشيء إلا عبد الملك فقال: تكون البتة، ولا أدري من أين أخذه، قالوا: وإذا قالت: اخترت نفسي فهو البتات ولا تصدق أنها أرادت واحدة حتى تبين فتقول: اخترت واحدة أو اثنتين، فلا يلزمه شيء في المدخول بها. قال مالك: وإذا قالت: اخترت طلقة واحدة فليس بشيء، قال محمد/ ما لم يتبين منه الرضا بها فيلزمه، وله الرجعة ليس من قبل الخيار، لأن الخيار طلاق لا رجعة فيه. قال مالك وله مناكرة التي لم يبن بها إذا حلف على ما نوى. وقال: وأما في التمليك فله المناكرة وإن بني. محمد: ويحلف مكانه، لأن له الرجعة مكانها، فإن لم يكن بنى فلا تلزمه الآن يمين لأنها قد بانت، فإذا أراد نكاحها حلف على ما نوى ولا يحلف قبل ذلك، إذ لعله لا يتزوجها، وإذا لم يكن له في التمليك نية فلا نكرة له فيما قضت. قال أصبغ إنما تنفعه النية التي خرج لفظ التمليك عليها، لا ما يحدث له بعد القول. قال محمد: إلا رواية لأشهب عن مالك فيمن ملك امرأته وهو يلاعبها فتقول: قد تركتك، فيقول الرجل: كنا لاعبين ولم أرد طلاقا، قال مالك: يحلف [5/ 213]
ما أراد إلا واحدة وفي مسألتهم شبهة، قيل: أعليه حرج أن يحلف أنه لم يرد شيئا؟ فقال لا قد أمر بذلك، فيحلف ما أراد الطلاق وتكون واحدة. قال محمد: وليس بِأصل ملك، لأنه ملكها ولم يرد واحدة ولا أكثر فقد صار بيدها ملك ما كان يملك منها. وروى ابن القاسم عن مالك قال: وإذا قال في التمليك، قال في العتبية بعد أن قضت بالثلاث لم أرد طلاقا، ثم قال إنما أردت واحدة، إنه يحلف وتكون واحدة. وقال أصبغ: لا تصدق إلا أن يكون نسقا في كلام واحد، وهذا نادر، وقال أصبغ في العتبية ينوى بعد أن قال لم انو شيئا، وهذا وهم من ناقله، والقضاء ما قضت. قال محمد: وذهب زيد بن ثابت في التمليك إذا فارقته أنها واحدة / وله الرجعة، وأخذ مالك بقول ابن عمر أن القضاء ما قضت إلا أن يناكرها. ومذهب ربيعه في التمليك هي واحدة قبلت أو ردته، قال مالك: وما أدري من أين أخذه، وقد اختار أزواج النبي عليه السلام المقام فلم يكن ذلك فراقا. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته قد خيرتك، وقالت قد طلقت نفسي بواحدة بائنة، قال: ليس بشئ ولو كان تمليكا كان له أن يناكرها وتكون واحده غير بائنة وله الرجعة، وإن لم يناكرها فهي البتة. قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا خيرها قبل البناء فاختارت واحدة، فقال هو لم أخيرك إلا في الثلاث فله ذلك ولا شيء لها، وكذلك لو لم تكن له نية. [5/ 214]
في قضاء المملكة والمخيرة في المجلس أو بعده، والمناكرة في ذلك
قال ابن سحنون عن أبيه: وإن قال لغير مدخول بها اختاري فقالت قد خليت سبيلك، فسئلت عن مرادها فقالت: أردت واحدة أو اثنتين، فإنه يسأل الزوج ما نوى، وإن نوى مثل ذلك فالقضاء فيه مثل ما قضت، وإن قال نويت ثلاثا فلا شيء لها إذا قالت هي نويت أقل من الثلاث، فإن لم ينو الزوج شيئا فلا يمين عليه في هذا لأن مخرج اختاري علي الثلاث، [وإن نوت هي أقل من الثلاث فلا شيء لها إذا لم ينو الزوج شيئا، وإن أرادت ثلاثا أو لمن تنو شيئا ولا نية للزواج فهي ثلاث]. في قضاء المملكة والمخيرة في المجلس أو بعده والمناكرة في ذلك وكيف إن قالت قبلت أو حتى أنظر وشبه ذلك ثم افترقا قبل أن تسأل؟ / من كتاب محمد: قال: وإنما للملكة والمخيرة القضاء في المجلس في قول مالك القديم، إلا أن تقيد ما جعل بيدها قبل الافتراق بأن تقول: قبلت أو رضيت أو اخترت ونحو هذا مما يعلم أنها لم تدع ما جعل لها، ولا يدري أهو فراق لها فلا يزول ما بيدها إلا بإيقاف السلطان أو تمكن من نفسها. ولو قال لها الزوج لا أفارقك حتى يتبين فراقك أو ردك فليس ذلك له إلا بتوقيف السلطان أو ترضى هي بتركه أو يطأها غير مكرهة، قاله مالك في العتبية من سماع ابن القاسم. وقال المغيرة في المجموعة إذا قالت قبلت استشير أبي أو ذوي الرأي من أهلي وانتهت إلى الحاكم فيلزمها أن تقضي في مجلسها أو تدع، إلا أن تقول: لم [5/ 215]
أذكر ذلك لمن استنبت أو يرى السلطان لذلك وجها فيؤخرها إليه إلا أن تبعد غيبته. قال في كتاب محمد: قال: وإذا طال المجلس بهما عامة النهار أو خرجا من ذلك إلى غيره فقد زال ما بيدهما. وقال أشهب: ذلك بيدها ما أقاما في المجلس، واحتج بحديث عمر مادام في المجلس. قال أشهب في المجموعة وإنما قال مالك إن ذلك لها بعد المجلس مرة ثم رجع عنه إلي أن مات. قال ابن سحنون: وذهب سحنون إلى قوله الأول أن ذلك بيدها في المجلس ثم لا شيء لها إن افترقا طال المجلس أو قصر، إلا أن يقوم الزوج مرارا بالأمر لها، وإن طال المجلس حتى يخرجا إلى أمر آخر فلا شيء لها. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا خيرها وهما في سفينة أو في محمل أو على دابة وهي على أخرى يسيران فهو كالمجلس، ذلك بيدها ما لم يخرجا إلى أمر آخر / مما يرى أنها تاركة لما جعل لها أو يفترقان، وهذا على قول مالك الأول، ولو خيرها وهي في صلاة مكتوبة فأتمتها فذلك بيدها، وكذلك لو كانت في نافلة صلت أربع ركعات فلا يقطع ذلك ما بيدها، وإن زادت على أربع حتى تبلغ من الصلاة ما يرى به أنها تاركة لما جعل لها، وقد تستشير نفسها وتنظر في أكثر من مقدار عشر ركعات، وقال: ولو خيرها فدعت بطعام فأكلت أو امتشطت أو اختضبت في مجلسها فليس بقطع لخيارها إلا أن يكون في ذلك كلام [غير الخيار تستدل به على ترك ما] جعل لها مع طول المجلس والخروج مما كانا فيه، وإنما للزوج المناكرة في التمليك مادام في المجلس، وما قلنا إن ذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ، ولا يزيله ان توطأ غصبا، فإن ادعت الغصب قال أصبغ: إذا رضيت بالخلوة وإرخاء ستر أو إغلاق باب ثم زعم أنه وطئها فقد زال ما بيدها. قال: وإذا قيدت المملكة ذلك بأن قالت: قبلت أمري فلم تسأل عما أرادت حتى [5/ 216]
حاصنت ثلاث حيض أو وضعت حملها، فإن قالت بعد ذلك أردت طلقة صدقت بغير يمين ولا رجعة، لأن العدة من يوم قولها قبلت أو قبلت أمري، وإن قالت أردت أن أنظر، صدقت وكان لها أن تطلق الآن نفسها بواحدة، وله الرجعة، وإن قالت أكثر من واحدة فله المناكرة ويحلف، وإن غاب فقال: إن قضت بأكثر من واحدة فإني لم أرد إلا واحدة، وأني قد ارتجعت فذلك له ويحلف ولو لم يقل الزوج شيئا وقدم وقد / خرجت من العدة وتزوجت وقالت: أردت البتة، وقال الزوج أردت واحدة وقد ارتجعت: إن أرادت الطلاق بقولها قد قبلت فانقضت العدة وقالت: نويت البتة وتزوجت. ثم قام الزوج بحجته فذلك له ان لم يبن بها الثاني، وإن بني بها فلا سبيل للأول إليها، ولو فارقها الثاني بعد البناء ثم خطبها الأول فلا يمين عليه أنه أراد واحدة لأن تزويجها الثاني يحلها للأول، ولو كان نوى البتة أو لم تكن له نية، ولكن إن تزوجها وبنى بها ثم طلقها واحدة لم أمكنه من الرجعة حتى يحلف ما كان لي في التمليك نية اثنتين، وإن شاء قال: ولا غيرهما وان طلق اثنتين حلف ما كان نوى واحدة وإن شاء قال ولا غيرها، قال: ولو كان يعيدها للتمليك بأن قالت حتى أنظر، أو قبلت حتى أستشير، لم تكن العدة هاهنا إلا من يوم يتبين الفراق. ومن المجموعة قال مالك: وإذا قالت المملكة قبلت ثم افترقا، فلتسأل، فإن قالت أنظر واستخير، فليس بطلاق، وإن قالت أردت ثلاثا أو اثنتين فله أن يناكرها. وقال المغيرة: إذا لم تشترط أستخبر وأنظر لم يكن إلا الثلاث، وقال عبد الملك: إذا قالت لم أنو شيئا بقولي قد قبلت وقال الزوج: لم انو شيئا حين ملكتها لزمته الثلاث، قال ابن القاسم: إذا قالت: قبلت ثم وطئها أو قبلها طائعة، ثم تقول نويت بقولي: قبلت امري الطلاق فلا تصدق وقد زال ما بيدها، ومن تعلقت به زوجته وقالت لا أدعك حتى تفارقني فقال لها: أمرك بيدك، فقالت: إنها الآن فلتسأل، وإن افترقا، فإن لم ترد طلاقا فليس بشيء، وإن أرادت طلاقا فهو / ما أرادت منه إلا أن يناكرها فيحلف. قال ابن الماجشون: ومن [5/ 217]
في اختلاف ألفاظ التمليك والتخيير من الزوج واختلاف الجواب من المرأة
قال لأجنبية إذا تزوجتك فاختاري فتزوجها فلها الخيار، وإن لم يقل في مجلسها قبل النكاح: قد قبلت ولها الخيار بعد النكاح، وفي مجلس النكاح، وفيما قرب منه، ويبطل ما بعد. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المملكة تقول: قبلت ثم تصالحه قبل تسأل ما قبلت، قال تسأل الآن، فإن قالت: أردت تطليقتين أو ثلاثا صدقت وله ان يناكرها ويحلف، وإن قالت: لم أرد شيئا فهو ما قضت وتضاف طلقة الصلح إلى ما ثبت عليه من طلاق التمليك، فإن تمت ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج، وإن كانت أقل ثم نكحها كانت عنده على طلقة، فإن قالت لم أنو طلاقا لم يلزمه غير طلقة الصلح، ولو قالت طلقت ثلاثا فلم يناكرها فليس عليه رد ما أخذ منها، ولو كانت ما قالت ما أعطته شيئا، وإن قالت جهلت لم تعذر / ومسألة قوله: ان شئت، أو إذا شئت ثم تفرقا من المجلس في باب مفرد بعد هذا. في اختلاف ألفاط التمليك والتخيير من الزوج واختلاف الجواب من المرأة في القضاء فيهما من كتاب ابن المواز، قال: وقول الزوج للزوجة، اختاري أو اختاري نفسك أو قال: أمرك بيدك سواء، ويختلف في جواب المرأة، فإن قالت: قبلت امري أو قبلت أو اخترت فقط فليس بفراق، إلا أن تريد به الفراق، وتسأل ما أرادت، وذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ طائعة [ولا يمين عليها فيما تقول]. وإن قالت المخيرة: اخترت نفسي، أو قبلت نفسي لم تسأل، وكان البتات، ولا قول لها في دون ذلك إن بنى بها ويقبل ذلك من التي لم يبن بها، لأن الواحدة تبتها ولا نكرة للزوج بعد المجلس فيما له فيه المناكرة قال: وقولها قبلت نفسي، وهو البتات في الخيار والتمليك، لا يقبل منها أنها أرادت أقل من ذلك، ولا أنها لم ترد [5/ 218]
طلاقا، وله المناكرة في التمليك، ولو قالت قبلت أمري فهذه تسأل، فإن قالت: ما جعل لي، فذلك بيدها حتى توقف أو توطأ، وإذا قالت: طلقت نفسي فلتسأل في التمليك كم أردت؟ وللزوج أن يناكرها فيما زادت على الواحدة، وروي عن ابن القاسم أنها لا تسأل، وهي في التمليك طلقة. وأما في الخيار فتسأل في المجلس، فإن قالت واحدة سقط خيارها، وإن افترقا سقط الخيار أيضا. محمد: وأحب إلي أن تكون طلقة في التمليك ولا تسأل في الخيار بعد جوابها، لأنه هو الجواب، وإذا أجابت بما يشبه أن تريد به الطلاق، أو تريد قبول التمليك مثل: قد اخترت أو رضيت أو تركتك أو شئت أو اخرج عني، أو لا تدخل عليَّ إلا بإذني فلتسأل بعد المجلس، كقولها قد قبلت أمري. وأشد من ذلك قولها: اخترت أمري ولا يكاد يفترق هذا عندنا من الطلاق ولقد قال عبد الملك: لا يقبل منها ان قالت لم أرد به الطلاق ولو علم أنها من يعلم الفرق بين ذلك وبين الطلاق وقصدت ذلك لقبلت منها، ولا يكاد يفرق بين ذلك الرجال إلا من تفقه، فرأيت مذهب عبد الملك أنها البتة، وقال أشهب تسال فيه فإن قالت: أردت زوجي لم تصدق وكان طلاقا، إلا أن تأتي بما يعرف به صدقها، وإن قالت: أردت حتى أنظر في أمري فذلك لها مخرج، وإن قالت: كنت لاعبة لم أرد طلاقا دينت، ولم يلزمه شيء، وكذلك إن قالت خرج ذلك منى استهتارا لم أرد به شيئا، وقال ابن القاسم تسأل عن قولها اخترت أمري، فإن قالت أردت الصلح فهو صلح ولا رجعة له، أو سواء خيرها أو ملكها إذا رضي الزوج أو افترقا عن رضا. قال محمد: وإذا أنكر الزوج في التمليك حلف وارتجع. وقال أصبغ في جوابها اخترت أمري، هو الفراق في الخيار والتمليك ولا تسأل عما أرادت، ولا تحل له إلا بعد زوج. وقال محمد: وقول عبد الملك أحب إلي أنها إن قالت: أردت دون الثلاث قبل منها في التمليك ويسقط الطلاق في الخيار. ولو نوزع الزوج في التي [5/ 219]
يشبه فيها القول أن تكون غير عارفة فافتراق القول في ذلك كان أحب إلينا، وإن قال: أمرك بيدك فاذهبي، فقالت قد ذهبت، فهو جواب فراق، ولو لم يقل هو: فاذهبي لسئلت عما أرادت، ولكن هذا جواب الفراق، وقال ابن القاسم: تسأل عما أرادت قال أصبغ إلا أن يخاف الزوج فيتورع. ومن العتيبة روى أو زيد عن ابن القاسم في المملكة تقول: قد فرغت فهو كقولها قبلت، وتسأل، وكذلك لو ملك أمرها / رجلا فقال هذا فإنه يسأل. وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي يقول: خيرة الله في يديك، فاختارت، فقال هو لم يرد طلاقا، قال: يحلف ما أراد طلاقا ولا تمليكا، وما كان سكوته عنها في اختيارها رضى ولا شيء عليه. ومن كتاب ابن المواز قال وإذا قال: ملكتك فهو تمليك، وكذلك قد خيرتك فهو تخيير، وإن لم يقل: أمرك ولا نفسك، وكذلك طلاقك إليك أو بيدك أو قال: أمرك فذلك تمليك. قال محمد وقولها: قبلت نفسي مثل قولها: اخترت نفسي في قولهم اجمع إلا أشهب بغير حجة كأن يقول: قبلت أمري وقبلت نفسي سواء، لا يراه طلاقا حتى يوقف ولم يره مثل: اخترت نفسي. قال مالك: وإذا أجابت المملكة بالظهار لم يلزمه شيء ولا ظهار للنساء، وليس لها أن توجب عليه كفارة. قال [مالك وإذا] ملكها فبكت وقالت طلقني زوجي فأخبرت أن ليس بطلاق، فقالت: ظننته طلاقا، قال: لا شيء عليه، وإذا قال لها: أتحبين فراقك؟ قالت: ما شئت، قال: قد شئت ثم قال: إنما شئت أن أمسك فهو فراق، ويحلف أنه ما أراد إلا واحدة، وإذا قالت المخيرة: اخترت نفسي وزوجي، قال مالك: فهي البتة. [5/ 220]
في المملكة تفعل فعلا يشبه الجواب
ومن كتاب ابن حبيب قال ابن القاسم في المملكة إذا قالت: طلقتك فهي واحدة وهو كقوله لها ذلك إلا أن تريد المرأة أكثر فيكون ما نوت إلا أن يناكرها عند افصاحها بذلك فلها ذلك، وكذلك قولها له: قد خليت سبيلك أو فارقتك، كقوله ذلك لها، وقال أصبغ: / ليس قولها له: قد طلقتك كقوله لها، لأن مبتدأ ذلك منه على طلاق السنة وهو واحدة حتى يزيد أكثر فأما هي فمملكة، فكأنها أجابت عن الفراق فهو على البتات حتى تريد واحدة. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال لامرأته انتقلي عني، فقالت: لا انتقل حتى تبين لي أمري فقال انتقلي فإن شئت طلقتك عشرين، فانتقلت ولم تقض شيئا، ثم ردها، قال: لا شيء عليه. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا قال: ملكتك أو قال: أمرك بيدك فاختاري فتقضي بالبنات فله أن يناكرها، ولو قال: أمرك بيدك اختاري فليس له أن يناكرها إن اختارت نفسها، قال عبد الملك: وقوله: أختاره وأستخيره، ولك الخيار سواء. قال المغيرة: فإن قال لها قد اعطيتك بعض عصمتي فتقول أنا طالق ثلاثا فليس له مناكرة وهو كمن أعطاها بعض البتة، وقال ابن القاسم في المخيرة تقول: اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، فليس يقطع خيارها، ولكن توقف الآن فتقضي حينئذ أو ترد، وقال سحنون: ليس لها قضاء لأنها أجابت بغير ما جعل لها. في المملكة تفعل فعلا يشبه الجواب. من كتاب ابن المواز قال: والمملكة إذا فارقت المجلس ولم تقض فقالت: نويت الفراق في المجلس فلا ينفعها ذلك إلا أن تفعل ما يشبه جواب الفراق، وتقول: إياه أردت: مثل أن تقوم من مكانها فتنقل متاعها، أو تخمر رأسها [5/ 221]
وتنتقل فتصدق / فيما نوت، وقاله مالك في التي قالت: أعطوني شقتي فأخذتها وخرجت ولم تتكلم وسافر هو، وفي التي نقلت متاعها وخمرت رأسها قال مالك: هذا فراق، ومجرى الجواب، قال محمد: إذا قالت أردت به الفراق ووصلته بكلامه فهو كالجواب، وهي واحدة وله الرجعة، إلا أن يكون مع ذلك فراق. وإذا قالت: الآن نويت بفعلي الثلاث فذلك لها إلا أن يناكرها بنية كانت له وقت القول ويحلف، وقاله عبد الملك، وقال أصبغ: يحلف يمينيين: يمينا أنه ما علم أن ما فعلته به البتة ولا رضيه، ويمينا أنه نوى واحدة قال محمد: يمين واحدة تجزئه يجمع ذلك فيها. ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسين عن ابن وهب في التي نقلت متاعها عندما ملكها ثم قالت، لم أرد شيئا قال: إن لم تكن اختارت، فلا شيء لها. ومن المجموعة قال مالك في المملكة تنقل متاعها وهما يريدان الطلاق، فذلك فراق. قال ابن القاسم: وتدين المرأة فيما أرادت فإن نوت ثلاثا فذلك لها ولا ينوى الزوج في ذلك. قال عبد الملك: إذا فعلت الأمر البين الواصل بالكلام، خمرت رأسها وأمرت بما تفعله المطلقة المزايلة، وخرجت قال: فإن قال بعد ذلك: ما ظننت أن ذلك منها مثل النطق بالبتة حلف وقبل قوله، ويحلف على واحدة أو اثنتين. وقاله سحنون في كتاب ابنه بعد يمينه كقول عبد الملك من أوله، وقال فإن قالت هي أردت بذلك ثلاثا حلف يمينا بالله إن قال أردت أنا أقل من ذلك [5/ 222]
فيمن قال اختاري في واحدة أو طلقي نفسك واحدة أو قال ثلاثا فخالعت
فيمن قال اختاري في واحدة أو طلقي نفسك واحدة أو قال ثلاثا فخالعت أو قال في الثلاث أو من الثلاث أو أمرك بيدك إن شئت أو ما شئت وشبه هذا وما فيه من المناكرة من كتاب ابن المواز، قال مالك وإذا قال: اختاري واحدة حلف ما أراد إلا طلقة وذلك له، وكذلك في قوله: اختاري في أن تطلقي نفسك واحدة أو تقيمي قال محمد: ولو بين فقال: اختاري في إن تطلقي نفسك من الطلاق واحدة [أو من الثلاث واحدة] لم يكن عليه يمين، وإنما حلفه مالك فيما احتمل أن يريد به مرة واحدة وإن قال، طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فقالت: قد شئت واحدة فلا شيء عليه .. كالمخيرة، فإن قالت [فإذ لم يخيروا ذلك، فأنا طالق الآن بالبتة فلا شيء لها في قول أصحابنا الا أشهب] قال: ذلك لها ما لم يقترقا، واحتج أن مالكا قال في المخيرة تقضي بالواحدة، ليس ذلك لها، إما أن تقضي بالبتات أو ترد، قال ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون عن مالك، فيمن قال لزوجته طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا، إنها واحدة وإن قال ثلاثا فطلقت واحدة فلا شيء لها، وقال أصبغ لا شيء لها في ذلك كله، قال مطرف عن مالك فيمن ملك امرأته في واحدة فقضت بالبتة فلا شيء لها لأن البتة لا تبعض وساوى بينهما المغيرة فقال في البتة كما قال في الثلاث مالك. وقال أصبغ: إن ملكها ثلاثا، أو قال البتة فقضت بواحدة، أو ملكها / واحدة فقضت بالبتة أو بالثلاث فذلك كله باطل، لأنه غير ما أعطاها، وفي باب من ملك رجلين مسألة تشبه هذا. قال ابن حبيب قال أصبغ: وإن قال اختاري في ثلاث فاختارت واحدة فذلك لها، ولو قال من ثلاث فهو ألبته وإن قال اختاري ثلاثا أو قد ملكتك ثلاثا [5/ 223]
ولم يقل في ولا من، فإن اختارت أقل من الثلاث لم يلزمه شيء، وكذلك لو قال: اختاري وسكت. وروى ابن سحنون عن أبيه إذا قال لها اختاري في ثلاث أو في الثلاث إنه واحد، أن لها الخيار في واحدة واثنتين وثلاث، ولو قال من الثلاث أو من ثلاث لم يكن لها الخيار إلا في واحدة واثنتين لا في ثلاث، قال فإن قال أمرك بيدك ثلاثا فليس لها إلا الثلاث أو الترك، فإن قبلت واحدة فلا شيء لها، ثم إن قالت في مكانها فأنا اقضي بالثلاث إن لم تعمل الواحدة فليس لها ذلك وإنما لها جواب واحد. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في قوله في أمرك بيدك إن شئت أو أنت طالق إن شئت أو إذا شئت، فذلك بيدها وإن افترقا، وكذلك إن شئت الطلاق فأنت طالق، وإن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي وله المناكرة في التمليك وأما قوله طلقي نفسك إن شئت أو متى شئت فليس لها أن تطلق إلا واحدة، فإن زادت فلم ينكر فإنه يحلف ما سكت رضى بما طلقت، وإن قال: أنت طالق كلما شئت فلها أن تطلق مرة بعد مرة ولا مناكرة له إلا أن تمكنه من وطئها، / أو تشهد له بالترك، أو يوقفها الإمام، ولو قال: كم شئت ومتى شئت، فلها أن تطلق ما شاءت في المجلس ولا مناكرة له، وليس لها ذلك بعد المجلس إلا أن تقيد قولها بشيء، وإن قال: متى شئت فلها أن تطلق في مرة واحدة، إما في المجلس أو بعده، وله أن يناكرها فيما فوق الواحدة. وإن قال ما شئت وكم شئت فلها ذلك في المجلس خاصة، إلا أن يعيده ولا مناكره له. وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في: إذا شئت ومتى ما شئت أن ذلك لها بعد المجلس ما لم توقف أو توطأ بخلاف إن شئت، قال أبو محمد في قول مالك الذي فرق فيه بين إن وإذا، يجعل إذا مثل متى ما ان لها القضاء بعد المجلس ولم يجعل لها في إن القضاء إلا في المجلس، قال ابن القاسم، وإن قال: كلما شئت، فذلك لها مرة بعد مرة ما لم توقف أو توطأ أصبغ: ذلك في متى ما وكلما وإن وطئها [5/ 224]
في تكرير التمليك وتكرير الجواب، ومن قال إن لم أقضك دينك في كل نجم فأمرك بيدك
في تكرير التمليك وتكرير الجواب ومن قال ان لم أقضك دينك في كل نجم فأمرك بيدك من كتاب ابن المواز وذكره ابن سحنون عن ابن الماجشون وإذا كرر التمليك فقالت قبلت لكل واحدة طلقة فقال الزوج أردت واحدة ونويت الترداد، قال محمد: أحسن ما فيها أن يقبل قوله، وقاله عبد الملك، وإن قال: أمرك بيدك، فقالت قد قبلت ثم سألها فقالت قد قبلت، ثم ثلاث، فقالت: كذلك وقالت أردت الثلاث، وقال هو: أردت واحدة فروي / عن مالك أنها ثلاث، وقال عبد الملك تكون واحدة ويحلف وبه أقول، قال محمد: ولو بينت في كل مرت فقالت قد طلقت كان طلاقا ماضيا، وكذلك قال ابن سحنون عن عبد الملك وسحنون. وفي العتبية من سماع ابن القاسم في تكرير التمليك وهي تقول في كل مرة قد قبلت وقالت: أردت الطلاق أنها ثلاث، وقال ابن المواز قال مالك: وإذا ملكها فقالت كم ملكتني؟ فقال: مرة ومرة ففارقت، فإن قال: أردت واحدة حلف وصدق، وفي المجموعة عن ابن القاسم قال هي ثلاث إذا اختارت نفسها ولا مناكرة له. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا قال أمرك إليك، فقالت قد طلقتك، ثم قال أمرك إليك، فقالت: قد طلقتك، ثم قال: أمرك إليك، فقالت: قد طلقتك، لكان ذلك لازما كله، ولو قال: أمرك إليك، ثم أمرك إليك، ثم أمرك إليك، ثم قالت: قد قبلت أو كررت القبول، فهو كقوله واحدة، ولو قال: أمرك إليك ثلاثا، وقالت: أردت واحدة لم ينفعه لأنه أظهر ما ملك، وليس لها أن تقضي بدون الثلاث، واصل ذلك إذا كان له أن يقول: ملكتك واحدة، فلها أن تقضي بواحدة، وإذا لم يكن له أن يقول ملكتك واحدة فليس لها أن تقضي بواحدة. [5/ 225]
في تمليك الصغيرة والمجنونة وتخييرهما
وقال ابن القاسم: إذا قال: قد ملكتك وقد ملكتك وقد ملكتها فقضت بالثلاث فهي ثلاث ولا ينوى، وإن قضت بدون ذلك فهو ما قضت، وإذا قال: قد ملكتك مرة ومرة فأختارت نفسها فهي ثلاث ولا مناكرة له كالقائل قد طلقتك مرة ومرة ومرة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن ملكها قبل البناء فقالت فارقتك فارقتك نسقا، فلما افترقا، قال: أردت واحدة فلا قول له، ولو كانت قالت مرتين وقال هو أردت واحدة وقالت هي البتة حلف وكانت اثنتين. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن عليه دين لامرأته نجمته عليه على أنه إن لم يوفها كل نجم عند محله فأمرها بيدها، فحل نجم فلم يعطها فاختارت نفسها، قال: إن مسها بعد الأجل أو تلذذ منها فلا خيار لها في ذلك النجم إلا أن تدفعه عن نفسها بأمر يعرف عند الناس، فإن فعلت فلها الخيار متى ما اختارت ما لم يمسها، وإن كانت في بيته فقال مسستها فأكذبته فهو مصدق ولها النجم الذي يليه وفي جميع النجوم مثل مالها في الأول. في تمليك الصغيرة المجنونة وتخييرهما من كتاب ابن المواز قال مالك: إذا خير زوجته قبل أن تبلغ وقبل البناء فاختارت نفسها فهو طلاق إذا بلغت في حالها، قال ابن القاسم يريد بلغت حد الوطء فيما ظننت، وقال أشهب وعبد الملك في الصغيرة: ذلك لها، وفي رواية عيسى عن ابن القاسم إذا بلغت مبلغا تعرف ما ملكت أو يوطأ مثلها فذلك لازم. قال سحنون لها الخيار وإن لم تبلغ. ومن المجموعة قال عبد الملك في المغمورة / يخيرها زوجها فتختار نفسها قال: إن خيرها وهي مفيقة ثم غمرت [5/ 226]
في التمليك إلى أجل وتمليك الزوج الغائب، أو يجعل أمرها بيد غيره من حاضر أو غائب
فقضاؤها غير جائز، ولو خيرها وهي مغمورة فقضت جاز قضاؤها لأنها في حد رضي لنفسه قضاءها وكذلك لو ملك صبيا أمر امرأته لجاز قضاؤه إن كان يعقل ما جعل له وما يجيب فيه، وإن كان يخلط في كلامه ولا يعقل ما جعل له لم يجزه. ابن سحنون عن أبيه وإن جعل أمرها بيد صبي أو امرأة أو ذمي يطلق عليه، قال: يلزمه. في التمليك إلي أجل وتمليك الزوج الغائب أو يجعل أمرها بيد غيره من حاضر أو غائب أو بيد زوجة أخرى والمناكرة في ذلك وكيف إن طلقت هي إلى اجل؟ أو قالت إن شاء فلان؟ من كتاب ابن المواز: وإذا ملكها إلى سنة ثم وطئها وجهلا، فقد زال ما يبدها، ولو قال إذا قدم أبي لم يزل ذلك وطؤه قبل قدوم أبيه، ولو قال إذا وضعت، كان الوطء قبل الوضع يزيل ما بيدها، وإذا طلقت المملكة إلى أجل عجل عليها. قال أصبغ: وله المناكرة حين تكلمت. ومن أرسل إلى زوجته بالتمليك أو بالخيار فلم تختر ولم تجب حتى فارقها الرسول فقال مالك: ذلك بيدها بحلاف حضور الزوج إلا أن يطول الزمان أو يتبين من أفعالها فعل الراضية بالزوج، لأن المشافهة من الزوج كلام بعضه جواب لبعض أو المرسل أعطي من ذلك مالا ينتظر له جوابا، وليس للزوج أن يبدو له بعد أن أرسل إذا أرسل مجمعا كالكتاب، ولو/ سبق الخير إليها قبل مجيء الرسول فطلقت فذلك لازم، وكذلك روى أصبغ في العتبية عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: وان ملكها إلى أجل أو ملك أمرها رجلا إلي أجل، أوقف الآن من له القضاء، فإن غفل عنه فهو بيده إلي الأجل، وإن خلا بها بعلم [5/ 227]
من له التمليك وأدعى الزوج الوطء سقط التمليك، قال أصبغ: وإن جاء الأجل فلم يطلق من ذلك بيده سقط التمليك. وروى العتبي عن يحيى بن يحيى عن ابن وهب كقول أصبغ، قال محمد: ليس كالمجلس لأن للمجلس افتراقا يقطع الجواب وهو قول مالك في الرسول بالتمليك إنه بخلاف الزوج في افتراق [المجلس] قال عبد الملك أو سحنون في كتاب ابن سحنون إذا أملكها إلى أجل فذلك لها قبل الأجل وبعده ما لم توقف أو توطأ طائعة قبل الأجل أو بعده فيزول ما بيدها. ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ملك غائبا فلا يقربها الزوج، ويدخل عليه إلايلاء، ويضرب له الأجل من يوم ترفعه قال ويكتب إليه في الغيبة القريبة، فإما طلق أو ترك ما بيده، ولا يطؤها الزوج في ذلك، وقد كان مالك قال فيها غير هذا في بعيد الغيبة إن يرجع الأمر إليها. محمد والأول احب إلينا، فإن طلق عليه بالايلاء ثم قدم الغائب في العدة فإن طلق لزم الزوج طلاقه وإن لم يطلق فللزوج الرجعة، وإن قدم بعد العدة فلا طلاق له. ومن ملك أجنبيا فذلك له بيده حتى يفترقا أو يقيد ذلك بلفظ بأن يقول قبلت أو نحوه فيبقى بيده حتى يوقفه السطلان أو يشهد أنه ترك/ ما بيده ويخلو بها بعلم الذي بيده التمليك فيدعي الزوج أنه مسها، وإذا قضى بالثلاث فذلك لازم إن لم ينكر عليه الزوج بنية يدعيها في وقت تمليكه، وإن لم تكن له يومئذ نية فذلك نافذ ولا مناكرة له بنية يحدثها، فإن أراد الرجل أن تقضي فقالت الزوجة لا أريد الفراق، فذلك لها ولا ينبغي له أن يفارق، فإن أبي منعه الامام ثم لا قضاء له بعد منعه، وإن سبق فراقه ففراق ماض، قال محمد: وهذا إذا كانت المرأة هي سألته ذلك وأراد سرورها، وإلا فليس له أن ينهاه، وقاله مالك في الذي جعل أمرها بيد أبيها إن غاب، وروى يحيى عن ابن القاسم في تمليك الأجنبي مثله، وروى عنه أبو زيد فيمن قال: إن أخذت من مالك ابنتك فأمرها بيدك، وذلك في [5/ 228]
عقدة النكاح أو بعد واحدة منه فأراد أن يفرق بينهما فأبته فإن كانت مرضية فذلك لها، وإلا فذلك إلى الأب. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن قال لختنه إذا تكاريت لابنتك وخرجت بها من القرية فأمرها بيدك فتكارت له ليخرجا فأبى وبدا له، قال ذلك له ولا شيء عليه. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم: وإذا ملك أجنبيا غده فافترقا ولم يقض ثم اجتمعا بالعشي عند السلطان فأقر له الزوج بالتمليك وطلق عليه بالبتات، فقال الزوج لا يفعل، قال لا يلزم الزوج شيء، ويحلف ما كان إقراره بالعشي تمليكا مستأنفا وما كان منه إلا وهو يرى أن الأمر الأول يلزمه ولم يرض بما كان منه من الفراق /، وأنكر أصبغ قوله: يحلف أن اقراره لما كان يرى ويظن أنه يلزمه. محمد يريد أصبغ لو رضي بما قضى وألزمه نفسه لم ينفعه ظنه، ولكن إذا لم يكن منه رضى ولا تسليم بما قضى عليه فلا شيء عليه. ومن ملك رجلا، فملك الرجل غيره فطلق فذلك غير لازم، وكذلك لا يوصي به إلي غيره، وقد قال ابن القاسم في الذي جعل أمرها بيد أمها إن غاب فإن أوصت الأم بذلك بعينه إلى أحد فذلك، وإن لم توص به إلى أحد فذلك راجع إلى الابنة فيما رأيت من قول مالك، وقال ابن القاسم: ولا يكون ذلك لوليها حتى يشهد له على هذا بعينه، وقال أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ: ليس لها أن توصي به، والشرط ساقط يوم ماتت الأم، قال ابن وهب، وقاله ربيعة ويحيى بن سعيد ومالك والليث. وقال عبد الملك فيمن جعل أمر زوجته يبد أبيها وهو غائب، بوطئها في غيبته طائعة فلا يقطع ذلك ما بيده، وللأب أن يقضى وإن كرهت الابنة وكذلك لو [5/ 229]
كان حاضرا فقبل ذلك ثم افترقا فقالت هي قد رددت ما كان بيد أبي فليس ذلك لها، وذلك بيده حتى يوقفه السلطان أو يرد ذلك من قبل نفسه. قال ابن القاسم فيمن جعل أمر احدى زوجتيه بيد الأخرى وافترقا ثم أقام يطؤها سنين ثم وقع بينهما شر فطلقها فقال لها الزوج: إن كانت طالقا فأنت طالق، فلا شئ عليه في واحدة منهما، لأن وطأه بعلم الأخرى اسقط ما بيدها، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية. قال أصبغ في كتاب ابن المواز، وذلك إذا علمت بما جعل إليها، قال: وذلك إذا كان شرط في عقد النكاح مما يمكن أن تقول: لم أعلم بما في كتابي فلا يضرها دخوله بالتي تزوج عليها إذا قالت لم أعلم ولا علمت ما في كتابي، وأما ان جعل ذلك لها بحضرتها ولم تقض حتى بنى بالأخرى فقد سقط ما بيدها منها إذا علمت بدخوله أو خلوته أو بطول ذلك بعد علمها بالعقد فلا قضاء لها وإن لم يدخل. قال محمد إذا جعل بيدها أمرها الطارئة فلها القضاء ما لم بين بالطارئة وإن طال ذلك أو تبين منها الرضا بها، ولو كان إنما جعل أمرها بيد نفسها إن تزوج فتزوج وهي عالمة، فإن لم تقض سقط ما بيدها أن أمكنة من نفسها، وكثير من هذا الباب مكرر في أبواب الشروط. من المجموعة قال ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شاء فلان، فإن كان فلان قريبا كاليوم وشبهه كتب إليه ليعلم مشيئته، وإن بعد رجع الخيار إليها، قال أصبغ: وهذا غلط ولا يكون ذلك لها إلا في حضرة فلان إلا أن يقول هولها: أنت طالق إن شاء فلان، فهذا تنتظر مشيئته في القريب وإن بعد صار موليا إن رافعته، وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن شئت ولعبده أنت حر إن شئت، فقالت المرأة أو العبد قد شئت إن شاء فلان فيوجد فلان قد مات فلا شيء لهذين ولا ترجع إليهما المشيئة، ولو [5/ 230]
كان فلان بعيد الغيبة مثل افريقية، قيل للمرأة اما ان تقضي الآن أو تدعي ولا تؤخر، وأما العبد فذلك له حتى تنظر مشيئة فلان ويكاتبه وليس فيه من الضرر ما في المرأة، ولو كان فلان بمثل الإسكندرية وعلى اليومين والثلاثة لا تنظر بالمرأة مشيئة. قال: ولو رضي الزوج في البعيد الغيبة بالصبر وخاف أن يرجع إليها فتفارق قال: ليس ذلك له، وقد يقع في ذلك الموت والمواريث. قال ابن القاسم: وليس القياس التأخير وإن قرب القياس أن يوقف الساعة. قال ابن حبيب: قال أصبغ من قال أمرك بيدك إلى شهر أو إذا دخلت فلانة أو كلما شئت أو إذا شئت فلتوقف مكانه لتقضي أو تترك، وإن وطئها قبل توقف فذلك بيدها إلا أن يقطعه الوطء، لقوله: كلما شئت، أو إلى شهر، أو إذا دخلت بفلانة فهو بيدها أبدا، بخلاف المملكة إلى غير أجل، وابن القاسم يساوي بينهما. ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن ملك امرأة أمر زوجته فقضت بالبتات قال: يلزمه. قال ابن القاسم: يريد إلا أن يناكرها فيحلف على ما نوى، وإن لم ينو شيئا لزمه ما قضت. وروى عنه يحيى بن يحيى في البكر تسأل زوجها في الفراق فيأبى، ثم يسأله أبواها بعد مدة فقال له: الأمر بيدك. إصنع ما شئت، ففرق بينهما، فقال: لم أر هذا قال يلزمه ذلك، وله المناكرة فيما زاد على طلقة ويحلف إن شاء، وقاله مالك. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لرجل كلما جاء شهر أو كلما حاصنت / امرأتي فأمرها بيدك، فإنه يوقف الآن، فإن طلق ثلاثا جاز عليه، وإن أبى أن يطلق سقط ما بيده، وليس للزوج أن يرجع فيما جعل له. قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا جعل أمرها بيدها إلى أجل أو بيد غيرها، فلا يقطع ذلك وطؤه إياها وإن جعله إلى غير أجل فوطؤه يقطعه وافتراق المجلس. [5/ 231]
فيمن ملك رجلين أو جعل مع الزوجة رجلا في التمليك، أو حلف لغريميه ليقضينها
وقال ابن الماجشون: ان جعله بيد غيرها فلا يقطعه الوطء وإن علم به، وبه أقول. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال ابن الماجشون: إذا قال لها أمرك بيدك [إذا قدم أبوك، فإن كان أبوها قد خرج إلى البلد الذي هما فيه وكأنما أراد، لأجل فكأنما قال: أمرك بيدك] إلى ليال فوطؤه إياها يقطع التمليك، ولا يطأ حتى يوقف الامام، وإن لم يخرج أبوها أو كان على وجه النقل لقدومه ونحوه مما لم يرد الأجل فهو كمن قال: إن كلمت فلانا فأمرك بيدك فلا يمنع الوطء، وإذا قدم فلها التمليك لا يقطعه ما تقدم من الوطء وقال المغيرة فيمن جعل أمر امرأته بيد رجل فقال له رجل: طلقها ولك ألف درهم فيفعل ويطلق ولم يبق للزوج فيها إلا طلقة، قال: طلاقه جائز، والألف للزوج. فيمن ملك رجلين أو جعل مع الزوجة رجلا في التمليك أو حلف لغريمية ليقضينهما إلا أن يؤخراه فوخره أحدهما أو ملك رجلا فطلق عليه بصلح ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن جعل أمر امرأته بيد رجلين فقال: إن شئتما، أو لم يقل فطلقها كل واحد منهما واحدة فلا يجوز حتى يجتمعا عليهما أو على واحدة وإن قال: طلقا امرأتي، فمن طلقها منهما جاز طلاقه وإن قال في ذلك إن شئتما، لم يجز حتى يجتمعا عليهما أو على واحدة، فإن طلقها بالبتة وقال الزوج لم أرد إلا واحدة فالقول قوله، قال ابن حبيب قال أصبغ في قوله: طلقا امرأتي علي فهو على وجهة التمليك حتى يريد الرسالة، فإذا أرادها وقع الطلاق بقوله وإن لم يخبراها به، وقال ابن القاسم: هو على الرسالة حتى يريد التمليك ويقول لا يقع الطلاق في الرسالة حتى يبلغها. [5/ 232]
ومن كتاب محمد: ومن حلف لغريميه ليقضينهما حقهما إلا أن يؤخراه ويمينه بالطلاق فوخره أحدهما وطلق الآخر فالطلاق لازم له إلا أن يؤخراه، ولو قال فطلاقها بايديكما لم يلزمه طلاق أحدهما حتى يجتمعا. قال أشهب ليس جعل أمر امرأته بيد رجلين فطلق عليه واحد بالبتة وآخر بواحدة، وقال: لا شيء عليه، وقال عبد الملك تلزمه واحدة، وهو أحب إلينا، وقاله أصبغ، وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن ملك أمر زوجته ثلاثة نفر، فطلقها واحد واحدة وآخر اثنتين وآخر ثلاثا، فإنما تلزمه واحدة لاجتماعهم عليها. ومن المجموعة قال عبد الملك: وان ملكها وشرط معها أباها أو أمها فليس لأحدهما قضاء إلا باجتماعها، وقال أشهب في العتق والطلاق، وقال: فإن وطئها فقد انتقض/ ما بأيديهما ولو جعله إلى رجلين وأذن احدهما في وطئها، فقد زال ما بأيديهما، وطئ أو لم يطأ. قال عبد الملك: وإن مات أحدهما فلا تمليك للثاني، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن عبد الملك، وقال: وإن قال: أمرك إلى أبيك فغاب الأب فأمكنته من وطئها فوطئها فلا يزبل ذلك ما بيد الأب، كما لوردته هي لم يزل من يد الأب إلا أن يرده أو يوقفه السلطان، وإن قال إن غبت سنة فأمرك بيدك فقالت قد اخترتك ثم مضت سنة فليس لها شيء وقد زال ما بيدها. قال ابن القاسم: ومن ملك رجلا في ان يطلق عليه بواحدة أو اثنتين أو ثلاث فطلق عليه بطلقة صلح برضاء المرأة بعطية ودتها، فأنكر ذلك الزوج فذلك له لأنه إنما ملكه واحدة، غير بائنة أو اثنتين وهو كمن قيل له: طلقها بالبتة إن شئت، فطلقها بواحدة صلحا فلا يتم ذلك إلا برضاء الزوج. [5/ 233]
في التمليك بعطية، وفي التمليك في عقد النكاح أو يمين قبل عقد النكاح أو بعده
في التمليك بعطية وفي التمليك في عقد النكاح أو يمين قبل عقد النكاح أو بعده أو في توثق الغريم ونحوه وهل فيه مناكرة؟ من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أعطت امرأة زوجها على أن يخيرها فاختارت فهي البتة لا تحل له إلا بعد زوج إلا أن يكون لم بين بها قال محمد: المفتدية في ذلك كالتي لم بين بها لأن الواحدة تبينها، قال وإذا أعطته شيئا على أن بخيرها فخيرها فاختارت طلقة فذلك لها، وان قضت بالبتة فله أن يناكرها، وإن اختارت منهما فهي البتة وله أن يناكرها قبل أن يفترقا. قال مالك: وكذلك لو أعطته على أن يملكها فقضت بخلية أو برية فلا مناكرة بعد المجلس وهي البتة، إلا أن يقول هو قبل أن يفترقا أردت واحدة فذلك له، يحلف متى ما أراد نكاحها. قال ابن سحنون قال أشهب عن مالك: وإذا جعل أمرها بيدها على أن أعطته مهرها أو مالا غيره فتختار نفسها فقال: أردت واحدة، فلا قول له، وهي البتة، وإذا سألته الصلح فأبي إلا بكذا أو تساوما ثم اتفقا على شيء فقالت: فاجعل أمري بيدي ففعل فقضت بالثلاث فناكرها فذلك له، فإن نوى واحدة فهي واحدة وقال سحنون: له المناكرة في المسألتين، وقال أشهب: الفرق بينهما أن الأولى لو اختارته بقيت زوجته، وكان له ما أعطته، والأخرى لو أبت أن تختار بقيت زوجه ولا يكون للزوج شيء قال سحنون: الفرق صحيح. قال مالك: وإن اعطته وفي كتاب آخر خالعته على أن يملكها، فقالت: قد قبلت أمري مرتين ثم قال بعد أن أدبرت هي طالق البتة، فلا أحب له نكاحها، قال ابن القاسم، كأنه رآه كلاما واصلا، والذي أقول: إنه إن كان بين ذلك صمات لم يلزمه ما طلق [5/ 234]
قال في المجموعة ابن القاسم: إنما كره مالك نكاحها لاحتمال أن يكون لم يرد طلاقا، قال ابن المواز: إذا لم يقل غير قبلت أمرى وافترقا ثم اتبعها بالبتات أو كان بين ذلك صمات فلا يلزمه ما اتبعها وتسأل هي ما قبلت، فإن قالت واحدة لم يلزمه ما طلق لأنه طلقتها بائنة للخلع وكذلك لو قالت اثنتين إلا أنه قال: نويت واحدة حلف، وكذلك إن لم يبن بها. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا أعطت زوجها شيئا علي أنه أنه نكح عليها فأمرها بيدها فتزوج ففارقته بالبتة فناكرها قال: تلزمه البتة، وقال أيضا له المناكرة وتلزمه طلقة. قال ابن القاسم: قال مالك: وإن صالحها فظن أن لا يتم ذلك إلا بالتمليك فملكها فاختارت نفسها فلا يلزمه إلا واحدة، قال في العتبية إلا أن يسمى أكثر. قال محمد: وإن أعطته على أن يطلقها البتة فطلقها واحدة فقد بانت ولا حجة لها ولو زادها بعد الواحدة مالزمه، وقاله يحيى بن سعيد قال: وإنما للزوج المناكرة في التمليك إذا لم يكن في أصل النكاح، فإذا كان يشترط في أصله فلا مناكرة له إن طلقت بالبتات، وقال في المدونة بني بها أو لم بين. قال في كتاب ابن المواز: ولو جعل بيدها أمر الطارئة فطلقها البتة فله المناكرة إن لم بين بها، فإن بني بها قبل علم القديمة فلا مناكرة له، وقد تقدم هذا في الشروط. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لامرأة إن تزوجتك فلك الخيار فذلك لها إن تزوجها، ولو قال لها لا أتزوجك حتى تسقطي عني الخيار الذي جعلت لك فلا ينفعه ذلك لأنها أسقطته قبل تملكه ولا تملكه إلا بالنكاح، وذلك لها بعد العقد ما لم يطل ذلك بعد العقد وبيني بها، ومن قال/ كل امرأة اتزوجها فلها الخيار أو أمرها بيدها أو هي علي كظهر أمي، فذلك يلزمه بخلاف الطلاق. [5/ 235]
في الذي يحلف بالطلاق ليفعلن، ثم يحلف ألا يفعله
ومن قال لغريمه إن لم اقضك يوم كذا فأمر امرأتي بيدك فمضى اليوم ولم يقضه فطلق عليه بالبتات فالقضاء ما قضي ولا مناكرة للزوج، وكذلك لو كان حلف له بالحلال علي حرام، وادعى الآن أنه حاشى امرأته فلا يقبل منه، وكذلك ما كان علي التوثق من هذا ونحوه. وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم في العامل يشترط عليه رب المال إن أحدثت في مالي حدثا فأمر امرأتك بيدي فيحدث فيه حدثا، قال ان كان حدثا بينا فذلك بيده، وذلك بمنزلة اليمين. في الذي يحلف بالطلاق ليفعلن ثم يحلف ألا يفعله أو يقول إن فعلت أو إن لم أفعل فأمره بيدك فتعجل هي الخيار الآن. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حلف بطلاق امرأته، قال عيسى في روايته عن ابن القاسم: بالطلاق ثلاثا ليتزوجن عليها ثم قال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فقالت: فإذا تزوجت علي فقد اخترت نفسي، قال مالك تطلق الساعة، لأن طلاق لابد منه إلى أجل يأتي. قال ابن القاسم في رواية عيسى: فإن ناكرها وقال لم أرد إلا واحدة فذلك له، وله عليها الرجعة، وقال عيسى في روايته لأتزوجن عليك إلى الثلاث سنين، وكذلك روى ابن نافع عن مالك في المجموعة / قال في كتاب محمد وكذلك إن حلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى أجل مسمى ثم حلف بالطلاق لا قضاه أبدا، أنها تطلق الآن. قال ابن القاسم: وكذلك لو حلف ليتزوجن عليها إلى ثلاث سنين ثم قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي الساعة فذلك لازم إذا تزوج. [5/ 236]
فيمن نكح على امرأته فغارت فقال لها إن لم أطلقك إلى شهر فأمرك بيدك
قال محمد: لا يعجل في هذه بفراقها إذا ضرب أجلا ولا يمنع من الوطء لأنه قد يصالحها قبل الأجل ثم يتزوجها بعده فلا يقع عليه إلا طلقة الصلح، إلا أن يقول فيمن لم يبق له فيها غير طلقة فتحرم عليه ساعة اختارت نفسها لا ينتظر بها الأجل ولا التزويج، ولو حلف بالثلاث لا يتزوج عليها، ثم حلف بالبتة ليتزوجن فإن لم يضرب أجلا طلقت يوم يمينه ليتزوجن، ولا ينفعه صلح لعوده اليمين، ولو ضرب أجلا لم يعجل عليه لأنه إذا شاء صالحها بقرب الأجل ثم يتزوجها بعد الأجل. قال محمد: وقيل فيه: إذا لم يضرب أجلا لم يعجل بالطلاق، إذ قد تصبر بلا وطء، وإن لم يصبر ضرب له الأجل من يوم ترفع. فيمن نكح على امرأته فغارت فقال إن لم أطلقك إلى شهر فأمرك بيدك أو فأمرها بيدك وكيف إن عجلت هي القضاء؟ ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن نكح على امرأته فغارت فقال لها: إن حبستها أكثر من سنة فأمرها بيدك، قال: أرى أن تطلق التي فيها الشرط وهي الجديدة، وما أدري ما حقيقته؟ قال ابن القاسم: لا يعجبني وليوقف هو الآن، فإما طلق الجديدة وإلا كان / أمرها بيد القديمة الآن فإما طلقتها أو رضيت بها. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في التي تزوج عليها فعذلته فقال: إن لم أطلقها إلى الهلال فأمرك بيدك. فقالت: اشهدوا أنه إن لم يطلقها في الهلال فقد اخترت نفسي بثلاث، فقال: إن لم يطلقها عند الهلال طلقت القديمة. في القائل لزوجته: اختاريني أو اختاري الحمام من كتاب ابن المواز: قال مالك في التي أكثرت دخول الحمام، فقال لها زوجها: اختاريني أو اختاري الحمام، فقالت قد اخترت الحمام. فإن لم يرد طلاقا [5/ 237]
في التداعي في التمليك واختلاف البينة فيه، وفي اليمين في المناكرة والتمليك
فلا طلاق عليه، قال في رواية ابن وهب ويحلف، قال ابن القاسم: فإن أراد الطلاق فهي البتة ولا ينوى في اقل منها لأنه خيار، قال محمد: لا أرى أنه ملكها نفسها ولا خيرها إنما خيرها بين زوجها وبين غيره، فإن اختارت زوجها فهو زوجها وإن اختارت الحمام فلها الحمام وليس نفسها فلا يكون خيارا ولا تمليكا حتى يريد به الفراق فيكون البتة كما قال مالك، وكذلك إن أرادت نفسها مع الحمام. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن عزل عن زوجته لصغرها فلم تحلله في ذلك، فقال لها: اختاريني أو اختاري الولد. فقالت: قد اخترت الولد، قال: إن أراد الطلاق فقد طلقت كما قال مالك في صاحبة الحمام والغرفة، فأنكر ما ذكر فيه عن بعض أصحابنا. في التداعي في التمليك واختلاف البينة فيه وفي اليمين في المناكرة والتمليك وهل ترد فيه اليمين؟ ومن قال جهلت أن لي المناكرة من كتاب محمد: وإذا افترقا من المجلس في التمليك فقالت: قد طلقت نفسي وقال لم تعمل شيئا، فقال أشهب: يقال لها: فاختاري الساعة وقال ابن القاسم: القول قولها، وقال في مثلها في الذي قال إذا كان غد فأمرك بيدك إلى الليل وأقامت أياما ثم قالت قد كنت قد اخترت نفسي يوم جعلت ذلك لي، قال: ما أرى ذلك لها، قال أصبغ: هذا خلاف لقوله في مسألة المجلس، وهذه أبين أن القول قولها لأنها قد كان لها أن تختار بغير محضر الزوج. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن شهد عليه شاهد أنه خير امرأته فاختارت نفسها وشهد أخر أنه أقر بذلك فهي شهادة واحدة، وهي البتة. [5/ 238]
فيمن شرط بعد عقده النكاح أنها مصدقة إن ادعت ضررا أو أمرها بيدها
ومن سماع ابن القاسم: وإذا قضت المملكة بالثلاث فناكرها في المجلس فيلحلف، فإن نكل فليس له رد اليمين وتلزمه الثلاث. قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا قضت بالثلاث فلم يناكرها وقال لم أرد أن لي ذلك، قال لا يعذر بالجهل ولا مناكرة له. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن سافر وله أربع نسوة، ثم قدم بخامسة وزعم أنه كان خير واحدة من نسائه ذكرها ففارقته فأنكرت هي ذلك فلا يصدق ويفرق بينه وبين الخامسة ويدرأ عنه الحد فيها، وعليها الاستبراء بثلاث حيض ويفرق بينه وبين التي زعم أنها فارقته وتعتد من يوم إقراره. قال أصبغ: ولو صدقته المرأة في الخيار والاختيار لم يصدق، والجواب سواء في التكذيب / والتصديق. وفي أبواب الشروط: باب في التداعي في شروط التمليك من معنى هذا الباب. فيمن شرط بعد عقده النكاح أنها مصدقة إن ادعت ضررا أو أمرها بيدها ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن شكت امرأته أذاه وضرره وأشهد لها بكتاب إن عاد فهي مصدقة فيما تدعي من ذلك وأمرها بيدها تطلق نفسها البتة، فبعد أيام وزوجها غائب، أشهدت رجالا أن زوجها عاد إلى أذاها وأنها طلقت نفسها، وأنكر الزوج أن يكون أن يكون أذاها، ثم ندمت المرأة وزعمت أنها كذبت فيما شكت من الأذى أولا ولا يعرف ذلك إلا بقولها، قال: قد بانت منه ولزمه ما قضت لأنه جعلها مصدقة، وقال مثله أشهب، وقال: ولكن ينظر متى ادعت أنه أتى إليها ما أوجب لها به التمليك وفارقت، وكان بين ذلك أيام أو أقرت أنها لم تختر إلا بعد افتراقهما من المجلس الذي أذاها فيه، ولا خيار لها لتركها ذلك حين وجب لها، وإن كان ذلك قريبا، وكانت قد قالت أو [5/ 239]
في الأمة تعتق تحت العبد، وكيف إن اختارت نفسها قبل البناء وبعد اللعان، هل لها صداق؟
تقول الآن: إنما قلت لكم اخترت في المجلس، فقد وجب الفراق، وإن أكذبت نفسها. في الأمة تعتق تحت العبد وكيف إن اختارت نفسها قبل البناء وبعد اللعان، هل لها صداق؟ وذكر شيء من إسلام أحد الزوجين من كتاب ابن المواز: قال مالك: وللمعتقة تحت العبد الخيار بعد علمها بالعتق ما لم توطأ يعني طائعة أو تترك ذلك من قبل نفسها أو يوقفها السلطان، فإما قضت وإلا أخرج ذلك من يدها. قال محمد: إذا علمت بالعتق فادعى الزوج بعد أيام أنه وطئها فأنكرت فالقول قولها إلا أن يكون كان يخلو بها فليقبل قوله مع يمينه، هذا إن أقرت بالخلوة، وإن لم تقر بها صدقت بغير يمين ولا ينفعها قولها جهلت أن لي الخيار، وإن قالت لم أعلم بالعتق صدقت ما لم تقم بينة على علمها. قال مالك من رواية أشهب في العتبية وفي كتاب ابن المواز وإذا كان الزوجان نصرانيين لمسلم فاعتقها فلها الخيار لأنها لمسلم وقال ابن عبد الحكم: أحب إلي أن يحكم لها بحكم الإسلام وقاله أصبغ، وذكرها سحنون عنه في كتاب ابنه، وزاد: وكذلك لو كان السيد نصرانيا. فقال سحنون: أما إن كان السيد نصرانيا فأعتق الأمة لم أعرض لهم ولم أحكم بينهم. قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم وإذا كان نصف الأمة حراً فأعتق باقيها فلها الخيار على زوجها العبد [5/ 240]
ومن كتاب محمد: وللأمة تحت العبد تعتق أن تختار نفسها بواحدة بائنة أو بالثلاث وإن احتارت نفسها ولا نية لها فهي واحدة بائنة وإن بني بها، وإن قالت عد اختيارها نفسها أردت البتة لم تصدق ما لم تبين ذلك عند اختيارها في الحكم، ويقال لها إن صدقت فلا تنكحه إلا بعد زوج، ليتورع هو عنها، قال محمد: ولم يعجبنا هذا بل يمنع منها إلا بعد زوج لإقرارها على نفسها /، وكذلك من خرجت بطلقة خلع أو غير خلع أو بانت ثم أقرت بأنه طلقها البتة فأنكر ثم صالحته ثم أرادت نكاحه قبل زوج وقالت كنت كاذبة أردت منه الراحة فإن لم تذكر ذلك بعد أن بانت منه لم تمنع نكاحه، وإن أقرت بعد أن بانت بأنه كان طلقها البتة، منعت من ذلك قبل زوج. قال مالك في أمة مسلمة تحت عبد بيع زوجها بأرض غربة، فظنت أن ذلك فراق ثم عتقت فلم تختر نفسها حتى عتق زوجها: أنه لا خيار لها. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في الأمة تعتق تحت العبد وهي حائض فلا ينبغي أن تختار في الحيض، فإن فعلت مضى، فإن لم تختر حتى عتق الزوج قبل أن تطهر فلا يقطع ذلك خيارها ولها الخيار إذا طهرت. ومن كتاب محمد: قال مالك في آبق نكح حرة ولا تعلم أنه عبد ثم أعلمها بعد مدة واستكتمها فأقامت معه ثم علم سيده فأجاز نكاحه فقيل لها: لك الخيار، فطلقت نفسها فقال الزوج قد كنت أعلمتك فرضيت فصدقته، قال مالك: هي طلقت نفسها، وتصديقها إياه بعد ذلك لا يعلم ما هو، يريد: لا بينة عليه وهذا أمر كان أوله على غير صواب، قال: وإذا أعتقت أمة تحت عبد وهو غائب فاختارت نفسها، قال ابن القاسم فإن كان قريب الغيبة كتب إليه خوفا أن يكون عتق قبلها كالنصراني الغائب تسلم زوجته، فأما إن بعد حتى يكون انتظاره ضررا بها فلها أن تنكح بعد تمام العدة فإن قدم وكان عتقه أو إسلامه في العدة أو بعدها أو بعد قومه إلا أنه قبل دخول الثاني فالأول أحق بها، وإذا كان إسلامه قبل إسلامها فلم يقدم حتى دخل الثاني فالثاني أحق بها عند [5/ 241]
ابن القاسم، وقال عبد الملك وأصبغ الأول أحق بها، وإن بني بها الثاني وولدت الأولاد. قال محمد: وقولهما أحب إلي، وهو مما لم يكن يجب عليه فيه عدة، وكذلك إذا ثبت أن عتق العبد قبل عتق الأمة، قال أصبغ: ويصير (كالمنعي) وكالعبد يجب له وعليه حكم العبيد ثم يثبت أنه حر قبل ذلك بعتق سيده أو بغير ذلك، إنه يرجع إلى حكم الأحرار ولا يغير ذلك لجهله، وكذلك في الطلاق والعدة ترد الأمة أو العبد إلى بقية الطلاق للحر وبقية عدة الحرة، قال: وإذا أنذرت المعتقة في القريب الغيبة فاختارت نفسها لزم ذلك، واكتفي به، ثم إن نكحت وثبت أنه أعتق في عدتها فلا سبيل للقادم إليها، وكذلك لو لم تتزوج أحداً فلا سبيل له إليها، ولا حجة له لقرب غيبت، وتلك العدة لها عدة، وكذلك التي أسلمت والزوج قريب الغيبة فيستحب أن يتربص باستبراء أمره، فإن قدرت فنكحت ثم قدم وثبت أنه أسلم في عدتها فلا حجة له ويكتفي بتلك العدة لها عدة. وروى ابن حبيب عن أصبغ: إن ظهر عتقها ولم يظهر عتقه- وهو حاضر – فاختارت نفسها وقد كان عتق زوجها قبلها ثم تزوجت الآن فزوجها الأول أحق بها وإن دخلت، وإن كان غائبا لم/ يكن أحق بها إلا أن يذكرها. ومن العتبية روى أشهب عن مالك في أمة تحت عبد أشهدت أنها متى أعتقت تحته فقد اختارت نفسها أو زوجها فليس ذلك بشيء. قال مالك في كتاب ابن سحنون وغيره: وأما الحرة ذات الشرط في النكاح والتسري تقول: اشهدوا أنه متى فعل ذلك زوجي فقد اخترت نفسي فذلك لها، وقال المغيرة: هما سواء ولا شيء لها، وهاتان المسألتان اللتان سأل عبد الملك مالكاً عن الفرق بينهما فقال له: أتعرف دار قدامة؟ ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم في الأمة تعتق تحت العبد وقد أراد أن يلاعنها قبل البناء بها إنها إن اختارت نفسها قبل اللعان فلا شيء لها من الصداق وإن اختارت بعد اللعان فلها نصف الصداق. [5/ 242]
مسائل مختلفة من التخيير والتمليك
مسائل مختلفة من التخيير والتمليك من كتاب ابن سحنون وقال سحنون في رجل خرج إلي سفر فقال الرجل: قد جعلت أمر امرأتي بيدك إن شئت فخيرها، وإن شئت فملكها، فخيرها الرجل أو ملكها والزوج غائب فاختارت نفسها أو طلقت نفسها واحدة والزوج غائب وهي غير مدخول بها ولم يعلم بما صنعت ثم قدم الزوج فأمكنته فوطئها الزوج وادعت الجهالة وذكرت أنها ظنت أن له الرجعة هل لها جميع الصداق؟ قال: نعم. قال سحنون: قلت لابن القاسم/ في الذي يقول إن كلمت فلاناً فأمر امرأتي بيدها، هل هو مثل ما يشترط لها أنه إن تزوج عليها فأمرها بيدها فأذنت له؟ فقال: نعم، إن أذنت له بكلمة، أو تزوج فلا شيء عليه، قلت: فإن لم يفعل حين أذنت له إلا بعد طول من الزمان قال: إن تباعد كرهته أن يفعل، فإن وقع لم أفسخه. وكتب إليه في رجل شرط لامرأته أن يسكنها ببلد كذا، فإن لم يفعل أو أرحلها منها فأمرها بيدها فسكن بها في ذلك الموضع ثم حلف بالطلاق أن لا يسكن ذلك الموضع فخرج منه لنفسه ولزم البادية خوف الحنث وطلب من امرأته أن تخرج فأبت، فهل يكون مقامها بذلك الموضع يحنثه؟ قال: لا يبرئه من الحنث إلا أن يقطع كل ما كان له مما كان به ساكنا والله أعلم. ومن كتاب ابن سحنون وهو لعبد الملك: وإن قال: كل امرأة أتزوجها أبدا فأمرها بيدها، فذلك يلزمه بخلاف الطلاق إذ قد تختار المرأة المقام معه فتحل له. قال سحنون في امرأة أعطت زوجها مائة دينار على أن لا يطأها، وقال: لا يجوز هذا عندي وإنما تعطيه على أن تملك نفسها فأما هذا فلا أعرفه، ولا أراه يجوز. قال سحنون: ومن ملك أمر امرأته مسلماً فلم يقض حتى ارتد قال التمليك باق بيده. [5/ 243]
سحنون: ومن خرج إلى سفر فقال لرجل: قد جعلت لك أن تملك امرأتي وتخيرها إن شئت، فملكها أو خيرها فطلقت نفسها واحدة أو اختارت نفسها ثم قدم / الزوج ولم تعلم فوطئها طائعة، فقالت: جهلت أن هذا أبين به فلها الصداق إن عذرت بالجهالة. سحنون: ومن حلف أن لا تدخل امرأته إلى منزله شهرا فأخرجها إلى بيت أبيها فقيل له: إنه قد ضاق منها وأنا أعيرك منزلا تكون فيه ففعل، قال: يحنث دخل بها أو لم يدخل لأنه لما استعار لها منزلا فهو كمنزله. ابن سحنون: قال بعض أصحابنا: وإن حلف بطلاقها البتة إن وطئها قال: يضرب له أجل الإيلاء، فإن حل طلقت بواحدة وإن وطئها قبل ذلك طلقت بالثلاث، ثم إن وطئها [بعد ذلك] فعليه الحد من إن لم يعذر بالجهل، قال: هذا خطأ، وتطلق عليه عند قيامها به، ولا يضرب له أجل، ولا رجعة له إذ لا يقدر على الوطء، فكيف يرتجع من ليس له أن (يطلق؟). [5/ 244]
كتاب المفقود
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب المفقود في المفقود وصفته وضرب الأجل لزوجته والحكم في ماله وتعميره ومن فقد في ثائرة بين المسلمين أو غير ذلك من العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك وقال فيمن يخرج إلى بلد في تجارة فلا يدرى أين توجه؟ قال: هو مفقود، وليكتب إلى ذلك الموضع في الكشف عنه، فإن عمي أثره ضرب له أجل المفقود. قال أبو زيد عن ابن القاسم: المفقود هو الذي يعمي خبره ولو عرف البلد الذي نزع إليه وغاب خبره كان مفقوداً قال عيسى قال ابن القاسم قال مالك: المفقود على ثلاثة أوجه: مفقود لا يدرى موضعه فهذا يكشف عنه الإمام ثم يضرب له بعد الكشف أربع سنين ثم تعتد زوجته بعد الأجل أربعة أشهر وعشراً، وتأخذ جميع الصداق وتتزوج إن شاءت، ومفقود في صف المسلمين في قتال العدو، فهذه لا تنكح أبداً وتوقف هي وماله حتى يأتي عليه ما لا يجيء إلى مثله، ومفقود في فتن المسلمين بينهم لا يضرب له أجل، وإنما يتلوم له الإمام لزوجته (باجتهاده) بقدر ما يرى انصراف من انصرف، وانهزام، ثم تعتد [5/ 245]
وتتزوج، وإن كانت الفتنة التي فقد فيها بعيدة من بلده كإفريقية ونحوها، وانتظرت سنة ونحوها، قال في كتاب ابن المواز: ثم تعتد، قال في العتبية ويقسم ماله. وقال سحنون: إذا فقد في معترك بين المسلمين وشهد أنه قتل عمن حضره ممن لا يعدل، قال: أو ثبت حضوره القتال بالعدول؟ فله حكم الميت وإن لم يشهد بموته، ويقسم ماله وتعتد زوجته من يوم المعترك، فإن كان إنما رأوه خارجاً من العسكر ليس في المعترك، قدم حكم المفقود، يضرب له أجل المفقود. ابن حبيب: إن فقد في معترك المسلمين في بعد في غير بلده، فلتتربص امرأته سنة ثم تعتد ويؤخر ميراثه إلى التعمير، قال أصبغ: إلا أن تكون المعركة بموضعه فلا تتربص أكثر من العدة ويقسم ميراثه. ومن كتاب ابن المواز: ومن فقد في معركة ببلد الإسلام فليس فيه أجل الفقد ويستبرأ أمرهن ثم تنكح امرأته بعد العدة. ابن القاسم / إذا فقد بين الصفين في ثائرة بين المسلمين فليطلب فيه ويجتهد ثم تعتد امرأته من يوم لقاء الصفين، ويقسم ماله، قال أصبغ: ليس في استبرائه حد، وقد تكلم فيه الناس واستحسنوا السنة، وهو حسن، ثم تعتد امرأته بعد السنة ثم العمل في ماله كالمفقود. قال ابن القاسم: العدة داخلة في السنة ثم رجع فقال هي بعد السنة كعدة الوفاة. ابن المسيب: إن المفقود بين الصفين تؤجل امرأته سنة، وأما فقيد أرض الحرب ففيه اختلاف، والذي أقول: إنه كالأسير يفقد في الصف أو في الزحف فلا أجل فيه ولا يعمل إلي أقصى عمره، بل يحكم فيه بحكم من مات ومن الناس من رآه كفقيد أرض الإسلام. [5/ 246]
ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن فقد فقد بين الصفين في أرض العدو أو أرض الإسلام فلتتربص امرأته سنة ثم تعتد، والسنة من يوم ينظر في أمره السلطان وتضرب له السنة. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في وقائع بين المسلمين مثل ما كان عندنا بتونس فشهد البينة أنهم رأوا الرجل في المعركة ثم لا يدرون [ما فعل الله به قلت له إن ثبت عندك بالعدول أنهم رأوه في المعركة ثم لا يدرون] حيث هو، فهو ميت، فاحكم فيه بما تحكم به في الميت، وإن لم يثبت ذلك بالعدول فأنزله كالمفقود واجعل ماله في أيدي الثقات ينفق منه على الزوجة والولد الصغير لا مال له معروف، وكتب إليه في المفقودين يكون قد شهد له رقيق معروفون بأنهم أحرار قبل موتهم بسنة. ولم تستبين أموالهم /، فيدعي الرقيق أن لهم أموالا ولا بينة لهم بها غير أن جواريهم في بيوتهم فكتب إليهم: إن ثبت الموت فهم أحرار وأموالهم تبع لهم، كان يعرفها السيد أو يجهلها، إن كان الثلث حملهم، يريد بأموالهم، وأما أولادهم: فرقيق، وما ادعى الورثة أن للسيد في أيديهم مالا يتجرون به فإن لم يصح ذلك ويثبت فعليهم اليمين، وفي سؤاله أنه أوصى لهم في تلك السنة التي يكونون فيها أحراراً قبل موته لهم أجرهم في خدمي كذا أو كذا، قال سحنون: على قول من رأى أنهم يعتقون من رأس المال، فإنه يكون لهم أجرة مثلهم ويكون من يشبه أن يكون ولد منه في هذه السنة حراً، وأما مالا يشبه ذلك فهو رقيق، وإما في قول من يراهم من الثلث فلا يري لهم أجر الخدمة، يريد: وأولادهم رقيق. ومن كتاب ابن المواز: قبل لأصبغ في [فقيد] معترك الإسلام: فرق مالك بين بعد كالمغرب وخراسان، فهذه تتربص سنة، وأما القرب كقديد من المدينة، فتعتد من يومئذ، قال: ما علمت ولا أراه إلا في القريب جداً، أو بموضعه [5/ 247]
نفسه، فإذا جاء مثل هذا الأمر من الواضح مما لا يظن أنه باق أو مريض أو جريح فهو كما ذكرت وتعتد إذا علم أن به جراحات مثخنة وأما في الفقد وحده فلا، إلا القول الأول. ولعله ضرب على وجهه، وجدنا لمالك في قتال أهل المغرب يكون بينهم في قراهم فمن فقد فيه فلتقم زوجته الأشهر ثم تعتد، وأما ببلد بعيد كافريقية وبلد العدو فهو كالمفقود، قال مالك: وإذا خرج إلى بلد لتجارة / أو غيرها ففقد، فلا يدرى أين هو، فلا يضرب الإمام لامرأته الأجل إن طلبته إلا بعد الكشف عنه والاستقصاء، وإذا لم يعرف أين توجه سئل أهله أين سمعوه يذكر، يكتب إلى الموضع الذي يقال أنه قصد إليه، أو إلى الموضع الذي يرجى فيه خبره، وإن كان بعيدا فإن لم يجد له خبرا ضرب له أجلا إن كان حراً أربع سنين، كانت زوجته حرة، أو أمة، أو نصرانية، بنى بها أو لم بين، ولا يضرب السيد لعبده اجل الفقد، وهي مرقوفة مع ماله. والصغيرة تبلغ الوطء وزوجها صغير أو كبير ولها فق فقده ما لغيرها من ضرب الأجل والعدة يقوم بذلك أبوها أو وليها إن لم يكن الأب إلا أن تبلغ مبلغ النكاح والرأي فذلك لها، وإذا جهل الإمام فضرب الأجل من يوم رفعته لم يتم ذلك ولا تأتنف الأجل ولكن تحسبه من يوم ثبت عنده فقده بعد الفحص عنه، قال مالك: وإنما يضرب للمفقود ببلد الإسلام لا ببلد الكفر، ولو علم للأسير موضع ببلد الكفر ثم انقطع خبره فلا يقضي فيه بفراق ولا أجل، ومن ركب البحر إلي بلد الحرب غازيا أو ركب حاجاً يريد الإجازة من الأندلس وإليها. محمد: قد فرق بين من قلد إلى بلد الحرب غازيا وبين غيرهم وبلغني أن أصبغ قال: ذلك كله سواء. ويضرب لهم أجل الفقد، ويضرب للذين خرجوا للتجارة بعد الكشف عن مقصدهم، والموضع الذي يرجى أن يردهم الريح إليه وينتظر بالغزاة ما يأتي في مثله خبرهم من حياة أو موت أو أسر أو بلوغ أو رجوع، فإذا استقصي ذلك ضرب لهم/ أربع سنين. فأما المدرب في البر إلي بلد الحرب فبخلاف ذلك، وهذا لا غاية له إلا القتل أو الأسر أو الرجوع. قال [5/ 248]
أصبغ: فأما المقلد فلعله لم يصل أو رده الريح إلى موضع، وقد قال أشهب وغيره: إن المدرب في البر كالفقود. قال محمد: وقاله الحرث بن مسكين ولم يأخذ بذلك أصبغ. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في العبد يفقد وهو وزوجته نصرانيان وسيدهما مسلم، قال: يضرب له الإمام نصف أجل الحر المسلم، فإن ضرب له أجل المفقود ثم عتقت الأمة فإن اختارت نفسها رجعت إلى أجل المطلقة ثم حلت، ولو أسلمت في الأجل – وهما نصرانيان – اعتدت عدة المطلقة، فإن جاء في العدة وأسلم كان أحق بها، وإن خرجت من العدة تزوجت فلا سبيل له إليها وإن أسلم بعد ذلك، ولو كان أسلم قبلها ثم جاء فهو أحق بها ما لم تدخل. ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا تم أجل الفقد دفع إلى زوجة المفقود صداقها كله، قال في كتاب ابن المواز: وإن لم بين بها، وما كان مؤجلا منه بقي إلى أجله. قال أصبغ في المواضحة ويقضى دينه من ماله حل الدين أو لم يحل [ويوقف ميراثه] إلى أقصى عمره، وينفق منه على من تلزمه النفقة عليه إلا زوجته هذه، فإن صحت وفاته بعد ذلك رد كل من اتفق عليه بعد وفاته النفقة وكذلك زوجته. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا قضى لزوجته جميع الصداق قبل البناء ثم قدم وقد تزوجت ردت/ نصفه، ثم رجع فقال: لا ترد شيئا كالميت والمعترض بعد التلوم له وحبسها عليه، وكذلك روى عيسى في العتبية عن ابن القاسم عن مالك. قال ابن المواز: عن ابن القاسم: وهذا استحسان والقياس الأول، وهو أحب إلي، وقاله أصبغ، قال عيسى عنه مثله: إنه إن قدم وقد بنى بها الثاني فترد [5/ 249]
نصفه. محمد وقال ابن الماجشون: يعجل لها نصفه ويؤخر نصفه حتى يموت بالتعمير فتأخذ النصف الآخر، وقال ابن دينار: النصف لها من الصداق. وقال غيره: إن كان دفعه إليها لم ينزع منها، وإن كانت لم تقبضه لم تأخذ إلا نصفه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: اختلف قول مالك في المفقود قبل البناء فقال: إذا ضرب الأجل واعتدت عجل لها جميع الصداق من ماله، ثم إن قدم بعد أن نكحت ردت إليه نصفه. وقال أيضا إذا تمت العدة فإنما يعجل لها نصفه، وبهذا نقول إلا في تعجيله فإن بعض أصحابنا يقول: يوقف لها هذا النصف إلى الوقت الذي تبين أنها لزمته فيها طلقة. وذلك إذا تزوجت ودخلت في قول من يرى أن البناء يفيتها. [وإذا تزوجت في قول من يرى أن العقد يفيتها]. قال سحنون فإن دفع إليها النصف ثم جاء الخبر أن المفقود مات قبل أن يتزوج غيره، فإنها تأخذ بقية الصداق، فإن جاء الخبر أنه مات بعد بناء الثاني فلا شيء لها إلا النصف الذي أخذت. قال في جواب شجرة: وإذا كانت زوجة المفقود مدخولا بها ومهرها حال دفع إليها من ماله، وإن كانت غير مدخول بها فالأشياء موقوفه، قال عبد الملك: وأحب إلي في تعمير المفقود مائة سنة من يوم مولده، وقال مالك: سبعين، وقاله أبن القاسم وأصبغ، وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: والتعمير في الزوجة والميراث والموصى له بالنفقة إلى تسعين سنة، وإليها رجع مالك وبه أخذ ابن حبيب، قال: وقال أصبغ ورواه عن ابن القاسم أن تعمير المفقود في معارك العدو لامرأته ولماله سبعون، أو ثمانون، قال أصبغ: سمعت أشهب يقول لا يقسم ماله إلا بعد مائة سنة من مولده. [5/ 250]
قال في كتاب ابن المواز: وترثه زوجته تلك وإن أنقضت عدتها بعد الأجل، وأما إن تزوجت ودخلت قبل وقت آخر عمره، فلا ترثه إلا أن يعلم أن موته قبل دخولها فترثه كانت الآن حية أو ميتة. وإن علم موته وشك فيه أكان موته قبل نكاح الثاني لها أو بعد نكاح الثاني وبعد دخوله فلا ميراث له، وقاله عبد الملك وأصبغ، والذي هو أحب إلي قول ابن وهب أنها ترثه ما لم تتزوج ثبت موته أو موت بالتعمير، وإذا وقف له ميراث من مات له من ولد ثم موت بالتعمير، فلا يقسم ما وقف له من ذلك مع ماله وليرد إلى ورثة الابن يوم مات الابن ولا ينفق من هذا الموقف على عياله، وإن لم يكن له غيره. قال ابن القاسم: وإن فقد عبد فأعتقه سيده فمات له ولد فالقياس أن يوقف له ميراثه كالحر، والاستحسان أن يدفع إلى ورثة الابن بحميل، قال أصبغ: هو في القياس كالحر. وإذا أنفق على زوجة المفقود في الأجل ثم ظهر أنه مات في الأجل ردت ما أنفقت بعد موته، وإن ظهر / أنه كان حيا قبل يتزوج ويدخل فلها أن ترجع في ماله بما أنفقت بعد الأربع سنين إلي الآن من مالها، وإذا تزوجت ودخلت عن قدم فوجد نكاح الثاني فاسداً مما يفسخ بغير طلاق فالأول أحق بها، وإن كان يفسخ بطلاق كالناكح بغير إذن ولي أو عبد بغير إذن سيده فلا سبيل [للقادم إليها واختلف قوله إذا قدم قبل بناء الثاني فلا سبيل] له إليها. قال محمد: والأول أحق بها وإن دخل الثاني ما لم يخل بها الثاني خلوة توجب عليها العدة فلا شيء للأول حينئذ ويلزمه بذلك طلقة. ولو قال الآخر بعد الخلوة: لم أمسها، حرمت على الآخر، ولم تحل للأول إلا بنكاح بعد ثلاث حيض. قال ابن سحنون عن أبيه في الرجل يركب البحر فيأتي الخبر أن المركب غرق ولا يعلم حقيقة ذلك والمركب غاب في البحر خبره، قال: إن توجه من الأندلس [5/ 251]
القول في المنعي لها تتزوج وفيمن أطال الغيبة عن امرأته
يريد أرض الإسلام تونس وإفريقية وسواحل المسلمين، فليكتب السلطان إلى إمام تلك الناحية، فإن لم يوجد خبره فحال امرأته حال امرأة المفقود تؤجل أربع سنين ثم تعتد ويوقف ماله للتعمير، ومن كتاب ابن سحنون: وكتب إلى شرحبيل في قوم ركبوا البحر إلى جزيرة من الجزائر فطال مقامهم بها ثم يأتي كتاب بعضهم أن فلانا استشهد أو مات فيبقي، ثم تتزوج امرأته فيرفع أولياؤه ذلك إلى أي رجل محتسب، فكتب إليه مكي في ذلك: من قام فيه وامنع من النكاح حتى يتبين الموت بالشهادة القاطعة. القول في المنعي لها تتزوج وفيمن أطال الغيبة عن امرأته أو ترك الوطء وهو حاضر من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم، قال مالك: وإذا نعي للمرأة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت، فلترد إلى الأول، ويستبرئها بثلاث حيض وثلاثة أشهر، ويتوارثان وإن ماتت قبل قدومه ورثها، ولا يوارث الثاني، قال عيسى: وإن ورثته ردت ما قبضت، ولم ترد الصداق إلا أن يموت قبل البناء فترد الصداق. ابن القاسم: وإن قدم وهي حامل من الثاني ثم مات القادم فلتعتد منه أربعة أشهر وعشراً وترثه ثم لا تتزوج إن انقضت حتى تضع وإن وضعت قبل تمامها فلتتمها. ومن كتاب ابن المواز وإذا نعي إليها ببينة فاعتدت وتزوجت فالقادم أحق بها، ويستبرئها [بثلاث حيض] كانت البينة عدولا أو غير عدول. كان شبه عليهم بعدول. أو شهدوا زوراً، وإنما يختلف ذلك فيما بيع من ماله ففي بينة الزور يأخذ عروضه أينما وجدها وإن شاء الثمن، ويأخذ أمته وقيمة ولدها من المبتاع، [5/ 252]
وقيل: قيمتها فقط إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر على اختلاف قول مالك والقول الأول أولى، وأما في العدول فلا يأخذ منه حتى يدفع الثمن إلى مبتاعه إلا أمة فاتت بحمل من المبتاع. قال مالك فيمن طالت غيبته سنين على امرأته فليكتب إليه: إما أن يقدم أو يحملها إليه، فإن أبى طلق عليه. قال عيسى في رواية في العتبية وإما أن يفارق، وفعله عمر بن عبد العزيز، وقد سأل عمر بن الخطاب، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقيل: له أربعة أشهر أو ستة / أشهر، قال مالك: وليس هذا كالمفقود، وقيل له أربعة أشهر أو ستة / أشهر، قال مالك: وليس هذا كالمفقود، وقيل له: فإن بعث بالنفقة ولم يقدم، قال: أما الحين فذلك له، وأما إن طال ذلك فليس ذلك له ولم يحد الطول، قال: وكتب إليها يخبرها حتى تصبر على ذلك أو تفارق، خرج من المأثم، وروى عيسى عن ابن القاسم عن مالك مثله، وقال: ظننته أن الحين السنتان أو الثلاث، وأما إن طال ذلك فليطلق عليه، قال ويؤخذ بما أنفقت عليها في طول غيبتها من مالها. وقد ذكرنا في باب نفقة الزوجات في كتاب النكاح قول ابن حبيب في الغائب تطلب زوجته النفقة وتجهل ملأه من عدمه وليس لها شيء حاضر: أنها إن صبرت، وإلا فرق الإمام بينهما إن طلبت ذلك، قال أحمد بن ميسر مثله، وقال بعد أن يتأتى به الإمام الشهر ونحوه، قال أحمد بن جعفر وأكثر منه قليلاً، وإن قدم وأنفق وإلا طلق عليه، وكذلك إن كان لا يعلم له موضع ولا خبر ولم تصبر، وإن صبرت هذه وطلبت ضرب أجل المفقود ضرب لها، ولا فرق بين الطلاق على الحاضر لعدم النفقة وبين الغائب. ومن كتاب ابن المواز: وإن ادعت أن زوجها الغائب فارقها كاتبه الإمام فإن أنكر أمره بالقدوم وإن طالت غيبته. وإذا ترك الحاضر وطء امرأته لغير علة مضاراً تلوم له وتردد مرة أو مرتين، فإن فعل وإلا طلق عليه ولا يؤجل أجل الإيلاء وليس على الرجل في أم ولده شيء إذا [5/ 253]
كتاب الخلع والحكمين والرجعة في الخلع
كبر وذهب ذلك منه، وقد كان رجال صالحون يخيرون الأمة الشابة/ أن يبيعها أو يحسبها، ومنهم من يخير زوجته، وإنه يحسن، ولكن ما أحب أن أضيق على الناس، قال: ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا عن زوجته الأمة إلا بإذن أهلها وفي باب العنين شيء من هذا. كتاب الخلع والحكمين والرجعة في الخلع والحال الذي يبيح له أخذ ما افتدت به وكيف إن افتدت على الضرر؟ وحكم التسرر والصلح على الاثرة من كتاب ابن المواز: قال ابن شهاب: من الحدود التي ذكر الله تعالى: إذا استخفت بحقه [ونشزت عنه] وأساءت عشرته وأحنثت قسمه وخرجت بغير إذنه وأذنت في بيته لمن يكره وأظهرت له البغضة فذلك مما يحل له أخذ ما اختلعت به، وإذا كانت هي تؤتى من قبله لم يحل له أخذ ما أخذ منها. محمد: لو أحبت فراقه من غير إساءة منها له منه لها في شيء مما وصفنا لجاز له بما افتدت به، قال الله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) فأفرد هذا أو هذا. قال عطاء: إذا أحبت فراقه فهي ناشز، وإن لم تنو في ذلك رجلا والرجل كذلك. قال عطاء: وقوله تعالي: (فاضربوهن) قال: ضرباً غير مبرح. قال ربيعة: إذا لم يظلمها حل له ما أخذ كانت محسنة أو مسيئة. قال مالك: ويجوز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها إذا أحبت فراقه، وليس من مكارم الأخلاق أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، قال مالك: فإذا خالعته ثم ثبت أنه [5/ 254]
مضار لها، رد ما أخذ في الخلع ولا يلزمها شرطه في رضاع ولا نفقه ولا غيرها، وكذلك روى / عيسى في العتبية عن ابن القاسم: إذا صالحته على شيء أعطته، وعلى رضاع ولده ثم جاءت بعد سنة وبامرأتين شهدتا أنها خالعته عن ضرر قال يحلف معها ويرد عليها ما أعطته وتأخذ منه أجر رضاع ولده. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا أقامت بعد الخلع بينة يشهدون على السماع، ويسمع الرجل من أهله ومن الجيران، ويكون فاشياً، ويجوز في ذلك شاهدان على السماع البين والأمر المعروف ولا يمين مع ذلك قيل فإن شهد واحد على البت أن زوجها كان يضربها ويضيق عليها. أتحلف معه؟ قال: كيف يعرف ذلك؟ قال: يقول: سمعت واستبان لي قال عيسى له: فانظر فيه. قال أصبغ: وهو جائز إن لم يكن معه غيره، فإن كان معه سماع منتشر وإلا حلفت ورد عليها ما أخذ منها، ومضى الفراق، وقد سألت عنه ابن القاسم بعد ذلك فقال: هذا لأن يمينها على ما قال. وإذا أقامت بينة أنه كان يظهر بغضها لم ينفعها إلا البينة بالضرر، وقد يبعضها ولا يظلمها، قال: ومن الضرر الموجب لرد ما أخذ أن يؤثر عليها أخرى، ولا يفي لها بحقها في نفسه ولا في ماله، ويجب عليه إن لم ترض بالأثرة أن يفارقها بغير فداء أو يعدل، فإن رضيت بغير فداء أو بشيء يعطيها يصالحها به فلا بأس. قال الله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) الآية. وإن رضيت بالمقام على الأثرة فذلك جائز، ولها أن ترجع متى شاءت، قال ربيعة /: وإن رضيت بلا نفقة ولا كسوة ولا قسم جاز عليها وقد وهبت سودة يومها لعائشة حين أسنت فقبل منها رسول الله (صلي الله عليه وسلم). [5/ 255]
في الصلح والخلع وما يوجب من الطلاق، وفي المرأة تشتري عصمتها
ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: ومن علم من امرأته الزنى فليس له أن يضارها حتى تفتدي. وروى عيسي عن ابن القاسم في المرأة الناشز تقول: لا أصلي ولا أصوم ولا أتطهر من جنابة فلا يجبر الزوج على فراقها، وإن شاء سافر وحل له ما أخذ منها مما قل أو كثر. في الصلح والخلع وما يوجب من الطلاق وفي المرأة تشتري عصمتها وهل في الخلع رجعة بشرط أو بغير شرط؟ وهل تتزوج بعد الخلع؟ وكيف إن فعل ثم طلقها هل تاتنف العدة؟ ابن المواز: قال مالك وأصحابه: الخلع طلقة بائنة وكذلك قال (صلي الله عليه وسلم) لثابت بن قيس: إنها واحدة. وقال عثمان: هي طلقة بائنة إلا أن يسمي شيئا فهو ما سمى، وقاله عدد كثير من الصحابة والتابعين، قال مالك: [وإن لم يسم فهي واحدة قال محمد قال عنه العزيز وإذا اتبع الخلغ طلاقا من غير صمات ولا حديث لزمه. وقد أخطأ السنة]. رورى ابن وهب عن مالك: إذا أعطته عشرة دنانير على أن يطلقها طلقة بملك الرجعة فلا رجعة له، وروى عن مالك في غير كتاب ابن المواز أن له الرجعة وقاله سحنون. [5/ 256]
في الخلع بغير عطية أو بعطية من الزوج أو على عتق عبدها
محمد قال عبد الملك: إذا صالحته أو خالعته بشيء أعطته على أن له الرجعة فلا رجعة له، قال مالك: وله هو دون غيره نكاحها في عدتها منه. ومن العتبية قال / عيسى ابن القاسم: وإن خالعها وهي حامل فله هو دون غيره أن يتزوجها في هذا الحمل ما لم تثقل فتصير كالمريضة تتزوج، فلا يجوز ذلك له ولا لغيره حتى تضع. قال أشهب عن مالك: ومن خالع امرأته ثم تزوجها ثم طلقها قبل أن يمسها وقبل تمام عدتها فإنها تبين ولو مسها ائتنفت العدة، وكذلك إن بنى بها وخلا بها الخلوة [ويتهم] على المسيس، وفي الباب الذي يلي هذا شيء من هذا المعنى. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المرأة تشتري من زوجها عصمته عليها، وقال: هي ثلاث، لا تحل له إلا بعد زوج وإن لم يسم طلاقا، وكذلك إن قال: قد اشتريت ملكك علي أو طلاقك علي هو مثل عصمتك، وليست هذه فدية وهذه اشتريت كل ما يملك منها، وقال عيسى: ما أراه إلا فدية وهي واحدة بائنة كالخلع. ومن المجموعة قال المغيرة، ومن قال لزوجته قد أعطيتك بعض عصمتي فقضت بالثلاث فلا مناكرة له كمن أعطاها بعض البتة. في الخلع بغير عطية أو بعطية من الزوج أو على عتق عبدها، وما يقصد به الخلع من الفراق وقوله إن خرجت إلى متاعي فأنت طالق أو على أن يخرج بها إلى بلد ومن كتاب ابن المواز: وإذا تداعيا إلى الصلح وافترقا عليه إن لم يأخذ منها شيئاً فهو فراق كما لو أخذ، وإذا قصدا إلى الصلح بغير عطية أو على أن أخذ منها [5/ 257]
متاعه وسلم إليها متاعها فذلك خلع لازم، وقاله مالك في العتبية من سماع ابن القاسم / قال: ويكون بائناً، قال وأنت طالق أو لم يقل. قال في كتاب ابن المواز: وإن لم يقصد قصد الصلح وقال: أنت طالق ولي متاعي ولك متاعك، وقال: ولك زيادة كذا، فله الرجعة [قال ابن وهب عن مالك وإذا صالحها على أن أعطاها شيئاً من ماله جهلا وطنا لانه وجه الصلح قال هي طلقة وله الرجعة] ثم رجع وقال: لا رجعة له إذا كان منهما على وجه الصلح. وقاله الليث، قال محمد وعلى قوله الآخر العمل. قال مالك: وإن خالعته على عتقها عبدها لزمها ذلك، وقاله ربيعة وغيره قال مالك: فإن جعل خلعها خروج إلى أمها فذلك لازم. قال ابن سحنون عن أبيه: ومن قال لزوجته أنت طالق بما صار إليك مني، فإن أراد إن أعطته، فهو خلع تام، وإن أراد بذلك فأنت طالق فهو رجل أعطي وطلق فليس بخلع. ومن العتبية عن مالك ونحوه في كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لامرأته ألك عندي شيء؟ قالت لا، ولا لك عندي شيء، قال: فاشهدوا أني برئت منها وبرئت مني فافترقا على ذلك ثم قامت بما كان لها قبله، وقالت لم أرد المبارأة، وقالت أنت أرادا المبارأة فذلك نافذ ولا شيء لها عليه، وكذلك إن دعته إلى افتراق وله عندها متاع فقال إن أخرجت إلي متاعي فأنت طالق فأخرجت بعضه ثم ندمت وتركت، قال: قد لزم الفراق وتخرج باقي المتاع. ابن حبيب ك قال ابن الماجشون فيمن وهبته زوجته عشرة دنانير بقيت لها عنده من صداقها ثم وقع بينهما شيء فقال / لها: أخاف العشرة التى وهبت لي [5/ 258]
فيمن خالع على أنها إن طلبت ما أعطته أو خاصمته عادت زوجته
لا تجوز لي، ولكن أبارئك منها وتبرئينني ففعلت، فإن كان عالماً أن العشرة واجبة له بالهبة الأولى لزمه طلقة يملك فيها الرجعة إذ لم يأخذ عليها شيئا، وإن كان ممن يجهل ذلك كان طلاقه البتة كمطلق امرأته طلاق الخلع. فيمن خالع على أنها إن طلبت ما أعطته أو خاصمته عادت زوجته أو إن تزوج هو رد ما أخذ أو على إن تخرج هي من البلد أو على إن راجعها ودى نفقة ما مضي أو غير ذلك من الشروط من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن شرط إن طلبت ما أعطته عادت زوجه لم ينفعه ولا رجعة له، وإن ظنا أن ذلك يلزم فعادت زوجة تحته لذلك، ووطئها فليفارقها، وله ما رد إليها صداقا، وإن صالحته بعد ذلك بشيء أعطته وقد حملت، وعلى أن أبرأته من نفقة الحمل ورضاعه، فالصلح باطل، ويرد إليها ما أخذ وعليه نفقة الحمل وأجر الرضاع، وله أن يتزوجها بعد أن تضع وإن لم تحمل فبعد الإستبراء، وليس بناكح في عدة وروى عن مالك أنه كالناكح في العدة، والمعروف عندنا من قوله ما قلت لك. قال: ومن نكح من خالع في العدة ثم طلقها قبل البناء فهي تبني على عدتها ولها نصف الصداق بخلاف من ارتجع من طلاق رجعي ثم طلق قبل أن يمس فهذه تأتنف العدة، وقال ابن شهاب: ومن طلق ثلاثا ثم أرتجعها جهلا إنها تبين عنه وتعتد وتحل له بعد زوج، ويعاقب من أفتاه بالجهل. [5/ 259]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم ك وإذا دعت زوجها إلي الفراق على أنها تدفع إليه ماله، فقال اشهدوا أني آخذ مالي منها ولا أطلقها ولا أفارقها، أو إن كانت حاملا أو طلبت مالها مني فهي امرأتي. قال مالك: لا أرى الطلاق إلا وقد لزمه، ولا ينفعه هذا الشرط، قال ابن القاسم في سماعه في العتبية إنما لزمه الطلاق بقوله: إن كانت حاملا أو طلبت مالها فهي امرأتي. قال مالك: لا أرى الطلاق إلا وقد لزمه فدل ذلك أنه فارق واستثنى [هذا، قال ابن القاسم ولو لم يكن غير قول المرأة خذ مالي وفارقني فقال أنا آخذ ذلك ولا أفارقك ولم يكن إلا هذا ما كان هذا يدل على رضاه بالفراق فلا يلزمه الفراق ولا يكون له المال ويحلف أنه ما أراد بأخذ المال فراقا ولا صلحا قال عبد الله وفي أول السؤال أنا آخذ مالي وآخذه مالها وله منها عند ابن القاسم سواء، إذا أجرياه فجرى الصلح] قال: ولو صالحها بما أو بغير مال على أن تخرج من بلده ثم أبت أن تخرج فالفراق لازم ولها ألا تخرج. ومن كتاب ابن المواز: وإن صالحها على أنه إن راجعها في العدة فعليه نفقة ما مضى فلا رجعة له إلا بنكاح، ومن كتاب محمد: والعتبية عن أشهب عن مالك وإن شرط إن خاصمته فهي رد إليه فالشرط باطل، قال: وإن خالعها على أنها إن كانت حاملا فلا خلع لها وإن لم يكن بها حمل فذلك خلع، فقد بانت منه حاملا كانت أو غير حامل. قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم، وفي كتاب محمد: إن خالعها في سفر على أنه إن مات قبل يبلغ بلده فما أخذ رده فمات في سفره فالشرط باطل والصلح ماض ولا يتوارثان، قال مالك: وإن صالحها بشيء من مالها من مالها (على [5/ 260]
في الخلع بالغرر من الآبق والشارد والجنين، وكيف إن زاد لها من عنده مالا
أنه) لا ينكح أبدا فإن فعل رد ما أخذ منها لم يلزمه الشرط ولزمه الفراق بما أخذ منها. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: وإن خالعته على أنه لا يتزوج أبداً،/ فله أن يتزوج ولا شيء عليه وله ما أخذ منها بفراقها. في الخلع بالغرر من الآبق والشارد والجنين وكيف إن زاد لها من عنده مالا على أن له هذا الغرر؟ وخلع الذمية بالخمر من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا خالعها على جنين في بطن أمه فهو له إذا خرج ويجبران على الجمع بينهما ويباع مع أمه، أصبغ؛ لا أحب الخلع والجنين والآبق وبثمرة غير مزهية، فإن وقع مضى، وهو آخر قول ابن القاسم، قال أصبغ: وإن خالعها على جنين في بطن أمه على أن زادها عشرة دنانير أنفذا الصلح ونقص قيمة الجنين والعشرة. محمد: ينقص من قيمة الجنين قدر العشرة، فإن كانت قيمته أكثر من عشرة فالزياده للزوج فخلعه فترجع إليه عشرة ويكون معها في الجنين شريكا إذا خرج، وكذلك ولو كان موضع الجنين [شارد أو آبق] أو تمرة غير مزهية فالجواب سواء، فإن اغرقت العشرة قيمة ماذكرنا أو نقصت عنها فالعشرة رد إلى الزوج، وما كان مما ذكرنا رد إلى المرأة بأسره، والقيمة في الجنين يوم يخرج، وفي الآبق والشارد والتمرة يوم يؤخذ. وذكرها العتبي عن أصبغ، فقال: ينظر إلى قيمة العبد الآبق يوم الصلح وإن كانت التمرة مأبورة فقيمتها يوم الصلح، وإن كانت لم تؤبر فقيمتها يوم تؤبر، [5/ 261]
في الخلع على شيء مجهول خاطرها فيه أو على شيء غرته فيه فتبين خلافه
وأما الجنين فيوم يولد، وذكر ابن سحنون عن أبيه أنه ينظر إلى قيمة الآبقة والشارد والجنين يوم يقبض ذلك الزوج، ثم يضم إلي قيمة ذلك / العشرة فانظر العشرة مما اجتمع، فإن كانت النصف علمت أن نصف [البعير] والجنين والتمرة والآبق وقع للخلع، فيكون للزوج، ويفسخ ما بقي للبيع فيبقي للمرأة، ويأخذ الزوج عشرته على ما قال المغيرة في الموضحتين، والقيمة في ذلك يوم قبض البعير والآبق والجنين وما أصيب من ذلك قبل القبض فمن المرأة ويأخذ الزوج العشرة، وإذا ترافعوا إلى حكم قبل قبض ذلك ثم قبض بعد فالقيمة يوم يحكم بينهم في ذلك، وذكر زيادة وأراها غلطاً في الرواية إليه ينظر إلى قيمة الآبق يوم وقع الصلح، فإن كانت قيمته أكثر من عشرة يوم وقع الصلح رددت منه ما قابل العشرة ورجعت العشرة إلى الزوج، وإن كانت قيمته عشرة فأقل مضى العبد للزوج والعشرة للمرأة، وكأنه صلح على الآبق فقط أو على العشرة فقط، ومن خالع زوجته النصرانية لزم من ذلك ما يلزم في المسلمة فإن كان على خمر لزم الخلع وليس له أخذ الخمر. في الخلع على شيء مجهول خاطرها فيه أو على شيء غرته فيه فتبين خلافه أو على شيء فاستحق من كتاب محمد: فإن خالعها على ما في يدها فرضي ففتحت يدها فلم يجد شيئا، فقال أشهب لا يلزمه طلاق، وكذلك إن وجد حجرا، وإن وجد ما ينتفع به كالدرهم ونحوه لزمه الخلع، وقال ابن الماجشون: يلزمه الخلع لأنه رضي بما غرته، وقال محمد وسحنون. قال عبد الملك ولو قالت له: أخالعك بعبدي هذا وأشارت إلى رجل، أو بداري هذه وأشارت إليها فإذا / العبد والدار ليسا لها، ولا لها فيهما شبهة ملك، فهذا لا يلزمه الفراق، لأنه طلق على أن يتم له ذلك، فأما لو كان بيدها شبهة ملك ثم استحق فالفراق لازم ويطلبها بقيمته. [5/ 262]
فيمن خالع على دراهم فألفاها عديمة أو بدا لها
قال ولو قالت له أوصى لي فلان بوصية، أو لي عطاء ففارقني بذلك ففعل فلم يكن لها ما قالت فلا يلزمه طلاق إلا أن تكون كانت في عطاء فاسقط اسمها أو كانت في وصيته فضاق الثلث عنها فيلزمه الفراق ولا يتبعها بشيء. قال ابن حبيب: قال مطرف: ولو أخذت لؤلؤة دنية لا تبلغ قيمتها درهما أو حصاة [فقالت خالعني بهذا] فرضي فإن كان شيء ينتفع به وإن قل فرضي به وعرف ما هو خلع، وأما حصاة لا ينتفع بها فليس بخلع ويكون طلقة رجعية. فيمن خالع على دراهم فألفاها عديمة أو بدا لها أو قال إن أعطيتني كذا أو ديني فارقتك أو أفارقك ثم بداله أو على أن ترد عليه خادمه وهي قد ماتت من كتاب ابن المواز: وإن خالعها على ألف درهم تعطيه إياها فألفاها عديمة فالخلع ماض ويتبعها بالألف وهذا إذا لم يقل على أن تعطي [الساعة، أو أخالعك] على أن تعطيني فلم تعطه، فهذا لا يلزمه الصلح؛ قال عبد الملك: ولو قال أخالعك بدينار تدفعينه إلي، أو على دينار تدفعينه إلي، أو يكون عليك، فذلك سواء، فإن قبلت لزمه، وإن لم تقبل لم يلزمه شيء، وإن قال: أعطيني ثوبيك لثوبين لها وقد ملكتك، فقالت قبلت وفارقتك فقد لزمها وتم الفراق. ابن القاسم: وإن قال لها إن أعطيتني / مالي عليك فارقتك أو أفارقك فهو سواء إن أعطته. واختلف فيها قول مالك: وأحب إلي أن يحلف ما أردت أني قد فعلت، ولكن لأنظر: أفعل أو لا أفعل، وكذلك رواها عيسى عن ابن القاسم في العتبية. [5/ 263]
قال محمد: قال أصبغ: وليس هذا بشيء، وكان يقول مالك إن الفراق قد لزمه، واحتج بحجة مالك حين قال تركها حتى إذا كسرت وشيها نزع. ومسألة مالك فأنا أطلقك، قال أصبغ: فهو طلاق بائن كالفداء، وجواب الفراق إذا أعطت قال مالك: [وإذا قال لها انقصي ديني وأنا أفارقك فكسرت وشيها فهو طلاق فدية، وكمن قال] لغريمه أعطني كذا وكذا من حقي ولك كذا أنه يلزمه. وذكر ابن القاسم في العتبية هذه الرواية عن مالك، وروى أيضا عن مالك فيها: إذا قضته دينه ثم بدا له فقد لزمه الفراق، وإن كان على وجه الفدية، وإن لم يكن على وجه الفدية حلف ما كان ذلك منه على وجه الفدية، ولا أردت إلا أني إذا أخذت مالي طلقتها بعد ذلك فلا شيء عليه. محمد: قال مالك: ولو أصدقها جارية فماتت وتركت ولدا فسألته الصلح، فقال: إن رددت إلى جاريتي فأمرك بيدك، قالت: قد رددتها عليك وفارقتك، قالته مرار، قال: يلزمها رد الجارية وقد بانت منه، وكان من قولها: الحمد لله الذي أمكن منك، قد ماتت الجارية فلم ير مالك ذلك ينفعها وقد بانت، وقاله ابن القاسم، وزاد في سماعه: وعليها قيمة الجارية. ومن العتبية قال عيسى عن أبي القاسم [عن مالك قال: وإذا قالت له خذ مني كذا وأصالحك فتراضيا وأجاب بعضهما بعضا إلا أنه لم يقع الصلح ولا الاشهاد ثم بدا للمرأة فذلك لها ولا شيء عليها ولا طلاق عليه، قال عيسى عن ابن القاسم] فيمن قال لزوجته إن أعطتني عشرة دنانير فأنا أطلقك، أو عجلت إلى ديني، أو قال لعبده: إن جئتني بكذا فأنا أعتقك فلما / جاء به أو جاءت المرأة، بدا له، فلا يلزمه، ويحلف أنه ما أبت طلاقها وعتقه، وروى عنه أو زيد [5/ 264]
في الخلع على تعجيل دين أو تأخيره وهضم بعضه أو على حمالة أو حوالة أو إجارة
فيمن قال: إن أعطيتني عشرة فأنا أطلقت، بها فأبي فإن كسرت وشيها وحليها في ذلك فهذا يلزمه، ورأيت معنى قوله إن جاءته بها ولم تتكلف بيع شيء فذلك بيد الزوج. في الخلع على تعجيل دين أو تأخيره وهضم بعضه أو على حمالة أو حوالة أو إجازة من كتاب ابن المواز ومثله في كتاب ابن سحنون: وإذا صالحها على أن وضعها من دين له عليها على أن عجلته بطل التعجيل والوضيعة وتم الفراق. وإن صالحها على أن عجل لها دينها عليه فذلك جائز، وكذلك على أن أخرها بدين له عليها، يريد محمد في قوله: إذا عجل لها ديناً لها عليه، أنه جائز إذا كان مما له تعجيله، قال غير ابن القاسم في المدونة وإن كان على أن يعجل لها بعض دينها، ووضعت عنه بقيمته، قال مالك: فالوضيعة نافذة، ويرد إليه ما عجل لها لتأخذه منه أذا حل أجله. قال عبد الملك: وكذلك إن أخرته ببعضه وأخذت بعضه جاز ما أسقطت وبطل التأخير، قال مالك: إن كان الدين لها عليه فصالحته على أن اسقطت بعضه وعجلت بقيته بطل التعجيل وكان الفراق لازما وإن أسقطته بعضه وأخرته بطل التأخير والوضيعة وبقي الدين بكماله عليها إلى أجله ونفذ الطلاق. ومن كتاب ابن المواز: ومن تزوج بعشرة نقداً وعشرين إلى أجل، فصالحته قبل الأجل والبناء والنقد على أن عجل لها العشرة النقد وأسقطت العشرين لم يجز ذلك، وجاز / الطلاق وترد له خمسة تأخذها منه إذا حل الأجل، وكذلك على ستة نقدا إلى خمسة عشر فلترد إليه ما زاد على الخمسة لتأخذه منه عند الأجل، لأن الفراق يوجب لها خمسة وعشرة إلى أجل، فالوضيعة تلزمها والتعجيل يسقط عنها، قال عبد الملك: وإلا صالحته على أن تحملت عنه بمال سقطت [5/ 265]
في الصلح على إسقاط نفقه الحمل وعلى رضاع الولد وكفالته
الحمالة وجاز الطلاق لأن الحمالة من السلف قال محمد وحيدة، ولو قال على أن يسلفني بطل السلف، وإن صالحها على أن أحال عليها غريمه لزمها ذلك، فإن لم يجد الغريم عندها في الأجل شيئا رجع على الزوج إذ ليس بحوالة في أصل دين، وكمن أحال على مكاتب ثم عجز. قال في كتاب ابن سحنون: وان خالعها على سكني دار سنة أو كراء حمولة مضمونة أو كراء دابة بعينها أو على أن تعمل له بيدها عملا من غزل أو الخياطة أو غيرها فهو من معنى الخلع بالغرر، فذلك ماض نافذ. في الصلح على إسقاط نفقة الحمل وعلى رضاع الولد وكفالته أو على النفقة عليه أو على الأب اغراما أو على تسليم الولد من كتاب ابن المواز، قال مالك: وللمختلعة طلبه بنفقة الحمل والولد ما لم تبرئه من ذلك. قال: وإن صالحها على أن ترضع ولده حولين وتكفله أربع سنين، أو على أنها إن ماتت فأبوها ضامن وإن لم يكن ذلك جائزا فله الرجعة، قال: قد تم الخلع بالرضاع فقط وبطل ما زاد ولا رجعة له ولا تلزمها نفقة الولد بعد الحولين، وإن كانت ملية وهو عديم، وكذلك في العتبية في سماع / ابن القاسم، وقال: لا يلزمها من نفقة الأربع سنين شيء قال سحنون: يلزمها، ولو شرط عليها نفقة خمس عشرة سنة وقول سحنون هذا قول للمغير، وكذلك شرط النفقة على الزوج مدة. [5/ 266]
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن صالحته أن تنفق هي على الزوج سنة فالخلع نافذ ولا نفقة له عليها، قال مالك: فإن شرط في الرضاع الا تنكح حتى تفطم ولدها لزمها ذلك قال مالك: وإن ماتت فنفقة الرضاع في مالها، ولو مات الصبي لم يتبع في هذه المدة بشيء ولو اتبعها كان له في ذلك قول، وقال أيضا: لا يتبعها. محمد بمنزلة من صالحها على أن عليها نفقة الحمل ورضاعه فاسقطته فلا تتبع. قال عبد الملك، لأنها على ذلك ضمنت، ورواه أشهب عن مالك، وروى أبو الفرج أن قول مالك أنه [يتبعها]، في موت الصبي. قال مالك: فإن عجزت هى عن نفقة الصبي رجعت النفقة على الأب واتبعها به، وقال أصبغ: قال ابن القاسم لا يتبعها وقال أيضا: يتبعها، وقال أشهب وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم عن مالك أنه يتبعها. قال في سماع ابن القاسم: وإن شرط ألا نفقة لها حتى تضع فيدفع الولد إليه، فإن طلبته فنفقة الولد ورضاعه عليها في الحولين، فذلك جائز، وذكرها في العتبية من سماع ابن القاسم وزاد في الشرط فإن لم تف له بذلك فهي امرأته قال: فكل ما شرط لازم إلا هذا الشرط. محمد: قال مالك: وإن شرط أن نفقة ابنها سنه عليها، فإن نكحت فهي إلى أمها ونفقتها عليه، فذلك جائز محمد يريد في الحولين. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: وإن خالعها على أنه إن كان بها حمل فنفقته عليها قال: فإن كان بها حمل فالنفقة عليها، فإن لم يكن لها مال انفق هو واتبعها بذلك إذا أيسرت؛ قال عنه أشهب: وإن خالعها على أنها تكفل ولده ثلاث سنين بعد فطامه ولا تتزوج فيها، قال: لها أن تنكح، وقد شرط بتحريم ما [5/ 267]
أحل الله لها فإن شرط إلا تنكح حتى يفطم ولدها قال: شرط عليها مالا يصلح، قبل: فتكح؟ قال: لا. قال ابن نافع: لا تنكح في الحولين إذا شرط ذلك عليها، قال أشهب عن مالك في الحامل إذا طلقها زوجها، فبعد شهر بارأها على أن عليها رضاع ولدها ثم طلبته بنفقة حملها قبل المبارأة، قال: ذلك لها [وإن طلبته بنفقة الحمل بعد المبارأة] [فليس ذلك لها]. وفي كتاب ابن سحنون: قال: لها نفقة الحمل حتى تضع لا تزول إلا بشرط كما تشترط نفقة الرضاع. ومن كتاب ابن المواز: وروى أشهب عن مالك في الحامل تخالع زوجها على أن عليها نفقة ولده ورضاعه قال: الذي أرى وهو الذي عليه أمر الناس يجري ألا شيء لها نفقة الحمل ولا نفقة الرضاع حتى تفطم ولدها، وأما ما سوى ذلك فلا أراه لازما ولا أرى أن يشترط، قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وإذا صالحته على كفالة ما في بطنها ولم تذكر غير هذا فلها طلبه بنفقة الحمل وقد سمعت من يقول: الخلع قطع كل نفقة ولا أقوله لأنها لم تشترط، وتكون / عليه إذا عجزت عن نفقة ولده قبل حاجته إلى الطعام نفقته ورضاعه، وإذا عجزت عن نفقة ولده انفق عليه وطلبها بنفقة الولد إلى المدة التي اشترط فيها. وروى عيسى عن ابن القاسم قال: وإن بارأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده عامين فأرادت أن تتزوج قبل ذلك فإن كان ذلك ضررا بالصبي منعت كمن استأجر ظئراً فأرادت الترويج وروى عنه عيسى في التي خالعته على أنه أحق بولده وهم صغار، قال: هو أحق بهم ولا رجوع لها. ابن حبيب ِ: قال ابن الماجشون: الخلع ماض ويرجع فيأخذ ولدها لأنه حق للولد، فليس لها قطعة، ولا يختلف في هذا عندنا. [5/ 268]
في الخلع قبل البناء أو بعده على رد ما أخذت أو على مال أعطه أو تقايلا في النكاح
ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم وان خالعته على أن ترضع ولده، فإن ابت فعليها عشرة دنانير، قال يمضي ذلك على ما وقع، وليس هذا من عمل الناس. ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن طلق امرأته واحدة على أن لا نفقة لها في العدة حتى اراجع أو أدع فقبلت على ذلك فهي طلقة لا رجعة فيها كالخلع. ومن كتاب ابن سحنون: وإن خالعته على رضاع ولدها سنتين على أن أخذت منه دنانير ثم تزوجها بعد سنة فليرجع عليها من الدنانير بحساب ما بقي يريد لأنها صارت تجبر على رضاعه حين رجعت في عصمته، ولو خالعها على كفالة الولد عامين ولم يعطها هو شيئا ثم مات والولد فلا يرجع عليها بشيء وان خالعته على أن يسكن دارها سنه أو أن تحمله إلى بلد كذا وكذا / مضموما أو على دابة بعينها أو على أن تعمل له بيدها عملا فذلك كله جائز كما قلنا. في الخلع قبل البناء أو بعده على رد أخذت أو على مال أعطته أو تقايلا في النكاح من كتاب ابن المواز: وإذا صالحته قبل البناء [على دنانير] أعطته، ولم تقل من مهري فلا تتبعه بشيء من المهر، ولترد إليه ما قبضت منه قال مالك وجميع أصحابه إلا أشهب فقال: يرجع بنصف الصداق في الصلح، قال: وكذلك لو أعطته مائه على أن طلقها لرجعة، قال محمد: أما هذه فترجع، وأما الصلح والخلع المبهم ولم يشترط أن يطلقها بما يعطيه فليس بقول مالك ولا أصحابه. قال ابن الماجشون: وقول المغيرة وغيره كقول مالك. قال ابن القاسم: قاله الليث. [5/ 269]
في مخالعة غير البالغ، وخلع الأب أو الوصي عن الصبية، وخلع الأجنبي عن الزوجة
قال مالك: وإن صالحته أو خالعته قبل البناء على عشرة دنانير من صداقها فلها نصف ما بقي، وإن خالعته بعد البناء على عشرة من مهرها فلها أن تتبعه بما بقي بحلاف التي لم يبن بها، ولو قالت التي لم يبن بها علي أن يطلقني طلقة فلها أن تتبعه بنصف المهر لأنها أشترب بها هذه الطلقة، وأما في الخلع المبهم فلا تتبعه بشيء خالعته بعطية أو بغير عطية، وذكر ابن حبيب في خلع التي لم يبن بها على عطية منها إنها لا ترجع بالمهر، وقول ابن القاسم، وان قبضته ردته وقال أصبغ: أما إن قبضته فلا ترد منه شيئا كان ما أعطت الزوج أقل من نصف أو أكثر لأنه بمعنى الصلح إلا أن يشترط الزوج / رد شيء منه، وان قبضت بعضه فلها ما قبضته كان مثل ما أعطت أو أكثر ولا شيء لها مما لم تقبض. قال محمد بن عبد الحكم في البكر يزوجها أبوها بصداق ثم قال الزوج للأب أقلني في النكاح وهذا قبل البناء فأقاله، قال: الإقالة في هذا تطليقة ولا شيء لها من الصداق على الزوج إن لم يكن دفعه، وان كان الأب قبض من الصداق لزمه أن يرده إلى الزوج. في مخالعة غير البالغ وخلع الأب أو الوصي عن الصبية وخلع الأجنبي عن الزوجة وضمانه والوكالة على الخلع من التعبية وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في التي لم تبلغ المحيض وقد بني بها الزوج فصالحته على مال أعطته فذلك نافذ، وله ما اخذ لو كان يصالح به مثلها. وقال أبو بكر بن محمد: المعروف من قول أصحابنا أن المال مردود والخلع ماض. [5/ 270]
وقال سحنون في اليتيمة البالغ تفتدي من زوجها قبل البناء؛ قال: ذلك جائر، وله ما أخ ولا رجوع لها فيه، قال في كتاب ابنه ومن لم يحزه لم أعنفه فيما اختار. قال أصبغ: لا يجوز ما بارأت به الصغيرة غير البالغ أو السفيهة، وكذلك بعد موت الأب قبل البناء، ويرد ما أخذ منها ويمضي الفراق ولو أخذ الزوج حميلا بما يدركه في نصف الصداق الذي بارأته به فغرمه رجع به على الحميل، وكالتي يبارئ عنها أخ أو أب بغير علمها، إلا أن هذه يرجع فيها الزوج بما رده فيأخذه ممن بارأ عنها، ولا يرجع في مبارأته عن الصبية على أحد يريد ولم يأخذ بذلك ضامنا. وقال ابن حبيب عن أصبغ: إنه إن خالع/ عنها وصي أو ولي أو سلطان رجعت على زوجها بنصف الصداق ورجع هو على الذي بارأة عنها وإن لم يشترط عليه ضمانا، وقال: اخبرني بذلك ابن القاسم عن مالك وقال عن أصبغ في الوصي أو الولي أو خليفة السلطان يبارئ عن اليتيمة قبل البناء على وضع نصف الصداق فلا يجوز ذلك عليها إلا الأب وحده وترجع هي بنصف الصداق على الزوج ويرجع هو به على من بارأه عنها [سواء] اشترط ضمان ذلك عنها أو لم يشترط، وان بارأ عنها الوصي بأقل من نصف الصداق قبل البناء على النظر لفساد وقع أو لضرر بين فذلك جائز ماض عليها. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وان قال الأب للزوج بعد البناء فارق ابنتي ولك ما على ظهرك فقبل على ذلك فقد بانت منه، فإن رضيت هي والا طلبت الزوج، ثم رجع الزوج به على الأب، وكذلك الأجنبي يصالحه عن امرأته على مثل ذلك ذلك أو يقول له: طلقها ولك كذا، فذلك يلزمه، وان لم يقل وأنا له ضامن بذلك عرف المرأة أو لم يعرفها في ذلك كله، وكذلك لو قالت هي لزوجها فارق امرأتك الأخرى ولك كذا فإن فارق في جوار ذلك وفوره لزمها ما جعلت له. [5/ 271]
وقال ابن دينار: أما خلع الابن والأب والأخ ومن له قرابة من المرأة فهم ضامنون، وأما غيرهم فلا، قال مالك وإن أرسلت إليه أن يبارئها فقال: نعم أنا ابارئها فأقام أياما لا يأتيها، فزعمت هي أنها رضيت فذلك فراق قد لزمه وإن وكلت رجلا يصلحها ولها على زوجها مائة دينار فصالح زوجها على اسقاطها فرضي فقد تم الصلح ولزمها [ع] لعله يريد إذا كان ذلك صلح مثله. ومن المجموعة قال ابن القاسم/ فيمن وكل رجلا يصالح عن امرأته فصالحها بدينار فأنكر الزوج فذلك له وإنما يجوز عليه صلح مثلها، ابن حبيب: قال أصبغ فيمن دخل بين رجل وزوجته فدافع عنها فقال له الزوج أظنك تحبها هات ما سقت لها وهي لك بذلك وأتاه له وقال: هاتها، فالفراق لازم له على سنة الخلع، وللمرأة بعد انقضاء العدة أن تنكح الرجل أو غيره. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن تزوج أمه فرغب به عنها قريب له، فقال له طلقها وأنا أكتب لك على مائه دينار إذا شئت النكاح بها ففعل فأقام سنين وعتقت الأمة وتزوجها بعد زوج بعد موت الضامن قال: لاحق له في ماله، وهذه في كتاب النكاح. ومن زوج ابنته البكر [ثم كره ذلك] فقال لها، ارضي بفراقه وصداقك علي، يريد قبل البناء. قال ابن القاسم: ليف لها بذلك ولا يقضى عليه به لأنه كان له أن يباريء عنها ويضع نصف الصداق ويحلف ما أراد به صدقه بتلا قال أصبغ ولكن لو أشهد به وكتب على نفسه لزمه نصفه عوضا من نصف الصداق ونصف عطية فإن مات الأب قبل قبض العطية منه سقطت ولا يسقط نصف الصداق وإن مات كشيء وداه عن الزوج وللأب في البكر العفو عن نصف الصداق بعد الفراق فإما قبله فلا إلا على المبارأة. [5/ 272]
صلح الأب والوصي عن الصغير والسفيه، والسيد عن عبده
صلح الأب والوصي عن الصغير والسفيه والسيد عن عبده من كتاب ابن المواز: ولا يجوز طلاق الأب أو الوصي على الصغير إلا على المبارأة وأما الوصي في اليتيمة فلا، وإنما يصالح على من له أن يعقد عليه النكاح قال/ عبد الملك: وليس للسيد أن يباريء عن عبده وقد ينكح بإذنه حتى يرضى للعبد بخلاف اليتيم الصغير [لأنه لاطلاق للصغير، فالأب والوصي يصالحان عنه ولو بلغ سفيها حتى يجوز طلاقه لم يجز أن يصالح عنه أب ولا وصي لأنه طلاق، فالطلاق بيده دونها. وروى عيسى عن ابن القاسم أنه يبارىء عن السفيه، ويزوجه بغير امره، وقال عبد الملك: وتزويج عبده الصغير ولا يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له كاليتيم الصغير]، قال مالك: يجوز مبارأته عن يتيمه الصغير ما لم يبلغ الحلم. في المرأة تفقد فبذل الأب في طلاقها مالا ثم قام فيه من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون في امرأة فقدت فبذل الأب للزوج مالا على طلاقها، ثم قال الأب: لعلها ماتت قبل هذا فرد علي ما أخذت، قال يوقف المال فإن عمي أمرها إلى وقت لا تجيء إلى مثله فذلك للزوج، وإن تبين أنها ماتت قبل الفراق أخذه الأب وورثها الزوج وإن مات الزوج قبل كشف ذلك لم يوقف لها من ميراثه شيء لأنه مات بعد أن طلق إن كانت حية أو مات بعد موتها. ابن المواز: لا أرى أن ينزع ذلك من يد الزوج حتى يتبين باطل ما قبض بأن تقوم بينه بموتها قبل الطلاق، ألا ترى أنها لو كانت رابعة لم امنعه نكاح غيرها، لأن فراقه بائن. [5/ 273]
فيمن خالع ثم ظهر به وبها عيوب، أو كان حلف بالطلاق لا خالعها ثم فعل
فيمن خالع ثم ظهر به أو بها عيوب أو كان حلف بالطلاق لا خالعها ثم فعل أو قال لعبده إن قاطعتك فأنت حر ثم فعل من كتاب ابن المواز / وإذا تبين بعد الخلع قبل البناء أو بعده أن به أو بها عيوبا ترد هي بها أو يكون لها الخيار في عيوبه، فالخلع ماض، وله ما أخذ في كل شيء يجوز المقام عليه وإنما يرد ما أخذ في نكاح لا يقر عليه. وقال ابن الماجشون: إن كانت العيوب به مضى الخلع ورد ما أخذ منها، وكذلك في كتاب ابن سحنون. قال ابن المواز: والحجة على عبد الملك: أن الرجل يفارق امرأته [ثم يقول: قد كان بها من العيوب ما ترد به]، فلا يرجع بشيء ولا حجة له، ومن خالع زوجته ثم وجدها أمة قد أذن لها سيدها في النكاح، فإن كان يجد الطول لحرة رجعت عليه بما أعطته قال عبد الملك، وبه أقول، وإن كان لا يجد الطول ويخشى العنت فله ما أخذ لأنه كان له أن يقيم إذا كان الخلع بإذن السيد، وواجد الطول لم يكن له المقام عليها فيرد ما أخذ، فيرجع على من غره بها إلا أن يشاء التماسك بما أخذ، ولا يرجع بشيء، يريد والخلع بإذن السيد وإن كان لا يجد الطول ويخشى العنت ولم يأذن السيد في الخلع، رد ما أخذ ولا رجعة له، ولا رجوع له بالصداق إلا أن يغره منها أخد مه أنه كعيب ذهب، أو علمه بعد أن طلق، وكذلك يرد ما اخذ من السفيهة، في الخلع. ومن قال لامرأته أن صالحتك فأنت طالق البتة، فإن افتدت منه كانت طالقا البتة ورد ما أخذ كمن قال لعبده: أن بعتك فأنت حر، فباعه فهو حر، وترد اليمين. [5/ 274]
في الخلع في المرض
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم وان قال أنت طالق واحدة إن صالحتك ثم صالحها فلا يرجع عليه بشيء [وكمن قال لعبده: إن قاطعتك قبل السنة فأنت حر، قم قاطعه فلا يرجع عليه بشيء] قال عيسى: لأنه ما حنث بطلقة كانت له الرجعة، وصارت/ عطية المرأة فيما قطعت عنه ماله من الرجعة، وكذلك عطيته العبد فيما تعجل من العتق قبل السنة. ولو قال: إن صالحتك فأنت طالق البته ثم فعل فهذا يرد ما أخذت وكذلك في العبد إن لم يقل إلى سنة فهو يرد ما أخذ منه إذا قاطعه. ومن كتاب ابن سحنون: وإن خالع ثم تبين أنها ذات محرم أو تزوجها محرمة أو شغارا أو متعة أو بغير صداق فليرد ما أخذه. في الخلع في المرض من كتاب ابن المواز: قال مالك في المريض ويخالع امرأته قال ذلك جائز وترثه، وله ما أخذ. محمد: ترثه مما قبض منها ومن غيره. قال مالك: وإن كانت هي المريضة لم يجز الخلع، وروى عنه ابن عبد الحكم: يكون له من خلع مثلها ويرد ما بقي. قال ابن القاسم: إن ماتت من ذلك المرض فله قدر ميراثه منها، وقاله أصبغ. قال: ويوقف ذلك ولا يمكن منه [إلا أن يكون ما خالع أقل فله الأقل]، فإن صحت أخذه، وإن ماتت أخذ منه قدر ميراثه من التركة يوم ماتت لا يوم [5/ 275]
الصلح، وإن كان أقل من ميراثه فله الأقل، ولا يحسب عليها ما أنفقت على نفسها من مصالحها ولا ما تلف. محمد: ويحسب ما صالحته به من التركة وليس لها تعمد تلف مالها في غير مصلحة، وإن أوصت بشيء فذلك في ثلث بقية تركتها بعد عزل ما صالحته به ثم يضاف ذلك إلى ما بقي بعد الوصايا فيأخذ قدر ميراثه منه إلا أن يكون ما صالح به أقل فله الأقل. قال في كتاب طلاق السنة قال أصبغ: لا يمكن مما صالحها به في مرضها، ولا يوقف ويترك على مثله/ في مالها ولا يمنع من التصرف في مالها من بيع أو شراء أو نفقه بالمعروف ووصية. ومن العتبية وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنه إنما ينظر، فإن كان قدر ميراثه منها يوم الصلح نفذ ذلك للزوج ولا يبالي هلك مالها بعد ذلك أو بقي، كان ما يأخذ عند موتها أكثر من ميراثه أو أقل، كان ما أخذ ربعا أو غيره. ابن حبيب عن أصبغ أنه يترك بيدها إن كان عينا، ثم ذكر نحو ما ذكر محمد قال: وإن كان عرضا بعينه وقف بغير يدها، ولا ينفق منه إلا أن يحتاج فينفق منه، وإن ماتت وهو قدر ميراثه أو ما بقي منه لم يكن له غيره أو ما بقي منه ولا يكون له قدر ميراثه إلا فيه، ولو صح أو قد تلف فمصيبته منه. ومن كتاب ابن سحنون وإذا صالحته وهي حامل في أربعة أشهر ثم تزوجها قبل ستة أشهر فذلك كله جائز. وإن صالحها بعد ستة أشهر ثم تزوجها وهو صحيح، فذلك جائز إذا صالحها على قدر ميراثه منها فأقل، وأخرت نكاحها إذ لم يدخل على أهل المرأة ضررا في ميراث أو صداق. قال: ولو صالح مريض زوجته ثم أراد نكاحها وقال هي وارثه قبل النكاح فلا يجوز نكاحه لأنه يتهم بما صير لها من الصداق، فإن تزوجها وبنى بها لم أفسخه ولها المسمى في ثلثه لأني إنما فسخت نكاحه في الأجنبية وإن بنى بها لأنها لا ترثه، وأما الصداق فهو لها في ثلثه، [5/ 276]
في المطلقة واحدة تعطيه مالا على أن لا يرتجعها
فسألتك الميراث لها قائم، وإنما كنت أفسخه قبل البناء للتهمة في الصداق، فقد حصل لها بالبناء في الثلث، فليس فسخه بحسن له. في المطلقة واحدة تعطيه مالا على أن لا يرتجعها أو التي أسلمت تعطي زوجها شيئا على تأخير إسلامه ومن أتبع الخلع بالطلاق من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن طلق امرأته واحدة فأعطته مالا في العدة على أنه لا رجعة له عليها، قال: أراه خلعا تلزمه طلقة بائنة. وقال عيسى عن ابن القاسم مثله. وقال على ألا يراجعها، قال: وتبني على عدمها، قال: ولو راجعها ثم طلقها فلتأتنف العدة مس أو لم يمس إلا المولي يرتجع فإنه إن قال: أنا أمس فلم يمس فلتبن على عدتها الأولى ولا رجعة له. وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب فيمن طلق امرأته طلقة ثم قالت أعطيك عشرة دنانير على أن تراجعني ففعل، قال: إن شاء راجعها ورد إليها العشرة. ومن كتاب ابن المواز عن ابن القاسم في المطلقة واحدة تختلع منه في العدة وتعطيه شيئا على أن يراجعها فهي مطلقة بائنة بالخلع في الوجهين. وروى عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي عن ابن وهب فيمن طلق امرأته واحدة ثم أعطته دينارا على أن لا يرتجعها فرضي، قال: لا يلزمه غير الطلقة الأولى ولا رجعة له عليها. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا أسلمت النصرانية فأعطت زوجها شيئا على أن لا يسلم حتى تنقضي عدتها أو على أن لا تكون له رجعة فأخذ منها على ذلك ثم أسلم، قال مالك: يرد ما أخذ منها وهو أحق بها، وطلاقه قبل إسلامه [5/ 277]
في التداعي في الخلع ودعوى البتة فيما يحلف أنه خالع به أو لم يحلف
باطل، ولو لم يسلم حتى بانت منه ثم تزوجها فهي عدة على جميع الطلاق، وكذلك رواها عيسى / عن ابن القاسم، وقال: يرد ما أخذ منها وإن لم يسلم إلا بعد العدة. قال عيسى عن ابن القاسم. ومن خالع امرأته ثم قال لها أنت طالق، وقال: لم أرد إلا طلقة الخلع لم يقبل قوله وتكون طلقتين، ولو قال: أنت طالق طلقة الخلع لم يلزمها إلا طلقة. في التداعي في الخلع ودعوى البتة فيما يحلف أنه خالع به أو لم يحلف وقال على أن لا يتم ذلك حتى أفاصل من العتبية قال أصبغ: وإن أقام بينه أنه صالح امرأته على عبدها وأنكرت فأقامت بينة أنها صالحته على عشرة دنانير وكل بينة تقول: إنها كانت لفظة واحدة وفي مجلس واحد، فالبينتان ساقطتان والصلح ماض وليس له إلا العشرة إن شاء، وكذلك لو ادعى أنه صالحها بالأمرين. قال ابن نافع فيمن قال: أشهدكم أني صالحت امرأتي بكذا وكذا، وفالخلع لازم له، فإن أقرت ودت وإلا حلفت وهي أملك بنفسها، وقال سحنون عن ابن القاسم: وإن صالحته على عبد غائب فمات أو وجد به عيبا، فقال: كان ذلك قبل الصلح وقالت بل بعد الصلح فالمرأة مدعية وعليها البينة، وإن ثبت أنه مات بعد الصلح فلا عهدة فيه بخلاف البيع. قال ابن القاسم عن مالك – وهي في كتاب ابن المواز – فيمن قال إن دعوت إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق، فدعته إلى دينار فقال إنما نويت مثل صداقك أو بنصف مالك فهو ويحلف ويترك معها. قال ابن القاسم: وإن لم تكن له نية فلم يجبها إلى ما قالت حنث./ [5/ 278]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا قال: خالعتني بمال فأديه فأنكرت لزمه الخلع وحلفت، فإن قال إنما نويت على ما سميت فإن أتمته لي وقع الخلع وإن لم تتمه فلا شيء لها، حلفت وأقرت عنده، وكذلك في العتبية عن ابن القاسم عن مالك. وقال في جوابه: إذا قال الخلع قد ثبت ووقع، الفراق، حلفت وبرئت، وقال أصبغ في آخر المسألة: إنما يقبل قول الزوج: إنما أردت أن لا يتم الخلع حتى تعطيني إذا نسق ذلك بإقراره بالخلع، فأما إذا قاله بعد ذلك فلا قول له. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال الزوج لأبي زوجته على الغضب: اقبل مني ابنتك وقد بنى بها، فقال قد قبلتها منك، فقال على أن ترد إلي مالي، فقال لا أرد شيئا، قال: قد بانت بطلقة بائنة، لأنه أراد المبارأة ولا شيء له من المال، إن لم يكن ذلك نسقا. قال أصبغ: وإن لم يستدل أنه أراد المبارأة لتداع كان بينهما متقدما وشبهه، ولم يكن استثناؤه بالمال نسقا، لكن انقطع كلامه وأجاب الأب ثم استثنى هو المال فلا يكون صلحا ويكون بيانا كالموهوبة والمردودة، قال عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر عنده قوم أنه بارأ امرأته ثم قال: كنت مازحا وأنكرت هي المباراة، قال: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة ولا رجعة له، فإن مات في عدتها ورثته ولا يرثها. [5/ 279]
فيمن أعطته امرأته مالا على يمين بطلاقها أو على تمليك
فيمن أعطته امرأته مالا على يمين بطلاقها أو على تمليك أو قال إن أعطيتني كذا طلقت ضرتك فقالت إنك تراجعها، فقال إن راجعتها فهي طالق ثم فارقته ولم تعطه من كتاب ابن المواز: وإن أعطته امرأته شيئا على أن يحلف بطلاقها / فذلك جائز إن رضي، فإن حلف بطلاقها وبر حنث بطلقة، وله الرجعة، وإن حنث فهي طلقتان وله الرجعة. قال عبد الملك: وإن أعطته ديناراً على أنها طالق واحدة إن تزوج عليها، أو على التي يتزوج عليها طالق، أو على أنها طالق إن دخل بيت فلان، فإن حنث في شيء من ذلك لم يكن طلاق خلع لأنه استوجب ما أعطته قبل الحنث فصار إذا حلف حنث موتنفا، وإن شاء بر فيه، وقد وجب له ما أخذه قبل ذلك. وفي أبواب التملك: ذكر التمليك على عطية، وذكر المناكرة فيه. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن قال لامرأته: إن أعطيتني كذا طلقت ضرتك، فقالت: إنك ستراجعها فقال: فإن طلقتها ثم ارتجعتها فهي طالق البتة، ثم افترقا ولم تعطه شيئا، ثم طلق تلك المرأة، ثم أراد رجعتها. فإن كان يمينه إذا طلقتها في ذلك المجلس ثم راجعها فهي طالق البتة فلا شيء عليه، وإن لم تكن له نية فهو عندي يقبل، ورأيت معنى قوله: أن لا يرتجعها، فإن فعل ذلك طلقت عليه. [5/ 280]
فيمن قال لزوجته إن لم تعطيني كذا فأنت طالق، وفعلت، هل لها رجوع؟
فيمن قال لزوجته إن لم تعطني كذا فأنت طالق وفعلت، هل لها رجوع؟ أو على إن أعطيتني، أو على أن تعطيني وخلع السكران من كتاب ابن سحنون: قال عيسى عن ابن القاسم فيمن قال: إن لم تعطيني مائة دينار، أو قال إن لم تدعي لي مهرك فأنت طالق، ففعلت ذلك. فذلك وليس ولها أن ترجع، ولو أقام الزوج بعد ذلك / شهرين أو ثلاثة ثم طلقتها فطلبته وقالت: إنما تركت له لئلا يطلقني، فليس ذلك لها. قال ابن سحنون: قال بعض أصحابنا: إذا قال إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق، إن لم أتزوج عليك، فتضعه عنه إن ذلك جائز، وليس فيما أحل الله ضرر، وضرب فيه أمثالا فقال: يقول إن لم تعطيني كذا فأنت طالق إن لم أتزوج عليك فتضعه عنه: إن ذلك جائز، اخرج بك إلى البصرة، أو إن لم أشأ هذه الجارية بين يديك فأي ضرر أبين من هذا؟ وإن قال: أنت طالق على أن تعطيني مائة دينار فهي طالق وليس عليها أن تعطيه شيئا، ولو قال: إن لم تعطيني مائة دينار فأنت طالق، قال: إن أعطته المائة فلا شيء عليه وإن لم تعطه المائة فهي طالق. قال سحنون: أما قوله: أنت طالق على أن تعطيني كذا فلا يلزمه طلاق حتى تعطيه. ولو قال: انت طالق وعليك لم يلزمها شيء وهي طالق. قال ابن سحنون عن أبيه في السكران يخالع زوجته بعطية أعطاها، قال: لزمه الطلاق ويرتجع ما أعطى، لأنه طلاقه يلزمه ولا تلزمه عطاياه. [5/ 281]
في الحكمين في خوف الشقاق
في الحكمين في خوف الشقاق من كتاب ابن المواز: وإذا رأى الحكمان الإساءة من قبله فرقا بينهما، وإن كان من قبلها تركاها وائتمناه عليها، وإن كانت منها جميعا فرقا بينهما على بعض ما أصدقها، ولا تستوعب له وعنده بعض الظلم، وقاله أشهب، وهو أحسن ما سمعناه وهو معني قوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليها فيها افتدت به) إذا اجتمعا في والظلم، وحكم في ذلك السلطان، قال: وإن فرقا بالبتة: فقال أشهب تلزمه واحدة بائنة، وقال ابن القاسم: تلزمه بالبتة وقاله أصبغ لحديث زبرا. وروى عبد الملك بن الحسن في العتبية عن أشهب أنهما إن فرقا واحدة فهي واحدة، وإن فرقا بثلاث فهي ثلاث، محمد: وإن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة أحب إلي؛ وقد روي أنها لا تكون شيئا. ابن حبيب عن أصبغ: إنها ليست بشيء. وقال ابن الماجشون ومطرف: إذا أخطأ السلطان ففرق بالبتة في كل ما يفرق فيه فقد أخطأ وتكون واحدة، وكذلك الحكمان، وقاله أصبغ إلا في الحكمين فقال: مضى ذلك في الحكمين. ومن كتاب ابن المواز: قال: ويبعث الحكمان فيمن بني بها وفيمن لم بين بها، وإذا نزع الزوجان أو أحدهما قبل حكم الحكمين فذلك لمن نزع إلا أن يكون السلطان هو الباعث أو يكون نزوع من نزع بعد أن استوعب الكشف عن أمرهما وعزما على الحكم بينهما فلا تزوع لمن نزع ويلزمه، قال: وإن اجتمعا [5/ 282]
جامع القول في الرجعة
على تحكيم واحد أو تحكيم غير عدلين فإنه ينفذ ولا ينقض، كما لو أنفذ القضاء بشهادتها، ثم تبين أمرها، إلا أن يظهر أنهما عبدان أو كافران أو صبيان أو امرأتان، وينتقض بخلاف التمليك والخيار. جامع القول في الرجعة من كتاب ابن المواز: ورجل أن يرتجع المطلقة بغير أمرها وعلمها، ولا علم وليها ولا علم السيد في الأمة، وإنما عليه أن يشهد على رجعته وفعله وكذلك/ السيد في العبد فله أن يرتجع بغير إذن سيده ولا سيد زوجته، وللمحرم والمريض أن يرتجع، وترجع المريضة والمحرمة، والطلاق البائن بالخلع والصلح لا رجعة فيه ولكن لها نكاحه في العدة لأن الماء ماؤه ولا ينكحها غيره إلا بعد العدة. ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك: لا يدخل الرجل على امرأته إذا طلقها واحدة بغير إذن ولا بإذن. ومن كتاب ابن المواز قال: والرجعة أن يشهد بها أو يقبل أو يطأ ينوي بذلك بالرجعة ولو نوى الرجعة بقلبه لم تنفع إلا بفعل مع النية مثل جسه بلثمة أو ضمة أو ينظر إلي فرجها أو ما قارب ذلك من محاسنها، وإن لم يفعل ذلك لم ينفعه النية وقد نوى قبل ذلك الرجعة ثم فعل بعض ما سمينا في العدة، فإن كان فعل ذلك لما كان نوى من الرجعة ولم يحدد لفعله هذا نية يرجعة لأن فعلته برجعته التي كانت بقلبه فهو مثل تجديد النية معه وذلك يجزئه، وهذا إذا لم يشهد بالرجعة حتى انقضت، فما فعل منها من قبلة ونظرة وجسة لشهوة فيصدق الآن أن فعله ذلك كان أراد به الرجعة، وذلك إذا ظهر أنه قد كان فعله في العدة أو أنه قد كان نكره في العدة ببينة تشهد بذلك الآن، فِإن لم تكون له به بينة فهو فيما بينه وبين الله تعالى لا شيء عليه إن ترك وكان صادقا، وإن رفع لم يصدق هو ولا هي إلا ببينة على قوله، وعلى أنه قد كان ذلك منه في العدة فعل يدعي فيه نية الرجعة قبل [5/ 283]
انقضاء العدة، فهذا قول ابن القاسم وأشهب أن الرجعة لا تكون إلا ببينة بلا قول / ولا فعل، ولو كانت عنده أو في بيت يخلو بها عنده في العدة فيدعي بعدها أنه ارتجع فيها فهو مصدق وإن أكذبته، فإن لم تكن معه في خلوة بعلم ولا علم منه إليها قبلة أو جسة وشبهها، ولا علم منه أنه ذكر ذلك في العدة ثم ادعى الآن هذه الأشياء من ذلك أنه ارتجع وصدقته، فلا يقبل ذلك منها ولا منه. قال أشهب: وإن شهد شاهدان أنه قال في العدة: قد ارتجعتها فهي رجعة وإن أكذبته هي. وإن كان أحد الشهيدين غير عدل لم يقبل ذلك وإن صدقتها، ولا يمين عليها إن أنكرت، ولو شهد بعد العدة عدلان أنه أقر في العدة أنه خلا بها منها لم تكن تلك رجعة، ولو شهدا أنه أقر في العدة أنه جامعها كانت رجعة إن ادعى أنه أراد بذلك الوطء ورجعة وكذلك على أنه أقر في العدة أنه قبل أو باشر وشبه ذلك. وليس ذلك كالشهادة على الخلوة حتى يكون المقام والدخول والخروج، ويعلم ذلك منه بعد إقراره. ومن العتبية وروى عيسى عن ابن القاسم قال: وإذا شهد شاهد على الرجعة، فإن دخل بها جاز، وإن خلا أجزأه وإن لم يشهد، وإن لم يخل بها لم ينفعه وإن أقام شاهدأ إذا انقضت العدة، وهذه المسألة تحتاج شرحا والذي تقدم لابن المواز هو شرحها. وللزوج الرجعة في المستحاضة ما لم تنقض السنة. ومن كتاب ابن المواز: والامة لا تقبل شهادة سيدها بعد العدة بالرجعة لزوجها وإن صدقته الأمة، وقال أشهب: إلا أن يشاء الزوج أن يدفع/ ثلاثة دراهم، فتكون امرأته، شاء السيد أو أبي أنه قد أنها امرأته. قال مالك: ومن وطئ في العدة لا ينوى الرجعة فليست برجعة، ثم إن شاء الرجعة فليرتجع بالقول والإشهاد ما لم تنقض العدة. قال مالك: ولا يطؤها حتى يستبرئها من ذلك الوطء بثلاث حيض. قال ابن القاسم: وإذا انقضت عدتها لم [5/ 284]
ينكحها هو ولا غيره في ذلك الاستبراء، فإن فعل هو فسخ نكاحه ولا تحرم بذلك عليه كما تحرم على غيره لأن الماء ماؤه [وقال غير مالك] ولا يجوز لآخر أن يعقد نكاحا في موضع لا يجوز له فيه التلذذ بها، قال: وإذا راجع المطلقة فأجابته: قد أسقطت مضغة فهي مصدقة، ولو قال لها: اليوم قد راجعتك فقالت في الغد: قد انقضت عدتي فلا قول لها خلاف جوابها في الوقت والمدة يمكن فيها قولها. قال أشهب: إن أجابت: حضت ثلاث حيض صدقت في الأولي وفي متى حاضتها، ثم يحسب ما بقي للحيضتين. فما أشبه صدقت فيه بغير يمين، وإن لم يشبه فرجعته رجعة. وقال مالك: وإن مات بعد سنة: فقالت: لم تنقض عدتي، فالمرضع مصدقة وترثه فيما فيه الرجعة، وأما غيرها فإن كانت تذكر ذلك من ارتفاع حيضتها وتظهره فهي مصدقة، وقال عبد الملك: وهي مصدقة في الحيض والسقط والولد أيضا إن كان معها ولد، وإن قالت: ولدته ميتا قبل قولها إن كانت في عدته، ولا جيران لها. ولو قالت: ولدته ثم مات لم يقبل قولها، ولو قبلت قولها لورثته وورث ورثته منه. ابن حبيب: قال أصبغ في التي تقضي بالحيض أو بالسنة عدتها في ريبة، / ثم تدعي بعد ذلك أنها قد ارتابت، فلا يقبل ذلك ولا رجعة بينهما ولا ميراث، إلا أن يظهر حمل أو تحريك بين ترجع الرجعة والتوارث. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ارتجع واشهد فلما علمت قالت: كنت حضت ثلاث حيض فصدقت وتزوجت، فاستمرت حاملا ووضعت لأقل من ستة أشهر فلترد إلى الأول، وتكون رجعته رجعة والود ولده، وقد تبين كذبها، ولا تحرم على الثاني لأنه إنما وطئ ذات زوج. [5/ 285]
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: والتي لا يعلم له بها دخول ولا خلوة، إذا طلقها فلا رجعة له، وإن أقام بينة أنه كان يذكر قبل الفراق أنه أصابها، وكذلك لو كانت هي أقرت بذلك قبل الطلاق وعليها العدة ولها النفقة والكسوة، ولا يتوارثان. وإذا تصادقا بعد الخلوة أنه لم يصبها فعليها العدة ولا يتوارثان، ولو ظهر بها حمل كانت له الرجعة وعليه النفقة وتمام الصداق ويتوارثان إلا أن ينفيه بلعان، ولو تصادقا على المسيس بعد الطلاق من غير بناء يعرف لم يصدقا على الرجعة. قال ابن سحنون عن أبيه في المطلقة قبل البناء يظهر بها حمل بعد موت الزوج، فقال: هو منه: إنه يلحق به ويرث أباه ولا ترث هي الزوج، وليس لها إلا نصف الصداق التي قبضت، قال ابن القاسم وأشهب: ولو بني بها وتقاررا أنه يمسها ثم مات فظهر بها حمل فإن ظهر بها قبل موته فأقر به لحق به، وأكمل لها الصداق، وله الرجعة إلا أن ينكره فيلاعن. وقاله سحنون قال: ولو قالت ليس هو منه، وقد زنيت به / وهو قد استلحقه فإنها تحد والولد ولده، محمد: قال: إن أنكره بعدما استلحقه لم يحد، لأنه قذف من أقرت بالزنى والمطلقة واحدة بعد البناء يتوارثان، ولا يغسل أحدهما الآخر كما لا ينظر إلى شعرها وهي حية حتى يرتجع، فكيف يرى بدنها؟ وكذلك المظاهر. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن بنى بزوجته في الحيض فلما طهرت طلقها فلا رجعة له، وهي بائن، وليس ذلك بدخول. قال ابن القاسم عن مالك في العبد يطلق امرأته فليس لسيده أن يمنعه من الرجعة. وفي باب طلاق السنة شيء من ذكر الرجعة. وروى أشهب عن مالك في عبد طلق زوجته واحدة ثم فقد. فقال السيد: قد أخبرني أنه ارتجعها، قال يفرق السلطان بينهما لأن الرجعة لم تثبت. [5/ 286]
في العدة تنقضي والزوج غائب، وفي التي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة
قال سحنون في كتاب أبيه فيمن قال لغير مدخول بها: إن وطئتك فأنت طالق فوطئها، فقال: هي طالق بالمس، وله الرجعة إن نوى بمسه مظان الرجعة، وإلا لم يجز له أن يطأ إلا على هذا. قال مالك: والنصراني يعقد فتسلم زوجته: إنها إذا حلت فلها أن تنكح، وذلك كالمطلق إذا سافر فلها أن تنكح ولا ترقب خوفا أن يكون ارتجعها ولم تعلم. ابن سحنون عن أبيه: ومن قال: لو دخلت الدار فأنت طالق فأراد سفرا فخاف أن تحنثه في غيبته، وأشهد أنها إن دخلت فقد ارتجعها، قال: لا تكون هذه رجعة إن أحنثته وكذلك من قال لامرأته: ما طلقتك فقد ارتجعتك. فلا تكون هذه رجعة. في العدة تنقضي والزوج غائب وفي التي تعلم / بالطلاق ولا تعلم بالرجعة أو التي تسلم في غيبة والزوج وقد أسلم ولم تعلم وكيف إن نكحت؟ أو كيف إن اختلفا في وقت الإسلام من كتاب ابن المواز قال: والمطلق إذا غاب فانقضت عدتها فليس لزوجها منعها النكاح خوفا من أن يكون ارتجع، وكذلك لو أسلم في غيبته فانقضت عدتها فلا تمنع من النكاح، ويكشف عنه في قرب الغيبة، وكذلك إن لم بين بها، والغيبة قريبة، فإنه يكتب إليه، ويستأنى فلعله أسلم قبلها. وأما في البعيد الغيبة فلتنكح مكانها. ولو تزوجت المدخول بها ثم قدم فأثبت أنه أسلم في العدة فهو أحق بها ما لم يبن بها الثاني، وإسلامه كرجعة المرتجع ولو ثبت أنه أسلم في العدة ثم طلق فيها في مثل ما يكون تزويج الآخر وقد بني بها حرمت عليه للأبد، وكذلك لو مات بعد إسلامه في العدة لا تأتنف العدة، وإن نكحت فيها فهي ناكحة في عدة، وليس كطلاقه بعد إسلامه، يريد: إنها تبنى، قال: كل من له الرجعة في العدة يرتجع ثم يموت، أو يطلق ويموت قبل يرتجع، فذلك سواء كله، فتأتنف العدة في [5/ 287]
الموت، إن لم يرتجع فلا تأتنف في الطلاق الأول والتي أسلمت فاعتدت ونكحت ثم قدم الزوج فاثبت أنه أسلم قبلها فابن القاسم يرى أن دخول الثاني يفيتها، وابن الماجشون يردها إلى الأول، وإن تكن علمت بإسلامه لأنها كنصرانية تزوجها مسلم فلم تكن عليها عدة / ولا ملكت نفسها، محمد: وهذا أحب إلينا كان الأول قد بنى أو لم يبن. قال أصبغ عن ابن القاسم: وإن أسلم فقالت حضت ثلاث حيض قبل إسلامه، وكان إسلامي لأكثر من أربعين ليلة ما تحاض فيه ثلاث حيض، وقال هو: بل عشرين ليلة أسلمت، وقال ابن القاسم: فهو مصدق، وكذلك في الطلاق لدعواها قطع حقه من الرجعة. محمد: والتي أسلمت قد عرفت بالنصرانية فلا تعرف بالإسلام إلا بما يظهر منها، والشك فيما قبل ذلك. قال ابن القاسم: وإذا قالت: حضت منذ أسلمت ثلاث حيض، وفي مدة ذلك ما تحيضهن فيه، صدقت، قال أصبغ، ولا تعنف فتزل. قال: ومجوسيان، أسلم الزوج في غيبته، ثم أسلمت ولم تعلم بإسلامه وتزوجت، فإن كان إسلامها بعده مما يكون فيه القول في الرجعة أن لو أحضر لم يفسخ، وإن كان بالقرب مما تبقى في عصمته به فسخ نكاحها الثاني، قال أشهب عن مالك: وإذا علمت الأمة بالطلاق ولم تعلم بالرجعة حتى حلت ثم وطئها السيد فهو كمسيس النكاح، ولا ترجع إلى زوجها، وقاله ابن القاسم وأشهب. وإذا خلا الزوج الثاني بالحرة والسيد بالأمة بعد العدة، ثم قالا: لم نطأ، فلا يجوز أن يقيم سيد ولا زوج، ويفسخ نكاح الثاني وكذلك في إقراره أنه وطئ بعد علمه برجعة الأول، ولا ترجع إلي الأول، وإن أقام بينة أنه أرتجع في العدة لا بنكاح جديد بعد عدتها من الآخر. ثم تنكح من شاءت، وكذلك الأمة لا يطؤها السيد وإن أقر أنه لم يصبها / وقد ارتجعها زوجها في العدة، أو يقر أنه وطئها بعد علمه برجعته ثم لا يحل للزوج بعد خلوة السيد بها إلا أن يشاء الزوج أن يعطيها ثلاثة دراهم فتكون امرأته بلا عدة من خلوة السيد، وإذ لم يقر بمسيس وذلك بخلاف [5/ 288]
القول في المتعة،
خلوة الزوج، كما لا تحرم السيد على آبائه وأبنائه، ولا يمنع من أن يزوجها مكانه بخلاف الزوج، أو بيع السيد أياها، ولا يقبل دعواها أن السيد وطئها في خلوته، وتتم على كراهية التزويج. القول في المتعة من كتاب ابن المواز قال: وإذا بنى بالتي لم يسم لها صداقا فلها المتعة إذا طلقت مع الصداق. ابن القاسم: ولا متعة في كل نكاح مفسوخ. محمد: إذا فسخ، ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد، مثل ملك أحد الزوجين صاحبه. قال مالك ومن نكح أمة على أن ما تلد حر فطلقها البتة وهي حامل، فلها المتعة والنفقة والولد حر، وكل فرقة من قبل المرأة قبل البناء أو بعده فلا متعة فيه، وعلى المولي إذا طلق عليه المتعة، مالك: إن المتعة لحق الزوج، ولا يقضى بها، وليحرضه السلطان عليها، ولا تحاص الغرماء بها، ولا حد فيها، وهي على قدر حال الرجل والمرأة. قال الله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) وروى ابن حبيب وغيره عن ابن عباس: أعلاها خادم، ودون ذلك الورق، ودود ذلك الكسوة، ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن جعل المتعة حتى مضت أعوام فليدفع / ذلك إليها، وإن تزوجت، أو لورثتها إن ماتت، قال أصبغ: الأمر عليه إن ماتت لأنه عوض لها [وتسلية من الطلاق فقد انقطع ذلك]. قال ابن وهب فإن طلقها واحدة فلم يمتعها حتى ارتجعها فلا متعة لها، لأن المتعة عوض عن الفرقة، وقاله أشهب، وقاله أصبغ ولو بانت منه كان لها المتعة. [5/ 289]
في ملك أحد الزوجين صاحبه
في ملك أحد الزوجين صاحبه من كتاب ابن المواز: وإذا اشترت أمه زوجها بغير إذن السيد فإن لم يجز البيع فالنكاح فاسد، وإن أجازه أو كانت مأذونة فسخ، والمهر في ذمته إن دخل، ولو ابتاع زوجته [بشرط العهدة أو الاستبراء فالنكاح بالعقد ينفسخ والاستبراء فيها. وإن ظهر له في العهدة ما يرد به رد، وقد زالت العمصة، وإن ابتاعها بالخيار ولم ينفسخ إلا باختيار من له الخيار. وإذا باعها منه أو وهبها إياه فلا يفسخ النكاح حتى يقبل الزوج ويرضى، ولو وهبها له وهو ممن اعتصرها منه فسخ النكاح، وإن اعتصرها إذا قبلها ولا يفسخ إن لم يقبل ولا قال أنت حرة عن فلان وإذا اخدم السيد العبد لزوجته واخدمها إياه فإن كان المرجع إلى حرية فسخ النكاح إن قبله المخدم وإن كان يرجع إلى السيد أو إلى ملك أجنبي فالنكاح بحاله. وقد أخدم عبدا إذا العبد ثم هو حر سقطت الخدمة وعجل عتقه إن قبل ذاك أخوه ومن أخدم عبدا أخاه سنة ثم هو يخدم فلانا سنة سقط عن الأخ ما كان لأخيه من زوج عبده أمة لغيره فخرجها] / فأسلمه سيده لم يفسخ النكاح لأن الملك للسيد وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. وروى عنه أبو زيد فيمن نكح أمة ودفع الصداق لسيدها فلم بين بها حتى باعها السلطان عليه في تفليس فابتاعها الزوج فليس له رجوع على سيدها بالطلاق، لأن السلطان باعها بالقضاء. (وبقي أحكام [الفقد والمنعي من زوجه] نقلت ذلك إلى آخر كتاب العدة والله الموفق) برحمته وفضله. [5/ 290]
كتاب الظهار
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الظهار ما يلزم به الظهار من القول وظهار الخصي والشيخ الفاني من كتاب ابن المواز: ومن قال: أنت على كظهر أمي ينوي الطلاق فليس بطلاق. قال ابن عبد الحكم: إنما أنزل الله تبارك وتعالي آية الظهار فيمن قصد الطلاق بهذا اللفظ، فأنزل الله عز وجل فيه الكفارة وكان في الجاهلية ويجعلونه طلاقا. قال ابن سحنون: وروى عيسي عن ابن القاسم في القائل: أنت على كظهر أمي وهو ينوي الطلاق، وقال: فهو ثلاث، ولا ينفعه إن نوى أقل من ذلك. قال سحنون: له ما نوي من الطلاق. وروى عن مالك أن ذلك ظهار، ولا يكون طلاقا وإن نواه. قال ابن المواز: وكذلك لو نوى أنك بما أقول إليك من ذلك طالق لم يلزمه فيه إلا الظهار، لأن الله تعالي أنزل فيه الكفارة وقد كان قصد به الطلاق، قال محمد/ وقد سألني عبد الله بن عبد الحكم: ما تقول لو أراد بذلك الطلاق؟ [5/ 291]
فقلت له: هو ظهار إلا أن يريد: أنت بلفظي هذا طالق فلم يعجبه قولي ورآه ظهارا. قال مالك: وإذا قال: أنت أمي أو أنت علي كآبنتي فهو ظهار أبدا حتى يريد به الطلاق. فتكون البتة، وإن نوى واحدة فهي البتة، وكذلك في العتبية من رواية أشهب عن مالك. قال ويسأل عما نوى فإن نوى الطلاق فطلقت ثم تزوجها بعد زوج فلا كفارة عليه للظهار. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن لم يرد به طلاقا ولا ظهارا. فهو ظهار، وقال سحنون. ومن كتاب ابن المواز: ولو قال: أنت مثل أمي يريد الطلاق فهو البتات. وإن قال: انت على كظهر فلانة أيم أو متزوجة أو كظهر فلانة من محارمه أو غيرهم فهو ظهار، وإن نوى به الطلاق وإن لم يسم الظهر، وقال: كفلانة. واختلف في الأجنبية فقال عبد الملك: هو طلاق، ولا ينفعه إن نوى الظهار، وقال: وهو في ذوات محارمه ظهار حتى يريد الطلاق، وقال أشهب: هو ظهار وهو أحب إلينا. وذكر ابن حبيب عن مطرف في قوله: كفلانة الأجنبية أنها البتات إلا أن يريد كفلانة في هوانها ونحوها فلا شيء عليه، وقال ابن القاسم. وذكر عن ابن القاسم ومطرف مثل ما ذكر محمد عن عبد الملك. قال بان المواز: وما كان في الزوجة ظهار فهو في الأمة ظهار، وإن نوى به العتق لم يكن عتقا، وما خرج إلي الطلاق في الزوجة فهو يخرج إلي الحرية في الأمة إذا كان على وجه اليمين والتحريم. قال / مالك: وكذلك: أنت على حرام كأمي أو مثل أمي ولا نية له فهو ظهار. قال مالك: وكذلك أنت على حرام من أمي ما لم يرد به الطلاق، وكذلك [5/ 292]
في العتبية من سماع ابن القاسم، وقاله ابن القاسم، وروى عنه عيسى في: أنت أحرم من أمي ينوي الطلاق أنه ظهار، وقد قصد القائلون للظهار التحريم ولم يعرفوا غيره فأنزل الله سبحانة الكفارة. قال محمد: إنما هذا فيمن سمى الظهر عند مالك، فأما إن لم يسمه فيلزمه ما نوى، فإن لم ينو شيئا فهو ظهار. قال عبد الملك: وإن قال كفلانة أو أحرم من فلانة – وهي اجنبية – فهو طلاق وإن نوى الظهار. وقال أشهب هو ظهار حتى يريد الطلاق. قال ابن القاسم: إن قال أنت على كظهر ابني أو غلامي فهو مظاهر، وقاله أصبغ. قال ابن حبيب فيمن قال: أنت على كظهر ابني أو غلامي لم يلزمه ظهار ولا طلاق، وإنه لمنكر من القول، وقال ابن القاسم: هو مظاهر، قال وإن قال كأبي أو كغلامي فهو تحريم، وبه أقول. ومن كتاب ابن سحنون: قال علي بن زياد: لا يلزم الخصي – يريد مجبوب الذكر – ولا المعترض، ولا الشيخ الفاني ظهار إذ لا يصلون إلى الوطء. قال أصبغ: وقيل في التظاهر بالأجنبية لا يلزمه ظهار لأنه يحل له نكاحها، وقال مالك وأصحابه هو مظاهر لأنها في وقته عليه حرام. قال مالك: وإذا عرض عليه نكاح امرأة فقال هي أمي فهو ظهار إن تزوجها. قال مالك: وإذا قال في امرأة طلقها/ والله لا أرجعها حتى أراجع أمي فلا شيء عليه إن فعل إلا كفارة يمين. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال لأمته لا أعود أمسك حتى أمس أمي فلا شيء عليه. [5/ 293]
فيمن كرر الظهار أو تظاهر بعد الحنث وقد أخذ في الكفارة أو لم يأخذ
قال محمد: قال مالك: وإن قال: أنت أمي إن فعلت كذا فهو مظاهر إن حنث وإن لم ينو الظهار. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ملك امرأته فقالت أنت علي كظهر أمي فليس لها. وقال سحنون فيمن قال أنت على كظهر فلانة للأجنبية إن دخلت الدار، ثم تزوج فلانة ثم دخل الدار قال: لا شيء عليه. فيمن كرر الظهار أو تظاهر بعد الحنث وقد أخذ في الكفارة أو لم يأخذ وغير ذلك من كتاب ابن المواز: ومن حلف بالظهار في لبس ثوب ثم حلف به في كلام زيد فحنث في الوجهين فعليه كفارتان، وكذلك لو حلف في الوجه الثاني بعد الحنث في الأول. وإن قال: أنت على كظهر أمي ثم قال بعد ذلك مثل ذلك فكفارة واحدة عليه حتى ينوي كفارتين فتلزمه كاليمين بالنية يكررها، ولو أخذ في الكفارة فلم تتم حتى ظاهر منها فليبتدئ الكفارة من الثاني وتجزئه، وقيل ك بل يتم الأولي ويبتدئ. قال محمد: وهذا أحب إلي إذا بقي يسير منها، وأما إذا مضى يومان وثلاثة فليتمه ويجزئه لهما لأنه فلما تفاوت منه. ومن العتبية قال أصبغ في المتظاهر يصوم لظهاره أياما ثم تظاهر منها فليلغ ما صام ويبتدئ صوم كفارة واحدة وتجزئه / عن الظهارين سواء صام من الأول يسيرا أو كثيرا وذلك إن كان الأول والثاني ظهارا من نوع واحد يقول: أنت علي كظهر أمي، ثم يقول – وقد أخذ في الكفارة – مثل ذلك، قال: ولو ظاهر منها بيمين بفعل فحنث فأخذ في صوم الكفارة ثم قال لها: أنت علي كظهر أمي [5/ 294]
في الظهار من الجماعة أو من كل امرأة يتزوجها
ظهارا بغير فعل حلف عليه فهو مثل الأول يبتدئ الطعام من يوم ظهاره الثاني فيجزئه عنهما، والثاني كالتوكيد للأول. قال: ولو ظاهر منها ظهارا بغير فعل حلف عليه فأخذ في الكفارة ثم قال: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا فحنث فهذا يتم الكفارة الأولى ثم يبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني زاد ابن حبيب عن اصبغ وإذا كان الظهار الأول بحنث والظهار الثاني بحنث فلابد من كفارتين كان ذلك بفعل في شيء واحد أو في شيئين مفترقين. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال: أنت على كظهر أمي لم أتزوج عليك فأخذ في الكفارة ثم قال لها أنت على كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فهذا يبتدئ شهرين من يوم ظاهر الظهار الثاني ولو أنه لما صام أيام أراد أن يبر بالتزويج فتزوج فهذا يسقط عنه الكفارة ويبطل عنه الصيام. وفي مختصر ابن عبد الحكم قال: وإذا ظاهر منها ووطئ ثم ظاهر ثانية فعليه أيضا الكفارة. في الظهار من الجماعة أومن كل امرأة يتزوجها من كتاب ابن المواز: ومن قال لنسوة من تزوجت منكن أو إذا تزوجت منكن فعليه لكل واحدة كفارة إن تزوجهن، بخلاف قوله: إن تزوجتكن، وكذلك من تزوجت من بنات فلان، أو من تزوجت / من النساء فهن على كظهر أمي فعليه في كل واحدة كفارة، وكذلك إن دخلتن، بخلاف قوله من دخلت منكن، وكذلك قوله: أيتكن كلمتها فهذا عليه في كل واحدة كفارة بخلاف إن كلمتكن. وإن قال كل امرأة أتزوجها [فهي] على كظهر أمي فتزوج امرأة ثم طلقها [5/ 295]
في المتظاهر متى تلزمه الكفارة؟ ومن طلق امرأته أو ماتت بعد أن تظاهر منها
أو ماتت قبل أن يكفر فتزوج أخرى فلا يقربها حتى يكفر كفارة واحدة عن كل من يتزوج أبدا، ولو كفر بعد زوال الإيلاء وقبل نكاح الثانية لم يجزئه إلا أن يكون قد مس الأولى قبل يزول عنه فقد لزمته الكفارة بكل حال وزال ظهاره. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال كل امرأة أتزوجها علي كظهر أمي. وكيف إن كانت له امرأة؟ فقال عليك أو لم يقل، فكفارة واحدة تجزئه. قال عيسى عن ابن القاسم تظاهر من جماعة فظن أن لا يجزئه إلا عن كل واحدة كفارة فكفر بالصوم عن واحدة منهن قال: قال مالك يجزئه ذلك عن جميعهن. في المتظاهر متى تلزمه الكفارة؟ ومن طلق امرأته أو ماتت بعد أن تظاهر منها وقد أخذ في الكفارة أو لم يأخذ أو نوي العودة أو لم ينو والحالف هل يكفر قبل الحنث؟ من كتاب ابن المواز: ومن حلف بالظهار إن فعل كذا فلم يحنث حتى طلقها البتة ثم تزوجها بعد زوج فقد سقطت يمينه وهو كيمين الطلاق يسقطه. ولو حنث في يمين الظهار أو ظاهر بغير يمين، ثم ابتها، ثم تزوجها بعد زوج فلا يطؤها حتى يكفر، ولو كفر قبل النكاح لم تجزئه ولا كفارة عليه إن ماتت، ولو لزمه فيها ظهار بحنث أو قول ثم وطئها فهذا يجزئه إن كفر بعد زوال العصمة أو أتم كفارته، وقال: ومن وطئ لزمته الكفارة بالوطء الأول مات هو أو ماتت هي أو طلقت، وأما من لم يطأ فلا. [5/ 296]
قال مالك: ومن أخذ في الكفارة ثم طلق طلاق رجعة فإن أنفذها قبل تمام العدة أجزته، كان صياما أو طعاما، وإن انقضت العدة قبل تمامها لم يجزئه الصوم، وإن نكحها ابتدأ الكفارة إن كانت صياما، وإن كانت إطعاما بنى، ولو كان الطلاق أولا بائنا بخلع أو صلح ونحوه لم يجزئه تمامها في العدة منه لأنها بانت. محمد: وهذا أحب إلينا. وقد قال عبد الله بن عبد الحكم: يجزئه التمادي فيها بعد أن بانت منه إذا بدأ فيها، وهو مجمع على إمساكها، قال ابن عبد الحكم: قال مالك وعبد العزيز: إن معنى قول الله: (ثم يعودون لما قالوا)، إنه إرادة الوطء والإمساك، فإذا أجمع على ذلك لزمته الكفارة، وإلا ماتت أو طلقها، وقاله أصبغ. قال ابن عبد الحكم: أخبرني بهذا أشهب عن مالك. وروى ابن القاسم وأشهب أنه إذا أجمع على أمساكها ثم صام بعض الكفارة ثم بانت منه إنه لا شيء عليه، فإن نكحها يوما ابتدأ، وقال ابن القاسم: إذا نوى العودة ثم فارق فلا يكفر لأنه إنما يكفر ليطأ، وهذه قد بانت منه. وقد روى أشهب في / المظاهر: إن طلقها طلقة ثم أراد يكفر ثم يرتجع. قال: بل يرتجع ثم يكفر. قال أشهب: وإن كفر قبل يرتجع، وقبل أن تبين منه أجزأه، فإن بانت قبل فراغه منها [سقطت كلها كان صياما أو إطعاما] ويبتدئها إن نكحها. وقال أصبغ: يتم على الإطعام ويأتنف الصيام، وقال: ولو أخذ في الكفارة ثم طلق طلقة ثم أتم كفارته في العدة أجزأه. وكذلك لو ابتدأها بعد الطلقة أجزأته إذا تمت قبل تمام العدة. وإن لم يرتجع قاله مالك وابن القاسم وابن وهب. [5/ 297]
ومن التعبية: روى عيسى عن ابن القاسم في المتظاهر إن صام شهرا ثم طلقها فتمادى في صومه حتى أتمه فإن أراد به الكفارة وإن راجعها أجزأه إن راجعها في العدة، ولو كان طلاق خلع لم يجزئه إن نكحها. قال ابن سحنون عن أبيه: والمتظاهر إذا كفر بغير نية العودة لكن يريد أن يطلقها ويقول متى راجعتها حلت لي بغير ظهار علي، قال: لا تجزئه حتى ينوي العودة، وأكثر قول أصحابنا أن من كفر يغير نية العودة لا تجزئه. وإذا تظاهر منها وهي في عدة من طلاق فيه الرجعة أجزأه إذا نوى العودة بالرجعة. قال: ومن قال أنت علي كظهر أمي إن وطئتك فوطئها مرة ثم ماتت أو طلقها البتة فليس عليه كفارة إلا أن يطأها ثانية، فهذا قد لزمته الكفارة. بانت منه أو ماتت، وإن تظاهر منها بغير يمين أو بيمين حنث فيها ثم مسها قبل أن يكفر/ لزمته أيضا الكفارة وإن ماتت أو بانت منه. وروى ابن القاسم عن مالك في المتظاهر يجمع على إمساك امرأته فأخذ في صوم الكفارة ثم ماتت فليس عليه تمام الكفارة. وروى عيسى عن ابن القاسم في الحالف بالظهار إن فعل كذا، فلا يجزئه أن يكفر قبل الحنث كما حلف إن فعل كذا بطلقة فلا يقدم الحنث. ولو حلف بالظهار أو الطلاق ليفعلن أجزأه تقديم الكفارة في الظهار وتعجيل الحنث في الطلاق. قال سحنون قال أشهب فيمن قال إن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي فإن رقعته ضرب له أجل الإيلاء، فإن حل ولم يطلقها طلق عليه. وإن حلف ليطلقنها بعتق أو مشي، ولم يمنع من الوطء ولا يحنث إلا بعد الموت. [5/ 298]
في تظاهر المولى عليه كفارته، وظهار السكران وشكه فيه، والعنين والزمن وشبهه
في تظاهر المولى عليه وكفارته وظهار السكران وشكه فيه وظهار العنين والزمن وشبهه وظهار العبد وكفارته والظهار من الأمة والإيلاء منها من كتاب ابن المواز: قال: والسفيه إذا لزمه ظهار نظرا له وليه فيما هو خير له أن يكفر عنه أو يطلق عليه، وقيل: يصالح عنه، قال أصبغ: ولا يجزئه إلا العتق إن كان له. قال لم يكن له صام ولا يمنع من الصوم فإن أبى فهو مضار. من العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في المولى عليه يتظاهر فله أن يعتق بغير إذن وليه إن كان مليا، وإن لم يكن له إلا رأس / لم أحب له إلا الصيام. وقال سحنون: قال بعض أصحابنا وأنا أقوله: ينظر له وليه فإن كانت الكفارة أيسر عليه والتزويج أضر عليه كفر عنه – يريد بالعتق – وإن كان تكفيره عنه أضر عليه في ماله من ابتداء نكاح فليطلق عليه. وقال ابن المواز: وإن لم يرد له وليه أن يكفر بالعتق فله هو أن يكفر بالصيام. قال ابن سحنون عن أبيه في الخصي والمجنون والعنين والشيخ الفاني يتظاهرون أو يولون من نسائهم، قال: لا يلزمهم ظهار ولا إيلاء كل من لايقدر على الجماع. ومن كتاب ابن المواز: قال والعبد فإنما عليه أن يكفر بالصوم، فإن منعه السيد وكان يضر به ذلك بقي على ظهاره حتى يجد سبيلا إلى الصيام فيتركه [5/ 299]
فيكون حينئذ مضارا يدخل عليه الإيلاء، وإذا لم يضر الصوم سيده وأراد منعه منه ليفرق بينه وبين أهله أجبر على أن لا يمنعه من الصيام. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: فإن كان عبد مخارج يؤدي خراجه فلا يمنعه، وإذا قوي فلا يمنعه. قال عبد الملك في العبد المتظاهر: لا يجزئه أن يأذن له سيده في الكفارة بالعتق لأن الولاء لسيده، ولا بالصدقة لأن إذنه لا يخرجها من ملك سيده إلا إلى المساكين، يريد لأن ملك العبد غير مستقر. قال سحنون: إذا أذن له سيده أن يكفر بالطعام عن اليمين أجزأه. وقال مالك: الصوم له أحب إلي، وإذا تظاهر السفيه أعتق عنه وليه إن رأى ذلك رشدا فإن تظاهر ثانية فليتركه ولا يعتق عنه وإن لم ير له في ذلك رشدا طلق / عليه كايلاء من غير أن يضرب له أجل الايلاء، قال محمد: وأحب إلي أن لم ير أن يكفر عنه وأن لا يطلق عليه إلا بتوقيف الإيلاء إن طلبت ذلك المرأة فيوقف لها بعد أربعة أشهر، فإن قال أنا أصوم شهرين ترك وأجزأه لأنه في ملائه ممنوع من ماله، وله أن يبدأ في الصيام من الآن لأنه يقول كنت أرجو أن يعتق عني وليي، وإن لم يرد طلقت عليه، وقال في الذي يأتي سكران فقالت له امرأته حين أصبح قد قلت لي أنت علي كظهر أمي، قال لا أعلم ذلك، قال: لا يقر بها حتى يكفر، قال، ابن حبيب: قال ابن القاسم عن مالك لا يدخل على العبد في تظاهره الإيلاء إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء، أو يمنعه أهله الصيام بأمر لهم فيه عذر، فهذا يضرب له أجل الإيلاء إن رافعته، قال أصبغ: إذا منعه أهله الصيام فليس بمضار، ولا كلام لامرأته ولتصبر. قال ابن القاسم: إن منعه سيده الصيام وأذن له في الإطعام أجزأه. وقال ابن الماجشون: ليس لسيده منعه الصيام وإن أضر به ذلك في عمله. ومن كتاب ابن المواز: وقال في الأمة له فيها شقص: يلا يلزمه فيها ظهار، ويلزمه الإيلاء. [5/ 300]
ما يحل في التي تظاهر منها في الكفارة أو قبلها
ما يحل في التي تظاهر منها في الكفارة أو قبلها ومن العتبية من سماع أشهب من مالك: ومن تظاهر من امرأته فلا يضاجعها حتى يكفر، ولا بأس أن يرى شعرها. قال عيسى عن ابن القاسم: لا بأس أن تخدمه وتناوله الشيء وتستتر، وقال أصبغ: إن قبلها في شهري صيام الكفارة فلا شيء عليه وقاله/ سحنون بعد أن كان قال بقول عبد الملك أن ذلك يقطع التتابع ولم يره أشد من رمضان، وفرق بينه وبين المعتكف لأن المتظاهر يحل له غيرها، قال عبد الملك وسحنون: وإنما يكره للمتظاهر أن يقبل ويباشر ويجرد ويلتذ بالنظر إلى المحاسن لأنه ذلك داعية إلي الوطء ويعزر خيفة أن يفعل الوطء الذي نهاه الله عنه قبل يكفر. في الحالف بالظهار إن فعل وإن لم أفعل وما يدخل عليه فيه الإيلاء في ذلك أو في متظاهر فأبي أن يكفر من كتاب ابن المواز: ومن قال: إن لم أفعل كذا فأنت علي كظهر أمي فإن ضرب أجلا فله الوطء فيه، فإن لم يضر به فلا يطأ، فإن رافعته ضرب له الأجل من يوم ترافعه ثم وقف لتمامه، فإن فعل ما حلف عليه ترد، وإن أبى وقال ألزم نفسي الظهار وأخذ في الكفارة لزمه الظهار من يوم ألزمه نفسه ولا يقر بها حتى يكفر، ولم تطلق عليه عاجلا بالإيلاء حين دعي إلى الفيئة وصار كمن عذر بسجن أو مرض، فإن فرط بعد ذلك في الكفارة قادرا عليها صار كالمولي يقول أنا أفي بالكفارة أو بالوطء فليختبر المرة والمرتين ثم تطلق عليه بالإيلاء الذي كان لزمه، وقال أصبغ بل يصير كالمظاهر المضار يطلق عليه بعد أربعة أشهر من يوم لزمه الظهار وهو من يوم وقف في الإيلاء لم يقدر أن يمس فيه لأنه من يومئذ وجب عليه / وقد كان يقدر أن يسقطه بفعل ما حلف له فعله. [5/ 301]
ومن قال لأهل امرأته: إن لم تدخلوها علي هذا الشهر فهي على كظهر أمي إن دخلت بها حتى أتزوج عليها، فمضى الشهر ولم يدخل بها فليكفر أحب إلي من أن يتزوج إذ لعله يتزوج من ليس ممن ينكح مثله. [من الموطا قال مالك: ولا يدخل على العبد إيلاء في تظاهره لأنه لو دخل عليه الإيلاء في تظاهره لطلق عليه قبل أن يفرغ من صومه]. وإذا تبين ضرر المظاهر بأن يجد الكفارة فلا يكفر فرافعته فالأجل فيه عند مالك وابن القاسم وأصبغ من يوم اظهر، وقال مالك: الأجل في العبد يتبين ضرره من يوم ترفع، وقال عبد الملك من يوم ترفع في العبد والحر، قال مالك: وإن لم يتبين ضرره لم يوقف إلا أن يتطاول ذلك. وروى أشهب عن مالك في المظاهر لا يجد ما يعتق ولا يقدر على الصيام ولا يجد ما يطعم فلا مخرج له، وليكف عن أهله حتى يجد ما يكفر به، يريد: ولا حجة لها. ومن المجموعة قال عبد الملك: ومن حلف ليكلمن فلانا وقد ضرب أجلا أو لم يضرب فهو إذا ألزم نفسه الظهار فإنه إن مضى الأجل، وإن ضرب أجلا أو مات المحلوف عليه إن لم يضرب أجلا فلا أفضى إلى الظهار حقا. فلا يطأ حتى يكفر، ولا يكون ما ألزم نفسه لازما إذا هو قادر علي كلامه يقدر أن يكون وذلك بره فلا كفارة ولا حنث، وهو يقدر على البر، وإذ لو كلم فلانا قبل موت فلان أو قبل الأجل إن ضربه بطلت الكفارة لارتفاع الحنث. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن قال كل مملوك أملكه إلى عشر سنين حر ثم لزمه ظهار وهو موسر، فإن صبرت امرأته هذه العشر سنين فلا يصوم وإن لم تصبر وقامت به ففرضه الصيام. [5/ 302]
في الكفارة بالعتق وتبعيضه من غيره والرقبة تشترى بشرط العتق وتستحق
في الكفارة بالعتق وتبعيضه من غيره والرقبة تشترى بشرط العتق وتستحق أو يوجد بها عيب أو بعتق من فيه يمين أو أمة تظاهر منها أو من أخذ في الصوم ثم أيسر من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: والمظاهر الملي إذا أمكنه العتق فلم يعتق حتى أعدم فصام ثم أيسر فليعتق، ولم أسمعه، وقال: والمتمتع والحالف بالله إذا بدأ في الصوم ثم أيسر فلا يرجع إلا أن يشاء، وخالف مالك بينه وبين صيام الظهار وقتل النفس، وقاله عبد الملك، وساوى عبد الملك بين ذلك وقال: إذا مضى له اليوم واليومان أحببت له الرجوع في التمتع والكفارة إذا أيسر. وإذا أعتق عنه غيره بغير أمره ثم علم بعد العتق أجزأه عند ابن القاسم، وقال عبد الملك لا يجزئه وإن رضي بالعتق، ويجزئ عن الميت فيما أرجو. قال أشهب: لا يجزئ عن الحي وإن كان بأمره وسؤاله، وقال ابن القاسم: يجزئه ما لم يدفع إليه في ثمنه شيئا على ذلك. يريد كأنه اشتراه بشرط العتق. وقال ابن القاسم: ولو قال: إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهاري فاشتراه فهو مجزئ عنه. ومن أعتق جميع/ عبد عن ظهاره له نصفه، فقال ابن القاسم: يجزئه، ويضمن القيمة. قال اصبغ: لا يعجبني، وليس أحد من أصحابه عليه، ولسحنون نحو قول أصبغ. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أعتق نصف عبده عن طهاره ثم أعتق باقيه عن ذلك الظهار أنه يجزئه، فإن لم يعتق باقيه ورفع إلى السلطان قال: يأمره بذلك، فإنه أعتقه عن ظهاره أجزأه، وإلا أعتقه عليه، قال أبن حبيب: قال ابن الماجشون وأصبغ: إذا أعتق نصف عبده عن ظهاره فلا يجزئه إن يعتق باقيه عن ذلك الظهار، وليعتق عليه بالسنة، وأعاب أصبغ قول ابن القاسم وكذلك روى سحنون في كتاب ابنه. [5/ 303]
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في المرأة تعطي زوجها الرقبة يعتقها عن ظهاره أو ثمن رقبه ليعتقها عن ذلك، فإن كان بشرط أن يعتق عنها لم يجز، وإن كان بغير شرط فذلك جائز، وقد ذكرنا قول ابن القاسم فيمن أعتق عن غيره بأمره أنه يجزئه ما لم يعطه فيه شيئا على شرط العتق. قال سحنون عن ابن القاسم فيمن أعتق رقبة عن ظهاره ثم استحقت فرجع بالثمن فأخذه وهو واسع فليشتر بجميعه رقبة ولا ينقصه وقد قال مالك: لو ظهر منها على عيب يجزئ في الرقاب أنه يجعل ما يرجع به للعيب في عتق، فإن لم يجعل أعان به في رقبة، ولو كان عيب لا يجزى بمثله استعان بذلك في البذل، ولو كان في هدي واجب فلم يجد به هديا تصدق به، ولو كان العتق تطوعا أو هدي تطوع صنع / بقيمة العيب ما شاء. قال محمد بن خالد: سألت داود بن سعيد بن أبي زبير فيمن عليه رقبة واجبة وابتاع عبدا على أن يعتقه فيها فأعتقه ثم ظهر أن يعضه حر، قال: يرده على بائعه ويأخذ منه الثمن ويعاقب بما دلس ولا يعتق على البائع. قال أصبغ: ومن أعتق منفوسا عن ظهاره ثم كبر أخرس أو مقعدا أو أصم أو مطبقا جنونا فلا شيء عليه وقد أجزأه، وهذا شيء يحدث وكذلك في البيع لا يرد بذلك. من سماع ابن القاسم: ومن تظاهر من زوجته ثم اشتراها فأعتقها عن ظهاره منها أجزأه، ثم إن تزوجها حلت له، وذلك إذا اشتراها ولا حمل بها. قال سحنون في كتاب ابنه: ومن تظاهر من أمته ولا يملك غيرها فلا يجزئه إلا عتقها إن شاء أن يكفر. [5/ 304]
في الكفارة عن الجماعة، ومن بعض إخراج الكفارة
في الكفارة عن الجماعة ومن بعض إخراج الكفارة من كتاب ابن المواز: قال أشهب فيمن تظاهر من أربع نسوة له ظهاراً مختلفا فأعتق أربعة أرؤس عنهن أجزأه، وإن لم يعتق عن كل واحدة رأسها، ولو أعتق اليوم رأسا، وفي غد رأسين، ولم يسم في ذلك واحدة بعينها لم يجزئه، وإن أعتق ثلاثة أرؤس وأطعم ستين مسكينا في مجلس واحد لم يجزئه قال محمد: ولم يعجبنا قوله. ومن ظاهر من امرأتين فأعتق عن واحدة بعينها ثم نسيها فليكفر عن الباقية منهما ويجزئه، وإن أعتق عن واحدة منهما ثم أعتق عن واحدة معينة فله وطء المعينة ولا يطأ الأخرى حتى يكفر ثانية. ومن له أربع /زوجات، عليه في كل واحدة ظهار فأطعم عن واحدة ستين مسكينا، وكسا عن الأخري ستين مسكينا، ثم وجد العتق فأعتق عن واحدة معينة ثم لم يقدر علي رقبة الرابعة فليطعم أو يكسر ويجزئه إلا أن يقوى على الصيام. قال أبو محمد: انظر قول محمد في الكسوة ما اعرفه لغيره. ومن كتاب العتق: ومن تظاهر من أربع نسوة له يريد ظهارا مختلفا فأعتق أربع رقاب ولم يشركهن في كل رقبة معينة فذلك يجزئه، وكذلك الصيام إذا لم يشركهن في كل شهرين. وذكر عن أشهب [في بعض مجالسه أنه لا] يجزئه، والأول أحب إلينا. وكره مالك وابن القاسم لمن عليه كفارتان أن يكفر عن ظهاره بإطعام إن يطعم في الثانية أولئك المساكين، كانت كفارة بخلاف الأولى أو مثلها. قال ابن سحنون عن أبيه: ومن أعطى ستين مسكينا نصف مد لكل مسكين وستين مسكينا آخر مثل ذلك لم يجزئه فإن وجد أحد الفريقين فزادهم نصف مد نصف مد أجزأه. [5/ 305]
فيمن سافر في صوم الظهار فأفطر، ومن وصل صوم كفارتين
فيمن سافر في صوم الظهار فأفطر ومن وصل صوم كفارتين ثم ذكر أنه أفطر يومين نسيهما من كتاب ابن المواز: ومن أفطر في سفره في صيام التظاهر ابتدأ، وإن أفطر لمرض بنى إذا صح. ومن العتبية قال سحنون، عن ابن القاسم فيمن عليه ظهاران، فصام لهما أربعة أشهر متصلة ثم ذكر في آخرهما يومين لا يدري من أي كفاره فليصم/ يومين يصلهما بآخر صيامه ويأتي بشهرين وقال ابن سحنون عن أبيه في ذكره ليومين متتابعين أنه يصوم يوما وشهرين يصل ذلك بصيامه لاحتمال أن يكون يوم من آخر هذه ويوم من أول هذه. أبو محمد: يعني سحنون إنه لو أيقن أنهما من أحدى الكفارتين لم يكن عليه غير شهرين فقط. قال أبو محمد: يظهر أن قول ابن القاسم أشبه، لأنه قال: أيقن أنهما من إحدى الكفارتين فلا ينبغي له أن يخرج من كفارة هو فيها حتى يتمها بيقين. قال: بأن يضيف إليها يومين ثم يقضي الكفارة الأخري، وكذلك إن لم يدر هل هما من إحدى الكفارتين أم من آخر تلك وأول هذه؟ فإن واحدة قد بطلت غير أنه لا ينتقل من هذه التي هو فيها إلا بيقين من إصلاحها بيومين، وذلك أكثر ما يمكن أن يكون عليه منها، كمن ذكر سجدة من إحدى ركعتين يريد أن يصلح هذه التي هو فيها بسجدة وإن كان لابد أن يعيد الأولى إلا بشيء رواه البرقي. عن أشهب أنه قال: يأتي بركعة ولا يصلح هذه بشيء والله أعلم. [5/ 306]
مقدار كفارة الطعام، ومن أطعم شعيرا أوكسا وأطعم
مقدار كفارة الطعام ومن أطعم شعيرا أو كسا وأطعم قال ابن حبيب قال مطرف: كان مالك يفتي في كفارة الظهار بمدين لكل مسكين، ويكره أن يقال مد هشام، وروى ابن حبيب أن مد هشام الذي جعله لفرض الزوجات فيه مد وثلث. وروى ابن القاسم أنه مدان إلا ثلثا، وروى البغداديون عن معن بن عيسى أنه مدان بمد النبي (صلي الله عليه وسلم). ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا كان الغالب من قوت بلد المتظاهر الشعير، أو غلا الشعير فكان ذلك قوتها فله أن يخرج/ منه. ومن كتاب العتق لابن المواز: وإن أطعم عن ظهاره شعيرا وهوبكيل القمح، أو [ذرة وهو يأكل الشعير لم يجزه قال وإن أطعم شعيرا وهو يأكل] الذرة أجزأة إذا زاد فبلغ مبلغ القمح، وقاله أشهب. ومن غذى وعشى خبز البر والإدام في الظهار لم ينبغ ذلك، ولا إعادة عليه، وإن كسا وأطعم عن كفاره واحدة فقال في كتاب أسد: لا يجزئه ويكسى صغار الصبيان ثوب رجل كبير، وكذلك الأنثى إلا أن تحيض بثوب وخمار. [5/ 307]
فيمن وصى أن يعتق أحد عبيده عن ظهاره أو عن ظهار أو قتل نفس
فيمن وصى أو يعتق أحد عبيده عن ظهاره أو عن ظهار وقتل نفس أو يشتري لذلك وقد ضاق الثلث أو أن يشترى أبوه ويعتق عن ظهاره من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال اعتقوا رأسا من رقيقي عن ظهارى وهم عشرة، قال: الورثة مخيرون في عتق أيهم شاؤوا [قال أبو زيد محمد: وإن عتق] ممن يجوز في الظهار فإن كانوا كلهم ممن لا يجوز في الظهار، فإن علم الموصى أنهم ممن لا يجزئ مثلهم في الظهار عتق واحد منهم بالسهم، وإن كان من يجعل ذلك ويظنه مجزئا فليخرج عشر قيمتهم فيشتري به رقبة صحيحة فتعتق، فإن لم يوجد بذلك اشتروا به صغيرة. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: ومن أوصى أن يعتق عبد من عبيده عن ظهاره وإمائه وفيهم صنف معيب لا يجزئ في الظهار، وصنف قيمة كل واحد أكثر من الثلث / قيمتهم بيع في ذلك قليل أو كثير فيشتري رقبة تعتق عنه، وإن لم يوجد به إلا رضيع اشتري به، وكذلك لو قال: اعتقوا هذا عن ظهاري وهو لا يجزئ لعيب به لبيع واشتري بثمنه، أو كان العبد يجاوز الثلث لبيع لذلك أيضا، يريد ابن حبيب: ويشترى بمقدار الثلث. من سماع عيسى من ابن القاسم: ومن أوصى بشراء عبد فلان وعبد فلان فيعتقان في ظهار عليه، وقتل نفس فضاق الثلث فليسهم بينهما، فمن خرج سهمه اشتري وأعتق عن قتل النفس لأنه لا بدل منه، ومن الظهار بدل الإطعام فيطعم عنه فيه ببقية الثلث، فإن لم يبلغ ستين مسكينا أعين به في رقاب، ولو لم يسمع الثلث إلا ذلك العبد جعل لقتل النفس لأن الظهار قد اختلف فيه. [5/ 308]
قال أهل المشرق وبعض المدنين: إذا وطئها ولم يكفر حتى فارقها فلا شيء عليه، قال ولو قال اعتقوا لذلك من عبيدى فلم يكن فيهم من يجزئ في ذلك يبعوا واشتري ما يجزئ، وكذلك إن كان كل عبد منهم يجاوز الثلث فليبع منهم لشراء رقبة، وإن كان منهم من يجوز في الرقاب بما ثمنه الثلث ومنهم من يجاوزه ومنهم من لا يجوز، فليقرع بين من يجوز ممن ثمنه الثلث، وإذا لم يكن في ثلثه ثمن رقبة أوصى بها لقتل نفس أعين به في رقبة أو في رقاب، ولا يعتقوا نصف رقبة يبقى باقيها رقيقا، وقال أصبغ مثله إلا في القرعة بينهم فلم يره. وقال بل يعتق الورثة واحدا منهم ممن يجوز مما ثمنه الثلث أو أقل، فإن كان فيهم مثله أو دونه / أو فوقه فذلك إليهم لأنها وصية بكفارة ليست وصية بعتق منهم ولا تطوعا جعله جاريا بينهم. وروى عنه أصبغ في الموصي بكفارة ظهار وقتل نفس، ولا تحمل ثلثه إلا رقبة وزيادة يسيرة أن يعتق عن القتل ويطعم عن الظهار، قال أصبغ وهذا في قتل الخطأ فأما في العمد فالظهار أولا لأنها في العمد غير واجبة كالتطوع. قال ابن القاسم وإن لم يسمع الثلث إلا واحدة جعلها الورثة فيما شاؤوا من الكفارتين ويجزئ. قال أصبغ: وأحب إلي أن يجعل للقتل فعسى ألا ينوب له مال يخرج منه الظهار فإن كان ممن يئس له من ذلك جعلوه في أيهما شاؤوا، وإن كان في الثلث ثمن رقبة وفضلة لا تفي بإطعام الظهار فليعتق عنه الظهار إذ لا يشارك فيه في رقبة. قال عيسى: قال أصبغ، نعم يعان به في رقبة. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أوصى أن يشترى أبوه فيعتق عنه، قال لظهار أو لم يقل، فإنه يزاد بائعه إلى ثلث قيمته إن أبى بيعه بقيمته، ولو لم يذكر من يشتري أبوه أو غيره لم يجز للوصي أن يشتري أباه ولا من يعتق عليه، ولو قال علي ظهار فاعتقوا فيه أبي، فهو كالوصية بعتقه، وينفذ ما قال، وفي كتاب العتق شيء من معاني هذا الباب وما يتعلق بالظهار. [5/ 309]
[5/ 310]
كتاب الإيلاء
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الإيلاء في المولي وأجله وإيقافه والطلاق عليه وكيف إن تركته ثم قامت؟ وكيف إن راجعها أو نكحها وقد أجل / في الوطء أجلا؟ وكيف إن أتى ثم آلى من كتاب ابن المواز: قال مالك في المولي نفس الإيلاء وهو الحالف أن لا يطأ فالأجل فيه من يوم حلف، ضربه له الإمام أو لم يضربه، فإن ضربه ولم ترفعه ثانية بعد الأجل ليوقف فلا تطلق عليه حتى توقفه ثانية، وليس هو من ذلك في حل إلا أن تطرح هي ذلك عنه، فإن طرحته وقالت لا حاجة لي بإقافه فهو حق تركته إلا إن لها أن ترجع منى شاءت فيوقف لها مكانه، قال أشهب عن مالك، وإن طال الزمان. قال أصبغ: يخلف ما كان تركها على التأييد ولا رضي بإسقاط ذلك والمقام معه إلا أن ينظر ويعاود رأيها ثم يوقف مكانه بغير أجل فيفيء أو يطلق، وقال أشهب عن مالك في العتبية إذا جاوز الأجل ثم رفعته وقف مكانه بغير أجل فإما فاء أو طلق عليه قيل ألذلك حد؟ قال: لا، وإنما هو في مجلسه ذلك. [5/ 311]
قلت فإن قالت المرأة قبل يطلق عليه أنا أصبر بلا مسيس ذلك لها، وكذلك الحالف يريد بالطلاق ليفعلن، يضرب له الأجل من يوم ترفعه فيحل فترضى أن تصبر بلا وطء. قال مالك: وإذا أرادت الأمة ترك زوجها حين آتى منها فلسيدها إيقافه، وكذلك في العتبية لابن القاسم عن مالك. وإن حلف أن لا يطأ سنة فوقف لأربعة أشهر فطلق عليه ثم ارتجع ولم يطأ حتى حلت أربعة أشهر أخرى فلا إيقاف عليه إلا في نكاح آخر إن تزوجها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر، قيل فإن انقضت العدة واليمين قائمة هل تنكح؟ قال: إن كانت / في منزله ويخلو بها فلا ينكح وتأتنف العدة، وأما هو فله نكاحها معزولة كانت أو غير معزولة إلا أن يكون وطؤها وطئا فاسدا. ومن حلف أن لا يطأ خمسة أشهر، هذا إيلاء واحد بوقف واحد، الأول يوقف مرتين إن طلق عليه في الإيلاء الأول ثم ارتجع فلم يتم العدة حتى مضت أربعة أشهر من الخمسة الثانية فعليه إيقاف ثان، وإن انقضت العدة قبل ذلك فلا إيقاف عليه. ومن حلف بالله إن وطئ، ثم بعد شهرين قال على نذر إن وطئتك فأوقف ليمينه الأولى ثم طلق عليه ثم أرتجع ولم يطأ حتى حلمت أربعة أشهر من اليمين الثانية فلا إيقاف عليه ليمينه الثانية وقد دخل في وقفه الأول لأنه لو أصاب في الأول سقط عنه اليمينان. قال محمد: ولو كفر عن اليمين الأولى حين كان بالثانية موليا، هذا خلاف ما روى عنه بعد هذا أشهب. [5/ 312]
فيمن حلف في امرأته لئن وطئها كذا وكذا مرة أو لا يطؤها في هذه السنة
فيمن حلف في امرأته لئن وطئها كذا وكذا مرة أو لا يطؤها في هذه السنة إلا مرة أو مرتين، أو لا وطئ نهارا أو أن لا يطأ إحدى امرأتيه أو طلق وحلف أن لا يرتجع من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته إن وطئتك كذا وكذا وطأة فأنت طالق فهو مول والأجل فيه من يوم حلف. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف أن لا يطأ امرأته في هذه السنة إلا مرة فقال ابن القاسم /: إن وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صار مواليا. وقال أيضا: إن مضى من السنة أربعة أشهر ولم يطأ وقف فإن فاء وإلا طلق عليه، وهو أحب إلى ابن القاسم وأصبغ وإلينا، فإن فاء فيما يستقبل مول ولا شك فيه، ويوقف [ثانية لأربعة أشهر أخرى. وقاله أشهب قال ولو لم ترفعه حتى يفيء من السنة] أربعة أشهر، يزيد هذا، ولم يطأ بعد فلا حجة لها إلا أن يكون وطئ قبل ذلك فيكون موليا. وإن حلف لا وطئها في السنة إلا مرتين فليس بمول وقال أصبغ: إنه مول لأنه يمنع من أجل اليمين، وقال محمد: وهذا غلط من أصبغ رحمه الله. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق: لا وطئ امرأته نهارا فلا شيء عليه. ومن حلف لا بات عند امرأته أبدا وقال أنا آتى نهارا، قال: ذلك له، ولا أبلغ به أن أطلق عليه. وقال قبل ذلك: يتلوم له فإن أبى طلق عليه. [5/ 313]
فيمن آلى بذمة الله أو بشأن الله أو نحو ذلك أو نذر ترك الرطء أو آلى بصم
قال: ومن له امرأتان فكان يبيت عند واحدة ولا يبيت عند الأخرى فلا يطلق عليه، ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لزوجتيه: والله لا وطئت إحداكما ولم ينو واحدة فلا إيلاء عليه حتى يطأ إحداهما فيكون موليا من الثانية. ومن طلق امرأته طلقة فيسأل الرجعة فقال: والله لا راجعتها فهو مول، إن تأخرت عدتها إلى أربعة أشهر وقف، فإما ارتجع أو طلق عليه طلقة أخرى، وتبني على عدتها الأولى وتحل بتمامها وإن قل ما بقي منها ولو يوم أو ساعة. فيمن آلى بذمة الله أو بشأن الله ونحو ذلك أو نذر/ ترك الوطء أو آلى بصوم أو صدقة أو عتق وذلك كله معين أو غير معين وكيف لو باع عبده ثم اشتراه؟ من كتاب ابن المواز: ومن حلف أن لا يطأ بذمة الله أو برحمة الله أو بنور الله أو بحمد الله أو بسبحان فهو مول. ومن حلف بسلطان الله أو بقدرته أوبشيء من صفاته فهو مول. وإن حلف بالملائكة أو بالكعبة أو قال رسول الله أو برئت من ذمة الله فلا شيء عليه. وإن قال: عزمت أو أقسمت أن لا أقربك فإن أراد بالله وإلا فلا شيء عليه. ومن العتبية وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال إن شفاني الله من مرضي صمت ستة أشهر لا أقرب فيها امرأة فليس عليه إيلاء وليصم وليس لله طاعة في ترك الوطء. [5/ 314]
فيمن حلف ألا يطأ امرأته بطلاقها أو بظهارها
وكذلك لو قال: فلله علي ألا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزو ويلزمه أن يحج أو يغزو ولا يكف عن وطء، وكذلك لو قال لله على أن لا أمسك حتى أحج أو أغزو فليطأها ويحج ويغزو ولا شيء عليه، وإن قال إن قربتك فعلي صوم هذا الشهر أو شهر بينه وبين آخره أربعة أشهر فليس بمول حتى يكون بينه وبينه أكثر من أربعة أشهر. ومن آلى بعتق عبده ثم باعه زال إيلاؤه حتى يعود إلى ملكه بأي وجه، وإن بيع في تفليس ثم اشتراه فقد قيل لا يعود عليه اليمين، وقال ابن القاسم يعود عليه اليمين، فأما من رد الغرماء عتقه فبيع لهم ثم اشتراه فلم يختلف مالك وأصحابه أنه لا شيء عليه /، ومن آلى برقبة بغير عينها فأعتق لذلك رقبة فقيل يجزئه وبعد الحنث أحسن وروى عن مالك، وقيل: لا يجزئه إلا بعد الحنث، وكذلك يمينه بالله لو اعتق عنها قبل الحنث فقيل يجزئه وقيل لا يجزئه، يريد محمد: في الأحكام وزوال الإيلاء عنه، وأما بينه وبين الله فيجزئه أن يكفر قبل الحنث. فيمن حلف أن لا يطأ امرأته بطلاقها أو بظهارها من كتاب ابن المواز: ومن قال إن وطئتك فأنت على كظهر أمي فهو مول بما لا يقدر أن يحنث بالإصابة لأن باقي مصابه بعد الحنث ولا ينفعه تعجيل الكفارة إذ لا يصير مظاهرا حتى يطأ، ولا يباح له الوطء إلا بالملاقاة يصير مظاهرا ويصير باقي مصابه لا يجوز له، فقد قيل تعجل عليه طلقة الإيلاء، وقيل حتى يتم أربعة أشهر كالحالف أن لا يطأ بالبتة وهو من لا رجعة له إذا طلق عليه وهما يتوارثان في العدة. وقد تقدم في كتاب الظهار من رواية عيسى عن ابن القاسم في الذي حلف بالظهار إن وطئها، وما يدل على خلاف رواية محمد هذه. والقائل قبل البناء إن وطئتك فأنت طالق يضرب له أجل الإيلاء وله الفيئة بالوطء غير أن ينوي ببقية مصابه الرجعة، فإن وطئ على هذا وإلا طلق عليه، وكذلك في المدخول بها ما لم. [5/ 315]
فيمن آلى واستثنى أو حلف ليطأنها أو لا يطأها حتى تأتيه
تكن آخر طلقة له فيها فيصير كالبتة، فقيل يعجل عليه طلقة الإيلاء، وقيل يطلق عليه عند تمام الأجل. قاله مالك، قال وقد ترضى أن تصبر بلا وطء. وروى عن مالك في الحالف/ بالبتة وبآخر طلقة له فيها أن لا يطأ: أن له أن يحنث فيها بالوطء فيطلق بالبتة، وقال ابن القاسم وله أن يتمادى حتى ينزل، وأحب إلي أن لا يفعل فإن فعل لم يكن عندي جرحا، قال أصبغ وذلك ما لم يخرج ذكره ثم يعاود فلا يحل له ذلك، وقال غير ابن القاسم إذا التقى الختانان قطع، وأراه ابن وهب وقاله عبد الملك وقال أصبغ وذلك حسن غير واجب، لأن له لذته ولكن لا ينزل وليحتط عند دنوه أن لا يفلت منه، وأخاف إن أنزل فيها أن يكون ولد زنى. قال ابن القاسم: وإن طلق عليه بالإيلاء لزمته طلقة ولا رجعة له إذ لا يرتجع إلى بر. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية نحوه، وفي السؤال: وإن وطئتك إلى سنة، وقال: وتوارثان في العدة وإن لم تكون له رجعة بخلاف المصالح. فيمن آلى واستثني أو حلف ليطأنها أو لا يطأها حتى تأتيه وإيلاء الصبي والشيخ الفاني والخصي وشبهه ومن آلى من صغيرة وذكر إيلاء العبد والإيلاء من الأمة ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بالله ألا يطأ امرأته واستثنى فهو مول، وقال أشهب وعبد الملك: ليس بمول وإن حلف بطلاقها ليطؤها فروى عن مالك أنه مول، وقاله في الذي هجر مضجعها فعاتبته أمها فحلف لها بذلك، وقاله الليث، وقاله ابن القاسم ثم رجع فقال: ليس بمول، وقال مالك فيمن قال / إن [5/ 316]
وطئتك، فأنت طالق إلا أن تأتيني فهو مول إذ ليس عليها أن تاتيه، وقال سحنون في العتبية في الذي حلف لا وطئتك إلا أن تطلبي إلي ذلك فليس بمول. قال ابن سحنون: قلت له قد قيل إنه مول ولا يكون قيامها به سؤالا حتى تسأله فأعابه وقال: منع الوطء بسببها. وإذا آلى اليتيم ولم يبلغ فليس بمول ولا يلزمه إن بلغ. ومن آلى من صغيرة فلا شيء عليه حتى تبلغ حد الوطء. فمن يومئذ يكون أجل الإيلاء عليه. وإذا آلى الشيخ الكبير أو الخصي ومن لا يقدر على الفيئة فليس بمول، وكذلك المولي يقطع ذكره، يريد: لا إيقاف عليهم ولا ضرب أجل قال ابن حبيب: قال أصبغ لم ير ابن القاسم إيلاء الخصي إيلاء يلزم به توقيف، وأنا أرى أن يكون موليا ويوقف لأجل الإيلاء لأن لها منه متعة تلذ بها من مباشرة وغيرها. ومن كتاب ابن المواز: وإذا آلى عبد بعتق عبده وصدقة ماله فهو مول، وليس كالصبي لم يحتلم، ذلك لا يلزمه إن بلغ والعبد قد يلزمه إذا لم يرد ذلك سيده حتى عتق. وإذا آلى العبد فمضى له شهر ثم عتق فلا يزاد غير شهر آخر ولو كان إيلاؤه مما يؤتنف فيه ضرب الأجل بالرفع فرفعته بعد عتقه ضرب له أجل الحر، والأمة له فيها شقص لا يلزمه فيها ظهار ويلزمه فيها الإيلاء. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية فيمن آلى من أمتين تحته ثم اشترى إحدهما فقد زال الإيلاء فيها ويبقى الإيلاء في الأخرى فإن أعتق المشتراة وتزوجها عاد عليه فيها الإيلاء. [5/ 317]
في الحالف إن وطئتك حتى أخرج أو حتى أفعل كذا أو قال في داري
في الحالف إن وطئتك حتى أخرج/ أو حتى أفعل كذا أو قال في داري أو قال إن وطئتك فوالله لا أطؤك، أو قال لا وطئتك إلا أن أعتق أو لأعتقن أو فكل ما أتزوج من مصر طالق ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال والله إن وطئتك حتى أخرج إلى الحج أو إلى بلد ذكره فهو مول من يوم حلف إذا كان يتكلف بذلك سفرا قربت المسافة أو بعدت إلا أن يقرب مثل حجرته، ومثل العقيق من المدينة، ومثل العالية أو حلف لا يطؤها في داره فلا إيلاء عليه، إذ لا كلفة فيه، ولكن يأمره الإمام بالوطء ويردده، فإن بان ضرره طلق عليه. وقال سحنون: إذا حلف ألا يطأها حتى يخرج من داره فهو مول. قال في كتاب ابن المواز: وإذا كان سفرا يوقف فيه عنها فحل أجل الإيلاء فقال أنا أخرج فإن قرب البلد ترك وذلك، وإن بعد طلق عليه بمحل الأجل، وكذلك يمينه لا يطأ حتى يكلم فلانا أو يقضيه حقه وفلان غائب، أو قال حتى يقدم فلان فإن رافعته لتمام الأجل فقال أنا أفي، فإن قربت الغيبة أختبر، وإن بعدت طلق عليه وقيل له ارتجع وف إن شئت، وإن كانت مسافته على أكثر من أربعة أشهر طلق عليه عند الأربعة الأشهر إن رفعت أمرها ولم يختبر ولم تنتظر، وكذلك لو خرج ساعة حلف أو حلف في سفره إليها لطلق عليه بمحل أجل الإيلاء إذا لم يبلغ وإذا لم يذكر الوطء ولكن قال لآتين بلد كذا ومسافته أكثر من أربعة أشهر، فإن خرج مكانه أو عند إمكان الخروج / لم يضرب له أجل ولم يكن موليا، لأن الوطء له جائز حين لم يفرط وخرج مكانه، وكذلك يمينه بطلاقها ليكلمن فلانا أو ليقضينه حقه، وبينه وبينه أكثر من أربعة أشهر، فليس بمول ولا يضرب له فيه أجل إن لم يفرط في خروجه ولا يمنع من الوطء. وقال في موضع آخر في الذي حلف ليكلمن فلانا أو ليضربنه وفلان غائب، فلا يمنع من الوطء حتى يقدم، وإن طالت غيبته وإن قال والله لا أصيبنك إلا أن [5/ 318]
في إيقاف المولي عند الأجل وفيئه، وكيف إن قال أنا أفيء؟
أعتق رقبة أو أتصدق بصدقة فهذا مول، لأن وطأه يوجب عليه كفارة اليمين بالله، وإن قال والله لئن أصبتك لأعتقن أو لأفعلن لم يكن موليا بخلاف قوله لا أصبتك حتى أفعل، وقال عبد الملك في قوله لا أصبتك إلا أن أعتق رقبة أو أتصدق بصدقة إنه لا يكون موليا لأن يمينه في غير امرأته. قال ابن القاسم: وإن قال: إن وطئتك فوالله لا أطؤك فليس بمول حتى يطأ، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية. قال ابن القاسم وإن قال إن وطئتك فكل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق. قال عنه أبو زيد في العتبية كل عبد أبتاعه منها حر. قال ابن القاسم: لا يكون موليا حتى يتزوج. وقال أصبغ: هو مول، لأنه يلزمه بالوطء يمين. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لأجنبية: أنت طالق إن تزوجتك إن وطئتك حتى أفعل كذا أو تفعلي أنت كذا، فهو مول حين يعقد نكاحها. في إيقاف المولي عند الأجل وفيئه وكيف إن قال أنا أفيء أو كان مريضا أو غائبا أو مظاهرا أو قد جن أو سحر أو فقد أو أراد سفراً؟ من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأظنه عن مالك وإذا أوقف المولي للأجل فقال أنا أفيء، أختبر مرة أو مرتين، فإن بان كذبه طلق عليه، ولا أنظر إلى العدة. [5/ 319]
قال عنه ابن وهب: وإن أقام في الاختبار ثلاث حيض فإنه يوقف أيضا فإن قال أنا أفيء حيل بينه وبينها ما لم يكثر ذلك فيطلق عليه، هذا خلاف ما روى عنه أشهب في أول الكتاب. قال عنه أشهب: وإذا وقف عند الأجل فقال أنا أفيء فإن لم يف حتى تنقضي عدتها من يوم قال أنا أفيء طلقت عليه طلقة بائنة. قال ابن عبد الحكم: والأول أحب إلينا. وفي العتبة من سماع أشهب عن مالك مثل ما ذكر محمد. وقال: إن قوله في الأجل أنا أفيء ثم لم يف أرى أن يكون ذلك طلاقا. قيل: فإن وقف عند الأجل ليفيء أو يطلق فطلق ثم راجع فمكن منها للمصاب فانقضت العدة وتقاررا أنه لم يصب، أعليها عدة للأزواج لهذه الخلوة؟ قال عيسى به، وهذا أمر لم يكن، وما في السؤال عن مثل هذا خير. قال ابن القاسم في المولي منها إذا ارتجعها زوجها من عذر، يريد بالقول فانقضت عدتها وهي عنده ولم يفئ بعد أن ذهب العذر ففرق بينهما إن العدة الأولى تجزئها، قال ابن القاسم إذا لم يخل بها. ومن كتاب ابن المواز عن مالك من رواية أشهب ونحوه كله/ في التعبية من سماع أشهب، وإذا حل الأجل وكان له عذر بمرض أو سجن أو غيبة أو كانت هي مريضة أو حائضا، فإن كانت يمينه مما يقدر على إسقاطها فلا عذر، ويختبر إن قال أنا أفيء فإن من فيئه أن يعجل ما يزيل يمينه، وإن قال لا أفعل، طالق عليه، وإن قال أنا أفعل أختبر، كما يختبر من لا عذر له فإن فعل وإلا طلق عليه، وذلك مثل أن تكون يمينه يعتق عبد بعينه أو صدقة شيء بعينه، أو طلاق امرأة أخرى طلاقا بائنا فهذا إن عجله زال إيلاؤه ولا يعذر فيه بما ذكره. [5/ 320]
وأما اليمين بالله فإذا كفر قبل الحنث فذلك له، وإن قال حتى أحنث فذلك له ويعذر بالمرض ونحوه إن قال أنا أفيء بلسانه إذا زال عذري، وكل يمين لا ينفعه فيها تعجيل الحنث كعتث بغير عينه أو صدقة بغير عينها أو بالمشي أو بطلاق غيرها طلاقا يملك فيه الرجعة فليس فيه إلا الوطء. وله عذر بما ذكرنا إذا قال بلسانه أنا أفيء ثم إذا انكشف العذر فأوقف ومكن منها فلم يطأ طلق عليه مكانه، وإن قال أنا أطأ جرب المرة بعد المرة فإن بان كذبه طلق عليه مكانه، وقال أشهب بالطلاق الأول ويكون بائنا، يريد لأن عدة ذلك لو طلق عليه هذا الطلاق من أول قد بانت منه. قال في كتاب ابن المواز: ولو قال وهو معذور بما ذكرنا ولا يقدر على البر قبل زوال العذر لا أفيء فهذا يعجل عليه الطلاق، إلا أنه إن ارتجع / بعد الطلاق فرجعته رجعة وإن حاضت يريد بعد الرجعة ما لا يحصى حتى يزول عذره ويصل إلى الوطء، ولو كان ممكن يقدر على إسقاط يمينه في عذره، فلم يسقطها حتى أنقضت العدة فرجعته بعد ذلك باطل وقد بانت منه وهو كغيره ممن لا عذر له يرتجع ولا يطأ حتى تنقضي العدة قال وينتظر الغائب في الإيلاء إذا حل الأجل وإن طالت غيبته ويكتب إليه ليوقف، فإن قال لا أفيء طلق عليه، وإن قال أنا أفيء كان كمن ذكرنا في ذي العذر بالمرض وينظر إلي يمينه على ما تقدم ذكره، وإن لم يعرف مكانه لم يطلق عليه أبدا إلا بالإيقاف، ومن تظاهر من امرأته ثم آلى منها فوقف للأجل فله عذر بالظهار كالعذر بالمرض ونحوه، ولكن لا يقبل منه إن قال أنا أفيء بالوطء، وينظر فإن كانت يمينه يقدر أن يسقطها أو يكفرها أمر بذلك، فإن فعل بقي مظاهرا ثم لا يدخل عليه الإيلاء حتى يتبين ضرره، وذلك أن يقدر أن يكفر ولا يفعل، قال ولا يفيء بالمصاب ولايمكن منه ولا ينفعه إن فعل. وكذلك الحالف ليفعلن فعلا إلي غير أجل، ولو ضرب المظاهر أجل المكفر فلم يفعل وقال في الأجل اتركوني فأنا أكفر، فليس له ذلك ويطلق عليه مكانه عند تمام الأربعة الأشهر التي ضرب له، لأنه إنما ضرب له ليفيء بالكفارة لا بالوطء، فإذا طلق عليه وأخذ في الكفارة في العدة فتم صومه قبل / العدة وله [5/ 321]
الرجعة، وإن كان ارتجع صحت رجعته وأخذ في الصوم في الأجل فلم يتم قبل الأجل لمرض عاقه حتى يفيء من صيامه بعد الأجل، فإن صح فوصل صومه حتى يفرغ عذر وأجزأه وإن أفطر بغير عذر، وإن كان بعد الأجل طلق عليه مكانه. قال مالك: والعبد المظاهر إذا بان ضرره إن منعه سيده الصوم لأمر له فيه عذر فرافعته امرأته ضرب له الأجل، فإن كفر فيه وإلا طلق عليه. ومن العتبية قال أصبغ: إذا حل أجل المولي وقد فقد، وكشف عنه الإمام، وصار ممن يضرب له أجل الفقد، فلتأتنف له أجل المفقود، ولا يطلق عليه بالإيلاء إذ لعله ميت، وأما إن جن وأطبق فليوكل الإمام به من ينظر له، فإن رأى أن لا يفيء طلق عليه، وإن رأى له أن يفيء كفر عنه إن كانت يمينه تمنعه الوطء، أو يعتق عنه إن كانت يمينه يعتق رقبة، ولو وطئها في جنون كان ذلك له فيه، ويكفر عنه وليه إن كانت يمينه في صحته، ويخلي بينه وبين وطئها إلا أن يخاف أذاه لها، ولو كانت يمينه بالطلاق لا وطئها إلا ببلد كذا، أو حتى يغزو، فلوليه أن يلزمه هذه الطلقة، وله أن يخرج به إلي البلد الذي حلف على الوطء به، أو يغزو به ثم يرده فيطأ. وإذا أراد المولي سفرا بعيدا قيل له وكل ما يفيء لك عند الأجل أو يطلق عليك ومن فيه وكيله أن يكفر. قال ابن القاسم: إن طلب السفر قبل مجيء الأجل بيومين أو ثلاثة وطلبته امرأته / وفي ذلك منعه الإمام من السفر حتى يحل الأجل، فإن أبى عرفه أنه يطلق عليه، فإن خرج ورفعت ذلك عند الأجل طلق عليه وإن لم ترفع خبره حتى سافر فلا يطلق عليه حتى يكتب إليه ليفيء أو يطلق، وقال ابن كنانة: إن كان مقرا بالإيلاء فلا يحبس عن سفره ثم إذا حل الأجل طلق عليه، وإن كان منكرا للإيلاء والمرأة تدعيه فأرى أن يحبس حتى يشاورها. [5/ 322]
في الحالف بالطلاق ليفعلن فعلأودخول الإيلاء عليه
في الحالف بالطلاق ليفعلن فلا ودخول الإيلاء عليه وشيء من ذكر تعجيل الحنث ومن كتاب ابن المواز: قال مالك، ومن حلف بالطلاق ليفعلن كذا إلي غير أجل يمنع من الوطء، فإن لم ينته أدب، فإن تمادى حيل بينه وبينها، وإن رافعته صار كالمولي. قال مالك: وإن حلف بالطلاق ليتزوجن عليها فطلق عليه بالإيلاء، فإن تزوج في العدة فله الرجعة وإلا فلا. قال محمد: وله إذا حلف بطلقة أن يجعل حنثة ويرتجع، لأنه لم يضرب أجلا ولا سمي امرأة بعينها يتبين حنثه بموتها. قال ابن القاسم: سمعت الليث يقول إذا حلف بالظهار ليتزوجن فله ترك ذلك ويكفر، وكذلك لو حلف بظهارها ليعتقن ولم يسم رقبة بعينها، وأما إذا كانت بعينها فليس له أن يحنث نفسه، وقال محمد: وإن حلف بالظهار ليكلمن فلانا ولم يضرب أجلا فليس له تعجيل الكفارة ولا الحنث، ولا يطأ، وموت فلان يوجب عليه الكفارة كالأجل، فإن كفر قبله لم يجزئه/. وقال ابن عبد الحكم: وإن حلف بالطلاق ليضربن فلانا أو ليقضينه حقه، أو ليفعلن فعلا ولم يضرب أجلا فرفعته فوجل له أجل الإيلاء يطلق عليه بعد محله فلا رجعة له إلا أن يفعل ما حلف عليه، ولو وطئ مرتجعا لم ينفعه، ومنع منها وافتدت، ثم إن فعل ما حلف عليه فله الرجعة إن بقي من عدة طلاق الإيلاء شيء، فإن انقضت وبقيت عدة الوطء لم تكن له فيها رجعه وإن فعل ما حلف عليه. قال: والحالف ليحجن أو ليخرجن إلى بلد سماه لا يمنع الوطء حتى يأتي الإبان في خروج الحج أو إمكان خروج البلد، فيمنع، وإذا كان خوف طريق أو عشر كذا فذلك عذر، ولا يمنع من الوطء حتى يجد السبيل، وكذلك ليفعلن [5/ 323]
كذا، فمن يوم يمكنه الفعل يمنع ويدخل عليه الإيلاء، وإذا كان السبيل ممكنا له من يوم حلف فقد لزمه من يومئذ الوطء، ثم إن حدث عذر من طريق وفقد كذا، لم يرجع غلي الوطء بعد، إن وطئ جهلا لم ينفعه ذلك، ويضرب له أجل الإيلاء، فيطلق عليه بحلوله، إذا لم يفعل، وكذلك من حلف ليكلمن فلانا أو ليضربنه وهو غائب، فلا يمنع من الوطء مادام فلانا غائبا وإن طال ذلك، وإن مات في غيبته ما كان عليه شيء. قال في موضع آخر من هذا الكتاب: ولو كان بينه وبين أكثر من أربعة أشهر فليس بمول ولا يضرب له أجل إذا أمكنه الخروج فخرج ولم يفرط، ولا يمنع من الوطء، وقال: ولو كان حاضرا أو طال مقامه بما يمكنه الفعل لم يفعل حتى مات فلا فقد حنث، ولو فقد/ وترجى رجعته لم يعجل حنثه، ويمنع من الوطء قال: وإذا جاء وقت خروج الحاج إلى الحاج منع من حينئذ من الوطء، وقد قيل لا يمنع حتى يفوته الزمان حتى لا يدرك أن يخرج فيمنع حنيئذ، ويصير موليا، قاله عبد الملك، والأول أحب إلينا. وقال أشهب: يمنع وقت إمكان الخروج، فإن فات الخروج رجع إلى الوطء حتى يجيء الوقت أيضا، وقال ابن القاسم: حتى يمكنه الخروج، ثم إن لم يفعل حتى فاته طلق عليه، والأول أحب إلينا، ورواه عبد الملك عن مالك أنه يمنع عند إمكان الخروج ثم إذا فات وقت الخروج فوفعت أمرها ضرب له أجل الإيلاء ثم طلق عليه بحلوله، لأنه لا يقدر على الفيئة ولا يحج وسط السنة. وقال: ولو تأخر ضرب له الأجل حتى صار آخره يدرك وقت الخروج فقال لا تطلقوا علي وأنا أخرج، فليس ذلك له، ولو تأخر رفعها حتى جاء وقت الحج فطلب الأجل فإنه يضرب له لأنه ممن منع الوطء فلا يرجع إليه، وإن خرج حتى يحج فإن حج قبل أربعة أشهر سقط عنه وإلا طلق عليه. قال ابن المواز: وإذا حلف بالطلاق ليخرجن بها إلى بلد سماه فخرج مكانه، فله التمادي على الوطء وكذلك إن حلف ليهجرن فلانا شهرا فمضي في هجرته أو ليقيمن في هذا البيت شهرا وهو فيه، ولو هجره يوما ثم كلمه وقال نويت هجرته. [5/ 324]
شهرا من الدهر غير معين، فهذا يكف عن الوطء من حين حلف، فإن رافعته فالأجل من يوم ترفعه، فإن مضى الأجل ولم يهجره طلق عليه، ولا يؤخر ليفيء، فإن هجره شهرا قبل تمام العدة فله الرجعة وإن / تمت قبل هجرته شهرا فقد بانت وقد حنث. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال إن لم أحج فامرأتي طالق البتة، ولم يسم عاما فإنه لا يطأ حتى يحج، فإن قال بيني وبين ذلك زمان وأنا أحرم وأخرج، فإنه إن رفعته امرأته ضرب له أجل الإيلاء، قال ابن القاسم: وإن رضيت أن تقيم بلا مسيس فليحج متى شاء، وإن رفعت أمرها وطلبت المسيس قيل له أحرح وإن كان ذلك في المحرم فإن أبى أن يحرم طلق عليه عند محله، وذكر هذه الرواية ابن سحنون لأبيه فقال: والذي أقول به ما أخبرني به ابن نافع عن مالك أنه يطأ حتى يمكنه الخروج بمجيء إبان يدرك فيه الحج من بلده فيكف عن الوطء فذكر نحو ما ذكر ابن المواز. ومن سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن حلف بطلاقها ليتزوجن عليها فلانة فخطبها فكرهته فليمسك عن الوطء، وإن رافعته ضرب له أجل المولي فإن حل ولم يتزوجها طلق عليه، وإن ماتت هذه الأجنبية طلقت عليه امرأته. وإذا حلف ليتزوجن عليها فامتنع من ذلك زمانا يرى أنه مضر فرفعت زوجته ذلك وهو مريض فليضرب له أجل المولي فإن انقضى وهو مريض فله عذر بالمرض، وإن حل وقد صح قيل له تزوج وتمس امرأتك، وإلا طلقنا عليك. ولو كانت يمينه على قضاء الحق لفلان لم يعذر بالمرض إما قضاه وإلا طلقت عليه. ومن حلف بالطلاق ليبيعن غلامه إلا أن لا يجد عشرين دينارا فقرضه فلم يجد به ذلك قال: يكف / عن امرأته حتى يعرضه مجتهدا أياما ويتأنى حتى يعلم الله اجتهاده ومبالغته فإن لم يجد بيعا فله حبس العبد ووطء امرأته حتى يحول [5/ 325]
فيمن حلف بالطلاق إن فعلت كذا أو كان في معنى لأفعلن
السوق بزيادة يرجو معها بيعه بذلك، فيعاود الاجتهاد في العرض والبيع من غير كف عن الوطء إلا أن يجد به عشرين دينارا فيأبى، فليكف عن الوطء حتى يبيع، فإن رافعته وهو يقدر على بيعه بعشرين دينارا ضرب له أجل المولي، فإن باع وإلا طلق عليه، ثم لا فيئة له إن قال أنا أفيء إلا ببيع العبد. قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن حلف بالطلاق ليتزوجن فلانا أو ليبيعن عبد فلان وليس هو كمن حلف على فعل غيره أن يتلوم له، ولكن كمن حلف على فعل نفسه يضرب له أجل الإيلاء إن رافعته. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن خلف ليقيدن عبده شهرا لم يعينه، فإن إذا جعل القيد في رجليه جاز له وطء زوجته، قيل فإن نزعه قبل شهر فقيل له: تحنث فقال أنا أرده شهرا مؤتنفا، فإنه إن نزعه وهو لا يريده إليه فقد حنث. قال ابن وهب، قال مالك: فيمن قال أنت طالق البته إن لم أتزوج عليك فلا يطؤها، وإن أمن على نفسه أن يبيت معها في بيت، فذلك له. فيمن حلف بالطلاق إن فعلت كذا أو كان في معنى لأفعلن أو حلف إن فعل فلان أو ليفعلن من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن قال لرجل بينه وبينه شيء امرأته طالق إن عفوت عنك، منع من الوطء، وليس هذا من / باب: إن فعلت، وإنما هو من باب إن لم أفعل وهي في العتبية من سماع أشهب وقال إنما معناه لا طالبتك. ومن قال أنت طالق إن قمت في هذا البيت أو البلد فهو كمن قال إن لم أفعل، فلا يطأ إلا أنه إن قدر على النقلة فلم ينتقل حنث مكانه في قوله إن أقمت وليس مثل قوله إن لم أنتقل، وأختلف في قوله إن سكنت، أو قال أقمت فقال [5/ 326]
مالك: يخرج مكانه وإن كان ليلا، وإن أقام حتى يصبح حنث إلا أن يكون نواه. وقال أشهب: لا يحنث حتى يذهب وقت إمكانه للنقلة وهو ليلته التي حلف فيها ويومه من الغد إلى الليل ولا يمنع من الوطء، وأما إن قال إن لم أنتقل، فإن لم ينو العجلة فإن أخذ في النقلة مكانه لم يمنع من الوطء، وإن ترك ذلك ورافعته ضرب له أجل الإيلاء من يوم رفعت. وقوله: إن سكنت يعني مكانه، ليس كقوله إن سكنت موضعا سماه وليس هو ساكن به، ولا من باب إن كلمت فلانا، ولكنه من باب إن لم أفعل، وكذلك قوله إن تركت فلانا حتى أستاًذي عليه، إنما هو إن لم أستاًذ عليه. ومن قال أنت طالق إن لم يقدم فلان أو أبوه وهو باليمن، فهو مول وأجله من يوم ترافعه. قال في موضع آخر إن عرفت غيبته في بعدها وقربها فحلف على ذلك، وعلى قدر ما عرف من شغله بالموضع ضرب له أجل بقدر ذلك ولم يطأ إليه، فإن كان أكثر من أربعة أشهر كان موليا إن رفعت أمرها، وإن كان أقل فلا حجة لها، قاله مالك/ وأصحابه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن لم يقدم أبي إلى الهلال، فليكلف عن الوطء ولو ضرب أجلا أكثر من أربعة أشهر ورافعته ضرب لها الأجل من يوم ترفعه، ولو قال: إذا قدم أبي فأنت طالق، ولم يضرب أجلا فهذا لا يمنع من الوطء. وقال ابن القاسم: يطأ امرأته إن ضرب أجلا فإن لم يضرب ضرب له أجل المولي. ومن قال في بلح نخلة أن لم آكل من هذا البلح رطبا فأنت طالق، فإنه يضرب له أجل الإيلاء ثم يطلق عليه. [5/ 327]
فيمن ملك أمر امرأته لغائب، هل يدخل عليه الإيلاء؟
ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ليفعلن غيره ولم يؤجل فيمنع من الوطء، ويؤجل له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من التأخير، ليس الأجل فيه سواء، قد يحلف على غيره، أن يهبه أو يعيره أو يسلفه أو يفعل بفلان. فمن ذلك ما القصد فيه من ساعته، ومنه ما يتأخر شهرا أو أقل أو أكثر بقدر ما يرى أنه قصده. وقال أشهب إن كان ليمينه سبب وقت أراده مما إذا جاء ذلك الوقت حنثته إليه، ولا أمنعه الوطء، ويصير كمن حلف ليفعلن فلان إلي أجل مجمد: وهذا أقيس، والأول قول مالك. قال ابن القاسم ومن حلف بالطلاق إن حج فلان أو فعل كذا فلا شيء عليه حتى يفعل فيحنث، وإن قال ليحجن فلان لم يمنع منها، حتى يأتي إبان الحج. فإما حج أو طلق عليه. قال محمد: إذا زال وقت الخروج طلق عليه بخلاف الحالف على نفسه ليحجن فيذهب إبانه فهذا مول. قال عيسى بن دينار في العتبية قوله: / إن حج فلان، فلا كقوله إن حججت أنا، فلا إيلاء عليه، والقائل إن لم يحج فلا كالقائل إن لم أحج أنا، قال ابن القاسم: ويضرب له أجل الإيلاء في قوله: إن لم يحج فلان. فيمن ملك أمر امرأته لغائب هل يدخل عليه الإيلاء؟ وفي الإمام يطلق على المولي بالثلاث ومن كتاب ابن المواز: ومن جعل أمر امرأته بيد رجل بالأندلس فهو مول، والأجل فيه من يوم رفع، لأنه يكف عن الوطء، وإن كان قريبا كتب إليه فإما طلق أو ترك. [5/ 328]
فيمن حلف في امرأته التي ترضع أن لا يطأها حولين
قال ابن القاسم في البعيد الغيبة يكف عن الوطء: فإن رافعته ضرب له الأجل، فإن حل ولم يعرف ما عند الغائب طلق عليه كانت رجعته رجعة، وإن طلق عليه كانت طلقة أخرى، وله أيضا الرجعة، ولا يجتزئ برجعته الأولى، وإن تمت العدة من طلقة الإيلاء قبل يعلم ما عند الرجل فقد بانت منه. وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم في الإمام يجهل فيطلق على المولي بالثلاث، قال: لا يلزمه، يريد إلا واحدة. فيمن حلف في امرأته التى ترضع أن لا يطأها حولين أو ليتزوجن عليها بعد فطام ولدها من كتاب ابن المواز: ومن حلف لا يطأ امرأته التي ترضع سنتين، وقال: أردت تمام الرضاع، فليس بمول إلا أن يموت الصبي وقد بقي من السنتين أكثر من أربعة أشهر فيلزمه / الإيلاء من يوم موته، ولو حلف بطلاقها لأتزوجن عليك إذا استغني ولدك عنك، وذلك في الحولين فليكف عن وطئها ولا وقت في ذلك إلا أن ينويه. قال محمد: لا يكف عن الوطء إلا بعد الحولين وبعد الحولين يكون مولياً إن رافعته. ومسألة من قال: آخر امرأة أتزوجها طالق، نقلتها إلى كتاب الطلاق. ومن العتبية قال سحنون: وإن قال لامرأته: أنت طالق قبل قدوم أبي بشهر كان موليا منها إن رافعته ويمنع من وطئها. [تم كتاب الإيلاء] [5/ 329]
[5/ 330]
كتاب اللعان
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب اللعان ذكر ما يوجب اللعان وكيفية اللعان وأين يكون ولعان المريض والحائض من كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه، وإنما يجب اللعان بوجهين، أن يقول رأيتها تزني كالمرود في المكحلة، أو ينتفي من حمل يظهر بها، وليس له أيضا نفي الحمل حتى يقول استبرأتها بحيضة فأكثر، أو يقول لم أطأها، وإنما له إنكار الحمل حين علم به أو علم بالولادة، فأما لو علم به ثم أقام يوما أو يومين لا ينكر فلا إنكار له. وفي العتبية من رواية أشهب عن مالك مثل ما تقدم. وقال عنه: ويكشف في قوله رأيتها تزني مثل ما يكشف الشهود. وفي المدونة ذكر الاختلاف في اللعان في القذف. ومن كتاب محمد ومن العتبية رواية أصبغ عن ابن القاسم قال: ويبدأ الرجل باللعان فإذا تم الخامسة حق عليها العذاب إلا أن تدرأه باللعان، وتقع / الفرقة بلعان ولكن لا تتم إلا بتمام لعانها، ويدرأ بذلك عنها العذاب، وهو الرجم في المدخول بها. [5/ 331]
قال مالك: يقول الرجل أشهد بالله، وقال أيضا أشهد بعلم الله، واستحب ابن القاسم أشهد بالله. قال ابن القاسم: ويقول في الرؤية أشهد بالله إني لمن الصادقين لرأيتها تزني، يقول في كل مرة. قال أصبغ: ويقول كالمرواد في المكحلة، ثم يقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول: هي: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ما رآنى أزني أربع مرات ثم تخمس بالغضب. قال ابن القاسم: ويقول في نفي الحمل أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني، قال أصبغ وأحب إلي أن يزيد في كل مرة لزنت. قال أين القاسم: وتقول هي: اشهد بالله إنه لمن الكاذبين، وما زنيت، قال أصبغ: وأحب إلي [أن تزيد] في كل مرة، وإنه لمنه ثم تخمس بالغضب، قال أصبغ: وإن قال هو في الخامسة في مكان إن كنت من الكاذبين، وإن كنت كذبتها أجزأه. ولو قالت المرأة في الخامسة في مكان إن كان من الصادقين، إنه لمن الكاذبين أجزأها، وكذلك لو استحلفها الإمام بذلك، وأحب إلينا مثل لفظ القرآن. ومن كتاب محمد قال ابن وهب: يقول هو في الأربع أشهد بالله إني لمن الصادقين، وفي الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول هي: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. قال: ويكون اللعان دبر الصلوات، قال مالك / وفي أي ساعة شاء من النهار، وبإثر صلاة مكتوبة أحب إلي، وقد كانت ذلك عندنا بعد العصر ولم يكن سنة. قال عبد الملك: لا يكون إلا في مقطع الحقوق بإثر صلاة، وقيل إن كان مريضا بعث إليه الإمام عدولا، وكذلك المرأة المريضة إن لم تقدر أن تخرج، وكذلك في العتبية عن أصبغ عن ابن القاسم. [5/ 332]
في اللعان بالرؤية، وفي نفي الحمل بذلك، وحكم اللعان في نفي الحمل وذكر الاستبراء
وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ وزاد: وإن كان الزوج هو المريض ورثته إن مات من مرضه، واللعان في المرض كالطلاق يتهم فيه قاله مالك وأصحابه وإن كانت حائضاً لاعن هو إن شاء تعجيل ذلك مخافة أن ينزل به ما يدفعه عن اللعان فيلزمه الولد، وتؤخر هي حتى تطهر لأنه من الطلاق. في اللعان بالرؤية، وفي نفي الحمل بذلك وحكم اللعان في نفي الحمل وذكر الاستبراء ومن قال كنت أعزل أو لا أنزل من العتبية قال أشهب: سئل مالك عن الذي يقول زنت امرأتي، فيقال له: أرأيت ذلك؟ فيأبى أن يقول نعم، ويمضي على اللعان. قال: لا يجب اللعان حتى يقول رأيت، ويوقف كما يوقف الشهود، أو يقول في نفي الحمل استبرأت، قال عنه ابن القاسم إذا قال رأيت مع امرأتي رجلا يزني بها لاعن ولم يسأل هل وطئها الزوج؟ ولا يضره إن أقر بذلك، إلا أن يقر أنه وطئها بعد أن رآها تزني فقد أكذب نفسه، ويلحق به الولد. ومن كتاب ابن المواز: ابن القاسم عن مالك: وإذا وطئها ولم يستبرئ حتى رآها فليلتعن وينفي ذلك / الولد إلا أن يطأها بعد الرؤية فلا يلاعن ويحد، قال مالك: وإذا لاعن كما ذكرنا نفي بذلك الولد، وإن قال لا أدري هل هو مني أم لا لأني كنت أطأ ولم أستبرئ، فالولد إذا لاعن منفي، واختلف في هذا قول مالك، واختلف فيه أصحابه، فقال ابن القاسم وابن وهب: إنه ينفى باللعان بكل حال. وروى ابن القاسم عن مالك إنه منفي باللعان، وإن كانت بينة الحمل وهذا إغراق والذي أخذ به ابن القاسم من الرواية: إنه إن كان ظاهرا بينا فلا ينفى بلعانه، وكذلك إن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم أنزل فهو به لاحق، وقال [5/ 333]
عبد الملك وابن عبد الحكم وأشهب: إذا لا عن برؤية ثم ظهر حمل فهو به لاحق، ولا ينفيه إلا بلعان يدعي فيه استبراء. قال محمد: ولو ادعى مع الرؤية استبراء كان منفيا لاشك فيه، ولو لاعن لرؤية ثم ظهر حمل كان قبل لعانه، أو وضعته لأقل من ستة أشهر، فقال الآن: لم أطأها منذ ستة ونفي الولد. قال أشهب: ينفي بذلك اللعان إذا ادعى الآن الاستبراء، وقال عبد الملك وأصبغ: بل ينفيه بلعان ثان. قال محمد: ولو رآها تزني وهي ظاهرة الحمل، وقال: قد استبرأت، فإذا لاعن سقط الولد، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر من الرؤية، فإن أكذب نفسه بعد ذلك في الاستبراء وأقر بالولد لم يحد لأنه قد نفى لعان الرؤية. قال: ويلاعن الحامل إذا ظهر الحمل ولا يتراجعان إن انفش، ولا يحد الزوج وترد به الأمة في البيع، وإن انفش لم ترد إلى المشتري قال: وما وقف عن / لعانها في الحمل إلا عبد الملك، وإنه قال: حتى تضع في النفي خاصة، ولا يقع القذف عنده فيها حتى تضع، إذ لعله لا حمل بها. قال محمد: وهذا الاستبراء الذي يقبل فيه قول الزوج في نفي الحمل حيضة في قول مالك المعروف إلا عبد الملك فقال ثلاث حيض ويرويه عن مالك. ومن أنكر حمل امرأة بالعزل لم ينفعه، والولد به لاحق، وكذلك كل من وطئ في موضع يمكن وصول المني منه إلى الفرج. وكذلك في الدبر لأنه قد يخرج منه الماء إلى الفرج، وإذا قال: وطئت أمتي وأنزلت ولم أبل حتى وطئت امرأتي فكسلت لحق به، ولد الحرة، ولا لعان فيه لما يتقي أن يكون قد بقي فضل ماء في إحليله. [5/ 334]
في تصادق الزوجين على نفي الولد بعد البناء أو قبل، أو أقرب بالزنا ولم ينفه
في تصادق الزوجين على نفي الولد بعد البناء أو قبل، أو أقرت بالزنا ولم ينفه واللعان في المغتصبة وذكر اللعان قبل البناء من كتاب ابن المواز: ومن أنكر حمل امرأته وادعى أنه رآها تزني فصدقته، فقول مالك قديما أنه لا ينفي إلا بلعان وبه أخذ المغيرة وابن دينار وعبد الملك وابن عبد الحكم. وروى عند ابن القاسم، وكذلك أن قالت: زنيت، ولكن الولد منك: إنه ينفي الولد بلا لعان، وكذلك وروى عنه أصبغ في العتبية قال في كتاب محمد: إن ثبتت على قولها حتى تحد، ثم لا يقبل منها إن رجعت، ولو رجعت قبل أن تحد عاد اللعان بينهما، فإن نكل الزوج لحق به ولا يحد/، لأنها مقرة، قال وليس للزوج نفي ولد المغتصبة إلا أن يدعى استبراء فيلتعن وحده وينفي الولد ويبرأ منه، ولا تلتعن هي لأن الولد قد يكون من الغصب، ولو قال: رايتها تزني زني غير الغصب كان له أن يلاعن وينفي الولد إن ادعى استبراء، ثم تلتعن الزوجة، فإن لم تلتعن هي رجمت، وإن نكل هو حد. ولا يسقط الحد عن المغتصبة بتقاررها مع الزوج بالغصب وان بان الحمل، إلا أن يعرف الغصب بأن تراها بينة حتى احتملها فغاب عليها فيدعي أنه غصبها، أو تأتي مستغيثة تدمى، ونحو هذا. وروى ابن عبد الحكم فيمن أنكر حمل امرأته وقال غصبت، وصدقته في الغصب، فإنه يلاعن وتلاعن هي، وتقول: ما زنيت، ولقد غلبت على نفسي، وقال ابن القاسم في لعان المغتصبة، تقول: أشهد بالله إني لمن الصادقي، ما زنيت ولا أطعت وتقول: في الخامسة: غضب الله علي إن كنت من الكاذبين. [5/ 335]
قال ابن القاسم في الحامل تقول: استكرهت فلا ينفى الولد إلا بلعان الزوج، قال مالك: وإذا تصادق الزوجان قبل البناء على نفي المسيس، وظهر بها حمل فإنها تحد وينفى الولد، وإذا تقاررا بعد الخلوة على نفي المسيس ثم ظهر حمل فقالت: هو منه فإنه يلاعن، فإن نكل لحق به، وله الرجعة إن طلق، ويتم لها الصداق، وإن أقر به وتمادت هي على أنه من زني فهي تحد، والولد لاحق، ثم إن رجع هو فأنكره لم ينفعه ولم تحد. وإذا أنكر حملها قبل البناء ثم مات فهو به لاحق، وقاله/ أشهب، قال: ولها جميع الصداق، ولا لعان عليها ولها الميراث، قال ابن القاسم: وإذا لم بين بها فأتت بولد لستة أشهر فادعاه ونفي المسيس فالولد به لاحق، ويحد، وكأنه قال: حملت من غيري ثم أكذب نفسه باستلحاقه. وقال ابن القاسم: ولو طلق قبل البناء وتقاررا أنه لم يمس ثم مات وظهر حمل فقالت هو منه، فإنه لاحق به، ووارث له ولا ترثه هي ولا يتم لها صداقها، ولا حد عليها، ولو ظهر في حياته فاستلحقه لحق به ولم يحد، ويصير لها الصداق، وله الرجعة، وان تمادى على انكاره لاعن وزال عنه، وان نكل لحق به، وإن لاعن سقط عنه ولا رجعة له، ولا يزاد على نصف الصداق، وإن قبضت جمعيه ردت نصفه، قال محمد: وتحد هي أن لم تلاعن. قال محمد: أما قوله لا ترثه ولم يتم لها الصداق، فالصواب، أن يتم لها للحوق الولد وإن كان الطلاق واحدة ومات قبل انقضاء العدة ورثته. قال ابن القاسم: وان نفى حملا قبل البناء لاعن، ولا حد وإن نكلت هي بعد لعانه أو صدقته حدت مائة جلدة إن كانت بكرا. قال عنه عيسى في العتبية وتبقى له زوجه ويبرأ من الحمل ولا يمسها حق تضع، وقال في كتاب ابن المواز: ولا تحل له أبدا، ولها نصف الصداق إلا أن يظهر حملها في أيام قريبة من العقد بها لا يشك أن الحمل قبل العقد، فلا صداق [5/ 336]
في اللعان بعد الطلاق، وفي الحمل يظهر بعد طلاق أو وفاة
لها ولا لعان فيه، قال محمد: لا تحرم عليه لأن اللعان كان لغير زوجه، وقاله عبد الملك، وإذا وضعت لأقل من / ستة أشهر من النكاح فلا لعان فيه، وهو زني ولا صداق لها. قال ابن القاسم وابن وهب: وإن قال الزوج عقدت منذ خمسة أشهر وقالت هي منذ أكثر من ستة أشهر وجاء حمل فلابد من اللعان، وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية يريد: ولم يطأ. في اللعان بعد الطلاق وفي الحمل يظهر بعد طلاق أو وفاة من كتاب ابن المواز: قال: ولا لعان بعد طلاق بائن إلا في نفي حمل. ولو قال في العدة من طلاق بائن رأيتها تزني فأراد أن ينفي ما يتقى من حمل، فهذا يلاعن، وإن لم يدع فيه استبراء، فإما إن لم يذكر رؤية ونفى الحمل، فإن إدعى الاستبراء هاهنا لاعن، ثم تلتعن هي أيضا، فإن تكلت رجمت. قال ابن سحنون عن أبيه في الذي طلق امرأته البتة، ثم قال في العدة: رأيتها تزني فقال ابن القاسم، وروى مثله ابن وهب: إنه يلتعن، فإن مات يريد بعد لعانه قيل لها إلتعني، قال ابن القاسم: وعدتها ثلاث حيض، ولا تنقل؛ وقال المغيرة: لا يحد ولا يلاعن، وسحنون يميل إلى هذا. قال ابن المواز: وإذا قذفها في العدة حد، ولم يلاعن. قال سحنون في حر تحته أمة فابتاعها ثم ظهر بها حمل فتنكره، أيلاعن؟ قال: إن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الشراء وقد أصابها بعد الشراء، فاللعان بينهما، لأنه زوج، وإن وضعته لستة أشهر من بعد الشراء والوطء لحق به لأنه إنما يشبه أن يكون من وطئه، إذا كان زوجا وذلك لخمس سنين فأدني، فاللعان/ بينهما والله أعلم. [5/ 337]
ومن كتاب أبي الفرج: وإن قال زوج امرأة رأيتها تزني قبل نكاحي، حد ولم يلاعن، وإذا أقر بحملها وقال رأيتها تزني قبل طلاقي فهو قاذف يحد وإن كان طلاق فيه الرجعة لاعن، وإن ثبت أنه قذفها قبل الطلاق ثم قامت بذلك وقد بانت منه فله أن يلاعن وينفي ولدا إن ظهر، وكذلك إن كانت تحت زوج فليلاعن لأنه قذفها في موضع كان فيه اللعان. وأما الذي يدعي أنه كان رآها تزني قبل الطلاق البائن فهذا يحد إلا أن يظهر بها حمل قبل أن يحد فتنفيه ويدعي الاستبراء فيلاعن وينفيه ولا يحد. قال مالك: وإن قذفها في العدة وهي حامل يقر بحملها، فإنه يحد، ولو نفاها لاعن ولم يحد. قال محمد: أحب إلي أن ينظر، فإن تبين أن لا حمل بها حد لها وإن ظهر بها حما لاعن لأنه ممن لا لعان في الرؤية ومن خير امرأته ثم قال في المجلس: رأيتها البارحة تزني فإنه يلاعن، وإن اختارت هي نفسها قبل اللعان فلابد من اللعان. وأما إن حلف بطلاقها أن لا يفعل شيئا ثم فعله ثم قال رأيتها تزني قبل ذلك فهذا يحد ولا يلاعن. وإن قال: أنت طالق إذا قدم أبي فقدم، ثم قال رأيتها تزني قبل ذلك فهذا يلاعن فيما قرب لأنه لم يكن يعلم وقت نزوله ويخاف لحوق الولد. وإن ملكها نفسها متى شاءت فجاءته يوما فقالت طلقت نفسي البتة فأجابها: كنت رأيتك تزني البارحة فله أن يلاعن، وكذلك إن قال: إذا تزوجت عليك فأمرك بيدك فتزوج عليها فاختارت نفسها فقال قد كنت رأيتها تزني فليلاعن. قال مالك: ومن طلق امرأته فادعت حملا فقال اعترضت عنها ولا أعلم كان مني إليها شيئا، فإن كانت لهم بينة فالولد ولده ولا لعان له ولا حد عليه، لأنه لم ينف الولد، إنما قال لا أعلم أني وطئتها، وقد تحمل ولا يبلغ ذلك منها وإن لم [5/ 338]
في تمام اللعان وموت أحدهما قبل تمامه، أو رجوعه ونكوله
تكن لهم بينة لاعن وفي العتبية نحوه من رواية أشهب، ومن لاعن ثم قامت بينة أنه أقر وطئ بعد الرؤية فإنه يحد. قال: وما ظهر من حمل بعد العدة من وفاة أو طلاق إلى ما تلد له النساء، قال ابن القاسم: خمس سنين من يوم الطلاق أو وفاة فهو لاحق خرج الولد صغيرا أو كبيرا، إلا أن يلاعن المطلق، وكذلك لو حاضت ثلاث حيض، وقد تحيض على الحمل. قال ابن القاسم: ولو كنت أعلم أنها حائض حيضة مستقيمة ويوقن بذلك وتعرفه النساء يقينا لرأيتهما زانيين، وسقط نسب الولد عن الميت والحي، ولكن هذا لا يحاط بمعرفته قال أصبغ: ليس هذا بقول، ولو عرف ذلك لم يوجب ذلك زني ولا حد وهو شبهة، والولد لاحق إلا أن يلاعن المطلق، ومن العتبية قال يحيى عن ابن القاسم: وإذا طلقها ثلاثا ثم ادعى أنه رآها تزني في العدة فليلاعن، وإن ادعى ذلك بعد العدة حد ولم يلاعن، ولو ظهر بها حمل في العدة لما يحمل له النساء لحق به إلا أن يلاعن. في تمام اللعان وموت أحدهما قبل تمامه أو رجوعه/ أو نكوله، وكيف إن التعنت هي قبله أو عفت الزوجة عن الزوج على أن لا يلاعن؟ أو زكاها بعد أن رماها من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا مات الزوج قبل تمام لعانه فلا لعان عليها ولا عذاب، وإن تم لعانه ثم مات ولم تلتعن هي ثم ماتت ورثته، وإن لم تمت هي قيل لها: وإلتعني، فإن التعنت فلا ميراث لها ولا عدة عليها للوفاة، وإن نكلت ورثته ورجمت. وروى البرقي عن أشهب أنها ترثه وإن التعنت لأنها الآن ماتت، [5/ 339]
قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا إلتعنت قبله ثم ماتت هي فذلك مما لم يكن ينبغي، وأما إذا كان فإنه يقال للزوج: إلتعن ولا ميراث لك ولا حد عليك، وإن نكل ورثها وعليه الحد. قال ابن القاسم: ولو لم تمت لم أعد اللعان عليها، وقال أشهب: بل تعيد اللعان بعد لعان الزوج، وكذلك في الحقوق إذا بدأ الطالب باليمين. قال مالك: وإذا أكذب الزوج نفسه وقد بقي شيء من لعانها حد وبقيت امرأته. قال ابن وهب قال مالك: وإن ماتت بعد تمام لعانه وقبل لعانها ورثها إذ لعلها كانت تصدقه، وروى ابن وهب عن ربيعة إذا التعن هو ثم ماتت هي قبل تلتعن، إنه يرثها، ولو مات هو لم ترثه. قال مالك إلا أن لا تلتعن بعده فترثه، وذكر ابن حبيب عن مطرف عن مالك: وإذا إلتعن ثم مات قبل لعانها مثل ما ذكر ابن المواز وغيره، وقال: وقال ربيعة: يريد التعنت أو لم تلتعن، قال: وبهذا نأخذ. ألا تراه لو رجع قبل لعانها بقيت له زوجة وحد؟ أولا تري لو ماتت قبل لعانه لورثها عند مالك؟ /، ومن رمي زوجته بعد موتها لم يلتعن وهو قاذف، وإنما يلتعن من نفي حمل. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وجب عليه اللعان فماتت قبل لعان الزوج قال سحنون: لا لعان عليه، قاله مالك، قال ابن سحنون في المطلقة قبل البناء تأتي بولد بعد موت الزوج فتقول هو منه أنه يلحق به ويرث أباه ولا ترث هي الزوج وليس لها غير نصف الصداق، وقال ابن القاسم وأشهب، ولو تقاررا بعد البناء أنه لم يمس ثم مات فظهر بها حمل، وإلا لو ظهر قبل موته لحق وأكمل لها الصداق، وله الرجعة، ولو نفاه لاعن ولو قالت ليس هو منه وقد زنيت به، وقال هو: الولد ولدي فإنها تحد والولد به لاحق. قال محمد: فإن أنكره بعد استلحاقه لم يحد، لأنه رمي مقرة بالزني وقد كتبت هاتين المسألتين في باب الرجعة، وذكرنا عن أشهب إذا بنى بها وتقاررا [5/ 340]
في لعان الغائب إذا قدم، وكيف إن مات وأقرت هي في الولد أنه من زنا؟
بنفي المسيس ثم ظهر حمل بعد طلاق أن لها تمام الصداق وله الرجعة ويتوارثان بذلك. ومن العتبية قال سحنون وإذا لاعن الزوج من نفي حمل ونكلت هي ووخر رجمها حتى تضع، ثم أكذب الزوج نفسه قبل أن تضع وبعد أن نكلت قال، لعانه قطع لعصمته ولا ميراث بينهما، وترجم إذا وضعت، وأنكر أبو محمد هذه المسألة. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا بقي من لعان الزوج أقله، فقال المرأة قد عفوت عنك فلا تلتعن، فترك فلا حد عليه، ويلحق به الولد، ولو لم يعف ولكن أقرت ثم رجعت واعتذرت بما يعتذر به، لم تحد هي ولا يحد لها الزوج / والولد لاحق به إلا أن يجب أن يلاعن ينفيه، كما له ذلك في النصرانية والأمة، إلا أن هذا إذا التعن فلتلتعن هي وإلا رجمت، وإذا أشهدت امرأة يعدلها زوجها، ثم قال، رأيتها تزني قبل أن تشهد فِإنه يحد، لأنه أكذب نفسه بتعديلها، وكذلك لو عدلها بعد أن رماها، ولو رماها أجنبي فوكلت الزوج على طلب الحد ثم قال رأيتها تزني قبل ذلك فلا لعان له أيضا ويحد، وفي باب لعان الغائب من معاني هذا الباب. في لعان الغائب إذا قدم وكيف إن وأقرت هي في الولد أنه من زنا؟ أو قدم وقد ماتت فنفاه من العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا قدم الغائب وقد ماتت زوجته وتركت ولدا كان بعده فأنكره فإنه يلتعن وينفيه ويرث زوجته هذه، وكذلك ذاكر ابن حبيب عن ابن الماجشون وقال في سؤاله وادعى الاستبراء وزاد قال ولو قال [5/ 341]
فيمن لاعن زوجته ثم قذفها أو أكذب نفسه أو استلحق الولد
إذا جاء: كنت رأيتها تزني وأراد أن يلتعن، فليس ذلك له ويحد، وهو كمن رمي امرأة طلقها، وكذلك في كتاب ابن المواز. ومن العتبية قال عيسي عن ابن القاسم: وإذا غاب عشر سنين أو أكثر ثم قدم فوجدها قد ولدت أولاداً فأنكرهم، وقالت هي: منه، كان يأتيني سراً لم ينفهم إلا بلعان، ومن قذف ولده قبل قدومه فقال له رجل ليس أبوك فلانا، أو يا ابن الزانية أو يا ابن زنية فإنه يحد، وكما لو قذف قاذف/ بعد أن قدم أبوه ولا عن أمه بنفيه، ولو مات قبل قدوم الأب لحق به وورثه وحد قاذفه. إذا ولدت امرأة الغائب ولدا وقالت هو من غير زوجي، ثم مات الزوج قبل قدومه فإنها ترجم، ويلحق به الولد، ويرث أباه، وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب في الغائب إذا قدم فوجد ولدا فقال ليس هذا ابني ولا ابنك: إنه يحلف ما أراد قذفا ولا شيء عليه، إلا أن يريد لعانا فيمكن من ذلك، وأما إن كان حاضرا مقرا بالولد ثم قال هذا، فليحد ولم يعجب سحنون جواب أشهب هذا. فيمن لاعن زوجته ثم قذفها أو أكذب نفسه أو استلحق الولد ومن قذف الزوجة قبل اللعان ومن رمى زوجتيه فقامت به إحداهما وأكذب نفسه وفي طلب اللعان بعد إنكاره القذف من كتاب ابن المواز: ومن لاعن زوجته ثم قال والله ما كذبت عليها، أو قذفها، قال محمد: يحد لأنه إنما لاعن لقذفه إياها وما سمعت فيها من أصحاب مالك شيئا. ومن قال لابن ملاعنة يا بن زانية، حد. [5/ 342]
قال ابن شهاب: من لاعن امرأته، ثم قال لها يا زانية أنه يحد لأنها ليست بزوجة له، قال محمد من لاعن ثم أقر بالولد لحق به فإن لاعن عن رؤية لم يحد، وكذلك على الرؤية وإنكار الولد، وإن كانت على إنكار الولد وحده فإنه يحد ويلحق به الولد إن كان حيا وإن كان / ميتا وترك ولدا فإن لم يترك ولداً لم يلحق به ولم يرثه وحده، قال ابن القاسم فإن لم يكن له ولد ولا مال له لم يلحق به. قال أصبغ: إذا لم يدع ولدا لم يلحق به إن استلحقه ترك مالا أو لم يترك. وقال أشهب: وإذا ترك ولدا أو ولد ولد وإن كان نصرانيا صدق ولحق به وحد، وإن لم يدع ولداً لم يلحق به وحد، قال ابن القاسم: إذا لاعن ثم ادعى الولد بعد مدة رجعت عليه بنفقة الحمل وأجر الرضاع وبنفته بعد ذلك إن كان في تلك المدة ملياً، وكذلك روى عيسى في العتبية عن ابن القاسم. قال محمد: قال مالك وإن كان عبد حد للحرة أربعين ولا يحد للأمة ويلحق به الولد، وإذا إستلحق الملاعن ولده بعد أن زنت الأم لحق به ولم يحد. قال أصبغ: قال ابن القاسم ومن رمي زوجته فطالبته وانكر، فلما أقامت عليه البينة إدعى الرؤية فله اللعان بخلاف الحقوق، ويقول أردت الستر بإنكاري. ومن قذف زوجتيه فقامت به إحداهما فأكذب نفسه فحد لها، فقامت به الثانية فلا يحد وذلك الحد الأول لكل حد مضى، ولو قال بعد أن حد قد صدقت عليك أو على صاحبتك فهذا يحد ثانية إلا أن يلاعن، وسواء فيمن قال ذلك لها منهما، قاله ابن القاسم، وقال عبد الملك: إنه يحد في الأولى ولا يلاعن، لأنه قذف ثان وقد أكذب نفسه فيها فلا يلاعن. قال محمد: وهذا أحب إلي ولو قال للثانية إما عليك فصدقت، وإما صاحبتك فكذبت عليها، فهذا يلاعن، وإلا حد، وإما إن قال للثانية كذبت عليك/ وصدقت على صاحبتك فهذا قذف ثان فيه الحد ولا لعان فيه عند عبد [5/ 343]
الملك، وقال ابن القاسم يحد إلا أن يلاعن، ومن قال لزوجته رأيتك تزني، فقال لها أجني قبل اللعان قد صدق أو زناها فليحد ولا يؤخر لنكولها. قال أشهب: وكذلك لو قال ذلك بعد لعان الزوج وقبل لعانها لعجل ضربه، فإن تأخر حتى نكلت أو ماتت فلا حد على الأجنبي. وقال ابن القاسم في موضع آخر؛ لا أعجل عليه لأنه قد ثبت عليها بلعان الزوج حد الزنا حتى يخرج منه، قال ابن القاسم: ولو قذفها بعد لعان الزوج لوخرته حتى تلتعن هي أو تنكل فإن التعنت حد لها، وإن نكلت لم يحد، وكذلك لو قذفها أحد بعد موتها وبعد لعان الزوج وحده، وقاله عبد الملك، وقال أشهب من قذفها بعد لعان الزوج وحده عوجل بالحد، وقول ابن القاسم وعبد الملك أحب إلي، وأما لو قذفها قبل تمام لعان الزوج يحد ولم يؤخر وإن تأخر حتى التعن الزوج فلا يسقط الحد إذا التعنت. باب في اللعان بالتعريض وفي قذف الولد من كتاب ابن المواز: ومن عرض لامرأته بما يحد فيه غيره، فقيل: يحد ولا لعان فيه إلا في صريح القذف، أو في تعريض يشبه القذف، فأما في قوله وجدتها مع رجل في لحاف عريانين، أو وجدتها تحته ونحوه، فلا يلاعن في هذا ويؤدب، ولو قاله لأجنبية لحد إلا في قوله رأيتها تقبل رجلا وقال ابن القاسم وأشهب / يحد الزوج في التعريض ولا يلاعن، وقال فإن رجع لها قيم عليه فقال رأيتك تزني فليلاعن وقال عبد الملك: وإذا أسلم الزوجان ثم قال لها الزوج رأيتك تزني وأنت نصرانية فإنه يحد ولا يلاعن كمن قذف امرأته ثم وطئها. وكذلك قوله: زنيت وأنت مستكرهة، ولو وقف عنها منذ زعم أنه رآها، كان له اللعان. ومن قال أقرت عندي امرأتي أنها زنت حد ولم يلاعن. [5/ 344]
في اللعان في النكاح الفاسد
قال ابن سحنون عن أبيه قال مالك: ومن قال لابن ملاعنة لست ابن فلان، الذي لاعن أمه. حد، فإن قال له أنت ابن ملاعنة: عزر، قال وإذا انتفى من حمل امرأته وقال ليس منى ثم انفش الحمل فلا حد عليه. في اللعان في النكاح الفاسد من كتاب ابن المواز: ومن العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم: ومن نكح ذات محرم أما أو أختاً ولم يعلم، ثم علم وقد حملت وأنكر الولد، فليتلاعنا لأنه نكاح شبهة حين لم يعلم، فإن نكلت حدت، وإن نكل هو حد للقذف ولزمه الولد. قال في كتاب محمد: وكل نكاح يلحق فيه الولد ففيه اللعان وإن فسخ، ولو أخذا في زني ثم تناكحا فينحا اللعان يريد في نفي الحمل وإن أكذب نفسه لم يحد. ومن حلف إن تزوج فلانه فهي طالق فتزوجها ودخل ثم ظهر بها حمل فنفاه فليلاعن، ويلاعن في الرؤية إلا أن يتأخر القول بالرؤية حتى يفسخ نكاحه فلا لعان له إلا في الحمل وحده، وكذلك كل نكاح يفسخ/ وإذا وضعت لأقل من ستة أشهر فلا لعان فيه وهو زنى، وقد تقدم في باب آخر إذا أختلفا في تاريخ النكاح أنه لابد من اللعان. في اللعان والزوجة صغيرة أو نصرانية أو صماء أو عمياء أو أمة وكيف إن كان الزوج عبدا أو صغيراً أو شيخا أو عنينا أو خصياً أو أخرس أو سفيهاً؟ من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في الزوجة التى لم تبلغ ومثلها يوطأ، إن قال رأيتها تزني وأراد اللعان خوف الحمل فليلاعن هو، ولا تلاعن هي فإن جاء حمل فلا يلحق به. [5/ 345]
قال سحنون في كتاب ابنه: وتبقى زوجة له إذا لاعن لأنه نفي عن نفسه الحد ولا تلتعن هي فتقع الفرقة. ومن كتاب ابن المواز: ولعان الحر المسلم مع زوجته الأمة أو الذمية في نفى الولد لا في الرمي ولا في الرؤية، إلا أن يريد نفي الولد في الرؤية، فإن لن تلتعن النصرانية لم تحد، وبقيت له زوجة، وإن التعنت وقعت الفرقة، وكذلك إذا أسلم مجوسي عن مجوسية ثم قال رأيتها تزني فإنهما يتلاعنان، ولا يحلفان إلا بالله، ويقبل منها يمينها بالنار. قال ابن حبيب: قال مطرف معنى قول مالك في المسلم تحته النصرانية فينفي حملها أنهما يتلاعنان يعني إن طاوعته ولا تجبر، ولأنها لو أقرت بالزنى لم تحد، وكذلك إن قال رأيتها تزني فشاء اللعان خوفا من ولد فلتلتعن، وترد هي في التكول في هذا إلي أهل دينها، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، / ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا لاعن الرجل الصغيرة ليدرأ الحد لم تجب الفرقة بلعانه، وهي زوجته بحالها، وكذلك ولو لاعن النصرانية بنفي حمل إلا أن تلاعن هي فتقع الفرقة. ومن العتبية روى أشهب عن مالك أن لعان العبد كالحر، في الحرة والأمة، يشهد أربع مرات ويخمس بالغضب، وإن أكذب نفسه حد للحرة أربعين، ولا يحد للأمة. والمسلم يلتعن في نفي حمل زوجته النصرانية فإن نكلت إنتفى الولد وبقيت زوجة ولا شيء عليه. قال ابو زيد عن ابن القاسم: وإن قال رأيتها تزني وهي أمة أو نصرانية فلا لعان عليه ولا حد إلا أن يريد لما ينفي من حمل أن يلتعن فله ذلك، وتلتعن الأمة، ولا لعان له على النصرانية. [5/ 346]
فيمن اشترى زوجته ثم نفى حملها
قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال في زوجته رأيتها تزني وهي صماء بكماء لا تسمع ولا تفهم، قال يعمل فيها على ما تفهم ويفهم عنها من الإشارة، فإن صدقته حدث وإلا التعن ثم التعنت. فيمن اشترى زوجته ثم نفى حملها قال ابن حبيب: قال ابن أصبغ فيمن اشترى زوجته ثم ظهر بها حمل، فإن علم أنها كانت يوم اشتراها حاملا لم ينفه إلا بلعان إلا أن يكون وطئها بعد رؤيته للحمل فلا ينفيه، وإن لم يعلم أكانت حاملا يوم الشراء أم لا حتى ظهر الحمل واتت به لأقل من شتة أشهر؟ فالولد للنكاح ما لم يطأها بعد الشراء قوله، يطأها بعد الشراء يريد إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر. وقد روى ابن سحنون عن أبيه أنها إذا لم يطأها بعد الشراء بحيضتين قال: ولو وطئها بعد الشراء فلا ينفيه بلعان ولا بغيره، استبرأها بعد الوطء أو لم يستبرئها، إلا أن يدعي أنه استبرأها بعد أن وطئها، فهذا ينظر، فإن ولدته لأقل من ستة أشهر فهو للنكاح لا ينفيه إلا باللعان، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فله نفيه بغير لعان، إن ادعى استبراء بعد الوطء الذي هو بعد الشراء، وإن لم يدع استبراء فهو منه، قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن تزوج أمة ثم لاعنها ثم اشتراها قال: لا تحل له أبداً. في الولد يعتوره الفراشان من نكاح أو ملك من كتاب ابن المواز: من وطئ أمته وهي تحت زوج، فالولد للزوج حتى ينفيه بلعان يدعي فيه الاستبراء فيلتعن هو دونها ثم يلحق بالسيد، وإذا حملت أمة رجل حدث إلا أن يدعي السيد ولدها، قال ابن القاسم: والمتزوجة في العدة قبل حيضة تأتي بولد أكثر من ستة أشهر من يوم عقد الثاني قال في العتبية ما بينها [5/ 347]
وبين خمس سنين من فراق الأول فهو للأول إلا أن ينفيه ويدعي استبراء فيلتعن هو ولا تلتعن هي، فإن نكل هو لم يحد ولم يلحق به، وإن التعن فهو للثاني إلا أن ينفيه بلعان، قال في العتبية ويدعي استبراء وتأتي به لستة أشهر فأكثر من يوم نكاحه فإنه يلتعن. قال في الكتابين: فإن نكل لحق به ويحد وإن التعن قيل لها: التعني، فإن نكلت رجمت. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن وضعت لأقل من ستة أشهر من نكاح الثاني فقد انتفى من الثاني بهذا أو انتفى من الأول باللعان. قال في كتاب ابن المواز: فإن استلحق الأول بعد لعان الثاني ولعانها لحق به ولا حد عليه، وإن استلحقه بعد لعانه وقبل لعان الثاني فليس ذلك له، ومن سبق إلى استلحاقه بعد التعانهما ولعان الأم لحق به ثم لا استلحاق لمن بعده كان الأول أو الآخر، وإلا أنه إن كان الآخر حد ولحق به إن كان أولهما استلحاقا، وإن استلحقاه معاً فالأول أحق به، قال في العتبية ومن استلحقه منهما لحق به وحد. وروى ابن سحنون عن أبيه: أن من استلحقه أولاً لحق به وحد، ولو استلحقه الآخر بعد الأول لحد/ ولم يلحق به. قلت: فمن لاعنها منهما وحده ولم تلتعن هي لأن الولد يلحق بالآخر أتحل للذي لاعنها ولم تلاعنه؟ قال: لا، لأنه لعانة قائم نفي به الولد، وروى بالإشارة، فإن نكلت فعليها الحد. قال عنه عيسى فيمن نكح أمة على إن ولدها حر فلاعنها، فإن الولد حر، فإن صدقته على نفيه فهو رقيق، فإن استلحقه يوما لحق وصار حراً. من كتاب ابن المواز: وإذا ظهر بزوجة الصبي حمل حدت ولا لعان برميه، والكبير يرمي زوجته الصغيرة يوطأ مثلها ولم يحض فيقول رأيتها تزني فليلاعن في [5/ 348]
الرؤية ولنفي الحمل، ولا تلتعن هي في رؤية ولا ولد رمي، ولأن من قذفها يحد ولا تحد هي إن زنت ولا لعان في نفي حمل امرأة المجبوب أو خصي لا يولد لمثله، وذلك والولد لزنى، وتلتعن/ في رميها، وإلا حدا وقد اختلف في الخصي فقال قوم: يولد له وقال آخرون لا يولد له، فلا بد من اللعان، ويلتعن العنين والشيخ والزمن في الرؤية لا شك، وأما في النفي فهو يقول يكافى فلابد من اللعان، ويلتعن الأعمى بما بدله على علمه، لأنه يقول مسست وسمعت وحسست وعلمت، ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه ويلاعن المسخوط والمحدود لا يختلف أصحابنا في ذلك. ابن سحنون عن أبيه: أنها لا يحرم عليه نكاحها، إلا ترى أن المغتصبة إذ لاعنها وهي لا تلتعن أنها لا تحرم عليه والولد منفي؟ وقال في الكتابين: وإن تزوجته بعد حيضة أو حيضتين وأنت بولد لستة أشهر فأكثر فهو للثاني إلا أن ينفيه، ويدعي استبراء قليلا عن هو، ولا تلاعن هي ثم لحق بالأول إلا أن يلاعن ويدعي استبراء، فإن لاعن وجب عليها للآخر اللعان فإن التعنت وإلا حدث. قال في العتبية وإن أتت به لأقل من ستة أشهر فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم وإذا وطئ البائغ والمبتاع الأمة في طهر تموت حاملا فهي من البائع. قال أصبغ: وكذلك إن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم وطئ الآخر فهو للأول وضعته نافصا أو تاما. وإن وضعت لأكثر من سنة أشهر فهو للآخر كان ناقصا أو تاماً إلا أن يكون حيا فيدعى له القافة، ولا يدعي القافة إلى ميت، وإنما يحسب من يوم يوطأ لآخر ستة أشهر وإن تقارب الوطئان. [5/ 349]
فيمن قال لزوجته أو لأم ولده: لم تلدي هذا الولد وفي المرأة تستلحق ولدا
قال ابن القاسم: ولو وطئ هذا اليوم وهذا غدا، كان افتراقا، ويحسب من يوم وطئ المشتري، وقال أصبغ ذلك عندي كذلك، وهذه المسألة مكررة في البيوع. فيمن قال لزوجته أو لأم ولده: لم تلدي هذا الولد وفي المرأة تستلحق ولداً ومن كتاب ابن المواز: / قال ابن القاسم ومن قال لزوجته لم تلدي هذا الولد، ولا يعلم حملها وولادتها وقالت هي ولدته منك؛ فهو منه إلا أن ينفيه بلعان فإن نكل لم يحد. قال أشهب: ظني إذا أقرأنه ولده، ونفى أن تكون هي ولدته، فالمرأة مصدقة ولا لعان فيه، وإن كان ذاك نفيا منه فليلاعن. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في امرأتين شهدتا أن هذا الولد ولدته امرأتي، وأنا له منكر، وهو صغير أو كبير، وأنا أقول ولدها ذلك قد مات أو حملها ذلك قد انفش، وكنت حاضراً أو غائبا والولد صغير أو كبير ولا لعان في هذا. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: ومن أقر بوطء أمته فجاءت بصبي فقال لم تلديه، وقالت بل ولدته منك فهي مصدقة ويلحق به الولد إلا أن يدعي استبراء، وإقراره بالوطء إقرار أن ولدها في جوفها، فإذا قالت هو هذا صدقته قال ابن القاسم: كالحرة هو لو قالت امرأة في غلام: هذا ابني ويمكن أن تلد منه لم يثبت نسبه بذلك وإن صدقها الغلام، لأنه ليس ثم فراش قائم. [5/ 350]
في أربعة شهدوا بالزنى على امرأة أحدهم زوجها من كتاب ابن المواز: قال مالك، وإذا شهد أربعة على زني امرأة أحدهم زوجها حد الثلاثة، ولا عن الزوج، فإن رجمها الإمام ثم علم بذلك لم يحد الثلاثة ويلاعن الزوج فإن نكل حد ويرثها إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها أو يقر بذلك فلا يرثها، وإن قال شهدت بالحق لاعن وإلا حد ولا دية عليه / ولا على الثلاثة ولا حد. قال ابن القاسم: ولادية على الإمام لأنه مختلف فيه، وليس يخطأ صراح كشهادة العبد والنصراني وقاله أصبغ إلا الميراث، فقال: لا يرثها، لأنه يلتعن، وليس بشاهد، ولا يخرج من تهمة العامد لقتل وارثه. تم بحمد الله وعونه ويليه كتاب الصرف [5/ 351]
[5/ 352]
كتاب الصرف
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الصرف في المراطلة والمبادلة بالذهبين أو الفضتين، ومصارفتك لمن راطلك من كتاب ابن المواز، قال: ووجوه المراطلة كلها جائزة، إلا في وجهين أحدهما أن يأتي هذا بذهب وآخر بذهبين أحدهما أجود من المنفردة، والآخر أردأ. والوجه الآخر أن يرجح ذهب أحدهما فيأخذ لرجحانها شيئا عرضا أو ورقا فلا يجوز ذلك، وهو ذريعة إلى الربا، ولا يجوز أن يتجاوز له عن الرجحان، ويجوز في المراطلة أن تكون ذهب أحدهما رديئة سكة أو مصوغة، وذهب الآخر أجود ذهبا، بخلاف الاقتضاء؛ لأنه في المراطلة لم يجب لأحدهما قبل الآخر شيء، فيتهم فيما ترك له لفضل ما أخذ منه، وفي الاقتضاء قد وجب له ذهب مسكوك أو مصوغ، فإذا أخذ تبرأ أجود منه اتهم أن يكون ترك السكة والصياغة لفضل الذهب الذي أخذ. قال مالك: وكل ما لا ينبغي التفاضل فيه في جنس واحد من عين أو طعام فلا ينبغي - وإن كثر - أن يجعل مع الصنف الجيد منه شيئا دنيا/ يستحل به التفاضل. [5/ 353]
وقد خفف مالك في القطعة الذهب تجعل مع الجيد من المالين، ليعتدل الميزان يكون فيها ثمن أو سدس أو ثلث، إذا لم يعتدل بها فضل غيون التي معها. محمد: ما لم تكن القطعة رديئة. قال مالك: وإن كان فيها قدر الدينار لم يجز إلا أن يكون مثل المنفردة وأجود. وهذا كله في العتبية من سماع ابن القاسم. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا اتفق جودة التبرين في المراطلة، جاز أن يجعل مع أحدهما ديناراً أو دنانير ليعتدل، وإن كان أحد التبرين أجود فلا يجعل الدنانير مع الرديئة، وكذلك إن تراطلا دنانير بدنانير متفقة العين، فيجوز أن يجعل مع أحدهما تبرأ. وإن كان أحدهما أبخس فلا يجعل التبر مع الجيدة. وأما إن كان التبر في كفة والدنانير في كفة فلا بأس بذلك كان التبر أفضل من تبر العين أو مثلهما إذا كان تبرأ كله واحدا. وقاله أصبغ. ومن كتاب محمد: وإذا راطلته دراهم لك سوداً بدراهم له بيض، وللسود عليها فضل في عينها، لم يجز أن تجعل أنت مع السود فضة غير مسكوكة، مثل فضة البيض، ولا تأخذ في الاقتضاء من دنانير ديناراً وقطعة ذهب وفاه؛ ويجوز في المراطلة. وإذا كانت دراهم بيض في كفة، وفي كفة دراهم سود أفضل منها، معها فضة كفضة البيض لم يجز، لنقص السكة. ومن/ العتبية أشهب، عن مالك ومن كتاب محمد: قال مالك ولا بأس أن يراطله بالمثاقيل فيجعلها في كفة والذهب في كفة أخرى، فإذا اعتدلت أخذها صاحب الذهب الأخرى، وجعل ذهبه في تلك الكفة حتى يعتدل بالمثاقيل فيأخذها الآخر. وفي السؤال، وإنما تحروا العدل لئلا يكون عيب في الميزان. [5/ 354]
ومن العتبية ومن سماع ابن القاسم: وإذا ورثت المرأة مع إخوتها حلي ذهب؛ دملجين، أو سوارين أو خلخالين، وسألتهم أن ينظروا وزنه، وتعطيهم مثل وزن حصتهم منه دنانير فذلك جائز إن كان نقداً. وقال أشهب، عن مالك في قوم باعوا دواب بينهم بدراهم، وفيها الناقص والوازن، فاقتسموها عددا بلا وزن قال: أرجو أن لايكون بذلك بأس. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أعطي صرافا ديناراً قائما وأخذ منه ديناراً بحبة وقطعة ذهب فيها حبة عينا بعين فلا بأس به، وإن راطله ثلاثة قائمة ودينارا بخروبة بأربعة حبة حبة، فإن كان الذي يخروبته ليس في عينه نقص عن التي أخذ، وكان لو كان قائما كان له فضل على التي أخذ لو كانت قائمة، فذلك جائز. ومن الواضحة ولا يجوز مع المراطلة بيع شيء يراطله على أن يبيعه الآخر شيئا. وكذلك في بدل الطعامين اللذين لا يجوز التفاضل فيهما. وإن راطلك رجل ورقا بورق، لم يجز إلا أن يبتاع أحدهما ببعض الورق عرضا أو ذهبا. ومن/ كتاب محمد: وإن صرفت دراهم بدنانير من رجل ثم صرفت بها دراهم غير دراهمك منه بعد يومين، قال كرهه مالك، ووقف في أبعد من يومين. وقال ابن القاسم: لا بأس به إن طال الزمان. وقال أشهب: إن كان كعيون دراهمك جاز وإن لم يفترقا، كانت أقل منها أو أكثر، وإن أختلفت العيون لم يجز إلا أن يطول الزمان طولا يعلم أنهما لم يعملا لذلك. [أنظر قوله: إذا اختلفت العيون لم يجز، لعله يريد: إذا اختلف الورق أيضاً؛ لأنه أجاز مع اتفاق العين اختلاف الورق، فكذلك يجوز مع اتفاق الورق اختلاف العين لارتفاع التهمة لأنه أبدل جميعها لا يعضها] [5/ 355]
في مبادلة الصائغ وأهل بيت الضرب
قال ابن القاسم: ويجوز بدل دينار ودينارين وشبه ذلك بأوزن من ذلك من غير مراطلة، وأما العشرة وأكثر فلا خير فيه. ولا يجوز ذهب وفضة بذهب وفضة وإن اتفق الجنسان، ولا يجوز في تبادل الطعامين يداً بيد من جنس واحد أزيد كيلا. فأما الدنانير والدراهم، فيجوز بدل ناقصة بوازنة يداً بيد إذا استوى العدد، ولا يجوز إذا اختلف، فإن كانت الأجود أقل عدداً فهو حرام، وإن كانت الأجود أكثر عددا فإني أتقيه. قال: وكره ربيعة ومالك بدل دينار ناقص بأوزن منه وأجازه ابن القاسم، وابن عبد الحكم، وأشهب. محمد: ما لم يكن على الوزن. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ومن دفع إلى أخ له ذهباً، أو ورقاً ناقصة، أو طعاماً؛ ليبدل له ذلك بأجود منه، فيما كان من المعروف من غير إلزام فجائز يداً بيد، ولا بأس ببدل دينار بأنقص منه أو أوزن بغير مراطلة، ولا يجوز فيه التأخير وإن كان على وجه المعروف. قال مالك: ومن أبضع معه بدينار، / فلا بأس يبدله بأجود منه عيناً ووزنا. قال في العتبية: وبعلم صاحبه، وفي باب تبادل الطعامين بدل مد دقيق ومد حنطة بمثلهما، ونحو ذلك. في مبادلة الصائغ وأهل بيت الضرب من كتاب محمد: قال مالك فيمن يأتي بفضة إلى أهل بيت الضرب فيراطلهم بها بدراهم مضروبة ويعطيهم أجرتهم قال: لا أحبه وما يفعله أهل الورع. ونرجو أن يكون خفيفا لضرورة المسافر في احتباسه ولغير ذلك. [5/ 356]
قال في العتبية: ولخوفه وفي سماع ابن القاسم، وابن وهب: وقد كان يعمل به بدمشق، وتركه أحب إلي. قال سحنون عن ابن القاسم: هو للمضطر وذي الحاجة خفيف. قال عيسى: لا يعجبني. قال ابن المواز في رواية أشهب عن مالك: وإنما كان هذا حين كان الذهب لا تنقش والسكة واحدة، وأما اليوم فلا، قد صار في كل بلد سكة يضربون فيها، فليعطه جعله، ويضرب له ذهبه. قال ابن المواز: فلما اتسع الناس بالضرب وزالت الضرورة لم يجز ذلك. قال مالك: ولا خير في ذلك أيضا في الحلي إن تبادل الصائغ حليا بورقك وتعطيه أجره. قال في العتبية: ولم يره من الصرف. قال مالك: ولا يصلح أن يقول له إعمل لي بفضة عن عندك حتى أعطيك أو يأخذ منه دنانير سلفا يعملها له حلياً يجعل يعطيه إياه إلا أن يتفرقا بعد من السلف، ويصح / أنهما لم يعملا على ذلك. وقال في الواضحة: ولا يجوز أن تراطل الصانع دراهم بفضة على أن يصوغها لك بأجر، وهو كالذي وجدها مصوغة فراطله بها وأعطاه أجره، ولو بادله بها ولم يذكرا صياغة ثم دفعها إليه في المجلس لم يجز إلا بعد التفرق وبعد ذلك وصحته. قال: ولا بنبغي أن يعمل لك صائغ أو سكاك إلا فضتك أو ذهبك، وأما عمل أهل السكة في جمعهم لذهب الناس فإذا فرغت أعطوا كل واحد بقدر ذهبه قد عرفوا ما يخرج من ذلك فلا يجوز هذا. قاله من لقيت من أصحاب مالك. وقالوا: ولا يجوز إذا أصاب دنانير مضروبة، فليأخذها بوزنها ذهباً، ويعطيه أجره. وفي الدراهم مثل ذلك. وهذا أشد من الأول، ولا يجوز للمسافر ولا للمضطر ولا لغيره. قاله لي من لقيت من أصحاب مالك المدنيين والمصريين. [5/ 357]
فيمن وجد فيما راطل به رديئا
قال في كتاب ابن المواز: وإن أعطيته خمسين على أن يخرج من عنده خمسين ويعمل خلخالين ويأخذ أجره لم يجز، والخلجالان بينكما، وعليك نصف قيمة عمله لا نصف ما سميت له، ولا خير في مثل ذلك في تموين اللجام والسيف، إلا أن في هذا عليك مثل ما أسلفك، ولا يكون شريكا لك، وعليك قيمة إجازته، ولا يجوز أن يقرضك الحداد رطل حديد على أن يعمل لك به بدرهمين، وهو بيع وسلف. [قال أبو محمد وقد ذكرها ابن المواز في كتاب الكراء والإجارات مثل ذلك إلا أنه قال في مسألة الخلخالين. أعطاه خمسين درهما. وقال له اصنع لي خلخالين بمائة درهم حتى آتيك بالخمسين الأخرى. ثم ذكر الجواب سواء وجعلهما شريكين في السيف واللجام. قال أبو محمد: والفرق عندي بينهما أن الدراهم التي من سلف في الخلخالين لم يقتضهما مسلفها ولا أمر الصائغ أن يجعلها له في عرض له مثل لجام أو سيف أو يكون غزلا ففعله له في غزل يكون له عنده فيصبر هذا في القبض ويصبر عليه في رد ما استلفه ولم يحصل له في الدراهم قبضا ولا ما أشبه القبض. فمن أجل ذلك كانا شريكين وبالله التوفيق]. فيمن وجد فيما راطل به رديئاً من كتاب ابن المواز/ قال ابن القاسم: وإذا راطله تبرا بدنانير فأصاب فيها ديناراً ردياً، فإن كان كجودة الذهب فأرفع فلا رد له إلا في المغشوش فينتقص بمقداره. وقال أشهب في الدينار: له رده، إذا لم يرض ببيع ذهبه إلا بدينار جيد. ومن الواضحة: وإن راطله خلخالين فضة بدراهم، فوجد فيهما عيبا أو كسراً، فله ردهما، وكذلك إن وجد في الدراهم درهما لا يجوز، أو مكسوراً فلم يرضه، لا نفسخ ذلك كله، ولو راطله فيهما بفضة فلا يردها لكسر إذا أنفقت الفضة، ولو راطله دراهم بفضة أو بدراهم فوجد درهما قبيح العين أو مكسوراً فليس له [5/ 358]
فيمن اقتضى من المجموعة أزيد أو أنقص
رده. يريد في مراطلته بالفضة. قال: وإن وجده رديئا أو مغشوشاً فضته دون الفضة التي راطله بها فليرده ويرجع بما قابله من الفضة. فيمن اقتضى من المجموعة أزيد أو أنقص وكيف إن ودى للزيادة شيئا أو أخذ للنقصان أو يفعل ذلك في دينار لك ذا قضاء أو وازن من كتاب ابن المواز قال: ومن لك عليه ثلث دينار أو نصف أو ثلاثة أرباع، فهو كالمجموع، وكذلك إن كان لك دينار وكسر من بيع أو قرض فقضاك أكثر وزنا، ورددت عليه لذلك ورقا أو عرضا فهو جائر، ولا ترد إليه ذهبا، ويجوز أن تأخذ أنقص، وتأخذ ببقيته ما شئتما، وكذلك لو أخذت قراضات، ولا تأخذ من دينار لك ينقص قيراطاً ديناراً وازناً / وتؤدي شيئا ولا أنقص منه وتأخذ بعضاً؛ وإن لم تؤد ولا أخذت شيئا، فذلك جائز ما لم تكن عادة من السلف في أخذ الارجح، أو يكون والوازن أردأ عيبا لمن كان منهما، ولا تأخذ في دينار لك صحيح قطعا أقل وزنا أو أردأ، إلا أن تكون قطعة واحدة، فيجوز. قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قضاك دنانير مجموعة، قال في العتبية من بيع أو قرض، فرجحت، فله الأخذ بالرجحان ما شئتما، إلا الذهب. قاله مالك. قال ابن القاسم. قال مالك: ولا بأس أن يعطيه بها ورقاً أو عرضاً. قاله في الواضحة. قال في كتاب محمد: وإن نقصت، جاز أن تأخذ بالنقصان ما شئتما، أو تدعه في ذمته فتأخذ به عند القضاء ما شئتما. واختلف قول مالك في أخذه النقصان في مجلس القضاء، وأراه خوفا أن يتجاوز عنه في الصرف ليزده قال ابن القاسم: فإن صح فلا بأس به قال محمد: هذا خفيف لا تهمة فيه إلا أن يكون في الدنانير شيء يجاوزه في عينه، وأما بعد المجلس، فجائز ما لم يكن أخذه ذلك [5/ 359]
على ضمان أو طمع. وكذلك في العتبية نحو ما ذكر محمد عن مالك وابن القاسم. قال محمد: وكره مالك، في رواية أشهب أن يأخذ في الزيادة ورقاً كما كره الذهب. وقال: يقطع من الدينار وإن كان يكره القطع، فإن لم تجد بداً فاقطع منه قطعة. قال أشهب لا أحبه ولا أفسخه إن نزل، وأجازه ابن القاسم وأصحابه إلا في أخذ الذهب في رجحان الذهب فلا يجوز، كان / من بيع أو قرض. قال محمد: وهو في السلف أخف. وقد أجازه أشهب في السلف. قال ابن حبيب: لا بأس أن يأخذ في السلف بزيادة الذهب ذهباً، وبزيادة الورق ورقا، ولا يحمل على أنه أخذ الساعة ورقا بورق أعطاها منذ شهر، وبورق أعطاها الساعة لأن السلف من أهله يحمل محمل الصحة، ألا تراه يقبض فيه عند الأجل من الذهب ورقا؟ محمد: قال مالك: ومن ابتاع حنطة بدينار فوجد ديناره ناقصاً فلا ينبغي أن يرد من الطعام بنقصه، ولا يعطية ورقا ولا عرضا ولا فلوساً، وكذلك إن وجد أنقص مما شرط، وكذلك الدراهم. وإن باع بناقص نقصا معلوما لم يجز أخذ وازن ويرد شيئا من الأشياء، وكذلك ف الدرهم [ولو لم يقع البيع وإنما كانت مراوضة لجاز. قال: وكذلك في الدرهم] لا يعطى لزيادة، ولا يأخذ لنقص. وهذه المسألة من أولها. في العتبية من سماع ابن القاسم، وذكر في موضع آخر أنه لا يجوز أن يرد من الطعام لنقص الدينار إلا أن يكون على المراوضة، ولم يقع الوجوب، وقال في موضع آخر: إنه جائر. قلت: بعد الوجوب؟ قال: نعم كأنه حمله على المساومة، فرد ذلك محمد إلى المعنى الظاهر في المسألة أنه لا يجوز بعد التواجب. [5/ 360]
وذكر ابن حبيب أنه لا يجوز، وزاد في تفسيرها ما ذكرته في باب الأخذ من ثمن الطعام طعاما. قال ابن القاسم: وإن أقرضك درهما فيه نصف، فقضيته درهما نصفه قضاء، وتأخذ بنصفه تمراً لم يجز، وإن ابتعت منه بنصف درهم منها لم يشترط فرداً، فلك أن تعطي أكثر، وتأخذ / فضله أو أقل، وتقضيه بقيته، وكذلك بثلثين وبثلاثة أرباع. وكذلك إن زدت على الدرهم ربعا أو سدسا فهو كالدرهمين، وذلك مجموع ما لم يشترط الفراد. يريد ذكر الفراد عدداً. قال: ولو اشترط – يريد في البيع – مع ذكر الفراد الكيل، فجائز أن يقضيه في مثل الوزن أزيد عددا أو أقل، فإذا كانت مثل العدد أو أكثر، أقل من الوزن، فجائز أو مثل العدد فأقل أكثر من الوزن، فجائز، ما لم يكن أردى عيوباً، فإذا اجتمع فيما يؤخذ الجودتان؛ جودة العين وريادة الكيل والجودة وقلة العدد، فجائز. قال: وإذا باع بعدد، وشرط وازنة – يريد محمد: فرادا – أو شرط كل دينار ينقض [إنه ينقص] شيئا معلوماً، فلا يأخذ مثل الكيل جملة، ولو شرط عددا وكيلاً فليأخذ الكيل وإن خالف العدد، ومن شرط كيلا فلا يأخذ عدداً ومن شرط عدداً فلا يأخذ كيلا. قال: وإذا كانت له أفراد فلا بأس أن يأخذ مجموعة مثل عددها، زاد وزنها أو نقص. قال أصبغ عن ابن القاسم، فيمن اشترى باثنين وعشرين قيراط ذهب فأعطي ديناراً فيه أحد وعشرون، وأعطاه القيراط فاستقله، قال أصبغ: لا بأس به، إن ما دون دينار كالمجموع يأخذ ببعضه ذهبا وببعضه ورقا. وكذلك ما زاد على الدينار. [5/ 361]
في القائمة والمجموعة يقتضي بعضها من بعض أو تبرأ من مسكوك أو حليا من بيع أو قرض أو استهلاك
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية رواية أصبغ: قال أشهب: ومن ابتاع بثلثي دينار ونصف قيراط فدفع فيها ثلثا دينار وبالباقي ورقأ فجائز. محمد: وقاله ابن القاسم؛ لأن ما دون الدينار مجموع. في القائمة والمجموعة يقتضي بعضها من بعض أو تبرأ من مسكوك أو حلياً من بيع أو قرض أو استهلاك من كتاب ابن المواز، قال: ولا يأخذ مجموعة من فراد من بيع أو قرض إلا أن يتفق العدد، ويجوز أن تغطيه عشرة أنصاف، أو تسعة أنصاف من عشرة صحاح ليست بأجود عيناً، فإن زاد العدد حرم، ولا يجوز أخذك أحد عشر نصفاً أو ثلثاً، ولك أن تأخذ من عشرة أنصافاً عشرة صحاحا، ما لم تكن أردأ عيونا، ولم تكن عادة، ولا تأخذ تسعة وازنة، وإذا بعت أو أسلفت فراداً عدداً، ولم يعلم وزنها، فلا تأخذ فيها مجموعة، إلا أن يتفق العدد نقص الوازن أو زاد. ومن سلف عشرة مثاقيل، فكان يأخذها ديناراً ديناراً، فلا تعطيه مجموعة لاختلاف العدد. قال: والمجموعة ما جمع بالحديدة وإن عرف وزن كل دينار. قال أشهب: فإذا عرف، صارت مجموعة وفراداً، فإن قضاه فراداً جاز وإن قضاه مجموعة أو تبرأ جاز. قال مالك: ولا تأخذ في دينار قائم ناقصاً خروبة، وتأخذ لنقصه قراضة ذهب، ولا فضة، ولا سلعة. ومن لك عليه نصف دينار فرد، فبعث منه سلعة بعشرة مجموعة وقضاك عشرة ونصفاً مجموعة فلا خير فيه. ولو تسلفت ديناراً بحربان وقضيت به، فدخل فيه قطعتان أو دينار، وقطعة، فلا بأس بذلك، قال محمد: ومعنى أنه حربان/ غير مثقال معروف، ولو وزن بمثقال معروف لم يكن فيه خير. [5/ 362]
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم: ومن لك عليه دينار- يريد من سلف- فلا خير في أن يأخذ به منه نصفين إلا أن يكون للدينار حرمان عندك تأخذ به، ولا تأخذ به، ولا تأخذ ديناراً إلا قيراطا وقراضة، ولو كان لك عليه نصف دينار فأعطاك به نصف دينار قراضة فهو خفيف. ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، فيمن لك عليه دينار قائم فأعطاك دينارا ينقص خروبة بخروبة ذهب فيزتهما لك بدينار فإن كانا من عين واحدة فأرجو ولم يجزه مالك في كتاب ابن المواز. ومن سماع ابن القاسم: ومن اشترى بنصف دينار وثلث فدفع دينارا ينقص سدسا فلا بأس به. ومن باع بمائة دينار مثاقيل فرادا مجموعة، فلا بأس أن تأخذ بها أكثر عدداً ومثل كيلها. من سماع عيسى من ابن القاسم: ومن لك عليه ألف دينار [مجموعة، فلا بأس أن تأخذ منه ألف دينار]، إلا دينار قائمة. وكذلك كل ما لا شك أن وزنه من القائمة أكثر من كيل المجموعة وإن نقص العدد. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن لك عليه عشرة دنانير قائمة، فقضاك تسعة ونصفا ذهباً ونصف درهم لم يجز. وكذلك الدينار الواحد، إنما يجوز هذا في المجموعة. محمد: ولما اشترط قائمة فقد اشترط فرادا. ومن لك عليه دينار من قرض أو بيع، فلا يأخذ به ثلاث أثلاث، ولا نصفين، ولا دينارا ناقصا ومعه قراضة. وكذلك / من لك عليه درهم، ويجوز هذا في المراطلة. فأما مبادلة على غير وزن فلا لأنه لا ينفق. قاله ابن القاسم ويصير كمن دفع مثاقيل ناقصة أكثر عددا من فراد والأفراد في العدد كالدينار الواحد. [5/ 363]
قال ابن القاسم عن مالك: ومن أسلف دينارين بحبة حبة، فأخذ وازنا وناقصا حبتين حبتين فهو مكروه. مالك: وإن كان لك عليه نصف دينار بحبتين، فأخذت دينارا بحبة ليأخذ منه نصف الحبتين ويرد ما بقي، فهو مكروه. قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية، في هذه المسألة: إذا قال له انظر كم صرفه، فخذ منه نصف دينارك ورد إليه ما بقي فلا خير فيه. قال: ومن اشترى من صوف بعينه أربعة وعشرين رطلا بدينار قائم، فلم يجد إلا اثنين وعشرين رطلا [فأعطى دينارا ينقص قيراطين، فلا ينبغي، ولو وجد ستة عشر، أو عشرين رطلا]، فدفع دينارا فيه نصف أو ثلث أو ثلثان فجائز. وكذلك روى أبو زيد، في العتبية، عن ابن القاسم، قال محمد: هو كله خفيف؛ لأن المحاسبة وجبت بينهما إذا لم يكن فيه ما ذكر. ومن كتاب محمد: ومن لك عليه درهم من قرض أو استهلاك فقضاك فضة مثل فضته فجائز. وإن كانت أجود لم يجز، اتفق الوزن أو اختلف. وكذلك في الدينار في أخذك تبرأ أجود منه فلا يجوز، ولا يجوز أن تأخذ من التبر حليا ولا مشكوكا دون ذهبه. قال ابن القاسم: ومن استهلك لك درهما فقضاك درهما فيه أربع دوانق فجائز. وهذا / أحب إلي مما قال مالك في الدرهم الفرد وإن لم يعرف وزن الدرهم. وإذا أعطاك مثل جودته؛ فإن كان أقل أو أكثر أو يعطيك ما يعلم أنه أدنى وأقل وزناً، وقال أشهب: جائز صلحهما على درهم ما كانت؛ لأنهما لم يقصدا المخاطرة لجهلهما بالأول، قال محمد: وما ذلك ببعيد، ولا فيه تكايس. وقول ابن القاسم أحب إلينا. [5/ 364]
قال مالك: ولو استهلك لك درهمين مجموعين فقضاك وزن درهمين فضة [جاز إن لم يكن أجود فضة]، وإن كانا درهمين فرادا، لم يجز، إلا أن يعطيه من الفضة وزن كل درهم على حدته. قال ابن القاسم لأنه لابد له أن يزيد وزن المجموعة على الفراد وقاله مالك. ومن العتبية روى عيسى، وأبو زيد عن ابن القاسم فيمن أعطى عشرين درهما لصائغ يعمل له بها سوارين فمطله فاسترد الدراهم فقبض عشرة ووخره بعشرة شهراً فأخذ ثمانية وبالدرهمين تبرأ؛ فإن كان بعد أن وجب ذلك وتم حتى لا يرجع فيه لو أراد فذلك جائز، وإن كانت مراوضة فلا خير فيه. ومن ابتاع سلعة بمائة دينار قائمة وشرط في البيع أن يجمع له وزن مائة قائمة يدخل في ذلك ما دخل، فلا خير فيه، كما لا يجوز في القضاء، ويفسخ في البيع إلا أن يفوت فلا يفسخ. ومن العتبية، وقال ابن القاسم عن مالك: ومن باع سلعة بمائة دينار قائمة أو ناقصة نقصانا معروفا. قيراط أو نصف قيراط الدينار، ثم قال له المبتاع استعر دنانير مثل التى لك على أن لك بها / دنانير أخرى مخالفة لنقصانها فيدخله اختلاف في العدد؛ قال: لا. لا أحبه، ويدخله اختلاف في الوزن، وإنما تجوز المراطلة بحضور الذهبين. قال ابن حبيبت: ومن باع سلعة بمائة درهم عددا فلم يجد إلا نقصا، فسأله أن يعطيه إياها مراطلة بمائة وازنة فلا يجوز ذلك. وكذلك لو أعطاه فضة هكذا؛ لأنه باع منه بدراهم ليس لها وزن معروف، حتى يبيع بدراهم كيلا، فيجوز هذا. ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن نكح بدنانير، ثم أعطاها فيها سواري ذهب؟ قال في المختصر: لم يجز إلا مثلا بمثل، ويردهما ويأخذ الدنانير، وإن فاتا [5/ 365]
جامع ما يجوز في الاقتضاء من زيادة عدد أو وزن أو تعجيل أو تنجيم
فمثلهما، وإن كان كان بغير يعرف فقيمتهما، وإن أخذت قلادة فيها ذهب قليل مما يبتاع مثلها بذهب، فذلك جائز. جامع ما يجوز في الاقتضاء من زيادة عدد أو وزن أو تعجيل أو تنجيم أو خلاف لما عليه من عين أو طعام من كتاب محمد: ولم يجز ابن القاسم أن يأخذ في القرض زيادة العدد في طعام ولا في عين إلا مثل رجحان الميزان. قال مالك: ولو صح فهو ذريعة إلى الحرام، وأجاز أشهب أن يأخذ. يريد في المائة أزيد أردبا، وفي الدراهم زيادة درهم أو درهمين على غير موعد. وقاله ابن حبيب في كل شيء إن كانا من أهل الصحة، وكان عند القضاء أو بعد ولا يجوز قبل القضاء. وقال ابن القاسم: ولا يجوز في الاقتضاء في / الطعام إلا ما يجوز على البدل، ولم يجز أخذه محمولة أقل كيلا من سمراء له من بيع أو قرض، وأجازه أشهب في القرض ما لم يكن أنقى من السمراء. قال ابن القاسم: ولك أن تأخذ في القرض قبل الأجل سمراء من سمراء أجود جودة، أو محمولة من محمولة أجود جودة، ولا تأخذ أدنى، ولا تأخذ أحد الصنفين من الآخر حتى يحل الأجل. ومن لك عليه دينار من بيع أو قرض فعسر به، فنجمته عليه ثلاثة أنجم فلا يجوز ذلك، تعجلت دراهم أو ذهباً أو عرضا. يريد على أن يتعجل بثلث ما ذكر. قال محمد، إن تعجل] عرضا فهو بيع، وسلف، وفي الدراهم صرف وسلف. وفي الدنانير الزيادة في العدد ولو عجل له ثلاثة أثلاث، ولم يجز. وكذلك إلى أجل، وإنما يجوز في المجموعة. [5/ 366]
ومن العتبية وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك: ومن عليه لرجل ثلاثة أثلاث منجمة في كل شهر ثلث، فلا بأس أن يعطيه بذلك ديناراً قبل الأجل. يريد دينارا قائما. ومن لك عليه دينار- يريد حالا- فلا بأس أن تأخذ منه بالقيراط والقيراطين دراهم لأنه جزء معروف من الدينار. ومن كتاب محمد: ومن لك عليه دينار قد حل من بيع أو قرض فأخذت منه جزءاً ثلثاً أو ربعاً دراهم أو من دنانير كذلك وأبقيت ما بقي ذهبا لا صرف فيه ولا تنجيم، لجاز ما لم تأخذ بما يبقي ذهبا، وإن أخذت الجزء الأول ورقاً أو عرضا فلا يصلح. وأجاز أشهب أن تأخذ الجزء الآخر ذهباً / مثل ذهبك وورقك لا أقل ولا أكثر؛ لأنه الباقي لك. محمد: ولو كان ما أبقيت شيئا غير الذهب، ما جاز أخذ ما أخذت أولا. قال: ولو اختلفا فيما بقي لم يحكم له إلا بالورق. قال محمد: وقول أشهب أحب إلي لأن من باع بنصف دينار إلى أجل فإنما له ذهب ولا يقضى له إلا بالورق، ولا يجوز أخذك ورقا قبل الأجل. قال ابن القاسم: وأكره أن يأخذ الجزء الأول ذهبا وإن أخذت بعده ورقا أو عرضا أو ذهبا، وإنما يأخذ أولا عرضا أو ورقا. قال مالك: ومن لك عليه نصف دينار حالا، فلك أن تأخذ منه بجزء منه ورقا ويبقى باقيه ذهبا. قال ابن القاسم: ومن حل لك عليه ثلثا دينار لم يجز أن تنجمه عليه أنجماً. وكذلك من لك عليه قيراطان من ذهب. قال أصبغ: وخفف غيره التنجيم على الأجزاء. وروى أشهب عن مالك، فيمن له على رجل دينار من بيع أو قرض فنجمه عليه؛ في كل شهر جزء، أنه أجازه. وروي عنه أنه كرهه. وقال ابن عبد الحكم: [5/ 367]
فيمن لك عليه دينار فقضاك دارهم متفاوتة على غير صرف
كرهه، وإن نزل لم أفسخه. محمد: بل، يفسخ، وإنما يجوز عند ابن القاسم لو وقع به أصل البيع أن يقضي ثلثا كل شهر. وأجازه مالك في أصل البيع. ومن حل له على رجل نصف دينار من شيء ونصف دينار من شيء آخر، وجب له في الحكم أخذ دينار. فيمن لك عليه دينار فقضاك دراهم متفاوتة على غير صرف من العتبية من سماع أشهب قال مالك: ومن له قبل رجل دنانير، فكان/ يعطيه مرة خمسة دراهم، ومرة ثلاثة دراهم، ومرة أربعة، وقال اجمعها عندك، فإذا كملت صرفناها ثم أوفيتك. قال: لا ينبغي أن تكون على يديه، ولكن بيد عدل، إلا أن يختم عليها عند الطالب فيجوز. وروى أبو زيد عن ابن القاسم قال: إذا دفع إليه عشرة دراهم، ثم قال له الطالب كالغد: انظر كيف الصرف وقاصصني بالعشرة، وأعطني ما بقي. فهو جائز إن كان أنفق العشرة، قال: وإذا قبضها على وجه القضاء من غير صرف يريد أن يأخذ ما بقي ويحاسبه فلا خير فيه، ويرد الدراهم. قال: ولو فسخ الأمر بينهما حتى تصير الدراهم ديناً عليه جاز أن يصارفه مكانه ويحاسبه بها وإن لم يردها، هذا لو كان الفسخ قد ثبت بقضاء. [5/ 368]
باب في المناجزة في الصرف، وذكر التأخير فيه والموعد
باب في المناجزة في الصرف وذكر التأخير فيه والموعد أو قال له استورى وأنا أبدل لك الرديء ومن باع ما صرف قبل ينفذ ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع تبرا في المزايدة، فبلغ على رجل مائة درهم، فأوجبه له، ثم ذهب معه إلي الصراف ليوفيه ثم بدا له، قال هذا منتقض إذا لم ينقده مكانه، قال: وكذلك من اشترى حليا ثم تفرقا لليل غشا، أو لنقد ما يوزن. قال ابن القاسم عن مالك في الذين اشتروا قلادة من ذهب وفيها لؤلؤ على النقد فلم ينقدوا حتى فصلت، وتقاوموا اللؤلؤ / وباعوا الذهب، فلما وضعها أرادوا نقض البيع لتأخير النقد ولم يكن ذلك شرطا، قال: لا ينتقض ذلك. وقاله ابن القاسم؛ لأنه باع على النقد، ولم يرض بتأخيرهم، وهو مغلوب. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. وقال سحنون: إنها مسألة جيدة. ومن اشترى ألف درهم بدنانير فوزن الألف وأراد أن يزن ألفا أخرى قبل أن يدفع دنانير الأولى، فكرهه ابن القاسم إلا أن يقضيه كلما وزن له ألفا، وكذلك رواها أو زيد عنه، في العتبية. قال محمد: قال مالك ومن ابتاع ورقا بخمسة دنانير ونصف، فدفع ستة دنانير، وتفرقا قبل يقبض منه نصف دينار، قال: فلا ينبغي ذلك. وكره مالك أن يواعده في الصرف، يقول: احبس دراهمك حتى آتي أصرف منك، وإن لم يقاطعه وإن لقيه فقال اذهب بنا إلى السوق، لتقلب دراهمك وتزنها، وقد أخذتها كذا. فلا خير فيه؛ ولكن يسير معه على غير موعد. [5/ 369]
وذكر عن مالك، فيمن صرف منه دراهم بدنانير وقال اذهب فزنها ووازنها أنه خففه إن كان قريبا. وكذلك في العتبية من سماع أشهب: إذا قال له زنها عند هذا الصراف. وازنه إياها، أو قام إليه لذلك وخففه إن كان قريبا، وقال أيضا في سماع أشهب فيمن صرف ديناراً بدراهم من رجل، وقال له: إن وجدت رديئاً فرده فوجدها جيادا ً قال: أصل الصرف لا يصلح، وليردها كلها، / قال محمد: وكره مالك أن يصرف منه الدينار، فيأخذه ويدفع دراهم إلي إنسان يزنها له وهو واقف عند الصراف حتى يزنها له الآخر. ومن المجموعة: روى ابن نافع عن مالك فيمن له قبل رجل مائة دينار، فأخذ بها منه دراهم وقبض وقال له إني لا أبصرها، ولكن اسلفني مائة درهم، فإن كانت جيادا رددت المائة، وما وجدت من رديء أبدلته منها فكرهه، وقال: ليأت بمن ينتقد له. ومن كتاب محمد والعتبية: أشهب عن مالك: وإذا قال له الصراف في دراهم صارفه بها هي جياد. فأخذها بقوله، وهو لا يدري أجياد هي أم لا؟ فنهى عنه، قيل فأنا لا أبصرها، وأنت تكره أن أفارقه. قال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا). ومن كتاب محمد، قال مالك: وإذا راضاه ثم أرسل معه من ينتقد الذهب ويقبض الدراهم لم يعجبني، ولو أعطاه الذهب على غير صراف، فينتقد، ثم يصارفه. قال: لا يعجبني؛ لأنه على سومه الأول، إلا أن يكون على غير سوم. وكره مالك بيع الذهب على أن يذهب يقنه. ومن اشترى سوارين من ذهب بدراهم على أن يريهما لأهله فإن أعجبتهم وإلا رده، فخففه مالك وكرهه، وكراهيته أحب إلينا، إلا أن يأخذها على غير إيجاب، ولا على الشراء. [5/ 370]
في الوكالة في الصرف وصرفك أو بيعك مالك بيد من غصبك أو رهنته
وقال مالك في حلي أبيع في ميراث، فيشتري منه بعض الورثة، وحصته في الميراث أكثر منه، فلا يجوز ذلك إلا بالنقد كالأجنبي، إلا أن يحبس حصته من ثمن ذلك خاصة، وينقد ما بقي. ومن العتبية من سماع / أشهب من ابن القاسم، وذكرها ابن المواز عن ابن القاسم: وإن صرفت دراهم، ثم بعتها في مقامك قبل تقبضها، فذلك جائز إن قبضتها أنت، فدفعها إلي مبتاعها منك. فأما أن تأمر الصراف يدفعها إليه فلا خير فيه. قال في كتاب محمد: وإن لم يبرحا، بعتها بعرض أو بدينار، ولك بيعها من الصراف ببعض نقداً قبل أن تقبضها. وقال في العتبية أصبغ: بما يجوز بيعها به منه. ومن الواضحة ومن ابتاع حليا بدراهم فلا يقوم إلي صراف ليريه وينقده، فإن نزل ذلك فهو مردود، وليس في الصرف مشورة، وليس فيه حوالة وإن عجل قضاه. في الوكالة في الصراف وصرفك أو بيعك مالك بيد من غصبك أو رهنته أو أودعته أو أسلفته من كتاب محمد، قال: وإن صرفت ديناراً بعشرين درهما، فقبضت عشرة، وأمرته يدفع عشرة إلى رجل معك من ثمن سلعة فلا يعجبني حتى تقبض أنت. ابن القاسم: وكذلك في جميعها، قال أشهب: وإن لم تفارق حتى يقبضها المأمور فلا افسخ ذلك، وإن افترقا فسخ الصرف، ابتعت السلعة قبل الصرف أو بعده. [5/ 371]
فيما يظهر بعد الصرف من نقصان أو استحقاق، والتصديق في الصرف
قال ابن القاسم في الرجلين بينهما دراهم صرفاها بدينار، أو حلي أو تبر صرفاه بنقرة، فلا بأس أن يوكل أحدهما الآخر بقبض ذلك ويذهب عنه، ومن لك عليه دراهم حالة، فبعتها من رجل بدنانير نقدا قبل يقبضها؛ فإن انتقد مبتاعها منك وانتقدت أنت الدنانير مكانكما، وإلا لم يجز. قال أشهب: فإن افترق أحد منهم قبل ذلك نقض الصرف، وإذا لقيت من غصبك دينارا جاز لك أن تصرفه منه، وإن كان رهنا فصارفته فيه أو قضيته بعضه في الدين وصارفته بعضة لم يجز. قاله مالك. وكذلك في الوديعة. وقال عنه أشهب في الوديعة: إنه جائز وبرواية ابن القاسم أقول. وإن غصبك جارية ثم أخبرك بمكانها فلا بأس أن تبيعها منه وينقذك، ولو كان وديعة لم يجز. وقال سحنون: ولا يجوز في الغصب حتى يخير في تصمين القيمة. قال ابن القاسم: ومن لك عنده مائتا درهم وديعة فلقيك فأعطاك مائة وهضمت عنه مائة لم يجز حتى يعطيك من دراهمك. ومن العتبية، من سماع أشهب وذكرها محمد: وإن رهنت ديناراً في دراهم تسلفتها ثم صرفته منه كالغد فلا خير فيه؛ وليأخذ ديناراً ويؤد ما عليه. ومن كتاب محمد، ومن رهن ديناراً في دراهم ثم أتاه فصرفه منه فترك له حقه وأخذ ما بقي فأجازه مالك إن لم تكن عادة، ثم كرهه وإن لم تكن عادة. وفي آخر الكتاب باب دفع المأمور، فيه شيء من ذكر الوكالة في الصرف. فيما يظهر بعد الصرف من نقصان أو استحقاق، والتصديق في الصرف من كتاب محمد: ولا يجوز أن يصارفه بسوارين، على أن يصدقه في وزنهما وينقض البيع، وإن افترقا ووجدهما كذلك، فلابد أن ينقض، ولو وزنهما قبل [5/ 372]
التفرق فوجد نقصا فرضيه، أو زيادة فتركها الآخر، فذلك جائز/. قال أشهب: إذا افترقا على التصديق ثم وجد زيادة أو نقصانا وترك من له الفضل، فذلك جائز. قال: وكذلك الدرهم يجده رديئاً أو دون الوزن فيتجاوزه. قال محمد: إما الرديء، ويسير النقصان فجائز إن لم يفترقا، على أن يربى أو يزن. وكذلك لو طلبه بالبدل، فأرضاه على أن لا يبدل. ومن العتبية، قال سحنون: لا يجوز التصديق في الصرف، ولا في تبادل الطعامين. وقاله مالك في كتاب محمد. قال مالك: ومن وجد في الصرف نقصا فتجاوزه فذلك له، وقد قال: ليس ذلك له، وإن كان يسيرا قال قبل ذلك: أما في اليسير كالدانق ونحوه فذلك له وقال في النصف درهم في الدينار لا يجوز، قال: وكذلك لو صرفه لك وكبلك نقصا نصف درهم، فتجاوزته فلا يجوز. وقال أصبغ عن ابن القاسم: إن نقصت الألف درهم مثل الدرهم فهو خفيف، وأما في دراهم الدينار، فلا يجوز أن يتجاوز عن النقص وإن قل، وذلك فيما لا يكون من نقص الموازين واختلافها، وإن وجد نقصا في بعضها أو وجد رديئا فأراد الرجوع انتقص صرف دينار واحد. قال مالك فيمن باع ورقا بذهب فنسي بعضها عنده أو خلفه، لم يخرجه من المأثم إلا انتقاص الصرف. وكره مالك أن يصرف منه ثم يستودعه الدراهم التي قبض، وله أن يتجاوز النقص إن وجد بعضها ناقصا أو رديئاً. قال ابن القاسم: فإن أحب أن يبدل ويأخذ النقص فليس له ذلك، إلا أن يناقصه الصرف، قلت؛ كم ينتقص؟ قال صرف دينار، وإذا وجد في / الدنانير قبل يفارقه نقص دينار ثم افترقا على أن يأتيه به فإن ينتقص صرف دينار. [5/ 373]
قال محمد: إذا فارقه على معرفة بالنقصان، أو على أن يبدل ما وجد رديئا؛ فإنه ينتقص الجميع، قال: وإذا لم يجد معه من مائة دينار إلا خمسين انتقص الصرف كله، إلا أن يشاء أن يأخذ ما وجد منها، كمبتاع مائه قفيز لا يجد إلا خمسين، يريد ابن القاسم قبل التفرق، وافترقا على إبقاء الصرف فيما لم يجد معه قال أصبغ: ينتقص الصرف كله، وليس ما ناظره به ينتظر. وواجد النقص بعد التفرق من غير الصرف كالغيب، بخلاف الصرف الذي لا يتأخر، ومن صارفته فلم يكن معه تمام الدراهم فتركت له ما عجز قب التفرق أو حططته ما شئت فذلك جائز، وتأخذ بما عجز ما شئت نقدا. وهذا في العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: وإن وجد الدنانير القائمة ناقصة بعد التفرق، فتجاوزها فذلك جائز يريد نقصا في غير العدد. قال أشهب: إذا وجد في الدراهم نقصا أو رديئا فردها ثم صارف بها مكانه بعد أن أخذ دنانيره، فذلك جائز ما لم يكن فيه وأي، ولو رد الدراهم، ثم صارفه ولم يقبض منه الدنانير، فلا بأس بذلك. قال أصبغ: وله أن يؤخره بالدنانير وإن ثبت الفسخ؛ قال مالك: وله أن يأخذ به منه بعد ذلك قمحا يريد نقدا، ولو كان الدينار في منزله فقال له أعطيك به نقرة أو أبدل لك الدراهم فذلك جائز. يريد/ وقد تم الفسخ. وفي آخر باب من وجد رديئا ما يشبه هذا. من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن صرف دنانير بدراهم فذهب فوزنها عند آخر فتقصت فرجع إلى الصراف فاستراب ميزانه فذهب معه إلي حيث وزن كما ذكر، فوزن أيضا الصراف الدنانير هنالك فوجدها تنقص مثل نقص الدراهم، قال: إن كانت الدنانير مجموعة انتقص من الصرف بقدر ما نقصت هذه. هذه المسألة فيها نظر، ولا ينتقص من الصرف شيء لأن ما نقص [5/ 374]
فيمن وجد فيما صرف رديئا أو ظهر فيما قلب لغيره
من الذهب نقص حداه من الدراهم بذلك الميزان، فلم يبق لأحدهما عند الآخر شيء. محمد: قال ابن القاسم وإن صرف خلخالين فاستحقا بمحضر المتصارفين وحضور الخلخالين فربها مخير أن يجيز ذلك ويأخذ الثمن من المتعدي أو يرد، وقاله أشهب استحسانا، قال: والقياس الفسخ؛ لأنه صرف فيه خيار. قال محمد: ذلك جائز، ولم يكن البيع الأول ببيع. قال ابن القاسم: وإن غاب المتعدي، فالمستحق مخير البيع ويأخذ الثمن من المبتاع ثانية إن رضي له المبتاع بغرمه ثانية، وإلا أخذهما منه ربهما، إنما قال هذا محمد، لأن ليس على المشتري غرم الثمن ثانية إلا برضاه. فيمن وجد فيما صرف رديئا أو ظهر فيما قلب لغيره من كتاب محمد قال مالك: ومن صرف دنانير بدراهم ثم وجد درهما زائفا أو ناقصا فإنما ينتقص صرف دينار، وكذلك إن وجد دراهم رديئة مثل صرف دينار فأقل فلا ينتقص إلا/ دينار، فإن كانت أكثر من صرف دينار، انتقص صرف دينارين على هذا الحساب، وما فات من الجياد، رد مثلها، وإذا وجد رديئا بعد أن أنفق بقية الدراهم رد مثلها. قال ابن القاسم: ومن لك عليه ثمانية قراريط حالة فصارفته فيها بثمانية دراهم ثم وجد منها درهما رديئا فرددته فإنك ترجع بقيراط ذهب فقط، يأخذ فيه أقل من درهم أو أكثر ما بلغ يوم ترجع به عليه، وكذلك في درهمين لاينتقص غير قيراطين. وإن كان لك عليه عشرة دراهم فأخذت بها منه عشر خراريب ذهب قراضة، قراضة رديئة فينتقص صرف درهم وهذه المسألة من أولها رواها أبو زيد عن ابن القاسم، في العتبية. [5/ 375]
ومن كتاب محمد قال ابن القاسم وأشهب فيمن ابتاع طوقا من ذهب بألف درهم ثم وجد به عيبا فصالح البائع على دينار دفعه إليه أو دراهم، فذلك جائز. قال ابن القاسم: دراهم من سكة الثمن لايجوز على خلافها ولا على فضة، وقال أشهب: يجوز على دراهم من غير صنف دراهمه؛ لأنه إنما ابتاع منه الرد عليه بالعيب، وبيعهما الأول على الصحة. وقال سحنون: لا يجوز فيه الصلح. وإما رصينه أو رده كدينار رديء. ومن كتاب محمد، من العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم – ورواية محمد أتم – ومن صرف نقرة فضة بوزن أو جزاف بعشرة دنانير، قال في العتبية / سمى في الوزن لكل دينار شيئا أو لم يسم، ثم وجد في النقرة مسمار نحاس أقل من دينار فإنما ينتقص صرف دينار من أصغر الدنانير. من المجموعة قال: وكذلك إن كانت مقطعة انتقص أصغر ما لم يكن أصغر من حصة وزن المسمار، وإن كانت أصغر قطعة فيها أكثر من حصة المسمار وأزيد من النقرة الفضة إلى تمام ذلك، وإن كانت حصة المسمار أكثر من دينار انتقص من دينارين، وإن كانت قطعا فأصغر ما يقدر عليه ما لم ينقص عن صرف المسمار. وقال عيسى، في العتبية عن ابن القاسم: وإن كانت الدنانير قائمة والنقرة جزاف وقد وجد درهما نحاسا في النقرة؛ فإن كان وزنها مائة درهم فلينتقص صرف دينار، وإن كانت مجموعة انتقص منها أقلها وزنا ومن العتبية، ومن رواية أبي زيد عن ابن القاسم. ومن كتاب محمد: وإن ابتاع خلخالين أو سوارين من ذهب أو حليا كثيرا من ذهب بدراهم، فوجد في الخلخالين أو في السوارين: قال في العتبية من أسورة [5/ 376]
كثيرة بأحدهما عيبا؛ شقا أو كسرا أو في رؤسهما نحاس – قال في العتبية في رأس أحدهما- فليردهما جميعا، بخلاف النقرة التى لا يرد منها إلا ما وجد رديئا ولو وجد درهما في الثمن زائفا فرده، انتقص بيع الحلي كله، وإن كانوا أسورة كثيرة، أو خلاخل قال في كتاب محمد: ولو كان الذهب سبيكة أو قراضة لم ينتقص إلا حصة الدراهم/ من ذلك. من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم: وإن اشترى أزواج أسورة من ذهب بدراهم فوجد في زوج منها نحاسا فليرد الأسورة كلها ولو كانت مائة، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الخلاخل: لا ينتقص إلا صرف زوج منها إذا وجد بأحدهما عيبا، وذكر في روايته أنه اشتراها جزافا. قال في رواية عيسى: فإن فات بعضها رد ما بقي بالقيمة وروى عنه أبو زيد، فيمن اشترى ثوبا ودراهم بدينار، فوجد درهما زائفا فإنه ينتقص البيع والصرف وهذه في باب البيع والصرف مستقصاة. قال ابن حبيب كان ابن شهاب والليث، وابن وهب يجيزون البدل في الصرف. ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك فيمن واجر صرافا ينتقد له دنانير أو يزنها في بيع ميراث فوجد فيها رديئا، فلا يضمن إلا أن يغره من نفسه وفي موضع آخر لا يضمن وإن غر من نفسه وتحرم اجارته ويؤدب قال مالك وهذا معنى تضمينه قال ابن القاسم: وإن لم يغر فله أجره ولا يضمن، قال سحنون: الأول أصح. ومن العتبية سماع ابن القاسم: ومن ابتاع دراهم بمثقال ذهب فوجد رديئا فرده فأراد أن يعطيه به دينارا مضروبا فلا ينبغي حتى يفسخ ذلك ثم يأخذ منه ما راضاه عليه من مثقال ذهب أو دراهم. [5/ 377]
باب في الشرك والتولية في الصرف، وفي صرف بعض دنيار أو حلي
ومن كتاب محمد قال مالك: ومن لك عليه دينار قائم فأعطيته دينارا فوجده ناقصا فصرفه ثم أعلمك فقلت له/: أعطني هذه الدراهم، وخذ دينارك فذلك جائز إن لم يتأخر ذلك – يريد: ورصينا جميعا – فليرد مثله إن فات، ويأخذ ديناره القائم. قال: وإن صرفت دينارك بدراهم ثم عدت إليه فقلت له ألحقني بصرف الناس فقد بخستني فزادك درهما فذلك جائز، فإن وجدت الدرهم بعد ذلك زائفا فليرده وحده، ولا ينتقص الصرف، وإن وجد في الدراهم الأولى رديئا انتقص الصرف إن رددته؛ ولترد معه الدرهم الزائد قال في المدونة إذا استزاده بعد التفرق، فزاده درهما فألفاه رديئا، فليس عليه بدله. فلعل محمداً إنما أوجب بدله بقوله: بخستني من صرف الناس فألحقني بالصرف. فكأنه شيء أوجبه على نفسه بهذا القول. باب في الشرك والتولية في الصرف وفي صرف بعض دينار أو حلي ومن صرف دراهم مختلفة من كتاب محمد: ومن ابتاع دراهم بدنانير، فسأله رجل أن يشركه فينقد عنه لم يجز إلا أن ينقد حصته فقط قبل التفرق، ولو قال له قبل الشراء اشتر وأشركني وانقد عني لجاز على المعروف، وكذلك في الطعام المؤجل إنما يجوز قبل الشراء؛ ولو سأله أن يشركه ولم يذكر النقد فلما رضي سأله أن ينقد عنه لم يجز في الصرف والطعام إن كان الأول قد نقد، وإن لم يكن نقد فلا يجوز في الصرف، ولا ينقد إلا حصته، ويجوز في الطعام إن لم يكن يشترط في أصل الشركة، قال ابن القاسم ولا يجوز في طعام بعينه أن يشترك فيه قبل قبضه قبل أن / ينقد عنه، ولو تطوع بذلك بعد تمام الشركة جاز. ومن سأل رجلا سلف ذهب واشتركا في شراء دراهم بها فذلك جائز إلا أن يجيز نفع معونته، قال مالك: ولا يجوز بيع نصف دينار أو نصف نقرة من رجل [5/ 378]
في التصرف من رجلين، وصرف بعض دينار أو بعض نقرة أو بعض حلي
وإن قبض المشتري جميع ذلك، وكذلك في العتبية وقال فيها: لا يشرك رجلا في حلى اشتراه ودراهم، ويفترقا قبل القسمة، وإن انصرف له كله ولا يجوز حتى يقاسمه. ومن كتاب محمد: قال أشهب في شراء نصف خلخال بنصف وزنه: فإن سلم إليه جميع الخلخال فذلك جائز، وروى أشهب في نقرة عن مالك خلافه. قال ابن القاسم: لم يجزه مالك في ذلك ولا في دينار، قال مالك: ومن اشترى سوارين على أن فيهما أربعين درهما فوجد قبل التصرف زيادة أو نقصانا، فإن ترك الفضل من له الفضل، وإلا لم يجز صرف بعضها، وإن قبضها المبتاع، وكذلك بعض دينار. قال ابن القاسم في دراهم مختلطة سود وبيض وسعرهما مختلف فلا يجوز لرجل أن يشترى جميعها بعضها ببعض، بسعر واحد حتى يعلم ما فيها من كل صنف، وكذلك لو قال: أخذت السود على كذا، والبيض على كذا لم يصلح حتى يعرف ما في كل صنف، ولا يجوز بمعرفة صنف واحد لا جزافا ولا وزنا. في التصرف من رجلين وصرف بعض دينار أو بعض نقرة أو بعض حلي من كتاب محمد والعتبية أشهب قال مالك: ولا بأس بصرف دينار أو نقرة من رجلين، ولو غاب أحدهما قبل قبض الآخر فلا بأس به، قال ابن / القاسم وكذلك الحلي بخلاف بيع نصف دينار ونصف نقرة ومن عليه لرجلين لكل واحد منهما نصف دينار، جاز أن يعطيهما جميعا ديناراً. ومن كتاب محمد: ومن لك عليه نصف دينار ومن بيع أو قرض فصرفت من آخر نصف دينار ودفعت إليهما دينارا بيهما لم يجر، وكذلك لو أن لرجلين عليك [5/ 379]
ثلثي دينار لكل واحد ثلث دينار فدفع أحدهما إليك ثلث دينار دراهم ودفعت إليهما دينارا ليكون لهذا ثلثاه، ولهذا ثلثه لم يجز لأن كل واحد صرف منك ما لم بين به، وهو حول في الصرف، وكذلك لو قبض الدينار مصرف الثلث، وكذلك لو كان لأحدهما عليك نصف ولآخر ثلث فصرف منك صاحب الثلث سدس الدينار ودفعته إليه أو إليهما، ولم يجز، ولو صرفت ذلك الجزء منهما لجاز ذلك، قبضا الدينار أو قبض أحدهما. قال محمد: إذا اشتركا في دراهم بقية الدينار قبل الصرف. وكذلك لو أسلف أحدهما الآخر جزاه من الدراهم قبل دفعها، فأما بعد فلا يحل، وذكر العتبي هذه المسألة من أولها عن أصبغ عن ابن القاسم، وقال: لا يصلح حتى يكون القضاء فيه كله والبيع فيه كله بينهما. ومن كتاب محمد: ولو كانوا ثلاثة لكل واحد عليك ربع دينار صرفت من أحدهم ربعا ودفعت الدينار إليه أو إليهم قضاء، لم يجز، ولو صرفت من كل واحد قراطين جاز ذلك قبض من كان منهم. محمد: إذا تشاركوا في الدراهم التي تخارجوا قبل دفعها؛ فإما أن يشتري/ كل واحد قراطين، ولا حتى يشتركوا في الدراهم بدءا. قال ولو كان لك على رجلين ثلث ثلث أو ثلث ونصف، أو ربع، فدفعت إلى أحدهما بقية الدينار دراهم، وقبضت منه أو منهما دينارا مكانك فهذا جائز، كما لو أن لك على رجل نصف دينار فدفع إليك عن رجل دينارا، وكذلك ذكر أصبغ في العتبية عن ابن القاسم. قال محمد: يعجبنا قوله في أخذ الدينار من قابض الدراهم، وتحيله على صاحبه بثلث، وكذلك لو دفعت عرضا إلى دافع الدينار إليك في الثلث؛ لأن دافع الثلث يمكن أن يزيده ليضمن له عن الآخر الثلث الباقي فيدخله ضمان بجعل، ولا يجوز ضمان مع صرف ولا مع بيع، ولو ضمن دافع الدينار ما على [5/ 380]
صاحبه قبل ذلك ومن غير شرط جاز أن يدفع ديناراً ويأخذ بقيته مكانه؛ عرضا أو ورقا، وإن تأخر عليه على أنه ثلث دينار كما هو جاز ذلك، ومن لك عليه نصف دينار فأعطاك دينارا على أن تحيله على فلان بنصف لك فذلك جائز لأنك لم تأخذ منه ولم تعطه. قال محمد: كما لو جعلت النصف الباقي في سلعة، ولو كان في ذلك زيادة من قابض الدينار درهم واحد لم يجز أو قال: ونصفا قضاء عن فلان كان بينا أنه جائز، وكلام محمد يدل على أن صحح السؤال نصف قضاء لك عنى ونصف قضاء لك عن فلان. قال ابن القاسم: ولكن لو كان لك على فلان ثلث وعلى هذا نصف فدفعت أنت إلى هذا بالسدس ورقا أو عرضا وأحلت على فلان بالثلث، وأخذت / منه دينارا، لم يجز قال محمد: ويدخله في العروض أنه لم يرض الحوالة إلا بما زاده في العرض، ولو كان بينهما سلعة من قابض الدينار معجلة أو مؤخرة إلى أجل لجاز، وإنما أكره ذلك في الحول أن يكون معه شيء قال محمد: ولو دفع إليه أحدهما دينارا، وإنما عليه ثلث، وعلى صاحبه ثلث، وسكت عن الثلث الباقي ولم يشترط فيه شيئا، فهو خفيف إن صحت نياتهما. قلت وكيف إن علما أن لابد من دفع الثلث الآخر؛ إما دراهم أو سلعة؟ قال: لأنه لم يقع بيع وضمان، ولا صرف وضمان، ولا سلف وضمان، وقد لزم ضمان دافع الدينار قبل تقع مبايعة ولا صرف ولا ضمان زاده قابض الدينار في الصرف، أو في ثمن سلعة ما ضر ذلك؛ لأنه لو شاء ألا يزيده ولا يخرج مما لزمه من الضمان. قال مالك: وأن ابتعت من رجل ثوبا بنصف دينار ومن آخر ثوبا بثلث دينار فأعطيتهما دينارا فيه نصف وثلث فلا بأس بذلك. محمد: ولو دفع إليك دينارا وازنا وأخذ من صاحب الثلث بالسدس دراهم لم يجز وإن أخذ الدراهم منهما، ليكون السدس بينهما على ما أخرجا جار، ولو تسلف من هذا دراهم ومن الآخر دراهم، ودفع إليهما دينارا ليكون بينهما في دراهمهما لم يجز، وإن اشتركا في الدراهم قبل يقبضها ثم أسلفاه إياها جاز أخذهما. [5/ 381]
باب في بيع سلعة ودراهم بدينار نقدا أو مؤجلا، وكيف إن وجد رديئا؟
الدينار، وكانا بمنزلة رجلين اشتركا في دراهم ثم صرفا بها دينارا فذلك جائز، وإن لم يشتركا حتى دفع أحدهما دراهمه / في نصف دينار بعينه ودفع الآخر دراهم في نصف الآخر لم يجز، وقال مالك: ومن وهب نصف نقرة له فضة لرجل، وباع نصفها من آخر لم يجز وإن كانت الهبة والبيع معا، قال مالك: ولا بأس أن يصرف نقرة من شريك، فيهما. محمد: إن حضرت النقرة وإلا لم يجز وإن كانت عند المبتاع، ولا يجوز من غير الشريك وإن حضرت إلا بعرض، وأجاز ابن القاسم الشريك في النقرة أن يعطيه مثل نصف وزنها دراهم، وكذلك الحلي، وروى أشهب أن مالكا لم يجزه. وقال أشهب: ويجوز في الحلي أن يعطيه نصف وزنه ذهبا إن كان ذهبا وفضة في الفضة لضرر قسمته، ولا ضرر في قسمة النقرة وذكر في العتبية ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يعطي لشريكه في النقرة في نصفه دراهم، إن كان بالحصنرة يدا بيد. ومن العتبية عيسى عن ابن القاسم: وقال في دراهم لرجل سود ودراهم يزيدية مختلطة في كيس فصرفها منه كلها على اثنين وعشرين بدينار، وأحد الصنفين يسوى كذلك، والآخر يسوى ثلاثة وعشرين فلا خير فيه حتى يعرفا جميعا: كم فيها من هذه، وكم من هذه؟ ولو عرفا: كم في أحدهما ولم يعرفا كم في الأخرى لم يجز وقد ذكرت في البيوع. باب في بيع سلعة ودراهم بدينار نقدا أو مؤجلا وكيف إن وجد في الدراهم رديئا؟ من الواضحة: ومن باع عرضا ودراهم بدينار وذلك كله/ نقدا، فجائز؛ قلت الدراهم أو كثرت في الدينار الواحد. [5/ 382]
فأما إن كان فيه أجل فإنما يجوز أن تكون الدراهم قليلة درهمين أو ثلاثة، وإن يتأخر الدراهم والدينار، ويتعجل العرض، فلا يجوز. فيه من وقوع الأجل غير هذا، والعرض كبعض الدراهم لا يتأخر إذا عجلت، ولا يفارق الدراهم الدينار فيتأجل أحدهما. ومن ابتاع عرضا ودراهم بدينار أو بدنانير؛ فإن كانت الدراهم أقل من صرف دينار فذلك جائز وسبيله في تعجيل بعضه وتأخير بعضه مثل ما فسرت في الدنانير، وإن كانت الدراهم قد صرفت بدينار فهو مكروه لأنه بيع وصرف كرهه ربيعة ومالك وأكثر أصحابه، واستخفه بعضهم، ونحن نكرهه وليس بحرام بين. ومن كتاب ابن المواز: وأجاز مالك في النقد بيع سلعة بدينار إلا خمسة دراهم قال ابن القاسم: إنما جوزه في أقل الدينار، مثل أن يشتري بثلثي دينار أو بثلاث أرباع دينار سلعة فيدفع بقية الدينار دراهم، فإن كان الورق أكثر الدينار فقد كرهه مالك وغيره. قال مالك: ومن ابتاع ثوبا بدينار إلا درهما لم يجز تأخير الثوب وإن تناقدا إلا أن يتأخر لمثل خياطته، وحتى يبعث في أخذه وهو بعيبه فلا بأس به، وقد أختلف قوله مالك في تعجيل الدينار والدراهم وتأخير الثوب، وخفف في رواية أشهب/، وذكر عبدالله بن عبد الحكم أنه أجاز أن يشتري ثوبا بدينار إلا درهما. الدينار نقدا، والثوب والدراهم إلي أجل، قال ابن القاسم: كرهه بعد ذلك، وقال: إنما أرخص في صكوك الجار. قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم، فيمن ابتاع ثوبا بدينار إلا درهمين، فدفع الدينار، وتأخرت الدرهمان، فلا بأس بذلك. وروى عن ابن عبد الحكم أن لا بأس بشراء ثوب بدينار إلا ثلاثة دراهم إلى أجل. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: وإن عجل الثوب، وعجل الدينار وحده، وتأجلت الدراهم لم يجر، وإن عجل الثوب وتأخر الدينار [5/ 383]
والدراهم إلي أجل واحد جاز ذلك. قال: وإن كان بدينارين إلا درهما يتعجل الثوب وينقد دينارا ويبقى دينار إلا درهما إلى أجل أو يكون هو المعجل، فلا خير فيه، وكذلك ما كثر من دينارين وكانت إلا درهمين أو إلا ثلاثة، فلا يتأخر بعض الذهب، ولا يجوز أن يتعجل من الدراهم بقدر ما ينقد من الدنانير، لأن لما يتأخر من الفضة نصيبا في كل دينار. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن له قبل رجل طعام من قرض، فباعه بدينار إلا درهما فيعجل الدينار والدراهم؛ فإن حل ذلك جاز، وإلا لم يجز، وخفف ابن القاسم، وإن لم يحل وكذلك روى عنه أبو زيد، قال سحنون: قول مالك أصح. وفي كتاب محمد قال: وإن ابتاع مائة جلد كل جلد بدينار إلا ثلاثة دراهم، وذلك كله نقدا فذلك جائز. ومن كتاب محمد والعتبية أشهب عن مالك فيمن ابتاع خمسة عشر جلدا، / كل جلد بدينار إلا درهما إلي أجل ثم تحاسبا بعد البيع فصارت أربعة عشرة دينارا فلا خير في هذا البيع قال محمد: تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم في المؤجل. قال مالك: ولو قطعوا صرف الدراهم قبل العقد ووقعت الصفقة بدنانير معلومة جاز ذلك نقدا ومؤجلا. قال محمد: مثل أن يقولوا إن وقع بيننا بيع بدراهم فيتبعوها كذا وكذا بدينار، فهذا الجائز، وإلا لم يجز نقدا ولا إلى أجل، وهو صرف وبيع إلا في دراهم يسيرة، وقاله مالك في العتبية إذا كان ذلك قبل البيع، ومن كتاب محمد: ومن اكترى دارا أو دابة بدينارين إلا ثلثا فنقد دينارين، وأخذ ثلاثة دراهم في العقد، [5/ 384]
فكرهه مالك، ثم أجازه، وإجازته أحب إلينا، وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم أنه أجازه قال مالك: ومن اكترى دابة بنصف دينار أو بدينار ونصف فلا بأس أن يدفع دينارا ويأخذ من المكري نصفا دراهم، أو يدفع الراكب النصف دراهم إن كان الكراء على النقد أو شرطاه، وإلا لم يجز، وإن اكترى دابة بدينارين إلا ثلثا فدفع دينارين، وأخذ ثلثا دراهم، ثم أصيب الدابة ببعض الطريق فليرد الكري دينارين ويأخذ دراهمه، ثم يحاسبه بحصة ما ركب من حساب ما أكرى كعبد بيع بعشرة دنانير إلا ثلثا، فنقد عشرة، وأخذ ثلثا دراهم، ثم رد بعيب فيه، وقال مالك، فيمن ابتاع بنصف دينار قمحا، فدفع دينارا، وأخذ نصفا دراهم مكانه ومضى ليأتي بحمال فلا خير فيه، عقد على الصرف أو كان ذلك بعد التواجب. وكذلك إن كان ثوبا فتأخر قبض الثوب لم يجر، ولو تعجل دفع الدينار وتعجل الثوب والنصف الدينار الدراهم كان جائزا. قال مالك: وإذا ابتاع ثوبا بنصف دينار فنقد دينارا وتعجل الثوب والدراهم في نصف فذلك جائز، ولو تقابضا بما يجوز ثم وجد بالثوب عيبا أو درهما زائفا، وانتقض كل ما بينهما من بيع وصرف إن أحب الرد، وكذلك إن وجد قابض الدينار به عيبا فرده. قال محمد: إن وجد في الدراهم درهما رديئا لم ينتقض إلا صرف الدراهم إلا إن كان اشترى الدراهم والثوب في صفقة، وعلى ذلك الجواب الأول. ولو أخذ الثوب بأقل من دينار فدفع دينارين وأخذ الثوب والدراهم فوجد درهما رديئا فليرد الدراهم تمام صرف دينار ويرجع دينارا، وإن كان العيب بالثوب رده ورد معه تمام صرف دينار وأخذ ديناراً، وإن كان الثوب بأكثر من دينار بخروبة انتقض الجميع، وإن فات الثوب فلا يأخذ لعيبه قيمة، ولكن يرد قيمته ويرد معه بتمام صرف دينار واحد، ويأخذ دينارا واحدا، وإن كان قيمته أكثر من دينار انتقض الجميع فرد [5/ 385]
فيمن باع بدينار إلا ثمنا أو إلا درهما فتأخر ما يرد أو يعجل وتأخرت السلعة
قيمته مع الدراهم وأخذ ديناريه وهذا في فوته بقطع أو تلف. ولا تفيته حوالة سوق وليرده، وإن وجد درهما زائفا وقد تغير سوق الثوب وقيمته أكثر من دينار، فهذا يرد قيمته مع الدراهم، ويأخذ ديناريه، وإذا كان أحد الدينارين رديئا، فليردهما ويأخذ ثوبه كان أقل من دينار أو أكثر، ويأخذ دراهمه، وإن فات الثوب هاهنا بتغيير سوق رد قيمته مع الدراهم. وذكر ابن حبيب في هذه المسألة من أولها مثل ما ذكر محمد، إلا أنه قال: إذا وجد درهما رديئا وقد ابتاع سلعة ودراهم بدينارين، فليرد مع الدراهم الردئ تمام صرف دينار من الدراهم. قال: وإن كان فيها أكثر من صرف دينار على قول من يجيز بيعا وصرفا فليرد جميعها مع العرض ويأخذ دينارين، وإن كانت الدراهم اقل من صرف دينار ردها مع تمام دينار من العرض إن تبعض، وإن كان لا تبعض، رد جميعه، وانتقض ذلك كله. ومن كتاب محمد: ومن ابتاع ثوبا بدينار إلا درهمين نقدا ودفع الدينار وقبض الثوب والدرهمين ثم وجد درهما رديئا فقال مالك: يبدله، وليس بصرف واحتج بصكوك الجار. وقال عنه ابن وهب: ينتقض ذلك كله. وخالف بعض جلسائه، فلم يرد به بأسا. فيمن باع بدينار إلا ثمنا أو إلا درهما فتأخر ما يرد أو يعجل وتأخرت السلعة قال ابن القاسم، وأشهب: وإن ابتاع بدينار إلا ثمنا ودفع دينارا وأخر قبض الثمن فذلك جائز وإن كان بدينار إلا درهما وإلا درهمين فدفع الدينار وأخر الدرهم فأجاز هذا أشهب ولم يجزه ابن القاسم وهذا صواب. وقال مثله أشهب في كتبه أنه لا يجوز قال: ولعله إنما أجاز إلا قيراطا؟ وإلا قيراطين، فيوخر القيراط، فهذا جائز فأما الدراهم فلا يجوز عند مالك / وجميع أصحابه، وكذلك بدينار إلا درهما، الدينار والدرهم مؤخران، لم يختلفوا في إجازته، واختلف قول مالك في تعجيل الدينار والدرهم وتأخير الثوب فأجازه وكرهه، وكره أيضا ابن القاسم وابن وهب. [5/ 386]
باب بقية القول في البيع والصرف أو عرض وفضة بفضة أو فضة يذهب بذهب
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن باع سلعة بدينار إلا ثلثا على أن يدفع البائع إليه ثلثا إذا جاءه بالدينار فلا خير فيه، وليتبعه بثلثين ولا يشترط شيئا ثم يتفقان عند القضاء فإن تشاحا فليس عليه شرط، رجع ابن القاسم، فقال: ولا خير فيه بالنقد إلا أن يشترط دراهم معدودة. يريد: وبعده قبل التفرق ويريد في أول المسألة على أن يدفع إليه البائع دراهم وكره هذا الشرط. باب بقية القول في البيع والصرف أو عرض وفضة أو بفضة أو فضة وذهب بذهب والأخذ من الدين عين وعرض وصرف الدين من كتاب محمد: وخفف مالك أن يأخذ بالدرهم بنصفه من السقاط لحما، أو حاجة وبباقيه فضة. وكره أن يأخذ من الفضة أكثر من نصف وخففه في رواية أشهب، أن يأخذ منه بكسر لحما أو غيره، وبباقيه من الدراهم الصغار، قال أشهب: أما كل بلد تجري فيه الفلوس فلا خير فيه، وكره مالك أن يأخذ بالدرهم بنصفه فلوسا وبباقيته دراهم صغارا، وأجاز أن يأخذه ببقيته حنطة / [وقاله ابن القاسم، وأشهب في الوجهين، وكره مالك والليث أن بثلثي دينار حنطة]،فتدفع دينارا، وتأخذ. بالثلث قطعة ذهب منقوش. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم، فيمن عليه ثلثا درهم فدفع درهما وأخذ بثلث درهم فلا بأس به، وإن كان من قرض فلا يجوز، كما لا يجوز نقداً. وروى عنه أبو زيد، فيمن ابتاع بنصف درهم سلعة فدفع درهما فيه ثلثان، وأخذ بالدانق فلوسا، وقال: أكره أن أتكلم في هذا فأضيق على الناس وكأنه [5/ 387]
كرهه، قيل: فإن ابتاع بدرهم كيلا فدفع درهما ودانقا كيلا، وأخذ بالدانق فلوسا قال: هذا أيسر في الكراهية. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع ثوبا بدينار ودرهمين، نقد الدرهمين، وتأخر الدينار، فذلك جائز، وروى عن عيسى فيمن ابتاع سلعة بثلثي دينار من رجل ثم أتاه بعد ذلك فأسلف منه دراهم ثم قضاه في الجميع دينارا فجائز، لأنه يجوز في أصل البيع، ولو كان ثلثا الدينار يبرأ سلفا لم يجز لأنه ورق وذهب بذهب ومن سماع ابن القاسم: ومن اشترى من السقاط بالدانق والدانقين حتى يكثر فيكون درهمين وثلاثة، فيعطيه دراهم فلا بأس به، ودين الله يسر. ومن كتاب محمد: وإذا رهن عند السقاط سوار فضة فكان يأخذ الخبز والأفلس فصار له عشرون قيراط فلوس، فباع من السوارين بما عليه وبأرطال خبر مؤخرة، يأخذ كل يوم رطلين، لم يجز إلا أن يتعجل الخبز مكانه، قال محمد جائز أن يتأخر / بالخبز إن حضر السوار. قال ابن عبد الحكم، فيمن صرف ديناراً فبقي له ثلاثة دراهم فله أن يأخذ بها فلوسا مكانه قال عنه ابن وهب وإن بقى له نصف درهم فله أن يأخذ به حنطة مكانه. قال مالك: ومن صرف دينارا، فلم تعتدل الدراهم إلا بزيادة نصف درهم من عند رب الدينار، فلا خير فيه ومن له عليك نصف دينار، فقضيته دينارا؛ نصفه فضة ونصفه في سلعة إلي أجل فذلك جائز ما لم يكن النصف الأول دراهم سلفا ليس بنصف ذهب، وأما من ثمن سلعة فجائز إن حل أو كان حالا. قاله ابن القاسم، وإن لم يحل لم يجز، وهو بيع وسلف، وضع وتعجل، قال مالك، ومن لك عليه نصف دينار فلا تأخذ به دراهم، ولا يجوز أن تعطيه نصفا آخر دراهم وتأخذ دينارا، وإن دفعت إليه عرضا فجائز، وكرهه ابن القاسم، وهو أحب إلي؛ لأن تعجيل الحق سلف قارنه بيع، وأرى مالكا استخف لقلة ثمنه. [5/ 388]
في صلح الورثة الزوجة أو الشريك شريكه من عين وعرض وغيره على مال
ومن العتبية، ذكر أبو زيد عن ابن القاسم قول مالك هذا وقول ابن القاسم، وزاد عن مالك: وإن كان لك دينار أو نصف لم يحل فلا يجوز أن تأخذ دينارا وبالنصف دراهم، ولك أن تأخذ بالنصف سلعة، وليس هذا بيع وسلف إذا أعطاه دينارا بالنصف سلعة، فلا تأخذ منه ديناراً وتؤدي دراهم. قال ابن حبيب: قال مالك: ومن اشترى تور نحار بدرهمين ودانق، فأكره أن يعطي في الدانق فلوساً. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، فيمن يأخذ من السقاط/ بنصف دينار زيتا وبربع تمرا ً فيدفع ديناراً ويدع عنده الربع الثاني على غير شيء، فلا بأس به، وكذلك الدراهم. في صلح الورثة الزوجة أو الشريك شريكه من عين وعرض وغيره على مال من كتاب محمد: ومن هلك عن زوجة وولد وترك عينا وعرضا لم يجز أن يصالحها الولد على دنانير من عند نفسه، ولو ترك دنانير دينا وعروضا حاضرة فعجل لها من عنده حظها من الدنانير وتركت ما بقي لم يجز، وإن ترك ثمانين ديناراً عينا وديونا من طعام بيع، أو من عروض، أو من دنانير فأعطاها عشرة من الدنانير وتركت ما بقي، فقال ابن القاسم: ذلك جائز، إلا أن تكون العشرة من عنده فلا يجوز، وأجازه أشهب إن كانت مثل سكة الثمانين ووزنها، وإن خالفتها لم يجز، وإن كان الثمانون دينا وترك غيره أشياء حاضره وفي الذمم لم يجز صلحها على ذلك من عنده. [5/ 389]
في السيف المحلي يباع بذهب أو فضة
ولو كانت الثمانون جميع التركة جاز أن يعجل لها عشرة من عنده كانت الثمانون حاضره أو غائبة إذا كانت كسكة ما ترك في جودتها ووزنها. وإن افتصل شريكان على أن يعطي أحدهما الآخر دنانير وفي حانوتهما متاع ودنانير ودراهم وفلوس، قال مالك: لا خير فيه، وإذا كان في الشركة، أو في التركة دنانير ودراهم وفلوس ومتاع وطعام، وذلك كله حاضر، لم يجز صلح المرأة ولا الشريك على دنانير، إلا أن تكون ليس/ ثم دنانير غيرها، والدراهم يسيرة لا تكون صرف دنانير، إلا أن تكون ليس/ ثم دنانير غيرها، والدراهم يسيرة لا تكون صرف دينار. في السيف المحلى يباع بذهب أو فضة من الواضحة: وكل مفضض من الخواتم والمناطق والمصاحف الأسلحة فهو كالسيف، وإن كانت فضته تبعا لثمن الجميع بيع بفضة نقدا [وإن لم يكن بيع بذهب نقدا ويجوز بعرض نقدا] ومؤجلا، وكذلك كل ما فيه الذهب مركب من حلي النساء من التاج والقرقف والنقارس، والسوادر، والخواتم، والأدلة يباع ما ذهبه تبع بذهب نقداً، وما ليس بتبع بيع بفضة نقدا أو بعرض نقداً، أو مؤجلا، وما كان ذهبا مع جوهر مجتمعا فانتظم من العقود والأقرطة والقلائد فلا يباع بذهب، كان تبعا أو غير تبع، ويباع بالورق نقداً، وإن كان في الحلي المركب ذهب وفضة هما تبع لما هما فيه فلك بيعه بذهب أو بورق نقداً، فإن لم يكن تبعا لم يبع بشيء منهما نقدا ولا مؤخرا، وإن كان أحدهما تبعا والآخر أكثر من التبع فليبع بالتي هي تبع نقداً، ولا يباع بالأخرى بحال، ويباع ذلك كله بعرض نقدا وأجلا، وإن كان في حلي الرجال ذهب وفضة، فلا يباع بذهب وإن كان تبعا، ويباع بفضة إن كانت تبعا، وإن جازت التبع، لم يبتع بعضه بحال، ولكن بالعرض كما قلنا. [5/ 390]
باب في بيع تراب المعدن أو تراب الصاغة، وفي بيع المعدن
وما فضض من قدح أو سكين ومذهنة وصحفة وسرح ولجام فلا يباع بفضة وإن قلت، وكذلك الخرزة والخازرة، إلا مالا بال له كحلقة في قدح أو صحفة أو يسير من الفضة في أطراف / السرج واللجام، فقد استخف لمتخذه، وخفف بيعه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وما حلي به السيف والخاتم والمصحف من الذهب؛ فإن كان قدر الثلث فأقل فلك بيعه بدنانير، وكذلك ما حلي بفضة يباع بالفضة على هذا، لا تأخير في ذلك. قال أشهب: إن نزل بتأخير لم يفسخ، وهو كالعرض، وما حلي بذهب وفضة، قال ابن القاسم، عن مالك: فليبع بأقلها إن كان الثلث فدون، يدا بيد، وإن تقاربا بيع بالعرض أو الفلوس. ثم رجع مالك، فقال: لا يباع بذهب ولا بورق على حال. وبهذا أخذ ابن القاسم، وبالأول أخذ ابن عبد الحكم. وكره مالك بيع السكين في نصلها فضة يسيرة، أن تباع بفضة. وقال ابن القاسم، في حلية السيف وهي تبع إذا نقضت، فلا تباع معه بفضة. ومن العتبية، ومن سماع ابن القاسم من مالك: وكره أن يجعل في فضة خاتمه مسمار ذهب، أو يخلط بفضته حبة أو حبتا ذهب تصدأ. باب في بيع تراب المعدن أو تراب الصاغة وفي بيع المعدن من الواضحة وإنما يباع تراب المعدن، بخلافه من ذهب وفضة، وإن بيع تراب الذهب بالذهب أو تراب الفضة بالفضة رد، فإن فات واستخرج فهو [5/ 391]
في بيع الفلوس وقرضها وصرفها وبيع الدراهم أو الفضة جزافا أو بوزن لا يعرف
للمبتاع، وعليه قيمة التراب. ولا يجوز بيع رماد الصاغة بشيء، فإن نزل وفات واستخرج، رد ما خرج منه إلى البائع وذا أجره. هذا بخلاف تراب المعدن. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في البيوت المبنية في المعادن، والدكاكين يبتاع ذلك الردل ليهدمه ليصفي ما فيه؛ فهذا غرر بخلاف ترابه لأنه يرى ويميز ويكال ويحرض فيعرف قدره أو قيمته، والدكان لا يقلب ولا يرى، وإنما هو شيء يرجى، ولا بأس بقسم تراب المعدن كيلا. ولا يجوز بيع أصل المعدن، وهو غرر لا منتهى له، وإذا مات أقطع لغيره قال أشهب: وكذلك إن ضعف عنه، وهو كثيرا الماشية وذكر عن ربيعة فيه شيء. في بيع الفلوس وقرضها وصرفها وبيع الدراهم أو الفضة جزافا أو بوزن لا يعرف أو عدد أو بالبيع بالرديء وقطع الدراهم من كتاب محمد قال مالك في الفلوس والتهامي من الرصاص في بيعها بالعين إلي أجل: لم يبلغني تحريمه عن أحد، وليس بحرام، وتركه أحب إلي. قال أشهب: وكرهه الليث. قال أشهب: ويفسخ إن نزل إلا أن تفوت الفلوس بحوالة سوق أو بمطل. واتفق ابن القاسم، وأشهب، أنه يبدل الرديئة منها في الصرف بعد التفرق. قال ابن القاسم: من اشترى رطل دراهم بدينار فجائز إن كان معروفا. قال عنه عيسى، في العتبية: إن كان معروفا، كم فيه من الدراهم الجارية؟ ولا يجوز بيع رطل فلوس. قال محمد: قال أشهب في الفلوس البصرية بفلوسنا هذه: اثنين بواحد، إن ذلك جائز. [5/ 392]
ومن تسلف نصف دينار فلوس أو نصف درهم فلوس إلى أجل/، فليرد عدة الفلوس التي أخذ، وإن شرط ترتيب نصف دينار عليه أو نصف درهم فسخ ذلك، ورد فلوسا قبل الأجل؛ وإن لم يشترط ذلك، بقيت إلي أجلها، ولا بأس ببيع فضة جزافا نقارا أو حليا بدنانير بوزن أو عدد، ولا يجوز في المسكوك الجزاف، وإن اشترى بها عددا إن كان وزنها معروفا لا يكاد يخلف. قال في المختصر: ولا خير في أن تباع الدراهم المعدودة جزافا، ويجوز بيع الحلي المحشو بالذهب جزافا ما لم يعلم البائع وزنه فيكتمه. ومن العتبية أشهب، عن مالك، فيمن ابتاع بعشرين درهما عددا، وهي تختلف من عريض خفيف، وصغير ثقيل، قال: لا خير فيه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم مثله إن كان لا يختلف وزنها وإلا فلا خير فيه. قال: ولو كانت ببلد لا ميزان فيه فلا تباع عدداً. قال ابن نافع: كره مالك أن يعطى دينارا أو دراهم في فلوس إلى أجل إذا كانت سكة جائزة بالبلد، وذلك عندي جائز، وهي كالعرض وكنحاس لم يضرب: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: لا يجوز مراطلة الفلوس بالدراهم. ومن سماع ابن القاسم: كره مالك للرجل أن يشتري بالدرهم، يقول كله، وأعطني بما فيه، وما لكراهيته وجه، ولا بأس به عندي، قال أبو زيد عن ابن القاسم، في القراريط التي لا يتبايع بها الناس أربعة وعشرون قيراطا بدينار، فكرهه مالك، ولا أرى به بأسا. ومن سماع ابن القاسم: ومن قدم بلدا يجوز فيه الدراهم النقص، فلا يقطع/ دراهمه، ويكره له ذلك. وكره مالك أن تقطع الدنانير المقطوعة. [5/ 393]
فيمن باع بجزء من دينار أو بجزء من درهم أو باع بدراهم من صرف كذا
قال أصبغ قال ابن القاسم: كل ما ليس يسمى درهما فلا باس أن يقطع منه. قال ابن القاسم، عن مالك: ولا بأس أن يقطع الرجل الدنانير والدراهم حليا لنسائه. وقال ابن وهب مثله. ومن كتاب ابن المواز: وقال – يعني مالكا- في جواز الذهب: أما كل بلد مثل ملكة يجوز بها كل شيء، فلا بأس، وأما غيرها فلا أحب ذلك حتى يبين. فيمن باع بجزء من دينار أو بجزء من درهم أو باع بدراهم من صرف كذا ومن تسلف نصف دينار ماذا يرد؟ ومن لزمه نصف ونصف أو أثلاث ما الذي يقضى به في ذلك كله؟ من كتاب محمد قال: لا يجوز أن يبيع بنصف دينار بصرف يوم القضاء، وليبيع بنصف دينار، أو بدراهم مسماة. ومن كتاب محمد، ومن العتبية، من سماع أشهب من مالك: ومن عليه صك بعشرة دراهم من صرف عشرين بدينار أو خمسة دراهم من صرف عشرة بدينار فإنما يقضى أن له بنصف دينار ما بلغ من صرف يوم القضاء إن كانت من بيع، وإن كانت دراهم من قرض فليس عليه إلا ما قبض. ولو قال في البيع بكذا وكذا درهم ولم يسم من صرف كذا، ولو سمى من صرف كذا، كان جزءاً من الدينار على ما سمى بصرف يوم القضاء. وكذلك روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، وفي العتبية، في البيع مثل ما ذكر فيه، وقال: ولو قال بنصف دينار من صرف عشرين بدينار. فإنما عليه عشرة دراهم. [5/ 394]
ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: ومن اشترى بعشرين قيراطا من ذهب لم يقض عليه إلا بالدراهم بصرف يوم يقضيه، إلا أن يشتري بدينار إلا قيرطا وإلا قيراطين فعله دينار، وأما بدينار إلا ربعاً فبالدراهم يقضى. ومن اتباع بدانق أو بربع درهم أو بثلث قضي عليه بالفلوس في بلد الفلوس، وإلا فيما يجوز بينهم فيه من حنطة أو غيرها إلا أن يكون بها الأرباع والأنصاف والقطع. قال مالك: ومن ابتاع بدينار وربع فدفع دينارا، وبقي الربع فدفع فيه تبرا ذهبا فهو جائز إن رضي الطالب بمائة، إنما لزمه دراهم. وكذلك في العتبية، من سماع أشهب من أولها، وقال: إن كانت عندهم دنانير صغار أثلاثا وأرباعا وإلا قضي بالدراهم إلا أن يتفقا على التبر من الذهب. ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن باع من رجل بنصف دينار إلي أجل ثم باع منه بنصف آخر إلي ذلك الأجل، قضى عليه بدينار ولا يجوز أن يشترط ذلك عليه في البيعة الثانية. قال ابن القاسم في العتبية: ويجبر المبتاع على أن يؤدي ديناراً قائما بقدر وزنه. محمد: ابن القاسم: ولو اجتمع عليه ستة أسداس من كذا، قضى عليه بدينار، وإن أعسر به فلا ينجمه عليه كسورا، فلا ينجمه عليه كسورا، وليتركه دينارا، ويأخذ منه ما وجد أو يثبت عليه دينارا يأخذه به إذا كان قد حل كله قبل يجمعه عليه، فأما أن يضم ما حل مع ما لم يحل/، فيجعله دينارا إلى وقت واحد، فلا يجوز. قال مالك: وإن باع منه ثوبا بثلثي دينار إلى شهر، ثم باع منه ثوبا آخر بثلثي دينار إلى شهرين، فوخره في محل الأول ليأخذ عند آخر الأجلين دينارا وثلثا فلا يجوز له تعجيل ما عليه في الأجل الأول إن شاء. وقاله مالك في الذي عليه ثلاثة أثلاث بآجال مختلفة محلها، فذلك جائز. [5/ 395]
في المأمور أو الوكيل يدفع ذهبا عن ورق أو ورقا عن ذهب
قال ابن القاسم: ومن تسلف نصف دينار من رجل فأعطاه دينارا، فقال: صرفه وخذ نصفه، وجئني بنصفه فأحسب أن لا يلزمه إلا مثل ما أخذ من الدراهم، وإذا قال له: خذ هذا الدينار فخذ نصفه وجئني بنصفه لزمه نصف عينا. وروى أبو زيد عنه في العتبية في المسألة الأولى، أنه يلزمه نصف دينار عين. وقال في كتاب ابن المواز أن أبا زيد قال: لا يعجبني قوله، ولا يكون عليه إلا مثل ما أخذ لأنه لو تلف الدينار لم يلزمه في شيء. لقوله: صرفه. فلم يعطه إلا بعض الصرف. في المأمور أو الوكيل يدفع ذهبا عن ورق أو ورقا عن ذهب، أو لآخر أمره بالصرف والغريم يؤكلك على الصرف من كتاب محمد قال مالك: من أمرته أن يقضي عنك نصف دينار فدفع دراهم فإنه مخير أن يقضيه كما دفع، أو نصف دينار يعطيه الأول، إلا أن يكون دفع دينارا فصرفه المحال، فليرجع بنصف دينار ما بلغ. ثم رجع فقال: بل يعطيه دراهم كما دفع. وإلي هذا رجع ابن القاسم بعد أن اختلف قوله أيضا. وإن دفع طعاما، قال مالك: فلا يعطيه إلا ثمن ذلك الطعام دراهم، قال ابن القاسم: بل عليه نصف دينار ما بلغ. وكذلك روى ابن وهب عن مالك. قال ابن القاسم: وإن أمرته يدفع عنك دينارا، فدفع دراهم فليس له عليك إلا دينار. محمد: بخلاف النصف والقراريط. قال أصبغ: لأنه لا يحكم في النصف والقراريط إلا بدراهم. [5/ 396]
قال ابن القاسم: ولو أمرته يقضي عنك قراريط ذهب فدفع دراهم فيمثلها يرجع عليك. قال أصبغ: وقد أختلف قول ابن القاسم في الدينار يأمره بدفعه عنه فقضى، فقال: الآمر مخير. ثم قال: ليس له ولا عليه إلا الدينار، لأن ما فعل المأمور مع الآخر لم يكن له أن يمنعه منه من مصارفته ومبايعته. ولا يبالي كان سلفا من الآمر أو قضاء لدين عليه، وإن كان سلفا من الآمر للقابض فلا يرجع عليه إلا بدينار. لم يختلف في هذا قول ابن القاسم، واختلف فيه قول مالك. وبقول ابن القاسم قال أصبغ: وكذلك روى عنه أبو زيد، أنه يرجع بدينار، وكذلك يؤدي إلي الآمر، واختلف قول مالك فيه ثلاث مرات، وإلى هذا رجع، وبه أخذ ابن القاسم. قال ابن القاسم: وأما إن أمرت وكيلك بدفع دينار لمن استقرضه منك، فدفع إليه دراهم من ماله فلا ترجع عليه إلا بدراهم لأن وكيلك بمنزلتك، وبخلاف المأمور، إلا أن يعدم المتسلف فتكون أنت بالخيار على وكيلك إن شئت، / وادفع إليه دينارا وخذ منه دراهم مثل ما دفع من ماله تعدياً، وإن شئت فسلم. قال أصبغ: وذلك إذا لم يكن الآمر علم بما دفع وكيله، فرضي. وذكر في العتبية، من سماع ابن القاسم قول مالك الذي تقدم في المأمور أن يدفع نصف دينار يدفع دراهم، قال: وإنما الاختلاف إذا أمره أن يدفع دينارا فيدفع دراهم، فإما أن يدفع إليه في النصف دينارا فصرفه فله نصف دينار ما بلغ. ومن كتاب محمد: ومن له عليك دنانير لم يجز أن تعطيه دراهم ليصرفها ويستوفي. محمد: وليرد الدنانير أو مثلها، ويأخذ دراهمه إلا أن تقوم بينة حضروا، صرفها عن الدافع، واستوفى، ولم يصرف من نفسه. قال ابن القاسم، عن مالك: ومن له عليك نصف دينار فأعطيته دينارا وقلت له: صرفه، واستوف، وجئني بنصفه. فكرهه مالك ثم أجازه، وبإجازته أخذ ابن القاسم، ولو كان عليه دراهم، لم يجز. [5/ 397]
في الدعوى في الصرف والتعدي فيه، ومن دفع الى غيريمه دينارين ليأخذ أحدهما فضاعا
وذكر في العتبية، عن مالك من أولها. قال: وهذا في الدينار، فأما فيما كثر فلا خير فيه. وبه قال ابن القاسم، وإن دفع إليك رجل دنانير، وآخر دراهم للصرف، فصرفت من هذا لهذا، فأجازه مالك. وكرهه ابن القاسم حتى يحضر أحدهما. وخففه محمد. وذكر أبو زيد، عن ابن القاسم في العتبية، ما ذكر عنه محمد. وقال مالك في سماع أشهب: من وكل على صرف دراهمه فعرضها وصرفها لنفسه ثم غنم ربها، فلا خير فيه، أرأيت إن لم يرض؟ وكأنه صرف فيه خيار. ومن ابتاع ثوبا بنصف دينار فأحال به على غريمه فدفع فيه دراهم ثم رد الثوب بعيب فليرجع المبتاع على البائع بنصف دينار. رواه أبو زيد، عن ابن القاسم. وكذلك في رواية عيسى. قال محمد: وقاله أصبغ، قال فيه ضعف. في الدعوى في الصرف والتعدي فيه ومن دفع إلي غريمه دينارين ليأخذ أحدهما فضاعا ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن لك قبله ذهب، فأخذت منه دراهم مقطعة فادعيت أنك صارفته فيها، وقال هو: بل تركتها بيدك حتى أصارفك فأنت مصدق إن جئت بما يشبه من الصرف، وإن جئت بما لا يشبه حلف الآخر يريد: ويصدق. وقال ابن القاسم: القول قول الدافع الدراهم مع يمينه، ثم يتصارفان الآن إن أحبا، فإن نكل حلفت أنت وصدقك. وبه يأخذ سحنون. من كتاب محمد: وإن صرفت دنانير عندك وديعة – يريد: لربها لا لنفسك – بغير أمره، لم يجز، وتباع الدراهم بدينار فيما زاد لربها، وما نقص فعليك. [5/ 398]
باب في ذكر الربا والكسب ومعاملة من خبث ماله
ومن كسر لك سواري ذهب، فلزمته القيمة فلك تأخيره بها. قال محمد: بل يترك الحكم حتى يوجد ما يؤخذ منه. ومن لك قبله دينار فأعطاك دينارين لتزنهما وتأخذ أحدهما، فضاعا أو أحدهما، فذلك منكما، وإن كان لك نصف دينار فأعطاك دينارا، فقال لك: خذ نصفا وجئني بنصفه. فضاع، فهو منكما. قال: ولو أن لك قبله دراهم فأعطاك دينارا، فقال: اذهب/ فزنه فضاع، فهو من المقتضي. قال محمد: لا يعجبنا هذا، وإذا كان لك نصف دينار فدفع إليك دينارا فقال: صرفه وخذ نصفك. فهو من الدافع، وإن لم يقل: صرفه. قال خذ نصفه، وجئني بنصفي. فهو منكما. من سماع أصبغ، من العتبية، ومن اقتضى دينارا من رجل فقطعه فوجده رديئا فليرد مثله ويرجع بديناره. باب في ذكر الربا والكسب ومعاملة من خبث ماله من كتاب محمد: وقال ملك في قول الله عز وجر: (وذروا ما بقي من الربا) قال: ذلك في أهل الإسلام، يقول: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) ومن الواضحة قال قتادة. هي فيمن أسلم وبقي له دين بربى، فله رأس ماله، وما قبضوا قبل الإسلام حل لهم، قال الحسن: من باع في الإسلام بيع ربى فله رأس ماله فقط قال ابن حبيب: هذا إن فات ولا يقدر على رده، وما لم يفت فليس فيه إلا الفسخ. قاله مالك وأصحابه. ومن في يديه ربا لا يقدر على رده، ولا يعرف مبايعة، فليتصدق به عنه، قال الحسن: إن أسقيت ماء من صراف فلا تشربه. قال ابن حبيب: لأن الغالب عليه عمل الربى. قال أصبغ: وكره أن يستظل بظله. [5/ 399]
ومن كتاب محمد: وكره مالك الصرف من صيرفي يعمل بالحلال والحرام فيختلط ذلك، وكره لم يكري أرضه بالطعام الشراء من ذلك الطعام، وكره الشراء ممن يسلم بغير صفة، إلى غير أجل، وقال: ولا ينبغي أن يكون الربا بين العبد وسيده، ولا أن يشتري منه شاة أصابها السبع بشاة حية سليمة. وكره مال الصرف من الجار وإن كان نصرانيا، وقال الصرف من الباعة أحب يتفقهوا في الدين. قال مطرف وابن الماجشون: يعني من لا يعرف تحريم الربا وكراهة الصرف غير متأخرة، والدراهم بالدرهمين، وبيع الطعام قبل الاستيفاء، وشبه ذلك من كبيرات الأمور، وظاهر الفقه، وأما خفيات الفقه والعلم، فلم يرده. وفي كتاب البيوع الفاسدة: ذكر إسلام المترابين، وفي كتاب العيون: ذكر البيع بالدرهم الرديء، وهل يشتري به وبيين أو لا يبين؟ تم كتاب الصرف بحمد الله وعونه وصلواته على محمد وسلم يليه كتاب البيوع الأول
كتاب البيوع
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله كتاب البيوع الجزء الأول مما يحل ويحرم من البيوع ما يحل ويحرم من بيع الطعام بالطعام من الحبوب جنسًا بجنسه أو بخلافه أو مما فيه صنعة من ذلك كله وذكر الفواكه البقول من الواضحة أجمع العلماء على جواز التفاضل في بيع كل شيء يدًا بيد، من صنف واحد، ومن صنفين، عدا الذهب والورق، وما كان من الأطعمة صنفًا واحدًا، يريد: المدخرات، فالقمح والشعير والسلت والعلس صنف واحد في الزكاة، وفي تحريم التفاضل في بيع بعضها ببعض، أو دقيق أحد منها بالآخر أو بدقيقه، ولا يجوز فيها جزاف بجزاف، ولا جزاف بكيل، وخبز جميعها صنف واحد، ولا يجوز مثلاً بمثل إلا تحريًا ولا وزنًا، والسويق والخريدة والخبز صنعة، يجوز التفاضل في بيع ذلك بحب منها أو بدقيق أو بعجين. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خبز في مد حنطة، ومد دقيق بمد حنطة، ومد دقيق كانت بيضاء كلها أو سمراء. [6/ 5]
قال ابن القاسم: وكذلك - عندي - إردب حنطة وإردب شعير بمثلهما، واتقاه مالك للذريعة. قال مالك في مدين من حنطة أو من دقيق، بمد حنطة ومد دقيق: فإن كان مد الحنطة ومد الدقيق ليس أحدهما أرفع من مدي الحنطة، والآخر أدنى منهما، كان الدقيق أو الحنطة، فلا بأس به، وإن كان مد الدقيق والحنطة كلاهما أجود أو أردأ مما قابلهما، أو أحدهما أجود أو أردأ والآخر مثل ما قبلهما، فذلك جائز. قلت لمحمد: فقد كره مالك مد حنطة ومد دقيق بمثلهما، وهو مثل ما أخذت من هذا؟ قال: كرهه مالك للذريعة، ولا بأس به عندي أن يكون قمح وشعير بمثلهما كيلاً وجودة، أو يتفق القمحان في الجودة، وشعير أحدهما أدنى أو أرفع من الآخر، أو اتفق الشعيران خاصة، فأما إن كان أحدهما أجود مما قابله من بر أو شعير، والآخر أدنى مما قابله، فلا يجوز. كما قلنا في المراطلة بالذهبين والفضتين. قال أحمد بن ميسر: لا يجوز من ذلك شيء، ولا يعجبني قول محمد. قال مالك: ومن سأل رجلاً أن يبدل له طعامًا بأجود منه يدًا بيد، فإن كان على المعروف، ليس بشرط لازم كالبيع الذي إذا قال: نعم، لزمه، ولكن إن شاء تم ذلك وإن شاء رد ما أخذ، فذلك جائز إذا كان مثل الكيل سواء، وكان يدًا بيد. قال مالك: ولا يكون مع أحد الطعامين - يريد المدخرين من صنف - عرض أو طعام من غير صنفه، ولا فضة، كما لا يجوز أن يكون شيء مع أحد الورقين أو أحد الذهبين، وأما ذهب بفضة، أو صاع قمح بصاع تمر مع أحدهما شيء عرض أو غيره، فجائز إن كان ذلك يدًا بيد. قال مالك: ويجوز الدقيق بالحنطة منها، وإن كان لها ريع وهذه السمراء أكثر دقيقًا من البيضاء، وهي بها مثلاً بمثل جائز. قال ابن المواز: إن عبد العزيز بن أبي سلمة يرى أن طحينه صنعة تبيح التفاضل فيهما [6/ 6]
وقال مكحول: لا يجوز الدقيق والقمح على حال. قال ابن الماجشون في الواضحة: وإنما أجازه مالك فيما قل فيما بين الجيران والرفقاء، فأما ما كثر مما يدخله التكايس، وتدعو إليه الرغبة في معاملة، فكرهه ونهى عنه لما فيه من الريع إذا طحن. من كتاب محمد: قال مالك: ويجوز دقيق القمح بالشعير والسلت مثلاً بمثل. قال: ويجوز خبز أحدهما بدقيق الآخر أو بحبه أو بعجينه متفاضلاً، وكذلك السويق والجريدة للصنعة في ذلك، ولا تصلح الجريدة بالسويق إلا مثلاً بمثل. قال أبو بكر الأبهري: الجريدة جليل السويق. قال مالك: ولا خير في العجين بالحنطة ولا بالدقيق. محمد: يريد متفاضلاً، ويجوز بالدقيق تحريًا مثلاً بمثل. قال مالك: لا بأس بالعجين بالدقيق على التحري مثلاً بمثل. وروى عيسى في العتبية، أن ابن القاسم كرهه، ثم رجع فأجازه، وفي الواضحة أنه جائز. ومن كتاب محمد قال: ولا بأس بسلف الخميرة للجيران ويرد وزنها. قال في العتبية: على التحري، من سماع ابن القاسم، قال محمد: وكره أشهب العجين بالعجين تحريًا، قال: ولا بأس بدقيق القطنية بعضها ببعض متفاضلاً، ما لم يكونا من حب واحد، وكذلك صنف منها بدقيق الآخر، ولا يصلح العدس بدقيق إلا مثلاً بمثل. [6/ 7]
قال ابن القاسم: دقيق القطنية وخبزها مختلف، كاختلاف منافع حبها، إلا البسيلة والجلبان فهما صنف واحد، واللوبيا والحمص فهما صنف واحد. قال: وسويق القطنية كلها صنف، لا يجوز الفضل بين سويق العدس وسويق حمص أو فول، لتقارب منافعه. قال أشهب: وكذلك خبزها لا يصلح فيه التفاضل، لتقارب منافعه. محمد: وهذا أحب إلينا. قال أشهب: والأرز والدخن والذرة أصناف، حبه ودقيقه، فإذا صار خبزًا تقاربت منافعه وحرم التفاضل فيه، وكذلك خبز قمح أو شعير أو سلت بخبز أرز أو دخن أو ذرة، لا تفاضل فيه، فأما خبز بعض ذلك بخبز شيء من القطنية فذلك صنفان. ومن العتبية قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: يجوز خبز القطنية بخبز الأرز متفاضلاً، كالنحل من أصناف مختلفة. من كتاب محمد، قال: والأرز المطبوخ بالهريسة لا يصلح إلا مثلاً بمثل. قال أصبغ: وهو مثل عجينها لا يصلح إلا على التحري. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، قال: والفول والعدس والحمص لا يجوز التفاضل بينهما. ابن القاسم وجميع أصحاب مالك: ذلك جائز. وفي سماع أشهب: وأمر القطاني مختلف، منه ما يجوز ذلك فيه، ومنه ما لا يجوز، فالحمص والعدس، لا يجوز ذلك متفاضلاً. ومن كتاب محمد، قال مالك: والحمص واللوبيا صنف، والبسيلة والجلبان صنف، وكذلك في الواضحة. [6/ 8]
قال ابن حبيب: وما ييبس ويدخر من البقول، كالثوم والبصل، فلا يباع الصنف منه بصنفه متفاضلاً، ولا رطبه بيابسه، ولا جزافًا منه بمكيل ولا بجزاف، وذلك كله جائز في البصل بالثوم يدًا بيد. قال ابن حبيب: والكرسنة صنف واحد منفرد، كالدن صنف والحراسيا، كالزفيزفيا، والكمثرى، ولا يدخر إلا بعضه في العال، فهي كالخضر في جواز التفاضل فيها في الصنف. ومن كتاب محمد قال مالك: والزفيزفا من رطب الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدًا بيد. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، أخضر كله ويابسًا، وكذلك عيون البقرة، ولا يجوز في العنب التفاضل بعضه ببعض، وإن كان أحدهما لا يتزبب، وكذلك التين وأحدهما لا ييبس، ويحكم فيه بالأغلب من أمره، وأما التفاح، وعين البقر - وإن يبس بعضه - فليس بالغالب، ولا ييبس لأجل معاش، بل ليتداوى به، فله حكم رطب الفاكهة، ولا بأس بالتفاضل في يابسه بيابسه، وكذلك الموز لا بأس به. وذكر عنه أنه لم يعجبه. وقال غيره: اللين منه - يريد أخضره بنضيجه - ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً. قال مالك: والثوم والبصل بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك لا ييبس ويدخر، ولا يصلح التفاضل في رطبه ولا في يابسه. يريد أخضره بنضيجه - ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً. قال مالك: والثوم والبصل بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك لا ييبس ويدخر، ولا يصلح التفاضل في رطبه ولا في يابسه. ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: والشمار والأنيسون صنف، والكمونان صنف، وذلك كله من الطعام. وقال أصبغ، ومحمد، في هذه الأربعة: ليست من [6/ 9]
في بيع الرقيق والدواب والحيوان كله بعضه ببعض إلى أجل من صنف واحد
الأطعمة، وهي من الأدوية، وإنما التابل الذي من الطعام: الفلفل والكرويا، والكسبر، والقرفا، والسنبل. قال أشهب: قال مالك: كل واحد من ذلك صنف. قال ابن سحنون: واتفق العلماء على أن الزعفران جائز بيعه قبل استيفائه. ابن القاسم، في حب الغاسول، ليس بطعام، وإن كان تأكله الأعراب إذا أجدبوا، والحلبا عند ابن القاسم من الطعام. قال أصبغ: أما اليابسة، فليس لها حكم الطعام، وأما الخضراء، محمد: والمنبوثة، ينبتها أهل المنازل للأكل، فمن الطعام، وبمجرى البقول. قال ابن القاسم: والخردل والقرطم من الطعام، لا يباع حتى يقبض، وكحب فجل الزيت، وليس حب فجل الروس، ولا بزر البصل والجزر والبطيخ والقرع والكراث من الطعام، ولا بأس ببيع الصنف منه بصنفه متفاضلاً، وببيعه قبل قبضه. ومن الواضحة: وقال في بزر البقول، وبزر تمر البحاير مثل ما ذكر محمد. قال: ويجوز الأجل في الصنف الواحد منه وبخلافه متساويًا ومتفاضلاً. وقال: الشماز هو البسباس، والقرح: السونيز، هما من سائر التوابل، وكذلك الخردل، وأما الحرف والحلبا فدواء، ويجوز أحدهما بالآخر إلى أجل متساويًا ومتفاضلاً. في بيع الرقيق والدواب والحيوان كله بعضه ببعض إلى أجل من صنف واحد قال ابن حبيب: اتفق العلماء أن ما عدا الذهب والورق والطعام من صنف، يجوز فيه التفاضل يدًا بيد، من صنف واحد، فإذا اختلف، جاز فيه [6/ 10]
التفاضل يدًا بيد وإلى أجل، والرقيق بجميع أجناسها: ذكرانها وإناثها، صغارها وكبارها، عجمها وفصائحها صنف، لا يجوز فيه التفاضل إلى أجل، واختلاف أبدانها يصير به صنفين، يجوز فيها واحد باثنين إلى أجل. واختلاف الذكور، النفاذ، والتجارة والبضارة، والصنعة باليد، والكتابة والقراءة، إذا كان ذلك نافذًا، فيكون هذا صنفًا يجوز الواحد منه في اثنين ممن ليس ذلك فيه إلى أجل، وكذلك الخياط، والبناء، والصائغ، والخزار، وشبهه، يسلم الواحد في اثنين ممن ليس ذلك فيه، واختلاف الصنعة اختلاف، كالعبد التاجر النبيل في خياطين أو بنائين أو خرازين إلى أجل. ومن كتاب ابن المواز، قال: والفصاحة والتجارة والنفاذ في العبيد صنف، وما سوى ذلك صنف، وإن اختلفت الصفات والقيم في الذكر والأنثى، وليست الفصاحة وحدها بشيء، وأما التجارة - وإنا لم يكن فصيحًا - فهي صنف، ومن تمام نفاذه أن يكون كاتبًا حاسبًا، والاختلاف في الإناث: الصنعة، الطبخ والخبز. قال ابن القاسم: والرقم كذلك، وليس الغزل وعمل الطيب صنعة توجب أن تكون صنفًا. قال في الواضحة، مثله، وقال: تسلم ذات الصنعة في اثنتين لا صنعة فيهما، ولا خير في الطباخة بالجاريتين، لتقارب ذلك. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، وزاد: إلا أن تكون صناعة أو رقامة. قال ابن القاسم في كتاب محمد: ولا التي تقرأ أو تكتب صنف ولا الفارهة وحدها صنف، ولا بأس بعبد تاجر في أمة تخبز وتطبخ، أو في اثنتين، لاختلاف المنافع، وأرجو أن يكون خفيفًا. وذكر عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، مثل ما ذكر محمد في ذلك كله. [6/ 11]
ومن كتاب محمد: قال أصبغ: وأرى إن كانت جارية قارئة كاتبة نحريرة، أن تسلم في غيرها من الإماء. وكذلك قال في الفارهة الجملية للحاف، تسلم في جاريتين طباختين، أو من سائر الإماء. قال محمد: هذا استحسان، والقول ما قال ابن القاسم، وهو القياس، وأحب إلينا، ولو أخذت به فيما تقارب لدخل في غيره. وذكر ابن حبيب هذا الذي قال أصبغ في القارئة والفارهة، أنه قال له بعض أصحاب مالك، إلا أنه قال: الفائقة في الجمال. ومن كتاب محمد، والواضحة: والاختلاف في الخيل، السبق، والجودة. وإذا بلغت أن تكون جداعًا، فهي والقرح سواء، والحولي من صغارها، وما بلغ الجدع فما فوق، فهو من كبارها، وهو صنف. قال في كتاب محمد: وليس الفرس الجميل السمين العربي صنفًا، حتى يكون جوادًا سابقًا، وصغارها صنف وكبارها صنف، فيسلم صنف واحد في الآخر من ذلك، إن كان بمعنى البيع، لا بمعنى السلف، وإن تقارنوا في الأصل. قال: ولا بأس بكبير في صغيرين فأكثر أو صغير في كبيرين، كان صنفًا واحدًا أو مختلفًا. ثم قال في موضع آخر من كتاب محمد: ولا خير في حولي في حوليين ككبير في كبيرين، والجدع له حكم الكبار، والحولي صغير. قال ابن القاسم: ولا خير في صغير في كبير، ولا في كبيرين فأكثر. وهذا من الزيادة في السلف، قال: وروى ابن وهب، عن مالك، أنه أجاز فرسًا فارهًا في جدعين، وجارية فارهة في جاريتين دونها. قال: والجدع عند ابن القاسم من الكبار. قال: والفرس السابق الجيد عنده صنف، وسواه صنف، فلو أسلم فرسين جوادين في فرس ليسا مثله، جاز، ولا يدخله زيادة الضمان حتى يكون من نوعه ومن صنفه. [6/ 12]
قال عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية: لا خير في صغير في كبير من جنسه من البهائم كلها، ولا كبير في صغير؛ لأنه من الزيادة في السلف، والذي يشبه التبايع: سلم كبير في صغيرين، أو صغيران في كبير، وكذلك صغيران في كبيرين، أو كبيران في صغيرين، ولا بأس بكبار البغال بصغار الحمير، على هذا المعنى. قلت: لِمَ كرهت كبار الحمير في صغار البغال؟ قال: قد قاله مالك، وما فيه غير الاتباع، وكأنه كرهه؛ لأن الحمير تنتج البغال، قيل: فإلى أجل قريب؟ قال: إن كان خمسة أيام وما يشبهها مما لا تهمة فيه، فجائز. قال ابن القاسم: وليس الذكر والأنثى اختلافًا يبيح سلم بعض ذلك في بعض من جنس واحد، لا في الرقيق، ولا الأنعام والحيوان كله. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: والحمير كلها صنف على اختلاف أثمانها وألوانها وأجناسها، وسرعة سيرها، إلا صغارها، فإنها صنف، وكبارها صنف، الحولي صغير، والقارح والمرباع كبير، والحمير مع البغال صنف لا يسلم بعضها في بعض. قال مالك: إلا الحمر الأعرابية. قال ابن القاسم: جعلت صنفًا منفردًا تسلم في الحمير المصرية وفي البغال. قال: وحمير مصر كلها صنف، رفيعها ورضيعها. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم نحوه، وقال: لا يسلم بغل في حمارين، ولا حمار في بغلين، إلا كبير في صغيرين، أو صغير في كبيرين، وهي مثل الحمير. وقاله مالك. وقال عيسى، وأصبغ: إذا بان اختلاف الحمير، فهم كالخيل والإبل. [6/ 13]
قال ابن القاسم: ولا يسلم الحمير صغارها في صغارها، ولا كبارها في كبارها، ولا خير في صغير في كبير، ولا كبير في صغير، ولا بأس بصغيرين في كبير. ومن الواضحة قال: والحمير والبغال صنفان، يجوز التفاضل بينهما إلى أجل، ولا أحد يقول بقول ابن القاسم في ذلك. قال: والبغال كبارها صنف مما بلغ الحمل والركوب، وصغارها صنف، والحمير كذلك صغارها مما بلغ الحمل والركوب صنف، وكبارها صنف، وإذا اختلفت الحمير والبغال في سيرها وجريها اختلافًا بينًا، جاز بينها واحد في اثنين، وأباه ابن القاسم. قال ابن حبيب: وليس السير في الجبل يوجب الاختلاف؛ لأن المبتغى منها السبق والجودة، إلا البراذين الدك العراض، لا جري فيها ولا سبق يراد لما تراد له البغال، من الحمل والسير، فلا بأس أن يسلم السبوق والهملاج البالغ منها في اثنين من خلافه. ومن كتاب محمد وابن حبيب: وأما الإبل مما كان فيه النجابة والرخلة صنف. قال ابن حبيب: والحمولة، وإن لم تكن له نجابة، وله فضل حمل، يحمل القباب والمحامل، فيسلم في حواشي الإبل. قال ابن المواز: وصغارها صنف وكبارها صنف. قال ابن حبيب: وليس اختلاف أسنانها صنفًا تفاضلاً، إلا صغارًا لا حمل فيها، فتكون صنفًا، وكبارها صنف. قال في كتاب ابن المواز: قال مالك في ابنتي مخاض في حقة، أو حقة في جذعين، أو جذعة في حقتين، فذلك كله لا خير فيه. قال ابن حبيب: والاختلاف في البقر: غزر اللبن في ألبانها، وفراهية العوامل الذكور منها القوية على الحرث، وإلا فهي كلها صنف من عوامل وغيرها من ذكر أو أنثى، ولا خير في بقرة في ثورين، أو ثور في بقرتين، إلا على ما ذكرنا من غزر اللبن في البقرة، وفراهية الثور، ولا بأس بصغارها التي لم تبلغ حد العمل بكبارها متفاضلة إلى أجل. [6/ 14]
قال في كتاب محمد: قال مالك: الغنم كلها صنف، صغارها وكبارها، إلا ذات اللبن، ولم يجز كبشًا في خروفين. وروى عنه في ضائنة في معزتين: لا تجوز إلا أن تكون المعزتان صغيرتين، وليس بشيء، والأول هو المعروف. قال ابن حبيب: الغنم كلها صنف، من معز وضأن، وكبار وصغار، لبانها وغير لبانها، وليست في اللبن متباينة الفضل، إلا ما غزر لبنه جدًا من المعز خاصة، فتسلم في حواشي المعز وفي الحدة من الضأن، ولا يعرف من غزر لبن الضأن ما يوجب ذلك. وقال ذلك مالك وأصحابه. ومن العتبية، من سماع عيسى، من ابن القاسم، قال: والطير كله ليس في الجنس الواحد منه من الاختلاف ما يجوز بعضه ببعض إلى أجل، ولا تجوز دجاجة بيوض في اثنتين ليستا مثلها في كثرة البيض، وكذلك في الأوز. وكذلك في الواضحة، في البيوضة، وزاد: والديكة والدجاج صنف، وصغارها وكبارها صنف، والأوز صنف، والحمام صنف، لا يفترق في ذلك ذكر ولا أنثى ولا صغار ولا كبار. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: الديكة والدجاج صنف. قال أصبغ: لا يسلم بعضها في بعض، إلا الدجاج ذات البيض، فإنها صنف. قال: وتسلم الدجاجة البيوض، أو فيها بيض في ديكين، أو ديك في دجاجتين منها. ومن العتبية عيسى، عن ابن القاسم: والحمام كله صنف، وليس كثرة البيض والفراخ فيها اختلافًا، ولا الصغير والكبير، لا فيه ولا في شيء من الطير يبيح التفاضل إلى أجل. ومن الواضحة: وسائر الطير الوحشي مما لا يقتنى لفراخ، ولا لبيض مثل الحجل، واليمام، وشبهها، فمجراه مجرى اللحم، ولا يباع بعضه ببعض، وإن كان [6/ 15]
حيًا، إلا تحريا يدًا بيد، ولا يجوز أوز، ودجاج، أو حمام؛ لأنه اللحم بالحيوان، وليس اختلاف الألبان في شيء مما تقدم ذكره اختلافًا. ومن كتاب محمد: قال مالك في بعير في بعيرين، مثله أحدهما نقدًا، والآخر إلى أجل: لا خير فيه. وروى عنه ابن عبد الحكم، أنه أجازه، وكرهه. قال: وأحب إلينا ألا يجوز. وقال سحنون: هذا حرام؛ لأن نصف المعجل ثمن المعجل، ونصفه في حمل إلى أجل. محمد: وقال ابن القاسم: هذا جائز إذا لم يكن في المنفرد فضل عن المعجل من الحملين. قال أصبغ: ولقد اضطر المخزومي طرد القياس نية لأشهب، حتى قال: لو كان دينار في دينارين أحدهما معجل مع صاحبه، والآخر مؤجل، لجاز. في بيع غير الحبوب من الطعام جنسًا بجنسه أو بخلافه وبيع الشيء من ذلك بما يخرج منه وذكر الشاة باللبن، والدجاجة بالبيض من كتاب محمد: قال مالك: والزيوت أصناف لاختلاف أصولها؛ فزيت الزيتون، والفجل، والججلان، والقرطم، يجوز زيت صنف بزيت الآخر متفاضلاً، يدًا بيد. قال مالك: وكل ما يسكن الماء من الترمس فما دونه، والطير فما فوقه صنف، لا يباع متفاضلاً، وبيض الطير كله صنف واحد، النعام والطاوس مما فوقه ودونه، ما يطير وما لا يطير، مما يستحيا أو لا يستحيا، صغيره وكبيره، لا يباع إلا مثلاً بمثل تحريًا، وإن اختلف العدد. قال محمد: وأرى في بيض النعام إن استثنى صاحبه قشره، فلا بأس به بغيره من البيض تحريًا، ولا يجوز أن أسلمه بقشره؛ لأن له ثمنًا. قال: وبيض الحيتان صنف. [6/ 16]
قال ابن القاسم: وودك الرؤس من الطعام لا يباع قبل قبضه، ولا بعضه ببعض متفاضلاً، فاستثقل ابن القاسم كسب الجلجلان بالطعام إلى أجل، ولم يوجبه. قال أصبغ: لا بأس به، وإن كان يؤكل، وقد قال ابن القاسم في حب الغاسول وإن كان يأكله الأعراب من الجدب. وقال أشهب: ولا باس بالجراد متفاضلاً. قال ابن القاسم: ولا بأس بخل العنب كقول مالك في خل التمر بالتمر، لطول الأمد، وكثرة الصنعة، وبخلاف نبيذه. ثم قال ابن القاسم في العنب بخله: لا أدري، إن كان يطول كالتمر، فلا بأس به. ومن العتبية: يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: لا يصلح خل التمر بنبيذ متفاضلاً، لتقارب منافعه، ولا خل التمر بنبيذ الزبيب متفاضلاً. وفي كتاب أبي الفرج أن نبيذ الزبيب ونبيذ التمر صنفان. ومن كتاب محمد: ولا خير في رب عسل القصب بعسله، إلا أن يدخل ربه أبزار، فيصير صنعة، ولا خير في الجلجلان بالشبرق أو بالزنبق، قال: والجبن كالسمن والزبد، لا يجوز باللبن. وقد اختلف في الجبن باللبن المضروب، فأجيز وكره، وأجازه ابن القاسم. وأجاز مالك المضروب بالزبد والسمن. ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم قال: لا بأس بالفقاع بالقمح. [6/ 17]
قال ابن حبيب: والجبن كله صنف، بَقَرِيُّهُ وغَنَمِيُّهُ، لا يجوز فيه التفاضل، ولا رطبه بيابسه، ولا بأس بالسمن بالزيت متفاضلاً، يدًا بيد، وبالعسل. من كتاب محمد: قال مالك: لا تصلح شاة لبون بلبن، أو بسمن، أو بزبد إلى أجل، ويجوز يدًا بيد. قال ابن القاسم: أيهما تأخر، ولا خير فيه. ابن القاسم: والقياس: إذا عجل اللبن، جاز، وإذا عجلت الشاة، لم يجز إن كان فيها حينئذ لبن، فإن لم يكن، فأيهما عجلت، جاز، وإن كان يكون لها إذا عجلتها لبن قبل الأجل. وقاله مالك، وقاله أصبغ. قال أصبغ: وإن لم يجزه القياس. وقاله سحنون في العتبية. وقاله ابن حبيب. قال محمد: وكذلك الدجاجة في البيض، في جميع ما ذكرنا. وأجاز أشهب شاة حلوبًا بلبن إلى أجل، إذا صح، ولم يبتغ ذلك فيها. وقال عنه البرقي: لا يصلح لبن معجل بشاة مؤجلة. قال ابن حبيب: إذا كان اللبن والسمن، أو الجبن هو المعجل، فجائز. واستثقله مالك، وجميع من لقيت يستخفه. وذكر في الدجاجة البيوضة في البيض مثل ما ذك محمد. قال محمد: وقال ابن القاسم: لا بأس بدجاجة لا تبيض ببيض مؤجل، وإن باضت قبل الأجل، وإن كان فيها بيض لم تصلح بالبيض، إلا يدًا بيد. وبهد هذا باب آخر في بيع الشيء بما يخرج منه، أو ينبت منه، أو يعمل منه من سائر الأشياء. [6/ 18]
باب ذكر ما يجوز فيه البدل من الطعام تحريا، أو القسم تحريا فيه وفي غيره أو بمكيال مجهول
باب ذكر ما يجوز فيه البدل من الطعام تحريًا أو القسم تحريًا فيه وفي غيره أو بمكيال مجهول من العتبية من سماع عيسى: قال ابن القاسم، عن مالك في اللحم والجبن والبيض: يجوز بيع بعضه ببعض تحريًا، بلا كيل ولا وزن. قال ابن القاسم: وذلك إذا بلغه التحري ولم يكثر حتى لا يستضاع تحريه، وكذلك كل ما يباع وزنًا ولا يباع كيلاً، فهذا مجراه. قال ابن القاسم: وكل صنف من طعام أو غيره يجوز فيه التفاضل من صنفه، فلا بأس بقسمته على التحري، كان مما يكال أو يوزن، أو لا يكال ولا يوزن. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وما يكال أو يُعد من طعام أو غيره، فلا يقسم تحريًا، وأما ما لا يمكن فيه إلا الوزن فيقسم تحريًا، ويباع بعضه ببعض تحريًا، مثل اللحم والخبز والحيتان. قال ابن القاسم: ولو أن بينهما صبرة قمح وصبرة شعير، والقمح أكثر بأمر بين، لم يجز أن يأخذ هذا القمح، وهذا الشعير، ولو أخذ أحدهما نصف الشعير كيلاً، وسلم نصفه مع جميع القمح لصاحبه، جاز، ولا يجوز إن قسما الشعير جزافًا، إلا أن يأخذ ما لا يشك أنه أقل من نصف. قال مالك: ولا بأس أن يقسم الطعام المكيل بقصعة، أو بقفة، أو قدح، ولا يجوز تحريًا. قال محمد: وذلك بموضع لا مكيال فيه، وأكرهه بالقفة. [6/ 19]
ومن الواضحة وغيرها من قول مالك: ولا يجوز فيه التفاضل من الطعام والإدام، فلا تجوز قسمته تحريًا. ولا يقسم الطعام وهو زرع أو حزم أو مصبر إلا كيلاً، وكذلك السمن، والعسل، والزيت، إلا كيلاً ووزنًا، مثلاً بمثل، وكذلك قسم الثمار في شجرها التي لا يجوز فيها التفاضل، لا يقسم شجرها يابسه ولا مصبره، إلا كيلاً، وما لم ييبس وقد حل بيعه، من عنب، أو تين، أو رطب، فيقسم عند اختلاف حاجة أهله إليه، وكل ما يجوز فيه التفاضل، فلا بأس بقسمته في شجره، على التحري، رطبًا أو يابسًا، أو بالأرض مصبرًا، مثل الفواكه الرطبة، وتمر النخل، وكذلك كل شيء يجوز فيه التفاضل، مثل الكتان، والخيط، والنوى، والتين تحريًا، وإن كان الكتان والحناء قائمًا قبل أن يجمع وقد طاب أو بعد أن جمع. ولا يقسم ما لا يجوز فيه التفاضل تحريًا، إلا ما أرخص فيه من قليل اللحم والخبز والبيض؛ لأن التحري يحيط بقليله، ولا خير في كثيره إلا وزنًا، وقاله كله من أرضى من أصحاب مالك. قال: قال ابن القاسم: لا تجوز شاة مذبوحة بشاة مذبوحة، إن لم يكن على الوزن إلا أن يقدر على تحريهما. وقال سحنون، وأصبغ: لا يقدر على ذلك، ولا يجوز ولم يعجب محمدًا قول أصبغ. [6/ 20]
في المزابنة بالرطب باليابس من الطعام، وذكر التحري فيه
في المزابنة بالرطب باليابس من الطعام وذكر التحري فيه قال ابن حبيب: نهى الرسول عليه السلام عن المزابنة والزبن والزبان: هو الخطر والخطار. فمن ذلك: شراء الرطب في شجره من رطب، أو تين أو عنب بيابس من جنسه مكيل، أو زرع قائم، أو حصيد بمكيل من البر، أو مهذب مصبر بكيل أو زيتون في شجره بمكيل من زيتون، أو زيت، ومنه: بيع الجزاف من كل شيء بكيل، أو وزن، أو عدد من ذلك الجنس. ومنه: بيع اللحم بالحيوان - يريد من جنسه. وبعد هذا أبواب في بيع الجزاف. من كتاب محمد: قال مالك: أكره الرطب باليابس في الفاكهة الرطبة من صنف واحد، وإن جاز فيها التفاضل، من تفاح، وخوخ وغيره، لا على تساو أو تفاضل، وإن كان يدًا بيد. وكره مالك رطب الثوم بيابسه، وكذلك البصل مثلاً بمثل، ومتفاضلاً يدًا بيد. واختلف قول مالك في أخضر الموز بنضيجه، وأجازه، وكرهه. من العتبية قال أصبغ: لا بأس بذكار التين بالتين متفاضلاً ومتماثلاً، نقدًا ومؤجلاً، ولا يجوز الرطب الذي لا يتمر بالتمر. قال أشهب: ولا بأس بالتمر القديم بالحديث. ومن سماع عيسى، من ابن القاسم: ولا بأس بالتمر المنثور بالكيل تحريًا. ولا يجوز البيض النيء بالمسلوق إلا مثلاً بمثل تحريًا وليس السلق فيه بصنعة. [6/ 21]
وكذلك في الواضحة، قال ابن القاسم، في الزيتون الذي جني بالأمس، بما يجنى للغد أو اليومين مثلاً بمثل، وهو أشد انفتاحًا، قال: لا يبدل، في اليوم واليومين، وإن علم أن هذا المجني آخر يضمر وينقص، فلا خير فيه وكذلك الفدان يتسلفه الرجل لحاجته، ويحصد وفيه رطوبة، ويرد عليه من زرعه اليابس إذا يبس، فإن كان لو ترك لضمر ونقص، فلا خير فيه. قال أصبغ، عن ابن القاسم: لا خير في رطب الزفيزف بيابسه، وكذلك العين بقرن. قال أصبغ: لعموم النهي عن الرطب باليابس. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في التفاح الأخضر بالمقدد، لا بأس به إذا تبين الفضل فيه. ومن الواضحة قال: ولا يباع رطب الجبن بيابسه، وهو كله صنف بقريه وغنميه. ومن كتاب محمد: قال مالك: لا بأس بالحالوم الرطب باليابس منه، والمعصور، والقديم على التحري، ويجوز الجبن بالحالوم تحريًا. وكره الزيتون الأخضر الطري بالمالح الذي قد أكل منه. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا بأس بيابس الخبز برطبه على التحري إن قدر على ذلك، ولا يصلح بغير تحر. محمد: وإنما جاز على التحري لدخول الصنعة فيه، وإنما يتحرى أن يتفق دقيقهما أو عجينهما، لا على أنه إذا يبس هذا، كان مثل هذا، ولا على أن اليابس ولو كان رطبًا، كان مثله، وخبز القمح بخبز الشعير، يجوز على تحري التساوي في دقيقهما، لا على قدر الخبز، لثقل الشعير. [6/ 22]
في بيع نخل بنخل بثمرهما وأرض بأرض بزرعهما أو شىء من ذلك بطعام حاضر
واختلف قول مالك في طري اللحم بالقديد اليابس، أو باللحم المشوي، وآخر قوليه أنه كرهه وإن تحرى وبه أخذ ابن القاسم، وأصبغ، وأخذ ابن وهب، وابن أبي الجمر بقوله الأول، وذكر ابن حبيب مثل القول الثاني، قال: وكذلك مشوي بمشوي، أو قديد بقديد. محمد: قال ابن القاسم: ولا بأس بالقديد من المشوي بالمطبوخ متفاضلاً، ولا خير في قديد بمشوي وإن تحرى، ولا خير في طري السمك بمالحه وإن تحرى، ولا بأس بقلة صبير بقلة صبير تحريًا. قال أصبغ: إن قدر أن يتحرى. وكرهه محمد. وروى سحنون، عن ابن القاسم، في العتبية أنه لا يصلح إلا بالتحري. قال ابن المواز: وكره مالك القرظ الأخضر باليابس، إلا أن يتبين الفضل بالكثرة البينة أن لو يبس، وذلك يدًا بيد، ولا خير فيه إلى أجل. في بيع نخل بنخل بثمرهما، وأرض بأرض بزرعهما أو شيء من ذلك بطعام حاضر وفي بيع الجبح بعسل أو بطعام وذكر الجزاف بمكيل أو جزاف من الطعام قال ابن حبيب وغيره: وكل ما لا يجوز فيه التفاضل من الطعام، فلا يجوز فيه مكيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز جنان بجنان مثله، فيهما طلع أو بلح. قال محمد: وإن اشترطا جذ البلح، لم يجز حتى يتبين فيه الفضل - يريد: والبلح صغير - فيجوز، فإن اشترط أن يجذ أحدهما ما صار له، جاز ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك إن لم يكن في أحدهما شيء. [6/ 23]
وذكر ابن عبدوس، في تفسير الشفعة، أن ابن الماجشون يجيز نخلاً بنخل، فيهما تمر لم يؤبر ويقول: لأنه تبع وملغى، وأجاز بيعهما بطعام. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا خير في بيع نخل بأصلها، فيها تمر، أو طلع بتمر، ولا بشيء من الطعام نقدًا، ولا إلى أجل، إلا أن لا يكون فيها حينئذ تمر. قال أشهب، في شجرة خوخ بمثلها وفيهما خوخ: فإن كان يجذ كل واحد منهما ما صار له قبل التفرق، جاز إن تبين الفضل بين الخوخين، وإلا لم يجز، وكذلك كل ما جاز فيه التفاضل من الفواكه يجوز جزافًا منه بجزاف آخر، أو جزافًا بكيل، أو وزن أو بعدد، إذا تبين الفضل، ولا يجوز إذا تقارب ذلك، وكذلك في غير الطعام من جنس واحد، وإن كان ترابًا. قال مالك: ولا يصلح في السنبل قتة بقتة، ولا صبرة بصبرة، ولا مكتل بمكتل، ولا بأس بالطلع بالطلع متفاضلاً، كصغير البلح، وكذلك الجمار. محمد: ما لم يترك الطلع حتى يطلب به الزيادة. قال: والبلح الصغير إن كان مجذوذًا، واشترط جذاذه، فجائز، وإن لم يشترط جذاذة فهو يؤول إلى طعام، فيدخله بيع تمر قبل بدو صلاحه. قال: والطلع طعام، فلا يصلح بالطعام إلا يدًا بيد. قال مالك: ولا تباع المقتاة بقمح وإن قبض المقتاة. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم قال: ولا يجوز بيع أرض بأرض، في كل واحدة منهما زرع، إذا استثنى كل واحد زرع صاحبه، ولا تباع [6/ 24]
أرض فيها زرع صغير بطعام، وأما أرض بيضاء بطعام، فيجوز نقدًا ومؤجلاً. قال سحنون، عن ابن القاسم: ولا بأس بشراء الأرض المبذورة، لا نبات فيها، بحنطة وغيرها. ومن الواضحة: وقال في حائطي نخل، وتمرهما لم يؤبر، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر بحال، ولا بيع أحدهما بطعام. قال في المدونة: فإن أبر تمرهما، فهو جائز، وكذلك إن أبر أحدهما، فجائز. وإن سكتا عن الاشتراط. قال ابن حبيب: وإن أبرا جميعًا، فشرط أحدهما تمرة صاحبه. ولم يشترط الآخر شيئًا، فذلك جائز؛ لأن التمرتين تصير لواحد، وبيع أصل بأصل من صنف أو من صنفتين مثل ذلك، والاعتقاد في تمرها كالإبار في النخل. قال ابن حبيب: ولا خير في شراء تمر شجر قد طاب بتمر شجر قد طاب، وهما من صنف واحد، أو من صنفين مما يجوز فيه التفاضل في الصنف أو مما لا يجوز؛ لأن ما لا يدخله التفاضل في الجنس يدخله طعام بطعام مؤخر. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا تباع الخلايا بشيء من العسل نقدًا، ولا إلى أجل. محمد: وإن لم يكن فيها يومئذ عسل. قال أصبغ: إذا لم يكن فيها يومئذ عسل جاز بيعه بطعام غير العسل نقدًا، أو إلى أجل قريب لا يأتي فيه العسل، وإلا لم يجز. ومن الواضحة: ولا يجوز بيع جبح نحل العسل نقدًا، أو إلى أجل، ولا بيع عسل بجبح نحل إلى أجل، ولا بأس ببيع ذباب النحل كيلاً بالدراهم، وبالعسل نقدًا أو إلى أجل، وكذلك بيع عسل بكيل ذباب النحل إلى أجل، إلا أن لا يكون فيه عسل، فيجوز بطعام إلى أجل قريب لا يكون فيه إليه العسل، وإن كان يأتي إلى مثله فيه العسل، فلا يباع إلا بعين أو عرض. [6/ 25]
في بيع اللحم بالحيوان، وبيع ما لا يحيا بما يحيا أو بطعام
قال ابن حبيب: وهو في المدونة، ولا بأس من بيع شجر لا تمر فيها بتمر إلى أجل قريب. في بيع اللحم بالحيوان وبيع ما لا يحيا بما يحيا أو بطعام من كتاب محمد، ابن المواز: وإنما نهى عن بيع اللحم بالحيوان من صنف واحد. قال ابن حبيب: وذلك للفضل والمزابنة. ومن كتاب محمد، قال: وكل ما جاز في لحمه التفاضل بعضه ببعض، جاز الحي منه بالمذبوح، وكره مالك الشارف أو المكسورة من الأنعام باللحم، ثم أجازه. وكرهه ابن القاسم. وخففه أصبغ. قال محمد: لا خير فيه، وبيعها باللحم أكره منه بالحية. وكره ابن المسيب السارف بالثنية. وكره ابن القاسم الكبش الخصي بالطعام إلى أجل، لأنه لا يعيب العجلة، ثم رجع فأجازه إن كانت فيه منافع غير ذلك. قال في العتبية، من رواية عيسى: إذا كان يقتنى لصوفه. قال ابن المواز: وأجازه أشهب، وأصبغ، كانت فيه منافع أو لم تكن، وليس الكبش الخصي كاللحم، بخلاف الشارف والكسير. قال مالك: وليس كل شارف سواء، وإنما ذلك في الذي شارف الموت، فأما شارف يقبل ويدبر ويرتفع، فلا. قال: وإن كان كبشًا خصيًا لا منافع فيه قائمة ولا مرجوة، فهو مثل ما ذكرنا. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية فلا يجوز بالطعام إلى أجل؛ لأنه لا يصلح إلا للذبح. قال في موضع آخر، ولا يجوز بحي من الأنعام. [6/ 26]
قال ابن القاسم، في رواية عيسى، وفي كتاب محمد، في جدي بلبن: إن كان مما يستحيا فجائز نقدًا أو إلى أجل، وإن كان لا يستحيا، لم يصلح إلا نقدًا. قال أصبغ في كتاب محمد: وذلك إذا كان له علة مرض، أو على، لا رضاع له ولا حياة ولا سبيل إلا الذبح. ومن كتاب محمد: ابن القاسم: ولا خير في لبن في شاة لحم إلى أجل، وهي التي لا نفع فيها للبن، ولا لصوف، وإن استحيى مثلها للشحم، وكذلك هذه بطعام إلى أجل، لا خير فيه. قال أصبغ: وهي التي لا يقتنى مثلها، فأما شاه لحم تقتنى بالعمل والرعي للسمن، فلا باس بذلك فيها، وكره أشهب كبشًا بلحم مطبوخ إلى أجل. وأجازه ابن القاسم، وقوله أحب إلينا. وكره ابن القاسم ما لا يحيى من الطير بلحم طير تحريًا. قال أصبغ: لأنه حي بعد، ولا بأس بالأوزة بالدجاجة أو بدجاج يدًا بيد وإلى أجل؛ لأن ذلك يستحيا. قال ابن القاسم: ومن ذبح له رجل شاة حية، لم أحب أن يأخذ بقيمتها منه لحمًا ولا شاة حية. ومن الواضحة: ولا يجوز حي من الأنعام بوحشي ذكي أو حي من ذوات الأربع؛ لأنه لا يقتنى ولا يحيا حياة الاقتناء. ولا يباع ثور حي بشاة مذبوحة، ولا شياه أحياء بثور جزير، أو جمل جزير، أو بوحشي حي أو مذبوح ولا يباح ما لا يقتنى من الوحش أو الطير حيًا بحي مثله من صنفه، إلا تحريًا مثلاً بمثل. وخففه بعض العلماء، ورأوه مثل ما يقتنى، والأول أحب إلينا. ولا يباع حي بمذبوح منه، ولا حي مما يقتنى من الطير [6/ 27]
في الأخذ من ثمن الطعام طعاما أو في الاستهلاك ومن له عليك طعام هل يبتاع منه ما يقضيه؟
الداجن، بحي مما لا يقتنى منه، مثل دجاجة بحجلة حيتين، ولا دجاجة بيوضة بدجاجة قد انقطع منها ذلك، ولا تباع غير البيوضة بشيء من الطير حي، إلا على التحري. ومن العتبية، عيسى، عن ابن القاسم: وما لا ينتفع به إلا اللحم، مثل الداجن كدجاجة لا تبيض، لا بأس أن تباع بما لا يستحيا من الطير على التحري. وفي باب سلم الحيوان بعضه في بعض طرف من هذا المعنى. في الأخذ من ثمن الطعام طعامًا أو في الاستهلاك ومن له عليك طعام هل يبتاع منه ما يقضيه أو من وكيله؟ من كتاب ابن المواز: قال محمد: وقد كره أهل العلم الأخذ من ثمن الطعام طعامًا بما آل إليه، فصار كأنه باع ما دفع من الطعام بهذا الطعام، فكذلك كل ما خرج عن يدك بمتاجرة مما له مثل، فلا تأخذ في ثمنه إلا ما كان يجوز لك أن تبيعه به إلى أجل، ولا يدخل ذلك في الغرض الذي ليس على متاجره. قال ابن القاسم: ولا يدخل ذلك في الثياب في المتاجرة، ولا فيما لا يجب فيه إلا القيمة في التعدي. قال مالك: وإذا بعت من رجل طعامًا بثمن، فلا تأخذ منه فيه طعامًا يخالفه، ولك أن تبتاع من غيره طعامًا سواه، أو في جنسه أكثر منه، أو أقل أو أجود أو أردأ، وتحيل بالثمن على ثمن طعامك. قال مالك: وإن أحالك غريمك بالثمن، فلا تأخذ من الذي أحالك عليه طعامًا إلا مثل طعامك، الذي بعت ممن أحالك صفة وكيلاً، ولو أحلت أنت رجلاً بالثمن عليه، فلا يأخذ هو منه طعامًا إلا مثله صفة وكيلاً. قال ابن القاسم: وإن أخذت بالثمن كفيلاً، [6/ 28]
فغرم له الثمن بعد محله، فلا بأس أن يأخذ هو في ذلك من غريمه طعامًا من صنف طعامك أقل أو أكثر، أو من غير صنفه، وكذلك لو تبرع فرد الثمن بغير حمالة، فلا بأس أن يأخذ فيه طعامًا، وكذلك قال في الواضحة وغيرها. ومن وكلته على قبض ثمن طعامك، فقبض الثمن فأكله فلك أن تأخذ منه فيه طعامًا. ومن كتاب محمد وإذا باعه مائة إردب سمراء، فقد اختلف قول مالك، هل يأخذ في ثمنها خمسين سمراء، فأجازه مرة، وأباه أخرى، وقال: لا يصلح أن تأخذ دون كيل طعامك، لا بالثمن ولا ببعضه، ولا بأس أن يأخذ مثل كيل طعامه في جودته بالثمن وأكثر منه. وأجاز أشهب أن يأخذ أقل كيلاً من حنطته. وأجاز ابن القاسم أن يأخذ سمراء قضاء من ثمن سمراء، وإن كان الذي يأخذ أدنى مما باع. قال: وفيه مغمز. ومن كتاب محمد، قال: وإن بعت طعامًا، فلك أن تأخذ في ثمنه قبل تفرقكما طعامًا يخالفه، إن كان المبتاع اكتال طعامًا، وإلا فليكتله له قبل أن يتفرقا. وإن ابتعت بدانق ملحًا أو فاكهة، فلا تدفع فيه طعامًا، وادفع درهمًا، وخذ ببقيته طعامًا، أو تأخذ بجزء بعد جزء من الدرهم حتى يعم درهمًا، فيؤديه، وإذا قبضت ثمن طعام من رجل، فلا تبتاع به منه في المجلس طعامًا. وإن بعت بدينار قمحًا من رجل، ثم جنيته، أو ابتعت منه بدينار تمرًا، فأراد بعد مقاصتك؟ قال مالك: لا أحبه، وليرد الثمن الذي اشترى. قال ابن القاسم: بل يؤدي دينار التمر، ويأخذ منه ثمن قمحه، وإن رد إليه ذلك الدينار بعينه، كما لا تستعمل غريمك بدينك عليه، ولكن تستعمله بدينار تدفعه إليه، ثم يقضيك إياه. [6/ 29]
ومن الواضحة: ومن ابتاع بدرهم لحمًا، أو طعامًا، فوجد درهمه ناقصًا، فقال للبائع: خذ بما نقص من اللحم أو من الطعام لم يجز. ودخله أربعة أوجه: بيعه قبل قبضه، والأخذ من ثمن الطعام طعامًا، والتفاضل بين الفضتين، والتفاضل بين الطعامين، ولو كان غير الطعام دخله الفضل بين الفضتين، وكذلك لو رد فلوسًا، ولو كان هذا بعد أن قبض الطعام، دخله كل ما تقدم إلا بيعه قبل قبضه. قول ابن حبيب في هذه المسألة: يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعامًا. قال ابن المواز: لا يدخل ذلك فيما كان قبل التفرق. وهذه المسألة قد ذكرتها في الصرف، باب من أخذ من المجموعة أزيد أو أنقص، وما ذكر فيها في العتبية، وكتاب ابن المواز. قال ابن حبيب: ومن استهلك لرجل زرعًا استحصد أو لم يستحصد، أو طعامًا جزافًا، فأجاز أن يصالحه من الطعام بما شاء من صنفه، وغير صنفه، وبما شاء من عرض. نقدًا كله، وهذا إن كان الاستهلاك معروفًا، أو بحريق ظاهر، أو غيره، وإن كان بالغيبة عليه، والانتقال له، لم يجز صلح على طعام. ومن باع طعامًا بثمن مؤجل، فلا يأخذ به جبحًا فيه نحل، إذ لا يخلو من عسل، إلا أن يكون فيه عسل لا يعتد به، فلا بأس بذلك. ومن العتبية، قال ابن القاسم: قال مالك: ولا بأس أن يأخذ الرجل النوى، والقصب، والتبن، من ثمن طعام، وكذلك في سماع أشهب. وبعد هذا باب في شرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا، في الجزء الثاني من البيوع. [6/ 30]
في بيع الطعام من بيعه قبل قبضه وربح ما لم يضمن
الجزء الثاني من البيوع في بيع الطعام من بيعه قبل قبضه وربح ما لم يضمن من كتاب محمد: قال مالك: ومعنى ما نهى عنه من ربح ما لم يضمن إنما في الطعام خاصة عند أهل المدينة، وقد خصه النبي عليه السلام بالذكر، في النهي عن بيعه قبل قبضه. ومن الواضحة: قال ابن حبيب: وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة إلى أن كل مبيع على كيل، أو وزن، أو عدد، من غير الطعام، لا يجوز بيعه قبل قبضه، كالطعام، وجعل العلة الكيل والوزن؛ لأن جزاف الطعام يجوز بيعه قبل قبضه. وروي ذلك عن عثمان، وابن المسيب، والقاسم، وسالم، وربيعة، ويحيى بن سعيد. قال: وروي النهي عن ربح ما لم يضمن. وقال عن ابن حبيب: ظاهر هذا بيع ما في ملك غيره. [6/ 31]
ومن كتاب ابن المواز قال: ومن ربح ما لم يضمن أن يبيع لرجل شيئًا بغير أمره ثم يبتاعه منه وهو لا يعلم بفعلك بأقل من الثمن. وكذلك بيعك لما ابتعت بخيار، لا تبيعه حتى يعلم البائع أو تشهد أنك رضيته وإن لم تعلمه، فربح ذلك للبائع. قاله ابن القاسم، إن أقررت أنك بعت قبل خيار؛ لأنه في ضمان البائع. وإن قلت: بعت بعد أن اخترت صدقت مع يمينك، ولك الربح. قال ابن القاسم: ومن باع طعامًا من بيع قبل استيفائه، فقبضه مبتاعه، وغاب عليه، ولم يقدر عليه ليرده، فإنه يؤخذ الثمن من البيع الآخر، فيبتاع به طعامًا مثله فيقبضه، فإن نقص عن مقدار طعامه، فله اتباع الغائب بما نقص، وإن فضل شيء من الثمن، أوقف ذلك للغائب، فيأخذه إن جاء، وإن كان كفافًا برئ بعضهما من بعض. ومن الواضحة: وكل ما ارتزقه القضاة، أو الكتاب، أو المؤذنون، أو صاحب سوق من الطعام، فلا يباع حتى يقبض، وما كان لصلة، أو عطية من غير عمل، فذلك فيه جائز، وإنما ينهى عن بيع صكوك الجار - وهي عطايا من طعام - فإنما نهي مبتاعها عن بيعها قبل القبض، ولم ينه من أعطيت له. ومن العتبية: أشهب، عن مالك، فيما فرض عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من الأرزاق من طعام، فلا بأس ببيع مثل هذه الأرزاق قبل قبضها. وكذلك طعام الجار. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: وللرجل بيع ما وهب له من طعام أورثه قبل قبضه، وكذلك ما يؤخذ في الأرزاق، فأما ما يأخذ الكتاب في أرزاقهم منه، فلا يباع حتى يقبض. [6/ 32]
قال مالك في الواضحة: ولا يبيع طعامًا من كتابة مكاتبك من غير المكاتب قبل قبضه، إلا أن يكون يسيرًا تافهًا بيع مع غيره مما كاتبه عليه، فلا بأس به. قال مالك: وكل طعام من بيع ورثته، أو وهب لك، أو تصدق به عليك، أو أعطيته سلفًا، وأخذته قضاء من سلف، فلا تبعه حتى تقبضه، وأخفه عندي الهبة والصدقة. وقاله عمر بن عبد العزيز في الميراث. ومن العتبية: روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم، في من مات وله طعام من سلم، فلا يجوز لورثته أن يصالحوا فيه على أقل من رأس المال، وأما أقل من الطعام، فجائز. ومن الواضحة: وكره مالك أن يقول لغريمه: تعال حتى أشتري طعامًا من فلان، ثم أقضيكه، لوجهين: وجه كأنه له اشتراه، فكأنه قضاه دراهم واشتراه لنفسه فيدخله أنه قضاء له قبل قبضه، ولا ينبغي للطالب أن يدله على طعام يبتاعه لقضائه، أو يسعى له فيه، أو يعينه عليه، أو يجعل له فيه. نهى عنه ابن المسيب، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وابن شهاب، ومالك. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب، عن مالك: من أسلم في طعام، ثم أسلم إليه في طعام ينوي أن يقضيه من هذا، فلا خير فيه، وهو الذي نهى عنه سعيد بن المسيب. ومن المجموعة، قال أشهب في قول ابن المسيب: إذا كان لك قبل رجل طعام من بيع، ثم بعت أنت طعامًا، صار في ذمتك، ونويت أن تعطيه من الطعام الذي لك من بيع، فنهى عن ذلك. قال أشهب: لا بأس أن يقضيه منه [6/ 33]
ما لم يشترط ذلك ولا تضره النية كما لو نوى أن يشتري طعامًا يوفيه منه، أو مما لم يبد صلاحه من الحب. قال مالك: لم يكن بالحجاز أعلم بالبيوع في التابعين من ابن المسيب، ومنه أخذ ربيعة علم البيوع، ولم يكن بالمشرق أعلم بهذا من محمد بن سيرين. ومن الواضحة: ومن قال لرجل: تقاض طعامي على فلان، ولك ربعه ما تقتضي. لم يجز، وهو بيع له قبل قبضه، وكل ما ابتعت على كيل أو وزن. وفي المختصر: أو عدد من إدام، أو بقل، أو شراب - عداء الماء - فلا يباع حتى يقبض. وكذلك جميع التوابل، والثمار، والقرح والخردل، لأنه طعام. فأما الحرف والحلبة والبذور والبقول وبزر ثمر البحاير ونحوها، فلا يجرم ذلك فيها. قال مالك: وزيت الفجل، وزيت السمسم لا يباع حتى يقبض. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن أحلته على طعام من بيع أسلفته إياه، أو قضيته من قرض، فلا يبيعه المحتال قبل قبضه، إلا أن يأخذ منه مثل رأس مال المحيل، فذلك كالإقالة، فتجوز، ثم لا تأخذ منه أنت فيه ثمنًا إن كنت أقرضته إياه، وكذلك لو صار إليه منك بصدقة، أو ميراث، فلا تبيعه قبل قبضه، وإن أحلت من له عليك طعام من بيع، على طعام لك من قرض، فلا تبيعه قبل قبضه، إلا أن يأخذ منه مثل رأس ماله، ولو أقرضك إياه رجل استقرضته منه، وأمرته، فقضاه له عنك، جاز لك أن تعطيه فيه ثمنًا، لأن هذا قرض، وطعام البيع قد قبض. ومن استقرضك طعامًا، فأحلته على طعام لك من بيع، فقبضه، فأردت بيعه منه، فقال مالك مرة: أما الشيء اليسير من الكثير فلا بأس به، وكأنه وكيل على قبضه. وقال قبل ذلك: لا خير فيه، ولم يحد يسيرًا من كثير. ومن لك عليه طعام من بيع، فابتاع طعامًا، ثم أحضرك حين قبضه، ثم أعطاك إياه بكيله، [6/ 34]
فذلك جائز، وكذلك لو لم يحضر، فأخذه على تصديق الكيل، ما لم يكن موعدًا مثل أن يقول اشتراه، وأنا آخذه بكيله. وذلك كله إن حل، وإلا لم يجز. وقيل عنه: لا يأخذه منه على تصديق الكيل، ولا أن يحضره فيأخذه بكيله، فقد كرهه، وأجازه ابن القاسم، إلا في الموعد. وكره مالك بيع طعام إلى أجل على تصديق الكيل للذريعة للربا إن يدان على هذا، وكذلك لو حضر كيله. قال: وما وجد من نقص بين، أو زيادة بينة، فللبائع وعليه. قال ابن عبد الحكم: ومن باع من نصراني طعامًا، فباعه النصراني قبل أن يقبضه، فلا أرى للبائع أن يكيله حتى يحضر صاحبه، ثم يصنع به بعد ما شاء. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن كتاب محمد: قال مالك: وإذا وكلك رجل على بيع طعام، فأراد من لك عليه طعام من بيع أن يبتاع منك من الطعام الذي بعته لغيرك، لقضيك منه، فلا خير فيه. قال في العتبية: نقدًا، أو إلى أجل، فنقصك منه، فلا خير فيه، ولكن لو أرسل إليك رسولاً، يبتاع له منك، وأنت لا تعلم، ففعل، ثم جاء فقضاك، فلا بأس به، ولكن أكرهه للذي قضاك. قال مالك: وأكره للغريم أن يقول للوكيل على قبض طعام منه: بعني من طعامك بالوكيل، واقبضه لصاحبك. قال في المجموعة: فلا يعجبني. [6/ 35]
باب قضاء الكفيل واقتضائه وصلحه وتعديه وغير ذلك من مسائله
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم: ومن لك عليه طعام من سلم، فحل، فقال له: بعني طعامًا مثله أقضيكه، فإن ابتاعه منك بمثل رأس مالك، فهي إقالة، وإن كان بأكثر، فهو ربا، وإن كان بأقل، فهو بيعه قبل استيفائه. باب قضاء الكفيل واقتضائه وصلحه وتعديه وغير ذلك من مسائله وما يدخل ذلك من بيع الطعام قبل قبضه من كتاب ابن المواز: وإذا قبض الكفيل الطعام، فباعه ولم يؤمر بالقبض، فأتى الطالب واتبع الغريم، فللغريم أخذ الكفيل بطعامه، فإن صالحه على الثمن أو أقل منه أو أكثر، فجائز - يريد محمد: لأنه قبضه على الاقتضاء، ولو قبضه على الرسالة، كان له أخذه بثمنه، أو تضمينه مثل الطعام. قال: ولو كان أكله، أو كان الطعام حاضرًا، جاز له بيعه منه ومن غيره، بخلاف الطالب يرضى بقبضه، لا أن يكون وكله على قبضه، فله بيعه، فذلك القبض منه ومن غيره، ولو أغرم الطالب الكفيل مثل الطعام الذي باعه، فللغريم أخذ الثمن، ويعطيه طعامًا كما غرم، إن كان جعله رسولاً، وإن قبضه منه مقتضيًا، فليس ذلك له، ولو دفع إلى الكفيل دنانير ليبتاع له طعامًا، ويقضيه عنه، فطلبه أن يعطيه طعامًا من عنده، وأعلم بذلك الغريم، فرضي، لم يجز حتى يقبضه منه الغريم، أو يوكل من يقبضه منه، ثم يقضيه عنه. محمد: وللكفيل شراؤه من غيره، وقضاؤه بغير محضر الغريم، ولو دفع الكفيل الطعام من عنده بغير أمر الغريم، وحبس الثمن، فأجاز ذلك الغريم لما علم، فذلك جائز؛ لأنه سلف من الكفيل، باعه منه الآن بذلك الثمن، وكذلك لو لم يكن قبض الثمن من الغريم، جاز أن يأخذ منه الثمن. [6/ 36]
ومن الواضحة: ومن تحمل بطعام من بيع، أو قرض، فأخذ به، فقضاه، فإن اشترى للطالب طعامًا بثمن أخرجه، فليرجع بمثل الثمن، وإن قضاه طعامًا من عنده، لم يرجع إلا بالطعام. وكذلك في العتبية عن ابن القاسم. وإن تحمل بطعام من قرض، جاز للحميل شراؤه لنفسه، وإن صالح منه عن الغريم أو قضاه عنه وصالح عنه بعرض مخالف لما عليه، أو بدراهم، فذلك جائز، والغريم مخير: إن شاء دفع ما عليه، وإن شاء دفع إليه ما ودى عنه من دراهم، أو طعام مخالف له، أو قيمة العرض، ولا يدخله طعام بطعام مؤخر؛ لأنه إنما صار بيعًا يوم رضي به المطلوب، فحينئذ لا يتأخر كحميل بدينار دفع دراهم، فالمطلوب مخير، ولا يكون صرفًا مؤخرًا. وقاله كله ابن كنانة، وابن القاسم، ثم رجع ابن القاسم، فقال: لا يصالح عنه بما يكون فيه مخيرًا عليه، إلا أن يؤدي عرضًا يرجع إلى القيمة عن مال تحمل به، فيأخذه بالأول، والأول أبين؛ لأنه لم يعامل المتحمل به على شيء، وهو كمن ودى عن غريم شيئًا، فإن شاء رضي وودى مثل ما ودى عنه، وإلا ودى ما عليه، ثم لا رجوع للحميل فيما عمل مع الطالب، إذ ليس في ذلك فساد، ولو اشتراه لنفسه، حمل على ما يحل ويحرم في البيع؛ لأن الطالب حينئذ بائع غير مقتض. ومن كتاب محمد: ابن القاسم: ومن تحمل لك بطعام من سلم، على أن يوفيكه الغريم بالفيوم، فلما حل، وكلت الحميل على قبضه، فجعل يقبضه، وجاء به إلى حلوان، فلقيته بها، وقال لك: خذ قمحك، وادفع إلي الكراء، فهذا لا يجوز. قال ابن القاسم: وليرد قمحك حتى يأخذ منه بالفيوم. يريد: لأنه ضمنه بتعديه إلى حلوان. قيل له: فإن هلك الطعام؟ قال: هو من بائعه. [6/ 37]
فيمن ابتاع طعاما جزافا أو نصف ثمره أو نصف صبرة أو استثنى مما باع
فيمن ابتاع طعامًا جزافًا، أو نصف ثمره، أو نصف صبرة، أو استثنى ما باع، أو أسلم في ثمرة بعينها، أو في لبن غنم، أو ابتاع ثمرة غائبة، هل يبيع شيئًا من ذلك قبل قبضه؟ وكيف إن أسلم في لحم أو رطب، فزال إبانه، أو نقصت الصبرة عما شرط، أو أداه عرضًا فلم يف له بما شرط من الأقفزة؟ من كتاب محمد: قال مالك: من اشترى نصف ثمرة جزافًا، أو نصف صبرة، فلا بأس ببيع ذلك قبل أن ينقل، وأحب إلي أن ينقل قبل البيع، لحديث ابن عمر، ولا أراه حرامًا. وكذلك الصبرة يشتريها، إلا أنها في ضمانه بالعقد، فقد استوفى، وعلى ذلك من أدركت. قال ابن القاسم في العتبية: وقد كان مالك يقول: إذا اشترى جزعًا من ثمرة، فلا يبيعه حتى يقبضه. ثم رجع عن ذلك. ومن كتاب محمد: وإذا ابتاع رجلان صبرة، أو جرة سمن، فأربح أحدهما الآخر في ذلك قبل القبض، فذلك جائز، إلا أن يشتريا على كيل أو وزن. قال مالك: ومن باع كرمه، وأسمى سلالا أقل من الثلث، أو من الثمر مائة صاع يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، فباع المشتري الثمر كله، فعليه ثمر مثله يشتريه له. ولا يأخذ بذلك صنفًا آخر من الطعام، إلا أن ينقطع أصلها، وله أن يأخذ ذلك دراهم. أو عرضًا معجلاً. ومن ابتاع ثمر حائط غائب عنه لم يره، لم يجز أن يبيع منه شيئًا؛ لأنه في ضمان البائع بعد، حتى يراه المبتاع ويرضاه. [6/ 38]
ومن باع ثمر حائطه، واستثنى منه كيلاً، يجوز أن يستثنيه. وقد كره مالك بيعه قبل قبضه، ثم رجع فأجازه. وكذلك وهب ذلك أو أقرضه، جاز أن يباع قبل القبض. ومن ابتاع لبن غنم بأعيانها شهرًا، فأراد بيعه قبل أن يحتلبه، فنهى عنه ابن القاسم، وأجازه أشهب. ويقول ابن القاسم: أخذ محمد، قال: لأنه في ضمان البائع حتى يقبض، فهو من بيع ما لم يضمن من الطعام. ومن المجموعة، مالك: ومن أسلم في ثمر حائط بعينه، فأخذ كل يوم كذا وكذا، فلا يبيع ذلك ولا شيئًا منه حتى يقبضه، كمبتاع صبرة أو بعضها على الكيل، ولو ابتاع جميع الحائط، أو نصفه، أو عدد نخلات بلا كيل، فله بيع ذلك قبل يجذه؛ لأنه صار في ضمانه بالبيع، فذلك قبض. ومن كتاب محمد: ومن أسلم في لحم ضأن، يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، فانقطع وقته، فقد وجبت المحاسبة، وله أن يأخذ باقي رأس ماله لحم بقر أكثر أو أقل، أو ما شاء سواه نقدًا. فأما أن يأخذ لحم بقر على ما كان يأخذ كل يوم بوزنه، فلا يجوز، إلا أن يأخذ جميعه مكانه، وكذلك ما ينقطع مما يسلم فيه من رطب ونحوه فأخذ بما بقي له شيئًا غيره فلا يجوز فيه التأخير. وفي الباب الذي بعد هذا ذكر الصنف من الحرث ينقطع إبانه. وقال: وكذلك إذا أسلم في لحم ضأن، فانقطع وقته، فله أن يأخذ برأس ماله أو ببقيته لحم بقر، أو معز رطلين برطل، أو معزى حية. وكذلك يأخذهما فيما زال وقته من العنب زبيبًا أو عنبًا مشتويًا رطلاً برطلين بعد العلم بما بقي من الثمر - يريد محمد - على قول من يرى أن ليس لهما إلا المحاسبة فيما ليس من حائط بعينه من الثمر. محمد: وقال مالك مرة: يتأخر الذي بقي له إلى إبان قابل. ثم قال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله. قال ابن القاسم: له أن يؤخر، وله أن يتعجل بقية رأس ماله، وفسخه أحب إليَّ. [6/ 39]
قال أشهب: لا يجوز فيه التأخير، وليس له أن يأخذ إلا بقية رأس ماله. قال ابن حبيب: أما إذا أسلم فيما له إبان، فانقطع وليس من شيء بعينه، فروي عن مالك، أن له أن يتأخر، أو يتعجل باقي رأس ماله. وقال بعض أصحابه - وقاله أصبغ -: من شاء المحاسبة، فذلك له، إلا أن يجتمعا على التأخير. قال ابن حبيب: وفي التأخير مغمز؛ لأنه إذا ملك تعجل ما له، صار التأخير دينًا من دين، والقول بالتأخير عن اجتماعهما، أو بغير اجتماع استحسان من قائله من أصحاب مالك، ولا أحب أن يأخذ ببقيته طعامًا إن طلب المحاسبة، لأن فيه مغمزًا من أخذ طعام نقدًا من طعام مؤخر. محمد: وأما الحائط بعينه يسلم فيه فيفرغ قبل يقبض، فليس له إلا رأس ماله، أو يأخذ به ما يتفقان عليه نقدًا، لا يجوز تأخيره. قال ابن حبيب: لم يختلف في هذا. قال محمد: وكذلك صبرة يشتري منها كيلاً، فلا يجد فيها تمامه، أو المسكن ينهدم قبل المدة في الكراء وشبهه. قال مالك: وإن أسلم في عنب، فانقطع، فأراد أن يأخذ شتويًا، فلا يصلح إلا أن يأخذ جملة قبل أن يفارقه. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع مائة إردب من طعام بعينه، ونقد الثمن، فلم يجد فيه إلا ثمانين، فله أن يأخذ بثمن العشرين ثمرًا، أو غيره، أو عرضًا، ولا يؤخره فيصير دينًا بدين. ومن كتاب ابن سحنون: من سؤال حبيب، ومن عرض قمحًا، أو زيتًا بشيء في يده منه، فيواجبه على أقفزة معلومة، ثم يقول: ما عندي من شيء، أو هو لغيري. وأبى أن يبيع، قال: إن أقام بينة أنه لا شيء عنده منه، أو أنه لغيره، وإلا لزمه أن يأتي بالأقفزة التي باع منه. [6/ 40]
في توكيلك من له عليك طعام على شرائه وقبضه، أو وكلت من لك عليه طعام على قبضه
في توكيلك من له عليك طعام على شرائه وقبضه أو وكلت من لك عليه طعام على قبضه أو على التوكيل على قبضه، أو وكلت غائبًا من كتاب ابن المواز: ومن له عليك طعام من بيع قد حل، فأعطيته دراهم ليشتري بها مثل ما عليك، لم يجز، إلا أن يكون مثل رأس المال، لا أنقص ولا أزيد في الطعام، وفي العرض مثل رأس المال فأقل، ولا يجوز أكثر، فإن أخذ في هذا أو هذا ما ذكرنا أنه لا يجوز، وزعم أنه ابتاع به مثل الذي له وقبضه، وإن كانت له بينة أنه ابتاع ذلك باسمك، ثم قبضه وفات بعد ذلك بينكما، وإن لم يكن إلا قوله، لم يجز، ورد ما أخذ، وطالب بحقه، إلا أن يأخذ ما ذكرنا أنه يجوز. قال أشهب: إن دفع إليه من الطعام مثل رأس المال أو أقل، ليشتري لنفسه، فزعم أنه فعل وقبض حقه، أجزت ذلك، وإن زعم أنه بقي له شيء يكون أكثر من رأس ماله لم يصدق، ونقضت ذلك بينهما. قال في المجموعة: لأنه إن أعطاه ما بقي طعامًا، أو دراهم يبتاع بها ما بقي له، فقد صار بيعًا ويدخله الربا في الزيادة على رأس ماله إن أخذ أكثر. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ولا يجوز أن توكل الذي لك عليه الطعام أن يوكل من يقضيه منه، فإن فعل، فأشهد على وكيله، فجائز، فإن أمره ببيعه، لم أحب ذلك، فإن نزل لم أفسخه. قال أشهب في المجموعة: ولا يوكله يقبضه له من نفسه، وإن أشهد الذي عليه الطعام بذلك القبض، فلا يعجبني. [6/ 41]
فيمن له طعام من بيع فأخذ فيه صنفا آخر أو دقيقا من قمح أو يأخذ أقل من الكيل أو أكثر
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا تطلب غريمك أن يكيل طعامك، ويعزله ويبيعه لك، ولو اشتراه لك من غيره فاستوفاه، فلا بأس أن تبيعه من غيره - يريد: وكل على أن يسلم في طعام. قال أشهب: وإن قلت له: وكل فلانا على قبضه منك، فإذا قبضه فبعه أنت، فهذا أخف، وتركه أحب إلي، ولو قلت له: قد وكلت أنا فلانًا، فأعلمه، فإذا قبضه فمره ببيعه، أو بعه أنت. فذلك جائز، وإن لم يكن على ذلك إشهاد، يريد محمد في القبض والبيع. قال: والإشهاد أحب إلينا، ومن لك عليه دراهم، فأعطاك عرضًا أو طعامًا، لتبيع وتستوفي، فجائز، وأكره الدنانير والفلوس يعطيكها، تبيع وتستوفي. فيمن له طعام من بيع فأخذ فيه صنفًا آخر أو دقيقًا من قمح، أو يأخذ أقل من الكيل أو أكثر أو أخذ ما لا يحيى من الطير صنفًا منه أو من غيره أو انقطع إبانه وفي تعجل الطعام بغير البلد من كتاب محمد: قال: وكره مالك أن يأخذ من قمح، أو سلت، أو شعير، من بيع إن حل دقيقًا. قال أشهب: وأراه كرهه للاختلاف، إن ابن أبي سلمة وغيره يجيز الدقيق بالقمح متفاضلاً، ويتأول أن طحينه صنعة، ومكحول لا يجيزه بحال. قال ابن الماجشون في الواضحة: إنما يجيزه مالك في المبادلة فيما قل ويكرهه فيما كثر. وقد ذكرنا هذا في باب بيع الطعام بالطعام. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا يأخذ من قمح شعيرًا أقل كيلاً وإن حل، ولو أخذت خمسين شعيرًا من مائة قمحًا، على أن تبقى لك خمسون قمحًا، ثم تركت له القمح، جاز إن صح أصل القبض، وكذلك قمحًا من شعير، وسمراء من بيضاء، وإن أخذت مكانك خمسين شعيرًا، وخمسين قمحًا، جاز. وكذلك [6/ 42]
سمراء وبيضاء من أحدهما ما لم ينقص الكيل ولو كفًا واحدًا. قال مالك: ومن اشترى زيتًا أو زبيبًا - يريد: على كيل أو وزن، قال في المجموعة عن مالك: تينًا أو بطيخًا، كيلاً أو وزنًا، فأراد أن يأخذ مكان التين عنبًا أو بطيخًا قبل قبضه، لم يجز. قال أشهب، عن مالك: ولو دفع الثمن في التين، ثم قال: زن لي بنصفه عنبًا أو بطيخًا، وبنصفه تينًا، فأرجو أن يكون خفيفًا. قال محمد: لا خير فيه، وهو سواء، ومحمل هذا: أنه دفع الثمن من غير إيجاب. وروى ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك، فيمن ابتاع بدينار قمحًا، ثم سأله أن يعطيه بنصفه عدسًا، قال: لا يجوز. قال مالك: ومن اشترى بدرهم زيتًا، فلم تسعه بطته، فأراد أن يأخذ بما بقي له طعامًا، أو يرتجعه ثمنًا، فلا يعجبني. قال في باب الإقالة: إذا ابتاع بدرهمين زيتًا، فقبض بدرهم، وأقال من درهم، فإن لم يتفرقا، فذلك جائز. قال أشهب: ومن اشترى عشرة أرادب من صبرة بعينها، فلما اكتال خمسة منها، تراضيا على أن يعطيه ما بقي من صبرة أخرى أدنى منها، أو أجودها، أو شعيرًا مثل المكيلة مكانه، فذلك جائز. وروي نحوه عن مالك أيضًا. ومن العتبية: عيسى، عن ابن القاسم: ومن له مائة أردب قمح من بيع، فأخذ بتسعين قمحًا، وعشرة شعيرًا أو دقيقًا، فإن حل الأجل، فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن لك عليه طعام من بيع، فلا تأخذه قبل الأجل أزيد كيلاً، وتؤدي للزيادة شيئًا، أو لا تؤدي، أو أقل كيلاً، ويأخذ [6/ 43]
شيئًا أو لا تأخذ، وإن حل الأجل، جاز أن تؤدي في الزيادة ثمنًا نقدًا، أو إلى أجل إن اتفقت الصفة، وإن كان أجود صفة، أو أردأ، لم يجز لك شراء الزيادة، إلا أن تكون بغير شرط مثل أن تقضيه جميع كيله شعيرًا بغير شرط، ثم تشتري منه فضله ذلك ما لم تتعاملا على ذلك، ولو أخذ أجود صفة وأقل كيلاً أو وزنًا، لم يجز بحال. قال: وإن أسلمت فيما لا يستحيا من الطير، فلك أن تأخذ بعد محل الأجل صنفًا آخر مما لا يحيى تحريًا، ولا تأخذ مما يستحيا فيدخله بيع اللحم بالحيوان، ولا تأخذ غير الطير، فيكون بيع الطعام قبل قبضه، ولا تأخذ ما لا يستحيا مما يستحيا وإن حل، ولك أخذ صنف آخر مما يستحيا، أكثر أو أقل، حل الأجل أو لم يحل، أو عرضًا أو حيوانًا غير الطير، أو طعامًا، وتأخذ لحم الطير بعضه من بعض ما يستحيا، وما لا يستحيا؛ لأنه لحم كله، ولك أن تأخذ من صنف من الحوت: من سلم صنفًا آخر منه بعد الأجل تحريًا، مثلاً بمثل. فإن انقطع إبان ذلك الصنف، جاز أن يأخذ بقية رأس مالك، أو تأخذ به ما شئت، أو صنفًا من الحوت أكثر منه وأقل. ومن أسلم في لحم ضأن، يأخذ كل يوم وزنًا معلومًا، فله أن يأخذ في يومه لحم بقر، ولا يتعجل منه في ذلك اليوم أكثر مما شرط. ومن الواضحة، قال: وإذا شرط أن يأخذ كل يوم من اللحم كذا، وأخذ يومًا أكثر من الشرط، وودى ثمن الزائد، فإن كان ما أخذ مثل صنف شرطه، فجائز، وإن كان بخلاف الصفة من سمن اللحم، أو عظم في الحيتان، أو صنفًا من اللحم غير ما له عليه، لم يجز أن يشتري منه زيادة في الوزن، ولو جاء بمثل الوزن دون الصفة، أو خلاف الجنس، ويعطيه معه عرضًا أو عينًا، لم يجز، ولا يأخذ أكثر وزنًا وأدنى صفة، ويأخذ ثمنًا، ولو سأله أن يعجل له شرطه ليومين أو ثلاثة، جاز ما لم يعطه أدنى صفة أو أعلى، فلا يجوز. [6/ 44]
ومن العتبية: قال سحنون، عن ابن القاسم: وإذا أسلم في مائة طير أحياء، مما لا يستحيا فأخذ عند الأجل من صنفها دون عددها، فذلك جائز، وإن أخذ من غير صنفها أقل عددًا، فلا خير فيه، إلا أن يأخذ دونها في العدد من غير صنفها من الطير مما لا يستحيا على التحري، أن يكون مثل المائة، وأكره الحي منه بالمذبوح، ويجوز الحي منه بالحي، على التحري في المماثلة. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في عشرة أرطال لحم، فأعطاه جزرة فيها خمسون، فإن كان على صفة، فالبقية أفضال جائزة. قال أصبغ: والجزرة مذبوحة مسلوخة، وقد حل ما عليه، ولا يجوز إن كانت حية. ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن لك أو يؤخره فلا يجوز هذا، ومن لك عليه سمراء من قمح البحيرة - محمد: من قرض أو بيع - جاز أن تأخذ منه بيضاء من قمح البحيرة، وليس بمصر سمراء، وإنما تفترق السمراء والبيضاء بالمدينة. محمد: إنما هو جائز في القرض، فأما من بيع، فلا تأخذ قبل الأجل أجود ولا أدنى. ولو أسلم في صفة من قمح مصر، فاستغلاه، فجعلها له أجود من صفته إلى أجل، أو أوجب له بقية من غلته، أو بيضاء من سمراء، فذلك جائز، بعد أن تكون مصرية كلها. قال أصبغ: لا يعجبنا هذا من قول ابن القاسم. محمد: بل ذلك جائز إذا كانت للصفة، وإنما فضله بالجودة. [6/ 45]
في الإقالة والشركة والتولية في الطعام من بيع
في الإقالة والشركة والتولية في الطعام من بيع من الواضحة: قال: الإقالة والشركة والتولية في الطعام مستخرجة برخصة الرسول عليه السلام، من نهيه عن بيعه قبل قبضه، كما أخرج بيع العرية من بيع التمر قبل بدو صلاحه، والحوالة من نهيه عن بيع الدين بالدين. قال: وكل ما بيع من الطعام بعرض، يرجع فيه إلى القيمة، لا إلى المثل، لم تجز فيه الشركة ولا التولية، لا بالقيمة ولا بالمثل، وتجوز فيه الإقالة، والعرض قائم، فإن فات، لم تجز الإقالة، وإن كان عرضًا يكال، أو يوزن، جازت فيه الإقالة، والشركة والتولية مثل ما يجوز في العين. ومن المجموعة: قال أشهب: إذا كان رأس مال الطعام عرضًا يكال ويوزن، فهلك العرض، فالإقالة بعد هلاكه جائزة إن كان المثل حاضرًا عندك، ولا يجوز أخذك أرفع منه أو أدنى في وزن أو صفة، ولا يؤخره به، ولم يجز ابن القاسم الإقالة بعد هلاك ذلك، وإنما اختاره في الإقالة من طعام قبضه، ثم أفلت منه بعد هلاكه. قال أشهب: ولو كان رأس المال عرضًا يوزن أو يكال، إلا أنه جزاف، فلا تجوز بعد غيبته عليه إقالة، ولا تولية، ولا شركة، إلا أن يوقن أنه بعينه، لا زيادة فيه ولا نقصان، فيجوز ذلك كله فيه. قال ابن القاسم، عن مالك: ولا تشترك في طعام ابتعته وهو غائب عنك، إلا أن يكون حاضرًا. [6/ 46]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تقيل من طعام غائب ابتعته، ويدخله الدين بالدين، ولا توليه لأحد. وقاله كله مالك في الواضحة، قال: ولا يشرك فيه. ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى شهر، ثم أقاله بعد الشهر من خمسة، ورد أحد الثوبين، فإن استوت قيمة الثوبين، جاز، وإلا لم يجز. وقال سحنون في المجموعة: أخاذ أن يكون بيع الطعام قبل استيفائه؛ لأنه قد يدخله الغلط في التقويم، وقد كره ابن القاسم بيع أحد الثوبين مرابحة، وقد ابتاعهما في صفقة. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في قمح، فاستقال منه بعد محله، فقال له البائع: خذ بعضه فبعه، فما وضعت فيه وديته إليك مع بقية قمحك، فهو جائز، كما لو دفع إليه جميعه، وضمن له ما اتضع في جميعه. ومن الواضحة: فما اشتريت من طعام بعينه غائبًا بعيد الغيبة، فلا تجوز فيه الشركة ولا التولية ولا الإقالة، ويدخله الدين بالدين مع بيعه قبل قبضه، وإن كان حاضرًا بعينه وقد ابتعته بثمن مؤجل، لم يجز فيه الشركة ولا التولية، لا نقدًا ولا إلى أجل بعينه. ومن كتاب محمد: وإذا أقلت من طعام، ورأس المال عرض بعينه، ثم وجد قد تلف، بطلت الإقالة، ثم لا يجوز أن يتاقيلا قبل قبض الطعام، وكذلك لو كان بعينه مما يكال أو يوزن، فلا يؤتى بمثله، وتبطل الإقالة كالبيع، أن لو هلك قبل الكيل بطل البيع. قال مالك: وإن ابتعت طعامًا بعينه، على الكيل بثمن مؤجل، فلك أن توليه أو بعضه وتشرك فيه إذا أخرته بالثمن إلى أجله. [6/ 47]
وقال ابن القاسم في بعض مجالسه: لا تجوز فيه التولية. قال أشهب: لا يجوز فيه إلا الإقالة وحدها. قال أشهب: كمن له طعام من إجارة، أو ابتاعه بعرض، فلا يصلح فيه إلا الإقالة، فإن فات العرض، أو تغير بزيادة أو نقص، أو تم عمل الأجير كله، لم تجز الإقالة فيه أيضًا. قال ابن حبيب: لأن الأعمال من الناس تختلف. قال أشهب: فإن عمل بعض العمل، جاز أن يقيله مما بقي، إذا أحيط بمعرفته، وإن لم يعمل شيئًا، جازت الإقالة من الجميع. قال ابن حبيب فيمن ابتاع طعامًا حاضرًا بعينه، على كيل أو وزن أو عدد بثمن مؤجل، فلا تجوز فيه الإقالة قبل قبضه. قال في كتاب الشركة: ولا تجوز فيه الشركة، ولا التولية لا بنقد ولا إلى أجل بعينه، بخلاف ما في الذمة مما ينقد ثمنه، لأنه لا يجوز له تعجل الثمن، فيصير بيعًا والذمتان لا بد أن تختلفا في الملأ، ويختلف منهما القضاء. وقاله ابن الماجشون، وأشهب. وذكره ابن عبدوس، عن أشهب. قال ابن حبيب: وإن كان الطعام من إجارة أو كراء، لم يجز فيه شرط ولا تولية، انقضت المدة أو لم تنقض، عمل أو لم يعمل. ثم ذكر في الإقالة مثل ما ذكر ابن المواز، عن أشهب. وقال أشهب: مثله كله في المجموعة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن أشركته في طعام ابتعته، على أن أشركك في طعام ابتاعه، لم يجز ذلك. ومن المجموعة: ابن نافع، عن مالك: وإذا كان لرجلين لكل واحد منهما قمح على رجل على حدة، من بيع، فقال كل واحد منهما للآخر: ولني نصف طعامك وأوليك نصف طعامي لم يجز. قال أشهب: إذا أسلم رجلين في طعام فولى أحدهما رجلين أو أشركهما أو وهبه لهما أو ورثاه فلكل واحد منهما أن يقيل [6/ 48]
البائع من جميع ما صار له لا من فضل ما صار له أو يقيلاه جميعًا فذلك جائز. وكذلك رجل له طعام من بيع فولى رجلاً نصفه أو ثلثه فلكل واحد منهما أن يقيل من جميع حظه منه لا من بعضه أو يقيلاه جميعًا فيجوز. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن أسلم في طعام دينارًا فأشرك في نصفه فأحب إلي يأتي بدينار فيقبض هذا المشرك نصفه ويرد نصفه وكذلك في الواضحة قال: ولكل واحد من الرجلين أن يولي صاحبه مصابته أو يشرك معه فيها، ثم لا يقيل أحد منهم البائع إلا من جميع نصيبه. ومن كتاب ابن المواز: وإن أسلم في طعام من أصناف مختلفة، وعروض في صفقة، لم يجز أن يقيله من صنف من الطعام ولا الثياب، ولا بأس أن يولي صنفًا منه، أو جزءًا شائعًا إذا قبض الثمن على ذلك بالعدل، لا ينظر إلى ما سميا لكل صنف، وله بيع الثياب وحدها مرابحة، ولو وليته صنفًا من الطعام على ما سميتما أولاً من الثمن، لم يجز حتى يعلم عند الإقالة أنه الذي يصيبه بالعدل، فإن تعقب بعد الإقالة على القيمة، فوجد ذلك عدلاً في القيمة لم يجز حتى يعرف في الإقالة، وإن سميتما للعرض ثمنًا، فلك بيع العرض بما بلغ من الثمن بربح وغير ربح، من غير غريمك. أشهب عن مالك: ومن أسلم في أصناف من الطعام في صفقة، وأسعارها مختلفة، فله أن يولي صنفًا منها. قال مالك في المجموعة: من أسلم إلى رجل في طعام من صنف واحد صفقة إلى أجل واحد، فله أن يقيله من صفقة، ويأخذ في الأخرى طعامًا. ومن كتاب محمد والواضحة: ومن أسلم غنمًا في طعام، فحل، فلم يجد عنده إلا بعضه، فلا يجوز أن يقيل من بعضه. قال ابن حبيب: فإما أن يقيل من [6/ 49]
جميعه، أو يقبض جميعه، وله أن يقبض ما وجد، ويؤخره بباقيه، أو يضعه عنه إن شاء. قال ابن حبيب: ولو كان رأس المال يعرف من ثياب، أو رقيق، أو حيوان، جاز أن يقيله من بعضه، ويصير بيع وإجارة، وذلك جائز. ومن كتاب محمد، قال مالك: ون ابتاع طعامًا بعشرين دينارًا، فذهب ليأتي بأوعيته، ثم استقاله من عشرة، فذلك له جائز. قال محمد: لعله لم يغب على الثمن إلا قدر ما يتناول أوعيته أو لم ينقد، وإنما يجوز عند مالك وأصحابه أن تقيل من بعضه، إذا لم ينقد، أو لم يغب على الثمن. قال: ومن أسلم في طعام، فلا تجوز الإقالة من بعضه، وله أن يولي بعضه ويشرك فيه. قال ابن القاسم: إن قبض بعض طعامه عند محله، لم يجز أن يولي ما بقي منه، أو ما أخذ منه أو بعضه، ولا يجوز أن يوليه ما قبض مع ما بقي، ولا يشرك فيهما. هكذا وقع في كتاب محمد: لا يجوز أن يولي ما بقي منه، أو ما أخذ، وأرى الألف غلطًا، وإنما هو: وما أخذ. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية: لا بأس أن يولي ما بقي، ولا يجوز أن يولي ما بقي مع ما قبض. وكذلك في الواضحة. قال أصبغ في كتاب محمد: لا يجوز أن يولي ما لم يقبض خاصة. ومن كتاب ابن المواز: وما أسلمت فيه من طعام أو غيره، فقبضت بعضه، فلا يجوز أن تقيل مما بقي، ولو رددت عليه ما اقتضيت، وأقالك من الجميع، فهو حرام، وبيع الطعام قبل قبضه، وكأنه أقالك مما بقي، على أن وليته ما قبضت. قال مالك: إلا أن يكون ما قبضت يسيرًا، كخمس أرادب أو عشرة من مائة، فأرجو أن يكون خفيفًا. [6/ 50]
قال ابن القاسم في العتبية: وأنا أكرهه في القليل والكثير. قال أشهب في المجموعة: وقول مالك فيه استحسان، وإذا نقدت بعض الثمن في طعام أو عرض، ثم تفرقتما، جاز أن تقيله مما نقد، لا من بعضه، أو تقيله مما لم ينقد، ومن بعضه، ومما نقد ومما لم ينقد. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم نحوه في العتبية. محمد: قال مالك: وإن لم يقبض منه الطعام حتى أقاله، ثم فارقه قبل قبض رأس ماله، فليس له إلا طلب رأس المال، ولا حجة له في فسخ الإقالة بتأخير الثمن. قال محمد: ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من أصحابه. وقد روي فيه أن الإقالة فاسدة، وكذلك في التولية، إلا أن يتأخر، مثل دخول البيت فهو خفيف، وإلا فليرجع بالطعام، إلا أن يقيله ثانية، وكذلك في العرض في ذمة، يقيل منه، أو يوليه، أو يبيعه من غيره، فلا يتأخر رأس المال إلا مثل البيت من السوق. قال ابن القاسم: فأرجو أن يكون خفيفًا. وأما بيع دين على رجل، فيجوز تأخير رأس المال فيه يومين وثلاثة. وذكر سحنون هذه الرواية التي أنكر محمد عن أشهب، أن الإقالة جائزة وإن تأخر الثمن شهرًا. قال محمد: قال ابن القاسم: وإن وكلت من يدفع إليه رأس المال في الإقالة في الطعام، ودخلت، ووكل هو من يقبض وذهب، فإن دفع الوكيل مكانه، جاز، وإن تأخر، لم يجز، وكذلك إن كان الثمن عرضًا. قال محمد: إن كان عرضًا بعينه حاضرًا، فلا بأس بذلك. ومن المجموعة: قال سحنون في مسألة ابن القاسم، في إقالة المرسض من طعام من بيع، ولم يدع غيره في تخيير الورثة. قال سحنون: الإقالة لا تكون إلا ناجزة، وفعل المريض موقوف. قال أبو بكر بن اللباد: لعل ابن القاسم يعن أن [6/ 51]
في إقالتك من الرطب أو من بعضه بعد أن أثمر وأخذ ذلك في تفليس
المريض مات مكانه. قال أبو محمد: ولو قيل بفسخ الإقالة ما لم يمت، فإذا مات صار ضرورة، كمن أقال وهرب، فقد قالوا: تصح الإقالة، وأعرف لبعض أصحابنا أنه إن أقال في مرضه الذي عليه الطعام، وليس له إلا ثمنه، ثم مات، فإنه يبدأ بدينه فيقضى، وهو الطعام، فما بقي كان له ثلثه إن لم يجز الورثة. ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن أسلم في طعام، وأخذ به رهنًا، أو حميلاً، فولاه رجلاً على إسقاط الحميل أو الرهن، فلا خير فيه، ولو أسقطه المبتاع قبل ذلك، جازت التولية إذا تبين له أنه كان وأنه أسقطه. ومن اشترى قمحًا بعشرة، ثم استزاده البائع، فزاده درهمًا، فلا يوليه إلا بأحد عشر، بعد أن يبين الزيادة. قال محمد في كتاب المرابحة: لا ينبغي التولية فيه بحال. في إقالتك من الرطب أو من بعضه بعد أن أثمر وأخذك ذلك في تفليس وشرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا أو إقالتك له من العتبية من سماع أشهب: ومن باع من رجل ثمر حائطه رطبًا بمائة دينار وعشرين دينارًا، ثم قضاه بخمسة عشر دينارًا من الحائط منها رطبًا أو تمرًا، ثم ابتاع ما بقي في الحائط - وهو تمر - جزافًا في رؤوس النخل بسبعين من ثمنه، فلا بأس به، ولو كان ما بقي رطبًا، لم يجز، لتأخيره، فيصير الدين بالدين. وقال عنه أشهب أيضًا: إنه كره أن يشتري منه ذلك بعد أن يبس في رؤوس النخل بجميع الثمن أو بعضه، وخاف أن يدخله الرطب بالثمن وإن كان ثمره بعينه، وكذلك لو باعه بمائة دينار إلى الجذاذ، ثم اشتراه إلى يومين، أو عند الجذاذ، وهو تمر بعشرين ومائة، فقد قال: لا خير فيه. قال: ولو أخذه منه وقد [6/ 52]
أثمر في التمر فقط، فلا خير فيه، قال: ولو أخذه عند تفليس الغريم لجاز؛ لأن الحكم أوجبه له، كما لو كان عبدًا ابتاع ففلس. وقد أبقى فرضي باتباعه، فإن وجده أخذه، وإلا رجع فحاصص الغرماء. قال في كتاب ابن المواز: لأنه في ضمان المبتاع حتى يقبضه. وهذه المسألة في كتاب ابن المواز مثل ما ذكرنا. وذكر كراهية مالك أن يقيله منه بعد أن صار تمرًا. قال محمد: وذكر عنه غير هذا، وهذا أحب إلينا. محمد: قال مالك: وإن بعت من رجل طعامًا بعشرة دنانير إلى أجل، ثم ابتعت منه في ذلك الطعام بدينارين نقدًا، لم يجز، ويصير الطعام ودينارين بعشرة مؤجلة، ولا تأخذ منه بالدينارين قصاصًا، فيصير بيعًا وسلفًا. قال مالك: ولا بأس أن تبتاع منه مثل المكيلة والصفة بمثل الثمر فأكثر نقدًا أو مقاصة. وأجاز مالك أن يأخذ أقل كيلاً بمثل الثمن، ثم قال: إني لأتقيه. وقال ابن القاسم: لا يعجبني. وكذلك مثل الكيل أدنى في الجودة، ولا تأخذ أقل من كيله بحسابه، ولا بجميع الثمن. وإن بعت منه سمراء، فأقلته، وأخذت سمراء مثل الكيل وأدنى صفة، قال ابن القاسم: أرجو أن يكون سهلاً، وفيه مغمز. قال أصبغ: جائز. وقد خففه مالك. وأجازه أشهب. وإن كان أقل كيلاً. وكذلك قال أشهب في المجموعة، وقال: والترك أحب إليَّ؛ لأنه يتقى فيه ما لا يتقى في الذهب والورق. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ويجوز أن يأخذ طعامه الذي باع بربح ثوب أو دينارين، وإن غاب عليه المبتاع، قال: وإن باع طعامًا بثمن مؤجل، ثم تقايلا بزيادة من أحدهما، فإن لم يفترقا، فلا بأس بالزيادة ممن كانت، إذا كان قد اكتال المبتاع الطعام ما لم تكن زيادة المبتاع عينًا، أو من الثمن ما كان الثمن. قال مالك: فلا خير فيه. قال: وإن كان بعد التفرق بالكيل، فلا تجوز الزيادة من المبتاع بحال، وإن كانت الزيادة من البائع، فجائز إذا كانت إقالة من بيع الطعام. [6/ 53]
في بيع الطعام من القرض قبل قبضه أو كان من غصب أو تعد، وما لا يجوز فيه من الاقتضاء
وفي هذا المعنى في الإقالة بزيادة في طعام أو عرض باب ما يشبهه من الآجال، في غير هذا الكتاب، وهناك باب في شرائك لطعام ممن بعت منه طعامًا. ومن الواضحة: ومن باع من رجل طعامًا كيلاً بدينار إلى أجل، فاستقال منه البائع قبل يوفيه إياه بدينار يدفعه إلى ذلك الأجل، أو بأقل أو أكثر، فلا يجوز، ولو كان المبتاع هو المستقيل بالدينار جاز، وكأنه وهبه الطعام، والدينار باق عليه إلى أجله، فأما بدينار يخالف سكتة أو بأقل من دينار أو بأكثر، فلا يجوز. في بيع الطعام من القرض قبل قبضه أو كان من غصب أو تعد وما لا يجوز فيه الاقتضاء من كتاب محمد: وإذا كان لك طعام من قرض، فلك بيعه قبل محله وبعد محله ممن هو عليه، ومن غيره، إذا تعجلت ثمنه، ولا تأخذ فيه من غريمك طعامًا يخالفه قبل محل الأجل، وذلك جائز بعد محل الأجل، ما لم يكن بغير البلد، ولا تأخذ فيه طعامًا من أجنبي، وإن حل الأجل إلا أن يقبضه هو من غريمك قبل أن يفارقك، ولك بيعه من غريمك قبل الأجل بالبلد أو بغيره، بما شئت من ثمن نقدًا عدا الطعام، وإذا حل، فلك بيعه منه بالبلد بما شئت من الطعام، فإن كان من صنفه، فلا تأخذ إلا مثل مكيلته، ولك أن تأخذ دقيقًا إذا حل، وإن كان أقل من الكيل، فهو مكروه. قال ابن القاسم: يجوز من ذلك ما يجوز في المبادلة. وأجاز أشهب في القرض إذا حل، أن يأخذ طعامًا ما أدنى صفة وأقل كيلاً من طعامك، ما لم تكن المحمولة أنقى نقاء من سمرائك. وأجاز أخذ الدقيق أقل كيلاً ما لم يكن الدقيق أجود من دقيق قمحك. ويجوز مثل كيله أجود أو أردأ، ولا يجوز أكثر من كيله وإن كان أجود منه أو مثله. واتفق مالك، وابن القاسم، وأشهب، [6/ 54]
أنه لا يأخذ من القرض قبل الأجل سمراء من محمولة، ولا محمولة من سمراء مثل المكيلة، ولا قمحًا من شعير، ولا صيحانيًا من عجوة، ولا جنسًا غيره من الطعام والإدام. وفي المدونة أن ابن القاسم أجاز أخذ سمراء من بيضاء، ثم رجع. قال أصبغ: ولك من القرض أخذ سمراء من سمراء أجود جودة قبل الأجل، ولا يجوز أدنى. ولا يجوز في البيع أخذ أجود ولا أدنى قبل الأجل. قال مالك: ومن له إردب من قرض، فباعه قبل الأجل بدينار إلا درهمًا، انتقده، ونقد الدرهم، لم يجز. وأجازه ابن القاسم، وإن كثرت الدراهم. ومن عليه طعام من غصب أو تعد، فهو كالقرض في بيعه قبل قبضه. وفي الباب الأول ذكر بيع الهبات والميراث والأرزاق والصلات من الطعام قبل قبضه. قال ابن القاسم: ومن باع تمرًا عنده وديعة، فربه مخير في أخذ التمر، أو يغرمه مثل طعامه، كان باعه بطعام أو غيره. قال أشهب: إن باعه بتمر أزيد، لم يجز لربه الرضا بالتمر؛ لأنه طعام بطعام، فيه خيار، وإن باعه بتمر لنفسه، خير ربه بين الرضا بالتمر، أو بمثل القمح. محمد: صواب. فإن باعه بتمر لنفسه، فليشتر بالتمر قمحًا، فإن كان القمح أكثر من قمحه، فذلك لرب القمح. أشهب: وإن باعه بثمن غير الطعام لنفسه أو لربه، فالخيار لربه في الرضا بذلك، أو يأخذ مثل قمحه. قال مالك: والمأمور بتقاضي حق فيتقاضى فيه طعامًا. وقال: صاحبي مخير، فإن لم يعلم بفساده، فلا بأس به، وإن تعمد ذلك بمعرفة، لم يجز. قال ابن القاسم: يرد الطعام، جهل أو علم. ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: ومن أقرض ويبة قمح، فلا بأس أن يأخذ نصفها قمحًا، ونصفها دقيقًا أو تمرًا أو شعيرًا، وله أن يأخذ [6/ 55]
في بيع الأشياء بعضها ببعض نقدا وسلم بعضها في بعض من جنس واحد
بالنصف إن شاء ما يجوز فيه التفاضل مع القمح أزيد كيلاً، فأما ما لا يجوز معه فيه التفاضل، فلا يأخذ إلا مثل ما بقي له من الكيل. وإذا أقرضه ويبة محمولة، فلا يأخذ نصفها سمراء، ونصفها شعيرًا، أو شيئًا ما من الأشياء في صفقة واحدة، ولو قبض أولاً في نصفها سمراء أو شعيرًا أو دقيقًا، ثم انصرف عنه، ثم عاد إليه، فأخذ بالباقي زيتًا، أو عرضًا، أو طعامًا، فذلك جائز إذا لم يكن ذلك في مرة واحدة. ومن أقرض رجلاً قمحًا، فقضاه نصفه دقيقًا ونصفه شعيرًا، فإن كان الدقيق أوضع من القمح فذلك جائز، وإن كان أرفع، لم يجز، ولو قضاك في نصف القمح تمرًا، على أن أعطاك بنصفه شعيرًا أو سلتًا، فلا خير فيه إن كان في مجلس واحد، ولو أخذ بنصفه تمرًا، ثم تقاضاه بعد ذلك فأعطاه بنصفه شعيرًا، فذلك جائز إذا صح. في بيع الأشياء بعضها ببعض نقدًا وسَلَمِ بعضها في بعض من جنس واحد وبيع الشيء بما يخرج منه أو ينبت منه أو يعمل منه وما في ذلك من ذكر المزابنة من كتاب محمد: وكل شيء عدا الطعام - يريد: المدخر - من صنف واحد، والذهب والورق والفلوس، فيجوز فيه التفاضل يدًا بيد، كيلاً ووزنًا وعددًا، ولا يجوز فيه كيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف حتى تبين الفضل. قال: ولا يسلم شيء في مثله، ولو أنه الحصباء، وزيادة شيء منه أو من غيره، أو منفعة ما، ولا بأس أن يسلم شيء فيما يخالفه خلافًا بينًا. قال مالك: لا خير في التبن في القصب. وجعله صنفًا واحدًا. وقال: هو كله علف. وقد قيل: هما نوعان. محمد: وهما أشد تباعدًا من رقيق ثياب الكتان وغليظها، وأجاز مالك القصب بالنوى إلى أجل. قال: والحديد جيده، ورديئه صنف حتى يعمل سيوفًا وسكاكين وأعمدة وغير ذلك، وكذلك النحاس، فيصير أصنافًا باختلاف المنافع، لا بالوزن. [6/ 56]
محمد: والسيوف صنف، إلا المرتفع منها، المرتفع الحديد، فذلك صنف، ولا خير في السيف بأرطال من حديد إلى أجل، ولا في أرطال نحاس في قدر نحاس إلى أجل، ولا بأس بنحاس بثور نحاس يدًا بيد. محمد: موازنة وإن تفاضل، ولا يصلح جزافًا حتى يتبين الفضل بأمر بيِّن، ولا خير في فلوس بنحاس صحيح أو مكسور على حال، وتدخله المزابنة، وقد اختلف فيه قوله، وهذا أحب إلينا. والكتان كله صنف، جيده ورديئه، حتى ينسج فيصير الرقيق صنفًا والغليظ صنفًا، وكذلك القطن. قال في الواضحة: وكذلك الحرير كله صنف. محمد: وكره مالك ثوب صوف بصوف، يدًا بيد، أو إلى أجل قريب لا يعمل في مثله ثوب للمزابنة. وكره جلدًا بعشرة أحذية مقطعة، كان من جلده أو من جلد غيره، وكذلك الكرسف بغزله يدًا بيد، وكتان منقوض بمغزول. محمد: وهذا فيما تقارب، وأما لو دفع رطلي صوف في ثوب صوف أو رطلي صوف بعشرة أرطال مغزولة - يريد: نقدًا - أو جلدًا كثيرًا بزوج أو زوجي حذاء يدًا بيد لجاز. قال مالك: ولا بأس بثوب مروي بثوب مخيط مروي. قيل له: إنه كأنه يقول: أعطني من الثوب قميصًا والزائد لك، وما نقص فعليك. قال: إن أراد هذا، فلا خير فيه. محمد: إن لم يعرفا قياس الثوب الغير المخيط، فلا خير فيه، وكأنه ضمن له قميصًا طوله كذا من شقته. ومن الواضحة قال: ولا يباع شيء بما يتولد منه إلى أجل، مثل صوف في ثياب صوف، أو كتان أو قطن في ثيابه، أو جلود في فرو. ولا يباع لوز الحرير بمغزوله أو بمعموله إلى أجل، ولو عجلت الثياب فيما تولدت منه، لجاز، وهو يجوز كله يدًا بيد، أيهما كان بالآخر، ولا خير في جلد بقري بأزواج نعال مسماة، ولا خير في ثوب وشي بظهائر، لا نقدًا ولا مؤجلاً للمزابنة، وإذ لا صنعة فيه تخرجه [6/ 57]
إلى إجازته، بخلاف صوف بثوب صوف، يدًا بيد، أو كتان بثوب كتان، أو جلود بأحذية معمولة، هذا جائز نقدًا، ولأن فيه صنعة بينة، ولا يتأخر ما قابلها إلى أجل يعمل فيه، فيدخله المزابنة. والحديد كله صنف، ذكيره ولينه، فلا يجوز متفاضلاً ولا مكسورًا بمعمول إلى أجل، وكذلك الصفر، نحاسه وشبهه، والآنك قصديره ورصاصه، لا يجوز الأجل فيه تفاضلاً ولا مكسورًا بمعمول، ولا بأس بذلك كله نقدًا. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك القرظ الأخضر باليابس، إلا أن يتبين الفضل بالكثرة البينة، أو لم يتبين، ولا خير فيه إلى أجل. وقال في النوى والخبط وغيره يباع جزافًا بمكيل من نوع واحد، فلا ينبغي أن يتبين الفضل جدًا ما خلا الطعام. ولا بأس برطل كتان مغزول، من صنف واخح، يدًا بيد، وكذلك منقوض بمنقوش، ولا خير في رطل غزل كتان رقيق أسمر، برطل كتان مغزول رقيق أبيض، إلى أجل، ويجوز يدًا بيد، ولا خير في كرسف بغزله إلى أجل. قال محمد: وإن كان يدًا بيد دخلته المزابنة، إلا على الوزن منهما، فيجوز وإن تفاضل، وأما إلى أجل، فيدخله سلف جر منفعة، وإن كان مثلاً بمثل. قال: وكل شيء يباع وزنًا بجزاف، من صنف، أو كيل، أو عدد، بجزاف منه أو جزاف بجزاف، فهو من المزابنة، كان ذلك من الطعام والإدام وأصنافه، أو غير الطعام من جميع الأشياء، من الثياب، والحناء، والكتان، والكتم، والنحاس، والعلف، وغيره. قال ابن القاسم: ولو كان ترابًا، فلا يصلح حتى يتبين الفضل بأمر بيِّن، فيكون مثله وشبه ذلك. وهذا في غير العين والطعام، إلا طعامًا يجوز فيه التفاضل، فهو فيه [6/ 58]
جائز على ما ذكرنا. قال: وإذا قال: زن، أو: كل، أو: عد سعلتك هذه، وأنا أضمن لك منه كذا وكذا، فما زاد لي، وما نقض فعلي، لم يجز، وكذلك في الثوب يضمن له كذا وكذا قميصًا، أو ظهائر فلا نش على هذا. وكذلك حب البان بالسليخة. قال مالك: إنما يكره حب البان بالسليخة، وأما بالبان المطيب وقد طيب ونشي، فجائز للصنعة التي فيه. قال: ولا خير في القصب بعسله ولا بربه، ولو برد وطبخ وصار صنعة، جاز بعسله وبقصبه، ويكون كالبان المطيب بالسليخة، والخل بالتمر، ولا شيء في الجلجلان بالزنبق المطيب، نقدًا ولا مؤجلاً، بخلاف مطيب البان. قال مالك: والأدهان صنف، الزنبق، والراذقي، والكادي والخيري، فلا يجوز فيه التفاصل إلى أجل. قال: والمطيبة منها مثل الزنبق، والورد، وشبهه، كلها نصف لا يكون فيه التفاضل إلى أجل؛ لتقارب منافعه، ويجوز يدًا بيد. وروى أشهب أن مالكًا نهى عن التمر بالنوى إلى أجل. قال عنه ابن القاسم: ولا يدًا بيد. وقيل: لا بأس به، وأجازه ابن القاسم نقدًا، وإلى أجل. وقاله أصبغ. محمد: ما لم يكن التمر حشفًا لا يراد منه إلا النوى. قال ابن القاسم: ولا خير في عصفر في ثوب معصفر إلى أجل، ولو كان الثوب معجلاً في عصفر، لجاز، ولا يقضي من ثمن حب اشتراه شيئًا بنبت من ذلك الحب في ذلك الأجل إلى ذرعه. قال مالك: وما هو بحرام بيِّن. ولا بأس بتمر بنخل، يدًا بيد، وإلى أجل، إذا وصف النخل، ولم يكن فيها تمرة يوم يأخذها لا طلع ولا غيره. [6/ 59]
وقد تقدم في باب بيع الشيء بما يتولد منه من الطعام فيه من معاني هذا الباب. ومن الواضحة: وإذا تباينت الأصناف في الثياب والعروض، وتباعدت، جاز سلم شيء في غير صنفه. قال: فثياب القطن صنف وإن اختلفت جودتها وأثمانها وبلدانها، أو كانت هذه عمائم، وهذه أردية أو شقق، لتقارب منافعها، إلا ما كان من وشي القطن، واليوسفي والصنعاني، والسعيدي، ومثل ثياب القصب والحبر والمشطب والمسير وشبهه، فلا بأس ببياض القطن بثياب منه متفاضلاً إلى أجل، وكذلك ثياب القصب بثياب وشي القطن، لاختلاف المنافع والجمال. وما اختلف أيضًا في الرداءة الجودة، والغلظ والرقة، فتباين وتباعد في بيعه وجماله، فهو صنفان، يجوز فيه التفاضل إلى أجل، وكذلك ثياب الكتان صنف على ما ذكرنا، إلا أن تختلف اختلافًا شديدًا، بالرقة والغلظ، والرداءة والجودة، فيجوز فيها التفاضل إلى أجل. وثياب الحرير كلها صنف وإن اختلفت الأثمان، والجودة والصنف من أردية وأخمرة، ومقانع وشقق ولفائف، وكذلك ثياب القز، وثياب السفيق، إلا ثياب وشي الحرير، أو ثياب الخز، فلا بأس بها ببياض ثياب الحرير، واحدًا باثنين إلى أجل، وثياب الخز صنف، إلا أن تختلف في الغلظ والرقة، والرداءة والجودة، وتتباعد، فيجوز التفاضل فيها إلى أجل، وثياب الصوف والمرعز كلها صنف، فإن اختلفت بالبلدان والأثمان، لا يجوز كساء مرعز بكساء صوف إلى أجل. وكذلك بالجباب ولا يجوز ساج طرازي بكرديين، ولا قرمص بطرازيين، أو افساساري بمصريين إلى أجل حتى تختلف أنواع صنعتها، مثل الطيقان [6/ 60]
الطرازية بالجيب المرعزية، ومثل القطف بالبسط، والأكسية بالرقم كله، يجوز متفاضلاً إلى أجل، وكذلك ثياب الصوف تتباين في الرقة والغلظ، فيجوز فيها ذلك، وأما صنف في خلافه، مثل ثوب قطن في ثياب كتان أو صوف أو وشي أو خز أو حرير، واحد باثنين من الصنف الآخر إلى أجل، فجائز، وإن اتفق ذلك في الجمال والرقة والنفع لاختلاف الأصول. والخشب صنف وإن اختلفت أصوله، إلا أن تختلف المنافع والمصارف مثل الألواح بخشب الجوائز وشبهها فيجوز ذلك متفاضلاً. والأدهان الطيبة إذا كانت مختلفة الأصول والصنعة، جاز فيها التفاضل في الأجل، كاللبان بالزنبق، والزنبق بالمقتت متفاضلاً إلى أجل، وما استوى في طيبه واشتبه، لم يجز ذلك فيه كاللبان البرمكي بمثله، أو بالطريد، أو الزنبق بالزنبق من بلد أو من بلدين، فلا يجوز حتى يختلف في طيبه اختلافًا شديدًا، كالبرمكي بالثليث، أو الطريد بالخميس، والزنبق العراقي المطيب بالمربد من المصري، فأما بالرأس من المصري، فلا يجوز؛ لأنه معتدل في طيبه أو عشبته، فأما المقتت من الأدهان، فتشابه الطيب ليس له تباين يجوز به المثل بالمثلين إلى أجل. والحناء صنف على اختلاف بلدانها، وكذلك الزعفران والمسك والكافور، كل واحد منه صنف على اختلاف بلدانه، كالمسك الصعدي بالسندي، والكافور الرياحي بالمصعد فلا يجوز، وأما مسك بكافور، أو حناء بزعفران، فجائز فيه التفاضل إلى أجل. قال: والماء العذب والشريب صنف، لا يصلح متفاضلاً إلى أجل، ولا بأس بعذب أو شريب في أجاج إلى أجل متفاضلاً، والتراب الأسود بالأبيض صنفان، وكذلك الجير بالتراب الأبيض. قال: والعُمُدُ بالصخر، والكدان بالرخام، والجندل بالحجارة، أو بالجص، والرخام بالعمد، فهذا كله مختلف، يجوز فيه التساوي والتفاضل، نقدًا أو إلى أجل. قول ابن حبيب: الرخام [6/ 61]
جامع ما ينبغي في السلم من صفة وأجل وتعجيل نقد وغيره ووجوه ما يجوز منه وما لا يجوز
بالعمد يعني رخامًا لا يكون منه العمد، وما استوت منافعه ومصارفه، لم يجز ذلك فيه، كالجندل بالحجارة. من العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع كبشًا بصوف إلى أجل، فإن كان قريبًا لا يكون فيه للكبش صوف، فلا بأس به، وإن كان بعيدًا يكون له فيه صوف، فلا خير فيه. قال مالك: ولا يصلح بيع نخل بتمر إلى أجل يكون فيه للنخل تمره، ولا خير في البطيخ بزريعته إلى أجل يكون فيه من الزريعة بطيخ، لا تبالي أيها أخرت، البطيخ أو زريعته. قال عنه محمد بن خالد: لا بأس بكراث نقدًا بحب الكراث إلى أجل، ولا خير في حب الكراث نقدًا بكراث إلى أجل، ولا بأس بحب الكراث بمثله متفاضلاً، يدًا بيد، وبيعه قبل قبضه. قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا بأس بالقصب بالسكر. جامع ما ينبغي في السلم من صفة وأجل وتعجيل نقد وغيره ووجوه ما يجوز منه وما لا يجوز من كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بد من صفة معلومة في السلم، وأجل معلوم. قال مالك: فإن وصف القمح في السلم، ولم يذكر سمراء من بيضاء، فإن كان بمصر، فهو على البيضاء، وبالشام على السمراء، وإن كان بالحجاز، لم يجز حتى يسمى سمراء من محمولة. وقال مالك أيضًا: في مصر لا يجوز حتى يسمى سمراء وبيضاء مع الصفة. محمد: وهذا أحب إلينا. وقاله ابن عبد الحكم، إنه يفسخ. وقال أصبغ: لا يفسخ إن نزل، والبيضاء قمح مصر الغالب فيها، ولا يكاد يكون بها السمراء إلا ما أصابته عاهة. قال ابن حبيب: ذلك جائز في كل بلد إذا سُمي [6/ 62]
جيدًا أو وسطًا، إلا بالحجاز بالمدينة ومكة، فلا يجوز حتى يسمى سمراء أو بيضاء، لاجتماع الصنفين هناك، تحمل إليهم البيضاء من مصر، والمحمولة من الشام، فإن ذكر هناك سمراء أو بيضاء، أو لم يذكر الصفة، لم أبلغ به الفسخ، وله وسط مما سمى، وأما البلد الذي ليس فيه الصنفان، وإن كان في ذلك البلد من قمحه يجتمع أسمر وأبيض، وينبت فيه مختلطًا، فيجربه أن يصف، فيقول: جيدًا نقيًا، أو وسطًا نقيًا، أو معلوثًا وسطًا، فإن لم يضف النقاء والفلث وسمى جيدًا أو سطًا أجزأه، ويجمع بالوسط يكون في جودته ونقائه، وإن سميا نقيًا، أو معلوثًا، ولم يذكر الوسط أو الجودة، لم يجز، وإن سمى سمراء أو بيضاء في موضع الصنفين، فلا حتى يذكر الجودة أو الوسط. (ع) أراه يعني في موضع ينبت فيه الصنفان لا في موضع يحمل إليه قال وكذلك من أسلم في قمح، وسكت عن الصفة، فيفسخ هذا كله، وإذا شرط جيدًا، فله الجيد المعروف العام، ليس له الخاص حتى يشترطه، وكذلك إن ذكر وسطًا، فله الوسط العام في الحب والنقاء، وكذلك في الشعير، وإن لم يذكر فيه أبيض من أصفر، وذكر جيدًا وسطًا أو معلوثًا وسطًا، أجزأه، وإن ذكر مع ذلك أبيض أو أصفر، كان أحسن، فإن لم يذكر جيدًا أو وسطًا، لم يجز. وكان ابن القاسم لا يجزئ عنده ذكر جيدًا أو وسطًا، حتى يذكر النقاء، وسمراء أو بيضاء يعني بالحجاز، وأبيض أو أصفر في الشعير، وإلا فسخه، والأول قول من أرضى من أصحاب مالك، وقاله أشهب وأصبغ. [6/ 63]
ومن العتبية روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع من رجل مائة إردب قمح إلى الحصاد، ولم يسم قديمًا ولا جديدًا، فأراد أن يعطيه عند الحصاد قمحًا قديمًا، قال: إذا كان على ضفته، فلا بأس به. يريد: يلزمه قبضه وإن أبى. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أسلم في زيت، فلم يذكر جيدًا من رديء، ولكن ذكر أصله، فإن كان تختلف صفته عند الناس، لم يجز، قيل لابن القاسم: أيأخذ من غيره، ويطبع عليه حتى يأخذ صفته؟ قال: لا يصلح. قال أصبغ: إذا كان مضمونًا لم يصلح ذلك فيه، وإن كان بعينه غائبًا، فجائز ما لم يشترط خلف مثله. ومن الواضحة، قال: وليذكر في الزيت مع ذكر الصفة زيت الماء، وزيت المعصرة، وإن كان يجتمع في ذلك البلد زيت بلدان، ذكر من أي بلد، ويذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وإلا لم يجز، وكذلك السمن بصفة بقري أو غنمي، وجيدًا أو وسطًا أو رديئًا، وإلا لم يجز، ويصف بذلك العسل، مع ذكر خاثر أو رقيق، وإلا فسخ، وإن كان في البلد عسل بلدان شتى، فليذكر عسل أي بلد، وإلا لم يحتج إلى ذلك. ولا يجزئه في التمر ذكر جيد أو رديء؛ لكثرة أجناسه، فلا بد أن يسمي الجنس، ثم يذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وإلا لم يجز، وكذلك في التين اليابس بالأندلس؛ لأنه أجناس، وليذكر معه منثورًا أو مكتلاً أو محملاً، فإن وقع على غير ذلك، فسخ. وأما الزبيب، فلا يعرف عندنا بأجناسه، لكن ببلدانه، فيحتاج بقرطبة أن يذكر من أي بلد هو، وأن يقول: أحمر أو أسود، شمسي أو دخاني. ويذكر جيدًا أو وسطًا. وأما بغير قرطبة، فيستغنى عن ذكر البلد؛ لأنه إنما يصف زبيب البلد الذي أسلم فيه، وما وقع فيه على غير هذا فسخ. [6/ 64]
ولا بد في الجوز من ذكر جيد أو وسط، ويذكر مع ذلك، صغيرًا أو كبيرًا، أو رقيق البشرة أو غليظها، ويسلم فيه عددًا أو كيلاً، وما وقع فيه على غير هذا فسخ. ولا يسلم في غير الجوز من يابس الفاكهة على العدد لصغره، وليذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، ويسلم في التفاح، والرمان، والسفرجل، عددًا، أو كيلاً ولا يجوز وزنًا، ويذكر مقداره وأجناسه، وجيدًا أو وسطًا أو رديئًا، ولا يسلم في البيض على كيل أو وزن، لكن عددًا، ويذكر القدر من صغير أو كبير أو وسط، ويسلم في البطيخ والقثاء وشبهه، عددًا أو وزنًا، أو أحمالاً مع الصفة، وأن يؤخذ في إبانه، وليذكر في اللحم، الجنس والسمانة، ويجزئه قوله: سمينًا. ويكون له السمن المعروف عند الناس لا الخاص. وإن قال: وسطًا من السمانة فحسن، وإن لم يذكر من أين يأخذ، من جنب أو فخذ، فجائز، وإن ذكره، فحسن. وذكر مثله في كتاب ابن المواز، قال: وهذا رأي أهل العراق، وذلك باطل، ولكن يذكر السمانة والنحر، وضأنًا أو معزًا. قال أصبغ: وإن ذكر وسطًا من السمانة، فحسن، وإن قال: سمينًا، فجائز، وله السمن المعروف، كقوله في الطعام: جيدًا. فله الجيد المعروف العام، وإن أعطى في اللحم من البطن، لزمه إذا كان بقدر، وقد عرف الناس وجوه ذلك كله، وكأنه رأى أن يعطي بقدر البطن من لحم الشاة. ومن الواضحة: وإن أسلم في الحيتان، ولذلك إبان، فليشترط أخذه في الإبان، ويذكر الجنس والقدر، من صغر أو كبر، مع ذكر الوزن. وكذلك السلم في الدجاج الحية والمذبوحة، ويذكر السمن والهزال، والصغر والكبر. وكذلك الإوز والحمام، ويذكر العدد في الأحياء، ويذكر في سائر الطير مثل ما ذكرنا. ومن كتاب محمد: ولا يسلم في فداين بقل أو قرظ أو قصب، وإن وصف طولها وعرضها، وجودتها ورداءتها، وغزرها وخفتها. قال في الواضحة: إذ لا يحاط بذلك، وكذلك القصيل، ولا ينبغي في ذلك كله إلا على أحمال، [6/ 65]
أو حزم، وصفة معلومة. قال ابن المواز: وقال أشهب: ذلك جائز كله، ومن لم يجزه؛ لأن الجيد منه مختلف، والوسط مختلف، لزمه ذلك في الحبوب، ولا مقال له في ذلك. ومن الواضحة: ولا يكون السلم إلا إلى أجل معلوم. وكره الأجل القريب، كالثلاثة أيام، أو خمسة، وأجازه ابن المسيب، وإن نزل لم أفسخه. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خير في السلم إلى يوم أو يومين، كان في طعام أو ثياب أو حيوان. قال ابن القاسم: وكرهه ابن المسيب، وربيعة، والليث. قال محمد: فإن نزل، فلو فسخ كان أحب إلي، ولم أصرح به لاختلاف قول مالك فيه. وروى عنه ابن القاسم، وابن وهب، في السلم في الطعام، قال عنه ابن وهب: وفي الثياب والحيوان إلى يومين أو ثلاثة: إنه جائز. قال عنه ابن وهب: وغيره أحسن منه. وقال أصبغ: إن نزل، لم أفسخه، وليس بمكروه بين. وقال مالك في حناط أعطى على أربعة آصع، على أن يعطي مدًا كل يوم، قال: لا بأس به. وكذلك في العتبية. محمد: وقال ابن عبد الحكم: بُعدُ الأجل في السلم أحب إلينا من اليوم واليومين، وكل لا بأس به. قال محمد: ولو كان على أن يوفيه ذلك بقرية أخرى لجاز، وإن كان حالاً لاختلاف سعر البلدين، فلم يقصد الخطر. وقال مالك فيمن أسلم في طعام حالاً: يؤخذ بالريف، مسيرة يومين أو أكثر. قال ابن القاسم: البلدان آجال، لا بأس أن يسلم إليه فيه، على أن يوفيه إياه بموضع كذا، غير بلد التبايع. قال أصبغ: يريد وإن قرب الأجل، يومًا أو يومين، أو حالاً لا أجل فيه إلا قبضه بالبلد الآخر، فذلك كالأجل البعيد ببلد التبايع. [6/ 66]
ومن سلف، ولم يذكر موضع القضاء، لم يضره ذلك، وهذا مما لا يحتاج إلى ذكره وليوفه بموضع التبايع في سوق تلك السلعة، فإن لم يكن لها سوق، فحيث ما وفاه من البلد أجزأه. وقال سحنون: يوفيه ذلك بداره إن لم يكن لها سوق. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أسلم في طعام إلى أجل يوفيه إياه، على أن على البائع حملانه من الريف إلى الفسطاط، فذلك جائز. قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أسلم فيه على أن يوفيه إياه بموضع سماه، ثم أعطاه دينارًا يتكارى به عليه إلى موضع آخر، فإن كان يقبضه منه بموضع شرط، ثم يتكارى له عليه إلى موضع، فجائز؛ لأنه يصير بعد في ضمان المبتاع، وإن لم يقبضه منه بموضع شرط، لم يجز. روى سحنون، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في مائة دينار، في مائة إردب قمحًا، ومائة كبش موصوفة، يأخذ كل يوم إردبًا أو كبشًا، فذلك جائز. وقاله مالك في الحنطة، قال: وإن أسلم فيها إلى خمسة أيام، يأخذها، قال: إن وقع لم أفسخه وأنا أتقيه. قال: وإن مرض المسلم إليه أو أفلس، فذلك ضامن عليه، وإن كان رأس المال في هذا إلى أجل، ولم يقدموه، فلا بأس به، وليس من الدين بالدين. قال: وإذا مرض الجزار، أو مات، أو أفلس، فبخلاف ذلك، فإن مرض مرضًا بينًا، أو جاء عذر بيِّن، فسخ ما بقي. وقال غيره: لا يجوز في مسائلك في الطعام والغنم، إلا لمن كان ذلك عنده، وإلا فلا خير فيه. محمد: قال مالك: وكل ما أسلمت فيه إلى أجل، يحتاج فيه إلى ذلك الشيء، فأخلفك عن وقته، فليس لك فسخ البيع، وكذلك الضحايا يخلفك فيها [6/ 67]
حتى تزول أيام النحر، وكذلك الراء كله، إلا كراء الحاج وحده، إذ إن زالت أيام الحج، ولم يأت المكتري إلى السلطان يكتري، له فسخ ما بينهما. وقال في كتاب ابن المواز: من البيوع: وإذا باع على أن يوفيه حقه بأفريقية، ولم يضرب أجلاً، ولعله على خروج، وقد عرف مبلغه ومسيره، أو أسلم إليه على هذا، فأما السلم فأكرهه، ولا أفسخه، وأضرب له أجلاً قدر مسيرة، وأجازه أشهب بدءًا، وأما البيع فمنقوض - يريد في قوله: يوفيه بإفريقية: أنه ببلد منها قد عرفاه. قال ابن القاسم: ومن أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعًا، فقال المشتري: يأخذ بذراعي. وقال البائع: بل بذراعي، فليحملا على ذراع وسط. وكذلك روى أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية. قال أصبغ: هذا حسن، والقياس: الفسخ. ومن كتاب محمد: ولا بأس أن يسلم إلى أهل الصناعات، وليس ذلك عندهم. قال مالك: والسلم إلى الحائك في الثياب هو وغيره سواء، إذا كان بصفة معلومة، جاز. وأجاز ابن القاسم في مسألة سلم الحمير في صغار البغال، قال: إن كان إلى مثل خمسة أيام، فجائز. قال مالك: ومن أسلم في جز صوف، فسمى ما يأخذ من الفحول، ومن الخصية والإناث، فلا يشتري حتى يقرب جزازه، وإن كان مضمونًا إلى أجل، فليسم الوزن والصفة. قال ابن القاسم: وإذا تأخر رأس مال السلم إلى محل الأجل، وهو عين، لم يجز. ثم رجع فقال: لا يفسد السلم بذلك، إلا أن يشترط ذلك. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: وإن أسلم عشرة دنانير في سلعة، فنقد خمسة، وتأخرت خمسة إلى محل الأجل، فليدفع خمسة، ويأخذ سلعته. قال ابن [6/ 68]
في الشراء من ثمر حائط بعينه، والسلم فيه وشراء لبن غنم بأعيانها والسلم فيه
القاسم: ما لم يكن بشرط في الصفقة، فإن لم يكن بشرط، وطال التأخير بتعمد أو شغل، فالسلم تام. وقال ابن وهب: إن تعمد الغيبة، فالسلم تام، وإن لم يتعمد، فسد السلم. قال ابن حبيب: نحو ما تقدم أنه لا يفسد إلا بالشرط. وزاد: إذا مطله برأس المال، أو ببعضه والتوى به حتى حل الأجل، فالبائع مخير، إن شاء أخذ منه بقية رأس المال، وأعطاع طعامه، أو يعطيه حصة ما نقده فقط، إن كان نقده بعضًا، وإن لم يلتو المشتري بالثمن، وإنما ذلك بسبب البائع، فالطعام كله لازم له، وليأخذ ما بقي له، وكذلك من باع طعامًا بثمن مؤجل، فلم يقبض المشتري بعض الطعام حتى حل الأجل، فإن كان البائع مطله به، لم يلزم المبتاع إلا ثمن ما قبض، وإن أمطله البائع، فلم يقبض، فليؤد بقية الثمن، ويأخذ جميع الطعام. قال ابن المواز: كره مالك ترك الطعام عند بائعه بثمن مؤجل. قال مالك في العتبية: وإن اكتاله. قال محمد: ولا يفسخ بذلك. قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يتواضعا الثمن في البيع المضمون. يريد: حتى يقبض السلعة. قال ابن حبيب: وأما السلم فيما يشرع في أخذه، ويتصل، مثل اللحم والرطب والفاكهة، فيجوز تأخير الثمن إلى أجل بشرط، وإن كان بين القبض والعقد أجل، لم يجز تأخير الثمن. وفي باب السلم في ثمر حائط بعينه من هذا، وبقية القول فيه. في الشراء نم ثمر حائط بعينه والسلم فيه وشراء لبن غنم بأعيانها والسلم فيه من كتاب محمد: وأجاز مالك الشراء من ثمر حائط بعينه بعد زهوه، ليأخذ ذلك رطبًا، وإن ضرب للثمن أجلاً، وهو يشرع في أخذه إلى عشرة أيام أو [6/ 69]
عشرين، واشترط أخذه تمرًا لم يجز، فإن نزل وفات لم يرد، وكذلك في زرع قد أفرط، يأخذه حبًا يابسًا. قاله مالك. وكذلك في الواضحة. قال محمد: قال ابن وهب: كره مالك أن يسلم فيه وقد أرطب. قال: ولا يدري كيف تأتي الثمرة. وقد تأتي أقل مما اشترى، وكرهه في رواية أشهب، فإذا زها، قال: وقد تعاد الثمرة، ولا يدري كيف تأتي، وكذلك في زبيب كرم بعينه أو تين، وإن وقع ذلك لم يرد. ومن البيوع ما لا يرد إذا وقع. قال أشهب: لا يرد، وإن كان بسرًا. وقال مالك: أكره السلم في ثمر حائط بعينه، وقد أزهى على أن يأخذه ثمرًا، فإن وقع، لم يرد، وأما شراء ثمرته جزافًا بعد أن طابت ليتركها حتى تيبس، فذلك جائز، بخلاف الكيل، ولا ينبغي أن يشتري ثمرة حائط على الكيل، على أن يأخذه ثمرًا. وكره مالك شراء لبن شاة أو شاتين، أو الناقة جزافًا، واستخفه على الكيل. قال مالك: وإنما يشتري منه على الكيل، أو يقدم فيه ما يعلم أنه يجده مأمونًا، وإلا لم ينبغ، وأما جزافًا فلا، إلا في غنم لها عدد، ولكن إن وقع، لم يفسخ، وإن كان ابن القاسم لا يجيزه. وقد قاله كله مالك. قال أشهب عن مالك: ولا يسلم في لبنها إلا في إبانه، ويشترط كيلاً، لا يأخذه قبل انقطاعه، ويشرع في الأخذ إلى أيام يسيرة. يريد: ويستثني ما يأخذ كل يوم. وقاله ابن القاسم وغيره في موضع آخر. قال: وتكون الغنم حينئذ ملبنة، لها عدد، ولا يصلح ذلك في الشاة والشاتين، والبقرة والناقة. قال أشهب: إلا أن يشتري من ذلك يسيرًا على الكيل، مثل الربع وشبهه، مما الغالب أن ذلك منه مأمون. وأجازه ابن القاسم في الشاة والشاتين على الكيل في الإبان، ويشرع فيه. وروى أشهب عن مالك نحوه. [6/ 70]
قال أبو زيد في العتبية، عن ابن القاسم: إذا استوقن أنها تحلب مثل ما شرط، أخذه كل يوم. وروي عن مالك، أنه أجاز شراء لبن شاة شهرًا، إذا كان شيئًا معروفًا. وروي عنه أنه كرهه. قال أصبغ: فإن وقع، لم أفسخه، إذا كان في الإبان، وعرف حلابها، وفيها يومئذ لبن، والغرر فيه وفي العدد سواء، وهو في الواحدة أثقل. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: من اكترى بقرة أو ناقة، للحرث أو للسقي أشهرًا، ويشترط حلابها، فذلك جائز إن كان في الإبان، وعرف وجه حلابها. قال أصبغ: لا أفسخه في الشراء والكراء، إلا أن لا يعرف وجه حلابها، فيفسخ. ولا يصلح السلم في سمن غنم بأعيانها، ولا في جبنها، ولا في أقطها وزبدها، كما لا يصلح شراء ما يخرج من لبن بعينه. قال أشهب: إلا في الجبن والحالوم، فإني أستخفه؛ لأن وجه ذلك معروف، وإن بولغ في عمله أو يوتر عنه. ومن العتبية روى أشهب، عن مالك في شراء لبن غنم شهرًا، أنه جائز، فإن ماتت شاة، أو أصابها ما نقض لبنها، وضع عنه، وإن نقضت كما ينقض لبن الغنم فيما عرف، لم يوضع لذلك شيء إذا نقص نقصان مثلها. من سماع ابن القاسم: ومن اشترى من رجل ثمرة، على أنه إذا أدخلها بيته فهي له كذا وكذا صاعًا بدينار، ولم ينقد شيئًا، فلا بأس بذلك. [6/ 71]
في السلم في صوف غنم معينة أو في جلودها أو في زيت أو دقيق من حب أو بذر بعينه
في السلم في صوف غنم معينة أو في جلودها أو في زيت أو دقيق من حب بعينه أو من حب أو بذر بعينه أو عمل شيء من شيء بعينه أو عمل رجل بعينه أو طحين شيء ببعض ما يخرج منه أو شراء ما يخرج منه من كتاب محمد: وقال مالك في السلم في صوف غنم بأعيانها: إن كان في إبان جزازها فجائز، وكذلك إن باعها واستثنى جزازها، فجائز في إبان جزازها، وإلا فلا، وإن قل ما يسلم فيه من الصوف، ويجوز أن يتأخر الجزاز إلى عشرة أيام وخمسة عشر. قيل: أفيشتري جلود غنم أو بقر بأعيانها أحياء؟ قال مالك: إن كان ذلك، وكان متقاربًا، فجائز، وإن جعله بالخيار حتى يفرغ منها وينظر إليها، فإن لم ينقد، فجائز. قال عنه ابن القاسم: ما هو بحرام بيِّن، وما يعجبني. وقال ابن القاسم: يفسخ، إلا أن يفوت الجلد، فلا يفسخ. قال مالك: وإن باعه الجلد، على أنه إن سلم، فلا يعجبني، وإن لم ينقده، ولا بأس بالسلم في زيت زيلون بعينه، أو جلجلان بعينه، على الكيل، وبالنقد فيه إن كان خروجه معروفًا مأمونًا، كما يعرف حال القمح، يسلم في دقيقه، وإلا لم يجز النقد، وأما شراء زيته جزافًا، فلا يجوز بحال، وكذلك لو باعه جلجلانه، وشرط كسبه، وكان باعه ما يخرج منه. وكذلك شراء زرع يابس بالتين، على أن على البائع تهذيبه، فأما قمح على أن على البائع طحينه، فكرهه مالك، ثم أجازه واستخفه ابن القاسم. قال مالك: ولا يشترى زيت هذا الحب جزافًا، ولا بأس به على الكيل. [6/ 72]
قال مالك: وليس حب الفجل بزيته، واللبان بالسليخة مثل الدقيق بالحنطة؛ لأن الدقيق قد عرف كيف يأتي. قال مالك: ولا بأس بالسمراء من حب زرع بعينه يابس على الكيل، وهو يتهذب إلى خمسة عشر يومًا، وينقد الثمن، وكذلك من طعام في سفينة حتى يفرغ، ولو ترك النقد في طعام السفينة، كان أحب إليَّ. قال مالك: ويجوز شراؤه وهو زرع جزافًا أو كيلاً، ما لم يشترط في الجزاف تهذيبه، ولو كان أندرًا أو جريشًا م يجز شراء حبه جزافًا، ويجوز على الكيل إن كان في الأندر وفاء مما شرط، ولا يجوز طحين قمح بشيء من دقيقه ولا من نخالته، ولا بدقيق عن حب غيره بعينه، ولا طحينه بنخالته، وكذلك الزيت في عصر الزيتون، وشراء ذلك جائز، ولا خير في بيع خل من هذا التمر بعينه، أو من عنب، أو من زبيب بعينه، ولا بيع ثمر، ويشترط منه خلا، ولا خير في السلم في طوب مطبوخ من هذا الطين، أو من هذا الطوب النيء، ولا في تودة من هذه الحجارة. وإن ابتاع ثوبًا بقي من نسيجه ذراع، على أن يتمه له، لم يجز. قال ابن القاسم: إلا أن يبقى مثل الأصبعين، ولا بأس أن يشتري منه تور نحاس، على أن يعمله له إذا أراه بنحاس ووصف ما يعمل، وكذلك ظهارة على أن يعملها له قلنسوة، والحذاء، على أن يجذى له، والثوب، على أن يخيطه له، ويشرع في ذلك. قال: ويجوز له أن يبيعه قبل قبضه. قال محمد: بل لا يصلح بيعه قبل قبضه؛ لأنه شيء بعينه لا يصلح الضمان فيه. قال: وفرق بين الثوب يشتريه، على أن يتم له نسيجه، والتور النحاس يعمله له: أن النحاس إن جاء خلاف ما شرط، كسرة، فأعاده له، والثوب لا يمكن ذلك فيه، ولا يدري كيف يجيبه، ولا يجوز أن يسلم في عمل رجل بعينه، أو عمل شيء من شيء بعينه، مثل نحاس يصنعه قمقمًا، أو ظهارة قلنسوة، ويضرب فيه أجلاً، يكون عليه مضمونًا، ولا يصلح، [6/ 73]
ذكر ما يجوز فيه بيع الجزاف وما لا يجوز، ومن اشترى من صبرة باعها شيئا
نقده أو لم ينقده، إلا أن لا يكون مضمونًا ويشرع في العمل، أو في مثل يسير الأيام، وإلا لم يجز، إلا أن يسلم إليه سلمًا مضمونًا، لا يشترط عمل أحد بعينه، ولا من شيء بعينه، وينقده إلى يوم أو يومين، ويضرب للعمل أجلاً قريبًا أو بعيدًا، فذلك جائز، وكره أشهب شراء الثوب، على أن على البائع قصارته وأجازه في الخياطة. ذكر ما يجوز فيه بيع الجزاف وما لا يجوز ومن اشترى من صبرة باعها شيئًا من كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يباع جزافًا إلا ما يكال ويوزن، فلا بأس ببيعه جزافًا، إلا في الدنانير والدراهم والفلوس، وكبار الحيتان، ولا يباع ما كثر من الدقيق والثياب جزافًا. قال: وما عرف كيله أو وزنه، فلا يباع جزافًا، فإن باعه وهو يعلم كيله، فالمبتاع مخير في رده أو حبسه. قال مالك في كتاب ابن المواز، وابن حبيب: ولو قال البائع: إني أعرف كيله، فيقول المبتاع: رضيت أخذه جزافًا بكذا، فلا يجوز، وقاله مالك. قال ابن حبيب: قال ابن المسيب: إذا علمت كيل طعامك، ثم اكتلت منه صدرًا، فلا تبع ما بقي جزافًا. قال ابن حبيب: وذلك إذا عرفت قدر ما بقي في التقدير، فأما إن جهلته لكثرة ما اكتلت منه، فذلك جائز. وفي العتبية من سماع ابن القاسم، فيمن ابتاع طعامًا كيلاً، فأقام عنده، أو حمله إلى بلد، أو باع بعضه، أيبيع باقيه جزافًا، ولا يدري ما حدث فيه من نقص أو سرقة؟ قال: فلا ينتغى ذلك، إلا أن يخرج منه كيلاً كثيرًا وينساه، أو جزافًا كثيرًا، ولا يدري ما بقي منه، فله بيع باقيته جزافًا، فأما أن يخرج إردبًا أو إردبين، ثم ينسى مبلغه، أو يخرج قدر ذلك جزافًا، فلا يبيع ما بقي جزافًا حتى يتبين، وهو كمن يعلم كيل الصبرة، لقلة ما خرج منها. [6/ 74]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يجوز أن يباع ما يعلم أحد المتبايعين عدده من جميع الأشياء، لا قثاء ولا غيره، وهو كالعيب يرد به إن شاء. قال ابن حبيب: لا يباع ما يعرف أحدهما عدده أو وزنه أو كيله جزافًا، إلا في القثاء والبطيخ والأثرج، وما تختلف مقاديره، فلا بأس بذلك - يريد ابن حبيب: لأن العدد لا يؤدي فيه إلى تعريف اختلاف مقاديره. ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك: ولا تباع كبار الحيتان جزافًا في أحمال ولا صبر حتى تعد. ويباع صغار الحيتان جزافًا، مثل صغار الخشب، فأما إذا صار صغار الحيتان في ظروف، فلا يعرف عدد الظروف، بخلاف البطيخ والقثاء في أحماله، وإن كان عظيمًا، ولا بأس بشرائهما مصبرين. قال مالك في كتاب ابن المواز: ولا بأس ببيع القمح في غرائره، والزيت في زقاقه جزافًا. قال محمد: يعد العلم بعدد الغرائر الزقاق، وكذلك المسك في جماجمه، وبعد أن تريه من ذلك شيئًا. قال ابن القاسم، عن مالك في العتبية، وكتاب ابن المواز: ولا يباع القمح في أندره جزافًا قبل يدرس. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: ولا بأس ببيع صغير الخشب، أو صغير الحيتان جزافًا، ولا يجوز في كبيرها إلا العدد، فإن صار صغارها في ظروف، كقلال الصبر في سفينة أو في بيت فلا يجوز إلا عددًا. ومن الواضحة، وكتاب ابن المواز: ولا يجوز بيع ما يعد عددًا جزافًا، من الدقيق، والثياب، والحيوان، والبزور، وسائر العروض التي لا تكال ولا توزن، وقد يكون شيئًا مما يباع عددًا يباع جزافًا، كالجوز، والبيض، ورطب الفاكهة من الرمان، والفرسك، والقثاء، والتين، والموز، والأترنج، والبطيخ، وصغار الحيتان. [6/ 75]
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وإنما ذلك في كل شيء له بال منه، وكذلك صغار العصافير، وأما كبار الحيتان والطير، فلا. قال ابن حبيب: وإنما ذلك فيما يشق عدده مما صغر وكبر مما ذكرنا فما يشق عدده، وأما ما عظم مما سمينا، مثل الأترنج وشبهه مما حزر وحدد مما إذا نظره الناظر أحاط بعدده أو بجله، فلا يباع جزافًا حتى يكثر جدًا، ويعمى أمره، ومن ذلك البطيخ، والطير المذبوح، وكبار الحيتان، وضبه ذلك. وأما الطير حيًا في الأقفاص، فلا يباع جزافًا، قل أو كثر، حتى يعد؛ لأنه يمرح ويلوذ، ويدخل بعضه في بعض، فيعمى أمره. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بأس ببيع برج الحمام بما فيه جزافًا، ولا أعرف شراءه أجلاً مسمى. قال ابن القاسم: إذا باع جميع ما فيه، أو باعه بما فيه، ونظر إليه، فجائز، وإن لم يعرف عدده. قال أصبغ: وبعد أن يحيط به بصره وحزره، فرب كبير قليل العمارة، وصغير عامر. وكذلك في العتبية، وقاله أصبغ، عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز، قال: وما علمت في شيء يباع وزنًا، يجوز بيعه كيلاً. قال ابن القاسم: ولا يباع القمح بوزن، إلا أن يكون عرف وجه وزنه، ولا بمكيال غير جار، إلا بموضع لا مكيال فيه من الصحارى، وكذلك سائر الحبوب، ولا يبدل المكيل منها وزنًا بوزن. قال مالك: وما يعد أو يوزن فلا يباع بعضه ببعضه كيلاً، مثل الدنانير والدراهم والفلوس، ولا ينبغي في الفلوس جزاف، ولا كيل، ولا وزن، ولكنه عدد. قيل لمالك: فما يكثر عليهم كيله مما ابتاعه على الكيل، ومن تمر، أو زبيب، أو دقيق، أو بصل، فيكيل وسقًا، فيزنه، فيعلم ما فيه ثم يأخذه وزنًا؟ قال: إن لم يحتلف، فلا بأس به. ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك. [6/ 76]
قيل له: إنا نبتاع العصفر وزنًا، وقد نهى صاحب السوق أن يباع إلا كيلاً؟ قال: إنما كان يباع كيلاً، وهو الصواب. قال ابن القاسم: ومن ابتاع غرارة مملوءة طعامًا جزافًا بدينار، فذلك جائز، فإن قال: فرغها، واملأها لي بدينار. لم يجز، وكذلك الصبرة يقول: أعطني بقدر كيلها بكذا وكذا. ولا يعرف كم كيلها. قال ابن حبيب: وكذلك قارورة مملوءة دهنًا، يجوز أن يشتريها جزافًا، ولا يجوز أن يقول: املأها لي من هذا الدهن بكذا. ومن العتبية روى أبو زيد أنه كره بيع التمر عددًا. قال: وكره مالك بيع الرطب عددًا وأراه مثل التمر. وقال ابن وهب: إذا أحاط بصره به، صغيره وكبيره، فلا بأس به. قال ابن القاسم: لا بأس به في اليسير، مما لا يمكن فيه الكيل، وعن هذه النعال السبتية التي يجعل فيها الخفاف، تشترى جلودها موازنة، قال: لا يجوز ذلك. ولو جاز هذا، جاز بيع الثياب موازنة. ومن كتاب ابن المواز: ولا يسلم بمكيال قد أبطل. قال أشهب: إلا أن يعرف قدره من المحدث الجاري. قال مالك: ومن ابتاع بمكيال، ثم زيد فيه، كان كيلهم التطفيف، ثم صار بالتصبير، فله بالمكيال القديم. قال مالك: ومن باع ويبة وحفنة، فليسم أي حفنة، وأرجو أن يكون خفيفًا. وقال: هو جائز بموضع لا مكيال فيه، والمكيال أحب إليَّ، وقيل: هو جائز كمن باع بذراع لم يسمه، فله وسط من ذلك وكذلك الحفنة. محمد: والحفنة أشد منه. وكره سحنون الحفنة. [6/ 77]
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى مكتلاً مملوءًا طعامًا بدينار، ثم قال: فرغه واملأه لي ثانية بدينار، فإن كان بموضع مكيال لم أحبه، وكذلك لو جاء بغرارة يملؤها له بدينار، وقاله مالك. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن وجد عنده سلا مملوءًا تينًا، وقال: أنا آخذه منك، وأملؤه ثانية من التبن بدرهم، فهو خفيف، بخلاف غرارة القمح، ألا تراه لا يسلم في غرائر قمح، ويجوز أن يسلم في سلال تبن. وقال سحنون فيمن باع ثلاثة أحمال زبيب، وقال للمبتاع: إن فيها ثمانية أرطال تين أستثنيها. فقبض المبتاع الأحمال، فوجد فيها أحد عشر رطلاً من التين، فلينظروا إلى الثلاثة الأرطال الزائدة في التين، كم هي من الزبيب بعد طرح الثمانية أرطال سدسها أو ثلثها، فيوضع قدرها عن المبتاع من الثمن. ومن كتاب ابن المواز، وابن حبيب - وهي في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: وإذا أراد رجلان شراء صبرة جزافًا، فأبى أحدهما إلا كيلاً، فاشترى خمسة أرادب بخمسة دنانير، الآخر ما بقي بخمسة، فإن كان المكيل منها قدر الثلث فأدنى، جاز ذلك، وإلا لم يجز، وليست بشركة، وإنما باع من الأول خمسة، وباع من الآخر ما بقي بعد كيل له أن يستثنيه. قال في العتبية: وليست كالغنم، يكون له مائة فيبيع عشرة من خيارها، ثم يبيع باقيها من رجل، هذا لا يجوز، مثل خيار الأول، ويجوز أن يستثني من الصبرة القليل. والضأن لا يدري ما يبقى منها، والطعام صنف واحد، ليس لما يأخذ منه كيلاً فضل على ما بقي من الجزاف. وقال مثله ابن حبيب في الصبرة، أو تمر النخلة يبيع منها من رجل كيلاً، ومن آخر باقيها، فإن كان الكيل الذي باع يجوز استثناؤه لقلته، فذلك جائز. [6/ 78]
في البيع على التصديق في الكيل والوزن، أو قال زن فما نقص أوفيتك وإدخال الظرف في الوزن
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن باع تمرًا جزافًا، ولم يقبض ثمنه، ثم ابتاع منه كيلاً، فإن كان أكثر من الثلث، لم يجز، نقد أو لم ينقد، وإن اشترى إلى أجل، فلا يجوز أن يشتري منه دون الثلث بنقد. قال سحنون: ولا شيئًا منه بنقد. قال مالك: وإن تفرقا، فلا يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث بنقد، ولا بغير نقد، وإنما يجوز له أن يشتري منه أقل من الثلث إذا لم يتفرقا بغير نقد. ومن الواضحة: ومن الغرر بيع العنب وغيره من خضر الفواكه بالقمح موازنة، كما لو قال: أعطني بوزن هذه الحجر قمحًا، أو عنبًا بكذا. وكذلك بيع العنب والتين بشيء من الطعام كيلاً بكيل، أو كيلاً بكيلين، إن كان بقصعة أو بشيء لا يعرف مقداره من الكيل الجاري، فلا ينبغي إلا بموضع ليس به مكيال جار. في البيع على التصديق في الكيل والوزن أو قال زن فما نقص أوفيتك وفي إدخال الظرف في الوزن من الواضحة: وقد استثقل القاسم بن محمد وغيره بيع الطعام على التصديق في الكيل. وأجازه كثير من التابعين. قال مالك: وإنما كرهوه إذا بيع بالتأخير، والذريعة فيه أبين. ومن كتاب محمد، والواضحة: ومن ابتاع طعامًا سمي له كيله، أو كان حاضرًا كيله، فهو أبدًا على الكيل حتى يشترط فيه التصديق، ولو ابتاعه على الكيل، جاز أن يدعاه على التصديق، ثم لا رجوع للمشتري إلى الكيل بعد ذلك. وقاله أصبغ. [6/ 79]
ومن الواضحة: وإذا ابتاعه على التصديق، فألفاه ناقصًا أكثر من نقص الكيل، مما لا يكون غلطًا ومعه بينة، لم يغب عليه دونهم، فله الرجوع بحصة ذلك ثمنًا، فإن لم يجد بينة، حلف البائع، فإن نكل حلف المبتاع، ورجع بما ذكرنا، وما بيع على التصديق مما يكال أو يوزن، فهو كالطعام، ولا يجوز بيع طعام كيلاً أو جزافًا، بشيء من الطعام على التصديق مما يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز لأنه طعام بطعام غير ناجز؛ لأنه يجيز كيله بعد التفرق، ومن ابتاع طعامًا على التصديق، فلا يبعه على الكيل، ولا على التصديق قبل أن يكيله هو، أو يغيب عليه، ويدخله بيعه قبل قبضه، إذ لا يتم فيه البيع إلا بكيله، أو الغيبة عليه. وقاله مالك، وابن كنانة في المسألتين. وأجازه فيهما ابن القاسم، وابن الماجشون، وأصبغ. ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك فيمن ابتاع زقًا فيه سمن بقمح جزافًا، وزعم بائع الزق أن فيه عشرة أقساط، فكره مالك أن يأخذ بقول صاحبه. وأجازه ابن القاسم. وأخذ سحنون فيه بقول مالك. وقاله المخزومي. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ومن اشترى صبرة، على أن فيها كيلاً مسمى، فوجدها تزيد، فليرد الزيادة، ويلزمه البيع في الباقي. واستخف مالك شراء الزيت والسمن في الزقاق وزنًا، ويدخل الزقاق في الوزن، وربما يريد المبتاع حملها كذلك إلى بلد آخر، وذلك أن الناس عرفوا وجه ذلك، ووزنها، والتفريغ. ووزن الظروف أصح، ولو علم أن القلال في التقارب كالزقاق لأجزت ذلك، ولكن بعض الفخار أغلظ من بعض، فلا أحبه. ومن كتاب ابن المواز، عن ابن القاسم، ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: ومن لقي رجلاً في سفر، فابتاع منه دهنًا معه، ونقده الثمن، ودفع إليه الدهن وقال له: وزنه كذا وكذا، فإن صدقه، فذلك جائز. وإن قال [6/ 80]
في بيع كيل مع جزاف وبيع صبرتين على سعر متفق أو مختلف
له: زنه، وأنت مصدق، وما نقص فعلي، فإن كان يزنه إلى قريب من موضع عقد البيع مثل الميل ونحوه، كان ما يزيده من عصير الدهن الذي باعه فجائز، وإن كان يتأخر وزنه أيامًا، قال في كتاب محمد: أو إلى بلد يبلغها، يريد: وهو عنده. وقال في العتبية: إلى غاية سفره، لم يجز؛ لأنه ضمنه، وضمن له نقصًا لا يدري مبلغه، نقده الثمن أو لم ينقده. قال ابن القاسم: أإن كان ما يتم له من الدهن ليس من عصيره ولا من صفته، لم يجز، وإن وزنه بحضرته وقربه؛ لأنه التزم نقصًا لا يدري مبلغه يوفيه من صنف غيره. قال في كتاب محمد: وإن لم يقل: فما نقص عليَّ. ولكن قال: يحط بحسابه. وكان يزنه عن قرب، وذلك جائز إذا شرط ذلك في أصل العقدة، أو جعلاه بعد العقدة، غير أنه لا ينقده إلا قدر ما لا يشكان فيه، فذلك جائز، إذا كان الوزن قريبًا من شروط النقد، ولو اتزنه بموضعه، وشرط ضمانه وحملانه على البائع إلى بلد آخر، لم يجز وفسخ. قيل: فأين يرده على البائع بموضع الصفقة، أو بموضع القبض؟ قال: بموضع قبضه، فإن مات وكان مما يرد مثله، فليرد مثله هناك، وإن كان مما يرجع إلى القيمة فيه، فقيمته حيث يقدر عليه ويحكم له. وقال ابن القاسم: قيمته حيث قبضه منه. قال في العتبية: فإن وقع على أن يزنه ببلد آخر، فإنه يفسخ، فإن فات الدهن، رد مثله بموضع قبضه، إن عرف مثله، وإلا فقيمته بموضع قبضه. يريد: يأخذ منه تلك القيمة حيث ما لقيه. في بيع كيل مع جزاف وبيع صبرتين على سعر متفق أو مختلف والبيع مع صبرة صفقة صفقة بعد صفقة على الكيل من العتبية، من سماع ابن القاسم: ولا خير في شراء صبرة طعام جزافًا بمائة دينار، على أن يعطيه من صبرة أخرى شعيرًا خمسين إردبًا بخمسين دينارًا. [6/ 81]
قال عنه أشهب: ولا خير في شراء صبرة، كل قفيز بدينار، على أن يزيده في الجملة ثلاثة أقفزة. قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا خير في صبرة قمح وعشرة أرادب شعير بدينار. قاله مالك؛ لأنه خطار ولا يشترى شيء كيلاً مع جزاف من غيره. قال عنه أصبغ: لا يباع كيل وجزاف من طعام واحد، أو من صنفين، وهو أشر، اتفق السعر أو اختلف، ولا إن كان الكيل قليلاً، مثل إردب أو ويبة، فإني أكرهه، ولا يباع جزاف كيلاً وعروض معه ما كان من شيء لا يباع مع الجزاف، وذلك إذا أخذ جميع ما في الصبرة كيلاً مع العروض؛ لأنه لا يدري ما يبلغه. وكذلك في كتاب ابن المواز عنه، وزاد: إلا أن يسمي ما يأخذ من الكيل. فأما أن يأخذ الصبرة كلها كيلاً، ومع ذلك غيره، فلا يصلح ذلك، وكذلك لا يصلح عدد وجزاف على هذا. قال أصبغ: أنا أقوله خوف الذريعة للمزابنة استحسانًا واتباعًا، وليس بالبين، ولا أعلم من قاله قبله. وقد أجازه أشهب. قال أصبغ: قلت له: فطعام واجد في الجودة، وهو صبرتان ابتاعهما في صفقة إيجابًا بسعرين، هذه ثلاثة أرادب بدينار، وهذه إردبان بدينار؟ قال: لا خير فيه، إلا أن يسمي بكم من دينار يأخذ من كل واحدة. قال أصبغ: وهذا إغراق، وأرجو أن يكون خفيفًا. ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ولا يباع طعامان مختلفان على كيل متفق أو مختلف في صفقة، مثل قمح وتمر، ولا من جنس واحد، والصفة مختلفة، مثل قمح وشعير، أو قمح جيد ورديء، اتفق الكيل أو اختلف، اتفق السعر أو اختلف، إلا أن يسمي كم يأخذ من كل صبرة من دينار في ذلك كله. قال في كتاب محمد: أو يشتريها جزافًا، فيجوز، اختلفا أو اختلف الثمن. [6/ 82]
ومن كتاب محمد: ولا خير في أن يباع من شيء واحد كيل وجزاف في صفقة، ولا من صنفين، هذا بكيل أو وزن، وهذا جزاف، كان طعامًا أو أحدهما، أو كانا غير الطعام. قال مالك: ولا أن تشتري صبرة قمح جزافًا بمائة، على أن يعطيه من صبرة أخرى شعيرًا كيلاً، لم يجز. قال مالك: ولا يباع الدقيق والثياب جزافًا، ولا يباع دقيق وثياب في صفقة، لا على جزاف ولا عدد، حتى يعلم عدد كل صنف، وإن سمى لكل رأس أو ثوب ثمنًا، اتفق الثمن أو اختلف، ولا يصلح هذا أيضًا في سلعتين مختلفتين تشتريان في صفقة، على أن تكون واحدة بوزن أو عدد، والأخرى جزافًا، ولا يشتري سلعتين مختلفتين، على العدد قبل يعلم عدد كل صنف، كما لا يصلح بيع جاريتين بثمنين مختلفين، يأخذ إحداهما، قد لزمته. محمد: ومثل أن يبتاع كذلك، هذا كل ثوب بكذا، وهذه الغنم كل شاة بكذا، استوجب جملتها قبل يعلم عددها، ولو اشترى منها مائة ثوب، أو اشترى مائة كبش من الكباش بكذا، جاز ذلك إذا استوت، ولا بأس بشراء صبرتين من جنس واحد، وهما صنف واحد جودة، وجنسًا كل قفيز بكذا بسعر واحد، وكيل واحد صفقة واحدة. وقاله أصبغ. ومن كتاب محمد، قال: ولا يجوز ذلك إن اختلف السعر. ومسألة بيع دراهم سود وبيض مختلطة بسعر متفق أو مختلف في اختصار الصرف. ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن باع من رجل مائة فدان من زرعه، كل فدان بدينارين، من ناحية منه عرفاها، وتم البيع، وواعده ليقيس له في غد، ثم ابتاع منه في غد مائة أخرى، كل فدان بثلاثة دنانير قبل يقيس الأولى، فقاس، فلم يجز في زرعه إلا مائة وسبعين فدانًا، قال: مائة منها [6/ 83]
تحسب بدينار كل فدان، وما بقي حسبه، كل فدان بثلاثة دنانير، ويصير النقصان في الصفقة الأخرى، وكذلك إن باع مائة قفيز من قمح عنده بمائة دينار، ثم باع منه أو من غيره قبل الكيل مائة أخرى بخمسين، فلم يوجد فيها مائتان، فيبدأ بالمائة الأولى، وما بقي فلصاحب الثانية بسعرها، ولا يتحاصان فغي النقصان. باب فيمن له قبل رجل صوف فأخذ منه كباشًا مصوفة أو جززًا جزافًا قال في العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن له قبل رجل مائتا رطل صوف قد حلت، وأخذ منه بها سبعة أكبش مصوفة، وسبعة مجزوزة، فإن عرف قدر ما على المصوفة من الصوف، حتى لا يفوته التقدير إلا باليسير: رطل أو نحوه، فلا بأس به، وإن كان لا يعرف، وفي جهله بذلك عبن كثير، فلا خير فيه. قيل: فإن أخذ منه بصوفه جززًا من غير وزن، قال: إن تحرى ذلك حتى لا يزيد أو ينقص إلا يسيرًا فلا بأس به، وإن لم يعلم إلا بتغابن كثير فلا خير فيه. تم الكتاب بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد نبيه [6/ 84]
[الجزء الثاني من البيوع]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله الجزء الثاني مما يحل ويحرم من البيوع ما ينهى عنه من بيع العينة وما يتهم فيه أهلها وما أشبه هذا من بيوع النقود ومن قال لرجل اشتر سلعة كذا وبعها مني بدين أو بنقد من كتاب ابن المواز، قال محمد: ومن قول مالك وأصحابه: أنه إنما تكره العينة في البيع إلى أجل، فأما في بيع النقود، فلا، إلا لمن عرف بالعينة المكروهة، فإذا كانت البيعة الأولى إلى أجل، والثانية إما بنقد وإما إلى أجل فاتهم فيها كل أد، فإن خرج ذلك إلى شيء مكروه، فلا نجزه، وإذا كانت البيعة الأولى نقدًا، فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة خاصة. قال أصبغ: وإذا كان أحدهما من أهل العينة، فاعمل على أنها جميعًا من أهلها. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: ومن باع سلعة بثمن نقدًا، فقبضه، قال في كتاب ابن المواز: ثم ابتاعها منه بأكثر منه نقدًا. وقال في المجموعة والواضحة ثم استقال منها بزيادة من البائع نقدًا أو إلى أجل، قالوا عن مالك: فذلك جائز، إلا من أهل العينة. وقال في كتاب ابن [6/ 85]
المواز: فيتهمون أن يريد سلف عشرة بخمسة عشر فيخاف من إظهار ذلك، فيقول: خذ سلعتي بعشرة، تنقد ثمنها، وأرد عليك - إلى أيام - خمسة عشر، ولا يتهم بهذا غيرهم. قال أصبغ: وإن كان أحدهما يعرف بها، حملا على أنهما من أهل العينة. قال أشهب في المجموعة: وأما بأقل من الثمن، فلا تهمة فيه في بيع النقد بين أهل العينة أو غيرهم. ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن باع سلعة بنقد، فانتقد، ثم ابتاعها البائع بأكثر من الثمن إلى أجل، فلا أحبه مخافة العينة، إذا لم يكن بين ذلك طول زمان، ولا تحول أسواق، أو تغيير السلعة، إلا أن تتبين براءته، مثل أن يسافر عليها سفرًا بعيدًا، أو يلبس الثوب فيبليه فهذا جائز. محمد: وإن كانا من أهل العينة، قال: وأما إن كان البيع الأول إلى أجل، والثاني بنقد، وقد تغيرت هكذا، فمذكور في بيع الآجال. قال ابن القاسم وأشهب: إذا باعها بنقد، جاز أن يبتاعها بأكثر إلى أجل قبل أن ينقد، أو بعد أن نقد. محمد: يريد: ما لم يكونا من أهل العينة. ومن كتاب محمد والمجموعة: قال ابن وهب، عن مالك، فيمن باع سلعة بدينارين نقدًا، وانتقد دينارًا، ثم ابتاعها منه البائع بثلاثة دنانير، يقاصه بدينار، ويبقي دينارين إلى أجل، فكرهه ورآه كمن أعطاه دينارًا في دينارين إذا لم يتفاضلا حتى اشتراها منه. وكرهه ربيعة. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب: إذا ابتاعها على النقد، وهو ليس من أهل العينة، جاز بيعه إياها بمثل الثمن فأقل وأكثر، وإن لم ينقده أصلاً بنقد، وإلى أجل، كان طعامًا أو غيره إلا في طعام على كيل أو وزن، وإلا فذلك جائز من صاحبها، وينقد صاحبها الثمن الأول، ولا يؤخر شيئًا منه [6/ 86]
بشرط، فإن ذلك لا يصلح. وكذلك لو كان ثوبًا في بيته بعينه، باعه على الصفة، وانتقد ثمنه. ثم ابتاعه من مشتريه قبل يقبضه بأكثر من الثمن نقدًا أو إلى أجل، فجائز، إذا علم أن الثوب قائم في الصفة الثانية، وهذا من بيوع النقود ويجوز إلا من أهل العينة، إلا أن يطول الزمان بعد قبضها، وأما بيعها من غير صاحبها على ما وصفت لك، فجائز، إلا أن يكون وعده أن يبتاعها له، فيكون استيجابها للآمر، وينقد المأمور من عنده، ويدفعها المأمور إلى الآمر بأكثر من الثمن، فيصير من أهل العينة، وإن لم يكونا كانا منهم، وصار قد أسلفه ذهبًا في أكثر منها. قال ابن القاسم: ومن ابتاع دارًا بخمسين دينارًا نقدًا، فبنى فيها أشياء، ثم باعها من البائع بأكثر من الثمن إلى أجل، فإن لم يكونا من أهل العينة، فجائز. مالك: ومن سأل رجلاً أن يبيع منه شيئًا إلى أجل، فقال: ما عندي، ولكن أشتريه لك. فيراوضه على الربح، ثم يبتاعه، ثم يبيعه منه إلى أجل. قال مالك: هذه العينة المكروهة. وكذلك إن قال: ابتع لي سلعة كذا، وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا فهو مكروه. فكأنه دفع ذهبًا في أكثر منها. قال مالك: ولو قال: ما عندي. فذهب عنه، ثم ابتاع هذا ذلك من أجله على غير موعد، ثم لقيه، أو عاد إليه فباعه منه فلا بأس به إن لم يكن غير هذا. محمد: إذا لم يكن وجوب، فأنا أكره المواعدة والعادة، وروى عنه ابن نافع في المجموعة كراهيته. ومن كتاب محمد، قال مالك: وأكره أن يقول: ارجع إليَّ. أو يقول: أنا أشتريه لك، فعد إليَّ. قيل لمالك: فإن قال: اشتره منه حتى أبتاعه منك بربح إلى أجل، ولم يتراوضا على ربح - محمد: يريد ولا قطعًا سومًا - ثم عاد إليه، فباعه منه إلى أجل، فهو مكروه، ولا أفسخه إن نزل. [6/ 87]
ومن كتاب ابن حبيب، قيل: فإن راوضه على الربح حتى يشتريها له، أو قال: اشتر سلعة كذا، وأنا أربحك فيها كذا. أو قال: أربحك. ولم يسم الربح، فهذا كله لا يجوز، ولو انصرف عنه على غير موعد، ثم اشترى شيئًا فباعه منه، فذلك سائغ، فإن كان فيه موعد، أو تعريض، أو تصريح، مثل أن يقول: اشتر متاعه، وأشتريه منك. ولم يسميا الربح، فهذا يكره، فإن نزل، لم يفسخ. ومن كتاب ابن المواز: وإن قال: اشتر هذا الثوب بعشرة، وهو لي بأحد عشر. قال مالك: يكره هذا، وليس من بيوع الناس. قال محمد: وإن كان بالنقد كله، وهما حاضران، فجائز، وإن كان دخله تأخير، دخله الزيادة في السلف، فلا يجوز. قال مالك: ولو قال: اشتره، ولك دينار، فذلك جائز، وضمانه من الآمر. محمد: إن كان كله نقدًا، جاز، وإن دخله الأجل، فلا خير فيه، وإن نزل، فلس له إلا رأس ماله وجعل مثله. ولا يفسخ، فات أو لم يفت. قال أشهب فيمن قال لرجل: أعندك متاع كذا تبيعه مني إلى أجل؟ قال: نعم. فباعه منه، ثم ذهب فاشتراه من السوق، قال: ليس عليه إلا الثمن الذي اشتراه به. قال مالك: ومن راوض رجلاً أن يبدل منه جملاً ببكرين، فأبى رب الجمل، فقال رجل لرب البكرين: زده، وهو لي بخمسة عشر. قال: إن كان نقدًا، فهو خفيف، ولا خير فيه إلى أجل. قال مالك: وإن قال: ابتع لي هذا الثوب، وأنا أبتاعه منك بربح كذا، فأما بالنقد، فذلك جائز، وذلك جعل إذا استوجبه له، ولا خير فيه إلى أجل. قال مالك: وإن قال: ابتعه لي، وأنا أبتاعه منك بنقد. أو لم يقل لي، قال: لا يعجبني ذلك وكرهته. قال محمد: إن قال ابتعه لي فما ابتاعه به لزم [6/ 88]
الآمر ولا يجوز له أن يلزمه نفسه بأقل نقدًا، ولا بأكثر تأخيرًا، فإن دفع إليه العشرة ليدفع عنه الخمسة عشر إلى أجل، ردت العشرة، وبقيت الخمسة عشر على الآمر إلى أجل. ومن العتبية من سماع سحنون، من ابن القاسم، ومثله في الواضحة، قال مالك فيمن قال لرجل: ابتع لي هذه السلعة بعشرة دراهم، وهي لي باثني عشر. فإن استوجبها الآمر بالثمن نقدًا، فلا بأس به، والزيادة على العشرة جعل، قال ابن القاسم: وذلك إن لم ينقد الثمن من عنده، أو نقده بغير شرط، فإن نقده بشرط، رُدَّ إلى جُعل مثله بغير سلف، ما لم يكن أكثر من الدرهمين، كالبيع والسلف، وإن قال اشترها لي إيجابًا على الآمر بعشرة، يريد ينقدها عنه المأمور، على أن يكون على الآمر باثني عشر إلى أجل، ففعل، فهو زيادة في السلف، فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع، وإن فاتت، لزمت البائع بعشرة نقدًا، وسقط ما زاد؛ لأنه ضمنها حين، قال: لي. وقال ابن حبيب: إذا وقع لزمت السلعة الآمر، ويؤمر أن يقضيه العشرة المعجلة التي نقد عنه، ويعطى جعل مثله. قال ابن حبيب: وإن قال اشترها لنفسك بعشرة نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدًا أو إلى أجل، لم يجز. فإن نزل، فسخ الشراء الثاني، لمواطأته على وجوب بيعها قبل وجوبها للبائع، فدخلها بيع ما ليس عندك. قال: وإن قال: اشتره لنفسك بخمسة عشر إلى أجل، على أنها لي بعشرة نقدًا، فالبيع الثاني حرام، ويرد، فإن فاتت، ففيها القيمة يوم قبضها الثاني مما بلغت، كبيع حرام، ويرد، فإن فاتت، ففيها القيمة يوم قبضها الثاني مما بلغت، كبيع كران؛ لأن وجوبها كان للمأمور، ومنه ضمانها، وإنما فسخ للمواطأة كما ذكرنا. وهذا أحسن ما سمعنا، وقد كان من ابن القاسم فيها وفي التي قبلها اختلاف. [6/ 89]
قال ابن القاسم في العتبية: وإن قال: اشترها لي بخمسة عشر إلى أجل، على أن أدفع إليك عشرة نقدًا، لم يجز، ولزمت الآمر خمسة عشر إلى أجل، ولم يتعجل منه شيئًا. وإن قال: اشترها بعشرة نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى سنة، لزمه اثنا عشر إلى سنة؛ لأن مبتاعها ضمنها قبل أن يبيعها منه. وقاله مالك، وأحب إليَّ أن يتورع عن الزائد على العشرة، وأما في الحكم، فيقضى له باثني عشر. قال مالك: وإن قال اشترها بخمسة عشر إلى أجل، وأنا أشتريها منك بعشرة، وأحب إليَّ أن لو رد فيه الخمسة، فإن أبى لم أجزه؛ لأن المأمور ضمنها وابتاعها لنفسه، كما ألزم مالك في المسألة الأولى البيع للآمر باثني عشر إلى أجل؛ لأن العقد كان للمأمور. وهذه المسائل كلها في المجموعة على ما في العتبية. وقال في المجموعة ابن القاسم عن مالك: وإن قال: اشتر لي هذا المتاع، وأنا أبتاعه منك بربح، يسميه إلى أجل، فهو مكروه. قال عن مالك: ومن قال لرجل: اشتر الجمل بعشرين إلى أجل، وأنا أشتريه منك بخمسة وعشرين إلى أجل، فكرهه، إلا أن يكون استجابة له، فلا بأس به إلى الأجل نفسه. قال عنه ابن وهب: على أن أشتري منك بخمسة وعشرين، فأنركه، وقال: ليس بحسن. [6/ 90]
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل فتغيرت هل يبتاعها بأقل منه نقدا؟
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل فتغيرت هل يبتاعها بأقل منه نقدًا؟ ومن ابتاع من أهل العينة سلعة ثم استوضع على أن ينقد بعض الثمن أو أسلم في شيء ثم وهبه رأس المال من كتاب محمد، قال مالك: ومن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتاعها بأقل منه نقدًا بعد أن سافر على الدابة سفرًا بعيدًا، فرجع وقد أنقصها أو دبرت، أو لبس الثوب فأبلاه، فما كان مثل هذا فلا بأس به، وكذلك بالثمن إلى سنة فجائز، وبأكثر منه نقدًا فجائز، إلا من أهل العينة. يريد محمد: والبيعة الأولى بنقد. قال ابن القاسم، عن مالك في الدابة أو البعير يبتاعها بثمن إلى أجل، فيسافر عليها المبتاع إلى مثل الحج، وبعيد السفر، فيأتي وقد أنقصها، فيبتاعها منه بأقل من الثمن نقدًا، فلا يتهم في هذا أحد، ولا بأس به. وقد روى عنه أشهب، قال: وإذا حدث بها عور أو قطع أو عرج، حتى يعلم أنهما لم يعملا على فسخ، قال: لا يصلح هذا، ولا يؤتمن عليه أحد. وبرواية أشهب أخذ سحنون في العتبية. ومن المجموعة، ذكر رواية ابن القاسم، وأشهب، واختيار سحنون، قال: وقال ابن القاسم: إذا عميت، أو قطعت يدها أو رجلها، أو جاء عيب يذهب بحل ثمنها، فذلك جائز، كقول مالك في البعير الذي حج عليه، فأنقصه وأدبره. ومن كتاب ابن المواز، قال محمد: قال مالك: ومن ابتاع طعامًا أو غيره بثمن إلى أجل، وهو ممن يعين، ثم جاء يستوضعه، وشكا الوضيعة، فوضع له، فلا خير فيه؛ لأن هذا في أهل العينة يتراوضون على ربح للعشرة اثني عشر، فإذا باعه فنقص ذلك عن تقديرهما، حطه حتى يرجع إلى ما تراوضا عليه. وقد كرهه [6/ 91]
ابن هرمز. قال مالك: ولو باعه - وهو ممن يعين راوية زيت بعشرين، على أن ينقده عشرة، وعشرة إلى أجل، فلا خير فيه إن كان مبتاعها يريد بيعها، وكأنه لم يرد بيع ما طلب هذا منه فقط، فيقول: خذها فبع منها ما تنقدني، وذلك عشرة وباقيها لك بعشرة إلى أجل. وكرهه ربيعة وغيره. قال مالك: وكذلك لو نقده قبل يقبضها؛ لأنه من ثمنها ينقده؛ لأنه يجعل ما باع به مكان ما نقد. قال في المجموعة: وهذا إذا كان أصله على العينة، وهو يتسلف له ما ينقده، ويرده من ثمنها، وإن لم يكن البائع من أهل العينة، فلا بأس بذلك كله. قال في العتبية ابن القاسم عن مالك: وكذلك على أن ينقده من الثمن دينارًا واحدًا، فهو مكروه. وقال في الواضحة عن مالك: وهذا فيما يشتريه لبيعه لحاجته إلى ثمنه، فأما من يشتري لحاجته من ثوب يلبسه ودابة يركبها، أو خادم يخدمه، فلا بأس بذلك كله. قال في كتاب ابن المواز: ولو كان يريد أكل السلعة أو لبسها، لم يكن به بأس. قال ابن القاسم: وكذلك في العروض والحيوان بيع على نقد بعض الثمن فلا خير فيه. وقاله مالك في أهل العينة، ولا بأس به في غيرهم. قال أصبغ من العتبية بإثر هذا: وكذلك قال أشهب فيمن باع داره بثمن إلى أجل، وشرط أنها بيده رهنًا إلى ذلك الأجل، وذلك أنها تباع عند الأجل، فإن نقصت عن الثمن، ضمن تمامه للمبتاع، وإن زادت أخذ الزيادة، فكأنه [6/ 92]
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها من هو بسببه بأقل منه نقدا
ضمن النقص لتكون له الزيادة، فضارع القمار، فإن وقع، فسخ، وإن بيعت، فالزيادة والنقصان لرب الدار، وعليه كمبتاع سلعة على ألا نقصان عليه، فهو كالأجير. ومن كتاب محمد: ومن أسلم عينًا، أو ما لا يعرف بعينه، من طعام أو عرض في سلعة، ثم رد إليه رأس المال أو بعضه، وبقي السلم بحاله، فإن لم يفترقا فلا بأس به، وإن تفرقا لم يصلح، حل الأجل أو لم يحل، ولو كان رأس المال مما يعرف بعينه، جاز، وإن تغير عن حاله ما لم يكن ما أسلم فيه طعامًا. فيمن باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها من هو بسببه بأقل منه نقدًا أو من كان جالسًا معهما ثم ابتاعها منه بائعها من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجل بثمن مؤجل، ثم أمر البائع رجلاً أن يبتاع له سلعة بنقد دفعه إليه، فابتاعها له المأمور من المشتري بأقل من الثمن الذي ابتاعها به، وقد علم المأمور أو لم يعلم، فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع، يريد: الثاني. وإن فاتت، فليس عليه إلا رأس المال، وكذلك إن لم يعلم المبتاع الأول بوكالة المأمور. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا كان من أهل العينة، فباع سلعة بثمن إلى أجل، فقبضها المبتاع، فباعها من رجل معهما في المجلس، فابتاعها منه بائعها مكانه، فهو كالمحلل بينهما، فلا خير فيه. قال: وقال ابن دينار: وهذا مما يضرب عليه عندنا، ولا يختلف عندنا في كراهيته. وإذا باع المقارض سلعة بثمن إلى أجل، جاز لرب المال سراؤها بأقل منه نقدًا. [6/ 93]
باب فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشتراها بأقل منه نقدا وفاتت أو تعدى عليها
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن باع سلعة بعشرة إلى أجل، فاشتراها عبده المأذون بخمسة نقدًا، فإن كان يتجر بمال السيد، لم يجز، وإن كان يتجر بماله نفسه، فجائز. وقال أشهب: لا أحبه، وإن تجر بمال نفسه، للذريعة، وكذلك شراء سيده لما باعه عبده المأذون، فإن وقع، لم أفسخه في الوجهين، وكذلك شراء الولد البالغ في ولاية أبيه، ما باعه أبوه بدين إلى أجل بأقل منه نقدًا فلا أفسخه إن وقع، ولكن إن اشتراها العبد أو الابن بمال البائع، أو اشتراها السيد لعبده الذي باعها، فهذا يفسخ، وإن اشتراها بائعها لولده الصغير، أو لأجنبي وكله يشتريها له، كرهته، فإن ترك، لم أفسخه إذا صح. قال مالك: ولا يلي بيعها لمبتاعها منه يسأله ذلك. قال أشهب: لا خير فيه، فإن فعل وكان بيعًا صحيحًا بعد قبض المبتاع لها، لم يفسخ، وإن كان قبل يقبضها فسخ، إلا أن يبيعها بعشرة فأكثر نقدًا، فلا يفسخ. وقال ابن القاسم: هذا جائز. باب فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشتراها بأقل منه نقدًا وفاتت أو تعدى عليها أو باعها تعديًا من آخر بأقل من الثمن نقدًا أو أخذ من ثمن الطعام طعامًا من المجموعة: قال سحنون: ومن باع سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، فإن لم تفت السلعة، ردت إلى المبتاع الأول، وصحت الصفقة الأولى. قال غيره: يفسخ البيعان جميعًا، إلا أن يصح أنهما لم يتعاملا على العينة، وإنما وجدها تباع فابتاعها بأقل من الثمن، فهذا يفسخ البيع الثاني، ويصح الأول. [6/ 94]
قال ابن المواز: انظر في بيوع الآجال إذا باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها، فانظر من يبتدئ بإخراج ذهبه. فإن وجدت المتأخر من أحد الثمنين أكثر بدرهم، أو ثوب، أو انتفاع، فلا خير فيه، وإن كان أقل أو مثله، فلا بأس به، فإذا وقع المكروه، مثل أن يبتاعها بثمن نقدًا، أقل مما باعها به إلى أجل، وفاتت بيد الذي رجعت إليه، لم يكن لمبتدئ إخراج ذهبه إلا مثل ما دفع لا أكثر منه. فإن دفع كل واحد ذهبه، رجع إلى كل واحد مثل ما دفع. قال ابن عبدوس: قال غيره: إذا اشترى بخمسة نقدًا، ففاتت عنده، فلا يرد عليه المشتري الأول إلا خمسة، ولو تعدى عليها البائع الأول بعد قبض المشتري لها، فباعها، أو وهبها، أو أفسدها، قال: فعليه قيمتها، يأخذها منه المتعدى عليه، وإن شاء الثمن الذي بيعت به إن بيعت، فإذا حل الأجل، رد الثمن الذي كان ابتاعها به، بخلاف المسألة الأولى؛ لأنهما في الأولى تعاملا فاتهما، وفي الآخرة لم يتعاملا على هذا، فلا يتهمان. روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع سلعة بخمسة إلى أجل، ثم تعدى فباعها من آخر بعشرة نقدًا، فالمبتاع الأول أحق بها، ما لم تفت، فإن فاتت خير بين أخذ العشرة أو قيمة السلعة، فأي ذلك أخذ، لم يرد إذا حل الأجل، إلا ما قبض، وليس عليه تعجيله قبل الأجل. قال سحنون: إلا أن يأخذ في القيمة أكثر من خمسين، فلا يرد إلا خمسين. قال سحنون عن ابن القاسم: فإن لم تفت السلعة، وشاء المشتري أخذ ما بيعت به، فذلك له. وذكر في فوتها كرواية يحيى، إلا أنه قال: القياس أن يأخذ القيمة، ويغرم خمسين، ولكنهما يتهمان، فلا يغرم إلا ما أخذه إلا أن يجاوز الخمسين. قال عنه سحنون: وإن باعها بطعام نقدًا، أو أراد أخذ الطعام، فذلك له. وكذلك في المجموعة عن ابن القاسم، وسحنون، مثل ما ذكر في العتبية عنهما، وزاد عن سحنون: وهذا [6/ 95]
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشتراها بدنانير نقدا أو إلى أجل
إن كانت القيمة أقل من الثمن، فتصير إقالة من الثاني، ولا يكون لأحدهما على الآخر شيء. من المجموعة: روى ابن وهب، عن مالك، فيمن باع طعامًا بثمن إلى أجل، وأخذ فيه بعد الأجل زيتًا. قال: يرد الزيت، ويأخذ ثمن القمح. وذكر رواية ابن القاسم: إذا أخذ منه بدينار تمرًا، وقد ذكرنا ذلك موعبًا في باب الأخذ من ثمن الطعام طعامًا. فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشتراها بدنانير نقدًا أو إلى أجل أو بدنانير إلى أبعد منه أو إليه من كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بعشرة إلى شهر، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهرين، فهذا أجازه ابن القاسم. وكرهه عبد الملك، وإنما يدخله: أسلفني وأسلفك. فليس في هذا عنده كبير تهمة ولا كراهية، وإنما التهمة في الزيادة في السلف أو البيع والسلف، وكذلك بأربعة نقدًا، وستة إلى شهرين، فأما بأربعة نقدًا، وبخمسة إلى شهرين، فلا يجوز؛ لأنه ينقد أربعة أو أقل، ويأخذ في الأجل عشرة، خمسة في الأربعة أربى فيها بدينار، وخمسة يردها بعد الأجل، فإن كانت بأربعة نقدًا، وسبعة إلى شهرين، لم يجز؛ لأنه ينقد أربعة، ويأخذ في الأجل عشرة، أربعة قضاء لأربعة، وستة يرد فيها سبعة بعد الأجل. ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: فإن اشتراها بخمسة نقدًا، أو ستة إلى ذلك الشهر، فذلك جائز، ويصير مقاصة بستة، ويأخذ أربعة من خمسة نقدها. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وعبد الملك: ولو ابتاعها بعشرة إلى شهر، وبعشرة أخرى إلى شهرين، فذلك جائز؛ لأن العشرة الأولى مقاصة، ورد البائع العشرة باطلاً، وإن اشتراها بتسعة إلى شهر، وبدينار إلى [6/ 96]
فيمن باع سلعة بنقد ودين ثم ابتاعها بثمن نقدا أو إلى أجل أو بنقد ودين
أبعد منه، فذلك جائز؛ لأنه إنما يأخذ عند الأجل دينارًا، ثم يرده بعد ذلك، ولو اتهم أن يكون هذا سلفًا، لما انتفع به من لباس الثوب؛ لاتهم إذا اشتراه بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل، وهذا لا تهمة فيه، وإن ابتاعها بستة فأكثر إلى تسعة نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل، لم يجز؛ لأن الستة ترجع إليه من العشرة، ويأخذ أربعة، فيرد فيها خمسة. قالا: وإن ابتاعها بعشرة نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل، فذلك جائز. فيمن باع سلعة بنقد ودين ثم ابتاعها بثمن نقدًا أو إلى أجل وبنقد ودين من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: ومن باع سلعة بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم ابتاعها بستة نقدًا، أو إلى دون الشهر، لم يجز ذلك، وكذلك بما هو أقل من عشرة، وأكثر من خمسة، فلا يجوز. وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال في كتابه وفي المجموعة عنهما: فأما بخمسة نقدًا فأقل، فجائز، وكذلك بعشرة نقدًا. قال: وإن أخذها بستة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، فإن كان من أهل العينة، فلا خير فيه؛ لأن التهمة لم تدخل إلا فيما انتقد البائع لما قبض الخمسة، ورد ستة، فلا يتهم في النقود إلا أهل العينة، والخمسة بالخمسة مقاصة في الأجل. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية: وإن ابتاعها بخمسة نقدًا، وستة إلى شهر، لم يجز إلا أن يكون في المجلس، ولم يغب على الدنانير، فذلك جائز؛ لأنه خمسة بخمسة إلى الأجل مقاصة، ويرد هذا الدينار السادس. قال ابن المواز: ولو ابتاعها بأحد عشر، أو بأكثر نقدًا، لم يتهم فيها إلا أهل العيبة؛ لأن خمسة ترجع إليه من الأحد عشر في الأجل، وتصير الستة الباقية قد ردها من خمسة كان انتقدها في الصفقة، وهذا لأهل العينة مكروه، لغيرهم. قال: وإنما ينظر في الأجل بعد الصفقة الثانية، ماذا يجر إليه في المستقبل، ولا [6/ 97]
ينظر فيما يقع من المنفعة لما مضى، لكن فيما يستقبل إلا أهل العينة خاصة، فينظر في أول معاملتهما على ما آلت، وفيما يستقبل إلى ماذا تؤول. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يجوز أن يشتريها بأحد عشر إلى أبعد من الشهر، وأما بعشرة، أو بأكثر نقدًا أو إلى أجل دون الشهر، أو إلى الشهر، فجائز، إن لم يكونا من أهل العينة، فإن كانا من أهل العينة، فيتهمان فيما جاوز العشرة نقدًا. قال ابن القاسم: فأما بعشرة إلى الشهر، فلا بأس به من أهل العينة وغيرهم، وأما بأحد عشر، أو بعشرة نقدًا، أو إلى دون الشهر، فلا يصلح من أهل العينة، وكذلك بأحد عشر إلى الشهر، قال: فإن ابتاعها بستة فأكثر إلى عشرة إلى أبعد من الشهر، فجائز من أهل العينة وغيرهم. قال أشهب: وكذلك لو كان مكان العين طعامًا في الصفقة الأولى والثانية. ابن القاسم، عن مالك، فيمن باع سلعته بسلعة نقدًا، وبخمسة إلى شهر، ثم اشتراها بسبعة نقدًا، أو بثمانية إلى شهرين، خمسة منها قصاصًا عند الشهر، فإنما يتهم في هذا أهل العينة. قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع سلعة بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الشهر، فذلك جائز، وأما بستة نقدًا، وبخمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة إلى شهر، فلا خير فيه من أهل العينة. قال ابن القاسم: وكذلك بأكثر من خمسة نقدًا، أو تسعة وستة إلى الأجل فلا، وكذلك بعشرة فأكثر نقدًا، أو إلى دون الأجل، وبخمسة إلى الأجل، أو بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، وبخمسة إلى أبعد منه، فلا خير فيه. يريد: من أهل العينة. قال عبد الملك: ومن ابتاعها بستة نقدًا، وبخمسة إلى شهرين، لم يجز؛ لأنه رد الخمسة التي قبض، ودينارًا سلفًا يقبضه عند الأجل، يأخذ أربعة يردها خمسة. [6/ 98]
باب فيمن باع سلعة بعشرة إلى شهر ثم ابتاعها وثوبا معها بدنانير أو بثوب ودنانير
باب فيمن باع سلعة بعشرة إلى شهر ثم ابتاعها وثوبًا معها بدنانير أو ابتاعها بثوب ودنانير وفي ذلك نقد ومؤجل من كتاب ابن المواز: من باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم ابتاعها وثوبًا معها نقدًا، فلا يجوز ذلك بعشرة، ولا بأقل ولا بأكثر نقدًا، ويدخله بأكثر بيع وسلف. وأما بمثل الثمن أو بأقل، فيدخله ذهب في أكثر منها؛ لأنه إن دفع أحد عشر، فعشرة سلف، يأخذها عند الشهر، والدينار ثمن الثوب الذي قبض مع سلعته. وأما تسعة فهي سلف يرجع إليه فيها ثوب نقدًا، وعشرة إلى شهر، وكذلك بعشرة يصير الثوب زيادة، والعشرة ترجع إليه، وأما إن ابتاعه، وثوبًا معه إلى أبعد من الأجل، فلا بأس به بالثمن وبأقل، ولا يجوز بأكثر؛ لأنه بيع وسلف وذهب في أكثر منها؛ لأن ثوبه يرجع إليه، وأخذ ثوبًا آخر، وعشرة أخذها عند الأجل سلفًا، يرد فيها أحد عشر، فدينار منها ثمن للثوب، وعشرة قضاء للعشرة، وأما إلى الأجل نفسه، فيجوز مثل الثمن أو أقل أو أكثر، في جميع مسائلك؛ لأنه يرجع إلى المقاصة، فلا يدخله سلف وبيع، ولا انتفاع، وأما إن ابتاعه بثوب دفعه، دنانير نقدًا، فإن كانت الدنانير أقل من الثمن، لم يجز، وأما بمثل أو بأكثر، فجائز، ولا يتهم في أن يدفع ثوبًا وعشرة، ويأخذ عند الأجل عشرة. قال عبد الملك في المجموعة: إذا اشتراها بثوب نقدًا، أو بمثل الثمن نقدًا، لم يجز، ويصير الثوب بالثوب بيعًا، والثمن بمثله سلفًا، ويدخله أيضًا إن كان الثوب الذي يعطي أدنى الزيادة في السلف، وكذلك إن كان الثوب الذي يعطي إلى أجل دخله ذلك كله، وذكر أن ابن القاسم يجيز هذا، كما ذكر ابن المواز. قال ابن القاسم: وكذلك إن كانت السلعة والعشرة إلى أجل دون الأجل، فذلك جائز، وإن اشتراه بثوب نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، فهو جائز، وإن كانت الخمسة نقدًا فهو بيع وسلف. [6/ 99]
فيمن باع ثوبين بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر ثم ابتاعها بعين وثوب أو إلى الأجل
ومن كتاب ابن المواز: وإن اشتراها بثوب نقدًا، أو بعشرة دنانير، أو أقل أو أكثر إلى أبعد من الأجل، لم يجز، فإن أعطى فيها ثوبًا نقدًا، أو تسعة إلى أبعد من الأجل، فهو يأخذ عشرة عند الأجل بدينار ثمن الثوب الذي كان دفع، وتسعة سلفًا يردها إلى الأجل الثاني، فهو بيع وسلف، ولو كان بثوب نقدًا، وبعشرة فأكثر إلى أبعد من الأجل، كان الزيادة في السلف، فالدنانير سلف يأخذها أو أكثر منها مع ثوب عجله يوم ارتجع سلعته. فيمن باع ثوبين بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر ثم ابتاعها بعين وثوب نقدًا أو إلى الأجل أو إلى أبعد منه أو ابتاع أحدهما وثوبًا معه بعين أو عرض من المجموعة: قال ابن القاسم، وعبد الملك فيمن باع سلعتين بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى شهر، ثم ابتاعهما بخمسة نقدًا فأكثر إلى تسعة، وبثوب نقدًا، فلا خير فيه، وهو بيع وسلف، فالخمسة التي رد سلفًا، وإن كان أكثر منها، فهو زيادة منفعة فيه أيضًا، والثوب الذي أعطاه بيعًا بالخمسة المؤخرة، فأما بعشرة نقدًا مع ثوب، فلا بأس به، إلا من أهل العينة، وإن اشتراهما بخمسة إلى الشهر، وبثوب نقدًا، أو إلى الشهر، فلا بأس به، وإن كان بستة إلى الأجل مع الثوب، فلا خير فيه؛ لأن خمسة من الستة مقاصة في الأجل، والدينار السادس رده من الخمسة التي قبض، فهو سلف، والأربعة ثمن للثوب الذي أعطى. قال عبد الملك: وكذلك بأكثر من خمسة إلى التسعة إلى الأجل. قالا: وإن اشتراهما بثوب، وبعشرة إلى الأجل، لم يجز، وهو زيادة في السلف؛ لأن خمسة بخمسة في الأجل قصاصًا، ورد في الخمسة التي قبض خمسة وثوبًا، فإن اشتراهما بثوب نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل لم يجز؛ لأنه بيع وسلف. قال عبد الملك: وكذلك بثوب نقدًا، وبأكثر من خمسة إلى تسعة إلى أبعد من الأجل. قالا: وإن [6/ 100]
فيمن باع ثوبين بثمن مؤجل أو بعضه نقد ثم ابتاع أحدهما بنقد أو بنقد ودين أو ثوب
كان بثوب وبعشرة إلى أبعد من الأجل. قال عبد الملك: وأكثر من عشرة لم يجز، وهو ربا؛ لأنه قبض عشرة متفاوتة، رد منها عشرة وثوبًا. قال: وإن ابتاع أحدهما وثوبًا معه بتسعة أو بعشرة وثوب نقدًا أو إلى الشهر، أو أبعد منه، لم يجز لأنه بيع وسلف، باع ثوبًا كان أعطاه، وثوبًا يعطيه الآن بثوب أخذه، وما زاد من المال سلفًا، وما فضل عنه داخل في ثمن المبيع. فيمن باع ثوبين بثمن مؤجل أو بعه نقد ثم ابتاع أحدهما بنقد أو بنقد ودين أو بنقد وثوب من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، فيمن باع من رجل ثوبين بعشرة إلى شهر، ثم ابتاع أحدهما بتسعة نقدًا، أو إلى أجل دون الأجل، لم يجز، وهو بيع وسلف، ولا يجوز أن يبتاع أحدهما إلى أبعد من الأجل بمثل الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر. فأما بأقل، فهو بيع وسلف. قال أشهب: وبيع عرض، وذهب بذهب. قال أشهب: وإن لم يكن في ثمن سلعته زيادة ولا نقصان، وذلك ذريعة، وإذا رد في وجه، فهو مردود بكل حال. قالوا: وأما مثل الثمن فأكثر، فهو سلف جر منفعة، رد السلف وانتفع بثوب أرباه، أو ثوب مع زيادة زادها. وأما إلى الأجل نفسه، فيجوز مثل الثمن وأقل وأكثر، فيكون مقاصة. قال ابن القاسم: فإن ابتاعه بدراهم نقدًا فإن كانت كثيرة ترتفع معها التهمة، فجائز. وقال هو وعبد المالك: وإن ابتاعها بثوب وبعشرة نقدًا، أو إلى أجل، فلا بأس به؛ لأنه أعطى ثوبين وعشرة، ويأخذ عشرة، وإن ابتاعه إلى أبعد من الأجل بثوب، وبمثل الثمن أو أقل منه، لم يجز، وهو زيادة في السلف. قال ابن القاسم: هذا بمثل الثمن، فأما بأقل منه إلى أبعد من الأجل، فبيع وسلف، وإن ابتاعه بثوب وبتسعة نقدًا، فهو بيع وسلف، تسعة سلف، ودينار ثمن ثوبيه، وأما بثوب - يريد نقدًا - أو بتسعة إلى الأجل، فجائز؛ لأنها مقاصة، ويصير الدينار الباقي ثمنًا للثوبين. [6/ 101]
قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع ثوبين بخمسة نقدًا، وخمسة إلى شهر، ثم ابتاع أحدهما بعشرة نقدًا، أو بعشرة وثوب نقدًا، فذلك جائز. قال عبد الملك: فإن كان الثوب الذي يعطي مع العشرة إلى الأجل، فلا بأس به، لا تهمة فيه لأحد ما لم يكن م صنف الثوب الذي استرد، فلا يجوز، ويصير قد أخذ ثوبًا، يعطي ثوبًا من جنسه، وثوبًا أعطاه قبله، وأخذ خمسة ردها، ويعطي خمسة يأخذها. قال عبد الملك: فإن ابتاع أحدهما بتسعة نقدًا أو إلى أجل، أو إلى أبعد منه، فلا خير فيه، وهو بيع وسلف، ودين بدين؛ لأن له عليه خمسة إلى أجل، باعه منه بها أو ببعضها ثوبًا إلى أجل وإلى أبعد منه، فهو الدين بالدين، فأما بيع وسلف، فقد رد الخمسة التي أخذ، وأعطاه أربعة سلفًا يأخذها في الأجل، يأخذ دينارًا ثمنًا لثوب من الأولين، وثمنًا للثوب الذي يعطي. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا اشترى أحدهما بخمسة نقدًا، فجائز. وكذلك بأقل من خمسة نقدًا؛ لأنه أربح أحد ثوبيه، ورد أربعة من الخمسة التي انتقد، وبقي منها دينار، فهو مع الخمسة الباقية ثمن لثوبه الآخر، وإن أخذ أحدهما بستة نقدًا إلى أقل من عشرة، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف وزيادة في السلف، ولا يجوز أن يشتري أحدهما إلى أبعد من الأجل بمثل الثمن، ولا بأقل ولا بأكثر؛ لأنه بأكثر أو بأقل، سلف جر منفعة؛ لأن البائع أخذ عند الصفقة خمسة، وعند الأجل خمسة، ثم يرد بعد الأجل عشرة أو أكثر مع ثوب كان خرج من عنده، وأما بأقل من عشرة أو بخمسة أو بأقل إلى أبعد من الأجل، فيدخله بيع وسلف، لأن البائع أخذ خمسة نقدًا، وخمسة عند الأجل، وأعطى ثوبًا نقدًا وتسعة بأقل منها بعدما حل الأجل، فهي قضاء لما حاذاها من العشرة التي أخذ، والثوب الذي كان أعطى ثمنًا لبقية العشرة. [6/ 102]
في الرجلين يبيعان ثوبين من رجل إلى أجل ثم يشتري أحدهما أحد الثوبين
في الرجلين يبيعان ثوبين من رجل بثمن إلى أجل ثم يشتري أحدهما أحد الثوبين من كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس، عن ابن القاسم، وعبد الملك: وإذا باع رجلان ثوبين بعشرة إلى أجل، ثم ابتاع أحدهما أحد الثوبين، فلا خير فيه بمثل الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر، لا نقدًا ولا إلى أجل، دون الأجل ولا إلى أبعد منه، ويدخله في ذلك كله: بيع وسلف لأنه ارتجع نصف ثوب كان له، وأخذ نصفًا لم يكن له بنصف ما بقي له في الثوب الباقي، فصار بيعًا، فإن نقده الآن أربعة، فهي سلف ترجع إليه عند الأجل مع زيادة؛ لأنه يأخذ خمسة عند الأجل، منها أربعة سلف، ودينار زيادة، فهي ثمن نصف ثوبه الذي أخذ فيه نصف ثوب شريكه ثمنًا، وكذلك بخمسة نقدًا، فهي سلف يرتجعها، وبيع نصف ثوب بنصف ثوب، وأما بأكثر من خمسة نقدًا، فإن خمسة منها سلف، والزائد مع نصف ثوبه ثمن لنصف ثوب أخذه، وأما إلى أبعد من الأجل بخمسة أو أقل، فيدخله بيع وسلف، ويدخله أكثر من خمسة الزيادة في السلف. ورأيت في كتاب ابن الماجشون: أنه إنما يدخله بيع وسلف؛ لأنه استقر أمره على أنه خرج من عنده نصف ثوب، وأخذ نصف ثوب شريكه، ويأخذ خمسة في الأجل، وهي حصة من العشرة يأخذها سلفًا، يردها بعد الأجل، ويزيد معها دينارًا فأكثر، فهو مع نصف ثوبه ثمن للنصف الذي أخذ. قال في المجموعة خاصة: وإن اشترى أحدهما أحد الثوبين بخمسة إلى الأجل، فلا بأس به؛ لأن الخمسة مقاصة ويصيران قد تبايعا نصف ثوب بنصف ثوب، وكذلك بعشرة، أو بخمسة عشر إلى الأجل؛ لأن خمسة بخمسة مقاصة، ويعطي عشرة أو خمسة مع نصف ثوب بنصف ثوب أخذه. ومن كتاب ابن المواز: ولو باعا ثوبيهما بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم ابتاع أحد الرجلين أحد الثوبين بخمسة نقدًا، فهذا بيع وسلف، فأما بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، فذلك جائز، وكذلك بخمسة نقدًا، وبدينارين ونصف [6/ 103]
فأكثر إلى الأجل، فذلك جائز؛ لأنه لا يرتجع مما دفع شيئًا. قال ابن القاسم في كتاب الأسكندراني، وقال عبد الملك: لا يجوز أن يبتاعه بخمسة نقدًا، وبدينارين ونصف إلى الأجل، أو إلى أبعد منه؛ لأنه بيع وسلف؛ لأنه قبض أولا دينارين ونصفًا، فردها مع دينارين ونصف مع نصف الثوب الذي كان باع بنصف الثوب الذي أخذ، ونصفه الآخر قد عاد إليه، فإن كانت الديناران ونصف الأخرى إلى الأجل، فهي قصاص، وإن كانت إلى أبعد منه. قال عبد الملك: فقد صارت إلى أبعد من الأجل، ونصف الثوب الذي بيد المشتري ثمنًا لنصف الثوب الذي أخذ البائع الأول، وأعطى خمسة نقدًا، فنصفها ردها سلفًا، وهي حصته من الخمسة النقد، ورد معها دينارين ونصفًا يقبضهما إلى شهر، فهو بيع وسلف. وقال ابن القاسم: رد الدينارين ونصفًا التي كان أخذ، فهي سلف، ورد معها مثلها، يرد إليه إلى شهر، ثم يردها إلى شهرين، فهي ونصف الثوب الذي بيد المشتري ثمن لنصف الثوب الذي بيد البائع، والديناران وصنف التي ردها، ولم ترجع إليه هي السلف. قال في كتاب ابن المواز: وإن اشتراه بخمسة نقدًا، وبأقل من دينارين ونصف إلى الأجل، لم يجز؛ لأنه إذا بقي له على المشتري من الدينارين ونصف التي تبقى له من الثمن الأول شيء يرجع إليه، كان ذلك كالسلف؛ لأنه إنما انتقد في بضاعته دينارين ونصفًا أول الصفقة، وبقيت له ديناران ونصف، فإذا دفع أكثر من دينارين ونصف، وأوجب على نفسه دينارين ونصفًا فأكثر إلى الأجل بعينه، فلا بأس به، لأن الزيادة كلها من عند البائع، فلم يرتجع بما يعطي من الذهب ذهبًا؛ لأنه يرد ما انتقد ويزيده بغير شيء يرتجعه من المبتاع، بل يسقط عنه ما وجب له عليه، أو يزيده ونصف ثوب باعه بنصف ثوب أخذه، ولو كان رجع إليه من الدنانير شيء، كان سلفًا، ولم يحل، فإذا لم يجد كل واحد منهما يخرج ذهبًا، فلا بأس به. [6/ 104]
فيمن باع سلعة بدنانير إلى أجل ثم ابتاعها بدنانير مخالفة لها أو بدراهم أو عرض
فيمن باع سلعة بدنانير إلى أجل ثم ابتاعها بدنانير مخالفة لها أو بدراهم أو بعرض أو بعين وعرض أو باعها بطعام ثم ابتاعها بخلافه من طعام أو عرض من المجموعة: قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع سلعة بمائة دينار قائمة إلى شهر، ثم ابتاعها بمائة مثاقيل نقدًا، فلا خير فيه. وأما بمائة مثاقيل إلى ذلك الشهر، فلا بأس به، ولا يتهم على مثل هذا أحد، وكذلك إلى أبعد من الأجل. وقد قال ابن القاسم في المدونة: إن باعها بمائة محمدية إلى شهر، ثم اشتراها بمائة يزيدية إلى ذلك الشهر، فلا خير فيه. قالا: وإن باعها بعشرة هاشمية إلى شهر، ثم ابتاعها بعشرة عتق نقدًا، أو إلى الأجل، فجائز، ولا يجوز إلى أبعد منه؛ لأنه الزيادة في السلف. قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمية أكثر عددًا، فإن كانت بزيادتها تكون مثل العتق المؤخرة أو أكثر، فلا بأس، وإن لم تكن مثلها، فلا خير فيه، وإلا فإن باعها بمائة عتق بخروبة خروبة إلى شهر، ثم اشتراها بمائة هاشمية رديئة وازنة، يريد: نقدًا، فإن كان بعشرة قائمة إلى شهر، ثم اشتراها بعشرة مجموعة نقدًا، تكون مثل الأجل أو أكثر، فباعها بمائة هاشمية، ثم اشتراها بتسعة وتسعي عتق، هي خير الساعة من المائة المؤخرة، فلا بأس به؛ لأن هذه البيوع إنما يحرم منها ما قامت فيه التهمة، وإلا حمل على أنه بيع حادث. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بعشرة دنانير عتق إلى أجل، بنقص خروبة، ثم ابتاعها بعشرة هاشمية وازنة نقدًا، أنه لا يصلح. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن باعها بعشرة هاشمية وازنة إلى شهر، ثم اشتراها بعشرة خروبة خروبة إلى ذلك الشهر، فلا بأس به، ولا يتهم أن يعطي عشرة قائمة في أنقص منها إلى الأجل، زاد عددها أو نقص. [6/ 105]
قال عبد الملك: وإن باعها بعشرة هاشمية نقص إلى شهر، ثم ابتاعها بأكثر عددًا أو وزنًا إلى شهر، فجائز، كان أدنى أو أكثر عددًا، أو أجود عينًا، ولا يتهم أن يعطي قليلاً في كثير إلى الأجل نفسه، قالا: وإن باعها بدينار إلى أجل، ثم ابتاعها بدينار ناقص وبدرهمين نقدًا، أو بعرض مع الدنانير، أو اشتراها بدراهم أو تبر نقدًا، فإن كان ذلك مثل الدنانير المؤخرة فأكثر، فجائز، وإن كان أقل أو ما فيه شك، فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وإن باعها بعشرة دنانير، ثم اشتراها بألف درهم نقدًا، أو بما ترتفع به التهمة، فذلك جائز، وكذلك في بيعه بدراهم، واشترائه بدنانير. وقال أشهب: لا يجوز، كان ما يعطي من ذهب أو فضة، نقدًا أو إلى أجل؛ لأنه صرف مؤخر. قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا بعشرة دنانير إلى شهر، ثم ابتعته بدينار نقدًا، وبثوب قيمته مائة دينار، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف، قيل له: والتهمة مرتفعة، قال: لم ترتفع، ويدخله مع ذلك عرض وذهب بذهب، ولو ابتعته بثوب من صنفه، أو من غير صنفه، قيمته ألف دينار، إلى أبعد من الأجل، لم يجز، وهو دين بدين، وكذلك إلى الأجل بعينه، أو إلى دونه، وأما نقدًا، فجائز، ولو بعته بطعام مؤجل، ثم ابتعته بدنانير نقدًا، فجائز، فأما بدينار إلى أجل دون الأجل أو أبعد منه أو إليه، فلا يجوز؛ لأنه دين بدين، إلا أن يكون على أن ينقده إلى يوم أو يومين، فيجوز، وكذلك لو بعته بدنانير، ثم ابتعته بطعام. قال عبد الملك: وإن بعته ثوبًا بعشرة إلى أجل، ثم اشتريته منه بتسعة وثوب إلى الأجل، من غير جنس ثوبك، لم يجز، ويصير لك عليه دينار، وله هو عليك ثوب مؤخر. قال ابن القاسم: وإن بعته عبدًا بعشرة أرادب حنطة إلى سنة، ثم اشتريته بمائة إردب زبيب، فإن علم أن هذا الزبيب أضعاف قيمة الطعام في زمنه حتى تزول التهمة، فجائز، ولو باعه منه بثياب إلى أجل، ثم ابتاعه بثياب نقدًا، فإن كان لا تسلم هذه في تلك، لم يجز، إلا أن يكون ما يعطيه أكثر من قيمة المؤخرة مما ترتفع فيه التهمة، فيجوز، وأما بما يجوز أن يسلم فيه، فجائز بكل حال، وإن أقرضته ألف درهم إلى سنة، ثم بعت منه عبدًا بعشرة دنانير نقدًا، [6/ 106]
فيمن باع طعاما إلى أجل ثم استقال منه بزيادة من أحدهما
وإلى دون السنة، ثم ابتعت منه العبد بالألف درهم التي لك عليه، لم يجز؛ لأن هذا أخذ عشرة دنانير في ألف درهم فسخها عنه، والعبد لغو. قال في كتاب ابن المواز: ومن لك عليه ثمانون دينارًا حالة، فبعث منه جارية بمائة إلى سنة، ثم لفيته، فقاضيته الثمانين، فأعطاك الجارية بها، فلا خير فيه، لرجوع جاريتك إليك، وصارت الثمانون الحالة في مائة مؤخرة. فيمن باع طعامًا إلى أجل ثم استقال منه بزيادة من أحدهما وشرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا من العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ابتاع طعامًا بثمن مؤجل، ثم استقاله البائع على أن يغرم المبتاع عينًا أو عرضًا، فلا بأس به إذا كان قد اكتال المبتاع الطعام ولم يفترقا وإن ندم المبتاع فرد الطعام على البائع، وإن ندم، وزاده عليه طعامًا أو عرضًا، ولم يفترقا، وقد اكتال الطعام، فذلك جائز، وإن تفرقا، فلا خير فيه. ع: هذا إن كان البيع الأول قد تناقدا فيه الثمن وكانا من أهل العينة. ومن ابتاع طعامًا فقبضه ونقله، ثم أقاله من بعضه، فهو مكروه. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع طعامًا بثمن مؤجلاً أو نقدًا، فلم يكتله حتى أقال أحدهما الآخر، بائع أو مبتاع بزيادة، فإذا لم يكله، لم تجز على الزيادة من أحدهما، بائع أو مبتاع، كانت الزيادة نقدًا أو إلى أجل، نقده أو لم ينقده، افترقا أو لم يفترقا؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وإنما تجوز فيه الإقالة برأس ماله، لا نفع فيه ولا زيادة ولا تأخير. قال: وإن اكتاله ولم يفترقا، ولم يغب عليه المبتاع، والبيع بالنقد ولم ينتقد، فلا تجوز الزيادة من المبتاع في شيء من الأشياء مؤخرًا؛ لأنه إن [6/ 107]
كان الثمن ذهبًا فزاده ذهبًا مؤجلاً، فهو بيع وسلف، وإن زاده عرضًا نقدًا، فهو دين بدين، وإن كان ورقًا، فهو صرف مؤخر. قال: وإن زاده ورقًا نقدًا، فجائز، وكذلك إن زاده شيئًا معجلاً يقبض عرضًا أو حيوانًا وطعامًا من صنف طعامه، أو من غير صنفه أو ذهبًا - يعني من جنس الثمن - فلا بأس به، وإن كان قد نقده ثمن طعامه واكتاله، فهو بيع حادث يبتدئان فيه مما في غيره. قال: وإن كان البيع بثمن إلى أجل، وقد اكتاله ولم يفترقا، ولم يغب عليه المبتاع، فلا بأس بالزيادة من المبتاع في تقايلهما، كانت الزيادة عرضًا أو حيوانًا أو طعامًا من جنسه، أو من غير جنسه، كل ذلك نقدًا، ما لم تكن الزيادة من الثمن الذي عليه، فلا تجوز نقدًا، وتجوز إلى الأجل بعينه في مثل عين الثمن وسكته، ولا يزيده ورقًا نقدًا ولا مؤجلاً، ويدخله ذهب بوزن إلى أجل، وطعام معجل، وإن كان الثمن ورقًا، فهو على مجرى الذهب أيضًا بورق، ولا يزيده عرضًا ولا طعامًا ولا حيوانًا مؤجلاً، ويدخله الذهب أيضًا بورق، ولا يزيده عرضًا ولا طعامًا ولا حيوانًا مؤجلاً، فيصير دينًا في دين. قال: وإن افترقا وغاب عليه المبتاع، فلا تجوز الإقالة على أن يزيده المبتاع شيئًا من الأشياء، لا عينًا ولا عرضًا ولا طعامًا، من صنفه ولا من غير صنفه، ولا غير ذلك نقدًا ولا إلى أجل، وهو الزيادة في السلف، وإن كان البائع هو المستقيل بزيادة منه ولم ينتقد، وقد اكتال الطعام، فسواء تفرقا أو لم يتفرقا، كان الثمن نقدًا أو مؤجلاً، فلا بأس أن يزيده البائع ما شاء عينًا ذهبًا أو ورقًا أو عرضًا أو حيوانًا، نقدًا أو مؤجلاً، إلا أن يزيده طعامًا من جنس طعامه مما لا يجوز معه فيه التفاضل، فلا يجوز نقدًا ولا إلى أجل؛ لأنه طعام بجنسه مع أحدها ذهب، فإن زاده طعامًا من غير صنفه، جاز نقدًا، ولم يجز مؤجلاً. قال: وإذا أراد البائع أن يشتري ذلك الطعام أو بعضه، فإن كان الثمن إلى أجل، وقد اكتاله المبتاع ولم يفترقا، فلا بأس به أن [6/ 108]
يشتري البائع جميع الطعام أو بعضه بمثل الثمن أو أكثر، نقدًا أو مقاصة، ولا يجوز أن يشتريه كله بأقل من الثمن نقدًا؛ لأنه يعطي قليلاً في كثير، ولا بأس به مقاصة من الثمن إن لم يفترقا، ولا يجوز أن يشتري بعضه ببعض الثمن نقدًا وإن لم يتفرقا لأنه بيع وسلف ولا بأس ينقص الثمن مقاصة، ولا بأس أن يشتري بعضه بمثل الثمن فأكثر، نقدًا أو مقاصة؛ لأنه لا تهمة فيه، وهذا كله إن لم يفترقا. قال: فإن تفرقا، وغاب المبتاع على الطعام، لم يجز للبائع شراء بعضه ببعض الثمن نقدًا ولا مقاصة فيصير في الوجهين بيع وسلف وفي النقد سلف دنانير وفي المقاصة سلف طعام. قال: ولا بأس أن يشتري منه مثل كيله في صنفه بمثل الثمن فأكثر نقدًا أو مقاصة، ولا يشتري منه أقل من الكيل بمثل الثمن كله أو أكثر مقاصة لأنه اقتضى من الطعام طعامًا. قاله مالك استثقالاً في هذا، وهو سهل، ولو أجازه مجيز لم أخطئه، ولا بأس أن يشتري منه أقل من كيل بمثل الثمر، أو أكثر نقدًا، ولا خير في أن يشتري منه أكثر من كيله ولا مثل كيله وزيادة شيء منه معه مثل الثمن، ولا بأكثر ولا بأقل نقدًا؛ لأنه زيادة في السلف إن كان بمثل الثمن فأقل، رجعت إليه سلعته، وأعطى عشرة أو أقل نقدًا بعشرة إلى شهر وسلعة يعجلها، وإن كان بأكثر، دخله بيع وسلف. قال: وإن كان الثمن مقاصة، لم يجز؛ لأنه زيادة في السلف، كان بالثمن أو بأكثر، ويدخله أيضًا في الأكثر الأخذ من ثمن الطعام طعامًا، وإن لم يفترقا، فلا يجوز أيضًا أن يشتري منه أكثر منه، ولا طعامه وزيادة شيء معه بمثل الثمن ولا بأكثر، ولا بأس به مقاصة بمثل الثمن أو بأكثر، كانت الزيادة على الثمن معجلة أو مؤخرة، إذ لا تهمة فيه ما لم تكن الزيادة المؤخرة طعامًا، وإن كان من غير صنفه فيصير طعامًا بطعام إلى أجل، وإن كان نقدًا، جاز ما لم يكن من صنفه، وإذا كان اشتراه وزيادة معه من صنفه، أو من غير صنفه بأدنى من ثمنه، لم يجز، ولا بثمنه نقدًا، وإن لم يفترقا، [6/ 109]
باب فيمن باع سلعته بثمن نقدا أو إلى أجل ثم أقاله منها بزيادة أو أشركه فيها
ولا بأس به مقاصة؛ لأنه إنما ابتاع ذلك ببعض الثمن، وأبقى بقية إلى أجله، ولا يتهم إذا لم يغب عليه، وهو كالعرض لأن العرض وإن غاب عليه إذا كان مما يعرف بعينه يجوز للبائع شراؤه وعرضًا معه ببعض الثمن أو جميعه مقاصة، ويبقى ما بقي إلى أجله، ولا تدخله الزيادة في السلف؛ لأنه عرض بعينه، وإنما يدخل ذلك إذا رد عرضًا من صنف عرضه، وعرضًا معه والطعام، فلا يعرف بعينه، فهو تدخله الزيادة في السلف لذلك. قال عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع ألف إردب بمائة دينار إلى سنة، ثم اشترى منه بعد ذلك مثل المكيلة فأقل بمثل الثمن نقدًا، فذلك جائز، ولو حل الأجل، فأخذ منه من صنفه مما قل من كيله، فكرهه مالك، وقال في موضع آخر: لا بأس به. ومن سماع أصبغ، من ابن القاسم: ومن باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر، ثم اشترى منه - يريد البائع - عشرين مديًا بدينار نقده إياه، وأخذ منه عشرة أرادب مع العشرة أرادب التي عنده، فلا يجوز؛ لأنه زيادة في السلف، صار دينارًا بدينار، وزيادة عشرة أرادب، والأرادب الأولى لغو. باب فيمن باع سلعته بثمن نقدًا أو إلى أجل ثم أقاله منها بزيادة أو أشركه فيها من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، ومن المجموعة عن ابن القاسم، وعن أشهب، وعبد الملك، هذه المسألة بوجوهها إلى آخرها، وربما زاد بعضهم على بعض، واللفظ للعتبية، والمعنى واحد: ومن ابتاع عرضًا يوزن أو يكال، أو لا يوزن ولا يكال بدنانير نقدًا، ثم استقال منه قبل ينقد فيه بزيادة [6/ 110]
دينارين أو ثلاثة من المبتاع، فجائز أن يزيده ما شاء معجلاً. قال ابن المواز: قبل التفرق من مجلس الإقالة، ولا يجوز مؤخرًا؛ لأنه في زيادة الذهب مؤخرًا يدخله بيع وسلف وفي زيادته إياه الورق، يدخله الصرف مؤخرًا وفي زيادته العرض دين في دين. قال ابن القاسم في المجموعة وفي كتاب ابن المواز: ويجوز بزيادة دراهم نقدًا، إن كانت أقل من صرف دينار. قال: ولو كان البيع الأول بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده المبتاع أقل من صرف دينار. قال: ولو كان البيع بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده المبتاع ذهبًا نقدًا أو إلى أجل دون الأجل، ولا أبعد منه، ويدخله بيع وسلف، وبيع ذهب بذهب وعرض، ولا يزيده ذهبًا مخالفة لها إلى أجلها، إلا أن يزيده إلى الأجل نفسه مثل عين الثمن وجودته. وكذلك في كتاب ابن المواز، وزاد: قال مالك: ولو زاد من غير نوع الثمن، فما كان نقدًا فجائز، وإن تأخر لم يجز. قالوا: ولا يزيده ورقًا نقدًا، ولا إلى دون الأجل، ولا إلى أبعد منه. وإن كان الثمن ورقًا، دخله في زيادة الورق مثل ما قلنا في الثمن يكون ذهبًا، فيزيده ذهبًا، ولا بأس أن يزيده عرضًا نقدًا، ولا يجوز مؤخرًا، وإن كان الثمن عرضًا، فلا يزيده عرضًا من جنس ما له عليه نقدًا، ولا إلى أجل دون الأجل، ولا إلى أبعد منه، ويجوز إلى الأجل نفسه، ويجوز أن يزيده عرضًا مخالفًا لما عليه نقدًا. قال: وإن كانت الزيادة من البائع، والثمن دنانير إلى أجل، فلا بأس أن يزيده ذهبًا أو ورقًا أو عرضًا، معجلاً ذلك أو مؤخرًا إلى أقرب من الأجل، أو أبعد منه، إلا أن يكون العرض الذي يزيده من صنف ما استقال منه، فلا يجوز أن يتأخر ما يزيده، ويجوز معجلاً، ولو كانت مثلها صفة وعددًا، لم يجز تأخيرها، ويصيران أسلفه عروضًا إلى أجل، على أن زاده الدنانير التي عليه. [6/ 111]
قال ابن القاسم: ومن باع عكم قراطيس بدينار نقدًا، ثم تقايلا بزيادة عشرة دراهم إلى أجل، فإن كانت من عند المبتاع، لم يجز، ويجوز من عند البائع، إن لم يكونا من أهل العينة. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى عبدًا بمائة دينار إلى شهر، وله على البائع مثلها إلى الشهر أو حالة، فأقاله البائع على أن وضع عنه المبتاع المائة الدينار، فذلك جائز، وكأنه قضاه إياها في ثمن العبد، ووهبه لعبد، وذلك إذا تكافأ المالان، وكذلك لو كان عليه أكثر من مائة، فترك له ذلك على هذه الإقالة، فذلك جائز. فأما إن اختلف أجل المالين، وهما متساويان أو متفاضلان، لم يجز أن يقيله على أن يفسخ عنه المبتاع دينه الذي له عليه، ويدخله في اختلاف الأجلين ذهب بمثلها إلى أجل، وزيادة عبد، فلا يجوز في هذا، إلا أن يكون دين المبتاع حالاً، أو إلى أجل ثمن العبد. ومن سماع ابن القاسم: ومن باع سلعة بخمسة عشر دينارًا نقدًا، فنقد عشرة، ومطله بالخمسة، فقال له البائع: أقلني، ولك ربح ثلاثة دنانير، وأخرني شهرين، فإن كانا من أهل العينة، لم يجز، وإن لم يكونا من أهلها، فجائز. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بثمن مؤجل، ثم أشركه المبتاع بعد ذلك في نصفها، فإن نقده نصف الثمن، لم يجز، وإن تأخر إلى أجله، فجائز. محمد: وهذا في غير الطعام، وفي غير ما يكال أو يوزن من العروض. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وعلي عن مالك فيمن باع سلعة بدنانير نقدًا، أو بعرض مؤجل، فأقال مبتاعه على أن ردها مع دنانير عجلها له، وترك الدنانير التي كان قبض، فذلك جائز، لأنه اشترى ما عليه بما عجل من سلعة. ومن قال عنه ابن نافه، فيمن باع جارية بتسعين دينارًا إلى أجل، ثم قال له البائع: أنا شريكك فيها بالثلث، فبعها، فإنما يجوز هذا لو كان باعها بالنقد. فأما والبيع دين، فلا يصلح. قلت: أكرهته لأنه دين بدين؟ قال: إنه لا يريد جنسها، [6/ 112]
فيمن أسلم في سلعة ثم تقايلا بزيادة من أحدهما أو باع عروضا بثمن مؤجل ثم أقال منها
فهو يقول له: بع هذا الثلث بخمسة وعشرين، فيأخذها ويدع له ثلاثين. قيل: إنه يقول له: بعها، وأنا معك فإنك صاحب رقيق، قال: لا خير فيه، وكأنه سلف بزيادة. فيمن أسلم في سلعة ثم تقايلا بزيادة من أحدهما أو باع عروضًا بثمن مؤجل ثم أقال منها أو من بعضها وقد فاتت على رد مثلها وزيادة من أحدهما وابتاع منه مثل العروض من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إن أسلفت عشرة دنانير في عرض غير طعام، ثم أقالك على أن أعطاك تسعة دنانير في عرض غير الطعام، أو عشرة، فأعطيته شيئًا غير الذهب والفضة نقدًا، أو إلى أجل، فذلك جائز. قال عبد الملك: وإن زاده المبتاع ثوبًا من صنف ما له عليه، أو من غير صنفه، وقد حل الأجل، فهو جائز. قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يزيده ذهبًا من غير الذهب التي يأخذ منه نقدًا؛ لأنه بيع ذهب وعرض بذهب، ولا مؤجلاً، فيصير: بيع وسلف، ولا بأس بأن يزيده ورقًا نقدًا - يريد دراهم يسيرة - وقد اختلف فيه. وبعد هذا قول آخر لعبد الملك في هذا الباب. قال أشهب وعبد الملك: وإن حلت السلعة فلا بأس أن تأخذ ذهبك، وتزيده ورقًا نقدًا. قال عبد الملك: ما لم تكن كثيرة، فيصير صرفًا وبيعًا. قال ابن القاسم وأشهب: وإن تأخرت الفضة، لم يجز. قالوا: وإن زاده البائع بعد التفرق شيئًا، لم يجز وهو الربا. قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان رأس مالك عرضًا أسلمته في عرض خلافه، فأقالك من عرضك بعينه، وزادك قبل الأجل شيئًا، فجائز ما لم [6/ 113]
يزدك من صنف ما عليه نقدًا فلا يجوز، ويجوز إلى أجله، لا إلى أبعد منه، ويجوز أن يزيد بعد الأجل ما شئت نقدًا، ولا يجوز فيه تأخير. قال أشهب: وإن أسلمت طعامًا في سلعة، أو دفعته في كراء إلى أجل، ثم أقلته وزيادة تعطيها له من غير الطعام والإدام نقدًا أو إلى أجل، فلا بأس به، ولا يجوز أن يزيده طعامًا أو إدامًا نقدًا ولا مؤجلاً، وهو إذا زاده طعامًا من صنفه نقدًا، فهو طعام بطعام وزيادة، وإن زاده من غير صنفه دخله التأخير فيما قارن أحد الطعامين، وأما إن حل العرض أو الكراء، فتجوز زيادتك الطعام من غير صنفه نقدًا، ولا يجوز إلى أجل. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن باع ثوبًا بدينارين إلى أجل، ثم ابتاع منه قبل الأجل ثوبًا من صنفه، ومثله في جودته بدينار نقدًا، إنه جائز. بخلاف ما لا يعرف بعينه، مما يقضى بمثله في الاستهلاك. محمد: وهو عنده مبايعة طارئة في الثياب والحيوان، ولا يعجبنا، وقوله في العشرة الأثواب التي أسلمها في عروض أصح. قال فيها: إذا رد إليه خمسة من صنفها، ولا بقية ما أسلم فيه، فلا يجوز، وجعل ما رد من ثمنها كالسلف، وكذلك ينبغي في مسألة الثوب. قال ابن القاسم: وإن أسلمت عشرة دنانير وثوبًا في عبد إلى أجل، فحل وقد هلك الثوب، وأعسر بالعبد، فأقاله على أن رد العشرة، ومثل الثوب، فجائز، وإن كان دون الصفة، ولا يجوز أرفع ولا مخالف للصفة، وإن كان أدنى منه أضعافًا، وكذلك في رواية عيسى في العتبية. [6/ 114]
قال ابن المواز: أما هذه فجيدة، ولم يجزه أصبغ، ورأى الثوب بالثوب بيعًا، والمال سلفًا. قال أصبغ: ولو كانت ثيابًا كلها، وأخذ بعضها من صنفها، وبالبعض شيئًا آخر، لم يجز أيضًا. قال محمد: إذا جعل ما رد من صنفها سلفًا، فلم أنكر على ابن القاسم إذ جعل كل شيء سلفًا في المسألة الأولى؟ قال محمد: ولو رد الدنانير وثوبًا من غير صنف المبيع كان بيعًا وسلفًا، ولو كان رأس المال دنانير أو قمحًا فرد مثلها لجاز. قال ابن القاسم في العتبية، في رواية عيسى، فيمن أسلم عشرة دنانير وعرضًا في عبد إلى أجل، فلما حل الأجل، أخذ منه عشرين دينارًا والعبد، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف. ومن كتاب محمد: وإن باع عشرة أثواب بأعيانها بثمن مؤجل، فأقاله من نصفها، جاز إن حل أجل الثمن، وإن لم يحل، لم يجز أن يعجل له باقي الثمن، فيصير بيعًا وسلفًا، وإن أعطاه بالنصف الذي أقاله منها ثيابًا من صنفها مع نصف الثمن، لم يجز وإن حل الأجل؛ لأن ما رد من صنفها سلف، والباقي في بيع. ومن أسلم دينارًا في ثوب، ونقده، ثم استقاله، دافع الدينار في مجلسهما على أن زاد للبائع درهمين نقدًا، فذلك جائز، وإن كثرت الدراهم مثل خمسة فأكثر، فأجازه ابن القاسم، واختلف فيه قول مالك، وكرهه أشهب إذا كثرت الدراهم، أجاز في الدرهمين أن يشتري ثوبًا بدينار إلا درهمين يتعجل الدينار والدرهمين، ويتأخر الثوب. قال محمد: ثم رجع مالك إلى كراهيته، وبذلك أخذ ابن القاسم. قال أصبغ: وإن كثرت الدراهم لم أفسخه إن نزل. ومن أسلم عشرة دنانير في ثياب إلى أجل، ثم ندم المبتاع فاستقال على رد خمسة دراهم للبائع، وأخذ دنانيره، قال مالك: ليس بحسن. قال ابن القاسم: [6/ 115]
لا بأس به. قال محمد: لا بأس به بعد محل الأجل، ولا خير فيه قبل محله، ويصير يأخذ ذهبًا، ويدفع دراهم وعرضًا مؤجلاً. ومن المجموعة قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: وإن بعت ثوبًا بثمن إلى أجل، ثم أقلت منه وقد فات، ليرد مثله وزيادة شيء من الأشياء نقدًا، فلا يجوز، وهو الزيادة في السلف، وكذلك إن زادك دينارًا إلى محل أجل الثمن، وإن رد عليك من غير صنف عرضك، جاز على أن يزيدك، وعلى أن تأخذ بباقي الثمن عند أجله، لا يتعجله ولا يؤخره، فإن أقاله ولم يجد سلعته، فأخذ خيرًا منها من صنفها، لم يجز، ويجوز أن يأخذ أدنى، وكذلك أدنى وأقل عددًا. قال أشهب: أو مثلها في الجودة وأقل عددًا. وذكر عن عبد الملك في باب آخر، فيمن باع عشرة أثواب بثمن مؤجل، فلا يأخذ منه من صنفها خمسة عشر، ولا تسعة، وكأنه باع الأولى بما أخذ فيها، وهذا غير ما ذكر عنه هاهنا. قال ابن القاسم: وإن كانت أجود صفة، أو أدنى، واختلف العدد، ولا خير في أجود من الصفة، أقل عددًا أو أكثر، وإن كانت أدنى صفة، فجائز مثل العدد فأقل. قال ابن القاسم وعبد الملك: وإن رد مثل ثيابه فأدنى، على أن أعطاه البائع دينارًا نقدًا فجائز، وإن رد أكثر عددًا من ثيابه، وأخذ منه دينارًا، لم يجز، وهو بيع وسلف، فالزائد على العدد بيعًا، ومثل الثياب سلفًا، ولا يجوز أن يكون أرفع منها في مثل العدد ولا أدنى وأكثر عددًا، وهو بيع وسلف، والزيادة في السلف. [6/ 116]
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل أو أسلم فيها ثم تقايلا على أن باع أحدهما من الآخر سلعة أخرى
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل أو أسلم فيها ثم تقايلا على أن باع أحدهما من الآخر سلعة أخرى بنقد أو دين من المجموعة قال غيره فيمن أسلم دنانير في عرض، ثم استقال منه، على أن باعه البائع دابته بذهب أو بوزن أو بعرض، فلا يجوز ذلك، ولو ندم البائع فاستقال، على أن يبيع دابته من المشتري، فلا يجوز، لأنه بيع وسلف، أسلفه الذهب الأول، على أن أعطاه دابته بورق أو ذهب أو عرض، وصار أن أعطاه الذهب الأول والدابة الآن بذهب يأخذها وما معها، وذلك ذهب بذهب، مع كل ذهب سلعته، وهذا إذا افترقا، فإن لم يفترقا، فندم المبتاع فاستقال البائع على أن يبيعه دابته بذهب أو ورق أو عرض من غير صنف العرض الذي أسلف فيه، فهذا جائز، وإن كان من صنفه، لم يجز، إلا أن يكون قد حل، أو يكون إلى أجل بعينه، فلا بأس به، وإن ندم البائع، ولم يفترقا فاستقال مبتاعه على أن يبيعه البائع دابته بذهب مثل الذهب الذي أخذ وأكثر، فلا بأس به إن كان مقاصة؛ لأنه رجل اشترى دابة بأثواب له ويفضل ذهب أعطاها إن كانت أكثر من رأس المال، وإن كانت أقل، فجائز؛ لأنه باع ثيابه بدابة، ويفضل ذهب يأخذها، وإن لم يكن مقاصة، أو كانت ذهبًا مخالفة لرأس المال، فلا خير فيه. وإن ابتاع الدابة بورق من البائع على الإقالة كما ذكرنا، لم يجز؛ لأنه صرف تأخر فيه عوض، إلا أن يكون حل الأجل، فلا بأس به بالورق، وأما بالعرض، فجائز نقدًا وإلى أجل، إلا أن يكون العرض المؤخر من صنف الدابة، ولا يجوز، وإن كان مكان الدابة عرض من صنف ما عليه، لم يجز شراؤه للمشتري بشيء، إلا أن يحل الأجل، أو يكون إلى الأجل بعينه، فيجوز؛ لأنه باع بعض ثيابه، ولا يشتري العرض الذي قام مقام الدابة، إلا بما جاز له شراء الدابة، ولا بأس أن يشتريه بعرض مخالف له إلى الأجل؛ لأنه ليس يبيع، إما يقاص ذلك [6/ 117]
العرض، وباع منه بقية ماله عليه إلى أجل، وعرض إلى أجل بذهب مثل ذهبه التي أعطى قبل يفارق، فإن افترقا، لم يجز، كان العرض نقدًا أو إلى أجل. قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، فيمن باع سلعة بعشرة إلى أجل، فندم المبتاع فاستقال، فلم يقله البائع حتى باع منه المشتري سلعة، دفعها إليه بثمن نقدًا، أو إلى أجل دونه، أو أبعد منه، فذلك له جائز؛ لأنك أيها البائع ابتعت منه الآن ثوبك الأول وثوبًا آخر بدنانير عليه، وبدنانير أخرى يدفعها نقدًا، أو إلى أجل، والعرض كله من عندك، والذهب كلها من عندك، وليست من رجلين. قال أشهب: سواء انتفع بعرضك أو لم ينتفع. قال ابن القاسم: وتجوز الأول، فتجوز زيادته، ذهبًا أو ورقًا نقدًا أو مؤجلاً، ولو كان على أن باعه المبتاع ثوبه بعشرة دراهم نقدًا، أو إلى أجل، فذلك جائز لأن الدراهم والدنانير من عند البائع والعرضين من عند المبتاع الأول. وأما إن كان على أن باعه منه بعرض نقدًا أو إلى أجل، فجائز، ما لم يكن العرض الذي يأخذ منه مؤجلاً من صنف الثوبين اللذين يعطيه، أو من صنف أحدهما، فيصير سلفًا جر منفعة، وبيع وسلف؛ لأن أحد الثوبين المأخوذين الآن سلف يرد مثله، والباقي بيع، ويدخله عرض بعرض مثله وزيادة، لمسألة الحمل نقدًا بحمل مثله وزيادة دراهم. وقال ابن القاسم: إن شرط عليه رد الثوب الذي يعطيه الآن لم يجز، ويصير قد فسخ دنانير في ثوب أخذه ولباس ثوب آخر آجلاً، وهو دين في دين، قالوا: فإن أقاله على أن باعه البائع الأول ثوبه بدنانير نقدًا، أو إلى أجل دون الأجل، أو [6/ 118]
أبعد منه، فلا يجوز، إلا إلى الأجل نفسه، لأنك بعت منه ثوبك، بدنانير لك عليه بثوب أخذته وبدينار نقدًا، أو إلى أجل، فهو ذهب، نقدًا أو مؤجلاً بذهب مؤجله مع كل ذهب عرض نقدًا. قال أشهب: ويدخله في انتقادك الدينار بيع وسلف، وضع وتعجل. قال ابن القاسم: إن كان في الثوب الذي أعطيت فضلاً عن الذي كنت بعت منه، فكأنك أعطيته ذلك الفضل على أن عجل لك دينارًا من دينك، فهو: ضع وتعجل، قالوا: وإن كان بدينار إلى أبعد من الأجل، فهو بيع وسلف تبايعتما الثوبين على أن وخرته بدينار من دينك. قال ابن القاسم: وسلف جر منفعة، أسلفه الدينار ووخره عنه بفضل ثوبه الذي أخذ منه على ثوبه الذي أعطاه الآن. قال أشهب: وإن لم يكن بين الثوبين فضل، أو كان الثوب الذي يدفعه الآن البائع أفضل فهو ذريعة، وباب من أبواب الربا. قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن كان بدينار ناقص، فهو أبين لحرامه. قال عبد الملك: ولا يجوز بدينار نقدًا، وهو: ضع وتعجل. قال ابن القاسم، وأشهب: وأما بدينار إلى أجل، فهو جائز، لا تهمة فيه إن كان في مثل ما لك عليه في الورق والوجه. قال أشهب: فإن كان الدينار ليس من صنف دينك، لم يجز، وصار تبايعكما عوضًا في فضل ما بين الذهبين، وإن ابتاع منك ثوبك بدينارين أو ثلاثة إلى الأجل، على أن أولته في الثوب الأول، فجائز إن كانت الثلاثة دنانير من صنف دينك. قال ابن القاسم: وكأنك بعته ثوبك هذا بثلاثة دنانير إلى الأجل، ورد إليك سلعتك. قال ابن القاسم: ولا يجوز على أن يأخذ منه ورقًا - نقد أو لا - إلى أجل، وهو عرض وذهب مؤخر بعرض ودراهم، ويدخله مع ذلك في تأخير الدراهم: دين بدين، وأما على أن يبيعه منه بثوب نقدًا من صنفه، أو من غير صنفه، فلا بأس به، وأما إلى أجل، فلا يجوز وهو فسخ دين في دين، ويدخله [6/ 119]
في الإقالة من الكراء أو من بعضه أو من الإجارة، كيف إن كان في ذلك زيادة أو تأخير
أيضًا إن كان من صنفه: بيع وسلف، الثوب الآخر سلفًا، والثوب الأول أخذه بدينار بيعًا. قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن قال المشتري: لا أقيلك أيها البائع حتى تعطيني دينارًا نقدًا في ثوب إلى شهر، لم يجز، وهو دين في دين، فسخ دينًا لم يحل مع دينار نقده فيما لم يتعجل جميعه. وفي باب الإقالة في الإقالة منه على بيع سلعة من أحدهما. في الإقالة من الكراء أو من بعضه أو من الإجارة وكيف إن كان في ذلك زيادة من أحدهما أو تأخير من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن اكترى دارًا سنة، ونقد الثمن، ثم استقال على أن وخره بالثمن، فلا يعجبني، ثم رجع فأجازه، وقال: ذلك بخلاف الحمولة؛ لأن تلك مضمونة في ذمته. قال محمد: ما لم يسكن فتحرم الإقالة. قال مالك في الأجير تظهر منه خيانة، فيريد مباراته، فإن صح ذلك فهو واسع، وكذلك في كراء الحمولة، وأما إن لم يكن العذر من مرض، أو شيء نقم عليه، ولا وجه، فلا ينبغي إن كان نقد الثمن، ولو واجره بدينار، فعمل له، ثم لم يتفقا، فأقاله مما بقي، ورد ذلك دراهم، فكرهه مالك، ثم أجازه. وبرجوعه أخذ ابن القاسم، إذا كان عذر من مرض أو سفر أو غيره. وأجاز مالك في الطحان والخياط وشبهه، يقيل مما بقي، ويرد حصته، وكرهه في بائع اللحم والرطب وشبهه. قيل لابن القاسم في المجموعة: ما الفرق بين هذا في الصائغ واللحم والرطب، وفي الكراء في الحمولة، والدرر في الإقالة مما بقي؟ قال: هو سواء في [6/ 120]
القياس. وفرق بينهم مالك بقدر ما يتبين من الأعذار، وما لا تهمة فيه، وإن جاء في الرطب واللحم ما يشبه ما تقدم من عذر بين، فلا بأس به، ومكر في الدار، بخلاف ذلك. ومن كتاب ابن المواز: وإن أقاله من كراء مضمون بعد أن سار، وزاده الكري على ما بقي له نقدًا، فجائز. وقال أصبغ: كمن باع سلعة بدينار، فطال زمانها، وتغيرت تغيرًا شديدًا، من إخلاق ثوب، وإدبار دابة، ثم اشتراها بأقل من الثمن نقدًا، وكذلك لو أعطاه الكري في جميع رأس المال وأضعافه نقدًا، فجائز، أو أقاله على أن باع منه المكتري دابة بدنانير نقدًا، فجائز، ولا يجوز إلى أجل. محمد: يريد: في الكراء المضمون، وإن كان على أن يبيع منه الكري سائره نقدًا أو إلى أجل، فلا يجوز، ويدخله ذهب بذهب، وسلعة وكراء، إلا أن تكون دنانير مقاصة، فيجوز. ومن المجموعة قال علي عن مالك: ومن تكارى إلى بلد على حمل متاع، ثم استقال من بعضه، فإن نقد، فأكرهه، فإن لم ينقد، فجائز، وإن استقاله بعد أن سار بعض الطريق بربح أو وضيعة، فجائز. قال ابن القاسم: وذلك إن سار كثيرًا لا يتهمان في بعده. وقال أشهب: إذا زاده المكتري بعد أن سار عينًا أو عرضًا، وقد كان نقده أو لم ينقده، فجائز إذا كان شرط له ما نقده، أو كان لم ينقد، وذلك حال، وإن كانت الزيادة من رب الأجل، فذلك جائز نقدًا، وإن لم يكن انتقد، فلا يجوز تأخير الزيادة؛ لأنه دين في دين وإن نقد، لم تجز زيادته نقدًا ولا إلى أجل، ولا أن يأخذ أكثر مما ينوب بقية المسافة، ولا بأس أن يقيله على أن يرد عليه حصة بقية المسافة - يريد: وقد عرفا قدر ما مضى - قال: عليّ يدخله في قول مالك: بيع وسلف. كالمقيل من بعض ما سلف فيه بعد الغيبة على رأس المال. وكرهه مالك في الأجير. [6/ 121]
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم استقال من بعضها، وفي الإقالة على تأخير أو سلف
قال علي، عن مالك: ومن تكارى دابة، ثم ندم الكري فاستقال بغرم يغرمه، فإن كان انتقد، لم يجز، وإن كان لم ينتقد، فجائز إن نقده الزيادة، ولا يجوز إن أخرها، وإن استقال المكتري بغرم يغرمه فجائز، وإن أخره لم يجز. قال مالك: ومن لك عليه دنانير حالة من كراء أو بيع، فأقالك على أن تغرم له دينارًا فأكثر مؤخرًا، لم يجز، وهو إقالة وسلف. قال أشهب: وإن أكريت بطعام نقدته، ثم استقلت من ذلك بزيادة تنقدها من غير الطعام والإدام أو إلى الأجل، فجائز. وباقي هذه المسألة قد تقدم في باب من أسلم في سلعة، ثم تقايلا. قال: وإن استقالك مكريك بزيادة شيء ما، فلا يجوز؛ لأنه ربًا، ولو كان رأس مالك مما يعرف بعينه، من حيوان، أو عرض، فرده، جازت الزيادة منه ما كانت، ولا يجوز تأخيرها. وفي باب الدين بالدين إذا أقاله من كراء دار، على أن يؤخره بالثمن. فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم استقال من بعضها وفي الإقالة على تأخير أو سلف من المجموعة: ومن باع طعامًا بثمن مؤجل، فأقيل من نصفه قبل التفرق، فإن كان على تعجيل باقي الثمن، لم يجز، ويدخله، تعجل دين على بيع وعرض، وذهب نقدًا بذهب إلى أجل، وإن لم يعجل باقي الثمن لم يدخله ذلك، إذا لم يغب على الطعام، فيتهم على سلف بانتفاع. قال عبد الملك: ومن باع ثيابًا بثمن مؤجل، ثم أقيل من نصفها، فجائز ما لم يشترط تأخير باقي الثمن عن أجله، فيصير: بيع وسلف. قال: ولو كان [6/ 122]
هذا بعد محل الأجل، لجاز. هذا قول عبد الملك، قال: لأن ما رجع إليه هو شيؤه بعينه، ووخره بعين لو شاء تعجله، ولا يرجى تغير سوقه. قال سحنون: وهذا لا يجيزه أحد من أصحابنا غيره. قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أخذ منه جميع السلعة المبيعة بعد الأجل ببعض الثمن، أو سلعة غيرها، على أن أخره بباقي الثمن، فهو بيع وسلف. قال ابن القاسم: وإن باعه عبدين بدنانير إلى أجل، ثم أقاله من أحدهما فلا يجوز حتى يسمي كم للذي أقاله منه من الثمن اتفقت قيمتها أو اختلفت. قال ابن القاسم، وابن وهب: قال مالك فيمن باع دابة وانتقد، ثم أقاله المبتاع على أن وخره بالثمن، فذلك جائز، ولو قال له المبتاع: لا أقيلك إلا على أن تسلفني مائة دينار إلى سنة، لم يجز. وبعد هذا في الكتاب جواب عن سؤال سقط بعضه من الأم، فأتممناه على ما كتبنا. وقال ابن القاسم: عن مالك، فيمن باع سلعة بمائة دينار إلى سنة، ثم استقال منها على أن أسلف هو للمبتاع بمائة دينار إلى سنة، فلا خير فيه. وأجازه أشهب إلى الأجل بعينه، فأما حالاً، أو إلى أجل قبل الأجل وبعده، فلا يجوز. قال أبو محمد: كأن أشهب حمله على أن السلعة بالمائة التي أعطاه الآن بيعًا، وإذا حل الأجل، كانت المائة التي أخذ منه هي ثمن سلعته الذي كان له عليه، وما لفظا به من ذكر السلف لغو، وفي العتبية، من رواية عيسى عن ابن القاسم، قال فيها: أما إلى الأجل نفسه، فناس يكرهونه، وناس يجيزونه، وكرهه مالك، وأنا أتقيه ولا أحرمه. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن البيع والسلف، أن يبيع سلعة بثمن نقدًا، فلم ينتقد حتى استقاله المبتاع، على أن يردها ببعض الثمن، ويؤخره [6/ 123]
في البيع والسلف وما يقارن السلف من العقود
بما بقي. محمد: أو يردها بالثمن كله على أن يزيده المبتاع شيئًا مؤجلاً، أو منفعة بتأخير، ويدخله الدين بالدين. في البيع والسلف وما يقارن السلف من العقود ومن باع سلعة من رجل على أن باعه الآخر سلعة من الواضحة: قال ابن حبيب: ولا يجوز أن يقارن السلف بيع، ولا صرف، ولا نكاح، ولا قراض، ولا شركة، ولا إجارة ولا غيرها، ولا يكون إلا مجردًا. ومن باع وأسلف، فإن لم يقبض السلف ويغيب عليه، فتركه مشترطه جاز البيع، وإلا فسخ، وإن غاب على السلف، تم الربا، ونقض البيع، وردت السلعة، فإن فاتت فقيمتها ما بلغت، وإن قبضت السلعة وفاتت، ولم يقبض السلف: فإن كان البائع قابض السلف، فعلى المبتاع الأكثر من القيمة أو الثمن، وإن كان المبتاع قابض السلف، فعليه الأقل. وقال سحنون: مثل ما ذكرنا عن ابن حبيب سواء. وقال أصغ في غير كتاب ابن حبيب: إذا كان السلف من المبتاع، وفاتت، فعليه القيمة ما بلغت، إلا أن يجاوز الثمن، والسلف، فلا يزاد، وإن كان من عند البائع، فعلى المبتاع الأقل ما بلغ. قال ابن حبيب: والإجارة مع السلف كالبيع. وأما الشركة مع السلف، فله ربح ما أسلفه فيها؛ لأنه ضمنه، وأما مع القراض، فالربح والوضيعة لرب المال وعليه، والعامل أجير، وقد قيل: له قراض مثله، وأما مع النكاح، فكالبيع إن غيب على السلف، فسخ النكاح، فإن فات بالبناء، فلها صداق مثلها، وإن لم يقبض، وترك السلف، مضى النكاح، وإن دخل بها، فلم يقبض السلف، فلها صداق المثل، فإن كانت هي أسلفته، فلها الأقل من المسمى وصداق المثل، وإن كان هو أسلفها فلها الأكثر. [6/ 124]
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع من رجل عبدًا بعشرة دنانير إلى شهر، وبثوب نقدًا، على أن أسلف المشتري لبائع العبد عشرة دنانير إلى أجل ثمن العبد، أو خمسة، فإن كان شرط في أصل البيع، وعلى أن يتقايلا، فلا بأس به وإن قبح اللفظ، وإن اختلفت الآجال، لم يجز البيع، ويفسخ إذا لم يفت العبد، فإن فات، رد إلى قيمته يوم قبضه، ولو كان على أن أسلفه المبتاع مائة درهم إلى شهر، والصرف عشرة بدينار، فلم يذكر لها في رواية يحيى جوابًا. قال أبو بكر بن محمد: لا يجوز. قال أبو محمد: ويتبين لي أنه إن دفعها إليه المشتري، وشرط أنها تكون قصاصًا بالعشرة الدنانير، فهو جائز، وإن قبح اللفظ، وصار بائع العبد بثوب ودراهم نقدًا. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل: بعني بغلك بكذا، على أبيعك فرسي بكذا، فإن كان الثمنان حالين، أو إلى أجل واحد، فلا بأس به، اتفق عدد الثمن أو اختلف، فإن اتفق، فهو مقاصة، ويصير: بيع فرس ببغل، وإن اختلف الثمنان في العدد، فهو فرس ببغل مع أحدهما زيادة، وإن كان أحد الثمنين نقدًا، والآخر إلى أجل، إن اختلفت آجالها لم يجز، وصار بيعًا سلفًا، من مخرج الذهب أولاً. وفي البابين اللذين قبل هذا الباب شيء من معنى البيع والسلف. [6/ 125]
ذكر السلف وجرائره وما يجوز منه والشروط فيه وما يقارنه من نفع، وهدية المديان
ذكر السلف وجرائره وما يجوز منه والشروط فيه وما يقارنه من نفع وذكر هدية المديان وما يجوز له في الاقتضاء من الزيادة من الواضحة قال: وأحب لمن استقرض دنانير أو دراهم أن يتسلفها بمعيار، ليرد مثلها، ولا يتسلفها عددًا، فيختلف العدد في وزنه، فيرد أزيد مما عليه أو أنقص. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن قال لرجل: أسلفك هذه الحنطة في حنطة مثلها بشرط، فلا خير فيه، وإن كان النفع للقابض. قال أشهب: أكره الكلام في ذلك أن يقول: أسلفك هذا في مثله، خوفًا أن يكون أمرهما على غير المعروف، ولو أسلفه إياه على أن يعطيه من جنسه أقل منه وأدنى صفة، لم يجز ذلك، وأما يدا بيد، فجائز على المعروف من صاحب الفضل، إلا في الطعام، وأما في الدنانير والدراهم، فيجوز بدل ناقصة بوازنة، يدًا بيد، إذا استوى العدد، ولا يجوز إن اختلف. قال مالك: ومن ذبح شاة وسلخها، وأسلفها جزازًا وزنًا، على أن يأخذ منه كل يوم رطلين، لم ينبغ ذلك، وإن لم يكن في ذلك شرط إذا تصنعا لذلك، ومن وخر غريمًا بدين من بيع، أو قرض غيره، فذلك سلف، وإن كان رفقًا بالمديان، فذلك جائز. ومن قال لرجل خارج إلى مصر: أسلفك مالاً، لتقضينه بمصر، فلا ينبغي ذلك، ولو كان المسلف هو السائل له ذلك، فذلك جائز. وأما في الطعام، فلا يجوز أن يتسلف منه، على أن يوفيه ببلد آخر. محمد: وكذلك كل ما كان له حمل أو كراء. [6/ 126]
ومن سأل رجلاً أن يحمل له بضاعة، فقال: حلفت ألا أحمل بضاعة، إلا ما إن شئت تسلفته أو تركته، فلا خير فيه، وإن أودعه وديعة، فلم يقبلها، فقال: فخذها مني سلفًا، فكره ذلك مالك. ومن خشي على قمحه الفساد، فأسلفه ليضمنه له، لم ينبغ ذلك. ومن الواضحة، قال: ولا يجوز سلف الطعام السائس، ولا العفن، ولا المبلول، ولا الرطب، ولا قديم ليأخذ به جديدًا، وإن كان القديم صحيحًا؛ لأن كل سلف كانت منفعته للمسلف لم يحل. قال: ولو نزلت حلجة وسنة شديدة بالناس، فسألوا رب الطعام العفن أو السائس وغيره مما ذكرنا أن يسلفهم إياه لما لهم فيه من المعونة، فذلك جائز، إذا كانت المنفعة فيه لهم دونه. ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس أن تؤخر من لك عليه حق بالحق بعد محله، على أن يرهنك رهنًا، وإن كان هذا قبل الأجل، لم يجز، وكذلك لو قال: أسلفني عشرة إلى محل حقك، وأرهنك بالدينين رهنًا. لم يجز، وهو سلف جر منفعة، ولا بأس بذلك بعد محل الحق الأول، وقد كان قال: إن كان عديمًا، فلا خير فيه. محمد: وهذا غلط، وذلك أنه يملك هذا الرهن، وفيه وفاء للحق. قلت: فإن كان الرهن ليس له، أو دفع حميلاً بالحقين؟ قال: جائز؛ لأنه سلف مبتدأ، وقال في كتاب الرهون: لا يجوز إلا أن يكون الرهن له. وأما إذا كان عديمًا وعليه دين محيط لم يجز وإن كان الرهن له. ومن له على رجل عشرة دنانير حلت، ولا شيء عنده، فقال لغريمه: اسلفني خمسة، ونجم علي الخمسة عشرة، نصف دينار من كل شهر، فلا بأس به. ومن قال لرجل: أعني بغلامك أو بثورك في حرثي يومًا أو يومين، وأعينك بغلامي أو بثوري، فلا بأس به، ورآه من وجه الرفق، وكان هو الذي يطلب. [6/ 127]
قال: وإن أعطيته عبدك النجار يعمل له اليوم بعبده الخياط يخيط لك غدًا، فجائز. قال مالك: ومن أقام شاهدًا بدين، فأراد أن يحلف، ثم سأل المطلوب أن يعفيه من اليمين، ويؤخره سنة، فليس بحسن، أرأيت إن قال: أسلفك؟ وكذلك لو رد اليمين، فقال المطلوب: لا تحلفني، وأخرني سنة، وأنا أقر لك. فلا خير فيه، وهو سلف جر منفعة، والإقرار على هذا باطل، ويرجعان إلى الخصومة. ومن قال لرجل: أقرضني اليوم دينارًا، وغدًا دينارًا، وأقضيك إلى شهرين دينارين، فجائز إن كان النفع للمستقرض، ولو قال: أسلفني دينارًا، وإلى شهر دينارًا، على أن أرد عليك دينارين يوم تعطيني الدينار. لم يجز، وإن كانت المنفعة للمستقرض، وكأنه أسلفه دينارًا، على أن يراطله إلى شهر بدينار، فصار بيعًا وسلفًا. وسئل مالك فيمن لزم رجلاً بدينار، فقال له غيره: وخره، وأنا أسلفك عشرة دنانير، فكره ذلك. قال ابن القاسم: قال مالك فيمن نزل بغريمه للقاضي، فيقيم يأكل عنده، قال: إن من ذلك ما عسى أن يكون خفيفًا، ولعله لولا دينه لم يقم. قال مالك: ومن باع من مديانه بيعًا، أو صنع له معروفًا أو هدية، وهو قريب أو بعيد، غني أو فقير، فإن تبين أنه فعل شيئًا من ذلك لمكان الدين، لم يصلح، وما كان لغير الدين فجائز، وما أشكل فلا يقربه، وإذا كان غشيانك إياه ليلا يرهقه في دينك، فلا خير فيه، وإن كان ممن لا يخاف، فلا بأس. ثم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. [6/ 128]
ومن قال لغريمه: هل لك أن تخرج بهذا المتاع تبيعه؟ فإن كان يكلفه الخروج بسبب دينك، فلا خير فيه، فإن فعل، فلو أعطاه شيئًا يصلح به ذلك، وإن لم يخرج لمكان دينك، فلا بأس به. ومن العتبية: قال ابن القاسم، عن مالك، فيمن ابتاع كذا وكذا رطلاً بدينار إلى أجل، فيزن له، فبقي عنده رطلان، فيدعهما له، فلا بأس، بما قل مثل هذا، وإن كثر، فلا يعجبني. وقال سحنون: لا بأس به كان قليلاً أو كثيرًا. ومن الواضحة، قال: ولا يقبل للمديان هدية، ولا ركوب دابة، إلا أن يكون من خاصة أهلك ممن يكون ذلك بينكما قبل الدين، وإن خفت أن يكون بعض ذلك للدين، فلا نقربه، وقد أمر ابن عباس أن يحاسب بما تقدم له من هدية في دينه، ورد عمر هدية أبي وله عليه دين، فعاتبه وقبلها، وقال: إنما الربا على من أراد أن يربي. ولا تنتفع بما رهنك بشرط، ولا بغير شرط، وإن كان مصحفًا فلا تقرأ فيه، ولو كان من بيع وشرط في أصله النفع بالرهن أجلاً ذكره، جاز، وإن لم يشترطه، لم يجز نفعه به، كان الدين حالاً أو مؤجلاً، أذن له ربه أو لم يأذن، ونحو هذا في كتاب ابن المواز، في كتاب الرهون وغيره. قال ابن حبيب: ولم يختلف في إجازة القضاء في القرض أجود صفة وعينًا في العين والطعام، وقد تسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا، فقضى حملاً خيارًا رباعيًا. وأما الزيادة في العدد في العين، والطعام في القضاء، فكرهه مالك، واستخف رجحان الميزان. قال ابن حبيب: وأجازه غيره من أصحابه، إذا كان من أهل [6/ 129]
فيمن له دين هل يضع منه ويتعجل أو يأخذ أفضل أو أكثر؟
الصحة من غير وأى ولا عادة، ويكون عند القضاء أو بعده، لا يجوز قبل القضاء أن يقبل منه شيئًا، ويتهم أن يكف عن تقاضيه، أو يمد له في الأجل. قال ابن المواز: خفف مالك يسير الرجحان، ولم يجز ما كثر، ولا زيادة العدد في العين والطعام، وأجاز أشهب زيادة العدد في العين والطعام، واحتج بحديث رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بعير تسلفه ببعيرين. ولمثل هذا باب في كتاب الصرف فيه هذا المعنى. ومن العتبية قال أصبغ في قوم يقتسمون ماء بالقلد، فتسلف أحدهم من صاحبه في الشتاء أقلادًا، فيطلبه في الصيف، فيأبى أن يعطيه إلا في الشتاء كما أخذه، لرخصه حينئذ وغلائه في الصيف، قال عليه أن يعطيه حين يطلبه به إن كان حالاً، وللمتسلف قضاؤه أيضًا أي وقت شاء، ولا يأبى الآخر أخذه إذا بذله له. وفي باب مبايعتك لمن لك عليه دين ذكر سلفك لمن لك عليه دين ليقضيك. فيمن له دين هل يضع منه ويتعجل أو يأخذ أفضل أو أكثر أو يأخذ ببعضه غيره على تعجيل أو تأخير؟ من المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: قال: ومن له دنانير دينًا، فلا يأخذ قبل الأجل بعضها، وبباقيها عرضًا، فيصير بيع وسلف وعرض، وذهب [6/ 130]
بذهب، وإن كانت قيمة العرض دون ما أخذه به، دخله مع ذلك: ضع وتعجل، ولو أخذنا بجميعه عرضًا قبل الأجل يسواه، فذلك جائز، ولك أن تأخذ بعضه قبل الأجل عينًا وببعضه عرضًا، ثم إذا حل أخذت ببقيته عينًا أو عرضًا، لا يتأخر العرض. قال أشهب: لا تتعجل من دينك شيئًا على وضيعة باقيه أو بيعه، فإن تعجلت بعضه، ولم تضع شيئًا منه ولا بعته أو بعت منه، أو وضعت ولم تتعجل، ثم أراد أن يفعل ما ذكر، فذلك جائز إن صح من غير مؤانسة ولا موعد، كمن أسلف بعد تمام البيع، أو أسلف إن كان السلف سابقًا للبيع. ابن نافع، عن مالك: ومن له مائة دينار حالة، من ثمن طعام على رجل، فأخذ منه تسعين، ووخره بعشرة، ثم أخذ منه بها قبل الأجل عرضًا أكثر من قيمتها، فذلك جائز، ولا يأخذ منه من صنفه طعامًا أقل منه. قال مالك في كتاب ابن المواز: ولو أخذ منه تسعين من مائة حالة، ووخره بعشرة، وكتب له بذلك كتابًا، فلا يصلح أن يضع له منها على تعجلها بعد أن وجب التأخير، ولو كان ذلك عند المراوضة قبل الوجوب، لجاز، ولكن إن أخذ منه عرضًا، فجائز. مالك: ومن قال لغريمه: عجل لي ديني، وأحطك منه، فقال: لا يجوز هذا، ولكن خذ عرضًا بما رضيت تعجله. قال: ذلك جائز، وهذا غلط في اللفظ، ولا يأخذ ببعضه قبل الأجل عرضًا مؤخرًا، ولا يأخذ بعضه عينًا وبعضه مؤخرًا، ولا عرضًا معجلاً. [6/ 131]
مالك: ومن أسلم في عبدين، فأخذ قبل الأجل عبدًا مثل شرطه، أو أرفع، وعرضًا ببقية حقه، فكرهه مالك، وأجازه ابن القاسم. وقال أصبغ: لا يجوز، وهو: ضع وتعجل، وقول مالك أصوب. قال محمد: قول ابن القاسم غلط. وروى أشهب، عن مالك أنه لا يجوز، ولو أخذ قبل الأجل عبدًا أدنى أو أرفع، لم يجز. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا كان لك عرض من بيع إلى أجل، فعجله لك، فإن لم يكن أجود ولا أردأ، فجائز، وإن كان مثله ولكن لم يعجله حتى أعطيته شيئًا، أو أعطاك شيئًا، ولم يقع بخطوة ولا كلمة، فلا يجوز، لأنه منك وضيعة على تعجل حق، ومنه طرح ضمان بزيادة. قال هو وأشهب: ولا يأخذ أجود، أقل عددًا أو أكثر. ولا أدنى وأقل عددًا أو أكثر. قال ابن القاسم: ولا يأخذ ما لا يجوز أن يسلمه فيه قبل محله، إذا كان من بيع. قال عبد الملك: وإذا حل وليس بذهب ولا فضة، جاز أخذك أرفع أو أدنى، أو أكثر أو أقل، من صنفه ومن غير صنفه نقدًا. قال ابن القاسم: ويجوز أن تؤدي إليه بزيادة الفضة شيئًا، أو تأخذ منه لدناءتها، وكذلك في العدد، وتكون الزيادة نقدًا منك أو منه، وهي عين أو عرض، إلا أن يزيدك من مثل رأس المال، فلا يجوز، ولا يتأخر ما يزيدك؛ لأنه دين بدين، وإن كان من صنف دينك، فهو بيع وسلف، فإن أخرت أنت ما زدته، فذلك جائز. ورواه علي، عن مالك، في المسألة كلها. قال ابن القاسم، وأشهب، وعلي: ما لم تكن زيادتك من صنف ما تأخذ منه في عرضك، فيصير بعض ما قضي سلف في عرض من صنفه. قال ابن القاسم: وإن كان الذي لك عليه [6/ 132]
من قرض، فلك أن تأخذ قبل الأجل أجود صفة في مثل العدد، ولا تأخذ أردأ، بخلاف أن لو كان من بيع؛ لأن له أن يعجل لك العرض، وقد عجله أجود، وليس له تعجيل البيع. وقال أشهب: لا يجوز في البيع، ولا في القرض أن يأخذ قبل الأجل أجود ولا أبدأ؛ لأنه العرض بالعرض من صنفه، أو ضع وتعجل أو ازدد وتعجل. واختلف قوله في أخذه من الذهب القرض أردأ أو أجود، وحوزها قبل الأجل من الطعام في مثل كيله وجنسه أجود صفة، فكرهه، وأجازه ثم قال: ولا خير في أن يأخذ من الطعام قبل الأجل أكثر كيلاً من صنفه؛ لأنه الفضل في الطعام. قال ابن القاسم، وأشهب: ومن لك عليه دين إلى أجل، من عرض أو حيوان، فلقيته بغير البلد، فلا بأس أن تأخذه منه إذا رضيتما وحل الأجل، وكان من صنفه، لا أرفع ولا أدنى. قال أشهب: لأنه في الأرفع زيادة برفع الضمان، وفي الأدنى: ضع وتعجل. قال ابن القاسم: وإن لم يحل، فلا تأخذ منه بغير البلد، لا مثل، ولا أدنى، ولا أرفع، وكذلك هذا كله في كتاب ابن المواز. وزاد: قال ابن القاسم: ويدخله في أخذ مثله قبل الأجل بغير البلد ما يدخل في أرفع وأدنى. قال ابن عبدوس: وقال سحنون: ذلك جائز إن كان مثل الصفة، حل الأجل أو لم يحل. ومن كتاب محمد: ولا يجوز أن يعطيك بغير البلد، من عرض، أو طعام من قرض أو بيع قبل الأجل، وإن كان مثل دينك سواء، ويجوز في البلد قبل الأجل مثله، ويجوز في القرض أجود منه. قال يحيى بن عمر: قال أصبغ: ومن لك عليه طعام من قرض، فقضاك بغير البلد مثله، وقد حل، فذلك جائز ولا يجوز أدنى [6/ 133]
ولا أجود وإن لم يحل فلا يجوز مثله ولا أدنى ولا أجود بغير البلد، وكذلك إن كان من بيع في القضاء بغير البلد، مثل ما قلنا في القرض فيما حل، وفيما لم يحل. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وأخذك لبعض ما أسلمت فيه قبل الأجل، مع عوض يخالفه كأخذك من مائة دينار خمسين دينارًا، وعرضًا قبل الأجل، ويفسخ ذلك كله، ويبقى الحق إلى أجله إن علم ذلك قبل محله. قال أصبغ: وإن لم يعلم حتى حل نقدت الوضيعة؛ لأنه لا أجل له يرد إليه، وليس له إلا ما أخذ، وقد أتم. قال محمد: هذا غلط، وخلاف لمالك، وابن القاسم، بل الوضيعة باطل قاله مالك. ومسألة الخلع على وضيعة الدين وتعجله، في كتاب الخلع. وإن أسلمت في عرض أو حيوان، فلا تأخذ قبل الأجل أدنى صفة، أو أقل وزنًا؛ لأنه ضع وتعجل، ولا أرفع، ويجوز ذلك كله بعد الأجل، وإذا كان دينك دنانير أو دراهم، من بيع أو قرض، أو كان طعامًا أو عرضًا من قرض خاصة، فيجوز أن يأخذ قبل الأجل أرفع صفة، ولا يجوز أدنى صفة، ولك أن تأخذ قبل الأجل أكثر عددًا، إن كان ذلك من بيع، فأعطاك ذلك البائع، ولا يجوز إن كان من قرض، إلا أن يأخذ أجود صفة، من غير وأي ولا عادة، ولا يأخذ قبل الأجل أقل ولا أدنى في عين أو غيره من بيع أو قرض. وروى أشهب، عن مالك: إلا أن لا يبقى في الأجل في البيع إلا يوم أو يومان، فيلزم المبتاع قبوله. مالك: ومن لك عليه أربعة عشر دينارًا ونصف، فقضاك الدنانير قبل الأجل، وأعطاك بالنصف دراهم، فلا يجوز ويجوز أن يعطيك به عرضًا، وإن [6/ 134]
من له دين على رجل، ما الذي يجوز له بيعه به منه أو من غيره؟
أعطاك دينارًا، ورددت عليه في نصفه دراهم، قال: أحب إلي أن يرد إليه عرضًا. وأجازه ابن القاسم في القرض، ومن لك عليه نصف دينار، فأعطاك قبل الأجل دينارًا، وأعطيته بنصفه دراهم، لم يجز، وأما عرضًا، فقد أجازه مالك، ولسنا نجيزه، ويدخله: بيع وسلف، وضع وتعجل، تعجل حق سلف. وكذلك قال ابن القاسم. وهذا الباب يتعلق منه بغير باب من البيوع والأكرية، قد جرى ذكره في مواضعه. من له دين على رجل، ما الذي يجوز له بيعه به منه أو من غيره؟ أو يأخذ منه فيه والاقتضاء في الدين ما لا يجوز أن يسلم فيه أصله في بيع أو قرض أو حوالة من كتاب ابن المواز: وما أسلمت فيه من عرض، فلك بيعه من غير بائعك بما شئت من ذهب أو ورق أو طعام أو غيره، من خلاف العرض، وتنتقد وتحيل عليه، حل أو لم يحل، ولا يجوز أن تبيعه من بائعك، إلا بما يجوز أن تسلم فيه رأس مالك، وما ابتعته بعينه، جاز أن تبيعه من أجنبي بنقد، أو إلى أجل، بخلاف ما في الذمة، وما أسلمت فيه ورقًا، فلا تبعه من بائعك بذهب، وما أسلمت فيه ذهبًا، فلا تبعه من بائعك بورق وإن قلت، ويجوز أن تبيعه منه بمثل ما نقدت في صفته، وفي وزنه فأقل. وإن أسلمت عرضًا أو طعامًا في غير الطعام، فلك بيع ذلك من بائعك بذهب أو ورق، بما يجوز أن تسلم فيه ما دفعت، إذا تعجلت ذلك، حل الأجل أو لم يحل، ويجوز أن تبيعه بمثل رأس مالك فأقل، ما لم يكن أجود جودة منه، وإن نقدت ذهبًا، جاز بيعك بذهب أقل عددًا، ما لم يكن أجود عيونًا، [6/ 135]
وكذلك الورق، والعروض، وكذلك الطعام إن أخذت مثله في صفته وكيله. وكره ابن القاسم أن يأخذ أقل كيلاً. وأجازه أشهب وغيره، كالذهب يأخذ أقل منه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان له طعام من قرض، فله أن يأخذ به عند الأجل طعامًا يخالف جنسه أزيد كيلاً نقدًا، وله أن يأخذ منه فيه ما يجوز أن يأخذه في المبادلة يدًا بيد، اثنان بواحد إن شئتما، وذهبا من ورق وورقًا من ذهب، ولا يأخذ من جنس من التمر جنسًا آخر، إلا في مثل المكيلة. قال أشهب في هذا: يجوز إذا لم تجر بينكما فيه عادة ولا وأي، فأما إن جرت فيه عادة أو وأي، فلا تأخذ إلا مثل ما أسلفته بعينه من تمر أو غيره، أو أدنى منه في جنسه من التمر الذي لك عليه، فإن كان أردأ منه في غير جنسه من التمر، فلا أحبه؛ لأنه ربما رغب فيه وكان أفضل. قال أشهب: ولا تأخذ في ثمن كرسف بعته كرسفًا أكثر من وزنه، وأدنى من صفته، أو أقل وزنًا وأجود صفة. قال أشهب: ومن أسلم في سلعة غير الطعام عينًا أو طعامًا أو عرضًا لا يعرف بعينه، أو مما يعرف بعينه، ثم باعها من الذي هي عليه قبل يفارقه، فيجوز بيعها منه بما شاء نقدًا قبل التفرق، وكذلك إن نقد فيها دنانير، وأخذ دراهم، أو دنانير أكثر من دنانيره، ولا يجوز بعد التفرق أن يأخذ إلا ما يجوز أن يعطي فيه رأس ماله، ولا يأخذ من ذهبه ذهبًا أقل وزنًا وأجود صفة، ولا أكثر وزنًا وأدنى صفة، ولا من ثمن الطعام طعامًا من صنفه أكثر كيلاً وأردأ عينًا، ولا أقل كيلاً وأجود عينًا، ويجوز أدنى صفة وكيلاً، أو مساويًا له في أحدهما، أو أدنى منه في الآخر، وإن لقيته بغير البلد، فأخذت منه دنانير مثل رأس مالك عددًا أو وزنًا، فذلك جائز. قال أشهب: ومن لك عليه عروض، فلك بيعها من غيره، حلت أو لم تحل بمثلها صفة ومقدارًا. وقال ابن القاسم: إذا كان النفع في هذا لآخذه، جاز وإلا لم يجز. [6/ 136]
جامع مسائل الدين أو فسخه في دين
ومن الواضحة: وإذا أحالك من لك عليه عرض على عرض مثله من بيع، لم يجز لك أن تصالح المحال عليه إلا بما كان يجوز لك أن تصالح عليه من أحالك بمثل رأس ماله فأقل، فإن كان رأس ماله خمسة عشر، ورأس مالك عشرة، فلا تصالحه إلا بعشرة فأقل، ولو كان رأس مال غريمك بما أقالك ورقًا، ورأس مالك ذهبًا، لم يجز أن يأخذ منه ذهبًا ولا ورقًا، ولكن يأخذ منه ما يجوز، لا أن تأخذه من غريمك، ويكون ذلك مما يجوز لغريمك أن يأخذه من غريمه، وإلا لم يجز. وهذا الباب متعلق بغير باب قد تقدم ذكره. جامع مسائل الدين أو فسخه في دين من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، وأشهب: قال مالك: من كان شراؤه بدين إلى أجل، جاز لك أن تشتريه بدين لك على رجل آخر. قال: ومن لك عليه دين، لم يجز لك أن تفسخه عليه في دين، ولا يجوز لك أن تشتري منه ما يتأخر قبضه من تمره وشيء غائب، أو بيع فيه خيار أو مواضعة، أو كراء، أو إجارة. ولا بأس أن تشتري ذلك منه بدين لك على غيره، إلا الإجارة والكراء، فأجازه أشهب، وكرهه ابن القاسم، وروى كل واحد منهما قوله عن مالك. وفي المدونة في كتاب الحوالة، عن ابن القاسم مثل ما ذكر هاهنا عن أشهب. ولو اكترى منه على أن يحمله على من ليس له عنده دين، فهو جائز؛ لأنها حمالة. قال مالك: ولو شرط في الكراء النقد، ثم أحاله على دين له حال أو مؤجل، كان جائزًا، أو لو لم يشترط النقد، لم يجز. [6/ 137]
قال مالك: ولا تأخذ بدينك من الغريم طعامًا بقريته، تبعث من يقبضه. قيل: فإن كان على ستة أميال. فكرهه، حل الدين أو لم يحل. قال: ولا ثوبًا يصبغه لك أو يخيطه، أو حنطة يطحنها، أو يكري منه به أرضًا قد رويت وإن حل. قال مالك: ولو كان طعامًا قليلاً أخذ منه بدينار، لم يصلح له أن يؤخره إلا قدر ما يجوز له في مثلها، إلى أن يأتي بحمال أو مكتال يأخذه فيه. وقاله ابن القاسم، وأشهب. قال أشهب: وكذلك لو كان مما يكال أيامًا أو شهرًا، يقم في ذلك ما ذكرنا، لم يكن بذلك بأس إذا شرع فيه. قال: وإذا بعت الدين من غير من هو لك عليه، جاز أن تؤخره بالثمن اليوم واليومين فقط، ولا تؤخر الغريم إن بعته منه، إلا مثل ذهابه إلى البيت، فأما أن تفارقه، ثم تطلبه به، فلا يجوز. قال أشهب: فإن تفرقا، فسخ البيع إن عملاً على ذلك، أو كانا من أهل العينة، فإن لم يكونا كذلك فليلح عليه حتى يأخذ منه الثمن. قلت: فإذا لم يجز إن اكترى منه بدين عليه داره أو عبده، فهل يجوز لي أن أستحمله به عملاً؟ قال مالك: أما العمل اليسير والدين لم يحل، فذلك جائز، وإن حل، لم يجز في يسير ولا كثير. وقال مالك فيمن لك عليه درهمان، فاستحطته بدرهم، فلا تقارضه به بعد فراغه، ولكن ادفعه إليه، ثم يقضيكه في دينك. وكره مالك في رواية ابن وهب تستعمله في دين لم يحل به عملا قبل الأجل، وقال: أخاف أن يمرض أو يغيب، فيتأخر عليه حتى يحل الأجل فيصير دينًا بدين. قال مالك: ومن ابتاع خمسين إردبًا بخمسين درهمًا، يأخذ كل شهر عشرة أرادب، ونقده الآن عشرة دراهم، على أنه كلما أخذ عشرة أرادب، نقده عشرة دراهم. قال: هذا دين بدين. [6/ 138]
قال مالك: من ابتاع طعامًا إلى أجل بعشرة دنانير، فنقده ثمانية دنانير، وتأخر ديناران إلى محل الأجل، فلا خير فيه. محمد: ولا يفسخ إلا أن يتعاملا عليه. ومن العتبية: وكره مالك أن يشتري الطعام بثمن إلى أجل، ثم يقره عند بائعه وإن كان اكتاله، وأخاف أن يؤخره حتى يحل الحق، ولو كان بالنقد لجاز. قال ابن القاسم: يخاف أن يضمنه له إلى الأجل، فيكون النقد والكيل معًا. قال في رواية عيسى: ولا يفسخ إن نزل وإن لم يكتله حتى يحل الأجل، وقاله ابن المواز. قال: ومن لك عليه مائة دينار، فأخذت بها منه مائة إردب، فاكتلت نصفها، وتأخر ما بقي حتى طال، فليرد كل شيء، ويرجع إلى دنانيره. ومن كتاب محمد: وإذا كان رأس مال السلم حليًا مكسورًا، فيقبضه، ثم استحق أو وجده رديئًا، فله مثله، ولا ينقض السلم، بخلاف المصوغ، قاله ابن القاسم، وأشهب، ولو عرف وزن المصوغ، فهو كالموزون المكيل يستحق من طعام أو عرض أنه ينتقض السلم. ومن وليته طعامًا أو عرضًا في ذمة رجل، فلا يجوز أن يؤخره بالثمن يومًا ولا أقل منه، وهذا كالصرف. قال محمد: أما في الطعام، وفي كل ما عامل به صاحبه، فكما قال، وأما في غير الطعام، يبيعه من غير من هو عليه، فيجوز أن يؤخره بالثمن يومًا أو يومين. قال: ولا يجوز للمرأة أن تضع مهرها عن زوجها، على أن يحج بها، ذلك دين بدين، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم. [6/ 139]
باب في مبايعتك لمن لك عليه دين أو تقرضه قرضا
قال ابن القاسم: إن أسلمت في وقت، ثم زدته ليجعله أكثر مما وصفته، فجائز إن كان ذلك إلى الأجل بعينه، كقول مالك في الثوب يزيد في طوله، كان حائكًا أو غيره، وأما في أصفق وأدق، فلا يجوز. قال مالك فيمن استعمل مساويًا على قدر وصفه، ثم زدته في الثمن، ليجعل لك أكثر منها، فذلك جائز، إذا لم يزد في الأجل. محمد: ولم ينقص منه. ومن اكترى دارًا سنة، لم يجز، سكن أو لم يسكن. ثم رجع فقال: إن لم يسكن، فلا بأس به، بخلاف الحمولة؛ لأن تلك مضمونة. وقد ذكرت فسخ الكراء والإجارة في غيره في كتاب الإجارات والأكرية. باب في مبايعتك لمن لك عليه دين أو تقرضه قرضًا من العتبية، قال مالك فيمن لك عليه طعام من قرض، فسألك أن تبيعه طعامًا يقضيكه، من قرضك. فأما بنقد، فجائز، وأما بدين، فلا يجوز، لأنك ترده إليه، وتصير تطلبه بثمن مكان طعام كان قرضًا، وأما بنقد، فهو كبيع الطعام من قرض قبل قبضه، فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن عليه طعام من بيع، فقال للطالب: ما عندي طعام، ولكن بعني حمارك، وأنا أقضيك طعامك. فأما بنقد فجائز، إذا لم يعطه دون شرطه من الطعام أو أرفع، وإن كان بيع الحمار إلى أجل، فلا يجوز. قال أصبغ: ويفسخ، فإن مات الحمار، تعجلت قيمته. من الواضحة: روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في القائل: بعني حمارك لأقضيك طعامك: أنه كرهه، ولم يذكر بنقد، ولو قال: بعني طعامًا [6/ 140]
لأقضيك، لم يجز، وهو بيع الطعام قبل قبضه. وقاله أشهب. وإن كانت الدنانير التي يعطيه الآن أكثر من رأس ماله، فهو الربا. قال عيسى، عن ابن القاسم: إن ابتاعه بمثل رأس المال نقدًا، فجائز، وأما بأكثر، فهو الربا، وأما بأقل، فهو بيع الطعام قبل قبضه. ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل له رجل، فقال للحميل: بعني سلعتك أقضيها فلانًا، فتسقط حمالتك، فلا يعجبني، وأخاف أن يكون من الدين بالدين، وبابًا من أبواب الربا. ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم: إن كان اشتراها كما يشتري الناس، ولا يدري أيبيعها في قضائه، أم لا؟ فلا بأس به. ومن كتاب ابن المواز: مالك: ومن عليه مائة دينار دين، فلما حلت سأل الطالب أن يبيع منه سلعة بمائة وخمسين إلى أجل. قال في المجموعة: تسوى مائة بالنقد، فهذا لا يجوز، وهذا كراء الجاهلية، ورواه ابن القاسم، وأشهب، عن مالك. وقال مالك فيمن يقدم عليه البز من مصر، فيبيع بدين، فيقضي البعض، ثم يقدم شيء آخر، فيبيع منهم، قال: لم أرهم يرون بهذا بأسًا، وليس مثل الأول، وإنما يكره هذا من أهل العينة. قيل: إن قومًا يبيعون الغزل بالدينارين والثلاثة من الحاكة، فيأتي أحدهم بدينار مما عليه، ثم يبتاع منه أيضًا غزلاً آخر، فهو هكذا يقضيه ويبقى عليه، فلم ير به بأسًا. قال محمد: وقول مالك الأول، كراهيته أحب إليّ. قاله ابن القاسم. قال مالك: ومن لك عليه دين، قد حل أو قرب حلوله بما يتهم أن يكون يستعين بما يأخذ منك في قضاء دينه، فلا تبيعه شيئًا إلى أبعد من أجل حقك، وأما بنقد فجائز. [6/ 141]
قال أشهب: قال مالك فيمن عليه خمسة وعشرون دينارًا من قرض، فقضى منها عشرين، لم يجد غيرها، فباعه الطالب عرضًا بخمسة إلى ستة، ثم وقع في نفسه أنه يقضي من ثمنه، قال: لا يأخذها، وأصل بيعه لا خير فيه، باعه وله عليه دين. قيل: إنه سلف حال، قال: ذلك سواء من بيع أو قرض، ولكن إن ترك الخمسة إلى السنة، فأرجو أنه جائز. قول محمد: صواب إلا قوله: إن ترك الخمسة إلى السنة فجائز. فهذا لا يعجبني؛ لأنه إن باعه العرض، على أن يؤخره بالخمسة، فهو بيع وسلف، وإن باعه على أن يعجل له من ثمنه، فلا خير فيه؛ لأنه يعطيه ثمن سلعته. وقال مالك فيمن له حريف بالريف، يبتاع منه بالمال العظيم، ثم يقضيه عند حصاده، ثم يأخذ منه أيضًا. قد عوده ذلك، ولولا أنه يعطيه ذهبه عندما يقضيه، لم يعطه طعامه، قال: لا يعجبني هذا، وإذا قبض الرجل من أهل القرية طعامه وخزنه، ثم ابتاعوه منه بنقد، فإن لم يكن بحدثان ذلك، ولم يبق له عندهم شيء، فلا بأس به. ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع طعامًا بثمن إلى أجل، ثم أراد أن يسلم إلى المبتاع عرضًا في طعام، فإن لم يقرب الأجل، فذلك جائز، وإن كان على أن يرهنه بالأول والثاني رهنًا، فلا يجوز. قال ابن القاسم، عن مالك: ومن وجب لأجيره عليه عشرة دراهم، فسأله بها ثوبًا، فقال: أشتريه لك إن شئت. فكرهه، قال: والصواب من ذلك أن يشتريه لنفسه، ثم يبيعه منه بعد ذلك. [6/ 142]
فيمن تسلف من رجل شيئا أو قبضه منه في دين أو صرف ثم يبيعه منه أو يصرفه منه
ومن المجموعة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن الناس من يجوز له أن يبيع ممن له عليه دين قد قرب حلوله مثل البزازين والسقاطين ممن يبتاع على التقاضي، فهو يبيعه ويقبض منه، وقد يأتيه متاع آخر يبيعه منه وقد حل الأول، أو قرب حلوله، فهو جائز، وليس هؤلاء من أهل العينة. قال: وأما من يسلف في الحبوب، فإذا حل أجله أسلم إليه في طعام إلى أجل، ولو منعوهم أخذوا من غيرهم، وهم عدماء، ولهم ما بقي بديونهم، ولا يبيعونه، فلا خير في هذا. قال غيره: ومن حل عليه دين لرجل، فقال له: لا أقضيك إلا أن تسلفني دراهم أو طعامًا، أو كانت له دنانير مرهونة عند غيره في عشرة دراهم، فقال له أسلفني عشرة دراهم أفتكها وأقضيكها، فقال: لا يسلفه إلا من جنس ذهبه الذي يسأله ولا يعده سلفًا، وهو شيء أخذه مما عليه، وإذا كان مخالفًا لما لع عليه، فهو سلف جر منفعة. قال علي، عن مالك: ومن لك عليه عرض من بيع، فقال لك: أسلفني ذهبًا أبتاع لك عرضًا وأوفيكه، فلا ينبغي، وكأنه فسخ العرض في دنانير. فيمن تسلف من رجل شيئًا أو قبضه منه في دين أو صرف ثم يبيعه منه أو يصرفه منه أو يسلمه إليه أو أسلمت إليه ذهبًا فردها إليك قضاء من دينك من كتاب ابن المواز: ومن تسلف من رجل دراهم حالة، أو إلى أجل، فلا بأس أن يشتري منه بها سلعة بعينها، ولا يجوز أن يصرف بها منه دنانير؛ لأنه يفارقه، ثم يطلبه بالدراهم، ولكن إن فعل فليس له غير الدنانير؛ لأن دراهمه رجعت إليه، وإن كانت حالة، جاز أن يسلمها إليه في طعام إلى أجل. قاله [6/ 143]
مالك، قال في كتاب آخر: وكذلك يجوز أن يشتري بها منه طعامًا نقدًا. قال: وإن أخذت منه الدراهم إلى أجل فلا يسلمها إليه في شيء مؤجل ولا بأس أن يشتري بها منه طعامًا نقدًا. محمد: قال مالك: ومن لك عليه ذهب قد حل، فأسلمت إليه ذهبًا في سلعة إلى أجل، فردها إليك قضاء من دينك، الأول فإن لم يكن شرط ولا وأي ولا عادة، فلا يجوز إن كان بحدثانه. ومن أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم ابتعت منه طعامًا بدنانير إلى مثل أجلك أو أبعد، فقد كرهه مالك. قال محمد: الذي أعرف من قول مالك، وابن القاسم، أنه إن قارب الأجل فمكروه، وأما قبل الأجل، بما يعلم أنه لا يستعين بما أخذ في القضاء، فلا بأس به. قال مالك: وإذا قرب الأجل، فلا خير في أن يشتري المشتري من الذي عليه الطعام أو غير الطعام طعامًا أو سلعة ما كانت إلى أجل أبعد من أجل دينه، وأما إلى الأجل بعينه أو بالنقد، فجائز. قال مالك: ومن قضاك طعامًا من سلم، ثم ابتاعه منك بنقد، أو تأخير، فإن كان بغير حضرة القضاء وبين ذلك تفاوت يعلم به صحة أمرهما، فهو جائز. ومن المجموعة: قال أشهب: ومن صرف من رجل دينارًا بدراهم، ثم استقرضها منه، ودفعها إليه، لم يجز، وعليه رد ديناره، ولا يجوز أن يعطيه فيه دراهم. وقد ذكرنا في الصرف ذكر من يصرف منه ورقًا، ثم يصرفها منه بذهب. [6/ 144]
باب ذكر الحوالة والمقاصة في الديون
ومن غير المجموعة: وإن أقرضك رجل دراهم إلى أجل، فابتعت بها منه شيئًا نقدًا، فذلك جائز، ولا يجوز إلى أجل، وإن أقرضكها حالة، جاز شراؤك بها منه شيئًا نقدًا أو إلى أجل، كآجال السلم، فذلك جائز. قال ابن حبيب: وإن أقرضك طعامًا حالاً، ثم بعته منه بثمن نقدًا أو مؤخرًا، لم يجز، ولو أقرضكه إلى أجل، جاز أن تبيعه منه بثمن حال - يريد: مثل آجال السلم - ولا يجوز بدين. باب ذكر الحوالة والمقاصة في الديون من المجموعة، قال ابن القاسم: إذا كان عليك طعام، ولك في ذمة رجل طعام، وأحدهما من بيع، والآخر من قرض، فإن حلا، فجائز أن تحيله على غريمك، فإن لم يحلا أو حل أحدهما، فلا يجوز، حل البيع أو القرض. وقال أشهب: هما كالقرضين يحيل بما حل منهما فيما حل وفيما لم يحل، وإن كانا من بيع، لم يجز، وإن حلا، إلا أن يتفق رأس ماليهما، فيجوز، ويشبه التولية. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا أحلت بدين عليك على دين لك، فإن لم يكونا طعامًا من بيع، واتفقت الصفة والجنس والمقدار، وكان الذي يحتال قد حل حقه، فهذا جائز، وإن اختلفا في الصنف، أو في الجودة والصنف، وأحدهما طعام أو عين أو عرض، كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، فلا يصلح ذلك، وإن حلا إلا أن يقبضه قبل أن يفترقا، فيجوز إلا في الطعام من بيع، فلا يصلح أن يقضيه، إلا من صاحبه، وكذلك إن كان هذا ذهب وهذا ورق، فلا تحيله به وإن حلا، إلا أن يقبضه مكانه قبل افتراق الثلاثة، وقبل طول المجلس، وإذا كان طعامين متفقي الجنس والصفة والكيل، وهما من قرض، أو أحدهما من قرض، [6/ 145]
والآخر من بيع، فلا بأس أن يحيل ما قد حل منهما، كان السلف أو البيع فيما لم يحل. ولم يجزه ابن القاسم حتى يحلا. ورواه عن مالك. قال ابن حبيب: والأول قول جميع أصحاب مالك إنه جائز إذا حل ما يحيل به، إلا ابن القاسم، واختلف فيه قول أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، عن مالك، في الرجلين لكل واحد منهما على صاحبه عشرة دنانير، وآجالهما مختلفة، ولم يحلا: لم يجز أن يتقاصا وأجازه ابن القاسم إذا اتفق الحقان في الجنس والصفة، كانا ذهبين أو فضتين أو عرضين ما كانا، إلا الطعام من بيع، كان أجلهما متفقًا أو مختلفًا، حلا أو لم يحلا، أو حل أحدهما، فإن اختلفا في الجنس والصفة، فلا يتقاصا وإن حل أحدهما، إلا أن يحلا، أو يكون أجلهما متفقًا، وإن لم يحلا فيجوز، ما خلا الصرف مثل أن يكون هذا ذهبًا وهذا فضة فلا يتقاصا قبل أن يحلا، وإن اتفق أجلاهما. قوله في العرضين المختلفي الجنس لا يتقاصا وإن حل أحدهما، هكذا وقع في كتاب محمد. وقال في المدونة: تجوز المقاصة في عرضين بحلول أحدهما. ومن كتاب محمد: قال: وإذا كانا عرضين نوعًا واحدًا، أو أحدهما أجود صفة، فإن اتفقت أجلاهما، فجائز، وإن لم يحلا كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، وإن اختلفت أجلاهما وأحدهما من بيع، والآخر من قرض، فإن كان آخرهما محلاً للبيع، لم تصلح المقاصة، كان الأرفع أو الأدنى؛ لأنه في الأرفع: ضع وتعجل، وفي الأدنى زاده لطرح الضمان، وإن كان آخرهما حلولاً هو القرض، وهو الأدنى، فلا بأس أن يتقاصا؛ لأنه إذا عجل القرض وأجبر صاحبه على أخذه، ولا يجبر في البيع، وإن كان الأرفع آخرهما حلولاً، لم يجز؛ لأنه وضع [6/ 146]
له من الجودة، ليتعجل، وهذا إذا اتفقا في العدد والوزن، وإنما اختلافهما في الجودة وحدها، ولو اختلفا في العدد، وهما جنس واحد، لم تنبغ المقاصة، كانا من قرض أو بيع أو أحدهما، ولأنه لا يجوز في القرض زيادة العدد وإن حلا - يريد في قول ابن القاسم في زيادة العدد في القرض - ولو كانا ذهبين، وهما من قرض أو بيع أو أحدهما، فإن كان أولهما حلولا أرفع في الجودة أو العين أو الأرجح، فلا بأس أن يتقاصا، وإن كان هو الأدنى، فلا خير فيه. وقال ابن حبيب: إذا كان أحد الذهبين ناقصة، والآخر وازنة، لم تجز المقاصة حتى تحل الوازنة. ومن كتاب ابن المواز: ولو اختلفا في العدد، وهما من قرض، لم تجز المقاصة وإن حلا، وإن كانا من ثمن سلعة، فكان أولها حلولاً أكثرها، فذلك جائز، وكذلك إن كان أحدهما من قرض، والقرض أكثرهما وأولهما حلولاً، وإن كانا طعامين، وهما من قرض، والكيل والجنس واحد، وأحدهما أجود. وقد حلا، فالمقاصة جائزة، وإن لم يحلا، وأولهما حلولاً أجودهما، فجائز، وإن كان أدناهما، لم تجز، وإن كان أحدهما من بيع، لم يجز المقاصة، وإن اتفقا في الجودة حتى يحلا. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: إن حل أجل السلم، جازت المقاصة. وقال ابن حبيب: إذا اتفقت أجلاهما، جازت المقاصة وإن لم يحلا. قاله جميع أصحاب مالك، إلا ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: وإن كانا من بيع، لم يجز، وإن حلا. قال أشهب: إلا أن ينفق رأس ماليهما في عينه ووزنه، وإن كانا من قرض، وأحدهما سمراء، والآخر محمولة، فلا يتقاصا حتى يحلا، أو يكونا حالين، وكذلك نقي ومعلوث، وإن اتفق الكيل والجنس والصفة جاز، وإن لم يحلا وحل أحدهما، والأجل متفق أو مختلف، وأما هذا ذهب وهذا فضة، فلا يتقاصا حتى يحلا. [6/ 147]
وروى عنه ابن نافع: إذا كان لكل واحد منهما على صاحبه ذهب، والأجل مختلف، فلا يتقاصا حتى يحلا، قيل: فإن اتفق أجلاهما، فسكت. قال ابن نافع: لا يعجبني. تم الكتاب بحمد الله وعونه يتلوه في الجزء الثامن بعون الله وتأييده وتوفيقه الجزء الثالث مما يحل ويحرم من البيوع أوله: أبواب البيوع الفاسدة [6/ 148]
[الجزء الثالث من البيوع]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الجزء الثالث مما يحل ويحرم من البيوع ذكر أبواب البيوع الفاسدة من بيع الغرر والخطر من الواضحة: نهى الرسول عليه السلام عن بيع الغرر، وهذا يشتمل على أشياء كثيرة. ومن ذلك نهيه عليه السلام عن المضامين والملاقيح وحبل حبلة. فقال مالك: المضامين ما في بطون الإناث، والملاقيح ما في ظهور الذكور، وحبل الحبلة بيع نتاج نتاج الناقة. قال ابن حبيب: المضامين ما في ظهور الفحول، والملاقيح ما في بطون الإناث. قال الراجز: ملقوحة من بطن ناب حامل [6/ 149]
قال ابن حبيب: وحبل حبلة: بيع نتاج نتاج الناقة كما قال عن مالك. وقال مالك في الموطأ: كان يباع الجزور إلى أن ينتج نتاج الناقة. قال ابن القاسم: فهو أجل مجهول بيع إليه الجزور. وجعل ذلك أبو الفرج البغدادي حجة في النهي عن البيع إلى أجل مجهول. وروى ابن وهب عن مالك مثل ما ذكر ابن حبيب. قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهى عنه عليه السلام من بيع الحصاة. كان في الجاهلية تكون حصاة بيد البائع فيقول: إذا سقطت الحصاة وجب البيع بيني وبينك. ومن العتبية: أشهب عن مالك: وأكره بيع المقاومة بالحصاة، وأستخف بيع المقاومة بالسرار. قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهي عنه من بيع العربان في البيع والكراء، ويقول: إن تم العقد فهو من الثمن، وإلا كان ذلك باطلاً ولا بأس بالعربان في غير هذا الشرط. قال: ومعنى العربان أول الشيء وعنفوانه. [6/ 150]
ومن الغرر بيع الآبق والشارد، وبيع ما في بطون الإماء والدواب، أو بيعها واستثناء ما في بطونها. ومنه بيع العبد أو غيره من الحيوان مريضًا مرضًا يخاف منه الموت. قال: ويفسخ البيع، وهو من بائعه حتى يقبضه مبتاعه، فيكون منه إن فات بقيمته يوم قبضه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا خير في بيع بعير أصابه القلاب على الصبر به يومين، فإن خاف الموت نحره، وإن عاش فلا بيع له. قال مالك: ولا خير في بيع الرمكة لعقوق، بشرط أنها عقوق، وكذلك الغنم والإبل، إلا أن يقول هي عقوق، ولا يشترط ذلك. قال مالك: ولا ينبغي شراء الإبل المهملة في الرعي، وإن رآها المبتاع؛ لأنه لا يدري متى تؤخذ، وهي تستصعب. قال ابن القاسم: وأخذها خطر. وكذلك المهارات والفلاء الصغار بالبراءة وهي كبيع الآبق ومصيبتها من البائع حتى تؤخذ. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم: لا يجوز بيع الصعاب من الإبل وما لا يؤخذ إلا بالأوهاق، ولا يعرف ما فيها من العيوب، وربما عطبت في أخذها. قال ابن حبيب: بيعت بالبراءة أو غير البراءة. قال ابن القاسم: في العتبية: وكذلك شراء المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة، ولا يعرف عيوبها ولا ما فيها لصعوبتها، ويقول أبيعك على ما فيها فهو خطر يضع له من الثمن والآخر يرجو السلامة، كبيع الغائب بغير صفة على أنه ما [6/ 151]
قد أصابه فمنك، وكبيع الآبق. قال أصبغ: ليس هذا بنظير، وإنما يكره بيعها للغرر لصعوبة أخذها، وهي من البائع حتى يقبضها المبتاع. ولولا هذا الخطر لجاز، ولكان بيع الغائب وغيره بالبراءة مما لا يعلم جائزًا. وقال ابن حبيب: مثل ذلك في بيع المهارة، وهي من البائع حتى يقبضها المبتاع. ثم إن فاتت عنده فعليه قيمتها يوم قبضها. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبدًا وهو آبق، يريد محمد: عرف بالإباق، أو غير آبق على أنه إن أبق عنده، فالبائع ضامن، أو كان عبد به مرض أو رمد فشرط أنه ضامن إن مات من مرضه أو لما جر رمده من بياض وغيره فهذا بيع فاسد، نقد أو لم ينقد. وضمانه من المبتاع، يريد إن قبضه، وعليه قيمته يوم قبضه. وهذه المسألة من أولها في العتبية من سماع ابن القاسم من مالك. قال أصبغ: هو من المبتاع فات بإباق أو غيره، فعليه قيمته يوم البيع على ما هو به آبق أو مريض، يريد: وقد قبضه يومئذ. وفي أول المسألة، كان يعرف بالإباق أو لا يعرف. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى آبقًا وهو عارف بمكانه أو جاهل به، ونقد ثمنه وأعتقه. فكتب إليه: نقد الثمن غير جائز وينزع من البائع. فإن ظهر العبد فالعتق فيه جائز ويرجع إلى القيمة فيه يوم ثبت فيه العتق؛ لأنه كأنه قبضه وفات عنده. [6/ 152]
في البيع إلى الأجل المجهول أو البعيد أو على التقاضي أو حتى يبيع
وسأله حبيب عمن باع عبدًا وشرط للمبتاع أنه إن أبق منك إلى سنة، فالثمن مني رد عليك، فقال: هذا شرط يفسد البيع. فإن أبق الغلام عند المبتاع قبل فسخ البيع، قال: يرد ولا شيء على المبتاع. وسأله حبيب عن الآبق يجعله الحاكم في السجن ليأتي مولاه فيأخذه، ومولاه ببلد آخر، فباعه مولاه وهو في السجن وهو بذلك عارف. قال: لا يجوز بيعه لأن فيه خصومة إذ لو جاء مولاه لم يأخذه إلا ببينة، فباعه قبل أن يستحقه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا أحب بيع السلعة على أنه إن لم يجد قضاءه ومات فهو من الثمن في حل. ومن العتبية: أشهب عن مالك: ومن ابتاع سلعة على أنه إن ادعاها مدع، فمالي رد إلي بغير خصومة. قال: لا يعجبني هذا البيع، وقد شرط شرطًا ليس في كتاب الله سبحانه. قال ابن المواز: وكره مالك بيع العشرات ويراه من الغرر. وقال في المختصر الكبير: ولا يصلح بيع العشرات التي في الديوان بعين ولا بعرض ولا هبتها للثواب. قال محمد: هي العشرات التي تزاد في الأعطية رواه ابن القاسم وأشهب عن مالك. في البيع إلى الأجل المجهول أو البعيد أو على التقاضي أو حتى يبيع أو على أن يقبض ببلد آخر أو على أن لا يبيع ولا يهب حتى يقبض ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز البيع إلى أجل مجهول. قال مالك: وإن باع سلعة على أن لا يأخذ ثمنها حتى يموت البائع، لم يجز، ويفسخ، [6/ 153]
ويرد في الفوت إلى القيمة. قال: وخير من ذلك أن يبيع على التقديم، يقول له بعد الوجوب: ما ذكرت، فيلزمه ثم لا رجوع له فيه. قال: ومن باع سلعة على أن لا يأخذ ثمنها حتى يبيعها أو بعضها، لم يجز، ويفسخ. قال مالك: ومن باع ثمر حائطه على أن يوفيه الثمن أو شيئًا سماه منه، إذا جذ نصف الحائط أو ثلثه، وباقي الثمن إذا جذ آخره، لم أحب هذا، ولا أعرف النصف من ذلك ولا الثلث. ولكن يؤخره إلى فراغه أو إلى أجل مسمى. وإن شاء نقده البعض. وأجاز ذلك أشهب. وقال في السؤال: إذا جذ ثلث ثمره، ونقده ثلث الثمن، وباقي الثمن إذا جذ بقيته تمرًا. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية: إذا باع كرمه على أن يقبض عشرين دينارًا، ثم يأخذ ثلث ما بقي إذا قطف ثلثه، وباقي الثمن إذا قطف بقيته، لم يجز. ولو قال: إذا قطف جميعه، جاز. قال مالك: ولا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا قدر ذلك قدر الشهر أو ما عرفوه بينهم. يريد: مما جرى بينهم حتى يتقاضاه فيعطاه مقطعًا بعد ذلك. قال مالك: فإن تأخر نقد ما عرف من وجه التقاضي أغرم ذلك. قال: وكره ابن القاسم البيع إلى أجل بعيد، مثل عشرين سنة أو أكثر. قال: ولا أفسخه إلا في مثل الثمانين والتسعين. وكذلك النكاح. ولا بأس به إلى عشر سنين. ولا ينبغي البيع على أن يقضيه حقه بإفريقية. وأرى أن ينقض، يريد [6/ 154]
والثمن عين، فإن ضربا أجلاً، جاز، ويقتضى له به حيث ما لقيه في داخل أجله. وأما السلف على ذلك فأكرهه، ولا أفسخه، وأضرب له فيه أجل مسيرة. وأجازه أشهب. يريد: في السلف. وإن أسلم في عرض أو طعام إلى أجل، وشرط قبضه ببلد آخر، فليأخذه بالخروج، أو التوكل بمقدار ما يصل إلى البلد عند محل الدين. وليس له أخذه به بغير البلد، وإن كان مما لا حمل له لاختلاف السعرين. قال أشهب: إلا أن يتقارب سعر الموضعين فيما يخف حمله، والموضع بعيد جدًا، فليأخذه بدينه في موضعه، وإن كره، إذا حل. وإن كان على غير ذلك، لم يأخذه به، إلا أن يتطوع به المطلوب، فيجبر رب الحق على قبوله؛ لأنه بموضعهما أغلى من الموضع المشترط. ومن أراد السفر من بلد وعليه دين محله به، فإن كان سفرًا، يحل فيه الحق مثل رجوعه، منع، وإلا لم يمنع. قال مالك: ولا بأس بالبيع إلى خروج الحاج وإلى الصدر، يعني أهل بلدهم. قال مالك: وإن باع غنمه بثمن إلى وقوع الغيث، لم يجز. ومن باع حائطه بأربعين دينارًا رطبًا على ثلاثة آصع بدينار يأخذ كل يوم ما استجنى، فلا خير فيه، حتى يسمي ما يأخذ كل يوم. ولا باس أن يشتري ثلاث جنيات أو أربعة، كل صاع بكذا، وهذا أجل معروف. ولا بأس أن يشتري ثمر الحائط كله، يأخذه رطبًا، كل صاع بكذا. ولا خير في أن يشترط أخذه تمرًا، إلا لمن اشتراه جزافًا، فأما على الكيل فلا. [6/ 155]
قال مالك: ومن ابتاع سلعة على أن لا يبيع ولا يهب، فلا خير فيه، إلا أن يطرح الشرط البائع. ولا بأس أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب حتى يقضي الثمن. محمد: وهذا في مثل الأجل القصير اليوم واليومين استحسانًا أيضًا. فأما ما طال أو إلى غير أجل فلا خير فيه، ولأنها لو كانت أمة لم يطأها. قال مالك فيما إذا كان لا يقدر يهب ولا يبيع، فلم يملكها ملكًا تامًا. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن باع سفينة وشرط أن لا يبيعها ولا يهبها حتى يقضيه ثمنها، قال: إن لم تفت فسخ البيع، وإن فاتت أو هلكت مضى البيع ولم يرد. ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا شرط في جميع السلع أن لا يبيع ولا يهب حتى يقضي الثمن، فلا خير في هذا البيع. ومن ابتاع جارية بمائة إلى سنة على أنه إن مات قبل السنة، فالمائة عليه صدقة، فهو غرر لا يحل. وكره مالك بيع الدابة إلى أجل على أنها إن نفقت قبله نقده. قال مالك: ولا أحب أن يبيع السلعة، على أن المبتاع إذا لم يجد قضاءه ومات، فهو في حل من الثمن. قال ابن القاسم: هذا حرام ويرد. فإن فاتت فعليه قيمتها يوم قبضها. ومن باع وشرط على المبتاع إن سافر قبل الأجل فحقه حال، فالبيع فاسد. فإن فاتت بتغيير سوق، ففيها القيمة. ولا بأس أن يشترط حميلاً إن سافر قبل الأجل. [6/ 156]
في بيع الشيء المجهول أو بيع المعلوم بالثمن المجهول أو على التحكيم أو نفقة مجهولة
قال مالك: وإن باع عبدًا إلى أجل، وشرط إن لم يقضه فيه، فهو حر، فإنه لا يباع حتى يحل ويقضيه، وإلا عتق. وإن حل وعليه دين محيط به، رق، والبائع أحق به من الغرماء. في بيع الشيء المجهول أو بيع المعلوم بالثمن المجهول أو على التحكيم أو على نفقة مجهولة ومن باع نخلاً ولم يذكر كم لها من شرب ماء ولا طريق من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في دار بين أخوين، فابتاع رجل من أحدهما ما يصير له منها بالقسم، فلا يجوز ذلك. قال مالك: ومن ابتاع حديدًا يوزن، فأربحه رجل درهمين، على أن لا ينقصه من الدرهمين إن نقص الحديد، فلا يجوز. إلا على أن يكون له منهما ما نقص بحسابه. وكره مالك أن يشتري علفًا، ويقبض بعضه، وينقد من الثمن أكثر من حصته، ويشترط إن احتاج إلى باقيه أخذه ونقده باقي الثمن. قال: يفسخ. ومن قال لرجل: بكم سلعتك هذه، قال بخمسين، قال له أحسن. قال: قد حكمتك، فبعث إليه ثلاثين دينارًا فلم يرض. قال: إن فاتت، فعليه القيمة ما لم تكن أقل أو أكثر من خمسين. قال محمد: إنما نجيز هذا الأصل إذا لم يقع وجوب بيع على المبتاع بثمن معلوم. قال مالك: ولا يجوز بيع سلعة بقيمتها، ولا بحكم المبتاع، ولا البائع، ولا بحكم أجنبي، ولا يصلح أن يقول: أبتاع منك مثل ما ابتاع فلان منك، وكذلك الخياطة والإجارة، حتى يسميا الثمن. [6/ 157]
ومن قال: بعني عبدك، قال: هو لك بما شئت. فأعطاه ما سخط. قال ابن القاسم: إن أعطاه القيمة، لزمه ذلك. قال محمد: هذا إن فات. وإن لم يفت رد؛ لأن هذا الباب لا يجوز إلا في هبة الثواب. قال أشهب: ومن دفع داره إلى رجل على أن ينفق عليه حياته، فلا أحب ذلك، ولا أفسخه إن وقع. قال أصبغ: هذا حرام؛ لأن حياته مجهولة، ويفسخ. ولو لم يذكر الحياة، لجاز. يريد: إذا ذكر أجلاً. قال ابن القاسم عن مالك: لا يجوز إذا قال: على أن تنفق عليه حياتك، وقد قال في سؤاله: تصدق بداره عليه. قال: ويرجع بما أنفق على الرجل. والغلة للمبتاع بضمانه. ومن العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم: فيمن قال لرجل: بعني كما تبيع الناس، فلا يجوز في شيء من الأشياء، فإن وقع البيع بذلك، ردت السلعة إن لم تفت. وإن فاتت رد المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما فيه القيمة. ومن سماع ابن القاسم: ومن باع نخلاً ولها شرب ماء، ولم يبين كم لها منه، سدسًا أو خمسًا. قال: البيع فاسد، ويرد. قيل: قد حلف البائع بالحرية، إن أقاله أيخرجه فساده من اليمين. قال: لا، وليرفعه إلى السلطان. قال ابن القاسم: فيفسخه، ثم لا يحنث هذا. وروى عنه أشهب فيمن اشترى أربعة أعذق ولم يشترط في طريقها ولا مائها شيئًا، لا البائع نعته، ولا المبتاع شرطه. قال: فذلك للمبتاع، له طريقه إليها، وشربه من الماء؛ لأن ذلك له، وإن لم يشترط. [6/ 158]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن اشترى من رجل فضل مائه بعد ري نخله، فهو غرر لا يدري ما يفضل، إلا نخل عرف شربها وأنها لا تنقص، فلا بأس بذلك. وأما الغراس التي لا يعرف شربها، أو تكون العين ربما قل ماؤها، فذلك غرر. ولا يصلح أن يشتري ثوبًا على أنه إن لم يكسه، فعلى البائع تمامه. وقال في برك الحيتان لها مسرب يسرح منه الماء، فيرى المبتاع ما فيها من الحوت فيشتريها كلها، قال: في كم يأخذها؟ قيل: في خمسة عشر يومًا أو عشرين. قال: لا ينبغي والحيتان تتوالد. ومن الواضحة: ولا يجوز البيع بما يخرج السعر، ولا أن يقول له: هي لك بما أعطيت، وكرهه ربيعة وغيره. قال ابن الماجشون ومن ابتاع مائة رطل بدينار، فقال المبتاع: إن زدت أحدًا من الآن على هذا فلي مثل ما تزيده. فرضي. فإن كان شرطًا في البيع، فهو مفسوخ. وإن كان بعد العقد، فهو وأي ينبغي أن يفي به، ولا يقضى عليه به. ومن باع أرطال عصفر على أن على المبتاع أن يصبغ له منه ثوبًا يسميه، بثمن يسميه، يكون مقاصة أو بغير ثمن، لم يجز؛ لأنه كأنه باعه ما يبقى منه بعد صبغ ثوبه، وهو مجهول. ومن الواضحة: ومن قال لصياد: أشتري منك ما تخرج شبكتك هذه، في ضربتك هذه، بدرهم، لم يجز. ولو قال: اضرب لي بشبكتك هذه بدرهم ضربة، كان جائزًا. قال: ولا خير في شراء الأرض على البذار، لاختلاف ذلك في الأرض، في كرمها ودناءتها، ولا يجوز إلا على الأذرع، ذرع التكسير، أو ذراع الطول [6/ 159]
فيمن باع سلعة على أنه متى ما رد الثمن أو قال إلى أجل كذا فهي له
والعرض، في أرض قد عرفها المبتاع، أو وصفت له، فأما على البذار وحده، فلا يجوز. فيمن باع سلعة على أنه متى ما رد الثمن أو قال إلى أجل كذا فهي له أو شرط له ذلك بعد البيع ومن ارتهن دارًا بدين على أنه إن لم يوفه في الأصل فالدار له بدينه من العتبية: أشهب عن مالك فيمن باع حائطه من رجل، على أنه متى ما رد الثمن كان أحق به. ثم رد الثمن بعد سنة، وقد اغتله المبتاع، وبنى فيه وحفر وزرع فيه قصبًا فاغتله. قال: البيع فاسد، وما اغتل، فهو له بالضمان، ويرد الحائط، وله على البائع ما أنفق في بنيان جدار أو حفر بئر. قال عنه ابن القاسم من رواية أصبغ: فما بيع على هذا من أرض وشبهها، والغرس يفيتها، والهدم وبيعها يفيتها، ويوجب على المشتري الأول قيمتها يوم قبضها، وبيع الثاني تام. قال ابن القاسم: ولا يفيتها طول زمن وحوالة الأسواق، قال: إلا مثل عشرين سنة فما فوق ذلك، فلا بد أن تتغير في بعض الوجوه، والتغير ما رآه فوتًا. وقال ابن القاسم من كتاب محمد: ومن باع داره وانتقد الثمن، وشرط إن لم يرد الثمن إلى أجل كذا، فقد وجب له البيع، ثم جاءه البائع بعد ذلك، فثبت له البيع وأشهد له، قال: صار البيع جائزًا، وقد كان حرامًا. قال محمد: يريد إذا رضي المشتري، يريد وقد فسخا الأول، أو لعله رآه من بيوع الشرط الذي إن ترك الشرط مشترطه مضى البيع. [6/ 160]
ومن العتبية: قال أصبغ في من باع أمة وانتقد، ثم طلب الإقالة، فقال له المبتاع: إن جئتني بالثمن إلى شهر، أو إلى سنة، أو متى ما جئتني به، فقد أقلتك. قال: إذا صح العقد، وكان هذا بعده من غير موعد ولا موالسة، فذلك جائز ولازم في كل شيء، إلا في الفروج، فلا يصح ذلك، إلا أن يجعل ذلك في الأمة إلى استبرائها فقط مما لا يصل إليها المشتري، فيجوز، وإلا فذلك لا يصح ولا يلزم، إلا أن يدركها بحرارتها على نحو هذا. وأما في غير الفروج من السلع فذلك لازم، وإن كان إلى غير أجل، ما أدركها في يده وملكه، فإن خرجت من ملكه سقط ذلك. وإن وجل فيه أجلاً فليس له أن يُحدث فيها شيئًا يقطع به ذلك إلى منتهى الأجل. ومن أرهنته دارك بدين على أنك إن لم توفه إلى سنة فالدار له بدينه، فالبيع فاسد، ويرد، فإن فاتت الدار بعد السنة، فعليه قيمتها يوم تمام السنة. وقيل: يوم فاتت في يده. محمد: وأحب إليَّ يوم تمت السنة إن كانت على يديه. وإن كانت بيد أمين غيره، فقيمتها يوم قبضها منه. [6/ 161]
فيمن أقال بائعه من سلعة وقال على أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الأول
فيمن أقال بائعه من سلعة وقال على أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الأول أو بما تُعطى بها أو على أنها تبقى لك لا تبيعها أو باع سلعة على ذلك من العتبية: أشهب عن مالك في من أقال بائعه من حائط اشتراه منه على أنه متى ما بعته، فهو لي بما تبيعه به، فرضي، ثم باعه بعد مدة، فقام المقيل بشرطه. قال: ذلك له، ولا يرد البيع، ولكن له أخذه بالثمن الذي باعه به هذا الآخر. ومن المختصر الكبير: ومن باع داره على أنه متى ما باعها المبتاع، فهو أحق بها بالثمن، فلا خير في ذلك. ومن العتبية: روى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في من باع أرضه أو جاريته، ثم استقال مبتاعه، فقال: أخاف أنك إنما أرغبت في الثمن، فقال: لا، فقال: أنا أقيلك على أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الأول، فباعها بأكثر منه، فإن تبين أنه إنما طلب الإقالة رغبة في الزيادة، فهي للمقيل بالثمن الأول، وإن كان لغير ذلك، ولكن لأمر حدث له من البيع، فباعها بأكثر، فلا شيء للمقيل. وقال ابن كنانة: إذا قال أخاف أن تصرفها إلى غيري، فأنا أقيلك على أنك إن بعتها فأنا أحق بها من غيري، فإن باعها بالقرب، وكان الأمر على ما خاف المقيل من صرفها إلى غيره، فهو أولى بها، وإن كان بين ذلك تفاوت وطول، فلا شيء له. [6/ 162]
فيمن باع أمة على العتق أو على التدبير أو على أن يهبها المبتاع لولده
وروى سحنون عن ابن القاسم قال: إذا طلبه أن يقيله، فقال: أخاف إنما تريد تبيعها من غيري بربح، فيقول: بل لنفسي طلبتها، فيقيله ثم يبيعها، قال: إن علم أنه إنما طلب الإقالة ليبيعها، فبيعه رد، وإن لم يكن كذلك، وطال الزمان، ثم باع، فذلك نافد. كالذي طلب زوجته وضيعة صداقها، فقالت: أخاف أن تطلقني، فقال: لا أفعل فوضعته، ثم طلقها، فإن كان بقرب ذلك، فلها الرجوع، وإن كان بعد طول الزمان مما لا يتهم فيه أن يكون خدعها، فلا رجوع لها. فيمن باع أمة على العتق أو على التدبير أو على أن يهبها المبتاع لولده أو على أن لا يطأها أو أن لا يخرجها من البلد أو على أن يخرجها ومن كتاب ابن المواز، والعتبية، قال مالك: من باع أمة على أن يعتقها المشتري فحبسها يطؤها ويستخدم، ثم أعتقها بعد ذلك، فللبائع أن يرجع عليه بما وضع له من الثمن، وكذلك إن حبسها حتى مات أو ماتت، فإن كان ذلك بعلم البائع ورضاه فلا شيء له وقد سقط شرط العتق عن المبتاع، ولو قام عليه حين علم، فله ردها أو تركها بلا شرط. ابن القاسم: وإن دخلها فوت فله ما نقص من الثمن للشرط، وكذلك إن فاتت بحوالة سوق. قال أصبغ في العتبية: وإذا غرم المبتاع ما نقص من القيمة فلا عتق عليه فيها، وليصنع بها ما شاء. هذا في فواتها بعيب مفسد، أو نقص فاحش، أو زيادة بينة، فأما بحوالة سوق، أو ما خف من زيادة البدن ونقصه، فالمبتاع مخير، إما أن يعتق ولا شيء للبائع أو يردها، إلا أن يترك البائع شرطه، فإن فاتت فسخ البيع ورد إلى القيمة. [6/ 163]
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في من ابتاع عبدًا في مرضه، على أن يوصي بعتقه، ثم مات، فلم يحمله ثلثه. قال: البيع غير جائز، وما لحقه من العتق بالوصية فوت، ويرد إلى قيمته يوم البيع، ويعتق منه ما حمل، ويرق ما بقي، وليس للبائع رد ما رق منه. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا أحب أن يأخذ من الرجل مالاً على أن يدبر عبده، فإن نزل مضى التدبير ويرد إلى قيمته يوم قبضه إذا باعه على الإيجاب أنه مدبر. قال أصبغ: وإن كان على أن يدبره فليس بإيجاب، وإن أدرك قبل التدبير فسخ بيعه. قال محمد: وجواب مالك على أنه باع عبده ممن يدبره ولو أخذ مالاً من رجل على أن يدبر عبده، فدبره، فليرد المال وينفد التدبير، وكذلك ما أخذ على الاتخاذ، ثم اتخذ، كما يرجع عليه لو باعها، يرجع على ذلك بما وضعه. قال ابن القاسم: ومن باع من امرأته خادمًا على أن تتصدق بها على ولده، فذلك جائز، ولا يحكم عليها بالصدقة، فإن لم تفعل، فالبائع مخير أن يجيز البيع على ذلك أو يرد، وكذلك البيع على العتق. قال مالك: ومن باع أمة على أن لا يبيع ولا يهب فلا خير فيه، إلا أن يطرح الشرط البائع، قال: وإن باعها على أن يتخذها أم ولد أو على أن لا يبيعها، لم يجز، فإن فاتت، فعليه الأكثر من الثمن أو القيمة. قال مالك: وإذا باعها على أن لا يخرجها من الشام، أو على أن لا يخرجها من بلدها فذلك مكروه ويرد. قيل: فإن ترك البائع شرطه، قال: ما أحراه. قال ابن القاسم: ذلك له، وله في فوتها الأكثر كما ذكرنا. [6/ 164]
فيمن باع أمة على أن يكفلها أو يكفل ابنها أو على أن ترضع ابنه أو ابنها
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من ابتاع أمة على أن لا يطأها فإن فعل فهي حرة، أو فعبده حر، أو عليه صدقة أو صيام، فهو قبيح، ويفسخ. فإن فاتت بما يفيت البيع الفاسد، ففيه القيمة واليمين تلزمه. وإن وطئها حنث، ورواها أصبغ. قال أصبغ: وهذا إن شرطه في البيع وحلف به. ولو كان شيئًا حلف به بعد البيع، لزمه، ولم يفسد البيع. فيمن باع أمة على أن يكفلها أو يكفل ابنها أو على أن ترضع ابنه أو ابنها ومن باع صغيرًا على أن عليه رضاعه ونفقته أو باع شيئًا من الحيوان على ذلك كله من العتبية: ابن القاسم: قال مالك: في من باع أمة لها ولد صغير، وشرط أن عليهم رضاعة سنة ونفقته سنة، فذلك جائز إن كان. إن ماتت أمه، أرضعوا أخرى. قال ابن القاسم: كيف يجوز بيع الأمة دون الولد. قال سحنون: إلا أن يعني أن الولد حر. وفي المدونة: ومن باع أمة ولها ولد حر على أنه إن مات الصبي أرضعوا له غيره. قال سحنون: كيف هذا وهو لا يجيز الإجارة على ذلك؟ إلا أن يكون للضرورة في هذه المسألة. وروى عيسى عن ابن القاسم في من باع صبيًا صغيرًأ على أن ينفق عليه البائع عشر سنين، ثم إن المبتاع أعتق الصبي أو باعه أو مات، قال: ينظر كم قيمة [6/ 165]
نفقته عشر سنين وكم قيمة الصبي، قيمة ذلك يوم البيع، فإن كان الصبي نصف القيمة بقدر ما وقع من الثمن على ما بقي من مدة النفقة، وهو بيع جائز. ومن باع فصيلاً أو غيره من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه، قال: بلغني أن المهر لا يقبل غير أمه إذا ماتت، فأرى إن كان من البهائم التي يقبل غير أمه، فعلى البائع أن يأتي بمن يرضعه مكان أمه، والبيع جائز، ويضمن الرضاع إلى فطام مثله، وإن كان ممن لا يقبل غير أمه إلا بعناء أو تعب، أو بعد الخوف عليه من الموت، أو النقصان، فلا خير في هذا البيع. قال ابن القاسم، عن مالك: ومن باع نصف وصيفه أو نصف دابة على أن عليه نفقتها سنة، فماتت فله الرجوع بحصة ذلك، وكذلك إن باعها المشتري. وذكرها في كتاب ابن المواز، فقال: إن كانت النفقة ثابتة، مات العبد أو الدابة أو باعهما، فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز: أشهب عن مالك: ومن باع رقبة واشترط نفقتها وكفلها فلا خير فيه، وكذلك لو باعها بولدها الصغير على أن يكفله البائع خمس سنين، على أنه إن مات فيها غرم ما بقي فليس بصواب. مالك: ومن باع أمة على أن ترضع ابنه سنة على إن ماتت أخلف مكانها من يتم الرضاع فلا يعجبني. قال مالك: ومن باع ولد أمة رضيع وشرط على نفسه رضاعه سنة ونصف ويسمونه نصف سنة، فذلك جائز إذا كان إن مات فذلك ثابت عليه حتى يتم له شرطه. محمد: هذا إذا كان عند المبتاع في هاتين السنتين والبائع يغرم ما شرطه ولم تكن أمه حية. [6/ 166]
فيمن باع أمة أو نكح بها واستثنى جنينها أو تقدم عتق الجنين
ومن العتبية، روى ابن القاسم عن مالك في من باع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من رجل وشرط عليه الرجل نفقتها سنة وأن له عليه إن ماتتا أخذ ذلك منه، أو باعهما، فذلك عليه ثابت، وإن بقيتا إلى ذلك، فهو حقه استوفاه، قال: لا بأس بذلك، وأنكرها سحنون. فيمن باع أمة أو نكح بها واستثنى جنينها أو تقدم عتق الجنين ومن باع دابة أو أمة على أنها حامل وفي شراء الجنين والآبق والشارد من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من باع أمة حاملاً، أو استثنى جنينها، فذلك يفسخ، فإن فاتت بولادة، أو بحوالة سوق، أو بدن، ففيها القيمة يوم قبضها على غير استثناء. وإن قبض الجنين مستثنيه، رد إلى المبتاع بحدثان ذلك، فإن فات عنده بشيء من الفوت، أو طول زمن، ترك، وكان له على المبتاع قيمة الأمة على غير استثناء، وللمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه، ثم يتقاومان الجنين والأم، أو يباعان من واحد، ما لم يتغير الولد، واستثناؤه كاشترائه. وكذلك من اشترى بعيرًا في شراده، وعبدًا في إباقه، فطلبه وقبضه، فإنه يرد، ما لم يفت بيده، ولا شيء للمبتاع في طلبه إياه، فإن فات، ودى قيمته يوم قبضه. وقاله مالك كله إلا قبض مستثني الجنين فهو رأيي. وقال في كتاب ابن المواز: يضمن القيمة في الآبق الذي قبضه وفات عنده، ويطرح عنه من ذلك ما ودى في جعل طلبه؛ لأنه لم يضمنه إلا بعد القبض. [6/ 167]
وقال ابن حبيب في مسألة الأمة واستثناء الجنين نحو ذلك، إلا أنه قال: إلا أن تلد بحدثان البيع ولم تفت بغير ذلك، فلا تكون الولادة في هذه خاصة فوتًا، ويفسخ البيع ويرد، إلا أن تغيرها الولادة في بدنها. قال مالك: ومن باع رمكة حاملاً وشرط أنها عقوق، فلا خير في ذلك، وكأنه وقع للجنين حصة من الثمن. ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن أشهب في من ابتاع بقرة على أنها حامل، قال: إن لم يجدها حاملاً، فله ردها، ولو ابتاع جارية على أنها حامل، فلم تكن حاملاً، فإن كانت مرتفعة، فذلك يبرى، ولا شيء له، وإن كانت وخشًا يزيد فيها الحمل، فله ردها، إن لم تكن حاملاً. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا باع الجارية على أنها حامل، فالبيع فاسد. ومن الواضحة: ومن نكح واستثنى جنينها فسخ النكاح قبل البناء وردت الأمة إن قبضها ولم تفت، وإن فاتت ففيها قيمتها يوم قبضها، وإن بنى بالمرأة، فلها صداق المثل يحسب عليها فيه قيمة الأمة في فوتها فتؤدي فضلاً أو يأخذه. ومن أعتق جنين أمته ثم باعها على أنه حر، فالبيع فاسد، فإن قبضها المبتاع وفاتت بموت أو عيب مفسد، وقد ولدت أو لم تلد، فعليه قيمتها طرفًا، على أن جنينها مستثنى، إن لو جاز ذلك والولد حر، ولو ولدت ولم تفت بعيب مفسد، لردت إلى البائع، والولد حر، وكذلك لو باعها من غير استثناء الجنين، وقد كان [6/ 168]
فيمن باع فلوه أو فصيله أو وصيفه إلى رجل يغذيه أمدا ثم يكون بينهما
أعتق الجنين وأشهد على ذلك، وكتم ذلك المبتاع، فالجواب سواء، ولو أعتقها المبتاع قبل أن تضع، كانت حرة وولاؤها له، وولاء الجنين للبائع، وعلى المبتاع قيمتها طرفًا يوم قبضها على ما ذكرنا. وقال ابن المواز: عتق المبتاع أوجب وولاؤها جميعًا له، وعليه قيمتها غير مستثناة. وهذه المسألة في النكاح مستوعبة لابن المواز، وهو يرى أن ولادتها فوت. وابن حبيب لا يرى ولادة هذه خاصة فوتًا إن ولدت بقرب البيع قبل تغيرها. قال ابن حبيب: وإذا وهبها المشتري جازت هبته، والجنين حر إذا وضعته، وعلى المبتاع قيمتها طرفًا. ولو نكح بها امرأة على أن جنينها حر، وكتمها ذلك، وقد كان أعتقه بمثل ما ذكرنا في البيع، إلا أنه إن لم يبن بها في النكاح، فسخ قبل البناء، وثبت بعده، ولها صداق المثل، وتقاصص بالقيمة على أنها طرف بغير ولد إن لزمتها، فإن كتمها ذلك، فالنكاح ثابت قبل البناء وبعده، وترد إلى ربها، وتعطى الزوج قيمتها غير مستثناة الولد، فإن فاتت عندها بما ذكرنا في البيع، فالتراجع فيما بينهما فيما بين القيمتين، وهكذا فسر لي فيها من أولها أصبغ وغيره. يريد: وعليها هي في فوتها قيمتها مستثناة الولد، فعلى ذلك يكون التراجع. قال ابن حبيب: من وهب جنين أمته لرجل، فقبض الأمة قبض للجنين، وفيه اختلاف. فيمن دفع فلوه أو فصيله أو وصيفه إلى رجل يغذيه أمدًا ثم يكون بينهما من كتاب ابن المواز: ومن دفع فصيلاً لرجل يغذيه بلبن ناقته إلى أجل مسمى، أو لم يسم أجلاً، على أنه بينهما، فلا خير فيه، إذ قد يموت الفصيل [6/ 169]
فيذهب اللبن باطلاً، والجائز من هذا أن يبيع منه نصف عبده أو نصف دابته على أن يكفله المبتاع مؤنته أو طعامه أجلاً مسمى أو سنة. فإن مات العبد أو الدابة، أو باع نصفه قبل ذلك، فإن ذلك العلف ثابت له على الذي باع منه نصفه، ويأخذ ذلك منه إلى أجله كل يوم، كما كان يعلف ويطعم، فلا بأس به، قاله مالك. ولو شرط أن لا يبيعه سنة حتى يستوفي شرطه، لم يجز. والناقة ليس كذلك، لا يجوز أن يشتري لبن ناقته سنة أو أجلاً سماه، أو نصف لبنها. قاله مالك. وإنما اشترى نصف لبنها سنة. ولا يجوز شراء لبن ناقة واحدة أو شاة واحدة حتى يكثر عدد ذلك، ويعرف وجه حلابها. قال أصبغ: وإن وقع جاز إذا عرف وجه حلابها وكان في إبانه، فيمضي شراؤه لنصف لبن الناقة بنصف الفصيل، إن مات الفصيل أخذه. وإن ماتت هي تحاسبًا، فإن أرضع نصف ذلك ثم انقطع، أو ماتت، رجع رب الفصيل على رب الناقة بربع قيمة الفصيل يوم تبايعاه، فأخذه ثمنًا مكان نصف اللبن الذي لم يتم له، ولا يرجع في الفصيل بعينه. ومن الواضحة: ومن الغرر أن يعطي الرجل الرجل فلوه أو مهره أو خروفه أو عجله يغذوه أو ابن أمته قد ماتت أمه ليغذوه سنة أو سنتين، على أنه بينهما بعد الأجل، فلا يجوز، ويفسخ قبل الأجل وبعده، ويرد المربى إلى ربه، وعليه لمن رباه أجره في تربيته وقيامه. فإن فات بيده بعد الأجل بما يفوت به البيع الحرام، فعليه قيمته يوم تمام الأجل. وفي باب قبل هذا ما يشبه معاني هذا الباب. [6/ 170]
في البيع الفاسد وعهدة ما فات فيه من السلع وماذا يفيتها
في البيع الفاسد وعهدة ما فات فيه من السلع وماذا يفيتها وما يجب لفواتها وذكر الثمرة والغلة من كتاب ابن المواز، ومنه من كتاب ابن عبدوس، قال: ومن قول مالك أنه يرد الحرام البين، فات أو لم يفت. ومن البيوع ما يكره، فإذا فات ترك، كمن أسلم في حائط بعينه وقد أزهى واشترط أخذه تمرًا، وفي الحب إذا أفرك، على أن يأخذه يابسًا. قال ابن القاسم: وليس مثل هذا مثل القائل: أشتري هذه السلعة بنقد، وأشتريها منك إلى أجل، هذا خبيث، وغير ذلك مما يعرف عند نزوله. ومنها ما يكره لشرط فيه، فإذا تركه مشتركه مضى، فمنه: بيع وسلفة، ومثله بيع المرابحة إذا كذب فيها، ثم حط الكذب. ومنه بيع الأمة على أن تتخذ، أو على أن لا يخرجها من البلد، في قول ابن القاسم. وقال أشهب: يفسخ في هذا. ومنه ما يكره أن يبتدياه، فإذا وقع مضى، كالبيع على أنه إن لم يأت بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما، وغير ذلك. وما فسد من البيع الفاسد لفساد عقده، أو فساده ثمنه، فإنه يفسخ. قال ابن عبدوس فيما فسد لفساد ثمنه، ففات، رد إلى قيمته، وما فسد لعقده كبيع يوم الجمعة عند النداء، وبيع الولد دون أمه، ففات، فإنه يمضي بالثمن، كالنكاح يفسد لعقده. [6/ 171]
ومن كتاب ابن المواز، قال: والمبتاع يضمن السلعة في البيع الفاسد من وقت قبضها حتى يفسخ، وترد إلى بائعها، إلا أن تفوت، فعليه قيمتها يوم قبضها. قال ابن القاسم: ووطؤه للأمة، فوت. وإن ابتاع طعامًا جزافًا بيعًا فاسدًا، فإن حوالة الأسواق، تفيته، وغير ذلك من أوجه الفوت. ولو بيع على كيل أو وزن لم يفته شيء، وليرد مثله بموضع قبضه، وكذلك كل ما يكال أو يوزن من سائر العروض، كالحناء والنوى والخبط وغيره، فكالعين، لا فوت فيه. وأما الحيوان والثياب وشبه ذلك فيرد قيمته من الفوت، وكذلك إن كان ثمن سلعة فاستحقت أو ردت بعيب، فإن ما دفعت فيها من هذا يفيته حوالة السوق وغيره، ويرد قيمته يوم البيع. وأما إن كان يكال أو يوزن فليرد مثله إن فاتت عينه، وكذلك يفيت السلعة في الكذب في المرابحة ما يفيتها في البيع الفاسد، ويكون على ما ذكرنا فيما يكال أو يوزن، وفيما لا يكال ولا يوزن. وأما الأرض والدور والحوائط، فلا يفيتها حوالة سوق إلا في قول أشهب، فإنه قال: يفيتها حوالة السوق. وقال أصبغ: طول الزمن في الدور مثل عشرين سنة، فوت. وقال أشهب: وطول الزمن في العرض فوت. قال مالك: ومن ابتاع ثمرة لم يبد صلاحها، ثم باعها بعد أن أزهت، فذلك فوت، وعليه قيمتها يوم بدا صلاحها. قال محمد: بل قيمكتها يوم باعها المشتري. وكان مالك يقول: يرد عدد المكيلة تمرًا. قال: وإن جذها رطبًا، رد قيمتها يوم جذها. وإن جذها تمرًا فأكله أو باعه، رد المكيلة. وإن لم يعرفها رد قيمته. قال مالك: وهي من البائع ما لم تجذ، وإن يبست. [6/ 172]
ومن ابتاع حليًا بيعًا فاسدًا، فإن كان جزافًا، فإن حوالة الأسواق تفيته ويرد قيمته. وإن كان على الوزن لم يفت بحوالة سوق، وليرده أو مثله. وإن كان سيفًا محلى، فضته الأكثر، فلا يفيته حوالة السوق، ويفيته البيع أو التلف أو قلع فضته ويرد قيمته. قال محمد: وليس بالقياس، وكل ما فات في البيع الفاسد مما يرد مثله أو قيمته، فلا بأس أن يأخذ بذلك صنفًا آخر مما يصلح أن يسلم فيه رأس المال وما اشتراه به. وإن كان طعامًا فله أن يأخذ برأس ماله ما شاء مما يصلح أن يقدم فيه رأس ماله إذا لم يكن من النوع الذي فسخ عنه. قال ابن القاسم وأشهب: إذا أسلم في طعام سلمًا فاسدًا، ففسخ فله أن يأخذ برأس المال صنفًا من الطعام غير ما أسلم فيه نقدًا، وله أن يأخذ نصف رأس ماله، ويحط ما بقي. قال محمد: ولا يأخذ برأس ماله ورقًا إن كان ذهبًا. قال أشهب: وذلك في الحرام البين. وأما في المكروه وما لعله أن يجاز، فلا يصلح مثل هذا فيه حتى يفسخه السلطان أو يتفاسخانه ببينة. قال محمد: كل ما فيه اختلاف فلا يجوز، إلا بعد حكم السلطان. والأمة تباع بيعًا فاسدًا، فتفوت في سوق أو بدن، فليس للبائع أن يرضى بها في نقضها، ولا للمبتاع ردها بزيادتها إلا أن يجتمعا بعد معرفتهما بالقيمة التي لزمت المبتاع. وإذا حال سوق السلعة أو تغيرت بيد البائع، وهي حيوان أو عرض، ثم قبضها المبتاع وماتت عنده، فإنما عليه قيمتها يوم قبضها. قال أشهب: إلا أن [6/ 173]
يكون نقد ثمنها، ومكن من قبضها فتركها، فعليه قيمتها يوم مكن من قبضها أو نقد ثمنها. قال ابن القاسم: وإن أحدث المبتاع في الأمة عتقًا أو تدبيرًا فهو كالقبض وإن لم يقبض، وعليه قيمتها يومئذ إلا أن يحدث فيها البائع ذلك قبله، فالسابق بذلك منهما أولى. قال محمد: وإن كان بعد قبض المبتاع لها، قيل تلزمه القيمة بفوتها بيده. وقال أشهب: لا عتق للبائع فيها وإن ردت عليه بعد عتقه؛ لأنه أعتق ما هو في ضمان غيره. وإذا كان في الأمة مواضعة فإنما يلزم المبتاع قيمتها بعد الاستبراء، وكذلك تعتبر قيمتها في البيع الصحيح ترد فيه بعيب وقد فاتت بعيب مفسد بيد المبتاع، فإنما يغرم قيمتها يوم خرجت من الاستبراء لأنه من يومئذ ضمنها وإن لم يقبضها في البيع الصحيح. وأما في الفاسد، فيوم قبضها، وبعد خروجها من الاستبراء، ولو باعها المبتاع، ثم اشتراها مكانه قبل أن يتفرقا، أو ردت عغليه بعيب، لم يفتها ذلك عند ابن القاسم في البيع الفاسد الأول، وهو فوت عند أشهب. وكذلك لو ورثها مكانه لأنه لزمته القيمة ببيعه لها، وكذلك لو أعتقها أو دبرها فرد ذلك غرماؤه مكانه، لزمته قيمتها. قال ابن القاسم: وإذا حال سوقها، ثم عاد وذلك عنده أو عند مبتاعها، فذلك فوت. قال ابن القاسم: ومكتري الدار كراء فاسدًا إن أكراها من غيره مكانه كراء صحيحًا، فذلك فوت، وعليه كراء مثلها. [6/ 174]
قال ابن القاسم: ومن ابتاع أرضًا بيعًا فاسدًا فالغراس يفيتها، ولا يفيتها الزرع. وإن فسخ البيع في إبان الزرع لم تقلع، وعليه كراء المثل كالزارع بشبهة وإن فسخ بعد الإبان فلا كراء عليه، ولا يفيتها أن يبيعها بيعًا فاسدًا وينقض البيعان. وإذا كانت أصولاً فأثمرت عند المبتاع ففسخ البيع وقد طابت الثمرة فهي للمبتاع جدت أو لم تجد، وإن لم تطب فهي للبائع وعليه للمبتاع ما أنفق. ومن العتبية، قال أصبغ: ومن ابتاع أرضًا بيعًا فاسدًا، فغرس حولها شجرًا أحاطت بها، أو عظمت فيها المؤنة، وبقي أكثرها بياضًا فذلك فوت، وتجب فيها القيمة. وإن كان إنما غرس ناحية منها، وبقي جلها، رد ما بقي منها، وعليه فيما غرس القيمة، وإن كان إنما غرس يسيرًا لا بال له، رد جميعها، وكان للغارس على البائع قيمة غرسه. وذكر ابن حبيب هذه المسألة عن أصبغ فقال: ومن اشترى أرضًا شراء فاسدًا، فغرس حولها غروسًا، وبقي وسطها، وهو جلها وأكثرها لا شيء فيه، أو غرس جانبًا منها وبقي سائرها لا شيء فيه، فإن كانت الغروس يسيرة لا خطب لها، فليس ذلك لها فوت، وترد كلها على بائعها، ويعطى للمبتاع قيمة ما غرس فيها قائمًا، وإن كانت الغروس لها بال وقدر في المؤنة والنفقة، فذلك فوت في بيعها، أو يكون على المشتري قيمة جميعها يوم الصفقة، يعني ابن حبيب إن كان ذلك يوم القبض. وذكر ابن حبيب عن أصبغ أيضًا في من اشترى أرضًا يزرعها الأخضر أو اليابس شراء فاسدًا، وحصد الزرع وأفاته، ثم غير على ذلك، فإن كانت الأرض قد فاتت بطول الزمان أو اختلاف الأسواق أو تغير الحال، فهو فوت لها وللزرع معها، وترد الأرض إلى القيمة بما كان فيها يوم الصفقة، يعني أصبغ إن كان ذلك [6/ 175]
يوم القبض لها. قال: وإن كانت الأرض لم تحل بشيء من ذلك، ولا بغيره من وجوه الفوت، فسخ البيع بهما، فيها وفيما كان فيها من الزرع، أخضر كان يومئذ أو يابسًا، فإن كان مشتريه حصده رده بكيلته، وأعطي أجرته في حصاده وعمله. وإن كان باعه، فإنما رد الثمن الذي باعه به إلى البائع أو قيمته يوم باعه. ولو كان الزرع أصيب وهو قائم قبل حصاده أو بعد حصاده، قبل أن يصير حبًا بيد مبتاعه كانت مصيبته من البائع، كزرع بيع ولم يحل بيعه، وكذلك فسر لي أصبغ. وقال: قال أصبغ: وتغير الأسواق في جميع الأشياء كلها، وفي العرض والدور إذا بيعت بيعًا فاسدًا، فوت، دون الهدم والبناء والغراس في الأرض، يرد به إلى الفقه، وقد قاله مالك مجملاً: إن تغير الأسواق فوت. وروى عيسى عن ابن القاسم في من ابتاع رقيقًا بإفريقية فيقدم بها الفسطاط، فيوجد البيع حرامًا، فليس يفوت إلا أن تفوت بنماء أو نقص أو تغير سوق، ولا أرى سوق مصر وسوق القيروان ألا يختلف، فذلك فوت، وإن كان إنما قدم بها من الإسكندرية، فإن اختلفت الأسواق أو غيرها السفر، فذلك فوت، وإلا فلا، وترد عليه بالفسطاط، ولو كان طعامًا، لم يرد عليه إلا بالإسكندرية. قال ابن القاسم في من باع دارًا بيعًا حرامًا، ثم علم البائع بفساد البيع، فيقوم على المشتري ليفسخه قبل فوتها، فيفوت المبتاع الدار حينئذ بصدقة أو بيع، أو يكون عبدًا فيعتقه بعد قيام البائع. فأما الصدقة والبيع، فليس بجائز بعد قيام البائع. وأما العتق فأراه فوتًا لحرمته. [6/ 176]
في السلعة تفوت في البيع الفاسد ثم يظهر منها على عيب قديم
في السلعة تفوت في البيع الفاسد ثم يظهر منها على عيب قديم من كتاب ابن المواز: وإذا فاتت السلعة في البيع الفاسد بحوالة سوق وشبهه، ثم ظهر على عيب قديم، فإن شاء ردها بالعيب ولا شيء عليه، وإن شاء حبسها، ولزمه بقيمتها صحيحة؛ لأنه رضي العيب حين أمكنه ردها بها، فأبى إلا أن يكون حدث عنده عيب آخر مفسد، فله حبسها بقيمتها يوم قبضها بالعيب القديم، فيكون ذلك كالثمن، وإن شاء ردها، نظر ما قيمتها يوم القبض بالعيبين، فما نقص ذلك رددته معها. وإذا ابتعت عبدًا بيعًا فاسدًا، فأبق عند البائع قبل قبضك إياه، فوديت أنت في رده جعلاً، وأصابه في الإباق قطع أصابعه، ثم ذهبت عينه بعد أن وصل إليك، فقد فات رده بفساد البيع، ولزمتك قيمته آبقًا مقطوع الأصابع يوم قبضته. ويطرح عنك من ذلك ما وديت من جعل رده، لأنك لم تكن ضمنته إلا بعد ذلك، فذلك على البائع. ولو قبضته بعد غباقه، ولم يعلم بقطع أصابعه حين أخذته، ولم يحدث به عندك عيب، فلك رده، أو تحبسه بقيمته صحيحًا آبقًا، لأنك على الإباق أخذته، فتؤدي قيمته بما علمت من العيوب، سالمًا مما لم تعلم به منها قبل أن يقبضه، فإذا حدث عندك ذهاب عينه، كان لك حبسه بقيمته بكل عيب قديم، علمته يوم القبض، أو جهلته فعليك قيمته، آبقًا مقطوع الأصابع، أو رده، ورد ما نقصه العور من تلك القيمة؛ لأنه لا يمكنك رده بعيب لم تكن علمت به، إلا بغرم تغرمه للعيب الحادث عندك، فلذلك لزمك بقيمته بكل عيب قديم. [6/ 177]
في بيع الخمر، وكيف إن تبايعها مسلم وذمي؟ ومن أسلم على ربى أو بيع خمر
ومن ابتاع جارية بالخيار، وشرط النقد فيها، فأصابها في الخيار عيب علم به، ثم قبضها، فحالت في سوقها أو في بدنها، ثم حدث بها عنده عيب مفسد، ثم ظهر على عيب قديم غير عيب الخيار، فينظر إلى قيمتها يوم قبضها، بعد أيام الخيار، بعيب الخيار وبالعيب القديم. فإن شاء ودى ذلك وحبسها. وإن شاء الرد، نظر كم قيمتها بذلك، وبالعيب الحادث عنده. فما نقص من ذلك رده معها. وفي كتاب ابن المواز في هذا الفصل إشكال ربما ظهر للمتأمل هذا، وربما ظهر له أنه يقومها إذا أراد الرد بقيمتها بعيب الخيار، سليمة من العيب القديم. ثم يرد ما نقصها العيب الحادث عنده من تلك القيمة. وهذا التقويم إنما يكون إذا لم يحدث عنده عيب مفسد. والكلام الأول أشبه بما قدم من الأصل، وإياه أراد إن شاء الله. وأما إذا حبسها، فليس بمشكل على ما ذكرنا أن يؤدي قيمتها بالعيب القديم، وعيب الخيار، لحدوث العيب المفسد عنده. قال: ولو لم يحدث بيد المبتاع فيها غير حوالة الأسواق، فله الرد بالعيب، فإن تماسك، كانت عليه قيمتها بعيب الخيار، سالمة من العيب القديم؛ لأنه رضيه، إذ لو شاء ردها به. في بيع الخمر وكيف إن تبايعها مسلم وذمي ومن أسلم على ربا أو بيع خمر وذكر معاملة النصارى وملكهم لمسلم أو لمن يجبر على الإسلام وبيع الحر نفسه من كتاب ابن المواز: وكره مالك الصرف من الخمار وإن كان نصرانيًا، قال: والصرف من الباعة أحب إليّ من الصرف من الصيارفة، لكثرة الفساد فيهم، ولا بأس باقتضاء الدين من الذمي الخمار والمربي، بخلاف المسلم، لما أباح [6/ 178]
الله تعالى من اقتضاء الجزية منهم. ولا يستقرض منه بدءًا. وكره مالك أن يبضع من النصراني بضاعة، أو ينيب له على بيع شيء، أو يشتري له شيئًا يسيرًا من السوق، أو يصرف له دراهم بفلوس، وإن كان عبده. ولا بأس أن تؤاجره يعمل لك بيديه عملاً. وإذا أرسل المسلم نصرانيًا يشتري له خمرًا من نصراني ففعل، فإنه يقضى له بالثمن، إذا لم يعلم أنه لمسلم، وتكسر الخمر. وإذا باع المسلم خمرًا من نصراني، فليؤخذ الثمن من المسلم فيتصدق به. واختلف قول مالك إذا لم يقبضه، فقال: لا يؤخذ من النصراني، وقال: يؤخذ منه فيتصدق به، وبهذا أخذ ابن القاسم. قال محمد: لا يؤخذ منه الثمن، وإن أخذ رد عليه، وأغرم مثل الخمر، فتهراق على المسلم. وقال ابن القاسم وأشهب: ولو أخذ فيه المسلم جارية، فأحبلها أو أعتقها، فليقض للنصراني بقيمتها. ويغرم النصراني مثل الخمر فتهراق على المسلم. وكذلك لو حال سوق الجارية. قال أشهب: ومن اشترى خمرًا بعشرة دنانير، فباعها بخمسة عشر، فليتصدق بالثمن كله. قال ابن حبيب: إذا باع مسلم من مسلم خمرًا، فما كانت الخمر قائمة بيد بائع أو مبتاع، فلتكسر على البائع، ويرد الثمن، إن قبضه على المبتاع، فإن فاتت فقد فات الفسخ، وأخذ الثمن يتصدق به سواء قبضه البائع أو لم يقبضه ويعاقبان. [6/ 179]
ولو اشترى منه جرارًا على أنها خل، فحملها، فانكسرت في الطريق، فإذا هي خمر، فهذا لا ثمن عليه ولا قيمة، ويرجع بالثمن إن دفعه. وروى مطرف، عن مالك، في مسلم كسر لذمي خمرًا، أنه يعاقب. ولا غرم عليه. ولا يجعل لما حرم الله ثمنًا ولا قيمة. وقال ابن القاسم: عليه قيمة الخمر، وقد روى هذا عن مالك في غير الواضحة. قال ابن سحنون: ويقومها حديث عهد بإسلام منهم. وقال ابن المواز: يقومها المسلمون، ولا تخفى عنهم قيمتها. قال ابن حبيب: وإن باع نصراني خمرًا من مسلم، فقبضها المسلم ولم تفت فإنها تكسر. وإن قبض النصراني الثمن ترك له. وإن لم يكن قبضه لم يقض به على المسلم، وتكسر الخمر على النصراني عقوبة له، وكذلك لو أدركت بيد النصراني قد أبرزها ولم يقبضها المسلم، لكسرت عليه عقوبة له. وأما إذا فاتت الخمر بيد المسلم، ولم يدفع الثمن، أخذ منه، وتصدق به، ويعاقبان، وإن كان المسلم بائعها منه ولم تفت الخمر، كسرت، كانت بيد المسلم أو النصراني، ورد الثمن على النصراني. وإن فاتت الخمر بيد النصراني قبل يعثر على ذلك، أخذ الثمن من النصراني إن لم يدفعه أو من المسلم إن قبضه فتصدق به. قال ابن حبيب: ومن باع كرمه ممن يعصره خمرًا، أو أكراه داره، أو دابته في شيء من أمر الخمر، فإنه يتصدق بالثمن في ذلك. والوضي إذا أصاب في التركة خمرًا، فليهرقها ولا يخللها لليتامي. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من يبيع عنبه ممن يبيعه في السوق، فإذا فضل منه شيء عصره مشتريه خمرًا. قال: إذا لم يبعه لذلك، وإنما باعه عنبًا، فلا بأس بذلك. قال محمد: ولا يعود لبيع مثله. [6/ 180]
وقال أصبغ: واختلف قول ابن القاسم كاختلاف قول مالك في نصراني أسلم دينارًا في دينارين فأسلم أحدهما وثبت على أنهما يردان على رأس المال بإسلام من أسلم منهما. وقيل عن مالك إن أسلم المطلوب فعليه ديناران. وقيل: إن مالكًا توقف فيه، قال: ولو كان دفع إليه دينارًا في دراهم إلى أجل، فأسلم الطالب، فلتؤخذ الدراهم من النصراني فيصرف بها دينارًا، فإن لم يف، لم يكن له غير ذلك. وإن كان فيها فضل، رد الفضل إلى النصراني، وإن أسلم المطلوب رد الدينار الذي قبض على النصراني. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في النصراني يسلف نصرانيًا خمرًا أو خنازير فأسلم المستلف فعليه قيمة الخمر والخنازير، وإن أسلم الذي أسلف الخمر والخنازير، قال: أحب إليّ أن يأخذ الخمر والخنازير، فيقتل الخنازير ويريق الخمر. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في نصراني أسلم إلى نصراني دنانير في خمر أو خنازير فأسلم الذي عليه ذلك، رد الثمن إلى صاحبه، وإن أسلم الطالب فتوقف مالك وقال: لا أدري، أخاف أن أظلم الذمي، ولكن أرى أن يؤخذ الخمر منه ويكسر على المسلم وتؤخذ الخنازير فتقتل وتطرح في مكان لا يصل أحد إلى أكلها. قال: وإن رضي النصراني برد الدنانير فذلك جائز، قال: وكذلك إذا تسالفا خمرًا أو خنزيرًا، ثم أسلما جميعًا فليس على المطلوب شيء من ذلك. ومن كتاب ابن المواز متصل بقول مالك: قال: وإذا باع منه خمرًا بثمن إلى أجل ثم أسلم فذلك نافذ، وليأخذ الثمن إلى أجله. وكره مالك أن يباع من الكتابيين من يجبر على الإسلام، وقال: ما أعلم حرامًا. قال: وإذا بيع منهم من يجبر على الإسلام، بيع على المشتري ما لم يدين بدين. وأجاز بيع صغار [6/ 181]
الكتابيين منهم. ومن ابتاع من نصراني عبدًا، فأسلم، ثم وجد به عيبًا، فليرده عليه، وكذلك لو كان عبدًا يجبر على الإسلام. وكره أن تشترى منهم السلع عندما يلزمون بالخراج على الضغطة. قال ابن القاسم: وترد على بائعه بغير ثمن إن كان بإكراه أو ضغطة. قال أشهب: ومن واجر عبده المسلم من نصراني، فسخ ذلك وودب السيد. وإن علم النصراني بتعدي سيده، ودب، وإلا فلا، ويأخذ السيد ثمن ما عمل من الإجارة، ويفسخ ما بقي. وكره مالك أن يكري دابته ممن يركبها من النصارى إلى الكنيسة، ولم يحرمه. ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك في بيع الصقالبة والسودان قبل أن يسلموا من النصارى، قال: ما أعلم حرامًا، ولا يعجبني إن كانوا صغارًا، ولا يجوز بيعهم منهم، فإن بيعوا منهم فسخ البيع. وإن كانوا كبارًا فلا بأس ببيعهم منهم؛ لأن الصغار يجبرون على الإسلام والكبار لا يجبرون. قال ابن القاسم في رواية يحيى بن يحيى: لا يباع منهم صغير ولا كبير، ويجبر الجميع على الإسلام. وإن ابتاعوهم بيعوا عليهم إلا أن يدينوا بدين فيقروا بأيديهم، وإن تقدم إليهم ألا يشتروهم، ثم اشتروهم، فهودوهم أو نصروهم، فليعاقب الذين هودوهم أو نصروهم حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك. قال ابن سحنون: قال سحنون في عبد نصراني اشتراه يهودي من يهودي، قال: يجبر على بيعه. ومن العتبية: قال أصبغ فيمن اشترى عبدًأ مجوسيًا من المجوس الذين بالعراق بين ظهراني المسلمين قد ثبتوا على مجوسيتهم وهم عبيدهم، فهذا لا يجبره [6/ 182]
ما ينهى عن بيعه من الزبل وجلد الميتة وشعر الخنزير والكلب والصور والملاهي
الذي اشتراه على الإسلام. وإنما يجبر من يشتري من السبي من صقالبة وغيرهم من المجوس. قال ابن وهب من رواية عبد الملك بن الحسن في بيع رقيق اليهود من النصارى أو رقيق النصارى من اليهود، قال: لا ينبغي ذلك ولا يجوز، وذلك لأن بعضهم لبعض أعداء، ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض، وقاله سحنون. قال أصبغ: قال ابن القاسم في العبد: هل يباع من أهل دينه من أهل الحرب، قال: لا أرى ذلك. أخاف أن يكون عورة على المسلمين، ولولا ذلك لم أكرهه، وقاله أصبغ. قال ابن المواز: قال ابن القاسم في الربانيين يقدمون بالرقيق هل يشتريهم الناصرى منهم، قال: أما الصغار فلا، وأما الكبار فنعم. وفي كتاب الجهاد شيء من ذكر بيع الخمر وإظهارها وكسرها. ما ينهى عن بيعه من الزبل وجلد الميتة وشعر الخنزير والكلب والصور والملاهي والخصيان والصغير والزمن وبيع الطفل وغير ذلك من كتاب ابن المواز: وكره مالك بيع رجيع بني آدم. قال ابن القاسم: ولا بأس بأكل ما زبل به. وبلغني أن ابن عمر كرهه. ولا أرى به بأسًا. قال أشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إلا لمن اضطر إليه، والمبتاع أعذر فيه من بائعه. [6/ 183]
ومن العتبية: عيسى قال ابن القاسم: ومن باع جلود ميتة مدبوغة وابتاع بالثمن غنمًا، فنمت، ثم تاب، فليتصدق بثمن الجلود لا بالغنم. قال عيسى: يرد الثمن إلى من ابتاع منه الجلود أو إلى ورثته، فإن لم يجدهم تصدق بذلك، فإن جاء خير بين الصدقة أو الثمن. قال أصبغ وأبو زيد: قال ابن القاسم: لا بأس ببيع شعر الخنزير الوحشي كصوف الميتة. وقال أصبغ: ليس كصوف الميتة بل كالميتة نفسها، لأنه حرام حيًا وميتًا، وتلك صوفها حل في الحياة. قال أبو زيد: قال ابن القاسم: ومن باع كلبًا فلم يقبض ثمنه حتى هلك الكلب بيد المبتاع فمصيبته من البائع. ولا بأس باشتراء كلاب الصيد، ولا يعجبني بيعها. قال سحنون: نعم، يجوز، ويحج بثمنها، وهي ككلاب الحرث والماشية. ومن كتاب آخر أن ابن كنانة يجيز بيعها. قال سحنون: قال ابن القاسم في من باع بوقًا أو كبرًا فليفسخ بيعه ويؤدب أهله. قال أبو زيد: قال ابن القاسم: لا بأس بشراء الصبي الصغير لا يحمل السؤال وإن كان رضيعًا، إلا أن يكون من بلد عمه الفساد من سرقة الأحرار وبيعهم. وأحب إليّ أن يتورع فيه، ولا أرى أن يمنع بذلك البيع. [6/ 184]
ومن سماع ابن القاسم: ولا بأس ببيع المحدوم ومكاتبته. وأعرف لابن المواز أن من أعتق صغيرًا، أن عليه نفقته إلى أن يبلغ السعي والنفع لنفسه. وكذلك على ملتقطه. قال أشهب: قال مالك: ترك التجارة في العبيد الخصيان أحب إلي ولا أحرمه. وشراؤهم معين على خصائهم. قال محمد: وفي العتبية: قال أشهب عن مالك قال: أما الرجل يشتري الخصي والاثنين لنفسه فلا بأس به. وأما أن ينفق عنه بهم فلا ينبغي، وقد رغب فيهم الملوك وأكثر الناس منهم. قيل: أتكره أن يقول أحدهم للرومي: اخص هذا لأشتريه منك؟ قال: وما بأس هذا؟ قيل: إنهم يقولون: إذا قلت لهم هذا ذهبوا بهم يخصونهم. قال: هم أعلم بذلك منه. قيل لابن المواز في بيع الطير يؤكل، قال: أكره أكله، وأما بيعه، فلا أدري، قد يشتري لغير وجه. وقال ابن الماجشون: إن أكله حرام. ومن العتبية: أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يعمل الدوامات يبيعها من الصبيان، قال: أكره ذلك. [6/ 185]
في وقت بيع الثمر والفواكه على القطع، وثمر البحائر وما بيع من ذلك قبل بدو الصلاح
قال أشهب عن مالك: سُئل عن التجارة في عظام على قدر التمر، يجعل لها وجوه، يتخذها الجواري بنات. قال: لا خير في الصور، وليس هذا من تجارة الناس. قال سحنون في كتاب الشرح: لا يحل بيع السم ولا ملكه على حال. والناس مجتمعون على تحريم بيعه. في وقت بيع التمر والفواكه على القطع وثمر البحائر وما بيع من ذلك قبل بدو الصلاح وما بيع منه على القطع وبيع ما حضر من الثمار وذكر السقي في بيع الثمر من الواضحة: نهى الرسول عليه السلام عن بيع الثمار حتى تزهي وفي حديث آخر حتى يبدو صلاحها. قال ابن حبيب: وثمر النخل يكون سبع درجات، طلعًا، ثم إغريضًا، ثم بلحًا، ثم زهوًا، ثم بسرًا، ثم رطبًا، ثم تمرًا، فأوله الطلع ثم ينقلع الخف عنه [6/ 186]
ويبيض فيكون إغريضًا ثم يذهب عنه بياض الإغريض ويعظم حبه وتعلوه خضرة فيكون بلحًا، ثم تعلو الخضرة حمرة وهو الزهو، ثم تصير صفرة فيكون بسرًا، ثم تعلو الصفرة دكنة وحمرة ويلين ويستنضج، فيكون رطبًا، ثم ييبس فيكون تمرًا. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيه الثمار حتى تزهي وحتى يبدو صلاحها، وقال: ((حتى تنجو من العاهة))، وكله بمعنى واحد. وقول زيد: حتى نطلع الثريا؛ لأنها تطلع أول الصيف في نصف مايو، وهو وقت تؤمن العاهات على الثمار، ويظهر احمرارها واصفرارها. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أزهى في الحائط كله نخلة أو دالية بيع جميعه بذلك ما لم تكن باكورة. مالك: وإذا كان في الدالية الحبات في العنقود أو العنقودين جاز بيعها، وكذلك كل ما تتابع طيبه، وأما أن يكون بعض الحائط مستأخرًا جدًا، فهذا يكره أن يباع معه. قال مالك: وإذا عجل زهو الحائك، جاز بيعه، وإذا أزهت الحوائط حوله ولم يزه هو، جاز بيعه. قال ابن القاسم: وأحب إليّ حتى يزهي هو. وقاله مطرف في الواضحة. قال ابن حبيب: هو أحب إليّ، والأول هو القياس؛ لأنه لو ملك ما حواليه ما حرفه إليه جاز بيعها بإزهاء بعضها، إلا أن يتفاحش تباعد بعضها من بعض. قال ابن المواز: قال مالك في جنان فيه ثلاثمائة شجرة تين، فيها عشرة شتوية، فلا تباع الشتوية بإزهاء غيرها، وإذا كان في الكرم عنب صيفي وشتوي، فلا [6/ 187]
يباع الشتوي بإزهاء الصيفي، وكذلك التين الشتوي والصيفي مثله سواء، وإذا كان في الحائط أصناف من التمر، بيع جميعه بإزهاء بعض أصنافه، فأما وإن كان نخل ورمان وخوخ وشبهه لم يبع بإزهاء جنس منه بقية الأجناس، ولكن يباع ذلك الجنس بإزهاء بعضه. ولو كان في شجرة واحدة منه طيب، لجاز بيع جميع ذلك الصنف بها. قال أشهب: ولو كان في حائط نخل شجرتا رمان، فلا يباع بإزهاء ثمر النخل، ولا يباع التين وإن تناهى خلقه ولا جميع ثمر الفواكه حتى يطيب أولها ويؤكل. قال ابن حبيب: ووقت جواز بيع الزيتون إذا اسود أو نحا ناحية الاسوداد، وكذلك العنب الأسود إذا نحا ناحية الاسوداد. وأما الأبيض، فأن ينحو ناحية الطياب، وحد الإزهاء في كل الثمار، إذا نحت ناحية الاحمرار، أو أينعت للطياب، فما لم يبلغ ذلك أو يقاربه، فلا يباع إلا على القطع. ومن كتاب محمد: قال مالك: وغذا يبس الزرع وفيه ما لم ييبس ما لا خطب له، فلا بأس ببيع جميعه. قال ابن شهاب: ومن قول العلماء أن زهو الزرع أن يفرك. وقال مالك: حتى ييبس. ولا يباع الفول الأخضر وغيره من الحبوب على أن يترك حتى ييبس. ولا يباع الجلبان إذا تحبب حتى ييبس، وكذلك الفول وغيره من الحب إلا أن يقطع مكانه، فإن غلبه بعضه فيبس، فابن عبد الحكم ينقض فيه البيع. وقال غيره: هو كقول مالك في بيع القمح إذا أفرك: إنه لا ينقضه إذا يبس. [6/ 188]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإذا بيع الزرع وقد أفرك، والفول وقد امتلأ حبه وهو أخضر، أو حمص، أو عدس، فإن عثر عليه قبل أن ييبس فسخ البيع، وإن فات باليبس لم ينقض للاختلاف فيه. قال في كتاب محمد: وأما شراء الثمرة بعد الزهو جزافًا وتركها حتى تيبس، فذلك جائز. وإنما يكره ذلك أن لو اشترى منها كيلاً على هذا، فإن قلت: لم يفسخ. وهذا في باب السلم في ثمر حائط بعينه. قال ابن حبيب: ومن ابتاع ثمرة بعينها قد حل بيعها على أن يدعها حتى تيبس، فذلك جائز، أو على أن يجنيها رطبة. وأما على الكيل، فلا يشترط ذلك في كرم بعينه، أو تين بعينه، وإذا اشترى ثمرة بعينها رطبة فأراد أن يقرها حتى تيبس، فليس ذلك له حتى يشترط ذلك من أجل السقي أنه على البائع حتى يجذ. ومن العتبية: قال أصبغ: قلت لأشهب ما صلاح البطيخ الذي يباع به، أهو أن يؤكل بطيخًا أو فقوسًا؟ قال: هو أن يؤكل فقوسًا. قال أصبغ: فقوسًا بطيخًا قد انتهى للتطبيخ. قال ابن حبيب: الطبيخ والبطيخ سواء، والعرب تقدم الباء وتؤخرها. تقول: جبذ وحذب. والخربز جنس من البطيخ أملس مدور الأرس. والقثاء والخربز [6/ 189]
والبطيخ قد عرف أنه لا ينعقد في كرة، فإذا انعقد أوله وبلغ القثاء منه مبلغًا يوجد له طعم، حل بيعه مع ما يثور ويحدث منه إلى آخره، ولا يباع البطيخ إذا أبلح. ولكن إذا نحا ناحية الاصفرار واللين للطياب، فيباع ما بلغ هذا الحد وما يتصل بعده، وكذلك الخربز. وأما الفقوس فكالقثاء فيما ذكرنا. قال: ويباع التين إذا طاب أوله، ما طاب منه وما لم يطب، وما ظهر وما لم يظهر؛ لأنه إنما يطلع شيئًا بعد شيء وبطنًا بعد بطن، فكل ما طلع منه تلك السنة، بيع لأوله، إلا ما كان منه من البطن الأولى التي تطيب في آخر أيار وأول حزيران، فلا يضاف إلى البطن التي تطيب في تموز وآب، لأن بين ذلك تفاوت، وآخر ذلك البطن مضاف أوله إلى آخره. قال في كتاب ابن المواز: ويباع الزيتون إذا اسود، وأمنت عليه العاهة. قال مالك في الثمرة تباع في الأصل: فالسقي على البائع. قال مالك: ولا يجوز أن يبيع ما تطعم المقتاة شهرًا لأنه يختلف. وكذلك البطيخ والخربز والقثاء. قال: ولا يباع شيء من ثمر البحائر وشبهها أجل مسمى، ولا بأس أن يباع في أول منفعته إلى آخر إبانه يستجنى كل ما يخرج منه إلى آخره. قال مالك في شجرة تطعم بطنين في السنة، فلا يبيع كل بطن إلا وحده. [6/ 190]
قال مالك: وإذا بدا صلاح الموز جاز بيع أصله سنة أو أجلاً معلومًا. ولا تباع البقول حتى تبلغ إبانها الذي تطيب فيه، ويكون ما قطع منه ليس بفساد. وقال في الجزر واللفت والفجل والثوم والبصل، إذا استقبل ورقه، وتم، وانتفع به، ولم يكن ما يقلع منه فساد، جاز بيعه، إذا نظر إلى شيء منه، فإن وجد شيئًا مخالفًا، رده بحسابه. قال مالك في البصل المغيب وشبهه يتأخر بيعه عشرين ليلة وفي ذلك ينبت بعضه، فلا ينبغي بيعه حتى ينبت ويؤمن. قال: ويباع قصب السكر إذا طاب، وهو أن يكسر فلا يكون فسادًا. ومن الواضحة وغيرها: وما بيع من ذلك كله قبل بدو صلاحه ممن لا يتعجل قطعه ويؤخره، فذلك فاسد، وضمان الثمر من البائع. فإن قبضها المبتاع وعرفت مكيلتها رد مثلها، وإن لم تعرف فقيمتها يوم جناها لا يوم البيع ولا يوم الزهو وهو مصدق في قيمتها مع يمينه، وفي كيلها إن عرفه، وله أجرته في قيامه وسقيه إلى يوم جناها، وقاله مالك، ومن لقيت من أصحابه. وأما الزرع بين الحبوب فلا يباع حتى يشتد وييبس في أكمامه وييبس في سنبله، فإن بيع وقد أفرك ولم يستغن عن الماء وقد قارب الاستغناء، فليفسخ، ما لم [6/ 191]
ما يجوز من سع القضب والقرط والقصيل والورد والياسمين وغيره
يحصد، فإذا حصد وقبض، لم يفسخ، وليس بحرام. قاله مالك. وأما إن بيع قبل أن يتحبب ويفرك، فليفسخ أبدًا. ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في العنب الحصرم وارمان الأخضر والفرسك وشبهه يباع قبل أن يطيب، يريد على القطع، قال: أما بمصر وشبهها فلا باس به لأنه لا يضر بهم. قال عنه أشهب في العنب يشترونه حصرمًا يقطعونه: فلا أحبه حتى يطيب. قال في العتبية في ذلك كله: لا بأس به على القطع، وإنما كرهت النفس هاهنا لأن ذلك يضر بالناس، فأما الأمصار ففاكهتهم كثيرة، لا يضر بهم ذلك. قال ابن حبيب: ولا بأس أن يشتري من الحائط ثلاث جنيات أو أربع، كل صاع بكذا على الكيل. ما يجوز من بيع القضب والقرط والقصيل والورد والياسمين وغيره من غير الطعام وكيف إن تحبب القصيل بعد البيع من كتاب ابن الموز، قال مالك: ويجوز بيع القضب، والبقل والعصفر، والورد والياسمين، والقطن، إذا بدا أول منفعته إلى آخر إبانه، يستجنى كل ما يجن حتى ينقطع وتوضع فيه العاهة، ولم يحد الثلث فيه. [6/ 192]
قال ابن القاسم: لا حائجة فيما دون الثلث منه. محمد: إلا البقل فيوضع فيه دون الثلث. ولا يباع شيء منه أجلاً معلومًا، ولكن إلى انقطاعه. قال مالك: وإذا بلغ القرط والقضب أن يرعى ويجنى بلا فساد، جاز بيعه، فإن كانت خلفته لا تخلف، جاز، شرط خلفته أربع جزات أو خمسًا أو إلى انقطاعه، فإن لم يخرج نباته على ما كان يعرف، لشيء أصابه، وضع عنه، إن كان مشترط القضب يريده علفًا ولا يريده حبًا، فإن كان للحب فلا يشترط خلفته. قال أصبغ: يريد: وإن كانت مأمونة. قال عنه أشهب: لا يباع القضب حتى يعني، وليشترط، جزتين وثلاثة وأربعة. وإن شرط خلفته ليقتلعه، فجائز، إن كانت لا تخلف، ثم قال: ما هو عندي بحسن؛ لأنها تأتي مختلفة. قال ابن حبيب: إنما يجوز في القضب والقرط والقصيل أن يشترط خلفته في بلد السقي لا في بلد المطر إذ ليست الخلفة فيه بمأمونة، وإذا لم يشترط الخلفة فإنما له الجزة الأولى، وإذا شرطها، فله ما أخلفت، وإن كانت خلفة بعد خلفة، فإنما ذلك كبالقول إذا بلغ النفع به إذا قطع جاز حينئذ بيعه وبيع ما يطلع منه. [6/ 193]
ومن كتاب محمد: وما غلب فيه الحب مما تشترط خلفته، انتقض بيع ما فيه ورجع بحصته، وكذلك القرط والقصيل، كان ذلك بتعد من المشتري أو بتوان منه. قال ابن القاسم: ويقوم ذلك حسب بقائه في اختلاف أزمنته. قال أصبغ: وإن تقارب في ذلك وفي الأكرية واللبن ينقطع والجوائح. محمد: مما لا يرغب فيه لدهر دون دهر بالأمر البين، فليحمل على أنه متفق كله في المحاسبة. ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وقال في القصيل يباع فيتحبب، قال: يعدل بالفدادين ويقاس، فإن تحبب منه قدر الثلث أو الثلثين وضع بقدره، وليس ذلك بالقيمة، وإنما يقدر بالقياس والتحري، قيل: فإن بعضه أجود من بعض، قال: يقدر ذلك بقدر جودته ورداءته، وكذلك البلح يزهي بعضه. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في القصيل: يجاح، إن اشترى منه جزة واحدة فلا تقويم فيه، وإن اشترط خلفته، فإنه يقوم مثل ما ذكرنا في المقاثي وشبهها. يريد ابن القاسم: وكذلك ما تحبب في القصيل في تقويمه وحسابه. قال ابن القاسم: ولو اشترى قصيلاً، فاستغلاه فتوانى في قصله، فليرفعه البائع إلى الإمام حتى يأمره بقصله، فإن تراخى ذلك حتى تحبب، فلا بيع بينهما. قال أصبغ: ولو قضى عليه بقصله ثم لم يقصله حتى تحبب أو تحبب وهما في الخصومة، فذلك سواء، وقد انتقض البيع. [6/ 194]
في بيع الأصول بثمرها والأرض بزرعها وذكر الإبار في ذلك وما يجوز من استثناء الثمر
قال: وأما من ابتاع عصيرًا بعينه جزافًا فلم يقبضه حتى صار خمرًا، فالبيع لازم، ويهراق على المشتري. وقال في الكتان وقد نبت واستقل ولم يتم حبه، وحبه للمبتاع، قال: كل ما لا يتم إلا بالسقي فلا خير فيه، قيل: إن هذا لا يسقى. قال آخر مثله يسقى، فلا يجبني حتى يشتد - يريد: ويتم حبه. قال ابن حبيب: ويباع الورد والياسمين إذا بدا أوله وتفتحت أكمامه وظهر نوره، حل بيعه، وكان كل ما طلع منه تلك السنة تبعًأ له؛ لأنه يطلع شيئًا بعد شيء، وبطنًا بعد بطن، وكذلك التين أيضًا. في بيع الأصول بثمرها والأرض بزرعها وذكر الإبار في ذلك وما لا يجوز من استثناء الثمر والزرع واشتراطه وذكر السقي في الثمرة والمبيعة ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وكل ما لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه من تمر أو حب أو بقل، فإذا بيع مع أصله من شجر أو أرض جاز ذلك، إلا أن ما أبر منه لا يدخل في الصفقة إلا بشرط كما جاءت السنة. قال مالك: فإذا أبر أكثر الحائط فالثمرة للبائع، وإن أبر أقلها فهي كلها للمبتاع، وكذلك سائر الشجر، فإن أبر النصف، قال في الواضحة: أو قريبًا منه. فإن كان ما أبر على [6/ 195]
حدته، قال في الواضحة: في نخل دون نخل، فما أبر للبائع، وما لم يؤبر للمبتاع. وإن لم يكن ما أبر على حدته، قال في كتاب ابن المواز: لم يجز، إلا أن يكون ذلك للمشتري كله. وقال في الواضحة: إذا كان ذلك على ما في سائر النخل، فذلك سائغ للبائع. وقال سحون في العتبية: قال ابن القاسم: إذا أبر نصفها، قيل للبائع: إما أن تسلم جميع الثمرة، وإلا فسخ البيع، وإن رضي المشتري التماسك بما لم يؤبر ورد ما أبر، لم يجز. وقال المغيرة في إبار الأقل والأكثر كقول مالك. وإن كان نصفين، فنصفها للبائع ونصفها للمشتري. وقال ابن دينار: إذا أبر النصف، فما أبر تبع لما لم يؤبر، وجميع ذلك للمبتاع. قال في كتاب محمد: قال مالك: وإذا ألقحت الشجر الرمان والأعناب والفواكه، فذلك فيها كالإبار فيما يؤبر. واللقاح فيها أن يثمر الشجر فيسقط منها ما يسقط، ويثبت ما يثبت. وليس ذلك أن يورد. ولقاح القمح أن يسنبل ويتحبب. وهذا في المختصر، وروى عنه أشهب أيضًا: إذا طلع الزرع من الأرض فهو للبائع، وسقيه على من هو له. وكذلك قال في الواضحة، قال: وما كان حرثًا وبدرًا فهو للمبتاع. قال ابن حبيب: وذلك كالطلع إذا لم يتلقح ويؤبر، وكالنوار في الشجر الذي لم يعقد، وكالتين الذي لم ينقد ولم يعقد. قال: وما كان غير النخل من الثمار قد [6/ 196]
فيمن ابتاع تمرا أو حبا على الجذ ثم اشترى الأصل أو الأرض أو ابتاع الأصل تم اشترى التمر أو الحب
أنقد واعتقد وتبين ثمره فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، وإن شك فيه ولم يتبين إنقاده وعقده فهو للمبتاع، والإنقاد: اعتقاد الثمرة أول ما تعتقد، والإبار من النخل التذكير أول ما تعتقد. قال: وإذا بيع ما لا يؤبر من النخل، فإن كان حين يقلح طلعه ويظهر إغريضه، وبلغ مبلغ الإبار في غيره، فتلك كالإبار، والثمرة للبائع، وإن لم تبلغ ذلك فهي للمبتاع، لا يجوز أن يستثنيها البائع. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع نخلاً مأبورة دون ثمرها، فالسقي عليه حتى يسلم الأص لمشتريه، وإن بيعت الأرض وفيها زرع قد نبت، أو قثاء، أو بطيخ، فالسقي على البائع. وقال المخزومي في بائع النخل دون الثمر: إن السقي على مشتري الأصول. قال مالك: ومن وهب ثمرة حائطه هذه السنة، فلا يبيع الأصل حتى يؤبر الثمرة، وبمتاع الأرض له شجرها، إلا أن يستثنيها البائع. ومبتاع الشجر له أرضها. وكذلك في الصدقة والهبة. وبعد هذا باب في الاستثناء من الثمرة وقال العبد ومن الصبرة، وفي البيوع الأول ذكر بيع حائط بحائط فيها ثمرة. فيمن ابتاع ثمرًا أو حبًا على الجذ ثم اشترى الأصل أو الأرض أو ابتاع الأصل ثم اشترى الثمر أو الحب أو مال العبد بعد شرائه العبد ومن ابتاع نخلاً مأبورة، فله شراء ثمرها بعد ذلك. واختلف فيه قول مالك، وفي شراء مال العبد بعد الصفقة. وروى أشهب عنه أنه لم يجزه في الثمرة، ولم [6/ 197]
يجزه في مال العبد. واختار ابن عبد الحكم أن لا يجوز فيهما. ولم يجزه المغيرة في الثمرة، ولا في مال العبد، إلا في صفقة واحدة، وبعد هذا في كتاب آخر في مال العبد وفي مأبور الثمر في شرائه واستثنائه فيه من مسائل هذا الباب. وفي المدونة: فيمن باع أرضًا فيها زرع قد نبت، أن ظهوره من الأرض كالإبار. وروي عن مالك في غير المدونة أن إباره أن يتحبب، فيصير حينئذ للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع. وفي رواية ابن القاسم: ظهوره من الأرض إباره. قال مالك: ومن اشترى زرعًا أو تمرًا قبل بدو صلاحه على القصل والجد، ثم اشترى الأرض أو الأصل، فله أن يقر ذلك. ولو عقد البيع الأول على أن يقره ثم اشترى الأصل، فالبيع الأول فاسد، يرد، ويثبت شراء الأصل. ثم إن شاء شراء ذلك قبل طيبه، فذلك له. وهكذا ذكر مثله كله في العتبية عن ابن القاسم، وزاد. قلت: فإن اشتراه على الفساد، ثم ورث الأصل من البائع، فلا بأس أن يقر ذلك. ومن الواضحة: وإن اشترى ثمرة أو زرعًا قبل بدو صلاحه على القطع، ثم اشترى الأرض فأقره فيها، ثم استحقت الأرض قبل استحصاده، أو بعد، فإنه ينفسخ البيع في الثمرة وإن جدت، وفي الحب وإن حصد، كمن ابتاعه على الجد ثم أخره حتى طاب. ولو ابتاع الأرض بزرعها في صفقة، ثم استحقت الأرض خاصة قبل استحصاده، انفسخ فيه البيع، وإن كان بعد استحصاده أو [6/ 198]
باب العرية وشراء ثمرها وسقيها وزكاتها وحيازتها
حصاده، تم فيه البيع، وهو للمبتاع. وكذلك في الثمرة في استحقاق الأصل. وفي الجزء الذي بعد هذا باب في استثناء مال العبد ومأبور الثمر، وشراء ذلك بعد الصفقة. باب العرية وشراء ثمرها وسقيها وزكاتها وحيازتها قال ابن حبيب: والعرايا فيما ييبس ويدخر، وفيما لا ييبس، مثل الأترنج والتفاح والسفرجل وشبهه، وثمر البحائر، إلا أن ما يدخر منها يشترى بخرصه، وما لا يدخر لا يشترى بخرصه رطبًا، كما لا يجوز شراء ما يدخر منها بخرصه رطبًا, وكذلك إن اعراه من نخل لا يثمر أو عنب لا يتزبب، ولا يشتريه بخرصه تمرًا أو زبيبًا، نقدًا ولا إلى الجداذ، ويجوز شراء ذلك كله بعين أو عرض. ومن كتاب محمد: وإنما تشترى ما أعريت بخرصه إلى الجداذ، ما كان له جداذ، وما كان ييبس كالتمر والزبيب والتين والزيتون واللوز والجوز والفستق والصنوبر، فأما ما لا يدخر فلا تشتريه إلا بعين أو عرض، لا بالخرص، وقد كان من قول مالك: لا يشترى مما أعري بخرصه إلا العنب والنخل. قال أشهب: ويشترى الزيتون بخرصه إلى القطف، إذا كان ييبس ويدخر. قال أبو الفرج، عن مالك: لا يشترى من العرايا بخرصها إلا أقل من خمسة أوسق، شك داود في خمسة أوسق. [6/ 199]
ومن كتاب محمد: ولا تباع العرية بخرصها نقدًا. قال أصبغ: ويفسخ إن نزل حتى بانتفاء فيها ما يحمل. وإن فاتت رطبه، رد مثلها إن وجد، وإلا فقيمتها. قال أصبغ: وإذا اشترى ما أعرى من رطب الفاكهة وقد أزهت بخرصها ويدفعها من غيرها نقدًا وإلى تناهيها لم يصلح ذلك، فإن لم يفت ذلك رد. وإن قبض وفات أنفد ولم يرد، وكأنها هي، ضمنها له إلى أخذها. وكذلك في كل عرية ما كانت، فتدخلها رخصة العرية ورفقها، ولو أجيزت بديًا بغير كراهية لم أره خطأ، وإن كنت أتقيه. ولو فسخه فاسخ لم أعبه ولرأيته صوابًا. ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: لا يجوز للمعري شراء بعض عريته كانت خمسة أوسق أو أقل أو أكثر، ولا أعلم مالكًا قاله. وأنكر قول ابن القاسم وإن كانت أكثر من خمسة أوسق فليشترها بعين أو عرض أو طعام يخالفها نقدًا. ومن دارت إليه العرية بإرث أو هبة أو بيع، فللمعري شراؤها يخرصها، ولوارثه ولمن دار الأصل إليه ببيع أو هبة ما كان ذلك للمعري من ذلك إذا كان اشتراها بخرصها تمرًا إلى الجداذ فله أن يعطيها من حائط غيره. ولا يشترط ذلك في شرائه، ولكن مضمونًا، وإن تطوع له بتعجيل خرصها قبل الجداذ من غير شرط فذلك جائز. ومن أعرى نفرًا فله أن يشتري من بعضهم إن كانت مصابته خمسة أوسق فأدنى. [6/ 200]
قال في كتاب ابن المواز: ومن أعرى نفرًا: هذا وسقين، وهذا مثل ذلك، حتى أعرى جماعة أكثر من خمسة أوسق، فله شراء جميعه بالخرص، وقد وقف عنه مالك، ثم أجازه. ومن الواضحة: وإذا أعرى نفر لرجل، فابن الماجشون لا يجيز لواحد منهم شراء عريته منه دون شركائه؛ لأن المعرى يدخل الحائط لبعض جده، فلم يدفع مشتري ذلك ضرر دخوله، فصار كشراء بعض العرية من رجل. وأجاز ابن القاسم لبعضهم شراء عريته منه. ومن كتاب ابن المواز: واختلف في زكاة العرية، فقيل على المعرى، وقيل على رب الحائط، وقاله ابن حبيب. قال ابن المواز: ولم يختلفوا أن السقي فيها على رب الحائط. قال سحنون: إن كانت العرية والهبة بيد المعطي، يسقي ذلك ويقوم عليه، فالزكاة عليه، وإن كانت بيد المعرى والموهوب، يقوم عليها، فالزكاة عليه. قال أشهب: زكاة العرية على المعرى كالهبة، إلا أن يعريه بعد الزهو. وما روي عن مالك أنها على رب الحائط، خطرة رمى بها. قال أبو الفرج: ومن أعرى خمسة أوسق من حائط يعبر عنه، فأجيح الحائط إلا مقدار خمسة أوسق، كانت الخمسة أوسق للمعرى، قياسًا على قول [6/ 201]
مالك في من حبس على قوم حائطًا، وعلى قوم خمسة أوسق منه، فأجيح الحائط إلا مقدار خمسة أوسق، أن أصحاب الخمسة أوسق مقدمون على من سواهم. قال ابن حبيب: الزكاة والسقي على المعري، أعراه الحائط أو بعضه أو نخلات بعينها. قال: وسواء سماها عرية أو هبة، فلها حكم العرايا في ذلك وفي شرائها بخرصها. وأنكر قول ابن القاسم في التفرقة بين الهبة والعرية؛ لأن الهبة هي ترجمة العرية، ولا يفرق اللفظ بين ذلك. قال: وحيازة العرية بوجهين: قبض الأصول، وأن يطلع فيها ثمر قبل موت المعري. وإن قبضها ولم يطلع فيها ثمر حتى مات المعري، بطلت. وإن طلع الثمر ولم تقبض الشجر حتى مات المعري، بطلت، قاله مالك. وقال أشهب في كتاب محمد: إن مات بعد الإبار، فهو حوز لأن المعطى يدحل ويخرج ولا يمنع، وكمن وهب أرضًا بصحراء، فحوزها أن تسلم إليه، وإن مات ربها قبل أن تؤبر، فلا شيء للمعرى، إلا أن تكون العرية مما يسلم إلى المعرى، فتحاز، فإنه إن لم يحزه حتى مات ربه، فلا شيء له، وإن حازه جاز ذلك، وإن لم تؤبر. قال ابن حبيب: وابيح في العمرى في الدار، والمنحة في الحلوبة، والخدمة في العبد، شراء ذلك بما يجوز، من عين، أو عرض للمعطي دون الأجنبي، ووجه حيازة ذلك حوز الرقاب، وأن يصير اللبن في الحلوبة قبل موت المانح، كما قلنا في العرية في اجتماع الوجهين. وأما في الدار والعبد، فالقبض لهما حيازة. [6/ 202]
في وضع الجوائح فيما يبتاع من ثمر أو حب
في وضع الجوائح فيما يبتاع من ثمر أو حب قال ابن حبيب وغيره: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح. وفي بعض الحديث: توقيت الثلث. قال غيره: ولو لم يأت توقيت الثلث، واستحال وضع ما لا بال له، إذ لا بد من سقوط شيء منها انبغى أن يوضع ما له بال. والثلث عدل مما له بال. وحد فيما بين القلة والكثرة في الأصول. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ويقضى بوضع الجائحة، ولا ينتفع البائع بشرط البراء من الجائحة. قال في المختصر: ولا ينجي البائع من الجائحة أن يدعو إلى الإقالة أو يغلو الثمر فيربح المبتاع. ومن كتاب محمد، ومن الواضحة، قال ابن حبيب: وهي في ضمان البائع لما بقي فيها من الاستيضاع والمصلحة، كما يكون في ضمانه ما بقي فيه الكيل والوزن فيما بيع على ذلك. قال ابن حبيب: فوضع الجوائح على ثلاثة أوجه: فوجه يوضع فيه قليل ذلك وكثيره، وذلك في الخضر من جميع البقول وما ناسبها، فيوضع ذلك فيها وإن قل، إلا التافه الذي لا باله له، فلا يوضع. قال ابن المواز: واختلف فيها [6/ 203]
عن مالك، وقال علي بن زياد عن مالك في المدونة: إنه لا يوضع فيها إلا ما بلغ الثلث. قال ابن حبيب: والوجه الثاني ما يجنى بطنًا بعد بطن من البحائر والموز والرياحين من الورد والياسمين والخيري وشبهه، وما لا يدخر من الفواكه من الخوخ، والفرسك، والكمثرى، والسفرجل، والأترنج، والرمان، والقراسي، وما لا يدخر من التين وهو أول بطن منه، فهذه الأشياء إنما تطيب شيئًا بعد شيء، وتجنى بطنًا بعد بطن، فهذا يقوم ما جنى وما أجيح وما بقي ينتظر فيجمع. فما وقع للمجاح من تلك القيم وضع مثله من الثمن كان عشر الثمن أو تسعة أعشاره إذا كان ذلك من الثمرة في التقدير ثلث جميعها فأكثر، وكذلك قال في كتاب ابن المواز في كل ما لا يدخر ولا يحبس أوله على آخره كالمقائي والموز والورد والرمان وشبهه، ويقوم بقدر نفاقه في اختلاف أزمنته. قال أصبغ: فإن تقارب ذلك، حمل على أنه متفق كله. وقال أشهب: إنما يراعى ما بلغ ثلث الثمن في ذلك فهو جائحة، وإلا لم يره جائحة، وإن بلغ ثلث الثمرة. قال ابن المواز: وقول مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم وعبد الملك: إنما يراعى ثلث الثمرة، لا ثلث الثمن في هذا. قال ابن حبيب: والوجه الثالث مثل ما ييبس ويدخر من الثمار من نخل وعنب وتين مدخر وزيتون ولوز وجوز وجلوز وفستق، فإذا أجيح ثلثه فأكثر، وضع بقدره من الثمن لا تقويم فيه. اشتري ذلك وقد حل بيعه، أو بلحًا، على أن يجذ، ثم أجيح. قال ابن المواز: فأما التين، فقال مالك فيه: يسأل عنه؛ لأنه مما يدخر ويطعم بطنًا بعد بطنج وقد كان جعله مثل القرط والقضب يشترط خلفته وكالمقاثي، وهذا أحب إلينا. [6/ 204]
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: والزيتون كالنخل والعنب في ذلك. قال ابن المواز وابن حبيب: وكذلك ما اشتري جزة واحدة من قضب وقرط وقصيل، فأما إن اشترى منه جززًا أو شيئًا وخلفته، فكالمقاثي والورد وشبهه، ينظر، فإن كان البطن المجاح قدر ثلث النبات في النبات وضع عنه من الثمن بقدره في التقويم. وقال أشهب: إنما أنظر إلى قيمة المجاح لا إلى كيله، فما بلغ ثلث الثمرة فهو جائحة. قال: وذلك في المقثاة وغيرها، لا ينظر إلى ثلث النبات. قال: وإذا اشترى ثمرة حائط فيه اصناف من الثمر، فيجاح صنف منها، فلينظر إلى قيمته من قيمة الأصناف، فإن كان ثلث قيمة الجميعز وضع عنه. وقال أصبغ: إذا كانت متفاوتة غير متقاربة وكذلك الحائط فيه أصناف من نخل وكرم ورمان وخوخ أو حوائط في صفقة، حائط نخل، وحائط رمان وحائط كرم، فيجاح صنف منها فينظر إلى قيمته من قيمة جميع الأصناف، فإن كان ثلث الجميع وضع عنه. قال محمد: وهذا خلاف مالك ومن ذكرنا من أصحابه، والذي نأخذ به إن كان الحائط تمرًا كله أو كرمًا كله، إلا أنه اصناف منه، فلينظر إلى الثلث فأكثر في المقدار فيكون جائحة. يريد محمد: فيحط ما قابل ذلك الصنف منه من الثمن بالقيمة. قال أصبغ في موضع آخر: إنما استعمل قول أشهب في أصناف من الفاكهة في صفقة، يجاح صنف منها، فينظر في ذلك إلى القيمة، لا إلى المقدار. وإن أجيح بعض صنف منها، وهي أصناف، نخل، وكرم، ورمان، وغيره، [6/ 205]
فالقياس أن ينظر، فإن كان جميع ذلك الصنف لا يبلغ قيمة ثلث قيمة الجميع، فلا جائحة فيه، سواء أجيح كله أو بعضه، وإن بلغ ثلث القيمة، نظر ما أجيح منه، فإن كان قدر ثلث ثمرته، وضع قدر ثلث قيمة ذلك، يريد من الثمن، وإن كان أقل من ثلث ثمرته، لم يوضع منه شيء. وهو كقول ابن القاسم فيمن اكترى دارًا مع ثمرة فيها قد طابت. محمد: وقال أصبغ بخلاف ذلك. يريد محمد: ما استحسن أولاً أصبغ. وقال: إن كان المجاح ثلث القيمة، وضع، ولم يراع ثلث الثمرة ورواه عن ابن القاسم، قال: وقاله أشهب وابن عبد الحكم، وراعى في النخيل المختلفة مبلغ ثلث الثمرة. قال ابن حبيب في أصناف من الثمر تباع في صفقة واحدة، بعضها أبرع في الثمن من بعض كالصيحاني والبرني والعجوة، فأجيح صنف منها، فإن كان قدر ثلث جميع الأصناف في الثمرة، فإنه يوضع بقدر ما يصيبه بالتقويم في تفاضله، وكذلك في أصناف التين واصناف العنب وغيره مما ييبس ويدخر، وهو أجناس، هذا قول مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. وكان ابن القاسم لا يفرق بين ما تفاضلت قيمته في ذلك من النوع الواحد ويقول قولاً مجملاً: إذا بلغت الجائحة ثلث الثمرة كلها وضع عنه، رجع بثلث الثمن بلا تقويم، والذي قاله ابن حبيب عنه شيء تأوله عليه، وهو قد غلط في تأويله لأن هذا الذي حكاه بعيد من مذهب ابن القاسم. [6/ 206]
قال ابن حبيب: وإن كان الزيتون أجناسًا، فكما قلنا في أجناس التمر وغيره، وما ذكرنا فيه من الاختلاف. وإن كان جنسًا واحدًا، فلا تقويم فيه. قال: وإذا بلغ منتهى يمكن فيه جمعه كله، فلا جائحة فيه، مثل ما ييبس من الثمر. قال: ومن قول مالك في من ابتاع بستانًا، فيه تمر وتين وعنب ورمان وغيره، وقد حل بيع كل صنف منه، وهو في موضع واحد، أو افترقت أماكنه، وجمعته الصفقة، فأجيح صنف منها كله أو بعضه، فإن جائحة كل ثمرة منها على حدة لا تضم إلى غيرها، فإذا بلغت ثلث ذلك النوع حط عنه ثلث حصته من الثمن بالقيمة. ومن كتاب ابن المواز، والمختصر، والعتبية، قال مالك: ومن اشترى حوائط فأجيح أحدها، فإن كان ذلك في صفقات شتى روعي بالحائجة ثلث كل صفقة، وإن جمعتهم صفقة، فلا وضيعة حتى يكون المجاح قدر ثلث جميع الحوائط. ومن العتبية، قال سحنون: قال ابن القاسم: في الفحل والإسفنارية والورد والياسمين وشبهه والعصفر وقصب السكر أن ذلك في الجائحة سواء، لا يوضع حتى تبلغ الثلث. قال: وهو تجوز فيه المساقاة، فكل ما جازت فيه فالجائحة فيه موضوعة، إذا بلغ الثلث، إلا الموز، فإن المساقاة لا تجوز فيه، ولا توضع فيه الجائحة حتى تبلغ الثلث. [6/ 207]
قال: وأما الزعفران والريحان والبقل والقرط والقضب وقصب السكر، فإن الجوائح توضع في قليله وكثيره، ولا تصلح فيه المساقاة، وأما الكمون فتجوز فيه المساقاة كالزرع، وإنما يراد حبه لا شجره. وأما الموز والمقاثي والباذنجان، فهي ثمار، فلا توضع فيها الجائحة حتى تبلغ الثلث. وما بيع أخضر من فول وجلبان وما يشبهه، فلا يوضع فيه حتى يبلغ الثلث، ويرد إلى أصله، هكذا في العتبية قول مختلف في قصب السكر. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وكل ما بيع قبل طيبه على أن يجد من البلح والحصرم والجوز والتين والقطاني وغيرها، والفواكه، ففيه الجائحة إذا بلغ الثلث. وقال ابن القاسم: لا جائحة في قصب السكر. وقال ابن عبد الحكم: فيه الجائحة، وقاله أصبغ. قال أصبغ: قيل لابن القاسم: أفيه جائحة؟ قال: لا، هو لا يباع حتى يتم. قيل: فإن تم ما بيع، أتوضع فيه الجائحة؟ قال: عسى به. وكأنه لم يوجبها. وقال بعد ذلك: لا جائحة فيه، والأول أحب إليَّ. قال ابن عبد الحكم: وإنه إنما يقطع شيئًا بعد شيء، بخلاف الزرع. ومن الواضحة قال: ومن قول مالك: إن في قصب السكر الجائحة، وإن بيع بعدما يطيب؛ لأنه يتأخر قطعه لما يزيد من استنضاج وحلاوة، كمدخر [6/ 208]
التمر، فإذا بلغ الثلث، وضع فيه بلا تقويم، كالقصيل تباع منه جزة واحدة، إلا أن يكون القصب متفاضلاً، بعضه أعظم من بعض وأفخر، فيقوم كأصناف التمر يجاح صنف منه. قال: وجائحة القصب غير الحلو كجائحة الحلو؛ لأنه يجوز بيعه إذا بلغ مبلغ الانتفاع به أو ببعضه، كالبقل، ثم يستأخر جمعه ليزداد ريا وعظمًا، فإذا بلغ تمامه انقطعت الجائحة فيه كيبس الثمرة. قال: وجائحة ورق التوت الذي يباع ليجمع أخضر لعلف دود الحرير كجائحة البلح وشبهه، الثلث فصاعدًا، وليس كالبقل. وروى أبو زيد في ورق التوت عن ابن القاسم في العتبية أنه كالبقل يوضع ما قل منه وكثر. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب: في المقاثي توضع الجائحة فيما قل منها وكثر كالبقل. قال أصبغ: وهذا خلاف مالك وأصحابه، وليس بشيء. مالك: ومن اشترى عريته بخرصها ففيها الجائحة كغيره. وقاله ابن القاسم وابن وهب. وقال أشهب: لا جائحة فيها. وفي الواضحة مثل قول مالك. وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم في من نكح بثمرة أنه لا جائحة فيها، والمصيبة من المرأة. وقال ابن الماجشون: بل توضع فيها الجائحة كالبيع. ومن الواضحة، وفي كتاب محمد نحوه. قال: ولا جائحة فيما بيع بعد يبسه من جميع الثمار، أو بيع قبل يبسه فأجيح بعد يبسه، ولا فيما بيع بأصله، كان تبعًا للأصل، أو الأصل تبعًا له، أبر أو لم يؤبر، طاب أو لم يطب، وهذا قول مالك. [6/ 209]
قال ابن حبيب: إلا أن أصبغ قال: إلا فيما يعظم خطره من الثمرة ففيها الجائحة بعد أن يقيض الثمن على الأصل وعلى الثمرة، لأنه زيد من أجلها في الثمرة زيادة عظيمة. وأما كل ثمرة لا يعظم قدرها، فلا جائحة فيها مع الأصل. وقال في كتاب ابن المواز: إن ذلك كله تبع، ولا حصة له من الثمن، كمال العبد، ولا جائحة فيه. ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم في من ابتاع زرعًا بعد طيبه ويبسه بثمن فاسد، فأصابته عاهة قبل أن يحصده فمصيبته من المشتري، وهو قابض له، بخلاف مشتريه قبل بدو صلاحه على أن يتركه، فيصاب هذا بعد يبسه، فمصيبته من البائع؛ لأنه لم يكن المبتاع قبض ما اشترى حتى يحصده، يريد لفساد البيع، ولو كان البيع صحيحًا لم ييبس، لم تكن فيه جائحة. قال ابن القاسم عن مالك في من اشترى ثمرة، فأجيح، فطلب الوضيعة، فقال له رب الحائط: أنا أقيلك ولا أضع عنك. قال: يلزمه أن يضع عنه، دعاه إلى الإقالة أو إلى ربح في بقية الثمرة، إذ لو حبس أكثر من ذلك لم يرجع بشيء، فوضيعة الجائحة له ثابتة. قال ابن حبيب: ومن قول مالك: إن كل ثمرة اشترطت في كراء دار أو أرض، وهي تبع، فلا جائحة فيها، أبرت أو لم تؤبر، طابت أو لم تطب، يبست أو لم تيبس، فإن لم تكن تبعًا، لم يجز اشتراطها، إلا أن تطيب، ثم تكون فيها [6/ 210]
الجائحة، وإن كانت مثل نصف الصفقة أو ثلثها، ففي ذلك الجزء تكون الجائحة، إن بلغت ثلثه فأكثر، وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال: وكذلك الأرض فيها شجر يشترط. قال ابن القاسم: ومن اشترى رقاب النخل دون الثمرة، ثم اشترى الثمرة بعدها، فإن كانت مزهية، ففيها الجائحة، وإن لم تزه، فلا جائحة فيها، وكذلك روى عنه أبو زيد في العتبية. قال ابن المواز في من اشترى الأصول ثم الثمرة بعد ذلك، فقال ابن القاسم في الأسدية: لا جائحة فيها، وكذلك روى عنه يحيى بن يحيى، قال: وإن اشترى الثمرة - يريد: مزهية - ثم الأصل بعدها، ففيها الجائحة. قال سحنون: هو إذا باع الأصل، ثم باع الثمرة، لم يكن على البائع سقي. ولو باع الثمرة وحدها، كان عليه السقي، يحتج بهذا في الجائحة. يريد سحنون أن مشتريها بعد الأصول يصير كالقابض، إذ لم يبق له على البائع سقي ينتظره منه فتسقط الجائحة فيها. ومن العتبية: قال أصبغ: قال ابن القاسم: من ابتاع نصف ثمرة الحائط أو ثلثها، فأجيح أقل من الثلث، فذلك عليها، ولا يوضع من الثمن شيء. وإن بلغ الثلث، وضع عنه ثلث الثمن، وإن أجيح النصف، وضع عنه النصف، ولو كانت صبرة ابتاع نصفها، فالمصيبة منهما، ولا جائحة فيها. ومن كتاب محمد، قال مالط: ومن باع ثمرة واستثنى منها آصعًا أو أوسقًا قدر الثلث فأقل، فإن أجيح منها قدر الثلث فأكثر، وضع بقدره مما استثنى [6/ 211]
البائع. رواه ابن القاسم، وأشهب، وعبد الله. وإن أجيح أقل من الثلث، أخذ البائع مما سلم جميع ما استثنى. وروى عنه ابن وهب أنه يأخذ ذلك الذي استثنى كاملاً، أجيح ثلثها أو أكثر أو أقل. ولا جائحة على البائع حتى يستثنى جزءًا شائعًا. وقال به ابن عبد الحكم، وقال بالأول ابن القاسم وأصبغ. وما استثنى، فكالثمن. ومن الواضحة: ومن باع ثمر حائطه وقد يبس، واستثنى منه كيلاً ما يجوز له، فأجيح قدر ثلثها فأكثر، فلا يوضع عنه من الثمن ولا من الكيل المستثنى، كالصبرة. وإن أجيح منها جميع الثمرة، سقط عن المبتاع ما استثنى البائع وتكون، والمصيبة منهما جميعًا. ذكر ما يُعد من الحوادث جائحة ومن شرط رفع الجائحة من كتاب ابن المواز، قال مالك في الثمرة يصيبها الجيش: إنه جائحة. قال ابن القاسم: والسارق جائحة. ولم ير أصبغ أن السارق جائحة، وقال: إنما الجائحة ما لو علم، لم يقدر على دفعه. وهو قول ابن نافع في المدونة. قال ابن حبيب: ولم ير مطرف وابن الماجشون الجيش وغلبة اللصوص جائحة. وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: إن ذلك جائحة، وبه أقول، وهو قول عطاء، والأول قول سهل بن أبي حتمة. [6/ 212]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في الثمرة يصيبها غبار وتراب حتى تبيض وتصير ملحًا وتتفتت: إنه جائحة. وإن أصابها ريح كسر أصول النخل، فهو جائحة. قال مالك: وما جاء من فساد الثمرة من قبل العطش وضع قليله وكثيره في جميع الثمار. قال ابن القاسم: وإن كان يشرب بمطر أو عيون. وكذلك قال مالك في الواضحة. ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: عفن الثمرة جائحة. والفغا - وهو يبس الثمرة - جائحة. تقول: أفغت، إذا يبست. ومن اليبس أيضًا القشام، تقول: استقشمت. ومنه الجرس، والترز: ضمران الثمرة. والشريان تساقطها. والشمرخة إذا لم يجد في الشمراخ الماء لم تطب ولم ترطب حسًا. وكل أمر غالب من مطر وسيل وبرد وطير وجراد وسموم ونار وريح. وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ. [6/ 213]
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن باع ماء يوم من عين، فنقص ماء ذلك اليوم ثدر الثلث، وضع عنه. وقال ابن القاسم فيه: إنه يوضع قليله وكثيره إلا ما لا يضره كالبعل. قال مالك: ومن باع ثمرة وشرط البراءة من الجائحة، لم ينفعه ذلك وقضي عليه بها. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. تم الكتاب بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد نبيه وسلم [6/ 214]
[الجزء الأول من أقضية البيوع]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله الجزء الأول من كتاب أقضية البيوع في عهدة الرقيق في الثلاث والسنة من كتاب محمد، قال مالك، في عهدة الثلاث والسنة في الرقيق: إنما ذلك بالمدينة وأعراضها الذين جروا عليها، فبيعهم أبدًا على العهدة، حتى تشترط البراءة، ولا تلزم بغيرها من البلدان إلا أن تشترط. ولا براءة أيضًا أبدًا حتى تشترط البراءة، ولا براءة أيضًا إلا بشرط. قال ابن القاسم: وإذا كتب في الشراء من غير بلد العهدة، وله عهدة المسلمين، لم ينفعه ذلك، إذا لم تجر فيهم. قال محمد: ومن يعرفها، فيبيع عليها لزمته. [6/ 215]
قال ابن حبيب: قال المصريون من أصحاب مالك: لا تلزم عهدة الثلاث أهل بلد حتى يحملهم السلطان عليها. وقال المدنيون منهم: يقضى بها بكل بلد وإن لم يعرفوها ولا جرت فيهم، وعلى الإمام أن يجريها، وليحكم بها على من عرفها أو جهلها قبل التقدم بها وبعده، ورووه عن مالك. ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك وسئل: أيحمل أهل الآفاق على عهدة الثلاث والسنة؟ قال: يتركون على عادتهم، مثل بيع البراءة عندنا، ولا يعمل بها أهل مكة. وأما المواضعة فليحملوا عليها. وفي سماع ابن القاسم: أرى أن يحمل الناس على العهدة. وقال: وددت ذلك، ولكن لا يعملون بها. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، عن مالك، في من باع نصف النهار، فليلغ بقية يومه، وليأتنف ثلاثًا بعده. قال: وتؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث، وبعد الاستبراء، والثلاث داخلة في الاستبراء، وكذلك روى عنه أشهب وابن القاسم في العتبية. محمد: فقال ابن الماجشون: يدخل في السنة الثلاث والاستبراء. قال ابن حبيب عن مالك: والسنة من يوم عقد البيع. [6/ 216]
في النقد والنفقة في العهدة والاستبراء وما يحدث في الثلاث
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، أن عهدة الثلاث في بيع الخيار مؤتنفة بعد أيام الخيار. قال محمد: وليس في ذات الاستبراء عهدة الثلاث، إلا أن تحيض من يومها حيضة بينة، فيحسب فيها بقية الثلاث. قال ابن حبيب: وفي المبيعة في أول دمها عهدة الثلاث، كانت لا استبراء فيها إلا أبعد منها. في النقد والنفقة في العهدة والاستبراء وما يحدث في الثلاث، وذكر إباق العبد وذهاب ماله ونمائه في الثلاث من كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز النقد في الثلاث بشرط، ولا في الاستبراء. ابن حبيب: لأن الضمان من البائع بعد. قال مالك: والنفقة فيه على البائع. محمد: قال مالك: وإذا تشاحا في النقد في الثلاث والمواضعة، حبس بيد أمين، ثم مصيبته ممن يصير له. وكذلك ذكر ابن عبدوس، وابن حبيب. قال مالك في العتبية: ليس على المبتاع إيقاف الثمن، إلا أن يتطوع. ومن كتاب ابن المواز: كل ما أصاب العبد في الثلاث، فمن البائع، والمبتاع مخير، إلا أن يذهب عنه، وكذلك إن أصابه عمى، أو عمش، أو [6/ 217]
بياض بعينه، وما ذهب قبل الثلاث، فلا رد له. قال أشهب: أما الحمى، فلا يعلم ذهابها وليتأن به، فإن عاودته بالقرب رده، وإن كان بعد الثلاث؛ لأن برءه فيها. ومن العتبية: من سماع عيسى، عن ابن القاسم: وما أحدث العبد في الثلاث، من زنى، أو سرقة، أو شرب خمر. قال ابن حبيب: أو إباق، فللمبتاع رده بذلك، وكذلك الأمة في المواضعة. قال ابن حبيب: إلا أن يكون تبرأ من مثل ذلك فيهما. قال: وقاله كله ابن الماجشون، وأصبغ وابن القاسم، وفرق بين الإباق والسرقة، وبين الزنا وشرب الخمر فيهما فلا يعجبني. قال عيسى، عن ابن القاسم: وما نما للعبد في ماله في الثلاث، وقد اشترط ماله، فنما بربح، أو هبة، أو وصية، فذلك للمبتاع، وإن لم يبع بماله، فذلك للبائع. قال عنه يحيى بن يحيى: وإن ذهب ماله في الثلاث، قال ابن المواز، وابن حبيب: وقد اشترطه المبتاع. قال ابن حبيب: وهو عين، أو عرض، أو حيوان، قالوا: فلا رد له بذلك. قال ابن حبيب: وقاله مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز: وإن أبق العبد في الثلاث، وقد تبرأ منه، في الإباق، فابن القاسم يراه من المبتاع، حتى يعلم أنه هلك في الثلاث، وكذلك كل ما أصابه من كسر، أو عور، ثم وجده، فذلك من المبتاع حتى يعلم أنه أصابه [6/ 218]
ذلك في الثلاث، وهذه رواية ابن القاسم، عن مالك في العتبية، وروى أشهب، عن مالك في العتبية، وفي كتاب ابن المواز، أن ذلك كله من البائع حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالمًا، ويرد الثمن إن أبق، ولكن بعد ن يضرب في ذلك أجل حتى يتبين أمره، فإن وجده مثل رد الثمن، فهو للمبتاع، وإن وجده بعد رد الثمن، فهو للبائع؛ لأنه بيع قد انتقض. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإن لم يبرأ من الإباق فهو من البائع، مات في إباقه أو لم يمت. ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عن الرأس يصيبه في اليوم الثاني حمى، فلم يرفقه إلى الحاكم أو ترافقا، فلم يجداه، ثم أتيا في اليوم الثالث وقد زالت الحمى، وهما مقران بذلك، وقال المبتاع: لا آمن أن تعود. قال: فله رده، ولو كان ابتاعه جماعة، فأقر اثنان منهم أنه حم في اليوم الثاني، فأنكر ذلك الثالث، فشهادة الاثنين جائزة على الثالث، إذا لم يجز بشهادتهما منفعة، لكراهيتهم لشركة المشتري معهم. [6/ 219]
في العهدة فيما أسلم فيه أو نكح به أو أقيل منه أو رد بعيب أو وهب
في العهدة فيما أسلم فيه، أو نكح به، أو أقيل منه، أو رد بعيب، أو وهب، ومن ابتاع زوجته، هل فيها عهدة أو مواضعة أو قيام بحمل؟ من كتاب ابن المواز: قيل لمالك فيمن أسلم في عبد، فقبضه، أفيه عهدة الثلاث؟ قال: نعم. قال محمد: لا عهدة فيه، وإن كان ببلد العهدة، إلا أن يشترطها، وأما إن كانت أمة، ففيها الاستبراء. وقال ابن القاسم: إذا قبض عبدًا من سلم، فأصابه في السنة جذام، فلا عهدة فيه، إنما ذلك في البيع. قال مالك: في العبد المنكح به، العهدة. وقال أيضًا: لا عهدة فيه. قال ابن حبيب: والعهدة فيما أسلم فيه من الرقيق إذا قبض، كذلك سمعت أهل العلم، ولا عهدة في سلف الرقيق، ولا في غقالة منها في البيع. ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: ومن رد عبدًا أو أمة بعيب بعد أن أقاما عنده، فلا عهده فيهما، إلا أن الأمة إن كانت رائعة ترقبت فيها الحيضة، وإن كانت وخشًا، فهي بالرد، والعبد من البائع، ولو ماتت الرائعة، أو تلفت في ترقبنا بها الحيضة، كانت من البائع، وكذلك إن كان وطئها المبتاع؛ لأنا [6/ 220]
إنما أوقفناها لاختبار الحمل، فإن كانت غير حامل، فهي من البائع، وإن كانت حاملاً، لزمت المبتاع، ورجع بقيمة العيب. ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى زوجته بعد البراءة وبعهدة الإسلام، ففيها العهدة، ولا استبراء فيها، ولا مواضعة، ولا يضمنها البائع إلا في العهدة، فإن نزل بها فيها ما ترد به وردها وقد ثبت، فسخ النكاح، وإن ظهر بها حمل لم يردها ورجع بقيمة عين الحمل. ولا يحل للمشترى أختها قبل تناهي العهدة إلا بتحريم يحدثها فيها بلا عهدة ولا استبراء يعني المشتري. قال محمد: لأنه شرط بيع الإسلام ورفع البراءة. هكذا الأمر. والمبتاع لا يمكنه فيها بيع وهي حامل منه، فلا معنى لذكره العهدة والاستبراء. ابن القاسم: وليس بيع الخيار فيها بيعًا أفسخ به النكاح وأحل به الأخت وأعتق به على ذي القرابة؛ لأنه إنما يقع البيع بعد تمام أيام الخيار. وقال سحنون في العتبية: ليس في المعتدة وذات الزوج مواضعة، ولا الحمل فيها عيب، إلا أنه لم يذكر في السؤال شرط العهدة، ووقع الموارثة. [6/ 221]
في عتق أحد المتبايعين في العهدة والاستبراء
في عتق أحد المتبايعين في العهدة والاستبراء وفي العبد يعتق ثم يتجذم في السنة من كتاب ابن المواز: وإذا أعتق المبتاع العبد المبيع في عهدة الثلاث، أو حنث فيه بعتق، نفذ فيه، وعليه أن يعجل الثمن، ويسقط بقية العهدة ولا يجوز فيه للبائع عتق وإن لزمه ضمان بعتق؛ لأنه ليس له إسقاط العهدة، وذلك للمبتاع. وإذا أعتق أحد المتابعين الأمة في الاستبراء من وطء البائع، لم يعجل عتقه حتى تحيض، كما ليس له تعجيلها وترك الاستبراء، إلا أن يكون الاستبراء من غير وطء السيد، فينفذ عتقه ويتعجلها. ولو أعتقها البائع والمبتاع، أو حنثا فيها بعتق، والاستبراء من وطء البائع تربصنا بها، فإن ظهر بها حمل، عتقت عليه، وإن حاضت، عتقت على المبتاع، ولو حدث بها عيب، لم يكن له تعجيل ردها للعتق، فإن كان الاستبراء من غير وطء للبائع، عجلنا عتق المبتاع فيها، ثم إن ظهر بها حمل عتقت عليه، ويرجع بقيمة عيب الحمل؛ لأنه لو ظهر بها عيب أو حمل، ولم يكن عتق، كان له الرضا به، وتعجيل قبضها. قال ابن القاسم: وإن ابتاع عبدًا فأعتقه، أو أمة فأحبلها، ثم ظهر بها في السنة جنون، أو جذام، أو برص، فلا يرجع بشيء، وما أحدث من ذلك، [6/ 222]
فكالرضا بترك العهدة. وقال أصبغ: له الرجوع بقيمة العيب؛ لأنه كعيب كان عند البائع، وكذلك لو أعتق في عهدة الثلاث، فليس ذلك بقطع لها، فإن أصابه فيها ما يرد بمثله، رجع بأرشه على البائع، وكذلك في العتبية قول ابن القاسم هذا، وقول أصبغ، وقال سحنون مثل قول أصبغ. وقال أصبغ في العتبية: قال ابن كنانة: إذا أعتق العبد، ثم تجذم في السنة، نُظر، فإن كان له قيمة وإن قلت، رجع بما بين الصحة والداء، وإن لم تكن له قيمة، رجع بالثمن كله، ونفذ عتقه، فإن مات العبد عن مالك، أخذ البائع منه مثل الثمن، وورث المبتاع منه ما بقي، وإن كان قد رجع أولاً بما بين الصحة والداء، فميراثه كله للمشتري، إذا كانت له قيمة ولو درهم واحد يوم رجع بالعيب. ومن الواضحة: ذكر ابن الماجشون في العبد يعتق ثم يتجذم في السنة أو تلد الأمة من السيد، ثم تتجذم في السنة، أنه يرجع بما بين الصحة والداء. قال ابن حبيب: وكان ابن القاسم يلوذ في هذا، فقال مرة بقول ابن الماجشون، وقال مرة برد العتق، وقال أيضًا: يرجع بجميع الثمن، ويمضي العتق. [6/ 223]
في العبد يجني أو يجنى عليه في الثلاث
في العبد يجني أو يجنى عليه في الثلاث من الواضحة: قال مالك: وإذا جني على العبد في الثلاث، فأرشه للبائع، ثم للمبتاع حبسه بجميع الثمن أو رده. قال ابن حبيب: وإن جنى العبد جناية خطأ، قيل للبائع: أتفدي الثمن وتسلمه؟ فإن فداه لزم المبتاع العبد، وإن أسلم الثمن إلى المجروح وفيه قدر الأرض فأكثر فلا كلام للمجروح، وإن كان أقل من الأرش. قيل: للمبتاع إن شئت أن تجيز شراءك فافده بالأرض، فإن فعل، فالعبد له، ولا يرجع على البائع بشيء، كما لو فداه وهو رهن أحيا لرهنه، لم يلزم ذلك ربه، ولو كانت جنايته في الثلاث عمدًا، فللمبتاع رده بذلك، وكذلك الجواب في هذا كله، في بيع الخيار، إن كان الخيار للبائع، وإن كان للمبتاع فقط، أو لهما، فهو مثل ذلك، إلا في رد المبتاع إياه، فإن هذا له رده متى شاء، افتكه البائع أو لم يفتكه، وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك فيه. فيما يظهر في السنة من الأدواء الثلاثة من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في مبتاع الأمة يدعي في السنة أن بها جنونًا، فرفع ذلك إلى الإمام، فوضعت بيد رجل [6/ 224]
ليستبرئ ذلك، فلا تظهر للعدول حقيقة جنونها إلا بعد السنة، فلا ترد بهذا حتى يثبت أن جنونها كان قبل السنة. وكذلك ما يظهر في السنة من سبب يخاف عاقبته إلى غير ذلك من جنون، أو جذام، أو برص، ولا يقطع به أهل النظر ويريبهم، فلا يرد بهذا حتى يشهد عدلان أنه جذام أو برص. قال: ولو شاء فنظرها في السنة من خفة حاجبيها، وغير ذلك مما يظن الناظر أنه جذام، ولا يقطع به أهل المعرفة ويخافونه؛ لأن بدايته يشك فيها، فلم يردها بهذا الإمام، ثم يستحكم الأمر فيها بعد السنة بجذام بيِّن. قال: إن استحق ذلك بها بقرب السنة، فله الرد، وإن طال ذلك بعد السنة، فلا رد له. ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: وإذا ذهب عقل العبد في السنة من ضربة أو ترد، لم يرد بهذا، وإنما يرد بما يعلم أنه من قبل الجان، إلا أن يعلم أن عقله ذهب من شيء خالطه مع الضربة، فيكون من البائع. وقاله المدنيون والمصريون من أصحاب مالك، إلا ابن وهب، فإنه قال: بأي وجه زال عقله في السنة، من ضربة أو غيرها، فهو من البائع. قال ابن حبيب: فإن ظهر به جذام [6/ 225]
في العهدة في الدرك فيما ابتعته ثم بعته أو وليته أو أشركت فيه من شيء بعينه أو في ذمة
بيِّن، أو برص ظاهر، في السنة، ثم خفي وذهب، لرد به؛ لأنه لا يؤمن كالجنون، ولأن مثل هذا له كمون في البدن، ألا ترى أنه لو ظهر قبل السنة بيوم لرد به. قال ابن الماجشون: وإن ظهر به في السنة من ذلك ما يشك في حقيقته، ثم انتشر، واتضح بعد تمام السنة، فإنه يرد مما كان بدوه في السنة، وإن لم يوقن به في السنة حتى تحقق بعدها. وبهذا قال ابن وهب، وأشهب، وأصبغ. وبه أقول. ولم ير ابن القاسم، وابن كنانة بذلك ردًا حتى يتحقق قبل تمام السنة. وفي باب عيوب الرقيق في أبدانهم، ذكر العبد يقال: إن به جذامًا لا يظهر إلا إلى سنة أو سنتين. وفي باب من قام بعيب في غيبة البائع: مسألة بعضها من معنى هذا الباب. وفي باب اختلاف المتبايعين ذكر الدعوة في زوال السنة في العهدة. في العهدة في الدرك فيما ابتعته ثم بعته أو وليته أو أشركت فيه من شيء بعينه أو في ذمة غريمك بشرط أو بغير شرط من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ولى شيئًا له في ذمة رجل، أو أشركه فيه من طعام أو غيره، أو كان عرضًا أو حيوانًا، فباعه، فعهدة ذلك على من [6/ 226]
ذلك في ذمته، شرط ذلك أو لم يشترطه؛ لأنه باع ذلك أو ولاه وأشرك فيه قبل يضمنه. فأما السلعة الحاضرة بعينها يبتاعها، فقد ضمنها، فإن فعل ذلك فيها بحضرة البيع وقربه، ولم يفترقا، فعهدة ذلك في الشركة، والتولية على البائع الأول، ولا شيء على المشتري الأول من استحقاق أو عيب، اشترط ذلك أو لم يشترط. وأما في العيب، فتباعة ذلك على البائع الثاني، إلا أن يشترط عليه أن عهدتك على الأول، ويكون ذلك عند مواجبة البيع الأول، وقيل يبين بالسلعة، فيلزم ذلك. قال مالك: وإن تفاوت ذلك، لم ينتفع بشرط زوال العهدة عن البائع الثاني. قال أصبغ: وفوات افتراقهما الذي لا ينفع معه اشتراط العهدة في الشركة والتولية على البائع الأول افتراق الأول والمشتري منه افتراقًا بينًا وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع. وفي العتبية: قال فيها مثل ما ذكرنا من ذلك كله، من رواية عيسى، عن ابن القاسم. وروى أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية في من ولى رجلاً بحضرة البيع، قال: تباعته على الذي ولاه، إلا أن يشترطها على البائع الأول بقرب البيع الأول، فيلزم، فإن تباعد لم ينتفع بما شرط، وعهدته على المولي، قال: فإن كان بالقرب، فشرط العهدة على الأول وهو غائب أو حاضر، فذلك لازم. [6/ 227]
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، مثل ما ذكر ابن المواز عن مالك، فيما أسلم فيه يباع أو يشرك فيه أن العهدة فيه على من ذلك في ذمته. قال يحيى في كتاب السلم: وإن شرط للبائع الثاني أنها منك حتى أقبضها من الأول لم يجز ذلك. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن بنت بالسلعة، وافترقتما، فلا تكون العهدة في البيع والتولية والشركة إلا على الثاني، ولا ينفعه إن شرط شيئًا، وكان مالك يقول: إن شرطه العهدة على رجل، فسمى رجلاً غائبًا معروفًا، فإن أقر لزمه، وإلا كانت العهدة على البائع الثاني، وإن لم يكن الغائب معروفًا، فسخ البيع، ثم رجع مالك، فقال: إن لم يكن بحضرة البيع، فشرطه باطل، حضر الأول أو غاب، عرف أو جهل، وبهذا أخذ ابن القاسم، وكذلك في العتبية، من سماع ابن القاسم هذا القول. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من يقدم ويبيع بشرط العهدة على رجل سماه معروف، مقر أو منكر، فلا خير فيه، إلا عند مواجبة البيع. وفي سماع أشهب، قال مالك في ورثة باعوا رقيقًا، فطلب المبتاع أن يكتب على واحد منهم نصيبه، فأبى، إلا على جميعهم، فإن وجه ما يعرف من ذلك، أن يكتب على جميعهم. [6/ 228]
جامع القول في العهدة في الدرك في العيب والاستحقاق على بائعك أو على بائع بائعك
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في المبتاع إذا أشرك رجلاً أو ولاه عند مواجبة البيع، فشرط الرجل العهدة على المبتاع، فذلك يلزمه. قال محمد: ولزمه لمغمزًا من الضمان الذي لم يكن يلزمه لولا الشركة والتولية، وهو لا يجيز الضمان بجعل، ولكني أتقيه استحسانًا، إذ لو زاده على الثمن، لزمه الضمان؛ لأنه بيع حادث. جامع القول في العهدة في الدرك في العيب والاستحقاق على بائعك أو على بائع بائعك من كتاب ابن المواز: قال لي أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا، ثم باعه من غير مواجبة شرائه، فاستحق من يد الثاني بحرية أو ملك، أو قام فيه بعيب كان عند الأول، ومبايعه عديم مفلس، حاضر أو هو غائب، مليء أو معدم، فأما في العيب، فلا يرجع على الأول، وليرده على بائعه المفلس إن شاء، ويحاص غرماءه، أما عن الاستحقاق، فليرجع على الأول في غيبة مبايعه أو عدمه؛ لأنه غريم غريمه، إلا أن يكون عليه دين يحيط به، فيحاص غرماؤه. وروى مثله أصبغ في الاستحقاق. قال أصبغ: وكذلك في العيب عندي بعد أن يقيم بينة أنه باع بيع الإسلام من غير براءة، فيعدل على الإتلاف، إلا أن يقيم الأول بينة أنه باع بالبراءة. قال محمد: لا يعجبني قول أصبغ في العيوب، وإنما نزع فيه إلى قول ابن كنانة. وفي العتبية مثل ما ذكر ابن المواز من رواية أصبغ وبروايته هذا. [6/ 229]
قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: ولو ثبت أن الأول باع بالبراءة فلا يرد إلا على الثاني، ويحلف الأول أنه ما علمه. قال عنه عيسى: ولو ادعى الأول أنه باعه بالبراءة، فصدقه مبتاعه المفلس، فإقراره بذلك قبل التفليس مقبول، وأما بعد التفليس فلا، ويرجع على الأول أيضًا بقيمة العيب في فوت العبد، أو يرد إن لم يفت. قال عنه يحيى بن يحيى: يرجع على البائع الثاني في فوته بقيمة العيب من ثمنه، ويرجع الثاني على الأول أيضًا بقيمة العيب، فإن لم يتبع بشيء، لم يرجع على الأول بشيء، وإن مات العبد من العيب أراه يريد: وقد دلس الأول به، فليأخذ المشتري الأول من بائعه ثمنه، فإن كان أكثر مما باعه هو به، رفع إلى المبتاع منه ثمنه، وحبس الفضل، وإن باعه بأكثر، غرم له ما بقي. قال سحنون في مسألة التدليس بالإباق: إن لم يكن فيما أخذ من الأول تمام ثمن المشتري الثاني، أن البائع الثاني يغرم له الأول من تمام ثمنه أو من قيمة العيب. قال يحيى، عن ابن القاسم: إن كان الأول عديمًا، لم يتبع الثاني إلا بقيمة العيب ويتبع المشتري الثاني البائع الأول بالثمن الذي قبض، حتى يستكمل منه تمام ثمنه. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ورواه أصبغ في العتبية عن ابن القاسم، في من باع عبدًا، دلس فيه في الإباق، فباعه المبتاع ولم يعلم، فأبق [6/ 230]
عند مبتاعه، فمات، قال في العتبية: أو لم يمت، قالا: والبائع الثاني عديم. قال في كتاب محمد: فليؤخذ الثمن من البائع الأول فيدفع منه إلى المشتري الثاني مثل ثمنه، فإن فضل منه شيء، دفع إلى البائع الثاني. وقال في العتبية: يؤخذ من الأول قدر ما اشتراه به الثاني فيدفع إلى المشتري الثاني، ثم إن شاء البائع الثاني أن يتبع الأول بقيمة ماله إن كان له فضل، وإن شاء ترك، قالا: وإن لم يوجد الأول، لم يرجع على الآخر إلا بقيمة عيب الإباق من ثمنه، ثم إن وجد الأول أخذ منه الثمن، فأعطى منه المشتري الثاني بقيمة رأس ماله، وما بقي فللمشتري الأول. قال في كتاب ابن المواز: فإن لم يكن فيه إلا أقل من ثمن الآخر، فليس له غيره، ولا يرجع بتمامه على بائعه إن لم يدلس، إلا أن يكون الثمن الأول أقل من قيمة العيب من الثمن الثاني، فليرجع في بائعه بتمام قيمة عيبه. يريد محمد: ولم يكن يرجع الأول بقيمة عيبه على بائعه. قال سحنون في كتاب ابنه: إذا أخذ الثمن من الأول في عدم الثاني، فلم يكن فيه مثل رأس مال المشتري الثاني، فإنه يرجع على البائع الثاني بالأقل من تمام ثمنه، أو من قيمة العيب من ثمنه. وقال ابن القاسم في العتبية: إن لم يكن فيه وفاء، فليس له غيره، يريد ابن القاسم في معنى ما ذكر ابن المواز، ما لم يكن ذلك أقل من قيمة العيب من ثمنه، فليرجع بتمام ذلك على الثاني. قال محمد بن يحيى، عن ابن القاسم: إن كان [6/ 231]
الأول عديمًا، لم يتبع الثاني، إلا بقيمة العيب، ويتبع المشتري الثاني البائع الأول بالثمن الذي قبض، حتى يستكمل منه تمام ثمنه. وقال أصبغ في باب آخر من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا كان الثاني عليمًا، أخذ من الأول الثمن، فدفع منه إلى المشتري الثاني قيمة عيب الإباق فقط. محمد: بل يؤخذ من الأول ما كان يرجع به عليه الثاني لو عدم قيمة عيب الإباق للآخر، فإنه يرجع بذلك ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي ابتاعه به الأول. قال ابن القاسم: فإن لم يوجد الأول، قال: فلا يرجع على الثاني إلا بما بين القيمتين، ثم إن وجد الأول، أخذ منه الثمن، فأتم منه للمشتري الثاني تمام ثمنه، وما بقي للمشتري الأول. قال محمد: ولم أر هذا الجواب يصححه أحد، وهو منكسر من غير وجه، والذي يصح عندنا، أن ليس للثالث إلا قيمة عيب الإباق على بائعه، وليس لبائعه على الأول إلا ما غرم بسبب الإباق ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به منه. وقد قال ابن القاسم في عبد يتداوله ثلاثة، ثم يتبايعونه بالبراءة، فإن وجد عيبًا، فإن كان عند الأول، ولم يعلم به الأوسط، والأول عالم به، فليس على الأوسط إلا يمينه ما علمه، ثم لا يرد عليه، ولا على الأول، إلا أن يعلم أنهم أرادوا بذلك الغش والتدليس، فيرد عليه، وإلا فلا. محمد: وهذا أصح من الأول. [6/ 232]
في عهدة الدرك فيمن باع لغيره بوكالة أو وصاية أو تعد
وفي باب آخر، قال مالك: وإذا قام الثالث بعيب، كان عند الأول، ولم يبايعوه بالبراءة، والثاني عديم، فلا يرده إلا على الثالث. محمد: ثم له ولغرمائه رده على الأول، وأخذ ثمنه، والمحاصة فيه، فإن فات، فللآخر ولغرمائه أخذ قيمة العيب من الأول من ثمنه، فيتحاصوا فيه، هذا بقيمة العيب من ثمنه، وهؤلاء بعينهم. محمد: إن كان الثاني عديمًا، ولا دين عليه، وقد فات العبد، فليأخذ الثالث من الأول ما كان يرجع به على مبايعه، إلا أن يدفع إليه الأول قيمة راس ماله، أو قيمة الغيب الذي كان يلزم الأول من ثمنه. في عهدة الدرك في من باع لغيره بوكالة أو وصاية أو تعد وفي من باع لغيره وبين ذلك وفي يمين الوكيل والوصي من كتاب ابن المواز: ومن وجد عبده في يد مشتر من غاصب، فإن أجاز البيع، فالعهدة عليه دون الغاصب، وهذا إن لم يفت، فإن فات حتى يخير في الثمن، أو في القيمة، فالعهدة على الغاصب وطولب بالقيمة أو بالثمن، ولا عهدة على الوصي، وبيعه بيع براءة إلا أن يعلم عيبًا، فيكتمه، فيرد عليه، [6/ 233]
وكذلك الورثة يكتمون عيبًا، قال: ويحلف منهم في العيوب من يظن به علم ذلك على علمه، وكذلك الوصي ممن يرى أنه علم ذلك. قال: ولا يتبع الوصي من الثمن إلا بما وجد بيده منه، أو من مال الميت إن أكل الورثة الثمن، فإن دفع المال إلى الغرماء، فعليهم المرجع، ويباع عليهم العبد ثانية، وهذا أحب إلينا، واختلف قول مالك في يمين الوكيل، فقال: يخلق في العيب، وإلا رد عليه، وإن بين أنه لغيره، وقال: إنه علم أنه لغيره لم يحلف، وإلا حلف إن لم يخبره، قال مالك في عبد أبق عند مبتاعه، وقال لهم: أبقت عن بائعي، وقال أيضًا: إذا لم يعلمه، حلف إلا المنادين، والنخاسين، ومن يبيع الميراث في من يزيد، فلا تباعة، ولا عهدة عليهم. قال محمد: أما هؤلاء فكذلك، وأما الذي أخذ به الوصي والوكيل المفوض إليهم، فعليهم اليمين، وإن أعلموا أنه لغيرهم، إلا أن يشترط ذو الفضل منهم أن لا يمين عليه، فذلك له، أتبع فيه مالكًا استحسانًا، وأما الوكيل غير المفوض إليه أرسل ليبيع شيئًا، فلا يمين عليه إذا أعلمه أنه لغيره؛ لأنه ليس له أن يقبل، ولو أقر أنه كان يعلم العيب لينقض البيع، ما قبل قوله، فكيف يحلف؟! فإن لم يعلمه أنه لغيره، فله الرد عليه، وإن باعه بالبراءة، وكان عيبًا يشك في قدمه، فله يمينه، وإن نكل رد عليه وإن حلف فللمشتري إن شاء يمين ربه أنه ما علم بالعيب. [6/ 234]
قال مالك: وإن علم المبتاع بعد البيع أنه لغيره، فهو مخير: إن شاء تماسك على أن عهدته على الآمر، وإن شاء رد، إلا أن يرضى الرسول أن يكتبها على نفسه، فلا حجة للمبتاع. محمد: وهذا إذا أثبت أنه لغيره. قال ابن القاسم: وإن قام بعيب وأقر أنه أعلمه أنها لفلان، فادعى المبتاع أنه قال: ليس بيني وبين فلان عمل، فلا يصدق، وليحلف المأمور: ما بعتك إلا على أن تباعتك على الآمر. قال مالك في الوكيل يشترط أن لا يمين عليه، ثم يوجد عيب: فأما الرجل الوصي، فذلك له، وأما غيره، فلا، ويحلف، وإلا رد البيع. قال محمد: وإنما ذلك في الوكيل المفوض إليه. ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك في الوضي يبيع لمن يلي عليه، ويشترط أن لا يمين عليه، قال: ذلك له، وإن باه الوصي دار الميت، ثم استحقت، فليس على الوصي من الثمن شيء وهو في التركة إن طرا للميت شيء. قال ابن الماجشون، وأصبغ، في المديان يبيع عليه الإمام داره لغرمائه أو لغريمه، ويهلك الثمن قبل يقبضه الغرماء، ثم تستحق الدار، أن المبتاع يرجع بالثمن على الغرماء الذين بيعت لهم الدار، ومن كل غريم كان للميت، ولو طرا [6/ 235]
للميت مال، أخذ من المشتري ثمنه، وحسب ما تلف من الغرماء، حتى كأنهم قبضوه وأكلوه. وقال أشهب في كتاب آخر: ورواه عن مالك: لا يرجع على الغرماء بشيء. والقول الأول رواية ابن القاسم، عن مالك، وقال به. ومن أخذ من رجل سلمًا على طعام، وقال له: لفلان أخذه، أو اشترى له منه سلعة، فأخره به، على أنه إن اعترف ودى، وإلا كان لك على الطعام أو الثمن فأجازه مالك. قال ابن القاسم: ولم يجزه غيره. قال: وإن لم يقل: إن أقر فلان، وإلا فأنا ضامن. قال: إن كان في قوله: بعثني فلان إليك، أو قال: أبتاع له منك، فإن أنكر هذا، غرم الرسول رأس المال، وإن كان إنما قال له: بعثني، ولم يقل: إليك، ولا منك، ضمن القمح، ولو أقر بذلك المرسل لم يبرأ الرسول، وكان عليهما. قال ابن القاسم في أخوين بينهما أرض، غاب أحدهما، فباع الحاضر نصيب الغائب، واشترط أنه إن لم يجز، فنصيبي لك مكانه، فإن كانت مقسومة، لم يجز، إذ لا يدري ما وقع معه، وإن كانت شائعة، فجائز إن قربت غيبة أخيه ليطلع رأيه مثل اليوم ونحوه، وإن بعدت، لم يجز، وقد خاطره؛ لأنه ممنوع من القسم. قال محمد: ذلك جائز؛ لأن المبتاع قد تم أمره، ولا طلب لأحد عليه، كما لو اشترى مصابة الحاضر، والقاسم يقسم ذلك. [6/ 236]
ولمن ابتاع لرجل شيئًُا بنسيئة، وقال: لفلان أسباعه، فلا يبريه ذلك من الثمن، حتى يقول له: وإني لست من الثمن في شيء، فهذا لا يتبع إلا فلانًا، وإن لم يقل هذا، وقال: لفلان هذا، فليتبع المأمور، إلا أن يقر فلان، فليتبع أيهما شاء، إلا أنه يقول الآمر: كنت دفعت الثمن إلى المأمور، فيحلف ويبرأ، ويتبع البائع المأمور. قال محمد: وإن قال له: فلا بعثني إليك، لتبيعه، فهذا كالشرط المؤكد، ولا يتبع إلا فلانًا. قال أشهب: ولو قال: بعثني إليك لأشتري منك، أو لتبيعني، فالثمن على الرسول حتى يبين: إني لست من الثمن في شيء. أو يقول: بعثني إليك لتبيع منه. ومن الواضحة: ومن باع عبدًا، وقال: هو لفلان، فإن كان حاضرًا، أو قريبًا، فالعهدة عليه إن أقر، وإن لم يقر، فعلى البائع، وإن كان رب العبد غائبًا بعد الغيبة، فالعهدة على متولي البيع، وإن لم يشترط عليه، ولا ينفعه قوله: إنه لفلان، وكذلك إن نسبة إلى امرأة بالبلد محجوبة لا تبلغها المؤامرة، فالعهدة عليه، إلا أن يشترط أن عهدتكم على من نسبه إليه، وليس علي منها شيء، فيبرأ في ذلك كله. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. قال ابن الماجشون: وإن دفعت عبدك إلى غريمك يبيعه، ويستوفي، فيبيعه على أنه لفلان، ثم يستحق أو تدركه عهدة السنة أو الثلاث، فالعهدة والرجوع [6/ 237]
في بيع البراءة
على ربه، وهذا وكيل لا شيء عليه إذا أخبر أنه لفلان، بخلاف بيع السلطان للغرماء، ذلك يرجع فيه على الغرماء في عدم المطلوب. وساوى أصبغ بينه وبين بيع السلطان، وليس ذلك بشيء. قال محمد بن عبد الحكم: ليس على القاضي عهدة فيما باعه لغيره، فإن باع شيئًا ولم يبين أنه لغيره، فاستحق، فقال: بعته لغيره. ولا بينة على ذلك، فالعهدة على القاضي، وإن قامت بينة أنه باعه لغيره من دين أو وصية. غير أنه لم يذكر ذلك للمشتري، فالعهدة على القاضي، ويرجع بها القاضي على من باع له، وكذلك الوصي فيما باع إن بين، وإلا فهي عليه يؤديها، ثم يرجع بذلك على من باع ذلك عليه إذا صحت عليه البينة. في بيع البراءة من كتاب محمد: قال ابن القاسم: الذي آخذ به قول مالك الأول في بيع البراءة: أن البراءة جائزة في الرقيق. قال ابن القاسم: وبيع البراءة أمر جائز بالمدينة، قضى به عثمان وغيره، وبيع البراءة إذا شرط يبرأ من جل [6/ 238]
عيب، قل أو كثر، لا يعلمه البائع، وبيع السلطان في المغنم والتفليس وغيره بيع براءة وإن لم يشترط، وكذلك بيع الميراث، إذا علم المبتاع أنه بيع ميراث، وإنما ذلك كله في الرقيق خاصة، إلا أن يعلموا عيبًا فيكتموه، وقاله كله مالك. ورواه ابن القاسم، وأشهب، وقاله كله عبد الملك. قال مالك: وأما الدواب وسائر الحيوان والعروض، فلا ينفع في ذلك شرط البراءة، ولا يبرأ فيها في بيع الميراث، ولا سلطان ولا غيره، وذلك مردود. قال سحنون، ومحمد بن المواز: قال أشهب: فإن وقع بيع البراءة في الرقيق غير الحيوان، لم أفسخه، وإن وقع في العروض، سوى الحيوان، فسخته، إلا أن يطول ويتباعد، فلا أفسخه، وخالفه ابن القاسم، وقال: لا ينفعه ذلك، وشرطه باطل. قال محمد: وأرى أشهب إنما قال: لا أفسخه في الحيوان لما روي لمالك في كتاب محمد: من باع عبدًا أو وليدة أو حيوانًا بالبراءة، فقد برئ. وقد قال في غير كتاب ابن المواز: إنه ذكر لمالك أن ذلك في كتبه، فقال: امح الحيوان. وقال في كتاب ابن المواز: قلت له: في كتبك: يجوز بيع الحيوان بالبراءة، قال: إنما نعني به الرقيق. محمد: وروى عنه أشهب في بعير باعه سلطانه، أيرد؟ قال: لا، إلا أن يعلم عيبًا فيكتمه، وإن كان لنفسه، فهو كسائر الناس، وإن باعه في دين ونحوه، فلا يرد. قال محمد: بيع الميراث، وبيع [6/ 239]
السلطان، وبيع البراءة واحد، لا ينفع في غير الرقيق من حيوان أو عروض. وروى مثله أشهب، عن مالك. وقال ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ: إن بيع الميراث بيع البراءة، وإن لم يشترط. قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك بيع السلطان، وذلك في الرقيق. ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، عن مالك: ولا ينفع البراءة في الثياب، إلا أن يكون الشيء التافه غير المضر ولا المفسد في الثوب أو قي العلم، فلا ترد به، وأما الخرق وما هو مضر به، فليرد به، وكذلك الحيوان. قال ابن القاسم، عن مالك، في من يأتي بثوب مرتفع إلى بصير به، فيقول: اشتر مني بالبراءة، وانظر لنفسك، فيشتريه منه على ذلك، ثم يجد عيبًا: فإما عيب كثير، فله الرد، ولا رد له في الخفيف الذي ولا ينقصه كبير نقص. فقال مالك: في جرار الزيت مدفونة في الأرض، فتباع في تركة الرجل بالبراءة، ثم يأمر السلطان بالكشف عنها، ثم يوجد فيها عيوب، فلا تنفعه البراءة، وله ردها. ومن الواضحة: قال ابن شهاب، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وغيرهم: تجوز البراءة في كل شيء. وقاله مالك مرة: إنه يلزم في الرقيق والحيوان والعروض. ثم [6/ 240]
رجع إلى أنها لا تكون إلا في الرقيق. وقال ابن وهب بقوله الأول، ونحن نقول بقوله الآخر فيما باع طوعًا، فأما ما باعه السلطان، في فلس، أو موت، أو على أصاغر، أو في مغنم، فيأخذ فيه بقوله الأول أنه بيع براءة في كل شيء، من رقيق، أو حيوان، أو عروض، وإن لم يشترطه. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، وغيرهم. وقول مالك: إن البراءة تنفع في كل عيب وإن كثر في الرقيق. وقاله أصحابه إلا المغيرة، فإنه قال: ما لم يجاوز ثلث الثمن، فلا تنفع فيه البراءة حينئذ. ومن كتاب ابن المواز: وقد كان مالك رجع، وقال: لا تنفع البراءة في ميراث ولا غيره، في رقيق وغيرها، إلا في عيب خفيف. وقال أيضًا: لا تنفع في الرقيق، إلا في بيع السلطان في الديون، فأما في بيع الميراث أو غيره، فلا، إلا فيما حق، فعسى به. ومن الواضحة: وما بيع من المغنم فوجد به عيبًا، فأرى إن لم يفرغ، ولم يقسم، أن يقيله ويبيعها ثانية، ويقسم ثمنه، وإن قسمه، لزم مشتريه على بيه البراءة، وما بيع بإذن الإمام على مفلس أو ميت، لقضاء دين، أو إنفاذ وصية، أو على أصاغر، فهو بيع براءة، وإن لم يذكر متوليه أنه بيع ميراث أو مفلس، وأما إن وليه الوصي بنفسه كما ذكرنا، بغير إذن الإمام، أو باعه الورثة وهم أكابر، ليقضوا دين الميت ووصاياه، فليس بيع براءة حتى يخبر من يليه أنه بيع براءة أو يذكر الميراث. [6/ 241]
وما باع الوصي على يديه للأيتام من رقيق وغيره، فليس بيع براءة، وإن بين أنه لأصاغر من ميراثهم حتى يشترط البراءة. وقاله أصبغ في ذلك كله. ومن كتاب محمد، قال مالك: بيع الميراث، وبيع السلطان بيع براءة، إلا أن يكون المشتري لم يعلم أنه بيع ميراث أو سلطان، فهو مخير في أن يحبسه بلا عهدة أو يرده. قال في بيع السلطان: وإن علم الإمام عيبًا، فكتمه، فللمبتاع الرد، وكذلك لو علمه المفلس وقد بيع عليه، فللمبتاع الرد، ولا تباعة على الإمام، ولا على الغرماء، وذلك على السيد، ولو كان السيد هو الذي باعه بنفسه، وقضى دينه، ثم أخبر بعيب علمه، فلا سبيل إلى الغرماء، أراه يريد: ولو قامت بينة بعلمه في هذا. محمد: هذا بيع في السلطان، ثم أقر المفلس بعد البيع بالعيب، فأما إن كانت بينة أنه كان يعلمه، فإنه يرد، ويؤخذ الثمن من الغرماء، ويباع لهم ثانية. وقاله ابن القاسم في بيع الوصي إن قامت بينة. فأما بإقراره، فلا، إن شاء المشتري رده على ربه، ولا يرجع على الغرماء بشيء. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: بيع الصفقة في العبد الغائب بيع براءة، ولا يرد بعيب إلا ما علم وكتم، وكذلك ما وهب من الرقيق للثواب، وهو أحسن ما سمعت. [6/ 242]
ومن كتاب ابن المواز: والنقد جائز في بيع البراءة، إذ لا عهدة فيه إلا في الجارية الرائعة، فلا ينقد فيها بشرط في الاستبراء، وإن بيعت على البراءة من غير الحمل، إذ لا تجوز البراءة فيها من حمل لم يظهر، وليتواضعا الثمن حتى تحيض، وتجوز فيها البراءة من حمل ظاهر. وأما الوخش، فتجوز البراءة فيها من حمل، وإن لم يظهر، وأما وطيئة السيد من الوخش وغيره، فلا يجوز ذلك فيها بحال. وبيع البراءة المشترط، وبيع السلطان، وبيع الميراث، يقطع العهدة في الثلاث والسنة، إلا الجارية الرائعة في ذلك، فهي في ضمان البائع حتى تحيض، وكذلك ما مسه السيد من الوخش فهو في ضمان حتى تحيض. وهذا كله قول مالك. قال أصبغ، ومحمد: وشرط البراءة في هاتين يفسد البيع. قال ابن القاسم وأشهب: وعبد الملك، قالوا: ولا يجوز بيع الرائعة التي يضع الحمل من ثمنها ما له بال بالبراءة من الحمل، وأما التي لا يضع ذلك من ثمنها ما له بال، فذلك فيها جائز. محمد: وإن بيعت الرائعة بالبراءة مطلقًا، ولم يذكر الحمل، فذلك جائز وفيها المواضعة. ابن القاسم: قال مالك في الجارية تباع بيع السلطان، أو بيع براءة، فتوجد حاملاً، فإن كانت رائعة حاملاً، لم تنفع فيها البراءة، وقاله ابن الماجشون. وذكر ابن حبيب، في باب بيع الإماء، في الجارية المسبية تقع في سهم رجل، أو يشتريها من المقاسم، فله أن يلتذ منها بدون الجماع قبل أن تحيض؛ لأن بيع المقاسم بيع براءة، ولو ظهر بها حمل، لم يردها عليه به. [6/ 243]
قال مالك: ومن باع عبدًا بالبراءة فقيم عليه بعيب قديم، فأنكر أن يكون علم به وليحلف على ذلك. قال في باب آخر: على علمه في الظاهر والخفي في هذا خاصة، فإن نكل، رد عليه، ولا يمين على المبتاع. من كتاب ابن سحنون: وسأله حبيب عن العبد قام فيه المبتاع بأضراس ساقطة، وقال البائع: تبرأت إليك منها. وأنكر المبتاع، فكلف البائع البينة، فأتى ببينة تشهد أنه باعه منه بالبراءة من كل عيب، وأنا لا أعرف هذه الأضراس، فقال البائع: إنما أردت بقولي: برئت منها: إنما أردت البراءة من كل عيب. قال: لا ينفعه قوله. وقوله: برئت منها، إقرار منه أنه كان يعلمها، وإنما البراءة مما لا يعلمه البائع. وقال سحنون: البراءة من العيوب كلها في الرقيق لازمة، إذا كانت حيوانًا لا يعرفها البائع. قال: فإن كان أعور أو أشل؟ قال: نعم، إذا كان البائع لا يعرفها، وإن كانت فاحشة. ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: إذا باعه بالبراءة، فظهر منه على بياض، فيأتي البائع اليمين أنه ما علمه، وقال المبتاع: احلف أنك ما رأيته، ولا علمته، ولا رضيته، فليس على المبتاع يمين في ذلك. قال ابن حبيب: إذا ثبت أنه قديم، حلف البائع على علمه، خفيًا كان أو ظاهرًا، وكذلك المفلس، ومن يظن أنه علم ذلك من صغار الورثة ثم يبلغ. فأما عيب يمكن قدمه ويمكن حدوثه، فلا يحلف فيه البائع في بيع البراءة، خفيًا كان أو ظاهرًا، فأما في بيع العهدة، فيرد بالعيب القديم، بلا يمين، وأما ما يمكن قدمه وحدوثه، فيحلف في الخفي على علمه، وفي الظاهر على البت، وهو أصل خفي حسن. وقاله مطرف وابن [6/ 244]
الماجشون، وأصبغ. ورواه عن ابن القاسم، وهو مذهب مالك. وكذلك في العتبية، وكتاب محمد، إلا في اليمين فيما يمكن قدمه وحدوثه، في بيع البراءة. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، أنه يحلف فيه البائع، فإن نكل، رد عليه، ولا يمين على المبتاع. ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: ومن باع عبدًا بالبراءة على أن لا يمين عليه، ثم وجد المبتاع به عيبًا قبيحًا، هل يحلف له البائع على علمه؟ قال: لا يمين عليه كما شرط. ومن كتاب ابن المواز، والواضحة: وكره مالك أن يبيع الرجل رأسًا بالبراءة، لم تطل إقامته عنده، ولم يختبره. قال أشهب: فإن وقع ذلك، لم يفسخ، وقاله أصبغ. وقال عبد الملك نحوه، وقد قال: يبيع الورثة ومنهم الغائب، ومن لم يطلع، فيبيع بمكنه، فيكون بيع براءة. وقال ابن حبيب في من باع ما لم يختبر، قال أصبغ: يلزمه، ولا يفسخ. قال محمد: وكره مالك للذي جاء بجارية من مكة أن يبيعها ولم يختبرها، أن يبيعها بالبراءة. قال ابن القاسم: لا تنفع البراءة من لم يعلم أنه لم يختبر العبد، وهو وجه من الغرر. ومن العتبية قال مالك في من اشترى جارية بالعهدة، ثم باعها بالبراءة، فإني أكره ذلك، ولكن لا يرد البيع. [6/ 245]
ومن كتاب محمد، والواضحة، في مقل معناه. قال مالك وأصحابه: ومن تبرأ من عيب، فمنه فاحش واضح ومنه خفيف، فلا يبرأ من فاحشة حتى يصف بفاحشة، من ذلك الإباق، والسرقة، والدبرة بالبعير، ومثل من تبرأ من كي، أو آثار بالجسد، أو من عيوب الفرج، فيجد ذلك متفاحشًا، في ذلك كله، فله الرد، وكذلك سائر العيوب. وذكر مثله ابن القاسم في كتاب محمد، قال: وقال أشهب: يفسخ ذلك، ما لم يصف له مبلغ الكي، وقدر كل كية، ويريه من ذلك ما يجوز له أن ينظر إليه، وكذلك قروح الجسد وحراحه، وكذلك ذكر البراءة في الدبرة إذا لم يصف قدرها وغدرها، وكذلك كل ما يختلف هكذا، فلا يجوز البيع إلا على ما ذكرنا. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إلي، وقد قال هو، وابن القاسم، في من تبرأ من الإباق، فوجد إباقه كثيرًا أو بعيدًا، فله الرد، قالا: وإن تبرأ من عيوب الفرج، جاز ذلك في اليسير، وأما في الفاحش، فلا. قال أشهب عن مالك: وإن تبرأ من كل مشش في الدابة، فإن كان معروفًا، تبرأ منه بعينه، فجائز رواه أشهب عنه. قال ابن حبيب: وإن تبرأ في جبتان من خرقها فشقت، فوجدت شديدة الخرق لا ينتفع بها. قال ابن الماجشون: إن لم يذكر له مقدار ذلك، ويرد إياه، أو يصفه، فله الرد. [6/ 246]
قال محمد: قال أشهب، عن مالك: ولا تنفع البراءة للبائع من كل عيب علمه، وإن سماه، حتى يخبر أنه بالعبد. محمد: وكذلك لو أفرد له عيبًا، فلا يبيعه حتى يخبر بأنه به. ومن الواضحة: وإذا سمى بالدابة عيوبًا، أو بالعبد منها ما بالعبد، ومنها ما ليس به، لم يبرأ مما به من يفرده، وله الرد، إلا أن يكون المبتاع عالمًا بذلك العيب، أو يكون عيبًا ظاهرًا، أو يخبره به غير البائع، فيلزمه، ولا يرد به. قاله مالك وأصحابه، ونحوه في كتاب ابن المواز: قال ابن حبيب: وكذلك هذا في غير الرقيق، إذا تبرأ من عيوب بالسلعة مع عيوب ليست فيها، فهو مثله، ولكن لا يبرأ في غير الرقيق مما لا يعلمه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع دابة، ثم وضع له بعد ذلك دينارًا على عيوبها، فوجد عيبًا، فله الرد. قال أصبغ: كما لو باعها بالبراءة، لم ينفعه. ابن حبيب: ومن قول مالك، في من باع دابة أو جارية بعشرة دنانير، على أن وضع دينارًا لعيوبها، فإنه إن وجد عيبًا، رده، وأخذ التسعة، كمن نكح بعشرة دنانير على أن تركت له دينارًا، على أن لا ينكح عليها، فالنكاح جائز، ولا شيء عليه. ابن حبيب: فأما لو تم البيع، ثم وضع عنه دينارًا في عيوبها، لم يجز ذلك في الدابة؛ لأنه خطر، ويرد الدينار، فإن وجد عيبًا، فله الرد، وهو في الجارية جائز؛ لأنه يلزمه فيها البراءة كمشتري مال العبد بعد الصفقة، أو يشتري من الصبرة ما له أن يستثنيه في العقد. والذي ذكر ابن حبيب في [6/ 247]
القول في عيوب الرقيق في أبدانهم وذكر الحمل والحيض والشهادة على العيب وعقوبة المدلس
الجارية آخرًا يرد قوله أولاً في الجارية؛ لقوله: إنه يلزمه ما بعد الصفقة في هذا، كما يلزمه في الصفقة، ورواية محمد أصح. ومن العتبية، قال أشهب، عن مالك: ومن ابتاع عبدًا بالبراءة، أو بيع ميراث، فلا يبيعه بيع الإسلام وعهدته حتى يبين أنه ابتاعه بالبراءة ولو لم يخبره بذلك في العقد، ثم أخبره، وقام يريد فسخ البيع، فلا يفسخ، وإنما عليه أن يبين له. قال مالك: ثم للمبتاع رده إن شاء. وكذلك قال في كتاب ابن المواز. قال في العتبية، في رواية أشهب: إن مالكًا قال لصاحب السوق: لا تدع من اشترى بيع الإسلام وعهدته أن يبيع بيع براءة، وامنعهم من ذلك، وافسخ ذلك بينهم، يبتاع أحدهم العبد بيع العهدة، ثم لا يقيم في يده كبير شيء، حتى يبيع بالبراءة فامنعهم من ذلك. والمبتاع بالبراءة له أن يبيع بيع العهدة، إذا بين أنه ابتاعه بالبراءة. ومن ابتاع بالعهدة حتى يبيع بيع براءة إلا من باع في دين عليه، أو بيع ميراث، أو السلطان ونحوه، فله ذلك، وقد تقدم فيه القول إن فعل. القول في عيوب الرقيق في أبدانهم وذكر الحمل والحيض والشهادة على العيب وذكر عقوبة المدلس من كتاب محمد، قال: ولا يرد به من العيوب إلا ما يجتمع عليه عدلان من أصل العلم بتلك السلعة وغيوبها، وقول امرأتين في عيوب الفرج والحمل وشبهه. [6/ 248]
قال مالك: ويعاقب من دلس. وكذلك ذكر ابن حبيب وغيره، عن مالك. قال مالك: ولا يرد من العيوب الخفيفة التي لا تنقص من الثمن، وإن كان عند النخاسين عيبًا، كالكي الخفيف، ولا يرد إلا بعيب تخاف عاقبته. وكذلك عنه في الواضحة. قال ابن القاسم في الضرس المنزوعة: خفيف في العبد والأمة، إلا في الرائعة التي ينقص من ثمنها. وكذلك روى عنه أصبغ، في العتبية. ومن الواضحة قال: والسن الناقصة عيب في الرائعة، في مقدم الفم ومؤخره، وليست في الأمة الدنيئة، ولا في العبد عيبًا، إلا أن تكون في مقدم الفم. وما زاد على سن واحدة، فعيب في العلي والوخش، من ذكر وأنثى. في مقدم الفم أو مؤخره. قال ابن حبيب: والسن الزايدة عيب في العلي والوخش، من ذكر وأنثى، قال مالك: والبخر في الفم عيب في الجارية والعبد، في الوخش والعلي. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في الشيب في الرأس: ترد به الرائعة، ولا ترد به غير الرائعة. قال أشهب: وقد قيل ترد بكثيره، ولا ترد بقليله، إلا أن يكتمه عن علم وعمد. قال ابن عبد الحكم: لا ترد الرائعة إلا بكثيره، وكذلك في الواضحة، عن مالك، قال ابن المواز: وهذا كله في الشابة. قال مالك في الواضحة، في التي جعد شعرها أو اسود: فذلك في الرائعة عيب، وليس في غير الرائعة عيبًا. وأما صهباء الشعر، فلا ترد به، وإن قال [6/ 249]
المبتاع: لم أكشف عنه، ولا علمت أنها صهباء الشعر. فلا حجة له، وهو باد لا يخفى، إلا أن يكون سود. وقاله ابن المواز، وإن كانت رائعة، إلا أن يسود وينقص ذلك من ثمنها. قال في كتاب آخر: نقصًا بينًا، وإلا لم ترد. ومن الواضحة قال مالك في الخيلان في الوجه، أو في الجسد تنتشر: فإن نقص ذلك من ثمن الرائعة، فهو عيب، وإلا ليس عيبًا. قال: وسمعت أهل العلم يقولون: والقبل، والميل، والصور، والزور، والصدر، والقزر، والعسر، والحبط، كل ذلك عيب في الأمة والعبد، رفيعين أو وضيعين، إلا أعسر يسر يعمل بيديه جميعًا، فليس بعيب في عبد ولا أمة. والقبل في العينين أو في إحداهما: أن تميل إحدى الحدفتين إلى الأخرى في نظرها، والميل في الخد: أن يكون مائلاً عن الآخر إلى جهة الأذن أو اللحى، والصور: أن يميل العنق عن الصدر إلى أحد الشقين، والجسد معتدل، والزور في المنكب: أن يميل بكله إلى أحد الشقين، والصدر: أن يكون في وسط الصدر إشراف كالحربة، والفزر في الظهر أو بين الكتفين: أن يكون هناك إشراف كالحدبة، ويقال للأحدب: أفزر، والأعسر: أن يبطش بيسراه دون يمناه، وأما أعسر يسر، فليس بعيب إذا كانت اليمنى في قوتها وبطشها بحال من لا يعمل باليسرى، وإن نقصت عن ذلك، لعمله باليسرى منها فهو غيب يرد به، الحبط: أثر الجرح أو القرحة بعد البرد، بخلاف لون الجسد فهو عيب، قال: والعجرة، والبجرة، والظفرة، والسلعة، عيب في العبد والأمة، رفيعين كانا أو وضيعين. فالعجرة: العقدة على ظهر الكف، أو الذراع، وفي سائر الجسد. والبجرة: نفخ كالعجرة، إلا أن [6/ 250]
البجرة لينة من نفخ ليس زائدًا. والسلعة: نفخ زائد ناتئ متفاحش أثره. والظفر: لحم نابت في مشفر العين. ومن كتاب محمد، والعتبية، رواية أصبغ، عن ابن القاسم: والكي الخفيف ليس بعيب، إلا أن يخالف اللون، فيرد، أو يكون متفاحشًا في منظره، أو يكون كثيرًا متفرقًا، فليرد بذلك، وإن لم يخالف اللون، ولا تفاحش في العظم، وكذلك إن كان في موضع مستقبح، مثل الفرج وما والاه، وفي الوجه. ومن كتاب محمد: والزغر وإن كان في غير العانة عيب. قال محمد: لا ينبت له في الساقين والجسد. قال ابن القاسم: وهو مما يتقى عاقبته من الداء السوء. قال ابن المواز: قال ابن القاسم في العبد يقول أهل النظر: نرى به جذامًا لا يظهر إلى سنة، لا يرد بذلك. قال محمد: لا يعجبني، ألا ترى أن العبد أو الأمة إذا قيل: إنه سياري، فإنه يرد لما يخاف به من الجذام. قال غيره: السياري: الذي لا حاجبان له. قال مالك: وليس الزلاء بعيب، إلا أن تكون ناقصة الخلق، وكذلك في الواضحة، قال ابن حبيب: الزلاء، عيب، إلا أنه لا يخفى على المبتاع. قال أشهب، عن مالك: والصغيرة القبل ليس بعيب، إلا أن يتفاحش، فيصير كالنقص. [6/ 251]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب محمد: إذا كانت الجارية غير مخفوضة، أو العبد أغلف، فإن كان من رقيق العجم الذين لا يختتنون، لم يرد، ذكرًا كان أو أنثى، رفيقًا أو وضيعًا، وإن كانوا من رقيق العرب، فيفترق، فأما الوخش، فلا يرد به، ويرد العلي من ذكر أو أنثى. قال: وتفسير رقيق العرب: ما طال مكثه بأيديهم، أو ولد عندهم، وأما ما قرب ملكهم إياه من الجلب، فليس كذلك. قال أصبغ: يريد بالعرب: المسلمين كلهم. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك من اشترى مسلمًا، فوجده أغلف، نظر، هل هو من رقيق العرب كما ذكرنا؟ وفي رواية محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية قال: هو عيب، ولم يفسر. وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم في الجارية يجدها لم تخفض، فإن كانت فارهة ردت. قال ابن نافع في العبد المسلم يجده المبتاع غير مختون: إنه يرد بذلك. وقال في الواضحة في العبد يجده غير مختون، والأمة غير مخفوضة: إن كانا نصرانيين، فليس بعيب باعهما مسلم أو كافر، وإن كانا مسلمين اشتريا من مسلم، فإن كان من بلد المسلمين، فهو عيب في الرفيع والوخش، إلا الصغيرين، لم يفت ذلك فيهما، وإن كانا مجلوبين، أو من رقيق العجم ممن قد أسلم، فيراعى فيهما كما تقدم من طول الإقامة وقربها. قال في كتاب ابن المواز والواضحة: وإن اشترى عبدًا نصرانيًا، فوجده مختونًا، فليس بعيب. قال ابن حبيب: وكذلك الأمة النصرانية يجدها مخفوضة، وذلك إن كانا من رقيق المسلمين، أو من رقيق العجم الذين عندنا. فأما المجلوبون، فهو عيب، لما يخاف أن يكونا ممن أغار عليهم العدو، أو أبق إليهم من رقيقنا. وقد قال ابن القاسم: هو عيب في مثل بلدكم. وقاله أصبغ. [6/ 252]
ومن كتاب ابن المواز والعتبية: قيل لمالك في من ابتاع جارية عليه أن يخفضها، قال: إن أراد حبسها، فنعم، وإن كانت للبيع، فليس ذلك عليه. قال ابن القاسم: وإن اشترى جارية، فوجدها مفترعة، فإن كانت في الصغر ممن لا يوطأ مثلها وهي ذات ثمن، فهو عيب يردها به، وإن كان مثلها يوطأ لم ترد، وليس على البائع أن يخبر هل هي بكر أو ثيب؟ وكذلك قال سحنون في العتبية، فإن كان مثلها لا يوطأ، فهو عيب في العلية، وإن كان مثلها يوطأ، فليس بعيب في العلي والوخش. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وكتاب محمد، قال مالك في الأمة تباع في ميراث، فيقول الصائح عليها: إنها تزعم أنها بكر، ولا يشترطون ذلك، فتوجد مفترعة، فله الرد، إلا أن يكونوا لم يذكروا ذلك أصلاً، وكذلك لو قال إنها تزعم أنها طباخة خبازة. ثم لم توجد كذلك، فلترد. ومن سماع أشهب: وإن قال: إنها بكرًا كانت أو ثيبًا، لا علم لي بذلك. فذلك جائز، سيما في الوخش. وكذلك في كتاب محمد، ولم يقل: سيما في الوخش. وزاد: ثم لا يكون للمتشري حجة. قال في العتبية من سماع أشهب: وإن باعها على أنهار بكر، فغاب المبتاع عليها بكرة، ثم ردها عشية، وقال: لم أجدها بكرًا، فلينظر إليها النساء، فإن رأين أثرًا قريبًا، حلف البائع، ولزمت المبتاع، وإن لم يكن قريبًا، حلف المبتاع وردها، وإن نكل، حلف البائع، ولزمت المبتاع. وقال عيسى عن ابن القاسم: ليس في [6/ 253]
هذا تحالف، فإن قال النساء: إن ذلك مما يكون عند المبتاع، لزمته، وإن قلن: قديمًا، ردت بغير يمين. وذكر ابن المواز، عن أصبغ، عن ابن القاسم مثل رواية عيسى. قال محمد: والذي أقول كقول مالك، لا بد من اليمين مع شهادة النساء. وشهادتهن في هذا كشهادة رجل، وليس مثل ما لا يعلمه غيرهن من عيوب الفرج والاستهلال والحيض، وإنما مسألتك: شهدن لرجل يدعي علم ما شهدن له به على غيره، فلا بد من يمينه. ومن كتاب ابن المواز: والجارية إذا وجدها قد حدت في خمر، فليردها بذلك. ومن اشترى صغيرًا، يرضع فوجده أصم، أو أخرس، لم يرد بذلك، إلا أن يعرف ذلك منه صغيرًا. وإذا كان بالأمة حمى تذهب عنها ثم تعاودها، فهو عيب ترد به، ما لم تنقطع انقطاعًا بينًا، ويطول الزمان. ومن الواضحة قال مالك: وإذا وجدت العبد مؤنثًا يؤتى، أو الأمة مذكرة فحلة تستذكر النساء، فإذا شهرًا بذلك فهو عيب يرد به، وأما توضيع كلام العبد وتذكير كلام الأمة وطبعها، فلا يردان بذلك. وهذا خلاف المدونة. ومن حلق لحية عبده وباعه، فحسب أنه أمرد، فهو عيب يرد به. قال شريح: ويعاقب بائعه. [6/ 254]
ومن اشترى صبية، فوجدها تبول في الفراش، فأما الصغيرة جدًا، فلا رد له بذلك، وإن باعها بعدما كبرت، وإن كان ذلك بها وقد ترعرعت، وفارقت حد الصغر، فذلك عيب، بيعت حينئذ، أو بعد أن كبرت، وعلى البائع أن يبين ذلك، وإن انقطع، إذ لا تؤمن عودته. ومن ابتاع أمة، فألفاها تبول في الفراش، فليس له ردها حتى تقيم بينة أنها كانت تبول عند البائع؛ لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر، ويحلف البائع على علمه، ولا يحلف بدعوى المبتاع، حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة فيذكر ذلك، ويقبل قول المرأة في رؤيتها، وقول زوجها عنها، فيجب اليمين على البائع بذلك، وليس ذلك بمعنى الشهادة، ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها بالغدوات مبلولا، فلا بد من رجلين؛ لأن ذها بمعنى الشهادة، ثم حينئذ يحلف البائع. قال: والغلام مثل الجارية في مثل هذا، وكذلك قال من كاشفت من أصحاب مالك. وقال مالك في العتبية من سماع أشهب: توضع على يدي عدل، ويقبل فيها قول النساء، ويقبل قول الرجال، ينظرون إليها، قيل: أفتراه مما يحدث؟ قال: يسأل عنه أصحاب الرقيق. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا انقطع البول عن الجارية، فلا يبيعها حتى يبين؛ لأنه لا تؤمن عودته، وكذلك الجنون، فإن لم يبين، فهو عيب ترد به. قال أشهب: في البول إذا انقطع انقطاعًا تامًا بينًا، وقضى له السنون الكثيرة، فما عليه أن يبين، وأما انقطاع لا يؤمن، فلا، وللمبتاع الرد. قال مالك: ومن ابتاع جارية، وقيل له: هي أعجمية لا تفصح، ولم يسموا له جنسها، فإذا هو جنس لا يفصح أبدًا، معروفًا بذلك، فقال: أعرف هو ذلك؟ قيل: نعم، قال: فلم لم يذكره عند الشراء. [6/ 255]
ومن الواضحة: ومن ابتاع عبدًأ، على أنه أعجمي، فألفاه فصيحًا، أو على أنه مجلوب، فألفاه مولدًا، فهو عيب يرد به، رفيعًا كان أو وضيعًا، لرغبة الناس في المجلوب لغير وجه، وقاله أصبغ. وقال يحيى بن يحيى في العتبية عن ابن القاسم في العبد يبتاعه على أنه إفرنجي بلغته، ثم يتبين بعد أيام أنه فصيح بالعربية، أو يجده مختونًا، وقد اشتراه مجلوبًا من أرض العدو، فإذا كان ذلك الذي اشترى عليه الناس، فيه أرغب أو أثمن فوجده على خلافه، فهو عيب. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن ابتاع جارية حدثة، قد بلغ مثلها، فتأخرت حيضتها شهرين، فذلك عيب ترد به، وكذلك الاستحاضة. قال: وذلك في تأخير حيضتها مما فيه ضرر. قال ابن القاسم: إذا تأخر حيضها الأربعة أشهر والخمسة، فله عذر وحجة، وأما ما لا ضرر فيه على المبتاع، فالبيع له لازم. قال أشهب: إن مضى بعد أيام حيضتها قدر الشهر والشهرين، لم ترد حتى يطول ذلك. قال: فإن مضى لها ثلاثة أشهر، نظرها النساء، فإن قلن: لا حمل بها، حلت للمشتري، فإن لم يطأ حتى طال ذلك بعض الطول الذي يظن به أنها ممن لا تحيض، فهو عيب، وله الرد، وإن كان قد وطئ، فلا رد له. قال ابن القاسم: إن وجدها لا تحيض، فهو عيب في العلي والوخش والسبي وغيرهم، إن بلغت ستة عشرة سنة ونحوها. قال ابن عبد الحكم، وأصبغ: وكذلك إذا استمرت مستحاضة، فهو عيب في العلية والوخش. قال محمد: يعني قول مالك في الاستحاضة: إذا علم أنها مستحاضة، وأما إن [6/ 256]
وضعت للاستبراء فحاضت ثم استمرت مستحاضة، فقد لزمت المبتاع. وقاله أشهب. قال محمد: إذا تبين أن أول الدم حيضة، لا شك فيه، وأما الدنية، فقد كان من قول ابن القاسم فيها مرة، يسأل عنها، فإن كان ذلك عيبًا، وينقص من ثمنها، ردت به. وفي باب الاستبراء زيادة في هذه المسألة لابن حبيب، وفيه ذكر التي تستحاض المرة بعد المرة، أو ترتفع حيضتها المرة بعد المرة. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع جارية، وقال: هي صغيرة لم تحض، وكانت قصيرة، فطمع المبتاع بنشوزها عند البلوغ، فلم تقم عنده إلا أيامًا حتى حاضت، قال مالك: إن كان يبلغ مثلها أن تحيض، حلف البائع ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة، فقد اثتمنه على ما قال، فلا أرى أن يحلف. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع أمة، فادعت الحمل، فليستأن بها، فإن قال النساء: إنها حامل. ردت بذلك، ولا ينتظر بها الوضع، ثم إن انفش، لم ترد إلى المبتاع. ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب: وسأله عن عيب الفم مثل الأضراس الساقطة، والحفر، والعيب في الفرج، وجري الجوف، هل هذا من العيوب الباطنة التي يحلف فيها البائع على علمه؟ قال: يسأل عن ذلك أهل الصنعة والمعرفة، فإن قالوا: هو من العيوب الباطنة فهو كذلك، وإن قالوا: هو من الظاهرة، فهو كما زعموا. [6/ 257]
ومن العتبية قال ابن القاسم، عن مالك، في من ابتاع سفينة من رقيق - يريد: وعرف عددهم - فيهم الزنج، والسند، تباع جملة، فتوجد فيهم أمة حامل، فلا ترد بذلك؛ لأنهم وخش. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك، في من اشترى جملة رقيق من السودان والزنج، فيجد فيهم أمة حاملاً، فإنها تلزمه، ولا رد له؛ لأنه لو اشتراها وحدها، كان له الرد بذلك. قال ابن المواز: وإن كانت وخشًا في رواية ابن القاسم، وفي رواية أشهب، عن مالك: لا ترد بالحمل في الوخش. قال أشهب في كتاب محمد في جملة رقيق يوجد بأحدهم عيب، فإن كان ذلك ينقص من ثمن الجملة، رده بحصته، وإن لم ينقص لم يرد، وقال: إن كان لو انفرد كان نقصًا. قال محمد: يستحسن هذا في الحمل خاصة، فأما في غيره، فليرد بحصته. ومن سماع عبد الملك بن الحسن، عن أشهب، في من ابتاع بقرة على أنها حامل، قال: إن لم يجدها حاملاً، فله ردها. ومن اشترى جارية على أنها حامل، فإن كانت مرتفعة بذلك، تبرأ ولا شيء له، وإن كانت من اللاتي يراد فيهن الحمل، فله ردها إن لم تكن حاملاً. وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن ابتاع جارية بشرط أنها حامل، قال: البيع فاسد بهذا الشرط. ومن الواضحة: ولم يختلف أن الحمل عيب في الجواري، إلا في الوخش، فلم يره ابن كنانة فيهن عيبًا، وابن القاسم يراه فيهن عيبًا، والذي أرى: إن كان [6/ 258]
القول في عيوب الرقيق في غير أبدانهم، وجامع ذكر العيوب فيهم
مبتاعها أرادها للبادية فليس بعيب، فإن كان ارادها للحضر للخدمة فذلك عيب. وفي باب المواضعة مسألة من تأخير الحيض ذكرتها هناك. القول في عيوب الرقيق في غير أبدانهم وجامع ذكر العيوب فيهم وفي العيب يزول قبل أن يقام به من كتاب ابن المواز، قال مالك: الزنى عيب يرد به العبد والأمة في العلي والوخش، وذكره ابن حبيب، عن مالك في الزنا، وشرب الخمر. ومن كتاب ابن المواز: وكذلك لو شربا المسكر وحدا في شربه، وإن لم تظهر رائحته بهما، فهو عيب في العلي. قال أشهب عن مالك: وإذا وجد الغلام أو الجارية ولد زنى، فهو عيب في العلي ممن ينقص ذلك من أثمانهم، ولا يرد بذلك في الوخش، إلا أن يكتمه البائع ذلك عالمًا به، فيرد بذلك في الوخش. وقال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في الجارية يرد بذلك، ولم يذكرا فارهة ولا غيرها. وكذلك في سماع ابن القاسم في العتبية. وقال ابن حبيب عن مالك: هو عيب في الرائعة والوخش، وفي العبد الرضيع. ومن العتبية من سماع أشهب: قال في الوصيفة المولدة تباع، فسئلت عن أبيها، فلم تعرفه، فقال المبتاع للبائع: اكتب لي طيبة، فقال: لا أدري وإنما [6/ 259]
ابتاعها من رجل من اليمامة، قال: وقد شرط له مولدة، ولا تكون المولدة إلا طيبة، فليحلف أنه لا يدري هي أم لا؛ لأنه يتهم أن يكون ندم، ثم إن شاء أمسك أو رد، وكذلك في كتاب محمد، وعمن ابتاع وصيفًا، فألفاه ولد زنى، فإن شرط أنه لطيبة، لم يرده. ومن ابتاع جارية، ليتخذها، فقيل له: لا يعرف أبوها، فلا رد له وإن كانت ذات ثمن، وكذلك لو أخبر أن أحد جديها أسود، فلا رد له. وفي الواضحة، عن مالك: أنه عيب في الرائعة للاتخاذ، لما يتقي أن يخرج ولده أسود، وإن كان أحد أبويها، أو جديها مجذومًا فهو عيب في الجارية والعبد والعلي والوخش. قال في كتاب ابن المواز في العبد أحد أبويه مجذوم: إنه عيب؛ لأنه يتقى ويكره شديدًا إذا ذكر. وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: والجارية توطأ غصبًا، ثم تباع، فذلك عيب، وعلى الغاصب نقصان الوطء في البكر والثيب، وإذا ردها المبتاع، فلا شيء عليه لوطئه، إلا في البكر يطؤها، ثم ترد بعيب، فليرد معها ما نقصها. ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم: قال مالك: ويرد العبد بالولد يكون له، أو الزوجة أو الدين عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبدًا، فوجد له زوجة أو ولدًا، فهو عيب، وكذلك الجارية، كان الولد صغيرًا أو كبيرًا، قاله ابن القاسم، عن مالك، وكذلك لو أعتقه المبتاع، لرجع بقيمة العيب، وكذلك في دين عليه. [6/ 260]
قال في الواضحة: إذا كان للعبد زوجة، فهو عيب، كانت حرة أو أمة، وكذلك الزوج في الأمة، كان حرًا أو عبدًا، وكذلك إن وجد لأحدهما ولد حر أو عبد أو وجد له أب وأم، إلا أن يموت من ذكرنا، من زوج، أو زوجة، أو ولد، أو من كان من الأبوين قبل الرد، فلا رد له. قاله مالك في هذا، أو فيما يزول من العيوب مما لا تخشى عاقبته. قال ابن حبيب: إلا أن تكون الأمة رائعة، فالتزويج لها عيب، وإن مات زوجها، وللمبتاع ردها به، إلا أن يكون المبتاع قد بين ذلك له. قال أبو محمد: وفي المدونة: إذا ابتاعها في عدة، فلم يعلم حتى خرجت من العدة، فلا كلام له. قال ابن حبيب: وليس الأخ والأخت في ذلك كالولد وكالوالدين، لبعد الضرر في ذلك، وإذا قال المبتاع في أمة ابتاعها: قد كان لها زوج، فمات عنها، أو فارقها، وصدقته الأمة، وصدقه البائع، فقد برئ البائع من ذلك، ولا يطؤها المشتري أو يزوجها إلا بينة على الطلاق، أو الوفاة، ثم ليس للمبتاع ردها بذلك، وإن قال: ظننت أن قول المبتاع والأمة في ذلك مقبول، فلا حجة له في ذلك، وإن كان مثله يجهل ذلك، وقد لزمته بعينها. ومن كتاب محمد: قال أشهب، عن مالك رواية. ورواه ابن القاسم عنه بلاغًا: إن كان عيب ذهب قبل القيام به، فلا رد له به، إلا الزوج في الأمة، أو الزوجة في العبد، تنقطع العصمة بينهما، فله الرد بعد ذلك. [6/ 261]
قال في رواية أشهب: وكذلك لو ماتت الزوجة بخلاف الوعك يزول قبل علم المبتاع، وكذلك في العتبية من سماع أشهب. قال أشهب: والدين على العبد إن سقط، أو قضي عنه قبل علم المبتاع بالعيب، فلا يرد به، وإذا علم به، قبل يسقط عنه فله الرد، وإن سقط بعد علمه، وكذلك كل عيب علمه، وكذلك كل عيب إن لم يعلم به حتى ذهب أو استحق برؤه، وأمنت عودته، إلا بأمر يحدثه الله، فلا رد له، وما لم يستحق برؤه، ولم تؤمن عودته، استؤني به، فإن استمر برؤه، لم يرد إلا أن تبقى منه بقية مثل دمعة في العين، أو تكمش في الجسد يخافه. قال ابن القاسم وأشهب: وكذلك إن كان له ولد، فمات قبل يعلم به، فلا رد له. قال أشهب: إن كان به جنون أو جذام أو برص، فبرئ قبل أن يعلم به، فإن طال ذلك حتى تؤمن عودته، فلا رد له، فكذلك في عهدة السنة. قال ابن القاسم: يرد في الجنون، إذ لا تؤمن عودته، وكما عليه أن يبين عند البيع وإن أمن منه. قال ابن حبيب، وسحنون: فإن كان زال الدين قبل الرد به، فإن كان أدانه في فساد، فله الرد به، وإن كان لم يكن أدانه في فساد، فلا رد له. [6/ 262]
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، في من ابتاع أمة على أنها نصرانية، فوجدها مسلمة، فكرهها، وقال: إنما أردت أن أزوجها لعبدي النصراني، فإن عرف ذلك من العذر وشبهه، فله ردها بذلك؛ لأن ذلك يضطره إلى شراء غيرها، وإن لم يُعلم لذلك وجه، فلا رد له. قال أصبغ: أو ليمين عليه أن لا يملك مسلمة، وقد اشترطه، فله شرطه، وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال عن أصبغ: وذلك إذا اشتراها بشرط، والشرط ضعيف. ومن كتاب ابن المواز: وإن اشتراها على أنها من جنس، فألفاها من جنس غيره، قال ابن القاسم: إن كان ذلك أدنى مما شرط، فله الرد. قال: وإن اشترى أمة على أنها بربرية فوجدها خراسانية، أو على أنها أشبانية فوجدها بربرية، فله أن يرد، لاستشكال ما بينهما. يعني محمد: ليس إحداهما أفضل من الأخرى بأمر بين. ومنه، ومن العتبية، والمواز: أشهب، عن مالك في الصبي يأبق من الكتاب، ثم بلغ، وكشفنا عنه ولم يبين، قال: يرد به ومثل هذا عادة، وكذلك في كتاب محمد. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من اشترى مغنية لتخدمه، لا يريد لغنائها، ولم يزد في ثمنها لذلك، فلا بأس به. قال سحنون: ينبغي لبائع المغنية أن لا يذكر ذلك، فإذا انعقد البيع، تبرأ منه. [6/ 263]
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع أمة، فوجدها مغنية، فلا رد له، إلا أن يشتريها بشرط ذلك، فيفسخ البيع. قال أشهب: لا تباع ممن يعلم أنها مغنية، وإن تبرأ من ذلك، فليس بشيء؛ لأنه إخبار بغنائها. ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا قالت الأمة: ولدت من الذي باعني، لم تحرم على المبتاع، إلا أنه عيب. قال ابن القاسم: يريد إذا باعها هذا فليبين، إذ لا يقدم أهل الورع على هذا. وهذا في كتاب محمد، والواضحة. ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم: ومن امتنع من بيع عبده بمائة، فقال له أجنبي: بعه مني بمائة، ولك علي عشرون، ففعل، ثم علم المبتاع، فلا رد له ولا قيام، إلا أن يكون ابتاعه للعتق. قال: ولو ابتاعه رقبة وقد كتب البائع على الأجنبي: عشرين. وكتبها الرجل على العبد ثم قام المبتاع، فإن علم البائع ما كتب الرجل على العبد يوم البيع، سقطت عن الحميل وعن العبد، فإن لم يعلم، وظن أنه حمل ذلك في ماله، فهي على الحميل بها، ويرجع على العبد، ويرجع المبتاع على البائع بقيمة عيب الدين. وإن ادعى المبتاع أنه ابتاعه بماله، فأنكر البائع، فالبائع مصدق مع يمينه إن لم تقم بينة، وإن قامت بينة أنه قال: إنما ابتاعه بما في يديه؛ لأني أعتقته، ليستغني بماله، فسكت البائع، ولم يقل: نعم، ولا لا، وباع على هذا، فالمال بيد العبد تبعًا. [6/ 264]
في عيوب غير الرقيق، وشيء من معاني الغش
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع عبدًا ليعتقه تطوعًا، فأبى البائع إلا بخمسين، فكتب العبد: عشرين. بغير علم البائع، حتى باعه بأربعين، وأعتقه، قال: لا يجوز ما صنع، ولا يلزم العبد شيء. ومن الواضحة: ومن باع جارية لها زوج، أو في عدة وفاة أو طلاق، ولم يبين ذلك للمبتاع، فوطئها، فإن حملت بعد حيضة من العدة، فالولد له إن جاءت به لستة أشهر، وهي به أم ولد، ثم لا تحل له أبدًا، وتعتق عليه ساعة حملت، ويرجع على البائع بعيب ما كتمه، وإن وطئها وزوجها قائم، وهي في عصمته، فإن كان غائبًا أو معزولاً عنها قدر الاستبراء، وذلك حيضة أو مقدارها، لحق الولد بالمبتاع، وترد إلى زوجها إذا وضعت، وهي بذلك الولد أم ولد للمبتاع، وإن حلت يومًا من الزوج، حل له وطؤها، وعتقت من رأس ماله إذا مات، كان زوجها حيًا أو ميتًا، ولها الخيار في نفسها إن كان زوجها عبدًا، ويجرع المشتري على البائع بقيمة عيب ما كتمه من الزوج، وإن لم يكن الزوج غائبًا ولا معزولاً، فالولد للزوج، وترد الأمة على البائع بعيب الزوجية، ولا شيء على المبتاع للوطئ، إلا أن تكون بكرًا لم يبن بها الزوج، فيرد معها ما نقصها الافتضاض، وإن وطئها في هذا كله، وهي حامل من زوجها أو من غيره، أو ليست بحامل، فليردها بعيب الزوج، وإذا وطئها وهي حامل حملاً بينًا، لم يعتق عليه الولد، كان له أب أو لم يكن. في عيوب غير الرقيق، وشيء من معاني الغش من الواضحة، قال: وفرق مالك بين الثياب والدواب في الرد بما خف من العيوب، فقال: ما وجد في الثوب، من خرق، أو حرق، أو قطع، أو ثقب، فله [6/ 265]
الرد به وإن قل، بخلاف ما يقل من عيوب الرقيق، إلا أن يكون ثوبًا يقطع. ومثل ذلك يخرج في تقطيعه، فلا يكون ذلك فيه حينئذ عيبًا. ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك: العثار في الدابة عيب ترد به، ويرد الفرس الرهيص، وليس له أن يقول: اركبها يزول إلى يوم أو يومين. وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال أشهب، عن مالك، في من ابتاع دابة، فوجد جوفها أخضر، فظن أنه من ضرب، فلا رد له، وقد يقال له: سمينة، فيجدها عجفاء، قيل: أيحلف؟ قال: إن جاء بوجه، حلف. وذكرها عنه محمد، ولم يذكر اليمين. قال مالك: ومن ابتاع ناقة، ليحمل عليها، فحمل عليها ثقله، فلم تنهض، فإن لم تكن عجفاء، ولا زاد فوق طاقتها، فله الرد، وكذلك إن كان ذلك من صعوبة، وإذا سام بدابة فركبها، فرأى سيرها حسنًا، فابتاعها، ثم مضى بها، فوجدها غليظة، فلا رد له قال: وإذا أصاب في الدار صدعًا يخاف عليها منه الهدم، فله الرد به. فإن لم يخف منه ذلك عليها لم يرد. محمد: ويرجع بقيمة ذلك العيب. وعلم أحد المتابعين بكيل الصبرة دون الآخر، كالعيب إذا بيعت جزافًا، وللذي لم يعلم نقض البيع وبها، وقاله أشهب. ومن العتبية، وكتاب محمد، روى أشهب، عن مالك، في من ابتاع سمنًا، فوجده سمن بقر، فقال: ما أردت إلا سمن غنم، فله أن يرده. [6/ 266]
ومن ابتاع قلتسية سوداء، فوجدها من ثوب لبيس، فلا رد له، إلا أن يكون فاسدًا؛ لأنها تعمل من الخلقان وكان ينبغي أن يبين. وكذلك في كتاب ابن المواز، وزاد: فإن وجد حشوها صوفًا: فأما الرفيعة، فليردها، وأما الدنية، فلا رد له، وإن جعلوا مع القطن صوفًا تحته، وخلطوا مع القطن الجديد قديمًا، فهذا من الغش، ولا خير فيه. ومن العتبية، رواية عيسى، ورواه أصبغ في كتاب ابن المواز، والواضحة، قال ابن القاسم في الفرايين يزينون وجوه الأفرية، لتحسن، وربما يستر بعض عيوبها، فلا رد له. ابن المواز: إلا أن يجد عيبًا، فله الرد. وكذلك في الواضحة عن ابن القاسم نصًا، قال ابن القاسم: فإن لم يكن يعلم بذلك، فله الرد، وجد عيبًا أو لم يجده، عرف بعيب التتريب أم لا، إذا كان يغيب بعض العيوب. وقاله أصبغ. وقال في الواضحة: إذا اشتراها من لم يعلم أنها متربة، فله الرد، وجد عيبًا أو لم يجد، عرف أنها معيبة قبل التتريب أم لا، إذا كان يغيب بعض العيوب. ومن الواضحة: ومن اشترى شقة، فوجد أحد جانبيها أطول بذراع، أو أحد كرفيها أعرض من الطرف الآخر بشبر أو بذراع، فإن اشتراها على ذرع مسمى، فنقص في طول أو عرض، فهو عيب، وإن لم يكن على ذرع، فليس [6/ 267]
بعيب؛ لأنه إن قال: وجدت طرفًا أقصر، أو أضيق. قال البائع: بل وجدت أحدهما أطول أو أعرض، فلا حجة له، إلا أن يتفاوت ذلك تفاوتًا شديدًا يفسد الثوب إذا قطع قميصًا، فله الرد بعيب الفساد، إذا كانت لا تصلح إلا للقطع. وأما الملحفة والإزار، فليس ذلك فيها بعيب، وسواء قاس المشتري جانبها الطويل أو العريض، فظن الطرف الآخر كذلك، أو لم يقس، وقاله كله أصبغ. قال أصبغ: ومن ابتاع قميصًا، فوجد بنائقه أدنى رقعة من بدنه وكميه، أو وجد مقعدة السراويل كذلك، فإن كان متفاوتًا غير متقارب، فله الرد، وإن تقارب فلا رد له. قال أصبغ في الجبة تباع، أو الساج وقد قلب، فهو عيب، وكذلك الثوب يلبس أسمر حينًا، ثم يقصر أو يخرج هدبه، بعد أن بليت وقطعت، والجاهل يظنه جديدًا، فذلك عيب يرد به، ويؤدب من يفعل ذلك. قال أصبغ: والفرو الطويل الصوف، فيقص بالمقراض، ويضرب بالقضيب، ليرى أنه خرفان، وهو كباش، فله الرد بذلك، وهذا من الغش، وعن الفرو يندى بعد فراغه، ثم يمد، فإذا لبس يسيرًا نقص نقصًا فاحشًا، فهو غش، ويرد به، والفرو الجديد يتقلص إلا أن الممدود منه مجاوز التقلص المعروف، فيرد بذلك. وقال في الفرو تكون فيه بقعة منتوفة، فيجعل عليها صوفًا، أو تكون مصوفة لا جلد لها، فيضرب عليها جلد خشن لا صوف له، فهذا غش يرد به، ولو لم يكن فيه إلا رقعة واحدة، إن كان فرو له قدر إلا أن يكون يسيرًا جدًا، مثل الثقب وشبهه، وكذلك لو جعل في مثل هذا من الخروف في فرو القلنيات يستر خفة صوفه، أو قباحة جلده، ولا بأس أن يجعل في خواصر الفرو، أو كميه جلود مسود؛ لأنه يرى، وإن عمل فرو من جلود الميتة وحريره، ولا يبين ذلك [6/ 268]
في بيعه، فلا بأس به، وإن شرط جيزية، وفيه أندلسية مثلها من الجودة، لم يصلح، وكان له الرد؛ لأن الجيزية يرغب فيها، وإن شرط أندلسية وفيه جيزية مثلها أو أدنى منها فلا بأس به، وإن لم يشترط ذلك، فقال المبتاع: قبلت فيه جلودًا جيزية، فظننته كله جيزيًا، فلا رد له إن لم يكن شرط إلا أن يكون أكثره وظاهره ووجهه جيزيًا، فيشتريه على ذلك، فله الرد وإن لم يشترط. وإن اشترى شعيرًا، فزرعه، فلم ينبت، وثبت ذلك، فله الرجوع بقيمة العيب، يقوم على أنه ينبت، وعلى أنه لا ينبت، فيرجع بما بين ذلك، سواء علم البائع أنه لا ينبت أو جهله، لا ينصرف إلى غير وجه، وقد جاء الذي علم أنه لا ينبت فلم يبينه بالإثم والعقوبة، إذ دلس ولم يبين. يريد ابن حبيب: إن لم يشترط عليه زريعة، ولا بين أنه يشتريه لذلك. ابن حبيب: فلو زارع به أحدًا، فنبت شعير صاحبه، ولم ينبت هذا، فهذا إذا دلس، رجع عليه صاحبه بنصف مكيلته من شعير صحيح، وبنصف كراء الأرض الذي أبطل عليه، وإن لم يدلس، رجع عليه بنصف قيمة العيب، وما نبت في الوجهين، فبينهما. وكذلك قال أصبغ في ذلك كله، وقال ابن سحنون مثله في ذلك كله، إلا في الكراء، فلم يذكر ذلك، وزاد، فقال: وإن لم يدلس دفع إلى شريكه مثل نصف زريعة صاحبه صحيحة، ودفع له شريكه مثل نصف زريعته التي أنبتت، وهذا إذا زال إبان الزراعة. وأما إن علم في إبان الزراعة، وقد دلس، فعليه أن يخرج قفيزًا آخر صحيحًا، فيزرعه في مكانه، وإن لم يغره، فعليهما جميعًا، إن شاء أن يخرجا قفيزًا آخر، فيزرعانه أيضًا؛ لأن الشركة قد لزمت بالتعاقد، وإبان الزراعة لم يفت بعد. ولكن ينبغي إن جاءه بقفيز ينبت أن يزرعاه جميعًا ويرجع عى صاحبه بنصف قيمة مجمل القفيز الأول. وقد يتفاوت ذلك. وقال سحنون في كتاب ابنه: [6/ 269]
في خلط الجيد بالرديء من الطعام وغيره، وفي خلط اللبن، وفي الحشف يجعل في الطعام
إذا باعه منه على أنه زريعة تنبت، وهو يعلم أنه لا ينبت، رجع عليه بجميع الثمن، وإن لم يعلم رجع عليه بالثمن، ورد عليه شعيرًا مثله، وذلك إذا ثبت ببينة أن الشعير بعينه زرعه في أرض ثرية، فلم ينبت. وقد أفردنا بابًا لذكر الغش والخديعة والخلابة، وخلط الدني بالجيد وشبه ذلك. وعيب الزريعة مذكور في كتاب المزارعة. وسأله حبيب عمن باع جنانًا في أرض، وفي الجنان قناة شارعة، أتراه عيبًا؟ قال: نعم. قال مالك في كتاب ابن المواز في طافي الحوت: لا بأس بأكله، ولكن لا يبيعه حتى يبين، وإلا فهو عيب. ومن لبس ثوبًا، ثم قصره، فليبين في بيعه، وإلا فهو عيب. وكذلك قال في الواضحة، إلا أنه قال: لبسه لبسًا بينًا كثيرًا. قال مالك: ويبين لمن اشترى الرطب المخلل والثياب المعصفرة؛ لأنه غش وعيب. في خلط الجيد بالرديء من الطعام وغيره وفي خلط اللبن وفي الحشف يجعل في الطعام أو الماء في اللبن والعصير من كتاب ابن المواز: ولا يخلط طعام بدونه، ويعاقب فاعله، وكذلك البر والشعير. قال مالك: وكذلك جميع الطعام والتمر وغيره، وليس الجمع من التمر مثل ذلك؛ لأن التمر يختلط إذا أخذ. قال أصبغ، عن ابن القاسم: لا يجوز أن يخلط زيتًا دنيئًا بجيد، وإن كان يبين ذلك. [6/ 270]
وقال مالك في من خلط قمحًا بشعير لقوته، فكره له بيع ما فضل منه وإن قل، وكذلك في التمر والسمن أو العسل، والسمن يخلط منه جيدًا بدنيء لبيته، ثم يريد أن يبيع منه. قال ابن القاسم: إذا لم يتعمد خلطه للبيع، فأرجو أن يكون خفيفًا. وقال مطرف، وابن الماجشون، في الواضحة، مثل قول ابن القاسم، وزادا فقالا: ذلك إذا كان يسيرًا، يريدان - والله أعلم - مما يخلط مثله للفوت. قالا: وإن كثر، فلا خير في بيعه. وروى عيسى عن ابن وهب في العتبية في الذي يبيع الطعام، فيأتيه رجل بطعام مأكول - أراه يريد: مسوس - ليبدله له، ويخلطه بما يبيع، فلا ينبغي، وهذا عيب. قال ابن القاسم: يبدله ولا يخلطه. ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ، عن ابن القاسم: ولا خير في أن يخلط ذهبًا رديئه بجيده ويذيبها، وهو غش، فإن قدر على تمييزهما فعل، وإن لم يقدر فله أن يبيعهما إذا بين، وإن لم يبين فهو عيب وغش. وقاله أصبغ. قال مالك في رب السفينة يبتاع القمح الأسمر المشعر، ثم يشتري أبيض، فيصبه عليه، ولا يخلطه، فلا أحبه، وليجعل كل شيء على حدته. ومن سماع أشهب، ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في لبن البقر والغنم يخلطان، فيخرج زبدهما معًا ثم يباع لبنهما، قال: أحب إلي أن يعرف كل واحد على حدته، فإن لم يفعل، فليبين ذلك في بيعه للبن والزبد. [6/ 271]
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم في الجزار عنده لحم سمين ومهزول، وقد خلطهما، فيبيعهما بوزن واحد، قال: والمشتري يرى ما فيه من سمين ومهزول، ولكن لا يعرف وزن هذا من هذا، قال: أما شراء الأرطال اليسيرة، كشراء الرجل بالدرهم والدرهمين، فذلك جائز، وأما ما كثر كعشرين رطلاً، وثلاثين رطلاً، فلا خير فيه حتى يعرف وزن هذا من هذا، وهو خطر، وليمنع الجزار من خلط السمين بالمهزول، وهو غش، ولا يحل لهم. قال في العتبية: لا يحل له ذلك، وإن بينه عند البيع، قال في الواضحة مثله كله. وقال في أول المسألة: وإن كان السلطان لا يغيره، فاشتراه منه مخلوطًا، فذكر مثل جواب ابن القاسم. ومن العتبية، في سماع أشهب: ولا بأس ببيع الصبرة من طعام، أو تمر، وفيهما حشف فيكون داخلها وعلى وجهها، ما لم ير من أعلاها، فيكون داخلها، بخلاف خارجها. قيل: أرأيت الحشف إذا كان في داخله وخارجه، فقلب ما على وجه الصبرة فيجعله ناحية ولا يدخله في داخلها. قال: لا يعجبني. وذكره في كتاب محمد، وقال: هذا تزيين، ولا يعجبني. قال مالك: وما يجعل في التبن أسفل المطمر عند الخزن، أو في السفينة، فلا بأس بذلك، وليس من الغش. قال مالك: ولا بأس بخلط الماء باللبن، لاستخراج زبده، فأما بعد ذلك، فلا. [6/ 272]
جامع في الغش والتدليس وما يصنع بما غش من الأشياء ورد ذلك إذا بيع
قال سحنون في العتبية: ولا بأس أن يصب في العصير المتخذ للخل الماء، لئلا يصير خمرًا، ويعجل تخليله إذا قصد هذا، ولم يرد الغش. جامع في الغش والتدليس وما يصنع بما غش من الأشياء وفي رد ذلك إذا بيع وفي الذهب الرديء من الواضحة، قال مطرف وابن الماجشون: ويعاقب من غش ويضرب، أو يخرج من السوق، إذا كان معتادًا للغش والفجور، ولا يراق ما غش، إلا ما خف، كاللبن بغشه بالماء، أو يسير الخبز الناقص، فليتصدق به أدبًا له مع تأديبه بما ذكرنا. وأما الكثير من اللبن والخبز، فلا، ولا ما غش من مسك وزعفران. قال ابن حبيب: ولا يرد ذلك إليه، وليبع ممن يؤمن أن يغش به من أهل العطر، ومن يصرفه في وجوه مصارفه. وما كثر من الخبز، فإذا كسر عليه أسلم إليه، وما كثر من لبن، أو عسل غشه، أو سمن غشه بشحم، فليبع ممن يأتدم به بالبراءة، ممن يؤمن أن يغش به. وكذلك كل ما غش، وقاله أصحاب مالك. وروى أشهب، عن مالك، في العتبية، وابن الماجشون في الواضحة. قال: ولا ينهب متاع الرجل إذا غش، وأرى أن يعاقب من أنهب أو انتهب. [6/ 273]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من فجر في السوق: أرى أن يخرج منه، وذلك أشد عليه من الضرب. وقال في موضع آخر فيمن جعل في مكياله زفتًا، أرى أن يضرب، ويخرج من السوق. مالك: وما غش من لبن أو غيره، فلا يراق، وليتصدق به، وكذلك الزعفران والمسك، وإن كان هو غشه. وأما إن ابتاعه مغشوشًا، فلا. قال ابن القاسم: وهذا في اليسير، فأما الكثير، فلا يتصدق به على من غشه، وليوجع أدبًا، ومن ابتاع ما ذكرنا من المغشوش، أو أقمحًا مبلولاً، وفات عنده أو أكله، فليرجع بما بين الصحة والداء؛ لأنه لا يوجد مثله. وقال أشهب: سواء دلس أو لم يدلس. قال ابن القاسم: إلا أن يوجد مثله، ويحاط بذلك، فليرد مثله، ويرجع بالثمن. وقال أشهب: إن وجد مثله سواء، فهو مخير في رد مثله، أو أخذ قيمة الغش. وقال سحنون: لا يرد مثله، وإن وجد مثله. قال مالك في الزعفران المغشوش: له رده، ولا أرى أن يحرق. قال: ومن قبض دينارًا من دين، فقطع منه لحاجته، فوجده مغشوشًا، فليرد مثله في رداءته صحيحًا، ويرجع بديناره. وقاله أصبغ. ورواه أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية، وذلك إذا قطعه قبل أن يعلم برداءته. ومن العتبية من سماع أشهب، ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في جواز الذهب: أما في مثل مكة، يجوز بها كل شيء، فلا بأس به، وأما في غيرها فلا، حتى يبين. [6/ 274]
قال عنه ابن وهب، في الدراهم، يكون في وجوهها ما يكره، فلا يباع بها شيء، وإن أخذها بعض الناس، وأراه عيبًا. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وعن الدراهم النقص يتبايع بها بين الناس، أتغير؟ قال: أرى أن تترك، وفيها رفق بالناس، تأتي المرأة بغزلها وغير ذلك. قيل: أفينادي الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها؟ قال: لا ينبغي ذلك، ولا يكره الناس عليه، وليبع الرجل من النقد بما أحب. ومن كتاب محمد بن المواز: قال عنه أشهب، في المبتاع فيه الخلل والسقط، فيكمده ليصفق ويستر خلله، قال: ولا خير في الغش. قال مالك في الخمر من الخز يبل لها الخبز ويرش عليها لتصفق وتشتد، فذلك من الغش، ولا خير فيه. ومن الواضحة قال: ومن الغش تصميغ الديباج، ليصفق ويشتد ولينهوا عن ذلك، وعن تصويرهم فيه صور الحيوان. وأما ما لا زوج فيه من الشجر وشبهها، فلا بأس بتصويره، ويعاقب من لم ينته، وكذلك ما يفعله الحذاءون من تغليظ حواشي النعال قبل حدوها، ليواروا رقتها، وللمبتاع الرد بذلك، ويعاقب فاعله. ومن العتبية، روى ابن القاسم، وأشهب، عن مالك، قال: ويمنع الجزار من نفخ اللحم. قال عنه ابن القاسم: وهو يغير طعمه. [6/ 275]
فيمن ابتاع جنسا فوجد خلاف الجنس الذي ابتاعه أو ذكره أحد المتبايعين
قال أصبغ، عن ابن القاسم، في بيع أشياء يغش بها: فأما ما لا وجه له إلا الغش، فلا أحب بيعه، وأما ما فيه نفع سوى ذلك، فله بيعه ممن لا يدري ما يصنع به، فأما إن علم أنه يبيعه للغش، فلا خير فيه. قال ابن القاسم، عن مالك: أكره أن يغش البسر حتى يصير رطبًا، وإنما كرهه من أجل فساد التمرة، وهو تعجيلها قبل طيبها. قال مالك: ولينهوا عن بيع رطب يبيعونه ممن يرشه بالخل. وهذا في كتاب ابن المواز مثله، وقال في جامع البيوع من العتبية، من رواية ابن القاسم، عن مالك: أنه أجاز شراء العنب المحصرم والرمان الأخضر وشبهه من إنجاص وتفاح وأترج قبل طيبه على القطع. قال: وإنما كره ذلك هاهنا؛ لأنه يضر بالناس، فأما بالأمصار، ففاكهتهم كثيرة، ولا أرى به بأسًا. ومن كتاب محمد: قال مالك في الثياب تطوى وتظهر وجوهها، وتكون وعيوبها داخلها، فينشر للمبتاع منها ثوبًا أو ثوبين، فيرى عيوبها، فيقول له البائع: اشتر على هذا. قال: غيره أحب إلي، وأرجو أن يكون خفيفًا. فيمن ابتاع جنسًا فوجد خلاف الجنس الذي ابتاعه أو ذكره أحد المتبايعين أو خلاف ما ظن أو جعل رجل ثوبه في بيع الميراث من الواضحة قال: ومن الخلابة والخديعة أن نسبت السلعة إلى غير جنسها، أو يسميها بغير اسمها، فللمبتاع الرد بذلك، ولو أتي أحد المتبايعين من [6/ 276]
جهله بالبيع، فباع أو ابتاع ما يساوي مائة درهم بدرهم كان ماضيًا عليهما. وروي عن شريح، في من قال لرجل: بكم هذا الثوب الهروي؟ فقال البائع: بكذا. فابتاعه منه، ثم تبين أنه غير هروي، ولكن صُنِعَ صُنْعَ الهروي، فأجاز ذلك عليه شريح. قال ابن حبيب: لأنه لم يبعه على أنه هروي هراة، إنما هو هروي البيع. قال مالك في من باع حجرًا بدرهمين، فإذا هو ياقوت رفيع الثمن، فالبيع لازم. وكذلك في سماع أشهب، من كتاب ابن المواز، وقال: باعه ممن يشتريه، فإنه يلزم، ولو شاء استبرأ لنفسه قبل البيع. قال ابن حبيب: وذلك إذا قال: من يشتري مني هذا الحجر؟ لأن الياقوت يسمى حجرًا، وسواء علم المشتري حين اشتراه أنه حجر أو ياقوت، أو لم يعلم، وكذلك لو ظن المبتاع أنه ياقوت، فترفع ثمنه، فأخطأ ظنه، فلا رد له. ولو قال البائع: من يشتري مني هذا الحجر الزجاج؟ فباعه، ثم ظهر أنه ياقوت، فللبائع رده. جهله المبتاع أو علمه، كما لو سمى ياقوتًا فألفي زجاجًا، فله رده، وأما إن سكت، أو قال: حجرًا. فلا كلام له إن وجد ياقوتًا. ولو قال المبتاع: بعني هذا الزجاج، ففعل، والبائع يجهله، فوجد ياقوتًا، فللبائع رده، وكذلك لو قال: بعني هذا الياقوت، فألفاه زجاجًا، فله رده، بخلاف مسألة شريح؛ لأن ذلك لصبغه يسمى: هروي حتى يقال: هروي هراة. وكل ما شرحت من ذلك، فقول مالك. قال مالك في سماع أشهب، في العتبية، وفي كتاب ابن المواز: وقد باع مصلى في ميراث، ثم قال للمبتاع: هو خز؟ فقال البائع: ما علمت، ولو [6/ 277]
فيمن قام بعيب وقد حدث عنده عيب آخر أو أحدث صنعة في السلعة
علمت ما بعت بهذا الثمن. فالبيع لازم، ولو شاء استبرأ. ثم ذكر المسألة التي ذكرنا في الحجر. قال في سماع أشهب: وكذلك لو باع ثوبًا مرويًا، ثم قال: لم أعلم أنه مروي، ظننته كذا. أو قال المشتري: ظننته خزًا. وليس بخز، فهذا مثله. وروى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن اشترى ياقوتة، وهو يظن أنها ياقوتة، ولا يعرفها هو ولا بائعها، فوجدها غير ياقوتة، قال: فله الرد، بخلاف الثياب، وكذلك قرط ذهب يشتري، ولا يشترط البائع أنه ذهب، والمبتاع يظنه ذهبًا، فوجده نحاسًا، فله رده. وروى عيسى، عن ابن القاسم في الرقيق يجلب من طرابلس، فيخلط فيها مصري، رأسًا يبيعه، ويأمر الصائح ببيعه، ولا يذكر أنه له، قال: أرى للمبتاع رده إذا علم، وكذلك الدواب والحمير يجلب مثل هذا. وقال مالك مثله فيمن خلط سلعته بتركة ميت تباع: إن المبتاع بالخيار إذا علم. وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى ثوبًا على أنه يحرث، فوجده لا يحرث، فكتب إليه: له شرطه، قيل لسحنون: فإن اشتراه ولم يشترط شيئًا فوجده لا يحرث، وإنما اشتراه للحرث فكتب إليه ليس له رده في هذا إلا أن يشترط ذلك. فيمن قام بعيب وقد حدث عنده عيب آخر أو أحدث صنعة في السلعة أو جنى العبد أو مرض والبيع صحيح أو فاسد من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا قام المبتاع بعيب قديم، وقد حدث عنده عيب خفيف، من حمى، أو رقد، أو نحوه، قال في [6/ 278]
الواضحة: أو صداع في جسم، أو موضحة، أو منقلة، أو جائفة، إن برأت، فليس عليه لذلك غرم إن رده، ولا يوجب له أخذ قيمة العيب القديم إن حبسه. وقال محمد بن عبد الحكم: إن الحمى والوعك عيب عند أشهب، وبه أقول. قال ابن المواز: وإن كان أخذ للموضحة عقلاً: فلا شيء عليه إن رد بالعيب، بخلاف قطع اليدين. قال ابن حبيب: وكذلك ما حدث عنده من شرب خمر أو زنى أو سرقة، أو إباق، فلا شيء عليه في هذا إن رده، كما ليس له قيمة العيب القديم إن حبسه، قال مالك في الكتابين: وأما الافتضاض في الإماء، فمن العيوب المفسدة، لا يردها بالعيب القديم، إلا ما نقصها الافتضاض. قال: ولا شيء عليه في وطئه إن لم تكن بكرًا. قال ابن حبيب: قال ابن نافع وابن وهب وأصبغ: إذا وطئها بكرًا كانت أو ثيبًا، فليس له ردها، وإنما له قيمة العيب، وروي أن عمر بن عبد العزيز، وعلي بن أبي طالب قضيا بذلك. وقاله أشهب والليث. وبه أقول للذب عن الفروج، وقد ألزم مالك الغاصب قيمة الأمة إذا غاب عليها، إن شاء ذلك ربها، وألزم الشريك القيمة بالوطء، والأمة المحللة، والأب يطأ أمة الابن، فلا بد فيها من القيمة. ومن كتاب ابن المواز: ومن قام بعيب، وقد حدث عنده عيب مفسد، فأما في الرقيق فيستوي التدليس فيها وغير التدليس، في أنه لا يردها إلا وما نقصها عنده العيب، إلا أن يكون ما أصابه من نقص أو فوت عنده بسبب العيب، فيضمن ذلك البائع في التدليس، ولا يضمن في غير التليس إلا قيمة العيب. قال: ولو اشترى أمة بكرًا، ولها زوج يعلمه المبتاع، فاقتضها، ثم ردها المبتاع بعيب، دلس به البائع، فلا شيء على المبتاع في هذا، وهذا كالتقطيع في الثوب. [6/ 279]
وأما الثياب وشبهها، فيفترق فيها التدليس من غيره إن قام بعيب، فإن لم يحدث فيها إلا أن قطعت ما يشبه من قمص ونحوها، فإن لم يدلس البائع، فذلك مثل العبد، وإن دلس فللمبتاع ردها بغير غرم، للقطع، والجلود كذلك، وليس له حبسها وأخذ قيمة العيب، إذ لا شيء عليه إن ردها، ولو قطع ذلك ما لا يشبه، فليس على البائع إلا قيمة العيب. ولو قال البائع: علمت العيب وأنسيته عند البيع، صدق مع يمينه، وكان كمن لم يدلس. قال مالك: ولا يحلف في هذا، ولا في قوله: لم أعلم بالعيب حتى يختار المبتاع رد الثياب مقطعة، فليحلف، ويأخذ ما نقصها. وإن تماسك، لم يحلف البائع، وودى قيمة العيب، وإن خاط الثياب، فله أخذ قيمة العيب، دلس البائع أو لم يدلس، وله أن يرده مخيطًا، فيقوم مقطوعًا مخيطًا، فتدخل الخياطة في القيمة، وإن نقص بعد ذلك شيء، غرم المبتاع ما نقص إن لم يدلس البائع، ولا شيء له إن دلس. قال سحنون، وابن حبيب: ولو زادت الخياطة، كان بالزيادة شريكًا إن رد. قال في كتاب محمد: وإنما يؤدى ما نقص بعد يمين البائع أنه ما دلس، فإن نكل، فلا شيء عليه من النقص. يريد محمد: بغير رد يمين في هذا. وقاله محمد في نكول البائع فيما بيع بالبراءة. قال أصبغ: وإن طلب المبتاع حبسه، وأخذ قيمة العيب، فأبى البائع، وقال: أنا أغرم لك الخياطة، ولا آخذ منك نقص القطع. فليس ذلك له للصنعة التي فيه للمبتاع، فإن صبغه فزاده ذلك، فالتدليس وغيره في الزيادة سواء. أما أخذ قيمة العيب أو رده وكان شريكًا بالزيادة، ويقوم الثوب أيضًا معيبًا، ثم يقوم مصبوغًا، فما زاد، فهو به خريط، وإن نقصه الصبغ، فهو كما قلنا في الخياطة تنقصه، إلا أن يصبغه ما لا يصبغ مثله، فيصير فوتًا، وليس له إلا قيمة العيب في التدليس وغيره، وقال في من ابتاع عبدًا، فحدث عنده به عيب، وظهر على عيب قديم، وقد ابتاعه بخمسين دينارًا، فإن شاء قيمة العيب، [6/ 280]
قوم العبد يوم الفقة صحيحًا، فإن قيل: مائة، قيل: ما قيمته يومئذ بالعيب القديم؟ فإن قيل: تسعون، فقد بقي للمبتاع عشر الثمن، فهو خمسة دنانير لم يقبض لها عوضًا، فإن شاء رجع بها وحبسه، وإن شاء رده، ورد ما نقصه، فقد علمت أن ثمن ما قبض معيبًا خمسة وأربعون من ثمنه، فانظر إلى قيمة العبد بالعيبين يوم الصفقة، فإن قيل: ثمانون، فقد نقص عند المبتاع تسع ما قبض، وقد علمت أن حصة ما قبض من الثمن خمسة وأربعون، فعليه تسع ذلك، وهو خمسة، فنقص عنه من الثمن، ويرجع بأربعين، ويرجع أيضًا بخمسة أولى التي لم يقبض لها عوضًا، وهو مرجوع بها في الرد والحبس. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا فقام فيه بعيب تعقيفًا في يديه، والبائع غائب بمكة، فأتى به السلطان وأشهد عليه، ثم قدم البائع والعبد مريض، قال: فليرد وهو مريض، إلا في المرض المخوف. قال عيسى، عن ابن القاسم: فإن كان مخوفًا، استؤني به ما لم يتطاول ذلك إلى ما فيه ضرر، فإن تطاول، أو هلك، رجع عليه بقيمة العيب. وكذلك ذكرها ابن المواز، إلا أنه قال: وإن كان برؤه قريبًا، رده. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في عبد جنى عند ابن القاسم يريد: خطأ ثم يقوم فيه بعيب، فهو مخير، إن شاء حمل الجناية، ورد العبد، وإن شاء حبسه، وأخذ قيمة العيب. وفي باب العيب الباطن ما يشبه هذا الباب، ومسألة الأمة يطؤها المبتاع في الاستبراء، ثم يظهر بها حمل، في أبواب الاستبراء، وذكر السلعة تفوت بعيب في بيع فاسد، ثم يظهر منها على عيب، في أبواب البيوع الفاسدة في الثالث من البيوع. [6/ 281]
فيمن قام بعيب في الرقيق والحيوان وقد نقص ذلك في بدنه أو زاد
فيمن قام بعيب في الرقيق والحيوان وقد نقص ذلك في بدنه أو زاد أو ولد له أو تعلم صنعة وما يفيت الرد من كتاب محمد والعتبية من رواية عيسى، قال مالك: ومن قام بعيب في عبد أو أمة، وقد زاد عنده بفراهة أو ثمن، أو تعليم صنعة، أو فصاحة أعجمي، أو نقص بهزال، فليس ذلك فيها بفوت. فإما حبس ولا شيء له، أو رد ولا شيء له ولا عليه، وأخذ ثمنه، وكذلك لو اشترى مريضة أو مصرورة، فصحت وسمنت، فليس بفوت. وأما الدابة السمينة تعجف، أو تدبر، أو ينقص بدنها، فذلك فوت، فإما رجع بقيمة العيب، أو ردها مع ما نقصها ذلك. قال أصبغ: لم يختلف قول مالك في عجف الدواب. ومن الكتابين: وأما العجفاء تسمن، فقال مالك: ليس بفوت كالرقيق. وقال قبل ذلك: إنه فوت، وبه أخذ ابن القاسم. قال ابن القاسم: إن ابتاعها عجفاء، فسمنت سمينة بينة، فله أخذ قيمة العبد وحبسها، أو يردها ولا شيء له في سمنها، وإن صلحت عنده ولم تسمن ذلك السمن، فلا شيء له إن حبسها. وقد قال ابن حبيب: إن أحسن ما سمعت أن السمن البين في الرقيق والدواب بعد الهزال البين والعجف البين فوت، وكذلك الهزال والعجف البين بعد السمن البين فيهما فوت. وحكي عن مالك أنه كان لا يرى ذلك كله فوتًا في حيوان ولا رقيق، وأن ابن القاسم يرى العجف والهزال فوتًا فيهن، ولا يراه في السمن، ولم يذكر هذه الرواية غير ابن حبيب فيما علمت. [6/ 282]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، وابن القاسم، وأشهب: وأما الصغير يكبر، فليس له إلا قيمة العيب وإن كره البائع. وقاله ابن القاسم في هرم الكبير، لا خيار لواحد منهما. وقاله مالك في الهرم، وروي أيضًا عنه في الهرم، أن له أن يرده وما نقصه، أو يأخذ قيمة العيب. قال أصبغ: بل هو كالصغير يكبر إذا كان هرمًا بينًا. ومن كتاب البيوع الرابع لابن المواز: وإذا كبر الصغير، فذلك فوت، وله قيمة العيب، ولو رضي المبتاع أن يرده وقد كبر، فليس له ذلك. وقاله أصبغ، إلا أن يرضى صاحبه، ولمالك قول في الصغير يكبر، أن له رده، وله حبسه وأخذ قيمة العيب. وأما الأمة تلد من غير السيد وقد حدث بها عنده عيب، وظهر على عيب قديم، فله ردها، ويجبر بالولد ما حدث عنده من عيب غير التزويج وغيره، وإلا حبسها ولا شيء له. وقاله مالك، وقال أيضًا: لا يجبر بالولد نقص عيب، وله أخذها وقيمة العيب، أو أخذها وما نقصها العيب عنده، ويرد ولدها، فإنما تقوم وحدها دون الولد في الرد والحبس، اشتراها حاملاً أو ولدت عنده، ولا شيء عليه في موت الولد، ولو قتل فأخذ له قيمة، فليردها معها. وكذلك يرد ثمنه إن باعه، ويرد مع ذلك قيمة العيب الحادث عنده كاملاً. قال أصبغ: وقد قال لنا أشهب في من ابتاع أمة، فولدت عنده، ثم وجد عيبًا، فليس له أخذ قيمة العيب، وإما حبس ولا شيء له، أو ردها بولدها. قال محمد: لأنه اشتراها حاملاً، ولم يحدث عنده عيب، واتفق ابن القاسم، وأشهب، أنها إذا ماتت هي، أو قتلت، وبقي الولد، أنه يرجع بقيمة العيب، وإن كانت به حاملاً يوم البيع، وإنما اختلفا إذا حدث عيب آخر وقد ولدت. محمد: فأحب إلينا في ذلك: إن شاء ردها وولدها وقيمة العيب الحادث عنده، وإن شاء [6/ 283]
أخذ قيمة العيب بعد أن تقوم لولدها، فذلك له، إلا أن يقول البائع: أنا أقبلها بولدها، ولا آخذ للعيب شيئًا. فذلك له، إلا أن يشاء المبتاع أن يحبسه، ولا شيء له، أو يرد بالولد ولا شيء عليه. قال ابن القاسم: ويرد معها ما أخذ في الولد من ثمن أو قيمة، بخلاف بيع الولد الحادث، فلا شيء للبائع في ثمنه، إذا أخذ أمته. وقال أصبغ: يرد في العيب من ثمن الولد قدر قيمته حتى كأنه اشتراه مع أمه مولودًا. قال محمد: بل يرد جميع ما أخذ فيه. قاله ابن القاسم، وأشهب، وأنكر قول أصبغ. قال ابن القاسم: وإن مات الولد، ولم يأخذ فيه شيئًا ردها ولا شيء عليه فيه، وإن ماتت هي أو قتلت، رجع بقيمة العيب يوم الشراء، ولا ينظر إلى الولد إن كانوا أحياء أو قيمة إن أخذوا له قيمة. قال أشهب: إلا أن يقول: أنا أقبل ما أخذت في الولد من ثمن أو قيمة، أو الولد إن كانوا أحياء، أو قيمة الأم إن أخذت لها قيمة، وأرد جميع ثمنك، فذلك له، وإن لم يقبل ذلك البائع، فعليه قيمة العيب، أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما أخذ فيه من قيمة العيب، أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما أخذ فيه من قيمة أو ثمن، وللقاتل أن يرجع عليه بقيمة عيبها يوم القتل إن لم يعلم به، ويضم إلى قيمة الأمة ما أخذ في ولدها من ثمن أو قيمة، فإن شجت موضحة، فأخذ لها عقلاً، فله ردها بالعيب، ولا شيء عليه؛ لأن الموضحة لا ينقصها، وهذا بخلاف قطع يدها، تلك إن ردها رد معها ما نقصها، ولا ينظر إلى ما أخذ في يدها، قل أو كثر، كثوبين باع أحدهما، ووجد الآخر عيبًا، ومجهلة الثمن فوت، وقد ذكرناها في باب الدعوى، في الرد بالعيب موعبة، وما فيها من القول. [6/ 284]
قال عيسى بن دينار: إذا حدث عنده عيب، فله الرجوع بقيمة العيب، ولا حجة للبائع إن قال: رده، ولا غرم عليك فيما نقص عندك. وهو في كتاب ابن مزين. وفي العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا ابتاع أمة، فزوجها، فولدت، ثم قام بعيب، فليس بفوت، فإما ردها وولدها، أو حبس ولا شيء له. وقاله ابن القاسم: قال عنه عيسى: وإن باع الولد، ردها مع ثمن الولد. وكذلك في الواضحة، عن مالك. وقال: فإن ماتت، وبقي الولد، رجع بقيمة الولد. وروى عنه موسى بن معاوية، في من ابتاع شاة حاملاً، فولدت عنده، فأكل الولد، ثم قام بعيب فيها، فله ردها، ويحسب عليه في ثمنها قيمة الولد الذي أكل، أو يمسكها فيرجع بقيمة العيب إن شاء؛ لأنه ربما كان ثمن الولد أكثر من ثمنها. قال: ولا يقاص بثمن ما انتفع به من لبن أو صوف؛ لأنه غله ولا يرده، وإن كان قائمًا بائنًا عنها. وبعد هذا باب فيه ذكر مال العبد المردود بعيبه وغلته، ومثله الأمة يطؤها المشتري، فتحمل أو لا تحمل، ثم يظهر أن لها زوجًا، قد تقدمت في باب عيوب الرقيق في غير أبدانهم. [6/ 285]
[6/ 286]
[الجزء الثاني من أقضية البيوع]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله الجزء الثاني من أقضية البيوع باب في الدعوى في الرد بالعيب والرضا به وفيما يحدث بيد المبتاع وفي قدم العيب وحدوثه ومن ادعى أنه باع بالبراءة فرد عليه من له هو رد واختلاف أهل النظر في العيب من العتبية من سماع أشهب: وإذا أبق العبد أو سرق بقرب البيع، وبعد الشهر، فليس بمبتاع أن يحلف البائع أن ذلك لم يكن عنده، إلا أن يأتي بشبهة وما يتهم به، وليس قرب البيع يوجب ذلك، إلا في عبد زنى عند بائعه، فيتهم في هذا. قيل: إنه عبد زنى بالمدينة، وتداولته الأملاك، قال: فلا يحلف فيه. [6/ 287]
وقد ذكرنا في باب عيب الرقيق مسألة الجارية تبول في الفراش بقرب البيع. ومن كتاب ابن المواز: وإذا ادعى المبتاع في العبد أن البائع ظهر منه على إباقه أو سرقته، أو أنه جن، أو زنى أو شبه ذلك مما لا يعلم إلا بقوله، فليحلف على علمه عند ابن القاسم. وقال أشهب: لا يحلف أصلاً، ولو جاز هذا لحلفه كل يوم على صنف من هذا، واحتج بقول مالك في الذي أبق بقرب البيع، فأراد أن يحلف البائع، فقال: لا يمين عليه. قال ابن القاسم: بلغني عن مالك، في عبد أبق عند المبتاع، وقال: أبقت عند بائعي، فإن كان البائع ذكر له أنه لغيره، لم يحلف، وإلا حلف. قال محمد: إذا ظهر العيب هكذا، حلف البائع، وإلا رد عليه، وليس له يمينه في عيب لم يظهر. قال: وإذا قال البائع للأمة بعد البيع: إن بها عيب كذا. لما ليس بظاهر، لم ينفعه ذلك إن لم يصدقه المبتاع، وله الرد إذا ظهر عيب، إلا أن يقوم للبائع بينة بالعيب، فيبرأ إن تمسك بها المبتاع. وقال أشهب: لا تنفعه البينة إن لم يقبلها، إلا بإيقاف السلطان على الرد أو الرضا. قلت: فإن لم يكن ذلك، ولم يكن قبل المبتاع، ثم أراد الرد، ولم يظهر عيب. قال: ليس له ذلك، إلا أن يثبت البائع على إقراره، أو يظهر العيب، أو تثبت بينة. قال: وإذا اختلف أهل النظر في العيب، فقال قوم: هو قديم. وقال آخرون فليس قديم، أو قال بعضهم: يرد به. وقال آخرون: ليس بعيب. فهذا تكاذب، ولا يرد بذلك، وكذلك بائع الثوب على جنس يختلف فيه أهل النظر أنه من ذلك الجنس، وإذا تكافئوا في العدالة، لزم المشتري. وذكر ذلك في كتاب الشهادات، فقال: يشهد بهذا رجلان، وبهذا رجلان. قال: ولا يحلف البائع في [6/ 288]
عيب يخفى مثله: أني ما بعته حين بعته وأنا به عالم، ولكنه يحلف أنه ما باعه وبه هذا العيب في علمه، وفي العيب الظاهر على البت. وقال أشهب: لا يحلف البائع، إلا على العلم في العيب الظاهر أو الخفي؛ لأنه إن لم يكن علم بالظاهر، فهو كالخفي عليه، وإن علمه، فقد تعمد الكذب. وقال مالك: ويرد بالعيب القديم، ولا يمين على المبتاع، كان خفيًا أو ظاهرًا. محمد: طال مكث السلعة عنده أو لم يطل. قال مالك: إلا أن يدعي البائع أنه أراه ذلك. قال: وإن ادعى البائع أن المبتاع رضي به، أو وطئ، أو تسوق به بغير علمه، فلا يحلفه حتى يدعي أنه بلغه وأخبر به. وكذلك في الواضحة عن مالك، قاله ابن المواز. وقال أشهب: لا يحلفه وإن ادعى إخبار مخبر حتى يدعي أنه تبرأ إليه منه فرضيه. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن طلب البائع يمينه في عيب قديم، أنه ما رآه، فلا يمين عليه، إلا في عيب ظاهر لا يشك أنه يراه، كالأعور، ومقطوع اليد والرجل ونحوه، وأما ما سوى هذا، فلا يحلف فيه إذا رده. وفي باب من قام بعيب، والبائع غائب: القول في يمين المبتاع أنه ما وطئ بعد أن علم بالعيب. ومن سماع يحيى من العتبية، قال ابن القاسم: وإذا قيم بعيب قد ثبت قدمه، قال عنه عيسى بقول أهل النظر، أو ببينة، أو باعتراف، وجب رده. قال عنه يحيى: ولا يقبل فيه يمين البائع إن لم يقر به. قال: ويرد بقول أهل النظر: إنه قديم بلا بينة، وأما عيب يقدم مثله ويحدث، فإن كان ظاهرًا حلف فيه على البت، فإن نكل، حلف المبتاع على البت، ورده، ويحلفا فيما يخفى على العلم. قال عنه يحيى، وفي كتاب ابن المواز، وابن حبيب: وأما البائع بالبراءة، فلا يحلف في العيب القديم، إلا على العلم، كان ظاهرًا أو خفيًا، فإن نكل رد عليه. قال عنه يحيى: بعد يمين المبتاع على علمه. قال عنه ابن المواز: بلا رد يمين على المبتاع، وذكره عن مالك في باب البراءة، ونحوه في سماع أشهب. قال يحيى، [6/ 289]
عن ابن القاسم: وكذلك فيما يدث ويقدم، يحلف البائع على البراءة فيه على علمه. قال ابن حبيب: لا يحلف في هذا البائع بالبراءة حتى يثبت قدم العيب، فيحلف له على علمه. ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم: وإذا ظهر على عيب قديم لا يكون قديمًا، لطول لبثه بعد المبتاع، فهو له لازم، ولا يمين على البائع، وإذا كان عيبًا يحدث مثله ويقدم، حلف البائع فيما يخفى على العلم، وفيما لا يخفى على البت، فإن نكل في الوجهين، حلف المبتاع على العلم. قال في كتاب محمد: يحلف كما يحلف البائع في العلم والبت. قال عنه عيسى: ثم يرده، ولا شيء عليه، أو يحبسه ولا شيء له، فإن نكل لزمه، وإن حدث عنده عيب آخر، فالأيمان كما ذكرنا في العيب الآخر، فإن نكل المبتاع لزمه، وإن حلف رده مع ما نقصه ما حدث عنده، أو إمساكه وأخذ قيمة العيب. وتكلم في العتبية في هذا السؤال الثاني في حدوث عيب عند المبتاع، على أن يمين البائع على العلم، وبين معناه ابن المواز، أن معناه على ما ذكرنا. وذكره أيضًا عن ابن القاسم، عن مالك. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أقام المبتاع شاهدًا أن العيب كان عند البائع، ومثله يخفى، حلف المبتاع هاهنا على البت، كما شهد شاهده، فإن نكل فقال أصبغ: حلف البائع على علمه. قال محمد: على البت؛ لأنها اليمين التي ردت عليه، فإن نكل، رد عليه فنحا أصيغ أن شاهده سقط بنكوله، وليس كذلك، ولو كان هذا لكان من أقام شاهدًا، بحق على رجل، ولا خلطة بينهما، فنكل أن يحلف مع شاهده، لكان لا يحلف المطلوب، لسقوط الشاهد، ولا خلطة تعلم بينهما. [6/ 290]
قال في رواية عيسى، وكتاب محمد: وإن ظهر على عيبين، أحدهما قديم، والآخر مثله يقدم ويحدث، فقد وجب رده بالعيب القديم. وكذلك في سماع ابن القاسم، قالوا: ويحلف المبتاع في العيب المشكوك فيه، أنه ما علمه حدث عنده. قال ابن حبيب: في الخفي، وأما في الظاهر، فعلى البت. قال ابن القاسم في سماع عيسى: وإن نكل، حلف البائع على العلم. يريد: في الخفي، ثم يلزم المبتاع هذا العيب. ثم هو مخير في رد العبد بالعبد القديم، ورد ما نقصه العيب الآخر، أو حبسه وأخذ قيمة القديم. فإن نكل البائع لزمه العيبان، ثم للمبتاع حبسه، ولا شيء له، ورده ولا شيء عليه. قال في كتاب محمد: فإن حدث به مع ذلك عيب ثالث عند المبتاع، فله رده مع ما نقصه هذا الثالث عن العيبين، ويحلف في العيب المشكوك فيه على العلم، وإن شاء أن يحبسه فذلك له، ويرجع بما نقصه القديم، ويحلف البائع في المشكوك فيه على علمه، فإن نكل حلف المبتاع، ورجع عليه بقيمة هذا العيب الآخر أيضًا. قال ابن حبيب: ومن اشترى جارية، أو دابة، أو سلعة من السلع، وأشهد أنه متى قلب ورضي، ثم وجد عيبًا مثله لا يخفى على التقليب، أنه يلزمه، وليس له رده ولو لم يشهد على نفسه أنه قلب ورضي، رد من الأمرين جميعًا. وكذلك فسر لي مطرف وأصبغ. ومن كتاب محمد وغيره: قال مالك في نخاس ابتاع عبدًا، فأقام بيده ثلاثة أشهر حتى صرع وفصد، ونقص، ثم وجد عيبًا قديمًا. فلا أرى له ردًا، ومن هؤلاء النخاسين من يشتري، فإن وجد ربحًا باع، وإلا خاصم، وأرى أن يلزم هؤلاء فيما علموا أو فيما لم يعلموا. قال ابن القاسم: وأحب إلي إن كان مثله يخفى ويسقط عنه، أن يحلف ما رآه، ويرده، وإن كان على غير ذلك، لزمه. وأما غير النخاسين، فليردوا فيما خفي وفيما لم يخف. قال محمد: بغير يمين عليهم. وذكر ابن حبيب عن مالك مثل ما [6/ 291]
هاهنا عنه، أن يلزم النخاسين في الخفي غيره، لبصرهم بالعيوب. وذكر أن ابن القاسم روى مثله، وخالفه. وقال في الواضحة: وإذا حلف البائع في العيب، ثم وجد المبتاع بينة، فإن كان يعلم بالبينة، أو يرى أنه لا يجهلها فلا قيام له، وإن لم يعلم بها، إما لغيبتها، أو أن مثلها وإن حضرت لا يعلم أن عندها علم، فله القيام بها، وأن أشكل ذلك من علمه بها أو جهله، فليحلف ما علم بها، ثم يقضى له بشهادتهما. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن ابتاع حيتانًا، فذهب بها، ثم قال: وجدتها خزنة، فقال له البائع: عندك خزنته، فإن كان من وقت البيع إلى قيامه ما يحدث في مثله، حلف البائع ما باع منه خزنًا في علمه، وبرئ، وإن كان لا يحدث الخزن في مثله، ردها عليه بلا يمين. ومن العتبية: روى أصبغ، عن ابن القاسم، في الدابة العثور ترد بذلك، إن ثبت أنه كان عند البائع، فإن لم تكن بينة، وهو مما يحدث ويقدم، حلف البائع على علمه، فإن نكل، حلف المبتاع على علمه وردها، وإن كان لا يحدث مثله في فوت البيع، وجب ردها. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في جوابه لحبيب في الأمة المبيعة يظهر بها حمل يمكن أن يكون عند البائع، ويمكن حدوثه عند المبتاع، والمبتاع ينكر، قال: يحلف البائع أنه ما علم بذلك، ويبرأ؛ لأنه مما يخفى من العيوب، قال: ولو باع أمة متعكرة العينين، وقال: هو رمد، ثم أتى المبتاع بعد ذلك، فقال: بعينيها جرب، فقال: يسأل عن ذلك أهل المعرفة، فإن كان جرب لا يحدث مثله في هذه المدة من وقت الشراء، فهو من البائع، وترد عليه، وإن كان مثله يحدث، كان كالعيوب التي يحدث مثلها. [6/ 292]
في اختلاف المتبايعين في الرد بالعيب في تاريخ البيع ومبلغ الثمن
ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عمن باع من رجل عبدًا، فقام فيه بعيب، فزعم البائع أنه باعه إياه بالبراءة من كل عيب، ولم يكن بهذا العيب عالمًا، فأنكر المشتري أن يكون اشتراه بالبراءة، ولم يأت البائع ببينة، فحكمت عليه بالعيب، فأتاني المحكوم عليه، فالبائع منه لا حكم لنا عليه، فقال له: أنت مقر أنك بعت من صاحبك بالبراءة، وقد جحدك ذلك، فكيف ترد علي بعيب أنت تزعم أنه منه بريء؟ وبراءتك أنت منه براءة لي، ولكن صاحبك جحدك، وكيف إن كانت جارية، فردت على الأول، أيحل له وطؤها وهو يزعم أنها للذي ردها عليه بالعيب؟ ولكن يجحده. فقال سحنون: له أن يرد على الذي باع منه أولاً، وله أن يطأ إن لم يرد ردها؛ لأنه بيع لم يتم، ومثل ذلك لو اختلف المتبايعان في الثمن، فتحالفا، ورجعت إلى البائع، أن له الوطء، ويرده بعيب إن وجدها، وهو يعلم أنه محق في دعواه التي جحدها صاحبه، ولكن لما لم يتم ذلك البيع، جاز له ما ذكرنا من الوطء والرد. في اختلاف المتبايعين في الرد بالعيب في تاريخ البيع ومبلغ الثمن وكيف إن جهلا الثمن من العتبية، قال أصبغ: وإذا قام بعيب في عبد لا يحدث في أقل من شهر، فقال: ابتعه مثل عشرة أيام، وقال البائع: منذ سنة أو يأتي به وقد جن أو تجذم، فيقول المبتاع: هو في السنة. ويقول البائع: بعته منذ سنتين. أو يموت فيدعي المبتاع أنه في العهدة مات، أو في الجارية أنها ماتت فيما لا يكون فيه استبراء، أو لم تحض، ويدعي البائع قدم التاريخ، فذلك كله سواء، القول فيه قول البائع؛ لأنه مدعى عليه الرد، أو الضمان لقيمة عيب، سواء انتقد أو لم [6/ 293]
ينتقد، وأراك نحوت إلى قول ابن القاسم، في مبتاع عبدين، قام في أحدهما بعيب، ومات الآخر، واختلفا في قيمته، أنه إن لم ينتقد، فالقول قول المشتري. وهذا خطأ، بل المدعي في هذا المشتري، نقد أو لم ينقد؛ لأنه ثمن وجد للبائع ادعى هذا أمرًا ينقضه، وكذلك قال أشهب. وذكر ابن حبيب اختلافًا في هذا الأصل كله في تاريخ البيع والعهدة وغيره. وقد ذكرناه في أبواب اختلاف المتبايعين. وقال ابن سحنون، عن أبيه، في جوابه لحبيب: إذا اختلف في تاريخ البيع لعيب ظهر، فالمبتاع مدع؛ لأنه يريد نقض البيع. وروى عيسى، عن ابن القاسم في المتبايعين يموت، فيقوم ورثة المبتاع بعيب قديم في العبد حتى هلك منه، وقد جهل الثمن ورثتهما، فإن مجهلة الثمن فوت، ويرجع بقيمة العيب من قيمة وسطه للعبد يوم قبضه، كان العبد قائمًا أو فائتًا. فإذا كان أعلى قيمته خمسين، وأدناها أربعون، جعلت خمسة وأربعين. قال عيسى: لا ينظر إلى وسقط القيمة، ولكن إلى قيمته يوم البيع، فيرجع بقيمة العيب منها، ومجهلة الثمن فوت. وذكر ابن المواز، عن ابن القاسم مثل ما ذكر عيسى في ذلك، وقد قال: إن لم يفت العبد: إنه يرده، ويرجع بقيمته يوم قبضه قيمة وسطه، ثم رجع إلى أن جهل الثمن فوت، وله قيمة العيب من قيمة وسطه، فات أو لم يفت. من العتبية من سماع أصبغ: قال ابن القاسم في من رد عبدًا بعيب، وقال: قيمته ثلاثون. وقال البائع: عشرون، أو بعتكه بعرض، فالقول قول البائع في الوجهين، إلا أن يأتي بما لا يشبه. قال أصبغ: فيصدق المشتري فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه ولا تقارب، فله قيمته عينًا يوم قبضه. [6/ 294]
في العهدة في العبد يدلس فيه بعيب فيناله بسببه هلاك أو نقص
قال ابن القاسم: ومن باع ثوبًا بنصف دينار، فأحال به غريمًا له، فأخذ من المبتاع دراهم، ثم رده بعيب، فليرجع على بائعه بنصف دينار، لا بالدراهم. وقاله أصبغ اتباعًا، وفيه مغمز. وروى أشهب، عن مالك، في من ابتاع طفلة، ثم قال بعد شرائه: هذه صغيرة، لا يفرق بينها وبين أمها، فقال له البائع: قد ماتت أمها. قال: أقم البينة. قال مالك: ليس ذلك عليه، ويلزم المبتاع البيع، وكذلك في الواضحة. في العهدة في العبد يدلس فيه بعيب فيناله بسببه هلاك أو نقص أو يكون أباقًا فيجني في إباقه وكيف إن قام بعيب فهو في الخصوم حتى هلك فيه؟ من كتاب محمد، قال ابن القاسم وأشهب: قال مالك: إذا دلس البائع في العبد بإباق، فأبق، لزمه رد الثمن، وإن لم يصدقه البائع بإباقه، فالمبتاع مصدق مع يمينه، ولا بينة عليه، وكذلك في الجمل الشارد، وكذلك إن مات العبد من داء كان في جوفه. قيل لمالك: فإن دلس له بمرض به، فمات منه، فقال: ومن يعلم أنه مات منه؟ وإن دلس بالسرقة، فسرق من بيت المبتاع، وذلك في ذمة العبد، لا يضمنه البائع. ومن الواضحة قال: قال مالك: يأخذ جميع الثمن، وليس له في ذمة العبد، ولا في رقبته ولا على بائعه مما سرق شيء؛ لأنه عبده حتى يحكم له برده. [6/ 295]
في العيب الباطن لا يظهر في الخشب وغيرها إلا بعد نشر أو كسر أو نحت أو قطع
وقال ابن الماجشون، عن مالك في المدلس بالإباق: إنه يرد الثمن إذا أبق، كما لو دلس فيه بالسرقة فقطع. وقال ابن دينار: ليس كالسرقة، وإذا هلك في إباقه، فللمبتاع فيه عيب الإباق فقط، إذا لم يعطه الإباق، إلا أن يلحقه الهرب في عطب، كالنهر يقتحمه أو يتردى في مهواة فيهلك بذلك، أو يدخل مدخلاً، فتنهشه حية، ففي هذا يرجع بجميع الثمن، فأما إن مات في إباقه، أو سلم، أو جهل أمره، فليس فيه إلا قيمة العيب، وأخذ ابن الماجشون بقول مالك، وقاله جميع أصحابه، قال: لأنه بالإباق ضمنه حين دلس به. قال ابن الماجشون: وإن جنى في إباقه، ثم جاء قبل قيام المبتاع، فله أن يرجع بالثمن، ويعامل البائع المجني عليه، ولو جنى قبل إباقه، فالمبتاع مخير، إن شاء افتكه، ورده إلى البائع، وأخذ ثمنه، أو يسلمه، ويرجع بقيمة العيب، وإذا دلس بإباق، فأبق، فهلك، أو بسرقة، فسرق، فقطع، فمات لذلك أو لم يمت، أو يمرض، فتمادى به حتى مات منه، فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع، أدى جميع الثمن - وإن لم يعلم بذلك أو علم به فنسيه وقت البيع، فإنما عليه قيمة العيب. ومسألة الأمة يدلس فيها بحمل تموت، ويقوم وقد ضربها الطلق، أو يراه ثم يقوم، هي في المدونة لأشهب، وحكاها محمد عن ابن القاسم نصًا واحدًا. في العيب الباطن لا يظهر في الخشب وغيرها إلا بعد نشر أو كسر أو نحت أو قطع وفي العيب يظهر بعد لباس الثوب وفي شراء الخشب في الماء من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن دلس في الخشب بعيب، منهى كالثياب والجلود فيما علمه ودلس به، ولا يضمن المبتاع ما أحدث فيها من نشر أو نحت أو قطع، وله الرد، ولا شيء عليه، وإن لم يدلس، مما كان من عيب يمكن [6/ 296]
علمه لو طلب، فلا يرده إلا وما نقصه النشر وشبهه، كالثوب، إلا أن يقطعها قطع التلف، مثل الكوى والأبواب، أو يدخلها تحت البناء، فليس له إلا قيمة العيب. محمد: دلس أو لم يدلس، وكذلك ما يشبه ما ذكرنا. قال مالك: وما كان في مثل هذا من عيب، فلا يمكن أحدًا علمه إلا بعد نشر أو قطع أو نحت، فلا يرد بذلك، ولا شيء على البائع، ويلزم المبتاع، وكذلك ما يشبه هذا مما لا يظهر إلا بعد القطع، وكذلك الفصوص تحك، وخشب النخل يقطع، والخشب التي تخرط منها الأقداح، والصاري ينحت، فتظهر عيوب ذلك، فلا رد في ذلك، ولا قيمة عيب، وكذلك الرانج الجوز الصغير. وذكر محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية في الفصوص والجوز مثل ذلك. قال: وقال ابن نافع: إن وجد عامة الجوز فاسدًا، فله رده، وإن كان يسيرًا لزمه كله بجميع الثمن. وقاله محمد بن خالد، من كتاب محمد، قال: وقد قيل لا يرد من الجوز ما كسر، فوجد فاسدًا، إلا مثل الجوزتين والثلاثة من الرانج والجوز الصغير. فأما الأحمال والكثير منه، فلا يرد، إلا أن يكون كله أو أكثره فاسدًا، فليرده، ويأخذ الثمن، وإن وجد يسيرًا من كثير، فلا شيء له. قال مالك: فأما البض، ففساده يظهر، ومن البائع إن دلس، قال: وأنكر مالك رد المر من القثاء. قال ابن القاسم: ولا أرى أن يرد. قال محمد: أما إن كان كله أو كثره مرًا، فأرى أن يرد. وقال أشهب: إن كان يوصل إلى علمه بإدخال العود الرقيق فيه، فليرد منه ما بيه من اليسير، مثل الواحدة والاثنتين، وأما الأحمال فلا ترد، إلا أن يكون كله أو جله مرًا ورديئًا. قال: وكل ما يمكن الاطلاع على عيبه من غير كسر من هذا كله فليرد، ولا شيء على كاسره؛ لأنه لذلك يشترى، وهذا في تدليس البائع، فإن لم يدلس، فليرد معه ما نقصه الكسر إلا ما يرد من فاسد البيض، وقد كسره، فليرجع مما بين القيمتين إن كانت له قيمة بعد الكسر يوم باعه، وإلا رجع بجميع الثمن. [6/ 297]
وقال مالك، وابن القاسم، في البيض يجده فاسدًا: إن كان بحضرة البيع رده، وإن كان بعد أيام لم يرده، إذ لعله فسد عنده. وفي غير كتاب محمد: ولأن الفساد يسرع إليه. ومن الواضحة ذكر ابن حبيب، عن مالك في الخشب مثل ما تقدم. قال ابن حبيب: وهذا إذا كان من أصل الخلقة فيها، لم يحدث فيها من عفن وشبهه. وكذلك غير الخشب مما لا يمكن أحدًا علم عيبه إلا بعد قطعه، ومثل الصندل والعود، وأما الرانج، والجوز، واللوز، والقثاء يوجد داخله فاسدًا أو مرًا، فمالك يراه كالخشب. وقال ابن الماجشون: هذا في اليسير، إذ لا يسلم منه، فأما ما كثر فيرد، ولو شرط البائع البراءة منه، لم يجز؛ لأنه خطر، وهو معنى قول مالك. وقاله أصبغ. وقال مالك وأصحابه في عيب البيض: إنه مما يعرف ويظهر. قال ابن حبيب: وأما ما يحدث بعد الصحة من عفن وسوس، أو في الجلود من سوء صنعة، أو داء، فهذا مما يعلمه بعض الناس، وإن جهله آخرون، وله الرد، فإن دبغ الجلود، ثم ظهر له ذلك، فله أخذ قيمة العيب، أو يردها، ويكون شريكًا مما زادت الصنعة على قيمتها فاسدة غير مدبوغة، ولو باعها منه أولاً على أن يرد منها ما انتتف، لم يجز، إذ لا يدري ما ينتتف؟ وهل هو في خيارها أو شرارها؟ ومثل جلود الفرائين للمبتاع عند دباغها: إنها قد ساست، ولم تقم عنده ما تسوس في مثله، وهو لا يظهر له عند الشراء؛ لأنها يابسة، وربما كانت غير يابسة، والسوس فيها بين الجلد والصوف، فإذا دبغت، انتتفت، فهذا كسائر العيوب، وكذلك جلود البقر تباع مطوية يابسة، فإذا بلت تبين السوس فيها، فذلك من البائع، فهذا عند مالك وأصحابه، بخلاف ما فيه ذلك من أصل الخلقة، ولا يمكن أحدًا معرفته، إلا بعد قطعه، مثل الجدري في الجلود لا يعرف إلا بعد الدباغ، فيصير كالخشب لا يعلم عيبها حتى تشق، فأما ما يحدث في أيدي الناس من سوس وعفن وسوء صنعة، من قلة ملح أو حرارة شمس، أو ماء بحر، فكسائر العيوب. وقاله كله ابن الماجشون، وأصبغ. وقاله أصبغ في لون الحرير لا يعلم فساده حتى [6/ 298]
يدخل العمل، فإن كان فاسدًا أصليًا ليس لسبب حدث فيه بعد تمامه، وكان لا يعرف حتى يدخل العمل، فلا رد له، ولو كان شيئًا يعرفه بالنظر قبل العمل، لكان له الرد، وكذلك ما كان سببه في الجلود من قلة الملح، أو يسقط في بحر أو نهر، ثم يجفف في الشمس، فتنتتف في الدباغ، فله الرد، ولا يعد بائعها مدلسًا. وإن قل ذلك؛ لأنه يرجو السلامة وترجى له، وقد يقل مكثها في الماء ويكثر، وقد يجزيها قليل الملح، وقد لا يجزي إلا أن يكون قد باع بعضها، فظهر له فيها ذلك، فهو فيما بعدها كالمدلس إن لم يبين، رد الثمن كله، وأخذها فاسدة. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وعن جلود تشترى يابسة، فتطرح في الماء، فيظهر فيها فساد واختراق، ولا يتبين ذلك للمشتري حتى تجعل في الماء، فيظهر فيها. قال: ينظر في ذلك أهل المعرفة، فإن كان مثل ذلك لا يخفى عن البائع، فهو كالمدلس، وإن كان يخفى مثله، كان كمن لم يدلس، وكان بمنزلة القثاء يجده مرًا ثم رجع بعد ذلك، فقال فيها غير هذا. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: وليس اللباس في الثوب كالقطع فيه؛ لأنه منتفع، وكطعام أكله، قالا: وإذا وجد به عيبًا قديمًا بعد أن لبسه حتى غسله غسلات، والتدليس في اللباس وغير التدليس سواء، إن كان لباسًا خفيفًا، رده ولا شيء عليه، وإن كان كثيرًا ينقصه، لم يرده إلا وما نقصه أو يحبسه، ويأخذ قيمة العيب، وكذلك افتضاض الأمة؛ لأنه انتفع، فلا يردها إلا بما نقصها ذلك. وذكر في الواضحة، عن مالك في اللباس مثل ما تقدم. وقال عن أصبغ أنه أجاز شراء الخشب في الماء، لا يرى إلا ما ظهر منها. وقال: أمرها على السلامة، وإذا وجد خلافًا على ما ظهر منها، وله الرد، وإذا خرجت، فجعلت ركامًا بعضها فوق بعض، لم يجز شراؤها، كذلك حتى يظهر لمشتريها ما يعرف به ما يشتري. [6/ 299]
باب في القيام بالعيب في غيبة البائع أو حضرته، وكيف إن أشهد رد العبد ثم هلك بيده
باب في القيام بالعيب في غيبة البائع أو حضرته وكيف إن أشهد برد العبد ثم هلك بيده؟ وكيف إن استخدم أو ركب الدابة أو ولدت الأمة؟ وهل يحلف في ذلك؟ من العتبية من سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن قام بعيب في جارية، والبائع غائب، فليقم البينة أنه ابتاع منه بيع الإسلام وعهدته. قال غيره في غير العتبية: وأنه نقده الثمن، فيبيعها عليه الإمام، فإن لم يف ثمنها بماله، اتبعه بما يفي، ولا شيء له في الوطء إن لم تكن بكرًا، قيل: أيحلف أنه ما وطئ بعد علمه بالعيب؟ قال: إن كان ممن يتهم، فيحلف، وإن لم يتهم، لم يحلف. قال سحنون: قال أشهب، عن مالك، في من رد أمة بعيب: فليس للبائع أن يحلفه أنك ما وطئت بعد العلم به. قال سحنون: جيدة. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك في من قام في عبد بعيب، فلقي بائعه، فأخذه، وأشهد أنه غير راض به، وأنه بريء منه، فأقبل ليأخذ عبده، فوجده قد هلك بعد هذا، أو أبى أن يأخذه، فذهب المشتري ليستأذن عليه، فهلك العبد، قال: هو من المبتاع حتى يرده بقضاء سلطان، أو بأمر يعرفه البائع، ويأخذ عبده. قال ابن القاسم: إذا قضى له السلطان، فهو من البائع، وإن لم يقبضه. قال عنه ابن المواز: وإلى هذا رجع مالك إذا قضى السلطان. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بغير بدله، ثم وجد به عيبًا أو أصابه جنون بعد شهر، فلم يعرف أمره حتى مات عنده بعد ستة [6/ 300]
أشهر، فليرجع على بائعه بقيمة عيب الجنون؛ لأنه في السنة، فكأنه اشتراه وهو به، وكذلك البرص، ولو كان موته منه، فقيمته على البائع. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا علم بإباق العبد، والبائع غائب، وأشهد أني رددته، فلا ضمان علي فيه، ثم كتب القاضي في جلب البائع، فلم يقدم حتى مات العبد، فليس له إلا قيمة العيب، وكذلك لو أقام بينة بإباقه، فقال البائع: أنا أجرحهم، فكان في ذلك حتى مات العبد، فهو من المبتاع، وله قيمة العيب. وفي باب من قام بعيب، وقد حدث عنده عيب مسألة العبد يرد بالعيب، والبائع غائب، والعبد مريض. واختلف قول مالك في الدابة يسافر بها، ثم يحدث بها عيب في سفره، فروى عنه أشهب، أنه إن حمل عليها بعد علمه بالعيب، لزمته، وقال به أشهب، وابن عبد الحكم. وروى عنه ابن القاسم، أنه له ردها، وليس عليه في ركوبها إياها بعد علمه شيء، وليس عليه أن يكري غيرها، ويسوقها، وليركب، فإن وصلت بحالها ردها، وإن عجفت، فله ردها مع ما نقصها العجف، ويحبسها، ويأخذ قيمة العيب، وقال به ابن القاسم، وأصبغ. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وذكر من قوله: فإن وصلت إلى آخرها من لفظ ابن القاسم، وزاد: وأما الحاضر، فإن ركبها ركوب احتباس لها بعد أن علم بالعيب لزمه، وذلك رضًا، وأما إن ركبها ليردها وشبه ذلك، ولا شيء عليه. ومن كتاب محمد: ومن ابتاع عبدًا من رجل، فسافر به، ثم وجد به عيوبًا، فأشهد عليها، ثم باعه، ثم قدم فخاصمه، فإن لم يرفع إلى سلطان حتى يقضي له برده وبيعه، فلا شيء عليه. [6/ 301]
قال محمد: وإن كان في بلد لا سلطان فيه، أو سلطان لا يحكم على غائب أو متناول السلطان يبعد، رأيت أن يشهد على ذلك ويبيع، ويرجع ببقية الثمن. ومن الواضحة: ومن سافر من اشترى من ثوب يلبسه أو دابة يركبها، أو جارية، أو عرض له ثقل، وعليه في رد ذلك مؤنة، فليقم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته، ثم يبرأ من ذلك العيب، وليحلفه السلطان أنه ما تبرأ منه إليه ثم يبيعه على البائع، وله الفضل، وعليه النقص، يقضى له بذلك، فإن لم يجد بينة، فليس له إلا الرضا به، أو يرده إلى بلد البائع، ثم لا يطأ الأمة، ولا يلبس الثوب، فإن فعل، فذلك رضى بالعيب، وأما العبد، فله أن يستخدمه، أو دابة، فله أن يركبها، وينتفع بها. ثم ذكر مثل ما تقدم عن مالك، وابن القاسم، وإذا وصل بها وقد تغيرت أو لم تتغير. قال عبد الملك: قال: وأما الحاضر، فإن له أن يستخدم الأمة خدمة مثلها بعد قيامه، إلى أن يقضى له بردها، ويستخدم العبد، ويركب الدابة بالمعروف، حتى يقضى لع بالرد؛ لأن عليه النفقة والضمان، وأما الثوب، فلا يلبسه، وأما الأمة، فلا يتلذذ بها شيء، وقاله أصبغ، وغيره من أصحاب مالك. والذي ذكر ابن حبيب من الخدمة خلاف ابن القاسم، وأشهب، وغيره. [6/ 302]
باب فيمن وجد عيبا بعد أن باع أو تصدق أو رهن أوو واجر
باب فيمن وجد عيبًا بعد أن باع أو تصدق أو رهن أو واجر وكيف إن حدث به عيب آخر؟ وهل يقوم على باع بائعه؟ من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وكل ما فات به العبد أو غيره من السلع بعد المبتاع، ثم ظهر على عيبه، فله الرجوع بقيمة العيب، إلا في بيعه، أو هبته إياه لثواب، فلا يرجع بشيء، إلا أن يرجع إليه بشراء، أو بميراث، أو صدقة، أو بعيب، أو بغيره، فليرده إن لم يكن علم بالعيب حتى باع. وقال عنه أشهب بلاغًا: إنه يرجع إن باعه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه، أو بقيمة رأس المال. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إليّ، إلا أن يكون نقص ثمنه من أجل العيب، ولم يعلم به بائعه، أو باعه وكيل له ونحوه، فليرجع بالأقل واختار ابن حبيب رواية أشهب، وذكر القول الآخر من رأي ابن القاسم. قال محمد بن عبد الحكم: إذا باعه، فله الرجوع بقيمة العيب كاملاً وأعاب رواية أشهب، عن مالك، وزعم أن هذا الذي قاله هو من قول مالك في موطئه. وإذا قال: إذا فات العبد بوجه من وجوه الفوت، فللمشتري الرجوع بقيمة العيب. قال محمد: فالبيع فوت، ولا ينظر إلى الأقل. ومن كتاب ابن المواز: ولو باعه المشتري له، ولم يعلم بالعيب، ففات عند المشتري الثاني مما وجب له الرجوع بقيمة العيب من ثمنه، فرجع بذلك، فللمشتري الأول حينئذ أن يرجع على بائعه بقيمة ذلك العيب من ثمنه هو، ما لم يكن أكثر من بقية رأس ماله، فإنما له أقل الثلاثة أوجه، وإن كان المشتري الأول مفلسًا، ولم يفت العبد، فليس للمشتري الآخر رده على البائع الأول، [6/ 303]
وليرده إن شاء على الثاني، ويخاصم غرماءه بثمنه، ثم له ولسائر الغرماء رده على البائع الأول وأخذ ثمنه، يتحاصون فيه، فإن فات عند الآخر، فله ولغرماء بائعه الرجوع على بائع بائعه بقيمة العيب، فيتحاصون فيها، وفيما يصاب له، يضرب فيه الآخر بقيمة العيب. قال محمد: وإن لم يكن له غرماء وهو غريم، فللآخر الرجوع على الأول بما كان يرجع به هذا على البائع منه، إلا أن يرضى الأول أن يعطيه قيمة عيبه الذي كان يلزمه هو، أو بقية رأس ماله البائع الثاني فقط. ومسألة من باع فدلس بالإباق فباعه المبتاع فأبق عند المبتاع الثاني، واستحق ولم يكن عيب، موعبة في باب العهدة في الدرك. ومن الواضحة، قال: وإذا باعه بمثل الثمن فأكثر، ثم رجع إليه ببيع، أو ميراث، أو هبة وهو بحاله، فأراد رده بالعيب على بائعه، فإن كان قام عليه قبل يرجع إليه، فقضى عليه ألا يرجع إليه؛ لأنه باعه بالثمن فأكثر، فلا قيام له الآن، فإن لم يكن ذلك، فهو على أمره، يرد أو يحبس، ولو علم بعيب بعد أن آجره، أو رهنه، فإن كان أجل ذلك أيامًا يسيرة، أو شهرًا، أو نحوه، فليؤخر إلى انقضائه، ثم هو على أمره، وإن بعد كالأشهر والسنة، فهو كالفوت، ويرجع بقيمة العيب، إلا أن يشاء أن يفتكه معجلاً من الرهن، أو يراضي صاحب الإجارة على القسم ويرده، فذلك له. وفي المدونة لابن القاسم، وأشهب، اختلاف في هذه المسألة، ليس فيه هذا. قال ابن حبيب: ومن ابتاع عبدًا، فباع نصفه، ثم ظهر على عيب، فإن باع نصفه بمثل نصف الثمن فأكثر، لم يرجع لذلك النصف بشيء، وإن باعه بأقل، رجع عليه بالأقل من تمام نصف الثمن، أو نصف قيمة العيب، ثم يخبر البائع في النصف الباقي بين أن يسترجعه بنصف الثمن، أو يدعه ويؤدي نصف قيمة [6/ 304]
العيب، وذكر في كتاب ابن المواز: يخير البائع في النصف الباقي إن رضي مبتاع النصف بالعيب، وإن رد به، فللبائع رد جميعه أو حبسه. ومن العتبية من رواية عيسى، عن ابن القاسم، وهي في كتاب ابن المواز، عن أصبغ، وهي في الواضحة، قالوا: ولو تصدق بنصفه فقط، فالبائع مخير بين أن يعطيه قيمة العيب كله، أو يعطيه نصف قيمة العيب، ويسترد نصف العبد بنصف ثمنه. قال عيسى في روايته: ولو دخله مع ذلك نقص في بدنه، فلا خيار للبائع، ويلزمه جميع قيمة العيب. قال: وقد قال أيضًا: ليس له خيار، واحتج فقال: إذا أراد هذا النصف الباقي فصار لعله يسوى جميع الثمن، قال: أنا آخذه، وأؤدي نصف قيمة العيب، وإن نقص تركه، وودى جميع العيب، فلا أرى ذلك، وعليه نصف قيمة العيب فقط. قال: ولو باع نصفه فقط، فإن رجع عليه بشيء فيما باع، رجع بجميع قيمة العيب. وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الباقي في يديه، مثل إذا باع نصفه، وتصدق بنصفه. قال في العتبية وكتاب ابن المواز: وإذا باع نصفه فليرجع بنصف قيمة العيب في نصف العبد، ولا يرجع للمبيع بشيء. قال في رواية عيسى: إلا أن يرجع إليه. وقال ابن حبيب: يرجع بنصف العيب في الصدقة، وينظر في النصف المبيع، فإن باعه بمثل نصف الثمن فأكثر، لم يرجع فيه بشيء، وإن باعه بأقل رجع بالأقل من تمام نصف الثمن، أو نصف قيمة العيب. قال ابن القاسم في رواية عيسى: ومن اشترى عبدًا، وبه عيب لم يعلم به، ثم باعه، فحدث به عيب عند الثاني، فللثاني رده مع ما نقص عنده، أو يحسبه [6/ 305]
ويأخذ قيمة العيب. فإن رجع بقيمة العيب من ثمنه، كان لهذا أن يرجع على بائعه بقيمة العيب من ثمنه لا من الثمن الثاني. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا باعه من غير عالم بالعيب، يظنه حدث عنده، فتبرأ منه، ثم علم أنه قديم، فإن باع بأقل من رأس ماله، فليرجع بالأقل من بقية رأس ماله، أو قيمة العيب، فإن لم تعلم أيها المبتاع بالعيب أصلاً حتى بعت، فلتعرف المبتاع بذلك، فيرضى أو يرد، فإن رضي، فلا شيء له، ولا لك على بائعك، وإن رد، فلك أن ترد أو تحبس، ولو فات عند المبتاع منك بغير البيع، فله عليك قيمة العيب من ثمنه يوم شراه منك، ثم تنظر ما بقي بيدك منه، فإن كان مثل رأس مالك، فلا شيء لك على بائعك، وإن كان أقل، غرم لك بقيته أو ما وديت بسبب العيب، ما شاء من ذلك، فإن أبى، فعليه قيمة العيب من ثمنه يوم بيعه منك، وخالف أشهب ابن القاسم فيه إذا رضي المشتري الآخر به، ولم يفت عنده. فقال: ترجع أنت على بائعك بالأقل، وقال ابن القاسم: لا يرجع بشيء. قال أشهب: وإذا ابتاع رجلان ثوبًا، فاقتسماه، فوجد أحدهما في نصفه عيبًا، فإنما يرد على شريكه، ثم يردان جميعًا على البائع مع ما نقصه القطع إن لم يدلس، أو يأخذا قيمة العيب. قال ابن وهب: فإن تماسك أحدهما، وأحب الآخر الرد، تقاوما لعل البائع لا يقبله إلا كله. قال محمد: بل لمن شاء منهما الرد، ويغرم نقص القطع، أو يحبس ويأخذ نصف قيمة العيب؛ لأنه باع من كل واحد منهما نصفًا، وعلى أنهما يقتسماه ويقطعاه. ومن ابتاع سلعة بعشرة، فباعها من رجل برأس ماله، ثم ابتاعها فيه بخمسة عشر، ثم ظهر على عيب قديم، فله الرد على الأول، ويأخذ عشرة، وإن شاء رد [6/ 306]
على الآخر، وأخذ خمسة عشر، ثم للآخر رده عليه، ويأخذ منه عشرة، ثم للمبتاع الأول رده على بائعه إن شاء، أو حبسه، ولا يكون رده إياه أولاً على بائعه منه أخيرًا يمنعه من رده على الأول. ومن الواضحة: وإن اشترى عبدًا وبه عيب لم يعلم به، ثم باعه من بائعه، فإن كان الأول مدلسًا، وقد نقص بيد المبتاع نقصًا يفوت به، فإن كان ما باع منه بمثل الثمن فأكثر، ساغ له، ولا شيء على البائع، وإن كان بائعه منه بأقل من الثمن، رجع عليه بالأقل من تمام الثمن أو من قيمة العيب يومئذ، وإن لم يكن نقص عنده، فباعه بدون الثمن، رجع عليه بتمام الثمن، وإن باعه بأكثر، فسائغ له، وإن لم يكن مدلسًا، وكان العبد بحاله، فإن باعه بمثل الثمن، فلا شيء له، وإن كان بأقل، رجع بتمامه، وإن كان بأكثر، فبائعه الأول مخير في حبسه أو رده، فإن رده فالخيار لهذا في مثل ذلك، وإن كان قد تغير بيد مبتاعه بما يفوت به، فسواء باعه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، فالبائع الأول مخير في رده، فإن رده، فلمبتاعه رده عليه مع ما نقصه عنده، أو حبسه، وأخذ قيمة العيب، وإن لم يرده البائع الأول، فإن ابتاعه بمثل الثمن فأكثر، فلا شيء للمبتاع، وإن كان بأدنى غرم له الأقل من قيمة العيب، أو تمام الثمن. ومن العتبية: من سماع عيسى، من ابن القاسم: ومن ابتاع جارية، فباعها، فقام المشتري الثاني فيها بعيب، وأراد الخصومة، فقال له البائع الأول: أنا أقيلك فيها، فرضي، وثمنها الأول أقل من الثمن. قال: قال مالك: ليس على البائع الأول إلا الثمن الذي قبض. قال ابن القاسم: ثم ليس له أن يرجع على البائع الثاني ببقية رأس ماله. وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال: قال أصبغ: وذلك إذا كانت إقالة مبهمة لم يسم لها بشيء. [6/ 307]
باب في العيب يوجد ببعض الصفقة، أو يستحق، أو يوجد مختلفا أو نقصانا
ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب، عن مالك: ومن ابتاع فرسًا يحمل عليه في سبيل الله، ثم علم فيه عيبًا قديمًا، فإن خرج من يديه وقضى، فله قيمة عيبه، وإن كان بيده، فله رده على البائع، وأحب إليّ أن يشتري فرسًا يجعله في مثابته يريد ثمنه. باب في العيب يوجد ببعض الصفقة أو يستحق أو يوجد مختلفًا أو نقصانًا والتداعي في ذلك من العتبية: من سماع ابن القاسم: ومن باع أعدالاً من كتان أو بز فنظر إلى ثوب أو ثوبين، أو رطل أو رطلين، ثم وجد الباقي لا يشبهه، فأما ما هو قريب مما رأى، فلا رد له، وكذلك القمح والتمر في بيت يكون أوله خيرًا من داخله، فأما التغير القريب، فلا حجة له فيه، وأما الأمر الفاسد، فليرد. قال: ومن اشترى طعامًا جزافًا، أو كيلاً، أو غيره، فيجد أسفله مخالفًا لأوله، فإما أخذه كله، أو رده، إلا أن يسلم إليه البائع السالم بحصته، فيكون المبتاع أيضًا مخيرًا، كما يجتمعان على أخذ السالم. قال سحنون: وهذا إذا أصاب العيب بجله، فأما الشيء اليسير، فإنه يلزمه السالم بحسابه. يريد سحنون: في المكيل لا في الجزاف والعروض، إلا في استحقاق جزء شائع. وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإن كان يسيرًا لا خطب له، فليرده وحده بحصته من الثمن. [6/ 308]
وكتب شجرة إلى سحنون، في التين يباع في أزيار قد رزم منها، والصير في أزيار، والحوت المالح، فيشتري الرجل من ذلك زيرًا، أو أزيارًا، أو مجارسًا وقد قلب أعلاه فرضيه، فيغيب عليه، ثم يأتي بعد أيام قليلة أو كثيرة، فيزعم أنه وجد أسفله خلافًا لما قلب في أعلاه من التين، أو الصير وغيره من الحوت المالح، ويقول البائع: ما كان أسفله وأعلاه إلا سواء كما رأيت، ويأتي بما يزعم أنه وجده في أسفله، فلا يصدقه البائع، وكذلك سلال العنب يغيب عليها، ثم يأتي في يومه أو من الغد بشيء دنيء، يقول: إنه وجده في أسفل السلال، فيكذبه البائع. وربما اختلفا كذلك في الرمان والبطيخ يباع في قفافه، ويقلب أعلاه. فقال سحنون: إذا اشتروا على ما رأوا من أعلاه ذلك كذلك، وكذلك تباع هذه الأشياء، ثم يأتون بعد أن غابوا عليها، فيدعوا خلافًا لما رأوا فيهم مدعون، وعليهم البينة أنهم من حين أخذوه لم تفارقهم البينة حتى وجدوا الخلاف، وإلا حلف البائع: ما باع إلا على أن أسفله مثل أعلاه وبرى. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع صبرة، أو مائة قفيز، ثم يستحق نصف ذلك، فله رد ما بقي، إلا أن يتماسك به. وقال أشهب: تلزمه ما بقي، وكذلك إن نقصت خمسين، وقد قال مالك في الرقيق يستحق نصفها، يلزمه ما بقي، وهي أولى بالرد، وإلا فلا حجة له في الطعام في استخفاف اليسير منه، أو نقص اليسير. قال ابن القاسم: وإذا أصاب في المائة قفيز ثلثها، أو ربعها معيبًا، فليس له أخذ السالم بحصته، قال مالك: وكذلك الصبرة في أسفلها خلاف، إلا أن يتفقا على ذلك. وقال عنه أشهب في الصبرة: إن قال أهل الطعام: لا بد من هذا، لم يرد شيء منه حتى تجد اختلافًا بينًا، فيأخذ الجميع أو يرده. [6/ 309]
وذكر قول ابن القاسم في الشاتين، واحدة غير ذكية، والقلتين، إحداهما خمر، وقول أشهب. وقال أصبغ بقول أشهب، وبقول ابن القاسم يقول محمد. قال مالك في من ابتاع رقيقًا، فوجد بأحدهم عيبًا، أو وجد مسروقًا، فإن كان وجه الصفقة، وفيه رجاء الفضل، فله رد الجميع. قال ابن القاسم: يعني في كثرة الثمن. قيل: فنصف الثمن؟ قال: لا، حتى يكون أكثر، ويكون ما بقي له تبعًا، وإذا رد القليل، فبحصته من الثمن، لا بما سمى له من الثمن، وكذلك صبرة قمح، وصبرة شعير تباعا في صفقة، كل صبرة بدينار، تستحق التي ليست وجه ذلك، فإن استحقت الوجه، رد الأخرى، وإن فاتت وجهل كيلها، لزمته بحصتها من الثمن، ولو اشتراهما على أن كل قفيز بدرهم، لم يجز. وقال ابن حبيب بخلاف قول ابن القاسم، وأشهب، في التراضي، يأخذ الأدنى بحصته وقد استحق الأرفع، أو رد بعيب، فقال في رقيق في صفقة واحدة يوجد بأحدهم عيب أو يستحق، وهو الذي يرى فيه النماء، والربح، وكثرة الثمن. ومن أجله اشتري الجميع، فرضي المتبايعان بأخذ المبتاع ما بقي بحصته من الثمن: إنه جائز؛ لأنه كان بيعًا قد تم، بخلاف من ابتاع عبدًا وجارية، وهي وجه الصفقة، فهلكت في المواضعة، فلا يجوز الرضا بأخذ العبد بحصته؛ لأنه لم يكن بيعًا يتم إلا بخروجها من الحيضة. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع دارين، فاستحق بعض واحدة. فأما أيسرها، فليرجع بحصته، وإن كان أكثرها وهي وجه الصفقة، ردهما، وأما الدنية، فيردها بحصتها. وقد قيل: هما كدار، فإن كان ذلك يسيرًا في الصفقة، لم ينتقض البيع، وهذا قول سحنون. ومن ابتاع حائطًا، فاستحق نصفه، فله رد جميعه. قال مالك في الدار والحائط: إن استحق من ذلك كثير، تضر به فيما بقي، ويضيق ذلك عن سكناه وعما اشتراه له، فله رد الجميع، وأما نخلات يسيرة، أو من الدار ما لا يضيق عليه، فيلزمه ما بقي. قال: ومثل الثمن والسدس يسير، والثلث كثير، ترد به الدار. [6/ 310]
قال أشهب: ومن ابتاع عدة رقيق، فوجد بواحد عيبًا، فإن كان ينقص ذلك من ثمن الجملة شيئًا، رد الرأس وحده بحصته، وإن لم ينقص من ثمن الجملة لم يرده، وإن كان ينقص من ثمنه لو انفرد. قال محمد: وأنا أستحسن هذا في الحمل خاصة، وأما غيره من العيوب، فليرده بحصته مما بقي. ومسألة بيع السفينة من الرقيق كتبتها في باب عيوب الرقيق، وهي من العتبية، وهي في كتاب ابن المواز. قال: ومن باع جارية بجاريتين، فرد واحدة من الاثنتين بعيب، وقيمتها سواء، فليرجع بنصف قيمة جاريته، فاتت أو لم تفت، لضرر الشركة. وقال أشهب في غير هذا الكتاب: يرجع فيها بعيبها، وإن كان العيب بأرفع الجاريتين، ولم يدخلهما نقص في بدن، فليردهما، ويأخذ جاريته إن لم تفت في سوق أو بدن، فإن فاتت في سوق أو بدن، أخذ قيمتها يوم قبضها الآخر. قال في الجزء الرابع في القيام بعيب، فقال: قيمتها يوم خرجت من الاستبراء، وإن لم تفت هذه ولا المبيعة، وفاتت الدنية. وقيمة الدنية قيمة مطلقة، لا على الحصة، لانتقاض البيع، ويأخذ جاريته، وإنما يفيت الدنية هاهنا حدوث عيب مفسد لا تغير سوق، وكأنه وجد العيب بها، إذ هو بوجه الصفقة. وأما إن فاتت المتفردة في سوق أو بدن، فليرد المعيبة فقط بقيمتها من قيمة صاحبها: إن فاتت الدابة، فيأخذ تلك الحصة من قيمة المنفردة، وإن لم تفت الدنية، ردها مع المعيبة، ولو وجد العيب بالدنية، ردها بحصتها من قيمة المنفردة، وإن لم تفت المنفردة بشيء، ولو فاتت المعيبة، وهي أرفع الاثنتين، رجع بحصة العيب في قيمة المنفردة، وإن وجد بأحد الجاريتين عيبًا، وماتت الأخرى، فاختلفا في قيمتها، فادعى مبتاعها قليلاً، وقال بائعها: قيمتها الثلثان، فليصفاها، فإن اختلفا في الصفة، فالقول قول البائع مع يمينه، انتقد أو لم ينتقد. [6/ 311]
وأنكر محمد فرق ابن القاسم بين المنتقد وغيره، وكذلك قال ابن حبيب، وقاله أصبغ في العتبية، وهو قول أشهب. قال ابن القاسم: ولو وجد بالمنفردة عيبًا فردها، فإن فاتت أرفع الاثنتين بحوالة سوق أو بغيره، أو فاتتا بذلك جميعًا، فله قيمتها يوم قبضها الآخر، وإن فاتت الدنية فقط، رد قيمتها، ما بلغت، لا على الحصة، ورد الرفيعة، وهذه المسألة من أولها قد ذكرتها في كتاب الاستبراء، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، وفيها معان زائدة على ما هاهنا وهناك أشبه بذكرها. ابن القاسم: ولو باع جاريتين بعين، فوجد عيبًا بالدنية، فليردها بحصتها من الثمن، وإن وجده بالرفيعة، وقد فاتت الدنية، رد الرفيعة بحصتها من الثمن، لأن البيع لم ينتقض كله، بخلاف أن لو كان ثمنها سلعة لم تفت، فإنه كان يرد الرفيعة وقيمة الدنية ما بلغت، لانتقاض البيع كله، ويأخذ سلعته. ولو كانت هذه السلعة مما لا ضرر فيها بالقسم، لاحتبس مبتاعها منها قدر حصة الدنية الفائتة، ورد ما بقي، ولو فاتت هذه السلعة، وقد فاتت الدنية، لرد المعيبة الرفيعة وحدها بحصتها من الدنية في قيمة السلعة الفائتة. ومن ابتاع عبدين في صفقة، فوجد بهما عيبًا، فرضي أحدهما ورد الآخر: فإن رد الأدنى، فذلك له بقيمته من قيمة الأرفع في الثمن يوم البيع على السلامة، وإن رد الأرفع، فليس له حبس الأدنى، كما لو كان الأدنى سالمًا، هذا قول مالك وأصحابه. ولو ابتاعهما بالخيار، فوجد بهما أو بأحدهما عيبًا قديمًا، أو حدث ذلك في أيام الخيار، فليس له رد أحدهما في أيام الخيار، رفيعًا أو دنيًا، وإنما له ردهما أو حبسهما بجميع الثمن، وكذلك لو وهبا له لثواب، فليس له رد أحدهما، لا الأرفع ولا الأدنى، إلا أن يدخلهما فوت، أو يكون قد أثابه فيصير حينئذ كالبيع بغير [6/ 312]
خيار، فإن أصابه بالأرفع فشاء رده، ردهما جميعًا، وإن كان بالأدنى، فله رده وحده. قال: ولو أصاب العيب بهما. يريد: في بيع الخيار، فليس له إلا ردهما أو حبسهما، بخلاف البيع بغير خيار، قال: فليس العيب أوجب له فيهما الخيار، بل خياره فيهما قائم. ومن ابتاع ثوبين بعشرة دنانير، فوجد بالأرفع عيبًا، وفات الأدنى، وهو قدر رفع الصفقة، رد المعيب وحده، وأخذ حصته، وكذلك إن كان الثمن قمحًا أو زيتًا، ولا ما لا ينقصه القسم. قال مالك: ومن أراد رد عبد اشتراه بعيب، فصولح منه على عبد آخر، فاستحق أحدهما، فذلك كشرائهما في صفقة، قال: وكذلك إن صالح على ثوب. قال ابن القاسم: وإن ابتاع عبدين بدار، فرد أدناهما بعيب، فليرجع بحصته في قيمة الدار، لا في رقبتها، وكذلك لو باعها بماله عدد ما يصلح فيه القسم، من الثياب، وغيرها، فليرجع في القيمة، ولا يرجع فيها وإن لم تفت. قال أصبغ: وأرى إن كانت بحدثان البيع وقربه، وقبل تغير الأسواق، أن يرجع فيها بعيبها وينقص منها بقدر ما يرد. وقال ابن القاسم: يرجع بذلك ثمنًا. قلت لمحمد: لم ولا ضرر على مشتريها؟ قال: فهو ضرر على بائعها إذا صار يرجع إليه من الدار قدر ثمنها، لا يسعه ولا يكفيه. ومن اشترى مائة عبد، فاستحق منها سدسها شائعًا، فإن كانت لا تنقسم على ذلك الجزء، فهو مخير عند أول الاستحقاق قبل يستحق، بين أن يرد الجميع، أو يتماسك، وإن كانت تحمل القسم، فلا خيار له، ويلزمه ما بقي، كالدار العظيمة تحتمل القسم، يستحق منها جزء يسير سائغ، فيلزمه باقيها. [6/ 313]
في العبد يؤخذ في نكاح أو دم أو صلح أو سلم أو في دين ثم يوجد به عيب أو يستحق
ومن باع عبدًا حاضرًا بعينه، وعبدًا موصوفًا إلى أجل، في صفقة، فاستحق المعين، نظر ما قيمته من قيمة الموصوف إلى أجله وحال بائعه، فيرد حصة المستحق، ويثبت الباقي، وإن كان المستحق وجه الصفقة، انتقض البيع كله. ومن أسلم ثوبين في فرس، فاستحق أحدهما، فإن كان الأرفع، انتقض السلم، وإن كان الأدنى، مثل أن يكون ربع الصفقة، وفات الأرفع أو لم يفت، قيل له: ادفع ربع قيمة الفرس يوم الصفقة على صفقة إلى مثل أجله، مثل ما لو بايعه بفرس بعينه، ويكون لك الفرس، وكذلك في وجوب العيب. قال: وإن وجد بأرفعها عيبًا، والفرس بعينه، رد المعيب والأدنى، وأخذ فرسه إن لم يفت، أو قيمته إن فات، وإن فات الأدنى، وهو ربع الصفقة، رد الأرفع مع قيمة الأدنى ما بلغت، وأخذ فرسه، إلا أن يفوت، فلا يرد إلا الأرفع، ويأخذ ثلاثة أرباع قيمة الفرس مطلقة يوم البيع، وحوالة الأسواق في الفرس في هذا فوت، ثم لا يرد إلا المعيب وحده، كان الأرفع أو الأدنى. وإن كان العيب بالفرس فرده، أخذ ثوبيه، وما فات منهما، أخذ قيمته ما بلغت، كان هو الأرفع أو الأدنى. وبعد هذا باب في الشقة أو العرصة توجد أقل من الذرع المشترط أو أكثر. في العبد يؤخذ في نكاح أو دم أو صلح أو سلم أو في دين ثم يوجد به عيب أو يستحق وفي الصلح من عيب يقام به من كتاب ابن المواز: وإذا نكحت امرأة بعبد بعينه، فظهرت منه على عيب، وحدث عندها عيب آخر، فلها أن تأخذ قيمة عيبه. يريد محمد: من قيمته، أو ترده مع ما نقص عندها، وترجع بقيمته صحيحًا. ولو استحق بحرية، فلا شيء عليها في العيب الحادث عندها أو ترجع بقيمته سالمًا. [6/ 314]
ومن العتبية قال سحنون: وإن نكحت بعبد مضمون، فقبضته، فألفته معيبًا، فلترده، فإن فات، ردت قيمته، وترجع بعبد مثله. وكذلك من قبض عبدًا من سلم، فمات بيده، ثم ظهر على عيب، فليرد قيمته، ويرجع بعبد مثله، وقيل أيضًا عن سحنون، ولم أروه: إنه ينظر ما قيمة العيب منه، فإن كان ربعه، رجع عليه بربع عبد، فيكون معه شريكًا في مثله، يريد: إذا مات. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أسلم إليه مائة دينار في عبد يصفه، فقبضه وأعتقه، أو كانت أمة، فأولدها، ثم وجد بأحدهما عيبًا، أو استحق نصفه بحرية، فإنه يرجع بما نقصه العيب من قيمته، لا من الثمن، بخلاف العبد بعينه الذي ينفسخ فيه البيع برده، وهذا لو رده رجع بمثله، فلينظر إلى قيمته سالمًا، فقيل: مائتين، ثم يقال: ما قيمته وبه العيب؟ فيقال: مائة، فيرجع عليه بمائة دينار. قال عبد الله: وهذا لا وجه له؛ لأنه إنما يجعله كأنه قبض نصف صفقته، فيرجع بنصف عبد، كما قال سحنون، أو يقول: قبض غير صفقته، فليرد قيمته كما قال ابن القاسم، ويتبعه بعبد، وهذا أشبه الأقاويل بالصواب إن شاء الله. ومن الواضحة قال: ومن أخذ عبدًا من دين كان له من سلف أو بيع، أو من دية خطأ، ثم وجد به عيبًا، أو استحق، فانظر، فإن كان يشبه أن يكون ثمنًا لما اشتراه به من دين أو دية، فليرجع بجميع ذلك، وإن كان لا يشبه أن يكون ثمنًا له، وإنما أخذه على الهضم البين لعدم أو صلة، فليرجع بقيمة العبد بعينه، أو غيره من السلع إن كان، وفيه اختلاف، وهذا أحب إلي، وقد ذكر عن مالك. [6/ 315]
فيمن باع دارا أو أرضا أو شقة على أن فيها من الزرع كذا وكذا فوجد أقل أو أكثر
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بمائة دينار، فمات عنده، ثم علم فيه بعيب قديم، فصالح منه على مائة درهم قبل علمهما بقيمة العيب، فذلك جائز، وإن لم يعرف، وإن استحق حرًا، رجع بقيمته كله، ولو استحق مسروقًا، لم يرجع عليه بشيء، ورجع مستحقه على بائعه بالثمن. فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو شقة على أن فيها من الزرع كذا وكذا فوجد أقل أو أكثر أو وجد في الدار حائطًا لجاره من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى دارًا على أن فيها مائة ذراع، فوجد زيادة ذراع، فهو مخير في أن يغرم حصة الزيادة، أو يرد البيع كله، إلا أن يدع له البائع الزيادة. وإن ابتاع ثوبًا على أن فيه سبعة أذرع، فوجد ثمانية، فذلك للمشتري بزيادته. قال محمد: وله الرد في النقصان. قال أشهب: وأما الصبرة يبتاعها على كيل سماه، فتزيد، فليرد الزيادة، ويلزمه البيع فيما بقي. ومن الواضحة ذكر في الثوب مثل ذلك. قال: وهو ثوب بعينه يقلبه، فلما تم البيع قاسه. وقال في النقصان: إن فات بالقطع، فليرجع بقيمة ذلك. قال: ومن اشترى عرصة على ذرع مسمى، فهي كالشفة في ذلك، في الزيادة والنقصان، وأما الدار ذات البناء والمنازل، فليست كذلك؛ لأن هذه إنما توصف بحدودها، فإن سمى مع ذلك الزرع، فهي كالتحلية والمراوضة، وإن نقص الزرع يسيرًا، فلا قول للمبتاع، إلا أن يتفاحش النقص بما له خطر، فيكون عيبًا يرد به إن شاء، أو يكون اشترط الزرع اشتراطًا، منصوصًا، فيكون له فيما قل من النقص وكثر، مثلما لو قلنا في الشقة والعرصة: إنه عيب، وهو في العرصة والشقة عيب، كان ذلك بشرط، أو تذكر من البائع فقط، كما قال مالك [6/ 316]
في الجارية التي تزعم أنها عذراء أو طباخة، ولو ذكر في العرصة مع الزرع الحدود، لم يكن كالدار؛ لأن العرص إنما يراد منها الزرع، كما يراد من الدار البناء، وقاله كله أصبغ وغيره. ومن كتاب آخر/ قال سحنون في الثوب يشتريه على أنه سبعة في ثمان، فإن وجده أكثر من ذلك، فهو للمشتري، ولا كلام فيه للبائع برد ولا زيادة ثمن، وإن أصابه أقل فالمبتاع مخير بين رده أو الرضا به بما يقع عليه من الثمن، وأما إن قال: على أن فيه كذا وكذا ذراعًا، على أن كل ذراع بعشرة، فهذا إن أصاب زيادة، فالمشتري لا يأخذه إلا بزيادة من الثمن بقدر الأذرع كما سمى، وإلا رده، وأما في النقصان، فيلزمه بحصة ما نقص من الثمن، وأما الدار يشتريها على أن فيها ألف ذراع، فأجمل ذلك، أو قال: لكل ذراع من الثمن كذا. فهذا إن وجدها أزيد، فللمشتري أخذها، وإن وجدها أقل، فهي تلزمه بخطاط ما نقص ذلك القياس من الثمن، إلا أن يكون ما نقص منها كثيرًا يضر به، فلا يلزمه ذلك بحصته، إلا أن يشاءه. انظر قول سحنون في الدار: للمشتري أخذها. ولم يفسر، هل بزيادة ما زادت، أو بالثمن الأول، وما أراه يأخذها في الزيادة إلا بغرم حصة الزيادة من الثمن؛ لأنه قال: لأنه يضر به فيما يبقى منها. يريد: الزيادة. قال: إلا أن يكون لا يضره، لسعة الدار، وكثرة طرقها ومرافقها. قال: وليست كالثوب، ولا كالصبرة. وقال في الصبرة: يرد الزيادة، ويحاسب بما نقص، وتلزمه إذا لم ينقص كثيرًا. ومن العتبية من سماع عيسى: قال ابن القاسم: ومن اشترى دارًا، على أن فيها ألف ذراع، فلم يجد إلا خمسمائة، فهو مخير في أخذها بحصتها من الثمن، أو يرد. وقال عنه أسد: إما يأخذها بجميع الثمن أو يردها. قال عنه عيسى: فإن كان فيها بنيان فانهدم، ثم قاس، فلم يجد إلا خمسمائة، قال: يلزمه بحصتها. [6/ 317]
ذكر ما يفيت السلع وأعواضها في الرد بالعيب والاستحقاق
قال أصبغ: ومن اشترى دارًا بكل ما فيها، وكل حق هو لها، فهدمها إلا حائطًا أقام جاره ببنة أنه له، فلا حجة للمبتاع بذلك على بائعه، وإن طلب يمينه أنه لم يبعه منه فيما باع، لم يلزمه إلا أن يدعي أنه باعه ذلك الحائط بعينه، والبائع منكر، فليحلف له، فأما قوله: اشتريت جميع الدار، فهذا منها. فلا يمين له بهذا؛ لأنه إنما باع منه كل حق هو لها، فليس هذا من حقوقها. ذكر ما يفيت السلع وأعواضها في الرد بالعيب والاستحقاق وكيف إن أخذ بالثمن عرضًا أو دراهم؟ من كتاب ابن المواز: وليس تغير السوق في المعيب يفيت رده، فإذا رد، فتغير السوق في ثمنه إن كان عرضًا، أو عبدًا، أو حيوانًا فوتًا يوجب قيمته، إلا أن يكون عرضًا يكال أو يوزن، فيرد مثله. وكذلك ما يستحق، فتغير السوق في عرضه فوت على ما ذكرنا، وكذلك إن استحقت هبة الثواب، وتغير سوق عرضها، فله قيمته. قال مالك: ومن باع سلعة بمائة دينار، فاستحقت السلعة، أو ردت بعيب، فليرجع بالمائة، إلا أن يكون ما دفع فيها لا يشبه أن يكون ثمنًا له، مثل ما يساوى خمسين، فهذا يرجع بالعرض، فإن فات فبقيمته. ابن القاسم: لأنه أخذه على التجاوز والهبة أو لعسرته، وإن كان يقارب المائة، فهو بيع مؤتنف، فعليه المائة، وكذلك إن أخذ بها قمحًا كيلاً، فليرد المائة، إلا أن يأخذه على التجاوز في قلبه، فليرد مثله، فات أو لم يفت، ولو باعه بالمائة، على أن يأخذ بالمائة عرضًا سماه، فكأنه لم يبع إلا بالعرض، والمائة لغو، فلا يرجع إلا بالعرض، فإن فات، فبقيمته، وتفيته حوالة الأسواق، إلا فيما يكال أو يوزن، فليرده أو مثله، فإن لم يعرف له كيل أو وزن فقيمته، وكذلك إن كان العوض سكنى دار، أو ركوب دابة، رجع [6/ 318]
باب في مال العبد وغلته وغلة النخل في الرد بالعيب والبيع الفاسد
بقيمة ذلك، فإن رد الموزون أو المكيل بعيب، أو استحق وثمنه عيب أو عرض حال سوقه، فليرد قيمته، إلا فيما يكال أو يوزن، فيرد مثله ما لم يكن جزافًا، فيرد قيمته، وإن كان المعيب عرضًا مضمونًا، رجع بمثله، ولم ينقض البيع، ولو استحق ما أخذ في الثمن، أو رده بعيب، رجع بالثمن ما كان، فات أو لم يفت. قال ابن القاسم في العتبية، عن مالك في من باع سلعة بدنانير، ثم أخذها دراهم، ثم استحقت السلعة، وحال الصرف، فليرجع بالدراهم، بخلاف العرض يأخذه في الثمن، فإن أخذ به عرضًا، فذكر مثل ما ذكر ابن المواز. باب في مال العبد وغلته وغلة النخل في الرد بالعيب والبيع الفاسد من كتاب محمد: ومن رد عبدًا، أو نخلاً بعيب، وقد استثنى مال العبد، والثمرة المأبورة في النخل، فليرد المال والثمرة، وإن كان أكثر ثمنًا، فإن هلك ذلك بجائحة، أو تلف، لم ينقص ذلك من الثمن. وقال مالك: إذا تلف المال عند المشتري، فلا يضمنه، ويأخذ جميع الثمن، إلا أن يكون أكله، بخلاف الغلة المؤتنفة. قال محمد: ما لم تجذ الثمرة، فإن جذها حتى يفيتها، لرد مثلها، ولو قبض مال العبد، ثم تلف، لرد مثله، وما لم يؤبر يوم البيع، فهو كغلة مؤتنفة. وقال فيمن ابتاع نخلاً لا تمر فيها بيعًا حرامًا، ففسخ وقد أثمرت، فإن طابت، فهي للمبتاع، جذها أو لم يجذها، وإن لم تطب، ردت مع الأصل، ورجع بما أنفق، وكذلك إن ردت بعيب، وليس فيها تمر يوم الشراء، وهي الآن فيها. [6/ 319]
في بيع المصراة وردها لذلك
قال ابن القاسم: وما جز من صوف كان يوم البيع على الغنم، فليرد مثله أو قيمته في الرد بالعيب، وأما في التفليس، فليحسب ثمنه من قيمة الأجل، ويرد بالعيب ما ولد للأمة بعد الشراء، أو قيمة الولد في الغنم إن أكلته، أو ثمنه إن بعته، وأما في التفليس، فلا شيء لربها من ذلك. أما أخذ الأمهات بجميع الثمن، وإلا فله الحصاص ما لم يكن ولدها معها، لم يبع ولم يتلف، وما أفاد العبد المردود بالعيب من غير كسب يده عند المبتاع أو ماله المشترط، فإنه يرد معه، وإلا فلا رد له، ويرد ما انتزع من ذلك كله، إلا أن يهلك عند المشتري، فلا شيء عليه فيه، وأما خراجه فللمبتاع وإن لم يقبضه حتى يرده بالعيب. لعله يريد: عند المشتري، وهو بيد العبد؛ لأنه قال أول الباب غير هذا. قال مالك فيمن ابتاع عبدًا له ثلاثة أعبد فاستثناهم، ثم وجد ببعض عبيد العبد عيبًا، فلا رد له بذلك، ولا قيمة عيب؛ لأنه مال العبد، وهو لو هلك ماله في الثلاث لم يرد، ولو نزل بالعب نفسه شيء، رده ولا شيء عليه فيما هلك من ماله، وعبيده في العهدة، ولا في رد نفسه بعيب، ويأخذ جميع الثمن. في بيع المصراة وردها لذلك من الواضحة قال ابن حبيب: ومن الغش ما نهى عنه النبي عليه السلام من تصرية الناقة والشاة عند البيع. والتصرية: حبس اللبن في الضرع، وأصله حبس الماء. تقول: صريت وصريته. قال الأغلب: رأت غلامًا قد صرى في فقرته ... ماء الشباب عنفوان شرته [6/ 320]
وليست المصراة من الصرار، ولو كان منه لقيل: مصرورة، وتسمى المصراة المحفلة؛ لأن اللبن أحفل في ضرعها، فصارت به مجفلة، ولا تكون حافلاً، والحافل العظيمة الضرع، وهذا أصل لكل من باع شيئًا وزينه بغش، أن للمبتاع رده. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قلت لمالك: أتأخذ بحديث المصراة؟ قال: نعم، وإنما اتبع ما سمعت، أو لآخذ في هذا الحديث رأيي. ولم يأخذ به أشهب، وقال: قد جاء ما يضعفه إن الغلة بالضمان، وسألت عنه مالكًا، فكأنه ضعفه. قال أشهب: وهو لو ردها بعيب، وقد أكل لبنها، فلا شيء عليه للبن. قال محمد: والذي يأخذ في الصاع في المصراة خاصة، وبه أخذ ابن القاسم، وإنما يرد بعد أن تحلب مرتين، فإن حلبها ثالثة، لزمته، وذلك في الذي أصرت، ولم يدر البائع والمبتاع ما حلابها؟ ولو كانت غير مصراة في إبان لبنها، فدرت، فحلبها، فليرد حلابها، ولا يردها إلا أن يكون البائع علم بحلابها فلم يخبره قدره. وإن اشتراها في غير إبان لبنها، والبائع عالم بوجه حلابها، فلم يذكر، وجاء إبان حلابها. قال أشهب: فللمبتاع ردها، حلبت أو لم تحلب، إذا كانت شاة لبن. وقال ابن القاسم: لا رد له حتى يبتاع في إبان لبنها ويكتمه الحلاب. قال محمد: وأرى أن ينظر في ثمنها، فإن كان في كثرته ما يعلم أن ذلك لا يبلغ، [6/ 321]
لشحمها ولحمها، ولا للرغبة في نتاج مثلها، فإن ظهر أن الغالب من ذلك أنه اللبن، فليردها إذا كتمه البائع وثبت ذلك. تم الجزء الثاني من أقضية البيوع يتلوه الجزء الثالث إن شاء الله وصلى الله على محمد [6/ 322]
[الجزء الثالث من أقضية البيوع]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثالث من أقضية البيوع أبواب الاستثناء من الصفقة باب بيع العبد وله مال وكيف إن باعه واستثنى ماله أو بعضه؟ أو بيع الشجر واستثنى الثمرة أو بعضها في العقد أو بعده والدعوى في ذلك وجامع القضاء في مال العبد من الواضحة: ولا يجب للمبتاع في السنة مال العبد إلا باشتراطه، فإن اشترطه، فهو له، كان عيبًا أو دينًا أو ناضًا، أو عرضًا معلومًا أو مجهولاً، وإن كان أكثر من ثمنه، كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عرضًا، وهو بيع لا تقع له حصة من الثمن، وإنما يصير للسيد بالانتزاع، ولو كان في ماله أمة، حل للعبد وطؤها بغير إذن السيد. قال: ولا يجوز في مال العبد، وثمرة النخل اشتراط نصفها. وكذلك في حلية السيف. ولا إن قال البائع: أبيعك العبد بنصف ماله. وكذلك في الثمرة، وحلية السيف. وقاله كله مالك، ومن كاشفت من أصحابه. [6/ 323]
من كتاب محمد: قال مالك: وإذا لم يشترط في البيع مال العبد، ولا مأبور الثمرة، فله أن يزيده شيئًا ليلحق المال والثمرة ببيعه. وقاله ابن القاسم، وأصبغ. قال عيسى في العتبية، عن ابن القاسم: يجوز، وإن كان ماله عينًا، واشتراه لعين، فأما إن كان عرضًا، فليس فيه كلام. محمد: وروي عن مالك أن ذلك لا يجوز بعد العقد، إلا أن يكون مالاً معلومًا، فيشتريه بعين إن كان عرضًا، أو بعرض إن كان عينًا، وأخذ بهذا ابن وهب، وابن عبد الحكم، في المال والثمرة. وقال أبو زيد، عن ابن القاسم: إن كان بحضرة البيع وبقربه، فجائز، وإلا لم يجز، وقال عنه أصبغ مثله في العتبية، في مال العيب. وقال عنه عيسى مثله في الثمرة: إنما يجوز بحدثان البيع. وروى أشهب أن مالكًا لم يجزه فيهما، وروى عنه إجازته، وأجازه أشهب في الثمرة، ولم يجزه في مال العبد، ورواه عن مالك أيضًا. ومن ابتاع عبدًا بمائتين سوى مائة، وقال: أردت ماله، فلا قول له، وكذلك ثمرة النخل المأبورة، وذلك للبائع. قال مالك: وللسيد أن ينتزع صداق الأمة، وهو لها حتى ينتزعه، وإن باعها، فهو له، وإن أعتقها، فهو لها، إلا أن يستثنيه، وإن باعها قبل البناء، فهو له، وإن كان نكاحه تفويضًا، فهو للمبتاع إن لم يبين بها، إلا بعد البيع. قال مالك: ولا يجوز أن يستثني نصف الثمرة المأبورة، ولا جزءًا منها، ولم يكن من عمل الناس. قال أشهب: فإن نزل، لم أفسخه، ورأيته جائزًا، والعبد يستثنى نصف ماله، فذلك جائز، وكذلك بعد الصفقة، ذلك له في المال كله، أو بعضه. قال عنه سحنون في العتبية: لا بأس باستثناء نصف الثمرة، أو [6/ 324]
نصف مال العبد في البيع، وقاله أصبغ في الثمرة. وذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون مثل قول مالك في الثمرة ومال العبد. قال أشهب، عن مالك: ولا يجوز بيه أحد الشريكين في العبد حصته فيه، إلا بماله، وإن باعه مبهمًا، ولم يسمه، لم يجز. وقاله ابن القاسم. قال مالك: لأنه لا يكون للمبتاع إلا باشتراط. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، قال: وكذلك إن كان نصفه حرًا أو لآخر، فلا يشتريه إلا من يحل في المال محل بائعه، يقر في يد العب لا يحرك. قاله مالك، وليس للبائع أن يستثنيه، فإن لم يذكراه عند البائع، فقال البائع: بعته بغير مال. فالبيع فاسد. قال سحنون: وإن باعه من شريكه، على أنه ماله للبائع، فذلك جائز؛ لأنه كالمقاسمة، بخلاف إن اشتراه غير شريكه. أصبغ، عن ابن القاسم: ومن قال: أبيعك عبدي بكذا، وله مائة دينار أوفيكها. لم يصلح ذلك. يريد: والثمن عين. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن باع عبده، واستثنى نصف ماله، لم يجز، إلا أن يكون ماله غير العين، وهو حاضر يراه، وإنما السنة في الجميع. قال عنه أصبغ في العتبية: ويجوز إن كان الثمن قرضًا، والمال عينًا. قال أصبغ: وذلك إذا وقف المشتري على معرفة الذهب، والورق، وأثمانه معروفة، أو العرض بصفته وعينه، ومخالفًا للعرض الذي يعطى في ثمنه، وأما مجملاً لا يدري ما هو، فلا يجوز، كان عينًا أو عرضًا، وإن اشتراه بعرض، بخلاف ما لو استثنى جميع المال. قال: وأجاز ابن القاسم أن يستثني نصف ماله، وهو عرض، والثمن عرض من صنفه، قال أصبغ: لا يعجبني. [6/ 325]
في مال العبد المستحق، ومن اشترى عبدا واشترط ماله
قال محمد: قال أشهب: إذا أذن أحد الشريكين في العبد، في أخذ حصته من ماله، ففعل، وأخذ الآخر بيده حصته، فله أخذها متى شاء، فإن باعاه، وبقي ماله لهما، فليأخذ الآخر مثل ما أخذ الأول، ثم يقتسمان ما بقي. قال أصبغ: لا أحب لأحدهما أن يأخذ شيئًا من ماله وإن أذن له شريكه، وليرده إن فعل، إلا أن يأخذ شريكه مثله. وقال في كتاب العتق، عن مالك: وإذا أخذ أحدهما حصته من ماله بإذن شريكه، ثم باعه بعد ذلك، فثمنه بينهما نصفين، وإن استثنى ماله، كان بينهما نصفين. قال أصبغ: لأن ما تركه شريكه صار ملكًا للعبد، لو شاء الذي تركه انتزاعه، لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما. قال: ومن ابتاع عبدًا، على أن ماله مائة دينار يوفيه إياها البائع، لم يجز. وفي آخر كتاب الاستبراء باب، فيه ذكر الأمة تباع وعليها حلي وثياب، فيختلفان فيه، أو يستثنى، أو يشترط، وهو يشبه معاني هذا الباب. في مال العبد المستحق ومن اشترى عبدًا واشترط ماله من كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا، ثم باعه، فاستحق وبيده مال أفاده عند المشتري الثاني، قال: فماله للمستحق، إلا ما وهب له خاصة، فلينتزعه منه، وكذلك ما أفاد من عمل يده، أو من ربح مال دفعه إليه السيد، فذلك له، وما كان من غير ذلك، فهو للمستحق. ومن مات وبيده عبد بعد أن أفاد عبده مالاً، ثم اعترف مسروقًا، فالمستحق مخير إن شاء أخذ المال الذي ترك بيد المبتاع مما أفاد عنده لو لم يرجع مبتاعه بالثمن على بائعه، وإن شاء اتبع الغاصب بقيمته، وكان ما ترك لمبتاعه. [6/ 326]
في الثمرة أو الصبرة تباع ويستثني البائع منها أو يشتري ذلك بعد الصفقة
ومن اشترى عبدًا، واستثنى ماله، وله جارية رهنها البائع، فإن افتكها، فهي للعبد. قال محمد: عليه أن يفتكها من ماله. ومن اشترى عبدًا، واشترط ماله، وله جارية حامل منه، فجاريته تبع له، وولدها للبائع؛ لأنه ليس بماله، ولا أفسخ به البيع؛ لأنه لو اشترط ماله، وللعبد جمل شارد وعبد أبق، فلا بأس بذلك. قال محمد: وأظنها لابن القاسم، من رواية أبي زيد، وأنا أتوقف عنها. في الثمرة أو الصبرة تباع ويستثني البائع منها أو يشتري ذلك بعد الصفقة وذكر الجائحة في ذلك من الواضحة: ومن باع ثمرة حائطه، واستثنى ثمر أربع نخلات بأعيانها، جاز ذلك، قلت أو كثرت. وذكر الجائحة فيما يستثنى من الثمرة والصبرة مذكور في باب الجوائح. ومن كتاب ابن المواز، والواضحة: ومن باع ثمرة يابسة، أو صبرة، فله أن يستثني منها كيلاً قدر الثلث فأقل، ويجوز أن يشتري منها جزءًا شائعًا، كان أكثر من الثلث أو أقل. ومن الواضحة: وإن باعه ذلك بثمن إلى أجل، فلا بأس أن يشتري شيئًا منه بنقد، وله أن يشتري منه مقاصة مثل ما يجوز أن يستثنيه، ولو باعه بنقد، فله أن يشتري منه مثل ما ذكرنا بنقد، إلا من أهل العينة، ولا يشتريه منه إلى أجل، فيصير بيع وسلف وإن لم يكونا من أهل العينة، وأما بعرض، فيجوز نقدًا، ولا يجوز إلى أجل، فيصير الدين بالدين، إلا أن يكون الثمر الأول بنقد، فيجوز شراؤه منه بعرض نقدًا أو إلى أجل. [6/ 327]
ومن العتبية: أشهب، عن مالك في من باع حائطًا فيه أصناف من الثمر، فله أن يشتري من صنف منها مثل ثلث جميع الثمر الذي باع، كان ما ابتاع من ذلك الصنف أكثر من ذلك الصنف أو أقله، إذا كان قدر ثلث الجميع. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك لمن باع ثمرة حائطه جزافًا، أن يستثني من صنف منها كيلاً مسمى. وقال أشهب: إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرًا مأمونًا، ويكون ما يستثني منه تبعًا لما بقي منه. وقال ابن القاسم: إذا كان قدر ثلث ذلك الصنف، فجائز. وكذلك في العتبية، وذكر ما ذكر هاهنا عن أشهب، فذكر أن مالكًا قاله من رواية ابن القاسم، وقال أصبغ بالذي ذكرناه من قول ابن القاسم. قال ابن المواز: واتفق ابن القاسم، وأشهب في جواز الاستثناء من الصفقة والثمرة كيلاً قدر الثلث فأقل، فأما الاستثناء من لحم شاة باعها، يستثني وزنًا منه، فأشهب يجيز قدر الثلث، وابن القاسم لا يجيز إلا اليسير، مثل خمسة أرطال أو ستة. قال مالك: ومن باع ثمرة بنقد، فلا يشتري منها شيئًا وإن قل بدين، ولا يشتري بنقد إن كان باع بتأخير. قال مالك في العتبية: ولا دون الثلث. وقال سحنون: ولا شيء منه. قال ابن القاسم: قال مالك: وإن تفرقا، فلا يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث بنقد ولا بغير نقد، وإنما يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث إذا لم يتفرقا بغير نقد. يريد: مقاصة. ومن كتاب محمد: وإن باعه بتأخير، فحل وقبض، فله أن يشتري منه بنقد، ويتأخر، وبمثل نقده بعينه. قال محمد: إذا انتقد وتفرقا، [6/ 328]
فله الشراء منه بنقد ويتأخر ما لم يكونا من أهل العينة. قال أصبغ وابن القاسم: وإن لم ينتقده، فلا يشتري منه إلا من الثمن مقاصة وكأنه استثناه يوم الصفقة. ومن كتاب محمد: ومن باع ثمرة حائطه جزافًا، فله أن يبتاع منها رطبًا قدر ما كان يستثني فقط. وكذلك لا يبتاع منه من حائط غيره إلا قدر ما كان يستثني من حائطه. محمد: إن كان تمر الحائطين صنفًا واحدًا. قال مالك: ومن حائطه وحائط غيره سواء، ومن حائطه أحب إلي. قال أصبغ: سواء استثنى رطبًا أو بسرًا أو تمرًا قدر ثلث خرصه. محمد: وذلك إذا استثنى بعد بيعه فيما لم ينقد ثمنه، فيحسب ذلك عليه في الثمن. فأما ما انتقد ثمنه كله وتفرقا، فلا بأس بما ابتاع منه بعد ذلك كيلاً أو جزافًا، الثلث أو أكثر كالأجنبي إن لم يكونا من أهل العينة. قال مالك: ومن باع ثمرة حائطه إلى أجل، لم يجز أن يستثني منه شيئًا، ينقد أقل من الثلث أو أكثر، وإنما يجوز أن يستثني منه الثلث فأقل على المقاصة من الثمن. قال ابن القاسم: فيمن باع جديدًا جزافًا بنقد وتفرقا، ثم اشترى منه وزنًا، فذلك جائز بنقد وإلى أجل ما اشترى منه، إلا من أهل العينة. وإن لم ينقد، فلا يجوز أن يشتري منه إلا قدر ما يجوز أن يستثنيه قدر الثلث، ويقاصه من الثمن، وهذا في الطعام وغيره. قال ابن القاسم في بائع المقتاة يستثني فقوسًا قدر الثلث قفافًا معروفة، قال أصبغ: بكيل أو عدد، وأجازه ابن القاسم عددًا، وبصفة معلومة. قال: وأحب إلي قفافًا يملأها؛ لأنه قد لا يجد بتلك الصفة قدر الثلث. قال أصبغ: إذا كان فيه ذلك ويؤمن، فهو أجله. وأجاز استثناء ثمر نخلات يختارها. [6/ 329]
فيمن باع دارا واستثنى سكناها، أو دابة واستثنى ركوبها
قال مالك: وإن استثنى أربع أحمرة، يرسلها في الحائط تأكل ما سقط، فذلك جائز، ويلزم المبتاع، ولا يرد البيع. قال مالك: ولا يبيع ثمره على أنه ضامن له في خرصه كذا وكذا صاعًا. ومن باع حديدًا جزافًا، واستثنى منه وزنًا، فإن لم ينتقد فليشتر منه ما كان يجوز له أن يستثنيه في البيع، قدر الثلث فدونه، وإن انتقد، فجائز على كل حال، إلا من أهل العينة. قال ابن حبيب: ومن باع مقتاة أو مبطخة، فله أن يستثني منها قدرًا معلومًا، عددًا أو وزنًا، أو عددًا بقفاف أو سلال، قدر الثلث فأدنى، فأما جزافًا، فذلك جائز. يريد: قل ذلك أو كثر، ما لم يشترط نقد جميع الثمن، فيصير: بيعًا وسلفًا، ولكن يبيعه بقدر الجزء المبيع، ولا يجوز أن يبيع زيتونًا، ويستثني منه أقساط زيت، أو عنبًا، ويستثني كيلاً من خله، أو من ربه، ولكن يستثني من ذلك كله حبًا، على ما تقدم ذكره. وبعد هذا باب في ضمان الصبرة يشترى بعضها، أو يستثنى بعضها، فيه من هذا المعنى شيء. فيمن باع دارًا واستثنى سكناها أو دابة واستثنى ركوبها أو ابتاع دارًا أو بئرًا وهي مكتراة والمعمر والمسكن دارًا هل يكريها؟ وهل يبيع ربها مرجعها؟ من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من باع دارًا بدين، على أن يسكنها سنة، قال: لا بأس بالأشهر، وقد خفف مالك السنة، [6/ 330]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن مات وقد أكرى داره، والدين محيط به، فإن بقي من الكراء قريبًا، قال ابن القاسم: يريد: قدر الأشهر والسنة، جاز أن يباع ويشترط للمكتري سكناه، ومن اكترى داره سنة أو سنتين، فله أن يكريها من آخر، والمكتري في السنة الأولى لم تنقض، فذلك جائز بنقد وإلى أجل، ولا يجوز في الرقيق والحيوان، نقد أو لم ينقد. قال محمد: إن كان من مكتريه بعينه، فجائز بنقد وإلى أجل، ولا يجوز من غيره. ومن أسكن دارًا عشر سنين، لم يجز أن يبيعها من غيره، إلا فيما قرب، ولو كان أرضًا تزرع، جاز ذلك فيها. وقال: قول أشهب فيما أكراه عشر سنين، من دار، أو أرض، إنه جائز، وهو في المدونة. قال أشهب: قيل لمالك: لم لا جاز لمن أسكن داره اثنتي عشرة سنة أن يبيع مرجعها، كما يجوز أن يكريها هذه المدة؟ قال: أليس يكري عبده سنة، ولا يشتري العبد بعد سنة؟ قال: ولا يجوز بيع مرجع الدار وإن لم ينقد. مالك: ومن أسكن داره حياته، فلا يكريها إلا كالسنة ونحوها، إن شرط النقد، فإن لم يشترط النقد فجائز؛ لأنه متى ما مات، انفسخ الكراء، ورجعت الدار إلى مرجعها. ومن باع بعيرًا، واشترط أن ينقل عليه ترابًا ثلاثة أيام، أو يكتريه من المبتاع فيها بشيء معلوم، فلا خير فيه، فإن مات بيد المبتاع بعدما قبضه، فهو منه، وعليه قيمته يوم قبضه، وإن مات بيد البائع قبل قبض المبتاع، أو بعد، وقد رجع إلى البائع بشرطه، فهو من البائع، من مات بيده منهما فهو منه، وكذلك لو اشترط البائع سفرًا بعيدًا عليه. [6/ 331]
قال مال في حديث جابر، إذ ابتاع منه النبي صلى الله عليه وسلم بعيره، واشترط ظهره إلى المدينة، قال: كانا بقربها، بنخلة أو نحوها. قال ابن حبيب: قال مطرف: ويجوز من ذلك ما كان مسيرة اليوم واليومين، ما لم يبعد السفر، ويتغير الحال. رواه أشهب، عن مالك في كتاب ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: وكره ابن القاسم أن يكري دابته بنقد، على أن يركب إلى عشرة أيام. ومن كتاب محمد والعتبية: أصبغ، عن ابن القاسم: ومن باع دابة، وشرط ركوبها بعد ثلاثة أيام، قال في كتاب محمد: أو أكثر من الفسطاط إلى الإسكندرية ونحوها من البعد، قال في كتاب محمد: لم يجز، فإن قبضها المبتاع فنفقت بيده قبل الثلاث، فهي منه، وعليه قيمتها يوم قبضها، ولو أخذها البائع بعد الثلاث بشرطه، فركبها، فماتت تحته، فهي منه، قال في كتاب محمد: لأن البيع كان فاسدًا. قال أصبغ في العتبية: البيع فاسد، لطول الركوب، فإذا ردها إلى البائع، فهي كما لم تقبض، فهي منه. ومن الكتابين: ولو كان صحيحًا، لقرب الركوب، كان الضمان من المبتاع، ماتت بيده، أو في الركوب بيد البائع. قال في كتاب محمد: ولا يرجع عليه البائع بما استثنى من ركوبه؛ لأن هذا خفيف، كمن قال: أبيعكما، على أن تأخذها إلى غد أو بعد غد، فهذا جائز، وضمانها من المبتاع من يوم العقد، وقد تقدم في باب الصبرة يبيع نصفها، شيء من هذا. ومن العتبية، وروى أبو زيد، عن ابن القاسم: إن شرط ركوبها يومًا بعد ثلاثة أيام اليوم الرابع، فنفقت بيد المبتاع في اليوم الثالث، فهي من البائع، وكذلك لو نفقت في ركوب البائع، فهي في ضمانه ما بقي له فيها شرط. وقاله أبو زيد. [6/ 332]
وقال ابن حبيب: وإذا استثنى البائع ركوبها بديا ما يجوز من الاستثناء فنفقت بيده فهي منه، وكأنه إنما باعها بعد انقضاء ركوبه، وإن استثنى ركوبها بعد ثلاثة أيام أو أربع. يريد: ما يجوز له من الاستثناء عنده، فأسلمها إلى المبتاع، فسواء نفقت بيده أو بيد البائع، فهي في هذا من المبتاع؛ لأنه بيع جائز، ويرجع البائع على المبتاع، إذا لم يقم استثناؤه بعدد ما استثنى من الثمن؛ لأنه ثمن. قال مالك: ومن ابتاع سلعة يقبضها إلى يومين، قال مالك: فلا بأس بذلك ممن شرطه، وكذلك إن كانت دابة في السفر. قال عنه أشهب: لا يصلح في بعيد السفر، وهو في غير الحيوان أجوز. ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم في من باع بعيرًا، وشرط على المبتاع قربتين من ماء بئر كذا، فلم يوجد فيها ماء، فإن كان يوجد ماء من غير تلك البئر يشبه ماءها، أتاه بمثله. وإن كان لا يوجد فللبائع على المبتاع قيمة البعير. قال أبو محمد: انظر ما معنى هذه المسألة، هل القربتان مضمونتان أو إنما شرط حملهما على البعير. وإذا لم تكن مضمونة، والبئر غير مأمون وجود الماء فيها، فما وجه فساد البيع فيه ووجوب القيمة؟ والذي يشبه أنها إن كانتا مضمونتين فطلبه مثلها يحملها له على البعير أو على غيره. وإن كانتا على البعير فلم يجد ماء، كان على المبتاع قيمة حملها بحساب ذلك من قيمة البعير، والبعير صحيح، والله أعلم. [6/ 333]
ومن العتبية: روى سحنون، عن علي بن زياد، في من باع دارًا، واستثنى سكناها سنة، ثم انهدمت قبل السنة، أو دابة، واستثنى ركوبها يومًا أو يومين، فماتت قبل اليوم، هل يرجع بحصة ذلك؟ قال: لا يرجع بشيء، وهي مصيبة منهما. وروى أصبغ، عن ابن القاسم مثله. وقاله في شرط ركوبها إلى المكان القريب تهلك فيه؛ لأنه لم يوضع له لذلك من الثمن، وهو شيء اشترطه لنفسه، كمن باع دابة لا يدفعها إلى غد، فهو جائز، وضمانها من المبتاع. وقاله أصبغ، إلا في الرجوع بحصة الركوب، فإنه رأى ذلك له إن كان شيء له قدر، ولم يكن كالساعة والأميال، وفي الدار اليومين والثلاثة، فهذا لغو، لا رجوع به، فأما اليوم واليومان في الدابة، فله، والضمان من المبتع، كبائع نصف سلعة من رجل، على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر، فيبيع في نصفه. ومثله من أوله ذكر ابن الماز، واختار قول ابن القاسم، وقال: ما وجدت لقول أصبغ معنى، وهذا مذكور بعد هذا في باب ضمان الصبرة يستثنى منها بعضها. قال عنه أصبغ في العتبية: ومن باع دابة، وشرط ركوب أخرى إلى موضع بعيد، فهذا جائز، ولو كان إلى إفريقية. يريد: إلى بلد منها يذكره، فإن نفقت في الطريق، رجع بحصة ذلك، يقوم جميع الركوب، ويضم إلى الثمن، فيقسم عليه قيمة الدابة. ويرجع بحصة باقي الركوب من قيمة الدابة ثمنًا، لا في رقبتها، وكذلك السكنى. وذكر ابن المواز في كتابه مثل ذلك. وقال: لا يرجع في غير الدابة وإن لم تفت. [6/ 334]
في بيع الشاة واستثناء جلدها أو سواقطها أو شيء من لحمها
في بيع الشاة واستثناء جلدها أو سواقطها أو شيء من لحمها وفيمن ابتاع جلد شاة أو شيئًا من لحمها من كتاب محمد، والعتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: ومن باع شاة، واستثنى جلدها. قال في العتبية: حيث يجوز له ذلك، فتموت قبل الذبح، قال: فلا شيء عليه، ولا يكون ضامنًا للجلد، وإنما اشترى لحمًا. وفي رواية أصبغ عنه في العتبية أنه ضامن للجلد. قال عنه عيسى، وأصبغ، في من باع شاة، واستثنى جلدها، فسقط عليها جدار، فماتت قبل الذبح، فهي من المبتاع، وكذلك كل بيع فاسد، إن كان بيد البائع فهو منه، وإن قبضه المبتاع، فهو منه، وقاله سحنون. قال في سماع ابن القاسم، عن مالك في بيع الجلود قبل الذبح. ما هو بحرام بين، وما يعجبني، وعسى أن يكون خفيفًا. قال: ومن ابتاع شاة بخمسة دراهم فذبحها، ثم أشرك فيها رجلاً قبل السلخ بدرهم، فلا بأس به، وكذلك في كتاب محمد. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، أنه أجاز بيعها، كذلك إن بيعت بحالها، وإن كان إنما تباع أرطالاً، ثم تسلخ وتوزن، فلا خير فيه. ومن الواضحة: ومن الغرر شراء اللحم المغيب، أن يشتري لحم شاة، كل رطل بكذا، قاله مالك. وأما بيع شاة واستثناء جلدها، فخففه مالك في السفر، وكرهه في الحضر، إذ له هناك قيمة، ولا يبلغ مبلغ شراء اللحم المغيب، ولكن يكرهه، ولا يفسخ إن نزل، وهو من المبتاع إن ماتت، وقد روي إجازته في الحضر والسفر عن علي بن [6/ 335]
أبي طالب، وزيد بن ثابت، وشريح، والأوزاعي، والليث، وابن وهب، وغيرهم، وأما في السفر، فإجازته قوية، وروي أن النبي عليه السلام فعله في سفر الهجرة. وأما استثناء الرأس والأكارع فلا يكون في سفر ولا حضر، كمن باع شاة مقطوعة الأطراف قبل السلخ، ومصيبة المستثني سواقطها من المشتري، ولا شيء عليه للبائع فيما استثنى. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: يجوز بيع شاة مذبوحة لم تسلخ ما لم تكن على الوزن، كلها أو بعضها، فلا يجوز، ولا يجوز بيع شاة مذبوحة بشاة مذبوحة، وإن لم يكن على الوزن، إلا أن يقدر على تحديهما. قال أصبغ: لا يقدر على ذلك، ولا يجوز. وقال مثله سحنون، ولم يعجب ابن المواز قول أصبغ. قال محمد: واتفق قول ابن القاسم، وأشهب، في جواز الاستثناء من الطعام: من الصبرة، والثمرة كيلاً، قدر الثلث فأقل. فأما الاستثناء وزنًا من لحم شاة باعها، فأشهب يجيز قدر الثلث. وقال ابن القاسم: لم يبلغ به مالك الثلث، ولكن مثل خمسة أرطال أو ستة، ولا يستثني الفخذ والجنب من مذبوحة ولا حبة، كانت بقرة أو شاة. قال ابن القاسم: ولا يبيع من لحم شاته الحية رطلاً، ولا رطلين، وكذلك لا يبيع من الثمرة الزهية كيلاً، على أن يأخذه ثمرًا ويجوز أن يستثني منه كيلاً ثمرًا. وقال أشهب: لا يفعل في الشاة، فإن نزل، وكان يشرع في الذبح، لم أفسخه، وإن كان يذبح بعد يوم أو يومين، فسخ، وكذلك في ثمرة الحائط، فإن استثنى ما يجوز في الشاة، فليس للمبتاع استحياؤها، ويعطى مثله، بخلاف الجلد. محمد: ويدخله اللحم بالحي. قال ابن القاسم: ومن باع بعيرًا، واستثنى سواقطه، فلا يصلح في الحضر، فإن نزل لم أفسخه؛ لأن مالكًا قال: ليس بحرام بين. [6/ 336]
ومن باع بعيرًا، أو شاة من رجل، واستثنى جلدها، فيموت قبل الذبح، فلا شيء عليه، وإنما اشترى لحمًا، وذكر عيسى، عن ابن القاسم مثله. قال عنه أصبغ: هو ضامن للجلد. ومن كتاب ابن حبيب: وروى مطرف، عن مالك، في من باع جزورًا واستثنى رأسها، أو ارطالاً يسيرة من لحمها: أنه جائز، فإن أخرها المبتاع حتى ماتت أو صحت، وقد كانت مريضة، قال: إذا بيعت لمرض، أو معلولة، فخيف عليها الموت، فبيعت لذلك بيسير الثمن، ولولا ذلك بيعت بدنانير كثيرة، وإن أخرها عامدًا رجاء صحتها، فهو ضامن لما استثنى عليه منها، وإن صحت، وذهب ما كان بها من مرض، فعلى المبتاع شراء ما استثنى عليه، وإن كانت حين البيع صحيحة، فتربص بها المبتاع الأسواق، فزاد ثمنها وسمنت، فكره نحرها، فالبائع شريك له بقدر ما استثنى منها، وإذا ابتاع رجلان شاة، أحدهما رأسها، والآخر بقيتها، فلا بأس به. فإن استحياها يشتري بقيتها ويعطى صاحب الرأس مثله أو بقيته، فليس ذلك له، وهما شريكان بقدر الأثمان، وكذلك روى ابن وهب، عن شريح. قال ابن الماجشون في ثلاثة اشتروا شاة بينهم، فطلب أحدهم الذبح، والآخر المقاواة، والآخر البيع، فإن كانوا من أهل البيوت ممن يرى أنهم طلبوا أكلها، فالحكم فيها الذبح، وإن كانوا جزارين، أو تجارًا، فالحكم فيها البيع، ولا تكون المقاواة إلا عن تراض. ومن كتاب محمد: قال مالك في القوم ينزلون ببعض المناهل، فيريدون شراء اللحم منهم، فيمتنعون من الذبح حتى يقاطعهم على السعر خيفة، أن لا يشتروا منهم بعد الذبح. قال: لا ينبغي ذلك. [6/ 337]
فيمن باع ثيابا واستثنى منها بعضها
وبعد هذا باب الصبرة يستثنى منها، فيه مسائل في بيع الشاة، والاستثناء منها. فيمن باع ثيابًا واستثنى منها بعضها قال ابن حبيب في قول مالك فيمن باع بزًا مصنفًا، فاستثنى منه ثيابًا برقومها، فإن شرط أن يختارها من رقم بعينه، فذلك جائز، وإن لم يشترط رقمًا بعينه، كان شريكًا في البز كله بقدر ما استثنى. قال ابن حبيب: إذا سمى عددًا من رقم بعينه، فليختارها من ذلك الرقم، وإن لم يشترط اختيارها، وقد سمى من ذلك الرقم، فهو شريك بعددها في ذلك الرقم، وإن لم يسم رقمًا يختارها منه، واشترط اختيارها من جملة الثياب، وهي أصناف، فلا يجوز إن لم يشترط خيارًا، فهو شريك في جملته بالعدد الذي استثنى، وذلك جائز، وإذا استثنى عدد أثواب من رقم بعينه، واشترط أن يختارها، فذلك جائز، وإن كانت جل ذلك الرقم، وإنما يكره ذلك في استثناء الكيل من الجزاف، ففيه لا يجوز أن يجاوز مقدار ثلثه، فأما في هذا، وفي من باع أنواعًا من الثمر، واشترط كيلاً من نوع من تلك الأنواع، فقال مالك: فلا يكثر منه، مخافة أن يذهب الكيل ذلك النوع، ولا بأس أن يستثني أكثر من ثلث ذلك النوع. قال عبد الملك: وسواء كان ذلك النوع من خيار تلك الأنواع، أو من شرارها. وقاله أصبغ، وغيره. فيمن باع سلعة من رجل على أن لا نقصان عليه أو شرط له ذلك بعد البيع أو حطه لمرض فزال أو لشرد البعير فوجده من كتاب ابن المواز: ولا خير في أن يبيع من رجل سلعة، على أن لا نقصان عليه إن خسر، وأما بعد عقد البيع، فلا بأس به، ويلزم البائع، وإذا [6/ 338]
كان هذا الشرط في العقد، فقال مالك: فالمبتاع فيها كالأجير لا يضمن هلاكها، ولا شيء له من زيارتها، وذلك للبائع ومنه وللمبتاع إجارة مثله فيما عني، باع أو لم يبع، تلفت أو بقيت. وقال ابن حبيب: قال مالك مرة: إنها إجارة، وقال مرة: هو بيع فاسد، وقال: إنه بيع فاسد. ابن الماجشون، وابن القاسم: وأصبغ، وبه أقول، وهو القياس، إذ لو وطئها، لم يحد. وقال بقوله الأول، إنها إجارة عبد العزيز بن أبي سلمة. ولو كانت إجارة لحد في الوطء، وهي في ضمانه من يوم القبض، والقيمة عليه بفوتها بما يفوت به البيع الفاسد، وعتقه فيها، وهبته نافذة، وعليه القيمة، ولو قال له ذلك بعد البيع، فلم يختلفوا أنه جائز، قال: وله أن يطأ إن شاء؛ لأن ذلك عدة من البائع، ولو ماتت لزمه جميع الثمن، وكذلك لو أولدها، أو أعتقها، أو وهبها، وإن باعها بوضيعة، وجب له أن يضع عنه ما وضع. وهذا قول مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم، وابن عبد الحكم. وشذ أصبغ عنهم، فقال: فوتها من البائع، وأباح للبائع وطأها، وهذا محال. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن كان ذلك بعد العقد، فهو لازم للبائع، فإن فاتت، فليس هذا من ناحية الوضيعة. قال: ولا له أن يحملها على وجه السوق، ولا أن يبيع حتى يرى وجه بيع مثلها، وإن توانى فيها حتى انحط سوقها كثيرًا، فإن كان ذلك منه على غير حسن النظر، فلا وضيعة له، إلا أن يكون له عذر في ترك البيع. قال: وإذا رضي المشتري بما وعده من ذلك، لم يحل له وطؤها، فإن تعدى فوطئ، سقط شرطه، وله جميع الثمن. وقال ابن حبيب: له أن يطأ. ومن كتاب محمد قال: وإن باع بغير تعد، ولا توان، فوضع، فقال له البائع: بعت بأكثر، فإن ذكر أنه باع بما يشبه من الثمن، حلف وصدق، ولو جعل له البائع أيضًا أنك مصدق فيما تبيع به، فهو كذلك. [6/ 339]
وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون، وغيره: إذا ابتاعها بمائة، ثم زالت لها عنده جارحة، ثم باعها بستين، نظر، فإن كان قيمتها صحيحة يوم باعها تسعين، فقد علمت أن وضيعة الغلاء عشرة لما ذهب منها، ولما بقي، وقد بقي ثلثا التسعين، فلذلك ثلثا العشرة، فيحط سبعة إلا ثلث، ولو كانت قيمتها سليمة يوم باعها المبتاع مائة، لم يحط شيء، لأنا قد علمنا أن الوضيعة لزوال الجارحة. ومن كتاب محمد: قال أصبغ، عن أشهب، في من باع كرمًا، ثم قال له إذا خاف الوضيعة: بع، وأنا أرضيك، فإن لم يضع، فلا شيء له، وإن باع بوضيعة، فإن زعم البائع أنه نوى يوم قال له ذلك شيئًا يرضيه به، فذلك له، وإن قال: لم أنو شيئًا، أرضاه بما شاء، وحلف أنه لم يرد أكثر منه. قال أصبغ: وقال ابن وهب: يرضيه بما يشبه من تلك السلعة ووضيعتها، وهذا أحب إلينا. ولو باع سلعة بعشرين إلى أجله، ثم استوضعه، فقال: بع ولا نقصان عليك، فباعها بعشرة نقدًا، فقال البائع: لم أرد بيع النقد، فإنه يحلف، ويقبل قوله، فإن نكل أو رضي، لم يجز أن يعجل له العشرة حتى يحل الأجل، ثم لا يكون له غيرها. وإن باعه بعشرة إلى أجل، فليس للبائع غيرها. قال مالك: ومن باع سلعة بنقد، فطلب منه الثمن، فقال: أخشى الوضيعة، فقال له: انقدني، وأنا أشهد لك أن وضعت، فأنا أرد عليك ما وضعت، فلا يعجبني هذا. قال ابن القاسم: يريد: كأنه ينتفع ببعض ما يأخذ، ثم يرده إليه، ولعله لو لم يفعل لردها عليه بعيب، فصار ذريعة إلى بيع وسلف. ومن العتبية: قال سحنون، في من ابتاع بعيرًا فسرق منه، فشكا ذلك إلى البائع، فحطه خمسة دنانير، أو عبدًا، فمرض، فقال له: أخاف أن يموت. [6/ 340]
في التفرقة بين الأم وولدها في البيع
فحطه، أو قال: أخاف الوضيعة، واستغلى، فحطه، ثم باعه بربح، وأفاق المريض، وأصاب البعير، وجعل فيه جعلاً أو لم يجعل، أيرجع في الخمسة؟ قال: نعم، ولا شيء عليه من انحطاط، بزوال الأمر الذي من أجله حطه. في التفرقة بين الأم وولدها في البيع وفي المسلم يباع من نصراني أو يملكه من كتاب ابن حبيب: ومن السنة ألا يفرق بين الوالدة وولدها في البيع، وحد ذلك: الإثغار، إلا أن يثغر وينفع نفسه، ويستغني عن أمه، ويعرف ما يؤمر به، وينهى عنه، وذلك أن يبلغ تسع سنين. ومن كتاب ابن المواز، عن مالك: وحد ذلك الإثغار، ما لم يعجل، وحين يختن، ويؤمر بالصلاة ويؤدب عليها، ويجعل في المكتب، ويزول عنه أسنان اللبن، وروى عنه ابن غانم، في موضع آخر، أن حده البلوغ. وقال محمد بن عبد الحكم: وإن بلغ، لم يفرق بينهما. قال ابن القاسم: وإن وقع البيع بالتفرقة قبل حده، فسخ البيع، إلا أن يبيع أحدهما من الآخر. قال محمد: أما الفسخ فلا، ولكن إما تقاوما، أو باعا، وإنما هو من صفوف الولد ليس بحرام، وكذلك شراء النصراني مصحفًا، أو مسلمًا، فليبع عليه، ولا يفسخ شراؤه، وقاله ابن القاسم، وأصبغ. قال أصبغ: ووجدت لأصحابنا: إما أن يبيعا، أو يبيع أحدهما من الآخر، أو يفسخ البيع. وذكر ابن حبيب أن قول مالك وأصحابه: أن يفسخ في التفرقة، ويعاقبان، وأما بيع المسلم من نصراني، فإن المتبايعين يعاقبان عندهم. واختلف في فسخ بيعه، فقال ابن القاسم ومطرف: لا يفسخ، ويباع عليه من مسلم. وقال ابن الماجشون، والمغيرة: يفسخ فيه، وفي التفرقة، والعقوبة في شراء النصراني للأمة المسلمة أشد منه من شرائه للعبد المسلم. قال مالك: وكذلك لا يفرق بين الكافرة وولدها، وكذلك في السبي، ويقبل قولها: إنه ابنها، ولا يتوارثان. [6/ 341]
قال: وإذا نزل قوم بعهد، ففرقوا بين الأبناء والأمهات، لم يمنعوا، ولكن يشتري منهم ذلك المسلمون. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع، وإن شرط البائع أنهما لا يفترقان، لم يجز، أرأيت إن مات، أو فكر، أليس يباع؟ ومن كتاب محمد، وابن حبيب: وإن أعتق الولد، جاز أن يبيع الأم ممن يشترط عليه أن يكون معها، وأن تكون مؤنته عليك أيها المشتري. قال ابن حبيب عن مالك: إن لم يكن للولد مال يكفيه حتى يبلغ حد التفرقة. وقال في كتاب محمد: وأن يكون عليه مؤنته ورضاعه، وعلى أنه إن مات قبل ذلك، كان له أن يأتي بمثله يمونه. إلى مثل ذلك، وليس لأمه أن ترضى بتركه، وإن كان حرًا، وإن كانت له جدة تكفله إذا كانت الأم مملوكة. قالا: ولو أعتق الأم، لباع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينهما، ولا نشترط في هذه نفقة، ونفقتها على نفسها. ومن تصدق بالولد على رجل، فدبره رد إلى حضانة الأم مدبرًا، وعليه أجر رضاعها وقيامها عليه، ويبيع الأم سيدها إن شاء، ممن يشترط عليه ألا يفترقا على هذا إلى حد التفرقة، فيأخذه الذي دبره. وإن تصدق بالصغير، على رجل، جبرًا أن يجمعاهما في حوز، فإن جازه المعطي دون الأم حتى مات المعطى وهو كذلك، فهي حيازة تامة، وقد أساء، ويؤمر بالخروج بالجمع، فإن أراد المعطى البيع، جبر الآخر أن يبيع معه، ويقتسما الثمن على القيم، ولمالك قول آخر أن يجبرا أن يجمعاهما في ملك، وهذا أحب [6/ 342]
إلينا وإلى من لقينا، ولو جاز هذا، جاز في الوارثين، فقد قال مالك: لا يقتسما وإن شرطا أن لا يفرقا في الحيازة. قال ابن القاسم: وإذا باع أحدهما وتصدق بالآخر، لم يفسخ بيع ولا صدقة، وليباعا جميعًا عليهما. قال أصبغ: هذا فيه رجوع عن فسخ البيع. وقال في الأسدية: يفسخ البيع. ثم نقضه في مسألة أخرى، في من اشترى جارية بالخيار، ثم باع ولدها في أيام الخيار بغير خيار، فإن كان الخيار للمشتري، فاختار الشراء، جبر أن يجمعا. وهذه مناقضة، وإن كان الخيار للبائع، منع من إمضاء البيع. قال محمد: ليس بمناقضة؛ لأن هذين كانا لرجلين. قال ابن القاسم: وإن باع الولد، فلم يعلم حتى كبر، لم يرد البيع. وإن اشترى المأذون جارية، واشترى سيده ولدها، جبرا أن يجمعاهما في ملك أحدهما. ومن اشترى رمكة ومعها مهر، فوجد به عيبًا، فإن كان مستغنيًا عن أمه، فله رده وحده، إلا أن يكون أكثر ثمنًا، وفيه الرغبة، فلا يردا إلا جميعًا. وقال في نصراني له عبد وأمة، وهما زوجان، ولهما ولد صغير، فأسلم الأب وحده، قال: فيباع الأبوان والولد من مسلم، أو يباع الولد والأم من مسلم، والأب من مسلم آخر، وحرمت الأمة على زوجها. ومن اشترى من تجار العدو غلامًا وجارية، فزعما أنهما زوجان، فإن علم ذلك بائعوها وغيرهم، فنكاحهما ثابت. هكذا وقع في كتاب ابن المواز: بائعوهما وغيرهم بغير ألف، وفي المدونة: بائعوهما أو غيرهم بألف. [6/ 343]
وقال ابن القاسم في المرأة تؤسر مع العلج، فزعما أنهما زوجان، فباعهما الإمام على ذلك، فليس لمن اشتراهما أن يفرق بينهما. قال ابن القاسم: قد زوج عبده لأمته، فله بيع كل واحد منهما على حدة، ولا يكون ذلك طلاقًا. ومن الواضحة، قال مالك في الأم وولدها: أيهما دبر، فلا يتبع الآخر حتى يبلغ الولد حد التفرقة. قال أصبغ: وإن دبر الأم، ثم استحدث دينًا يفترق ماله، فلا يباع الولد حتى يبلغ حد التفرقة، أو يموت السيد، فيباعا جميعًا، وكذلك لو دبر الولد، فلا يبيع الأم، ولو دبر النصراني ولد أمته، ثم أسلمت الأم لم يبع الأم للتفرقة، وإذ لا يباع الولد المدبر، ويوقفان، ويعزلان عن ملكه، وتؤاجر له الأم. قال مالك: ولا يقسم أخوان ورثا أمة وولدها، فيأخذ كل واحد واحدًا، وإن كانا في بيت، وشرطا بقاءهما على حد التفرقة، فلا يجوز. قال ابن حبيب: فإن وقع القسم، فذلك فسخ، وإنما يجوز مثل هذا، ويجمعان في حوز في هبة الأم أو الولد، أو صدقة أحدهما إذا كان شملهما واحدًا، ودارهما واحدة، وإلا أمر بالمقاواة أو البيع من واحد. كذلك قال مطرف، وابن الماجشون. وقالا: فإذا كان الشمل واحدًا، عند الأب والولد، والزوج والزوجة، والإخوة يكون شملهم واحدًا، ودارهم واحدة، فيجوز ذلك، ولا يكون التفرقة، قالا: وإذا كان الشمل واحدًا، فرضاع الولد الموهوب على أمه، أحب الواهب أو كره، قبل غيرها أم لا، ولا أجر رضاع على الموهوب، وهو كمن تصدق بأرض لها سقي، فقد دخل سقيها معها، وإن لم يذكره، وبقية مؤنة الصبي غير الرضاع على [6/ 344]
الموهوب، قال: والإشهاد على الصدقة به، والقيام بمؤنته حوز وقبض له، وإن كان مع أمة ترضعه عند المتصدق عليه؛ لأن الشمل واحد. كذلك قال لي مطرف، وابن الماجشون. وقال ابن القاسم: لا تتم الصدقة إلا بقبض الولد، وتكون الأم عند المتصدق عليه، وكان يقول أيضًا: إذا قال المتصدق: لم تكن صدقتي بالولد، وأنا أريد أن ترضعه أمة. فذلك له، ويحلف، وعلى المعطى أجر الرضاع، إلا أن يسترجع غيرها. وقول مطرف، وابن الماجشون أحب إلينا. قال ابن حبيب: ومن له أمة لها ولد صغير، فله أن يبيع أيهما شاء على إيجاب العتق فيه؛ لأنه إذا أعتق أحدهما، فليس بتفرقة عند مالك. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: كتب إليه شجرة فيمن باع وصيفتين أختين: واحدة يجب فيها التفرقة، وأخرى صغيرة. عجل عليها الإثغار، قال: إن كانت الكبيرة وجه الصفقة، وكانتا معتدلتين في القيمة أمر في الصغيرة أن تضم إليها الأم ببيع أو هبة، فإن لم يفعل، فسخ البيع في الصغيرة بحصتها من الثمن، وجاز في الكبيرة، وإن كانت الصغيرة فيها الرغبة وكثرة الثمن، أمر المشتري بالجمع بينهما وبين الأم بشراء أو هبة أو غيرهما، فإن لم يقدر، فسخ بيعهما جميعًا. [6/ 345]
باب في بيع المرابحة وما عليه أن يبينه وما يضرب له الربح مما لا يضرب له
أبواب بيع المرابحة باب في بيع المرابحة وما عليه أن يبينه وما يضرب له الربح مما لا يضرب له وفيمن باع ما حال سوقه أو وزنه ورسم عليه أو ابتاعه إلى أجل ولم يبين من كتاب ابن المواز، وابن سحنون، وغيره، عن مالك قال: يحمل على الثمن في المرابحة: القصارة، والخياطة، والصبغ، قال في كتاب ابن حبيب: والفتل، والكماد، والتطرية. قال غيره: والطراز. ويحسب له الربح. قالوا: وأما كراء الحمولة، ونفقة الرقيق، فيحسب بغير ربح، إلا أن يربحه بعد العلم بذلك. وأما كراء البيت، والشد، والسمسرة، ونفقة التاجر على نفسه، وركوبه، فلا يحسب في رأس مال، ولا ربح. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال: قامت علي بمائة بمؤنتها ونفقتها، أو قال: منها عشرة في مؤنتها ونفقتها، فإنه يحمل على ما ذكرنا مما يحسب وما لا يحسب، وما يكون له ربح وما لا يكون. وإذا قال بعد أن باع: إن فيها نفقة كذا في مصالحها، فإن كان قد سماها في جملة الثمن، فلا يبالي فاتت أو لم تفت، يرجع الأمر إلى ما ذكرنا أنه يسقط وربحه، أو يثبت ويسقط ربحه، أو يثبت هو وربحه إن كان ما ذكر من النفقة شيء آخر سوى ما سمى من الثمن وباع عليه، فإن كانت قائمة، خير في ردها، أو يتفقان على ما أمروا، وإن فاتت، رجع الأمر إلى ما وصفنا مما يثبت ويسقط. [6/ 346]
وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا باع وأدخل في الثمن ما ذكرنا إنه لا يحسب في رأس مال ولا ربح ولم يبينه، فهو كالكذب، فإن لم يفت، فله التماسك بها بجميع الثمن، أو الرد، إلا أن يحط البائع ذلك منه وربحه فيلزمه، وإن فاتت بحوالة الأسواق فأكثر، وأبى البائع أن يضع ذلك، وأقام المبتاع على طلب البائع، فعلى المبتاع قيمتها إلا أن ينقص عن الثمن بعد طرح ما ذكرنا، وطرح ربحه، فلا ينقص، أو يزيد على جميع الثمن الذي باع به، فلا يزاد. وأما إن لم يبين كراء الحمولة أو نفقة الرقيق، ولم تفت، فإما أخذها بالجميع، أو يرد، إلا أن يحمله البائع ربح ذلك، فيلزمه. قال ابن المواز: فإن فاتت، فقال مالك: يحسب له الكراء ونفقة الرقيق، ولا يحسب له ربح، وعلى ما في كتاب ابن سحنون: إن أبى ذلك البائع، فعلى المبتاع القيمة، إلا أن يكون أكثر من الثمن الأول، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح ربح ما ذكرنا، فلا ينقص. ومن العتبية ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا انحط سوق السلعة الدرهم والدرهمين، فليبين. قال: وإن حال سوقها، فلا يعجبني أن يبيع مرابحة، إلا أن يقرب ذلك. محمد: يريد من اختلاف الأسواق. قال مالك: ولا يبيع مساومة وإن تطاول ذلك حتى يبين. ولعله يظنه من شراء اليوم. وكذلك في كتاب ابن عبدوس: قال سحنون في كتاب ابنه: فإن لم يبين حوالة السوق، وهي قائمة، خير بين ردها أو يتماسك، وليس للبائع في هذا أن يلزمها له، فإن فاتت، فلا قيمة فيها ولا يزداد في ثمن. ثم رجع سحنون، فقال: إلا أن تكون الأسواق حالت بنقص حين باع، فله القيمة، إلا أن يزيد على التسمية، فلا يزاد، أو ينقص مما رجعت إليه مع ربح ذلك، فلا ينقص، وأما إن طالت بزيادة قبل يبيعها، فلا شيء له. [6/ 347]
وقال ابن عبدوس: ليس حوالة السوق نقصانًا من السلعة، ولا زيادة في الثمن في هذا، وهو غش، فعليه القيمة ما كانت، إلا أن يجاوز الثمن الأول، فلا يزاد عليه. وكذلك قال: إذا اشتراها بدين، ولم يبين، مثل إذا كتمه أنها بارت عليه سنة. قال: وقد قال ابن نافع، عن مالك، أن له أن يردها، فهذا يدل أن رد قيمتها في الفوت بدلاً منها. وقال ابن المواز في الذي ظهر أنه ابتاعها بثمن إلى أجل، فإن لم تفت، نقص البيع، وليس للمشتري حبسها، وإن فاتت، فعليه قيمتها يوم قبضها بلا ربح. وقال ابن سحنون، عن أبيه: إذا فاتت وقد كان اشتراها بعشرة دنانير دينًا ولم يبين، قوم الدين، فإن كانت قيمته بالنقد ثمانية، فهي كمسألة الكذب، له قيمتها ما لم تجاوز عشرة، وربحها، فلا يزاد أو ينقص من ثمانية وما قابلها من الربح فلا ينقص. وقال ابن حبيب: إذا ابتاع سلعة، فحال سوقها بنقص بقرب البيع، أو ببعد منه، فلا بيع مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين، فللمبتاع رد البيع، فإن فاتت، رد القيمة، وإن حال سوقها بزيادة، ولم يطل لبثها عنده، فليس عليه أن يبين، وإن طال لبثها عنده، فليبين، حال سوقها أو لم يحل، فإن لم يفعل فاتت إلى القيمة. قال سحنون في كتاب ابنه: إذا ورث متاعًا، فباعه مرابحة، ولم يبين، فإن لم تفت، فللمبتاع رده أو الرضا به، وليس للبائع أن تلزمه ذلك بشيء، إذا شاء رده، وإن فات فعليه القيمة ما لم يجاوز الثمن كله، فلا يأخذ أكثر منه، وإن كانت أقل، فله الأقل أبدًا. قال: وأما من اشترى سلعًا بثمن، فرقم على كل سلعة ثمنًا، باع عليه مرابحة، فإن لم تفت، فله الرد، إلا أن يشاء البائع أن يلزمه ذلك بما يقع عليه لتلك السلعة من جملة الثمن وربحه بالقيمة، وذلك خير للمشتري، فيلزمه، وإن [6/ 348]
باب فيمن زاد في الثمن في بيع المرابحة أو نقص منه، وفيمن ابتاع بدنانير ونقد دراهم
فاتت، فعليه القيمة، إلا أن تزيد على ما رقم وربحه، فلا يزاد أو ينقص مما يقع لها بالقيمة وربحها، فلا ينقص. ومن كتاب ابن حبيب: ومن ورث متاعًا أو وهب له، فلا يجوز أن يرقم عليه أثمانًا يبيع عليها، وكذلك فيما ابتاع ورقم عليه أكثر من الثمن، واختلف في بيعها على تلك الرقوم مساومة، فكره، وخفف، وممن خفف في المساومة: إبراهيم النخعي، وكرهها الحسن، وابن سيرين، وطاووس. وبه نقول، وهو كالخلابة، وأشد من الغش، وأرى أن يعاقب عليه، فإن فاتت في هذا عند المبتاع، وشاء أن يؤدي القيمة، فذلك له. وقد أخذ سلعة في المقاواة بينه وبين شريكه، فله بيعها مرابحة بتلك المقاواة، وإن لم يبين، إذا صح ذلك، يريد يحمل على الثمن نصف الزيادة فقط، وهو ما أخذ الشريك. باب فيمن زاد في الثمن في بيع المرابحة أو نقص منه وفيمن ابتاع بدنانير ونقد دراهم ولم يبين أو باع بدراهم مرابحة من كتاب ابن عبدوس: قال ابن عبدوس: بيع المرابحة على الزيادة في الثمن، والكذب من باب بيع الشرط المكروه، مثل من باع جارية على أن يتخذها المبتاع أم ولد، أو يدبرها، أو يسلفه مائة دينار، وهو يشبه البيع الفاسد في بعض أحكامه. والبيع الفاسد على وجهين: فبيع يغلب المتبايعان على فسخه، وبيع وقع بشرط يكره، فإن ترك الشرط مشترطه تم البيع، وإن أبى فسخ، وحكم له بحكم البيع الفاسد. والبيع الذي يغلبان على فسخه، لفساده، على وجهين: فمنه ما فسد [6/ 349]
لعقده، وثمنه صحيح، كالبيع عند نداء الجمعة، والمدبر يباع، والولد يباع دون أمه، وشبه ذلك، فهذا يرد، فإن فات ومضى بالثمن، إذ لا فساد في ثمنه، ومنه ما يفسد لفساد ثمنه، مثل أن يبيع السلعة بخمر، أو خنزير، أو بثمن مجهول، أو إلى أجل مجهول، وشبه ذلك، فهذا يرد، فإذا فات رد إلى القيمة. وشرط السلف في البيع من بيوع الشرط الذي بتركه يصح، فإن كان السلف من البائع، فتركه المبتاع، فلا حجة للبائع، وإن حال سوق السلعة، أو تغيرت بيد المبتاع، زال ما كان له من الرد، ولزمه الأقل من القيمة أو الثمن، وهذا ما لم يقبض السلف من البائع، فإن قبضه، وغاب عليه، فقد تم الربا، وعليه القيمة ما بلغت. قاله سحنون. وكذلك إن كان السلف من المبتاع على هذا المعنى، إلا أن عليه الأكثر من القيمة أو الثمن في الفوت، وما لم تفت السلعة في بيع الشرط المكروه، فلمشترطه تركه، ويتم البيع، إلا في مشترط الخيار في البيع إلى أجل بعيد، فلا يجوز، فإن قال مشترطه: أنا أترك شرطي لم يجز، إذ ليس بترك لشرطه، إنما هو شرط يثبت لك، ثم اخترت إمضاء البيع، فلا بد من فسخه، إلا أن يفوت، فتكون فيه القيمة. قال: فبيع الكذب في المرابحة كبيع الشرط، إذا اشترى بعشرة، وباع على أحد عشر، فإن أسقط البائع الدينار وربحه تم البيع، إلا أن هذا إن أبى البائع من ذلك، خير المشتري أن يرضي بالثمن كله أو يرد، كما كان للبائع أن يحط ذلك، أو لا يحط، وفارق الكذب في الثمن المغيب برضا البائع بحطيطة ما ينوبه، فلا يلزم المبتاع، ويلزم البيع إن حط عنه الكذب أن العيب قائم بعد الحطيطة، ولا يبقى بعد حطيطة الكذب شيء يكرهه المبتاع من السلعة، ويصير كالعيب يذهب. [6/ 350]
قال سحنون: ورواه علي بن زياد، عن مالك، في مسألة الكذب في المرابحة أتم وأحسن شرحًا، وإذا لم تفت، برئ المبتاع بالخيار، أن يرد أو يحبس، فإن رد، خير البائع بين أن يرد، أو يحط الكذب وربحه، فيتم البيع، وإن فاتت، فعليه القيمة ما لم يجاوز الثمن بالكذب وربحه، فلا يزاد أو ينقص عن الصدق وربحه، فلا ينقص، وكذلك في الذي يدخل الكراء في الثمن، ويضرب له الربح، على ما ذكرنا قبل هذا، ويصير ثمن الصحة هاهنا أن يسقط ربح الكراء فقط، وقد تقدم بيانه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا ظهر أن البائع زاد في الثمن، قال: يؤخذ منه الفصل، فيرفع إلى صاحبه، قيل: فالقيمة أعدل؟ قال: القيمة، وهذا يشبه ما في كتبكم، وأرى أن يؤدب الفاجر المعتاد، ويرد البيع. قال: وإذا ظهر أنها قامت عليه بأكثر ولم يفت، خير المبتاع في أخذها بما ظهر، والربح عليه، أو ردها، إلا أن يرضى له البائع بالثمن الأول، وإن فاتت، فعليه القيمة، إلا أن يزيد على ما ظهر من الثمن وربحه، أو ينقص من الثمن الأول وربحه. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مالك. ومن كتاب ابن المواز: قال: ومن اطلع على أن بائعه كذبه في الثمن، فرضي، فلا يبيع مرابحة حتى يبين، وكذلك عيب يرضى به بعد البيع، أو يزيده في الثمن بعد البيع، فليبين، ولا توليه، إن كان طعامًا، إلا بالزيادة. قال محمد: لا أحب فيه التولية بحال. قال مالك: ومن قال في شاة: اشتريتها بسنة دراهم، وأربح درهمًا، فباعها، ثم قال: وهمت، وإنما ابتعتها بثمانية، وصار ببينة، فله رد البيع، ولو قال: ما كنت إلا مازحًا، وما قامت علي إلا بعشرة. وجاء ببينة. قال: ينظر فيها ساعتئذ، فإن كان مثلها لا يباع بيعة، حلف ما كان إلا لاعبًا، ولم يرد بيعًا، وإن كان يباع بذلك مثلها، لزمه البيع، وربما كسدت السلع، فيرضى صاحبها يبيعها بنقصان. [6/ 351]
ومن ابتاع بدنانير فحسب صرف دراهم، فباع عليها، ثم فاتت السلعة، فليضرب له الربح على الدنانير، على حساب ربح الدراهم، إلا أن يجيء ذلك أكثر مما رضي به، ولم يجعل مالك في هذا قيمة، كما جعل ذلك في مسألة الزيادة في الثمن، وحوالة الأسواق في مثل هذا فوت، إلا فيما يطال أو يوزن، فلا فوت فيه. قال مالك: وإذا نقد دراهم عن دنانير، فليبع على ما نقد. محمد: وإن لم يسم ما وقع به البيع، إذا لم يحابه في الصرف. وقال مالك مثله إذا نقده طعامًا يكال أو يوزن، والذي عليه أصحابه أن ذلك كالبيع. وقال ابن القاسم: إذا باع مرابحة، ولم يبين، فإنه يقوم ما نقد من طعام أو عرض، فإن كانت قيمة ذلك أقل مما ابتاع بع، حسب على الأقل، وإن كانت قيمته أكثر، حسب على الثمن. وقال أيضًا ابن القاسم: إن شاء أعطاه على ما ابتاع منه، وإن شاء أعطاه مثل الطعام الذي نقد، وضرب الربح منه على ما ابتاع. ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن ولى رجلاً سلعة، ثم سأله عن الثمن، فقال: دينارين، أو قال في توليته: قد وليتك بدينارين، فأعطاه دينارين، ثم ظهر أنه ابتاعها بدينار، فذلك سواء إن لم يفت، فهو مخير إن شاء حبسها بدينارين أو ردها، فإن فاتت فكانت قيمتها أقل من دينارين. يريد: إلى دينار، رد عليه ما جوز القيمة، وإن كانت قيمته دينارين فأكثر، فلا شيء له عليه، وكذلك الكذب في بيع المرابحة إن قال: أبيعك كما بعت من فلان، ثم يجده قد كذب. والقائل: قد وليتك، ولم يذكر الثمن، فلا يلزم ذلك المولى حتى يسمي له الثمن، ويرضى به، ولو كان قد ألزمه ذلك قبل التسمية، لم يجز. [6/ 352]
فيمن حدث عنده عيب فباع مرابحة ولم يذكره أو ذكره ولم يبين حدوثه عنده
فيمن حدث عنده عيب فباع مرابحة ولم يذكره أو ذكره ولم يبين حدوثه عنده أو ابتاع سلعة ثم ظهر على عيب فرضيه ولم يبين ذلك وكيف إن دلس بعيب وزاد في الثمن من كتاب ابن سحنون، عن أبيه، قال في الذي ابتاع أمة فزوجها، أو حدث بها عنده عيب، أو ظهر منها على عيب قديم فرضيه، فلا يبيعها مرابحة، ولا غير مرابحة حتى يبين ما حدث أنه بعد شرائه أو ما ظهر عليه بعد البيع، فرضيه، فإن باع ولم يبين العيب في ذلك كله، ولم يفت أو فاتت بحوالة سوق أو عيب خفيف ولا يفيت ذلك الرد بالعيب، وإن كان ذلك في بيع المرابحة فوت، وله إن شاء ردها، أو أخذها بجميع الثمن، وإن فاتت بما يفيت الرد بالعيب من عتق وشبهه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه، فلا حجة له وإن أبى فللبائع القيمة ما لم ينقص من الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، أو يزيد على ذلك، فلا يزاد ولا ينقص. وقال ابن عبدوس: هذا رجل دلس بعيب، فإنما يحط من الثمن قيمة العيب وربحه، باع مرابحة أو مساومة، وكذلك لو اشتراها ذاهبة الضرس، فباع ولم يبين، وليس هذا بموضع القيمة. قالا جميعًا: فأما الكذب إن ذكر في المسائل الأولى العيب ولم يبين أنه اشتراها على الصحة، فهي كمسألة الكذب، ويفيتها حوالة السوق، فإن لم تفت، فإما رضيها بالثمن كله، أو رد إلا أن يحطه البائع حصة العيب ورده، فلا رد له، فإن فاتت بحوالة سوق فأعلا، وأبى البائع أن يحطه ذلك، ولم يرض المبتاع بالثمن ما لم يجاوز الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص عن الثمن بعد طرح قيمة العيب وربحه، فلا ينقص. [6/ 353]
قال ابن حبيب: إن فاتت فعليه قيمتها ما لم تجاوز الثمن، فلا يزاد عليه. قال ابن سحنون وابن عبدوس: ولو افتضها، ثم باع مرابحة ولم يبين الافتضاض، فإن لم تفت، وحطه البائع ما ينوب الافتضاض وربحه، فلا حجة له. قال ابن عبدوس: بخلاف العيوب؛ لأن من باع جارية، فليس عليه أن يبين أنها غير بكر. ولا حجة للمبتاع بذلك إذا حطه ما ينوب الافتضاض وربحه، إلا أن يكون شرط أنها بكر، فتوجد غير بكر، فيكون كتدليس العيوب، كما ذكرنا، وإن لم يكن ذلك، فالأمر على ما ذكرنا، وإنما حجة المبتاع أن البائع كأنه زاد في الثمن، فهي بالبيع الفاسد أشبه، وتفيتها حوالة الأسواق، بخلاف التي ترد بعيب. قالا: فهذه إذا فاتت بحوالة سوق، قيل للبائع: إن أعطيته ما نقص الافتضاض وربحه، وإلا فله أن يسترجع الثمن، ويعطيك قيمتها مفتضى يوم قبضها، ما لم ترد على الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص منه بعد طرح نقص الافتضاض وربحه، فلا ينقص. قال ابن عبدوس: ولو كان لها زوج، فكتم الزوج، وزاد في الثمن في بيع المرابحة، فهذه يجتمع فيها فساد البيع والتدليس بالعيب، فإن لم تفت، فإن شاء المبتاع رضيها بجميع الثمن، أو ردها، وإن فاتت بحوالة سوق، فذلك في بيع الكذب في المرابحة يفيت ردها، وليس يفوا في الرد بالعيب. ولو حطه البائع قيمة العيب وربحه، لم يلزمه إلا أن يشاء، فإن قال: أنا أرضى بالعيب وأطلبه بالزيادة في الثمن، فذلك له، ويقال للبائع: حط عنه [6/ 354]
فيمن باع مرابحة بعد الولادة أو الغلة وحوالة الأسواق ولم يبيين
الكذب وربحه، فإن أبى، فليعطه المبتاع قيمتها معيبة بالزوج وأخذ الثمن، إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي به باع، فلا يزاد، أو أقل من الثمن الصحيح وربحه بغير حطيطة قيمة العيب، فلا ينقص، ولأنه لم يفته الرد بالعيب، فلم يفعل فقد رضي به، فلذلك لم يحط للعيب شيء. وهذه الحجة التي ذكر ابن عبدوس توجب أن يلزمه قيمتها بلا عيب، فكذلك جرى لابن المواز في مثلها ولغيره. قال ابن عبدوس: وإن فات بعتق أو كتابة، فقد فات الرد بالعيب والكذب، وقد لزم البائع حطيطة قيمة العيب وربحه، ثم إن حطه مع ذلك الكذب وربحه، فلا حجة للمشتري، فإن أبى البائع ذلك، أعطي قيمة سلعته معيبة، إلا أن تزيد على الثمن الذي باع به بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، فلا يزاد، أو أقل من الثمن الصحيح وربحه بعد إلغاء قيمة العيب منه، فلا ينقص. فيمن باع مرابحة بعد الولادة أو الغلة وحوالة السوق ولم يبين أو باع ثم حطه البائع من الثمن من كتاب ابن سحنون: ومن ابتاع غنمًا عليها صوف، فجزه وباع مرابحة ولم يبين، فإن طرح البائع عنه حصة الصوف وربحه، لزمته، وإلا فليرد أو يحبس، فإن فاتت ولم يحطه البائع ذلك، ولم يرض المبتاع بالثمن الأول، فعليه قيمتها، ما لم يجاوزه، فلا يزاد حتى ينقض الثمن بعد أن يطرح منه حصة الصوف وربحه، ولا ينقص. وقد ذكر نحوه عن ابن عبدوس في الباب الذي قبل هذا، وذكرنا في الباب الأول: من باع ولم يبين حوالة الأسواق. [6/ 355]
قال سحنون: وإذا ولدت الغنم عنده، فليبين في المرابحة؛ لأن الأسواق إلى أن تلد تحول، فإن باعها بولدها أو بغير ولدها، ولم يبين أنها ولدت عنده ولم تفت، فللمبتاع أن يحبس بجميع الثمن أو يرد، وليس للبائع إذا ردها عليه وقد باعها دون الولد أن يقول له: نعطيك الولد، ويلزمك البيع؛ لأن أسواقها قد حالت. فإن فاتت الغنم، وكان سوقها قد حال زيادة، فلا يزاد فيها، ويمضي البيع وإن حالت بنقص، كانت كمسألة الكذب، وقد ذكرنا اختلافهما في حوالة الأسواق، في الباب الأول. قال: ولو كانت أمة فولدت فحبس الولد، فباعها مرابحة ولم يبين، فإن لم تفت، أو فاتت بحوالة سوق أو نقص خفيف، ولم يرض بها بالثمن كله، فله ردها، وليس للبائع أن يقول: أنا أحط عنك حصة العيب؛ لأن الولد عيب، ولا له أن يقول له: أنا أرد عليك الولد، ويلزمك البيع. قال سحنون: لأن المشتري يحتج بحوالة الأسواق، وقوله: لأن الولد عيب، أولاً لأنه لم يجعل حوالة الأسواق فيها فوت. قال: وإن رضي المبتاع بعيوبها، جبرا على أن يجمعا بين الولد وأمه في ملك. قال: وإن فاتت بعتق وشبهه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه، وإلا فعلى المبتاع قيمتها معيبة، ما لم يجاوز الثمن بعد إلقاء قيمة العيب وربحه، فلا يزاد، أو ينقص عن ذلك فلا ينقص. هذا الذي ذكره ابن سحنون مرجعه إلى أن حط عنه حصة العيب وربحه، ولا مدخل للقيمة في هذا نحو ما ذكر ابن عبدوس قبل هذا. قال ابن سحنون: وإن باعها مع ولدها مرابحة ولم يبين، فله الرد، أو التماسك، فإن رد، فليس للبائع أن يلزمه إياها؛ لأنه يحتج بأنه حال سوقها عند البائع، ولم يبين له. قال: وإن فاتت عند المبتاع بنماء أو نقصان، فإن زادت أسواقها في وقت بيعه، لم يكن فيها قيمة؛ لأن القيمة أكثر مما باع به، ولا قيمة فيه، ولا حجة للمبتاع أن الولد عيب؛ لأنه قد أعلمه البائع بالولادة حين باع الولد مع الأم، وإن [6/ 356]
حالت الأسواق بنقصان، فهو كما ذكرنا قبل هذا. وقوله: لما باع الولد معها، فقد بين الولادة، فكيف ذلك وهو لم يبين أنه عنده ولدت؟ فهو كما لو زوجها فأخبر بالزوج، ولم يذكر أنه عنده حدث، والذي تقدم من أصل ابن عبدوس أبين. قال: ومن باع مرابحة، ثم حطه بائعه من الثمن، فإن حط عن مبتاعه ذلك، لزمه البيع، وإلا كان مخيرًا في الإمساك أو الرد. قال سحنون: إذا حط مثل ما حط فقط دون حصة ربحه، لزمه البيع. قال ابن المواز: قال أصبغ: بل حتى يحط عنه ما حط، وما يقابله من الربح. وقاله ابن القاسم في بعض مجالسه، ورواه عيسى. قال سحنون وابن حبيب: فإن لم يعلم بالحطيطة حتى فات بيد المبتاع، أو كانت الحطيطة بعد فوتها، قيل للبائع: حط عنه مثل ما حططت من غير ربح، فإن أبى فله القيمة ما لم تجاوز الثمن الأول، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح الحطيطة، فلا ربح، فلا ينقص. ومن كتاب ابن المواز، قال: ومن باع سلعة مرابحة، أو ولاها، أو أشرك فيها، ثم وضع له بائعه من الثمن، فيلزمه في الشركة والتولية بعضها، وضع ما وضع عنه، وأما توليتها كلها، فكبيعها مرابحة إن وضع عنه ذلك، وإلا خير المبتاع في الرد أو الحبس، ولا شيء له. قال مالك: ما لم يوضع له الثمن كله. قال ابن القاسم: أو نصفه، فإن فاتت والوضيعة دينار من أحد عشر، فإن كانت قيمتها أحد عشر فأكثر، فلا شيء للمبتاع، وإن كان أقل، رجع بذلك ما لم يزد على دينار. قال محمد: وقاله ابن القاسم في بعض مجالسه، ورواه عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، أنها إن لم تفت، فإنه إن رد دينار الوضيعة، وما يقع له من الربح، وإلا خير المشتري في حبسها بلا وضيعة، أو ردها. [6/ 357]
جامع مسائل المرابحة
قال ابن القاسم في العتبية، في رواية عيسى، ومثله عن أصبغ، في كتاب محمد: أنها إن فاتت، قيل للبائع: رد الدينار أو ربحه، وإلا فلك القيمة، ما لم يكن أكثر من جميع الثمن، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح دينار وربحه، ولا ينقص. قال محمد: وهذا إغراق من أصبغ. والأول أحب إلينا. قال أصبغ: وهو قول مالك. وقال أشهب من شركاء ثلاثة في سلعة، تقاوموها بينهم، فأخرجوا أحدهم بربح، فذهب إلى البائع، فوضع له دينارًا، فقام صاحباه، فلهما رد السلعة عليه، إلا أن يسلم الدينار، فيقسم بينهم أثلاثًا، وله الربح الأول. وقال محمد: فإن أراد البائع بوضيعة الدينار هذا دون شريكيه، فإن كان هو متولي الشراء منه، كان ذلك بينه وبين شريكيه، وإن ولي الشراء غيره، كان ذلك له وحده. ابن حبيب: ومن تجاوز عنه بائعه في عيوب الثمن أو وخره به، فليبين ذلك في بيع المرابحة. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين، فللمبتاع ردها، فإن فاتت، فالقيمة كالذي لم يبين تأخير الثمن. جامع مسائل المرابحة قال ابن عبدوس، عن ابن القاسم فيمن ابتاع ثوبين جنسًا واحدًا، وصفة واحدة بعشرين درهمًا، فباع أحدهما مرابحة ولم يبين، فللمبتاع رده، وليس للبائع أن يلزمه إياه بحصته بالقيمة من الثمن بحجة المبتاع أن الجملة يرغب فيها، فيزاد في ثمنها، ألا ترى لو استحق جل صفقته، لم يلزمه ما بقي؛ لأنه يقول: أردت [6/ 358]
الجملة، وفيها رغبت، فإن فاتت عنده بحوالة سوق، فله أن يؤدي فيه قيمته يوم قبضه، ما لم يجاوز ثمنه الأول. ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك، في من ابتاع ثوبين في صفقة، فله أن يبيع أحدهما مرابحة إذا بين ذلك. وقال مالك في من أبضع في سلعة اشتريت له، ثم باع مرابحة، قال: ما عليه أن يبين ذلك. وقال سحنون: بل يبين؛ لأن المبتاع يقول: إنما رضيت بنظر البائع واجتهاده. وروى ابن القاسم، عن مالك في العتبية مثل ذلك، والقول الأول رواية أشهب. قال عنه ابن القاسم في العتبية: فأما إن ابتاعها لك نصراني، فلا تبع مرابحة حتى تبين. قال عيسى وسحنون: لا يحل له أن يوكل نصرانيًا على بيع ولا ابتياع. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين، فللمبتاع ردها، فإن فاتت، فالقيمة كالذي لم يبين تأخير الثمن. قال ابن عبدوس: وقال بعض أصحابنا في من اشترى مالاً يكال ولا يوزن، فباع بعضه، قال: لا يبع ما بقي، ولا بعضه مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين، فللمشتري أن يرد، فإن فاتت عنده، فالقيمة إن شاء، قال: وكذلك الرجلين يشتريان البز، فيقتسمانه، فيبيع أحدهما مرابحة ولا يبين، فليرجع الأمر إلى ما ذكرنا. [6/ 359]
ومن العتبية روى أصبغ، وعيسى، عن ابن القاسم مثل ما ذكر ابن عبدوس عن بعض أصحابنا، وزاد: وأما ما كان مما يكال أو يوزن من طعام أو غيره، فلا بأس أن يبيع ما بقي أو بعضه مرابحة، ولا يبين أنك بعت منه شيئًا. وقاله أصبغ. ومن ابتاع بعرض، جاز أن يبيع مرابحة على صفته، ويكون عليه مثله، ولا يجوز أن يبيع على قيمته. ومن باع سلعة من رجل بربح دراهم، ثم ابتاعها منه بربح درهمين، فله أن يبيع مرابحة، ولا يبين. قال مالك: وإن أقالك من سلعة، فلا تبيع مرابحة على ثمن الإقالة حتى تبين. قال في الواضحة: إذا أقالك بزيادة أو نقصان، أو اشتريتها بربح، فلا تبيعها مرابحة على الثمن الآخر حتى تبين. وقاله مالك، وروي عن قتادة. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع سلعة بثلثي دينار، فنقد دراهم مثل الصرف يومئذ، ثم زاد الصرف، فقال: قامت علي بثلثي دينار، فلا بد أن يبين ما نقد، وإن ابتعت مع آخر عدل بز، فاقتسمتماه، فلا تبع نصيبك حتى تبين، بخلاف ما يكال أو يوزن. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك في الذي يقدم بمتاع، فيعرضه على قوم ويريهم برنامجه ويقول: لا أبيعكم مرابحة. قال مالك: لا أحب أن يريهم البرنامج إذا كان لا يبيعه مرابحة، وهذا يدخله خديعة. [6/ 360]
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من عرضت متاعًا بقرة نقص، فقال المشتري: ليس معي نقص، فاحبسها بقائمة وأربحك نصفًا، فذلك جائز، فكأنه بيع مساومة وبيع حادث. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من اشترى من عبده جارية، فأراد بيعها مرابحة، فإن كان العبد يعمل بمال نفسه، فذاك جائز، وإن كان يعمل بمال السيد، فلا خير فيه. وروى أصبغ، عن ابن وهب، في من ابتاع ثوبًا بنصف دينار، فنقد فيه دراهم، وباع مرابحة ولم يبين، فإن نقده دراهم، فله مثلها، وإن كان أعطاه دينارًا فضربه، فأخذ نصفه ورد نصفه، فله نصف دينار بالغًا ما بلغ. قيل: إنما نقده دراهم، وقد فات الثوب ونقص الصرف. قال: فله ما نقد، وإن لم يفت الثوب، فهما على رأس أمرهما. وروى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، في من ابتاع جرار زيت موازنة، فوزنت بالظروف، ثم أراد بيعها مرابحة قبل وزن الظروف، قال: ذلك جائز مرابحة، أو مساومة، وقد دخلت في ضمانه، فلا مقدار وزن الظروف يسقط عنه، وعليه لمن باعها منه الوزن أيضًا، إلا أن يبيعها على تصريفه في الوزن، فيجوز. قال ابن حبيب: ومن ابتاع بعروض أو طعام، جاز أن يبيع مرابحة، ولا يدخله السلف إلى غير أجل. [6/ 361]
باب في البيع على البرنامج والشىء المغيب يوصف، وكيف إن وجد نقصا أو خلاف الصفة
أبواب بيه البرنامج والأشياء الغائبة والديون باب في البيع على البرنامج والشيء المغيب يوصف وكيف إن وجد نقصًا أو خلاف الصفة؟ وبيع العكم من كتاب ابن المواز في الساج أو الثوب المدرج من جرابه: أنه لا يجوز بيعه حتى ينشر، بخلاف بيع الأعدال على البرنامج. قال ابن حبيب: لا يباع الساج المدرج في جراب على الصفة، بخلاف بيع الأعدال على البرنامج، لكثرة الثياب، وعظم المؤنة في فتحها ونظرها. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع ثوبًا مدرجًا في جرابه"، فوصفه له، أو كان على أن ينشر، فذلك جائز، ونشر بعد البيع أو قبله. ومن الجزء الأول لابن المواز: قال مالك في الثياب تطوى، وتجعل وجوهها ظاهرة، وعيوبها داخلة، فينشر للمبتاع منها الثوب أو الثوبين، فيرى عيوبهما، فيقول: أشتري على هذا، فقال: غيره أحب إلي، وأرجو أن يكون خفيفًا. وذكر ابن سحنون في رده على الشافعي، أن الصفة تنوب عن ذلك، واحتج بحديث أبي هريرة، في النهي عن بيع السلع لا ينظرون إليها، ولا يخبرون عنها. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: وإذا نسب الكتان إلى أسماء عمال له معروفين، فيشترون على ذلك ولا يفتحونه، فلا أحب ذلك حتى يفتح وينظر إلى شيء منه. وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك. [6/ 362]
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عكم أخفاف، فلا بأس أن ينظر فيها إلى خفين أو ثلاثة، وكذلك البز. يريد محمد: وبعد أن يعلما عددها. ومن ابتاع عدلي بز مروي على برنامج أو صفة، فأصابه مطر، فالقول قول البائع مع يمينه، إلا أن يصحبه كالطعام. ولو قبض طعامًا من سلم على التصديق في الكيل، فينقص عليه أكثر من نقص الكيل، فلا يصدق إلا ببينة لم تفارقه، وإلا حلف البائع، وإن كان بعث إليه، أو دفع إليه حلف: لقد باعه على ما قيل له، أو كتب إليه، وكذلك فيما يجد ناقصًا من الثياب في بيع البرنامج، وإلا رد اليمين على المبتاع، وكذلك من دفع صبرة في صرف، أو قضاء دين فصرفه البائع أنها مائة دينار، فالدافع مصدق مع يمينه، إلا أن يأخذها القابض على أن يرد أو يزن، فيصدق مع يمينه، قال مالك: وكذلك الطعام والثياب. قول محمد: وفي صرف ليس يعني أنه يجيز فيه التصديق وأراه بما علم على تضمين القابض على ذلك إن فعل. وقال أشهب وسحنون: لا يجوز التصديق في الصرف، ولا في تبادل الطعامين. ولابن المواز نحوه في موضع آخر. ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في من وكل ببيع قراطيس، فأراد ربها بيعها، وقال: باقيها على هذه الصفة أو وصفها له، أو كتب إليه بصفتها وبعثها إليه، فأتى إلى الوكيل رجل، فأراه منها قنطارًا، أو عرفه أنها بضاعة، وأنها كانت على ما رأيت فيما قال لي ربها، فاشتراها على هذا، فوجد منها قنطارًا متغيرًا بعد الصفة التي رأى، فقال الوكيل: ما أعرفه، فطلب يمينه أنه ليس مما بعت مني. قال: يحلف أني بعتك على ما كتب إلي، ولم أدلس، ولا أعرفه، قال: وليس عليه غير ذلك؛ لأنه قد صدقه حين ابتاع منه على ما ذكر. وقد قال مالك، [6/ 363]
فيمن ابتاع خمسين ثوبا فلم يجد إلا تسعة وأربعين
فيمن يبتاع من الرجل ثياب قصب في صندوق بصفة، فيغيب عليه، ثم يدعي نقصانًا أو خلافًا، إنه لا يصدق، يحلف البائع أنه ما كتبه، ولقد باعه على ما كتب إليه. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وسأله حبيب عن من ابتاع جملة غنم مائة أو مائتين، فحبسها كلها، قال: نعم، لا بد من ذلك، وإلا فهو بيع مكروه، إلا أن يحبس اثنين أو ثلاثة، ثم يقول للبائع: نشترط عليك إن ما لم أحبس مثل ما حبست، فيكون كالبيع على الصفة. فيمن ابتاع خمسين ثوبًا فلم يجد إلا تسعة وأربعين قال ابن حبيب فيمن ابتاع خمسين ثوبًا، يريد على برنامج، فلم يجد إلا تسعة وأربعين، فليرجع بجزء من خمسين جزءًا من الثمن، فإن زاده ثوبًا، كان البائع شريكًا بجزء من اثنين وخمسين، وقالا لي: هذا غلط عم مالك. باب في بيع الشيء الغائب، وعهدته والنقد فيه، والإقالة منه، والشرك فيه وبيع غائب بغائب، وبيع ما فيع عرض وعين وغير ذلك من ذكر بيع الغائب من الواضحة، قال: يجوز بيع الأشياء الغائبة على الصفة، وإن بعدت ما لم تتقاص غيبتها جدًا، ولا نقد بشرط إلا فيما قرب، على مثل يوم ويومين، ولا يجوز فيما بعد إلا أن يتطوع بعد العقد، فإن تشاحا، وضع الثمن بيد عدل حتى ينظر ما حال ذلك المبيع، وهذا في غير الرباع والعقار، تلك يجوز شرط النقد فيها، ولم يختلف، إنما هو مما يحدث بعد الصفقة، ومن مصيبة إن نزلت، ألا تراه يشتري الصبرة الحاضرة، فيجد في داخلها شيئًا، فيرد ذلك، إلا أن يتأخر قبضه وانتقاله، [6/ 364]
فينظر، فإن كان لا يمكن حدوث مثل ذلك في تلك المدة لقربها، فليرد، وإن أمكن حدوثه بعد الصفقة، ولا يكون قديمًا، فهو من المبتاع، فإن أمكن هذا وهذا، فهو على أنه محدث حتى يظهر أنه قديم، فكذلك الغائب في هذا يشترط فيه الصفقة، ولو كانت الصفقة في الغائب على إلزام ما في الباطن من عيب بالصبرة وشبهها، ما جاز مثل هذا في الحاضر. قال: وكذلك في العبد الغائب، أو الأمة تشترط فيها الصفقة. قال: وما ظهر من عيب، فاختلفا في قدمه، فهو أبدًا على أنه حادث، ومن المبتاع حتى يعلم أنه قبل ذلك، وعلى البائع اليمين أنه ما علمه قبل الصفقة. وقاله ابن الماجشون، وابن القاسم، وأصبغ. قال: ولا يجوز شرط الصفقة في طعام غائب بيع على الكيل أو الوزن. ومن الواضحة، ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: وما بيع من طعام غائب بعينه، قال ابن حبيب: على الجزاف، فوضع الثمن لذلك، فهلك الثمن، فإن وجد على الصفة بالثمن من البائع، وإلا فهو من المبتاع، ولو تعدى بائع الطعام عليه فباعه، فعليه شراء مثله، ومصيبة الثمن منه. قال ابن حبيب: قال مالك: ولا تصلح فيه الإقامة، ويدخله الدين بالدين، ولا أن يشترط فيه، ولا أن يبيعها من بائعها بأقل أو بأكثر ولا بمثل، لأنه كدين لزمه أخذ منه سلعة غائبة، وله بيعها من غير البائع بأكثر وأقل، إذا لم ينتقد. قال سحنون: إنما لا يجوز أن يبيعها من بائعها، ويصير كدين بدين، على قول مالك الأول: إنها من المبتاع. ومن المستخرجة: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: ولا يجوز التولية في طعام اشتريته بعينه غائبًا قريب الغيبة، سواء رآه المتولي أو وصف له، أو لم يره ولم يوصف له. [6/ 365]
ومن كتاب ابن المواز، قال: وأخذ ابن القاسم وأشهب بقول مالك الأخير في ضمان الشيء الغائب المبيع: أنه من البائع، إلا أن يشترط أنه من المبتاع، فيصير منه من يوم الشرط، ولا ينقد فيما شرط أنه من المبتاع أو من البائع، إلا في الربع والعقار، ولا يصلح أن يقرب لقبض السلعة الغائبة أجلاً قريبًا أو بعيدًا. قال ابن القاسم: وضمان الربع والعقار من المبتاع من يوم الصفقة، اشترط ذلك عليه البائع أو لم يشترطه. قال ابن القاسم: إنما يشتري الرباع الغائبة بصفة المخبر والرسول، فأما بصفة ربها فلا، إلا أن يشترط النظر، ولا يصلح النقد حينئذ. وكذلك هي في العتبية، عن مالك، ولا بأس أن يتطوع بالنقد بعد العقد فيما لا يصلح فيه النقد. قال مالك: أو من اشترى دارًا غائبة مذارعة، لم يجز فيها النقد، وكذلك الحائط على عدد النخل. قال أشهب، عن مالك في العتبية: وضمانها من بائعها. قال مالك في الدار الغائبة تباع بصفة، فلا ينبغي أن تشترى إلا مذارعة، وقاله سحنون. ومن كتاب محمد: قال مالك: وإن اشترى ذلك لك على غير ذرع ولا عدد نخل، ثم هلك ذلك قبل قبض المبتاع، فهو من البائع إلا أن يكون شرط أنه من المبتاع. [6/ 366]
قال محمد: ولمالك غير هذا، أن الرباع من المبتاع، وإن بعدت. وعليه أصحابه أجمع. قال: وإذا بيع الحائط الغائب وفيه الحيوان والعبد، فالنقد في ذلك جائز، والضمان من المبتاع، فإن بعدت غيبة ذلك. وأجاز مالك النقد فيما قرب من غير الرباع، فجعل القرب نحو البريد والبريدين، ثم رجع، فقال: اليوم ونحوه. ابن القاسم: واليومين. وكره مالك في رواية ابن وهب النقد في الطعام على نصف يوم، حتى يقرب جدًا. قال عنه ابن القاسم: وأما الحيوان، فلا ينتقد فيها إلا في مثل البريد والبريدين. قال عنه ابن عبد الحكم: لا ينقد منه في الحيوان، قرب أم بعد. وقال أشهب: يجوز النقد في الطعام والحيوان على مثل اليوم واليومين، فإن بعد، لم ينتقد فيه، كان الثمن دارًا أو حيوانًا، أو ما كان. وقال ابن القاسم: لا ينقد، وإن كان الثمن دارًا أو عرضًا أو حيوانًا أو سكنى دار، إلا في الرباع الغائبة. قالا عن مالك، في الزرع الغائب قد يبس: لا ينقد فيه، وإن شرط ضمانه من المبتاع، فذلك جائز إن لم ينقد. قال ابن القاسم: قال مالك: لا ينبني بيع الطعام الغائب على شرط إن أدركته الصفقة. قال ابن القاسم: وذلك في المخزون في البيوت؛ لأنه لا يدري ما فيه. قال أصبغ: يريد: في الجزاف، وقاله سحنون. قال سحنون: قال ابن القاسم: بخلاف الزرع القائم. قال أصبغ: وقد أجاز ابن القاسم النقد في السلع الغائبة على يوم أو يومين، طعامًا كان أو غيره، وإن كان أبعد من ذلك، فلا خير فيه. قال ابن القاسم: ولا بأس ببيع عبد بغنم غائبة، ما لم يدخل في ذلك الضمان ولا حد بالقبضة أجلاً، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية، فإن قدم [6/ 367]
بالغلام قبل، فمات الغلام قبل قدوم الغنم، فإن جاءت على الصفة، أو جاءت على غير الصفة يرضيها، فله أخذها، وضمان العبد من الآخر، فإن لم يرضها إذ خالفت الصفة، فالعبد من بائعه. ومسألة الأمة في المواضعة مثلها في هلاك الثمن، وفيها اختلاف ذكرناه في المواضعة. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة غائبة، على أن يوافيه بها البائع، فوضع كذا وكذا، لم يجز ذلك. محمد: وهذا من ناحية الضمان. قال أصبغ: وكذلك على أن يوافي بها هاهنا. محمد: إن كان البائع ضامنًا للسلعة، لم يجز، وإن كان إنما ضمن حمولته، فذلك جائز. قال مالك: ولا يجوز بيع السلعة الغائبة، على إن هلكت ضمنها البائع، يأتي بمثلها. ومن العتبية، روى أصبغ، عن ابن القاسم، في من اشترى جارية غائبة بالشام، وشرط ضمانها حتى يعطيه إياها بمصر، فلا خير فيه، ولو كان يقبضها بالشام، لم يكن به بأس. وقاله أصبغ. من كتاب محمد: وقال في العبد البعيد الغيبة، إذا أعتقه مبتاعه، جاز عتقه، ووجب للبائع قبض الثمن، وزال من ضمانه، وذلك كالقبض في هذا، وفي البيع الفاسد. قال: ومن رأى عبدًا من عشرين سنة، ثم اشتراه على غير صفة، فذلك جائز، ولا ينقد، وهو بيع على الصفة التي كان رأى. قال مالك: ولا خير في أن يبيع دابة عنده في الدار خبرة على صفة. قال محمد: لأنه يقدر على نظرها. قال: ومن باع بالمدينة غلامًا له بمصر، يعرفه المبتاع، وكتب إلى وكيله بمصر أن يقبضه، ويدفع الثمن، فذلك جائز. قال ابن [6/ 368]
القاسم، وأشهب: ومن ابتاع مائة إردب من طعام غائب بعينه، يخرج إليه يكتاله بثمن إلى أجل، فذلك جائز. قال مالك: ولا يقبل من سلعة غائبة لا يصلح النقد فيها؛ لأنه دين بدين؛ لأن الثمن ثبت عليه، لا يزيله إلا أمر يحدث في السلعة، فصار كبائع سلعة غائبة بدين عليه، فلا يصلح بمثل الثمن، ولا بأقل ولا بأكثر، وأما من غيره، فجائز إن لم ينتقد، وأجاز مالك أن يقيله من الجارية في المواضعة، وإن أقاله بربح، فلا ينقده الربح حتى تخرج من الاستبراء. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى من رجل كل مملوك له، ولم يسمهم، وهم غيب بموضع، والمبتاع يحيط علما كجميعهم، وصغيرهم وكبيرهم، فذلك جائز، فإن كان على مثل يوم أو يومين، جاز النقد فيهم، وإن بعدوا، لم يجز النقد فيهم بشرط، وإن تطوع به بعد العقد، جاز. قال: فإن ادعى البائع أن المبتاع ااشترى ما لا يعرف، وادعى المبتاع أنه بهم عارف، فالمبتاع مصدق بدعواه الصحة. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: ولا يصلح شراء الميراث الغائب فيه عين وعرض بعرض نقدًا، وإن اشتراه على أنه له وحده، أو لم يجده نقص أو زاد، فهو غرر، وإن شرط إن لم يجده، رجع فأخذ عرضه. وروى عيسى، وأصبغ، في من باع طعامًا غائبًا أو غنمًا بموضع لا يجوز فيه النقد، بثمن إلى أجل سنة، على أن السنة من يوم يقبض الغنم، فلا يجوز حتى يكون الأجل من يوم عقد البيع، كمن نكح بمائة نقدًا ومائة إلى سنة، فالسنة من يوم العقد، ولا يجوز أن يكون من يوم البناء. قال أصبغ: وإن كان الأجل في البيع من يوم العقد، وهي بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد هذا الأجل، لم يجز، ويصير كشرط النقد في البعيد الغيبة. [6/ 369]
قال أصبغ، عن ابن القاسم: وإن ابتاع غنمًا غائبة بثمن في ذمته، جاز في قريب الغيبة، فإن بعدت الغيبة جدًا لم يجز، وإذا كان المقبوض أولاً هو المضمون، لم يصلح، وإن كان المعين يقبض أولاً جاز، وإن بعد ما لم يبعد جدًا، فلا يجوز؛ لأنه حيوان. وروى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك، وهي في كتاب ابن المواز، عن مالك، في من له ذهب بالمدينة توقف عند قاضيها، فابتاع بها زيتًا بالشام، أو طعامًا. قال في العتبية: فلا خير فيه، ولكن يتواضعان الزيت، ثم يخرج إلى الذهب، فإن وجدها، تم البيع. قال في كتاب محمد: وإن شرط ضمان الذهب للبائع، فجائز، ولو كان إلى أجل، كان أحب إليّ، وكأنه يرى إن لم يضمن الذهب أنه يفسخ. قال ابن القاسم في الكتابين: إذا قبضت السلعة، فلا يجوز إلا أن يضمن الدنانير. قال مالك في العتبية: إذا ابتاعه بالذهب الغائبة، فلا خير فيه، والذي يصلح أن يتواضعا السلعة، ثم يخرج إلى المال فإن وجده، تم البيع. قال في كتاب محمد: فإذا لم يجد الذهب وتواضعا الساعة حتى يخرج إلى المال، فإن وجده تم البيع. قال في الكتابين: وإن لم يوجد وأراد أن يخلف له مثله، فذلك له وإن كره البائع، وإن كان العرض لا يخرج من يد بائعه، ولا يتواضعانه، فذلك جائز، وليخرجا إلى المال، فإن وجداه فلا يجوز قبضه حتى يقبض المبتاع السلعة، وإلا صار كالنقد في الغائب. [6/ 370]
في شراء الدين على غائب أو حاضر أو ميت ومن له دين وأمتنع من أخذه فلس أو موت
ومن كتاب محمد: ومن أكرى إبلا غائبة بكراء مؤخر إلى البلد، فإما إبلا معينة فجائز، وإما كراء مضمونًا، فكرهه مالك حتى ينقد أكثره، ثم خففه إذا عربنوهم لما اقتطع الأكريا أموال الناس. وقال أصبغ: بشرط أو بغير شرط، ما لم يكن الأجل إلى بعد البلوغ، فلا خير فيه. والقياس: ألا يجوز إلا نقده كله. في شراء الدين على غائب أو حاضر أو ميت ومن له دين وامتنع من أخذه في فلس أو موت من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: لا يشترى دين، على غائب مقر أو منكر، أو حي أو ميت، أو مليء أو معدم. قال ابن حبيب: ولا بأس بقسمة ما على الرجل الغائب من الدين؛ لأن حالهما فيه لا يختلف. ومن كتاب ابن المواز: لا بأس ببيع ما على الرجل الغائب من الدين، إذا كان قريب العيب، عرف ملاؤه من عدمه. وقال: فإن لم تكن عليه بينة ما لم يجز حتى يحصر ويقر. قال ابن حبيب: ويعرف ملاؤه من عدمه. قال محمد: وإن حضر وأنكر، وعليه بينة، لم يجز بيع ما عليه؛ لأنه خطر وحصوم. قال مالك: ولا يجوز بيع ما على الميت وإن كان عليه بينة، وإن عرف ما ترك؛ لأنه لا يدرى ما عليه من الدين، وليس ثم ذمة باقية. ومن ولي سلعة له في ذمة رجل، ولم يجمع بينهما، فالعهدة للمولى على البائع الأول. [6/ 371]
فيمن اشترى شيئا عرفه البائع ثم قال له جوزني ما بعت مني
قال أصبغ في العتبية: وأما إن ولاه طعامًا على غائب، فلا يجوز حتى يحضر ويجمع بينهما، ولو ولي سلعة، جاز ذلك فيها. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن مات وعليه طعام لم يحل، فامتنع صاحبه من أخذه من الورثة حتى يحل، قال: يجبر على أخذه، وقال ابن القاسم: ويجبر على أخذ العروض في الفلس والموت. أبواب الضمان في المعينات من الأشياء الحاضرة والغائبة وفيمن اشترى شيئًا عرفه البائع ثم قال للبائع: جوزني ما بعت مني من العتبية، قال سحنون فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو غير ذلك، وقد عرف ذلك بيد البائع يملكه ويجوزه، فيسأله بعد البيع أن يجوزه، أذلك عليه؟ قال: إن كان المبتاع ابتاع ما قد عرفه بيد البائع فلا جوز عليه، وإن دفعه عما اشترى دافع فهي مصيبة على المبتاع. في ضمان ما يهلك بعد الصفقة من الأشياء الحاضرة بيد البائع وفيما بيع على كيل أو عدد أو على غير كيل فيهلك وكيف إن تعدى فيه متعد وذكر التداعي في هلاكه من كتاب محمد: وما اشترى من الحيوان بعينه شراء صحيحًا، ونقد فيه أو لم ينقد، فهلك بيد البائع، فاختلف فيه قول مالك وروى أشهب أنه من البائع، إلا أن يدعى المبتاع إلى قبضه، فيكون هو الذي أقره، فيصير الضمان من المبتاع. وقاله أشهب. [6/ 372]
وروى عنه ابن القاسم أنه من المبتاع؛ لأنه إما احتبسه للثمن فهو كالرهن، أو المبتاع تركه فهو كالوديعة. قال ابن القاسم: ولو كان به عيب قديم، فلم يقبضه حتى مات، فهو من المبتاع، وليرجع بقيمة العيب. قال: وهو منه، حتى يرد بقضية أو يرضى من البائع، ولو قبضه المبتاع، ثم قام بعيب فأعلم به البائع، وأشهد عليه أنه غير راض به، وأنه منه بريء، فأقبل البائع ليأخذه، فوجده قد مات بعد إقالته، أو أصابه عيب، فهو من المشتري. قال محمد: وأحب إلي أن تثبت الإقالة على البائع بإيجابه ذلك على نفسه، والمصيبة منه، وإن لم يقبضه، كاستئجار بيع في سلعة حاضرة، وهذا أقوى من قضاء السلطان. قال مالك: ولو خاصمه في رده، فقضي برده، فلم يقبضه، حتى مات، فهو من المبتاع حتى يرده بقضية، ويقبضه البائع. ثم رجع مالك فقال: إذا قضي برده، فهو من البائع وإن لم يقبضه. قال محمد: ومبتاع الصبرة جزافًا أو على التصديق في الكيل، فذلك من المبتاع، كالحيوان، ولم يثبت مالك فيها على أمر. قال: وأما من اشترى طعامًا، فسمي له كيله، أو كان حاضرًا، فهو أبدًا على الكيل. محمد: والمصيبة هاهنا من البائع حتى يشترط أخذه بكيله أو تصديقه فيها، كالقائل: كم في طعامك هذا؟ فيقول: خمسين إردبًا، فيقول: قد أخذتها بكذا. فيرضى له، فهذا على الكيل حتى يشترط تصديقه، ولو اشتراه على الكيل، ثم أراد تصديقه في كيله، فذلك جائز، ثم إن بدا له أن يرجع إلى الكيل، فليس ذلك له. وقاله أصبغ. محمد: وإن لم يسم معرفة كيله، فأراد أن يسلفه له بما يتوخيان من كيله، لم يجز، وهذا أخذ طعام جزافًا من رجل عن كيل وجب. [6/ 373]
ومن ابتاع زرعًا قد يبس، كل فدان بكذا، إلا أنهما يقيسان الأرض بعد حصادها، لمعرفة كم فيه، ولم يحصده حتى هلك، فهو من المبتاع، وقد كان للمشتري بيعه قبل يحصد، وقبل يقيس فدادينه. وذكر ابن حبيب مثله عند مالك، وقال: وكذلك من اشترى دارًا على عدد حتى تزرع، أو حائطًا على عدد نخل، فيهلك ذلك بسيل أو حريق النخل، والمصيبة من المبتاع، ويعاد الآن ذلك، ويعد النخل على ما هي به، ويلزمه الثمن. وقاله مطرف، وعبد الملك، وأصبغ. وإذا احتجن البائع الأمة بالثمن، ثم وطئها، فيبرأ عنه الحد لقول من يرى أنها في ضمانه، والأمة للمبتاع، وعليه قيمة الولد على البائع إن ولدت. ولو أمكن منها، فأقرها عنده بعد تمام الاستبراء فوطئها المبتاع، فهو زان، يحد أو يرجم، ولو كان ذلك في الاستبراء، وقد كان البائع يطؤها قبل البيع، دري عنه الحد ويعاقب، ويفسخ البيع، وتكون له أم ولد. ابن القاسم: ومن باع ثوبًا، فأراد المبتاع أخذه، فقال المبتاع: هو على عنقي حتى أبلغ به البيت، فاختلس منه، فالبائع يضمنه إن لم تقم بينة، وذلك سواء نقد أو لم ينقد، ويضمن الأكثر من قيمته، أو الثمن أو الثوب، وهو كالرهن. وكذلك روى عنه سحنون في العتبية، وقال: إن قامت بينة، فهو من المبتاع. قال مالك: ومن باع صبرة طعام على الكيل، فاستهلكها أجنبي قبل الكيل، فعليه قيمتها على التحري. يشتري بها طعامًا فيكال للبائع. وقال أشهب: تكون القيمة للبائع، وينفسخ البيع، وليس للمبتاع إلا الثمن، إلا أن يقر المستهلك بعدد كيل، فإن شاء بائعها أغرمه عدد ما أقر به واستحلفه، وإلا فالقيمة. ثم يتخير المشتري، فإن شاء أخذ المكيلة التي أقر بها المستهلك، وإن [6/ 374]
شاء اشترى له بالقيمة طعامًا فاكتاله، وإن شاء فسخ البيع، وأخذ الثمن. قال أشهب في أخذ البائع القيمة من المستهلك: اختلف فيه قوله، فقال: يشتري به طعامًا، فيوفاه المشتري، ومرة قال: لا، إلا أن يعرف الكيل. قال محمد: وأحب إلينا أن يجعل ما أخذ من المستهلك من طعام، أو قيمة في طعام يوفي منه المشتري شراءه. كذا قال ابن القاسم. ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، في من باع كيلاً من طعام، ثم ادعى هلاكه قبل أن يقبضه المبتاع، فكذبه المبتاع، فعليه أن يوفيه الكيل الذي باع منه، إذا لم يعلم هلاكه بالبينة. وروى سحنون عن ابن القاسم فيمن باع ثوبًا، ثم حبسه بالثمن، ثم ادعى تلافه، ولا بينة له، قال: فيفسخ البيع، إلا أن تكون قيمته أكثر من الثمن فيغرمه؛ لأنه يتهم لتلفه، وإن كانت أقل، فسخ البيع، وليس برهن، وهو مصدق في تلف الحيوان، ولو قال قائل: يضمن قيمة الثوب، كانت أقل أو أكثر. لم أعبه، قال سحنون: ليس هذا بشيء، وينفسخ البيع، ولا قيمة على البيع. قال في كتاب ابن المواز: وإذا أسلم ثوبًا في طعام، فأحرقه رجل عند بائعه، فإن ثبت ذلك، فالسلم بحاله، ويتبع الذي عليه الطعام الجاني، فإن لم تقم بينة، فهو مخير في فسخ البيع، أو يضمن بائع الثوب قيمته، ولو أمكنه منه، وتركه عنده وديعة، فلا خيار له وهو منه، والطعام عليه، ولو أحرقه بائعه متعمدًا أو غير متعمد، فعليه قيمته. ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم في من ابتاع صبرة، فلم يأت بالثمن حتى هلكت نار، فهي من المبتاع، وكذلك من باع عشرة فدادين من قمح من زرعه، فذهب إلى غد ليقيس، فاحترق الزرع، فالمصيبة منهما جميعًا. [6/ 375]
باب في ضمان ما بيع فوزن بظروفه فهلك قبل تفريغها
ومن سماع ابن القاسم: قال مالك في الضأن يباع صوفها، فتصاب منها الأكبش قبل أن تجز، فهي من البائع، ويوضع عن المشتري بقدرها، وذلك إذا سرقت، أو أخذها السبع، فأما إن ماتت، فليس له إلا صوفها، إلا أن تكون صوف الميتة عند الناس لا تشبه الحي، فيوضع عنه. من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، في النواتية يحملون التلاليس - يريد بالطعام - فيسقط منهم في البحر، أنه من المشتري. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع من خياط ثوبًا قد خاط قدر ثلثه، على أن يتمه، فهلك عنده، فإنه يضمن قيمته يوم باعه من صاحبه، كتضمين الصناع، ولو قامت بينة بهلاكه، لم يضمن، ويرد من الثمن بقدر ما كان بقي من خياطته بعد أن نقص ثمنه على قيمته يوم الشراء، وعلى ما بقي من خياطته. ومن كتاب ابن عبدوس، في تفسير القسم، قال: وإن قطعت يد العبد عند البائع، فاختلف هو والمبتاع من قلة الثمن وكثرته، خير المشتري بين أخذه بما قال البائع، وإلا حلف على ما قال، ثم فسخ البيع فيما بقي من العبد بحصته من الثمن، إن بقي ثلاثة أرباعه، سقط عنه ثلاثة أرباع الثمن، وغرم ربع الثمن. يريد: الذي أقر به المشتري مع يمينه، فإن مات العبد في يد البائع، صدق المشتري في الثمن بعد أن يحلف، وصار هو المدعى عليه. باب في ضمان ما بيع فوزن بظروفه فهلك قبل تفريغها وفي ضمان الظروف وفي المكيال يسقط بعد امتلائه والراوية تنشق قبل تفرغ من كتاب ابن المواز: وإذا وزنت جرار الزيت، وقبضها المبتاع ليفرغها، فضمان الزيت من المبتاع، وله بيعه قبل يفرغه؛ لأن ذلك قبضه. قال أصبغ: [6/ 376]
وكذلك لو ملأ له الظروف فقبضها حتى يفرغها، ثم يعبرها بالماء، ليعرف ما تسع، فهو قبض والضمان منه. محمد: ولا يضمن الظروف، إذ لم يقبضها على شراء، ولكن على وجه الكراء، وكان الثمن وقع على الزيت على عارية الظروف. وروى عيسى، عن ابن القاسم في روايا زيت توزن بظروفها، ويقبضها المبتاع مثل ما روى عنه محمد في ضمان الزيت، وذكر مثله ابن حبيب، عن مالك. ومن كتاب محمد: وإذا سقط المكيال وانكسر بعد امتلائه، وقبل يفرغه في إناء المبتاع، قال مالك في رواية أشهب: إنه من البائع حتى يصب في إناء المشتري. قال ابن القاسم: وإذا أمر البائع أجيره بالكيل للمبتاع، فكال واحدًا فصبه في إناء البائع، ثم كال ثانية، فوقع المطر في يده بعد امتلائه على وعاء المشتري فانكسرا، فالثاني من البائع، وأما الأول فالأجير يضمنه للمبتاع. قال أشهب: قال مالك في من اشترى زق سمن، فذهب ليزنه، وانقلب من الميزان فانشق، فهو من البائع، وكذلك لو تم وزنه، ثم ذهب ليصبه في إناء المشتري، فمالت يده فأهراق، فهو من البائع، وكذلك في الكيل حتى يستوفيه المشتري. وكذلك في الواضحة، وما يسقط من المطر بهد وفائه، أو الويبة بعد وفائها، فيهلك، فذلك من البائع، سواء ولي هو كيله، أو من أمره، أو وليه المشتري بأمره، فأما لو وليه المشتري بتعد منه، أو أجنبي بتعد منه بغير أمر البائع لكان ضامنًا بتعديه. ومن العتبية: روى عيسى، ويحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في البائع أو أجيره يكيل مكيلاً، فيصبه في إناء المشتري ثم يكيل ثانية فيسقط منه بعد امتلائه على إناء المشتري، مثل ما روى ابن المواز، وزاد: وإن بقي شيء من الزيت عند [6/ 377]
فيمن باع شيئا من رجل ثم باعه من غيره وكيف إن تنازعه المشتريان؟
البائع، وفاه صفقته، وإلا رد عليه حصته من الثمن. قال عنه يحيى: ولو ولي المبتاع الكيل فيما وفاه، وامتلأ سقط من يده على إناء نفسه فكسره، فما في إنائه فهو منه، وما كان في المكيال فمن البائع حتى يصبه في إناء المشتري، وليس امتلاء المطر بقبض، وكذلك لو ولي الكيل أجير لها، لضمن ما في إناء المشتري، ولا يضمن ما في المكيال، إلا أن يكون فعل به ما هو سبب سقوطه. وروي عن سحنون، في غير العتبية، أن المشتري إذا وعي الكيل لنفسه، أو وزم الدراهم، فلما استوى المكيال والميزان، سقط من يده، فالمصيبة من المشتري. وروى عنه عيسى في من اشترى راوية ماء فتنشق، أو تكون قلالاً، فتنكسر قبل يصل، فذلك من السقاء، وهو مما يشترى على البلاغ في عرف الناس. فيمن باع شيئًا من رجل ثم باعه من غيره وكيف إن تنازعه المشتريان أو كان طعامًا فنقله البائع أو غيره إلى بلد آخر من كتاب ابن المواز، قال: ومن أسلم ثوبًا في طعام، ثم باع الثوب بائعه، ومبتاعه مخير، في تضمينه قيمته ما بلغت، أو الرضا بالثمن الذي باعه به، ولو أراد أن يترك ذلك، ويفسخ البيع، أو تراضيا بذلك، لم يجز، ولا تجوز الإقالة إلا برأس المال. قال مالك: ومن ابتاع قلنسية، فباعها الخياط، فلا خير في أن يرضى ببيعها؛ لأن الخياط لها ضامن حتى يعطيها له، وليعمل له مثلها، ولو لم تفت بيد المبتاع، لم يتبع له الرضا ببيعها. قال ابن القاسم: وذلك أنها على الخياط مضمونة بصفة معلومة، ولو كانت خرقة بعينها استعمله إياها، فله الرضا ببيعها، أو يلزمه قيمتها إن كانت أكثر. قال محمد: هذا إن ثبت بيعه إياها بعينها. قال محمد: ويجوز وإن كانت مضمونة عليه أن يرضى مبتاعها بالبيع، ما لم تفت وينتقد، وذلك إذا أشهد الخياط أن هذه لفلان، وهو مما يجوز بيعه قبل [6/ 378]
قبضه، وما كراهة مالك في هذه إلا أنه لم يعلم من بيع الخياط أنها لفلان إلا بعد البيع، ولعله إنما باع غير متاعه أو لم يبع، فخاف الذريعة إلى الربا، أن يعطي قليلاً ويأخذ كثيرًا، ويدل جواب مالك أنها عرفت بعينها: أنه قال: إذا لم تفت، فهو مخير. يدل أنها عرفت، فكان له أخذها وأخذ الثمن، وإن فاتت، لم يجز ذلك. وقال أشهب: ومن ابتاع طعامًا بعينه على الكيل، فتعدى البائع، فحمله إلى بلد آخر، فإن شاء أخذ بعينه، وإن شاء فسخ بيعه، وأخذ رأس ماله، وليس له أن يأخذه بمثله بموضع اشترائه. قال محمد: ليس هذا شيء، وليس له أخذه، وإنما له مثله بموضع اشترائه، ولو باعه ولم يحمله، لم يكن للمبتاع أن يجيز بيعه، ويأخذ الثمن وإن كان بعينه، وإنما له أخذه بمثله، بالبلد الذي كان به، ويصنع هذا بهذا ما شاء، كمن تعدى على طعام رجل، فنقله إلى بلد آخر، فإن وثق به، وإلا أوقف له، ويبيعه ويوقف له ثمنه، ولا يكلف رد الطعام. قال ابن القاسم: ومن ابتاع طعامًا غائبًا بنقد، فقدم به وكيل البائع ولم يعلم، أو كان خرج قبل البيع، فالبيع لازم، فإن شاء قبضه هاهنا، وإلا أخذه شرواه هناك، ويرده إن شاء. وقاله أصبغ. ومن العتبية، قال أصبغ: ومن اشترى شاة، ثم ذهب ليأتي بالثمن، فباعها البائع من غيره، فلقي المشتري الأول الثاني وهي معه، فتنازعاها، فماتت الشاة بأيديهما، فالضمان منهما إن كان موتها من فعلهما جميعًا، فإن ثبت بيعه من الأول، غرم له الثاني نصف القيمة، ورجع الثاني على البائع بما دفع إليه، وإن صحت للناس، غرم الأول نصف القيمة. [6/ 379]
في ضمان الصبرة يشتري بعضها أو يستنى بائعها بعضها
ورأيت لسحنون في كتاب البيوع الذي نسب إلى ابنه، أنه إن باعها من الأول بعشرة، ثم باعها من الثاني بعشرين، فالأول قد قبض نصفها في منازعته للناس، وعليه فيه خمسة، ويخير في النصف الآخر، فإن شاء ضمن المبتاع نصف قيمته، وإن شاء جاز فيه البيع، وأخذ فيه عشرة من المبتاع الثاني، ثم يرجع بها مؤديها على بائعه إن كان نقده، وإن شاء ضمن البائع قيمة النصف ما بلغ، وكان ثمنه له، وإن شاء أخذ من البائع العشرة التي باع بها النصف، ورجع بفضل القيمة إن زادت على عشرة على المبتاع. فقول سحنون: إن أجاز البيع أخذ من المشتري العشرة وقد دفعها إلى باعه فليس بأصلهم، وأصلهم في بيع الغاصب والمتعدي يقبض الثمن، أن رب السلعة إذا أجاز البيع، فعليه يرجع بالثمن إن قبضه، لا على المشتري. وقوله: إن شاء أخذ العشرة من البائع، ورجع بالفضل القيمة إن كانت أكثر على المشتري. فليس يعني أنه أجاز البيع، وأراه أراد أنه يطلب المبتاع بالقيمة، ولا يجيز البيع، فيأخذ هذا العشرة التي له عند البائع؛ لأنها مال غريمه ثم يرجع بتمام القيمة عليه؛ لأنه ضمن نصفها في منازعته حتى ماتت بأيديهما. وبهد هذا باب في اختلاف الوليين فيما باعا، فيه ذكر من باع سلعة من رجل، ثم باعها من آخر، وزيادة على معنى ما في هذا الباب. في ضمان الصبرة يشتري بعضها أو يستثني بائعها بعضها أو في بيع الثمرة أو سكنى دار باعها ثم يهلك ذلك كله من كتاب ابن المواز: ومن اشترى نصف صبرة، فاكتال منها أقل من نصفها، ثم هلك باقيها، أن البائع يرجع فيأخذ نصف ما أخذ المبتاع. ومن باع صبرة جزافًا، واستثنى منها كيلاً سماه، قدر الثلث، فأصيبت الصبرة أو جلها، فالمصيبة منهما، فإن بقي منها الثلث فأدنى، فهو للبائع، وإن كان أكثر من الثلث، فللبائع منه ثلثاه وللمبتاع ما بقي. [6/ 380]
ومن باع دارًا واستثنى سكناها سنة، فانهدمت في السنة، فهي من المبتاع، ولا يرجع عليه البائع بشيء من ثنياه كالصبرة، إلا أن يصلحها المبتاع في بقية السنة، ولا يجبر على إصلاحها. قال أصبغ: لا يعجبني، وليس كالصبرة؛ لأن الصبرة قبض للمبتاع، والسكنى لم يقبض البائع ما استثنى، وثنيا السكنى لزيادة باع منها فتقوم، فيطرح مسكنه، ويرجع مما معها وكذلك ركوب الدابة إلا شيء لا بال له، مثل الأيام القلية في الدار، والبريد في الدابة، فهو لهو وسيع. قال محمد: قول ابن القاسم أصوب، وما وجدت بقول أصبغ معنى. وهذا الباب قد تقدم أكثره في أبواب الاستثناء من الصفقة، وأبواب الجوائح. ومن باع ثمرة واستثنى منها أقل من الثلث، فأجيحت أقل من الثلث، فلا يوضع عن المبتاع مما استثنى البائع شيء، كما لا يوضع عنه من الثمن. قاله مالك، كالصبرة، ولو أصيب الثلث فأكثر، يوضع عنه بقدر ما يوضع من الثمن. قاله مالك، وقاله أصبغ. وروي عن مالك أنه لا يوضع عن المشتري مما استثناء البائع شيء، وإن ذهب أكثر من الثلث، ويكون ما استثنى فيما بقي. وبه أخذ ابن عبد الحكم. قال محمد: ورواية ابن القاسم أحب إلينا؛ لأن الصبرة لا جائحة فيها، وهذا فيه الجائحة، وما استثنى فهو كالثمن. وقاله أصبغ. [6/ 381]
باب فيمن اكتال زيتا ابتاعه ثم اكتال في جرة من جرة نجسة ولم يعلم وتناكرا
باب فيمن اكتال زيتًا ابتاعه ثم اكتال في جرة من جرة نجسة ولم يعلم وتناكرا في النجسة من العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم فيمن اشترى من رجل مائة قسط زيت، فكال له من جرة خمسين، ثم كال له من جرة أخرى قسطًا أو قسطين، فصبه على الأول، ثم وجد فأرة في الجرة الثانية، فضمان الخمسين الأول من المبتاع، وإنما صب عليه هذا بأمره، كما لو صب لك حمال زيتًا في جرة بأمرك، وإذا فيها فأر، فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: إلا أن يكون البائع عالمًا بالنجاسة التي في زيته، فغره حتى صبه على الآخر، فيضمن الزيتين جميعًا، ويبالغ في عقوبته. قال ابن حبيب: ولو ظهر فيه بعد أن صار في إناء المشتري فأرة، فقال المشتري: في زيت البائع كانت. وقال البائع: بل في إنائك كانت، فالقول قول البائع مع يمينه، إلا أن تقوم بينة أنها كانت في إناء البائع، أو يقوم دليل من انتفاخها وتزلعها ونحوه مما لا يمكن أن يكون في إناء المشتري وكان صبيبًا أو يابسًا، وإن كان إناء زيت فرغ منه أشكل فيه الأمر، فقد لزم المشتري. وقاله أصبغ، عن ابن القاسم. باب فيمن قلب قوارير للبيع أو قلال خل فسقطت أو جرب قوسًا أو سيفًا فانكسر أو سقط في يده على شيء آخر ومن قلب دينارًا فتلف من كتاب ابن المواز، قال مالك في القوارير وأقداح الخشب تنصب للبيع، فيقلبها الذي يريد الشراء، فتسقط من يده فتنكسر، فلا ضمان عليه. قال أصبغ: أخذه بإذنه أو بغير إذنه، إذا رآه فتركه، وإن كان بغير علمه، ضمن. [6/ 382]
ورو عيسى عن ابن القاسم أنه إذا تناوله بغير إذنه، ثم جعل يساومه، فسقط من يده، أنه ضامن إذا لم يناوله إياه، أو يأذن له، ويضمن ما انكسر تحته، وكذلك السيف يهزه فينكسر، والدابة يركبها ليجربها، فتموت، أو القوس يرمي عنها بغير إذنه، فهو ضامن في هذا، إلا أن يكون بإذنه. قال محمد: وما سقط من ذلك عليه مما قلبه، فانكسر الأسفل، ضمنه، ولا يضمن ما سقط من يده. قيل لابن القاسم: فقلال الخل يرفعها يروزها، فتنكسر؟ فقال: ما سمعت في هذا شيئًا. قال أصبغ: هي مثل القوارير، إلا أن يخرق ويعنف بجر المأخذ قبل أن تعلق القلة الكبيرة بأذنها، وبغير الوجه المعروف، وروى أصبغ عن ابن القاسم أنه ضامن في قلال الخل، بخلاف القوارير. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن لا يعرف إلا بالتناول باليد، كالسيف فيهزه، والقوس ينزع فيها فتنكسر فلا يضمن. وما كان يجتزأ بعضه، كالبان والدهن يجتزأ شيء منه يشمه، فإذا أخذه رجل بيده فسقط منه، فانكسر فإنه يضمن. ومثل الخل إنما يذاق الشيء، فإن رفع القلة بيده، فانكسر ضمن، وضمن ما وقعت عليه. وقد قال مالك فيمن أعطى دينارًا للصيرفي في دراهم، فنقره. قال في العتبية: نقرًا خفيفًا أو منخرقًا، فضاع، لضمنه؛ لأنه أخذه على المبايعة، وكذلك لو غصب من يده، أو اختلس قبل يريه لضمنه، وإنما الذي لا يضمنه من نقره ما يستور أوجهه بلا بيع، فينقره نقرًا خفيفًا لا خرق فيه ولو أخذه على الصرف، فاستأذنه، فنقره نقرًا خفيفًا لم يضمن، وإن أخرق ضمن. [6/ 383]
[6/ 384]
[الجزء الرابع من أقضية البيوع]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الرابع من أقضية البيوع أبواب بيع الخيار في بيع الخيار وما يجوز من أمده وما لا يجوز وفي مجاوزة أيام الخيار من كتاب ابن المواز: قال: وأجل الخيار في السلع بقدر ما يشبه فيها من الاختيار، فالأمة قدر أربعة أيام أو خمسة، ولو وقع في الأمة أو العبد خيار عشرة أيام لم أفسخه، وأفسخه في الشهر، فإن فات وجبت القيمة. وأجاز ابن القاسم بيع العبد بالخيار عشرة أيام. وروى ابن وهب أن مالكًا أجازه في الشهر، وأباه ابن القاسم وأشهب. قال مالك: الخيار في السلم مثل اليوم واليومين والثلاثة، ولا ينقد، فإن كان بعيدًا، لم يجز، ويصير الكالئ بالكالئ، فإن وقع على ذلك، ثم ترك ذو الخيار خياره، لم يجز، لفساد العقد، فإذا فسخ، فلهما أن يأتنفا بيعًا. [6/ 385]
مالك: وإن اشترى واستوجب، وقال: إن بدا لي رددت ما بيني وبين شهر. ثم أصيبت السلعة وهي من المبتاع. ومن الواضحة: قال ابن الماجشون وغيره: أحد الخيار في الثوب لليومين والثلاثة، ولا خيار فيما زاد، وفي الدار الشهر والشهران. ومن العتبية: سحنون، عن ابن القاسم، في من ابتاع حيوانًا أو غيره، على أنه بالخيار أربعة أشهر، وقبضها، وشرط النقد أو لم يشترط، فمصيبتها من بائعها إذا لم يتم فيها بيع. قال سحنون: فإن كانت دارًا، وشرط فيها الخيار لأحدهما ثلاث سنين، أو أربعة، أو أجلاً، لا يجوز إليه الخيار، فبنى فيها المبتاع أو غرس، فإن كان الخيار لبائع، فليس البناء فيها فوتًا، وترد إلى بائعها، وليس عليه في البنيان للمبتاع شيء، وليس للمبتاع أخذه إلا منقوصًا، فإن بنى بعد أجل الخيار المشترط، فالبناء فوت، وعليه قيمتها يوم خرج وقت الخيار، وكذلك مبتاع الأمة يشترط النقد في الخيار، فلم يفسخ حتى زالت أيام الخيار، وفاتت بنماء أو نقص، فعليه قيمتها يوم خرجت من أيام الخيار. وروى ابن سحنون عن أبيه فيمن اشترى سلعة وشرط فيها الخيار سنة أو سنتين، أن البيع فاسد، وضمانها من المشتري من يوم قبضها. وقال: إنه مثل ما قال أصحابنا في من باع سلعة، على أنه متى رد الثمن فهو أحق بسلعته، أو إن رده إلى خمس سنين، أو أقام ما لا يجوز الخيار إليه، أنه بيع فاسد والمشتري ضامن من يوم القبض، وفرق بينه وبين المشتري بالخيار إلى ما يجوز فيه الخيار، واشترط النقد، فقال في هذا: ضمانها من البائع. وإن قبضها المشتري، إلا أن يقبضها بعد أجل الخيار. وقال: لأن الخيار هاهنا صحيح لم يفسد البيع به. قال أبو محمد: ورواية العتبي عنه أحسن. [6/ 386]
فيمن ابتاع أو باع على خيار فلان أو رضاه أو مشورته
قال مالك: ومن اشترى بالخيار ثلاثًا، فمضت أيام الخيار، ثم رد السلعة، فإن ردها بعد غروب الشمس من آخره، أو من الغد، فله الرد، وإلا فلا، قال أشهب: إن مضت الثلاثة بلياليها، فلا رد له، وإن رد قبل غروب الشمس عن آخرها، فله الرد. وكذلك قال ابن الماجشون في الواضحة، إن بزوالها ينقطع الخيار. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن اشترط للخيار يومين، وشرط إن لم يأت به لزمه البيع، فلا يعجبني. قال ابن القاسم: يفسخ البيع وإن فات الأجل الذي يجب به البيع. ومن العتبية قال سحنون في من ابتاع جارية بالخيار ثلاثًا، أو لم ينقد، وسافر البائع، فمرضت الجارية، ولم يأت المبتاع السلطان، ولا أشهد على ردها حتى ماتت بعد عشرة أيام. قال ابن القاسم: إذا قبض المبتاع الأمة، والخيار له، ثم أقامت في يديه بعد أيام الخيار، ولم يشهد على قبول ولا رد، فكونها في يديه رضًا. قال سحنون: وهذا في وخش الرقيق. يريد سحنون إذ لا مواضعة بها بعد زوال الخيار فيها، فضمنها البائع. فيمن ابتاع أو باع على خيار فلان أو رضاه أو مشورته من كتاب محمد: قال مالك: وإذا شرط البائع عند البيع، أن يستشير فلانًا، لزم ذلك المبتاع، ثم للبائع أن يمضي البيع، أو يرده قبل نظر فلان، ولمن خلع وكالة وكيل. [6/ 387]
قال مالك: ومن ابتاع على أن يستأمر، ثم بدا له، فله رده، ولا يستأمر أحدًا. مالك: وقد أمر رجلاً يبيع له سلعة، وقال: أشترط رضاي، ففعل، فرد ذلك الأمر إليه، فرد البيع، فذلك إليه. مالك: ومن باع لرجل سلعة على أن يستأمر، ثم لقيه من زاد فيها، فعليه أن يخبر ربها بذلك، وإن كان أقلها عطية، وقد أساء الزائر فيما عمل. قال مالك: وإن أمره أن يبيع من الذي زاده، فنكل الزائد، فقد لزمه البيع، ولا نكول له. والوكيل على البيع يبيع على أن يشاور الآمر، فيشاوره، فأجاز بيعه، فأقاله الرسول، فالإقالة باطلة، إلا أن يكون مفوضًا إليه، ويقيله على النظر، فيجوز. ومن العتبية من سماع أشهب: وإن باع لرجل سلعة بأمره، واستثنى رضاه، فرد ربها الأمر إليه، فأراد رد البيع، فذلك له، ولا حجة للمشتري إن قال: إنما استثنيت رضا صاحبها. ومن الواضحة: وإذا شرط المتبايعان خيار فلان أو مشورته، فذلك سواء، وله أن يدعه ويختار ما شاء من رد أو إجازة، ولا حجة في ذلك لمبايعة ولا يجوز الخيار لرجل غائب بعيد الغيبة، ثم إن أسقط الخيار لم يجز، لوقوع البيع فاسدًا. وروى ابن يزيد عن ابن نافع، أن المشورة والخيار سواء، ولا رد للمبتاع إلا نرأي من اشترط. وذكر ابن المواز في كتاب النكاح: الخيار والمشورة سواء، وله الرد والأخذ دون خيار من اشترط ذلك فيه. [6/ 388]
في النقد في بيع الخيار والضمان فيه
ابن حبيب: ومن اشترى لغيره على خيار حاضر أو غائب، ببلد آخر قريب، فليس لهذا أن يجيز البيع دونه. في النقد في بيع الخيار والضمان فيه ومن كتاب ابن المواز: ومن شرط النقد في الخيار فالبيع فاسد، فإن هلكت السلعة في أيام الخيار بيد المبتاع، فهي من البائع لأنها في ضمانه في البيع الصحيح على الخيار، فكيف بالفاسد على الخيار؟! قال: وإن هلكت فيه بعد أيام الخيار، فهي من المبتاع. وقال مالك فيمن أخذ ثوبًا من البزاز، ونقده الثمن حتى يراه، فإن لم يرضه رده. قال: إن كان قريبًا وطبع على الثمن، أو جعله على يد غيره، فجائز. قال مالك: ومن باع أمة بالخيار، ثم سأل المبتاع بعد صحة العقد أن ينقده الثمن، لينتفع به، فإن نفذ البيع، وإلا رده، فلا بأس به إن صح، وكان على غير موعد. في موت من له الخيار أو يغمى عليه وفي الخيار لرجلين من كتاب ابن المواز: فإن مات من له الخيار وهو مبتاع، فقال بعض ورثته: نأخذ، ورد الباقون، فللبائع إمضاء نصيب من تماسك، أو رد الجميع، فإن شاء المتماسك أخذ نصيب الراد، فذلك له، ولا قول للبائع إذا لم يرض بإنفاذ نصيب المتماسك فقط، وكذلك لو كان الخيار للبائع، فمات، ولا يلزم المبتاع نصيب من أجاز، إلا أن يشاء، وإن كان كبير وصغير له وصيان، فرد الكبير، وأجاز الوصيان، فللوصيين أخذ مصابة الكبير للصغير، إلا أن يشاء الحي من المتبايعين أخذ نصيب الكبير، فذلك له، ولا كلام للوصيين، ويلزمهما نصيب الصغير وحده إن شاء ذلك الحي، وإن رد، أو أخذ الكبير الجميع، فللحي أن [6/ 389]
في ضمان يا يباع على الخيار في صحة البيع وفساده أو في ثوب من ثياب يختاره
يرضى بذلك، أو يسلم إليه حصته فقط، ويرد حصة الصغير، فإن لم يجز له أخذ حصته فقط، فله أخذ الجميع إن شاء. وإذا أحاط الدين بالميت، فرد غرماؤه البيع، فللورثة أخذ ذلك لأنفسهم من أموالهم، وليس للأوصياء أخذه لأنفسهم، بخلاف الورثة. قال: والمغمى عليه ليس للسلطان في أيام الخيار فيه نظر، ولا للوارث، فإن طال الإغماء بعد أيام الخيار، فله النظر بالرد للضرر، لا بالأخذ. وقال أشهب: له أن يجيز أو يرد، أو يجعل ذلك إن رآه من وارث أو غيره، فإن لم يفعل حتى مضت أيام الخيار، لم يكن له نظر، ورد البيع. ومن الواضحة: وإذا كان الخيار لرجلين، فلأحدهما الرد ولا حجة للبائع، وكذلك في العيب. في ضمان ما يباع على الخيار في صحة البيع وفساده أو في ثوب من ثياب يختاره فيهلك أو يهلك أحدهما والدعوى في ذلك كله من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى واستوجب، فقال: إن بدا لي رددته ما بيني وبين شهر. ثم أصيبت السلعة، فهي من المبتاع. قال: ومن ابتاع لرجل ثوبًا، وقد أمره يشتري له ثوبًا، واشترط الخيار حتى يريه صاحبه، فروى ابن القاسم، عن مالك أن الثوب إن هلك من الآمر. وأحب إلينا أن لا يكون على الآمر، وأن يكون على الرسول، إلا أن يكون بين للبائع أن فلانًا أرسله ليبتاع له ثوبًا، فيلزمه البائع، ويحلف الرسول لقد ضاع. وقال في مبتاع الدابة يركبها يختبر مسيرها، والقوس ينزع فيها، والسيف يختبره فيصاب في ذلك، فلا ضمان عليه، وقد تقدم هذا. ومن ابتاع ثوبًا من ثوبين يختاره، قد لزمه، فإن كان الثمن واحدًا، والثوبان من جنس واحد، فجائز، وإن هلك أحدهما بيد المبتاع في الخيار، أو دخله عيب، [6/ 390]
فالهالك أو المعيب بينهما، والسالم بينهما، وعليه نصف ثمن كل ثوب، ولو اختلف الثمن، فألزم نفسه أحدهما على الوجوب، لم يجز، فإن هلكا، فعليه نصف قيمتها، وإن هلك واحد، فعليه نصف قيمته، ويرد الباقي إن لم يفت بشيء، فإن فات، فهو بينهما، وعليه نصف قيمته. ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية ذكر مثله، أنه إن كان البيع فاسدًا في الثوبين على ثمن مختلف قد لزمه أحدهما يختاره، فهو مثل ما ذكرنا في البيع الصحيح. ومن كتاب ابن المواز: قال: ولو كان السلعتان مما يجوز أن يسلم إحداهما في الأخرى، لم يجز على إلزام إحداهما. قال: وإذا كانا صنفًا واحدًا، والثمن واحد، فأخذهما على أن يختار واحدًا إن شاء، وإن شاء ردهما، فهلكا أو أحدهما، فالجواب كالجواب في أخذ حدهما على الإلزام يختاره، ولو قال المبتاع: إنما ضاع أحدهما بعد أن اخترت الباقي، فالقول قوله، ويحلف ولا شيء عليه في التأليف. وقاله أصبغ. وروى مثله عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، في أخذه أحدهما على الإلزام، ولو لم يختر حتى هلك واحد، فله رد الباقي، وغرم نصيب ثمن الثالث، فإن اختار حبس الباقي، فليس له إلا نصفه، إلا أن يرضى له البائع؛ لأنه لزمه نصف التالف، وهو لم يبعه ثوبًا ونصفًا، وإنما باعه ثوبًا واحدًا، وقال أشهب: هو ضامن للثوبين إذا توارى بهما. قال أشهب في غير كتاب ابن المواز: فإن أخذ الباقي، كان عليه بالثمن، والتالف بالقيمة، وإن رده، فعليه التالف بالأقل من الثمن أو القيمة. قال: ولو كانا عبدين، على أن يختار واحدًا على الإلزام، فهلك واحد، فهو من البائع، والباقي للمبتاع لازم. [6/ 391]
قال ابن القاسم: ومن اشترى ثوبًا، وأخذ من البائع أربعة أثواب، على أن يختار منهم واحدًا، فضاعت، فإن كان البائع تطوع له بذلك، لم يضمن إلا واحدًا، وإن كان هو سأل البائع ذلك، ضمنها كلها. قال محمد: لا يعجبني هذا، وذلك سواء، ولا يضمن إلا واحدًا؛ لأن البائع لم يعطه إياها إلا عن رضى إذ سأله. قال ابن القاسم في عبد بيع على الخيار للمبتاع فهلك، فقال المبتاع: هلك في الخيار. وقال البائع: بل تعدى أيام الخيار. فالقول قول البائع؛ لأن المبتاع يطلب نقض البيع، فعليه البينة. قال أبو محمد: يعني وقد تصادقا اليوم أن أيام الخيار قد مضت، وأما لو قال المبتاع: لم تنقض. لصدق مع يمينه؛ لأن البائع يريد تضمينه. ومن كتاب ابن حبيب، قال: وما قبضه المشتري على الخيار، فادعى هلاكه، فهو مصدق فيما لا يغاب عليه مع يمينه، لقد ذهب، وإنه ما اختاره حتى ذهب، ويضمنه البائع، وأما ما يغاب عليه، فيضمنه المبتاع بالثمن، إن لم تقم بينة. ومن اشترى ثوبين بالخيار بثمن واحد، فهلك بيده أحدهما، ضمنه بحصته من الثمن، وإن اشترى منه كل ثوب منهما بثمن سماه دون الآخر، يأخذهما إن شاء أو أحدهما، فضاع أحدهما، فإنه يضمنه بما سمى له من الثمن، وله أخذ الباقي أو رده، وإن كان شرط أن يأخذ أيهما شاء بثمنه، ويرد الآخر، فله أخذ الباقي، كما ذكرنا، وإن هلكا ضمنهما جميعًا بالثمن الذي كان سمى لهما جميعًا، وكذلك لو كانت عشرة أثواب، سمى لكل ثوب ثمنه، على أن يأخذ أيهم شاء، قد لزمه، فضاعت كلها، فإنها تلزمه كلها بما سمى من الثمن، ولا يكون في شيء منها أمينًا. [6/ 392]
وعاب قول ابن القاسم وقال: لو أخذها كلها بالخيار بغير إيجاب لضمنها عنده، فلما أخذها على واحد، ألزمه بخياره، لم تلزمه جميعًا، ولزمه عنده واحد، ولو لم يضع إلا واحد كان شريكًا في كل واحد بجزء عددها، وهذا غلط، وهو فيها كلها مخير، كما كان في المسألة التي ضمنه فيها. قال: وسواء أخذها على أن يختار واحدًا قد لزمه، أو على أن يأخذ منها واحدًا هو منه بالخيار أن يأخذه، أو يرد جميعًا، إلا في وجه واحد، أنه إذا أخذها على أن واحدًا لزمه بخيار، فضاع واحد، فإن قال: اخترته، ثم ضاع، لزمه الثمن ورد ما بقي، وإن قال: ضاع قبل يختاره لزمه بالثمن المسمى لغيبته عليه، وقيل له: اختر واحدًا مما بقي إن شئت بثمنه، لا بد لك من ذلك، ولا يكون شريكًا في شيء منها، وإن لم يأخذوا واحدًا منها بخياره على إلزام، ضمن الذاهب، ورد ما بقي إن شاء، وله أن يأخذ منها واحدًا أو يردها. وقاسها ابن القاسم بمسألة مالك فيمن له قبل رجل دينار فقبض منه ثلاثة يزنها، فيأخذ واحدًا، فضاعت، أنه لا يضمن إلا واحدًا، ولا تشبهها، وهذه فيها أمانة بينة، وفي البيع كلها على الضمان؛ لأنه مخير في كل واحد منها، وبقي في مسألة مالك تمامها، أنه إنما يضمن واحدًا، إذا لم يشك أن فيها وازنًا، فأما إن جهل ذلك، وقال: ضاعت قبل الوزن فلا يضمن شيئًا منها، ولا يكون متقاضيًا لشيء ضمنه، وهو مصدق، ويحلف أنه ما علم أن فيها وازنًا، ولا وزنها حتى ضاعت، إلا أن تكثر الدنانير حتى يعلم أن مثلها لا يحطى أن يكون فيها وازنًا، فيضمن حينئذ واحدًا على ما ذكرنا، وهكذا قال لي من كاشفت من أصحاب مالك في ذلك كله، إلا في وجه واحد، إذا كانت الثياب مختلفة الأثمان، فإن مالكًا يكره أن يأخذ واحدًا على إلزام، وأجازه عبد العزيز، وذلك أبين، إن شاء الله. [6/ 393]
فيمن أخذ ثوبا بالخيار من رجل وثوبا من آخر ثم يدر ثوب كل واحد منهما
وإن ابتاع ثوبين، على أنه فيهما بالخيار، فاختار أحدهما بغير محضر البائع، وأشهد على ذلك، ثم ادعى هلاك الباقي، فابن القاسم لا يضمنه، ومن سواه من أصحاب مالك يضمنه، وهو الصواب. هكذا في كتاب ابن حبيب، وإن كان يعني أنه إنما يختار أحدهما، فهو قول ابن القاسم، وإن كان يريد هو فيهما بالخيار، يأخذهما أو يردهما، فليس بقول ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجل دنانير ثمن سلعة ابتاعها منه، فقال له: زنها، أو قال: خذها حتى تزنها، فإن كانت وفاء، فهي لك، وما زاد فاردده، وما بقي أوفيتكه، فهلكت، فهي من قابضها إذا قبضها على وجه القضاء أو الرهن، ولو كان بمعنى الوديعة، كانت من الدافع. قال أصبغ: هذا قبضها على القضاء لا شك فيه، ولو لم يكن على القضاء، لكانت رهنًا؛ لأنه سبب ما دفع عليه، وقد قلت لابن القاسم: ولو كان حلف ليوفينه، فدفع إليه ثلاثة، وقال له: زنها، فما وجدت من قائم فخذه، فإن ضاعت قبل يعرف أن بها قائمًا، فهي من الدافع. فيمن أخذ ثوبًا بالخيار من رجل وثوبًا من آخر ثم لم يدر ثوب كل واحد من كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن ابتاع ثوبًا بالخيار من رجل، ومن رجل آخر ثوبًا غيره بالخيار، ثم لم يتبين ثوب هذا من ثوب هذا، وادعى كل واحد أجودهما، فإنه يلزمه الثمنين جميعًا، إلا أن يزعم أنه يعرف ثوب كل واحد، فيصدق ويحلف، أو تعرفه بينة غيره، فلا يحلف. [6/ 394]
ما يعد من فعل ذي الخيار اختيارا، وجنايته
ومن كتاب ابن المواز، قال: فإن لم يعرف، وحلف البائعان، فأحب المشتري أن يدفع أرفعها إلى من شاء منهما، ويدفع إلى الآخر ثمن ثوبه الذي راضاه عليه، فذلك له، فإن نكل البائعان عن اليمين، قيل للمبتاع: ادفع الأرفع إليهما، وادفع الأدنى حتى يدعياه بعينه. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: وإن كان أحدهما بعشرة والآخر بخمسة، وادعى كل واحد أجودهما، فإن نص لكل واحد ثوبه، حلف وبرئ إليه منه، وإن قال: هذا ثوبه بعشرة ولا أدري أيهما ثوبه، وهذا ثوبه بخمسة ولا أدري ثوبه. فقد لزمه بخمسة عشر، فإن شاء دفع أرفعهما إلى من شاء وعزم للآخر ما سمى له من الثمن، وإن قال مع جهله بثوب كل واحد: ولا أدري الذي ثوبه بعشرة. قيل له: ادفع إلى كل واحد عشرة، واحبس الثوبين. يريد: ويحلفان. قال ابن حبيب، عن مالك: إن عرف ثوب أحدهما، حلف وصدق، وإن شك وقد قطع الذي بعشرة راضيًا به، وكلا الرجلين يدعيه، فإنهما يحلفان ثم يغرم عشرة وهو ثمنه، ويغرم أيضًا قيمته، فتكون القيمة والعشرة بينهما، إلا أن تكون القيمة أكثر من عشرة، فلا يخرج إلا عشرين، ثمنه مرتين، لكل واحد منهما عشرة، فإن نكل أحدهما، وحلف الآخر كان للذي حلف عشرة، وللآخر الثوب المردود، وكذلك لو رد الثوبين جميعًا، وادعى كل واحد الرفيع، فالجواب على ما ذكرنا. وقاله ابن الماجشون ومطرف عن مالك. ما يعد من فعل ذي الخيار اختيارًا وجنايته من الواضحة: وإذا تسوق من له الخيار بالسلعة فذلك رضًا، إلا أن يزعم أنه أراد أن يختبر ثمنها، ليعرف رخصها من غلائها، فيحلف، ويكون على خياره، وإن نكل لزمته وإن حجم الوصيف، أو حلق رأسه على المشط، فهو رضًا. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية: في الحجامة مثله. [6/ 395]
قال ابن حبيب: وإذا جعل من خضب يدي الأمة بالحناء، أو ضفر رأسها بالعسل، فهو رضًا، إلا أن تفعل ذلك الجارية بغير أمره، فلا يكون رضًا، وإن جردها للذة أو قومها، أو مس بطنها أو ثدييها، فهو رضًا، وأما تجريد نظر واختيار، فلا يعد رضًا. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وطؤه للأمة في الخيار قطع لخياره، وأما ضمانها بعد ذلك، فأما الرائعة، فمن البائع، لما بقي من عهدة الاستبراء لا للخيار، وأما الوخش فمن المبتاع لزوال الخيار بالوطء. وإذا انتظر بذات المواضعة التي وطئها، فوضعت لأقل من ستة أشهر، برئ منه المبتاع، فإن لم يقر البائع بالوطء، فالمبتاع مخير في قبولها بولدها، أو ردها، وإن أتت به لستة أشهر، فهو للمبتاع إن لم يكن لها زوج، ولا أقر به البائع، فإن أقر به البائع، دعي له القافة، فإن كانت ذات زوج، فالزوج أحق به، ولا ينفيه إلا بلعان، وينكل إن لم يعذر بالجهل. قال ابن كنانة: ويعاقب في القبلة. قال: وتزويجه للجارية قطع للخيار فيها، فأما تزويجه للعبد، فابن القاسم يقطع به الخيار، وأشهب لا يقطعه به، وتراه بخلاف الجارية، وأما مواجرته للعبد، أو الأمة، أو السوم بهما، أو طرحه للعبد في صناعة، أو كراء الدار، أو الدابة، أو رهنهما، فقال أشهب: ليس ذلك كله قطعًا بخيار المبتاع بعد أن يحلف في ذلك كله، أنه ما كان منه تركًا لخياره، وقال ابن القاسم: وذلك كله رضًا منه بالبيع، ومن البائع رد له، إن كان له الخيار. وإن قطع يد الأمة في الخيار، أو فقأ عينها - يريد: عمدًا - والخيار له، فقال أشهب: لا يقطع ذلك خياره، ولا يظن بأحد أن يفعل ذلك رضًا. قال محمد: وتعتق عليه. وقال ابن القاسم: وفي العمد رضًا، وإن كان خطأ، حلف إن اتهم وردها، وغرم ما نقصها، إلا أن يكون عيبًا مفسدًا، فيضمن الثمن كله، كما لو فعله بعبد أجنبي. قال سحنون: يضمن القيمة. قال: وإن كان عمدًا، [6/ 396]
فيمن له الخيار في سلعة فيبيعها
عتق عليه، وفي الدابة يضمن في المفسد في الخطأ والعمد، وإن لم يكن مفسدًا، حلف في الخطأ، وردها وما نقصها، وتلزمه في العمد. من المبسوط لإسماعيل القاضي - وهو عندنا رواية -: روى ابن نافع عن مالك أنه سئل عن رجل باع أمة وشرط أحد المتبايعين لها الخيار أيامًا، ثم وطئها أحدهما في أيام الخيار فحملت، قال: إن حملت من الذي ليس له فيها خيار لحق به الولد، وكان عليه قيمته، وتكون الجارية للذي له فيها الخيار إن اختار ردها. قال أبو محمد: يريد إذا اختارها أخذ قيمة الولد من صاحبه. ورأيت في كتاب نسب إلى سحنون ولم أدره قال فيمن اشترى جارية على أن البائع فيها بالخيار فوطئها المشتري فحملت منه: إنها تكون أم ولد له وتلزمه القيمة ويدرأ عنه الحد بالتهمة. قال أبو محمد: يريد سحنون أن البائع الذي له فيها الخيار إن اختار إجازة البيع أخذ الثمن، وإن اختار رده أخذ القيمة إن كانت أكثر. فيمن له الخيار في سلعة فيبيعها ومن الواضحة: ومن ابتاع شيئًا بالخيار، فباعه بربح في أيام الخيار قبل يخبر صاحبه باختياره، فإن قال: بعته بعد أن اخترته، صدق مع يمينه، إن كذبه صاحبه، يريد بعلم يدعيه، وله الربح، وإن قال: بعت قبل أن أختار، فالربح لربه. قاله مالك وأصحابه. قال ابن المواز: وما ابتعت على خيار، فلا تبعه حتى يعلم البائع، أو يشهد أنك رضيت. يريد: والخيار لك، وإلا فربح ذلك للبائع إن لم تعلمه، قاله ابن القاسم. وإن أقررت أنك بعت قبل يختار؛ لأنه في ضمان البائع، وإن قال: بعد أن اخترت، دين وأحلف. [6/ 397]
باب ما يجوز من بيع شىء يختاره المبتاع من عدد وما يباع من آخر قبل اختياره
باب ما يجوز من بيع شيء يختاره المبتاع من عدد وما يباع من آخر قبل اختياره وكيف إن كانت غنمًا فتوالدت؟ وما يجوز من استثناء البائع لحمار يختاره أو يكون في بعضه بالخيار من كتاب ابن المواز: ومن ابتاع مائة شاة، على أن يرد شاة منها بثمنها، فإن سماه، جاز، وإلا فالبيع رديء، وإن استثنى البائع شاة أو عشرة من شرارها، إن ذلك ليتقى، قال أصبغ: للخطر. وقال محمد: إن نزل مضى، والقياس أنه يجوز. وقال محمد في موضع آخر: إنه جائز، كانت قلية أم كثيرة؛ لأنه إنما اشترى من خيارها. قال محمد: ولا باس بخيار البائع فيما استثنى في أيسرها، ولا يجوز في أكثرها، ويجوز على خيار المبتاع في أيسرها وأكثرها، فأما بغير خيار، فيجوز منهما. ويكون بما سمى شريكًا فيها، وكذلك في الثمرة، ولا يجوز على الخيار في الثمرة، وإن اشترى عشرة من هذه الغنم يختارها، فلم يخترها حتى ابتاع هو وغيره عشرة أخرى يختارها، فلا باس به، وقيل: أما غيره، فلا يعجبني إلا في الغنم الكثيرة جدًا، وإلا فكان الثاني اشترى شرارها بشرط أن يختار عليه البائع أكثرها. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. ومن العتبية روى سحنون، عن أشهب في من ابتاع عشرة أكبش في مائة يختارها، ثم أربحه رجل على أن يختارها مكانه، فلا يجوز ذلك إلا بخيار ما لم [6/ 398]
يجب الأول بعد، ولو قال: اختر أنت، وأنا مشتر لها بخيار، لم يجز، وهو غرر، بخلاف اختيار الورثة لما كان للميت أن يختاره. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في من اشترى غنمًا فبها كبش معتل، على أن المبتاع بالخيار فيه عشرة أيام، فإن رضيه حبسه، وإلا رده بحصته من الثمن، فلا يجوز، إذ لا يدري بكم تبقى عليه إن رد الكبش. ويفسخ البيع، وعليه القيمة في فوتها. ومن كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن يقول: بعني عشرة من خيار غنمك. لا يقول: أختارها أنا ولا أنت، فإن اختلفا في من يختارها، دعي لذلك أهل العدل والنظر، يختارها، ولا يجوز شراء عشر شياه من شرارها يتسورها البائع والمبتاع، ولا يجوز أن يشتري رجل من غنم رجل عشرة يختارها، ويشتري الآخر بقيتها وذلك معه، إذ لا يدري الثاني ما يبقى منها للأول، بخلاف الصبرة. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن اشترى عشرة يختارها من هذه الغنم، وهي حوامل فلم يختر، حتى ولدت، فله أن يختار عشرة من الأمهات دون الأولاد. محمد: وقد وضعت في ضمان غيره، ولو شرط أنها حوامل، فسد البيع. قال محمد: ولو نقصتها الولادة، فللمبتاع أن يقبلها، ولو كان الخيار للبائع، وأما في الجواري يشتري عشرة من مائة يختارهن وهن حوامل، فلم يختر حتى وضعن، قال: هذا لا يكون، وله الخيار في أخذ الأمهات، ويفسخ البيع من أجل التفرقة. وقيل: لا يفسخ، والولد للبائع، ويخير المشتري، فإن اختار الأخذ، جبرا أن يجمعا بينهما. يريد محمد: في ملك أو يبيعا ويقسم الثمن على القيم. وأما لو شرط في البيع أنهن حوامل، فسخ البيع، وقيل: إن كان الحمل ظاهرًا بينًا، يعرفه كل أحد، جاز في الجواري والغنم، وقيل: إن كان ذلك على وجه البراءة من الحمل، جاز في الوخش دون المرتفعات. [6/ 399]
باب في جناية العبد المبيع بالخيار
وقال أشهب فيمن اشترى غنمًا، على أنها حوامل، فهو جائز، وإن لم يكن حملهما بينًا، يقول: ضربها الفحل، وأنا أبيع على ذلك أن ذلك في بطونها. ولا بأس بذلك في الأمة الوخش، ولا يجوز ذلك في العلية. وقال في كتبه: إن كانت بينة الحمل، وكان شرط، فلا خير فيه، وإن كان على وجه الخير، فلا باس به. قاله مالك. قال ابن القاسم في الغنم: وليس للبائع جز صوف الغنم قبل خيار المبتاع، فإن فعل، فذلك للمبتاع إن اختاره، وأما ما أكل البائع من لبن أو سمن، فهو له بالضمان. وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثل ما ذكر عنه ابن المواز في مسألة الغنم والجواري الحوامل، وزاد قال: ولو اشترى عشر شياه من مائة يختارها، على أن المائة تحلب قسطًا قسطًا، فذلك جائز، فإن تأخر اختياره حتى حلبها البائع، فالثمن للبائع بضمانه. باب في جناية العبد المبيع بالخيار من كتاب ابن المواز: ومن اشترى عبدًا بالخيار ثلاثًا، فجرح العبد رجلاً في أيام الخيار، فللمبتاع الرد في العمد والخطأ، إن كان الخيار له. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: له رده، ولا شيء عليه في الجناية. قال في كتاب ابن المواز: فإن كان الخيار للبائع، فيفترق ذلك، فليس له في العمد أن يلزمه للمشتري، وإن فداه، وأما الخطأ، فله إلزامه. ومن الواضحة: ومن ابتاع جارية بالخيار، فجنت، أو جنى عليها عمدًا أو خطأ، فالخيار فيها بحاله للمبتاع، إن شاء رد، وكانت المبتاعة بين البائع والجاني أو [6/ 400]
فيمن ابتاع أباه بالخيار والنصراني يشتري مسلما بالخيار
المجني عليه، فإن جنى هو عليها خطأ، فهو على خياره، فإن حبسها، فبالثمن كله، وإن ردها، رد ما نقصها، وإن كان عمدًا فهو عند أشهب كالخطأ، وعند ابن القاسم هو رضًا، وبه أقول. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا ابتاع عبدًا بالخيار فجنى، قال: فله رده. فيمن ابتاع أباه بالخيار والنصراني يشتري مسلمًا بالخيار أو يسلم في أيام الخيار من الواضحة: قال ابن حبيب: ومن ابتاع أباه، أو من يعتق عليه بالخيار، فابن القاسم لا يعتق عليه حتى يختاره، وهو القياس، وأنا أستحسن أن يعتق عليه إن كان الخيار له، وليس للبائع. وقاله من أرضى، فأما إن كان الخيار للبائع، فلم يختلف أنه لا يقطع خياره. والنصراني يبيع من النصراني عبدًا نصرانيًا بخيار، فأسلم العبد في أيام الخيار، فلا يفسخ البيع، ولكن إن اختار المبتاع أخذه، بيع عليه، وإن رده، بيع على البائع. ومن كتاب ابن المواز: وإن ابتاع نصراني مسلمًا بالخيار، فليوقف مكانه، فإن اختار البيع، بيع عليه. باب في التداعي في بيع الخيار من كتاب ابن المواز: وإذا اختلف المتبايعان، فقال البائع: بعتك على أن الخيار لي دونك، فقال له المبتاع: بل على أن الخيار لي دونك. فقال ابن القاسم وأشهب: يتحالفان، ويثبت البيع. قال محمد ابن المواز: أما إن اتفقا على رد أو [6/ 401]
ما ينهى عنه من بيعتين في بيعة
إجازة، فلا يحلفا، وإن اختلفا، فمن أراد إمضاء البيع، قُبل قوله مع يمينه، كان بائعًا أو مبتاعًا، ولا يحلف صاحبه؛ لأن اليمين على من يحكم له، وهذا يحكم عليه، وفي اختلافهما في الثمن، كل واحد يحكم له على صاحبه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في هذا، قال: ينتقص البيع، ولا يقبل دعوى واحد منهما. وروى أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: إذا ادعى كل واحد أن الخيار له، فالبيع لازم، والخيار ساقط. قال أصبغ: ويتحالفان، ولا أبالي من بدأت باليمين، وأحب إليّ أن يبدأ المبتاع؛ لأنه أوكد في الدعوى، فإن حلفا أو نكلا فذلك، وإن حلف واحد ونكل آخر، فالقول قول الحالف، فإن حلف المبتاع أولاً، فله الأخذ، ويخير البائع في أن يحلف، فيسقط أو لا يحلف فيسلم، كما إذا اختلفا في الثمن، فبدأ البائع فحلف، فإنه يتم له حتى يحلف صاحبه، فيسقط، أو لا يحلف، فيؤدي الثمن. ومن كتاب محمد: وإن باع ثمر حائطه، واستثنى ثلاثة أعذق، وقال: شرطت أن أختارها. وأنكره المبتاع، تحالفا، وفسخ البيع، فإن نكل البائع، وحلف المبتاع، فللبائع ثلاثة أعذق من أوسطه، وكذلك إن قال المبتاع: ثلاثة أريتنيهن. أو قال البائع: شرطت ثلاثة معينة، وأنكر المبتاع الأعذق، فليتحالفا ويتفاسخا. ما ينهى عنه من بيعتين في بيعة من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع من رجل أحد ثوبين بدينار قد لزمه فلا خير فيه. قال محمد: ومكروه ذلك أن يختلف الثوبان أو السلعتان، وكانا من صنف واحد أو من صنفين مختلفين، اتفق الثمن أو اختلف، وإذا كان كل واحد بالخيار، فجائز. [6/ 402]
قال مالك: وقد باع سلعة بدينار نقدًا، أو بطعام نقدًا، لزم ذلك البائع بخيار المشتري، أو لزم ذلك المشتري بخيار البائع في أحد الثمنين، أو رد السلعة، فهو من بيعتين في بيعة، ويدخله مع ذلك في الطعام بيعه قبل قبضه. قال محمد: ولو لم يقل أحدهما لصاحبه: أنت مخير علي. ولم يزد على أن قال: خذها إن شئت بدينار، وإن شئت بهذه الشاة، لم يجز؛ لأن قوله: خذ، قال: قد بعتك، أو هي لك، فقد ألزمه نفسه بغير خيار. أشهب عن مالك فيمن حبس راويتين زيت لرجل، فأمره وسأله كيف بعت؟ فقال: بخمسة وعشرين على التقاضي، وبأربعة وعشرين نقدًا، فخذ بأيهما شئت. قال: قد أخذت. فلا يجوز. محمد: لأنه إيجاب على البائع بقوله: خذ بأيهما شئت. قال أشهب عن مالك: وإن قال في عبدين: هذا بخمسين إلى سنة، وهذا بأربعين إلى سنة، خذ أيهما شئت، فلا باس بذلك. قال محمد: رواية أشهب الأولى أصح، وهي رواية ابن وهب، وابن القاسم. قال مالك في من يبتاع البز من العجم، وقد جعل بينهم وبينه شيئًا يعرفونه، أن الدينار الوازن هو ثلاثون قيراطًا، والناقص أربعة وعشرون، فيبتاع ثوبًا بعشرة قراريط، أو ثوبًا بعشرين، فيبتاع ثيابًا كثيرة، ثم يخير البائع على ما يحسب له، فيقول: على الوازن فيحسب له على ثلاثين، فما بلغ أعطاه ذلك وازنة، فلا أحبه، لأنه باعه على نقدين مختلفين. محمد: كأنه بايعه على أربعة وعشرين، على إن شاء البائع أخذ منها دينارًا ناقصًا، وإن شاء أخذ وازنًا يحسب عليه وبه ثلاثين، فلا يدري بأي الثمنين يلزم المبتاع. ومن باع عكمًا بألف درهم، على أن كل عشرة دراهم بدينار، فإن كان على أن له الدنانير ثابتة، فجائز، وإن كان يعطيه إما دراهم، وإما دنانير، فلا يجوز. [6/ 403]
ومن واجر أجيرًا على أنه إن شاء استخاطه، وإن شاء جعله برفو، فلا خير فيه، وإن واجره بخدمة سنة، على أنه إنما اجتاز فيها سفر شهر أو شهرين، خرج معه، فلا بأس بذلك. محمد: إن كان لخدمته يخرج به، فجائز، وإن كان لغيرها، أو لتجارة، فلا خير فيه أن يقول: إن احتجت، ولكن يوجب الشهرين ويسميهما. قال مالك: ومن واجر عبدًا هذا الشهر بخمسة، والذي بعده بعشرة، فجائز، ويصير كل شهر بسبعة ونصف، إلا أن يقصد على أنه إن مات العبد، حاسبه على ما سمى، فلا خير فيه، حتى يكونا في كراء واحد. محمد: وهو خطر، وكذلك في الأكرية، كما يفعله بعض الناس، يقول: أكريك شهرًا بدينار، وأحد عشر شهرًا بدرهم، كأنه يقول: إن سكنت شهرًا، ثم تركت أو انهدمت الدار، كان باقي السنة بدرهم، فهو من بيعتين في بيعة. ومن الواضحة قال مطرف، عن مالك: ومن باع سلعة بدينار نقديًا، وبعشرين درهمًا إلى أجل، لزم ذلك أحد المتبايعين والآخر مخير، لم يجز. قال مالك: وإن واجبه على تسعة آصع بدينار ناقص، أو عشرة بوازن، فأعطاه تسعة، وأخذ ناقصًا، على أنه إن وجد وازنًا جاء به، وأخذ الناقص وصاعًا، وإلا تمسك بما عنده، فلا خير فيه، وإن قال: إن شئت هذا الثوب أو هذا بدينار، لزمك أحدهما. فإن كان مستويين، فجائز، ولا يجوز إن اختلفا. وهذا في غير الطعام جائز، مما يتساوى في الجنس والجودة، والكيل والوزن، ولا يجوز في الطعام، كان من صنف واحد أو مختلف، اتفق الثمن أو اختلف. ومن تزوج بمائة دينار، أو بعبد إيجابًا، فذلك فاسد، يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها الأكثر من صداق المثل، أو من المائة، أو قيمة العبد، وقاله ابن الماجشون. [6/ 404]
فيمن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر وإلا فلا بيع له
فيمن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر وإلا فلا بيع له ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر، وإلا فلا بيع بينهما، فأما الرباع وشبهها، فذلك جائز، وأكرهه في الحيوان والعروض، وينفذ البيع، ويبطل الشرط. وقال ابن القاسم: وذلك والعروض سواء، والشرط باطل، وقد كرهه مالك في الرباع وغيرها، وكذلك قوله: إن جئتني بالثمن اليوم، وإلا فلا بيع لك، فإن جاء من الغد، فالبيع نافذ، وإن هلكت قبل ذلك، فهي من البائع، ولو تأخر النقد جدًا، نقض البيع. وقال ابن عبد الحكم: اختلف فيه قول مالك، وأحب إليّ أن يفسخ البيع. قال ابن سحنون: قال عبد الملك في من باع سلعة وشرط إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وكذا، وإلا فلا بيع بينهما: إن البيع جائز، والشرط باطل. باب ما يلزم به البيع من التساوم وكيف إن أفات السلعة بعد التساوم قبل الاتفاق؟ ومن قال: من جاءني بمثل ثوبي هذا فله دينار ومن أعطاني في عبدي هذا عشرة فهو له من العتبية: روى أشهب، عن مالك فيمن قال لرجل: بعني سلعتك هذه، فيقول: نعم بكذا أو كذا، فيقول: قد أخذتها، فيقول ربها: لم أرد بيعها، وإنما أردت اختبار بيعها، قال: أما من أوقف سلعته في السوق يتسوق بها، فذلك يلزمه، وإن لم يقوما، وأما الذي يعلم أنه لاعب، لا يريد بيعها، فلا يلزمه. [6/ 405]
وفي موضع آخر من سماع أشهب: وعمن أوقف عبده للبيع، فيقول له رجل: بكم عبدك؟ فيقول: بعشرين دينارًا، فيقول: قد أخذته بكذا، فيبدو للبائع، قال: قد لزمه البيع، وكذلك في العبد يوقف في السوق، فيقول له: بكم هو؟ فيقول: بعشرين، فيقول: ضع لي دينارًا، فيأبى، فيقول: قد أخذته، فليس للبائع رجوع. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في من سام بسلعته، فما كسبه المشتري حتى يوقف على ثمن، فلم يزده البائع على هذا، ولا قال: إن رضيت فخذ، وإنما قال: هي بكذا، فيقول السائم: أذهب بها وأشاور، فيقول: افعل، فيذهب بها المشتري، ثم يرضى، ويأتي بالثمن، فيبدو للبائع، أو يقول: بعتها ممن زاد عليك، ويقول: إنما بيني وبينك سوم، فالبيع تام إن رضيه المبتاع، وليس من سام بشيء، فقال المبتاع: قد أخذتها، فيبدو للبائع، كمن وقف على ثمن سلعة ودفعها إلى المبتاع، فذلك يلزمه، إلا أن يقيله المبتاع، وإن هلك ذلك بيد المبتاع قبل يرضى به، فهو من البائع. وقال في كتاب آخر: ومن قال: هو لك بكذا، فقال: قد أخذته، فقال البائع: لا أرضى، فذلك يلزمه، وكذلك لو قال المبتاع أولاً: قد أخذته بكذا، فيقول البائع: هو لك، فيقول المبتاع: لا أرضى، فهذا يلزمه، بخلاف إن تساوما بغير تواجب. ومن سام بسلعته، فقال: بعشرة، فقال المبتاع: بخمسة، ومضى بها على ذلك، فهلكت، فعليه عشرة. وفي غير هذا الكتاب في المكتري يقول: بخمسة، ويقول رب الدار: بعشرة، ويسكن على هذا، أنه إنما عليه خمسة، بخلاف الخياط يخيط على مثل هذا، وقد ذكرت هذا في موضع آخر من البيوع. [6/ 406]
في الرجلين ينفقان فيما يشتريان قبل الشراء أن يأخذ كل واحد شيئا بعينه
في الرجلين يتفقان فيما يشتريان قبل الشراء أن يأخذ كل واحد من الصفقة شيئًا بعينه من العتبية، روى سحنون عن أشهب في رجلين اشتريا ثوبين من رجل، ثوب خز وثوب مروي بمائة دينار، وتراوضا قبل الشراء أن يأخذ هذا الخز بحصته، وهذا المروي بحصته، قال: المراوضة قبل ذلك باطل، ولكل واحد نصف كل ثوب. وذكر مسألة الأرض يشتريانها، وهي بين حائطيها، على أن يأخذ كل واحد منهما نصيبه مما يليه، والأرض مختلفة. قال ابن كنانة: لا يجوز؛ لأن كل واحد منهما قد يقل ما يصيبه ويكثر. [6/ 407]
في اختلاف المتبايعين في الثمن والمثمون
أبواب اختلاف المتبايعين في اختلاف المتبايعين في الثمن والمثمون من الواضحة: وإذا اختلف المتبايعان تحالفا، وبدئ بيمين البائع، فإن حلف ونكل المبتاع، أو حلف المبتاع ونكل البائع، فالقول قول من حلف، وإن حلفا تفاسخا، وإن نكلا فالقول قول البائع عند مالك، حتى يحلف المبتاع على تكذيبه. وروى سحنون في المدونة عن شريح، إذا نكلا ترادا، مثل إذا حلفا. ومثل هذا ذكر ابن المواز عن ابن القاسم. قال ابن القاسم في المدونة: إذا حلفا ترادا، إلا أن يرضى المبتاع قبل الفسخ أخذها بما قال البائع. وقال سحنون: بل بتمام التحالف ينفسخ البيع. قال محمد بن عبد الحكم: إذا تحالفا، ثم أراد البائع أن يلزمها المشتري بما ادعى المشتري، فذلك له، وإن شاء فسخ البيع. ومن كتاب ابن المواز، قال: ولم يختلف قول مالك في اختلافهما في الثمن قبل التفرق. وهو قول أهل المدينة: أن يتحالفا ويترادا. واختلف قوله إذا افترقا، وقبض المبتاع السلعة، فروى عنه ابن وهب أن القول قول المبتاع، إذا بان بها وحازها وضمنها، مع يمينه ما لم يدع ما لا يشبه، مثل أن يقول: أخذت العبد بدينار، أو بدرهم. وما لا يكون ثمنه. قال ابن عبدوس: وبه يأخذ سحنون. قال ابن المواز: وروى عنه ابن القاسم مثله. روى عنه ابن القاسم أيضًا أنهما يتحالفان بقرب ذلك، ما لم تتغير السلعة في سوق أو بدن أو غيره من الفوت، وبهذا أخذ ابن القاسم. وقال ابن عبد الحكم، ثم رجع إلى الأول، وبه قال سحنون. [6/ 408]
وروى أشهب، عن مالك، أنهما يتحالفان وإن قبضها وفاتت، ويرد القيمة بدلاً منها، قيمتها يوم قبضها. وبه قال أشهب. وذكر ابن حبيب مثل قول ابن القاسم، وقال هو قول مالك، وما علمت أحدًا اختلف فيه من أصحابه المدنيين والمصريين. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك: إذا طال زمان العبد بيد المبتاع، وتغير من بدن أو سوق، تحالفا، وغرم قيمته يوم البيع، وإن كان بحضرة البيع، مثل عشرة أيام، تحالفا، وردت السلعة، ومن نكل فالقول قول من حلف، ومن كان قوله منهما شبيهًا بالحق، قبل قوله مع يمينه في الوجهين. قال ابن القاسم: وذلك عندي إذا اختلفا في نوعين من الثمن، فقال: هذا بدنانير، وهذا بطعام، أو قال: هذا بحنطة، وهذا بعدس، فليتحالفان إذًا وترد القيمة في فوتها. قال ابن القاسم في اختلاف المتبايعين، ولم تفت السلعة: فمن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن نكلا أو حلفا، نقض البيع، وإن فاتت، فنكل المبتاع، حلف البائع، وأخذ ما قال، فإن نكل أيضًا، أخذ ما قال المبتاع بلا يمين. قال: ومعنى قول مالك: القول قول من ادعى منهما ما يشبه. يعني في فوتها بيد المبتاع في سوق أو بدن مما لا يشبه أن يدعي في عبد قائم قد تغير سوقه، أنه ابتاعه بعشرة وقيمته عشرون، أو في عبد قد مات لا يعرف فادعى أن ثمنه دينار أو ثوبًا بينهم، وإذا جاءا جميعًا بما لا يشبه، فعليه القيمة ويصدق المبتاع في صفة السلعة مع يمينه، ولو قال: عبدًا أعمى مقعدًا، لصدق حتى تقوم بينة بخلافه. قال: وسواء اختلفا في الثمن، والسلعة دار أو حيوان أو عرض أو طعام على جزاف أو كيل، فإذا بان بذلك وضمنه، صدق فيما يشبه من الثمن مع يمينه. يريد محمد: في قول مالك الأول. قال ابن القاسم: وسواء نقد الثمن أو لم ينقد، إذا لم تفت السلعة، وكان بقرب التبايع، تحالفا وترادا، فإن فاتت ما لم يكن لأحدهما فيما بيد الآخر غير اليمين. [6/ 409]
ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وإذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن، فإن ورثة كل واحد مكانه، فإن تجاهلا، بدئ هاهنا ورثة المشتري بالثمن، أنهم لم يعلموا مبلغه، ثم يحلف ورثة البائع على مثل ذلك، وترد السلعة، وإن كانت، رد ورثة المبتاع قيمتها من ماله، وإن جهله ورثة أحدهما، فالقول قول من عرفه مع يمينه فيما يشبه. قال ابن حبيب: فإن جاء بما لا يشبه، كانا مثل إذا تجاهلا في الثمن. وكذلك قال لي مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، في ذلك كله. قال في كتاب ابن المواز: وإن ادعيا المعرفة تحالفا وترادا، وبدئ بيمين ورثة البائع هاهنا، وذلك ما لم تفت، فإن فاتت بيد المبتاع، صدق ورثته مع يمينهم. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: فإن فاتت بيد المبتاع، وقد نقد بعض الثمن، صدق فيما بقي منه، وكذلك لو قال الذي نفدت هو جميعه، لصدق مع يمينه، إن لم يتبين كذبه، وإن لم تقبض السلعة من البائع، وقد قبض البائع جميع الثمن، وقد فات وقت مبايعتهما، أو حال سوق السلعة، فالقول قول البائع مع يمينه. وإن قبض بعض الثمن لم يكن عليه من السلعة إلا بقدر ما قبض من الثمن، ويخلف ثم المبتاع، وإلا لزمه بقية السلعة، وغرم بقية الثمن على ما حلف عليه البائع، إلا أن تكون السلعة مما في الشركة فيها ضرر، كالعبد الواحد، أو الدابة فيتحالفان ويتفاسخان، فإن بعد طول الزمان، وإن كانت مما يكال أو [6/ 410]
يوزن، أو مما يعد ولا يدخله ضرر الشركة إن قسم، فليحلف البائع، وعليه من السلعة بقدر ما انتقد من الثمن الذي ادعى. وكذلك لو قبض الثمن كله ودفع بعض السلعة، صدق فيما بقي منها مع يمينه، وإن لم ينتقد شيئًا، وقبض المبتاع بعض السلعة، تحالفا، وفسخ ما لم يقبض منها، وعليه من الثمن ما قبض منها على دعواه مع يمينه، ومن نكل، فالقول قول من حلف، فإن نكلا، فهو بمنزله إذا حلفا. وإذا قبض المبتاع قفيزًا، أو دفع دينارًا، ثم اختلفا، فقال البائع: بعتك قفيزين بدينارين، وقال المبتاع: بل قفيزين بالدينار الذي دفعت، فلتقسم الدينار على قفيزين، فوق منه للقفيز المقبوض بنصف دينار، والبائع يقول: بقي لي من ثمنه نصف آخر، فهو مدع، ويحلف المبتاع، ويتم فيه البيع، إذا فات ذلك بيده بطول الأيام وحوالة الأسواق. وكذلك لو قال: ما نقدتك هو ثمن ما قبضت، وادعى البائع زيادة في ثمنه، لصدق المبتاع مع يمينه، وأما لو قال: الذي نقدت أكثر من الثمن كان في الزائد مدع، قال: وإذا قال: هو ثمن للقفيز وقد قبض قفيزًا، فقسمنا الدينار المقبوض على القفيزين، فوقع منه أيضًا للقفيز الذي لم يدفعه البائع نصف دينار، فالبائع يقول: بل إنما يقع لهذا النصف دينار نصف قفيز. فيدفع نصف قفيز على قوله، ويحلف، ثم يحلف المبتاع في النصف قفيز الباقي، ويبرأ منه ومن ثمنه، فإن نكل، غرم نصف دينار على دعوى البائع، وأخذ نصف قفيز. يريد محمد: فإن نكل عن اليمين في القفيز الذي قبض، غرم بقية ثمنه، وهو نصف دينار. وكذلك لو كان إنما أسلم في القفيزين، فتأخر بعض النقد بغير شرط، أو كان على أن يشرع في الأخذ، فأخذ واحدًا، ثم اختلفا، وأما في الكري يقبض بعض [6/ 411]
الثمن، ويسكن بعض المدة، فباقي المدة كما لم تفت من السلع، ويفسخ بعد التحالف، فيرد حصة ما قبض له، وعلى المكتري فيما سكن ما أقر به مع يمينه. ولو قال البائع: بعتك قفيزًا دفعته إليك بالدينار الذي قبضت منك. وقال المبتاع: بل ابتعت منك قفيزين، فالبائع مصدق ويحلف. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية في البائع يقبض دينارًا، ويدفع خمس أرادب، ثم يختلفان قبل التفرق فيقول البائع: بعتك بالدينار الذي قبضت الخمسة أرادب التي دفعت. وقال المبتاع: بل ابتعت منك ستة أرادب. فالبائع مصدق مع يمينه، لقبضه الدنانير، وأنكر هذا يحيى بن عمر، وكأنه يرى أن يتحالفا إذا لم يتفرقا ولم تفت. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: فإن لم يتقابضا شيئًا تحالفا وترادا، وإن قبض المبتاع خمسة أرادب، ولم يدفع الدينار، لزمه خمسة أسداس دينار، بعد أيمانهما، وينفسخ البيع بسدس دينار. قال: وإذا لم يقبض هذا طعامًا، ولا هذا ثمنًا تحالفا وفسخ البيع كله. قلت: فمن يبدأ في هذا باليمين؟ قال: يحلف المبتاع أنه اشترى ستة أرادب، ثم يحلف البائع ما باعه إلا خمسة، ثم يخير المبتاع بين أخذ خمسة أو يفسخه. ومن كتاب ابن المواز: ولو قال البائع: بعتك قفيزين بدينارين، وقال المبتاع: بل ثلاثة أقفزة بدينارين، وقد دفع المبتاع دينارًا، وقبض قفيزًا، فليحلفان، ثم يدفع البائع إلى المبتاع نصف قفيز؛ لأن الدينار وقع منه على دعواه نصفه لما دفع إلى المبتاع، فهو مدع فيما بقي من ثمنه، ووقع منه القفيز الذي له بدفع نصف دينار، فله ألا يدفع في النصف دينار الذي قبض إلا حصته على دعواه، وذلك النصف قفيز، فيحلفان، وينفسخ بقية القفيز الذي لم يقبض، [6/ 412]
ويرد المبتاع من بقية ثمن ما قبض مما لم يقر به؛ لأن البائع يقول: ثمن القفيز الذي قبضت مني دينار، وهو يقول: ثمنه ثلثا دينار، فله حصة مما دفعت إليك، ثلث دينار، ويبقى لك قبلي فيه ثلث دينار. وهذا منتهى كلام محمد، ولم يذكر أن يغرم المبتاع للبائع شيئًا، واراه يعني أنه يغرم له ثلث دينار؛ لأنه يقول: وقع للقفيز الذي قبضت ثلثا دينار على دعواي، دفعت من ثمنه ثلث دينار؛ لأن الدينار عن ثلاثة أقفزة دفعته، فبقي علي من ثمنه ثلث، والبائع يقول: بل بقي لي من ثمنه نصف دينار، فهو مدع والمبتاع مصدق مع يمينه فيما قبض، وقد حلف. قال محمد: ولو قال البائع: الدينار الذي قبضت منك، إنم دفعته إلي عن القفيز الذي استوفيت خاصة من القفيزين اللذين بعتك بدينارين. وقال المبتاع: بل دفعته عن الثلاثة أقفزة الذي ابتعت بدينارين. فقد قيل: يصدق البائع، ويقال للمبتاع: إن شئت دفعت دينارًا وأخذت قفيزًا على دعوى البائع، وإلا حلفت، ويفسخ بيع القفيز الباقي بعد أيمانكما. قال محمد: وأحب إلي أن يجعل الدينار على القفازين بعد أيمانهما، ثم لا يكون على البائع إلا نصف قفيز، حصة النصف دينار الذي قبض على دعواه، كما لو قال المبتاع: إنما نقدتك الدينار عن ما لم تقبض، لم يصدق. قال ابن حبيب: وإن تصادقا في الثمن، أنه دينار، واختلفا في الكيل، فقال المبتاع: اشتريت منك أربعة أقفزة، وقال البائع: بل ثلاثة، فإن قبض الدينار، صدق مع يمينه، قبض المبتاع الطعام، أو لم يقبض شيئًا، وإن لم ينقد الثمن، وافترقا، حلف المبتاع أنه إنما ابتاع منه أربعة بدينار، وحلف البائع أنه ما باعه إلا ثلاثة، فإن حلفا فالمبتاع مصدق، فيما عليه، فيؤدي ثلاثة أقفزة، ويؤدي المبتاع ثلاثة أرباع دينار. [6/ 413]
ولو قبض المبتاع الأربعة أقفزة، ثم اختلفا في ثمنها، فالقول قول المشتري مع يمينه، قبض الدينار البائع أو لم يقبضه. وهكذا فسر لي مطرف، عن مالك. وإذا اختلفا في صنفين من الثمن، فقال أحدهما: بعرض كذا، وقال الآخر: بعرض خلافه، أو عين نقدًا، واتفقا أنه إلى أجل واحد، فليتحالفا، قبض السلعة أو لم يقبض، فاتت أو لم تفت، ويرد المبتاع القيمة فيما فات عنده حاله. ولو تصادقا في نوعه وأجله، واختلفا في عدده، وفاتت السلعة، صدق المبتاع فيما يشبه مع يمينه، فإن لم يأت بما يشبه فقول البائع ويحلف، فإن لم يأت بما يشبه، كان عليه من ذلك الثمن إلى أجله ما شبه، بخلاف اختلافهما في النوع، وهو كاختلافهما في الكيل في السلم قبل الأجل، وأتيا بها لا يتشبه، أنهما يحملان على سلم الناس إلى أصله، ولو اختلفا في النوع تفاسخا. ومن كتاب ابن المواز في الوكالات قال: وإذا اختلفا في سلم الطعام وغيره في موضع القضاء، فكان الحكم فيه أن يقضيه بموضع عقد البيع مع يمين مدعي ذلك، أرأين إن قال البائع: عقدنا الصفقة بموضع سماه غير موضع الصفقة، وسمى المشتري موضعًا آخر غير موضع الصفقة، فليتحالفا، ويفسخ البيع. انظر مسألة ابن سحنون في البائع يقول: بعتك بخمر، ويقول المبتاع: بل بدنانير، أنهما يتحالفان، بخلاف أن يدعي أحدهما حلالاً والآخر حرامًا. انظر مسألة ابن سحنون. وفي كتاب الإقرار باب في الإقرار في البيوع والتداعي، فيه كثير من اختلاف المتبايعين. [6/ 414]
في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن أو قبض السلعة المبيعة
في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن أو قبض السلعة المبيعة وفي موضع القضاء وفي قبض الدين وقد طال زمانه من كتاب محمد، والواضحة، قال مالك: وإذا اختلفا في دفع الثمن، فقال البائع: لم أقبض، وقال المبتاع: دفعت. قال في الواضحة: فذلك يختلف بقدر تصرف الحال في السلع، قالا: فما كان كالصرف، مثل الحنطة، والزيت، واللحم، وشبهه، قال محمد: من الفاكهة، والخضر، فإذا تفرقا، صدق المبتاع مع يمينه: لقد دفعت الثمن حين قبضت ذلك. قال في كتاب محمد: وأما الرقيق، والثياب، والدور، فالبائع مصدق مع يمينه وإن افترقا، ولو اكتال ما بالأسواق مما يعجل ثمنه، ثم اختلفا في قبض الثمن قبل التفرق، فاختلف فيه قول مالك، فروى أشهب عنه فيمن ابتاع رطبًا فقبضه، ثم اختلفا قبل التفرق في قبض الثمن، فالرطاب مصدق ما لم يفترقا، وكذلك الطعام يكتاله في وعائه، وقال عنه ابن القاسم: القول قول المبتاع مع يمينه. وقاله ابن القاسم في كل ما الشأن فيه قبض ثمنه قبل يكتاله، كالحنطة، والزيت، واللحم وشبهه. قال ابن حبيب: وأما الرقيق والدواب والربع والعقار، فالبائع مصدق وإن تفرقا، ما لم يطل، فإن مضى مثل عام أو عامين، فالقول قول المبتاع، ويحلف، وليس يباع مثل هذا على التقاضي، وأما البز وشبهه من التجارات على التقاضي وعلى الآجال، فإن قام البائع لما لم يطل جدًا، فزعم أنه لم يغرم الثمن حلف، وصدق وإن قام بعد طول، مثل عشر سنين واقل منها مما لا يتبايع ذلك إلى مثله، صدق المبتاع ويحلف. وقال ذلك كله مطرف، وابن الماجشون، عن مالك، وقالا به. وساوى ابن القاسم بين البز والربع وغيره، ما عدا الحنطة، والزيت ونحوه، وجعل القول أيضًا قول البائع في ذلك، وإن بعد عشرين سنة، حتى يجاوز الوقت الذي يجوز البيع اليد، وبالأول أقول. [6/ 415]
ومن العتبية قال أصبغ، عن ابن القاسم: وإذا طلب البائع الثمن، فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وقال البائع: قد قبضتها، فإن أشهد له بالثمن، فليرده، ولا يصدق أنه لم يقبضها، قال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد، فأما أن يكف حتى يحل أجل الثمن وشبهه، فلا قول له، ولا يمين على البائع. وذكر ابن سحنون في الأقضية قول ابن أبي ليلى، أن البائع عليه البينة بدفع ما باع. وخالفه سحنون وقال: إذا أشهد المبتاع على نفسه بالثمن، فلا يصدق أنه لم يقبض السلعة. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا شهد شاهدان على رجل أن لفلان عليه مائة دينار من ثمن سلعة اشتراها معه، لم أقبل ذلك، ولم ألزمه إياها حتى يقولا: وقبض السلعة. وكذلك لو قالا: باعه سلعة بمائة دينار. لم يقبض بذلك عليه؛ لأنه ليس في شهادتهما ما يوجب له أنه قبض السلعة. ومن الواضحة: وإذا تصادقا على عدد الثمن ووزنه، وهو عشرة، فقال البائع: لم أقبض إلا ثمانية، فهو مصدق، ويحلف، كانت السلعة قائمة أو فائتة، ولو أشهد على البيع وقبض الثمن، ثم قال البائع: أشهدت إلي بقبضه ثقة مني بك، ولم توفني جميعه، فاحلف لي، فقال: وفيتكه، ولا أحلف، ولي بينة. فقال مالك وأصحابه: لا يمين عليه. وقال ابن حبيب: إلا أن يأتي بسبب يدل على ما ادعى، وتقع عليه بتهمة، فيحلف. قال مطرف في من قام على رجل بذكر حق قديم بعد عشرين سنة، أنه يؤخذ به، إلا أن يأتي الغريم بالبراءة منه، ولو مات المطلوب، واقتسم ورثته تركته، والمطالب حاضر لا يقوم، ثم قام بعد ذلك، فلا شيء له، إلا أن يكون له عذر، بأنه لم يعرف ببينته، أو كانوا غيبًا، ولم يجز ذكر حق إلا عند قيامه، أو يكون لهم [6/ 416]
في اختلافهما في السلم وغيره من البيوع
سلطان يمتنعون به، أو نحو هذا مما يعذر به، فيحلف بالله لما كان تركه القيام إلا للوجه الذي عذر به، ثم يكون على حق، وإن كال زمانه. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبطل حق امرئ وإن قدم))، وإن نكل حلف الورثة بالله ما يعلمون له حقًا وبرئوا، فإن نكلوا غرموا، أو من نكل منهم. وقال مثله أصبغ. في اختلافهما في السلم وغيره من البيوع من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا قبض رأس مال السلم، واتفقا في الصفة والأجل، واختلفا في الكيل أو الوزن، فإن كان بقرب مبايعتهما تحالفا وتفاسخا، وإن طال ذلك وتفاوت، فالقول قول من عليه السلم مع يمينه فيما يشبه. قال ابن القاسم: فإن لم يشبه، صدق الطالب فيما يشبه مع يمينه، وإن جاء بما لا يشبه، حملا على سلم الناس يوم تعاقدا، وكذلك إن اختلفا في الصفة والسلم في طعام أو عروض أو حيوان. وكذلك قال ابن حبيب في الكيل والعدد، قال: وكذلك إن قال البائع: في عبد، وقال المبتاع: في عبدين، أو قال هذا في ثوب، وهذا في ثوبين. قال محمد: قال مالك: وإن اختلفا في النوع تحالفا وترادا، وإن طال ذلك، أو حل الأجل، وكذلك لو اختلفا في ثمن جارية قبضها المبتاع، وحال سوقها في قلة الثمن وكثرته، صدق المبتاع وحلف، فإن أتيا بما لا يشبه، صدق البائع فيما يشبه، فإن لم يأت به، فله قيمتها يوم البيع، ولو اختلفا في صنف ثمنها، ترادا القيمة بعد التحالف. وقال أشهب: إن لم يعرف كذب واحد منهما في السلم، يريد أتيا بما يشبه، تحالفا وتفاسخا، اختلفا في الجنس أو في القلة والكثرة، أو في الصفة، والنوع واحد. وإن عرف كذب أحدهما، صدق الآخر مع يمينه، أو يحملان على [6/ 417]
الوسط من سلم الناس، واختلافهما في النوعين، أو في القلة والكثرة، والنوع واحد سواء، يوجب التفاسخ. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أسلم مائة دينار إلى أجل، فلما حل، دفع إليه خمسين كساء فقبضها، وقال: بقيت لي خمسين ثوبًا فسطاطي، وكذلك أسلمت إليك فيها، وفي خمسين كساء. وقال البائع: إنما أسلمت إلي في مائة كساء، فإن لم يقبض شيئًا تحالفا وتفاسخا، وإن قبض الخمسين كساء تحالفا، وقسم الثمن عليها. قال عيسى: يريد على قيمة الأكسية والفسطاطي على دعوى البتاع، فيرد ما قابل الفسطاطي من الثمن؛ لأنه لما قبض الأكسية، صار مدعيًا فيما بقي. وروى أصبغ، عن ابن القاسم في من أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعًا، واختلفا عند الأجل، أيأخذ بذرائع البائع أو بذراع المبتاع؟ قال: يحملان على ذراع وسط، ولا ينظر إلى قولهما. قال أصبغ: هذا أحسن، والقياس الفسخ. وكذلك ذكر عنه ابن المواز. وفي الواضحة قال: وإذا قال المبتاع: أسلمت إليك بقفيز إلى بلدي. وقال البائع: بل على قفيز بلدي، فالبائع مصدق، وإن تقاررا أنهما لم يسميا قفيز بلد معلوم، فهو على قفيز البلد الذي أسلمت الدراهم فيه، وكذلك إن لم يسميا موضع القضاء، فهو بموضع التبايع، وإن ادعاه أحدهما، فالقول قوله، وإن ادعى كل واحد بلدًا غيره، وتقاررا أن الدراهم دفعت في موضع كذا، فالبائع مصدق فيما يشبه، وإلا صدق المبتاع فيما يشبه، وإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه ما قالا جميعًا، تحالفا وتفاسخا. ونحوه في كتاب محمد، وقال: قال هذا ابن القاسم، وقال أيضًا: القول قول البائع، إلا أن يكون قريبًا. وقال أصبغ: يريد: قريبًا من الصفقة، وأما لو بعد ذلك وحل الأجل، فالقول قول البائع. [6/ 418]
باب اختلافهما في الأجل وحلوله أو في النقد والأجل
ومن الواضحة: وإذا اختلفا في الصفة، في جيد ووسط، وفي سمراء وبيضاء، وقد قبض الثمن وتفرقا، فالقول قول البائع، وإذا اختلفا في جنسين، تفاسخا بد التحالف، ومن نكل فالقول قول الحالف، وإن حلف فسخ، وإن نكلا، صدق البائع، وهو كمطلوب رد اليمين، فنكل الطالب، وإذا اختلفا في الكيل والوزن أو العدد، واتفقا في الصفة والصنف، فالبائع مصدق فيما يشبه ويحلف، وإلا فالمبتاع فيما يشبه ويحلف، فإن أتيا بما لا يشبه، حملا على الوسط من سلم الناس يومئذ. يريد: يوم العقد. باب اختلافهما في الأجل وحلوله أو في النقد والأجل من كتاب ابن المواز، قال مال: وإن اختلفا في الأجل، فالبائع مصدق مع يمينه، إن قبض الثمن، وادعى ما يشبه، واختلافهما في الأجل كاختلافهما في الأثمان، وكذلك في سلعة قائمة يختلفان في الأجل فليتحالفا، وإن قبضت، صدق قابضها مع يمينه. قال مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب: وإن قال: بعتكما بالنقد، وقال المبتاع: إلى أجل، تحالفا، وردت، وإن قبضها المبتاع، صدق مع يمينه. وكذلك روى سحنون في العتبية، عن ابن وهب، عن مالك. قال سحنون: والاختلاف في هذا الأصل عن مالك كثير، وهذا أحب إلي. قال ابن المواز: وقد كان من قول ابن القاسم: إن أقر البائع بشيء من الأجل بعد فوت السلعة عند المشتري، فالقول قول المشتري، وإن لم يقر بشيء [6/ 419]
من الأجل، وادعى النقد، فالبائع مصدق. هذا فيما قبض وفات. وما لم يقبض ويفت تحالفا وتفاسخا. قال محمد: وقول مالك أحب إلي. قال مالك: اختلافهما في الأجل كاختلافهما في الثمن، يحلف المبتاع إذا قبض السلعة وفاتت عنده. وقاله ابن عبد الحكم، وعبد الملك، وأصبغ. وقال أشهب في المكاتب يدعي من الأجل أكثر مما ادعى السيد، فالمكاتب مصدق. ولو قال من عليه قرض من غير بيع: إنه إلى أجل كذا. وقال الذي أسلفه: حالاً، فهو غير مصدق. محمد: ما لم يقر الطالب بشيء من الأجل في هذا. ومن الواضحة: قال عبد الملك: روى مطرف، عن مالك: إذا اختلفا في الأجل واتفقا في الثمن، فالبائع مصدق مع يمينه، فاتت السلعة أو لم تفت، فإن أقر بالأجل، واختلفا فيه، فالمبتاع مصدق فيما يشبه مع يمينه، فإن لم يشبه أن تباع تلك السلعة إلى ما ادعى، فالبائع مصدق. قال ابن القاسم مرة: إن لم يقر البائع بالأجل صدق في قيام السلعة، فإن فاتت، صدق المشتري. وقال مرة: إن ادعى المبتاع أجلاً قريبًا لا يتهم فيه، صدق مع قيام السلعة وفواتها. ثم قال: إن كانت قائمة تحالفا وتفاسخا، تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به. وإن كانت فائتة فالمبتاع مصدق مع يمينه إن تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به. وإن كانت فائتة فالمبتاع مصدق مع يمينه إن تقاررا بالأجل أو اختلفا فيه، وادعى البائع حلوله. فإن لم يقر البائع بأجل، فالقول قوله مع يمينه. وكذلك سمعت ابن الماجشون يقول: يتحالفان ويتفاسخان في قيام السلعة، تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به، إذا ادعى المبتاع، فإن فاتت السلعة فالمبتاع مصدق في [6/ 420]
الأجل، تقاررا أو لم يتقاررا به، إلا أن يأتي بما يتفاحش فيصدق البائع ويخلف، وذلك كقول ابن القاسم الآخر، إلا في وجه واحد، إذا فاتت ولم يقر البائع بأجل. قال ابن الماجشون: يصدق المبتاع مع يمينه إن ادعى ما يشبه. وابن القاسم لا يقبل قوله، إذا لم يقر البائع بأجل، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ بقول ابن القاسم. ورواه ابن وهب، عن مالك، وبه أقول. وإذا قال الذي عليه السلم: لم يحل. وقال الطالب: قد حل وفي قربه وبعده، فالذي عليه السلم يصدق، ويحلف إذا قبض الثمن وتفرق، وهو مما يغاب عليه، فإن نكل، فالمبتاع مصدق ويحلف، فإن نكل فالقول قول الذي عليه السلم بلا يمين، فإن اختلفا في ذلك قبل أن يفترقا، ويغيب على الثمن، أو كان الثمن مما لا يغاب عليه، ولم تفت بشيء من الفوت حتى اختلفا، فليتحالفا ويتفاسخا في هذا، أو فيما فسرت لك. وقاله لي كله من كاشفت من أصحاب مالك. وقال في كتاب البضائع: وإذا اختلفا في السلم في موضع القضاء، فكان الحكم أن يقضيه ببلد السلم، فاختلفا فيه، فقال هذا: تبايعنا ببلد كذا، وقال الآخر: ببلد كذا، فليتحالفا ويتفاسخا. [6/ 421]
باب في اختلافهما في أصل البيع، وفيمن أقر على نفسه وعلى غيره ببيع أو دين
باب في اختلافاهما في أصل البيع وفيمن أقر على نفسه وعلى غيره ببيع أو دين من الواضحة: قال مطرف عن مالك فيمن ادعى على رجل أنه باع منه سلعة، فأنكر البائع، فشهدت بينة على البيع، ولا يعرفان الثمن، قال: فالشهادة تامة، ويقال للبائع: قد ثبت البيع، فبكم بعتها؟ فإن سمى ثمنًا، فاعترف به المبتاع وداه، وإن ادعى دونه تحالفا ورده، وإن تمادى البائع على إنكار البيع، سئل المبتاع: بكم الـ ... ؟ فإن سمى ما يشبه حلف وأخذها به، وإن ادعى بخسًا، قيل له: إما أعطيت ما يشبه ثمنها وإلا فدعها. قال ابن حبيب: هذا أحسن ما سمعت فيها. ومن العتبية من سماع أصبغ: وقال في السلعة في المزايدة تقف على ثمن، فيطلب الصائح الثمن ممن زاده فيها ممن كان حضر المزايدة، فينطر أن يكون زاده شيئًا، فعليه اليمين، لحضرته المزايدة، ولو لم يحضر، لم يلزمه يمين، قيل: فإن لم يحضر، ولكن قال له الصائح: قد أوصيتني إذا وقفت أن أرد ما لك، فإن كان مثله يأمره مثله في تجارته وناصيته، فليحلف، وإلا لم يحلف. قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا قال لرجل: اشتريت منك سلعتك أنا وفلان، فقال البائع: بل منك وحدك بعت، فلا يلزم المقر إلا نصفها بنصف الثمن. ولو قال: أنا اشتريتها، فقال البائع: بل منك ومن فلان، فإن طلب ذلك فلان، فهي بينهما، إلا أن يكون للآخر بينة، فإن لم يطلب فلان، فهي كلها لمدعي شرائها. قال أصبغ: ليس له إلا نصفها، إلا أن يسلم له البائع، وقد قال [6/ 422]
باب اختلافهما في سكة الثمن أو وزنه
أيضًا: إذا قال: لفلان علي ألف درهم، وعلى فلان وفلان، فالألف كلها عليه، وإن كان كلامًا نسقًا. قال أصبغ: وهذا والأول غلط، وليس عليه إلا ثلثها. وفرق ابن القاسم بين قوله: لفلان علي، وعلى فلان وفلان ألف. قال: فهذا عليه الثلث، ويبين قوله: لفلان علي ألف، وعلى فلان، ورأى هذا ندمًا بعد إقراره بالألف، فهي تلزمه كلها. وقال أصبغ: وهذا كله واحد، وإقراره منتظم أوله بآخره، كتقديم العتق أو الطلاق في الحلف وتأخيره. باب اختلافهما في كسة الثمن أو وزنه من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا طلب البائع نقدًا كذا، وقال المبتاع: بل نقدًا كذا، قضي بالمتعارف بالبلد في نقد تلك السلعة. والحنطة والزيت قد عرف ما يباع به، والرقيق نقدها على ما عرف. فإن ادعى البائع أنه شرط في الرقيق والوازنة. وقال المبتاع: بل شرطت النقد المعروف، فهو مصدق، قال ابن القاسم: مع يمينه. وكذلك إذا اختلفا بعد محل أجل الثمن حملا على النقد المعروف يوم التبايع. قال محمد: ولو كان إلى أن يتحالفا ويتفاسخا إذا ادعيا الشرط. قال ابن القاسم: وإن كان النقد في تلك السلعة مختلفًا، فسد البيع، وفيها القيمة إن فاتت. قال أصبغ: إلا أن يكون لها نقد هو الغالب فيها، فيقضى به دون الحاضر. قال مالك: لا ينظر فيه إلى الحاضر من رواية أشهب عن مالك، إلا أن يشترط. ومن الواضحة: وإذا تصادقا في عدد الثمن ولم ينصا وازنة ولا ناقصة، حكم فيها بالوازنة، وإن جرت الناقصة بينهم على التجاوز، لأن ذلك على التطوع، فأما ما يحكم به، وما هو به اليمين على القضاء، فعلى الوازنة التي ضربت عليها سكة [6/ 423]
باب في اختلافهما فيما يرد لعيب من عرض أو عين فينكره الآخر
ذلك البلد. والوازنة عندنا بالأندلس التي عليها ضربت سكتنا، دخل عشرة ومائة عددًا في مائة موزونة بالجديدة. فإن قال البائع: شرطت وازنة، وقال المبتاع: بل شرطت عليك ناقصة كذا. فإن كان البلد لا يجري فيه الوازنة، صدق البائع مع يمينه في قيام السلعة أو فوتها، وإن كان البلد تجري فيه الوازنة وغيرها، وعلى الداخل نظر في تلك السلعة، فإن كان لها نقد معروف، صدق مدعيه مع يمينه من بائع أو مبتاع في قيام السلعة أو فوتها، إن لم يكن لها نقد معروف، أو كان نقدها مختلفًا، تحالفا وتفاسخا، في قيامها، قبضها المبتاع أو لم يقبضها، وإن فاتت بيد المبتاع، صدق مع يمينه. وقاله كله من كاشفت عنه من أصحاب مالك. باب في اختلافهما فيما يرد لعيب من عرض أو عين فينكره الآخر أو يدعي أنه كان أكثر من ذلك أو يختلفان في الظروف وفي الدنانير يختلف فيها أهل النظر من الواضحة، قال ابن الماجشون: وإذا رد المبتاع الثوب بعيب، أو الطعام بعرض، فقال البائع: لم أبع هذا منك، فهو مصدق مع يمينه، فإن نكل، حلف المبتاع أنه الذي ابتاع منه، ورده، وأما إن رد درهمًا لنقصه أو لغش فيه فهاهنا يحلف الدافع في الوجهين على البت أنه لم يعطه هذا، إن كان صيرفيًا أو بصيرًا، وإن كان على غير ذلك، حلف في الناقص والمغشوش على علمه، ما يعلمه من دراهمه ولا أعطاه إلا جيدًا في علمه، وبرئ. فإن نكل حلف القابض، ورد، فإن نكل حبسه. قال ابن حبيب: وهذا أحسن ما سمعت من الاختلاف فيه. وكان ابن القاسم يحلفه من الناقص والمغشوش على علمه، كان صيرفيًا أو غيره. وكان ابن [6/ 424]
كنانة يحلف الصيرفي في المغشوش والناقص على البت، ويحلف غيره في المغشوش على علمه، وفي الناقص على البت، ويجعل النقص كنقصان العدد، ولم يختلفوا في نقصان العدد أنه يحلف على البت في الصيرفي وغيره. قال ابن حبيب: وذلك مفترق، وقد يعطي الرجل الناقص، ويحسب أنه وازن، فيحلف فيه الصيرفي والبصير على البت، ويحلف غيره على العلم في النقص والمغشوش، إلا أن يكون الدافع قال للقابض: اذهب بها، فما أنكرت أبدلت لك، فالقول هاهنا قول القابض، مع يمينه في المغشوش، والناقص في نقص العدد؛ لأنه أمينه، وقاله مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: من رد عبدًا بعيب، فاختلفا في ثمنه، صدق البائع، مع يمينه في قلة الثمن، وكذلك أيضًا لو قال بثوب، فإن جاء بما لا يشبه، صدق المبتاع وحلف، فإن جاء أيضًا بما لا يشبه، فله قيمته سليمًا من العيب يوم البيع. مالك: من رد عبدًا بعيب، فقال البائع: ليس هذا هو، وقال: المبتاع مدع إلا أن يشتريه على الخيار، فيصدق، وكذلك القمح. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من اشترى لرجل سلعة، وقال للبائع: خذ منه، ففعل، ثم وجد البائع في الثمن نقصًا، وقد غاب المشتري له، أو فلس، قال: إن لم يعرفه بذلك متولي الشراء، فعليه بدلها. ومن رد طعامًا ابتاعه بعيب، فقال البائع: كنت بعتك حملاً بمائة. وقال المبتاع: بل عدلاً، فهو مصدق مع يمينه، والبائع مقر له بالثمن، يدعي زيادة فيما وجب رده، إلا أن يأتي المبتاع بما لا يشبه، أو ينكل عن اليمين، فيصدق البائع مع يمينه، ويرد من الصمن نصف ما قبض. [6/ 425]
قال محمد: إنما هذا في الجزاف، وأما ما كان على الكيل وعرف كيله، فليرد المبتاع الكيل كله إن نكل، أو جاء بما لا يشبه. قال: ولم يشبه أو كانا لم يتفرقا تحالفا أو تفاسخا، إن كانت السلعة قائمة، وإن كانت قد فاتت، وكان البائع قد قبض الثمن، فالقول قوله مع يمينه. وحكى ابن حبيب المسألة من أولها، فذكر مثل ما تقدم من الجواب، ثم قال: مثل أن يقول: بعتك مديًا بمائة درهم. وقال المبتاع: بل نصف مدي بمائة وأشبه ما قال البائع دون ما قال المبتاع، فالبائع مصدق، ويرد من المائة خمسين، ولا يقال للمبتاع: ائت بتمام المدي. قال ابن حبيب: وكذلك لو باعه ثوبًا، أو عبدًا، أو فرسًا، فرده، فقال البائع: بعتك هذا وآخر معه، واتفقا في الثمن، فالمشتري مصدق، فإن لم يأت بما يشبه في الثمن، فالمشتري مصدق، فإن لم يأت بما يشبه، صدق البائع فيما يشبه، فإن اختلفا في الثمن، فالبائع مصدق؛ لأنه في يده، ولو كان الثمن مؤخرًا، كان القول فيه قول المشتري، ويحلف، ويسقط عنه ما ادعاه البائع عليه فوق ما أقر به المشتري. وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك، وهو تفسير قول مالك. ومن كتاب محمد: ومن ابتاع سمنًا، فوزنه بظروفه، وقبضها لتفرغ، ثم توزن، ففرغها، ثم ردها، فقال البائع: ليست هي، فإن لم تقم بينة، لم تفارقه، ولا السمن حاضر يقران به، فيغادرونه، فالقول قول من يرد الظروف مع يمينه. وقال أشهب: القول قول المبتاع في وزن السمن، ويحلف. وإذا اختلف أهل النظر في الدنانير أو الدراهم، فقال بعضهم: جياد وبعضهم رديئة، فلا يعطى إلا ما يجمع عليه، ولا شك فيه، وتصير معيبة باختلافهم فيها، فليس له أن يعطيه معيبًا. [6/ 426]
باب جامع في اختلاف المتبايعين في الثمن والمثمون وغير ذلك
باب جامع في اختلاف المتبايعين في الثمن والمتمون وغير ذلك وما لا يتفاسخان فيه من اختلافهما من الواضحة: وإذا قبض المبتاع السلعة، ونقد عشرة دراهم، ثم جاء البائع يدعي أن الثمن اثنا عشر، وكذبه المبتاع، فليتحالفا ويرد، إلا أن تفوت، فيصدق المبتاع ويحلف. ولو جاء المشتري إلى البائع، فقال: أعطني السلعة الأخرى، فإنما ابتعت منك سلعتين. وقال البائع: بل الذي قبضت مني فقط، واتفقا في الثمن، فالبائع مصدق إذا تفرقا، ويحلف ولا يتفاسخا في هذا، فاتت أو لم تفت. ولو قال البائع: بعتك هذه السلعة، واستثنيت لفلان ثلثها. وقال المبتاع: بل ابتعت منك كلها. وقد تفرقا، فالبائع مصدق في عدد السلعة، مع يمينه إذا تفرقا، وأشبه ما قال، وإن لم يشبه، أو كان لم يتفرقا تحالفا وتفاسخا، إن كانت السلعة قائمة، وإن كانت قد فاتت، وكان البائع قد قبض الثمن، فالقول قوله، مع يمينه على كل حال، وإن كان البائع لم يقبض الثمن، وجاء بما لا يشبه، وفاتت السلعة، فحلف البائع ما باعه إلا السلعة الواحدة بالثمن الذي سمى، وحلف المبتاع، لقد ابتاع منه السلعتين بذلك الثمن، ودفع إليه من الثمن ما ينوب هذه السلعة التي قبض، وكانت في يده، وورثتهما بمنزلتهما. وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك، وكله تفسير قول مالك. [6/ 427]
باب فيمن تسلف درهما رديئا ومن اقتضى من رجلين دراهم فأخلطها ووجد رديئا
باب فيمن تسلف درهمًا رديئًا ومن اقتضى من رجلين دراهم فأخلطها ثم وجد رديئًا من العتبية قال سحنون: ومن تسلف من رجل درهمًا صفرًا، فأعطاه نضًا في طريق، ثم علم أنه صفر، فإن علم وزن ما فيه من الفضة، ووزن ما فيه من الصفر، فليرد وزن ذلك، ولا يرد مثله فيغش به الناس، وإن لم يعلم وزن ما فيه من ذلك، فعليه قيمة الصفر ورقًا، وقيمة الفضة ذهبًا، وإن قل جزء من الدنانير قيراطًا، أو نصف قيراط، ويقال لهم صرف الدينار، فيأخذ ما يقع لذلك. وقال مالك فيمن تسلف من رجل دراهم، ومن آخر دراهم، فأخلطها، ثم وجد فيها زيفًا أو نقصًا، ولا يدري لمن هو، قال: فلا يرد عليهما، إلا طيبًا، ويحلفان أنهما ما أعطياه إلا جيادًا. ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن سحنون في من باع سلعة من رجل بعشرين دينارًا وباع من آخر سلعة وعشرة دنانير فقبض منهما الثمن، فأخلطه ثم أصاب فيها عشرين رديئة، فكل واحد منهما يدعي أنه أعطاه جيادًا، قال: إن أخلطها بأمرهما، فعلى صاحب العشرين بدل عشرة؛ لأنه قد تبين فيها كذبه، ويبدلا العشرة الباقية، على صاحب العشرين ثلثاها، وعلى الآخر ثلثها، وإن أخلطها تعديًا منه، ضمن القابض عشرة، وكانت العشرة الأخرى على صاحب العشرين. [6/ 428]
ومن كتاب آخر قال سحنون فيمن باع سلعة بثلاثين دينارًا من ثلاثة رجال، وقبض منهم الثمن، فأخلطه، فوجد أحدًا وعشرين رديئة، قال: رجع عليهم البائع بثلاثة دنانير، من كل واحد دينار، ويحلفوا في الباقي، فمن حلف برئ، ومن نكل أبدل له تسعة، وإن حلفوا كلهم لزمت البائع، إلا الثلاثة دنانير التي أبدلوا له. ولو أن لرجل على رجلين ثلاثين دينارًا من بيع أو قرض، على هذا عشرة، وعلى الآخر عشرون، فقبضها منهما، فأخلطها، ثم وجد أحدًا وعشرين رديئة، وتسعة جيادًا، فادعياها جميعًا الدافعان، فليحلف كل واحد منهما أنهما من عنده، فإن حلفا رفع القابض على صاحب العشرة ببدل دينار، وعلى صاحب العشرين ببدل أحد عشر. ولو باع سلعة بثلاثة دنانير من ثلاث رجال، وأخذ من كل واحد دينارًا، وخلطها، ثم وجد دينارين رديئين، فليحلف كل واحد منهما أن الباقي ديناره ويبرآ، ويلزم البائع، ولو باع منهم ثلاث سلع، سلعة من كل واحد بدرهمين، وقبض الدراهم وأخلطها، فظهر منها قبل اختراقهم أربعة رديئة، وادعى كل واحد أن الدرهمين الجيدين له، وهو لا يعرف لمن هي، فليس له عليهم رجوع، يريد: ويحلفوا، قال: ولو وجد خمسة رديئة، رجع على كل واحد بدرهم؛ لأن كل واحد يقول: الجيد لي، وتكون مصيبة درهمين منه. [6/ 429]
باب اختلافهما بعد الصفقة فيما لم يذكراه من مسيل ماء وكنس مرحاض وعين
باب اختلافهما بعد الصفقة فيما لم يذكراه من مسيل ماء وكنس مرحاض وعين وشجر لم يذكراها وذكر الأرض وفي ثوب بيع على القطع ولم يذكرا أي نصف يأخذ من العتبية قال أصبغ: ومن باع أسفل عرصة له، وكان على أسفلها مصب مائها، ولم يذكرا في البيع مجرى الماء، فبنى المبتاع، وأجرى الماء من كوة، ثم سدها بعد أشهر، أو عام أو عامين، وقال: لا تلزمني، ولم تشترط علي، قال: فله إصراف ذلك إن لم يسلم ذلك، إلا أن يكون أمرًا ظاهرًا، يعرف المبتاع أن لا مصرف للماء عنها بكل حال، فهذا على الشرط، ولا حجة له، وإلا لم يلزمه، فإذا كان على غير ذلك، فأقره سنة أو سنتين، لم يلزمه بذلك تسليم، ويحلف: ما كان ذلك فله تسليمًا، ولا على أنه حق للبائع قد رضي به، ثم يصرف عنه، إلا أن يطول زمانه جدًا لمثل حيازة الأشياء، وهو مسلم غير طالب إلا ساكت على التسليم، فلا قيام بعد ذلك. وروى عيسى، عن ابن القاسم في من باع داره، واستثنى منها بيتًا يسكنه واستثنى على المبتاع الاختلاف إلى الكنيف والاستقاء من البئر، فاحتاجا إلى الكنس، فعليه من الكنس بقدر ما استثنى، إن ثلثًا فثلث، وإن ربعًا فربع، ولا يلتفت إلى كثرة العدد أو قلتهم. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من باع نصف شقة - يريد على القطع - من رجل، ولم يسم هو ولا المبتاع النصف الأول والآخر حتى قطعها، فطلب المبتاع أخذ أوله، وأبى البائع، قال: يحلف البائع ما باع إلا على الآخر، ويفسخ البيع، ويرد الثوب مقطوعة، إلا أن تكون لهم سنة إذا قطعوا إنما يبيعوا الأول، فيحملوا عليها. [6/ 430]
وروى أشهب، عن مالك فيمن اشترى أربعة أعذق بعينها من حائط رجل، ولم يذكرا طريقًا إليها ولا شربها، فللمبتاع على البائع شربها، والطريق إليها، وإن لم يشترطه. وفي المدونة من اشترى نخلاً ولم يذكر أرضها أو ذكر الأرض ولم يذكر النخل، فالنخل وأرضها داخلة في البيع، وكذلك من ابتاع أرضًا وفيها بئر أو عين لم يسمها، فهي داخلة في البيع، وكذلك في الوصايا والعطايا والرهن. قال ابن حبيب عن أبي معاوية المدني، عن يزيد بن عياض، أن مروان ابتاع من إبراهيم بن نعيم بن عبد الله نخلاً كانت في موضع دار مروان، أو في بعضها، فقال إبراهيم: بعتها دون البقعة، وقال مروان: ابتعت النخل والبقعة، فجعلا بينهما ابن عمر فقضى على إبراهيم باليمين، أنه إنما باع من النخل دون البقعة، فنكل، فسلم البيع لمروان مع يمينه. قال ابن حبيب: معنى ذلك أن يقول: بنيت ذلك شرطًا، ويقول المبتاع كذلك، فيقضى بهذا، ولا يتفاسخان في هذا، فأما إذا أقر أن البائع قال: أبيعك النخل أو الشجر، وسكت عن الأرض، فالأرض مع الشجر، أو قال: أبيعك هذه الحديقة، أو هذه الجنان، أو هذا الحيز، فالأرض والشجر قد دخلا في البيع، وكذلك لو قال: أبيعك أرضي هذه، أو الأرض التي لي بموضع كذا، فإن ما فيها من الشجر تبع لها في البيع، كانت الشجر قليلة أو كثيرة، في الوجهين، كل واحد تبع لصاحبتها حتى يتصادق أحدهما أو يختلفا، فيكون الأمر على ما وصفا، وذلك إذا انتقد البائع الثمن. وكذلك قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم. قال أصبغ: وقاله ابن القاسم. [6/ 431]
في تداعيهما في زوال السنة لقطع العهدة أو الشفعة
في تداعيهما في زوال السنة لقطع العهدة أو الشفعة ودعوى أحدهما في عهدة البيع حلالاً والآخر حرامًا من الواضحة: وإذا أصاب العبد أو الأمة جنون أو جذام أو برص، فقال المبتاع: أصابه ذلك في السنة، وقال البائع: بل بعد انقضائها، فقال لي بعض العلماء: القول قول المبتاع مع يمينه؛ لأن مدة السنة في العهدة حق له، فمن ادعى زوالها فهو مدع عليه البينة، ومن قال: قد كان كذا، فهو مدع، وهو كقول البائع: قد انقضت السنة، والقائل: لم يكن هو مدعى عليه، وهو كقول المبتاع، لم تنقض. ومنهم من قال لي: القول قول البائع مع يمينه؛ لأن المبتاع مدع ما يوجب الرد، فهو مدع، وهو يقول: قد أصابه هذا في السنة، فهو مدع، والبائع يقول: لم يصبه ذلك فيها، فهو مدعى عليه، وكلا القولين محتمل، وهذا أقوى عندي إن القول قول البائع أبدًا. وأما الشفعة يدعي المبتاع أن الزمان الذي تنقطع في مثله الشفعة قد مضى، والشفيع يدفع ذلك، فالقول أبدًا قول الشفيع، حتى تقوم بينة؛ لأنها وجبت له بالعذر، فمن ادعى ما يوجب قطعها فهو مدع. ومن قول مالك في المتبايعين يدعي أحدهما الحلال والآخر الحرام، أن القول قول مدعي الحلال. قال ابن حبيب: وتحمل عليه اليمين، وإن كان منهما استحلال ما ادعى صاحبه أنهم أشهرا ذلك وأظهرا الحلال، فإن كان مثله متهمًا بمثل ذلك، لزمه اليمين؛ لأن مثل هذا قد كثر عمله من الناس، فإذا كان منهما ينكل عن اليمين، حلف صاحبه، ثم فسخ ذلك، وإن كان مثله لا يتهم، لم يحلف مع البينة التي شهدت على معاملتهما الجائزة، وإن لم تقم بذلك بينة، فليحلف على كل حال. [6/ 432]
في اختلاف الوليين فيما باعا أو أنكحا، وفيمن باع شيئا من رجل ثم باعه من آخر
في اختلاف الوليين فيما باعا أو أنكحا وفيمن باع شيئًا من رجل ثم باعه من آخر أو زوج رجلاً ثم زوج آخر من الواضحة: ومن قول مالك في الذين لكل واحد منهما أن يبيع مثل الشريكين المتفاوضين، أو من وكله رجل على بيع سلعته، ثم يبدو لربها فيبيع، فإن باع هذا وهذا، ولم تقبض السلعة، فالمبتاع الأول أحق، إلا أن يقبضها الثاني قبله، فهو أحق؛ لأنه لما لم يكن واحد منهما متعديًا، ولم يعلم به كان من صاحبه، كان أقواهما سببًا أولاهما. وقاله ربيعة وقاله مالك وأصحابه في البيع والنكاح. وإن لم يقبضا السلعة، وادعى كل واحد منهما أنه الأول تحالفا، فمن نكل، فهي لمن حلف، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا من الأول، فهي بينهما، ثم يخير كل واحد في التمسك بنصفها بنصف الثمن أو يردها ويأخذ جميع الثمن، إلا أن يقر أحد المتبايعين عند استواء حال المشترين، وتجاهل ذلك البائع الآخر، فالقول قول المقر أنه باع أولاً، وإن قال صاحبه أيضًا: بل أنا بعت أولاً، حلفا، فمن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا جميعًا، رجع الأمر إلى ما قلنا في تجاهل المشترين. قال: وأما في المرأة إذا لم تعرف العقد الأول فيها، فلا يجوز لها أن تقر لأحدهما أنه الأول. وكان أشهب يجعل القول قولها، ويجعل إقرارها كإقرار أحد البائعين. قال أصبغ: ولا أرى أن تصدق في هذا، لحرمة النكاح، وخوف الاشتباه، فأرى أن يفسخا بالحكم، وتأتنف نكاح من شاءت. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي. [6/ 433]
والبكر التي لا تؤامر في نفسها، ولكن أبوها يزوجها، فوكل الأب من يزوجها، فزوجها كل واحد، فلا يقبل قولها في الأول، وكذلك التي تؤامر في نفسها، مثل أخت الرجل، وابنته الثيب، فيوكل وليها وكيلاً على تزويجها بمؤامرتها. ثم يشهد عليها وليها عند سفره أنها أذنت له أن يزوجها رجلاً ذكره لها فيغيب، فيزوجها لزوجها الوكيل بمؤامرتها، فهذه لا تعلم أيضًا الأول، ولكن التي يزوجها وليها من رجلين بأمرها، واحدًا بعد واحد، تعديًا منه ومنها، فهذه التي الأول أحق بها، وإن بنى الآخر بها إذا عرف الأول، فإن لم يعرف، فهي لمن بنى بها، فإن لم يبن بها واحد منهما، ولم يعرف الأول، ولكل واحد بينة على نكاحه، فليفسخ نكاحهما، إلا أن تقر هذه بالأول، فيقبل قولها، وكذلك يقبل قول الأب في البكر خاصة، إن فلانًا الأول، ولا يجوز في مثل هذا قول غير الأب من الأولياء في بكر ولا ثيب، ولا يتحالف الزوجان في هذا كله، بخلاف البيع. ومن باع سلعة من رجل، ثم باعها من غيره، فهي للأول إن عرف، وإن قبضها الآخر، فإن جهل الأول، فهي للذي قبضها، فإن لم يقبض ولا عرف الأول بالبينة، فهي لمن أمر له البائع أنه الأول، وإن قبضها أحدهما ولم يعرف الأول بالبينة، فأقر البائع أن الأول الذي لم يقبضها، لم يصدق، ولكن إن كان في الثمن الذي أخذها به القابض، فضل، فذلك الفضل للذي أقر له أنه أول، وإن كانت قيمتها أكثر، غرم له الأكثر. وقال مالك في من باع من رجل كيلاً من طعام له بمصر، فذهب ليأتي بظرفه، فباعه من آخر كيلاً مثله، فلم يكن ذلك في الطعام، فإن باع من الثاني، وهو يرى أن ذلك فيه كله تحاصا فيه، وإن كان إنما باعه، لينقض بيع الأول، فالأول مبدأ. ثم سئل عن مثل ذلك، فقال: الأول أولى إن كان يعرف، وإلا تحاصا، وبهذا يأخذ أصحابه المدنيون والمصريون، وبه أقول. [6/ 434]
في اختلاف الآمر والمأمور أو المأمور والمشتري
في اختلاف الآمر والمأمور أو المأمور والمشتري من كتاب محمد، قال مالك: ومن أمره يبيع عبدًا ولم يسم له الثمن، فقال: بعته بخمسين، وقال المبتاع بأربعين، فليتحالف المبتايعان، فإن نكل الوكيل، لم يحلف الآمر، وفسخ البيع. قال ابن القاسم: إذا نكل الوكيل، حلف المبتاع، وكان له بأربعين. قال محمد: ويضمن المأمور عشرة للآمر. قال ابن القاسم: وإذا وجد العبد بيد رجل ذكر أنه ابتاعه من الوكيل بثمن نقده إياه. وقال الوكيل: أبق مني إليه وما بعته، فليحلف الوكيل، فإن نكل حلف المشتري، وكان له العبد، وغرم الوكيل الثمن الذي قال المبتاع. مالك: وإن باع له سلعة بأربعين، وقال: بذاك أمرتني، وقال ربها: أمرتك بخمسين، فإن لم تفت السلعة حلف الآمر وارتجعها، فإن نكل فله الأربعين بغير يمين. قال أصبغ: إن حلف الآمر، فطلب المبتاع يمين الوكيل أنه لم يأمرك بخمسين، فبعتني بأربعين متعمدًا، فإن نكل لزمه تمام الخمسين، وتم البيع للمبتاع؛ لأن بيعه بدون ما أمر رضى، لتحمل النقصان. محمد: لا يحلف الرسول، إلا أن يدعى عليه، أنه تحمل ذلك له، وإذا فاتت، حلف المأمور، ولا يمين على المشتري، ولا غرم، فإن أقر الرسول بما قال الآمر، لزمه غرم ما قال، فإن أعدم، اتبع به دون المشتري، وكذلك إن باع إلى أجل، وقال: إنما أمرتك بالنقد في فوت السلعة وغير فوتها. وإن قال رب الثوب: بعته منك، وقال المأمور: بل أمرتني ببيعه، فالقول قول رب الثوب مع يمينه. وقال أصبغ: معناه: يحلف ما أمره ببيعه، ولباعه منه، وليأخذ ثوبه، فإن فات غرم له قيمته، ما لم يكن أكثر من الثمن الذي ادعاه. قال ابن القاسم: فإن حلف رب الثوب، وقد فات بيد المبتاع، فاختلفا في صفته، فليصفه المأمور ويحلف ويغرم قيمة تلك الصفة، فإن [6/ 435]
في البائع للثوب يقول قد دفعت إلى المبتاع غيره غلطا، أو يقول المبتاع دفع إلي غيره
قومت بأقل مما باعها به، قيل للمأمور: إن كنت محقًا أن أمرتك بالبيع، فادفع بقية ما بعته به، ولا يقضى عليه بذلك؛ لأن ربه يقول: بعته منك. وقاله أصبغ، وأعاب قولاً كان لابن القاسم غير هذا. وإن اشترى المأمور بمالك شعيرًا، وقال: بذلك أمرتني، وقلت أنت: لم آمرك إلا بقمح، فلابن القاسم قولان، قال: يصدق المأمور ويحلف. وقال: أو لا يصدق الآمر ويحلف. وقال هذا أشهب، وأصبغ. وقال مالك: ومن أمر رجلاً يشتري له غلامًا في ميراث، فاشتراه بثمن غال، فقال الآمر: إنما أمرتك بدون ذلك. فليحلف الآمر، ويلزم المأمور. وقاله ابن القاسم. محمد: لاشترائه إياه بالثمن الغالي، وهو متعد بذلك، وأحب إلينا إن كانت السلعة لم تقبض، أو قبضت ولم يطل أمرها، والدنانير تعرف أنها للآمر ببينة حضرت دفعها، أو يقر بذلك البائع، حلف الآمر وارتجع ماله، وإن لم تعرف بعينها، أو فاتت السلعة، حلف المأمور ولزمت الآمر. وهو قول مالك في بيع المأمور السلعة. في البائع للثوب يقول قد دفعت إلى المبتاع غير غلطًا أو يقول المبتاع دفع إلي غيره من العتبية: من سماع ابن القاسم: وعن البائع للثوب، فيدفعه إلى المبتاع، هو أو من أمره، ثم يدعي أنه غلط به، فإن كان هو دافعه، لم يصدق إلا بما يعرف به صدقه من رقم عليه بأكثر مما باع، أو ببينة، فيحلف مع ذلك، ويرده، وإن كان إنما أمر من دفعه فدفعه غيره، حلف واحدة. وروى عيسى، عن ابن القاسم في من ابتاع ثيابًا، فبعد أن خرج بها زعم أنه إنما أبدل عليه بعضها، فأمر البائع ببدل ثلاثة منها، وقال المبتاع: بل أكثر. [6/ 436]
فيمن اشترى سلعة لغيره بماله فأنكر الآمر أن يكون أمره
فليحلف البائع أنه ما أبدل إلا ثلاثة، ويأخذ المبيعة إن كانت قائمة، وإن فاتت، فحصتها من الثمن، إلا أن تكون وجه الصفقة فيرد البيع كله. ومن كتاب محمد: ومن قال لبزاز: أخرج لي ثوبًا مروبًا بدينار، فيعطيه ثوبًا، ثم يوجد الثوب من ثمن أربعة، فيقول: غلطت به، قال مالك: فهذا يحلف ويأخذ ثوبه. وهذه المسألة إذا غلط البائع فدفع أرفع مما باعه أو أدنى، مكتوبة في باب الصانع أو البائع يدفع غير الثوب غلطًا في كتاب تضمين الصانع. فيمن اشترى سلعة لغيره بماله فأنكر الآمر أن يكون أمره أو أقر وقال قد دفعت إليك المال فأنكر المأمور ومن العتبية: قال أصبغ في من اشترى سلعة بعينها بمال، وقال: لفلان اشتريتها بأمره وماله، وكتب ذلك في كتاب الشراء، وقال: أمرتني بشرائها بهذا المال بعينه، فأنكر فلان وطلب المال من البائع، فذلك كله سواء، ولا شيء له على البائع، وله أن يضمن ذلك المبتاع، ويتبعه به في عدمه، وليس يصدقه البائع فيما قال حتى يبيعه على ذلك بتصريح وتصديق بين وإقرار، أو ببينة تشهد على المال بعينه، وإلا فلا. قال أصبغ: قال ابن القاسم في من اشترى سلعة أو اكترى دابة، ثم قال: ابتعتها لزوجتي وحازت المرأة الدابة أو الدار، ثم طلب منها الثمن أو الكراء، فقالت: دفعته إليك، قال: إن كان نقد، فالقول قولها مع يمينها، وإن لم ينقد، حلف: ما قبض شيئًا، ورجع عليها. قال عيسى وسحنون: وإن أشهد من دفع الثمن أنه إنما ينقد من ماله، فلا يقبل قول المرأة أنها دفعت الثمن إليه. وهذا الباب مثله في الوكالات، وأبين من ذلك. [6/ 437]
باب فيمن ابتاعا من رجل طعاما فنقص حظ أحدهما
باب فيمن ابتاعا من رجل طعامًا فنقص حظ أحدهما من العتبية: روى أشهب، عن مالك في رجلين ابتاعا طعامًا، فحمله الحمالون إليهما، فنقص على أحدهما أربعة أرادب، فكال شريكه قمحه وقد خلطه بالقمح يعرف كيله، فوجد فيه زيادة إردبين، فردهما عليه، قال: فلشريكه أن يحلف ما دخل بيته إلا هذا، فإن نكل حلف هذا. وهو رجل سوء إن حلف، كيف يحلف على ما لا يعلم، ثم قال: لا يحلف إلا المدعى عليه، فإن نكل، غرم بغير رد يمين على الآخر، ثم قال في آخر كلامه: فإن نكل، أيحلفه الآخر؟ قال: نعم، فنظرت في أصل سماع أشهب، فلم أجد فيه قال: نعم. في مكتري الدار وله فيها نقض وأبواب فبيعت ولم يذكر ذلك ثم أراد أخذه من العتبية: روى سحنون، عن ابن القاسم في الدار تباع وفيها مكتر، له فيها نقض وأبواب في بيوت، وهو حاضر للبيع، فأراد أخذه، فقال له المبتاع: قد حضرت البيع، فلم يدع، وقد اشتريت، ووجب لي كل ما فيها، قال: فالنقض والأبواب للمكتري، ولا تنقطع حجته بحضوره؛ لأنه يقول: لم أظن أن ذلك يجب لك. [6/ 438]
في النجش ومن يعطي في السلعة ليغتر غيره
في النجش ومن يعطى في السلعة ليغتر غيره وفيمن يذكر أنه أعطي في سلعته كذا لعطاء قديم أو لما لم يصح وفيمن يسأل غيره أن لا يزيد عليه من الواضحة نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجش. قال ابن حبيب: وذلك أن يدس الرجل من يعطيه عطاء لا يريد الشراء، لكن ليغتر به، فإن فعل، فإن ذلك يفسخ، إلا أن يتماسك بها المبتاع، بذلك الثمن، وإن فاتت، ودى القيمة إن شاء، هذا إن دسه البائع، أو كان الناجش أخذ بسببه من ولده أو عبده أو شريكه وهو من ناحيته، وإن لم يكن دسه، ولا عن أمره، وإن كان أجنبيًا لم يعلم به البائع، وليس من ناحيته، فلا شيء على البائع، ولا يفسخ البيع، والإثم على من فعل ذلك. ومن العتبية في سماع ابن القاسم: قال مالك: والنجش أن يعطي عطاء في السلعة ليغتر به غيره، وليس من حاجته الشراء، وكذلك في كتاب ابن المواز. ومن العتبية: روى أشهب، عن مالك فيمن يريد بيع سلعته، فيقول: أعطيت كذا، وهو صادق، فلا باس بذلك إذا كان عطاء جد به السوم، فأما النجش فلا، أو يكون أعطي عطاء قديمًا، فكتم قدمه، والمبتاع يظن أنه حديث. وقد يحول، وأما بحداثة ما أعطي، فلا بأس به. وكذلك في كتاب ابن المواز نحوه عن مالك. [6/ 439]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من قال لرجل: ما أعطيت في سلعتك، فلك زيادة دينار، وقال: أعطاني فلان مائة، فزاده، وأخذها، ثم فلان: لم أعطه إلا تسعين. قال مالك: يلزمه البيع، ولو شاء لتثبت، إلا أن تكون بينة حضرت عطاء فلان دون ذلك، فيرد البيع إن شاء فلان، ولا شيء على البائع، وكذلك القائل في الجارية: أعطيت مائة، فيصدقه، ويزيده، فذلك يلزمه. قال مال في العتبية: ولا يمين عليهما. ومن كتاب محمد، قال: ولا بأس أن يقول المبتاع لرجل حاضر: كف عني، لا تزيد علي في هذه السلعة، وأما الأمر العام، فلا، وكره أن يقول: كف عني، ولك نصفها، وتدخله الدلسة، ولا ينبغي أن يجتمع القوم للبيع، فيقولوا: لا تزيدوا علي كذا وكذا. ومن العتبية والواضحة: قال مالك في عبد بين ثلاثة نفر، قال أحدهما للآخر: إذا تقاومناه فاخرج عنه بربح ليقتدي بك صاحبنا، والعبد بيني وبينك، ففعل، فاقتدى به الآخر، فخرج من العبد، وثبت هذا ببينة أو أقر به، قال: البيع مردود، ولا يجوز. قال ابن حبيب: ولم يأخذ بهذا أصبغ، ولم يره من النجش، وبه أقول؛ لأن صاحبه لم يرد أن يقتدي بزيادته، إنما أمسك عن الزيادة رأسًا ليرخصه على نفسه وعلى صاحبه، فلا بأس بذلك. [6/ 440]
باب في سوم الرجل على سوم أخيه وفي بيع المزايدة
باب في سوم الرجل على سوم أخيه وفي بيع المزايدة من الواضحة، قال: ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض))، يقول: لا يشتري، وتقول العرب: بعت بمعنى اشتريت، وشريت بمعنى بعت. قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: 20]، وقال سبحانه: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} [البقرة: 102]. قال لبيد: ويأتيك بالأنباء من لم تبع له ... بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد يقول: من لم تشتر له زادًا. وقال الحطيئة: وبعت لذبيان العلاء ممالكا يقول: اشتريت، وإنما النهي للمشتري دون البائع. ومن جهل فابتاع على بيهع أخيه بعد أن اتفقا، فليستغفر الله، ويعرضها على الأول بالثمن، زادت أو نقصت، فإن أنفق عليها شيئًا زادت به، فليعطه النفقة مع الثمن، وإن نقصت، فإن شاء أخذها، ولا شيء له، أو ترك. وهذا قول مالك ومن لقيت من أصحابه. [6/ 441]
ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم في السائم على سوم أخيه، والخاطب على خطبة أخيه: إنه لا يفسخ، وأرى أن يؤدب. وقال غيره: بل يفسخ ذلك. وفي كتاب النكاح من هذا، وذكر باقيه عن ابن وهب نحو ما ذكر ابن حبيب، وهناك زيادة من هذا المعنى. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: معنى ما نهي عنه من بيع الرجل على بيع أخيه، إنما ذلك إذا ركن، وجعل يشترط وزن الذهب، ويتبرأ من العيوب، ونحوه مما يعلم أن البائع أراد مبايعة السائم، ولو نهي أن يسوم الرجل في أول سوم الآخر، لكان ضررًا على الناس، وهذا مما لم يزل من عمل الناس عندنا. قال مالك: ولو أركن في البيع إلى يهودي، لم يصلح أن يزيد عليه. قال مالك: لا بأس ببيع المزايدة في الميراث وغيره، فإذا أوجبه لرجل، ثم يرد عليه، فليس ذلك له. قال مالك: إذا وقف على عطاء رجل، فطلب زيادة من غيره، فلم يجد، فرجع إليه فنكل، فذلك يلزمه. ومن الواضحة قال: وبيع المزايدة خارج مما نهي عنه من السوم على سوم أخيه، ومن زاد فلم يرد عليه، لزمه. واستحب مالك للسلطان فيما يبيع على مفلس أو ميت أن يتأنى فلانًا، عسى بزائد أن يزيد. واستحب في بيع العقار أن يأمره بالصياح عليه الشهرين والثلاثة، بصفته ونعته، وتسمية ما فيه، فإذا بلغ منتهاه على أحد أن يستأني ثلاثًا قبل الإيجاب، يكون الخيار فيه للسلطان لا للمبتاع، فإن زيد عليه قبله، وإلا ألزمه به، فإذا أوجبه له، ثم جاء زائد، فلا يقبله عليه، وإن ندم المبتاع، فقال: لم أعرفه، ولم أره، [6/ 442]
باب في تلقي السلع
ولم أسمع صفته، فلا حجة له، ويلزمه البيع، وهو بيع براءة، ما لم يعلم الإمام أو وكيله والبائعون من الورثة، وما علموه، فعليهم بيانه. ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم في القوم يحضرون بيع المزايدة، فيزيد أحدهم، فيتمادى في المزايدة، ثم يبدو للذي زاده، فليس ذلك له، وقد لزمه البيع، وإن زاد فيه رجلان، فاجتمع عطاؤهما على دينار، فيوجبه لهما، ويبدو لأحدهما أو لهما، فالبيع لهما لازم، وهما فيه شريكان. قال عيسى: لا يعجبني، وأراه للأول، وليس للصائح أن يقبل من المعطي مثل عطاء الذي قبله، وإنما يقبل الزيادة، فهو للأول حتى يزاد، إلا أن يكونا أعطيا جميعًا معًا. ومن العتبية من سماع أشهب، قال مالك في الرقيق ينادى عليها، ويقول الصائح: إني أعرضها ثلاثًا، فيعرضها يومين، ثم يحبسها أهلها يومًا ويومين، ثم يبيعونها، فينكل من كان أعطى، ويقول: قد جازت أيام الصياح، ولا يلزمنا ذلك. قال: أما يومًا ويومين وشبه ذلك، فيلزمهم. وأما بعد عشرين يومًا وشبه ذلك، فلا يلزمهم ذلك. باب في تلقي السلع من كتاب ابن المواز: قال مالك: لا تتلقى السلع لتشترى، وإن لم يرد التجارة حتى يهبط بها إلى سوقها، ولا في أفواه الطرق والسكك، ولا يبتاعها من مرت به وهو بباب داره في البلد الذي جلبت إليه، وأما إن مرت بمن في قرية بقرب البلد الذي يريد إليه، ومن على ستة أميال من المدينة، ومثل العقيق من المدينة، فله أن يشتري منها للأكل وللقنية أو ليلبس أو ليضحي ويهدي ونحوه، وأما للتجارة، فلا. [6/ 443]
قال ابن القاسم: وهذا في كل سلعة، طعام أو غيره، ونحوه في العتبية. ومن الواضحة: قال: ولا تتلقى السلع وإن كانت مع مسيرة يوم ويومين، وما بلغ منها الحضر، فلا يشترى منها ما مر على باب داره، لا لتجارة ولا لقوته، إن كان لها سوق قائم، وأما ما ليس له سوق قائم، فإذا دخل بيوت الحاضرة والأزقة، جاز شراؤها، وإن لم تبلغ السوق، ومن منزله في غير الحاضرة، قريبًا منها أو بعيدًا، فله أن يشتري مما قربه للقوت لا للتجارة، ولو كانت على الأيام من البلد الذي تحمل إليه. وهذا قول مالك وأصحابه. ومن كتاب ابن المواز: وسئل مالك عن خروج أهل مصر إلى الإصطبل مسيرة ميل ونحوه أيام الأضحى، يتلقون الغنم يشترونها، قال: هذا من التلقي، ويكره أن يشتريها من مرت به في نواحي الفسطاط، وكذلك غير الضحايا حتى ترد سوقها. قال مالك: ومن جاءه طعام أو بز أو غيره، فوصل إليه خبره وصفته عن مسيرة يوم أو يومين، فيخبر بذلك فيشتريه منه رجل، فلا خير فيه، وهو من التلقي. قال مالك في التجار يشترون الغنم من الريف، فيأتون به، فيصيرون على مثل ميل من الفسطاط، فتكون في المراعي، ويشتد عليهم إدخالها كلها، أو لكون ذلك أرفق بهم، فيبيعونها ثم، فيدخلها المشتري قليلاً قليلاً، قال: أخاف أن هذا من التلقي وأكرهه. قال في العتبية: واراه من التلقي. ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من قدم بقمح من الإسكندرية، فقال حين خرج: إن وجدت بيعًا في الطريق بعت، وإلا بلغت الفسطاط، قال: لا يبيع في الطريق، وليبلغ الفسطاط، إلا أن ينوي قرية فيها [6/ 444]
سوق، فلا بأس أن يبيعه فيها. قيل: فإذا أراد أن يخزنه في منية موسى، ثم بدا له أن يبيعه، قال: لا بأس بذلك. قال ابن القاسم: قال مالك في الأجنة التي تكون حول الفسطاط من نخيل وأعناب، يخرج إليها التجار، فيشترونها ويحملونها في السفن إلى الفسطاط ليبيعوها، فلا بأس بذلك. قال في سماع أشهب في الذين يشترون الثمار من الحوائط، ثم يدخلونها المدينة، فيبيعونها على أيديهم، فرآه من التلقي. وقال أشهب: لا بأس به، وليس من التلقي، والتلقي: أن تلقى الجلاب قبل أن يهبط إلى السوق، فتبتاع منه. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في قوم خرجوا إلى الغزو في تجارة، فيلقون تجارة ببعض الطريق، فلا أحب أن يشتروا منها للبيع، وإن جلبوا إلى البلد أو غيرها، ولا باس بشرائهم ما يأكلون، وكذلك القرى الذين يمرون بهم، فأما البيع بموضعهم بضرب أو جلب، فلا. وأما التجار يخرجون إلى الحوائط يشترون منها، ويردون الأسواق، فلا بأس، وما أرسي بالساحل من السفن من التجار، فلا بأس أن يشتري منهم الرجل الطعام وغيره فيبيعه بها، إلا أن تأتي الضرورة والفساد، فيكون من باب الحكرة، فلا يصلح. قال مالك: ولا تلقى السلع بالجبانة. قال مالك: ولا يطيب للمتلقي ربح ما تلقى. ولا أحب أن يشترى من لحم ما تلقى. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. [6/ 445]
قال محمد: واختلف قول مالك في شراء المتلقي، فقال عنه ابن القاسم: ينهى، فإن عاد أدب، ولا ينزع منه شيء. وروى عنه ابن وهب أنه ينزع منه، فيباع لأهل السوق، فما ربح فهو بينهم، والوضيعة على المتلقي. قال ابن القاسم: أرى أن يشرك فيها التجار وغيرهم ممن يطلب ذلك، ويكون كأحدهم. وقاله ابن عبد الحكم بالحصص بالثمن الأول. وقال أصبغ بقول مالك الأول: إن عاد أدب، ونفي من السوق، وإنما يشتركون فيما يحضرون فيه بالسوق، فيطلبون الشرك، فيكون كأحدهم. قال محمد: الصواب في المتلقي أن يرد شراؤه، وترد على بائعها إن وجد، فإن فات أو من يقوم ببيعها عن صاحبها. وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود. قال في الواضحة: ويفسخ شراء المتلقي، وترد السلعة، فإن فات بائعها، فإن كان المتلقي ليس بمعتاد، ترك له، وزجر، وإن كان معتادًا، فإن كان لها سوق، وقوم راتبون فيه لبيعها، فلهم أخذها بالثمن أو يدعوها، وإن لم يكن لها أهل راتبون، عرضت في السوق بثمنها لعامة الناس، فإن ام يوجد من يأخذها بذلك تركت لربها، ويؤدب المعتاد بما يراه الإمام من سجن أو ضرب أو إخراج من السوق. وهذا في العروض. فأما في الطعام كله، فليوقف لكل الناس بالثمن، وإن كان له أهل راتبون. قالوا: وإذا بلغت السعة موقفها، ثم انقلب بها ولم يبع، أو باع بعضها، فلا بأس أن يشتريها من مرت ببابه، أو من أراد بيعها. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم نحو ما ذكر ابن حبيب إن كان لها أهل راتبون، فإن لم يكن لها أهل راتبون يبيعونها في حوانيتهم من الناس، وإنما جل شأنها أن جالبها يبيعها من الناس كافة، فلتوقف للناس كافة بالثمن، فإن لم يأخذها أحد إلا بأنقص منه، تركت له. قال: وإن فاتت بيده وكان معتادًا أدب، وإن لم يكن [6/ 446]
في بيع الحاضر للبادي
معتادًا، زجر وأمر ألا يعود. قيل: هل يتصدق بالربح؟ قال: ليس بحرام، ولو فعل ذلك احتياطًا، لم أر به بأسًا. ومن العتبية: قال سحنون، عن ابن القاسم في المتلقي، قال: يعرض على أهل السوق، فإن لم يوجد بالثمن، ردت إليه، لا إلى ربها، ويؤدب إن لم يعذر بجهل. قال: وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع في هذا، وفي بيع حاضر لباد، وفي السوم على سوم أخيه، وترد إلى ربها. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في بيع الحاضر لباد: يفسخ، كان البادي حاضرًا أو غائبًا، وذلك في المتلقي مثل ما روى عنه سحنون. وفي العتبية من سماع ابن القاسم في أهل السوق يبيعون على أيديهم، يشترون من أهل السوق الطعام مثل أهل الحوانيت ممن يبيع بالأفلس، يشترون من أهل السواحل، فلا بأس به. قال: والذي يتلقى السلع، فيقدم بها المدينة ليبيعها، قال: لا ينبغي ذلك، باع أو أمسك، ولمثل هذا كره المتلقي أن يخرج من المدينة عارف بالسعر، فيشتري على معرفة. في بيع الحاضر للبادي من كتاب ابن المواز: قال مالك في النهي عن بيع الحاضر للبادي: هم الأعراب أهل العمود، لا يباع لهم، ولا يشار عليهم. قال محمد: فيما يأتون به للبيع. وكذلك قال في الواضحة، وقال: ولم يرد بذلك أهل القرى الذين يعرفون الأثمان والأسواق. ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإن كانوا أيام الربيع في القرى، ومن بعد ذلك في الصحراء على الميلين من القرية، وهم عالمون بالسعر، قال: لا يباع لهم. [6/ 447]
قال مالك: ولا يبيع مدني لمصري، ولا مصري لمدني. قال أصبغ: ويفسخ إن ترك. وقال مالك قبل ذلك: إنما يكره ذلك لمن كان من أهل القرى يشبهون أهل البادية، فأما أهل القرى من أهل الريف، ممن يرى أنه يعرف السوم، فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفًا. وذكره كله في العتبية، ولكنه قال: فأما أهل المدائن يبيع بعضهم لبعض فأرجو أن يكون خفيفًا. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وهذا أحب إلينا. قال مالك: وأهل القرى ممن يشبهون أهل البادية، فلا يباع لهم، ولا يشار عليهم، ولا بأس أن يشترى لهم. قال مالك في العتبية: إذا قدم البدوي، فأكره أن يخبره الحضري بالسعر، ولا بأس أن يشتري له، بخلاف البيع له. قال ابن القاسم: وإن باع حضري لباد، فسخ البيع، حضر البادي أو بعث إليه بالسلعة. ولم ير ابن عبد الحكم فسخه. وقول ابن القاسم هو الصواب. وذكر ابن حبيب عن مالك أنه يفسخ. قال ابن حبيب: وكذلك الشراء؛ لأنه يدخل فيه مثل ما له نهي عن البيع. وروى ابن القاسم عن مالك أنه أجازه ولم يره مثل البيع. قال: ولا يبعث البدوي إلى الحضري بمتاع يبيعه له، ولا يشتري له وهو غائب، ولا يشير عليه في البيع إن قدم، وقاله مالك في المشورة. ومن العتبية: أصبغ عن ابن القاسم في أهل أبي منا وأهل أبي صير، هل ينهى عن البيع لهم، كما ينهى عن بيع حاضر لباد؟ قال: لا، إنما يراد بهذا أهل القرى، ومن ذكرت أهل مدائن وكور من كور مصر. [6/ 448]
باب في التسعير في الطعام وغيره، وما يحمل الناس على المساواة بين السكك
قال ابن القاسم: إن باع حاضر لباد، فسخ البيع، ويؤدب المعتاد وبزجر. وروى سحنون، قال: لا يفسخ، ويؤدب فاعله. قال: وقال غيره: يفسخ. وروى زونان، عن ابن وهب، قال: يزجر، لا يؤدب وإن كان عالمًا بمكروهه. وقال أشهب، وابن وهب، في الحضري يأتي البادي في باديته، فلا ينبغي أن يخبره بالسعر، ولا يشير عليه. وقال أشهب في البدوي يأتي إلى الحضر بسلعته، فيعرضها على الحضري، فلا يبيعها له. قال ابن القاسم: ولا يشير عليه إن قدم، وله أن يشير له، أو يشير عليه في الشراء ويجهز عليه. وكذلك روى عنه أصبغ: لا بأس أن يشتري لرسوله. باب في التسعير في الطعام وغيره وما يحمل الناس على المساواة بين السكك وجواز النقد الرديء وقطع الدنانير والدراهم من العتبية: من سماع ابن القاسم، قال مالك في السوق إذا أفسده أهله، وحطوا سعره، أيسعر عليهم؟ فكره التسعير وأنكره. أشهب عن مالك قال: وصاحب السوق يقول للجزارين: اشتروا على ثلث رطل بسعره من الضأن، وعلى نصف رطل من الإبل، وإلا فاخرجوا من السوق. قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى في شرائهم، فلا بأس به، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق. قيل: إن صاحب الجار أراد أن يسعر على السفن، قال: بئس ما صنع. قال أصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك: لا يقدم على أهل الحوانيت ولا غيرهم شيئًا مما في السوق من طعام وإدام وزيت وزبد وبقل وغيره. [6/ 449]
قال: ولو باع الناس ثلاثة أرطال بدرهم، فباع واحد منهم أربعة بدرهم، قال: لا يقام الناس لواحد، ولا اثنين، ولا أربعة، ولا خمسة، وإنما يقال الواحد والاثنان إذا كان جل الناس على سعر، فحط هذان منه. ومن كتاب ابن المواز: لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون بيع الناس. محمد: يريد صنف سلعته في جودتها فيما قد جرى سعره، وليس عليه أن يبيع الجيد مثل الرديء. وكذلك في العتبية مثله. ومثل هذا التفسير لسحنون. ومن كتاب محمد والعتبية، ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: ولا يسعر على الناس في السوق، ومن حط من السعر، منع وأخرج من السوق، ومن زاد في السعر، لم يؤمر غيره أن يلحق به. قال في العتبية: ومن طعامه ليس بجيد من أهل السوق، فنزل السعر، فلا يقال لغيره: إما بعت مثله، وإلا فاخرج، وإنما يقال ذلك إن حط من سعر الناس، وأراد الفساد. ومن كتاب محمد، قال مالك: وإذا حط أهل السوق كلهم إلا واحدًا، فلا يمنع، وإذا حط السعر واحد، فهذا يقال له: الحق بهم، وإلا فاخرج. وكره مالك التسعير وأعابه. ومن الواضحة: ونهى ابن عمر، والقاسم، وسالم، عن التسعير. وأرخص فيه ابن المسيب. وقال ربيعة، ويحيى بن سعيد: إذا كان الإمام عدلاً، وكان ذلك صلاحًا ونظرًا للمسلمين يقوم بقيمة يقوم عليها أمر التاجر، ولا ينفر منها الجالب. قال ابن حبيب: وليس ما أجازوه من ذلك في القمح والشعير وشبهه؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لأن الجالب يبيعه، ولا يترك التجار يشترونه ليبيعوه [6/ 450]
على أيديهم، وأما مثل الزيت، والسمن، والعسل، واللحم، والبقل، والفواكه، وشبهه، ذلك مما يشتريه أهل السوق للبيع على أيديهم، ما عدا البز والقطن وشبهه، فينبغي للعدل إن أراد أن يسعر شيئًا من ذلك أن يجمع وجوه أهل السوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارًا على صدقهم، فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون؟ فإن رأى شططًا نازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سدادًا حتى يرضوا به، ثم يتعاهدهم، فمن حط من ذلك قيل له: إما بعت بسعر الناس، وإما دفعت، ويؤدب المعتاد، ويخرجه من السوق، ومن باع أرخص من ذلك، لم يمنعه إن فعله واحد أو اثنان، فأما إن كثروا، فليحمل من بقي على ذلك، أو يخرجوا. قال: ولا يجبرون على التسعير، ولكن على ما ذكرنا. وعلى هذا أجازه من أجازه، ولا يكون التسعير إلا عن رضًا، ومن أكره الناس عليه فقد أخطأ، ويكشف الإمام كل حين عن شرائهم من التجار، فإن حط السعر عن الأول عاودهم في التسعير، وراوضهم إلى ما فيه سدد، ولا يسعر على جلاب شيء ما لم يزد بأرفع من السعر الذي رضي به أهل الحوانيت، فليس لهم الزيادة عليه، فإما باعوا به، وإلا رفعوا. وأما جلاب القمح والشعير وشبهه من الأقوات، فلا تسعير فيه، لا بتراض ولا غيره، ولهم بيعه على أيديهم في السوق. والبزاز كيف شاءوا، فإن رخص بعضهم في السعر، تركوا إن قلوا، وإن كثر المرخصون، قيل لمن بقي: إما أن تبيع مثل أولئك، وإلا فارفعوا، إلا من أغلى لجودة بينة، ولا يفعل مثل هذا بمن أغلى في العروض وما لا يكال ولا يوزن، وإن اتفق في الجنس والصفة، ويفعل ذلك فيما يكال ويوزن، كان يؤكل ويشرب، أو لا يؤكل ولا يشرب. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا ينبغي للإمام أن يكره أحدًا على أن يأخذ من النقد ما لا يريد، ولا ينبغي أن ينادي أن تجوز الدراهم كلها، [6/ 451]
باب في احتكار الطعام وغيره وهل يخرج من أيدي أهله في الغلاء؟
وكذلك دنانير مختلفة النفاق في الصرف، ولا يكره الناس على أخذ المنحط في الصرف، وإن كان جيد الذهب، وليبع كل أحد بما شاء، وكذلك الدنانير القائمة والناقصة، والدراهم كذلك، يترك كل واحد وما اختار وفي ذلك رفق. وكره مالك أن يأتي بدرهم فيه نقصان، فيقول: أعطني بما فيه. وهذا مجهول، ويمنع الناس من قطع الدنانير والدراهم، وجاء أن ذلك من الفساد، وقيل: إن ذلك معنى قول الله سبحانه: {أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} [هود: 37]. وكره مالك قطع الدنانير المقطعة. وسئل مالك عن جواز الدراهم الرديئة، فقال: أما كل بلد مثل مكة يجوز بها كل شيء، فلا بأس، وأما غيرها، فلا أحب ذلك حتى يبين. باب في احتكار الطعام وغيره وهل يخرج من أيدي أهله في الغلاء؟ من كتاب ابن المواز: قال مالك: وينهى عن الاحتكار عند قلة تلك السلعة، وعند الخوف عليها. قال مالك: وذلك في الطعام وغيره من السلع، فإذا كان الشيء كثيرًا موجودًا، أجاز شراءه للاحتكار، أو ليخرج به من البلد. قال: وإذا خيف انحطاط سوقه، منع أن يحتكر، أو يخرج من البلد، وإن أمن من ذلك، لم يمنع مما ذكرنا. قال مالك: ومما يعيبه من مضى، ويرونه ظلمًا، منع التجر إذا لم يكن مضرًا بالناس، ولا بأسواقهم. [6/ 452]
ومن العتبية: من سماع ابن القاسم، قيل لمالك: أفيحتكر الرجل ما عدا القمح والشعير؟ قال: لا بأس بذلك. ومن كتاب محمد والعتبية: قال مالك في الطحانين يشترون الطعام من السوق، فيغلوا سعر الناس، قال: فإنه يمنع مما أضر بالناس في ذلك. وكره ابن حبيب عن مالك مثله، وقال: قلت لمطرف وابن الماجشون مثل ما أخبراني بذلك عن مالك إن ذلك ربما رفق بالمساكين، فقالا: إنما ينظر إلى الذي رفقه أعم نفعًا، فيقر ويمنع ما هو أشد ضررًا فماذا ... ضرره أمكن من قدر ما يرفقه بالمساكين، ومنعوا مما يضر بالناس. وعمن يشتري من الساحل ويبيعونه بنواحي الفسطاط على أيديهم؟ قال: فلا بأس بذلك في الطعام والزيت وغيره، وكذلك في ساحل الجار ليبيعه بها. ومن الواضحة: كان ابن الماجشون ومطرف لا يريان احتكار الطعام في وقت من الأوقات إلا مضرًا بالناس، ويذكر أن مالكًا كرهه. قال ابن حبيب: فلا يرخص في ذلك إلا لجالب أو زارع. ولم ير مالك بأسًا على هذين أن يحتكرا. قال ابن حبيب: ولا يحتكر غيرهما، وليخرج من يده إلى أهل السوق، يشركون فيه بالثمن، فإن لم يعلم كم ثمنه فسعره يوم احتكره وقد فعل مثله عمر. وكذلك ينبغي في القطنية والحبوب التي هي كالقوت والعلوفة، وكذلك الزيت، والعسل، والسمن، والزبيب، والتين، وشبهه، أضر ذلك بالناس يوم احتكره أو لم يضر. وأما العروض، فيراعى فيها احتكارها في وقت يضر بالناس ذلك، فيمنع منه، ويكون سبيله مثل ما ذكرنا في الطعام، ولا يمنع من احتكارها في وقت لا يضر. [6/ 453]
ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإذا كان الغلاء الشديد، وعند الناس طعام مخزون أيباع عليهم؟ قال: ما سمعت، وإن من يشتريه على هذا يمنع، ولا يعرض للجالب، فمن عنده طعام من جلبه أو زرعه، أو ثمر من جنانه، فليبع متى شاء، ويتربص إذا شاء بالمدينة وغيرها. قال مالك: وإذا كان بالبلد طعام مخزون، واحتيج إليه للغلاء، فلا بأس أن يأمر الإمام بإخراجه إلى السوق فيباع. قال مالك: وإذا احتاج أهل الريف إلى شراء الطعام من مصر، لم يمنعوا من الشراء لطعامهم من الفسطاط إن كان بها كثيرًا، وإن كان يضر ذلك بأهل الفسطاط لقلته، فليمنعوا، وإذا كان بها كثيرًا، وعند أهل الريف ما يغنيهم، فليمنعوا. وسئل مالك عن التربص بالطعام وغيره رجاء الغلاء. قال: ما علمت فيه بنهب، ولا أعلم به بأسًا، يحبس إن شاء، ويبيعه إذا شاء، أو يخرجه إلى بلد آخر. قيل لمالك فيمن يبتاع الطعام، فيحب غلاءه، قال: ما من أحد يبتاع طعامًا أو غيره إلا ويحب غلاءه، ولكن لا أدري ما يغلو، ولا أحب ذلك. ومن الواضحة، قال: وينبغي للإمام أن يديم دخول السوق والتردد إليه، ويمنع من يكثر الشراء منه، ولا يدع من يشتري إلا القوت، ويخرج منه من يشتري فضول الطعام، ويقر فيه الجلاب ويمنع الجلابين بيه الطعام في غير سوقه. وإن أراد غير الجلاب بيع الطعام في دورهم بسعر سوق الطعام، فليمنعه، وينبغي في الطعام أن يخرج به إلى البزاز، كما جاء في الحديث. [6/ 454]
في صفة الكيل وأجر الكيل وذكر المكاييل والموازين وفيمن يفجر في ذلك
في صفة الكيل وأجر الكيل وذكر المكاييل والموازين وفيمن يفجر في ذلك وذكر ما يباع وزنًا وكيلاً من كتاب محمد والعتبية: من سماع ابن القاسم، قال مالك: إذا ملأ رأس المكيال، فهو الوفاء من غير رزم ولا تحريك ولا زلزلة. قال في كتاب محمد: ولكن يصب حتى يملأه، فإذا امتلأ، أرسل يده، ولم يمسك، وكذلك الوزن: أن يعتدل لسان الميزان، وإن سأله المشتري أن يميله له، لم أره من باب المسألة. ومن العتبية: قال في سماع ابن القاسم: يمسك الكيال على رأسها، ثم يسرح يديه. قال في سماع أشهب: ولا يطفف، ولا يجلب، ولكن يصب حتى يجتبذه، فإذا اجتبذ به، أرسل يديه، ولم يمسك. قال عنه ابن القاسم: وأجر الكيال على البائع، وذلك أن المبتاع لو لم يجد كيالا، كان على البائع أن يكيل له. قال إخوة يوسف: {فأوف لنا الكيل} [يوسف: 87]، فكان يوسف هو الذي يكيل. قال مالك في كتاب محمد: أجر المكيال عندنا على المبتاع، والزيت عندنا على البائع. قال ابن القاسم وابن وهب: قال مالك: أجر الكيال على البائع، ويلزم البائع الوفاء، ولا يوكل ذلك إلى أجيره أو غيره. [6/ 455]
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: بلغني أن كيل فرعون إنما كان الطفاف مسحًا بالأيدي، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وأمر بتصبير الكيل، وقال: ((إن البركة في رأسه))، فينبغي أن يكون الكيل في البلد الواحد واحدًا، كيل القفيز، وكيل القسط، ووزن الأرطال، فيكون أمرًا عرفه الناس، واستحب أن يكون القفيز معروفًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه، وأن يتبايعوا فيما دون القفيز بالصاع والمد. وينبغي للإمام تفقد المكاييل والموازين في كل حين، وأمر مالك بذلك، وينبغي أن يضرب الناس على الوفاء، وكتب عمر بتعاهد المكيال والميزان. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك فيمن جعل من أهل السوق في مكياله زفتًا: أرى أن يخرج من السوق، فذلك أشد عليه من الضرب. قيل: فأهل الجار يقدمون بالقمح معلوثًا، فيؤمرون بغربلته قبل البيع. قال: ذلك الحق، وأرى أن يؤخذ الناس به. قال ابن المواز: كره مالك بيع الرطب عددًا بالدراهم، كفعل أهل الذمة. قال عنه ابن عبد الحكم، في المجلب يباع بالبصرة وزنًا، وبالمدينة كيلاً. قال: لا بأس بذلك. وروى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية في الوالي يعزل، ويلي آخر، فيزيد في المكيال، فإن كان في ذلك نظر للمسلمين يوافقه حتى لا يكره الناس على البيع، فلا بأس به. [6/ 456]
باب ما يستحب في الببع من المسامحة والسوم وإقالة النادم
باب ما يستحب في البيع من المسامحة والسوم وإقالة النادم وما يكره من المدح والذم وغبن المسترسل من الواضحة: وتستحب المسامحة في البيع والشراء، وليس هي ترك المكايسة فيه، إنما هي ترك المواربة والمضاجرة والكزازة، والرضا بالإحسان، ويسير الربح، وحسن الطلب بالثمن، وفي ذلك آثار ورغائب. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صاحب السلعة أحق أن يسوم بها من أن يسام)). وأنه قال: ((البركة في أول السوم، والبركة في المسامحة))، ورغب في إقالة النادم. وروي أنه عليه السلام، قال: غبن المسترسل ظلم. وسمعت أهل العلم يقولون: له الرد إذا غبن، ويرد القيمة في فوت السلعة، وغيره من الخديعة، ولا يكون الاسترسال في البيع، إنما هو في الشراء، وذلك في ترك المساومة، ويقول: بعني كما تبيع من الناس، فإن قصر به عن ذلك، فقد ظلمه، وكانوا يحبون المكايسة في الشراء وأن تحاصه. ولو أبى أحد المتبايعين من جهله بالبيع، فباع أو اشترى ما يسوى مائة درهم بدرهم، لزمهما. ويكره المدح والذم في التبايع، ولا يفسخ به البيع، ويأثم فاعله، لشبهه بالخديعة. ومن المكر والخديعة فيه الإلغاز في اليمين، وقد نهى عن ذلك عمر، والحلف فيه مكروه، وإن لم يلغز، وروي أن البركة ترتفع منه باليمين. والمواربة في البيع من الخديعة، وقد نهى ابن الزبير عن ذلك. [6/ 457]
باب جامع لمسائل مختلفة
باب جامع لمسائل مختلفة مسألة من باع عبد غيره ثم اشتراه من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من سام رجلاً بعبد لغيره، فقال: اشتره مني بستين دينارًا، فإني أعطيته فيه عطاء نرجو أن يمضيه لي، فيقول: نعم، قد أخذته. ثم يرجع البائع، فيبتاعه من ربه بخمسين نقدًا، أو يمضيه للآخر بستين نقدًا على السوم الأول. قال: أكرهه، وإن وقع أمضيته إذا كان البيعان بالنقد وانتقدا. قال ابن المواز: ومن ربح ما لم يضمن أن يبيع لرجل شيئًا بغير أمره، ثم تبتاعه منه بأقل من الثمن، وهو لا يعلم بفعلك، وكذلك بيعك لما ابتعت على خيارك قبل تختار، فربحه البائع. وهذا مذكور في باب بيع الطعام قبل قبضه. واختلف فيمن باع ثوب رجل بغير أمره ثم ورثه هل له نقض بيعه؟ مسألة في بيع المريض وليس في عقله والسكران والعبد الشديد المرض هل يباع؟ من العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في المريض يبيع، وليس في عقله، فأراد المبتاع نقض البيع، وأبى البائع رده. قال: فالبيع له لازم. وقد جرى من بيع السكران في ذكر نكاحه. ومن الواضحة: ومن الغرر بيع العبد أو غيره من سائر الحيوان مريضًا مرضًا يخاف منه الموت، ويفسخ، وهو من بائعه حتى يقبضه مبتاعه، فيكون منه إن فات بقيمته يوم قبضه. قاله ابن الماجشون. [6/ 458]
من يستوضع من الثمن، هل هو من المسألة؟
مسألة في شراء أنقاض أرض الصوافي وغيرها من العتبية: روى أشهب عن مالك، في من ابتاع جميع نقض دار، إلا أن البقعة قطيعة من أمير المؤمنين، على أن العهدة في النقض دون البقعة، قال: ليس بجائز ولا حسن. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتنى في أرض الصافية من أرض السلطان ويؤدي إليه الكراء، فيبيع الباني النقض قائمًا، وربما زاد عليهم السلطان في الكراء. فإذا باع النقض ولم يشترط كراء مسمى، ولا يقول: أحول اسمك مكان اسمي، فذلك جائز. قال محمد: وإنما هذا في أرض السلطان التي لا تنزع الأرض ممن بنى فيها وكذلك الغراس فيها. فأما لغيره، فلا يجوز للباني بيع النقض، ولا شيء منه على حال. من يستوضع من الثمن، هل هو من المسألة؟ من كتاب محمد: قال مالك: ومن اشترى سلعة، هو بها مغتبط، فاستوضع من ثمنها، فلا بأس بذلك، وما هو من المسألة، وهو يستعير منه ثوبه ودابته، ما لم يكن من الإلحاح والتضرع والتبكي، فأكرهه، أو يقول: إن لم تضع لي خاصمتك، فلا خير فيه، وسئل أيضًا عنه مالك، فقال: جائز، وغيره أحسن منه. قال أشهب: فإن باعها المشتري بربح، ثم استوضع بائعه، قال: غير ذلك أصوب. قال أصبغ: ولو بين أنه مغتبط، كان أحب إليّ، وإن لم يفعل، فهو خفيف ما لم يأخذه بأخف أن يضع له، أو يجد عيبًا فيما يعرض له من ذلك. [6/ 459]
باب الشراء من العبد
باب الشراء من العبد قال مالك في الشراء من العبد مثل الخفين وشبهه. فلا يفعل إلا من عبد يشتري ويبيع إلا بإذن أهله، ولا يصدقه أنهم أذنوا، وليرد عليه. وفي موضع آخر: إنه خفف الشراء من العبد الراعي، مثل اللبن والشاة، إذا كان لا يستخفى، ومثله يبيع لأهله. قال: وعمن قال لرجل اشتر سلعة كذا، فما ربحت فلك، وما خسرت فعلي على المعروف، فجائز، ما لم يكن المأمور ملزمًا بذلك لا يحرج منه. قال مالك: وإذا سأل المشتري البائع معروفه، وهو غريب، فليس ذلك عليه، إلا أن يشترطه عند البيع. وقال في من دعا عبدًا، فدخل معه في شراء ثمرة، على أن لا نقصان عليك، فخسر، قال: فلا خسارة على العبد، وله أمر مثله. وعن امرأة ورثت سدسًا من ابن ابنها، فباعته مشاعًا، فإن عرفت جميع التركة، فجائز. باب فيمن أحاط الدين به وفي المريض يحابي في البيع من الواضحة: ومن أحاط به الدين، فباع بيعًا، فذلك جائز، ما لم يفلس، إلا أن يحابي فيه محاباة بينة، تشبه الهبة، فللغرماء رد البيع، وإن قال المشتري: أنا أتم الثمن. وأبى الغرماء، فذلك لهم، وإنما للمشتري أن يأخذ من السلعة بمقدار ما أعطى من الثمن على العدل، أو يردها كلها إن شاء، لما نقص عليه منها، وكذلك المريض يبيع بمحاباة، فليس للمبتاع أن يكره الورثة على أخذ السلعة، ويتم لهم الثمن، ولكن له من السلعة بمقدار ما أعطى، أو يردها. وقاله لي أصبغ، وغيره. [6/ 460]
باب في شراء امرئ ما وكل عليه أو أسند إليه وسلفه منه
باب في شراء امرئ ما وكل عليه أو أسند إليه وسلفه منه من الواضحة: وكل من وكل بيع شيء، فلا تشتريه لنفسه. قاله مالك. وقد نهى عنه عمر، وكذلك الوصي، وأجاز ابن القاسم ذلك في الوكيل والوصي في اليسير، ورواه عن مالك في الوصي. وروى عنه مطرف أنه نهى عنه فيما قل أو كثر، قال: ولا أحب أن يتسلف مما أودع، أو كان فيه وصيًا، وإذا اشتراه الوكيل لنفسه، فلربه إن جاء أخذه منه، أو إجازة بيعه بذلك الثمن، وإن فات، فله أن يضمنه قيمته يوم باعه، وكذلك لو باعه بربح، وكذلك الوصي بسلطان، عليه مثل ذلك. وضمانه منه حتى يسترجع من يده، ولا ينبغي أن يتزوج في بنات من أوصى إليه، إلا أن يزوجهن بنيه، فإن فعل، تعقبه الإمام، فإن رأى صوابًا أمضاه، إلا أن يفوت بالبناء، فلا يرد، ويؤخذ بصداق المثل إن كان أكثر مما سمى. باب في الشيء بين الرجلين يريد أحدهما المقاواة قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، وأصبغ، في الشيء لا ينقسم بين الرجلين، فيريد أحدهما المقاواة فيه، أو البيع، قالا: لا يلزم صاحبه المقاواة معه، وعليه أن يبيع معه، وإن رضيا بالمقاواة تقاوياه بينهما بالمزايدة أو بما أحبا بلا قيمة، ولا يقوم بقيمته، ثم يتزايدان عليها، وإذا أمر بالبيع معه، فإذا بلغ، فمن شاء منهما أخذه بذلك، ومن شاء تركه، وإن باع أحدهما نصيبه وحده، مضى ذلك، ولم يكن له أخذه بالثمن، وليعمل مع من صار له إن شاء، كما كان يعمل مع الشريك الأول. يريد إن لم يقم بالشفعة فيما فيه شفعة، ولم يكن بائعه معه، وإن استحق العرض المأخوذ في الدنانير، رجع بالدنانير بكل حال، تجاوز فيه أو لم يتجاوز. قاله مالك وأصحابه. [6/ 461]
فيمن باع دارا من رجل على أنها إن غصبت منك فلا رجوع لك على
فيمن باع دارًا من رجل على أنها إن غصبت منك فلا رجوع لك علي قال ابن حبيب: ومن باع دارًا، وشرط على المشتري أنه إن غصبها سلطان، فلا رجعة لك علي، فهو بيع فاسد وخطر، إذ لعله انطوى من علمه بولد السلطان فيها، على ما لم يعلمه المبتاع، فيخاطر ويفسخ، فإن غصبها السلطان، فهي من المشتري ويرد فيها إلى قيمتها على غرر ما يخشى من ذلك فيها، وما يرضى من السلامة، كما يقوم الزرع الأخضر يستهلك. وقاله ابن القاسم، ومطرف، وابن نافع، وأصبغ. من باع بيعًا فاسدًا قال ابن حبيب: ومن باع سلعة بيعًا فاسدًا بفضة، فلا تقوم السلعة في فواتها بفضة، ولكن بالدنانير أو بالدراهم، ويرجع بفضته، فإن فاتت، فمثلها، وإن كان عرضًا بعرض وقد فاتا، تقاصا بالقيمة، قيمة كل عرض يوم قبضه قابضه. باب من باع سلعة بدنانير فأخذ فيها دراهم أو عرضًا ثم استحقت قال ابن حبيب: ومن ابتاع سلعة بدنانير، فدفع فيها دراهم، ثم استحقت السلعة، فليرجع بالدراهم، ولو دفع عرضًا، رجع بالدنانير، إلا أن يكون يهضم له في العرض على التجاوز، لعدم أو صلة إخاء، فليرجع بقيمة العرض يوم أخذ منه. [6/ 462]
باب في بيع المضغوط
باب في بيع المضغوط من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في بيع أهل الذمة، وهم يلزمون بالخراج، قال: أكره الشراء منهم على هذه الحال، وعلى الضغطة، فأما إن لم يكن على هذه الحال، فذلك جائز. قال ابن القاسم: وليرد عليه ما باع بغير ثمن، إذا كان بيعه على عذاب وما يشبه من الشدة، ولا أرى إن اشترى منهم ذلك على هذا أن يحبسه. باب في الرجلين يسكنان في دار الإمارة فيعطي أحدهما الآخر شيئًا على أن يخرج من كتاب ابن المواز قال مالك في رجلين كانا في منزل من منازل الإمارة، فضاق بهما، فأراد أحدهما يعطي صاحبه شيئًا، على أن يخرج، فلا خير فيه؛ لأنه لا يدري متى يخرج منه، فهو إلى غير أمد. تم الجزء الرابع من أقضية البيوع وبتمامه كملت كتب البيوع يليه في الجزء السابع كتاب الجعل والإجارة كمل الجزء السادس من كتاب النوادر والزيادات ويليه الجزء السابع أوله كتاب الجعل والإجارة [6/ 463]
كتاب الجعل والإجارة
بسم الله الرحمن الرحيم، عونك اللهم كتاب الجعل والإجارة صفة الجعل، وما يجوز فيه وما لا يجوز فيه الجعل وهل لأحدهما تركه؟ وما يجب في الجعل الفاسد ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب، قال مالك: لا يصلح الأجل في الجعل ولا في المقاطعة ولا النقد في الجعل، وإذا ضرب في الجعل أجلا، خرج إلى حد الإجارة، فلا يصلح إلا لما تصلح به الإجارة قال محمد: وكل ما صلح فيه الجعل صلحت فيه الإجارة، وليس كل ما تصلح فيه / الإجارة يصلح فيه الجعل، قالا: والمجعول له في ترك العمل في ترك العمل في الجعل حتى يفرغ منه، فإن تم فله جعله وإن عمل بعضه ولم يتمه فلا شيء من الجعل إلا بالتمام، ولا يصلح الجعل في عمل إذا ترك بعضه بقي للجاعل فيه ما ينتفع به. قال محمد: فإن لم يكن وكان تبقى له منفعة، لم يصلح فيه إلا الإجارة، قال ابن حبيب: ولا يجوز أن يقول: إن عملت لي شهرا، فلك كذا، وإلا فلا شيء لك، فإن وقع هذا، فله أجر مثله، ويجوز الإجارة فيما خف وفيما ثقل، وأما الجعل فأما في الإباق وحفر الآبار فيجوز فينا خف أو عظم ولا يحوز في بيع الثياب، والرفيق، إلا فيما خف. [7/ 5]
قال محمد: ولا يصلح الجعل في الخياطة ولكنه من باب المقاطعة؛ لأنه إذا شرع فيه ثم تركه؛ بقي للجاعل ما ينتفع به بغير شيء، فلا يصلح فيه إلا المقاطعة بالأجرة، فيلزم الفريقين، وإنما يصلح الجعل في حفر الآبار، أو عين في غير ملك الجاعل، وفي طلب الآبق، وما ند من بعير أو دابة، أو على بيع ثوب، أو رأس، أو دار، وما خف من ذلك، وإذا عمل في ذلك ولم يتم فلا شيء له، ولم يبق للجاعل ما ينتفع به. وبعد هذا باب في الجعل في تقاضي الدين، فيه ذكر موت المجعول له أو الجاعل. ومن العتبية وكتاب محمد، أشهب؛ عن مالك: ومن جعل لرجل في تقاضي دين ثلث ما ثلث ما يقتضى، ثم أخر الطالب غريمه بالثلث، وعجله الثلثين؛ فإن كان الآخر تقاضاه حتى فعل ذلك، فله ثلث ما قبض، وهو على شرطه ما لم يقبض. محمد: وقال لا أجير تأخير الغريم فذلك له، وليقبض جميع ما بقي حتى يأخذ ثلثه لا / برضا، وكما لو أسقط الطالب حقه. ومن العتبية قال سحنون: قال علي بن زياد، عن مالك: من جعل لرجل جعلا في اقتضاء دين معه في القرية، ثم بداله؛ فليس له ذلك إذا أخذ المجعول له في التقاضي قال سحنون: إذا شرع المجعول له في العمل، فليس للجاعل إخراجه، وللمجعول له أن يخرج متى شاء [ولا يلزمه شيء]. قال ابن حبيب: له أن يترك بدءا وبعد أن عمل [منه وهو وجيبة على الجاعل ليس له] أن يرجع عنه ولا أن يمنع من المضي فيه والإجارة وجيبة لهما، [7/ 6]
في الجعل على بيع السلع وشرائها، وما دخل في ذلك من معاني الإجارة، وكيف بما رد بعيب
ليس لأحدهما أن يرجع فيها، وإن لم يعمل. قال: ولا يجتمع جعل مع بيع ولا مع إجارة، وإن جعل له في تقاضي دين، ثم بدا لربه، أو أخر غريمه، أو وضعه عنه، فإن كان أخذ المجعول له في التقاضي، فله جميع الجعل. وقال أصبغ. ولو جعل له في بحث عبد أبق ثم أعتقه؛ فإن عمل وشخص، فله جميع الجعل، وإن لم يعمل شيئا ولا شخص، فلا شيء له. وقال أصبغ. وفي باب جعل الآبق لعبد الملك غير هذا، وإن جاعله في حصار زرع، وقال: فما حصدت فلك نصفه. فله أن يدع متى شاء، ولو قال: احصده كله، ولك عشرة. فهذه إجارة، وقد لزمه تمامه، والعمل في تهذيبه عليها جميعا. ومن كتاب ابن المواز ولم يجز مالك الجعل في اقتضاء الدين على أنه إن لم يقبضه كله، فلا شيء، فإن نزل، فله فيما اقتضى عمل مثله. وإن قال: فما اقتضيت، فلك ربعه، فجائز، ولو تسمى له جعلا يكون له، اقتضى أو لم يقتض، فلا أحبه، فإن عمل، فله أجر مثله. محمد: يريد فيما اقتضى: قال محمد: وإذا وقع الجعل فاسدا، ففرغ من العمل أو من بعضه، فلا يكون فيه جعل مثله /، ولكن إجارة مثله فيما قد انتفع به الجاعل، ولا شيء له فيما لم ينتفع به الجاعل من عمله. قال ابن حبيب: ولا بأس بالجعل على انتقاد المال، وعلى الدلالة على الطريق وقد ذكرنا الخلط في ذلك في باب اختصار تضمين الصناع. [7/ 7] في الجعل على بيع السلع وشرائها، وما دخل في ذلك من معاني الإجارة، وكيف بما رد بعيب؟ من كتاب محمد: قال محمد: الجائز في الجعل في بيع الثوب عند مالك وأصحابه، أن يقول له بعه كذا أو يقول له: بعه بما رأيت، ولك كذا. [7/ 7]
قال ابن القاسم: الجعل يجوز في بيع السلع القليلة على ثلاثة أوجه؛ أن يسمى الجعل ويسمى الثمن، أولا يسميه، يقول: بعها بما رأيت، وإن لم تبع فلا شيء لك فإن قال: فإن بعت، فلك درهم، وإن لم تبع، فلك درهم فهذه إجارة، إن ضرب فيها الأجل فجائز، وإن قال: وإن لم تبع فلك أقل من درهم لم يجز ذلك، ولا يجوز أن يقول: بعه عشرة ولك ما زاد قيل لمالك: إنه صاحب حانوت لا يتعب فيه، وقد أجازه بعض الناس قال: وهو يطويه وينشره، فلا خير فيه. قال مالك: ولا يجوز أن يقول: بعه ـ ولا يسمى ثمنا ـ ولك من كل درهم كذا، ولا أن يقول: إن بعت بعشرة فلك درهم، وإن بعت بتسعة فلك نصف درهم. ومن العتبية، قال عيسى: قال ابن القاسم: فإن قال: فإن بعته بعشرة، فقلك من كل درهم سدسه، فجائز، ثم إن باعه بأكثر من عشرة، فليس له إلا سدس العشرة ولو لم يسم ثمنا، وقال: فيما بعته بع فلك من كل درهم سدسه لم يجز، وكذلك في الواضحة، وقال: فإن باع، فله جعل مثقله، وإن لم يبع، فلا شيء له وقال مطرف، وابن الماجشون وأصبغ. قال سحنون في العتبية عن ابن القاسم: ولا يجوز في الجعل على بيع الثوب على ألا يبيع إلا بما يرضى به، وإن فوض إليه في الثمن فهو جائز: قال عنه محمد بن خالد في الجعل في بيع رأس أو دار: إن بعت، فلك كذا، وإن لم تبع فلا شيء لك، فهو جائز؛ لأنه يصيح به أياما وينظر في حوائجه من خلال ذلك، فأما ما يباع في العاجل، فلا يكون إلا بإجارة ومن كتاب محمد وابن حبيب: ويجوز الجعل في البلد في الثوبين والثلاثة، وفي الدابة، والرأس والرأسين، ولا يجوز بغير البلد إلا إلى أجل مضروب، وكذلك كثيرها بالبلد، ولا يصلح فيه النقد. [7/ 8]
ابن حبيب: إلا أن يتطوع به، وإن قال في الثوب: إن بعت اليوم، فلك درهم، وإن لم تبع فلا شيء لك لم يجز؛ لأن هذا أجل، ولا أجل في الجعل إلا أن يجعل له أن يدع متى شاء في ذلك اليوم أو بعده، وفي باب الجعل على عمل شيء بنصفه تمام القول في قوله: فما حصدت اليوم، فلك نصفه وعلى أن يدع متى شاء. ومن العتبية، ومن سماع ابن القاسم: وإذا جعل له على بيع ميراث أو تقاضيه، فاكرهه، ولعله ثمنه يكثر، وليس تقاضي ما يكثر مثل ما يقل. ومن كتاب محمد، قال أشهب، عن مالك: وإن أعطاه ثيابا، وقال: كلما بعت ثلاثة فلك دينار فجائز إن كان قريبا لا يسافر بها. محمد: ولا تكثر قال أصبغ: ولا يجوز على السفر به إلا بإجارة قال أشهب: وإن وأجره بدينار على أن لم يسم أجلا، ولم في ذلك أجل قدر بيع مثلها، وكذلك لو أعطاه ها هنا ثوبا يبيعه يريد: أن القيام بالبيع معروف في كراء سلعة، وكذلك في العتبية. قال محمد: لا يعجبني ولا يجوز عند غيره من أصحابه إلا بأجل في المسافر والحاضر، فلا بأس أن يؤاجره على بيع هذه السلعة بعينها بيد آخر إذا ضربا لإجارته أجلا قال مالك: وإن جعل به في رقيق يصيح عليهم، وله في كل رأس يبيع درهم ولا شيء له: إن لم يبع، لم يصلح إلا بإجارة مؤجلة، باع أو لم يبع، في يوم وفي يومين، أو ساعة. محمد: لأنهم قصدوا بيع الجملة، بخلاف الرأس، والثوب الذي لا يمنعه أن يأخذ من غير، ولا يشغله عن حوائجه، وهذا على أن يبيعها كلها؛ كل رأس على حدة ولو قال: على أن يبيع منها ما شئت لجاز وكذلك الثياب، وكذلك ذكر في العتبية في ذلك كله ابن القاسم، عن مالك، قال محمد: وقال سحنون جيدة وكره ابن القاسم الجعل في عشرة أنواب، إلا أن يقول: حج على ما شئت منها، [7/ 9]
ولا يقول: بعها كلها، ولا يبعها شيئا شيئا ولك في كل ثوب أو رأس كذا، فلا يصلح إلا أن يقول: بع ما شئت منها. قال ابن القاسم: وإن جعل له في رأس، أو ثوب يبيعه فيمن يريد وله درهم إن باع، ولا شيء له إن لم يبع، فجائز: وإن قال: له الدرهم باع أو لم يبع، فهذه إجارة، وعليه الصياح كصياح الناس في مثله مما عرف محمد: فيصير / ما عرف كالأجل، ثم له ما سمى، باع أو لم يبع، وكذلك ما كثر، ويكون إلى أجل معلوم؛ فإن باع دونه، حاسبه قال: والجعل على بيع الطعام، فأما اليسير الذي إذا شاء رده بلا مؤنة ولا غرم، فجائز، وأما [الكثير في الطعام والثياب والرقيق] إذا كان يسلم ذلك غله، أو على أن يبيعه شيئا شيئا، فلا يجوز، فأما أن ينادى عليه جملة وهو في موضعه لم يسلمه إليه فيشغله، فجائز، كالدار تباع جملة، ولو قال في كثير الدقيق والثياب: فما بعت منها، فلك كذا فلا بأس به ما لم يسلمها إليه، ويجوز عند مالك وأصحابه الجعل على الشراء فيما قل وكثر، في الحضر والسفر، لا بأس أن يجعل له على مائة ثوب يشتريها له دينارا إذا كان على أن ما يشترى له به يلزمه، فأما أن يختار عليه ما يشترى، فلا خير فيه. قال مالك: ولا يصف المال. محمد: إلا أن يعرف منه محاباة، أو يشتري غير الصنف الذي أمره، قال مالك: والذي يشتري بجعل، ليس عليه ضمان، ولا على من يبيع بجعل في الثمن إذا ضاع، ولا في السلعة. قال مالك: ولا بأس أن يجعل له جعلا على شراء سلعة يسميها، قرب موضعها أو بعد، وما تلف لم يضمنه المشتري، قال الإحرام بن ميسر: وما تلف بعد الشراء فقد وجب له جعله قال ابن حبيب فيمن جعل لرجل خارج إلى بلد جعلا في شراء ثياب كذا بمال أعطاه إن اشتراها كلها بجعله، وإن لم يشترها، فلا شيء له؛ فإن كان خروجه ليس لهذا المال جاز، وإن كان المال أخرجه فلا خير فيه إلا بأجل مضروب، وقال نحوه ابن ميسر قال / ابن حبيب: ولو قال له: خذ ثوبه، فسر به، فإن بعته، فلك كذا، [7/ 10]
في الإجارة على بيع السلع، ومن باع نصف سلعة من رجل على أن يبيع له نصفها
وإن لم تبعه فلا شيء لك لم يجز، خرج لذلك أو لحاجته، كان ثوبا أو ثيابا كثيرة، إلا بأجل مضروب، وإجارة معلومة، وقاله كله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع ثوبا بجعل، ثم رد بعيب فليرد الجعل على ربه. قال أصبغ: إلا أن يكون دلس، فلا يرد عليه شيئا قال مالك، فيمن قال لرجل بع ممر حائطي، ولك كذا، ثم جاء مع قوم فساوموه حتى باع ذلك، فطلب الرجل جعله، وقال: أنا جئت بالقوم فلا شيء له، إنما جعل له على يبيع ويماكس، فهذا إنما اشترى وكابر لأصحابه، ورب الحائط هو البائع. وسئل مالك عن الذي يجعل الولاة في بيع المواريث، قال: ليس بحرام، ولا هو من عمل الإبرار، وكان من تقدم لا يأخذ في ذلك شيئا. قال ابن حبيب: ومن جعل لرجل جعلا في بيع متاع إن باع الجميع أخذه، وإن لم يبع الجميع، فلا شيء له، لم يجز. وكذلك إن قال مالك الجعل: بعت أو لم تبع نفلا يجوز، وهذا إن وقع يرد إلى إجارة مثله إن باع، وإن لم يبع فلا شيء له ففرق ابن حبيب في الجعل الفاسد إذا جعل عوضه في غير المبيع، ولكن إذا جعله في المبيع، وقد خولف في القائل: لك كذا بعت أو لم تبع. وقد ذكرت قول غيره فيه في الإجارة على بيع السلع ومن باع نصف سلعة من رجل على أن يبيع له نصفها ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن واجر من يبيع له متاعا شهرا، فباعه قبل الشهر فليأخذ متاعا آخر يبيعه إلى تمام الشهر. قال محمد: وهذا إذا لم يكن متاعه بعينه، وكذلك القمح وغيره، وهذا يجوز فيه النقد، وأما الذي بعينه، فلا ينقد فيه، وإن باع في بعض الأجل، فله بحسابه. [7/ 11]
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن واجر رجلا شهرا بعشرة دنانير، على أن يبيع له كل ما جاءه، فإن لم يجئ بشيء فله العشرة، فلا خير فيه، ولو كان شيئا ثابتا إن جاءه شيء باع به، وغلا كان له أن يواجره في مثله، كان جائزا ولو واجره بدينار على أن يذهب إلى إفريقية، يبيع له هذه الدابة، أو ثيابه، أو رقيقه، فإن كان على أن إن هلكت الدابة، أو ذهب الثوب، انفسخ ذلك، فلا خير فيه، وإن كان إن هلك ذلك، كان له أن يشتري في مثله، ويأتيه في الدابة بأخرى، وكان إلى أجل معلوم، فذلك جائز. ومن كتاب محمد: ولا يجوز بيع نصف عبد أو ثوب ومالا ينقسم على أن يبيع له نصف ببلد آخر؛ لأنه لا يقدر المبتاع أن يحدث فيما ابتاع حدثا، ولو كان مما ينقسم وكان على أن يأخذ نصفه متى شاء لجاز، وإن كان على أن يؤخر قسمه إلى البلد، أو على بيعه ها هنا مجتمعا لم يجز، وأما على يع نصفه بالبلد، ولم يقل: مجتمعا فيجوز إن ضرب أجلا. محمد: لا يعجبنا هذا على الأجل؛ لأنه النقد في بيع شيء بعينه، إلا أن تكون إجارة لازمة، باع أو لم يبع إلى أجل، فإن باع قبله، باع له مثلها، أو آجره في مثله، وإلا لم يجز، وإذا لم يكن فيه سفر جاز فيه النقد، وكلما باع أتاه بمثله يبيع حتى يتم الأجل. قال ابن حبيب، في بيع نصف ثوب، أو رأس على أن يبيع له النصف الآخر بالبلد: لا يجوز فيه إلا الإجارة بأجل مضروب، ولا يجوز فيه الجعل؛ إذ لا يجتمع جعل وبيع. ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم: وإن كان الأجل شهرا، فباع في نصفه نظركم قيمة بيع نصف الثوب؟ فيضم إلى الثمن فإن كان قدر بع الجميع رجع عليه بثمن قيمة نصف السلعة، وإن باع في ثلث الأجل، رجع بثلثي ربع قيمة نصف السلعة منها إلا أن يكون ما يوزن أو يقال، فيرجع فيه بعينه إن لم يفت قال محمد: وهذا لا يصلح فيه البيع؛ لأنه إن باع، فتارة يرجع بثمن، وتارة يرجع بغيره. [7/ 12]
ما يجوز من عمل الشيء بنصفه في إجارة أو جعل أو حمله بنصفه أو سواه
قال ابن حبيب: وأما على بيع نصفه ببلد آخر، فلا يجوز في ثوب، ولا دابة، ولا طعام، إذا شرط خروجه بجميعه، فإن قال: إن شئت خرجت بنصفك المبيع، وإن شئت تعجلته، فجائز بإجارة مؤجلة، ولا يجوز في الثوب والعبد، لا يمكنه أخذ نصفه، فكأنه باعه النصف مما جعل يحصل في ثمن النصف الآخر ببلد آخر، فلا يجوز عند مالك، ومن لقيت من أصحابه، وفي باب الجعل على الخصومة، الجعل على بيع ميراث لك ببلد آخر. ما يجوز من عمل الشيء بنصفه في إجارة أو عل أو حمله بنصفه أو سواه على أن يعمل له فيه عملا وكيف بما هلك من ذلك؟ من كتاب ابن المواز: ولا يجوز أن يقول الرجل أحصد زرعي / هذا ولك نصفه وهو مقاطعة من باب الإجارة والجواز بيع نصفه، ولو قال: فما حصدت، فلك نصفه فهو جائز: ومن باب الجعل يدع متى شاء بلا مضرة، ويأخذ نف ما حصد، ويبقى للآخر تقع فيها ترك [ولا يصلح أن يضرب فيه أجلا فيقول: ما حصدت اليوم فلك] نصفه، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء. ومن كتاب ابن سحنون: ومن قال لرجل قد طاب زرعه، فعامله على أن يحصده بنصفه، فإن شرطا قسمته، حبا ثم لم يجز، وإن كان يحب بالحصاد فهو جائز. ومن العتبية، روى عيسى بن دينار، عن ابن القاسم، في قوله: جذ نخلي هذه اليوم، واترك متى شئت، ولك نصف ما عملت، أنه لا ضر فيه، كما لو قال: تقاضى مالي شهرا، ولك نصفه، وما تقاضيت فيحسابه لم يجز، لأن لو تم الشهر ولم يتقاض شيئا، لم يأخذ وذهب عمله باطلا، ولو شاء أن يترك ترك، [7/ 13]
ولعله قد أسف عليه، وأما قوله: احصد زرعي وادرسه، ولك نصفه، فلم يجزه في رواية ابن القاسم، وأجازه في رواية أشهب، ولا يصلح الجعل في عصره الزيتون والجلجلان، أن يقول: اعصره، ولك نصفه، أو ما عصرت، فله نصفه؛ لأنه لا يقدر على ترك ما شرع فيه، وإن ترك بقي للجاعل ما ينتفع به، ولا يصلح أن يقول: اعصره: ولك نصفه على المقاطعة؛ لأنها إجارة، وذلك بيع، ولا يصلح بيع نصف ما يخرج منه، ولا يصلح أن يقول اعصره بقسط من زيته ومن زيتون غيره، ويجوز لك شراء قسط من زيته، ومارق / الجعل؛ لأن الزيتون إن هلك في البيع رجعت بالثمن، وكذلك في شراء دقيق الحنطة، وفي الجعل لا يرجع عليه بشيء لأنه ليس بمضمون على صاحبه، ولو كان مضمونا كان أفسد له، ولو باع شيئا على أن يضمنه حتى يقبضه المبتاع، لم يجز، وبخلاف شرائك لدقيق الحنطة، ولو قلت له: خط هذا الثوب بققيز من هذه الحنطة، أو من دقيقها، على أن لا يأخذه حتى يفرغ. لم يجز، ولا بأس بالإجارة على طحين بنصفه، إذا كان متى شاء قاسمه، ولا يجوز أن يقول له احمل طعامي هذا إلى بلد كذا، ولك نصفه إلا أن يعطى نصفه نقدا، ولا يجوز على تأخيره إلى البلد، ولو اكتال نصفه ها هنا، ثم يحمل الجميع إلى البلد، لم يجز أيضا. قال ابن حبيب: ولو سلم إليه نصفه إن شاء حمله أو حبسه، لجاز. قال ابن حبيب: وكذلك قوله: حك لي من هذا لغازل ثوبا، ولك نصفه، أو: اطحن لي هذا القمح ولك نصفه. فإن قال بعد فراغه، لم يجز، وإن قال: فلك نصفه قمحا أو غزلا فجائز، وإن وقع ذلك منهما، فهو على الأمر الجائز حتى يصرح بقوله دقيقا وثوبا. وكذلك في عصر الزيتون والسمسم، وحصاد الزرع بنصفه، فمحمله على الجائز أن له ذلك قبل العصر والحمل حتى يصرح، فيقول: بعد عصره أو حصاده فلا يجوز، فإن نزل، فله أجر عمله، ويبقى الجميع لربه، وإن ذهب أو تلف قبل تمامه، فلا شيء له من الإجارة، ويجوز أن يقول: اطحن لي هذا القمح بقفيز من دقيق ولا يجوز أن يقول: على أن لك نصفه دقيقا. لأنه جعل بغرر، والأول إجارة بشيء معلوم /، ولم يجزه ابن القاسم، لأن [7/ 14]
الدقيق إن ذهب ذهب عمله باطلا. ونحن نرى أنه إن ذهب بعد طحنه قبل يأخذ القفيز إن له أجرة طحينه والذي ذكره ابن حبيب: عن ابن القاسم، مثل رواية ابن المواز، والذي في المدونة أنه أجاز طحين قمح بقفيز من دقيقه، وأما مجيب الآبق بنصفه، فلا يجوز بكل حال، ولا شيء له إن شخص ولم يأت به، وإن أتى به، فله جعل مثله والعبد لربه، فإن فات بيد الجائي به بعد أن قبضه بما يفوت في البيع الفاسد، فعليه نصف قيمته، ويقاص بذلك فيما وجب له من جعل مثله وقاله مطرف، وابن الماجشون وإن قال: انفض زيتوني هذا أو قال القطه ولك نصفه فجائز، وكذلك فما لقطت، أو نفضت، فلك نصفه وأجازه ابن القاسم في اللقط، ولم يجزه في النفض، حمله محمل قوله حرك شجرتي، فما سقط، فلك نصفه، وهذا خطر، ومحمل قوله: فما نفضت، يقول: ما جمعت كقوله: اقطف كرمي، أو جذ تمري بنصفه وقاله مطرف، وابن الماجشون. ومن كتاب محمد، فيمن قال: القط زيتوني فما لقطت، فلك نصفه اختلف فيه قول مالك؛ فقال مرة: لا خير فيه، كما لا يجوز بيعه وقال: إنه جائز وبهذا أخذ ابن القاسم، كتقاضي الدين. ومن العتبية قال ابن القاسم: وكره مالك جمع الخلالة على النصف؛ لأنه غرر لا يعرف ما هو؟ وكم هو بخلاف الزرع والثمر الذي ينظر إليه، والخلالة ما سقط من الثمر ووجد من الكرانيف والسعف فهو يخرج ويجمع ويسقط فيه ثمر. [7/ 15]
قال عيسى، عن ابن القاسم، / فيمن له شجرة تين فقال لرجل آخر احرسها واجتنها وتحفظ عليها ولك نصفها أو ثلثها فذلك جائز وروى عن يحيى بن يحيى، في الذي واجره، فقال: احصد زرعي، ولك نصفه فيحصده أو بعضه فما يخرجه فهو بينهما وعليه أن يستعمله في مثله أو مثل ما بقي منه. وقال سحنون: عليه نصف قيمة الزرع، وليس عليه حصد مثل نصفه. قال يحيى بن عمير، لأن الزرع يختلف، وقاله ابن القاسم، ولو قال: فما حصدت، فلك نصفه. فضمان ما حصد منهما، وضمان ما لم يحصد من ربه ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء ولو قال: احصده كله وادرسه وصفه، ولك نصفه فهلك بعد حصاده، فضمانه كله من ربه، وللأجير أجر عمله لفساد الإجارة وفي باب الإجارة على عمل شيء بعينه بقية من هذا المعنى قال مالك: لا خير في أن يعطيه غزلا ينسجه ثوبا على أن له نصفه، قال أصبغ: فإن فعل، فله أجر عمله، والثوب لربه الغزل. محمد: كمن ابتاع غزلا من رجل؛ على أن عليه نسجه فهلك وإن قال له: انسج من غزل ثوبين، ولك واحد ولي واحد. لم يجز، إلا أن يقول: لك نصف الغزل، على أن تنسج لي نصفه. مالك: ولا يتشرى ثوبا بقي منه ذراع على أن يتمه لك. محمد: وأن يشترط على أن يأتي بمثيل صفته؛ لأنه بيع شيء بعينه بضمان، فإن دفع إليه نصف هذا الغزل على أن ينسج له نصفه منه، وانعقد ذلك، ثم يشرك فيه فينسجه كله مبتاعا، فذلك جائز ما لم يكن مع ذلك زيادة دراهم أو شيء فيصير شركة وإجارة، ولا يجوز بع مع الشركة [أو شرط زيادة] أو منفعه ولو / واجرته على نسج غزل بينكما مجتمعا، لم يجز، ويجوز على نسج حصتك وإن ابتعت منه نحاسا، على أن يعمله فمقما. قال أشهب: فلا يجوز: كمن ابتاع فمقما من نحاس بعينه، وكذلك كنانا على أن ينسجه، ويجوز شراء ثوب على أن يخيطه، قال ابن حبيب: لا بأس باجتماع بيع، وإجارة ولا يجوز جعل وبيع، ولا إجارة مع جعل. [7/ 16]
من العتبية، قال سحنون: في اجتماع البيع مع الإجارة: أما في ذلك الشيء المبيع، فلا. بخلاف قول ابن القاسم، وأشهب، فيمن ابتاع ظهارةعلى أن على البائع عملها، أو حديدا، على أن يعمل له فيه قدرا، أو نحاسا يعمل له منه، قمقما أو عودوا على أن ينحته سرجا فأجاره، ولم يجزه سحنون: قال: ومسألة بيع الغزل على أن عليه نسجه أصل هذا، وأما في بيع الثوب على أن على البائع خياطته، أو قمحا على طحينه، فخففه مالك، قال سحنون، في كتاب تضمين الصناع، لأن خروج معروف. ومن العتبية، ورى أشهب، عن مالك فيمن قال لرجل في تراب: اعمله لبنا بيني وبينك قال: [ما يعجبني ذلك] فلا يعجبني عصر ابن حبيب الفجل والجنجلان بكسبهما، وطحين القمح بنخالته، وبعض النخالة أجوء من بعض وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في الرجل يبيع الكنان خصبا، على أن عليه بله فإن كان شيئا معروفا. قدره وقد النصب فيه، فجائز، وهذا إن كان الكنان لا يختلف عند خروجه من البل، وإلا فهو بيع ولا خبر فيه، وقد قيل إنه يختلف عند خروجه قال: ويجوز جذاذ الثمرة بنصفها، وحصار الزرع بنصفه / قال: ولا يجوز أن يشترط البائع للنصف درسه وتدربته قاله مالك، يريد الجميع وتذريته قال أصبغ: ولو شرط ذلك على المشتري، لجاز؛ لأنه اشترى نصفه بثمن مسمى، وبعمل أجل معلوم وكرهه ابن القاسم، قال سحنون، عن ابن القاسم، فيمن له حياض ملح، ولها شرب من بير لها، فلا بأس أن بقليها أشهرا معلومة، [7/ 17]
في الجعل في الإباق والضوال وذكر الجعل الفاسد في ذلك
بالدنانير والدراهم، إذا كان شربها معلوما، ولو واجر عليها شهرا من بسقيها، ويجمع ملحه بملح يكون عليه مضمونا، فهو جائز، ويجوز بثلث ما يدفع فيها أو نصفه وفي تضمين الصناع باب، فيه شيء من ذكر من يبتاع شيئا، أو يشترط فيه صنعة. في الجعل في الإباق والضوال وذكر الجعل الفاسد في ذلك ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن شرد له أربعون من أبعرة، أو عبيدا أبقوا، فجعل فيهم لقوم، فقال: ما وجدتم منهم، فلكم في كل بعير أو عبد دينار. فذلك جائز، وإن لم يعرف أين سلكوا، ولا يجوز حتى يسمى عدتهم. قال ابن ميسر: لا يضر ترك تسمية العدد. قال ابن حبيب: لا بأس أن يجعل للرجل منهم في كل عبد دينار، اتفقت قيمتهم أو اختلفت. وكذلك إن كان منهم / الرفيع والوضيع، والبعيد والريب فجاء الذي فيه دينار وكذلك لو قصد طلبه دون غيره، أو كان قريبا، وإن قال: إن جئت بهم، وهم خمسة، فلك عشرة دنانير أو قال: في كل رأس ديناران. فإن قصدت أنه إن لم يأت بجميعهم، فلا شيء له، لم يجز قال مالك في موضع آخر: إن قال: فلك في كل رأس دينار، فهو جائز. وأما إن قال: إن جئتني بهم، فلك كذا. ولم يقل: في كل واحد كذا ولكن جعل الجعل في جماعتهم، فله على كل واحد بقدر قيمته من قيمة جمعيهم يريد من قيمتهم [حين أبقوا] قال أحمد: أحب إلي أن يعطى أجر مثله، وإن قال: لك في فلان ثلاثة، وفي فلان ديناران، وفي فلان دينار فجائز إن عرفهم قبل الإباق، ثم قال، جاز وإن لم [7/ 18]
يعرفهم ولا عرف ما حدث بهم من عيب، وما قال ذلك من عمل الناس ولو قال: ولك في الخمسة عشر دنانير فإن وجدت بعضهم، فلك بقدر قيمته من قيمة من لم يجد، فإن كان على قيمة ما عرفاه منهم قبل الإبان، فجائز وقد قيل: لا يجوز في هذا، ولا في قوله: من فلان دينار، وفي فلان ديناران. وليس هذا بمروي في الأم. ومن جعل لرجل في عبدين أبقاله عشرة، فجاء أحدهما، فله خمسة. وقاله أصبغ، وأشهب، له بقدر قيمته من قيمة الآخر، محمد: إن قال له: فلك في كل رأس خمسة فقول ابن القاسم أحسن وقد أجاز مالك في بيع الثياب: فلك في كل ثوب درهم. ولم يجز: في كل دينار درهم. وروى عيسى، عن ابن القاسم في العتبية في العبدين: لا أحب أن يقول /: إن جئتني بهما، فلك عشرة حتى يسمى في كل واحد شيئا معلوما، فإن وقع على الوجه الأول وقيمتهما سواء، فله في الذي جاء به خمسة، وإن لم يسم فأقله من العشرة بقدر قيمته من قيمة الآخر. ومن الواضحة قال: ولو قال: إن جئتني بيزيد، فلك دينار، أو جئت بمرزوق، فلك دينار، أن قال: من جئت به منهما فلك فيه دينار فذلك جائز: وذكر ابن القاسم، أنه لم يجزه حتى يسميها، وذلك خلط، وإنما يكره أن يقول: إن جئتني بهم، فلك عشرة، حتى يقول: وأيهما جئت به فلك عشرة، لأنه قد تختلف أثمانهما، فإن عمل على ذلك وجاء بهما، فله ما سمى، وإن أتى بواحد فله نصف العشرة، وإن اختلفت أثمانهما، فله العشرة بقدر ثمنه لا من ثمن الآخر يوم أبق ثم رجع ابن القاسم عن هذا إلى أن له جعل مثله والأول أحب إلينا، وإنما يجوز الجعل على طلب عبد يجهل مكانه، فأما من وجد آبقا أو ضالا، أو هائما. فلا يجوز له أخذ الجعل على رده، ولا على أن يدله على مكانه، بل ذلك [7/ 19]
واجب عليه، فأما من وجد ذلك بعد أن جعل ربه فيه جعلا، فله الجعل، علم بما جعل فيه أو لم يعلم، تكلف طلب هذه الأشياء أو لم يتكلف، وإن وجده قبل أن يجعل فيه ربه شيئا فانظر فإن كان ممن نصب للإباق قد عرف بذلك فله جعل مثهل وإن لم يكن ممن نصب لذلك نفسه، فليس له إلا نفقته، وكذلك لو جاء به بدءا أو لم يبذل ربه فيه جعلا، وكذلك قال ابن الماجشون، وأصبغ فيه. وفي أصله قال ابن الماجشون، في كتبه: / إن كان ليس من شأنه طلب الإباق، فلا جعل له، ولا نفقة قولا مجملا، قال ابن الماجشون، في موضع آخر: ولو أشاد بذكر عبده في المواطن التي يشاد مثله فيها فجاء به، فإن له جعله مثله بما أشاد به. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن علم بموضع دابة رجل قد ضلت، فإما أن يخبره وقال: اجعل لي كذا وآتيك بها ففعل، فلا ينبغي ذلك، وإنما هذا في المجهول [ولا أراه يئبت له هذا الجعل، ولا ينبغي له أن يكتم موضعها وأرى أن يعطى قيمة عنائه إلى] ذلك المكان إن جاء بها [ولا جعل له]. ومن جعل في آبق عشرة دنانير لمن جاء به، فجاء ربه من لم يسمع بالجعل؛ فإن كان ممن يأتي بالآباق، فله جعل مثله، وإن كان ممن لا يأتي بهم، فليس له إلا نفقته، وإن سمع بالجعل، ثم أتى به، فله العشرة، كان ممن يأتي بهم أو ليس ممن يأتي بهم. ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن قال: جاءني بعبدي الآبق، فله ربعه، أو نصفه، أو في عبيده، فله من كل عبد ربعه، فلا يجوز ذلك وإن قال: إن وجدته، فلك عشرة دراهم، وإن لم تجده، فلك خمسة، أو لك نفقتك لم يجز وكذلك في بيع الثوب: إن بعت، فلك كذا، وإن لم تبع، فلك شيء آخر. فلا [7/ 20]
يجوز ومن قال: من جاءني بعبدي الآبق، فله هذه الدنانير، أو هذا الثوب فجائز، ولا خير في أن يقول: فله هذا العبد، أو هذه الدابة؛ لأن ذلك يتغير، وتأتي فيه الحوادث، والجعل الجائز أن تقول إن لم تجده، أو لم تبع، فلا شيء لك. قال ابن القاسم: فإن وقع بما ذكرنا، فأتى به، فله أجر مثله، وإن لم يجده، فلا شيء له وقال ابن القاسم في العتبية، والواضحة /: إن وجد، فله جعل مثله، وإن لم يجده، فله أجر مثله، جاء به أو لم يجئ به، إذا شخص فيه، وذكر قول ابن القاسم هذا، وقال: ويقول في البيع: فإن باع، فله جعل مثله، وإن لم يبع فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: فهو في حلال الجعل لا شيء له إن لم يجئ به، فكذلك في حرامه وأما إذا سمى له في الآبق إن لم تجئ به عوضا فاسدا، فهو يرد إلى أجر مثله. وإذا اجتمع جعل وإجارة ففسد ذلك، كانت فيه كله إجارة المثل، وإن قال: إن جئتني به، فلك تمري الذي لم يزه جنينا في بطن أمه أو أسلفك دنانير فهذا له فيه جعل مثله إن جاء به لأنه جعل فاسد. وقال ابن المواز، في الباب الأول: إذا وقع الجعل فاسدا، ففيه إجارة مثله. ومن العتبية، قال مالك: ومن جعل جعلا في آبق، فأتى به وقد أنفق عليه، فالنفقة من الذي جاء به، وله جعله فقط. وإن أرسله بعدما أخذه تعمدا ضمن قيمته. قال عيسى: قال ابن القاسم: ومن جعل في آبق خمسة دنانير، فذهب رجل فأتى به من أفريقية، فلما صار بترنوط أفلت منه، فِأخذه آخر فجاء به، قال مالك: إذا أفلت قريبا، فالجعل بينهما بقدر شخوص كل واحد. وهذه من كتاب الآبق. [7/ 21]
ومن كتاب آخر،، قال عبد الله بن عبد الحكم: وإن جاء به من يطلب الإباق، فقطع في سرقة، فإن كان جعل فيه جعلا، فهو لازم، وإن لم يجعل فيه جعلا، وكان له بالعبد حاجة أخذه وودى جعله، وإن شاء تركه ولا شيء عليه. ومن كتاب محمد: ومن جعل في آبق جعلا، فقطعت يد العبد بعد أن وجده رجل، أو دبر لم ينقص لذلك من جعله، وإذا استحق بعد أن وجده وقبل أن يصل إليه / ربه، فالجعل على الجاعل، ولا شيء على المستحق. قال في العتبية، ابن القاسم: وكذلك إن استحق بحرية. قال أصبغ: إذا استحق: إذا اسحق بحرية من الأصل، فلا جعل له على أحد. قال محمد: إذا استحق رجل، فأحب إلي أن يغرم ذلك الجاعل، ويرجع على المستحق بالأقل من ذلك، أو من جعل مثله. وقال لي من أرضى، إن من أتى بآبق ممن يطلب الإباق، فله جعل مثله بلا نفقة، وأما من لا يتكلف ذلك، فله نفقته، ولا جعل له [ومن جعل في آبق لرجل عشرة، ولآخر عشرين فجاءوا جميعا]. قال محمد: أحسن ما فيه أن لكل واحد نصف ما جعل له، وإن كان ثالث بخمسة، فكل واحد ثلث ما جعل له. وقاله عبد الله بن عبد الحكم. قال عبد الملك: ومن جعل في آبق جعلا، ثم أعتقه، فلا شيء لمن وجده بعد ذلك، ولو لم يعلم بالعتق، ولو أعتقه بعد أن وجده، كان له جعله، فإن كان عديما فذلك في رقبة العبد؛ لأنه بالقبض وجب له الجعل. قال أحمد: إن كان العتق بعد القدوم، فكما قال: قال وإن أعتقه بعد علمه أنه وجده، لزمه جعله، [7/ 22]
في الإجارة على الإتيان بعبده الآبق أو غير آبق من بلد بعينه، وكيف إن مات؟
فإن لم يجد عبده لم يصح عتق العبد حتى يقبض هذا جعله مبتدأ على الغرماء. أحمد: كالرهن. في الإجازة على الإتيان بعبده الآبق أو غير آبق من بلد بعينه وكيف إن مات؟ أو على علوفة داوب فماتت؟ من العتبية عيسى بن دينار، عن ابن القاسم، فيمن أبق عبده، فبلغه أنه في بلد بعينه، فواجر رجلا بأجر معلوم ليأتيه به أو يخبره، فخرج، فخالفه العبد إلى سيده قبل بلوغ الأجير البلد، فانصرف، قال: له الإجارة تامة، ويرسله في مثل ما فقر [فيه] من الطريق. من سماع ابن القاسم: ومن استوجر على رقيق يأتي بهم، فلم يجدهم، فقد وجب له حقه، وإن وجدهم ببعض الطريق فله عليه أن يبعثه فيما بقي منها أو يواجره في مثله. ومن اكثري دابة لحاجة ثابتة، لزمه الكراء وليكرها إلى الموضع. قال ابن القاسم: ويجوز النقد في هذا كله، ولو شرط مع النقد في هذا أنه إن جاء الرقيق من بعض الطريق، أو وجد حاجته في الطريق حاسبه، لم يجز ذلك. أصبغ، عن ابن القاسم: قال مالك: ومن استوجر على تبليغ خادم، فماتت في الطريق أو أبقت، حوسب، وإن ماتت، فله جميع الإجارة. وقال ابن القاسم: ذلك سواء وله جميع الأجر، وقال أصبغ، إلا أن له أن يستعمله في مثل ذلك، أو يواجره في مثله قال ابن وهب: له من الأجر إلى حيث بلغ. [7/ 23]
في الجعل في تقاضي الدين أو الإجارة فيه، وفي موت أحدهم
أصبغ: قال ابن القاسم: ومن واجر أجيرا شهرا على علوفة داوبه، فماتت قبل الشهر، فأراد أن يستعمله في غير العلوفة، فليس له ذلك، إما جاءه بمثل تلك الدواب يقوم بعلوفتها، وإلا فلا شيء له على الأجير، وله جميع الأجر، ولو رضي الأجير أن يتحول إلى عمل غيره، فلا بأس [بذلك] يريد: فيما يشبه العلوفة سحنون، عن ابن القاسم، فيمن دفع فرسه إلى رجل ليعلفه سنة بستة دنانير، فذلك جائز في الفرس والعبد. في الجعل في تقاضي الدين أو الإجارة فيه وفي موت أحدهم من كتاب محمد ابن المواز: وإذا قال لرجل لي على فلان مائة دينار، فاقبضها، فما اقتضيت به فلك ربعه فذلك جائز إذا عرف الدين، وإذا لم يعرف الدين /، لم يجز وقد ينفق في سفره دينارا، فيجد الدين دينارا، فلا يصلح بجزء منه ولا لكل دينار شيئا معلوما مسمى، ولو جعل فيه شيء وعرف الدين، لجاز. قال محمد: قوله: مسمى ليس يريد أنه لا يكون له حتى يقبضه كله، وإنما يجوز إما بجزء منه، أو من كل دينار كذا، ولا يجوز الجعل حتى يعرف المال وموضعه، [وإلا يخرج إلا بإجارة مسماة] وأجل معلوم، فيكون ذلك له اقتضاء الدين كله أو بعضه، أو لم يقتضه، ويجوز الجعل في اقتضاء الدين على أن له من كل عشرة دينارا أو عشر ما يقتضى إذا سمى الدين وعرفه، وقوله: ولك من كل عشرة دينار قال: فما زادت فبحسابه أو لم يقل، فهو الجائز ويحمل على أنه المعنى حتى ينص أنه لا شيء له فيما دون العشرة، فيكون فاسدا، أو له إن عمل [7/ 24]
جعل مثله، ومن قول مالك، فيمن يجعل لرجل جعلا في تقاضي دين، على أن له الجعل إن تقاضي جميعه، وإن لم يأخذ الجميع، فلا شيء له، أو قال: على أن لك الجعل، تقاضيت أو لم تتقاض فهذا لا يجوز، ويرد إلى إجارة مثله، تقاضى أو لم يتقاض. وكذلك في بيع المتاع، وقد كتبتها في باب الجعل في بيع السلم. ومن العتبية، وقاله أصبغ: قال أشهب فيمن قال: اقتض مائة دينار لي على فلان ولك نصفها. قال: لا يعجبني قيل: فإن قال: اقتضيت فبحسابه، قال: لا يعجبني على حلا قال أصبغ: كرهه من باب الجعل في الخصوم وقال ابن وهب: إذا قال: اقتض مالي على فلان ولم يقل: وهو كذا، ولك نصفه، فلا خير فيه، كمن قال في الثوب: بعه بما وجدت، ولك من كل دينار درهم، فلا خير فيه. قال أصبغ /: والذي آخذ به قول ابن القاسم في هذا سمى عنده الدين أو لم يسمه. ومن كتاب محمد ابن القاسم: ولا يجوز الجعل في تقاضي الدين على أنه إن لم يقتضيه كله، فلا شيء له، فإن ترك، فله بما اقتضى أجر عمله، ولو سمى له جعلا يكون له، قبض الدين أو لم يقبضه، فلا أحبه، فإن عمل، فله أجر مثله محمد: فيما اقتضى فقط عيسى عن ابن القاسم: ومن جعل لرجل دينارا في اقتضاء ستة دنانير دينا له، فل يجوز له في كل ما يقتضي بقصاصه من الدينار، فإن فعل على الوجه الجائز، ثم أراد رب الدين أن يؤخر به ويحيله على غيره، قال: فلهذا الدينار كله، وإن لم يقبضه إلا اليوم. قال مالك وإن قال في التقاضي لك من كل مائة دينار دينار: فليس بحرام، وغيره أحب إلي منه. قال ابن القاسم: إن كان إن لم يقبض المائة كلها، فلا شيء له، فلا يجوز، وإن كان له من كل ما اقتضى جزء بحساب ما سمى، فجائز ولو جعل له في طلب ضائع أو اقتضاء دين، وعلى أنه إن لم يأت بشيء، فله كراؤه ونفقته، لم يصلح، وهو من شرطين في شرط أو كراء أو جعل مالك، ولو أعطاه صكا بدين يطلبه على أن ما [7/ 25]
قبض فله ثلثه، فجائز قال مالك: وإن قال: أخرج في مالي ببلد كذا، فإن جئتني وقت كذا، فلك دينار، وإن لم تأت به إلى هذا الوقت، فلك نصف. لم يجز فأن نزل، فله أجر عمله وشخوصه. قال محمد: إن انتفع الذي بعثه بشيء فله بدر ذلك. وعيسى، عن ابن القاسم، في العتبية فيمن له طعام من بيع على رجل، فقال الرجل: اقتضه، فما اقتضيت منه، فلك ربعه. قال: ويجوز وهذا بيع الطعام قبل / قبضه. قال عنه أصبغ: وإن جعل لرجل في دين يقتضيه ثلث ما يقبض، فمات أحد الثلاثة قبل يقتضي أو قد اقتضى بعض ذلك، فإن مات المجعول له وقد عمل، فورثته بمثابته إن كانوا أمناء ما دام صاحب الحق حيا، وإن فات قبل أن يتقاضى شيئا، فلا حق لورثته، كالقراض يموت العامل قبل يعمل أو ق بل يشغل من المال شيئا، وإن مات الجاعل، فليس للمجعول له ولا لورثته تمام ما بقي. قال: في كتاب [محمد إلا أن يشاور به الجاعل] وكذلك لو فلس رب الدين أو هلك وعليه دين محيط، فمنعه العزماء، فذلك لهم، ويسقط جعله فيما بقي من العمل خاصة، ولو مات الذي عليه الحق، فالمتقاضي على جعله، وله أن يتمادى اقتضى شيئا، أو لم يكن اقتضى. قال أصبغ: وكما لو أراد الطالب أو غيره تفليسه، فإن المجتعل على جعله، وكذلك الموت وورثة الأجير بمنزلته إن كانوا أمناء، وقاله أصبغ كله على الاتباع وفي بعضه بعض المعنى [يريد أصبغ] في موت الجاعل وتفليسه، وذكرها من أولها في كتاب محمد مثل ما ها هنا، سواء قال: وسواء في موت الجاعل على قول ابن القاسم اقتضى العامل الجعل أو الأقل، أنه ينفسخ فيما بقي. وفي الباب الأول من جعل في تقاضي دين، ثم حط الدين ربه، أو وخر به. [7/ 26]
في الجعل على الخصوم
في الجعل على الخصوم قال مالك، في كتاب محمد، وفي العتبية نحوه عن ابن القاسم من رواية يحيى بن يحيى قال: ولا يصلح الجعل على الخصوم في الحق قال ابن القاسم: إذ لا يعرف لفراغه حد قالا: ولكن يواجره / على ذلك بأجر معلوم وأمد معلوم. ومن كتاب محمد، قال أشهب: يكون له ذلك ظفر أو لن يظفر قال ابن القاسم: ثم ليس له ترك ذلك حتى يستجرحه. قال أصبغ وكالإجارة على بيع السلع وإن لم يسم وقتا إذا كان لذلك وقت عرف الناس، والأجل على كل حال أحسن. قال أشهب: قال مالك: ومن له ميراث ببلد، فجعل لمن يأتيه به شيئا معلوما، فلذلك جائز، وأما أن يخاصم فيه، فلا. وكذلك إن قال: فلك ربعه فجائز إن كان مالا معروفا موضوعا ولا يخاصم فيه، وأجاز في رواية ابن القاسم الجعل على بيع ما وقع له في شيء آخر نم ميراثه، وقبض ثمنه، والخصومة فيه بجعل مسمى وإن لم يضرب أجلا إذا عرف ذلك الميراث ووجه [مطلبه ثم] كرهه في الحاضر والغائب، إلا بإجارة وأجل على أن يبيع ويتقاضى فإن باع دونه فله بحسابه، وبه قال ابن القاسم، وأصبغ قال ابن القاسم: ولو وقع على الأمر الآخر رجوت أن يجوز. قال أصبغ وأما في الحاضر، فلا أفسخه إذا عرف وجه ذلك، فإن كان سفر، وخصوم، فسخته، وإن قال: رردته إلى إجارة مثله. قال محمد: يريد أصبغ: وكان البيع منه يسيرا وقد روي عن مالك أنه كرهه لا أن يبيعه، ثم يجعل له في التقاضي جعلا، قال ابن القاسم، في رواية يحيى بن يحيى، في العتبية: ولو [7/ 27]
في الدلالة على البيع والنكاح وشبهه
قال: قم لي بشفعتي، فإن استحققته، فلك نصف سهم لم يجز، ولو جاز الجعل في الخصوم ما جاز في هذا؛ لأنه كبيع ما لم ي ملك بعد. ومن كتاب محمد ابن القاسم: إذا واجره على الخصوم، ثم ادعى به تقصيرا في حجته نظر السلطان وإن رأى [ذلك أمره بالقيام بحجته] وإلا فسخ / الإجارة بتقصير، وكذلك إن لم يضرب أجلا فترك الطلب ولا يعاوده ويرى ضررا فيفسخ ذلك؛ لأن تركه يدخل في وقت يجري عليهم له في ذلك حق وأنه إذا واظب بالحرص ومضى وقت يتم في مثله أمر تلك الخصومة، وتأخر ذلك بسبب ما كان قد بلغ وكالأجل المضروب. ومن العتبية، سحنون، عن ابن القاسم، في الذي جعل له على الخصوم في قرية ثلثها ثم تصدق عليه بذلك. الثلث حازه، ثم قاموا فساد الجعل، وقال هو: قد أخذته صدقة، وأقام بينة، وأقاموا هم بينة أنه أقر أنه أخذ في جعله، وهم مقرون بالصدقة، وقالوا: ظننا أنه يلزمنا، وقاموا بعد سنتين فلم ير قراره يضره، ولا ينفعهم دعوى الجهل في الجهل في الصدفة، وكأنهم أعطوه ذلك فيما لزمهم من جعله، لأنها ترجع إجارة، فكأنهم أعطوه ذلك في الإجارة، ولا عذر لهم بالجهل. في الدلالة على البيع والنكاح وشبهه من كتاب محمد: وأجاز مالك الجعل في الدلالة على البيع، وكرهه في النكاح: قال ابن القاسم: وهو أن يقول: دلني على من أبتاع منه، أو على من يبتاع مني، أو يستأجرني، أو استأجره ولك كذا فذلك جائز، ولكما لازم وكرهه مالك في النكاح، ولا شيء له، وإن دله، والمرأة والرجل في ذلك سواء لا يجوز ذلك، ولا شيء له إن تزوج. قال أصبغ: لأن النكاح لا بيع فيه ولا كراء [وما بين] ذلك عندي فرق، ولا حجة قوية. [7/ 28]
قال ابن القاسم: وأما / إن قال: اسع لي في نكاح بنت فلان فذلك لازم وإن لم يكن فيه سعي وقال أصبغ وهذا والدلالة منه في امرأة بعينها أو بغير عينها، وكذلك من المرأة، وذلك لازم كالدلالة على البيع، وقد قال مالك في طباخ قال لرجل: دلني على من يخرج معي إلى سفر، وهو يطبخ لبعض السعاة، ولك علي كذا إذا رجعت من سفري، فذلك له لازم إن دله. قال ابن ميسر: قوله حتى أرجع من سفري مكروه؛ لأنه لا يدري متى يرجع. ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك، فيمن قال: دلني على من يشتري مني جاريتي، ولك كذا، فذلك لازم، وأما إن قال: دلني على امرأة أتزوجها، فلا شيء له. قال سحنون: ذلك لازم في النكاح والبيع. قال عيسى بن دينار، عن ابن القاسم: وإن قال: اسع لي في نكاح بنت فلان أو اشخص لي فيه، ولك كذا، فأما في البلد، فجائز، ولا يجوز عى أن يشخص فيه إلى بلد آخر. ومن الواضحة قال: ولا بأس بالجعل على الدلالة على الشراء والنكاح. وكرهه ابن القاسم في النكاح، ورواه عن مالك. وقاله أصبغ، وقال: قد أجاز مالك بجعل في رجل قال الرجل: احلف، [أنك لم تشتمني] ولك كذا. فيحلف، أنه يلزمه. قال ابن الماجشون: بلغنا أن ابن عمر أجاز الجعل فيمن جعل لرجل جعلا على أن يرقى الجبل إلى موضع كذا منه، ولم يجز مالك مثل هذا إلا فيما ينتفع به الجاعل. [7/ 29]
في الجعل والإجارة على الاكتحال، وجعل الطيب
في الجعل والإجارة على الاكتحال وجعل الطيب من كتاب محمد، قال ابن القاسم في الرمد: لا بأس أن يشارط الكحال على عشر / كحلات معلومات بدرهم إن كانت راتبة إن استراح ببعضها، فله بقيتها وإن فيه [نفعا] وأجوز فيه أن يشترط إن برئ فبحسابه ولا ينقد قال أشهب في الطبيب، يشارط على البرء ثم يريد أن يتعجل حقه، فلا خير فيه، قال ابن وهب، عن مالك: ولا شيء له حتى يبرأ، إلا أن يكون شرط شرطا جائزا فينفذ محمد: يريد على شربات أو كحلات ومن العتبية عيسى عن ابن القاسم، وابن وهب في مشارطة الطبيب على أنه إن برئ فله كذا، وإن لم يبرأ، فله ثمن الأدوية، فلا يبنغي ذلك، وهذا من شرطين في شرط. في الجعل على الحفر والبناء وغيره والإجارة في ذلك من كتاب ابن القاسم: ومن جعل له على حفر بئر، فحفر بعضها، ثم مرض، فلا شيء له، إلا أن ينتفع به الجاعل، فيأخذ منه قدر ما عمل مما انتفع به، وكذلك لو قال: من جاءني بخشبة من مكان كذا، فله كذا. فجاء بها رجل إلى نصف الطريق، فلا شيء له، إلا أن يحملها صاحبها فينتفع بحمل الأول، فيغرم له أجره بقدر انتفاع ربها بالحمل الأول. قيل: فالمبتاع بجعل في بيعه فيبيع نصفه، قال: ليس هذا مثل البئر والخشبة. [7/ 30]
ومن العتبية، من رواية أصبغ، مثل هذا كله من كتاب محمد، قال مالك: وإذا انهدمت البئر في الجعل قبل تمامها فلا شيء له، وإن تهدمتن بعد تمامها فله الجعل، وفراغها إسلامها إلى الجاعل وإن لم يقل خذها، وإن عمل بعضها، ثم تركها، فلا شيء له، فإن أتمها الجاعل أو جعل الآخر فأتمها، فللأول بقدر / عمله مما انتفع له العامل الآخر، قال ابن القاسم بالاجتهاد فقد يصادف الأول أرضا رخوة أو صلبة والثاني خلافها. وكذلك القسم بالاجتهاد في العتبية ابن القاسم، عن مالك: قال عيسى: قال ابن القاسم: يقضي الذي جعله كاملا، وعلى رب البئر قيمة ما انتفع به من عمل الأول، كان أقل من الجعل الأول أو أكثر، ابن القاسم: وإن قال له فيما يهلك من الأرضين: احفر لي ها هنا بئرا ولك كذا. فحفر بعضها، ثم انهدمت، فإذا كان فيما يملك لم يصلح فيه الجعل إلا إجارة ومقاطعة، فعليه حبس تمام العمل فيما يشبه ذلك، ويحفر له في أرضه على أنه إذا قبض الماء وتم البناء كان بينهما رقبة البئر بمائها وبنائها فإن كانت أرض قد عرف قرب مائها وبعده وشدة الأرض وسمى له قدرا معلوما، فجائز، وإلا فلا خير فيه. وقد أجاز مالك إذا أشكل الأمر فيه على الأذرع ومن العتبية أشهب، عن مالك: وإذا انهار البئر قيل فراغه، وقد جعل له فيه جعلا، فيحفر لهم، وإن انهدم بعد تمامه، فلا شيء لهم، وله جعله؛ لأنه قد فرغ من عملهم وبرئ منه إليهم وإن شاءوا ثمنهم أو أخروه. ابن القاسم، عن مالك: ومن واجر رجلا يحفر له عينا على خمسة آلاف ذراع، وما وجد في الأرض من صفا فعى رب الأرض أن يشقه فعمل فيها، فوجد في [7/ 31]
في المجاعلة في الأرحية والبناء على النصف
الأرض نحوا من مائة ذراع فشقها الرجل، فما فرع قال له الرجل اعمل لي بدلهما [وموضعه الذي يعمل أكثر / من موضع وجد فيه الصفا قال قد دخلا فيما لا خير فيه، وأرى عليه قدر قيمة الموضع الذي شقه الرجل يغرمه، ولا يعمل له بدله، يريد: ينظركم ذلك من الأرض من قدر العمل، فيرد قدره مما أخذ. قال ابن القاسم: لا أقول ذلك، ولكن بعطاء أجر مثله. وقال سحنون قال ابن حبيب: والإجارة في الحفر أن يقول: أواجرك على حفر هذه البير بيديك وطيها، أو دور طيها بكذا أو على أن تعمل لي في عشرة أيام أو شهرا، قال وما يحتاج من حبال وقفاف وأجر، فعل رب البئر، وكذلك في البناء، وإذا مات الأجير قبل تمامه، لم يتم من ماله، وله بقدر ما عمل، ولو منعته صخرة من التمادي فله بقدر ما عمل، وليس له ذلك في الجعل إلا أن ينتفع به بعد ذلك، فله بقدر ما انتفع به. ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن شارط رجلا يبني له جدارا، يجصص له بيتا، ولا خبرة له بالبناء ولا لرب البيت علم بما يدخل فيه، فذلك جائز كان بصفة معلومة. في المجاعلة في الأرجية والبناء على النصف من الواضحة: ولا بأس بالمجاعلة على أرحاء الماء كالمغارسة على الشجر، أو على بناء بيت على أن له جزءا من ذلك، مثل أن يكون له منصب رحا، فيجاعله على بناء رحا فيه، بصفة كذا ويحجر كذا، وخشب كذا ولك إذا تمت ثلثها أو نصفها بأرضها، ثم ما احتاجت في المستقبل من مرمة أو بناء، فعليهما بقدر [7/ 32]
ملكهما فيها، ولا يجوز أن يشترط عليه قيامه باغتلالها ما بقي، ولا أن تكون معاملتهما على عدة من السنين، ولا على أن يكون للعامل / في القاعة شيء وله جزء من الغلة، فإن وقع على أن له جزءا من الغلة دون الأرض، فالغلة كلها لرب الأرض، وعليه للآخر الأقل من قيمة عمله قائما يوم فرغ منه أو نفقته التي أنفق، وثمن ما أدخل من صخر وخشب مع قيمة عمل يديه، فإن أتى سيل فأبطلها قبل النظر في ذلك، فليس للعامل شيء، لأنه عمل على أن عوضه في غلة ما عمل بعينه، وإن كان غررا، فلا شيء له إذا ذهب ولو كان محمله، محل الإجارة على الشيء بغرر من غيره لأعطي قيمة عمله، ذهب أو بقي، ورد ما أخذ من الغرر الذي لا يصلح إن أخذ شيء وتمضي الغلة بينهما كما اغتلاها، ولا ترجع إلى ربها، ولا ينظر فيها بشيء إذا ذهب، ومثل هذا أن يقول: اعملها على صفة كذا، وأنفق عليها كذا، هي لك بذلك كذا وكذا سنة لأنه أخذها منه بذلك تلك السنين بما سمى له من النفقة، فإن قصرت النفقة التي سمى عن تمام عملها، مغلى رب الردا، وإن تم بدون ذلك، فما فضل له، ولو قال له: اعملها على صفة كذا ولم يسم ما ينفق، فذلك جائز، وكذلك إن قال: أصلح قناتي هذه وما يخرم من سدها، ولك اغتلاها سنة، فذلك جائز وكذلك المعاملة على بناء العرصة، دارا أو بيتا بصفة معلومة، سمى مما ينفق أو لم يسم، على أن له سكناها سنينا معلومة مثل الرحا، ولا يجوز أن يقول فيهما: وإذا انقضت المدة، فلك قيمة عملك قائما، أو: إذا خرجت أو إذا أخرجت، فلك قيمة عملك قائما، ويفسخ ما لم تفت بالعمل، فيكون على صاحب العرصة / والرحا الأقل من قيمة العمل يوم فرغ، أو ما أنفق على المعرفة بما أنفق، أو على تقدير وكذلك فسر لي مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن قال: أعطني عرصتك أبنيها بعشرة دنانير، أو بما دخل فيها، على أن أسكنها [كذا وكذا سنة]، فذلك [7/ 33]
في العمل على الدابة والسفينة بنصف الكسب أو نصف العمل
جائز، وإن لم يسم، فلا خير فيه، ولا بأس أن يقول: ابني فيها بيوتا بصفة معروفة وذرع معروف، على أن لي نصف ذلك. في العمل على الدابة والسفينة بنصف الكسب أو بنصف العمل أو يكريها أو يكري الدار بنصف الغلة وفي العمل في المعدن على ذلك أو في الصيد وفي الشيء بينهما يتداولانه في خدمة أو غلة من كتاب محمد: ومن دفع سفينته أو دابته إلى من ي عمل عليهما على نصف كسبها، لم يجز، والكسب للعامل، وعليه كراء مثلها. قال محمد: إن لم يسلم إليه السفينة أو الدابة وهي بيد ربها، وهذا يعمل معه فيها، فالكسب لربها، وللعامل أجر مثله. قال مالك: ولا يدفع دابته إلى من يحطب عليها على النصف محمد يريد: بنصف ثمن الحطب ولو كان نصف الحطب مما ينقل، لجاز. قال يحيى بن سعيد: إذا قال فما حطبت من الحطب: أو قال: من الماء، فلك نصفه، فجائز، قال محمد: ويجوز على حملات حطب معلومات، كما لو قال: لي نقد: ولك نقلة ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، قال إذا دفع دابته أو سفينته لمن يعمل عليها اليوم لنفسه، ويوما لربها، فذلك جائز، فإن أخذ ... ها فعمل أو يوم لنفسه، ثم نفقت قبل يعمل لربها، فلربها عليه كراء دابته [7/ 34]
ذلك اليوم، ولو بدأ فعمل له يوما، ثم نفقت، فليدفع ربها إليه أجرة عمله ذلك اليوم. قال أبو محمد: وأعرفه في غير هذا الموضع إن بدئ بيوم الأجير، فلرب الدابة أن يأتيه بدابة أخرى. يعمل عليها، وهذا هو أصلحهم قال: ومن دفع قاربه، أو شبكته إلى من يصيد له يومين، ولنفسه يوما، قال: أرجو أن يكون خفيفا فيما قرب مثل شهرين وأستكثر شهرين. ومن الواضحة ومن دفع دابته على نصف عملها، فإن أراد النصف من عملها كراءها، أو ما يكسب على ظهرها لم يجز والكسب له ولربها كراء مثلها عليه وإن عاقه على العمل عائق، وعرف ذلك بأمر معروف فلا شيء عليه إذا لم يكرها بشيء مضمون عليه، وإن قال احتطب، أو احتش، ولك نصف ما تحتطب أو تحتشى فإن كان ذلك ممكنا فجائز، وكذلك: فلي حمل ولك حمل، ولأن وجه الحمل معروف، ولو كان الحمل موصوف القدر، كان أحب إلي، وإلا فهو جائز، وإن اختلفا في قدره حمل على الوسط من الأحمال، ولو كان الحطب والحشيش متعذرا، لم يجز ذلك، إلا أن يقول: فما احتطت، فلك نصفه، لأنه خطر ويصير وكقوله: أكرها أو اعمل على / ظهرها، فما عملت عليها أو اكتريتها به من شيء، فلك نصفه. فلا يجوز إلا على تسمية حزم موصوفة، وهو في السفن مثل ما ذكرنا في الدواب، وأما في الدرر والحواتيت والأرصاد، إن قال: قم لي بذلك بنصف غلتها لم يجز، فإن نزل فالخراج لربها، ولهذا إجارة بدنه، بخلاف السفن والدواب، لأن المستأجر في الدور وشبهها الرجل، وأما السفن والدواب فهي المستأجرة، وكله قول مالك، والي قال ابن القاسم، في المدونة إذا قال أكرها، ولك نصف الغلة فالغلة لربها، وعليه إجارة الرجل في السفينة والدار والدابة ومن [7/ 35]
كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا بأس أن يدفع إليه دابته يعمل عليها اليوم بشيء مسمى يصفه، أو في كل يوم، وأما إن أجره بدينار وأعطاه دابته على أن تأتيه كل يوم بشيء مسمى من طعام أو غيره، لم يجز قال محمد: وأما بدرهم كل يوم، فلا يجوز، وأما طعام، فلا أدري لم كرهه؟ وكذلك لو أعطاه طعاما وضمنه درهما كل يوم، لجاز قال ابن ميسر: إذا وصف ووجل الأجل، قال مالك: إذا شرط في الأجر، أن يأتيه الأجير بالخراج، فلا خير فليه، وإن لم يشترط، فرضي بذلك الأجير، فلا بأس به لأمانة، وفي المدونة لا بأس بإجارة العبد ذي الصنعة على أن يأتيه بالغلة، ما لم يشترط غلة معلومة، قال مالك: ومن دفع دابته إلى رجل فيعمل عليها على أن يأتيه كل يوم بكراء ضامن، فذلك جائز، قال محمد: صواب، لأنه ضمن. له / كراءها ـ قال مالك ولو أجره بدينار أو بدراهم، ودفع إليه دابته على أن يأتيه كل يوم بدرهم لم يجز، لأنه دفع دينارا أو عمل دابته سنة بدرهم كل يوم، وكذلك في الواضحة، إذا كان طعامه وكسوته على المستأجر وعلى نفسه، فلا يجوز. قال مالك: ولا يشترط عليه طعاما معلوما كل يوم قال ابن القاسم ولا عرضا معلوما؛ لأنه خطر إن زاد فله، وإن نقص فعليه. قال: وإن لم يضمنه شيئا معلوما وائتمنته على ما يصيب، فذلك جائز، قال محمد: أما إن أعطاه دينارا أو عمل دابته شهرا، على أن يعطيه كل يوم من الشهر ويبة طعام موصوف، فجائز، ولا يجوز على أن يكون له عليه دراهم، ولا بأس أن يعطيه دابته أو سفينته يعمل عليها اليوم لنفسه، وغدا لك، ولا أحب أن يقول: ما كسبت عليها غدا فلي، ولو كريته دابتك اليوم بعمله عليها لك غدا، لجاز. وكذلك إن استأجرك ودابتك اليوم بنقل كذا بدابته، ونفسه غدا، وإنما يكره في الكسب أن يقول: أعطني ما كسبت دابتك اليوم بما كسبت دابتي غدا، ولو كانت الدابة بينكما، لم يجز أن يقول: ما كسبت اليوم فلي، وما كسبت غدا فلك، وكذلك في العبد، [7/ 36]
قال مالك: وإن قال: استخدمه أنت اليوم، وأنا غدا، فهو جائز. وكذلك شهرا، وأنا شهرا. قال محمد إنما يجوز في الخدمة خمسة أيام فأقل، ولا يجوز في الكسب، ولا يوم واحد، وقد سهله مالك في اليوم الواحد، وكرهه في أكثر منه، وأجازه في / الخدمة وأكرهه في عمل الدابة أيضا أكثر من خمسة أيام وقد كره مالك النقد في إجارة العبد يقبضه إلى عشرة أيام وكرهه ابن القاسم، وأجاز النقد فيه في خمسة أيام فدفعك الدابة الشهر هو تعجيل للنقد في الشهر الثاني، قال محمد: ولا يدخل في خمسة أيام دين بدين وقد أجاز مالك أن تكري منه دارك أو أرضك هذه السنة بداره وأرضه عام قابل ولم يجزه في الحيوان. ومن العتبية أشهب عن مال ومن قال [لرجل أعني بعملك خمسة] أيام أعينك مثلها جاز وكذلك في الحصاد وغيره. قال أصبغ وإن قال أعطني عبدك النجار يعمل لي اليوم بعبدي الخياط يخيط لك غدا فلا بأس به. ومن العتبية قال أصبغ ومن بعث رجلا يعمل له في المعدن وينفق عليه على أن له نصف ما أصاب أو ثلثه لم يجز فإن فات بالعمل وقد نزل في معدن الزبرجد من ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيره واختلف فيه فكان ما استقر فيه من أكثرهم وأكابرهم إنها إجارة فاسدة استوجر عليها فللعامل أجر مثله على الذي بعثه وكل ما أصاب فللذي بعثه كمن واجر أجيرا على أن ما كسب فهو له الإصابة له والحرمان عليه وليس للأجير يعني أجير المعدن إلا إجارة مثله في شخوصه وفي عمله في إقامته فإن وفرت عليه إجارته على إن طعامه على نفسه حوسب بما أنفق عليه وإن قومت / على أن طعامه هعلى من واجره دون ذلك ودخل طعامه في الإجارة وكل سائغ وله أجر مثله أصاب أو لم يصب يريد في المعدن ولو واجره على [7/ 37]
في إجارة المعين من رجل أو دابة أو على عمل أو رعاية في شيء بعينه
ذلك بطعامه أو بطعامه وشيء معلوم أو شيء معلوم بلا طعام كان جائزا وإنما يفسد إذا جعل له جزءا من الإصابة قد يقل ويكثر وكذلك من واجر أجيرا يصيد له يوما صيد البر أو البحر بأجر معلوم فهو جائز وعليه أنه يجتهد فيما يعمله الصياد من إلقاء شبكة ونصب حباله وغير ذلك مما يعمله الصائد. قال أشهب في كتاب ابن المواز من واجر رجلا وجهزه إلى معدن الزبرجد على أن ما أصاب فللذي جهزه فهو جائز وقاله أصبغ ولو كان على أن ما يصيب بينهما لم يجز. في إجارة المعين من رجل أو دابة أو على عمل أو رعاية في شيء بعينه وما هلك من هذا كله أو شرط خلفه من كتاب محمد ومن واجر أجيرا بعينه من أجير أو دابة أو سفينة لم يجز شرط خلف ما هلك من ذلك وأما خلف ما هلك مما فيه العمل عن دواب يعمل عليها أو غنم يرعاها ومال يعمل به فلا يصلح العقد عند ابن القاسم إلا بشرط خلف ما هلك منه ورواه عيسى أيضا عن ابن القاسم وقال غيره جائز أن لا يشترط خلفه والحكم يوجب ذلك في الواضحة قال في كتاب محمد وإنما يجوز ذلك في غيره مبهم من العدد فما تقص أتى / بمثله ما دام الأجير باقيا والذي يريه من غنم يرعاها أو متاع يحمله أو يعمله هو كالصفة لا يجوز الشرط فيما فيه العمل من ذلك وشبهه وضرب الأجل فيه أو في تبليغ كتاب أو الوصول إلى بلد في الكون على أن يقبض عليه لا يعدوه إلا في موت الضمين في الطير ومعلم الكتاب وموت الدابة تراض قاله ابن القاسم وهو استحسان لتعذر وجود المثل في هذه الثلاثة قال محمد فإما في موت الطير والمعلم والرائض فلا شك في فسخ الإجارة بذلك ولا يفسخ بموت أبي الصبي إلا أن لا يترك شيئا وأما الأعمال التي يشترط أن تكون مضمونه في الذمة والمقاطعات الحالة فذلك جائز فليس فيه عمل [7/ 38]
رجل بعينه ولا مركوب بعينه لا كمن أمر في الذمة يواجر من ماله في ذلك إن مات، وبعد هذا باب في موت الطير والأجير وإن دفع إليه ثوبا يخيطه مضمونات في ذمته فجائز إن لم يشترط عمل رجل بعينه. وروى أشهب عن مالك في الأجير على حصاد زرع في بقعة منها بعينها فهلك الزرع فلا شيء للأجير ولا عليه محمد ويرد الثمن أن قبضه وقال ابن القاسم الإجارة قائمة ويستعمله في عمله أو يواجره فيه محمد وهذا أحب إلي لأنها مقاطعة وكمن إكتري على حمل عدل بعينه أو طعام، قال ابن ميسر المحمول على وزن أو كيل بخلاف الزرع ولو كان على حصاد أيام لا يستعمله باقي الأيام. قال ابن حبيب فإن واجراه على / حصاد فدان بفدان فأهلكها برد فله أن يستعمله في مثله وضمان ما أعطاه من الأجير كرراهم قبضها وقد تقدم من هذا في باب عمل الشيء بنصفه من كتاب محمد ولا يجوز أن تواجر رجلا يعمل لك على دابة بعينها أو يحمل شيئا بعينه لا يعدوه إلا مثل الساعة واليوم وتجوز الصنعة على عمل شيء بعينه وهو مقاطعة في ماله لا يصلح فيه أجل وكل مال يصنعه الصانع لا يصلح أن يضرب في فراغه أجلا ولكن يشترط أن يشرع فيه أو إلى وقت معلوم ولو قال يعمل لي فيه كذا يوما أو فرغ أو لم يفرغ فذلك جائز. قال أشهب قال مالك ولا خير في أن يقول للخياط تعطيني الثوب بعد غد ولك ثلاثة دراهم قال عنه ابن وهب وكذلك على أن يبلغ له كتابا في يومين أرايت إن تأخر ساعة؟ قال ابن القاسم ولكن يكريه على اجتهاده وكذلك لا يضرب لبلوغ الدواب أجلا. وكذلك في العتبية من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، محمد قال أصبغ إن ذكر من الأجل في تبليغ الكتاب وخياطة الثوب وغيره مما يفرغ من مثله فهو جائز ما لم يك فيه إن لم يفعل فلا كراء له وقد بلغني عن مالك في الكراء يشترط فيه اليسير في أيام يذكرها إن أشبه السير فجائز. [7/ 39]
قال محمد: لا يعجبني هذا، ورواية ابن القاسم وأشهب، وابن وهب، بخلاف ما بلغ أصبغ، وقد انفرد ابن عبد الحكم برواية عن مالك، في قوم تكاروا / من كري على أن يسير بهم إلى موضع خمسة وعشرين يوما أنه أجازه وأراه يعني اكتراء دوابه خمسة وعشرين يوما إلى قرية فلان فهذا كالمياومة والمشاهرة، فأما على أن يبلغها في وقت معلوم، فلا خير فيه، فإن نزل وكان ي بلغ في مثله لا شك، رجوت جوازه، والبقية في أحب إلي، ثم رجع فقال: يفسخ، وله قيمة الكراء. قال مالك، في الخياط يواجر على أن يخيط ثيابا تسمى له، فأما الملاحف وشبهها فإنه يعرف نحوها [وأما الخز ففيه المرتفع فليره ثوبا] يعمل عليه أو يصفه، وكذلك العتبية، من سماع ابن القاسم، وقال: أو تكون صفة عرفاها. قال ابن حبيب، في الذي جعل له على تبليغ كتاب في يوم كذا، قال: إن بلغه فله جعله، وإن اعتلل أو قصر، فلم يبلغه إلا بعد [ذلك فليس له إلا ما جعل له ولكن أجر مثله بقدر ما انتفع إلا أن يتخلف مثل الساعة وما قرب مما لا يتفاوت فيه نفع ولا ضرر فيكون له عنده أخبار] انقطعت لبعدها منفعته بالكتاب فلا أجر له. وقاله ابن الماجشون. ومن كتاب محمد، قال مالك: ولا بأس أن يكري سفينته شهرا، قيل: إن الربح قد يبطئ؟ قال: والدابة تسير وتبطئ، قال محمد: ويسمى الموضع ومنتهاه، وقد اختلف فيه قول مالك، وهذا أحب إلينا. ولو قال: على أن يسير بهم إلى موضع كذا شهرا، لم يصلح. [7/ 40]
في الذي يقول في الخياطة أو تبليغ كتاب أو كراء: إن عجلته في كذا فلك كذا
في الذي يقول في الخياطة أو تبليغ كتاب أو كراء: إن عجلته في كذا فلك كذا في العقد أو عبد العقد من كتاب محمد والواضحة وفي العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن واجر غلمانا يخيطون مشاهرة، وهو يقاطع الناس على الثياب، فيطرح على أحدهم ثوبا على أنه إن فرغ منه اليوم، فله بقية يومه، إلا فعليه تمامه في آخر، لا يحسب له في الشهر، قال: أما الثوب الواحد الشيء لو جهد فيه أتمه، فلا بأس به، وما كثر فلا خير فيه، محمد: ولو كان هذا في أصل الإجارة، كان أكره، قال مالك: ولا يجوز في عمل الصناع أن يقول: إن عملته إلى أجل كذا، فلك كذا، وإن عجلت، فلك زيادة كذا، فلا يصلح ذلك في جعل ولا إجارة، ولا يكون الأجل في الكراء إلى البلدان، قال مالك: ومن واجر من يبلغ كتابا إلى ذي المروة، ثم قال بعد صحة الإجارة: إن بلغته في يومين، فلك زيادة كذا، فكرهه، واستخفه في الخياطة بعد العقد على التعجيل، وكذلك في العتبية، قال ابن ميسر: وهما سواء، قال ابن عبد الحكم في تعجيل الكتاب بزيادة: قد خفف، وكره، وكذلك في الخياطة، ولا إجازته أحب إلي. قال سحنون، في العتبية لا بأس به فيما بعد صحة العقد قال محمد وإن قال في الكتاب وفي الكراء في أصل العقد إن بلغت في أجل كذا، فلك الجعل، وإلا فلا شيء لك، فلا يجوز بخلاف الجعل في الضالة وبيع السلع، لأنه لا يبقى للجاعل / بعد العجز ما ينتفع به، وفي الأول إن شاء بقي له ما ينتفع به. [7/ 41]
في موت الأجير والظئر أو مرضيهما أو موت الأب
في موت الأجير والظئر أو مرضيهما أو موت الأب من كتاب محمد، قال مالك: إذا مات الأجير على أن يعمل بيده، انفسخ ما بقي، ووجبت المحاسبة، وإن كان مضمونا في خياطة أو حفر أو بناء، فهو في ماله، فإن لم يف حاص بذلك بقيمته يوم الحصاص لا يوم الإجارة، والأجير يعينه إذا مات أو مرض لا يؤتى بغيره، قال مالك، وإن مرض شهرا، فلا يعمل إذا صح في غيره وإن رضيا، ولبحاسبه ويأخذ ما بقي له، قال محمد: وأما الأجير والمرضع وغير المقاطعين على الأعمال يمرض أحدهم، فليرجع إذا صح في بقية المدة، ويحاسب بما مرض وكذلك رحى الماء ينقطع، وإن ماتت الظئر أو الصبي، انفسخت الإجارة، وذلك استحسان، يعني في موت الصبي، وقد تقدم هذا في باب إجارة المعين، وفي باب المراضع، وإذا مات أبو الصبي فقيرا، ولم يكن دفع إليها شيئا، فسخ ما بقي، وإن ترك شيئا فما مضى ففي رأس المال وما بقي ففي مال الصبي: قال مالك: ولا بأس على الكبير شرب لبن المرأة، ويسعط به ويتداوى إذا كان على وجه التداوي. وفي باب المركب تقف، في كتاب الأكرية، ذكر الريح تبطئ على المركب وقد سارت، هل لهم الفسخ؟ في الأجير يشترط عليه عملين، وهل ينقل من عمل إلى غيره؟ أو واجر أو أكرى شهرا بعد / شهر مختلفين والاستثناء في كراء الدار أو السفينة شهرا أو حملا من كتاب محمد، قال مالك: لا يجوز أن يشترط على الأجير أن يعمل له ما استعمله، إلا أن يسمى له أعمالا يقرب بعضهما من بعض قال ابن القاسم: ولا ينبغي أن يشترط عليه في المتباعد منها أنه بالخيار؛ لأنه خطر. الجعل [7/ 42]
قال محمد: ولا يشترط عليه في الخدمة سفر أيام يسميها في السنة، ولا سيتأجره على عمليه متباعدين، مثل أن يقول: يحرس في كرمي، ويبني لي هذا البئر، قال محمد: يجوز أن يشترط في شهر بعينه من السنة عملا آخر قد سماه، وقد قال مالك في الدار يكريها على أن إن احتاج إليها في شهر من السنة يسكنها، أنه جائز إن سمى الشهر بعينه، وكذلك في السفينة، قال في موضع آخر: قال مالك، فيمن أكرى دارا له بالفسطاط، وهو ريفي سنة على أنه إن قدم في حرث النيل سكنها شهرين، وإن لم يقدم، فالسنة كلها للمكتري؟ قال لا يعجبني هذا. قال مالك: ولا بأس أن يكري سفينته على أن يضرب له ضربة في الشتاء وضربة في الصيف، إلا أن يختلف ذلك في سيرها بالريح في سرعته وإبطائه، فلا خير فيه وكذلك في العتبية من رواية أشهب، عن مالك. ومن العتبية، قال ابن القاسم، فيمن واجر أجيرا للخدمة، وشرط عليه إن احتاج إلى سفر شهر أو شهرين في السنة / سافر معه، فلا بأس به قال في الواضحة إذا قال في أجير الخدمة: سافر معي حيث ذهبت واسخرك في السوق وسمى مثل هذا، فما كان يقرب بعضه من بعض، فجائز، وما اختلف في مؤنثه، وتباعد، في أجرته لم يجز، ولو ذكر الخدمة مجملا لجاز، [ويختدمه خدمة الرجال] ثم إن حوله من ذلك إلى ما يقاربه فجائز، وإن تباعد، لم يجز وإن رضيا. ومن كتاب محمد، قال مالك [وإن اكترى أرضا أو عينا وفيها غلمان فاشترط أنه إن] احتاج إلى عمل غلمان في أرض له أجراء استعملهم، فلا خير فيه، قال ابن القاسم وهذا خطر وإن استأجره في عمل واحد، فلا يخير إن [7/ 43]
يستعمله في غيره. إلا ما تقارب وأشبه أن يكون مثل اليوم الواحد أو الساعة مما لا يكون دين بدين وإن لم يشبه الأول فيجوز في هذا، وإن لم يحسن الأجير بعض ما استؤجر عليه أو ما نقله إليه من المشابه، أو اشترطه، فالمستأجر مخير أن يستعمله ما يحسن منه، وإلا فسخ الإجارة ما لم يكن ذلك العمل يسيرا لا خطب له، ولا ضرر في تركه. قال مالك: وإذا واجره يوما على نقل تراب، ثم بداله، أن يخيط له ثوبا، أو يحفر له حفرة، فذلك جائز في هذا القريب، ولا يجوز فيما بعد وقاله ابن القاسم، قال ابن حبيب: برضاهما، قال ابن حبيب ومن واجر أجيرا شهرين؛ يعمل في الشهر الأول عملا سماه وفي الثاني عملا آخر أو آجره شهرا على عمل ثم عامله، قبل تمام الأول على عمل آخر في الشهر الثاني مما أشبه وتقارب من العمل فجائز في المسألتين /، وما تباعد لم يجز؛ لأن كمن واجر رجلا في عمل لا يشرع فيه إلى شهر، أو واجر رجلا شهرا، ثم واجره غير شهرا ثانيا، وإذا كان عملا يتشابه، فهو جائز لمستأجر واحد لا يجوز لغيره، وقال ابن الماجشون، قال إن واجره شهرين شهرا بعشرة، وشهرا بخمسة، فتلك إجارة واحدة، ولكل شهر سبعة ونصف، وإن كان أراد أن يكون ما سمى لكل شهر، راتب تقع عليه المحاسبة في موت العبد ومرضه فلا يجوز قاله ابن الماجشون، عن مالك، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، قال: ولا يصلح حتى يكونا جميعا في كراء واحد على الشهرين نصفين. قال ابن القاسم: وإلا فهو من بيعتين في بيعة، لأن العبد إن هلك في الأول فالغابن الكري، وإن هلك في الثاني، فالغاين المكري. قال ابن القاسم: قال مالك: ومن أكرى داره سنتين؛ سنة بستة، وسنة بأربعة كراء مختلفا، فالكراء فاسد. قال سحنون: الكراء جائز، لا بأس به. [قال أبو محمد أرى سحنونا يريد هو على الأمر الجائز حتى يشترطا الذي قال مالك] قال ابن حبيب: وإذا [7/ 44]
في إجارة الرجل بعينه، أو كراء دابة أو دار بعينها وتأخير العمل أو السكنى وتعجيل النقد فيه
واجرته ثلاثة أشهر، ثم واجرته بقية السنة، ونقدته الإجارة، فذلك جائز لك، لا لغيرك في مثل العمل الأول، وفي الأكرية باب من هذا المعنى إذا واجره، أو أكرى منه في أمرين مختلفين. في إجارة بعينه، أو كراء دابة أو دار بعيبها وتأخير العمل أو السكنى وتعجيل النقد فيه وإجارة الرجل المدة الطويلة أو الدابة أو الدار وغير ذلك / من كتاب محمد، قال مالك: ومن واجر أجيرا يعمل له عملا إلى شهرين ولا يعجل النقد أو بعضه، لم يجز ذلك إلا في خدمة مضمونة، ولا بنقد في عمل رجل بعينه إلا فيما يشرع في عمله، أو عمل مضمون مؤجل، فإذا مات من هو عليه، كان ذلك في ماله، وهذا كالنقد في شرك الشيء الغائب، ويجوز في المضمون. قال أصبغ: وإن لم يشترط تأخير العمل شهرا، جاز أن ينقده، وإن لم يشرع في العمل، فإن واجره بخدمة أجلا طويلا، ويشرع في الخدمة، قال: روى ابن وهب، عن مالك، فيمن واجر أجيرا خمس عشر سنة، قال: لا يصلح وهذا كالدين، وكذلك ذكر في العتبية، وزاد: ولا بأس أن يكري سنة، وينفد كراءه. ومن كتاب محمد، روى عنه ابن القاسم، أنه أجازه في الحر، والعبد عشر سنين أو عشرين سنة، ويقدم كراءه قال: وما رأيت من فعله وأجازه ابن القاسم، في عشر سنين، وكره ما تطاول ولم ير ذلك في الدواب وهي أقرب فوتا ولا تكرى السنين الكثيرة. ومن الواضحة قال ابن القاسم: يكره كراء الدابة بعينها في السفر الأمد الطويل الخارج من أكرية الناس، وهي في غير السفر؛ من سقي زرع، وشجر وشبهه، يجوز في ذلك أكثر من حدة في السفر، ولا يصلح فيه الطول جدا، فنحن نكرهه في السفر، مثل الشهور ونحوها، ويجوز في غير السفر؛ لما ذكرنا، ونكرهه [7/ 45]
فيما طال من ذلك كالسنة ونحوها، ونجيزه في العبد أكثر من ذلك؛ لأن / عمل العبد لا ينقصه كالدابة، وليس هزاله وسمنه في بيع رقبته يتفاوت. ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن استأجر خياطا أو حائكا على عمل أثواب معلومة، على أن يعملا بيده، ويقدم إليه أجرته، ولا يعمل إلى شهر، قال: لا يصلح النقد في عمل لا يشرع فيه، فإن شرع فيه، فجائز أن ينقده فإن مات قبل يفرغ من عمله، أخذ بقية رأس ماله، ولا بأس بكراء دار يقبض إلى سنة، فأما الحيوان فلا، إلا إلى مثل شهر وشهرين ما لم ينقد. محمد: ما لم تكن الدابة في سفر قلت: كم يجوز فيه النقد؟ قال: اليوم واليومين، يريد في الدواب، قال ابن القاسم: ولا يعجبني في العبد إلى عشرة أيام أن ينقد فيه وأجازه مالك في خمسة أيام، وفي رواية أشهب، ولم يجز عبد الملك أن يواجر عبدا على ألا يشرع في عمله إلا إلى شهر، وقال: هو لا يدري كيف يكون العبد إلى شهر؟ قال مالك: ومن أكرى دارا سنة، فله أن يكريها من غير السنة الثانية بنقد أو بتأخير وأكرهه في الحيوان، لا بنقد ولا بتأخير محمد: ولو أكرى العبد مما هو في يده فذلك جائز بنقد وبتأخير، ولا يجوز من غيره. قال مالك: والغرماء يجوز أن يبيعوا دار الميت وفيه عقد كراء منه، ما لم تبعد المدة وأحاز السنة، وأما الأرض، فيجوز فيها وإن بعد عشر سنين، قال أحمد: إذا أمن فيها من الغرق والتشنج. قال مالك، ومن واجر عبدا من رجل سنة، فمضى منها شهر، فلا بأس أن يؤاجره منه سنة ثانية، ولا يجوز من غيره إلا فيما قرب، وفي رواية أشهب: وإن مضت، جاز أن يؤاجره سنة ثانية وينقده، قال ابن وهب، عن مالك فيمن أكرى دارا ثلاثين سنة؛ وكل سنة بدينار، فذلك جائز؛ لأنه بناء مأمون، لا يخاف عليه، ويجوز بنقد أو إلى أجل أبعد من أجل الكراء، ولا يجوز في الحيوان، ويجوز أن يؤاجر عبدا سنة، على أن لا ينقد إلى آخر السنة أو أبعد منها، ولم يره دينا بدين، قال مالك فيمن أسكن دارا حياته، فلا بأس أن [7/ 46]
في العبد المستأجر بعتق، أو الأمة هل توطأ؟ وكيف إن حملت الظئر؟
يكريها [مدة قريبة وينتقد ولا يكريها أكثر. قال] ابن القاسم: والقليل مثل السنة ونحوها، وقال أشهب وإن أكرى ثلاث سنين أو أربعة، لجاز عندي، ولو كرهت هذا لكرهت أن يؤاجر عبده أو نفسه مثل ذلك، وذلك سواه، ويجوز النقد فيه. ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك ومن واجر خياطا أو نساجا، وشرط عليه عمل يده، أو عرف أنه يعمله بيديه، قال: فلا يصلح فيه النقد إذا عرف أنه يعمله بيده، أو شرط ذلك، إلا أن يشرع في عمله، فينقده إن شاء، فإن مات قبل تمامه، رد إليه بقية رأس ماله، ولمن يستعمل له غيره أخذه مقاطعة، أو أجرة عليه أياما مسماة. في العبد المستأجر يعتق، أو الأمة هل توطأ: وكيف إن حملت الظئر! من الواضحة وغيرها، قال: والعبد يواجره السيد سنة، ثم يعتقه قبل تمامها، فالإجارة املك به، وهو حر بتمامها، لا يلحقه دين، وأحكامه أحكام عبد: قال ابن حبيب: فإن اختلفا في إجارته / لمن هي؟ قال مالك: يسأل سيده، فإن قال أردت أن يكون حرا بعد تمام السنة صدق، والإجارة له، قبضها أو لم يقبضها، وإن قال: أردت تعجيل عتقه فالإجارة قبضها أو لم يقبضها. ومن كتاب ابن المواز: وم واجر أمته، فله أن يطأها، فإن حملت، وجبت المحاسة، ولا يمنع الوطء كما لا يمنع أن لو أكترى مع زوجته، وأما الظئر فيمنع من وطئها، لأن ذلك يضر بالولد وتمام هذا في باب إجارة المراضع. [7/ 47]
في الأجير يدع العمل بعض المدة أو كلها أو يأتيه مانع من غير سببه
في الأجير يدع العمل بعض المدة أو كلها أو يأتيه مانع من غير سببه أو يشترط بطالة يومين وذكر الدعوى في بطالة الأجير العتبي قال عيسى، عن ابن القاسم: ومن واجر أجيرا مدة بعينها، أو شهرا، أو يوما، يعمل له عملا؛ في خياطة، أو خرازة، أو بناء أو طحين، أو غيره، فيروغ عنه حتى جاز الأجل، ثم يأتي، قد انفسخت الإجارة فيما يبطل، وإن عمل شيئا فله بحسابه، وإنما الذي يلزمه عمله بعد ذلك، مثل أن يقول: اعجن لي من هذا اليوم ويبة أو اطحن لي في هذا الشهر في كل يوم ويبة. فهذا لا يضر ذكر الوقت، وليس العمل بعد ذلك، وليس بواقع على وقت لكن على عمل مسمى. وكمن قال لسقاء: اسكب لي في هذا الشهر ثلاثين قلة فيروغ فيه، فذلك باق عليه: وأشهب، عن مالك: ومن واجر عبدا شهرا بعشرة دراهم؛ على أن له راحة يومين، فيبطل العقد، فأما غير اليومين كيف يحسب حصتهما؟ من الثلاثين أو من الثمانية / وعشرين قال مالك: الذي يأخذ بقلبي وما هو بالبين، أنه إن شرط على المستأجر طعامه في يومي الراحة المشترطين، حسب على الشهر، وكأنه أجره يوما على أن يترك له بعض النهار سويعة، وإن لم يكن عليه طعام، حسب على ثمانية وعشرين. ومن كتاب محمد، قال أشهب في الأجير، يقول: علمت لك السنة كلها، ويقول من واجره بطلت ولم تأت فهو مصدق، ويحلف، محمد: وسواء كان انقطاعه إليه، أو يغدو إليه كل يوم. ومن كتاب ابن حبيب، قال وإذا اختلف في كسور الأجير يدعى المستأجر أنه مرض أياما أو شهرا أو شهورا من السنة التي [7/ 48]
في العمل بغير تسمية أجر، وكيف إن خاط الثوب أو سكن المنزل بغير تساوم مختلف
واجر عليها، وأنكر ذلك الأجير أو رب العبد، فإن كان العبد أو الأمة لهذا المستأجر ليلها ونهارها، قول المستأجر، ويحلف نقد أو لم ينقد، وكذلك دعواه إباقا أو غيبة، لأنه مؤتمن حين أسلم ذلك إليه، وإن كانا يختلفان إليه من عند السيد، فالقول قول السيد مع يمينه، وأما الأجير الحر، فالقول قوله مع يمينه كان يختلف إليه، أو مأواه إليه، قبض الأجر أو لم يقبض وقاله ابن الماجشون، ورواه عن مالك. وقاله ابن القاسم، وأصبغ القول قول الأجير إن كان في يده، وإن لم يكن يأوي إليه، فالقول قول المستأجر، وساوى بين الحر والعبد وبالأول أقول. ومن العتبية، قال سحنون، عن ابن القاسم، فيمن أجر رجلا يحرث له شهرا، فينكسر المحراث أو يموت الزوج، فالكراء لازم؛ لأن ذلك من سببه، وإن جاء مطر فهو كالمرض ولا أجر له في ذلك. وفي / أكرية الدور باب في الدعوى في انهدام الدار ومدة السكنى. في العمل بغير تسمية أجر وكيف إن خاط الثوب أو سكن المنزل بعد تساوم مختلف من العتبية من سماع ابن القاسم، وعن الخياط المخالط أن لا يكاد يخالفني استخيطه الثوب، فإذا ف رغ راضيته على أجره، فلا بأس به، أشهب؛ عن مالك: ولا بأس بمشارطة الحجام على الحجامة، ولا بأس بكسبه، وكسب البيطار. قال ابن حبيب: لا ينبغي أن يستعمل الصانع حين يسمى أجره ومن كتاب محمد يسأل عن العمل بالقيمة، مثل التجارة؟ قال: لا أحبه، قال: لا يصلح الجعل والإجارة بغير تسمية ثمن. وقال فيمن دفع ثوبا إلى خياط، فقال: لا أخيطه إلا بدرهمين. وقال ربه: لا أخيطه إلا بدرهم. وجعله عنده، فخاطه، قال: ليس له إلا درهم، قال: ومن سكن منزلا، فقال ربه: بدينارين في السنة، [7/ 49]
فيمن عمل الرجل عملا بغير أمره أو خدمه أو حمل له حملا أو حصد له زرعا
وقال الساكن: لا أعطي إلا دينارا، وإلا خرجت إن لم ترض فسكن، ولم يجبه بشيء حتى تمت السنة، قال: ولا يلزمه إلا دينار. فيمن عمل لرجل عملا بغير أمره أو خدمة أو حمل له حملا، أو حصد له زرعا أو أنفق على عبده بغير أمره من كتاب اللقطة من العتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن ماتت راحلته بفلاة، فأسلم متاعه فِأتى رجل، فحمله إلى منزله فأصابه ربه، فليأخذه ويدفع إليه أجرة حمله وعمن غابت دابته في السفر، فتركها موئسا منها، فأتى من قام عليها / وأنفق فأفاقت، فلربها أن يأخذها ويعطيه ما أنفق عليها، ولا شيء له في قيامه عليها. من العتبية، عيسى، عن ابن القاسم، فيمن انقطع إلى رجل فصحبه أشهرا. يقوم في حوائجه ثم مات المنقطع عليه، فقام الذي خدمه بأجره ولم يبينه على عدد الشهور، فإن كان مثله إنما يفعل ذلك لما يرجو من مثله، فليحلف: ما أتى له شيئا [ثم يعطي له أجرة مثله في أمانت وقيامه وجرأته] وذكر ابن حبيب مثله سواء، وذكر عن ابن القاسم وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن ملك وصيفة أبوها حر فتركها عند أبيها حتى كبرت، ثم أخذت فطلب منه الأب نفقته، قال يحلف ما أنفق عليها احتسابا، ولا ليضعه عن السيد ويرجع بذلك عليه قال سحنون، فيمن سقط له ثوب في بئر أو جب، فنزل رجل فأخرجه بغيره أمره، فطلب منه أجره، فأبى، وقال: لم آرك فرد الرجل الثوب في البئر أو الجب قبل أن يأتيه أو ابتداء. فطلبه ربه، فلم يجده؛ فعلى الذي رده إلى البئر إخراجه، وإلا [7/ 50]
فيمن استؤجر على حرث أرض أو حصاد زرع فيعمل ذلك في غير ما أمر به
ضمنه ومن الواضحة ومن حفر لرجل كرمه، أو سقى أو حرث أرضه، أو حصد زرعه اليابس، أو قطع ثوبه وخاطه، أو طحن قمحه بغير أمره، ثم طلب أجره؛ فإن أن رب هذه الأشياء، لم يكن بد من الاستئجار عليها، ولم يكن يكتفي فيها بعمل يديه أو غلمانه أو أداته لا بالاستئجار، فعليه لهذا أجر عمله، وإن كان مثله لا يحتاج إلى شيء من ذلك، أو كان يحتاج ذلك إلا أنه ممن يليه بنفسه أو يغلمانه وأعوانه وأداته، ولا يريد فيه إجارة، فلا / كراء عليه قال ابن الماجشون، فيمن واجرته لرعي غنمك شهرا بكذا فلما تم أمرته يدفعها إلى فلان، قال ورعاها شهرا آخر، فإن كان بموضع سلطان فترك أن ينهى ذلك إليه، فكأنه رضي برعيها على مثل الإجارة الأولى، فيأخذ أجر شهرين، وإن لم يكن بموضع سلطان، فلا أجر له في الشهر الثاني، قال ابن حبيب: هذا إن كان رب الغنم ليس من شأنه أن يؤجر عليها، وإنما يأمر بإسلامها إلى غيره، ومن يكفيه، ولولا ذلك لزمه في الشهر الثاني إجارة مثل الراعي. فيمن استؤجر على حرث أرض أو حصاد زرع فيعمل ذلك في غير ما أمر به أو على بناء بقعة فاستحقت من كتاب محمد: ومن واجرته على حرث أرض، فحرث أرض جارك غلطا، وقد كان يريد حرثها، ولجاره عبيد ونفر فلا شيء عليه للأجير، وعلى الأجير أن يحرث لك أرضا. وقال أحمد بن ميسر: للأجير أن يستعمل دواب جارك مثل ما عمل. ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، ذكر المسألة وقال: إن زرعها فانتفع بالحرث، فذلك عليه، وإن لم ينتفع به، وقال: إنما أردت كراءها فلا شيء عليه. [7/ 51]
في الأجير على حراسة أحمال أو زرع كيف تلزمهم الإجارة بينهم؟
قال: وإن واجرته على حصاد زرعك فغلط، فحصد زرع جارك وكان الغلط من الأجير، نظر؛ فإن كان لجارك عبيد وأجراء يكفونه ذلك فلا شيء عليه، وإن جاء الخطأ من قبل صاحب الزرع، وكان جاره لا أجر له ولا عبيد، فليدفع إلى الذي واجر الحصادين قيمة عملهم /، وللأجراء على من استأجرهم أجرتهم التي سمى لهم قال ابن القاسم: ومن استأجرته يبني لك دارا بالريف بموضع معلوم، على صفة معلومة، فاستحقت البقعة، قال: فله إجارته ذاهبا ولا شيء له في رجوع. في الأجير على حراسة أحمال أو زرع كيف تلزمهم الإجارة بينهم؟ من العتبية، قال سحنون، في القوم يستأجرون أجيرا يحرس لهم أعكام متاع، ولرجل منهم العشرة، ولآخر خمسة وثلاثة، قال: الإجارة بينهم على عدد الرجال، لا على عدد الأحمال؛ لأنه يتمون في القليل بنظره وترك النوم مثل مؤنثه في الكثير وكذلك حبال المقاتي مختلفة في الطول والعرض والعدد؛ لهذا حبلان ولهذا ثلاثة، وكذلك الكروم، قال: وأما على جميع ثمرة الكروم والمقاتي، أو على الحراسة مع جميع الثمرة، فهذا عمل وعمل القليل بخلاف عمل الكثير، وهذا الحراسة مع جميع الثمرة، فهذا عمل وعمل القليل بخلاف عمل الكثير، وهذا فاسد؛ لأن الكراء يقسم على قيمة ما عمل لكل واحد، فلا يعرف أجره فيه إلا بعد القيمة مثل الرجلين سلعتهما في البيع في صفقة، وقد اختلف قول ابن القاسم في إجازته وأجازه أشهب. [7/ 52]
جامع القول في الإجارة في الرعاية وما يصحبه الراعي، وفي الراعي والأجير يعمل
جامع القول في الإجارة في الرعاية وما يصحبه الراعي وفي الراعي والأجير يعمل في أيام من استأجره من الواضحة ولا يضمن الراعي عند مالك إلا ما تعدى فيه أو فرط، وقال ابن المسيب: يضمن الراعي المشترك، ولا يضمن من يرعى / لرجل خاص وقاله الأوزاعي وهو قول مكحول، والحسن قال ابن حبيب: ولا يضمن إن قام فضاعت الغنم وإن نام نهارا في أيام النوم إلا أن يأتي من ذلك مما يستنكر، وما يجر إلى الضيعة، فيضمن أو يكون بموضع مخوف. مالك: ويصدق في الشاة يذبحها ويقول: إنها وقعت للموت. قال ابن كنانة، وأصبغ: ولا يصدق على مثله مستعير البقرة يدعي ذلك فيها، وإذا رمى شاة أو بقرة ففقأ عينها أو كسرها، ضمن ما نقصها، وإن أبطلها ضمن قيمتها تعمد أو لم يتعمد، وكذلك إن رمى كما يرمى الراعي الغنم، فحدث عن ذلك ما لم يرد، فإنه يضمن، كما أن من ضرب زوجته على وجه الأدب، أو معلم يضرب الصبي للأدب، فيكون عن ذلك ما لم يقصده، وإن يفعل ذلك، ولو كان أجنبيا، كان فيه القود وإنما لا يضمن الراعي ما أحدث عن رميته إن تزوي الشاة لرميته أو تحيد فتقع في مهواة فتنكسر، أو تقع في نهر أو تنطح صخرة فتنكسر، فلا يضمن هذا بخلاف ما تؤثر الرمية بنفسها، وهذا إذا رمى كما يرمي الرعاة، فإن رمى منعشا ضمن كيف ما عطبت بسبب رميته، ويصير كأجنبي، ويدل أنه يضمن ما أصابت رميته أنه لو رمى صيدا فأخطأه، وأصاب شاة فعطبت، لضمن، قال: وإن رجلا [لو رمى في بيته في بعض ما يجوز له] فيطيب جرة دهن عنده وديعة إنه ضامن، كما لو سقط عليها شيء من يده، ولو سقطت من يده، لم / يضمنها ومن واجر راعيا يرعى له غنمه، فإن شرط أن يضمنه إلى نفسه، فيكون تحت يده، فليس عليه أن يتم له عدة ما يرعى، وله أن [7/ 53]
يسترعيه ما يقوي مثله على رعيه من الغنم، وليس للأجير عن ذلك أن يرعى لغيره، وإن لم يضر ذلك بغنمه [لأنه أجير وله خذكته كلها] في الغنم، كالدابة يكريها ليحمل عليها، فليس لربها أن يحمل عليها إلا أن يكري منه حمل وزن مسمى، أو كيل، وكذلك إن واجره على رعاية عدد معلوم، فله أن يرعى غيرها، ويكون للراعي. أجرها إن لم يضر الأول، إلا أن يكون شرط عليه لا يرعى معها غيرها، فله شرطه وقال مالك، من استأجر على رعاية غنم معينة مذكورة العدد، فابن القاسم لا يجيزه حتى يشترط خلف ما هلك أو باع، وليس بصواب، والحكم بوجب له ذلك، ويستغنى على الشرط، وذلك على الأمر الجائز حتى يشترط تصريحا أن ما مات أو بيع، فليس عليه أن يرعى له مثله، فتفسد الإجارة، وكذلك قال ابن الماجشون، وأصبغ والغرض في رعي الغنم العدد لا الأعيان، وكذلك في الجعل في شراء الثياب وتقاضي الديون في كل مائة كذا، فهو على أنه بحسابه حتى يشترط ألا شيء له حتى يتم مائة، فيفسد، وإن شرط على الراعي الضمان، لم يلزمه وله أجر مثله، وليس له أن يسترعيها غيره إلا بإذن ربها، وإن فعل ضمن، وإن كان مثله في أمانته وعناية كالأمين يأتمن غيره. ولا يجوز له أن يسقي من ألبانها أحدا. ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب، عن الراعي يرعى للجارين، لهذا شاة، ولهذا شاتين، فهربت من الدورشاة فطلبها قليلا، ثم رجع إلى الدور هل هذا تفريط؟ قال: ليس هذا بتفريط، ولا ضمان عليه. ومن كتاب محمد بن المواز: وإذا كانت بينهما غنم، فواجر أحدهما الآخر على رعايتها بثمن سماه، فإن كان إذا شاء قاسمه، فذلك جائز كان فأهلك أو باع، رعى له مثله، وإن كان على أن لا يرعاها إلا الجميع، لم يجز، وللأجير على رعاية غنم أن يرعى معها غيرها، فهذا إن فعل فالأجر لمن واجره، وكذلك أجير الخدمة يؤجر نفسه من غيره يوما، فالإجارة للأول قاله مالك. [7/ 54]
في تفليس الأجير والمستأجر
قال ابن القاسم: إلا أن يدعه ويرجع بحصة اليوم فيما دفع، فذلك له هو مخير. ابن القاسم: والأجير في شهر بعينه لرجل، فيعمل فيه لغيره، فالكراء للأول إن كان أكثر، وإن كان أقل، أخذ بقية حقه منه محمد: وهو مخير في ذلك في المحاسبة وأخذ ما أخذ في ذلك. في تفليس الأجير والمستأجر من الواضحة: وإذا فلس الرجل، فأجيره في سقي زرع أو شجر، أو على عمل أرض على الغرماء وأجير الرعاية، أو على البيع أو التجارة أسوة وكلهم في الموت أسوة، وحامل المتاع على دوابه أحق به في الموت والفلس، قاله كله مالك، واختلف قوله في أجير / الزرع والشجر والأرض قمر برأه في الفلس دون الموت، ومراه برأه فيهما وقاله أصبغ، وبه أقول، وهو كالرهن ومن استأجر أجيرا في مال، فما لحق فيه من دين تجاوز ما في يديه، فهو المتبع فيه دون من واجره، وكذلك ما لحق به عبده التاجر في تجارته والصانع من ضمان في صناعته، فهو في ذمته، ولا شيء على سيده، وقاله كله مالك، وهذا المعنى. مستوعب في كتاب التفليس، فيه ما في كتاب ابن المواز وغيره، فتركت تكراره، إلا ما ذكرت ها هنا لابن حبيب. في الإقالة في الإجارة، وذكر الإجارة والسلف قال ابن حبيب: ومن واجرته سنة، ونفدته الإجارة عنها، فلا يجوز أن تقبله قبل تمامها إلا أن يأخذ منه عرضا، أو ما سوى العين نقدا، إلا أن يمرض. الأجير، أو يحدث لمن واجره سفر، أو يظهر من الأجير خيانة أو دعارة، فهذا ونحوه غرر، ويبرئها من الذريعة، وفي البيوع ذكر الإقالة في الأكرية والإجارة مذكورة. قال مالك: ولا يجوز أن تأمر الصانع أن يعمل لك على فصك خاتما بفضته، ليقضيه إياها مع إجارته محمد: فإن فعل، فليرد عليك فصك، وليبق له فضته التي [7/ 55]
في إجارة المراضع
صاغها قال مالك: وإن استقرضت فيه عشرة دنانير على أن يصوغها، لم يجز ذلك بإجارة ولا بغير إجارة؛ لأنك على ذلك أخذتها منه. ولو أسلفك دنانير، فلم تقبضها منه حتى / قلت له: صغها لي لم يجز أيضا، ويرد إليه ما صاغ لا شيء له غير ذلك، ولو قبضت منه الدنانير بغير شرط، وفارقته، ثم رددتها إليه يعملها، جاز إذا صح لب، ولم يقصد الصياغة أولا ومثل هذا وشبهه في كتابه الصرف في أوله، وفيه مسألة الصائغ يعطيه خمسين، ليصوغ لك خلخالين مجانة حتى يعطيه إياها مع إجارته عشرة دراهم، أو كان ذلك في تموبه لجام أو حلية سيف، وفي الحداد يسلفه حديدا، ويعمل لك به شيئا وفيه لابن حبيب من مثل هذا المعنى. في إجارة المراضع من الواضحة: ولا بأس بإجارة الظئر السنة والسنتين بشيء مسمى، على أن نفقتها في طعامها وكسوتها على أبي الصبي وإن لم يسم قدرها، وهذا معروف على قدرها وهيئتها وقدر أبي الصبي في غنائه وفقره، وقد اختلف في وطء الزوج إياها وقد استؤجرت بإذنه، فقال ابن القاسم: ليس له الوطء. وقال أصبغ: لا يمنع الوطء إلا أن يشرط ذلك عليه، وإلا لم يمنع إلا أن يتبين ضرر ذلك على الصبي، فيمنع حينئذ، لأن النبي عليه السلام ِإنما قال: لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ولم ينه عنه. وقول ابن القاسم أحب إلي، اشترط ذلك أو لم يشترطه ألا ترى أن الزوج لا يكون موليا باليمين لتركه؟ قال ويحمل من مون الصبي في حميح ودهن ودق ريحانة وغسل خرفه على المتعارف، فإن لم يكن عرف، فليس عليها غير الرضاع فقط /، إلا أن يشترط، وليس لأبي الصبي إن أراد الرحلة من البلاد فسخ الإجارة، ولا تنسخ إلا بموتها، أو موت الصبي. [7/ 56]
في إجارة نزو الفحل
ومن كتاب محمد ابن المواز: ولا بأس بإجارة الظئير إلى فطان الصبي. واتقى مالك استرضاع الفاجرة ولم يره حراما، قال ابن حبيب: وكره مالك استرضاع الكوافر والحمقاء والمأفونة قال ابن حبيب: ولما في الرضاع [من الطعام قال محمد] ابن عبد الحكم إذا تكفلت امرأة بوجه رجل، وقد كان غيره أجرها على رضاع ولده ثم قاما عليها، فلا تحبس لصاحب الدين؛ لأن الحمالة تطوع منها، وليس لها أن تتطوع بما يفسخ ما عليها من الإجارة، فإذا أوقت الإجارة، طولبت، وإذا استؤجرت امرأة في عملها، أو رضاع صبي ترضعه في بيت أهل، ثم مات زوجها فإنها. تبيت في منزلها بالليل، ولا نفسخ الإجارة إن طلبوا فسخها في العدة، للشرط المتقدم، وإن رضوا بمصير الصبي في منزلها، بقيت الإجارة ثابتة وإن أجرت ظئر نفسها، فأراد الزوج أن يسافر بها، فإن كانت الإجارة بغير إذنه، فذلك له، وتفسخ الإجارة، وإن كانت بإذنه، فليس له أن يسافر بها. قال محمد بن عبد الحكم، وعلى الظئير المستأجرة أن تغسل خرق الصبي ولحافه، وما يحتاج إليه، وتقوم من أمره بما تقوم به الأم وترضعه إن احتاج إلى ذلك، وتحمله إلى طبيب إن احتاج ذلك، وتدق ريحانه وغيره مما يحتاج إليه، فأما ما ترقد فيه الظئير من لحاف / وفراش، فذلك على ما تعارفه الناس أن يكون عليه، فإن لم يكن للبلد في ذلك سنة معروفة، فذلك عليها، ويكون على الأب لحاف الصبي ودشاره وما يرقد عليه. وإذا كان للظئير زوج في ذلك بأمره، فليس له أن يسافر بها وإن كان بغير أمره، فله أن يفسخ ذلك ويخرجها حيث شاء. في إجارة نزو الفحل في الواضحة ويجوز إجارة نزو الفحل نزوات معدودات، أو أياما، أو شهرا، فإن سمى يوما أو شهرا، لم يجز أن يسمى نزوات، ولا يجوز في ذلك كله شرط [7/ 57]
في إجارة المعلمين
الإعقاق وقال الحسن: لا بأس بإجارة الفحل ما لم يبصر أو يمصر، ودع عنك فتيا النوكي قال لي محمد عبد السلام: البصر الإكراه على الشاة قبل أوانها والمصر الجنب. ومن العتبية، قال عيسى بن دينار، عن ابن القاسم: لا بأس أن ينزى البغل على البغلة إذا استودفت، وكأنه كره فيه الإجارة، وقال: ليس فيه منفعة، ثم قال: لا أدري ما هو؟ قال عيسى: لا بأس به إذا أذنه، وإن استأجره إذا لم يجد من ينزى له باطلا. قال سحنون فيمن وافق رب الفحل عن أن ينزيه على دابته مرتين بدرهم، فأنزاه ضربة، فعقت الدابة، فليرجع بنصف درهم بمنزلة موت الصبي في الرضاع، ولا يؤتى بغيره. في إجارة المعلمين من كتاب محمد، قال مالك: ولم يبلغني عن أحد كراهية تعليم القرآن والكتاب بأجر، وكان سعد بن أبي وقاص يعطي الأجر على تعليم بنيه، وما روي من النهي عن ذلك، فذلك في أول الإسلام / والقران قليل في صدور الرجال، فأما بعد أن فشا وانتشرت المصا حف والتعليم ثمن لشغل بدن متولى ذلك، كبيع المصحف ثمن للرق والخط، وقد علم صفوان بن سليم، وعطاء بن أبي رباح في مبتدإ إسلامهما وأجازاه، قال الحسن: لا بأس بالاشتراط في تعليم القرآن شيئا معلوما، قال عبد الجبار بن عمر: وكل من فسألت بالمدينة لا يرون بتعليمه بالأجر بأسا ومن العتبية، سئل سحنون عن المعلم يعلم الصبيان بغير شرط [7/ 58]
فيجرى له الدرهم والدرهمان كل شهر، ثم يحذقه القرآن فيطلب الحذقة، ويأبى الأب ويقول: حقك فيما قبضت قال: ينظر إلى سنة البلد، فيحملون عليها، ألا أن يشترط شيء فله شرطه، وليس في الحذقة شيء معروف إلا على قدر الرجل وحاله. قال ابن حبيب: ولا بأس بالإجارة على تعليم الشعر، والنحو، وأيام العرب، والرسائل، وشبهه من علم الرجال وذوي المروءات، وأكره من تعليم الشعر وروايته ما فيه ذكر الخمر والخنا وقبيح الهجاء وقاله كله أصبغ قلت لأصبغ: فلم جوزت الشرط على ذلك بغير أجل، وهو ليس له حد معروف؟ قال: هو معروف كما أجاز ذلك مالك الشرط على تعليم الخياطة والخرز وشبهه، فإذا بلغ ذلك مبلغ أهل العلم به من الناس، وجب أجره وأجاز مالك شرط حذقة القرآن ظاهرا أو نظرا بأجل وبغير أجل الأولى، كمشترط خياطة ثوب في يومين، ففرغ فيه في ثلاثة، فله أجر مثله، وإنما يجوز الأجل في الحذقة. وفراغ الخياطة / إن ضيق الأجل حتى يخشى ألا يبلغ ذلك فيه والذي ذكر ابن حبيب من ضرب الأجل في الحذقة ليس بأصله، وكذلك في الخياطة، وقد ذكرناه فيما تقدم. ومن كتاب ابن المواز: وأجاز مالك التعليم مشاهرة، ومقاطعة، وكل شهر، وكل سنة كذا، ما لم يقل بعلمه في سنة أو سنتين، فإذا سميا سنة، فلا ترك لأحدهما، وإن قالا: كل سنة أو كل شهر فلكل واحد منهما الترك. قال ابن حبيب: ونحن نوجب حق الحذقة على حفظ القرآن ظاهرا أو نظرا ويقضي بها للمعلم بقدر دراية الغلام وحفظه في حذقه الظاهر، وقدر معرفته بالهجاء والخط في حذقه بالنظر، وليس لها قدر معلوم، وهي بقدر ملاء الأب وعدمه، وهي مكارمة جرت بين الناس وبين المعلمين كهدية العروس التي يحكم بها بقدر ملاء الزوج وعدمه قاله أصبغ وغيره، ولا يضره في حذقة الظاهر أن يخطئ الصبي في السورة الحرف والأحرف، وليس من يخطئ كمن لا يخطئ، فإما إن [7/ 59]
كان غير مستمر في القراءة ولا متوجه، فليس ذلك بحفظ ولا حذقة تجب له بل يجب عليه التعنيف من الإمام فيما كان يأخذ من خراجه، وكذلك إنما يجب له حذقة النظر إذا كان يتهجى حسنا، ويخط خطا جميلا، ويكتب ما يملي عليه، ويقرأ نظرا ما أمر بقراءته، فأما إن لم يحسن الهجاء ويحكم الخط ولا يقرأ شيئا نظرا فلا حذقة له، وعليه التعنيف من الإمام فيما كان يأخذه من خراجه، وكذلك إنما تجب له حذقة النظر إذا كان يتهجى ـ حسنا، ويخط خطا جميلا ويكتب ما يملي عليه، ويقرأ نظرا ما مر بقراءته، فأما إن لم يحسن الهجاء ويحكم الخط ولا يقرأ شيئا فلا حذقة له وعليه التعنيف من الإمام، وسواء كان يأخذ الخراج مشاهرة أو في كل شهرين، فالحذقة على الحفظ تلزم أباه / إلا أن يكون اشتراط عليه ألا حذقة له غير خراجه، فلا يلزم، وإن سكتا عنها، لزمته، اشترطها أو لم يشترطها، ويفترق ذلك إن أراد الأب إخراجه [الحذقة فإن كان شرطها] المعلم إن له في الحذقة كذا ولبه درهم في كل شهر، فللأب أن يخرجه إذا شاء، وعليه من الحذقة بقدر ما قرأ منها، ولو لم يقرأ إلا الثلث أو الربع، فله بحسابه من الحذقة، ولو شارطه على أن يحدقه كذا، فليس له إخراجه حتى يتم، ولا يجوز إذا اشترط الحذقة مع الخراج إلا أن يسمي لها شيئا معلوما، وأما أن يذكر الخراج ويشترط أن له الحذقة ولا يسميها، فلا يجوز ذلك، وإذا لم يشترطها، فهناك يحكم له بها بقدر الغلام في درابته وحفظه، وإذا لم يشترطها، ولا شرط للأب سقوطها وأراد إخراج الصبي قبل فراغه، فإن تدانت الحذقة بالأمر اليسير، مثل السور القليلة تبقى عليه، فقد وجبت له الحذقة كلها، وإن بقي ما له بال مثل سدس القرآن وأقل من ذلك فله إخراجه، ولاحذقة عليه لا كلها ولا على حسابها. وقال سحنون، إذا بلغ الصبي عند المعلم ثلاثة أرباع القرآن فقد وجبت له الحذقة، ووقف في الثلثين، وقال: الثلاثة أرباع أبين. قال ابن حبيب: ولا يلزم الأب حق الأمطار والأعياد إلا أن يشاء، وهي مكارمة حسنة في أعياد المسلمين، وذلك مكروه في أعياد النصارى، مثل النيروز. [7/ 60]
في إجارة المصحف، والإجارة في الأذان والإمامة
والمهرجان لا يجوز عطاؤه ولا قبوله، وكرهه الحسن، وقال: كان المسلمون [يعرفون] حق معلميهم إذا جاء عيد أو دخل / رمضان، أو قدم غائب، ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك أن تطرح ولدك عند النصراني، وكره أن يعلم المسلم أبناء المشركين الخط، وروى مثله أشهب، في العتبية عن مالك، ومثله في الواضحة. وكره أن يتعلم المسلم عند النصراني كتاب المسلمين أو كتاب النصارى في كتاب محمد، ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنونا، عن الرجل يريد أن يخرج ابنه من الكتاب بعد أن بلغ عنده ربع القرآن، هل يجب له شيء من حق الختمة؟ قال: لا يجب له شيء وإنما يجب له إذا قارب الختمة بمنزلة المدبر، وأم الولد للسيد انتزاع أموالهما إن لم يتقارب عنهم بمرض السيد، فلا ينزع منهم شيء قيل: فإن بلغ الثلثين قال: وقد قارب، والثلاثة أرباع أبين. في إجارة المصحف والإجارة في الأذان والإمامة قال ابن حبيب: لا يجوز إجارة المصحف، بخلاف بيعه، وكأنه ثمن للقرآن، وبيع المصحف ثمن الرق والخط وكره إجارته من لقيت من أصحاب مالك واختلف قول ابن القاسم فيه، وقد بيعت المصاحف أيام عثمان ولم ينكروا ذلك وكره ابن عباس أن يتخذ متجرا، وأجاز بيع ما عمل بيده، وتجوز الإجارة إلا على كتابتها، وكره مالك، وغيره النقط بالحمرة والصفرة، وأعبا ابن حبيب، رواية ابن القاسم، عن مالك في إجازة الإجارة على الأذان والإمامة، وكرهته في الإمامة، وقال: ذلك سواء / لا يجوز على أذان ولا صلاة؛ لأن ذلك كله لله معمول، وقد جاء في الحديث: «اتخذ مؤذنا لا يأخذه على أذانه أجرا» وكرهه عطاء إلا أن [7/ 61]
في ضمان ما يكترى أو يواجر
يعطى من غير شرط، وما روي من عطية عمر وغيره على ذلك، فلأن ذلك من مال الله، ونفق لهم على قيامهم بأمر المسلمين، وكذلك كان يجرى للقضاء والولاة رزقا وهم لا يجوز لهم الأخذ من مال من حكموا له [بالحق جعلا على حكمهم]. في ضمان ما يكترى أو يؤاجر من كتاب ابن المواز: قال من اكترى جفنة، ثم زعم أنها انكسرت أو تلفت أو سرقت، فهو مصدق، إلا في قوله انكسرت؛ لأنه يقدر أن يأتي بفلقتها، قال مالك: فأين فلقتها؟ محمد: إلا أن يقول: سرقت الفلقتان، أو تلفتا، فإن كان بموضع يمكن اظهارها، لم يصدق، وإن كان بموضع لا يمكنه صدق قال ابن القاسم: ويصدق في ذهاب الحلي والثياب قال مالك: ويصدق في ذهاب السرج واللجام على الدابة يكتريها بهما، ويحلف، ولا يضمن إلا أن يتعدى وقاله ابن القاسم. قال أصبغ: ويسقط عنه من كراء ذلك كله بقدر ما زعم أنه ذهب منه، قال ابن ابن القاسم: ويصدق في قوله: قد رددت ذلك قبضه ببينة أو بغير بينة وفي باب أكرية الدواب من هذا الباب مسائل، وفيه ذكر الدابة يدعي هلاكها، وفي باب الأجير يدعى العمل بعض المدة، وذكر التداعي في كسور الأجير / وبطالته، وهدم الدار، وانقطاع الماء ونحوه، وفيه أيضا في باب من أكريه الدور. باب في العبد يؤجر في عمل، فيهلك فيه روى عيسى، عن ابن القاسم، قال مالك، في العبد الخياط أو النجار يستأجره رجل في غير عمله، يحمل له شيئا، أو ينقل له لبنا أو غير ذلك، فيهلك [7/ 62]
في أجر القابلة
العبد فلا ضمان عليه، وقد يرسل العبد البناء في البناء، فيتعذر عليه البناء، فيؤجر نفسه في [غير عمله فلا أرى عليه ضمانا إن أصابه شيء في ذلك إلا أن يستعمله] في عمل مخوف فيه خطر، قال ابن القاسم [أو بعثه سفرا]. في أجر القابلة روى عيسى، عن ابن القاسم، في أجر القابلة: إن كان أمرا لا يستغنى عنه النساء فهو على الرجل، وإن كان يستغنى عنه فهو على النساء خاصة، وقال أصبغ: قال ابن القاسم: إن كانت المنفعة فيه للمرأة والصبي، والمضرة فيه عليهما، فذلك على المرأة والزوج نصفين، كأنه يراه على قدر المنفعة، قال أصبغ، أراه على الأب كله، يقول الله تعالى: [وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ففرض لهن ذلك بالولد، والولد هبة لما جميعا] وكذلك نوائب الولد ومصالحه التي يخرج بها ويحتاج إليها. في إجارة المولى عليه، ومن لا يؤمن قال مطرف، وابن الماجشون: ولا بأس أن يستأجر الرجل الغلام لم يبلغ، والجارية لم تحض من أنفسهما إذا عقلا وكان فيما فعلا نظر، ويدفع إجارتهما إليهما ويبرأ من ذلك الدافع ما لم يكن شيء له بال، وما كان في إجارتهما من محاباة فعلى المستأجر / تمامها، كان معهما ولي أو لم يكن، وكذلك لو عقد ذلك عليهما أخ أو عم، يجوز من ذلك ما يجوز إذا عقداه هما إذا قال: خطب ذلك، ولم يحاسبيا [7/ 63]
جامع في الإجارات [والأكرية]
فيه، ودفعه الإجارة إلى وليهما من أخ أو غيره يبرأ به في هذا [كله إن كان الولي مأمونا ولو كان ولي من الإمام كان أحب إلينا وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ ولا ينبغي] إن يؤاجر إلا المأمون، ولا تؤاجر إلا للمأمون، ولا تؤجر الجواري في الخدمة إلا من المأمون العفيف، ويتقدم فيه الإمام ويعاقب على خلافه، ولا يؤاجرن من غريب لا يعرف. جامع في الإجارة [والأكرية] من الواضحة: ومن واجر [أجيرا] على أيام معدودة أو كل يوم بدرهم على أن يوافيه إلى منزله لحصاد أو غيره، ومسافته عن يومين، فطلب [أن يحسن له في] اليومين، وقال المستأجر: إنما أحسب لك من يوم تصل قال بل يحسب له من يوم خرج من موضعه إليه؛ لأنه دخل في السفر الذي هو سبب عمله ولا يحتسب له شيء في انصرافه وقال ابن الماجشون: وقال أصبغ: إنما يحسب له من يوم وصل إلى موضع عمله، وإذا واجره على أن يشرع في العمل إلى أيام، فإنما يجوز من ذلك إن كانت قريبة كالجمعة ونحوها، هذا إن كان تأخيره لعمل هو فيه. الحر لنفسه، والعبد لسيده، وإن كان لغير عمل هو فيه، فلا وهو خطر قاله ابن الماجشون، وقاله مالك. قال: ولا بأس بإجارة الرجل ليحمل طعاما إلى رحى ويرده دقيقا، ولا يوقت لاحتباس الطحين وقتا، وذلك في غير إبان حمل الأنهار التي يكثر عليهم فيها الطحين فيخشى طول المدة، فلا يصلح في ذلك / إلا مؤقتا، وإن كان [في غير] إبان الجيش، فأما الجيش من غلة رحى أو غير ذلك، فإنه إذا قضى من الوقت مثل ما يعرف قبل حدوث ما أوجب الجيش، أخذ دابته، وللمكتري أن يكريها راجعة من الرحى إلى مثل طعامه إلى مثل موضع داره، ويتراضيان على أمر جائز، وقاله كله أصبغ. [7/ 64]
ومن كتاب محمد: قال مالك، في قوم اشتروا سلعة، ثم تبايعوها بينهم، وجعلوا لأحدهم أن يكتب لهم: من حضر بجزء من الربح غير حظه، فلا خير في ذلك وكذلك قال في العتبية، من سماع ابن القاسم. تم كتاب الجعل والإجارة بحمد الله ويسره عونه [7/ 65]
كتاب تضمين الصناع
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب تضمين الصناع باب في أكرية الصناع من كتاب ابن المواز وغيره قال مالك: يضمن الصناع أم استعملوا، وإنما قال ذلك لمصلحة العامة؛ وإذ لا غنى للناس عنهم، كما نهى عن التلقي، وبيع حاضر لباد للمصلحة، وقاله علي بن أبي طالب وبين ذلك ضمن الأكرياء الطعام خاصة للضرورة والمصلحة قال محمد: قال مالك: ما أدركت العلماء إلا وهم يضمنون الصناع ذلك قال ابن حبيب وغيره عملوا بأجر أو بغير أجر، ولو عمل زرا أو طوقا بأجر أو بغير أجر، لضمن كراء العمل وقال كان الذي استعمله إياه حاضرا معهم أو غائبا إذا كان ذلك في قوانينهم، وقاله مالك قال في كتاب محمد: ويضمن ما يصلح فيه اليسير بغير أجر، مثل فص خاتم أو رقعة ثوب أو زرة إذا أسلم ذلك إليه، ابن حبيب: قال مالك: إلا أن يذهب الصانع إلى بيته، فلا يضمن ما أتى على يديه في بدنه من خرق كتاب أو قطع أو ذهاب جلس معه صاحب أو لم يجلس، بأجر أو بغير أجر، فالصانع مصدق في ذلك لأنه ها هنا أمر خاص، فإذا جلس في حانوته فهو مشترك، وقاله كله أصبغ، قال ابن القاسم، في كتاب ابن المواز: ولا يضمن الصانع ما عمل عندك في بيتك، [7/ 67]
إلا أن يتعدى، ويصير كأجير الخدمة ينال الطعام بصحبة ربه. قال عيسى بن دينار في العتبية ومن دفع ثوبا إلى رجل يقصره أو يخيطه أو يرقعه، فضاع عنده، لم يضمنه إذا لم ينصب نفسه صانعا؛ لما ذكرنا، وهو كالأجير حتى ينصب نفسه لذلك، فيضمن. قال ابن المواز، عن ابن القاسم: وكذلك أجير القصار، لا يضمن، والقصار ضامن لما أفسد أجيره. قال ابن حبيب: ولا يضمن أجير القصار والصناع شيئا. قال أصبغ في كتاب ابن المواز، والعتبية قال أشهب: وإن كثر على الغسال الثياب، فواجر أجراء يبعث بهم إلى البحر بالثياب، فيدعون تلفه [فهم ضامنون وكذلك أجراء] الخياط ينصرفون بالثياب فتتلف، فهم ضامنون. قال ابن ميسر: وذلك إذا واجرهم على عمل أثواب مقاطعة، ومن العتبية وكتاب ابن المواز: قال أشهب: إذا شرط الصناع ألا ضمان عليهم، لم ينفعهم، أو شرط على أجير الخدمة أن يضمن الثمن إذا سقط، أو هرب المتاع، أو فلس، فالشرط باطل، أصبغ: وله أجر مثله ممن لا ضمان عليه، وكذلك في الواضحة روى عن أشهب، إن شرط الصانع ألا ضمان عليه أن ذلك ينفعه، قال ابن حبيب: ومن قال للخياط: إذا خطته فادفعه لنا لمن يغسله، فزعم أنه ضاع، فإن ضاع قبل يتم خياطته وبعد فراغه، قبل يدفعه إلى الغسال، فهو ضامن، وإذا قال ضاع عند الغسال، صدق كما يصدق في قوله: رددته، على قول ابن الماجشون قال: ويضمنه الغسال إن أقر بقبضه. قال غيره: ولا يصدق أنه دفعه إلى الغسال إلا ببينة أو يصدقه الغسال فيبرأ؛ لأنه صار مضمونا، كمن أمر بدفع ثوب إلى صباغ، فأقر الصباغ بقبضه فإنه يبرأ المأمور كان الصانع مليا أو عديما، بخلاف المودع. [7/ 68]
ومن العتبية قال عيسى: قال ابن القاسم، وابن وهب، في الصباغ، والقصار، ونحوه، يفسد الثوب بقطع أو بحرق: إنه ضامن غر من نفسه، أو لم يغر، إلا أن يذهب بالصانع إلى منزله، فيعمل عنده، فلا يضمن ما أحرق ولا ما أفسد، إلا أن يغر من نفسه، فيضمن، قال ابن القاسم: وإن جاءه في حانوته بثوب كمده له، فكمده بحضرته، فقطعه من غير تفريط ولا تعد، قال: يضمن غر من نفسه أو لم يغر. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن أصبغ، عن ابن القاسم، قال: ابن حبيب: ولو كمد معه صاحب الثوب، فأصابه حرق؛ فإن كان من قبل ربه، لم يضمن القصار نصف ما نقصه. وهو في كتاب محمد، قال ابن القاسم: وإذا كيل القمح على الطحان وأسلم ضمنه، وقال مالك فيه: أرجو أن يكون خفيفا أن يضمن، وما سمعت فيه شيئا. قال ابن القاسم: ويعطى قدر مثله دقيقا على ما يعرف الناس، وله إجارته، قال محمد: عليه قمح مثله، وفي العتبية عن ابن القاسم، عن مالك، في القمح بنقص عند الطحان، فذكر نحو ما ذكر ابن المواز [ودقيق] عن ابن القاسم، في نقصان الدقيق، أن يضمن له دقيقا إذا عز. ومن العتبية وكتاب محمد: قال أصبغ: قال أشهب، في الطحان يطحن القحم على أثر النقش، فيفسده بالحجارة، قال: يضمن لربه مثل قمحه وقاله أصبغ، قال أصبغ: إلا أن يعلم رب القمح بذلك، فصبه؛ لعلمه ورضاه، فلا يضمن من كتاب ابن المواز، ومن المختصر قال مالك: وإذا أفسد الخياط أو [7/ 69]
القصار فسادا بسيرا، فعليه ما نقصه أن يرفوه، يقال: ما قيمته يوم دفعه إليه صحيحا، وما قيمته ذلك اليوم مرفوا؟ فيغرم ما بين ذلك، وإن كان كثيرا، ضمن قيمته كله يوم دفعه. قال ابن وهب عن مالك من دفع قميصا إلى خياط، فأفسده بخياطته، فله أن يتركها، ويضمنه قيمة ثوبه صحيحا. قال ابن حبيب: وإذا أفسد الحائك الثوب، فضمن الغزل، فقال ابن القاسم: إن وجد مثل الغزل أتى به، وكان عليه مثل عمله، وإن تعذر عليه مثله، ودى قيمته يوم قبضه، وهو مصدق في صفته، ويحلف، وتنفسخ الإجارة بينهما. وقال أصبغ: الإجارة قائمة، فيأخذ القيمة ويأتي بغزل مثله يعمله، وقال ابن حبيب: يقول ابن القاسم، قال: لأنه غزل بعينه، وقال ابن المواز قول أصبغ، وقال: ليس غرضهم تعسر الغزل، ولو كان ذلك على أن لا يعدوه إلى غيره، ولم نجز الإجارة. ومن كتاب محمد، وابن حبيب: وإذا قال الصانع: ضاع الثوب، بعد فراغه ضمن قيمته يوم قبضه، ولا صنعة فيه، وليس لربه أن يقول: يؤدي العمل، ويأخذ قيمته معمولا، قال محمد: وكذلك لو قامت بينة بفراغه، ولا يعلم تلافه إلا من قوله، ولو قامت البينة بتلافه مفروغا، فهو من ربه، وعليه أجر عمله. قال ابن القاسم، في / المدونة في كراء الرواحل: لا أجر عليه حين لم يسلم الصانع الصنعة إليه. ومن كتاب محمد: وإذا قطع الشقة بمحضرك سرا ويلين ثم ضاعا، ضمن قيمة الشقة صحيحة، ولو ضاع واحد، ضمن نصف قيمتها صحيحة، قال أحمد: لا قيمة نصف صحيح، وقال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا خرج القصار المتاع رديئا أسود، فليعده حتى يخرجه [جيدا]، فإن كان يفسد برده ويسترخي وينكسر وجهه، وخيف أن يحترق، فلا يرده، وينظر؛ فإن أفسده بذلك، ضمن قيمته أسمر وإن أن الفساد فيه يسيرا ودى قيمة ذلك العمل على رداءته يريد ما لم يتجاوز شرطه. [7/ 70]
قال سحنون، في الخياط إذا جعل رجه الثوب إلى داخله، فإنه يفتقه ويعيده، فإن كان الفتق ينقصه، خير ربه بين أن يضمنه قيمته يوم قبضه، أو يأمره بفتقه وخياطته وقال ابن عبد الحكم، عن أشهب، في القصار يعلق الثوب على حبل في العمل، فحملته الريح، فألقته في قصرية صباغ، فإن زاده ذلك، فإنهما يتحاصان في الثوب؛ فإن نقصه، فعلى القصار ما نقصه، ولا شيء على الصباغ. قال بعض أصحابنا: إذا ثبت ذلك ببينة، لم يضمن النقصان، إلا أن يعلقه في ريح شديدة. . . قال سحنون، في ثوب ألقته الريح في قصرية صباغ، فإن زاده الصبغ، فهو شريك بالزيادة، ويباع لهما ويتحاصان هذا بقيمة ثوبه / أبيض؛ وهذا بما زاده الصبغ، وإن كان ينقصه، لم يضمن أحدهما للآخر شيئا، ولو سقط من يد ربه في قصرية الصباغ، لضمن ربه صبغ زاده الصبغ أو نقصه. ومن الواضحة وغيرها العبد المأذون له في الصنعة يضمن ما ضاع أو أفسد أو اختان، ويكون في ذمته. قال ابن المواز: وإن دعاه إلى بيته ليعمل له عملا فاختان فقال ابن القاسم: يكون ذلك في رقبته ويخير سيده في إسلامه أو افتدائه بذلك. وقال محمد: بل ذلك في ذمته بعد عتقه؛ لأنه اختان من موضع أذن له في دخوله. وفي سماع ابن وهب: وإذا وهبت الخبزة عند الفران، فأعطى ربها غير خبزته، فلا يعجبني أخذها، وليعطه مثل خبزته، ولا يأخذ أكبر منها، ولا بأس بأخذ أصغر منها، وكذلك في المختصر الكبير، وقال محمد بن عبد الحكم: لا يأخذ غير خبزته، في قول مالك، يريد؛ لأن الفران ضامن لرجلين. روي عن سحنون، فيمن أتى بخبزة، فأسلمها إلى الفران يخبز له، فهو لها ضامن، وإن تركها ولم يعلم بها الفران، لم يضمنها. ومن كتاب ابن سحنون، قال: وسأل حبيب سحنونا عن العبد القصار يضيع عنده الثوب، قال: هو في ذمته. قال: ولا يباع في ذلك حماره الذي يحمل [7/ 71]
باب في تفليس الصناع
عليه المتاع، إلا أن يقول السيد: إن الحمار والأداة للعبد، ق يل: فهل يعمل بالأداة وبالحمار، وملكه لذلك ظاهر؟ قال: لا أملك للعبد في ذلك، وذلك للسيد حتى يقر أنه للعبد؛ لأنه ليس / بالمأذون له في التجارة، وقال في القصار يخرج الثوب أسود، قال: يرده حتى يخرج جيدا. فقيل: إنه إن رده أفسده، وأنكسر وجهه واسترخى، وخيف الحرق. قال: إذا كان هكذا، ضمن قيمته إذا كان أفسده فساد بينا، وإن كان الفساد يسيرا، فليعطه ربه قيمة ذلك العمل الردئ، ولا يعطيه الأجر الأول، يريد إن شاء، ولا يضمنه. باب في تفليس الصناع وجامع باقي مسائل الصناع ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك، وهو في المختصر، وقال في الصناع تسرق بيوتهم، فيزعم الصانع فيما بقي أن هذا متاع فلان، وقد ذهب متاع الآخرين، فليحلف أرباب الذي بقي، ويأخذونه. وروى أشهب، عن مالك، في الصانع إذا فلس فقال: هذا غزل فلان، وهذه سبيكة فلان، فلا يصدق. وذكر في الواضحة رواية ابن القاسم، وقاله أصبغ، قال مالك: وإذا مات الصانع وقد استعمل في شيء يعمله هو بيده، فعمل بعضه حوصص بما عمل، وانفسخ ما بقي، وما كان مضمونا عليه من مقاطعة بناء أو غيره، فذلك في ماله يغدو فإنه قال علي بن زياد، عن مالك: وإذا شيء شرط عليه أن يعمله بيده فطلب تقديم أجره، فليس له ذلك حتى يبدأ في عمله، فيقدم حينئذ ... إليه أجره. ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن استعمل قلنسية من خياط، فباعها الخياط، فأراد ربهما أخذ ما باعها، فليس ذلك له؛ لأن الصانع ضامن [7/ 72]
ذكر ما يسقط به الضمان وما لا يسقط من أمر غالب أو حادث
لها، وعليه مثلها قال ابن القاسم: وذلك أنها مضمونة، ولو كانت خرقة أتى بها ربها، فله الثمن أو القيمة إن كانت أكثر في قوتها، وقال ابن عبد الحكم: قال ابن القاسم: إن كانت بعينها اشتراها، فله أخذها أو ثمنها، وإن كان اشتراها من يود، فله مثلها. ومن كتاب محمد: للصناع حبس ما عملوا حتى يأخذوا أجرهم، وكذلك للمكترين بعد الوصول حبس ما حملوا، ثم ذلك كله كالرهن في ضمانه، وإذا طلب الصناع بعد فراغ المتاع نقد يومئذ، لم يكن إلا النقد الذي كان جاريا يوم دفع إليه، وكذلك المكتري له نقد البلد الذي حمل عنه، ولا نقد البلد الذي حمل إليه، وإن لم يجر عنه ببلد حمل إليه. ذكر ما يسقط به الضمان وما لا يسقط من أمر غالب أو حادث أو ما تقوم به بينة وضمان ما يوضع بالفناء من كتاب محمد، قاله ابن القاسم، في العتبية، وقاله ابن حبيب فيه، وفي الغزل يحترق، قال: لأن احتراقه ليس من سببه، وهو من غلبة النار، وهو كالبينة على ذهابه، وذلك إذا بقي في الخبز من احتراقه، أو من الغزل ما يدل على أنه خبزه أو غزله، فأما لو ذهب أصلا، ولو يعرف إلا بقوله: إنه احترق لضمن، ولو احترق ذلك بتضييع منه، أو عنف في الوقيد، لضمن / ومن كتاب محمد، قال مالك: ولا يضمن من دفعت إليه لؤلؤة يتقبها، فتنكسر، قال أصبغ، في العتبية فتنحزم في موضع الثقب، فلا يضمن، ولو تعدى الثقب، لضمنها، عمل ذلك بأجر أو بغير أجر. [7/ 73]
قال مالك، وابن القاسم، في كتاب محمد، وأصبغ، في العتبية: وكذلك القوس تدفع إلى من يغمزها، فتنكسر، والرمح يقوم مثله، وكذلك إن دفع إليه فصا ينقشه، فينكسر، لم يضمن، إلا أم يغر أو يفرط. قال أصبغ، في العتبية فإن قال أهل النظر: إنه أخذ اللؤلؤة والجوهرة من غير مأخذها، وظهر فيها ذلك، ضمن، وإن أخذها من مأخذها ولم يغر من نفسه لم يضمن ويصدق بلا بينة وربها مدع تعديا، وهو لم يظهر فيها من صنعته إلا ما كان يجوز له فعله بذلك، كشاهد وهو من له في العمل وكذلك كل صاحب صنعة على هذا المعنى. قال ابن حبيب: وكذلك الدابة يصوغها البيطار فتنكسر، أو السيف يقومها فتنكسر، أو الختان يختن الصبي، فيموت من ختانه، أو الطبيب يسقي المريض، فيموت من سقيه، أو يكويه، فيموت من كبه أو الحجام يقلع الضرس فيموت صاحبها فيضمن أحد منهم؛ لأن الغرر في هذا كله الغالب وكان صاحبه عرضة ذلك قال: إلا أن يخطئ به الخاتن فيقطع الحشفة، فتلزم عاقلته الدية لأنه يعد خطأ منه وإن لم يوعبها فبحسابه فتضمن العاقلة قدر الثلث فأكثر وما دون ذلك / في ماله وإن كان الخاتن غر من نفسه وهو لا يحسن فهو ضامن لجميع ذلك في ماله وكذلك الطبيب وقالع الضرس والبيطار ويعاقبون وقاله مالك وإذا عرف قرض الفأر وتبين ذلك للناظر إليه ثم يضمنه. وكذلك ما أصاب الثياب من [يحبس السوس في الصانع] والمرتهن، وإن أشكل ذلك، فهم ضامنون حتى تقوم بينة أنه نخس سوس أو قبض فأر. قال ابن المواز: تقوم بينة أنه قرض فأر ولم يكن ضيع. [7/ 74]
في ضمان الظرف والمثال وأحد الخفين فيه عمل، وما جعل عنده للصنعة
قال ابن حبيب: وإذا عرف أنه قرض فأر أو نخس سوس وقال رب الثوب: إن الصانع ضيع الثوب وأنكر ذلك الصانع فهو مصدق وعلى رب الثوب البينة بالتضييع لأن قرض الفأر غالب والتعدي لا. فلزم الدعوى وكذلك قال لي من استوضحته وكله قول مالك. ومن كتاب ابن المواز ومالك: وإن سرق بيته وعلم ذلك، فقال: ذهب المتاع مع ما ذهب. لم يصدق وكذلك لو احترق بيته فرأى ثوب الرجل يحترق فهو ضامن وكذلك الرهن محمد: حتى يعلم أن النار من غير سببه أو بسيل يأتي أو ينهدم البيت فهذا وشبهه يسقط به الضمان وإن نشر ثوبا على طريق فمر به رجل بحمل فخرقه فهو ضامن دون القصار فكذلك يضمن المار ما كسر من قلالي في الطريق يعثر عليها ولو انكسرت رجله لم يضمن واضعها وضعها بموضع يجوز له أو ليرفعها مكانه ليعثر عليها أحد وكذلك / الدابة المحملة يوقفها في الطريق فيصدمها فيكسر ما عليها أو فيها أنه ضامن ولو سقطت أو ما عليها على أحد فذلك هدر. وقال ابن نافع في غير كتاب ابن المواز، في الثوب المنشور يخرقه المار بالحطب، وذلك إذا علقه في المكان الذي يعلق فيه وليس بممر الحطب، فأما إن علقه بمكان لم يكن يعلق فيه وهو معروف بمرور الحطب فهو ضامن. في ضمان الظرف والمثال وأحد الخفين فيه عمل وما جعل عنده للصنعة من غير مواجبه من كتاب محمد: وإذا ضاع القمح بقفته عند الطحان ضمن القمح ولم يضمن القفة وكذلك الصيقل يضمن السيف ولا يضمن الجفن وإن لم يكن فيه وكذلك المنديل يلف فيه الثوب عند الخياط لا يضمن المنديل وأما المثال يعمل عليه فهو يضمنه. [7/ 75]
ومن العتبية قال أصبغ: قال أشهب في المنديل: إن كان الثوب رقيقا يحتاج إلى وقاية ضمن المنديل، وإن كان غليظا لا يحتاج لفافة لم يضمن المنديل. ومن الواضحة: لا يضمن الفران ما تلف من الصحاف إذا ضاعت فارغة ولو ضاعت بما فيها لضمن الخبز والصحاف؛ إذ لا غنى بالإقراض عنها بخلاف منديل الثوب فإنه لا يضمنه ضاع الثوب ملفوفا فيه أو قد زايله؛ إذ لا ضرورة به إليه مثل / الضرورة إلى الصحاف إلا أن يكون إنما يؤتى الفران بالعجين فيلي هو تقريصه فهو يضمن الصحاف كيف ما ضاعت بعجين أو بغير عجين، وكذلك الطحان إن أسلم إليه القمح يطحنه بغير محضر به فهو ضامن للأوعية كيف ما ضاعت بالقمح أو فارغة، وإن كان يطحنه بمحضر أربابه لم يضمن ظرفا إلا أن يخرج الناس عن الرحى؛ لزحمتهم أو يخرجهم الفران لكثرتهم فإنه يضمن القمح وظرفه والعجين وقصاعه ضاعت فارغة أو غير فارغة. ومن العتبية: قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم: ومن دفع إليه الصانع قطعة ذهب قال: اقطع لي منها مثقالا تعمل لي به خاتما فزعم الصانع أنها ذهبت قبل القطع أو بعده. قال: لا يضمن إلا المثقال الذي أمر بعمله وهو مصدق أنه ذهب قبل القطع أو بعده. قال ابن القاسم: قال مالك: وأما السوار يعطيه له مثالا يعمل عليه سوارين فإنه يضمن المثال لأنه لا غنى به عنه. وقال أصبغ: فيمن أتى بخفين إلى الخزاز فاستعمله في أحدهما فضاعا فلا يضمن إلا الذي فيه العمل. وذكر ابن حبيب فيمن أعطى سلعته إلى صانع ليستعمله فيها فيقول تكون عنده حتى آتي فأعاملك فيها. قال فتضيع، أنه ضامن؛ لأنه تركها على العمل لا لأمانة. وروى عيسى عن سحنون أنه قال: لا يضمن المثال ولا الوراق الأم الذي يكتب منها. [7/ 76]
فيمن ابتاع شيئا واشترط على البائع فيه صنعة فهلك ذلك
فيمن ابتاع شيئا واشترط على البائع / فيه صنعة فهلك ذلك من العتبية روى عيسى بن ابن القاسم قال: كل ما يعرف وجهه بعد ما يخرج فلا بأس أن يشتري ويشترط عمله مثل النعل على أن يحذي أو القميص على أن يخاط والقلنسية على أن تعمل والقمح على أن يطحن وهذا كله قد عرف وجهه وقد مرض مالك القمح في بعض قوله واجازه ابن القاسم وأجاز النحاس أن يعمله تورا يصفه له ولم يره، كالثوب ينسج بعضه لأنه إن لم يخرج الثور على ما يريد قدر أن يعيده ولبس الثوب كذلك. قال سحنون: وإذا ضاع هذا كله الذي أجازه مالك لم يضمن ويحط عن المبتاع بقدر خياطة الثوب وطحين القمح من الثمن إلا أن يكون البائع ممن يعمل تلك الصنعة، فيضمنها كالصناع. قيل لسحنون: قد أجاز ابن القاسم وأشهب ما ذكرنا من شراء الشيء على أن يعمله والظهارة على أن يعملها جبة والحديد على أن يعمله قدرا وعودا لينحته سرجا ونحاس يعمله له قمقما وهو بيع وإجارة وقد جرى في مسائل مالك في الغزل على أن ينسجه والزيتون على أن يعصره أنه كرهه. قال: وإنما خففه مالك في الطحين وخياطة الثوب لأن خروج ذلك معروف وقد غمزه أيضا مالك والأصل قولهم في الغزل على نسجه والزيتون على عصره إلا ما ذكرنا حصته. وكل بيع مع إجارة في الشيء المبيع فامنع منه فإن كانت في غيره فأجيزه وكل بيع وشركة داخلة / في المبيع فأجزها وإن خرجت عنه فلا تجزها. وفي باب الإجازة معا في هذا الباب مكروه. ومن الواضحة ولا بأس أن يقول: " اطحن لي هذا القمح بقفيز من دقيقه. ولا يجوز أن يقول: ولك نصفه دقيقا، لأنه يجاعله بغرر، والأول أجرة بشيء معلوم [7/ 77]
في الصانع يستعمل غيره، وكيف إن هرب الأول؟ وفي الصانع يموت
فإن قال من يقول يقول ابن القاسم في كراهيته: إن الدقيق إن ذهب [قبل] أخذه للقفيز [ذهب] عمله باطلا. فإنا نقول: إن ذهب الدقيق بعد طحينه وقبل قبضه القفيز فله أجرته في طحنه وكما أجاز بيع قفيز من دقيق هذه الحنطة فكذلك الإجارة به فإن قيل: فتارة يصير أجره دقيقا وتارة دراهم. قيل: كذلك مع قفيز من دقيقه وأجاز مالك بيع القمح على أن يطحنه وقد قال لي هذا كله أصبغ. وفي المدونة أنه أجاز طحينه بقفيز من دقيقه ولم يجزه ابن المواز في روايته وفرق بينه وبين البيع. وهذا في باب الإجازة فيه أكثر ما في هذا الكتاب مذكورا مكررا. في الصانع يستعمل غيره وكيف إن هرب الأول؟ وفي الصانع يموت وهل يقدم بعض الأعمال على بعض؟ من الواضحة، وما استعمل الصناع فهو عمل مضمون حتى يشترط عليهم عمل أبدانهم وإلا فلهم استعمال غيرهم إلا من عرف أنه يقصد لرفقه وفضل عمله، فلا يكون عليه مضمونا إن مات ولا يستعمل غيره ويكون كالشرط. وقال أصبغ: وهو معنى / قول أصبغ، قال أصبغ: ولا بأس على من لا يحسن يخيط أن يأخذ ثوبا على أن عليه خياطته بدرهم؛ لأنه عمل مضمون. ومن العتبية، أصبغ عن ابن القاسم في الخياط يدفع إليه الثوب بخيطه فله أن يستخيطه غيره ما لم يشترط عليه يده. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك في القصار يدفع الثياب إلى قصار غيره فيهرب الأول وقد قبض الآخر فلربها أخذها بلا غرم ويتبع الثاني الأول. بحقه وكذلك الخياط والغسال وكذلك قال ابن مسرور، وهذا إن قامت بينة أنه دفع الإجارة إلى [7/ 78]
الصانع الأول فإنه يحلف الثاني أنه ما قبض إجارته من الهارب ثم يدفع رب الثياب إليه أجره فإن كانت أجرة الأول خمسة وهذا عشرة لم يدفع إليه هذا إلا خمسة ويتبع بما بقي الهارب ويأخذ هذا ثيابه وإن كانت إجارة الأول عشرة وهذا خمسة دفع إلى هذا خمسة وتبقى خمسة عنده للأول ثم إن قدم الأول فأقر بقبض إجارته فليرجع القادم على الثاني بما أخذ منه. وهذا الذي قال غير مستقيم ولا ثقيل دعوى غريم القادم على المقيم إذا كان الغارم عديما. قال مالك: ومن مات ممن استعمل عملا فما كان يعمله بيده حوصص بما عمل وانفسخ ما بقي وما كان مضمونا من عمل أو قطاعة من بناء أو حفر أو صنعة من الصناعات فذلك ضامن في ماله يعمل من تركته وإن لم يدع وفاء حاص المستعمل بقيمة ما بقي من العمل يوم الحصاص. قال عيسى: قال ابن القاسم في الخياط يدفع إليه قوم بعد قوم /، فإن أحب أن يتبدئ الأول فالأول، ولعله أن يكون واسعا في الشيء الخفيف الرقعة ونحوها. وقال ابن حبيب: لا حرج أن يبدئوا من أحبوا ما لم يتعمدوا حيفا ومطلا. وكذلك سمعت أهل العلم يقولون. ومن كتاب محمد: للخياط أن يدفع إلى غيره بخيط ما دفع إليه وليس لرب الثوب إلا أن يشترط عليه عمل يده فلا يفعل. قال محمد: ولا يصلح. وإن رضي ربه ودفع إليه مثله لا شك فيه. وهو كجابة بعينها تحول إلى غيرها فإن فعلها فللخياط الثاني قيمة عمله على رب الثوب، إلا أن يكون بأقل منه وتبقى الأجرة قائمة على الأول ثابتة بثوب مثله يخيطه له. وكذلك في الدابة الباقية عليه كراء مثلها ما بلغ ويبقى كراء الأول قائما. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، فيمن دفع إلى صانع غسال أو غيره ثوبا ودفع إليه أجره فدفعه الصانع إلى غيره يعمله فوجده ربه عند الثاني: إن له أخذه بغير شيء يغرمه ويكون للصانع الثاني [7/ 79]
في اختلاف الصانع والمصنوع له، وتعدي الصانع وغلطه
أن يتبع الصانع الأول بأجرته وكذلك الخياط وغيره ليس للثاني أن يقول: لا أدفعه حتى آخذ أجرتي. إذا كان ربه قد دفع إلى الأول أجره وليتبع الثاني الأول بأجرته. في اختلاف الصانع والمصنوع له وتعدى الصانع وغلطه من العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا قال الخياط في الثوب: إن ربه دفعه إليه ليعمله. وقال ربه: أعطيتك لترفعه أو تدفعه / إلى غيرك. فالصانع مصدق مع يمينه. وكذلك ذكر عنه ابن المواز قال ابن حبيب: القول قول رب الثوب وكذلك إن قال: سرق مني مع يمينه ثم له أخذ ثوبه مصبوغا أو مغسولا بغير غرم إلا أن ينقصه الصبغ ويفسده فربه مخير في أخذه، أو تركه وأخذ قيمته وإن زاده الصبغ فله أخذه بلا غرم. ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: ومن لت سويقا لرجل وقال: أمرني أن ألته بعشرة. وقال ربه: ما أمرتك أن تلته بشيء فربه مصدق مع يمينه. قال محمد: وهذا غلط واللات مصدق، ويحلف إن كان أسلم إليه السويق، فإن نكل حلف ربه وأخذ منه مثل سويقه وليس لربه أخذه بعينه إلا أن يدفع ثمن السمن إن يشأ رب السمن أن يدفعه إليه بلتاتة. قال ابن حبيب: وإن قال رب الثوب: أمرتك بصبغه أصفر. وقال الصباغ: بل أحمر. وكذلك صبغه فالصباغ مصدق مع يمينه. قال سحنون: وله الأقل مما سمى من الأجر أو أجر مثله. قال ابن حبيب: إلا أن يصبغه صبغا لا يشبه مثله فيصدق رب الثوب مع يمينه ثم يخير ربه في أخذه مصبوغا ويدفع إلى الصباغ أجرته أو يسلمه ويأخذ منه قيمته أبيض إلا أن يشاء الصباغ أن يسلم صبغه بلا ثمن وإن أبى أشرك بينهما؛ هذا بقيمته أبيض، وهذا بقيمة الصبغ وقد اختلف فيه وهذا أحسن ذلك. ومن العتبية عيسى عن ابن القاسم قال مالك: إذا قال الحائك: أمرتني [7/ 80]
أن أنسخ ثوبك في ست. وقال ربه: بل تسعا في أربع. فالحائك مصدق مع يمينه. وإن اختلف البناء / ورب العرصة؛ فقال البناء: أمرتني أن أبني بيتا خمسة في خمسة. وقال ربه: بل عشرة في عشرة. تحالفا؛ فإن حلفا فسخ ذلك وقيل للبناء: أقلع نقضك. إلا أن يشاء رب العرصة أن يعطيه قيمه مقلوعا وإن نكل البناء حلف رب العرصة وعلى البناء أن يبني له على دعواه وإن نكل وحلف البناء أجبر على ما قال البناء والفرق أن الحائك صانع حائز لما [في يديه قال محمد قال] ابن القاسم والحائك مصدق في الصنعة بخلاف البناء لأن الصانع حاز ما استعمل محمد: يريد ويتحالفان في البناء ويتفاسخان وكذلك الحائك وجميع الصناع قبل العمل وإذا عمل فهو مصدق ويحلف. وقال ابن نافع في كتاب آخر عن مالك في الصانع يقول: عملته بأربعة دراهم. وقال ربه: بدرهمين. فالصانع مصدق وأما البناء يقول: عملت هذا بدينار. وقال رب البناء: بنصف دينار. فرب البنيان مصدق مع يمينه لأنه حائز ذلك إلا أن يدعي ما لا يشبه والصانع حائز لعمله وكذلك في المختصر. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن دفع جلدا إلى خراز ليعمل له خفين ولم يصفهما له فيعمل خفين قبل أن يصفهما له فيقول ربه: أردت غير هذه الصنعة. وقال الخراز: إنما عمله يصلح لك. قال: إن عمل ما يشبه أخفاف الناس ويشبه لباس الرجل لم يضمن وكأنه فوض إليه إذا لم يواجبه وكذلك الخياط في الثوب وعامل الفاسي بالظهارة وأما الصباغ يصبغه لونا بغير إذن ربه فهو ضامن كمن أمر رجلا شراء خادم أو جارية. وقال ابن حبيب /، في كتاب الأحكام الأول عن مطرف وابن الماجشون في الصباغ يصبغ الثوب فيقول ربه: أمرتك بصبغ آخر أو أن تغسله أو استودعتكه ولم آمرك بشيء. فالصباغ مصدق فيه مع يمينه إذا صبغه ما يشبهه. ولو [7/ 81]
قال ربه: لم أعطكه ولكن أخذته بغير أمري أو سرقته أو غصبته أو سقط مني. فرب الثوب ها هنا يحلف والقول قوله ولكن هو مخير أن يعطيه قيمة الصبغ ويأخذه أو يدعه ويأخذ منه قيمة الثوب إلا أن يشاء الصناع أن يسلم إليه الثوب مصبوغا بغير شيء، فإن أبى، كانا شريكين فأقيم الثوب أبيض وأقيم مصبوغا ثم كان شريكين. وقاله أصبغ عن ابن القاسم. ومن كتاب محمد: وإذا قطع الخياط الثوب قميصا وقال ربه: أمرتك بقطعة قرقلا. فالخياط مصدق وكذلك لو قال: لم تأمرني فيه بشيء. لم يضمن إذا حلف ربه ما أمره بشيء وكمن قال للخراز في جلد: اقطعه خفا. ثم قال: أمرتك بخراساني. وقال الخراز: لم تأمرني بشيء. ولم يضمن الخراز إلا أن يكون دافعه خراسانيا ممن لا يلبس إلا خراسانيا. محمد: يريد أو عمل العامل ما يشبه لبس الدافع لم يضمن حتى يبين له الدافع. قال ابن ميسر: وقد عرف ما يقطع الرجل فهو يشبه الجواب وإذا قال الغسال: هذا ثوبك. وكذبه ربه حلف الغسال وصدق فإن نكل حلف ربه ما هو ثوبه وأن قيمة ثوبي عشرة وغرمه ذلك. محمد: يريد يحلف على الصفة، ويغرم إذا ادعى / الصناع رد المتاع فعليهم البينة أخذوه ببينة أو بغير بينة علموه بأجر أو بغير أجر، وإلا حلف ربه وأخذ قيمته بغير صنعة ولا أجر عليه. ولو قال مكتري ما يغاب عليه: قد رددته. لصدق مع يمينه كما يصدق على تلفه أخذه ببينة أو بغير بينة بخلاف العارية والقراض. وقال أصبغ: الكراء والقراض والوديعة سواء يضمن في التلف وفي الرد إلا أن أجده ببينة فلا يبرأ في الرد خاصة إلا ببينة. قال أشهب: ومن دفع إلى صراف دينارا ليزنه له فقبضه ثم قال: رددته إليك. فأنكر فالصراف مصدق مع يمينه. قال محمد: وكذلك لو [7/ 82]
غاب عليه إذ ليس بصناع. قال أحمد: إن غاب عليه بأمره فأما بغير أمره فيضمن لتعديه. ومن الواضحة، قال ابن الماجشون: الصناع مصدقون في رد المتاع إلى أهله مع أيمانهم إلا أن يأخذوه ببينة قال ابن حبيب: إذا قال رب الثوب: دفعته إليك لنغسله. وقال الصباغ: بل لأصبغه بعصفر. وقد صبغه فإن كان مثل الثوب يصبغ بعصفر. وقال ابن عبد الحكم عن مالك: وإذا قال: أمرتني بصبغه. وقال ربه: أمرتك أن تبيضه. فالصباغ مصدق إلا بعمل ما لا يعمل مثله. وكذلك إن قال الخياط: أمرتني بقباء. وقال ربه: بل قميص. وقال محمد بن عبد الله: إن أشهب لا يصدق الصانع في هذا، ويرد إلى القيمة ربه، أقول: والذي حكى محمد عن أشهب لا يصح لأن ربه إن لم يصدقه وجب لربه ضمان إن شاء / فكان ينبغي أن يخبر في تضمينه أو غرم قيمة الصنعة. قال ابن نافع: وإن قال رب الثوب: دفعته بدرهمين. وقال الصباغ بأربعة. صدق الصباغ وحلف إلا أن يدعي ما لا يشبه فله القيمة يريد منهم تجاوز دعواه. قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قال الصباغ: أمرتني أن أصبغه بعشرة دراهم عصفر. وقال ربه: بل أمرتك بخمسة. فالصباغ مصدق إن كان ما فيه يشبه ما قال. قال سحنون وقال غيره: يتحالفان ثم يكون له أجر عمله ما لم يجاوز عشرة وهذا أصل جيد. وقال ابن القاسم في قلع الضرس بأجر إذا قال له المقلوع ضرسه: إنما أمرتك بقلع التي تليها. فلا يصدق وعليه الأجر. قال سحنون: قال غيره: كل واحد مدعى عليه فلا يلزم الحجام ضمان بدعوى الآخر، ولا يلزم الرجل ما سمى من الأجر فليحلف ويغرم له أجر مثله ما لم يجاوز التسمية. قال أبو محمد: أخبرني أبو بكر قال: يحيى بن عمر فيمن دفع ثوبا إلى صباغ يصبغه أحمر بدرهمين فصبغه أحمر يسوي ستة دراهم ويدعى الغلط فربه مخير بين دفع [7/ 83]
في الصانع يدفع الثوب إلى غير ربه غلطا، والبائع يدفع غير الثوب الذي باع
قيمة الصبغ وأخذ ثوبه أو أخذ قيمة ثوبه يوم دفعه وإن سوى ثلاثة دراهم أو أقل إلى رجل سوارين فعمل أحدهما ورده إليه ثم قال: قد دفعته إليك الذي قبضت. وأنكر الصانع فإن كان دفعه إليهما معا إجارة واحدة فالصانع مصدق وإن / دفع إليه واحدا بعد واحد حلف ربهما وصدق إلا أن يعطيه إجارته بحدثان ذلك. في الصانع يدفع الثوب إلى غير ربه غلطا والبايع يدفع غير الثوب الذي باع غلطا من كتاب محمد، روى ابن القاسم وأشهب عن مالك في الغسال يخطى فيدفع إلى غير ربه فيلبسه أن الضمان على الغسال دون اللابس [إلا أن سلبسه عالما وقال أشهب روايته إذا لبسه الأيام فلا شيء عليه، إلا أن يكون أبلاه. وروى عيسى عن ابن القاسم فإن كانت قيمة الثوب الملبوس دينارين وقيمة الآخر دينارا نظر كم ينقص ثوبه هذا الثاني أن لو لبس ذلك في تلك المدة فإن كان ينقص نصف دينار وقد نقص من الملبوس دينار كان على اللابس الذي لم يلبس ثوبه نصف دينار ونصف آخر على الغسال فإن كان الملبوس نقص أقل من نصف دينار فليس على اللابس إلا ذلك الأقل ولا شيء على الغسال وإن كان قيمة الملبوس دينارا وقيمة الذي لم يلبس دينارين قيل: كم كان ينقص ثوب اللابس لو لبس ثوبه؟ فإن قيل: نصف دينار. وقد نقص الملبوس ربع دينار دفع دينارا إلى ما فوق ذلك في القيمة ما لم يجاوز نصف دينار فلا يغرم أكثر منه ولو لبسه [7/ 84]
وهو يعلم أنه غير ثوبه غرم ما نقصه قال أو كثر فلا شيء على الغسال إلا أن يكون اللابس عديما فيتبع بذلك الغسال ثم يتبع الغسال ذمة اللابس / بذلك وإن لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه وهو يعلم واختلف نقصان ذلك رجع من الفضل على صاحبه وإن لم يكن في القيمة فضل فلا شيء لواحد منهما على صاحبه. وروي عن سحنون: إن لبسا جميعا ولم يعلما وفي ذلك فضل رجع من له الفضل بذلك على الغسال. قال ابن حبيب: فإن كان أحدهما عالما ولم يعلم الآخر فعلى هذا التفسير وقال فيما سوى ذلك مثل ما تقدم؛ قال: فإن تلف الثوبان عندهما وقد كانا عالمين حين لباسهما فهما ضامنان ويرجع من له فضل على صاحبه بفضل القيمة في ملائه فإن كان عديما طالب الغسال بالفضل وإن كان يجهل فالغسال خاصة يتبع بالفضلة وإن تلف أحدهما وبقي الآخر فعلى هذا التفسير في العلم والجهل وكذلك وضح ابن الماجشون وقال: إنه قول مالك: قال أشهب في الصباغ يدفع ثوب هذا [لهذا]، فإن لبساهما حتى خلقاهما ضمن كل واحد قيمة الثوب الذي لبس يغرمه لربه وإن لم يخلقاهما فعلى كل واحد قيمة ما نقص لبسه من الثوب الذي لبسه هو ولا شيء على الغسال، فإن كان أحدهما عديما رجع لصاحب الثوب على الصباغ. ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: وإذا دفع القصار غلطا ثوبك مقصورا إلا من قطعة وخاطه ودفع إليه ثوبه رددت ثوبه ولك تضمين القصار ثوبك أسمر إن شئت أو تأخذه ويغرم خياطته وتعطي للقصار أجره ولا ترجع عنه بحق الخياطة فقال ابن القاسم: ولو نقصه القطع والخياطة /، فليس له أخذه وأخذ ما نقصه وقال غيره: إذا نقصته الخياطة فإن شاء أخذه ولا غرم عليه للخياط وإن شاء تركه وضمن القصار ثم يرجع العمل بين القصار وبين قاطعه. [7/ 85]
ومن غير كتاب محمد، وروي عن ابن القاسم: إذا أبى أن يدفع أجر الخياط فللذي خاطه أن يعطيه قيمته صحيحا أو يسلمه إليك مخيطا فإن أسلمه إليك فأنت مخير بين أخذه أو تركه وتضمين القصار. قال سحنون: إذا أبيت مثل دفع الخياطة فليس لك إلا تضمين القصار فإن ضمنته قيل للقصار: ادفع أجر الخياطة إلى الذي خاطه وحده، فإن أبى قيل للآخر: ادفع إليه قيمة الثوب، فإن أبى كانا شريكين هذا بقيمة الثوب وهذا بقيمة الخياطة. ومن كتاب محمد ومن العتبية روى أشهب عن مالك في البائع يدفع إلى المبتاع أرفع من ثوبه فإن أدركه بعينه أخذه وأعطاه ثوبه وإن قطعه فهو للمبتاع بثوبه. ومن العتبية: لأنه يقول: أردت ثوبا بدينارين ولم أرد ثوبا بعشرين. قال ابن ميسر: لربه أخذه مقطوعا بلا غرم شيء. وقال ابن ميسر: إن دفعه إليه ربه ولم يصدق إلا أن يعلم ذلك بقوم حضروا شراءه أو أمر يستدل عليه والثوب حاضر وإن كان رسوله دفعه إليه فالجواب على ما ذكر قال مالك: وإن أعطاه دون ثوبه فقطعه فالمبتاع مخير بين أن يرده وما نقص القطع ويأخذ ثوبه أو يمسكه بقيمته يوم / انقطع ويأخذ ثوبه أيضا. قال في العتبية: وله أن يدع ثوبه لأنه يقول: إنما أردت ثوبا ولم ارد ثوبين. ومن الواضحة: وإذا اختلف الانع ورب الثو في دفع الإجارة فالصانع مصدق أنه لم يقبضها إن كان الثوب بيده أو بحدثان مما دفعه وليس له يجعلها قبل العمل إلا أن تكون له سنة فيحلفا عليه ومن هذا المعنى باب في آخر البيوع. [7/ 86]
في صاحب الحمام وجميع الحراس والرعاة هل يضمنون؟ وفي الحارس ينام
في صاحب الحمام وجميع الحراس والرعاة هل يضمنون؟ وفي الحارس ينام والدليل يخطئ الطريق من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: قد أمرت صابح السوق أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس فيضمنوها أو يأتوا بمن يحرسها وقد قال أيضا: لا يضمنوا. وهذا من كتاب آخر كذلك حراس القرى لا يضمنون وإن أخذوا الأجر. ومن كتاب محمد: ومن استؤجر يحرس بيتا فينام فسرق ما فيه فلا يصمن، وإن غاب عليه وله جميع الأجر قال مالك: وكذلك حارس النخل والماشية لا يضمن وله أجره كله. قال محمد: لا يضمن جميع الحراس إلا بتعد كان مما يغاب عليه أو غيره من طعام وغيره وكذلك من يعطى متاعا يبيعه فيضيع أو يضيع ثمنه إلا أن هذا لا أجر له ويضمن. قال ابن وهب في قول ابن ربيعة: لا يضمن الراعي إلا أن يكو مشتركا، معناه أن يأخذ ما لا يقوى عليه. قال ابن حبيب /: ذهب ابن المسيب أن الراعي رعى لرجل خاص لا يضمن وإن كان مشتركا ضمن. وقال مكحول والأوزاعي والحسن قال: فمن أخذ ذلك فهو حسن. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن بعث معه بخادم يبلغها بجعل فنام في الطريق فأبقت فله من الأجر ما بلغ ولا ضمان عليه يريد إنها إجارة وليس بجعل. قال: وقد روى ابن القاسم عن مالك المبضع معه يبلغها فماتت في الطريق أن له الأجرة كلها وعليه أن يتم له بقية سعره وقيل: إن كان ممن يواجر نفسه فذلك له. وهذا في كتاب الوكالات. [7/ 87]
في الخياط يقول للرجل: إن الثوب يكسو فيشتريه، أو الصيرفي يقول إن الديار جيد فيأخذه
وقال في حمال بعثت معه دنانير ليبتاع لك بها طعاما فيرجع فيقول: قد ذهب المال. قال: لا يضمن وعليه اليمين ولا أجر فيما عنا. وفي باب الإجارة على المجيء بعيد من بلد فيخالفه العبد أنه يرسله في مثل ذلك والإجارة تامة قال مالك: والمستأجر يحرس بيتا فينام فيسرق من البيت فله أجره ولا يضمن وكذلك حارس الخيل والغنم له أجره ولا يضمن. قال ابن القاسم: لا يضمن الأجير إلا ما ضيع أو فرط أو تعدى، ومن الضيعة أن يترك ما وكل به ويذهب إلى غيره حتى يذهب ما وكل عليه وليس النوم والغفلة من الضيعة. أشهب عن مالك في الدليل يخطئ الطريق فأما العالم بذلك فلا شيء عليه ولا كراء وأما الجاهل يغرهم فلا شيء له قال أشهب: لا شيء لهما. قال ابن حبيب /: وإذا أخطأ وهو عارف لم يغرهم من نفسه فله جميع الأجر إذا بلغهم عل ما كان من خطئه وإن لم يبلغهم فله من الأجر بقدر ما دل لهم إلى أن يستغنى عنه مما ظهر لهم من حكاية على غرمهم وهو غير عارف فلا شيء له وعليه الأدب. في الخياط يقول للرجل: إن الثوب يكسو فيشتريه أو الصيرفي يقول: إن الدينار جيد فيأخذه أو يدله على جارية فلان فيغلط من العتبية، ابن القاسم عنه مالك وعمن قال الخياط: أخرج لي من هذا الثوب قميصا أو ساجا. قال: نعم فأخذه أجه فقطع فلم يأت ذلك فيه فلا ضمان عليه ولو أفسد ذلك غرم قيمة الثوب إلا في فساد يسير. قال: ومن واجر قسطالا فانتقد له مالا ثم خرج فيها ردية فلا ضمان عليه. [7/ 88]
قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال لخياط: إن كسا هذا الثوب اشتريته. فقال له: يكسوه فاشتراه فلم يكس فالبيع لازم ولا يضمن الخياط. قال ابن القاسم: وإن غر من نفسه عوقب وكذلك الصيرفي يقول للرجل: هذه دراهم جياد. فلا تكون كذلك، فإن غره من نفسه عوقب وحرم أجره واختلف قول مالك في تضمينه إذا غر بجهله؛ فقال: يضمن. وقال: لا يضمن ولا أجر له وأما البصير فلا يضمن وله أجره. وكذلك قال ابن حبيب إذا جعل له على ذلك، فإن كان بصيرا فله أجره. قال /: ويعاقب الذي غر من نفسه ويحرم أجره ولا يضمن وروي عن سحنون تضمينه. وروي في أمين أمره القاضي يبيع على يتيم فباع وقال: قبضت دنانير جيادا. ثم توجد غير طيبة فإن كانت مشكوكا فيها لم يضمن، وإن كان رداها بينا ضمنها. وقال مالك، في سماع ابن القاسم: إذا استوجر صيرفي ينتقد للورثة دنانير فوجد فيها ذهب قباح قال: لا يضمن إلا أن يكون [غر من نفسع أو يغرف أنه ليس] من أهل البصر، فيضمن. قال سحنون: وهذه أصح من التي تحتها حين قال: إن غر من نفسه فلا شيء عليه ويؤدب. وقال ابن دينار المدني فيمن استأجر رجلا في انتقاد مال قال: فوجد فيه رديا فإن كان بصيرا وأخطأ فيما يختلف فيه لم يضمن، وإن كان مما لا يختلف في مثله لبيان فساده رأيته ضامنا؛ لأنه قصر فبما كان يدركه لو اجتهد ولو كان الأجير جاهلا لا بصر له والذي استأجره لا يعرف بجهله وذكر الأجير أن له بصرا ومعرفة وغر من نفسه، فإن قبض شيئا لا يختلف في مثله لسان فساده ضمن وعوقب، وإن قبض ما يختلف في مثله لم يضمن وأدى لكل واحد منهم أجرئه. قال غيره: هذا كله إذا تصادقا على أنها منها أو بينة معه لم تفارقه. [7/ 89]
ومن كتاب محمد: ومن قال لرجل: دلني على جارية فلان أشتريها. فقال: هذه هي: فلما ابتاعها ألفاها غيرها وإنما طلبها / بعينها لصنعة أو سبب أو أرسل فيها، فإن كان الدليل تعمد فلا جعل له ويؤدب، وإن كان عارفا بها فشبه عليه فله جعله. قال ابن القاسم فيمن قال لبزاز: أخرج لي قوارة ساسج فأخرج له طاقا وأمر الخياط فقور له منه ساجا ثم قال له الخياط: فيما بقي ساج مثل الأول. فاشتراه فقطعه وخاطه فجاء دون الأول فلا يضمن ويحلف أنه ما سرق منه شيئا. قال ابن ميسر: إلا أن يكون قطعه على شيء أراه إياه فغره وقطع دونه فيضمن الثوب وكذلك الخياط وإنما لا يضمن فيما ذكر حين ولي الشراء دافع المال نفسه فإنما كذبه هذا ولا يضمن بالكذب. [7/ 90]
كتاب الرواحل والدوات
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب الرواحل والدوات في الكراء المضمون والمعين والنقد فيه وهل يجوز تعيين حمل متاع لا يعدوه؟ من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك ومن كتاب ابن المواز: وإذا اكتريت من رجل دابة أو سفينة على أن يحملك إلى بلد كذا على دابة أو سفينة لم يسمها ولذلك الرحل دابة أو سفينة قال في كتبا محمد: وقد أحضرها الكري قال في الكتابين: ولا يعلم له غيرها ولم يقل: إنك تحملني على دابتك هذه أو سفينتك. فهلكت بعد أن ركب فعلى الكرى أن يأتيه بدابة أو سفينة غيرها ويحمله وذلك مضمون حتى يشترط شرطا إنما أكري منك هذه بعينها فينفسخ / الكراء بهلاكها. قال محمد: أو يكري منه نصف المركب أو ربعها فيكون كشرط التعيين. محمد: ولو أحضر متاعا أكرى عليه فلا يكون ذلك على تعيين المتاع ولو شرط في المحمول أنه لا يعدوه ولا يأتي بغيره ولا يبدله لم يجز ذلك، فإن حمل فله كراء مثله ولا بأس بتأخير النقد في الكراء المعين في دابة أو عندما لم يتأخر الانتفاع مثل الشهر فأكره حينئذ تعجيل النقد ولا يؤخر في المضمون إلا أن يشرع في الركوب. قال مالك: وإن تكارى كراء مضمونا إلى أجل كالمتكاري إلى الحج في غير إبانة فليقدم مثل الدينارين ونحوهما ولا يجوز في غير المضمون يتأخر فيه الركوب تأخير شيء من النقد ووخر في هذا لما يقطع الأكرياء بالناس. [7/ 91]
قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن اكترى كراء مضمونا ويقدم إليه الدينارين حتى يأتي بالظهر فلا بأس بذلك وكم من كري هرب الكراء وترك أصحابه. ومن الواضحة: وإذا وقع الكراء بدابة عينها أو أجير أو دار بثوب بعينه أو طعام بعينه، فإن لم يكن للبلد سنة أو كانت سنتهم كلما عمل أو سكن أو سار أخذ بحسابه فلا يجوز في قول ابن القاسم والجواب عندي أن الكراء بهذا كله جائز كان سنة الله التأخير فيه أو غيره فهو على تعجيله حتى يشترط تأخيره تصريحا. وقاله من أرضى من أصحاب مالك. ومن كتاب محمد، مالك: ومن اكترى إبلا إلى بلد على أن يوخره بالكراء إليها ولم / تحضر الإبل وهي غائبة، فان كانت بأعيانها فذلك جائز لأن النقد لا يصلح في شراء الغائب، وإن كان كراء مضمونا فكان مالك يكره ذلك إلا أن يتعدى أكثر الكراء أو ثلثيه ثم قال: قد قطع الأكرياء أموال الناس فلا بأس بتأخير النقد ويعربنهم الدينار وشبهه قال أرجو أن يكون خفيفا لهذه الضرورة ولعموم الضرر بالناس بفسد الأكرياء وأما على قياس البيوع فلا يتأخر النقد في المضمون وخففه في الكراء لهذه العلة وسواء بشرط أو بغير شرط ما لم يشترط أجلا بعد حمل الحمولة والبلوغ فلا خير فيه. قال مالك: من اكترى دابة يركبها إلى عشرة أيام وينقد الكراء فإن كان قريبا فلا بأس به. قال ابن القاسم: لا يعجبني إلى عشرة أيام. ومن كتاب محمد: وإذا مرضت الدابة يريد بعينها فتركها واكترى غيرها فقد انقطع ما بينهما وليرد ما بقي ولا يصلح في ذلك رجوع وإن رضيا. قال: ولا يكري الرجل الدابة بعينها كراء مضمونا. [7/ 92]
فيمن اكترى دابة على أنها إن ماتت ركب دابة له أخرى
فيمن اكترى دابة على أنها إن ماتت ركب دابة له أخرى وفي الدابة بعينها تموت أو تمرض أو يجد بها عيبا فيعطيه غيرها والحوالة في الكراء أو يتحول من دابة إلى أخرى أو إلى طريق أخرى أو إلى جمل من ركوب من الواضحة: ومن تكارى من رجل دابة بعينها وشرط عليه إن ماتت فدابته الأخرى بعينها مكانها إلى مدى سفره / أو شرط أن باقي كرائه مضمون فلا يجوز. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك فيمن تكارى دابة إلى موضع فهلكت ببعض الطريق ـ يريد وقد نقده ـ فلا ينبغي أن يعطيه دابة أخرى يركبها بقية سفره إلا أن يصيبه ذلك بفلاة وموضع لا يوجد فيه كراء فلا بأس به. وكذلك في كتاب محمد عن مالك. وكذلك في الواضحة وزاد سواء تحول في كراء مضمون أو معين والكراء الأول غير مضمون، إلا أن يكون بفلاة، فلا بأس به في الضرورة إلى موضع المستعتب فقط. ومن سماع أبي زيد من ابن القاسم قال مالك: ومن بقي له عند رجل بقية كراء وسأل الكري رجلا آخر أن يحمله بالكراء الذي له عليه ويزيده فهو مكروه وأرجو أن يكون خفيفا. قال ابن القاسم: وليس بضيق وفيه شيء، وإن سأل ذلك المتكاري أن يحتال على الكراء الأول ورضي بذلك الكري الأول أن يحتال عليه ويزيده فلا خير فيه. أنكرها سحنون ورآها من وجه دين بدين. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن اكترى شق /؛ مالك ونقد الثمن ثم أراد التحول إلى زاملة ويرتجع فلم ير فيه بأسا. قال عيسى عن ابن القاسم: إن سأله أن يحوله من محمل إلى زاملة ويرد عليه دينارا ويرده من زاملة إلى محمل ويزيد عليه دينارا وقد ركب أو لم يركب فذلك جائز إلا أن يكون، نقده فلا يزيده [7/ 93]
الحمال شيئا إلا أن يكون قد سار بعض الطريق فتزول تهمة السلف فأما / أن يزيده الراكب ويتحول إلى محمل فلا بأس به ركب أو لم يركب نقد أو لم ينقد. قال عنه أصبغ: ولا بأس أن ينتقل إلى محمل ويزيده وأما إن تكارى على حمل أحكام فأراد أن يتحول إلى محمل ويزيده فلا يجوز. قال أصبغ: لتباعد هذا من هذا. ومن كتاب محمد: ومن أكرى دابة بعينها فلا يجوز أن يتحول منها إلى غيرها، فإن فعل فعليه في الثانية كراء مثلها ما بلغ ويبقى كراء الأول قائما بينهما، ولو كانت إجارة على أيام معلومة جاز ذلك بينهما إذا انقضت تلك الأيام، وأحب إلينا أن يكون عليه في تلك الزيادة الأكثر من كراء المثل أو من الكراء الأول. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن اكترى دابة من مصر إلى برقة ثم باعها وشرط على المبتاع أن عليه تمام الحمل مضمونا عليه على أي دابة شاء فالبيع جائز هو بيع وكراء مضمون بخلاف الدابة تباع ويستثنى ركوبها مكانا بعيدا. ومن سماع أشهب من مالك قال فيمن اكترى من مصر إلى الحج ولم يشترط المضي بالمدينة فبريد ذلك ويأبى الكري إلا أن يتساحل فذلك على الكرى إلا أن يخاف فوات الحج وكذلك في كتاب محمد قال ابن ميسر: ولا تراعى ها هنا سهولة الطريق؛ ولأنه واجب عليهم بدءا للإحرام. ومن الواضحة: وإذا اكترى منه من مصر إلى مكة ذاهبا وراجعا فلما بلغا مكة سأله أن يرجع به في طريق غير التي أتى منها قال: قال ابن الماجشون: / [7/ 94]
إذا كان رجوعه إلى مصر فذلك جائز كانت المسافة متفقة أو مختلفة بزيادة من أحدهما أو بغير زيادة، وأما أن يفسخ ذلك في سفر ينشره من مكة إلى غير مصر فلا يجوز بزيادة ولا بغير زيادة كان الكراء الأول مضمونا أو في دابة بعينها. ومن كتاب ابن المواز: ومن اكترى دابة بعينها فالقاها بها دبرة يؤذيه ريحها فكرهها يقال: اركبها، فإن لم تواتك فعلى بدلها حتى أبلغك فإن كانت مما يقضي له بردها فلا خير في شرطه أن يبلغه؛ لأن الكراء في معينة، فإن نزل فعليه كراء ما ركب ولا خير أيضا في أن يحوله إلى غيرها، وإن لم يضمن لها وإن كانت الأولى في حقه أمرا الدابرة لا يقضي بردها فالكراء الأول لازم والشرط الثاني باطل. قال ابن القاسم وعبد الله: من اكترى دابة بعينها إلى بلد ثم أراد أن يتحول إلى دابة أوطى منها لم يجز ذلك لا بزيادة ولا بغيرها. وقاله مالك. وأجاز ابن القاسم أن يتحول إلى طريق أخرى إن كانت مثلها. محمد: يريد في أمنها وسهولتها ولم يجزه عبد الملك ما لم يكن طريق من يراجعه إلى الموضع الذي اكترى إليها، أو طلب الاختصار فيجوز ما لم يكن زيادة. ومن العتبية، أشهب عن مالك في المكتري يريد أن يركب الدابة إلى غير الموضع الذي تكارى إليه فقال: إن كان مثل الموضع الذي تكارى إليه في السهولة والجزولة فذلك له. وفي المدونة ذلك له برضاء ربها. وقال غيره: ليس ذلك له بجائز. والله الموفق. [7/ 95]
في إلزام الكراء العاقد به وفي تخلف الراكب أو الكري قبل الركوب أو بعده
في إلزام الكراء العاقد به وفي تخلف الراكب أو الكري قبل الركوب أو بعده وفي الكري لا يجد الوكيل فيكري الإبل أو لا يكري ومن كتاب محمد، قال: ويوم يقع الكراء يجب الركوب حينئذ إلا أن لا يمكن لليل غشيهم أو غيره فيؤخر إلى مكانه إلا أن يسميا شيئا معروفا جائزا. قال ابن حبيب: وليس لأحد المتكاريين أن يرجع عما عقد ولا ينقضه ولا له في الدابة بيع ولا هبة ولا صدقة، فإن فعل فالكراء أولى ولا ينقض الكراء بموت أحدهما. ومن العتبية وكتاب محمد، أشهب عن مالك: ومن اكترى من المدينة إلى مكة فسار شيئا ثم أراد أن يرجع إلى المدينة فقد لزمه الكراء كله قال أحمد: وليكر بقية المسافة إلا أن يرجع على الدابة برضى منها على المقاواة. ومن سماع أصبغ من ابن القاسم، من العتبية وعن كري حمل لرجل أحمالا من الشام إلى مصر أو الفسطاط فلما بلغ إلى الفرما قال له المتكاري: أعدل بأحمالي إلى الأشنوم احملها في البحر. فيفعل ثم قال: على الكري فيما بين الفرما إلى الفسطاط قال: ليس له ذلك إلا أن يكون استثنى ذلك فقال له: اخرج أحمالي ها هنا وحاسبني. وإلا فلا شيء له والكراء كله للكري أرأيت لو قال له: ضع لي بعض متاعي ها هنا. فوضعه ألم يكن له كراؤه كله؟ أو يحمل حتى فات الأمر فإن لم تكن أياما بأعيانها، وقد ضرب لمجيء الدابة أجلا أو لم يضرب فأتى بها فلم يقبل فالكراء قائم حتى ينظر السلطان ويكريها عليه ولو أخذها فاستعملها / في غير ذلك، فإن كان ليس في مثله فالكراء قائم وعلى [7/ 96]
المكتري كراء ما في هذا العمل مع الكراء الأول وكذلك لو أبقاها فعليه كراء مثلها فيما أوقفها فيه والكراء ثابت يكريها المكتري في مثله وإن أكراها في أيام بأعيانها فأتى بها فلم يقبل الدابة فإن تركه ربها قد قيل: إن لم يرجع ذلك إلى السلطان حتى يكريها على المكتري حتى فات الوقت وقد انفسخ ما بينهما ولا شيء على المكتري. ابن القاسم، روى عن مالك أنه إن أمكنه منها ولم يأخذها حتى [ذهب الوقت]. وقد أشهد عليه فقد لزمه الكراء. وقد قاله ابن القاسم. وكذلك الأقل إن أمكنه منها. قال محمد: وذلك عندنا في أيام بأعيانها أو شهر بعينه، ولو قبضها فأوقفها حتى زال الوقت لزمه الكراء كاملا، وإن استعملها في غير ما أكراها له بغير إذن ربها وقيمة ذلك أكثر من قيمة ما اكتراها له فالفضل لرب الدابة، وإن كان أقل لم يكن له غيره. قال محمد: تفسيره أن يسقط الكراء الأول، كان أقل أو أكثر ولم يعجبني بل يكون له الأكثر من الكراء الأول أو الثاني وكذلك أجير السنة لو واجر الأجير نفسه فيها كان الفضل للذي استأجره أولا يأخذه منه. قاله أحمد بن ميسر: إذا أكرى الدابة أياما بأعيانها فقبضها فأوقفها أو استعملها في دون ما اكتراها له فالكراء الأول بمضي الأيام المعينة ويكون له كراء مثله في شدة ذلك العمل الذي استعملها فيه. وقال مالك مرة: إذا أكرى ظهرا / إلى أجل على حمولة ف لما حل الأجل أمكنه منها فأبى ورافقه إلى الإمام فلم يفصل بينهما فأكرى الإبل ربها، فإن كان بأكثر فذلك للمكتري / وإن كان بأقل فعلى المكتري ما بقي له عليه. وقال مالك فيما بلغني: بل هذا الكراء للكري وليرجع ثانية قال ابن القاسم: وإذا خرج الكري إلى وكيل المكتري ببلد آخر فلم يجده قال ابن حبيب: أو لم يجد المتاع، فإن رجع بعد إعلام الإمام أو بعد اجتهاده وتلومه وإشهاده إن لم يكن سلطان، فله كراه، وإن لم يكن ذلك رجع ثانية. محمد: وهذا هو القول، قال مالك: وإن لم يكن الكراء بالبلد موجودا أو رجع ولم يرفع إلى الإمام فلا يبطل عمله بجهله إن يدخل على الإمام. قال أحمد: هو مدع في الاجتهاد ولا بينة له ولو دخل على السلطان بأن عذره. وقال مالك: [7/ 97]
وإذا اكترى الإمام الإبل أو المكري وقد اجتهد إن لم يكن سلطان، يريد فأشهد فذلك للمكتري قال أو كثر وعليه الكراء الأول ولو أكراها الحمال لنفسه وكان ما وصفت لك فله هذا الكراء وليرجع ثانية إذا لم يرفع إلى سلطان ولو أكراها الحمال للمكري بغير تلوم فإن رضي به المكتري وقد نقده فإن كان هذا الكراء أكثر لم يجز له أخذ الفضل، وإن لم ينقده فله أخذ الفضل، وإن لم يرض به فالكراء الأول قائم. ومن العتبية، أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك: وإذا لم يجد الوكيل فأكرى لنفسه / فالكراء له وليرجع ثانية، ولو تلوم وكلم الإمام وأشهد فليس عليه أن يرجع ثانية ولو لم يفعل ذلك وأكراها للمكتري ثم ذكر نحو ما في كتاب ابن المواز إلا أن ما في العتبية فيه إشكال يتغير به المعنى في ظاهره. قال سحنون: إذا أكراها المكتري على وجه النطر بأكثر من كرائه فالمكتري مخير إما أخذ رأس ماله وترك له الفضل وتكون إقالة، وإلا رده وكان جميع الكراء للكري، وإن أكرى بأقل لم يضمن وله كراؤه ويرجع ثانية إلا أن يتراضيا على شيء فيكونا على ما اصطلحا. قال ابن حبيب: وإذا لم يجد الوكيل وترك أن يأتي السلطان وأن يتلوم ويشهد وأكرى لنفسه فالمكتري مخير إن شاء سلم الكراء ورده يحمل متاعه، وإن شاء أخذ الكراء فإن شاء أخذه فانظر فإن كان فيه فضل فالفضل للمكري أكرى كان ذلك للمكتري قال ذلك أو كثر. ومن كتاب محمد: وإذا أخلفه الكرى حتى فاته فلقي رجل أو غيره ف لا ينفسخ الكراء بذلك إلا في الحج فقط لأن أيام الحج معينة فإذا فاتت انفسخ [7/ 98]
الكراء وكذلك يمكن في أيام بأعيانها ولا يتمادى وإن رضيا وقد قال مالك: إن نقد في الحج أو غيره، فإن أحب أن يتأخر الكراء إلى عام قابل لا يؤمر بالرد، وإن لم / ينقد فجائز فسخه ثم رجع مالك في الحج فقال: يفسخ بينهما وكذلك إن اكترى دابة شهرا بعينه فحبس عنه فيفسخ ما حبست فيه ويصح بقية الشهر ويصير كالأجير يمرض أو يغيب في إجارة الشهر ولو لم يكر أياما معينة كأن يكري سلعة بعينها يدفعها من الغد أو مضمونة فمطله بذلك حتى فاته ما يريد فلا حجة له وإنما له السلعة. وقاله مالك في الأضاحي يسلم فيها فيؤتى بها بعد أيام النحر أنها تلزمه وإذا غاب الكري فلم يأت مع الوقت فإنما يتكارى عليه الإمام إن كان له مال معروف وإذا كان الحج خاصة ففات وقته فسخ بينهما ولا يفسخ غيره إلا في كراء أيام بأعيانها أو شهر بعينه فيخلفه فيه كذلك قال مالك. فأما كراء مضمونا أو دابة بعينها يركبها من الغد أو بعده وليس بأجل مسمى يبلغه وإنما سمى وقتا بمجئ الدابة يركبها فهذا لا ينفسخ بعينه الحمال ما لم يكر المشتري أياما بأعيانها قيل: أليس يكره الأجل في المسير؟ قال: ليس هذا من ذلك لأن هذا حيث ينقضي الأجل سلم الحمولة إلى ربها وإنما المكروه أن يسمى للبلوغ أجلا. قال مالك: في كتاب ابن المواز، ومثله لمالك في العتبية في سماع أبي زيد: وإذا تخلف الكري في بعض الطريق فأنفقوا على إبله أو مات بعير فأكروا عليه؟ قال مالك: يلزمه ذلك إذا كان ما يشبه. قيل: فاشتروا بعير ا؟ قال: لا أدري / ما الشراء أرأيت لو ماتت كلها أيشترون مثلها؟ إنكارا إن يكون عليه شيء. [7/ 99]
في هلاك الراكب، وكيف إن شرط المحاسبة بموته؟
في هلاك الراكب وكيف إن شرط المحاسبة بموته؟ وفي الحمولة تهلك أو يتعدى فيها الكري وفي الطريق تعرض فيه أو عرض للراكب ما منعه المسير من العتبية من سماع أصبغ من ابن القاسم: وسئل عمن اكترى شق محمل فمات في الطريق فلم يجد وليه كراء فأراد أن يطرح في شقه حجارة؟ قال: ليس ذلك له، وهذا مضار إلا أن يكون له في تلك الحجارة نفع. قال ابن القاسم في رواية عيسى: ولا خير في أن يكتري الدابة ويشترط أنه إن هلك ببعض الطريق قاصه بما ركب ورد الدابة. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أكرى على قمح من الريف أخذ اللصوص القمح ببعض الطريق قال يرفع ذلك إلى السلطان فينظر فيه فإن لم يرفع ذلك حتى قدم فليرجع حتى يحمل مثله من الموضع الذي أصيب فيه. ومن سماع عبد الملك بن الحسن قال ابن القاسم في الدابة تكتري إلى موضع فتقطع به اللصوص أو سرق له من متاع أو قطع به شيء لا يقدر معه على المسير قال: الكراء لرب الدابة فإن شاء المكتري سارة أو أقام وليكرها في مثل ذلك. وقال سحنون. وقال: وأما من تكارى دابة إلى موضع / فيبلغه شيء لا يقدر معه على دخوله ولا التخلص إليه فالكراء يفسخ بينهما. قال ابن حبيب: ومن تكارى على حمل متاع كراء بعينه أو مضمونا فسار بعض الطريق فبلغهم فساد الطريق، فإن كان في الطريق انفلاق بين وشدة لا يرجى كشفها إلى أيام فيها مضرة عليهما أو على أحدهما فلمن شاء منهما فسخ الكراء، وإن كان في غير موضع مستعتب فعلى المكري أن يرد به إلى المستعتب والمكان المأمون كان بين يديه أو خلفه، فإن كان بين يديه فله بحساب كرئه، وإن كان خلفه فيكري مثله [7/ 100]
والأول بحساب. وقاله أصبغ: وإذا أصاب المرأة الطلق في الطريق لم يجبر كريها على المقام عليها في غير الحج وتقيم هي إن أحبت وتكري هي ما تكرات وإنما يحسن في الحج إذا نفست قبل تمام حجها لأنه كأنه أكراها إلى أن يتم حجها. قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم أصبغ. ومن العتبية من سماع أشهب وعمن تكارى ظهرا إلى الحج فلما كان من أمر حسين ما كان وأراد الخروج إلى مكة وتراجع الناس من الطريق جاءه الكري فدعاه إلى الخروج فأبى وخاف الفتنة فرفعه إلى السلطان فأمره أن ي خرج مع كريه فخاف أن يقضيي عليه فصالح الكري على أن يقيله ويؤخره بالكراء إلى الجذاذ هل يرجع فيما أخر؟ قال: قد لزمه التأخير وقد طاع بالصلح فيلزمه وذلك الكراء غير لازم لهما من هذه الفتنة فلذلك جاز تأخيره ولو كان الكراء لازما لم يصلح التأخير. ومن سماع أبي / زيد من ابن القاسم: ومن حمل جرة فانكسرت وهو قوي على حملها فلا أجر له ولا ضمان عليه وهو مصدق أنه عثر وإن لم يكن ربها معه فإن لم يكن كسرها معروفا فله الأجرة إذا ضمن. قال أصبع: قال ابن القاسم: ومن حمل شيئا فرماه أخذه وصدمه فانكسر ما عليه فالرامي أو الصادم ضامن وللأجير بقدر ما بلغ من الطريق. قال أصبغ: وليس على ربه أن يأتي بمثله ويكمل له الأجر لأنه شيء بعينه مجهول وقد تقدم من رواية أبي زيد عنه في الطعام يأخذه اللصوص ببعض الطريق أنه يحمل مثله إذا رجع ولم يرفع إلى الإمام. ومن الواضحة قال مالك: وإذا ذهب الطعام أو المتاع ببعض الطريق بأمر من السماء وعرف ذلك وليس معه ربه ولا وكيله فليرفع إلى والي الموضع ليكري الدواب للمكتري إن وجد وإلا فالمكري يطلب ذلك فإن وجد أكرى للمكتري، وإن لم يجد لم يضره وله كراه كله، وإن أتى بدوابه فرغ. ومن كتاب محمد: وإذا [7/ 101]
فيمن اكترى دابة إلى بلد على أنه إن تمادى أو بلغ بلد كذا فبحسابه
تلف الراكب بما فيه وقد أكراه بعينه فلا كراء له، وإن بلغ البلد الذي أكرى إليه ما لم يخرجه من مركبه وكذلك الدابة تهرب بما عليها. وفي الباب الذي يلي هذا من معاني هذا الباب وكذلك في باب عطب المركب. فيمن اكترى دابة إلى بلد على أنه إن تمادى أو بلغ بلد كذا فبحسابه أو على أنه إن وجد / حاجته دون البلد فعليه بحساب ذلك أو أكرى منه إلى بلد وقال: إن رجعت فبمثل الكراء أو أكرى منه للرجوع بعد العقد الأول أو فيه من كتاب ابن المواز، ومن العتبية أشهب عن مالك: ومن تكاري دابة بدينار إلى بلد كذا على أن يقدر ربها بحساب ما تكارى منه فإن سمى موضع التقدم فجائز اون كان يعرف نحوه، وإن لم يسمه مثل أن يقول: أتلقى بها الأمير إلى الشجرة. فما تقدمت فبحسابه فهذا قد عرف وجهه فيجوز فأما أن يكتري إلى بلد فحيث ما بلغ من الأرض فبحسابه. هذا قد عرف وجهه فيجوز فأما أن يكتري إلى بلد فحيث ما بلغ من الأرض فبحسابه فلا يجوز حتى يكون إلى موضع معلوم يسميه أو أمر له وجه وإن لم يسمه قال عيسى في العتبية: قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكتري إلى طرابلس كل حمل أو كل محمل بكذا وينقد كراء طرابلس على أنه أن يقدم إلى أفريقية فبحساب ذلك فيلزم ذلك الكري وللمكتري أن يدع ويحاسبه حيث شاء فأما أن ينقد الكراءين جميعا على هذا الوجه فلا يجوز ويدخله بيع وسلف. ومن كتاب محمد ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك ومن اكترى في طلب ماله أو آبق، فلا يجوز حتى يسمى [7/ 102]
موضعا وقال: فإن / وجد حاجته دون ذلك رجع وكان عليه بحسابه فذلك جائز إن لم ينقده. قال في كتاب محمد: وإن قال: فإن تقدمت فبحسابه. لم يجز حتى يسمي موضعا ثم لا ينقده إلا كراء الغاية الأولى وكذلك في الواضحة في هذا كله. ومن كتاب ابن المواز وهو في العتبية من سماع أصبغ قال ابن القاسم: ومن اكترى إلى مكة بخمسة على نه إن شاء الرجوع فبذلك الكراء فجائز [قال لا بأس بذلك إذ كان الوزن] والحمولة وكان الكراء واحدا غير مختلف قال أصبغ: ما لم يقدم شيئا من كراء الرجعة. قال ابن القاسم، في كتاب محمد: ولو قال: إلى مكة بعشرة فإن بدا لي اليمن فبخمسة عشر لم يجز إلا أن يقول: فبحساب ذلك. قال محمد: وإن قال: فإذا بلغت مكة ووصفت أحمالها أو بعضها ثم أردت الكراء إلى اليمن فبحساب ذلك. لم يجز إذا كان ينقص من الحمولة ببيع أو غيره أو يزيد فيها. قال مالك: ومن تكارى من مصر إلى مكة بدينارين على أنه إن بلغ الطائف فنازعه لم يحز ولو قال: فبحساب ذلك جاز. قال عبد الملك، فيمن اكترى دابة إلى مكة بدينار وإلى الطائف بأربعة أنه جائز لأنه إنما وقعت الصفقة إلى الطائف بخمسة وصار ذكر مكة لغوا وإنما يفسد إذا قال: على أنه إن بلغ الطائف فبأربعة. ولم يجعل الطائف واجبا. قال مالك: ولو قال: إلى طرابلس بعشرة، وإن تماديت إلى أفريقية / فلكل حمل دينار لم يجز. ولو قال: فبحسابه جاز. قال ابن القاسم: إذا لم ينقده إلا كراء طرابلس. وقال عبد الملك: وقال: ما لم تكن الوجبة أقل من الذي فيه الشرط للمكتري أو يكون كثيرا، وإن استوى خوفا أن يرخص له في الوجبة؛ لطمعه بكثرة الكراء الباقي فهذا عنده فاسد في المسافة الأولى وفي الثانية. ولو قال له بعد تمام الفقد في المسافة الأولى: إن بلغت بلد كذا فبحساب ذلك [7/ 103]
لكان جائز عنده، وأن كثرت الوجيبة الثانية لأنه سلم من الحديعة بذكر الزيادة على الوجيبة في العقد وذكر عنه ابن حبيب أنه لا يجوز من ذلك بعد الصفقة إلا ما يجوز فيها من أن يكون الكراء الثاني الأقل ويكون له حد معلوم ويكون بحسابه قال: وإذا استزاد ذلك المتكاري في مدة الطريق ومسافته بذلك له ما لم يدع تلك الطريق إلى غيرها فلا يجوز له ذلك بزيادة ولا بغير زيادة اتفقت المسافة أو اختلفت ويصيير كغيره ممن لا معاملة بينه وبينه. قال محمد: قيل لعبد الملك: فلم قلت: إذا أكرى إلى مكة دابة بدينار ثم قال بعد العقد: إن تماديت إلى الطائف فبدينارين أنه لا خير فيه حتى يقول: فبحسابه أو يعقد معه إلى الطائف عقدا ثانيا لازما لا يقول فيه: إن شئت أو: أردت؟ قال: لأنه من المكتري كأنه في صفقة ولا يجوز من غيره بحال وأنا لا أكره في العقد أن يقول له في المسافة الثانية: فبحساب / ذلك إلا لما أطمعه من تكثير المسافة الثانية فقد سلما من ذلك حين لم يكن في العقد نفسه. قال مالك وإذا عقد معه الكراء من مصر إلى مكة فلما توجه عقد معه الكراء من مكة إلى مصر ونقده فذلك جائز محمد: للمكتري الأول دون غيره بمثل الكراء الأول أو أقل أو أكثر [وكأنه من هذا كراء واحد]. ما لم يكن في الثاني بانحياز إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل لم يجز بسفرين ولا يجوز إلا على حساب الأول. قال مالك وإذا أكرى منه من المدينة إلى إبله فلما سار بعض الطريق اكترى منه من إبله إلى مصر ونقده فذلك جائز. قال مالك: ومن اكترى إلى بلد وشرط أن بدا له أن يقيم ببعض الطريق أو يرجع إذا وجد حاجته أو إذا شاء ويعطيه بحساب ما بلغ على ما أكرى منه فذلك جائز ولا أحب النقد في ذلك. ومن العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم قال مالك فيمن اكترى دابة وقال: إن تأخرت بمتاعي عن يوم سماه فكل يوم بعد ذلك بدرهم. قال: وهذا [7/ 104]
فيما يضمنه الأكرياء وما يدعون من هلاك أو نقصان
مكروه ويفسخ الشرط، فإن فات فتأخر عن ذلك فإنما له كراء ذلك لا ينظر إلى الشرط، وعمن تكارى دابة إلى الإسكندرية أو غيرها وضرب له في تلك أجلا وشرط إن وجد الرجل في الطريق رجع له بحساب ما بلغ على ما تكارى منه فلا بأس به إذا لم ينقد وكذلك لو أكراها منه على مجيب بزمن الإسكندرية؛ على أنه إن فاجأه في الطريق رجع وكان له بحساب ما سار من / كراء فجائز إذا لم ينقده. قال سحنون: كيف يجوز هذا وقد أكراه دابته بما لا يدري؟ قال ابن المواز: وإذا أكرى منه على أحمال مجلدة وأثقال من المدينة إلى مكة وإذا رجع بأحمال وركوب فهو جائز؛ لقرب بعض ذلك من بعض وكما يكتري في صفقة على أحمال أو محامل وأثقال. وقاله مالك وابن القاسم وعبد الملك: قال ابن ميسر: يعني إذا علم كم الأحمال من المحامل؟ وإلا لم يجز. وفي الواضحة مثل ما قال وسواء كانت الأحمال والمحامل في البدأة وفي الرجوع أحمالا فقط أو كانت الأحمال وحدها في البدأة إذا كانت الأحمال في الرجعة هي الأولى يريد: أو حملا معمولا. قال: سواء كان كراء نفسه أو مضمونا فجائز. وفي باب بعد هذا فيما يجوز من ضرب الأجل في كراء الدابة معنى من هذا. فيما يضمنه الأكرياء وما يدعون من هلاك أو نقصان وفيما يهلك من الحمولة هل ينتقض له الكراء؟ أو كيف بما تعدى فيه المكاري؟ قال ابن حبيب: وكل ما حمله الحمالون على دوابهم أو إبلهم أو في سقهم أو على رؤوسهم فإنهم يضمنون الأقوات من طعام وإدام غير ذلك من طعام أو عرض إلا أن يكون صاحبه معه فلا يضمن شيئا منه إلا بتعد مثل أن يغر من عثار الدابة أو نفارها أو ضعف أحيلة فيضمن بالتعدي الطعام وغيره وإنما ذكرنا أنهم يضمنونه من طعام أو إدام فلا يصدقون في هلاكه وإنما ذلك في الأقوات التي لا غنى عنها ولمصلحة / الناس بتضمينهم كالصناع وعلى ذلك يعملون بعدما [7/ 105]
يضمنون القمح والشعير والسلت والدقيق والعلس والدخن والذرة والكرسنة ولم يجعل الأرز من ذلك ورآه مما يتفكه به ويضمنون الفول والحمص والعدس واللوبيا والجلبان ولا يضمنون الترمس، وإن كان يضم معها في الزكاة فإنما يتكفه به، ولا يضمنون من الإدام إلا السمن والعسل والزيت والخل فأما المري والرب والأشربة فلا، ولا من الفواكة من يابسها ورطبها إلا التمر والزبيب والزيتون، ولا يضمنون ما عدا ذلك من الفاكهة والخضر واللحمان ولا يضمنون شيئا من الأدهان كسائر العروض. وفي كتاب ابن المواز: ولا يضمن المكتري ما يحمله انكسر أو سرق إلا الطعام والإدام سلم إليهم حمله على دابة أو سفينة أو ظهر رجل أو راسية في بر أو إلا أن يشهد عدلان بهلاكه بغير تعد أو يكون مع الطعام ربه أو وكيله فلا يضمن ولربه أن يأتي بمثله يجعل من موضع ملك الأول. قال مالك: إلا أن يأتوا بأمر معروف؛ من انشقاق زق أو هلاك راحلة بما عليها وشبه ذلك ما يعرف هلاكه ولا يضمنها غيره وهم فيه مصدقون وكل ما هلك بسبب حامله؛ من سفينة تغرق أو تضل الدابة بما عليها أو ينقطع حبل الجمال فيذهب ما عليه أو ينشق أو يهراق من عثار الدابة أو الرجل الذي حمله من بلد أو من سوق فلا ضمان في ذلك كله ولا كراء ولا على ربه أن يأتي بمثله / ويرجع فيأخذ الكراء إن دفعه. قال ابن القاسم: وأما أن سرق المتاع أو مات الرقيق أو الراكب فالكراء قائم ولهم حمل مثل ذلك. ومن الواضحة قال: وما ادعاه الأكرياء من هلاك ما استحملوه فإنهم مصدقون إلا في الطعام والإدام فلا يضمنون ما سواه. قال مالك في كتاب ابن المواز: ولهم الأجر كاملا ولصاحبه حمل مثله عليهم بقية الطريق أو يكري ذلك في مثله. قال ابن حبيب: لهم من الكراء بحسابه إلى الموضع الذي ادعوا مبلغه قال: وكذلك إن كان إتلافه من سببه مثل أن يغر من عثار دابته أو ضعف أحبلة فضمن ذلك فإنما يضمن قيمة تلك العروض بموضع هلكت فيه لا بموضع حمله منها ولا بموضع يحمل إليه. قال: وأما ما يضمنون من طعام أو إدام فيدعي هلاكه بموضع فلا يضمنه في ذلك الموضع [7/ 106]
لكن بالبلد الذي أكرى ليبلغه إليه كان تلغه بالطريق مجهولا أو كان معلوما إلا أنه عن تغرير منه؛ لضعف أحبل أو عتار دابة أو كان هو مستهلكه وأما إن هلك الطعام ببينة بسبب الدابة من غير أن يغر فيه من عثار أو ضعف حبال أو كان ربه معه فلا كراء على المكتري ولا ضمان على الكرى. وكذلك لو عثر رجل بجرة حملها فيها زيت فانكسرت فلا يضمن ولا أجر له وأما ما هلك من الطعام من لصوص أو غاصب وذلك ببينة فيضمن كغيره مما لا يضمنه ولربه أن يأتي بطعام مثله أو عروضا مثلها فحملها له من موضع هلك فيه أو تكارى الدواب لنفسه إلا أن يتفاسخا عن / تراض بما يحل ولو كان حمل الطعام أو العروض في سفينة فغرقت غرقا معروفا لم يجب لربه السفينة من الكراء شيء وذلك في السفن بخلافه في الدواب. وقال مالك في الدواب يهلك ما عليها في الطريق بأمر من الله عز وجل قد عرف ذلك وليس معها المكتري ولا وكيله قال. يرفع إلى والي البلد إن كان فيها فيكريها إن وجد وإلا فالكري يكريها أمامه إن وجد وإلا فالكراء له كامل. ومن العتبية، أشهب عن مالك عن الذي يحمل الطعام بكراء فينتقص عليه قال: يترك لهم من ذلك ما ينتقص بين الكيلين. قيل: وإذا نقص أكثر مما يقع بين الكيلين فِأراد أن يحلفه ويغرمه فضل ذلك؟ قال: إن أراد أن يغرمه فلا يستحلفه. وكذلك في كتاب محمد، قيل: أرأيت إن تكارى منه على جمل مائة إردب من الفسطاط إلى القلزم فقال له: اضمنها. فقال: لا أفعل، المائة تنقص أربعة إردب. فيقول له رب الطعام: فأنا أعطيك الأربعة أرادب النقصان واضمن لي مائة أردب توفيها بالقلزم وأكتبها ثلاثة باطلا؟ قال عنه ابن القاسم في الذي يحمل مائة إردب بالقلزم سبعة وتسعين ويطرح عنه ثلاثة لما ينقص في المركب على ذلك يعقدون. قال: لا خير في ذلك. [7/ 107]
وروى عيسى عن ابن القاسم قال: قال ملاك فيمن تكارى على حمل طعام إلى المدينة فتعدى الحمال فباعه ببعض الطريق ولم يحضر ربه قال: ربه مخير؛ فإن اختار الثمن فذلك له وإلا ضمنه مثله بالمدينة. وقاله ابن القاسم قال يحيى بن يحيى / قال ابن القاسم: وإذا باع الحمال الطعام أو صاحب السفينة ببعض الطريق فلربه أخذ الثمن إن شاء وليس له القيمة، فإن لم يأخذ السفينة ببعض الطريق فلربه أخذ الثمن إن شاء وليس له القيمة، فإن لم يأخذ الثمن فله مثله بموضع يحمل إليه، وإن أخذ الثمن فله أن يستحمله مثله من الموضع الذي باعه فيه حتى يبلغه إلى البلد الذي اكترى إليه ويؤدي الكراء كاملا. من كتاب محمد: قال أصبغ: ومن أكرى على طعام فركب معه أو أرسل معه رسولا فكان يسأمه في بعض الطريق ويصحبه في بعضها فنقص فلا ضمان على حامله. محمد: يريد؛ لأن أصل حمله على غير التسليم إلى الحمال. قال مالك: وما نقص الزيت في الزقاق فقال له: رشحت. سئل أهل المعرفة؛ فما كان ينقص مثله لم يضمنه. قال: وإن شرطوا ألا ضمان عليهم في الطعام أو أن عليهم ضمان ما لا يضمن فشرطهم باطل والعقد فاسد؛ فإن فات ضمنوا الطعام ولا يضمنوا غيره ولهم كراء مثله بغير شرط. وقال مالك: وإذا حمل طعاما في مركب فأصابه بلل، فإن كان مفسدا ضمن وأما نداوة غير مفسده فليجففه ويحمل على الوسط من ذلك ويحلف المتولي. محمد: وهذا إذا لم يكن مه ربه؛ لأنه يتهم أن يسرق منه ويعرف ما بقي ليبتل فيزيد فيه، وإن كان بلل لا يزيد فيه فلا شيء عليه، وإن شك فيه أحلف ولم يضمن كما يضمن في البلد المفسد. قال مالك: ومن أكرى على حمل طعام فبعث معه ما لا يشتريه له به فادعى ضياع المال فلا ضمان عليه ولا أجر له فيما [عنا] وعليه اليمين لقد ضاع. محمد:: وإن اشترى الطعام وادعى أنه ضاع أو سرق، فإن حمله في سفيته صمن، وإن حمله على غيره صدق، يريد محمد: بأمر رب الطعام، إن حمله على غيره وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أكرى من نوتي على قمح بذهب فدفعه فنقص [7/ 108]
في المركب يقف لنقص الماء أو يرده الريح أو يرجعون لخوف
الطعام فأراد أن يأخذ في نقصانه ذهبا فلا خير فيه إلا أن يكون لهم ينقده ولا بأس أن يأخذ منه إذا نقده قمحا أو شعيرا إن كان شعيرا. قال ابن حبيب: ومن استأجر نواتية في سفينة يحملون فيها الناس ويكرونها فذلك جائز والضمان عليهم فيما حملوا من طعام وكذلك لو واجر أجيرا في ظهر له يحملون عليه فهم الضامنون لما حملوا من الطعام وقاله كله مالك. في المركب يقف لنقص الماء أو يرده الريح أو يرجعون لخوف أو يحبس الريح عليهم أو يجاوز به الريح المرضع وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تكارى من نوتي إلى الإسكندرية فلما بلغ ـ المكندس ـ وقف الماء قال: يحاسبه بقدر ما بلغ. قيل: فإن ظن النوتي إن ذلك يلزمه حملانه فأكرى عليه فبلغه. الإسكندرية. قال: لا شيء للنوتي؛ لأنه هلو شاء لم يفعل ولخاصم فيه قيل: فلو كان وقوف المركب في موضع ليس فيه أحد ولا يوجد فيه سلطان فخشى هلاك المتاع فأكرى عليه؟ قال: لعل هذا، ولا يشبه هذا الأول وروى عيسى عن ابن القاسم هذه المسألة في الخليج لا يكون فيه الماء قال / له بقدر ما سار ويفسخ ما بقي وسئل أصبغ في الذين يكترون السفن إلى بلدهم فتردهم الريح بعد شهر أو أكثر إلى موضع ركبوا منه وكيف إن كانوا لم يزالوا ملججين أو بلغوا قرية ثم قلدوا منها أو جازوا بها ولو شاءوا نزلوها؟ قال: إن. لم يزالوا ملججين منذ قلدوا حتى ردتهم الريح فلا كراء عليهم؛ لأنهم لم ينتفعوا بشيء ولا بلغوا مكانا انتفعوا به بوصولوهم إليه فليزمهم كراء إلى ذلك الموضع أما الذين أرسوا بقرية فقلدوا بعد ذلك فعليهم من الكراء بقدر ما بلغوا إلى تلك القرية وبمنزله لو انكسر المركب بها فسلم متاعهم أو بعضه [7/ 109]
فيجب عليهم من الكراء بقدر ما انتفعوا به فأما إن حادوا قرية فلم ينزلوا قادرين على النزول أو غير قادرين؛ فإن قربوا من البر جدا حتى صاروا إلى موضع بأمن من الريح لا يخافون منه لقربهم من البر وتعلقهم بالمرسى فلو شاءوا لأرسوا ثم قلدوا فردتهم الريح فعلى هؤلاء من الكراء بقدر ذلك الموضع كما ذكرنا، وإن لم يكونوا من قرب البر وأمنه بهذا السبيل ولكن يرجون ويخافون فلا كراء عليهم. قال: وإن لم يبلغهم ريح يردهم ولكن خوف لصوص أو ردم أو طلب ذلك الركاب، فإن رجعوا بسؤال من الركاب فالكراء كله عليهم، وإن كان رب المركب هو ردهم وأكرههم فلا كراء له، وإن طلب ذلك الركاب / لخوف لصوص أو ردم أو تغير بحر فالكراء يبطل كمن لم ينتفع بشيء وذلك إذا لم يكن دون مرجعهم إلى حيث ركبوا منه مستعتب ينزلون له مما مر ومنتفع فيما خرجوا إليه، فإن كان ذلك فهذا له أن يقول إلى هذا المستعتب: إذا لم يقدر على التقدم وليس لهم الرجوع إلى موضع خرجوا منه ولصاحب المركب قدر ما انتفع به من انتفع بذلك في حمولته وتجارته، وإذا كان الركاب هم الذين مضوا بالمركب حين خافوا على أنفسهم إلى موضعهم الأول وأكرهوهم أن لا يطرحوهم دون فعليهم الكراء واجب وأحب إلي أن يكون كراء الذهاب إلى حيث انتهوا بقدره من الكراء الأول ومن كراء الرجعة بالقيمة، وإن كان الأكرياء هم الذين أكرهوا الركاب ولم ينزلوهم إلى مخرجهم الأول فلا كراء لهم أيضا. ومن كتاب محمد، قال مالك: وإن اكتروا سفينة مسيرة ثلاثة أيام فحبستهم الريح عشرين يوما فأرادوا الفسخ والمحاسبة فليس ذلك لهم ولا ذلك للنوتي إن طلب ذلك منهم ومن مسائل لابن عبدوس في قوم اكتروا مركبا من الإسكندرية إلى أطرابلس فمالت بهم الريح إلى سوسة ومع المتاع ربه أو وعيله وه ومن أهل أطرابلس أو غيرها فذلك سواء؛ إن شاء أخرج متاعه بسوسة ولا كراء عليه، لزيادة المسافة، وإن شاء الرجوع إلى أطرابلس بالمتاع خاصة أو بنفسه خاصة أو بالأمرين فذلك له /؛ لأنه شرطه ولا ينظ إلى غلاء المتاع ولا إلى رخصه بسوسة. [7/ 110]
في الركب يعطب أو يرده الرج أو يطرح بعض شحنته
في المركب يعطب أو يرده الريح أو يطرح بعض شحنته وفي المركب يشحن فيه جماعة هل يأخذ بعضهم دون بعض؟ من العتبية، قال سحنون: قال ابن القاسم في السفينة تكترى على طعام فتغرق في نصف الطريق أو بعد أن بلغت الساحل قال: لا كراء لصاحب السفينة وكذلك في كتاب ابن المواز وهو في باب قبل هذا. قال سحنون: قال ابن القاسم: وإذا اكتراها من الإسكندرية إلى الفسطاط فغرقت في بعض الطريق فاستخرج نصف القمح فحمله في غيرها فلرب السفينة الأولى من كراء ما خرج من القمح بقدر ما انتفع به منه ربه وبلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه. وقال يحيى بن عمر وغيره من أصحابنا: وهو من قولهم معروف فيمن اكترى على أحمال من نوتي ودفعها إليه فحملها وتخلف ربها فأصابها بلل في المركب نقص من ثمنها قال: تقوم سليمة وتقوم بحالها؛ فإن نقصت القيمة سقط عنه ثلث الكراء، وإن ربع فربع. ومن غير العتبية وابن أبي جعفر في مسألة السفينة تعطب ببعض الطريق قال مالك: لا كراء لهم. قال ابن نافع: له بحساب ما سار. وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم مثل قول ابن نافع. قال يحيى بن عمر: إن كان كراهم على قطع البحر مثل السفر إلى صقلية من / إفريقية أو إلى الأندلس فلا شيء له من الكراء، وإن كان كراهم مع الريف الريف مثل أن يكونوا من مصر إلى أفريقية وشبهه فله بحساب ما سار وكذلك إذا ردتهم الريح إلى الموضع الذي ركبوا منه وإلى موضع آخر من الحائط الذي ركبوا منه فعطبت المركب أو بدا لصاحبه أن يقيم وليس لهم فيما جازوا من الطريق منفعة فلا كراء عليهم إلا أن يكون مصيرهم على الريف الريف. [7/ 111]
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في المركب يخاف أهله الغرق فيطرح بعض ما فيه؟ قال هم فيه سواء فقيمته من موضع حملوه، وإن كان حملوه من موضع واحد مثل أن يشتروا كلهم من مصر فمن طرح له شيء شريك لأصحابه بما اشترى به وذلك فيما طرح وفيما لم يطرح، وإن كان شراؤهم من مواضع شتى مثل أن يشتري بعضهم من مصر وبعضهم من أسوان أو بعض نواحي الفسطاط فهذا بخلاف الأول وينظر من هذا كم ثمن ما طرح وما بقي لو اشترى من موضع حمل فيكون شركاء فيما طرح وفيما بقي، واختلاف الأزمنة كالبلدان؛ فلو اشترى هذا منذ سنة وهذا منذ أشهر [حسب ما [على] اشترى به ٍ] منذ شهر. قال مالك: ولا يحسب على جرم المركب شيء وليس فيما طرح كراء وإنما عليهم كراء ما بقي بحساب ما أكروا. قال يحيى بن عمر: وإذا طرح أهل المركب ما نجوا به حسب ذلك على جميع ما في المركب / مما يراد به من التجارة من جوهر وغيره مما تقل مؤنة حمله أو تكثر وأما رقيق المركب ممن يخدمه وممن ليس للتجارة فلا يحسب عليهم شيء ويقوم ما طرح وما لم يطرح بقيمته بموضع شحنوا منه ويكونون فيه شركاء، وإن ابتل بعض المتاع أو الطعام قوم صحيحا وقوم مبلولا؛ فإن نقص نصف قيبمه طرح عن صاحبه من كراء ونصف الكراء وكذلك فيما قل وكثر قال يحيى: وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم في هذا كله. قال يحيى: وإذا عطب المركب فألقى البحر المتاع قريبا من موضع ركبوا فلا شيء لرب المركب من الكراء، وإن ألقاه وقد جرى بعض الطريق؛ فإن كان سيرهم على الريف الريف فله فيما سلم بحساب ما ساروا، وإن لم يطرح شيئا فلا شيء له. وكذلك إن خرج يريد المتاع سالما بقرب البلد الذي يريد إليه فله من الكراء بحساب ما انتفع ويقوم ذلك وقد يكون الكراء من موضع [7/ 112]
عطب إلى الموضع الذي يريد إليه أرخص منه ها هنا بحساب ذلك بالقيمة، وإن كانوا قطعوا البحر من الموسطة؛ لأنه قد انتفع، وإن ابتل المتاع قوم ما نقص منه البلل فتسقط من حصته من الكراء بقدر ما نقصه البلل كما ذكرنا، وإن لم يكن فيما جرى من طريقه منفعة فلا كراء عليه. قال مالك: وإذا فسد بعض الطعام في المركب ولم يفسد بعض؛ فإن كان طعام كل واحد على حدة قد جرى [على حدته قد حجز بينهم بحواخز فمن ابتل له شيء أو فسد فهو منه]. ومن سلم له شيء كان له وإن انخرقت الحواجز حتى اختلط القمح / فهم في جميعه شركاء فيما فسد وفيما لم يفسد. قال: ويتراجعون فيما طرح على ثمن الطعام بالقلزم لا بالجار ولا بموضع طرح فيه إلا أن يكون أحد منهم اشترى بدين فليحسب له على النقد لا زيادة فيه وأن حوبى أحدهم بشيء الحق بتمام القيمة بالقلزم. قال سحنون: ويقبل قول كل واحد منهم في مبلغ ثمن طعامه بلا بينة ولا يمين إذا ظهر صدقه إلا أن يتهم فيحلف. واختلف قول مالك في المختصر في تقويم ذلك فيما يطرح؛ فقال: قيمته في موضع يحمله. وقال: في موضع يحمل إليه. وقال: في موضع طرح. وروى أشهب، عن مالك في موضع طرح في البحر [وفي سماع أبي زيد على. . وليس على جرم المركب شيء ولا على خدم المركب وقومته كانوا أحرارا أو عبيدا وأما عبيد للتجارة فعليهم. قال ابن القاسم: قال مالك في النفر يكرون السفينة لحمل طعامهم فلما بلغوا أخذ أول من يمر بمنزله مكيلة طعام ثم غرقت السفينة فلا رجوع لأصحابه عليه أذنوا له في أو لم يأذنوا، وليس عليه أن يبلغ معهم بطعامه ثم يرجع إلا نه أن نقص الكيل طولب بحصته منه، وكذلك في كتاب ابن المواز. وكذلك في كتاب الشركة باب من هذا وفيه زيادة من هذا المعنى. قال في سماع أبي زيد: ومن أشحن في سفينة خمسمائة أردب ثم مر بأخ له في قرية أخرى فحمل له مائة أردب صبها فوق القمح ثم ابتل من أسفل القمح [7/ 113]
فيمن اكترى دابة فادعى هلاكها أو أنها مرضت بعض المدة أو أنه ردها أو سقط عليها حملها فهلكت
مثل خمسين أردبا ولم يصل البلل إلى قمح الأغلال قال: فذلك عليهما وهما شريكان في الذي ابتل؛ لأنه قد خلطه / وحمله على وجه الشركة. وفي كتاب الشركة في القوم يحملون الطعام مختلطا فيريد بعضهم بيع حصته ببعض الطريق. ومن كتاب ابن سحنون وكتب إلى سحنون قاض أطرابلس في مركب عطب ببرقة فأتى منه ستة أحمال إلى أطرابلس زعم من جاء بها أنها من ذلك المرب وأن أحمالا تعرف أهلها وأحمالا لا تعرف أهلها قد اندرس أسماء أهلها فبيع من الأحمال المجهولة بدنانير فأكروا على هذه الأحمال فجمعت حبا فجيء من كان له في المركب متاع لينظروا فيها فأبوا من أخذها وقالوا: نتصدق بخطنا منها فبعتها؛ لأنه قد دخلها الماء فبعتها بكذا وكذا، ووديت منه بقية كراء الستة الأحمال وأوقفت ما بقي وجاء صاحب المركب يطلب كراءه فكتب إليه: إن كان أصل الكراء من مصر إلى أطرابلس فعلى قول مالك الكراء على البلاغ وابن نافع يرى له بحساب ما بلغ ولكن في مسألتك أن بعض الأحمال وصلت إلى أطرابلس كمسألة مالك في الجعل في البئر لما حفر بعضه وتركه ثم جعل لآخر فأتمه فليعط الأول بقدر ماه انتفع به رب البئر فكذلك يعطى ربب المركب بقدر ما انتفع به أهل هذه الأحمال من مصر إلى برقة من ثمنها الذي بعتها به وأما ثمن الأحمال فينبغي أن تكتب صفة كل عدل ومبلغ ثمنه خاصة ويوقفه، فإن طال المكث ولم يأت من يستحقها وأتى من طول الزمان ما يرى أن مثلها لا يستحق فليتصدق بثمنها. فيمن اكترى دابة فادعى هلاكها أو أنها مرضت / بعض المدة أو أنه ردها أو سقط على الدابة حملها فهلكت وكيف إن ضلت فودي في ردها شيئا؟ وكيف إن أكراها على أن ضمنها؟ من العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم قال مالك فيمن اكترى دابة إلى موضع فأتى فزعم أنها نفقت، فإن كان في جماعة كلف البينة، وإن كان وحده أحلف ولا شيء عليه. [7/ 114]
وروى عنه عيسى، قال: وإذا ادعى أنه قد رد الدابة أو شيئا اكتراه وأكذبه ربه قال: إن أخذ ذلك ببينة لم يبرئه إلا البينة، وإن أخذه بغير بينة قبل قبوله في رده، وإن قال: ذهب. فيصدق فيما يغاب عليه وفيما لا يغاب عليه. وقال في العارية: ولا يقبل قوله أنه رده قبضه ببينة أو بغير بينة وأما ما لا يغاب عليه فيصدق في رده أنه قبضه بغير بينة، وإن قبضه ببينة لم يبرأ منه إلا ببينة. قال مالك، فيمن اكترى حمارا عليه سرج ولجام فزعم أنه سرق سرجه ولجامه فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: والعاربة مخالفة للكراء فيا يغاب عليه، ولو كان عاربة لكان لا يضمن الدابة ويضمن السرج واللجام وإذا قال مكتري الدابة: وقفت بالطريق فتركتها فهو مصدق. قال ابن حبيب: مع يمينه إلا أن يعثر عليه بخلاف ما قال وعلى المكري أن يخرج إلى دابته إن شاء وقاله مالك. ومن العتبية من سماع عيسى قال ابن القاسم وابن وهب: وإذا اكترى دابة يحمل عليها خشبة فحملها عليها فانفلتت من يد المكتري فسقطت على رجل الدابة و / كسرت رجلها، فإن أبطلها ذلك ضمن قيمتها، وإن كان شيئا خفيفا فعليه ما نقص من ثمنها. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن تكارى دابة مشاهرة فسافر عليها فاعتلت في السفر فلم يقدر فركبها، فإن كانت له بذلك بينة سقط عنه ذلك وحوسب بما قبله. قال عيسى: قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة واستعارها فتضل منه فيجعل المكتري جعلا لمن جاء بها قال: فذلك الجعل يلزم ربها إلا أن يشاء أن يسلمها إليه بجعله. ومن الواضحة: ومن تكارى دابة على شرط ضمانها فذلك فاسد، فإن فات فسخ الشرط وردت إلى كراء مثلها بلا ضمان وكذلك ولو أعارها على الضمان سقط شرط الضمان فله كراء مثلها وكذلك مشترط رفع الضمان في الرهن فيما يضمن أو إيجابه فيما لا يضمن بطل الشرط ورد إلى السنة. ومن كتاب محمد: [7/ 115]
باب فيمن اكترى دابة بعبد أو ثوب أو طعام فاستحق
وذكر عن ابن القاسم في مكتري الدابة مشاهرة يزعم أنها اعتلت في شهر أنه يكلف البينة، قال محمد: وهذا عندي وهم عنه بل القول عنده قول المكتري حتى يأتي ببينة بخلافه كقوله نفقت أو أبقت. ورواه عن مالك. وذكر القول في الدار يختلف في مدة هدمها في أكرية الدور وذكر اختلافهم في بطالة الأجير في باب الإجارات. باب فيمن اكترى دابة بعبد أو ثوب أو طعام فاستحق من سماع أصبغ من ابن القاسم فيمن تكارى دابة بعبد أو بجارية فاستحق العبد أو الأمة وقد سار بعض الطريق فعليه فيما سار كراء مثله وكذلك لو بلغ الغاية كان له قيمة كرائه لا قيمة ما استحق من يده ولو استحق ذلك قبل الركوب بطل الكراء بينهما. قال أصبغ: ولو تكاراها بثوب ثم استحق نصف الثوب بعد أن ركب نصف الطريق فإن للكري نصف النصف الباقي من الثوب ويرجع بربع قيمة كراء المسافة وهو نصف ما مضى ويكون باقي الركوب بينهما. وهذه المسألة فيه في الأم إشكال [والذي كتبت] هو الذي وضح لي وكذلك بحسب ألو كان الكراء كله بنصف ثوب فاستحق نصف ذلك الثوب على هذا. ومن كتاب محمد: ومن تكارى بعبد أن طعام بعينه فاستحق وقد سار نصف الطريق فإنه يفسخ الكراء ويرجع عليه بقيمة كراء ما سار، وقد كان لابن القاسم قول غير هذا من ذكر القيمة في الطعام أو العبد وهو غلط. [7/ 116]
في المكتري يزيد على الدابة أو يتجاوز المسافة أو يحبسها فوق الشرط أو يكريها من غيره
في المكتري يزيد على الدابة أو يتجاوز المسافة أو يحبسها فوق الشرط أو يكريها من غيره أو يمضى بها إلى طريق آخر أو يضر بها فيكريها والزيادة في الحمل والمسافة من كتاب ابن حبيب قال عبد الملك: ومن قول مالك فيمن تكارى دابة إلى موضع فجاوزه فعطبت أو تكارى يوما فجاوزه / فعطبت أنه ضاممن، وإن سلمت فله في مجاوزة الموضع كراء الزيادة إلا أن تتغير فيكون مخيرا وأما مجاوزة اليوم، فإن جاوزه بيوم أو أيام يسيرة فمثل ذلك، وإن كثرت الأيام مثل شهر ونحوه فهو مخير، وإن لم تتغير الدابة من بين قيمتها والكراء الأول أو الكراء الأول وكراء ما حبسها له. وإذا جاوز المكتري بالدابة أمد ما تكاراها إليه ثم رجع بها سالمة إلى الموضع الذي تكاراها إليه فماتت فيه أو في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها، فإن لم يجاوز الأم إلا اليسير مما لا خيار لصاحبها فيه إذا سلمت فليس لربها إلا كراء ما زاد ولو زاد كثيرا مما فيه مقام الأيام الكثيرة التي تتغير في مثلها سوقها فهو ضامن لها كما لو ماتت في مدة الأمد فهي إذ سلمت خير ربها في أخذها وكراء ما تجاوز بها أو يأخذها ويدع ما يزيد قيمتها يوم تجاوز بها الأمد. قاله ابن حبيب، وقاله ابن الماجشون وأصبغ قال ابن القاسم: يضمنها وإن ردها إلى الموضع الذي تكاراها إليه، وإن لم يكن جاوز إلا بالأمد القريب ورواه عن مال وهو عندنا غلط من الرواية؛ لأنه روي عن مالك فيمن تعدى فتسلف من وديعة عنده ثم رد فيها ما تسلفه ثم سرقت أنه لبا يضمن فهذا مثله. وذكر حبيب عن سحنون أنه رد مسسالة ابن القاسم قال سحنون: إذا رد الدابة إلى الموضع الذي أمر بالبلوغ إليه فماتت في الطريق / فلا ضمان عليه وجعله كمن رد ما تسلف من الوديعة ثم رده ثم تلفت وقال: كمكتري الدابة ليحمل عليها وزنا معلوما فزاد عليها ما تعطب في مثله ثم نزع الزيادة ثم ماتت أنه لا يضمن الدابة وإنما عليه كراء الزيادة. [7/ 117]
ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم: ومن اكترى بعيرا يحمل عليه ثلاثمائة رطل فحمل عليه أربعمائة رطل فقدم وقد أعجفه فنحره ربه ولم يعلم بالزيادة ثم علم فرب البعير مخير أن يأخذ منه كراء ما زاد قط أو يأخذ منهه ما بين قيمته يوم تعدى عليه وبين قيمته يوم قدم به. وكذلك في كتاب ابن المواز إلا أنه قال: زاد عليه ما يعطب في مثله فلما خاف عليه ربه نحره وهو لا يعلم بالزيادة قال: ينظر إلى قيمته يوم نحره فيسقط من قيمته يوم التعدي ويغرم ما بقي إلا أن يشاء ربه أخذ كراء الزيادة مع كرائه الأول فقط، فذلك له. وكذلك في رواية عيسى عنه مثل رواية ابن المواز إلا أنه قال: وقيمته يوم قدم به كما روى أبو زيد. ومن كتاب محمد، وقال في مكتري الدابة يزيد في المسافة فقيل: إنه ضامن ولو زاد خطوة. وروى ابن القاسم عن مالك أنه يضمن في زيادة الميل والميلين وأما ما يدل الناس إليه في الرحلة فلا يضمن فيه. قال مالك: وإن أكراها إلى موضع فحبسها فيه في غير ركوب فهو متعد يضمن الدابة إن هلكت، وإن سلمت فله كراء ما حبسها. قال ابن القاسم: إن حبسها أياما فأما الساعة واليوم وشبهه فلا يلزمه إلا / كراؤها على قدر ما حبسها. وقاله مالك في البريد والبريدين ثم يردها سليمة. ومن الواضحة: ومن تكارى دابة فحبسها فوق شرطه الأيام اليسيرة فعليه كراء مثله فيها لا شيء له غيره إلا أن يأتي بها قد أنقصها وغيرها تغيرا شديدا فهو مخير بين أن يضمنه قيمتها بعد تمام الشرط وكرائه الأول، وإن شاء أخذ دابته وكراء ما حبسها له مع الكراء الأول، وإذا حبسها أياما كثيرة حالت في أسواقها فيها فالخيار لربها، وإن لم تتغير والعاربة مثله في حبسها في القليل والكثير. وقاله كله مالك، وأصحابه. ولو ركبها في الوجهين إلى غير الموضع الذي أكراها إليه أو اخترق غير تلك الطريق، فإن كان مثله في الغاية والسهولة والوعورة فلا شيء عليه عطبت أو سلمت، وإن كانت أوعر أو أبعد فسلمت فله كراؤها في مثل ذلك، [7/ 118]
في ربح الكري، وهل يكري المتكري من غيره؟
وإن عطبت فهو مخير بين القيمة أو الكراء. وقاله أصبغ: وكان ابن القاسم يجيزه في الوجهين إذا عطبت، استوى الموضعان أو اختلفا. وبالأول أقول: قال عبد الملك: وإذا زاد المكتري في الحمل على الدابة لم يضمنها إلا بزيادة تعطب في مثلها وإذا جاوز المسافة بقليل أو كثير ضمنها لأن مجاوزته الأمد تعد في كله وزيادة الحمل اجتمع فيه تعد وإذن، وإذا زاد عليها ما تعطب في مثله فعطبت؛ فإن شاء [فإن شاء قيمة الدابة ولا كراء له إلا الكراء الأول ولا غيره إن شاء] كرى ما زاد مع الكرى الأول، والمكتري والمستعير يضرب الدابة فيفقأ عينها أو كسرها فهو ضامن، ضربها كما / يضرب الناس أو غير ذلك، تعمد أو لم يتعمد لأنها جناية فذلك سواء إلا في العقوبة، فإن كان أبطلها فقيمتها، وإن لم يبطل فما نقصها. وقاله ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك. في ربح الكرى وهل يكري المكتري من غيره؟ ومن كتاب محمد، قال مالك: لم يختلف من أدركت من العلماء في إجازة ربح الكراء في الدور كذلك في الدوات والسفن والمتاع والصناعات في مثل ما اكتراه وقد استثقله مالك في الركوب إلا أن يقيم أو يموت ولم يختلف قوله في الأحمال الأول جائز. قال مالك: وإن أكراها الراكب من مثله وكان أمينا لم يضمن، وإن لم يكن مثله ضمن، وأما الثوب؛ فإن أكراه من غير ضمن إن تلف ولو أكرى الدار من غير فهدمها الثاني لم يضمن الأول. قال أحمد: إلا أن يكري ممن يعلم ظلمه وتعديه. وفي كتاب الصناع باب في الصانع يستعمل غيره نصيبه في هذا الباب. قال ابن حبيب: ومن أكرى ليركب أو يحمل فأكرى من غيره في مثل ذلك فمنعه ربها؛ فإما في الركوب فله منعه وأما في الحمل فليس له منعه، وكذلك في المحامل قاله مالك. قال ابن حبيب: ومعنى ذلك في الحمل في الدابة التي يكريها معها يتولى سوقها في الحمل والحط عنها والحمل عليها، فأما لو أن إنما سلمها للمكتري له منعه من الكراء من غيره في الحمل؛ لاختلاف سوق الناس ورفقهم [7/ 119]
وحياطتهم وتضييعهم لها وحبسها وتفقدها إلا أن يكون من شأن ربها لا يلي صحبتها وإنما يرسلها مع عبده وأجيره فلا حجة حينئذ إذا حمل عليها مثل / ما أكراها له. قال: فإن وقع ما ذكرنا فيمن يتولى سوق دابته فسلمها إلى غيره فحمل عليها شيئا آخر هو مثل ما اكتريت له أو حمل على الدابة التي أكرى لركوبه غيره، فإن كان الذي صارت إليه في الوجهين مثل الأول في أمانته وخفته ورفقه بالدواب في السوق وإليه فلا يضمن إن عطبت، وإن كان على خلافه فهة ضامن. ومن تكارى دابة إلى موضع ثم بدل له عن الخروج فالكراء له لازم وله كراؤها في مثل ما اكتراها له. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم وفي في كتاب ابن المواز وقال في رجل يريد أن يعقب رجلا في شق محمل. فيأبى الجمال قال: ليس له منعه إذا حمل مثله. قال ابن ميسر: إذا كان عقبه لعقبة فذلك. قال أصبغ: إن أعقب راكبا مريحا فذلك له، وإن أعقب ماشيا فليس له ذلك لأنه يكون أضر وأثقل. ومن كتاب محمد: ومن واجر أجيرا شهرا بعينه أو دابة فواجر الأجير نفسه في ذلك الشهر من آخر أو أكريت تلك الدابة ذلك الشهر من غير الأول، قال ابن القاسم: فالكراء للمكتري الأول إن كان أكثر مما واجره به، وإن كان أقل أخذ بقية حقه الذي كان أعطاه قال محمد: لأنه كان مخيرا في قبض الأجرة أو يحاسبه بقدر ما كان استأجره. قال ابن القاسم، فيمن اكترى دابة أو سفينة بعينها: فليس لربها حمل متاع عليها، ولا رديف على الدابة، فإن فعل فالكراء الأول إلا أن يكري على وزن معلوم أو كيل فلا شيء له في الزيادة. [7/ 120]
فيمن يكري أو يواجر على أمرين مختلفين في عقدة، أو يكري من رجل ثم من آخر
فيمن يكري أو يؤاجر على أمرين مختلفين في عقده أو يكري من رجل ثم من آخر ومن كتاب محمد قال مالك: وإذا أكريت دابة بعينها يحمل عليها من الإسكندرية إلى الفسطاط، فإذا رجعت سقيت عليها جنائك شهرا لم يجز لأن هذين نوعان غير مشتبهين ولأنه لا يدري كيف برجع؟ ولو كان ذلك مضمونا لجاز. وفي باب هذا إذا أكرى منه على أحمال في مسيرة وركوب في رجوعه فأجازه لتقاربه. وفي الإجارات باب من هذا. قال ابن حبيب: وإن تكارى منه ظهرا بعينه، يسقى بها زرعه أو شجره سقيا يقل أو يكثر ونقده لحج أو لعمة أو مبدوءا به وذلك في صفقة واحدة لم يجز لتباعد ذلك ويصير كرجل آخر عقد فيه وبعد وجيبة الأول في دواب بأعيانها فأما في المضمون فذلك عليه جائز. وكذلك لو أكريت منك إلى مكة كراء مضمونا عليك ثم أكرى منك غيري كراء مضمونا يشرع فيه بلغتني مكة فذلك جائز. وفي الإجارات تمام هذا المعنى. في الجمال يغلط فيحمل غير الحمل الذي أكرى عليه من العتبية من سماع أبي زيد فيمن اكترى على حمل متاع من أطرابلس إلى مصر فأخطأ الجمال فحمل غيره إلى مصر فربه مخير، إن شاء دفع الكراء وإلا ضمنه قيمة متاعه في البلد الذي حمله منه، وإن كان ذلك منه تعديا قربه مخير بين تضمينه قيمته أو يأخذ متاعه بالبلد الذي حمل إليه ولا كراء عليه. وقال أشهب: إذا حمل غير الحمل غلطا فأما الحمل الأول فعليه حملانه، وأما الذي حمله غلطا فلربه / أخذه بمصر ولا كراء عليه وإلا ضمنه قيمته بأطرابلس إن شاء وليس للحمال أن يقول برده إلى أطرابلس ولا ذلك لربه إن طلبه. واجتمع ابن القاسم وابن وهب على أن له تضمينه قيمته بأطرابلس إن شاء وإن شاء أخذه [7/ 121]
في تفليس الكري أو المتكاري، وهل للجمال أن يديل الإبل بين المكترين؟
بمصر وعليه غرم كرائه. وكذلك قال مطرف قالوا: ولا للجمال أن يقول برده إلى أطرابلس. وقال ابن حبيب: قال أصبغ: على الجمال رد الحمل إلى أطرابلس ثم هو في ضمانه في ذهابه به ورده إياه إلى أطرابلس وإن شاء ربه أخذه بلا كراء يغرمه ورده ليأتيه بالحمل الذي أبقى. قال: إلا أن يكون كان يعيبه أيضا حمل هذا الحمل الذي غلط به إلى مصر، فعليه حينئذ كراؤه إن اختار أخذه بمصر وذلك قيمة كرائه ليس على الكرى الأول ولا بد أن يرجع في مجيب الحمل الذي ترك. قال ابن حبيب: وهو قول حسن. في تفليس الكرى أو المتكاري وهل للجمال أن يدير الإبل بين المكترين؟ وهل له حبس المتاع حتى يأخذ حقه؟ من كتاب محمد ومن العتبية، قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا كانت الإبل بين المكترين وكان يديرها عليهم للحمل قال في العتبية للركوب فيفلس وبيد أحدهم بعير منها فهو أحق به من أصحابه ومن الغرماء. قال العتبي: قال سحنون: وكذلك في الحمل أصحاب الأحمال أولى بما تحت أحمالهم من الإبل. قيل: له فإن أراد الجمال أن يدير الإبل بينهم، وأبى ذلك أصحاب الأحمال والمحامل؟ قال: ليس ذلك للجمال إلا عن رضى منهم، والمحامل وغيرها في الكراء المضمون سواء وهم أولى بما في أيديهم. قيل له: فإن احتاج المال فتسلف من بعضهم وارتهنه ما في يديه من الإبل. قال: ذلك جائز، ورهن مقبوض. ومن كتاب محمد: وإذا مات بيد أحدهم البعير الذي بيده لم يدخل فيها بيد أصحابه حتى ينقضي الكراء، وإن قام غرماء الحمال وهي إبل مكتراة بأعيانها فالمكترون أولى بها قبضوها أو لم يقبضوها، وإن كان الكراء مضمونان فهم أحق بها. [7/ 122]
في الإقالة في الكراء في الحمولة وغيرها وفي تأخيره أو تعجيله بزيادة
إن قبضوها، وإن لم يقبضوها بلم الحصاص بقيمة الكراء يوم الحصاص لا يوم الكراء فما صار لهم اكترى لهم به وما بقي أتبعوه به دينا. قال محمد: سواء نقد أو لم ينقد إلا أنهم إن لم ينقدا غرموا الكراء ثم تحاصوا فيه وفي سائر ماله هم والغرماء؛ فإن صار لهم نصف الكراء أتبعوه بنصف الحمولة وليس بثمن. قال ابن القاسم: وإذا قبض المكري المتاع وإن لم يحمله فهو أحق به من الغرماء حتى يقبض كراءه ولهم ما فضل عنه ويكري الغرماء الإبل وكذلك الصناع، قال: وإن لم يقبضوا ما حملوا وهو بعينه أم لا، بيع للغرماء والكراء بينهما قائم. قال ابن حبيب: ولهم حبس الحمولة ما حلموا، وإن وصلوا حتى يأخذوا كراءهم وهم أحق به في الموت والفلس. قال في كتاب محمد: ولهم حبس ما حملوا بعد الوصول حتى يأخذوا الكراء ثم هو كالرهن في ضمانه. في الإقالة في الكراء في الحمولة وغيرها وفي تأخيرها أو تعجيله بزيادة وكيف إن باع منه الحمولة / على فسخ الكراء؟ من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم وعمن اكترى ظهرا ونقده الكراء ثم أقاله الكري على أن يؤخره بالثمن لم يجز سار ألم يسر. وقال ابن حبيب: قال ابن حبيب في الكراء المضمون وقد نقد الثمن وتفرق ولم يسر: لم تجز الزيادة من الكري بحال، وإن كانت من الكري وقد نقده فزاده دنانير أو دراهم فلا يجوز إلا مقاصة من الدنانير التي يسترجع، فإن زاده عرضا فجائز نقد أو إلى أجل، وإن لم يكن كان نقد وكان عليه الكراء إلى انقضاء المسافة أو إلى أجل لم يصلح بزيادة من المكتري نقدا ولا إلى أجل، لأنه إن زاده دراهم معجلة والذي عليه دراهم صار بيعا وسلفا وعرضا وفضة بفضة، وإن زاده عرضا معجلا. [7/ 123]
فجائز ولا يجوز إلى أجل، وإذا ركب وسار ما لا يتهمان فيه جازت الإقالة بزيادة من المكري ما كانت ما لم تتأخر فيدخله دين بدين، وإن كانت من المتكاري حرم منها ما يحرم إذا لم يركب وجاز من ذلك ما جاز فيه. ومن كتاب محمد: وإذا تقابلا بعد أن سارا بعض الطريق أو سكن بعض المدة أو عن الأجير بعض العمل وقد نقده ولم يجز في الدار ويجوز في كراء الدابة: محمد: لأنه قد يكره عشرة الجمال ولا عذر له في الدار؛ لأنه إن كان لها جيران سوء فهو عيب له به الرد إن لم يعلم. واختلف قول مالك في الأجير؛ فقال: لا يعجبني. وقال: إن صح فلا بأس. وقاله ابن القاسم وقد يكرهه لخيانة أو عذر وخففه ابن القاسم في الخياط والطحان يقدم إليه / على عمل شيء معلوم ثم تقابلا في بعضه ولم يجزه في اللحم والرطب وسائر البيوع المضمونة. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: ومن أسلف في حمولة مضمونة إلى شهر ثم سأل الكري أن يعجل له الحمولة قبل الشهر من يده فلا يجوز ذلك ولو كان قد حل فقال للجمال. وخره عليك وأزيدك. لم يجز ولو سأله وقد سار بعض الطريق أن يقيم عليه أياما ويزيده فلا بأس بذلك. قال أصبغ: ومن اكترى على طعام إلى بلد فما كال الطعام على الكري قال له الكري: بعه منى بنقد أو بتأخير وفاسخني الكراء، فإن كان الكراء بتأخير لم يجز؛ لأنه باع عرضا معجلا بدنانير معجلة وبدنانير مؤخرة فللعرض المؤخر وهي الحمولة من الدنانير المؤخرة حصة يداخله الكالئ بالكلي، وإن كان الكراء بنقد فانتقد فهو الزيادة في السلف ولا يجوز كان البيع بنقد أو بتأخير؛ لأن ما يزيده من ثمن الطعام فيه الزيادة في السلف وهو الكراء الذي يرد، وإن كان البيع بتأخير فهو أشد. [7/ 124]
في اختلاف المتكاريين في الدواب
ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: ومن أكرى دارا سنة بدنانير لم يقل: معجلة ولا مؤخرة. فسكن ثم أراد أن يعطيه ما حل ويقيله مما بقي فلا بأس به ما لم يزده على ما حل ذهبا أو ورقا فيدخله ضع وتعجل ويجوز أن يزيده عرضا لا يتأخر. . قال ابن القاسم: ومن لك عليه حمولة حالة فسألت الكري تأخيرها ويزيده فلا خير فيه للضمان كعرض لك ممن سلم فدخل فزدته على أن أخرته عليه وإنه لضعيف / وما أحب العمل به، فإن نزل لم أفسخه إلا أن يطول الآمد مثل شهر أو شهرين فيفسخ. محمد: ويكون أقوى في الكراهية لخوف المراباة. قال محمد: وقال ابن القاسم هو الفقه والصواب. قال ابن القاسم: ولو سار بعض الطريق ثم سأله أن يفيض عليه أياما ويزيده لجاز. قال أصبغ: والأول مثله وهذا بين ضعفه. قال محمد: ليس كالأول قد فرق مالك بين أن يقيله بعد أن سار وتباعد فأجاز هذا في الرواحل دون الدور. في اختلاف المتكارين في الدواب قال محمد: وقد اختلف في اختلاف المتكارين في الدواب والذي أختار أنهما إذا اختلفا في البلد أو بعد المسير القريب كبئر عميرة كان ذلك في قلة الكراء أو كثرته أو في المسافة فإنهما يتحالفان ويتفاسخان في كراء الدابة بعينها وكذلك إن كان مضمونا إذا كان بقرب العقد في المضمون لم يمض الشهر ونحوه ويبدأ صاحب الظهر باليمين، وإن اخلتفا بعد طول السفر في المعينة أو بعد طول المدة في المضمون، وإن لم يبرحا فيه فالقول قول الكري في المسافة وقول المكتري في الثمن إن لم ينتقد وجا بما يشبه بعد التحالف فبلغ من المسافة ما يقول الكري لا يزيد ويغرم له الكري حصة ذلك من الثمن على ما يدعي الراكب، وإن انتقد الكري مائة درهم و / وبلغا إلى المدينة، فقال: إلى ها هنا أكريتك بمائتين. وقال الراكب: بل إلى مكة بمائة فليتحالفا ويفسخ ما بقي ولا يكون له غير ما قبض [7/ 125]
ولا يرد منه شيئا بحيازته إياه ولا يكون عليه التمادى إلا أن يكون في الحج فعليه أن يبلغ مكة؛ لأن الحاج إليها يكترون. قال محمد: فيلزمه التمادي إلى مكة بما انتقد ولو لم ينتقد [فبالكراء الذي يقر به]. . المكتري. قال مالك: وسواء على جمل رجل أو جمل أحمال فالكري مصدق في الغاية إلا في أيام الحج كأنه يقول: فالقول قول المكتري. وإن كان ما سار قريبا لا ضرر في رجوعه ولم ينتقد تحالفا وتفاسخا كان اختلافهما في الثمن أو في الموضع أو في الحمولة والوزن وكأنهما في القرب سلعتهما بأيديهما لم تفت، وإذا فات ذلك ببعد السفر فهو كقبض المشتري وفوت ما في يديه في اليمين ثم يحلف المبتاع. ومن العتبية من سماع عيسى: وإذا قال المكتري. اكتريت منك إلى المغرب. وقال الكري: بل إلى المدينة. فإنهما يتحالفان ويتفاسخان إن كانا لم يخرجا، وإن قال المكتري: إلى مكة. وقال الكري: إلى المدينة. ولم يخرجا تحالفا وتفاسخا إلا أن يشاء المكتري الركوب إلى حيث شاء الجمال، فإن سارا بعض الطريق، فإن قبض الجمال الكراء فهو مصدق، وإن لم يقبض تحالفا وتفاسخا وله من الكراء إلى حيث ركب على ما قال المكتري، وإن اختلفا في مقدار الكراء وقد سارا بعض الطريق / فالكري مصدق، وإن لم يسيرا تحالفا وتفاسخا، وإذا قال الكري أكريتك إلى المدينة وقال المكتري: إلى مكة. فإن كان في أيام الحج فالمكتري مصدق مع يمينه إذا كانت حمولته محامل وزوامل، وإن كانت أعكاما فالقول قول الكري إذا انتقد ويحلف، وإن اكترى منه كراء مضمونها إلى أجل ثم اختلفا بحضرة التعاقد في عدد الرواحل واتفقا في الثمن تحالفا وتفاسخا، وإن كان بعد محل الأجل فالكري مصدق ويحلف إذا أشبه ما قال. وكذلك في السلم إذا اختلفا في الكيل بعد الأجل صدق البائع مع يمينه فيما يشبه وإلا فقول المبتاع، فإن لم يأت بما يشبه حملا على سلم الناس. وقال مطرف: ومن أكرى من مصر إلى مكة فلما بلغا المدينة ماتت الدابة فقال الراكب: إنما أكريت تلك الدابة [7/ 126]
بعينها. فاردد على ما بقي. وقال الكري: كان كرائي كراء مضمونا وإنما لك على ركوب. فالقول قول المكتري ويأخذ حصة ما بقي له. ومن قال: إن الكراء في غير الدابة الميتة فهو مدع ولو قال الراكب: مضمونا اكتريت منك. وقال الكري: بل تلك الدابة بعينها لكان الراكب مدعيا إلا تراه لو قال: أكريت منك هذه الدابة وحدها وقال المكتري: بل هذه الدابة ودابة أخرى أنه مدع ويتحالفان ويتفاسخان فكذلك المسألة الأولى كأن مدعي المضمون قال: هذه ودابة أخرى. ومسألة مالك في الذي بلغ المدينة وقال: إليها أكريتك. وقال الآخر: إلى مكة / فذلك على هذه. قال ابن سحنون في رجلين اكتريا دابة من رجل يتعاقبان عليها فلما وصلا إلى قابس قال أحدهما كراؤنا إلى أطرابلس ذاهبا وجائيا. وقال صاحبه: بل كراؤنا إلى قابس ذاهبا وجايئا. ورب الدابة غايب أنه يقال لمدعي أطرابلس: أقم البينة وتركب إلى أطرابلس، وإن لم نجد البينة حلف مدعي الكراء إلى قابس أنه إليها كان كراؤهما وقيل لصاحبك: إكر نفها الذي لك في الركوب إلى القيروان أو اركب إن شئت فإذا لقيت رب الدابة فأقر بما تدعي رجع عليه بما يصير له من القصاص في الكراء من قابس إلى أطرابلس ذاهبا وجائيا إليها، وإن قال رب الدابة: الكراء إلى قابس فهو مصدق مع يمينه إذا انتقد، وإن أراد مدعي قابس أن يأخذ مثل ما أصاب صاحبه قصاص الكراء الذي أقر لهما به فيما بين البلدين فذلك له إن شاء إلا أن يثبت على قوله الأول فلا يأخذ شيئا. ومن كتاب محمد: وإذا طلب المكتري نقد البلد الذي وصل إليه فليس له إلا نقد بلد حمل منه فقبضه ببلد وصل إليه وأتى لم يخرج عنه بها ولو كان بعرض أو طعام أو صوف إلى أجل فله ذلك بموضع وقعت الصفقة. [7/ 127]
ما يجوز من ضرب الأجل في كراء الدابة وتبليغ الكتاب وما لا يجوز
ما يجوز من ضرب الأجل في كراء الدابة وتبليغ الكتاب وما لا يحوز وشيء من ذكر المجهول في الكراء ومن أكرى دابته في الصايفة وغير ذلك من مسائل الأكرية / من الواضحة قال مالك: لا بأس أن يكري الرجل الدابة ليركبها في حوائجه أو ليحمل عليها حوائجه، وإن لم يسم كيلا ولا وزنا يحمله عليه. ومن العتبية أشهب عن مالك: ومن تكارى دابة إلى مكة كل يوم بدرهم فليس ذلك من عمل الناس ولو ضرب لذلك أجلا لم يكن به بأس. قيل لمالك: فإذا قال: أتكارى منك شهرا كل يوم بدرهم. قال: ذلك جائز. قال مالك: ومن اكترى منزلا شهرا بكذا فما سكن فبحسابه فذلك جائز، وإن أكرى أجيرا، ليحمل له كتابا إلى بلد ويشترط أياما مسماة قال: ما يعجبني وما هذا من أكرية الناس. وروى أشهب عن مالك في كتاب محمد: ومن أكرى دابته في الصايفة ولا يدرون متى ينصرفون؟ قال: قد عرفوا وجه ذلك ونرجو أن يكون خفيفا. وروى عيسى عن ابن القاسم في رجلين اكتريا شق محمل واشتريا حمارا على أن يتعاقبا عليه هذا يوم وهذا يوم فأكرى أحدهما الحمار في يومه فأراد صاحبه أن يدخل معه في الكراء وقد مشى صاحبه أيضا ذلك اليوم وأجلا قال: ليس له أن يدخل معه في الكراء. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الكري يرريه المكتري غرايره ويسأله وزنها فيأبى ويحملها ثم يريد وزنها في الطريق قال: ليس له قد رضى حملها. وروي عن سحنون أنه قال: هذا إن حملها على الجزاف ولو كان على الوزن كان ذلك له. ومن كتاب محمد /، قال مالك: ومن اكترى إلى مكة بدينارين على أن يكون مسيره ومقامه ورجوعه في شهر، فإن جاء في أقل فله الدينارين، وإن أقام [7/ 128]
في الوكيل على الإبل يتعدى في الكراء أو النفقة
أكثر فله بحسابه في الشهر لم يجز؛ لأنه لا يحاسبه بالنقصان مثل ما لو أكرى من مصر إلى المدينة، فإن رجع من بعض الطريق فله الكراء كله، ومن له دابة بالفسطاط وهو من أهل الريف فأكراها سنة على أنه إن قدم في جري النيل سكنها شهرين [فإن لم يقدم فالستة] للمكتري كلها. قال: لا يعجبني ذلك وهذه في الإجازات في باب: الأجير يعمل عملين. في الوكيل على الإبل يتعدى في الكراء أو النفقة من كتاب ابن المواز، قال مالك فيمن بعث بإبله مع أجير له إلى وكيله بالكوفة فقبضها منه ثم يكريها إلى المدينة فانصرف الأجير وقال: لم تقبله مني وقد أكريتها وأنفقت وبعت حملين في الطريق ورهنت الإبل من المكترين. فقال ربها: لم آمره برهن ولا كراء. قال مالك: ينظر فيما فعل من كراء ورهن؛ فإن كان سدادا ويشبه نفقة الناس وكراءهم لزم الكراء والرهن، وإن لم يكن كذلك [وإلا كل] الأول والآخر، فربها أحق بها ولا يتبعه المرتهن بشيء ويتعبون الأجير وليكتب الوالي إلى الكوفة حتى يعلم هل امتنع الوكيل من قبول الإبل؟ قال أحمد: فإن كان الوكيل لم يقبلها مضى السداد من فعل الأجير، وإن قال: لم أره. فما كان مما لا بد منه من النفقة / على الإبل حسب له وما أكرى فأصيب منها شيء فهو له ضامن. تم كتاب كراء الرجل والدواب بحمد الله يتلوه أكرية الدور والأرضين إن شاء الله [7/ 129]
كتاب أكرية الدور والأرضين
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب أكرية الدور والأرضين في كراء الدار ومشاهرة ومساناة وهل لأحدهما الترك؟ وفي كرى المعين، وكيف إن زاده على المدة؟ من العتبية، من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك: ومن اكترى دارا مياومة كل شهر أو كل سنة بكذا أو قال: في السنة أو في الشهر بكذا. قال في كتاب محمد: أو في الشهر أو في كل شهر. فلا يقع على معين وإنما يلزم من هذا ما سكن وللساكن أن يخرج متى شاء وللمكري أن يخرجه متى شاء. قال مالك في العتبية: إلا أن يقول: أكريك سنة بكذا أو شهرا كذا. فليزمها تمام السنة. قال ابن القاسم في رواية عيسى: وأرى إن قال: السنة. إنه مثل ما قال مالك في كل هذا. ومن كتاب محمد: وإن قال: أكريك سنة أو سنتين بأعيانهما على، يخرج متى شاء. فذلك جائز ما لم ينقد، وإن قال: شهرا بكذا. فسكن شهرا ودخل في ثان فخرج قبل تمامه فعليه بحساب ما اكترى ولو كان بعينه كان عليه في الثاني كراء المثل وقيل: إن كان أقل لم يبعض، وإن كان أكثر حلف رب الدار ويأخذه. وفي الواضحة: وإن قال أكري كل شهر أو في / الشهر. وقال: الشهر [7/ 131]
بكذا. فالشهر الأول لازم لهما في هذا وما زاد عليه فلكل واحد منهما أن يخرج أو يخرج كان ذلك في أول الشهر أو في آخره إلا أن يكون شرط إلا يخرج أولا يخرجه أو ينقد فيكون كالشرط وهذا قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك. وإن قال: سنة أو شهرا أو لم يسمهما أو قال: سنة كذا أو هذه السنة أو هذا الشهر أو إلى شهر أو إلى سنة كذا. أو قال: كذا وكذا شهرا أو كذا وكذا سنة، وهذا كله وجيبة لازم لهما أن يشترطا الخروج إن شاءا فلا يجوز فيه النقد ويجوز في الأول النقد والتأخير ولم يختلف في ذلك مالك وأصحابه. ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم فيمن اكترى دارا سنة فسكنها ثم تمادى، ساكنا ستة أشهر فقد قيل: عليه بحساب الكراء الأول. وقيل: له في الزايد كراء المثل وهو أحب إلي، وروى عنه أبو زيد أنه إن تمادى فسكن عشر سنين فعليه فيه كراء التسع سنين قال: وإذا اكترى سنة بدينار فقال: دفعته. فهو مصدق، وإن مضت السنة، وقال: وإن تكاراها بدينار؛ على أنه إن زاد فبحسابه، وإن نقص فبحسابه ما لم ينقد. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: وإن اكترى دارا سنة بدينار؛ على أنه إن شاء خرج قبل السنة وحاسبه فذلك جايز ما لم ينقد، وإن تعدى فلا خير فيه وكذلك إن اكترى سنين على هذا. ومن الواضحة: وإذا اكترى سنة ثم تمادى / في سكنى الدار وحراثة الأرض ففي ذلك اختلاف والذي أختار قول ابن الماجشون أن ما كان يرجع إلى ربه فيحوز ويغلق من دار وبيت وحانوت ورب ذلك ساكت عالم لا ينكر فله بحساب الكراء الأول وما كان مثل المزرعة وما إذا فرغت الوجيبة بقي براحا لا جدار عليه ولا غلق ولا آلة تؤدي إلى صاحبها فله فيما زاد الأكثر من القيمة أو الوجيبة؛ لأنه تعدى عليه بغير أمره ولا علمه. ومن كتاب محمد: لا بأس أن يكري الدار على أن تقبض بعد سنة، ابن حبيب: وإلى سنتين وكذلك في البيع. محمد: ويجوز فيها النقد، وإن تباعد [7/ 132]
فيمن اكترى دارا على أن ينفق فيها شيئا معلوما أو ما احتاجت إليه
قبضها فالكراء جائز ولا أحب فيها النقد ولا ينبغي ذلك في الحيوان. ابن حبيب: ولا بأس أن يكري داره لسكنى دار أخرى اتفقت السكنى أو اختلفت تعجل أحدهما السكنى أو تأخرت. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه وسأله حبيب عن الرجل يكري حانوتا ثم هرب ويدعه وعليه قفله وفيه متاعه فيقيم أشهرا قال: يلزمه كراء الأشهر التي غاب فيها. قيل: فإنه كان من دكاكين الخبازين. قال: لا يلزمه وليست كالحانوت، فإن ترك فيها متاعا والحانوت عليه قفل وسأله عنه أيرفع إلى الحاكم أنه أكرى من رجل حانوته شهرا بشهر فغاب الساكن وتركه مقفولا واحتاج هذا إلى حانوته وأقام بينة؟ قال: يتلوم للرجل ويكتب إليه إلى الموضع الذي كان يظن أنه فيه؛ لئلا تكون له حجة، فإن استقصى في ذلك وأعذر فليحل له حانوته ويضع متاعه بيد عدل، وإن لم / يشهدوا أنه أكرى منه شهرا فشهرا فلا أدري لعله سنة بسنة. فيمن اكترى دارا على أن ينفق فيها شيئا معلوما أو ما احتاجت إليه أو عرصة على أن يبنيها أنه إن شاء بنى فإذا خرج لم يكن له والقضاء في الكراء الفاسد وكيف بنى فيه من كتاب محمد: ومن اكترى دارا على أنها إن احتاجت مرمة أنفق فيها من كرائها من سنة أو مما لزمه فذلك جائز. قال ابن القاسم: وإن اكتراها بعشرة؛ على أنها إن احتاجت [أنفق من] غير العشرة لم يجز. ولو قال: ارم من العشرة ومما زادنا بينه وبين خمسة لم يجز حتى تكون الخمسة داخلة في الكراء وإلا فهي سلف وكراء ويفسخ وله قيمة ما سكن وللساكن قيمة ما عمل. قال أصبغ: قيمته صحيحا يوم عمله لا يوم عقد الكراء الفاسد ويكون عليه كالقبض في الكراء الفاسد. قال مالك: وإن كان في الدار خراب وشرط أن يعمره من كرائها [7/ 133]
ثم بدا لرب الدار في العمارة، فإذا أراه ما يعمل فذلك جائز لازم. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. قال محمد: إذا عرفا البناء؛ لأن البناء ليس كالمرمة. محمد: قال مالك: فإن أكرى منها عرصة على أن ينفق وكراؤها كذا وكذا، فإن سمى ما ينفق ويكون من كراء ما يكريه من السنين فجائز. وكذلك في العتبية عن ابن القاسم عن مالك قال: ويكون على الآخر مثل أن تكون عشرين سنة بعشرين ويجعل نفقته عشرة فلكل سنة ونصف دينار فعلى هذا يحسب. قال ابن المواز: وهذا إن كان البناء لرب العرصة ويسمى ما يبنى ويكون / البناء من الكراء لا يزيد عليه، وأما إن كان البناء للمكتري فلا يحتاج إلى تسمية ما يبنى ولا ما ينفق ولا أحب شرطه في أصل الكراء إلا أنه إن بنى فمتى خرج فلرب العرصة أن يعطيه قيمته مقلوعا أو يأمره بقلعه. قال مالك: ولا أحب أن يشترط من أكرى داره؛ إن يشأ بنى الساكن فإذا خرج ذلك. قال مالك: وإن أكرى داره عشر سنين على أن يرم منها موضعا أراه إياه ويكون ذلك كراء الثلاث سنين وأن لكل سنة من السبع خمسة دنانير فذلك جائز. ابن القاسم: ومن أكرى كراء فاسدا بينا فبنى في الدار وارتفق بما بناؤه يفسخ الكراء، فعليه كراء ما ارتفق به من ذلك. قال أصبغ: لأنه كرى الدار إن شاء بقيمته نقضا. قال محمد: لا يعجبنا هذا وليس عليه إلا قيمة كراء العرصة يوم قضبها على حالتها لا يوم عقد الكراء ولأن رب الدار إذا أعطى قيمة النقض فإنما يعطيه ذلك اليوم وإنما ضمانه من الثاني فكيف يغرم كراء ما ضمنه ولا يملكه رب العرصة إلا من يوم الحكم. ومن الواضحة، ومن اكتى دارا كراء فاسدا فلم يسكن حتى انقضت؛ فإن كان قبض الدار لزمه كراء مثلها، وإن لم يسكن، وإن لم يكن قبضها لم يلزمه شيء. [7/ 134]
في المكتري يبني في الدار بإذن ربها، والتداعي فيه عند خروجه
في المكتري يبني في الدار بإذن ربها، والتداعي فيه عند خروجه من الواضحة: وما أخذه المكتري من مرمة في الدار أو بنيان ارتفق به ثم تمت الوجبية فما بناه فيها وأصلحه منها بإذن ربها فله قيمته منقوصا /، إن شاء رب الدار حبسبه وما لم يكن له قيمة إن قلع فلا شيء له فيه. وقال ابن القاسم: له قيمة ما بنى منقوضا في الوجهين بنى بإذنه أو بغير إذنه. فأنكر ذلك مطرف وابن الماجشون ورويا القول الأول عن مالك وعن علمائهم وإذا رم في الدار وأصلح بإذن ربها ثم اختلفا، وقال: اتفقت كذا. وقال ربها دون ذلك فالمكتري مصدق ويحلف، وإن قال: قد أذنت لك لكن لم تبن ولا عملت شيئا، فإن رئي أثر مرمة ظاهرة صدق وإلا لم يقبل قوله، وإن أشكل ذلك لطول الوجبية وزعم أنه بنى وأصلح في أولها فالمكتري مصدق مع يمينه حتى يتبين كذبه؛ لأن ربها قد أمره وائتمنه. ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم فيمن اكترى دارا فسكن شهرين ثم أنها انهدمت وبناها بما عليه من الكراء وصاحبها غائب ثم قدم بعد تمام السنة فله من الكراء حصة ما سكن المكتري قبل الهدم، وله كراء العرصة بعد الهدم، وليس للمكتري إلا نقض بنيانه إلا أن يعطيه قيمته منقوضا، وأما ما لا قيمة له إذا نقض؛ من جض وتزويق وتراب فلا شيء له فيه. وفي الباب الذي قبل هذا ذكر الكراء بالفاسد يبنى فيه. ومن الواضحة: وإذا قال المكتري بعد تمام الوجيبة. وإنما بنيت هذا الجدار سترة أو بنيت هذه السقيفة لوقد ناري أو جرشت الدار بهذا الصخر وطلب النقص وقال رب الدار: بل ذلك كله كان في الدار يوم أكراه فالقول قول رب الدار في ذلك وفيما كان منها مبنيا من خشب أو صخر أو غيره وأما ما كان مطروحا فيها من صخر أو خشب أو عمود / أو لبن أو آجر أو باب ملقى فهو للمكتري إن ادعاه مع يمنيه إذا أكذبه رب الدار. [7/ 135]
في الدار تنهدم بعض المدة أو ينقطع ماء العين ثم يختلفان في مدة العمارة
في الدار تنهدم بعض المدة أو ينقطع ماء العين ثم يختلفان في مدة العمارة وفي الدعوى في السكنى والخدمة وفي انقطاع المدة من كتاب ابن المواز، قال أشهب في الدار يقبضها المكتري ثم يدعي أنه لم يسكن إلا ثلث المدة لانهدامها وكذبه ربها: فربها مصدق مع يمينه. وأما في الأجير؛ فالذي أجره مصدق مع يمينه أنه تبطل ما ذكر ولم يأته. محمد: كان انقطاعه إليه أو كان إنما يعدو إليه وإنما قال ذلك في الدار؛ لأنها بين الناس لا يخفى فيها الهدم، فإن لم يعرف ذلك أحد يصدق وكقول مالك في الدابة تكتري فيدعي مكتريها أنها نفقت أو ضلت فإنه مصدق مع يمينه، وإن ادعى أنها ماتت بموضع كذا وفيه من يقبل من الثقات فلا يعملون ذلك فإنه لا يصدق، وإن كانوا غير ثقات وكذبوه لم يضره ذلك فهو مصدق مع يمينه. وكما قال في المكتري الجفنة يدعي كسرها فقال مالك: فأين الفلقتان. محمد: وقال ابن القاسم في الدار تبنى بعد الهدم ثم تسكن أو الرحا ينقطع ماؤها بعد السنة ثم يرجع فيطحن بها ويدعي أقل مما يدعي ربها: إن ربها مصدق إذا اتفقا على أول السنة ولا يعجبنا هذا بل المكري مصدق ويحلف؛ لأن ربها مدع / عليه لأمر مؤتنف بعد الهدم وانقطاع الماء الذي تصادقا عليه. وقد قال مالك في المكتري يقول: لم أسكن إلا ستة أشهر. وقال رب الدار: سنة: إن الساكن مصدق مع يمينه. ومن الواضحة: وإذا ادعى مكتري الدار والرحا والحمام وانهدام ذلك في بعض السنة وانحراف الرحا وبطالتها وانكسار بعض آلتها فالمكتري مصدق؛ لأن ذلك في يديه قد أسلم إليه وأو تمن عليه وكذلك في [البعد] الأجير إن كان [7/ 136]
فيما ينهدم من دار أو حمام أو رحاء مما يوجب الفسخ أو لا يوجبه
مقيما عنده ليلا ونهارا، نقده الإجارة أو لم ينقده فهو مصدق في كسوره وبطالته؛ لمرض أو غيبة، أو إباق، فإن كان العبد يأتيه من عند سيده، فالقول قول السيد في الكسور مع يمينه، وأما الحر؛ فالقول قول الأجير الحر مع يمينه، كأن يختلف إليه لعلة، أو كان مقامه عنده، كان قبض الإجارة أو لم يقبضها، قاله كله ابن الماجشون، عن مالك، وكان ابن القاسم، وأصبغ يقولان: إن كان مأوى الأجير عند من استأجره، فالقول قول الأجير في ذلك في الحر والعبد، وإن لم يكن مأواه إليه، فالقول قول من استأجره، يريد مع يمينه وأنكر هذا ابن حبيب: قال ابن حبيب: وإن قال المستأجر ومكتري الرحا والدار والحمام بعد انقضاء السنة المشترطة: لم أسكن، ولم أختدم. وكذبه رباب ذلك، فهم مصدقون، ويصدق الأجير الحر، وسيد العبد مع أيمانهم، وإن قالوا: انقضت الوجية، وقال المستأجر: لم تنقض فهو مصدق مع يمينه، وقاله كله ابن / الماجشون، عن مالك. في الباب الذي يلي هذا شيء من معاني هذا الباب. فيما ينهدم من دار أو حمام أو رحاء مما يوجب الفسخ أو لا يوجبه، وكيف إن صلح قبل الفسخ؟ واختلافهما في مدة ذلك، أو في أصل الوجيبة من الواضحة ومن اكترى دارا، أو حماما، أو رحا شهرا، أو سنة، فانهدم ذلك، أو انخرق سد الرحا، فطلب الفسخ، وقال رب ذلك: أنا الأصلح، ولا أفسخ فإن كان يضر به في تأخيره إلى إصلاحه، فله الفسخ، وإن لم يكن ذلك، مضرا لزمه الكراء، أو قيل للمكري: عجل البناء والإصلاح، فأما الدار ينهدم منها يسير مما لا يمنع سكنى سائرها، فلا يفسخ له، وإن انهدم أكثرها حتى يضطر إلى الرحلة منها، فله الفسخ إذا شاء، وأما الحمام؛ فما انهدم منه من قليل أو كثير، فهو مانع من حميمه، فإن قال ربه: أنا أبنيه وأرمه. فلا يوجب ذلك فسخ الكراء إن كان يمكنه في مثل الأيام أو الشهر أو الوجببية سنة، وكذلك الرحا ينهدم بناؤها، [7/ 137]
أو ينخرق سدها أو ينكسر بعض أداتها، وهو أوسع في الرحا والحمام من الدار التي يسكنها المرء بعياله، وهذا شأن الأرحاء فيما يخترق من سد، وينهدم من بيت، وفي ذلك من بطالتها ما قد عرف، فلو كان يفسخ كراؤها كلما اعتلت ببعض ذلك، ما تم لها كراء، ولكن إذا دعي أهلها إلى إصلاحها، لزم المكتري الوجيبة ما لم يطل الأمر جدا، أو يعظم الشغل به حتى يذهب أكثر الوجيبة /، فيفسخ في هذا وجيبة الكراء، قال: ولا يفسخ في الأرحاء في عطلها لقلة الماء وكثرته، ومتى عاودها الماء، أو طلعت من استعداده في بقية الوجيبة، فالكراء لهما لازم في بقيته، كقول مالك في الأجير يمرض، ثم يفيق بقية المدة، ويسقط ما تعطل في هذا وهذا، والقول في تعطل الرحا، والحمام قول المكتري مع يمينه؛ لأنه كالمؤتمن، وإذا قال المكري: كانت الوجيبة، وقد انقضت، وقال المكتري لم تنقض فالمكتري مصدق مع يمينه، ولو قال: الوجيبة سنتان وقال المكتري: بل سنة فإن انتقد فالمكتري مصدق مع يمينه، وإن لم ينتقد، تحالفا، وفسخ ما بقي، وغرم من الكرا لما مضى على حساب ما ادعى، وإن انهدمت الدار، أو بيت منها، أو جدار، فلا يجير ربها على البناء، وهو مخير؛ إن شاء بنى، ولزم المكتري السكنى بقية الوجيبة، وإن شاء لم يبن، فإن اختار إلا يبنى، قيل للساكن: اسكن إن شئت، فاسكن فيما بقي من الدار، وإن شئت فاخرج إذا كان ما انهدم مضرا به في سكناه، أو منتقصا من عدد مساكنها، فإن قال المكتري: أنا أبني ما انهدم بالكراء الذي على لم يلزم ذلك ربها، إلا أن يشاء، وإما سكن أو خرج، فإن سكن، وضع عنه ما انتقصه الهدم من منافعه، فإن لم ينقصه شيء، لم يوضع عنه شيء، فإن خرج إذا كان ما انهدم مضرا به، قاصه بحساب ما سكن، وإن قال المكتري: أنا أصلح ما انهدم من مالي فأسكن، فليس لرب الدار منعه، فإذا تمت الوجيبة، وكان الإصلاح بأمر ربها، فعليه له قيمة / ما عمر (ع) في قوله لا قول ابن القاسم، وإن كان بغير أمره، لكن أذن له السلطان في ذلك حين طلبه، فلربها أن يعطيه قيمته [7/ 138]
مقلوعا، أو يأمره بقلعه، وإن أراد المتكاري حين انهدمت أو ما انهدم منها الفسخ، وقال ربها: أنا أبني وطلب الكراء، لزم الكري ذلك، إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر، فله الناقضة والخروج، فإذا خرج وأصلح الدار ربها، ولم يلزم المكتري رجوع في بقية الوجيبة، وهي بخلاف أرض الزرع تهور أرضها بعد الزراعة، هذا يؤذن للمكتري أن يصلح بكراء سنة؛ لئلا يهلك الزرع. ومن كتاب ابن سحنون، وكتب سحنون إلى شجرة بن عيسى، في الذي يكري ذلك من رجل سنة، ثم يهدمها أو بعضها بأمر المكتري أو بغير أمره لمصلحتها فيما يقول، ثم يصلحها، ثم يبنيها قبل تمام السنة، أنها إن انهدمت أو هدمها ربها، وكان الهدم مما يضر الساكن فيها، فهذا يفسخ به الكراء، وإن بناها في بقية المدة، إلا أن يرضى الساكن، أن يثبت بما بقي إذا بقي أكثر الدار، ويحط عنه كراء ما انهدم، ويكون الساكن أمره بهدمه وإصلاحه؛ ليسكن إذا تم إصلاحه، ومن كتاب ابن المواز: وإذا انهدمت الدار وما يمنع السكنى من الهدم، فخرج المكتري منها إلى غيرها، ثم يبنيها ربها، فلا يصلح الرجوع قال أصبغ: إلا أن يكون ذلك البنيان مثل الأيام، وفوق ذلك قليلا مما لا ضرر فيه، فيلزمه ما بقي، ويفسخ ما بين ذلك قال ابن ميسر: يريد أصبغ في العمارة لا في هدم البناء من أصله. ومن العتبية، من سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن اكترى حماما / برقيق فيه سنة، فمات الرقيق في نصفها، فالكراء بحاله، ويحط عنه من الكراء فيما بقي حصة كراء الرقيق بالقيمة، فإن انهدم الحمام والرقيق باقية، انفسخ الكراء في الرقيق، والحمام، لزمه من الكراء ما مضى من المدة. [7/ 139]
فيمن أكرى دارا وفيها شجر مثمر فاشترطها، وكيف إن انهدمت الدار أو استحقت
فيمن اكترى دارا أو أرضا وفيها شجر مثمر فاشترطها وكيف إن انهدمت الدار أو استحقت؟ من كتاب ابن المواز: ومن اكترى دارا أو أراضا، وفيها نخل أو شجر أو دوال، فاشترط ثمرها، وليس فيها ثمر أو فيها ثمر لم تطب، فذلك جائز إن كانت تبعا، تكون قيمتها فيما عرف من نباتها بعد طرح موقاتها الثلث فأقل. قاله مالك، وروي عنه أنه لم تبلغ به الثلث، فكذلك في اشتراط البياض في المساقاة. قال ابن المواز، وحب، وقاله أصبغ، في العتبية، وإنما يجوز استثناء الثمر بالبيع في الكراء إذا كانت تطيب قبل انقضاء أجل الكراء، وإن كان طيبها بعد أجل الكراء، لم يجز، ويفسخ قال ابن حبيب: فإن كان الكراء سنة أو سنتين، فاشترط الثمر وهي تبع، فلا بأس به، وإن انقضى أجل الكراء وفيها ثمرة طابت أو لم تطب. فهي للمكتري، وإن رجع الدار إلى المكري. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: قال مالك: وإن شرطا أن الثمرة بينهما، لم يجز، ولا على أن يكون لربها شيء من ثمرتها. محمد: وإن كانت أكثر من الثلث، فاشترط منها الثلث أو أقل، لم يجز. ابن القاسم: وكذلك حلبة السيف، وهي تبع فلا يجوز اشتراط نصفها، بخلاف بياض النخل / في المساقاة، وإن طابت الثمرة وهي أكثر من الثلث، جاز اشتراطها. يريد في عامة من هذه الجائحة، وإن كانت الثلث، فأقل، فلا جائحة فيها، وإن كانت أكثر من الثلث وهي لم تطب، فاشترطها، لم يجز، ويفسخ، وعليه قيمة كراء ما سكن، ويرد أخذ من الثمرة، وله قيمة مها سقى وعالج. ابن حبيب: ومن باع أرضا وفيها شجر فاسدا، ففسخ البيع وفي الشجر ثمرة، فهي للبائع، أبرت أم لا، طابت أم لا، ما لم تجن، وأما في الشفعة والتفليس، [7/ 140]
فما أبر قبل ذلك، فهي للمبتاع، وكذلك قال مطرف، وابن الماجشون قال أصبغ: وكذلك إذا أبرت في البيع الفاسد، هي للمبتاع، وفي كتاب الشفعة لابن المواز بقية القول في هذا. ومن العتبية، من رواية أبي زيد، عن ابن القاسم: وإن اكترى دارا سنة، وفيها نخل، فاشترط تمرتها وهي مما يجوز اشتراطها، فسكن ستة أشهر، ثم انهدمت الدار، فإن كانت الثمرة قد طابت، فإن الدار تقوم بالثمرة، وتقوم بغير ثمرة، فإن وجدت قيمة الثمرة الثلث، فإن الساكن يأخذ الثمرة، ويؤدي ثلثي الكراء، وإن لم تطب الثمرة، فهي لرب الدار، وعلى المكتري ثلث الكراء. ونحوه في رواية عيسى، عن ابن القاسم، قال: وينظر إلى قيمة كراء الستة الأشهر التي سكن، وإلى قيمة كراء الستة الأشهر الباقية، فيقبض ما بقي من الكراء عليها بعد إخراج قيمة النخل أو الثمرة المشترطة، قال ابن المواز: إذا كانت قيمة الثمرة الثلث فأقل، فاشترطها في كراء سنة، ثم انهدمت الدار في وسط السنة، فأحب ما في ذلك إلى أن تكون الثمرة راجعة إلى ربها، طابت أو لم تطب، ثم بعض الكراء على الدار والثمرة /، فما وقع للدار لو أكريت بلا ثمرة، سقط عن المكتري نصفه، ومن الواضحة، ومن العتبية عن ابن القاسم، ورواية أبي زيد، وبعضها من رواية عيسى عنه: وإذا قاله في نصف السنة، وقد نقد أو لم ينقد، ولم تطب الثمرة، فإن كانت الثمرة تبعا للستة الأشهر الباقية، جاز ذلك، وكأنه كراء حادث أيهما استفاد، فذلك جائز، ابن حبيب: وإن كانت الثمرة أكثر من الثلث، لم تجز الإقالة وقال ابن القاسم: قال عيسى عن ابن القاسم، في العتبية: وإن كانت الثمرة قد طابت، فليصنعا ما أحبا، نقد أو لم ينقد، ولا ينزل في النقد في الدور بيع وسلف. [7/ 141]
في الدار تكرى ثم يغصبها سلطان أو يغصب سكانها أو تستحق
ابن حبيب: ولو استحقها رجل إلا موضع الشجر منها، وقد سكن ستة أشهر، رجعت الثمرة إلى رب الدار، طابت أو لم تطب جذت أو لم تجذ، لأنه كمن باع ثمرة قبل أن تطيب حين ضمها إلى ما لم يكن له بخلاف الانهدام. قال يحيى بن عمر: ومن اكترى دارا سنة، وفيها نخلة، فاشترط ثمرتها، وهي دون الثلث، فانهدمت الدار في نصف السنة، وقد طابت الثمرة، فإنه ينظر إلى قيمة ما سكن خاصة، وقيمة الثمرة على المتعارف منها كل عام، فإنه كانت الثمرة من ذلك الثلث، فأدنى كانت الثمرة للمكتري، وإن كانت أكثر من الثلث، كانت له الدار، وفسد فيها البيع، فإن جذها المكتري رطبا، رد قيمتها، وإن جذها ثمرا، رد مثلها وإن انهدمت الدار، والثمرة لم تطب، فلا بد من ردها إلى رب الدار، كانت تبعا لما سكن أو غير تبع. في الدار تكرى ثم يغصبها سلطان / أو يغصب سكناها أو تستحق، ومن اكترى رحا فجلا أهل موضعها، وغي ذلك من مسائل الأرحية من الواضحة: من تكارى دارا سنة أو شهرا، فقبضها، ثم غصبه إياها سلطان، فمصيبة ذلك على ربها، ولا كراء له فيما بقي وقاله مالك: في المسودة حين أخرجوا المكارين وسكنوا كذلك في العتبية من سماع ابن القاسم: قال ابن حبيب: وسواء غصبوا الدور من أهلها، أو أخرجوا أهلها منها وسكنوها، لا يريدون إلا السكنى حتى يرتحلوا، وكذلك الحوانيت بأمر السلطان بغلقها. وإذا استحقت الدار، فكراء ما مضى لمن استحقت من يديه، إلا أن يكون غاصبا أو وارثا أو مشتريا ممن يعلم هو أنه غاصب، فيكون الكراء فيما مضى [7/ 142]
للمستحق، ثم إن أجاز الكراء فيما بقي، فذلك له، وإلا فسخه، ولو قدم وارث معه، ليرجع عليه فيما اكترى، ولا يرجع عليه فيما سكن إلا أن يكون عالما. ولو وهبها الغاصب لرجل غير عالم يغصبها، فاستحقت من يده أو يد ولده، وقد أكراها، فالكراء له، وللمستحق أن يرجع به على الغاصب، فيغرمه إياها، ويرجع عليه أيضا إذا باعها الغاصب، فاغتلها المشتري، ولا يعلم بالغصب، فليرجع المستحق على الغاصب بما اغتل المشتري، وإن كان الغاصب عديما، رجع به على الموهوب، أو على ورثته، وإن لم يعلم بالغصب، ولا يرجع به على المشتري، ولا على ورثته؛ لأنه ضامن، وكذلك في غلة الحيوان والعبيد، وذكر / أنه قول مالك وجميع أصحابه؛ ابن القاسم وغيره والذي ذكر ابن حبيب من ذلك، عن ابن القاسم، إنما المعروف غيره، أن الغاصب إذا باعها لا يرجع على الغاصب بغلة ما سك، ومن كتاب ابن المواز: ومن انتفع بأرض شبهة، ثم قام مستحق، فإن كان وارثا معه، رجع عليه فيها اغتل، ولا يرجع فيها سكن، وهو في السكنى استحسان ولا يرجع عليه غير الموارث في غلة ولا سكنى، إلا أن يأتي في أباس الرزع في ومن اكترى رحا سنة، فأصاب أهل ذلك الموضع فتنة جلوا بها عن منازلهم، وجلا معهم المكتري، أو أقام آمنا إلا أنه لا يأتيه طعام، فجلا الناس، كبطالة الرحا؛ لنقصان الماء وكثرته، وتوضع عنه مقدار المدة التي جلوا فيها، والرحا بخلاف الدار تكتري، ثم تجلوا الفتنة، وأقام آمنا أو رحل لوحشة وهو آمن، فالكراء له يلزمه، ولو انجلى للخوف، سقط عنه كراء مدة الجلاء، قال: والفنادق التي تكرى الأيام في السنة؛ كأيام الحج وشبهه ذلك، مثل ما ذكرنا في الأرض إذا أخطأها ذلك. وقاله كله أصبغ، وغيره، قال: ولا يجوز لرجل أن يتكارى الرحا سنة طاحنة، لا يحاسب فيها ما تبطلت فيه ولا يؤاجر عبدا شهرا معلوما، أو سنة معلومة، إلا الدار يشترط سنة مسكونة، إلا أن يتبرع المكتري في ذلك كله، ولا يجوز في ذلك إلا سنة بعينها، فإن تبطل منها شيء رجع بحسابه، وقاله كاله ابن الماجشون قال مطرف، وغيرهما / قالا: ولصاحب الرحا أن يقدم في الطحن [7/ 143]
ما يقضى به في الكراء إذا لم يذكره من سكن، وعدد الشهر وكنس الزبل والمراحيض
من شاء، وإن كان شأنهم من سبق طحن وكذلك الصناع ما لم يتعن ظلما ومطلا، ولا بأس أن يتكارى الرحا بالقمح والشعير، وإن كان الذي يأخذ مكاريه القمح والشعير وقاله مالك، وغيره. ولا ينبغي أن يستطحن بمكيال مجهول قدره من القفيز الجاري. ومن اكترى رحا، فجميع أداتها ومصلحتها إلا نقش المطاحن، ف سنتها بالأندلس على المكتري، ولا يشترط ربها على المكتري شيئا من ذلك، إلا ما خف قدره من الشحم والمغازل وشبه ذلك مما قيمته في السنة درهمين أو ثلاثة، وقد أجاز مالك أن يشترط على المكتري الدار من مرمتها وتبطينها ما كان يسيرا، مثل الدرهمين والثلاثة في وجيبة السنة وتحسبها، وما أحدث أهل الأندلس أن يقول: أكريك البيت ومعه الرحا، ولا أكريك سافية ولا مطاحن، ولا أداة، فذلك اختيال لا يجوز شرطه، وإنما يغتر في أن يكون عليه من بطلان شيء ويوقع الكراء على بعض ما اكترى احتيالا، وإذا وقع بهذا الاحتيال، فسخ، وعليه فيها قبل الفسخ كراء مثلها، على أنها يوم وقع ذلك طاحنة بجميع آلتها، وإنما يجوز هذا لو كانت يوم العقد عطلا من آلة وأداة وبلا سانية فيجوز هذا أن يكري ما ذكرت، وعلى المكتري أن يقيم ما به يطحن، ثم يأخذ ذلك إذا تمت الوجيبة ويدعها عطلا كما كانت. ما يقضي به في الكراء إذا لم يذكره من يسكن، وعدد الشهر وكنس الربل والمراحيض، وما يستثنى / المكتري ومرافقه بالحمام وغيره في الواضحة اكترى دارا لم يسم من يسكنها، فجائز أن يسكنها، أو يسكنها من شاء، ما لم يدخل فيها من يضر ببنائها، أو يتخذ فيها ما لا يشاكلها من متاع، ودواب، وسكان، فيمنع، وذكر فيمن اكترى شهرا، أوله أو في بعضه، [7/ 144]
في الاختلاف في نقد الكراء والتداعي في مدته وغير ذلك
فنقص؛ ذكر ابن القاسم، أنه إن مضى بعضه، أتم ثلاثين يوما، وكذلك في سنة بعينها يبدأ في بعض الشهر فيتم ثلاثين يوما في آخرها، وما كان من ذلك على الأهلة، فعلى الأهلة، قال: ابن القاسم: ويقضي بكناسة الدار والمرحاض على المكتري إذا لم يتشرط وقال مطرف، وابن الماجشون: يحملان فيه على سنة البلد وبه أقول. والعرف فيها ببلدنا على رب الدار، وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في العتبية مثل ما ذكر عنه ابن حبيب، إلا في دور الفنادق، فإن كنسها على المكري ابن حبيب: فإن شرط رب الدار على المكتري كنس مرحاض الدار، وكانت سنة البلد كنسه على رب الدار فابن القاسم يقول: إن ذلك جائز. ابن حبيب: أما في مرحاض نقي حينئذ، فجائز، فإن تقدم فيه رحاضه، فذلك مجهول، لا يدري مبلغه، ومن أكرى حمامه، وشرط ما يحتاج هو وأصله من [يخدمه] فيه، والنورة في السنة، فابن القاسم، يقول: لا يجوز حتى يشترط شيئا معلوما، وذلك جائز عندنا إذا عرف عيال الرجل وعدتهم، وأجازه مالك، وأجاز أن يواجب الخياط على ما يحتاج إليه هو وأهله من الثياب منه أو الفدان على ما يحتاج إليه من طبخ خبزه / سنة أو شهرا، إذا عرفوا ناحية الرجل، وناحية ما يحتاجون إليه ذلك كله. في الاختلاف في نقد الكراء، والتداعي في مدته وغير ذلك من الواضحة: ويحملان في نقد الكراء على عرف الناس، وإن اختلفا في المدة، فإن انتقد المكري، فهو مصدق مع يمينه، سكن أو لم يسكن، وإن لم ينتقد، وكان بحضرة الكراء، وقبل السكن، تحالفا، وتفاسخا الكراء إذا حلفا أو نكلا، ومن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن اختلفا بعد أن سكن سنة أو [7/ 145]
نحوها تحالفا، وفسخ باقي المدة، وعليه فيما سكن بحساب ما أمر به وكذلك اختلافهما في عدد الكراء، أو فيه وفي المدة، فإن قبض المكري الكراء، فالقول قوله في الوجهين، وإن لم يقبض، وكان ذلك في أول أمرهما، تحالفا وتفاسخا، وغرم لما سكن ما أقر به الساكن، فإذا تمت المدة التي أقر بها المكري، فالقول قوله في مبلغ كرائها مع يمينه، بلا تحالف (ع): يريد لا يحلفان جميعا، وكذلك في الحمولة في ذلك كله، وقاله كله مالك، ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: إذا اختلف رب الدار ومكتريها في قلة الكراء وكثرته، أو قال هذا: بدنانير وهذا: بطعام [ونقد المدة] وسكن سنة أو لم يسكن، فإنهما يتحالفان، ويفسخ ما بقي، وعليه لما سكن بحساب ما أقرب به، وإن نقده البعض، فسخ ما بقي على السنة، فيكون عليه فيما سكن بقدر ما أقر به ورد حصته ما لم يسكن بما انفسخ فيه، ولو نقد ثلاثة دنانير، وقال /: هي عن السنة كلها. وقال رب الدار: أكريتك عن السنة بستة دنانير وقد سكن ستة أشهر، تحالفا، ويفسخ ما لم يسكن، ويفسخ الثلاثة على السنة، فيكون عيه فيما سكن، فيقع لما سكن دينار ونصف، ويرد دينارا ونصفا، والقول فيها قول الساكن مع يمنه؛ لحيازته لما سكن، وكذلك لو لم ينقده إن قال: أكريتك تسعة أشهر بستة دنانير. وانتقده منها ثلاثة، وقال [الساكن] بل، سنة بستة دنانير، وقد سكن ستة أشهر، فلتحالفا ويفسخ ما بقي، ويرد دينارا واحدا، والساكن مدع في زيادة المدة، والقول قول رب الدار في ذلك، فقسمنا ما قبض على تسعة أشهر، كما قال لا على السنة التي ادعى الساكن، وإنما يقبض أولا ما قبض على قول رب الدار في المدة، فما وقع لما قد سكن، فهو مدع لبقية ثمنه، والساكن مصدق فيما يقرأ أنه منه، فإن وجدته يقع لما سكن حصة، يدعي الساكن أنه بقي له فيها طلب، فلا قول له، إلا أن يقر به رب الدار، وإذا اكترى دارا سنة باثني عشر دينارا، فنقده دينارا، وسكن شهرا، [7/ 146]
فيمن اكترى دارا سنة ثم سكن أكثر منها بغير عقد من ربها
فطلب رب الدار كراء الشهر، وتأخير الدينار إلى آخر، وطلب الساكن أن يجعله لأول شهر، فأنه يقسم الدينار على شهور السنة، فيوفيه ما بقي من الشهر الأول، ثم كذلك كلما سكن، ولو شرط نقد أربعة دنانير بعد أربعة أشهر، ثم اختلفا، فهنا تكون الأربعة دنانير لما قد سكن، ولو شرط نقد أربعة دنانير أول السنة، ونقد أربعة أخرى بمقدار تسعة أشهر، فنقدها ثم اختلفا، فالأربعة الأولى تقسم على السنة /، ثم يتم على الثانية كراء الأربعة الأشهر الماضية كلها، وذلك ثلاثة إلا ثلثا، ويبقى دينار وثلث، يقسم على الثمانية الأشهر الباقية، فيقع لكل شهر سدس مع ثلث متقدم، فذلك نصف مقبوض عن كل شهر منها، فكلما مضى شهر، أدى نصف دينار، وذكر أصبغ، في العتبية عن ابن القاسم مثل ما ذكر محمد فمن أكرى سنة بأربعة دنانير، فانتقد دينارين بشرط فبعد شهرين طلب تعجيل كرائهما، فإنه نقض الدينارين على اثني عشر شهرا، فيقع كل شهر سدس، فعليه سدس آخر عن كل شهر مضى، وكذلك فبما يستقبل، وكذلك لو نقد أقل من أربعة دنانير، ولم يذكر لأي شيء، كما يفعل في التفليس. فيمن اكترى دارا سنة ثم سكن أكثر منها بغير عقد من ربها من كتاب ابن حبيب وإذا تكارى دارا أرضا سنة، فسكن الدار، وحدث الأرض سنته تلك، ثم بقيت بيده يسكن الدار، ويحرث الأرض، وربها حاضر، أو غائب، فقد سمعت في ذلك اختلافا من ابن القاسم، وغيره فسألت عنه ابن الماجشون، فقال: القول في ذلك، إن كان مثل الحانوت والدار والبيت إلى ربه مرجعه وغلقه وفتحه، فما زاد في هذا على مدته الأولى، ورب ذلك حاضر، فإنما يجب في الزائد بحساب الكراء الأول، وأما ما كان إذا تمت وجبيته فيه، بقي فضاء لا جدار عليه ولا غلق له، وليس لربه فيه أن يرجع إليه /، فتمادى المكتري [7/ 147]
في المكتري يدعي دفع الكراء
فيه، فزاد على الوجيبة، فإنما له قيمة كراء الزيادة إلا أن يكون ذلك أقل من حساب الكراء الأول، فلا ينقص منه؛ لأن المكتري قد رضي به إذا تمادى قاله ابن حبيب: وهذا أحب إلي من كل شهر ما قيل في ذلك. في المكتري يدعى دفع الكراء من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم، في مكتري الدار سنة، يقول بعد تمام السنة دفعت الكراء، قال مالك: لا يقبل منه، والقول قول رب الدار مع يمينه إن قام بحدثان ذلك، وإن قام بعد تباعد ذلك، فالقول قول الساكن مع يمينه، وسواء خرج من الدار أو أقام، ولو أكراه سنة بعينها، فتمادى، فسكن عشر سنين، ورث الدار حاضر معه، لم يواجبه على شيء فقال الساكن، قد دفعت الكراء فلا شيء للمكري في السنة الأولى، فإن قام بحدثان انسلاخ التسع سنين، فله كراؤها، ويحلف، إلا أن يأتي الساكن فيراه، وإن قام بعد تطاول ذلك، فلا شيء له إذا قام الساكن قد دفعت الكراء. ويحلف، ولو كان يجدد عليه الكراء كل سنة من العشر بالبينة، ثم طلب كراء الجميع، فلا شيء له، ولو أكراه العشر سنين بمرة، ثم طلب كراءها بعد انسلاخها بحدثانه، فله كراء العشر مع يمينه، وإن قام بعد طول زمان، فلا شيء له، ويحلف المكتري، وإن اكترى منه سنة، فطلبه بالكراء بعد ستة أشهر، فقال: دفعت إليك كراء جميع الأرض سنة فلا يصدق، ولا بحدثان ذهابها ورواه أبو زيد، عن ابن القاسم، وقاله مالك، وابن القاسم، فيمن اكترى / منزلا بعشرة دنانير، فسكن فيه ستة أشهر، ثم قال: إنما اكتريت منه السنة بخمسة دنانير، وقد نقدتها قال يتحالفان، ويتفاسخان على عشرة في السنة، ولا يتم تمام السنة (ع) هكذا وقع في الأم، على ما سكن وما لم يسكن، فيرد حصة ما بقي، ولا يلزم الساكن فيما مضى إلا ديناران ونصف. [7/ 148]
في الإقالة في كراء الدار
وروى ابن أبي جعفر الدمياطي، قال: سئل ابن القاسم عن من اكترى من رجل منزلا سنة، ثم يوكل فيه سنين، ثم طلب المكرى الكراء، وأنكر الساكن أن يكون عليه شيء، قال عليه أن ما بقي بالبراء للسنين كلها، وإن كان اكتراه سنة سنة، إلا أن يحدد له كتابا في بعض تلك السنين، فيهدم كل ما مضى قبله، ويلزمه ما كان بعد هذا الكتاب ولو أكراه سنة، وقال: ما سكنت فبحساب ذلك، فهو أقوى. في الإقالة في كراء الدور من العتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك: لا تجوز الإقالة في كراء الدور إذا نقد أو سكن بعض المدة، بخلاف الإقالة في الحمولة بعد المسير بعض الطريق، قال ابن القاسم: لأنهما لا يتهمان في الحمولة إن يعملا على ذلك وكراء الدور كسلعة باعها، فأقال من بعضها، إلا أن يكون لم ينقده. قال: وإذا أكرى أرضا ثلاث سنين، ثم تقابلا بعد سنة وفيها زرع، فأراد ربها قلعهن فليس ذلك له / وليقره ويسقي من الماء حتى يدرك، ويحسب ذلك من حساب الثلاث سنين وكرائها قال ابن حبيب: لا يجوز إذا نقد أن يقيله في الدور ما لم يسكن، بنقد ولا بدين، وهو في النقد كراء وسلف، وفي الدين دين بدين، وفي الحمولة يجوز وقد صار مالا تهمة فيه بالنقد، ولا يجوز بدين: هذا قول مالك وأصحابه. ومن العتبية، من سماع عيسى، ومثله في الواضحة، ومن اكترى دارا سنة باثني عشر دينار، ولم ينقد، فسكن شهرين، ثم قال لرب الدار، أقلني على أن أعطيك في الشهرين الماضيين سنة دنانير كراء نصف السنة، فلا خير فيه، وهو من باب: ضع وتعجل قال أصبغ، في العتبية، فإن وقع، فسخ، قال ابن حبيب، في جوابه إن كان الكراء عندهم مؤخرا إلى آخر السنة، لم يجز؛ لأن [7/ 149]
فيمن أكرى أرضه أو داره مدة طويلة
المكتري يشتري سكنى قبل أجلها بما قد وجب له إلى أجل، ويتعجل ما يحل مما وجب له فيما سكن المكتري، فهو بيع وسلف، وضع وتعجل، ولو أقاله مما سكن منها بغير شرط تعجيل شيء من النقد ولا زيادة، جاز، وكان له مما وجب له فيما سكن، إن شاء عجله وإن شاء أخره، ولو عجله طوعا بغير إقالة، ثم حدثت لهم الإقالة، كان جائزا، ولو لم يسكن شيئا لم يجز أن يقيله بزيادة يعجلها عينا ولو لم يكن الكراء مؤجلا، ولكن كان على قبض ما حل منه، أو كان فيهما مما يصير إلى ذلك، فسكن بعضا، ثم أقاله بزيادة، فذلك جائز؛ لأن ما حل من الكراء ليس من الزيادة في شيء ولو كانت له ما ضر / إن يزيده على حقه، والزيادة بما لم يسكن يرتضيه بها ليقيله، كما لو لم يسكن، لجاز أن يقيله بزيادة؛ لأنه: بيع لا تهمة فيه، أن يقيله بزيادة، ولم ينقده، فكما لو أقاله من الحمولة بزيادة من الراكب قبل أن يركب ولم ينقده، فكان كراه على النقد. وكله قول مالك وفي الإقالة في البيوع ذكر من الإقالة في الكراء وأزيد من هذا المعنى. فيمن أكرى أرضه أو داره مدة طويلة من كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أكرى داره عشر سنين، فهلك ربها، فالمكتري أحق بها من الورثة، وإن كان عليه دين يبعث للغرماء على أن لهذا فيها سكنى إلى بقية الأجل، وقد قيل: إذا كانا في السنين اليسيرة كالسنة والسنتين وشبه ذلك، فأما إذا كانت كثيرة، فقد كرهه مالك، وقال: لا ندري كيف ترجع الدار إلى المشتري، لأن البناء يتغير وقال مالك، فيمن أسكن دارا حياته، فأراد أن يكريها وينتقد الكراء، فالأحب أن يكريها المدة الكثيرة، ولا بأس بالشيء الغريب، قال ابن القاسم: والغريب سنة وشبهها قال ابن ميسر: لو أكراها ثلاث سنين أو أربعا، لم أر به بأسا، إلا أنه إن مات، انفسخ ما بقي، ولو كرهته في هذا المقدار وأكثر منه، لكرهت أن يؤاجر عبده سنين؛ لأن الحال [7/ 150]
فيمن اكترى بيتا بثوب ثم استحق أو ليجد به عيبا
فيهما واحد، ولا بأس بالنقد فيه ومن العتبية، روى حسين بن عاصم، فيمن أكرى أرضه عشر سنين، وانتقد وهي أرض مطر، فإن تكن مأمونه، فهو كراء وسلف، وإن حرثها في القليب أو الزرع، فذلك فوت، ويقاصه بكراء سنة بقيمتها من سائر السنين من الثمن الذي قبض، ويرد ما بقي، وإن أدركت ولم يحرثها، فسخ ذلك، وردت إلى ربها، وإن كانت مأمونة، فذلك كله جائز، قال: وإن أكراها عشر سنين بعشرة دنانير، فهي غير مأمونة، على ألا ينقده إلا عن كل سنة ما ينوبها، فذلك جائز. وفي كتاب الإجارة باب، فيه ذكر من أكرى داره ثلاثين سنة، وكثير من معاني هذا الباب. فيمن اكترى بيتا بثوب ثم استحق، أو وجد به عيبا من الواضحة ومن أكرى دارا بثوب، ثم وجد به عيبا، انفسخ الكراء، وله فيما سكن قيمته، بالغا ما بلغ، وإن فات الثوب، ثم علم بالعيب؛ فإن فات ببيع، لم يرجع بشيء إلا أن يرجع إليه، وإن فات بلبس أو بيع أو صدقة، رجع بقدر العيب في السكنى إن كان لم يسكن، أو كراء الدار إن سن؛ وتفسيره إن يقوم الثوب صحيحا، ثم يقوم العيب، فما نقص من قيمته صحيحا، فإن نقصه العيب الخمس، كان رب الدار شريكا بخمس السكنى، ولهما قيمتها بتراض أو مقاواة، فإن كان العيب ينقصه كثيرا يضر بالمكتري إذا رجع المكري إليه عليه في السكنى، فهو مخير؛ إن شاء سكن على ذلك، وإن شاء رده، ورجع ثوبه معيبا، وإن قام بذلك وقد نقص نصف السنة، والعيب ينقصه الخمس، رج رب الدار بخمس السكنى ما بقي، وخمس / كراء الستة الأشهر الماضية، وأن كان العيب كثيرا ـ كما قلنا ـ فإن أحب المكتري سكن فيما بقي، أو كرى بجصته، وإلا رد، وكان على المكري للساكن قيمة ثوبه معيبا يوم قبضه، وأخذ قيمة كراء الستة الأشهر الماضية، وإن كان قد سكن جميع السنة، ثم اطلع على العيب، رجع بحصته العيب، قال أو كثر، وأخذ قيمة كراء ما قابله من سكنى الدار، ما بلغ ذلك ع. وكلام ابن حبيب هذا حسن، إلا قوله: إذا سكن بعض السنة، والعيب [7/ 151]
في تفليس المكتري
كثير يضر به في بقية السكنى، فإن اختار رد بقية السكنى، فإنه معلوم، لا قيمة كراء ما سكن، وأخذ قيمة ثوبه فليس هذا بأصلهم، بل يرجع بقيمة نصف ثوبه معيبا فيما رد من السكنى، ويغرم فيه كراء ما وقع لنصفا العيب في الشهور التي يسكن. وفي باب من زرع أرضا بغير إذن ربها شيء من ذكر الإقالة. في تفليس المكتري من كتاب ابن المواز: وإذا اكترى دارا سنة باثنى عشر دينارا، وانتقد منه ستة دنانير، وسكن ستة أشهر، فإنه يقسم ما قبض على اثني عشر شهرا، فأصاب ما سكن ثلاثة، يحاص بها رب الدار، ويخير الغرماء فإما أعطوه ثلاثة دنانير؛ لبقية السكنى، وكانوا أحق ببقية السكنى، وإلا أسلموا الدار، وأخذوا منه ثلاثة دنانير حصة ما لم يسكن. فيمن اكترى داره ممن يبيع فيها الخمر ومن فعل ذلك فيما يملك، أو يكتري ابن حبيب: ولا بأس أن يكري داره أو حانوته من ذمي كتابي، أو مجوسي، لم يشترط أنه يبيع فيها الخمر والخنازير، كان يعلم أنه يبيع ذلك فيها أولا يعلم، فإن وقع ذلك بشرط، فسخ، وإن لم يشترط، فله منعه من ذلك، فن لم يمنعه وتمت المدة، فعليه أن يتصدق بالكراء إن قبضه؛ فإن أبى، فللإمام انتزاعه منه أو من الذمي إن لم يقبضه، ويتصدق به، ويعاقبهما. وقد قال مالك فيمن باع كرمة ممن يعصرها خمرا: فليتصدق بالثمن لغير الخمر، والدار للسكنى، فالثمن سائغ، ولا يضره الشرط، إلا أن يكون زاد ذلك، فليتصدق بالزيادة، وإن أخذ دابة رجل بغير أمره، فحمل عليها الخمر، أو داره، فباعه فيها، فعليه كراؤها لما أبطلها عليه، لا على ما استعلها فيه، كان المتعدي مسلما أو نصرانيا، وفرق بينهما ابن القاسم، ولا يفترقان إلا أن يكون المسلم ليس كسبه إلا من الخمر أو شبهه فليتصدق مما [7/ 152]
في كراء الأرض بما يخرج منها أو بطعام
يؤخذ منه ومن اكترى دارا، فأظهر فيها الدعارة، والطناير، والرقص، وشرب الخمر ويبيعها، فليمنعه الإمام ويعاقبه، فإن لم ينته، أخرجه عن جيرته، وأكرى عليه الدار، ولا يفسخ الكراء، وقاله مالك، في الفاسق يعلن بمثل ذلك في دار نفسه، أنه يعاقب على ذلك، وإن لم ينته، باع الإمام عليه. في كراء الأرض بما يخرج منها أو بطعام ابن حبيب: قال مالك: وما نهى عنه من المحاقلة، هو اكتراء الأرض بالحنطة. ابن حبيب: أو بكل طعام أو إدام، فكأنه طعام بطعام مؤجل، والمخابرة كراءوها بجزء مما يخرج منها، والخبر حرث الأرض، ومنه سمي الأكار خبيرا؛ لأنه يرى خبر الأرض. قال مالك، وابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وأصبغ، وابن عبد الحكم، ومطرف وابن الماجشون: لا تكرى بجزء مما يخرج منها، ولا بشيء مما يخرج، ولا بشيء طعام أو شراب، كان مما يخرج منها أولا يخرج قال كنانة: لا تكري بشيء إذا أعيد فيها نبت، ولا بأس أن تكرى بغير ذلك من كل شيء من طعام أو غيره مال ابن نافع: لا بأس أن تكرى بكل شيء يؤكل أولا يؤكل، يخرج منها أو لا يخرج منها، عدا الحنطة وأخواتها إذا كان ما يكترى به خلاف ما يزرع فيها. وبقول مالك أقول، وعليه جماعة أصحابه. قال ابن الماجشون: وكراهة مالك كراءها بما تنبت وإن لم يكن طعاما؛ لأنه من المحالقة، إلا أن تكون أرضا لا تنبت مثل ذلك الشيء مثل الكافور، والزعفران، في أرض لا يكون ذلك فيها، وأجاز كراءها بالخشب؛ لأنه ليس الذي تزرع له وأجاز كراءها بأصل شجرة لا ثمرة فيها. ومن كتاب محمد: ولا بأس أن تكرى الأرض بالخضر يريد بالكلإ؛ لأنه ليس مما يزرع، ولا من الطعام، ولا بأس أن تكرى بالماء والصندل، والعود، والبان والحطب. محمد وإنما كره أن تكرى مما يخرج منها من هذه الأرض، أو من غيرها، ومما يزرع ويؤكل ويشرب من الأشربة /، ويخرج بين الأرض أو لا يخرج منها، ولا بأس بشرائها بذلك كله، ما لم يكن فيه يومئذ طعام، ولا بأس أن تكتري بئرا إلى [7/ 153]
في النقد في كراء الأرض وما يجوز من ذلك
جانب أرضها، تسقيها بمائها بما شئت من الطعام، وإذا اكتريت أرضا تعجلتها بماء معجل أو مؤجل من بئر أو أسوقه إليه، فإن كانت البئر أو العين مأمونة، فذلك جائز نقدا. في النقد في كراء الأرض، وما يجوز من ذلك، وشيء من ذكر العقود الفاسدة في كراء الأرض ابن حبيب: قلت لمطرف، وابن الماجشون: إن أرض الأندلس لا تكاد يخطئها المط، فهل ينقد في كرائها؟ فقالا: لا ينقد في كرائها حتى يأتيها المطر الذي تحرث عليه، ولا ينتظر بها الري، وهي بخلاف أرض النيل والأنهار المأمونة قال ابن عبد الحكم، وأصبغ: إن كانت تمطر مطر الري مأمونة، فلا بأس بالنقد فيها وبالأول أقول وقد كره عمر بن عبد العزيز النقد في أرض النيل حتى تروى، فكيف بأرض الأندلس وأجاز مالك وأصحابه النقد في أرض النيل والأنهار والآبار؛ لأنها مأمونة، ولا يخاف فيها إلا في الغب، ولا بأس بكراء أرض المطر عشرين سنة، ولا ينقد إلا سنة بعد أن تروى، ولا بأس بكراء الآبار والأنهار عشر سنين، ويكره فيها ما طال؛ لما يخاف من غور العيون، وأما أرض العيون، فتكره الوجيبة فيها مدة كثيرة، إلا مثل ثلاث سنين وأربعة، ولا ينقد إلا سنة بعد سنة، بخلاف أرض النهر والبئر، وأما أرض العين مخوفة التغيير، والوجيبة في كراء الدار أطول وآمن، والنقد فيها جائز قال: وإذا استغزر / بعض الأرض قبل الزرع، فلا يلزمه الكراء في بقيتها، إن لم يكن زرعه إذا استغزر فيها الكثير أكرية. ومن العتبية روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن اكترى من رجل مبذر أردب من أرضه؟، قال لا خير فيه، ومن كتاب محمد: ومن اكترى أرضا على أن لا يزرع ف يها إلا قرطا، لم يجز، فإن نزل، فعليه قيمة الكراء محمد: وذلك جائز عندي وإن لم يسم ما يزرع، فجائز، ولا يزرع إلا ما يشبه مثلها. [7/ 154]
في الأرض المكتراة تغطس أو تهور بئرها أو تغور العين
ومن كتابه، قال ابن القاسم: قال مالك: لا يجوز النقد في أرض المطر حتى تروى، فإن روي بعضها، لزمه بقدر حصته إلا في القليل لا منفعة فيه، فلا يلزمه شيء محمد ابن القاسم: مثل خمسة فدادين أو ستة من مائة، ولو روي قال قال: كالثلث، لزمه ما يخصه ما روي فقط، وكذلك البئر غير المأمونة، فإن ذهب الماء منها، فسخ الكراء. ابن القاسم: وكراء أرض غير مأمونة، يقل ماءوها، ويخاف ألا يكفي خطرا، إذ لو علم أنه يكفي، لم يكرها بذلك، ولو علم الزارع أنها ألا تكفي، لم يبذر بذرة، والمأمونة لم يدخلها على خطر، فإن حدث ما غارت له، فله إن شاء أن ينفق عليها كراء سنة، وليس له ذلك في التي يبتدئان فيها على أنها قليلة الماء، إلا أن يشاء ربها، فهو خطر، ويجوز كراء الأرض الغرقة، ولا ينقد فيها حتى ينكشف، وليس فيها خطر بنقد ولا يدفعه، ولو كان انكشافها مأمونا، جاز فيها النقد، ولا بأس بكراء أرض المطر سنين ما لم ينقد، فإذا رويتها، نقده كراء هه السنة، قيل وبكم ذلك؟ قال: ينقده الآن ثلث الكراء، إذ لا يحاط بكراء، كل سنة معروفة إلا بعد حلوله، وقد قال مالك، في الأرض ذات البئر والعين يزرعها / سنة، ثم تهور البئر، وتغور العين فيقبض الكراء على كل سنة بقدرتها منها، وليس الشتاء والصيف سواء، وهذا بخلاف الدور، لا نعرف في العين كراء كل سنة حتى تحل، والدور، قد عرف نفاقها، وتسامح الناس فيما يتقوم على ذلك، ويجوز أن يكري أرضه سنة، فقبضها قابلا بألف درهم يدفعها إلى عشر سنين. [في الأرض المكتراة تغطس، أو تهور بئرها، أو تغور العين [وكيف بذلك في المساقاة] ابن حبيب: ومن اكترى أرضا للزرع سنين، ولها بئر أو عين، فتهور البئر، أو تغور العين، فإن لم يكن له حينئذ زرع، انفسخ الكراء، وليس له أن ينفق في ذلك إلى مبلغ ذلك العام على قيمة كراء تلك السنة من سائر السنن إن كان [7/ 155]
ذلك لا يختلف، فينفق ما يصيبها من جملة الكراء، ولا تقويم في ذلك وإن لم ينقده، فللمكتري إتفاق ما يقع لتلك السنة، وإن أن فيه ما يصلح البئر والعين ويعمرها حتى يكفى بقية السنين، لزمهما تمام الكراء، وإن لم يف ذلك بما يجبى به زرعه تلك السنة، قيل للزارع: فأنفق ما زاد على أن رب الأرض مخير عليها بعد الوجيبة، إن شاء أعطى لما غادرت فيها من خشبة أو حجر، أو أمرك بقلعه، ولو أنفق كراء سنة، فأحيا زرعه ودفعه، وبقي من تلك السنة بقية، والماء فيها قائم، فزرع فيها ثانية، فأغورة وتهورت البئر، فليس له أن ينفق فيها كراء سنة أخرى، تمت هذه السنة أو لم تتم، كان ما زرع ما يكون، جزه قاعدة كالحبوب / أو حرز كالمقاتي، ولو كان له ذلك، كان له في سنة ثانية وثالثة، ولم ينقص ذلك بانقضاء جميع السنين، إلا أن يكون حين أنفق كراء سنة غزر ما البئر، ورأى أن فيها من الماء ما يكفى زرعه في السنين الباقية، فزرع فيها على ذلك، ثم حدث فيها تهور، فهذا ينفق كراء سنة ثانية، ليحيى زرعه، لأن هذا لمن يعمل على غرر كما عمل الأول. ومن كتاب محمد، وذكر مثل ما ذكر ابن حبيب، أنه إن لم يزرع، فلا ينفق، ويفسخ الكراء، وإن زرع، فله إنفاق كراء سنة، نقد أم لا. قال أشهب: وإن أنفق فيها أكثر من كراء سنة، لم يلزم ربها ما زاد على كراء سنة قال: فإن قبضه، ثم أتلفه فأعدم به، قيل للزارع: أخرج ذلك إن شئت، وأنفقه سلفا عليه وكذلك لو انقطع الماء في السنة الثانية قبل أن يزرع، فلاحجة له، وإن زرع لزم رب الأرض أن ينفق من كراء السنة الثانية، لا من تأول، وإن لم كن زرع، فلم يكن يجب على رب الأرض، فأنفق المكتري، فلرب الأرض كراه كاملا، ولا شيء عليه للمكتري فيما أنفق، إلا في نقص قائم؛ من حجر، وآجر، وطوب، وخشب، فله أن يعطيه قيمته بعد قلعه، أو يأمره بقلعه قال: وإن كان مساقي، فانقطع الماء قبل عمله، وقبل أن ينفق شيئا، فلا شيء على رب الحائط، ولو كان بعد العمل، أو بعد إقبال الثمرة، كلف رب الحائط النفقة وقد فسره عبد الملك تفسيرا حسنا؛ فقال: يتوخى قدر ما ينوب رب الحائط من الثمرة بعد [7/ 156]
طرح مؤقته فيها إلى وقت بيعها، فيكلف أن يخرج ذلك معجلا، وينفقه / إن كان كافيا، فإن أعدم، قيل للعامل: أخرج مثله من عندك، ويكون مصابته من الثمرة رهنا بيدك حتى يدفع إليك ما أنفقت، وإلا فسلم الحائط إلى ربه، ولا شيء لك عليه ولا له عليها، وإن كان ذلك قبل يعمل العامل شيئا، فتبرع وأنفق، فلا شيء له فيما أنفق، إلا ما للمتعدى من النقص، وله حصته من الثمرة، قال: ولو كان أكرى الأرض منه ثلاث سنين، فعطبت البئر بعد أن زرع قائما، يخرج كراء الثلاث سنين، وإن كان أكراها بالذهب والورق، وإن كان ذلك أجرا ولا تقوم العين وإن كان العروض، فإنما يخرج قيمته كراء تلك السنة من الصفقة على أن يقبض إلى أجله، كما لو بيع. قال مالك: وإن أحب الزارع أن يدع زرعه، ولا ينفق، ويسقط الكراء عنه، فذلك له، وإن أحب أن ينفق فيها إلى مبلغ كراء سنة، على أن تبقى منافع البئر لربها، فذلك له، وإن أنفق ذلك، فلم يأت من الماء ما يكفيه، فحصد زرعه، فحصل جائحة، لم يكن فيه شيء ولا شيء على رب البئر من النفقة، ولا شيء له من الكراء قال مالك: ومن اكترى أرضا فزرعها، فلم يخرج زرعه شيئا؛ لإصابة العطش، فلا كراء عليه، وكل ما أصابه بعد أن نبت زرعه من جميع الجوائح من غير سبب الماء، فلا يوضح عنه شيء من الكراء، وكذلك لو لم ينبت أصلا، بخلاف ما يصيبه من العطش أو الغرق قال: ولو أن المكتري لم يزرع، لأنه لم يجد بذرا، أو لأن سلطانا حبسه، فهذا لا عذر له بهذا، وعليه جميع الكراء. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن تكارى أرضا، فزرعها، / وبنت الزرع، ثم جاء سيل فأذهبه، فلا حجة للمكتري، وعليه جميع الكراء، وهو كالجائحة. ومن العتبية، وكتاب و: قال أشهب، عن مالك: ومن اكترى بئرا سنة، فسقى بها زرعه أو احتواه حتى يحصد زرعه، فأسقى به بعض السنة، [7/ 157]
في الزرع يحصد وقد بقي من الوجيبة شيء أو تتم الوجيبة وفيها زرع أو غيره
فانهارت البئر، فعليه حصة ما انتفع به قال في العتبية بقدر ما تسقى من السنة، أو من الأيام التي حصد فيها زرعه، ثم العبد يؤاجره شهرا، فعمل بعضه، ثم مات. وإن اكتراها ليعمل صيفه وشتاءه، فسقى صيفه وحصد زرعه، ثم هارت البئر، فله كراء الصيفة بحساب ما أكراه من الصيف والشتاء، وإن سقاه، ثم هارت ولم يحصد زرعا، ولا انتفع به، فلا كراء عليه، وإن سقى زرعه وحصد في ستة أشهر من السنة ثم هارت البئر، وقد كان أكرى السنة بعشرة دنانير، ورجع بخمسة، قال سحنون، في العتبية فيمن اكترى بئرا أو عينا، فنقص ماؤها، فإن كان يسيرا مثل ما يعرف من بعض الماء مع قلة المطر، وزيادته مع زيادتها، فذلك لازم لهما، وأما إن جاء من بعضه ما يضر المكتري؛ لقلته ووعورته انتقضت به الإجارة، وكذلك نقصان البئر من قلة الخصب، فذلك سواء ابن المواز: وإذا زرع مكتري الأرض ذات البئر، ثم هارت البئر، فإنه يجير ربها على إصلاحها تلك السنة إلى مبلغ كراء تلك السنة، إن كان إذا أنفق بلغ به إلا صلاح لسنته، وإن كان لا يبلغ، فسخ، ولا كراء على المكتري، وبرتجعه إن دفعه، وإن لم يكن زرع، لم يجبر على إصلاح، فإن أنفق فيها المكتري، فهو مصدق، ثم لا يلزمه ربها، / إلا إن يشاء، فإن شاء ذلك وداه نقدا، وإن حبسه في الكراء، جاز ذلك، ولم يكن دينا بدين. في الزرع يحصد وقد بقى من الوجيبة شيء أو تتم الوجيبة وفيها زرع أو غيره، وهل يكرى عاما ثانيا؟ من الواضحة ومن اكترى أرضا سنة أو سنتين، فنقدت، فلم يبق فيها إلا شهر أو شهرين وما لا ينتفع فيه بالزرع، فإن [كانت من] أرض الزرع، فليس [7/ 158]
للمكتري أن يحدث فيها زرعا إلا بكراء مؤتنف ولا يحط عنه لما تقدم شيء، وليس لربها حرثها لنفسه، وليس للمكتري منعه؛ لأنه مضار، فإن زرعها المكتري وهو يعلم أن الوجيبة تنتقض قبل تمام الزرع بالأمر البعيد، فربها يخير؛ إن شاء حرث أرضه، وأفسد زرعه، أو أجرة واحدة بالأكثر من قيمة الكراء، أو كراء الوجيبة، وإن كان ظن أن زرعه ينقضي عند تمام الوجيبة، فزاد عليها الأيام مثل الشهر ونحوه، فليس لربها قلعه، وله فيما زادت المدة مثل كراء الوجيبة، وإن كانت من أرض المباقل، فله أن يعمر وينتفع إلى انقضاء الوجيبة، وإن انقضت ولم يبلغ إناه فإن كان حين وضع البقل في الأرض على رجاء من بلوغ إبانه وتمامه عند انقضاء والوجيبة، فجاوز ذلك بأيام أو شهر، فله كراء ذلك، كما ذكرنا، فإن علم أنه لا يبلغ تمامه إلا بعد الوجيبة، فربها مخير في قلع ذلك أو تركه، وأخذ الأكثر من كراء الوجيبة، أو كراء المثل، ومن كتاب ابن المواز: وإن اكتريت أرضا سنة، فأكريتها من غيرك، فتمت السنة وفيها زرع فليس لك ولا لغيرك كراها العام؛ لأن على ربها ترك الزرع إلى تمامه / بكراها، ولا بأس بكرائها عاما ثانيا وإن كانت فيها أصول، جاز كراؤها الآن؛ لأن على الغارس قلع أصوله، ولو كان فيها زرع لربه لم يتم، لم يجز لربها شراؤه، ولو تم جاز ذلك، ولا يجوز له شراؤه بكرائها. ومن اشترى زرعا أخضر على قصله، ثم اكتراها، لم يجز له أن يغيره، ولو اشتراها، جاز له تركه ومن اكترى أرضا فزرعها، فله أن يكريها من غيره سنة أخرى وينتقد إن كانت مأمونة، إلا أن يخاف أن يبقى فيه ذلك الزرع إلى دخل السنة الثانية، فلا يجوز فيها النقد. وفي باب الذي يلي هذا من معنى هذا. ومن كتاب ابن المواز: ومن اكترى أرضا ثلاث سنين، ثم أقال منها وفيها زرع الأول سنة أو شيئا، فأراد ربها أن يأمره بقلعه، فليس له ذلك، وعليه بقاؤه، ويقبل مما بقي، وله بحساب ما أكرى في الثلاث سنين، وكذلك لو انقضت المدة [7/ 159]
في خلفة الأرض لممن تكون؟ وما ينبت في أرض الكراء مما انتشر فيها
وفيها زرع لم يتم، يسقيه أو يسقى بمائه، فعليه بحساب ما أكرى، ولأنه غير متعد، وبخلاف من زاد على مدة في كراء الأرض؛ لأنه قادر أن يخرج، قال أصبغ: فليس عليه حساب ما يكري. وفي خلفة الأرض لمن تكون؟ وما ينبت في أرض الكراء مما انتشر فيها والسيل يجري حبا أو زرعا إلى أرض ومن اكترى أرضا فنبت فيها مقتاة للمكتري مع كمون كان قد هلك فيها من كتاب ابن المواز، قال ابن عبد الحكم، عن مالك، في مقتاة في أرض مكتراة، تطعم ثم تنقطع، ثم تخلف، فخلفتها لمن زرعها دون رب الأرض؛ لأنها لم تنقطع انقطاع / هلاك، وذلك ما دام لها أصل، قائم لم ييأس منه صاحبه، ولا أتى الوقت الذي اكترى إليه، ولو تم الوقت، وبقي المقتاة، وفيها طمع، قيل لصاحب الأرض: إن شئت أن تأخذها وتحسب عليك كراء الأرض ما دام مقتاتك فيها، فذلك لك، وإن كان قبل وقت انقطاعها المعروف، فإن كان أسلمها عن يأس منها لموتها وانقطاعها انقطاعا بينا، ثم حييت بعد السقي والعلاج، فهي لرب الأرض قال: وخلفة القرط والقصب لرب الزرع، ما دام وقت ما أكري إليه الأرض، فإن تم وقته، فكما ذكرنا في المقتاة، يحسب عليه ما أقام قرطه أو قصبه فيما على الكراء الأول، ولو باع القرط، فأكله المشتري، فخلفته لبايعه ما لم يشترطه المشتري، ولا يجوز أن يشترطه إلا في الموضع المعروف، كيف تأتي خلفة المأمونة، ما لم يشترط حبه. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اكترى أرضا، فزرعها، فأصاب البرد زرعه وقد استحصد، فانتشر، فنبت من قابل، فالزع لرب الأرض، [7/ 160]
ولو بذرها فيها بذرا، فجره السيل إلى أرض رجل، فنبت، قال مالك: فهو لمن جره السيل إليه، قاله سحنون، في كتاب المزارعة وإن جره السيل إليه بعد أن نبت وظهر، فهذا يكون لربه، وعليه كراء الأرض ما لم يجاوز كراءها الزرع، فلا يكون عليه أكثر منه. قال في كتاب ابنه: وليس كالمخطئ والمخطئ كالعامد، ولا يكون أسوأ حالا من المكتري للأرض سنة، فتنقضي المدة وله فيها زرع أخضر، وقد علم حين زرعه أنه لا يطيب في المدة قال مالك: له الزرع، وعليه كراء زيادة المدة / يريد سحنون فإن كان رب الزرع مكتريا، كان عليه كراء الأرضين جميعا. وروي أيضا عن سحنون، أن الزرع لرب الأرض، وعليه للآخر قيمته مقلوعا، كما جره السيل، قال أبو بكر: والقول الأول أحسن وقد قيل في البذر، وعليه الكراء. قال سحنون:، في كتاب ابنه: ولو قلع السيل من أرض شجرا يصيرها إلى أرض آخر، فنبتت، نظر؛ فإن كانت إن قلعت وردت إلى أرضه نبتت، فله قلعها، وإن كانت إنما يقلعها للحطب لا ليغرسها، فهذا مضار، ولها القيمة، وإن الشجر لو قلعت، لم تنبت في أرض بها، وإنما تصير حطبا، هذا الذي مرت في أرضه نبتت، فله قلعها، وإن كانت إنما يقلعها للحطب لا ليغرسها، فهذا مضار، ولها القيمة، وإن الشجر لو قلعت، لم تنبت في أرض ربها، وإنما تصير حطبا، هذا الذي مرت في أرضه مخير، بين أن يأذن لربها في قلعها، أو يعطيه قيمتها مقلوعة، فإن نقل السيل تراب أرض إلى أرض أخرى، فإن وجد ربه نقله إلى أرضه، وكان معروفا، فله، ذلك، وإن أبى أن يفعله وطلبه من صار في أرضه أن ينحيه عنه، ولم يلزمه؛ لأنه لم يجن، وكذلك لو وقع شجر حاره، فأضر بها. قال أصبغ، في العتبية فيمن زرع في أرضه كمونا، فلم ينبت وأبطأ، فلم يشك أنه هلك، فأكراها ممن غرس فيها مقتاة، فنبت المقتاة، ونبت معها الكمون معا، فالكمون لربها، ويقوم كراها الذي أكراها به على قدر ما انتفعا بها، هذا بكمونه وهذا بمقتاته، ويسقط من الكراء ما ناب الكمون، وإن أضر الكمون بالمقتاة حتى نقصها في حملها وتمامها، فليس له قلعه، ولكن توضع عنه حصته [7/ 161]
فيمن زرع أرضا بغير إذن ربها، والأرض تستحق وفيها زرع للمكتري أو لربها
من الكراء بقدر ما نقصت المقتاة؛ لأن هذا من سبب الأرض وكذلك لو أبطلها، لرجع بجميع الكراء، ومصيبة / المقتاة منها لو غرسها، فلم تنبت أصلا. ومن كتاب المزارعة من العتبية، قال عيسى عن ابن القاسم، فيمن أعطى رجلا أرضا له عارية، فزرع فيها قطنا، فأثمر في عامه، وجناه في عامه، وبقيت أصوله، فرمى وأثمر في عام قابل، وتنازعاه؛ قال رب الأرض: لم تزرعه إلا للعام الأول. وقال زراع القطن. وهو لي من زريعتي، قال: إن كان القطن بالبلد يزرع كل عام كالزرع، فحكمه حكم الزرع، وهو لرب الأرض وقال بعد ذلك: أرى القطن لمن غرسه، وعليه كراء ما شغل القطن من الأرض، إلا أن يكون الكراء أكثر من القطن، فلا يلزمه أكثر منه، وثبت على هذا، وقال: لأنه أصول وقال بعد ذلك في الزروع، إذا لم ينبت أول سنة، ونبت في السنة الثانية، أنه كالغاصب في حاله كله، إلا أن يكون الكراء أكثر من الزرع قال: وإن كان القطن أصولا تنبت في الأرض السنين الكثيرة، كما تنبت في السواحل، فأراه لرب القطن، فإن أردا رب الأرض إخراجه، ولم تقم له بينة أنه أعاد سنة واحدة، وحلف رب القطن على دعوى رب الأرض، فليعط رب الأرض لرب القطن قيمة الأصول. وذكر هذه المسألة من أولها ابن سحنون عن أبيه ع: أراه جعل اختلافهما في مدة العارية سنة، أوجب لربها قيمته أصولا لا مقلوعا بعد يمين المستعير، وكان الغرس كالحيازة، بخلاف اختلافهما في مدة سكنى الدار. فيمن زرع أرضا بغير إذن ربها والأرض تستحق وفيها زرع للمكتري أو لربها، / أو لا زرع فيها وقد كراها وكيف إن قيم فيها بشفعة أو فساد كراء؟ من العتبية، قال أصبغ: ومن تعدى فزرع أرض رجل، فقام عليه، بعد إبان الحرث، وقد كبر الزرع واشتد، فأراد قلع الزرع، وقال: أريد غرسها مقتاة، [7/ 162]
في الأرض بين الشركاء يحرثها أحدهم بمحضر من أشراكه أو بغير محضرهم
أو زرعها بقلا، وهي أرض سقى يمكنه الانتفاع بها، فليس ذلك له، وليس له بعد إبان الزرع إلا كراها إن كانت أرض سقى يتبع بها؛ لما ذكرت، وإنما له ذلك إذا لم يفت إبان الزرع الذي فيها، ولا حجة له أنه قلبها والكراء له عوض عن ذلك. ومن الواضحة: ومن اكترى أرضا كراء فاسدا فكرمها وطيبها بالحرث، والرجل، وقطع الشعراة عنها، فذلك فوت يصحح كراها تلك السنة يريد بالقيمة ـ ومن فعل ذلك بأرضه ثم استحقت أو استشفعت أو فسخ بيعها بفساد قبل أن يزرعها، فله على الذي يرجع عليه قيمة ما غادر فيها من المنفعة، ولا يبطل عمله فيها، إلا أن يشاء من رجعت إليه الدار بأحد الثلاثة الأوجه؛ أن يقرها بيد من كرمها وزبلها وقطع شعراها بكراها تلك السنة، ليجوز عمله فيها، فإن أبى ذلك الذي فعل هذا فيها، فلا شيء له من قيمة ذلك؛ لأنه قد مكن من إحراز عمله ونفقته، فأبى وقاله كله ابن الماجشون، وغيره، وهو منهاج مالك، في كتاب المزارعة، ذكر من زرع أرض جاره غلطا. في الأرض بين الشركاء يحرثها أحدهم بمحضر من أشراكه أو بغير محضرهم / أو يحرثها هذا سنة وهذا سنة، وفي الماء بينهم يتعدى فيه أحدهم من كتاب محمد، قال ابن القاسم، في أرض بين أشراك أو ورثة، زرعها أحدهم بمحضر من الباقين حين لم تكن لهم قوة على الحراثة، ولم ينكروا، ثم طلبوا الكراء، فإن كانت لو لم يزرعها ولا أكراها وهي بلد كراء، وحلفوا ما سكتوا إلا ليقوموا بحقوقهم، ثم لهم قيمة كراء حصتهم، وإن كانت بلادا لا كراء لها إن تركوها، مثل أرض المغرب، لسعة البلاد، فلا كراء لمن بقي. قال أصبغ في أرض بين رجلين: فلا بأس أن يزرعها هذا سنة وهذا سنة، فإن لم يمكن فيها العمل في العام الثاني، رجع على صاحبه بنصف قيمة الكراء للسنة الأولى، وإنما هذا في المأمونة، ولا خير في أن يكريها هذا سنة وهذا سنة، أن [7/ 163]
جامع مسائل مختلفة من الأكرية
يزرع هذا سنة وهذا سنة، لأنه أكرى من صاحبه بنصف ما يكري قابلا، وهو مجهول وقال تسقى بينهما: فلهذا سقى الليل، ولهذا اسقى النهار فأحل ماء صاحب الليل، فعليه قيمته، ولا يعوض ربه ماء النهار، ولأنه مختلف وسقي الليل أفضل، ولو كان له سقي الليل، لأخذ منه سقي النهار. وكذلك في العتبية، عن أبي زيد، عن ابن القاسم. محمد: وإن أحب أن يأخذ سقي النهار بدلا من سقي الليل لحاجته، ويتوخى قدر مائه، فإن بقي له شيء وأخذ قيمته، فلا بأس بذلك. ومسائل الوكيل على أن يزرع فيغلط أو يتعدى، في كتاب المزارعة والشركة. جامع مسائل مختلفة من الأكرية من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن سكن منزل رجل، فأنفق فيه مائتي درهم، ثم أخرجه، فلم تكن معه دراهم، فقال له رجل: أنا أقضي عنك، فأعطاه بها ثلاثة عشر دينارا، فقال: أنا آخذ هذا المنزل بدرهمين حتى ينفد مالي عليك فلا يجوز، ويفسخ الكراء، وعليه قيمة الكراء ما سكن، وله على رب البيت ثلاثة عشر دينارا. قال مالك: ومن سكن سنة بدينار، فلما سمك شهرين، أراد أن يأخذ ثلاثة دراهم، فلا يجوز إلا أن يأخذ منه دراهم بقدر ما حل وسكن المكتري، وما لم يسكن، فلا يأخذ به ورقا حتى يحل. ابن القاسم، في رجلين اكتريا أرضا؛ فأكرى أحدهما حصته، فلشريكه في كرائة الشفعة. قال سحنون: وقد قال مالك، في رجل: لا شفعة وقاله ابن القاسم، ومن بينهما ثمرة تحبس، فباع أحدهم نصيبه منها، فللآخر فيها الشفعة. وقال مالك، في رجلين سكنا في منزل من منازل الإمارة فبذل أحدهما للآخر شيئا على أن يخرج عنه، فكرهه مالك، وقال: هو لا يدري متى يخرج عنه، وليس إلى أجل، أو كان مؤجلا، لجاز، فأما منازل الإمارة، فلا ومن كتاب محمد، والعتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن اكترى من أرض الجزية، فزاد [7/ 164]
مسألة في الفدادين المنعزلة تختلط، والشريك في الأرض يزرع جميعها لنفسه
فيها، ويكتم ذلك، فكره أن يشتري من طعام من يفعل ذلك، وكره هذه القطائع من أرض مصر لمن أقطعه، وكره إقطاعها، وكره شراء قمحها، قيل: فمن أكرى أرضا بالحنطة فزرعها، أيشتري من ذلك القمح؟ قال: تركه أحب إلي. ومن كتاب محمد، قال مالك: وأكره للرجل / أن يحرث في أرض الخراج أو يقاربه، وهي أرض مصر قاله مالك. محمد: كرهه؛ لأنها أرض جزية، ولدخوله في الذل والصغار وروي في ذلك وجه آخر لم يثبته قيل لمالك: فإن اكترى رجل هذه الأرض من رجل له مال من السلطان، يضع عنه تلك الوجوه المكروهة؟ قال: هي من أرض الجزية، فأنا أكرهها، قيل ولما فيها من الذل قال: رب أشياء لا يستطاع تفسيرها. مسألة في الفدادين المنعزلة تختلط وفي الشريك في الأرض يزرع جميعها لنفسه من كتاب الشركة، من العتبية، قال عيسى عن ابن القاسم، في قوم زرعوا فدادين متقاربة فاختلطت، فلا يدرى فدان هذا من فدان هذا، قال: يحلف كل واحد منهما على ما يذكر، ثم يقسم الطعام على عدد ذلك. ومن أشرك رجلا في أرض، ثم زرعها الشريك كلها تعديا، قال: عليه نصف كراء الأرض، قال عيسى: حاضرا كان شريكه أو غائبا، ويحلف أن كان حاضرا ما كان يتركه رضى بذلك الفعل. تم الكتاب بحمد الله وحسن عونه وتأييده وتسديده [7/ 165]
كتاب الصلح
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الصلح والوكالات والبضائع باب في الصلح يقع بما لا يجوز به عقد البيع، هل يرد؟ ومن صالح من استهلك شيئا على ما لا يباع به قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، في الصلح يقع بما لا يجوز عليه البيع؛ مثل أن يدعي على رجل حقا، فينكره، فيصالحه / منه على سكنى دار سنة، أو خدمة عبد سنة، أو غلة دار سنة، ولا يعرف الغلة، أو من قمح على شعير مؤجل: إن ذلك [حرام] مفسوخ، ويرد، وما فت صحح بالقيمة على قابضه، كالبع، ويرجعان على الخصوم، إلا أن يأتنفا صلحا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا». قال مطرف: وأما أن وقع الصلح بالأمر الذي يكره، ليس بصريح الحرام، فالصلح ماض، جائز، وإن كان بحدثانه وقال ابن الماجشون: إن عثر عليه بحدثان، فسخ، [7/ 167]
وإن طال أمره، مضى، وأما أصبغ، فيجيزه كله؛ حرامه ومكروهه، فإن كان يحدثانه، ويقول: إنما هو شيء، كالهبة. قال: لأنه لو صالحه بشقص، لم تكن فيه شفعة؛ لأنه كالهبة. قال: وهذا في مجارى الحكم، وأما فيما بينه وبين الله [تعالى] فلا يحل له أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع، وقد حدثين سفيان بن عيينة، أن علي بن أبي طالب أتى بصلح، فقال هذا حرام، ولولا أنه صلح لفسخته، وبقول مطر ف، وابن الماجشون أقول. . ومن العتبية روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن ذبح لرجل شاة، فأعطاه بالقيمة شاة، أو بقرة، أو فصيلا، فإن كان لحم شاة لم يفت، لم يجز؛ إذ له أخذها، فصار اللحم بالحيوان، وإن فات اللحم، فجائز نقدا ـ يريد بعد المعرفة قيمة الشاة ولو استهلك له صبرة قمح لا يعرفان كيلها، جاز أن يأخذ القيمة ما شاء من طعام من غير جنسه، أو عرض نقدا، وأما على مكيلة من قمح أو شعير أو سلت، فلا يصلح إلا على التحري /، وأما على كيل لا يشك أنه أدنى من كيل الصبرة، فلا بأس به، وكأنه أخذ بعض حقه، ولا تبال أخذ قمحا أو شعيرا أو سلتا ـ يريد ها هنا ـ وإن لم يعرف القيمة. ومن [العتبية] روى عيسى، عن ابن القاسم، ومثله روى ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، في قوم تنازعوا في منزل أو أرض، ثم اصطلحوا على أن من أراد البيع، لم يبع إلا من أصحابه، فإن كان يعني بما أعطوه مما قل أو كثر، لم يجز ورجعوا على وأي من أمرهم، وإن كان على أنه عرضه وبلغ ثمنا، أخذوه [7/ 168]
في الصلح على ميراث يجهله الوارث أو يجهل بعضه والتداعي في ذلك
بالعطاء إن شاءوا، أو تركوا، ويبيع الآخر من غيرهم، فذلك جائز في الصلح، ولو وقع هذا في أصل البيع، لم يجز ورد، فإن فات ففيه القيمة. قال مطرف، وابن الماجشون: إلا أن تكون القيمة أدنى من الثمن، فلا ينقص من الثمن، قالاهما وابن القاسم: ولو شرطوا أنه إن أراد البيع، فلا يبيع من قلان ـ لرجل كرهوه ـ فذلك جائز في الصلح والبيع، ولو كان شرطهم ألا يبيع إلا من فلان، كان كقولهم إلا يبيع إلا منا، ولو قالوا: على ألا يبيع ممن يضر بهم، فأما في البيع، فلا يجوز، ويفسخ بذلك، [فإن فات ذلك ففيه القيمة]، وأما في الصلح، فقال ابن القاسم، في رواية عيسى: أكرهه، ولا أفسخه إن وقع. وقال مطرف، وابن الماجشون: إن عثر عليه بحدثانه، فسخ، وإن طال أمره، أو باع أحدهم مضى. قال عيسى: قال ابن القاسم: فإن باع من أحد، فقالوا: هذا يضر بنا لم ينظر إلى قولهم، ونظر فيه؛ فإن كان ممن يخاف منه /، لم يجز بيعه منه، وإن كان مأمون الجانب، جاز البيع، قال ابن حبيب: فسألت أصبغ عن المسألة من أولها، فكرهه في البيع والصلح، وقال: لا يجوز. وقول مطرف وابن الماجشون، أحب إلي. في الصلح على ميراث يجهله الوارث أو يحمل بعضه والتداعى في ذلك والزوجة تصالح الورثة وللميت حمل أو تصالحهم، ثم يطرأ وارث من العتبية، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن مات بالأندلس وله بها تركة، وترك مصر أو بالقيروان حظا في دار، فصولح بعض الورثة عن جمع [7/ 169]
في الصلح يقع على ترك الأيمان أو على ترك رد اليمين وإسقاط البينات
ميراثه من كل ما ترك وبينوا ما ترك بالأندلس، ولم يذكروا ما بغيرها ولم يعرف الوارث كم حظه من ذلك الذي بمصر؟ قال إن صولح على جمع تركته، وكان الحظ الذي بمصر مجهولا، أو كان معلوما ولم يره المصالح، ولا وصف له، ولا رآه رسوله، فالصلح منتقض. قال: وإن قال الوارث المصالح: لم أصالح إلا عن ما ورثت بالأندلس، ولا أعلم ما بمصر، ولا صالحت عنه، وأنا لا أريده. قال الآخر: قد دخل ذلك في الصلح ونحن نجهله، فأنا أرد الصلح، قيل له: أقم البينة أنه صالحك عالما بأن له بمصر مورثا، وأنه مجهول، فيرد، وإلا حلف ما علم بمصر ولا أراد، بالصلح إلا ما بالأندلس الذي نصصناه وبمضي الصلح، فإن نكل ورد الصلح. ومن سماع ق: ومن ترك مالا وعروضا، وعليه دين، فأراد ورثته صلح زوجته على ميراثها، فإن كانت عروضه معروفة، فذلك جائز، وإن لم تكن / معروفة فلا أحبه. . . وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: فإن صالح الولد زوجة الميت على مال ثم قدم ولد آخر، فالصلح ماض، والوارث القادم يأخذ حقه منهم أجمعين؛ إن كان له السدس، أخذ سدس مما بيد كل واحد، وكذلك الربع أو الخمس. . . ومن سماع ابن القاسم: ومن ترك جارية حاملا وورثة وزوجته، فصالح الورثة الزوجة عن حقها، فلا يجوز، لأنها لا تدري ألها الربع أو الثمن إذا وضعت الجارية ولدا؟. في الصلح يقع على ترك الأيمان أو على ترك رد اليمين وإسقاط البينات من العتبية روى أصبغ، عن ابن القاسم، في المتداعيين يصطلحان على الرضا؛ بأن يحلف كل واحد الآخر فيما يدعي عليه على طرح بيناتهما، أو على [7/ 170]
(أن) من نكل، غرم بلا رد يمين أو برد يمين، فإن أتى بعد ذلك ببينة، فلا شهادة لها؟ قال: جايز، ولو كان على أن ما ثبت على كل واحد، منهما، فهو مؤخر به إلى أجل مسمى، ولا خير في هذا إذا كان بشرط، فأما إن تطوع به بغير شرط، فهو جائز. قال أصبغ: ولا أفسخ الذي أقر على أن يؤخره وأمضيه إذا وقع، وألزمه الإقرار وأجعل له التأخير، ولا أجد في حرامه من القوة والتهمة بما أبطله، وهو إما أن يكون حقا عليه فوخره به، أو يكون باطلا فيتطوع به، كالبينة، ولا أعلم إلا أن ابن القاسم اختلف قوله فيه. . ومن سماع ابن القاسم، فيمن له على رجل دراهم، فصالحه على أن يعطيه / كل شهر خمسة دارهم، على أنه إن ادعى المطلوب أنه دفع إليه من ذلك شيئا بلا بينة، أنه لايمن له على الطالب ن؟ قال: لا يلزم هذا الشرط، وله عليه اليمين إذا جحده. وروى أشهب، عن مالك، فيمن أقام شاهدا بعشرة دنانير على رجل، وكره أن يحلف على شاهده، فقال لصاحبه: اطرح عني اليمين وأنا نؤخرك بها سنة، قال: ما هذا بحسن، أرأيت إن قال أعطيك عرضا؟ قال أصبغ: قال ابن القاسم نه فيمن قام بحق، وطلب يمين المطلوب، فقال: لا تحلفني، وأخرني سنة وأنا أقر لك، قال: لا يجوز، وهو سلف جر منفعة، قلت فإن وقع، أيبطل التأخير، ويثبت الحق، وهو يقول لم أقر إلا على التأخير افتداء من اليمين؟ قال: بل يسقط عنه الحق والتأخير، ويرجع على الخصوم. [7/ 171]
فين قال لغريمه: إن عجلت لي حقي فلك وضيعة كراء؟
فيمن قال لغريمه: إن عجلت إلي حقي، فذلك وضيعة كراء أو قال الخصم: إن لم ألقك عند القاضي فدعواك حق أو قال: باطل. أو ترك له شفعة على أنه متى ما أتاه قام فيها قال ابن حبيب: قال مطرف، عن مالك فيمن قال لغريمة: إن عجلت حقي اليوم أو إلى شهر، فلك ضيعة كذا، فعجله للوقت إلا درهم أو الشيء التافه، أو بعد الوقت بيوم أو أمد قريب، إن الوضيعة لازمة. قال مطرف كقول مالك في المستلم إليه في ضحايا يأتي بها بعد أيام الأضحى بيوم، أنها له لازمة، وإن شاء عد ذلك بالأيام، وما بعد فهو مخير في قبولها، أو بردها ويأخذها من ماله. وقال أصبغ، في / الوضيعة: لا تلزمه إذا جاء بالحق بعد الوقت باليوم أو ناقصا درهما. وقول مطرف أحب (إلي) ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، فيمن له قبل رجل دين حال، فقال له عجل إلي سبعين، وأؤخرك سنة. ففعل، وكتب عليه بذلك، ثم قال له: عجل إلي منها كذا وأعطيك ما بقي. قال: أما بعدما وجب التأخير وكتب، فلا، وأما لو كان في المراوضة قبل الوجوب، لجاز ذلك، وله أن يأخذ منه عرضا أو حيوانا [معجلا، فأما طعاما أو إداما فلا] يريده، لأنه باع منه طعاما. قيل: أفيأخذ من جنس طعامه أقل منه؟ قال: لا. . . قال عيسى، فيمن صالح غريمه منم حق حال، على أن يعجل له بعضه الساعة، أو إلى أجل كذا، ويسقط باقيه، فيعجل له ما سمى وقتا ذكر إلا أن الدرهم أو النصف عجز عنه، قال: ولا تلزمه الوضيعة، وله شرطه، قال سحنون، [7/ 172]
فيمن له دين إلى أجل، فصالح منه على تعجيل نصفه، وترك نصفه، فإن عثر على هذا قبل الأجل، رد ما أخذ، وكان له دينه إلى أجله وإن لم يعثر عليه إلى محله فله أخذه بما بقي من حقه. . . قال ابن حبيب: وقال مطرف، وابن الماجشون في الخصمين، يقول المدعى الآخر: إن لم أوافك عند القاضي لأجل يذكره فدعواك باطل، أو يقول المدى عليه: إن لم أوافك، فدعواك لك حق مع يمينك. فإنه شرط لا يلزم، ولا يوجب حقا ولا يسقطه، ولو أراد المدعى عليه سفرا يتعلق به الآخر، فقال له: دعني، فإذا قدمت، فأنت مصدق مع يمينك، قالا: فذلك له لازم. / وإذا قال أحد الخصمين للآخر: إن لم أوافك عند السلطان، فكراء دابتك علي. وكان السلطان في بعد قالا، فذلك يلزمه وقاله أصبغ: وقال مطرف، فيمن له شفعة، فصالح في تركها على أنه متى ما بلغه أذى المشتري أو أذى ولده، فهو على شفعته، قال: لا يلزم ذلك، وله القيام فيها متى شاء ومتى طلبه المشتري بالأخذ أو الترك، فله ذلك ما لم يطل الزمان، وطول الزمان عندنا في ذلك الشهور الكثيرة. وقال أصبغ: الصلح جائز، والشرط فيه لازم لا يرجع الشفيع فيه حتى يكون ما استثنى، وإن طلب المشتري أن يدع الصلح ويوفق له الشفيع على الأخذ أو الترك، فله ذلك، وهو كمقذوف عفا عن حده، على أنه إن أذاه، أو شتمه ثانية، رجع فيه، فذلك له لازم، وكما لو شرط الشفيع في صلحهما أنه ترك الشفعة، إلا أن يدخل عليه ضرر بالبيع متى ما باع من غيره، فهو على شفعته، فذلك له، ويقول أصبغ أقول. [7/ 173]
في إقرار المدعي عليه بالحق عند الصلح أو بعده، أو يجد الطالب بينة
في إقرار المدعى عليه بالحق عن الصلح أو بعده، أو يجد الطالب بينة، وكيف إن أشهد أني أصالحه لجحده أو لغيبة بينتي، ومن صالح عن سرقة ثم وجدت، أو أقر بها غيره أو قال المطلوب إنما صالحت خوفا من السلطان / قال ابن حبيب: قال مطرف في المدعى عليه ينكر، ثم يقول للطالب: هذا الذي يدعي علي حقا كان أو غيره، هو كما يقول، فصالحني، فيقول المدعى: هذا إقرار منك، ولا أصالحك. وقال الآخر: ما أعلم لك قبلي حقا، وإنما قلت ذلك بوجه الصلح. قال: هو مصدق، ولا يلزمه إقراره إلا ترى أنه إن أقر به إقرارا بينا، ثم طلب الصلح؟ وقال مثله أصبغ، وقال مطرف، في المدعى قبله سرقة، فصولح فيها وهو منكر، ثم أقر عنده أنه الذي سرقها، فإن تمادى على إقراره، قطع، فإن كان مليا أخذ منه المدعى عليه الأول ما صالح به، وأخذ المسروق منه تمام قيمة سرقته، وإن كان عديما، لم يلزمه شيء، ولزم الصلح الأول، ولو رجع عن إقراره قبل القطع، درى عنه القطع، وأتبعه المصالح بما صالح به، والمسروق بتمام قيمة سرقته إن كان عديما، وإن كان مليا فليعجله. وقال أصبغ. . ومن العتبية، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن ادعى على رجل أنه سرق له عبدا، فأنكر، فصالحه على مال، ثم وجد العبد، أنه يكون للمدعى عليه أنه سرقه، وليس لسيده أخذه، لأنه قد صار في ضمان الذي ودى المال بالصلح، ولو طلب مؤدي المال أن يدعه لسيده، وقد وجد صحيحا أو معطوبا، ويأخذ ماله، لم يكن له ذلك، إذا أبى الآخر؛ لأن الصلح وقع بأمر جائز. ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب، وعن الرجل يدعي على رجل أنه غصبه شيئا، / أو سرق له دقيقا، فيدعوه إلى السلطان، ثم اصطلحا على أن [7/ 174]
أعطاه مالا، وهو يقول للبينة: إني إنما أعطيه هذا خوفا من السلطان من ضرب السياط، وما أخذت له شيئا، فهل له أن يرجع عليه بهذا المال؟ قال: ليس له ذلك، وإلى من يتداعى الناس؟ إلا إلى السلطان، إلا أن يكون للمدعي من السلطان ناحية ويعلم أن السلطان يطاوعه، فينظر في ذلك الحاكم باجتهاده، ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف: إذا جحد المطلوب الحق، فصولح ببعضه على الإنكار، ثم أقر بعد الصلح أن ما كان ادعى عليه حقا، قال: يلزمه غرم باقي الحق. قال: ولا يشبه قول مالك، فيمن صالح في غيبة بينته أو جهله بها، أنه لا شيء له إذا وجد البينة؛ لأن الأول مقر بالظلم، وهذا مقيم على الإنكار. وقد قال مالك في الذي له ذكر حق فيه بينة، فضاع، فصالح غريمه على الإنكار، وذكر ضياع صكه، ثم وجده بعد الصلح، أن له القيام ببقية حقه، وفرق بينه وبين الذي يجد البينة على حقه بعد الصلح. قال مطرف: ولو أن ضاع صكه قال له غريمه: حقك حق، فأت بالصك فامحه. وخذ حقك، قال: قد ضاع، وأنا أصالحك. فيفعل، ثم وجد ذكر الحق، قال: لا رجوع لهذا، بخلاف الأول. وقال أصبغ مثله كله. وقال مطرف، في الذي يدعى عليه الحق، فينكره فيصالحه الطالب، ويشهد أني إنما أصالحه لإنكاره، وإني على حقي. قال: لا ينفعه ذلك، ولا يجوز إشهاده عل شيء بخلاف ما وقع به الصلح. وقد أبطل / مالك البين إذا وجدها بعد الصلح. قال مطرف: إلا أن يقر المطلوب بعد الصلح على الإنكار، فيؤخذ بباقي الحق. وقال أصبغ ـ ومسألة مالك الذي ذكر مطرف في الذي تلف صكه، وقال لغريمه: إنما أصالحك لتلف صكي، في العتبية من سماع ابن القاسم، قال وقد أقر له ببعضه، أن له القيام إذا وجده. وهناك مسألة في الذي صالح لغيبة بينته، وقد حجده، وأشهد سرا أنه يصالحه لذلك، أن له القيام وجد البينة. وقال ابن القاسم. . [7/ 175]
في الصلح عن الغائب وعن الصغير وعن البكر، وصلح الوكيل والحميل
ومن مختصر ابن عبد الحكم، ومن جحد مالا، فأقر له في السر، ودعاه إلى الصلح، ثم انطلق فأشهد سرا أنه إنما يصالحه ليقر له في العلانية ثم يقوم بحقه، وصالحه في العلانية، وأشهد عليه، فلما فرغا خاصمه، قال: الصلح لازم، إلا أن يأتي بأمره من شهادة أو علم من أصل الحق. وقال في موضع آخر من الكتاب: ومن كان هل بينة غائبة على حقه، وجحده غريمه، فصالحه، وأشهد سرا أنه إنما يصالحه لغيبة بينته وجحوده، وأنه يقوم إذا حضروا، فالصلح يلزمه، ولا قيام له. ومن غير العتبية قال سحنون، فيمن له قبل رجل دين يجحده، ويقر له سرا، فقال له: أخرني به سنة، وأنا أقر لك به، فيفعل، وصالحه على هذا، ثم قام عليه، فإن كان أشهد سرا في: إنما أؤخره لأنه جحدني، ولا أجد بينة، وإن وجدت بينة، قمت عليه. فذلك له إن أشهد بذلك قبل الصلح، وقد علمت البينة أنه كان يطلبه / بذلك وهو يجحده. وفي باب المتداعيين يرضيان بشهادة فلان من معنى هذا الباب. وذكر ابن القاسم، في المدونة أن الطالب إذا صالح خصمه، ولم يعلم ببينته، فله القيام إذا علم بها، وأما إن علم بها في الصلح، إلا أنها غائبة، لم ينفعه ذلك. وروى أصبغ عن ابن القاسم: إذا كانت غائبة غيبة بعيدة جدا، وأشهد أنه إنما يصالحه لذلك، فله القيام. قال يحيى بن عمر، عن سحنون: إذا ادعى عليه في دار، فأنكر، فصالحه، ثم أقر له المطلوب، فالطالب مخير؛ إن شاء تماسك بصلحه، وإن شاء أخذ الدار ورد ما أخذ. في الصلح عن الغائب، وعن الصغير، وعن البكر وصلح الوكيل والحميل، وكيف إن ضمن المصالح؟ قال ابن حبيب: قال مطرف: وابن الماجشون، في القوم يصطلحون في مواريث بينهم، وبعضهم غائب، فيضمن الحاضر رضا الغائب إن كره الصلح أو ادعى شيئا، كان هذا له ضامنا، فلا يجوز هذا الصلح، ويرد. وقاله أصبغ. [7/ 176]
قال أصبغ، فيمن قال لرجل غائب، عليه مائة دينار: هلم إلي خمسين، وأحط عنك خمسين، على أن أضمن لك تمام ذلك، فإن كان الغائب بعيد الغيبة، لم رجز ذلك، وإن كان قريبا بحيث لا يصول بيت المال في يديه، وذلك جائز. قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا صالح الوكيل حيث لا يجوز له الصلح، عن الذي وكله، وشرطه المطلوب: إن لم يجزه الطالب، فما أعطيت رد إليك، فالشرط ماض، ولا يكون الطالب أحق بما قبض وكيله من غرماء المطلوب إن قاموا، ولولا الشرط، لم يرد / هذا المال، ولم يدخل فيه الغرماء، ويتبع ما بقي، ولو أن الوكيل قد قطع ذكر الحق، وأماته كان ضامنا. وفي كتاب الوكالات صلح الوكيل أجنبيا عن المطلوب. . قال مطرف: ومن ادعى أن أباه الغائب وكله على مصالحة غريمه، فصالحه، ثم ألفيا الأب قد مات، فرجع أحدهما عن الصلح؛ فإن كان على الوكالة بينة، لزم ذلك جميع الورثة، وإن لم يكن بينة، لم يلزم الورثة، لغا أن يشاءوا فيتم تم لا خيار للخصم إن رجع، وإن شاءوا ردوه، فلهم ذلك، ويلزم المصالح في حصته إن شاء الخصم ذلك، وإن أبى، لم يلزمه ذلك، ويرجع على رأس أمره، ولو كان المصالح هو وحده وارث أباه، لم يكن لأحدهما أن يرجع، ولو رضيا بترك الصلح، والرجوع إلى التداعي لم يجز ذلك؛ لما فيه من الخطر، لأن رد ما أخذ كبيع له بثمن لا يدري أيثبت له أم لا؟ وكذلك كل مصطلحين ثم صلحهما، فأرادا نقض ذلك على أن يرجعا إلى الخصام، فلا يجوز ذلك. وقاله أصبغ. . . وقال ابن الماجشون، في والي اليتيم يصالح عنه، فأما مطالبه، فله صلحه بأن يضع بعضا، ويأخذ بعضا إذا كان على النظر، وأما ما يكون فيه مطلوبا هو أو أبوه فيما ورثه عنه، فلا يجوز الصلح فيه عنه حتى تثبت الدعوى، فيجوز صلحه على الهضيمة من ذلك. [7/ 177]
وقال أصبغ، في التي ماتت عن زوج وأبوين وابن صغير، فصالح الأبوان الزوج على أن أخذا منه ما ساقت ابنتهما من عندهما، ويأخذ الزوج كل ما ساق إليها، ولم يذكر الابن بشيء، فأدى ميراث الصبي فيما أخذ الأب من ذلك / إن كان ذلك يشبه ويقارب، فإن تفاحش ذلك انتقض الصلح، ويأخذ الابن ميراثه من الجميع، ثم يرجع الصلح في باقي ذلك على ما اعتدل وربا. قال: وإن كان الأمر غير متفاحش، فلا يدخل على الابن في ميراثه نقصان، ويأخذ ميراثه كله، ويدخل نقض الصلح على الأب. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، فيمن صالح على نفسه، وعلى أطفال في حق يدعيه، أو يدعى عن قبله، وليس بخليفة ولا وصي، فكتب إليه: يلزم الصلح في نفسه، وينظر الحاكم للأطفال؛ فإن كان ذلك نظرا لهم أمضاه، وإن لم يره نظرا، أبطله عنهم، ولزمه هو في حصته. ومن كتاب ابن سحنون، قال مطرف وابن الماجشون، في الأب يصالح عن البكر ببعض حقها: إما من ميراث زوجها أو من غيره، أو من مصدق، فإن كان حقها في عروض وأصول، فلا بأس أن يصالح عنها بعين، وإن قصر عنه حقها، وإن كان حقها لا شبهة فيه، ولا دعوى، فذلك ماض إذا كان في ذلك نظر ناو إن أراد أن يضع من حقها على غير هذا، وحقها ظاهر لا دعوى فيه ولا لبسة، وذلك لا يجوز عليها، وليرجع بحقها على، هو عليه، لا على الأب، ثم ليس لمن هو عليه أن يرجع على الأب بشيء إلا أن يكون يحمل ذلك لابنته في ماله، فترجع به الابنة على أبيها إن كان مليا، وإن كان عديما، رجعت على من كان عليه، ورجع به ذلك على الأب، فاتبعه به. قالا، وإن لم يتحمل ذلك [الأب] لها في ماله، والذي كان ذلك عليه عديما، رجع به على الأب، لأنه أتلف حقها / قال كله أصبغ. وقد ذكرنا في كتاب الخلع صلح الأب عن الابنة، وخلع الوصي والأجنبي. [7/ 178]
فيمن صالح على دار فاستحقت، أو صالح على حق قضي له به ثم رجع القاضي عن قضيته
قال مطرف، في الحميل ينكر الحمالة، فيصالحه الطالب في غيبة الغريم ببعض الحق، إلى يريد أن يرجع ببقية حقه على الغريم، قال: إن حلف ما صالح الحميل رضا عن جميع حقه، فله أن يرجع ببقية حقه، ولو أنه أشهد أنه إنما يصالح [الحميل، لإنكاره وأنه على حقه] فلا يمين عليه. ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون: فيمن صالح عن نفسه، وكلته على الصالح، وأشهدن له وأشهد هو على الصلح، ثم جحد الصلح، فقامت عليه به البينة، [وبوكالة النساء إياه] على الصلح، أيلزم النساء الشهادة على الصلح، أم حتى يقوم لهن وكيل، على الخصومة في الصلح، والمدافعة فيه؟ فكتب إليه: إن كان النساء حضورا أحضرن، وإن غبن في قرب وثبت الصلح بالوكالة جلبن، وإن بعدت غيبتهن، أوقعت البينة على الجاحد، فإن قدمن وكان لهن حجة، قبلت منهن. فيمن صالح على دار، فاستحقت أو صالح عن حق قضى له به ثم رجع القاضي عن قضيته أو صالح من دعواه على شيء فاستحق ذلك، أو استحق ما فيه من العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن ادعى عليه في دار بيده، فصالح منها على مائة دينار، ثم استحقت الدار، قال: يرجع في المائة فيأخذها، وإن استحق نصفها، رجع بخمسين، وكذا فيما قل أو كثر. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون /، فيمن قضى له بحق على رجل، ثم يصالحه من ذلك على شيء، ثم يرجع القاضي عن قضيته، أن للمقضي عليه أن يرجع عليه [7/ 179]
فيما أعطاه صلحا، كما يرجع لو أعطاه جميع الحق، وقال مطرف: يمضي الصلح، ولا يرجع بشيء مما دفع في الصلح، بخلاف أن لو دفع إليه الحق من غير صلح، هذا يرجع بما أعطى إذا رجع القاضي. وقال أصبغ مثل قول ابن الماجشون وبه أقول. قال ابن القاسم، في المدونة ومن ادعى شيئا بيد رجل، ثم اصطلحا على الإقرار على عرض، فاستحق ما أخذ المدعى، فإنه يرجع بما أقر له به صاحبه فيأخذه بعينه إن وجده، فإن فات بتغيير أسواق، أو بدن أخذ قيمته، وإن استحق ما بيد المدعى عليه، والصلح على الإنكار. قال غير ابن القاسم، في غير المدونة: أو على الإقرار، فالأول يرجع بما أعطى ورأيت في كتاب يحيى بن عمر بخط يده مما قرأه علي البرقي، عن أبي زيد، عن أبي القاسم، وهو عنه في المجموعة، أنه قال: إن كان الصلح على الإنكار، ثم استحقت السلعة بحضرة الصلح، رجع الذي استحقت من يديه على الذي كان صالحه، فأخذ منه مما دفع إليه، وإن كان قد تطاول في مثل ما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم، فإن الذي استحقت من يديه، لا يرجع على الذي صالح بشيء؛ لأن الذي صالح يقول كانت إلي بينة عادلة، فمنعتني أن أثبت حقي، دفعتني بما أعطيتني، فلما ذهبت بينتي، وأخذت من يديك بالجور، تريد أن ترجع علي. فلا أرى له عليه شيئا. ورأيت / في كتاب الشرح عن ابن سحنون، عن أبيه، إذا استحق ما بيد المدعي، وكان الصلح على الإنكار، رجع بمثل ما أخذ في الصلح أو قيمته إن لم يكن مما له مثل، وإن استحق ما بيد المدعي عليه، لم يرجع على المدعى بشيء؛ لأنه إنما دفع عن نفسه خصومته بما أعطاه، لا بشيء ثبت له عليه. قال: وقد قيل: يرجع علي بما أعطاه أو بمثله إن فات، أو قيمته إن كان مما يقوم. قال محمد: والأول أبين. [7/ 180]
في المتداعين يصطلحان على الرضا بشهادة فلان، وكيف إن كان أحدهما معه وارث صغير
قال محمد: وبلغني أن أبا بكر محمد بن اللباد قال: بعقب هذا الجواب: المعروف من قول أصحابنا، أنه إن صالحه على الإنكار، فاستحق ما بيد المدعي، فإنهما يرجعان على الخصومة. في المتداعيين يصطلحان على الرضا بشهادة فلان وكيف إن أن أحدهما معه وارث صغير، فكبر، فقام؟ وكيف إن وجدوا بينة كلهم؟ قال ابن حبيب: قال مطرف، فيمن هلك، فقام كبار بنيه على رجل كان شريكا له، فقالوا: بقيت له عليك مائة من الشركة، فأنكر، وقال فارقته، ولم يبق له عندي شيء، وفلان يعلم ذلك. فاصطلحا على الرضا بشهادة فلان، فشهد أنهما تحاسبا، وأبرأ كل واحد منهما صاحبه، ثم قام الأصاغر عليه، فقالوا: لا نرضى بصلحك على شهادة فلان. وطلبوا يمينه على المائة، فنكل، ورد اليمين عليهم، فحلفوا أيأخذونها كلها ويدخل فيها الأكابر؟ فقال: يسقط عنه حظ الأكابر، / ويغرم حصة الأصاغر منها، ليس نكوله كالإقرار، ولو كان إقرارا دخلوا كلهم فيها. قال: ولو وجدا الأكابر والأصاغر بينة أن المائة عليه باقية، فلا يغرم إلا حق الأصاغر، ولا شيء للأكابر؛ لأنهم قد صدقوا الشاهد الأول. وقال أصبغ مثله [قال] ولو كان الأكابر أوصياء الأصاغر، لزمهم صلح الأكابر، ولا طلب لجميعهم. في العبد يوجد به عيب، فيصالح منه قال يحيى بن عمر: قال أصبغ، في رجل اشترى عبدا بمائة دينار، فوجد به عيبا، فأراد رده، فصالحه البائع على مال دفعه إليه دنانير أو دراهم أو عرضا أو [7/ 181]
طعاما نقدا أو إلى أجل، وقد قبض المشتري العبد أو لم يقبضه، فات عنده أو لم يفت، عرفت قيمة العبد أو لم تعرف، نقد الثمن أو ينقده. قال: إن كان العبد لم يفت، جاز أن يصالحه على دنانير نقدا؛ مثل قيمة العيب أو أقل، عرفا قيمة العيب أو لم يعرفا؛ لأنه إنما فيه الرد، فليس فيه من المخاطرة بقيمة العيب شيء، وكأنه اشتراه ببعض المائة ورد ما بقي، قبض الدنانير في ذلك أو لم يقبضها، إلا أنه إن كان قبضها، لم يصلح إلا ردها نقدا أو بغير شرط في غير أجل، فإن دخله الأجل [كان] بيعا وسلفا، وإن رد دراهم في قيمة العيب قبل أن يتفرقا، فجائز إن قبض الدنانير، وإن لم يقبضها مكانه قبل أن يتفرقا، وتكون الدراهم أقل من صرف دينار، فإن كثرت صارت صرفا / وبيعا عند من يكره الصرف والبيع، وأما عند من لا يكرهه، فلا بأس به، وإن كثرت، ولا تكون الدراهم، ولا شيء منها مؤجلة، وكذلك الطعام وإن كان نقدا، كائنا ما كان، فلا بأس به، والعروض كلها كانت الدنانير قد قبضت أو لم تقبض، فإن كان إلى أجل، فإن كانت الدنانير قد قبضت، فلا خير فيه، لأنه دين بدين وإن لم تقبض، فلا بأس بالعروض والطعام إلى أجل، إذا كان يصفه؛ لأنه بيع مؤتنف، بيع عرض معجل وعرض، أو طعام مؤجل بدنانير نقدا، فهو جائز. وهذا كله إذا كان العيب الرد فيه ثابت ولا شك فيه ولا موضع خصومة بمتري في رده، أيلزم أو لا يلزم؟ فإذا كان ذلك، فلا خير فيه، ويجري مجرى العيب غير اللازم فيما يحل ويحرم. قال أصبغ: وإن فات العبد ونقد الثمن، جاز أن يرد إليه دنانير نقدا، أو دراهم نقدا، أو عرضا نقدا بغير معرفتهما بقيمة العيب. وقد أجازه بعض أهل العلم، وإن لم يعرفا قيمة العيب، وكذلك الطعام كالعرض، وإن كانت الدنانير أو العروض أو الطعام إلى أجل، لم يجز شيء من ذلك، إلا أن تكون الدنانير مثل قيمة العيب، فأقل، فذلك جائز؛ لأنه معروف في التأخير، وإن كانت أكثر لم يجز. قال: وإن كان الثمن لم يقبض حتى فات العبد، ووجد العيب عيبا لمثله. [7/ 182]
في الابن يصالح غرماء الأب على النصف على أن يحللوا أباه
أرش، فجائز أن يطرح عنه من الدنانير ما شاء بعد معرفته بقيمة العيب، أو قبل معرفته إذا اصطلحا عليه، / وإن تشاجرا فبعد المعرفة، وإن اصطلحا، فلا بأس به ما كان، ويأخذ البائع ما بقي، وإن رد إليه البائع ودقا على أن يعطيه الثمن وافيا فذلك، جائز بعد المعرفة بقيمة العيب، قلت الدراهم أو كثرت، ولا يدخله ها هنا صرف وبيع، لأنه دين ثابت، ومصارفة مبتدأة، ويقبضها مكانه مع ماله قبله، وإن لم يعرفا قيمة العيب، لم يجز؛ لأنه خطر، وذهب وغير شيء، ولا خير فيه إلى أجل على حال، وأما على طعام أو عرض، فإن عرفا قيمة العيب، جاز، كان الطعام والعرض نقدا أو إلى أجل؛ لأنها مبايعة مؤتنفة إذا كان على صفة معلومة، وإن لم يعرفا قيمة العيب، لم يجز. في الابن يصالح غرماء الأب على النصف، على أن يحللوا أباه أو يقول: وخروني بدينكم، وأنا له ضامن من العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن هلك وعليه دين، فقال ابنه لغرمائه: من يشاء منكم أن يصالحه على النصف، ويكون أبي في حل، فعلت، ففعلوا، قال: أراه قد برئ، وأنه في حل من ذلك. قال: ومن ترك عليه ثلاثة آلاف دينار دينا، ولم يدع غير ألف، وترك وارثا واحدا، فقال للغرماء: هرمز، وأما إن كان معه وارث غيره، فإن كان ما رحب في هذه الألف بعد وفاء الدين بين الورثة على فرائضهم، فذلك جائز، وإن كان ينفرد به الضامن، لم يجز، وكذلك أن ترك عرضا، فيقول بعض ورثته: لا تكسروا عرضه، ونحن نضمن لكم / فإن كان ما أصيب في العرض من فضل الدين، كان بين الورثة، فذلك جائز [وإن كان ينفرد به الضامن، لم يجز]. [7/ 183]
في رجل قتل رجلين عمدا فصالح أولياء أحدهما على الدية وقام أولياء الآخر بالقود
وروى ابن وهب، عن مالك فيمن ترك مائتي دينار، وعليه مائتان وستون، فدفعت المائتان في دينه، فقال ابنه لغرمائه: أنا أتحمل لكم بنصف ما بقي، وتحللون أبي فيما بقي. ما أحب هذا، وأنما يجوز أن يقروا بيده مال أبيه، ويتحمل بدينه كله، ويكبر الصغير وينمو بيده، ولا يكون ما فضل له ولكن للورثة معه، فهذا جائز، وإن سلم إليه مال أبيه وتحمل، ثم طرأ عليه دين آخر، فطلب طالبه أن يغرمه أيضا، وقال الابن: إنما تحملت بما علمت، وقال: أرى ذلك له لازما أن يغرم لهم. وهذا الباب أكثره في كتاب الحمالة. في رجل قتل رجلين عمدا فصالح أولياء أحدهما على الدية وقام أولياء الآخر بالقود من العتبية روى يحيى بن يحى، عن ابن القاسم، فيمن قتل رجلين عمدا، وثبت ذلك عليه، فصالح أولياء أحدهما على الدية وعفوا عن دمه، وقال أولياء الآخر بالقود، فلهم القود، فإن استفادوا بطل الصلح، ويرجع المال إلى ورثته. في الصلح في الدماء، ومن صالح من موضحة خطأ ومن موضحة عمدا على شقص وكيف إن زاد أحدهما الآخر عرضا؟ قال ابن القاسم: / ومن جرح رجلا موضحة خطأ، وموضحة عمدا، فصالحه منهما على شقص في دار، فإن الشقص يقسم على الموضحتين، فيأخذه الشفيع بخمسين دينارا وهي موضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص عن موحضة [7/ 184]
العمد، وقال ابن نافع في غير المدونة يأخذه بقيمة الشقص، إلا أن تكون القيمة أقل من خمسين قدر موضحة الخطأ، فلا ينقص منها. وقال المغيرة: يقوم الشقص، فإن كانت قيمته مائة، حمل عليها خمسون لموضحة الخطأ، فأصبنا قيمة الشقص الثلثين من ذلك، فيستشفع بخمسين دينارا، بثلثي قيمة الشقص، ثم على هذا الحساب إن كانت القيمة أقل أو أكثر يعمل. وقال سحنون بقول ابن نافع، وقال: ليس غير هذا بشيء؛ لأنه قد يضمن الشقص بشيء معلوم وهو دية موضحة الخطإ، وشيء مجهول. وهو موضحة العمد، فالمعقول خمسون دينارا، فإن كانت قيمة الشقص أزيد من ذلك، علمنا أن الزائد المجهول من العمد، وإن كانت القيمة أقل لم ينقص من المعقول وبه قال ابن المواز، وابن حبيب، ويحيى بن عمر قال يحيى: ولو صالحه منهما بهذا الشقص، وبعشرة دنانير ـ يريد على أصل ابن القاسم ـ فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطإ، فبقي منها أربعين، وبقيت موضحة العمد، فيقسم الشقص على ذلك، فيأخذه بأربعين، وبخمسة أتساع قيمة الشقص، وإن صالح منهما على شقص وعرض، قيل: ما قيمة العرض؟ فإن قيل: عشرون. كان منه لكل موضحة نصف عشرة، فيأخذ الشقص بأربعين، وبنصف قيمة الشقص [ما بلغ]. / قال أصبغ: وإن كان على شقص وعبد، وقيمة العبد كقيمة الشقص، فقد أخذ العبد بنصف الموضحتين، وبقي للشقص نصفها، فيأخذه بنصف موضحة الخطإ، وبنصف قيمة الشقص ما بلغ، وإن كان العبد هو الثلث من ذلك، أو الربع، أو الثلثين، فيما بقي للشقص فهو للموضحتين، وإن كان العبد الثلث، فهو بثلث الموضحتين، وكذلك إن كان ربعا فهو ربعهما، وفي الثلث يأخذ بثلثي دية موضحة الخطإ، وبنصف قيمة الشقص، وفي الربع بثلاثة أرباع دية [الموضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص] قال أصبغ: ولو كان [7/ 185]
المجروح هو معطى العبد مع الجرحين حتى أخذ الشقص، فإن كانتا جميعا خطأ، أخذ الشقص بديتهما وبقيمة العبد، وإن كانتا عمدا جميعا، نظر إلى الاجتهاد في عقلها كم ذلك؟ وكم قيمة العبد من قيمتها بالاجتهاد؛ فإن كان العبد ثلث ذلك، أخذ الشقص بقيمة العبد. وبثلثي قيمة الشقص، وعلى هذا إن كان أقل أو أكثر، وإن كانت واحدة خطأ، والأخرى عمدا، نظر إلى عقل الخطإ، وإلى مبلغ عقل العمد بالاجتهاد، موضحة كانت أو غيرها، وإلى قيمة العبد، فعرف ذلك كله، وأخذ الشفيع به. قال أبو محمد: أدى أصبغ يريد إن كانت قيمة العبد بالاجتهاد، وقدر الثلث من الجميع، أخذ الشقص بخمسين للخطإ، وبقيمة العبد، وبثلث قيمة الشقص، ثم على هذا، الحساب وجرى كلام أصبغ على أن موضحة العمد مقومة بالاجتهاد ها هنا، وجعلها في الصلح / منهما على شقص من غير عطية من المجروح على معنى [قول] ابن القاسم، أن المأخوذ مقسوم على الموضحتين بالسواء، ولم يجعل، للعمد قيمة مبتدأة بالاجتهاد. وكلام يحيى في الذي صالح منهما على شقص وعرض جعله مثل ما لو أخذ شقصا ودنانير، وليس يستوي ذلك، وكلام أصبغ أصح في العرض المأخوذ مع الشقص؛ لأن العرض [ليس] هو الواجب في الموضحتين، ولا في أحدهما ولا بعضهما، وهو مأخوذ مع الشقص في ثمن معلوم ودم لا قيمة له معلومة، فالمأخوذ كله مقسوم على الموضحتين، وأما إذا أخذ دنانير، فقد أصبنا الخطأ من الموضحتين الواجب فيها. قال: فأصرفنا ما أخذ من المال فجعلناه عنها، ونظرنا ما بقي من المال، فصار الشقص به مأخوذا وبموضحة العمد، فقسم ذلك على ما بقي من الخطإ، وعلى جميع العمد، وأصل ابن القاسم أنه ساوى بين موضحة العمد والخطإ في القيمة، وأصل أصبغ يجتهد في قيمة العمد، ولو قيل: إن مجرى كلام ابن القاسم أن يقسم ما أخذ من عين أو عرض مع الشقص على الموضحتين، ثم بتمثيل ذلك لكان [7/ 186]
باب جامع من مسائل الصلح وغير ذلك
صوابا إن شاء الله، وذلك أن يأخذ بهما شقصا وعشرة دنانير، فكأنه أخذ للموضحتين شقصا عشرة، وذلك مقسوم بين الموضحتين، سواء، على أصل ابن القاسم، فأصبناه، أخذ في الموضحة الخطإ خمسة دنانير ونصف شقص، فكان ثمن ذلك النصف شقص خمسة وأربعين دينارا بقية موضحة الخطأ، وأخذ من موضحة العمد خمسة دنانير ونصف شقص، وقيمتها مجهولة، فقلنا: فأخذ النصف الآخر بنصف قيمة / الشقص، ولو أن رجلا [في] موضحة عمدا، وأخذ فيها عشرة دنانير وشقصا، ما وجب أن يأخذ الشفيع الشقص إلا بقيمته ما بلغت، إذ لا قيمة لموضحة العمد معلومة حتى يحط منها العشرة المأخوذة، وهذا يقوى كلام ابن نافع الذي اختاره سحنون، وهو أقوى الأقاويل، إن شاء الله. باب جامع مسائل الصلح وغير ذلك قال ابن حبيب: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الصلح الشطر». وقال مطرف، فيمن حكم له بحق، ثم صالح منه على شيء، فطلب المقضي [عليه] قطع القضية، فمنعه المقضي له، فللمقضي له منعه من ذلك؛ لأن القضية وثيقة له فيما أخذ بالصلح، وليتوثق المقضي عليه بكتاب بالصلح بتاريخ بعد تاريخ القضاء، ويذكر القضاء في صلحه. وقاله أصبغ. ومن العتبية من سماع عيسى، قال ابن القاسم، فيمن مات مولى لجده، فطلب ميراثه أو مالا طرأ للجد، فأقام شاهدين أنه أقعد الناس بفلان اليوم، وقد مات المولى منذ سنين، فلا ينتفع بذلك حتى يشهدوا أنه أقعد الناس به يوم مات [7/ 187]
المولى، فإن لم يقم أحد غيره، استوفى بذلك، ولا يعجل، ويكتب في ذلك إلى ذلك الموضع، فإذا أيس من ذلك ولم يأت غيره، قضى له بذلك، وأخذ منه حميل ثم ضعف أمر الحميل إن أبى إن يعطى حميلا. ومن كتاب ابن سحنون، وكتب شجرة إلى سحنون، فيمن أدعى على رجل حصة في منزل في يديه، فصالحه على الإنكار / بشيء دفعه إليه، ثم أنكر الصلح، فشهدت عليه البينة أنه صالحه على قطع دعواه من جميع ما ادعى قبله في هذا المنزل، وقد وجدوا المنزل ولم يجدوا الحصة التي فيها الدعوى والصلح، فكتب إليه: إذا كان في الصلح أن المدعى والمدعى عليه عرفا ما تصالحا فيه، فذلك جائز، مع أنه رجل في يديه منزل ادعى فيه أحد بحق، فصالحه، فيه على قطع دعواه من جميعه، فلا أرى له في جميع المنزل شيئا. تم كتاب الصلح والحمد لله [7/ 188]
كتاب الوكالات والبضائع
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الوكالات والبضائع باب فيمن وكل على طلب عبد أو ربع ولم يصفه، أو على طلب آبق، هل يخاصم فيه؟ أو على الخصومة، هل يتعداها أو يتركها وقتا ثم يقوم بها؟ أو فوض إليه، هل يصالح؟ ومن فوض إليه الإقرار والصلح ومن صدق الوكيل إلى الوكالة من العتبية قال عيسى، وذكر مثله ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، فيمن وكل على طلب عبد أبق، أو [غيره] فوجده بيد مبتاع، هل يخاصم فيه ويقم البينة؟ قال: لا يمكن من ذلك حتى يقم بينة أن ربه وكله على الخصومة فيه، فإن أثبت ذلك، فلا بد أن تعين البينة أنه هذا العبد. قال مطرف، وابن الماجشون، أو يشهدون على صفة السيد للعبد، فوافق ذلك صفة العبد. قالا: أو يقولون وكله على الخصومة في كل عبد هو له، قالا: فحينئذ يقيم البينة على ذلك الأمر / أنهم لا يعلمونه باع ولا وهب [7/ 189]
ولا خرج من يديه، ولا يحلف الوكيل مع البينة بذلك، ولكن يكتب إلى ربه إن قريت غيبته، فيأتي فيحلف، وإن بعد، كتب إلى إمام بلده أن يحلفه على ما ذكرنا، فإذا جاء كتابه بيمينه أنفذ القضاء. قال عيسى: وإن كان مات ربه، انفسخت الوكالة، فإن وكله الورثة، فليحلف البالغون أو من بلغ منهم، ما علموا الميت باع ولا وهب. ومن العتبية روى سحنون، عن ابن القاسم، فيمن وكل رجلا على طلب عبده فلان، أو على صفته، فإن لم تشهد البينة على صفته، لم تجز الوكالة، وعلى طلب دار مثل ذلك. قال اصبغ: وأن وكله على خصومة في شيء، فإنه لا يعدوها. قال في ذلك: إنه بمثابته ومحل نفسه أو لم يقل، وليس له إلا الخصومة، ولا صلح له ولا إقرار، إلا أن يجعل له الصلح والإقرار ويقيمه فيها مقام نفسه، فيكون كذلك. قال عيسى، عن ابن القاسم، في التي وكلت في خصومة في قرية، وفوضت إليه، وجعلت أمره جائزا فيما يصنع، فباع الوكيل القرية بعد أن صالح فيها، ولم يشاور المرأة وهي قريبة منه أو بعيدة، فلا يجوز بيعه إذا باع بعد حوزه للقرية، ولم يأخذ فيها مالا عن صلح ولا مقاطعة [وكذلك من وكل على طلب مال بالمشرق، ورأى أنه مفوض إليه] وأمره جائز فيما صنع وباع ما ظفر به، وبينه وبين الآمر مسيرة أشهر، فلا يجوز بيعه إذا لم / يقر الآمر أنه أمره بالبيع. قال عيسى: وإن وكله على تقاضى ديونه والنظر فيها، فليس له أن يصالح عنه، وإن كان من النظر له، وكذلك إن كان الغريم عديما أو مليا، فليس له أن يضع [بعض] ما عليه ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء. [7/ 190]
ولو فوض إليه في الصلح، جاز صلحه ووضيعته، إذا كان ذلك بوجه النظر للآمر، ولو لم يأذن له في الصلح وقد صالح الوكيل [أجنبيا] وأدى من ماله عن الغريم شيئا، على أن يبرئ الغريم مما بقي، فرد ذلك الآمر، فللأجنبي أن يأخذ ما ودى من ماله، إلا أن يمضي الآمر الصلح. وروى مثله ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. قال عيسى: ولو شرط الأجنبي على الوكيل أن الآمر أن لم يرض، رددت إلي مالي، لم يجز هذا على أن ينقده ما صالحه عليه، وكأنه سلف بنفع، ويفسخ الصلح، ويرد المال، ويأتنفون صلحا إن شاءوا. وروى ابن سحنون، عن أبيه، في الوكيل على خصومة رجل، فلم يقم الوكيل بالخصومة إلا بعد عامين، ثم قام بغير تجديد وكالة، فإنه يسأله الذي وكله إن حضر هل خلعه أم لا؟ وإن كان غائبا، فالوكيل على وكالته حتى يعلم أنه خعله. وفي كتاب الصلح شيء من صلح الوكيل وضمانه. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، في الوكيل المفوض إليه [النظر في كل الأمور]، فلا بأس أن يصالح غرماءه على النظر، ويلزم ذلك الموكل كصلح الأب والوصي، فأما وكيل على تقاضي دين / مفوض إليه [فيه] فلا صلح حتى يفوض إليه الصلح. ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال ابن حبيب: عمن أتى برجل إلى الحاكم، فقال: إن فلانا وكلني على قبض دينه منك، وهو كذا. أو مهر زوجتك قد وكلتني على قبضه، فصدقه في الوكالة، هل يقضي له عليه؟ قال: إن أقر المدعى قبله بالدين وبالوكالة، أمره بالدفع إليه، ثم إن جاء الطالب أو الزوجة، فأنكرا أن [7/ 191]
في موت الوكيل أو الموكل، وهل يوكل الوكيل غيره، وفي الوكيل يعزل ولا يعلم
يكونا وكلاه، كلف المطلوب أن يدفع إلى هذين دينهما، لأن الحاكم، إنما أمره أولا بالدفع لإقراره بالوكالة، والمصيبة منه. قال: وإن كان المطلوب منكرا للدين، لم يجب لهذا وكالة، وإن أقر له بهذا المطلوب، ولا تجعله له خصما، فيضر ذلك بالغائب. في موت الوكيل أو الموكل، وهل يوكل الوكيل غيره؟ وفي الوكيل يعزل ولا يعلم وموت أحد الوكيلين أو الوصيين، هل تورث الوكالة؟ وهل لولد الميت القيام بما كان بيد أبيه من ذلك؟ قال محمد بن إبراهيم المواز، في الوكيل إذا مات من وكله، أو أشهد الآمر بعزله، فوقع فعله بعد ذلك من بيع باعه أو قبض دين، أو قضاء، أو إنقاذ صدقة أمر بإنفاذها، قال كل ما فعله بعد علمه بموت الأمراء أو عزله إياه. فليس بين أصحاب مالك اختلاف أنه ضامن، ولا يبرأ من دفع إليه إذا لم يثبت عند الحاكم بينة بوكيله على القبض، وإذا علم الدافع بعزله، أو بموت الآمر، ثم دفع، فلا يبرأ، ثبتت / وكالة الوكيل بينة أم لا، وأما إن دفع قبل علمه؛ فذهب ابن القاسم، أنه لا يبرأ من دفع إليه، وإن لم يعلم، رأينا ذلك لا يصح؛ إذ لا يشاء أحد أن يوكل على تقاضي حقه ببلد آخر، ثم يشهد بعزله بعد خروجه، أو يرفع إليه مالا يدفعه إلى رجل صدقة أو غير صدقة، ثم يفسخ وكالته ولا علم له، فهذا غير معتدل. وقال ابن القاسم، من رأيه إذا ولي الوكيل بالبيع، ثم فسخ الآمر وكالته، فقبض الثمن قبل علمه، وعلم المشتري، قال: لا يبرأ المشتري. وأبى ذلك أصحاب ابن القاسم، ولم يرضوه، وخالفه عبد بن عبد الحكم، وقال نحو ما قلت لك. قال محمد ابن المواز: وكذلك إن أعطاه نفقة أمره أن ينفقها على عياله ورقيقه، فأنفقها عليهم، ثم قامت بينة أنه طلق زوجته وأعتق رقبة قبل الإنفاق، وهو لا يعلم، فلا ضمان عليه. وهو قول مالك في المرأة تنفق بعد الطلاق ثلاثا [7/ 192]
من مال زوجها، وهي لا تعلم، فلا رجوع على الزوجة به ولا على المأمور، وما أنفقته بعد علمها ردته، وتصدق أنها لم تعلم، مع يمينها. قال مالك: وأما في موته، فهي تغرم، علمت بموته أو لم تعلم. قال محمد إنها أنفقت من غير ماله، فيستوي في هذا علمها وغير علمها. وهو قول ابن القاسم، وأشهب. وروي عن مالك، في الوكيل يبيع ويشتري بعد موت الآمر، ولا يعلم، فلا ضمان عليه، إلا أن يكون عالما بموته. وكذلك ينبغي أن تكون في الحجر عليه إذا لم يعلم الوكيل ولا الغرماء أن قبضه نافذ، وجميع أفعاله [نافذة] قال: ولو علم الوكيل، ولم يعلم من دفع إليه، قال: فالدافع إليه برئ إذا كانت / البينة على الوكالة، ولا يبرأ الوكيل إذا تلف ما قبض؛ لعلمه بعزله. قال محمد بن عبد الحكم مثل اختيار ابن المواز، وقال: لا فرق بين الموت [وعزل الحي إياه]، والقياس على قول مالك في إنفاق الزوجة بعد الطلاق، أنه يبرأ من دفع إليها، وفي الموت كان أحرى، لأن الميت لم يفرط، وإذا باع الوكيل ما أمر ببيعه بعد أن خلع الآمر ولم يعلم، فالبيع ماض، وكذلك بعد الموت، وكذلك لو باعها الآمر ثم باعها المأمور، فلا شيء على المأمور، ومن " العتبية "، قال أصبغ، وابن القاسم، وفي الرجل له وكيل [ببلد] يبيع له متاعه، فمات الآمر قبل قبض الوكيل الثمن، فإنه فلا يقبضه إلا بتوكيل الورثة، وإن ولي البيع. وقد قال مالك في الوكيل على اقتضاء دين، فيموت الآمر قبل قبض الوكيل: إن الوكالة تنفسخ، ولا قبض له [قال أصبغ: هذه صواب. والأول بخلافها، لأن الأول هو المعامل للمبتاع، فلا يبرأ بدفعه إلى غيره، فعليه أن يدفعه إليه ما لم يوكل والوراث [7/ 193]
غيره بالقبض بعد موت الميت، ثم الإمام الناظر فيه بعد قبض الوكيل، إياه بحسن النظر والوثيقة]. وقال ابن حبيب، عن مطرف: كل وكيل، فإنه إذا مات الآمر، فهو على وكالته، ويجوز قبضه وخصومته ودفعه حتى يعزل له الوارث، أو يوكل بذلك غيره. قال أصبغ: تنفسخ وكالته بموت الآمر، ولا يجوز خصومته، ولا اقتضاؤوه، ولا القيام بمدفعه حتى يوكله الوارث، إلا أن يموت عندما أشرف الوكيل على تمام الخصومة له أو عليه، وبحيث لو أراد الميت فسخ وكالته، ويخاصم هو أو يوكل بذلك، لم يكن له / ذلك، وما كان من يمين كان يحلفها الآمر حلفها الورثة إن كان فيهم من بلغ علم ذلك ويقول أصبغ قال ابن حبيب. ومن " العتبية " قال سحنون: قال أشهب، في الوكيل على تقاضي الدين يفسخ الآمر وكالته، فإن علم الوكيل بالفسخ، أو علمه المطلوب لم يبرأ بالدفع إليه، وإن لم يعلما، برئ بالدفع إليه، وكذلك إن وكله ببيع عنده، ففسخ وكالته، ثم يبيعه، فالبيع جائز، إلا أن يبيع بعد العلم منه، أو من المبتاع بالفسخ، فلا يجوز. قال: والمتفاوضان. إذا افترقا وقد باع أحدهما بيعا، فإن اقتضى الثمن الذي باع [به] بعد الافتراق، برئ الغريم وإن علم بافتراقهما، إلا أن يأمر الشريك إلا يقبض إلا نصيبه، فلا يبرأ الغريم بالدفع إليه بعدما نهى، وإن لم يعلم النهي، قال: وإن دفع للذي لم يبايعه، لم يبرأ من نصيب الآخر، علم بافتراقهما أو لم يعلم؛ لأن [7/ 194]
الذي لم يبع إنما كان وكيلا على القبض ما داما شريكين. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن وهب في الوكيل على قبض حقوق، والنظر في رباع، ثم مات الوكيل، فليس ولد الوكيل بمثابته، ولا للوكيل أن يوكل في ذلك غيره في حياته أو مماته، إلا أن يفوض إليه في التوكيل والإيصاء بذلك، وإلا فلا، ولا يورث عنه. وأمر ما كان بيده إلى الإمام يوكل عليه من رآه الغائب حتى يرى فيه رأيه. قال ابن وهب: وأما الوصي؛ فله أن يوصي بما إليه من ذلك ولا يورث عنه إن لم يوص به. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإذا وكل رجلين على تقاضي دين، ومات أحدهما، فليس للحي تقاض إلا برأي / القاضي، وأحب إلي أن يوكل القاضي رجلا يرضاه يقتضي معه إن وجده من أهل بلدة المستخلف، إن خاف القاضي أن يتلف ماله، ورأى للتوكيل وجها، وإن كان المستخلف قريبا وديونه مأمونة، أمر الحي من الوكيلين أن يتوثق من الغرماء حتى يأمن على الدين التلف، ثم يستأنى به حتى يجدد الآمر وكالته، قال سحنون: وكذلك إن مات أحد الوصيين، فليس له أن يوصي بما إليه من ذلك إلى غيره، والإمام ولي النظر في الباقي، إن رأى أن يقره وحده، أو يجعل معه غيره فعل. قال عيسى، عن ابن القاسم، في الوكيل على خصوم، أو تقاض أو غير ذلك، فليس له أن يوكل بذلك غيره، ولا يوصي به إلى غيره، وإنما ذلك للوصي في حياته وعند وفاته. قال ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون: ليس للوكيل أن يوكل بذلك غيره، إلا أن يشترط له ذلك الآمر أن له أو يوكل من رأى، فذلك له. وقال أصبغ. [7/ 195]
في موت المبعوث إليه البضاعة والصلة أو الدين، أو موت الرسول أو الباعث
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في الوكيل على شراء متاع بمال قبضه، فيدفع الوكيل ذلك إلى بعض غلمانه أو إلى من يلي له شراء جهازه، ويأمره بذلك، فيتلف [المال]، قال: إن علم الآمر أن مثل الوكيل لا يلي مثل ذلك بنفسه، وإنما يوكل به غيره، فلا شيء عليه إذا دفع ذلك إلى من قد عرف بالاشتراء له والقيام في مثل ذلك من أمره، وإن كان الآمر لا يعلم بشيء من هذا، فإذا خرج المال من يد الوكيل، ضمنه، كان من يلي مثل ذلك أو ممن لا يليه. وفي كتاب الإقرار شيء من هذا المعنى وبالله التوفيق. في موت المبعوث إليه البضاعة والصلة أو الدين أو موت الرسول أو الباعث وفي شهادة الرسول [في ذلك] وكيف إن توانى في دفعها حتى هلك؟ قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، في المبعوث معه ببضاعة أو دين إلى رجل ببلد آخر، فيموت الباعث قبل وصول ذلك، هل للرسول دفع ذلك، ولا يصدقه الوارث بالوكالة؟ قالا: إن كان له بينة بالإرسال، فعليه أن يدفعها ببينة، ولا شيء عليه، وإن لم تكن [له] بينة، فليس عليه دفعها حتى يصدقه ورثة الباعث، وإن لم يصدقوه، كان شاهدا للمبعوث إليه إن كانت البضاعة دينا أو حقا، وإن كانت صلة أو هدية، فلترد إلى ورثة الباعث، إلا أن يكو قد أشهد عليها عند الإرسال، وقاله أصبغ. [7/ 196]
قال مالك، في العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز، فيمن بعث مع رجل ببضاعة إلى رجل لا يدري الرسول، لم بعث بهذا؟ فوجد الرجل قد هلك، فوجد وصية، فطلب وصيه قبضها، قال: أرى أن يردها الرسول إلى الباعث، قال محمد: ولو علم أنها صلة، فذلك سواء، إلا أن يكون أشهد في الصلة على إيتال ماله، فينفذ ذلك إذا مات بعد إشهاد الباعث، ولا تبالي مات الباعث أو المبعوث إليه، ولو بعث بنفقة إلى أهله، فمات أهله، وقد كان أشهد بها الباعث وابتلها، فعلى الرسول رده، وإلا ضمن، إذ ليست بصلة ولا دين. وكذلك الباعث بالصلة مع رجلين / وعرفهما أنها صلة منه لفلان ثم مات الباعث، والمبعوث إليه، فلا تجوز شهادتهما، إلا أن يقول لهما: أشهد علي بذلك إشهادا بينا. ولو مات المبعوث إليه قبل خروج الصلة على يد الباعث، فهي باطل، أشهد على دفعها أو لم يشهد، وإن خرجت من يده قبل أن يموت المبعوث إليه فإن أشهد الباعث عند دفعها إلى الرسول، نفذت وتدفع إلى ورثة المعطي. قال محمد المبعوث معه بالصلة يموت في الطريق، أو بعد أن بلغ، فإن أقر المبعوث إليه أن يكون قبض شيئا، فليحلف ورثة الرسول إن كان يظن بهم علم ذلك بالله، ما نعلم لها مخرجا، ولا عندنا منها علم، ويبروا، فإن كانت عليه بينة بإقراره. قاله مالك. وروي عن مالك أيضا: إن مات في الطريق، فهي في ماله وإن مات بعد إن بلغ، حلف ورثته على العلم، وبرئوا، ولمالك قول آخر، أن يكون ذلك في مال الميت، إذا لم توجد بعينها، ويحاص بها صاحبها غرماء المبيت. قال محمد: سواء عندما بلغ أو لم يبلغ، هي في مال الرسول، إلا أن يكون ذلك قبل موته أنها ضاعت أو سببا، يبرئه منها. وكذلك قال مالك في المقارض [7/ 197]
في المبضع معه يريد أن ينفق منها، وكيف إن قيل له أنفق إن احتجت
والمستودع ببينة أو بغير بينة، إذا علم ذلك بإقراره قبل موته، ثم لم يوجد، فذلك في ماله، ويحاص بها غرماؤه. وقال أشهب، في كتبه مثل قول ابن المواز سواء. وقال: لما كانت البينة على هذا المأمول بالدفع في حياته، لم يكن موته بالذي يضع عنه، سواء مات في الطريق أو بعد بلوغه. وروى عيسى عن ابن القاسم، قال مالك، فيمن / بعث معه مال يدفعه إلى رجل، فقدم، فلم يدفعه إليه، ثم زعم أنه هلك، فإن هلك عند قدومه، بما ليس فيه تفريط، فلا ضمان عليه، وإن حبسه حتى طال ذلك بما عرضه التلف، فهو ضامن. وبعد هذا باب في شهادة الرسول فيما أمر بدفعه، فيه من هذا. في المبضع معه يريد أن ينفق منها وكيف إن قيل له: أنفق إن احتجت؟ وفي المبضع يطلب أجرا على البضاعة ومن وكل على تفريق صدقة فأخذ منها إن احتاج من العتبية قال ابن القاسم، عن مالك، في المبضع معه ببضاعة، أيحسب عليها النفقة؟ قال: إن كانت شيئا كثيرا، فذلك له، وأما التافه، فلا. وقال ابن القاسم، إنه لا تلزمه نفقة في اليسير، وعليه ذلك في الكثير. قال مالك، في كتاب ابن المواز: وإذا طلب المبضع معه أجرا في البضاعة، فإن كانت تافهة يسيرة، فلا شيء له، وإن كان لها مال، فذلك له. وروى عنه أشهب، في العتبية، فيمن سافر برفيق له وبضاعة لقوم، فأنفق على نفسه، وأراد أن يحسب على البضاعة، قال: ليس له ذلك. [7/ 198]
باب في الوكيل يقضي عليه ثم يأتي من وكله بحجة
وروى عنه ابن القاسم، في العتبية في المبضع معه بمال يبلغه إلى موضع، وقال له الباعث: إن احتجت، فأنفق منها. فكرهه، وقال: لا يعجبني. وقال ابن القاسم، في كتاب ابن المواز [ومن العتبية في سماع ابن القاسم] ومن سئل في حمل بضاعة، فقال: حلفت ألا / أحمل [بضاعة] إلا بضاعة إن شئت تسلفتها، وإن شئت تركتها. قال: لا خير في ذلك. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك في المبعوث معه بمال في مخرجه الحج، أو الغزو، ليفرقه على كل من قطع به، فاحتاج المبعوث معه، ولم يكن معه ما يقوى به، وعليه دين، قال: له أن يأخذ منه بالمعروف، وأحب إلي لو وجد من يسلفه أن يتسلف ولا يأخذ منه، قال: وقد يكون مليا ببلده في سفره، فله أن يعطي من الصدقة، وهو من أبناء السبيل، وينبغي لهذا إذا كان بهذه الصفة، وأخذ منه، ثم رجع إلى بلده أن يعرف بذلك الذي دفع إليه المال، وليس حكم للرجل بين الناس مثل حكمه بين نفسه وبين الناس. وشيء من معنى هذا الباب في باب وكالة البكر. باب في الوكيل يقضى عليه ثم يأتي في وكله بحجة من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، في الوكيل على الخصومة يخاصم، فإذا توجه القضاء زعم الذي وكله أنه لم يخاصم بحجته، وإن له حجة أخرى، وأنه لم يعلم بما خاصم به، أو كان غائبا، فلا يقبل ذلك منه، إلا أن يأتي بحجة لكون لها وجه، كما لو خاصم فهو فيذكر عند توجيه الحكم إن له حجة، فإن جاء بشيء يشبه، قبل، وإلا لم يقبل ذلك منه، ولا حجة له بقوله إنه لم يعلم بما خاصم به، ورضاه بالتوكيل رضى بما خاصم به. [7/ 199]
في الوكيل على شراء سلعة أو على بيعها يأخذها لنفسه أو يشتري لنفسه بالمال غيرها
في الوكيل على شراء سلعة / أو على بيعها، يأخذها لنفسه أو يشترها لنفسه بالمال غيرها في البلد أو في غيره، أو يشتريها بغير البلد أو يجدها بالبلد، فيشتري غيرها وعلى البيع ببلد، فباع غيره من العتبة، روى عيسى، عن ابن القاسم، في الوكيل على بيع السلعة بشيء تسميه له، فيأخذها لنفسه، فإن لم تفت، فلربها أخذها، وإن فاتت وقد أمره أن يبيعها بعين سماه، أو بطعام سماه، فهو مجبر أن يلزمه ما أمره به أو قيمتها، وإن كان أمره أن يبيعها بعرض يريد لا يكال ولا يوزن، لم يلزمه غير القيمة، لا ما أمره به ويفيتها النماء والنقصان وتغير الأسواق. وكذلك في كتاب ابن المواز، عن مالك، في فوتها بهذا. ومن الكتابين ونسبها أصبغ، في العتبية، إلى أشهب: وإذا أمر بشراء جارية فلان بخسمة عشر دينارا، فلم يبعها بخمسة عشر، فأخذها المأمور لنفسه بستة عشر، واحتج أنه لم يرض بخمسة عشر، قال: فهي له، والقول قوله. قال أصبغ: ويحلف، واستحسن أن يكون الآمر فيها مخيرا أن يرد الدينار ويأخذها، أو يدعها ويأخذ ماله، قال محمد: بل الآمر مخير. ولو اشترى ببضاعته غير الجارية، كان بالخيار، وقال ابن حبيب، عن مطرف، في الوكيل على شراء سلعة، أراد فسخ الوكالة وشراءها لنفسه، فإن كان معه الآمر في بلد، فذلك له، وإن كان على شرائها ببلد آخر فلا ينفعه ذلك. [7/ 200]
وقال ابن الماجشون: ذلك له في البلد أو في غير البلد، وقد يحدث بينهما طعن، فيأبى أن يشتري له وقال / أصبغ كقول مطرف، وهو أحب إلي. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أبضع معه في شراء سلعة ببلد، فوجدها دون البلد على الصفة، فابتاعها لصاحب البضاعة، فهو مخير أن يقبلها أو يتركها، وكذلك لو باعها قبل أن يعلم الباعث فإن كان ربح فله، وإن رضع، فعلى المأمور وإن ابتاعها دون البلد لنفسه، فهي لهل دون الآمر، ربح فيها أو خسر، ويغرم الثمن، ولو اشترى بالبلد غيرها لنفسه أو لربها فذلك [سواء فإن كان فضل، فللآمر، وإن وضع ضمن المأمور]. قال سحنون، في العتبية، عن ابن القاسم: وذلك إن كانت موجودة في البلد، فربها مخير بين أخذ ما اشترى. أو تضمينه الثمن، وإن لم تكن موجودة، فاشترى بالبضاعة لنفسه سلعة، فهي كالوديعة يشتري بها شيئا لنفسه. وقال ابن المواز، قال ابن حبيب، عن مطرف: وإذا اشتراها المأمور بأيلة على الصفة للآمر، وقد أمره بشرائها بمصر، ثم رجع إلى المدينة، أو تمادى إلى مصر، ثم رجع إلى المدينة، فالآمر مخير، وضمانها من المأمور إن هلكت، كانت الجواري بمصر أرخص أو أغلى. وقال ابن الماجشون: إن أمره بشرائها بمصر لرخصها بها، فقد تعدى، والآمر بالخيار، وضمانها من المأمور، وإن كان أمره بشرائها بمصر لخروجه إليها، والأمر في الموضعين واحد، فليس بضامن. وبه قال ابن حبيب. قال مطرف، وابن الماجشون: وإن اشتراها بأيلة لنفسه على الصفة، فمضى بها إلى مصر، وتلك الصفة بها / موجودة أو غير موجودة، ثم جاء بها، [7/ 201]
فالآمر مخير بين أخذها، أو يضمنه الثمن، وكذلك لو اشتراها بمصر لنفسه، ولو باع المشتراه بأيلة أو بمصر، بربح، ثم اشترى له أخرى على الصفة، فقال مطرف: ربح الأولى للآمر، وهو مخير في أخذ الثانية أو تركها. وقال ابن الماجشون: الثانية لازمة للآمر، وفضل الأولى للمأمور؛ لأن الخيار عليه في عيبها لا في ثمنها، قالا: ولو لم يبع الأولى، واشترى أخرى بمصر، فجعله مطرف مخيرا فيهما، إن شاء أخذهما أو تركهما، أو أخذ أيهما شاء. وقال ابن الماجشون: تلزمه الثانية، وهو في الأولى مخير. وروى عيسى، في العتبية عن ابن القاسم، إنه إذا لم يجدها بالبلد فاشتراها بغير البلد للآمر، إنه مخير؛ إن شاء أخذها أو تركها. وقال عيسى: تلزم الآمر إن كانت على الصفة وبالثمن فأدنى. ومن كتاب ابن المواز: وإن أبضع معه بسلعة أو بحيوان ليبعه ببلد سماه، فباعها بدونه، فربها مخير أن يجيز البيع أو يضمنه القيمة ما لم يكن الذي أبضع معه طعاما فباعه بطعام، فيكون كما قلنا في الدنانير: البضاعة يصرفها بدراهم قبل بلوغه البلد الذي أمر بتركها فيه، فإن صرفها لنفسه، جاز وله وضيعتها وفضلها، فإن كانت لرب البضاعة، لم يجز الأن له فيه خيارا ولكن فضل ذلك لرب البضاعة ها هنا عبد أن يشتري له مثل دنانيره. ولو بلغ الموضع فصرفها، أو اشترى غير ما أمر به، فإن فضل ذلك كله لرب البضاعة فعل ذلك لنفسه أو لربها. قال: / قال عيسى: عن ابن القاسم: إذا أبضع معه في سلعة يشتريها له ببلد، فاشترى لنفسه غيرها دون البلد، فالربخ والنقصان عليه. ونحوه في كتاب ابن المواز. قال ابن حبيب، عن مطرف: وإن رجع بما اشتراها لنفسه، ولرجوعه وجه بين، فالفضل له، والوضيعة عليه، وإن اتهم أن يتصرف اغتناما للتجارة وتركا لما أبضع معه فيه، فربها مخير بين تضمينه، أو أخذ ما اشترى. [7/ 202]
ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن القاسم: فإن بلغ البلد فاشترى غير ما أمر به لنفسه، وهو يجد ما أمر به، فالآمر مخير بين أخذ ما اشترى أو يضمنه ماله، وإن باع بربح، فالربح لرب المال. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون مثله، إلا أن مطرفا قال: إن باع بربح، فالربح للمتعدي، قال مطرف: والأرباح كلها للآمر، كالمقارض يتعدى في الشراء. قال مطرف: ولو اشترى ما أمره به بعد بيعه المشتراة لنفسه، فالآمر مخير؛ إن شاء قبلها، وإن شاء ضمنه قيمتها. وقال ابن الماجشون: بل تلزمه الثانية إن كانت على الصفة. وقاله ابن القاسم، عن مالك وقاله أصبغ. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإن لم يجد التي أمره بها، فاشترى غيرها، فالربح له، والنقص عليه، وروها أصبغ، وزاد: وذلك إن اشتراها لنفسه، فإن اشتراها للآمر، فهو مخير، والربح له، والمتعدي يضمن النقصان. وروى عنه سحنون مثله. وقال أصبغ، عن ابن القاسم، في المبضع معه بدنانير، ليشتري له بها قمحا، فاشترى بها شعيرا، وقال: اشتريته فالآمر / مخير في أخذ الشعير، أو أخذ دنانيره. قال أصبغ: إنما هذا إن اشتراه للآمر، والقمح موجود هناك أو غير موجود، وأما إن اشتراه لنفسه، والقمح غير موجود، فهو له، لأنه تعدى على دنانير ـ يريد كالوديعة ـ إذا لم يجد ما أمر به. [7/ 203]
في الوكيل على شراء سلعة يزيد في ثمنها أو ينقص أو ببدل سكة الثمن
في الوكيل على شراء سلعة يزيد في ثمنها أو ينقص أو يبدل سكة الثمن أو يبتاع ذلك الشيء مع غيره بالثمن أو يبتاع ثم يبيعه أو يشتري ما لم يؤمر به ثم يبيعه ثم يشتري ما لم يؤمر به قال ابن حبيب، عن مطرف، في المبضع معه في شراء سلعة يزيد في ثمنها؛ فأما الزيادة الكثيرة، فإن الآمر مخير أن يأخذ ذلك ويغرم الزيادة، أو يضمنه الثمن، وليس للمأمور أن يلزمه إياها بما أمره به وكذلك إن أبدل المال، فإن أن بين ذلك يسيرا لزمته ولزمه ما أبدلها به، وإن كان بينهما دنانير كثيرة، فالآمر مخير في قبولها أو ردها. وقاله مالك، وابن القاسم، وابن الماجشون، وأصبغ. وقال في العتبية، عيسى، عن ابن القاسم، في المأمور يشتري جارية بمائة، فاشتراها بخمسين ومائة، وبعث بها إليه، ولم يعلمه، فأفاتها بعتق أو حمل، لم يلزمه غيرها، وإن باعها بأكثر، فالزيادة للمأمور حتى يبلغ خمسين ومائة، فيكون ما زاد للآمر، وإن زاد مؤتمن، ويحلف، فإن لم يذكر الزيادة حتى / طال الزمن، لم يقبل قوله بعد ذلك، إلا أن يشتغل بمن ذكر ذلك، بمثل ما يشتغل به الرجل في حوائجه، أو يكون في سفر، فيقدم فيقبل قوله، وإنما لا يقبل منه إذا أقام معه زمانا طويلا يلقاه، ولا يذكر ذلك. ومن كتاب ابن المواز، في المبضع معه بمال في شراء جارية على صفة، فابتاع له المال جاريتين على الصفة، فإن اشتراها واحدة بعد أخرى، فالآمر مخير [7/ 204]
في الثانية؛ أن يأخذها أو يدعها، فإن كانتا في صفقة، ولم يقدر على ثمنها، فهما لازمتان للآمر. قال عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، إن اشتراها في صفقة، فالآمر مخير؛ إن شاء أخذ واحدة بحصتها من الثمن، ورجع ببقية الثمن على المأمور، وإن شاء أخذهما جميعا. ولو أمره بشراء جارية بثلاثين، واشتراها وابنها بثلاثين، فالآمر مخير في أخذ الأم بما يصيبها من الثمن، أو يأخذها وولدها، إلا أن يكون الولد صغيرا، فيلزمه أخذهما أو يدعهما إن زعم أنه لم يعرف لها ولدا. قال ابن حبيب، عن ابن الماجشون: إذا أمره بشراء جارية معينة أو موصوفة بثمن، فاشتراها به ومتاعا معها في صفقة، فالآمر مخير أن يقبل الجميع، أو يأخذ الجارية بحصتها من الثمن، وإن هلك الجميع قبل علمه فمصيبة الجارية وحدها بحصتها من الثمن، وإن اشترى ذلك في صفقتين، لزمته الجارية بثمنها. وقال أصبغ: إن كان كله في صفقة، فالجميع لازم للآمر، وإن كان في صفقتين، لزمته الجارية بحصتها. ويقول ابن الماجشون اخذ ابن حبيب: وروى / يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في المبضع معه في شراء رأس، فابتاعه بالثمن ثم باعه لصاحبه؛ فإن باعه بنقد فربه مخير في أخذ الثمن أو تضمينه القيمة، وإن باعه إلى أجل، لم يصلح له أخذ الدين إذا كان أكثر من القيمة عينا أو عددا؛ لأنه دين بدين وزيادة ولكن يباع الدين، ويأخذ الآمر الأكثر مما به، أو القيمة ما لم يكن طعاما، ولو باعه بثمن مثل القيمة، فأقل، جاز أن يتحول عليه. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا اشترى غير الرأس الذي أمر به بمائة دفعت إليه، ثم باعه، فربح عشرة ثم اشترى بالجميع الرأس الذي أمر به، فالآمر مخير؛ فإن شاء قبلها وإن شاء ردها، وإن فاتت بحمل، لزمته بمائة، وغرم المأمور العشرة؛ لأنها بيده كوديعة لم يؤمر أن يشتري بها ولو ابتاع بالمائة والعشرة سلعة [7/ 205]
في المأمور بالبيع يبيع بغير العين أو بعين وقد أمر بعرض
لنفسه، فباعها بعشرين ومائة، لقسمت العشرة الثانية على أحد عشر جزءا، جزء منها للمأمور، وحصة العشرة التي هي كالوديعة تعدى فيها، ولو باع بأقل من مائة وعشرة، ضمن الخسارة. وكذلك روى ابن القاسم، عن مالك، في العتبية، أنه يضمن الخسارة. قال ابن المواز في موضع آخر: وإن كان شراؤه السلعة الثانية للآمر، فجميع الربح له، والخسارة على المأمور، ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، في رجل بمصر أمر أن يشتري له طعاما بالإسكندرية، فاشتراه، ثم باعه بزيت، فجاء بالزيت إلى الفسطاط، فالآمر / مخي أن يأخذه بمثل طعامه بالإسكندرية، أو بمثل الزيت بالإسكندرية، وإن اتفقا على أخذ هذا الزيت بالفسطاط، جاز ذلك، وفي كتاب الوديعة، من باع وديعة، ثم اشتراها. في المأمور بالبيع مبيع بغير العين أو بعين وقد أمر بعرض، أو بعرض، وقد أمر بغيره، أو يبيع إلى أجل ما أمر ببيعه نقدا أو بنقد ما أمر به تأخيرا من كتاب ابن المواز: وقال في المأمور ببيع السلعة: إن باعها بغير العين، فالآمر مخير أن يجيز ذلك، وإن شاء بيعت له السلعة المأخوذة، فإن كان فيها زيادة أخذها، وإن نقصت عن القيمة، ضمن تمامها المأمور، وذلك إذا كانت سلعة الآمر لم تتغير بسعر ولا بدن. وفي المدونة لغير ابن القاسم: إن باعها بطعام ولم يفت، فليس له أن يضمنه، وليأخذها، أو يجيز البيع، وإن فاتت، فله إن شاء القيمة أو ما بيعت به وروى أصبغ، عن أشهب، في العتبية في المأمور [7/ 206]
أن يبيع سلعة، فباعها بدراهم، ومثلها تباع بالدنانير، فلا بأس به قال أصبغ: يعني فلا ضمان عليه، وذلك إذا باع من الدراهم بصرف ما يباع مثله من الدنانير استحسانا، لأن الدراهم عين. وروى عيسى عن ابن القاسم: وإذا أمره أن يبيعها بعشرة دراهم نقدا فباعها بخمسة أن عليه تمام العشرة؛ لاتمام القيمة، وإن باعها بخمسة عشر درهما، بيع الدين بعرض، ثم بيع العرض بدراهم، فإن نقص عن عشرة /، غرم تمامها، وإن كان أكثر، فهو للآمر. ولو قال المأمور للآمر: أنا أعطيك عشرة نقدا، وأنتظر الخمسة لحلولها، فرضي الآمر، قال: وإن كانت الخمسة عشر لو بيعت بيعت بعشرة، فأقل، جاز ذلك إذا عجل العشرة، وإن كانت تباع باثني عشر، لم يجز؛ لأنه كأنه فسخ ديناريه في خمسة إلى أجل. قال عيسى: لا يجوز ذلك عند أشهب في كل وجه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا لم يسم له شيئا، فباعها بثمن مؤجل، فرضي به الآمر، فإن كانت السلعة قائمة بيد المشتري، لم تفت، فرضاؤه جائز، وإن فاتت لم يجز. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في العتبية، أما إذا باعها إلى أجل بأكثر من القيمة، فلا يجوز أن يرضى به، وإن كان بمثل القيمة فأقل، فيجوز أن يتحول الآمر على المشتري؛ لأنه مرفق منه للمتعدي، وإن باعها بأكثر، فرضي المتعدي أن تعجل له القيمة ويقبض ذلك لنفسه عند الأجل، ويدفع [ما زاد على القيمة إلى الآمر] أجبر الآمر على ذلك، ولم يمكن من بيع الدين. وروى عيسى، عن ابن القاسم، إذا أمره ببيعها بعشرة إلى شهر، فيبيعها بسلعة إلى شهر، فإن السلعة المؤخرة تباع بعين، ثم للآمر الأكثر من ذلك، أو من قيمة سلعته، ما لم يكن ذلك أكثر من العشرة التي أمره أن يبيع بها، وإنما تباع [7/ 207]
المؤخرة إن كان فيها الفضل، وإلا فله القيمة، إلا أن تكون أكثر من العشرة التي سمى له إلى أجل، وقد قال: لا ينظر إلى ما سمى له من الثمن، ولكن إلى قيمة السلعة. ولو أمره ببيعها بفرس نقدا أو إلى أجل، أو بطعام إلى أجل، فباع في هذا كله بحمار إلى أجل فهو كما لو لم يسم له ثمنا، ويباع المؤجل، فإن كان فيه كفاف قيمة السلعة وإلا ضمن تمامها، ولو أمره ببيعها بحمار نقدا، فباعها بطعام إلى أجل، غرم القيمة نقدا، فإذا قبض الطعام بيع، فما كان فيه من فضل، فللآمر [وما كان من نقص، فعلى المأمور، ولو أمره] ببيعها بمائة أردب قمحا نقدا، فباعها بدنانير نقدان أو بعرض نقدا، فإنه يشتري له بذلك طعام، فإن بلغ ما سمى له، وإلا فعليه تمام ما سمى له الآمر. وإن أمره أن يبيع دنانير نقدا، فباع بعرض نقدا، فهو مخير، في قيمة سلعته، أو العرض الذي باع به إن كان نقدا، وإن باع بدنانير أو عرض إلى أجل، لم يجز أن يتحول فيه؛ لأنه تحول من العين في أكثر منه، أو في خلافه، كذلك من تعدى في سلعة رجل، فباعها بثمن إلى أجل، فليس لربها الرضاء بالمؤجل. قال عنه يحيى: إلا أن يكون المؤجل مثل قيمتها. قال عنه عيسى: ليبع ذلك بعرض ثم يباع العرض بعين، ثم يكون لربها الأكثر من ذلك أو من القيمة وإن باع بطعام إلى أجل، أخذت منه القيمة الآن، فإذا قبض الطعام بيع، فما كان فيه من فضل عن القيمة، أخذه الآمر، وإن نقض فمن المأمور، وإن أمره ببيعها بطعام سماه نقدا، فباعها بأكثر منه إلى أجل، فلتؤخذ من المأمور التسمية، ويرجى المؤجل، فإذا قبض كان الفضل للآمر. ولو أمر ببيعها بعشرة أردب قمح إلى شهر، فباعها بسلعة / نقدا، فالآمر مخير بين أخذ ما باع به، أو يضمنه القيمة. وكل مأمور بالبيع إلى أجل فهو كمن لم يسم [7/ 208]
له ثمن، وكذلك كل مأمور أن يبيع ما لا يقضى بمثله، فكمن لم يسم له ثمن. قال: وإن أمره يبيع له كبشا، ولم يسم له ثمنا، فذبحه، ثم باعه لحما بعشرة دراهم إلى شهر، فتباع العشرة بعرض، ثم يباع العرض بدراهم، ثم له الأكثر من ذلك، أو من الكبش، ولا أعرف أن له قيمة اللحم إن طلبها. ولو أمره ببيعه بدينار، فذبحه، ولم يبعه، فعليه الأكثر من قيمته، أو الدينار، كما لو أعطاه ثوبا يبيعه بدينار، فوهبه أو تصدق به وفات، أو اشتراه لنفسه أو قطعه لنفسه، فله الأكثر من قيمته أو الدينار. ولو أمره ببيع قمح بعشرة دنانير، فباعه بسلعة، فله أن شاء السلعة أو مكايل القمح، كما لو دفع إليه عشرة دنانير؛ ليشتري له بها عشرة أرادب قمح، فاشترى له عدسا، أو سلعة، فهو مخير أن شاء مثل دنانيره أو هذا العدس أو السلعة، وليس له ها هنا أخذه بما سمى له من القح؛ لأن من تعدى على عين أو طعام، لزمه مثله. ولو أمره ببيع دابته بدينارين، فباعها بدينار، ثم باعها المبتاع بأربعة، فإن وجدها ربها، فليس له إلا أخذها، وإن فاتت أخذ دينارا آخر من المتعدي، فإن أعدم أخذه من مشتري الدابة، ويرجع به المشتري على المتعدي. قال مالك، في كتاب ابن المواز: ومن أمر رجلا ببيع سلعه، وقال له: بعها بما تراه. فباعها بما لا يعرف من البيع فهو ضامن. قال محمد: يريد إذا باعها غير العين، وبما لا تباع به / وتلك السلعة. ومن سماع سحنون، من ابن القاسم: وإذا قال: اشتر إلي دابة بعينها، أو موصوفة بعبدي هذا، فباع العبد بثمن، ثم اشترى بالثمن حمارا، ثم اشترى به الدابة، فالآمر مخير إن شاء أخذ منه قيمة عبده أو الثمن الذي باعه به، وإن شاء أخذ قيمة الحمار أو الدابة التي اشترى له. ومن المجموعة ومن أمر ببيع سلعة بعشرين، فباع نصفها بعشرة، فإن [7/ 209]
في المبضع معه ببضائع فيخلطها أو يخلط ما اشترى بها أو يصرف بعضها ببعض
كان إذا أراد بيع النصف الباقي لإتمام عشرين وجد ذلك، فليس بمتعد، وإن كان ينقص فهو متعد. وقال أشهب، في المجموعة فيمن أمر رجلا ببيع سلعته، فباعها بدين، وأخذ بها رهننا، فلربها أخذها إن لم تفت، وإن فاتت قيمتها أكثر من الثمن المؤجل أخذه بالثمن المؤجل نقدا، وليس له غيره؛ لأنه قد أباحه أن يبيع بمثل ذلك نقدا، والرهن رهن للمتعدي، وله طلب الثمن، قال: وإن كان قيمتها أقل، غرم قيمتها نقدا، ثم ابتعتها أنت وهو المشتري بالثمن له مما دفع إليك، وأعطى منه الفضل والرهن، لكما إن شئت رهننا بذلك ويضمناه عليك فيه بقدر الذي لك، وإن تلف في يديه، فغرم قيمته، رجع عليك بمقدار ما كان لك فيه، وإن غرمت أنت الذي كان لك فيه، لم يغرم الذي كان في يديه ما فضل عن قيمته، كما لو وكلت من يبيع سلعة بينك وبينه، على أن يرتهن رهنا يغاب عليه ثم تلف الرهن في يديه، لضمنتماه، ثم هو يضمن جميعه، وأنت تضمن نصفه. في المبضع معه ببضائع فيخلطها أو يخلط / ما اشترى بها أو يصرف بعضها ببعض أو يتسلف [منها، أو يبذلها أو يسلفه] من عنده حتى يبيع سلعته من العتبية، وكتاب ابن المواز من سماع ابن القاسم: ومن أبضع معه ببضائع شتى؛ ليشتري رقيقا، فيخلطها ثم يشتري لهم رقيا، قال في العتبية [7/ 210]
مختلفة وفي كتاب محمد جملة، أو مفترقة، ثم أعطى كل إنسان بقدر بضاعته رأسا بنحو ما أبضع معه، فأعطى لواحد جارية مريضة اشتراها. كذلك، فهلكت، ثم أقر بما صنع، فهو ضامن إذا لم يكن في أصل شرائه لكل واحد رأس بعينه، وإن قال: اشتريتهما لصاحبهما مفردة، صدق مع يمينه. قال سحنون: لا يحلف ولا يضمن إذا كانت مفردة في مرض يجترأ على مثله، لم يضمن في المخوف. قال: ولا يضمن الآخرون في هذه المريضة شيئا. قال مالك، في الكتابين: وإذا أمروه بشراء طعام، فجمع مالهم في شراء الطعام، فلا يضمن هذا ما هلك، وليس بمتعد. قال ابن القاسم، في كتاب محمد، وكذلك ما كان يقسم بكيل أو وزن، فله أن يشتريه لهم مشاعا، ثم يقسمه، وأما ما لا ينقسم إلا بالقيمة فهذا يضمن. قال محمد: بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين له، وأما فيما يقسم بالقيمة؛ لأنه إليه البيع، وليس ذلك للأول. ومن كتاب ابن سحنون، وقال فيمن دفع إليه رجل أربعين دينارا، فقال: اشتر إلي بها رأسين وبعهما، واحرز على الربح فيهما، ودفع إليه آخر ثمانين دينارا، وقال: اشتر إلي بهما رأسا وبعه /، واحرز علي الفضل. فاشتري لكل واحد ما أمره، ثم باع رأسا بمائة دنيار، وآخر بستين، وآخر بأربعين، ثم لم يدر لمن كان الرفيع منهما؟ وتداعيا الأرفع أو لم يتداعياه، وادعى الآمر، قال سحنون: من أصحابنا من يضمنه مائة لهذا، ومائة لهذا بعد أيمانهما، ويقال لصاحب الرأسين: ما الذي لك صاحب الستين أو صاحب الأربعين؟ فأيهما ادعى، حلف [وكان له، ومن أصحابنا] من لا يضمنه، ويتحالفان على [المائة ويقتسمانها، ويقال] لصاحب الرأسين: [7/ 211]
ما الذي، أصاحب الستين، أم صاحب الأربعين؟ فاحلف عليه، وخذه ثم يكون الباقي بينهما؛ لأن كل واحد يزعم أنه بقي له من ماله خمسون، وإذا لم يدعيا ذلك، فلصاحب الرأسين ثلاثون ومائة، ولصاحب الرأس سبعون. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أبضع معه رجل بدنانير، وآخر بدراهم؛ لشراء شيء، فصرف هذه بهذه بصرف الناس، فلا بأس به وذكر في كتاب محمد، في الصرف، أن لو حضر أحدهما، كان أحب إليه. وروى عبد الملك بن الحسن،، ابن وهب: في المبضع مع يريد يتسلف منها فإن كان مليا، فلا بأس به، وإن كان غير ملي فلا. وروى عيسى، عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز، في المبعوث معه بمائة درهم أندلسية؛ ليقضي عنه لرجل بمصر، فاحتاج فأنفقها، ثم لم يجد بمصر دراهم أندلسية إلا خمسين، فدفعها إلى الرجل، ثم رجع فاشتراها منه بدنانير، وقضاه إياهما تمام المائة درهم الأندلسية، وكتب عليه براء، قال: فليعلم الآمر / بذلك فإن سلمه، وإلا دفع إليه مثل دنانيره، وأغرمه مثل الدراهم. وكذلك لو دفع عنه عرضا فدفع إليه قيمة العرض، وأخذ منه خمسين درهما. قال محمد: وخالف أصبغ بغير حجة، وقول ابن القاسم صواب إن كان صرف الدراهم وردها مكانه، فلم يتم صرفه، وصار كأنه قضاه عنه دنانير. ولو اشتريت الدراهم من غيره، كان جائزا، وإن لم يقضه هذه الدراهم حتى تفرقا وبعد يوم ويومين، لجاز. وقال عيسى في العتبية، في الجواب الأول: إنه إن أعلمه أنه أرسل معه دراهم، ثم عامله هذه المعاملة فذلك جائز، وليس لأحد في خيار، وإن لم يعلمه، وإنما قال له: أمرني فلان أن أقضيك دينك فالجواب [7/ 212]
في الوكيل يضع عن المشتري أو يصالحه، وفي الوكيل بالبيع يزاد في السلعة وقد باعها بخيار
على ما قال ابن القاسم. وقال ابن وهب في المبضع معه بدنانير؛ ليشتري شيئا، فيسلفها، ثم استوجب ما أمرب به بدنيار، ثم قضاه فيه دراهم من عنده، فلا بأس بذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن أبضع معه بدينار ينقص حبتين، واشترى من عنده بدينار قائم، فلا يضمن، وإن لم يعلم صاحبه. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، وقال: ولا أرى عليه شيئا، إلا أن يخبر لصاحبه. قال مالك، في سماع أشهب، فيمن بعث معه رجل عشرين دينارا وثوبا؛ ليبيعه ويبتاع له بالجميع ثوبا، فاشترى له الثوب بأحد وعشرين، زاده من عنده دينارا قبل بيع الثوب، ثم باع ثوبه بعشرين درهما /، هل له أخذها بديناره؟ قال: لا بأس بذلك، ولكن يخيره إذا قدم، قال: وإن أبى من ذلك، أعطاه دينارا وأخذ منه عشرين درهما. قال أشهب: وقاله إلي ابن أبي حازم، فقلت: أو ليس هذا صرف مؤخر؟ قال: لا تشدوا على الناس، فليس الأمر كما تشددون. في الوكيل يضع عن المشتري، أو يصالحه وفي الوكيل بالبيع يزاد في السلعة وقد باعها بخيار، فلا يقبل الزيادة. من العتبية روى أصبغ، عن أشهب، في البائع للسلعة بوكالة يضع للمبتاع بعد البيع من الثمن، فذلك باطل، والآمر مخير في أن يجيز ذلك ويرجع على المشتري، ولا رجوع له على الوكيل، قال: ولو تحاكما إلى بعض قضاة أهل المشرق، فحكم بالوضيعة على الوكيل، لأنفذت ذلك، ولم أر على المتباع شيئا، ونزلت بأشهب وهو المبتاع، فحكم له بالوضيعة على الوكيل، فصالح البائع على نصف الوضيعة وحاله. [7/ 213]
في المبضع معه بالبضاعة لا يجد البيع فيودعها أو يتمادى بها إلى موضع آخر
ومن سماع ابن القاسم، وعن الوكيل يبيع السلعة بثمن على أن يشاور ربها ثم زيد فيها، فعليه أن يخبر صاحبها بالزيادة وبمن زاده، وبالأول، فقد يكره معاملة أحدهما، وإن كان أقلها عطاء، فإن أمره بالبيع من الزائد، فرجع الزائد فذلك، يلزمه وروى أشهب المسألة من أولها. وروى يحيى بن يحيى، في الوكيل على اقتضاء دنانير فصالح منها على دراهم أو عرض، فالآمر بالخيار؛ أن يجيز ذلك، أو يفسخه، ولا يضمن الوكيل الدنانير /، وإن صارفه لنفسه، لم يجز؛ لأنه صرف إلى أجل. وقال في كتاب محمد، في الموكل يقبض دينارا يأخذ دراهم لربه، فرضي، فلا يجوز، ولو قبض الدراهم لنفسه؛ على أن يعطى دينارا لربه، لم يجز؛ لأنه صرف مؤخر، ويرد الدراهم على من قبضها منه قال محمد: ولو كان الوكيل إنما سلف الدينار من الآمر، أو وهبه له، جاز له أخذ الدراهم. وقال في الوكيل يأخذ بالدينار طعاما لنفسه، على أن يدفع الدينار من عنده، فهو جائز، ولا خيار للآمر في ذلك، ولا حجة، وإن أخذ ذلك الآمر، فالآمر مخير. في المبضع معه بالبضاعة لا يجد البيع، فيودعها أو يتمادى بها إلى موضع آخر أو يودعها في طريقه لخوف، أو جعلها في شجرة أو أقام ببلد فبعض بها أو قيل له تكون على حقويك فلم يفعل أو انتحر البعير، وقال: خفت عليه الموت من كتاب ابن المواز: ومن أبضع معه ببضاعة، فليس له أن يودعها، ولا أن يبعث بها مع غيره، إلا أن تحدث له إقامة في بلدة ولا يجد صاحبها أو يجد من يخرج إلى حيث أمر صاحبها فله توجيهها. [7/ 214]
قال ابن حبيب: قال مطرف، فيمن أبضع معه ببضاعة يدفعها إلى عياله، فيرسلها المأمور مع غيره، فضاعت، فلا يضمن، كان ذلك لعذر أو لغير عذر، إذا كان الذي بعثها معه مأمونا، وقال إلي مالك في الذي يحبسه أمر في طريقه ببلد، فيبعث بها، أنه لا يضمن إن بعث مع أمين. قال / مطرف: ولو اجتهد في أنه أمين، فإذا هو غير أمين، فلا ضمان عليه. قال مطرف: ولو قال الآمر: قد أمرتك ألا تخرج من يديك، ولا تدفعها إلى غيرك. وأنكر ذلك المأمور، فالمأمور مصدق، وإن لم تقم بينة. قال ابن الماجشون، وأصبغ. قال مالك، في كتاب ابن المواز، وفي العتبية، من سماع ابن القاسم، فيمن أبضع معه من مكة إلى مصر، فحدثت له إقامة بالمدينة، فله بعثها مع ثقة. وقاله ابن القاسم، وابن وهب. قال عيسى، عن ابن القاسم، وفي العتبية ولا يضمنها المبضع معه إن ذهبت من الرسول. قال، في الكتابين وإن لم تكن معه. قال في العتبية محمل لها. وقال في كتاب محمد: حرز لها، فأعطاها لغيره في سفره ممن يثق به، فلا يضمن، ولو فعل هذا وعنده لها محمل، ضمن، كالمودع في الحضر يودع لغيره، فإن كان لغير سفر ولا خراب منزل، ضمن، وكذلك إن كان لسفر وربها حاضر. قال أشهب، في كتاب محمد: إلا أن يودعه ومنزله خراب عالما، ولم يزد خرابه إلى ما هو أخوف ولا سفر، فيضمن إن أدع. ومن العتبية قال سحنون، عن ابن القاسم: إن كانت إقامته بالمدينة يسيرة، ضمن إن بعث بها، وإن كانت إقامته بها كثيرة، فحبسها، ضمنها إن تلفت. [7/ 215]
قال أصبغ في المبضع معه ليبلغها إلى موضع، فأودعها في بعض الطريق مع متاع له، ويذكر أنه خاف عليها، فهو مصدق، ولا يضمن، ولو أمر ببيعها في بعض الطريق، ويبلغ الثمن إلى البلد آخر، فلم يعطه بها في الطريق ما يرضاه، فأودعها في الطريق ومضى إلى بلده، فإن سمى له ثمنا فلم يجده، فلا شيء عليه إن خلفها عن عجز، أو من أمر صاحبها ألا يجاوز الموضع، وإن لم يسم له ثمنا وقد أمره بالبيع بذلك الموضع لا يجاوزه، فترك ذلك، وجاوز بها إلى موضع آخر، ضمن، وإن كان ذلك نظرا عنده، لم يصدق، وأما إن تركها بمكانها نظرا ليعاود البيع، لم يضمن، وإن أمر بالبيع ولم يأمر أن يخلفها، وأهمل المضي بها إن لم يستطع هناك البيع، فخلفها عن غير عجز ولا عذر ولا خوف بين، ضمن. وروى عيسى، عن أبي محمد المخزومي، عن مالك، في المبضع معه ببضاعة، وقيل له لا تفارق حقوبك. فجعلها في عيبته، ضمن. وقال سحنون، في المبضع معه بمال، فخرج عليه لصوص، فألقاه في شجرة، أو أعطاها لمن ينجو بها، فذهبت، فلا ضمان عليه. وروى أشهب، عن مالك، فيمن بعث ببعيرين مع عبد، فادعى أن أحدهما تهشم، فخاف عليه فنحره، فأكل منه، لا بينة له قال: أين أصابه ذلك؟ ألا يعلم ذلك أحد قبل إصابة ذلك في صحراء؟ قال: وهو ضامن. وكذلك من نحر بعيرا لرجل، وقال: خفت عليه الموت. لم يصدق قال: وهي جناية تلزم السيد. [7/ 216]
باب في الوكيل يشتري الجارية للآمر ثم يطؤها ويبعث إليه
باب في الوكيل يشتري الجارية للآمر، ثم يطؤها ويبعث إليه، أو يبعث بجارية ثم يقدم بأخرى فيقول: هذه جاريتك أو يبعث بجاريتين لرجلين فيغلط الرسول بينهما. من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن بعث مع رجل مالا في شراء جارية، فاشتراها له، وأشهد بشرائها له، ثم وطئها وأعطاه / غيرها، فوطئها الآمر، فحلمتا جميعا، ثم أقر بذلك، أو قامت به بينة، فإن عذر المأمور بالجهالة، وتؤول أن يأخذها ويعطى الآمر غيرها، لا على وجه الزنى لم يحد، وخير الآمر في أخذ جاريته وقيمة ولدها، أو بأخذ قيمتها ولدها وقد قال: قيمتها فقط. ويخير في الجارية التي في يديه، إن شاء ردها على المأمور، ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وقد قال: مع قيمة ولدها. وإن شاء دفع إليه قيمتها يريد إلا أن يكون ثمنها أقل، فذلك له، وإن لم يعذر المأمور بالجهالة حد، وأخذها الآمر، وولدها رفيقا له. قال: وهذا إذا ثبت ما ذكرنا بينة، فإن لم تكن بينة، لم يقبل قوله على شيء من ذلك، وكانتا أمي ولد للأول والآخر، إلا أن الأول يغرم فصلا إن كان فيها على قيمة ما دفع، قال ولو لم تحمل المبعوث بها كان مخيرا فيها أيضا، وكذلك إن كانت أكثر ثمنا. وذكر ابن حبيب عن أصبغ نحو ما ذكر عيسى، عن ابن القاسم، إلا أنه قال: قامت بينة، فللآمر أخذ قيمة جاريته، وقيمة ولدها، أو يأخذ قيمتها وقيمة ولدها، وإن لم تكن بينة إلا إقراره، فالجواب في الحد أو درايته سواء، ويغرم للآمر قيمة الأمة وولدها، وهي له أم ولد لا نسترق بإقراره، وأما التي أولدها الآمر، فهي له أم ولد، كانت بينة على أصل الشراء أو على الإقرار فقط؛ لأنه أباحه إياها، وعليه له قيمتها فقط، وإن لم تلد، فهو فيها مخير، قال سحنون، عن [7/ 217]
ابن القاسم، في العتبية: وإذا اشترى له جارين فوطئها ثم حملت، فإن كان / يتأول أنه أخذها ليشتري له غيرها، لا على وجه الفسق، لم يحد، للآمر أخذها مع قيمة ولدها، أو يأخذ قيمتها يوم الوطء، ولا شيء عليه في الولد، وإن لم تحمل، فإن شاء ضمنه قيمتها، وإن شاء أخذها ولا شيء عليه فيما نقصها. ومن كتاب ابن المواز، قال فيمن بعث معه ليشتري جارية على صفة، فاشتراها على الصفة، ثم وجد غيرها على الصفة وأفضل، فاشتراها له، وحبس الأولى لنفسه، وأشهد بذلك، وبعث الثانية إلى الآمر، فالآمر مخير في الجاريتين جميعا؛ إن شاء حبسهما ودفع ثمن الثانية، وإن شاء حبس أيهما شاء، وإن حلمت الأولى من المأمور، فللآمر أخذها مع قيمة ولدها بعد أن تضع، وهو في الأخرى مخير. قال: ولو كان إنما أمره بجارية بعينها، جارية فلان، فبعد أن اشتراها له أشهد على نفسه أنه أوجبها على نفسه مثل الثمن أو أكثر، ثم وطئها، فهو زان، ويحد، ولا يلحق به الولد، ويصير مع الأم رقيقا للآمر. وقال عبد الملك. وقال ابن القاسم ما يدل على مثله فيمن اشترى جارية من رجل لغيره يعلم أنه افتات عليه فيها، ثم وطئها، فهو زان، ولا يلحق به الولد، ولو زوجها له تعديا فتزوجها عالما بذلك، لم يحد للشبهة، والولد لاحق، وهو رقيق لسيد الأمة. قال في كتاب ابن المواز: واذا بعث معه بمائة دينار يشتري له جارية على صفة، وبعث بها، فوطئها بعد الاستبراء، فحملت، ثم قدم المأمور بأخرى، فقال: هذه [التي] اشتريت لك، وإنما / بعثت بالأولى وديعة تكون إلي عندك فإن أقام بينة أنه ابتاع الأولى لنفسه، فله أخذها مع قيمة ولدها، فإن لم تقم بينة، لم يصدق، ولو كان ثمنها أكثر من المائة، لم تكن له الزيادة، ولو كان أقل من المائة. [7/ 218]
في المأمور بشراء جارية بثمن قبضه فاشتراها وتلف الثمن
أخذ ما بقي، وهو مخير في التي قدم بها؛ إن شاء أخذها بما اشتراها له به، وإن شاء تركها، ولا تلزمه؛ لأنه يقول: الأولى جاريتي، وإنما أمرت بواحدة، ولا بينة لك على دعواك. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أبضع معه رجلان في شراء جارية لكل واحد، وبعث هذا بمائة دينار، وهذا بخمسين دينارا، فاشترى لهما، وأشهد أن هذه اشتراها لفلان، وهذه لفلان، وبعث بهما إليهما، فغلط الرسول، فدفع جارية هذا إلى هذا، وجارية هذا إلى هذا، فوطئ كل واحد منهما وحملتا فإن كانت له بينة فليأخذ كل واحد منهما جاريته، ويأخذ قيمة ولدها من الوطئ، وإن لم تكن بينة إلا قول المأمور، لم يصدق، وينظر إلى قيمة التي زعم أنه اشتراها لصاحب المائة فإن زادت قيمتها على خمسين، غرمها له. في المأمور بشراء جارية بثمن قبضه، فاشتراها وتلف الثمن أو يشتري له ما أمره به فيتلف أو يهلك من العتبية، من سماع ابن القاسم، وعن المأمور بشراء ثوب فاشتراه، ثم قال للبائع: أنا أذهب به، فأريه للآمر. وضاع [قال: قيمته ضامنة على الذي أرسله] وقد جرت في كتاب الخيار لابن المواز، أنه اشتراه له بالخيار. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في المبضع معه في شراء جارية من أطرابلس، فابتاعها، وقال لربها سأنقدك الثمن. وبعث بها، ثم تلف الثمن. فإن رجع في طلب الثمن عندما ابتاع، فان لم تفت الجارية بحمل، خير الآمر في غرم الثمن. وأخذها، أو ردها للمأمور، وإن حملت كانت للآمر بلا ثمن، وعلى المأمور غرم الثمن. ولو فرط في دفع الثمن طويلا بما في مثله يعرض للتلف، فعليه غرمه، والسلعة للآمر، كقول [7/ 219]
مالك في الرسول بمال يدفعه إلى رجل، فقدم فلم يدفعه، وزعم أنه هلك، فإن هلك عند قدومه بما لا يعد به مفرطا، لم يضمنه، وإن أطال حبسه حتى عرضه للتلف، ضمنه ومن موضع آخر. قال المغيرة، في الوكيل على شراء سلعة بثمن دفع إليه، فابتاعها، ثم ضاع الثمن، أنه يلزم الآمر غرم الثمن ثانية، سواء قال له: اشتر بهذا المال، أو اشتر، ثم أنقدك. ومن كتاب ابن المواز، في المبضع معه بمائة دينار لشراء جارية ويعتقها، فاشتراها وأعتقها، ثم وجد الثمن قد تلف، فالعتق نافذ، والولاء للآمر، والرسول ضامن للثمن، ولا يرجع به. ومن العتبية، روى عيسى [بن دينار ُ] عن ابن القاسم، عمن عليه لرجل دين، فأمره أن يشتري له سلعة، فقال: قد ابتعتها لك ثم ذهبت، أو أبق. إن كان عبدا، فالمصيبة من الآمر. ومن كتاب ابن المواز: والمأمور بشراء سلعة أو جارية، يقدم فيقول /: اشتريتها وضاعت، أو سرقت، أو قطع على الطريق. فهو مصدق مع يمينه، ويأخذ الثمن من الآمر فيما يغاب عليه، ولكن إن ادعى فيما لا يغاب عليه من الحيوان، إن قال: مات وسئل أهل رفقته، فلم يعلم ذلك، وهم ثقاب، تبين كذبه، وأما غير الموت، وغير الحيوان، فهو مصدق، ويلزم الثمن المأمور، وإن قدم بذلك، وأراد حبسه حتى يأخذ الثمن، فليس له ذلك، ولا له أخذ الثمن حتى تدفع إليه السلعة، فإن منعه منها حتى مات أو تلفت، ضمن القيمة في الحيوان وغيره للتعدي بالمنع له، إلا أن يكون قال: اشتره [7/ 220]
في اختلاف الآمر مع المأمور فيما ولي، وشهادة المأمور فيما أمر بدفعه
واحبسه حتى أعطيك الثمن. أو قال له بعد أن قدم مثل ذلك، فلا شيء عليه في الحيوان، وله الثمن، وأما ما يغلب عليه، فهو ضامن له، كالرهن. ومن كتاب ابن المواز: وإذا صدق المأمور في تلف ما اشترى، ووجب له الرجوع بالثمن على الآمر إن لم يكن كان قبضه، قال: وإن أخذه منه ثانية، ثم قال: تلف لي أيضا. فعليه أبدا أن يغرمه الآمر حتى يصل إلى البائع، وإذا كان دفع إليه الثمن أول مرة، فتلف، لم يكن على الآمر غرمه ثانية، وتصير مصيبة العبد من المأمور وعليه أن إلا أن يسلم العبد، فيجب للآمر أن يأخذه بدفع الثمن ثانية فذلك له؛ لأنه له اشتراه، وإذا نقد المأمور من عنده، ثم قال: هلك العبد. فله أخذ الثمن من البائع، وإن أخذه، فتلف منه، فلا شيء له على الآمر [ها هنا] لأن المأمور، إنما أسلفه فقد استوفى سلفه، وإذا لم يكن دفع إليه الثمن، وإنما أمره أن يسلفه عليه، فالآمر أبدا ضامن للثمن حتى يستوفيه البائع ـ يعني في تلف ما تسلف له قبل [أن] يقبضه البائع ـ ولو قبضه البائع، ثم طلب به المأمور الآمر، فأخذه منه، فتلف قبل أن يصل إلى من أسلفه إياه، فعلى الآمر غرمه أيضا حتى يصل إلى من كان أسلفه إياه. في اختلاف الآمر معه المأمور فيما ولي وشهادة المأمور فيما أمر بدفعه، أو أمر باقتضائه من كتاب ابن حبيب، قال مطرف، في المأمور يقول: بعثت معي بكذا لأدفعه إلى فلان، وقد فعلت. وقال الآمر: بل أمرتك أن تدفعه إلى فلان آخر. قال مالك: فالآمر مصدق، وإن لم تقم بينة، ويضمن المأمور، ولا يرجع به على قابضه، لأنه مقر أن ما قبض هو له. قال مطرف: وكذلك لو لم يقر أنه أمره بدفعه إلى أحد، ولو اجتمعا على الدفع إلى رجل، فقال المأمور: أمرتني بالدفع إليه عطية له، وقد فعلت: وقال الآمر: لم آمرك إلا بدفعه إليه على غير عطية. [7/ 221]
فالقول قول الآمر مع يمينه، ويضمن المأمور، ولا يرجع بالمال على من دفعه إليه، ولا يكون مقام شاهد، لأنه غارم، إلا أن يكون لم يدفع المال بعد، فتجوز شهادته مع يمين المشهود له، ويأخذ المال، وإن كان المشهود له غائبا، لم تجز شهادته؛ لأنه يتهم على بقائه في يديه. وكذلك في كتاب ابن ميسر ن وذكر / أنه قول مالك. قال ابن حبيب، عن مطرف: وإذا جعلت المأمور ضامنا وقد أغرم فللآمر أن يأخذ المال ممن قبضه، ثم لا يرجع به غارمه الآن على المأمور. قال ابن الماجشون: إلا أنه رأى للمأمور أن يرجع بالمال إذا غرمه على من دفعه إليه؛ لأنه يقول: لم أهبك من عندي، ولكن بلغتك قول غيري. وقال مثله أصبغ. قال ابن حبيب: وقول مطرف أحب إلي، وقد قال به أصبغ أيضا. وذكر أن ابن القاسم يقول: أن قال الدافع: أمرتك الدفع إلى زيد. وقال المأمور: إلى عمرو. فالمأمور مصدق، إلا أن يقول الآمر: لم آمرك بالدفع إلى أحد. فالآمر مصدق وكذلك إن قال: لم آمرك أن تدفعه إليه. وقال المأمور: بل أمرتني بدفعه إليه صدقك منك. فالآمر ها هنا مصدق، وكذلك إن قال: أمرتك أن تدفعه إليه. وقال المأمور: بل أمرتني بدفعه إليه صدقة منك. فالآمر مصدق ها هنا. وقال أصبغ: الآمر مصدق في الوجهين. وقد جرى من هذا الباب في كتاب الودائع. ومن العتبية روى عيسى؛ عن ابن القاسم، في رجل لرجل عليه عشرة دنانير، ولرجل آخر مثلها، فوكلا من يقبض ذلك لهما، فقبض منه عشرة، فقال الغريم: إنما قبضتها لفلان. وقال الوكيل: ما دفعتها إلا قضاء للآخر. أو قال: بينهما. وقد فلس الغريم، قال: أرى أن ما اقتضى بينهما. وفي باب موت المبعوث إليه بالصلة، ذكر شهادة الرسول، وفي باب المسائل المختلفة، من معنى هذا الباب / أيضا. [7/ 222]
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، وسئل عن الرجل يبعث بالمال مع رجل إلى فلان، فقدم عليه، وقام غرماء الباعث، فأرادوا أخذه، فقال الرسول: قد أمرتني بدفعه إلى فلان. وقال: إنما تقاضيته له من دين له. قال: سمعت مالكا يقول، فيمن بعث مع رجل بمال وهو خارج إلى بلد، ثم لحقه، فطلب أخذ المال، فقال له: قد أمرتني بدفعه إلى زيد صدقة منك عليه. فقال: إن كان زيد حاضرا، حلف مع شهادة الرسول، وأخذ منه المال، وإن غاب، لم تجز شهادة الرسول، وليرده إلى الذي بعثه، فكذلك مسألتك إن كان الذي شهد له الرسول حاضرا، حلف معه، وأخذه، وإن كان غائبا، فليأخذه الغرماء، لأنه يتهم الطالب على إقرار المال بيده. ومن كتاب أحمد بن ميسر: ومن دفع إلى رجل ألفا، فقال القابض: أمرتني بدفعها إلى فلان. وقال ربها: لم آمرك بشيء فربها مصدق مع يمينه. وإلى هذا رجع مالك، وهو قول ابن القاسم. ومن قال: وضع فلان علي يدي ألف درهم صدقة على فلان؛ لأدفعها إليه. وقال ربها: لم آمره بدفعها إلى فلان: فرب المال مصدق مع يمينه، والرسول ضامن ـ يريد وقد دفع المال ـ وإن قال: دع إلي فلان الميت مائة دينار لأتصدق بها على المساكين، ولا بينة له، فإن أقر بذلك الورثة وهم جائزوا الأمر، جاز ذلك، وإن أنكروا لم يقبل منه إلا بينة يريد شاهدا آخر معه، وهو لم ينقدها بعد. قال: وإن قال: أمرتني بدفعها إلى قوم ذكرهم بأعيانهم، فليحلفوا مع شهادته / إن كان عدلا، وهذا إذا كانوا حضورا، وأما أن كانوا غيبا، فهو متهم، ولا يجوز قوله، وهذا ما لم يكن دفعها، ولو كان قد دفعها، لضمن، ولم يكن شاهدا. ولو قال: دفعها إلى رجل لأتصدق بها، وقد فعلت: والرجل الدافع إليه مجهولا لا يعرف، فهذا لا شيء عليه، ولا يؤخذ بشيء فرقها أو كانت في يديه، [7/ 223]
في اختلاف الآمر والمأمور في مبلغ الثمن في بيع السلعة، أو اشترى له بأمر
وإن كان الآمر معروفا، وقد فات، حلف ورثته على علمهم إن كانوا بالغين، والمقر غير عدل، وإن كان إقراره لقوم معروفين، فلهم أيمان الورثة على العلم، وإن كانوا مجهولين فلا يمين عليهم مثل المساكين. في اختلاف الآمر والمأمور، في مبلغ الثمن في بيع السلعة أو اشترى له بأمر، أو يقضي عنه دينا، ثم ينكر أن يكون أمره أو يقول: أمرتك بشراء كذا ويقول المأمور: بل بغيره من العتبية، قال أصبغ في الذي يسلم في السلع أو يشتريها بأعيانها، ويزعم أنه يشتريها لفلان رجل غائب بماله، أو قال: أمرني بشراء ذلك بهذه المائة فاشترى بها، ونقدها، ثم أتى الغائب فأنكر أن يكون أمره بشيء، وطلب أخذ الثمن من البائع، قال: فذلك سواء، لا شيء له على البائع على حال، إلا أن تقوم بينة على أصل هذا المال بعينه أنه لفلان، وإلا فلا، في كتاب جامع البيوع: أو يبيعه على ذلك بتصريح، أو تصديق بين وإقرار. ومن كتاب ابن حبيب /، قال ابن الماجشون: ومن ابتاع ماشية لغيره، أو عبدا، وذكر أنه ودى الثمن من مال الغائب الذي اشترى له، أو قضى عنه دينا، وذكر في كتاب البراءة أنها براءة لفلان من كذا وكذا دينارا دفعها فلان عنه من مال المدفوع ذلك عنه الغائب، ثم جاء فأنكر ذلك كله، وقام بما دفع كراء له، ودفع من ماله، إن لم يكن في كتاب الشراء أو كتاب البراء وكالته ببينة أو وكالة تثبت له في غيرهما، فلرب المال إذا حلف أنه ما أمره بالشراء، ولا أمر هذا [7/ 224]
بالقضاء، وما للقابض عليه حق، فإنه يخبر، فإن شاء طلب القابض للمال الذي أقر أنه من مال فلان، وإن شاء من الدافع، فإن أخذه من الدافع للدين عنه أو للثمن، فللدافع أن يرجع به على الذي كان دفع إليه أولا، ثم لبس للقابض حجة عليه بأن يقول: أنت مقر أني قبضت مالي قبضه بقولك. فإذا سترده من قابض الدين، كان له أن يطلب غريمه بدينه، حق له أو لم يحق. ولو اختار المنكر في الشراء أن يأخذ المشتري الثمن، لم يكن للمشتري أن يرد العبد على البائع، ويأخذ منه الثمن، ولو اختار في الشراء أن يأخذ المشتري الثمن من البائع فأخذه، كان للبائع أن يرجع فيأخذ الثمن ثانية من الدافع، لأنه هو الذي بايعه ومن كتاب ابن المواز قال مالك في العبد يأمره سيده ببيع سلعة بخمسة؛ تنقص حبتين، فيقول السيد: لم آمرك إلا بوازنة فيحلف السيد، ويأخذ سلعته. محمد: ما لم تفت السلعة. قال: وإن قال المبتاع: أنا أعطي خمسة وازنة. فأبى ربها البيع. فاختلف فيها ابن القاسم، وأشهب، وأحب إلينا أن ذلك لصاحبه؛ لأنه بيع كان لرب السلعة فيه الخيار، كما لو قال: بعها بخمسة فباعها بأربعة، أو بقمح أو شعير، فأبى ربها، فليس عليه أن طاع المشتري، فأدى خمسة. وهذا مذهب ابن القاسم. ومن العتبية، روى ابن القاسم، في المأمور يشتري شعيرا ويقول الآمر: أمرتك بقمح. فإن الآمر مصدق، ثم رجع، فقال: القول قول المأمور. وهذا قول أشهب. والأول قول أصبغ. وروعى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى جارية لرجل، فأنكر الرجل أن يكون أمره، فلا يطؤها هذا المأمور ليبيعها، فإن كان فيها فضل، رده إليها، إلا أن يخرجها إلى السوق، فينظر ما يعطى فيها، ويستقصي ذلك ثم يأخذها لنفسه، ويعطيه الفضل ويطؤها، وإن لم يكن فيها فضل، وأيقن ذلك، فله حبسها إن شاء. قلت ولا يرى جحوده إسلاما لها إليه. قال ض [7/ 225]
أرأيت لو أعتقها الآمر، ثم جحد أن يكون أمره أنها تكون حرة، فهذا مثله وعمن اشترى لرجل جارية، وقال الآمر: أمرتك بغلام أن المأمور مصدق، ويحلف. قال ابن حبيب: قال مطرف، في المبضع معه بشراء رأس، فيشتري جارية، ويقول: بذلك أمرتني. وبقا الآمر: بل بغلام. قال مالك: المأمور مصدق، ويحلف. ولو قال الآمر لم آمرك بشراء شيء مصدقا مع يمينه، ويضمن المأمور / قال مالك: وكذلك لو اشترى قمحا، وقال: به أمرتني. وقال الآمر: بل بشعير. فالمأمور مصدق. وقاله ابن الماجشون. وقال أصبغ: القول قول الآمر. وقال ابن حبيب بقول مطرف. وهو قول ابن القاسم، وابن الماجشون. قال أبو الفرج: وروى أشهب، عن مالك: إن بعث معه مالا؛ ليشتري ثيابا، وقال المبضع بغنم، أن الباعث يحلف ويضمن المبضع معه. قال ابن نافع: إنما قول مالك: إن المبعوث معه يحلف، ولا يضمن. وهو رأيي. وقال مطرف: وإذا قال: اشتريت لك السلعة بمائة، وبذلك أمرتني. وقال الآمر: بل أمرتك بثمانين. قال مالك: الآمر مصدق، ويحلف. وكذلك إذا أمره ببيعها، ثم اختلفا في مبلغ الثمن وهي قائمة، فالآمر مصدق، ويحلف. وكذلك إذا أمره ببيعها، ثم اختلفا في مبلغ الثمن وهي قائمة، فالآمر مصدق، وإن فاتت فالمأمور مصدق فيما يشبه. وكذلك في بيعه بغير العين ثم يختلفان فيقول: بالعرض أمرتني، أو بطعام. ويقول الآمر: بل بالعين أمرتك فهو مصدق، ما لم تفت، فإن فاتت، فهو مخير في أخذ قيمة السلعة، أو أخذ ما باعها به، وكذلك لو باعها بالعين، وقال الآمر: بل يعرض خلافه لكان مثله في حضورها أو فوتها، ولو باعها بدين، وقال: به أمرتني وقال الآمر: بل بالنقد أمرتك بثمن مسمى. أو قال: بما رأيت: فالآمر مصدق ها هنا، قائمة كانت أو فائتة، وله في فوتها القيمة على المأمور. / قاله ابن الماجشون، وابن القاسم، وأصغ. [7/ 226]
في المأمور ينقد عن الآمر الثمن فيطلبه به فيقول أعطتك، أو ادعى ذلك قبل النقد
في المأمور ينقد عن الآمر الثمن فيطلبه به فيقول: أعطيتكه أو ادعى ذلك قبل النقد والمأمور يقول: أعطيتني المال لأشتري به سلعة، أو لأرسله إلى فلان وقال الآمر: بل لتبلغه بنفسك إلى فلان من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن اشترى سلعة، أو تكارى دابة لزوجته، وحازت ذلك، وطلب منها الثمن، فقالت: دفعته إليك، فإن كان نقد الثمن، فلتحلف، وطلب منها الثمن، فقالت: دفعته إليك، فإن كان نقد الثمن، فلتحلف المرأة: لقد دفعته إليه. وإن لم ينقد الزوج، حلف الزوج، وأخذ منها الثمن. قال عيسى، وسحنون: إلا أن يشهد الزوج عند النقد أنه إنما ينقد من ماله عن المرأة، فالقول حينئذ قول مع يمينه. وقال عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى سلعة لرجل، ونقد الثمن، ثم اختلفا، فالمأمور مصدق مع يمينه، ويرجع به على الآمر. وروى عيسى، عن ابن القاسم في المبعوث معه بضاعة. يقول: أمرتني أن أبعتها إلى أهلك، وقد أرسلتها. وقال الآمر: بل أمرتك أن بتلغها بنفسك. فليحلف المأمور، لقد أخذها على أن يرسلها، وأنه أرسلها. وقال أصبغ، في المبضع معه بمال، فضاع، فقال المأمور: بعثتها معي لأشترى بها ثوبا، وضاعت قبل الشراء، أو اشتريت بها ثوبا، فهلك أو غرق. وقال الآمر: بل أمرتك تدفعها إلى فلان، فلم تفعل، قال: القول قول رب الدنانير مع يمينه. [ويضمن الرسول، كما قال ابن القاسم /، فيمن اشترى له شعيرا وقال به أمرتني وقال الآمر: بقمح، أن الآمر مصدق] ويضمن المأمور، وقد رجع عنه ابن القاسم، وقال بقول أشهب: إن القول قول المأمور: وقوله الأول أحب إلي. [7/ 227]
في الوكيل يدعي أنه دفع إلى الآمر ما قبض له من دين أو غيره أو من ثمن ما باع له أو أبضع معه
في الوكيل يدعي أنه دفع إلى الآمر ما قبض له من دين أو غيره، أو من ثمن ما باع له، أو ما أبضع معه أو قال: سقط ذلك مني أو يدعي دفع ما أرسل به إلى الذي أمره بدفعه إليه وكيف إن أذن له أن لا يشهد؟ من العتبية من سماع ابن القاسم، وعن امرأة وكلت زوجها بحق لها، فقبضه، وقال: دفعته إليك. فأنكرت، فليحلف الزوج ويبرأ. وكذلك الوكلاء يأتون من العراق لقبض أموال من وكلهم [فبعد سنين يقول من وكلهم] ما دفع إلينا [بشيء] فليحلف الوكيل، ويبرأ، قال عيسى، في الزوج يبيع لزوجته متاعا بإذنها، فادعت بعد موته أنها لم تقبض منه الثمن؛ فليس لها شيء، وليحلف من بلغ من الورثة أنها لم يبق لها على أبيه شيء من ذلك ـ يريد عيسى، في علمه. من سماع ابن القاسم، وعمن يقر لزوجته بدين تسلفه منها بينه وبينها، ثم يدعي أنه قضاها، فإن لم يأت ببينة، غرمه بخلاف ما ولي لها بيعه أو شراءه، وتقاضي دين لها، فليس عليه في هذا إلا يمينه، بخلاف السلف. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، في الوكيل المفوض إليه، أو على شيء بعينه يبيعه، أو دين يقبضه إذا قال: / دفعت ما وليت من ذلك إلى [7/ 228]
وكيل. وأنكر الذي وكله، فإن كان بحضرة قبض الوكيل المال وفوره، فليحلف الذي وكله، ويغرم الوكيل إن كان في فور ذلك بالأيام اليسيرة، فأما مثل الشهر ونحوه، فالوكيل مصدق مع يمينه، وكذلك الزوج فيما ولي لزوجته، وأما إن طال. . جدا، فلا يمين على وكيل ولا زوج، ولو مات الوكيل أو الزوج أو الزوج بحدثان ما جرى على أيديهما فذلك أو أموالهما إذا أنكرت الزوجة الآمر، وعلم القبض، وجهل الدفع، وإن لم يكن بحداثة الآمر، فلا شيء في أموالهما وإن لم يذكر الدفع. وقال ابن الماجشون: الوكيل المفوض إليه أو غيره والزوج مصدق، وإن كان يفور ذلك مع أيمانهم، فإن طال ذلك، فلا يمين. وقال مثله ابن عبد الحكم، وأصبغ، إلا أن أصبغ قال في المفوض إليه، وجعل الوكيل المخصوص عليه البينة بالدفع، وانفرد بهذا، وقولي على قول مطرف، عن مالك. وقال ابن الماجشون: ولو أقر الوكيل أو الزوج عند سفر، أو مرض، أو قصد الذكر لذلك، أنه قبض لفلان كراء، وأنه له في يديه، ثم تناكرا بعد ذلك، وبعد البروء، أو القدوم، فلا يبرأ الوكبل إلا ببينة. قال ابن حبيب: وكأنه صار بما ذكر كدين عليه حين أقر أنه في يديه، وفي غير وقت، وهذا الذي ذكر ابن حبيب كله عند ابن القاسم، وفي روايته أن الوكيل مصدق، كالمودع يرد على من ائتمنه قال ابن حبيب، عن ابن الماجشون: وكل مؤتمن في وديعة أو بضاعة / ببينة، فلا يبرأ منها إلا ببينة، ما لم يكن من ذلك ببينة، فإنه يبرأ منها باليمين. قال ابن حبيب: قال مطرف، عن مالك: ومن وكل وكيلا على تقاضى ديونه، وأشهد على الوكالة، وعلى أن من دفع إليه ما عليه، فقد برأ، فقال الوكيل: قد قبضت من فلان ما عليه. فقد برأ، فقال الوكيل: قد قبضت من فلان ما عليه، وضاع مني. فالوكيل ضامن لما كان عليه، إلا أن يكون قد أشهد على دفعه إلى الوكيل على معاينة ذلك، لا على إقرار الوكيل، فإن لم يشهد، ضمن. قال مطرف: وهذا في وكيل مخصوص، فأما الوكيل المفوض إليه، فهو مصدق، ويبرأ من دفع إليه إذا صدقه الوكيل، والوصي بمنزلة الوكيل المفوض إليه. [7/ 229]
وقاله ابن القاسم، وابن الماجشون. قال مطرف: وإذا ودى الغريم ما كان عليه، فله أن يرجع على الوكيل بما أقر الوكيل أنه قبضه منه مما ادعى تلفه عنده؛ لأن الوكيل فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى ضاع عندي. وقال ابن الماجشون: لا يرجع عليه بشيء حتى يعلم من الوكيل تفريط وتعريض لتلف ما قبض. وأخذ ابن حبيب بقول ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز، وقال في الوكيل على بيع السلعة، يقول: دفعت ثمنها إلى من وكلني، أو: إلى ورثته فهو مصدق في دفعه إليه مع يمينه، ولا يصدق في دفعه إلى ورثته. ومن أمر رجلا يقبض له دينا، أو يأتيه ببضاعة من عند رجل، فقال: قد جئت بذلك، ودفعت إليك فأنكر الآمر، فليحلف الرسول، ويبرأ، ويحلف / الذي أرسله أنه ما دفع إلى رسول من قبلك شيئا، ولا علمت أنه قبض منك شيئا، ويرجع على من كان ذلك عليه، ولا يبرأ ببينة على دفعه إلى الرسول، ولا تباعة على الرسول بتركه الإشهاد على من أرسله، ويبرأ الدافع إليه مما دفع. قال محمد: ولو كان وكيلا لرجل ممن يجوز بيعه عليه وشراؤه، جاز قوله إنه قبض ما وإلي بيعه، فيبرأ المشتري، ولا شيء على الرسول. ولو قال: قبضت الثمن، وتلف مني لم يلزم المشتري شيء. وإن قال المرسل: ما أرسلت هذا بقبض منك شيئا. ضمن الرسول بعد يمين الرسول أنه ما أرسله. قال مالك في المبضع معه في شراء سلعة، فإذا قدم طولب بها، فقال: قد وردت إليك بضاعتك قبل أن أخرج، فهو مصدق إذا لم يأخذها بإشهاد. وكذلك المبضع معه ببضاعة يدفعها إلى رجل، فقال: لم أجده، فرجت، فرددتها إليك. أو: رددتها إليك قبل أن أخرج. فهو مصدق، إلا أن يكون ببينة، فلا يبرأ إلا ببينة، ولا يصدق بدعواه الدفع إلى من أرسله، إلا ببينة، ويصدق في الرد إلى الباعث، لأن الله سبحانه أمر الأوصياء بالإشهاد في الدفع إلى غير اليد التي أعطتهم وهم الإتمام، ولم يأمر بالإشهاد في الرد إلى اليد التي أعطتك بقوله: {فليود الذي أوتمن أمانته}. قال ابن عبد الحكم: فإن أشهد رب البضاعة [7/ 230]
على الرسول حين دفعها إليه شاهدا واحدا، فليحلف معه، ويكون كالشاهدين، فإن أقام شاهدا على ردها إلى الآمر، أو على دفعها إلى من أمر / بالدفع إليه، حلف الرسول مع شاهده، وسقط عنه الضمان، ولو قال الرسول: سقطت مني فلا ضمان عليه، وإن أخذها بالبينة، ولا يمين عليه إن كان همن أهل الأمانة. قال ابن القاسم. وإن كان غيره مأمون، أحلف وبرئ. قال ابن القاسم: قال مالك في الرسول بدنانير يشتري بها سلعة، أو يبلغها إلى فلان، فيزعم أنها تلفت منه، أو تلفت السلعة بعد الشراء أنه مصدق، فإن اتهم أحلف أنه ما خان. وقال أيضا: إن كان مأمونا، صدق. قيل: فعليه يمين؟ فضعف ذلك. وقال أشهب، عن مالك، فيمن استقرض من رجل دراهم، فأمر صرافا فدفعها إليه عنه، ثم ابن القاسم المتسلف: رددتها إلى الصراف، فقال: وماله يدفع إلى الصراف! قيل: فإن كان أنكره الصراف، أيحلفه؟ قال: نعم، إن كان متهما، وإلا لم يحلف. قال ابن القاسم، في العتبية، في المأمور يدفع ثوبا إلى صباغ، فقال: قد دفعته إليه. وأنكر الصباغ، فإن لم يقم المأمور ببينة، ضمن، ولو قال الصباغ: قبضته منه، وضاع مني وهو عديم، ولا بينة بالدفع إليه، فالصناع ضامن، ويبرأ المأمور. قال ابن حبيب، قال مطرف عن مالك: ومن أبضع من رجل بضاعة، وأمره أن يدفعها إلى أخيه، وأشهد الآمر عليه أو لم يشهد، والبضاعة دين على الآمر، أو على وجه الصلة، فعلى المأمور أن يشهد على الدفع، وإلا ضمن إذا أنكر القابض أنه قبض منه شيئا، أو كان ميتا، أو ما أشبه ذلك / من غائبات الأمور. قال مطرف: ولو شرط المأمور أنه لا إشهاد عليه عند دفع البضاعة، فأعطاه على ذلك، ثم جحد القابض، فالشرط جائز، وذلك ينفع المأمور، إلا أنه يحلف إذا أنكر القابض، أو كان ميتا، ولو شرط المأمور أيضا أنه لا يمين عليه، [7/ 231]
كان شرطه بإسقاط اليمين باطلا، واليمين عليه؛ لأن الأحداث تحدث، والتهم تقع بخلاف شرطه ترك الإشهاد. وقال ابن الماجشون في ذلك كله: القول قول المأمور وبتبليغ البضاعة؛ دينا كانت أو صلة، والإشهاد عليه عند دفعها، وإن أنكر القابض أن يكون قبض شيئا، إلا أن يكون الآمر قال له: اقض هذا عني فلانا، فهو ضامن إن لم يشهد؛ لأنه وكل إليه القضاء، والقضاء لا يكون إلا بالإشهاد، وليس كمن لم يؤمر بأن يقرض وإنما جعل رسولا، وإن كان قد أجير وقيل له: أبلغ هذا فلانا، فإنه له علي لأن أصل هذه رسالة، وأصل الأول أمر بقضاء وذلك مختلف. قال ابن حبيب: قلت لابن الماجشون: إنه ذكر عن مالك أن المأمور ضامن في جميع هذا، إذا لم يشهد على الدفع، أمر بالقضاء أو بالدفع أو بالتبليغ فقط، فقال: ما علمت أن مالكا، ولا غيره من علمائنا قال فيه غير ما وصفت لك، فاحذر ما يخالفه. ومن كتاب ابن المواز، قال: ومن دفعت معه بضاعة ليدفعها إلى فلان، وقد قال الرسول للآمر: إني أدفعها إليه، ولا أشهد عليه ثم يدعي / أنه دفعها إليه، وأنكر المبعوث إليه، فليحلف الرسول، ويبرأ إن صدقه لآمر بشرطه، أو ثبت ذلك ببينة. قاله مالك. قال محمد: وإن أنكر الآمر، ولا بينة عليه، ضمن المأمور إن لم تقم بينة بالدفع، ويحلف المبعوث إليه، فإن نكل، لم يبرأ الرسول، إلا أن يحضره المبعوث إليه، أو يضمنها، كما لو قال: قبضتها، وضاعت. كانت من الباعث لتعدي الرسول لترك الشهادة. وقاله كله مالك. قال أبو محمد: وقع في كتابي: كانت من الباعث، وإنما هو عندي: كانت من الرسول محمد. وسواء أشهد الباعث على الرسول أو لم يشهد، ولو قال [7/ 232]
المبعوث إليه: قبضتها، وضاعت مني. فلا شيء عليه، ويضمن الرسول إن لم تقم له بينة. قال محمد: إلا أن تكون كانت دينا للمبعوثة إليه على المرسل، فيبرأ الباعث والرسول، قال: ولا ينفع الرسول شهادة المبعوث إليه؛ لأن عليه له الثمن على ضياعها، فلو جازت شهادته، لم يحلف. وقال في المبعوث معه بضاعة إلى رجل، أو نفقة إلى أهله، فيقول: دفعتها إليه، فصده المبعوثة إليه، فإن كانت لرجل صلة، فهو مصدق، ولا شيء على الرسول، وكذلك في أهله، وإن لم تكن صلة ولا نفقة، لم يصدق أهله ولا المرسولة إليه يريد محمد: إن قالت أتلفت. قال محمد: ومن بعث بمال مع رجل، وقال له: ادفعه إلى فلان، ليفرقه على المساكين / وقال: دفعته إليه فلا يصدق إلا ببينة أو يقر فلان أن ذلك وصل إليه، وفرقه، فهو مصدق في قوله فرقته. ولو قال: ضاع مني قبل أن أفرقها. لم يبرأ الرسول بذلك، ويضمن إلا أن يقيم بينة الدفع إليه، ولو أقام شاهدا بالدفع إليه، حلف معه، وبرئ، ولو قال: قد دفع ذلك إلي، وفرقته. سلم الرسول من الضمان إلا أن يكون على قوم بأعيانهم، فينكروا. ومن كتاب ابن سحنون، وكتب حبيب إلى سحنون، فيمن أعطى رجلا ثوبا رهنا في ثمن سلعة، وأمره أن يدفعه له إلى القصار، فقال: قد فعلت، وجحدني القصار. قال: إن أقام بينة بدفعه إلى القصار، وإلا ضمنه. ومن كتاب ابن المواز، وقال فيمن اشترى ثوبا بدينار، فبعث معه البائع رسولا ليدفع إليه المبتاع الدينار، فأنكر البائع أن يكون الرسول أوصل إليه شيئا، فليحلف البائع أن ما دفع إليه الرسول شيئا، ولا علم أن المشتري وصله إلى رسوله، ويأخذه من المشتري. قال محمد: يريد إذا لم يكن المشتري أشهد على الرسول. ولو قال الرسول: قبضته منه ووصلته إلى البائع حلف الرسول، وبرئ ولا ينفع ذلك المشتري، ولا يبرأ إلا ببينة. وكذلك لو قال: ضاع مني. برئ [7/ 233]
باب في الوكيل على قبض دين فطلبه فادعى المطلوب أنه دفع ذلك إلى الطالب
الرسول إذا حلف، إلا أن يكون صغيرا لا يحلف مثله، وعلى الدافع أن يشهد على الرسول. قال أشهب، في كتابه: ولا ينفع المشتري قول الرسول: قبضت، وضاع مني. وعلى الرسول غرم الثمن، إلا أن يكون أشهد على الدفع إلى الرسول، وسواء كان الرسول / عبدا للبائع أو أجيرا. وقاله مالك. . باب في الوكيل على قبض دين، فطلبه فادعى المطلوب أنه دفع إليه إلى الطالب من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، وقال في الوكيل على تقاضي مائة دينار دينا، فيقوم بذكر الحق، فيدعي المطلوب أنه قضى الطالب خمسين، ولا بينة له، أن ذلك لا ينفعه، إلا بالبينة، وإلا غرم، ولم يؤجر، وإن لم يجد بينة وودى للوكيل مائة، ثم قدم الطالب فأقر بقبض خمسين، وقد أغرم الوكيل، فقال: يرجع المطلوب على رب الحق الخمسين، لأنه فرط حين لم يخبر وكيله بذلك، وسواء كان الوكيل عديما أو مليا، فلا يرجع عليه، ولكن على صاحب الحق. قال أصبغ: وإذا طلب الوكيل الدين، وخاصم فيه وأثبته بالبينة، فقال المطلوب: قد قضيته، فاكتب إليه، فإن صدقني برئت، وإن كذبني وديت، فليس ذلك له، وعليه تعجيل الحق، ويرجا اليمين حتى يلقاه، فإن لقيه أحلفه، فإن نكل حلف المطلوب، وبرئ، ويعدى عليه بما قبض وكيله، فإن حلف تم حقه، وكان قضاء قد مضى، وإن مات الذي عليه الحق قبل أن يحلفه المطلوب، فليحلف ورثته على علمهم ما علموه قضاه. [7/ 234]
في يمين الوكيل أو الوصي في عيب أو استحقاق أو في اختلافه مع المشتري منه في قبض الثمن
في يمين الوكيل أو الوصي في عيب أو استحقاق أو في اختلاف مع المشتري منه في قبض الثمن، أو في عيب من العتبية / من سماع ابن القاسم، في الوكيل على بيع عبد، ولم يؤقت له ثمنا، فقال المبتاع، ابتعته بأربعين. وقال الوكيل: بخمسين فليحلف الوكيل، فإن نكل، لم يحلف رب العبد، وليحلف المشتري، ويصدق. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اختلف الوكيل والمشتري في مبلغ الثمن، فإن لم يفت السلعة، تحالفا، ولا يحلف رب السلعة، لأنه لم يحضر، فإن نكل المبتاع، لزمته الثمن الذي حلف عليه الوكيل، وإن حلف المبتاع ونكل الوكيل، ثبتت السلعة للمباع بيمينه، وضمن الوكيل ما بقي لتعديه بترك الإشهاد، إلا إذا كان الوكيل بائعا أو مبتاعا فجحد البائع المشتري، وأقام الوكيل شاهدا واحدا، فليحلف معه الوكيل، فإن نكل، حلف المشهود عليه فبرئ ولزم الوكيل غرم البضاعة ولو لم يشهد عليه أحدا، وأتى ببينة غير عدول، فإنه يضمن ذلك الوكيل بعد يمين المنكر. وكذلك الوصي يبيع متاع الميت فينكر المبتاع الشراء، فيقوم عليه شاهدا، فينكل الوصي، وحلف المبتاع، وبرئ فليضمن الوصي، قاله مالك وأصحابه، وإن ألقى الوصي أو الوكيل عديما وقد نكل أو قبل أن ينكل، فلرب المال اليمين مع هذا الشاهد، وكذلك الوصي يدعي أنه قضى دينا على الميت، فحلف طالب الدين، لزم الوصي عزمه لصاحب الدين فكذلك في دين الميت يدعي من هو عليه / أنه دفعه إلى الوصي، فأنكر ونكل عن اليمين، فإن الوصي يضمن ذلك. وكذلك الوكلاء. قال مالك: ومن أمر رجلا أن يدفع عنه دينا، وبعث بذلك معه ليقضيه عنه، فزعم أنه قضاه وأقام شاهدا، فإنما يحلف معه الوكيل ويبرأ بذلك المطلوب. [7/ 235]
باب فيمن جحد بضاعة ثم ادعى ضياعها، وكيف إن أنكر ثم قامت بينة
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وعن الوكيل يبيع السلعة على أن لا يمين عليه، فيقام فيها بعيب، فلولا قطع السنة، رأيت له ذلك، فإما الوصي والوكيل المأمور يكره موقف ذلك، فأرى ذلك لهما، وأما غيرهما، فلا، وليرد البيع إذا أبى أن يحلف. قال عيسى، عن ابن القاسم: إذا قام المبتاع بعيب يحدث مثله، فطلب يمين الوكيل، فله ذلك، فإن حلف، وإلا رد، وإن قال: لم أحط بذلك علما. حلف المبتاع ورده، ولا يحلف السيد، وإن شاء المشتري أن يحلف السيد، فله ذلك، ووجه القضاء أن يحلف الوكيل، إلا أن يريد المشتري فذلك له، قال أصبغ: له أن يحلفهما جميعا ما علما بالعيب، فإن نكلا أو نكل أحدهما، فله الرد. باب فيمن جحد بضاعة، ثم ادعى ضياعها وكيف إن أنكر، ثم قامت بينة؟ من كتاب ابن المواز، والعتبية، قال مالك فمن أبضع مع رجل بعشرة دنانير من المدينة ليبلغها إلى الجار، فلما رجع إلى المدينة سأله ربها عنها، فأنكر أن يكون أبضع معه شيئا، فقال: إني أشهدت عليك. فقال: إن كنت دفعت إلي شيئا، فقد ضاع مني. قال: لا شيء عليه، إلا اليمين. قال محمد: إذا ... لم يقر شيء / فيما أظن، وقد قال ابن القاسم، في سماع عيسى بن دينار، من العتبية: إن من قول مالك، إنه ضامن. وقال ابن المواز: الذي يتبين لي لو صرح بالإنكار، فقال: دفعت إلي شيئا. لغرم إذا قامت البينة أو أقر وهو أصل قول مالك وأصحابه، فيمن عليه دين فدفعه، أو وديعة [7/ 236]
باب في وكالة البكر
ببينة أو بغير بينة، فردها وأشهد بينة بذلك، فطولب، فأنكر أن يكون كان عليه دين، أو قال: ما أودعتني شيئا. ثم أقر، أو قامت عليه بينة بأصل الحق، [أو بالوديعة]، فأخرج البراءة وفيها بينة عدلة، فلا تنفعه شهادة البراءة؛ لأنه (أكذبهم) لجحده للأصل. وفي كتاب الوديعة. ذكر من جحد وديعة، ثم قال: رددتها. أو قامت بينة بردها. وفي كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب، فين ادعى على رجل أنه أبضع معه رأسين، وقال الآخر: إنما أبضعت معي رأسا واحدا، أو: الرأس الآخر أبضعته مع غيري، ووكلتني عليه إذا وصل إلي، فلم يصل إلي. وأقام المدعي بينة أنه أرسل معه رأسين، قال: تلزمه الرأس الآخر لجحوده. باب في وكالة البكر من العتبية، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في البكر توكل رجلا على خصومة لها في منزل بينها وبين شركائها بميراث، فيقضي له، فتصدقت عليه بناحية من حظها من ذلك، ثم رجعت، فقالت: صنعت ما لا يجوز إلي، وعرفت ما تصدقت به. قال: صدقتها عليه وتوكيلها إياه لا يجوز، وإنما يلي منها / وصي، أو من يجعله السلطان، ولا يقضي له بأجر مثله عليها فيما كان لشركائها، ولكن بقدر ما يصير على نصيبها من أجر مثله، ولا شيء له على بقية الورثة، قال: وإنما ألزمتها من الإجارة بقدر حصتها، وهي لا يجوز توكيلها بذلك استحسانا لما يدخل عليها من المرفق، ولم لم يقضها عليها بشيء ما رأيت له شيئا، ولا بطلب عناه. [7/ 237]
مسائل مختلفة المعاني من كتاب الوكالات من العتبية وغيرها
مسائل مختلفة المعاني، من كتاب الوكالات من العتبية وغيرها من العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن أسلف رجلا دينارا، فرده إليه لشيء كرهه فيه، فأمر ربه بدفعه إلى فلان، فتلف قبل أن يدفعه، فإن قبضه، ثم رده إليه، لم يضمن، وإن كان لم يرده لصاحبه، فهو من المتلف حتى يرده. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن عليه لرجل ثلثا دينار مما حاسبه عليه، فأعطاه دينارا ليقبض ثلثيه، وليقض فلانا ثلثه، ثم نظر القابض في حسابه، فوجد له عليه أكثر من دينار، فأراد حبس جميع الدينار، فليس له ذلك، وليدفع الثلث إلى من أمره. وروى أشهب، عن مالك، فيمن بعث بدنانير إلى بلد إلى رجل، يبتاع له بها بزا، وله في كل عشرة دنانير، فكل جائز إذا كان كل ما ابتاع له قبله، وإن كان يبتاع له، فيختار عليه، فلا خير فيه قيل: أفيضمن المال؟ قال: لا. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في وكيل / لرجل في ضياعه في المساكين والمزارع، فقدم عليه وكيل آخر بعزله، فطلب القادم محاسبته، وأخذ كل ما فيه يديه، فإن ذلك له، قيل: فزعم الأول أن ناسا كانوا تقبلوا منه ادعوا فسخ ذلك وفساد عقده، وأرادوا الخصوم، فأما أحس بيدي الناض حتى ينظروا في ذلك، قال: ينظر فإن كانوا يخاصمونه، كان لهم تباعة فيما بيده بذلك له، وإن كان ينظر أن التباعة قبلهم، أو كان الأمر كفافا، فليدفع إلى القادم ما في يديه من المال، ويحيله على ما عند الناس ويجمع بينه وبينهم، فإن أقروا، أتبعهم، وإن أنكروا أقام الأول البينة، وإلا ضمن بترك الإشهاد. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، في المأمور بشراء سلعة، يقول: اشتريتها بشرط يفسخ به البيع، ويدفعه الآمر. فإن كان عند دفعه إياها [7/ 238]
إلى الآمر، فالمأمور مصدق مع يمينه ثم يصير كان الآمر شرط ذلك، قال: فإن: نكل المأمور، كانت السلعة للآمر، ورد المأمور إلى البائع القيمة، كفوتهما، ويزيد تمام القيمة إن فاقت على الثمن، وإن كان إقراره بعد دفعها إلى الآمر، لم يقبل يمينه، وبقيت للآمر، على المأمور تمام القيمة إن كان فضل وقاله أصبغ. ومن العتبية، قال عيسى، في الوكيل على شراء سلعة، فابتاعها، فقال الوكيل: اشتريتها بشرط كذا، مما يفسخ به البيع. وكذبه الآمر، وصدقه البائع، ولا بينة على الشرط، فليحلف الوكيل أنه اشتراها على ذلك، ويكون القول / قوله، ويفسخ البيع إن كان حراما وإن كان مكروها، فالبائع مخير بين أن يجيز البيع، ويفسخ الشرط، أو يرد سلعته أن لم تفت. فإن فاتت، فالعمل فيه على وصفت لك، ولو قال الوكيل: إنما اشتريتها بهذا الشرط لنفسي بعد أن خلعت وكالتك إياي، فالجواب سواء، ولم لم يقر بالشرط، وقال: ابتعتها لنفسي. فلما مضى بها للآمر، قال: اشتريتها بهذا الشرط، فلا يصدق، وهي للآمر، ولا يقبل يمين الوكيل في الشرط في هذا، كما حلف في الأولى؛ لأنه قد اشتريت ها هنا بالكذب في دعواها لنفسه. ومن كتاب ابن سحنون، وسأل حبيب سحنونا عمن بعث رجلا إلى رجل يسلفه عشرة دنانير، فقال: ما عندي إلا خمسة، فاذهب بها إليه. فأخذها الرسول، فضاعت في الطريق، قال: نصفها؛ ربها الباعث بها؛ لأن الباعث لم يأمره إلا بعشرة. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع من رجل طعام غائبا، ثم قدم به وكيل بائعه، فأراه قد حمله بعد الصفقة، ولم يعلم، فالبيع لازم فإن شاء البائع دفعه إلى المبتاع ها هنا، فرضي المبتاع بذلك. فذلك جائز، وإن لم يرض ذلك، فعليه أن يرده أو يدفع إليه هناك مثله. وقال فيمن وكل رجلا ببيع طعام له، وأمر [7/ 239]
ختنه أن يحفظ عليه ما يبيع، فلما ثم البيع، أتى ختنه بكتابه وما باع، وطلب الوكيل ما كتب، فقال: ذهب مني، ولكن ما كتب ختنك فهو حق، وأشهد عليه بذلك، ثم نزع، فقال: لا يلزمه ذلك: لأنه يقول /: ظننت أنه يصدق ولا تقبل شهادة الختن؛ لأنه خصم. وروى أشهب، عن مالك، في الرجل يبضع مع الرجل يبتاع له طعاما، فأخبره أنه قد فعل، وأنه قبضه وأخذه يبيعه، فقال: ما يعجبني ذلك. قال عيسى، عن ابن القاسم، في الوكيل يقبض لك ثمن طعام، فأردت أن يأخذ من الوكيل فيه طعاما، فلا بأس بذلك. قال ابن المواز: من اكترى جمالا، وبعث معه بدنانير يبتاع له طعاما، فيأتي فيقول: ضاع المال: فإنه لا يضمن، ويحلف: لقد ضاع. ولا أجر له فيما عناه. ومن كتاب آخر، قال محمد بن عبد الحكم، ومن له حق على رجل، فكتب له إلى رجل له عنده مال من دين أو وديعة، أن يدفع إليه ماله، فدفع الكتاب إلى الذي عنده المال، فقال هذا: خطه أعرفه، ولكن أدفع إليك شيئا فذلك إليه، ولا يقضي عليه بدفعه؛ إذ لا يبرئه ذلك أن جاء بالمال، وأنكر الكتاب، وكذلك لو قال: أمرني أن أدفع ذلك إليك، ولكن لا (أفعل) فذلك له، لأنه لا يبرئه ذلك إن أنكر الآمر أو مات قبل أن يسأل ولو قارب رب المال ادفعه إلي. فقال: لا أدفعه إليك إلا ببراءة، أو أشهد عليك. فإن كان وديعة، دفعها إليه بلا بينة، فعليه أن يردها إليه بلا بينة، وإن كان من دين له عليه، فليس عليه أن يدفعه إلا ببينة، ولكن لو أن رجلا دفع إلى رجل مالا على أن يدفعه إلى فلان أو بضاعة بعثه بها إلى فلان، أو دفع إليه دنانير ليشتري له بها بضاعة بمكة أو [7/ 240]
غيرها، فبض ذلك الشيء / على ذلك، فعليه أن ينقد في ذلك ما أمره صاحبه إذا كان قبضه على ذلك، وأخذه منه أن يدفعه، أو يشتري إلي به. ومن كتاب ابن سحنون، وكتب إليه شجرة، فيمن أمرته ببيع عبد ليتيم، وأن يقبض ثمنا طيبا، فيقبض الثمن طيبا فيما يقول: فيوجد فيه دنانير تنقص عن صرف الناس، ويقول المبتاع، ما أعطيته إلا طيبا. فكتب إليه: إن كانت مشكوكا فيها، ولم يضمر، وإن كان ردها بينا، ضمن. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن شرط في حق ذكر حقه، ومن قام به، فله أن يقبض، فلا يجوز هذا، ولا يقضى له إلا بوكالة. قال ابن عبد الحكم: وإذا أقرب رب العبد أن وكيلا له في بيعه باعه من فلان بمائة، والعهدة علت مالكه، ولا عهدة على الوكيل؛ إذ لا يقر بالبيع، ولا يلزم الوكيل قول سيد العبد، ويلزمه في العبد؛ لأنه يملكه. ولو أمره بشراء عبد بعينه بمائة، أو وصفه، فقال الوكيل: قد اشتريته بذلك. وصدقه البائع، وأنكر ذك الآمر، فهذا يلزم الآمر، كان قد دفع إلى المأمور الثمن أو لم يدفعه إليه وقال أبو حنيفة إن دفع إليه فالقول قول الوكيل، وإن لم يدفع إليه الثمن فالوكيل مصدق إن كان عبدا بعينه، وإن كان بغير عينه فالقول قول الآمر، ووافقنا أصحاب أبي حنيفة، وخالفوه [في ذلك]. تم الكتاب بحمد الله وعونه وصلواته على محمد نبيه [7/ 241]
كتاب القراض
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب القراض ما يجوز به القراض، وذكر القراض بالنقار أو بدين، أو وديعة أو عرض أو حلي، وفي رب المال يصارف العامل؛ أو يبيع منه من كتاب محمد، قال مالك: لا يصلح القراض بغير العين، وإن كان مكبلا أو موزونا؛ لما يخاف من تغير سعره عند المفاصلة. وروى ابن وهب أن مالكا اختلف قوله في إجازة القراض بنقار الذهب والفضة. وأجازه ابن وهب، وكرهه الليث وشدد فيه، وأجازه مالك، من رواية أشهب، وقال: يرد مثلها وأياه، م رواية ابن القاسم، وكذلك في العتبية من روايتها، قال ابن القاسم: فإن نزل، مضى على ما عقدا. وقاله أصبغ في كتاب محمد. قال ابن حبيب مثله، وذلك إذا عرف وزنها، فإن لم يعرف فرأس ماله فيها، البين الذي بيعت به أو العدد الذي خرد له في ضربها، إلا أن ي كون قال له: بعها واستضربها فرأس ماله ما باعها به، أو ما خرج في الضرب. عرفا وزنها أو لم يعرفا، وللعامل أجرته في الصرف أو الضرب، إن كان لذلك مؤتة، ثم هو فيها حصل على قراض مثله. قال ابن القاسم، في العتبية من رواية يحيى بن يحيى: أكره القراض بالنقار: في [7/ 243]
البلد الذي لا يدار فيه إلا العين المسكوك، فإن وقع أجزته، ولا بأس في البلد الذي تدار فيه الفضة والذهب تبرا، وإذا أخذها في بلد لا يدار فيه إلا العين، فاستضربها دراهم، فنقصت فرأس المال وزنها الأول، يرد مثله /: قال أشهب، عن مالك، في العتبية وكتاب محمد: لا يصلح القراض بحلي مصوغ من ذهب وفضة. قال في كتاب محمد: فإن وقع، فهو أجير في بيعه، وعلى قراض مثله في الثمن. قال ابن القاسم، في كتاب محمد: وأكره القراض بالفلوس. قيل: فإن وقع؟ فسكت. قال أصبغ: هو كالنقر، ويجري مجرى العين. وقال ابن حبيب، وقال: ويرد فلوسا مثلها، إلا أن يكون شرط عليه أن يصرفها دراهم، ويعمل بالدراهم فيأخذ أجر صرفه، ثم هو على قراض مثله في الدراهم. وفي أمهات أشهب، أنه أجاز القراض بالفلوس، لأنها إذا ضربت صارت مثل العين. محمد: وأخبرني الحارث، عن أشهب، أنه لم يجز القراض بالفلوس. قال محمد: النقار أخف، ولا يجوز بالفلوس، وهي كالعروض. ومن كتاب ابن حبيب، ومحمد: وإذا قال في العرض: خذه قراضا، أو بعه واعمل قراضا فهو سواء، وله أجره في الببيع والتقاضي وعلى قراض مثله في الثمن. قال ابن حبيب: فإن باع المقارض ذلك العرض بعرض، ثم باع الثاني بعين، ثم عمل، فإن كان إنما قال له: بعه واعمل به قراضا فرأس ماله الأكثر من قيمة العرض الأول، أو من ثمن الثاني، وله أجره في بيع الأول لا في الثاني. قال أبو محمد: وإنما له أجره في الأول عندي إذا أجار بيعه إياه بالعرض، واختار ثمن الثاني، إذ هو أوفر من القيمة، وأما إن اختار قيمة الأول؛ إذ هي أوفر، فلا أجرة له؛ لأنه تعدى. [7/ 244]
قال ابن حبيب: ولو كان قال / له خذه واعمل به قراضا، والمسألة بحالها، فرأس المال قيمة العرض الأول، يريد يوم باعه بالعرض. قال: ولو أجره في بيعه الأول، ولا ينظر في الثاني إلى ثمن ولا قيمة، لأنه من تجارتها بعد. ومن كتاب محمد، قال: كره ابن القاسم القراض بالوديعة حتى يحضراها، ولا بأس به عندي. قال ابن القاسم، في العتبية، كان مالك يكره القراض بالوديعة، فإن وقع مضى، والربح بينهما، ويصدق في التلف. قال ابن حبيب: أكرهه، إلا أن يكون عند ثقة مأمون، فإن نزل بالوديعة مضى حتى يعرف أنه حركها قبل ذلك، فيكون كالدين. ومن كتاب محمد، قال مالك: ولا يجوز أن يعطيه دينا له في ذمته قراضا، وكذلك لو أحضره، فقال: خذه قراضا. لم يجز حتى يقبضه، فإن نزل، فليس له إلا رسا ماله. وقاله ابن القاسم، في العتبية من رواية سحنون قال في غيرها: وروي عن أشهب، في الدين: إن نزل، مضى. قال مالك: وكما لو أحضر العامل المال، وقال: ابقه دينا علي. لم يجز حتى يقبضه منه، ثم يسلفه إن شاء. قال محمد: ومن أغرته دنانير، فلا تدفعها إليه قراضا حتى يقبضها، ولو كان عرضا، ولم يجز، ومن لك عنده دنانير رهنا، فقارضته بهذا، لم يجز حتى يردها، وإن كانت بيد أمين، فلا ينبغي أن يعطيها للأمين قراضا حتى يؤدي الحق إلى ربه. [7/ 245]
فيمن دفع مالا بعد مال قراضا أو مالين على جزء مختلف، أو رجلين على تفاضل في الربح
فيمن دفع مالا بعد مال قراضا أو مالين على جزء مختلف، أو رجلين على تفاضل في الربح ومن كتاب محمد، قال: ولا خير في أن يدفع إليه مائتين، على أن يعمل بكل مائة على حدة، إلا أن يكون على جزء واحد من الربح، فإن كان الربح مختلفا، لم يجز إلا على الخلط، إن لم يكن عمل بالأولى، ولو قال: على أن ربح مائة للعامل. لم يجز إلا على الخلط ومما عين بعد، فإن نزل على الخلط، فهو أجير فيها. وروى أبو زيد، في كتاب آخر: لا يجوز على أن لا يخلط، وإن كان على جزء متفق وهما عين بعد، وقاله ابن حبيب، قال: فإن نزل، فهو أجير فيهما. ومن كتاب محمد: ولا يجوز بعد إشغال الأول أن يعطيه على الخلط على جزء متفق أو مختلف، كان في السلع كفاف المال أو أقل أو أكثر، ويجوز على غير الخلط عل جزء متفق أو مختلف. وروى أشهب: إذا أشغل الأول، وهو على النصف، ثم أعطاه آخر على الثلث، أنه كرهه، والذي أخبرتك قول ابن القاسم، وإن شرط: إن ربح عشرة للعامل، وما بقي بينهما، فجائز على الخلط لا على غيره. قال: وإذا باع سلع الأول، ثم أخذ منه مالا ثانيا، فإن لم يكن في الأول فضل ولا نقص، فجائز على قراض متفق أو مختلف، إن كان على الخلط، وإلا لم يجز، وإن نقصت الأولى أو زادت، ولم يجز أخذ الثاني في خلط، أو على غير خلط على جزء متفق أو مختلف. قال سحنون، في العتبية، فإن ربح في الأول ونض، فقاسمه الربح ثم زاده مالا آخر، فربح في المالين ـ يريد وقد خلطهما ـ قسم هذا الربح على المالين؛ فما صار الأول كان على قراضهما، / وما صار للثاني فلرب الثاني، وللعامل فيه أجر [7/ 246]
جامع الشروط في القراض والعقود فيه، وعون ربه أو عبده
مثله، ولو خسر الآن، ومضت الخسارة على المالين، فما ناب الأول منها، جبر بالربح الأول، وخسارة الثاني، على رب المال، والعامل فيه أجير. وقال ابن حبيب نحو ذلك، إلا أنه قال: سواء نص الأول على ربح أو خسارة، فالربح الثاني يقسم على عدد المالين حين خلطهما، وقالهما: ويكون في الثاني على قراض مثله على تأخير شرط في الخلط. جامع الشروط في القراض والعقود فيه، وعون ربه أو عبده، وما يرد فيه العامل إلى قراض مثله، أو إلى أجر مثله من كتاب محمد، قال مالك وأصحابه: لا يجوز مع القراض شرط سلف، ولا بيع، ولا كراء، ولا شرط قضاء حاجة، ولا كتاب صحيفة، ولا يشترط أحدهما شيئا لنفسه خالصا، ولا بيعا، ولا سلفا، ولا إجارة، ولا أن يولى العامل شيئا، ولا يكافى في ذلك، فإن نزل هذا كله، فالعامل أجير، إلا أن يسقط الشرط قبل العمل. واختلف قول مالك في اشتراط عون غلام رب المال. وأجازه الليث. ولم يجزه عبد العزيز بن أبي سلمة. قال محمد: لا بأس به، بخلاف عون رب المال بنفسه، وبخلاف غلام العامل وكره مالك عمل رب المال معه بغير شرط، إلا العمل الخفيف، محمد: ولا يفسخ به القراض وإن كثر حتى يكون بشرط، قال ابن حبيب: قال ملاك: لا بأس أن يعينه رب المال بالعبد إن كان / عونا يسيرا في مال كبير، وعلى غير شرط. قال: وعون عبد العامل أكره من عون رب المال، فلا ينبغي منه قليل ولا كثير؛ لأنه لا يفسد القراض، ولا يحوله عن شرطه من الربح، وكذلك إن أسلف أحدهما صاحبه، أو قعد العامل بالمال في حانوت، أو وهب أحدهما لصاحبه، أو عمل المقارض بعبده أو بدايته، أو كان صانعا يعمل بيديه، أو صنع أحدهما بصاحبه شيئا من الرفق لا يجوز ابتداء الشرط به، فإن ذلك لا يفسد القراض، ولا يغير الربح، غير أن الصانع إن عمل بيديه بغير شرط، فله أجر عمله. [7/ 247]
ومن كتاب محمد: ولا بأس أن يجعل رب المال غلامه يعمل معه، على أن للغلام جزءا من الربح يكون له، لا للسيد. وقاله ابن وهب، والليث. وروى عيسى، عن ابن القاسم، وإذا دفع الرجل إلى رجل وإلى عبده مالا قراضا، فإن كان ليكون عليه عينا ويحفظ عليه، أو ليعمله، فلا خير فيه، وإن كانا أمينين تاجرين، وإن كان العبد أدنى عملا من الآخر، فلا بأس به، إذا لم يكن ما ذكرت. قال مالك: في كتاب محمد: وإذا جعل غلامه أو وكيله مع العامل، ليحفظ عليه، فإنه يفسخ، فإن عمل، فهو أجير، ولو بعث معه غلامه لخدمته وحوائجه، فذلك جائز، وأشهب، عن مالك: فإن قال: هذه مائة دينار قراضا فإذا اشتريت فخذها يريد كلما اشتريت أخذت، فلا يصلح حتى يسلمها إليه، ولو سلمها إليه وقال: إن احتجت زدتك. فيشتري بمائة وعشرة، فيأتي فيأخذ منه العشرة، فذلك / جائز؛ وكذلك في العتبية ومن كتاب محمد: وإن شرط أن لا يشتري إلا من فلان، أو سلعة غير مأمونة، لم يجز، فإن نزل، فهو أجير، ولا يشترط عليه ألا يسافر به، فإن كان ببلد له سعة يجد به التلف في التجارات، فلا خير فيه، ولا يجوز أن يشترط أن يجلس به في حانوت، أو على أن لا يتجر إلا ببلد كذا، فإن نزل، فهو أجير، ولا يجوز على إلا يسافر به إلى الشام، أو إلى العراق. ومن الواضحة، قال ابن حبيب: ومما يجوز أن يشترطه، ألا يحمل إلا في بحر، أو ألا يشتري حيوانا، أو ألا يخرج من بلده، ولا ينزل ببطن واد ونحوه. قاله مالك، وكثير من التابعين. قال ابن حبيب: وإذا اشترط أن يخرج بالمال إلى بلد يسميه له، يشتري به متاعا يقدم به، أو على أن يشتري ببلده سلعة سماها يخرج بها إلى بلد يبيعها، فإذا وقع هذا شرطا، فهو أجير. قال: ومعنى الكراهية في ذلك في الخروج، أن يشترط عليه شراء سلع يحملها من ذلك البلد، أو يحملها إليه، [7/ 248]
فأما إن قال: إن شئت فاخرج، أو أقم. فجائز، أو يشترط عليه الجروح بالمال والضرب به في البلدان، ولا يسمى بلدا بعينه، ويجوز أيضا أن يسمى له بلدا بعينه يخرج إليه، وهو بلد واسع المتجر، ليس يضيق، ما لم يشترط عليه جلب ما يشتري هناك من السلع، أو يسمى له سلعا يشتريها منه ويأتي بها، أو يحمل من هنا هنا إلى هناك سعلا يبيعها، ثم فهذا كله مكروه، وهو فيه كله / جائز. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في العتبية، فيمن قارض رجلا على أن يخرج إلى البحيرة، أو الفيوم، يشتري طعام، قال: لا بأس به. قيل: فالمكان البعيد؛ برقة أو إفريقية، على أن يخرج إليها يشتري بها؟ قال: لا بأس بذلك. ومن كتاب محمد: وكره مالك أخذ القراض على أن يخرج به إلى بلد الروم يبتاع الرقيق. قال ابن القاسم: لأنه خطر عليه ألا يبيع إلا بموضع بعينه، ولما كره من خروجه إليها في التجارة، لا للغزو. قال مالك: وهو بخلاف من خرج بماله غازيا. وقال في بصري طلب من رجل بالمدينة مالا قراضا يبتاع به بزا، ويدفع ثمنه بمصر إلى وكيله، فذلك جائز، وهو كفعل عمر في ولديه. قال مالك: وإن قال له: إلي مال بمصر، فخذه واعمل به قراضا، لم يجزه ابن القاسم؛ لموضع الرسالة. ومن كتاب محمد، والواضحة، قال مالك: ولا يجوز أن يشترط عليه أن يزرع أو لا يشتري إلا حيوانا للنسل، أو نخلا للغلة، أو يشترط زيادة لأحدهما، وهو في ذلك كله أجير. ومن كتاب محمد: ومن أخذ قراضا على أن يسلم في السلع، أو على ألا يبيع إلا بالدين، لم يجز، فإن وقع، فله إجازة مثله، ويترك رب المال يقتضي الديون بنفسه. قال ابن حبيب: وكذلك لا يشترط بضاعة، ولا أن يعطيه مالا على النصف، على أن يبلغ له مالا إلى بلد آخر يسميه، أو على ألا يبيع إلا بالدين [7/ 249]
وحده، أو بالدين والنقد شرطا، أو على أن يحبس رب المال رأس المال، ويقول له: اشتر، وأنا أنقد. أو على أن يكون ما اشترى عند رب المال، أو على أن يجعل معه أمينا، فإن نزل في هذا كله، فهو أجير، والتوى والنماء لرب المال / وعليه [غير أنه إذا توى المال ولم يكن فيه ربح، سقطت أجرته] من رب المال في ماله؛ لأنه إنما عامله على أن تكون أجرته من الربح إن كان. قال، وهذا أحسن ما سمعت فيما يرد فيه إلى أجرة مثله. واختلف فيه؛ كان عبد العزيز بن أبي سلمة يرد العامل في القراض الفاسد كله إلى أجرة مثله. وقال أشهب، وابن الماجشون: يرد في كل قراض فاسد إلى قراض مثله. وروي عن مالك، أنه يرد في بعض ذلك إلى أجر مثله، ي بعضه إلى قراض مثله. وبهذا أخذ ابن القاسم، وابن عبد الحكم، وابن نافع، ومطرف، وأصبغ. وبه أقول، وأصل ذلك أن كل زيادة يشترطها أحدهما هي للمال وداخلة فيه، وليست خارجة منه، ولا خالصة لمشترطها، فهذا يرد إلى قراض مثله، وكل زيادة اشترطها خارجة من المال، أو خالصة لأحدهمها، فهو يرد إلى أجرة مثله، وكل خطر وغرر يتعاملان عليه خرجا من سنة القراض به، فهو أجير، وهذا في اشتراط الزيادة الخارجة من المال والداخلة فيه اللتين ذكرنا، وإنما ذلك ذلك جل خطبهما، فأما ما خلف مما لا بال له، فيكره بدءا، فإذا وقع بالقراض، فحاله على شرطهما. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أخذ مائة قراضا، عى أن يوصل مائة أخرى إلى بلد، لم يجز، فإن نزل، كان أجيرا في المائتين. قال ابن القاسم: فإن سوفه الربح، فإن علما مبلغ الربح من الإجارة، فذلك جائز، وأما على تخاطر، فلا يجوز. وكذلك روى عيسى، في العتبية، عن ابن القاسم، ومن كتاب محمد، قال: اختلف قول مالك في اشتراط الزيادة لأحدهما ـ يريد / في الإجارة أو قراض المثل. [7/ 250]
قال الليث: هو أجير في ذلك كله. قال: وقال غير ابن القاسم كل ما فسد له القراض، ففيه المثل. وقول مالك، وابن القاسم أحب إلي. قال: وإذا أعطاه قراضا، وقال: على ألا تتجر ألا في النخل، أو في الحيوان. فذلك جائز إن كان موجودا. قال ابن القاسم: ولا خير أن يأخذ قراضا بشرط على أن يخلطه بماله، ولا على أنه إن شاء أخلطه بغير شرط. قال أصبغ: الأول أشد، فإن فعل، لم أفسخ به القراض في الوجهين، وليس بحرام. وخفف أشهب اشتراط ذلك وروى أشهب، عن مالك فيمن أخذ مائة قراضا، وأخرج هو مائة فخلطها، فذلك جائز، وليؤذن بذلك رب المال. وروى أشهب، عن مالك، فيمن عليه مائة دينار دينا لرجل، فقضاه إياه، ودفع إليه مائة أخرى قراضا؛ على أن يخلطها، قال: لا بأس بذلك. وكرهه أصبغ بشرط، إلا أن قل مال العامل مما لا يغتر لمثله تكثير الريح، مثل خمسة دنانير ونحوها، وإن كثر كرهته، ولم أفسخه. ومن الواضحة، واستخف مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، شرط رب المال على العامل، خلط ماله بالمال، ولم يروا بأسا. أن يعمل عليه. وقاله أشهب ما لم يقصد فيه استقرار الربح لعله مال القراض في كثرة الآخر، فيكون كزيادة مشترطة داخلة في المال، فيكون فيه على قراض مثله على غير شرط، بعد أن يقسم الربح على المالين. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن وهب: من أخذ مالا قراضا على ضمان، أو يمين، أو حميل، لم ينبغ ويكون على قراض مثله وذلك إن أخذ بذلك رهنا. قال محمد: ما لم يكن أكثر مما شرط / فلا يزاد على شرطه، وهل الأقل. قاله مالك، ويبطل شرط الضمان قال ابن حبيب: وكل قراض وقع فاسدا مما يرد فيه العامل إلى قراض مثله، أو أجرة مثله، فليفسخ متى ما عثر عليه قبل العمل أو بعده، بخلاف المساقاة. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أخذ مالا قراضا، على أن يدفعه إلى آخر قراضا، ويكون الضمان على الآخر، قال ابن [7/ 251]
القاسم، يردان إلى قراض مثلهما، وهو كما لو دفعه إليه نفسه على الضمان، وليس عليه ضمان. قال أصبغ، فيمن أخذ قراضا على ثلث الربح له، ثم أراد كراء دابة، فقال له رب المال: أكري منك دابتي، على أن يصير لي من الربح الثلثان، ففعل، فإن كان أمر الدابة يسيرا، يجوز اشتراطها لخفته، فذلك جائز، وله شرطه، فهو قراض مبتدئ، لأن المال عين، وإن كان ذلك له بال وزيادة بينة، فسد القراض وينقض، فإن فات، فهو أجير. قال أصبغ: فيمن بعث إلى رجل بمائة دينار، يبتاع له بها طعاما، على أن لرب المال نصف الربح، والنصف الآخر بينه وبين العامل، وعلى أن للعامل ربع الوضيعة إن وضع، قال: أراه سلفا على العامل، وذلك الربع له ربحه ووضيعته، وله أجر مثله في الثلاثة أرباع. ومن كتاب محمد، وذكر عن أشهب، في الذي شرط عليه ألا نفقة له، فهو أجير. وفي الذي شرط عليه زكاة المال في ربحه، أن له قراض مثله، محمد: وأحب إلي أن يكون له أجر مثله، وإن أخذ مائة قراضا، ومائة سلفا، فربح مائة السلف للعامل، وهو أجير في مائة القراض. قاله مالك، وابن القاسم. / وقال ابن وهب: له قراض مثله. والأول أحب إلينا. وإذا وجب للعامل إجارة مثله؛ لفساد القراض، ثم فلس رب المال، لم يكن العامل أحق الربح في إجارته، وليحاصص بإجارة مثله في الربح وغيره. قاله ابن القاسم. ومن قارض صانعا، على أن يعمل بيده، لم يصلح، فإن نزل، فابن القاسم يرى له إجارة مثله في المال. وقال ابن وهب: هما على قراضهما، وخالف أصحابه، قال مالك: وإن شرط على العامل ألا ينفق في سفره، لم يجز. قال ابن القاسم، وهو أجير، فإن أنفق من عند نفسه بغير شرط، فذلك جائز. [7/ 252]
قال مالك: ولو أخذه بغير شرط، ثم قال عند شخوصه: إن معي ما لا يحمل نفقتي، ولا أنفق من مالك. كان كالشرط. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، قال محمد: قال ابن القاسم: لأن المال غير نقد، ففيه تهمة، ولو كان بعد الشخوص له، أو الشراء، لجاز. وكذلك قال عيسى، في العتبية، قال ابن حبيب: وكره مالك أن يقارض الرجل رجلا، على أن يشتري بالدين، فإن وقع فربح ما اشترى بالدين له، ويقتضي به عليه، ويرد في ربح مال القراض إلى قراض مثله على غير شرط. وبعد هذا باب في العامل يبيع بالدين، أو يشتري. قال ابن حبيب: ومن دفع إلى رجل قراضا على النصف، ثم لقيه بعد ذلك، فقال له: اجعله على الثلثين أو الثلث لك. فرضي، فإن كان المال عينا لا زيادة فيه ولا نقصان، حركه أو لم يحركه، فذلك جائز، وإن كان فيه زيادة أو نقصان، أو كان / في سلع، فلا يجوز وفي المدونة عن ابن القاسم، أنه جائز، وإن كان بعد أن عمل فيه. قال سحنون، في كتابه ابنه، في قول ابن القاسم، في المتقارضين يشترط أن ثلث الربح للمساكين، أنه جائز. وإنما يعني أن العامل قد حقه وهو الثلث، والثلثان لرب المال، وكأنه صير نصف حقه للمساكين، ولو كان قال: على أن ثلث الربح لرب المال بثلث رأس المال، والثلث للمساكين بثلث رأس المال، والثلث للعامل بثلث رأس المال. لم يجز، كأنه شرط خلط ماله بمال آخر هو للمساكين. وأنكر ابن عبدوس هذا، وقال: هذا جائز؛ لأنه مال مخلوط لربه، فليس كما قال لغيره يشترط خلطه. [7/ 253]
فيمن أخذ مالا قراضا بعد شراء به لسلعة أو عندما يريد يشتريها
فيمن أخذ مالا قراضا بعد شراء به لسلعة أو عندما يريد يشتريها من العتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن يشتري السلع، فلا يحمل ماله، فيسأله رجلا قراضا، ولا يخبره، فيعطيه، فينقد ذلك فيما يشتري، ويدخله في القراض، قال: لو صح، وأخاف أن يكون قد استغلا. قال ابن القاسم: لا يعجبني، وإن صح. وقال سحنون. والمسألة كلها في كتاب محمد كما ها هنا. وقال أصبغ: يجوز إن صح. محمد: إن لم يعلمه، ولم يكن بغلام، فهو جائز. وفي الواضحة مثل ما تقدم، إلا أنه قال: آخذ قراضا على أن ينقد منه تماما ثمنها. قال مالك: إن لم يغل، فجائز إذا وفع، وأكره العمل به ابتداء. قال ابن حبيب: وإن انكشف أنه كان استغلاها، ولم يكن يساوي ذلك يومئذ، فلينظر قيمتها يومئذ، ويرجع عليه بالزيادة، ولا ينظر إلى ما يبعث / به من ربح، وإن علم أنه لم يكن للاستغلاء، ثم نقص ثمنها، لم يرجع عليه بشيء، وإن خسر فيها مبتاعها، نقد الثمن من عنده. أو لم ينقد منه شيئا. ومن كتاب محمد: ولو ابتاعها، ثم أخذ منها قراضا ليدفعه في ثمنها، لم يجز، وهو كالسلف، وجميع الربح للعامل. محمد ولو كان ذلك قبل يستوجبها، ولم يسم السلعة ولا بائعها، فذلك جائز. وروي عن عثمان، أن رجلا قال له: وجدت سلعة مرجوة، فأعطني قراضا أبتاعها. ففعل محمد: وذلك أنه لم يسم السلعة ولا بائعها. قال ابن حبيب: يكره أن يؤخذ المال قراضا، على أن يشتري من رفقة نزلت بهم معها تجارة ابتداء، فإذا وقع مضى على شرط الربح. قال ابن المواز: قال ابن وهبك وإن قال له: ادفع إلي قراضا أشتري به سلعة فلان. فإن لم يطلب ذلك رب المال، وإنما أتاه هذا في المال، فهو جائز، [7/ 254]
في العامل يشارك رب المال أو يبايعه أو يشتري العامل منه مبلغ القراض
وإن كان رب المال طلب ذلك إليه، لم يجز. محمد: وإن سمى السلعة أو البائع، لم يجز، وإن نزل، فللعامل أجر مثله. في العامل يشارك رب المال، أو يبايعه أو يشتري العامل منه سلع القراض أو يعمل مع رب المال أو يضع معه، وفي عمل يد العامل من غير شرط ومن كتاب محمد، والعتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن تجهز لسفر وقد أخذ قراضا، ثم قال له رب المال، أيخرج مالا آخر؟ قال: في كتاب محمد: مثل الأول يشترك معك به، قال مالك: ما أرى من أمر بين كأنه خففه. قال ابن القاسم: إن صح من غير موعد أو وأي فجائز. ومن العتبية، قال أصبغ: لا خير فيه، قال سحنون: هو الربا بعينه. ومن كتاب محمد: وإن شارك رب المال في / سلع، فذلك جائز إن صح. قال مالك: لا ينبغي أن يصارف رب المال عاملة قبل العمل، ولا بأس أن يشتري منه العامل الثوب والثوبين أو يوليه إن صح ذلك. قال مالك، في العامل يبتاع القمح من الريف، ثم يبعث به إلى رب المال يحرثه، ويقوم فيه من غير شرط في أصل القراض، قال: لا يعجبني، ولو كان شيئا خفيفا، لم أر به بأسا، قيل له: المائة والخمسين: قال: الشيء الخفيف، وإلا فلا خير فيه، هذا يكثر فلا يعجبني. قال مالك، فيمن قارض رجلا، ثم أشركه بعد ذلك في سلعة، فإن صح، فلا بأس به. قال عيسى: لا بأس من اشترى منهما سلعة من صاحبه. أو شرك صاحبه فيهما، كان العامل أو رب المال [7/ 255]
ومن كتاب محمد: واختلف في قول مالك، في شراء العامل من رب المال؛ فورب عبد الرحيم، أنه خففه إن صح وكرهه في رواية ابن القاسم. وكذلك الصرف. . قال: وإن اشترى منه سلعة لنفسه، لا للتجارة، فذلك جائز، ويتولاها عنه أحسن، وخفف في رواية ابن وهب أن يشتري منه على الصحة. وقاله الليث. . ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك في العامل يشتري بالمال متاعا، ولا يجد به ما يعجبه، فيقول لرب المال: بعنيه وانظرني ببعض ثمنه، وأنقدك البعض. قال: لا خير فيه، ونحا به ناحية الربا. قال ابن القاسم، في رواية عيسى: إن ابتاعه بنقد، فجائز، وإن كان بتأخير بمثل رأس المال فأقل، فجائز وإن كان بأكثر، فلا يجوز، وإن أراد رب المال أن يشتريها بنقد، أو إلى أجل، فلا بأس به. ومن الواضحة وإذا تفاصلا وقد بقيت بينهما سلع، فقال العامل لرب المال: أنا آخذها إلى أجل فلا بأس به؛ / لأن القراض قد انقطع، وصار الثمن دينا. وكذلك سمعت أصحاب مالك يقولون وعنده ابن القاسم. ومن كتاب محمد: ولا بأس أن يشتري العامل من سلع القراض لنفسه من رب المال بنقد ومؤجل. قاله الليث، ويحيى بن سعيد. قال محمد: يجوز بنقد ولا يجوز عند مالك بتأخير. قال ابن القاسم: وأرى أن ينقض، وما فات ففيه القيمة قال محمد: إن كانت سلعة حاضرة، ولم أبلغ به الفسخ، وإن كان شيئا غائبا، فليفسخ، وإن فات ففيه القيمة، ولا يشتري العامل منه سلعة القراض بمال القراض بنقد ولا بتأخير. قال ابن القاسم: إن صح فهو جائز. وإن اشترى رب المال سلعة من العامل من القراض بنقد أخرجه من ماله، جاز له بيعه مرابحة، وإن لم ينقده، وأخذها من القراض، فلا خير فيه أصبغ: قال ابن وهب: وإذا ابتاع [7/ 256]
في العامل يزيد من عنده مالا في القراض من غير شرط أو يزيد في كراء أو قصارة أو صبغ
قمحا بمال القراض فحرثه، فراضى رب المال أن يسلم إليه القمح وينقطع ما بينهما، ثم أراد شراءه منه، فذلك جائز، ويجوز أن يبتاعه جزافا إذا رآه، وإن لم يره، فجائز ... إذا وجده على ما يعرف. قال أصبغ: يلزمه؛ إن وجده على غير ما يعرف؛ لأن البيع وقع صحيحا بالمعرفة الأولى، إلا أن يكون أصيب قبل الصفقة قال ابن ميسر: قبل الصفقة الثانية، وذلك انقطع الأمر بينهما انقطاعا لا يتهمان فيه. قال يحيى بن سعيد: وإذا سلما من اشتراط أن يبضع معه في العقد، جاز أن يبضغ معه بعد ذلك. قال مالك: يجوز ما قل، وأما الكثير، فلا. قال ابن القاسم: ولا أحبه فيما قل بشرط. ونحوه في الواضحة، قال: ولو كانت البضاعة ذات المال وهي مما يتحمله له لو لم يقارضه، أو يتحمله لغيره، فلا بأس بذلك /، وإن كان مما لا يتحمله لولا القراض، فانظر؛ فإن كان القراض ناضا، فلا تجزه، وإن كان في تجارة، فذلك جائز. وفي كتاب ابن المواز: وقال مالك، في العامل تبور له الثياب فيخيطها بإجارة، ويخيط هو فيها، ويأخذ أجره، أو كان خفاقا أو حدادا، فليس بحسن، وإن لم يأخذ القراض عليه بلا عمل في ذلك أجريت له إجارة أم لا. قال محمد: ولا إجارة له في عمل يده. قال ابن ميسر: له إجارة عمله، وهو على قراضه [كما هو]. وقاله ابن حبيب، في باب قبل هذا. في العامل يزيد من عنده مالا في القراض من غير شرط أو يزيد في كراء، أو قصارة أو صبغ أو يشتري سلعة بنقد ودين، فينقد مال القراض من كتاب محمد بن المواز، ابن القاسم: وإذا زاد من ماله في ثمن سلعة على أن ذلك لنفسه، فهو بذلك فيها شريك ولا خيار فيه لرب المال، وكذلك إن زاد في [7/ 257]
القصارة والصبغ، وإن زاد ذلك سلفا، فرب المال مخير في [أداء] ذلك، يكون في القراض، أو لا يرضى، فيكون به العامل شريكا، وأما زيادته للكراء، فذ ... لك مبدأ، ولا حصة له فيه من الربح، ولو لم يبق إلا قدر الكراء، فهو أحق به، ولو لم يف بالكراء، لم يتبع رب المال بشيء، وكذلك لو تلف كله، ولو ذهب المال إلا قدر الصبغ والقصارة، لم يكن له منه إلا بقدر حصة ما أخرج يكون به شريكا، بخلاف الكراء، وروى أشهب، عن مالك، أخذ مائة قراضا، ثم أخرج مائة /، فأخلطها بها، ذلك جائز، وليؤذن بذلك رب المال. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن بيده مائة دينار قراضا، فاشترى سلعة بألف، على أن ينقده مائة، فنقده مائة القراض، قال: فهما شريكان في السلعة، والزكاة بالحصص، وتقوم السلعة بالنقد، فإن سويت تسع مائة، فللقرض تسعها. قال ابن القاسم. فعلى ذلك الربح والوضيعة. وكذلك في المجموعة وذكرها ابن المواز. ورواية ابن القاسم فيها عن مالك، أن تقوم السلعة. قال ابن المواز. وليس هذا بشيء؛ لأنه إن استرخص، لم ينتفع القراض بذلك، وإن استغلي، لم يحلقه الغلاء؛ إذ لو كانت قيمتها بالنقد ألفا أو ألفا وخمسمائة، لم يقع للقراض من ذلك إلا مائة، والصواب من ذلك أن يقوم الدين، وقد روي ذلك عن مالك، وعن ابن القاسم، وأشهب، أن ينظر إلى قيمة التسعمائة الدين نقدا بعرض، وينظر إلى قيمة العرض نقدا، فإن سوي ستمائة، كان القراض سبع السلعة فيما يقع لذلك من ربح أو وضيعة. وكذلك قال سحنون، إنه إنما يقوم الدين، وتقويم السلعة خطأ. وذكرها ابن المواز، إذا اشتراها بمائة نقد ومائة إلى أجل، فنقد مائة القراض، فتقوم المائة المؤجلة بعرض، ويقوم العرض بنقد، ثم كان العامل شريكا. قال ابن القاسم ورواه أشهب، عن مالك، وقال به. وروى عبد الرحيم السلعة، فيكون بما زاد في المائة شريكا. ولا يعجبنا. قال سحنون: تقويم السلعة خطأ. [7/ 258]
في العامل يشتري أو يبيع بدين بإذن أو بغير إذن أو يشتري على أن ينقد فيتلف المال
في العامل يشتري أو يبيع بدين بإذن أو بغير إذن أو يشتري على أن ينقد، فيتلف المال أو يبيع بربح قبل أن ينقد، وهل له السفر من بلد المال؟ من كتاب محمد: ولا يجوز القراض على ألا يبيع إلا بالدين، فإن نزل، فهو أجير، ويترك رب القراض يقبض الديون بنفسه، فإن لم يكن للعامل بينة على الدين، ضمن، وإذا لم يشترط ذلك، فباع أو اشترى بالدين، فأما بيعه بالدين، فإن قبضه، فالربح بينهما، وما ملك ضمنه إن لم يوقن له، فأما تسلفه على القراض، فلا يجوز، ولا يدخل في ربحه رب المال، تسلفه بإذنه أو بغير إذنه، وإنما يجوز أن يأذن له أن يبيع بدين أو يسلم الغلات، ما لم يكن بشرط في أصل القراض، فأما شراؤه بالدين على القراض، أو يتسلف عليه، فلا يجوز، أذن فيه رب المال أو لم يأذن، وكيف يأخذ ربح ما يضمنه العامل في ذمته، وقال ابن القاسم: ولو فعل ذلك العامل، لقومت السلعة التي اشتريت بدين بنقد، فيكون العامل بذلك شريكا في العامل، لقومت السلعة التي اشريت بدين بنقد، فيكون العامل بذلك شريكا في المال. لعله يريد في سلعة واحدة يشتريها بدين وبنقد، فينقد مال القراض، وهي في الباب الذي قبل هذا. وإذا اشترى بنقد فلم ينقد حتى باع بربح، فذلك بينهما، لأنه القراض الذي اشترى، وقيل: فلو تلف المال، أليس العامل يضمن الثمن؟ قال: إنما هذا بعد أن يأبى رب المال غرمه، ولو تلف السلعة، وجب نقد مال القراض ألا لم يتلف، ولو تلف المال بعد ذلك، لم يلزمه ربه، ولزم العامل، ولو تلف / المال بدءا، وقال ربه، بع السلعة، وادفع، فإن نقصت وديت، وإن ربحت، فلي ذلك. قال مالك: بل يلزم العامل الغرم تم يخير رب المال، فإما ودى إليه للقراض الثمن، وإلا سلم السلعة له ومسألة شرائه السلعة بمال القراض، وبدين عليه، في الباب الذي قبل هذا. وإن ابتاع سلعة بمثل مال القراض، فلم ينقده حتى اشترى أخرى للقراض، فربح الثانية للعامل وحده؛ لأنه ضمن ثمنها، وكما لو نقد في الأولى وابتاع الثانية، ثم طلب ثمنها من رب المال على القراض، ولم يجز ذلك؛ لأن ... ذمة العامل عامرة بثمنها حين شرائها. وكذلك لو اشتراها حتى يبيع ويوفيه. [7/ 259]
في النفقة من القراض ومن البضاعة
ومن كتاب محمد، ومن العتبية، من رواية عيسى، ابن القاسم، ولو اشترى سلعة بمال القراض وهو في بيته، فتسلف ما نقد من رب المال فيها، أو من غيره، فنقده ثم باعها، ثم اشترى بمال القراض أخرى وباعها، فهذا كله في القراض ما ربح في السلعتين أو في إحداهما، أو وضع؛ لأنه كما يمكنه نقده أولا. قال في العتبية، ويخير بما ربح في هذه ما خسر في الأخرى. ومن العتبية، من سماع أي زيد، قال ابن القاسم، في المقارض يشتري المبتاع ينظره أياما، قال: لا خير فيه؛ لأنه يضمن إن تلف، وإن ربح أعطى نصف الربح. قيل: فإن حضروا المحاسبة، فحاسبه بالمال كله إلا عشرة دنانير بقيت في دين، فقال لرب المال: أنا آخذ هذه السلعة بعشرة / تكون دينا لك على. قال لا خير فيه، فإن جهلا وعملا به، وفات المتاع، فعليه قيمته، قال ابن حبيب: ولا يخرج العامل من بلد رب المال إلا بإذن. وقول ابن حبيب هذا خلاف قول ابن القاسم. قال سحنون: أما المال اليسير، فليس به أن يسافر به سفرا بعيدا. إلا بإذن ربه. في النفقة من القراض ومن البضاعة من كتاب محمد: ولا يأكل العامل من المال، وإن وقف على الخروج فقرب إليه دابته حتى يخرج. قال مالك: وله إذا شخص أن يأكل منه قرب السفر أو بعد إن كان في المال، لذلك محمل، ولا يكتسي إلا في بعيد السفر أو سفر يطيل فيه المقام، وبعد أن يكون المال يحمل ذلك. قال ابن القاسم، وسالم: وله أن يركب من المال، قال ابن القاسم: قال مالك: ومن اشتغل في الحضر في [7/ 260]
تجارة القراض، فلا يأكل منه. وكذلك في العتبية، قال محمد: وأرخص الليث لهذا أن يتغدى بالأفلس، وأباه مالك. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: وإذا كان المال قليلا وخرج إلى مثل دلاص، ودمياط، ونحوها، في السمن، والصوف، والجز وما يخرج له، فليأكل منه، ولا يكتسى، وإن كان المال قليلا وأراد مكانا بعيدا، فلا كسوة فيه ولا طعام، وإن كان المال كثيرا، والسفر قريبا مثل دمياط، ونحوه، فليأكل منه، ولا يكتسي، إلا أن يقيم الشهرين والثلاثة / يشتري الحبوب وغيرها. ومن الواضحة: ومن قول مالك، إنه إن كان السفر قريبا، أنفق في طعامه وركوبه، ولا يكتسي إلا في بعيد السفر وكثرة المال، وإذا كان المال قليلا، فلا نفقة فيه، ولا كسوة، ولا ركوب. وروى البرقي، عن أشهب فيمن أخذ قراضا بالفسطاط وله بها أهل، وأهل بالإسكندرية، يخرج إلى الإسكندرية من له النفقة في ذهابه ورجوعه، ولا نفقة له في مقامه في أهله، وقاله البرقي. ومن الواضحة: ومن أخذ قراضا في حج أو جهاد، فلا نفقة له في ذهاب ولا رجوع، ومن أخذ قراضا في غير بلده، فلا ينفق منه في ذهابه إلى بلده، وكذلك من خرج بقراض إلى بلد له بها أهل. ومن كتاب ابن المواز: وإذا تجهز، واشترى زاده، ثم أخذ قراضا آخر، فليحسب ما ابتاع من الزاد وما يستقبل من ركوب وغيره على المالين، وكذلك إن خرج فسأل نفسه، وكل من شخص للمال، فله النفقة إلا من خرج إلى حج أو غزو أو رباط. قال مالك: فلا ينفق، وإن كان أصل خروجه للمال، ولا في رجوعه. [7/ 261]
قال أصبغ: ولا في مقامه في الحج، إلا أن يقيم بعد الحج للمال خاصة، فينفق منه يومئذ. قال مالك: وإن أخذ قراضا بغير بلده، فخرج به إلى بلده، فلا نفقة له في مسيره، ولا في مقامه في أهله، وله النفقة في رجوعه، ولم يجعله كالحاج والغازي، ولو خرج إلى غير بلده، لأنفق منه. قال محمد: ذاهبا وراجعا. وكذلك الخارج / من بلده بالقراض، فلينفق منه ذاهبا وراجعا إلى بلده، أو إلى بلد رب المال. محمد: لأن المال أخرجه، فذلك ينفق في رجوعه إلى أهله، والغريب بالبلد يأخذ قراضا على أن يتجر به ببلد رب المال، فله النفقة في ماله، وإن لم يكن له بها أهل، ولا هي له بوطن، ومن له أهل ببلدين، فأخذ من أحد البلدين، مالا يجهز به إلى بلده الآخر، قال مالك: فلا نفقة له في ذهاب ولا إياب. وروى ابن القاسم، عن مالك، في كتاب محمد، والعتبية فيمن تجهز إلى اليمن لحاجة، فأعطاه رجل ليلة خروجه قراضا، أنه ينظر إلى قدر نفقته قدر مائة، والقراض سبعمائة، فعلى المال سبعة أثمان النفقة، قال محمد: هذا استحسان، ونحن نقف عليه، وأخبرنا عنه ابن عبد الحكم بخلافه، أنه لا نفقة له. محمد: وكذلك إن كان معه مال. أشهب، عن مالك، في العامل يشرب الدواء، أو يحتجم ويدخل الحمام، قال: ما كانت هذه الأشياء قديما، وخففه على تمريض منه، وذلك في الحمام والحجامة. وكذلك في العتبية. ومن العتبية، وكتاب محمد ابن القاسم، عن مالك، وما فضل عند العامل إذا قدم من سفر، ورد المال، فأما خلق الجبة والثوب والقربة، فلا يرده [7/ 262]
زكاة القراض
محمد: وكذلك الغرارة والإداوة. قال في العتبية، قال سحنون: وإذا رد المال وعليه ثياب للسفرة من المال، فإن كانت خلقة تافهة، تركت له، وإن كان لها بال وقدر، فلتبع، ويرد في المال. قال: وإذا سلب العامل، فليكنس من مال القراض. ومن كتاب محمد، قال مالك في / البضاعة ينفق منها إن كانت كثيرة، محمد: مثل خمسين أو أربعين، إلا أن يشخص إلى مكان قريب. قال محمد: ينفق منها، يريد محمد: إلا الكسوة، فلا يكتسي إلا في بعيد السفر والكثير من المال، قال محمد: فيمن دفعت إليه بضاعة ليشتري سلعة، فله أن ينفق منها قبل الشراع إذا شخص فيها خاصة وإن دفع إليه سلعة يبيعها له، فله أن ينفق منها قبل الشراء إذا شخص فيها خاصة وإن دفع إليه سلعة يبيعها له، فله أن ينفق منها قبل الشراء إذا شخص فيها خاصة، وإن دفع إليه سلعة يبيعها له، فله أن ينفق منها إذا باع، وإن كان ذلك على وجه المعروف. قال مالك: وما أخذ من المقارض من رشوة، أو غصب، فإن ذلك مع النفقة من الربح بعد تمام رأس المال. زكاة القراض قد جرى في كتاب الزكاة من هذا ما نكتفي به، وهذا مكرر من كتاب ابن المواز. وقال مالك: وإذا أخذ عشرين دينارا قراضا، فأقام حولا فربح عشرين، فعلى رب المال ثلاثة أرباع دينار، وإنما يزكي ذلك بعض حضرة المال، وقسمته. [7/ 263]
قال ابن القاسم: إلا أن يكون رب المال مديرا، أو غير مدير، فعلى رب المال كل عام تقويم ما مع العامل إن كان حاضرا، فيزكي رأس ماله وحصته من الربح فيما يظهر له بالقيمة، ثم لا شيء على العامل، وإن تبين الفضل الكثير حتى ينض المال ويأخذ حصته، فيزكي حينئذ بقدر ما كان المال كل عام، وبقدر ربحه. قال أحمد: هذا إذا كان ربح كل عام، وليتوخ ذلك. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في العتبية، قال إذا أن رب المال يدير، وعند العامل سلع بارت عليه، فلا يقومها رب المال، / لكن إذا قبض ماله زكاة لماضي السنين، قاله مالك. ومن كتاب محمد، قال: وإذا كان رب المال غير مدير، فابتاع سلعة، ثم قبض ثمنها بعد حول، فليزكه، ثم لا يقوم هذا قراضه، لكن إذا قبض ماله زكاه، وإذا تفاضلا؛ لتمام حول رب المال، ولم يقم بيد العامل حولا، فابن القاسم لا يوجب على العامل زكاة. أشهب يوجبها. وهو قول مالك وأصحابه. وإذا كان المال ربحه عشرون دينارا، فعلى العامل زكاة ربحه، ولو قارضه بخمسة فربح فيها خمسة، ولرب المال عشرة، لزم العامل ـ أن حل حول رب المال ـ زكاة منابتة. وابن القاسم لا يرى عليه شيئا في الوجهين حتى يصير للعامل عشرين دينارا. هكذا في كتاب ابن المواز، وليس هكذا في المدونة، عن ابن القاسم. قال محمد: وهذا خلاف مالك وأصحابه في المسألتين، وإن أخذ خمسة قراضا، فحال الحول وعنده أربعون شاة، فأخذ الساعي فيها شاة، فهي على رب المال، فإن كانت قيمة الشاة دينارا، فليقسما على الربح على أن رأس المال أربعة دنانير. وكذلك في رواية عيسى، وكذلك في زكاة الفطر، عن عبد القراض، وكأنه ارتجع بعض رأس المال. وقاله ابن القاسم، وأصبغ. وقال أشهب: بل ذلك مثل النفقة، والأول أصوب. وقاله مالك، ولأنه وقت لم يجب للعامل حق في هذا، إنما يزكي [7/ 264]
ماله لا عن الربح، ويخرج زكاة الفطر من ماله، لا بما بقي بيد العمل من القراض، إلا أن يشاء العامل؛ لأنه إذا أشغل / بعضه، فليس لرب المال أن يأخذ منه شيئا. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، وقال مالك: وإذا تفاصلا بعد سنين، فليزك رأس ماله وربحه مرة واحدة، إلا أن يكون كان يدان، فيزكي لما مضى. قال ابن القاسم: وكذلك العامل في نصيبه. قال: وإذا كان رب المال مديرا، والعامل غير مدير، زكى لكل سنة مضت. من كتاب ابن المواز، أشهب، عن مالك، فيمن أخذ تسعة عشر دينارا قراضا، فصارت عشرين، قال: عليهما الزكاة. روى أصبغ، عن ابن القاسم، قال: إذا عمل بها حولا، ففيها الزكاة. قال أصبغ: فيلزم العامل عن ربحه ـ وهو نصف دينار ـ ربع عشر ذلك النصف زكاة. قال سحنون: قال ابن القاسم، إذا أخذ مائة دينار قراضا. فعمل بها عشرة، ثم باع من رب المال سلفا بمائة دينار، فأحبسها وبقيت سلع فتركها بيده؛ لأنها ربح، فبيعت عند الحول بعشرين دينارا، وله نصف الربح، فلا يزكى العامل حتى يبتاع بأربعين فأكثر، لأن المعاملة إنما بقيت إلى الحول في هذه السلع. وكذلك لو أخذ بعض رأس المال، وترك البعض، على هذا لا يزكي العامل حتى يكون في حظ رب المال ما تجب فيه الزكاة من رأس المال وربح فكذلك لو كان على الثلث والثلثين في الربح. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن أخذ مائة دينار قراضا، فعمل بها عشرة أشهر، فضاع رأس المال، فأخذه ربه، وبقي الربح / في سلعة، فبيعت عند الحول، فصارت للعامل عشرون دينارا، قال: لا زكاة عليه، ويأتنف بها حولا، ولو باع بخمسة وتسعين، فبقيت خمسة من المائة في سلعة، فبيعت عند الحول بخمسة وعشرين، قال: إن كان رب المال أنفق الخمسة والتسعين، لم يكن عليه في الخمسة عشر شيء، ولا على العامل، وإن أبقي منها ما فيه مع الخمسة عشر، ما يزكى زكاه، واستقبل [7/ 265]
في القاض يريد ربه أخذه أو يريد المفاصلة
العامل بعشرته حولا، ولو أخذ دينارا قراضا، على أن له ثلثي الربح، فصار اثنين وثلاثين، فلا يزكي العامل، وإن كان له ما فيه الزكاة، إذ لا يزكي رب المال، ولو أن لرب المال مالا فيه الزكاة، ولم يكن فيه أنفع له من رأس المال وربح الزكاة، وقد عمل به حولا، فلا زكاة على العامل. هذا أصل ابن القاسم. وكذلك لو عمل بالمال أقل من حول، ثم فاصله عند تمام حول رب المال، لم يزك العامل شيئا، وإن كثر المال، في قول ابن القاسم. ورواه عن مالك. قال سحنون: وإن أخذ تسعة وثلاثين دينارا قراضا فربح فيها دينارا، وعمل به حولا فإنه يخرج منها دينارا زكاة، فيقع على العامل في نصف ديناره الربح ربح عشره. وروى سعيد ابن حسان، عن أصبغ، في العامل يعمل بالمال حولا فيأخذ حصته من الربح، وعنده مالا لا تجب فيه الزكاة له عنده حول، قال: لا يضمه إلى ربح القراض. وكذلك المساقاة يصير له من السقاء ثلاثة أوسق، وله / حائط فيه وسقان، أنه لا يضمه إلى هذه الثلاثة. وروى أشهب، عن مالك، في رب المال يشترط على العامل زكاة الربح في حصته، قال: لا خير فيه. وقال أشهب: لا أرى به بأسا. ورواية ابن القاسم، وغيره، أن هذا جائز، في كتاب محمد وغيره. في القراض يريد ربه أخذه، أو يريد المفاصلة وكيف إن شخص فرضي أن يرجع على نفقته وفي تفليس العامل أو رب المال، أو موت أحدهما من كتاب محمد: ولرب المال رد المال، ما لم يشغله، أو بعضه، أو يتجهز به إلى سفر، فأما إن ابتاع للسفر مثلب الزاد والكسوة ونحوها، فلرب المال أخذه إن [7/ 266]
رضي أن يحسب ذلك على نفسه، وكذلك لو مات رب المال، فذلك لوصيته أن يفعله، وإن طعن بالمال، فليس له ذلك، وإن ضمن نفقة رجوعة. ومن الواضحة: وليس لرب المال بيع سلع القراض إلا بإذن العامل، وإن كان بيع غبطة، إلا أن تكون من السلع التي لو قام في بيعها، كان ذلك له، وإن لم يكن ذلك، فله رد البيع، إلا أن يفوت، فيمضي بالثمن إن كان بيعه غبطة، وإلا ضمن الأكثر من القيمة، أو ما بيعت به. وقاله أصبغ، وغيره. قال مالك، في كتاب ابن المواز: بيع رب المال شيئا من القراض باطل، إلا أن يجيزه العامل. ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في العامل يشخص بالمال، ثم أخذه منه رب المال، على من ترى نفقته راجعة؟ قال: على رب المال. قال محمد: وكذلك لو ابتاع به تجارة، أو سلعة؛ ليسافر بها، فمات رب المال، فليس لورثته /، ولا للوصي منعه، إلا أن يرى الإمام لذلك وجها. قال أحمد: ما لم يكن سفر يطول أمره جدا، وإذا أراد الوصي أخذ المال، وبعضه عين، لم يكن له ذلك حتى ينض جمعيه، ولا ينبغي للعامل أن يحدث فيه حدثا. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، في العامل يتجهز بطعامه وكسوته، ثم مات رب المال، فللوصي أخذ المال، ويؤخذ منه ما اشترى من طعام وكسوة قال سحنون: إن كان ذلك طعام نفسه وكسوته نفسه، فذلك له، وإلا فليس له أخذ المال منه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك، في العامل يريد بيع الطعام على يديه، ويقول رب المال: جملة. قال: ينظر إلى وجه الشأن في ذلك، فيحملان عليه، وإذا مات العامل، فأتى الورثة بثقة أمين منهم، أو من غيرهم، فذلك لهم. [7/ 267]
قال أحمد: وهو يصير بالبيع والشراء، فإن لم يأتوا بثقة، أسلموا جميع ذلك لرب المال. محمد: وكذلك في موت أحد العاملين إن لم يأت ورثته بأمين تقي، حظه لرب المال لا للعامل الثاني. قال مالك: وإذا أراد ورثة العامل بيع الديون بعرض، ليتعجلوا ذلك، وأبى رب المال، أو زاده هو وأبوا، فذلك لمن أبى، وكذلك لو لم تمت العامل، فاختلفا هكذا، وذلك إذا داين بإذنه. قال في العتبية من سماع عيسى، وكتاب محمد، قال مالك: ولو قام على العمال غرماؤه بغير بلد رب المال ـ يريد في غير القراض ـ وربح القراض بين، فأرادوا بيعه، فليس لهم ذلك في غيبة رب المال. قال في العتبية، وإن قام غرماء رب المال، بيع، فأعطي العامل حصته، وما بقي لغرماء رب المال. قال عنه ابن المواز: وإن كان المال عينا، فلهم أخذ / حقوقهم منه، وإن كان في تجارة، لم يحكم لهم بالبيع حتى يرى للبيع وجه، ولا يبلغ لهم منه دين حتى يقبض، وكذلك لو شاء رب المال تعجيل ذلك، فليس له ذلك. ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: وإن مات رب المال، فقام غرماؤه والمال في سلع، فأحيلوا على العامل، وضمن لهم، فذلك جائز. محمد: إن ضمن أن يعطيهم ذلك من مال القراض، فذلك باطل، لا خير فيه، وأن ضمن أن يأخذه لهم في غير القراض، لزمه ورجع بما يؤدي في التركة. قال أشهب، عن مالك، في العامل يضغطه غريم في دين عليه، في المال ربح، فليس له قضاؤه من ربحه. حتى يحضر رب المال. قال مالك: وإن قام غرماء العامل، وقام رب المال، فإن أقام بينة أن ذلك من ماله، خاصة، وإلا تحاصص هو وغرماؤه في ذلك. وفي باب من دفع قراضا [7/ 268]
في العامل يراضي رب المال على أن يسلم إليه السلع والدين أو ينض رأس ماله
إلى رجلين، ذكر موت أحداهما. ومن الواضحة: ومن قول مالك، في الرجل إذا أقر عند الموت بقراض أو وديعة، فهو مصدق، وإن لم يعرف أصلها في حياته، كان عليه دين أو لم يكن، فإن عينها، فربها أحق بها، وإن لم يعينها، فإنه يحاص بها الغرماء، وأما إن عينها في التفليس، فربها أولى بها أيضا، ولم يعرف قبل ذلك بينة في قراض أو وديعة، وإن لم يعنيها في التفليس، لا يحاص بها ربه الغرماء بذلك في قراض ولا وديعة. وكذلك في الصانع يفلس، فإن قال: هذه سلعة فلان صدق وإن قال: استعملني سلعة، وضاعت. لم يحاص صاحبها غرماءه. وكذلك فسر أصبغ. وفي ذلك اختلاف، وهذا أحسن. في العامل يراضي رب المال على أن يسلم إليه السلع / والدين أو ينص رأس ماله، أو يأخذ به سلعة ويبقى سلعة، أو يقاسمه السلع من العتبية، وكتاب محمد بن القاسم، عن مالك، وفي المقارض له دين من دنانير وطعام، وكان ذلك رب المال، قال في كتاب محمد: وله سلع فأسلم ذلك العامل إلى رب المال برضاه، فذلك جائز إذا رضي رب المال. قال: وهو كالموت إذا أسلم ذلك إليه الورثة. قال محمد: أو ضعف ووقع التراضي بذلك. قال في العتبية، وأنكرها سحنون. وسئل مالك عن العامل يشتري متاعا، ويداين، فيقول له رب المال: أنا أعطيك ربحك من النقد، وأبرئك من الدين، فهو رأس مالي، وما خسرت في العرض فعلى. إلا أن العامل يعمل فيه كما هو، قال: لا خير فيه حتى يحصل المال. [7/ 269]
ومن سماع عيسى، قال مالك في العامل يبتاع قمحا بمال القراض، فيقول له رب المال: احتجت إلى قمح، فأعطني نصفه، واحبس نصفه، ولك ربحه خالصا. قال: لا خير فيه. قال ابن القاسم: للمخاطرة في الربح قد يقل ويكثر وينقص. قال ابن حبيب مثله. وقال: إلا أن يكون باعه ذلك بيعا بنصف رأس ماله الباقي، فيكون ضمانه بعد من العامل، فلا بأس به. وقاله أصبغ، وغيره. ومن العتبية من سماع عيسى، قال ابن القاسم: وسئل مالك عن العامل يريد أخذ ربحه بإذن رب المال قبل المفاصلة، قال: لا حتى يقتسما. وروى أبو زيد، قبل لابن القاسم، في العامل يشتري سلعة بمائة وهي جميع المال، فباع نصفها بمائة، فدفعها إلى رب المال، وقال رب المال: أقر نصف السلعة الباقي قراضا بين وبينك. قال: لا خير فيه /، وهي الآن شركة لا تصلح إلا أن يعملا فيها جميعا. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في العامل يبتاع بالمال سلعة، ثم يقول لرب المال: هل لك أن أدفع إليك رأس مالك، على أن يكون فلان بمثابتك في الربح متى بعنا، فله حصتك؟ قال هذا حرام. وقاله أصبغ، لأنه غرر، وسلف بنفع غيره. قال ابن حبيب: قال مالك: وإذا تفاصل مع العامل، وقسما الربح، فلا بأس أن يأخذ رب المال رأس ماله عينا، ثم يقاسمه ما بقي من سلع أو غيرها، أو يأخذ رب المال في رأس ماله سلعة، ثم يقاسمه ما بقي من عين أو عرض. وفي باب زكاة القراض شيء من معنى هذا الباب، وكذلك في باب العامل يشارك رب المال. [7/ 270]
في رب المال يحاسب العامل وقد نض المال ثم يتمادى في العمل
في رب المال يحاسب العامل. وقد نض المال ثم يتمادى في العمل وفيما يأخذ أحدهما قبل المفاصلة من المال ومن كتاب محمد: ولا يصلح أن يأخذ أحدهما من الربح شيئا حتى ينض رأس المال، ولو ربحا في سلعة، لم يصلح قسم لربحها، وليرداه حتى يحضر رأس المال، ثم يتفاصلا. قال ابن القاسم: ولو نض المال فعزلا رأس المال وقسما الربح، ثم قال له: خذ رأس المال قراضا. لم يصلح حتى يقبضه ربه، وهذا على القراض الأول أبدا، إن خسر أجراه بكل ما أخذا، وكذلك لو خسر بدءا فأحضر المال، فقال ربه: رضيت بما خيرت، وأن يكون هذا رأس المال، لم ينفع هذا، وهما في الأول يخبران بما يربحان حتى يقبض المفاصلة. قال أصبغ: على الصحة وترك القراض، إلا أن يحدث لهما رأى في ذلك المجلس أو بعده، فذلك جائز. قاله مالك: وأما على التحليل، أو قد بقيت منه أو من ربحه بقية، فلا ولو حضر / المال كله، فعزلا الأصل، وقسما الربح، ثم رد رب المال منابته في المال بينة أحضروهم ذلك. لم يصلح حتى يقبض رأس المال ربه، وليرد ما أخذ من ربح: قاله مالك، والليت. قال ابن القاسم: ولا يصلح للعامل أخذ حصته من الربح، وإن أذن له رب المال حتى يتفاصلا، ولو أخذ مائة قراضا، فأخذ له اللصوص خمسين، فأراه ما بقي: فأتم له المائة لتكون هي رأس المال، فإن رأس المال في هذا خمسون ومائة حتى يقبض ما بقي على المفاصلة، وكذلك لو رضي أن يبقى ما بقي رأس المال، ولم ينفع ذلك. ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في رجل دفع إلى رجل ألف دينار، وأخرج هو مائة إلى رب المال يعمل في المال، والربح بينهما، وكانا يتحاسبان [7/ 271]
فيمن دفع قراضا إلى رجلين هل يقتسمانه؟ وهل يجوز على أجزاء مختلفة؟
كل سنة فيقسمان ذلك، ثم خسرا، قال: يرد ما ربحا من أول، ثم يقسمان الربح على عدة المال، ولصاحب المال أجر مثله في الألف. ومن الواضحة، قال عبد الملك: وإذا ذهب بعض رأس المال قبل أن يذهب بعمل، أو بعد، فإنه يجبر من الربح ما لم يتفاصلا، ثم يأتنفان عملا جديدا، قال: وإذا لقيه فأعملاه بما نقص رأس المال، فقال له: اعمل بالذي بقي عندك، فقد أسقطت عنك ما ذهب، فهو قراض مؤتنف إذا بينه هكذا، أحضر المال أو لم يحضره، قبضه ربه أو لم يقبضه، وكذلك لو ربح: فاقتسما الربح، ثم قال له: اعمل بما بقي في يديك. كان قراضا مؤتنفا، وإن لم يقبض منه المال، قاله ربيعة، ومالك، والليث، ومطرف، وابن الماجشون، ومن لقيته من أصحاب مالك، إلا ابن القاسم، فإنه قال: مما على القراض الأول. قال ابن حبيب [وإذا لم يكن الأمر على ما فسرت، وإنما أخبره]، والذي ذكر ابن حبيب، عن ابن القاسم، هو قول ربيعة ومالك، والليث. ابن المواز: وقال: أخبرني أصحاب مالك، عن مالك، أنه قال: لا يجوز أن يتفاصلا حتى يحضر جميع المال، ثم يقبض رب المال ماله، ويقتسما الربح / بما نقص على معنى الإخبار، وليس على حد المحاسبة وقصد المفاصلة، فإن المال يجبر بما اقسما من ربح أو نقص. فيمن دفع قراضا إلى رجلين هل يقتسمانه؟ وهل يجوز على أجزاء مختلفة؟ وكيف إن مات أحدهما، وعمل الآخر؟ قال في كتاب محمد، وفي العتبية، أصبغ، عن ابن القاسم، وإذا دفعت مالا إلى رجلين، على أن لك النصف، ولأحدهما سدس، وللآخر ثلث، والعمل [7/ 272]
بينهما على نحو ذلك، لم يصلح، وقاله أصبغ، قال: ويفسخ ما لم يعملا، وتفوت بربح أو وضيعة. وقال هو: وابن حبيب: فإن فات وربحا، فنصف الربح لرب المال، وهو لم يدخل بينهما وبينه فساد، ونصف العاملين بينهما على ما شرطا إن اشترطا في العمل على حقهما في الربح، فإن لم يشترطا ذلك في العمل، قسما الربح على ما سميا، ورجع صاحب السدس على صاحب الثلث بإجارته في فضل جزئه، وإن خسرا، فلا إجارة لهما على رب المال. وكذلك قال ابن حبيب سواء. ومن العتبية، من سماع عيسى، قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجلين مالا قراضا، فيقتسمان المال، فيؤدي أحدهما، ويتلف ما بيد الآخر، قال: قد تعديا، ويضمن الذي ودى ما تلف بيد صاحبه، قال سحنون: وليس لهما أن يقتسما المال ولا للمودعين قسمة ما أودعا ما المال، فإن فعلا هذان أو هذان، لم يضمنا، وروى أصبغ، عن ابن القاسم، قال: إذا اختلف العاملان عند من يكون المال؟ نظر إلى قول رب المال، فاتبع قوله، فإذا أحضر الأجير أحضر الآخر، فإن اختلفا في البيع والشراء، فرآه هذا وخالفه هذا، وهذا مال ما يقبض المال، فإذا دفعه إليهما جميعا فجميعا، فإن دفعه إلى أحدهما فإليه، وليس للآخر بعد كلام إذا كان يعلمه. وفي كتاب محمد نحو هذا، إلا أنه قال: إذا اختلفا، فإنه يكون عند من دفعه إليه، فإن دفعه إليهما، كان عندهما، وإن حضر فذلك إليه، وذكرنا في ذلك مثل ما ذكر أصبغ، وقال: ولا يحدثا فيه بيعا ولا شراء حتى يجتمعا. ومن سماع، من ابن القاسم: ومن دفع إليه رجلين قراضا، فخرجا به إلى بلد، فمات أحدهما، فاشترى الآخر بجميع المال، قال رب المال مخير، إن شاء كان على قراضه، وإن شاء ضمنه؛ لأنه تعدى، إذ لم يؤذن له أن ينفرد بالشراء. قال: ولو اشترى بالمال كله موته، فهما على قراضهما، ويقوم ورثة [7/ 273]
فيمن أخذ قراضا من رجلين وكيف إن اختلطا عليه في أيهما
الميت مع الحي في البيع، أو يقيموا أمينا، وإن كانا اشتريا ببعضه، فورثه الميت شركاء، فيما اشتراه قبل موته، وما اشترى الحي بعد موت صاحبه، فرب المال فيه مخير، كما ذكرنا. قال: وإذا مات أحدهما، فأقر رب المال أن الحي دفع إليه نصف المال، ولم يدع الميت شيئا، فكل ما أسلمه أحدهما إلى الآخر، فقد ضمنه، إلا أن يدعيا هلاكا، أو يدعيه أحدهما، فيحلف ويصدق، إلا فيما فرطا فيه، فيضمن المفرط. فيمن أخذ قراضا من رجلين وكيف إن اختلطا عليه في أيهما وهل يخلطهما بشرط أو بغير شرط من العتبية، من سماع أشهب، وكتاب محمد، قال مالك، فيمن أخذ / قراضا من رجلين، فأراد أن يخلطهما، قال يستأذنهما أحسن، وإن خلط بغير إذنهما، فلا شيء عليه، ولو أذن له أحدهما، ولم يأذن الآخر، ثم خلط فيستغفر الله ولا يعد. . وروى عيسى، عن ابن القاسم، قال: إذا دفعا إليه ماليهما، وقالا: اخلط، ولك ثلث الفضل، ولكل واحد منا الثلث. فلا خير في هذا الشرط، إلا أن يشتري هو سلعة فيخلطه من قبل نفسه، قال: ولو ربح خمسين، ثم لم يدر في أي المالين ربحها؟ نسى ذلك؟ قال: لا شيء له في الخمسين، ويكون بين صاحبي المالين. وقال سحنون: فيمن أخذ مالا قراضا من رجل على النصف، ومالا من آخر على الثلث، فاشترى سعلتين صفقتين بثمنين مختلفين بكل مال على حدة، ثم أشكل عليه السلعة الرفيعة من أي المالين هي؟ وادعى كل واحد من صاحبي المال أن الرفيعة من ماله، فلا ضمان على العامل، وهو كمن أودعه رجل [7/ 274]
مائة، وآخر خمسين، فنسي الذي له المائة، وادعاها الرجلان، فليحلفا ويقتسما المائة، وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مدع، ومن رأى أن يضمنه مائة لكل واحد بغير يمين، فكذلك تجري مسألة القراض المالين. ومن كتاب ابن المواز: ومن أخذ قراضا من رجل، فله أن يأخذ من غيره قراضا إن كان لا يسلفه، وله خلط المالين إذن كان عينا بإذن الأول، أو بغير إذن إذا نصا وليس فيهما زيادة ولا نقصان. وأكرهه بإذن الثاني، والمال الأول أعين أو عرض. قال ابن القاسم: وله ذلك من غير شرط الثاني، ولا يأخذ من رجلين مائة مائة بشرط الخلط، ولو كانا هما خلطا المال قبل ذلك على الشركة، جاز دفعهما ذلك قراضا. ومن كتاب محمد، ومن العتبية، من رواية أبي زيد، عن ابن القاسم، قال مالك: من أخذ من رجلين قراضا، فله الخلط بغير إذنهما، وبإذنهما أحسن من غير شرط، وإذا اشترى بكل قراض جارية، ثم لم يدر التي بمال هذا من الأخرى، فهو ضامن لقيمتها، إلا أن يرضى صاحبا المالين أن تكون الجاريتان بينهما والربح بقدر المالين، وكذلك الوضيعة، ولا شيء على العامل حين تركا تضمنيه. وقاله ابن كنانة، وكذلك في العتبية. وروي عن ابن القاسم فيها أيضا. وذكره في العتبية، عنه أبو زيد، أنه إن كان أ؛ إذ المالين عشرة، والآخر عشرين، فكانت أدناهما تسوي عشرين فِأكثر، فإنه لا ضمان على العامل. قال في العتبية: وهما على قراضهما. وفي كتاب محمد: وليباعا، فيأخذ كل واحد رأس ماله، والربح بقدر كل مال، وللعامل من الربحين شرطه. قال في العتبية: وإن كانت [7/ 275]
في العامل يقارض غيره أو يشاركه أو يبضع معه بشرط أو بغير شرط
أدناهما لا تسوي عشرين، فليباعا في رأس ماليهما، والربح بقدر المالين، وللعامل من كل ربح شرطه. قال محمد: وإن اتفقت قيمتها فلا حجة لصاحب الأكثر على صاحب الأقل ولا على العامل، وإن اختلفت، غرم العامل فضل قيمة الرفيعة على الدنية؛ لأن الكل واحد يدعي الرفيعة ويرجو ذلك، والعامل لا يدفعهما، وإنما تعتبر قيمتها اليوم. في العامل يقارض غيره، أو يشاركه أو يبضع / معه بشرط أو بغير شرط، أو يحتال بمال وفي العامل يتسلف من المال لتجارة أو غيرها أو يجور فيه ويتجر فيما جار ومن كتاب محمد، ولا يشارك العامل أن يقارض عاملا آخر لرب المال، أو يزيده سلفا، ويضمن إن فعل، ولو كان بإذن رب المال، وما بأيديهما ماض، جايز، وإلا لم يجز في شركة ولا قراض، كمن زاده مالا بعد الشراء، وشرط الخلط. قال ابن القاسم: ولو شارك رجلا فيما لا يغيب إليه ويقسمانه، فذلك جائز وكذلك الشريط يشارك، وكذلك لو لم يغب عليه، إلا إنه جعله المتولي لما كتب عليه المال يضمن. وروي أشهب، عن مالك، قيل له: أيشارك المقارض من يعاونه؟ قال: لا. قيل: أفيضمن؟ قال: ما أجراه: قال أحمد: إن لم يغب على شيء منه، لم يضمن، قال: ولا يبضع من غلام له أو لرب المال، أو عامل له، وإن فعل ضمن. وكذلك لو كان الغلام ممن شرط معونته في المال. قال: وإذا اختال الثمن ضمن. محمد: يضمن الثمن إن باع بالنقد والقيمة إن باع بالدين. قال مالك: وإذا أخذ قراضا على أن الثلث لرب المال، ثم دفعه لآخر على النصف، فربح، إن السدس الفاضل يرجع إلى المال دون العامل الأول، ومن أخذ قراضا على أن يدفعه إلى غيره، فقد كرهه مالك، إن قال: ابعثه مع [7/ 276]
مولاي إلى بلد آخر إلى من يكفيه أمره. لم يصلح، ولو قال: إلى قوم يشترون له ويبيعون. فأرجو أن يكون خفيفا. محمد: ما لم يشترط. والمسألة كلها في العتبية / من سماع ابن القاسم. ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: قال: وإذا استأذن العامل رب المال بعد أخذه أن يبضع به، فإذن له، فجائز ما لم يأخذه على ذلك، وقيل هذا باب في شركة العامل لرب المال. وإذا سلف العامل من المال. فاشترى لنفسه سلعة نهي عنها، أو لم ينه، لتجارة أو لغيرها، فرب المال مخير. قال مالك: وإن باع بربح، فله الدخول فيه، ويضمن الوضيعة، وإذا رد رأس المال وفاصله وجحده شيئا من الربح فتجر به فيما في يديه، وأقر أو قامت عليه بينة، فقال عبد الملك: ليس عليه ألا مصابته من أصل المجحود، كالربح في السرقة يكون للسارق. قال محمد: ليس ذلك مثله، وما ربح في بقية الربح المجحود فبينهما على أصل القراض لا يزيله، أو يتسلفه، أو يجحده، أو يكتمه. قال أحمد: قول عبد الملك أعدل؛ لأن القراض قد انقطع بينهما، ويصح جواب محمد، لو عزل من الربح شيئا قبل أن ينقطع القراض، فربح فيه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك، في العامل يشارك رجلا بمال الرجل، فعملا جميعا، قال: هو ضامن إن تلف أو نقص، وإن كان ربحا فهو على قراضه، قال مالك: ليس أن يقارض غيره وإن كان نفد، إلا برضا صاحب المال، بخلاف المساقاة، قال عيسى، عن ابن القاسم، في العامل إذا اشترى ظهرا فأكراه فنما المال، أو نقص؟ قال: أراه متعديا، وهو ضامن. قال ابن حبيب / ولا يصلح أن يقارض رجلا ويشترط عليه أن يبضع المال ويقارض، أو يشارك به أحدا، أو يجلس به في حانوت نه وشبه ذلك، فإما إن قال: إن شئت فافعل، وإن شئت فدع. فهو إذن، فلا بأس بالإذن في العقد، ما لم يكن شرط يفسده. قال: وما فعله من ذلك بغير إذن، ضمن النقص، وإن كان ربح، فهو بينهما. [7/ 277]
في العامل يشتري أمة فيطؤها أو يطأ أمة من رقيق القراض أو يكاتب منهم
في العامل يشتري أمة من المال فيطؤها أو يطأ أمة من رقيق القراض أو يشتري ذا رحم منه أو من رب المال من كتاب محمد، وإذا اشترى العامل أمة من الربح، أو من المال، فوطئها فحملت، ثم وضع في المال، فعليه قيمتها يوم الوطء، فإن فضل شيء، فبينهما. وفي باب آخر: يلزمه قيمتها إلا قدر جزئه من الربح. وهذا الأول سواء. قال محمد: يلزمه الأكثر من قيمتها من يوم الوطء، أو يوم حملت، أو من الثمن. قال ابن القاسم: ولا يقبل قوله في عدمه، أنه إنما ابتاعها للقراض، لأنه يتهم أن يقر بذلك؛ ليبيع أم ولده، إلا أن يأتي على ذلك بدليل، فتباع في عدمه. وروى ابن القاسم، عن مالك، إنها إذا ... حملت وهو عديم، أنه يتبع بالقيمة دينا. قال: وإن لم تحمل وهو عديم، بيعت فيما لزمه من قيمتها. وقال مالك أيضا: ... إذا حملت وهو عديم، وليس ثم ربح، أنها تباع إذا وضعت فيما لزمه. وهذا أحب إلينا ويتبع بقيمة / الولد يوم وضعته، إلا أن يكون الولد فضل، فيبتع بنصف قيمته، وإن لم تحمل، وهو ملي، فرب المال مخير أن يضمنه أو يتركه، فإن كان عديما بقيت بحالها ولا تباع. وذكر، في العتبية، من سماع ابن القاسم نحو ما ذكر؛ من الرواية الأول. وقال سحنون: قول ابن القاسم: يتبع في عدمه غير معتدل، ولتبع، إلا أن يكون فيها فضل، فيباع منها بقدر رأس المال [وحصة ربه] من الربح، وما بقي فبحساب أم الولد. [7/ 278]
ومن سماع عيسى، من ابن القاسم، قال: وإذا تسلف من مال القراض ما اتباع به أمة، فوطئها فحملت، فقد عرفتك بقول مالك، وهو رأي أن يؤخذ منه ما اشتراها به في ملائه، ويتبع به في غرمه، وأما لو اشتراها للقراض؟ ثم تعدى فوطئها، فهذه تباع في عدمه. قال عيسى: ويتبع بقيمة الولد دينا، إلا أن يكون في القراض فضل، فيكون كمن وطئ أمة بينه وبين شريكه، فتقوم عليه في ملائه، ويخير رب المال في غرمه، فإن شاء تمسك بنصيبه منها، وأتبعه بما يصيبه من قيمة الولد، وليس له فيما نقصها الحمل والوطء شيء، وإن أبى بيع له نصيبه منها، فإن نقص مابيع منها من ذلك النصيب عن قيمة ذلك النصيب يوم الوطء، أتبعه بذلك النقصان وبنصيبه من قيمة الولد، وإذا كره جميع هذا وضمنه قيمة نصيبه، فليس له من قيمة ولدها، ولا مما أنقصها الوطء شيء. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم فيه، إذا اشترى جارية من مال القراض، فوطئها، فحملت، فقال: اشتريتها للقراض، فلا يقبل قوله، ويتهم على بيع أم ولده /، إلا أن يقيم شاهدين بذلك فتباع. وقال حبيب: إذا وطئ أمة من القراض، أو اشتراها لنفسه من مال القراض، ثم وطئها فأحبلها، فذلك سواء، فإن كان له مال، أخذ منه الأكثر من ثمنها أو من قيمتها يوم الوطء، وإن لم يكن له مال، وفيها فضل، بيع منها بقدر رأس المال وحصة رب المال من الربح، ووقف نصيب العامل فلعله يسير، فيباع باقيها فتصير أم ولد، وإن لم يكن فيها فضل بيعت كلها من الثمن الذي اشتريت به، فإن لم يف به، أتبع بتمامه يحمل محمل الشريك، ولا شيء عليه للولد، كان له مال أو لم يكن، كان فيها فضل أو لم يكن، لأنه ضمنها بالوطء، فجاء الولد بعد أن ضمنها. قال مالك: وكذلك المبضع معه بمال إذا تعدى فاشترى أمة لنفسه، فأحيلها؛ إن لم يكن له مال، بيعت، ولا شيء عليه للولد، ولو اشتراها بمال وديعة عنده، فأحيلها، ولا مال له، فهذا لا يباع، ويتبع بالثمن دينا؛ لأنه لا خيار لرب الوديعة في الأمة، ومال البضاعة هو فيما [7/ 279]
تعدى فيه مخير، وليس له أن يستأثر بفضل إن كان فيه وهذا أحسن ما سمعت. وقال ابن القاسم، في الذي يتسلف من مال القراض، فاشترى لنفسه جارية فأحبلها، والذي اشترى بالبضاعة لنفسه جارية، فأحبلها، أنه لا خيار لرب المال، وأن الحمل فوت، ويتبع في ذمته بالثمن. وهذا خلاف ما روي عن مالك. قال ابن حبيب: ولا بد للذي تعدى فوطئ أمة اشتراها لنفسه بمال القراض، أو مال البضاعة، أو مال الوديعة، أو الشريك في الأمة يطؤها أو يعقبوا، حملت / أو لم تحمل، كان له مال أو لم يكن عقوبة موجعة، مثل المائة سوط. قال أبو محمد: وقول ابن حبيب في هذا في المشتري بمال الوديعة أمة، فوطئها، أنه يضرب، قول لا يصح سيما إن كان له مال. ومن كتاب محمد: وإذا اشترى من يعتق على رب المال، فهو حر بعقد البيع، فإن كان به عالما، ضمن الثمن، ولا شيء عليه إن لم يعلم، والولاء لرب المال في كل حال. قال ابن القاسم: ويتبع بالثمن في عدمه، إذا كان عالما. وقال أشهب: بل يباع منه برأس المال وقدر حصة ربه من الربح، وتعتق حصة العامل. وإذا ادعى رب المال أن العامل عمد لشرائه بمعرفة، وأنكر العامل، فالقول قول العامل. قال: فإن التمس بيع قدر ذلك منه، فانكسر بذلك ثمنه حتى لا يفي، بيع كله، على قول أشهب. ولم يختلفا فيه إذا لم يتعمد، وهو عديم أو ملي، أنه حر مكانه، ولا تباعة على هذا، وله أن يرجع بحصة ربحه من قيمته على رب المال، إن كان فيه ربح. قال وإن ابتاع أبا نفسه، عالما أو غير عالم، عتق، وعليه إن كان موسرا قيمته إلا قدر حصة ربحه، إن كان فيه ربح، وإن كان عديما، بيع أبوه، إلا أن يكون فيه فضل، فتعتق حصته منه، وكذلك إن كان له شيء غير ذلك وداه، عتق بقدره، وكذلك إن اشترى عبدا، فأعقته. وكذلك الوصي أو الأب يعتق عبد يتيمه على نفسه. قاله مالك في ذلك كله. ومن كتاب محمد، ومن العتبية، رواية يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإذا كاتب العامل عبدا من المال، فودي وعتق وفي العتبية: وإذا اشترى عبدا [7/ 280]
جامع القول في تعدي العامل ومخالفته
من الما ذلك / فكاتبه، قال فلرب المال رده حتى يعتق بإذن، وما قبض منه كالقلة. قال أحمد بن ميسر: ما لم يكن إنما ودى عنه أجبي ليعتق، فهذا نافذ إن لم يحاب فيه العامل أو الشريك، قال: وإن أجاز رب المال عتقه، فلا شيء للعامل من ولاية، إلا أن يكون فيه فضل، فله بقدر حصته منه، قال: في العتبية ينظر إلى حصة العامل من الربح، ما هي؟ من جميع الربح ورأس المال، فيكون له من ولايته بقدر ذلك. قال في كتاب محمد: وليس الكتابة كالعتق، ولا تجوز كتابة الوصي بعد يتيمه، ويجوز فيه عتقه، وعليه قيمته. جامع القول في تعدي العامل ومخالفته من الواضحة قال مالك: إذا تعدى العامل، فخالف ما أمر به، أو فعل ما نهى عنه، ضمن، ويباع عليه ما نهى ع، شرائه، فإن كان فيه فضل، فهو على القراض، وإن كان نقصان، ضمنه، فإن شاء رب المال، ضمنه جميع الثمن، وترك ذلك له، وإن شاء أمضى ذلك على القراض، وإن لم يشعر لذلك حتى باعها بربح فذلك على القراض، فإن بيعت بنقص، ضمنه. قال: وإذا نهى رب المال العامل عن العمل بالمال، وأمره أن يرده، وهو عين بعد، فتعدى واشترى به سلعة، فربح، فالربح ها هنا له، كمال الوديعة، والضمان عليه. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال ابن حبيب: ما لم يقر أنه اشترى السلعة على اسم القراض، فإن أقر بها، فالربح على القراض، ولم يخرجه ذلك من الضمان. قال: قارضه على ألا يخرج بالمال من بلده، فخرج به إلى غير بلده، فحرك المال أو لم يحركه حتى رجع / إلى بلده، فيتجر، فخسر أو ربح أو ضاع، فإنه إن ضاع منه بعد خروجه من بلده، فهو ضامن، حركه أو لم يحركه، وإن لم يضع، ولكن حركه فخسر [7/ 281]
فيه، فهو ضامن لما نقص، وإن ربح، فهو على القراض، وإن اشترى به سلعة، فقدم بها، بيعت، فيضمن ما نقص، والربح بينهما، وإن ضاع بعد منصرفه وهو في سلع، فهو ضامن، وإن ضاع بعد أن جاء، وهو عين ولم يكن حركه، لم يضمن، وإن كان قد حركه وتجر به، فهو ضامن لأنه بخروجه من بلده ضمنه بالتعدي، وخرج عن حد الأمانة، وهو على الضمان حتى يرده إلى حال القراض بنيته وعزيمته ثم إن ضاع بعد أن رده إلى حال القراض، أو تجر به للقراض فخسر، لم يضمن. وكذلك الوديعة ينفقها، ثم يردها، فلا يضمنها بعد ذلك، وهو مصدق أنه ردها، فإن شاء رب المال، ضمنه رأس المال، وترك له السلع، وإن شاء أمضاها على القراض، وإن شاء بيعت، فكان الربح بينهما، ويضمن الوضيعة، وإن باعها قبل التخيير، أو هلكت، فهو ضامن لها، أو لخسارة فيها، وما كان من ربح فيهما. قال مالك: إذا باع العامل بالدين بغير إذنه، ضمن. قال عبد الملك: وتفسيره: إن نظر فيه وقد هلك الدين قبل صاحبه، ضمن قيمة السلعة يوم باعها، وإن نظر فيه والدين على صاحبه، بيع بعرض، وبيع العرض بعين، فما نقص ضمنه، ومن كتاب محمد، قال ربيعة إن باع بالدين وقد نهى عنه، ضمن النقص، والربح بينهما. قال مالك: ليس له / أن يبيع بالدين، ويسلف على الغلات إلا بإذن رب المال، ولا يشتري بالدين وإن إذن له ربه. . . قال محمد وإن أسلم في طعام بغير إذن، ضمن الآن رأس المال، فإذا قبض الطعام، بيع، فقسما الفضل، وما وضع، فعلى العامل. قال: ولو أسلم في غير الطعام، فلا يجوز الرضا به أيضا قبل يقبض، ولكن يباع قبل يقبض، ويضمن ما نقص، والفضل بينهما. وكذلك إن باع سلعة بثمن مؤجل، بيع ذلك الدين بعرض، ثم بيع العرض، فضمن الوضيعة، وكان الفضل بينهما، وإذا اشرط ألا يشتري إلا كذا لشيء موجود، فاشتراه فلا يبعه بما نهى عنه، فإن فعل، فعلم رب المال قبل بيع المنهي عنه؛ فإن شاء أجازه وكان على القراض، أو ضمنه ويصير للعامل ربح ذلك، وعليه وضيعته، وإن بيع قبل ينظر فيه، ضمن النقص، فإن ربح [7/ 282]
في التداعي في القراض بين العامل ورب المال
فبينهما. قال محمد: إن كان طعاما تعجل ضمان رأس المال، فإذا قبض المال، فذكر مثل ما تقدم ذكره فيه. وفي غير الطعام إذا أسلم في شيء بغير إذنه، قال أحمد: أجاب محمد على أنه اشترى ما أذن له فيه، فباعه بما نهي عنه، ولو كان التعدي على دنانير، لم يكن غير ضمانها، وليس له أن يرضى بذلك فيصير دينا بدين. في التداعي في القراض بين العامل ورب المال من كتاب محمد، قال ابن القاسم: وإذا أخذ قراضا على الثلث والثلثين، ولم يسميا لمن الثلثان، واختلفا، فالعامل مصدق، ويحلف. قال محمد: بل اجعل الثلثين لمن يشبه أن تكون منهما، فإن أشبههما، كان ذلك للعامل، ويحلف إن ادعاه. قال محمد: وإن ادعى العامل / أن له ما يربح في عشرة دنانير، وثلث ما بقي، وقال رب المال، بل على أن ثلثي جميع الفضل لي. فالعامل مصدق. لأنه ادعى أمرا جائزا، بخلاف دعواه أن لي في الربح دينارا ونصف ما بقي، فقد ادعى ما لا يجوز في هذا. ومن العتبية، قال سحنون: وإذا قال العامل: بمائتين. وقال: مائة رأس المال. وقال رب المال: رأس المال مائتان. فإن لم يقم رب المال بينة، [فالعامل مصدق ويحلف، فإن نكل، حلف رب المال، فإن نكل، فليس له إلا ما قال العامل، وكذلك إن أقام كل واحدة بينة، وتكافأتا في العدالة، فالعامل] مصدق ويرفع البينة وإن كانت إحداهما، كالصناع، فإن لم تقم بينة، أو قامت فتكافأت، فالضمان على ما ذكرنا. [7/ 283]
ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم، وأشهب، وروياه عن مالك، إذا أخذت المال قراضا. وقال ربه: سلفا. فربه المصدق. وقال أشهب: وذلك إذا حرك المال، وأما تلف منه قبل يعمل به، فالقول قول المقر. وقال ابن عبد الحكم، عن ربيعة ومالك: إن القول قول العامل الذي بيده المال. وأراها ابن وهب وذ ... كر مثله ابن حبيب، وقال: الذي رجع إليه مالك، أن رب المال مصدق، وبهذا أخذ ابن القاسم، وأصبغ. وأخذ مطرف، وابن الماجشون، وابن وهب، وأشهب، يقول مالك الأول. وبه أقول. قال أحمد بن ميسر /، في كتاب في الإقرار، فيمن قال: أودعتني ألفا، فضاعت. وقال الآخر: بل هي سلف: فقال ربيعة، وأشهب، وهو قول مالك الأول: إن كل من أقر في أمانته بشيء، فالمخرج منه يمينه، ثم رجع مالك، فقال: القول قول رب المال مع يمينه وبه قال ابن القاسم. ومن كتاب محمد: وإن قال العامل: سلف. وقال رب المال: قراض. فالعامل مصدق وإن عمل وربح في المال، ولو قال ربه: وديعة. وقال العامل: قراض. فرب المال مصدق، لأن العامل لزمه الضمان بحركة المال، وهذا إذا تلف المال، وإن قال ربه: بضاعة. وقال العامل: فراض. فإن كان فيه فضل حلفا، وللعامل إجارته: محمد: ما لم يكن أكثر مما يصير إليه من الربح، ولو تلف المال ها هنا، لم يضمنه؛ لأن ربه مقر أنه أذن له يحركه. قال محمد: وإذا كان أكثر، حلف رب المال، ولم يكن له شيء وكذلك إن كان نصف الربح والأجرة سواء، وإن كان نصف الربح أكثر، حلفا، فإن نكل رب المال، فللعامل نصف الربح، وإن نكل العامل، فليس له إلا ما أقر به رب المال. وإذا قال رب المال: هو قراض، وقال العامل: وديعة. وهو في سلعة، قال ابن القاسم: فالقول قول من هو بيده مع بيده في قوله: وديعة. وربه يدعي الربح، ويقال لرب المال: اتق الله إن جاء في السلعة نقصان، فلا تضمنه إن [7/ 284]
علمت أنه قراض. فإن أبى، فالحق حقه؛ لأنه حكم نفذ بما أقر له به العامل، فإن رجع العامل إلى / قول رب المال بعد البيع، لم يقبل منه. قال ابن القاسم: وإن قال ربه: وديعة. وقال العامل: قراض. وهو في سلعة، فالقول قول رب المال مع يمينه، ويضمن العامل، فإن بيعت بفضل، قيل للعامل، اتق الله، إن علمت أنه قراض، فادفع إليه ربحه، ولا أحكم بذلك عليه، ولو دفع ذلك إليه، لم أقض على رب المال ما أخذه. ومن الواضحة: وإن اختلفا عند المفاصلة، وقال العامل: عاملتك على الثلثين لي. وقال رب المال: بل على أن لك الثلث. فقال مالك: القول قول العامل مع يمينه إن ادعى ما يشبه، فإن ادعى ما يستنكر، صدق رب المال ويحلف، فإن ادعى مستنكرا، فللعامل قراض مثله. وقال الليث: إن لم تكن بينة، حملا على قراض المسلمين، وهو النصف. قال ابن حبيب: وإذا اشترى العامل سلعة، فقال رب المال: نهيتك عنها. وكذبه العامل، فالعامل مصدق ويحلف. وكذلك روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في العتبية، وإن باع بدين، وادعى إذن رب المال، فأنكره، فرب المال مصدق ويحلف. قال ابن حبيب: وقد ذكرنا اختلافف قول مالك، في إذا قال العامل: أخذت المال قراضا. وقال ربه: سلفا. وقول ربيعة فيه، فكل ما اختلف فيه المتقارضان من هذا المعنى، فهو على مثل ذلك، أو قال رب المال: هو وديعة. وقال العامل: قراض. أو قال ربه: قراض. وقال العامل: وديعة. أو قال ربه: قرض. وقال الآخر: قراض. أو قال ربه: قراض. وقال الآخر: قرض. أو قال ربه: بضاعة. وقال الآخر: قراض / أو قال ربه: قراض. وقال الآخر بضاعة أو قال رب المال: غصبتنيه. واقل الآخر: استودعتنيه، وقد ضاع. أو قال ربه: أوفيتكه من قرض، أو: رددته إليك من قراض، كان لك عندي. وقال الآخر: أودعتنيه، فضاع. فالقول في هذا كله، في قول مالك الأول، قول [7/ 285]
في اختلاف العاملين ورب المال
المقر: وإنما تعارف هذا ابن القاسم في ثلاثة أوجه؛ إذا قال ربه: قرض. وقال الآخر: قراض أو وديعة. وإذا قال رب المال: وديعة أو بضاعة. وقال الآخر: قراض. وإذا قال ربه: أوفيتكه من قرض، أو رددته عليه من مالك القراض، وقال الآخر: أودعتنيه، وقد ضاع. فرب المال مصدق عند ابن القاسم، في هذه الثلاثة وجوه فقط. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل: أعطني المائة دينار التي أودعتك: فقال الرجل: ما أودعتنيها. ولكن دفعتها إلي قراضا، فربحت فيها مائة، لك منها خمسون، فإما أن يأخذ الخمسين. قال يستأني بالخمسين سنين لعله يأخذها، فإن تمادى على الامتناع، فليتصدق بها العامل. قيل: فلو مات رب المال، فطلب ورثته أخذها، قال: يأخذون إن شاءوا، إذا أحب المقر أن يدفعها إليهم، ولا يقضي عليه بدفعها إليهم. في اختلاف العاملين ورب المال من كتاب محمد، قال أصبغ: قال أشهب، في مال القراض مع عاملين يأتيان بمائتي دينار، فقال أحدهما: رأس المال مائة، / وربحنا مائة. وقال الآخر: رأس المال مائة وخمسون، وربحنا خمسين. وصدقه رب المال، فإنه يأخذ كل واحد من الربح عل ما ادعى من رأس المال. قال أصبغ: يأخذ مدعي الأكثر من الربح خسمة وعشرين، ومدعي الربح القليل اثني عشر ونصفا. قال محمد: هذه من المجالس، وهي غلط، وقد أجابني أصبغ بخلافه، وهو الصواب، أن لمدعي الكثير من الربح خمسة وعشرين، وللآخر ثمانية وثلث؛ لأنا صدقنا القائل ـ رأس المال مائة. على ما في يده، [7/ 286]
فيؤخذ منه خمسة وعشرون، ويقال للآخر: أنت مقر أن رأس المال خمسون ومائة، فكل ما حصل من الربح ينبغي أن يكون بينك وبين رب المال أثلاثا، بعد أن تتم له ما أقررت أنه رأس المال، وتصير جائحة ما يزيده الخارج عنكما عليكما في الربح، ولا يحسب في رأس المال جائحة، فالذي حصل بعد زوال المنكر مائة وخمسة وسبعون، فمائة وخمسون رأس مال القراض، الفاصل خمسة وعشرون، بينك وبين رب المال على ثلاثة؛ فثلثهما لك، وله الثلثان، لأن في قولك خمسة وعشرين، وذلك اثنا عشر ونصف. قال محمد: ولا تقبل ها هنا شهادة الآخر؛ لأنها إن قبلت، جرت إليه نفعا. وقال أشهب: وإن قال واحد، رأس المال مائة، وربحنا مائة وقال الآخر: رأس المال مائة، ومائة هي إلي. فإنه يصدق مدعي المائة لنفسه، ولا شيء لصاحبه ولا لرب المال فيها، وكل / واحد من العاملين حائز لما بيده، وعلى هذا اليمين فيما حاز لنفسه. وقال ابن القاسم: للذي ادعى المائة ربح أربعة دنانير، وسدس، ولرب المال مائة وثمانية وثلث؛ لأنهما مقران في مائة لرب المال، فيأخذها، وتبقى مائة يدعيها أحدهما، والآخر يقول: ليس لي فيها إلا ربعها، ونصفها لرب المال، فيقال له: دعواك لغيرك لا يعبأ به، فسلم لصاحبك ثلاثة أرباعها التي لا تدعي فيها شيئا لنفسك، والخمسة وعشرون الباقية أنت وصاحبك تدعيانها، فتقسم بينهما، فإذا أخذ منها اثنى عشر ونصفا، قال رب المال: كل ما حصل من الربح، فحظي مثل حظك، فاقسمها بيني وبينهم على ثلاثة؛ لك ثلثها أربعة وسدس، ولي ثلثاها ثمانية وثلث. قال محمد: إن كانت المائتان بيد أحدهما، كان القول قوله مع يمينه، وإن كانت بيد كل واحد مائة، قال: فمن أقر منهما أن بيده رأس المال، إلا أنا أخلطنا الجميع تحريا، وأخذ كل واحد منا من الجملة مائة. فقد أقر أن نصف ما [7/ 287]
بيده رأس مال، وأن خمسين ربح، له منهما اثنا عشر ونصف، ويسلم ما بقي لرب المال، فإن أقر الآخر بمثل ذلك، تمسك بخمسة وعشرين، وقسمت خمسة وعشرون بين رب المال والمقر الأول، وقد قيل: الخمسة وعشرون بينه وبين رب المال أثلاثا، وكذلك إن أقر الآخر أخذها منه. كذلك قال محمد: وإن كانوا ثلاثة معهم ثلاثمائة، فقال أحدهم: رأس المال خمسون، والبقية ربح. وقال الآخر: رأس المال مائة. وقال الآخر: بل هو مائتان، فلمدعي كثرة / الربح ثلث نصف الربح على دعواه، وذلك اثنان وأربعون دينارا إلا ثلثه، وهو سدس جميع الربح، وللثاني من الربح خمس ما بقي من الربح على ما يدعي أنه الربح؛ لأنه زال مع الأول منهم سهم من ستة، فيأخذ اثنين وثلاثين إلا ثلثا؛ لأنه يقول: الربح مائتان؛ لرب المال مائة، ولكل واحد منا ثلاثة وثلاثون وثلث. فقد تزيد الأول على حقه [ثمانية وثلث فهي علينا أخماسا، ثلاثة أخماسها على رب المال، وعلى كل واحد منا خمسها فصار ما يقر أنه بقي ربحا بيننا] أخماسا أيضا، فلي خمسه، وذلك اثنان وثلاثون إلا ثلثا، ثم ينظر إلى ما تبقى من الربح، فيكون أرباعا، ثلاثة أرباعه لرب المال وربعه للثالث؛ لأنه يقول: الريح مائة على ستة أسهم، ذهب اثنان أرباعه، والباقي سبعة وعشرون إلا ثلثا ربعها للعامل سبعة إلا ثلثا، فحصل لرب المال مائتان وعشرون، وللأول أحد وأربعون وثلثان، وللثاني أحد وثلاثون وثلثان، وللثالث سبعة إلا ثلثا، فذلك ثمانون دينارا. [7/ 288]
ومن العتبية، قال سحنون: وإذا كانا عاملين فأتيا بمائتين، فقال أحدهما: رأس المال مائتان. وصدقه رب المال، وقال الآخر: رأس المال مائة، والربح مائة. فإن كان الذي قال: رأس المال مائتان عدلا، حلف معه رب المال واستحق المائتين، وإن لم يكن عدلا، فليأخذ من كل واحد خمسين التي اجتمعا عليها من رأس المال، ثم يقال للعامل: رأس المال مائتان، ادفع إليه ما في يدك أيضا؛ إذ لا ربح لك حتى يتم / رأس المال، ويقال للآخر: الخمسون التي في يديك أنت مقر أن نصفها لك، ونصفها لرب المال، فادفعه إليه، وأنت على ما في يديك مصدق، ولو أتيا بثلاثمائة، وقال أحدهما: رأس المال مائة. وقال الآخر: بل هو مائتان: وصدقه رب المال، وكذب الآخر، فليدفعا إليه مائة اجتمعا عليها، خمسين من يد كل واحد، ولا يحلف ها هنا رب المال مع شهادة الذي صدقه؛ لأنه جار إلى نفسه؛ لأنه يقول له: ادفع إلى المائة الباقية بيديك؛ إذ لا ربح لك حتى يتم رأس مالي، فإذا قبلت شهادته لأخذ رب المال المائة منهما جميعا، فينتفع بشهادته فأسقطناها لذلك، ثم يقال له: ادفع ما في يديك وهو مائة ـ إلى رب المال؛ لأنه لا ربح لك حتى يتم رأس ماله. ويقال للآخر: ادفع نصف المائة التي في يديك إلى رب المال؛ لأنك زعمت أنها ربح، وقلت نصفها له ونصفها إلي. فأنت مصدق فيما في يديك، وليس للعامل الآخر دخول على رب المال في هذه الخمسين؛ لأنه مقر أن لرب المال نصف الربح، فهو ذلك، وإنما دخولك على صاحبك وقد جحدك. قال سحنون: وقد قيل: يدخل مع رب المال فيما قبض، فيقاسمه ذلك أثلاثا، له ثلثهما، ولرب المال الثلثان. [7/ 289]
في العامل يدعي رد القرض، ودعوى رد الوديعة والعارية
ومن كتاب سحنون: وإذا أتى العاملان بثلاثة آلاف، فقالا: رأس المال ألف. قال أحدهما: والربح ألفان، وصدقه رب المال، وقال الآخر: ألف وخمسمائة هو الربح، وخمسمائة لفلان شريك بها في المال وأكذبه رب المال. قال سحنون: إن كان العامل المقر لفلان عدلا، وفلان حاضر / يطلب ذلك، حلف معه، وأخذ خمسمائة، ويبقى ألف خمسمائة ربحا بين العاملين ورب المال. وقاله المغيرة، وابن دينار. وإن لم يكن عدلا، فإن بيد كل واحد ألفا وخمسمائة رأس مال، وألفا ربحا والذي لم يقر يقسم هذا الألف بينه وبين رب المال نصفين، وأما المقر، فإن في يديه من الخمسمائة التي أقر بها، مائتين وخمسين فيأخذها المقر له، وتبقى سبعمائة وخمسون بينه وبين رب المال، وفي آخر الكتاب باب مسائل مختلفة، وفيه مسألة من معنى هذا الباب. في العامل يدعي رد القراض، ودعوى رد الوديعة والعارية والعامل يدعي بعد المفاصلة أنه بقي شيء، أو قبل المفاصلة ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم، عن مالك، قال كل من يقبل قوله في التلف، يقبل قوله في الرد، فالوديعة والقراض يقبل قوله في ردهما إن لم يكن أخذهما ببينة. قال ابن القاسم: ولو قال رب المال ببينة: دفعت ذلك إليك، وقد ماتوا، فليحلف العامل، ما دفعته إلى بينة. ويبرأ محمد: ويكون في يمينه، ولرددته إليه، أو أنه ضاع بجمع ذلك في يمين واحدة، فإن نكل، حلف رب المال وأغرمه. قال ابن القاسم: ولو أقام رب المال بينة ولم تقبل، فليس له أن يحلفه أنه ما أشهدهم عليه. محمد: إذا أقر أنه أشهدهم، لم يضره؛ لأنه يقول: عرفت أنهم لا يقبلون، فهم كالعدم، أرأيت لو أشهد نصرانيين أتحلفه؟. [7/ 290]
قال: فإن أقام شاهدا عدلا أشهده عليه بالقبض، قال / يحلف معه رب المال، ثم يقال للعامل: أقم البينة بالرد، وإلا حلف رب المال يمينا ثانية، فأرد إليه شيئا. قاله ابن عبد الحكم. قال ابن القاسم: ولا يقبل قول المستعمر. قال مالك: ولا الصناع في الرد إلا ببينة، قبضوا ببينة أو بغير بينة. وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: المكتري مصدق في الرد، كان يغاب عليه أو لا يغاب عليه، أخذه ببينة أو بغير بينة. قال محمد: وينبغي أن يكون كالقراض والوديعة، ويقبل قولهم في التلف أيمانهم، فإن أخذوه ببينة، لم يقبل قولهم في الرد، وكذلك المكتري فيما يغاب عليه. وقال أصبغ، قال محمد: وكذلك إن اكترى ما لا يغاب عليه، فادعى رده، فهو مثل ما يغاب عليه. قال: ويصدق العامل في دعواه هلاك المال. قال عطاء، ومالك، والليث: ولو كان غير ثقة، وليس عليه إلا اليمين إن اتهمه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وعن العاما يحاسب صاحبه، ويقول: قد حملت لك على نفسي. ثم يقول: نسيت الزكاة، وغير ذلك. قال: لا يصدق إلا ببينة أو أمر لا يستنكر فيه قوله، وما يعرف به ثبات دعواه. قال ابن القاسم: وسمعته قال في مقارض عمل دفع إلى صاحبه رأس ماله وربحه، ثم جاء بعد ذلك يطلب نفقته، ويقول: أنفقت من مالي، ونسيت. قال يحلف، ويكون له ذلك. قال في كتاب محمد: وكان مالك خفف النفقة يدعيها بعد المفاصلة ورأى أن يقبل قوله. وروى عنه ابن القاسم، أنه لم يقبل قوله في نسيان الزكاة إلا ببينة أو أمر يعرف به وجه قوله. قال محمد: فيؤمر / العامل بزكاة ما صار له ومن كتاب محمد، وقال في العامل يشتري جارية، ويقول: زدت فيها من عندي. فهو مصدق، ولا يحلف. قال مالك: وإن قال حين قدم من سفره: أنفقت من [7/ 291]
في العامل يسأل عن المال فيقول هو عندي وأقر، ثم يقول قد هلك أو يجحد القراض
عندي لارجع به. فذلك له ويحلف. وكذلك إن قال: وديت كراء أو قصارة. فله أخذ ذلك. وإن اعترف ما بقي في يده منه، فإن جاوزه لم يتبع رب المال بما جاوزه قال: وهذا لم يخرج المال من يده بعد. في العامل يسأل عن المال، فيقول: هو عندي، وأقر ثم يقول: قد هلك أو يجحد القراض، أو الشراء، فلما ثبت عليه، قال: تلف أو رددته من كتاب محمد، قال مالك: وإذا سأله عن المال، قال: هو عندي وأقر، فلما أخذه به قال: قد هلك منذ مدة، وإنما أردت بقولي بقاءه عندي. فإنه يضمن، ويؤخذ بأقل قوله، إلا أن يأتي بأمر يعرف به قوله. وكذلك إن أقر بربح كذا، ثم لا يطالبه، قال ذلك، فلا يصدق إلا بأمر يعرف به ما قاله. وقاله ربيعة، والليث. ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في العامل بيده مائة قراضا، فخسر فيها خمسين، فأخب بذلك أخا له، وتسلف منه خمسين، فأراها لرب المال لأنه يظن إلا خسارة في المال، فلما دفعها حبس رب المال ماله قال: إن أشهد على ذلك، وأخبر بما خسر، فلصاحب الخمسين أخذها. وروى عيسى، عن ابن القاسم، عمن دفع إلى رجل مائة دينار قراضا، وجعل لآخر خمسين، على أن يشخص صاحب الخمسين والفضل فيهما، فضرب بالمال، ثم قدم فطلبه رب المال / بماله، فقال: لم يعطني شيئا. فجحده حينا، ثم قال بعد ذلك: تلف مني. قال ابن القاسم: أيضع ناس مالا إلى رجل خرج من المدينة؛ ليبلغه إلى قوم، فلما رجع ذكر الذي أمر بالدفع إليهم أنه لم يدفع إليهم شيئا، فطولب، فجحد، وقال: لم يبعثوا معي بمال. فقامت عليه البينة، فدفع ذلك إليه، فلما ثبتت، قال: ضاع مني؟ قال مالك: يحلف بالله لضاع، ويبرأ. وكذلك ما سألت عنه يحلف أنه ضاع منه، ولا شيء عليه. [7/ 292]
في العامل يسامحه رجل إرفاقا لرب المال، هل يدخل فيه العامل؟
وقال عيسى: إذا جحد حتى قامت البينة، لم يصدق، وغرم. وبلغني ذلك عن مالك. وعن العامل يجحد المال حينا. ثم يدعي بعد ذلك أنه قد رده. قال: إن لم يأت على ذلك بالبينة، وإلا غرمه، وليس من ادعى القضاء مثل من زعم أنه ضاع. وفي سماع ابن القاسم: ما عليه إلا يمينه بالله، ويبرأ. في العامل يسامحه رجل إفاقا لرب المال هل يدخل فيه العامل؟ من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، في العامل بالقراض يبتاع ثمرا، ويكتري عليه مركبا إلى القلزم بعشرين دينارا، فلما وصل سأل رب المركب: لمن الثمر؟ فقيل له: لفلان صاحب الفلان. فلم يأخذ منه كراء، وقال: قد أولاني خيرا. هل يكون ذلك لرب المال خاصة؟ قال: إن لم يكن علم رب المركب أن المال قراض بالعشرين لرب المال، وإن علم أنه كان قراضا، وقال: ما تركتها إلا له وحده. فهو مصدق أيضا في ذلك، وإن قال: علمت أنها قراض، وتركتها مكافأة له، ولم أذكر له وحد. كانت بينهما على قراضهما. / في الجناية على العبد من مال القراض من كتاب محمد: وإذا قتل عبد من القراض، قتله عبد، فاختلفا في القصاص، فلا يقتص إلا باجتماعهما، ومن طلب قيمته فهو أحق وما أخذ من قيمة أو سلم إليهما القاتل، فذلك على القراض، ولو قتله رب المال، لودى قيمته. قال ابن القاسم: إلا ألا أكون في عبدهما الذي قتله العبد فضل عن رأس المال، فلرب المال أن يقتص أو يعفو، ولا قول للعامل إلا أن يكون في فضل، فله أن يعفو وإن كره رب المال. [7/ 293]
في القراض والإجارة بين المسلم والكافر
في القراض والإجارة بين المسلم والكافر، وأحد المتقارضين يسلم، وفي القراض خمر من كتاب محمد: ولا يؤاجر نفسه من نصراني، ولا يأخذ ... منه مالا قراضا، ويفسخ ما لم يعمل، فإذا عمل ترك حتى ينض فيفسخ، وأفسخ الإجارة متى ما علمت، وله بحساب ما عمل على ما سميا. قال محمد: وإن دفعت إلى نصراني قراضا بشرط ألا يشتري إلا سلعة كذا، وهي موجودة كل زمان، فلا خير فيه؛ لأنه من استحل الربا استحل أن يخالف شرطك. وكره مالك أن يعطيه درهما يشتري له به شيئا. قال محمد: فإن فعل، فلا يأخذ ما اشترى له، ولا يفسخ شراء النصراني إياه. قال ابن ميسر: بل يأخذه، وقد ساقى النبي أهل خبير وهم ينفقون من أموالهم وتجاراتهم، قال محمد: وكذلك إن قارضه فأفسخه وأرد إلى المسلم رأس ماله، وله دفع كرمه / إليه مساقاة إن كان لا يعصره خمرا، فإن قاسمه فأراد أن يعمل خمرا، لم يمنع، ولكن لا يعود المسلم على معاملته. ومن العتبة، قال سحنون، في نصراني، قارض نصرانيا فأسلم رب المال والمال في خمر فيه ربح أو لا ربح فيه، قال: هي مصيبة على رب المال، وينتظر إلى قدر فضل العامل النصراني فيهما، فيعطاه خمرا، ويهراق ما أصاب المسلم. وقال عبد الملك بن الحسن: سمعت ابن وهب يقول: لا بأس أن يقارض النصراني. مسائل مختلفة من كتاب القراض من العتبية، من سماع ابن القاسم، قال مالك: لا بأس أن يأخذ المقارض من شريكه ذهبا من غير الذهب الذي بينهما، يدفع إليه من ماله، ثم يأخذ هو من مال القراض، ولم يجزه سحنون إلا [في] شيء حاضر ويد بيد [7/ 294]
عن العامل يعطي السائل كسرة يسلمها، أو الثمرات، أو يسقيه الماء، فلا بأس بذلك. ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم، ومن أخذ عشرة دنانير تنقص خروبة، فاشترى بها سلعة، فباعها بعشرة قائمة، فأراد أن يأخذها ويعطي للعامل قدر ربحه ورقا أو تبرا، أو يأخذهما ويعطيه ما ينوبه دنانير، فلا يصلح ذلك؛ لأنه ذهب بذهب متفاضلا. قال سحنون، في رب المال يأذن للعامل أن يبضع، ثم يسافر رب المال، فأبضع معه العامل، فلما جاء رب المال للبلد، عرف ضربه وماله بعينه، فاشترى به، لمن ترى الفضل؟ قال لرب المال؛ لأن العامل لم يشتر له شيئا، وليس / من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، عمن قال عند موته: إني قومت جارية ابنتي فلانة على فلان بألف درهم وجعلت فضلها بينهما، وقد بعث إلي بالألف فمات هذا، وقدم الرجل، وقال: إنما باعنيها بيع بت قال: الرج مصدق. وقلت: فلم لا كان القول الميت؛ لأنه يقول: بعته نصفها؟ قال: لو قال هذا، كان القول قوله، لكنه إنما قال: قومتها كلها عليه، وجعلت فضلها بينهما. وهذا لا يجوز في البيوع، فمن ادعى ما لا يجوز، وآخر ادعى الجايز، فالقول قول مدعي الجايز. وقال أصبغ: لا يقبل قول واحد منهما. ويرى ثمن الجارية الذي بيعت به لابنة الرجل، وللبايع أجر مثله. وقال ابن حبيب بقول مطرف. تم بحمد الله وعونه [7/ 295]
كتاب المساقاة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب المساقاة ما يجوز من المساقاة من كتاب ابن المواز، قال مالك: ما جاز بيعه، أو جاز كراؤه، لم تجز مساقاته، لأنه يترك في الأرض كراء معلوما، ويرجع إلى غرز الجزء مما تنبث ويدع في الثمرة ثمنا معلوما، ويرجع إلى المساقاة فيصير أجره على جذها ومؤنتها. وفي الموطأ، أن المساقاة ما حل بيعه؛ كالإجارة، قال سحنون، في مساقاة ما جاز بيعه، هي إجارة جائزة وينبغي في قوله ألا تجوز في الزرع لأنه قال: احصده وهذه بنصفه هذا لا يجوز عنده. ومن كتاب محمد قال مالك: وإن ساقاه حائطا بثمرة حائط آخر، لم يجز، إلا أن تكون ثمرة الآخر قد أزهت، فهي إجارة جائزة، وإن لم تزه، لم يجز، فإن نزل وقبض تلك الثمرة، فليرد قيمتها إن قبضها رطبا، أو مكيلتها إن قبضا ثمرا، وله أجره في الحائط الذي أسقى، وله ما أنفق فيه، وتجوز المساقاة في النخل بعد جذاذها، وكذلك إن كان فيها بعد ثمرة لم يبد صلاحها، فالمساقاة فيها جائزة، وكذلك الشجر. وقاله سحنون، في العتبية. [7/ 297]
ومن كتاب محمد، قال: وإن ساقاه شجرا صغارا لا يطلع فيها طعم من عامها، أو زرعا لم يطلع من الأرض، لم يجز، وكذلك إن ساقاه نخلا فيها تمرة وقد طابت، ساقاه إياها سنين، فإن نزل في ذلك كله، فهو أجير في السنة الأولى، وما بعد ذلك إذا أتت الثمرة على مساقاة مثله، كمن أخذ قراضا عرضا، فإن أدرك قبل مجيء ثمرة قابل، فسخ، وأخذ إجارة مثله ونفقته، وإن لم يفسخ حتى أتت ثمرة قابل، لم يفسخ إلى بقية السنين. قال مالك: وتجوز مساقاة الزرع وقصب السكر. قال ابن القاسم: والبقل مثل الفجل، والجزر، واللفت، والبصل، وشبهه، وذلك كله إذا ظهر من الأرض، عجز عنه صاحبه أو لم يعجز. قال ابن عبدوس: القياس عندي في ألا تجوز مساقاة الزرع. قال في رواية ابن وهب، عن مالك في الزرع يعجز عنه ربه، فيساقيه، أرجو أن يكون خفيفا، وليس بالموطأ كالنخل، وقال أيضا: جائز: وقال ابن أبي سلمة: وكذلك المقتاة، وقصب السكر. وقال في المقتاة /، في رواية أشهب: إنما سمعت ذلك في الزرع يعجز عنه ربه. قال مالك: فإن ساقاه قصب السكر، فجائز إذا ظهر وعجز عنه صاحبه، ولا يجوز إن يشترط خلفته، وكل ما يجذ أصله، مثل الموز، والقصب، والقرط وشبهه من البقول، فلا يجوز سقاه وإن عجز عنه ربه. محمد: كذلك اللفت والبصل، والأصول المغيبة مما لا يدخر وهو كالبقل. وقاله ابن عبد الحكم، وهو أحب إلينا، وقد اختلف فيه، قال: وإذا كان في الحائط أنواع مختلفة، فحل بيع بعضها، وباقيه لم يحل بيعه، ولم يتم فجمع ذلك كله في المساقاة، فإن كان ما أزهى الأقل في الحائط، جازت المساقاة، وإن كثر، لم تجز، ولا فيه ولا في غيره، وإن ساقاه نخلا وفيها شجر من رمان أو عنب قد طاب، فإن كانت لزيقة النخل، وتشرب معها، فجائز، ولا بأس أن يسقيها إلى أن تجذ؛ لأنها غير مباينة للنخل، ولا يشترط العامل منها شيئا، وإن شرط أن تكون مع النخل على سقاء واحد فيها يستقبل من بعد جذ هذه التمرة، قال مالك: ذلك جائز. وقال أحمد، في الرمان [7/ 298]
الذي طاب وسقيه: إن كان يسيرا، جاز، وإن كان كثيرا لم يجز. وأجاز ابن وهب مساقاة المرسين، وهو الريحان. قال ابن القاسم في رواية أصبغ عنه: لا يجوز، ثم رجع فأجازه، وثبت على هذا محمد: وأحب إلي ألا يجوز، كأنه الموز والقصب، إلا أن تكون أشجارها ثابتة، وإنما يقطع منها أحطابها النابتة في كل عام، كالسدر، ولا تجوز المساقاة الموز والبقول والرياحين، وإن عجز عنه ربه /، وليس كالورد والياسمين هذه شجر تساقى، وإن لم ينجز عنها وأنا نكره المساقاة ما يقطع ويختلف، كالقصب الحلو، أما التمر يقطع والأصل ثابت، فتجوز مساقاته، كالتين، والجميز، والقطن، والمقاتي، وإن كان بطنا بعد بطن. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ساقى نخلا وفيها يسير من الموز. مثل الثلث، فأدى، فأرجو أن تجوز مساقاته. قال سحنون: إذا كان الموز داخلا في المساقاة، فإما إن اشترطه العامل، فلا يجوز. ومن سماع أشهب، قال مالك، في الحائط يكون فيه البقل وغير البقل: فلا بأس أن يساقي ذلك في سقاء واحد. قال في الواضحة وغيرها: على جزء واحد. وكذلك كان في خيبر وفيها النضج، والتين، والبقل، كلها على النصف. العتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم، في الريحان، وقيل إن أصوله تعظم وتقيم السنين، ويجني في الشتاء والصيف، وليس له إبان يجنى إليه ثم ينقطع، قال: إذا كان يجنى هكذا كل وقت، لم تجز مساقاته؛ لأنه يحل بيعه إذا بدا [7/ 299]
في مساقاة الأصول مع البياض ومع ما لا يساقي
أوله: قال ابن القاسم: وزيتون البعل إنما فيه الحرث، ولا يسقى، فمساقاته جائزة، وكذلك النخل والكرم. ومن الواضحة، وتجوز مساقاة قصب الحلو، والمقاتي، والبصل، ما لم يطب حتى يحل بيعه، كالزرع يعجز عنه ربه عن سقيه إن كان يسقى، أو عن عمله إن كان بعلا وله عمل ومؤنة مما إن ترك، خيف عليه التلف، وحينئذ تجوز مساقاته، فأما شجر البعل، فتجوز مساقاته. وإن لم يكن فيها عمل ولا مؤنة، ولا لها / جراية وحداذ وثمر. وقد أجاز العلماء مساقاة نخلة أو نخلتين، ولا تجوز مساقاة البقول كلها، لأنه يجوز بيعها إذا بدا أولها، كالموز، وليس كالمقاتي؛ لأن ذلك نبات واحد، كالتين يتفاوت طيبه، وليس كشيء يأتي بعد شيء كالقصب. ومن العتبية، قال سحنون، في الفجل، والإسفنارية، والعصفر، وقصب السكر، والورد، والياسمين: [تجوز فيه] المساقاة، وإنما توضع منه الجائحة إذا بلغت الثلث، وكذلك الجائحة في الموز، إلا أنه لا تجوز مساقاته، وأما الرعفران، والريحان، والقصب، والقرط، فتوضع في قليله وكثيره، ولا توضع فيه المساقاة، وجعل قصب السكر كذلك. وإن أراد اختلافا من قوله فيه. قال: وكره المساقاة في الكمون، كالزرع، وإنما يراد حبه لا شجرة. قال ابن حبيب: وتجوز المساقاة سنتين، وثلاثا، وأربعا، إلا أن المساقاة بالأجر من الغلة، وفي الكراء في أرض السقي بالأهلة ليس بالأجرة. في مساقاة الأصول مع البياض، ومع ما لا يساقى من كتاب ابن المواز، قال مالك في البياض التبع للأصول، مثل الثلث فأدنى: فلا بأس أن يشترط في المساقاة إذا كان على مثل ما أخذ الأصول، وأحب إلي أن يلقى للعامل، فإن شرطاه بينهما، فجائز إن كان البذر والمونة من عند العامل. [7/ 300]
ولا يجوز أن يشترطه لنفسه إن كان العامل يتقيه. ابن حبيب: وإن كان بعلا، أو كان لا يسقى بها الحائط فجائز. / قال ابن المواز: وإن سكتا عن ذكر البياض في العقد، فما زرع فيه العامل فهو له خاصة، وإن سكتا عنه، ثم تشاحا فيه عند الزراعة، فهو للعامل. وقال ابن حبيب. ومن كتاب سحنون، روى ابن نافع، عن مالك، في العامل يزرع البياض بغير شرط فيه، ثم ينكر عليه رب الحائط، قال: عليه كراء الأرض لرب الحائط. قال ابن عبدوس: إنما يراعى البياض عندي أن يكون تبعا لثمرة جميع النخل، وإنما يجوز هذا إذا اشترط أن يكون ما أنبتت منها، فأما إن ألفي العامل فإنما يراعى هل هو تبع لحصة العامل خاصة. ومن كتاب محمد، قال مالك: وإن شرط البياض للداخل عليه، وعلى ربه البذر، لم يجز. قال محمد: وكذلك لو شرط حرثه على ربه، فسخت المساقاة، وكان للعامل أجر مثله. وقال أصبغ: مساقاة مثله بغير حجة. وقول مالك الصواب؛ لأنها زيادة، وكذلك لو شرط فيه أن البذر بينهما، والعمل على الداخل، وما نبت فيه بينهما، لم يجز، وكان العامل أجيرا، وقال أصبغ: له مساقاة مثله، وليس ذلك بشيء وليس كون البذر كله من عند العامل بزيادة، بل ذلك سنة المساقاة. قال:: وهذا البياض الذي يجوز اشتراطه لا تبالي، كان من أضعاف السواد أو مفردا عن الشجر، فذلك جائز إن كان تبعا. قال: ولا يجوز في مساقاة الزرع إذا كان له بياض مثل ما يجوز في بياض / الأصول، على ما ذكرنا، وأحب إلينا أن يلقى للداخل وحده، وبذره ومؤنته على الداخل، كان له أو شرطاه بينهما، وإن كان على رب الحائط بشيء من مؤنته، لم يجز، ويكون للعامل إجارة مثله. وقال أصبغ: مساقاة مثله، وليس بشيء وإذا ساقى زرعه وفيه شجر تبع الزرع، فروي عن ابن القاسم، أنه بخلاف البياض وكراء الأرض. قال: ولا يجوز على سقاء واحد، ولا يلقى للعامل، وكذلك إن كان الزرع تبعا للشجر، وجعله كحائط فيه [7/ 301]
أصناف وروى ابن وهب، عن مالك، أن ذلك يجوز أن يلقى العامل إذا كان تبعا، لمكتري الدار فيها نخل يشترط هي تبع بشرط ثمرها، ولا يجوز أن تكون بينهما. قال محمد: ولا يشترط رب النخل والزرع إذا كان الداخل يسقيه. محمد: ولم أجد من اختار هذا القول، وقول ابن القاسم هو المعروف، وهو بخلاف البياض، وليس كالدار. والأرض تكتري وفيها نخل أو زرع واشترط ذلك، والزرع إذا كان تبعا للنخل، جاز فيه معها المساقاة، وإن لم يعجز عن الزرع ربه، وإن كان النخل تبعا للزرع، لم يجز حتى يعجز عن الزرع ربه، وإن كان قال مالك: ولا بأس أن يساقى الحائط وفيه من الموز ما هو تبع قدر الثلث فأقل. قال محمد: ولا يكون لأحدهما، ويكون بينهما على سقاء واحد مثل الزرع الذي مع النخل كما قال ابن القاسم فيه، وقاسه على الحائط فيه أصناف. قال محمد: وقول مالك في الموز يرد رواية ابن وهب عنه. في الزرع والنخل وإن ساقى نخلا فيها بياض قدر الثلث /، واشترط الداخل أن له ثلاثة أرباع البياض، فأباه ابن القاسم، وقال: إما على سقاء واحد، أو يلقى للعامل. وأجازه أصبغ، وقال: كما جاز أن يكون له كله، جاز أن يشترطا كثيره لرب الحائط. وقال أيضا أصبغ مثل قول ابن القاسم: لا يجوز إلا على أحد الوجهين، فإن وقع بذلك زيادة في المساقاة، وله مساقاة مثله يريد على مذهب أصبغ. قال ابن القاسم: فإن ساقى حائطه خمس سنين، وفيه بياض هو تبع، وشرط أن البياض للعامل خاصة أو سنة، ثم يخرج من المساقاة، لم يجز، كمن أخذ حائطين مساقاة سنين على أن يرد أحدهما بعد سنة، وهو خطأ، قال مالك: وقد كان في خبير حين ساقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زرع يسير وهي على حالها اليوم. ومن العتبية، قال سحنون أخبرني ابن أشرس، عن مالك، فيمن ساقى حائطا فيه بياض. هو تبع، فاستثناه العامل، فاجتيحت ثمرة النخل وقد زرع العامل البياض، أن عليه كراء البياض. قال سحنون: جيدة؛ لأنه لم يعطه إياه إلا على عمل السواد، فلما ذهب السواد، كان له أن يرجع بالكراء. [7/ 302]
ما يجوز من شروط المساقاة وما لا يجوز، وما يلزم المساقي في عمله، وأمد المساقاة
ومن كتاب ابنه، قال علي عن مالك: وكذلك لو عجز الداخل عن الأصل، كان عليه البياض بكراء مثله. قال محمد بن إبراهيم بن دينار، وعبد الله بن نافع: إذا كان الأصل من نخل أو كرم أو غيره، وفيه بياض هو تبع، أو كان بياض فيه نخل تبع للبياض، فقال الذي ساقاه أو يكري منه: أساقيك النخل وحدها، أو أكريك الأرض وحدها، وأحبس نخلي / وبياضي، ولك من الماء قدر ما يروى به زرعك في السقاء أو زرعك في الكراء، أو: إلي فضل مائي أروي به نخلي، وما زرعت في أرضي، وليس عليك فيه سقي، فذلك كله جائز، وإنما يكره أن يجمع البياض إلى النخل أو النخل إلى البياض، فشترط ذلك المساقي لنفسه على العامل خاصة دونه، ويكون على العامل سقيه، فيكون زيادة زادها عليه، فإذا لم يكن ذلك، فلا بأس به، وكذلك إن شرط الداخل إن البذر عليك، فهي زيادة على رب الأرض، وروى عيسى، عن ابن القاسم، فمن اكترى أرضا بخمسين دينارا، وفيها شجر قد طاب، فإن كن يسوى كل سنة بعد إخراج النفقة مثل كراء الأرض، فذلك جائز، والكراء تبع، فذلك جائز. ما يجوز من شروط المساقاة وما لا يجوز وما يلزم المساقي في عمله وأمد المساقاة وذكر ما يتأخر من العدائم والحكم في رقيق الحائط ودوابه والشرط في ذلك وغير الشرط من الواضحة: والسنة في المساقاة أن على العامل جميع المؤنة والنفقة والأجر والدواب والدلاء والأداة؛ من حديد وغيره، إلا أن يكون شيء من ذلك في الحائط يوم السقاء، فذلك مما يستعين به العامل، وإن لم يشترطه ولا له أن يعمل في حائط آخر، وشرط ذلك عليه لم يجز ويفسد المساقاة. ونفقة الدواب والأجر أو الرقيق الذين في الحائط، وكسوتهم على العامل، وإن لم يشترط ذلك عليه، إلا أن أجاره الذين كانوا فيه على رب الحائط، ولا يجوز [7/ 303]
اشتراط أجرتهم على العامل، بخلاف نفقتهم وكسوتهم، وللعامل خلف ما مات أو مرض من عبد أو أجير على رب الحائط إذا كانوا فيه يوم العقد يخلفهم على رب الحائط وإن لم يشترطهم، ولو شرط الداخل أن خلفهم عليه، لم يجز، ولا على أن نفقتهم على رب الحائط. وقال في كتاب محمد مثله. ابن حبيب: ولا يشترط على رب الحائط زيادة، إلا ما قال: مثل دابة أو عبد في الحائط الكبير، أو الحديدة أو الحديدتين، ثم على العامل نفقة هذه الدابة أو العبد، وعلى رب الدابة خلفهما، ولو شرط ألا خلف على لهما، أو شرط الداخل ألا نفقة على لهما، لم يجز ذلك. قال محمد: وعلى الداخل رم قصبة البئر واستنباطه وقواديسه وحباله ومؤنة الماء والحديد، فإذا انقضى سقاؤه، كان ذلك له، وأخذ غلمانه إن كان له فيه عبيد أو دواب اشتراهم. قال مالك: ولا يستعمل رقيق الحائط ودوابه في غيره، ولا يجوز شرط ذلك في المساقاة، وإن شرط إخراج من فيه من الرقيق والدواب، أو شرط على رب الحائط أن يأتي بعمال ليسوا فيه يومئذ، لم يجز، فإن عملا، فالعامل أِجير له أجر مثله ونفقته. وكان ابن القاسم قد قال: له مساقاة مثله. ثم رجع إلى هذا في المسألتين، وكذلك في اشتراط أحدهما مكيلة سماها وما بقي بينهما. وقال ابن القاسم: إذا شرط أن يعمل معه رب المال، رد إلى مساقاة مثله. محمد: وفي موضع آخر، من رأيه أنه أجير، ولا بأس أن يستأجر العامل غلمان رب الحائط إذا صح ذلك، ولم يكن / بحدثان المساقاة، وإن كان بحدثان المساقاة وعلى شرط صحة، فلا يجوز. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، ولا بأس أن يشترط الداخل في الحائط الكبير الغلام أو الدابة، إذا كان شيئا يسيرا [ثابتا] لا يزول، وإن هلك ذلك، أو مرض العبد، أخلف مكان ذلك بمثله، وإلا فهو غرر، وقاله سحنون، [7/ 304]
وقال: لا يجوز هذا في القراض بشرط عبد رب المال أو دوابه، وإن شرط، خلف ما مات من ذلك، ويجوز في المساقاة، فإن لم يشترط ضمانها في المساقاة، لم يجز. قال عيسى، عن ابن القاسم: لا بأس أن يستثنى العامل ما في الحائط من دواب وغلمان في المساقاة، وليس له أن يستثني على رب الحائط إلا ما فيه من ذلك، وعلى رب الحائط خلف ذلك، إذا جعل العامل استثناء ما في الحائط من رقيق ودواب، وظن أن ذلك له، وإن لم يستثنهم، فلما تعاقدوا، قال رب الحائط، إنما ساقيتك وحده بغير دواب. ولا رقيق. قال: يتحالفان، ويتفاسخان. (ع). ما معنى هذا، وهو عنده لا يجوز إخراج دوابه ولا رقيقه، فقد صار مدعيا لما لا يجوز له. قال عيسى، عن ابن القاسم: ويجوز أن يشترط أن على العامل عصر الزيتون. قال سحنون: وعلى العامل عصره إن كان ذلك الغالب من عمل الناس بذلك البلد. قال سحنون: ومنتهى المساقاة في الزيتون جناه. قال في كتاب محمد، أن ينهى الزيتون على شرطهما، فإن لم يكن شرط فهو بينهما. ومن العتبية، قال سحنون: ومنتهى المساقاة في الثمر جذاده بعد أن يتمر، والتين والكرم قطافه، ويبسه هو أصل مساقاته وعلى العامل تهذيب الزرعش قال أشهب، عن مالك، فيمن سقى حائطا سنين: أليس ذلك من جذاذ إلى جذاذ؟ قال: نعم. ومن كتاب محمد: ألا يسقى عشرين نخلة، فعليه سقي جميع الحائط حتى يجذها. قال: وكذلك إن كانت عدائم، وهو المؤخرة بالطياب. قال عنه ابن وهب: إذا ساق حائطا فيه أصول مختلفة؛ من نخل، ورمان، وغيره، على سقاء واحد، فعليه أن يسقيه كله حتى يفرغ منه، ويرده إلى ربه. [7/ 305]
قال عنه أشهب، في الحائط تتأخر منه أعذاق، أن عليه سقي الحائط كله، عدائمه، وما جذ منه، وليوف المساقي حظه من ثمرة العدائم وإن كانت العزائم أكثر، فعلى العامل سقي الحائط مثل إذا جذ بعضه وبقي بعضه، وإن كان ذلك متناصفا أو متشابها، فعلى المساقي سقي العدائم وحدها، وعلى رب الحائط سقي باقيه، وإن كان في الحائط أنواع من الثمر؛ من تبن، وعنب، ومرسك، فجد بعضه، وبقي بعضه لم يطب، فقال مطرف: فكل ما جنى من ثمرة فقد انقضى السقاء فيها، قلت إن كثرت. وقال ابن الماجشون: وهو كالعدائم، كانت قليلة أو كثيرة أو متناقضة، على ما ذكرنا فيها. وقال أصبغ. وقول مطرف أحب إلي. ومن كتاب محمد، والعتبية قال مالك: وإذا دخل الحائط سيل، فأقام به حتى استغنى عن الماء، فلا يحاسه رب الحائط بذلك، ولا بأس أن يشترط على العامل ما اشترط من رباطه، أو قصبه، وساقيه بئره، وكنسه، وقطع جريده وليفه، ولا يجوز / اشتراط تحطيم الحائط عليه، ويجوز اشتراطه على رب المال، بل هو عليه. قال أشهب، عن مالك: ولا يشترط على العامل إصلاح كسر الزرنوق واستخف إصلاح القف يكون في ذلك غرم الدريهمات والدينار، فهو على رب الحائط، ولا بأس أن يشترط على الداخل الخرص. يريد الزكاة؛ لأنه جزء معلوم، ولا يشترط ذلك على رب الحائط، محمد: ذلك جائز، قال في كتاب ابن المواز: فإن أصابا ما لا زكاة فيه، وقد شرطا الزكاة على العامل، فلرب المال من حصة [7/ 306]
العامل الزكاة من عشر الجميع أو نصف عشرة. قال ابن عبدوس: يقتسمان الجميع على تسعة أجزاء؛ للعامل منها أربعة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا يشترط على العامل غراس نخل يأتي بها من عنده، وإن كانت عند رب المال، وأما في أصل يسير لا تعظم فيه المؤنة، فجائز، ولا يجوز في كبير، فإن نزل كان أجيرا. قال محمد: وكذلك إن شرط أن يأتي العامل بالأصل، فهو أجي إن كان لذلك قدر وإن كان يسيرا أجزت المساقاة، وأبطلت الشرط، قال مالك: ولا يجوز أن يشترط على الداخل نقل تراب السيل وأن رآه وعرفه، وذلك على رب الحائط، فإن نزلا على ذلك، كان له مساقاة مثله، ويرجع بقيمة ما نقل على رب الحائط. قال مالك، في العتبية، ولا ينبغي للمساقي أن يشترط ما على ربيع الماء من النخل، ولا بأس أن يشترط الجداول إذا كانت يسيرة أن يسقيها، والربيع الساقية، والجداول الشجر الصغار من البحار كلها. قال ابن القاسم، في رواية عيسى /: من اشترط على عامل الزيتون حمل نصيبه إلى منزله، فلا خير فيه، قيل: أرأيت إن كان قريبا؟ قال: لا يعجبني إن كان ميلا، إلا أن يكون شيئا ليس عليه فيه مؤنة. وقاله أصبغ، قال: فإن وقع على المكان البعيد، رد إلى المساقاة مثله بلا حمل. ابن حبيب: والذي يجوز اشتراطه على العامل، سد الخطار وهو تحظير الجذور وتزريبها، وخم العين وهو كنسها، وسرو الشرب وهو تنقية الحياض التي تكون حول الشجر وتحصين حروفها وجري الماء إليها، ورم القف وهو الحوض الذي يفرغ فيه الدلو ويجري منه إلى الطفيرة وهي محبس الماء كالصهريج وإبار النخل وهو تذكيرها، وهذا الأشياء يجوز اشتراطها عليه، وإن لم يشترطها، لم [7/ 307]
فيمن ساقى حائطا سقاء مختلفا أو حائطين رجلا أو رجلين
تلزم العامل، وكانت على رب الحائط، إلا الجذاذ والتذكير وسرو الشرب، فذلك على العامل وإن لم يشترط. فيمن ساقي حائطا سقاء مختلفا أو حائطين رجلا أو رجلين ومن ساقى رجلا أو قارضه على أن يعمل له في مال آخر من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن ساقي حائطه سنة على النصف، وسنة على الثلث، في عقد، لم يجز، فإن عمل سنة، فله فيها مساقاة مثله، وله أن يعمل السنة الباقية، وإن ساقى حائطا على أن يكفيه مؤنة حائطا آخر، فلا يجوز، فإن فات وعمل، فله في هذا المساقاة مثله، وفيما شرط كفايته أجر مثله. قال في كتاب محمد: وهو أجير في الحائطين، وإن قارضه / بمائة، على أن يعمل له مائة أخرى ببلد كذا، فهو في المالين أجير ـ يريد إذا مات ـ بخلاف المساقاة، فإن جاء ربح، فأراد رب المال تركه له، فإن كان بعد علمه، أنه أكثر من الإجارة، التي تجب له، فهو جائز، وأما أن يخاطر، فلا. ابن القاسم: ولا بأس أن يساقيه حائطين على النصف جميعا، وإن لم يستويا فلا خير فيه، إذا كان لا يأخذ أحدهما إلا لمكان الآخر. ومن كتاب محمد: ومن له حائطان في موضعين، مرغوب في أحدهما، فساقاهما من رجل أو من رجال، على سقاء مختلف، قال مالك: فلا يجوز أن يكون إلا على سقاء واحد، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ساقى خيبر وفيها أصناف كثيرة، قال: ويجوز إن كان أحدهما نخلا وفي الآخر أصناف الشجر، ما لم يكن [7/ 308]
في الرجوع في المساقاة، والمساقي يساقي غيره أو يساقي رب الحائط أو يقبله أو يعجز عن العمل
شيء من ذلك طاب، إلا أن يكون ما طاب يسيرا. قال: ومن ساقي في ثلاث حوائط له مختلفة، على أجزاء مختلفة، في عقد واحد، لم يجز ذلك، فإن عمل رد إلى مساقاة مثله، وإن كان في عقود مفترقة، فهو جائز، ويجوز أن كان بعضها بعلا، وبعضها غير بعل في سقاء واحد، وإن ساقى حائطه أربع سنين في عقد واحد؛ سنتين على النصف، وسنتين على الربع، لم يجز، فإن فات ومضى بعضها أو كلها، فله مساقاة مثله فيما مضى وفيما بقي، ولا يفسخ ما بقي منها. في الرجوع في المساقاة، والمساقي يساقي غيره أو يساقى رب الحائط أو يقبله أو يعجز عن العمل، وأحد العاملين يساقي الآخر. وفي الحائط يباع وقد سوقي من كتاب محمد: وإذا انعقدت المساقاة فليس لأحدهما رجوع، وإن لم يعمل، كالإجارة، بخلاف القراض، وإذا عجز، فليؤاجر غيره أو يساقي غيره، إلا أن يسترجع رب الحائط حائطه بغير شيءء يعطي أحدهما الآخر ويتفقان على ذلك، ولا يعطيه شيئا من غير الثمرة، ولا خبر في أن يقويه رب الحائط بعد أن عمل وعجز ليثبت فيه، ولا يقول: خذ ما أنفقت وأخرج، وإن رضيا. قال ابن القاسم: وإن لم يجد قوة، ولا من يساقيه، رد النخل إلى ربها، ولا شيء له مما أنفق. ورواه ابن وهب، وابن عبد الحكم، عن مالك. وإن أخذ على النصف، ودفعه إلى غيره على الثلثين، وربه عالم بذلك، فربه أولى بنصف الثمرة، ويرجع الثاني على الأول بفضل ما بقي، وكذلك في العتبية، عن مالك، ولا بأس أن يدفعه مساقاة إلى رب الحائط بأقل مما أخذ ما لم تطب الثمرة. محمد: وما لم يضمن ذلك الجزء من الثمرة، ولا يجوز بمكيلة مسماة، ولا بثمر نخلة معروفة، ولا بشيء غير الثمرة، ولا بأكثر مما أخذ فيصير العامل يحتاج ـ يريد من ثمر حائط [7/ 309]
آخر ـ قال عنه أصبغ: وإذا قال رب الحائط للعامل: اخرج من المساقاة على أن لك ربع الثمرة إذا طابت. فذلك جائز، وإذا قال رب الحائط بعد أن عمل وأنفق: أنا أعطيك عينا أو عرضا، على أن نخرج. لم يجز، وإن أعطاه من الثمرة بعينها شيئا قبل أن تطيب؛ فإن كان جزءا شائعا، جاز، ولا يجوز كيلا منهما. قال ابن ميسر، وابن ابن القاسم، عن مالك، إن لم يعملا، جاز أن يعطيه شيئا منها، وإن عمل، لم يجز، ولا يجوز أن يعطي العامل لرب الحائط على أن يخرج، قال مالك /: إذا عجز، فليؤاخذ عليه، ولا بأس أن يساقي غيره إن لم تطب الثمرة، وإن طابت، فليبع مصابته منهما، وإن أخذ رجلان حائطا مساقاة، فسلم أحدهما حصته منها لصاحبه بحرية من الثمرة، فجائز، وكذلك لو كان ملكا لهما. وقال ابن القاسم، في العتبية، من رواية أصبغ: قال محمد: ما لم يضمن له الجزاء الذي شرط له، ولا يجوز بجزء من حائط. قال ابن القاسم: وإذا أخذ حائطين مساقاة، أو كان الأصل لهما، فأراد أحدهما أن يخرج الآخر على [جزء مسمى] من ثمر أحد الحائطين، لم يجز، وكذلك في العتبية قال: وكذلك من ساقي حائطين، فلا يخرج العامل بجزء من أحدهما، مثل ما روى. قال محمد: ولو كان بجزء مسمى من الحائطين، لجاز، ولو بدا صلاح الثمرة، لم يجز بشيء من الثمر ولا بطعام، ولا يصلح إلا بالعين، قال أشهب، وابن وهب، عن مالك: وإن أخذ ثلاثة حوائط مساقاة، ثم أخرج أحدهما من حائطين بالسقاء بعينه، ومن الثالث بربح عشر ثمرته، ولم يجز ذلك، محمد ولو شرط ذلك على الثلاثة حوائط بسواء جاز ذلك. ومن ساقى رجلا سنة، فساقى العامل غيره سنين، فلربه إخراجه أمره بقلعه، وجاز أعطاه قيمته منقوضا، فله أن يرجع على الأول بتمام قيمته قائما، وإن كلفه قلعه، رجع هذا على الأول بتمام قيمته صحيحا، إذ لم يعلمه أنه [7/ 310]
في يده سنة واحدة، وإن علمه لم يتبعه بشيء. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وعن المساقي يساقي غيره، قال: تختلف أمانة الناس، فإن ساقى أمينا فجائز. وليس له ذلك في القراض / بحال، إلا بإذن رب المال. وإذا عجز العامل بعد أن عمل في الحائط شهرا، فلا يجوز أن يعطيه رب الحائط دنانير على أن يقيم، ولا أن يعطيه مثل ما أنفق على أن يخرج منه، ولكن له أن يساقى غيره على النصف. كما أخذ، أو على الثلث فذلك له. قال أشهب، عن مالك: وإذا باع الحائط ربه، لم يصلح أن يخرج العامل بشيء يعطيه المبتاع، كما لا يصلح من بايعه، فإما أقام أو خرج بغير شيء قبل: سوقي على النصف، فهل يخرج منه على أن يعطي سدس الثمرة عند الجذاذ؟ قال: فهو مثل بائع الثمرة قبل البيع. قال أشهب: وتفسير مكروهه إذا عمل شهرا ثم أخرج بالسدس، فكأنه أجره بالسدس على ما عمل في الشهر وذكر المساقاة دلسة، فأما إن لم يعمل في الحائط حتى أخرج منه السدس، فهو جائز في قول من يقول: إن السقاء يلزم بالعقد، ولا رجوع فيه لأحدهما، وإن لم يعمل الصلح. قال أصبغ: قال ابن القاسم: إذا ساقاه على النصف، فلا بأس أن يخرجه بربع الثمرة، عمل أو لم يعمل، وهي مساقاة منه مؤتنفة. وإذا أخذ رجلان حائطا على النصف، أو كان ملكا لهما، فجائز أن يخرج أحدهما، ويسلم الثمرة على أن يعطيه جزءا من الثمرة، فأما بمال أو عرض أو غيره، فلا يجوز. ومن كتاب محمد، قال مالك، في الحائط يباع بعد أن سوقي، أن البيع جائز. قاله ابن القاسم، وهو مثل الكراء، قال محمد: إن أبرت الثمرة أو طابت، فالبيع جائز عمل المبتاع أو لم يعمل، وإن لم تؤبر، لم يجز البيع، علم المبتاع بالسقي أو لم يعلم، شاء أو أبى. وقال في المشتري يخرج العامل بشيء يعطيه / من غير الثمرة، فلا يجوز، وأما بجزء منهما، أو بغير شيء، فجائز. وفي باب بعد هذا الحكم يه إذا فعل. [7/ 311]
القول في عقود المساقاة وما يكون منه من مكروهه مسافاة أو إجارة المثل
القول في عقود المساقاة وما يكون منه من مكروهه مساقاة أو إجارة المثل ومن أجر على سقي نخل بثمر معلوم من العتبية من سماع أشهب، عن مالك: ومن قال لرجل: تعال أسقي أنا وأنت حائطي، ولك نصف الثمرة، فلا يصلح ذلك، وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى العامل، ولو دفعه إليه، فقال: اسقه ولك الثمرة كلها. فلا بأس بذلك، إلا أن يكون سقى رب الحائط قبل ذلك بأشهر. ومن سقى حائطه شهرين، ثم ساقاه على النصف، فإن كان بيعه بما سقى، فلا يصلح، وإن ألغاه، فلا بأس بذلك. وكذلك في كتاب محمد. ومن سماع ابن القاسم: ومن أخذ نخلا من رجل، على أن يأبرها ويسقيها ويصلحها، على أن له من كل نخلة عرجونا قبولا، فلا خير فيه، وليس يشترط عليه جزءا في كل نخلة أو إجارة. ملزمة أو أمرا باقية. ومن كتاب محمد: وإن ساقاه حائطا، على أن يعمل خمسة أشهر على النصف، ثم يرده ويعمل فيه ربه بقية السنة على الثلث، لم يجز؛ لأنه إنما عمل له الخمسة الأشهر بسدس الثمرة، فهذه إجارة بثمرة لم تطب، وإنما المساقاة إلى الجذاذ. ومن الواضحة قال: ومن المساقاة المكروهة ما يرد إلى مساقاة مثله، ومنها ما يرد إلى إجارة مثله، فمما إلى يرد إلى مساقاة مثله في العامل يشترط المعونة في حائط كبي بعبد أو دابة، ويشترط عليه رب الحائط / خلف ذلك عليه في العبد أو الدابة، فهو يفسخ، ويرد إلى مساقاة مثله، وإن ساقى حائطين؛ أحدهما على النصف، والآخر على الثلث في عقد، فليرد منها إلى مساقاة مثله، ولو ساقاه [7/ 312]
حائطا على النصف، على أن يكفيه مؤنة حائط له آخر في سقيه وعلاجه، فهذا له على الحائط الذي على النصف مساقاة مثله، وفي الآخر إجارة مثله، وما أنفق. ولو ساقى حائطا على النصف، وزرعا على الثلث في صفقة، رد فيه إلى مساقاة مثله، وذلك إذا عجز عن الزرع ربه يوم ساقاه، وإلا رد في الزرع إلى إجارة مثله وإذا ساقاه حائطا فيه، تبع له، أو زرعا فيه شجر تبع لبه؛ الزرع على الثلث، والشجر على النصف، أو الحائط على الثلث، والزرع على النصف، فليرد في كل واحد منها إلى مساقاة مثله ولو ساقاه حائطا فيه بياض، على أن البذر من عند رب الحائط، والزرع كله له، وعمله على الساقي، فإنه يرد الحائط إلى مساقاة مثله، ولو في بياض الحائط أجره. وكذلك إن ساقاه الحائط على أن بذر البياض منهما، كان له في الحائط مساقاة مثله، والزرع بينهما نصفان، ولو كان على أن يزرع العامل البياض من عنده، والثمر والزرع بينهما، وشرط على رب البياض أن يحرثه، فليرد إلى مساقاة مثله، ولو شرط أن يعمله العامل، والبذر من عنده، والزرع لرب الحائط، فهذا له مساقاة مثله، والزرع له، وعليه كراء البياض لربه، أو يساقيه الحائط على أن جذ البياض من عند ربه، وعمله / على العامل أن الزرع بينهما، أو للعامل خاصة، أو لرب الحائط، فهذه الوجوه يكون مساقاة مثله في النلخه، وله أجر مثله في الزرع، والزرع كله لرب الحائط، وإن ساقاه حائطا فيه بياض أكثر من الثلث على أن ألقاه للعامل، فليرد في النخل إلى مساقاة مثله، وعليه كراء الأرض، وكذلك لو شرط أن يزرعه الداخل من عنده، ثم هو بينهما. فله مساقاة مثله في النخل، والزرع كله للعامل كراء الأرض إن ساقاه حائطا على أن ثمره البرني بينهما، وباقية لرب النخل، فهذا له في البرني مساقاة مثله، وهو في الباقي أجير. ولو قال: على أن البرني بيننا، وباقي الثمرة للعامل. كان له في ذلك كله إجارة مثله، والثمرة كلها لرب الحائط. وإن ساقاه زرعا عجز عنه وفي شجرات على أن ثمرها للعامل وحده، فهذا أجير في الجميع، والثمرة والزرع لربه، [7/ 313]
وأن ساقاه حائطا وبياضا هو تبع له خمسين سنين؛ على أن البياض أول سنة يزرعه لنفسه، ثم يرده فيزرعه ربه لنفسه، فلا يجوز ذلك، فإن وقع قيل: كم تسوى مساقاته في العام الأول على أن البياض للعامل وحده؟ فما قيل كان له، ثم يقال: كم تسوى مساقاته بغير بياض خمس سنين؟. فإن قيل: النصف. كان للعامل في الأربع سنين الباقية النصف، وهذا إن تراخى النظر في ذلك حتى انقضت، فإن غره في ذلك في بعضها، فسخ ما بقي منها. وكذلك إن ساقاه حائطين على النصف سنين، على أن يرد أحدهما في السنة الثانية /، ويعمل في الآخر وحده، لم يجز، ويكون في الحائطين في أول سنة على مساقاة مثله فيهما، على أنه سنة واحدة، فإن قيل: النصف. كان له فيهما النصف في أول عام فيهما، وفي الحائط الذي لم يرده في السنة الثانية على مساقاة مثله، على أن بيده سنين، فإن قيل: الثلث كان له الثلث في السنة الثانية، فأما ما يرد فيه إلى إجارة مثله، فمثل أن يشترط أحدهما مكيلة من الثمر، أو يشترط العامل نفقة الرقيف أو الدواب، أو نفقة نفسه على رب الحائط، أو من غرسه، أو يشترط عليه دواب ليسوا فيه، أو يشترط على العامل خلف الدواب أو الرفيق، أو يشترط العامل على رب الحائط خلف الدواب والرقيق يدخلهم العامل فيه، أو يساقيه زيتونا على أن على رب الحائط عصره، أو ثمرا على أن عليه جذاذه، أو زرعا على أن عليه حصاد، ولذلك كله مؤنة، أو يشترط في النخل السواقط والجريد والليف لأحدهما، ولذلك قدر وقيمة أو التبن في الزعر لأحدهما ولذلك قدر أو على أن على العامل أن يبني في الحائط، أو يزرب ماله بال، أو يجري مجرى ما فيه مؤنة، أو يحفر بئرا، أو يساقي نخلا، أوهن بعضه أو شجرا، أو نخلا، لم يبلغ ساقاه إياه خمسين سنين، وهو يبلغ إلى سنتين، وعليه قبل أن يبلغ علاج ومؤنة فهذا كله يرد إلى إجارة مثله، وقال: ولا يساقي الزع. قبل أن يطلع من الأرض، عجز عنه ربه أو لم يعجز عنه، فإن وقع، فللعامل أجر مثله، والزرع لربه، وكذلك إن طلع ولم يعجز عنه ربه، وساقاه ولأن إجارته إن عجز عنه ربه ليس بالقوي، [7/ 314]
في الجائحة في المساقاة، وفي البئر تهور
فكيف إن لم يعجز عنه، وكل ما ذكرت من أول الباب، فقول / من لقيت من أصحاب مالك. قال مالك: ولا بأس أن يشارك العامل رب الحائط بغير جعل. قال ابن حبيب: وإن تشاركا بجعل دفعه العامل إلى رب الحائط، فعثر عليه قبل الجزء، رد الجعل، ورجع العامل إلى مساقاته، وغرم لرب الحائط أجر ما عمل بعد رده إليه، وكذلك إن عثر عليه بعد الجزاء، فللعامل نصف التمرة، ويودي قيمة العمل، وأخذ ما كان أدى. في الجائحة في المساقاة وفي البئر تهور من كتاب محمد، قال أشهب، عن مالك: ولا جائحة في المساقاة، ولا للعامل أن يخرج، ولا يفسخ السقاء، وهما شريكان في النماء والنقص. وروي عنه، إن أجيح الثلث، فهما مخيران، يسقي الحائط كله أو يخرج. محمد: ثم لا شيء له من علاجه ونفقته، وهذا إن كانت الجائحة شائعة في الحائط لا يقدر على سقي ما سلم منه، وأما إن أجيح ناحية منه، فعليه سقي ما سلم منه، إلا أن يكون ما سلم منه يسيرا جدا؛ الثلث فأقل. قال مالك: وإذا غار ماء العين في المساقاة، فللعامل أن ينفق فيها إلى مبلغ حصة ربها من الثمرة في تمامه ذلك، وتكون الثمرة تترك له، فإن أبى، قيل لرب الحائط: أنفق، فإن أبى، فللعامل تسليمه لربه، ولا شيء له من نفقته ولا كراء. وهذا مذكور في كتاب كراء الأرض. ومن العتبية، من سماع ابن القاسم نحوهن وفي باب: البئر تهور، في الكراء والمساقاة تمام هذا المعنى مستوعبا في كتاب الأكرية، وقال فيه: إن كان ذلك قبل أن يعمل، فلا شيء على رب الحائط، وإن كان / بعد أن عمل، كلف رب [7/ 315]
التداعي في المساقاة
الحائط النفقة مقدار ما يقع له من الثمرة، وإن لم يكن له شيء قيل للعامل: أنفق مثله إن شئت، ويكون نصيبه من الثمرة بيدك رهنا. التداعي في المساقاة من العتبية، ابن القاسم، عن مالك، سوقي سنة أو سنتين، قبله، فلما قرغ، قال رب الحائط: لم ترفع ثمره. قال: إن كان جذ، فلا شيء له. وكذلك في كتاب محمد، قال: ويحلف العامل، كان بقرب الجذاذ أو بعده، وذلك أن جذ بعضها رطبا والباقي ثمرا، فقال: قبل جذ الثمر لم تدفع إلي من طلب شيئا، ولا من ثمنه، فالمساقي مصدق في الرطب. في المساقي ثلاث جرثات، فيحرث أقل من العتبية، قال سحنون، فيمن أعطى كرمه أو زيتونه مساقاة على أن يساقي ويقطع ويجني، على أن يحرثه ثلاث حرثات، فعمل ما شرط عليه، إلا أنه ما حرث إلا حرثتين، قال: ينظر جميع العمل المشترط عليه؛ من سقاء، وحرث، وجني، فينظر ما عمل وما ترك هو منه، فإن كان ما ترك يكون الثلث، حطه من النصف الذي له ثلثه إن ساقاه على النصف، وإن كان على الثلث، ساقاه، أو على الربع، حط من حصته الثلث أو الربع، على ما ذكرناه من تفسير ذلك. في تفليس المساقي من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: ومن ساقى حائطه، ثم فلس، فإن كانت المساقاة سنة وشبهها، جاز بيع الحائط، ويكون المساقي على سقائه، وإن كان سقاه خمس سنين، أو أقل أو أكثر، إذا كان / أجلا بعيدا، فلا يجوز بيعه لبعد الأجل فيه، كما لا يبيع حائطه على أن يقبض إلى سنتين أو ثلاث. [7/ 316]
كتاب الشركة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الشركة في الشركة بنوعين مختلفين من عين أو طعام من كتاب ابن حبيب، قال: والسنة في الشركة التساوي في المال. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا أخرج هذا مائة هاشمية، وهذا مائة دمشقية هي دونها في عيونها، فإن كان بينهما فضل كثير، لم يعجبني، وإن قال ذلك فالشركة جائزة، وإن غلت الهاشمية عند التفرق، لم يضر ذلك، وليقتسما ما بأيديهما بالتسوية من عر أو غيره، وإن كانت إحداهما [وازنة و] وفي الأخرى حبتين، لم تصلح الشركة. محمد، ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك: وإذا اشتركا بذهبين مختلفين في الوزن، وفي نفاق الصرف، فليقسما الصرف بقدر وزنيهما على النفاق بعد أن يأخذ كل واحد منهما مثل رأس ماله وزنا وعينا. وفي كتاب محمد: وإن أخرج هذا دنانير، وهذا دراهم في وزنهما وقيمتها، فروى ابن القاسم، عن مالك، إجازتهما. وروى هو أيضا، وابن وهب عنه، كراهيته، وبذلك أخذ محمد، وإجازته غلط. وما علمت من يجيزه. ومن كتاب آخر، روى عن سحنون أنه أجازه وأجاز الشركة بالطعامين المختلفين. [7/ 317]
في الشركة بالمالين المتفاضلين، وفي غيبة أحد المالين
ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن القاسم، وإذا أخرج هذا دنانير، وهذا دراهم، وعملا فربحا، فليأخذ كل واحد مثل رأس ماله، ويقتسما الربح، فإن ربحا مثل نصف المال /، أخذ هذا مثل نصف دنانيره، وهذا مثل نصف دراهمه، وكذلك إن ربحا ثلثا فثلث، وإن ربعا فربع. وكذلك في الواضحة. ومن كتاب محمد، قال مالك: وأما الشركة بالعرضين من عمل الناس، فأرجو ألا بأس به، يبيع هذا نصف متاعه بنصف متاع الآخر، وإن لم يلفظ بالبيع، فهو بيع، ولا تجوز الشركة بقمح وشعير وإن تبايعاه، فإن خلطاه ثم باعاه، فرأس مال كل واحد قيمة طعامه. قال ابن حبيب: يوم خلطاه. قال محمد: وإذا خلطاه، فليقسما الثمن والربح نصفين، ولا يجوز الفضل بينهما إذا تساويا في الكيل، وأجاز ابن القاسم الشركة بما ليس بصفة واحدة، وكذلك سائر الطعام إذا اتفقت الصفة. وكره ذلك مالك، وإنما كرهه عندنا لخلط الجيد الدنيء، وإذا لم يخلطا، لم تجز الشركة؛ لأنه ليس بيع تقايض. وفي الواضحة: وتجوز الشركة بالعرضين من صنف واحد أو مختلفين، إذا تساوت القيمة، ولا تجوز بالطعامين المختلفين في الصنف حتى يكونا متفقين في الصنف، ولا تجوز الشركة بالذهبين المختلفين، ولا بالذهبب والورق. قاله كله مالك: وإذا وقعت الشركة بالطعامين المختلفين، فلكل واحد ثمن طعامه، والفضل بينهما بقدر ذلك، وكذلك إذا وقعت فاسدة بالعرضين. في الشركة بالمالين المتفاضلين وفي غيبة أحد المالين وكيف إن كان أحدهما لا مال له والمال لا يبين معه؟ ومن كتاب محمد /: ولا تجوز الشركة على تفاضل المال بتساوي العمل، فإن كان العمل بقد كل مال، جاز، وإن أخرج هذا مائة، وهذا مائتين، على أن [7/ 318]
الربح بينهما على الثلث والثلثين، وكذلك يبيعها البائع، فالمال إن عرف شركتها كيف هي؟ وإلا أتبعهما بالنصف، فإذا فسدت الشركة باشتراط الربح نصفين، قسم الربح على الثلث والثلثين، ورجع القليل المال على الآخر بفضل عمله. قال مالك في الشريكين بمائة ومائتين، والربح بينهما نصفين: إن جعل صاحب المائتين عبدين يعملان مع صاحب المائة، فلا أجر لصاحب المائة والربح بقدر المالين. قال ابن القاسم: لا يعجبني. وقد قال مالك قبل ذلك: له أجر مثله، وهو أحب إلي. محمد: قول مالك أحب إلي؛ لأن عمل العبدين في المائتين، وعمل الآخر في المائة. محمد فاعتدل ذلك قال مالك: وإن أخرج هذا مائتين، والآخر مائة، وما من غائبة، ثم خرج هذا بالمال في طلب المائة، فلم يجدها، وعمل بالربح على الثلث والثلثين. ابن القاسم: ولا أجر له؛ لأنه متطوع، والشركة صحيحة، قال محمد: إن تبين أنه خدعه، فله ربح مائة، وإن لم يخدعه، فله النصف، ولا أجر له في كل حال. قال سحنون: الشركة فاسدة؛ لغيبة المال، وله أجر مثله في الزيادة، وليس بمتطوع. محمد: قال مالك: إذا فسد الشركة بتفاضل العمل، فخسر المال، فليس له فضل على صاحبه أجر فضل عمله. ومن كتاب محمد: وإذا اشترط ثلاثة؛ لأحدهم عشرة، وللآخر خمسة، والثالث لا مال، على أن الربح بينهم أثلاثا، فربحوا أو خسروا، فهذا فاسد /، والربح والوضيعة لصاحبي المال، وعليهما على الثلث والثلثين، والذي لا مال له يأخذ أجر عمله على المالين، وللقليل العمل أجرة عمله في الخمسة الفاضلة؛ ويقسم ذلك عليهم كلهم في الخمسة عشر تسعة دراهم سواء، فتفرد من الوسط، وتقسم على صاحب المال على الثلث والثلثين كسائر الفضل، فيقوم عليهما الذي لا مال له بعمله، فيأخذ ثلاثة دراهم؛ درهمين من صاحب العشرة ودرهما من [7/ 319]
ما يكر من عقود الشركة وما يقارن الشركة من شرط، والشركة فيما لم يقبض من طعام أو عرض
صاحب الخمسة، ويبقى من أجر العمل درهم بيد صاحب العشرة، واثنان بيد صاحب الخمسة، فيقول صاحب الخمسة لصاحب العشرة: علمنا في الخمسة الفاضلة أنا وأنت، والثالث على ثلث ما يصير لنا، وذلك درهم، فادفعه إلي. فيأخذه منه فيصير بيده ثلاثة، وبيد صاحب العشرة ثلاثة، وبيد صاحبهم الذي لا مال له ثلاثة. ما يكره من عقود الشركة وما يقارن الشركة من شرط والشركة فيما لم يقبض من طعام أو عرض أو بعدما نقص أو تلف بسلف أو غير سلف، أو بيع، أو إجارة، وفي الشركة بالذمم وبالدين من كتاب ابن المواز: وإذا اشتركا بالتساوي على أن يكون المال بيد أحدهما، ويلي البيع والشراء لم يجز، وإن وليا ذلك جميعا إلا أن أحدهما يكون ذلك بيده، فذلك جائز، ولا يجوز أن يخرج كل واحد منهما عشرة، ولأحدهما دابة، والآخر يعمل له في جميع المال، وكذلك لو عملا جميعا، وإن أخرج أحدهما / المال، وشترط على أن الربح بينهما، لم يجز، فإن عملا فالربح لرب المال، وللآخر أجرته. قال مالك: فإن أسلفه نصف المال، فإن كان طلب رفقه وصلته لا لحاجته إليه ولا لقوة نظره، فجايز، ثم روى ابن القاسم، أنه رجع فكرهه. وبالأول أخذ ابن القاسم، وفي العتبية من سماع ابن القاسم، أحد القولين، وأن ابن القاسم أخذ الأول، وأجازه إن كان لغير حاجة إليه لبصره، وكان رفقا به. قال في الواضحة: ولم يكن فيه شرط ولا مرفق ولا خدمة ولا كفاية، إلا رفقا بصاحبه لقرابة أو حرمة، أو طلبا لثواب الله، فأما على غير ذلك، فلا يجوز. [7/ 320]
وقال مطرف، عن مالك. وفي العتبية من رواية ابن القاسم، عن مالك مثله. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن اشتركا بمالين مفترقين ثم أخرج أحدهما مائة أسلف الآخر نصفها، ويعملان فيها، فذلك جائز إن صح ذلك، وإن أخرج هذا مائة، وهذا خمسين، وأسلفه الآخر خمسين، فإن كان لغير شرط في الشركة، ولا لحاجة إليه في بصره وعمله ونفاذه، وإنما كان رفقا به، فجائز. وكذلك في العتبية، من رواية ابن القاسم، عن مالك ومن استدخل عبدا في يده، على ألا نقصان عليه بوضع، فلا شيء على العبد، وله أجر مثله فيما عمل له، وكره مالك إن شرك جزارا في غنم؛ ليكفيه جزرها ومؤنتها. ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع سلعة، فقال له رجل: أشركني في هذا، وأنا أنقد عنك. لم يجز، وهو يبع وسلف، ولو قال المشتري لرجل: تعال أشركك فيها، وأنقد عنك، وأؤخرك، فإن كانت سلعة بعينها حاضرة، فجائز، وأما المضمونة، فلا يجوز؛ لأنه الدين بالدين وروى أشهب، عن مالك، فيمن له جاز محتاج أراد إرفاقه، ولا حاجة إليه به، فقال له: اخرج معي أشتري طعاما بمائة دينار، ولك ثلث الربح. فقال: ما أعرف هذا، ولكن لو اشترى وعرف الربح، ثم قال له ذلك، فلا بأس به. قال سحنون: في غير رواية يحيى بن عبد العزيز، فيمن معه مال فأسلف، لرجل نصفه وشاركه بالنصف، فعمل المتسلف المال وسافر به، ورب المال مقيم، فإن أراد يدفعه وطلبه، فذلك جائز إن لم يشترط عليه أن يسافر هو بالمال، وإن كان على غير ذلك، لم يجزه، ويكون العامل أجيرا، والربح والوضيعة لرب المال، وعليه قيل: فرب المال يدعي أنه أسلفه لينتفع به لا لصلة: قال: ينظر [7/ 321]
السلطان في ذلك، فإن كان مثله لقلة بصره بالتجارة، لم يكن ليسلفه لينتفع به، وإلا فالعامل أجير والفضل لرب المال. وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، قال لرجل: اذهب واشتر من فلان بقرة عنده، وأشركني فيها، وانقد عني. فلا بأس بذلك. وعمن قدم من بلد بمتاع، فأعطى فيه ثمنا، فقال الرجل: أنا آخذه بما أعطيت / وأنت فيه شريكي قال: هذا حرام. ومن أسلم في عرض أو طعام، فسأله رجل أن يسلفه ويشركه فيه، وينقد عنه، وذلك قبل عقد البيع، فذلك جائز؛ لأن السلف منه قبل البيع، ولم يجز بذلك نفعا، ولو سأله بعد عقد البيع أن يشركه ويؤخره بالثمن، لم يجز، ولو أجابه إلى الشركة من غير أن يشترط شيء، ثم عسره الثمن، فسأل المشترك أن ينقد عنه، فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا تجوز شركة وبيع وبيع سلعة خارجة من الشركة، ويجوز أن يكون في الشركة. قال ابن القاسم، ولا يجوز أن يشرك في طعام في ذمته حتى يجمع بين البائع وبين من أشركه أو ولاه، وإلا لم يجز. قال: وإن جمع بينهما، جاز، وإن نقدك مكانه مثل الثمن لا أرفع ولا أدنى، في وزن أو صنعة، ولا اشتراط نفع من أحدهما، وإن ابتعت طعاما بعينه بثمن مؤجل، لم يجز فيه تولية ولا شريكة قبل قبضه، وإن أشركته في غير الطعام مما في ذمة رجل نه ثم سأله بعد تمام الشركة أن ينقد عنك، فذلك جائز. قال مالك إن كان على المعروف، لا يجر به نفعا ولا معروفا، وعهدته في صحته على البايع قال مالك، في الشركةفي العرض أو غيره، على أن ينقد عنه، لم يجز، ومن اشترى ورقا بذهب، فقبض الورق، فأشرك فيها رجلا قبل نقد الذهب، ثم سأله أن ينقد عنه، لم يجز، ولا ينتقد إلا حصته، بخلاف طعام أو عرض أشرك فيه بعد أن قبضه، وعرض [7/ 322]
مضمون لم يصلح أن ينقد عنه وعن نفسه، وإن أشركه بغير شرط، وأما في عرض بعينه، أو في طعام بعد قبضه، فجائز، وأما إن سأل رجلا أن يشتري ويشركه / فيما يشتري، ثم سأله بعد الشراء أن ينتقد عنه، فذلك جائز في الطعام والذهب والورق والعرض وكل شيء إذا لم يجر به نفعا وكانت شريكتهما قبل وجوب الشراء. ومن قال لرجل: ابتع سلعة أشركني فيها، وأخبرني بالثمن وأكفيك بيعها، فجائز إن ضرب للبيع أجلا، وليضرب لبيع السلعة ما يصلح لبيع مثلها، فإن بلغه ولم يبع، فقد قضى ما عليه، وشراؤه تام، وأما إن لم يكن الثمن حالا، ولا ضرب له أجلا، فالبيع جائز، وكذلك في طعام اكتاله، ولا يجوز إن لم يكتله إلا في غير الطعام، فيجوز بعد الشراء، فأما قبل إيجاب البيع، فلا يجوز؛ لأنه سلف نفع اشترطه، فأما بعد البيع، فبيع حادث. مالك وعن قوم اشتركوا رجلا عند الشراء، على أن يبيع تلك السلعة ولا يقاسمهم، فباع بعضها، ثم طلب القسم، فذلك له، وعليه بيع حصتهم إلى الوقت الذي يرجى بيعه، فإذا بلغه، فليس عليه شيء باع أو لم يبع، وهذه المسألة في العتبية، رواية أشهب، عن مالك، قال في السؤال: اشتروا أولا، ثم ذكر مثل ما ذكر محمد، وأنكر هذا أبو بكر بن محمد، وقال: ليست على الأصل، وإنما أنكرها أبو بكر فيما أعلم لقوله: على أن لا يقاسمهم. قال أصبغ: قال ابن القاسم: وإذا اشتركا على أخذ متاع بدين عليهما، ولهما مال، أو لا مال لهما، فأما في سلعة بعينها، فجائز في الوجهين، وأما إن اشتركا على أن كل ما اشترى أحدهما بدين، فذلك لازم للآخر، ولا قال لهما، فلا يعجبني. قال أصبغ: فإن وقع نفد على سنة الشركة، وضمناه جميعا، وفسخت الشركة / من ذي قبل. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل: اجلس في هذا الحانوت تبيع فيه، وأنا آخذ المبلغ بوجهي، والضمان علي، وعليك. فيفعلان، فإن الربح [7/ 323]
في الشركاء يخرج منهم اثنان بالمال فيقسمانه، وفي الغائب منهم يفلس، هل يبيع المقيم؟
بينهما على ما فعلا، ويرجع من له فضل عمل بأجره. ولو قال: اجلس فيه فأنا آخذ لك متاعا تبيعه، ولك نصف ما ربحت، لم يصلح، فإن ترك فللذي في الحانوت أجره مثله، وللذي اجلسه الربح كله. ومن مسائل سحنون، وليست من رواية يحيى بن عبد العزيز: فإن اشتركا على أن يسير أحدهما بالمتاع إلى بلد كذا لا يتخلف في غيره، قال: الشركة فاسدة، فإن خرج أحدهما إلى تلك البلدة، فربح في المال، فالربح بينهما. ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس أن يشتركا، ويكون أحدهما في بلد يجهز على الآخر في بلد آخر، قال أشهب: ولا بأس أن يخرجا مالا متساويا، على أن يقعد هذا حداد، وهذا عطار، ولا يجوز أن يشتركا بالذمم بغير مال يشتريان بالدين، فإن فعلا، قال أصبغ: فما اشترى كل واحد منهما لزمهما كما عقدا لأنهما قد ضمناه، وتفسخ الشركة من ذي قبل. في الشركاء يخرج منهم اثنان بالمال فيقسمانه، وفي الغائب منهم يفلس، هل يبيع المقيم؟ أو يفقد أحدهما أو يترد ببلد الحرب أو تطول غيبته فيقسم الحاضر الشركة، ثم يقدم من كتاب ابن المواز، وفي العتبية، قال أصبغ: سألت عن ثلاثة اشتركوا بمائة مائة، ثم سافر اثنان بجميع المال، فتشاجرا /، فاقتسما المال، فلا ينتفع بذلك الحاضر إلا أن يكون نهاهما عن القسم، قال: ويضم جميع المال فيكون ثلثه للغائب بربحه وخسارته إن لم ينههما. قال محمد: وكأنه رضي بالقسمة. قال ابن القاسم: وتلزم القسمة الخارجين بينهما، فيكون لهذا بقية خسارته، ولهذا بقية ربحه. [7/ 324]
قال أصبغ: فإذا نهاهما عن القسمة، لم تلزمه خسارة، والوضيعة على المشتري لتعديه بالقسمة، وأما الربح فيدخل فيه الغايب، وقد اختلف كيف يقتسمانه، فقيل: على الثلث والثلثين وقيل: نصفين؛ لأن الشريك إن وجده معدما، رجع على الآخر. قال يحيى بن عمر: الصواب ألا يقسم نصفين؛ لأنه وإن ضمن، فليس للضمان ربح، وإن الضمان لضعيف. ومن سماع أشهب، وعن شريكين في ماله بعينه، سافر أحدهما ففلس، أيتبع الغرماء المقيم؟ قال: ليس ذلك لهما، إنما شاركه في مال بعينه. ومن مسائل سحنون، ليست من رواية يحيى بن عبد العزيز، وعن الشريكين يضرب أحدهما إلى بلد ببعض المال، والآخر إلى بلد آخر ببعضه، فنعي أحدهما، أنه إن عرف وتواتر ذلك، فقال الحاضر: أشهدكم أني قد فسخت الشركة؛ لأنه قد مات، وضمنت نفسيب الحاضر. ثم جاء الشريك حيا، قال: لا يتم فسخه إلا بفسخ السلطان، ويضمن إن توى المال وشريكه مقدم عليه، إن شاء ضمنه رأس المال، وإن شاء دخل معه في كل ما تجر فيه، كالمبضع يخالف ما أمر به، ولو فسخها سلطان، لم يضمن. ولو انتظره الشريك سنتين أو ثلاثا، فلما طال ذلك، فسخ الشركة، لم يكن فسخا. من غير رواية يحيى بن عبد العزيز، قال سحنون: وإذا / أجر أحدهما مسافرا ببعض المال، فلحق بأرض الحرب وارتد، هل يقبض المقيم مما بيده ما استهلك المرتد؟ قال: لا، إلا إنه يعلم أنه استهلك قبل ردته أو بعد، فنقص كل ما استهلك له، وأن لم يعلم استهلاكه، وعلمت ردته، فإن مال المرتد موقوف، فإذا مات أخذ الشريك حقه. [7/ 325]
في أحد الشريكين يواجر نفسه أو يأخذ قراضا
في أحد الشريكين يؤاجر نفسه أو يأخذ قراضا، وكيف أن مرض أحدهما وعمل الآخر؟ من كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع أصبغ، عن ابن القاسم: ولو أن أحد الشريكين ـ قال في العتبية ـ المتفاوضين أجر نفسه، أو عمل بمال قراض، فلا يدخل في ذلك شريكه، وقد تعدى بترك العمل، قال ابن القاسم: وهو على ربحه في عمل الآخر، ولا يرجع عليه الذي عمل بشيء من أجر عمله. قال أصبغ إذا حلف أنه لم يتطوع بالعمل، له عليه نصف الأجرة بقدر ما باشر في حقه، لا على عدة الشهور، إذا كان عمله متقطعا في خلال ذلك. قال أصبغ، في العتبية، يحلف على أحد الأمرين، إما أنه ما عمل عنه إلا ليرجع عليه، أو أني إنما عملت لنفسي على معنى القسمة إذا أشغلت عني قاله أشهب. قال أصبغ، عن أشهب: إن ما أخذ به نفسه؛ قال في العتبية أو ما ربح في قراض أخذه، فذلك له، يدخل في الشركة بينهما، كما لو سلف ما لا فعمل وربح فيه، فربحه بينهما. ابن القاسم، في كتاب محمد في شريكين خرجا إلى الريف فابتاعا طعاما، فقدم أحدهما الفسطاط، فأخذ قراضا فربح فيه، قال له، وعليه / للذي بالريف أجر مثله، فما ولي بالريف، فله أجر مثله في حصته. ومن الواضحة قال: وإذا أخذ أحد الشريكين لنفسه مالا قراضا، أو أجر نفسه في عمل أو حراسة، أو وكالة، أو تسلف مالا فاشترى به سلعة، فربح فيها، أو اشترى لنفسه [7/ 326]
في نفقة الشريكين
شيئا، فربح فيه، فإن لم يكونا متفاوضين، فابن القاسم يرى ذلك له أيضا، ويجعل له نصف الفضل في شركته، ولا يجعل عليه إجارة لشريكه لما يوجد من عمل الشركة. وكان أشهب يجعل ذلك كله بينهما، ويجعل ضمان ما تلف بينهما، والتفاوض هو تفويض أحدهما للآخر في كل ما يجدان به نفعا فيما اجتمعا فيه أو انفرد به أحدهما. وقاله أصبغ. وبه أقول. ومن قول مالك: وإذا مرض أحد الشريكين، أو غاب مثل اليوم واليومين ونحو ذلك، وعمل الآخر، فما علم بينهما إلا أن يطول المرض، وتكثر الغيبة، فله ألا يسوغه عمله إلا أن يشاء من غير شرط في أصل الشركة، فذلك جائز وإن شح فذلك له خاصة في شركة عمل الأبدان، وله في شركة الأموال نصف أجره على صاحبيه؛ لأن الفضل إنما جره المال. في نفقة الشريكين من العتبية من سماع ابن القاسم، وعن الشريكين أحدهما بمصر، والآخر بالمدينة يجهز هذا على هذا، وسعر البلدين مختلف بأضعاف، قال: النفقة بينهما سواء مثل الربح والخسارة، إلا أن يأتي من النفقة أمر يتفاحش يكون لهذا عيال كثير، وهذا يطرف / نفسه مما لا يحمل، فكأنه يقول: إن لم يتفاوت ذلك، فهو بينهما. ابن حبيب من قول مالك: إن كل ما أنفق كل واحد على نفسه وعلى عياله يلغى، كانا في بلد أو بلدين، اتفق السعر أو اختلف، إذا كان بينهما قريبا، إلا أن يكون أحدهما عزبا، وللآخر عيال كثير، فليحسب كل واحد نفقته. [7/ 327]
في شركة المتفاوضين وذكر التداعي في ذلك ودعواه أن بيده ودائع
في شركة المتفاوضين وذكر التداعي في ذلك ودعواه أن بيده ودائع من كتاب محمد: وما اشترى أحد المتفاوضين بالدين، لزم شريكه، وأما غير المتفاوضين، فلا يلزم صاحبه إلا بأمره، وما استدان أحداهما أو أسلف أو باع بدين، لزم شريكه، إذا أذن له بذلك، وما اشترى أحدهما من طعام أو كسوة، فذلك عليهما، إلا كسوة لا تتبدل، فلا يلزم ألا من اشتراها. وكذلك ما يعلم أنه لنفسه أو لعياله مما لا يجب له في مال الشركة، قال في كتاب محمد، وفي العتبية، من سماع ابن القاسم، وفي رجلين اشتركا بمالين؛ على أن قد باع منهما بدين، ضمنه؛ قال في العتبية أو ضمنه معه الآخر، قال: أكره ذلك؛ إذ لا يدري ما يعيب به صاحبه من الخلاف. قال سحنون لا بأس به؛ لأن الشركة لا تكون إلا بالتفاوض من أحدهما للآخر. ومن كتاب محمد: وإذا اشتركا بماليهما، تفاوضا على أن يشتريا به وبالدين، ويبيعا به، فلا خير فيه، فإن فعلا فاشترى هذا بالدين بأكثر من رأس ماليهما، وفعل الآخر مثله، فذلك لازم / لهما؛ لأنه على إذن منهما، وإن لم يذكر البيع بالدين في أصل الشركة، لم يجز لأحدهما البيع إلا بإذنه، فإن باع بإذنه، فلما حل آخره الآخر، فإن كان نظرا واستئلافا جاز، وكذلك لو حطه منه، وأما ما كان على المعروف، فإنما يلزمه في حصته، وإذا اشترى أحدهما خادما يخدمه لنفسه، وأشهد على ذلك، لم ينفعه، ويكون على ذلك بخلاف طعام نفسه؛ لأن على ذلك تعاقدا. قال مالك: وإذا كان أحدهما يشتري الجارية للوطء، فإذا باعها رد ثمنها في الشركة، فلا يصلح ذلك، وليتقاوما ما بأيدهما. قال محمد: إنما يتقاومان إذا أراد الوطء قبل أن يطأها، فأما إذا وطئ، فقد لزمته القيمة إن شاء شريكه، ولم تحمل، وإن [7/ 328]
حلمت، فلا بد من التقويم، وإذا مات أحدهما، فأقام الحي بينة أن مائة كانت في يد الميت ولم توجد، فإن قرب موته من أحدهما، فهي في حصته، وإن تباعد، فلا شيء عليه. محمد: إن أشهد على نفسه بأخذ المائة شاهدين، لم يبرأ منهما، ألا بالبينة بردها وإن طال، وما أقر به بغير تعمد وإشهاد ولا كتاب، فكما قال في صدر المسألة. وإن استعار أحدهما دابة لحمل طعام بينهما، فأتى أجنبي فحمل عليها ذلك الطعام، فالأجنبي ضامن، بخلاف شريكه. قال أشهب: لا يضمن الأجنبي؛ لأنه فعل ما استعيرت له، فإن ادعى أحد المتفاوضين أنه جعل في المال زيادة لنفسه، لم يقبل منه، وحلف صاحبه أنه لا شيء للمدعي، وما ادعى إلا باطلا /، ولا يحلف على العلم. ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك، في الشريك المفوض غير المفوض، يقول: جعلت في مال الشركة مالا عند المحاسبة أو قبل ذلك. قال: يحلف شريكه ماله فيه شيء ولا جعل فيه شيئا. ومن كتبا محمد وإن جحد أحدهما الشركة، فأقام الآخر بينة على المفاوضة، فض ما بيد المقر والمنكر بينهما إلا ما عرف أنه لأحدهما، وما تلف بيد الجاحد، ضمته صار كالغاصب. وروى عيسى عن ابن القاسم، فيمن جاءه شريكه بدمياط بثياب، فوجد في بعضها [أنه أخذها] أكثر من الثمن، فاستخانه، هل يحلفه أنه ليس بهذا الرشم الأدنى؟ قال: نعم، فإن نكل، حلف الآخر أنها بهذا الرشم الأدنى. [7/ 329]
وروى يحيى، في الشريك يقدم على شريكه، فيجد بيده أموالا، فيريد أن يديرها، فقال شريكه: هي ودائع للناس، أو كانت عروضا فقال: دفعت إلي لأبيعها. فقال له الآخر: سم أهلها. فأبى، قال: إن سمى أهلها، فادعوا ذلك، فليحلفوا، كمن استحق بشاهد ويمين، فإن نكلوا، أخذوا نصف المقر، وأخذ الشريك نصيبه من ذلك المال، سواء أقر بوديعة أو بمتاع يبيعه، وإن لم يسم لمن ذلك، أو وهب، فذلك بين الشريكين على شركتهما، وإن قال: هو إلي ورثته دونك، أو وهب إلي. فإن أثبت معرفة الميراث أو العطية أو الهبة، وإلا فهو بينهما. قال ابن حبيب: ومن قول مالك: إذا تفاوضا، فما اشتركا فيه من المال، فما ذكر أحدهما أنه ضاع من مال أو عرض، أو أقر بدين، فذلك لازم لصاحبه. وجرى في باب ما يلزم من عقود / ما يكره من عقود الشركة، من معاني هذا الباب. ومن كتاب محمد: وإذا أفلس المتفاوضان ولأحدهما زوجة لها عليه مائتا دينار، وعليهما للناس ألف دينار، وجميع ما بأيديهما ألف دينار ومائتا دينار، فإنما الحصاص في حصة المتزوج، فله من المال ستمائة، وعليه سبعمائة؛ للمرأة سبعا ستمائة، وذلك مائة واحدة وسبعون دينارا وثلاثة أسباع دينار، وللغرماء أربعمائة وثمانية وعشرون دينارا، وأربعة أسباع دينار، ثم يرجع الغرماء على الشريك الآخر بما أخذت زوجة هذا من خمسمائة التي لهم، وذلك خمسة أسباع المائة، ويبقى للمرأة سبعا المائة. ومن كتاب ابن سحنون، مما كتب به إلى شجرة في رجل دفع عن أخيه وهو شريكه مفاوضة ضمان امرأته، ولم يذكر أنه من مال أخيه حتى مات الدافع، فقام في ذلك روثته، وقالوا: هو من مال ولينا. فكتب إليه إن دفع، وهما متفاوضان، ثم أقام سنين كثيرة في مفاوضتهما لا يطلب أخاه في شيء من ذلك، فهذا ضعيف، فإن كان بحضرة ذلك، فهذا بينهما شطرين ويحاسب به، إلا أن يكون للباقي حجة. [7/ 330]
الشركة في عمل الأبدان والدواب
الشركة في عمل الأبدان والدواب من كتاب محمد: ولا خير أن يشتركا على أن يعملا بأبدانهما ودوابهما من غير رأس مال، إلا أن يشتركا في رقاب الدواب، أو يبيع كل واحد منهما لصاحبه ذلك بعد علمهما بالدواب، ويعتدلا، أو يكري كل واحد منهما من الآخر نصف دابة، لا يجوز / أن يأتي هذا بدابة، والآخر برحا، وهذا بيت، ويكروا ذلك من رجل صفقة واحدة، ولا أن يعملوا بأيديهم ولا تأخير لهم، ولا يجمع رجلا سلعتيهما في البيع، ولا مع أحدهما عبده مع كراء دار الآخر في صفقة، وإن كانا لواحد، جاز، وإن أخرج هذا دابة، وهذا رحا، قوما كراء الدابة والرحا، واشتركا على أن يعمل رب الدابة، قال مالك: لا خير فيه، ولا أن يعملا جميعا حتى يقوما كراء الدابة والرحا فيضمنان ذلك، ويكون العمل فيهما، وما أصاباه فيهما على ما قوما. قال محمد: لأنه لم يضمن لصاحبه ثمنا ولا كراء. وكذلك إن جاء ثالث بالبيت، لم يجز، فإن فات بالعمل، فلهم ما أصابوه على قيمة كراء كل واحد منهما، فإن بقي شيء أعطى كل واحد حر عمل غيره، فإن بقي شيء قسموه بقدر ما حمل بيد كل واحد من تلك الإجارة، وإن لم يجدوا شيئا غير النفقة، ترادوا في فضل أكرية الدواب، وإن ولي رجل الدابة العمل، فله الكسب، وعليه كراء البيت الرحا. وكذلك كل من تفرد منهم بالعمل، ولو استأجر رب الدابة من صاحب البيت والرحا نصفها، وأجر صاحب نصف الدابة، وعملا على ذلك، فجائز إن لم يتغابنا بشيء، وإن كانت البيت براحا بينهما، وأتى كل واحد بدابة، وهذا يعمل بيديه، فإن اعتدلا، فجائز، وأما إن لم يشتركا في الأصل الواحد، فلا خير فيه، ولا خير في شركه قصارين لأحدهما حانوت وللآخر مدقة وقصاري. قال ابن القاسم: وإن استأجر هذا نصف الأداة، والآخر نصف الحانوت، فجائز، ولا خير في أن يشترك نفر على حمل مائة أردب قمح /، ولكل واحد دابة، [7/ 331]
أو على نقل تراب، ولو اشتركوا في الدواب وعملوا في موضع واحد، فجائز، وأما بأديهما من غير دواب فيجوز إذا كانا في موضع واحد يحتطبان، وكذلك فيما يطلبان بصيد البحر. محمد: إذ ليس ثم غير أبدانهما، ولا خير في شركتهما في الصيد في البزاة والكلاب وهما يصيدان في موضع واحد حتى يكون البازيان والكلبان بينهما، والشركة في عمل الأيدي لا تجوز إن اختلفت الصنعة، ولو أنفقت، لم تجز إن كانا في حانوتين حتى يجتمعا في الأداة والصنعة، وأن يكونا في موضع واحد. قال مالك: وتجوز شركة المعلمين في مكتب واحد، وإن كان أحدهما أجود تعليما. قال ابن القاسم: أو أعرب قراءة. وروي عن مالك أنه لا ينبغي حتى يستويا في علمهما، فإن كان أحدهما أعلم، لم يجز، إلا أن يكون لا فضل له من المكسب لفضل علمه ابن القاسم: وإذا غاب أحد شريكي الصنعة اليوم واليومين، وعمل الآخر، فذلك جائز، والكسب بينهما. قال أصبغ: في العمل الخفيف، وأما ماله مؤنة وطال ذلك فله من الوسط، أجر عمله. قال ابن القاسم: إذا طلبه ولو أحب أن يتبرع شريكه بذلك، جاز ما لم يشترط في العقد أنه إن مرض أحدهما وتطاول مرضه، أو غيبته، أن عمل الباقي بينهما مفسد للشركة، ويكون ما عمل المنفرد له، إلا فيما خف. قال ابن القاسم، وشريكا القصارة إن كانت أداتهما لها بال، فلا ينبغي أن يخرج هذا بعضها وهذا بعضها حتى يشتركا في رقابها أو يكري من لا أداة له من الآخر نصف أداته، وكذلك من أكرى من رجل نصف دابته، وعملا جميعا، فجائز. قال: وشركاء الصنعة، كل واحد ضامن لما لزم صاحبه ضمانه. [7/ 332]
ومن العتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم، في خراز، وحداد في حانوت واحد، اشتركا، يعمل هذا مع هذا في خرازته، وهذا مع هذا في حديده، فإن أحسنا الصنعتين، فجائز، ولو استأجر كل واحد أجيرا، واشتركا في الكسب، فجائز إن عمل الأجيران عملا واحدا وإن كانا في حانوت، وصنعتهما مختلفة، لم يجز، وإن اتفقت الصنعة، والحانوتان مختلفان، فلا بأس به. وهذا خلاف ما ذكر ابن المواز، وذكر ابن حبيب مثل ما ذكر ابن المواز، لا يجوز حتى تتفق الصنعتان، ويكونا في حانوت واحد. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في صيادين اجتمعوا على غدير بشباكهم، وقالوا: نشترك ويضرب كل واحد منا بشبكته ضربة، فما أصبنا فبيننا، فأصاب واحد منهم صيدا، فلم يعطهم، فذلك له دونهم، ولا تجوز هذه الشركة. وروى عنه حسن بن عاصم، في نهر فيه أحجار الحيتان، وقد أظلته الطرفاء وأصولها تحت الماء، وقد يكون حسب موضع الصيد ويضيق عن جر الشباك، وإن اجتمعت الشباك، لم تسع، وتنفر الحيتان، فيقول أحدهم: دعني أرمي والذي أصبه بيننا. أو يقول ذلك صاحب شبكة صغيرة يكون في فرش من عود يسعها عن الحجر، وربما انقطعت شباكهم، فيمنعون ويقولون: لا شركة. قال الشركة بينهم فيما أصابوا في المواضع الضيقة كما شرطوا، ولولا ذلك لأفسد بعضهم على بعض، وليس عليهم عمل / ما انقطع من الشباك. قال غير حسين، في الصيادين يشتركون ويجعلون للشبكة حظا من الصيد، فلا ينبغي ذلك؛ لأنه أجرها بغرر لا يدري أيصيب أم لا يصيب؛ ولو أجرها بحيتان موصوفة مضمونة، صادوا أم لا، وبغير ذلك، لجاز. [7/ 333]
في الاشتراك وعهدته عند البيع أو بعده، وهل لمن حضر دخول في البيع؟
ومن الواضحة، وتجوز شركة الحمالين إذا تعانوا على ما يحملون، ويكونون مجتمعين غير مفترقين، فأما أكرياء الدواب والجمال، فإن كانت رقابها بينهم، جاز، وإن افترقوا في البلدان والمواضع. وإن كان لكل واحد دابة، لم يجز أن يفترقا، لكن على الاجتماع والتعاون. والمعلمان يشتركان، لا يجوز أن يفترقا في موضعين. قال مطرف، وابن الماجشون، ولا بأس إن كان أحدهما سيلقيا والآخر نحويا أن يشتركا على الاعتدال في الجلوس، وفي قسمة ما أصابا، كالبصير في التجارة مع غير البصير، ولا أن يتفاضلا في الكسب وإن تراضى المعلمان أن يجلس هذا على الصبيان شهرا، وهذا شهرا، لم يجز هذا في العقد، وإن تراضيا به بعد صحة العقد، فجائز، بخلاف الصانعين، ولا يجوز هذا في الصانعين بحال، إذ قد يكسب هذا مع شهره أكثر من كسب الآخر، وإنما يعملان في كسب مستقبل، والمعلمان قد دخلا على صبيالن قد عرفا ما يؤخذ منهم، فهما كراعيين لغنم على أن يرعاها كل واحد شهرا، فلا بأس بذلك. في الاشتراك وعهدته عند البيع أو بعده وهل لمن حضر دخول في البيع من كتاب ابن المواز، والواضحة قال مالك، في الرجل يقف بالرجل يريد شراء / سلعة للتجارة، فيقف به لا يتكلم، فلما تم البيع، طلب الدخول معه، قال: يجبر على أن يشركه إن كان شراه للبيع، وقال ابن القاسم، وأشهب: إلا من اشترى لمنزله، أو ليخرج بها إلى بلد، فلا يشرك فيها الآخر. وكذلك في العتبية، من رواية أبي زيد، عن ابن القاسم، ومن سماع أشهب، قال فيمن يبتاع سلعة في بعض الأسواق، وقوم وقوف، فإذا تم البيع، سألوه الشركة، قال: أما الطعام، فيكون هذا فيه يشتري ويشترك فيه، وأما الحيوان، فما علمت ذلك فيه، وإذا لم يشتركوا تزايدوا، فيدخل على الناس ضرر فيما يشترون، قال: نعم. [7/ 334]
قال في الواضحة، وإنما رأيت ذلك خوفا إن يفسد الناس بعضهم على بعض إذا لم يقض لهم بهذا، فيأتي منه باب فساد، وذلك من الرفق بالناس. ونحوه في كتاب ابن المواز لمالك. ابن حبيب: وإنما يرى ذلك مالك لتجار تلك السلعة أهل سوقها، كان مشتريها من أهل تلك السلعة أو من غيرهم، إذا اشتراها للتجارة، وإنما يختلف ذلك في المشتري، فإن كان من أهل تلك التجارة، وجب هل الشركة، وإن لم يكن من أهلها، لم تجب له الشركة إلا برضى المشتري، استشرك قبل تمام البيع أو بعده. وروي أن ابن عمر قضى بذلك. قال أصبغ: وإذا سئل الشركة عند البيع، فسكت، فلما تم البيع، أبى واحتج بسكوته فلا حجة له بذلك، ولم سأله الدخول معه إذا كانوا من أهل تلك التجارة. ابن حبيب: فلو قال لهم إذ سألوه: لا أفعل فسكتوا، فلما تم البيع، أرادوا الدخول معه، فليس لهم ذلك إذا قال: إنما أشتريت لنفسي. ولا حجة لهم / إذا قالوا: إنما سكتنا عند السوم خيفة ارتفاع ثمن السلعة، وقالوا: لما كان له أن يشترك بعد الصفقة ولا يضرنا إباؤه قبل ذلك. فكذلك قوله لا قبل الصفقة؛ لأنه قد أنذرهم بالمنع قبل الصفقة، فلو شاءوا اشتروا. قال: ولو حضروا وسكتوا، فلما تم البع، تبين له فيها نقصان، وأرادوا أن يدخلهم معه، فليس ذلك له، ولو سألوه الشركة وهو يسوم، فسكت، أو قال: نعم، لزمتهم إن امتنعوا، وكانت الصفقة بينه وبينهم. قال: وهذا في كل شيء يشتريه؛ من طعام، أو إدام، أو حيوان، أو رقيق، أو غيره، إذا اشتراه للتجارة، وأما إن ابتاع طعاما يأكله، أو ثوبا يلبسه هو أو عياله، أو خادما تخدمه، فليس لأحد أن يشركه فيه، والقول قول إنه أراده لذلك مع يمينه، كان من أهل تلك التجارة أو غيرهم، إلا أن يستدل على خلاف قوله. قال في كتاب محمد: قال أشهب: إن قال: إنما اشتريت هذه الرأس لتخدمني، أو هذا الطعام لآكله، فلا يشكره فيه أحد ممن حضره. وقال مالك. قال أصبغ، في العتبية، مثله، ومثل ما ذكر ابن حبيب من هذا، وزاد، إلا أن [7/ 335]
يستدل على كذبه بكثرة تلك السلع، وأن مثلها لا يشتري إلا للتجارة، فلا يصدق، ويدخلون معه، وإن لم يتبين كذبه صدق، ولم يذكر اليمين. ولا يدخل بزاز مع الزياتين ولا غير أهل سلعة على سلعة فيما اشترى بمحضرهم، وكل أهل تجارة يدخل بعضهم على بعض، هم الرئاب لهذه التجارات كلها؛ فيدخل في هذه السلع حيث وجدت تشتري في أسواقها، وتجب له الشركة / بحضرة الصفقة، ولو لقي سلعة في بعض الأزقة والدور، فابتاعها بحضرة رجل من أهلها، فلا شركة له معه، ولا شركة في السلع إلا في مواضعها المعروفة. قال: وما اشتراه في حانوته أو بيته من تجارة، فوقف به قوم من أهل تلك التجارة فاستشركوه، فليس ذلك لهم، بخلاف ما يشتريه في غير حانوته وبيته. ومن وقف يسوم شيئا للتجارة، فوقف به من هو من أهلها، فقال: أشركني فيها، فسكت عنه المساوم، ثم مضى عن طالب الشركة، ثم طلبها بعد الببيع، فلا يقضى له عله إن أبى، ويحلف ما اشترى عليه ولا رضى بما سأل، ولو أراد المشتري أن يلزمه الشركة، فأبى، قال: يلزمه إذا شاء المشتري، لأنه طالبها. ومن كتاب محمد، قال مالك في الذين يبايعون الرقيق، والذين يحضرون الساحل لشراء نوى أو طعام، قال: أدركت الناس وهم يستحبون أن يشركوا من حضر ذلك إذا اشترى للبيع. ومن أسلم في قصب، فأشرك فيه رجلا فيه ما ينقد، محمد: أو بعد أن نقد، فلم ينقده الآخر حتى حل الأجل، لم يخرجه ذلك من الشركة. ابن القاسم، فيمن سام سلعة، فقال له رجل: اشتر وأشركني. فذهب فغولي فيها، فاستشرك من غالاه فيها: إن للذي سأل أولا الشركة والدخول مع هذا في نصفه، إلا أن يكون ذلك رأسا أو دارا أو أرضا، فهو مخير، وما كان غير ذلك، فهو فيه شريك ـ ولابن القاسم قول آخر، أنه مخير في الطعام أيضا. ولو قال له في دار: إذا اشتريت فأشركني. فإذا اشتراها وأشرك فيها غيره، فللأول النصف من الثاني والمشتري، إن شاء ذلك / الثاني. ومن أشرك رجلا، ولم يسم الثمن، فهو مخير، [7/ 336]
في عهدة الاشتراك والبيع والضمان
إذا عرفه، ولو كانت شاة فأشركه فيها بالربع، فذبحها وأرسل إليه بربعها لحما، فأكله، ثم علم الثمن بعد، قال: إن كان هكذا يشتري، فذلك يلزمه وغير شيء تجيزه في القليل، ولا تجيزه في الكثير. في عهدة الاشتراك والبيع والضمان من كتاب ابن المواز، وهذا الباب مثله في كتاب العيوب، قال مالك، في العهدة فيما يشترك فيه، أما فيما يقضي فيه بالشركة، فعهدتها فيه على البايع، وأما إن أشركه بعد تمام البيع، فإن كان بحضرة ولم يتفرقا، فأشركه أو ولاه بعهدته على البائع الأول، ولا شيء على المشتري من بيع ولا استحقاق، اشترط ذلك أو لم يشترطه، وأما إن كان باعه ذلك بيعا يحضرة البيع، فالعهدة على البائع الثاني، إلا أن يشترطها على الأول، فليلزمه إلا أن يتفاوت وقت البيع الأول، فلا يلزم هذا الشرط، والعهدة على الثاني. قال أصبغ: وجه ذلك أن يفترق من الأول افتراقا بينا، وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع، ثم يبايع الثاني، فلا ينفع هنا شرط العهدة على الأول. وكذلك في العتبية، عن عيسى، عن ابن القاسم، وكذلك في الواضحة، من أول المسألة، قال: وإذا بعد ذلك أو افترقا، لم يجز أن يشترط على الأول إلا على وجه الحمالة، ويرضى بها قال: ولو باعه ذلك بيعا بالعهدة على الثاني، كان بحضرة البيع أو لم يكن، إذا دخله الربح أو النقصان، فلا عهدة على الأول إلا أن يدخل بمعنى الحمالة وهو راض. قال ابن المواز: وما ذكرنا من / عهدة الاشتراك فإنما هو فيما اشترى بعينه، فأما ما أسلم فيه يبيعه إن جاز بيعه أو يشرك أو يولي ما لا يجوز بيعه، فعهدة ذلك أبدا على من هو في ذمته، وقد كان مالك يقول: إن باعه بعد تفاوت البيع الأول وانقطاعها، إن شرط العهدة على الأول لازم إن أقر الأول، وكان معروفا، [7/ 337]
وإلا رجعت كالأجرة، وإن لم يكن معروفا، فسخ البيع، ثم رجع، فقال: لا يلزم الشرط إلا بحضرة البيع الأول. وبه أخذ ابن القاسم، وهو أحب إلينا. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن مالك، في العتبية، في السلم على من هو في ذمته، قال يحيى، في كتاب آخر: وإن اشترط على البايع أنها منك حتى أقبضها من الأول، لم يجز. ومن كتاب محمد: وإن اشتريت من رجل سلعة، ثم [فارقته قبل النقد فسألك رجل] فيها الشركة ففعلت ونقدتما جيمعا، فعهدته عليك، وإن شرطا على بائعك، قال ابن القاسم: فلا يعجبني إلا ما كان بحدثان ذلك ومن أشرك رجلا في طعام في سفينة بعد أن اكتاله فيها، ثم هلك قبل أن يكتاله الشري، فذلك منها. محمد: بخلاف البيع يكيل منه أو يجمعه كيلا، هذا ضمانه من البائع حتى يكتال محمد: إلا أن يكون رضي بكيله. قال ابن القاسم: ومن مر بقوم وحضر واشترى سلعة، فلما اشتروا طلب الدخول معهم، فذلك له وإن كرهوا. قال ابن حبيب: وما أسلم فيه، فباعه وإن جاز بيعه، أو أشرط فيه، أو ولاه مما لا يجوز بيعه، فلا يجوز ذلك، إلا بحضرة الذي عيه الدين والجمع بينهما، وتكون تباعته على من ذلك في ذمته، وإن لم يحضر /، لم يجز في العروض إن كان البائع قريبا تعرف حياته، وملاؤه من عدمه، وإن حل الأجل، وقبضت السلعة، فإن أشرك فيها أو ولاها، ولم يطل، ولا تفرقا، فالتباعة على البائع الأول، فأما في البيع، فهي على المشتري الأول، ولا يجوز أن يشترط على البائع الأول إلا بمعنى الحمالة، وإن كان طعاما بعينه فإن ولاه، أو أشرك فيه بحضرة بيعه، فعهدته على الأول، شرطها أو لم يشرطها إن كان جزافا، وإن كان مكيلا، فمصيبته من البائع وتوليته كالشرط، ولابد أن يجمع بينهما، وإلا لم يجز، وإن كان هذا المشتري مما يكال أو يوزن من غير طعام، فأشركه أو ولاه، فهو كالعرض يجوز أن [7/ 338]
فيمن أشرك غيره في سلعة ولم يسم الجزء ثم اختلفا
تشترط عهدته على البائع الأول، وإن لم تشترط، فهي على هذا، وما أشركت فقيه من طعام بعينه، ابتعته على الكيل، فقبضته ثم أشركت فيه فضمانه منك، ومن أشركته ووليته، كان منك حتى يكتاله المتولي، غيب عليه أو لم يغب، إلا أن توليه على التصديق، ولو أقالك منه البائع بعد أن اكتله ولم تغب أنت عله، فضمانه منه، وإن كان قد غبت عليه، فهو منك حتى يكتاله هو منك، وإن وقف قوم بمبتاع لسلعة ممن يقضي لهم بالشركة، فطلبوها، فأشركهم، ثم وجدوا عيبا لم يره البائع الأول، أو رآه ولم يعلمهم، فقد لزمهم، وإنما لهم الرد على الأول على الشرك، ولو استوجبها المبتاع، ثم أشرك فيها أو حضروا الشراء وهم ممن لا يقضي لهم بالشركة عليه، فلهم الرد على المشتري، علمه أو جهله، كالشركاء يتقلدون السلعة، ثم تصير لأحدهم، ثم يجد / عيبا، فليرد عليهم أنصباءهم. قال: ومن ابتاع عرضا بعينه لا يكال ولا يوزن بنقد، جاز أن يشرك فيه قبل قبضه. فيمن أشرك غيره في سلعة ولم يسم الجزء ثم اختلفا وذكر التداعي في الاشتراك، وفي الشريك يشرك غيره من كتاب محمد والعتبية، من سماع ابن القاسم: ومن قال لرجل سأله الشركة في سلعة: قد أشركته، ولم يسم بكم؟ ثم اختلفا بعد الخسارة. فقال المشرك: أشركني بالسدس، وقال المتولي الشرك بالنصف. فالذي ولي الشراء مدع، ويحلف الآخر ويصدق. قال في العتبية، إلا أن يأتي بما لا يعرف، كالدينار ونحوه، وإن ربحا في سلعة، فادعى المشرك النصف، وقال في العتبية قال ابن السدس، فالمشرك مدع، ويصدق الآخر مع يمينه. قال في العتبية قال ابن [7/ 339]
القاسم وهو في كتاب محمد، عن أصبغ: إن قال كل واحد: لم أسم شيئا، ولم أنوه. فهو بينهما نصفين. ابن القاسم: وإن كانت السلعة قائمة، فقال المشرك. إنما شركتك بالربع، أو السدس، وذلك الذي أردت، فالقول قوله، ويحلف إذا لم يكونا بينا شيئا، كالتداعي في بعض السلعة بأن قال البائع: بعتك ربعها. وقال المبتاع: بل النصف. فالبائع مصدق، ويحلف. وإن قال البائع: بعث لك النصف. وقال المتباع: بل الربع، فالمبتاع مصدق مع يمينه. وفي كتاب ابن المواز مثله. قال محمد: قال مالك: القول قول من ادعى الأقل، وإن كانت السلعة قائمة إن ادعى التسمية، فإن أقر بدفع التسمية وإن ذلك بينهما، فهو على النصف، والنصف، فمن ادعى الأقل، صدق مع يمينه إذا لم يكونا بين ذلك، وإن قال: لم أرد ربعا ولا سدسا، ولا أقل ولا أكثر. فهو على النصف. وذكر أصبغ، في العتبية، نحو ذلك إذا تقارا أن الشركة مبهمة، ثم اختلفا بعد الصفقة، فالقول قول المشتري، وإن كان المشتري قد ادعى أقل من ذلك، وادعى المشرك أكثر، حلف المشتري وصدق، وإن نكل حلف المشترك وصدق، فإن نكل، فليس إلا ما أقر به المشتري إن لم تفت السلعة، وإن فاتت بتلف، فقال المشتري: بالنصف. وقال المشترك: بالربع فالمشترك مصدق، ويحلف، فإن نكل حلف المشتري، فإن نكل، فليس إلا ما أقر به المشرك. ومن الواضحة: وإذا أشرك من سمى له ممن يلزمه أن يشركه، ثم اختلفا، فقال أشركتك بالربع. وقال الآخر: بالنصف. وقالا: نطقتا به، أو قالا: أضمرناه بغير نطق بذكر الجزء. فالقول قول من ادعى منهما بالنصف، وإن لم يدعه واحد منهما، رد إليه، لأنه أصل شركته في القضاء، فإن كانوا ثلاثة، فعلى عددهم ما كانا، وكأنهم ولوا الشراء، ولأن ما وضع عن المشري يدخل فيه المشرك في هذا، كانت قائمة أو فائتة، بيعت بزيادة أو نقصان، وأما من استشرك رجلا في سلعة ممن لا يلزمه أن يشركه، فأشركه ثم اختلفا كذا، فإن كان فيما نويا، ولم [7/ 340]
ينطق به، كانت بينهما نصفين، وإن قالوا: نطقنا به، ثم اختلفا، فالقول قول المشرك، كالبيع ويحلف، ثم أن سأله الآخر أخذ ما قال: أو يحلف ويترك ما كانت قائمة أو بيعت بفضل، وإن بيعت بوضيعة، وادعى المستشرك جزءا أقل / من دعوى الآخر، فالمشرك مصدق مع يمينه، لأنه الغارم هنا. والفرق بين هذه وبين الأولى فيمن يقضى له بالاستشراك أن عهدتهما على البائع الأول، وهذا عهدته على من أشركه. قاله كله أصبغ. ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، عمن قال لرجل: اشتر سلعة كذا فأنا شريكك فيها: فاشتراها، ثم أشرك فيها رجلا آخر، قال: يكون للأول نصفها، ويخبر المشرك الآخر، فإن شاء أخذ نصف حظ الذي أشركه، وهو ربع السلعة، وإن شاء تركه، ولا يلزمه شيء ولا حجة له أن يأخذ حظ الذي أشركه؛ لأنه أشركه في حظه لا في حظ غيره، وسواء قال: أشركتك في نصفها. أو لم يقل: بنصفها. ولو قال: اشتر سلعة كذا، وأنا فيها شريكك. فاشتراها رجل غيره، فأشركه فيها، قال: فالذي أمره بالشراء على الشركة مخير؛ إن شاء دخل معه في النصف الذي أشرك به، ويدعه له، ولا يلزمه منه شيء. قال ابن القاسم: ومن أمر رجلا في سلعة بينهما أن يبيعها ويشتري حانوتا، ففعل، وقال: أمرتني بالشراء، وقد اشتريت لنفسي من مالي. فلما أقام عليه بينة، قال: قد أشركتك فلانا وفلانا عند الشراء، ولا بينة على ذلك، قال: فنصف الحانوت للآمر، ويدخل المقر لهما بالشركة في مصابة المقر إن أقر بالنصف، فلهما نصف مصابته ذلك، وإن قال: بالثلث، فلهما ثلث ما في يديه، فعلى هذا يحسب. قال مالك: في شريكين في سلعة فيها دين عليهما، فقال أحدهما للآخر: اكتب الدين باسمي، لأنك تسافر في تجارتنا. ففعل، فباعا السلعة، وطلب الآخر أخذ / نصف الثمن، فمنعه هذا، فقال: أنا أطلب بالثمن. فلما حل الأجل، قال متولي البيع، سرق مني الثمن، اون هلك. قال: يضمنه؛ لأنه يتبعه [7/ 341]
التداعي ببن الشريكين، وجامع القضاء في الشركة والإقرار من كتاب القراض
به شريكه. وفيه قال أبو زيد: قال ابن القاسم، فيمن وقف لشراء سلعة، فقال له رجل: أشركني. فقال: نعم. ثم قال: إنما أشركتك بالربع. فالقول قوله مع يمينه، إلا أن تقوم بينة بما أشركه. وإن قال: أشركتك، ولم أرد ثلثا ولا ربعا، ولا أقل ولا أكثر، فالسلعة بينهما نصفين، وإن اشترى سلعة بعشرة، فأربحه رجل دينارا، فقال: لا أفعل إلا أن يكون معك فلان فيها شريك. فرضي، فعلى كل واحد منهما من الثمن خمسة ونصف. ابن القاسم: ومن قدم بلدا بمتاع، فأعطي فيه ثمن، فقال له رجل: أنا آخذه منك بما أعطيت، وأنت فيه شريك. قال: لا يجوز ذلك. التداعي بين الشريكين وجامع القضاء في الشركة والإقرار من كتاب القراض قال ابن القاسم، في شريكين أرادا المفاصلة، فقال أحدهما: لك الثلث ولي الثلثان. وقال الآخر: المال بيننا نصفين. وليس المال بيد أحدهما دون صاحبه، قال: فلمدعي الثلثين النصف، ولمدعي النصف الثلث، ويقسم السدس بينهما نصفين بعد أيمانهما، وعلى هذا ثبت ابن القاسم، وهو القول. وقال أشهب: المال بينهما نصفين بعد أيمانهما؛ لأن كل واحد حائز للنصف، فلا حجة له، وإن كانوا ثلاثة، فقال أحدهم إلي الثلثان، ولكما الثلث. وقال الآخر: لي النصف، ولكما النصف. وقال / الآخر: لكل واحد منا الثلث. قال محمد: يقال المدعي النصف والمدعى الثلث: أنتما تدعيان فيه بخمسة أسداسه، فأسلما سدسه لمدعي الثلثين. [7/ 342]
قال ابن ميسر: ويقال لمدعي الثلث. ثم سكت. ثم سئل عنها بعد ذلك، فقال: يضربون فيه كل واحد بحصة دعواه على حساب الفرائض، يقسم المال على تسعة، يضرب فيه مدعي الثلثين بأربعة، ومدعي النصف بثلاثة، ومدعي الثلث باثنين. قال: ولو ادعى أحدهم كله، والآخر نصفه، والآخر ثلثه، قال: يقال لمدعي النصف، ومدعي الثلث: أسلما السدس لصاحب الكل، فيتبقى خمسة أسداسه، فصاحب الكل يدعي ذلك، وأنتما تدعيانه، فيقسم نصفين، لصاحب الكل عشرة قراريط، ولكما عشرة قراريط، ثم يقال لصاحب الثلث: أنت لا تدعي في هذه العشرة إلا ثمانية، فسلم قيراطين لصاحب النصفين، ثم تقسم الثمانية بينك وبينه نصفين؛ لتساوي دعواكما فيها. ومن مسائل سحنون، ليست من رواية يحيى بن عبد العزيز، قال أبو بكر، وهي صحيحة من قوله: ومن أقر أن فلانا شريكه، ولم يقل في جميع ماله ولا مفاوض، قال: إن قال شريكه: لي في بعض هذا المال، لبعض ما في يديه، فهو كما أقر وإن لم يسم مالا وكان قبله كلام يستدل به عى ما بعده، فإن يكون شريكا على ما يستدل به مما كان الكلام قبله، وإن لم يكن شيء مما ذكرنا فهو في جميع المال. وقال أقر في سفره أن فلانا شريكه، وفلان غائب / ثم يزعم بعد ذلك أنه شريكه على الربع وأنه شريكه في مائة دينا. قال: هو شريكه على النصف. وقال فيمن قال عند سفره: فلان شريكي. ولم يسم على كم الشريكة؟ ولم يقل عقيدتي فإن لم يكن بعد ذلك أمر يدل على مراده وادعى الآخر بعد ذلك الشركة في كل شيء من تجارتهما فهو كما ادعى وله النصف مما في يديه من التجارة. وروى عيسى عن ابن القاسم في شريكين تخاصما إلى قاضي فسأل أحدهما صاحبه عن المال، فقال: ضاع مني. وكتب إقراره ثم قال: دفعته. فقال: اكتبوا إقراره أيضا. فقال حينئذ: إنما دفعته إليه من مالي بعد الضياع. قال: لا يصدق وأراه ضامنا. [7/ 343]
في الوصية لأحد الشريكين
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في شركاء سلعة ولي أحدهم بيعها وقبض ثمنها فقال له شركاؤه أعطنا حقنا منه. فقال: نعم هو في كمي أتسوق ثم أعطيكم. فذهب ثم أتى فقال: قطعت من كمي؛ إذ سألوه فلم يعطهم قيل له: إنا لما أردنا خصومته قال: أسلفوني دنانير أتجر فيها وأقضيكم من ربحها وأضروني حولا وأقر لكم واكتبوا علي بذلك كتاب. ففعلنا فأردنا الآن خصومته بهذا الإقرار. قال: لا؛ لأنه يقول أقررت على أن يسلوفني. وهذا لا يحل، فإن أصبتم بينة وأنكم حين سألتموه حقكم حبسه عنكم ثم جاء يدعي أنه سرق فهو ضامن. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: وإذا أكرى شريكان إبلا لهما فتخلف أحدهما يقبض الكراء فقبضه ودفعه إلى عبد له فلحق العبد / شريك فأعلمه أنه دفع إليه الدنانير وهي هذه فسكت ثم قال العبد: ذهب منها ديناران. قال: هما من الشريكين؛ لأنه أخبره العبد أنه دفعها إليه فسكت ورضي فهي عليهما بالحصص. في الوصية لأحد الشريكين من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك في القوم يشترون السلعة بينهم ثم يضع البائع لأحدهم؛ فإن كان وضع للذي ولي الشراء فهو بينهم. وكذلك ذكر في كتاب محمد عن [مالك وإن وضع] لغيره فالوضيعة له. قال: فإن ولو كلهم الشراء؟ فسكت. قال محمد: إن أراد بذلك الرجل خاصة فهو له دون أصحابه لأن مالكا قال: إن وضع لمتولي الصفة لنفسه خاصة قال: فذلك بين أصحابه؛ لأنه ي تهم أن يزيده في الثمن له فهذا يدلك على ما قلت لك. [7/ 344]
في الشركة بالذكر والأنثى من الحيوان
قال عيسى عن ابن القاسم فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها ناسا ثم استوضع بائعه فوضع له فلأشراكه الدخول فيما وضع له، وإن استوضعه أحد الذين دخلوا فيها بالشركة فالوضيعة له دون شركائه ودون صاحب الصفقة، وإن اشتراها فما وضع لأحدهم فهو له دون شركائه إلا أن يكونوا شركاء عقد فهو لما وضع لأحدهم دخل فيه الباقون. قال أصبغ عن أشهب في ثلاثة شركاء في سلعة تفادوها فخرج منها واحد ووقعت على الاثنين ربح دينار ثم ذهب الخارج فاستوضع البائع فوضع دينارا فقام الاثنان عليه ليردا فذلك لهما / إلا أن يخرج الدينار الذي وضع له فيكون بينهم أجمعين أثلاثا. قال: ويسغ له الربح كله. قال ابن حبيب: إذا أشرك في سلعة فما وضع البائع لمن ولي الصفقة دخل فيه الآخر وما وضع للمشرك دخل فيه الآخر إلا وضيعة تشبه الصلة فهي له خاصة: من كان منهم. في الشركة بالذكر والأنثى من الحيوان من العتبية، وكتاب ابن المواز قال مالك: وإذا جاء رجل بحمام ذكر والآخر بأنثى على أن ما أفرخا فبينهما فلا بأس به وأرجو أن يكون خفيفا والفراخ بينهما؛ لأنهما يتعاونان في الحصانة. قال في العتبية: فإن جاء ببيض إلى رجل ... فقال: اجعله تحت دجاجتك فما كان من فراخ بيني وبينك. فالفراخ في هذا لصاحب الدجاجة وعليه لصاحب البيض بيض مثله وهو كمن جاء بقمح إلى رجل وقال: ازرعه في أرضك بيننا. فإنما له مثله والزرع لرب الأرض. قال يحيى: يعني في قول ابن القاسم في الدابة والسفينة يعطيان على بعض ما تغل فالكسب لمن عمل. [7/ 345]
في الشريكين في العبد أو بعضه حر، كيف العمل في إذنه والسفر به وبيعه
في الشريكين في العبد أو بعضه حر كيف العمل في إذنه والسفر به وبيعه؟ والشركاء في السفينة يجد أحدهما الحمل وليس للآخر ما يحمل من العتبية من سماع ابن القاسم في العبد بين الرجلين أنه ليس لأحدهما أن يضربه إلا بإذن شريكه، فإن فعل ضمن ما أصابه في ذلك إلا في ضرب لا يغيب أحد في مثله وفي ذلك / إذنه فلا يضمن في هذا. قال سحنون: يضمن إذا ضربه ضربا بغيب في مثله أو لا يغيب في مثله إذا مات منه. وقال أشهب عن مالك في عبد نصفه حر اراد سيده أن يخرج به إلى بلد آخر فذلك له إن كان مأمونا، وإن لم يكن مأمونا فليس ذلك له. وما هو بالبين ونفقته إذا قضى عليه بالخروج على سيده وكذلك كراؤه حتى يقر قراره بالموضع الذي يكون فيه له عمل، فإذا كان في سفر ليس فيه مكسب النفقة على السيد حتى يقدم به؛ لأنه أخرجه من موضع عمله وكسبه. وروى البرقي عن أشهب قال: الذي يأخذ بقلبي أنه ليس له أن يخرج به، وإن كان مأمونان ولا يزوجه إلا بإذنه. قال مالك في العبد بين الرجلين: فلأحدهما بيع مصابته منه إن شاء ولا يبيع معه شريكه ولكن هذا العبد لا يقدر البائع أن يأخذ ماله؛ إذ لا يقسم إلا بإذن شريكه ولا يجوز له بعد البيع إلا أن يبيعه بما له من المشتري وإلا لم يجز. قال سحنون من غير رواية يحيى بن عبد العزيز قال أبو بكر وهي معروفة من قوله في رجلين لهما سفينة فيريد أحدهما أن يحمل عليها متاعه وليس لصاحبه شيء يحمله فيريد الذي ليس له ما يحمل منعه إلا بكراء ويقول الآخر: أنا أحمل في نصيبي. قال: فله أن يحمل في نصيبه ولا يقضي لشريكه عليه بكراء فأما لمن يحمل مثل ما يحمل صاحبه من السمن والمتاع وإلا بيع المركب. [7/ 346]
في الجماعة يحملون الطعام في السفينة فيفسد شيء من أسفلها
في الجماعة يحملون الطعام في السفينة فيفسد شيء من أسلفها وهل لأحدهم أن يأخذ / حصته دون الآخرين من كتاب محمد قال مالك: ومن حمل طعاما في سفينة ثم مر بقرية أخرى فحمل الآخر مائة أردب حبة فوق الأول فابتل أسفل الركب. قال مالك: هما شريكان في الأسفل والأعلى؛ لأنهما على وجه الشركة خلطا. ومن العتبية روى أشهب عن مالك في القوم يحملون الطعام في السفينة فيخلط طعامهم فيريد بعضهم البيع في الطريق فليس ذلك له إلا برضاء أصحابه؛ لأنه ربما فسد أسفل الطعام أو مطروا بعد ذلك فيفسد فلا يأخذ أحد منهم حتى يبلغوا فيقسموا الجيد والفاسد إلا أن يسلموا له حقه فذلك له ثم لا تباعه لهم عليه إن نزلوا فوجد القمح فاسدا. ومن كتاب محمد، وعن نفر خلطوا طعامهم في سفينة فأحب أول من يمر بمنزله أخذ طعامه قال: ذلك له ثم إن عرفت بعد ذلك فلا تباعة على الأول؛ أذنوا له في أخذ ذلك لم يأذنوا إلا أنه إن ينقص الكيل فلهم الرجوع بحصته من النقص. في الاشتراك في عصر الزيتون يأتي كل رجل بزيتونة من كتاب محمد قال مالك في الزيتون يأتي هذا بأردب وهذا بأكثر حتى تمتلئ الإسقالة فيعصر قال: إنما يكره؛ لأن بعضه أكثر خرجا من بعض فأما لحاجة الناس إلى ذلك فأرجو أن يكون خفيفا ولا بد للناس من قضائهم. [7/ 347]
في دين لرجلين يقبض أحدهما بعضه بإذن شريكه
ومن العتبية من سماع ابن القاسم ذكر مثله وذكر مثل ذلك في عصر الجلجلان والفجل. وقال سحنون: لا خير فيه. في دين لرجلين يقبض أحدهما بعضه بإذن شريكه من كتاب محمد؛ ومن عليه دين لشريكين فأذن أحدهما للآخر في أخذ شيء منه يأخذه ثم فلس الغريم أو مات عديما قال مالك: فللذي لم يأخذ أن يرجع على الذي أخذ بنصف ما أخذ؛ لأنه بمعنى السلف له. ومن لهما أرض أكرياها من رجل بدنانير [فكتب كل واحد منهما عليه كتابا فقبض] أحدهما حقه ثم فلس فلا يرجع الآخر على صاحبه بشيء. في شريكي المعدن من كتاب محمد وعن معدن بين رجلين عطلاه أربعة أشهر ثم سأل أحدهما فيه الإمام فاقطعه إياه فعمل فيه وحده، فإن كان صاحبه حاضرا فقام يحدثان ذلك قبل أن يعمل أو بعد غائبا حين أقطع صاحبه فهو له دون الغائب وكذلك إن أقطعه لغيره مما كان له دونهما. فيمن أوصى بتصديق شريكه من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أوصى في مرضه أن شريكه عالم بالي فما دفع إليكم فهو مصدق بغير يمين ف فرفع أمره إلى السلطان وأتى بما قبله من القاضي فقسمه بينه وبين الورثة ثم أقام يقبض ويقسم عشر سنين وكتب له [7/ 348]
مسائل مختلفة من الشركة
السلطان بذلك برأه وهي بينهما فبلغ الورثة فأرادوا يمينه فيما مضى قال: ينظر السلطان ويكشف؛ فإن رأى أمرا صحيحا لم يحلفه، فإن استنكر أمرا أحلفه. مسائل مختلفة من الشركة ابن حبيب: ولا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا ذا أمانة وتوق للربا والخيانة والتخليط في التجارة ولا يشارك يهوديا ولا نصرانيا ولا مسلما فاجرا إلا أن يكون المسلم الحافظ لدينه هو الذي يلي البيع والشراء والمال بيد لا يلي الآخر منه إلا العمل والبطش. وقاله طاووس والحسن ومالك بن أنس قال مالك: ولا بأس أن يبيع الرجل نصف سلعة لا تنقسم إذا لم ينقد إلا ثمن نصفها، وإن شرط كونه فيها شريكا، وإن كانت تنقسم فلا خير فيه إلا أن يكون شريكا فيها يتابعانها جميعا، فإن لم يشترط هذا أيضا فذلك جائز، ولو باعه نصفها وأشركه بنصفها؛ على أن يبيع جميعها، فإن كانت مما لا ينقسم فجائز إن ضرب للبيع أجلا، وإن كانت مما ينقسم فلا خير فيه، وإن ضرب للبيع أجلا. وكأنه اشترى منه نصف ثمنها. ومن كتاب المزارعة لابن المواز: وإذا ابتاع نفر حائطا، فلا بأس أن يربح بعضهم بعضا دراهم على أن يخرج منه ولا خير في أن يخرجوه يكيل من الثمرة مضمونة له. [7/ 349]
كتاب المزراعة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب المزراعة القول في كراء الأرض بالجزء مما تنبت أو بالطعام وما يقضي به في كراء الأرض بإفريقية في فساد الشركة من كتاب ابن سحنون، قال سحنون: لا يجوز كراء الأرض ببعض / ما يخرج منها عند مالك وأصحابنا أجمع وذلك لحديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها. وقيل لرافع: فبالذهب والورق؟ فقال: لا بأس بذلك. وهو ناقل الحديث، وذهب بعض العلماء إلى كراهية كرائها بشيء من الأشياء ومنهم؛ مكحول ومجاهد وعطاء واحتجوا بحديث رافع أن النبي عليه السلام نهى عن كرائها مجملا، وقد بين رافع وجه ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا. قيل لسحنون: إن ما أجاز كراءها بالجزء مما يخرج منها احتج به مثل القراض ومن لم يجز المساقاة احتج بأنها إجارة مجهولة. قال: أما من مثل ذلك [7/ 351]
بالقراض فهذا غلط؛ لأن القراض فيما لا يجوز أن يكري وهو العين، والأرض مما تكرى، فلم يجز الكراء في العين جاز في الأرض، فذلك مفترق. وأما المساقاة؛ فسنة مشهورة لعمل الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر مع اجتماع أهل المدينة عليه ولا يجوز عندنا كراؤها بالطعام ولا بشيء تنبته من غيره. قال: وذهب ابن نافع إلى أن الأرض يجوز أن تكرى بسائر الطعام إلا بالحنطة. قال في كتاب ابن مزين، عن ابن نافع: لا تكرى بحنطة أو شعير أو سلت وتكرى بغير ذلك من سائر الطعام على أن يزرع فيها خلاف ما يستكريها به. قال ابن مزين: قال بأن كنانة: لا تكرى بشيء من الأشياء / إذا زرع فيها نبت. وبه قال يحيى بن يحيى وقال: إنه من قول مالك. وبه قال ابن مزين، قال مالك: لا تكرى بشيء من الطعام والإدام ولا بشيء ينبت فيها من طعام أو غيره. قال عيسى بن دينار: فمن أكراها على أحد هذه الثلاثة أقاويل أجزت كراءها ولم أفسخه وأما مذهب الليث فيكره أن يكريها بشيء مما ينبت يكون مضمونا على المكتري، فأما بالثلث والربع مما تبنت فجائز عنده. قال عيسى: فهذا إن وقع فسخته، وإن فات أوجبت عليه كراء مثلها الدراهم. وروي عنه ضد هذا. والأول أثبت عنه. وهو قول ابن سيرين والنخغي، وشدد سحنون في كرائها بالجزء مما يخرج منها، فقال: قد قال قائل أيضا: وأنا أقوله إن من فعل ذلك فهي جرحة، يريد أن كان عالما أنه لا يجوز، إما لأنه مذهبه، أو اتبع فيه غيره ممن قلده من العلماء. قال سحنون: ولا يؤكل طعامه ولا يشترى منه من ذلك الطعام الذي أخذ في كرائها وإذا نزل ذلك فإنما لربها كراؤها بالدراهم. وذكر غير واحد من مشايخنا أن عيسى بن مسكين وغيره من قضاء أصحابنا [7/ 352]
ذكر ما يحل ويحرم من شركة المتزارعين، وكيف إن قارنها بيع
بأفريقية حكموا أن ينظر إلى ما وقع له من ذلك الجزء من ثلث أو ربع فيغرم قيمته دراهم، قالوا: لأنها لا تعرف لها بالمغرب قيمة بالعين ولذلك يعطى قيمة ذلك الجزء الذي تجري به أكريتهم ثمنا، أصحاب قليلا أو كثيرا ولم يعتبروا قيمة كرائها يوم العقد؛ لأنه لا كراء على المكتري في الأرض إذا لم يصب فيها شيئا. ذكر ما يحل ويحرم من شركة المتزارعين وكيف إن قارنها ببيع؟ وما يقضي به في المزارعة الفاسدة من كتاب ابن المواز قال: وإذا سلم المتزارعان في قول مالك من أن تكونن الأرض لواحد والبذر من عند الآخر جازت الشركة إن تساويا ولم يفضل أحدهما الآخر بشرط في عمل ولا نفقة ولا منفعة. قال سحنون من كتاب ابنه [وإذا اعتدلا في البذر] والأرض وتفاضلا في العمل، فإن كان تفاضلا كثيرا له بال فالشركة تفسد والزرع بينهما ويترادان في أجر العمل، وإن كان تفاضلا بينا يسيرا لم تفسد الشركة كما أجاز مالك أن تلغى الأرض التي لا كرا لها بينهما. وقد قال سحنون أيضا: إن ما روي عن مالك وابن كنانة وابن القاسم وغيره من أصحابنا أن لا تجوز الشركة إلا بالاعتدال في ذلك كله أصوب؛ لأن سنة الشركة التساوي، فإذا خرجت عن ذلك خرجت عن حد ما أرخص فيه منها، وصارت إجارة فاسدة. قال: وإنما التفاضل الذي يرجع بعضهم فيه على بعض كرائه، أن يفضله بشيء منفرد لا عوض للآخر فيه، فأما لو اعتدلا في البذر وأخرج هذا الأرض وهذا العمل وكراء ذلك مختلف بما يكثر أو يقل فلا تراجع فيه؛ لأن العمل إن كان أكثر من كراء الأرض فإن رب الأرض لم يكر نصفه أرضه إلا بنصف عمل الآخر وبقره. [7/ 353]
ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن حبيب: وجه العمل في المزرعة بين الرجلين أن يعتدلا فيما أخرجا من الزريعة وجميع ما / يحتاجان إليه، فإن تفاضلا في ذلك فانظر؛ وإن عقدا ذلك على أن يعتدلا ويتكافآ جاز ما فضل به الآخر صاحبه طوعا مما قال أو كثر. وقاله سحنون إذا صح العقد ولم يفرق بين زريعغة وغيرها وكذلك لو أسلف أحدهما الآخر بعد صحة العقد عن غير وأي أو عادة ـ يريد سحنون: لأن الشركة تلزم بالتعاقد كالبيع لا يرجع فيها أحدهما بخلاف القراض والجعل. وقال ابن حبيب: ويجوز ما فضل أحدهما الآخر به بعد صحة العقد وذلك إذا اعتدلا في الزريعة ثم تفاضلا في غيرها وسلما من أن يكون للأرض كذا من الزريعة، فإما أن يشترط في عقد المزارعة التفاضل، فلا يصلح ويفسخ ما لم يفت العمل، فإن فات حملا على التعادل وكان الزرع بينهما نصفين ما تعاملا. هكذا قال ابن الماجشون وبه أقول، قال: وإذا اعتدلا في الزريعة فلا بأس أن يخرج أحدهما الأرض، والآخر العمل كله كان كراء الأرض مكافئا لذلك أو غير مكافئ ما لم يتفاحش ذلك جدا؛ لأنه وإن كثر عمل يدي هذا وبقره فلم يرض رب الأرض أن يكري نصف أرضه إلا بنصف العمل وكذلك إن أن العمل الأقل فلم يرض هذا أن يكري نصف ذلك إلا بنصف الأرض فذلك يجوز إلا بما يشبه الاسترخاص والاستغلال، فإن تفاحش ذلك فالزرع بينهما ثم يتساويان فيما سواه. قال: ولا يجوز أن يكون البذر من عند واحد والأرض من الآخر، وإن تساوى ذلك وتساويا في / غيره، فإن نزل فالزرع في هذا لصاحب البذر وعليه كراء الأرض والعمل. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم فيمن ولي العمل وانفرد به فله الزرع، فإن كان رب الأرض فعليه للآخر مثل بذره، وإن كان صاحب البذر فعليه للآخر كراء أرضه، فإنه وليا العمل جميعا، فالزرع بينهما وقد قيل: يأخذ صاحب البذر بذره لصاحب الأرض على الآخر نصف كراء الأرض ثم يقتسمان ما بقي. وقال أصبغ: الزرع لصاحب البذر وعليه قيمة كراء الأرض وقيمة عمل صاحبه. وهذا أصح. [7/ 354]
قال محمد بن المواز: القول الأول أحب إلي. ورواه ابن عبد الحكم عن مالك. وقاله ابن القاسم وقال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن كان العمل من عند مكتري الأرض لنفسه ومن عند الآخر البذر والنفقة فالزرع للقائم به ويغرم الآخر مثل بذره ونفقته. قال مالك: وإذا كانت الأرض لا كراء لها جاز أن تلغى ويتساويا فيما سواها. قال ابن عبدوس: إلا أن يعرى ربها من إخراج الزريعة فلا يجوز. قال في كتاب ابن المواز: وإذا كانت الأرض لها قدر من الكراء فيهبها لشريكه، فإن الشركة تفسد بذلك إلا أن يستأجر شريكه نصف هذه الأرض. قال سحنون: في كتاب ابنه: ولا يعجبني أن تلقى الأرض بين المتزارعين، وإن لم يكن لهما كراء ولولا أن مالكا قاله لكان غيره أحب إلي منه. وقال في باب آخر: وإذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر /، لا: فلا يجوز إلا أن تكون أرضا لا كراء لها وقد تساويا فيما سواها فأخرج هذا البذر وهذا العمل وقيمة ذلك سواء فهو جايز؛ لأن الأرض إذا تساويا في إخراج الزريعة والعمل، فأما إن أن مخرج البذر غير مخرج الأرض لم يجز، وإن كان لا كراء لها ويدخله كراؤها بما يخرج منها إلا ترى لو أكريت هذه الأرض ببعض ما يخرج منها لم يجز وقد استثقل سحنون إلقاء الأرض بكل حال، وإن كان لا كراء لها. قال مالك، في المختصر: وإن كانت الأرض بينهما والبذر من عند أحدهما والعمل من عند الآخر فجائز. وكذلك قال سحنون في كتاب ابنه، قال سحنن: وإن أخرج أحدهما الأرض والبذر ومن عند الآخر جميع العمل جاز إن كان ذلك مثل قيمة البذر وكراء الأرض. وقال ابن حبيب في هذا: قد أخطأ وجه المزارعة، [فإن فات بالعمل فالزرع بينهما، ويتعادلان فيما بينها، وإن أخرج أحدهما البذر والعمل الآخر الأرض والبقر [7/ 355]
لم يجز وإن تكافأ ذلك]، فإن فات ذلك بالعمل فالزرع لصاحب البذر وعليه كراء الأرض والبقر وكذلك إن أخرج رب البذر البقر والآخر الأرض والعمل فله على رب الأرض كراء أرضه وعمله. وكذلك لو لم يرج أحدهما غير البذر كان الزرع له ويرد كراء الأرض والبقر والعمل والزرع عندنا لمن له البذر ولي العمل أو لم يله. وقاله أصحاب مالك إلا ابن القاسم / وقاله أصبغ. وبهذا قال سحنون وذكر أنها رواية ابن غانم من مالك [قال أبو محمد] وقد ذكرنا ابن المواز من رواية ابن عبد الحكم، وقول ابن القاسم. قال ابن حبيب: ولا يجوز أن تكون الأرض من عند واحد والبذر من عند الآخر ويعملا أو يؤاجرا من يعمل، وإن نزل فالزرع لرب البذر؛ وأصل هذا أن كل متزارعين على معادلة وقع في مزارعتهما كراء الأرض بالبذر فأفسخه وأجعل الزرع لرب البذر وكل متزارعين على غير معادلة سلما من كراء الأرض بشيء من البذر فأجعل الزرع بينها نصفين ويتراجعان في الفضل فيما سوى ذلك. قال ابن حبيب: وليس للرجل أن يعطي أرضه وبذره وبقره؛ على أن يتولى الداخل العمل ليكون الزرع بينهما، وإن ساوى عمله ذلك كله، فإن نزل فالزرع لرب البذر والبقر وعليه للآخر قيمة عمل يده وكأنه واجره بنصف ما تبنت أرضه ولو قال أولا: تعال نتزارع على أن تجعل نصف أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراء لنصف عملك. فقد أخطأ وجه العمل ويكون الزرع ها هنا بينهما نصفين ويتراجعان في الفضل في ذلك؛ لأن هذا قد قبض نصف البذر في أجرته وضمنه والأول لم يأخذ شيئا وكذلك في سحنون، وقال: ثم يترادان فضل الكراء وقد ذكر ذلك في باب بعد هذا. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اخرج رجل البذر فقال الآخر ازرعه في أرضي هذه وهو بيننا ففعل فإن الزرع لرب البذر والأرض في هذا له وعليه قيمة العمل [7/ 356]
صاحبه / ولو كانت الأرض بيد العامل قد كان أخذها لنفسه فإن الزرع له وعليه مثل البذر لصاحبه يريد كراء الأرض لربها. قال: وكذلك لو كانت الأرض لأحدهما ومن عند الآخر البذر فالزرع لمن قام به. قال ابن المواز: وذكر بعض الناس أنه جعل الزرع لصاحب البذر وإن لم يل العمل وما أعرف أحدا هذا ولا قال به. وقد ذكرنا قبل هذا قول سحنون وغيره في هذا الأصل. قال سحنون في كتاب ابنه وابن حبيب في كتابه: وإن تعادلا في البذر والعمل والأداة والأرض لأحدهما فأعطاه الآخر نصف كرائها عينا قال سحنون: أو عرضا، قالا: فذلك جائز. فإن قيل: هذه شركة وبيع قيل: إنما ينهى عن ذلك إذا كان البيع خارجا من الشركة. قال سحنون: وذلك إذا كانت هذه الأرض لمثلها كراء، وإن لم يكن لمثلها كراء جاز أن تلقى بينهما. وكذلك لو تعادلا في الأرض والعمل وباع أحدهما من الآخر نصف البذر بثمن لجاز ذلك. قال ابن حبيب: إذا صح واشتراه بما يشريه من غيره. قالا: ولو كانت الأرض في هذا من عند أحدهما لم يجز إلا أن يكون البذر من عند صاحب الأرض وأما إن كان من عند الآخر فأخذ فيه الثمن فقد وقع لكراء الأرض حصة من البذر في صفقة. قال سحنون: والتهمة فيه أن يتجاوز عنه في ثمنه فيدخله كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، ولو أكريا الأرض جاز أن يتساويا فيما بعد ذلك ولو اكتريا الأرض من رجل / وأخرج هذا البذر وهذا العمل وذلك متساو فهو جائز. قالا: [7/ 357]
وكذلك إن اعتدلا في الأرض والعمل واشتريا البذر من رجل فجائز. قال ابن حبيب: ويجوز أن يكون ثور أحدهما أفره [من الآخر]. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم عن مالك فيمن دفع أرضه إلى رجل يزرعها على أن الزرع بينهما قال: الزرع لرارعه ويغرم لرب الأرض كراءها. قال ابن القاسم: وإذا دفع إليه هذا البذر ليرزعه في أرضه على أن يكون الزرع بينهما فالزرع لرب الأرض ويغرم للآخر مكيلة حبه. وقال سحنون: الزرع لرب الحب وعليه للزارع كراء أرضه وعمله. ومن كتاب ابن سحنون: ومن دفع أرضه وبقره إلى من يزرعها بيده وعمله على أن الزرع بينهما قال: فالزرع لرب البذر وعليه للآخر كراء أرضه وبقره، وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئا لغرم ذلك إلا أن يكون ذلك قبل انقطاع مائها فلا كراء له في الأرض وله كراء البقر. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وإذا اعتدلا في الأرض وأخرج هذا الزريعة والدابة ومن الآخر المحراث والسكة. وعمل يده، فإن لم يقوما ذلك حتى يكون متكافئا وإنما أعطى هذا الزريعة والدابة للآخر على النصف فالشركة فاسدة والزرع لصاحب الزريعة وعليه أجر الممسك وأداته. قال سحنون وقال بعض أصحابنا وأنا أقوله: وإذا أخرج هذا البذر والآخر كراء الأرض وذلك متكافئ وتكافأ في العمل لم / يصلح؛ لأنه يدخله أن أحدهما تكارى نصف الأرض بنصف البذر وهو كراء الأرض بالطعام، وإذا كانت الأرض بينهما أو أكترياها ومن عند أحدهما البذر ومن الآخر العمل وهو متساو جاز. ولم يجزه ابن دينار وخالف فيه مالكا وجعله مثل ذهب وعرض بذهب قال سحنون: هذا جائز بخلاف المراطلة. [7/ 258]
في شركة المتزارعين على إخراج مختلف أو على أجزاء من الزرع
في شركة المتزارعين على إخراج مختلف أو على أجزاء من الزرع أو على أن جزءا للمساكين من كتاب ابن سحنون عن أبيه وكتاب ابن حبيب: وإذا اشترك رجلان؛ فأخرج أحدهما الأرض وثلثي الزريعة ومن الآخر ثلث الزريعة والعمل على أن يكون الزرع بينهما نصفين، قال ابن حبيب: أو على الثلث والثلثين، قالا: فذلك جائز. قال سحنون: إذا كافأ عمله كراء الأرض وما فضله به من الزريعة قال ابن حبيب: لأن زيادة الزريعة بإجارة عمل العامل. قالا: فإن جعل العامل ثلثي الزريعة وصاحب الأرض ثلثها على أن الزرع بينهما نصفين لم يجز. [قال ابن حبيب: إلا على الثلث والثلثين: قالا: لأن زيادة الزريعة ها هنا كراء الأرض، فإذا وقع على ما لا يجوز فالزرع بينهما على الثلث والثلثين ويترادان الفضل في الأكرية. قالا: وإن أخرج أحدهما ثلثي الأرض وثلث البذر ومن الآخر ثلث الأرض وثلثا البذر والعمل والزرع بينهما نصفين لم يجز]. قال سحنون: وكأنه أكرى سدس أرضه بسدس بذر صاحبه /، فإن نزل فالزرع بينهما بقدر ما لكل واحد من البذر ويتراجعان في فضل كراء الأرض والعمل. قالا: فإن عرف كل واحد زريعته على حدة كان له ما أنبتت. قال سحنون: ويتراجعان في الأكرية. قال ابن حبيب: وإن بذر من بذر صاحبه شيئا رده ورد كراء ما حرث من الأرض إن حرث من أرض صاحبه شيئا، وإن اختلط الزرع فهو بينهما على الثلث والثلثين ويرجع من له فضل كراء وعمل على صاحبه. [7/ 359]
قال سحنون: وإن أخرج أحدهما ثلثي [البذر والآخر العمل واعتدلا] فيما بعد ذلك؛ على أن الزرع بينهما [نصفين لم يجز يكون الزرع بينهما] على قدر ما أخرجا من الزريعة ويرجع صاحب الثلثين على الآخر بسدس كراء أرضه وسدس عمله. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا كان البدر من أحدهما والعمل ومن الآخر الأرض على الثلث لرب الأرض والثلث للمساكين والثلث لصاحب العمل فهو فاسد والزرع لصاحب البذر وعليه كراء الأرض، فإن تطوع للمساكين بشيء وإلا لم يجبر. وإذا كان البذر من عند صاحب الأرض ومن الآخر العمل على أن لصاحب العمل الثلث ولم يسم الآخر شيئا قال: فإن له الثلثين إذا كان قيمة ما أخرج الثلثان، وإن كان قيمة ما أخرج الثلث، فالزرع كله لصاحب الزريعة وعليه أجر عمل العامل وكذلك لو سميا لرب الأرض ولم يسميا للعامل شيئا ولو تخارجا ـ كما ذكرنا ـ شركة على أن ما أخرج فلصاحب الأرض والبذر / وحده فذلك له إذا حلف، أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج، وإذا أخرج هذا أرضه وبذره والآخر عمله وبقره على أن التبن خاصة بينهما والحب لرب الأرض أو للعامل فذلك فاسد ويكون ما أنبتت لرب البذر وللآخر أجر. عمله. ولو كان البذر من عند العامل ... فهو أحرم والزرع له وعليه كراء الأرض. وكذلك لو كان السؤال على أنه إن عجل وزرع في شهر كذا فذلك بينهما، وإن زرع في شهر بعده فالثلث للعامل وللآخر الثلثان لم يجز والزرع لرب البذر وعليه للآخر ما يجب من كراء أو إجارة سواء زرع في الشهر الأول أو الثاني أو زرع بعضا في كل شهر. [7/ 360]
في مزارعة الثلاثة أو الأربعة وما يجوز من شركتهم في ذلك وما لا يجوز
قال سحنون: وما جرى في المزارعة الجائزة من ذكر العمل على أحدهما فإنما يراد به عمل الحرث دون الحصاد ولا يجوز شرط الحصاد في العمل المشترط بحال. في مزارعة الثلاثة أو الأربعة وما يجوز من شركتهم في ذلك وما لا يجوز من كتاب ابن سحنون: وإذا اشترط ثلاثة؛ أخرج أحدهم الأرض ونصف البذر والآخر نصف البذر فقط والثالث البقر والعمل على أن الزرع بينهم أثلاثا لم يجز، فإن نزل فالزرع في مذهب ابن القاسم بين العامل ورب الأرض ويغرمان لمخرج نصف البذر مكيلة بذره. ومذهب سحنون / أن الزرع لصاحبي الزريعة وعليها كراء الأرض والعمل. قال ابن حبيب: قد أخطئوا ويصير الزرع بينهم أثلاثا. والذي ذكر ابن المواز على أصل ابن القاسم أن الزرع لمن ولي العمل إذا أسلمت الأرض إليه ويؤدي مثل البذر لمخرجه وكذا الأرض. ومن كتاب ابن حبيب: وإن اشترك أربعة؛ فأخرج أحدهم الأرض والآخر البذر والآخر البقر والرابع العمل فلا يجوز، فإن نزل فالزرع لمخرج البذر وعليه الكراء لأصحابه، ولو أن ثلاثة أخرجوا الزريعة أثلاثا ومن أحدهم الأرض ومن الآخر البقر والثالث العمل على أن الزرع بينهم أثلاثا فذلك جائز، فإن تفاضلوا رجع من له فضل على صاحبه إلا أن يكون تافها فيجوز أن يتعهدوه، ولو عقدوا على التساوي جاز ما يتفضل به أحدهم بعد ذلك، وإن كثر، وإن كان البذر من عند اثنين ومن عند الثالث الأرض والعمل لم يجز والزرع لصاحبي البذر ويؤديان كراء الأرض والعمل، فإن كان الأرض والبذر في هذا من عند رجلين بالسواء ومن عند الثالث العمل كان جائزا إلا أنه لا يقع في هذا الأرض كراء بالبذر. ولو كان البقر والبذر من عند اثنين ومن عند الثالث الأرض لم يجز ويكون الزرع لصاحبي البذر ويغرمان كراء الأرض، وإن كان لأحدهم الأرض ونصف البذر ومن الآخر. [7/ 361]
في الأرص بين الرجلين يدفعها أحدهما إلى الآخر مزارعة
نصف البذر فقط ومن الثالث العمل على أن الزرع بينهم أثلاثا فقد أخطئوا والزرع بينهم أثلاثا ويتراجعون / فيما بينهم. وهي في أول الباب وما قال فيها سحنون وابن قاسم. في الأرض بين الرجلين يدفعها أحدهما إلى الآخر مزارعة من كتاب ابن سحنون، عن أبيه وعن أرض بين رجلين دفعها أحدهما إلى الآخر يزرعها ببذره وبقره وعمله فما خرج فبينهما نصفين فلا يجوز وكأنه أعطاه نصيبه من الأرض معاملة بجزء مما تنبت. وقال ابن عبدوس: ذلك جائز؛ لأنه معين له بالعمل متطوع بالبذر. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا كان على أن يزرعها المدفوعة إليه ببذر الدافع ومن عند الآخر العمل فما خرج فثلثه للعامل والثلثان للدافع، فإن كان قيمة البذر الثلثين وقيمة العمل الثلث فذلك جائز. قال ابن عبدوس: هذا خطأ، لأنه كراء الأرض بالطعام لأن العامل له ثلث الزرع بثلث الأرض وأكرى سدس الأرض وثلثي العمل بثلثي البذر الذي من عند شريكه. قال ابن سحنون عند أبيه: ولو أخرجا البذر من عندهما نصفين على أن يزرعها أحدهما ببقره وعمله على أن للعامل الثلثين أو النصف وللآخر ما بقى فهذا فاسد؛ لأن الذي ولي العمل [وله الثلثان] أكرى بقره وعمله بثلث ما أخرجت أرض شريكه، وإن كان ما خرج بينهما نصفين فسد ذلك؛ إذ لم يعتدلا. وقال ابن عبدوس: إن اشترط العامل الثلثين فذلك جائز وكان الذي لم يعمل أعطى سدس البذر وسدس الأرض بثلث عمل العامل / فهو جائز إذا اعتدلا. قال: ولو كان ما قال يدخل لكان إن أخرج أحدهما أرضا وبذرا والآخر العمل لم يجز على قوله؛ لأنه ـ على ما قال ـ مكري بقره وعمله بنصف ما تخرج الأرض وهذا قد أجازه. [7/ 362]
فيمن أعطى رجلا أرضه وبذره ليزرعها على أن الزرع له أو لرب الأرض أو بينهما
فيمن أعطى رجلا أرضه وبذره ليزرعها على أن الزرع له أو لرب الأرض أو بينهما، أو كان البذر للرجل ويزرعه هو، أو رب الأرض على أن الزرع له أو لرب الأرض، وكيف بالدعوى في ذلك أيضا؟ من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وإذا قال رب الأرض لرجل: ازرع أرضيي ببذري فما خرج فهو لك. فذلك جائز وله ما خرج ولا كراء عليه، وإن قال: إنما أردت أن تعطي كراء أرضي ومثل بذري فذلك له إذا حلف وأخرجت شيئا، وإن لم تخرج شيئا فله مثل بذره ولا كراء له إن هلك الزرع بسبب العطش وإلا فالكراء له. وإن قال له: ازرع في أرض كذا من طعامك فما أخرج فهو لي. فرضي فذلك جائز ولا شيء للعامل إلا أن يقول: لم أعمل إلا بإجارة وأقرضتك الطعام. فله ذلك إن حلف، أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج. ولو قال: فما أنبتت فبيننا لم يجز والزرع لصاحب الزريعة عليه لصاحب البذر وعليه كراء الأرض. ومن أخرج بذرا فقال لرجل: ازرعه في أرضك ولك ما أخرج فهو جائز وما أخرج فلرب الأرض، وإن قال مخرج البذر: أردت السلف. / فليحلف ويأخذه به، أنبتت الأرض شيئا أو لم تنبت. ولو قال له: ازرعه لي في أرضك فما خرج فهو لك. فهذا فاسد وما أخرج فلرب البذر وعليه كراء الأرض. قال ابن عبدوس: هذا جائز وهو معروف صنعه به. ومالك: إنما يراعى ما يصح في العاقبة وإن أخطأ في اللفظ. قال ابن سحنون عن أبيه: ولو قال: ابذره في أرضك لنفسك فما خرج فهو إلي فهو فاسد والزرع لرب الأرض كأنه وهبه البذر ثم استثنى الواهب ما أخرج ولو قال رب البذر: لم أرد أن أهبه له. حلف ورجع عليه بمثله كما لو وهبه [7/ 363]
في شركة المتزارعين على سلف الزريعة من أحدهما أو ثمنها للآخر بشرط أو بغير شرط
رمكته على أن ما نتجت للواهب يقبضها على (ذلك) فما نتجت للموهوب له واستثناء الواهب باطل. وإن أعطيته أرضك وبذرك وبقرك على أن يزرع والزرع بينكما نصفان لم يجز وهو أجير والزرع لرب البذر. ولو قال: قد جعلت النصف من أرضي وبذري وبقري كراء بنصف عمله. لم يجز، وإن تولى هذا كان الزرع بينهما نصفين ويتراجعان الفضل في الأكرية؛ لأن هذا قبض نصف البذر في إجارته، ولو قال له: خذ بذري فازرعه في أرضك على النصف. فعلى قول سحنون الزرع لرب البذر ولهذا أجر عمله وكراء أرضه. وفي قول ابن القاسم الزرع للعامل وعليه مكيلة البذر لربه. ولو قال له: خذ أرضي فازرعها ببذرك وببقرك والزرع بيننا فالزرع لرب البذر. يريد في قوليهما وعليه كراء الأرض لربها. وهذا قد تقدم في باب آخر. في شركة المتزارعين على سلف الزريعة من أحدهما أو ثمنها للآخر بشرط أو بغير شرط أو لغيبة أحدهما أو أعطى لشريكه دراهم ليشتري بها ما يقع عليه من الزريعة وكيف بالتداعي في ذلك من الواضحة قال ابن حبيب: وإذا اشتركا فأخرج هذا الأرض ـ يريد: والعمل على الآخر ـ وقال للآخر: أخرج أنت جميع البذر على أن علي نصفه شيء لم يجز لشرطه السلف، فإن وقع فالزرع بينهما نصفان؛ لأنهما ضمنا الزريعة وتكافأ في العمل وكراء الأرض ويرجع مخرج الزريعة بنصفها معجلا على الآخر. وقال ابن سحنون عن أبيه: الزرع لمسلف الزريعة وعليه كراء الأرض. قبض رب الأرض حصته من الزريعة أو لم يقبض إذا وقعت الشركة على شرط السلف إلا أن يكون أسلفه على غير شرط بعد صحة العقد. ولو كانت الأرض والزريعة من عند [7/ 364]
واحد على أن يسلفه العامل ثمنها مائة درهم فقبض الدراهم واشترى بها بذرا فزرعه العامل فالشركة فاسدة والزرع للذي تسلف الدراهم ويعطي العامل مثل الدراهم وإجارة عمله. قال ابن حبيب في أول المسألة: ولو اختلفا في البذر؛ فقال للعامل: بذرت مديا. وقال رب الأرض: ما بذرت إلا نصف مدي. فالعامل فيا بذر مصدق مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق الآخر فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه / نظر قدر محل الأرض من البذر فيؤدي نصفه، ولو وقعت الشركة على غير شرط السلف ثم عجز أحدهما فأسلفه الآخر فذلك جائز إن لم تكن عادة جريا عليها. وكذلك قال سحنون. ومن العتيبة روى عيسى عن ابن القاسم في المتزارعين يخرج هذا الزوج والآخر العمل برجاء رب الزوج بجميع الزريعة على أن نصفها سلفا على صاحبه أو ثلثها فذلك فاسد والزرع نصفين إن أسلفه نصف الزريعة ويغرم له ما أسلفه ويتراجعان فضل الكراء في الأرض والعمل. وكذلك إن اشتركا على الثلث والثلثين وكان السلف كذلك فالزرع بينهما ويتراجعان في فضل الأكرية، ومصيبة الزرع إن هلك بينهما كذلك حسب ما اشتركا على النصف والنصف، أو الثلثين والثلث ويرجع مخرج البذر على صاحبه بما أسلفه، ويتراجعان في فضل الأكرية بثمن ذلك عينا لا في الزرع وإذا عقدا الشركة على غير سلف ثم تبرع المسئول السلف بالسلف فذلك جائز إن تساويا في الأكرية، وإن تفاضلا فيها رجع من له فضل بفضله ثمنا. ورواها أصبغ أيضا. وروى عنه أبو زيد في الشريكين في الزرع فحرثا الأرض ثم غاب أحدهما عند الزراعة وخاف شريكه الفوات فأخرج جميع الزريعة من عنده فزرعها فقال ابن [7/ 365]
القاسم: لا يكون لصاحبه شرك في الزرع وإنما له كراء مثل الأرض محروثة والزرع لزراعه /. قيل له: فإن أحضر رجلا فقسم الأرض بمحضرهم وحرث في نصيبه. قال: لا ينفعه وعليه نصف كراء ما زرع إلا أن يقسم ذلك بأمر السلطان. وكذلك في كتاب ابن المواز من أول المسألة وزاد: لو زرعها الحاضر من غيرقسم ليكون بينهما فقدم الغائب فرضي فذلك جائز؛ لأن لهما زرعهما الحاضر، ولو زرعها لنفسه لم يجز أن يعطيه نصيبه من الزرع ليكون الزرع بينها ولا يجوز أن يشتريه إلا بعد بدو صلاحه بغير الطعام. ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم في الشريكين يغيب أحدهما عند البذور وقد حرثا الأرض الأرض فزرعها الحاضر من عنده، فإن جاء صاحبه وحل إبان الزرع فله أن يبذر نصيبه من الأرض ولا يجوز له أن يأخذ فيها طعاما ولا ذهبا ولا أرضا يحرثها ولا مثوبة وله على الذي بذرها كراءها ما كان عمل هذا فيها. قال أبو محمد: ولم يبين في العتبية في سؤاله هل زرعها الحاضر لنفسه أو بينهما؟ ومن كتاب ابن المواز قال: ولو اكتراها ليزرعها بينهما فغاب أحدهما فزرع أحدهما فزرع أحدهما نصفها وطاب الزرع فهو له خاصة وعليها كراء ما تعطل منها. قال أصبغ: وعلى الزارع نصف قيمة كراء المرزوع منها إن كان ذلك أكثر ـ يريد من الثمن ـ وما تعطل فهو عليه وكراؤها كلها عليهما. قال ابن المواز: وهذا قول ابن القاسم. ومن العتبية روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم فيمن له أرض قد رويت فقال لرجل: ازرعها من عندك وعلى نصف الزريعة /. ففعل فذلك فاسد والزرع بينهما نصفين ويتكأفان في الكراء والعمل، والعامل مصدق فيما بذر إذا اختلفا إلا أن يأتي بما لا يشبه. ومن كتاب ابن سحنون: ولو اشتركا على أن يخرج أحدهما البقر والزريعة ويخرج الآخر العمل على أن يرد على صاحبه نصف [7/ 366]
في المتزارعين على أن يبدأ مخرج الذرة بمكيله أو بشىء أو بخراج أرض والباقي بينهما
الزريعة لم يجز وهي شركة وسلف الزرع بينهما. وقال ابن القاسم: ويرد نصف الزريعة على صاحبه ويتراجعان في إجارة ما بقي ثمنا لا في الزرع ولو وقعت الشركة على غير شرط سلف ثم أسلفه فهو جائز وإن تكافأ في غير ذلك. وفي قول ابن سحنون: إذا شرطا السلف فالزرع لصاحب الزريعة وعليه أجر ما أعانه به الآخر. ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم في رجلين بينهما أرض فاشتركا وأعطى أحدهما للآخر دنانير وقال: اشتر بها ما وقع على من البذر. فيزرع ثم يدعي أنه لم يشتر شيئا وأنه زرع من عنده قال: الزرع بينهما ولا يصدق. قال: وإن صدقه الآمر أنه لم يشتر فهو مخير إن شاء أعطاه المكيلة وكان شريكه، وإن شاء أخذ دنانيره ولا شيء له في الزرع. قال يحيى بن عمر: إن صدقه أنه لم يشتر أو قامت بذلك بينة زرع من عنده فالزرع لباذره ولا يجوز للآخر الرضاء بأخذ نصفه ويؤدي الزريعة وهذا حرام وليأخذ دنانيره وما يجب له من كراء الأرض وبقر وعبيد. وهذه المسألة في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم، كما في العتبية وقال: وقد قال غيره: إن صدقه وقد تم الزرع فهو لمن زرعه وللآخر كراء أرضه. في المتزارعين على أن يبدأ مخرج البذر بمكيله أو بشيء سماه أو بخراج أرض والباقي بينهما أو على أن لهذا ما تبنت ناحية من الأرض وما بقي للآخر ومن كتاب ابن سحنون: وإذا تزارعا فأخرج البدر مخرج الأرض أو مخرج البقر على أن ما أخرج يأخذ منه مخرج البذر بذره وما بقي بينهما فلا يجوز، وكذلك إن خرج مخرج البذر جزءا سماه من الزرع وما بقي بينهما وقد اعتدلا فيما أخرجا لم يجز. ولو أخرج هذا الأرض والبذر والآخر العمل وعلى أن يبدأ فيما [7/ 367]
في المتزارعين بطعام مختلف أو بأرضين متباعدين
أصابا بخراج الأرض لم يجز، ولو قالا: على أن يبدأ بالعشر للسلطان والباقي بينهما فذلك جائز. وقال سحنون: وإن أخرج هذا الأرض والبذر والآخر البقر والعمل على أن للعامل ما أخرجت ناحية من الأرض محدودة وللآخر ما بقي لم يجز وكذلك على أن ما نبت على السواقي للعامل فقط، فإن نزل فالزرع ـ في قول سحنون ـ لرب البذر وعليه كراء عمل الآخر وبقره. وكذلك على أن التبن فقط للعامل على هذا، ولو كان على أن البذر من عند العامل كان أحرم له والزرع له وعليه كراء الأرض وكذلك إن كان البذر لرب الأرض على أن لأحدهما أقفزة معلومة والباقي بينهما، وإذا وجب الزرع لرب الأرض إذا كان هو مخرج البذر فعليه كراء البقر والعمل للآخر لا تبالي استعان في العمل بأحد أو تاجر فيه أو عمله عبيده فذلك له. في المتزارعين بطعام مختلف أو بأرضين متباعدين من كتاب / ابن سحنون عن أبيه: ولا يجوز في المزارعة أن يخرج هذا قمحا وهذا شعيرا أو سلتا أو صنفين من القطنية ويخرج كل واحد صنفا ويعتدلان فيما بعد ذلك، فإن نزل ذلك فلكل واحد ما أنبت بذره ويتراجعان في الأكرية وقد قال بعد ذلك: تجوز الشركة بأن يخرج هذا قمحا وهذا شعيرا في المزارعة وفي شركة التجارة إذا اعتدلت القيمة وبالدنانير والدراهم وإنما لا تجوز شركة وصرف إذا كان الصرف خارجا من الشركة وأما فيها فجائز. قال سحنون وابن حبيب وإذا خرج هذه الأرض ومديا من قمح ونصف مدي ومن شعير ومن عند الآخر مدي والعمل، على أن جميع الزرع بينهما فجائز. قال سحنون: إذا صار العمل مكافئا لكراء الأرض ولما أخرج ربها من الشعير. قال ابن حبيب: لأن الشعير ثمن لبعض العمل. قال ابن حبيب: وذكر ابن سحنون مثله. ولو أخرج صاحب العمل من القمح أكثر مما أخرج رب [7/ 368]
في الجزارعين على الصحة لا يخلطان الزريعة أو يخرج أحدهما زريعة دنئة
الأرض منه لم يجز ويدخله قمح بشعير غير يد بيد وكراء الأرض ببعض ما يخرج منها، فإن وقع وأخرج الشعير فربه وما أخرج القمح بينهما بقدر البذر ويتراجعان في تفاضل الأكرية. ولو كان رب العمل مخرج الشعير واعتدلا في القمح لم يجز، فإن عرف كل واحد ما أنبتت زريعته فهو له ويتراجعان فضل الأكرية. ومن كتاب ابن حبيب أيضا قال ابن حبيب: ولا بأس أن يشتركا بصنفين من الطعام إن اشتركا في كل صنف وتساويا في غير ذلك وأما أن يخرج هذا مدي شعير وهذا مدي قمح فلا يجوز، وإن اعتدلا فيما سواه، فإن نزل فلكل واحد ما أنبت حبه ومن له فضل في غير ذلك أتبع به صاحبه. قال ابن سحنون: وإذا اشتركا على حرث / أرضين متباعدتين؛ واحدة بالريف وأخرى بالشام واعتدلا فيما سوى ذلك على أن يزرعا التي بالريف ثم يذهبا إلى التي بالشام فيزرعاها فذلك جائز في قياس قول سحنون، ولو كان على أن يخرج هذا البذر الذي يبذر بالفيوم يخرج الآخر البذر الذي يبذر بالشام لم يجز؛ لأن الشركة بالتساوي والخلط. في المتزارعين على الصحة لا يخلطان الزريعة أو يخرج أحدهما زريعة دنية فيجاوزها الآخر وكيف إن لم تنبت زريعة أحدهما؟ من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: إذا صحت الشركة في المزارعة وأخرجا البذر جميعا إلا أنهما لم يخلطاه فزرعا بذر هذا في فدان أو في بعضه وزريعة الآخر في الناحية الأخرى، ولم يعملا على ذلك فإن الشركة لا تنعقد ولكل واحد ما أنبت حبة ويتراجعان فضل الأكرية ويتقاصان. قال: وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجا من الزريعة أو جمعاها في بيت أو حملاها جميعا إلى الفدان ويدر كل واحد في طرفه فزرعا واحدة ثم زرعا الأخرى فهو كما جمعاهما في بيت وتصح الشركة، وإذا صحت الشركة في هذا فنبت بذر أحدهما ولم ينبت الآخر، فإن غر منه صاحبه وقد علم أنه لا ينبت فعليه مثل نصف بذر صاحبه لصاحبه والزرع [7/ 369]
بينهما ولا عوض له في بذره، فإن لم يعلم أنه لا ينبت ولم يغره فإن على الذي نبت بذره أم يغرم الآخر مثل نصف زريعة على أنها لا تنبت ويأخذ منه مثل نصف بذره الذي نبت والزرع بينهما على الشركة غره أو لم يغره ولو علم ذلك / في إبان الزراعة وقد غر هذا صاحبه فأخرج زريعة يعلم أنها لا تنبت فلم تنبت فضمانها منه وعليه أن يخرج مكيلها من زريعة تنبت فيزرعها في ذلك القليب وهما على شركتهما ولا غرم على الآخر للغار، وإن كان لم يغر ولا علم فليخرجا جميعا قفيزا آخر فيزرعاه في القليب إن أحبا وهما على شركتهما. وقد قال: إذا نبت قفيز أحدهما ولم ينبت قفيز الآخر وهو غار أو غير غار أنه لم ينعقد بينهما شركة ولكل واحد ما أخلف بذره. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المتزارعين على الصحة؛ يشتري أحدهما قمحا طيبا نقيا رضيه صاحبه ثم اشترى صاحبه قمحا رديا فتجاوزه صاحبه فزرع صاحب الجيد بقمحه ثلاثة فدادين، وزرع صاحب الردئ بقمحه فدادين ثم تشاحا قال: يؤدي كل واحد إلى صاحبه ثمن نصف زريعته فيستويان. قال يحيى بن عمر: إذا تشاركا في المزارعة على أمر جائز؛ فأخرج هذا من طعامه كيلا بقدر ما عليه فزرعا في موضع من الأرض ثم أخرج الآخر قمحه فزرعاه ثم لم ينسب طعام أحدهما وتقاززا بذلك قال: فما نبت فبينهما وما لم ينبت فمنهما، وإن لم يخلطا الحب إذا تزارعا على الصحة واعتدلا فيما أخرجا ولم يدلس أحدهما بزريعة لا ينبت مثلها؛ من طمر أصابه في رطوبته أو حرق في أسفل الطمر أو سوس أو نحوه. قال: ولم يحضرني في المزارعة شيء وقد سمعت في البيع فيمن باعه وقد دلس به وهو يعلم أن مشتريه يريد بذره بمائة يرد الثمن، وإن لم يعلم أنه يريد بذره / أو يعلم بعيبه فليرد ما بين الصحة والعيب. وقال سحنون في البيع يرد عليه مثل الطعام ويأخذ منه الثمن إذا لم يدلس، وإن دلس فليرد الثمن. وقال سحنون في المتزارعين إذا عرف موضع زرع بذر كل [7/ 370]
فيمن اشترى زريعة فلم تنبت
واحد منهما؛ فمن نبت بذره فهو له خاصة وعليه كراء حصة الآخر من بذر وعمل. قلت لسحنون: فإن زرع كل واحد بذره في ناحية معلومة أتم الشركة ولم يكن ذلك بشرط. قال: لا يجوز ذلك ولكل واحد منهما ما أنبت بذره ويتراجعان في الأكرية والعمل وإنما تجوز الشركة إذا خلطا الزريعة كالشريكة بالمال. وقاله أصبغ. فيمن اشترى زريعة فلم تنبت وهذا الباب قد جرى منه كتاب العيوب وجرى منه في هذا الباب الذي هذا يليه ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون فيمن اشترى شعيرا ليزرعه وشرط له البائع أنه ينبت، فإن قامت بينة أنه زرعه بعينه في أرض تربة تنبت فلم تنبت، فإن ثبت أنه غره منه عالما بأنه لا ينبت رجع عليه بجميع الثمن، وإن لم يغره وإنما شرط ذلك لأنها كانت عنده في نقائها وجودتها أنها تنبت حلف على ذلك وليرد المشتري مثلها ويأخذ ثمنه كله. وعمن اشترى زريعة البصل والكرات أو البطيخ فزرعها فلم تنبت أو كان قمحا أو شعيرا أو زرع منه غيره فنبت بعضه وبطل بعضه ولا يعرف ذلك ولا يميز أهل المعرفة ما نبت من ذلك وما لا ينبت إذا وزع فإنه إن كانت أرض سوء لا تنبت / وربما يأكل الزريعة الدود والطير، قال: إن غره وهو يعلم أنها لا تنبت فقامت بينة أنه زرعها في أرض تربة فلم تنبت رجع بجميع الثمن وقد استوعبنا القول في هذا في كتاب العيوب. في المتزارعين يريد أحدهما أو كلاهما المشاركة أو يعجز أو يغيب أو يتقابلان قبل أن يزرعا أو بعد أن يذهب السيل ببذرهما وهل يشتركان بعد الزراعة؟ من كتاب ابن سحنون عن أبيه قال: وإذا تزارعا مزارعة صحيحة ثم طلب أحدهما الترك وأبى الآخر فليجبر الآبي على التمادي وكذلك لو قال متولي العمل: لا أزرع في هذه الأرض ولكن في هذه الأخرى. فليس ذلك له. [7/ 371]
ومن العتبية قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجلين اشتركا في عمل الزرع فيريد أحدهما الخروج ويبرأ إليه، فإن لم يبذرا فذلك له، وإن بذرا فليس ذلك له ويلزمه أن يعمل معه، فإن عجز قيل لشريكه: اعمل فاذا طاب الزرع بع واستوف حقك، فإن قصر عنه ابتعته به لأنه كان يلزمه أن يعمل. وذكر ابن القاسم في كتاب ابن المواز مثله من أول المسألة. ومن كتاب ابن المواز: وإذا زرعا فليس لهما أن يتفاضلا ولا أن يولي أحدهما الآخر حصته أو لأجنبي وهو بيع زرع قبل بدو صلاحه. قال أبو محمد: ولا تجوز الشركة في أرض قد زرع بعضها إلا أن يشتركا فيما لم يزرع منها. ومن كتاب ابن حبيب وعن المتزارعين يذهب السيل بزرعهما في إبان الزراعة فأراد أحدهما أن يعودا ببذر آخر وأبى ذلك ابن القاسم: لا يجبر؛ لأن عملهم / قد تم فلا يجبر على العودة وأما لو ذهب ثور أحدهما أو عبده أو دابته جبر أن يعمل مع صاحبه وكذلك لو ذهب بذره قبل أن يزرعه أو ذهب بذرهما فها هنا يجبر من أبى أن يعمل مع صاحبه ولو دفع إلى رجل أرضه ونصف البذر على أن يخرج نصف الزريعة ويعمل ببقره فقلب الأرض فلما كان حين الزرع عجز عنها فقال لرجل آخر خذ أرضي ونصف بذري وأخرج نصف البذر وبقرك وازرعها [ببيننا]. ففعل، قال: ما يزرع بين الأول والآخر ولا شيء للأوسط علم بمعاملة الأول للأوسط أو لم يعلم. ومن كتاب ابن سحنون قال: إذا اشتركا على شرط التساوي فتأتت الأرض للحرث وغاب أحدهما وزرعها الآخر من زريعته ولم يحضر الآخر زريعة قال: الزرع لمن له البذر، ولرب الأرض كراء أرضه، ولو جاء الآخر بزريعته بعد أن زرعها الأول فلا يصلح أن يأخذها ويكون الزرع بينهما ولا تتم الشركة حتى يخلطا الزريعة ويجمعاها في بيت ولو رضي الزارع بأخذ الزريعة من الآخر؛ ليكون الزرع بينهما لم يجز وهو بيع زرع لم يبد صلاحه. ولو قال [7/ 372]
في المتزارعين وعلى أحدهما الحرث، فاختلفا كم يحرث في الأرض؟
لشريكه: أسلفني الزريعة وازرعها وأنا أقضيكها عاجلا: فلا يجوز إلا أن يقبضها منه ثم يدفعه لتزرع. في المتزارعين وعلى أحدهما الحرث فاختلفا كم يحرث في الأرض؟ أو شرط عليه عددا فقصر عنه وما يجوز من شرط العمل في الحرث والحصاد وعلى من حراسة الزرع منهما إذا تشاحا من كتاب ابن سحنون قال: وإن تزارعا على أن الأرض والبذر من عند أحدهما ومن الآخر البقر والحرث فطلب أن يحرثها حرثة وقال الآخر: بل حرثتين فليحملا على سنة البلد، فإن لم يكن لهم سنة وكانوا يفعلون هذا وهذا إلا أن الزرع في حرثتين أغزر ففي قياس قول سحنون، أن ليس عليه إلا حرثة واحدة إلا أن يشترط عليه حرثتين فيجوز ويلزمه ولو عقد على أنه إن حرث حرثة فله الربع، وإن حرث حرثتين، فله النصف لم يجز ويكون الزرع لرب البذر وعليه للآخر أجر عمله وبقره. قال سحنون في كتاب ابنه وعيسى في العتبية ولو شرطا أن البذر بينهما نصفان ومن عند أحدهما الأرض ومن الآخر العمل على أن الحرث ثلاث حرثات قال عيسى: وذلك متكافئ مالا فلم يحرثا إلا حرثتين فلنيظر إلى قيمة ما حرث وقيمة ما ترك، فإن كان الذي ترك الثلث رجع عليه رب الأرض بثلث كراء نصف أرضه. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن أخرج أحدهما الأرض والبذر ومن عند الآخر البقر والعمل واعتدلا على أن ما خرج فبينهما فاختلفا في حفظ الزرع بعد أن أفضل فذلك عليهما وكذلك إن أرادا أن يفصلاه ويبيعاه فحصاد الفصيل وبيعه عليهما بحساب ما لكل واحد من الزرع، وكذلك إن تأخر حصاده بمنع السلطان وكذلك حفظه في الأندر وفي الفدادين، فأما لو كان البذر من عند العامل، [7/ 373]
في عقد المزارعة حين القليب وقبل أوان الزرع على أن يقلب الأرض أحدهما الآن
فسدت الشركة وصار جميع الحفظ على من له الزريعة / وكذلك في فصل الفصيل ولأن الزرع له وللآخر كراء أرضه. وقال سحنون في باب آخر: وإنما يجوز في الشركة الصحيحة اشتراط العمل على أحدهما إنما ذلك في عمل الحرث فقط لا في الحصاد والدراس؛ لأنه لا يدري هل يتم ولا كيف يكون؟. في عقد المزارعة حين القليب وقبل أوان الزرع على أن يقلب الأرض أحدهما الآن ثم يتساويا في إمكان الزرع في البذر وغيره وفي المزارعة في أرض غير مأمونة من العتبية روى حسين ابن عاصم عن ابن القاسم فيمن أعطى لرجل أرضه حين القلب ليقلبها بينها فإذا كان أوان الزرع كان البذر عليهما والزرع بينهما والعمل على الداخل والحصاد والدراس ونقل نصيب رب الأرض إليه وبين القليب وبين الزراعة شهر قال: لا يجوز هذا إذا كانت غير مأمونة، فإن قلبها ولم يزرع فله نصف قيمة الحرث عن حصة رب الأرض ويستأني بنصيب الحرا، فإن رويت أرضه لزمه كراء ذلك عن نفسه بعد أوان عطشه فلا كراء عليه وله نصف قيمة الحرث على رب الأرض عطشت أو لم تعطش، وإن لم يعثر على ذلك حتى زرع فالزرع بينهما وباقي العمل بينهما وعلى العامل كراء الأرض بالنقد وله قيمة نصف الحرث والقليب والزراعة، وإن كان هذا التعاقد بعدما رويت الأرض فذلك كله جائز إن كانت قيمة الحرث والزراعة والحصاد والدراس متساوية لكراء الأرض، وإن لم تكن متساوية فالزرع بينهما ويرجع من له فضل على الآخر بالفضل. [7/ 374]
في الأرض تستحق بعد أن اشترك المتزارعان وزرعا
وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يجوز في شرط العمل بين المتزارعين شرط الحصاد والدراس؛ إذ لا يدري هل يتم؟ ولا كيف يكون؟ ومن العتبية قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: وإن كانت أرض مأمونة جاز ذلك بينهما وترادا الفضل. قال سحنون في كتاب ابنه وذكر المسألة ولم يذكر الداخل إلا العمل ولم يذكر الحصاد والدراس وغيره فقال: إن كانت أرض مأمونة فجائز. وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: وإن أكراها حين القليب بدراهم نقدا وهي غير مأمونة وبين القليب وبين الزرع شهر لم يجز فإن فات بالحرث فلربها كراء مثلها يأخذه إذا رويت، وإن لم ترو فلا كراء له، ولو فاتت بالزرع كان الزرع لزارعه وعليه الكراء لعامه. قال مالك: ومن باع أرضه وقد قلبت ولم يذكر القليب فذلك للمشتري، وإذا أعطاه أرضه حين القليب وهي مأمونة على أن يسلفه الداخل حين الزرع نصف البذر، فإن أدرك قبل ذلك فسخ فإن فات بالزرع. . . منه ويترادان الفضل في غيره، وإن أدركت وقد قلبها الداخل فموقوف وعليه قيمة كراء نصفه إن رويت ويأخذ من ربها قيمة حرثها للنصف الآخر. قال ابن حبيب: ولا بأس أن يزارع الرجل بأرضه قبل أن تروى، وإن لم تكن مأمونة كما يجوز عقد كرائها بغير نقد، فإذا تزارعها في إبان القليب على أن أعطى أحدهمها الآخر أرضه يقلبها فإذا جاز إبان ولم يرو فهي / مصيبة دخلت عليهما لأنهما شريكان وليسا متكاريين فهي كما لو زارعها ثم عطشت فلا يرجع العامل على صاحب الأرض بشيء بخلاف المتكاري. في الأرض تستحق بعد أن اشترك المتزارعان وزرعا من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا أخرج أحدهما أرضا وبذرا والآخر العمل والبقر فاستحقت الأرض بعد الزراعة، فإن استحقت في إبان الزراعة [7/ 375]
في المتزارعين وعلى أحدهما العمل فيحرث بعض الأرض
رجع المستحق على من كانت بيده الأرض بنصف قيمة كرائها وكأنه حرث له شريكه نصفها وواجره على ذلك بالنفع بنصفها أو بنصف البذر، فإن كانت قيمة نصف البذر وكراء نصفها معتدلا رجع عليه أيضا المستحق بربع قيمة عمل العامل وهو الذي أخذ في كراء نصف الأرض، وإن اختلفت قيمة البذر وكراء نصف الأرض كان ذلك على هذا الحساب، وإن كان الذي استحقت الأرض من يديه عديما اتبعه بنصف قيمة كراء الب وأتبع شريكه بربع قيمة العمل في قياس قول سحنون. ولو استحقها بعد فوات الزراعة فلا كراء له على واحد منهما، ولو كان بعد أن حرث ولم يزرع فله أخذها ولا شيء للشريك في حرثها. في المتزارعين وعلى أحدهما العمل فيحرث بعض الأرض، أو عامله على حرث أرض ببذري على أن يحرث لنفسه موضعا منها فحرث بعض الأرض من كتاب ابن سحنون، قال سحنون: وإذا أخرج أحدهما الأرض والبذر والآخر البقر والعمل واعتدلا فحرث العامل بعض الأرض كريمها وترك الباقي، فإن علم في الإبان جبر على أن يزرع ما فيها، وإن فات الإبان نظر؛ فإن حرث نصف الأرض كان على العامل لرب الأرض ربع كراء الجميع، وإن حرث الثلثين فعليه السدس ويكونان شريكين في الزرع ولو واجبته يحرث نصف أرضي إلي بزريعتي على أن يحرث لنفسه في النصف الآخر فأقلب العامل كريم الأرض وترك الباقي وفات أيام القليب فليقسم هذا القليب بينهما ويغرم العامل كراء القليب وله على رب الأرض أجر مثله في النصف الواحد. في المزارع يزارع غيره من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا تزارعا، من عند هذا الأرض ونصف البذر ومن الآخر نصف البذر والعمل فحرثها العامل ثم عجز عند الزراعة ـ يريد [7/ 376]
في الدعوى بين المتزارعين
عن البذر والبقر ـ فقال لرجل آخر أعطني نصف البذر وبقرك وهذا نصف البذر والأرض فأزرعها بيني وبينك. قال: يكون الزرع بين الأول ـ يعني رب الأرض ـ وبين الآخر، ويرجع العامل بكراء قليبه على الآخر ثمنا، وسواء علم الآخر بما عقد الأولان أو لم يعلم، وإذا عجز عن العمل وقد قلب الأرض ولم يجد ثقة يعامله فيها فليرد الأرض إلى ربها ولا شيء عليه للقليب كالمساقاة ولو كان للعامل مال بيع عليه حتى يتم العمل. وإذا دفع رجل بذره ودابته إلى رجل والأرض / مباحة على أن يعمل الرجل وله ربع الزرع وثلاثة أرباعه لرب البذر والدابة لم يجز، والزرع لرب البذر وللعامل أجر مثله. ولو أخذه على هذا فعجز عن العمل فشارك غيره ذلك البذر والدابة فحرث ذلك الشريك بالدابة وزاد بذرا من عنده والزرع، فإن لم يخلط البذرين فله ما أخرج بذره وعليه كراء الدابة فيه لربها وله أجر مثله على رب البذر والدابة إن كان مثل أجر الأول، وإن كان أكثر رجع بالفضل على الذي عامله أجرا، ولرب الدابة ما أخرج بذره. في الدعوى بين المتزارعين من العتبية قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم وابن كنانة فيمن أعطى أرضه وبذره وبقره رجلا يزرعها على أن يأخذ من الزرع زريعته ثم يقتسمان ما بقي ثم ادعى العامل أن نصف الزريعة له وكذبه رب الأرض فالقول قول الزارع والزرع بينهما نصفان ـ يريد ويتراجعان الفضل في غيره ويحلف الزارع. قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب عنهما؛ وإذا أخرج هذا الأرض وهذا العمل والبذر بينهما ثم ادعى العامل أنه إنما أسلف صاحبه نصف البذر من عنده قال: هو مصدق ويحلف والزرع بينهما ويتراجعان الفضل [7/ 377]
لا تبالي من كان العامل منهما فهو مصدق في الزريعة مع يمينه وقد فسدت الشركة وهذا الحكم فيها. قال أشهب: إذا قامت بينة لأحدهما / أنه الزارع وأن البذر في يده فليحلف ويرجع بنصف البذر على الآخر. قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: ومن أعطى أرضه رجلا حين القليب مناصفة فحرثه الداخل فلما كان حين الزرع رويت قال ربها: عليك حرثها فخذ نصف الزريعة مني. وقال الداخل: إنما حرثت نصف الأرض على أن لي نصفها أحرثه لنفسي ويبقى لك نصفها تعمله أنت وأقاسمك إياها. وقال: تكاريتها كلها منك هذه السنة. قال: القول قول الداخل ويقتسمان القليب إن زعم أنه أخذها مناصفة ويحلف. وقاله ابن حبيب. وقال ابن سحنون عن أبيه: وإذا اشتركا في الزراعة فأقلب أحدهما أرض صاحبه وقت القليب ثم اختلفا وقت الزراع؛ فقال رب الأرض: شاركتك بالأرض من عندي والعمل والقليب عليك والزريعة بيننا نصفان. وقال الآخر: إنما أقلبتها على أن أقاسمك إياها فتزرع أنت في النصف منها ما شئت وأزرع أنا فيما وقع إلي ما شئت. أو قال: أكريتها كلها منك بكذا. فالقول قول العامل؛ لأنه عمل وحاز بعمله فيقاسمه إن قال: مقاسمة أو يكون له إن قال: كراء. ولو كانت هذه دعوى رب الأرض وادعى العامل المعاملة فرب الأرض مصدق ويحلف. وقال ابن حبيب: وإن قال: أكريتها كلها. فهو مصدق مع يمينه ويدفع الكراء إلى ربها. وإن قال: دفعت الكراء. لم يقبل منه ولو ادعى الحارث المزارعة / وادعى صاحب الأرض المناصفة بالقليب أو الكراء فالقول قول رب الأرض مع يمينه. وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم مثله. ومثله في الواضحة ومن كتاب ابن سحنون: وإذا اختلفا بعد طيب الزرع؛ فقال العامل: الزرع بيننا وقد تساوينا في الزريعة. وقال رب الأرض: الزرع لي وإنما آجرتك. فإن عرفت الزريعة أنها من عند أحدهما فالقول قوله مع يمينه، وإن لم يعلم مخرجها فالقول قول العامل لأن الغالب في شركة الناس أن العامل يخرج البذر أو نصفه إن تحرى قولنا أخرج النصف، وإن أخذ بقول غيرنا أخرج جميعها فهو الغالب من فعلهم. قال: ولو كان العامل لا يعرف بملك بقر ولا زرع وإنما يعرف بالإجارة فادعى [7/ 378]
نصف البذر وقال رب ألا: أنت أجيري عملت في أرضي بزوجي وبقري، فإن عرف لمن البذر منهما فالقو قوله مع يمينه، وإن لم يعرف فالقول قول الذي بذر الحب العامل الذي يعرف ما البذر والعمل وهو مثل صاحب الزوج المعروف بالعمل إلا أن يكون أجيرا له معروفا بالإجارة فالقول قول رب الأرض إلا أن يأتي الآخر بما يدل على كذب الأرض. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه كتاب ابن حبيب قال: وإذا اختلفا بعد القليب وعند الزراعة؛ فقال العامل: تعاملنا على أن علي أنا القليب وحدي إذا كان حين الزراعة أخرجنا البذر جميعا وكان العمل علينا والأرض من عندك. / قال في كتاب ابن سحنون: أو نصفها قالا: وقال رب الأرض: بل تعاملنا على أن عليك أنت العمل كله وعلى الأرض، والبذر بيننا، فالقول قول من يدعي الاعتدال والصحة في معاملتهما. قال ابن حبيب: فإن لم يدع أحد منهما الاعتدال ردا إلى ذلك ثم يترادان الفضل. قال سحنون: إن لم يكونا زرعا فلتحص الشركة بينهما بالاعتدال، وإن فات الزرع فهو بينهما بقدر البذر ويتراجعان في الأكرية. قال ابن حبيب: وإذا اختلفا ولم يتحاكما وأبى رب الأرض من العمل معه كما قال العامل فعمد العامل بعد أن قلب الأرض كلها فزرع نصفها لنفسه ببذره وأبقى نصفها لرب الأرض ثم تحاكما فقال ابن حبيب: إن ما زرع هذا بينهما كما لو زرع الجميع ويترادان الفضل وينظر فيما بطل من الأرض، فإن كان رب الأرض مدعي الاعتدال في المعاملة فله على العامل نصف ما يفضل من الأرض لو كان رب الأرض مدعي الاعتدال في المعاملة فله على العامل نصف ما يفضل من الأرض كما لو كان ذلك بمزارعة جاره لم يختلفا فيها، وإن كان العامل هو مدعي الاعتدال فلا كراء عليه وذلك على صاحبه الذي أبى العمل كما لو كان ذلك في مزارعة لم يختلفا فيها. وقال سحنون: إذا اختلفا وأبى رب الأرض أن يعمل معه كما قال العامل الذي أقلب الأرض وعمد العامل فزرع لنفسه في نصف الأرض وترك نصفها لرب، قال: فالزرع كله للذي زرعه ولا شيء عليه من الكراء بعد أن يحلف ما عامله إلا على ما ادعى؛ لأنه [7/ 379]
في الأجير أو الوكيل يخطئ فيزرع بدر غيره أو في أرض غيره
قال: عاملتك / على أن أقلب الأرض وحدي على أن يكون العمل عند البذر بيننا. وقال رب الأرض: بل على أن العمل هلكه عليك. فكأن العامل قال: أكريت نصفها منك بنصف القليب. وقال الآخر: بل على أن تقلب لي نصفها وتزرعه لي. فصار العامل مدعى عليه. وقال سحنون: إذا اشتركا في الزرع واعتدلا فيما يخرجان بعده فدفع رب الأرض إلى العامل نصف البذر ثم ادعى أن العامل ما بذر إلا نصف مدي وقال العامل: بل بذرت مديا. قال: فالعامل مصدق مع يمينه فيما يشبه وإلا فرب الأرض مصدق فيما يشبه، فإن أتيا بما لا يشبه نظر إلى مجمل تلك الأرض، فيكون عليه نصفه. في الأجير أو الوكيل يخطئ فيزرع بذر غيره غاو في أرض غيره أو جبا غير ما أمر به ومن أخطأ فزرع أو بنى في أرض غيره من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم قال مالك فيمن سافر ووكل من يزرع أرضه ببذره فزرع الوكيل الأرض ببذر لزوجة الآمر وهو يظن أنه بذر الآمر قال: فالزرع لصاحبه ويعطي للمرأة مكيلة بذرها. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه وذكر هذه المسألة فقال: إذا غلط الوكيل فزرع بذر الزوجة فهو ضامن وعليه للمرأة مكيلة البذر وينظر ما يخرج بذرها، فإن كان مثل المكيلة التي غرم فأقل فليس له غير ذلك، وإن كان أكثر / كان الفضل للآمر. [7/ 380]
قال ابن القاسم في العتبية لأنه له بذره. قال سحنون: وإن لم يرفع منه شيء لم يكن للمأمور شيء. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم هذه المسألة فقال: إن زرع الوكيل بذر المرأة أو بذر ولد الآمر غرم للمرأة أو للابن مثل البذر بما تعدى عليه والزرع للوكيل، وفيه قول آخر فذكر ما ذكره سحنون وابن المواز وروياه عنه. قال ابن المواز: وإذا أمرت وكيلك أن أن يزرع لك في أرضك قمحا فزرع شعيرا وأمرته بسمراء فزرع بيضاء فالزرع للوكيل وعليه كراء الأرض، فإن بذر قمحا من عنده فإن كان مثل قمحك وشبهه فالزرع لك وذلك جائز، وإن بذر زريعة لابنك أو لزوجتك أو لغيرهما أو غير النوع الذي أمرته فعلى الوكيل مثل الزريعة لربها والزرع له وعليه لك كراء الأرض. قال محمد بن المواز: وهذا إذا زرعها بغير النوع الذي أمره ولأنه لا ينبغي أن يكون رب الأرض مخيرا أن يعطى بذرا أو يأخذ زرعا. قال ابن القاسم: وفيه قول آخر؛ لو قال قائل: يستأنى بالزرع؛ فإذا درس استوفى منه البذر وكان ما بقي لرب الأرض؛ لأنه له زرعه ويسميه. ثم قال: فعلى منم حصاده وتهذيبه؟ بل القول ما قلت لك. قال: إذا زرعه غير النوع الذي أمره به فأما إن أخطأ بقمح مثل القمح الذي أمره به فالزرع لرب الأرض ويغرم البذر لصاحبه وليس على الوكيل بشيء. قال ابن المواز: والقول الذي قال ابن القاسم: يستأنى بالزرع فيأخذ منه مثل البذر /. هو الصواب ويخرج منه دراسه وحصاده وكراء الأرض وهذا جوابه في المجالس وإنما للزارع مثل بذره؛ لأنه إنما بذره للآمر فما بقي أخرج منه كراء الأرض يريد وأجر الحصاد والتهذيب. قال: وما بقي فلرب الأرض وما عجز فعلى الذي بذر. وقال ابن القاسم كمن تعدى على رجل فزرع أرضه أو دفع إليه مالا بضاعة فسلفه له على طعام. وروى سحنون في العتبية وكتاب ابن سحنون عن ابن القاسم: ومن واجر من رجل بقرة بمدي شعير على أن يحرث له مديا آخر من [7/ 381]
شعير في أرض رب الشعير وأراه موضعا يحرثه فيه ودفع إليه المديين فتعدى فحرث جميع الشعير في أرض نفسه قال: يغرم المديين، فإن بطل فحرث جميع الشعير في أرض نفسه ما زرع فقد أخذ منه حقه وهو لم يف له بالإجارة، وإن تم زرعه نظر إلى ما يخرج منه، فإن خرج أكثر من مديين وكان إجارة مثله مديا أو أقل دفع ذلك إليه مع المدي الذي أخذه منه ودفع ما بقي إلى رب الزريعة، وإن كانت إجارة مثله أكثر من مدي لم يزد على مدي ورد عليه أحد المديين ودفع ما بقي إلى رب الزريعة، وإن لم يصب إلا مديا قوصيص به فيما أخذ منه ولم يكن له غير ذلك. ومن العتبية قال أصبغ فيمن زرع أرضا لزيقة أرضه وقال: غلطت بها. أو كان مكتريا فأصابه ذلك ولا يعرف ذلك إلا بقوله أو بنى في عرصة جاره وقال: غلطت. فأما الباقي في العرصة فلا يعذر ولربها أن يعطيه / قيمة البناء منقوضا أو يأمره بقلعه وأما في الحرث فيشبه أن يكون غلطا فأرى أن يحلف ويقر زرعه ويؤدي كراء المثل كان في إبان الزرع أو لم ين وهو على الخطأ أبدا حتى يتبن له تعمد. وقال سحنون: الزرع لرب الأرض ولا شيء للزرع إلا أن يقدر على جميع حبه وإلا فلا شيء له ـ يريد وذلك في إبان الزراعة ـ وفي الإجارات باب فيه من هذا المعنى. وقال سحنون: ومن خرج ليلا فغلط فحرث أرض غيره فلا شيء له على رب الأرض من إجارة دوابه وبذره وغلطه على نفسه ولو غلط فزرع أرض جاره فلا شيء له من الإجارة ولا زرع وهي مصيبة نزلت به إلا أن يكونا لم يتحاكما ولم يعلم ذلك حتى تحبب الزرع وفات إبان الزراعة فيكون الزرع لزارعه وعليه كراء الأرض. [7/ 382]
فيمن زرع الأرض رجل على الدالة والتعدي
فيمن زرع أرض رجل على الدالة والتعدي من كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن زرع أرض غائب على الدالة، فإن قام عليه في إبان الزراعة فله قلع زرعه، وإن قام بعد الإبان فله الكراء إن شاء وكذلك إن دل على حاضر وهو كالتعدي والغصب. ومن تعدى فحرث في أرض رجل فلم يقم عليه حتى قصب الزرع وفات إبان الزرع إلا أن ربها لو قلعه انتفع بها في أن يزرعها كتانا أو غيره قال: إذا قصب وتقارب طيبه فلا يقلع وليس له إلا الكراء، وإن لم يتقارب طيبه فله أن يقلع. فيمن واجرئه على أن يزرع حبا فخلطه بزريعته من كتاب ابن سحنون: ومن واجرته على أن يزرع لك قفيزا في أرضك / بدرهمين فخلطه بقفيز له وزرعه فهو كالغاصب؛ فإن عثر على ذلك قبل أن يفوت حصاده فلا شيء له كالغاصب، وإن كان بعد أن قرب حصاده فعليه الكراء وله الزرع. قال سحنون: يريد نصف حصة بذره ولو زرع القفيز في أرض نفسه فعليه مثله الساعة وينتظر بالزرع؛ فإذا درس أخذ رب القفيز كل ما خرج من قفيزه إلا قفيزا يرده على المتعدي ويعطيه عمله ومؤنته وكراء أرضه إلا أن كراء السقي والعلاج على المتعدي حتى يحصد الزرع ويدرس. ثم يحسب له ذلك كله، كراء أرضه وسقيه وقيامه ثم يكون الفضل إن كان في الزرع فضل لرب القفيز، وإن كان نقصان فعلى المتعدي كالوكيل على بيع ثوب فيبيعه بقمح إلى أجل. [7/ 383]
في قرية بين قوم ومنهم من يضعف عن الحرث والعمارة أو يغيب
في قرية بين قوم ومنهم من يضعف عن الحرث والعمارة أو يغيب في بلد فيزرع أحدهما ويغرس من كتاب ابن سحنون عن أبيه وعن قرية بين قوم مشاع أحدهم له البقر والعبيد يقوى على الحرث وباقيهم لا يقوى فدعوه إلى القسم فأبى وحرث لنفسه قال فلشركائه كراء نصيبهم وكذلك لو حرث قدر نصيبه منها فقط وله النصف فعليه لشركائه كراء نصف ما حرث فيه، ولو كانت أرض بعل لا يجوز فيها النقد يجاد زرع الحارث في هذه السنة؛ لتوالي المطر فيها أكثر من غيرها فللشريك كراء نصيبه على ما جاد فيها الآن أو على ما تدنى فيها قال: ولو طولت في القسم وروفع فلد وتغيب / حتى حرث فإنما عليه الكراء وكذلك لو أشهد عليه بطلب القسم ورافعه إلى الإمام وقد حرث يريد: وقد فات إبان الزرع ـ فعليه الكراء ويحلف الشريك أنه ما أذن له أن يزرع ولا رضي. ولو بنى بعض الورثة أو زرع أو عرس وواحد منهم غائب أو حاضر لم ياذن قال: تقسم الأرض، فإن وقع مقسمه فيما غرس وبنى فهو له، وإن وقع فيما لم يعمر فله قيمة ما بنى أو غرس مقلوعا وعليه مكيلة أو اغتل من الشرج. اقل أبو محمد: هذا على قول أشهب أنه يقسم قبل تم ينفاصلا. وقال غيره: بل يبدأ بالتفاصل فيما عمر قبل القسم وأما قوله: وعليه مكيلة التمر الذي اغتل. فأعرف لأصحابنا فيما غرس الغاصب واغتل أن التمرة فيما مضى له وعليه كراء ما شغل الأرض قبل هذا. في زرع المتزارعين أو المكتري يهلك ثم يخلف في عام ثان في الزرع يجره السيل إلى أرض آخر وفي الفدان يختلط من بذره بفدان جارك وفي خلفة الأرض ومن العتبية من سماع أبي زيد قال بعض أهل العلم في المتزارعين يهلك زرعهما بجائحة من يرد أو غيره ثم نبت في عام قابل فقام فيه رب الأرض وقد كان [7/ 384]
أخرج نصف البذر / وقام الداخل وقد أخرج نصف البذر والعمل، قال: جميعه لرب الأرض وكذلك في المكتري يهلك زرعه ثم ينبت في عام قابل فهو لرب الأرض. وقد كتبت في كتاب: كراء الأرضين بمسألة من زرع زرعا فجره السيل إلى أرض غيره وقد نبت أو لم ينبت وفيه مسألة الأرض تمنح فتزرع قطنا فيجنيه الزارع ثم ينبت في العام الثاني. وهناك مسألة المكتري لا ينبت زرعه وينبت إلى عام قابل. وقال ابن حبيب في القوم يزرعون فدادين بعضها قريب من بعض فاختلطت عليهم عند حصادهم فليحلف كل واحد منهم على ما بذرتهم يقسمون الطعام على عدد ذلك. قال ابن حبيب: فكل ما ذكرت في باب المزارعة فهو قول ابن الماجشون وأصبغ وهو منهاج مالك. قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا زرع هذا أرضه قمحا وحرث جاره أرضه شعيرا فطار من بذر كل واحد شيء فنبت فإن ذلك لمن حصل في أرضه ولا شيء لجاره فيه ولو كان بين أرضيهما جسر أو خط فينبت فيه ابن حبيب مما يتطاير فذلك بينهما اختلفت زريعتهما في الجسر أو اتفقت؛ لأن ذلك الموضع من أرضيهما. [7/ 385]
صفحة بيضاء [7/ 386]
كتاب المغارسة
بسم الله الرحمن وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب المغارسة في المغارسة ووجوه العمل فيها من كتاب ابن حبيب وهو في العتبية لعيسى بن دينار قال: والجائز من المغارسة عند العلماء؛ أن يعطيه أرضه يغرسها صنفا من الشجر أو أصنافا يسميها، فإذا بلغت شبابا سمياه أو قدرا يشبه [الشجر] في انبساطها وارتفاعها كانت الأرض والشجر بينهما على النصف أو الثلث أو الثلثين أو جزءا مسمى ولا يسميا شبابا وقدرا تثمر الشرج قبله ولا بأس أن يجعلا ذلك إلى إثمار الشجر وهو وقت معروف وهو أحب إلي. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا بأس بالمغارسة؛ أن يعطي الرجل أرضه لرجل يغرسها نخلا أو رمانا، فإذا بلغت فالأرض والشجر بينهما ولم يزل من عمل الناس ولا شيء له حتى ينبت ويبلغ القدر الذي شرطا وهو من ناحية الجعل، قاله أصبغ وإنما يجوز على أن الأرض والشجر بينهما. قال ابن القاسم: وإن شرطا في المغارسة إلى الإثمار فذلك جائز. قيل: إن بعض الثمار يبطئ وبعضها يعجل. قال: وكذلك النباب فهو جائز. [7/ 387]
قال ابن المواز: وذلك إذا كان يكون ذلك بينهما حين تثمر ولا يجوز أن تكون أولى التمرة لرب الأرض والثانية بينهما، وإن شرطا إذا طلعت الشجر، فهي والأرض بينهما فهو جائز إن وصفا قدرا معروفا. وقال في موضع آخر من كتاب ابن المواز: فإن قال: إذا بلغت الشجر قدرا معلوما فالأرض والشجر بيننا. فذلك جائز، وإن قال: إذا أثمرت فهي بيننا. أو قال: إذا أثمرت فالتمرة بيننا. / فلا يجوز؛ لأن قوله: إذا أثمرت لا يدري متى تثمر؟ وقوله: فالثمرة بيننا أشد [قال أبو محمد قوله فهي بيننا لعله يعني الشجر دون الأرض وأما إن كان يريد الشجر مع الأرض فقد تقدم أنه جائز وهو المعروف من قولهم]. قال ابن القاسم في العتبية وكتاب محو: وإن غارسه على أن له في كل نخلة تنبت حقا سماه ولا شيء له فيما لم ينبت وعلى أنه إن شاء عمل أو ترك فذلك جائز إذا شرط شبابا معروفا أربع سعفات أو خمسا ونحو ذلك قال أصبغ: ما لم تثمر قبل ذلك قيل فإن أثمر قبل يبلغ هذا القدر؟ قال: هذا لا يكون. قال ابن القاسم: وإن شرط إلى الإثمار فهو جائز. ومن العتبية قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إذا سمى إلى شباب معلوم فهو جائز مثل أن يرتفع الشجر قدرا معلوما كالقامة ونصف القامة والبسطة وشبه ذلك من سعفات معلومة يبلغها الشجر، فإن كانت تثمر قبل ذلك لم يجز. [7/ 388]
وقال ابن حبيب: إذا تغارسا ولم يسميا حدا ولا شبابا معلوما فذلك جائز ويكون إلى الإثمار والشباب التام. وروى حسين بن عاصم عن ابن القاسم في العتبة إن هذا فاسد حتى يسميا شبابا معروفا أو إلى الإثمار ولو سمى عدد سنين يعملها إليها ويغرسها ثم يكون بينها فذلك جائز إن كانت أرضا مأمونا نباتها ولا يثمر الشجر قبلها. قال عيسى بن دينار: إن شرط إلى شباب معلوم أو إلى إثمار فذلك جائز ثم لهما إذا بلغ الغرس شرطها أن يقتسما الأرض والشجر إن أحبا، وإن أحبا أقرا ذلك ثم العمل بينهما على قدر ما لكل واحد منهما ثم إن ذهب الغرس وهلك / فللداخل نصيبه في الأرض وقاله كله ابن القاسم قال سحنون في كتاب ابنه قال علي بن مالك فيمن أعطى أرضه لرجل يغرسها نخلا؛ على أن له في كل نخلة تنبت جعلا مسمى وما لم تنبت فلا شيء له فيه فذلك جائز إذا اشترط للنخل قدرا يعرف؛ خمس سنين أو صفة معلومة إلى أجل معلوم إذا كانت الأرض مأمونة من أرض الفرس ليس بجبل ولا سباخ ولا ما ينبت فيها الغرس. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: وإذا غارسه صحيحة على النصف فتم الغرس واغتله العامل سنين ثم طلب رب الأرض أن يرجع فيما صار من الأرض للغارس فليس ذلك له كان قد باع النصف الذي صار له من الأرض من الغارس أو غيره أو لم يبع. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو قال: أستأجرك على أن تغرس لي في هذه الأرض كذا وكذا نخلة، فإن نبتت فهي بيني وبينك. فهو جعل وليس بإجارة ولو شاء أن يترك ترك ولو ذهب لم يكن له شيء حتى تنبت، ولو لم يكن جعلا ما جاز؛ لأنه لا يدري أيتم أو لا يتم؟ وأما إن واجره على أن يغرس له في حائطه [7/ 389]
كذا وكذا نخلة بنصف أرضه فهذه إجارة جائزة وليس له أن يخرج حتى يفرغ منها، فإذا غيبها في الأرض وجب له أجره نبتت أو عطبت، ولو كان لا يتم له أجر حتى ينبت كان خطرا لا يصلح، قد تنبت في مرتين أو ثلاثة وقد لا تبنت أصلا. قال ابن القاسم: ولو قال: اغرس لي في أرضي هذه نخلا ولم يسم عدتها أو غيرها / من الأصول على الجعل أو على الإجارة فذلك جائز؛ لأنه وإن لم يسم كم عدد ما يغرس؟ فذلك عند الناس معروف كيف تقدير غرس الأصول إن يرد الغارس غرسه منع وإن قارب منع؛ لأن ذلك يضر بها فمعرفة ذلك عند الناس معلوم. ومن كتاب ابن سحنون: ومن دفع أرضه إلى رجل يزرع فيها قطنا؛ على أن للفارس نصف الأرض ونصف القطن، فإن كان القطن يزرع في كل سنة ولم يكن أصل ثابت فذلك فاسد، وإن كان القطن أصلا يبقى السنين العدد، وليس يزع كل عام فهذا إن أجلا أجلا دون الإطعام، فإذا بلغاه كان القطن يعني الشجر والأرض بينهما فذلك جائز. وبعد هذا باب فيه المغارسة والإجارة على غرس بصل الزعفران. ومن كتاب ابن حبيب؛ قال مالك: ولا تجوز المغارسة إلى أجل وهي من معنى الجعل. قال لي مطرف: وإنما يجوز الأجل في هذا على ما يصح أن يقول: اغرسها شجرا كذا وكذا، فإذا بلغت الإثمار أو قال: شبابا كذا فلك النصف ولي النصف على أن تغرم لي بنصفي كذا وكذا سنة. فذلك جائز وكأنه واجره يغرس له نصفه أو يأتي بالغرس من عنده ويقوم له بكذا وكذا سنة وأعطاه في إجارته نصف الأرض، فإن بطل الغرس بعد أن غرسه قيل لرب الأرض: أعطه غرسا مثله يغرسه لك ويقوم لك به إلى أجلك. [7/ 390]
قلت: فهذه المغارسة بعينها وإنما تغير اللفظ، ومالك لا يضر عنده قبح اللفظ في صحة المعنى. قال: هذا لا يعتدل في كل شيء فرب شيئين [لا / يفرق بينهما إلا اللفظ] ألا تراه لو قال: أواجرك سنة تقوم بجناني هذا بنصف تمرها لم يجز. ولو قال: أساقيك إياه سنة بنصف تمرها جاز ذلك، فهل يفرق بينهما غير اللفظ؟ قال ابن حبيب: ولو غارسه إلى حد الإثمار فأثمر بعض الشجر، فإن كان أكثرها وبقي اليسير التافه لم يثمر فالغارس على شرطه كله ويسقط عنه العمل في ذلك كله. وذكر في العتبية حسين بن عاصم عن ابن القاسم نحوه إلا أنه قال: إذا أثمر جلها أو أكثرها ولم يقل وبقي التافه وقال: وإذا مات جلها أو أكثرها فلا شيء له فيما ينبت من اليسير منها. وقاله سحنون: وقال أصبغ عن أشهب: إذا غارسه وسمى سعفا وقدرا معلوما فغرسها فماتت إلا ثلاث نخلات قال: فما نبت بينهما وبقيت الأرض لربها. قال أصبغ: وقاله ابن القاسم فيما أعلم. قال ابن حبيب: وإن كان الذي لم يثمر مما له بال وقدر أو متناصفا أو متماثلا فإنه إن كان متنابذا سقط عنه السقي والعمل فيما أثمر منه ولزمه السقي والعمل فيما لم يثمر، وإن كان مختلطا في الشجر لزمه سقي الجميع حتى يثمر كله أو جله وأما ثمره ما أثمر منه فبينهما قلت أو كثرت كذا متنابذا أو مختلطا، وإذا حيي بعض غراسه ومات البعض فما مات بعد بلوغه القدر الذي شرط فيه بينهما وقد وجبت الشركة للعامل في الجميع وما مات قبل بلوغ الشباب الذي شرط سقط شرط العامل فيما مات قل أو كثر وصار حقه فيما بنت وبلغ قل أو كثر ويسقط فيما لم [يثمر] وينبت، وإن قال: / وله أن يعيد العمل إن شاء وقوي [7/ 391]
جامع القول في المغارسة الفاسدة
ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: وإن عامله على أن الأرض والشجر بينهما فتعدى رجل فقطع الشجر قبل تمامها، فإن طمع فيما قطع إن رجع وهو قائم على عمله لم يتركه فهو أحق بعمله والأمر بينهما قائم وإلا فلا شيء للعامل. ومن العتبية من سماع ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز: وإذا شرطا أن الشجر إذا طلعت فالشجر والأرض بينهما فذلك جائز إذا وصفا قدرا معلوما، فإن شرطا أن التمرة فقط بينهما لم يجز. جامع القول في المغارسة الفاسدة من العتبية قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم في المتغارسين إذا لم يسميا حدا [ولا شبابا معلوما] إن ذلك لا يجوز حتى يسميا شبابا معلوما أو قدرا معروفا أو إلى الإثمار تكون الأرض والشجر بينهما. وقال ابن حبيب: ذلك جائز ويكون ذلك إذا لم يذكرا إلى الإثمار والشباب التام. قال ابن حبيب: وإذا عقدا على أمر لا يجوز مثل أن يشترطا شبابا معلوما على أن يقوم الداخل بنصيب رب الأرض ما عاش ولم يؤقت أجلا وتغارسا على شباب يكون الإثمار قبله أو إلى أجل مؤقت من عدد السنين فهذا كله فاسد ويفسخ قبل العمل، فإن فات وقد عامله على النصف بذلك بينهما نصفين وعلى العامل نصف قيمة الأرض يوم قبضها خالية وله على رب الأرض قيمة عمله وغراسه [في نصف رب الأرض قيمة يوم تم وبلغ] وأجرته من يومئذ إلى يوم الحكم فإن / اغتلا الغلة قبل ذلك نصفين مضى ذلك لهما، وإن كان الغارس اغتلها وحده ونصف ذلك إلى رب الأرض، فإن بطل الغرس قبل بلوغ الشباب [7/ 392]
المشترط في هذا الفساد فلا شيء للغارس من الأرض كما لا يكون له شيء في صحة العقد وله حكم الجعل في صحته وفساده وإن بطل بعد بلوغه الإثمار أو ما شرطا من الشباب فقد وجب للغارس نصف الأرض بقيمتها يوم قبضها وله على رب الأرض قيمة غراسه يوم تم وبلغ ويكون ذهاب الغرس منهما. وقاله لي كله مطرف. وقاله أصبغ ورواه عن ابن القاسم على أنه قد اختلف فيه قوله وهذا أحسنه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اشترط أن الشجر إذا بلغت قدرا معلوما فالثمرة خاصة بينهما لم يجز. قال أصبغ: فإن نزل وتم ذلك فالأرض والشجر لرب الأرض وللعامل قدر سقيه وعلاجه، وإن نظر في ذلك قبل أن يثمر وقيل ينتفع بها رب الأرض فالشجر للعامل؛ فإن شاء رب الأرض أعطاه قيمتها مقلوعة أو أمره بقلعها. ولم يعجبنا هذا ووجدنا لابن القاسم أن الشجر والتمر للعامل ويرد عليه رب الأرض ما أخذ من الثمرة ويكون له كراء أرضه لما مضى ثم لرب الأرض أن يعطيه قيمة الشجر مقلوعة أو يأمره بقلعها. وقال ابن حبيب: وإذا تعاملا على أن الثمرة بينهما ما أقامت الشجرة، فإذا هلكت فلا شيء للعامل في الأرض أو على أن الشجر [دون الأرض] بينهما لم يجز، وفسخ ذلك متى عثر عليه وردت الأرض بالشجر والغلة إلى رب الأرض وعليه للغارس الأقل / من قيمة عمله نباتا يوم فرغ منه، وتم أو نفقته التي أنفق وثمن الغرس الذي غرس وله مع ذلك أجرة يده في قيامه بالشجر إذا رجعت الثمرة إلى رب الأرض، وإن بطلب الشجر بعد تمامها وبلوغها قبل ينظر بينهما فقال مطرف، وابن الماجشون: فليس للعامل فيها قيمة ما عمل ولا رد ما أنفق، لأنه لم يخرج من يده شيئا فيعوض منه وإنما غرس على أن له ثمرة غرسه بعينه، وإن كان غررا فلا شيء له إذا ذهب ولو عومل على [7/ 393]
غرر من غيره لأعطي قيمة عمله ذهب أو بقي ويرد ما أخذ من الغرر إن أخذ منه شيئا ويمضي الغلة لمن اغتلها قبل ذهاب الشجر اغتلاها جميعا أو الغارس وحده ولا ينظر بينهما في شيء إذا ذهب الغرس من الذي تعاملا عليه وفات موضع تصحيحه بالقيمة كما ينظر فيما ذكرنا قبل هذا. وقال أصبغ: إذا ذهب قبل الحكم وقد كان تم وفرغ فلا بد أن يعطي العامل قيمة عمله يوم تم قائما غير ذاهب كشراء بثمن فاسد ثم فات، وفواته الفراغ منه فلزمته القيمة يومئذ والغلة كلها لرب الأرض. وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي وإنما تكون حجة أصبغ في المسألة الأولى الذي أعطاه في ذلك نصف الأرض ثمنا لغراسه النصف الآخر فإذا غرسه وجب له ما أعطى وصار ما فرغ لرب الأرض صحيحة كانت معاملتهما أو فاسدة وأما إذا لم يعطه على غراسته، الأرض شيئا فلا شيء للغارس في غراسه إلا إذا أخرج من يده فيعطي قيمته، فأما إذا ذهب قبل ذلك فلا شيء له. / ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أعطى أرضه لرلج يغرسها ووجل خمس عشرة سنة؛ السنة الأولى للداخل والثانية بعدها كراؤها أربعون دينارا كل سنة وعليه خم العين وبناء جدرانها ومرمتها فهذا لا يجوز وهو غرر ولا خير في أن يعطيه الأرض ويقول: فما أحييت فيها من نخل أو بقل أو زرع بيننا وإنما يجوز هذا في الأصول. ومن العتبية روى حسين بن عاصم [عن ابن القاسم]: فإما إذا فسدت المغارسة مثل أن يغارسه على النصف ولم يذكر شيئا ما ينتهي إليه ولا قدرا معلوما فهذا فاسد وكذلك إلى أجل يثمر دونه، فإذا فات مثل هذا بالغرس فليقسم الغرس بينهما نصفين ويلزم العامل نصف الأرض بقيمته يوم قبضها براحا لأنه اشتراها شراء فاسد فأفاتها بالغرس وهذا نخو ما ذكر ابن حبيب في فساد [7/ 394]
المعاملة عنده. قال حسين بن عاصم: وكما لو أعطاه أرضه أيام القليب يحرثها ويبنيها ثم يزرعها أيام الزرع والزريعة بينهما والأرض غير مأمونة فذلك فاسد، فإن فاتت بالحرث فهو فوت وتقسم الأرض بينهما فكون العامل نصفها يلزمه إن رويت تلك السنة كراء مثلها، ويرجع على ربها في النصف الآخر بقيمة حرثه وقليبه عطشت أو رويت. قال ابن القاسم في المغارسة الفاسدة: وإذا أثمرت الشجر واغتلاها زمانا فما اغتل العامل في نصفه الذي ألزمناه قيمته ولا كراء عليه فيه والنصف الآخر كأنه ربه أكراه بثمره لم يبد صلاحها فيرد تلك الثمرة التي قبض إلى العامل ويأخذ منه كراء نصف الأرض / خالية من الغرس يوم اغتلها. قال أبو محمد: وهذا خلاف ما ذكر ابن حبيب قال سحنون: بل تكون غلة جميع الأرض لربها ويرده عليه العامل وله على رب الأرض قيمة غرسه إن كان له قيمة وأجر عمل مثله ولو جعلت له التمر كان بيع التمر قبل بدو صلاحه. قال حسين: قال ابن القاسم: وإن أخذها على شباب معلوم وحد يبلغه على أن يعمل لرب الأرض في نصفه سنين معلومة بعد القسم، فإن كان عمل النصف معروفا محدودا مضمونا على العامل [عاش أو مات فذلك] جائز، وإن كان عمل يده بعينه لم يجز وهو خطر. قال سحنون: هذا خطأ؛ لأنه جعل وبيع ويصنع في هذا ما وصفت لك في أول المسألة والذي أنكر سحنون هو الذي أجاز ابن حبيب قبل هذا عن مطرف. قال ابن القاسم: وإن جرى هذا على ما قلنا من الفساد واغتل الشجر زمانا ثم بطل الغرس فلا يبطل عن العامل ما لزمه من نصف قيمة الأرض يوم قبضها وله غلة جميع الشجر وعليه قيمة كراء نصف الأرض يوم اغتلها وله على رب الأرض قيمة عمله في نصفه إلى أن يبلغ الشباب الذي شرطا ولو هلك الغرس قبل يبلغ الشباب المشترط فلا أجر له فيه كالجعل في حافر القبر لا يجب إلا بتمامه. قال سحنون: الغلة كلها لرب الأرض ويرد [7/ 395]
العامل ما أخذ منها وله أجر مثله وكما ليس له شيء إذا لم ينبت الغرس فكذلك نبت لا يكون له في الأرض شيء ولا في التمر. وروى مثله عيسى عن ابن القاسم وكذلك روى عنه غير ذلك مما سنذكره /. قال عيسى: إذا عقدا مغارسة فاسدة مثل أن يذكرا شبابا فيكون التمر قبله أو على أن يكون على كل واحد من العمل أكثر من ما له من الغرس والأرض أو غير ذلك من الفساد إلا أن فيه للعامل من الأرض والغرس سهما مسمى، فإن أدرك هذا قبل الغرس فسخ، فإن فات بالغرس فسخت المعاملة وقسمت الأرض والشجر بينهما على ما شرطها وعلى العامل لرب الأرض قيمة ما صار له منها براحا كأنه ابتاعه بفساد ففات بالغرس وما صار من الأرض لرب الأرض فاختلف فيه؛ فقال ابن القاسم: يكون لرب الأرض على الداخل كراء جميع الأرض وله جميع الثمن ثم إن شاء رب الأرض أعطاه قيمة الغرس [مقلوعا] أو أمره بقلعه لفساد المزارعة على البذر والعمل من عند العامل ثم بلغني عنه أنه قال: يقسم الأرض والشجر بينهما وعلى العامل نصف قيمة الأرض براحا يوم أخذه وعليه كراء ما صار لرب الأرض من الأرض ويرد رب الأرض إلى العامل كل ما اغتل ويعطيه قيمة ما صار له من الغرس مثبتا. ثم كتبت فيه إلى ابن القاسم فكتب إلي: يقسم الأرض بينهما على ما شرطا وعلى العامل نصف قيمة نصف الأرض براحا لرب الأرض وللعامل عليه قيمة الغرس الذي في نصيبه مثبتا يوم الشرط أو قيمته يوم عثر عليه قبل أن يطعم أو بعد وما اغتله فبينهما وعلى رب الأرض للعامل قيمة الغرس يوم يحكم فيه. قال عيسى: وهذا الذي كتب به إلي أحب إلي. قال أبو محمد: وهو نحو ما قاله ابن حبيب. قال عيسى: وما صار للعامل في نصيبه من الأرض فهو له ذهب / الغرس أو بقي ولو ذهب العرس قبل النظر بينهما فإنه ينظر بينهما على ما وصفنا ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بفضل ما كان له. روى عيسى أيضا عن ابن القاسم أن جميع الثمر لرب الأرض وللعامل أجر مثله في كل ما عمل ولا شيء له في الأرض. وهذا [7/ 396]
في الكراء على المغارسة، ومغارسة بصل الزعفران
قول سحنون. قال عيسى عن ابن القاسم: وأما إن لم يشترطا أن الأرض بينهما ولكن شرطا أن الثمرة فقط بينهما ما بقي الأصل فهذا فاسد وتكون جميع الغلة للعامل ويرد رب الأرض إليه ما أخذ منها إن كان ثمرا بالمكيلة، أو رطبا بالقيمة ويأخذ من العامل كراء الأرض من حين أخذها منه وليس من حين أثمرت والشجر لرب الأرض إلا أن يعطيه قيمة الغرس مقلوعا أو يأمره بقلعه. وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم إلا أنه قال: وعلى العامل كراؤها من يوم وضع فيها الغرس إلى يوم ينظر في أمرها كراء ما نقدا بعده في التشاحح فيها. وكذلك روى عنه حسين بن عاصم في شرطها أن الثمرة بينهما ما بقيت الأصول أو على أن الأصول وحدها بينهما. وقال سحنون في هذا: الغلة كلها لرب الأرض وللعامل عليه أجر مثله قال ابن القاسم: فإن ذهبت الشجر وبقيت الأرض براحا فالثمرة كما قلنا للعامل وعليه كراء الأرض من يوم اغتلها ولا شيء له على رب الأرض فيما هلك من الغرس قيمة ولا عملا؛ لأنه كان في ضمان العامل لا في ضمان رب الأرض. وفي المسألة التي قبل هذا إنما كان نصف الغرس الذي بطل بعد أن بلغ / الشباب والقدر كان لرب الأرض لا للغارس فبذلك رجع عليه بقيمة عمله فيه. قال سحنون: الغلة لرب الأرض ويعطي العامل أجر مثله. في الكراء على المغارسة ومغارسة بصل الزعفران من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن أكرى أرضه أو أعارها عشر سنين على أن يغرسها شجرا على أن ثمرها في هذه المدة للغارس ثم يسلم ذلك إلى رب الأرض لم يجز؛ لأنه لا يدري كيف يكون الشجر؟ وهل يسلم إلى المدة؟ وقال أشهب: ذلك جائز إذا سمى مقدار المسجد وهو كالبينان ولا يدري كيف [7/ 397]
في المغارسة على أن يضرب على الحائط بجدار أو زرب
يصير البنيان؟ قال ابن القاسم: ليس بسواء وهو لا يدري ما يسلم من الشجر؟ قال ابن المواز: هذا لا يجوز وليس كمن اشترط أشجارا يضمنها يدفعها إلى عشر سنين ويسمى قدرها ومبلغ صفتها ما يعرف به حتى لو اشتراها بالعين لجاز وليس كالمغارسة التي من باب الجعل. وكره ابن القاسم الأول؛ لأنه كراء ثابت ـ يريد ولا يكون بشيء مضمون معروف إلى أجل مسمى، فأما على وجه الجعل الذي لا يلزم العامل فلا يصلح إلا في الأمر القريب. قيل لمالك: فبصل الزعفران أيعطي على مثل ذلك وهو يقيم سبع سنين ونحوها؟ فلم يجزه. وقال: هذا بمنزلة الثمر وليس كالأصل ولا يجوز إلا بما يجوز به اكتراء الأرض. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. في المغارسة على أن يضرب على الحائط بجدار أو زرب ومن العتبية / قال أصبغ: وإذا غارسه أرضه على أن يضرب هو لها جدارا أو يزربه زربا أو يحفر سياجا على أن يغرسها شجرا، فإذا بلغت حدا ذكراه، كانت الأرض والشجر بينهما والزرب والجدار وكان ذلك [لأنه يخاف ألا يتم الغرس] إلا بهذا التحظير لكثرة المواشي ومرور الناس أن يخاف ذلك، فإن كان مؤنة ذلك يسيرة فهو جائز، وإن كانت كثيرة لم يجز وهذا مثل ما يستحق شرطه في المساقاة وما لا يستحق شرطه. [7/ 398]
في المغارس يعجز
في المغارس يعجز من العتبية قال أصبغ فيمن أعطى أرضه مغارسة على النصف فغرس بعضها أو جلها فلم يتم العمل الذي شرطا حتى عجز العامل أو غاب فأدخل رب الأرض في الغرس من قام به وعمل ما بقي منه أو عمله رب الأرض بنفسه ثم قدم العامل فقام في ذلك قال: يكون على حقه إذا قدم، وكذلك إن كان حاضرا لم يسلم ولم ير أنه ترك ذلك ورضي بالخروج منه وهو على حقه ويعطى الذي عمل وأتمه قدر ما كفاه بغير شرط مما لو وليه هو لزمه مثله. في الدعوى في المغارسة من العتبية روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم فيمن غارس أرضه على النصف ولم يذكر الأرض والشجر فقال العامل: عاملتك على أن لي نصف الأرض بغرسها. وقال رب الأرض: على أن الثمرة وحدها بيننا أو: على أن الشجر وحدها بيننا. قال: إن كان للبلد سنة / حملوا على قول من ادعاها ـ يريد مما يجوز أو لا يجوز ـ ويقضى فيما لا يجوز بما ينبغي مما تقدم. قال: وإن كان البلد يعملون على الوجهين فليصدق مدعي الحلال وهو العامل. قال أبو زيد عنه: إن كان الغالب عمل أهل ذلك البلد ما ادعى مدعي الحلال فهو على ما قال، فإن لم تثمر كلف العامل القلعغ إلا أن يعطه رب الأرض قيمة الشجر مقلوعة ولا شيء له في عمله، وإن أثمرت فالثمرة للعامل وعليه كراء الأرض من يوم أثمرت النخل، وإن كان عمل أهل البلد على الحلال سلك بما مسلكه، وإن كانوا يعملون له الأمرين تحالف هذان وفسخ الأمر بينهما. [7/ 399]
في المعاملة في الأرحية وشيء من ذكر المغارسة
في المعاملة في الأرحية وشيء من ذكر المغارسة من كتاب ابن سحنون عن أبيه قال: والذي يجوز من المعاملة في الأرحية أن تدفع أرضك إلى رجل يبني فيها رحى بصفة معلومة وأداتها وكل ما تحتاج إليه ـ يريد وذلك معلوم ـ فإذا تمت وطحنت فله نصفها أو ثلثها أو ما رضيا به بجزئه ذلك من الأرض يكون بينهما ذلك ساعة يتم ـ يريد وذلك من ناحية الجعل جائز. قال: ثم يكون العمل في المستقبل وجميع ما تقوم به الرحى عليكم بقد ما لكما فيها وإنما ذلك على أنها إذا تمت صارت بينهما ساعة تتم ثم إن شاءا اقتسما إن كانت مما ينقسم، وإن شاءا باعا أو وهبا أو من شاء منهما لا منع للآخر عليه في ذلك فهذا الجائز ويصير كأنه باع منه نصف الأرض بنصف ما عمل ويصير بينهما ولو تعاملا / على ما ذكرنا وعلى أن على العامل إصلاح سد الرحى ومرمتها أو بعضه ما بقيت ولم يجز، فإن فات بالبناء فعلى العامل نصف قيمة الأرض بغير شرط وله على رب الأرض نصف قيمة ما بنى وأصلح ويزول شرط الإصلاح وتصير الرحى بينهما وعليهما إصلاحها، وإن لم يعثر على ذلك حتى طحنت زمانا فإنها من يوم طحنت بينهما، وإن كان العامل هو يلي الطحين فيها للناس فله الغلة وعليه لشريكه كراء نصفها بينهما ورحاها وجميع أمرها ويأتنفان في أمرها ما أحبا، ولو كانت المرمة من عند رب الأرض فالجواب سواء، فإن كان هو العامل في الرحى فالغلة له وعليه [إجارة نصف الرحى للآخر، فإن متولي العمل فيها الذي بناها فالغلة له وعليه] كراء نصفها للآخر. قال غيره وإذا تعاملا على أن الداخل يبني فيها ولم يصفا البناء لم يجز، فإن فات ذلك بالبناء أو بأكثره مما في فسخه ضرر فقد فات الرد ويصير بينهما ويتراجعان بالقيم فلهذا قيمة نصف أرضه وعليه للآخر نصف قيمة ما بنى وعمل وتبقى بينهما على ما هي يومئذ فرغت أو لم تفرغ وهي مجاعلة فاسدة كالمغارسة الفاسدة يغارس. [7/ 400]
أرضه على أن تكون بينهما ولم يسميا للغرس قدرا ولا أجلا أو شرطا ما تسفد به من أن يكون بينهما بعد الإطعام أو إلى مدة بعيدة أو شرط زيادة نفع أو سلف مما تفسد به، فإن لم تفسخ حتى فاتت بالغرس للجميع أو لما له البال منه فهو فوت ويصير الجميع / بينهما وعلى الغارس نصف قيمة الأرض لربها ويأخذ منه نصف قيمة الغرس ثم يبقى الجميع بينهما يفعلان فيه ما أحبا وما أغلا بعد ذلك فبينهما، وإن ولي العمل في الرحى أحدهما كمن عمل شيئا على أن له فيه جزءا ولرب الشيء جزءا فيكون العمل للعامل وعليه كراء المستقبل كما أن العبرة في الغراس بعد اليم بينهما غير أن على مستهلكها مثلها وله حصة ما سقى وعالج. قال سحنون: وقد قيل: إن الغرس لرب الأرض وليس عليه للآخر إلا قيمة عمله ويرد مكيلة ما جنى من الثمرة ولا شيء له في الأرض ولا في الغرس. وقال سحنون: فإن أعطاه أرضه يغرسها شجرا فإذا بلغت وأطعمت فالثمرة خاصة بينهما أبدا فعملا على هذا وفات فإن للعامل أجر مثله فيما عمل وعالج حتى بلغت الشجر الإطعام ثم هو فيما اغتل بعد ذلك من الثمرة على مساقاة مثله فيها في تلك السنين، فإن كانت مساقاة مثله على النصف لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء، وإن كانت على الثلث رجع عليه رب الأرض بسدس الثمرة، وإن كانت على الثلثين للعامل رجع هو على رب الأرض بالسدس ثم يفسخ العمل بينهما فيما بقي ولو كان على أن الثمرة بيننا سنين معلومة كان الأمر على ما ذكرنا من الإجارة إلى الإطعام ثم على مساقاة المثل في السنين الباقية غير أن هذا إن بقي من السنين شيء أتم إلى مدته إلى مساقاة المثل كالعرض على أن يبيعه ويعمل / بالثمن قراضا. . قال: ولو أعطاه الأرض يبني فيها رحى على صفة معلومة، فإذا تم كان ما أغلت بينه وبين العامل ولا يكون له في الرحى شيء فعملا على ذلك وفات فلا يكون لهذا في الأرض ولا في الرحى والبناء شيء إذا لم تقع المبايعة في شيء من الأصل وإنما اشترى منه بناءه وما يدخل فيه بما يكتسب فيها إذا فرغت، فإذا فات هذا بالعمل فالرحى بما فيها لرب الأرض وعليه للآخر قيمة البناء وما وضع فيها بقيمته حين تم. [7/ 401]
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني 310 - 386 هـ تحقيق الأستاذ محمد الأمين بوخبذة محافظ الخزانة العامة بتطوان سابقا المجلد الثامن دار الغرب الإسلامي [8/ 1]
©1999 دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى دار الغرب الإسلامي ص. ب 5787 - 113 بيروت جميع الحقوق محفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار الكتاب أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل كان أو بواسطة وسائل إلكترونية أو كهروستاتية، أو أشرطة ممغنطة، أو وسائل ميكانيكية، أو الاستنساخ الفوتوغرافي، أو التسجيل وغيره دون إذن خطي من الناشر. [8/ 2]
كتاب آداب القضاء
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الجزء الأول من كتاب آداب القضاء في الإجابة إلى القضاء وطلبه والتخلف عنه وما يحذر فيه وما يتقي ومن أول من استقضي قال الله تبارك وتعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تبع الهوى فيضلك عن سبيل الله). قال أبو محمد: حدثني أ؛ مد بن محمد بن زياد الأعرابي قال: حدثني أبو داود سليمان بن الأشعث قال: حدثنا بسر بن عمرالزهراني، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأعشى، عن المقبري، والأعرج عن أبي هريرة قال: من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين. ومن كتاب ابن سحنون: روى سحنون هذا الحديث عن ابن نافع، عن عثمان بن محمد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. [8/ 5]
ومن كتاب ابن دواود حدثنا ابن الأعرابي: روى بريدة الأسلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: القضاة ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق قدارى في الحكم فهو في النار، ورجل قضي في الناس على جهل فهو في النار. ومنه: روى عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب، فله أجران، فإذا حكم، فاجتهد فأخطأ، فله أجر. ومنه: قال أبو مسعود: كان يكره التسرع إلى القضاء. ومنه: روى أنس، أن/ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من طلب القضاء، واستعان عليه، وكل إليه، ومن لم يطلبه، ولم يستعن عليه، أنزل الله ملكا يسدده. روى عنه أبو موسى الأشعري، فقال: لا نستعمل أو لن نستعمل على عملنا من أراده. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم قال مالك: بلغني أن عمر قال: لا يقوى على هذا الأمر أحد أخذه طائعا. قال سحنون: أخبرنا ابن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة وحسرة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة. [8/ 6]
وحدثني ابن غانم، عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين ولعامتهم. قال مالك: كان مما يتحدث به الناس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة تعن عليها، وإن أعطيتها عن مسئلة، توكل إليها. ومن الواضحة: قال سليمان بن يسار: قال عمر رضي الله عنه: ليتني أنجو منها كفافا لا علي ولا لي. وروى طاوس، عن حذيفة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أععتى الناس على الله، وأبعض الناس إلى الله، وأبعد الناس من الله يوم القيامة، رجل ولاه الله من أمة محمد شيئا، فلم يعدل فيهم. قال طاوس: شر الناس عند الله يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه/ثم أدخل عليه الجور في عدله، وخير الناس عند الله يوم القيامة إمام مقسط. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ولى ولاية أحسن فيها أو أساء، أتى به يوم القيامةوقد غلت يمينه إلى عنقه. [8/ 7]
وروى ابن القاسم، وابن وهب، أن مكحولا، قال: لو خيرت بين القضاء وبين العمى، لاخترت العمي، ولو خيرت بين القضاء وبين ضرب عنفي، لاخترت ضرب عنقي. روى مالك، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: لو علمت بمكان رجل هو أقوى على هذا الأمر مني، لكان أن أقدم فتضرب رقبتي أحب إلي من أن أليه، فمن وليه بعدي فليعلم أنه سيزيده عليه القريب والبعيد، وأيم الله إن كنت لأقاتل الناس عن نفسي. وروى ابن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما من أحد أقرب إلى الله مجلسا يوم القيامة بعد ملك مصطفى، أو نبي مرسل، من إمام عدل، ولا أبعد من الله من من إمام جائر يأخذ بحبه. قال ابن حبيب: يعني يحكم بهواه. قال قتادة: إن موسى عليه السلام، قال: يا رب ما أقل ما وضعت في الأرض؟ قال: العدل. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن أقارب الوالي لينحتون أمانته كما تنحت الأصطوانة، حتى يبدو قلبه. وروى مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الولاية ملامة/، وأوسطها ندامة، وآخرها عذاب يوم القيامة، إلا من اتقى الله وعدل، وكيف يعدل الرجل مع قريبه. [8/ 8]
قال مطرف: قال مالك: قال يحي بن سعيد: وليت قضاء الكوفة وأنا أرى أنه ليس على الأرض شيء من العلم إلا وقد سمعته؛ فأول مجلس جلسته للقضاء، اختصم إلى رجلان في شيء، ما سمعت فيه شيئا. قال مطرف: قال مالك وكتب سلمان إلى أبي الدرداء: بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي؛ فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت متطيبا، فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار. فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر إليهما، فقال: ارجعا إلى أعيدا علي قصتكما. متطيبا والله. قال أبو قلابة: مثل القاضي العالم كالسابح في البحر، فكم عسى أن يسبح حتى يعرق! قال مطرف، عن مالك، قال: دعا عمر رجلا ليوليه فأبى، فجعل يريضه على الرضا ويأبى حتى قال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، أي ذلك تعلم خيرا لي؟ قال: أن لا تلي، قال فأعفني قال: قد فعلت. قال مالك: قال لي عمر بن حسين: ما أدركت قاضيا استقضي بالمدينةإلا كاره القضاء، وكراهيته في وجهه. وزاد في المجموعة: إلا قاضيين سماهما. ومن الواضحة، والمجموعة، والعتبية، وكتاب ابن المواز: قال مالك: أول من استقضى معاوية، ولم يكن/ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لعثمان، رضي الله عنهم، قاض بل كان الولاة هم الذين يقضون، وأنكر قول أهل العراق، إن عمر رضي الله عنه استقضى شريحا، وقال: كيف يستقضي بالعراق، ولا يستقضي بالشام واليمن وغيرها كما قالوا؟ في العتبية: ومعاوية أول من جلس على المنبر، واستأذن الناس في ذلك، فقال: إني قد ثقلت. [8/ 9]
في صفة القاضي ومن يستوصب القضاء والفتيا، وذكر شرائطه، وإذا امتنع أن يلي
وروى العلاء بن كثير، أن عمر بن الخطاب نظر إلى شاب في وفد قدم عليه، فاستحلاه عمر، فأعجبه، فإذا هو يسأله القضاء، فقال له عمر: كدت أن تغرنا بنفسك، إن الأمر لا يقوى عليه من يحبه. قال مالك، في المجموعة: ومن عيب القاضي أنه إذا عزل لم يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه. في صفة القاضي، ومن يستوصب القضاء والفتيا وذكر شرائطه وإذا امتنع أن يلي من الواضحة قال الليث: قال عمر: لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا حصيف العقل، قليل الغزة، بعيد الهمة، لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخشى في الله لومة لائم. قال ابن شهاب: قال عمر: لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا الشديد في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، البخيل في غير وكف، وربما قال: الممسك في غير بخل. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، وابن سحنون، بمعنى واحد، قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز، لا ينبغي للرجل أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خلال: حتى يكون ورعا، ويكون فقيها، ويكون حليما، عالما بما كان قبله من الأقضية. وقال ابن زياد وابن حبيب، ورواه مطرف، وابن الماجشون، عن مالك. وروى مثله أشهب، في المجموعة، وقاله عن عمر، ويكون عالما بالفقه والسنة، ذا نزاهة عن الطمع، مستخفا باللائمة، حليما عن الخصم، مستشيرا لذوي الأمر. قال ابن حبيب، في رواية أخرى عن عمر، زاد فيهما: عاقلا صارما. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بدمشق: أما بعد: فإني نظرت فلم أجد يصلح في الحكم إلا الرجل الجامع [8/ 10]
للفهم، العالم بأمر الله، القوي على أمر الناس، المستخف بسخطهم وملامتهم، ومن راقب الله، وكانت عقوبة الله أخوف في نفسه من أمر الناس، وهبه الله السلامة، فإن أهل الحق والبصيرة فيه، الملامة عنهم بطيئة. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا كان الرجل العالم فقيرا، وهو أعلم من بالبلد وأرضاهم، اسحق القضاء، ولكن لا ينبغي أن يجلس حتى يغنى، ويقضى عنه دينه. قال سحنون: ولا يستقضي ولد الزنى، ولا يحكم في الزنى،/ كما أن القاضي لا يحكم لابنه. وكذلك في المجموعة عنه، قال أشهب في المجموعة: وذكر مثله ابن حبيب، عن مطرف وابن الماجشون، وأصبغ، قالوا: لا يستقضي إلا من يؤمن به في عفافه، وصلاحه، وفهمه، وعلمه بالسنة والآثار، ووجه الفقه الذي يؤخذ منه الكلام، ولا يصلح أن يكون صاحب حديث لا فقه له، أو فقيه لا حديث عنده، ولا يفتي إلا من كان هذا وصفه، إلا أن يخبر بشيء سمعه، ولا ينبغي وإن كان صالحا عفيفا بعد أن لا يكون له علم بالقضاء أو يولي. قالوا في كتاب ابن حبيب: فإن ما يخاف من الجهل مثل ما يخاف من الجور، قال مالك: ولا أرى خصال العلماء تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع منها خصلتان في رجل، رأيت أن يولي: العلم والورع. قال في المجموعة ابن القاسم، عن مالك: لا يستقضي من ليس بفقيه. قال ابن حبيب: فإن لم يكن للرجل علم وورع، فعل وورع، فإنه بالعقل يسأل، وبالورع يعف، فإذا طلب العلم وجده، وإن طلب العقل لم يجده. وقال أصبغ: إذا لم يجد الامام إلا رجلين؛ أحدهما عدل مأمون، لا علم له بالقضاء والسنة، والآخر عالم، وليس مثل الآخر في العدالة، وإن كان العالم لا بأس بحاله وعفافه، وإن كان دون الآخر في ذلك، فليول هو، وإن كان غير مرضي ولا موثوق في عفافه وصلاحه، ولقلة تقارقه ما لا ينبغي، فلا يولي هذا ولا هذا، فإن لم يجد/ غير هذين، ولى العدل القصير العلم وليجتهد ويستشير، وقد [8/ 11]
قال عمر رضي الله عنه: استشر في أمرك الذين يخشون الله. وإن وجد من يجمع العدل والعلم، فلا يولي غيره وإن لم يكن من أهل ذلك البلد. ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم كره مالك أن يفتي الرجل حتى يستبحر في العلم، وقال: لا يفتي حتى يراه الناس أهلا للفتيا. قال سحنون: يريد: أهل النظر والمشورة والمعرفة، قال مالك: قال ابن هرمز، حتى يراه الناس أهلا للفتيا، ويرى هو نفسه أهلا لذلك. قال مالك: قد كان الرجل يرحل إلى بلد في علم القضاء، وقال: علم القضاء ليس كغيره من العلم، ولم يكن ببلدنا أعلم من أبي بكر بن عبد الرحمن، أخذه من أبان، وأبان أخذه من أبيه عثمان، رضي الله عنه، قال ابن المواز: ولا ينبغي أن يستقضي إلا زكي، فهم، فطن، فقيه، متأن غير عجول. ومن كتاب آخر، قال مالك: وكان عمر بن حسين، ممن يشاوره القضاة بالمدينة، قال في المجموعة: قال لي عمر بن حسين: ما أدركت قاضيا استقضى بالمدينة؛ إلا وكان القضاء وكراهيته في وجهه، إلا قاضيين سماها. ومن كتاب آخر، قال: ولي بالكوفة قاض، فتخلف عنه بعض أصحابه، فلم يأته فعدله بعد ذلك، فقال لي: إن الأمر الذي صرت فيه لم أره عندك مصيبة فنعزيك، ولا هو عندي مكرمة فنهنيك. ومن كتاب أصبغ: ولا بأس أن يولي القضاء محدود في زنى، أو في/ قرية، أو مقطوع في سرقة إذا كان في حال توبته اليوم مرضيا عدلا، وكان ذا علم، وليس هذا من ناحية الشهادات، وإن كانت شهادته لا تجوز في الزنى، فإن حكمه يجوز فيه، ألا ترى أن الحكام المسخوطين قد تجوز أحكامهم ما لم يحكموا بجور أو خطأ، ولا تجوز شهادتهم. قال أبو محمد: أعرف لسحنون: لا يولي المعتق القضاء خوفا أن تستحق رقبته، فتذهب أحكامهم. [8/ 12]
في الحكم بالعدل والاجتهاد، وبماذا يقضي القاضي من الأصول والاجتهاد ومشورته للعلماء
في الحكم بالعدل والاجتهاد وبماذا يقضي القاضي من الأصول والاجتهاد وفي مشورته للعلماء وفي شدته ولينه ورفقه وسياسته قال الله تعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) وقال تبارك وتعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وقال عز وجل: (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى). قال اسماعيل القاضي: قال الحسن: أخذ عز وجل على الحكام ثلاثا: ألا يشتروا به غنا، ولا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا فيه أحدا، وقال: (فلا تخشوا الناس واخشون) وقال: (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب). قال الحسن: هو الفهم في القضاء، قال مالك: الخصوم والقضاء، قال مجاهد: الحكمة العقل، وفصل الخطاب: ما قال من شيء أنفذ، وقد ذكرنا في الباب الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر. قال ابن حبيب/ وغيره: وهذا للحاكم العالم بالحكومة، المتحري للعدل. والحديث الآخر: القضاة ثلاثة؛ فواحد في الجنة، واثنان في النار فذكر اللذين في النار؛ الذي عرف الحق، فجار في الحكم، وآخر قضى بين الناس على جهل. [8/ 13]
وقال ابن حبيب: روى أبو موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الحكام ثلاثة؛ إثنان في النار، وواحد في الجنة، حكم جهل فخسر، فأهلك أموال الناس، وأهلك نفسه، ففي النار، وحكم علم فعدل فهلك، وأهلك أموال الناس، وأهلك نفسه، ففي النار، وحكم علم؛ فعدل، فأحرز أموال الناس، وأحرز نفسه، ففي الجنة. قوله: فهل هذا بلغه أن القضاة ثلاثة؛ رجل خاف، فهو في النار ورجل تكلف فقضى بما لا يعلم، فهو في النار، ورجل علم فاجتهد فأصاب، فذلك ينجوا كفافا، لا له ولا عليه. قال اسماعيل القاضي: قال إياس بن معاوية للحسن: بلغني أن القضاة ثلاثة. فذكر فيهم: ورجل اجتهد فأخطأ، فهو في النار، فقال الحسن: إن فيما قص الله تبارك وتعالى من ثناء داود وسليمان عليهما السلام: ما يرد قول هؤلاء الناس؛ يقول الله سبحانه: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) الآية كلها قال عز وجل: (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) فأثنى على سليمان، ولم يذم داود عليهم السلام. وقد روي في حديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أذن له أن يجتهد رأيا فيما لم يكن في الكتاب والسنة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله مع القاضي مالم يخفر أحد عهدا يسدده للحق ما لم ير غيره. وفي/ حديث عمر من رواية مالك: ما من قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك، وعن شماله ملك. [8/ 14]
وفي رسالة عمر إلى أبي موسى، في كتاب ابن سحنون، وفي غيره: وإذا أدلى إليك الخصم بحجته، فاقض إذا فهمت، ونفذ إذا قضيت، وقال: واس بين الناس في وجهك وفي مجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، وقال: وإذا عرفت أهل الشغب، فأنكر وغير، فإنه من لم يزع الناس عن الباطل، لم يحملهم على الحق، ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم، راجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك أن ترجع فيه، وقاتل هواك كما تقاتل عدوك، واركب الحق غير مضار عليه، وإذا رأيت من الخصم العي والفهامة فسدده وفهمه وبصره في غير ميل معه، ولا جور على صاحبه، وقال: ثم شاور أهل الرأي من جلسائك وإخوانك، ثم عليك بشدة العقل فيما يتلجلج في نفسك مما ليس في القرآن، ولا في السنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال والنظائر، وقس الأمور بعضها ببعض، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق منه، واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة، وإلا استحللت عليه القضية، وليس لوال ولا قاض أن يأخذ بظنه وعلمه، ولا بما شبه في حق أو حد دون أن يستحل ذلك ببينة عدل، وإياك والغضب القلق والزجر والتأذي بالناس، في/ الخصمومة. ومن كتاب ابن سحنون: وقال مالك: وإذا كان ما يقضي فيه القاضي مما قد ظهر وعرف، وأحكمه الماضون، قضى به، وإن لم يبين له، وليس على ما وصفنا من ظهوره، فلا يعجل ويتثبت ويستأني، قال مالك: وما قضى مما في كتاب الله عز وجل، أو مما أحكمته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الحق لا شك فيه، وما كان من اجتهاد الرأي، فالله أعلم به، قال مالك: وليحكم بما في كتاب الله، فإن لم يكن فيه، فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صحبته الأعمال، فإذا كان خبرا صحبت غيره الأعمال، قضى بما صحبته الأعمال، فإن لم يجد ذلك عن رسول [8/ 15]
الله صلى الله عليه وسلم، فيما أتاه عن أصحابه إن اجتمعوا، فإن اختلفوا، حكم بمن صحبت الأعمال قوله عنده، ولا يخالفهم جميعا ويبتدئ شيئا من رأيه، فإن لم يكن ذلك فيما ذكرنا، اجتهد رأيه وقاسه بما أتاه عنهم، ثم يقضي بما يجتمع عليه رأيه، ورأى أن الحق، فإن أشكل عليه، شاور رهطا من أهل الفقه ممن يستأهل أن يشاور في دينه ونظره وفهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم، وقد شاور عمر وعثمان عليا رضي الله عنهم. قال سحنون: فإن اختلفوا فيما شاورهم، نظر إلى أشبه ذلك بالحق، فأنفذه، وإن رأى خلاف/ رأيهم، لم يعجل، ووقف وازداد نظرا، ثم يعمل من ذلك بالذي هو أشبه عنده بالحق، وقد بلغني عن بعض العلماء، قال: بقي القرآن موضعا للسنة، وبقيت السنة موضعا للرأي. وفي المجموعة من أول كلام مالك، فيما يحكم به الحاكم، إلى آخره، إلا أنه نسبه إلى سحنون، وزاد: وليدع الخبر الذي صحبت غيره الأعمال، غير مكذب به، ولا معمول به. قال سحنون: وينبغي له إذا لم يستبن له الحكم ألا يعجل حتى يفكر وينظر، ويشاور فيه أهل الفقه الذين يستحقون أن يشاوروا. قال أصبغ في كتابه: وإذا لم يجد الحكم في الكتاب، ولا في السنة، ولا فيما اجتمع عليه الصحابة، رضي الله عنهم، ولا فيما اختلفوا فيه، اجتهد رأيه، وشاور من يثق به، وقاس بالأصول، فإذا وداه اجتهاده بالتشبيه إلى شيء، وقدجاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض الصحابة، رضي الله عنهم، فليترك ذلك الحديث، ويرد ذلك إلى الأصول. وقال محمد بن عبد الحكم نحو قول أصبغ، أنه إذا لم يكن ذلك في كتاب الله، ولا في السنة، ولا في قول الصحابة، رضي الله عنهم، ولا في إجماع، اجتهد رأيا، ومثل الأشياء بعضها ببعض، والنظائر والأشباه، وشاور، ثم حكم وإن أشكل عليه الأمر، ولم يتبين له فيه شيء، تركه/ ولا يحكم وفي قلبه منه شك. [8/ 16]
ومن المجموعة والعتبية، من سماع أشهب، قيل لمالك: أيقضي إذا حضره الخصمان بما حضره ساعتئذ؟ قال: أما الأمر الذي قد عرفه، ومر عليه، وقضى به، فليقض به فيما رأى، وأما الأمر الذي لا يدري ما هو؟ ولم يفعله، فليتثبت، وينظر، وقال أشهب في المجموعة: ومطرف وعبد الملك في الواضحة: وينبغي للقاضي أن يقضي بما أمر الله في كتابه ولا أحكمت السنة خلافه، فيكون ذلك ناسخا له، ويكون نسخه في كتاب الله مجهولا، فإن لم يجد في كتاب الله فيما أتاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مجتمعا عليه، فإن لم يجد، ففيما أتاه عن الصحابة رضي الله عنهم. قال أشهب: فإن اختلفوا فيه، أخذ بقول أكثرهم. وقال في موضع آخر، وقاله معه مطرف، وابن الماجشون: وإن اختلفوا فيه نظر فيما أتاهم عن تابعهم، فقضى به، فإن لم يكن فيما جاءه عنهم أو اختلفوا فيه كاختلافهم: تخير من أقاويلهم أحسنها في نفسه. قال أشهب في المجموعة: ولا يخالفهم أجمع، فإن لم يجد ذلك فيما ذكرناه، اجتهد رأيه إن كان للرأي أهلا، وقاسه بما جاءه عنهم، مع مشورة أهل المشورة، وأحب إلي ألا يقضي إلا عن مشورة، إلا أن يكون قد جرى على يديه، وشاور عليه، فليس عليه أن يشاور فيه آخر، إلا أن يشك/ فيه، فيشاور رهطا من أهل الفقه، قال ابن وهب: قال مالك: الحكم على وجهين، والذي بالقرآن والسنة، فذلك الصواب، فالذي يجهد العالم نفسه فيه فيما لم يأت فيه شيء، فلعله يوفق، وبات متكلف لم لا يفهم، فما أشبه ذلك أن لا يوفق. [8/ 17]
قال أشهب: وكان عثمان رضي الله عنه، إذا جلس للقضاء، احضر أربعة من الصحابة، ثم استشارهم، فإذا رأوا ما رأى، أمضاه، وقال: هؤلاء قضوا، لست أنا. قال ابن نافع: قال مالك: كان عثمان فذكر نحوه. قال أشهب: وينبغي للقاضي إن قدر على ذلك ألا يقضي إلا وعنده علماء من أهل الفقه، يأمرهم ألا يشتغلوا عن الفهم لما يدلي به عنده من الحجج، ولما يقضي به فيما فهم من ذلك وفهموا، ولا ينبغي لمن حضره منهم إذا بضى بشيء وزل فيه أن يدعه وإمضاءه ليكمله فيه بعد ذلك، لكن يرده مكانه في رفق ولين؛ لئلا يفوت القضاء به، فلا يقدر على رده، إلا أن يخاف الحصر من جلوسهم عنده، أو يشتغل قلبه بهم وبالحذر منهم حتى يكون ذلك نقصانا من فهمه، فأحب إلي أن لا يجلسوا إليه. قال ابن المواز: ولا أحب له أن يقضي إلا بحضرة أهل العلم، ومشاورتهم، وإن قدر ألا ينظر بين اثنين في شيء إلا بمحضر عدول يحفظون إقرار الخصوم. قال ابن سحنون: قال سحنون: ولا ينبغي للقاضي أن يكون معه في مجلسه من يشغله عن النظر/، كانوا أهل فقه أو غيرهم، فإن ذلك يدخل عليه الحصر والاهتمام بمن معه. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي للقاضي أن يجلس معه الفقهاء في مجلس قضائه، ولم يكن هذا فيما مضى، ولكن ليتخذهم مشيرين إذا ارتفع عن مجلس قضائه، شاورهم، وكذلك كان يفعل عمر رضي الله عنه. قال ابن المواز: ولا يدع مشاورة أهل الفقه الذين يستحقون المشورة، وذلك بعد أن يتوجه الحكم لأحد الخصمين، قاله أشهب، في المجموعة: وقاله سحنون في كتاب ابنه. [8/ 18]
وينبغي للقاضي أن يشتد حتى يستنصف الحق، ولا يدع من حق الله شيئا، ويلين في غير ضعف. قال أشهب: حيث ينبغي ذلك لغير ترك شيء من الحق، وينبغي له أن يعتذر إلى كل من يخاف أن يقع في نفسه منه شيء، ويبين ويقيس حتى يقوم الخصم وقد علم أنه فهم عنه حجته. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا بأس أن يخبر القاضي الخصم إذا حكم عليه من أي وجه حكم عليه؛ إذا خاف ألا يكون فهم ذلك، وقد فعله عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه. قال سحنون في كتاب ابنه: وينبغي للقاضي أن يتقدم إلى أعوانه والقوام عليه في الحرف على الناس، والشدة عليهم، ويأمرهم بالرفق واللين والقرب في غير ضعف. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه، قال: وإذا شهد العالم عند القاضي في شيء، فأعياه الحكم فيه، فأراد مشورة هذا العالم عند القاضي في ذلك، فلا يجوز أن يستشيره فيما شهد فيه /. وفي كتاب ابن سحنون، وغيره: ومما كتب عمر رضي الله عنه، إلى أبي موسى، ورسالته إلى يزيد بن أبي سفيان، يشتملان من الأدب في القضاء، والموعظة، والوصية، على أمر كثير جامع، وفيه رسائل كتب بها سحنون إلى قضاته من نحو ذلك، تركت حكايتها على وجهها لطولها، فمن أرادها نظرها في موضعها موعبة إن شاء الله. قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إلي أن يجعل القاضي رجالا من إخوانه، ممن يثق بهم وبصدقهم ومعرفتهم، يخبرونه بما يقول الناس فيه من خلقه، وما ينكرون [8/ 19]
في القاضي أين يقضي؟ وعلى أي حال يقضي؟ ومما يقضي
عليه من أمره، ومن حكم حكم به من قبول شاهد أورده وأنكروه، فما عرفوه به من ذلك سأل عنه، وفحص فيه، واستقصى، فإن ذلك قوة له على أمره، إن شاء الله تعالى. في القاضي أين يقضي وعلى أي حال يقضي، ومما يقضي؟ قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: واحتج بعض أصحابنا على قضاء القاضي في المسجد؛ بقول الله سبحانه: (إذ تسوروا المحراب) إلى قوله: (فاحكم بيننا بالحق). وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في المسجد. ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون، وابن المواز: قال مالك: القضاء في المسجد من الحق والأمر القديم، وكان خلدة وقاضي عمر بن عمرالعزيز يقضيان في المسجد، وأراه حسنا؛ لأنه يرضى بالدون من المجلس، ويصل إليه الضعيف والمرأة، وهو أقرب على الناس في خصومتهم وشهودهم، فلا يحجبون عنه./ وإذا احتجب، لم يصل إليه الناس، ولكن لا يضرب في المسجد إلا الخمسة الأسواط، والعشرة، ونحوها، لا الحدود، ولا الضرب الكثير. ومن الواضحة: قال مطرف، وابن الماجشون: وأحسن مجالسه للقضاء: رحاب المسجد الخارجة من غير تضييق للجلوس في غيرها. وقد قال مالك: كان أمر من مضي من القضاة، لا يجلسون إلا في الرحاب الخارجة في المسجد، إما موضع الجنائز، وإما في رحبة دار مروان، وما كانت تسمى الأرحبة القضاء. [8/ 20]
قال مالك: وإني لأستحب ذلك في الأمصار من غير تضييق؛ ليصل إليه اليهودي والنصراني، والحائض، والضعيف، وأقرب إلى التواضع لله عز وجل، إن شاء الله، وحيث ما جلس القاضي المأمون فهو له جائز إن شاء الله. وروى ابن حبيب، أن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن، ألا يقضي في المسجد، فإنه يأتيك الحائض والمشرك. ومن المجموعة: قال أشهب: ولا بأس أن يقضي في منزله وحيث أحب، وأ؛ سن ذلك وأحبه من غير تضييق لما سواه، أن يقضي حيث الجماعة جماعة الناس، وفي المسجد الجامع، إلا أن يعلم ضرر ذلك بالنصارى وأهل الملل، أو بالنساء في الحين الذي لا يجوز لهن دخول المسجد. قال سحنون: قال غيره: إلا أن يدخل عليه في ذلك ضرر من قعوده في المسجد لكثرة الناس، حتى يشغله ذلك عن النظر والفهم، فليكن له موضع من المسجد/ يحول بينه وبين من يشغله، وكذلك فعل سحنون؛ اتخذ بيتا في المسجد الجامع، فكان يقعد فيه الناس، يحول بينه وبين كلامهم. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا بأس أن يتخذ القاضي أوقاتا يجلس فيها للناس، وينظر في ذلك بالذي هو أرفق به وبالناس، وليس القاضي بالمضيق عليه في هذا حتى يصير كالمملوك والأجير، ولا ينبغي للقاضي أن يجلس بين المغرب والعشاء، ولا في الاسحار، وما علمنا من فعله من القضاة، إلا أن يكون للأمر يحدث في تلك الأوقات، ويرجع إليه عن ذلك مما لابد له منه، ولما يحسن النظر في تلك الساعات، فلا بأس أن يأمر فيها وينهى ويأمر بالسجن، فيرسل الأمين أو الشرط، فأما على وجه الحكم لما نشبت فيه الخصومة، فلا. ومن المجموعة: قال أشهب: لا بأس أن يقضي بين المغرب والعشاء، إذا كان لا يتكل عليه؛ من شاء جاء، ومن شاء ترك، وأما أن يحلف فيه الكارة، وتكلفه فيه الخصوم، فلا أرى ذلك. [8/ 21]
ولا بأس أن يقضي بعد الأذان بالظهر والعصر أو المغرب أو العشاء أو الصبح، أو يرسل إلى الخصم فيحضر في بعض هذه الساعات ثم يقضي عليه، إن شاء وإن أبي، ما لم يجعل ذلك مجلسا للعامة، فأما الفذ هكذا فلا بأس بذلك. قال أشهب: ولا بأس أن يقضي في ساعات يلزمها نفسه طرفي النهار، ويزيد على ذلك ما بين الظهر والعصر، ويخفف بذلك عن نفسه بعض جلوسه في طرفي النهار، وإنما في ذلك/ كله الاجتهاد، فيما يدع ويعمل للعامة، فأما النظر في ذلك لنفسه: فليس ذلك له، وليس عليه أن يتعب نفسه فيقضي من بكرة إلى الليل وشبه ذلك، وإن كان ذلك لا يدخل عليه الضجر ولا قلة الفهم. قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس إذا مل قبل وقت قيامه أن يحدث جلساءه في غير الحكم، يروح قلبه، ثم يعود إلى الحكم بين الناس، وقد روى ابن وهب، أن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: روحوا القلوب ساعة فساعة. قال ابن المواز: قال أشهب عن مالك: ينبغي أن يكون جلوسه في ساعات من النهار؛ لأني أخاف أن يكثر فيخطئ، وليس عليه أن يتعب نفسه للناس النهار كله. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي أن يقضي في الطريق من ممره إلى المسجد وإلى بيته، أو إلى غير ذلك قضاء يفصل الحكم فيه خصومة قد نشبت، ولا علمنا أحدا من القضاة فعل ذلك، إلا أن يكون أمر حدث له أو استغيث به أو رفع إليه وهو بتلك الحال، فلا بأس أن يأمر فيه وينهى، ويأمر بالسجن إذا رآه صوابا، فأما الحكم الفاصل فلا. قال في كتاب محمد: ولا ينبغي أن يقضي وهو ماشي، ولا بأس أن يقضي [8/ 22]
وهو متكئ، وقال أشهب في المجموعة: وقال سحنون في كتاب ابنه: وقال أشهب في كتاب ابن المواز: لا بأس أن يقضي وهو ماش، إذا أم بشغله ذلك عن النظر. قال أشهب، في المجموعة/: إذا لم يشغله المسير ووجه الناس والنظر إليهم. قال سحنون، في المجموعة وكتاب ابنه: لا ينبغي للقاضي أن يقضي وهو ماش، ولا وهو سائر، ولا يكلم أحد من الخصوم، ولا يقف معه؛ فإن ذلك يوهن خصمه، ويدخل عليه به سوء الظن. ومن كتاب ابن سحنون، والواضحة: روى أبو بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يقضي القاضي وهو غضبان. وقال ابن حبيب: وروى أنه عليه السلام، قال: لا يقضي إلا وهو شبعان ريان. قال في كتاب ابن المواز: ولا أحب أن يخرج إلى الناس وهو جائع من غير أن يشبع جدا. محمد: يريد: لا يكون بطينا؛ لأن الجائع يسرع إليه الغضب، والبطين بطيئا. وقال مالك في المجموعة: يكره للقاضي إن دخله هم، أو نعاس، أو ضجر، أن يقضي حينئذ، ولا ينبغي للقاضي أن يكثر ويتعب نفسه من طول الجلوس، إذا يخلط. قاله ابن سحنون، عن أبيه. [8/ 23]
وقال أشهب في المجموعة: ومطرف، وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: لا ينبغي أن يقضي وبه من الضجر أو الغضب أو النعس. في كتاب ابن حبيب وفي المجموعة: أو النعاس قال في كتاب ابن حبيب: أو الغرث يريد: الجوع، وفي المجموعة: أو الجوع، قالوا: أو الهم: ما يخاف على فهمه منه الإبطاء والتقصير عن الفهم لما يدلي إليه، وما كان ذلك خفيفا لا يضر به في فهمه، فلا بأس أن يقضي وذلك به. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا يقضي بين اثنين وبه من الغضب أو الضجر أو اللعس يريد: ضيق النفس/ أو الغرث يريد: الجوع أو الهم، ما يخاف على فهمه منه الإبطاء والتقصير عن الفهم، إلا أمر خفيف من ذلك لا يضر به في فهمه. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا دخله النعاس، فليكف عن النظر حتى يذهب عنه، ثم يقبل على النظر وهو متفرغ مستمع غير معجل للخصوم عن حجتهم، ولا مخيف، فإن الخوف يقطع حجة الرجل. قال أشهب في المجموعة: قال سحنون في كتاب ابنه: ولا ينبغي إذا قعد الخصمان بين يديه أن يشغل نفسه عنهما بشيء، وليجعل فهمه وسمعه وبصره احتجاجهما، ولا ينبغي أن يقضي بينهما والخوف بين عنده بينهما. قال أشهب: ولا يقضي حتى لا يشك أن قد فهم، فأما أن يظن أن قد فهم وهو يخاف أن لا يكون فهم لما يجد من النكول أو الحيرة، ولا ينبغي أن يقضي بينهما وهو يجد شيئا من ذلك، قال أشهب، في المجموعة: وقاله سحنون في كتاب ابنه. [8/ 24]
جامع في أدب القاضي، وفي بيعه وشرائه وحضوره الجنائز وإجابته الدعوة وقبوله الهدية
جامع في أدب القاضي وفي بيعه وشرائه وحضوره الجنائز وإجابته الدعوة وقبوله الهدية وحديثه في مجلس قضائه وقيامه عنه وكلامه في العلم وغير ذلك قال أشهب في المجموعة: ولا ينبغي للقاضي أن يتشاغل بالاحاديث في مجلس قضائه، إلا أن يريد بذلك إجمام نفسه، ورجوع فهمه إليه، أو الزيادة، ولا ينبغي له أن يسرع القيام من مجلس قضائه تشاغلا بما يجب أن يؤثر من حوائجه/ قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإنما يجلس الرجل عند القاضي، فيسأله عما يريد، فقال حيث لا يعلم أقضيتك واقتدى بك قال: فيقيمه ولا يقعده، والجلوس عند القاضي من حيل المتشاكلين للناس، إلا أن يكون عنده معروفا مأمونا، فيدعه. وقاله أصبغ. وقال أصبغ في كتابه لا أحب أن يترك من يقعد إليه إن لم يكن فيه منافع، ولا يقعد عنده إلا التقى البار، فإن خاف أن يحقره في قضائه أو يضر به، فلا يقعده، قال مطرف، وابن الماجشون: ولا يتشاغل بالأحاديث في مجلس قضائه، وإن أراد بذلك إجمام نفسه، وإذا وجد الفترة، فليقم ويدخل بيته، أو يرفع الناس عنه ويدع مجلس قضائه، ويجلس مع من يحب للحديث ولما أراد من إجمام نفسه، فأما وهو يقضي فلا ينبغي ذلك، قالا: وإذا عرضت له حاجة، فلا بأس أن يقوم عن مجلس قضائه، وينظر في حاجته، ولا ينبغي أن يقوم للذة تعرض له. قال محمد بن عبد الحكم: ولا ينبغي أن يجلس أيام النحر، ولا يوم الفطر وما قاربه مما لا يضر فيه بالناس في حوائجهم، وما لا بد لهم منه، وكذلك يوم عرفه، ويوم التروية مما جرى عليه أمر الناس، ولا يعتكف القاضي؛ لأنه لا ينظر بين الناس في اعتكافه، وإذا كان الطين والوحل فأضره ذلك، ترك الجلوس فيه، [8/ 25]
وأحب إلي ألا يجلس يوم خروج الناس إلى الحج بمصر، لكثرة من يشتغل يومئذ في تشييع الحاج، وإذا كان بلدا فيه يوما يجتمع فيه مثل هذا، فليترك الجلوس يومئذ. ومن المجموعة، ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: ولا ينبغي أن يشتغل في مجلس قضائه بالبيع والابتياع لنفسه أو لغيره على وجه العناية منه. قال ابن عبدوس، ابن سحنون: قال سحنون: وقال ابن حبيب في كتابه: قال مطرف، وابن الماجشون: إلا ما خف شأنه وقل شغله والكلام فيه. قال سحنون: وتركه أفضل، وقال مطرف، وأشهب، وابن الماجشون: وما باع، جاز بيعه، ولا يرد منه شيء، قال سحنون: ولا بأس بذلك في غير مجلس القضاء، قال ابن الماجشون، ومطرف: لنفسه ولغيره. قال مطرف، وابن الماجشون: في بيعه وابتياعه في مجلس قضائه: إنه لا ينفذ إلا أن يكون قهره على ذلك، أو أكرهه أو يهضمه، وليس هذا بعدل، وبيعه وابتياعه على هذا مردود، كان في مجلس قضائه، أو حيث كان. قال أشهب: إن عزل والبائع والمبتاع مقيم بالبلد لا يخاصمه، ولا ينكر مخاصمته لأحد، فلا حجة له عليه، والبي ماض، وكتب عمر إلى بعض عماله: لا تسار ولا تضار، ولا تبيع ولا تبتع، ولا تقض بين اثنين وأنت غضبان، ومن كتاب ابن حبيب: وكتب عمر بن عبد العزيز، أن تجارة الولاة لهم مفسدة، وللرعية مهلكة. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: يقال: من أشراط الساعة تجارة الساعة. قال أشهب في المجوعة: فأما أن يبيع مال/ ميت في مجلس قضائه على ما يبيع عليه السلاطين أموال من أوصى إليهم في سلطانهم، أو من مات من غير [8/ 26]
وصية، فكان القائم بأمر من غاب من ورثته، أو كان صغيرا، فذلك جائز لا بأس به. قال في كتاب ابن المواز: وقال أشهب في المجموعة ومطرف وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب، وقال سحنون، في كتاب ابنه: إنه لا بأس للقاضي بحضور الجنائز، قال: إلا في كتاب ابن المواز: وبعيادته المرضى. قال أشهب، ومطرف، وابن الماجشون: وتسليمه على أهل المجالس، ورده على من سلم عليه، لا ينبغي له إلا ذلك، قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي للقاضي أن يجيب الدعوة، إلا في الوليمة وحدها؛ للحديث؛ ثم إن شاء أكل أول ترك، ذلك أحب إلينا من غير تحريم، ولا يضيق عليه أن أكل، لكن ذلك عندنا أنزه له. قال أشهب في المجموعة: لا بأس أن يجيب الدعوة العامة إن كانت وليمة، أو صنيع عام، لفرح كان، فأما أن يدعي مع عامة لغير فرح كان، فلا يجيب، وكأنه دعي خاصة؛ لأن الداعي له لعله جعل دعوته في غير حق وجب عليه ولا شرر دافع به لما أحب من دعائه القاضي. قال سحنون في كتاب ابنه: يجيب الدعوة العامة، ولا يجيب الخاصة، وإن تنزه عن مثل هذا، فهو أحسن. قال في كتاب ابن المواز:/ كره له أن يجيب أحدا، فهو في الدعوة الخاصة أشد من دعوة العرس. وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم. [8/ 27]
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: وكل ما لزم القاضي من النزاهات في جميع الأشياء وهو أجمل به وأولى، وأنا لنحب هذا لذي المروءة والهدي أن لا يجيب إلا في الوليمة، إلا أن يكون الأخ في الله، أو خاصة أهله، أو ذي قرابته، فلا بأس بذلك، قال: لا ينبغي له أن يكثر الرحال عليه، ولا الركاب معه، ولا المستمعون له في غير ما خاصة كانت منهم له قبل ذلك، إلا أن يكونوا أهل عز وجل، وأهل فضل في أنفسهم، فلا بأس بذلك. قال: وأما الهدية، فلا ينبغي له أن يقبلها من أحد، وممن كانت تجري بينه وبينه قبل ذلك، ولا من قريب، ولا من صديق، ولا من أحد وإن كافأ بأضعافها، إلا الوالد والولد وأشباههم من خاصة القرابة التي يجمع من حرمه، إلا أصدقاء هو أخص من الهدية. قال أشهب في المجموعة: لا ينبغي أن يقبل الهدية من خصم، وإن كان خاصا به، أو من قريب له، وإن كافأه بها، ولا ينبغي أن يقبلها من غير خصم، إلا أن يكافئه بمثلها. قال: وإن كان يهاديه قبل ذلك، فإن التهمة جارية فيه، وكذلك في ذي الرحم وغيره، فلا يقبلها إلا أن يكافئه بمثلها. قال سحنون: إلا من ذي رحم محرم: أبويه، وابنته، وخالته، وعمته، وبنت أخيه/، ومن لا تدخل عليه به الظنة؛ لشدة الدخلة والتافئة بينهما. وكذلك ذكر عنه ابنه، وفي كتاب ابن المواز: مثله. قال ابن عبدوس: قال سحنون: حديث إن في بعض الكتب: الهدية تطفئ نور الحكماء. قال ربيعة: إياك والهدية، فإنها ذريعة الرشوة، وعلة الطلب. قال محمد بن عبد الحكم: لا تقبل الهدية ممن يخاصم عنك، ولا بأس أن يقبلها من إخوانه الذين يعرف له القبول منهم قبل أن يستقضي وقد كان عمر [8/ 28]
يقبل الهدية من إخوانه، وقد أهدي إليه أبي بن كعب، وكان له عليه سلف، فلم يقبلها لذلك، ولا بأس أن يتسلف من بعض إخوانه ممن يعرف أنه السلف منه، وأن يستعين بإخوانه في حوائجه. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينبغي للقاضي أن يتضاحك مع الناس، وينبغي له أن تكون فيه عبوسة بغير غضب، وأن يلزم التواضع والتقرب في غير وهن ولا ضعف، ولا ترك لشيء من الحق، وليتقدم إلى أعوانه والقوام عليه في الحرف على الناس والشدة عليهم، ويأمرهم بالرفق واللين، والقرب منهم في غير ضعف ولا تقصير مما ينبغي لهم، ولو كان يستغني عن الأعوان، لكان أحب إلينا، ولم يكن لأبي بكر، وعمر أعوان ولا قوام، وكان عمر يطوف وحده، إلا أن يضطر إلى الأعوان، فليخفف منهم ما استطاع، وينبغي له أن يمنع من رفع/ الصوت عنده، فإن ذلك مما يحيره، قالا: وليتنزه عن طب الحوائج والعواري من ماعون، ودابة يركبها، ونحوه، أو السلف، أو أن يقارض أحدا، وأن يبضع مع أحد أو يبايعه، والتنزه عن ذلك أحب إلينا، إلا مما لا يجد منه بدا، وإن فعل شيئا من ذلك فخفيف، ما لم يكن بينه وبين من يخاصمه عنده أو عن أحد يجر إلى من يخاصم عنده، وقاله أصبغ. قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس أن يطلع ضيعته، فيقيم اليومين والثلاثة إن احتاج إلى ذلك. ومن المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك: وإن سمع قاذفا برجل ومعه غيره، أقام عليه حد الفرية/، ولم يجز عفو عن القاذف إلا أن يريد سترا. وقد روي عن مالك، في غير المجموعة: أنه يقبل عفوه، وإن لم يرد سترا، وأما في الأب، فيقبل عفوه فيه على كل حال. [8/ 29]
في اتخاذ القاضي كاتبا أو قاسما، وأرزاق القضاة والعمال والقسام
قال ابن القاسم: وإن رأى من يغتصب مالا، فلا يحكم عليه وهو شاهد، فإن كان معه آخر، فلا يحكم إلا بشاهده مع يمينه، وإن لم يكن غيره، شهد له عند غيره، وحلف معه. في اتخاذ القاضي كاتبا أو قاسما وأرزاق القضاة والعمال والقسام من المجموعة وغيرها: قال ابن القاسم: قال مالك: لا يستكتب القاضي أحدا من أهل الذمة في شيء من أمور المسلمين، قال ابن القاسم: ولا يتخذه قاسما، ولا يتخذ في ذلك عبدا ولا مكاتبا، ولا يتخذ في شيء من أمور المسلمين إلا العدول المرضيين. قال مالك: وكان خارجة بن زيد، ومجاهد يقسمان، ولا يأخذان أجرا. قال أشهب: وينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا من أهل العفاف، ثم يعقده معه، وهو في سعة أن يجلس حيث جلس بقرب منه أو بعد، فإن استحب هو نفسه إيقاع الشهادات، فذلك حسن، وإن أوقعها كاتبه، وهو ينظر، أجزأه. ومن كتاب ابن المواز: وينبغي أن يكون كاتبه فقيها عدلا، ويكتب بين يديه/، فينظر فيما يكتب. قال سحنون، في كتاب ابنه نحول قول مالك الذي ذكرنا، في أن لا يتخذ كاتبا إلا من المسلمين، ومن أهل الصلاح والعفاف. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: لا يستكتب إلا المرضي العدل، وإن لم يغب له على كتاب. قال أصبغ في كتابه، ويكون مرضيا مثله أو فوقه، ولا يغيب له على كتابه. [8/ 30]
قال أصبغ في كتابه، وفي كتاب ابن حبيب: وحق على الإمام أن يوسع على القاضي في رزقه، ويجعل له قومة يقومون بأمره، ويدفعون عنه الناس، وينبغي له أن يجري ثمنا لرقوق يدون فيها أقضيته وشهاداته إذا كان عند نفسه، ويجري له ثمنا لمصابيح ينظر بها بالليل في أمور الناس ويدبرها، ولا ينبغي له أن يأخذ رزقه إلا من الخمس، أو الجزية، أو عشور أهل الذمة. قال أصبغ: إن طاب مجيء ذلك بغير ظلم ولا تعدي، ولا يرتزق من صدقة ولا عشور، ولا يحل ذلك له، وبلغني أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، كان قاضيا بالمدينة، فارتزق من العشور أو الصدقة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز، كتب بعزله، فاعتذر بعض العذر، وفرض له من فدك. قال أصبغ: وأراها كان فيها ذمة، قال ابن حبيب: وكان مسروق لا يأخذ على القضاء رزقا. قال أبو محمد: وقد ذكرت في باب صفة القاضي قول سحنون: والقاضي إن كان فقيرا: لا يجلسه الإمام حتى يغنيه/،ويقضي دينه، ويكفيه جميع ما يحتاج إليه. قال سحنون في كتاب ابنه: ولا بأس أن يكلف الطالب صحيفة يكتب فيها حجته وشهادة شهوده. قال مالك: ولا بأس بإرزاق القضاة من بيت المال، وأما العمال؛ فإن عملوا على حق، فلا بأس بارتزاقهم. قال أشهب في المجموعة: وأرى أن يرتزق من كان في عمل المسلمين من الفيء على قدره في أمانته وجزائه إذا جبى من موضعه، ووضع في موضعه، فأما إن كان لا يخرج في مكروه. [8/ 31]
قال مالك: ولا أرى أن يأخذ قسام القاضي على القسم أجرا. قال ابن القاسم: وقسام المغانم عندي مثله، فإنما كره مالك ارتزاق القسام؛ لأنها إنما تؤخذ من أموال اليتامى، وفي موضع آخر: لأنه إنما يفرض لهم من أموال الناس، ولا بأس أن يرتزقوا من بيت المال. قال مالك: وكذلك أشياء من أمور الناس بيوتهم بيعت فيهم، فإنما رزقهم من بيت المال. ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: كان زياد بن عبد الله يبعث شرطا في الأمر يكون بين الناس من المناهل، ويجعل لهم أموالهم جعلا، فنهيته عن ذلك، وقلت: إنما يرزقهم السلطان فقيل له: فإن صاحب السوق جعل لمن ولى عليهم شركا معهم فيما اشتروا. قال: ما أمرته بذلك، وهذه يخاف عليها ما يخاف. وذكر فيها تفسيرا. قال ابن القاسم: ولو واجر قوم قاسما لأنفسهم، لم أربه بأسا/ كما قال مالك في كتاب الوثيقة: أرى أجرها عليهم. قال سحنون: ولا بأس أن يرزق القسام من بيت المال، فإن لم يكن لهم رزق، فلا بأس أن يؤاجروا أنفسهم في ذلك. قال ابن الماجشون، في قاسم الغنيمة: إن فعل ذلك احتسابا ينوي الأجر، ولا يأخذ فيما عمل شيئا، إلا من الله سبحانه، وإن استؤجر، فله أجرته، ولا أعلمها تحرم عليه، وكذلك القاسم؛ جعله فيما قسم من أموال اليتامى، وليس ذلك على السلطان، ولم يزل ذلك بالمدينة، وإن احتسب فله أجره على الله سبحانه. قال أشهب عن مالك: كان الناس هاهنا عندنا يقتسمون بغير جعل، قيل: فتكرهه؟ قال: من احتسب فهو خير له، ولا أحرمه. وهذا لابد منه، وكان القضاة عندنا يخبرون الورثة من يقسم بينهم، فمن دعوه إليه، بعثه إذا كان رضيا. [8/ 32]
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا بعث القاضي قاسما يقسم بين ورثة فيهم صغير، أو غائب، فليأمره أن لا يشهد فيه حتى يرفعه إليه لينظر فيه، فإن رآه صوابا، أمضاه، إن كان مأمونا عنده، واثنان أحب إلي، والواحد يجزئ، وينبغي أن يجعل للصغير أو الغائب وكيلا يقوم مقامه في القسم. قال سحنون في كتاب ابنه: ويرتزق القاضي من بيت المال لا من الصدقات والعشور، لا هو ولا كاتب ولا قاسم، ولا ينبغي له إذا اتخذ قساما أن يكره الناس على قسمهم خاصة. قال سحنون: وأيما قوم اصطلحوا على قسمة غير هؤلاء القسام، فذلك جائز، إلا أن يكون فيهم/ غائبا وصغيرا، فالسلطان ينظر في ذلك لهم، وأجر القاسم إذا استؤجر على عددهم سواء، لا على الأنصباء. قال ابن سحنون: وقد قسم سحنون للناس احتسابا، ولم يرزقهم شيئا من بيت مالهم، فلم يقبل رزقا ولا كسوة ولا حملانا ولا خاتما وضعه في يده، وسمعته يقول للأمير الذي ولاه: والله لو أعطيتني جميع ما في بيت المال ما قبلته، وكان تركه لأخذه من غير تحريم، ويقول: لو أخذته، لجاز. وكان يأخذ الأرزاق لأعوانه وكتابه، وكلم الأمير لهم حتى أجرى ذلك لهم، وسأله أن يعطيهم ذلك من جزية اليهود، وكلمه حتى أجرى لقضاته أرزاقهم، ثم كلمه في الزيادة لهم، فزادهم، وإذا أبطأت عليهم، كلمه لهم في تعجيلها. وقد قال عمر: أغنوهم بالعمالة عن الخيانة. ومن كتاب آخر، روي أن عمر بن عبد العزيز، أجرى للقاضي رزقا؛ أربع مائة دينار في السنة، وكان يوسع في الرزق على عماله، وقد ولاه شيئا من أمور المسلمين، وكان يقول: ودلهم قليل إذا أقاموا كتاب الله وعدلوا. [8/ 33]
ما ينبغي للقاضي أن يعمل عندما يلي من استعداد من يعينه على أمره وسيرته في دخول الخصوم عليه
قال ابن سحنون عن أبيه: أنه كلم الأمير في استعجال أرزاقهم: كتابه وأعوانه لما مطلوا بذلك، وقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه. فنحن نرى لهذا الحديث أن سافي التفليس بحق الأجراء قبل دين الغرماء فيما عمل الأجراء من عمل المفلس. ما ينبغي للقاضي أن يعمل عند ما يلي من استعداد من يعينه على أمره، و ... ذكر سيرته في دخول/ الخصوم إليه، وقسم أيامه، وخصومة النساء والرجال، والمسافر والحاضر، وذكر الطابع وجلب الخصم، وكتب الرفع وغير ذلك من سيرته قال ابن سحنون: لما ولي سحنون القضاء، وبعد أن أدير عليه حولا وغلظ عليه، وخاف الأمير عليه، وأبى من غرمه عليه ما أخافه وأنصفه في قوله، وخاف أن يكون أمر لزمه لا يقوم غيره في مقامه، فولي يوم الاثنين، لثلاثة أيام مضت من شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين، فأقام أياما بعد أن ولي لا ينظر بين الناس في شيء؛ يلتمس أعوانا، فقعد للناس يوم الأحد لتسعة أيام مضت من شهر رمضان. وقيل: إنه لما دخل المسجد الجامع، بدأ فركع ركعتين، ثم دعا بدعاء كثير، فروي أنه إنما يدعو بالتوفيق والتسديد والعون على ما قلده، فقعد بعد ما ركع متربعا، وأمر الناس فكتبوا أسماءهم في بطائق، ثم أخبطت تلك البطائق، ثم دعا الأول فالأول ممن يخرج اسمه، فإذا دعا برجل فاستعدى على رجل بحاضرة مدينة القيروان، أو بقصر محمد بن الأغلب، وهو على ثلاثة أميال من المدينة، أعداه على [8/ 34]
خصمه بطابع يعطيه إياه، وإن كان صاحبه حاضرا، أدخلهما وأجلسهما بين يديه على الاعتدال في مجلسهما وكان لا يدفع كتاب عدوا ولا طابع إلى أحد من المسملين، إلا بين يديه، ولا يغيب على ذلك أحد من أعوان، فإذا أتى بصاحبه، أمر بأخذ الطابع منه، وإذا أتى إليه بلا طابع/، لم يأخذه، أدب الذي جاء بخصمه بغير طابع دفعه إليه، وكان يوم الثلاثاء والأربعاء بعد صلاة العصر قرب المساء يأمر برفع الدعوى، ويدخل أصحاب الطوابع، ثم يأمر من يعطيه طابعا ألا يوقعها، أو لغير ذلك بين الناس، وجعل يوم السبت والأحد والاثنين لمن يبتدئ بينة يوقعها، أو لغير ذلك بين الناس، ويعطي الطوابع بالعشي في هذه الأيام من بعد العصر، وأصحاب الالطاخ الذين يطلبون كتاب العدوى. كتاب عدوى لجلب خصم إلا بلطخ من شاهد عدل، مزكى، فيأمر كاتبه فيكتب له كتاب عدوى إلى أمينه، وكان قد اتخذ في بعض المواضع أمينين،؟ في بعضها أمين، وكان أكثر عدالته، وكان في من ولى رجل سمع بعض كلام أهل العراق، فأمره ألا يحكم إلا بمذهب أهل المدينة. قال سحنون: وينبغي للقاضي أن يقدم النساء على حدة، والرجال على حدة، وأرى أن يجعل لكل قوم يوما بقدر ما يرى من كثرة الخصوم، فلا بأس به. قال أشهب في المجموعة: إن رأى أن يبدأ بالنساء في كل يوم، أو بالرجال، فذلك على الاجتهاد؛ إما لكثرة النساء على الرجال، فيبدأ بالرجال، وإما لكثرة الرجال، فيبدا بالنساء ويبدأ لهؤلاء يوم ولهؤلاء يوم أحب إلي إذا جمعتهم الأيام من أن يؤثر أحدهما بالتبدية، ولا ينبغي للقاضي أن يقدم الرجال والنساء مختلطين، ألا ترى النساء في الطواف وفي الصلاة خلف الرجال، وفي الجنائز/ أمامهم، وإن رأى أن يجعل للنساء يوما معلوما أو يومين فعل. [8/ 35]
قال مطرف، وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: يفعل ذلك باجتهاده. قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إلي أن يفرد للنساء يوما، وإن كان لا بد أن يخاصمهن الرجال، فذلك أقل لمخالطتهن الرجال، فإن احتاج إلى كشف وجه امرأة ليعرف بها، أو ليشهد شهودا عليها، كشف وجهها بيد أيدي العدول من أصحابه، وإن كان بحضرته من الخصوم من لا يشهد عليها، أمر بتنحيتهم، وكذلك إن كان على رأسه من لا يأمنه على ذلك، لا ينبغي أن يستعين بأحد لا يؤمن في كل شيء، ولا يجلس النساء مع الرجال، وليفرق بينهم في المجلس لا يلصق بعضهم ببعض، ويجعل للنصارى يوما أو عشية أو وقتا من بعض الأيام بقدر قلتهم وكثرتهم، يجلس لهم في غير المسجد، وإذا كانت الخصومة في الفروج مثل طلاق امرأة، أو عتق جارية، فلا بأس أن يسمع البينة في ذلك، ويؤثرها على أهل الدعوى، ويسمعها في غير مجلس الحكم، فإذا كان في ذلك ما توقف به المرأة والجارية، فعل حياطة للفروج، ثم ينظر بعد في ذلك كما ينظر في غيره. قال سحنون: والغرباء وأهل المصر سواء، إلا أن يرى غير ذلك في الغرباء باجتهاده مما لا يدخل على أهل المصر منه ضرر. وقال أشهب مثله، وزاد: وإن رأى أن يجعل للغرباء يوما، ولغيرهم يوما ويومين، فذلك له، وإن رأى أن يبدأ بالغرباء كل يوم فعل، وإن كثروا، فلا يبدأ بهم كل يوم، وليجعل لهؤلاء دعوة، ولهؤلاء دعوة. ثم يبدأ منهم بطائفة في/ أول يوم، ثم يميل إلى أهل المصر حتى يقوم، ثم يبدأ اليوم الثاني بباقيهم، ثم يميل إلى أهل المصر يفعل ذلك حتى تنقضي لك الدعوة، فإن خاصم فيما بين ذلك من لم يكن كتب اسمه في الدعوة، فهو مخير في إثباته في أول من يدعو، أو في وسط، أو في آخر، أو في تركه حتى ينقضي جميع من كتب في الدعوة باجتهاده، وليس من جاء ويخاف أن يفوت أمره، كالذي في أمره أناة ولا يخاف فوته. [8/ 36]
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: من شأن القضاة تقديم الغرباء، وتعجيل سراحهم، وترك الأسوة بينهم وبين المقيمين. قال أشهب وسحنون في المجموعة: ويقدم الناس على منازلهم؛ الأول فالأول. قال أشهب: إن رأى ذلك. قال سحنون: وقدر عليه، وكانوا قليلا، ولا يقدم رجل لفضل منزلته وسلطانه. وقال أشهب: إن رأى إدخالهم جميعا، ثم يدعو من رأى باجتهاده، ليس الضعيف كالقوي، ولا الغريب كالمقيم، ولا من نظر في أمره كمن لم ينظر فيه، وآخر إن دعاه قطع أمره، وآخر يخاف في تأخير أمره الضرر به، يأخذ في ذلك لنفسه ولرعيته بجهد رأيه. قال سحنون فيه، وفي كتاب ابنه: وإن كثروا كتب أسماءهم في بطائق أو غيرها، ثم ألقوها، ثم يدعو بهم على ذلك، فمن جاء بعد ذلك، كان النظر لهم بعدهم، والغرباء وأهل المصر سواء، إلا أن يرى رأيه في الغرباء، كما ذكرنا. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يفعل في دعوى الخصوم بالذي هو أعدل وأحسن، والكتاب أعدل، ومن أوسط ومن آخر ليس علي جهة ما كتبوا/، وإن قلوا فلا بأس أن يتصفحهم، فيدعو من رأى باجتهاده حتى يأتي عليهم. قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إلي أن يجعل للبينات يوما؛ لأنه يضر بهم الانتظار حتى يصاح بالخصم، فإن لم يفعل، فلا حرج. ومن كتاب أصبغ: وإن كان في أعوانه ثقة يرضاه، ولا تقديم الخصوم إليه على منازلهم، فإن لم يكن، فهو نفسه، وإن عجز أو كثر عليه، جعل لذلك من يرضاه. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: قلت لهما: إن بعض القضاة يجعل لنفسه يوما في الجمعة لا يقضي فيه. فقالا: لا ينبغي ذلك، وما هو [8/ 37]
من فعل القضاة عندنا، ولا كن لا بأس أن ينظر لنفسه في كل الأيام في أموره من أمر دنياه وحوائجه التي تصلحه ولابد منها، ينظر فيها في غير حين يقضي فيه. وقال مالك لبعض من كان يحكم بالمدينة ممن يلي السوق: واجعل لجوسك للقضاء ساعات يعرفها الناس منك، فيأتوك فيها، وخفف عن نفسك بالنظر في غير ذلك. قال مالك: كان يقال: إذا قل الكلام أصيب الجواب، وإذا كثر الكلام كان من صاحبه فيه الخطأ. قالا: ولا بأس أن يقضي في رمضان، وفي الشهور كلها، إلا أيام العيد، وبلغنا أن عمر بن عبد العزيز كتب ألا يقضي في العيد، إلا أن تكون أمورا يخاف فيها الفوت مما لا يسعه تأخير النظر فيه، فلينظر فيه وإن كان يوم الفطر أو يوم الأضحى. قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: ولا ينبغي أن يكتب عن رجل حجتين أو أكثر في مجلس واحد، إلا أن يقل الناس عنده، فلا يشغله ذلك عنهم. قال في كتاب ابنه: وقد قيل: إنه ينظر في ذلك، قال سحنون فيهما: ولا ينبغي أن يكثر كتب الرفع لكل من جاءه إلا بلطخ من شهادة أو سماع، وإلا فلا يفعل، ولعله يشخص الرجل البعيد ولا شيء له. قال أصبغ عليه: أو يدعي بشيء يسير، فيعطيه إياه ويرتفع وإن لم يكن له. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ولا يكتب في دفع خصم إلا إلى أهل العدل والأمانة، ويكتب إلى العدول أن يأمروهما بالتناصف، فإذا أبيا فانظروا في المدعى فإن سبب لحقه سببا، وظهر لطلبه وجه ولم يتبين أنه يريد تغييب خصمه واللدد به، فارفعه إلي معه، وإلا فلا يرفعوه، وهذا في المكان القريب الذي لا مؤنة فيه على الخصمين، ولا على البينة، فأما المكان البعيد، فلا يرفع منه، وليكتب إلى من [8/ 38]
يرضاه من أهل العدل والعلم: انظر في أمرهما، واسمع البينة، وانظر في جميع منافعهما، ثم اكتب إلي ما يصح عندك لينظر فيه، فإذا جاءه معه الكتاب ونظر فيه: فإن رأى أن يكلفه إنفاذ الحكم بينهم فعل، وإن رأى أن يرجع إليه المتداعيين لينفذ بينهما الحكم فعل، ولا يرجع البينة، فإن لم يرفع القاضي من مكاتب هناك، وذكر له الطالب رجلا أو رجالا يكتب إليهم، فليأمره يأتيه بمن يعرف بهم، فإن ثبت عنه عدالتهم، كتب إليهم، وإلا كتب إلى عامل البلد إن وثق به، فإن لم يكن مأمونا ولا وجد من يكتب إليه/، كتب إلى المطلوب أن فلانا ذكر كذا فتناصفا، وإلا فاقدم معه، فإن قدم وإلا بعث من يأتيه به إن كان المكان قريبا. وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا استعدى رجل على رجل بدعوى عند الحاكم، فإن كان في المصر أو قريبا منه، أعطاه طابعا في جلبه أو رسولا، وإن كان بعيدا عن المصر، لم يجلبه إلا أن يشهد عليه شاهدان أو شاهد، فإذا ثبت عنده، كتب إلى من يثق به من أمنائه: إما أنصفه، وإلا فليرتفع معه، وأما الغريب من المدينة مثل أن يأتي ثم يرجع ويبين في منزله، والطريق مأمونة، فهذا يرفع بالدعوى، كالذي في المصر، والذي يجلب من مكان بعيد أن يأتي في البر والبحر ما لم يرد التطويل والمدافعة، فلا يمكن من ذلك. قال أصبغ في كتابه: وإذا قضى بين الخصمين في أمر اختصما فيه، ثم أخذا في حجة أخرى وخصومة أخرى، فإن كان بين يديه غيرها، لم يسمع منهما حتى يفرغ ممن بين يديه ويقيمهما، إلا أن يكون شيء لا ضرر فيه بمن حضر من الناس، فلا بأس أن يسمع منهما. [8/ 39]
في إنصاف الخصمين والعدل بينهما في اللحظ واللفظ والمسألة والاستماع والمجلس
في إنصاف الخصمين والعدل بينهما في اللحظ واللفظ، والمسألة، والاستماع، والمجلس، وغير ذلك، وهل يخص أحدهما بشيء؟ وهل يبدؤهما بالسؤال؟ وهل يأمرهما بالصلح؟ وغير ذلك من سيرته من كتاب ابن حبيب: وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن ابتلى أحدكم بالقضاء، فلا يرفع صوته على أحد/ الخصمين دون الآخر. أخبرنا ابن الأعرابي، عن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن متيع، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم. ومن المجموعة: قال أشهب: ويلزم القاضي انصاف الخصمين في مجلسهما منه، وليجلسهما بين يديه، وإن كان شأنه ابن المجالس، جلس الخصم منه فذلك واسع إن كان كذلك فعله في غيرها. ما لم بحف في أحدهما بصداقة أو قرابة، فإن كان ذلك، أجلسهما منه مجلسا واحدا. ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ، في الخصمين، أحدهما ذمي: فليكن مجلسهما واحدا من القاضي، فإن أبى ذلك المسلم وهو الطالب، فلا ينظر له حتى يساويه في المجلس فيرضى بالحق. [8/ 40]
فإن كان الذمي الطالب: قال للمسلم: إما أن تساويه في المجلس، وإلا نظرت له، وسمعت منه، ولم ألتفت عليك، ولم أسمع منك. فإن فعل، وإلا نظر له. قال مطرف، وابن الماجشون: وينبغي أن يكون مجلس الخصمين منه واحدا، معتدلين فيه، قال: وقاله أشهب، في المجموعة، وسحنون، في كتاب ابنه. وينبغي أن ينصف الخصمين في مجلسهما منه، وفي النظر إليهما، واستماعه منهما، ولا ينبغي له أن يرفع صوته على أحدهما ما لم يرفعه على الآخر، إلا من نظر إليه منهما إغلاظا عليه للدد فذلك جائز، قال أشهب: إذا علم الله/ منه أنه لو كان ذلك من صاحبه، فعل به مثله. قال أشهب، وسحنون: ولا ينظر إلى أحدهما بوجه أطلق مما يلقى به الآخر. ومن كتاب ابن حبيب، وهو لأشهب: وله الشد على عضد أحدهما إذا رأى ضعفه عن صاحبه، وخوفه منه؛ ليبسط أمله في الانصاف، وحسن رجائه للعدل، ولا بأس أن يلقنه حجة له عمي عنها، وإنما يكره تلقين أحدهما حجة الفجور، وكان الله عز وجل يعلم أن لو كان لصاحبه، لم يلقنه إياها. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ثبت عيا في خصم منه حتى يفهمها، ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام". قال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يلقنه حجة لا يعرفها. وقال سحنون في المجموعة، وكتاب ابن سحنون: لا ينبغي أن يشد عضد أحدهما، ولا يلقنه حجة. [8/ 41]
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي للقاضي إذا جلس بين يديه خصمان، أو شهيدان أن يسأل أحدهما عن حاله، ولا عن غيره، ولا عن شيء من أموره في مجلسهما ذلك؛ لأن ذلك يكسر في ورع الخصم، ولا بأس إذا أقر أحد الخصمين في الخصومة بشيء للآخر فيه منفعة أن ينبهه ويقول: هذا لك فيه منفعة، هات قرطاسك أكتب لك فيه، ولا ينبغي له ترك ذلك، وليفعل ذلك لجيمع الخصوم. وقاله كله أصبغ في كتابه. ومن المجموعة: قال ابن وهب: قال مالك: لا أرى للوالي أن يلح على أحد أن يعرض عن خصومته، أو أن يصالح. قال ابن سحنون: وتخاصم/ إلى سحنون رجلان من أصحابه صالحان، فأقامها، ولم يسمع منهما، وقال: استرا على أنفسكما، ولا تطلعاني من أمركما على ما ستر عليكما. وروى ابن حبيب، عن الحكم بن عييينة أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: رددوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن. قال ابن سحنون عن أبيه، من سؤال حبيب: وإن كام الخصمان في أمرهما شبه فلا بأس بالصح. قال أشهب في المجموعة، وسحنون في كتاب ابنه: ولا ينبغي له أن يسارر أحد الخصمين، ولا يضار بأحدهما ولا بهما في قضائه. ومن المجموعة: قال أشهب: وأشر ذلك مساررته أحدهما، ولا أحب أن يساررها جميعا إذا كان كل واحد منهما لا يسمع ما يسارر به الآخر، وإن أسمع أحدهما ما يسار به الآخر، ولم يسمع الآخر، فهو أشر، وإن سارهما جميعا بكلام واحد، فلا بأس بذلك ما ل يسارهما بالقضاء بينهما، فإنه لا ينبغي أن يقضي بين المسلمين سرا، بل ينبغي الاشهار به، ولا يكتب إلى أحدهما بطاقة دون [8/ 42]
صاحبه، وإن كتبها إليهما، فلا بأس، ولا ينبغي أن يكتب إلى كل واحد منهما بطاقة، إلا أن يقرأها علانية. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا يسارهما ولا أحدهما، ولا يكتب إليهما، أو إلى أحدهما لجمعهما في كتاب أو فوق الكتاب، وهذا ليس من الصلابة ورفع المهابة، ومن السخافة، ولينتزعه، وإن احتاج إليه، ولا يمكن أحدهما/ من أذنه يساره، ولا يقرأ له بطاقة إلا أن يقرأها علانية. قال أشهب: ولا بأس أن يشاور في مجلس قضائه من لا خصومة له، وكذلك إن كتب إليه القاضي بطاقة، أو كتب هو إلى القاضي، وأما من له خصومة، فلا ينبغي ذلك له وإن لم يحضر خصومة. قال سحنون في كتاب ابنه وفي المجموعة: ولا ينبغي أن يضيف أحد الخصمين، ولا يخلو معه، ولا يكلم أحدا من الخصوم، ولا يقف معه، فإن ذلك مما يدهن خصومه، ويدخل عليه سوء الظن، ولا يخلو معه في منزله، قال محمد بن عبد الحكم: إلا أن يكون من أهل المشورة في غير ذلك قبل الخصومة، فلا بأس أن يخلو معه للمشورة. قال ابن حبيب: قال أصبغ: لا بأس أن يخلو الناس، وأكره أن يضيف الخصم عند نفسه، فإن أراد الاحسان إليه، وصله حيث هو إلا أن يضيف الخصمين جميعا. قال مطرف وابن الماجشون: ولا يسمع من أحد الخصمين إلا بمحضر صاحبه، إلا أن يعرف من المتخلف لددا في تخلفه، ويشكو إليه، فيسمع منه. [8/ 43]
قال في كتاب ابن المواز: ولا يضيف أحد الخصمين وإن صح، ثم ذكر نحو قول ابن سحنون، ومثله لأشهب في المجموعة، وقال: لا يتعمد الخلوة في غير منزله، فإما أن يلتقيا في غير منزله، أو موضع على غير تعمد، فلا بأس به. ومن العدل بين الخصمين أن لا يجيب أحدهما في غيبة الآخر، إلا أن يعرف لددا من المتخلف، أو لم يكن يعرف وجه خصومة المدعي، فلا بأس أن يستمع منه حتى يعلم أمره، وإذا جاء أحدهما/ ولم يحضر الآخر، فلا يسمع منه حجته، وليأمره بإحضار خصمه، أو يعطيه طينه، أو يكتب بجلبه؛ إلا أن يكون لم يعلم ما خصومتهما، فلا بأس أن يسمع منه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن كان أحد الخصمين ذميا فليكن مجلسهما من القاضي سواء، فإن أبى ذلك المسلم، وهو الطالب، لم ينظر له في ذلك حتى يساويه في المجلس، وإن كان الذمي الطالب، قال للمسلم: إما ساويته في المجلس، وإلا سمعت منه، ولم أسمع منك، ولم أنظر إليك، فإن فعل، وإلا نظر له، فإن رأى له حقا، أنفذه له. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان أحد الخصمين لولاية أو غيرها، فجبن عنه خصمه، فلا بأس أن يعلمه القاضي أنه لا ينتفع بذلك عنده، ولا يضره في خصومته حتى يذهب عن الجبن، ويتكلم حجته. ومن كتاب أصبغ: ويكره أن يدخل عليه أحد من الخصوم في بيته، وإن كان رجل من إخوانه قد كان يغشاه قبل ذلك، إذا كان على الاختصاص ليس بأمر عام، ولا يكره له عيادة أحد الخصمين، ولا شهود جنازة بعض أوليائه. قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينبغي أن يدخل عليه أحد الخصمين، لا في مجلس قضائه، ولا في خلوته، ولا وحده، ولا في جماعة وإن كان خاصته، ولا بأس إذا [8/ 44]
جلس خارجا في غير مجلس قضائه، وحيث يأتيه الناس ويجلسون معه، أن يجلس إليه أحد الخصمين. ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا جلس الخصمان بين يديه، فلا بأس بمسألته إياهما، فيقول: ما لكما؟ أو: ما خصومتكما؟ / أو: ما تطلبان؟ أو: يتركهما حتى يبتدئانه بالمنطق، ذلك اوسع، غير أنه إذا تكلم المدعي، أسكت المدعي عليه، واستمع من المدعي حتى يسمع حجته، ثم يأمره بالسكوت، ويستنطق الآخر؛ وذلك ليفهم حجة كل واحد منهما، وإن تكلما جميعا، إلتبس عليه، ولا ينبغي أن يبتدئ أحدهما فيفرده، فيقول له: مالك؟ أو: تكلم. أو: ما تريد؟ إلا أن يكون علم أنه المدعي، فلا بأس بذلك، وإذا علم المدعي منهما، فلا يبتدئ المدعى عليه، ولا بأس إذا جلسا إليه ولم يدر المدعي أن يقول: أيكما المدعي؟ فإن قالا: هذا. سأله عن دعواه، وأسكت صاحبه، وإن قال أحدهما: أنا المدعي، وسكت صاحبه، فلم ينكر، فلا بأس أن يسأله عن دعواه، وأحب إلي أن لا يسأله حتى يقر له الخصم الآخر بذلك، وإن قال أحدهما: المدعي هذا، فلم ينكره خصمه، فلا بأس أن يسأله عن دعواه، ولا أحب أن يعنى بمسألته عن ذلك؛ لأنه مبدأ في إقرار صاحبه بالكلام، فإن كان لا يرد ذلك، فليس على ما قال صاحبه، فإذا قيل له: تكلم، قال: لست بالمدعي. وإن قاما على هذا يقول كل واحد منهما للآخر: هذا المدعي: فللقاضي أن يقيمهما عنه حتى يأتي أحدهما إلا الخصوم، فيكون هو الطالب، وقاله أصبغ، في كتاب ابن حبيب. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال كل منهما: أنا المدعي. فإن كان أحدهما الذي استعدى وجلب الآخر إلى القاضي، سمع منه أولا، وإن لم يدر من [8/ 45]
جلب صاحبه إليه، لم أبال استعدى وجلب بأيهما بدأ، وإن كان أحدهما ضعيفا/، فأحب إلي أن يبدأ بالآخر. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا تكلم وأدلي بحجته، قال للآخر: تكلم، فإن تكلم، نظر في ذلك، وإن سكت أو تكلم، فقال: لا أخاصمه إليك. قال له القاضي: إما خاصمت، وإلا أحلفت هذا المدعي على دعواه، وحكمت له، فإن تكلم، نظر في حجته، وإن لم يتكلم، أحلب الآخر، وقضى له بحقه إن كان ما يستحق مع نكول المطلوب إن ثبتت الخلطة؛ لأن نكوله عن التكلم نكول عن، وإن كان مما لا يثبت إلا بالبنية، دعاه بالبينة عنه حتى يتكلم، ولكن يسمع من صاحبه ويحمل الحكم عليه إذا تبين له الفصل، ومن كتاب محمد بن عبد الحكم، ذكر نحو ما تقدم من معرفته للمدعي منهما، وقال: وإذا أقر له له المطلوب بشيء أمره أن يشهد عليه ليلا ينكر. قال أصبغ في كتابه: وإذا تقدما إليه؛ فقال أحدهما: أنا اتخذت المكان، وهو لي. وقال الآخر: مثل ذلك، سمع من أيهما شاء، بلا ميل ولا هوى. قال ابن سحنون: وكان سحنون إذا تشاغب الخصمان بين يديه، أغلظ عليهما، وربما أمر القومة فزجروهما بالدرة، وربما تشاغبا حتى لا يفهم عنهما، فيقول: قوما فإني لا أفهم عنكما، وعودا إلي. وذلك عند قيامه من مجلسه، وكان إذا تكلم المدعي، منع الآخر من الكلام حتى يفرغ من مسألة خصمه عن ما ذكر المدعي، منع الآخر من الكلام حتى يفرغ من مسألة خصمه عن ماه ذكر المدعي، فإذا تكلم منع المدعي من الكلام حتى يفرغ من حجته، ومن نهاه عن الكلام: فلم يفعل، وألح فخلط على صاحبه، ويمنعه من/من الكلام، ويكثر معارضته في كلامه، أمر بأدبه. [8/ 46]
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون إذا حضر المدعي وخصمه وبينة، أمرهم بالقعود، ثم يسمع دعوى المدعي وإنكار المنكر، ويكون مقعد الكاتب بالقرب منه، فإذا كتب دعوى المدعي، وإنكار المنكر، عرض ذلك عليه، فإن كان ما كتب الكاتب موافقا لما كان منهما، أقر ذلك، وإن أنكر شيئا غيره، ثم يسأل البينة عن شهادتهم، فإن كانت مخالفة لدعوى المدعي، لم يأمر الكاتب أن يكتبها، وأخرجهم، وإن وافقت دعواه، كتبها. ومن المجموعة: قال ابن أبي حاز في الرجل يأتي القاضي فيخبره بالخصومة فيما بينه وبين خصم: ولا ينبغي للقاضي أن يخبره بما يقضي به له ولا عليه، حتى يحضر خصمه، فيختصمان عنده، ثم يقضي بينهما. وكان سحنون، رحمة الله عليه، إذا أتاه الرجل يسأله عن مسألة من مسائل الأحكام، لم يحببه، وقال: هذه مسألة خصومة، إلا أن يكون رجلا يعلم أنه متفقة، فيسأل على جهة التعليم، فيجيبه، أو مسائل الوضوء، والصلاة، والزكاة. قال مطرف، وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: والصلاة، والطلاق، والنكاح، والعتق. وأما في الدعوات، والمواريث، والأقضية، وما يعلم أنه من خصومات الناس، فلا يجيب في ذلك إلا المتفقة. قالا: ولا بأس أن يجلس في مجالس العلماء، فيعلم إن كان يتعلم منه أو يتعلم إن كان متعلما، فكل ذلك حسن، وكان يقال: من عيب القاضي أنه إذا عزل/، لم يرجع إلى الموضع الذي يتعلم فيه العلم. وقال مالك في المختصر: لا يفتي القاضي في مسائل القضاء، وأما في غير ذلك، فلا بأس به. [8/ 47]
باب سيرة القاضي في البينة وكتاب الشهادة وسماعها، وفي الشاهد يشك أو يزيد في الشهادة
باب سيرة القاضي في البينة وكتاب الشهادة وسماعها وفي الشاهديشك أو يزيد في الشهادة، وهل يعرفهم أو يكلفهم إخراج إمرأة شهدوا عليها من بين نساء؟ أو دابة من دواب؟ وتحديد ما شهدوا به من ربع، والوقوف على ما لم يجدوا، أو غير ذلك في سيرته، وهل يركب القاضي إلى شيء ينظر إليه إذا أشكل الأمر فيه؟ من كتاب ابن سحنون قال: كان سحنون إذا أخذ الشاهد في نص الشهادة، أمر الخصمين ألا يعرضا بشي، لا المدعي بتلقين، ولا المدعي عليه بتوبيخ، فإن فعل أحدهما ذلك بعد النهي، أمر بأدبه، وكان إذا خلط الشاهد في شهادته، أعرض عنه، ولم يلقنه، وأمر الكاتب أن لا يكتب، وربما قال له: تثبت ثم يردده، فإذا ثبت شهادته، أمر كاتبه فكتب لفظ الشاهد، ولا يزيد على ذلك، ولا يحسن الشهادة، وكان إذا دخل عليه الشاهد وقد رعب منه، أعرض عنه حتى يذهب روعه، فإذا طال ذلك به، قال له: هون، فإنه ليسمعي سوط، ولا عصي، فليس عليك بأس، قل ما علمت، ودع ما لم تعلم. ومن المجموعة لأشهب، ومثله لمطرف، وابن الماجشون، من رواية ابن حبيب، قالوا: فإن استخف القاضي إيقاع الشهادات بنفسه، فذلك حسن/، وإن أوقعها كاتبه، وكان مأمونا وهو ينظر، أجزأه ذلك، وإن أوقع الناس شهادتهم أنفسهم، فذلك جائز، وذلك أحب إلينا، قال مطرف، وابن الماجشون: يمكنون من إيقاع شهادتهم، ثم يرفعونها موقعة، وهل فعل الناس عندنا بالمدينة قديما وحديثا: قالوا أجمعون: لأنه ربما أخجله مجلس القاضي، فلا يقوم بشهادته قال أشهب: إلا أن يتهم القاضي أحدا من الشهود إن كان للتهمة أهلا، فيكون له [8/ 48]
إيقاع شهادته عنده، ولا يقبلها منه مرفوعة في رقعة، ويكشفه عن تلك الشهادة، ويختبره بكل ما استطاع حتى يقع منه على حقيقة أمر أو يردها. قال مطرف وابن الماجشون: وإذا أمر كاتبه فوقع الشهادة وهو عنده كاتب ثقة، فلا بأس. وأحب إلينا أن ينظر إذا أوقعها كاتبه. قال سحنون في كتاب ابنه: وينبغي للقاضي أن يعرض كتاب الشهادة بعد ما يكتبه الكاتب، ويقرأها على الشاهد، ثم يطبع عليها فيرفعها في موضع رفع الكتب. قال: ولا ينبغي أن يلقن شاهدا، ولكن يدعه يشهد بما عنده، فإن كانت شهادته جائزة، قبلها، وإن كانت غير جائزة، ردها. قال في موضع آخر: وإن أشكل عليه، كتبها حتى ينظر. وكذلك قال أشهب في المجموعة، وقال أيضا؛ لا يلقن الشاهد ولا يحجبه، ويدعه يشهد بما عنده، ويرفق به في مسألته استفهامه، ولا ينبغي له أن يفرق الشهود إلا عن تهمة،/ فيفعله في رفق، ويكشفها كشفا رفيقا عن كل ما يريد حتى يتضح له برأيهما من تهمته؛ أو يحق الريبة عليهما، فيطرح شهادتهما. وقاله محمد بن عبد الحكم. قال سحنون: ولا يقول القاضي للشاهد: أتشهد بكذا؟ فهذا تلقين. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان الشهود عدولا، فنسي أحدهما، فلا بأس أن يذكره الآخر، ويصف له الموضع، ومن أشهد فيه، فإن ذكر قبل منه؛ لقول الله سبحانه: (فتذكر إحداهما الأخرى) وقوله: (أن تضل) يريد: أن تنسى. ومن كتاب أصبغ: وإذا اتهم القاضي الشهود على الغلط، فلا يفرق بينهم، سأله الخصم أو لم يسأله، ولا يدخل عليهم في ذلك رعبا؛ لأنه إذا قصد الشاهد بهذا رعب واختلط عقله، ولكن يسمع منهم، ويسأل عنهم، وإذا شهدوا على [8/ 49]
امرأة، فيسأل القاضي أن يدخلها في جماعة نساء، فليس ذلك على الشهود، وكذلك إن شهدوا على دابة، فلا يمتحنهم بإدخالها في دواب، وإن سأله فيه الخصم، فلا يفعل. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا يحلف القاضي الشاهد، عدلا كان أو غير عدل. وقاله أصبغ. أما العدل: فقوله كاف، وغير العدل لا ينفع فيه اليمين. قال أشهب في المجموعة، وذكر مثله ابن سحنون عن أبيه، وقال في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، بمعنى واحد، واللفظ لأشهب، قالوا: ينبغي للقاضي إذا شهد/ الشاهد عنده، أن يكتب اسمه، ونسبه ومكسبه، والمسجد الذي يصلي فيه، ويكتب حليته وصفته قال ابن المواز: إن لم يكن معروفا. وفي موضع آخر، عن سحنون: وإن عرف بالكنية، كتب كنيته، وكان ما يعرف به من صنعه وغيرها، وهل يسكن في ملكه أو في ملك غيره. قالوا: لئلا يتسمى غير العدل بغير اسمه، وينتسب إلى غير نسبه، فيزكي عليه. قالوا: ويكتب الشهر الذي يشهد فيه، والسنة، ويجعل صحيفة الشهادة في دويانه؛ لئلا يسقط المشهود له شهادته، فيزيد فيها الشاهد أو ينقص. قال سحنون في كتاب ابنه: ويوصل ذلك إلى من يكشف له. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: وإذا سمع دعوى وإنكار المنكر، ثم سمع شهادة البينة؛ فإن كانت مخالفة لدعوى المدعي لم يكتبها، وإن وافقت دعواه، أمر الكاتب فكتبها، فيكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال القاضي فلان ابن فلان: حضرني فلان بن فلان الفلاني بخصمه فلان، فينسبه أيضا، فادعى عليه كذا، فسألت فلانا عن دعواه، فأنكرها، فسألت فلانا البينة على دعواه، فأ؛ ضرني فلان بن فلان، فيذكر مسكنه حيث هو، وبقرب من يسكن، وأين يسكن، في حانوته، وصنعته، ويذكر حليته، فشهد أنه يعرف الدار التي تنازعا [8/ 50]
فيها، وهي بيد فلان، فينص شهادته، ويستقصي الحدود والمواريث، ويذكر في/ الوراثة: لا يعلم له وارثا غير من ذكرنا، ولا يعلمه أحدث فيها ما يزيل ملكه عنها، وإن شهد معه آخر بمثله، قال: وشهد بمثل ذلك فلانا، فينسبه، ويذكر من صنعته وحليته ومسكنه وغير ذلك ما ذكر من الأول، وإن خالفه في بعض الشهادة في حد، أو ذكر وارث، أو نقص، فليكتب ذلك بقول: إلا أنه قال في الحد: كذا وكذا وكذا. وإن قال أحدهما: وإذا وقفت عليها حددتها. كتب كذلك، ويكتب فيما يخالفه في ذكر المواريث: ما يخالفه فيه، وإذا فرغ من كتاب الشهادة، أمر بها فقرئت شهادتهم عليهم، وهو يستمع، فإن مر به شيء مما كتب الكاتب خلاف ما فهم عن الشاهد أولا في نص شهادته، مما يهم فيه الكاتب، رده عليه بمحضر الشاهد، فإذا قرئت شهادتهم عليهم، طوى الكتاب، وجعله في إضبارة، ولا يطبع على الكتاب الذي فيه الشهادة، ويكتب على ظهر الكتاب: خصومة فلان بن فلان، ويؤرخ الشهر والسنة، ويدخل الأضبورات في جراب، ويطبع عليه قال: وإذا كثرت الكتاب، جعلها نوب دعوات، فجعل يوم الثلاثاء والأربعاء للدعوات لمن يوقع بينة، وأسباب خصومة، فيدعوهم على ما يخرج من أسمائهم في الدعوات، وجعل في كل دعوة خمسين شاهدا، وكاتب ثلاث دعوات: أولى وثانية وثالثة/، فكل من جاء بعد، فكتب الأول فالأول، فإذا خرج اسم الرجل، نادى العون باسمه واسم أبيه، فإن حضر، دخل مع خصمه، فإذا دخل أخذ كتابه، فنظر فيه، وفيما فيه من بينة، وفيدبره فيأمر المدعي بزيادة بينة، أو مزكين، أو يبين له العقل، فيأمر به، فإن كان ما يعقله بمدينة القيروان، أمر أحد أعوانه بذلك، فإن سأله المعقول عليه تأخيره أياما لإخراج ماله في الدار، أخره اليومين والثلاثة، وإن سأله أن يترك فيها ما سهل عليه إخراجه، فعل ذلك له، ثم [8/ 51]
يعقلها، أو يطبع عليها، ويكون المفتاح عنده، وكذلك الحانوت، وربما تنازعا في متاع الحانوت، فيأتياه ومفاتحه بأيديهما، فيأمر من يغلقه، ويكون عنده المفاتيح حتى ينظر بينهما إن خاف على ما في الحانوت، أو يخلو به أحدهما قبل النظر فيه، وإن كان ما يفعل في غير الحاضرة، كتب إلى أمنائه في عقل ذلك. وسأله حبيب، عمن قامت له بينة، فجرحهم المطلوب، فأراد الطالب تجريح من يجرح شهوده، فذلك له، وليعرفه القاضي بأسمائهم إن طلب ذلك. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، عن القاضي يحكم لرجل على رجل بأرض: أيسأل البينة عن حدها وصفتها، ويكتب حكمه على ذلك، أو ما يكلفهم أن يقفوا عليها، فيحوزوا ما عرفوا منها، ويكتب إلى عدول يرضاهم، أن يرفعوا/ ما ذكرت البينة إلى المحكوم عليه، قال: إن عرفوا صفتها وحدودها المحيطة بها، كتب ذلك، وحكم به، ولا يكلفهم الوقوف عليها، وإذا حكم له بذلك، وشاء أن يكتب له كتابا إلى من يرضاه في الموضع؛ ليدفع إليه ما في الحكم، فإن عرض في ذلك عارض غير المقضي عليه، فليدفعه إليه، وإن لم يعرف صفة الأرض ولا حدودها بالصفة، وهم يعرفوا حوزها، فإن طاعوا بالخروج إلى الأرض، فليحوزوه ما شهدوا بماله منها، وكتبوا ذلك بمحضر عدول الوضع، ولا يكتب الحكم للمحكوم حتى يؤتي بهذا الحوز، فيذكره للمقضي عليه، فإن لم يدفع شيئا من ذلك بحجة، أنفذ قضاءه على ذلك، فإن أبوا الشهود الخروج، لم يكرههم، وإن قربت، إلا أن يكون معه في مدينة، ولكنه يكلف المشهود له أن يأتيه بمن يعرف حدود هذه الدار أو الأرض التي شهد له بها الشهود، فإن جاء بمن يحدها، وإن لم يشهدوا بالملك، أنفذ له القضاء، وإن لم يجد بينة بالحدود، فليكتب له القاضي أن يكتب بما شهدت له بينته إلى سلطان تلك [8/ 52]
القرية، أو عدول من أهلها إن لم يرض سلطانها، ويأمره أن يسأل أهل العدل عن حدود تلك الأرض، فيكتب بما صح من ذلك، ثم يمضيه على ذلك. وقاله أصبغ. قال مطرف، وابن الماجشون: ولو كتب إلا أمنائه بدفع ما حد الشهود من الأرض، ودفعوه إليه، ثم قام/ المقضي عليه ثم بعد عزل القاضي، فقال: أخرج ذلك من يدي بغير، حق قالا: فإن لم تقم للمحكوم له بينة على إشهار القاضي على أصل الحكم، وعلى أمره أمناء بدفع ذلك، وعلى أن الأمناء فعلوا ذلك، وثبت ذلك بشهادة غير الأمناء، فإن لم يثبة له هذا، لم ينفذ له الحكم، ورد، ولو شهد له على أصل الحكم فقط، نفعه ذلك، وأنفذ له اليوم بدءا، وإن لم يشهد له على أصل الحكم، وشهد له على أصل على أمر أمناءه، أو كتب إليهم بدفع ذلك، وقد عرفت الخصومة بينهما في ذلك، فذلك ينفعه أيضا، وأنفذ له اليوم، وإن لم يشهد له على أصل الحكم، ولا على الأمر بدفع ذلك إليه، وشهد له أن الأمناء دفعوا ذلك إليه، وزعموا أن القاضي أمرهم بذلك، لم ينفع ذلك المحكوم له، وعادا على ابتداء الخصوم، فيرد الحق في يد المحكوم عليه، وكذلك لو لم يعرف ذلك إلا بشهادة الأمناء؛ لأنهم شهدوا على فعل أنفسهم، قلت لمطرف: فإن قال المحكوم له للمحكوم عليه: قد استسلمت في دفع ذلك إلى قول الأمناء بعد إشهاد من القاضي على حكمه، أو على كتابه إلى الأمناء، فإن أشهد المحكوم عليه يومئذ سرا، إنما استسلم بشيء ذكره من القاضي من ممالأة، وشبه ذلك، فقام بعد عزله أو موته، لم يضره حكم الأمناء عليه، واستسلامه لهم فيما فعل، وإن لم يشهد سرا بذلك، فليحلف: ما كان استسلامه لذلك إقرارا منه بحق، ثم يكون/ الأمر على ما وصفت لك. وهذا فيما كان بحدثانه، فأما ما طال زمانه طولا في مثله الحيازة، فلا قول له بعد ذلك، إلا الصغير والغائب، فهما على حجتهما، إلا أن يترك الغائب الكلام في ذلك بعد قدومه، والصغير بعد بلوغه حتى يطول مثل [8/ 53]
ما طال في الكبير الحاضر، فلا كلام لهما بعد ذلك. وقال أصبغ نحو قول مطرف. وقاله ابن القاسم. قال أصبغ في الكبير الحاضر: هو معذور في تركه القيام والدفع؛ لأنه حكم حكم به عليه، ولعله رآه لازما له، فهو عذر وإن طال زمانه ما لم يتفاحش طوله حتى يرى أنه منه رضى تسليما، فيلزمه ذلك. قال أصبغ: وأما الصغير والغائب: فهما على حقهما أبدا، قال ابن حبيب: وهذا أحب إلي؛ لأن كل الناس لا يعرف أن هذا فعل من كتب إليه القاضي، لا يلزم إلا بإشهاد من القاضي، وإن كان ابن القاسم قد كان يقطع حجة الكبير إذا لم يتكلم مكانه، وقول أصبغ أحج، وبه أقول. قال أبو محمد: وهذه المسألة من أولها لابن القاسم، قد كتبت مستوعبة في باب شهادة كتاب القاضي وأمنائه والقسام. قال مطرف: وإذا كتب القاضي إلى قوم يأمرهم بتنفيذ كتابه في هذا، فأنفذه بعضهم، وأبي الباقون النظر فيه، وقد أشهد القاضي على كتابه بذلك، وأشهد المنفذون على تنفيذه، قال: لا يجوز ذلك بحال حتى يجتمعوا على إنفاذ ذلك، ولو مات القاضي، أو عزل/ قبل إنفاذهم: قال: فليكفوا عن إنفاذ ذلك حتى يأمرهم به من ولي بعده، وحق عليه أن ينفذ ذلك إذا شهد عنده عليه وقاله أصبغ. وقال أصبغ في المجموعة: وإذا كتب الشهادة، فليختمها ويضعها بموضع يثق به حتى ينفذ قضاءه، وكذلك في كتاب ابن المواز. ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: قال أشهب، عن مالك، في القاضي، قال في كتاب ابن حبيب: يكتب شهادة القوم في الكتاب أو الأمر – يريد من أمر الخصمين- قال، في المجموعة يؤتي بالكتاب فيفضه، ويعلم على الشهادة. قال، في الكتابين: ثم يختم الكتاب ويدفعه إلى صاحبه، ثم يؤتي به فيعرفه بخاتمة، [8/ 54]
هل يجيزه بغير بينة والخواتم، ربما علم عليها؟ قال: هو أعلم، وأحب إلي أن يكون الكتاب عنده، وكان الكبيري لا يلي كتبه إلا هو نفسه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: فأرى أن يجيز ما فيه إذا عرفه وعرف خاتمه. قال محمد بن عبد الحكم: وكان من شأن الأئمة أن يجروا مع أرزاق القضاة شيئا للقراطيس والصحف، حتى لا يكلف الطالب أن يأتي بذلك، فإن لم يجر لذلك شيء، قيل للطالب: إن جئت بما تكتب به الشهادة، وإلا لم أسمعها ظاهرا، لأنه ليس كل شهادة تضبط، وكذلك يأمره بصحيفة يكتب فيها حكمه. قال سحنون، وابن المواز: ولا بأس أن يكلف القاضي الطالب صحيفة وقرطاسا يكتب فيها خصومته وحجته/ وشهادة شهوده، ثم يطويها ويختمها بخاتمه، قال ابن المواز: إلا أن يخشى أن يكون تكليفه ذريعة لغيره ممن لا يتوثق به. قال أبو محمد: أراه يريد لغير هذا القاضي أن ينسب بذلك إلى أمر. قال ابن المواز، وسحنون: ويكون المحضر الذي فيه شهادة الشهود عند القاضي في موضع يثق به. قال سحنون: حتى ينفذ القضاء، فإذا أنفذه، دفع إليه القضية. قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: يختم عليه، ويكتب عليه: خصومة فلان وفلان، في شهر كذا في سنة كذا. ويجعل خصومة كل شهر على حدة، ولا يخلط ذلك. قال: ويتولى سؤال الشهود، ثم يكتب شهادتهم، ويكتب بين يديه ويعرضها بعد أن يكتبها ويقرأها على الشاهد. ثم ذكر نحو ما ذكر عنه ابنه متقدما. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا هلكت شهادة الشهود من ديوان القاضي، يشهد عدلان أن شهوده فلان وفلان شهدوا له بكذا، فليقبل ذلك القاضي؛ لأنها [8/ 55]
كشهادة على شهادة، إذا أثبتا الشهادة ولو لم يكتبها القاضي، فلا ينبغي أن يقبل شهادة كاتبه على أحد، أنه شهد عنده. قال أبو محمد: أرى سحنون يريد في شهادة بينة شهدت بكذا. يريد: والبينة الأولى قد ماتت، أو غابوا أو مرضوا. وذكر ابن المواز مثل ما ذكر سحنون من الشهادة على أن الشهود/ شهدوا بكذا، قال: ولا تجوز في هذا شهادة الكتاب على أحد أنه شهد عند القاضي. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا كتب القاضي شهادتهم، ثم قرأ ذلك على المشهود له بعد أيام، فقال: لم يكتب كل ما شهدوا لي به. أو قال: نسوا، ونقصوا، وأنا أعيدهم. لم يكن للقاضي أن يعيدهم له. وإن شهد عنده رجلان أن فلانا أخو فلان الميت، فسألهما القاضي، أكان أخوه لأبيه وأمه؟ فقالا: أمهلنا. فتذكروا آخر اليوم، فلم يحضرنا علم ذلك الساعة. قال سحنون: إذا قالا: إن عندنا سبب ذلك، فأخرنا نتذكر. فله أن يؤخرهما اليوم ونحوه، إذا كان شهيدين عدلين، ولو لم يقل الشاهد: عندي سبب من ذلك، ولكنه قال: ما أذكر الساعة، وما أعلم، وأخرني. فتذكر، فذلك له. وقد سأل القاضي القسم، وقد شهد عنده عن شيء في الشهادة، فقال: لا أذكر، ثم رجع من بعض الطريق إلى القاضي، فذكر، فقبل القاضي شهادته، وقد اختلف قول مالك في هذا، قال سحنون في كتاب ابنه: وأخبرني ابن نافع، أن شهادته جائزة، جاء بها في قرب ذلك، ولكن الشاهد مبرزا في العدالة؛ لأن القاضي قد أجاز شهادة القاسم لعدله وفضله، فأرى إذا كان عدلا مبرزا أن يمهله القاضي اليوم ونحوه، ويجيز شهادته إن ذكر شيئا. [8/ 56]
في كشف القاضي عن البينة، وفيمن يشكف له
قال محمد بن عبد الحكم: وأرى أن يجعل نسخة في ديوانه، ونسخة/ بيد الطالب، يطبع عليها ليخاصم بها، فإذا أراد الحكم: أخرج التي في ديوانه فقابل بها، وحكم عليه. قال أبو محمد: وبلغني عن بعض القضاة، وهو ابن طالب، أنه ربما كتب المحضر الذي فيه الشهادة نسختين، فيجعل واحدة في ديوانه، ويعطي للمشهود عليه؛ ليقف على ما شهد عليه به لهما، ويبحث عن منافعه فيه وحجته، وأظن ذلك في الأمر المشكل، وما يحتاج إلى الفحص عنه، والنظر فيه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ولا بأس إذا كان شيء يتشاجر فيه، ويختلط أمره، ويطول فيه الخصوم، ولا يجد سبيلا إلى معرفته إلا بمعاينة: أن يركب القاضي إليه حتى ينظر إليه مع الناس، وقد يكون هذا الشيء من الغرر وشبهه. وقد فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أشكل الأمر ولم تتحقق صيغته. وشهادة البينة بغير محضر الخصم، فالكلام مستوعب في كتاب الأقضية. في كشف القاضي عن البينة، وفيمن يكشف له في المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال أشهب: وينبغي للقاضي أن يتخذ رجلا صالحا مأمونا متنبها، أو رجلين بهذه الصفة، فيسألان عن الشهود في السر في مساكنهم، وأعمالهم. قال سحنون: ولا يكلف ذلك إلا من يثق به بدينه، وعقله، وأمانته، واحتياطه، ومن هو منه على يقين في حسن نظره لنفسه في دينه، وما حمل من ذلك، فطن غير مخدوع، فربما زكى/ الفاضل من ليس بعدل لقلة نظره، وإن كانا رجلين، فهو أحسن، وإن قدر أن لا يعرف من يسأل له، فذلك حسن. [8/ 57]
قال في كتاب ابنه: وإن جاءه تزكية رجل من رجل عنده ثقة، وأتاه عن ثقة آخر: أنه غير عدل، أعاد المسألة، فإذا اجتمع رجلان على التزكية فطنان متنبهان غير مخدوعين، أمضى ذلك، ولا يأخذ بقول رجل واحد على الفساد، وإن اجتمع نفر على التزكية، واجتمع رجلان على الفساد، أخذ بقولهما إن كان عدلين مبرزين. وهذا كله يحكيه ابن سحنون، عن أبيه. ومن المجموعة: قال أشهب: ولا ينبغي للمكشف أن يسأل رجلا واحدا أو اثنين، وليسأل الثلاثة والأربعة أو أكثر إن قدر، ومثله من أول الكلام عن ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، إلا أنهما قالا: ولكن يسأل الاثنين والثلاثة، ولا يقتصر على سؤال واحد. قال أشهب في المجموعة: حيف أن يزكيه من أهل وده، بخلاف ما يعلمه عليه اثنان وثلاثة من غيرهم، ويسأل عنه عدولا، فيجرحه، قال: لا ينبغي للقاضي أن يضع أذنه للناس في الناس حتى يقبل كل ما أتوا به، فإن عداوة بعضهم لبعض تحملهم على ذلك، وقد لا يعلم بعدواته أداه، ومنهم من يدمن من يقول، ثم يصدق هو قوله، ومنهم من يتخذ ذلك صناعة ليستأكل الناس به، ومنهم من يأتيه على النصرة، فلا يقبل شيئا من هذا قبولا يعتقد عليه، ولكن يعي ذلك، ثم يكشف عن المقول/ ذلك فيه، وعن عداوة إن كانت. قال الله سبحانه "فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة". قال: وإن بعث القاضي إلى من لا يشك في عدله من العلماء ببلدة، فجمع منهم أئمة وسألهم عن معرفتهم بالناس، فما اجتمعوا عليه منهم من أهل العدالة، استجاز شهادته، ومن لم يعرفوه عدله له من قد عرفوه، رأيت ذلك حسنا. قال محمد بن عبد الحكم: ومن الناس من لا يحتاج أن يسأل عنه لاشتهار عدالته، ومنهم من لا يسأل عنه لشهرته بغير العدالة، وإنما يسأل عن ما أشكل [8/ 58]
عليه، وقد شهد ابن أبي حازم عند قاضي المدينة أو عاملها، فقال: أما الاسم فاسم عدل، ولكن من يعرف أنك ابن أبي حازم؟ فأعجب ذلك مشايخنا. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: ولا يكتب في الكشف عن ما لا يعرف إلى إلا قاض يعرف حاله، ويثق باحتياطه، ويكون على يقين من حسن نظره في دينه، وما حمل من ذلك، فإن لم يكن عنده، فلا يكلفه ذلك، ولكن إن كان في الكورة رجال يرضى حالهم، ويأمن غفلتهم، كاتبهم، فإن لم يكن إلا واحد على هذه الصفة، كتب إليه، وقبل ما أتاه منه أو منهم، ويكتفي برسوله إليهم أو إليه إذا كان مأمونا، وإن سار الخصم بالكتاب، فلا يقبله منه إلا بشاهدين: أنه كتاب القاضي أو الأمين أو الأمناء المكتوب إليهم. وقاله ابن القاسم، وأصبغ، قالا: وينبغي إذا وثق بعدل الرجل وصلاحه ومعرفته بأهل مكانه، وبوجوه العدالة، أن يسأله عن الناس، فيعرف به من/ جهل عدالته وجرحته، وهذا كله من تعديل السر الذي ينبغي أن يفعله، وينبغي أن يكون مع ذلك تعديل العلانية، يدعو إلى ذلك المشهود له فذاك أقوى له، وقد يجزئ تعديل السر عن تعديل العلانية، ولا أحب أن يجتزئ بتعديل العلانية عن السر. وذكر في كتاب الشهادات بقية القول في التعديل والتجريح مستوعبا. قال ابن الماجشون، في القاضي يكتب إلى قاض بعدالة شاهد يشهد عند المكتوب إليه: فذلك جائز إن كان الشاهد من عمل الكاتب بعدالته، وكما لو كتب إليه أنه حكم، ويجتزئ في ذلك بقوله وحده، وسواء ابتدأه بالكتاب إليه بتعديله، أو سأله عنه المكتوب إليه، أو سأله في ذلك المشهود له أحدهما أو لم يسأله، وأما إن كان من غير عمله، فهو كغيره من الناس في تعديله، فإن كان هو ابتدأه بالسؤال عنه بمشافهة أو مكاتبة قبل وحده، وإن كان الكاتب هو المبتدئ بخبره بعدالته بمشافهة أو مكاتبة، فهو كمزكي واحد، ويلتمس مزكي [8/ 59]
فيمن يكلفه القاضي نظر العيب وقياس الجراح، أو يترجم عن الأعجمي، أو يحسب له تركة
آخر معه، وكل ما يبتدئ القاضي السؤال عنه، والكشف عن الأمور، فله أن يقبل فيه قول الواحد، وما لم يبتدئ هو، وإنما يبتدأ به إليه في ظاهر أو باطن، فلابد من شاهدين فيه، وإذا سأله المشهود له أن يرد عدالة شهوده إلى قاضي البلد الذين هم به، فلا يمكنه من ذلك، ولا تعدل البينة إلا حيث شهدت. وقاله كله مطرف، وأصبغ. وقاله ابن وهب، وذكر عدالة الغائب وتجريحه، / في باب كتب القضاة إلى القضاة. ومن كتاب ابن سحنون: وكان سحنون إذا شهد عنده الشاهد وهو معروف مشهور، قبل التزكية فيه، وإن لم يحضر، وإذا لم يكن مشهورا، لم يقبل التزكية إلا بمحضره في المشهور، ويكتب التزكية أسفل من الشهادة، ويكتب: زكي فلان فلانا بمحضره إن حضر، أو بغير محضره إن لم يحضر، في المشهور، ويحلي المزكين، ويصف مواضعهم وصناعتهم، كما يفعل في الشهود، ولا يقبل شهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر. وإذا زكي الرجل في العلانية عنده عدلا مشهورا بالعدالة، لم يسأل عنه في السر، وإذا كان في البينة من يعرفه بالعدالة، قال للمدعي: زك شهودك، إلا فلان. وكان يسأل عن المزكين في السر، وكان يقبل قول من يثق به، ومن يتولى له الكشف، ولا يولي ذلك إلا من يعرفه بالدين والعدالة. فيمن يكلفه القاضي نظر العيب، وقياس الجراح، أو يترجم عن الأعجمي، أو يحسب له تركته، أو يقوم له قيمة، هل يقبل قوله وحده؟ وقول القائف الواحد ومن العتبية: قال أشهب، ابن نافع، عن مالك، في القاضي يأتيه القوم بينهم خصومة في قسم، فيولي رجلا حساب ذلك، ثقة عنده، فيخبره بما صار [8/ 60]
لكل واحد، هل عليه أن يقف من ذلك على ما وقف أو ينفذ قوله؟ قال: ليس عليه تفتيش هذا، ونرجو أن يكون من ذلك في سعة إن كان الرجل عدلا، وليدع / الورثة إلى الرضا برجل، ثم يوليه حسابهم، وقالا عن مالك: قال ابن حبيب مثله. عن مطرف، وابن الماجشون: إذا اختصم إليه من لا يتكلم بالعربية، ولا يفقه كلامه، فليترجم له عنهم رجل ثقة مسلم مأمون، واثنان أحب إلينا، والواحد يجزئ، ولا تقبل ترجمة كافر أو عبد أو مسخوط، ولا بأس أن تقبل ترجمة امرأة إذا كانت عدلة. قال مطرف، وابن الماجشون: إذا لم يجد من الرجال من يترجم له: قالوا: إذا كان ذلك مما تقبل فيه شهادة النساء، وامرأتان ورجل أحب إلينا. قال أشهب في المجموعة: أو رجلان، ولأنه موضع شهادة. قال سحنون في كتاب ابنه، والمجموعة: لا تقبل ترجمة النساء، ولا ترجمةرجل واحد، ولا ترجمة من لا تجوز شهادته؛ لأن ما لم يفهم، كالغائب عنه. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يترجم له عن الخصم الآخر إلا عدل. وإذا أقر عنده بشيء، فأحب إلي أن يجعل شاهدين على إقراره، يحكيان ذلك عنه، وأما في غير ذلك، فواحد يجزئ، والاثنين أحب إلينا. قال في العتبية سأل ابن كنانة مالكا عن القاضي يتخذ لقياس جراحات الناس، أيجزئ فيه رجل واحد؟ قال: إن وجد عدلين فليجعلهما، وإن لم يجد إلا رجل، أجزأه إن كان عدلا. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: أما ما اختصم فيه في عيوب العبيد، أو عيوب الإماء التي لا تطلع عليها إلا النساء، ولم يفت العبد ولا الأمة، فليبعثه [8/ 61]
إلى يرضاه أو يثق بنظره بالعيب وغيره من السعاف، والطحال، والبرص المشكوك فيه/، وله أن يأخذ في ذلك بمخبر واحد، وبقول الطبيب وإن كان على غير الإسلام؛ إذ ليس على وجه الشهادة، ولكنه علم يأخذه عمن يبصره من مرضي أو مسخوط واحد أو اثنين، وإن غاب العبد، أو مات، لم يقبل في ذلك إلا ما يقبل في الشهادات، وكذلك عيوبه؛ لأنه يكتفي بقول من يرضى من النساء، وإن كانت امرأة واحدة لا اثنتين على جهة الشهادة، وإن فاتت الأمة، لم يقبل إلا امرأتين بمعنى الشهادة، وذلك فيما هو من عيوبهن تحت الثياب من البرص والقرنه .. والعذرة والنفاس، والعيوب الباطنة، والمرأتين في هذا كرجلين، والقائس في الجراح يجزئ منه الواحد إذا أمره الإمام بنظر الشجة أو الجراح وعورها، وما اسمها، وأحب إلي أن ينصب لمثل هذا عدلا، وإن لم ينصب أحدا، اكتفى بأن يرسل المجروح إلى من يرضاه ويثق بنظره، وإن لم يجد إلا طبيبا فهو كما ذكرن في العيوب، وأما ما قلت، فلا يقبل فيه إلا ما يقبل في الشهادة، وقد أفردنا لشهادة القاسم والكاتب بابا. من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: ولا يقطع السارق بتقويم رجل واحد للمسروق حتى يقوماه عدلان، قال أشهب عن مالك: وكذلك لا يؤخذ بقول قائف واحد، قال أشهب: ولا يقبل إلا من عدل من القافة. قال أشهب: وتجوز شهادة القائف الواحد إن لم يجد غيره، فإن وجد غيره، لم يجز إلا شهادة اثنين. وروى مالك بن خالد عن/ ابن القاسم، في العتبية أنه يقبل شهادة الغائب الواحد، قال ابن القاسم: وقد اختلف فيه. [8/ 62]
في الخصم يلد أو يشتم القاضي أو الشاهد، هل يؤدب على ذلك؟
وقال مالك: لا يقبل إلا اثنان. وقد ذكرنا قول القاسم بين الورثة والكاتب للقاضي، وشهادتهما إلا فيما وليا في باب مفرد. في الخصم يلد أو يشتم القاضي أو الشاهد هل يؤدب على ذلك؟ من المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك في الذي يتناول القاضي بالكلام. يقول: ظلمني: قال ذلك يختلف. ولم يفسره. ووجه قوله: أنه إذا أراد بذلك أذاه، وكان القاضي من أهل الفضل، فله أن يعاقبه، ولقد تخاصم أهل الشرق في الأذى. وفي كتاب ابن المواز نحوه. محمد: وكذلك إن أبى مما قضى عليه. قال سحنون في المجموعة: ويؤدبه القاضي لنفسه، ولا يرفعه إلى الإمام. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ينبغي للقاضي إن لمزه أحد الخصوم بما يكره، أن يؤدبه، ويعزر نفسه، فإن تعزيز سلطان الله من تعزيز الله تعالى، والأدب في مثل هذا أمثل من العفو، وليخف الناس بلزوم الحق واتباعه، فلا شيء أخوف لهم من إبداء الحق على أهوائهم. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: إذا لم أحد الخصمين لصاحبه، فعرف بذلك القاضي، قال: إذا تبين منه ونهاه فأرى أن يعاقبه. قال ابن سحنون: وكان سحنون إذا تبين له لداد أحد الخصمين، وسمع الكذبعلى خصمه ولم يأخذ مخرجه، ضربه، وربما سجنه. قال ابن المواز/: يعاقبه بالسوط، والسجن. [8/ 63]
قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: إذ شتم الخصم صاحبه، يقول: يا فاجر، يا ظالم، ونحو ذلك، فيلزجر ويضرب على مثل هذا، ما لم يكن فلتة من ذي مروءة، فليتجاف عن ضربه حتى يكون جلوسهم عنده بدعة حسنة وصمت ووقار وحلم، فإنه من لم ينصف الناس في أعراضهم، لم ينصفهم في أقوالهم. قال سحنون، في كتاب ابنه، والمجموعة: إذا تناول الخصم أحد الشاهدين بما لايصلح؛ يقول: شهدتم علي بزور، أو بما يسألكم الله عنه. أو يقول: ما أنت من أهل العدل، ولا من أهل الدين. فلا يمكن الخصم من هذا لأهل الفضل، والقدر، والعدالة، ويكون أيضا على قدر القائل والمقول له؛ فمنهم معروف بالأذى، معاود له، فأدبه بقدر جرمه، وشدة ما انتهك من حرمة الرجل على قدر الرجل المنتهك حرمته في فضله وعدالته، وعلى قدر الشاتم في أذى الناس، وما عرف منه، وإن كان ممن ذلك منه فلتة، أو زلة، وهو من أهل الفضل، وكانت ضارها، فليتجاف عنه، ويشدد عليه، وليتقدم إليهم في ذلك، وذلك بعد التقدمة أبين وأشد. قال ابن كنانة، في المجموعة: إذا قال الخصم لشاهد: شهدت علي بالزور. فإن عنى أن ما شهدت به علي باطل، فلا يعاقب، وإن كان إنما قصد أذاه، والشهرة له، نكله الإمام بقدر حال الشاهد والمشهود عليه. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الخصم للقاضي: اتق الله. فلا ينبغي، ولا يضيق بذلك، ولا يكثر/ عليه، وليتثبت، وينظر، ويجيبه صوابا لينا، مثل أن يقول: رزقني الله تقواه. أو يقول: ما أمرت إلا بخير، وعلينا وعليك أن نتقي الله. وليبين له من أين يحكم؟ وكذلك لو قال له: اذكر الله. فإن بان له أمر، فقال له: إن من تقواي الله أن آخذ منك الحق إذا بان لي. أو يقول: ولولا تقوى الله ما حكمت عليك. من غير أن يظهر عليه لذلك غضب. [8/ 64]
في القاضي وما يحكم فيه بعلمه أو بما أقر به الخصم عنده أو ما يرى
في القاضي وما يحكم فيه بعلمه أو بما أقر به الخصم عنده أو ما يرى، وشهادة البينة تشهد أن فلانا القاضي حكم بشهادتهما ومن المجموعة قال أشهب: عن مالك، في القاضي تكون عنده شهادة الرجل، فإن لا يقضي بشهادته. وقال عنه ابن القاسم: وإذا رأى حدا من حدود الله تعالى، فلا يقمه بعلمه، وكذلك إن كان معه غيره، ولا يتم الحكم إلا به، فلا يقمه، وليرفع ذلك إلى غيره، ويكون شاهدا. قال ابن كنانة: إذا سمع قاض بالرجل، أو رأى رجلا سكرانا، فليرفع ذلك إلى غيره، ثم شهد، وكذلك إن كان معه رابع أربعة في الزنى. وقاله أشهب. وإن كان أربعة سواه، أقام الحد هو. ومن كتاب ابن سحنون، وابن وهب: أن الصديق، رضي الله عنه، قال: لو رأيت رجلا على حد من حدود الله، ما أحدته، ولا دعوت إليه حتى يكون معي غيري. قال أصبغ في كتابه: لا يقضي بعلم علمه قبل أن يلي، أو بعد، وإن كان في مجلس قضائه. وقاله/ مالك: فأما إذا جلس الخصمان إليه، فأقر أحدهما بشيء، وسمعه، فجائز له أن يقضي به بينهما، ولو كان غير هذا لاحتاج إلى أن يحضر معه شاهدين أبدا يشهدان على الناس. وكذلك قال ابن الماجشون في المجموعة، وبه يأخذ سحنون. ومن كتاب ابن المواز، وغيره: قال ابن القاسم، وأشهب: لا يقضي القاضي بذلك، لا بما أقر عنده في مجلس القضاء، أو غيره، لا في حد ولا في غيره. محمد بن المواز: وليس بين أصحاب مالك في هذا اختلاف علمناه. وقاله مالك. قلت: أفيشهد بذلك عليه عند غيره؟ قال: أما شهادة عنده عليه غير [8/ 65]
الإقرار في المخاصمة، فليرفع ذلك، ولم أر أنه يقضي بها، وأما إقراره عنده في المخاصمة، فاختلف فيه قول ابن القاسم؛ فقال: لا يجوز وإن عزل. وقال: يجوز. والأول أحب إلينا؛ لأنه كأنه يثبت حكم نفسه، فإن جهل فأنفذ عليه هو حكمه بما أقر به عنده في مجلس الحكم، ولو شهد عليه بذلك غيره، فلينقض هو ذلك ما لم يعزل، فأما غيره من القضاة، فلا أحب له نقضه في الإقرار خاصة في مجلس، وأما ما كان من ذلك قبل أن يستقضي، أو رآه، وهو رآه. وهو قاض نفسه، أو سمعه من طلاق، أو زنى، أو غصب، أو أخذ مال وهو قاض، أو قبل القضاء، فلا ينفذ منه شيء، فإن نفذ منه شيء، فلا ينفذه أحد غيره من الحكام، ولينقضه، وإن كان عنده في إقراره قوم عدول، فإنه يؤخذ بما كان للناس، وقد اختلف فيما كان لله تبارك وتعالي، فقيل: لا يقبل/ منه رجوعه إلا يعذر بين. وقيل: يقبل منه. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن رآه الخليفة على حد، رفعه إلى قاضيه، وكل ما ذكر من أول المسألة، عن ابن القاسم، روي مثله عيسى بن دينار عنه. قال أشهب في كتاب محمد: لا يقام هذا الحد أبدا، وأراه عذرا. قال عبد الملك في المجموعة، وكتاب ابن المواز: وينبغي أن يشهد بما فيه شاهد عند أمثاله من أمير له، أو قاض، أو من تحته، وقد تحاكم عمر رضي الله عنه، إلى أبي، حكم عليه باليمين، فأخذ يحلف في سواك في يديه: إن هذا من أراك. ليري إباحة اليمين للمحق. قال في كتاب ابن المواز: وإذا أخذ صاحب الشرط سكرانا، فسجنه، وشهد عليه هو وآخر معه، فلا تجوز شهادته؛ لأنه صار خصما، ولو رفعه قبل سجنه، جازت شهادته عليه إن كان عدلا مع آخر، وإن شهد السلطان وآخر [8/ 66]
معه: إن هذا سرق متاعا لهذا السلطان، ولابنه أو لغيره، فلا يقطعه، وليرفعه إلى من فوقه، أو إلى من ليس ولايته من قبله، وإن شهد رجلان سواه أنه سرق متاع السلطان، قطعه، ولم يعرف حتى يرفعه إلى غيره. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا رأى القاضي في غير مصره شيئا من حقوق الناس، أو رآه في مصره، فلا يقضي فيه إلا أن تشهد عليه بينة غيره عنده في مصره الذي ينفذ فيه حكمه، أو شهد هو به مع غيره عنده من هو فوقه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك: وإن سمع قاذفا برجل ومعه غيره، أقام عليه حد الفرية/، ولم يجز عفو عن القاذف إلا أن يريد سترا. وقد روي عن مالك، في غير المجموعة: أنه يقبل عفوه، وإن لم يرد سترا، وأما في الأب، فيقبل عفوه فيه على كل حال. قال ابن القاسم: وإن رأى من يغتصب مالا، فلا يحكم عليه وهو شاهد، فإن كان معه آخر، فلا يحكم إلا بشاهده مع يمينه، وإن لم يكن غيره، شهد له عند غيره، وحلف معه. ومن كتاب ابن سحنون: عن أبيه: وإذا وجد القاضي في ديوانه صحيفة فيها شهادة بينة لا يحفظ أنهم شهدوا عنده، فليقض بذلك بعد أن يكون فيها من الصفة ما وصفت لك في قمطره وتحت خاتمه وخط يده، وإلا أضر ذلك بالناس، وهذا مذكور في باب بعد هذا. ومن المجموعة: قال مالك، وابن القاسم، وأشهب: الإقرار عند القاضي في سلطانه، أو قبل سلطانه سواء وكذلك في إقرار الخصوم عنده، لا يحكم بشيء من ذلك. قال أشهب: وإن ما وجد في ديوانه مكتوبا من إقرار الخصوم عنده، فإن قامت على ذلك بينة، أنفذها، وإن لم يكن إلا هو وكاتب عدل، شهدا عند من هو فوقه، فأجازه، وإن وجده قضى بشهادته مع يمين الطالب. [8/ 67]
وقال ابن الماجشون نحو ما ذكرنا عن أصبغ في كتابه قبل هذا: أنه لا يحكم بعلمه قبل أن يلي أو بعد مما يرى أو يسمع من العلم؛ لأنه كالشاهد لنفسه؛ إذ يمضي بشهادته نفسه، فأما ما أقر به الخصوم عنده في خصومتهم، ليقض به، قال سحنون: هذا أحب إلي/ من قول ابن القاسم، وأشهب. قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا رأى القاضي وهو في مجلس القضاء أو غيره، أو قبل أن يلي من يغصب رجل مالا، أو يقذفه، أو يعقد معه بيعا، أو يجرحه، أو يقتله، أو يعتق، أو ينكح، فهو شاهد في هذا كله ولا ينفذه، وليشهد به عنده غيره، فيقضي له إن كان معه غيره. قال ابن حبيب، عن ابن الماجشون نحو ما ذكر عنه ابن عبدوس، وقال فيما علمه في غير مجلس قضائه: إن لم يكن أمير فوقه، ولا وال تحته، ولا صاحب شرطة، ولا أمير يحكم بين الناس، فلا بأس أن يرفع ذلك إلى رجل من رعيته. وقال: وإن أبي المطلوب أن يواضعه عند من رأى القاضي أو يواضعه عنده، وليس بالبلد ناظرا غيره، فواجب أن يجبر الخصمين على التراضي برجل يتحاكمان إليه، ثم يضع شهادته عنده، فيحكم بما ظهر، وأما ما أقر به الخصوم في مجلسه، فله هو أن يحكم به. قال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب، والمجموعة: وقاله ابن المواز، وأما معرفته للشاهد بجرحة أو عدالة، فلينفذه بعلمه. وقاله ابن كنانة، ولا يكلف من علم عدالته تعديلا. قال ابن الماجشون: وإذا علم من الشاهد جرحة، وعدله عنده المعدلون، فلا يقبله بحال، لأنه مما إليه خاصة، كما يمضي علمه بعدالته. وقاله أشهب. وقال: وأحب إلي أن يرفع شهادته إلى من هو فوقه، فيخبره فيه بعلمه، فيكون شاهدا عليه عند غيره، فتجوز شهادته عند المرفوع إليه، أو تسقط؛ لأن إسقاطه الرجل/ بعلمه يستشفع عليه، ولا ينبغي له أن يكون حكما بشهادته. قال ابن الماجشون في الكتابين: ولو كان لا ينفذ في التجريح والتزكية عليه [8/ 68]
ما أجاز عدلا ولا مسخوطا إلا بشاهدين، ولا أجاز الشاهدان إلا بشاهدين، فاستحال الأمر وبطل. قال ابن القاسم، وابن كنانة، في المجموعة: إذا علم منه الجرحة يأتي بمعدل، ولا يقبله منه. وقاله ابن القاسم في المجموعة، وقاله أصبغ في كتاب ابن المواز وكتاب ابن حبيب، ومعنى ذلك: إذا شهد عنده بحدثان ما علم منه، فأما إن طال زمان ذلك وتقادم، فلا يطرح شهادته بما علم منه، فلعله قد تاب اجتهد في الخير، وكذلك في العتبية، في رواية عيسى، قال عيسى: معناه مثل ما قال أصبغ سواء. قال سحنون في كتاب السير: لو شهد عندي عدلان مشهوران بالعدالة، وأنا أعلم بخلاف ما شهدا به، لم يجز لي أن أحكم بشهادتهما، ولم يجز لي ردها لظاهر عدالتهم، ولكن أرفع ذلك إلى الأمير الذي هو فوقي، وأشهب بما علمت، وغيري بما علم، فيرى رأيه. ولو شهد شاهدان ليسا بعدلين على أمر علم أنه حق، فلا يقضي بشهادتهما؛ لأني أقول في كتاب حكم: بعد أن صحت عندي عدالتهما، وإنما صحت عندي جرحتهما. وقال عبد الملك في المجموعة: ولو شهد عند الحكام شاهدان؛/ إما مجرحان، وإما من لا يقبلهما إلا بتعديل فيما يعلم القاضي أنه الحق، فلا ينفع ذلك علمه بأن ذلك حق، وليكلفه التعديل، وأما إن شهد عدلان فيما يعلم أنه باطل، إما وهما أو غلطا، فلا ينبغي له أن يمضي باطلا بعلمه، ولا يبطل الشهادة، ولكن يرفع علمه إلى غيره من الحكام، فيؤدي له شهادته. وقاله ابن كنانة، وكذلك في كتاب ابن حبيب، عن ابن الماجشون. [8/ 69]
ومن كتاب ابن المواز: قلت: إذا شهد عنده عدول في أمر يعلم خلاف ما شهدوا به أيتوقف؟ قال: وقوفه رد لشهادة العدول، ولكن تنفذ شهادتهم بعد الانتظار اليسير، واستحسن لو خلا بهم، فأعلمهم بعلمه وشهادته، فلعله ينكشف لهم أو له ما وراء ذلك، فإن لم يكن ذلك، فليحكم بشهادتهم، وليعلم المشهود عليه أن له عنده شهادة، فيرفع ذلك المحكوم عليه إلى من فوقه، فإن لم يكن له أحد إلا تحته، فقول أشهب: إنه لا يجيز رفع ذلك إلى من تحته. وأجاز ذلك عبد الملك، واحتج بفعل عمر، رضي الله عنه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد عنده عدل معروف بالعدالة، والقاضي يعلم أنه شهد بباطل، وأن الحق غير ما شهد به، فلا يحكم بذلك، ولا يبطل الشهادة، وليرفع القاضي شهادته إلى غيره، ويشهد بتلك الشهادة للقائم بها. قال أبو محمد: قوله: إنه شهد بباطل. ليس يعني أن القاضي علم جرحة فيه، ولا تعمد كذبا، ولكن القاضي قال ذلك الحق بوجه ما، ولو علم منه جرحة، لجاز له أن يسقط شهادته بعلمه/، إلا ما استحسن أشهب فيما تقدم ذكره. قال في المجموعة المغيرة وأشهب في البينة تشهد بحق لرجل، والقاضي يعلم بينهما غيره. وقال أشهب: فيشهد عنده بما يعلم. قيل لهما: فلو جاز للقاضي أن لا يأخذ له بينة إذا علم أنه مبطل، ولم يجز له أن يعطي بعلمه إذا لم يعلم ذلك غيره؛ فقالا: لأن القاضي يجوز له أن يترك القضاء بعلمه، ولا يجوز له أن يحكم في شيء لأحد على أحد بعلمه، الذي قامت له البينة بحقه لا يقول: نزع مني حقي، وإنما يقول: لم يقض لي بحقي. وأما ما يجده القاضي في ديوانه من إقرار وشهادة، فمكتوب في باب بعد هذا. وفي القاضي يقول: قد حكمت لفلان، ولا يعرف ذلك إلا من قوله. ومن المجموعة: قال ابن القاسم، في شهيدين شهدا عند القاضي أن فلانا الذي كان قاضيا، وقد مات أو عزل، قد قضى لهذا الرجل بكذا وكذا بشهادتنا، [8/ 70]
في شهادة كاتب القاضي على ما كتب، وأمينه على ما ائتمن عليه، ومن أمره بالقسم على قسمه
وأشهدنا على قضائه: أن شهادتهما جائزة في هذا كله إن كانا عدلين، ويصير كشهادة مبتدأة. في شهادة كاتب القاضي على ما كتب، وأمينه على ما ائتمن عليه، ومن أمره بالقسم على قسمه، وشهادة الطالب على شهادة من شهد عند القاضي في ديوانه، أو على حكم حكم به من المجموعة: قال أشهب: وإذا ملك ما في ديوان القاضي/ بشهادة رجلين لرجل، ومن يد الرجل، فشهد كاتبان للقاضي، أو غيرهما على شهادة الشاهدين بذلك، فلينفذها، إلا أن يكون الشاهدان حاضرين، فليعدهما حتى يشهدا. قال ابن القاسم: وإن شهد القسام فيما قسموا، لم تجز شهادتهما، كالقاضي يشهد على حكمه. قال سحنون: تجوز شهادة كاتب القاضي في قضاء كتبه بيده، عزل عن الكتابة أو لم يعزل، يقول: كتبته بيدي إذا كنت كاتبا، أو: أنا شاهد على ما فيه، بخلاف قسام القاضي، أولئك يشهدون على فعل أنفسهم، وكذلك في كتاب ابن المواز، يشهد الكاتب وهو كاتب، أو بعدما عزل في الإقرار في مجلس الحكم، وفي شهادة عنده، بخلاف القسام. [8/ 71]
قال عبد الملك في المجموعة في من أقام شاهدا من كتاب الحكام، أنه كتب شهادة رجل، قال: ذلك يجوز، كأنه شاهد على شاهد إن كان عليه آخر، وإن لم يكن، قال له: اشهد. فقد قال مثل ذلك حين جاء يشهد، فكأنه أشهده، فإذا كان معه شاهد على معرفة خط الشاهد، أو بإشهاد من الشاهد له حيي الشاهد، ولا ينقل ذلك واحد. قال ابن المواز: اختلف قول مالك، في الشهادة على خط الشاهد؛ فقال: لا يقضي بذلك كما لو سمعه يذكر شهادته، ولم يقل: اشهد على شهادتي. وعلى هذا أكثر أصحابه. وقال أيضا، إنه يحكم بذلك. والأول أحب إلينا. وهذا مستوعب في كتاب الشهادات. ومن المجموعة: قال عبد الملك، في المحلف الذي يرتزق، والقاسم الذي/ يؤاجر، شهادتهما جائزة فيما توليا. قال ابن القاسم، في قوم كتب إليهم القاضي، أنه قضى لرجل بأرض، وسمى لهم البينة الذين حكم بهم، وأمرهم أن يحضروا البينة ليحدوا الأرض، ويدفعوها إلى المقضي له بها، فيفعلوا، ثم يعزل القاضي، أو يموت، فليشهد أولئك أنهم أنفذوا للمقضي له كتاب القاضي بالقضاء في تلك الأرض، ودفعوها إليه كما أمرهم، فلا تجوز شهادتهم، وهم كقاض كتب إليه قاض أنه قضى لفلان، فلا تجوز شهادته حتى يكون قد أشهد على إنفاذ ذلك شهودا غيره، وكذلك وكلاؤهم بمنزلة قضاة معه، قال: ولو أنفذوا كتابه، فلما عزل، وولي غيره، قام من أخرجت الأرض من يده، قال: ومن يعلم أن القاضي كتب ذلك الكتاب، قال: فإما الحاضر لذلك، ولم يدفع ولا تكلف، فهو يقضي به عليهم، لجاز علمه، فذلك [8/ 72]
جائز عليه، وأما الغائب، والصغير، والضعيف؛ فإنه ينظر فيه، فإن كان قد طالت به الحيازة حتى يرى أن قد مات شهوده، وغابوا، فذلك جائز عليه، وإن كان بحدثان ذلك، فلا يجوز ذلك حتى يشهد أنك كاتب القاضي قد ثبت عندهم، أو يكون قد أشهدوا على ما أتاهم من القاضي بما ثبت عندهم بشهادة من شهد عندهم من إنفاذ القاضي لمن أنفذه، فيجوز، وذلك كما لو أشهد القاضي على ما يأتيه من كتب القضاة بما ثبت عنده فيها. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم: وتجوز شهادة القاسم الواحد على ما قسم؛ إذا كان القاضي قد بعثه/ لذلك، ونصبه للقسم، فما نقل من ذلك إلى القاضي فلينفذه بقوله إذا شهد بذلك عند هذا القاضي الذي أمره، وأما عند غيره، فلا يجوز وحده، ولا مع غيره، وكذلك يقبل قول الطبيب والعاقل فيما كلفه القاضي، وقول المرأة فيما ينظره النساء، وينفذه. وسحنون لا يجيز شهادة القاسم ولا قاسمين على قسمهما، قال: ولا يشهد أحد على فعل نفسه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وكذلك من أمره القاضي أن يحلف رجلا، فقال: قد حلفته. والطالب ينكر ذلك، فقوله نافذ، وكذلك شهادة كاتب القاضي فيما أمره أن يكتبه من أموره، ومثل العقل، والقسم، والإحلاف، والكتاب، والنظر إلى العيب، وشبهه فمأموره مقبول القول؛ لأنه كيده وكعقله. قال أبو محمد: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها فاستكفاه أمرا، وأمر بإنفاذه على ما علم. قال ابن الماجشون: ولا يضرهم ما يأخذون من الرزق؛ لأن الإمام أجرى لهم ذلك، كما يرتزق القاضي، وينفذ الأمور بقوله. وهذا المعنى مستوعب في باب من يكلفه القاضي نظر العيوب. [8/ 73]
في القاضي يحكم لنفسه أو لولده أو لمن يتهم عليه، وكيف إن حكم بشهادتهم وتعلم عدالته
في القاضي يحكم لنفسه أو لولده أو لمن يتهم عليه، وكيف إن حكم بشهادتهم وهو تعلم عدالته؟ من المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال أشهب: لا يجوز قضاء القاضي إلا فيما تجوز فيه شهادته، ولا يجوز أن يقضي لنفسه، ولا لزوجته، ولا لولده، ولا لولد ولده،/ قال سحنون: من قبل الرجال والنساء، ولا لأمه، ولا لأبيه، قالا: ولا لأجداده. قال سحنون: من قبل الرجال النساء. قالا: ولا لمكائبه، ولا لمدبره، وأم ولده. قال أشهب: وتجوز لمن سواهم من قرابته. قال سحنون: وأصل هذا أن من لا تجوز شهادته عليه، فلا يجوز أن يقضي عليه، ولا أن يحكم برد شهادته، ولينفذ شهادته غيره إذا ولي في ذلك الشيء وفي غيره. وقاله ابن المواز، إذا ثبت أن بينه وبين القاضي الذي رد شهادته عداوة. قال ابن سحنون عن أبيه: يجوز قضاؤه لأخيه، وعمه، وابن أخيه، وابن أخته، ابن عمه، وخاله، وابن خاله، وكل رحم من رضاع أو نسب مما تجوز شاهدتهم، وما لا تجوز فيه شهادته لهم، فقضاؤه لا يجوز لهم فيه. وقال ابن المواز مثله، إلا أنه قال في أخيه وعمه: إن كان القاضي بين العدالة مبرزا جاز قضاؤه. وقال ابن المواز: إذا حكم القاضي، فأقام المحكوم عليه بينة أن القاضي عدو له، فلا يجوز قضاؤه عليه. قيل: هل يصلح أن يقضي بين ولده وخصم ولده؟ قال: لا يصلح أن يقضي له، ولا لمن لا يجوز أن يشهد له، وأما من يشهد له، فيجوز أن يحكم له في الحقوق ما لم يعظم ذلك جدا، ولا يجوز في قصاص. [8/ 74]
وقال ابن حبيب: قال مطرف: وكل من لا يجوز للحاكم أن يشهد له، فلا يجوز حكمه له، وهم الآباء، وإن بعدوا، والأبناء وإن سفلوا، وزوجته، ويتيمه الذي يلي هو ماله. قال ابن الماجشون: يجوز حكمه لمن لا يجوز له شهادته؛ من أب وابن، إلا ولده الصغير،/ أو يتيما، أو زوجته، فأما غير هؤلاء الثلاثة، فحكمه له وعليه جائز؛ وقال أصبغ مثل قول مطرف إذا قال: ثبت عندي. ولا يدري أثبت أو لم يثبت، ولم يحضر الشهود، وكانت الشهادة ظاهرة لحق بين، فحكمه له جائز، ما عدا الثلاثة الذين ذكر ابن الماجشون، ورأيت في كتاب أصبغ، أنه يجوز قضاؤه لكل أحد وعليه، من ولاه مثله أو عليه، أو قرابة، أو ولد، أو زوجة، أو أخ، أو مكائب، أو مدبر، إذ صح الحكم، وكان من أهل القيام بالحق، لا من أهل التهم، وهو قد يحكم للخليفة وهو فوقه، فهو أتهم فيه لتوليته إياه، وحكمه له جائز. ثم قال في كتابه هذا: ولا ينبغي للقاضي أن يطلب حقا، أو يطلب هو له، أو أحد من عترته وخصمه وإن رضي الخصم، بخلاف رجلين رضيا بحكم أجنبي، فينفذ ذلك. وقال في موضع آخر: ينبغي أن يرفع ذلك إلى غيره، وإن رضي الخصم أن يقضي بينه وبين نفسه، فلا أحب ذلك للقاضي أن يفعله، فإن فعل، فليشهد على رضائه، ويحكم بالعدل ويجتهد، وإن قضى لنفسه أو لمن لا يجوز له قضاؤه، فليذكر في حكمه القصة كلها، ويذكر رضاه بالخصومة عنده، ويقوع شهادة من شهد برضائه، وإذا قضى في ذلك لنفسه، أو لمن لا يجوز له قضاؤه باختلاف من العلماء غير شاذ، فأحب له إن رأى أفضل منه أن يفسخ حكمه، فإن لم يفعل حتى مات، أو عزل، فلا يفسخه غيره إلا في خطأ بين، وإن حكم على نفسه، أو على من لا يجوز حكمه عليه، باختلاف غير شاذ/، فلا أحب له أن يفسخه؛ لأنه يتهم فيه. قال: وإذا رضى خصم القاضي أن يخاصم عنده، هل يوكل القاضي وكيلا يقوم بحجته؟ قال: يفعل من ذلك ما رآه أقرب إلى الحق، وأقطع للظنة. قال أيضا: ولا يجوز حكمه لنفسه بحال، ولا ينبغي أن يفعل ذلك برضاء الخصم أو بغير رضائه، كان خصمه مليا أو عديما. [8/ 75]
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا أخذ القاضي رجلا بسرقة، فله قطع يد سارقه، ولا يحكم عليه بالمال. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال في المجموعة: وكذلك في محارب قطع عليه الطريق، فليحكم عليه بحكم المحارب، ولا يرفعه إلى غيره، ولو جاء تائبا سقط عنه حكم الله سبحانه، ولا يستفيد السلطان منه إن خرجه إلا بإقراره، ولا بينة حتى يرفعه إلى فوقه، وكذلك لو كان السلطان أحد الشاهدين عليه بالحرابة وقطع الطريق عليه، وأخذ قبل أن يتوب، فلا بأس أن يقيم عليه حد الله سبحانه، وأحب إلي رفع ذلك إلى من فوقه. قال محمد ابن عبد الحكم: قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا سرق من بيت القاضي سارق، وقامت عليه بذلك عنده بينة، فله قطعه؛ لأنه حد الله سبحانه، قال محمد بن عبد الحكم: لا يقطعه، وليرفعه إلى من يجوز حكمه عليه، ألا ترى لو شهد هو وآخر على سرقته تلك، لم يجز أن يشهد لنفسه، وإن كان ذلك حدا من حدود الله سبحانه، وكرجل شهد هو وآخر على سرقة سرقت من أحدهما، وكما لا تجوز شهادته في غرم/ القيمة في ملإ السارق، فكذلك في هذا، ولو شهد اثنان على أنه سرق، فقالا للحكم: اقطعه ولا تقضي لنا بمال. قال سحنون في المجموعة، وكتاب ابنه: إذا سمع الإمام قوما سكارى في دار في طريقه، معهم المزامير والغناء، فينبغي له أن يأمر شرطة فيدخلون عليهم، ويخرجونهم، ويقيم عليهم ما يجب عليهم. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: إذا خاصم عنده خصمان له قبل أحدهما دين، فلا بأس أن يقضي بينهما، وإن كان غريمه مليا، وإن كان عديما، لم يجز له أن ينظر بينهما، والحكم بينهما، كالشهادة. قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا شهد عند القاضي أبوه، وابنه، ومن لا تجوز له شهادته، فله أن يسمع شهادته ويقبلها على علمه بعدالته إن علمه، بخلاف تعدليه إياه عند غيره. [8/ 76]
قال سحنون في العتبية: إذا شهد عنده ابنه أو ولد ولده، لم أر أن يجوز شهادتهما، إلا أن يكون مبرزين في العدالة، وبيان الفضل، فليجوزهما. قال أبو محمد: وقد جرى في باب ما يحكم فيه القاضي بعلمه من معاني هذا الباب، وتكرر فيه بعضه. قال ابن الماجشون، ومطرف، في القاضي يكون له قبل أحد شيء، أو يكون عليه لأحد، فليرفع ذلك إلى غيره، ويوكل من يخاصم عنه، أو يخاصم لنفسه، فإن رضى خصمه بحكمه في ذلك، فلا يقبل منه، ولا يقضي لنفسه، ولا يجوز ذلك، وإن أراد أن يقضي عليها، كان كالإقرار منه بدعوى خصمه عليه. تم الجزء الأول بحمد الله وعونه [8/ 77]
صفحة بيضاء
[الجزء الثاني من آداب القضاء]
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر الجزء الثاني من كتاب آداب القضاء في استخلاف القاضي ناظرا لعذر أو مرض أو سفر ورفعه الخصمين إلى العالم، وهل يقضي في سفره؟ وهل يسمع البينات؟ وهل يحكم بعد موت الأمير؟ وكيف إن نهاه أن يحكم في شيء معلوم؟ من المجموعة، وكتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون، ومطرف، وأصبغ، في قاضي الخليفة: ليس له استخلافه قاضيا مكانه إذا كان حاضرا يحكم، وكذلك إن عاقه ما يعوق من الشغل. قال في كتاب ابن حبيب: وإن عاقه ما يعوق من الشغل؛ لأنه هو القاضي المنفذ لأحكام الناس كلها، وأما إن سافر: قال في كتاب ابن حبيب: أو مرض، فله أن يجعل في مكانه من يقوم مقامه، وينفذ أموره، ثم لا يكون متعديا على من استقضاه، وإذا كان ذلك بأمر الخليفة وإذنه، فلا تبالي كان القاضي غائبا أو حاضرا أو مريضا أو صحيحا، ذلك جائز؛ وكأنه ولى قاضيين أحدهما فوق صاحبه. [8/ 79]
قال في كتاب ابن حبيب: فإن استخلف القاضي غيره لغير سفر، ولا مرض لم يجز ذلك. قال سحنون في كتاب ابنه، والمجموعة: لا يستخلف وإن مرض، أو سافر إلا بأمر الخليفة. قال: ولا يولي بعض أمور الخصوم حكما يحكم بينهم، فإن فعل، لم يجز قضاء الحاكم، إلا أن ينفذه القاضي، فيكون قضاء/ منه مؤتنف. ومن المجموعة: قيل لابن الماجشون، في قاض يستقضي على كور ثلاثة بينها في عهده، وهي مما لا يصلح لكل واحدة قاض، هل يستقضي غيره في أحدها، أم يدور عليها؟ فإذا ولاه خليفة واحدة من الكور قد استقضى الخليفة في مثلها قاضي، فكأنه أذن له أن يستقضي؛ إذ لا يمكنه أن يكون بجميعها، ولا يقسم زمانه بينها. قال عنه ابن حبيب، وابن عبدوس: فلو مات القاضي وقد استخلف مكانه رجلا، فقال له: سد مكاني، ونفذ ما كنت أصدرت فيه القضاء، واقض إلى أن تصرف أو تثبت. قال: لا قضاء له، ولا سلطان، وليس للقاضي أن يستخلف من يقضي بعد موته، قال: وإذا بعث القاضي خصمين إلى فقيه، وقال: انظر بينهما. فذلك جائز نافذ. وكأنه مشير أنفذ القاضي حكمه، وكأنما حكمه الخصمان أيضا، قبل مهما ما حكم به. ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: إذا مات الامام الاعظم، فلا بأس أن ينظر قضائه وحكامه حتى يعلموا رأي من بعده، وكذلك القاضي يوليه والي المصر، ثم يعزل الوالي، فهو قاض حتى يعزله الذي ولى بعده. قال أصبغ في القاضي يبعثه الإمام إلى بعض الأمصار، في بعض ما نابه من أمر العامة، فيأتيه رجل في ذلك المصر، فيذكر حقا له قبل رجل بعمله، وهو [8/ 80]
بجانب من عمله، فيريد منه سماع البينة عليه بهذا المصر، قال: ليسمع بينته ويكتبها، ويسأله تعديلهم، أو يسأل عنهم قاضي ذلك المصر، فإن ذكر له عدالتهم، اجتزأ بذلك، ولو اجتمع الخصمان/ عنده بهذا المصر، فليسمع بنيتهما، ويكتبها، فطلبا الخصوم عنده، والشيء الذي يخاصمان فيه في بلد هذا القاضي الغائب عن عمله، فلا ينظر بينهما، وخصومتهما إلى قاضي ذلك المصر الذي اجتمعا فيه، إلا أن يتراضيا على الأمر، كما يتراضيا على أجنبي مسلم عدل. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حج قاضي مصر أو غيرها، فيأتيه في سفره قوم من عمله، وطلبوا أن يسمع بينة على رجل من عمله، أو كانوا أوقعوا البينة عنده في عمله، فطلبوا الآن أن يكتب لهم بذلك إلى قاضي العراق، أو قاضي مكة، ويشهد عليه، أو يحكم بذلك الحق، ويشهد على حكمه، فليس له شيء من ذلك؛ لأنه ليس بوال على ذلك البلد، فليس له أن يسمع فيه بينة، ولا ينظر في بينة آخر، ولا يشهد على كتابه إلى قاضي بلد آخر إلا ببلده، وأما كشفه في غير بلده عن عدالة شاهد كان قد شهد عنده في عمله، فذلك له، ولا يشهد في كتاب يكتبه إلى قاضي البلد الذي هو به، ولو كتب قاضي مكة إلى قاضي مصر، وأشهد عليه، فرفع إلى قاضي مصر بمكة وقد قدم حاجا، فلا يسمع عليه البينة حتى يقدم مصر، وكذلك لو ولاه الخليفة مصر، فخرج إليهم، فلا يسمع البينة في طريقه على أحد من أهل مصر حتى يصر إليها. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان عمل القاضي واسعا، فينبغي أن يستأذن الأمير أن يولي على ما يرى من عمله من يحكم فيما لا يعظم من الأمور، إذا كان الموضع يشق على أهله الشخوص إلى موضع القاضي/ ممن ولاه، جاز حكمه، ويكون القاضي مستشرف عليهم، فيعزل من رأى عزله، وإن لم يأذن له الإمام في ذلك، لم يكن له أن يولي من يحكم، ولكن يجعل من يكاشفه في الكشف ونحوه. [8/ 81]
في حكم الوالي أو صاحب الشرطة أو صاحب السوق وولاة المياه في الدماء والحدود أو غيرها
قال سحنون، في العتبية: في القاضي يثبت عنده لرجل حق، فيريد التسجيل له بذلك، ويحضر الإمام خروج في عزو، فيأمره ألا ينظر لأحد حتى ينصرف، فيسجل له بعد نهي الإمام له. قال: أدى ذلك ماضيا. قال ابن حبيب: قال أصبغ في الخصمين يريد توجيه الحكم على أحدهما مما يتبين له، فيستغيث بالأمير، وهو جائر، فيأمره بترك النظر في ذلك، ويحجره فيه، هل يطيعه؟ قال: إن كان قد تواضعا عنده الحجج، ونظر حتى تبين له الحق، فلينفذ له الحكم، ولا ينظر إلى نهي الأمير، إلا أن يعزله رأسا، وإن كان في مبتدأ أمرهما قبل أن يتبين له حق أحدهما، فنهاه عن النظر بينهما، فلينتبه، ويدعهما. في حكم الوالي أو صاحب الشرطة أو صاحب السوق وولاة المياه في الدماء والحدود أو غيره هل يجوز؟ ومن المجموعة: قال ابن القاسم في والي الاسكندرية، إذا استقضى قاضيا، فقضى، أو قضى هو بشيء، فذلك كله ماض، إلا في جور بين. وكذلك والي الفسطاط أمير الصلاة: وقال: ولا يقيم العمل في/ الحدود ولاة المياه، وليجلب إلى الأمصار، ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط، أو يكتب إليه والي الفسطاط بإقامة ذلك. وقال أشهب: أما من ولي هذا الوالي على بعض المياه، وقد جعل ذلك إليه، فليقم الحد في القطع، والقتل، وغيره، وإن لم يجعله إليه، فلا يقيمه. وقال سحنون: لا أعرف أن يجعل هذه لولاة المياه، وهذه الأمور تعظم. قيل لسحنون: في كتاب ابنه، والمجموعة: أيجوز قضاء صاحب السوق في الأموال والأرضين، وللناس قاض، أو مات قاضيهم؟ قال: إن جعل ذلك إليه [8/ 82]
في الخصمين يرضيان بحكم رجل أو شهادته، أو يحكمان بينهما امرأة أو من لا يجوز حكمه
الأمير الذي يولي القضاة، وهو الأمير الكبير أمير الأمصار، مثل مصر، وإفريقية، والأندلس، جاز قضاؤه إن كان عدلا فقيها عالما، وإن لم يجعل ذلك إليه، فلا يجوز قضاؤه إلا فيما أذن له فيه، وإذا حكم الأمير الذي فوق القاضي بحكم، فكتب به إلى القاضي، فهو جائز أقضيتهم إلا أن يكونوا عدولا، ويقضون بصواب. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا كان الأمير مؤمرا، لم تفوض إليه الحكومة، فلا يجوز حكمه، وإن فعل لم ينفذ حتى يفوض إليه نصا، وإذا لم يكن مؤمرا، فهو كالخليفة إن حكمه مضى حكمه، إلا في جور أو خطإ بين، وإذا كان الأمير مؤمرا، قد فوض إليه/ الحكم مع الإمرة، فله أن يستقضي قاضيا، ويجوز حكمه وحكم قاضيه، وإذا لم يفوض إليه الحكم، لم يجز حكمه ولا استقضاؤه. وقاله مطرف، وأصبغ. في الخصمين يرضيان بحكم رجل أو شهادته أو يحكمان بينهما امرأة أو من لا يجوز حكمه في المجموعة: قال مالك في الرجلين حكما بينهما رجلا، فقضى بينهما، فقضاؤه جائز. قال ابن القاسم: وإن قضى بما يختلف فيه، ويرى القاضي خلافه، فلا ينقض، وحكمه ماض، إلا في جور بين. وكذلك ابن سحنون، عن سحنون. قال ابن القاسم: وإذا حكماه، وأقاما البينة عنده، ثم بدا لأحدهما قبل أن يحكم، قال: أرى أن يقضي بينهما، ويجوز حكمه. وقال ابن الماجشون: ليس لأحدهما أن يبدو له، كان ذلك قبل أن يقاعد صاحبه أو بعدما ناشبه الخصوم، وحكمه لازم لهما، كحكم السلطان، ومن غاب منهما أو كره، نظر لصاحبه كما ينظر السلطان في حق الغائب. ومنه، ومن كتاب [8/ 83]
ابن سحنون: وقال سحنون: إذا حكما بينهما أن يرجع في ذلك ما لم يمض الحكم فيه، فإذا أمضاه بينهما، فليس لأحدهما أن يرجع فيه. قال مطرف في كتاب ابن حبيب: له النزوع في ذلك في ابتداء أمرهما، وقبل نظر الحاكم بينهما في شيء، فأما بعد نشوئهما في الخصوم عنده، ونظره في شيء من أمرهما، فلا نزوع لواحد/ منهما، ويلزمها التمادي فيها، وقال أصبغ: كما ليس له إذا تواضعا الخصومة عند القاضي أن يوكل وكيلا، أو يعزل وكيلا له، وذكر عن ابن الماجشون مثل ما تقدم في المجموعة. قال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا حكما بينهما رجلا، فحكم بينهما، ثم رفع ذلك إلى القاضي، فلينظر، فإن كان ما حكم به يوافق الحق عنده، أمضاه، وإن كان لا يوافق رأيه، وكان قضاؤه مما يختلف فيه الفقهاء، وليس من رأي القاضي أن يقضي به، فلا يعرض فيه، إلا أن يكون خطأ بينا، فيرده. قال سحنون في المجموعة، وفي كتاب ابنه: وإذا حكما بينهما حكما، فحكم ولم يشهد على ذلك الحكم، فإنه لا يصدق على ذلك الحكم، وإذا حكم، كتب للمقضي له كتاب قضاء: أني قضيت لفلان بن فلان. كما يكتب القاضي. قال أصبغ في كتابه، في رضى الخصم أن ينظر القاضي بينه وبين نفسه في حق: فلا أحب أن يفعل، فإن فعل مضى ذلك، وليذكر في حكمه رضاه بالتحاكم إليه. قال سحنون: ولا ينبغي للذي حكمه رجلان أن يقيم حدا، أو يلاعن، ولا يقيم الحدود إلا الأئمة والقضاة قضاة الأمصار العظام. قال أصبغ في كتابه: ولا يحكم بينهما في قصاص، أو قذف، أو طلاق، أو عناق، أو نسب، أو ولاء؛ لأن هذه الأشياء لا يقطعها إلا الإمام، ولو أمكنه من [8/ 84]
نفسه، فقال: اضربني حدا،/ وخذ قودك. لم يصلح إلا بالإمام، وكذلك النفس. وأما الجراح، فإذا أقاده من نفسه، فلا بأس أن يستقيد إذا كان نائبا عن السلطان، وإذا حكماه، فحكم فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه، فإنه ينفذ حكمه، ويأخذ له السلطان بقوده، أو يقيم حده، وينهاه عن العودة لمثل هذا، وإن أقام ذلك نفسه، فقتل، أو اقتص أو ضرب الحدود، ثم رفع إلى الإمام، أدبه السلطان، وزجره، وأمضى ما كان صوابا من حكمه، وكان المحدود عنده بالقذف محدودا، والتلاعن عنده ماضيا. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولو أن خصمين تنازعا شيئا فحكم أحدهما، فحكم لنفسه أو عليها، جاز ذلك، ومضى، ما لم يكن جورا، أو خطأ بينا، وليس تحكيم الخصم كتحكيم خصم القاضي للقاضي. وقد تقدم هذا. ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا حكم الخصمان رجلين، فحكم أحدهما، ولم يحكم الآخر، فإن ذلك لا يجوز، ولو حكما مسخوطا، أو امرأة، أو مكائبا، أو عبدا، أو كافرا، فحكم بينهما، فحكمه باطل، وكذلك قال ابن الماجشون في المجموعة. وقال: أو مولي عليه. قال: ولمن شاء منهما رجع؛ لأنهما تخاطرا حين حكما من لا يرضى نظره لنفسه. قال أشهب في كتاب ابن سحنون، في الرجلين يحكمان بينهما امرأة، فتحكم، قال: حكمها ماض إذا كان مما يختلف فيه الناس. قال أشهب: وكذلك العبد والحر والمسخوط مثل ذلك أيضا، فأما الصبي، والنصراني، والمعتوه/، والموسوس، فلا يجوز حكمه وإن أصابوا الحكم. قال أصبغ: وذلك كله رأيي. [8/ 85]
قل سحنون: لا أعرف هذا، ولا يجوز تحكيم من ذكر من عبد، أو أمرأة ونحوها. قال سحنون: ولو حكما بينهما امرأة، أو رجلا غير عدل، أو عبدا، أو مكاتبا، أو ذميا، فحكم بينهما، فذلك باطل لا يجوز. ولو حكما بينهما رجلين، فحكم أحدهما دون الآخر، لم يجز ذلك حتى يحكما جميعا. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا رضيا بحكم صبي، أو مسخوط، أو نصراني، فحكم بينهما بصواب، فلا يلزم ذلك واحدا منهما. وقال مطرف في العبد والمرأة مثله. قال ابن الماجشون: إن كانا بصيرين عارفين مأمونين، فأرى تحكيمها، وحكمها جائز لازم، إلا في خطإ بين. وقاله أصبغ، وأشهب. وبه آخذ، وقد ولى عمر امرأة سوق المدينة، وهي الشفاء أم سليمان من أبي حثمة، ولابد لصاحب السوق من الحكم بين الناس ولو في صغار الأمور. قال أصبغ، في كتابه: إذا حكم مسخوطا، فحكم فأصاب، جاز ذلك، وكذلك محدودا لم يتب، أو يبلغ الحلم، إذا كان قد عقل وعرف وعلم، فرب غلام لم يبلغ، له علم بالسنة والقضاء. ومن المجموعة: قال ابن الكنانة: وإذا تنازعا في جدار، فرضيا بحكم رجل أو أناس من البنائين، فحكموا أن الحق لأحدهما، وقضوا له بحقه، ثم ذهب المقضي عليه إليهم، فسألهم معاودة النظر، فنظروا، والآخر غائب، فنقضوا قضاءهم الأول، وقضوا للمقضي عليه، قال: ينفذ الإمام قضاءهم/ الأول، وينقض الآخر؛ لأن الخصمين قد حضراه، وتراضيا عليه، ويخيف البنائين، ويغلظ عليهم، ويسجنهم حتى يعودوا لمثله، ثم ينظر؛ فإن رأى أن ينقض الأول والآخر، نقضه، وإن رأى [8/ 86]
في عزل القضاة والنظر في أحكامهم وأحكام العمال في ولايتهم أو بعد عزلهم، وفي رجوع القاضي في حكم حكم به، وكيف إن عزل قاض ثم ولي، ما يصنع فيما عنده في ولايته الأولى
أن يبعث من البناءة أهل عدل ورضى، فينظر، فعل، ولا يبعث ممن قضى فيه أولا أحدا. في عزل القضاة والنظر في أحكامهم وأحكام العمال في ولايتهم أو بعد عزلهم وفي رجوع القاضي في حكم حكم به وكيف إن عزل قاض ثم ولي ما يصنع فيما عنده في ولايته الأولى؟ ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا اشتكى القاضي في أحكامه وميله بغير الحق، فينبغي للامام أن ينظر في أمره، فإن شاكوه أو كثروا، فيبعث إلى رجال من أهل بلده ممن يوثق بهم، فيسألهم عنه سرا، فإن صدقوا قول الشكاة، عزله، ونظر في أقضيته، فيمضي ما وافق الحق، وما كان منها غير موافق للحق باستجارته فيها غير أهل الفضل، وبالميل عن العدل، فسخها، وإن قال من سألهم عنه: لم نعلم إلا خيرا، وهو عدل عندنا. ثبته، وتفقد أقضيته؛ فما خالف السنة رده، وأمضى ما وافقها، ويحمل على أنه لم يتعتمد جورا، ولكن على أنه أخطأ، ولا يمكن الناس من خصومات قضاتهم إذا اشتكوهم؛ هذا لوجهين: أحدهما: أن يكون القاضي من أهل العفاف والرضا فيستهان بهذا، ويؤدبانه، والآخر: أن يكون القاضي فاسقا فاجرا/، وهو ألحن بحجته ممن شكاه، فيبطل حقه، وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص عن الكوفة بالشكية، وقال: والله لا يسألني قوم عزل أميرهم ويشكونه، إلا عزلته عنهم. قال سحنون: وعزل عمر شرحبيل بن حسنة، فقال له: أعن سخطة عزلتني؟ قال: لا. ولكن وجدت من هو مثلك [8/ 87]
في الصلاح، وأقوى منك على عملنا، فلم أره يحل إلا ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، إن عزلك عيب، فأخبر الناس بعذري. ففعل عمر. قال أشهب: وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: وينبغي للإمام أن لا يغفل عن التفقد لقضاته، فإنهم سنام أمره، ورأس سلطانه، فلينظر في أقضيتهم. قال في المجموعة: ولا ينفذها. قالا: وينظر لرعيته في أمورها وأحكامها ومظلمة بعضها لبعض، فإن الناس قد دخلوا وسار بعضهم يشبه بعضا، ليس لبعض من الفضل على بعض ما يسمع الإمام أن يتخلى عنهم، وأن يكلهم إلى قضاتهم، وكان عمر يقدم أمراءه كل عام، ويقدم معهم من قبل عملهم رجالا، فإذا أرادوا بدل عاملهم عزله وأمر غيره. قال مطرف: وإذا كان قاضي الإمام مشهورا بالعدالة والرضا، فلا يعزله بالشكية فقط، وإن وجد منه بدلا؛ لأن في ذلك فساد الناس على قضاتهم، وإن لم يكن مشهورا بالعدالة والرضا، فليعزله إذا وجد منه بدلا، وتظاهرات الشكية عليه، وإن لم يجد منه بدلا، كشف عنه؛ فإن كان على ما يجب، أمضاه، وإن كان على غير ذلك، عزله وولى غيره. وقال أصبغ: أحب إلي أن يعزله بالشكية وإن كان مشهورا/ بالعدالة والرضا، إذا وجد منه بدلا في حاله؛ لأن في ذلك صلاحا للناس وكسرا للولاة وللقضاة عن الناس، تفريجا لهم فيما بين ذلك، وقد عزل عمر سعدا على الشكية فقط، وسعد أبعد صحة، وأظهر براءة من جميع من يكون بعده إلى يوم القيامة. قال: وإذا عمت الشكية، وتظاهرت، فليوقفه بعد العزل للناس، فيرفع من رفع، ويحقق من حقق؛ فقد أوقف عمر سعدا، فلم يصح عليه شيء من المكروه، وبرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها. [8/ 88]
قال أصبغ: وينبغي للإمام أن يعزل من قضاته من يخشى عليه الضعف والوهن، أو بطانة السوء، وإن أمن عليه الجور في نفسه، ولا بأس عليه إذا خبره بغير ريبة أن يخبر الناس ببراءته، كما فعل عمر لشرحبيل بن حسنة، وإن عزله عن سخطة، فحق عليه شهرته وإذاعة سخطه. قال أشهب في المجموعة: وإذا اشتكى من القاضي أنه أراد الحكم على رجل بغير الحق، فينبغي أن يكشف عن ذلك، فإن كان رأيه خطأ، وتبين ذلك لأهل العلم، نهاه عن إنفاذه، وإن خف على الإمام أن يجمعهم في ذلك فعل، وإلا فيقعد معه رجالا من أهل العلم والفقه والصلاح، يأمرهم بالنظر في ذلك، ثم لا ينفرد هو برأيه فيه دونهم، ولا ينفعه أن يقول: قد كنت حكمت قبل إقعادكم معي للنظر في هذا لأنه مدع، وصار الحجر بينه وبين مشكيه، إلا أن يقيم بينة أنه/ قد كان حكم في ذلك قبل إجلاسهم معه، فينظر فيه الإمام، فإن كان ما فعل حقا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء، أمضاه، وإن كان خطأ لا اختلاف فيه، فسخه، ولا يجوز أن يحكم فيه النظار بشيء معه، ولهم أن يرفعوا إلى الإمام ما رأوا من ذلك، فيكون هو القاضي له والمنفذ له، ولمطرف في كتاب ابن حبيب نحوه. قال ابن حبيب: قال مطرف في القاضي يشتكي في قضية حكم بها، فإن كان عدلا مأمونا بصيرا بالقضاء، فلا يعرض له فيه الأمير، ولا يقبل فيه شكية، ولا يتعقبه بنظرالفقهاء، وإن كان متهما في أحكامه، أو غير عدل، وجاهلا، فليعزله، قال: فإن جهل الأمير في العدل، فأجلس الفقهاء فتعقبوا حكمه، وجهلوا هم أو أكرهوا، فنظروا فيه، أو فسخه ففسخه الأمير، قال: فلينظر الحكم الأول؛ فإن كان صوابا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء: فحكمه ماض، والفسخ باطل، وإن كان الأول خطأ بينا أمضى، فسخه، ولو كان الحكم الأول خطأ بينا، عرف عن القاضي مالا ينبغي، فللفقهاء حينئذ النظر؛ فإن تبين خطؤه ردوه، وإن اختلفوا عمل على الأصوب من اختلافهم، وأشبه بالحق، وأنقذوه، وإن قل قائلوه [8/ 89]
منهم، كذلك يفعل القاضي عند اختلاف من يشاور من الفقهاء، وكذلك قال محمد بن سعيد للقاضي بالمدينة محمد بن عمران الطلحي عند اختلافهم عليه. قال: وكذلك لو كان/ ذلك بغير بلد الأمير، فاشتكى إليه نفر بقاضي بلدهم، وسألوه أن يكتب إلى فقهاء بلدهم أن يجلسوا مع قاضيهم في تلك الخصومة، فأما المشهور بالعدل، فلا يقبل منهم ذلك إلا أن يشتكي منه استبداد بالرأي دون أهل الرأي، فليأمره بالمشورة لأهل الرأي من غير أن يسمي له أحدا، ويجلسه معه، وإن كان غير مشهور بالعدل، فإن تظاهرت عليه الشكية، كتب إلى صالحي بلده، فأقدهم، فكشفهم عنه، فإن كان على ما يجب، وإلا عزله، فإن جهل هذا الأمير، وكتب إلى ناس يأمرهم بالجلوس معه في بلد الحكومة، فاختلف رأيهم؛ فإن كان كتب أيضا إليهم، أن يرفعوا إليه ما اجتمعوا فيه، واختلفوا، فعلوا ذلك، ثم كان هو المنفذ لذلك، وإن كتب إليهم يأمرهم أن ينظروا معه، ثم يجتهدوا ويحكموا بأفضل ما يراه معهم، جاز له أن يحكم بما يراه هو وبعض من أجلس معه منهم، ويمضي ذلك، وإن أطبقوا على خلافه في الرأي، فلا ينبغي أن يحكم بذلك؛ لأن ذلك الذي شكي منه، فإن لم يتبين له أن الحق إلا في رأيه، فليكاتب في ذلك الأمير، فيأمر بما يراه وقاله أصبغ، وابن القاسم. ومن العتبية: يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن القاضي يعزل لسوء حاله، أو يموت، وهو معروف بالجور في أحكامه،/ قال: يستأنف النظر فيما حكم به، ولا يحل لأحد من القضاة أن ينفذ له حكما إذا كان من أهل العدل. قلت: أفتصلح سجلاته التي قضي بها، أو يقال للخصمين: ائتنفا الخصومة؟ فقال: إن كان غير عدل وخيف أن يكون يقبل من غير العدول، أو يجور في حكمه، وما يشبه هذا، فلتنقض أحكامه، ويأتنفوا الخصومة؛ لأنه وإن جاز، فلا يكتب كتبه إلا وظاهرها صحيح، وإذا كان ممن لا يتهم بجور، ولا بتجوز شهادة [8/ 90]
غير العدل، وهو مجتهد غير أنه جاهل بالسنن لا يستشير العلماء، يقضي باستحسانه، فهذا يتصفح أحكامه ويقرؤها، فينفذ منها ما كان صوابا في ظاهرها، وإن خرجت على خلاف الكتاب والسنة، فسخ ذلك؛ لما عرف من جهالته، وإن كان ما حكم به مختلفا فيه، لم يغيره، ولا ينقضه، قالا: وإذا ولى الأمير قضايا في بعض الكور، وهو غير عدل ولا رضا، ولا يؤمن جهله وجوره، فلا ينبغي لقاضي الجماعة أن يرفع إليه خصما، ولا يكتب إليه في تعديل شاهد، ولا يمضي له حكما. ومن المجموعة: قال ابن كنانة في القاضي يعرف بالجهالة والهوى لبعض ما يشبه الباطل، والدفع لما يأمره به الأمير والوزير؛ فمن الحق أن يفتش أقضية مثل هذا، عزل أو لم يعزل، فيمضي صوابها، ويرد باطلها، فأما قاض على غير هذا، فإن المشتهر من قضائه إذا اشتكي، نظر فيه، فأما أن تفتش أقضيته كلها مثل ما يفعل بالمعروف بالظلم، فلا. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب ابن غانم إلى مالك في رجلين أتيا إلى القاضي وبيد أحدهما حكم قاض قبله على خصمه هذا، وفيه بينة، فطلب المقضي عليه أن يقيم عند هذا حجته وبينته فيما كان حكم عليه، فكتب: أما القاضي الذي لا يعلم منه إلا خيرا، فلا ينظر في قضائه، إلا أن يأتي أمر مشتهر نكب عن الحق، أخطأ أو جهل، فينظر في ذلك، ويتواصى، وإلا فلا يعرض في غير هذا من قضائه، وأما المعروف بالجور، فإنك ذكرت أن قاضيا كان يرد شهادة العدل، ويقضي بشهادة من لا يرضى، فإن أتاك قضية مثل هذا، أنه قضى ببينة سماهم، فأتى أولئك، فإن أنكروا أن يكونوا شهدوا، فليتعقب أحكام مثل هذا ولا يوثق بإنفاذه، وليجعل لنفسه وقتا ينظر فيه في أحكامه، ولا يشغل بها نفسه عن ما سواها، فيضر بغير هؤلاء من الناس. [8/ 91]
قال سحنون: وإذا رفع إليك حكم من هذا، ولم تعرف البينة التي حكم بها، فلا تنفذ للمحكوم له حكمه حتى يظهر له أنه حكم له بالعدل، وبأمر صحيح، وإلا فليأتنف النظر فيه، قال: وإذا حكم المستخرج بقوم عدول، فلينظر فيه من بعده ويتعقبه، فإن ظهرت صحته، وأن العدل لم يكن يحكم إلا بمثله، فليمضه. وهو نحو جواب مالك إلى ابن غانم، في أحكام مانع بن عبد الرحمن. وكتب إليه شرحبيل بن يحيى/ قاضيه، أن رجلا يقال له: هارون بن فلان، أتاه يدعي أن عبد الله حثمال أنه كان قاضيا، وكان عزل على الجور، أمره بدفع ثلاثة دنانير إلى يزيد بن فلان، وجاء ببينة أقر عندهم بعد عزله بذلك، وأنه قبضها منه يزيد، قال هارون: وكان ابن حثمال قد دفع إليه قبل ذلك ثلاثة دنانير، ذكر أنها لعصبة رجل آخر، فلما قامت هذه البينة، قال ابن حثمال: هي تلك الدنانير التي كنت أعطيتك، فكتب إليه: أن أأمر يزيد بقبض الدنانير، فأمره بردها إلى هارون، إلا أن يأتي بحجة يستوجبها بها، وإن لم يقر فليؤدها ابن حثمال؛ لأنه أقر أنها لعصبة رجل آخر. وكتب إليه: كل ما رفع إليك من حكم ابن حثمال، قد أشهد به ليس عند الشهود إلا الشهادة على لفظه أنه حكم به، فلا تجزه؛ لأنه كان معروفا بالجور والظلم، وأنه ليس من أهل العدل. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا لم يكن القاضي مأمونا على الحكم، فحكم بحكم فأتى القاضي الذي بعده عدلان، فشهدا أن الشهود الذين قضي الأول بشهادتهم قد شهدوا عنده بهذه الشهادة، وأنهم عدول، وكان حكم فيها ليس بجور، أجازه، وإن كان فيه اختلاف من الناس، ولم يكن هذا الثاني يراه، فلينفذه؛ لأنه قد حكم بغير جور. قال أشهب في المجموعة: فإذا قضى القاضي، وليس فيه من الخصال الخمس التي ذكرنا قبل هذا، فقضاؤه نافذ ما لم يتعمد جورا، ويقضي بما لا سلف له فيه مما لا يشك في خطئه، وقد أساء فيما تعرض/ من هلاك نفسه. [8/ 92]
قال ابن القاسم في القاضي إذا عزل، فادعى بعض من حكم عليه جوره في ذلك، فلا ينظر في ذلك، ولا خصومة بينه وبينهم، إلا أن يرى جورا بينا، فيرده. قال مالك: ولا يعرض الذي ولي القضاء لقضاء من قبله، وقد كتب عبد الملك إلى أبان ينهاه عن التعرض لما قضى فيه ابن الزبير، وقال: إن نقض القضاء عنا معن. قال ابن الماجشون: وإذا تبين للقاضي أن قاضيا قبله قضى في شيء أخطأ، فلا أرى أن يبين له خطأه، ولا ينظر في شيء من أحكامه، إلا أن يكون معروفا بالجور، فليتعقب أقضيته؛ فما تبين أنه حق، أمضاه، وما لم يستبن أنه جار فيه، أمضاه، ما كان جورا بينا، ردا إلى الحق، إلا أن يكون قضى بقول قائل، ونحوه في العتبية، من سماع ابن القاسم. قال ابن حبيب: قال مطرف: أما العالم العدل، فلا يتعقب أحكامه من بعده، وليجوزها إن خوصم فيها، ولا يكشف عن شيء منها، إلا أن يظهر له خطأ بين لم يختلف فيه، وإذا كان عدلا، وكان جاهلا، كشفت أقضيته، فأنفذ صوابها، ورد خطؤها الذي لا يختلف فيه، وأما إن كان جائرا معروفا، بذلك أو غير عدل في حاله وسيرته، وهو عالم أو جاهل ظهر جوره أو خفى، لم يجز من أقضيته شيء، وعلى من بعده ردها كلها، صوابها وخطؤها؛ إذ لا يؤمن أن يظهر الصواب فيما باطنه خطأ، إلا ما عرف من أحكامه بالعدول أن باطنه صحيح، فلينفذ. وقاله ابن القاسم، وابن الماجشون. قال أصبغ: تجوز أقضية/ القاضي غير عدل في حاله وسيرته، أو كان فيه من هذا وهذا، فليجز من أقضيته ما عدل فيه ولم يسترب، وينقص ما تبين جرمه، أو استريب، ويعمل فيها بالكشف كما يصنع بأقضية الجاهل؛ لأن السلاطين اليوم أكثرهم بهذه الصفة، فلابد أن تنفذ أحكامهم، مثل الخلفاء، والأمراء، والعمال، وقضاة السوء، ما لم يعرف منها قضاء جور بعينه، أو خطأ بين، أو يتسبب من [8/ 93]
يطلب رد ذلك سبب جور عليه، وإن لم يتحقق لما يعرف من أصل فساده، قال: وهذا ما لم يعرف جوره في أحكامه بعينها، فإذا عرف الجور في أحكامه، أو في بعضها، ردت كلها ما عرف منها بالجور أو جهل. قال ابن حبيب: وقول مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم، أحب إلي، وقد انفرد بهذا أصبغ. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا عزل القاضي على جور، لم ينبغ لمن ولي بعده نقض أقضيته كلها، ولكن يتعقبها بالنظر؛ فما رآه مستقيما أمضاه، وما رآه خطأ أو جورا، فسخه وأبطله، ولا ينبغي للذي ولي بعده أن يمكن الناس من الابتداء بخصوماتهم، ولكن يجعل لنفسه ساعة من النهار يتصفح فيها أحكامه. وكتب إلى شجرة، في حكم حكم به عبد الله بن أبي الجواد، وكان قد عزل عن الجور وسوء الحال، أنه إن لم يكن في يد المحكوم له إلا البينة على إشهاده بالحكم، فلا تمضه حتى يثبت عندك أنه قد حكم بحق، وأنك لو وليته حكمت به لعدالة البينة، وما يحكم بمثله القضاة. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في أحكام الخوارج /: لا تجاز، ولا تنفذ حتى يثبت أصل الحق ببينة، فيحكم به، وأما أحكام مجهولة، ويذكروا شهادة أهل العدل عندهم، سموا الشهود أو لم يسموهم، فهي مردودة. وقال أصبغ، عن ابن القاسم مثله؛ قال أصبغ: وأرى أن أقضيتهم بسبيل أقضية قضاة السوء فيما ذكرنا. قال ابن حبيب: وقول ابن القاسم، ومطرف أحب إلي. قال مطرف، وابن الماجشون، في الرجل يخالف على الإمام، ويغلب على بعض الكور، ويولي قاضيا فيقضي، ثم يظهر عليه، فأقضية قاضيه إن كان عدلا، فهي نافذة إلا خطأ، لا خلاف فيه، قالا: وكل من قضى بالحق، فلا يحل فسخ قضائه. وقاله أصبغ. [8/ 94]
قال ابن الماجشون في معنى قول مالك: لا ينقض قضاء القاضي بما اختلف فيه، فأما ما فيه سنة قائمة عن النبي عليه السلام، فليفسخ الحكم فيه بخلافها، من ذلك أن يستسعى العبد بعتق بعضه، فيقضي باستسعائه في عدم المعتق، فهذا ينقض، ويرد إليه ما أدى، ويبقى العبد معتقا بعضه، إلا أن يرضى من له فيه الرق بإنقاذ عتقه والتمسك بما أخذ؛ لما ثبت من السنة أن يعتق ما عتق. ومن ذلك القضاء بالشفعة بالجوار أو بعد القسمة، فهذا يفسخ، ومنه الحكم بشهادة النصراني؛ فإنه يفسخ؛ لقول الله سبحانه: "وأشهدوا ذوي عدل منكم". ومن ذلك ميراث العمة والخالة، وتوريث المولى الأسفل، وشبه هذا من الشاذ مما تواطأ على خلافه أهل بلد الرسول، وما كان غير هذا مما هو يتفق العلماء وارتيا رأي واجتهاد، فليمض، وإن كان خلاف رأي أهل المدينة، وهذا فيما يأخذه الحاكم من هذا، ويعطيه لهذا، فأما ما هو ترك لما فعل الفاعل، وإمساك أن يحكم عليه بغيره، مثل ما جاء من الاختلاف في الطلاق قبل النكاح، والعتق قبل الملك، ونكاح المحرم، والحكم بالقسامة، وطلاق الغيرة فيما قيل إنها واحدة بائنة، فلو خيرها فاختارت نفسها، ثم تزوجها قبل زوج، فرفع إلى حاكم يراه ذلك، فأقره، ولم يفرق بينهما، ثم رفع إلى من بعده، فهذا يفسخ نكاحها، ويجعلها البتة، وليس إقراره الأول حكما منه وإن شهد على ذلك وكتب. ومثل من حلف بطلاق امرأة: إن تزوجها، ثم نكحها، أو بعتق عبد إن ملكه، ثم ملكه، أو نكح وهو محرم، فرفع إلى حاكم، فأقر الملك والنكاح، وأقام شاهدا على قتل رجل، فرفع إلى من لا يرى القسامة، فلم يحكم بها، ثم رفع ذلك [8/ 95]
كله إلى من يرى الحكم به، فليحكم، ولا يمنعه ترك الأول لذلك؛ لأن تركه ليس بحكم، قال هو وابن المواز: وكذلك إن أقام شاهدا عند من لا يرى الشاهد واليمين، فلم يحكم به، ثم يرفع إلى من يراه، فليحكم به. قال ابن الماجشون: ومن حكم في العمري بظاهر الحديث فيها، لم يرد حكمه، وأما بربا فإنما يرى الحكم فيها بحديث القاسم. وقال لي مطرف مثل قول ابن الماجشون من أول هذا القول، وقال: إنه قول مالك، قاله أصبغ. قال ابن عبد الحكم: قال ابن القاسم في من طلق امرأته ألبتة، فرفع إلى من يراها واحدة، فجعلها واحدة - يريد ولم يمنعه من نكاحها- فنكحها الذي أبتها قبل زوج، أنه يفرق بينهما، وليس من الاختلاف الذي يقر إذا حكم به. وقال ابن عبد الحكم: لا ينقض ذلك كائن ما كان، ما لم يكن خطأ محضا، وكذلك من حكم بالشفعة للجار، ويثبت نكاح المحرم، وتوريث العمة، والمولى من أسفل، والذي يحلف بطلاق امرأة إن نكحها، فما حكم به من هذا حكام، أمضيته. قال ابن حبيب: ولا يعجبني انفراد ابن عبد الحكم بذلك عن أصحابه. من المجموعة: قال ابن القاسم: من قتل غيلة، فرفع إلى قاض يرى فيه عفو ولاة الدم، فأسلمه إليهم فعفوا عنه، ثم ولي غيره، أترى أن يقتله؟ قال: لا، للاختلاف الذي فيه، وقال أشهب: أرى أن يقتله؛ لأنه لا اختلاف في قتل المحارب؛ لأنه حد من حدود الله. وقال ابن الماجشون: يقتله؛ لأنه ليس قضاؤه بأن لا يأخذ منه حقا عليه بإبطال له، ولأن الغيلة لا اختلاف فيها أنها لا يعفى، وإن أخذت فيه دية، ردت إلى من أخرجها. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شرحبيل إلى سحنون، في من أوصى لبني ابنه بمثل نصيب أبيهم لو كان حيا حبسا عليهم. من رفع ذكره، فكتب إليه: إن [8/ 96]
ذلك بين الذكر والأنثى نصفين إن حمله الثلث، أو أجازه الورثة في ضيق الثلث، وإلا نحمل الثلث بينهما نصفين- يريد حبسا، قال: ولو رفع ذلك إلى قاض لا يرى الحبس، فحكم لهما بالثلث بتلا، وأبطل الحبس، ثم رفع ذلك إلى من بعده، فلينظر؛ فإن كان ما حكم به الأول من أقاويل أهل العلم، لم يعرض له، فأحب لمن أوصى له أن لا يملك ما في يديه/ إلا بمعنى الحبس. ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: إذا قضى القاضي بقضية، ثم تبين له أنه أخطأ فيها، فلينقض فيها قضاءه. ورواه ابن القاسم عن مالك، وذكره يحيى ابن يحيى، عن ابن القاسم، قال أشهب: ويبتدئ النظر فيها، وإن كان قضاؤه فيها على شبهة باجتهاد من رأيه. قال مالك وأصحابه: فإن ولي غيره، لم ينقضها، إلا ما لا اختلاف فيه، أو خطأ أو جور. قال سحنون: إذا كان من اختلف فيه، فكان رأيه ذلك يومئذ، ثم رأى غير ذلك، فليقض بما رآه في المستقبل ويمضي الأول، وإن كان إنما قضى بأمر ليس من رأيه، وإنما وهل أو نسي، ورأيه على خلافه، فهذا يرجع فيه، وإن وافق اختلاف الناس، وهذا بخلاف ما قضى به غيره على أنه رأيه، وهو مما يقضي به القضاة، وليس هو رأيه هو، فإنه لا يعرض فيه، وقد قال عمر بن عبد العزيز: ما من طينة أيسر علي فتا من طينة طبعها على باطل، وكلام سحنون من أوله، وفي كتاب ابنه، وزاد: وإن عزل ثم رد، فإنه يغيره أيضا. يريد: إذا أخطأ مذهبه. ومن كتاب ابن حبيب: وقال مطرف، وابن الماجشون مثل ما ذكرنا من قول ابن القاسم وأشهب؛ قال ابن حبيب: قالا: فإن عزل ذلك القاضي، ثم ولي، فأراد نقض قضاء قضى به في ولايته الأولى، لم يجز ذلك له إلا على ما يجوز له من نقض قضاء غيره، كالجور البين، وخطأ لم يختلف فيه، أو إختلاف شاذ. وقاله أصبغ.
وقال ابن عبد الحكم/: قضاؤه وقضاء غيره سواء، لا يرجع عن ما اختلف فيه، ولا إلى ما هو أحسن منه حتى يكون الأول خطأ بينا. قال ابن حبيب: ولا يأخذ بما انفرد به ابن عبد الحكم، وكذلك في العتبية من رواية يحيى بن يحيى وأصبغ عن ابن القاسم، من أول المسألة، وقال: توليته بعد عزله كقاضي غيره ولي. ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يتعرض قضاء قضى به من كان قبله، إلا قضاء فيه شرط، مثل تبقية على حجته لغيته، أو لبعد بيته، وإلا فلا ينظر فيه، إلا ما قضى هو فيه، فإن مالكا يرى أن لغيره إذا تبين له. وأخبرني أبو زيد، عن ابن وهب، قال: يرجع القاضي في قضاء نفسه في الأموال، ولا يرجع في قضائه في اثبات النكاح، ولا في فسخه. قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، وكان قد ولي قضاء بلده قبل ولاية سحنون ثم عزل، ثم ولاه سحنون، فكتب إليه: ما ترى فيما أوقع الناس عندي من البينات في الإمرة الأولى؟ وما كنت قد علقته يومئذ؟ فكتب عليه: طال الزمان جدا، وأخاف حوالة البينات مما لم تخف من هذا، وصح عندك ما كنت علقت ولم تسترب فيه أمرا، فأمضه. قال ابن المواز: ولو أن قاضيا نقض حكم قاض قبله، ثم ولي ثالث، وعزل الثاني، فإن كان الأول مما اختلف فيه، فللثالث نقض حكم الثاني وينفذ الأول؛ لأن نقضه خطأ صراح، وإن كان مما لا يراه الثالث، فإن الثالث ينفذه، وإن كان الأول خطأ لا يختلف فيه، فليمض الثالث حكم الثاني إن حكم الثاني بما فيه اختلاف. / قال: ولو حجر القاضي على سفيه، فباع واشترى وأقر وأعتق ونكح، فذلك كله مردود لا يلزمه، فلو جاء قاض آخر فأنفذ عليه كل ما صنع؛ فإن مثل هذا ينقض حكمه إن ولي قاض آخر، وينفذ حجر الأول، ويرد ما صنع المحجور عليه. [8/ 98]
قال محمد: وخالفنا في هذا أبو حنيفة، واتبعنا عليه أصحابه، قال: ولو حكم قاض بشاهد ويمين في مال، ثم ولي بعده قاض، فسخ حكم الأول، ثم ولي ثالث، فلينقض حكم الثاني، ويرده إلى حكم الأول، وهذا عظيم أن يرد ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب. قال ابن حبيب: قال مطرف، في القاضي يحكم لأحد الخصمين، ثم يشهد الآخر على فسخ الحكم الأول، ويكتب بذلك كتابا، ولا يذكر أنه رجع عن الحكم الأول إلى ما رآه أحسن، ولا فسر أمر فسخه له، قال: لا أرى هذا فسخا ينقض به الأول إذا كان صوابا غير مختلف فيه حتى يلخص في الفسخ ما يستوجب به فسخ الأول، ويرجع إلى ما هو أحسن منه، إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود شهدوا بزور. فهذا يكفي من التلخيص. وقاله ابن نافع. وقال ابن الماجشون: إشهاده على الفسخ فيه يكفيه إذا كان مأمورا، ولو لم يقل: إلا أني قد رجعت عن الحكم الأول، لكان رجوعا، ثم هما بعد ذلك جميعا على رأس أمرهما، ولكن لو كان مع الرجوع والفسخ الحكم وقد قضيت للآخر، لم يجز قضاؤه له هكذا، وكان باطلا، ومضى الفسخ، وكانا جميعا على رأس أمرهما، وإنما اختلف القضاء والفسخ؛ لأنه لا يقضي/ حتى يضرب للمقضي عليه الآجال والحجج، ويكشفه عن حجة يدفع بها، ولا يجوز أن يحكم وهو غائب عن هذا. وقال أصبغ مثله وبه أقول، وإنما الذي لا يكون الفسخ فيه شيئا حتى يلخص ما رد به القضية إذا كان فاسخه غير الذي حكم به، فهذا لا يكون إشهاده على فسخ حكم غيره فسخا، حتى يلخص ويبين ما رد به، ولم يختلفوا في هذا. قال مطرف في قاض قضي في شيء واحد لرجلين؛ لكل رجل بقضية فيه، فقاما بذلك عند قاض غيره، قال: جائز، ذلك أولى به، إلا أن يكون جائزه هو الأول، وفي قضية الآخر ما يفسخها، فيرد قضية الأول، وإن لم يجزه واحد منهما، ولم يعلم أولهما، فأعد لهما بينة، فإن تكافأتا، وأرختا، فأولهما تأريخا، ألا أن يكون في الثانية ما ينسخ به الأولى، فإن أرخت واحدة دون الأخرى، فذات التاريخ أولى، [8/ 99]
فإن لم يؤرخا، وتكافأتا، وأشكل الأمر، فإن رأى قطع القضيتين، واستئناف الخصوم أفضل فعل، وذلك إن كانتا مما فيه اختلاف، وإن كانت واحدة خطأ، والأخرى ماضية. وقال ابن وهب مثله. وروي عن مالك، وهو أيضا في العتبية من سماع ابن القاسم في قاض بالمدينة، أتي بأقضية مختلفة تقادم شأنها، واختلف أمرها، فقطعها، وأمر الخصمين بالاستئناف، فاعجب ذلك مالكا. وكذلك ينبغي إذا رفعت إليه أمور مشكلة مختلطة، ولم يجدوا لها/ مخرجا، أن يفسخ، ويأمرهم بالابتداء. وقاله ابن نافع، وقال أصبغ في مسألة مطرف: فإن كانت القضيتان من قاض واحد، وعرفت الأولى، فالآخرة أولى، ويعد فسخا إذا كانت الآخرة صوابا أو مما اختلف فيه، لا يبالي ما كانت الأولى، ولا من الجائز منهما، فإن كانت الآخرة خطأ، والأولى صوابا، نفذت الأولى، وفسخت الآخرة، وإن كانتا جميعا صوابا، ولم يكونا مؤرخين، فالحائز أولى، فإن لم يكن حائزا، فأعدلهما بينة، فإن تكافأتا تحالفا، فإن حالفا أو نكلا، كانا مبتدئين للخصومة، وإن نكل أحدهما كانت للحالف، وإن كانت واحدة مؤرخة، ولم تؤرخ الأخرى، وكلتاهما صواب، فذات التاريخ، أو كان حائزا أولا، تكافأت البيتان أو لم تتكافئا، إلا أن تكون ذات التاريخ خطأ بينا، والأخرى صوابا، فتكون أولى، وإن كانتا جميعا خطأ فسختا وابتدأ الخصوم، وإن كانت القضيتان لقاضيين، مضت الأولى إن كانت صوابا، أو مما اختلف فيه، مضت الآخرة، وفسخت الأولى، وإن كانتا جميعا صوابا، فالجواب فيها كالجواب إذا كانت من قاض واحد. وبه قال ابن حبيب. [8/ 100]
في القاضي يقضي بالشيء فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو أحد الخصمين
في القاضي يقضي بالشيء فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو أحد الخصمين وإقرار الخصم أنه قضى عليه من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، وهو في المجموعة،/ في القاضي يقضي للرجل بالشيء، فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو يعزل، هل تأتنف الخصومة فيه؟ قال: يمضي قضاءه الأول ولا يغير، إلا أن يكون جورا بينا، وهذا ما لا اختلاف فيه. وقال عنه يحيى بن يحيى مثله، وقال: وسواء تأخرت حيازته لعذر له أو لغير عذر، ولو مات المقضي له قبل أن يحوز، فورثته بمنزلته، وكذلك لو مات المقضي عليه، فليس في موت أحدهما، ولا موت القاضي ولا عزله، قطع لحق المقضي له، إلا الترك الطويل الذي مثله يستحق بالتقادم. قلت: وكم طول ذلك؟ قال: قدر ما يخشى أن يكون من يعرف ذلك الحق قد هلك، أو نسي لطول زمانه. قال: ولو قضى له بنصف قرية أو بجزء من أجزائها، إلا أنه مفرز، ثم يموت أو يعزل قبل الحيازة، وإنما قضى له بجزء مفرز كان ينسب إلى رجل فاشتراه منه، فلما طلب الحوز، لم يجد بينة تحوز له ذلك الجزء بعينه، وأهل تلك القرية ينكرون أن يكون له في تلك القرية حق، فتقوم له بينة أن ذلك الجزء كان لفلان حتى باعه من هذا، فيريد أن يقسام أهل القرية كلهم إذا لم يجد من يحد جزءه ذلك، وقد ثبت له بالقضاء أو بالشراء، فقال: نعم، له أن يقاسمهم، فيكون شريكا في جميع القرية بجزئه. قلت: فأهل القرية بيد كل واحد حق له معروف، فإذا أمرهم بمقاسمته، وحقه السدس، يأخذ من كل واحد سدس/ ما في يديه، أم يخلط الأرض، فيقسم لهذا [8/ 101]
سدسه، فليأخذه، فيكون ما وقع له حظوظ رجال لهما، وبقي ما للآخرين؟ فلم يجب في هذا بشيء، ولم يفسر وجه ما يقسم له وقال: إنها في رواية يحيى بن يحيى، إذا تجاهل أهل القرية ذلك، وأخفوا حوزه، وانظر؛ فإن كان بعضهم ورثة الميت، والمقضي عليه، وذلك النصف من المنزل، وفي أيديهم بالميراث عنه نصف المنزل فأكثر، أعطي المقضي له نصف جميع المنزل مما في يدي ورثة المقضي عليه، وإن كانوا أجنبيين، قضي له بنصف ما بيد كل واحد منهم، ولا يجمع له النصف في إحدى ناحيتي المنزل؛ لو جمعنا له بالنصف لاستوعب ما في يدي بعضهم، ويعسر رجوع بعضهم على بعض، فأعدل ذلك أن يأخذ نصف ما بيد كل واحد حتى يرفعوه على نصفه بإقرار منهم، وإظهار لحوزه. قال: وإن لم تقم له بينة أن نضف ذلك المنزل كان في يدي المقضي عليه، ولا معروفا له يوم حكم له عليه، فلا شيء له في المنزل؛ لأنه إنما قضي له حينئذ على رجل بحق لا يملكه، وليس بشريك لأهل المنزل فيه، ولو جاز مثل هذا عند القضاة، لم يشأ رجل أن يصنع لنفسه خصما، فيقضي له عليه إلا بما ليس في يديه من أموال الناس ورباعهم، إلا فعل، فلا أرى أن يلزم أهل القرية المقاسمة حتى يثبت أن ذلك الحق المقضي به في يدي الخصم يوم قضي عليه. ومن العتبية، من سماع أشهب، عن مالك، في فريقين اختصموا/ فقضي على أحدهما، فخرجوا يقولون: قد قضي علينا بكذا، ثم احتيج إلى اثبات قضاء ذلك القاضي بذلك، فلم يجدوا من يشهد على علم ذلك إلا على إقرار المقضي عليهم بالقضاء، فيأبى الشهود أن يشهدوا، قال: هي أمانة، قال: بل يشهدون بالأمر على وجهه؛ يقولون: سمعناهم يذكرون ذلك، فلا ندري أكان ذلك أم لا؟ وإني لأراها ضعيفة، وربما قال الرجل: قضي علي ولم يقض عليه. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: إذا قضي للرجل على الرجل بربع، أو دار، أو غير ذلك، فلم يخرجه المقضي له من يد المقضي عليه [8/ 102]
حتى طال زمانه، وحازه عليه بعد أن قضي له به، قال: فلا نرى القضية هاهنا إلا بمنزلة الذكر حق المكتوب للرجل على الرجل يتقاضاه منه إذا أحب. قلت: فلا ينتفع بحوزه عليهم كما ينتفع الحائز على الرجل منزله الذي اشتراه أو ورثه؟ قال: لا يكون بمنزلته؛ لأن القضاء قد نطق بأن لا حجة له فيه ولا حق، فكان كمن أعار رجلا حقا، وكتب عليه بعاريته كتابا، فتقادم ذلك، فلا ينتفع هذا بحيازته؛ لأنه عرف أصل حيازته له، وإنما ينتفع بالحيازة من لا يعرف أصل مدخله فيه، فيدعيه ملكا، فيكون له، وأما ما عرف أصل دخوله فيه أنه على غير حق، فهو على مثله أبدا حتى يأتي بأمر يتحققه؛ من شراء، أو صدقة، أو هبة، وشبه ذلك، إلا أن يطول زمان ذلك جدا بالخمسين سنة ونحوها، والزمان/ الذي لا تبقى الحدود معه، أو يكون المقضي عليه قد أحدث فيه أو في بعضه بنيانا، أو غراسا، أو بيعا، أو صدقة، أو إصداقا، والمقضي له قائم لا يغير ولا يدعي شيئا، ثم قام بعد ذلك، فلا حق له فيما أحدث فيه مثل هذا، ويرى حقه ثابتا فيما سوى ذلك. قال: فإن مات المقضي عليه، فأورث ذلك لورثته، ثم قام المقضي له: قال مطرف: فلا يسأل ورثته عن شيء؛ لأنهم ليسوا الذي عليه، ألا أن يكون المقضي له غائبا حتى مات المقضي عليه. وقال ابن الماجشون: هم والميت في ذلك سواء، والمقضي له أولا حاضرا كان أو غائبا، إلا أن يطول زمانه بأيدي الورثة، والمقضي له حاضر، فلما قام عليهم، ادعوه ملكا لهم بوجه حق غير الوراثة، ويحتجون بحيازتهم إياه بمحضره، ولا يقرون أنه صار إليهم بميراث من المقضي عليه، فيكونوا أحق به بالحيازة؛ لأنهم غير الذي قضي عليه، إلا أن يقروا أنه إنما صار إليهم عن المقضي عليه، أو تقوم عليهم بذلك بينة، فيكون على أصل القضية أبدا، ما لم يحدثوا في ذلك أو اقتساما بمحضر المقضي له، أو بيعا، أو صدقة، أو إصداقا، ثم قام بعد ذلك، فلا حق له فيما أحدث فيه هذا الأشياء، ويرى حقه ثابتا فيما سوى ذلك من الشيء المقضي به. وقال أصبغ مثل قولهما فيه كله. ومثل [8/ 103]
في القاضي يقر أنه حكم بجور أو أخطأ في حكمه، أو حكم بمن لا تجوز شهادته
قول ابن الماجشون في آخره. وبه أقول، وقد يكرر بعض هذا الباب في كتاب الأقضية. في القاضي يقر أنه حكم بجور أو أخطأ في حكمه/ أو حكم بمن لا تجوز شهادته من المجموعة قال ابن القاسم: قال مالك: ما تعمده الإمام من جور في قطع جارحة ونحوه، أقيد منه فيه. قال ابن القاسم: وإن أمر بقتل رجل ظلما قبل الآمر والمأمور. قال أشهب: وما لم يتعمد وكان على الخطأ، فعلى عاقلته. قال ابن الماجشون: إن أقر وهو عامل بعد: أنه حكم بجور، فله أن يرجع فيما لم يفت، وأما ما فات، فلا شيء عليه، ألا أن يقر بما فيه دية، فيكون ملتزما نفسه حق امرء، فيعطيه إياه، وإن رجع بعد عزله، فهو مقر بما إن كان عمد شيئا، لزمه. وقال سحنون: ما أقر من تعمد الجور فيه، أو قامت بينة به وفيه القصاص، فليقتص منه. وكذلك حكى عنه ابنه، قالا عنه: وما أقر به من الخطأ ففي ماله، ولا تحمل العاقلة إقرارا، وقد قيل: لا شيء عليه. قال عنه ابن عبدوس: وأما الجلد، فليس فيه شيء، إلا أن يقر بالعمد، فيؤدب. قال ابو محمد: ولو أخطأ في جلد رجل في قذف أو زنى، فلا شيء عليه. قال عنه: وإن قضى بجور في مال، فاستهلكه من قضي له وقد أعدم، فذلك على القاضي في ماله، وإن كان غلط، لم يلزمه شيء. قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا أقر عند الإمام بجور في حكم، فالحكم ماض، ويغرم للمحكوم عليه ما استهلك، كاقرار الشاهد بعد الحكم بالزور، [8/ 104]
ويعاقب القاضي فيما أقر به من جور، وأثبت ببينة، ويعزل ويشهر، ولا يولى القضاء أبدا، ولا تقبل شهادته، وإن أحدث توبة كشاهد الزور، /وهو أقبح منه، وأما شاهد الزور يقر بذلك على التوبة؛ فإن كان قبل الحكم، لم يعاقب، وإن كان بعده، عوقب، وإن ثبتت بالبينة قبل الحكم أو بعده، عوقب وافضح، وليكتب الإمام هذا في كتاب فيه وفيه القاضي الجائر، وليشهد عليه لئلا يندرس، فيقبل شهادته. قال أصبغ: فإن تابا من ذلك، ليسترا أو ليغرما ما استهلك للمحكوم عليه بينهما وبينه، ويتقربا بخير ما قدرا، فإن لم يقبل منهما ذلك حتى يستهلا به، فلا توبة لهما، إلا أن يبرئا منه إليه وإن استهلا به. وإذا أخطأ في أدب رجل، فجار فيه، أو ضرب من لا ضرب عليه، ولم يتعمد بذلك ظلما، فحسن أن يقيد من نفسه ائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء؛ فقد أقادوا من أنفسهم، وليس هذا له بلازم ما لم يتعمد ظلما أو تعديا بينا وإحنة وضغنا، واستشفاء بغضب استفرطه، فليقد منه؛ كان قتلا أو ضربا، أو قطعا منه ومن المأمور، إذا لم يخف على المأمور ظلمه في ذلك. قال ابن سحنون، عن أبيه: إذا أخطأ وقتل في قصاص، أو رجم في زنى، فهو على عاقلته. قاله ابن القاسم، وكذلك في قطع اليد فيما لا يقطع فيه، فدية ذلك على العاقلة، وكذلك خطؤه في قصاص الجراح، أو في حكم بمال بإجازة شاهد، عبد، أو ذمي، فليأمره برد ذلك على المقضي عليه، إلا أن يبقى لأحد منهم شاهد عدل، فيحلف معه ويتم له ما أخذ من قصاص أو مال، فإن نكل، حلف المقضي عليه، وأخذ ماله ودية جراحه. [8/ 105]
ومن المجموعة: قال ابن كنانة/: وإن قضى لرجل بزوجة، ثم تبين له أنها ليست بزوجة له، بأمر بين وشهادة قاطعة، فليفرق بينهما، ولهما مهرها بما أصاب منها. قال ابن القاسم: ما أخطأ به من حدود الله، حملت عاقلته الثلث فصاعدا، وما كان دون ذلك ففي ماله. وقاله ابن الماجشون. وقال أشهب: وما لزم عاقلته من ذلك ودى معهم كرجل منهم، وأما ما أخطأ به من إجازة شاهد من لا تجوز شهادته، فهو هدر. قال ابن القاسم: إن بقي له شاهد عدل، حلف معه المحكوم له، وترك، وإن نكل، حلف الآخر ورد إليه المال. وكذلك قال أشهب، وعبد الملك: إن وجد أحدهم عبدا، وعلى غير الإسلام، قال ابن القاسم: وإن كان قد قطع يدا، ثم ظهر أن أحد الشاهدين عبد، أو من لا تجوز شهادته، فلا شيء على المقتص له، وهذا من خطأ الإمام. وقال ابن الماجشون: إن كان أحدهما عبدا، أو كافرا، أو مولى عليه، فالعقل على الإمام دون من تجوز شهادته، وقال سحنون: عقل اليد على المحكوم له، إلا أن يحلف مع الآخر. قال ابن القاسم: وإذا رجم الإمام، ثم ظهر أن أحد الشهود عبد، فإن علم الباقون: فالدية عليهم، وإن لم يعلموا، فهوعلى عاقلة الإمام، ولا شيء على العبد في الوجهين، وقال ابن الماجشون: وإن علم الشهود، فهو من خطإ الإمام، لا شيء عليهم حتى يقروا أنهم شهدوا بزور. قال: ويحدون أجمعون، ولو وجد المرجوم مجبوبا، فلا أدب على الشهود إلا أن يقروا بتعمد الزور، فعليهم ما على من رجع عن/ شهادته، بالشك؛ الحد دون الغرم، وقال ابن القاسم: لا يحدوا، وعليهم العقل في أموالهم مع وجيع الأدب والسجن الطويل. وقال أشهب: وإن قالوا: إنما رأيناه يزني قبل جبابه. فذلك ماض، ولا شيء عليهم من حد أو غيره، وإن قالوا: بعد جبابه. فلا حد عليهم، إذ ليس معه آلة الزنى. [8/ 106]
في القاضي يقول: حكمت لفلان، أو شهد عندي شهود بكذا هل يقبل؟
في القاضي يقول حكمت لفلان أو شهد عندي شهود بكذا هل يقبل؟ وكيف إن قامت بينة بذلك وهو لا يعرف؟ وتسجيله للقضية وإنفاذه لها وفيما يجده في ديوانه أو ديوان من عزل قبله من إقرار أو شهادة وإيداع مال وفي نظره مال ميت ورثته في بلد آخر من المجموعة: قال ابن وهب، عن مالك، في الرجل يأتي بكتابه إلى القاضي، وعليه طابعه، وفيه شهود قد ماتوا، وعلامة القاضي على أسمائهم، فلا ينفع طابعه، ولا علامته، وإن عرف خاتمة أو خاتم من كان قبله حتى تشهد بذلك بينة. قال ابن القاسم، وابن وهب: ولا تجوز شهادته على قضاء كان قضى به، ولا يقبل قول القاضي قبله أن قال: كنت قضيت على فلان بكذا. فلا يجوز في ذلك شهادة رجل واحد مع ذلك القاضي، حتى يشهد رجلان سواه، وإن شهد رجلان أنه قضى بكذا، وأنكر ذلك القاضي، فذلك نافذ. وفي باب سيرة القاضي في الشهود، ذكر الكتاب في شهادة بينة أو غير ذلك. يكون عند الخصم، وعلامة/ القاضي وطابعه. قال ابن القاسم: ولا يجوز القاضي ما في ديوان المعزول من شهادة البينات حتى تقوم لذلك بينة، ولا يقبل قوله، وإن طلب المشهود له يمين المشهود عليه أن هذه الشهادة التي في ديوانه لم يشهد بها عليه الشهود، فذلك له، فإن نكل، حلف الطالب، وثبت له أن شهوده شهدوا بذلك، ثم ينظر القاضي في ذلك. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وما وجد في ديوان المعزول أو الميت من شهادة، أو فصل، أو إقرار، أو قضاء، فهو باطل، إلا أن تقوم بينة أن ذلك القاضي قضى به في قضاء، فإن طلب الذي وجد له هذا يمين صاحبه: أن هذا لم يثبت عندك كما هو في ديوان المعزول، أو الميت، فذلك له، وإن حلف سقط عنه [8/ 107]
ذلك وإن نكل، حلف المدعي، ويثبت ذلك له، كما هو في دويان القاضي، وإذا قال المعزول: كنت قضيت لفلان على فلان بقصاص، أو مال، أو طلاق، أو عتاق، أو غيره. ولم يكن بعد ذلك، ولا أشهد عليه في قضائه، فإنه لا يصدق في ذلك، وإن شهد معه رجل، حتى يشهد إثنان سواه؛ لأنه يشهد على فعل نفسه، وكذلك قسام القاضي على قسمهم. قال ابن القاسم في المجوعة، في القاضي يقول لرجل: قضيت عليك بكذا بشهادة عدول: فأنكره الرجل، وقال: ما شهدوا علي. وسئل الشهود، فأنكروا فقال القاضي: قد نزعوا. قال: يرفع ذلك إلى سلطان غيره، فإن كان القاضي ممن يعرف بالعدل، لم ينكر قضاؤه أنكر الشهود/ أو ماتوا، وإن لم يعرف بالعدل، لم ينفذ ذلك، وابتدأ السلطان النظر في ذلك. وقاله سحنون. وقال سحنون: لا يرجع على الشهود بشيء. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: ولو أن قاضيا أشهد على كتب في يديه، أنه قد قامت بها عنده بينة زكية، ثم مات القاضي، والكتب في يديه، فإن هذا لا ينفذه من بعده، لأن البينة لم تشهد أن الأول أنفذ القضاء بها، وهو ما لم ينفذه القضاة وقد يحدث له أمر. قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قضى بقضية ذكر فيها بعد الاستنفاذ لحجج الخصم وضرب الآجال له، فينكر المقضي عليه أن يكون خاصم إليه، أو سمع له حجة، قال: القضاء نافذ، وقول القاضي فيما وضع في القضية، وما أشهد به مقبول فيما قل أو كثر، وإنما لا يلزمه بقول القاضي أن يشهد على إشهاده أنه أودع فلانا مال يتيم، وشبه ذلك، فلا يلزم المودع إلا بإقراره عند إشهاده القاضي به، فأما ما كان على وجه الحكومة والخصومة، فقول القاضي مقبول إن كان مال صونا. [8/ 108]
ومن المجموعة: قال أشهب: إذا أبرأ القاضي رجلا من شيء، وأشهد به على آخر، لزمه ذلك، وبرئ به الآخر. قال سحنون فيه وفي كتاب ابنه: إذا أمر بقتل، أو قطع، أو فقئ عين قصاصا لآخر حاضر يدعي ذلك، فالقاضي مصدق، ولو أخذ مالا من رجل، فدفعه إلى آخر، أو فرق بين زوجين، أو أعتق عبد رجل، أو أمر بحد يقام على رجل، وقضى بذلك، فذلك كله نافذ؛ إذا كان أهلا للقضاء، وإن كان في جميع ما حكم به/ من ذلك أنه أقر عندي، أو رأيته، فقضيت بذلك عليه، والمقضي عليه يجحد، لم يلزم المقضي عليه، وكان شاهدا. قال ابن المواز: يجب على القاضي أن يشهد للمقضي له أنه قد قضى له، فيلزم ذلك المقضي عليه، وذلك بعد استنفاذ حجته. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون ينبغي إذا يجل بحكمه سجلا، أن يسمى فيه الشهود، ولا يضره إن ترك تسميتهم إن كان مأمونا، وتسميتهم أحب إلينا، ولابد من تسمية من قضى له، ومن قضى عليه فإن كان معروفين اجتزأ بالتسمية، وإن كان مجهولين، زاد التحلية والصفة، وذكر أسماءهما ومتجرهما ومسكنهما. ومن المجموعة: ويكتب في حكمه: وسألت فلانا البينة على ما يدعي، فأتاني بها، فقبلت عليهم، وأجزت شهادتهم، وهم فلان وفلان. وإن لم يسمهم، لم يضر المقضي له. وقال ابن حبيب: قال أصبغ: يسمى الشهود، وينسبهم، فإن سجله ولم يسمهم، فأحب إلي أن يبيده حتى يسميهم فيه، وإن لم يفعل حتى مات أو عزل، فذلك نافذ، إلا أن يكون حكما على غائبا، فقال حين قدم، وأخبر [8/ 109]
بالقضية عليه: لو علمت البينة جرحتهم. فإذا قال هذا، فليرد عنه القضية، ويؤمر بابتداء الخصوم، وإعادة البينة. وأما الحاضر للحكم عليه، فإذا عرف من يشهد عليه، فلا حجة له بترك تسميتهم في الحكم. ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: وإذا كتب: إني قضيت لفلان على فلان بكذا فقط. قبل منه /، ويدل على أنه لم يترك من الاستقصاء شيئا إلا أتى عليه. وقاله أشهب، إذا كان ممن لا يتهم، قال سحنون: ولأنه إذا سجل قضيته، لم ينظر فيها من بعده، ويحمل على أنه قد استقضي، ولو أنه قضى وفسر كيف، فربما كان في تفسيره ما يبين خطأه، أو ما يرى من بعده رده، ولو عزل، فأتبعه المقضي عليه بما قال قضيت له عليه، وسجله، فالقول قوله، ولا يتكلف البينة إذا كتب في قضائه: إني قضيت على فلان، ولم أقطع له إلا وهو حاضر قد دفع عن نفسه بما قدر عليه، فقد أخطأ، وليسأله عن حجته ومنافعه، ويضرب له أجلا بعد اجل حتى يستقضي له، ثم يقضي عليه بتلك البينة، ولم ينفذها ثانية. قال سحنون: ولا ينبغي له أن يجعل رجلا يختصم الناس عنده، ويقع عنده البينة، ثم إذا صحت رفعها إلى القاضي فيحكم بذلك، ولا يفعل هذا، ولا يحكم إلا بمن يشهد عنده، أو يشهد عنده على شهادتهم. قال أشهب: ولا ينبغي أن يجيز بين الناس شهادة وجدها في ديوانه لا يعرفها إلا بطوابعها، ولكن إن كانت بخطه، أو بخط كاتبه، وكاتبه عنده مأمون، ولم يستنكر منها شيئا، فلينفذها. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون بنفاذها إذا وجدها في ديوان وخاتمه عليها، أو خطه، وإلا أضر ذلك بالناس، ونحو ذلك في كتاب ابنه. [8/ 110]
قال في كتاب ابن المواز: وما وجد في قمطره من شهادة، أو قضية، ولا يذكره؛ فإن كا بخطه، أو خط كاتبه، وعرف خاتمه/، وعرف الرجل نفسه وصنعته، لا يشك في ذلك، وهي من قبله، ليس من قاض غيره، فلينفذها. قال محمد: وكتاب، لا يعرفه متى كان، ولا كاتبه، ولا متى كتبه، فليحتط فيه ما لم يطل أمره بما يتشابه بمثله، إلا أن يثق بسلته وطابعه حتى يأمن أن يدس بدله فيها، فيجزه، وما كان شأن قاض يخبره، فلا يجوزه إلا ببينة عدل. قال سحنون في المجموعة، وفي كتاب ابنه: وإذا قال: أودعت فلانا مال يتيم، فجحد فلان. فهو ضامن، كالوصي يدفع مال اليتيم إلى من تيجر به بغير بعد العزل أنه أودعه، ولا يقبل قوله على فعل نفسه، ولا يقبل قوله فيما باع، ولا يلزم البيع من زعم أنه باعه. قال: وإن وصلت السلعة إلى المشتري، وجحد ذلك المشتري، ولا بينة عليه، فقد ضيع، ولا آمر أن يضمن ذلك القاضي. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا وجد في ديوانه بعد موته أو عزله، أن عند فلان بن فلان من الأموال التي عندنا، أو قال: من مال فلان اليتيم كذا، وأنكر الأمين، فإنه يحلف، ويبرأ، ويضمنه القاضي، حيا كان أو ميتا، وإذا بعث قاض إلى قاض بمال، فعلى الرسول أن يشهد بإيصاله، وإلا ضمن إن جحد القاضي المبعوث إليه قبضها، أو مات أو عزل، فلم يعرف للمال موقع، إلا أن يوجد في ديوانه الميت ذكرها: أنا قد قبضنا من/ فلان مما يغيب به فلان القاضي كذا وكذا من تركة فلان. فيبرأ الرسول، وإن لم يوجد المال، ولا عرف موقعه، فلان يضمنه القاضي، ميتا كان أو حيا، إذا قال: إن كان حيا قد ضاع: أو تجاهل موضعه. [8/ 111]
في كتب القاضي إلى القضاة فيما يستحق قبل كتاب القاضي وحكم به
قال أصبغ: قال: وإذا رفع إليه أن رجلا غريبا مات ببلده، وترك مالا، وله ورثة ببلد ذكره، فلينظر؛ فإن كان بلدا بعيدا جدا، بعث بذلك المال مع ثقة إلى قاضي ذلك البلد، وكتب إليه بقبضه، وإن لم يكن نائيا جدا، حبسه عنده، وكتب إليه: أن فلانا – بنسبه ونعته ومات وترك كذا، وذكر أن ورثته ببلدك، فيعلمهم حينئذ المكتوب إليه، وإن جهلهم، سأل عنهم، ثم يكلفهم البينة على أنهم ورثته، فإذا ثبت ذلك، كتب بذلك القاضي إلى القاضي الذي المال عنده، وبعثوا من يقبضه، قال: وإن جهل، فبعث بالمال إليه، فضاع، لم يضمنه الباعث، بخلاف الوصي يبعث بالمال إلى أهله، فيضيع. قال ابن حبيب: أخبرني أصبغ، عن ابن وهب، عن مالك، في القاضي يقضي بقضاء، ثم ينكره، فيشهد به عليه شاهدان، فلينفذ ذلك، وإن أنكره الذي قضى به، معزولا كان أو لم يعزل. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا باع القاضي، أو اشترى، فلا يصدق على خصمه، وليس هذا على وجه الحكم، وهو على وجه التجار، فهو خصم، ويكلف البينة، ويحلف فيما يدعي عليه. في كتب القضاة إلى القضاة فيما يستحق/ قبل كتاب القاضي وحكم به، وهذا قياس قول أصحابنا قال ابن المواز: وإذا كتب قاض إلى قاض في رجل اعترف عبد له أنه ابن منه، أو سرق وهو بيد رجل ببلدك، أو في حبسك، وأنه أقام طالبه عند شاهدين بصفته واسمه، فذلك محكوم به، وبعد أن يحلف المستحق: ما باعه، ولا وهبه، ولا تصدق به، ولا خرج من ملكه إلى اليوم. وكذلك قال ابن القاسم، وأشهب، في المجموعة. [8/ 112]
قال أشهب: وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض ببينة زكية شهدت عنده: أن فلانا صاحب كتابي هذا إليك، أبق منه عبد، فحلاه ووصفه في الكتاب، وعند المكتوب إليه عبد محبوس بهذه الصفة، فليقبل القاضي شهادة الشهود الذين فيه على هذه الصفة، ويدفع إليه العبد، وأرى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة، ويكتب بذلك إلى قاض آخر؛ لأن هذا لا يوجد فيه من العلم إلا هذا، كما يأخذ الرجل كتابا من قاض إلى القاضي في غريمه باسمه وحليته، فيوجد ذلك الرجل على ذلك الاسم والنسب وعشيرته، وما حلي به، فيقضي عليه. قال ابن حبيب: قال أصبغ، في القاضي يثبت عند الرجل حقا على رجل غائب، أو على صفة عبد له أبق، ولا يدري أفي الإباق هو، فيسأله الكتاب إلى أي قاض احتاج رفع ذلك إليه، فإن عليه أن يكتب له بذلك: هذا كتاب من القاضي فلان بن فلان إلى من ورد إليه كتابي هذا من/ الحكام. فيذكر فيه ما ثبت عنده للرجل، ويجب على من دفع إليه الكتاب من الحكام، فأثبت عنده بشاهدين، أن ينظر فيه، وينفذ ما فيه إذا ثبت عنده أنه كتاب ذلك القاضي. ومن العتبية قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في الرجل يابق له عبد، فيقع ببلد على ثلاثة أيام، فيقيم سيده بينةعند قاضي بلده، أنهم يعرفون له عبدا؛ اسمه فلان، من صفته كذا، وجنسه كذا، وحليته كذا، يعرفونه في حيازته حتى ذكر إباقه، قال: يحلف مع ذلك: أنه ما خرج من يديه بوجه من وجوه الملك، ثم يكتب له إلى قاضي ذلك البلد الذي قال: إنه بها وشهد له على الكتاب، وأنه أنفذ له الحكم فيه، فإذا أتى الكتاب إلى قاضي البلد الآخر، نظر؛ فإن لم يكن بذلك البلد من هو بتلك الصفة والجنس والحلية غيره، أمكنه منه، ودفعه إليه، وإن كان العبد عند رجل يدعيه، وآخر يدعي الحرية، فلينظر له القاضي المكتوب إليه الذي هو في بلده في حجته، ويسمع من بينته، ولا يلجئه إلى [8/ 113]
غيره، ولا يشخصه معه إن كانت له بينة حاضرة، وإن صحت له بينة بحريته، أعتقه، وأبطل كتاب المستحق، وإن لم يثبت له ذلك، دفعه إليه إن لم يكن في البلد بتلك الحال والصفة التي كتب بها أحد غيره، فإن كان بها غيره، بتلك الصفة، لم يستحق شيئا حتى يقيم بينة على عينه، وكذلك فيما يكتب به من حكم يحق على / رجل يحلي، ويوصف، ويسمى وينسب، فلا يكون بذلك البلد من يوافق ذلك. قال أشهب: وأرى في العبد أن يكون للمستحق، إلا أن يكون في ذلك البلد عبد يسمى باسمه، وصفته بمثل صفته، فلا يكون ذلك له، ويدعي العبد أن من استحقه قد أعتقه، ويقيم على ذلك بينة، فعتق. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإن ادعى رجل وامرأة ابنا وهو معروف النسب، وهو ببلد آخر عند فلان سرقه فأما ما فيه بينة فذلك لهما، ويأخذا بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد، مثل القول في العبد إذا شهد الشهود على الحلية والاسم والصفة، فيقبل الكتاب في ذلك، قال: ويكتب القاضي في الأحرار الصغار للأب والأم، والجد والجدة، والأخ والأخت، وكل ذي رحم أو أجنبي احتسب في ذلك، وهذا يقبل ممن احتسب في ذلك الحر، حاضرا أو غائبا، وقال بعض الناس: لا يكتب في الأحرار إلا للأب أو الأم، أو الزوج يدعي المرأة، وكذلك يكتب للولد في الوالدين. قال سحنون: وهذا خطأ. ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إذا كتب قاض إلى قاضي بشهادة بينة عدلوا عنده على فلان بحد، أو حق، أو قصاص، أو غيره، فليقبل المكتوب إليه تلك البينة، وينفذ عليه تلك الأشياء؛ من حد أو غيره. قال ابن القاسم: وقاله مالك، ولم يفسر لنا حدا، ولا قصاصا وكله عندنا سواء. [8/ 114]
قال ابن القاسم: قال مالك في الأمتعة/ التي تسرق بمكة، فاعترفها رجل ووصفها، فإن الإمام يستأني بها، فإن جاء طالبها، وإلا دفعها إليه. قال ابن القاسم في المدونة: إنه يزكي الشاهد عند القاضي وهو غائب. قال سحنون، في الرجل يعدل أو يجرح، وهو غائب: لا يكون هذا إلا في الرجل المشهور، وأما غير المشهور، فلا أدري كيف ذلك. قال أبو محمد: يعني سحنون –والله أعلم- في الغائب عن مجلس القاضي، وهو بالبلد، أو بموضع، قريب من البلد، فأما إذا كان بعيد الغيبة، فلا بأس أن يزكي وهو غائب، كما يقضي عليه وهو غائب، كما قال سحنون في أول الباب: أنه لا يعلم خلافا أنه يسمع البينة على الغائب، ويقضي عليه إذا شهد ووصف. وقال ابن سحنون: غيبته، وإن لم يكن مشهورا لم يقبل التزكية إلا بمحضره، ويكتب في أسفل شهادته، فهذا يدل على أن معنى قول سحنون، إذا كان غائبا عن مجلسه في البلد، وأما البعيد الغيبة، فهو كما يحكم عليه، وذلك ضرورة تؤدي إلى قبول ذلك في غيبته البعيدة في الحكم عليه، والتزكية له كما قال أصحابنا، لا يسمع البينة إلا بمحضر المشهود عليه الرجل المشهور، وإنما يعنون: لا تسمع البينة على الغائب، يعنون: الغائب عن مجلس القاضي، وهو في البيت، وأما الغائب الذي في إحضاره ضرر، فلم يختلفوا أنه يسمع عليه البينة/، ويقضي عليه فكما يسمع عليه في هذه الغيبة، كذلك تزكي في هذه الغيبة. قال سحنون في المجموعة: وكذلك الرجل يكتب فيه الحكم إلى حاكم آخر: أنه قد استحق قبله حق، أو استحق العبد وهو غائب، فيكتب بصفته ونعته، فأجازه ابن القاسم، وأباه غيره –يعني ابن كنانة- وإذا جاء كتاب قاض إلى قاض، بأن لفلان على فلان كذا، لم يجز ذلك، وإن نسبه إلى أبيه وقبيله، إلا المشهور المعروف أشهر من القبيلة، فيقبل ذلك إذا نسبه إلى تلك الشهرة. [8/ 115]
وقال أشهب: وذلك مثله، ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، إذا نكر اسمه، ونسبه مع ذلك إلى عمل يعرف به مع ذكر سكنه: قال ابن حبيب: ومتجره ثم لم يكن في ذلك الموضع من يسمى بذلك، وينسب إلى ذلك النسب وذلك النعت، قال في كتاب ابن حبيب: ويسكن بذلك المسكن، ويتجر بذلك المتجر، إلا هو، فإنه يحكم عليه لصاحب الحق بما في كتابه. قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا كان في ذلك الموضع رجل يوافقه في ذلك كله؛ من اسم، ونسب، ومتجر، وغيره، فلا يحكم له حتى تأتي بينة تعرف المحكوم عليه بعينه، وإن كان بالبلد رجلان بهذا النعت، وقد مات أحدهما، لم يحكم على الحي حتى يعينه البينة، إلا أن يطول زمن الميت، ويعلم أنه ليس الذي أريد بالشهادة عليه، فحينئذ يلزم ذلك الحي، وإن كانا حيين، وقد قصرت الصفة على أحدهما، بأقلهما أو أكثرهما، فيقضي على ما اجتمعت فيه، / ولو لم يختلفا إلا في المسكن فقط، إلا أن يعلم أنه يوم كتب هذا الكتاب، كان مسكنهما واحدا، فلا يلزم واحدا منهما، فإن سأل الطالب القاضي أن يأخذ حميلا على الذي يدعي أنه صاحبه منهما حتى يأتي بأمر بين من ذلك، فإن كان ممن تخاف غيبته، وليس من أهل الوفاء والملأ، فحسن أن يأخذ عليه حميلا، وإن كان ممن تؤمن غيبته، أو ممن إن غاب، فهو ظاهر الملأ، والدعوى في مال، فلا حميل عليه. وقاله أصبغ. قال ابن سحنون، عن أبيه، وهو في المجموعة: إذا جاء بكتاب قاض إلى قاض، أن لفلان على فلان كذا، لم يجز ذلك حتى ينسب إلى أبيه وفخده، أو إلى تجارة يعرف بها مشهورة، مع تحليته ومسكنه، فإن كان في البلد اثنان من تلك الصفة، فهو باطل حتى يعرف من هو؟ أو يميز بشيء معروف، وإن كان فيها رجل قد مات بهذه الصفة وجه القضاء عليه، مات قبل تاريخ كتاب القاضي أو بعده، إلا أنه يحضر الورثة، ويقرأ عليهم الكتاب، ويمكنهم من حجته إن كانت [8/ 116]
لهم، فإن كانوا صغارا نفذ الحكم وأمكنهم من حجتهم إذا كبروا، إلا أن يتقادم موته بما لا يمكن أن يكون الطالب أدركه، ولا بينة إلا أن يكونفي كتاب القاضي ما يبين انه عليه، فينفذ. وقال: فإن كان في الفخذ اثنان من تلك الصفة والنعت، فهو باطل حتى يعرف من هو منهما؟ أو ينسب أحدهما إلى شيء يعرف به. وقاله ابن كنانة. وقال أشهب نحو ما تقدم عن مطرف، وابن الماجشون، ولم يذكر ما ذكر من الحميل. قال سحنون: وإن جاء بكتاب قاضي إلى قاض بشهادة على دار في بني فلان، أو سوق فلان معروف هناك، أو بموضع معروف، وليس فيها حدود، لم أجز ذلك، إلا أن يكون في موضعها ذلك عدول يحدونها، فاجيز ذلك، وكذلك لو حدت بحدين أو ثلاثة، ولم ينسبوها إلى اسم معروف مشهور، أجزت ذلك، ولو جاء بكتاب أن لفلان على فلان عبدي، كذا وكذا، أجزت ذلك، وكذلك إن نسب العبد إلى صنعة أو تجارة، أجزته أيضا. قال ابن سحنون: قال أشهب: إذا شهد على غائب بالاسم والنسب والعشيرة، فأصيب على كل ما ذكر إلا خصلة واحدة، لم تكن فيه، لم أقض عليه. وعاب أشهب قول ابن كنانة المتقدم، قال: وإذا كان عبد مكتوت فيه في سجن القاضي على هذه الصفة، فليقض له به على ما ذكرنا. قال ابن سحنون: قرأت عليه قال ابن القاسم، في من اثبت حقا له على رجل بأفريقية، وأخذ من القاضي كتابا إلى قاضيها، فلقي غريمه بأطرابلس، أينظر القاضي في ذلك؟ ولهدية به قال: لا، إلا بأمر يؤتنف. قال سحنون: تأويله: إذا لم يعرف المكتوب إليه، فإذا جهله لم ينفذ ذلك إلا قاضي بلده، ولعل بلده غير باسمه، فلعله غيره، فإن قامت للمكتوب له البينة أنه هو المكتوب فيه بعينه واسمه ونسبه، والمثبت عليه ما ثبت عند الذي كتب [8/ 117]
باب جامع في كتب القاضي إلى القضاة بالأمور والشهادات والأحكام وغير ذلك
حين كتب، فليقض له هذا بذلك/ الكتاب، كذا يقضي له غير المكتوب إليه إن عزل أو مات. قال ابن عبد الحكم: إذا كان في بلد القاضي المكتوب إليه اسماء متفقة على ذلك الاسم والصفة، لم يقض على أحد فيهم، إلا أن يقرأ، ويأتي المحكوم له بما يفرق به بينهم من الصفات. وقد استحسن بعض الناس، - وأنا أستحسنه- في من قال: لفلان عندي دينار، أو لفلان ثلاثة، ولفلان ثوب، أنه ينظر إلى هذه الاسماء في معامليه وأصحابه وجلسائه، فيعطوا ذلك، وكما لو قال: أعطوا زيدا دينارا، وقصيا دينارا، ونافعا كذا. وله مال وعدد بهذه الاسماء، أنهم يعطوا ذلك؛ لأن الثابت أنه أرادهم كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل للناس. قد عرف أنه أراد: الصديق، رضي الله عنه. باب جامع في كتب القضاة إلى القضاة بالأمور والشهادات والأحكام وغير ذلك وفي الشيء فيه الخصومة يكون ببلد آخر من المجموعة: قال ابن القاسم: يجوز كتب القضاة إلى القضاة، في كل حد هو لله، وفي القصاص، والعتاق، والطلاق، كما تجوز فيه الشهادة على الشهادة. قال أشهب: يجوز في ذلك كله، وإن لم يشهد على الكتاب إلا شاهدين، وإن كان في الكتاب زني قد شهد عليه أربعة عند القاضي، كما أنه لو حضر لجلد الزاني أربعة لكانوا يخرجوا قا/ ذفيه بما علموا من الحد، وإن لم يشهدوا على شهادة الأربعة المعاينين للزنى، وإنما نقلوا عن القاضي حده، فكذلك يحي حكمه في ذلك بما يحيى به كتب القضاة. [8/ 118]
قال في كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وأنا لا أرى أن يثبت ذلك إلا بأربعة. قال: ويجوز كتب القضاة إلى القضاة في كل خصومة من حقوق الناس؛ من بيع، أو شراء، أو وكالة، أو إجارة، أو نكاح، أو كتابة، أو دعوة، أو في الوكالة بكل ما جازت فيه الوكالة؛ من حق، ومال، وعتق، ونكاح، وطلاق، مثل الزوج يجحد النكاح، فتوكل المرأة من يخاصمه، ويأخذ كتابا من القاضي بالبينة على النكاح وتوكا له وكيلها ويخاصمه الوكيل، وكذلك لو جحدت، ووكل الزوج عليها، وكذلك المرأة تقوم بنفقتها في وديعة لزوجها غائبة عند رجل، وتأخذ بذلك كتابا إلى قاض، وإذا دفعت النفقة إلى وكيلها، لم يؤخذ منه بها كفيل، وكذلك إن تطلب مهرا ونفقته، أو تدعي طلاقا، ويوكل بذلك، أو في خلع، أو العبد يدعي العتق، أو الكتابة، فيوكل بذلك من يخاصم له، ويأخذ كتابا من قاض إلى قاض، وكذلك في دعوى دم الخطإ أو العمد، فيوكل بذلك، ويأخذ بذلك كتاب من قاض إلى قاض، وكذلك في القيام بعيب، وإذا وكل رجل رجلا بخصومة في دار، أو ربع، أو غيره، عند قاضي بلد، وأراد أن يأخذ كتابا من قاضي بلده/ إلى قاضي البلد الذي أراد أن يخاصم عنده، فإن كان القاضي يعرف الموكل، وكان مشهورا، اجتزأ بذلك، وإلا كلفه البينة أنه هو، وإذا ثبت عنده، كتب له، وإن عرفه وهو مشهور، كتب له: أما بعد، فإنه أتاني فلان بن فلان الفلاني، وقد عرفته، وعرف عندي، ذكر لي كذا. وإن لم يعرف كتب: أتاني رجل ذكر أنه فلان بن فلان الفلاني، فسألته البينة عن ذلك، فأتى بشاهدين يذكر أن يشهدا بذلك، فكشفت عنهما سرا وعلانية، فلم يبلغني عنهما إلا خير، وذكر أن له دارا بالبصرة في بني فلان، فيحدها، وأنه وكل بالخصومة فيها وبقبضها فلان بن فلان، فرأ في ذلك رأيك. ثم يقرأ الكتاب على الشاهدين، ويختمه، ويشهدهما [8/ 119]
عليه أنه كتابه وخاتمه، ويحلي الشاهدين، فذلك أحسن، ولا يضره إن لم يفعل، وإن أشهد على كتابه وخاتمه رجلا وامرأتين، جاز فيما تجوز فيه شهادة النساء، وإذا شهدت لرجل امرأة عند قاض فيما تجوز فيه شهادة النساء، فله أن يكتب له بذلك كتابا إلى قاض آخر، ثم لا يحكم له الآخر حتى يأتي برجل وامرأة أخرى، وكذلك يكتب له بشهادة رجل على شهادة رجل، ثم لا يقضي له الآخر حتى يأتي بآخر على شهادة الرجل، ويأتي بشاهد على أصل الحق، أو يقضي له بشاهد ويمين في الأموال، وأما إذا طلب أن يقيم عنده بينه على دار بمصر بيد رجل،/ أو بدين عليه. وأوزكيهم لأني لا أجد بمصر، ويزكيهم، ويكتب له بذلك إلى قاضي مصر، قال: ذلك له، ويكتب له قاضي القيروان إلى من يجوز أمره، قال محمد بن سحنون: والحاكم يومئذ بالقيروان ابن أبي الجواد، وكان مستجرحا في أحكامه، وقال سحنون: وإنما ذلك كشهادة وديتها عند من ينظر في أمر الناس، كتب إلى قاض غيره بمثل ذلك، لم ير أن يجيزه؛ إذ لا يدري صدق ذلك من كذبه. قال ابن وهب، عن مالك: لا يجاز كتاب قاض إلى قاض إلا بشاهدين أشهدهما بما فيه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإن لم يكن فيه خاتمه، أو كان بطابع فانكسر، قال عبد الملك: فإذا شهد عدلان أن هذا كتاب القاضي، أمضاه. قال أشهب: ليس شهادتهم أنه كتاب قاض بشيء حتى يشهدوا أنه أشهدهم، ولا يضره، إن لم يختمه، وإذ لو شهدوا أن هذا خاتمه ولم يشهدوا أن الكتاب كتبه إلى هذا القاضي، لم ينتفع بذلك؛ لأن الخاتم يستنقش، فلا يعرف، والكتاب يعرف بعينه. [8/ 120]
وقال ابن نافع، عن مالك: كان من أمر الناس تقديم إجازة الخواتم حتى إن القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه، يستجاز له، حتى اتهم الناس، فصار لا يقبل إلا/ إلا بشاهدين. وقاله ابن كنانة. وقال: والناس اليوم على أنه إن جاء من أعراص المدينة اجتزأوا بمعرفة طابعه وخطه وجوابه، إن كان في الحقوق اليسيرة. وقال عبد الملك: يقبل العامل في أمر أتاه من عامله الكتاب بغير شاهدين، يقبل بالشاهد الواحد مع النفر بحمله ومعرفة الخاتم بقرب المسافة، واستدراك ما يخشى من التعدي، وبعض الأمور في هذا أقوى من بعض. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد الشهود على كتاب قاض قد انكسر خاتمه، وخواتم الشهود عليه تثبت شهادتهم إذا شهدوا على ما في الكتاب، فإن لم يكن للمشهود عليه خواتم، وشهدوا أنهم قرأوه عليه، فأشهدهم بما فيه وحفظوه، أو كانت معهم نسخ، قبلت شهادتهم على ذلك، وكذلك لو لم يختمه القاضي، أو كان منشورا وقد قرئ عليهم وعرفوه، وكتبوا شهادتهم فيه، أو حفظوها، وكاتبه معهم نسخ وهذا بمنزلة الصك بالحق. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينفذ قاض كتاب قاض في الأحكام إلا بعدلين، ولا ينفذه لشهادتهما أنه خط القاضي، كما لا تجوز الشهادة على خط القضاة في الأحكام، ولا على خط الشهود، ولا تجوزه الشهادة على الخط في الحدود، ولا بأس إذا كاتبه في شيء يسأله عنه عن عدالة شاهد، أو أمر يستخبره من أمر الخصوم أن يقبل كتابه بغير شهودإذا عرف خطه، ما لم تكن فيه قضية قاطعة/ أو كتاب وابتدأه به، فلا ينفذه إلا بعدلين، وأما كتابه إلى قاضي الجماعة، أو إلى فقيه يسأله، ويسترشده، فيخبره، فهذا يقبله إذا عرف خطه وأتاه به رسوله، أو من يثق به، إلا أن يأتيه به الخصم الذي له المسألة، فلا يقبله إلا بعدلين، وإذا كان له من يكاتب في نواحي عمله في أمور الناس، وتنفيذ الأقضية وغير ذلك، فليقبل الكتاب يأتيه منهم بالثقة يحمله، وبالشاهد الواحد لقرب المسافة، واستدراك ما يخشى فوته. [8/ 121]
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ولا تجوز شهادة أهل الذمة على كتاب قاض إلى قاض، وتجوز فيه الشهادة على الشهادة، كالحقوق، وكذلك ذكر عنه ابن عبدوس، قالا عنه: وإذا جاءه كتاب قاض، عليه خاتمه، ولا عنوان عليه، فشهد عدلان أنه كتاب فلان إليه، والخصم حاضر، فليفتحه، وإذا شهدوا على الكتاب والخاتم، فليقبله، وإن لم يكن فيه اسم الذي كتب به، ولا اسم المكتوب إليه، وكذلك إن كان فيه اسماهما بغير أسماء الآباء، أو بأسماء الآباء، وكذلك إن كان فيه: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان. وكذلك لو نسب القاضي فيه إلى جده، وإذا لم يكن فيه اسم، وكان فيه: عافانا الله وإياك. جاز بالبينة عليه، قال عنه ابنه: ولو كتب إلى قاضي البصرة، وسماه، فأخطأ باسمه أو باسم أبيه أو نسبه، أنفذ ذلك إذا نسبه إلى المصر الذي جد عليه، وشهدت البينة بذلك، وليس كل من كتب/ كتابا يعنونه، فإذا شهدت بينة؛ أنه كتبه إليه قبله، ولم ينظر في اسمه، وتجوز فيه شهادة النساء فيما يجوز أن يشهدن فيه. من المجموعة: قال ابن القاسم: ولا يجوز فيه شاهد ويمين؛ لأنه شهادة على شهادة. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كتب القاضي بشهادة رجلين سماهما إلى حاكم آخر، وشهد على كتاب القاضي الشاهدان اللذان شهدا عنده، فلا تجوز شهادتهما على كتاب قاض، وفيه أنه قد عدلهما، ولكن يشهدان بها ابتداء عند القاضي، فتجوز. قال ابن سحنون: عن أبيه: وإذا أشهد القاضي الشهود على صحيفة منشورة، وختم أسفلها، وقرأها عليهم حتى عرفوه، قبل ذلك القاضي الآخر، وأنفذه. قال أشهب، عن مالك: وإذا دخل رجل إلى القاضي، وبيد القاضي كتاب مطبوع، فيقول له: أشهد أن هذا كتابي إلى قاضي بلد كذا. ولم يقرأه، وقد كان بأيدي الكتاب، أيشهد بذلك؟ قال: نعم، يشهد، ويقول: أعطانيه مطبوعا، [8/ 122]
وقال: هذا كتابي. قيل: أفيجيز ذلك الآخر؟ قال: نعم، وذكر مثله ابن حبيب، عن أشهب، عن مالك. قيل: فإن دفعه إلى جماعة، فكان في يد أحدهم؟ قال: يشهد الذي هو بيده، وأما الآخرون؛ فإن عرفوا وأثبتوا أنه طابعه وكتابه، فليشهدوا. وقال في كتاب ابن سحنون: وإن ختموا عليه، ودفعوه إليه، وعرفوا خواتمهم، فليشهدوا. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن لم يعرفوا الكتاب، فلا يشهدوا، وإن كان الذي بيده/ الكتاب منهم مأمونا عدلا حتى يعرفوا الكتاب، ولو كانوا حين أشهدهم كتبوا فيه شهادتهم وعلامتهم، كان أحسن. ومن المجموعة: وإذا كتب قاض إلى قاض، فإن ثبت عنده أن الذي كتب إليه مستحق للقضاء في فهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم، مع فضله في دينه وورعه وانتباهه وفطنته، غير مخدوع في عقله، فليقبله. وقال ابن سحنون: قال سحنون: قال أشهب: وإذا كتب إليه غير العدل أن بينة فلان تثبت عندي، فلا يقبل كتابه؛ لأنه ممن لا تجوز شهادته، ولو كتب إليه العدل أن ابني ثبتت له عندي بينة بكذا، فلا أرى أن يجيز ذلك؛ لأنه كالشاهد له. قال: فإن أجازه، فلا يفسخه من ولي بعده، وليمضه. وقد تقدم قول سحنون أنه يكاتب غير العدل بإنقاذ أمر، ولا يقبل إلا كتاب العدل. وقال أشهب: وإنما يقبل كتاب العدل ممن لو شهد عنده لقضي به، فأما غير المأمون في حاله، ولا متناهي في شأنه، وهو مغموص عليه في جميع أموره، فهذا لا يجوز شيء من أموره، إلا ما كان من أمر لا شك في صحته، فيجوز. قال ابن حبيب، عن أصبغ: وإن جاءه كتاب قاض لا يعرفه بعدالة ولا سخطة، فإن كان من قضاة الأمصار الجامعة، مثل المدينة، ومكة، والعراق، والشام، ومصر، والقيروان، والأندلس، فلينفذه، وإن لم يعرف، ويحمل مثل هؤلاء على الصحة، وأما قضاة الكور الصغار، فلا ينفذه حتى يسأل عنه العدول وعن حاله. [8/ 123]
قال ابن عبدوس، وابن سحنون/: قال سحنون: ويقبل كتاب قضائه فيما صير إليهم النظر فيه، ويقبل كتاب الأمير إذا كان من العدول على ما ذكرناه قال: وإن كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه وهو معه في المصر، وذكر له القصة والشهادات، فإن أنفذه الأمير، نفذ، قال: وينبغي له أن ينفذه، قاله بعض كبار المدنيين. وقال غيره: لا يجوز. وقال سحنون، في قاضي تونس أراد رجل من سكان كورتها أن يثبت عنده أن له بيد رجل بمصر دارا وحق؛ ليكتب له إلى قاضي مصر بما ثبت عنده، فقال: لا، ليس يكتب قضاة الكور إلى قضاة البلدان بما يثبت عندهم، ولكن يكتب قاضي تونس إلى قاضي القيروان قاضي الجماعة بما ثبت عنده، فيكون هو الذي يكتب إلى قاضي مصر، ولا يجوز كتاب قضاة الكور، ولا ولاة المياه إلى قاضي بلد آخر، وأنكر ما ذكر عن مالك، أن ولاة المياه تضرب أجل المفقود، وهو لا يضرب له، إلا بعد الكتب إلى البلدان، وولاة المياه لا يجوز كتابهم إلى البلدان. ولهذا المعنى باب مفرد في كتاب الأقضية في الدين فيه الخصومة يكون بغير بلد الطالب. قال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا كتب قاضي مصر إلى قاضي القيروان: أن فلان بن فلان اشترى من فلان بن فلان دارا بتونس حددها، ويكتب عنده كتابه، فليكتب له إلى قاضي تونس، فينفذه إذا كان الذي كتب الكتاب عدلا، ويوصل الدار إلى المبتاع، إلا أن يعرض فيها أحد هي في يديه غير البائع، وأما إن كانت/ بيد البائع، أو بيد وكيله، فليوصلها إلى المشتري، وإن عرض عارض فأثبت المشتري ملك البائع لها، قضى له بها. قال ابن سحنون، وابن عبدوس: قال سحنون: وإذا جاء رجل بكتاب قاض عدل كما ذكرنا، فليسأل الجائي به إحضار خصمه إن كان حاضرا أو غائبا قريب العيبة ثم يسأله البينة على كتاب القاضي، أشهدهم على ما فيه قرأه عليهم أو [8/ 124]
لم يقرأه، فإذا قبل البينة، وفتح الكتاب بمحضر من الخصم، ويقرأه عليه، فإذا قرأه فعلم ما فيه: فينبغي أن يختمه ويكتب عليه اسم صاحبه، فإن كان المطلوب بعيد الغيبة، فليقره وينفذ ما فيه إن كان مما يجوز إنفاذه عنده، فإذا الغائب أعلمه وأمكنه من حجة إن كانت له قال: فإن قبل القاضي شهادة البينة، وكتب الكتاب للطالب، فحضر الخصم المكتوب فيه قبل أن يخرج الكتاب، وأحضره الطالب، فليعلمه بمن شهد عليه، وإن كان عنده ما يدفع به، وإلا كتب: ثبت عنده بمحضر الخصم إلى القاضي غيره، فإن أعاد البينة عليه لتشهد عليه بمحضره، فحسن، وإن لم يعدها، لم يضره. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا جاء بالكتاب غير من هو باسمه، وقامت بالكتاب بينة، فإن ادعى الذي جاء به أنه وكيل لصاحب الكتاب بالقيام بما فيه، وشهد بذلك له المشهود، قبل القاضي الكتاب بحضرة الشهود وصير هذا وكيلا، فإن كان الخصم حاضرا، فتح الكتاب، وسمع البينة، وإن كان غائبا في البلد، أوقف الكتاب، وأعذر في طلبه، فإذا حضر، قبل الكتاب/، وأثبت شهادة الشهود عنده على الوكالة، وعلى كل ما يشهدون به، فإن أقر بأنه فلان بن فلان الذي في الكتاب، حكم عليه، وإن أنكر الوكيل، ثبت عليه أن فلان بن فلان، وينسب إلى قبيلته وصناعته، أو يكون مشهورا قد عرف بالاسم والكنية، فإذا كان كذلك والد ولم يظهر، وأعذر القاضي في طلبه، حكم عليه، وأنفذ له وكيل ما وكل به، ولو كان الكتاب لرجلين، فحضر أحدهما مع الخصم، فإني أقبل البينة والكتاب، وأنفذ الحكم للحاضر، فإذا حضر الغائب، أنفذت له الحكم ولا يعيد البينة. قال سحنون: وإذا كتب القاضي إلى قاض في حق بشهادة من شهد عنده، فينبغي له أن يسمي الشهود في الكتاب، وينسبهم إلى آبائهم وقبائلهم وتحليتهم ومساكنهم التي يعرفون بها، وبمن زكاهم إن ثبتوا عندهم، ويفعل في المزكين كما قلنا في الشهود حتى يعرفهم المشهود عليه، فيدفع من ذلك ما يقدر عليه، [8/ 125]
حتى يصير الغائب كالحاضر. قال: فإن كان قد عرفهم بالصلاح، كتب بذلك قال: وإن لم ينسبهم ويصفهم، فذلك جائز، وصفتهم أفضل. قال سحنون: وإذا أراد من جاءه الكتاب أن يكتب بما جاءه من ذلك إلى قاض آخر. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أثبت الرجل عند القاضي شهودا على غائب ببلد آخر، وسأله أن يكتب له بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد، ويشهد له فيه، لزمه ذلك، وإن قال: أخاف طول غيبة المطلوب، فاكتب لي عليه كتاب اثبات كتب له، وسمى الشهود وكناهم/، وموضع مساكنهم وقبائلهم وصفة أبدانهم، وأنهم قد عدلوا عنده بعد أن كشف عنهم، فأحب إلي أن يكتب، فمتى ما حضر الخصم، أمكن من الجرحة، وأعيد الكشف عنهم إن وجد من يعرفه، فإذا وصل الكتاب إلى القاضي، فإن عرف أولئك الشهود بجرحة، فلا يقبلهم، وإن لم يعرفهم، سأل عنهم إن وجد من يعرفهم، فإن لم يجد، أجاز ما ثبت عند الذي كتب إليه من تعديلهم، وأمكن المطلوب من جرحتهم إن وجد، وإلا لزمه الحق. ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن القاسم، في القاضي يكتب إلى القاضي في الحقوق والنسب، والمواريث، وشبه ذلك، فيكب: أتاني فلان بشهود عدلوا عندي، وقبلت شهادتهم، ولا يسميهم، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، يجوز، أرأيت إن سماهم، أتعرفهم أم يبتغي عدالتهم، أم يأتنف فيهم حكما غير ما حكم به وفرغ منه؟ فقيل: فلم وصفوا تسمية من يجرح من الشهود في كتابه؟ قال: لا أعرف عن أحد أن قاضيا كتب إلى قاض بتسمية من يجرح عنده، ولا سمعت به. ومن المجموعة، ابن كنانة، في المصري له الحق على رجل من أهل أفريقية، فوكل عليه وكيلا يقبض منه حقه، فلما أتى بكتاب القاضي، وثبت خلافه، ادعى المطلوب أنه قد قضى، وسأل التأخير إلى أن يحلف له الطالب، قال: ليس ذلك له، وليحلف الوكيل: أني ما علمت أنه قبض منه شيئا، ثم يقبض منه الحق، إلا أن يكون [8/ 126]
في القاضي يكتب إلى القاضي فيموت أو يموت أحدهما أو يعزل
الطالب قريبا على مثل اليومين، فيكتب إليه فيحلفه،/ وقال ابن القاسم: لا يحلف الخليفة، وينظر حتى بجامع صاحبه. وقال غيره: لا يحلف الخليفة، وينظر حتى يجامع صاحبه. وقال غيره: لا ينبغي للقاضي أن يكتب للطالب بالكتاب حتى يحلفه: ما اقتضى من الحق شيئا. وفي كتاب الأقضية شيء من كتاب قاض إلى قاض، من باب من ادعى عبدا أو طعاما، فيريد إيقافه ليأتي بالبينة، أو يدعي الحرية، وبينته غائبة. في القاضي يكتب إلى القاضي فيموت أو يموت أحدهما أو يعزل ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في المجموعة، وكتاب ابن سحنون، وعن من جاء بكتاب من والي مكة إلى والي المدينة من أمير أو قاض، فلا يصل حتى يموت الذي كتب به. قال مالك: فلصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب، ويقضي بما فيه، كإنفاذه لقضية من قبله. قال أشهب في المجموعة: ومثله عن ابن القاسم، في كتاب ابن سحنون، وسواء ماتا أو أحدهما، أو عزلا أو أحدهما إذا كان الذي كتب به وهو والي بعد. قال سحنون: وبه أقول، ولا أعلم فيه اختلافا بين أهل العلم، ومثله كله في كتاب ابن حبيب، عن ابن الماجشون، ومطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ، قال: وجميع أصحابنا، ومثله في كتاب ابن المواز، أنه إذا لم يصل الكتاب حتى مات المكتوب إليه، أو عزل، أو مات الذي كتب إليه، أو عزل، أو ماتا جميعا أو عزلا، فإن على من ولي بموضع/ المكتوب إليه، أن ينفذ الكتاب، ولا يأتنف فيه النظر إن [8/ 127]
كان فيه: أني قضيت لفلان على فلان، قال: وإن لم يكن في الكتاب الفراغ من الحكم، فعلى المكتوب إليه أن يتم عنده الحكم، ولا يستأنفه يكون ما كتب به الأول، كأنه كان عند الثاني، وإن تكلم المحكوم عليه من كتاب الأول، وسأل الثاني أن يأتنف النظر فيه، أو في بعضه، فليس له ذلك إلا بأمر بين، وكذلك لو ولي قاضيا آخر مكان القاضي، لكان مثل ما قلت لك في المكتوب إليه. ومن كتاب ابن حبيب: قال عن ابن الماجشون: ومن مات منهما قبل وصول الكتاب، أو وصول المكتوب له، فذلك سواء، ولا يضره موت من مات، وليبقه. وقال ابن الماجشون، في المجموعة، نحوه، وقال: لأنه لم يقصد به غير المكتوب إليه، وإنما قصد به السلطان المنفذ هو أو غيره. وقال ذلك كله إذا مات المكتوب إليه بعد وصول المكتوب له، وأما إن مات قبل بشخص الرجل ويحضره الأمر، فإن كان قد تفرق شهوده، أو كان في ذلك أمر يشق عليه، فليقض به، وينفذ إن كان الشهود حضورا، أو لم يبتاعه أمر ولا تفاوت، فليشهدهم السلطان على الذي كتب إلى من ينفذه إليه، ولو كان الميت أو المعزول هو الكاتب من بعد ما كتب، وأشهد، خرج أو لم يخرج، فحق على من جاءه من السلاطين قبوله وإنفاذ الذي كتب إليه، أو من بعده للحق/ والضرر به ومشقة ما يأتنف من ذلك، قال: وإذا عزل الرأس الذي لا يبتدأ الكتاب إليه حتى يستدعيه، وقد كتب كتابا إلى من كتبه، فمات الرئيس قبل أن يمضي الكتاب في قريبه، أو قد وصل إلى العامل ولم يحكم به، قال: لا يمضي من هذا إلا ما تم القضاء إليه ممن جاءه الكتاب قبل عزل الرأس؛ لأن قضاءه الآن كقضاء الرأس بعد عزله، ولو عزل الرأس من بعد كتابه إليه، وولي آخر، فعلى الآخر إنفاذ كتابه، قال: وأما إذا وجد كتاب الخليفة عند حكم مفتوحا، وشهد أنه مثله، ثم انكشف أن الخليفة مات قبل القبول، فلا يمضي منه شيء، كما قلنا في العامل تحت الرئيس، فكتب إلى [8/ 128]
في القاضي يكتب إلى القاضي بما فيه اختلاف بين العلماء
من تحت يديه من ولاته، وإذا قبل عاما كتابا، فلم يحكم به حتى عزل، فليمض من بعده بشهيدين عليه. قال: وإذا وجد كتاب الخليفة مفتوحا عند عامل، والخليفة قائم، فإن وجد الكتاب حيث يكون ما قبل من الكتب، وفي مواضع النظر والخصومات، وما يعتد به، فلينفذه الطارئ وإن كان على غير ذلك، فلا يكون كالأول؛ إذا لعله لم يقبله. ومن كتاب ابن سحنون، وغيره: قال ابن القاسم، في من اثبت حقا على غائب لرجل، فهل يعطيه بذلك كتابا إلى أي قضاة الأفاق، بأن لا يسمى قضايا بعينه؟ قال: نعم، ثم إن ذلك ينفذه من وصل إليه إذا ثبتت البينة به عنده، مثل رجل له غريم لا يدري بأي أفق هو، أو عبد وشبه ذلك. وقاله أصبغ، وعيسى، عن ابن القاسم في العتبية. / في القاضي يكتب إلى القاضي بما فيه اختلاف بين العلماء أو السلطان يأمر رجلا بإقامة حد وليس بعدل ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا كتب قاض إلى قاض بكتاب في اأمره فيه اختلاف بين الفقهاء، والمكتوب إليه لا يرى ذلك الرأي، فإن كتب إليه إنه قد حكم بما في كتابه وأنفذه، جاز ذلك وأنفذه هذا، وإن لم يكن قطع فيه بحكم، وإنما كتب بما ثبت عنده للخصم، فلا ينبغي لهذا أن يعمل فيه برأي الذي كتبه، وليعمل فيه برأيه. وقال سحنون: إذا كتب إليه بأمر، فرأى هو خلافه، فلا ينفذه؛ لأن ذلك لم ينفذ شيئا، فلا ينفذ هذا ما ليس بصواب عنده. وفي كتاب ابن حبيب، عن مطرف، وعبد الملك مثله كله ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب في الإمام البين العدالة، بأمر رجلا بإقامة حد في رجم، أو حرابة، أو قتل، أو قطع في سرقة، ولا يعلم ذلك إلا بقول [8/ 129]
باب جامع في سيرة القاضي في غير شيء من أموره وشيء من العقل فيما يدعى فيه
الامام، فعليه طاعته. قال أشهب: وإذا لم يعرف بالعدالة، فلا يطيعه في ذلك، إلا أن يرى أنه قضى في ذلك بحق، فعليه طاعته فيه. وقاله ابن القاسم، إذا اتضح لك أنه حكم بحق، وعلم أنه كشف عن البينة وعدلوا، وعلم أنه لم يجر. قال أشهب: وإذا لم يدر بما قضى به أبحق أم يهوى، فلا يجيبه. قال ابن الماجشون: ولا تطع الجائر، ولا تخدمه، ولا تصدقه. باب جامع في سيرة القاضي في غير شيء من أموره/ وشيء من ذكر العقل فيما يدعي فيه ومن أقام حجة بعد الحكم من كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون لا يقبل كتاب قاض من قضاته إلا بشاهدين عدلين، ولا يفكه إلا بمحضرهما، وكان يعرف خط بعض قضاته، ثم لا يقبله إلا بشاهدين، وكان القضاة إذا كتبوا إليه في مسائل الخصوم والأحكام، فيجيبهم ويطبع كتابه إليهم، ولا يشهد عليه، فكان من يرد ذلك عليه منهم ينفذ ما فيه، وكان يقبل كتب أمنائه، وينفذ ما فيها بلا بينة عليها، فإن كتبوا أن أحد الخصمين تعدي في عقل، أو لد، أو كسر موفاه، أدب الملد، وأنفذ عليه ما في كتاب أمينه، وكان إذا أتاه كتب الأمناء، أمر بإحرازه، ويرفعها عنه بعض أعوانه، وكان قد ولى قضاة في مواضع بعيدة منه، فكان يرى لذلك أنها لا تستغني عن القضاة، وأن من استعدى عليه منهم بالشيء يسهل عليه أن يؤدبه، ولا يرتفع لبعد مكانه، فلم يزل بالأمير حتى ولى قضاة على جميع الثغور، وكان في من ولى من قضاته رجل سمع منه، وسمع بعض كلام أهل العراق، فقال له مرة: فلا تحكم إلا بمذاهب أهل المدينة وكان لا يقبل من المطلوب وكيلا، إلا من مريض أو امرأة لا تخرج مثلها، أو رجل على سفر،/ أو معذور بين العذر، ويقبل الوكيل من الطالب، وقال: تحدث للناس أقضية على نحو ما يحدثوا، وكان أصل ما منع [8/ 130]
المطلوب من الوكالة لمعنى السلاطين والجبابرة، وما أراد من استخراج أموال الناس، وكان يقبل الوكالة من كل مطلوب شغله الأمير في خدمته إذا كانت خدمة لا يقدر أن يفارقها، مثل الحاجب، وصاحب الحرس، والذين لا يستطيعون مفارقة ما وكلوا به من الخدمة، ويرى أن هذا باب اضطرار. وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان أحد الخصمين عييا عن حجته، أو أعجمي، أو ألكن، أو فأفاء، فسأل القاضي أن يدخل معه رجل من قرابته أو غيرهم، يتكلم عنه بحجته، فلا بأس أن يأذن له في ذلك إذا كان المتكلم عنه لا بأس به، ولا بأس أن يقبل الوكالة من الرجال والنساء، ممن حضر أو غاب، إن احتاج أن يسأل المطلوب عن شيء، أو يحلفه، أم بإحضاره، وإذا كان عنده من يتوكل للناس في الخصومة، أمكنهم من ذلك، إلا من كان قد عرف بتوليد العيب، أو مغالطة البينات، أو العمل بما لا يجوز، فليخرجه، ولا يزداد الوكلاء على ما يعطي الناس، فإذا نادى باسم الرجل، دخل وكيله إذا ثبتت وكالته عنده، وينبغي أن يكتب عنده من قد وكل، لئلا يخاصم من ليس بوكيل للرجل، فإذا شك فيه نظر فيما في كتابه. ومن كتاب ابن سحنون: وكان يقول: لا يجوز للقاضي أن يأتي إلى أحد من الناس إلا إلى الأمير الذي استقضاه/، لا وزير، ولا ابن عم، ولا صاحب، ولا غيرهم، لأن هؤلاء من رعية القاضي؛ لأن قضاءه عليهم ولهم جائز، فإذا جاء القاضي إلى رجل من رعيته، لم يقدر أحد أن يستعدي عليه مع م في هذا من فساد السلطان في أمانته، وكان يقول: القاضي ينظر فيما ينظر فيه الخليفة من جميع الأشياء، ينظر في كل ما تحت يدي الخليفة، وإنما كان الخلفاء يلون النظر لأنفسهم، فلم يكن لأحد منهم قاض علمناه، فلما انشغلت الخلفاء فيما انشغلت فيه؛ منهم من اشتغل بالحرب، ومنهم من اشتغل بالدنيا. ولوا القضاة، [8/ 131]
فصار إلى القضاة ما كان إلى الخلفاء، ممن هاهنا عظم عظم موقف القاضي، ولم يول حتى تجتمع فيه الخصال الصالحة. قال سحنون: وعلم القضاء غير غيره من العلم، قال مالك: كان الرجل يقدم من البلد إلى البلد، يسأل عن علم القضاء، وكان ابن عمر يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن أقضية عمر بن الخطاب، وأتاه قوم؛ فذكروا له أن لهم في يد رجل حوانيت، وأنه غلبهم عليها، فأعطاهم طابعا، فلم يأت معهم، وقال: أنا مريض، فأمر أن يعودوا إليه ببينة تشهد على عصيانه. إن عصى، فذهبوا إليه فاختفى في داره، وقيل لهم: إنه مريض، فصاحوا على من في داره من حيث يسمع: هذا طابع القاضي، أخرج إلينا، فلم يجبهم بشيء، ولم يخرج، فتأنى فيه أياما؛ ليختبر مرضه، ثم بعث إليه رسولا، فدخل عليه، فقال له: القاضي يقول لك: إن كنت مريضا، فابعث بشاهدين يشهدان أنك مريض/، وإلا فاخرج تخاصم، فقال: نبعث من يشهد بمرضي، ومطل بذلك أياما، ثم بعث إليه القاضي في ذلك يعذر إليه، أنه لا يؤخره أكثر من هذا، فأما بعثت بالبينة في يومك هذا، وإلا بعثت من يخرجك، فلما رأى ذلك هرب ليلا، فذكر ذلك للقاضي، فتبين له لدده، فأمر بعقل جميع ضياعه من دور وحوانيت، وأمر من يسكن الحوانيت بإخراج ما لهم فيها، ووخرهم ثلاثة أيام، فلما تفرغت، عقلها، وسد عقلها، فبقيت مغلولة حتى صح عنده هروبه، وأنه خرج من عمل الأمير محمد بن الأغلب، فلما صح ذلك عنده، أمر فحل العقل، وأمر خصماءه باحضار بينتهم على ما ادعوا، فسمعها، وكان في النظر في ذلك إلى أن مات رحمه الله، وكان إذا أتاه رجل يدعي عنده أرضا، ودارا، قال له: سم الموضع الذي ذلك فيه، فإن سماه، قال له: حد ما تدعي. فإن حده، سمع بينته، وإن لم يحده، لم يسمع منه، ولا من بينته وأقامه، ثم إن رجع إليه فقال له: اسمع دعواي سمع منه، ثم سأله عن الحدود، فإن حد ذلك، قبل منه، وأقاله رجوعه، وسمع بينته. [8/ 132]
قال: وكان أكثر أيامه وعمله أن يسأل المدعي عن الموضع في أي قبيل، والدار والأرض في أي منزل، ثم يسأل البينة بعد ذلك على ما ادعى، وعن حدود ذلك، فتكون البينة هي التي تحد ما تشهد به. قال: وكان إذا تنازع إليه/ الزوجان؛ فقالت المرأة: حنث في وكذبها الزوج، كلف المرأة البينة، وأمر بالنفقة عليها، فإذا قال: هي تنكر أني لها زوج، قال له: فأنت مقر لها بالزوجية، وأنها كذبت، وربما ترك هذا، ولم يفرض رزقا، ويقول: هو كمن اقر لرجل بدين، والآخر يقول: لا شيء لي عليه. وأتاه رجل فادعى أرضا في يد رجل، أنه ورثها عن أبيه، وجاء ببينة على ذلك، وزادت البينة في شهادتها أرضا لم يدعها، فسأله هل يدعي هذه الزيادة؟ فقال: نعم. فسأل المدعى عليه فأنكر، فكتب جميع شهادتهم، وكان إذا تشاغب الخصمان ولدا أغلظ عليهما، وربما أمر بزجرهما بالدرة، وربما تشاغبا حتى لا يفهم عنهما، فيأمرهما بالقيام حتى يعودا، وذلك عند قيامه من مجلسه، وإذا تبين له إلداد من أحدهما، وتشنيع الكذب على خصمه، ولم يأت بمخرج، ضربه، وربما سجنه، وكان ربما يعقل في مجلسه، ويقول للرجل الذي يعقل عليه؛ قد عقلت عليك موضع كذا وكذا، فاحذر الحدث فيه. فإن أحدث فيه، أدبه، وكان ربما رد الخصمين إلى رجل يعرفه بالصحة، فيقول: اذهبا إليه يصلح بينكما، فإن أنفقتما، وإلا فارجعا إلي. وكان لا يسمع البينة إلا بمحضر المطلوب. وقال ابن كنانة، وابن الماجشون: أنه يسمع القاضي البينة بغير محضر المطلوب. وكذلك العمل عندنا، فإذا خافوا عليه الشهادة. وهذا/ مذكور مستوعب في باب في كتاب الأقضية والأحكام، وفيه ذكر الاعذار إلى المحكوم عليه، وهل تقبل منه حجة بعد الحكم؟ في باب مفرد. [8/ 133]
في كتب العرفاء كيف يكتب وشيء من ذكر المحاضر والأحكام والتوكيل مال الغائب
في كتاب العرفاء كيف يكتب وغير شيء من ذكر المحاضر والأحكام والتوكيل على مال الغائب من كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون يكتب كتب العرفاء إلى أمنائه: بسم الله الرحمن الرحيم، من سحنون بن سعيد إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، ألبسنا الله وإياك عافيته، وأبقاها لنا ولك في الدنيا والآخرة برحمته، فإنه أتاني فلان بن فلان، وذكر أن له قبل فلان بن فلان الفلاني الساكن بقرية كذا، دعوى، وأتى بلطخ بينة استوجب بذلك جلبه، فاجمع بينهما، وارفعهما إلي لأجل قريب تضربه يتوافيان فيه عندي، واكتب إلي بذلك، فإن امتنع فلان من الارتفاع، ولد، فارفع كتابي إلى عاملكم، ليقوي أمرك، وينفذ كتابي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قال ابو محمد: قد احتقرت بعض لفظ هذا الكتاب، وإذا كتب إليه أمينه: أن المرفوع له عصى، كتب إليه أن يعقل عليه ضياعه ومنافعه، وأن يشهد عليه بأنه لد حتى يضطر بذلك إلى الارتفاع، فإن دافعك عن العقل عليه، فادفع كتابي إلى العامل ليقويك، وإذا كتب في/ رفع رجل ادعى عليه دم، ذكر في كتابه: اجمع بين فلان وفلان صاحب كتابي، وارفعه إلي في وثاق يحمله ثقات تأخذهم عليه، فإنها الدماء ليست كغيرها حتى يوافي مع صاحبه، ولا يكتب أن يضرب له رجلا، ولكن يبعث به ساعة يظفر به. وفلس رجل، فكتب له حكما بتفليسه، هذا ما شهد عليه من يسمى في أسفل هذا الكتاب، يشهدون أن القاضي سحنون بن سعيد، أشهدهم، وهو حينئذ قاضي أهل افريقية، وذلك في مجلس قضائه، أنه أنقذ القضاء لفلان بن فلان الفلاني على غرمائة بمحضرهم، وهم فلان بن فلان الفلاني، وفلان، يشهدهم [8/ 134]
كلهم بتفلسه وعدمه بشهادة فلان، وفلان، شهدا عنده أنهما يخبران ويبطنان أمر فلان هذا، وأنه عديم لا مال له، ولا جدة عنده، فقبل شهادتهما؛ لما صح عنده من عدالتهما، وأنفذ لفلان بن فلان القضاء على غرمائه هؤلاء المسمين بمحضرهم شهادة هذين الشاهدين بعد أن استقصى جميع غرمائه هؤلاء، واستنفذ منافعهم، فلما لم تكن عنده حجة ولا مدفع، أنفذ القضاء له على غرمائه بمحضرهم بتفليسه وعدمه، ومنعهم من مطالبته حتى يحدث الله له، من شهد على إشهاد القاضي فلان بن فلان بجميع ما نص في هذا الكتاب بعد أن قرئ عليه جميعه في مجلس قضائه، فأنفذه لفلان بمحضره، ومحضر غرمائه المسلمين في صدر هذا الكتاب ما نص فيه، وختم عليه بمحضرهم/ جميعا، وذلك في شهر كذا من سنة كذا، ووكل لقوم غيب وكيلا، فكتب له: هذا كتاب من القاضي سحنون بن سعيد، لفلان بن فلان الفلاني، كتبه وثيقة وحجة، وأشهد له جميع ما فيه، وهو حينئذ قاضي أهل أفريقية، وذلك في مجلس قضائه: أني جعلتك يا فلان وكيلا لبني فلان؛ وهم فلان وفلان بتو فلان بن فلان الفلاني؛ لما ثبتت عندي غيبتهم، ولم يكن لهم ناظر من أموالهم، ولا حائط لهم عليها. فرضيتك في دينك وأمانتك، وجعلتك وكيلا فيها مفوضا إليك النظر فيها، وأمرتك بإجارة أموالهم وإحرازها، والقيام بمصلحتها، وحسن تدبيرها بما يحق عليك، وتقتني غلاتهم، وأن تنفق على رقيقهم وضياعهم بالمعروف، ويرم ما احتاج إلى مرمة من دورهم وضياعهم، ويصلح ذلك، وتبيع لهم وتشتري باجتهادك ونظرك مفوضا اليك القيام لهم في جميع ذلك على ما يقوم له الوالي المفوض إليه، ولله عليك أداء الأمانة والنصيحة فيما كلفتك. شهد على إشهاد القاضي، وذكر أنه ختمه بمحضر الشهود فيه عليه وقال: ويشهد على قبول فلان لما فوض إليه من ذلك كله في صحة عقله، وجواز أمره، وذلك في شهر كذا في سنة كذا، وهذا الذي ذكر ابن سحنون، عن أبيه، من النظر في مال الغائب، مختلف فيه، فمن أصحابنا من يراه، ومنهم من لا يرى عليه أن ينظر فيه، لا بسبب وكالة/ أو أمر يطلب به من دين أو غيره، وذكر أنه [8/ 135]
فوض إليه في أموالهم في البيع والشراء وغيره، وهذا لا أدري ما هو في إطلاقه له البيع والشراء، والمعروف من القول أنه لا يطلق ذلك إلا على مولى عليهم، قال: وكيف وكالة لأيتام لا وصي لهم. وذكر نحو ما تقدم من الصدر، وذكر أنه ثبت عنده أن أباهم مات، ولم يوص إلى أحد، وترك تركة وأطفالا؛ وهو فلان وفلان، وأنه وصى فلانا في دينه وأمانته، فجعله وصيا لهم. وناظرا في أموالهم، وحائطا عليهم، والانفاق عليه منها بالمعروف، وإن يشهد على ذلك، وأن يقوم لهم، وينظر كما ينظر لليتامى، شهد على إشهاد القاضي، ثم ذكر ما في الكتاب، وأنه أشهد على خاتمه، وعلى قبول فلان بذلك. وحكم بدار لرجل، فذكر في كتاب حكمه، أنه حلفه أن هذه الدار لباقية في ملكك إلى وقت هذه الشهادة، لم تخرج من ملكك، وأنه حلف على ذلك. وكتب في حكمه على غائب: إني حكمت لكم على فلان بن فلان بكذا، بعد أن صحت عندي غيبته ببلد كذا، وأنك لا تصل إلى جلبه، ولا تقدر على رفعه، فحكمت لك عليه بذلك بغير محضره، وأبقيته على حجته ومنافعه، وبعت له في ذلك داره المعرفة له، فذكر أنه قضاه الدين من شهد بعد أن أحلفه أنه ما قبض منه شيئا، ولا من أحد يسميه، ولا أحالك به على غريم له، ولا أحلت به عليه، ولا وكلت بطلبها، فحلف على ذلك كله، ويذكر أنه ختم الحكم، ويشهد على خاتمه. وكتب في حمالة بنفس رجل، فذكر بعد صدر الكتاب: أنه يحمل للقاضي بنفس فلان بن فلان وفلان ينسب كل واحد منهم، ويذكر قبيلته، بأمر فلان ورضاه، على أن يأتوا به متى ما دعاهم به القاضي فلان بن فلان، وإن جعلهم حملاء ووكلاء على الخصومة، ذكر ذلك أنهم وكلاء فلان على رفع فلان، وعلى طلب حقه قبل فلان، والقائم له بحجته وإحضار منافعه، ورفع من طالبه بشيء، وعلى طلب حقه عند فلان، أو يقول: عند من كان. وعلى إحضار منافعه، قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أشهد القاضي على تنفيذ حكمه، فليأمر بقراءة كتاب الحكم عليه؛ لئلا يتعقبه من لا يجيز ذلك، فإذا قرئ قال: اشهدوا أني حكمت بما في [8/ 136]
الوكالة تكتب في ديوان القاضي وفي البينة على الوكالة
هذا الكتاب، ولا يقول: اشهدوا على ما سمعتم؛ إذ قد يخطئ القارئ، ويزول عنه الحرف، ولو قال ذلك، كانت الشهادة ضعيفة، ولا أبلغ بها الرد، قال غيره: ليقل: اشهدوا على إشهادي بما نسب إلى في هذا الكتاب. ثم ذكر سحنون ما في الكتاب على ما فيه من عقد الشهادة، وذكر الإشهاد على قبول الوكلاء للوكالة، كان من وكلهم ظالما أو مظلوما، وإن كانت حمالة لغير القاضي، كتب نحو ما تقدم، ويذكر في الصدر أنهم تحملوا لفلان، وإن كانت مؤجلة، ذكرت ذلك، وإن كانت مبهمة، كتبت نحو ما ذكرنا، وتقول: وكان ذلك بمحضر فلان بن فلان القاضي، قاضي ببلد كذا. وكتب إليه شجرة في بكر زوجها أخوها بأمرها فيما ادعى الزوج/ فنشرت وأنكرت تزويجه، وهي بناحية، فسأل رفعها، وجاء بأمر دل على منازعتها إياه وإلطاخ الدعوى، فكتب إليه: إن ألطخ الدعوى في امرأة بيعنها ونسبها، فارفعها إلا أن توكل، أو تكون البينة تحتاج إلى معرفة عينها، فلترفع بعد ثبوت اللطخ. الوكالة تكتب في ديوان القاضي وفي البينة على الوكالة من كتاب ابن سحنون: قال القاضي فلان بن فلان: حضرني فلان بن فلان الفلاني بخصمه فلان بن فلان الفلاني، فادعى أن له قبله كذا، فسألت فلانا عن دعواه، فأنكرها، فأمرت فلانا بإحضار منافعه، فذكر أنه لا يقوى على الخصوم والمدافعة؛ لسفر حضره، أو لعلة، أو من مرض أو غيره، وسألني أن أقبل منه وكيلا بالخصومة، فأجيبه إلى ذلك؛ لما تبين لي من عذره، هذا إذا كان القاضي لا يقبل من المطلوب وكيلا، فإن كان ممن يقبل توكيله، فلا يذكر أنه أجابه إلى ذلك لعذر ظهر، ولكن ليكتب للذي له من الحق في ذلك، فوكل عندي فلان ابن فلان، على طلب حقه قبل فلان، أو قبل من كان، أو عنده، أو عليه، وفوض إليه في القيام بحجته، واحضار خصمه منافعه، وأقامه في ذلك مقام نفسه، وأن [8/ 137]
يوكل في ذلك كله وكيلا بعد وكيل ممن يرضاه، وأقام وكيل وكيله مقام نفسه فيما يحكم له به وعليه، وقبل فلان منه ما وكله عليه من ذلك، ثم إذا أحضر وكيله بينة، كتبها على ما تقدم من كتاب البينات، وإن وكلت امرأة عنده/ رجل على الخصومة، وهي طالبة، والقاضي لا يعرفها، فأمر من يطالبه، وهو أخوها أنها أخته أو أمه، أو كان زوجا، فأقر أنها زوجته، أو أجنبي، فأقر بها فلانة بنت فلان الميت، وهي تدعي عليه دينا لأبيها، وهو منكر للدين، فليمكنها من التوكيل بعد أن يعرفها بعينها، أو يعرفه بها شهودها؛ لئلا ينكرها خصمها بعد أن يعرفها، وإن كانت مطلوبة، وأقرت وأقر من يطالبها أنها فلانة بنت فلان، لم يمكنها من الوكالة، ولا يسمع البينة على الإسم الذي تسمت به، والنسب الذي انتسبت إليه، خوفا أن تواطئه على اسم امرأة غائبة فيوقع البينة، وربما ماتت، فلا يقدر أن يحكم على امرأة لا يعرفها، ولكن إذا كانت طالبة أو مطلوبة، ولا يخرج مثلها، أو مطلوبة يخرج مثلها، والقاضي لا يعرفها، فشهدت البينة على معرفة عينها ونسبها، فليكتب شهادتها، وأنها أشهدتهما في تاريخ كذا، أنها وكلت فلانا على طلب حقها ومورثها من أبيها فلان. قبل من كان، ويكتب مثل ما تقدم من وكالة الرجل، وعلى قبول الوكيل ذلك منها، فإنه الذي أحضر البينة على ذلك، وإن كان المطلوب معروفا، كتب على ما كان لها قبل فلان، على ما تقدم. ومن كتاب ابن المواز: ولا يقبل القاضي من أحد أنه وكيل حتى يصح عنده بذوي عدل، قال: ولا يكون في ذلك إلا عدلي، الوكالة كغيرها. وروي عن مالك،/ أنه يجوز في الوكالة شاهد ويمين، ولم يجزه عبد الملك. [8/ 138]
في حياطة أموال اليتامى، وهل تودع أو تسلف؟ وبيع ربعهم والحجر عليهم
في حياطة أموال اليتامى، وهل تودع أو تسلف؟ ونحو هذا، وفي بيع ربعهم، وفي الحجر عليهم من كتاب ابن سحنون: وكتب إليه شجرة فيما دفع من كان ولي القضاء قبله إلى الناس من أموال الأطفال، بضمان أو بإيداع، أيكشفهم عن ذلك ويجيبه، أو يخرجه من يدي من رأى؟ فكتب إليه: أن أودع غير صليون فانتزع ذلك وأودعه من تثق به، وإن كان مأمونا فدعه. قال: وأودع ما كان من مال طفل أو غائب، ولا يدفع ذلك بضمان، فإنه سلف يجر منفعة. وعن من أتى الحكم، فزعم أن فلان توفي، واستخلفه على ماله وولده، وأنفقت عليهم كذا، وبقي لهم كذا، فأمر بقبضه، وأبرأ منه ومما أنفقت، فكتب إليه: لا تعرضه إلا أن يكون غير عدل، فيأمره بإثبات ما قال، وتنزع منه ما بقي، ويجعل لليتامى وال غيره، وكانت أموال اليتامى بإفريقية، أنها تكون عند القاضي مرفوعة، فسحنون أول من أودعها للناس، وفرقها، وكان لا يرى أن تسلف كما يفعل أهل العراق، وذلك أنه سلف جر منفعة، وهذا وشبهه عن إيداع القاضي، بغير بينة، وغير ذلك مستوعب في باب القاضي يقول: حكمت لفلان. أو: شهد عندي بذلك بينة. في القاضي يقضي بقضية ولا يسمى المقضي عليه من كتاب ابن حبيب، عن مطرف: وإذا قضى القاضي لعبد بحرية، أو لرجل بحق، ولم يسم في/ الحكم اسم المقضي عليه، ولا شهادة البينة على رجل بعينه، ثم عزل أو مات، فادعى رجل أن العبد عبده، وأحق ذلك، وقام المقضي له بالحق، وهو من يدي غيره، فأراد أجره، قال: إن كان سيد العبد حاضرا المقضي بحريته، عالما بذلك، فذلك يقطع دعواه فيها، وإن لم في الحكم، وإن [8/ 139]
كان على غير من غيبته، وغير ذلك مما يعذر به، فإن على العبد البينة أن القاضي قضى بحريته على هذا الرجل؛ إما بأنه أعتقه، أو حنث فيه، إلا أن يكون القاضي إنما أشهد أنه ثبت عنده أن هذا حر في أصله، فهذا يجزئه وإن لم يسم سيده المقضي عليه. قال: وأما الحقوق، فلا يجوز القضاء بها حتى يسمي المقضي عليه، أو يكون قد قبضه المقضي له بحضرة هذا القائم لا يدعيها، أو أخرجت من يده بالقضاء، وقد علم أنه خاصمه فيها، فلم يدفع ولم ينكر، فيجوز ذلك. وقال مثله أصبغ. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وينبغي للقاضي إذا ولي أن يأمر من ينادي: أن كل يتيم لم يبلغ لا وصي له ولا وكيل، وكل سفيه يولى على مثله، فقد حجرت عليه، ومنعت من معاملته، ومن علم أحدا من هؤلاء، فليرفعه إلينا لنولي عليه ويحجر، ومنع من معاملته، فمن باعه أو ابتاع منه، أو داينه بعد هذا النداء، فمردود، وكل من هو متصل الولاية منه من يوم بلوغه فأمر مردود قبل نداء الإمام. ومن كتاب ابن حبيب، ورواه عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، قال: وقال ابن القاسم: وما يفعل بعض القضاة/ من تضمينه الرجال أموال اليتامى خطأ وحرام لا يحل، ولكن يودعه عند من يثق به، إن لم يكن لهم أوصياء، ومن له وصي فذلك في يديه إلا من لا يوثق به، فلينزع منه، وليودع لأمين، وإن رأي القاضي أو الوصي دفعها إلى من يتجر فيها، أو يقارض لهم على أهل الثقة على النظر، فذلك حسن. قال في كتاب ابن حبيب: ولو تجر فيها الوصي لنفسه، أو من استودعها، فلا بأس به إن كان مليا، وليس بحرام، والتنزه عنه أفضل. قال أصبغ: ولا أرى على القاضي أن يجري لوصي الأيتام رزقا من أموالهم، إن كانت في أموالهم ضياع يستغل بها أو غلات للقاضي، ويجري عليه بقدر [8/ 140]
اشتغاله بذلك، على قدر المال، وكذلك الرجل يوكله القاضي على أيتام لا وصي لهم، ولهم وصي غير مرضي، فعزله ووكل غيره، وكذلك وكيل القاضي على أموال الغياب؛ للنظر لهم فيها. وقال مالك: لا بأس لوصي اليتيم أن يناول المسكين من مال اليتامى الكسرة، وخلق الثوب، والأفلس، أو يمر به سائل وهو في حائطه أو جرينه، فيناوله التمرات، وقبضة الطعام، أو الشربة من اللبن، لا بأس بهذا وشبهه للوصي يرجي بركته لليتيم وماله. وقال أصبغ، في اليتيم تثبت عند القاضي حاجته وفاقته، فإن (كان) له ببلد آخر أموار، فليكتب إلى قاضي ذلك البلد: أن قبلنا يتيما يقال له: فلان بن فلان، وله أموال بعملك، وثبت عندنا أنه بحال مضيعة وفاقة لا مسد لها إلا ببيع بعض أمواله التي عندك، فإذا ورد عليك كتابي هذا، فأمر ببيع بعض أمواله قبلك/، وابعث إلينا بالثمن مع ثقة، فإذا قرأ الكتاب ذلك القاضي، فلينظر إلى أقل أمواله ردا عليه، وأحقها بالبيع، فليبعه بعد المزايدة والاستقصاء، فإذا بلغ في رأيه ورأي أهل النظر مبلغ الاستقصاء باعه وبعث بثمنه. قال: ويكتب المشتري وثيقة على لسان القاضي؛ فيكتب: أشهد القاضي فلان بن فلان، أن فلان بن فلان، قاضي بلد كذا، كتب إليه أن فلان بن فلان الفلاني، وهو يتيم قبله، ثبت عنده أنه احتاج ووصلت إليه فاقة لا مسد لها إلا ببيع بعض أمواله عندنا، وثبت كتابه عندنا، وأمرنا ببيع ما رأينا بيعه من ذلك، فأمرت بعرضه والمزايدة فيه، فلما بلغ ثمن رضيته، وهو كذا، أمضيته لفلان بن فلان، وقبضت الثمن منه. [8/ 141]
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، في استئمار القضاة فيما يأمرون ببيعه من الحيوان في المواريث، فقال: الصواب أن يقول: اجمعوا الناس، ثم يبيعوا؛ لأني أخشى أن تمرض الحيوان، أو يحدث فيه حدثا إلى أن يستأمروه. تم الجزء الثاني من آداب القضاة بحمد الله وحسن عونه [8/ 142]
كتاب الأقضية
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الأقضية فيمن يدعي عليه دعوى في مال أو غيره هل يحلف بغير خلطة بينهما؟ وذكر الخلطة والظنة الموجبة لليمين من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز لا يحلف المدعي عليه، حتى يكون بينه وبين المدعي خلطة/ وملابسة. قال سحنون: حدثني ابن نافع، عن حسين بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي، أن النبي عليه السلام قال: البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. إذا كان بينهما خلطة، وهو قول المشيخة السبعة. قال ابن المواز: فإذا ادعى قبل رجل حقا، فأنكر أن يكون حدث بينهما مخالطة، ولا بينة للمدعي، فلا يمين له حتى يقر له الآخر بخلطة، أو يقيم عليه بينة بخلطة. [8/ 143]
ومن المجموعة: ابن القاسم، وابن نافع، وعلي عن مالك، وهو الأمر عندنا أن ينظر، فإن كانت بينهما خلطة وملابسة، حلف المدعي عليه، وبري، فإن نكل، ورد اليمين على المدعي، حلف، وأخذ حقه. قال سحنون في كتاب ابنه: ولا تجب اليمين عندنا إلا بخلطة، أو يكون الرجل منهما مأمونا فيما ادعى عليه، فإن اليمين تعلق المتهم، وتكون مثل الخلطة، وقد قال مالك في التي تدعي أن رجلا استكرهها، أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك، حدت، وإن كان ممن يشار إليه بذلك، نظر فيه الإمام، فالتهمة توجب ما توجب الخلطة من اليمين. ومن العتبية قال أصبغ: قيل لابن القاسم: ما الخلطة الموجبة لليمين؟ قال: يسالفه، يبايعه، ويشتري منه، ولو أقام بينة أنه بائع منه، وقبض الثمن، وقبض هذا السلعة، لم يوجب هذا اليمين، إلا أن يبايعه مرارا، فهي مخالطة، وإن تقابضا في ذلك الثمن والسلعة، ويتفاصلا قبل التفرق، فهي خلطة. وقاله أصبغ، وقال: كل مخالطة ثبتت بتاريخ قديم يمكن المعاملة/ بينهما ليبين بعدها، وإن لم تتصل، فانقطعت، فهي مخالطة، وقاله سحنون؛ وقال سحنون: ولا تكون المخالطة إلا بالبيع والشراء من الرجلين، ولو ادعى أهل السوق بعضهم على بعض، لم تكن خلطة حتى يقع البيع بينهما، وكذلك القوم يجتمعون في المسجد للصلاة والأنس والحديث، وادعى أحدهما على الآخر، فليس هذه الخلطة الموجبة لليمين في الدعوى. ومن المجموعة، والعتبية: قال أشهب، وابن نافع، عن مالك في من أوصى أن له عند فلان كذا، قال: يحلف المدعى عليه، وإن أبى أن يحلف، غرم. قيل: ويحلف من غير خلطة؟ قال: ليس في مثل هذا خلطة. وقال ابن كنانة، قال: لأن قول الميت عند موته يوجب من ذلك ما توجبه المخالطة؛ لأنه أقرب ما يكون إلى الصدق. [8/ 144]
قال ابن حبيب: وتفسير المخالطة: أن تقوم البينة، أنه كانت بينهما مخالطة وملابسة في حق لا يعرفون له القضاء، فأما إن قبض حقه بالبينة، ثم ادعى حقا آخر غيره، لا يعرف له سبب، فلا نلحقه بالخلطة الأولى. ومن المجموعة: قال ابن كنانة: فإن أقام شاهدا على الخلطة، قال: شهادة رجل واحد، أو شهادة امرأة واحدة توجب اليمين انه خليطه. قال ابن المواز: إذا أقام بالخلطة شاهدا، حلف المدعي معه، ثم ثبتت الخلطة، ثم يحلف حينئذ المدعي عليه. قال مالك في الذين اشتريا سلعة من رجل، ثم تقاضى أحدهما، فقال: دفعت إلى شريكي ذلك. فطلبه البائع، فأنكر، قال: لا يمين عليه، وليس هذه خلطة. قال في كتاب/ ابن المواز: ومن ادعى على رجل بحق، فأنكر أن يكون جربت بينهما مخالطة، ولا بينة على الخلطة، قال: لا يمين له حتى يقر بمخالطة، أو يقيم المدعي بينة بالخلطة، وكذلك إن ادعى عليه كفالة، فلا يحلفه إذا لم تكن بينهما خلطة. ومن كتاب آخر: قال المغيرة، وسحنون: أهل السوق وغيرهم سواء، لا تجب بينهم يمين إلا بخلطة. قال يحيى بن عمر: وأما الصناع، فعليهم اليمين لمن ادعى عليهم في صناعتهم، وإن لم يأت بخلطة؛ لأنهم منصوبون للناس. ومن العتبية، والمجموعة: ابن القاسم عن مالك، فيمن أقام شهودا عدولا على رجل بحق، فأقام الرجل بينة أنهم معادون له فسقطت شهادتهم، قال: فهم كمن لم يشهد. وكأنه رأى ألا يحلف. [8/ 145]
وقال سحنون في العتبية: لا يحلف ومن سماع عيسى، قال مالك: كل من شهد فردت شهادته؛ لأنه متهم، أو غير عدل، فلا يمين على المشهود عليه. قال أبو بكر بن محمد: وقد قيل: يحلف. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن المواز: وكذلك كل دعوى تكون، ثم تسقط بسقوط البينة، فلا يمين له عليه. أشهب: وكذلك في تهاتر البينات إذا أكذب بعضهم بعضا، فاستووا في العدالة. قال: إذا قال المدعي عليه: قد كانت بيننا خلطة وانقطعت. فإن ثبت انقطاعها، لم يحلف إلا بخلطة ثانية، يقيم بينة أنه أحدثها بعد المنقطعة، وإذا قضى له اليوم عليه بمائة دينار، أقام فيها بينة بقبضها، ثم جاء في الغد يدعي عليه حقا آخر، فلا يمين له عليه، بسبب تلك/ الخلطة، لانقطاعها حتى يقيم بينة على خلطة لم ينقطع أمرها. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز: قال مالك، في من ابتاع أبصا فانتقلها، ثم أقاله فردها عليه المبتاع، فحلف البائع، ليحلفنه عن المنبر أنه ما خلطها بشيء إن وجب له. قال مالك: أرى عليه اليمين. قال محمد: إذا أقاله، ثم أخرجها إليه، فقال: ليست هذه جلودي، أو هذه أقل من عددها. قال: إن قال: ليست من جلودي. فالقول قوله مع يمينه، إلا أن يكون أحدهما على الخيار، أو على أن يزنها، أو على أن يعدها لنفسه. قال ابن عبدوس، وابن سحنون: قال مالك، في المأذون يبيع متاعا من قوم، فادعوا أنهم دفعوا إلى سيده بعض الثمن، قال: أكان سيده يقتضي؟ قال: نعم. قال: فليحلف السيد والعبد فيما ادعى عليهما. وقال مالك في من أوصى في ديونه أن تقتضي، وأن يقضي ما عليه، فوجد له صك بأربعة عشر دينارا، وفي أسفله بخط الميت: قبضت منه ثمانية دنانير بما في [8/ 146]
هذا الكتاب، هل يحلف المطلوب ويبرأ من الثمانية؟ قال: يبرأ منها بلا يمين، ويؤخذ منه ما بقي. ومن كتاب ابن عبدوس، قال ابن كنانة في من أوصى أن لفلان عليه دين، فطلب ورثته يمين المقر أن حقه لحق، قال: لا يأخذ هذا حتى يحلف، وقد قضي عندنا في مثل هذا مرة باليمين، ومرة بغير يمين. قال ابن كنانة: وإن قال عند الموت: لي عند فلان سبعة دنانير، ثم مات، فقال المطلوب: بل له عندي أكثر. قال: يؤخذ منه ذلك بغير يمين. وكذلك/ لو لم يقر إلا بالسبعة فقط، فأما إن أقر بأقل منها، فعليه اليمين فيما زاد على إقراره. قال مالك في الذي يوصي فيقول: ما دفع إليكم شريكي فصدقوه بغير يمين، فأحضر إلى السلطان فأتى بما بيده من عين، فقسمه بينه وبين ورثة شريكه، ثم أقام يقتضي الديون ويقسم نحو عشرين سنة، وكتب له السلطان براءة من ذلك، وبقي بينهما دين، فبلغ الورثة، فإن ادى يمينه فيما اقتضى فلينظر السلطان، ويكشف أمره، فإن رأى أمرا صحيحا، لم يستحلفه، وإن استنكر شيئا، فليحلفه، قيل: أبعد عشرين سنة؟ قال: نعم، وهذه المسألة في العتبية من سماع ابن القاسم. وذكرها ابن سحنون. قال مالك في من بينه وبين رجل خلطه في مال، فتخاصما نحوا من شهرين، وكانت له عنده ثمانية دنانير غير ذلك، فاقتضاها منه، فقال له؟ دفعتها إليك. فأنكر، فاستحلفه، فقال: إنما تريد يمين لمكان ما بيني وبينك. قال: أرى أن يحلفه، ولا يمنعه ما بينهما من إحلافه. قال مالك في مريض حاسب مخالطه في بيه فأدرك عليه فضلا، فأشهد عليه به، ثم تقاضاه ولد الميت فمطله نحو عامين، ثم قال للابن: احلف. قال: لا يمين عليه. [8/ 147]
قال ابن نافع عن مالك، في من أمره أبوه أن يقضي دينا عليه، فقضاه عن أبيه لرجل، وزعم أنه قضاه من ماله، وأن أباه لم يدع مالا، فطلب من له دين غيره يمينه: أن أباه لم يأمره أن يقضينا كما أمره في الذي قضاه. قال: ليس إنما عليه أن يحلف أن أباه/ ما ترك مالا، لا على أنه لم يأمره بالقضاء. ولو قال: قد أمرني، ولا أفعل. كان ذلك له. قال ابن نافع عن مالك، فيمن أسلف رجلا دراهم أمر له بها عند صراف، فتقاضاه، فقال: دفعتها إلى الصراف حسبته وكيلك، قال: عليه أن يؤديها، قال: أفيحلف الصراف، قال: إن كان متهما، وإلا فلا، وقال ابن نافع: يحلف على كل حال. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن نافع عن مالك، في من توجد بيده السرقة، فيقول: اشترتيها من السوق، ولا أعرف بائعها قال: يأخذ المتاع ربه بعد يمينه: أنه ما خرج من ملكه، وينظر في الذي وجد بيده، فإن كان من أهل الصحة، لم يعرض له بيمين ولا بغيرها، وإن كان من أهل التهم، حبس وعوقب بقدر ما يكون ثمنه، وإن بقى للطالب شيء من المتاع، حلف في المتهم بعد أن بلا في اليمين. من كتاب ابن المواز: وإنما اليمين مع تحقيق الدعوى، أو تحقيق الإنكار، فول قال رجل لرجل: أنا أظن أن لي عليك يا فلان دينا، فاحلف لي. وبينهما المخالطة، لم تلزمه يمين إذ لم يحقق الدعوى، وكذلك فلا يمين على المدعى عليه الدعوى الصحيحية إذا لم يحقق البراءة منها فيغرم، حتى ينكره إنكارا بينا فيحلف. ولو أقام شاهدا على حق له، وقال المدعي: ولا أدري أقضاني أم لا؟ لكن يحلف أنه قضاني، لم تلزمه يمين أيضا، وقد استغنى عن الشاهد، ولو قال الآخر: قد قضيته. برئ بلا يمين، ولو ادعى عليه دعوى أثبتها ولم يحلف مع شاهده، لحلف المطلوب، فإن قال: أحلف ما أعلم لك علي حقا لزمه/ الغرم بلا يمين. [8/ 148]
في الدعوى في النكاح والطلاق والعتق والحدود والجراح والدم والغصب ونحوه، وما يوجب اليمين
في الدعوى في النكاح والطلاق والعتق والحدود والجراح والدم والغصب ونحوه، وما يوجب اليمين في ذلك وهذا الباب قد جرى منه في الثاني من الشهادات ذكر دعوى الزوجة الطلاق، والعبد العتق، وفي كتاب العتق من هذا. من كتاب الدعوى والبينات لأشهب، وهو في كتاب ابن سحنون: وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، ولا بينة لها، فلا يمين عليه، إلا أن يكون لدعواها وجه تلحقه به تهمة، فيحلف. قال: وإن ادعى على رجل جرحا عمدا أو خطأ أو دما، فإن لم يأت ببينة، حلف المدعي عليه – يريد إن كان لطخ يوجب اليمين- فإن حلف برئ، وإن نكل، فعليه القصاص فيما دون النفس. وقد قال بعض العلماء: لا يقتص منه، وأما في النقس، فيبدأ المدعون للدم بالقسامة بأيمان القسامة – يريد إن قام لطخ يوجبها- فإن أبوا، حلف القاتل، فإن نكل، سجن حتى يحلف، فإن طال سجنه، وأيس أن يقر ويحلف، كان عليه الدية – يريد في ماله- ولو أقر الجارح بجراحة عمدا، فادعى المجروح أنه صالحه فيها بمال، فأنكره، فالمجروح مدع، فإن جاء ببينة، وإلا حلف الجارح، فإن حلف، برئ من المال والقصاص؛ لأن المجروح أبرأه منه، واعى مالا. وكذا لو قال رجل: قد وجب دمي لك. وقال الآخر: لم يجب. لم أمكنه منه، قال: فإن نكل الجارح عن اليمين، حلف المجروح، وأخذ ما ادعى من الصلح. قال ابن حبيب: قال أصبغ: من ادعى أن رجلا قذفه، فإن ذكر أن له بينة حاضرة/، أجلس القاضي القاذف عنده، وأمر المقذوف بإحضارها، وإن ادعى بينة غائبة أو بعيدة، لم يسجن له القاذف، ولا أخذ عليه حميلا. ولو أقام عليه شاهدا أو شهودا لا تعرف عدالتهم، فليحبسه حتى تعدل، أو يأتي بآخر، فإن ثبت عليه فقال القاذف: لي بينة على أنه كما قلت: فإن كانت حاضرة في [8/ 149]
السوق ونحوه، حبسه عنده، وقال له: أرسل رسولا وراء بينتك، وإن كان أمرا يطول، ضربه الحد، ولم يؤخره، وإن ادعى عليه أنه جرحه، أو ضربه ضربا زعم أنه يخاف عليه الموت، والمرمي منكر، فلينظر، فإن كان بالمدعي أثر ضرب مخوف أو جراح، أمر بسجن المرمى، وسأل المدعي عن بينته، وأجل له بقدر قربها وبعدها، فإن جاء ببينة، اقتص له من الخارج، وإن لم يأت ببينة، ومن يلطخ، أو أسباب، أو بشاهد واحد، أو ببينة غير قاطعة، تمادي في سجنه، وإن لم يأت بشيء من ذلك، أطلقه، وكذلك إن أدى أنه قتل له وليا، فإن كان ممن يتهم بذلك، سجنه له مكانه، وسأله عن بينته، فإن جاء بها، نظر له، وإن لم يأت بها، وجاء بلطخ أو سبب، تمادى في سجنه، وإن لم يأت إلا بمن يشهد أنه قتل لهذا ولي لا يدرون من قتله، تمادى في سجنه إن كان ممن يتهم، وهو دون سجن الآخر الذي جنى عليه بلطخ، وإن لم يكن ممن يتهم، لم يسجنه بدءا حتى يشهد له أنه قد قتل له ولي، فليسجنه، وسئل الآخر البينة، ويؤجل له بقدر ما يذكر من بعدها، فإن جاء إلى الأجل مما يستوجب به السجن، وإلا أطلقه، ولا يسجنه أبدا إذا لم يكن من أهل التهم، إلا أن يأتي بسبب،/ مثل أنه قتل له ولي، وشبهه، وأما بدعواه معراة من سبب، ولا يعلم أحد أنه قتل له ولي، فلا يحبس إلا أن يكون من أهل التهم. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومدعي الضرب على رجل، فلا يمين عليه إلا أن يكون لذلك سبب من مشاتمة أو منازعة تشهد عليها العدول، وإن لم يشهدوا على الضرب. ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك، في من أقام شاهدا أن فلانا شتمه قال: لا يقضي في هذا بشاهد ويمين، ولكن إن كان الشاتم معروفا بالسفه والفحش، عزر. [8/ 150]
قيل: أفعلى الشاتم يمين؟ قال: نعم ولعسابه ازاره وليس كل ما رأى المرء وأراد أن يجعلوه سنة. قال ابن القاسم: وإذا ادعي القاتل أن ولي الدم عفا عنه، فله أن يحلفه، فإن نكل، ردت اليمين على القاتل. وقال أشهب: لا يحلف ولي الدم؛ لأنه إن استحق بقسامة فاتت يريد تكرارها عليه، وإن استحق ببينة وأنت تريد أن توجب عليه القسامة بدعواك، فإن قلت: أحلفوه يمينا واحدة. فليس من الدماء أيمان إلا القسامة، وليس في هذا الخلطة، أرأيت إن حلفه، فلما قرب للقتل قال: قد عفا عني ثانية. أيحلف له إن ادعى أن أخاه مملوك أو مرتد، أيحلف له؟ ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك، في عبد من الحوائط، أتى به رجل ودم الرجل يسيل، يقول: ضربني فضرب وسجن، ثم أتى به آخر، فضرب به وسجن، ثم أتى به آخر ودماه تسيل، فأنكر العبد، قال: يحلف العبد ويرحل. أشهب، عن مالك، في من مات ولم يترك فضلا عن دمه، إلا عشرة دنانير، فكفنه الورثة منها بخمسة، وأبت زوجته/ أن تجيز، فلينظر في ذلك ويقومه قيل: إنهم ادعوا أنها رضيت بذلك، وأذنت فيه، هل يحلفونها؟ قال: ما علمت ذلك لهم. ومن كتاب ابن سحنون: كتب إليه شرحبيل في رجال ادعوا على قوم أنهم غضبوهم مالا، وهم لا يعرفون بالغصب، ويعرفون بالصلاح، فلا يمين عليهم، وكتب إليه أن قوما من الحضرميين، وجماعة من الغافقيين اقتتلوا، فجرح من كل فريق سبعة، وأقر كل فريق منهم أنهم جرحوا الفريق الآخر، ولم يقرا أحد منهم لأحد بعينه، قال: فكتب إليه: من ادعى من المجروحين على رجل أنه جرحه، فأحلفه، [8/ 151]
ذكر اليمين، وكيف يحلف؟ وأين يحلف؟
واقتص له منه إن كان مما فيه قصاص، وإن لم يعرفوا بعينه، فاحمل جراح كل فريق على الفريق الآخر في أموالهم. قال محمد بن عبد الحكم: والمطلقة واحدة إذا ادعت أن زوجها ارتجعها، فلا يمين عليه في هذا، ولا في النسب، ولا في النكاح، ولا في الإيلاء: أن لم يراجعها، ولو قال: قد جئت إليها. وأنكرت، أحلف. وإن شهد شاهد على رجل أنه شرب خمرا، أو أنه سرق، فلا يمين عليه، وإن شهد أنه قذف رجلا، أحلف له، هذا حق الآدميين. ذكر اليمين، وكيف يحلف؟ وأين يحلف؟ ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: يحلف المدعي عليه، أو من يقيم شاهدا بالله الذي لا إله إلا هو، لا أعرف غير هذا، ولا زيادة عليه قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وكذلك في اللعان، والقسامة، وقد كان قال مالك، وابن القاسم: أنه يحلف في القسامة: اقسم بالله/ الذي أمات وأحيي، وأما الذي يقول ابن القاسم، وأشهب، وهو قول مالك: والله الذي لا إله إلا هو- فقط إن فلانا قتله، وإن فلانا ضربه. قال مالك، في موضع آخر: لهو ضربه ولمن ضربه مات، قال أشهب: ولو لم يذكر الضرب، وقال لفلان: قتله. لأجزأه ذلك، لأن القتل يأتي على ذلك. ورأينا المدنيين يزيدون في اليمين عند المنبر: الرحمن الرحيم. وأبى ذلك مالك، قال ابن المواز: وهو قول عبد الملك في اللعان. قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يؤخذوا بأن يقولوا مع ذلك: عالم الغيب والشهادة، ولا الطالب المدرك. قال مالك: هذه أيامن الأعراب. [8/ 152]
قال محمد: وقال عبد الملك: يحلف في القسامة كما يحلف في الحقوق: لقد مات من الضرب الذي شهد فلان وفلان أن فلانا ضربه إياه تردد هكذا أيمانهم، إلا أنه قال: ويزيدون في أيمانهم: عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. قال أشهب، عن مالك: لم يحلف بهذا في القسامة إلا حديثا، ولا أدري ذلك. قال أشهب: وإن حلف، فقال: والذي لا إله إلا هو، لم يقبل منه، وكذلك لو قال: والله. فقط لا يجزئه حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة، عن مالك: ويحلفون في القسامة واللعان، وفيما بلغ من الحدود ربع دينار فأكثر، عند المنبر، بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم. فيما يحلف فيه يمين واحد، حلف هكذا، وما تردد، رددت هكذا. وذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، أن الأيمان في الحقوق والدماء اللعان: بالله الذي لا إله إلا هو، وفي كل ما فيه اليمين على المسلمين، أو النصارى، أو اليهود، أو المجوس. قال في كتاب ابن المواز: ويمين العبد والنصراني في الحقوق سواء، ويحلف النصراني حيث يعظم، ولا يحلف إلا بالله، ويحلف مع شاهده، قضي له على مسلم أو غيره، وكذلك المجوسي. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وكل ما له بال، فليستحلف فيه في المسجد الجامع. قيل: عند المنبر؟ قال: لا أعرف المنبر إلا منبر النبي عليه السلام، ولكن حيث يعظم منه. وقال عنه ابن وهب: لا يستحلف عند منابر المدائن، إلا عند منبر النبي عليه السلام. [8/ 153]
قال مالك: فان قضي عليه باليمين عند المنبر، ما أرى أن يحلف، وحلف في مقامه، قال: يقضي عليه. قال سحنون: يعني بعد رد اليمين على الطالب. قال ابن وهب: قال مالك: لا يستحلف عندنا عند المنبر، إلا في ربع دينار فأكثر. قيل لسحنون: فإن بعض المكيين قال: إن كان الحق عشرين دينارا أو قيمتها، أو دما أو جراحة فيها قود، أو حد، أو طلاق، حلف بين البيت والمقام، وإن كان بالمدينة، فعلى منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بيت المقدس، ففي مسجده. وأحب لو حلف بعد العصر، وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف؛ قال: فذلك عندي حسن، قال: فان كان الحق أقل من عشرين، أو ما أرشه من الجراح اقل من عشرين، أحلف في المسجد، أو في مجلس الحكم؛ فقال سحنون: لسنا نعرف هذا، والذي قضي به بدار الهجرة ما قال مالك. قال ابن القاسم عن مالك، في كتاب ابن سحنون، وابن المواز، والعتبية، في من باع ثوبا فرد عليه بعيب، فادعى أنه بينه/ له، فأنكر، فأراد يمينه عند المنبر، فقال: إنا لنقول: لا يستحلف عند المنبر إلا في ربع دينار. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن كان نقصان الحرف أكثر من ربع دينار، لم يحلف إلا في الجوامع. قال في كتاب ابن المواز: وإذا كان لرجل ربع دينار على رجال، ولرجلين ذلك على رجل، لم يحلفها في المسجد الجامع، ولا عند المنبر. قال: ويحلف المسلم، حرا أو عبدا مع شاهده في المسجد الجامع، في ربع دينار فأكثر، وفي المدينة على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في موضع آخر: في ثلاثة [8/ 154]
دراهم، وهو ربع دينار، وهو الذي جاء فيه القطع، فأما أقل: فليحلف في مقامه، ولا يحلف في مساجد القبائل في ربع دينار، ولا أقل ولا أكثر. ومن كتاب ابن سحنون، والعتبية: ابن القاسم، قال مالك، إذا كان على جماعة ذكر حق بربع دينار، لم أر أن يحلفوا عند المنبر، قيل لمالك: أيستحلف عند المصحف؟ قال: بل يستحلف في المسجد. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يستحلفون في كل ماله بال، أو في ربع دينار، في المدينة: عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبغيرها: في مسجدهم الأعظم، حيث يعظمون منه، أو تلقاء قبلتهم، ومالا يبلغ ربع دينار، فيحلف الرجل في مكانه، وكذلك المرأة في بيتها، يحلفان جالسين إن أحبا، ولا تخرج فيه المرأة، ويجزئ القاضي في ذلك إرسال واحد يحلفها. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: يحلف على منبر النبي عليه السلام، في ثلاثة دراهم، وهو كان ربع دينار. قيل له: أفيحلف في مساجد الجماعات بالأمصار في مثله/؟ قال: ما علمت. قال ابن القاسم: وسئل مالك: هل يستحلف في المسجد المرأة والرجل؟ قال: نعم إذا كان المال كثيرا. قال عنه ابن القاسم، في كتاب ابن المواز: يحلف في مساجد الجماعات فيما له بال. قال ابن القاسم: ولا أشك أنه أرى أن يحلف فيها في ربع، وإنا نراه حسنا. وقال محمد بن عبد الحكم: وللطالب أن يحلف المطلوب في المسجد، إلا أن يرضي بيمينه في منزله، فإن أحلفه في منزله، فلا يمين عليه بعد ذلك. ويستحب للإمام تخويف المطلوب من اليمين قبل اليمين، وقد كتب به ابن [8/ 155]
عباس، إلى ابن أبي مليكة، يقرأ عليه (إن الذين يشترون بعهد الله أيمانهم ثمنا قليلا) الآية: فاعتبر. ومن كتاب ابن سحنون: قيل لمالك: أفيحلف قائما أو قاعدا؟ قال: قائما أبين عندي. قال مالك: يحلف في القسامة قائما. قال عنه ابن القاسم: يحلف في القسامة في المساجد، وعلى رؤوس الناس، وفي دبر الصلوات. قال مالك: وكذلك اللعان في المساجد، وعند الإمام. وذكر يمين القسامة في الأمصار. ومن كم يحلف إليها، في المدونة، مستوعب. قال ابن القاسم، عن مالك: ويحلف الرجل قائما، إلا من به علة. قال ابن كنانة: إنما يحلفون في مدائنهم، وأمصارهم جلوسا، لا يحلفون قياما، ويحلفون في أعظم الأماكن عندهم؛ في مساجد جماعتهم، ويتحرى، بأيمانهم في المال العظيم، وفي الدماء، واللعان: الساعات التي يحضر الناس فيها المساجد، ويجتمعون للصلاة، وأما سوى ذلك من حق ومال، ففي كل حين./ قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: ولا يحلف دبر الصوات، إلا في الدماء، واللعان، فأما في الحقوق؛ فوقت ما حضر الإمام، حلفه. وقاله ابن القاسم، وأصبغ. قيل لسحنون: واليمين بين الركن والمقام بمكة، هل هو مثل اليمين بالمدينة على المنبر؟ قال: لا. قيل لابن القاسم: أفيستقبل بالحالف القبلة؟ قال: ما سمعت. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يستحلف الرجال والنساء قائمين، مستقبلي القبلة، ما ادعى عليهم أو اقتطعوه بأيمانهم سواء إذا كان ربع [8/ 156]
دينار، فإن لم يبلغه، فإنما يحلفون جلوسا إن أحبوا، ويحلف الرجل في مكانه الذي قضي عليه فيه والمرأة في بيتها. ومن كلف فيما له بال أن يحلف في المسجد عند المنبر أو ما أشبهه من المواضع؛ فقال: أنا أحلف في مكاني، فهو نكوله عند اليمين إن لم يحلفه في مقاطع الحقوق، غرم إن ادعى عليه أو بطل حقه إن كان مدعيا، وكذلك قضى مروان على زيد بن ثابت. ومن كتاب ابن سحنون، وهو في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، قال مالك في عبد حنث في يمين بطلاق، وقال: حلفت بواحدة، وسيد زوجته يشهد عليه، ونسي السيد يمينه، فاستحلف العبد، فحلف أنه ما حلف إلا بطلقة، أيجزئه؟ قال: لا يجزئه حتى يحلف عند المنبر. وقال ابن وهب، عن مالك: إن المرأة تحلف في المسجد – يريد الجامع- تخرج بالليل إليه. قال ابن القاسم: تخرج فيما له بال؛ فمن كانت تخرج منهن بالنهار، خرجت/، وإلا خرجت بالليل، وقال في كتاب المواز مثله. قلت لمحمد: أفي ربع تخرج؟ قال: لا، إلا في الشيء الكثير الذي له البال. ومنهن من هي كالرجل؛ تخرج، فهذه تحلف – بالنهار في المسجد الجامع، في ربع دينار. وفي المدونة زيادة في هذا المعنى. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن لا تخرج من النساء نهار، فلتخرج بالليل، في ربع دينار فأكثر. قال سحنون في كتاب ابنه، في امرأتين؛ ادعي عليهما في أرض ودور، وهما ممن لا يخرج، فأمر أن يخرجا إلى الليل في الجامع، فسألناه أن يحلفها في أقرب المساجد منهما، وشق عليهما الخروج إلى الجامع، فأجابها إلى ذلك. [8/ 157]
في اليمين على أصل المعاملة، أو يحلف ما لك على حق، وفي اليمين على البت أو العلم
قال مالك في كتاب ابن سحنون وغيره: يستحلف النصارى حيث يعظمون من كنائسهم وغيرها. قال ابن القاسم: ولا أرى أن يستقبل به القبلة. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يحلف النصارى، واليهود، والمجوس، حيث يعظمون من كنائسهم، فيرسل القاضي في ذلك رسولا، ولا يحلفهم إلا بالله. وكذلك روي عن مالك. في اليمين على أصل المعاملة، أو يحلف ما لك علي حق وفي اليمين على البت أوعلى العلم وهل يحلف فيما وليه غيره؟ وهل يحلف من أقام البينة؟ من كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وعن من حجد ما ادعي عليه، فأراد طالب الحق أن يحلفه: ما أسلفتك شيئا. وقال الآخر: أحلف: ما لك على شيء. قال أرى أن يحلف: ما لك عندي/ حق، وما الذي ادعيت علي إلا باطل. فإن نكل، حلف الطالب استحق. وقال: هذا يدرك. قال أصبغ: وقد حضرت ابن القاسم، وقد حكم بأن يحلف: ما أسلفته شيئا. وكذلك في المدونة، وفي كتاب ابن القاسم، من أول المسألة مثله أيضا. قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن ادعى أنه باع من رجل بيعا، وبقي عليه الثمن، فأنكر المدعى عليه، فيحلف، فيقول: تحلف أنه لا حق لك قبلي. ويريد الطالب بيمينه: أني ما بعته. قال: يحلف على ما ادعى الطالب وذكر، وقاله مالك، وقال: يريد أن يدرك هو الإلغاز إلى أنه قضاه. [8/ 158]
وقال ابن الماجشون: إذا حلف: ما لك علي من كل ما تدعيه قليل ولا كثير. فقد برئ. وبه أخذ ابن حبيب، إن كان المدعي عليه ممن لا يتهم، والمدعي من أهل الظنة، والطلب بالسنة. قال مطرف: ويحلف الورثة في مثل هذا: أني ما أعلم الميت ابتاع منك ما تقول، ولا أعلم لك عليه حقا. ولا يمين على من كان منهم غائبا أو صغيرا في حياة الهالك، وكذلك فيما أقاموا فيه بينة بحق للمالك، ويثبت، فليحلف الكبير بالله ما علم وليه اقتضى هذا الحق حتى مات، وليس عليهم أن يحلفوا: إن هذا الحق لحق. وليس على من أقام بينة بحق أن يحلف أن حقه حق، إلا أن يدعي المطلوب أنه قد قضاه، فيحلف: ما اقتضاه. ورواه ابن القاسم عن مالك، وقال مثله كله ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز: عن مالك في البائع يجحد الثمن، فينكره المبتاع البيع، ويريد أن يحلف: ما له عندي شيء. قال:/ يحلف: ما اشترى منه سلعة كذا. ومن كتاب ابن سحنون وغيره: قال: ويحلف الرجل في حق نفسه على البت، وفيما عليه نفسه على البت، مثل أن يكون له حق، فيدعي المطلوب منه البراءة، فيحلف الطالب: إن هذا الحق – يسميه – لثابت عليه. وإن كان الحق لأبيه الميت: حلف على البيت في نفسه، وعلى علمه في أبيه: ما يعلم أنه اقتضاه، فإن قام عليه شاهد، قال في اليمين، إن ما شهد به فلان بن فلان على فلان بن فلان لحق ثابت عليه. قال ابن المواز: يحلف مع الشاهد في حق أبيه الميت على البت، كما شهد شاهده. ومن كتاب ابن سحنون: وكان سحنون إذا قال الخصم: لا أقر ولا أنكر. وقال: ماله عندي حق. والآخر يدعي دعوى، يقول: أسلفته. أو: بعته. أو: أودعته. فكان لا يقبل قول المدعى عليه: ما له عندي شيء حتى يقر بالدعوى [8/ 159]
نفسها، أو ينكرها، فيقول: ما باعني، ولا أسلفني، ولا أودعني. فإن تمادى على اللدد، سجنه، فإن تمادى، أدبه، وكذلك إذا تمادى في أن لا يقر ولا ينكر. وأما قوله: ما له عندي حق. فكان ربما قبل ذلك منه، وأمر يكتب دعوى المدعي، وإنكار الآخر، وربما لم يقبل منه حتى يقر بالشيء بعينه أو ينكره، ورجع إلى هذا في آخر أيامه. قال: ويحلف من قضي له على ميت بدين: أنه ما قبض شيئا منه، ويحلف فيما قضي له به من الاستحقاق: أنه ما باع ولا وهب. وفي كتاب الوكالة مسألة لابن الماجشون، في العبد يموت وله دين، فتقوم فيها البينة، ويزعم الغرماء أنهم دفعوا بعضها إلى السيد، يحلف أنه ما علم أن العبد قبض شيئا من ذلك. ولو وكل/ السيد من طلب ذلك فأثبته، فقالوا: لا ندفع حتى يحلف السيد. وهو ببلد آخر، قال: يعجلوا الدين، فإذا اجتمعوا مع السيد، حلف لهم، ولا يحلف الوكيل. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ويحلف الرجل في الحق الذي له والذي عليه على البت، وما ورثه عن أبيه، حلف فيه على العلم، مثل أن يحلف أنه ما يعلم أن أباه قبض هذا الحق ولا قيم له قابض، وإن طلب منه اليمين أنه هو لم يقبضه، حلف على البت، وكذلك في كل ما وليه هو بنفسه، وأما اليمين مع الشاهد، فلا يحلف إلا على البت على ما قال الشاهد، كان الحق ورثه عن أبيه، أو كان له مما وليه بنفسه؛ لأن يمينه بدل من شاهد آخر. قال مالك: ويمينه فيما يقضي له به من أبيه، أو عبده، أو غيره، أو شيء يستحقه: أنه ما باع ولا وهب، ولا خرج من يديه بوجه ما يخرج به من الملك. قال: والبينة إنما يقولون: لا نعلمه باع ولا وهب. وشهادتهم على البت، أنه ما باع ولا وهب، شاهدة مردودة. قال ابن كنانة: ويقولون: إنها له على [8/ 160]
في المقضي له بالسلعة، هل يحلف ما باع ولا وهب؟ أو يقيم بينة على حاضر أو غائب هل يحلف معهما؟
البت، وإنهم لا يعلمونها خرجت من ملكه بوجه ما يخرج من السلعة من الملكئ، فيقولون هذا على العلم، والملك على البت. قال مالك: ومن أقام شاهدين في حق، فلا يحلف معهما إلا أن يدعي أنه قضاه، فليحلف له، فإن نكل، حلف الآخر وبرئ، وإنما يحلف من أقام البينة فيما يستحق من الأشياء؛ لإمكان أن يدعي من يرجع علهي عهدته من البائعين أن هذا باعه منه، أو وهبه له، ويحلف فيما يقيمه من البينة في حق على ميت؛ لإمكان/ أن يدعي الميت أنه قضاه. وقال مالك، في عبد مأذون باع متاعا من قوم، وعلى ذلك بينة، فادعوا أنهم دفعوا إلى سيده، فإن كان السيد كان يقتضي، فيحلف هو والعبد فيما ادعي عليهما. وقد قالك ذلك ابن كنانة فيما ذكرنا في هذا الباب. من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون، في عبد هلك بالحجاز، وسيده بالقلزم، فوجد له أذكار حقوق على الناس، فقام وكيل مولاه بها، فأثبتها، فادعوا أنه قبض أكثرها، وقالوا: يحلف السيد على ما قبضه غلامه، ونحن نوقف الحقوق حتى يحلف السيد، قال: للوكيل قبض الحقوق إذا لم يكتبوا بما يراه، فإذا اجتمعوا مع السيد، أحلفوه: أنه ما علم عبده قبض شيئا من ذلك. في المقضي له بالسلعة، هل يحلف ما باع ولا وهب؟ أو يقيم بينة على حاضر أو غائب هل يحلف معهما؟ وهل يحلف أنه ما قبضه؟ أو يحلف ورثته أو وكيله؟ من المجموعة: ابن القاسم، عن مالك، في من أقام بينة في عبد أو دابة، أو ثوب بيد رجل، أنه له، لا يعلمونه باع ولا وهب، ولا خرج من ملكه، قال: فهذا يستوجب ما ادعى، ويحلفه الإمام مع ذلك: أنه ما باع ولا وهب، ولا خرجت من ملكه بشيء، يحلف على البت، وكذلك لو قال: أعرته ذلك. أو: [8/ 161]
في النكول عن اليمين وفي رد اليمين
استودعته. فهو مثل السارق إن قامت له البينة أنه ثوبه، فليحلف: أنه ما باعه ولا وهبه، ولا خرج من ملكه، ثم يأخذه. وقاله كله أشهب. قال ابن القاسم/: بعيد الغيبة، أنه ينفذ القضاء لوكيله، ويؤخر يمينه حتى يقدم، على ما قال محمد. في النكول عن اليمين، وفي رد اليمين من كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال مالك وأصحابه: لا يجب الحق لنكول المدعي عليه عن اليمين، حتى يرد اليمين على المدعي، فيحلف. ولم يختلف في ذلك أهل المدينة، وبه حكم أئمتهم. قال مالك: وإذا جهل ذلك الطالب، فليذكر ذلك له القاضي حتى يحلف الطالب؛ إذ لا يتم الحكم إلا بذلك. قال أشهب: ولم يختلف أهل العلم أنه لا يقضي بالنكول حتى يرد اليمين على الطالب، وقد رد شريح اليمين على المدعي بعد نكول المدعي عليه، وقضى به الشعبي على ابن شبرمة، وقضى به الضحاك. وقاله محمد بن سيرين. وقاله الليث ابن سعد، وليس حجة من احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. لأن ذلك ليس بمانع أن يحلف المدعي، وليس قول من قال: لم يسمع بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على من سمعه. وقد حدثنا ابن لهيعة، عن سالم، بن غيلان، أن النبي عليه السلام قال ذلك، ولو لم يأت ذلك، لم يكن الحديث الأول مانعا من ذلك، إنما هو تعريف من يبدأ باليمين، ومن هي عليه، ومن [8/ 162]
عليه البينة، وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركا له في عبد، قوم عليه. ولو كان الذي لم يعتق شيئا أن يعتق، لكان له ذلك عند العلماء، وليس هذا في الحديث، لكن فارقهم معنى الحديث أنه أريد تخليص العبد من الرق، وأن لا يضر بالتمسك بالرق أيضا/ بما نقصه العتق الذي أحدث هذا، وقد روي فيه أيضا جبران المتمسك وصب في تضمينه، فأعتقه، ولو لم يأت هذا لكان فيما ذكرنا دليل أنه نهى النبي عليه السلام، أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها. ولو لم يقل: فإذا بدا صلاحها ببعت. ففهم هذا بالمعنى، لا يختلفون فيه. وقوله عز وجل (فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن). وقد ينفق على المطلقة واحدة وهي غير حامل، وليس ذلك في النص، ولكنه مستدل عليه. قال سحنون: ومن زعم أن النكول عن اليمين كالإقرار، لزمه أن من ادعى علىر رجل أنه قتل وليه أو عبده عمدا، ولا بينة له، فاستحلف المدعي عليه فنكل، أن يكون ذلك إقرارا، وهذا خلاف جميع العلماء، وإن قالا: يسجن أو يغرم الدية. وقد اختلفوا فيه، فقد خصموا وفرقوا بينه وبين الإقرار، إذ لا يقبل بالنكول أحد، ومن قولهم: أن نكول الملتعنة عن اللعان، أن يحبس ولا يجلس، فلو كان إقرار، لزمها الحد. قال سحنون: وإذا لم يحلف مع شاهده، حلف المدعى عليه، فإن نكل ها هنا غرم، ولا ترد اليمين على الطالب، بخلاف الذي لم يأت بشاهد؛ لأن هذه يمين قد ردت إذا كانت على الذي أتى بالشاهد فنكل، فردت على المطلوب، [8/ 163]
وهي إذا لم يأت بشاهد على المدعى عليه، فإن نكل، ردت على المدعي، وإن حلف، فلا شيء له. وهذا قول مالك. وقضى به عمر بن عبد العزيز. قال ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع عبدا بيع براءة ثم ظهر على عيب قديم، فيحلف البائع: أنه ما علم به، فإن نكل/ رد عليه العبد، ولا يمين على المبتاع في هذا. ومن كتاب آخر: قال أصحاب مالك في المودع يدعي ضياع الوديعة، فأكذبه ربها، وقال: أكلتها. فالمودع مصدق، إلا أن يتهم، فيحلف، قال محمد ابن عبد الحكم: فإن نكل، ضمن، ولا ترد اليمين ها هنا على ربها. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا وجبت القسامة لأولياء المقتول على العبد، وقد ثبتت بينة أنه جرحه، ثم برئ منه، فمات، فنكل الأولياء عن اليمين، فلا ترد ها هنا اليمين على العبد ولا على سيده، ولكن يضرب مائة، ويخلي وقد ثبت جرحه، فإما قبله سيده بديته أو أسلمه، وأما إن كانت القسامة بقول الميت: دمي عند فلان، أو بشاهد على القتل الموحر فليحلف الأولياء، فإن نكلوا، حلف السيد يمينا واحدة على علمه، فإن نكل، لزمه أن يسلمه أو يفديه بدية المقتول، ويضرب العبد مائة، ولا يحبس. وقيل: يحلف العبد خمسين يمينا ويضرب مائة. ومن العتبية: روى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، في المدعي يقول للمدعى عليه: احلف وابرأ. أو يقول له الآخر: احلف أنت وخذ ما ادعيت. فإذا هم باليمين، بدا للمدعي عليه، وقال: لم أظنك تجترئ على اليمين. قال: يحق له أن يرجع، وليحلف المدعي، ويأخذ حقه كان ذلك عند السلطان أو عند غير السلطان، فقد لزمه. وقاله أصبغ. وقد ذكرنا في باب من حلف خصمه، ثم أقام عليه بينة: ذكرا من النكول ورد اليمين، ونكول من شهد له شاهد على اليمين./ [8/ 164]
قال محمد بن عبد الحكم: قال عبد الله: ومن قول مالك وأصحابه: من أقام بينة على حاضر بدين، فلا يحلف مع بينته على إثبات الحق، ولا على أنه ما قبضه منه حق يدعي المطلوب/ أنه دفعه إليه، أو دفعه عنه دافع، فيحلفه حتى إذا كان الحكم بعبد أو حيوان استحق، فلابد أن يحلف المحكوم له أنه ما باع ولا وهب؛ لإمكان أن يدعي من باع من هذا المحكوم عليه أن هذا الطالب باع منه أو وهبه، أو يدعي ذلك غيره من جرى له عليه ملك، أو استحقه ورثة ميت، أنه كان للميت، وأقاموا بينة أن ذلك الشيء له لا يعلمونه باع ولا وهب، ولا خرج من ملكه بوجه من الوجوه، ولو كان الحكم بالدين على غائب أو ميت، لم يقض للطالب حتى يحلف أنه ما قبضه منه، ولا من أحد يشبهه؛ لإمكان أن يدعي الغائب أو الميت ذلك، ولو كان الدين لميت قام به ورثته، فلابد أن يحلف أكابرهم: أنهم ما يعلمون أن وليهم قبضه من المقضي عليه، ولا من أحد بسببه، ولو كان المطلوب حيا، لم يحلفوا حتى يدعي ذلك المطلوب على الميت أو عليهم. قال محمد بن عبد الحكم، في وكيل الغائب يطلب بدين فثبت له، فقال المطلوب: من حقي أن يحلف لي المحكوم له: أنه ما قبضه، فإنه ينظر. فإن كانت غيبته قريبة، انتظر حتى يقدم، وكتب إليه، وإن كان بعيد الغيبة، فإن المطلوب يدفع الحق الساعة إلى الوكيل، ويقال للمقضي عليه: إذا اجتمعت مع الطالب فحلفه على ذلك. ويكتب له القاضي بذلك كتابا يكون بيده، فإن مات المقضي له، حلف أكابر ورثته على مثل ذلك، ولا يحلف الأصاغر وإن كبروا بعد موته. قال عبد الله: وكذلك ينبغي لو حكم لوكيل غائب بحيوان، وهو بعيد الغيبة. وعن مالك: ولو أقام عليه البينة بحق له، فطلب المشهود عليه يمينه مع الشاهد به، فليس له ذلك، إلا أن يدعي أنه قضاه بينه وبينه، فليحلف، فإن نكل، حلف المطلوب وبرئ. وقاله ابن نافع. قيل لابن كنانة: ولو أقام عليه شاهدين بالحق، فكلف الطالب تعديلهما، فقال له المطلوب: احلف: أن حقك حق، ولا أكلفك تعديلهما، وأعطيك [8/ 165]
حقك. قال: ليس ذلك على الطالب، إن شاء قبل ذلك فحلف، وإن شاء عدل الشهود، وقضى بلا يمين. قال ابن كنانة: وليس على من أقام بينة في أرض، أو حيوان، أو سلعة، يمين إلا أن يدعي الذي ذلك في يده عليه أمرأ ظن بصاحبه أن يكون قد فعله، فيحلف: ما فعله، ويأخذ حقه. وقال ابن كنانة، في المصري له حق على رجل من أهل أفريقية، فوكل عليه وكيلا يقبض منه حقه، فلما أتى بكتاب القاضي وثبتت خلافته، ادعى المطلوب أنه قد قضى، وسأل التأخير إلى أن يحلف له الطالب، قال: ليس له ذلك، وليحلف له الوكيل: إني ما علمت أنه ما قبض منه شيئا. ثم يقبض منه الحق، إلا أن يكون الطالب قريبا مثل اليومين، فيكتب إليه، فيحلف، وقال ابن القاسم: لا يحلف الخليفة ولا ينتظر حتى يجامع صاحبه، وقال غيره: لا ينبغي للقاضي أن يكتب للطالب كتابا حتى يحلفه: ما اقتضى من الحق شيئا. وقد تكرر هذا في كتاب آداب القاضي. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال من وجبت عليه يمين: اضرب لي أجلا حتى أنظر في يميني وفي حسابي، وأثبت فعل ذلك به. قال: يضرب له بقدر ما يراه. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، عن مالك، في رجلين ابتاعا طعاما، فحمله إليهما الحمالون، فوجد أحدهما طعامه ينقص أربعة أراداب، فذهب إلى الذي حمل إليه معه، فقال: انظر هل ذهب من قمحي إليك شيء؟ فكال قمحه، وقد كان خلطه بقمح له آخر، فكاله فوجده يزيد غرارة، فردها عليه، فأراد الذي ذهب قمحه أن يستحلفه، قال مالك: ذلك له، يحلفه بالله ما دخل بيته إلا هذا، فإن أبي أن يحلف، حلف الآخر وأخذ، وهو رجل سوء إن حلف على ما لا يعلم ولا يدري أن وصلت إلى هذا أم لا، ولعل الحمالين اختانوا ذلك، ثم قال: ولعل أن لا يكون له في ذلك يمين، لكن أشد ذلك أن الذي فرغ في بيته القمح [8/ 166]
جامع الأيمان
إن نكل غرم، هذا أحب إلي. وسئل عنها ثانية، فقال: اليمين على المدعي عليه. قال ابن المواز: يريد وحده. قال مالك: فإن أبى أن يحلف، لزمه الحق، وأما المدعي، فلا يمين عليه؛ لأنه لا يدري ما يحلف عليه. جامع الأيمان من كتاب ابن سحنون: سئل مالك عن من وكل على بيع سلعة فباعها على أن لا يمين عليه، ثم يوجد بها عيب، أيستخلف؟ قال: لولا قطع السنة لرأيت أن يحلف. وقال أيضا: أما الوصي يقول: لا أحب أن أحلف. والرجل/ المأمون، بالحال فذلك له، فأما غيرهم، فلا، فليرد البيع إذا أبى أن يحلف. قال عنه ابن وهب، في من باع على أن لا يمين عليه فيما يوجد بها من عيب، فذلك شرط جائز قد يضع له من الثمن لذلك. وسئل عن رجل أتى ودماؤه تسيل، وجاء معه بعبد من الحوائط يدعي أنه هو ضربه، فضرب العبد، وسجن، وسرح، ثم جاء به آخر بعد ذلك، فضرب، وسجن، ثم جاء به آخر ودماؤه تسيل، فأنكر ذلك العبد، قال: يحلف العبد، ويخلي سبيله. وعن من انتهب صرة والناس ينظرون إليه، فطرحها مطرحا لم توجد، فادعى صاحبها عددا وأنكره الآخر، والآخر يكذبه، ولا يعلم المنتهب كم هي؟ فاليمين على المنتهب. قال مالك: ولا بأس أن يفتدي الرجل اليمين بشيء يعطيه لمن طلبها. وقاله ابن شهاب، وذكر أن عبيد القسام الأنصاري في إمارة مروان، افتدى من اليمين بعشرة آلاف درهم. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك للرجل أن يحلف أباه، قيل: أيحلف الرجل في حق لابنه الصغير؟ قال: إن كان هو الذي رفعه، أو لنعه وله بذلك شاهد، فإنه يحلف، قال: ولو أشهد رجل على نفسه، فقال: إن حلف فلان بالله [8/ 167]
أن له عندي مائة دينار، فذلك لازم لي، وقال: إن حلف بالعتق أو بالطلاق، قال: إن حلف باليمين الذي رضيها بقرب قوله ووقته، إلا أن يقول متى حلف فيكون ذلك للمدعي. قال: ومن لم تكن بينهما مخالطة، وادعى عليه دعوى، وقال له: احلف: أني سلح ملي، وأنا أعطيك كذا/. فحلف له، قال: يلزمه ما وعده به. وقد قال مالك، في من قال لرجل: بلغني أنك شتمتني، فاحلف لي وخذ مني دينارا. فحلف له، وأبى أن يعطيه، قال: يلزمه أن يعطيه دينارا. قال مالك فيمن صالح على دراهم كانت له عند رجل على أن يدفع إليه خمسة دراهم كل شهر، على أن ليس للدفاع أن يستحلف صاحب الحق، إن أنكر قبض ما يدعيه إذا لم تكن له بينة على دفعه، قال: لا يجوز هذا الشرط، وعليه اليمين فيما ادعى من دفعه إليه. وقال فيمن ادعى على أحد ورث أباه لا وارث له غيره، أنه أودع أباه عبدا بعينه، فقال الابن: لا أدري أصدقت أم لا؟ فله أن يحلف الابن على علمه، ويبرأ، وهذا صواب. ومن كتاب ابن المواز: روى أشهب، عن مالك، في شريكين في زرع، شغل أحدهما، أو مرض، فحصده الآخر، وأنفق، ثم صح شريكه، وإنما له أيسره، فقال له المتولي: هذا الذي خرج من الزرع: وقد أنفقت كذا وكذا. فقال له: احلف لي أنه ما أخرج الزرع إلا هذا، وأن النفقة على ما قلت. فقال: إنما أحلف أنه الذي دفع إلى وكلائي. قال: يحلف على ما دفع القوم، ليس عليه غير ذلك، ويحلف على علمه إذا كان عنه غائبا، ولو كان حاصل ما حلف إلا على علمه، لعله ذهب منه ما لا يعلمه. قال محمد: ويدخل في يمينه: وما خنتك. [8/ 168]
فيمن أبرأ رجلا من كل طلب ثم أراد أن يحلفه
فيمن أبرأ رجلا من كل طلب ثم أراد أن يحلفه قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة لرجل أن فلانا أبرأه من جميع الدعوى، وأنها آخر كل حق له، وطلب من جميع المعاملات/، ثم أراد أن يستحلفه بعد ذلك، وادعى أنه قد غلط أو نسي، فليس ذلك له، وكذلك إن شهد عليه بذكر حق مسمى، وفي الكتاب: أنه لم يبق له عليه ولا قبله حق ولا عنده، أو شهدوا أنه لم يبق بينه وبينه معاملة غير ما في هذا الكتاب، فليس له بعد ذلك أن يستحلفه على غير ذلك- يريد مما قبل تاريخ الكتاب- وكذلك لو قال الذي أقر بالحق على ذلك، وكذلك إن أشهد له أنه قبض منه ثمن سلعة باعها منه، ثم ادعى عليه أنه بقي له بقية من الثمن، وأنه وثق به، وأشهد له بالقبض، ثم أراد أن يحلفه، فليس له ذلك، ولو كان له ذلك ما نفعت المرأة ولا انقطعت المعاملة. فيمن حلف خصمه ثم أقام عليه بينة أو لم يحلف مع شاهده وحلف خصمه ثم وجد عليه شاهدين أو شاهدا آخر من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن عمر بن الخطاب، اختصم إليه يهودي يدعي على مسلم، فدعاه بالبينة، فقال: ما يحضرني اليوم بينة، فأحلف له المطلوب، ثم جاءه المدعي بعد ذلك بالبينة، فقضى له بها. وقال: البينة العادلة أحب إلي من اليمين الفاجرة. وقاله شريح، ومكحول، والليث. وقال مالك: إذا أحلفه، ثم وجد بعد ذلك بينة، قضي له بها إن لم يكن علم بها، فإن كان به عالما، فحلفه تاركا لها، فلا حق له وإن كانت حاضرة أو غائبة/ [8/ 169]
إذا حلفه عالما بها، وتاركا لها، ولو قال: قد علمت بينتي، وهي غائبة، وأنا أحلفه، فإذا جاءت، قمت بها، قال ابن القاسم: إن كانت بعيدة، فذلك له، وإن كانت قريبة على مثل يومين وثلاثة، فلا يحلفه إلا على اسقاطها. قال سحنون: قال سفيان: قال ابن أبي ليلى: إذا أحلفه، فلا شيء له. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: لا يحلف الرجل حتى يثبت عليه لطخ، فإن أثبته وقال: أحلفه لي. ثم آتي ببينتي. قال له القاضي: إما حلفته على إسقاط بينتك، وإلا فأت بالبينة. ومن العتبية: روى أشهب، عن مالك، وهو في كتاب ابن سحنون، من رواية ابن نافع، في من قضى دينا عليه ببينته، وأشهد الله على القضاء، ثم طولب به، فقال: قد دفعته إليك بشهادة فلان وفلان؛ بما حلف، احلف وخذه فحلف له، وأراد أن يقيم عليه البينة أنه قضاه، قال: ذلك له ويرجع منه. وقال في كتاب ابن سحنون: قال ابن نافع، عن مالك: إذا أحلفه، وبينته حاضرة، وهو عالم بها، فله القيام بها بعد ذلك، وقال أشهب، في غير كتاب ابن سحنون، وروى عنه ابن عبد الحكم مثله، في كتاب ابن المواز. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: إذا حلف خصمه، ثم أقام بينة، فإن لم يكن علم بها، قضي له بها، كانت يوم أحلفه حاضرة أو غائبة، بعد أن يحلف: أنه ما علم بها، فإن كان عالما بها، وهي في البلد، أو قريبة منه قربا لا يخاف فيه فوت/ حقه، أو أخره إلى قدومها، فلا حق له في البينة، ولا رجوع له على صاحبه، وإن حلف، أن ذلك لم يكن منه، رضى بيمينه، وتركا للآخر لبينته، وإن بعدت بينته، لم يضره علمه بها دون السلطان، وليقم بها، ولا يمين عليه: أن ذلك لم يكن رضى باليمين على ترك البينة؛ لأن السلطان لو علم بها لأحلفه له، وكان له القيام ببينته إذا قدمت، وكذلك روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك. [8/ 170]
قال ابن الماجشون، عن مالك: إذا أقام شاهدا، وأبى أن يحلف معه، وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر، أنه يقضي له به مع الأول، وقال ابن كنانة: هذا وهم، وقد كان يقول: لا يضم هذا إلى الشاهد الأول، لأنه نكوله أولا أبطل شهادة ذلك الشاهد، وإنما يكون هذا في المرأة تقيم شاهدا على طلاقها، والعبد على عتقه، وكذلك كل ما لا يقضي فيه بشاهد، ويمين، فيحلف الزوج أو السيد أو الذي شهد عليه الشاهد في غير الأموال، ثم يجد الطالب شاهدا آخر، فهذا يضم إليه إلى شاهده الأول؛ لأنه لم ينكل أولا عن اليمين، فيتركها كما فعل الأول. وقال ابن الماجشون: قال أصبغ بقول مالك الأول، أنه يضم له الشاهد الثاني إلى الأول الذي نكل معه، إذا كان غائبا عنه غيبة بعيدة، ولم يكن يعرفها ولا حجة عليه بإبائه اليمين، وليس كل الناس يحلف على حقه، ويبين ذلك، أو لو كان لا شاهد له، فأحلف له المدعى عليه، فنكل، فحلف المدعي، وأخذ، ثم وجد المطلوب بينة بالبراءة/ أنه يبرأ بها، ويسترجع ما أخذ منه، ولو نكل المدعي عن اليمين، فلم يأخذ شيئا، ثم وجد بينة على دعواه، فإنه يؤخذ بها، قال أصبغ: وهذا الذي لا أعرف غيره، وهو أبعد في العبرة من الذي لم يحلف مع الشاهد. وقد ذكرنا هذا كله في الثاني من الشهادات. قال ابن حبيب: وقال مطرف، في المدعي عليه يحلف المدعي حين لم يجد بينة، وقد ثبتت الخلطة، ثم أتى المدعي بشاهد، فأراد أن يحلف معه، ويأخذ حقه، فليس له ذلك؛ لأنه لا يسقط يمينا قد دري بها حق بشاهد ويمين، ولكن إن جاء بشاهدين، كان ذلك أولى من اليمين وأعدى بحقه. وقاله ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، وابن وهب، في من حلف غريمه أن له متى ما وجد بينة أن يحكم له بها، ولم يذكر أنه رضي بيمينه، وهو يعلم أن له بينة حاضرة أو قريبة الغيبة غير البعيدة جدا. [8/ 171]
فيمن صالح ثم وجد بينة أو اشترى من رجل شيئا ثم وجد بينة أن له ذلك قبل شرائه
ومن المجموعة: قال مالك: وإن أقام شاهدا، فلم يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب، فحلف ثم أقام شاهدين بعد ذلك، قضى له بهما إن كان لذلك وجه. قال هو وابن كنانة: ولو وجد شاهدا مع شاهده الأول، فلا يقضى له به مع الأول؛ وذلك قاطع لحقه، قال ابن القاسم: وليس كمن لم يجد بينة فيحلف خصمه، ثم يجد البينة. وكذلك القسامة. وفي الجزء الثاني من الشهادات زيادة في هذا في باب من نكل عن اليمين مع الشاهد. فيمن صالح ثم وجد بينة أو اشترى من رجل/ شيئا ثم وجد بينة أن له ذلك قبل شرائه من كتاب ابن سحنون: قال سحنون، في من ادعى دابة أو دارا بيد رجل، وهو منكر، فصالحه على شيء أخذه منه، ثم وجد بينة، أو كانت بينة غائبة لم يعلم بها، قال: الصلح جائز، لا يرجع فيه. قال ابن القاسم، عن مالك، في من طلب من رجل دينا، فأنكر، فصالحه، ثم وجد بينة؛ فإن كان لم يعلم بها، فله الرجوع عليه بها يحلفه، وإن كان يعلم بها وهي غائبة، يخاف أن يموتو أو يفلس غريمه قبل يقدموا، فهذا يلزمه الصلح، ولا قيام له بالبينة. قال سحنون: إنما له الرجوع إذا أشهد أني إنما أصالحه لجود وأنا قائم بحقي بعد هذا، فهذا له الرجوع إذا وجد بينة يريد: لم يكن علم بها. قال ابن القاسم في المدونة: ومن ادعى قبل رجل مالا أو دارا، فأنكره، فصالحه من ذلك، ثم وجد بينة، أو أقر له المطلوب، فإن كان الطالب بالبينة عالما، فلا قيام له، ولو كانت بينة غائبة، فخاف موتهم أو إعدام الغريم إلى [8/ 172]
فيمن ادعى حقا في دار أو عبد، هل يكشف المدعى عليه من أين ملكهما؟
قدومهم، فلا حجة له بذلك، ولو شاء تربص، فإن لم يعلم بالبينة، فله القيام ببقية حقه. قال يحيى بن عمر: وبلغني عن سحنون، في الذي أقر له بالدار بعد الصلح: أن الطالب مخير، إن شاء تماسك بصلحه، وإن شاء رد ما أخذ، وأخذ الدار. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، إن كانت بينته غائبة بعيدة جدا، وأشهد: أني إنما أصالحه لذلك، فله القيام. ومن العتبية: قال أصبغ، في من ادعى سلعة بيد رجل، فخاف عليها أن تتلف، فاشتراها منه، ثم وجد بينة أنها له؛ فإن كان لم يكن علم ببينته قبل الشراء، فله أن يثبت/ البينة، ويرجع بماله فيأخذه به، وهو كمن صالح عالما ببينته، إلا أن تكون بينته بعيدة جدا، وشهد حين اشتراها: أنه إنما فعل ذلك لبعد بينته، وخوف أن يفيت السلعة، فله القيام، ولو قال: اشترتيها، ولم أعلم ببينتي. وقال له البائع: إن علمت حينئذ ببينتك، فربها مصدق أنه لم يعلم بها مع يمينه، إلا أن يثبت عليه أنه قد علم بها. فيمن ادعى حقا في دار أو عبد هل يكشف المدعي عليه من أين ملكها؟ أو قال المطلوب لك في ذلك حق لا أدري ما هو من المجموعة: قال عبد الملك: وإذا لم يبين المدعي دعواه ما هو؟ وكم هو؟ لم يسأل المدعى عليه عن دعواه حتى يبينه الطالب في طلبه، فيسأل حينئذ المطلوب عن دعواه، فأما ما لم يبينه عليه بشبهة، ولم يحق عليه طلبه، فإنه لا يسأل عما بيده، كما لو قال: أن أطلب منك هذا العبد، فاذكر من أين هو [8/ 173]
في المدعى عليه لا يقر ولا ينكر، أو يقول يسأل المدعي من أي وجه وجب له ذلك علي
لك؟ وبماذا ملكته؟ فليس عليه أن يكشف عن هذا. ولو قال له: إن لي فيما بيدك من هذا العبد، وهذه الدار حقا، فقال له المطلوب: نعم، ولا أعرفه. فقال الطالب: هو كذا وكذا، ولا بينة لي. فإنه يحلف المطلوب: أنه ما يعرف ما قال المدعي كما قال، ولا يحق له حقا يعرفه، ثم ينزع منه العبد أو الدار إلى أن يتبين ما عليه، أو يصطلحان على أمر جائز، وهذا إذا أقام بذلك الطالب عند السلطان، وإلا لم يوقف عليه شيئا، قال: ولو رجع، فقال/: قد عملت الذي له. فإن سمى جزءًا معلوما، حلف على ذلك، ويمينه هذه تبرئه من ما رامت دعوى المدعي. ومن هذا في غير هذا الباب، وفي كتاب الدعوى في من لم يكذب المدعي، ولا صدقه، إن قال: لك علي حق لا أعلم كم هو؟ قال ابن حبيب: قال مطرف، في رجل قال لرجل: لك علي حق، ولا أدري كم هو؟ فقال المقر له: هو كذا. قال: إن حلف المقر له، وإلا لم يعط شيئا. في المدعي عليه لا يقر ولا ينكر أو يقول يسأل المدعي من أي وجه وجب له ذلك علي؟ من المجموعة، والعتبية من سماع أشهب: سأل ابن كنانة مالكا، عن من بيده دور، فيدعي رجل أنها لجده، فقال المطلوب: لا أقر ولا أنكر، ولكن أقم البينة على دعواك. وقال مالك: يجبر المدعي عليه حتى يقر أو ينكر. وذكر ابن المواز هذه الرواية، وذكر عن ابن الماجشون مثله، وقال: إن هذا صواب، ولكني استحسن غير هذا إذا ثبت على شكه، وذكر مسألة الذي يدعي عليه بستين دينارا، فيقر بخمسين، ويأبى في العشرة أن يقر أو ينكر، فإنه يجبر بالحبس حتى يقر بها أو ينكر، إذا طلب ذلك المدعي، كما قال مالك، وعبد الملك، وأنا [8/ 174]
أستحسن أنه إذا تمادى على شكه، وقال: لا أحلف على ما لا يقين لي فيه. فإني أحلفه: أنه ما وقف عن الإنكار أو الإقرار إلا لأنه على غير يقين فيه، فإذا حلف على هذا أدى العشرة، أو يحبس بها بالحكم، فلا يمين على المدعي؛ لأن كل مدعي عليه، لا يدفع الدعوى، فإنه/ يحكم عليه بلا يمين. وكذلك ابن المواز في المدعى عليه في دور في يديه، فلا يقر ولا ينكر، فإذا أجبر على أن يقر أو ينكر، حكمت عليه للمدعي بلا يمين. ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا ادعى عليه بألف درهم، فسأله القاضي، فلم يقر ولم ينكر، فليجبره على أن يقر أو ينكر، ويحبسه إن أبي ذلك، فإن قال: يسأل الطالب: من أي وجه يدعي علي هذا المال، فقد تقدمت بيني وبينه مخالطة، فينبغي أن يسأل الطالب عن ذلك؟ فإن أخبره، أوقف المطلوب على ذلك حتى يقر أو ينكره، فإن جحده وأراد أن يحلف له: أنه ليس له عليه شيء من هذا السبب، لم يجز ذلك حتى يقول: ولا أعلم له علي شيئا بوجه من الوجوه، فإن أبى أن يخبره، فإنه إن قال المطلوب: لا أذكر وجه ذلك. قبل منه، وإن لم يقل ذلك، فإنه لا يقضي للطالب بشيء على المدعى عليه حتى يسمي المدعي السبب الذي كان له به الحق، أو يقول: لا أعلم وجهه، ولا أذكره، فلا يكون عليه في ذلك يمينا أنه لا يذكره، ويسأله البينة على ماله. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى رجل على رجل ألف درهم عند الحاكم، فيسأله الحاكم عن دعواه، فإن أنكرها، كلفه البينة، وإن أبي أن يقر أو ينكر، أجبره على ذلك، فإن أبى سجنه حتى يقر أو ينكر، وإن قال: سل الطالب من أي وجه يدعي ذلك علي؟ فإنه كانت بيني وبينه خلطة في غير شيء حتى أعرفه، فليسأله؛ فإن ذكر وجها، سأل المطلوب عنه، فإن أنكر، وقال: أحلف: ما له علي شيء من هذا/ السبب. فلا يجزيه ذلك حتى يزيد في يمينه: ولا أعلم [8/ 175]
فيمن ادعى على رجل دعوى من مال أو حيوان أو حد أو غيره، هل يأخذ منه حميلا؟
له علي شيئا من وجه من الوجوه. فإن أبى الطالب أن يخبره السبب، فإن قال: لأني لا أذكر وجه ذلك. قبل منه، وإن لم يقل ذلك، فلا يقضي له بشيء حتى يذكر سبب دعواه، أو يقول: لا أذكر سببه. ولا يمين عليه في ذلك: أنه لا يذكر سببه، ويسأله البينة على دعواه. فيمن ادعى على رجل دعوى من مال أو حيوان أو حد أو غيره هل يأخذ منه حميلا؟ أو يسجن له حتى يأتي بالبينة؟ أو يوقف ما فيه الدعوى؟ وفيمن ادعى عليه في شيء هل يقوم على من باع منه قبل الحكم؟ ومن ادعى على غائب هل يجلب له؟ من المجموعة: قال أشهب: ومن ادعى على رجل مالا، فأنكره، فطلب منه كفيلا، فإن القاضي يسأله: هل له بينة على ظنة، أو خلطة، أو معاملة؟ فإن قال: نعم. أو: هم حضور وكل بالمطلوب حتى يأتي هذا ببينته على اللطخ فيما قرب من يومه ونحوه. قال سحنون: لا أرى هذا، أين يجد من يوكل بهذا وهذا؟ ولكنه يأخذ منه كفيلا حتى يأتي بالبينة على الخلطة فيما قرب. قال أشهب: فإن جاء ببينة الخلطة، وادعى على الحق بينة حاضرة، فليأمره أن يأخذ منه كفيلا بنفسه، ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة. قال سحنون: قد يكثر هذا عليه، وهو إذا تم الأجل نظر في أمرهما، فبصير قد قدمهم على غيرهم ممن ينظر بينهم على المراتب، وإن ترك أولئك إلى أن يدعو بهم، صارت حمالة إلى غير أجل. [8/ 176]
قال أشهب: وكذلك إن أقام شاهدا، وأبى أن يحلف/، وقال: إنني تاجر، وقد أقام بينة على الخلطة، فله أخذ كفيل إلى مقدار غيبة شاهده الآخر، أو غيبة بينته على الحق، فإن كانت غيبتهم في البعد تضر بالمطلوب، فليستحلفه، ولا يؤخذ منه كفيل، وإن كانت بينة الخلطة بعيدة، فليس له أن يحلف، ولا يأخذ منه كفيلا. قال سحنون، وقال غيره: وإن ثبتت بينة الخلطة، فطلب أخذ كفيل، فليس له ذلك، وإنما يؤخذ كفيل، ويوقف الحيوان والعروض؛ لتشهد البينة عليها، وأما ما لا يحتاج إلى حضوره ليشهد على عينه، فلا يؤخذ منه كفيل به. قال ابن القاسم: إذا ثبتت الخلطة، فليس له أخذ كفيل الوجه، ليأتي بالبينة، إلا أن تكون بينة في السوق، أو بعض القبائل، فيوقف القاضي المطلوب حتى يأتي هذا بالبينة، فإن جاء بها، وإلا أطلقه، وإن طلب منه وكيلا بالخصومة حتى يأتي بالبينة، فليس ذلك له؛ لأنا نسمع البينة على الغائب، إلا أن يشاء أن يوكل من يدفع عنه. قال سحنون: قال غيره، إن ثبتت المعاملة، فله عليه كفيل بنفسه، لتقع البينة على عينه. قال سحنون: فإن لم يجد كفيلا، حبس حتى يستقصى فيه ما كان يؤخذ منه كفيل. قال سحنون: يؤخذ منه كفيل؛ لأن الطالب يحتاج إلى إيقاع على خصم حاضر. ومالك يقول/: لا يحكم في الرباع على الغائب، وآخرون يقولون: إنما يحكم عليه بعد أن يكشف عنه، ويستبرأ أمره، ثم يكون على حجته، فكيف لا يؤخذ في هذا حميل؟ قال سحنون: وإن ادعى عليه دعوى، فيريد أن يكتب له برفعه، فلا يمكن من ذلك حتى يأتي بلطخ على ما ذكرنا من طلبه له بشاهد، أو سماع ونحوه، فإن لم يأت به، لم ينبغ ذلك، وقد يكون بعيد الغيبة، فيجلب ويضر به، ولعل بينه وبينه عداوة، أو تكون الدعوى يسيرة، فيرضى أن يؤديها ولا يشخص. وكتب إلي سحنون فيمن يأتي فيقول: فلان يدعي علي دعوى، ويحمل إلى العمال، فاكتب لي برفع من له علي دعوى إن أراد طلبني. فكتب إليه: كتب [8/ 177]
الرفع عندنا غير صواب، ولكن اكتب إن قدرت إلى العامل ألا يعترض للخصوم لما في ذلك من ظلمهم. ومن كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون يحبس من لم يعط لخصمه حميلا إذا وجب عليه حميل. وكتب إليه شجرة، في رجل بعث معه بمال ليوصله إلى رجل، فيتعدى به، فينفقه، ثم يعترف عند الحاكم، فيقول: هذا ربعي أبيعه. فيعرضه، فلا يجد من يشتريه، فطلب منه الطالب حميلا بوجهه، هل ذلك عليه؟ فإن لم يجد حميلا، هل يحبس؟ فكتب إليه: لا حميل على هذا ولا حبس إذا بذل من نفسه هذا، ولم يتهم، وإنما يحبس المفلس يتهم أن يخفي مالا. قيل له: فإن عرضها، فلم يجد من يشتري، وزعم/ الطالب أنه يقول للمشترين: لا تشتروا. أرأيت إن قال للحاكم: بع أنت ربعي، وادفع إليه. فقال: كيف أبيع، ولا طالب؟ أو كيف أبيع ما ثمنه خمسون دينارا بخمسة دنانير؟ فقال: فاحسبه لي. فقال سحنون: يدعو الحاكم إلى ضعيته وينشدها ويتسقصي، ثم يبيع بالخيار عسى أن يزيد زائد، فإن لم يجد إلا ما أعطى، باع وأعطى الطالب حقه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل حدا من الحدود عند قاض، وادعى بينة يأتي بها في غد، فليوقفه القاضي، ولا يحبسه إذا رأى لذلك وجها، وإن أقام عليه شاهدا عدلا، سجن له، فإن ادعى عليه دينا أو استهلاكا أو غصبا، فإن السلطان ينظر؛ فإن كان بينهما مخالطة في الدين، أو تهمة في الوجه الآخر، أحلفه له، أو أخذ منه كافلا، وإن ادعى عليه قذفا، لم يؤخذ بحميل، وإن ادعى بينة قريبة، أمره بملازمته، أو جعل السلطان من عنده من يلازمه، وإن كان أمرا بعيدا لم يعرض له، وإن كان المدعي عليه أيضا على وجه [8/ 178]
سفر يضر به أن يمسك ساعة واحدة عن سفره، أو لم يكن للمدعي وجه دعوى، فلا يمكن من لزومه. وهذا كله استحسان بقدر ما ينزل، وإن أقام عليه شاهدين، فكان في النظر في عدالتهما، فليحسبه حتى ينظر في ذلك. قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك يحبس السارق حتى يكشف عن البينة، ولا يؤخذ منه كفيل. قال أشهب: فإن عدلا قطع،/ وإن سقطا خلي. وكذلك كل ما كان في الجسد من عقوبة، أو قصاص، أو قتل، ولا يكفل في هذا. قالا: وإن قام شاهد بقتل عمد، سجن القاتل، فإن ثبت الشاهد، أقسم معه العصبة. قال ابن القاسم: وإن لم يزك، لم يكن معه قسامة، قالا: ولا يحبس في الخطإ؛ لأن الدية على غيره من عاقلته؛ إذ ليس عليه من الدية ما بحبس به، أو يؤخذ فيه كفيل إلى تزكية الشاهد. قال سحنون: وكيف لا يؤخذ منه حميل، وهو يحتاج أن تقع البينة على عينه أنه فعل ذلك. ومن كتاب ابن سحنون: وإن ادعى عبد على حر قذفا، وأراد يعزر له، وطلب منه كفيلا ليأتي بالبينة، فليس للعبد في مثل هذا تعزيز، إلا الرجل الذي قد نهى عن أذى هذا العبد، أو رجل فاحش معروف بالأذى، فيعزز ويؤدب على أذى العبد وغيره، وكذلك في حرية النصراني، فلا كفالة في هذا. قال أشهب، وإذا ادعى رجل على قصاصا في نفس أو جرح خطأ أو عمدا، فبلغ الخطأ أكثر من ثلث الدية، فلا يؤخذ في هذا كفيل؛ ليأتي بالبينة، وإن جاء بلطخ، وأما ما كان من جراح أقل من ثلث الدية، فليأخذ به كفيلا، وما بلغ ثلث الدية، فليس عليه، وهي على غيره. وسأله شجرة في من ادعى علىرجل بدم، فأقام شاهدا ليس بعدل، أيحبس المطلوب؟ قال: يتوثق منه حتى يكشف اللطخ الذي ثبتوا عليه. [8/ 179]
فيمن ادعى عبدا أو حيوانا أو طعاما لا يبقى هل يوقف ذلك ليأتي عليه بالبينة؟
ومن كتاب ابن سحنون: سأل حبيب سحنونا، في من اعترف/ من يده شيء، فثبت عليه شاهد واحد، فيريد المشهود عليه أن يأخذ حميلا على من باع ذلك منه كيلا يحكم عليه في وقت يغيب هذا فيه، قال: لا حميل له عليه، ولا يعرض له حتى يحكم عليه. فيمن ادعى عبدا أو حيوانا أو طعاما لا يبقى هل يوقف ذلك ليأتي عليه بالبينة؟ أو كان ربعا هل يمنع من ذلك في يديه من الإحداث فيه؟ ومتى يجب العقل فيما يدعي فيه؟ من المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: ومن ادعى عبدا، فطلب إيقافه ليأتي بالبينة، فليس له ذلك، إلا في حضور بينة، أو سماع يثبت له به الدعوى، فيوكل القاضي بالعبد، ويوقفه ليأتي بالبينة إن كان حضورا، إلا أن تبعد البينة مما في إيقافه ضرر، فليحلف المدعى عليه ويتركه بغير كفيل. قال غيره، وهو سحنون: وإن كانت بينة قريبة نحو الخمسة أيام إلى الجمعة، أوقف له. قال مالك: وإذا جاء بسماع، أو شاهد، وسأل أخذ العبد يذهب به إلى بيته، دفع إليه إذا وضع قيمته. قال غيره، وهو سحنون: إنما يوقف مثل هذا مما يشهد على عينه من الرقيق، والحيوان، والعروض، ونحو ذلك مما يخاف زوال عينه، وإنما يشهد على عينه من الرقيق والحيوان والعروض. وأما إن كانت في ربع من أرض، أو دور ونخل، فإنه إذا اتجه/ أمر الطالب، أوقفت وقفا يمنع من هي في يديه من الإحداث فيها، والغلة له حتى يقضى عليه، قال: وإذا كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم والفاكهة الرطبة، وأقام لطخا، أو قام له شاهد، فإنه يوقفه إلى مجيئه بشاهده الآخر، أو بينة إلى مثل ما لا يخشى فيه فساد الذي فيه الدعوى. فإن خاف فساده، أحلف المدعي عليه، وترك له ما أوقف. وإن كان أقام شاهدين، [8/ 180]
فكان ينظر في تعديلهما، فخيف على الشيء الفساد، فليبعه ويوقف ثمنه، فإن ركبت أخذ المـ ما بيع به، وأدى الثمن كان أقل أو أكثر، ويقال للبائع، إن أراد ثمن المبيع إذا بيع: أنت أعلم بنفسك في الزيادة على الثمن، وإن لم تزكوا البينة، أخذ القاضي الثمن فدفعه إلى البائع، وإن ضاع، فهو ممن يقضي له به، تلف قبل الحكم أو بعده. من المجموعة: قال ابن القاسم: ومن ادعى أرضا بيد رجل، أقام فيها البينة ولم تقطع، قال: فللمدعى عليه أن يبيعه. قال غيره: ليس له أن يبيع؛ لأن ذلك خطر، قال سحنون: إذ لا يدري المبتاع متى يقبضه ومتى تنقضي الخصومة فيه. قال ابن القاسم: قيل ذلك في أرض حفر فيها صاحبها عينا، فادعاها رجل، فتخاصما إلى صاحب المياه، فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة. قال مالك: أصاب في إيقافها، وليس للذي هي في يديه أن يتمادى في الحفر، ويقول: إن صحت لك أخذتها. قال ابن القاسم: وذلك إذا تبين لدعواه وجه/، فحينئذ يوق. قال مالك: وإن أقام في أرض بينة، فعدلت، فقال الآخر: عندي منافع. فضرب له الإمام لذلك أجلا، وحضر كراء الأرض للحرث، وإن تركت لم ينفصلا لطول الخصوم فيها حتى يفوت الكراء، أتعقل أم تكري ممن هي بيده؟ فإن ثبتت للطالب ودي الكراء، قال: بل توقف حتى يستحقها أحد، إلا أن يرضيا بكرائها من غيرهما، أو من أحدهما، أو يتقاومانها فيأخذها أكثرها كراء، فما تراضيا عليه من ذلك فعلاه، وإلا أوقفهما القاضي، وإن أضر بهما ذلك، وذلك إذا جاء كل واحد بما يستجاز به إيقافها. [8/ 181]
قال سحنون: ولو ادعى من دار سدسها، فليستوجب العقل بلطخ، كيف يفعل؟ قال: يقال للمدعى عليه: إما أن تكريها، ويوقف سدس الكراء، فإن استحقه هذا، كان له كراؤه، والعبد والدار كذلك، إلا أن يقول: أريد أن أسكن في نصيبي مما لم يدع فيه ما يكفيني، ولا أكتري. فيكري ذلك السدس من الدار، ثم يقسم صاحب الدار والمكتري المنافع، وكذلك الأرض، والعبد يخدمه خمسة أيام، ويؤجر اليوم السادس. ومن كتاب ابن سحنون: قال: كان سحنون إذا ثبت عنده شاهد عدل من شهود المدعي ممن يعرفه بالعدالة، عقل على المدعي عليه ما شهد به شهود المدعي الذي ثبت بعضهم حتى يكشف عن من بقي ويستقصي منافع المدعي عليه، وربما يتثاقل عن العقل بعد ثبوت الشاهد الواحد، فإذا اتجه له العقل أمر كاتبه، فكتب إلى أمينه كتابا، فذكر بعد/ الرسالة: من سحنون بن سعيد، إلى فلان بن فلان. يذكر فيه دعوى المدعي واسمه، واسم المدعى عليه، ويذكر الأرض أو غيرها، فيحد ذلك، ويذكر موضع ذلك وإقليمه، وأنه بيد فلان بن فلان، وأن البينة شهدت للمدعي بمحضر الخصم أنه يملك ذلك، أو يملكه أبو حتى ورثه عنه، ولا يعلمون له وارثا غيره، ولا يعلمون ذلك خرج من ملك من شهدوا له، وأجر أنت عقل ذلك حتى أكشف عن ذلك فيه، فإذا جاءك كتابي هذا، فاجمع الخصمين إلى هذه الأرض مع صالح من قبلك، فاعقل ذلك عليه، وأشهر عقله، وأشهد على ذلك، وتقدم إلى الذي كانت في يديه ألا يحدث فيها حدثا ولا غيره، لا هو ولا غيره ممن يحدث بسببه، وأشهر ذلك وأرخه، فإن تغيب فلان المشهود عليه، ولد عن الحضور، فاعقل ما كتبت إليك بعقله، وإن غاب، وإن كانت في يد المدعى عليه، أو بعضها، يعلم ذلك من أحضرته أو أكثرهم، فأوقف العقل عن ما ليس في يديه، واعقل ما في يديه من ذلك، واكتب بذلك إلي، وإن نازعك أو دافعك من أمرتك أن تعقل ذلك عليه، فادفع كتابي بذلك إلي، وإن نازعك أو دافعك من أمرتك أن تعقل ذلك عليه، فادفع كتابي إلى عاملكم؛ ليقوي لك أمرك، وينفذه لك، واكتب إلي بما يكون من ذلك إن شاء الله، والسلام عليك. [8/ 182]
في الأمة أو العبد يدعي الحرية وله بينة غائبة، أو يدعي رجل في حر أنه عبده وبينته غائبة
في الأمة أو العبد يدعي الحرية وله بينة غائبة أو يدعي رجل في حر أنه عبده ويدعي بينة غائبة أو يدعي في امرأة رجل أنها زوجته /من العتبية: ابن القاسم، عن المالك، في العبد أو الأمة يذكر أنه حر، ويذكر بينة غائبة، فلا يقبل ذلك منه، إلا أن يأتي ببينة أو أمر يشبه وجه الحق. ويستحب له أن يتوقف عن الأمة، يريد: وعن خدمة العبد. قال: وإن لم يكن مأمونا، جعلت بيد امرأة، ويضرب لها وللعبد أجل شهرين أو ثلاثة، ليأتيا بما معهما. ومنه: وقال مالك: وإذا ادعت الأمة الحرية، ونسبت نفسها، وذكرت بلدا بعيدا، فلينظر القاضي؛ فإن ادعت ماله وجه، كتب في أمرها حتى يستبرئ ذلك، والنفقة على المشتري، ولا يرد على البائع بقولها، ولا يلزمه شيء من النفقة في طلب ما ذكرت، فإن صح ما قالت، رجع بالثمن على البائع، ولا تلزمه النفقة، فإن ذكرت بلدا بعيدا، ولم تثبت شيئا يعرف، ولا سببا بينا، لم يكن ذلك على المتباع، وإن هي نزعت عن قولها، بطل ذلك، إلا أن تنزع عن خوف. قال أشهب: وسأل ابن كنانة مالكا لابن غانم، عن العبد يدعي الحرية، يدعي بينة على موضع كذا وكذا، فيطلب السيد منه حميلا، والعبد لا يجد حميلا، قال: إن جاء بلطخ وشبهه، فأمكنه من ذلك، يخرج يأتي ببينته. قال سحنون: ولو ادعي في حر أنه عبد، وأقام شاهدا عدلا، فليتوثق له منه بحميل، أو لا يشهد إلا على عينه، فإن لم يجد، سجن له، ولا نفقة على المدعي حتى يقضي له. وذكر ابن حبيب مسألة ابن كنانة مالكا لابن غانم القاضي، في العبد يدعي الحرية، وقال فيها: إن جاء بشبهة أو لطخ، فأمكن العبد من الخروج/ يأتي ببينته بعد أن يأخذ منه حميلا لسيده، فإن لم يأت بحميل، فاطرحه في السجن ووكل من يقوم بأمره، واكتب إلى الموضع الذي ذكر العبد أن فيه بينته، وهذا إذا أثبت السيد ملكه إياه وحوزه له، وإن لم يثبت ذلك، حيل بينه وبينه؛ لإنكار العبد الرق. [8/ 183]
قال أصبغ: فإذا جاء الكتاب من عند من كتبت إليه من القضاة في أمره ما يستوجب به الرفع، رفعه مع سيده، وإن بعد سيده، وإن بعد المكان، وكذلك الجارية فيه مثل العبد. قال ابن الماجشون، في عبد بالجار، قال لسيده: إن سيدي الذي مات وباعني ورثته منك، قد كان حنث في اليمين بعتقي، وبذلك كتاب في المدينة، فدعني أخرج في إثباته؛ لترجع أن بثمني على الورثة. فأبى السيد، قال: ليس ذلك له حتى يأتي بشاهد، أو لطخ، أو ما يعرف به ما قال. ومن العتبية: روى عبد الملك بين الحسين، عن ابن القاسم، في الجارية أو العبد يدعي الحرية، ويذكر أن بينته ببلد آخر، فطلب أن يرفع مع شاهده إلى ذلك البلد، وذكر أنه يضعف عن جلبها، قال: لا يرفع مع العبد، ولو كان هذا خرج العبيد من أيدي أربابهم بمثل هذا المطل عن أعمالهم، ولكن إن ذكر أمرا قريبا مثل اليوم ونحوه، فعسى به إن جاء بما يعرف، فلعله أن يكشف له، أو يأتي بشاهد عدل، وحميل يقيمه، فيكتب له يرفع إلى بينته. وقال مالك؛ وإن لم يأت بحميل لم يمكن من هذا. قال أشهب: وإن أقام العبد شاهدا بالعتق وقال: لي شاهد غائب. فإن كان قريبا، فليؤخذ من السيد حميل به، ولا يمكن منه/، ورأيت أن يحبس، وإن ادعى الشاهد الآخر ببلد بعيد، ترك بيد سيده، وأمكن منه، ثم إن جاء بآخر عدلا مع الأول، عتق، وقد قال مالك: أرى أن يحبس ولا يخلى يذهب، وليوكل من يطلب له بينته أو شاهده. قال أشهب: ويحال بينه وبين الأمة إن أقامت شاهدا، وإن لم يعدل، ما لم تكن غيبة الآخر بعيدة. ومن كتاب ابن سحنون: من سؤال ابن حبيب، وعن العبد يدعي على سيده أنه حر، فيقيم بينة، فيصح منهم واحد يوقف عليه؟ قال: يوقف العبد عليه. [8/ 184]
فيمن ادعى عبدا بيد رجل وله بينة غائبة، والرجل يحكم عليه الحاكم بشىء في يديه
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في العبد يدعي الحرية، ويقول: أنا من بلد كذا. لبلد عرف واليه بظلم أهل ذمته وبيعهم، فيقول العبد: إنه منهم، وهو ببلد آخر، قال: إن عرف أن بلده كما قال، نظر؛ فإن سبب دعواه بسبب، مثل الشاهد يقيمه، أو شهود غير عدول، أو لطخ من الأمر، فليرفع إلى بلده الذي يرجو فيه اثبات دعواه، وإن لم يثبت لدعواه سببا، فليؤخذ على سيده حميل، كي لا يبرح به، ثم يسئل العبد عن موضعه، ومن يعرف حريته ببلده، ثم يكتب القاضي بذلك إلى قاضي ذلك البلد أن يكشف عن ذلك، ثم يعمل على ما يأتيه من ذلك، وإن لم يجد ربه، فليحبس الحاكم العبد حتى يأتيه جواب كتابه وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: وإن ادعى نكاح امرأة تحت زوج، وأقام شاهدا أنه تزوجها قبله، فليعزل عنها إن ادعى أمرا قريبا من البينة، وكذلك الأمة والعبد يدعيان الحرية، وأقاما شاهدا، وادعيا أمرا قريبا. /فيمن ادعى عبدا بيد رجل وله بينة غائبة والرجل يحكم عليه الحاكم بشيء في يديه فيريد وضع القيمة ويذهبان إلى موضع البينة وهل يرفع الخصمين إلى موضع البينة؟ من المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك في من اعترف عبدا أو دابة، فيريد وضع القيمة ليذهب به إلى موضع بينته بالريف ونحوه، فإن أتى بشاهد، أو سماع قوم يشهدون أنهم سمعوا أنه سرق له مثل ما ادعى، أو يشهد له رجل أنه سرقت له دابة، وشبه ذلك مما ليس بقاطع، فليرفع إليه إذا وضع القيمة حتى تشهد عليها بينة عند سلطان البلد الذي فيه البينة، فإن لم يقم شاهدا، وادعى بينة قريبة على مثل يومين أو ثلاثة، فليس له وضع القيمة وأخذه بالدعوى فقط، وهذا ذريعة إلى أن تعترض دواب الناس وأشغالهم. [8/ 185]
قال مالك، في من سرقت دابته، فوجدها بموضع، وأقام بينة أنها سرقت منه، فقال، من هي بيده: بل بعتها. وقال: إنما أذهب بها إلى الموضع الذي اشتريتها فيه، فأقيم عليك البينة بذلك. فليس ذلك عليه، وليحلف: أنه ما باع ولا وهب، ويأخذ دابته. قال ابن القاسم: وإذا أقام بينة في دابة، فحكم له بها، فقال من كانت بيده: قد اشترتيها من بلد آخر. قال: فإن شاء وضع قيمتها بيد عدل، ويخرج بها، ويطبع في عنقها، أو يكتب إلى قاضي تلك البلد: أنه حكم بها لفلان، فاستخرج له ما له من بائعه، إلا أن تكون له حجة. وكذلك قال أشهب./ قال ابن القاسم: وإذا جاء بالدابة مطبوعا في عنقها، وجاء بكتاب القاضي، أيقيم بذلك بينة أنها الداية التي حكم عليه فيها، فطبع في عنقها؟ قال: إن كانت الدابة موافقة لما في كتاب القاضي من صفتها، وأقام شاهدين على كتاب القاضي، جاز ذلك، وإن لم تقل البينة: إنها الدابةالتي حكم عليه بها القاضي، وقال أشهب: لا يقبل ذلك إلا ببينة: أن هذه الدابة التي حكم عليه وطبع في عنقها، لا مكان أن تشهد عليه بعينه؛ لأن الطابع يطبع عليه، والكتاب يختلف؛ فكما يشهدون على الكتاب، فليشهدوا على الدابة، وإلا لم يعط شيئا. قال ابن القاسم، عن مالك: وإن تلفت الدابة في ذهابه أو مجيئه، أو اعورت، أو انكسرت، فهي من الذاهب بها، والقيمة الموضوعة لمعترفها، وقاله أشهب، قال ابن القاسم: وإن انقصها في ذهابه ومجئيه، فكذلك القيمة للمعترف إلا أن يردها بحالها. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: ولا شيء عليه من حوالة الأسواق، وكذلك في الإماء والعبيد، ولكن يأخذ الأمة إن كان أمينا، وإلا أجر لها أمينا يذهب بها، وإلا لم يدفع إليه. وقاله أشهب. ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم فيه: إذا وضع القيمة، وخرج بالدابة، فضاعت القيمة، وهلكت الدابة، فالدابة من الخارج بها، والقيمة [8/ 186]
قد ضاعت، قال: يأخذ الدابة ربها، وتكون مصيبة قيمة الدابة من الذي خرج بها. قال مالك: ويطبع في أعناقهم، لم يزل أمر الناس على ذلك. قال ابن القاسم: وإن كان ذلك ثيابا أو عروضا أمكن/ منها إذا وضع قيمتها، ولو اعترف الدابة بالفسطاط، وهو من أهل افريقية على جناح سفر، وقال من هي في يديه: البائع مني بالشام، فله قبض الدابة، ووضع القيمة، ويقال للآخر: وكل من يقوم بأمرك. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: ولا يكلف المستحق من يديه أنه ابتاعها من رجل بالشام إن قال له المستحق: إنما قلت: إنه بالشام لمعرفتي لتعوضني عن سفري. وله وضع القيمة. وقاله أشهب. قال ابن كنانة: وإذا استحق ترك دابة أو عبدا أو عرضا، فأردت شراءه من المستحق لتدرك به رأس مالك، فإن استحققت أنت ذلك بحق هو أولى مما جاء به المستحق، كان لك، وزال عنك الثمن الذي ابتعتها به، وإن لم تستحقها، كانت لك بذلك الثمن. قال: أكره هذا، وكأنه من بيع وسلف، وبيعتين في بيعة، ولكن يضع القيمة بيد عدل، ويذهب بذلك ليطلب به حقه، فإن ردها وقد أعجف الدابة أو نقصها، فالمستحق مخير في أخذ قيمتها الموضوعة، وإن شاء أخذ سلعته، فإن ماتت، أخذ الثمن الموضوع، وإن هلكت القيمة: فضمانها ممن أخرجها حتى يرد السلعة، فيختار الذي وضعت له قيمة؛ إما السلعة، وإما القيمة، وإن كانت أمة رائعة، فاتهمه الإمام عليها، فليبعثها الإمام مع عدل، ونفقتها وحملها على من عليه ضياعها، وهو الذي طلب الخروج بها، وتقوم السلعة بأقصى قيمتها. [8/ 187]
قال ابن القاسم: فإن ضاع الثمن، وهلكت الجارية، فالجارية من الخارج بها، والثمن من المستحق، وإن جاء بالجارية، فمصيبة الثمن ممن وضعه. وقاله سحنون، كالتي توضع للاستبراء/، وتوقيف ثمنها. قال ابن القاسم: وان استحقت جارية فليس للذي استحقت منه أن يضع قيمتها، ويخرج بها، وإنما يكتب له القاضي بصفتها فقط. قال سحنون: وإن استحق من يده عبد، وليس له مال يضع قيمته، أيكتب له الحاكم إلى حاكم آخر قد حكم عليه في العبد؟ فقال: كيف هذا، والعبد غائب عن المكتوب إليه!؟ قيل: فإن قال: فمعي بينة تشهد أن العبد الذي حكمت علي فيه باعه مني فلان. فأشهدهم لي، واكتب لي بذلك كتابا إلى حاكم البلد، فيشهدون إلى أن العبد الذي حكمت علي فيه باعه مني فلان، فحكم فيه فلان الحاكم. قال: فليكتب له، ثم قال بعد ذلك: يقال من حجة البائع: أنا أريد أطلب حقي قبل من باعني، فهلم العبد، وأضع قيمته، وهو من حقه، وقد يقول: أقيم البينة أنه من تلادي. ثم قال: ودعني حتى أنظر. وكأني رأيت هذا أعجب إليه. ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: ومن تعلق بجاريته بيد رجل بالفسطاط، وإنما ابتاعها بالاسكندرية، فيقيم بينة بالفسطاط: أنهم سمعوه ينشد جارية سرقت منه، ولا يعلمون أهي هذه، أم غيرها؟ فطلب أن يذهب بها إلى الاسكندرية؛ ليقيم البينة أنها له، قال: ليس له ذلك. قيل له: ذكر عن ابن القاسم، عن مالك، قال: يضع قيمتها، ويذهب بها، قال: هذا غلط من روايته، وإنما يكون بعد قيام شاهد عدل أنها جاريته، وإذا سار بها فحملانها ونقصها عليه. قال أصبغ: وإن كانت رائعة جدا، لم يذهب بها، وكذلك بعد الاستحقاق، وإن أتى بأمين إن كانت/ رائعة جدا، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يطلب ما يزيد على صفتها ونعتها كما يصنع لو كانت غير رائعة، أو كان عبدا، أو كان البلد الذي يريد أن يخرج إليه بعيدا جدا. مسيرة الشهر ونحوه، فلا يمكن من ذلك للضرر الذي فيه على العبد وعلى سيده، فكذلك يمنع المسير بالرائعة. [8/ 188]
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن استحقت من يده سلعة، وقضي بها لمستحقها، فطلب من كانت في يده الذهاب بها إلى موضع بيته؛ ليرجع بالثمن على بائعه، فله ذلك إذا وضع قيمتها للمستحق، ويذهب بها، فإن دخلها تلف من موت، أو نقص بعجف أو غيره، ضمنها، وكانت تلك القيمة لمستحقها، ولو تلفت القيمة، فهي ممن تصير إليه، ولو كانت جارية، فلم يأمن بها إليه، فليلتمس قوما ثقاة يصحبونها إلى البلد حتى يستخرج بها حقه، فإن لم يجد، فليستأجر عليها ثقة يخرج بها. قال ابن القاسم: وتلك الإجارة على الذي يطلب بها حقه. ومن كتاب ابن سحنون: كتب إليه شرحبيل، في رجل من أهل تونس، في من اعترف برذونا بيد رجل من أهل الأندلس، وأقام بينة عادلة، فذكر الأندلسي أن منافعه بالقيروان، وطلب أن أرفعه إليك، وكره ذلك المستحق، فكتب إليه: ليس على المستحق أن يرفع، ولكن الأندلسي يضع قيمة البرذون، ويذهب به إلى بينته، فإن شاء المحكوم له أن يرفع عن نفسه فيرتفع معه، فعل وسأله حبيب عن الحاكم يحكم للرجل بالحمار، ثم يحكم للمحكوم عليه على صاحبه، ثم يحكم للثالث على صاحبه، وذلك كله في مجلس واحد/ لتقاررهم، فأراد الآخر منهم وضع القيمة لصاحب الحمار المحكوم له به أولا، ويطلب بالحمار حقه: قال: ذلك له واجب قيل: فإن تراضى المحكوم له، والمحكوم عليه الذي يجب له، وضع القيمة على أن يشتري منه الحمار، ولا يضع القيمة. قال: لا بأس بذلك- يريد: أن يتراضيا. قيل له: ولا تضعف بالشراء حجة المحكوم عليه؟ قال: لا تضعف بالشراء حجته، ووضع القيمة أحب إلي. ثم رجع فقال: شراؤه ضعف لحجته، فلا أرى أن يشتريه. [8/ 189]
فيمن ادعى حيوانا أو ربعا فيوقف على من نفقته؟ ولمن غلته؟
فيمن ادعى حيوانا أو ربعا فيوقف على من نفقته؟ ولمن غلته؟ من المجموعة، والعتبية: من سماع ابن القاسم، قال ابن القاسم، عن مالك: ومن اعترف دابة في بلد، وأقام عليها شاهدا، وسأل أن توقف ليأتي بآخر، فتوقف أياما، ثم تستحق، فإن النفقة في الريف على من يقضي له بها، وكذلك الأمة. قيل لابن القاسم، في المجموعة، وهو في العتبية، من رواية عيسى، فنفقته بين ذلك على من تكون؟ قال: بينهما. قال يحيى بن عمر: يعني أنهما يؤمران الآن بالإنفاق بينهما، نصفين، فإذا حكم لأحدهما، رجع الآخر بما أنفق. قال ابن القاسم، في العتبية: وإن كانت غنما، فأوقفت، فرعيتها على من تصير له؟ قال: وغلتها في الإيقاف للذي هي في يديه؛ لأن ضمانها منه. قال عيسى: الرعي على من له الغلة. وروى عنه عيسى فيمن ادعى زيتونا بيد رجل، أن له أصله وثمرته، وأقام بذلك شاهدا، فطلب أن يجعل وكيلا على الثمرة في الحمى والقصر حتى يستحق، وطلب الذي هي في يديه ليقوم عليها ليبيعها، وجل الناس/ عندهم يعصرون، لا يبيعون، قال: إن كان الشاهد عدلا، حلفه ودفع إليه الثمن، وإن كان ممن لا يقضي باليمين مع الشاهد، فإنه ينبغي للإمام أن ينظر ما فيه النماء، فيوكل به ثقة من عنده، ويوقفه، فإن جاء بشاهد آخر، دفعه إليه، وإلا حلف المطلوب بالله: أنه ما يعلم أن ما ادعى صاحبه حق، فإن نكل، حلف الطالب ودفع إليه. قال ابن حبيب، عن مطرف، في من ادعى شجرا، وهي يومئذ مثمرة، فإن ادعى ذلك في يد غاصب يزيد فيما يدعي، أوقفت الثمرة حتى يقيم البينة، وإن كانت دعواه قبل من هي بيده بشبهة، فإن كان ما يستحقها به أمرا قريبا لا ضرر في إيقافها على من هي بيده، فأرى أن توقف له، وإن كان في ذلك ضرر، ولم [8/ 190]
توقف، فإن تم استحقاقه لها والثمرة في الشجرة، أخذها، وعليه للذي كانت فيه يديه قيمه ما سفر وعالج، وإن استحقهما بعد الجذاذ، فلا شيء له فيها. وقال أصبغ في الغاصب مثله، وقال في الذي ملك بشبهة، إن جاء المدعي بشبهة بينة، وأمر ظاهر، فليعمل له. ومن المجموعة: قال ابن نافع، عن مالك، في من قاطع مكاتبه على جارية حامل، فزعمت أن الحمل منه، فاختصما، فعلى من نفقتها إلى أن يقضي بينهم؟ قال: النفقة على الذي الجارية في يديه، حتى ترجع إلى المكاتب. قال سحنون: أكثر أقاويله، أن النفقة على من يحكم له بها، فكيف وقد حكم؛ فإنها أم ولد. ومنه ومن العتبية، / قال ابن القاسم، عن مالك، في من ادعى جارية بيد رجل أنها سرقت منه، وأقام عدلين أنها جاريته، ثم هلكت بيد من كانت بيده قبل القضاء للآخر، فضمانها من الذي أقام فيها البينة، ولا شيء له من ثمنها. قال في المجموعة: ابن وهب، قال ابن شهاب، قال في طالب الدابة: فخاصم فيها حتى نفقت عند من هي بيده، فيريد المستحق أن يطلب بثمنها الذي ماتت في يديه قبل الحكم، قال: لا يطلب بالثمن إلا الذي باعها من هذا وقبض الثمن. وأخذ بهذا سحنون، ولم ير رواية ابن القاسم، عن مالك، أن مصيبتها ممن قامت له بينة، ولا شيء له، قال: فالضمان أبدا فيها من المبتاع حتى يحكم بها للمستحق، فيختار أخذها، وطلب الثمن من بائعها، فإن اختار أخذها، فمضى معه المشتري ليدفعها إليه، فهلكت، فمصيبتها من المستحق، ويرجع على المشتري بالثمن على البائع؛ لأن المستحق قد اختار أخذ سلعته، وانفسخ البيع بينهما، وما لم يختر أحدهما، فالبيع قائم بعد، والمصيبة من المبتاع، والثمن للمستحق؛ لأن البيع لم يفسخ، فله أخذ ثمن سلعته، ولو كانت السلعة بيد [8/ 191]
الغاصب فاستحقها المستحق، وأمر الغاصب بدفعها إليه، فتلفت بعد ذلك قبل يدفعها إليه، فالغاصب ضامن، لها حتى يوصلها إلى صاحبها، وهو خلاف المشتري، وإن كانت دورا، أو/ أرضين ونخلا، فغلة ذلك للذي كانت في يديه، حتى يقضي بها للطالب؛ لأنها لو هلكت، كان ضمانها من المطلوب. قال سحنون: هذا إن كان المطلوب مشتريا أو صارت إليه من المشتري. وكذلك ذكر حبيب، عن سحنون، إذا أقام شاهدين؛ فعدل أحدهما، ثم مات العبد قبل عدالة الشاهد الآخر، قال: ضمانه ممن هو في يديه، وليعدل الطالب الشاهد الآخر، فيرجع بالثمن على البائع من الذي مات العبد في يديه؛ لأنه كان له أن يجيز البيع، ويأخذ الثمن لو لم يمت العبد، ولا رجوع لمن مات العبد بيده على بائعه بشيء. ومن العتبية: روى حسين بن عاصم، عن ابن القاسم، في من أقام بينة في دابة بيد مبتاع، فأوقفت الدابة، فعلفها على من يقضي له بها، قيل: فإن ماتت قبل أن يقضي له بها، قال: قال مالك: إذا أقام فيها شاهدين، وعدلا، فلا يقضي له بها حتى ماتت، قال: هي ممن أقام فيها البينة، ويرجع المبتاع على بائعها بالثمن. قال ابن القاسم: وكذلك لو أقام شاهدا، فلم يحلف معه حتى ماتت، فإنه يحلف، وتكون المصيبة منه، وإن حلف بعد موتها، قال: وأما إن أقام البينة بعد موتها، فاستحقها، فهي ممن ماتت في يديه، ويرجع مستحقها على بائعها بالأكثر من الثمن أو القيمة إن كان غاصبا. قال ابن القاسم: وإنما الوقف فيما يزول، فأما الرباع، والدور، والحوائط التي لاتزول، فلا توقف، قال غيره: إنما يوقف الرباع وقفا يمنع/ من الإحداث فيها، وذلك إذا اتجه أمر الطالب، وكذلك في كتاب ابن سحنون؛ قال سحنون؛ [8/ 192]
فيمن ادعى عبدا أو غيره فيريد إيقاع البينة بغير محضر العبد أو الخصم
والغلة فيها للذي هي في يديه، حتى يقضي عليه فيها؛ لأن ضمانها منه، وهذا إذا كان مشتريا، أو دارت اليه من مشتر – أو من غاصب- وهو لا يعلم. قال سحنون: وإذا خاصم في العبد، وأقام فيه البينة، فعدلت أو لم تعدل، ثم مات العبد بيد من كان بيده قبل القضاء، فليتمادى على الطلب، فإذا قضي له به، رجع الغاصب – إن شاء- بالثمن الذي باع به من هذا، وإن شاء بالقيمة يوم الغصب، وسواء كان الغاصب منكرا لذلك أو مقر قبل موت العبد، وليس طلبه للعبد ابراء للغاصب حتى يقبضه. وكتب سليمان بن عمران إلى سحنون، في من أقام بينة في نوبته من أصل ماء عين مشترك، وذلك كذا وكذا سهما من كذا وكذا من أصل العين بغير أرض، قال: فسأل عقل الشقص قبل أن تصح البينة، وقد زكيت في العلانية، فكتب إليه سحنون: إن أرى أن يكري ذلك النصيب، فإن استحقه المدعي، كان له الكراء، وإن كان إنما يدعي ميراثا، والمدعي عليهم غر مشترين، فلا توقف الغلة، والغلة لمن هي يديه بضمانه حتى يقضي عليه. فيمن ادعى عبدا أو غيره فيريد إيقاع البينة بغير محضر العبد أو بغير محضر الخصم،/ وكيف إن كانت دابة، فأتى المطلوب بغيرها أو يشهد الشهود سرا على ما يتقون ظلمه من أهل السلطان؟ من المجموعة: قال ابن كنانة، في القاضي يختصم إليه الرجلان، وأحد الخصمين غائب، ويسمع عليه البينة وهو غائب، ولا تسمع بحضوره، وتقرأ عليه الشهادة إذا جاء، قال: إلا أن تكون الشهود لا يعرفونه إلا بشخصه، قال: من [8/ 193]
حضوره ليشهدوا عليه بعينه، وإلا لم تجز، فأما إن شهدوا في حدود الأرض، ونحوه، أو يشهد على رجل يعرفه مما لا ينتفع المشهود عليه بنظر منهم إليه، فليس على القاضي أن يجمع بينهم، وكذلك قال ابن القاسم: يقبل القاضي بينة الطالب على المطلوب الغائب. وقاله أشهب. قال: فإذا حضر الخصم، أخبره من شهد عليه، فيرجع بما عنده من الدفع. وقال سحنون فيه، وفي كتاب ابنه: لا يكتب شهادة البينة بغير محضر من الخصم أو وكيله، وإن كان حاضرا أو قريب الغيبة حتى يحضر، ولا يمكن المشهود له من فرصته، لعل المشهود عليه يذكر الشهود عليه يذكرهم أمرا يسره ينتفع به، وإن سمعها في غيبته ثم قدم، فطلب إعادتها، فليعدها عليه إن قدر، فإن لم يمكن لموتهم، أو لغيبتهم، فقد لزمه كما لزم الغائب، وليدفع شهادتهم بما يمكنه. قال في كتاب ابنه: وإن بعدت غيبته، وثبت ذلك عند القاضي، سمع البينة في غيبته، ثم إن قدم قبل/ الحكم، أعلمه بمن شهد عليه، وإن كان قد حكم أمكنه من حجته. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: يسمع البينة بغير محضر الخصم، وهو العمل عندنا، فإذا جاء، قرأ عليه الشهادة، وذكر له الشهود، فإن طلب إعادتهم، فلا يمكنه من ذلك، إلا أن يخشى عليه دلسة، أو يستريب أمرا فليجبه إلى ذلك، فإن أجابه إلى ذلك من غير أمر خافه، ثم أراد أن يسمع منهم في غيبته، فلا يفعل، وليحضره، وأهل العراق يرون ألا يسمع البينة إلا بمحضر الخصم، والعمل عندنا على ما قلت لك، وقاله مطرف، وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال: إن كان الخصم قريبا، فليحضر حتى يشهدوا عليه، فإن بعدت غيبته، سمع شهادتهم فكتبها، فإذا حضر عرفوه بمن شهد؛ وبماذا شهدوا، وإن كان الشهود عدولا عارفين بما شهدوا عليه، وأحب أن يشهد بحضرة المشهود عليه أو وكيله، وقد يذكرهم أمرا ينفعه، فإن لم يفعل، جاز، ثم إذا حضر أخبره بشهادتهم، وليس له أن يقول: يحضروا حتى يشهدوا بمحضري، وإن [8/ 194]
شاء أن ينسخ له شهادتهم بذلك، فهو قادر على أن يسلمهم أو يذكرهم، فإن ذكروا ما ذكرهم، فعليهم أن يرجعوا، ولا يضر ذلك شهادتهم الأولى، إلا أن يرجعوا عن شيء فيها، فيقبل منهم رجوعهم ما لم يحكم بها، ولا ينبغي أن يؤدي البينة ولا يتعرضهم، فإن فعل أدبه الإمام بما يراه من السجن أو غيره، وقد يكون هذا على قدر حاله، وليس من لا يعرف منه أذى إلا مثل الزلة مثل غيره/ ممن يعرف بالأذى، ويكتفي في هذا الذي لا يعرف بذلك التواعد فيه. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يسمع بينة على غير غائب إلا بمحضره، فإن سمعها ولم يحضره، ثم قرأها عليه إذا حضر، فلا بأس بذلك إن شاء الله، وإذا أمره القاضي أن يحضر يوم كذا وكذا لتقع البينة عليه، وأشهد عليه خصمه بذلك، فلم يحضر، فليسمعها في غيبته، ويقرأها عليه إذا حضر ولا يعيد له الشهود. ومن المجموعة، ومن العتبية رواية أصبغ: قال ابن قاسم: وإذا سمع البينة على غائب، ثم قدم، فلا يعيدها، وليعرف الخصم بما شهدوا عليه، إن لم يحضر خصمه. من المجموعة: قال أشهب: وإن اختصما في دابة، أو عبد، أو عرض، وهو قائم، بعينه، أيقضي له قبل إحضاره؟ قال: يسمع خصومتهما وحجتهما، فإن كان فيه شيء مما يجيء لأحد منهما شيء مما ادعى، نظر في الإمام، وإلا لم ينظر فيه حتى اختصما فيه بعينه، فإن كانت شهادة، فليشهدوا فيه بعد رؤيته، إلا أن يستهلكه أحدهما، والآخر يدعيه، أو استهلكه غيرهما، وكل واحد يدعي فيه، فإنه يسمع منهما البينة فيه؛ لأن الشهود فيه مستهلك، لا تقدر البينة أن تعينه، وهو [8/ 195]
لو كان قائما، لم يفت بقضائه الحاكم ولم يعاينه، ولا عاينه الشهود، أنه قد قضى بمالا يعرفه هو ولا الشهود. قال ابن القاسم: لو ادعى عبدا بيد رجل، والعبد غائب، فيقيم في ذلك البينة على ذلك، قال: فإنه يقبلها إذا وصفوا ... ذلك وعرفوه وحلوه، ويقضي له به. قال ابن القاسم: ولو شهدت بينة على غائب أنه سرق، فقدم، وغاب الشهود، أو كانوا حضورا، فليس عليه إعادتها، إنما استأصل تمام الشهادة. قال سحنون، في بينة تشهد على رجل بشهادة، وهو يخافوا إن رفعوها إلى القاضي علانية أن يقتلهم المشهود عليه لجرأته على الله سبحانه، فهل يقبلها القاضي منهم سرا، ولا يخبر المشهود عليه بأسمائهم؟ قال: لا؛ لأن له حجته في تجريح من شه عليه بمثل العدواة، والقرابة، وأنا أخاف أن لا يسمع الشاهد كتمان شهادته، ثم وقف، وقال: دعني حتى أنظر. قال سحنون: ومن ادعى دابة واحد في المسجد، والدابة على باب المسجد، أيشهدون عليها وهي في خارج المسجد؟ قال: يشهدون عليها حيث يراها الحاكم، كما يشهدون على النصراني وهو لا يدخل المسجد. وسأل حبيب سحنون، عن من اعترف دابة بيد رجل، فأحضره إلى الحاكم، فأمره الحاكم، بإحضارها، فأتى بدابة، فقال المدعي: ليست هذه التي اعترفت. فكلفته البنية، فأتاني بشاهد عدل، ذكر أن الدابة التي اعترفت في يديه غير هذه، قال: فليغلظ عليه الحاكم بالحبس وغيره، حتى يظهر الدابة، قيل: فإن كان الشاهد لم يرك، فليغلط عليه دون ذلك، وإغلاظا دون إغلاظ. [8/ 196]
في الأمة بين الرجلين يجحد أحدهما نصيب الآخر ويدفعه الأخر حتى هلكت الأمة أو ولدت
في الأمة بين الرجلين يجحد أحدهما نصيب الآخر/ ويدفعه الآخر حتى هلكت الأمة أو ولدت وفي الأمة تذكر بينة أنها مسروقة فلم يقم فيها حتى هلكت ومن العتبية: روى ابن القاسم، عن مالك، في أمة بين رجلين؛ جحد أحدهما نصيب الآخر فيها، فلم يجد بينة حتى ولدت أولادا، فأعتق منهم، ووهب، وباع، ومات بعضهم، ثم أصاب صاحبه البينة، وحكم له. قال: أما عن باع، فله – إن شاء- نصف الثمن، أو ونصف الرأس إن وجده، وما أعتق: فلشريكه أخذه ودفع القيمة يوم الحكم عليه بالقيمة في ملئه، وإلا بقي نصفه له، ونصفه للآخر، ولأنه لو مات هذا المعتق، لم يضمن معتقه، فلذلك عليه قيمته يوم الحكم، وما وهب: فله نصف الرأس إن وجده، ومن مات منهم. لم يضمنه- يريد: ولو ماتت لضمنها؛ لأنه غاصب لنصيب صاحبه لجحده، ولا يضمن الولد إلا أن يقتلهم. وروى أشهب، وابن نافع، عن مالك، في من عرض جاريته بالمدينة – يريد: وهو مصري- فأتى قوم فشهدوا أنها مسروقة، ثم ذهبوا إلى بلادهم، أيدعها بالمدينة، أم يرجع بها إلى مصر؟ قال: يرجع بها إلى مصر أحب إلي، ولو تركها بالمدينة ثم ماتت، لم يضمنها إن استحقت، وأحب إلي أن يشهد قوما أن هذه الجارية اعترفت في يدي، ثم ذهب من اعترفها، فلم يأتوا، ويذهب بها. قيل: أيبيعها؟ قال: ما آمره بذلك. في القضاء على الغائب / من المجموعة: قال عبد الملك: لابد لي ولمن خالفني في القضاء على الغائب، وقد قضى جميع الأئمة على الغائب في الوكالة، أنه وكل بهذا الطالب، فيصير كالحاضر بحضور وكيله، ويمضي به الوكيل في البيع وغيره، فيصير ذلك كقضاء [8/ 197]
على الغائب في إنفاذ ذلك، وتصير حجته تجريح من شهد عليه، وكذلك المقضي عليه بحق غير الوكالة. ومن ذلك أن ينعي الرجل بشاهدين، فيحلا زوجته للأزواج، ويعتق مدبره، أو أم ولده، ويقسم ماله، وليس ذلك عليه، فقضي عليه بالموت وبما يتفرع من الموت، وقد قضى عمر على المفقود في غيبته. قال سحنون: وقد يحكم على الغائب بالبينة بأنه قتل فلانا خطأ فيقضى على العاقلة بالدية لأوليائه، والعاقلة غائبة لم يدعوا لمنفعته، وإنما المشهود عليه كأحدهم وكشريك لهم، فقد أقر من خالفنا أنه لا حجة للعاقلة. وقد وجب الحكم. قال سحنون، في العتبية: ومن قولهم: أنه يقضي للزوجة بالنفقة في مال الغائب، وفي الوكالة على البيع. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومالك يرى الحكم على الغائب بالدين، وأما كل ماله فيه حجج، فلا يقضي عليه، مثل الرباع والعقار عند مالك، وكذلك إن أقام بينة أنه وارث هذه الدار مع الغائب. وأخذ به ابن القاسم. قال ابن القاسم: إلا في غيبة تطول، فينظر فيه السلطان، مثل أن يغيب إلى الاندلس أو طنجة، فيقيم الزمان الطويل، فهذا يقضي عليه. قال سحنون: في قول مالك: وأما كل ما له فيه حجج، فلا يقضي عليه. يعني: /الرباع. قال سحنون، في العتبية: والذي يكون فيه الحجج. قال عبد الملك: إذا أثبت المدعي أنه وارث لهذه الدار مع الغائب، وما يرى الحاكم أنه يستلحق ذلك بمثله، ضرب له أجل الغائب، ثم قضى عليه، فإذا كان بمصر من الأمصار، ضرب له أجلا بقدر ذلك المصر، قرب أو بعد، وإن كان في الموضع غير الواصل في أخباره، ولا السلوك سبيله، إلا في إبان الطول جدا، ضرب له أجل متراخ، وإن لم [8/ 198]
يحقق ذلك، ثم قضى، ثم الغائب على حجته إذا جاء كان قد قضي عليه بأرض أو مال. قال ابن القاسم: وإن أقام ورثته بينة أن هذه الدار لأبيهم، وأن الغائب الذي هي في يديه لا حق له فيها، إلا على جهة الخطأ ممن قبلها، ولا ينال منها الشمهود له شيأ؛ لأن السبب الذي رفع أن لا حق له فيها من إقراره أنه لا حق له فيها، أو أنه باعها من فلان. قال ابن القاسم: ويسمع البينة على القاتل في غيبته، ويقضي عليه، فإذا قدم كان على حجته، ولا تعاد البينة. قال أشهب: لولاة الدم قيام البينة بذلك، ويقبل منهم في غيبته، ويقضي على الغائب كما يقضي على الميت، والشهود يشهدون على اسمائهم وأنسابهم، وكذلك غائب ببلد، فيريد طالبه طلبه، فيأخذ عليه كتابا من قاض إلى قاضي البلد الذي هو به بما ثبت عليه، وبينته ببلد القاضي الذي يكتب له. قال عبد الملك: إن كان الغائب صغيرا، لم يضرب له أجلا؛ لأنه لو حضر، لم يكن يدافع عن نفسه ولا آخذ لها، ولكن إن كان في ولاته أحد غائب، ضرب لوليه أجلا، وإن حضر خاصم بحجج/ الصبي، فإن لم يكن عليه وليا، فليول عليه الحكم وليا، يكون وليا له في هذه الخصومة وغيرها، ثم حكم عليه وله، ولا يخصمه بالولاية في هذه الخصومة فقط، فيصير قد نصب له وكيلا فخاصم عنه في هذه خاصة، فهذا لا يكون حتى تكون ولاية مختصة، فيكون ذلك مثل نفسه. قال ابن القاسم: ومن بيده سلعة وديعة، أو عارية، أو بإجارة، فأقام فيها رجل البينة، وربها غائب، فإنه يقضي عليه فيها، إلا أن يقرب موضعه، فيأمر القاضي من يكتب إليه. [8/ 199]
قال ابن الماجشون: ويقضى على الغائب في كل شيء بعد أن يستأذن في ذلك القاضي، ويضرب له الأجل بقدر بعد موضعه، وحال طريقه، بعد أن يعرف الغيبة وحيث هو، ويكلف ذلك طالب الحق، وقد يأتي كتابه من موضع، أو يأتي الواحد والاثنين بخبره، فإذا استعلى ذلك، ضرب له الأجل بقدر ذلك. يريد: بقدر ما يرجى إيابه فيه، قال: وإذا أعياه ذلك بعد طول واستياء، ضرب له الأجل أيضا على ما يرجو من أطراف البلاد وإقامتها، وحيث يرجى ذلك، وينبغي للقاضي أن يحضر وكيله، فإن لم يكن له وكيل، فيكشف عن أمره من هو يعني بأمره من قرابة له، أو صديق، فإذا استقصى ذلك، حكم عليه. قال أشهب: وكتب مالك إلى ابن غانم: وسألت عن من أوقع عندك البينة على رجل حاضر في أرض يدعيه ادعاها، ثم هرب من وقعت البينة عليه، فأرى إن كان خاصم/ خصمه عندك، ووقعت عليه البينة عندك بما يحق به الأرض، ثم هرب، أن يقضي لمدعيها بذلك. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقام على غائب بينة بألف، وأن فلانا الحاضر كفيل بها، والكفيل يجحد، فليقض على هذا بالكفالة، وعلى الغائب بالمال، فإن قدم، لزمه القضاء، ومكنه من حجة إن كانت له، فإن ادعى الكفيل المال، رجع به عليه إن أقر، وإن جحد وأتى بحجة: سمعت منه، وإن لم يكن الكفيل أدى شيئا، فلا طلب عليه للطالب، وليطلب الغريم إلا أن يغيب أو يقدم الكفيل، واختلف قول مالك في أيهما يطلب: الكفيل أو الغريم. ومن أقام بينة أنه ابتاع هذه الجارية من فلان بكذا، ونقده الثمن، وفلان يملكها يوم البيع، فقضى له بها، فهو قضاء على البائع الغائب بالعهدة، إلا أن يأتي بحجة إذا قدم، فيمكن من ذلك، ويقضى على من هي بيده، فإن قدم الذي باع، فأنكر [8/ 200]
البيع، قضي عليه بالبينة الأولى، ثم هو على حجته، وكذلك لو أقام بينة أنه ابنه الميت كان مملوكا لفلان حتى أعتقه قبل موت الابن، وأنه لا وارث له غير أبيه هذا، وأقام آخر البينة أنه مولي الإبن، وأنه اعتقه وهو بملكه، وأنها لا وارث له غيره، فليقض القاضي؛ يقضي للأب بالميراث، ويكون ذلك قضاء بالعتق على مولاه الغائب، فإذا قدم كان على حجته إن ذكر ذلك، وكذلك كل حق وجب لهذا الأب؛ من حد، أو قصاص، وغيره، فأقر أنه عبد، وأقام بينة بالعتق، يقضى له بالعتق، وأقام له أحكام الحر،/ وينفذ ذلك على مولاه وإن كان غائبا يوم الحكم، ثم إن جاء، لم يعد عليه البينة، ولم يمكن من حجته، ويخبر بمن شهد عليه. وسأله حبيب، عن من ادعى دينا على رجل، وذكر أنه خرج إلى صقلية، فمات بها، وطلب أن يعديه على خاله بالقيروان، ولم يشهد على موته إلا شاهد، وقد لقي الرجل، قال: لا يعديه بدينه حتى يثبت موته، ولا يقضى على غائب بصقلية حتى يكتب إليه، ويعذر إليه، وإنما يقضى على الغائب البعيد المنقطع. ومن كتاب ابن حبيب: قال: روى ابن القاسم، عن مالك: قال: لا يقضى على الغائب في ربع، ولا عقار، ولا أرض، ويحكم عليه في غير ذلك من الديون، والحيوان، والطلاق، والعتاق. قال أصبغ: يقضى عليه في ذلك في كل غيبة، بعدت أو قربت، إلا أن يقرب جدا؛ بحيث يبلغه الكتاب بغير مضرة على الغرماء، فيكتب إليه يعلمه بما ثبت عليه، ويأمره أن يقدم، فيقضي عن نفسه، فإن لم يقدم، باع عليه، وقضى غرماءه، فإن قدم بعد ذلك فجاء ببراءة، أو بما يزل عنه الحق، مضى البيع لمبتاعه، واتبع بالثمن من أخذه، وأما الأصول والرباع، فلا يحكم على غائب إلا في غيبة بعيدة، مثل العدوة من الأندلس، ومكة من أفريقية، وشبه ذلك، فليقض عليه في مثل هذا إن كانت غيبة انقطاع، فإن كان إنما خرج حاجا، أو تاجرا، وهو ينتظر أوبته، فلا يحكم عليه في الربع، ويحكم عليه في الدين والحيوان. قال: [8/ 201]
ولو عجز خصم الغائب عن مطلبه، واستقصى الغائب حجته،/ فلم يأت بوجه حق، فلا يقضى للغائب عليه؛ إذ لعله لو حضر، أقر له، ولكن إذا قدم الغائب، خاصمه، فإن عجز، حكم عليه حينئذ، وإن خاصم عند قاض غيره، أو جاء بحجة غير الأولى، ابتدأ الخصومة في ذلك. وإن قال الطالب: غيبة خصمي بعيدة، يستحق أن يقضى عليه فيها: كلف البينة على ذلك. وقال ابن الماجشون: إن علماءنا بالمدينة وحكامنا أنه يقضي على الغائب في الرباع وغيرها، وأنكر رواية ابن القاسم في الرباع، ولكن يحكم عليه بقدر ضرب الأجل بقدر مسافة البلد الذي هو به، والآجال في الدين أطول منها في الربع، ولو حضر فضربت الآجال في الدين لما يطلب من البراءة والمخرج، وأرى أن يحضر ذلك وكيله، فإن لم يكن وكيل، فالرجل المعني به من أهله، أو الصديق، أو الصاحب ممن يستنيم إليه، وهذا من الإعذار في أمره، فإذا استقصى ذلك، قضى له عليه، ويضرب الأجل بقدر بعد موضعه، ويكلف الطالب البينة على ذلك، ولو جاء في ذلك بالأمر غير القاطع، أو أن كتابه جاء من موضع كذا، واستغلا ذلك وكثر، ضرب له الأجل بقدر ذلك، وإن أعياه علم أمره بعد الاستياء وضرب الآجال على أطراف البلد وأقاصيه حيث يتوجه السفر، لا يضرب فيه إلى جهة الصين، وما لا وجه له. قال محمد بن عبد الحكم: يقضى على الغائب في جميع الأرض، والنخل، والدور، وغيرها، والذي يقضى له بغيبته، فإن أبى ما ينقصه، كان منع أمرا قد غيب وتلف، والربع قائم لا يزول، وقد قال/ مالك: يقضى على الغائب. ولم يستثن. وقال: لا يقضى عليه في الربع. وقد قال أشهب في دار بيد غائب، فادعى رجل أنه وارثها مع الغائب، فإن كان حوزه إياها قريبا بموت أبيه منذ سنة [8/ 202]
أو سنتين، أو يعلم أنها صارت إليه بميراث، ثم أقام البينة أنه ابن المتوفى، فإنه يلحق به ويقضي عليه بنصيبه من الدار. وقد قال ابن القاسم، في رجلين لهما نقض في دار ربها غائب، ومضى ذلك إلى الإمام، فأرى أن يأخذ النقض لغائب بقيمته فعل. وقال: يقضى للشفيع في غيبة المشترى للدار. وهذا كله قضاء على الغائب في الرباع. وقال مالك: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وقد كثر من يكتري من الرجل منزله، ثم يغيب ويدع فيه عياله، أو مكتر منه، أو يكري المكتري الدار، ويغيب الأول، والبينة على ذلك كله، فلا ينفعه ذلك، وفي هذا كله ضرر بأرباب الدور. قال في موضع آخر من كتابه: ويحكم على الغائب في الربع إذا بعدت غيبته. وقال ذلك عبد الرحمن بن القاسم. قال ابن الماجشون: وإذا قدم الغائب المقضي عليه، فطلب الحجة في من شهد عليه يجرحه أنه عدو له، أو عبد، أو محدود، أو غير مسلم، فأما ما سوى الرق، وخلاف الإسلام، والمولى عليه، فلا نظر له فيه، ولا ائتناف حكم من ذكر أنه من شرب خمر أو نحو ذلك من أمر قديم أو حديث، فأما ما انكشف أنه عبد، أو مولى عليه، أو على غير الإسلام، فهذا ينقض يه قضيته. قلت له: قد قلت/: إذا قضي على الغائب بالوكالة، ثم قدم، أن له أن يجرح من شهد عليه، ولم تقل ذلك في هذا. فقال: لأن هذا قد ضرب له الآجال، واستقصي في ذلك، بمثل ما لو كان حاضرا، وأما الوكالة؛ فلم يضرب في الآجال، ولكن هي قضاء عليه، لكنها تجر إلى الفصل عليه وله. وقال: وإذا أثبت أن الشاهد عليه عبد أو نحوه، فإنه يأخذ ما له، وما بيع منه مضى، وإنما له ثمنه ممن باعه؛ لأنه بيع شبهة. قال: والزوجة المنع فإنه يفرق بينها وبين من تزوجت، وترد إليه، ويرجع من عتق له من مدبر وأم ولد، فيرجعون إليه كما كانوا. [8/ 203]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه: يقضى على الغائب وذلك في الدين وغيره، ويباع فيه ربعه ورقيقه، فإن قدم فأقام بينة بالبراءة من ذلك الحق، فإنما يرجع على المقضي له بما أخذ من الثمن، ولا ينقض البيع. وقد قال: يقضى على الغائب إلا في الربع وحده. ومن ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدته، فوجد المتباع عيبا كان عند البائع، والبائع غائب، فلا يعجل فيه بالقضاء حتى تثبت فيه البينة، فإن ثبتت يقضى له برد ذلك، ثم ينتظر صاحبه، لا أحب أن يعجل فيه بالبيع حتى ينتظر صاحبه شيئا يسيرا، إلا أن يخاف على العبد هلاكا وضيعة، فيباع ويقضى المبتاع من ثمنه. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في الغائب يكون له وكيل، وبيده عبد أو أب، فيستحق ذلك، فإن يقضى به للمستحق، وأما الرباع يستأنى بها، ويكتب إلى الغالي، إلا أن يطول زمانه، وتكون/ غيبته انقطاعا. وكتب شجرة إلى سحنون، في عبد بين رجلين؛ غاب أحدهما، فقام شريكه يطلب بيع نصيبه، فقال: إن كانت غيبته (قريبة) استأنى به حتى يحضر، فيقاومه، أو يجتمعا على البيع، وإن بعدت غيبته، فليبع للحاضر العبد، وتوقف حصة الغائب من الثمن. ويسأله حبيب عمن اعترف دابة بيد عبد مولاه بباجة، وليس بمأذون في التجارة، فيقدمه إلى الحاكم، قال: يكتب الحاكم إلى قاضي باجة فإن لم يكن به قاض، كتب إلى صالحي ذلك البلد، فيوقفوا سيد العبد، فإما أن يوكل على الخصوم، وإما أن يقدم، فإن أبى من ذلك، أشهدوا عليه، وكتبوا بذلك إلى الحاكم، فيسمع حينئذ البينة على عين الدابة، ويحكم بها للمعترف في غيبة سيد العبد، لأنه مالك، أراه يريد: ولا يوقف على حجته؛ لقرب مكانه. قال عيسى، وأصبغ: عن ابن القاسم: وعن من أثبت حقا له على رجل غائب، فأراد أن يخرج في ذلك أو يوكل، قال: فليحلفه القاضي، خرج أو وكل [8/ 204]
في الحكم على الصغير، وهل يوكل له أو للغائب وكيل؟
أنه ما قبض الحق، ولا أحال به، ولا قبضه بوجه من الوجوه، ثم يكتب له بوكالة إن وكل وثبت عنده. قال ابن القاسم: ومن باع خادما ففقد، فاستحقت، وللمفقود عرض فليعد على عروضه في رد الثمن، قال: ولا أعرف أنه يقيم للمفقود وكيلا في قول مالك في ذلك. قال محمد بن عبد الحكيم: ولا يجوز للحاكم أن يحكم على رجل غائب عن البلد الذي ولي الحكم بين أهله، وليس له به مال، وإنما يحكم إما على رجل حاضر البلد، أو على مال له بذلك/ البلد، أو حميل، أو وكيل له، فأما غير ذلك، فليس له أن يحكم عليه؛ لأنه لم يول الحكم بين جميع الناس، إنما ولي على أهل بلد خاص، ولكن ينقل الشهادات إلى غيره من القضاة، وإن كان حميلا بالحق على الغائب حاضر البلد، حكم عليه، وأخذ منه الحق، ورده على الغائب بالمال، وكذلك الرهن. في الحكم على الصغير وهل يوكل له أو للغائب وكيل؟ قال ابن حبيب: قلت لأصبغ في صبي لا وصي له يدعى قبله أو في يديه شيء، أيوكل له وكيل يدافع عنه؟ قال: قال ابن القاسم: لا يوكل له وكيل. وأنا أرى أن يوكل له القاضي وكيلا يتولى منه ما يتولى الوصي من النظر له في ماله ونفسه، وفي الدب عنه في من يخاصمه، وإنما يكره أن يوكل عليه وكيلا لمدة الخصومة وحدها، ثم يعزله، ولكن يكون وكيلا مفوضا إليه جميع أمره. قال أصبغ: وأما الغائب البعيد الغيبة: فقال ابن القاسم: لا يوكل له وكيل، ولكن يباع عليه، ويبقيه على حجته. [8/ 205]
في الحكم على المسجون، وفيمن خاصم في قناة أو قنى أو شيء مشترك
قال أصبغ في العتبية في الغيبة البعيدة والمنقطعة: فإنه يسمع بينة الطالب، ويقضي له على الغائب في الرباع، ويجعل للغائب وكيلا إذا لم يكن له وكيل يدفع عنه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولا يقيم القاضي للغائب وكيلا، ولكن يقضي عليه ويبقيه على حجته. قال: ولو كان المشهود عليه صبيا صغيرا، ولم يقم له وكيلا، فيما علمت فيه/ من أقاويل مالك، وليقض عليه. قال عبد الملك: إن كان الغائب صغيرا لم يضرب له أجلا؛ إذ لو حضر، لم يدافع عن نفسه، ولا أجر لها، ولكن إن كان في ولاية أحد غائب، ضرب لوليه أجلا، وإن حضر خاصم عليه بحجته، فإن لم يكن عليه ولي، فليول عليه الحاكم من يكون عليه وليا في هذه الخصوم وغيرها، ولا ينبغي له أن يقيم له وكيلا في هذه الخصوم خاصة، ولكن ولاية جامعة، فيقوم مقام نفسه، ثم يحكم له أو عليه. وهذه المسألة قد تقدمت في الباب الذي قبل هذا. في الحكم على المسجون وفي من خاصم في قناة أو قنى أو شيء مشترك وفيمن خصامه الحاضر والغائب والصغير أو قوم مجهولون قال ابن كنانة في سجنه الإمام وللناس عليه حقوق، هل يسمع الإمام بينة خصمه؟ ومن تزكيتهم، ويقضي عليه؟ قال: يأمره الإمام أن يوكل من يخاصم إليه ويعذر إليه، وإن أبى أن يوكل، قضى عليه إذا شهدت البينة عليه [8/ 206]
وزكوا بعد أن يعذر إليه، فإن حضر خروج خصمه إلى سفر، أو كانوا مرضى، أو خشي فواتهم، أشهد على شهادتهم. وسأله حبيب عن رجل تخرج له قناة من داره إلى قاعة زعم أنها كانت حنار ثم يخرج منها إلى دار رجل، ثم يخرج إلى الزقاق. فأنكر رب الدار هذا المجرى، وزعم خصمه أنه قطع المجرى، وبقي الماء في القاعة، والقاعة لورثة جماعة غيب لا يعرف أكثرهم، هل يخاصم في ذلك رب/؟ قال: لا تجب له خصومة حتى يحضر أهل هذه القاعة أو أحد منهم، ولا يحكم عليه بمجرى الماء، إلا أن يكونوا في غيبة بعيدة منقطعة، أو يكونوا لا يعرفون، فيمكن هذا من الخصوم، ويحكم إن صحت بينته. وسأله حبيب عن من ادعى في قاعة بين دور أنها له، وجاء على ذلك ببينة فعرض أهل دور حولها، فزعموا أنها له ولغيره من ورثة؛ منهم من يعرف، ومنهم مجهولون، وإن قالوا: إن موضع كذا إلى كذا لفلان ولفلان ولفلان. فدخلت هذه القاعة في هذه الحدود، ولقوم مجهولين لا نعرفهم، بينهم ذلك مشاع. قال: لا يوجب هذا للقائم له ولا للجماعة فيها حقا، ولم يقطعوا له فيها بشيء معلوم، فالحق حق الأول، ويحكم له، ولا يكون هذا خصما للأول، ولا يمكن من تجريح بينته؛ لأنه لم يجب له في ذلك حق. من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة في قوم ادعوا أرضا في مرسى بتونس، وأقاموا عندي بينة بملكهم إياها، هل يدعو من كان بذلك المرسى بمنافعهم، ثم ينفذ الحكم؟ فكتب إليه: أن للحاكم أن يسأل أهل المرسى المرابطين الذابين عنه عن منافعهم؟ فإن جاءوا بشيء، وإلا وصل الأرض إلى مستحقها. [8/ 207]
في الطالب يكون من بلد والمطلوب من بلد آخر والشيء الذي فيه الخصومة في غير البلدين أين تكون الخصومة؟
في الطالب يكون من بلد والمطلوب من بلد آخر والشيء الذي فيه الخصومة في غير البلدين أو في أحدهما أين تكون الخصومة؟ ومن له سورى ببلد ولا يعرفها أحد فثبت حقه عند قاض آخر ويأتي إلى هذا بكتابه قال سحنون: ومن ادعى دارا بالقيروان، والذي هي بيده غائب بتونس/، قال: يكتب قاضي القيروان إلى قاضي تونس: إما أن يقدم فلان فيخاصم، أو يوكل من يخاصم له، فإن أبى سمع من حجة المدعي وبينته، فإذا أثبت الدعوى، وأوقع البينة، أوقف الغلة إن كان لذلك غلة، ثم يكشفه عن البينة، فإذا زكيت حكم له. قال ابن كنانة في مثل هذا: إن دعى كل واحد منهما إلى قاضي بلده، فإنه يخاصمه حيث الدار إن كان القاضيان عدلين، وإن كان أحدهما جائرا، خاصمه إلى أعدلهما. قال سحنون: وإذا طلب الرجل أن يقيم عند القاضي بينة على دار بمصر بيد رجل، أو بدين عليه، وقال: لأني لا أجد بمصر من يزكيهم، وطلب أن يكتب له بذلك إلى قاضي مصر، فذلك له، ويكتب له قاضي القيروان إلى من يجوز أمره بمصر، وكذلك قاضي تونس يكتب له إلى قاضي القيروان. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في رجل من أهل المدينة، له دار بمكة، فادعاها رجل مكي، أين تكو خصومتهما؟ قال: حيث المدعى عليه، وليس حيث المدعي، والدار المدعاة، ولو كانت الدار بغير مكة، ومدعيها بمكة، وصاحبها بالمدينة، فلتكن الخصومة أيضا حيث المدعى عليه. قلت: فكيف يطلب هذا حقه؟ قال: إن شاء بدأ بقاضي مكة، فأثبت عنده دعواه، ثم يكتب [8/ 208]
بذلك إلى قاضي المدينة، وإن شاء أثبت وكالة وكيل عند قاضي مكة، وكتب له بذلك كتابا ليلي وكيله الخصومة بالمدينة عند قاضيها، وإذا كتب إليه بما ثبت عنده من ملك الدار للمدعي، قرأ كتابه على المدعى عليه/، وقال له: إن جئت بمنفعة وإلا حكمت عليك. قال: ولو قدم المدينة بغير كتاب القاضي، فطلب عند قاضي المدينة، كتب له إلى قاضي مكة حيث يثبته، أن يسمع بينته ثم يكتب إليه بما صح عنده في ذلك، ويؤجل له أجلا بقدر المسافة، ووجه مطالب الأمر. قال ابن الماجشون: إنما تكون الخصومة عند قاضي مكة حيث المدعى عليه، والشيء الذي ادعى فيه، ويضرب لصاحب الدار أجلا، بحال ما يصنع بالغائب، فإن كانت الدار بغير مكة فحيث تكون الدار تكون الخصومة، فإذا جاء صاحب الدار والأجل، خرج أو وكل. وقال أصبع بقول مطرف، وبه أقول. قال أصبغ: ولو أن المدعي دخل مكة فتعلق به المكي- يريد مخاصمته في الدار- فذلك له، ولم يكن للمدني أن يأبى ذلك. وانظر كل من تعلق برجل في حق، فإنما يخاصمه حيث تعلق به إن كان ثم قاض أو أمير، كان الحق بذلك البلد أو غائبا عنه، كان إقرارهما به في ذلك البلد، أو لم يكن، فالخصومة حيث ترافعا. وقال ابن حبيب: إن ترافعا في دين، أو مال، وكل ما في الذمم، فأما في الرباع؛ فإن كان الربع حيث تعلق به، ففيه تكون الخصومة، وإن كان الربع في بلد المدعي عليه، أو في غيره، فليس للمدعي أن يحسبه لمخاصمته إياه. ومن العتبية: قال ابن وهب، في من له حق من مورث أو غيره ببلد آخر، وليس يجد هنا من يعرفه، وله من يعرفه على يومين أو ثلاثة، فذهب إليهم، فشهدوا عند قاضي/ ذلك البلد: أنهم يعرفون فلانا بعينه واسمه ونسبه، وعلى أنه وارث [8/ 209]
في الورثة يغيب بعضهم أو أحد الشركاء فيخاصم من حضر هل الحكم لمن حضر؟ أو لمن غاب؟
فلان، فعدلوا عنده، وكتب له بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد الذي يطلب فيه حقه، قال: فليقبل ذلك المكتوب إليه، ويحكم به، ولا حجة لخصمه إن قال: لم أحضر شهادة هذه البينة. وإن احتاج أن يكتب أيضا هذا القاضي إلى قاض آخر بما حكم له وثبت عنده، فليفعل، وهذا شأن القضاة، لا يختلف في ذلك أهل العلم، ولا يجوز للقاضي المكتوب إليه أن يدفع ذلك بأن يقول: لا أعرف البينة، ولينفذ ما ثبت عند الذي كتب إليه، إلا أن يكون عند الخصم حجة أو تجريح إلى بلد الشهود، فيدفع ذلك عن نفسه، وإلا فلا حجة له. وقاله أشهب، وقال: لا تبالي كان اثبات معرفته عند قاضي الاسكندرية، أو عند قاضي افريقية، فإذا كاتب بذلك قاضي مصر، وثبت كتابه عنده، فعليه إنفاذ ما فيه. وهذه مذكورة في كتاب سيرة القضاة. في الورثة يغيب بعضهم أو أحد الشركاء، فيخاصم من حضر هل الحكم لمن حضر؟ أو عليه حكم لمن غاب أو عليه من المجموعة: ونحوه في كتاب ابن سحنون، قال أشهب: سأل ابن كنانة مالكا لابن غانم، عن من هلك عن بنين، فحضر أحدهم، فخاصمه رجل في دار من التركة، فقضى له بها، ثم جاء أخ له، فطلب أن يقوم بحجته، قال: يسمع منه ما كان عنده من بينة أو حجة في نصيبه غير ما رفع أخوه، وإن ادعى بينة غائبة، فإن كان/ أمرا قريبا، أمكن من ذلك، وأما إن كان يأتي بالعلل، أو بما جاء به أخوه، لم ينظر في ذلك. ولو أن أحد الولد خاصم في دار للميت بيد رجل حتى استحقها، وإخوته [8/ 210]
غيب عنه، قال: لا يدفع جميع الدار إلى الحاضر منهم إلا بوكالة الباقين، ولكن تنزع من يد الذي قضي عليه، فتوضع على يد عدل يريد نصيب من غاب. قال أشهب: ويمكن الحاضر من الطلب في ذلك، فإن كان شركاؤه غيبا، لم يوكلوه، فإن قضي له بذلك، فنصيب شركائه يوقف بيد عدل حتى يحضروا فيأخذوا نصيبهم، وإن قضي عليه، كان من غاب غير إذا حضروا. وقاله مالك. وقال عبد الملك: يخاصم في حقه، ويكون القضاء له وعليه، ولا يكون للآخرين قضاء ولا عليهم، وقال ابن القاسم: لا يقضى له إلا بحقه. وقال في كتاب ابن سحنون: ويبقى ما فيها بيد المطلوب. قال سحنون: وقد كان يقول غير هذا، قال في الكتابين: ولا يقضى للغيب بشيء؛ إذ لعلهم يقرون للمحكوم عليه بأمر جهله أخوهم، وقد يهلكوا قبل علمهم بالحكم. ونحوه لعبد الملك، ذكره عنه ابن حبيب: أنه يقضى للقائم بحصته فقط، وتبقى حصة من غاب بيد المطلوب، يحكم فيه بما شاء ولا تعقل عليه، ثم إذا قدم الغائب فطلب الأخذ بالحكم، كان له بلا ائتناف خصومة، ولا بينة، وإن قالوا: لا حق لنا في ذلك. ترك بيد المطلوب، إلا أن يكون أحدهم مفلسا، قام عليه غرماؤه،/ فلا ينظر إلى قوله، بخلاف ما يوجب للمفلس؛ أو شفعة تكون له فلا يرى أخذها. قال ابن الماجشون: ولو كان قبل قدومه مفلسا، ثم قام الغرماء في هذا الحق، قال: لا يعدى الغرماء قبل قدوم الغائب، وقد يقدم مليا أو عديما. وقاله كله مطرف. وقاله أصبغ. وقال في نصيب الغائب من الورثة. لا يورث عنهم إن ماتوا، ولا تقضى منه ديونهم، وإن كانوا عدماء حتى يعلم دعواهم له، وطلبهم إياه، وقال ابن الماجشون: لورثتهم ذلك إذا طلبوه، وإن لم يعلم لآبائهم فيه دعوى. [8/ 211]
قال ابن حبيب: وقوله أحب إلي. قال عبد الملك، وغيره: إن قضي على من حضر، فالغائبون على حجتهم، وليس يلزمهم ذلك القضاء إن كانت لهم حجة. ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في من ادعى وكالة، ولم يثبتها بعد وشهود الحق الذي وكل فيه حضور، أيقبل القاضي شهادتهم؟ قال: إن خاف أن يخرجوا إلى موضع، وكان له وجه، قبل القاضي شهادتهم، ثم يثبت الوكالة بعد، وإلا فلا حتى تثبت الوكالة. ومن المجموعة: قال عبد الملك: ثم إن جاء الغيب، فإن طلبوا، كان قضاء القاضي قضاء لهم، وإن قضى عليهم، أمكنهم من حجة لهم غير ما أتى به شريكهم، وإلا قضى عليهم. وقد قال أيضا ابن القاسم: إنه يترك ما سوى حق الحاضر بيد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه. وقال ابن القاسم في الوصيين وبين الميت وبين رجل خصومة،/ فلا يجوز أن يخاصمه أحدهما دون الآخر. ومن ادعى على الميت وأحد الوصيين غائب، قضي له، ثم إن جاء الوصي الغائب، كان على حجة الميت مما كان قد جهله الحاضر، فإن جاء بشيء، وإلا مضى الحكم. وقال أشهب: للوصي الحاضر القيام بحق الميت، وكذلك وارث وأحد ذلك، لأنه لا يدفع إليه إلا حصته. قال ابن نافع، وعبد الملك، مثل قول ابن القاسم: ليس ذلك لمن قام منهم إلا بمحضر أصحابه، إذ بوكالتهم أتاه، بخلاف الوارث؛ لأن الوارث له بقدر حقه، والوصي لا يقدر أن ينقص ذلك إلا له إلا بأمر شركائه في الوصية. قال ابن القاسم: وإذا حضر الورث وادعوا منزلا من التركة بيد رجل، فينبغي أن يرضوا جميعا بأحدهم، فيخاصم له ولهم، ويأتي بحجتهم، ويحضرون معه، [8/ 212]
ويأتون بما عندهم، فأما أن يتعاوروا هذا يوم وهذا يوم، فليس ذلك لهم. وكذلك في كتاب ابن سحنون. ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإن أقام رجل بينة أن له ولفلان الغائب على فلان الذي حضر: كذا وكذا، لأن الدين بكتاب واحد، ولا قول لمن قال: يعيد البينة. لأن الشريك غير وكيل، لأنه يرجع الشريك الغائب على الحاضر فيما قبض؛ لأن الأصل واحد، ولم يختلف العلماء في أحد الورثة بينة في كار من التركة، ثم يقدم باقي الورثة: أنه يقضي لهم بأنصبائهم، ولا تعاد البينة. وقال عن ابن القاسم، في الشريكين يدعيان قبل رجل بشيء، فيأمرهما القاضي أن/ يستحلفا، أو يخاصمه أحدهما؛ فيقول: من حضر منا فهو خليفة الغائب في الحضر. قال: لا يمكنا من ذلك. فأجاز ذلك سحنون. وسأل شجرة سحنونا، في من أقام بينة في منزل أن أباه تركه ميراثا، وذكروا الورثة، وبعضهم غيب، ولم يطلب من الحضور غيره، فلما ثبت ذلك. طلب الحضور حقهم، فكتب إليه: تنازع أصحابنا في هذا، فقال ابن القاسم يحكم لمن قام ولمن لم يقم؛ إذا ادعى ذلك، ولا تعاد البينة؛ لأن الحكم للأب ويقر حظ الغائب بيد المدعى عليه. وقال غيره عن مالك: هو حكم للأب فصار لورثته، فينزع من يد المدعى عليه، ويأخذ من قام حقه، ويوقف نصيب الغائب، ويكتب الحاكم: إن فلانا ادعى كذا وكذا لأبيه، وثبت ذلك، ولأبيه من الورثة كذا- ويسميهم وحقوقهم - فحكمت لفلان بما ثبت عندي لأبيه. ويكتب لورثة أبيه بأنصبائهم، وهو كذا. [8/ 213]
في الحكم على عبد غائب بعينه أو أن فلانا سرقه
في الحكم على عبد الغائب بعينه أو أن فلانا سرقه من كتاب ابن سحنون: وإن شهدت بينة أن فلانا قال: إن دخلت هذه الدار، فكل مملوك لي حر وأنه قد دخل، ولم يحضر مملوك يخاصمه، فإن القاضي يسمع البينة؛ لأن فيه حقا لله سبحانه بالحرية، حتى لو أبطلها العبيد لم ينظر إلى قولهم، فإن كانت البينة يعرفون العبد، فليحضرهم الإمام إن كانوا في البلد، وإن غابوا، كتب بما يتهم حتى تقع البينة على إعتاق العبيد، فيحكم بحريتهم، وإن كرهوا، وإن حضر الحالف ومعه عبد قالت البينة: إنه كان له قبل اليمين إلي أن حنث فقضى/ بعتقه، وإن جاء عبد آخر فأقر المولى أنه كان يملكه يوم دخل الدار قبل الحالف، وجحد الحالف، فإنه يعتقه، ولا يعيد البينة. وإذا شهدوا على غائب أنه سرق، ثم قدم، فللإمام قطعه، ولا يعيد البينة، إذا كان قد استأصل الإمام الشهادة. في الرجل يغيب فيريد ولده أو غيره من أقاربه أن يطلب به حقا بغير وكالة وقد خيف فوت ذلك أو لم يخف من المجموعة وهي في العتبية، من سماع أشهب، من مالك: قال أشهب: كتب مالك إلى ابن غانم، على عشيرة الرجل يذكرون للقاضي أن رجلا منهم بالأندلس، وأن في يد رجل منهم منزلا للغائب، وساكنه يدعيه لنفسه؛ لطول غيبة صاحبهم، وينكر أن يكون لهم، وللغائب في حق، ولم يوكلهم الغائب، فيمكن لهم طلب ذلك الغائب بلا وكالة.
وقال ابن القاسم: ولا يقيم للغائب وكيلا في إقامة حجة الغائب في الطلب له، أو الدفع عنه؛ لأنه لو حكم على من أقامه، لم يلزم الغائب. وللغائب أن يأتي بحجة فلا يعارض من ذلك في يديه؛ إذ لعل الغائب يقر له، وهو لو قضى للحاضر ثم جاء الغائب، لأثبتوا الخصومة في ذلك. قال: وإذا كان من رفع ذلك إلى الإمام خاف هلاك الحق بموت الشهداء، فلا يأمن أن يأذن له الإمام في القيام، ويأتيه بالبينة فيسمعها ويقبلها إن كانوا عدولا، ويكتب ذلك، وأنه قبلهم، ويطبع على الكتاب ويشهد بينة على ذلك وعلى قبوله منهم لعدالتهم عنده. فإن جاء الغائب أو وكيله بعد موت البينة، قام بذلك إن شاء، واكتفى/ بما تقدم من شهادتهم، وحكم بذلك، وإن كان القاضي قد عزل أو مات، فعلى القاضي بعده أن يقبل في ذلك الكتاب البينة أنه كتاب القاضي الأول، وأنه قبل البينة فيه، وينفذ ذلك الثاني، ولم يسأل الطالب أو وكيله تعديلهم، واكتفى بما تقدم. قال ابن حبيب عن مطرف، فيمن قام على غريم لأبيه، وأبوه غائب، قال: قال مالك: يمكن الابن من إيقاع البينة عليه. قال مطرف: فإذا سمع البينة وقبلها، أمر الغريم بإحضار المال، فإن كان الإبن وكيلا قد ثبتت وكالته، أو كان مفوضا في أمور أبيه والقائم له، دفع إليه المال، فإن لم يكن كذلك، أوقفه الإمام للغائب، وضرب له أجلا، فإن جاء وطلبه، أخذه، وإن لم يطلبه، وقال: قد كنت تقاضيته، رد على الغريم، وإن لم يأت للأجل، رد المال للغريم أيضا، وهذا إن كان موضع الأب قريبا، فأما إن كان بعيدا، لم يوقف له شيء، ولم يعرض للغريم إلا بتوكيل يثبت للولد، أو بتفويض إليه من امور أبيه. ولو أن الغريم مقرا بذلك، ترك ولم يفوض له، قربت غيبة الأب أو بعدت، إلا بوكالة. قال: وإن جحد فأقام الابن عليها شاهدا، وعجز عن آخر، قال: يحلف الغريم أنه برئ من هذا الدين، فإن حلف ترك التعرض له، فإن قدم الغائب فحلف مع شاهده، اتبعه بهذا الحق، وإن نكل، فعن حقه نكل، وإن نكل الغريم [8/ 215]
في الرجل يهلك وبعض ورثته غيب أو كلهم معه، فيرجع ذلك إلى الإمام هل ينظر فيه؟
أولا عن اليمين، أخذ منه الحق، وأوقف كما وصفنا، فإن جاء الغائب، أخذه بغير يمين، كالصبي يقوم له شاهد بحق لأبيه الميت، فينكل الغريم عن/ اليمين، فيؤخذ منه، فإذا كبر الصبي، فلا يحلف. كذلك قال مالك. وكذلك قال مالك في وكيل الغائب يقيم شاهدا، أو السفيه لنفسه، قال: والوالد فيما يدعيه لولده مثلما ذكرنا من دعوى الولد لأبيه، بل الولدين. قال: وأما دعوى الأخ والجار فلا؛ إلا أن يكون ذلك في العبد، أو الدابة، أو الثوب يدعيه الرجل لأبيه، أو لابنه، أو لأخيه أو لجاره على وجه الحسبة، فليمكنوا في مثل هذا من إيقاع البينة للغائب؛ لأن هذه الأشياء تفوت وتحول وتغيب، فإن أقام بينة قاطعة، أو شاهدا، دعاه الإمام بحميل، فيتحمل بذلك الشيء موصوفا مفوضا، ويضر فيه للغائب أجلا، فإن جاء إليه ببينة قاطعة، حلف: ما باع ولا وهب، ولا وجب بحق، وحلف أيضا: أنه ما باع ولا وهب، ولا يخرج من يديه بحق. وخالفه ابن الماجشون، وقال: لا أمكن أحدا من إيقاع البينة على أحد بدعواه عليه لغير نفسه؛ لا لأب، ولا لولده، ولا لغيره، لا في دين، ولا في حيوان، ولا في عرض، كانت الغيبة بعيدة أو قريبة، ولا يعرض للمدعى عليه إلا بتوكيل يثبت للقائم عليه. قال أصبغ يقول مطرف، إلا أنه قال: دعوى الوالد بالدين إن بعدت غيبة الأب، وقد ثبتت بالبينة، فطول غيبته كموته، يقبضه السلطان ويوقفه مع ماله. وبقول مطرف أخذ ابن حبيب. في الرجل يهلك وبعض ورثته غيب أو كلهم معه، فيرجع ذلك إلى الإمام هل ينظر فيه؟ من المجموعة، وهو رواية أشهب في العتبية: وكتب مالك إلى/ ابن غانم، عن رجل هلك بالقيروان، ولا وارث له إلا أخ بالأندلس، وزوجته الحاضرة، فتدعي الزوجة أن لها كل ما ترك من ربع وغيره، وتريد بيعه، فقام ابن أخيه الغائب يريد [8/ 216]
في مال الغائب أو المفقود يدفع إلى الإمام، هل يحوطه أو ينظر فيه أو يوكل؟
القيام في حق أبيه بالبينة، ويقول: فأجعل ما ثبت من ذلك لأبي في يد عدل حتى يأتي أبي. قال: فليمكنه من البينة على أن أباه حتى يوم مات أخوه، وأنه وارثه، وبما يذكر من تركته، فإذا ثبت عنده ذلك، جعل ما ثبت للغائب بيد عدل وقال ابن الماجشون: وإذا بلغ السلطان أن رجلا مات، وترك ضياعا، ومن ورثته أطفال وعيال. قال: ينظر في ذلك؛ فإن وجد فيها كافيا كلفه حتى يضمه لأهله. في مال الغائب أو المفقود يدفع إلى الإمام هل يحوطه أو ينظر فيه؟ أو يوكل من يطلب له حقوقه؟ ومن قام عليه أحد بوصية أو غيرها من المجموعة: قال ابن كنانة، في من بيده قرية لناس غيب، من غير وكالة، أيخرجه الإمام من يده بقيام أجنبي للغائب بغير توكيل؟ قال: ذلك له على ما يرى من الاجتهاد، وليجعلها بيد أمين يحفها عليه حتى يأتي من ذلك له، أو وكيله. قال سحنون: ومن غاب في بلد الإسلام، وترك ربعا وعليه، فرفع ذلك إلى الحاكم، قال: إن كان أقر صنعته بيد أهله وولده، وخرج فلا يعرض فيها، إلا أن يكون لم يخلف ذلك في يد أحد، فتعدى أحد على ماله، فلا يمكنه القاضي من ذلك. وسئل سحنون عن قوم أتوا إلى الحاكم، فقالوا: إن أرضا لقوم منا غيب،/ ونخاف أن يموت ذكرها والبينة عليها، ونحن نريد نحييها، ونجعل بيد من ينظر فيها للغيب. قال: قد فعل مثل هذا عبد الرحمن بن زياد قاضي إفريقية، فسئل مالك [8/ 217]
عن ذلك، فقال: لا أرى لمن قام في ذلك خصومة، وهذه أمور قد تطاولت وطال أمرها، فلم ير ذلك. قيل لابن القاسم: أيحاط مال المفقود من يدي ورثته؟ قال: قال مالك: يحاط مال المفقود، والسلطان ينظر فيه، ولا يدع أحدا يفسده ولا يبذره. ومن العتبية، قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من رفع إلى الإمام أن حقا لقوم غيب من قرابته أو غيرهم في دار، أو أرض، أو غيرها، بأيدي قوم يخاف هلاك ذلك الحق؛ لتقادمه، وخوف فوت البينة، أو نسيانهم، هل يقيم الإمام لغيب يخاصم عنهم واحد عنهم؟ قال: أما الخصومة عنهم ووضع الحجج: فلا أرى أن يوكل على ذلك وكيلا يقوم له على غائب، وذلك أنه قضى للذي ادعى الحق قبله على هذا الوكيل على هذا الغائب، لم يلزم الغائب فيما له وعليه، فلا ينبغي للقاضي أن يشخص الذي له الحق في يديه، فيطول عناؤه، فإن قضى عليه، فلعل الغيب أن يقروا بخلاف ما طلب هذا لهم، وإن قضى له، ثم جاء الغائب لم ينتفع هذا بالقضاء له، وابتدأ الخصومة، قال: ولكن إن كان الذي رفع مثل هذا إلى السلطان، خلاف هلاك الحق بموت البينة، وطول الزمان، فلا بأس أن يأذن له السلطان، أو يأمره أن يأتيه/ بأولئك الشهود، فيوقع شهادتهم، فإن عدلوا، أشهد رجالا بأنه أجاز شهادتهم، ويطبع على الكتاب، فإن جاء الغائب يوما أو وكيله يخاصم عنده، وقد مات الشهود، اكتفى بما كانوا شهدوا به، فقطع به الحق، ولو مات القاضي أو عزل، ومات الشهداء، فعلى من ولي بعده إن ثبت عنده ذلك الكتاب أن ينفذ ما فيه، واكتفى بما ثبت من عدالتهم عند الأول. قال أصبغ: وإن رأى القاضي الأول – إن صحت عنده هذه الأشياء- شهادة قاطعة، ولم يكن للحاضر فيها حجة ولا مدفع، أن يوقفها عنه، أوقفها. [8/ 218]
ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون: فيمن غاب في بلد الإسلام، وترك رباعا وعسه، فرفع ذلك إلى الحاكم، أيحوط ذلك؟ فكتب إليه: إن كان أمرها بيد أهله وولده، وخرج كما يخرج الناس، فلا يعرض فيها، وإن لم يكن خلفها بيد أحد، فتعدى أحد على ماله، فليمنع الحكم من ذلك في مال الغائب. وفي كتاب سيرة القاضي، في باب، كتب العدمان، أن سحنونا وكل رجلا على مال قوم غيب، وفوض إليه النظر في ضياعهم وكرائها وحياطة أموالهم. وكتب إليه شجرة، في من سافرن ووكل عند سفره على ضيعته وولده نصرانيا، أو من لا يرضى حاله، فيطول مغيبه، ويرفع قرابته إلى القاضي سوء نظره، فكتب إليه: ما أرى أن يعرض له، وقد استخلفه الغائب. وكتب إليه شجرة، في من رفع إلى الحاكم أن قريبا له طالت غيبته في البحر، ولا وارث له غير إن مات، وله/ دار وربع بيد رجل يدعيه لنفسه، وقد طالت غيبته، فأمكني من إحياء حقه، فإن مات ورثته، وإلا حطته له، فكتب إليه: لا تعرض لمن في يديه شيء يدعيه لنفسه لغير مدعي نفسه أو بوكالة عليه. وكتب إليه شجرة، في من طالت غيبته في هذا البحر، فترك أهله وولده في داره، وتطول غيبته حتى يموت له ولد، ويترك ولدا، ويتزوج أبوه، ويموت عن ولد، ويخلف وولده ولد في ربعه، فيريد كل قوم أن يكون في أيديهم ما كان في يد الأب، فكتب إليه: ليس يترك في دار الغائب الذي يجهل موته إلا امرأته وصغار ولده الذين تلزمه نفقتهم، ولينفق عليهم من ماله إن كان بنوه لا مال لهم، فإن كان للأطفال مال، أنفق عليهم منها، وأما الزوجة: فينفق عليه على كل حال، ومن بلغ من ذكور ولده، سقطت النفقة عنه، وأما ولد ولده، فلا ينفق عليهم من ماله، ولا يتركوا في السكنى في داره، وينظر في ذلك القاضي. [8/ 219]
قال ابن حبيب: قال مطرف، في أرض لغائب بيد رجل بخلافة أو غير خلافة، فيرفع ذلك إلى الإمام، قال: لا ينظر فيها السلطان بشيء، ولا يمكن منها أحدا من الخصومة فيها إلا بوكالة تثبت من صاحبها، ولا يقبلها ممن هي في يديه، وإن تبرأ منها إليه، ولا يتكلف الإشهاد على من هي بيده: أنها ليست له؛ إذ لعلها ليست لمن يقر بها، فإشهاد الحاكم في هذا فيه ومن يحل رها، ولا يعرض لورثة من كانت بيده، إلا أن تكون أرضا ليست بيد أحد، ولا يدعيها/ أحد، فيرفع إليه، أن ربها فلانا خرج عنها، وتركنا، وقد طالت أمره، وخيف أن يذهب حقه، فينغبي له حينئذ أن يوكل عليه وكيلا للغائب، وشهد له بها، ولو كان إنما رفع ذلك إليه من لا تجوز شهادته، لم ينبغ أن يعرض فيها بتوكيل ولا بإشهاد؛ إذ لعلها لغير من سميت له، وأما إن كانت لصغير، فليول عليها من ينظر له. وقال مثل ذلك أصبغ. قال أصبغ: ولو كان الرافع أمر الأرض إلى السلطان المقر على نفسه أنها لغيره عاجزا عن ولايتها، ضعيفا عن النظر فيها، رأيت أن يأمره الإمام بالإشهاد على نفسه بما أقر به، ثم يوليها القاضي لغيره من غير علم للغائب بها. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن أقام بينة أن المفقود أوصى له بوصية، وأوصى إليه، فلا ينبغي للقاضي أن يسمع بينة، ولا يشهد على ما ثبت عنده من ذلك؛ لأن ذلك لا يوجب له ما طلب إلا بعد موت المفقود، فلا ينبغي أن يسمع القاضي بينة رجل على أمر، فيحكم له به اليوم، ولم يقع بعد. وقال ابن القاسم: يسمع منه البينة، ويحكم له بذلك اليوم. وبالأول أقول. وفي كتاب أدب القاضي، في باب القاضي يقول: حكمت لفلان. أو: شهدت عندي بينة في مسألة الميت يموت عن مال، وورثته في بلد آخر، وحياطة ماله، وهل يبعث به القاضي، أو يوقف له؟ [8/ 220]
في المدعى عليه يتجه عليه الحكم فيسأله القاضي عن منافعه فيدعي بينة بعيدة
في المدعي عليه يتجه عليه الحكم فيسأله القاضي عن منافعه، فيدعي بينة بعيدة، أو يضرب له الآجال في منافعه حتى طال ذلك/ حتى يذكر حجة كان يدعي خلافها أو يقيم بينة أن الدار المدعى فيها لغيره أو يأتي بعد الحكم بحجة من المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك من وجه الحكم في القضاء: إذا أدلى الخصمان بحججهما، وفهم القاضي عنهما، ثم أراد الحكم، أن يقول: أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا: لا. أنفذ الحكم. وقال في المدونة: ثم لا يقبل منه حجة بعد إنفاذ حكمه، إلا أن يأتي بما له وجه. وقال في كتاب آخر مثل هذا لم يعلم بها. وقال في الأقضية في المدونة: مثل أن يأتي بشاهد عند من لا يقضي بشاهد ويمين، فيحكم عليه، ثم يجد شاهدا آخر بعد الحكم، وقال: لم أعلم به. قال سحنون: لا يقبل منه، وإن أتى بما له وجه. قال محمد بن عبد الحكم: يعني عن مالك، مثل أن يأتي بحجة لم تكن عنده، من براءة، أو بينة تقدم، لم يكن علم بها، فينظر فيه بقدر ما ينزل. قال في كتاب ابن المواز، عن مالك: إذا قال: وجدت بينة لم أكن أعلم بها. ونحو هذا، أنه يسمع منه. قال ابن المواز: وإنما ذلك عندنا مادام القاضي نفسه، فأما لو ولي غيره، لم يكن له أن ينظر فيه ولا ينقضه. قال: ولو قال قبل الحكم: أبقيت لك حجة؟ قال: نعم. وقد تبين للقاضي أن حججه نفذت، وأنه ملد، قال: فليضرب له أجلا غير بعيد، فإذا تبين لدده، أنفذ عليه الحكم، ولو ادعى بينة بعيدة، فلا يقبل منه، ولا من غيره في كل من ادعى بينة بعيدة، مثل أن يقول: [8/ 221]
بينتي بالعراق وهو بمصر، أو بالأندلس لموضع بعد؛ ليطول به/ القضاء، ولكن يقضي عليه، ومتى حضرت بينته، كان على حجته. قال: ويقوم بذلك عند هذا القاضي وعند غيره. وينبغي أن يذكر في كتاب حكمه ذكر ذلك، أن يقول فيه: وذلك لما ذكر فلان أن له بينة غيب على بعد من البلاد، فمتى حضر شهوده، كان على حجته في ذلك مع ما يبين ما صح للمقضي له مع بينة أو حجة. ومنه، ومن العتبية: وكتب مالك إلى ابن غانم، في المدعى للدار يقيم فيها البينة عند القاضي، يسئل خصمه عن حجته، فيذكر أن له بينة غائبة له فيها شهادة وحجة، فيؤجل له الأجل الواسع: الشهرين والثلاثة، ويذهب الأجل، ولا يأتي بشيء، ويقول: تفرقت بينتي. قال: أما الرجل الصادق المأمون لا يتهم أن يدعي باطلا، فأرى أن يزيده في ذلك الأجل، ويستأني به، وأما الرجل الملد الذي يريد الإضرار بخصمه، فلا يمكنه من ذلك، إلا أن يذكر أمرا قد تقارب ثباته، فيستبري ذلك بالامر القريب، ثم يمضي عليه ما أرى. وهذه الرواية في كتاب ابن المواز. ومن الكتابين: قال أشهب: وسأله ابن كنانة عن نحو ذلك في العبد يدعي الحرية، أو الحر يخاصم، فيدعي البينة الرساس، فيؤجلا لذلك أجلا بعد أجل، فلا يأتيا بشيء، قال: اكتب إليه: إذا ضربت لهما أجلا ثم أجلا، وأعذرت في الأجل، فلم يأتيا بشيء، فاقض عليهما، ولا يضرب أجل آخر، ورد العبد على سيده، وذلك يختلف بين الناس. أما الرجل الصالح لا يعرف باللدد والباطل، فيضرب له أجل بعد أجل، فأما الظلوم الملد، فذلك يقضى عليه، ولا يضرب له أجل. يريد: بعدما يقوم./ قال سحنون، في المدعى عليه الدم يحبس للطخ من البينة، ثم يغيب المدعي ويدعه في الحبس، أنه لا يمكن المدعي من الإلداد والتطويل في إثبات حقه، ولا حد في ذلك إلا اجتهاد الحاكم في بعد متاع المدعي وقربها، وما كان المدعي على دعواه في غير إلداد بالمحبوس، ولا إضرار به. [8/ 222]
قال ابن القاسم: وإذا ادعى القاتل بينة غائبة على العفو، تلوم له الإمام. قال أشهب: إن كانت بينة قريبة، حبس في العبد، ويضرب له أجلا في بينته، فإن كانت بينته بعيدة، لم ينتظر، ويقتل إن شاء الولي، أرأيت إن قتله بالصين، وادعى بينة بالأندلس، أيؤخر؟ لا أرى أن يؤخر وتطل هذه الدماء والحدود والحقوق، فلا يؤخر إلا في القريب. قال ابن القاسم: وإذا تواضع الخصمان حججهما، فيقول لهما القاضي: اجتهدا، فلا أقبلكما. ويكتب حججهما، ثم يريد أحدهما أن يتحول عن حجته إلى آخر، فإنه يقبل منهما ما لم يستوعب كشفهما عن منافعهما، فإذا قالا: ليس عندنا إلا ما وضعنا عندك من بينة وحجة فإذا بلغت إلى هذا، لم لأحدهما عن حجته ملدا وأراد غيرها، وجاء ببينة وقد كان عجز نفسه، فإذا رأى أنها كانت غائبة، لم يعرف موضعها، فليقبل منه، وأما على غير ذلك، فلا يقبل منه، وحكم عليه. قال ابن القاسم وهو لمالك: وسأل حبيب سحنونا عن رجلين في دار تجمعهما سقيفة واحدة، عليها باب، ولكل واحد باب فيه إلى مسكنه، فادعى أحدهما أن صاحبه قدم بابه إلى موضع لم يكن فيه، فأنكر ذلك الآخر، / وأثبت ذلك عله بالبينة بعد خصومة طويلة، فلما لاح الحكم عليه، برد الباب إلى موضع كان، كما شهدت له البينة أن الدار التي هو بها ليست له، وأنه باعها من فلان الغائب من قبل الخصومة، قال: لا يقبل قوله، وليحكم عليه حتى يأتي من يدعي ذلك، ويقيم البينة، فيخاصم حينئذ المدعي، وإن كان باعها بعد أن شرع في هذه الخصومة، فهو بيع فاسد؛ لأنه خطأ. [8/ 223]
في المحكوم عليه يجد بعد الحكم بينة أو منفعة من تجريح أو غيره
في المحكوم عليه يجد بعد الحكم بينة أو منفعة من تجريح أو غيره، أو يظهر أن البينة أعداء للمشهود عليه من المجموعة: قال مالك في من خاصم رجلا في عقار، فيأخذ كل واحد حميلا على صاحبه في ذلك، راضيا بما يحكم عليه وله إن غاب، فيغيب، فيثبت الحق على الحميل، فلا يجوز ما يدفع به، فيحكم عليه بعد التلوم والآجال، ثم يأتي المتحمل عنه بتجريح أو حجة يذكرها، أيسمع ذلك منه، أو ينفذ القضاء عليه؟ قال: ينفذ عليه القضاء، إلا أن يتبين للقاضي أن شهادة ظهرت، أو أمرا حدث له في ذلك الأمر غير الأول، فيقبل منه ما جاء به من ذلك من أمر ظاهر بين، وكذلك لو جاء بمثل ذلك الحميل لمثله منه، فإما أن يمكنه أو يحمل عنه من رد الحجج – يريد المتقدمة- واستئناف الخصومة، فلا يفعل. قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا حكم القاضي بحكم، ثم جاء المحكوم عليه يطلب بعض ذلك، لم يقبل منه، إلا أن يأتي بأمر له وجه يستدل به على قوله، مثل أن يكون لم يعلم ببينته، أو يأتي بشاهد عند من لا يرى الشاهد واليمين وعجز عن/ الآخر، فحكم عليه، ثم قدر على شاهد آخر، أنه يسمع منه ويقضي له، وكذلك ما يشبه هذا مما يظهر فيه بحجته، وإلا لم يقبل منه، وقال سحنون، في موضع آخر: لا يقبل منه، وإن أتى بما له وجه. ومن المجموعة: وقال أشهب في من خاصم رجلا في عشرين دينارا له قبله، فيقول: دفعتها إليك. فيكلفه بينة، ويضرب له الآجال، فلم يجد بينة، فيحكم عليه، ثم يأتي بعد ذلك بالبينة أنه قد قضاه الدين، فإنها تسمع منه، ويرجع في الدنانير، وكذلك لو خاصمه في عبد، فقال له من هو في يديه: اشتريت منك. فكلفه البينة، فعجز عنها، فحكم عليه، ثم وجد خصمه البينة، فله [8/ 224]
استرجاع العبد، ولا رجوع له على الآخر بغلة العبد، وكذلك الدار يكون فيها مثل هذا. وقال: وكذلك لو خاصم قوم في دار أنها حبس، فعجزوا عن البينة بالحيازة، فيقضي بها أنها موروثة، يم يجدوا بينة على الحيازة، أنها ترد، قيل: فالقاضي يقضي للرجل بشيء، ثم يجد خصمه البينة أنه له، وقد عزل ذلك القاضي، أينبغي للقاضي أن يقضي به؟ قال: نعم؛ لأنه قد وجد بينة. قال ابن القاسم: ولو شهد رجلان على رجل بمال لرجل إلى أجل، فحكم القاضي، ثم ظهر له أنهما عبدان، أو ممن لا تجوز شهادتهما، قال: يرد قضاؤه ويفسخه. قال سحنون، في موضع آخر: لا يرد الحكم في المسخوطين. وقال أشهب: إذا حكم برجلين، ثم ظهر أن أحدهما مسخوط، فالحكم ماض، ولا يمين عليه. قال ابن القاسم: يحلف مع الآخر، وينفذ الحكم، فإن نكل، حلفالمطلوب، ورد المال. /ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإذا قضى القاضي على رجل، ثم جاء المحكوم عليه يذكر أنه وجد عدولا يجرحون البينة التي حكم بها عليه؛ فإن رأى القاضي لذلك وجها مثل أن يقول: لم أعلم بجرحهم حتى أتاني هؤلاء بعد الحكم. وتبين للقاضي أنه ليس منه ذلك إلدادا، نظر في ذلك، وكذلك لو عزل ذلك القاضي، وولي غيره، ينظر له أيضا فيما قال؛ إذا كان قد ادعى ذلك عند الأول، ولو لم يدعوه الأول بالتجريح، لم يجز لمن ولي بعده أن يمكنه من ذلك، ولا ينفعه النظر في قضاء قاض قبله. قال أشهب: أما إذا اشهد حكم بشاهدين، ثم وجدهما عبدين أو نصرانيين، فلينقض قضاءه. وأما المسخوطان، فلا ينقضه؛ لأنه جوزهما باجتهاد في عدالتهما، والعبد والنصراني لا يقبلان بحال، وأما المسلم فممن تقبل شهادته، وترد بسخطة حاله. وقد قال مالك في بعض قوله: إن المسخوط يوجب القسامة، وإن العبد والذمي ليسا بلطخ. [8/ 225]
قال ابن القاسم: ولو شهد أربعة بالزنى؛ أحدهم عبد أو مسخوط، ولم يعلم به الإمام، فحد أو رجم، ثم علم بذلك، أن على الشهود كلهم حد القذف إن وجد أحدهم عبدا، وقال أشهب: أو نصرانيا؛ قالا: وإن وجد أحدهم مسخوطا: قال أشهب: أو مسخوطين كلهم، فلا حد عليهم، وقد نفذت وجازت. قال ابن القاسم: ولا يحد الباقون إن وجد أحدهم مسخوطا، كما لو رجع أحدهم منهم. قال عبد الملك: ومن قذف رجلا، فحده الإمام بعد الإعذار إليه والتأني به في طلب المجرح،/ ثم جاء أربعة عدول يشهدون على المقذوف: أنهم رأوه يزني قبل القذف، فإنه يحد، ويكون ذلك مسقطا لحد القذف عن القاذف، يعني جرحته. قال: ولو كان حقا غير الزنى، وقام به المقضي عليه، لم يقبل منه ذلك بعد الحكم، وأما مشهود الزنى، فهو حق لله، لابد أن يقبل منهم، ويحد الزاني، فإذا أحد، سالط عن الذي حد في قذفه ما كان لزمه، ولو قام القاذف بعد أن حد لهؤلاء الشهود، فشهدوا له إن كان حاكما جلده في الزنى، فلا تسمع شهادتهم؛ لأنها لا توجب إلا رد ما حكم فيه من القذف فقط، كما لو أعذر إلى مشهود عليه في تجريح من شهد عليه، فلم يأت بشيء، فحكم عليه، ثم وجد من يجرحهم، فلا يسمع منه ذلك، ولو كان هذا لم ينقض الإعذار، ولا تم حكم، ولا يقبل الجرح بعد الحكم، وإن تبين أن أحد الشاهدين عبد أو كافر أو مولى عليه، فهذا ينقض به الحكم. قوله: المولى عليه في حاله. فقد اختلف في قبول شهادة السفيه في ماله، الحسن الحال في غير ذلك. قال عبد الملك في الغائب يقضى عليه، ثم يأتي يطلب المجرح يجرحه شاهد بأنه عبد أو كافر أو مولى عليه، فمثل هذا يقضي به الحكم، وأما إن ظهر أنه [8/ 226]
حد في سرقة أو شرب خمر قديما أو حديثا، فلا ينقض فيه الحكم؛ لأنه حكم مضى بالاجتهاد والآجال، وما نقض مما ظهر على الشاهد أنه عبد أو ما يشبهه مما ذكرنا، أو قضى بموت ميت، فجاء حيا، فيوجد قد بيع ماله، فإنه لا يرد البيع، وإنما له الثمن؛ لأنه بيع بشبهة الحكم. ومن قول أصحابنا فيما/ يستحق من عبد، أو دابة، أو حيوان، فتراجع فيه كل من باعه، فلو أن حدهم أتى بمنفعة، إما بأنه يحتج عنده، أو تاريخ ملكه أقدم من تاريخ مستحقه، لنقض فيه كل حكم تقدم؛ لأنه من معنى القضاء على الغائب الموقوف على حجته، لأن كل من بايعته لعل عنده حجة. وقد جرت مسألة من هذا في عهدة الاستحقاق، هي مكتوبة في كتاب الدعوى والبينات، في باب من أقام بينة بشيء أنه له، وأقام آخر بينة فورختا، أو قالت واحدة: ولد في ملكه. وكتب شرحبيل إلى سحنون في من خاصم خادما وصبيانا، زعم أنهم بنوها، وأنه يملكهم أجمع، فادعت الخادمة الحرية، وقال البالغ من الصبيان: أنا حر. ولم يقروا أن هذه أمهم، فأتى الرجل ببينة على ملكه للخادم؛ قال شاهد منهم: والصبيان ولدها، وهم ملك له. ولم يأت بشاهد آخر على هذا، فطلبت منه منفعة، ومن الرجل في رق الصبيان، وتربصت لهما، فلم يأتيا بشيء، وتأنيت في ذلك، فحكمت حينئذ بالخادم للرجل، وأطلقت الصبيان، ثم إن الخادم وجدت بينة بحريتها، وجاء الرجل ببينة أن الأولاد له، وأنهم أولادها، هل أسمع ذلك؟ فكتب إليه: أن أمكن الرجل بإثبات دعواه، وأمكن الخادم بثبات ما ادعت إن كان ذلك عندها، ولم ترد به الإلداد والضرر. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حكم القاضي بمائة دينار لرجل على رجل، ثم ثبت أنهما عدوان للمشهود عليه عداوة لا تجوز شهادتهما عليه معها، فرد [8/ 227]
فيمن ادعى دارا بيد رجل وأقام بينة فلم تثبت، هل يحكم به لمن هو بيده إذا عجز الطالب؟
القاضي حكمه، وقد أخذ المحكوم له المائة./ فأتلفها ولا مال له، فلا يرجع على الشاهدين بشيء؛ لأنهما لم يرجعا، ولو رجعا لغرما، ولم تنفعهما العداوة إذا قالوا: شهدنا بباطل. قال: وإذا عدل الشهود عنده، ثم أتى من يجرحهم فإنه يسمع الجرحة فيهم أبدا ما لم يحكم، فإذا حكم، لم ينظر في حالهم بجرحة ولا بعدالة في ذلك الحكم. في من ادعى دارا بيد رجل وأقام بينة فلم تثبت هل يحكم به لمن هو بيده إذا عجز الطالب عن حجته؟ وهل يسمع منه بعد ذلك حجته؟ وما وقف القاضي عن الحكم لعلة هو حكم منه من المجموعة: قال عبد الملك: ومن ادعى عبدا، أو أرضا، بيد رجل، فيخاصمه عند حاكم، ويقيم بينة، فأمره الحاكم بتزكيتهم، ويضرب له الآجال، فلم يأت بشيء ينتفع به، فطلب المدعى عليه من الإمام أن يحكم له بتعجيز خصمه، كي لا يقوم عليه ثانية، قال: ليس ذلك على القاضي، إنم هو رجل طلب حقه، لعجز في وقته عن منافعه، وبقي الشيء بيد المدعى عليه، كما كان، فليس في هذا قضاء. قال: وليمتنع من ذلك في يديه من البيع في ذلك الفور وحين الخصومة، فإذا ضعف المدعى حجته، ولم يأت بشيء، مكن من ذلك في يديه أن يبيع ويفعل ما شاء، ثم إن جاء المدعى ببينة تطوله فيها. وكذلك ذكر أن حبيب، عن ابن الماجشون؛ وقال: قال مطرف: كل من ادعى قبل رجل دعوى، من مال، أو عرض، أو/جار، أو عبد، وأقام بينة، ثم عجز عن تعديلها وقد خاصم صاحبه، ولم ير الإمام له حقا في دعواه، فإن على القاضي أن يكتب للمدعى عليه كتابا بقطع حجة المدعي وتعجيزه عن اثبات دعواه، ويشهد [8/ 228]
له بذلك؛ ليكون ذلك براءة للمدعى عليه من المدعى ومن تردده بالخصومة عند هذا الحاكم أو غيره، ومتى ما جاء بعد ذلك بعدلين، أو بإثبات ما عجز عنه، لم ينظر له فيه بعد، لا هذا الحاكم ولا من كان بعده إلا ثلاثا أشياء: العتق، والطلاق، والنسب، فإن عجزه عن تحقيق ذلك ليس بعجز يمنعه من القيام به متى أحقه عند هذا الحاكم أو غيره. وخالفه ابن الماجشون، وقال مثله في العتق، والطلاق، والنسب. وقاله: وأما غير ذلك من الدعوى، فيخلف. أما الدعوى في مال، أو ربع، أو عبد، وشبهه، فلا يكلف في ذلك مدة تحقيقها لن ولا بينة، ولا عملا من الأعمال بشبهة تدخل على الحكم في أمرهما، إنما يكلف ذلك المدعي، فإن عجز عن إثبات دعواه، وتعديل بينته، دفعه عن المدعي قبله، ولا يكتب بذلك للمدعى عليه كتابا ولا إشهادا، ومتى ما جاء الطالب بأحق مما كان جاءه به، سمعهما منه، وقبله هذا الحاكم، وكل من بعده، وأما كل ما فيه شبهة، وتكلف المدعى عليه فيه عملا، ثم إن اثبت المدعي أن هذه الدار لأبيه أو لجده، فكلف من هي بيده البينة، فاحتج بطول الحيازرة مما يقوي به الحيازة بمحضر المدعي، وأقام بينة، فهذا أحق بما في يديه، ويسأل المدعي بماذا تركته يحوزها؟ / فإن قال: بإسكان، أو بإكراء. كلف البينة، فإن لم يأت بشيء، وضربت له الآجال، فلم يأت بشيء، فهذا من حق المدعى عليه، أن يكتب له كتابا بحكمه له بهذه الحيازة، وتقطع عنه حجة المدعي، ولا يسمع بعد ذلك حجج المدعى وبيناته بعد الحكم. قال ابن حبيب: وقول مطرق أحب إلي. وقال ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب في ذلك مثل قول مطرف. وقول ابن الماجشون حسن، ومن أخذ به لم يخطئ إن شاء الله، فاستحسنه أصبغ. ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك، وعن رجلين اختصما في دار، وبحضرتهما رجال: فيقول القاضي لأحدهما: قد نظرت في أمرك، فلا أرى لك [8/ 229]
حقا. فانصرفا، فأقاما حتى ماتا، ثم تخاصم ورثتاهما، وأقام ولد المطلوب البينة، يقول القاضي للآخر: هل ذلك قضاء؟ قال مالك: يبين ذلك عندي أن يكون ذلك في يد الميت حتى مات. قلت: فإنه بيده حتى مات. قال: فذلك قضاء على الآخر، لا شيء له. قال عبد الملك في المجموعة: ولو كتب قاض إلى قاض في أمر فقبله، ثم عزل المكتوب إليه، وولي غيره، فنظر في ذلك الكتاب، فرأى أن لا يحكم به ثم ولي الذي كان قد قبله، فاحتج الخصم بأن قاضيا قد ردها، وأن ذلك حكم، قال: له أن ينظر فيه وينفذه، وليس يوقف الآخر عن إنفاذه حكم. مانع لهذا أن ينفذه. قيل لابن كنانة في من أقام شاهدا على حقه، وطلب منه الإمام شاهدا آخر؛ لأنه لا يقضي باليمين مع الشاهد، فعجز عن ذلك، فأقام زمانا، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يقضي له بحقه، / وقد أخطأ قاضيكم؛ إذ لا يقضي باليمين مع الشاهد. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قامت بينة في طلاق، أو عتق، أو شراء دار، فأوقف ذلك القاضي حتى ينظر في البينة، فكشف عنهم، فلم يعرفوا إما لأنهم غرباء، أو لغير ذلك، فلما طال ذلك، رد المرأة إلى زوجها، والأمة إلى سيدها، والدار إلى ربها، ثم قدم من زكى تلك البينة، وعدلوا، فليقض بينهم؛ لأن تركه لذلك أولا لم يكن عن جرحة تثبت عنده في البينة، ولا قضى فيهم بإسقاط ولا قبول. قال: وإن سأله المشهود له أن يكتب له كتابا، أنه لم يحل العقل بجرحة تثبت عنده في البينة، وقال: فقدم من يزكيهم، فأمكنت له كتابا بذلك، ولو عزل وولي غيره، فزكوا، فليحكم بهم، وإن جرحوا أسقطها وكتب بذلك كتابا إن طلب ذلك منه من له فيه حق، ولا ينبغي أن يكتب في مثل هذا: إني حكمت بإرقاق الأمة. ولكن يكتب، أنه ردها إلى سيدها، إذ لم يجد من يعرف البينة التي [8/ 230]
فيمن بيده حكم قاض أو وثيقة شراء مات أكثر شهوده وأراد أن يحييه عند قاض هل يحكم فيه؟
شهدت لها، ولم يقض فيهم بإسقاط ولا قبول - يريد-: وكذلك يكتب إن كتب في الزوجة، والدار، وغيره، لا يرى أن يكتب في هذا شيئا، وليس تركه القضاء بما لم يصح عنده قصه للمشهود عليه. فيمن بيده حكم قاض أو وثيقة شراء قد مات أكثر شهوده وأراد أن يحييه عند قاض، هل يحكم فيه؟ من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في من بيده حكم قاض، أو شراء، لمنزل أو عبد، فيقوم بذلك إلى سلطان موضعه ليسمع/ من بينته عليه ليحييه له بالحكم له به، فلا ينبغي ذلك للإمام حتى يعارضه منه أحد بخصومة، أو دعوى، وليحييه صاحبه بأن يشهد على شهادة بينة كتابه إن شاء، إلا أن يكون طرأت له بينة على ذلك الحق من بلد آخر، وقل من يعرفهم ها هنا ومن يعدلهم، فيسأل القاضي أن يسمع من أولئك قبل يعرفهم عنه، ويحيي له بهم حقه قبل موته بفوات من يشهد له عليه وموته، وأنه يجد من يعدل به شهادة الطارئين ممن يعرهم الخصمان، ولا يمكنه أن يحييه بالإشهاد على شهادتهم، أو لا يعرفونهم، ولا يجو أن يعدلهم عند الغافلين عنهم بمثل هذا، فينبغي للإمام أن ينظر له فيه، ويحيي له حقه، ويشهد له على ذلك، ويضعه في كتاب الإشهاد أنه لم يخاصمه فيه أحد، ولا قطع به حجة أحد يقوم عليه، ونحو هذا من بيان الأمر، أو يكون حقا أو حكما قد خربت وثيقته واستقامتها على ذهاب، ولا يجد أن يحييه إلا بالسلطان، فلينظر له الإمام في إحيائه بما يراه، ويبين في كتابه أنه لم يقطع بذلك حجة أحد. وقال مطرف وأصبغ. ومن المجموعة: قال: سئل ابن القاسم في من خاصم رجلا في نصف منزل حتى قضي له به، فلم يحزه حتى هلك القاضي أو المقضي عليه، فلما طلب المقضي له قبضه، منعه من ذلك في يديه، وقال: لم يكن للمقضي عليه في هذا [8/ 231]
المنزل حق معنا، قال مطرف: فإن كان قضي لهذا به، وهو بيد المقضي عليه بعد القضاء لهذا فيما كان بيد خصمه، كان الآن بيد وارثه/ أو بيد من ابتاعه منه، وإن لم تقم بينة أنه كان في يد المقضي عليه، ولا معروف له يوم الحكم، فلا شيء لهذا؛ لأنه إنما قضي له على رجل لا يملكه، ولو جاز هذا لم يشأ رجل يجعل لنفسه خصما، فيقضى له عليه بما ليس في يديه مثل أموال الناس ورباعهم إلا فعل. وسئل ابن القاسم، وهو في العتبية، من رواية عيسى، فقيل: إذا أتى إلى الحاكم خصمان في أرض بالصحراء، يدعيها كل واحد منهما، ثم يقر بها أحدهما للآخر من غير بينة، كيف يوجه الحكم عليه؟ ولا يدري هل الأرض في يديه أم لا؟ قال: بل يشهد له أن فلانا أقر عندي لفلان بهذه الأرض، ولا يشهد له أنه قضى له بها، ولكن على إقراره، ولا يحكم فيها حتى تقوم عنده فيها بينة. وكتب إلى سحنون فيمن ادعى عند الرجل دابة، أو عبدا، فأنكر الآخر أن يكون ذلك عنده، فأتى الطالب بالبينة أن المطلوب أقر أن بيده دابة أو عبدا بصفة كذا، للصفة التي ادعى المدعي. قال: إن شهدوا أن دابة فلان أو عبده عند فلان، فقد تمت الشهادة، وإن قال: إن في يديه الصفة التي يدعي هذا. فليس هذا بشيء. ومن أقام بينة في عبد قد مات في يدي رجل أنه عبده، فليس له على الذي مات في يديه ضمان شيء، إلا أن تقول البينة: غصبه إياه. ولو قال من هو بيده: قد هلك عندي، فهو مصدق إن كان ذلك حيوانا، وإن كان مما يغاب عليه لم يصدق، ويحلف أنه هلك، ويغرم قيمته، إلا أن تقوم بينة بهلاكه بغير سببه؛ من لصوص، أو غرق، أو نار، ونحوه، فلا شيء عليه،/ وإن باعه، فلا يضمنه إلا الثمن، وهو مصدق في ثمنه. وقد تغير الشيء في يديه، أو يحدث به عيب. [8/ 232]
فيما لا يحل بحكم الحاكم وما يحل بحكمه
وروى عيسى عن ابن القاسم في من أقام بينة في دار بيد رجل، أن القاضي فلان بن فلان، قد حكم لي بها على فلان، غير هذا الذي هي في يديه الآن، فقالوا: لا علم لنا بهذا، وهي بأيدينا قبل هذا الحكم. قال: فليخرجها من أيديهم، ويدفعها إلى المحكوم له إن كانت البينة عادلة. يريد: إلا أن يقيم من هي في يديه الآن بينة أنها لهم، فليسمع لهم؛ لأن الحكم كان على غيرهم، وينظر عدل البينتين. فيما لا يحل بحكم الحاكم وما يحل بحكمه من كتاب ابن سحنون عن أبيه، ذكر قول النبي عليه السلام: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار. قال سحنون: فأخبر عليه السلام أن الحاكم لا يحل للمحكوم له ما يعلم خلاف ظاهره، كما لو علم الحاكم من ذلك ما علم هذا ما حكم بها. وأجمع العلماء أن رجلا لو أقام شاهدي زور بدين على رجل، فحكم له به الحاكم، أنه لا يحل له أخذه، ولو كان حكم الحاكم يحل حراما لأحله حكم النبي – عليه السلام- وقد جعله عليه السلام قطعة من النار، وقد أمر النبي – عليه السلام- الذين حكم بينهما في ميراث تقادمت، فلما ذكر لهما أنه من قضى له بحق أخيه أنه قطعة من النار، ترك كل واحد منهما ذلك/ للآخر، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبا فاقتسما وتوخيا الحق، ثم يحلل كل واحد صاحبه، وفي حديث آخر: اذهبا فاجتهدا في قسمة الأرض بينكما، ثم استهما، فإذا أخذ كل واحد نصيبه، فليحلل أخاه. [8/ 233]
وقال أهل العراق ما لا يشبه قول العلماء أن امرأة شهد لها شاهدا زور، وأخبرتهما أن زوجها طلقها ثلاثا، فحكم بالعراق أنها تحرم على الزوج، ويحل لها نكاح غيره، ويحل للشاهدين أن يتزوجها أحدهما، ويلزم قائل هذا لو ادعى أن ابنته أمته، وأقام بينة زور، فحكم له بهما، أن له ملكها ووطئها، فكما لا يحل الحكم حراما، فكذلك لا يحرم حلالا. قال سحنون: وأجمعوا لو ادعت أنه طلقها ثلاثا وهي تسمع، فجحدها، فأمر الحاكم معه بعد يمينه إن أقامت عليه شاهدا أن فرضا عليها الامتناع منه، إلا أن يغلبها. قال ابن سحنون: وقال بعضهم: لها أن تمنعه نفسها وإن أتى المنع على نفسه. قال عبد الله: والغالب من أقاويلنا، أن لا يبلغ بمنعه القتل؛ لأنها تغرر بنفسها فتعمل به، وهي لو رأت هلال شوال وحدها، لم نأمرها بالفطر للتغرير. قال سحنون: ولو أقام بين زور أن هذا باع منه أمته، لم يحل له وطؤها بالحكم، أو حكم لأمة بعتق سيدها بشاهدي زور، لم يحل للأمة أن تبيح نفسها لغير سيدها بنكاح أو غيره، إذا علمت هي بكذب الشهود، وكذلك في القيام بشاهدي زور على رجل آخر بمال، أو دم، لم يحله له الحكم الظاهر، فيلزم مخالفينا أن يبيحه ذلك، ولا قائل بهذا من/ المسلمين. ومن قول أصحابنا في من باع أمة من رجل، ثم جحده المبتاع الشراء، وحلف أن الأمة لا يحل للبائع وطؤها، ليقينه أنها للمبتاع دونه، وإنما له عليه مال جحده، فإن ماتت عن مال، أو قتلت، فأخذ فيمتها، فللبائع أن يقبض من ذلك الثمن، ويوقف ما بقي، فإن ادعاه الآخر أخذه. ولو ابتاع أمة، فطعن فيها بعيب وهو في ذلك ظالم، فأقام بذلك بينة زور، فردت بالحكم على البائع، فلا تدخل بذلك في ملك البائع، ولا ينفسخ البيع، إلا أن يرضى البائع بردها، فتكون منه إقالة أو فسخ؛ لأن المبتاع راض بردها إلى البائع، ولو طلق رجل امرأته ألبتة، فخاصمته إلى [8/ 234]
في الوكالة على الخصوم
من يراها واحدة، والزوجة مذهبها أنها ثلاث، والزوج أيضا ممن يرى ألبتة ثلاثا، فلا يحل للزوج أن يقربها حتى تنكح زوجا غيره، ولا يبيح له الحكم بأن تمكنه من نفسها حتى تنكح زوجا غيره من قبل؛ لأن الحكم لا يحل لهما ما هو عليهما حرام. وكذلك لو قال لعبده: اسقني الماء – يريد بذلك عتقه- والسيد يرى أن لا يلزمه في مثل هذا عتق وإن نواه، والعبد يراه عتقا، فللعبد في مثل هذا أن يذهب حيث شاء بما حكم له. ولو قال لزوجته: اختاري. فقالت: قد اخترت نفسي. وهي تذهب إلى أن الخيار ثلاثا، والزوج يراه واحدة، فإن الحكم لا يبيح للمرأة أن تمكن الزوج منها، ولتمنعه جهدها، ولو رفعها إلى قاض يرى الخيار واحدة، فارتجعها الزوج، فلا يبيح له الحكم ما هو عندها حرام، ولا يحل لها أن يأتيها الزوج إلا وهي كارهة. قال: وأما من جحدك مالا، ثم تظفر له بمال، فلا يشبه هذا؛ لأني إن ظفرت/ له بمثل ذلك المال بعينه، جاز لي أخذه بلا حكم، فإذا صرت إنما آخذ القيمة والبدل. صرت آخذ ماله الذي هو ملكه بغير قضاء السلطان، فلو جوز هذا الناس، لم يكن للحاكم معنى، ويلزم قائل هذا أن يقول: من قتل له ولي فظفر بقاتله، أن له أن يقتله بغير قضية. وهذا من الفساد. قال عبد الله: وأجاز ابن كنانة مثل ماله إذا أمن من اليمين، أو من أن يكون عليه لغيره دين. قال ابن القاسم: ينهى عنه على كل حال. وابن عبد الحكم يبيح له أن يأخذ إذا كان مثل ماله، ويحلف إن حلفه: ما أودعتك ينوي شيئا يلزمني رده. وقال غيره: لا يحلف إلا أن يحلفه الحاكم أن ما له عليك شيء. وفي كتاب الرجوع عن الشهادات باب في مثل معنى هذا الباب. في الوكالة على الخصوم قال ابن القاسم: قال مالك: يجوز للرجل أن يخاصم عنه وهو حاضر. وكان سحنون إذ كان قاضيا، لا يقبل من المطلوب وكيلا، ويقبله من [8/ 235]
الطالب، فقيل له في ذلك، فقال: قد جاء الحديث تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. وقال مالك: وإذا خاصمه، ثم تحاجا، ثم طلب أحدهما أن يوكل، فليس له ذلك، إلا لعذر بأنه أذاه أو غير ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك إن أراد سفرا، فله ذلك إذا لم يكن ذلك منه إلدادا، ويسمع من حجج وكيله، ويقع الحكم له أو عليه، وله عند مالك أن يوكل بمحضر خصمه وإن كره، إلا أن يوكل عدوا له. وروى عيسى في العتبية، عن ابن القاسم، في الشريكين يدعيان قبل رجل شيئا، فيأمرهما/ القاضي أن يستخلفا، وأن يلي أحدهما خصومته، فيقولان: من حضر منا، فهو خليفة الغائب. قال: لا يمكنهما من ذلك، كقول مالك في الذي خاصم رجلا، وواعده أنه ليس له أن يوكل، وكذلك في ورثة ادعوا منزلا، أيخاصمه كل رجل لنفسه؟ قال: بل يرضون جميعا برجل يلي خصومته، ويدلوا إليه بحججهم. فأما أن يتعاوروه هذا يوم وهذا يوم. فليس ذلك لهم. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ولا يلزمك إقرار وكيلك عليك. قال غيره: ولا إبراء غريمك مما لم يقبض منه، ولا أن يعدل شاهدا شهد عليك. وقال أشهب: ثم إن أراد الوكيل التمادي على خصومته، لم أحب له أن يطلب شيئا يقر أنه باطل، وأن خصمه فيه بحق، وإن أقام على طلبه، فللسلطان أن يقبل منه؛ لأنه أعلم بنفسه. قال ابن القاسم في الرجل والمرأة يوكلان رجلا يخاصم لهما، فإذا توجه القضاء عليه، زعما أنه لم يخاصم بحجتهما، وأن حجتهما غير ما كان يخاصم به، ولا يعلم أنهما بما كان يخاصم عالمان أو جاهلان. قال: لا يقبل ذلك منهما إلا [8/ 236]
أن يذكرا حجة مما يرى له وجه، كما لو خاصما بأنفسهما، فلما أراد أن يوجه الحكم عليهما، أتيا بحجة بقيت لهما، فإن أتيا بما له وجه، قبل منهما فنظر فيه. وسئل سحنون عن من طلب رجلا بدين، فأعطاه حميلا، وقال: أرضى بما يحكم به له وعليه، فيستحق الطالب الدين، والمطلوب غائب، فقال: إن كان الحميل حميلا بما يطلب به الطالب، فإن كان للغائب مال بيع عليه، وإن لم يكن له مال، أو عجز ماله عما عليه، أتبع الحميل بذلك، إلا أن تكون غيبته مثل البريد/ ونحوه، وإن كان إنما هو وكيل على الخصومة فيم فلا يؤخذ منه شيء. قال أشهب: وإذا وكل الرجل على الخصومة، ثم مات الوكيل، فقد انقضت وكالته، وليس ورثته فيها بمنزلته، وإن مات الذي وكله، انقضت وكالة الوكيل، وصارت الخصومة بين الطالب وبين ورثة المطلوب. ومن كتاب ابن سحنون وفيما كتب شجرة إلى سحنون: أنك رأيت ألا نقبل من المطلوب وكيلا، أرأيت إن حضره سفر، أن كان امرأة، أو كان عاملا للوالي، خرج إلى عمله، أو كان له عذر؟ فكتب إليه: إنما أحدثت ذلك لهؤلاء الجبابرة ليلا يمكنوا من التغيب على الناس، وتحدث للناس (أقضية) بقدر ما أحدثوا من الفجور، وأن للمرأة والمريض وذي القدر أن يوكل. وقد ذكرنا من هذا في الجزء الأول كثيرا، وما لسحنون في ذلك من اختلاف القول. وسأله حبيب عمن وكل رجلا على الخصومة فيما له قبل فلان، فترك القيام حتى مضت سنون، فقام يثبت الخصومة، ويقيم البينة، هل يمكن من الطلب بالوكالة القديمة؟ فقال: يبعث الحكم إلى من وكله، هل هو على وكالته أو خلعه عنها؟ قال: فإن كان الرجل غائبا فالوكيل على وكالته القديمة، وله الطلب. [8/ 237]
في الحكم بين أهل الذمة، وهل يعرض لهم في قضائهم ومواريثهم؟
ومن سؤال شجرة، في من وكل وكيلا في خصومة، وأقامه مقام نفسه في حجة، قال: فليس للوكيل أن يوكل غيره بذلك، وإن ترك الوكالة وذهب، لم يبطل حق الطالب. في الحكم بين أهل الذمة وهل يعرض لهم في قضائهم ومواريثهم؟ من العتبية/ وروى عيسى عن ابن القاسم: قال: لا يمنع حاكم المسلمين من شاء من النصارى من الوصايا في أموالهم، وإن أحاطت بأموالهم، ويتركوا على شرائعهم، وإن تحاكموا إلينا، ورضي الخصمان وأساقفتهم، حكم بينهم بحكم الإسلام، فلا يكون ذلك إلا برضى من أساقفتهم، فإن كره ذلك الأساقفة، فلا يحكم بينهم، وإن رضي الأساقفة بحكمنا، وأبى ذلك الخصمان أو أحدهما، لم يحكم بينهم المسلمون. وقيل لسحنون: أيوصي النصراني بجميع ماله؟ قال: أما إن كان من أهل العنوة، فليس له ذلك؛ لأن ورثته المسلمون. وأما الصلح: يؤدي عن خاصة نفسه الجزية، ولا يؤخذ غنيهم عن، فليس لهذا أن يوصي بجميع ماله، ولا يوصي إلا بثلثه إذا كان لا وارث له من أهل دينه؛ لأن ورثته المسلمون، وأما إن كان صلح ممن صالح على أن عليهم وظيفة معلومة من الخراج، ولا ينقصون منها لموت من مات منهم، أو لعدم من أعدم، وبعضهم مأخوذ ببعض، فلا يعرض لهم في وصايا لهم إذا مات منهم أحد لا وارث له، فليس لنا أموالهم، وماله لأهل خراجه يتقوون به، وبعضهم قوة لبعض. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم وهو في غير كتاب من قول مالك: أنه إذا وقعت خصومة بين مسلم وذمي، فليحكم القاضي بينهما بحكم الإسلام وإن كره [8/ 238]
فيما أفسدت المواشي وجناية العجماء وفيمن أفسد زرعا أو حفر خندقا فهلكت فيه دابة
الذمي. وإن كانت بين نصرانيين، فرضيا أن يحكم بينهما، فهو مخير؛ إن شاء حكم بينهما بحكم الإسلام، أو تركهما، وإن رضي أحدهما ولم يرض الآخر طالبا أو مطلوبا، فلا يحكم بينهما، إلا ما كان من حدود الرب/ سبحانه، مثل أن يقطعوا الطريق، وما أشبه ذلك، فإنه يحكم بينهم بحكم الإسلام، شاءوا أو أبوا. قال يحيى بن عمر: فإن كانت بين يهودي ونصراني، فليحكم بينهما وإن كره ذلك أحدهما؛ لاختلاف ملتهما. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا طلب الذمي حقا من مسلم، أو طولب به، فلا بأس أن يترك يدخل مكة أو المدينة لخصومته؛ فإذا فرغت، لم يترك يقيم بها. فيما أفسدت المواشي وجناية العجماء وفيمن أفسد زرعا أخضر ومن حفر خندقا فهلكت فيه دابة وقتل الكلاب من العتبية: روى أشهب وابن نافع، عن مالك: سئل عما أفسدت المواشي بالليل والنهار من الحوائط التي يحرسها أهلها بالليل، أو قد غلطوا ألا يحرس، فذلك سواء؟ قال: نعم، كلما أفسدت من زرع أو حائط، والزرع محظور عليه أو غير محظور ولا يحرس، فعلى أهل المواشي ما أفسدت بالليل، وما أفسدت بالنهار، فليس عليهم فيه شيء. وما أفسدت المواشي والدواب بالليل، فهو ضامن على أهلها وإن كان أكثر من قيمة المواشي، وإن لم يبد صلاحه، فعليه قيمتها يوم أفسدت – يريد: على غررها. قال في الدابة تنفلت فوطئت على رجل نائم بليل: قال: لا ضمان على ربها، إنما هذا في الحوائط والزرع. [8/ 239]
فيمن وجد في زرعه دابة فأدخلها في داره فانفلتت فأكلها ألسبع
وروى عيسى بن دينار: قيل لابن القاسم: كيف يغرم قيمة الزرع الأخضر؟ قال: قيمته لو حل بيعه على الرجاء والخوف. قال أصبغ عنه في الزرع يعث فيه الدواب فتفسده، فيحفر رب الزرع حول الزرع حفيرا لمكان الدواب، وقد أنذر أصحابهم، فيقع/ بعضهم في حفيره ذلك فيموت. قال: لا شيء عليه، ولو لم ينذرهم. وقاله أصبغ، وهو قول مالك إن شاء الله. وفي كتاب نفي الضرر: باب فيما أفسدت المواشي فيه زيادة على ما في هذا الباب من كتاب ابن حبيب، فمن شاء رده إلى هذا الباب. ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك: يؤمر بقتل الكلاب ما يؤذي منها في المواضع التي لا ينبغي أن تكون فيها. قلت: في قيروان، أو الفسطاط؟ قال: نعم، وأما كلاب الماشية، فلا. في من وجد في زرعه دابة فأدخلها في داره فانفلتت فأكلها السبع من العتبية، من سماع عبد الملك بن الحسن: قال ابن وهب في من وجد في زرعه مهرين، فساقهما إلى داره، فأدخلهما داره، فلما كان في جوف الليل خرقا زرب الدار فخرجا منها، فعقرهما السبع، أو عقرهما في داره. قال: فهو ضامن إذا غفل وأصيبا في الأمر الذي يسببه وأصله منه، ولم يكن له سوقهما، ولا حبسهما في داره، إنما له إن يأتي السلطان، وإلا سيبهما، فأراه متعديا حتى يردهما إلى ربها. وقال أشهب: هو ضامن لهما حتى يرجعا إلى صاحبهما، ماتا في داره أو عقرا خارجا من داره. [8/ 240]
فيمن استحق من يده عبد فأراد أن يرده بعيب على بائعه في أن يقضي به لمستحقه
فيمن استحق من يده عبد فأراد أن يرده بعيب على بائعه قبل أن يقضى به لمستحقه من كتاب ابن سحنون في من أقام بينة في دابة أو عبد بيد رجل: أن ذلك له، ما علموه خرج في ملكه، فلما أقام بذلك البينة، قال الذي هو في يديه: أنا اشتريت من فلان، وبالعبد عيب/، أو بالدابة، أفأرده به على بائعي؟ قال: ذلك له، ويكلف البينة على العيب، فتكون منازعته مع بائعه، ويكون هو منازعا لمدعي الدابة، فإذا حكمت برد العبد على البائع، لم أالبينة بالاستحقاق عليه، ويقال للمردود عليه: هلم منافعك، وريب الدار بالعيب. باب مسائل مختلفة من الأقضية قال ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون في امرأة ادعت عند الحاكم أنها اشترت من زوجها منزلا عرفته وقبضته، وبيده صرة تقول: هو هذا الثمن قبضه منها، وقد فقد الزوج الآن، هل لها طلب ما أقرت بقبضه؟ فكتب إليه: هذا على ما يرى الحاكم؛ إن كان لم تطل إقامة المنزل بيدها حتى فقد، فذلك لها، إلا أن يستريب الحاكم أمرا، وإن طال إقامة مقامه بيد الزوج يحوزه، وهي حاضرة حتى فقد، فأمرها ضعيف، وإن كان أمرها قويا، فلا يعجل الحاكم، ولينتظر الغائب، والشأن في الحكم في الرباع على الغائب أن لا يعجل فيه. وكتب شجرة إلى سحنون في من أقام بينة على رجل أنه غضبه أرضا كذا، وحدها، وهي في يديه، ثم أقر المطلوب عند قوم أن هذه الأرض ورثتها عن أبي، وكانت بيدي حتى وثب هذا المدعي للغصب فأخذها مني في دخول أبي فهر [8/ 241]
تونس فغلبه عليها، فكانت في يديه حتى دخل أبو خفاجة تونس، فقمت فأخذتها منهم كما أخذوها مني، والشهود على إقرار لا يعرفون الأرض. فكتب إليه: قد أقر أن الأرض/ التي حدها أن فلانا أخذها، وأنه قد أخذها منهم كما أخذت منه، فليردها على من أقر أنه أخذها منه، ثم يقال له: اطلب ما غصبت. وكتب إليه شجرة في قوم يهود تنازعوا في كنيستهم، وهم فريقان: فريق، زعموا أنهم هم أهل القانون، وأول من اتخذ الكنيسة، وفريق طرأوا عليهم من الآفاق، والآن أمر الفريقين واحد في دخولها وعمارتها، لم يختلفوا حتى تنازعوا، فقال أهل القانون: نحن ننفق معكم، فكتب إليه: إن كان لهم وال يجمعهم، رد ذلك إليه إن كان في موضعهم، وإن كان لكل فريق وال على حدة، فأتياك جميعا، فلمن أراد العمارة أن يعمر، كمن شاء عمارة مسجد، وإن كان مرادهم البغي والحسد، فليعمر الفريقان، ولا يخص بذلك أحدهما. وكتب إليه شجرة في من توفي عن زوجة ابنتين، لا وارث له غيرهم، رفع إلى أمرهم، وليس له عصبة تعرف، هل أترك النظر في ذلك؟ فكتب إليه: إذا رفع إليك، فاجعل الباقي في فقراء المسلمين. وكتب إليه في من تحامل على مقبرة فحرثها، ومنع من الدفن فيها، وقامت بذلك بينة أنهم يعرفونها مقبرة للمسلمين مباحة، حتى فعل فيها هذا الرجل هذا، وكان الرجل حين البينة غائبا، فهل أعيد عليه البينة؟ فقال: أعد البينة عليه، وأقرها كما كانت. وكتب إليه شجرة: وعن المفقود يكون له عند رجل جارية، فسأله عنها الحاكم، فأنكرها، ثم أتاه فأقر بها، وقال: بعتها، وقد فاتت، وقضيت / ثمنها في دين عليه، وفيما افتككتها به؛ لأنها رهنه فيما قال في ربعه المريع، فكتب إليه: إن اتهمته أن يكون غيبها، فأطل حبسه، واكشف عن صفتها وقيمتها، فإن لم يظهر، فألزمه [8/ 242]
فيما ينظر فيه من ينظر في الأسواق من تغيير المنكر والأمر بالمعروف
الأكثر من الثمن أو القيمة، وإن لم يعلم صفتها، صدق مع يمينه، وقومت تلك الصفة، وغرم الأكثر، فإن ثبت أنه قضى عنه دينا، ثبت ذلك أيضا على المفقود، وقبضه الطالب من هذا بالبينة العادلة، قوصص بمثله، وإن لم يثبت ذلك، لم يحط شيئا، ولا يحسب له ما فداها به. وكتب إليه شرحبيل قاضي أطرابلس: أن رجلا زوج ابنته من رجل، وقبض نقدها، فلما حضر البناء بها، قال: هربت مني. وهو عندنا رجل صالح، فكتب إليه: ليس بصالح، وأرى أن يسجنه حتى يظهر ابنته، ثم بلغه موانسة الناس له في السجن، فكتب إليه: امنعه من ذلك. ثم كتب إليه أن يخرجه إلى وسط المدينة، فيجلده مائة سوط، ثم يعيده إلى السجن، ويردد عليه كما ترى حتى يخرجها أو يموت، ثم مات أبوها، فبلغ القاضي أنها عند قوم، فسأل الأمير أن يتولى طلبها، فكتب الأمير إلى عامل أطرابلس برفع الرجلين اللذين قيل: إنها عندهما، فأظهرا الجارية، وأخذها زوجها. فيما ينظر فيه من ينظر في الأسواق من تغيير المنكر والأمر بالمعروف قد جرى في الأول من أقضية البيوع من معنى هذا الباب من النظر في أهل السوق، في موازينهم، ومكايلهم، وما يجري من الفتن/ في صناعهم وصناعتهم. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم، ولا تجلس الشابة إلى الصناع، وأما المتجالة الخادم الدون التي لا تتهم، ولا يتهم من تقعد عنده، فلا بأس بذلك. قال عنه أشهب: قيل له: أمور عندنا ظاهرة، من حمل المسلم الخمر، ومشيه مع المرأة الشابة يحادثها، فإذا كلم فيها، قال: هي مولاتي. قال: وددت أن يقام في ذلك ويمنع منه. قيل: فإن من يقوم في ذلك لا يقوى عليه إلا بالسلطان. فأتى [8/ 243]
فيمن يفعل ما فيه تغرير بنفسه وبغيره من ركوب بحر أو غيره ومنعه من ذلك
السلطان فأعلمه، فكلفه ذلك، فقبل ذلك على ألا يجلس في موضع معروف، ولا ينظر في حد ولا يقيمه، ولكن يأمر وينهى، هل يدخل في هذا؟ قال: إن قوي على ذلك وأصاب العمل، فما أحسن ذلك. ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم، في فاسد يأوي إليه أهل الخمر والفسق، قال: يخرج من منزله، ويكرى عليه. قلت: أيباع عليه؟ قال: لا، لعله يتوب فيرجع إليه. قال ابن القاسم: يتقدم إليه المرة بعد المرة، أو ينهى، فإن لم ينته، أخرج، أكري عليه. وروى عيسى عن ابن القاسم، في أجر المعازف واللهو، أيقضى به؟ قال: أما الذي يرخص فيه- وهو الدف- فليقض به، وأما المزمار والعود، فلا يقضى بالإجارة فيه. فيمن يفعل ما فيه تغرير بنفسه وبغيره من ركوب بحر أو غيره، ومنعه من ذلك من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى بعض أمنائه: من/ سحنون بن سعيد، إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: أعانن الله وإياك على بلوغ رضاه، واستحقاق ثواب أهل طاعته، فإنه بلغني، وتحقق عندي، أن قوما قبلك اتخذوا قوارب على شاطئ البحر، يصيدون فيها، ويكرونها للصيد، يغررون بأنفسهم وبالمسلمين إلى جزائر في البحر، يطلبون بذلك عرضا من الدنيا قليلا، فتذهب في ذلك أنفسهم، ويدخلون الوهن على المسلمين، فانظر – وفقنا الله وإياك- إذ جاء كتابي، فاجمع من بقربك [8/ 244]
في الرفق بالمملوك والقضاء في سوء الملك
من أهل القوارب وغيرهم ممن يصيد بالجزائر، فامنعهم أشد المنع، وتقدم فيه أشد التقدمة، وأظهر العزم الغلظة، واقرأ عليهم كتابي؛ لتكون عليهم حجة، وقد جعلت إليك أمر البحر من موضع كذا إلى موضع كذا، لتنظر في مثل هذا، غير أن أهل الجوابي إن لم يغروا وإنما يركبوا منها إلى زراريهم وقفافهم، فلا تمنعهم، ومن عاد بعد كتابي هذا إلي ما نيته عنه، فارفعه إلي بحملاء ثقات، واكتب إلي بذلك إن شاء الله لأرى من أدبه ما يكون زاجرا لغيره، وإن امتنع من الارتفاع، فارفع كتابي إلى العامل حتى يقوي أمرك، والسلام. وذكر في الكتاب غير هذا من موعظة، وتأكيد تزكية. في الرفق بالمملوك والقضاء في سوء الملك من العتبية: روى أشهب عن مالك قال: قال النبي عليه السلام، للملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق. قال مالك: ويقضى علي سيده ألا يكلفه إلا ما يطبق من العمل؛ قال/ عن ابن القاسم في العبد يشكو الغربة ويسأل سيده البيع ويقول: وجدت موضعا، قال: ليس ذلك على سيده، ولو جاز هذا لقال ذلك الخديم. وسئل مالك عن عجوز أكلت لحم خادمها نيل كليته، قال: لا ولكن مضغته وأثرت بجلدها أثرا شديدا، فأمر مالك أن تباع عليها ولم ير أن تعتق. وسئل (عن) الأمة تطلب البيع، قال: ينظر، فإن كان على من ملكها، وإن لم تكن في ضرر لم تبع، وقال أصبغ عن أشهب: إن كان ضرر قد عرف [8/ 245]
في النصراني هل يستكتب أو يستعمل؟ وهل يتركون في الأسواق؟ وهل يعلمون كتاب العرب؟ أو يتعلم المسلم كتاب العجم
وكثر بيع عليه، وإن كان إنما هو الزلة والفلتة، فإنما ينهي عنه المرة بعد المرة، قال: فإن عاد بيع عليه، وقال في مدبر أضر به سيده ويؤذيه، قال: يخرج من يديه، ويؤاجر عليه، قال أصبغ: لأنه لا يباع. في النصراني هل يستكتب أو يستعمل؟ وهل يتركون في الأسواق؟ وهل يعلمون كتاب العرب؟ أو يتعلم المسلم كتاب العجم؟ من العتبية من سماع ابن القاسم: قيل لمالك: يكتتب النصراني؟ قال: لا أرى ذلك، والكاتب يستشار في أمور المسلمين، فلا يعجبني ذلك. ونهى عمر أن يستعلموا، قال سحنون: ويمنعوا من السوق، وكذلك من لا يبصر البيع من المسلمين، يريد: لا يعلم ولا يتوقف عن الأمور البينة من فساد البيوع. قال ابن القاسم عن مالك: إنه كره للرجل المسلم أن يحضر ولده في كتاب العجم يتعلم كتاب العجم، وأكره للمسلم أن يعلم النصراني الخط أو غيره. تم الكتاب بحمد الله يليه: كتاب الشهادات الأول [8/ 246]
كتاب الشهادات
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الشهادات الأول ما يلزم الرجل الإجابة إذا دعي إلى الشهادة في ابتدائها أو أدائها، وهل يشهد على من يعرف أو على وثيقة لا تقرأ أو غائب عنهم أو كان المقر له غائبا؟ أو في المرأة تشهد على نفسها بغير إذن من المجموعة: قال مالك: قال الله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) إنما هو من يدعي إلى أدائها بعد أن يشهد عليه، وكذلك ذكر ابن حبيب [عن مطرف عن مالك، ورواه ابن حبيب] عن ربيعة وزيد بن أسلم. قال مالك في المجموعة: وأما قبل أن يشهد فأرجو أن يكون في سعة إذا كان لم يشهد، ولعله يكون مشغولا، وليس كل أمر يحب الرجل أن يشهد عليه، ومثله في العتبية عن سحنون، وقاله ابن كنانة، وقال: فإن لم يجد غيره، وخاف أن يبطل حقه إن لم يشهد، فعليه أن يجيب، وإن وجد عنه مستغنى فهو بالخيار، وكذلك الكاتب يدعى إلى أن يكتب، ودعي مالك وقد دخل السوق إلى شهادة فلم يجب، واعتذر لمن دعاه، وقال: أخاف أن يكون في أمرك مالا أرى أن أشهد عليه، فيقتدي بي من حضر، فقبل منه. [8/ 247]
ابن حبيب: وبلغني عن عطاء أنه قال: أتت الآية في الوجهين: ليشهدوا وليؤدوا. ابن حبيب وهو في الابتداء أخف، قال سفيان في قوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) قال: يجيئه في حال شغله. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز، والعتبية: قال مالك فيمن جاء يذكر حقا عليه في رجل غائب، فأشهدهم فيه، فلا أرى أن يكتبوا [شهادتهم إلا أن يكتبوا] أن فلانا ذكر لنا: أن لفلان عليه كذا وكذا، ولا كن يكتبوا في ذكر حق بغير هذا التفسير، قال ابن القاسم: وذلك خوف أن يقر له بيسير خوف أن يستوجب به الخلط فيستحق عليه اليمين فيما عسى أن يدعيه، ولكن يكتبوا: إن هذا أقر لفلان والآخر غائب. قال ابن عبدوس: قال أشهب عن مالك: قال ابن حبيب: وقاله مطرف عن مالك، وهو في المختصر عن ابن عبد الحكم: لا ينبغي أن يشهد الرجل على من لا يعرف، قال في المجموعة: والعتبية وأن الناس ليشهدوا بكون بعضهم يعرفه، وفي ذلك بعض السعة، وكذلك في العتبية من سماع أشهب، ابن حبيب: قال مالك: إلا أن يكون معك من يعرفه، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن القاسم وقد أشهد على رجل وقال: لا أشهد إلا على من أعرف، قال ابن عبدوس: ويخشى من ذلك أن يجد الرجل شهادته في كتاب على من لا يعرف، ويكون الشاهد قليل المعرفة فيقول: أشهد بما في هذا الكتاب. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يخشى أن يأتي من لا يعرف فيتسمى باسم رجل فيقر أنه باع داره من هذا، ويكتب عليه شهادته، فيموت الشاهد فيقيم على خطه شاهدين، فتجوز الشهادة، يريد: عند من يجيز ذلك من أصحابنا، وقاله أصبغ. [8/ 248]
قال ابن القاسم في المجموعة: فإذا دعي ليشهد على مرأة لا يعرفها، وشهد عنده رجلان أنها فلانة، [فلا يشهد أنها فلانة، وإنما يشهد على شهادتهما]. ومن العتبية من سماع ابن القاسم في المرأة يريد عمها أن يزوجها ولا يعرفها أحد، كيف يشهد؟ قال: يدخل عليها من لا يحتشم منه، ثم شهد على رؤيتها، وأفتى به في جارية تزوجت من آل أبي طالب وليها الحسن بن زيد، وقال ابن كنانة فيمن شهد في صبي صغير بيع ثم استحق بملك أو بحرية، ثم قام مبتاعه بشهادته وكتاب شرائه، فيشهدون أن الكتاب حق، ولا يعرفون العبد الآن حين كبر، فلا يقضي له بالثمن حتى يقطعوا بأن هذا العبد المبيع في الكتاب. ومن كتاب ابن سحنون والعتبية: قال سحنون: وللمرأة ذات الزوج أن يدخل عليها في مغيب زوجها رجالا تشهدهم على نفسها بغير إذنه، ولا يدخلون عليها في مغيبه إلا مع ذي محرم منها، ولا يمنعها إن حضر، وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا كانت مضطرة لمرض أو غيره، ومعها أهلها، جاز أن تدخل على نفسها العدول، وأما بحضرة زوجها فلا يدخل عليها إلا بإذنه، فإن منعها فاستأذنت عليه فليأمره الامام بذلك أن كان لا تطلب وجهه. ومن العتبية وكتاب ابن المواز من سماع أشهب: قال مالك: ومن أقر لرجل بمائة أردب قمع بغير كتاب، ثم جاء الطالب من الغد بكتاب فيه ذلك، فلا أحب أن يكتبوا فيه، وليكتبوا في إقراره عليه، قال عن أشهب في العتبية: قيل: فإن شهدت في كتاب ثم ذهب بالكتاب لتزداد فيه بينة، ثم أوتيت به بعد يومين، هل أشهد فيه؟ قال: إن عرفت الكتاب فاشهد فيه. [8/ 249]
قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن أشهد على رجل في كتاب ذكر حق ثم ذكر أنه ضاع، وسأل الشهود أن يشهدوا له بما حفظوا، فلا يشهدوا وان كانوا بكل ما فيه حافظين، خوفا أن يكون قد اقتضاه ومحي الكتاب، فإن جهلوا وشهدوا فليقض بها الإمام، وقال مطرف: بل يشهدون [بما حفظوا] وقاله مالك، وهو قول أصبغ، وبه أقول إن كان الطالب مأمونا، وإن لم يكن مأمونا فقول [ابن القاسم] وابن الماجشون أحب إلي، وروى أشهب عن مالك في القاضي يشهد رجلين في كتاب مطبوع بيده: أن هذا كتابي إلى قاضي بلد كذا، ولا يقرؤه، فقد كان بأيديهم الكتاب، قال: أرى أن يشهدوا به، ويجوز ذلك من كتب إليه، ولو كان الكتاب أحد الشاهدين، فإن كانا قد اجتمعا عليه وعرفا الآن خواتمها فليشهدوا عليه. وقال فيمن كتب وصيته منذ أيام، ثم أدخل عليه قوما فأشهدهم أن هذه وصيتي، هل يقولون: تقرؤها فإنها كانت عند أهلك؟ قال: ليس ذلك عليهم، ولهم أن يشهدوا بذلك، فإن كانت بيد بعضهم فليشهد من هي عندهم، وأما الآخرون فلا أدري، قال: ومن أتاه بكتاب طبعه فقال: اكتب شهادتك في أسفله على أنها وصيتي، ولا يعلم الشاهد بما فيها، فكتب الشاهد على إقراره، قال: إن لم يشك في خاتمه فليشهد، وإن شك فلا يشهد، قال أشهب: إذا قال: اشهدوا علي بما فيها جاز ذلك، كانت مختومة أو منشورة، قرأها أو لم يقرأها، ولو قرأها ولم يشهدهم عليها لم تجز لهم الشهادة بذلك، وإن كان بين يديه كتاب مكتوب فقيل له: هذه وصيتك؟ [وشهد بها عليك إنها وصيتك، فحرك رأسه بنعم] فأشار برأسه: أن نعم، فهي نافذة وشهادة جايزة إن كان يعرف أن تحريك رأسه بذلك كالقائل: نعم. [8/ 250]
ما يلزم الرجل أن يشهد به مما علمه أو حضره أو سمعه، وفي المنكر يراه
قال ابن حبيب: قال مطرف في الصحيفة تكتب على رجل بأمره، يشهد بما فيها على نفسه، وهو ممن لم يقرأها ولا قرئت عليه، فإن كان ممن لم يشك أنه علم ما فيها، فلك أن تكتب شهادتك إذا قال لك: ما فيها حق وإن لم تقرأها عليه، وإن كان أميا، وإن كان ممن يظن أنه لم يحط بها علما، أو يخشى أن يكون مختدعا، فلا تكتب شهادتك حتى تقرأها عليه، وإن قال لك: ما فيها حق، أميا كان أو قارئا. ما يلزم الرجل أن يشهد به مما علمه أو حضره أو سمعه، وفي المنكر يراه من المجموعة: قال مالك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء الذي يخبر - أو قال: يأتي - بشهادته قبل أن يسألها يعني: تكون عنده شهادة لرجل لا يعلمها، فيخبره بها ويؤديها إلى الحاكم. ومن المجموعة والعتبية وغيرها: قال أشهب عن مالك فيمن شهد وسألني التزكية، هل علي أن أزكيه؟ قال: لا أرى ذلك عليك، ولا كن حسن أن تعدله. قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: إن وجد غيرك يزكيه فأنت في سعة، وإن لم يجد غيرك فلا أراك في سعة، وكذلك هي في كتاب ابن المواز. قال ابن القاسم في المجموعة فيمن أخذ في شرب خمر، أخذه رجل ومعه جماعة، فلم يزالوا به حتى خلى سبيله، وكان أراد رفعه إلى الحاكم فتركه، ثم وقع بينه وبينه شر، فأراد رفعه الآن، واستشهد بالقوم، هل يشهدون؟ قال: لا يشهدون في ذلك إلا أن يكون شهد على أحد فليجرحوه بذلك، قيل: فإن علم الإمام بذلك، ألهم كتمان الشهادة؟ قال: نعم إلا في التجريح كما ذكرنا. [8/ 251]
قال في كتاب ابن المواز: ومن تاب وقد علم قوم ما تاب منه، فإن تاب مما يلزمه للناس من قذف أو قصاص أو مال: فليؤدها عليه، وأما في حدود الله تعالى فلا يكشفوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم، لهزال: هلا سترته بردائك ولو قام بها قائم عند الإمام لم يقبل منه إلى ببينة سوى القائم عليه. قال ابن وهب: قال ابن المسيب: الستر واجب إلا على الوالي، وأحد الشهداء الأربعة في الزنا، والموكل. وقال ابن وهب عن مالك في الجار يظهر شرب الخمر وغيره، فليتقدم إليه وينهاه، فإن انتهى وإلا رفع أمره إلى الامام، وعن الشرطي يأتيه رجل يدعوه إلى ناس في بيت على شراب، فأما البيت الذي لم يكن ذلك يعلم منه فلا يتبعه، وإن كان بيتا معلوما بالسوء قد تقدم ذلك له فيه فليتبعه، وروى عنه ابن نافع فيمن مر على قوم فافترى عليه رجل منهم، فأخبر بذل المقذوف، فأتى إليهم فسألهم الشهادة، قال: إن كانت فرية فليشهدوا لعظم أمرها، وقد تكون الكلام والمشاتمة، وأما الفريه فليشهدوا، قال عنه ابن وهب: وكذلك لو استكتمهم ذلك [وكذلك لو أقر بحق رجل واستكتمهم ذلك فليشهدوا] قال عنه ابن القاسم فيمن بينهما خصومة، فسأل أحدهما رجلين أن يمشيا إلى صاحبه ويصلحا بينهما، فأتياه وكلماه، فقال: أنا أخبركما على أن تشهدا، فقبلا ذلك منه، فاعترف، ثم تجاحدا. قال: اكتب: أحب إلي أن لا يقبلا، فإن قبلا فلا يعجلا بالشهادة حتى يتجاحدا ويكاد أن لا يعترفا، أو يكون عند آخر ذلك، فإن اصطلحا وإلا فليشهدا عليه، قال عنه ابن نافع فيمن دخل بين اثنين فاصلح بينهما، ثم سأله أحدهما أن يشهد له ببعض ما أقر له به فأبى أن يشهد له، قال: ما أرى بما صنع بأسا، قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا ادخلا بينهما رجلين على ألا يشهد بينهما، فذكر نحو قول مالك. [8/ 252]
في الرجل يعلم بدين لرجل ثم يخبره غيره بزواله عنه وهل يشهد بالأصل
ومن كتاب ابن عبدوس: قال مالك فيمن سمع رجلا حنث في طلاق، ولم يشهد عليه بذلك غيره، قال: فليرفعه إلى السلطان، وكذلك لو حنيث بذلك في حق للشاهد عليه، فليرفع ذلك حتى يكون السلطان ينظر في أمره. يريد: لا تجوز شهاداته [في حنثه] في دينه عليه، وقد ذكرها بعد هذا، وكذلك لو كان في شهادة بحق فأنت تعلم صحة الحق، قال ابن الماجشون: كل ما فيه حق لمن يشهد به، فيلزمك أن تشهد، وأما ما لاحق فيه لأحد فليس عليك أن تشهد فيه، لأنه لاحق فيه له يذكر، وأما م فيه شبهة، أو لطخ، أو بحق تهمة، أو توجب يمنيا، فأده، وكذلك ذكر عنه ابن سحنون في كتاب الأقضية. في الرجل يعلم بدين رجل ثم يخبره غيره بزواله عنه أو يعلم بملك العبد ولم يسر غيره يحوزه عليه وهل يشهد بالأصل؟ من المجموعة: قال سحنون فيمن أشهده رجل بدين لرجل، ثم أخبره عدلان أو رجل وامرأتان أنه قد قضاه إياه، قال: فإذا أخبره من تجوز شهادته، فلا يشهد، قيل: فأخبره شاهد واحد فوقف، وقال: ما تبين لي. قال سحنون في الرجل بشتري العبد بمحضر بينة، ثم يرون العبد بيد زوجة المبتاع بمحضره سنين والعبد في ضيعتها قد بانت عنه، ثم يدعو إلى شهادة على أصل الشراء؟ قال: لا يسعهم أن يشهدوا، لأن الرجل يلي الشراء لامرأته. [8/ 253]
فيمن يعلم علما لا يجوز عنده والحاكم يجيزه، وهل يزيد في الشهادة ما تقوم به أو ينقص منها؟
فيمن يعلم علما لا يجوز عنده والحاكم يجيزه وهل يزيد في الشهدة ما تقوم به أو ينقص منها؟ والرجل هل له أن يشهد على عدوه أو لمن يتهم فيه، ويخبر الحاكم بذلك أو وهو بين الجرحة هل يشهد عنده؟ من المجموعة: قيل لسحنون فيمن عنده شهادة، وهي لا تجوز عنده. وتجوز عند القاضي كشاهد على صداق نصفه إلى غير أجل، قال: لا يشهد فيه، وعن شاهدين شهد أحدهما بأربعين، والآخر بخمسة وأربعين، فهما أن أدياها لم يجزها الحاكم، وذلك رأيه، هل يسع الشاهد أن يسقط خمسة ويشهد بأربعين لتجوز الشهادة؟ قال: لا بأس به، قيل: فإن وجد الطالب من يشهد له على خمسة، هل يسع الشاهد الذي أسقط خمسة أن يشهد بها مع هذا؟ قال: ذلك له. قال ابن الماجشون: لا يسع الرجل رفع شهادته لنفسه، ولا لابنه، أو جده، أو أمه، أو جدته، أو والده، أو أحد الزوجين مع الآخر، فأما غير هؤلاء فعليه رفعها، ويصف حاله للحاكم من قرابته. قال سحنون في الرجل البين الجرحة قبله شهادة، فليس عليه رفعها إلى الحاكم، ألا ترى أن من العراقيين من يقبل الشهادة ولا يسأل عن شهاد حتى يطعن في الخاصم. قال أشهب في كتاب آخر فيمن رأى هلال رمضان وهو يعلم أنه لا يقبل لجرحه، فلا ينبغي أن يشهد بذلك. قال ابن سحنون عن أبيه: ولا يرفع الرجل شهادته إن كانت عنده حقا إذا كان الحاكم لا يقبلها، مثل شريك الرجل فيما يشهد فيه، أو عدوه فيما يشهد به [8/ 254]
في الشاهد بحق وأنت تعلم جرحته، هل يسعك تجريحه؟
عليه، أو خصمه أو جار لنفسه، أو دافع، أو أب، أو ابن، أو زوج، أو من لا يجيز الحاكم شهادته في ذلك المعنى، وهو عدل، وإن شهد فليخبر بذلك. قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في بقية هذه الدواوين، فيمن عنده شهادة على عدوه، أيشهد بها؟ قال: يشهد ويخبر مع شهادته بعدواته ولا يكتم ذلك. وروى عيسى عن ابن القاسم في رجلين سمعا رجلا طلق امرأته، فكفا عن الشهادة زمانا، ثم قاما بها فقالا: إن ذكرنا تاريخ الشهادة، بطلت شهادتنا، أيسعهما أن يسكتا عن التاريخ؟ [قال: لا وليأتيانها على وجهها]. في الشاهد بحق وأنت تعلم جرحته هل يسعك تجريحه؟ من المجموعة، والعتبية، وكتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن شهد عند قاض بحق عنده وهو مستجرح عندك، قال: لا يسعك تجريحه إن دعيت إلى ذلك، لأنك تملك ذلك الحق، وكذلك في كتاب ابنه عنه، قال: وقد قيل لي: يخبر بتجريحه القاضي.، كما لو علمه عبدا أو نصرانيا، لزمه أن يخبر بذلك، قال: وكذلك لو كان شاهد معه في تلك الشهادة، فقال مرة: لا يخبر بجرحته، وقال أيضا: بل يخبر بجرحته. قال ابن القاسم في الكتب الثلاثة في قوم شهدوا على رجل أنهم وجدوا منه ريح شراب، فذكر المشهود عليه أنهم أعداؤه، ورجل يعلم ذلك، فهل يسعه أن يخبر بعداوتهم وقد أقر عنده أنه شرب؟ قال: لا يسعه ذلك، وكذلك لو شهدوا عليه بحق وأنت تعلم أنه حق، وقال ابن سحنون عن أبيه: إنه يخبر بعداوتهم له، [8/ 255]
في شهادة المفتي على المستفتي فيما ينوى فيه، هل يلزمه أداؤها عليه أم لا؟
كقول مالك في الشاهد يكون عدوا للمشهود عليه أنه يخبر بذلك الحاكم، فذلك على المسؤول أوجب، وإن علم أن الشاهد شهد بحق. في شهادة المفتي على المستفتي فيما ينوي فيه، هل يلزمه أداؤها عليه أم لا؟ من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم –وذكره ابن عبدوس وابن المواز- في الرجل يأتي مستفتيا يسأل عن أمر ينوي فيه، ولو أقر عند الحاكم، أو قامت عليه بينة، فرق بينه وبين امرأته، فيفتى: أن لا شيء عليه، فطلبت المرأة شهادة المفتي، قال: فلا يشهد عليه، قال ابن المواز: ولو شهد لم ينفعها، لأن إقراره على غير الاشهاد. (ع) يعني: لا شيء في الفتيا، قال: وما أقر به عند الفقيه من طلاق أو حق أو حد ثم أنكر، فليشهد عليه إن كان مما ليس له رجوع عنه. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية مثله، وكذلك من حضر الفقيه إذا سمعوا القصة كلها حتى لا يخفى عليه منها شيء لما يخاف أن يفسد الشهادة [إن لم يذكر]. فيمن سمع قذفا أو إقرارا أو نص شهادة شاهد هل عليه أن يشهد بذلك؟ وهل يقضي به؟ من كتاب ابن المواز وغيره: قال مالك: ومن سمع رجلين يتنازعان فأقر أحدهما للآخر ولم يشهده، قال: لا يشهد إلا أن يكون قذفا فليشهد إن سمعه [8/ 256]
معه غيره، قال أشهب: هذه رواية فيها وهم، وليشهد بما سمع من إقرار أو غصب أو حد ولا يكتمها، فإن لم يعلم من هي له: فعليه أن يعلمه. قال ابن القاسم في المجموعة وكتاب محمد فيمن مر برجلين يتحاسبان، فإن سمع كلامهما من أوله فاستقصاه فليشهد، وإن سمع جاره طلق امرأته فليشهد عليه. قال أشهب في العتبية عن مالك في فريقين قضي لأحدهما فحدث بذلك المقضي عليه للناس، ثم احتيج إلى تلك القضية، فلم يؤخذ عليها إلا من أقر عنده المقضي عليه، قال: أراها ضعيفة؛ (وليأتوا بالشهادة على وجهها) ولا أراها نافعة له. وكذلك في المجموعة، وقال أشهب: نحوه. قال في الكتابين وكتاب ابن المواز: وإن سمع قوما يقولون لقوم: اشهدوا على شهادتنا. أن لفلان على فلان كذا، فلا يشهدوا على شهادتهم وان احتيج إليه، بخلاف من سمع الإقرار. قال ابن القاسم وأشهب في الكتابين في رجلين سمعا رجلا يذكر أن عنده شهادة في كذا، فلا ينقلا ذلك عنه، فإن فعلا لم يقبل ذلك. قال أشهب: وليس بضيق أن رفع ذلك إلى الإمام وقد قيل: لا يرفعها خوفا أن يغلط فيقضي بها، وإن أشهده لزمه أن يشهد وإن كان وحده. ومن سمع رجلا عند القاضي يشهد بشهادة، ثم مات القاضي أو عزل، فلا ينقل ذلك عن الشاهد. قال أشهب عن مالك فيه وفي العتبية: ومن قال: اكتب على هذا عشرة دنانير فلم اكتبها، هل اشهد عليه؟ قال: نعم. [8/ 257]
في الشهادة على الرجل يقرر فيقر وقد أوقفت له بينة حيث لا يراهم
في الشهادة على الرجل يقرر فيقر وقد أوقفت له بينة حيث لا يراهم ومن أشهدك على أن لا تؤديها حتى يموت من كتاب ابن المواز: قال مالك في رجلين أقعد الرجل من وراء حجاب ليشهدا عليهم قال: إن كان ضعيفا أو مختدعا أو خائفا لم يلزمه وحلف ما أقر إلا لما يذكر، وإن كان على غير ذلك لزمه، ولعله أن يقر خاليا ويأبى من البينة، فهذا يلزمه ما سمع منه. قيل له: فرجل لا يقر إلا خاليا، هل أقعد له بموضع لا يعلم في الشهادة؟ قال: لو أعلم أنك تستوعب أمرها. ولكن أخاف أن يسمع جوابه لسؤال، ولعله يقول له في الشيء: ما الذي لي عليك إن جئتك بكذا وكذا؟ فيقول: لك عندي كذا، فإن قدرت أن تحيط بسرهم فجائز. قال في المجموعة من [رواية ابن وهب عن مالك وهو في العتبية] من رواية عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن قرر رجلا وقد خبأ له بينة في بيت ليشهدا على ما سعما منه، فأقر هل يشهدان عليه بما أقر؟ قال: أما الضعيف والمختدع أو الخائف الذي يخاف أن يكون اختدع أو استعجل أو استضعف، فلا أرى ذلك يثبت عليه وبحلف: ما أقر إلا بما يذكر، ولا يدري ما يقول: أقر لك خاليا، ولا أقر لك عند البينة بأمر بعرف به وجه إقراره، فعسى أن يثبت ذلك عليه، قال عيسى: أراه ثابتا. [8/ 258]
في الشهادة على معرفة الصوت وشهادة الأعمى على ذلك
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن له قبل رجل حق وأراد أن يأخذ عليه يمينا، وقد حجده، فخبأ له قوما فشهدوا عليه بالحق أو باليمين، قال: شهادتهم مقبولة، وبئس ما صنعوا حين دخلوا ذلك المدخل. وروى أشهب عن مالك في العتبية وهو في كتاب ابن المواز في امرأة أشهدتنا على صدقة على أن لا نؤدي الشهادة إلا بعد موتها: قال: لا تنفع الابنة هذه الشهادة. في الشهادة على معرفة الصوت وشهادة الأعمى على ذلك من العتبية من سماع ابن القاسم وهو في المجموعة من روايته ورواية أشهب، وابن وهب [عن مالك] وشهادة الأعمى جائزة إذا عرف ما شهد به وأثبته يقينا. وقد كان ابن أم مكتوم أعمى يؤذن لرسول) صلى الله عليه وسلم، وقد نقل الصحابة عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من وراء حجاب. قال مالك: وكذلك الرجل يشهد على المرأة من وراء ستر قد عرفها [وعرف صوتها] وأثبتها قبل ذلك. فذلك جائز. ومن كتاب ابن سحنون [قال ربيعة] كما يعرف البصير شخص من يشهد عليه. فكذلك هذا يعرف كلام من يشهد عليه، ولو لم يجز هذا لم يجز له وطء أمته ولا امرأته. قال المغيرة في كتاب ابن سحنون في الرجل يولد أعمى أو يعمى بعد ذلك: أن شهادته مقبولة إن كان عدلا. وقال ابن نافع وسحنون في كتاب ابنه: كما يعلم امرأته فيطؤها أو يلاعبها، فكذلك يشهد على ما يدرك. وقال ابن أبي ليلى [8/ 259]
في الشهادة على معرفة الخط من خط مقر أو خط شاهد
وأبو يوسف: ما شهد عليه قبل أن يعمى قبلناه. قال سحنون: ولا فرق في ذلك لأنه حين قبولها أعمى. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون: لا تجوز شهادة الأعمى على الزنا، قال أشهب: لأنه شيء إنما يشهد فيه على الرؤية، ولو شهد هو وثلاثة معه على ذلك حدوا حد الفرية، وأما إن شهدوا أنه أقيم عليه حد الزنا جازت شهادتهم، لأن الأعمى في هذا لم يشهد على رؤية، لكن على سماع أن الوالي حده. قال ابن سحنون: قال أشهب: وللأعمى أن يقسم في الدماء وليس بشهادة، فكيف وشهادته جائزة عندنا [وكذلك في اللعان يحلف على ما يعرف من لمس أو غيره، وكذلك العمياء تلاعن]. في الشهادة على معرفة الخط من خط مقر أو خط شاهد من كتاب ابن سحنون وغيره: قال مالك وأصحابه: الشهادة على خط المقر جائزة، وقد اجمعوا على أن الخط رسم يدرك بحاسة النظر، وأصبنا البصير يميز بين الشخصين والخطين مع جواز الاشتباه، فلما جوزها في الشخصين مع جواز الاشتباه فيه جازت في الخطين. وفي العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك – وهو في بقية هذه الدواوين- فيمن كتب على نفسه ذكر حق، وكتب في أسفله بخطه، فهلك الشهود ثم جحد، فشهد رجلان أن ذلك خطه: إن ذلك يجوز عليه لإقراره، بخلاف من شهد على شهادته فأنكرها، فلا يمين عليه مع شهادة شاهدين على خط المقر. [8/ 260]
ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز: ولو شهد على خطه حلف الطالب واستحق. وقال أشهب عن مالك في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها، فشهد عليه خطه رجلان: أن ذلك ينفعها. قال ابن المواز: أما الشهدة على خط المقر فلم يختلف فيه قوله، وأما على خط الشاهد: فما علمت من حكم به، وهما لو سمعا الشاهد ينص شهادته لم يجز لهما أن ينقلاها حتى يقول لهما: انقلا واشهدا بذلك. قال: والذي آخذ به: أن لا تجوز الشهادة على الخط إلا خط من كتب شهادته على الخط [إلا خط من كتب شهادته على نفسه] فهو كالإقرار. وقال ابن القاسم ورواه عن مالك: [وأما على معرفة خط الشاهد علما أقول به، وقد روي عن مالك، قال عبد الملك] وقال عبد الله: تجوز شهادتهما على خط عرفا أنه خط شاهدين في كتاب ويقضي بذلك، ويجوز أن يشهدا بها على الوكالة في ذلك الخط لمن يخاصم به [وعلى وارثه ذلك شهدا فيه] وقال مثله سحنون في العتبية. ومن العتبية وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن أوصى أن ينظر فيما في كتبه فيقضي ما عليه فيها، ويقتضي ماله، فوجد فيها ذكر حق له بأربعة عشر دينارا على رجل، وفي آخره بخطه: قبضت منها ثمانية دنانير، فلا يمين فيها على المطلوب، ولا يؤدي إلا ما بقي، ولو لم يعرف خطه إلا شاهد، حلف معه المطلوب وثبت له ما قضاه. قال أشهب في المجموعة في صك بخط رجل على نفسه بيد رجل على نفسه، ولم يكتب شهادته في أسفله، فشهد على خط ذلك شاهد، فليحلف الطالب معه ويقضى له به، وإن كان الصك بغير خطه، وفي آخره شهادة بخطه، فإن كان في الشهادة ذكر الدين الذي في صدر الصحيفة فذلك يجوز عليه إن قام بخطه [8/ 261]
شاهد، وحلف مع الطالب، وإن لم يكن في الشهادة ذكر الدين لم يلزم ذلك المطلوب من قبل أن القرطاس يقطع ويوصل، فيخاف أن يكون قطع ووصل بشيء آخر، ولأنه قد يكتب الرجل بشهدته ولا ينظر في الكتاب. فلهذا كله لم يجزه. وروي ابن وهب وابن القاسم عن مالك في العتبية وكتاب محمد في ذكر حق فيه شهادة رجل بخطه يشهد رجلان على أن ذلك خطه، فشهادته جائزة. قال عنه ابن وهب: ويحلف الطالب ويقضى له به، قال ابن القاسم: ولا يقبل في ذلك إلا شهيدين. قال ابن سحنون: وقال يحيى بن سعيد وربيعة في الشهادة على [كتاب ذكر حق، فهو شاهد فيه. محمد: ولسنا نأخذ بهذا في الشهادة على] خط الشاهد إلا أن يكون على خط المقر بنفسه. قال ابن وهب عن مالك في العتبية: ولو مات الطالب وقام ورثته بذلك الكتاب مع شهادة رجلين على كتاب الكاتب، قال: يحلفون: ما علموا أن وليهم اقتضى من ذلك شيئا، ويقضى لهم، وقال في كتاب ابن سحنون من رواية ابن وهب: يحلفون: أنهم ما علموا أنه قبض منه شيئا، فإن نكلوا حلف المطلوب: إنه لباطل، فإن مات حلف ورثته: إنا ما علمنا أن هذا كان على فلان ولا كتمنا علما كان عندنا، فإن نكلوا أخذ من مال الميت. ومن العتبية: قال سحنون: وإن شهد جلان على معرفة خط رجلين في كتاب: جازت الشهادة، ويجوز أن يشهدا على الوكالة في ذلك الحق. [8/ 262]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال ابن كنانة عن مالك في العدل يشهد على خط رجل، قال: ما أحب أن أشهد على خط أحد، ولكن إن شهد به عدلان قبلته وحسب بذلك شهادة الشاهد. ومن العتبية من سماع ابن القاسم في الميت يوجد ذكر حق له على رجل فيه بينة، وفي آخره بخط الميت: أني قبضت ما في هذا الكتاب: ثمانية دنانير، قال مالك: يؤخذ من المطلوب ما بقي، ولا يمين عليه، يريد: وقد قامت بينة أنه خط الميت، أو اعترف بذلك ورثته. وقال ابن الماجشون في الميت، أو المريض، أو الغائب يشهد على خطه، فأما المريض: فإنه يسأل عنها وينقل قوله، وأما الغائب والميت: فليشهد على معرفة كتابتهما وإن لم يشهدا بها، ويقضى به، وكذلك في المجموعة. وإذا قيل: ما حد تلك الغيبة؟ قال: البينة في البعد، وليس لمن يغيب من يومه ثم يشهد على خطه حينئذ، قيل: فإن كان أشهده على شهادته في كم ينقل عنه في غيبته؟ قال: أما ما قرب كالروحاء وشبهها فلا، إلا في السفر البعيد، وما في تربصه الضرورة، ونحو ذلك عنه في كتاب ابن حبيب. قال في كتاب ابن حبيب: وأصل ما خف من ذلك أن يكون رجلا لا يقنع فيه الحاكم بتعديل رجلين لما يترتب عنه عند رؤيته أن يقبح في غيبته، فلا يقنع فيه بظاهر التزكية، فيدفع ما خف من هذا بغيبته، ويودعهما الشهادة، أو يعلم أنهما يشهدان على ما في كتابه، فيصل بهذا إلى دفع ما كان يبقى من ذلك. [8/ 263]
ابن حبيب: قال أصبغ: الشهادة على خط الشاهد الغائب والميت قوية في الحكم بها، ولكن لا يعجل الشاهد بذلك وليثبت. وقال مطرف في الميت يقام عليه بذكر حق فيه شهادة ولدي الميت فأنكر ذلك وشهد على خطهما شاهدان وقال: كنا شهدنا بذلك في باطل، قال: يؤخذان بذلك، ويحمل محمل الإقرار لا محمل الشهادة، وكذلك لو كان واحدا وهو وارث المال وحده إن شهد على خطه، وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ إلا بالإقرار منه سوى خط شهادته، وقال ابن الماجشون: ومحمله محمل الشهادة لا محمل الإقرار، وقال أصبغ بقول مطرف. قال ابن الماجشون: ولو شهد بذلك على أبيه فلم يقض بذلك حتى مات أبوه فرجع عن شهادته، قال: لا ينفعه ذلك ويؤخذ بشهادته. قال ابن حبيب: وهذا يقوي الأول، قال مطرف وابن الماجشون: وأما كتاب قاض بخطه في حكم أو كتاب إلى قاض، فلا يثبتها بالشهادة على أنه خط فلان في الشهادات إلا في عتق أو طلاق أو حد أو غير ذلك، وأما على معرفة خط الشاهد: فلا يجو ذلك إلا في الأموال خاصة، حيث يجوز اليمين مع الشاهد. وقال أصبغ: قال محمد بن عبد الحكم: ولا أدري أن يقضي في عهدنا بالشهادة على الخط لما أحدث الناس من الفجور والضرب على الخطوط، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي، ثم رأى مالك: ألا يجوز. [8/ 264]
في الرجل يعرف خطه في الوثيقة ولا يثبت شهادته، والرجل يقول اشهد علي بما في هذا الكتاب
في الرجل يعرف خطه في الوثيقة ولا يثبت شهادته، والرجل يقول للحاكم: أشهد علي بما في هذا كتاب ولا ينصه من العتبية: قال أشهب عن مالك فيمن رأى خطه في كتاب على شهادة لا يذكرها، قال: يرفعها للسلطان على وجهها ويقول: إنه كتاب يشبه كتابي وأطنه إياه، ولست أذكر شهادتي، ولا أني كتبتها، يحكي ذلك على وجهها ولا يقضى بها، قيل: فإن لم يكن في الكتاب محو ولا شيء، وعرف خطه. قال: قد يضرب على على خطه [ولكن ليرفعها كما ذكرنا. من المجموعة: قال عنه ابن نافع: إذا عرف خطه]. ولم يذكر الشهادة، فلا أرى أن يشهد، وقد أتيت غير مرة بخط يدي أعرفه، ولم أثبت الشهادة عليه فلم أشهد، قال: أرأيت إن لم يشك في كتابه، وفي خطه بعض الضعف، أيشهد؟ قال: لا، قال الله تعالى: (وما شهدنا إلا بما علمنا) وقال عنه ابن نافع في موضع آخر: أما ما عرف أنه حضره، وشهد فيه، وعرف خطه فيه وأنه خطه، فعسى به أن يشهد. قال ابن نافع: أرى أن يشهد من عرف خطه إذا لم يستنكر من الصحيفة شيئا ولا محوا، قال ابن المواز في كتابه: قال مالك: لا يجوز أن يقول: هذا خطي، والجائز أن يقول: إن خطه حق، واختلف فيه عن مالك إذا عرف خطه بشهادته: فروى ابن نافع: أنه يؤديها. قيل: فإن عرف أنه شهد ولم يذرك عدة المال؟ قال: يرفع ذلك إلى الإمام، ويخبره أنه لا يعرف عدة المال. وما أرى ذلك [8/ 265]
نافعا، قال ابن القاسم: ولو عرف خطه وذكر أنه حضر، فلا ينفع حتى يعرف بقلبه ما شهد عليه. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن وهب: قال يحيى بن سعيد: إذا عرف خطه، فإن أيقن به فليشهد، وإن شك فلا يشهد، وروى ابن وهب عن مالك نحوه، قال: وإن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، فقال له من معه في الكتاب: نحن نعلم انك كنت معنا. فإن أيقن هو أنه خطه فليشهد، أما بخبر غيره فلا يشهد، وليخبر بعلمه بالغا ما بلغ، ولا يجيزه الحاكم إلا أن يشهد أنه كتابه وشهادته، وروى عنه ابن وهب أيضا أنه إن أثبت أنه خطه، ولم يثبت عدة المال، وإن كان يخاف أن يشبه كتابه فلا يشهد، ولا يخبره الإمام، وفي المجموعة: نحوه كله من رواية ابن وهب، وفي العتبية: نحوه. قال عنه ابن القاسم: إذا عرف خطه ولم يعرف عدة المال، فليؤد شهادته على نحو ما يستيقن من معرفة كتابه، وأنه لا يثبت التسمية، ولا يقضي بها السلطان، وكذلك لو ذكر أنه كان أشهد مع معرفته بخطه. وقال عنه ابن القاسم أيضا: إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة. فلا يشهد حتى يستيقن ويعرفها. ومن العتبية: قال سحنون: إذا عرف خطه في الكتاب لا يشك فيه، ولا يذكر كل ما فيه، فقج اختلف فيه أصحابنا. وقولي: إنه إن لم ير في الكتاب محوا ولا إلحاقا ولا ما يستنكر، ورأى الكتاب خطا واحدا فليشهد بما فيه، وأن يقول: أشهد بما فيه، وهذا الأمر لا يجد الناس منه بدا وإن لم يذكر من الكتاب شيئا. قيل: ولو كان الكتاب كله بخطه، وعرف خطه، وفيه شهادته، ولم يذكر منه شيئا: قال: أرى أن يشهد [8/ 266]
بها، ولو أنه أعلم بذلك القاضي، رأيت للقاضي أن يجيز شهادته إذا عرف أن الكتاب كله خطه بيده، وجميع أصحابنا يجيزون شهادته إذا ذكر أنه خط الكتاب ولا محو فيه. قال أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل يؤتى بالكتاب فيه شهادته وعرف خطه وأثبت أن الذي جاءه بالكتاب أشهده في أمر دار، ولا يذكر أنها التي في هذا الكتاب، قال: فإن لم يثبت شهادته كما في الكتاب حرفا بحرف، فلا يشهد، وقال ابن نافع في المجموعة: إذا كتب جميع الكتاب بيده، وأثبت خطه، فشهادته جائزة وإن لم يعرف الشهادة. وقال ابن كنانة: إن ذكرت بعض ما في الكتاب ولم تذكر بعضا، وفي الكتاب شهادتك، ولا محو فيها ولا شيئا يستريبه، والكتاب مفسر، وذكرت حين كتبت، فاشهد بكل ما فيه، ومن الواضحة: قال مطرف عن مالك: إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، فإن لم يكن في الكتاب محو ولا ريبة، فليشهد بها. وإن كان الرق طللسا أو مغسولا أو فيه محو، فلا يشهد، ثم رجع فقال: لا يشهد وإن عرف خطه حتى يذكر الشهادة أو بعضها، أو ما يدل منها على أكثرها، وبالأول أقول، ولابد للناس من ذلك، وبه قال ابن الماجشون، والمغيرة [وابن حازم، وابن دينار] وإن كان لم يحفظ مما في الكتاب عددا ولا مقصدا فليشهد ولا يقول للسلطان: إنه لا يعرف منه إلا خطه، وليشهد: أن ما فيه حق، وذلك لازم له أن يفعله، وإن ذكر للحاكم أنه لا يعرف من الشهادة شيئا. وقد عرف خطه ولم يثبت في شيء، فلا يغسلها الحاكم، وقال ابن وهب وابن عبد الحكم بقول مالك الأول، وقال ابن القاسم وأصبغ بقول مالك الثاني أنه لا يشهد. قال ابن حبيب: هذا أحوط، والأول جائز، قال مطرف: ولم يختلف قول مالك في الشهادة على خط الشاهد الميت والغائب [8/ 267]
كاختلاف قوله في الشهادة على خط نفسه. ع قال: أبو بكر: كان القاسم ابن محمد إذا شهد بشهادة كتبها، وكان مالك يفعله. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك – وهو في المجموعة- قيل لمالك: أيجزئه أن يقول: هذه شهادتي أعرفها بخط يدي؟ قال: لا يجزئه في ذلك حتى يقول: إن حقه لحق، وأما إن شهد أن هذا كتابه فلا، قال مالك. وكان مالك يقول للشاهدين: بشهادتكما أقضي أتشهدان أن الحق لهذا؟ فإذا قالا: نعم، أجاز شهادتهما. وروى عيسى عن ابن القاسم في الأمي يقرأ عليه كتاب [فقال: اشهد علي بما فيه، ولا يصف مما فيه شيئا حتى يقرأ عليه]، قال: شهادته جائزة، وليس كل الناس يستوفون كل ما أشهدوا عليه، وإن كان ممن يكتب فحتى يقرأ الكتاب، فإذا قرأ عرف شهادته وهو لا يستظهرها، فإن كان عدلا وثبت ما قرئ عليه جازت شهادته. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فيمن قام بصك على ميت فيه كراء، وكذا صاع عجوة، وعلى موضع العجوة محو، ولم يشهد على الصك إلا كاتبه، فعرف ما فيه إلا العجوة فإنه ليس بكتابه وقد محي، فلا يدري أعجوة هو أم لا؟ قال مالك: أنتم لا تختلفون في غير العجوة، فأرى أن يحلف مع شاهده: أنه عجوة وأن هذا الحق له. ويعطاه. ومن كتاب ابن حبيب: قال ربيعة: إذا كان رجال صالح وهو ضعيف أبله، فإن جاء يشهد فيما يعلم أنه يطيقه عقله، ويحيط به فهمه ولا يجهله، جازت [8/ 268]
في القوم عندهم شهادة في مال أو فرج أو غيره فلا يرفعون شهادتهم إلى الحاكم
شهادته، وإذا جاء شهيدا على الكتاب الطويل الكثير القصص، ومالا يحاط به إلا عن حفظ وحسن روية، فقال: أشهد أن ما في ذلك حق، فلا يقبل منه ذلك، لأنه يخاف أن يختدع، وأن يشهد بما لا يحيط به علما. قال مطرف: قال مالك: العدل عدل في كل شيء ولا يميزه هذا التمييز، وبقول ربيعة أقول. قال مطرف: ولكن أحب للحاكم أن يتزيد المشهود شهودا في لطف ولا يرده. وروى عن سعيد بن عبد الرحمن بن عوف: نحو قول ربيعة. ومن كتاب ابن سحنون: وقال في الشاهد يقرأ عليه القاضي الكتاب فيقول: ما في هذا الكتاب حق؟ فيقول: نعم، فتلك شهادة تامة، وإن لم ينص ما في الكتاب من التوثيق، فيجزيه أن يقول: جميع ما فيه حق، وأنا أشهد به. في القوم عندهم شهادة في مال أو فرج أو غيره فلا يرفعون شهادتهم إلى الحاكم وهم يرون ذلك الشيء يستحل من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم –وهو في المجموعة- في شاهد شهد على شيء من الأموال غير الفروج والحرية من حيوان أو عقار يعلمه لرجل، ويراه بيد غيره يبيعه ويهبه ويحوله عن حاله، فلا يقوم بعلمه، ثم شهد عند القاضي أن هذه الدار لفلان، فيقول له: لم لم تقم حين رأيت هذه الدار تباع أو توهب؟ فيقول: لم اسأل عن علمي، ولم أر فرجا يوطأ ولا حرا يستخدم، وليس علي أن أخاصم الناس، قال: لا أرى أن تجوز شهادته إذا لم يعلم بعلمه حين رأى الدار والعقار يباع، وكذلك في الفروج والحيوان، إذا كانت الأشياء تحول عن حاله بعلمه، قال غيره في المجموعة: وهذا إذا كان المشهود له غائبا، أو كان [8/ 269]
حاضرا لا يعلم، فأما إن كان حاضرا يرى ما لم يباع، فهو كالإقرار. قال ابن سحنون عن أبيه: لا أرى ذلك إلا فيما كان حقا لله تعالى، وما لم يلزم الشاهد أن يقوم به وإن كذبه المدعي، كالحرية والطلاق، وأما العروض والرباع والحيوان: فلا تبطل شهادته في ذلك، لأن رب ذلك إن كان حاضرا فهو أضاع حقه، وإن كان غائبا فليس للشاهد شهادة، فلذلك لا يضر الشاهد إن لم يقم بها. قال ابن كنانة فيه وفي المجموعة في قوم شهدوا على حبس أو أرض لرجل، أو أن رجلا طلق امرأته أو أعتق عبده، فإذا رأوا الحبس يكتب في المهور، أو يباع، ويتداول ويطول زمنه، ولم يرفعوا ذلك، فلا تقبل شهادتهم بعد ذلك، وإن كانوا قد تكلموا وأشهدوا، أو كان لهم عذر أو كانوا غيبا تثبت شهادتهم، ثم ذكر في الأرض والعتق والطلاق كقول سحنون. ومن المجموعة: قال أشهب [وإن شهدوا] بحنث في عتق رقيق، فأمسكوا عن الشهادة حتى حال حول، أو مضى شهر أو شهران، قال: لا تجوز شهادتهم إن كانوا معه في موضع ويرونه يسترقه. ومن العتبية: روى ابن وهب عن ربيعة فيمن شهد في عتق أو طلاق فأخفى شهادته حتى بيع العبد واستحل في ذلك الحرام، ثم جاء يشهد، قال: لا شهادة له وإن كان عالما به، وإن كانت شهادته قد قطعت الطلاق والعتق، لم أجز ذلك، وإن ادعى أنه لا يعلم كالذي يقول: لا شهادة عندي، ثم يشهد. قال أصبغ عن ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنهما رأياه سكرانا، أو يسرق، فجرحاه بذلك في شهادة شهدا بها، فليقم عليه الحد، ولا يضرهما تأخير ذلك، وهو ستر عليه. [8/ 270]
قال ابن حبيب: قال أصبغ في الشهود بالطلاق يكتمون ذلك عن الزوجة حتى طال ذلك، ووقعت الخلوة بها، فذلك جرحة إلا أن يقوموا بحدثان الطلاق وإذا اعتزل مسيسها وهو يدخل عليها كدخول الزوج على زوجته، وهي في بيته، وستره، وكتموها ذلك، فشهادتهم ساقطة إلا أن يقولوا: ظنناها قد علمت، وحسبنا هذا الاعتزال فراقا، ولم نرد الكتمان، فتجوز شهادتهم. قال ابن الماجشون: ومن سمع رجلا يطلق امرأته فعليه أن يأتي الإمام حتى يشهد عليه ويحلفه إن لم يكن معه غيره، فإن نكل سجنه حتى يحلف [قال مطرف في امرأته أعتقت جاريتها عند موتها وابنها غائب، ثم قدم فأقام شاهدين أنها له، وقد حضرا عتقها لها وسكنا عن علمها. وشهد آخران أنهما يعرفانها في خدمة الأم، قال: شهيدا الابن حق ولا يغرهما عتق الأم، وقاله أصبغ]. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في عبيد ادعوا أن سيدهم حنث بعتقهم، وجاؤا ببينة وشهدوا أن فلانا مولاهم أشهدنا قبل خروجه مع العبد ابق أن قد حنث فيهم، وسماهم، فقيل: يتهمون في شهادتهم إذا كانت ممن يتصل من الحنث، إنما وجه شهادتهم: أنهم أحرار فيمن حنث فيها، وكيف إن لم يرفع ذلك إلى الحاكم؟ فكتب إليه: هذه شهادة تقبل إلا أن يكونوا من حين أشهدهم يرونه يستخدم ويستغل، وطال ذلك به قبل خروجه إلى العسكر، فتبطل شهادتهم بذلك، فإن كان خروجهم بعد الشهادة بأمد قريب، فلا يضرهم إلا أن يروهم بعد التوابع يستخدمون ويستغلون إلى يوم شهادتهم عندك، فذلك يضرهم أيضا، فإن لم يعلموا بذلك وكانوا غيبا قبل الخروج وبعده في طول المدة، فأخر شهادتهم. [8/ 271]
وسأله عن رجل شهد أنه طلق امرأته ثلاثا منذ سنين، فقلت له: لم لم ترفع ذلك؟ فقال لي: لم أدر. ونحو ذلك في صالح رضي، وشهد آخر أنه قال لها بالأمس: أنت علي حرام، فقال: شهادة الأول ساقطة، ويحلف الزوج مع شاهد الحرام. وسأله حبيب عن رجل يدخل من زقاق المسلمين شيئا في داره، والزقاق نافذ، فلا يرفع الجيران ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشرين سنة، قال: يهدم بناؤه ويرد إلى الزقاق إذا صحت البينة، ولا تملك الأزقة ولا تحاز، وليس فيها حيازة. قال أبو محمد: وأعرف في موضع آخر إذا كان أمراً بيناً من القطع من طريق المسلمين، يرونه عشرين سنة لا يشهدون به فهو جرحة، إلا أن يعني أن ذلك ثبت لغير الذي عاينوه ورفعوه. وقد ذكرنا الاختلاف فيما يدخل الرجل في داره من الفضاء والفناء في كتاب الأقضية، وهو الثاني من آداب القضاء. ومن كتاب ابن حبيب عن مطرف في امرأة أعتقت جاريتها عند موتها وابنها غائب، فقدم فأقام بينة، أن الجارية له إلا أنهم حضروا عتق الأم إياها، ولم ينكروا عليها، وشهدت بينة أنهم يعرفونها في خدمة الأم، لا يعرفون لغيرها فيها حقا. قال: شهادة الذين يعلمون أن الإبن يملكها أولى ولا يضرهم علمهم بعتق الأم، ولم ينكروا، لأنه ليس بموضع حكم، وقد يظنون أنها صارت إليها من ولدها بما لم يعلموه، وقاله أصبغ [في صفة العدل وكيف صفة التزكية، ومن يجوز له أن يزكيه]. من كتاب ابن سحنون فيه عن عمر: قال: لا يقبل من الشهود إلا العدل ها هنا والعدل ها هنا. ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: الشهود ثلاثة: عدل تتبين لك عدالته تعرفه بذلك فأمضه، أو تتبين لك جرحته فاردده، أو [8/ 272]
مشكل عليك فسل عنه وأكثر حتى يتواطأ لك منه سرا وعلانية ما يدلك عليه، وإن أشكل على من تسأل دعوته: فالتعديل والعدالة تختلف، فيكون بالواحد والاثنين والجماعة بقدر ما يسمعك الحكم وتتأكد. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: ولا يجوز في التزكية أقل من عدلين، [ويقبل القاضي ما ينقل إليه من وصيه للكشف، ولا يقبل ذلك الرجل إلا بتزكية رجلين]، قال عنه ابن نافع: ويكشف عن الشهود سراً، ولا يسأل إلا العدول، قال عنه ابن القاسم: وإن لم يعرف القاضي الشاهد وعرفه بعض من يعرفه بالعدالة: رأيت أن يجيز شهادته بمعرفة ذلك العدل إياه، ولا يجوز في التعديل إلا عدلان، ولو سأل عنه بعض من جعله يكشف له في القبائل فعرفه بعدالته، فليقبل ذلك، فأما التعديل فلا يقبل فيه إلا عدلان. ومن العتبية: قال سحنون عن ابن القاسم عن مالك: ولا أحب أن يسأل في السر أقل من اثنين [ولا يقبل في التعديل أقل من اثنين]. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وليس تعديل الشاهد للمشهود عليه، ذلك للحاكم، فإن كان يعرفه بالعدالة أجازه، وينبغي للحاكم أن يستكثر من المعدلين على الشاهد. ولا يكتفي باثنين إلا في مثل التأبين في العدالة والعلم بالتعديل، ولا يكتفي بتعديل العلانية دون تعديل السر. وقال ابن سحنون عن أبيه: ومن عدل رجلا ولم يعرف اسمه قبل تعديله. وقال ابن كنانة: ولا تقبل تزكية الأبله من الناس، ولا تقبل تزكية من يرى تعديل كل مسلم يلزمه. وقال سحنون: وليس كل من تجوز شهادته يجوز تعديله، ولا يجوز في التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا يخدع في عقله، ولا [8/ 273]
يستزل في رأيه. ولا تطلب التزكية من الشاهد. وذلك على الحاكم لا على الشاهد، وإنما عليه أن يخبر الحاكم بمن يعرفه ومن يعدله. ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: وقد تجوز شهادة رجل واحد ولا يجوز تعديله، وقد يكون عدلا ولا يعرف وجه التعديل، ولا يقبل التعديل إلا من عارف بوجهه، وقاله أصبغ وابن الماجشون وابن عبد الحكم. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يقبل إلا شهادة العدل المأمون على ما يقول، وقد يكون عدلا ولا يؤمن من أن يغفل ويضرب على خطه، ويشهد على الرجل بشهادته ولا يعرفه، وتسمى له بغير اسمه، فمن كانت هذه حاله لم تقبل شهادته. [ومن العتبية: قال سحنون: ومن صفة العدل الذي على الحاكم أن يقبله، مثل الرجل المشهور بالعدالة في بلده، المتواتر عليه بها، وعند الحاكم من معرفته مثل ما عند من يعدله، قال: وأما من لك أن تعدله: فمن تعرف باطنه كما تعرف ظاهره، لأنك قد تعرفه بظاهر جميل من أهل المساجد والجهاد، فلا ينبغي أن تزكيه بذلك إلا بالصحبة الطويلة والمعاملة والأخذ والإعطاء، فحينئذ تزكيه، قال مالك: كان يقال لمن مدح الرجل: أصبحته في سفر؟ أخالطته في مال؟ وأما من يقارف بعض الذنوب: فلن يسلم من ذلك أحد، ولكن لو كان الأمر الخفيف من الزلة والغفلة فلا يضره ذلك، ولا يقدح في عدالته، قال مالك: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم، يقول: يكون عيبا خفيفا، والأمر كله حسن، فلا يذكر اليسير الذي ليس بمعصوم منه أحد في أهل الصلاح الكثير. وقد قال مالك في لاعب الشطرنج: تقبل شهادته، ولو كان لا يقبل إلا من لا يقارف شيئا من العيوب ما قبلت لأحد من شهادة. ومن قبل هذا يقال: اتقوا زلة العالم. وهذا يعني به البدعة، فهذا يسقط شهادته، وأما من قبل جوائز العمال المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة، وأما الأكل عندهم: فمن كان ذلك منه المرة والفلتة، فغير] [8/ 274]
مردود الشهادة، وهذا قد قدمنا ذكره، وأما المدمن على ذلك: فساقط الشهادة، وأما جوائز: الخلفاء فمجتمع على قبول جوائزهم من يرضي به منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل بيوت الأموال على الأمر المستقيم، والذين يظلمون فيه فقليل في كثير، ولا نعلم من العلماء من أنكر أخذ العطاء ومن زمن معاوية إلى اليوم، وقد قبلها ابن شهاب ومالك، وأنكر أن يكون ابن عمر قبلها. وقال مالك في الرجل ينازل الرجل شهراً ولا يعلم منه إلا خيراً، قال: لا يزكيه بهذا، أنت ليس لك به علم، وهو كبعض من يجالسك، هكذا قال. ومن علمه القاضي يجرحه فلا يقبل منه من يزكيه ولا يقبلها. وذكر مثله في كتاب ابن المواز عن مالك في تزكيته، وأما التجريح: فبالصحبة اليسيرة واللقاء، وبأيسر ما يكون من أمر يطلع به عليه أنه من غير أهل الورع، أو يسمع منه، أو يطلع منه على مالا تجوز به شهادته، أو يقع له ذلك في قلبه فلا يزكيه. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم – وهو في كتاب ابن سحنون عن أبيه – في الشاهد لا يعرفه القاضي بعدالة منقطعة، ولا بفساد ظاهر، ولكنه ممن يشهد الصلوات في المساجد. لا يعرف بأمر قبيح، قال: فلا ينبغي له أن يقبل شهادته إلا بتزكية ثانية وعند الربية، وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن يعرفه من الناس ومن لا يعرفه، ومن يجوز له الوقوف في أمره حتى يعدل عنده. فإذا كان الرجل يعرف بالعدالة، ممن لو لم يكن قاضيا لزمه أن يعدله عند غيره، فهذا الذي يسعه قبول شهادته، ومن عرفه يجرحه رد شهادته، وأما من لم يخبر أمره حسنا ولا يداخله وهو يرى ظاهره حسنا ولا يطلع منه على قبيح: فليسأل من يعدله، فإن لم يأته بذلك فلا يقبله. وفي المجموعة عن سحنون مثله. ومن المجموعة: قال أشهب عن مالك في الذي شهد فيعدل، ثم يشهد ثانية: أنه تقبل شهادته بالتعديل الأول، وليس كل الناس سواء، منهم المشهور [8/ 275]
بالعدالة، ومنهم من يغمض فيه بعض الناس، قال ابن كنانة: أما الذي ليس بمعروف فيعدل ثم يشهد: فليؤتنف فيه تعديل ثان، فأما المعروف بالعدالة في بلده يشهد فيعدل ثم يشهد في شيء آخر فالتعديل الأول يجزئ فيه حتى يجرح بأمر بين. وقال أشهب: إذا شهد فعدل ثم شهد، فإن كان بعد زمن نحو الخمس سنين سئل عنه المعدل الأول، فإن مات سأله معدلا ثانيا وإلا لم يقبل. قال سحنون في العتبية: إذا عدل فقبل، ثم شهد بعد شهر أو شهرين، أو عام أو عامين، قال: فيسأله التعديل حتى يكثر تعديله وتشتهر تزكيته، فإذا كثر ذلك وتأكد فلا يسأله تزكيته في [المستقبل، وقال عنه ابنه: أما الرجل المشهور عدالته] في البلد، فإن كان القاضي لا يعرفه إلا أنه صح عنده شهرته بذلك، فلا يكلفه التعديل ثانية. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم في الشاهد يعدل ويقبل، ثم يشهد ثانية، فإن كان قريبا من الشهادة الأولى مثل الشهر وشبه ذلك ولم يطل جدا، فلا يكلف تزكيته، وإن كان طال فليكشف عنه ثانية، وليطلب ذلك المشهود عليه أو لم يطلبه والسنة فيه كثيرة، قال أشهب: إلا المشهور المعروف بالخير الذي لا يؤتنف في مثله السؤال. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إذا عدل ثم شهد بعد شهر أو سنة أو أكثر من ذلك فليس عليه إئتناف تعديل إلا أن يعرفه بشيء أو يستريب في أمره أو يجرح، وإلا فلا يزيده طول ذلك إلا خيرا، وقاله ملك، وذكر عن ابن القاسم نحو ما ذكر عنه عيسى، وعن أصبغ نحو ما ذكر عنه العتبي، وبه أخذ ابن حبيب، قال مطرف: وإذا عدله رجل وعجز عن آخر، ثم عدله آخر [8/ 276]
بعد سنة، ولم ينفذ الحكم في الأمر الأول، فلا يقبل ذلك، ولا يعتد بالأول، وليؤتنف الآن معدلين له، وإن كان منهما الأول فليقبله، وإن مات فسواه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ وأشهب. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الشاهد يعدله غير أهل مكانه ومسجده أو سوقه، وفيهم من يقبل تعديله، فإن كان الشاهد غير مشهور بالعدالة: فلا يعدل بذلك، فترك أولئك تعديلة ريبة، وينبغي للحاكم أن يكون مترقبا في أموره، فهو أشد لتبينه، وإن كان مشهوراً بالعدالة يعرف به الحاكم ناس. فلم يعرفوا فقد جاز أيضا أن يعدلهم [غيرهم] إذا كانوا معروفين، وليس يجوز في ذلك من لا يعرف إلا بتعديل مشهور بالعدالة، فذلك جائز، [إن عرفه به غير أهل مكانه، ويكون بعداوة أهل برازه في العدالة، وأهل خلطة به، فهو جائز]، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. ومن المجموعة ومن كتاب ابن سحنون: قال ملك في الرجل ينازله الرجل [شهراً] لا يرى منه إلا خيرا، قال: لا يزكيه بذلك، وليس هذا باختيار. وقال ابن كنانة نحوه. قال ابن سحنون عن أبيه: لا يزكي إلا من خالط في الأخذ والإعطاء وطالت صحبته إياه في الحضر والسفر. ومن المجموعة: قال ملك في الذي يزكي الرجل عند القاضي فيقول: لا أعلم إلا خيرا، فليس هذا بتزكية حتى يقول: أعلمه رضى، وأراه عدلا، قال عنه ابن نافع: يقول: أراه عدلا رضى، أو أراه عدلا، قال ابن حبيب: قال مطرف: قال ابن الماجشون: يقول: هذا عندي عدل رضى فيجزيه، وليس عليه أن يقول: عدل رضى في علم الله، ولا أن يقول: أقبله علي ولي، وقاله أشهب [8/ 277]
عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال عنه ابن نافع في المجموعة: وليس عليه أن يقول له: ترضاه لك وعليك، أو جائز لشهادة لك وعليك، وذكر أشهب عن مالك: نحو ما ذكر ابن حبيب من روايته عن مالك، ونحوه عن سحنون، قال ابن كنانة: التعديل أن يقول: أعرفه أو أعلمه عدلا رضى جائز الشهاد، ولا يقبل منه أن يقول: لا أعلمه [إلا عدلا رضى، وذكر نحوه ابن كنانة عن مالك في كتاب ابن سحنون: ولا يقبل منه في التجريح: إما قال: لا أراه عدلا ولا أعلمه عدلا. قال سحنون: ولا يقبل منه في التزكية حتى يقول: إما عدل ولا يقبل منه أن يقول] صالح، ويقبل في ذلك رجلان في السر سوي تزكية العلانية، قاله ابن حبيب، ولو زكوا في العلانية، وكشف عنهم في السر، فقيل: إنهم قوم صالحون، فلا يقبل ذلك حتى يقول في السر في كل واحد منهم: رجلان عدلان: إنه عدل: قال العتبي عن سحنون: التعديل أن يقول: فهو عندنا عدل رضى جائز الشهادة، قال: فإن قالوا: هل عندنا عدل ولم يزيدوا على هذا. قال: هذه تزكية، وقال أصبغ: لا أحب أن يقول الرجل: هو عدل، ويقول: أراه عدلا. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: ومن شهد شهادة فسألك أن تعدله وأنت تعلم أنه عدل، فواجب عليك أن تعدله، قال: ما أدري ما واجب ولكن حسن أن تعدله. [8/ 278]
في الشاهد الغريب من يعدله؟ وهل تقبل الشهادة في الرفقة بالتوسع؟
في الشاهد الغريب من يعدله؟ وهل تقبل الشهادة في الرفقة بالتوسم؟ وهل يقبل في الوكالة غير عدل؟ والشهادة في العدالة، وتعديل الشاهد وهو غائب والشهادة على الشهادة من المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب في الغرباء يشهدون لغريب أو لغير غريب، ولا يعرفون بتلك البلدة، فلا تقبل شهادتهم إلا بمعرفة عدالتهم، أو يعدلهم من يعرف عدالتهم. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الرفاق يمرون بأمهات المدائن، فتقع بينهم خصومة بها، فيشهد بعضهم على بعض، ولا يعرفهم حاكم البلاد، قالا: أجاز مالك وغيره من أصحابنا شهادة مثل هؤلاء على التوسم لهم بالحرية والعدل، ويجيزون شهادة بعضهم على بعض لمن جمعهم ذلك السفر فيما وقع بينهم من المعاملات في ذلك السفر خاصة من سلف وكراء وبيع وشراء وهم من بلد واحد أو بلدان شتى، والمشهود عليه من القرية التي اختصموا فيها أو من غيرها إذا كان ممن جمعه معهم ذلك السفر، وكذلك شهادة بعضهم لبعض على كريهم فيما عاملوه به في سفرهم ذلك، وهذا أجيز للضرورة كشهادة النساء والصبيان في الضرورات، قلت لابن الماجشون: فإن حكم على كريي بذلك في كراء أو سلف ونحوه فلم يف ما معه في سفره بما عليه، وله عقار بالقربة التي بها تحاكموا، أيباع عقاره في بقية ذلك؟ قال: لا يجوز، ولا يجوز في مثل العقار وشبهه شهادة المجهولين، ويبقى ذلك في ذمته، فإذا بان له مال أخذه منه، ولو قام عليه غرماؤه فبيع لهم عقاره أدخل معهم هذا ببقية حقه، لأنه لغير سبب [8/ 279]
بيع. قال ابن الماجشون: ولا يمكن المشهود عليه من تجريح هؤلاء الشهود، لأنهم إنما أجيزوا على التوسم، فليس منهم شيء إلا أن يرتاب السلطان منهم قبل حكمه بهم ريبة من قطع يد أو جلد في ظهورهم وشبهه، فليقف وليتثبت في توسمه، فإن ظهر ما ينفي تلك الريبة وإلا أسقطهم. قال: ولو شهد شاهدان وامرأة، أو عدد لا يتوسم فيهم أن الذين قبلوا بالتوسم عبيدا أو مسخوطين، فإن كان قبل الحكم وقفا وتثبت، فإن لم يتبين له ما يرتاب فيه ويقف به أمضى شهادتهم، وأما بعد الحكم فلا يرد شيئا من ذلك كله إلا أن يشهد عدلان إنهما كانا عبدين، أو مسخوطين، أو والد الولد، أو ولد الوالد، فيردهما الحاكم، وإن أقرا بعد [الحكم يتعمد الزور مضى الحكم وغرما ذلك، وإن أقرا بأنهما تعمدا الشهادة عليه] أعلمهما أنهما لا يجوزان في مثل ذلك لرق أو لغيره مما ذكرناه، فليضمنا إلا أن يدعيا الجهالة، ولا يقبل بعضهم على بعض في سرقة ولا تلصص ولا ربا ولا غصب ولا مشاتمة، وإنما أجزناها في الأموال في مصالحهم لضرورة ذلك في السفر. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ في الشهادة على الوكالة لا يكونون إلا عدولا، ولا يحتاط فيهم كما يحتاط في شهداء غير الوكالة، وما سمعنا أحدا أرخص في مثل ذلك. ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كان المزكون للشهود لا يعرفهم الإمام، فإن أتوا بمن يعرفهم، فإن كانوا شهود الحق غرباء، جاز ذلك، وإن كانوا غير غرباء لم يجز ذلك، فلا تقبل عدالة على عدالة إذا كان [8/ 280]
الشهود من أهل البلد حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم عند القاضي. ورواه حبيب عن مطرف عن مالك. قال: وسواء كان معدلو الغرباء غرباء، أو من أهل البلد، فالتعديل [على التعديل] في هذا جائز، غير أنه إن كان المعدلون من أهل البلد والتعديل يعدلون أناسا من أهل البلد فلم يعرفوا، ثم عدل أولئك أيضا ناس فلم يعرفوا، جاز أيضا أن يعدلهم غيرهم إن كانوا معروفين، وليس يجوز في ذلك من لا يعرف إلا بتعديل. ومن العتبية: قال لسحنون: فإذا كان عند شاهد علم، ولا يعلم عدالته إلا رجلان. وأنا أعرف موتهما أو سفرهما، فأشهدا على شهادتهما أنه عدل عندهما، ثم احتاج إلى ذلك؟ قال: فليطلب القاضي منك من يعدله غيرهما، فإن لم يجد جازت الشهادة فيه على الشهادة في ذلك إذا كان الغيب الذين زكياه حضر بين ليسا من أهل البادية، لأن البدوي لا يعدل الحضري. قال: وكذلك يقبل في التجريح الشهادة على الشهادة، وذكر عنه ابنه في كتابه مثل ذلك، قال: ثم رجع فقال: لا يجوز هذا إلا في تعديل البادي. وأما حضري لا يوجد من يعدله إلا رجلان غائبان أو ميتان، فلا تجوز شهاداته. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: لا تكون العدالة في الشاهد إلا عند السلطان، ولا يجوز أن ينقل العدالة كما ينقل الشهادة في الحقوق، إلا أن يشهد رجل على شهادة على غائب أو ميت، ويعدله مع ذلك، وأما أن تجوز الشهادة على الشهادة في العدالة فلا، ولا عمل به في المدينة قط فيما علمناه، ولا علمنا مالكا قاله، لأن تعديل الشاهد لا يكون إلا بعد أن يشهد، وحين يشهد عند الحكم، وقالا: والشاهد إذا كان علم عدالته عند رجل مريض، فلا بأس أن ينقل ذلك عنه بشهيدين، لأن تعديله هنا بعد الشهادة. [8/ 281]
قال سحنون في العتبية والمجموعة: لا يقبل من المعدلين أو المجرحين أن يقولوا: سمعنا فلانا وفلانا يقولان: إن فلانا عدل أو غير عدل، لأن هذه شهادة على سماع. قال في المجموعة: إلا أن يكون المشهود على شهادته قد أشهدهم على التزكية والتجريح. قال سحنون: إذا عدل الشاهد ثم جاء شاهدان يشهدان أن القاضي رد شهادته لأمر تبين له منه، والقاضي لا يحفظ ذلك، فليقبل شهادتهما بذلك. قال ابن سحنون: وكان سحنون إذا شهد عنده شاهد وهو معروف ومشهور، قبل تزكيته في غيبته، وإن لم يكن مشهورا لم يقبل فيه التزكية إلا بمحضره، وتكتب التزكية أسفل الشهادة، ويذكر من زكاه في ذلك كله، وقال في باب آخر: ويقبل من الخصم تجريح الشاهد وتزكيته، والخصم غائب، وقاله ابن كنانة في المجموعة. ومن المجموعة: قال أشهب: ويسأل القاضي عن الشاهد بمحضر الخصم أو مغيبه، ثم يخبره بمن عول عليه، فإن كان عنده مدفع أتاه به. وقال أشهب عن مالك في جميع هذه الدواوين في أرض اختصم فيها، فيقيم هذا بينة من أهل قريته معروفين على أنها له، فيعدلون، ويقيم هذا بينة من أهل قرايا ورجال مشيخة ولا يأتي لهم بتعديل فيقول: هم بموضعهم يعرفون بالعدالة، قال: إن كانت مواضعهم من عمله كتب إليهم فيهم، وإن كان على غير ذلك تركهم ولا يقضي بينهم بشيء. قال ابن كنانة: وقد عدل هؤلاء ولم يعدل هؤلاء، أحب إلي ألا يقضى بينهم بشيء. وذكر ابن حبيب هذه الرواية وجواب مالك لابن كنانة، وزاد: ولعل بينة الآخر أن يكونوا عدولا حيث يعرفون، أكتب إليه: لا يقضي بينهم بشيء، فإنك إنما تسأل عما فعلت، ولا تسأل عما تركت. قال أصبغ: وذلك حسن، لأن خصومتهم في ربع، ولكن لا يدعهم هكذا هملا أبدا، وليكشف ويستأني، فإذا طال ذلك ولم يأت صاحب البينة] المجهولين [8/ 282]
بشيء، قضي للأخر، ولو كانت الخصومة في غير الربع لم أبلغ به هذا الاستثناء، وليقض به لصاحب البينة] المعروفة بعد تلوم ليس بالطويل. ومن العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ومثله عن سحنون في المجموعة وكتاب ابنه، في القاضي يشهد عنده رجل من أهل الكور التي بها قاض، ولا يقدر الخصم أن يعدله عند قاضي الحاضرة، ولعله يعرف ببلده بالعدالة، فليكتب القاضي إلى قاضي بلده أن يعدله عندهم، ثم يكتب بذلك إليه، قال سحنون: فإن كان القاضي الذي يشهد عنده هذا الرجل يخاف أن يكون قضاة الكور غير محتاطين في التعديل قال: لا يكتب إلا إلى قاض يرضى حاله واحتياطه، ويكون على يقين من حسن نظره لنفسه، فإن لم يكن كذلك فلينظر، فإن كان بالكورة رجال يرضى حالهم، كتب إليهم في ذلك سراً فيسألهم عن الشاهد سؤالا حسنا، فإن كان عندهم مشهوراً بالعدالة والصلاح، كتبوا إليه بذلك، فإن كان القاضي بذلك بهم واثقا فليجز شهادتهم وإلا تركهم حتى يعدل بمن يرضى. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله، وقالا: إن لم يكن رجال فرجل يوثق به يكتب إليه يسأله عن الشاهد، وعما أحب من أمور، ثم يعمل على ما يأتيه من عندهم أو من عنده إن كانوا جماعة أو واحدا، وليكتف برسوله الذي يأتي بالكتاب إن كان مأمونا، وإن كان الخصم هاربا، فلا يقبل منه إلا بشاهدين يشهدان بأنه كتاب القاضي أو الأمناء أو الأمين. قال ابن سحنون عن أبيه من سؤال حبيب فيمن يريد أن يقدم شاهدا يشهد له عند قاضي بلد ليس ببلده، فيريد أن يقدم بينه تزكيه عند قاضي بلده، لأنه هناك يعرف، أيكتب بتعديله هذا القاضي إلي القاضي الذي يريد أن يشهد عنده؟ فأنكر هذا وقال: لا يكلف القاضي بهذا، ولا يزكى الشاهد قبل أن يشهد. [8/ 283]
في تزكية رجلين لرجلين وتزكيتك لمن يشهد معك في حق
في تزكية رجلين لرجلين وتزكيتك لمن يشهد معك في حق من العتبية من رواية أشهب، ومن المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك في الرجلين يزكيان رجلين: إن ذلك يجزئ، وقاله ابن كنانة، جائز أن يزكي رجلان الإثنين والجماعة في أمر واحد أو أمور مختلفة، وكذلك التجريح. قال بن كنانة: وإذا شهد رجلان في حق، فلا يجوز تزكية من عرفت عدالته منهما للآخر، وقاله بن القاسم في العتبية والمجموعة، لأن العدالة شهادة، فصار شاهداً في الوجهين، قاله عبد الملك في المجموعة، قال: ويصير الحق قد جيء به وحده، وكذلك في كتاب ابن المواز، وكذلك قاله سحنون في كتاب ابنه، وفيه أيضا: قال في شهيدين شهدا لرجل بحق على رجل، ثم جاء الطالب بشاهدين فشهدا بمثل ذلك، وزكت كل طائفة الآخرين، قال: تتم الشهادة والتزكية. ويثبت الحق، لأن شهيدين ثبتا لا محالة، ثم قال: أرأيت لو شهد كل فريق منهما بغير الحق على الآخر؟ قال ابن سحنون لرجلين مختلفين، وزكى كل فريق الآخر، قال: لا تجوز تزكية بعضهم بعضا، لأن بعضهم شهد لبعض، ويقال للطالب: زك بينتك بغيرهم، وقد كان يقول: شهادتهم وتزكيتهم جائزة، ويثبت الحق، وذكر العتبي هذه المسألة الأولى والثانية عن ابن سحنون، وقال في المسألة الثانية: وزكى هؤلاء هؤلاء، إلا أنه قال في الأولى: وزكي الآخران الأولين، ولم يذكر تزكية كل طائفة للأخرى، ولم يذكر: وزكت كل بينة الأخرى، وقال في جواب المسألتين: إن التزكية جائزة. ومن كتاب ابن سحنون: وقال في شهيدين بحق زكى أحدهما الآخر قال: لا تجوز تزكيته إياه إلا أن يكون مع المزكي غيره من عدول الناس، فليحلف صاحب الحق مع المزكي؛ لأنه لم يثبت له إلا واحد، وهو الذي زكاه صاحبه والأجنبي [ع: كذا وقع في الأم، ولا يصح على هذا؛ لأن الشاهد المحكوم به مع اليمين، إنما أثبت عدالته تزكية الذي شهد مع الأجنبي، فإذا كان المزكي من] [8/ 284]
في التجريح ووجوهه، وهل يكشف المجرحون للشاهد بماذا جرحوه؟ وتجريح المبرز؟
الشاهدين عدلا تقبل تزكيته، فلم لا يقضى بالحق به ويصاحبه دون يمين الطالب؟] وإن شهد الشاهدان على حقين مختلفين وزكى أحدهما الآخر، قال: لا تجوز تزكية بعضهم بعضا. قال: ولو زكى هذا واحد ورجل آخر معه، وزكى الشاهد الآخر ورجل آخر معه: الشاهد الذي زكاه أولا، قال: فشهادتهم جائزة، قال: ويخلف مع شاهده ويستحق، كمن أقام شاهدا في حق فليحلف معه. قال ابن الماجشون في المجموعة وكتاب بن المواز: فإذا شهد رجلان في حق، وعدلا رجلا يشهد في ذلك الحق، فتزكيتهما إياه جائزة قال: وإن شهدا على شهادة رجل في حق وعدلاه بتعديل له، وقد قال أشهب: إن عدل أحدهما فذاك جائز، وقاله سحنون في المجموعة، قال ابن المواز: قال أصبغ بعد أن يعرف أنه هو بعينه ليلا يتسمى باسم من يعدل. ومن العتبية: قال سحنون: ويجوز لمن شهدا للرجل في حق بأن يجرحا من شهد عليه في ذلك الحق. ومن كتاب ابن سحنون عن ابنه – وهو لعبد الملك-: وإذا نقلا عن شاهد، وعدلا شاهدا معه في ذلك الحق، فذلك جائز، وإذا شهد على شهادة رجل هو ورجل، فلا يعدل من ينقل معه عن الرجل. في التجريح ووجوهه وهل يكشف المجرحون للشاهد بماذا جرحوه؟ وهل يمكن تجريح المبرز أو يجرح من هو دونه؟ من العتبية والمجموعة: قال أشهب عن مالك في البينة تعدل عند الحاكم، أيقول للمطلوب: دونك فجرح؟ قال: لا يفعل، وفي ذلك توهين للشهادة، [8/ 285]
وقال ابن نافع: أرى أن يقول له ذلك، ويمكنه منه، وقد يكون العدل عدواً للمشهود عليه. ومن المجموعة: قال ابن كنانة: لا بنبغي للحاكم أن يشهد عن الشاهد في التجريح قبل التعديل، ولا يقبل من لا يعرفه بعدالة أو غيرها حتى يعدل، فإذا عدل قال للخصم: جرح وإلا حكمت عليك. مطرف وابن الماجشون فى كتاب ابن الحبيب: لا يحكم على الخصم جاهلا كان أو عالماً حتى يطلبه بجرحة من شهد عليه، ويؤجله في ذلك، فإذا عجز عن ذلك حكم عليه، وذكر ذلك في كتاب حكمه، ثم إن سأله بعد ذلك الجرحة، أو عزل ذلك القاضي أو مات، ثم ولي غيره فطلب أن يجرح عنده من شهد عليه، وادعي الخصم أن الأول لم يطلبه بجرحة شاهده، لم يقبل منه، وإن لم يكن ذلك ذكر في حكمه إلا أن يكون قد عزل قبل تمام الحكم، فليمكن الثاني من ذلك، وأما لمن تبين له، أو لمن ولي بعده: أنهما عبدان أو مسخوطان، فليرد الحكم، قال غيره: وابن القاسم لا يرى ذلك في المسخوطين. ومن كتاب ابن سحنون: قيل لسحنون: أيمكن الخصم من تجريح الرجل البين الفضل المبرز إذا طعن فيه؟ قال: نعم يمكنه من ذلك، قال ابن حبيب: قال أصبغ: لا يمكن الخصم من جرحه العدلين الفائقين في العدالة بجرحه الإسفاه إن ادعى ذلك إلا بجرحة عدواة أو هجرة، فقد يكون ذلك في الصالح والبارز، قال مطرف: يجرح الشاهد ممن هو مثله أو فوقه أو دونه بالإسفاه والعداوة إذا كان عدلا عارفا بوجه التجريح، وقال ابن الماجشون: يجرح ممن هو فوقه ومثله، ولا يجرح بمن هو دونه إلا بالعداوة والهجرة، وأما بالإسفاه فلا، وقال أصبغ كقول مطرف، وقاله ابن حبيب. ومن المجموعة: قال أشهب: إذا كان الشهود ممن يجرح مثلهم، وإنما يقبلون بالتعديل لا بالبروز في العدالة، فحسن أن يقول للخصم: قد زكوا فهل [8/ 286]
عندك ما تدفع به شهادتهم؟ وإن كانوا مبرزين لم يدعه لتجريحهم وقاله لي مالك، وقال ابن القاسم: إذا كان المطلوب يعرف وجه التجريح لم يسأله الإمام ذلك، وإن أرى أنه يجهل ذلك كالمرأة والضعيف، قال له: دونك فجرح. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان الرجل يبين بالعدالة، فجرحه قوم فقالوا: هو عندنا عدل، فلا يقبل منهم حتى يكونوا معروفين بالعدالة وأعدل منه، ويذكرون بما جرحوه به للقاضي، فإن رأى جرحة اسقطه، وأما من ثبتت عدالته بالكشف عنه فلا يقبل تجريحه لأهل العدالة البينة، وإذا قال عدلان ممن يعرف العدالة والجرحة: فلان عندنا غير عدل. اجتزأ بذلك الكشف القاضي. ومن العتبية: قال ابن نافع عن مالك في الشاهد يعدله عدلان، ويأتي المطلوب برجلين يجرحانه؟ قال: ينظر إلى الأعدل من الشهود فيؤخذ به، قال: ولا نرى أن المجرحين أولى لأنهما زادا؟ قال: لا ولكن يقال لهما: بماذا تجرحانه؟ فينظر في ذلك أمعروف أو مشهور؟ ولعله أمر قديم، وقال ابن نافع: إذا كان المجرحان عدلين فهما أولى، ويسقط التعديل. قال سحنون في العتبية [مثله، قال ابن أبي حازم في المجموعة. من العتبية: قيل سحنون] فإن عدله أربعة، وجرحه رجلان وهم متكافئون في العدالة، والأربعة أعدل، قال: آخذ بشهادة المجرجين لأنهما علما ما لم يعلم الآخرون، قال ابن كنانة في المجموعة: إذا شهد العدل المبرز لم يسأل عن تزكيته، ولا يمكن الخصم من تجريحه، وقال في الشاهدين يجرحان رجلا أيسألان عن ما جرحاه به؟ قال: أما المشهور بالعدالة فلا يسألا، أما غير مبرزين فليسألا، فإن ذكروا ما يتبين به للإمام، رد شهادته، وإلا لم يفعل ذلك. قال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: إذا قالا: هو عندنا غير عدل ولا رضي، لم يصفاه بغير ذلك، فإن كانا من أهل الانتباه والمعروف بما يجرح به الشاهد، فذلك تجريح، وقال في جوابه لحبيب: إذا جرحوا الشاهد بمعنى لم [8/ 287]
يسموه وقالوا: وهو رجل سوء غير مقبول الشهادة، ولا يسمى غير هذا، قال: هي جرحة، ولا يكشفون عن الخبر أكثر من هذا. وقال سحنون في كتاب الرجوع عن الشهادة: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا، وأتى المشهود عليه قبل الحكم بأربعة فقالوا: نشهد أن هؤلاء الأربعة شهدوا على هذا [بزور] فلا يكون هذا تجريحا لهم حكم بشهادتهم أو لم يحكم، وإنما التجريح أن ينسبوا إليهم فعلا يجرحهم بسببه من كذب وشرب خمر أو غير ذلك مما يجرح به، أو يقولوا: إن حدا مولى عليه، فهذا الجرح قبل الحكم، وإن جرحوه بعد الحكم لم ينقض إلا في المولى عليه، فإنه إذا ثبت بعد الحكم أنه مولى عليه نقض الحكم. ع وقد اختلف في جواز شهادة المولى عليه، قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: لا يقبل التجريح إلا ممن يعرف وجوهه، وكذلك التعديل، فإذا قالا: إنه مستجرح وهما عارفان بوجوه التجريح، لم يكشفا عن غير ذلك، وسواء قاموا بها على من هو ظاهره العدالة، أو على من إنما جاز بالتعديل. قال أشهب في المجموعة والعتبية: إذا جرحوا المشهور بالعدالة فقالوا: نشهد أنه غير عدل، لم يقبل منهم حتى يبينوا جرحته ما هي، فإن كان إنما قبل فيمن عدل وليس بمشهور العدالة، فليجتزأ بقولهم في تجريحه كما لو قالوا: عدل رضى لم يكشفوا، ولا يقبل رجل واحد في الإسفاه، ورواه ابن وهب عن مالك قال: ولا يقبل تجريح واحد. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا جرحه رجلان كل واحد معنى غير الآخر. قال: هي جرحه لاجتماعهما على أنه رجل سوء، وقد قال أيضا: إنه لا يجرح حتى يجتمع عدلان على معنى واحد من التجريح. إما كذب، أو شرب خمر، أو [8/ 288]
أكل حرام ونحوه، وقال في موضع آخر: إذا قال أحدهما: إنه كذاب، وقال الآخر: وهو آكل الربا، قال: لا حتى يجتمعا على معنى واحد. [قيل: فإن قال أحدهما: هو خائن، وقال الآخر: آكل أموال اليتامى، قال: هذا معنى واحد] وهو تجريح، وقال أيضا: إذا جرحه ثلاثة بأمر لم يسموه، وقالوا: لا نسميه غير أنه رجل سوء غير مقبول الشهادة، قال: هي جرحه ولا يكشفوا عن أكثر من هذا، قال محمد ابن عبد الحكم: فإن جرحه شاهد بأكل الربا، وشاهد بشرب الخمر، وشاهد بنوع آخر من التجريح، فإنه يسقط بذلك لاجتماعهم أنه غير عدل ولا رضى. ومن المجموعة قيل لابن القاسم: أيجرح الشاهد سراً؟ وقد يقول من جرحه: أكره عداوة الناس، أيقبل ذلك منهم سراً؟ قال نعم إذا كانوا أهل عدالة، وقال سحنون: إنما يكون التجريح في السر، والتزكية في العلانية، ولا آمرهم أن يشتموا الناس في العلانية. وقال أشهب عن مالك في العتبية: ولا يجرح بشهادة واحد. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يجرح بالواحد كما يعدل به إذا كان عدلا. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا لم يجد المشهود عليه إلا من شهد أنه سمع فلانا وفلانا يقولان: إن فلانا عندنا غير عدل، فلا يجرح بهذا ولا تجوز الجرحة على السماع، قال ابن المواز: ويجب على الرجل [أن يزكي الرجل] إذا كان عنده عدلا، لأن في ذلك إحياء الحق، فلا يسعه ترك تزكيته، وكذلك في جرح من هو عنده غير عدل إذا شهد فخاف أن لم يرد علمه فيه أن يجيء بشهادة باطلة ويموت بها حق، وقد قال ملك فيمن سأله رجل أن يعدل له شاهده وهو ممن يعرف بالعدالة فحسن أن يعدله. [8/ 289]
في شهادة تارك الجمعة أو غيرها من الفرائض من صلاة وزكاة وحج وشبه ذلك
في شهادة تارك الجمعة أو غيرها من الفرائض من صلاة وزكاة وحج شبه ذلك مما يجرح به من المجموعة ومن كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن مالك في تارك الجمعة وهو في قرية يجمع فيها من غير مرض ولا علة، فلا أرى أن تقبل شهادته، وقاله سحنون في كتاب ابنه: وذلك إذا تركها ثلاث مرات متواليات للحديث أن من تركها كذلك طبع إلى على قلبه. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك مثله، قال: إذا تركها مراراً ولم يعرف له عذر في ذلك، فشهادته مطروحة حتى يثبت له عذر ويظهر، ولا يعذر في ذلك بالجهالة، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وهو من العتبية، قال سحنون: إذا تركها ثلاثا متواليات للحديث الذي جاء. ردت شهادته [وقال أصبغ عن ابن القاسم في تارك الجمعة وشهادته] إلا أن يعرف له عذر ويسأل عن ذلك ويكشف، فإن عرف له عذر من مرض أو وجع أو اختفاء في دين فلا ترد، وأما على غير ذلك فلترد، وكذلك روى عنه ابن المواز، قال في العتبية: إلا أن يكون ممكن يتهم على الدين ولا على الجمعة لبروزه في الصلاح وعلمه، فهو أعلم بنفسه. قال أصبغ، والمرة الواحدة في ذلك متعمدا من غير عذر وعرف ذلك، ترد به شهادته، ولا ينتظر به ثلاثا، لأن تركه الفريضة مرة وثلاثا سواء، وهي فريضة كالصلاة يتركها لوقتها مرة واحدة، وما روي في الجمعة ثلاثا طبع الله على قلبه، إنما هو في الإثم والنفاق، وينتظر به ثلاثا للتوبة، فإن فعل وإلا طبع على قلبه، وكان عمر رضي الله عنه يعاقب من تخلف عنها. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة: هذا لا يظهر فيه العذر للناس، والمرء أعلم بنفسه وقد يكون بحال لا يعلمها غيرك، فلا ترد شهادته، بذلك قال في المجموعة: إلا أن يتركها من غير عذر ولا علة، وليس [8/ 290]
يخفى مثل هذا على الناس. قال ابن كنانة: من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلا تقبل شهادته إذا فعله من غير سهو ولا عذر في فرض أو نافلة، وقال أيضا: لا تقبل شهادة من لا يحكم الوضوء والصلاة، وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف مثله كله، وزاد: ومن عرف بتضييع الوضوء والزكاة والصوم لم تقبل شهادته، ولا يعذر في ذلك بجهل، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. ومن كتاب ابن سحنون عن ابن الماجشون وسحنون: ومن لا يعرف التيمم فإن كان ممن يلزمه فرض التيمم في حضر أو سفر فلا شهادة له، وكذلك من لا يعرف فرض الزكاة في كم تجب من المال: مائتي درهم وعشرين دينار، وإذا كان ممن تلزمه الزكاة فلم يعرف ذلك فلا شهادة له. من العتبية: قال سحنون في كثير المال القوي على الحج فلم يحج فهي جرحة إذا طال زمانه، واتصل ... متصل الوفر منذ عشرين سنة إلى أن بلغ ستين سنة، قال: لا شهادة له. قيل: وإن كان بالأندلس؟ قال: وإن كان، فلا عذر له. وقال ابن القاسم في هذه الدواوين إلا الواضحة في الرجل يشهد على الرجل فيقول للقاضي: سله عن الوضوء والصلاة والتشهد، قال: لا يسأله عن ذلك، وهذا قول أهل الأهواء. قال سحنون في المجموعة: ولا يضره جهله بالتشهد خاصة. ومن العتبية: روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم في الفار من الزحف وما على الناس إذا فر أمامهم، قال ابن القاسم: إذا تاب وعرفت توبته، قبلت شهادته إذا فر من الضعف. كما قال تعالى: اختار بعد ذلك لزحف ثان أو [8/ 291]
في شهادة أهل الأهواء وما يجرح به الشاهد من كبائر الأمور وصغائرها
تجيز. وإن فر من أقل من ذلك لن تقبل شهادته ولا يحل الفرار من المثلين، فإن زادوا على ذلك وكثروا فلا بأس أن يفروا إذا خافوا الضعف، ولا يحل الناس إذا فر إمامهم أن يفروا. في شهادة أهل الأهواء وما يجرح به الشاهد من كبائر الأمور أو يجرح به من صغائرها من المجموعة: قال ابن نافع: قال مالك: لا تقبل شهادة القدرية. قال ابن سحنون: وأجاز ابن أبي ليلى شهادتهم، فأنكره سحنون وقال: لا يقول بهذا أحد من أهل المدينة علمناه. قال: ولا تجوز شهادة أهل البدع بحال، قال: لا نجيز شهادة المعتزلة، والإباضية والجهمية والمرجئة وغيرهم من أهل الأهواء. قال ابن كنانة: ولا تقبل شهادة الكاهن. قال أشهب فيمن عرف بالبدعة فلا شهادة له، وأما من لم يعرف بذلك فإن لطخ بما لم يكن فيه أمر بين صريح فليقبل. ابن حبيب: قال مطرف في القاضي يبلغه عن رجل أنه من أهل الأهواء في دينه، أو أنه من أهل الفساد في أكله وشربه من غير شهادة عليه، قال: إن تواطأ الكلام عليه بذلك، فلا تقبل شهادته إلا بتوبة وتورع ظاهر، وقاله ابن القاسم وأصبغ. [8/ 292]
ومن كتاب ابن المواز: واللاعبون بالحمام والترد والشطرنج، فإن كان يقامر عليها، أو مدمنا وإن لم يقامر، فلا تجوز شهادته، ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك في المجموعة، وقاله سحنون في كتاب ابنه، وزاد: ومن كان يبيح الترد والمزامير والعيدان والطنابير فلا تجوز شهادته. وروى أشهب عن مالك في العتبية فيمن شرب نبيذ التين، فإن كان يسكر لم تقبل شهادته. قال أشهب في المجموعة: وكذلك عاصر الخمر وبائعها وإن لم يشربها. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال في الكتابين: وإن باعها عصيراً لم ترد شهادته [إلا أن يكون تقدم إليه ووعظ فلم ينته، فترد شهادته]. قال ابن كنانة في المجموعة: لا تقبل شهادة النائحة. قال العتبي عن ابن القاسم فيمن له حوانيت يؤاجزها من الخمارين وهي له أو لغيره من زوجته أو غيرها، فلا تقبل شهادته. قال سحنون في شهادة المنجم الذي يدعي القضاء لا يجوز. وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن قطع الدنانير والدراهم: لا تقبل شهادته إلا أن يعذر بجهل، وكذلك ذكر عنه ابن المواز، قال عنه العتبي: وكذلك إن كان جاهلا، وكذلك الذي يستحلف أباه في حق وهو جاهل، فلا تجوز شهادته، قال أصبغ: وكذلك من حد أباه لم تجز شهادته، وإن كان حده حقا لا عقوقا، ولا يعذر بالجهالة في هذا. قال سحنون في الذي يقطع الدنانير والدراهم: ليس هذا بجرحة، قال في كتاب ابنه: إن كان مشهورا بذلك فهي جرحة، ومن كتاب ابن سحنون عن [8/ 293]
أبيه في الذي يأخذ من لبن وحجارة اشتريت للمسجد، فاعترف بذلك وقال: تسلفتها ورددت مثلها، قال: قد يجهل مثل هذه ويظن أن ذلك يجوز له، فلا أرى إلا ترد لذلك شهادته مع جهله. ومن العتبية: قال سحنون في الفقيه الفاضل الصالح يخرج إلى الصيد متنزهاً، فلا ترد بهذا شهادته. قيل: فالرجل يمطل بحق عليه؟ قال: إن كان مليا لم تجز شهادته. لقوله (صلى الله عليه وسلم) مطل الغني ظلم. قال سحنون: ومن ابتاع أمة فوطئها قبل أن يستبرئها فذلك جرحة، وترد به شهادته، وعليه الأدب إن كان لا يجهل مكروه ذلك. وكذلك إن وطئ صغيرة لم تحض قبل أن يستبرئها إذا كان مثلها يوطأ. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل يتمني أنه ابن فلان، وإنما مات فلان هذا وله أمة حامل. فولدت هذا الشاهد فلم يورثه بنوه ولا ادعوا رقبته، ولا رقبة أمه فكبر فانتسب إلى الميت وسكت عنهم عن الميراث وسكتوا عنه، ثم شهد بشهادة وهو معروف بالعدالة، قال: يسأل عنه بنو الميت فإن أقروا به لم يضره ترك الميراث، وإن لم يقروا به ولا قامت بينة بإقرار الميت بوطء أمه لم تجز شهادته، ولا يثبت العتق إلا بعد ثبات النسب. قيل: فإن اعتقه الورثة مع أمه وهو مقيم على الانتماء إلى هذا الميت، أترد شهادته بذلك؟ قال: إنه لذلك أهل، وما أحب أن تقبل شهادة مثل هذا. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الاغلف: وإن ترك ذلك من غير عذر ولا علة فلا شهادة له، وليس بعدل إذ ترك فطرة من سنة الإسلام، ولا عذر له بإسلامه وهو كبير، وقد اختتن ابراهيم عليه السلام ابن مائة وعشرين سنة. [8/ 294]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في السكان في حائط دار الامارة، والسكان في الصوافي، قال: أما في الصوافي فهي جرحة إن علم أن أصلها غير جائز، وإذا جهل ولم يفصل بين صائفة وغيرها، ولم تسقط شهادته، وأما مع حائط دار الإمارة فإن كان فضاء واسعا، فلا تسقط شهادته بذلك. وروى ابن وهب أن عطاء بن أبي رباح سيل عمن لا تجوز شهادته، فقال: العبد، والصبي، والكافر، والمسخوط. قال محمد بن عبد الحكم في اللاعب بالشطرنج: وإن كان يكثر ذلك حتى يشغله عن الصلوات في جماعة ويكثر ذلك، طرحت شهادته وإلا جازت، وأما النرد فلا نعلم من يلعب بها في وقتنا هذا إلا أهل السفه، ومن يترك المروءة، والمروءة من الدين فلا تقبل شهادته، ومن سمع ضرب العيدان وحضرها وإن لم يكن معه نبيذ [لم تجز شهادته إلا أن يحضرها في عرس أو صنيع فلا أبلغ بمطرح شهادته إذا لم يكن معه نبيذ يسكر] وليس الصنيع كغيره، وغيره ترد شهادته في الصنيع وغيره وإن كان مكروها على كل حال، ومن سمع رجلا يغني لم أرد بذلك شهادته إلا أن يكون مدمنا فيكون تاركا للمروءة وفعل أهل الدين، تترك بذلك شهادته، وإن كان معه شيء من الملاهي مثل الطبل والزمر ونحوه، وكان في غير صنيع، ردت بذلك شهادة من حضر، يريد: مختارا للحضور، ولا تجوز شهادة النوائح ولا من يغني بالجعل، ولا بالملاهي كلها بأجرة، وإن كان ذلك له صنعة يعرف بها ويدعى إليها فلا يجوز شهادته، وإن كان لا يأخذ على ذلك جعلا، وأكره قراءة القرآن بالألحان حتى يشبه الغناء. وأرد شهادة من فعل ذلك. قال ابن القرظى: وقد أختلف في رد شهادته، وإن كان الشاعر يقول السفه لم تجر شهادته، وأما إن وصف في شعره الخمر، أو وصف النساء بما يجوز له، لم ترد شهادته إن كان عدلا، وقد وصف حسان بن ثابت وغيره من الصحاب بمثل هذا في أشعارهم، وإن كان هذا مع لجاحه جهلا فلا تجوز شهادته. [8/ 295]
في شهادة المولى عليه والبكر والمجنون والأخرس ومن لم يحتلم وهو ابن خمس عشرة سنة
في شهادة المولى عليه والبكر والمجنون والاخرس ومن يحتلم وهو ابن خمس عشرة من العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم قال: لا تقبل شهادة الصبي [ابن خمس عشرة سنة] إلا أن يحتلم أو يبلغ ثمان عشرة سنة فتجوز شهاداته، وقال ابن وهب: تجوز شهادة ابن خمس عشرة سنة، [وإن لم يحتلم وكان عدلا، واحتج يقول ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) [أجازه] وهو ابن خمس عشرة سنة]، وقال ابن عبد الحكم وغيره في العتبية: إنما أجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) من رأى فيه طاقة القتال عند رؤيته إياهم، ولم يسألهم عن أسنانهم، وليس في هذا دليل على أنه حد البلوغ. قال أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة: إنه سئل عن شهادة المولى عليه وهو عدل أتقبل شهادته؟ قال: إن كان عدلا جازت شهادته. قال ابن المواز: وهذه رواية ابن عبد الحكم، قال: أشهب: لا تجوز شهادته وإن كان مثله لو طلب ماله أخذه. قال محمد: وهو أحب إلي. ولا تجوز شهادة البكر في الأموال ما كانت تولي، فإن كانت عدلة حتى تعنس. ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك في الذي يجن ثم يفيق، فإن كان يفيق إفاقة يعقلها ويعلمها جازت شهادته، وبيعه وطلاقه في إفاقته، فأما الذي لا يكاد يفيق فلا يجوز له شيء من ذلك، وشهادة الأخرس جائزة إذا كان يعرف إشارته، وطلاقه إن كتبه بيده جائز. [8/ 296]
في شهادة السائل والفقير، وشهادة غير المبرز في المال
في شهادة السائل والفقير وشهادة غير المبرز في المال من المجموعة: قال ابن أبي حازم في الذي يكثر مسألة الناس معروفا بذلك، فلا تجوز شهادته؛ لأنه يتهم على شهادته لمسألة الناس، وأما من تصيبه الحاجة فيسأل بعض إخوانه، وليس معروفا بالمسألة، فلا ترد شهادته. قال ابن سحنون: قال ابن كنانة: إذا سأل في مصيبة أصابته أو في دية وقعت عليه ونحوه من العذر لم يجرح ذلك شهادته. من العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل الحسن الحال، الظاهر الصلاح، ويسأل الصدقة مما يتصدق بها على أهل الحاجة، ويسأل الرجل الشريف أن يتصدق عليه، ولا يتكفف الناس وهو معروف بالمسألة، قال؛ لا تجوز شهادته إذا كان معروفا بالمسألة وإن لم يتكفف، وقال أيضا في الرجل لا بأس بحاله، إلا أنه يطلب الصدقة إذا خرجت من عند الإمام، أو فرقت وصية رجل، يطلب مثل هذا جهده ولا يتكفف الناس، قال: هذا متعفف حين لا يسأل في عامة الناس، وتجوز شهادته، وإنما لا تجوز شهادة المتكفف، وأما السائل فيما ذكرت، والمتعرض لإخوانه: فلا ترد شهادته. قال ابن وهب في الرجل المتعرض للولاة، الطالب لجوائزهم على ما يلتمس منهم من الصلات، قال: ليس هذا بعدل إذا عرف بذلك لما يعرف من حال الولاة. ومن المجموعة: قال ابن كنانة: شهادة الفقير جائزة، وربما جازت شهادة الرجل في اليسير لقلته، ولا يقبل مثله في الكثير، مثل ما قيمته خمس مائة من العقار أو الدقيق وغيرها، فيشهد عليه من ليس بظاهر العدالة، فلا يقبل في الشيء العظيم الخطير، ويقبل في اليسير، وكذلك على قضاء القاضي بالأمر الكثير، [8/ 297]
في شهادة القريب لقريبه أو عليه، ومن تجوز شهادته من القرابة ومن لا تجوز
لا يقبل عليه مثل ماذكرت ويجوز في اليسير، وهذا يعتبر بنزوله، ومن ذلك شهادة البدوي للقروي فيما عومل فيه أو شهد فيه في الحاضرة فلا يجوز، وما كان من ذلك بالبادية فيجوز. قال محمد بن عبد الحكم: إذا شهد على المال أهل الحاجة والإقلال، فليكشف القاضي عن ذلك وعن ما شهدوا به عند من يظن به عنده علم ذلك، ولا يعجل الحاكم، وليتأن ويحتط. في شهادة القريب لقريبه أو عليه ومن تجوز شهادته من القرابة ومن لا تجوز من المجموعة: قال ابن نافع عن مالك: ويدخل في قول عمر رضي الله عنه: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا شهادة الأبوين والولد، وأحد الزوجين للآخر. قال ابن الماجشون: ولا اختلاف في هؤلاء عند من لقينا من أصحابنا، وذكر معهم الجلد. ابن سحنون: ومن أصل قولهم أنه لا تجوز شهادة الرجل لجده وجدته من قبل الرجال والنساء، ولا أحد الزوجين لصاحبه، كان المشهود له حرا أو عبدا أو مكاتبا. قال ابن سحنون عن أبيه في ولدين يشهدان أن فلانا شج أياهما، فلا تجوز شهادتهما كان الأب حرا أو عبدا أو مكاتبا، مسلما أو نصرانيا، ولو شهدا وهما مسلمان: أن لأبيهما النصراني الميت على فلان مالا، وقد ترك ولدا نصرانيا، ولم تجز شهادتهما، وكذلك لو شهدا أن أباهما العبد جنى على رجل جناية، ولم تجز شهادتهما لأنه قد يسلم فيها فيتهمان على أن يخرجاه من ملك سيده، وكذلك لو [8/ 298]
شهدا أن سيده باعه، أو أعتقه، أو تصدق به، أو وهبه، لم يجز ذلك ادعى مولاه البيع أو ادعي عليه. قال ابن عبدوس: قال سحنون: لا تجوز شهادة ابن الملاعنة للذي نفاه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: والذين لا تجوز شهادتهم من ذوي القربي: الأبوان، والجد، والجدة، والولد، وولدا الولد، من ذكروهم وإناثهم، وأحد الزوجين للآخر، وتجوز شهادة من وراء هؤلاء من القرابات، وقاله مالك. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك – وهو في كتاب ابن المواز والمجموعة – في الابن يشهد لأحد أبويه على الآخر؟ قال: لا تجوز إلا أن يكون مبرزا، أو يكون ما شهد فيه يسيرا، وقال والابن يهاب أباه وربما ضربه، قال ابن نافع في المجموعة: شهادتهما على أحدهما للآخر جائزة إذا كان عدلا، إلا أن يكون الابن في ولاية الأب، أو تزوج على أمه فأغارها، فيتهم الأبن أن يكون غضب لأمه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في رجلين شهدا لأبيهما أنه باع ثوبا من فلان، والمبتاع يجحد، لم تجز شهادتهما، [ولو شهد على ذلك ابنا المشتري وهو يجحد جازت شهادتهما] ولو كان المشتري يدعي ذلك لجازت شهادة الولدين له، ولا يجوز أن يشهد لأبيهما أن فلانا شجه، لم يجز ذلك كان الأب حرا أو عبدا أو مسلما أو نصرانيا أو مكاتبا، وكذلك إن شهدا له على بيع أو شراء، أو على أن فلانا غصبه مالا، وكذلك إن مات الأب الكافر، وله ابن كافر. وولدان مسلمان، فشهد المسلمان أن لفلان على أبيهما مالا، فلا تجوز شهادتهما، لأنهما شهادة للأب، وإن كان الأب لا يرثانه. ولو أن دينا طرأ عليه لقضي منه [8/ 299]
وكذلك لا تجوز شهادته لزوجته الأمة، وكذلك لو شهدا أن فلانا الذمي قتل أباهما عمداً، لم تجز شهادتهما. قال ابن سحنون: ولو شهد أن أباها العبد جني على فلان جناية، لم يجز ذلك، إذا يتهمان أن يخرجا أباهما من ملكه، إذا قد يسلم في الجناية وكذلك لو شهدا أن أباهما باعه سيده، أو وهبه لرجل، لم يجز ذلك، ودعوى المولى وجحوده ذلك سواء لهذه التهمة، كما لو شهدا أن أمهما اختلعت من أبيهما، لم يجز ذلك، ثم جحدت المرأة ذلك أو أقرت به إلا أن يقر الزوج فيلزمه الطلاق، ولا شيء له من المال. قال ابن القاسم: ولو شهد أربعة إخوة على أبيهم بالزنا، لم تجز شهادتهم ولا يرجم، لأنهم يتهمون على الميراث، وليحدوا. قال أشهب: إن كان الأب عديما جازت شهادتهم إن كانوا عدولا، ورجم الأب، ولا تجوز في ملك الأب، وكذلك على أنه قتل قتيلا عمدا. قال ابن سحنون: ولو كان الأب يكره بنيه من السراري، فشهادتهم عليه جائزة، لأن حده الجلد، ولا يتهمون في ذلك. قال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى: إن شهادة الرجل على ولده أو ولد ولده جائزة إلا أن تكون عداوة تعلم، قال: وشهادة الأب على ابنه في الطلاق والحقوق والعتق جائزة، وشهادة الابن على أبيه جائزة في الحقوق والعتق، وأما الطلاق: فإن شهد على طلاق أمه فجائز، وكذلك على طلاق غير أمه إن لم تكن الأم حبة، إلا أن تكون عداوة تعلم، وإن كانت الأم حية، أو طلقها لم تجز في طلاق غيرها، قال ابن حبيب نحوه عن مطرف وابن الماجشون، قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية: يجوز في طلاق أمه إلا أن يكون بين أبيه وأمه عداوة تعلم فلا تجوز حينئذ، لأنه صار شاهدا عليها، قال أصبغ: إلا أن تكون الأم منكرة لذلك فتجوز شهادته لأنه شاهد عليها وأما إن كانت طالبة فلا يجوز. [8/ 300]
قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا شهد على أبيه بطلاق غير أمه، فإن كانت الأم تحت أبيه لم يجز، وإن لم تكن تحته جازت شهادته، حية كانت أو ميتة. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإن شهدا أن أباهما طلق امرأته قبل البناء لم يجز، وقال أيضا: إن كانت أمهما، جازت، وإن كانت غير أمهما، لم تجز. وقال أشهب في المجموعة وكتاب ابن المواز فيما إذا شهدا على أبيهما بطلاق أمهما، فإن كان بين الأب والأم حسن حال، جازت شهادتهما، وقال أيضا أشهب: إن كانت الأم تدعي الفراق، لم تجز شهادتهما، وإن كانت منكرة جازت، كانت لها ضرة أو لم تكن، قاله سحنون في العتبية والمجموعة. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد رجلان أن أباهما طلق أمهما، فإن كانت هي تدعي لم تجز شهادتهما، وإن كانت هي منكرة جازت شهادتهما، لأنهما شهدا على الأبوين جميعا. قال سحنون في العتبية: وإن شهدا أنه طلق غير أمهما [وهي ضرة أمهما] لم يجز إلا أن تكون المرأة (طالبة) للفراق فيجوز، قال عبد الله: ثم رجع فقال: لا يجوز وإن طلبت الفراق لأنه شاهد لأمه بما جرى لها، قال ابن سحنون: وإن شهدا أن أمهما اختلعت من زوجها لم تجز شهادتهما جحدت الأمر أو ادعت، وقال أصبغ في كتاب ابن المواز مثل قول سحنون الأول. قال أصبغ: شهادته في طلاق أمه جائزة إلا أن تكون عداوة، أو تطلب الأم ذلك فلا يجوز. قال سحنون في المجموعة: وشهادة الأب لأحد ولديه على الآخر جائزة، ثم رجع فقال: لا تجوز، وحكي عنه العتبي أنها لا تجوز. [8/ 301]
ومن كتاب ابن سحنون: قلت لسحنون: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شهد لابنه الصغير على الكبير، أو الكبير سفيه على رشيد، فلايجوز ويتهم في ذلك، وأما إن شهد لكبير رشيد على صغير أو كبير، فذلك جائز إلا أن يتهم في المشهود له بانقطاعه إليه، أو بإحسانه إليه، وإيثاره على غيره من ولده، والآخر منه في جفوة وشنآن منه، فلا تجوز، وأخبرت عن سحنون بمثل هذا القول، فسألته عنه فانكره، وقال: لا تجوز شهادته لابنه على كل حال، وإن كان لكبير على كبير، لما جاء في السنة من منع إجازة شهادة الأب للإبن مجملا. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية والمجموعة: تجوز شهادته لابنه الكبير على ابنه الكبير إلا أن يعرف بالأثرة للمشهود له والميل إليه، فلا تجوز، ولا تجوز شهادته لكبير على صغير، ولا [تجوز] لصغير أو سفيه على كبير رشيد، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون نحوه. ومن هذه الكتب كلها إلا كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادته لزوجة ابنه، ولا لزوجته، ولا لابن زوجته، ولا لأمها أو لأبيها، وكذلك المرأة لابن زوجها. وقال محمد: قال أصبغ: وهذا استحسان وليس بالبين. ومن العتبية: قال ابن القاسم: ولا تجوز لامرأة أبيه، وكأنه شهد لوالده بخلاف الأخ، والتهمة لاحقة في هذا، وإن كانوا منقطعين عمن شهدوا له، وتجوز شهادة الأخ لأخيه إن كان منقطعا عنه. قال ابن سحنون في العتبية وكتاب ابنه: تجوز شهادته لأم امرأته ولأبيها ولابنها إلا أن تكون المرأة ممن ألزم السلطان ولدها أن ينفق عليه لضعف زوجها [8/ 302]
عن ذلك، وتجوز شهادته لزوج ابنته، ولابن زوجها وغيرهم من أمه وأبيه. قال عنه ابنه: تجوز شهادته لامرأة أخيه من نسب أو رضاع. قيل له: روى عيسى عن ابن القاسم أنه لم يجز شهادته لزوج ابنته، ولا لامرأة أبيه، قال: لا أرى ذلك، وأصل ذلك كله: أن من كان وفره له وفرا، وغناه له غنى لم تجز شهادته له. قال: وتجوز شهادته لامرأته التي فارقها وإن كان له منها الولد، ولا تجوز تزكيته لها. وقال ابن عبدوس: إن كان مليا وليس بولده حاجة إلى أمهم فذلك جائز إن كان عدلا. وإن كان عديما وولده في نفقة الأم لم تجز. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الأخ لأخيه في الحدود ولا في القربى وشبهها، وكذلك في كتاب ابن المواز وزاد: ولا يجرح من جرح أخاه، ولا يزكي من زكاه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: تجوز شهادة الأخ لأخيه، والمولى لمولاه، والعم لابن أخيه، وابن الأخ لعمه، أو لابن أخته، أو لخاله وخالته، إلا أن يكون الشاهد في عيال المشهود له فلا تجوز، وإن كان المشهود له في عيال الشاهد جازت شهادته إذا لا تهمة فيها، وإنما تجوز شهادة مثل هؤلاء بعضهم لبعض في الحقوق والأموال، وأما في الحدود والقصاص وما تقع به الحمية والتهمة فلا يجوز. قال: ومن جازت لك شهادته، جازت لك عدالته، ومن لم تجز لك شهادته، لم تجز عدالته لك، وقاله أصبغ وابن عبد الحكم. قال سحنون في العتبية: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النكاح إذا كان لأشراف قوم، لأن ذلك تشريف لنفسه بشرف أخيه. قال ابن وهب وابن نافع عن مالك: تجوز شهادة الأخ المنقطع في الحقوق ولا تجوز في النسب، قال عنه ابن نافع: إن كان عدلا. قال ابن كنانة: لا يقبل الأخ لأخيه ولا لعمه ولا لابن أخيه في الشتم والحدود والنكال وإن كان عدلا. والخال أقرب أن تقبل شهادته لابن أخته لأنه أبعد. وشهادة الأخ والعم وابن العم وابن الأخ وهو عدل منقطع [8/ 303]
عنه لا يعدله في حال بشهادة له، جائزة في الثوب والدراهم اليسيرة. وكذلك لامرأة أبيه ولامرأة ابنه أو زوج ابنته، فينظر إلى حال الشاهد وقلة ما يشهد فيه مما لا يتهم فيه. وفي كتاب ابن سحنون عن ابن كنانة: لا تجوز شهادته لابن أخيه في حد أو شتم أو عقوبة إلا أن يكون منقطعا في العدالة. وتجوز شهادة الأخ لأخيه أو لابن أخيه أو عمه في شيء يسير من دراهم أو ثوب إذا كان منقطعا عنه لا يناله معروفه، وكذلك الرجل المنقطع إلي الرجل، وكذلك إن شهد لزوجة ولده أو زوجة والده أو زوج ابنته أو ابن امرأته، فإنه ينظر في مثل هؤلاء إلى قلة ما يشهد به وكثرته، كمن أقام بينة في مال عظيم من شراء أربع إلى رقيق بخمس مائة دينار وجاء على ذلك ببينة، وليسوا في العدالة والصلاح والإشتهار بالخير كمن هذه صفته، فلا يقبل في مثل هؤلاء. ومثل هذا يختار له الشهود، فكأنها ظنة لحقتهم في اليسير. ومن كتاب ابن المواز: قالوا: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه إلا أن يكون مبرزا، وقيل: تجوز إن لم تنله صلته، والصديق الملاطف مثله، قال أشهب: إن شهد أن رجلا سرق لأخيه سرقة، فإن كانت يسيرة أو كان السارق عديما وهي كثيرة، فهي جائزة من العدل وإن لم يكن مبرزا، وإن كانت كثيرة وكان مليا لم تجر في هذا الحال ولا في السرقة إلا أن يكون مبرزا فتجوز فيهما. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العدل المشهور بالعدالة يشهد على قتل أخيه وله بنون يرثونه، قال: لا تجوز شهادته له في [ذلك ولا في الحدود، وكذلك إن شهد له على قذف أمه وإن لم تكن أم هذا الشاهد، قال: وتجوز شهادته له] في الحقوق والنكاح إن كان عدلا. قال ابن سحنون: وقال أشهب: شهادته له جائزة في الخطأ إن كان عدلا وله وارث غيره. وروى عبد الملك ابن الحسن عن أشهب في العتبية: أن شهادته له جائزة في الخطا [8/ 304]
والعمد الجراحات. قال في كتاب ابن المواز: وتجوز شهادته أن فلانا أخوه، وإن كان الوالي والوارث غيره، قال أصبغ: وفيه اختلاف وهذا أحب إلي، قال أشهب في المجموعة: لا تجوز على حرية أخيه، قال ابن القاسم في جميع هذه الكتب: تجوز شهادته لعمه في المال، وإن لم يكن له وارث غيره إذا لم يكن مريضا، ولا يجوز أن يشهد له في ولاء ولا حد ولا فرية. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تجوز شهادة ابن العم على ولاء الموالي وتجوز شهادته بذلك لمن أعتقه، قال ابن المواز، وابن عبدوس عن ابن القاسم: وتجوز شهادة القرابة والموالي في الرباع إلا أن يتهموا فيها بالجر إليهم أو إلى بينهم اليوم. ومن العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم- وهو في كتاب ابن المواز-: وإن أوصى رجل لفقراء أقاربه بغلة حائط فشهد فيه أغنياء بني عمه، فلا يجوز: ولعلهم تحتاجون إلا أن يكون تافها، ولعلهم في كثرة مالهم تبعد عنهم التهمة فيه في الجر إلى أنفسهم، أو من يقرب منهم من ولد أو غيره، فتجوز شهادتهم. وفي سماع ابن القاسم: وإن شهد لمولى له هو أعتقه، وعنده أخوات له، فإن كان غير متهم وهو عدل جازت شهادته، وكذلك في المجموعة. وقال ابن كنانة: شهادة الموالي لمواليهم جائزة إن كانوا عدولا منقطعين عنهم في النفقة والمنافع. قال ابن سحنون: سئل أشهب عن أربعة شهدوا على أبيهم بالزنا وهو عديم، قال: يرجم إن كان عديما، وإن كان مليا لم تجز شهادتهم. قال أشهب: [8/ 305]
إلا أن يكون بكرا فتجوز شهادتهم مليا كان أو معدماً ويحد، وقال أشهب: وكذلك لو شهدوا أن أباهم قتل فلانا عمدا. قال سحنون: قال ابن القاسم: إذا شهدوا على أبيهم بالزنا فلن تجوز شهادتهم، ولا يرجم لتهمه الميراث، ويحدون. محمد: وإن كان بكراً جازت مثل أن يكون ولده من سراري فيكون بكرا، وقاله ابن القاسم في المجموعة. قال: وكذلك لو شهدا عليه بحرابة وشبهها مما يجب فيه قتله، لم تجز إن كان موسرا. قال سحنون: إن شهدوا عليه وهو محصن فإن اتهموا في ميراثه ليساره، أو في قطع نفقته عنهم لعدمه، أو لوجه يتهمون فيه، لم تجز شهادتهم عليه. قال محمد بن عبد الحكم: وقال أصحابنا: شهادة الأب لابنه أنه وكل فلانا جائزة، وكذلك الابن لأبيه والجد والجدة وأحد الزوجين لصاحبه، فأما على أن أجنبيا وكل أحد هؤلاء فلا يجوز، لأن الشهادة في هذا له، ويستوجب بها قبض المال، والشهادة له أنه وكل غيره، شهادة عليه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إذا شهد أخو رجل قد مات، وهما وارثاه: أن هذا ولده، لم تجز شهادتهما له إن كان قد نال سلطانا وشبه ذلك ما يتهمان في عزة ومكانته، وهما مقران له فيما يرثان إن شاء أخذه. ومن كتاب ابن المواز: لا تجوز شهادة السيد على نكاح عبده، ولا طلاقه، ولا رجعته، وإن كان مع آخر عدل، قال ابن القاسم: وإن شهد هو وآخر عليه في قرية رفع إلي الإمام يحده، وإن شهد هو وثلاثة عدول أنه زنى لم يحده السيد بذلك، وكذلك روى عنه أبو زيد، وروى عنه أصبغ في الأمة أنه يرفع ذلك إلى الإمام ويقبل شهادته. محمد ابن المواز، وكذلك في العتبية في شهادة القرابة من تعديل، أو تجريح، أو نقل شهادة عن قريبه، أو يشهد على قضائه. [8/ 306]
من العتبية: قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك: لا يعدل الرجل امرأته ولا المرأة زوجها، ولا يجوز أن يعدل الأخ أخاه، وأخته، كما تجوز شهادته لهما، وقال عبد الملك بن الحسن عن أشهب: لا يعدل الأخ أخاه. ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: سئل ابن الماجشون عن تعديل الأب لابنه، أو من لا تجوز شهادته له؟ قال: إن كان إنما نقل الشهادة على شهادته [هي التي ترغبه، ولها قصد، أو لم يقصد رغبته بتعديله، فسأله القاضي عنه بعد أن ينقل عنه فعدله، فعتديله على هذا جائز، لأنه خرج عن موضع التهمة، قال عنه سحنون] وإن شهد بعض هؤلاء شهادة، فعجز عن من يعدله إلا ابنه لم يجز تعديله له، قال سحنون: لا يجوز تعديله بحال، [قال أصبغ في العتبية: لا يجوز لا نقل الأب عن الابن، ولا الابن عن الأب، وإن كان مشهورا بالعدالة، وكذلك كل من لا يجوز لك أن تعدله، فلا يجوز أن تنقل عنه، قال ابن حبيب: قال مطرف: ويجوز نقله عنه ولا يجوز تعديله، وليعدله غيره، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن سحنون عن أبيه كقول مطرف، قال: وذلك في النقبل عن الأب والإبن والزوجة. قال مطرف وابن الماجشون: شهادة الإبن مع أبيه جائزة، ولا يتهم أحدها أن يريد اتهام شهادة الآخر. قال ابن الماجشون في المجموعة: ومن جازت شهادته من القرابة لقريبه، جازت في تعديله. ومن العتبية: قال سحنون في الولد يشهد أن أباه لما كان قاضيا قضى لفلان بكذا، أن شهادته جائزة. قال ابن سحنون: اختلف قول سحنون في ذلك، فقال: لا تجوز شهادته أن أباه أو ابنه إذا كان قاضيا قضى لهذا بكذا، ثم رجع فقال: هي جائزة، وليس في ذلك من التهمة ما أبطلها به، وقال ابن حبيب [8/ 307]
في شهادة العدو والخصم على عدوه، وتعديله
عن مطرف مثله، وقال ابن الماجشون: لا تجوز، وقاله أصبغ، ولم يأخذ به ابن حبيب. ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة لابن الماجشون وفي العتبية لسحنون: قال: لا يجرح الرجل من جرح أخاه أو عمه الأدنى. قال في العتبية: إذا كان ذا رأي وشرف، ولأنه من إقامة جاهه، وما بعد منه مثل ابن الأخ وابن العم فيجوز أن يجرح من جرحه. قال: ولو كان إنما جرح أخاه بعداوة فجائز أن يجرح من جرحه إذ لا يدفع بذاك عن نفسه معرة بينة وعن أخيه، ألا ترى أنه يشهد له بالمال العظيم، ويجرح من شهد عليه بالمال، ولم يختلف في هذا. في شهادة العدو والخصم على عدوه وتعديله من المجموعة: قال ابن كنانة في تفسير قول عمر: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين، قال: أما الخصم فالرجل يخاصم الرجل في الأمر الجسيم، مثلما يورث العداوة والحقد، فمثل هذا لا تقبل شهادته على خصمه في ذلك الأمر ولا غيره، وإن خاصمه فيما لا خطب له، كثوب قليل الثمن ونحوه، وما لا يوجب عداوة، فإن شهادته على خصمه في غير ما خاصمه فيه جائزة، وأما الظنين: فهو الذي يظن به في شهادته تلك الزور وظن السهو، فلا يقبل في ذلك الأمر [ويقبل في غيره إلا الطنين في كل شيء، فلا تقبل شهادته في شيء]. ومنه ومن العتبية والمجموعة: قال أشهب عن مالك في رجلين وقعت بينهما خصومة، ثم يقيمان سنين، ثم يشهد أحدهما على الآخر، فإن كان أمرهما قد صار إلى سلامة وصلح: فذلك جائز. [8/ 308]
ومن كتاب ابن المواز: وكل من كان بينهما عداوة أو هجرة أو مصارمة، ثم اصطلحا، فشهادة أحدهما على الآخر جائزة، وإن شهد عليه قبل أن يصطلحا، فلا يجوز ذلك. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة فيمن شهد على رجل وهو لا يكلمه، ولا عداوة بينهما ولا نائرة، ولا يعلم بينهما إلا خيراً، فإن كانت هجرة معروفة فلا تجوز شهادته عليه. ومن المجموعة: قال ابن كنانة في المتهاجرين: إن كانت هجرة خفيفة، وقعت في أمر خفيف، فشهادة أحدهما تقبل على الآخر، وأما المهاجرة الطويلة، والعداوة البينة، فلا تقبل عليه، وإن كان من أهل العدالة. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: والهجران تجرح به شهادة المهاجر على المهجور، قيل: فإن سلم عليه فقط ولم يكلمه في غير ذلك: قال: إن كان به خاصا فلا يخرجه من الهجرة، ولا في الإثم ولا في جواز الشهادة، وإن لم يكن خاصا به فذلك يخرجه من الهجرة. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة: كتب ابن غانم إلى مالك في الشاهد يقيم المشهود عليه بينة أنه عدو له، وفي كتاب ابن سحنون: أنه مضارر له، وهو عدل في جميع الأمور. فيقول الشاهد: وما يدريكم وأنا مقيم معه، وأنتم تغيبون وتأتون؟ قال: أكتب إليه: طرحها أحب إلي. قال سحنون في المجموعة والعتبية وكتاب ابنه: ينظر إلى عداوتهما، فإن كانت بسبب الدنيا من مال وتجارة وميراث، فلا تقبل شهادتهما، وإن كان غضبا لله تعالى لجزمه وفسقه أو بدعته، فشهادته عليه ثابتة. [8/ 309]
قال عبد الله: وذلك أنا نشهد على أهل البدع وأهل الملل. قال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: قال ابن القاسم فيمن شهد على رجل، فلم يحكم بشهادته [حتى وقع بينه وبين المحكوم عليه خصومة، فلا يرد بذلك] إلا بخصومة كانت قبل الشهادة، قال: وبلغني عن يحيى بن سعيد في الرجلين بينهما خصومة لم تبلغ أن تكون بينهما مشاتمة، قال: شهادة أحدهما على الآخر جائزة، وإن كانت بينهما عداوة معلومة لم تجز شهادته عليه، [وإن كانت بينهما عداوة ثم اصطلحا، جازت شهادته عليه]. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة: وإذا خاصم رجلا، فلم تجر الخصومة بينهما عداوة ظاهرة، فإن شهادته عليه تقبل في غير تلك الخصومة. ومن العتبية: قال يحيى عن ابن القاسم في الرجل المعتزل لكلام الرجل وهو غير مؤذ له، أتجوز شهادته عليه؟: قال: لا، قال: فهل يبرأ من الشخناء بسلامه عليه؟ قال: قال مالك: إن كان مؤذياً له فقد برئ منها، وإن لم يكن مؤذياً له يبرأ منها بذلك. وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في رجلين شهدا على رجلين بذكر حق، وهما لأحدهما عدوان، أو على براءة لرجل من رجلين، فشهادتهما ساقطة عنهما جميعا، أو كانا شهدا في ذكر حق واحد، وإن كانا شهدا عليهما بلفظهما فترد شهادتهما على العدو، وتجوز على الآخر. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن شهد على رجل، ثم شهد المشهود عليه على الشاهد بعد ذلك بشهرين وهو في خصومته تلك، قال: ترد شهادته، قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإن كانت بينهما عداوة، ثم اصطلحا، ثم شهد أحدهما على الآخر، فإن كان بحدثان الصلح لم يجز لما يتهم أن يكون [8/ 310]
صالحه ليشهد عليه، وإما بعد طول، فتجوز شهادته، وكذلك الخصم يشهد على خصمه بحدثان خصومتها أو بعد منها، وإن كانت عنده عليه شهادة وهو سلم، وقد كان يذكرها، ثم عاداه، فلا يحتاج إلى القيام بها، فلا تجوز شهادته عليه. ومن العتبية في سماع ابن القاسم في قوم شهدوا على رجل فردت شهادتهم لأنهم أعداء له، فلا يمين على المشهود عليه، وقاله سحنون. قال عيسى عن ابن القاسم عن مالك: وكل ما سقطت شهادته لجرحة أو تهمة فلا يمين على المشهود عليه. قال أصبغ فيمن شهد على رجل بشهادة عند قاض، والمشهود عليه يسمع، فلما أتم الشهادة، قال المشهود عليه والقاضي يسمع: أنك تشتمني وتشبهني بالمجانين وتتهددني وشبه ذلك، وقال: لا يطرح هذا شهادته إلا أن تثبت العداوة قبل ذلك. ابن حبيب: سئل مطرف عن أرض لقوم غيب، وهي بيد غيرهم، فقام من شهد بذلك، فقال لقوم: إني أخاف أن تذهب هذه الأرض لأهلها، ولكني أخاصم فيها، [فإن أثبتها لأهلها وإلا فأنا على شهادتي لهم، فخاصم فيها] فلم يدرك، ثم قدم أصحابها، وأتجوز شهادته لهم؟ قال: لا تجوز لأنه خصم، وقاله أصبغ. ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن شهد لرجل عدو له وعليه، أتجوز شهادته عليه وله؟ قال: إن كانت شهادة واحدة، لم تجز له ولا عليه، وإن كانت شهادات مفترقة، جازت له، ولم تجز عليه، وكذلك ذكر عنه ابن المواز. قاله محمد: وأحب إلي إن كان العدو هو الذي حابي الشاهد، فإن كان على صلح وذهاب العداوة، جازت شهادته، إلا لم تجز عليه. [8/ 311]
قال مالك فيمن قال: أرضى بشهادة فلان فشهد عليه فنزع: إن ذلك له، ولا يلزمه. ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادة من بينه وبين آل المشهود عليه عداوة بخلاف ما بينه وبين المشهود عليه، وإن كان المشهود عليه في ولاية أبيه، ما لم يكن عليه فيها حد أو عيب أو قتل، لأن فيه معرة للأب، وكذلك الأم والجد، وأما الأخ وسائر القرابات فبخلاف ذلك. قال ابن القاسم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا، إلا أنهم تعلقوا به حتى وصلوا به إلى القاضي؟ قال: تبطل شهادتهم لأنهم خصماؤه، وكذلك عنه في العتبية. وروى ابن حبيب عن مطرف أن شهادتهم جائزة. ومن العتبية وكتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون عن أبيه: قال ولا ترد إذا لم يكن في ولاية أبيه، ولم يشهد بما عليه فيه عيب، ثم ذكر نجو ما ذكر محمد. وقال ابن القاسم في العدو يشهد على ابن عدوه الصغير والكبير أنه جرح رجلا: إن شهادته لا تجوز. ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا كان الشاهدان أعداء لوصي الصبي: فشهادتهما جائزة، وكذلك بدين على الميت. وإن كانا أعداء لأبي الصبي لم يجز، وإن كانا مثل أبي شريح وسليمان بن القاسم. وقال سحنون: شهادة عدوك على ابنك وأبيك وأخيك جائزة بالمال، ولا تجوز بقصاص أو قتل، أو جلد ولا تجريح. [8/ 312]
قال ابن سحنون عن أبيه في عدول شهدوا على أبيك بجرح فيه قصاص: قال سحنون: لا تجوز، بخلاف المال، قال محمد بن رشيد: هي جائزة في الجراح والأموال، [كما يحكم في الجراح بشاهد ويمين]، واجتمعا على أنها لا تجوز في القصاص والحدود. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: لا تجوز شهادة عدوك على ابنك الصغير أو الكبير في مال ولا غيره ما كنت حيا، فإذا مت أنت ثم شهدوا جازت شهادتهم لهما عليه، وإن شهدوا على الأب في ماله بعد موته بحق في ماله. لم تجز شهادتهم، وإن كان ماله قد صار لولده، وإن شهدوا على صبي بجروح وهما عدوان لأبيهما لم تجز شهادتهما من أجل أن ذلك يصير من ماله، وكأنها على الوصي، وكذلك لو شهدا على الميت بمال وهما عدوان لوصيه لم يجز؛ لأنهما يخرجان ما في يديه بذلك، وإن كان ذلك فيما ليس بيد الوصي منه شيء، ولا تقع فيه تهمة بمضرة الوصي للعداوة التي بينهما، فشهادتهما جائزة. قال محمد بن عبد الحكم: ومن كان عدوا لرجل عداوة معروفة تجرحه، فلا يجوز تجريحه إياه، ويجوز تعديله له إن عدله. تم كتاب الشهادات الأول بحمد الله وعونه، وبتمامه تم الجزء العاشر ويتلوه في الذي بعده الجزء الثاني من كتاب الشهادات والحمد لله وحده [8/ 313]
صفحة بيضاء [8/ 314]
كتاب الشهادات الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الشهادات الثاني في شهادات الأجير والشريك والمقارض المستعير والغريم والحميل من المجموعة: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره إذا كان في عياله، [وإن لم يكن في عياله جاز إن كان مبرزاً، قال سحنون في كتاب ابنه: معنى الذي ليس في عياله هو الأجير المشترك من الصناع وغيرهم، فأما الأجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله، فلا يجوز أن يشهد له وإن كان معزولا عنه. ومن المجموعة]: قال ابن كنانة: إذا شهد لشريكه فيما لا يريد به نفسه ولا شريكه ولا يدفع عنه ولا عن نفسه، فهي جائزة وإلا لم يجز. من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم - وهو في المجموعة - في أحد المتعارضين يبيع سلعة ويشهد على ذلك شريكه، ثم يبيعها من رجل آخر ولا يشهد للأول إلا الشريك. قال: لا تجوز شهادته، لكن إن باعه شريكه ثانية بزيادة فلا يأخذ من الزيادة شيئا، قال ابن سحنون عن أبيه في شهادة الشريك لشريكه: إن لم يجر بها إلى نفسه شيئا فهي جائزة. [8/ 315]
وقال أشهب في المجموعة فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها نقرا ثم جحد واحداً فشهد عليه الباقون: أن شهادته جائزة. قال ابن / القاسم في الشريكين في العبد شهد أحدهما أن شريكه أعتق نصيبه، فإن كان مليا لم تجز شهادته عليه، وإن كان عديما جازت، قال: وبلغني عن مالك أنه كان يقول: لا تجوز عليه شهادته في الوجهين، والأول أحب إلي. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا شهد كل واحد أن شريكه أعتق نصيبه فلا يجوز، ولا يمين على كل واحد منهما في ذلك، وقد قال مالك: إذا كان الشاهد غير عدل أو متهما فلا يمين على المطلق، قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن كان لا مال لهما غير العبد فلا يمين عليهما، وإن كانا مليين فلا ينبغي أن يسترقاه لإقرار كل واحد أنه حر بالتقويم على صاحبه، ويدعي عليه القيمة، وإن كان أحدهما مليا والآخر معدم فلا ينبغي للمعسر أن يسترق نصيبه لما ذكرناه، قال: وإن ملكه أحدهما يوما كله عتق عليه وولاه لشريكه الذي كان شهد عليه، إلا أن يملكه الموسر الذي شهد على المعسر فلا يعتق منه إلا الجزء الذي كان يملكه المعسر لأنه لو اقر لم يعتق غير ذلك. قال: لو شهد عليه أنه وطئ أمة بينهما فأحبلها فإن كان الواطئ مليا فلا سبيل للشاهد عليها، لأنه إنما جحده قيمة وجبت، وإن كان معسرا فله نصف رقبتها ولا سبيل له إلى ولدها، واتبعه بنصف قيمة الولد إن أقر يوما ما، وذكره في كتاب ابن سحنون، وقال سحنون: هذا مذهب ابن القاسم في هذا وفي العتق. وقال غيره: تبطل شهادة الشريك بالعتق والولادة لما يتهم/ فيه من أخذ القيمة. [8/ 316]
وروى أصبغ عن ابن القاسم في رجل شهد عليه شريكاه أنه أعتق نصيبه من عبد بينهم، قال: إن كان مليا لم تجز شهادتهما، وإن كان عديما جازت، وقاله سحنون. ومن العتبية: قال أصبغ في رجلين اشتريا عبدا ثم ادعى أحدهما أن البائع قد كان أعتقه، قال: لا تجوز شهادته على البائع، ولكن تعتق حصته منه، ويقوم عليه بما فيه، لأنه يتهم أن يكون أراد عتق حصته بلا تقويم. ومن كتاب ابن سحنون وكتب شجرة إليه فيمن شهد لرجل في عين مشتركة أو شرب نهر أو فدان أرض وأصله من قسمة بينه وبين الشاهد، فشهد له أن فلانا غصبه إياه رجل فشهد لشريكه بذلك نحو أهل قصطيلية، وقال: ذلك جائز. ومن المجموعة والعتبية رواية أصبغ، قال ابن القاسم: وإذا شهد رجل لمقارضه، أو شهد هو له، فذلك جائز فيما لا معاملة بينهما. قال سحنون في كتاب ابنه: شهادة العامل لرب المال جائزة إن كان عدلا، قال فيه وفي العتبية: إن شهد لرب المال والمال قائم بيده لم يشتر به شيئا، أو في وقت يجوز لرب المال قبض المال منه لم تجز شهادته، لأنه متهم على أن يقر المال بيده. وإن أشغله في سلع جازت شهادته. ومن العتبية: قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: إذا شهد العامل لرب المال أو لمن يطلبه بدين، فإن كان الشاهد مليا جازت شهادته [في الوجهين [8/ 317]
إن كان عدلا ولم يتهم، وإن كان معدما لم تجز شهادته لأن العدم تهمة بينة، وقال أشهب: إذا كان عدلا جازت شهادته]. /ومن العتبية من سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون والمجموعة: قال ابن القاسم: ومن له على رجل دين فشهادته له جائزة إن كان مليا بما يسأله من الدين، وقاله أشهب، وإن لم يكن معه وفاء بحق الشاهد لم يجز، قال ابن القاسم في العتبية والمجموعة: وكذلك لو كان للمشهود له على الشاهدين دين فإن كان مليا جازت شهادته وإلا لم تجز. ومن الواضحة: قال مطرف وابن الماجشون: إن شهد المطلوب للطالب بدين فإن كان معدما لم تجز، لأنه كأسير، فيتهم في الأموال وغيرها، وإن شهد الطالب للمطلوب والمطلوب معدم، فأما بالمال أو ما يصير مالا فلا يجوز، وأما في غير ذلك فيجوز إن كان عدلا، وإن كان المطلوب مليا فشهادة كل واحد منهما للاخر جائزة في كل شيء. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قامت له بينة على ميت بألف درهم، فشهد للورثة رجلان بالبراءة منها وللميت عندهما مال قراض أو وديعة أو دين، فإن كانا عديمين لم تجز شهادتهما لما يدفعان عن أنفسهما. وأما المودعان فتجوز شهادتهما، ولأنهما يقبل قولهما في ذهابهما ومن القراض ولا يحلفان إن لم يكونا متهمين، وسكت عن الجواب في القراض، قال: وهما سواء في الذهاب إلا أن يكون ذهابا قديما. وروى عنه أبو زيد في رجل لك عنده عشرة، فشهد عليك مع أحد أنك أقررت بها لفلان، فلا يقبل ويحلف [8/ 318]
الطالب/ مع الأجنبي ويستحق، قال عنه عيسى في رجل شهد لرجل بدين هو عليه وعلى المطلوب، وقد قضى هو ما عليه، وليس له عليه أن يأخذ من شاء بحقه فشهادته جائزة. قال في كتاب ابن المواز: ومن شهد بحق وقال بأنه حميل، فروى أشهب عن مالك أن شهادته جائزة لأنه شهد على نفسه وعلى غيره. وروى عنه ابن القاسم فيه وفي العتبية أن شهادته لا تجوز، لكن يغرم ما أخبر أنه تحمل به. وقال ابن القاسم في العتبية والمجموعة: إن كان المشهود عليه مليا جازت شهادة الحميل، وإن لم يكن مليا لم تجز وضمن المال، ولم يرجع على المطلوب بشيء، وقاله ابن المواز، وفي كتاب ابن سحنون أن ابن القاسم استحب روايته عن مالك. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإذا غرم الحميل ما تحمل به، ثم قدم المطلوب فأنكر الحمالة، فشهد الغريم على الحمالة، لم يجز، وكذلك من حلف لغريمه بالعتق: ليقضينه إلي أجل فحنث فقام رفيقه فشهد لهم الطالب بالحنث، فلا تجوز شهادته، ورواها أشهب عن مالك في العتبية. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإن شهادته تجوز، قبض من حقه شيئا أو لم يقبض، إذ لا يجر بها إلي نفسه شيئا، وقاله أصبغ معهما، وقالا في مسألة ابن القاسم في الحميل، إن لم يكن أصل الحق يثبت بغير الغريم لم تجز شهادته، قالا: ولا يرجع الحميل على الطالب بما أعطاه، وإن أقر وثبت عليه بغير الغريم فإنه يؤخذ الحق؛ لأن الحميل أوقفه القابض/ منه موقف نفسه، وقاله ابن القاسم وأصبغ. وقال أشهب عن مالك من العتبية في ثلاثة بينهم غنهم تقاوموها فقوم على أحدهما شاتين بثمانية وأربعين درهما ونصف، فأنكر النصف درهم، وحلف فيه [8/ 319]
في المشهود له ينفق على الشهود أو يكري لهم
بالطلاق، فشهد عليه شريكاه، قال: لا ترد شهادتهما في هذا ليساره، نصف درهم بينهم، قيل له: فعلي من يكون؟ قال: لا أدري، قال مالك: فقلت المطلوب: فإن لم يكن عليه فعلى من؟ قال: عليهما جميعا، وما أراه إلا وقد أصاب. ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن استعار أرضاً من رجل ثم شهد فيها للمعير، قال: لا تقبل شهادته. قال سحنون عن أبيه في رجلين اكتريا داراً ثم شهدا فيها لربها، وقد نقدا الكراء أو لم ينقدا، وهي سنة بعينها أو بغير عينها، وقال: لا تجوز شهادتهما، وكذلك في الوديعة، والعارية، والرهن، والبضاعة إذا جحدا وقامت بينة عليهما، ثم شهدا: أن ذلك لغيره، فلا يجوز وتنفذ عليهما الشهادة، ولو نزع من أيديهما بذلك، ثم شهدا بعد ذلك به لغيره، فلا تجوز وتنفذ عليهما الشهادة، ولو نزع من أيديهما بذلك، ثم شهدا بعد ذلك به لغيره لم تجز شهادتهما فيه أبدا. والعاربة والبضاعة في ذلك سواء، وإن كانا مقرين به فدفعاه بالإقرار، ثم شهدا أنه لغيره، جازت شهادتهما إذا أقر من شهدا له أنه وصل إليهما من قبل الذي دفعاه إليه. فإن لم يدفعه هو إليهما فشهادتهما باطل ويضمنان إما دفعا، ولو قامت لهما بينة/ فبرئا من الضمان، لم تجز لهما شهادة، ولو أقر أنه وصل إليهما من قبل فلان وديعة أو عارية أو بضاعة، وقال: أنا أمرته بذلك، فشهادتهما جائزة قبل أن يرداه عليه أو بعد. في المشهود له ينفق على الشهود أو يكري لهم من كتاب ابن سحنون عن أبيه في الشهود يدعون إلى أداء الشهادة في غير البلد فيقولون: يشق علينا الهبوط إلى الحاضرة، فيعطيهم المشهود له دواب وينفق عليهم، فإن كان مثل البريد والبريدين وهم يجدون الدواب والنفقة، فلا يأخذوا ذلك منه، فإن فعلوا سقطت شهادتهم، وإن كانوا لا يجدون ذلك جاز وقبلت [8/ 320]
في شهادتك لمن شهد لك أو على من يشهد عليك، وشهادة ركاب السفينة والمسلوبين ببعضهم
شهادتهم، ولو أخبر بذلك القاضي كان أحسن، وإن كان على مثل ما تقصر فيه الصلاة مثل جبالنا وسواحلنا كستين ميلا ونحوها، لم يشخص الشهود لمثل ذلك، وليشهدوا عند من يأمره القاضي في ذلك البلد، ثم يكتب بما شهدوا عنده إلي القاضي، وكذلك في المجموعة. قال ابن كنانة في المجموعة في الشاهد لا يجد دابة ولا ثوبا يلبسه ولا طعاما. فيحمل ذلك المشهود عليه عنه، فإن كان الشاهد من أهل العدل والرضي فأرجو ألا يكون بذلك بأس، وأخذ ذلك من غيره أحب إلي، وإن كان ممن يتهم فلا أرى أن يفعل إلا أن يشهد على اليسير الذي لا يتهم في مثله. ابن حبيب عن مطرف في مسألة سحنون الأولى: إن كان قريبا وخفيفا جاز ذلك، وإن كثر لم يجز، قيل: فإن كان يكتب الشهود/ عند السلطان، وتعذر الوصول إليه، وشق عليهم مؤونة المقام، فأرادا لمشهود له أن يكفيهم مؤونة النفقة، قال: لا ينبغي، ولكن يشهدون على شهادتهم وينصرفون إذا كان هذا. قيل لمطرف في قوم شهدوا لرجل على قرية بعيدة وهم لا يعرفون حدودها بالصفة، ويعرفونها بالمعاينة، فقال لهم: اخرجوا إليها لتقفوا على حدودها، قال: فلا بأس أن يركبوا دواب المشهود له ويأكلوا طعامه، قال ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب في الشاهد يأتي من البادية ليشهد لرجل، فينزل عنده في ضيافة حتى لا يخرج، قال: لا يضر ذلك شهادته إذا كان عدلا، وهذا خفيف. في شهادتك لم شهد لك أو على من يشهد عليك وشهادة ركاب السفينة والمسلوبين بعضهم لبعض من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم- وهو في المجموعة – فيمن شهد لرجل بعشرة دنانير، وشهد لشاهده بدين له على رجل آخر. في مجلس واحد، [8/ 321]
فذلك جائز إن كانا عدلين، قال مطرف وابن الماجشون: إن كان الشهادتان على رجل واحد في مجلس واحد لم يجز، وإن كان شيئا بعد شيء جاز ذلك وإن تقارب ما بين الشهادتين، قالا: وإن كان ذلك على رجلين مفترقين جاز ذلك في مجلسين أو في شيء بعد شيء، وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب إلى سحنون فيمن شهد عليك بشهادة، ثم شهدت أنت بعد شهرين أو نحوها عليه، والأول في خصومة/ بعد، قال: أرى ظنته قائمة ولا تجوز شهادته. وفي العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المسلوبين يشهدون أن هؤلاء سلبونا هذا المتاع وهذه الدواب، وذلك بيد اللصوص، قال: يقام عليهم حد الحرابة ولا تستحق بذلك الأموال بشهادة هؤلاء إلا بغيرهم من شهيدين أو شاهد ويحلفون معه. ابن حبيب: قال ابن الماجشون في القوم يقطع عليهم اللصوص فيشهد عليهم بينهم عدلان، قال: قال المغيرة وابن دينار: لا يجوز في ذلك أقل من شهادة أربعة، وإنما يجوز في القطع في الرفقة وفي أموالهم غير الشهداء، ولا تجوز في ذلك شهادتهم لأنفسهم، قال ابن الماجشون وأنا أقول به، وقال مطرف: شهادة عدلين جائزة في القطع وفي أموالهم وأموال غيرهم، ولو لم يجز في ذلك لم يجز في القطع. وقال: لا، لا تقبل بعض الشهادة فيرد بعضها، وقال أصبغ: قال ابن القاسم: يجور عدلان منهم في القطع وفي أموال الرفقة عدا أموالهما، إلا أن تكون أموالهما يسيرة فيجوز لهم ولغيرهم كقول مالك في الوصية لهما فيها اليسير. وقال أصبغ: لا يجوز في القطع ولا في مالهما ولا مال غيرها إن كان مالهما كثيرا، وإذا اتهموا في بعض الشهادة سقطت كلها، ويقول مطرف عن مالك. [8/ 322]
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في المجموعة: يقام عليهم الحد بشهادتهم إن كانوا كثيرا، وأقل الكثير أربعة، والأربعة قول مالك، وقال / ابن القاسم وأشهب وعبد الله: لا يعطون الأموال بشهادة بعضهم لبعض، قال أشهب: ولا يكونون أطناء بما لأنفسهم. وإن قال اللصوص: ما قطعنا عليكم، فقد أقروا بشهادتهم، ولا شهادة لهم عليهم في غير ذلك. ومن العتبية: سئل أصبغ عن رجلين شهدا على وصية رجل فشهد كل منهم لصاحبه: أن الميت أوصى له بكذا، فإن كان على كتاب واحد فيه ذلك لهما، فالشهادة باطلة، لأن كل واحد منهما شهد لنفسه ولغيره، والوصية لهما، قال: وأما لو شهدا على وصية واحدة بكتاب، لكن أحدهما شهد أن الميت أوصي لفلان بكذا، ثم قام المشهود له في الوصية فشهد عند القاضي أن الميت أوصي لفلان بكذا، الذي له شهد في الوصية، فهي جائزة إلا أن يشهد كل واحد منهما مع شهادة الآخر. قال سحنون في كتاب ابنه وفي المجموعة في المتكاربين للسفينة وقد نقدوا الكراء فعطبت قبل البلاغ، وأنكر قبض الكراء، قال: شهادة بعضهم لبعض جائزة. ويرجعون عليه، قال محمد: ثم رجع فقال: لا تجوز إذا ليس بموضع ضرورة، وقد كانوا يجدون من يشهدون سواهم إذا أرادوا أن ينقدوه الكراء. [8/ 323]
في شهادة الرسول بما على قابضه، وشهادة من أودعته مالا أنك وهبته لرجل
في شهادة الرسول بما على قابضه وشهادة من أودعته مالا أنك وهبته لرجل وشهادة الراهن في الدين ومن قضاك دينا تسلفه من رجل هل تجوز شهادتك للرجل؟ وشهادة/ الرجل على ما ولي وشبه ذلك؟ وشهادة من بيده أرض أنه أعمرها لقوم غياب وشهادة القسام من المجموعة وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن بعث بمال مع رجل ليدفعه إلي أخر فدفعه إليه، فقال الرسول: بعثه معي صدقة عليه، وادعى ذلك القابض، وقال الباعث: بل وديعة، قال: إن لم يتهم الرسول في شيء حلف القابض مع شهادته وكانت له، قيل: أيحلف على ما لم يحضر؟ قال: كما يحلف الصبي مع شاهد أبيه الميت بدين. قال سحنون في المجموعة: ومعنى المسألة: أن المال حاضر والمأمور والمتصدق عليه حاضران، قال ابن المواز: وخالفهما أشهب. وقول مالك أحب إلي، لأن الرسول لم يبعد في الدفع؛ لإقرار الآمر أنه أمره بالدفع إليه، لكن ليتصدق بها، أو ليكون عندك. يحلف أو يغرم ذلك الرسول ويرجع بها على من دفعها إليه. ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية فيمن سأل رجلا أن يسلفه مالا يقضيه، فيأتيه بمال ويدفعه إلى المطلوب، ويدفعه المطلوب إلي الطالب، ثم أنكر المتسلف السلف، قال: شهادة القابض جائزة على غريمه المتسلف، وقاله أصبغ: قال أصبغ: ولو كان المتسلف هو دافعها إلى القابض لم يجز، وقال محمد بقول ابن القاسم، ووقف عن جواب أصبغ. [8/ 324]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى قرية فاستحقها بالعدول فلما أمرت البينة بتحديد ما شهدوا به/ أدخلوا في الحدود قرية إلى جانب القرية المدعي فيها، فقال أهلها: نحن نشهد أن هذه القرية التي بأيدينا والقرية المستحقة ليستا لنا، ولا للمستحق، ولا للمقضي عليه، وإن ذلك لرجل غائب كان ترك ذلك كله بيد ابائنا إرفاقا بهم وهم عدول، قال: لا تقبل شهادتهم، لأن فيها جرا إلى أنفسهم، يريدون: إبقاء ذلك في أيديهم للذي أرفقوا به. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أودع عبداً لرجلين فشهدا أن العبد لرجل غيره، فإن كان المشهود له حاضرا جازت شهادتهما، قال: وإن لم يشهدا حتى رد العبد إلى المودع جازت شهادتهما ولا ضمان عليهما. ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن أرسل رجلا إلى رجل فشهد له على حق له عليه، فأشهده المطلوب ثم جحده، قال: شهادته جائزة. وفي كتاب ابن المواز في رسولين لرجل يزوجانه أو يشتريان له جارية، فلا تجوز شهادتهما على ذلك وإن حضر المرسل، وضعفها أصبغ، قال محمد: وأحب إلينا إن كانا هما عقدا له النكاح لم يجز، وإن ولى عقد النكاح غيرهما جازت شهادتهما، وقال ابن القاسم فيه وفي العتبية فيمن بعث مع رجلين مالا يدفعاها إلى رجل، وقال: فلا تشهدا عليه غيركما، / ففعلا، فأنكر القابض، [8/ 325]
فلا تجوز شهادتهما عليه لدفعهما عن أنفسهما معرة التهمة، ولا يضمنان لأنهما بذلك مأموران، وقاله أصبغ. قال سحنون في العتبية فيمن جعل بيده، رهن على أنه إن لم يقبض الأمين الدين باع الغريم الرهن وقضى الطالب محل الأجل، وليس على الدين والرهن شاهد إلا الأمين، فشهادته في ذلك جائزة مع يمين الطالب إن شهد بها قبل بيع الرهن، وإن شهد بها بعد ما باع لم تجز شهادته؛ لأنه يدعي طرح الضمان. ومن كتاب ابن المواز: ومن وكل رجلا على طلب رجل في حق ثم عزله وتولى الطلب بنفسه، فشهادة الوكيل له جائزة. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له قبل رجلين حق وأيهما شاء أخذ بحقه، فأقر أنه قبضه من أحدهما والآخر يقول: أنا دفعته إليه، فشهادة القابض للدافع جائزة هنا، إذ ليس عليهما شيء يجر به إلى نفسه شيئا. ومن كتاب ابن سحنون في قاسمين قسما [بين قوم] بأمر قاض أو بغير أمره، لم تجز شهادتهما لأنهما شهدا على فعل أنفسهما. وفي كتاب ابن حبيب: أن شهادة القاسم جائزة عند القاضي الذي أمره بالقسم، وأما عند غيره فلا تجوز، لكن عند القاضي الذين أمره إن حفظ أنه أمره، وهذا كله قد ذكرناه في آخر كتاب القسم [وفي الرجل يشهد لغيره أو لمن يتهم عليه في الوصايا وغيرها، ويشهد في كل شيء كان أصل ملكه له]. [8/ 326]
ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك في رجلين كان لهما على رجل مال، فشهد أحدهما لصاحبه بنصف المال: أن شهادته مردودة لا تجوز، إذ لا تجوز شهادة أحدهما للآخر، قال أشهب: ولو شهد شاهد أن المال على رجلين لرجلين، وأحد المشهود لهما ابن أحدهما أو أبوه أو عبده أو من لا تجوز شهادته له لظنة أو قرابة، فلا أرى شهادتهما له جائزة، لأن المشهود لهما شريكان في المال، لا يأخذ احدهما شيئا إلا دخل فيه الآخر، ولو كانا قسما المال قبل الشهادة جازت شهادتهما لمن لا يتهمان عليه، وسقطت في الآخر، إذ لا يدخل فيما اقتضى الآخر، قيل: فإن شهدا فلم يقض بشهادتهما حتى اقتسما، قال: إن كان القاضى قد قضى بشهادتهما نفذ حكمه، وإن لم يقض فشهادتهما لمن لا يتهمان فيه جائزة، إذ لا يدخل الآخر فيما يقبض. ومن كتاب ابن المواز: ومن شهد بشهادة له فيما ولغيره لم تجز إلا أن يكون الذي له فيها [يسير جدا، وكذلك إن كان الذي فيها] إنما هو لقريب له أو لمن يتهم عليه ولأجنبي إن قل الذي له فيها، وإن شهد على وصيتين مختلفتين وله في أحدهما شيء فإن كان يسيرا، وإلا لم تجز فيها جميعاً، قال ابن القاسم: وكذلك إن شهد على وصيته في الصحة وأخري في المرض وله فيها شيء. ومن العتبية والمجموعة: روى أشهب وابن نافع عن مالك في رجلين شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين ديناراً /، وللآخر بثوبين، فأما الموصى له بستين دينارا فلا تجوز شهادته، وأما الموصى له بثوبين: فإن كانا يسيري الثمن [8/ 327]
جازت شهادته، وإن كثر لم تجز، وإن كان الموصى له بالستين شهد في وصية بعدها لم يوص له فيه بشيء لم تجز شهادته، وإذا لم تجز في الأولى لم تجز في الثانية. ونحوه في كتاب ابن المواز. محمد: إلا أن يشهد أنه أبطل الأولى فيجوز في الثانية [قال مالك]، وإن كان مع شاهد الثوبين – وهما يسيرا الثمن – غير عدل جازت شهادتهما. قال ابن نافع في المجموعة: وإن كان الذي شهد بالثوبين لنفسه لا تجوز شهادته فيها لأنه يتهم على مثلهما. فإن أهل الوصايا يحلفون مع شهادة الآخر ويستحقون وصيتهم، ويحلف الموصي له بالثوبين مع شهادة الشاهد له ويأخذهما. قال ابن نافع عن مالك: وإذا شهد في وصية له فيها شيء ولغيره، ومعه من ليس له فيها شيء فشهد، فإن كان ما للشاهد فيها يسيرا لا يتهم [فيه. جازت له ولغيره ولا يمين عليه مع الشاهد الآخر، وإن كان شيئا له بال] لغيره، وقد كنت أرى ألا تجوز في قليل ولا كثير، ثم رأيت هذا. قال ابن القاسم عنه فيمن أوصى في مرضه إلى امرأته أو إلى ثلاثة نفر أحدهم غائب، وقد أوصى لهم فيها بشيء ولم يشهد عليها الحاضرين، ولا شهد عليها غيرهم، قال: إن كان ما أوصى لهما به يسيرا لا يتهمان فيه جازت شهادتهما، قيل لابن القاسم: فهلا اتهمتهما فيما يليان لليتامى، وما بأيديهما، ومن قوله فيمن شهد بمال في يديه وديعة: أن ربه تصدق به على غائب/ لا تجوز شهادته لبقائه في يديه، وقال: إنما جاز هنا لما في الوصية من العتق والدين [8/ 328]
والوصايا، ولقلة ما شهدا به، فإنهما في عدالتهما يصلحان لبقاء المال في أيديهما فعند الحاكم نظر منه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: لا تجوز شهادتهما بحال، وما أعرف هذا. ومن كتاب ابن المواز: روى عن مالك في شهيدين أوصى لهما، وأشهدهما في ثلثه أنه للمساكن، وثلثه أنه لجيرانه، وثلثه لهما، قال: هذا يسير: وتجوز لهما ولغيرهما، ولو كان شيء له بال لم تجز لهما ولا لغيرهما. وقد قيل ك لا تجوز أصلا قل أو كثر، وبهذا قال ابن عبد الحكم، قال محمد يعني قول مالك إن كان المال كثيراً مما تسعه له بال فلا يجوز له ولا لغيره. ومن كتاب ابن سحنون: قال يحيى بن سعيد فيمن شهد في وصية قد أوصي له فيها، فإن كان وحده لم تجز له وجازت لغيره، وإن كان معه شاهد جازت له ولغيره، قال سحنون: قوله: تجوز لغيره. يريد: مع أيمانهم إن كان ما شهد به لنفسه تافها، وأما إن كان كثيراً فلا تجوز له ولا لهم، وإن كان معه شاهد جازت شهادتهما إن كان ما شهد به لنفسه تافها، ويأخذه بغير يمين، كما لو شهد رجلان في وصية أوصي لهما فيها بتافه لأخذ التافه بغير يمين. ومن الواضحة: قال ابن الماجشون فيمن شهد فيما أوصي له فيه، فإن كان الموصى به تافها جاز لغيره ولم تجز له، قال ابن حبيب: لا تعجبني، وروى مطرف عن مالك: تجوز في الجميع/ وبه أقول، قال مطرف وابن الماجشون في الوصية لا يشهد عليها إلا رجلان [قد وصي] لهما فيها، وفيها عتق وديون. فإن [8/ 329]
كان أشهدهم في كتاب كتاب فيه شهادتهما [ردت شهادتهما فيه أجمع، فإن كان ما أوصى لهما به له بال إذ لا تجوز بعض شهادة ويرد بعضها، وإن كان إنما أشهدهم في كتاب كتبوا في شهادتهم] فهذا بعد موته أنهما شهداء عليه أجمع مكتوبا مفروغا منه، فلا تجوز شهادتهما فيه أجمع، وإن كان إنما أشهدا عليه لقضاء دين وعتق ووصية لغيرهما ووصية لهما نسقا أو متفرقة، فشهدا بذلك لفظا عند الإمام، أو واضعوهم به كتابا بعد موت الموصي أو قبل موته ولم يعلم به، طرح من ذلك ما شهدا به لأنفسهما بالغا ما بلغ في كثرته، وأمضي ما شهدوا به لغيرهم، وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن شهد لورثة أحدهم زوجته لم يجز لها ولا لغيرها، قال أصبغ: لأن أصلها ظنة، فأما على عتق ومال فإنها لا تجوز في العتق وتجوز في المال، لأنها ردت لا لتهمة. ومن المجموعة والعتبية: قال ابن القاسم: ومن أوصي له في وصية ببقية الثلث فشهد عليها، والوصايا تحيط بالثلث ولم يبق منه شيء، قال: إن كان الميت يداين الناس حتى يشك أن تكون له على الناس ديون تلبث لم تجز شهادته، وإن كان لا يداين الناس جازت شهادته. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن شهد رجل لرجل في سهم في شرب عين أو نهر/ أو حق في أرض، وكان أصل ذلك كله بينه وبينه مقاسمة، ثم شهد له الآن بملكه لذلك الذي صار له في القسم من أصل عن أو أرض، فشهادته له جائزة. [8/ 330]
ومن المجموعة: قال المغيرة فيمن افترى على جماعة من الناس هل تجوز شهادة أحدهم لمن قام به منهم، وكيف إن قال الشهود: نحن لا نطلبه؟ فقال: إن كان افتري على على جماعة عظيمة فقال مصر أو أهل مصر أو الشام أو ملكة، جازت شهادة من شهد منهم لبعد الحمية والغضب من هذا، وإن قاله ليظن أن يجد مثل زهرة أو مخزوم أو قرية غير كبيرة، فلا تجوز شهادة بعضهم فيه ممن عني بالقول للتهمة. وأجاز سحنون شهادة من شهد على رجل أنه قطع من مسجد شيئا إلى داره، أو من طريق العامة، وإن كان من طريقه أو من مسجده الذي يصلي فيه إذا لم يلي هو الخصومة في ذلك. قال ابن القاسم فيمن ترك امرأته وأمه وابنه، فادعى الابن ما ترك أبوه، وادعت المرأة بعضه، ثم اصطلحوا فأخذت المرأة بعض ذلك، وأخذ الابن بعضا، وتركت الأم ميراثها، ثم ماتا فادعى ورثة الزوجة بعض ما بيد الإبن، وشهد للإبن بعض ورثة الأم بصلحه للمرأة، فقال ورثتها: أنتم ورثته، فقالوا: قد تركت أمنا جميع ميراثها. قال: شهادتهم جائزة إذ لا يجرون هنا شيئا لأنفسهم. وقال فيه وفي العتبية من رواية عيسى فيمن احتضر، ووثته أخواه وابنته، وأخوه شاهدان في حق، فقال لهما: اتركا منه مورثكما، أو يتركه أحدكما/ لتجوز شهادته فيه، ففعلا أو فعل، قال: لا تجوز شهادته. ومن العتبية: قال أصبغ فيمن ترثه ابنته وأخواه فطلبتهما الإبنة فتركا لها ميراثهما منه قبل موته، فلما مات وجدت الإبنة ذكر حق بشهادتهما، قال: [8/ 331]
في شهادة الوصي لليتامى، أو يوصي معه وارث أو وصي، أو يشهد في الوصية وقد أسندت إليه
تجوز شهادتهما فيه، إذ لا يجران إلى أنفسهما شيئا، إذ قد سلماه قبل أن يملكاه الملك التام، ولو وهباه بعد تملكهما له ملكا تاما لم تجز شهادتهما فيه. قال أصبغ فيمن شهد أن هذه الدار لأبي مات وأوصى بها لفلان، وهي تخرج من الثلث، وهي بيد من ينكر ذلك، قال: لا تجوز شهادته، إذ قد يلحق أباه دين فيجر بذلك إليه نفعا. ومن كتاب ابن سحنون: وسمعت بعض أصحابنا بنقل عن من حبس عند موته على أهل الحاجة من قرايته حبسا، وشهد في ذلك أهل الغنى من قرايته، قال: إن كان الذي تصدق به يريد في حبسه الشيء اليسير لا يكون فيه لهؤلاء عظمة إن احتاجوا، جازت شهادتهم، وإن كان الشيء الكثير لم تجز شهادتهم. في شهادة الوصي لليتامى أو يوصي معه وارث أو رصي أو يشهد في الوصية وقد أسندت إليه من المجموعة: قال ابن نافع عن مالك في ولي اليتيم يشهد له وهو يخاصم له قبل الخصومة أو بعدها، قال: إن شهد له في مال يلي قبضه، لم تجز شهادتهما قبل ولا بعد، وأما غير ذلك مما في الوصية ما لا يلي قبضه فذلك جائز. [8/ 332]
جامع ما ترد به الشهادات من التهم
قال ابن نافع: إن قام هو بالخصومة والشهادة لم تجز شهادته له، وروى علي عن مالك / في الوصي يشهد لورثة الميت وعصبته، قال: شهادته لهم جائزة. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تجوز شهادة الوصي لمن يلي عليه، قال أصبغ: إلا بعد زوال الولاية عنهم، قال ابن القاسم: ولو شهد لهم بالولاية فردت لم تقبل بعد ذلك، قال مالك: وتجوز شهادتهم عليه في الولاية. وفي كتاب الوصايا باب من هذا. ومن العتبية: قال سحنون في القاضي يأتيه رجلان بكتاب مختوم فيه شهادتهما على وصية وهما الوصيان، قال: يسألهما فإن قبلا الوصية؟ فإن قالا: نعم رد شهادتهما، وإن قالا: لا نقبلها، أمضى شهادتهما، ووكل عليها من يراه أهلا لها. جامع ما ترد به الشهادات من التهم من كتاب ابن المواز: ومن أوصى لرجل بعبده، ولرجلين بثلث ماله، فشهدا أن الموصى له بالعبد قتل الموصي، لم تجز شهادتهما، إذا لهما فيه منفعة، ولو لم يوص إلا بمقدار ثلثه. جازت شهادتهما لارتفاع الحصاص، محمد: شهادتهما جائزة بكل حال إذ لابد من الحصاص إما لهما وإما للورثة، ولو شهدا أنه قتله بعصى ولم يفق، سقطت وصيته، وحاصه الورثة، فلابد للورثة أن يحاصوا الموصى لهم بوصية القاتل، وكذلك من أوصى بعبد مبدا وبوصايا لقوم، فشهدوا الموصى [8/ 333]
لهم أن الموصى له بالعبد قتل الموصي، جازت شهادتهم إذ لا نفع لهم بها، لأن الورثة يقومون مقام الموصى له بالعبد. ومن كتاب ابن حبيب: ومن شهد/ على رجل ينكح امرأة: أنه حلف بطلاقها البتة إن تزوجها، ثم ثبت على الشاهد بينة أنه كان خطبها قبل يتزوجها هذا، قال: تقبل شهادته ولا يحلف المشهود عليه، وقاله ابن القاسم، وقال أصبغ: تجوز شهادته، ولم يأخذ به ابن حبيب. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهدين شهدا لرجل أن قاضيا مات أو عزل قضى له بكذا، وأنه بشهادتهما حكم، فشهادتهما جائزة ولا يتهمان، وقال عنه أصبغ: ولا تجوز، وقال عنه سحنون: إذا شهدا على حكم قاض، وقال أحدهما: بشهادتي حكم مع غيره، قال: لا تجوز شهادتهما على الحكم، لأنه يريد إمضاء شهادته، قال: ولو كان اللذين شهدا على الحكم قالا: بشهادتنا حكم وأشهدنا على حكمه، فهي جائزة، لأنه يحكم بشهادتهما، وإن لم يشهدا على أنه حكم بها: قال ابن حبيب: قال مطرف: تجوز شهادتهما إن كانا عدلين. وقال ابن الماجشون وابن نافع وأصبغ: لا تجوز على أصل الشهادة ولا على الحكم بها للتهمة، وهي شهادة واحدة تسقط بسقوط بعضها، وقال ابن القاسم مثل قول مطرف، بقول ابن الماجشون. قال ابن حبيب: إذا كان الأمران جميعا في شهادة واحدة ولو لم يجمعاهما، وشهدا على أحد الأمرين وسكتا عن الآخر، إما على الأصل في الحق، وإما على [8/ 334]
في شهادة الوارث في الوصية والعتق والصدقة وفي دين على الميت
الحكم، فجائزة، وكذلك لو شهادا بحق عند قاض فكتب بذلك إلى غيره لم تجز شهادتهما على كتابه، ولا/ على أصل الحق إذا جمعا الشهادتين، إلا أن يفردا إحداهما فتجوز، وقاله أصبغ. وذكر ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب عن رجل استخلف رجل وامرأتين على تركته وولده وديونه، فأشهدتا المرأتان لرجل يقوم مقامهما مع الخليفة أنهما وكلتاه، هل تجوز في ذلك شهادة الوصي معهما مع الرجل على توكيل المرأتين؟ قال: لا تجوز؛ لأن الوصي يحاكم الغرماء فلا تجوز شهادته عليهم بوكالة في ذلك. في شهادة الوارث في الوصية والعتق والصدقة وفي دين على الميت من العتبية: قال ابن القاسم: قال عبد العزيز بن أبي سلمة في شهادة الوارث في العتق والصدقة: إنها جائزة حصته فيهما، قال: وإن كان عدلا جازت شهادته على من تصدق به عليه، وأما العتق فلا يحلف عليه ولا يقوم عليه، وقال مالك: لا يعتق منه شيء إلا أن يشتريه فيعتق عليه. ومن سماع عيسى: وعمن احتضر فقال: ما شهد به ابني من دين أو غيره فهو مصدق إلى مائة دينار، أو لم يوقت وقتاً، ثم مات فشهد ابنه لقوم بديون، وشهد لبعض الورثة، فلا يثبت ذلك إلا بيمين إن كان عدلا كالقضاء، وإن لم يكن عدلا، أو نكل المشهود له عن اليمين لزم الشاهد قدر ميراثه من هذا الدين، وإن كان سفيها لم يجز إقراره في ميراثه، قال مالك: ولم يحلف الطالب. [8/ 335]
قال المغيرة في التي ماتت وليس لها وارث إلا بنات، فشهد أخوها وزوجها أنها حنثت في رقيق لها./ فلا تجوز شهادتهما، ويعتق عليها حظهما من الرقيق، ولا يقوم عليهما ما بقي. ومن كتاب ابن سحنون: قال أشهب: إذا شهد رجلان أن الميت أعتق هذا العبد، وهو يخرج من الثلث، وشهد آخر بعتقه لعبد آخر: فالعتق للأول منهما، إذ ليس له أن يدخل عليه ما ينقص من عتقه، وإن كان أعتقهما في وصية أسهم بينهما فعتق نصف قيمتهما. قال سحنون: لا يسهم في هذا، إنما السهم في قوله: عبيدي أحرار، وأما إذا سماهم بأسمائهم فإنما يعتق بالحصص. وبقيت مسائل من شهادة الورثة بالعتق على الميت قد جوت في كتاب الوصايا. ومن كتاب ابن سحنون: ومن هلك عن ولدين وترك عبدا، فقال أحدهما: أعتق أبي جميعه، وقال الآخر: إنما أعتق نصفه لاجتماعهما عليه، ويعتق على الذي قال جميعه: ما يصير له من حصته، لأنه لا يكون ذلك ضررا على صاحبه؛ لأنه أعتق حرا فيه العتق ولم يزد هذا فسادا، ولو كان عبدين فقال أحدهما: أعتقهما أبي، وقال الآخر: أعتق أبي أحدهما بعينه، فليعتق من اجتمعا عليه، ولا يعتق عليه الآخر، ويبقى بين الورثة، فإن ملكه المقر عتق عليه، وإن بيع جعل حصته منه في عتق، ولا يعتق عليه حصته فيضر بشركائه. [8/ 336]
في شهادة المحدود والقاذف وولد الزنى وولد الملاعنة
في شهادة المحدود والقاذف وولد الزنا وولد الملاعنة من العتبية: روى سحنون عن معاوية بن أبي صالح، عن العلاء بن صالح/ عن مكحول يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تجوز شهادة سنة: مضروب حدا، ومجرب عليه شهادة زور، والخائن والخائنة، والقانع، وذو الغمر. والغمر: الغل. قال سحنون: قال ابن وهب: قال ابن شهاب: وقد أجاز عمر شهادة من تاب من الذين جلدهم في المغيرة، قال سحنون: وإجازته لشهادة من تاب منهم بين المهاجرين والأنصار فما أنكره أحد منهم، دليل على أنهم رضوا ذلك، ولا نعلم أحدا من الصحابة رد شهادة القاذف بعد توبته، ولا يحتج من خالفنا بأكثر من شريح، ولا يحتج بتابعي على الصحابة، ولا على صاحب واحد إذا لم يعلم من الصحابة من يخالفه، وقد روينا عن شريح خلاف قولهم. وقال مالك في المجموعة: ومن جلد حدا من حدود الله ثم تاب توبة ظاهرة معروفة فشهادته جائزة، وقال أشهب في المحدودين في القذف أو غيره من الحدود كلها إذا حسنت حاله وتاب، جازت شهادته، قال الله تعالى: (إلا الذين تابوا). قال ابن القاسم: قال مالك في العدل يقذف رجلا فيجلد: أن الإمام لا يقول له: تب، ولو قال له: تب لم ينفعه ذلك، ولو قال: لا أتوب ويصر على ذلك، فإذا ظهرت توبته جازت شهادته. قال ابن كنانة: فإذا كان معروفا [8/ 337]
بالصلاح فمعرفة ظهور التوبة منه يطول، وليس كمن كان معروفا بالسوء، لأن من عرف بالخير لا يتبين تزيده فيه إلا بالترداد والتزيد فيه. قال ابن القاسم وأشهب في القاذف: لا ترد شهادته حتى يجلد، وقاله سحنون في كتاب / ابنه، وقال ابن الماجشون في الكتابين: إذا قذف سقطت شهادته إذا رفع ذلك عليه ولم يأت بالمخرج مما قال، حتى إذا تاب وأصلح ما قذف، حتى بلغ حالا لا تجوز معه شهادته معه لو حد، لقبلت شهادته وحد، وكانت شهادته حين حد إذ قيم عليه وقبل أن يحد جائزة، لأن التوبة إنما هي من القذف لا من الحد. ومن العتبية: قال سحنون فيمن حد في قذف أو زنا أو شرب خمر أو سرقة فلا تجوز شهادة أحد منهم فيما حد فيه وإن تاب كائنا ما كان، وهي كشهادة ولد الزنا في الزنا فإنها إنما ترد للتهمة أن يكون الناس به أسوة. وقاله أصبغ. ومن المجموعة: روى ابن وهب عن مالك أن شهادة ولد الزنا في كل شيء جائزة وما يشبهه من الحدود، وقاله الليث. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية وقاله ابن القاسم أيضا في المجموعة: تجوز شهادة ابن الملاعنة في الزنا بخلاف ولد الزنا. [8/ 338]
وقال سحنون في العتبية فيمن جنى على رجل جناية فاقتص له منها: أن شهادته لا تجوز من مثل ذلك الجرح، وقال في كتاب ابنه: أن شهادة ولد الزنا جائزة في كل شيء إلا في الزنا والقذف. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في القاذف إذا تاب فإن شهادته تجوز في كل شيء إلا في الزنا والقذف واللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا، لا في قذف ولا غيره وإن كان عدلا، وكذلك قال مالك، قالا: وإن قطع في سرقة لم تجز شهادته في / السرقة وإن ظهرت توبته، وكذلك إن قتل عمدا فعفي عنه ثم حسنت حالته فتوبته مقبولة، وشهادته جائزة إلا في القتل، وكذلك الرجل يحد في السكر: [إن شهادته تجوز في كل شيء إلا في السكر]، وقاله أصبغ. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة فيمن ضربه الإمام نكالا، هل تنتظر به التوبة في قبول الشهادة؟ قال: ليس الناس في هذا سواء، ولا ما ينكلون فيه من الذنوب سواء، وقد نكل ناس بالمدينة لهم حال حسن بشيء أسرعوا فيه إلى ناس، وشهادتهم في ذلك تقبل، ليس لأحد فيها مغمز، فأما من ليس بحسن الحال إلا أن شهادته تقبل، وليس بمشهور العدالة، يأتي بالأمر العظيم مما فيه النكال الشديد، فلينظر في هذا، وإنما يعرف هذا عند نزوله، وأما الشتم ونحوه وهو في غير ذلك يعرف بالصلاح، فلا ترد شهادته في ذلك، وقال في الذي يجلد في الفرية والزنا إذا ظهرت توبته: أنه تقبل شهادته في القذف والزنا وغيره. قال مالك في كتاب ابن سحنون في من جلد من أهل الخير [في قذف فكيف تعرف إجازة شهادته بعد ذلك، وقد كان من أهل الخير؟]، قال: [8/ 339]
في شهادة البدوي على القروي
ازداد درجة إلى درجته التي كان فيها، قال سحنون: ولم ير أصحابنا إكذاب القاذف نفسه مما تجوز به شهادته. في شهادة البدوي على القروي من الواضحة: روى ابن حبيب، عن عطاء ابن يسار، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تجوز شهادة البدوي على القروي، ورواه ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، ونافع بن يزيد، عن ابن الوهاد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عطاء ابن يسار، عن أبي هريرة / عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية. قال محمد بن عبد الحكم ومالك: يتأول ذلك في الحقوق إذا شهدوا في الحاضرة، لأنها تهمة أن يشهد أهل البادية ويدع من معه من أهل الحضر، وأجازها في الدماء والجراح وحيث تطلب الخلوات والبعد من العدول. قال مالك في العتبية والمجموعة من سماع ابن القاسم، ورواه عنه ابن وهب: لا أرى شهادة البدوي تقبل في أهل القرى، لأنه يجد الثقات من الحاضرة، والذي يشهد البدوي ويترك جيرته من أهل الحاضرة مريب، وأما الجراح فتجوز فيها شهادة البدوي إن كان عدلا على القروي؛ لأنه يلتمس فيها حين الغفلة، ولا يقدر على احضار الشهداء. قال في المجموعة: فأما إن كانت الشهادة في البادية: فشهادة أهل البدو على القروي في ذلك جائزة، مثل أن يحضره بها الوفاة فيوصي أو بيبع بها أو يبتاع [8/ 340]
قال ابن القاسم في الكتابين: وتجوز شهادتهم على رؤية الهلال إن كانوا عدولاً مثل ما تقدم من ذلك. في كتاب ابن المواز عن مالك قال عنه ابن القاسم في هذه الكتب: ومن خرج إلى بادية فسكن فيهم وانقطع إليهم، فشهادتهم له جائزة، قيل: إنه كان في معدن وقد انتقل أهله وسكنه الأعراب، قال: فشهادتهم له جائزة. ومن العتبية وكتاب ابن المواز: قال مالك: إذا هلك الرجل بالبادية وقد كان يتجر بها فادعى غلام معه أنه عتق: قال في العتبية: إنه دبره، وكذلك في كتاب ابن سحنون، فشهد له با دون عدول / فشهادتهم له جائزة. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: لا تجوز شهادة البدوي على القروي في الحقوق والأشرية وشبهها، وتجوز في مثل القتل، والجراح، والضرب، والزنا، والسرقة وأشباه ذلك، وذلك إذا عرف أن البدوي كان حاضرا يوم كان ذلك، وقاله مالك وابن عبد الحكم وأصبغ. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: ولا تجوز شهادة البدوي للقروي على بيع ابتاعه أو قضاء قاض، أو صدقة تصدق بها في الحاضرة، وأما الحضري يموت بالبدو، أو سلعة بيعت فيهم، أو صدقة كانت بين أظهرهم، ولم يجد الذي احتاج إلى الإشهاد بدا من إشهاد من حضر منهم من أهل العدل، ولو لم يفعل ذلك بطل حقه، وبطلت وصية الميت، فهذا تجوز شهادتهم في مثله. [8/ 341]
في الشاهد يشهد عند الحاكم فلا يحكم به حتى يموت أو يعمى أو يصيب ذنبا يجرح به
في الشاهد يشهد عند الحاكم فلا يحكم به حتى يموت أو يعمى أو يصيب ذنبا يجرح به أو يقاتل من شهد عليه من المجموعة: قال أشهب: إذا شهد الشهود عند الحاكم، ثم جنوا جنونا لا إفاقة معه أو معه إفاقة، أو جنوا جناية خطأ، فلا ترد شهادتهم بذلك إلا أن تكون جناية عمدا [قبل التعديل أو بعده قبل القضاء بها، فلترد شهادتهم، وكذلك ما أحدثوا من الزنا]، أو قذف، أو شرب خمر، أو غير ذلك مما يجرحهم، إلا أن ينفذ القضاء بهم قبل أن يصيروا إلى ذلك [فقد بعد] ويقام عليهم ما لزمهم من حد. ومن كتاب ابن سحنون ومثله في المجموعة: قال: وإذا كتب القاضي شهادته ولم يحكم بها حتى قتل قتيلا/ على نايرة، أو قذف رجلا، أو قاتل المشهود عليه، فلا يسقط هذا شهادته التي توقف عند الحاكم إلا أن يحدث ما يستره الناس من الزنا والسرقة، وشرب الخمر مما يخفيه الناس، فتسقط شهادته تلك بذلك، وقال محمد: لأنه يظن أن ذلك مما فعله قديما وليس مما يعلنه. قال: ولو حكم بهذه البينة في حد وأقر به فلم يقم حتى ظهر منهم على ما ذكرت من شرب خمر أو فسق أو ردة فالحكم نافذ لا يرد، وإذا لم يحكم بها بطلت شهادتهم، وقاله أشهب، وهو كالرجوع قبل الحكم أو بعده، كانوا شهدوا في سرقة أو زنا أو قذف أو قصاص أو حقوق الناس. [8/ 342]
قال أشهب في الكتابين: ولو قاتل المشهود عليه البينة قبل الحكم وبعد الشهادة، لم يبطل ذلك شهادتهم. ومن العتبية والمجموعة: قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا شهد فلم يحكم بشهادته حتى وقع بينه وبين المشهود عليه خصومة فإن شهادته لا ترد. قال أشهب في العتبية فيمن شهد لامرأة بشهادة فلم يحكم بشهادته حتى تزوجها: أن شهادته ماضية، بخلاف من أوصى لرجل وليس بوارثه، ثم يكون وارثه بعد ذلك، فلا تجوز تلك الوصية، وفرق بينهما: أن الشهادة للزوجة إنما ترد بالظنه، والظنة إنما حدثت بعد الشهادة، كما لو شهد عليه فلم يحكم بها حتى صار بينه وبينه خصومة فشهادته ماضية. قال ابن حبيب عن أصبغ: سألته عن قول ابن القاسم وأشهب في البينة تشهد على حق/ لله أو حق لعباده، فيحكم بشهادتهم فلا يقام الحد ولا يؤخذ الحق حتى أحدثوا فسادا في حالتهم: إن ذلك ماض نافذ، وقال أصبغ: أما في حق العباد فكذلك نقول، وأما الحد الذي لله تعالي لا لغيره فلا ينفذ، وفارق عندي الحقوق، وقاله مطرف، وهو قول ابن حبيب. وقال في الشاهد يشهد فلا يقضى به حتى يزني، أو يسرق، أو يقتل، أو يجرح، أو يسوء حاله بوجه وهو يوم شهد عدل، قال مطرف: لا يقطع بها، وإنما ينظر إلى حاله يوم يقطع بشهادته، وذكر عن ابن الماجشون نحو ما قدمنا ذكره مما يسر أو يعلن. وقال مطرف فيمن شهد على رجل سلم له فلم يحكم عليه حتى عاداه: أن شهادته ماضية، لأن المطلوب قد يتعرض لعداوته ليسقط بها شهادئه، وهو بخلاف ما يحدثه الشاهد مما يصيره إلى الجرحة، وقال ابن الماجشون: ولو كان أشهد قوماً [8/ 343]
في الشاهدين يشهدان على ما يؤدي إلى ما لا تجوز معه شهادتها
على شهادته أو سمعوها منه قبل ذلك ثم عاداه فشهد عليه بعد العداوة، فشهادته جائزة كما لو قام بها عند سلطان فرفع بها في ديوانه قبل العدواة، وكذلك كل ما أحدث مما لا يستتر به مما يجرحه مثل القتل والقذف وشبهه، فإن شهادته جائزة إذا كانت قد فسدت قبل ذلك، وقول مطرف أحب إلي، وإن حكم حاكم بقول ابن الماجشون: ما أخطأ. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن شهد على رجل بطلاق البتة عند الإمام وقبله، فأحلف المشهود عليه، ثم نكث الشاهد وأخذ في نعته/ ثم شهد آخر بمثل شهادته، قال: لا يقبل الأول عليه، لأنه يوم تضم شهادته إلى الآخر غير عدل. في الشاهدين يشهدان على ما يؤدي إلى ما لا تجوز معه شهادتهما من رقهما أو حد يلزمهما أو نحو ذلك ومن المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان أن فلانا طلق امرأته وأعتق جاريته، ثم رأيناه يزني بهما، فلا تقبل شهادتهما في الطلاق والعتق، لأن ذلك يوجب عليهما حد القذف، ولا حد عليهما إذا لم يثبت الطلاق والعتق، وقال أصبغ في العتبية: يحدان، ولا تجوز شهادتهما، لأنهما يقولان: هذا زان. وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثل قول ابن الماجشون، قال ابن الماجشون وأصبغ في العتبية والواضحة: ولو شهدا عليه بطلاقها، وشهدا أنهما رأياه على بطنها أو في لحاف عريانين جميعاً: فالطلاق لازم، ويؤدبان فيما فعلا من ذلك، [8/ 344]
وقال سحنون في العتبية مثله. محمد، وفيهما اختلاف يعني في المسألة الأولى، لأن ابن القاسم يقول: شهادة القاذف أبدا لا ترد حتى يقام عليه الحد، فإقامه الحد تبطل شهادته، وأرى على جواب عبد الملك أن لو صدقها الزوج في طلاقها البتة، والسيد في العتق، وكذبهما في الوطء كان عليهما حد القذف، وقاله أشهب. ومن كتاب ابن سحنون وأراه لعبد الملك: وإذا شهد رجلان على رجل أنه طلق امرأته بائنا والزوج يجحد، فأقر بأنه وطئها من بعد وقت الطلاق الذي/ أرخاه، فلا حد على الزوج، ويلزمه الطلاق. قال ابن سحنون: ولو شهدا بالطلاق، وأنهما رأياه يطؤها بعد الطلاق، بطلت شهادتهما في الطلاق والحد. قال سحنون: وإن شهد أربعة أنه طلقها، وأقر الزوج بالوطء بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق، حددته، وإن قالوا: نشهد أنه طلقها ووطئها، حددته أيضاً، وروى على عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته البتة وأنهم راوه يطؤها بعد ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه. قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية ويرون عليه الحد. ومن العتبية: قال أصبغ وسحنون، وهو في كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس عن ابن الماجشون فيمن هلك ولم يدع وارثا إلا ابن عم له، وقال بعضهم: إلا أخ له فيما يظهر فأعتق غلامين ممن يورث عن الهالك، ثم شهدا بعد عتقهما أن سيدهما في حياته أن جاريته فلانة حامل منه، ثم ولدت، فلا تجوز شهادتهما لأن إجازتها يرقها. [8/ 345]
قال أصبغ في العتبية: ولو أعتق رجل عبدين ثم شهدا أنه غصبهما مع مائة دينار، فشهادتهما تجوز في المائة ولا تجوز في غصبه إياهما، وقيل: فكيف يجوز بعضهما ويرد بعض؟ قال: كما لو شهد امرأتان في عتق ومال لقبلت في المال دون العتق. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا تجوز في المال ولا في أنفسهما، قال: ولو بتل عتقهما في مرضه وله مال مأمون، أو عتقها بعد موته بذلك أو من وصية ثم شهدا بحمل أمة أنه منه/ بعد تنفيذ الوصية لهما أو قبل، قال: تجوز شهادتهما إن حملهما الثلث إذ لا يرقان بشهادتهما، وأما إن كان الثلث لا يحملهما، فاستتمه الوارث على نفسه لهما، لم تجز شهادتهما، ويصبرا كأول المسألة لأن ذلك يرق منهما ما فضل عن الثلث. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن لم يكن للموصى إلا الغلامان والجارية، وكان الغلامان ثلث ذلك، فعتقا ثم شهدا أن الجارية ولدت من سيدهما لم تجز شهادتهما لأن ذلك يرقهما. وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن مات وورثه أخواه فأعتقا عبدا من التركة، ثم شهدا أنه ابن أخيهما، جازت شهادتهما إن كانا عدلين، ونزع ما بأيديهما، والحقت النسب، ورددت عتق من أعتقاه، وإن لم يكونا عدلين لم يلحق نسب، ولم يرد عتق ولينزع للولد بما ورثاه، ولا يغرما قيمة ما أعتقاه، وقال أصبغ: لا يرد عتق من أعتقاه وإن كانا عدلين، ويغرمان القيمة، كانا عدلين أم لا. [8/ 346]
فيمن شهد بشهادة عند حاكم فردها لوجه ثم شهد بها بعد ذلك هل تقبل؟
فيمن شهد بشهادة عند حاكم فردها لوجه ثم شهد بها بعد ذلك، هل تقبل؟ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: أجمع أصحابنا أن من شهد بشهادة عند قاض فردها لجرحة، أو لجر إلى نفسه، أو لظنة أو تهمة لا لجرحة، كشهادته لابنه أو أبيه أو زوجته، ثم شهد بها بعد ذلك عند ذلك القاضي أو غيره بعد أن زالت جرحة المستجرح، وحسن حاله، وبعد زوال ما كان به ظنيناً من طلاق زوجته التى كان شهدا لها وشبه ذلك، فإن تلك الشهادة لا تقبل منه، لأن قاضيا حكم بردها/ قال محمد: فقلت له: قال أهل العراق بمثل هذا معك، ولكن قالوا: إن شهد صبي أو عبد أو نصراني فردت شهادتهم. ثم شهد بها الصبي بعد الحلم، أو النصراني بعد الإسلم، أو العبد بعد العتق، أنها تقبل، لأن العلة التى ردت لها قد زالت، وإلا فلا فرق بين ذلك وبين ما جامعونا فيه من شهادته لزوجته أو لعبده، ثم ردت، ثم طلق الزوجة، أو أعتق العبد، أنها لا تقبل، لأن قاضيا ردها، وإن كانت العلة التي لو ردت قد زالت، قلت: فقد روي عن الشعبي والحسن والنخعي في الصبي إذا شهد قبل أن يبلغ. والعبد قبل أن يعتق، والكافر قبل أن يسلم، أن شهادتهم بعد البلوغ والعتق والإسلام جائزة، قال: هذا غير مختلف فيه، وإنما منعناه إذا شهدوا في الحالة الأولى فردت شهادتهم، وإنما اختلف الناس إذا شهدوا في الحال الأولى فردت ثم قاموا بها بعد زوال تلك الحال. قلت: فقد روي عن الحكم مفسرا قال: لا حجة بالحكم مع عثمان بن عفان، وقال مثله: وإبراهيم النخعي والشعبي والحسن ومكحول، قال: إنها تجوز ما لم ترد قبل ذلك، وقاله شريح وأبو الزناد وابن شهاب، واحتج أشهب بمثل ما [8/ 347]
في الرجل يشك في شهادته وقوم يشهدون على شهادته، أو يجحد شهادته ثم يشهد بها
تقدم من رد القاضي شهادة غير العدل والمتهم، ثم تزول الجرحة وما به اتهم، ثم يشهد بها فإنما لا تقبل. قال محمد: قلت لسحنون: وهؤلاء أهل العراق وقد قامت حجتك عليهم بالمناقضة، وأهل البصرة ساووا بين الجميع وقالوا: تقبل من العبد بعد عتقه، والصبي بعد / احتلامه، والكافر بعد إسلامه، وإن ردت في الحال الأولى، قال: لا يناظر هؤلاء، إذ لا سلف لقولهم من صدر الأمة من صاحب ولا تابع ولا تابع تابع، قال سحنون: ولولا الحكم بين عيينة ما كان للكوفيين سلف فيما خالفونا فيه، وما علمت لهم سلفا غير الحكم، وأما قول البصريين: لا يجوز قول القائل: ردت شهادتهم، إذ لا يجوز أن تسمع منهم، فهذا غلط منهم، لأن من رد عليه خبره قبل أن يسمع منه، إذ ليس بأهل أن يقبل منه كان هذا أقبح في الرد من رده بعد أن يسمع منه. ومسائل هذا الباب ومعناه فيه باب مفرد في كتاب القضاء باليمين مع الشاهد، وفيه: إذا أودعوا شهادتهم في الحال الأولى، ثم نقلت عنهم في الحال الثانية. قال سحنون: ولو شهد عن الحاكم نصراني أو عبد أو مستجرح والحاكم لا يعرفهم، فكتب شهادتهم ثم لم يعلم بهم حتى عتق العبد وأسلم النصراني وحسن حال المستجرح فهي نافذة ويقضى بها، لأن الحاكم لم يردها. في الرجل يشك في شهادته وقوم يشهدون على شهادته أو يجحد شهادته ثم يشهد بها أي بما بقى منها، أو بنكوله بعد الشهادة من المجموعة: روى ابن وهب عن ابن شهاب في الرجل يشك في شهادته، قال: لا تجوز شهادته وإن شهد عليه، وقاله مالك والليث، قال مالك: لا يجوز نقلها عنه ونسيها. [8/ 348]
ومن العتبية والمجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن / مالك: في مريض سئل عن شهادة فأنكرها وقال: كل شهادة أشهد بها بينكما فهي باطل، ثم شهد بعد ذلك، فإنه يسأل عن عذره، فإن قال: كنت مريضا فخفت ألا أثبت بما أشهد به، أو جاء بعذر يعرف وجهه فهي جائزة، قال في كتاب ابن المواز: ومن سئل عن شهادة فأنكرها ثم يشهد، فإن جاء بعذر قبل منه إن كان عدلا. ومن المجموعة: قال ابن وهب: إن أبا بكر بن حزم سأل القاسم بن محمد عن شهادة عنده فلم يذكرها ثم ذكرها بعد ذلك، قال في رواية أخرى: فلما كان بالطريق ذكرها فقبلها أو بكر، وقال: لو كان غيرك ما أجزنا شهادته. قال سحنون: وكان القاسم اسمه فيها ولو لم يعلم أن شهادته فيها جائزة ما شهد، قال: والشاهد في شهادته كالحاكم إن رأى أنها تجوز يرفعها وإلا لم يرفعها، وقد رفع بعضهم شهادته وأخبر أن بينهم عداوة، فقال فيه وفي كتاب محمد ومن دعي إلى شهادة فلم يذكرها ثم ذكرها فإنها تقبل منه إن كان مبرزا لا يتهم ولو مر من طول الزمن ما يستنكر، قال ابن وهب عن الليث في المجموعة: إنما يقبل هذا من البين الفضل ممن لا يتهم، وقاله ابن القاسم إذا قال عند القاضي: ما أذكر، وماله عندي علم، ثم عاد بعد أيام فشهد، فإنه يقبل إذا كان لا يشك في عدله ولا يتهم، وقال سحنون: إذا كان مبرزا جازت شهادته إذا قال: أخروني لأنظهر وأفكر، وإن قال: ما عندي علم، ثم رجع فأخبر بعلمه، فقد اختلف فيها/ عن مالك، وأجازها ابن نافع إن جاء بها في قرب وهو مبرز، قال ابن المواز: قال أشهب: إن قال: كل شهادة أشهد بها فهي زور، قال: لا يضره ذلك وليشهد، وقاله أصبغ في الواضحة. [8/ 349]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في الشاهدين شهدا في صداق بكر بسبب، فأقام الزوج بينة أن لم يبق عليه منه إلا خمسون، فجاء الأب بشاهدين أن تلك البينة قالا: لا نشهد بينهما بشيء، فإن قالا: قلنا ذلك لعلهما بصطلحان، فليقبلا، قال ابن القاسم: ومن شهد بثلاثين ديناراً ثم ذكر أنها كانت خمسين؛ فإنه تقبل شهادته في ذلك كله، وقاله في المجموعة والعتبية. ومن الواضحة: قال ابن حبيب عن مطرف، وإذا قال: هي خمسون وكنت نسيت، وقت ادعى ذلك رب الحق أو لم يدعه، فإن كان بين العدالة قبلت شهادته، وإن كان على غير ذلك لم تجز شهادته، وقاله أصبغ، وقال ابن القاسم: إذا عاد فزاد أو نقص في شهادته، فإن ذلك يقبل من المنقطع في العدالة ممن لا يتهم في عقله، فإذا كان فيما زاد أو نقص ما ينقض الشهادة الأولى، وذلك بعد الحكم، فلا يقبل ولا يفسخ الحكم، وإذا زاد مالا ينقض الأولى قبل من المبرز، وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية من أولها. قال سحنون: وأنا أقول إن استقال الشاهد قبل القضاء أو بعده وادعى الغلط فإنه يقبل قوله، ويقبل فيما يستقبل إذا كان عدلا رضى. قال ابن حبيب عن مالك فيمن سأل رجلا عن شهادته فأنكرها، أو سئل/ عنها المريض فلم يذكرها، ثم شهد بعد ذلك وذكر عذرا، قال ابن حبيب: وهذا إن سئل عنها عند الحاكم، أو سئل المريض عنها فيما ينقل عنه، وأما في غير هذين الموضعين فلا يضره إنكار شهادته كقوله للخصم: ما أشهد عليك بشيء، ثم يأتي ويشهد، فلتقبل منه ولا يضره القول الأول، وإن كان عليه بينة. قال ابن المواز: قال أشهب وقاله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ فيمن شهد عند الحاكم فيوافيه المشهود عليه فقال: بلغني أنك شهدت علي بكذا، فقال: ما شهدت عليك به فأنا مبطل فيه، فليس هذا برجوع، وإن [8/ 350]
فيمن قال رضيت بشهادة فلان ثم بدا له، أو قال إن أقام علي فلان بينة بدعواه فذلك في مالي
شهد به عليه، إلا أن يرجع عند شهادته، قال سحنون في العتبية: هذا رجوع على الشهادة إن كان على قوله بينه، وتبطل شهادته إن كان ذلك قبل القضاء، وإن كان بعد القضاء ضمن ما أتلف من المال. قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولو قال: زكيت فلانا وقد شهد على؟ فقال: لو علمت أنه شهد عليك ما زكيته، فلا يضره ذلك وإن ثبت أنه قاله. فيمن قال رضيت بشهادة فلان ثم بداله أو قال إن أقام على فلان بينة بدعواه فذلك في مالي فأقام شاهدا فقال هذا أردت شاهدين أو قال رجل لآخر افتضضت ابنتي فقال إن قال النساء إن ابنتك مفتضة فأنا أفتضضتها ثم نكل أو قال ما شهد لي به فلان فهو باطل ثم شهد له، أو شهد ثم قال الشاهد: إن كنت شهدت بهذا فأنا مبطل من العتبية والمجموعة / وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك في الرجلين يتداعيان الشيء، فيقول أحدهما: رضيت بما شهد به على فلان، ثم بدا له قبل أن يشهد أو بعد أن يشهد وقال: ظننت أنه يقول الحق، فذلك له، ولا يلزمه قوله ذلك، قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ولكن إن كان الشاهد عدلان قيل عليه. ونحوه في المجموعة عن ابن القاسم، ولكن إن كان ذلك في الأموال، وقال مالك: لا يلزمه ولا يقبل، عليه وإن كان عدلا، قال ابن القاسم: محمله عندي في غير الحقوق، يريد: الأموال، قال ابن دينار في العتبية: إذا تنازعا في شيء يظنه كل واحد منهما لنفسه ولا يستيقنانه، فسألا الرجل فشهد لأحدهما، فذلك جائز، وليس كمسألة مالك. [8/ 351]
وقال ابن كنانة في المجموعة: إذا تنازعا أرضا أو دينا فادعي أحدهما شهادة فلان، فرضي الآخر به ثم نزع، فإن كان نازع خصمه فيما لا علم عنده منه مثل حدود أرض، أو دين على أبيه، أو أرض، أو دابة، أو رأس، أو ثوب، أو نحوه مما لا يعلمه الراضي، فذلك يلزمه شهادة من رضي به، كان عند إمام أو غيره، وليس له نزوع عنه، وإن قال: رضيت بشهادته في فعل فعله أو قول قاله يذكر أنه علم ذلك، أو سلف أسلفه أو نحوه، يقول: انه ممن يقول الحق ثقة بعدله فأنا فلان بخلاف ما يقول هذا أنه كان منه، فلا يلزمه ذلك، وقال سحنون نحوه في العتبية والمجموعة. ومن العتبية / روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى على رجل أنه فتض ابنته، والرجل ينكر، ثم قال: ينظرها النساء، فإن لم تكن بكرا فأنا بها، فنظرها النساء فإذا هي مفتضة، فأنكر أن يكون هو بها، قال: لا يلزمه قوله الأول، لأنه يقول: رجوت أن أبرئها بنظر النساء، وأن تكون سالمة مما ظن بها أبوها، فلا صداق عليه ولا حد حتى يقيم على الإقرار، والأب فاذف إن كان هذا ممن لا يشار إليه بالفواحش، مشهورا بالعدالة، فيحد، وإن كان من أهل التهم فلا حد عليه. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته، أو في صحته: ما شهد به على فلان فهو مصدق فيما قبلي من دين، وفلان عبد له أو لغيره، أو محدود أو نصراني، أو امرأة فقال مالك في رجلين تنازعا في أمر فادعى أحدهما شهادة فلان، فقال الآخر: اشهدوا أن ما قال فلان حق، ورضي به، [فشهد عليه] فلم يرض بقوله، قال: فلا يلزمه ما قال، قال ابن القاسم: فيرد إلى حد ما يحكم به. [8/ 352]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال الطالب عند القاضي: يشهد لي فلان وفلان، فقال المطلوب: إن جئت بفلان يشهد لك فقد لزمني دعواك والرضي به وحده، فأتي به، [فشهد عليه] فرجع المطلوب وقال: لا أرضى به لأنه شهد بالباطل، ولم أظن ذلك، فإنه ينظر، فإن كان هذا الحق مما يعرفه المدعي عليه، [فله أن يرجع عند ذلك، وإن كان هذا الحق مما لا يعرف المدعى عليه] وقال لا علم لي به، ولا أرجع إلى علم هذا / الشاهد الذي رضي به، وإنما كان هذا الحق يطلبه به يسبب جده أو أبيه، والمشهود عليه لم يدرك ذلك، فليس له أن يرجع عند ذلك، وليقض عليه القاضي بما الزم نفسه، كذلك قال ابن دينار وفسره. قال سحنون: وكذلك لو قال: رضيت بشهادته عند غير قاض، وألزم ذلك نفسه، فالجواب سواء، قال: ولو أن هذا الخصم بداله أن يرجع عن ما جعل على نفسه قبل أن يأتي ذلك الشاهد، كان ذلك له، ولم يلزمه. ومن العتبية: قال أصبغ في امرأة قامت بصداقها والزوج مريض، فأشهد أنها إن أقامت بينة فذلك في مالي، فأقامت شاهدا عدلا، فقالت: إنما أردت شاهدين، قال: تحلف، ولا يلزمه حتى تقيم شاهدين، يريد: إن لم نشأ هي أن تحلف مع شاهدها. ابن القاسم في المجموعة والعتبية من رواية عيسي في نصرانيين أو مسلمين يختصمان إلى الحاكم في مال، فيرضيان بشهادة نصرانيين، أو مسخوطين، فلا يقضى بينهما بمن ذكرت، وليرضيا بمن أحبا، قال: فإن رضيا بشهادتهما ثم أتى [8/ 353]
أحدهما بعد أن شهدا؟ قال ابن القاسم: إذا علما بشهادتهما ورضيا فليس لهما أن ينكصا ويلزمهما تراضيهما بغير شهادتهما. ومن كتاب ابن حبيب عن مطرف فيمن ادعى قبل رجل حقا فقال الطالب: احلف لي، فقال المطلوب: إني أخاف أن يكون لك بينة، أو أن أهل قرية يشهدون لك، فقال الطالب: كل من يشهد لي منهم فشهادته ساقطة عنك، أو قال: كل / شاهد يشهد لي فهو مبطل، قال: أما قوله: كل شهاهد، فلا يضره حتى يسموا له، أو ينصوا، أو يكون عالما ببينة فرضي بيمينه فلا قيام له بها بعد ذلك، وأما قوله: كل شاهد يشهد لي عليك من قوم كذا فهو باطل، فهذا يلزمه، وقاله ابن القاسم ومطرف. ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن شهد له على رجل يعدله رجل، ثم إن الشاهد شهد على المعدل، قال: فشهادته مقبولة، ولا يكلف التعديل، لأنه قد رضي بشهادته إذا عدله. وقال ابن الماجشون في الخصمين عند الحاكم أو عند من حكماه، فسألاه أن يقضي بينهما بشهادة من لا يقبله الحاكم، فلا ينبغي له ذلك، وقد يقضي به، وقد يعدل الشاهد به، وليقل لهما، ما عليهما من شهادتهما، [فقبلا منكما، وإن قالا: ما شهد به علينا فلان وفلان فهو علينا جائز] فشهدا بينهما فأبى أحد الخصمين قبل ظهور الشهادة أو بعد انكشافها، فذلك له، فإن كانوا غير عدول لم يلزمه شيء، وإن كانوا عدولا حكم بهم عليه، إلا أن يقول: رضيت بشهادتهم بعد أن فسراها وكشفاها فيكون كالإقرار. ومن كتاب ابن سحنون: قال فيمن شهد بشهادة فقال له المشهود عليه: [8/ 354]
في المشهود في الزنا وغيره هل يشكفهم الحاكم عن الوقت والموضع ويفرق بينهم
شهدت علي بكذا، فقال: إن شهدت به فأنا مبطل فيه، وقد شهد به، قال: فشهادته ساقطة، وهذا رجوع إن كان على قوله بينة. وكتب إليه شجرة في رجل أقام بينة لابنته البكر، أن صداقها مائتان وخمسون دينارا، [وثبت، فأقام الزوج بينة: أنه لم يبق عليه منه إلا خمسون دينارا]، فلما ثبت ذلك أتى الأب بشاهدين أن هذين الشاهدين أقرا عندهما / قبل شهادتهما بشاهدين: أنا لا نشهد بين الأب والزوج بشيء، أو قالا: إنما نشهد أن الأب حط عن الزوج مائة، وقبض مائة، فكتب إليه، أما قولهما: لا نشهد بينهما، فإن قالا: قلنا ذلك رجاء أن يصطلحا لم يضرهما ذلك، وأما قولهما: أنه قبض مائة وحط مائة فهو غير صريح بشهادتهما، يريد: وليس للأب حطاط في غير طلاق قبل البناء، وقولهما أولا: لم يبق على الزوج إلا خمسون لم يكشفاه: كيف ذلك، وقولهما الآخر، لا يوجب براءة الزوج من الحطيطة، ويظهر لي أن المائة وخمسين تلزمه [ولم يتكلم فيه سحنون، وإنما قال: لا يجرحهما ذلك وهو كذلك] كما قال، لأنه أمر فيه تأويل. في الشهود في الزنا وغيره هل يكشفهم الحاكم عن الوقت والموضع ويفرق بينهم، أو يدخل ذلك الشيء فيما يشبهه؟ وفي الشهادة على أعيان الدنانير، أو شهدوا على امرأة هل يخرجونها بين النساء؟ أو شهدوا على الرجل: أن عليه لفلان كذا ولم يبينوا مم ذلك ومن المجموعة: قال ابن القاسم: كل الشهود لا يسألون ولا يفرقون إذا كانوا عدولا، إلا الشهود على الزنا فإنهم يفرقون ويسألون، قال مالك: وينبغي أن يسألهم كيف كانت شهاتهم. [8/ 355]
ومن كتاب ابن سحنون: وعن الخصم يسأل تفريق البينة ليسألوا واحدا واحدا رجاء أن يختلفوا، قال سحنون: لا نعرف تفريق البينة في مثل هذا، وإن من البينة من لا يعرف معنى ما شهد عليه. ومن المجموعة: قال أشهب: ولا يقطع السارق حق تسأل البينة عن تفسير السرقة، فإن غابوا قبل كشفهم عن صفة الزنا والسرقة، فإن بعدت/ غيبتهم أقيمت الحدود ولم ينتظروا إلا في غيبة قريبة ليسألوا، وذلك إذا لم يكن الشهود على الزنا إلا أربعة، ولا على السرقة إلا اثنان، فأما إن كانوا أكثر وقد ماتو إلا واحد حاضرا أو غائبا غيبة قريبة لم ينتظر بالشهود عليه، قال في كتاب ابن المواز: وإذا غاب أربعة لم يسأل الباقون إذ لو رجع الباقون لأقيم الحد بشهادة الغائبين. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: وإذا سألهم عن صفة الزنا فأبوا ولم يزيدوا على أن شهدوا عليه بالزنا، ردت شهادتهم وحدوا. قال ابن القاسم: لا يحدون إلا بعد كشف الشهادة، قال ابن الماجشون: حتى يدل تفسيرهم أنه الزنا [نفس الزنا]. قال أشهب: ويقولون: كالمرود في المكحلة، وقال أشهب: لا يفرق بين الشهود في حد ولا غيره غلا أن يسرتاب في شهادتهم فله أن يستدل على صحة ذلك في التفرقة بينهم، فإن اتفق إثنان على صفة السرقة أقيم الحد، وإن اختلفت شهادة من بقي، ولا حد على من اختلفت شهادته، ولا عقوبة في زنا ولا غيره، قيل لابن القاسم: أيسألون: هل زنى بالمرأة؟ قال: إنما قال مالك: إنما يكشفهم عن الشهادة، ولم يذكر امرأة، قال أشهب: لا يسألون عن هذا، إذ لا يجهل أحد أن الزنا بامرأة، ولكن عن حد زناه كيف هو، وقال عبد الملك: نحوه، قال: وإنما يسألهم: هل رأيتموه يدخل الفرج في الفرج كالمرود في المكحلة؟ [8/ 356]
قال ابن الماجشون في الواضحة: ولا يضرهم اختلافهم فيما سوى ذلك من اختلاف الأوقات/ ولا في المواطن، ولا في الحال، فهذا خلاف قول ابن القاسم، قال ابن القاسم وغيره في المجموعة: لا يسألون في صدقة ولا غيرها عن اليوم الذي شهدوا فيه، ولا شهر ولا غيره، ولا في ليل أو نهار، ولا ما أكلوا في ذلك المجلس، ولا هل أكلوا، ولا عن لباسه، لايسأل عن هذا عدل ولا غيره، فإن استراب من غير العدل سأله عن غير هذا مما يرجو فيه بيانا من اختلاف شهادتهم، فأما إن لن تختلف شهادتهم فلا يسألهم عما تقدم، قال: وإن كثروا فاتفق اثنان منهم على عتق أو صدقة لم ينظر إلى من خالفهم في اسم الرأس ولا معرفته ولا في المجلس، إلا أن يتبين للإمام حين ينزل هذا أمر هو أبين مما ذكرت فيعمل به. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان أن لفلان على فلان مائة دينار، ولم يقولا: أقر بذلك ولا غيره، وإنما أطلقها الشهادة هكذا، لم أرد أن يحق ذلك شيئا لأنهما كالخصمين في هذا الموضع حتى يبينا ذلك ويقولا: أسلفه أو أقر عندنا، أو مايبينان ما شهدا به، وقد تجد من الناس من يحل بيع النبيذ المسكر ويوجب له ثمنا وغير ذلك. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن شهدوا أن فلانا افترى على فلان أو شتمه أو أذاه أو سفه عليه، فلا يجوز ذلك حتى يكشفوا عن حقيقته، إذ قد يظنون ما قالوا وهو على خلاف ما ظنوا، وقاله مطرف وأصبغ، قال أصبغ: إلا أن تقوت البينة فلا يقدم على إعادتهم، فليعاقب المشهود عليه على / أخف من ذلك. ومن كتاب ابن المواز: قيل: أيدفع كتاب الشهادة إلى الشاهد حتى يقرأه أو يقال له: اذكر ما فيه ويمسك عليه؟ قال: يمكن من قراءة شهادته، فإذا عرفها [8/ 357]
شهد، وليس كل الناس يسوق شهادته على ما كتب حتى يقرأها، ولو كلف ذلك بعد أن يقرأ ما يقدر، ولكن إذا ثبت العدل ما قرأ جازت شهادته، وقاله أصبغ، وفعله العمري القاضي بمحضر ابن وهب وغيره، ومثله في العتبية لابن القاسم، قال ابن القاسم في العتبية] وكتاب محمد والمجموعة فيمن اعترف دابة أوررأسا هل تجمع له داوب أو رفيق ويدخلوا فيها، ويكلف إخراجها؟ قال: ليس ذلك على أحد في شيء من ذلك، وذلك خطأ ممن فعله، ولكن إذا كانوا عدولا قبل شهادتهم، قال محمد: قال أصبغ: وكذلك النساء إذا شهد عليهن. قال سحنون في كتاب ابنه: ولو شهدوا على امرأة بإقرار أو نكاح أو براءة، ويسأل الخصم إدخالها في نساء ليخروجوها، وقالوا شهدنا عليها علىمعرفتنا بعينها ونسبها، ولا ندري هل نعرفها اليوم، وقد تغيرت حالها، [وقالوا: لا نتكلف ذلك، قال سحنون: لابد من أن يخرجوا عينها، وإن قالوا: نخاف أن تكون تغيرت عن حالها] قيل لهم من: إن تشككتم وقد أيقنتم أنها بنت فلان وليس لفلان إلا بنت واحدة من حين شهد عليها إلى اليوم، جازت الشهادة إذا قالت البينة: أشهدتنا وهي متنقبة، وكذلك نعرفها، ولا نعرفها بغير النقاب، فهم أعلم بما تقلدوا، وإن كانوا عدولا وعينوها كما ذكرت، قطع بشهادتهم. ومن المجموعة: / قال ابن القاسم: وإذا شهدوا أن فلانا مولى فلان، ولم يقولوا: أعتقه، فلا يجوز ذلك حتى يقولوا: أعتقه أو اعتق أباه أو جده، ولا يعلمون له وارثا غيره، أو على إقرار الميت، أو على شهادة أحد. قال سحنون: إن شهدا على شهادة أحد أنه مولاه، فقد نقلا شهادة غائبين، ولو حضرا لم يقبلا شهادة غائبين، ولو حضرا لم يقبلا حتى يشهدا أنه أعتقه، فكيف يجوز عنهم في النقل مالا يقبل منهم في حضورهم، وقد غلب [8/ 358]
في القوم يشهدون أن لفلان أرضأوآخرون يشهدون على حدودها
ببلدنا وغيرها: أن يتولى قوم قوما ليسوا بمواليهم، لأنهم أسلموا على أيديهم، أو لغير ذلك، وأجاز مالك شهادة السماع في الولاء، وإنما يقولون: سمعنا أنه مولى فلان لا غير ذلك، وابن القاسم لا يقبل منهم غير علمهم حتى يقولوا: اعتقه، فما أدري ما هذا؟ وكذلك قال عبد الملك: لا تقبل شهادتهم حتى يقولوا: اعتقه، قال أشهب: إن لم يموتوا أو يغيبوا ببلد بعيد، فليعادوا ليوقفوا على ذلك، فإن فاتوا بذلك نقلت شهادتهم، وكذلك إقرار الميت أنه مولاه ولم يقل عتاقه إنه يرثه بالولاء. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: وإذا شهدوا على أعيان الدنانير في تركة ميت، قبلت شهادتهم. ومن كتاب ابن سحنون: سأله حبيب عن امرأة ادعى قبلها دعوى، فأنكرت فقامت عليها بينة فقالوا: أشهدتنا على نفسها وهي متنقبة بكذا، ولا نعرفها إلا متنقبة، فإن كشفت وجهها لم نعرفها، قال: هم على ما تقلدوا، فإن كانوا عدولا وقالوا: عرفناها وشهدوا عليها / فهم أعلم ويقطع بشهادتهم. في القوم يشهدون أن لفلان أرضا وآخرون يشهدون على حدودها أو يشهدون على بيع امرأة وآخرون على عينها من العتبية من رواية ابن القاسم، وزاد في المجموعة: ابن وهب عن مالك فيمن يقيم بينة أن هذه أرضهم ولم يحدوها، وآخرون يشهدون بالحدود ولم يشهدوا بالملك، فذلك جائز، ويقضى لهم بها، وتتم الشهادة. [8/ 359]
ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن غصب أرضا فشهد له بذلك شهود لم يعرفوا الحدود، فإن حدها غيرهم تمت الشهادة، وإلا قيل للغاصب: ادفع إليه ما غصبت وحده واحلف عليه. ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن شهدوا على امرأة بإقرار أو بيع، فقاموا بما شهدوا إلا أنهم لم يعرفوها بعينها، وعرفوا الاسم والنسب الآن، وقالوا: إن كانت فلانة بنت فلان فقد أشهدتنا، قال: إن شهد غيرهم أنها فلانة بنت فلان مع شهادة هؤلاء الذين يشهدون على الحق في الاسم والنسب، فليحلف رب الحق ويثبت حقه. قال سحنون في كتاب ابنه: ويعرف أنه ليس لفلان بنت غيرها. ومن المجموعة: قال أشهب: وإن شهدوا أن هذه الدار كانت لجد فلان هذا، مات وتركها ميراثا، فلا يقضى بذلك حتى يشهدوا هم أو غيرهم أنه وارث جده، لا يعلمون له وارثا غيره، أو على بقية الورثة. وفي كتاب الغصب ذكر من شهد له قوم على أرض غصبت ولم يضبطوا الحدود/، وشهد بالحدود غيرهم ممن ليس بعدل. ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام شاهدين أن لابنته، ولم يسمياها - قبل زوجها فلان: كذا وكذا دينارا بقية صداقها، وقد ثبتت وكالتها إياه، والزوج منكر للنكاح، فكتب إليه إذا: لم يسميا ابنته فلا يصح هذا إلا على إقرار الزوج بأن بنت هذا زوجتي، وأن لها من صداقها كذا قبلي، فينظر فإن ثبت أنه ليس له ابنة غيرها: حكم لها إذا ادعت هي الأب النكاح. يريد: وقد ثبت النكاح بغيرهما، أو لم يكن بنى بها إذا كانا طارئين. وقال ابن كنانة: يكشف الشهود واكتب إلي، أراه يريد: هل شهدوا على علمهم أو على إقرار الزوج بالحق؟ [8/ 360]
في القوم يشهدون على رجل أنه طلق امرأة من نسائه نسوا اسمها أو أعتق عبدا له نسوا اسمه
في القوم يشهدون على رجل أنه طلق امرأة من نسائه نسوا اسمها، أو أعتق عبدا له نسوا اسمه أو قالوا أحدهما أو شكوا فيه أو شهدوا على شك الحالف أو شهدوا بحق نسوا عدده، أو بحق من منزل لا يعرفون موضعه، أو بمال ولم يذكروا صفته أو على رجل أنه شج فلانا موضحة ولا سموها، وشبه ذلك ومن كتاب ابن سحنون من الأقضية: قال عبد الله: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه قال: أنا شاك في أن أكون قد طلقت إحدى نسائي، أو أعتقت أحد عبيدي، فليكشفه السلطان عن ذلك، ويحكم عليه فيما شك فيه منه، وعلى البينة أن يشهدوا به، ولو قالت: قد طلق إحدى نسائه نسيناها، أو أعتق أحد عبديه نسيناه، فشهادتهم/ باطلة، وليس عليهما أن يؤدياها. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: إذا شهد رجلان أنه طلق إحدى نسائه هذه بعينها وقد نسيناها: فالشهادة باطلة، ويحلف: ما طلق واحدة منهن، قال محمد بن المواز: لا يمين عليه، قال: وإذا نسيها هو طلقن عليه كلهن، وعتق جميع عبيده. ومن كتاب ابن المواز: روي عن ابن القاسم في شك الشهود ونسيانهم لمن سمي في العتق: إنما يجوز بعد الموت، قال أصبغ؛ هذا غلط، ولا يجوز في الحياة ولا بعد الموت، وقد رجع عنه، ولو شهدا أنه قال: طلقت إحدى امرأتي، أو أعتقت أحد عبدي وأنا شاك لا أدري أيهما هو، فهذا تطلق عليه المرأتان، ويعتق العبدان، وإن قال: لم تكن لي نية فليعتق أيهما شاء، وكذلك يختار ورثته، وكذلك [8/ 361]
تطلق عليه المرأتان في قول المصريين من أصحاب مالك، وإن مات قبل ذلك ورثتاه، وإذا قال القائل: أحد عبدي حر، عتق أحدهما، فإن أنكر ذلك وأبى أن يعتق قضي عليه بذلك، وإن أبى عتق عليه أدناهما إن لم تكن له نية، وكذلك ورثته. ومن المجموعة: قال على عن مالك فيمن أعتق أحد عبيده في وصيته فنسيته البينة، فلا شهادة لهم حتى يعرفوه. ومن كتاب ابن سحنون عن أشهب فيمن أعتق عبدا سماه بعينه في وصيته، فنسي الشهود اسمه، فالشهادة باطل، وإن قالوا، إنما قال: احدهم ولم يسمه، فإن كانوا اثنين عتق من كل واحد نصفه، والثلاثه من كل واحد ثلثه اختلفت أثمانهم أو اتفقت، وفيها قول آخر هو أحب إلي: إن كانا اثنين عتق نصف قيمتها بالسهم، خرج لذلك بعض عبد أو عبد وبعض الآخر إذا كان ذلك يخرج من الثلث، فإذا لم يخرج نصف قيمتها من الثلث / فما خرج منه، قال: ولو كانوا ثلاثة، عتق ثلث قيمتهم بالسهم، خرج لذلك عبد وبعض الآخر، أو بعض عبد، فإن خرج أولا من لا تفي بثلث القيمة أعيد السهم هاهنا حتى يتم ثلث قيمتهم. ولو شهدا أنه قال: هذا حر وهذا حر وهما عبدان، اعتق نصف قيمتها بالسهم إن خرج ذلك من الثلث، [ومن قال: يعتق من كل واحد منهما نصف إن خرج من الثلث لم أعبه] والقول الأول أحب إلي، وإن لم يملك غيرهم عتق ثلث قيمتهم بالسهم. ولفق سحنون بين القولين وقال، لاسهم في هذا أن يعتق هذا ثم هذا، إنما السهم في أن يعتق عبيده أو قال: أحدهما. ومن المجموعة: قال ابن كنانة: وإذا شهدا أن لفلان على فلان مالا ولم يعلما كم هو، فيقال لهما: أكان مائة؟ فإن قالا: لا، قيل: فخمسون، حتى يقفا على [8/ 362]
مالا يشكان فيه فيقضى به، وإن لم يسميا شيئا ولا وقفا على أمر يقضى به فلا شيء للمشهود له. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهدا: أن له على فلان حقا لا يدريان كم هو وما هو، حلف المطلوب وبرئ، وإن سميا دنانير لا يدريان كم هي، قضي عليه بثلاثة، ويحلف المدعي: ما هي أقل، ويحلف المطلوب: ما هي أكثر، ومن المجموعة: قال أشهب عن مالك: إذا لم يدروا كم هو، قال: ليست هذه شهادة ويحلف المدعي عليه، وقال: فما يقول المطلوب؟ قال: ينكر أن له عليه شيئا قال: هذا كاذب، وقد ألزموه شيئا، فإن أقر بشيء حلف عليه وبرئ، قال: فإن قالوا: نشهد عليه بحق لا ندري ما هو، حلف المطلوب وبرئ. ومن المجموعة: قال ابن نافع عن مالك فيمن أتى/ على امرأته ماتت بذكر حق فيه كذا وكذا صاع تمر عجوة، محى الموضع الذي فيه العجوة ومطلت العجوة في السطر وليس فيه شاهد إلا كاتب الصحيفة، فشهد أنه عرف ذلك كله إلا تسمية العجوة فإنه ليس كتابة، وقد امحى، ولا يدري أعجوة هو أم لا، قال مالك: لا يحلف الورثة أنه غير عجوة، وليحلف الطالب مع شاهده: أنه عجوة، وأن هذا الحق لم يعطه، وذكر ابن المواز عن مالك وقال: فليحلف ورثة الميت أنه ليس بعجوة، ويؤدوا ما أقروا به، فإن نكلوا حلف الطالب أنها عجوة وتصح له. ومن المجموعة: روى ابن نافع عن مالك فيمن أقام شاهدا أن فلانا أخذ منه ثوبا وهو جاحد، قال مالك: لا أرى [بأسا] أن يجعل من وسط الثياب، ثم يحلف المدعى عليه، وقال سحنون فيمن غصب صبرة قمح أو زرعا لم يبد صلاحه ثم حصده بعد يبسه، أو زرعا قد طاب ولا يدري كيل ذلك، وقد فات [8/ 363]
الطعام، فأما الصبرة: فتقدر وتوصف ثم تقول في ذلك الوقت فتكون له قيمتها، وكذلك الزرع المستحصد تكون له قيمته في ذلك الموضع، توصف صفته قائما ونحوه وخفته وصفاته ونحو ستبله، وأما الأخضر فعلى الغاصب أكثر القيمتين: قيمته يوم غصبه على الرجاء والخوف، أو قيمته يوم حصده وهو بالغ تام. ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في شهيدين شهدا بدين، وقال أحدهما: أشهدني الطالب أنه قبض من هذا الدين شيئا ولم يسمه وهو منكر/ أو ميت، قال: تلزمه شهادتهما لجميع المال لا يوضع منه شيء، ويحلف الطالب الحي: إنه ما قبض من الدين شيئا [قال: وإن قال: أشهدني أنه قبض منه شيئاً] سماه لى ونسيته قال: يترك حتى يقف على ما لا يشك فيه، ثم يحلف المشهود عليه الذي وقف عليه الشاهد الواحد ويبرأ، قال: وإن أفر المطلوب بالحق وجاء بشاهدين على إقرار الطالب: أنه اقتضى منه شيئا لم يسمياه، قال: يسأل: ما تقاضيت؟ ويحلف على ما يقول، وإن بقي ذلك كله: قيل للمطلوب: إن عرفت ما هو وحلفت برئت، فإن نكل أو جهله لزمه غرم جميع الحق، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن الماجشون: الشهادة ساقطة في المسألتين حتى يسمي ذلك الشيء، وقال أصبغ مثله. ومن المجموعة: قال ابن القاسم فيمن أقام بينة أن فلانا غصبه أرضا في قرية كذا، ولا يعرفون موضع الأرض، وفلان منكر، فالشهادة ساقطة، قال: وإذا استحقت الأرض بالشهود العدول ولا يثبتون حوزها، فيشهد على حوزها من الجيران غير عدول، فلا غير عدل، قيل: فقد يخلط الغاصب دورا حتى لا تثبتها البينة، قال: يحد المدعي عليه ما أقربه ويحلف عليه، ثم لا شيء عليه غير ذلك، قيل: فإن قال: ذلك حدي، قال: أما إن لم يقر إلا بموضع الباب وما يرى أنه ليس بشيء، فلا يقبل منه، وإن أقر بالبيت ونحوه فليس عليه إلا ذلك، إلا أن يشهد العدول بخلاف قوله، قيل: فإن لم يقر إلا بما قل كما ذكرت، قال: إن [8/ 364]
استدل أنه غير الحدود وكتمها، حاز المدعي واستحق ما حاز/ بيمينه مع ما يثبت له عن أصل الغصب، قال ابن كنانة: وإن شهدوا أنه غصبه داراً أو أرضا لا يعرفون حدودها لأنها عورت واختلطت حدودها، قال: ينزلون قليلا قليلا، فإن وقفوا من ذلك على أمر لا يشكون فيه، أحلف الغاصب: ما يعلم أكثر مما شهدوا به ثم سلم ذلك إلى المشهود عليه، وقال ابن حبيب عن مطرف نحوه، وزاد: فإن لم يقفوا على معلوم: قيل للغاصب: احلف على ما تحد وادفعه، فإن أنكر أصلا قيل للمستحق: حد ما تعرف واحلف عليه وخذه، فإن قال: لا أعرفها حيل بين الغاصب وبين جميع الأرض حتى يقر له بشيء منها ويحلف، قال: إلا أن يكون الغاصب ليس من أهل هذه القرية التي فيها الأرض، وإنما أصل دخوله فيها لسبب هذا الغصب الذي ثبت عليه، فإذا ثبت هذا عليه استغنى الطالب بشهادة الشهود، وإن لم يحددها وأخرج الغاصب من جميعها، وإنما الجواب الأول إذا كان الغاصب له حول تلك الأرض حق فيضمها إليه. ومن الواضحة: قال مطرف: قال مالك في بينة شهدت لرجل أن له في هذه الدار حقا لا نعرف كم هو لتقادمها وتناسخ المواريث فيها، والمطلوب منكر: وقال: يقال له: قد ثبت له في دارك حق بقربه، فإن أقر بشيء قل أو كثر حلف عليه ولا شيء عليه غيره، وإن نفى ذلك كله قيل للمشهود له: إن عرفت حقك ما هو فاحلف عليه وخذه، وإن تجاهل وقال ما سمع أبي يقول: إن لي فيها حقا ولا أعرفه حيل بين المشهود عليه وبين الدار حتى/ يقر منها بقول الطالب، ويقبل قوله فيما سمى، ويحلف عليه، قال مالك: ويقبل قوله فيما سمى، قال: وتوقف كلها ولا حجة للمشهود عليه أن يقول: لم يشهد له بجميعها. وإن قال: حق الطالب منها الربع، فأبى أن يحلف عليه [أخذ منه الربع الذي أقر له، ووقف ما بقي من الدار حتى يحلف: أنه لا شيء له غيره، قال: وإن أقر بعد [8/ 365]
ذلك بشيء ولم يحلف فهو كما ذكرنا حتى يحلف، وإن قال المشهود له: أنا أعرف حقي منها وأبى أن يحلف عليه] فلا يبطل بذلك حقه، لأن البينة أثبت له حقا، قال مطرف وقد كنا نقول نحن وغيرنا: إن الشهادة تبطل إذا لم يسموا الحق حتى قال مالك هذا وقضى به. وقال أيضا مالك في بينة تشهد بحق لرجل وتقول: لا نعرف عدده إلا أنه بقي له عليه حق، فيقال للمطلوب: [قر بحقه، فما أقر له به حلف عليه ولا شيء له غيره، وإن جحد قيل للطالب] إن عرفته فاحلف عليه وخذه، فإن قال: لا أعرفه وضاعت كتب محاسبتي، أو أعرفه ولا أحلف، سجن المطلوب أبدا حتى يقر بشيء ما ويحلف عليه، فإن أقر بشيء ولم يحلف أخذ منه وحبس حتى يحلف كما ذكرنا، وإنما لم أحبسه في الدار لأن الحق في شيء بعينه وهو الدار، فحلت بينه وبينها. قال مطرف: وإن أقر في وصية أن لفلان عليه حقا ولم يسمه، فإنه يقال للورثة: كم هو؟ فإن تجاهلوه قيل للطالب: سمه واحلف عليه وخذه، فإن تجاهله منع الورثة من التركة كلها حتى يدفعوا إلى هذا شيئا يقرون أنه حقه ويحلفون عليه. قال/ محمد بن عبد الحكم: وإن شهدت بينة أن لفلان على فلان مائة درهم، ولم يقولوا قطعا ولا صحاحا، ونقد البلد مختلف، لا يقولان من بيع ولا غيره، فإن المشهود عليه يقول ما شاء من أصناف الدراهم، ويحلف على الصنف الذي يدعيه المدعي أرفع من ذلك، فإن قال: ماله علي شيء أصلا، قيل له: أغرم ما شئت من أصناف الدراهم ويحلف على الصنف الذي يدعيه، واحلف أن ماله عليك شيء، فإن شاء قال في يمينه: ماله على شيء من أصناف الدراهم. [8/ 366]
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهدت لرجل بينة بنصف منزل، وهم يحدون المنزل كله، ولا يعرفون النصف المشهود به، فإن شهدوا على أمر مقسوم فشهادتهم ضعيفة. قال سحنون في المجموعة في نفر ادعوا في يد أخيهم حظا من منزل، وأتوا ببينة يعرفون أن ثلاثة أرباع منزل لأبيهم تركه ميراثا، وحدوا المنزل ولم يحدوا الثلاثة أرباع مقدرة مقسومة من الربع، وبيد الآخر ما يشبه أن يكون الربع فشهادتهم ساقطة، وإن كانت القرية مشاعة فهي شهادة، وإن لم يأت من طول حيازة الأخ لها ما يقطع دعوى إخوته، فالشهادة تامة إن كانت مشاعة، وإن كانت مقسومة ففيها تنازع، وهي شهادة، إلا أن تطول الحيازة، والبينة عادلة، ولا يحدون الثلاثة أرباع، قيل للمقر بحق عليه وبما يشبه أن يكون ثلاثة أرباع واحلف عليه، وإن لم يحلف حلف المدعون/ وأخذوا فيما يشبه، فإن أقر المدعي عليه بما لا يشبه أن يكون ثلاثة أرباع، وحلف وقال: لي فيه شيء اشتريته لم يصدق وإن ادعى المدعي ما يشبه ثلاثة أرباع حلف، وإن ادعى مالا يشبه على الربع أو في الربع المقرر نصفا على الثلاثة أرباع فلينحط الضرر ممن كان قيل؛ وإن زعم الشهود أنه مقسوم، وقالوا: الثلاثة أرباع بيد الأخ المدعى عليه قبله ولا يحدها، قال: فالأيمان بينهم بمنزلة ذلك. ومن المجموعة والعتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن قضي له بنصف قرية فلم يحزه حتى مات المحكوم له ومات المقضي عليه، فلما أرادوا ورثة ذلك منعهم رجل من أهل المنزل وقال: لم يكن للمقضي عليه عندنا [8/ 367]
في هذا المنزل شيء، وقال المقضي له: ثبت لنا القضاء عندنا في هذا المنزل بنصفه. فأنتم غيرتم حوزنا ولا نجد من يثبته، فنحن شركاؤكم في الجميع بالنصف، قال: إن قضي له بنصف المنزل وهو معروف في يد المقضي عليه فقد ثبت له، ويؤخذ ممن هو بيده، وإن تجاهل أهل المنزل فأخفوا حوزهم، فإن كان بعضهم ورثة المقضي عليه، وبيدهم نصف جميع المنزل فأكثر، أعطي الطالب نصف جميع المنزل مما بيد الورثة، وإن كانوا كلهم أجنبيين وقد ثبت نصف المنزل كان معروفا بيد المقضي عليه حتى استحقه هذا، فإنه شريك في جميع نواحي المنزل، ويؤخذ من كل رجل من أهل المنزل نصف ما بيده، ولا يجمع له/ حقه مما بيد أحدهم، قال في المجموعة: إلا أن يوقفوا على إقرارهم وإظهاره حوزه، ومذهب سحنون ما ذكرنا عنه أنه لا شيء للمقضي له فيما بيد الأجنبيين إلا من كان بيده منهم زيادة على نصف المنزل فيأخذ المقضي له تلك الزيادة، فأما إن كان لرجلين بيد كل واحد نصفها لم يقض لهذا بشيء، ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن لم تقم بينة أن نصف المنزل كان بيد المقضي عليه ولا معروفا به فلا شيء له في المنزل؛ لأنه قضي له بحق لا يملكه المقضي عليه. قال ابن القاسم في الرجل يقضى له بحق معروف مفروز من منزل ينسب إلى رجل باعه منه، وقالت البينة: إن ذلك الجزء يعرف للمقضي عليه باعه من المقضي له، فأراد المقضي له مقاسمة أهل المنزل، فدفعوه وبقوا أن يكون المقضي عليه معهم، قال: يكون شريكا لجميع أهل المنزل بحساب ذلك الجزء. قال سحنون فيمن أودع صبية ثم غاب دهرا ثم قدم بعد موت المودع، وقامت بينة للقادم أن الميت أشهدهم أن واحدة من هؤلاء الثلاث جاريتك، والاثنتان إماء، ولا يعلم أيتهن جاريتك منهن، لم تجز شهادتهم ولا شيء للمدعي، ولا تكون الشهادة إلا على شيء بعينه. [8/ 368]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن أقر أنه غصب فلانا ثلثا ولم يبينه، فالقول قول الغاصب في مقدار الشيء وصفته مع يمينه، فإن نكل فقول المدعي مع يمينه، فإن لم يسم الغاصب شيئا حبس حتى يسمي شيئا ويحلف/ عليه، وكذلك من تصدق على رجل بنصيب من داره ولم يسمه جبر حتى يسميه، وقاله ابن القاسم. وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام بينة أنه ابتاع من فلان هذا الرجل أرضا له عرفاها، ولم يذكر الثمن، وباع منه باستثناء ثم غاب المبتاع إلى صقلية وأمر عبيده بغرس الأرض، فكتب إليه: إن عدلت البينة فأوقف الأرض لا تحدث فيها حدثا حتى يقدم فلينظره من أمر الثمن، أو يطول أمره فيرى الحاكم في ذلك رأيه، وعن بينة شهدت لرجل بنصف منزل، ويحدون جميع المنزل، ولا يعرفون النصف الذي شهدوا به من الآخر، فقال: إن شهدوا على نصف بعينه مقسوم معروف، ولا يعرفونه، فالشهادة ضعيفة، وفي كتاب أمهات الأولاد: مسألة الذين شهدوا أن فلانا أودع عند ميت صبية من ثلاث صبايا لا يعرفونها، أشهدهم الميت أنهما ابنتاه. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد لرجل اثنان على إقرار فلان أنه شجه موضحة، وجاء المجروح وبه موضحتان صغيرة وكبيرة، فإن أقر الشاج بإحداهما اقتص منه، وإن ادعى المشجوج أنه إنما شجه الأخرى، قيل للمدعي: إن صدقته فلك القصاص فيها، لأنه مقيم على إقراره، وإن لم يصدقه حلف الشاج بالله أنه ما شجك إلا التي أقر بها، فإن حلف لم يكن للمدعي إلا ما أقر به الشاج إن رجع إلى تصديقه، وإن قال: إنما شجني الأخرى وأنا اقتص منه بالتي أقر فليس ذلك له، وهو يزعم أنه لا قصاص إلا من هذه، فإن نكل الشاج عن اليمين/ حلف المجروح أنها التي ادعى واقتص أن أحب، فإن نكل لم يكن له [8/ 369]
شيء، وإن حلف المدعى عليه: أنه ما شجه أصلا، فلا سبيل إلى العود، وأرى عليه حينئذ دية موضحة، لأن المشجوج لم يمكنه القصاص بيمين ولا غيرها [فإن أقر المشجوج أنه قد شجه واحدة من هاتين، وكان ليلا ولم يدريا ايما هي، رأيت أن تؤخذ منه دية الموضحة؛ لأنه لم يمكنه القصاص بيمين ولا غيره فتركه]، ولو شهد رجلان أن فلانا ضرب فلانا ضربة فقطع أصبعا من يده اليمين، وشهد آخران على آخر أنه ضربه أخرى فقطع أصبعا أخرى منها، وقال الأربعة، لا ندري أي أصبع انقطع كل واحد منهما، وله إصبعان مقطوعان، ففيها قولان احدهما: أنه لا تقبل شهادتهما كمن شهد عليه عدلان أنه أعتق عبده، وقالا: لا ندري أي عبد هو وقد نسياه، فشهادتهما باطلة، وذلك عندي مخالف لهذا؛ لأن هذين نسيا ما قال لهما، فلم تنفع شهادتهما، وشاهدا الموضحة لم ينسيا شيئا، وبالقول الثاني أقول: أنه يقال للجارحين: أقرا بما شئتما، فإن قالا: هذه لهذا، وصدقهما، قيل له: اقتص إن احببت، فإن ادعى المقطوعة أصبعه على كل واحد أصبعا بعينه، وأنكر ذلك القاطعان، ونسب كل واحد إلى غير ما نسبها إليه القاطعان، حلف القاطعان على ما قالا، ولم يكن له أن يقتص من كل واحد منهما إلا أن يرجع إلى تصديقهما، فيجب له القصاص أو العفو أو الصلح إن أحب، وإن لم يصدقهما فأرى عليهما دية الأصبعين. قال ابن المواز: وإن شهد رجلان على رجل أنه سرق أو قذف وهو ممن يذهب عقله الأحيان، ويجيئه عقله الأحيان، وقالا: لا ندري أذلك في ذهاب عقله أو في صحته؟ قال: لا يؤخذ بذلك، وقد روى / أشهب أنه يحلف: ما فعله وهو يعقل، قال: ولو أقر بذلك من غير بينة قبل قوله. [8/ 370]
في وجه الشهادة بالورثة وما تتم به الشهادة في ذلك، وكيف إن قالوا لا وارث له إلا فلان
في وجه الشهادة بالورثة وما تتم به الشهادة في ذلك وكيف إن قالوا لا وارث له إلا فلان أو نعلم له ولدا ببلد كذا إلا فلانا أو شهدوا أن فلانا أخ لفلان ولم يقولوا الأب ولا لأم من المجموعة والعتبية وكتاب ابن المواز فيما سأل عنه ابن غانم، وروى أشهب عن مالك في كتاب القضاء في شهادة بينة: أنهم لا يعلمون لفلان بأرض مصر وارثا له إلا فلانا وقد مات بافريقية. قال: لا يجوز ذلك حتى يقولوا: لا نعلم له وارثا في شيء من الأرض إلا فلانا، فيدفع ذلك له ويستحلف، وقال في العتبية والمجموعة: وتدفع التركة إلى وكيله بالمعروف، قال أشهب عنه في هذه الكتب: لا يقبل أن تقول البينة: ليس للميت وارث غيره حتى يقولوا: لا نعلم له وأرثا غيره، وكذلك في العروض تستحق، ولا يقولوا: ما باع ولا وهب، وليقولوا: ما علمنا، وإن شهدوا على البت فما أراهم شهدوا إلا بباطل، [ولا شيء على المطلوب، قال ابن كنانة في المجموعة: وليشهدوا على البت أنها له، ويقولون: ما علمناه باع ولا وهب، قال مالك: وإن شهدوا على البت فما أراهم شهدوا إلا بباطل] قال أشهب: إلا أن يفسروا من شهادتهم ما يعلم أنهم لم يشهدوا بالغموس بأن يقولوا: كان معنا حتى لقي اللصوص فغصبوه إياها، ثم لم نفترق حتى اعترفها ربها، وما يشبه / ذلك من الشهادة التي لم يخرجوا بها عن أن يكونوا شهدوا بما لم يحيطوا به علما. [8/ 371]
قال أشهب: وإن شهدوا أن هذا عبده ولم يقولوا: لا نعلمه باع ولا وهب، فإن قدر على مساءلتهم سئلوا، وإن أبوا ذلك فلا شهادة لهم، وإن لم يقدر على سؤالهم حلف المدعي وقضي له. قال: وإن شهدوا لرجل أن هذه الدار التي بيد فلان دار جده لم يقض له حتى يقولوا: إن أباه ورثها من جده، لانعلم له وارثا غيره، أو معه من الورثة كذا، ثم يقضى له بذلك إلا أن تحاز عليه حوزا يقطع دعواه. وإن شهدوا أن هذا مولى جده ولم يحددوا المواريث، فلا يحتاج هنا أن الجد مات وورثه أبوه، وأن الأب مات وورثه هذا، ولكن لابد أن يشهدوا أنهم لا يعلمون للجد ولدا ذكرا غيره. ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ عن ابن القاسم: وإن أقام بينة أنه أقعد الناس بجده اليوم، وقد طرأ له مال، أو مات له مولى وترك مالا، فلا ينفعه حتى يقولوا: إنه أقعد الناس به يوم مات المولى. قال ابن القاسم: فإن لم يجد إلا من يقول ما ذكرناه أولا استؤني به وكشف، فإن لم يجد وبئس من طالب غيره، دفع إليه بحميل ثم ضعف الحميل كأنه لم يره. قال أصبغ: كالشهادة على السماع في الولاء، يدفع إليه بلا حميل، قال: وأما فيما ظهر للجد فبخلاف ذلك، ولا يعطى إلا على قطع المواريث، وذكر ورثة الأول وورثة من بعده، ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: أدركنا الحكام ببلدنا وما علمنا/ فيه اختلافا: أن وجه الشهادة على عدة الورثة أن يقولوا: لانعلم له وارثا إلا فلانا، ولا يقولون على البت حتى كان منذ قريب أدخل أهل العراق على القضاء أن لا يستحق الميراث حتى يشهدوا: لا وارث لفلان إلا فلان، ولا يجيزونها على العلم، فأدخلوا الناس في شهادة الزور. قال سحنون عن أبيه فيمن قضي بتركته لولده، ثم ظهرت امرأة أتت ببينة [8/ 372]
أنها امرأته هل يقبل ذلك؟ أو حتى يقولوا: لا نعلم له امرأة غيرها، وأنها كانت مسلمة من حين موته، قال: لا يحتاجون إلى هذا. وإذا شهدوا أنها امرأته: اكتفى بذلك وقضي لها بميراثها، قيل له: فإن أتت وحدها ولم يأت الميت وارثا غيرها؟ قال: لا تعطي شيئا حتى يثبت ورثة الميت كم هم، من زوجات وغيرهم، وقد قيل: إنها تعطى ربع الثمن بعد أقصى ما يكون من القول في المواريث التي فيها زوجة، وإنما لم نكلفها هذا في المسألة الأولى؛ لأنها فيها مدعى عليها، وهي هنا مدعية للأخذ. ومن العتبية وكتاب ابن المواز: روى أشهب عن مالك فيمن أقام بينة أنه وارث ابنه لا يعلمون له وارثا غيره، قال أحدهما: وزوجة له، قال: هذا يجوز، ويوقف المال حتى يتبين هل له زوجة مع الابن أم لا، قيل له: إنما كان بمصر، وقال: يكتب إلى مصر حتى يثبت ذلك، ويوقف المال كله، ولا يوقف حظ الزوجة فقط، قال ابن القاسم: فإن طال ذلك دفع جميع التركة إلى الورثة الذين اجتمعا عليهم. قال ابن سحنون عن أبيه عن ابن القاسم: / إذا شهدا أن فلانا وارث فلانا لا نعلم له وارثا غيره، وقال أحدهما أو كلاهما: وزوجة ببلد كذا، قال: إن شهدا على الزوجة تمت الشهادة، ولا يقسم المال حتى تحضر الزوجة، أو لا توكل، أو يقسم لها القاضي، وإن كان أحدهما قال ذلك فقط، لم يعجل في قسم شيء من المال حتى يتبين ما قال الشاهد، وإن طال ذلك أعطي الورثة جميع المال. قال سحنون: إن لم يشهد بالزوجة إلا واحد فلم يشهدا جميعا للوارث أنه لا وارث له غيره، فلا تجوز شهادتهما حتى يشهدا أنه لا نعلم له وارثا غير من حضر، وإلا يوقف المال ابدا. [8/ 373]
وقال أشهب في العتبية: الوارث المجتمع عليه بالخيار إن شاء حلف مع شاهده وأخذ المال كله، وإن أبى عزل من المال منابة الزوجة إذا ثبت: ويعطى له ما بقي بلا يمين. وقال أشهب في كتاب ابن المواز: وإن شهد له رجلان أنه واث فلان لا يعلمان له وارثا غيره، ويشهد رجل أن لهذا الميت وارثا بافريقية، قال: يحلف الذي شهد له الشاهدان، ويدفع المال إليه. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام بينة أن فلانا أقر لي أن تركة أبي عنده، وأني وارثه لا وارث له غيري، ولم تقم له بينة أن مات ولا وارث له غيره، فكتب إليه سحنون: إذا شهدت له بينة على إقراره بما قال، فادفع إليه المال. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة أن هذا أخو فلن الميت لم يدع وارثا غيره في علمهم، ثم ماتا قبل أن يسألا: هل هو شقيق أو لأب / أو لأم؟ فإنه يعطى السدس إذ هو اليقين، ويوقف ما بقي [ثم إن جاء آخران فشهدا لآخر انه أخوه شقيقه لا يعلمان له وارثا غيره، فإنه يعطى نصف المال ويوقف النصف] للآخر لاحتمال أن يكون الأول لأب، ولا يكون له شيء، ويحتمل أن يكون شقيقا فيكون المال بينهما، ولو شهدت بينة أن الثاني أخ لأب، فإن الأول يأخذ السدس، ويوقف باقي المال لاحتمال أن يكون الأول شقيقا فلا يكون للثاني شيء، وإن شهد للثاني أنه أخ لأم، أعطي السدس وقد أخذ الأول السدس، ويوقف ما بقي، وإن شهدت بينة أنهم لا يعلمون له وارثا غير إخوته هؤلاء، ولم يسألوا حتى ماتوا، وقالوا: نعلم أنهم لأب ولا نعلم الأمهات ونحن من أهل الخبرة، فلا يعطون شيئا لهذه الشهادة، أو قد يجب لواحد منهم أو لاثنين، فلا يعطوا بالشك، وإن اصطلحوا فيما بنيهم، سلم إليهم الحاكم جميع المال، ولو شهدوا أنهم يعلمون [8/ 374]
[أنهم إخوة لأم ولا يعلمون أنهم إخوة لأب أم لا، فلهم الثلث، فإن قالوا: إنهم اخوته] ولا نعلم أنهم أشقاء أو لأب أو لأم، فإن اصطلحوا على الثلث دفع ذلك إليهم، لأنه لاشك أن لهم الثلث إن كانوا لأم أو افترقوا في الأمهات، أو كانوا شقائق، وإن قالوا: هذا شقيق ولا نعلم هل الباقي أشقاء أو لأب أو لأم، فإن اصطلحوا على جميع المال سلمناه إليهم، لأن فيهم من يستحق جميعه، إما بعضهم أو كلهم، فإن لم يصطلحوا أعطينا الشقيق الثلث، وأوقفنا ما بقي. وإن شهدت بينة أن هذا جد الميت ثم ماتوا قبل أن يسألوا: الأم أم الأب؟ فلا يقضى له بشيء، إذ لعله لأم، وكذلك إن قالوا: ولا نعلم له وارثا غيره، لم يأخذ شيئا ولا يورث عند مالك أحد بالشك. وإن شهدت بينة أن هذا مولى فلان وارثه لا يعلمون له وارثا غيره، / لم يأخذ شيئا، ولا يورث عند مالك أحد بالشك، وأن شهدت بينة أن هذا مولى فلان وارثه لا يعلمون له وارثا غيره، لم يتم ذلك حتى يقولوا: اعتقه، وفي ذلك اختلاف، وهذا أحب إلينا. تم كتاب الشهادات الثاني بحمد الله وعونه [8/ 375]
صفحة بيضاء
كتاب الشهادات الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الشهادات الثالث في الشهادات على السماع في الأحباس والولاء وغيره من المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: وشهادة السماع يقطع بها في الأنساب والولاء والصدقات التي طال زمانها، ولم يشهد في صدقة عمر وزيد إلا رجلان في صدقة كل واحد منهما. قال ابن الماجشون: ولا يجيء ذلك بشاهد، ولا يكون السماع قاطعا حتى يكثر. ومن كتاب ابن المواز: ومن سمع شهادة قوم ولم يشهدوه على نقلها: فلا ينقلها إلا فيها أجيز من شهادة السماع فيما طال به العهد ومات الشهود، وذلك من الدور والأرضيين، وقيل في الولاء والنسب، ولا يجوز في ذكر الحقوق والودائع، وشهادة السماع أن يقولوا: لم نزل نسمع ممن يقول أو ممن يشهد: أن هذه الدار لجد فلان، فإن قالوا: ولا نعرف من سمعنا، قال: قد قيل: لا ينفع ذلك حتى يقولوا: إن الذين سمعوا منهم عدول، قال أصبغ: شهادة السماع في الرباع والأرض أن يقولوا في الدار والأرض: لم نزل نسمع أنها ملك لأبي هذا أو جده، ويذكرون [8/ 377]
ورثته، فهذه تجوز. محمد: يريد: إن لم تكن بيد من يعرف/ أنها له ملك، قال أصبغ: شهادة السماع توسعة لأهل الحيازات فيما قدم من الزمان، وماتت فيه البينات لا فيما قرب، [فإذا كانت بيد رجل دار فقدم رجل لم يحضر] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يجوز شهادة السماع فيما قدم عهده من الأشربة والحيازات والصدقات والأحباس والولاء والنسب وشبه ذلك، فيجوز في ذلك مع يمين الآخذ بها، كلما كثر فيها الشهود كان أحب إلينا، وإن لم يكن إلا شاهدين جاز، ويقولان: إنا سمعنا سماعا فاشيا، وقاله مالك، قيل لهما: ففي كم من السنين تجوز؟ قالا: من الخمس عشرة سنة ونحوها لتقاصر أعمار الناس، وقاله أصبغ، قال: وهي جائزة في كل أمر طال زمانه إذا حملها أهل العدل عن أهل العدل، ولا تجوز عن غير أهل العدل من سامعين أو مسموع منهم، ووجه ذلك أن يقولوا: سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل: أن دار فلان لفلان الغائب، أو فلانا اشتراها من فلان، أو هي حبس، وليس عليهم أن يقولوا: اشهدونا إذا قالوا: سمعناهم يقولون أو يخبرون، ولا عليهم أن يسموا من سمعوا منه، وإن سموا خرجت عن ذلك إلى الشهادة على الشهادة، وقاله ابن القاسم واصبغ. ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: وإن ذكروا من سمعوه فقال هذا: سمعت فلانا، وهذا: سمعت فلانا فلا يكون السماع هكذا، إنما هو عن غير معروف بعينه، فالذي يقضى من شهادة السماع أن لا ينص من سمع منه، ثم ذكر نحو ما / حكي عن ابن حبيب. قال ابن القاسم: وإذا شهد رجلان على السماع وفي القبيل مائة رجل من أسنانهم لا يعرفون شيئا من ذلك، فلا تقبل شهادتهم إلا بأمر يفشوا لم يكن عليه أكثر من اثنين، وأما إن شهد شيخان قديمان في جيلهما أنهما سمعا أنها حبس، فذلك جائز، وتكون على المساكين إن لم يسم أحدا. [8/ 378]
ومن العتبية قيل لسحنون: أيشهد في النكاح على السماع؟ قال: جل أصحابنا يقولون في النكاح إذا انتشر خبره في الجيران: أن فلانا تزوج فلانة، وسمع الزفاف، فله أن يشهد أن فلانة إمرأة فلان، وكذلك في الموت يسمع المناحة ويشهد الجنازة، أولا يشهد، إلا أن القول كثر بذلك من الناس: أننا شهدنا جنازة فلان، فله أن يشهد أن فلانا مات، وإن لم يحضر الموت، وكذلك النسب يسمع الناس يقولون: إن فلانا ابن فلان، ويكثر به القول فليشهد على نسبه، وكذلك القاضي يولى القضاء ولا يحضر ولايته إلا بما يسمع من الناس، وبما رآه يقضي بين الناس، فليشهد بأنه كان قاضيا. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا تزوج رجل امرأة نكاحا ظاهرا وأعرس بها، ودخل بها علانية، وأقام معها أياما فإنه يسمع الجيران، ومن استفاض ذلك عنده منهم: أن يشهدوا أنها امرأته، وإن لم يشهدوا النكاح، وقد يجوز أن يشهد قول على امرأة أنها زوجة فلان إذا كان يحوزها بالنكاح، ولو كان تزويجه إياها قبل أن يولدوا ظاهرا، كما يشهدون: أن هذا ولدها وإن لم يحضروا / الولادة. قال ابن القاسم في المجموعة والعتبية من رواية أبي زيد: ويجوز في شهادة السماع أن يقولوا: لم نزل نسمع أن فلانا مولي فلان فيرثه ولا يجر ولاءه، ولا يثبت به نسب إلا أن يكون منتشرا، مثل أن يقول أشهد أن نافعا مولى ابن عمر، وهو ابن عمر بن الخطاب، فمثل هذا يجر به الولاء والنسب، قيل: أفنشهد أنك ابن القاسم ولا نعرف أباك، ولا أنك ابنه إلا بالسماع؟ قال: نعم، ويقطع بها النسب. قال سحنون في كتاب ابنه: لا يجوز على النسب إلا شهادة على شهادة، أو من جهة تواتر الخبر: أن هذا فلان بن فلان. مثل سالم بن عبد الله، وابن المسيبن والقاسم بن محمد، وما تواتر عندنا نحن: أن هذا إبراهيم بن الأغلب مثل [8/ 379]
اشتهار ولد خلاد وولد أبي حسان، فإذا تواتر الخبر في النسب [جازت الشهادة] وإلا فلا إلا على أحد هذين المعنيين، وقال بعض أهل العراق: لا يشهد على النسب حتى يسمع جماعة، وقال بعضهم، حتى يسمع عدلين. قال سحنون في المجموعة: لا يجوز أن يشهد: أنا سمعنا فلانا يقول: هذا ابني حتى يكون ثم فراش قائم إما بنكاح وإما بملك. قال ابن المواز: اختلف قول مالك في شهادة السماع في الولاء والنسب، وذهب أصبغ إلى أنه يؤخذ بذلك المال، ولا يثبت له نسب به [ولا ولاء]، ولا يعجبنا هذا، وأكثر قول [مالك] وابن القاسم إلى أنه يقضى له بالسماع بالولاء والنسب، وكذلك في الأحباس والصدقات فيما تقادم، وروي لمالك فيمن أصله بالمدينة، وهلك بالمغرب، فشهد أهل المغرب بالسماع في ولائه، فإنه يقضى بالمال بعد يمينه، ولا يقضى له بالولاء، وبهذا / أخذ أصبغ، وقاله ابن القاسم، قال محمد: وليس هذا مثل الذي يموت ببلده في ثبات ذلك له بالسماع. قال أشهب في المجموعة في شاهدين على السماع في الولاء أنه مولى فلان، لا يعلمون له وارثا غيره، فلا يعجل فيه، فإن لم يأت أحد بعد التأني رأيت له الولاء والمال وولاء ولده ومواليه، وإن كان إنما شهد على ذلك شاهد واحد على علم نفسه، فلا يقضى له في ذلك بمال ولا ولاء بيمينه مع شاهده، وقاله سحنون. وقال ابن الماجشون: إذا شهد قوم أن هذه الدار صدقة، لم تدخلها المواريث مضت حبسا إن كان في شهادتهم أن فلانا حبسها: رجلا يعرف، ويكون لأولى الناس به، ويقضى فيها بالسماع، ولو لم ينصوه باسمه، فانظر لمن كانت فاجعلها لأولى الناس به إذا درس تحبيسها وخربت، ولم يعلم لها شرط، وهذا الذي لو لم يشهد بالتحبيس كان لورثته، مثل أن يقال: إنها دار فلان، ثم شهد قوم أنها [8/ 380]
حبس تعرف بذلك ممتنعة من المواريث، فيكون لولا الذي لم يشهد بالحبس كانت لورثته. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم في التي تفتدي من زوجها، ثم يشهد لها قوم بالسماع أن زوجها كان يضربها: أن ذلك كان جائزا بالسماع من أهله ومن الجيران وشبه ذلك الأمر الفاشي، قيل: أفيجزئ في ذلك شاهد على السماع باليين والأمر المعروف؟ قال: عسى به أن يجوز، وأرى أن يجوز، قيل: أيحلف مع ذلك؟ قال: لا، قيل: فيشهد لها شاهد الثبات على الضرر، ايحلف معه؟ قال: كيف / يعرف ذلك؟ قال: يقول: سمعته واستبان لي، قال: إن كان [هذا يكون فعسي به وأنظر فيه، قال أصبغ: وهو جائز إن لم يكن معه غيره وكان سماعا قاطعا، ولا أحلف معه إن كان] معه سماع منتشر وإن كان غير قاطع، ويرد ما أخذ فيها، لأنه مال [فيحلف مع شاهده ويمضي الفراق، وقاله ابن القاسم بعد ذلك كالحقوق، وقاله أصبغ]. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم الغائب فأقام بينة على ملك أبيه أو جده لدار، وأثبت المواريث. قال أصبغ: فإذا تمت الشهادة فأقام من هي بيده بينة على السماع: أنهم لم يزالوا يسمعون هم أو من نقلوا عنه من العدول أنها لأبي هذا الحائز أو لجده، فاشترى من أبي القادم أو جده، أو بصدقة لا يعلمونها خرجت من ملكه حتى مات، ويذكرون عدد ورثة كل ميت، فهذه شهادة السماع التي يقضى بها، ويكون من هي بيده أحق بها، فأما إن قالوا: لم نزل نعلم أنها بيد هذا [8/ 381]
في الشهادة على السماع من قاض أنه ثبت عنده كذا
أو جده يحوزها، لا يدرون بماذا حازها، فلا تتم بذلك، وقاله مالك وابن القاسم وأشهب، قال ابن القاسم: وهذا فيما تقادم، لا يقبل في مثل الخمسة عشر على السماع إلا على القطع، ورواه عن مالك. قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة فيمن غاب عن دار أو أرض فدخلها رجل في غيبته فسكنها زمانا ثم مات فورثت عنه، ثم أتى الغائب فاستحقها فهو أولى بها، ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الميت فيها مما يذكر أنه اشترى، يريد: لأنه قد عرف أصل حيازته لها، فأما إذا لم يعلم أصل حيازته لها فالحيازة تنفعه، وكذلك لو قال: اشتريت من أب هذا المدعي إذا طالت حيازته بمحضر الشهود له، [وهي في موضع آخر بينة]. / في الشهادة على السماع من قاض أنه ثبت عنده كذا قال ابن حبيب: سألت مطرفا عمن سمع القاضي يقول: ثبت عندي أن لفلان كذا بكتاب قد عرفه السامع، وحفظنا ما تكلم به، قال: لا يجوز له أن يشهد بذلك، ولا تكون شهادة حتى يكون ذلك إشهادا من القاضي وايقافا منه للشهود على ذلك، لأنه قد يكون ذلك من القاضي على وجه من الاستفهام أو التثبت لقول أحد الخصمين، أو التزيد على الخصم، وقاله أصبغ، وروي بعضه عن ابن القاسم. [8/ 382]
جامع القول في الشهادة على الشهادة، وكيف النقل فيها؟ ومن يجوز أن ينقل عنه؟
[جامع القول] في الشهادة على الشهادة، وكيف النقل فيها؟ ومن يجوز أن ينقل عنه؟ من المجموعة: قال ابن النافع عن مالك فيمن دعي إلى أن يشهد على شهادة رجل حاضر ليس بمريض، قال: ما أرى أن يشهد على ذلك ولا أحبه. ومن كتاب ابن المواز: وتجوز الشهادة على الشهادة في كل شيء، وإنما ينقل عن مريض أو غائب، وأما في الحدود فلا ينقل عن البينة إلا في غيبة بعيدة، وأما في اليومين والثلاثة فلا، وأما في غير الحدود فجائز إن لم يكونوا حضروا، ولا يجوز إلا أن يكونوا مرضى لا يقدرون على الحضور، وينبغي في النقل عن الغائب علم الناقلين بغيبة بعيدة وبغير حداثة غيبتهم، قال: ولا ينقل [عن غير العدول إلى قاض ليلا يغلط فيقضي بها، ولا ينقل عنه ابتداء] إلا أن تكون آلت إلى أن صارت إقرارا على نفسه مثل الزوج والولد والوارث، وإلا فلا يشهد بها. ومن العتبية: قال أصبغ عن أشهب: وإن شهد قوم على / شهادة رجل لا يعرفونه بالعدالة، والقاضي يعرف عدالته، أو عدله غيرهم، فجائز. قال أصبغ: وذلك إذا عرف أنه الذي نقل عنه آخرون بعينه، لئلا يجعل اسمه لغيره، فيكون غير الذي عرفه القاضي أو المعدلون بالعدالة. قال في كتاب ابن المواز: وليس النقل عن الشاهد بتعديل حتى يعدله الناقلون أو غيرهم، أو يعرفه القاضي بالعدالة، قال أشهب: وإلا طلب منه تزكية. قال ابن حبيب: قال مطرف في نقل الناقلين لشهادة قوم في حق أو نكاح، وقالوا: أشهدنا قوم على كذا كانوا عندنا يومئذ عدولا، ولا ندري اليوم من [8/ 383]
هم، فلا تجوز شهادتهم حتى يسموهم فيعرفون غيبا أو أمواتا، فتجوز شهادتهم تلك عليهم وإلا لم تجز، إذ لعلهم حضور قد نزعوا عن الشهادة أو نسوها أو حالت حالتهم إلى جرحة، وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: ومن سمع رجلا يشهد على شهادته قوما ولم يشهده هو ولا خاطبه، فلا يشهد على شهادته وإن احتاج إليه، بخلاف الإقرار. قال ابن القاسم وأشهب في رجلين سمعا رحلا يذكر أن عنده شهادة في كذا، فلا ينقلا ذلك ولا يقبل إن نقلاه، قال أشهب: وليس بضيق إن رفع ذلك إلى الإمام، وقد قيل: لا يرفعها خوفا أن يغلط فيقضي بها، ولو أشهده لزمه أن يشهد وإن كان وحده، قال: ومن سمع رجلا يشهد عند القاضي بشهادة، ثم مات/ القاضي أو عزل فلا ينقل ذلك، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: ينقل ذلك، فيجوز إذا سمعه يسوقها عند القاضي وتكون شهادة على شهادة. وقال أصبغ: لا يجوز حتى يشهده على ذلك، أو يشهد على قبول القاضي ذلك. وقال ابن حبيب بقول مطرف. ومن المجموعة: قال ابن القاسم في المشهور أنه ابن فلان، [لا باس بان يشهد بأنه ابن فلان] وإن كان إنما أخبره بذلك رجلان وليس بمشهور، فليقل: أخبرني فلان وفلان على أنه ابن فلان، ولا يقل هؤلاء إنه ابن فلان، لأنها- وإن كانا عدلين – فليس له هو أن يخبر بشهادتهما، ولعلهما لا يجوزان عند الحاكم، قال عنه عيسى في العتبية: إذا قال رجلان: سمعنا فلانا يذكر أنه شاهد لفلان في كذا وقد مات: فلا أحب أن يشهدا بهذا، ولو شهدا لم يقبلا، قال أشهب: فإذا شهد رجلان على شهادة امرأة أو امرأتين جازت الشهادة، وكأنهما قد حضرتا، ولم ينقل عنهما. [8/ 384]
في ناقلي الشهادة ينقل بعضهم عن بعض البينة وبعضهم عن بعضها
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في امرأتين شهدتا على شهادة امرأتين ومعهما رجل يشهد أو امرأتان بأصل الحق، قال: لا يجوز إلا أن يكون مع المرأتين رجل، قال: وإن شهد امرأتان على أصل الحق، قال مالك: تسقط شهادة الناقلين، ويحلف مع المرأتين اللتين على أصل الحق ويستحق، ولا يجوز نقل النساء وإن كثرن عن رجل أو عن رجل معهن. في ناقلي الشهادة ينقل بعضهم عن / بعض البينة وبعضهم عن بعضها، وهل ينقل فيما شهد فيه؟ وفي المنقول عنه ينكر الشهادة أو يشك فيها من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون والمجموعة: قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل، أو شهد أحدهما وثالث على شهادة آخر في ذلك الكتاب، فلا يجوز أن يرجع إلى أن واحد أحيى شهادتهما، قال ابن المواز: بل ذلك جائز، لأن الواحد جمع رجلين، ولو كان معه آخر ينقل عنهما لجاز عنده، فكيف هو مع رجلين كل واحد ينقل عن رجل، وهذا أقوى. قال ابن القاسم في المجموعة: ولا يجوز أن يشهد على حق يعلمه ويشهد مع آخر ينقلا ذلك عن آخر، لأن واحدا أحيى الشهادة. قال في العتبية: وتجوز شهادته على علم نفسه، ولا يجوز نقله عن الآخر. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل، ثم أنكر شهادته أو شك فيها عن قرب ذلك أو بعده، فلا يجوز أن ينقل عنه إلا أن يكون صار ذلك إقرارا على نفسه، أو آل أمره إلى أن صار جحوده منفعة له فينفذ ذلك عليه. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهدين نقلا شهادة رجل، ثم قدم فأنكر أن يكون أشهدهما، أو أن يكون عنده في ذلك علم، [8/ 385]
في نقل الشهادة في الزنا والحدود والدماء وكم يجوز في ذلك؟
وقد حكم بها، قال مالك: يفسخ ذلك، قال في سماع عيسى: وإذا نقلا عن شاهد فحكم بها [مع اليمين، أو عن اثنين فحكم بها] ثم قدم من نقلوا عنه فأنكر، فالحكم ماض ولا غرم عليهما، ولا يقبل / تكذيبه لهما، وروى نحوه أبو زيد. قال عنه عيسى: ولو قدم قبل الحكم فقال هذا القول: سقطت الشهادة، ويستحلف صاحب الحق مع شهادة إن بقي له شاهده، ونحو هذا عن مطرف في كتاب ابن حبيب. في نقل الشهادة في الزنا والحدود والدماء وكم يجوز في ذلك؟ من كتاب ابن حبيب عن مطرف عن مالك: ولا يجوز في الشهادة على الشهادة في الزنا إلا أربعة على كل واحد من الذين شهدوا على الرؤية، [وخالف بينه وبين الحقوق وقال: لا يجوز نقل الشهادة في الزنا إلا ستة عشر شاهدا، ولو شهد ثلاثة على الرؤية] وغاب شاهد فلا تتم شهادة إلا أن ينقل أربعة، ولا يعدل كل واحد إلا بأربعة. قال ابن الماجشون: إذا شهد أربعة على كل واحد من الأربعة جازت، فإن تفرقوا جاز اثنان على كل واحد حتى يصيروا ثمانية، ويجوز في تعديلهم مثل غيرهم إثنان على كل واحد، وأربعة على جميعهم. وقال ابن المواز: وإن شهد رجلان على شهادة أربعة في الزنا: حد الرجلان، وإن حدا ثم جاء الأربعة فشهدوا على الرؤية: حد الزاني، وزال الحد عن الرجلين. [8/ 386]
قال محمد: وإنما يضرب الناقلان إذا قذفا، وأما إذا قالا: أشهدنا فلان على شهادتهما: فإنما يضرب الغياب، وإن شهد اثنان على شهادة واحد، واثنان على شهادة ثلاثة، تمت الشهادة /، وإن شهد اثنان على رؤيتهما، ونقل اثنان عن اثنين على رؤيتهما، ونقل اثنان عن اثنين جازت الشهادة، ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم: وكذلك شهادة ثلاثة على شهادة ثلاثة في الزنا واثنان على واحد فيجوز. قال ابن المواز: وإن نقل اثنان عن أربعة في الزنا فلم يحدا حتى قدم الأربعة فأنكروا، حد الأربعة وسلم الشاهدان، محمد: وكذلك ما لم يكن لزم الشهادين الحد مثل أن يقولا ابتداء: هو زان أشهدنا بذلك فلان فسموا أربعة [فأما إن قالا ابتداء: أشهدنا فلان وفلان] لم يحد هذان، وإن شهد واحد على علم نفسه، واثنان نقلا عن ثلاثة فإن يحد الشاهد، وأما الناقلان فإن لم يقولا: إنه زان، وإنما قالا: أشهدونا على شهادتهم أنهم رأوه هم وفلان يزني، فلا يحدا، وإن قدم الثلاثة فأنكروا، حدوا، وإن شهدوا: حد الرجل إن كان مجيئهم قبل حد هذا الذي شهد على رؤية نفسه، وكذلك لو لم يقدم منهم فشهد إلا واحدا واثنان لتمت الشهادة وحد الزاني. ومن المجموعة: قال مالك: الشهادة على الشهادة جائزة في كل شيء في الحدود والزنا وغيرها، قال أشهب: وما علمت من خالف ذلك إلا بعض العراقيين فلم يجز النقل في الزنا والحدود، ولا حجة لهم في ذلك [8/ 387]
في نقل الشهادة على قضاء قاض في الحدود والدماء والحقوق
في نقل الشهادة على قضاء قاض [في الحدود والدماء والحقوق] من كتاب ابن سحنون: قال: وإذا شهد/ رجلان عند قاض آخر أنه أشهدهما أنه قامت عنده بينة، وعدلوا على قطع رجل ليد رجل عمداً، فحكم بالقصاص عليه فلم يقطع حتى هلك القاضي، فعلى الذي ولي بعده إنفاذ القصاص، وكذلك في القتل والجراح، وكذلك لو شهد شهود على شهادة هؤلاء بهذه القضية فذلك جائز، ولينفذه، ألا ترى لو اقتص منه لنفسه من غير قضية، ثم أقام بينة بما يوجب له ذلك القصاص، فلا شيء عليه إلا الأدب بما افتات على الإمام في أخذه حقه بيده، وكذلك لو أتى بشهادة على شهادة فيما ذكرنا لقبلت ذلك منه، وكذلك في حد السرقة، وكذلك في حد الزنا إن شهد أربعة فأكثر على قضية القاضي بذلك، فعلى من بعده أن ينفذ ذلك، وكذلك في كتاب القاضي إلى قاض في القصاص والحدود والحقوق. ولو شهد رجل وامرأتان على قضاء قاض في الحدود والدماء، وما لا تجوز فيه شهادتهن، لم يجز ذلك، ولا يجوز في ذلك إلا الرجال. وفي كتاب الحدود بقية هذا المعنى من نقل شهادة شاهدين بحكم القاضي في حد الزنا وغير ذلك. كم يجوز من شهادة القافة؟ وما يجوز في ترشيد السفيه من الشهادة من العتبية: قال سحنون: لا يقضى بقايف واحد، ولا يلحق به النسب، وليكتب إلى البلدان وينظر أبداً حتى ينضم إليه آخر/، وقال ابن القاسم [8/ 388]
في شاهد الزور وعقوبته، وهل تقبل شهادته بعد توبته؟
وابن نافع عن مالك: لا يجوز من القافة إلا إثنان، قال عنه ابن نافع: ولا يكونا إلا عدلين، وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم: إن شهادة الواحد العدل مقبولة. ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة رجلين فقط على ترشيد السفيه حتى يكون ذلك فاشيا، وقاله أصبغ. ويجوز في إفشاء ذلك شهادة النساء، وقد اختلف في شهادتهن في ذلك. في شاهد الزور وعقوبته وهل تقبل شهادته بعد توبته؟ من المجموعة: روى ابن وهب عن مالك في شاهد الزور: قال: يجلد ويطاف به ويشهر، قال عنه ابن نافع: ويوقف ولا أريد النداء، قيل: هل يطاف به؟ قال: ما أريد أن أتكلم به، قال عنه: يضرب ويحبس، ثم يضرب ويفضح ويشار به، قال عنه ابن كنانة: يجلد نكالا، ويكشف عن ظهره ويشهر به إذا شهد بصريح الزور، فأما إن نسي أو شبه ذلك ولم يتعمد، فلا شيء عليه. قال ابن المواز عن مالك: يفضح ويوجع أدبا ويشار به، ويسجن. ابن حبيب: روى عن عمر أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا، وسخم وجهه، وطاف به في الأسواق. وروي عن شريح أنه نزع عمامته وخفقه خفقات وعرفه أهل المسجد وأهل سوقه، قال ابن الماجشون: يضرب بالسيوط، ويطاف به بالأسواق والجماعات والإشهار، ولا أرى الحلق والتسخيم، كره ذلك مالك وأصحابه، رواه مطرف عن مالك/ [8/ 389]
في القضاء باليمين مع الشاهد وما يجوز من ذلك فيه، وما تجوز فيه شهادة النساء من المال وغيره
قال محمد بن عبد الحكم، إذا ثبت عليه أنه يشهد بالزور، ويأخذ على الشهادات الجعل، رأيت أن يطاف به ويشهر في المسجد في الحلق وحيثما يعرف به جماعة الناس، ويضرب ضربا موجعا، ولا يحلق لحيته ورأسه، وليكتب القاضي بشأنه وما ثبت عنده كتابا وينسخه نسخا يرفعها عند الثقات، ولا يقبل شهادته أبدا، وإذا كان ظاهر العدالة، إذ لا تعرف توبة مثل هذا أبدا. قال ابن نافع في المجموعة عن مالك: ولا تقبل شهادته أبدا إذا ظهر عليه، قال ابن نافع: وإن تاب، وفي كتاب ابن المواز عن القاسم بأنه تقبل شهادته، وأظنه لمالك، وتعرف توبته بالصلاح والتزيد في الخير، وروي عن ابن القاسم قول آخر أنه إذا اطلع عليه بذلك فلا تقبل له شهادة أبداً، قاله سحنون في المجموعة: وهو كالزنديق، قال في موضع آخر: ولا تقبل توبته إلا أن يأتي تائباً قبل الظهور عليه، ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن كان عند الناس ظاهر الفضل والعدل حتى اطلع عليه بذلك سقطت شهادته أبدا، وإن تاب. وأما من لم يكن ممن يعرف بالفضل، فهذا إذا ظهرت توبته جازت شهادته، لأنه عاد إلى أفضل مما كان عليه. قال أصبغ: وينبغي في شاهد الزور أن يكتب عليه الإمام بذلك كتاباً لئلا ينسى ذلك فتجوز شهادته. ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم: قيل له: هل تقبل شهادة شاهد الزور؟ قال: إن عرف منه تزيد في الخير والإقبال جازت شهادته. / في القضاء باليمين مع الشاهد وما يجوز من ذلك فيه وما تجوز فيه شهادة النساء من المال وغيره قال أبو محمد: هذا الباب قد تكرر كثير من مسائله في باب بعد هذا أفرد فيه شهادة النساء. [8/ 390]
من كتاب ابن المواز ونحوه لأشهب في المجموعة وهو قول مالك وأصحابه في قوله تعالى في آيه الدين (فرجل وامرأتان) ليس فيه نهي عن قبول شاهد مع اليمين، أو امرأتين مع اليمين. كما لم يمنع ذلك من قبول امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال، وهو أمر مجتمع عليه بالمدينة. قال مالك: وكما لا يختلف أن المطلوب إذا نكل وحلف الطالب، أن الحق قد وجب، وأنه ليس بمخالف لظاهر القران مع ما مضي من السن في ذلك في الأموال. قال أشهب في المجموعة: وقد حكم مخالفنا بالنكول، وهو في كتاب محمد، قال سحنون في كتاب ابنه: وقد ثبتت السنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بالقضاء باليمين مع الشاهد في الأموال. قال مالك: مضت السنة بذلك، قيل له: أيحمل الناس عليه بكل بلد؟ قال: نعم. قال مالك في هذه الكتب: وذلك في الأموال دون الطلاق والعتق والحدود، قال في كتاب ابن سحنون: والنكاح والقتل. قال أشهب: ومن السنة التي لا اختلاف فيها: ألا تجوز شهادة النساء في نكاح أو عتق أو طلاق أو قتل أو قصاص أو حد. ولا يجوز في ذلك إلا عدلان، إلا الزنا ففيه أربعة. قال سحنون: /: ولا اختلاف في هذا بين علماء الحجاز. قال ابن شهاب: مضت السنة في هذا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا تجوز في النكاح والطلاق والحدود، ومن الخليفتين بعده، قال في رواية أخرى: والعتق والقتل، وقاله ابن المسيب وغيره من علماء أهل المدينة، ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن [8/ 391]
وهب: قال مالك: إنما تجوز شهادتهن في الدين حيث ذكرها الله سبحانه، والهبة والنحل والصدقة. قال مالك فيه وفي غيره: لا يجوز الشاهد الواحد في العتق والطلاق، ولكنه يوجب يمين المدعى عليه. ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: ويجوز الشاهد الواحد مع اليمين في الحقوق والجراح عمدها وخطاها، وفي المشاتمة ما عدا الحدود من الفرية والسرقة والشرب والزنا والعتق والطلاق. قال ابن حبيب: وقاله عمر بن عبد العزيز. ومن العتبية: قال أشهب عن مالك فيمن قام له شاهد أن فلانا شتمه، قال: لا يحلف في هذا مع الشاهد، قيل: أيحلف المدعى عليه؟ قال: نعم عسى به ما أن أراه، وليس كل ما يراه المرء يجعل أرى إن كان الشاهد قام على معروف بالسب أن يعزر. ومن المجموعة: ولا يجوز شاهد ويمين إلا حيث تجوز شهادة النساء في الأموال، قال ابن الماجشون: وما جاز فيه شاهد ويمين جاز فيه شهادة امرأتين أو امرأتين مع اليمين. قال مالك في هذه الكتب: وقد يجوز ذلك فيما يؤدي/ إلى طلاق أو عتق أو حد كدين متقدم يثبت بشاهد ويمين على معتق فيرد به عتقه، وكذلك في النكول مع يمين الطالب، هكذا وقع في الموطأ، وروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب ابن مزين أن العتق لا يرد بنكوله ولا بإقراره لو أقر أن دينا عليه قبل العتق، ثم رجع إلى كلام مالك قال: وكذا على شراء الزوج لامرأته، ويجب الفراق، أو يقيم القاذف شاهدا وامرأتين على أن المقذوف عيد فيزول عنه الحق، قال عبد الملك في المجموعة: أو امرأتين على أداء كتابة مكاتب، فيحلف ويتم عتقه، أو يعتق رجل [8/ 392]
عبده فيشهد رجلان أن امرأتين أشهدتاهما أنه باعه قبل عتقه، فيحلف ويرد عتقه ويأخذه المبتاع. قال ابن الماجشون في كتاب ابن سحنون نحو ما تقدم، قال: وهن في هذا لم يشهدن في طلاق أو عتاق، وإنما شهدن في مال جر إلى ما ذكرت، قال سحنون: وكذلك شهادتين لمن حاز نفسه بالحرية: أنه مملوك لفلان، جائزة فيحلف معهن ويرق له ويبطل الحد عن من قذفه، ويصير حده فيما تقدم من زنا أو قذف أو خمر حد العبد. قال: وإذا شهدن أن فلانة ولدت حيا فاستهل ثم مات، جاز ذلك فيما يوجب موته من ميراث أو دية أو قصاص أو غيره، لأن شهادتهن أثبتت حياته وها هو ذا ميتا، وإن شهدن أن فلانة وضعت أو أسقطت جاز ذلك، وحلت بذلك من العدة للأزواج. / ومن المجموعة: قال أشهب: ومن وطئ أمة رجل ثم ادعى شراءها فأقر له سيدها، أو أنكر ونكل عن اليمين، لقضي بها للواطئ ولم يسقط عنه الحد بذلك، ولو أقام شاهدا أو شاهدا وامرأتين لسقط عنه الحد بذلك استحسانا، وليس بقياس، ويريد أشهب: أنها ليست في حوزه، وابن القاسم يخالف أشهب في هذا، وهذا في كتاب الرجم مستوعب. ومن كتاب ابن المواز: ومن قذف أو قذف فشهدت امرأتان أنه مملوك لغائب أو صغير: فالحد قائم له وعليه، فإن كان الغائب قريبا كتب إليه، فإن قدم حلف واستحق رقبته، قال محمد: وإلا فالحد له وعليه، ومتى ما قدم الغائب أو كبر الصغير حلف وملك. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجوز الشاهد واليمين في دار رجل أنه غصبها لطالب، أو باعه إياها، أو وهبها له، أو تصدق بها عليه، أو أوصى له بها، أو أن له عليه مالاً، أو أنه حرق له متاعاً، أو جرحه خطأ، أو على براءة من دين. [8/ 393]
قال ابن وهب عن مالك: وتجوز شهادة رجل وامرأتين في تسمية الطلاق. قال عنه أشهب: ولا تجوز شهادتهن في الرجعة. ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: ويجوز الشاهد واليمين في البراءة من الدين، ويجوز في الأموال العظام من الذهب والورق والحوائط والرقيق. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن ثبت عليه حق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية مما تحمله العاقلة أو لا تحمله، فأقام / عليه شاهدا أنه قبض ذلك أو أبرأه، أو أبرأ عاقلته، أو أبرأه من أن يكون جنى، أو أنه صالحه على شيء وقبضه، جاز في ذلك يمينه مع شاهده، وكذلك إن أقام شاهدا أنه تبرأ إليه من عيب بعيد باعه، أو أنه أبرأه منه لحلف وبرئ ولو ثبت عليه بينة بحق فأقام المشهود عليه شاهداً أن المشهود له أقر أن ما شهد له به شهوده على فلان أنه باطل، فإنه يحلف في ذلك. قال: قال ابن القاسم: ولا يجوز [شاهد واحد] في الهلال في صوم أو فطر أو حج، [وكذلك جماعة نساء] قال في كتاب ابن المواز: وإن كن مع رجل. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: تجوز شهادة النساء في قتل الخطأ وجراحاته. قال أشهب: وتجوز شهادتهن مع رجل في كل خطأ. أو عمد لا قود فيه، وإن لم يكن معهن رجل: حلف المجروح واستحق دية جرحه. قال سحنون عن ابن القاسم في العتبية: ولا تجوز شهادتهن في جراح [8/ 394]
العمد، وتجوز في الخطأ وقتل الخطأ، وقال سحنون: هي جائزة، وأصلنا: أن كل ما جاز فيه شاهد ويمين جازت فيه شهادة النساء. قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: مثله، واختلف قول ابن القاسم في شهادتين في القصاص فيما دون النفس، ثم ذكر فيه نحو قوله هذا، قال في كتاب ابنه: والذي رجع إليه ابن القاسم أنها لا تجوز، ولا يعجبني، قيل لسحنون في المجموعة: فأنت تجيز الشاهد في / قتل العمد في القسامة ولا تجيز فيه المرأتين مع القسامة، قال: لا يشبه ذلك، وهذه يمين واحدة، والقسامة خمسون يمينا. ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادة امرأتين وحدهما على الجراح مع يمين المجروح، وعلى القتل في العمد والخطأ، وتكون فيه القسامة فيمن ظهر موته، ولا تجب بشهادة المرأة على القتل قسامة. وقال أشهب: تجب فيها القسامة بشهادتها وشهادة الرجل المسخوط، وهو عنده لوث في العمد والخطأ. ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن الماجشون ونحوه في كتاب ابن حبيب، أما ما صغر من جراح العمد كالموضحة والأصبع ونحوه من المأمون على النفس فيه: فيجوز فيه اليمين مع الشاهد أو مع المرأتين، ولايكون ذلك فيما فوق هذا مما يخاف منه تلف النفس، قال: ولكن على من شهد عليه بذلك اليمين، فإن نكل سجن حتى يحلف ولا ترد فيه اليمين، قال: واليمين مع الشاهد في الحر يجرح العبد يحلف سيدة ويأخذ مالا، وكذلك مع المرأتين، قال ابن الماجشون: وإنما تجوز شهادة النساء في قتل الخطأ إذا ثبت موت المقتول بغيرهن، وأما إن لم يثبت موته إلا بهن فلا يجوز. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال: ولا يموت أحد إلا برجلين عدلين، وذلك يشبه العتق والطلاق. قال أشهب في العتبية، ورواه عبد الملك بن الحسن: وإذا شهدت امرأتان على امرأة أنها ضربت بطن أخرى فألقت/ مضغة، فلتحتلف معها وتستحق الغرة ولا كفارة على الضاربة. [8/ 395]
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادتهن مع رجل على موت رجل إن لم تكن له زوجة ولا مديرة ولا وصية بعتق. ومن المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك: وتجوز شهادة النساء في المواريث لا في الأنساب، قال عنه أشهب في العتبية فيمن أقام رجلا وامرأة أنه وارث فلان. قال: يستأنى بهما حتى يأتي بغيرهما، فإن لم يأت بغيرهما حلف واستحق، قال أشهب في ذلك: إذا كان نسبه من الميت قد ثبت بغيرهن قبل ذلك، فيكون الشاهد إنما شهد له بأنه وارثه لا يعلم له وارثا غيره، فيحلف معه ويرث، لأنه يشهد على مال لا على نسب، ولا يجوز شاهد وامرأتين على نسب. قال ابن الماجشون: تجوز في الميراث إذا ثبت النسب بغيرهن كما تجوز في قتل الخطأ إذا ثبت الموت بغيرهن، وإذا اختصم في تعدد الولاء وقد ثبت الولاء لمن ورثوه عنه، جاز ذلك بشهادتهن أو بشاهد ويمين، وإذا لم يثبت الولاء بغيرهن لم يجزن في ذلك. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجوز في الوراثة شاهد ويمين الطالب وشهادة النساء، لأنها شهادة على مال، لأن النسب قد ثبت بغيرهن، ويجوز في قتل الخطأ إذا ثبت الموت بغيرهن، أو وجد الرجل مقتولا فشهد عليه غيرهن، وهو أمر ثبت بغيرهن قبل وجوب المال، وكذلك النسب، ولا يجوز في هذين الوجهين شاهد ويمين، ولا شهادة النساء وحدهن ولا مع رجل. قال سحنون: وتجوز في قتل الخطأ / لأنه مال، قاله ابن القاسم، قال سحنون: وذلك إذا بقي البدن قائماً فشهد عليه رجل وامرأتان أنهما رأياه قتيلا، فأما إن دفن ولم يعلم ذلك غيرهن فلا تجوز، لأن شهادتهن إنما تجوز على الضرورة، ولا ضرورة ها هنا في زوال الجسد، لأن القتل يفوت، والبدن يبقي ولا يفوت، [8/ 396]
فليس فيه ضرورة، وقول سحنون هذا قول ابن الماجشون، قال سحنون: تجوز شهادتهن في العفو عن دم العمد. ومن كتاب ابن المواز: ومن أقام بينة أنه وارث فلان أو مولاه لا يعلم له وارثاً غيره، قال مالك: يستأنى بالمال حتى يوئس أن يأتي أحد بأثبت من ذلك فيحلف معه ويقضى له بالمال، ولا يثبت له نسب ولا ولاء، قال أصبغ: ولا ينفعه في غير هذا المال. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة فيمن أقام شاهدا وامرأتين أنه مولى فلان، وأنه لا وارث له غيره، فإنه يستحق بذلك ماله إن كان المالك معروفا بالحرية ظاهر ذلك بعير شهادة المرأتين، وكأنهما إنما شهدتا أن هذا أحق الناس بميراث فلان، فيكون ذلك له ما لم يأت أحد بأقوى من ذلك. قال سحنون: واختلف أصحابنا في شهادة النساء على الوكالة على المال، والشهادة على الشهادة في المال والوصية إلى الموصى إليه في المال، والذي أخذ به أن ذلك يجرى مجرى اليمين مع الشاهد، لأن الله تعالى ذكرهن في الأموال. وفيها حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) باليمين مع الشاهد، وهن لا يجزن في التعديل في المال ولا شاهد/ ويمين، وكذلك في الوكالة والوصية ونقل الشهادة فيه [والولاء وموت الميت المشكوك في موته، ولا يجزن في ذلك، كما لا يجوز فيه] الشاهد واليمين، وأنكر رواية ابن القاسم في شهادتهن على وكالة المال، وقال: لو جوزتها جوزت تزكيتهن لمن شهد في مال، ولو جازت شهادتهن في الوكالة في المال لجاز الشاهد واليمين في الوكالة عليه. ومن كتاب ابن سحنون: قال: ابن وهب عن مالك في امرأة أشهدت على وكالة لها رجلا وامرأتين، قال إن كان في مال فنعم، ورواه ابن القاسم وقال: ولا تجوز شهادتهن في الوكالة على ما لا تجوز شهادتهن على أصله وإن كان معهن [8/ 397]
رجل، وتجوز شهادتهن على الشهادة في الأموال في الوكالات عليها إذا كان معهن رجل، وإن لم يكن معهن رجل لم يجز نقلهن عن رجل ولا عن امرأة إلا مع رجل، وقاله أشهب في النقل، ورواه ابن وهب عن مالك. ومن العتبية: قال سحنون: لا يقضى بشاهد ويمين في وكالة في مال. قال ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن أقام شاهدا أنه أوصي إليه: أنه لا يحلف معه ولا يثبت له ذلك إلا إن يراه الإمام لذلك أهلا فيوليه بغير يمين. وقال ابن الماجشون نحو قول سحنون في شهادتهن كما ذكرنا في كتاب أبيه. قال أشهب: سئل مالك عن شهادة النساء بعضهن على بعض فيما لا يحضره الرجال، قال: لا تعجبني شهادتهن في مثل هذا، وإنما يجزن فيما لا يشهده غيرهن من المحيض والولادة، فأما هذا فلا يعجبني شهادتهن فيه. قال مالك في كتاب ابن سحنون /: شهادة امرأتين تجوز فيما لا يطلع عليه غيرهن فيما ينظر النساء إليه مما تحت الثياب من أمر النساء من العيوب والحيض والولادة والإستهلال وشبه ذلك مما لا يطلع عليه إلا هن. قال سحنون: ولا يجوز في ذلك أقل من امرأتين، ولم نجد أن امرأة تجوز في شيء ولا في الصلح، ولم يكن في المرأتين يمين لأنهما إنما أجيزتا في هذا للضرورة، وإنما يكون اليمين موضعا يكون فيه بدلا من الشاهد. قال مكحول: وتجوز شهدتهن وحدهن في الحيضة، والعذرة والاستهلال والسقط، [قال سحنون: وإنما تجوز شهادتهن على الاستهلال إذا بقي جسد الصبي حتى رآه العدول ميتا، ولأن الجسد يبقى، والاستهلال لا يبقى]. [8/ 398]
قال سحنون: وأنا أرى أن ينظر النساء إلى عيوب المرأة يعني الحرة التي في الفرج، وكذلك إن جرحت فيه نظر إليه، وقبل قول امرأتين في ذلك، وإن جرحت في غير الفرج جرد عنه ذلك حتى ينظر إليه الرجل، ولو أصابتها علة في موضع يحتاج فيه إلى الطبيب بقر عن ذلك الموضع لينظر إليه الأطباء. قال سحنون: وإذا ادعى الزوج أنه وجد امرأته رتقاء، وأن بها داء في الفرج، فأصحابنا يرون أنها مصدقة، وأنا أرى أن ينظر إليها النساء. قال مالك: وتجوز شهادة امرأتين على الاستهلال بغير يمين، وقد روي عن بعض السلف أنه أجاز شهادة القابلة وحدها، وقال الليث: وإن كانت مسلمة، ولم يره مالك إلا مع امرأة أخرى، لأن الله تعالى قال: (وامرأتين) فلم يذكر في شهادة النساء أقل من امرأتين، قال سحنون: وذهب عطاء إلى أنه لا يجوز فيما لا ينظر إليه النساء إلا أربع نسوة، وقاله الشعبي، قال /: والصحيح: ما قال مالك، لأنهن وإن كثرن كرجل، ولا يجوز في ذلك إلا امرأتين مسلمتين. قيل لمالك: أيجوز في الاستهلال شهادة رجل واحد؟ قال: ما يشهد الواحد في مثل هذا، قيل: ولا يجيزه، قال: ما سمعته. ومن كتاب ابن المواز: ويجوز في المال وإن كثر، وأما في الوكالة على المال فتجوز في رواية ابن القاسم وقوله وقول ابن وهب. وقال أشهب وعبد الملك: لا تجوز، قال: ولا يجزن في تعديل، ولا تجريح، ولا على إيصاء إلى أحد، ولا ينقلن شهادة وإن كانت في مال إلا أن يزكى غيرهن، وينقل معهن رجل عن رجل أو عن امرأتين، ولا يجزن وحدهن في النقل، قال أصبغ: ولو نقلن مع رجل عن امرأة لتثبت شهادتها فكانت ربع شهادة، وإنما معنى قول ابن القاسم في نقلهن عن الرجال أو عن النساء إن كان معهن رجل: إنما ذلك فيما تجوز فيه شهادتهن مع اليمين، قال أصبغ: وأما ما تجوز فيه شهادتهن وحدهن من الاستهلال ونحوه فيجوز فيه نقل امرأتين وحدهن كما [8/ 399]
يجزن في أصله، قال محمد: وقول ابن القاسم: لا ينقلن عن من شهد على الاستهلال إلا مع رجل، لأنه ممكن فيها، وذلك إذا زكى المنقول عنهن الرجال، واختلف في نقلهن قول ابن القاسم وابن وهب، فأجازه مرة ولم يجزه أخرى. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: لم يقل مالك ولا أحد من علمائنا: أن شهادتهن مع رجل تجوز على شهادة رجل، ولا أعلمه أجاز شهادتهن على الوكالة ولا على إسناد الوصية ولا أجيزها. ومن المجموعة: قال / ابن القاسم: وإذا أقام شاهدا أنه خالع امرأته على ألف، حلف واستحق الألف، وروي عن مالك في الموصي يعتق رقبة معينة أو غير معينة بعتق: أن شهادة رجل وامرأتين في ذلك جائزة، كما لو شهدوا أنه قال: بيعوا عبدي فلانا رقبته. [قال في كتاب] ابن المواز [عن مالك]: [إذا شهدن مع رجل] أنه أوصى بشراء رقبة بخمسين فتعتق، لم تجز، لأنه إذا اشترى لم يعتق بشهادتهن، فإن كان على عبد فلان فيجزن على شرائه وزيادة ثلث ثمنه لربه إن لم يسم ثمنا، ولا يجوز أن يعتق بقولهن. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ولا تجوز شهادتهن مع رجل أن الميت أوصى بثلثه للمساكين، كما لا يجوز في ذلك يمين مع الشاهد، وأجاز مطرف وأصبغ شهادتهن مع ذلك الرجل، واستحبه ابن حبيب. قال ابن القاسم في المرأة تدعي على زوجها صداقا إلى موت أو فراق، وتأتي فيه بشاهد، فإن كان بعد البناء حلفت معه، وكان لها صداق مثلها إلا أن يكون ما وصل إليها من العاجل أكثر من صداق المثل. فلا ينقص منه، وإن قامت قبل البناء لم يحلف مع الشاهد، ولم يقبل قولها، لأنها تدعي فسخ النكاح، ولا يكون ذلك بشاهد ويمين، ولو قبلناه أيضا لفسخ ولم تتبعه بشيء. [8/ 400]
قال ابن المواز: ولا تجوز شهادة امرأة في شيء، ولا يحكم بها في قتل ولا رضاع ولا غيره. محمد: قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم: يقضى عليه بشاهد ويمين في قتل العبد، ويستحق قيمته من الحر القاتل، أو رقبة العبد القاتل إلا أن/ يفديه سيده بقيما المقتول، ولا يقتص من العبد بذلك. قال محمد: وكذلك لا يقتص من جراح العبيد بشاهد ويمين. قال أصبغ في العتبية: إذا أقام سيد العبد شاهدا بجرح العبد عمداً، فإن شاء سيده حلف معه وأخذ أرش جرحه، وإن أراد القصاص حلف العبد واقتص له. من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: ويجزن فيما يوجب اليمين: أن يشهدن على الطلاق أو العتق، فتجب بشهادتهن اليمين على الزوج أو السيد، وإن ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فلا يحلف، فإن جاءت بشاهد على إقرار بالوطء، وامرأتين على الولادة، [فتصير أم ولد إن لم يدع استبراء، ولو أقامت شاهدا على إقراره بالوطء، وامرأتين على الولادة، وأحلف السيد، وكذلك شاهدين على الوطء وامرأة على الولادة]، أحلف السيد، قال سحنون: لا أرى هذا، وقد قال لي ابن القاسم في المقر بوطء أمته تأتي بولد فيقول هو: لم تلديه، وتقول هي: بل ولدته منك: إن الولد يلزمه، وقال مالك: إن لم يدع استبراء. وقاله أشهب، وبهذا أقول. ومن كتاب ابن المواز: ولا يجوز شاهد ويمين على كتاب قاض إلى قاض، وبه قال ابن الماجشون في الواضحة أن لا يحكم بذلك، وإن كان في مال، وقال مطرف: يحلف مع شاهده ويثبت له القضاء. قال مالك: ومن حلف لغريمه بالطلاق: لأقضينك حقك إلى أجل كذا، فأقام شاهدا قبل الأجل أنه قضاء، حلف معه وسقط الحق ويزول الحنث، [8/ 401]
وكذلك. لو لم يقم شاهدا فنكل الطالب وحلف المطلوب برئ من الحق ولا يحنث، وكذلك لو أقر الطالب يقيضه قبل الأجل يحل ولا حق له، ولو كان هذا كله / بعد الأجل لم يبرأ إلا بشهيدين أنه قضاه قبل الأجل، لا بشاهد ويمين، ولا برجل وامرأتين، ولا بإقرار، ولكن يسقط بذلك الحق. وقال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: مثله. وقال ابن الماجشون في المجموعة: إذا أقام رجلا وامرأتين وذكر نحوه قال: ولو شهد له رجل بعد الأجل على إقرار الطالب بالقبض قبل الأجل لبرئ من الحنث، وكذلك لو شهدا أن شهيدين أشهدهما قبل الوقت أنه يشهد أن قد قضاه، لحلف الآن مع ذلك وخرج من الحنث، وكذلك ولو كان مكان الرجل امرأتان. وقال مطرف في الواضحة: وكذلك لو شهد له شاهد بالقضاء قبل الأجل، وشهد له شاهدان على شهادة امرأتين بمثل ذلك، فذلك مخرج له من الحنث، قال: ولو أنه لما لم ينتفع بشهادتهما أتى بشهيدين فشهدا على إشهادهما قبل الأجل لم ينج بذلك من الحنث؛ لأنهما إذا أشهدتا كانتا لك بشهادتهما، وحملت شهادتهما محملها، ولم يلتفت إلى غير ذلك، وإذا قامت بشهادتهما شاهدان حملت محمد ذينك الشاهدين فيما يجوز لهما في الشهادة، ويجوز أن تحمل شهادة النساء وهن حضور، وذلك الشأن في شهادة النساء، ولم أر بالمدينة قط امرأة قامت بشهادتها إلى الحاكم، ولكنه تحمل عنها. [8/ 402]
قال مطرف عن مالك: وإن شهد الغريم ورجل بعد الأجل على القضاء زال الحنث بذلك، ولا تهمة فيه، قال فيه وفي كتاب محمد: ولا يسقط عنه الحنث بإقرار الغريم بعد الأجل، ولكن يسقط الحق، محمد وقد روي عن مالك أن إقرار الطالب بالقبض بعد / الأجل وقبله يزيد الحنث. ولا يعجبنا، ولم يؤخذ به، قال أحمد بن ميسر: إن أتى مستفتيا بعد الأجل ولا بينة على يمينه فلا شيء عليه في الفتيا في يمينه، إذا قال قد قبضه، سواء أقر الغريم أو أنكر. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولا تجوز شهادة النساء في الإحصان، كما لا تجوز في النكاح، ولا يجوز في الرضاع أقل من امرأتين عدلتين، قال: والسماع في الرضاع لا يقطع منه النكاح بعد عقده إلا السماع القوي المشتمل الذي يأتي من غير وجه، ولا اثنين، وأما ما كان من ذلك قبل التزويج وإن ضعف فحقيق على المرء التوفي فيه والاحتياط، وأمر سحنون في صبية أراد أولياؤها تزويجها فأمر امرأتين عدلتين أن ينظرا هل أنبتت، فأخبرتاه أنها قد أنبتت فإذن لأوليائها في إنكاحها، وذكر مسألة أشهب عن مالك في الذي اشترى امة على أنها عذراء [فغاب عنها، ثم جاء بالعشي فقال: لم أجدها عذراء]. فنظرها النساء فرأين أثرا قريبا طرياً. فليحلف البائع: ما كان ذلك منه، ولزمت المبتاع، وإن قلن: هذا أثر قديم، لزمت البائع بعد يمين المبتاع. [فإن نكل حلف البائع ولزمت المبتاع]. قال محمد: قلت: فقد روى ابن القاسم في المرأة يشهد عليها أربعة بالزنا وهم عدول، فقالت: أنا عذراء أو رتقاء [هل يراها النساء؟ وكيف إن رأيتها وقلن: هي عذراء] وقال: لا ينظر إلى قولهن وتحد، وكذلك الزوجة البكر [8/ 403]
في الشاهد الواحد يقم في الحبس لا يعرف أهله أو في وصية المساكين
يقول الزوج: لم أجدها بكراً، وأكذبته، أنها لا يكشفها النساء وهي مصدقة، قال سحنون: ولا تشبه هذه التي شهد عليها بالزنا، لأن الرجال قد عاينوا الفرج في/ الفرج، فشهادتهم أحق من شهادة النساء حين يشهدن بخلافه، وأما التي دخل بها، فقد جعل العلماء الستر فيها كالشاهد، فلم يكن فيها ضرورة تضطر إلى شهادة النساء، وأما عيب الفرج فلابد من شهادة النساء في ذلك، وكذلك قد أشهب، وكذلك أمر سحنون في التي ادعى زوجها أن بها رتقاً أو قرناً أن ينظر النساء إليها للضرورة والله أعلم. في الشاهد الواحد يقوم في الحبس لا يعرف أهله أو في وصية المساكين، أو في وصية لرجلين فيأبى أحدهما اليمين أو يكون أحد الوصيين عتيقاً من كتاب ابن المواز: قال: وإذا لم يقم على الحبس إلا شاهد، فالذي يقول به أصحابنا إن كان حبسا مسبلا أو معقبا فلا تصلح فيه اليمين، وروى ابن الماجشون عن مالك أنه قال: إذا حلف الحي منهم نفذوا به الصدقة عليهم ولغيرهم وغائبهم ومولودهم إذا ولدوا للسبيل بعدهم، وقال ابن الماجشون في المجموعة مثله في الشاهد على الصدقة الحبس يشهد بها القوم في يمين جلهم معه، ورواه عن مالك، وروى ابن وهب ومطرف وابن الماجشون عن مالك أنه قال: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد مع الشاهد، ويثبت حبساً ولجميع أهلها، وإن لم يخلف عليها غيره، ولكل من يأتي ممن شرطت له ممن أتى من غائب أو صغير. ومن المجموعة: قال المغيرة: ومن أقام شاهدا أن فلانا أخذ منه عبده سنة صدقة يحلف معه، وكذلك/ أن فلانا تصدق عليه بصدقة حبساً له ولعقبه فحلف معه، وأخذها لمن أتى بعده بغير يمين. [8/ 404]
وقال أشهب: إن شهد رجل أنه حبسها على فلان حياته، وأوصى له بوصية حلف معه واستحق، وإن شهد أنه حبسها في سبيل الله أوالمساكين وفي الأرامل أو من لا يعرف بعينه، فإن ذلك يبطل، وليس لأحد ممن ذكرنا أن يحلف معه فيه. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهد قام على أن من أوصى بثلثه في سبيل الله أو المساكين أو لقبيلة من القبائل مما لا يحاط بعدتهم، أنه لا يحلف أحد من أولئك مع ذلك الشاهد. قال ابن الماجشون في شاهد على وصية رجل فيها عدل، ووصية بعشرة دنانير لرجل مات قبل موت الموصي ولم يعلم به، ومنها عشرة في السبيل، أو على مجهولين. فذكر ابن الماجشون كلاماً معناه فيما فهمت: أنه يحلف على الوصية مع الشاهد ولا يأخذ إلا ما أعطاه العول، وكأنه يقول: إنما يدخل عليه العول بعد يمين الورثة: أن يحلف الورثة بسبب شهادة الشاهد للمجهولين الذين لا يحلفون، أو لمن مات منهم قبل موت الموصي، فكان ذلك يوجب العول وانتقاص من يحلف من أهل الوصايا بإدخال ذلك عليهم، فصارت حقا للورثة أوجب لهم أن يخلفوا مع الشاهد ليحقوا العول، وذلك نافع لهم، هذا ما فهمت من كلامه. قال سحنون: قال ابن القاسم في الوصية بعتق وبمال لرجل شهد بها رجل: أنه يحلف الموصى له بالمال، ولا يقضى له إلا بما فضل عن العتق، لأن / الشاهد شهد بوصية فيها عتق مبدءاً، فمذهب ابن القاسم في مسألة عبد الملك: لا يمين على الورثة فيما أوصى به للمساكين، أو في وصية من نكل أو مات قبل موت الموصي، لأنه يقال للحالف من أهل الوصايا: إن كانت شهادتك جائزة ففيها حصاص بنقصك، فليس لك إلا ما ينوبك فيه وإن لم يأخذه أهله كما بقي بعد العتق وإن لم ينفذ، ولو كان يحلف الورثة مع شهادته لهؤلاء، كان إقرارا منهم [8/ 405]
لهم، وأهل الوصايا لو نكلوا كان على الورثة اليمين أنهم ما علموا أنه أوصى لهم بشيء، فإن نكلوا ثبتت الوصية، فيمينهم آكد من النكول ومن الإقرار، ولو كان ذلك عليهم لزمهم أن يدفعوا إلى الناكلين ما حلف عليه الورثة ويحاصوا به من حلف، فكيف يأخذ أحد شيئا من آخرين بيمين غيره، ولكن يحاص الحالف بنصيب من نكل، ويرد ذلك إلى الورثة بغير يمين، ألا ترى لو شهد لرجل شاهدان أنه أوصى له بمائة، قال أحدهما: [ورجع عن خمسين منها، أو أسلفه مائة، قال أحدهما:] رد إليه منها خمسين لم يكن للمشهود له أن يقول: إنما شهد على الإبطال شاهد، فلا يجوز، وقد أثبتا لي الحق جميعاً، فيقال له: الذي أثبتها لك هو الذي أبطلها، ولو شهد بذلك غيرهما لم يجز الإبطال إلا بيمين مع من شهد له بالإبطال أو بالرجوع، وكذلك يقال للموصى له: إن الذي شهد لك هو الذي أوجب الحصاص لمن لم يحلف، ولو كان شاهداً غير شاهدك هو شهد للناكلين أو لمن ذكرنا، لأخذت حقك من الثلث بغير حصاص، ولا يحلف الورثة لما ذكرنا، فتصير يمينهم إقراراً للناكلين/ وموجب الحصاص لهم فينتفعون بيمين غيرهم في صد الحالف من أهل الوصايا. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا قام شاهد على صدقة أو هبة أو وصية لهم بالثلث، وأوقف ذلك حتى يأتي بشاهد آخر فلم يوجد، فقسم القاضي ذلك بين الورثة، وكان في ذلك رقيق وعقار، فعتق من الرقيق، وغرست الأرض، ثم جاء شاهد آخر، فإنه ينقض الحكم ويقضى بشهادة الشاهدين، وما فات بولائه أو عتق لم يرد، ويؤخذ ثمنهم من الورثة، يريد: إذا بيعوا، وما لم تعتق وتتخذ أم ولد فله أن يأخذ ذلك بعد أن يدفع الثمن لمشتريها، ويرجع الموصى لهم بما أدوه إلى المشتري على الورثة الذين باعوه، وكذلك إن أحب أن يأخذ الأرض [8/ 406]
في الشاهد يقوم ليتيم أو سفيه أو ذمي أو عبد وكيف إن قام على صدقة أو قسم ميراث
دفع ثمنها لمشتريها وغرم قيمة ما انفق فيها أو غرس، ويتبع الورثة بما أدى في الثمن، كمن شهد بموته ثم قدم وقد شبه عليهم. في الشاهد يقوم ليتيم أو سفيه أو ذمي أو عبد وكيف إن قام على صدقة أو قسم ميراث من المجموعة والعتبية من رواية أصبغ: قال ابن القاسم في الشاهد يقوم بحق لسفيه بالغ: أنه يحلف مع شاهده، بخلاف الصبي، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ، فإن نكل غرم، وقاله أصبغ كالعبد والذمي، وذكر سحنون عن ابن القاسم أن السفيه إن نكل وحلف المطلوب، فإنه لا يمين على السفيه إذا بلغ الرشد، وكذلك البكر المولى عليها تنكل عن اليمين مع شاهدها [فلا يمين عليها بعد أن يرضى حالها، وقال ابن كنانة: لهما الرجوع إلى اليمين بعد رضا حالهما، وإن كان الغريم قد حلف أولا. وروي أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثله في السفيه إن نكل وحلف المطلوب فلا يمين له إذا بلغ، ولو كان له ذلك لانتظر رشده كما ينتظر الصبي، وكذلك النصراني ينكل عن اليمين مع شاهده] / ويحلف المطلوب، فإن أسلم النصراني لم يكن له أن يحلفه وقدتم القضاء. وكان ابن القاسم وأصبغ يريان السفيه كالرشيد، إن حلف أخذ، وإن نكل بطل حقه بخلاف الصغير عندهما. قال ابن حبيب عن مطرف في السفيه يقوم له شاهد، فإنه إذا حلف المطلوب أخر السفيه، فإن رشد وشاء أن يحلف مع شاهده قضي له، وإن أبى لم يكن له يمين على المطلوب، ولو كان المطلوب قد نكل أولا أخذ منه الحق، فإذا رشد السفيه أحلف، فإن حلف قضي له، وإن نكل رد إلى المطلوب، وكذلك إن كان صبياً فقام له شاهد وحلف المطلوب فقد برئ إلى بلوغ الصبي، وإن نكل [8/ 407]
أخذ منه الحق إلى بلوغ الصبي كما قلنا في السفيه، وقاله كله ابن كنانة. قال ابن عبدوس: قال مالك في الطفل يقوم له شاهد أنه لا يحلف حتى يحتلم. وقال في كتاب ابن المواز: إن كان الوارث صغيراً وقف له حقه حتى يكبر فيحلف، قال محمد: يحلف المطلوب فإن نكل غرم، وتقدم تقدم ذكر نكوله، قال بن المواز في العتبية في رواية أصبغ وعيسى: قال مالك في آخر الباب من كتاب ابن المواز: إن كان وارثه صغيراًً وقف له حقه حتى يحتلم فيحلف، محمد: يبدأ يمين المطلوب فإن نكل غرم وقد تقدم ذكر نكوله. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن ترك زوجة وولدين أحدهما كبير حلف الكبير واستحق النصف بعد اليمين، وإن حلفت الزوجة أخذت الثمن ووقف حق الصغير من المال حتى يكبر ويبلغ ويحلف، أو يأبى فيسقط حقه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في قول مالك في الصغير يشهد له الشاهد بحق لأبيه على رجل، أن المشهود عليه يحلف ويترك، فإذا بلغ الصغير حلف [مع شاهده] واستحق [حقه، قالا: وذلك فيما كان مالا أو شيئا بعينه من دار أو عبد ونحوه، فذلك سواء، يسلم كله للحالف ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير حلف واستحق] إن كان بعينه، وإن فات أخذ قيمته، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. قال محمد بن المواز: وإذا قام للميت شاهد بدين ووارثه صغير، وأحلف المطلوب فنكل، فليكتب القاضي بذلك قضية ويشهد على ما ثبت عنده من شهادة الشاهد لينفذه من بعده إن مات الشاهد أو فسد، وإن شركه وارث كبير حلف الكبير واستحق ما يخصه، وأحلف المطلوب، فإن نكل عجل حق الطفل [8/ 408]
إن كان حالا؛ ثم لا يمين على الصغير له بعد كبره كحكم نفذ، وإن حلف أخر بحقه حتى يكبر الصبي فيحلف، وإن كبر والغريم عديم، فإن كان يوم أخذ الكبير حقه لا شيء له إلا ما أخذ، رجع الصغير على أخيه بنصف ما أخذ بعد يمينه إذا كبر، قيل: وكيف يحلف الصبي على ما لا يعلم؟ قال: لا يحلف حتى يعلم بالخبر الذي يتيقن بنقله فيحلف، بذلك، قال مالك: يحلف على البت: أن هذا الحق لحق، ومن كتاب ابن سحنون وهو متسق بقول مالك فإن قيل: كيف يحلف الوارث على ما لم يحضر ولم يعلم وهو لا يدري هل شهد له بحق أم لا؟ قال: يحلف معه على خبره وتصديقه، كما جاز له أن يأخذ ما شهد له الشاهدان من مال وغيره ولم يعلم ذلك، لا يختلف في هذا، وقد يشهدان له بموت أبيه وبتركته/ فيأخذ ولا يعلم ذلك إلا بقولهما. قال مالك: ويحلف مع الشاهد في دين لأبيه على الميت، ولو قام له شاهدان لحلف على علمه أنه ما علم أن أباه قبض ذلك الدين، قال ابن كنانة: ويحلف الكبار مع شاهد أبيهم على الميت في الدين، وأنهم لا يعلمون أنه قبض من ذلك شيئاً، ولا قبضه له قابض، فيصير أول اليمين على البت والثانية على العلم. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا قام شاهد للطفل بدين لأبيه لم يحلف معه أبوه، قيل: فإن كان ممن تلزمه نفقته: قال: ما أظن ذلك له. قال مالك: ومن زوج ابنته صغيرة من صبي فمات الزوج فطلب أبوها المهر والميراث، فأنكر أبو الزوج التسمية وقال: كان على الصلة، فليس لها غير الميراث، وإن كان لها شاهد حلفت إذا كبرت معه. قال محمد: والأب فلم يتعد إذ له إنكاحها بالتفويض، قال ابن المواز في كتاب النكاح: وذلك ما لم يدع الأب التسمية مع الشاهد، فإن ادعاها حلف، فإن لم يحلف ضمن أن لم يتوثق لها بشهيدين، ولها أن تدع أباها وتحلف مع شاهدها، ولها ذلك في موت الأب وعدمه. وفي كتاب النكاح من هذا. [8/ 409]
ومن كتاب ابن سحنون في الصغير يقوم لأبيه شاهد نحو ما ذكر محمد، وزاد عن أشهب: أنه يحلف المطلوب، وإن حلف أخر الحق إلى أن يكبر الصبي، قال ابن القاسم: ولا يحلف الأب مع شاهد يقوم لابنه بجرح. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا قام / للصغير شاهدان في نصيبه من دار أو عبد أو ما له غلة، فليسلم ذلك إلى من هو بيده بعد يمينه ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير فحلف استحقه إن كان قائما، وإلا فقيمته يومئذ إن كان فائتا، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد شاهد لوارث صغير بصدقة وبحيازتها في الصحة، فلم يوجد شاهد آخر، فقسمت الصدقة بين الورثة بأمر قاض، ثم كبر الصغير الطالب أو كان غائبا فجاء بشاهد ثان فإنه يقضى به مع الأول ويرد القسم، وما فات من الرقيق بعتق أو ولادة لم يرد ويتبع الورثة بالثمن، وإن لم يفوتوا إلا ببيع فليردوا ويؤدى الثمن ويرجع به على الورثة، وكذلك الأرض، ويدفع قيمة العمارة، محمد: أما الكبير فلا يجزئه شاهد ثان حتى يأتي بشاهد غيره لأن تركة اليمين مع الأول ترك لشهادته، وقوله: قسمت بأمر قاض. غير صواب، ولكن ينتظر الغائب، وأما الصغير فليوقف له حتى يكبر إلا ما لا يصلح إيقافه مثل الحيوان ونحوه، فليبع ويوقف ثمنه حتى يكبر فيحلف أو ينكل فيحلف الأكابر على العلم. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قام شاهد بدين لميت ووارثه أخرس لا يفهم ولا يفهم عنه، ردت اليمين على المطلوب، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم، [وكذلك المعتوه أو ذاهب العقل على رجل فليحلف، فإن نكل غرم] وإن حلف ترك إلى يبرأ المعتوه فيحلف ويستحق. [8/ 410]
في الورثة يقوم لهم شاهد بدين لميتهم أو للموصى لهم بالثلث
ومن العتبية قال أصبغ عن أشهب، وهو في كتاب ابن سحنون عن أشهب في الميت يثبت عليه الدين فيجد وصيه شاهدا بالبراءة منه/ والورثة صغار، حلف الطالب، أنه ما قبض، فإن حلف دفع إليه المال الآن، فإذا كبر الصغار حلفوا واسترجعوا المال، قال أصبغ: جيدة كما قال مالك في الدين يكون له. ومن المجموعة: قال المغيرة في رجل أعتق عبده، ثم قام شاهد لصبي مات أبوه، أن أباه اشترى ذلك العبد من المعتق قبل عتقه، قال: يوقف العبد بخراجه، فإن حلف بعد أن بلغ، استحقه وما له من خراج، وإن لم يحلف كان حرا وخراجه له، قال: وإن جنى جناية في هذا الوقوف فهو موقوف، فإن ثبت رقه خير فيه من استرقه. في الورثة يقوم لهم شاهد بدين لميتهم أو للموصى لهم بالثلث ومن العتبية سئل مالك عن الوارث يقيم شاهدا في حق لأبيه، أيحلف على العلم؟ قال: على البت، فأما لو جاء بشاهدين حلف أنه ما علم أن أباه اقتضى منه شيئاً، وقال ابن كنانة: يحلف الأكابر من الورثة مع شاهدهم: بالله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم أن هذا الدين عليك للميت، ثم يقولون: ولا نعلم أنه اقتضاه له متقاض، قال في كتاب ابن المواز: يحلف الوارث إن كان كبيرا مع شاهده: أنه حق عليه على البت، ويدخل مع ذلك أيضا: أنه ما علم أنه اقتضى من ذلك شيئاً، قال في موضع آخر: ولا أسقط منه عنه شيئاً في علمه. [8/ 411]
في الشاهد يقوم فيما وليه عبد الرجل أو شريكه أو وكيله أو يليه أو الأب لابنه الصغير
قال ابن سحنون عن أبيه: وكذلك لو أقامه أبوهم ثم لم يحلف حتى مات لحلفوا معه/ قال: ويجوز لهم أن يحلفوا بالخبر الصادق، كما يجوز لهم أخذ المال بالشاهدين وفي الباب الأول مسألة من هذا. وروى ابن القاسم عن مالك في الموصى له بالثلث يأتي بشاهد بذكر حق الميت: أنه يحلف الموصي بالثلث مع الشاهد كالوارث، وقال في كتاب ابن المواز: فإن نكل حلف الغريم وبرئ، قال: وليس للورثة فيه حق، يريد محمد: في الثلث. في الشاهد يقوم فيما وليه عبد الرجل أو شريكه أو وكيله، أو وليه الأب لابنه الصغير من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال مالك فيمن أمر عبده أو وكيله بقضاء دين عليه ففعل وحجد القابض، فأقام شاهدا: حلف العبد وبرئ السيد الأمر، وإنما يحلف الوكيل كان عبدا أو حرا أو مسلما أو كافرا، قال ابن القاسم: لأنه للوكيل شهد، وليبدأ به. قال ابن المواز: فإن نكل الوكيل غرم بعد رد اليمين على الطالب: أنه ما قبض، لأنه ضيع إذ لم يشهد شهدين، ونكل عن اليمين، وأما إن نكل العبد فليحلف العبد كما يحلف مع شاهد لحق العبد بعد موت العبد، وكذلك إن كان العبد ميتا، أو الوكيل عديما أو ميتا، فليحلف الآمر مع الشاهد على الدفع ويبرأ، وكذلك إن وكل عبدا لغيره فلم يشهد شاهدين، لضمن العبد إن كان مأذونا له في ذلك، قال: وإن كان الوكيل معدما وقد أبى أن يحلف، فلمن وكله أن يحلف مع الشاهد: لقد وصل هذا الحق إلى غريمه، كيمينه مع شاهد ببراءة لأبيه من دين عليه/ دفعه أبوه، وكذلك على حق لأبيه، قلت: ويسمع هذا الوارث أو الموكل أن يحلف على ما لم يحط به علما؟ قال: له ذلك في الحكم إلا أن فيما بينه وبين الله، لا أحب له ذلك إلا أن يكشف له تحقيق ذلك بإقرار، أو بما يتظاهر عند ويتواطأ حتى لا يشك فيه فيكون ذلك عنده كالمعاينة. [8/ 412]
في الشاهد للميت أو للحي، هل يحلف غرماؤه؟
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في العبد المأذون يقيم شاهدا بحق وينكل عن اليمين، قالا: فليس لسيده أن يحلف: ما كان العبد قائما، ونكوله عن اليمين كإقراره، وإقراره جائز، ولو مات العبد حلف السيد مع شاهد عنده وأخذ المال. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة من رواية نافع: قال مالك: ومن اعترف بيده بكر ولي شراءه شريكه الغائب المفاوض له، فأقام الحاضر على بائعه شاهدا أنه البكر الذي بعته من شريكي، فله أن يحلف معه إن ثبت أنه شريك للغائب. ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن أمر رجلا يشتري له جارية أو سلعه ففعل، وقام له بذلك شاهد، والبائع ينكر، فإن قامت للآمر بينة على الأمر، حلف مع شاهد وكيله، وإن لم تقم بينة فاليمين على الوكيل. قال ابن نافع عن مالك في الرسول يقبض ثمن سلعة باعها المرسل، فقال المبتاع: دفعت إلى الرسول وأنكر، فليحلف الرسول: ما أخذه، إلا أن يكون الرسول ممن لا يحلف لصغر وشبهه، فليحلف المرسل: ما علم أنه وصل إلى رسوله/ شيئا، ويستحق. ومن كتاب ابن المواز: قلت: أيحلف الأب في حق لابنه الصغير؟ قال: إن كان هو الذي دفعه أو باعه وله بذلك شاهد فإنه يحلف، فإن لم يحلف ورد اليمين على المدعي عليه حلف وبرئ، ولزم الأب غرم ذلك من ماله، وقاله مالك وعبد الله ابن زيد بن هرمز في الوصي يدعي عليه بعض غرماء الميت: أنه دفع إليه ما كان عليه للميت، فأنكر الوصي أن يكون قبض منه شيئا، فطلب منه اليمين فشك ورد اليمين على الغريم، فحلف وبرئ، فإن الوصي يغرم ذلك من ماله لليتامى. في الشاهد للميت أو للحي هل يحلف غرماؤه؟ من المجموعة قال مالك في الميت يقوم له شاهد بدين وعليه دين للناس، فأبى ورثته اليمين مع الشاهد، فللغرماء أن يحلفوا ويأخذوا حقوقهم، فإن فضل فضل لم [8/ 413]
يكن للورثة معاودة اليمين لنكولهم عنها أولا إلا أن يقولوا: لم نعلم أن لنا فيه فضلا، ويعلم ذلك، فليحلفوا ويأخذوا. قال سحنون: وإنما كان للورثة أن يحلفوا أولا لأنهم لو نكل الغرماء عن اليمين أنهم لم يقبضوا دينهم كان للورثة اليمين مع الشاهد، فلذلك لهم الحلف أولا إذا لم يقم الغرماء، فأما إن قاموا وثبتت حقوقهم وطلبوا أن يحلفوا فهم المبدؤن بها، لأنهم أولى بتركته، وروى ابن المواز عن مالك مثل ما تقدم، وقال محمد: والمعروف لمالك أنه يبدأ بدين الورثة إن كان في الحق فضل عن دين الغرماء، فإن لم يكن فيه فضل فلا يحلف إلا الغرماء، فإن نكلوا / حلف الغريم وبرئ. وقد روى ابن وهب في قيام شاهد بدين للميت يقوم به غرماؤه: أن الورثة يحلفون معه، فإن نكل حلف غرماؤه واستحقوا قدر دينهم، فإن فضل شيء لم يأخذه الورثة إلا بيمين. قال أصبغ: وإن حلف الغرماء ثم طرأ مال آخر للميت فلهم الأخذ منه، ثم لا يكون للورثة أخذ الدين الذي فيه الشاهد إلا بيمينهم، قال محمد: بل ليس للغرماء ولا للورثة أخذ الدين إلا بيمين الورثة، ولا تغني يمين الغرماء التي حلفوا أولا، لأنه لما طرأ مال بقي بدينهم صار الورثة أقعد بدين الميت وباليمين عليه مع الشاهد، ولو لم يطرأ مال، لكن لما حلف الغرماء واستحقوا دينهم تركوا للميت، فصار كمن لا دين عليه، وصار الدين ميراثا، قال: وإذا نكل غرماء الميت عن اليمين حلف المطلوب وبرئ، ولا حق في ذلك للورثة إلا أن يفضل منه عن الدين فضل فيحلفون إن شاؤوا. قال مالك: فإن كان فيه فضل قيل للورثة: احلفوا واستحقوا الفضل فقط إلا أن يتبين من الغرماء أنهم ما تركوا دينهم إلا للورثة خاصة أو للذي هو عليه، وإلا فهو للميت. [8/ 414]
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فيمن عليه دين أقام شاهدا بدين له ونكل عن اليمين، قال: فليس لغرمائه أن يحلفوا ما كان قائم الوجه جائز الإقرار، فأما إن ضرب على يده، حتى لا يجوز إقراره، فلغرمائه أن يحلفوا إذا نكل ويستحقوا ذلك قضاء لهم من دينهم عليه، ويحلف كل واحد على أن الذي شهد به الشاهد من جميع الحق حق، وليس على ما ينوبه/، ومن نكل منهم فلا محاصة له مع من حلف، قال مطرف: فإن رجع أحد منهم بعد نكوله، فإنه لا يقال، وقال ابن الماجشون: للناكل معاودة اليمين وليس كنكوله عن حق نفسه، لأنه يقول: ظننت أن الغريم سيحلف ويغنينا عن اليمين، أو يقول: أردت أن أكشف عن علمه وعن غير وجه، فإنه يقال ما لم يمض الأمر به والحكم فيه. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم في ميت قامت امرأته بمهرها وغرماؤه بدينهم، ولم يدع وفاء، وقام شاهدان أن المرأة تركت مهرها للزوج، فللغرماء أن يحلفوا ويكونوا أحق بما ترك، ثم إن طرأ له مال وكان ما قبض الغرماء وفاء دينهم، حلف الآن ورثته مع الشاهد وورثوا الطارئ، ولا يجزئهم يمين الغرماء أولا، قال في رواية عيسى: فإن نكل بعض الغرماء كان لمن يحلف بقية حقه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قام للغرماء شاهد بالبراءة من دين وهو ميت أو مفلس: فلس لغرمائه أن يحلفوا ويبرأوا كما كان له هو، وإنما يحلفون في دين له لا في براءة ذمته، ويمينه على أنه دفع رجم بالغيب [والذي ذكر ابن المواز: أن هذه يمين بمخبر لا رجم بالغيب]. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا مات وعليه دين وله دين مؤجل بشاهد واحد ولا مال للميت، فقيل للطالب: احلف مع شاهد الميت وخذ من الدين [8/ 415]
فيمن نكل عن اليمين مع الشاهد ثم وجد شاهدا آخر، أو قام له شاهد فيما لا يحلف فيه معه
إذا حل، فحلف، ثم طرأ للميت مال قبل محل الدين، فإن يأخذ حقه منه، ثم لا يأخذ الورثة ذلك الدين حتى يحلفوا مع الشاهد، فإن نكلوا لم / يأخذوا من الذي شهد عليه بالدين شيئا وحلف وبرئ، ولو حل الدين فأخذه الحالف، ثم طرأ للميت مال [فللورثة أخذه، ولا يرد ما مضى به الحكم، ولو حلف الطالب على مال حال فأخذه، أو حل أجله فقبضه ثم طرأ للميت مال] لم يعلم به، فليأخذه الورثة وينفذ ما أخذ الغريم، ولو كان للميت مال حاضر فقال الورثة: نحن نأخذ المال الحاضر، فرضي بذلك أهل الدين وقالوا: نحن نحلف مع شاهد الميت ونأخذ ذلك الدين، فليس للغرماء ذلك ولا للورثة، ولا يحلف إلا الورثة هنا، وإنما يحلف الغرماء إن لم يكن للميت مال يوفى منه الدين، فإن كان له مال حاضر فمنه يقضى الدين، ويحلف الورثة في الدين إن شاؤا، وإذا قام للميت شاهد بدين ولا مال له غيره وعليه دين، فحلف بعض غرمائه مع الشاهد، وأبى الآخرون اليمين، فإن من يحلف يأخذ جميع حقه من هذا الدين لا ما يقع له منه، ولو قام شاهدان بخلاف الورثة يقوم لهم شاهد، فقتل خطأ، فحلف بعضهم فلا يجوز لمن حلف إلا حصته لأن طلبهم في الدية بعينها، وليس طلب الغرماء في هذا المال بعينه. فيمن نكل عن اليمين مع الشاهد ثم وجد شاهدا آخر أو قام له شاهد فيما لا يحلف فيه معه ثم أصاب آخر وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا من كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدا ثم نكل عن اليمين معه، فحلف المطلوب وبرئ، ثم أصاب شاهدا آخر، فليؤتنف له الحكم به ولا يضم إلى الأول، [8/ 416]
وإلا رد اليمين ثانية، لأن اليمين الأول إنما أسقط بها المطلوب الشاهد الأول، قال أحمد ابن ميسر/: لا ترد اليمين على المطلوب ثانية، لأنه قد حلف عليه مرة. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنه سئل: إذا وجد شاهدا آخر قال: لا يضم إلى الأول، ونكوله عن اليمين أولا قطع لحقه، بخلاف الذي لا يجد بينة، أو تغيب بينته فيحلف المطلوب فيجد بينة، أو يحضرون، وذكرها ابن سحنون عن ابن القاسم قال: وسئل عنها ابن كنانة فقال مثله: أنه لا يحلف مع الشاهد الثاني، لأنه ترك موضع حقه بالنكول، ومن كتاب ابن المواز: قال: فإن كان إنما أقام شاهدا فيما لا يحلف معه فيه من عتق أو حد فحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر، فإنه يضم إلى الأول ويقضى بهما، لأنه منع أولا من اليمين فلم يكن له نكول يسقط به شاهده، وهو كصغير قام له شاهد [فحلف مطلوبه وأخر، ثم وجد شاهدا] آخر فإنه يحكم بهما. وقال ابن كنانة في كتاب ابن سحنون عن مالك فيمن أقام شاهدا بحق فلم يجد غيره، وقاضيهم لا يقضي باليمين مع الشاهد، فلم يقض له بشيء، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يقضى له بحقه، وقد أخطأ قاضيكم، إذ لا يقضى باليمين مع الشاهد. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم عن مالك فيمن أقام شاهدا بحق ونكل عن اليمين معه، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يضم له إلى الأول ويقضى له، وقال ابن كنانة: هذا وهم، وقد كان يقول: إنه ليس له أن يضم له، وإنما هذا في المرأة والعبد يقيم شاهدا على طلاق أو عتق، فيحلف السيد والزوج، ثم يقوم شاهد آخر، فإنه / يضم إلى الأول إذ لم يتقدم له نكول، وقاله ابن الماجشون، وقال أصبغ بقول مالك الأول في الحقوق، كما لو لم يقم شاهدا وحلف المطلوب فنكل، ورد اليمين على المدعي، فحلف واحد، ثم وجد المدعي عليه بينة [8/ 417]
فيمن قام له شاهد وأحد بإقرار غريم هل يحلف أنه أقر له؟
تبرئه من ذلك الحق، فليقم بها ويبرأ، ويرجع إلى ما أخذ منه فيأخذه، ولو أن المدعي حين رد عليه اليمين نكل فلم يقض له بشيء ثم وجد بينة على دعواه، فإنه يأخذ ببينته، وقال أصبغ: هذا الذي لا أعرف غيره من قول أصحابنا، قال ابن حبيب: وهو أشبه بقول عمر بن الخطاب: البينة العادلة، أحق من اليمين الفاجرة. وهذا مكرر في كتاب الأقضية أيضا. وقال مطرف وابن الماجشون فيمن ادعى حقا ولا بينة، له فحلف المطلوب وبرئ، ثم وجد المدعي شاهدا فإنه لا يحلف معه، ولا يقضى له هنا إلا بشاهدين، لأنه لا تسقط يمين قد درئ بها حق بيمين مع شاهده، وقاله أن عبد الحكم وأصبغ، وقال مالك في كتاب ابن سحنون والمجموعة [وإذا أقام شاهدا] فلم يحلف معه ورد اليمين على المطلوب فحلف، ثم أقام الطالب شاهدين بعد ذلك، قضي بهما إن كان لذلك وجه. فيمن قام له شاهد واحد بإقرار غريم هل يحلف أنه أقر له؟ قال ابن عبد الحاكم: وإذا شهد شاهد أن فلانا أقر لفلان بمائة دينار حالة، حلف المشهود له بالله: لقد أقر له فلان بمائة دينار حالة، / ولقد شهد له شاهده بحق، فإن قال: لا أحلف أنه أقر لي بمائة، ولكن احلف أن لي عنده مائة، أو لقد غصبني مائة دينار، فلا تلزمه اليمين إلا على ما شهد به شاهده، فإن شهد شاهدة إنه غصبه مائة [دينار فيحلف أنه غصبه مائة دينار] فإن كان المشهود عليه غائبا أو ميتا استحلفه يمينا على ما ذكرت لك، ثم يستحلفه ثانية: أنه ما قبضها ولا شيئا منها ولا أحال عليها ولا احتال بها على أحد، ولا عنده بها رهن ولا تبعه إلا ما رفع بها إلى القاضي من الشهادة وإنها عليه لثابتة، ثم يقضى له بها. [8/ 418]
في الشاهد يقوم بطلاق أو عتق أو حد أو لم يجد شاهدا
في الشاهد يقوم بطلاق أو عتق أو حد أو لم يجد شاهدا من كتاب ابن المواز: وإذا ادعت امرأة الطلاق ولم تجد شاهدا، فلا يأتيها إلا مكرهة، وقاله مالك. قال ابن القاسم: ولا الأمة تدعي العتق كذلك، وإن قدرت الحرة أن تفتدي بكل مالها فلتفعل. ومن أقام شاهدا في عتق أو طلاق أو حد، فنكل المطلوب عن اليمين، فقال مالك: يحكم عليه، وبه قال أشهب، ثم قال مالك: يحبس حتى يحلف، وبه أخذ ابن القاسم وأكثر أصحابنا، لأني إن حكمن بنكوله حكمت بشاهد بغير يمين، فيكون أخف حالا من الأموال، فإذا طال حبسه ترك، قال ابن القاسم: وطول حبسه سنة، وكذلك في الحدود إلا الجراح، فإنه يقتص المجروح بعد يمينه في العمد ويأخذ أرش الخطأ، قال ابن سحنون: / وأخذ سحنون بقول مالك أنه يسجن أبدا حتى يحلف. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك: وإذا قام شاهد بالطلاق فأبى الزوج أن يحلف ثم قال: أنا أحلف فليس ذلك له، وكذلك في العتق يريد. على رواية أشهب [قال مالك] وكذلك من أقام شاهدا بحق وأبى أن يحلف ورد اليمين، ثم بدا له أن يحلف، فليس ذلك له. ومن المجموعة: قال ابن القاسم فيمن أقام شاهدا على رجل أنه مولاه أعتقه، وهو منكر فلا يمين عليه، قال أشهب: لأنه يجحد شيئا هو له، ونكوله إقرار على العاقلة، ولا يجوز إقراره عليهم على هذا الوجه. وقال ابن الماجشون: احلفه فإن أبي سجنه على هذا الوجه حتى يحلف. [8/ 419]
في شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال من الاستهلال وغيره
قال ابن القاسم وابن وهب في المجموعة والعتبية: قال مالك فيمن أقام شاهدا على رجل أنه قذفه فليحلف له: ما قذفه، فإن نكل سجن حتى يحلف. قال ابن القاسم في العتبية من رواية أصبغ: فإن طال سجنه خلي ولا ضرب عليه. وتقدم باب فيمن أقام شاهدا يقذف ونحوه. ومن كتاب ابن المواز: وإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه في مرضه: فاليمين على الورثة على العلم. ومن كتاب ابن سحنون: وعن شاهد شهد بطلاق البتة، فأحلف الزوج فحلف، ثم نكث الشاهد، وأصابت المرأة شاهدا غيره: أنه لا يضم إلى الأول، لأنه الآن ساقط الشهادة، وقد تقدمت اليمين باسقاط شهادته الأولى. وكتب شجرة إلى سحنون فيمن شهد عليه شاهد في غيبته أنه حنث في امرأته / ورقبته، والزوجة غائبة، فكيف يحال بينه وبينهما؟ فكتب إليه: يرفع الرجل، وتقر لمرأة بموضعها [حتى تشهد عليه البينة عندك ويرفع الرقيق] حتى تشهد على أعيانهم البينة. وحل بينه وبينها في رفعها إليك، فإن ثبت الأمر عليه بشاهدين حكمت عليه، وإن لم يثبت عليه إلا شاهد فحلقه: أنه ما طلق ولا أعتق، فإن حلف فرد عليه كل شيء، وإن نكل فاحبسه، وقد اختلف قول مالك وأصحابه في نكوله وطول سجنه. وقد ذكرنا قبل هذا. في شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال من الاستهلال وغيره وهذا الباب قد تقدم ذكر كثير من معناه في الباب الأول في الشاهد واليمين، وشهادة النساء. [8/ 420]
من المجموعة: قال ابن القاسم: ومن حلف بعتق أو طلاق: وإن لم يكن بفلانة عيب بموضع كذا، بمكان لا يراه إلا النساء، [وهي حرة أو أمة] وقالت الحرة: لا أمكن من ينظر إلي، وقالت الزوجة الرقيق: لنا ذلك إذا أذنت الحرة في أن تنظر إليها امرأة فنظرت القوابل [فقالت: ليس بها ما قال، قال: لا يحنث وهو مدين، وليس نظر النساء إليها بشيء، وقال ابن الماجشون: والقوابل] فيما غبن عليه، فهي مثل الرجال تجوز فيه شهادة اثنتين للضرورة، وقد اختلف في جواز اثنتين وإنما قلنا للضرورة، فيجوز في هذا أقلما يجوز من النساء وهو اثنتان، وليس لشهادة الواحدة أصل في مال ولا غيره، قيل: فلم جعلت معها يمين؟ قال: يسلك بها مسلك الشهادة على المال، لكن للضرورة. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا يجوز شهادة امرأة في شيء، وتجوز شهادة/ امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال بغير يمين: من الولادة والحمل وعيوب الفرج والاستهلال والرضاع، ويحتاج في الرضاع معها أن يكون فاشيا عند المعارف، وتجوز شهادة القابلة مع أخرى على الاستهلال. قال: وإذا شهدت امرأتان على إرخاء الستر لم يقض للزوجة إلا بيمينها. ومن ابتاع أمة على أنها بكر فقال: لم أجدها بكرا، فإن قالت امرأتان: اقتضاضها قريب، حلف البائع وبريء، وإن قالتا: بعيد، حلف المبتاع وردها. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: وإذا شهدت امرأتان ورجل على استهلال الصبي، لم تجز شهادتهم، وقاله ربيعة وابن هرمز، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن حبيب: وذلك لارتفاع الضرورة بحضور الرجل، فسقطت شهادة المرأة وبقي الرجل وحده فلا تجوز شهادته، على أني سمعت من أرضى من أهل العلم من يجيز ذلك ويراه أقوى من شهادة أمرأتين، وهو أحب إلي، وذلك أن ابن وهب روى أن أبا بكر، وعمر، وعليا، ومروان أجازوا شهادة المرأة [8/ 421]
المسلمة وحدها، وروي عن عمر أنه ورث صبيا على أنه استهل ثم مات هو وأمه بشهادة القابلة. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية يحيى بن يحيى وعيسى عن ابن القاسم: وإن شهدت امرأتان على الاستهلال وعلى أنه صبي، فما أراه إلا وسيكون مع شهادتهما اليمين. قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: لأنها شهادة على مال، قال أصبغ في / العتبية: والقياس: ألا يجوز لأنه يصير نسبا قبل أن يصير مالا، قيل: فماذا يرث ويورث؟ قال: بأدنى المنزلتين، إلا أن يكون لا يبقى ويخاف عليه إن أخر دفنه إلى أن يأتي الرجال، فتجوز شهادتهن فيه. وروى أشهب عن مالك في كتاب ابن سحنون: أن شهادتهن لا تجوز على أنه ذكر، وأخذ به أشهب، وقال سحنون: القول ما قال أشهب، لأن الجسد لا يفوت والإستهلال يفوت، وعاب قول ابن القاسم، وإنما يرث ويورث عند سحنون بأدنى المنزلتين، قال ابن سحنون: إلا أن تكون الولادة بموضع لا رجال فيه ينظرون إلى الجسد، والجسد لا يبقى ويخاف عليه أن أخر دفنه إلى وجود الرجال، فأستحسن إجازة شهادة النساء حينئذ، ويكون كما قال ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: لا تجوز شهادتها على أنه ذكر، ولا يفوت ذلك كفوت الاستهلال. قال أصبغ في قول أشهب: لا ترد إلا على أنها أنثى، وقال أصبغ: إن فات بالدفن وطال مكثه فلا يمكن إخراجه لتغيره، فإن كان فضل المال يرجع إلى بيت المال والعشير البعيد: أجزت شهادتها، وإن كان بعض الورثة: أخذت بقول [8/ 422]
أشهب، قال محمد: ذلك سواء، ولا يعجبني قول أصبغ ووجدت له أنه رجع إلى قول أشهب، وروى ابن حبيب أن مالكا قال: لا تجوز شهادتها على أنه ذكر أو أنثى، وإن أصبغ قال مثله، قال: ويرث بأدنى المنزلتين. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإذا ولدت ثم ماتتهي والولد في ساعة، فشهد النساء أن الأم ماتت أولا، حلف أبوه على ذلك واستحق ما يرث عن أمه، لأنه مال. ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: إن شهدتا أن فلانة ولدت ولدا حيا ثم مات فيجوز، فأما في استهلاله فيجوز، / وأما في موته فإن وجد ميتا جازت شهادتها. قال سحنون فيه وفي العتبية: إنما تجوز شهادتهما إذا بقي بدن الصبي قائما، أو شهد الرجال أنهم قد رأوه ميتا، لأن الإستهلال لا يبقى، والبدن يبقى، ومن المجموعة والعتبية رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فشهادة النساء في ذلك جائزة. ابن حبيب عن أصبغ: وإن ولدت توأما فشهادة المرأتين على أولهما خروجا جائزة، فيعتق ويرق الآخر، وقاله ابن وهب، قال عيسى في العتبية قال ابن القاسم: فإن جهل ولم يشهد عليه نساء عتقا جميعا، لأنه يعتق من كل واحد نصفه ثم يتم عليها بالقضاء. ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: وإذا أقر بوطء أمته فشهد امرأتان بأنها أسقطت، صارت بذلك أم ولد، وإن شهد بذلك اختاها بعد موت السيد، لم تجز شهادتهما إذا كان هو الولد الذي تعتق به، فأما إن شهدتا أنها ولدت ولدا بعد أن ثبتت ولادتها من سيدها في حياته، جازت شهادتهما، ولحق النسب بالميت. [8/ 423]
في شهادة العبيد وأهل الذمة وكيف إن شهد العبد بعد عتقه والذمي بعد إسلامه
وقال ابن وهب عن مالك: [تجوز شهادة المرأتين في العيوب والحيض والولادة والإستهلال. وروي عن مالك] إذا شهدتا في أمة أنها أسقطت بعد موت سيدها، وقد كان مقرا بوطئها، فشهادتهما جائزة قال عنه أشهب: ولا تجوز شهادة رجل واحد على الإستهلال. قال سحنون في امرأة ادعت أن زوجها جرحها في موضع لا يراه الرجال فأرادت أن تأخذ قياس الجرح، قال: هي لو كان بها جراح في الفرج تحتاج/ إلى علاجه، جاز أن ينقب الطبيب في ذلك الموضع دون ما سواه حتى يعالجه، فأما في قياس الجرح: فإني أجيز شهادتهن في الجراح حيث يجوز الشاهد واليمين. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في امرأة في الرضاع: لا تقبل إلا أن يفشو في الصغر عند المعارف. وقال أيضا: إن لم يعرف ذلك إلا امرأة فليس بشيء: وأما امرأتان: فإن كان معه انتشار في المعارف حكم بقولهما إلا أن يطول مقامه معها بعلم المرأتين، فلا تجوز الشهادة، ومن المجموعة: قال ابن الماجشون: لا يجوز فيه أقل امرأتين عدلتين، ولا يفسخ النكاح منه إلا بالقوي المشهور، ويأتي من غير وجه ولا اثنين، وما كان قبل التزويج وإن ضعف فحقيق فيه التوقي. في شهادة العبيد وأهل الذمة وكيف إن شهد العبد بعد عتقه، والذمي بعد إسلامه والصبي بعد كبره بشهادة ردت قبل ذلك عليهم أو لم ترد؟ من المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: لا يجيز القاضي شهادة أهل الذمة بينهم، ولا على مسلم، ولا له لكافر أو مسلم، ورواه عنه ابن نافع، قال أشهب: وقد شرط الله ذوي عدل وقال: (ممن ترضون) وليس الكافر من ذلك. [8/ 424]
ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة الكافر في شيء لا خلسة ولا قتل ولا وصية في سفر لضرورة أو غيرها، ابن القاسم: وآية الوصية في السفر: (أو آخران من غيركم) منسوخة / بقول (ذوي عدل منكم) قال: ولو رضى الخصمان بشهادة مسخوطا أو كافر فلا يحكم بذلك حاكم. ومن كتاب ابن حبيب عن ابن الماجشون في يهوديين تداعيا في شيء فاستشهدوا بينة مسلمين، وقد رضيا بشهادة رجال يهود سموهم، فحكم بينهم بشهادة أولئك حاكم اليهود، ثم رجع أحدهما عن الرضى بذلك، قال: ذلك له، ولا تجوز شهادة يهودي على يهودى ولا على مسلم، ولا على أحد، وذلك كله - رضيا به أو لم يرضيا - باطل مفسوخ قال أبو محمد: لعله يريد: وقد رضيا بالتحاكم إلينا. ومن المجموعة: قال مالك: وإذا اشهد كافر وصبي وعبد فردت شهادتهم فلا تقبل منهم بعد إسلام الكافر وعتق العبد وبلوغ الصبي، قال أشهب في المجموعة: واختارها بعض العراقيين وهو يقول: إذا شهد وهو مسخوط فردت شهادته، ثم حسنت حاله، ثم شهد لم تجز، فهذا مثله، قال عبد الملك: وكذلك إذا شهد بها في سفهه فردت، ثم شهد بها بعد حلمه فلا تقبل، ومن كتاب ابن المواز: ولو جهل الحاكم فحكم بها أولا لنقض الحكم، فإن لم ينقض الحكم حتى شهدوا بها في الحالة الثانية قبلت ويؤتنف الحكم بها، وكذلك لو لم ترد أولا، وقال ابن القاسم في المجموعة في عبد حكم بشهادته وظن أنه حر، ولم يعلم بذلك حتى عتق، أن الحكم الأول يرد، ثم يقوم الآن بها فيشهد. ومن كتاب ابن المواز: / قال أشهب: ولو قال الخصم للحاكم: شاهداي فلان العبد وفلان النصراني فقال: لا أجيز شهادتهما، ثم أسلم النصراني وعتق العبد فشهدا، قال: يجوز ويقبل، وإنما هذا من القاضي فتيا. [8/ 425]
في شهادة الصبيان في الرجاح والقتل
ومن كتاب ابن سحنون: بلغني عن بعض العلماء - وهو قولي، وهو قياس قول مالك وأصحابه - أن الصبي والعبد والنصراني إذا أشهدوا على شهادتهم [قوما عدولا، ثم انتقلوا إلى الحال التي تجوز فيها شهادتهم] قبل أن ينقل عنهم، فغابوا أو ماتوا، فشهد على شهادتهم، أن ذلك غير مقبول؛ لأنهم أشهدوا غيرهم في وقت لا يقبل فيه علمهم، وهو بخلاف أن يشهدوا في الحال الثاني بما علموه في الحال الأول. ولهذا باب في كتاب الشهادات الأول، وفيه الحجة في ذلك كله. في شهادة الصبيان في الجراح والقتل من المجموعة وغيرها: قال مالك: الأمر عندنا، أن شهادة الصبيان تجوز بينهم في الجراح لا على غيرهم ما لم يفترقوا أو يعلموا أو يخيبوا فلا تجوز، إلا أن يكون قد أشهدوا على شهادتهم قبل أن يفترقوا، قال عنه ابن وهب: فلا يبالى برجوعهم. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وإنما تجوز شهادتهم في المعارك. قال ابن سحنون عن أبيه ونحوه في العتبية: ثم تنازع أصحابنا في بعض ذلك فقال ابن القاسم عن مالك: تجوز شهادتهم في القتل بينهم، وقال غيرهم: على رؤية البدن مقتولا، ولا تجوز شهادة الإناث. وقال ابن نافع وسحنون: إذا شهد صبيان على صبي أنه جرح صبيا ثم نزا فيه / فمات، أن في ذلك القسامة، ويأخذون الدية. قال أشهب: إنما تجوز شهادتهم فيما دون القتل، ولا تجوز شهادة الإناث منهم والعبيد، ولا من فيه بقية رق، ولا تجوز شهادة الصبيان في القتل. [8/ 426]
وروي عن مالك أن شهادة الإناث منهم والعبيد لا تجوز، وقال المغيرة: تجوز شهادة إناثهم وذكورهم في القتل، ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن الماجشون: لا تجوز من على غير الإسلام منهم، ولا العبيد بعضهم على بعض، وتجوز شهادة الإناث من الصبيان. قال سحنون في المجموعة: واختلف قول ابن القاسم في شهادة اناثهم في الجراح، فأجازها في كتاب الديات. ولم يجزها في كتاب الشهادات، ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة إناثهم عند ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم، وأجازها عبد الملك. وأما العبيد كلهم: فلا تجوز شهادتهم عند مالك وأصحابه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة صبي واحد، ولا تكون معه قسامة. وقال المغيرة: ولا يحلف معه في الجراح، وذلك أنه لو شهد معه كبير عدل سقطت شهادته، فيمين الولي معه كشاهد، قال عبد الملك: لا موضع في شهادة الصبيان لليمين، وإنما يجوز من شهادتهم ما يقطع بها، وأقل ما يجوز منهم: غلامان أو غلام وجاريتان لا غلام وجارية، ولا تجوز شهادة / الصبايا وحدهن وإن كثرن؛ لأنهن وإن كثرن مقام اثنتين، واثنتان مقام صبي واحد، ولا يحكم بشهادة واحد، ومن العتبية: قال سحنون: والذي اخذ به فيهم: أن تجوز شهادتهم صغارا [حيث تجوز كباراً، قيل له: فلم لا يحلف مع أحدهم صغيرا] كما يحلف مع الكبير، قال: لأنها لم تجز إلا على الإضطرار لا على العدالة، ألا ترى أن مخالطة الكبار تبطل شهادتهم، وليس مثل هذا يبطل شهادة العدل، قيل: والصبايات؟ قال: تجوز شهادتهن في الجراح والقتل مع ذكر كما يكون في الكبار، قلت: فلم لا قبلتها في الحقوق؟ قال: إنما قبلت منهم للضرورة، ولا ضرورة في هذا. [8/ 427]
وقال أصبغ: لا تجوز شهادة إناثهم بينهم في الجراح، وقاله ابن القاسم، وإن شهد صبيان على جرح خطا، فلا يحلف مع شهادتهما، وهي كشهادة غلام، وقد جاء عن علي أنه قبل شهادة الصبيان، وهذا يجمع الذكور والإناث. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وإذا قتل صبي صبيا لم يقسم على قول الصبي، ولا ينفع فيه إقرار الصبي الآخر، قال سحنون: وعلى هذا جماعة أصحابنا، ومن كتاب ابن حبيب: قال مالك: لا يقسم على قول الصبي إلا أن يكون قد راهق وعرف وأبصر، وإن لم يحتلم فليقسم على قوله، وروى مطرف عن مالك: أن شهادة الإناث تجوز حيث تجوز شهادة الصبيان، وإذا شهد معهن ذكر، وأقل ذلك اثنتان مع صبي. / ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا شهدوا على قتل صبي صبيا لزم العاقلة الدية بلا قسامة، وقاله أصبغ. ومن المجموعة: قال أشهب: لا يجوز منهم واحد، ولو جاز كان معه اليمين، ولا يمين لصبي وإن وخر حتى يكبر صار صبيا يشهد لكبير، وليس يشبه ذلك. وتجوز ذكورهم لإناثهم، كان المشهود لهم أحرارا أو أرقاء. قال ابن وهب وابن نافع عن مالك: إذا شهدوا لصغير على كبير لم يجز، ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادتهم لكبير ولا عليه لصغير ولا له، وإن شهدوا أن صبيا جرح كبيراً أو قتله: فأما في جرحه فلا يجوز، لأن هذا المجروح كبير دخل بينهم، وأما على قتله فيجوز إذا لم يبق حتى يعلمهم، وتجب الدية على عاقلة الجاني. وقال في المدونة: ولا يقبل صغير على كبير أنه جرحه أو قتله. قال ابن المواز: قال أشهب: بلغني عن مالك في كبير وصبيين شهدوا لصبي على صبي أنه قتله: أنه يسقط الصغار. محمد: وتكون القسامة بشهادة الكبير إن كان [8/ 428]
عدلا، قال [مالك] في كتاب ابن سحنون: ولا يجوز صبي أو صبيان مع رجل على صبي آخر، ويكلف شهادة رجل آخر. قال سحنون: [وهو في المجموعة، لعبد الملك: ولا شهادة للصبيان حيث يحضر الكبار، وقال سحنون] رجال أو نساء لأن النساء يجزون في الخطأ، وعمد الصبي كالخطأ. وقال ابن المواز: وإذا دخل معهم رجل كبير أو امرأة شاهدا أو مشهودا له أو عليه، لم تجز شهادة الصغار، لأن الكبير يعلمهم إلا كبير مقتول لم يبق حتى يعلمهم. قال ابن سحنون عن أبيه: وإن حضر رجال غير عدول فإن كانوا ظاهري السفه والجرحة، جازت شهادة الصبيان، ثم وقف عن إجازتها. ابن حبيب عن مالك: وإن شهد صبيان مع كبير لم يجز ذلك، قال مطرف: وذلك إن كان الكبير عدلا، فأما مسخوطا أو نصرانيا أو عبدا لم تجز شهادة الصبيان ثم حضوره كلا حضور، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا دخل منهم رجل أو امرأة بطلت شهادتهم. قال: وإن يشهد كبير على صغير أنه قتل كبيراً أو صغيراً كانت بذلك القسامة. قال ابن المواز: لا ينظر في شهادة الصبيان إلى عدالة ولا جرحة ولا عدواة ولا قرابة، قال ابن القاسم: ولا تجوز لقريب ولا على عدو منهم إذا ثبتت العداوة، قال عبد الملك: تثبت في العداوة وتسقط في القرابة، قال في المجموعة يجرى الكبير بين الأب والأم والزوجة والجدود، فترد في هذا لأنه جر إلى نفسه، وذكر ابن [8/ 429]
حبيب عنه مثله، قال ابن المواز: ولم يختلف إنه لا ينظر إلى عدالة ولا إلى جرحة فيهم. ومن كتاب ابن سحنون: قال / سحنون: لا تجوز شهادة الصبيان الارقاء، ومن على غير الإسلام، ومن لا تجوز شهادته من الكبار لقريبه من الأبوين والزوجة ونحوه فإنه يجرى في شهادة الصغار مجرى شهادة الكبار، لأنه من جر الشاهد إلى نفسه، وأما عداوة بعضهم بعضا: فلا تبطل شهادتهم، وليست بشهادة لها غور ولا تقع في مواضع العداوة. وروى معن عن مالك أنه أجاز شهادة الإناث من الصبيان: جاريتان وغلام. قال أبو محمد: انظر في قول عبد الملك وسحنون في شهادة الصبيان لقرابتهم كالأبوين، فكيف يجري هذا، وقد قال أصحابنا: لا تجوز شهادتهم لكبير، وأما الزوجة فيمكن أن يكون للصبي الزوجة الصغيرة، وللصغيرة زوج صبي، قلت لسحنون: لم أجزت الصبيان بينهم في الجراح، ولم تجزها في الحقوق؟ قال: للضرورة، لأن الحقوق يحضرها الكبار، ولا يحضرون في جراح الصبيان، ألا ترى لو حضر فيهم كبير لم تجز شهادتهم، قلت: فيلزمك أن تجيزها في غصب بعضهم بعضا الأموال كما أجزتها في جراحاتهم، إذ لا يحضر الكبار غصب بعضهم بعضا؟ قال: هذا موضع اتباع الماضيين، ولا وجه للقياس فيما هو كسنة أو سنة. قال غير سحنون: لا تستوي الأموال والدماء، وقد فرقت الأئمة بينهما فقبلوا في الدماء ما لم يقبلوا مثله في المال، وبنا ضرورة إلى تحصين دماء الصبيان لا كالضرورة / إلى تحصين أموالهم، فكل شيء في هذا له موقع. قال سحنون: وقد أجاز شهادتهم في الجراح على بن أبي طالب، وعبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام، وكثير من التابعين، قال أبو الزناد: وهي السنة، وقاله عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وهو الأمر المجتمع عليه عندنا، قال: وما ذكر عن ابن عباس إنه لا يجوز شهادة الصبيان، فمعناه عندنا على الكبار، ولا يريد شهادة [8/ 430]
بعضهم على بعض، ومن هذه الدواوين: قال مالك في ستة صبيان لعبوا في بحر فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، وقال: العقل على الخمسة، لأن شهادتهم مختلفة، محمد ابن المواز: وهذا غلط لاختلافهم ولا يجوز، قال ابن حبيب مثله عن مطرف في الصغار: لا تجوز، قال: ولو كانوا كباراً واختلفوا هكذا، كانت الدية عليهم في أموالهم، وكأنهم قالوا لم تخرج الجناية عنا، [إلا من باب الشهادة عدولا كانوا أو غير عدول، عمدا فعلوا ذلك في شهادتهم أو خطأ، فأما الصبيان: فإن الدية عليهم، لأن الصغار لا إقرار لهم، وذكر عن ابن الماجشون مثل ذلك كله، وذكر عن ابن الماجشون في كتاب القسامة أنه فرق في الكبار بين العمد والخطأ، وهي في كتاب أحكام الدماء]، قال مالك في هذه الكتب إلا كتاب ابن حبيب: فإن شهد اثنان منهم أن فلانا شج فلانا، وشهد آخران منهم أنه إنما شجه فلان فطلب شهادتهم، قاله ابن الماجشون وابن عبدوس وابن المواز وابن حبيب: قال ابن الماجشون: ولا تبطل شهادة الصغار إلا أن يشهد الكبار أن ما شهدوا به لم يكن عن معرفة أو معاينة، أو شهدوا فاختلفوا في قولهم، أو أنهم افترقوا قبل الشهادة، ولا تبطل بهذه شهادة الكبار. ومن العتبية والمجموعة: / قال ابن الماجشون: وإن شهد صبيان أن صبيا قتل صبيا، وشهد آخران ليس منهما القاتل: أن دابة أصابته جبار، قال: تمضى شهادة الصبيان على القتل، ولو أن شاهدي الجبار شهدا بذلك بعد بلوغهما لم تجز، لأنها قد ردت عليهما أولا. ومن العتبية: قال أصبغ: إذا شهد صبيان أن صبيا قتل صبيا الساعة، وشهد رجلان أنه لم يقتله، وأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي فمات، وأن [8/ 431]
هذا لم يضربه ولم يقتله، قال: فشهادة الصبيان تامة، ولا ينظر إلى قول الكبيرين كما لو شهد رجلان بقتله وشهد غيرهما أنه لم يقتله، ولا ينظر فيه إلا عدل. قال ابن سحنون: أنكر سحنون قول أصبغ هذا وقال: قول أصحابنا أن شهادة الكبير أقوى، وأن ذلك كالجرحة للصغار، وغير هذا خطأ غير مشكل، إذ لا يشبه ذلك الكبيرين. ومن كتاب ابن المواز قال: فإذا قيدت قبل تفرقهم بالعدول لم يبطلها رجوعهم إلا بتراخي الحكم حتى يكبروا ويعدلوا ويرجعوا، فيؤخذ برجوعهم، فإن شكوا فيها بعد بلوغهم، لم يضر ذلك حتى يوقنوا أن قد شهدوا بباطل، وقاله سحنون في كتاب ابنه أن رجوعهم قبل الحكم وبعد أن صاروا رجالا كشهادة رجلين: أن ما شهد به الصبيان لم يكن، فهو أولى، ولم تؤخذ شهادتهم مأخذ العدالة فهو أولى، فلا يجرحهم إلا الشهادة أن ما قالوه لم يكن، وقال مثله ابن الماجشون في المجموعة/ وزاد: ولو قيدت شهادة الصبيان على أمر. ثم شهد اثنان منهم قبل الحكم وبعد البلوغ والعدالة: أن ما شهدنا به نحن والباقون من ذلك باطل، سقطت الشهادة كلها، لأنها شهادة صبيان شهد عدول أنها لم تكن، وفي العتبية عنه مثله، وقال عنه أيضا: إذا قيدت قبل أن يفترقوا أو يخيبوا وشهد عليها العدول، ثم بلغ من هو عدل رضا، فرجعوا قبل الحكم بها عما كانوا شهدوا به، فلتسقط كلها، لأنها شهادة الصبيان شهد عليها عدول أنها لم تكن. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا رجع الصبي عن شهادته فلا رجعة له ولا ضمان عليهن ولو رجع بعد أن بلغ وقد حكم بها لم يضمن، لأنها كانت في حال لا ضمان عليه ولا أدب، ولو رجع ولو لم يحكم بها حتى بلغ لم يضمن إذا رجع، وبطلت ولم يحكم بها. وهذا الباب قد ذكر غير شيء منه في باب مفرد في [8/ 432]
القسامة، وهناك زيادة في معني هذا الباب من القسامة على قول الصبي المقتول والاختلاف فيه، وغير ذلك من هذا المعنى. والله الموفق للصواب. تم الثالث من الشهادات بحمد الله وعونه [8/ 433]
صفحة بيضاء
[الجزء الأول من الرجوع عن الشهادات]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الجزء الأول من الرجوع عن الشهادات في الرجوع عن الشهادات وما يلزم الراجع عن شهادته بعد الحكم، وفي التجريح بعد الحكم / من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: أخبرني ابن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عبد الرحمن البياضي [عن ابن المسيب] قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الرجل يشهد بالشهادة ثم يرجع عنها بعدما قضي بها، أن شهادته الأولى جائزة [وشهادته الآخرة غير جائزة] ورواه ابن وهب عن أبي ذئب أنه سأل أبا جابر البياضي فذكر له عن ابن المسيب عن النبي عليه السلام قال: [يؤخذ بأول قوله] وذكر ابن المواز عن ابن الماجشون عن المغيرة عن ابن أبي ذئب عن النبي عليه السلام. فذكر نحوه. قال سحنون عن ابن وهب عن الثوري عن مطرف عن الشعبي عن على بن أبي طالب أن رجلين شهداء عنده على رجل أنه سرق فقطع يده، ثم أتيا بآخر [8/ 435]
فقالا: كنا أوهمنا. هو هذا، فأبطل شهادتهما عن الآخر، وأغرمها دية الأول، يريد: دية يده، وقال: لو علمتكما تعمدتما قطعه لقطعتكما. قال محمد بن عبد الحكم: وفي هذا أنه تقطع يدان بيد، وهذا قولنا وخلاف قول أبي حنيفة، وفيه أن يقطع الشاهدين إذا تعمدا قطعه، وبهذا قال أشهب وبه أقول، [وفيه: أنه من أغرم رجلا بشهادة أخطأ فيها: أنه يغرم، وبه أقول]. وفي الكتابين من رواية ابن وهب عن جرير عن النخعي: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم ثم رجعوا، فإن قالوا: تعمدنا قتلوا به، ومن رجع منهم قتل، وإن قالوا تشبهناه لم يقتلوا وغرموا الدية. وقاله الحسن. / ومن كتاب ابن سحنون: ذكر ابن وهب عن يحيى بن سعيد: إن رجع إثنان منهم فقالا: كذبنا فعليهم عقل تام، قال سحنون: غير أن أصحابنا اختلفوا في رجوع البينة بعد الحكم فقالوا: إن قالوا: وهمنا أو شبه علينا، فلا غرم عليهم ولا أدب، وأن قالوا: زورنا غرموا ما أتلفوا ويؤدبون، وقال آخرون: يغرموا ما أتلفوا في العمد والوهم والشك، ويؤدب المتعمدون، وقال بعض أصحابنا: إذا رجعوا بعد الحكم من قتل أو قطع أنه يقتص من المتعمدين، وأكثر مذاهبهم أن يضمنوا العقل في النفس واليد، ولا قود عليهم إذا لم يلوا ذلك بأيديهم، وعليهم قيمة العبد الذي شهدوا بعتقه، ولا شيء عليهم في الطلاق بنى بها الزوج أو لم يبن. قال ابن الماجشون في كتابه: إذا رجع الشاهدان بعد الحكم وأقرا بتعمد الزور فعليهم ضمان ما يدخله الضمان من الديات وغيرها من الأموال ويؤدبان، وإن قالا: وهمنا فلا ضمان عليهما ولا أدب، والحكم ماض، وهذا قول مالك والمغيرة، وقال ابن المواز: لم تحفظ عن مالك في غرم الشهود جوابا إذا شهدوا بحكم فحكم به ثم رجعوا، ولكن قال ذلك أصحابه أجمع: المدنيون والمصريون. [8/ 436]
قال ابن القاسم: واخبرني من أثق به عن عبد العزيز بن أبي سلمة في رجوع الشاهدين بعد الحكم قال: يغرم نصف الحق ولا يرد الحكم. قال ابن القاسم: فسألنا عنه مالكا فقال: يمضى الحكم ولم يتكلم فيما وراء ذلك / قال ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ: إنه يغرم نصف الحق. قال ابن القاسم: ولا شيء عليهما حتى يقرا بتعمد الزور. ولو قال ذلك أحدهما، وقال الآخر: وهمت، أو شبه على، أو كان قضاه الدين ونسيت، فهذا لا يغرم. ويغرم الآخر نصف الحق، وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال أشهب ك يضمنا إذا رجعا وإن لم يتعمدا واعتذار بسهو أو غلط، قلت لابن عبد الحكم: ولم لا يلزمهما ما أدخلا فيه مما لم يكن عليه بشهادتهما وإن كانت خطأ؟ فقال لي ما أقر به وقال: انظر. قال محمد: ولو رجع أحدهما بعد الحكم لم يكن على المقضي له يمين مع شهادة الذي لم يرجع، ولا يضره لو رجعا جميعا قبل قبض حقه. قال عبد الملك: وإقرار الشاهد بعد الحكم بتعمد الزور ليست بشهادة، وهو إقرار منه بإتلاف المال فيضمنه، وقال: وإن كان رجوعه بغير إقرار منه بتعمد الزور لم يضمن، ويمضى الحكم بقول الأول، وأما رجوع البينة قبل الحكم إلا أنه قد قبل شهادتهما وأثبتها، فإنه يقبل رجوعها ولا ينفذ الحكم ولا غرم عليهما، ولو رجعا بعد الحكم وقبل قبض الحق، لنفذ الحكم ولزمهما من ذلك ما يلزمهما بعد قبض الحق. قال سحنون: إذا رجعا قبل الحكم وقد شهدا بحق أو حد لله من زنا أو سرقة أو خمر، وفي حق للعباد من قصاص في نفس أو جراح أو نكاح أو طلاق أو قذف أو عتق وفي جميع الأموال، فإنهم يقالون/ ولا شيء عليهم من العقوبة، [8/ 437]
اتهموا في شهادتهم أو رجعوا عنها لشك خالطهم، لأن العقوبة في هذا، بخلاف أن لا يرجع أحد عن شهادة شهد بها على باطل أو شك إذا أراد التوبة الذي شهد على الباطل، أو تثبت الشاك خوفا من العقوبة، وقال بعض أصحابنا: لو عوقب المتهم لكان لذلك أهلا، وأرى أن لا يعاقب. ومن كتاب ابن المواز: قال: وإذا شهدا في قتل أو غيره ثم رجعا بعد الحكم، فرجوعهما ليس بشهادة، وهو إقرار على أنفسهما بما أتلفا، وشهادتهما الأخرى باطلة، والحكم ماض، وروي لنا ذلك عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وعن ابن القاسم، وكذلك سمعت عبد الملك وابن عبد الحكم يقولان، وقاله أصبغ، وقاله غير أصحاب مالك من العلماء، واختلف أصحاب مالك: هل عليهما الأدب؟ فقال ابن القاسم وعبد الملك: عليهما الأدب الموجع، وقال أيضا: ولو أدبا لكانا لذلك أهلا، وقال ابن عبد الحكم: لا أدب عليهما؛ لأن ذلك توبة، فليس كل تائب يضرب، ولو ضرب ما رجع راجع عن باطل. وقال أشهب: لو عوقب من رجع لم يرجع أحد عن شهادة باطل أو شك إذا خاف العقوبة، وكذلك المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يعاقب، وكثير من يختار القتل على الضرب. قال سحنون: ولو شهدا على رجل بسرقة أو قصاص، ثم أتيا قبل الحكم بآخر فقالا: هذا هو، فلا تقبل شهادتهما على الأول ولا على الآخر، وقد خرجا من حد العدالة، ويحدان/ فيما شهدا به من الزنا حد القذف في الحر المسلم، وإذا رجعا بعد الحكم في جميع ذلك فلا يرد الحكم، قالا: وهمنا، أو قالا: تعمدنا. قال في كتاب ابن المواز: إذا رجعا قبل الحكم فقالا: وهمنا فقد صارا غير عدلين فلا يقبلا، وقاله ابن القاسم وأشهب، وقالا: ولو قالا في آخر: على هذا أشهدنا ووهمنا في الأول فلا يقبلا على واحد منهما، وقاله ابن القاسم عن مالك، قال أشهب: كان ذلك في حق أو قتل أو سرقة لأنهما أخرجا أنفسهما [8/ 438]
من العدالة بإقرارهما أنهما شهدا على الوهم والشك، وقال أصبغ عن أشهب في بعض مجالسه: ولو جاء الشاهد قبل الحكم متنحيا من شهادته، بطلت، وأما إن قال: لم تكن كنا شهدت، وإنما شهادتنا على هذا، لم تجز الأولى ولا الآخرة، وقال ابن القاسم: إن أتيا بعذر بين في رجوعهما ولم يتعمدا جنفا، وهما بينا العدالة، وعرف صدق ما اعتذرا به، جازت شهادتهما فيما يستقبلان. وإن لم يتبين صدقهما لم يقبلا فيما استقبلا. قال ابن عبد الحكم: ولو أحدثا قبل الحكم مما لو كان ذلك منهما قبل أن يشهدا لم يقبلهما الحاكم، فأما مثل ما يشبه أن يكونا عليه قبل ذلك من فساد دين أو زنا أو شرب خمر فلا يقبلهما، وأما من أحدثا من شر بينهما وبين المشهود عليه أو قذف أو خصومة ولو كان ذلك قديما لم يقبلا عليه، فلا تبطل بذلك شهادتهما عليه. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدا على رجل أنه أقر لفلان / وفلان بمائة دينار فقضي بذلك لهما، ثم رجع الشاهدان فقالا: إنما شهدنا بهما لأحدهما وسميناه، فإن للمقضي عليه بالمائة أن يرجع عليهما بخمسين، لأنهما أقرا أنهما أخرجاها من يديه إلى من لا حق له فيها، ولا تقبل شهادتهما للآخر: أن المائة كلها له، لأنهما مجرحان بشهادتهما، ولا عليهما أن يغرما له شيئا، لأنه إن كان له حق فقد بقي على من هو عليه، وليس قول الذي قال: إنهما يغرمان له خمسين بشيء، لأنهما إنما أخذا خمسين من مال المظلوم فأعطياها من لا شيء له عليه. ولو كان عبدا بعينه شهدا أنه أقر به لفلان وفلان فقضي به لهما فأخذاه ثم رجعا فقالا: إنما أقر به عندنا لفلان منهما، فها هنا يغرمان للذي أقرا له نصف قيمة العبد لأنهما أتلفاه عليه، هذا إن كان الذي كان العبد في يديه يقول: هو للذي شهدا له به آخرا، فإن كان الذي كان العبد في يديه يدعيه لنفسه وينكر شهادتهما؛ فليغرما نصف قيمته للمشهود عليه، ولم يكن للمقر له به آخرا إلا نصفه. [8/ 439]
قال في كتاب ابن المواز: وإذا حكم بشهادتهما ثم رجعا فهرب المقضي عليه قبل أن يؤدي، فطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كانا يغرمان لغريمه لو غرم، قال: لا يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه فيغرمان له حينئذ إن أقرا يعتمد الزور، ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عليه على الراجعين بالغرم هرب أو لم يهرب، فإذا غرم أغرمهما. وكما لو شهدا على رجل بحق إلى سنة، ثم رجعا، فلا يرجع عليهما حتى تحل السنة ويغرم / هو، وله أن يطلب القضاء بذلك عليهما الآن، ولا يغرمان الآن، وقال محمد بن عبد الحكم: للمقضي عليه أن يطلب الشاهدين بالمال حتى يدفعاه عنه إلى المقضي له. قال: وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحكم على الشاهدين بشيء حتى يؤدي المقضي عليه، وفي هذا تعرض لبيع داره وتلاف ماله، والذان أوجبا ذلك عليه قيام، أرأيت لو حبسه القاضي في ذلك أيترك محبوساً ولا يغرم الشاهدان؟ بل يؤخذان بذلك حتى يخلصاه فإن لم يفعلا حبسا معه، وإذا شهدا عليه بمائة دينار فحكم عليه، وضرب له الإمام في ذلك أجلا عشرة أيام أو أكثر، ثم رجعا قبل تمام الأجل، فإنهما يغرمان ذلك الآن للمقضي له ويبرأ المطلوب، وإن لم يدفعا حتى حل الأجل فودى ذلك المطلوب، فليرجع بذلك عليهما. قال ابن المواز: وإن أقام بينة بجرحتهما بعد الحكم فقد اختلف فيه، فقال ابن القاسم: ينقض بذلك الحكم إن أثبت جرحة قديمة قبل الحكم، وأما إن لم يدر قدمها فلا ينقض. وقال أشهب وابن الماجشون: لا ينقض بما أتي به من التجريح، كما لا ينقضه قاض غيره لو أثبت عنده التجريح، قال ابن المواز: والذي قاله مالك وابن القاسم أنه ينقض قضاء نفسه، واحتج مالك بقول عمر بن عبد العزيز: ما سأقصيه أهون على من نقض قضاء قضيته رأيت الحق في خلافه. وأما قاض غيره فلا ينقض قضاء غيره بجرحة شهادة. [8/ 440]
في دعوى المشهود عليه رجوع الشاهدين وكيف إن قامت عليهما بينة بذلك؟
/ في دعوى المشهود عليه رجوع الشاهدين وكيف إن قامت عليهما بينة بذلك؟ وكيف إن رجعا ثم رجعا عن رجوعهما؟ من كتاب ابن المواز: وإذا ادعى المقضي عليه أن الشاهدين عليه رجعا عن شهادتهما، أمكنته من إيقاع البينة عليهما. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا ادعى المقضي عليه أنهما رجعا وقالا: شهدنا بزور، وطلب يمينهما. قال: إن أتى بلطخ يوجب عليهما اليمين حلفا، فإن حلفا برئا، وإن نكلا ردت اليمين على المدعي، فإن حلف أغرمهما ما اتلفا عليه بشهادتهما، فإن نكل فلا شيء عليهما. ولو شهد عليهما شاهدان بأنهما أقرا بعد الحكم أنهما شهدا بزور، فقبلهما الحاكم ورضيهما، فليغرم الراجعان ما شهدا به، وكذلك كل ما شهدا عليه من قصاص في النفس أو سرقة أو رجم، ثم ثبت عليهم الرجوع بعد الحكم، فإنهما يؤخذان بما أتلفا بالدية في الرجم مع حد القذف، وبالدية في النفس وأرش الجراح، ولا ينظر إلى جحودهما بعد الإقرار، وقال محمد بن عبد الحكم: إذا ادعى عليهما أنهما رجعا عن الشهادة فلا يمين له عليهما إذا أنكرا، وإن أقام شاهدين برجوعهما قضي عليهما بالمال، وكذلك في قيام البينة برجوع أحدهما يغرم النصف، وزعم أبو حنيفة وغيره من أصحابه أنه لا تقبل عليهما شهادة من شهد برجوعهما، قال محمد: وهذا خروج من المعقول، لأن من قولهم: لو أقرا بالرجوع لزمهما الغرم، / فما الذي فرق بين إقرارهما عند الحاكم بالرجوع وبين قيام البينة عليهما بالرجوع؟ قال: وقالوا: لو كتبا على أنفسهما بذلك كتابا برجوعهما، وأنهما قد ضمنا للمشهود عليه المال برجوعهما لم يجز ذلك عليهما، فإن سميا المال في الكتاب وذكرا رجوعهما فيه عن الشهادة ولم يغرما شيئا. وهذا حكايته تنوب عن نقضه. [8/ 441]
في رجوع بعض الشهداء على الحق أو يرجعون رجوعا غير متفق أو تختلف الشهادة ويختلف الرجوع
قال محمد بن الحكم: وكل ما رجعا عن شهادتهما بعد الحكم به مما يلزمهما بعد رجوعهما غرم من مال أو دم أو غيره، ثم رجعا عن ذلك الرجوع، فإنهما لا يقال ويقضى عليهما بما يقضى به على الراجع المتمادي في رجوعه. في رجوع بعض الشهداء على الحق أو يرجعون رجوعا غير متفق أو تختلف الشهادة ويختلف الرجوع أو قضى بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد أو كانت اليمين مع شاهد فيما زادت فيه شهادته على الآخر من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في شاهدين قضي بشهادتهما في حق، ثم رجع أحدهما بعد الحكم، فإنما يغرم نصف الحق، وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ، قال محمد: ولو رجع أحدهما عن نصف ما شهد به غرم ربع الحق، وإن رجع عن الثلث غرم السدس، ولو رجعا جميعاً كان الحق عليهما نصفين، ولو اختلف رجوعهما لزم كل واحد غرم نصف ما رجع عنه، لأنه هو الذي أتلف، ولو اتفقا في الذي رجع عنه/ غرما ذلك بينهما بالسوية، قال: ولو كانت البينة ثلاثة، فرجع أحدهما بعد الحكم فلا شيء عليه لبقاء من ثبت عليه الحق، ثم إن رجع ثان غرم هو الراجع قبله نصف الحق بينهما. وذكر محمد بن عبد الحكم في كتابه أنه ذهب إلى أن ثلاثة لو شهدوا في درهم ثم رجع أحدهما، أنه يغرم ثلث درهم، وذكر أنه أحب إليه، وأن أشهب قد قاله في أربعة شهدوا بدرهم فرجع ثلاثة، أن عليهم ثلاثة أرباع درهم. وقال ابن المواز: ولو شهد الثلاثة بثلاثين ثم رجع أحدهم عن الجميع، وآخر عن عشرين، وآخر عن عشرة فقد بقيت عشرة اجتمع عليها رجلان لا رجوع فيها على أحد، وقد اجتمعوا في الرجوع عن عشرة فهي عليهم أثلاثا، والعشرة الثالثة رجع عنها اثنان وأثبتها واحد، فإنما على الاثنين نصفها، اثنان، ونصف على كل [8/ 442]
احد، وهما الراجع عن عشرين، قال: وكذلك لو كانوا أربعة حكم بشهادتهم بأربعين، ثم رجع أحدهم عن الجميع، وآخر عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن ثلاثين، فانظر الإثنين اللذين هما أقلهم رجوعاً، وهما الراجع عن عشرة، الراجع عن عشرين، فأصبتهما قد أثبتا عشرين لا يرجع فيها على أحد بشيء، وأصبت الراجع منهما وحده عن عشرة قد اثبت وحده عشرة، فلا رجوع بنصفها على أحد، ولكن يغرم نصفها – وهو خمسة – الراجع عن عشرين، والراجع عن ثلاثين، والراجع عن الجميع / بينهم أثلاثا، إثنان إلا ثلث كل واحد، وتبقى عشرة لم يثبتها أحد منهم يغرمها الأربعة، ديناران ونصف على كل واحد، قال أبو محمد: ولم يفسر ابن المواز كيف غرم الأربعة، واثبته على أصله فبينته على ما أصل. قال ابن المواز: ولو مات أحد الأربعة ثم رجع واحد عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن أربعين، فقد علمت أن الراجع عن عشرة مع الميت قد اثبت الثلاثين ولا رجوع فيها على أحد، لأن الحق يحيى باثنين، فبقيت عشرة قد أثبتها الميت ورجع عنها الباقون، فعلى الثلاثة نصفها بينهم أثلاثا، قال: ولو شهد واحد بعشرة، وآخر بعشرين، وآخر بثلاثين، وآخر بأربعين، قال: إن شاء حلف مع شاهد الأربعين وأخذ أربعين، وإن شاء أخذ ثلاثين بلا يمين، وترد اليمين في العشرة على المطلوب، فإن حلف برئ منها، وإن نكل غرمها، قال: فإن حكم له بثلاثين بلا يمين، ويعد يمين المطلوب، ثم رجع من الشهود شاهدان، قال: إن رجع الشاهد بعشرة، والشاهد بعشرين، لم يضر رجوعهما، لأنه قد بقي شاهدان يشهدان بأكثر من ذلك، ولكن إن رجع شاهد الأربعين، وشاهد الثلاثين فقط، فإنهما يغرمان خمسة عشر دينارا بينهما نصفين، أما العشرة التى زادا على العشرين فيغرماها إذ لم يشهد بها غيرهما، وعشرة أخرى شهدا بها مع شاهد العشرين، وهو لم يرجع، فأتلفا نصفها خمسة، وعشرة / قد ثبت عليها الباقيان لا يرجع فيها [8/ 443]
بشيء، ولو رجعوا كلهم إلا شاهد العشرة، غرم الراجعون خمسة وعشرين، يغرم الشاهد بالعشرين خمسة، وكل واحد من الباحثين عشرة، وذلك أن شاهد العشرة قد شهد شهادة الثلاثة الراجعين فلزمهم نصفها إذ ثبت من يثبت به نصفها فيغرموا نصفها أثلاثا، واحد وثلثان على كل واحد، وعشرة ثانية لم يشهد فيها غير هؤلاء الثلاثة الراجعين فرجعوا عنها فلزمتهم أثلاثا، ثلاثة وثلث كل واحد، فاجتمع على كل واحد منهم خمسة، وأما العشرة الباقية فلم يشهد بها غير شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، ثم رجعا فلزمتها نصفين، فبلغ غرمهما عشرة عشرة، قال: ولو ثبت الشاهد على العشرين فقط ورجع الباقون، قال: فيغرم شاهد العشرة إثنان إلا ثلث، والباقيان ثمانية عشر وثلث بينهما نصفين، لأن الثابت على العشرين قد علمنا أن عشرة منها شهد بها معه الراجعون كلهم، فعليهم نصفها أثلاثا: دينار وثلثان على كل واحد، وعلمنا أن العشرة الثانية من العشرين قارنه فيها في الشهادة شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، فعليهما نصفهما، خمسة، ديناران ونصف على كل واحد منهما، وعشرة ثالثة انفراد هما بالشهادة بها فرجعا عنها، فهي عليهما نصفين، وصار على كل واحد منهما تسعة وسدس، وعلى شاهد العشرة دينار وثلثان فذلك / عشرون ديناراً، قال: ولو رجع شاهد الأربعين وحده قال: يغرم وحده عشرة، ويمين المدعي إنما كانت مع شهادته على العشرة التي انفرد بها. قال ابن المواز: وسمعت غير هذا – وهو الصواب – أنه ليس عليه إلا خمسة، وقد أنزلت اليمين بمنزلة شاهد في ذلك، وأما يمينه فقد حاطت بالأربعين، وعليها حلف، ولو أراد يمينه بها ما أمكنه ذلك ولا أمكن منه، ولا يحلف إلا على الجميع حتى لو لم يرجع ها هنا شاهد الأربعين، ورجع أصحابه ما ضر ذلك ولا غرم عليهم، وكذلك لو وجدا عبيدا، يريد: ويصير كأن الحق كله ثبت بشاهد ويمين، قال: ولو رجع شاهد الأربعين وشاهد الثلاثين بعد أن حكم للطالب بالأربعين مع يمينه، قال: فعلى شاهد الأربعين سبعة دنانير ونصف، وعلى شاهد [8/ 444]
الثلاثين ديناران ونصف، قال: لأن شاهد الأربعين انفرد بعشرة قضي بها بشهادته مع يمين الطالب، فعليه نصفها، وعشرة أخرى شهدا بها، قال في الكتاب: فعليهما نصفها. قال أبو محمد: وينبغي أن يغرماها كلها لأنها بشهادتهما خاصة ثبتت، وقد رجعا ولم يبق عليهما شاهد، واليمين إنما حكم بها في العشرة التي لم يشهد عليها غير شاهد، وقد ذكر ابن المواز في آخر الكتاب هذا القول لأنه حكم لليمين إلا في عشرة، وسنذكره بعد إتمام هذه المسألة. قال أبو محمد: ولو رجع معهما شاهد/ العشرين، قال: فإن عشرة ثانية ثابتة بالشاهد بالباقي وباليمين، والعشرة الثانية تلزم صاحب العشرين، منها خمسة يشاركه فيها شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين أثلاثا، لأنه قد بقي فيها عين الطالب، فهو كشاهد، فلا يكون على شاهد العشرين غير دينارين إلا ثلث، وعلى صاحب الثلاثين أيضا خمسة أخرى يشركه فيها شاهد الأربعين، وعلى شاهد الأربعين خمسة أخرى وهي نصف العشرة التي انفرد بها فثبتت مع يمين الطالب، فجميع مغرمهم خمسة عشرا دينارا، ولو رجعوا كلهم إلا شاهد العشرين ثبت، فلا غرم إلا على شاهد العشرة، لأن يمين صاحب الحق مع شاهد العشرين أغنى عنه، ويغرم شاهد الثلاثين دينارين ونصفا، لأن العشرة التي يشهد بها عليه نصفها خمسة يشاركه فيها شاهد الأربعين، لأنه شهد معه فيها، وتسقط خمسة بسبب اليمين، ويلزم الشاهد على الأربعين أيضا نصف العشرة التي انفرد بها مع اليمين، قال أبو محمد: وهذا بنيناه على ذلك الأصل الذي جعل اليمين في العشرة مرجوع به إلى أنه على كل عشرة في رجوع البينة، وقد قال غير هذا في آخر الكتاب، قال في ثلاثة شهدوا، واحد بعشرة، وآخر بعشرين، وآخر بثلاثين، فقيل للطالب: إما أخذت عشرين بلا يمين، وإلا حلفت وأخذت ثلاثين، فحلف وأخذ ثلاثين، ثم رجع شاهد الثلاثين وأقر/ بالزور، ثم رجع كذلك شاهد العشرين، ثم شاهد العشرة، قال: فالشاهد بالعشرة قد شركه في الشهادة صاحباه، فهي عليهم أثلاثا، [8/ 445]
وشاهد العشرين قد شركه في العشرة الباقية شاهد الثلاثين فهي عليهما نصفين، ويغرم شاهد الثلاثين من العشرة التي انفرد بها نصفها، لأن اليمين أوجبت النصف الآخر فيصير عليه ثلاثة عشر وثلث، وعلى شاهد العشرين ثمانية وثلث، وعلى شاهد العشرة ثلاثة وثلث، ولو قضي له بعشرين بغير يمين، ثم رجع شاهد العشرة، فلا شيء عليه، لأنه قد بقي شاهدان بها، ثم إن رجع أيضا صاحباه غرم جميعهم العشرين، فعلى شاهد العشرة منها ثلاثة وثلث، وعلى كل واحد من صاحبيه ثمانية وثلث. ومن كتاب ابن سحنون: وإن شهد رجلان لرجل على رجل أن له عليه مائة دينار، وشاهدان: أن له عليه خمسين، وجميع دعواه مائة، فحكم له بها القاضي، ثم رجع شاهدا الخمسين، فلا شيء عليهما، لأن الحق ثابت بغيرهما. قد بقي عليه من لو لم يكن غيرهما لثبت، ولو لم يرجع إلا شاهد المائة لغرما خمسين، لأن خمسين أخرى قد بقي من يثبت به، ولو رجع الأربعة لزم شاهدي المائة خاصة خمسون لانفرادهما، فيغرماها بينهما نصفين، ولزمت الخمسون الأخرى جميع الأربعة لإشراكهم فيها، فيغرم كل واحد منهما اثني عشر ونصفا، ولو رجع واحد من شاهدي المائة/ وآخر من شاهدي الخمسين، غرم شاهد المائة خمسة وعشرين، ولا شيء على الراجع عن خمسين، لأنه قد بقي ممن يثبت به ملك الخمسين بشاهدين: أحدهما صاحبه، والثابت من شاهدي المائة، ولو رجع أحد شاهدي المائة وشاهدا الخمسين جميعا، لزم شاهد المائة خمسة وعشرون من الخمسين التي زادها هو وصاحبه، وعليه مع شاهدي الخمسين خمسة وعشرون لدخولهم أجمع في الشهادة بها، والشاهد الثابت أحيى نصفها، ولو رجع شاهد المائة وشاهد من شاهدي الخمسين، لزم شاهدي المائة خمسون انفراد بها، ولزمهما مع الراجع عن الخمسين خمسة وعشرون بينهم أثلاثا، وقد بقي من أثبت نصفها، ولو شهد أربعة بحق فقضي به، ثم رجع اثنان منهم، فلا شيء عليهما إذا [8/ 446]
بقي من يحيى به الحق، ثم إذا رجع واحد من الاثنين، كان عليه مع الراجعين قبله غرم نصف الحق. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإن شهد رجلان لرجل على ميت بدينار، وشهد آخران بدينارين، ولم يدع الميت إلا ديناراً فقضي له بدينارين وأعطاه الدينار، ثم رجع الأربعة فليغرموا من الدينار، ربع دينار، وشاهدا الدينارين: ثلاثة أرباع دينار، لأن جميعهم اجتمعوا على دينار، وانفرد اثنان بدينار آخر، وأخذ من ذلك كله دينار، ولو شهد إثنان أنه أقر له بدينار، وشاهدان أنه أقر له بدينارين، فليس عليه إلا ديناران مع يمينه،/ فإن نكل حلف الطالب على ثلاثة إن ادعى ثلاثة وأخذها، فإن رجع الشهود لم يغرموا إلا دينارين؛ لأن الثالث لم يجب بشهادتهم، إنما وجب بالنكول ويمين الطالب. ولو شهد رجلان على رجل أنه أقر لرجل بدينار، وشهد آخران أنه أقر له بدينارين وأن فلانا تحمل له بدينارين، لم يكن على المقر إلا ديناران مع يمينه، ولا تزيد الحمالة في العدد شيئا، وكذلك إن شهد رجلان بدينار وأن فلانا حميل، وشاهدان أنه أقر له بدينار بغير حمالة، فليس عليه إلا دينار واحد بحمالة من أثبت الحمالة، وإن شهد اثنان بدينارين تحمل بهما فلان، وشهد آخران بدينار ولم يذكرا حمالة، فلم يوجد للميت المقر إلا دينار واحد وأخذه المدعي، ثم رجع شاهد الحمالة عما شهدا به، فإن الحميل فقد برئ من ثلاثة أرباع دينار، لأن شاهدي الدينارين قد انفردا بدينار، وشركهما الآخران في الدينار الآخر، فإن أخذ من الحميل الدينارين، ولم يؤخذ من مال الميت شيء، فإنه يرجع بالدينارين على اللذين شهدا عليه بالحمالة إذا كان منكرا للحمالة، ويرجع الشاهدان على الذي شهدا عليه بدينار منهما، لأنه قد أثبت ذلك عليه شاهدان غيرهما، وإن رجع الشاهدان على الدينار وقد أخذ الدينار من ورثة الميت، فإنهما يعرمان للذي شهد عليه: ربع دينار، لأنه الذي أخذ بشهادتهما، فإن أقر بالحمالة لم يرجع على الشاهدين بشيء، ويرجع على الذي عدم عنه بالدينارين، فإن أخذ ذلك من مال/ الذي شهد له رجع به على الشاهدين، لأن رجوع الشاهدين لا يسقط عن الحميل ما [8/ 447]
في ولد الميت يشهد بعضهم بدين على الميت ثم يرجعون رجوعا مختلفا
شهدا به عليه، وحكم عليه أن يؤخذ به، ولا يسقط عن الذي عليه الحق بعد الحكم. في ولد الميت يشهد بعضهم بدين على الميت ثم يرجعون رجوعا مختلفا، وفي كيس تداعيا فيه رجلان تداعى مختلفا، وأقام كل واحد بينة فيما يرث ثم رجعوا أو بعضهم من كتاب ابن المواز: وقال فيمن هلك وترك أربعة بنين، فشهد ثلاثة منهم: أن لفلان على أبيهم ثلاثين ديناراً، فقضي بذلك، ثم رجع أحدهم عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن ثلاثين، فقد اجتمعوا على الرجوع عن عشرة، فإنما لأخيهم الذي لم يشهد ربعها، ديناران ونصف يأخذهم بذلك بينهم أثلاثاً، خمسة أسداسدينار على كل واحد، والعشرة الثانية قد رجع عنها الباقيان، وثبت عليها الراجع عن عشرة، فإنما لأخيهم منها دينار ونصف، فيغرمان له نصف ذلك لبقاء شاهد بها، يغرمان ذلك نصفين، فيغرم كل واحد من ذلك من هذين الراجعين خمسة أثمان دينار، فذلك كله أربعة دنانير إلا ربع يأخذها الأخ الذي لم يشهد فقط، ولا شيء على الراجع عن ثلاثين في العشرة التي انفرد بالرجوع عنها، لأنه قد ثبت عليها شاهدان. قال محمد: وكل ما رجعوا منه فهو بينهم ميراث، فإنما للأخ الذي لم يشهد ربعه، / قلت: فإذا كان الراجع عن عشرين يلزمه هو والراجع عن الثلاثين ربعها للذي لم يشهد، فلم لا لزمهما ربع آخر للراجع عن عشرة؟ قال عبد الله فلم يذكر في كتاب جوابا، والجواب؛ لأنه هو ثابت عليهما مقر بها على أبيه، فكيف يغرمهم فيما يقر بصحته؟ [8/ 448]
في الحق يقضي فيه بشاهد ويمين ثم يرجع الشاهد أو يحكم فيه برجال ونساء فيرجع أحدهم
وقال في رجلين تداعيا في كيس في أيديهما فيه مائتا دينار، فقال أحدهما: جميعه لي، وقال الآخر: لي منه مائة دينار، وأقام كل واحد شاهدين على دعواه، واعتدلوا في العدالة، فإنه يحلف كل واحد منهما ويأخذ مدعي المائتين مائة، ويقاسم صاحبه المائة الأخرى نصفين، قال: فإن رجع من كل شاهدين شاهد وقالا: شهدنا بزور، قال: فعلى كل واحد منهما غرم خمسة وعشرين يدفعها لمن كان شهد عليه، ولو رجعوا كلهم غرم شاهدا المائتين خمسين لمدعي المائة، وغرم شاهدا المائة خمسين لمدعي المائتين، لأن مدعي المائة يقول: لولا شهادتكما لمدعي المائتين لم يأخذ غير مائة، وكنت أنا أخذت المائة بشاهدي فضرتني شهادتكما، فأخذت خمسين، ويقول مدعي المأتين لشاهدي المائة: لولا شهادتكما لأخذت المائتين بشاهدي فانتقصت خمسين بشهادتكما. في الحق يقضى فيه بشاهد ويمين، ثم يرجع الشاهد، أو يحكم فيه برجال ونساء، فيرجع أحدهم، وفي رجوع الصبيان عن شهادتهم فيما يقبلون فيه / ومن كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قضي لرجل في حق بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد وأقر بالزور، فإنما عليه غرم نصف الحق كشاهدين رجع أحدهما والحكم نافذ. قال سحنون: ولو رجع الطالب فقال: ما طلبت إلا باطلا، فإنه يرد المال بالإقرار لا باليمين، كما لو قضي له بشاهدين ثم أقر بهذا، ولو قضي له بشاهدين وامرأة ثم رجع الشاهدان والمرأة، فالعرم على الشاهدين دون المرأة، لأن المرأة لا تجوز في شيء، ولا مدخل لها من الرجلين، ولو شهد رجل وثلاث نسوة، ثم رجع الشاهد وامرأة، فعلى الرجل نصف الحق وحده، لأنه قد بقي على نصف الحق امرأتان، ولا تضم المرأة إلى الرجل، وإنما تضم إلى مثلها، فاثنتان فأكثر منهن عدل رجل، ولو رجع الرجل والنسوة لزم الرجل وحده نصف الحق، وعلى الثلاث نسوة [8/ 449]
نصفه، لأنهن مقام رجل، وكذلك لو كثرن، وكذلك لو رجع النساء كلهن وهن عشرة واحدة إلى ثمانية، فلا شيء عليهن، فإن رجع تسعة منهن أو رجع ثمانية، ثم رجعت واحدة بعدهن، فعلى التسعة ربع المال بينهن بالسواء، لأنه بقي من أحيى ثلاثة أرباع الحق. وكذلك في جميع الأموال من القروض وغيرها التي تجوز فيها شهادة النساء، وكذلك القول فيما لا يجوز فيه إلا شهادة الرجال من العتق والقصاص ونحوه وإن قضي بأربعة فرجع اثنان فلا شيء عليهما، فإن رجع ثالث لزم/ الثلاثة على نحو ما ذكرنا، وكذلك لو قضي بشاهدين فرجع أحدهما. قال ابن الماجشون في كتابه: إذا شهد رجل وامرأتان في مال، ثم رجعت المرأتان فعلى كل واحدة منهما الربع، وإن لم ترجع إلا واحدة فعليها الربع، ولو حكم برجل وأربع نسوة ثم رجعت امرأتان فلا شيء عليهما، لأنه قد بقي من يتم الحكم به، ثم إن رجعت ثالثة غرمت الثلاثة ربع الحق. قال ابن الماجشون في كتابه: وسئل عن رجعة الصبيان عن شهادتهم فقال: لا رجعة لصبي ولا ضمان عليه في رجعته إن رجع وهو صبي، أو رجع عنها بعد بلوغه فقال: كنت شهدت بزور، وأما لو لم يحكم بها ولكن لو قيدت قبل أن تفترقوا أو يخيبوا، ثم عاق عن الحكم بها شغل حتى رجع عنها بعد بلوغه فلا يحكم بها. [قال أبو محمد عبد الله: انظر قوله: لا شيء عليه إن رجع بعد بلوغه، فجناية الصبي تلزمه في إتلاف المال، إلا أن يقيمه مقام من شهد بالقتل ثم رجع، فقد اختلف في قتله. وألزمهما الدية من امتنع من القتل، فلم لا لزمهما ما كان ديته دون ثلث الدية، أو لعله يريد: لا شيء عليه إن كان شهد بالقتل العمد، فيصير عمد الصبي خطأ، ويصير مقرا في كبره على عاقلته، ولا تحمل العاقلة اعترافاً]. [8/ 450]
في الرجوع عن الشهادة في الدين أو في البراءة منه
في الرجوع عن الشهادة في الدين أو في البراءة منه وكيف إن شهدا بدين على ميت فقضي به ثم رجعا وأثبت غريم آخر دينا على ميت؟ / من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإن شهدا بمائة دينار على رجل فإنه تسمع الحاكم البينتان خيفة أن يثبت الدين فيحتاج إلى بينة البراءة وقد غابت أو ماتت، ولا يمنع الطالب من إثبات دينه بقيام بينة البراءة، إذ لعلها لا تثبت، وبقيت بينة المدعي أو تموت وليسمعهما، فإن ثبت الدين وثبتت البراءة منه فحكم بالبراءة، ثم رجع شاهدا البراءة فليغرما الحق للمدعي. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا على ميت بدين مائة دينار، فحكم بها القاضي في تركته ولم يترك غيرها، ثم رجعا فأغرما المائة للوارث، ثم طرأ غريم آخر فأقام شاهدين على مائة دينار أخرى على الميت، فليرجع الشاهدان الأولان على الورثة بجميع المائة، إذ لاميراث لهما بكل حال، ويقضى للثاني بمائة كاملة، يأخذ خمسين مما أخذ الأول، ويبقي بيد الأول خمسون، وهي التي كانت تجب له في الحصاص، ويغرم الشاهدان للثاني الخمسين التي بقيت بيد الغريم الأول، لأنه يقول: لولا شهادتهما لم يكن للأول معي حصاص، ثم إن رجع اللذان شهدا للثاني بعد الحكم له فإنهما يغرمان خمسين ومائة، يغرمان هذه المائة التي ردها الورثة على الشهود الأولين، يريد: يغرمانها للورثة ويغرمان للغريم الأول الخمسين التي انتزعت منه للثاني قبل أن يشهدوا. قلت: كيف يغرم الشهود مائة وخمسين ولم يترك إلا مائة؟ قال: قد يغرمان مائتين في مثل/ مسألتك، وذلك إن يهلك ولم يترك إلا مائة دينار في صرة، وقد استودعها الميت لغيره، فيقيم رجل شاهدين على الميت بدين مائة دينار فيقضى له بتلك المائة بعينها، ثم ترجع البينة فيقضى عليها بغرم مائة دينار للورثة، ثم يقيم رجل البينة أن تلك المائة بعينها له كان قد أودعها للميت، فإنه يرد الورثة [8/ 451]
المائة التي أخذوا من الشاهدين عليهما، إذ لا ميراث لهما على شهادة الآخرين، ويغرم الغريم الأول المائة التي أخذها فدفعها لصاحب الوديعة. فإن رجع بعد ذلك الشاهدان الآخران، وأقرا بالزور، فليغرما مائتي دينار: مائة للورثة التي بشهادتهما ردها الورثة على الشاهدين، ومائة دينار للغريم الأول التي أخذها منه مدعي الوديعة، لأن بشهادتهما أخرجا من الورثة مائة، ومن الغريم الأول مائة لمدعي الوديعة، ثم رجع إلى المسألة الأولى: مسألة الغريمين فقال: وقد استودعها الميت لغيره، فقال: فإن لم يرجع شاهدا الغريم الثاني وقد رد الورثة بشهادتهما المائة على شاهدي الأول الراجعين، وأخذ الغريم الثاني من الأول نصف المائة التي بيده، وأخذ من الشاهدين الأولين خمسين عوض الخمسين الباقية بيد الغريم الأول، ثم طرأ غريم ثالث فاستحق مائة أخرى على الميت بشاهدين، فإنه يأخذ هذا الثالث من الغريم الأول الذي بيده خمسون دينارا ثلث الخمسين، ومن الغريم الثاني الخمسين التي صارت له من مائة/ الميت بعينها حتى تكون تلك المائة بعينها بينهم أثلاثا لكل واحد ثلثها فبقي بيد الغريم خمسون التي أخذها سين (كذا) التي صارت له من مائة/ الميت بعينها حتى تكون تلك المائة بعينها بينهم أثلاثا لكل واحد ثلثها، فبقي بيد الغريم خمسون التي أخذها من شاهدي الغريم الأول حين رجعا، فيرد على الراجعين منه سدس مائة، لأنهما لم يتلفا عليه التي بشهادتهما إلا ما أخذ الغريم الأول، وهو ثلث المائة فقط، فيكون هذا الثلث المائة من مال الشاهدين بين الفرعين: الثالث والثاني نصفين، وتكون مائة الميت بين الثلاثة أثلاثا. [8/ 452]
في البينة تشهد بدين على رجل فيقضى عليه فقضى القاضي على الطالب للمطلوب فرجعا إليه
في البينة تشهد بدين على رجل فيقضى عليه فقضى القاضي على الطالب للمطلوب فرجعا إليه فأخبراه، فقال القاضي: إنما شهدتما عندي على هذا الذي قضيت عليه من كتاب ابن المواز من غير رواية ابن أبي مطرف: وإذا شهد رجلان لرجل بمائة دينار دينا على رجل عند القاضي، بالدين للمطلوب على الطالب فأغرمه، فأخبر الشاهدين فأتيا إلى القاضي فقالا: إنما شهدنا بالمائة لهذا على الآخر، فقال القاضي: لا، بل شهدتما للآخر على هذا، وكيف إن كتبهما في ديوانه بخطه أو بخط كاتبه على ما قال؟ قال: إن كانا عدلين فشهادتهما جائزة، فإن رجع القاضي عن قوله وقال: أوهمت، أو أنا أشك في ذلك، رجع فأخذ المائة ممن هي في يديه فردها إلى الآخر وأرجعه أيضا بمائة أخرى على صاحبيه، وإن ثبت القاضي على قوله وقال: أنا لا أشك أنكما إنما شهدتما لمن قضيت / له، قيل له: فإن كنت توقن بها فليس لك أن ترجع بها عليه واغرمها أنت، لأن الشهود شهدوا بخلاف قولك وهما عدلان، فيلزمك غرم مائتين: مائة أخطأت فيها، والمائة الدين التي كانت الشهادة بها، وذلك يلزمه، وإن كانت شهادتهما في ديوانه، إلا أن يكون حضر القاضي قوم عدول فشهدوا شهدا به جلساء القاضي إذا كانا عدلين فأكثر، وإن كان الأولان أعدل، لأنهما شهدا بجرحتهما، ولا تجوز شهادة القاضي في ذلك لأنه خصم. قال ابن المواز: وهذا مذهب مالك وأصحابه لأنهم يقولون: إذا قال القاضي: ثبت عندي شاهدان بحق على فلان فلا يقبل منه حتى يشهدا عليه بين يديه ويعرفه إياهما. [8/ 453]
في الرجوع عن الشهادات في البيوع والمعاوضة والشفعة
في الرجوع عن الشهادات في البيوع والمعاوضة والشفعة، وعلى الوكالة في البيع والحمالة فيه من كتاب ابن سحنون: ومن أقام شاهدين على رجل أنه باع منه عبده بمائة دينار وخمسين إلى أجل، والبائع يجحد، فقضي عليه بالبيع وقبض المشتري العبد، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالبائع مخير إن شاء رضي بذلك واتبع المشتري بالثمن، وإن شاء تعجل من الشاهدين قيمته، فإن كانت قيمته مائة أدياها واتبعا المشتري بمائة لا بأزيد، وإن كانت القيمة مثل الثمن أو أكثر، / أدياها واتبعا المشتري بما عليه إلى أجله. وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم، إلا أنه قال: فإذا اختار أخذ قيمته من الشاهدين متعجلة وهي مائة، ورجعا بها عند الأجل على المشتري، فإن لرب العبد أن يأخذ منه عند الأجل باقي الثمن وهو خمسون، ولا يربح الشاهدان على ما أديا. وقال من خالفنا: يأخذها الشهود ويتصدقان بها، وهذا فاسد، لأنها إن كانت لهما فلم يتصدقان بها؟ وإن لم تكن لهما فلا يأخذاها. قال سحنون: ومن أقام شاهدين أن فلانا اشترى منه جاريته بمائة دينار، والمتباع يجحد، فقضى القاضي بشهادتهما، وقبض البائغ الثمن من المبتاع، ودفع إليه الجارية فتوقف عن وطئها، ثم رجع الشاهدان وأقرا بالزور، فقال بعض أصحابنا: المبتاع مخير إن شاء قبلها لرضاء البائع له بالبيع كانت قيمتها أقل من الثمن أو أكثر، وإن شاء ألزمها للشاهدين ويأخذ منهما ما دفع هو فيها، فإن لم يكن عندهم شيء فتباع عليها إذا شاء ويأخذ الثمن، فإن نقص عما أدى اتبعهما بما بقي إلا أن تكون فاتت في يديه بنقص أو موت أو إباق فينظر قيمتها، فإن كانت مثل ما أدى فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وإن كانت أقل مما أدى أتبعها بما بقي. [8/ 454]
وقال غيره من أصحابنا: إن ماتت أو بيعت فليرجع عليها بجميع ما أدى أو كأنها منها هلكت، وإن دخلها نقص فله أن / يلزمها للشاهدين ويأخذ منها ما أدى، وإن أعتقها وقيمتها مثل ما أدى فأكثر فلا يرجع عليهما بشيء، وإن كانت أقل رجع عليهما بتمام الثمن الذي أدى، ولو باعها بمثل الثمن فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وإن باعها بأقل نظر إلى قيمتها فإن كانت مثل ما أخرج من يديه فأكثر فلا شيء له عليهما، وإن كانت قيمتها أقل مما أدى وأكثر من الثمن الذي باعها به، فإن له ما بين القيمة والثمن الذي يخرج من يديه بالحكم. قال سحنون: وقد قيل: إن باعها أو أعتقها أو وطئها فهو رضي منه بالشراء الذي ألزمه بالحكم وشاءه البائع ورضيه، فيحل بذلك الوطء للمبتاع، وأما إن كان المشتري هو المدعي، والبائع منكر، فحكم عليه فلا يجوز للمشتري وطؤها، فإن رجع الشاهدان، فالحكم نافذ، ويكلف الشاهدان أن يشترياها للبائع، وقال: فإن كانت قيمتها أكثر من أخذ المشتري غير ماله تمام القيمة، فإن قبل ذلك البائع ثم أمر المشتري فيها، وإن كانت قيمتها أقل من الثمن أو مثله، فلا شيء عليهما، وعليهما الأدب، وإن أشتراها الشاهدان من المبتاع ثم أقرا بالزور ولم يدخلها فوت، ردت على البائع ويلزمه ذلك، ويرد إليهما ما قبض من المشتري. قال سحنون: وقد قيل: إن له ما أخذ من الثمن، وتبقي الجارية في أيديها إن أحب، وإن دخلها فوت فله ما بقي من قيمتها بعد على الثمن الذي أخذ، يرجع عليهما وتبقي لهما الجارية، إلا أن / يشاء أن يأخذها ويرد عليهما الثمن. قال ابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أن البائع باعها منه والبائع يجحد، فحكم بذلك للمبتاع، وهو يدعي الشراء، ثم رجعا فقالا: شهدنا بزور، وصدقهما المشتري في الزور، فإن فاتت بعطب أو كبر أو طول زمان ونحوه: فعلى الشاهدين فضل ما بين القيمة والثمن، إن كان المبتاع معدما، ويرجعان عليه بذلك بإقراره، يريد: إن طلب ذلك البائع، وأما إن لم تفت بتغير بدن، ولا فاتت بولادة ولا عتق، فله أخذها كالمغصوب منه، وإن فاتت بولادة أو عتق فقط: فليس له أخذها بحكم الحاكم، وله فضل ما بين القيمة والثمن. [8/ 455]
قال ابن الماجشون: وإن كانت قد خرجت من يد المبتاع وعميت قيمتها، وعميت الصفة، وقول المبتاع في الصفة، ويحلف، فإن نكل وهو عديم، حلف الشاهدان على الصفة، فإن كان فيها فضل عن الثمن غرما ورجعا به على المبتاع. ومن كتاب ابن المواز: ولو كان المشتري منكرا للشراء فقضي عليه بالبينة لشرائه العبد، ثم أعتقه أو باعه أو مات عنده أو أبق منه، ثم أقرا ورجعا وأقرا بزور، فأما في الموت والإباق فيغرمان ثمنه كله، وأما في العتق فإنه تلزمه قيمته إن كانت أقل من الثمن، ويغرم الشاهدان ما زاد الثمن على القيمة، فإن كانت القيمة مثل الثمن فأكثر فلا شيء عليهما، وإن باعه بأقل غرم الراجعان تمام الثمن/ الذي شهدا به، فإن حابي في بيعه حسب عليه ما حابي به، فإن بقي عليه بعد حساب المحاباة شيء من ثمنه الذي أخرج غرمه الشاهدان. قال سحنون: وإنه شهدا للمشتري أن فلانا باع عبده منه بمائة دينار وقيمته مائتان، والبائع يجحد، وقالا: وللبائع الخيار ثلاثة أيام، فقضى بذلك القاضي ونفذ البيع على هذا، أو كان البائع المدعي والمشتري يجحد، والثمن مائتين وهو يسوى مائة. وقالا: وعلى أن المشري بالخيار ثلاثا، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلا شيء عليهما، لأن المشهود عليه كان له جل ما شهدا به عليه بالخيار، فإن لم يفعل فهو متطوع، وأما أتلفا عليه شيئا، وكذلك قال محمد بن عبد الحكم في كتابه: لا شيء عليهما للمشهود عليه من بائع أو مبتاع اختار البيع قبل مضي أيام الخيار، أو مضت أيام الخيار ولم يختر، لأنه قادر على دفع ذلك عن نفسه. قال: وفيها قول آخر هو أحب إلي: أنه إذا أنكر المشتري البيع فقد انفسخ البيع، لأنه إذا قال: وهو للبائع ولا خيار لي، انفسخ البيع، ولكن لو شهدا للبائع وهو يدعي أنه باعه منه بمائة، والخيار للبائع، ومضت أيام الخيار، ولزم المشتري البيع وهو منكر، ثم رجعا فإن المشتري يدفع العبد إلى الشاهدين ويأخذ منهما الثمن، لأنهما ألزماه إياه بمائتين، ولم يكن ذاك عليه، ودفعا إليه العبد [8/ 456]
وليس له، وهذا / أحب إلي من أن يلزمهما نقصان قيمته العبد، ولو كان الخيار للمشتري وهو المدعي، والبائع منكر فمضت أيام الخيار، أو اختار فيها ثم رجعا فإنهما يضمنان للبائع فضل قيمة عبده، وإن باعاه بمائة وهو يسوي مائتين، غرما له مائة. قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهدا أن هذا باع عبده من فلان على أن للمشتري الخيار ثلاثا، والبائع منكر، فألزمه ذلك الحاكم، ثم رجعا مكانهما قبل مضي أيام الخيار، فقال البائع: قد عقلا على عبدي أن أحدث فيه بيعا أو عتقا أو إجارة، ولم أقبض الثمن، فإنه يؤخذ من الشاهدين قيمة العبد فتوقف، فإن لزمه البيع كانت تلك القيمة له، وإن لم يتم البيع ورده المشتري بخيار عادت القيمة إليهما، وإن رد العبد سالما، ولو اعوز العبد في أيام الخيار، رده المبتاع. ومن شهد عليه شاهدان أنه أسلم عشرة دنانير إلى فلان في مائة إدرب قمح، والمشتري يجحد، فقضي عليه بغرم العشرة، وألزم الآخر القمح، ثم رجع الشاهدان فليغرما عشرة دنانير للذي خرجت من عنده، ويتبعان الذي عليه الطعام بالطعام، وإن كان المشتري يدعي والبائع منكر، فلا يؤخذ منهما شيء حتى يغرم من عليه الطعام الطعام أو يحل فيؤخذ به فيؤديه فيرجع به على الشاهدين ويعطيهما ما أخذ من الدنانير. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن شهدا أن هذا أسلم إليه/ عشرة دراهم فى قفيز حنطة إلى أجل، فقبضها قبل التفرق، فقضي عليه، فالفقيز إلى أجله، فحل ووداه، ثم رجعا وقالا: شهدنا يزور، فليضمنا له ما خرج من يديه وهو القفيز، يريد: فيرد عليهما الدراهم، قالا: ولو حكم عليه بقبض الدراهم وإلزام القفيز إلى أجله، ثم رجعا قبل محله، فإنهما لا يغرمان حتى يحل الأجل ويؤخذ الفقيز منه، فإذا وداه فهو مخير إن شاء تركهما وحبس الدراهم وألزم نفسه البيع، وقد قيل: إن له أن يضمنهما فضل ما بين قيمة القفيز والدراهم إن كان القفيز يسوي عشرين، رجع عليهما بنصف قفيز، وإن كان يسوى خمسة عشر، رجع عليهما بثلث قفيز، ولو كان البائع المدعي والمشتري الجاحد، فقضي عليه بأداء. [8/ 457]
الثمن وطلب القمح، فودي الثمن، ثم رجعا فليغرما الثمن للمشتري، ويطلب البائع القمح، وكان المبتاع ولاهما إياه. قال ابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أن هذين المتبايعين تبايعا بيعا يجب فسخه، فحكم بفسخه، ثم رجعا فلينظر في السلعة، ثم يغرمان لمن له فيها الفضل ما كان من فضل منعاه منه بشهادتهما، يريد: الفضل بين القيمة والثمن إن كان فيها فضل. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان أن فلانا اشترى من فلان عرضه بعرض الآخر فقضي بذلك، ثم رجعا فأقرا بالزور، قال: فليأخذا العرض الذي بيد المنكر فيخلصاه منه ويدخلان مدخله، ويغرمان له قيمة عرضة الذي خرج من يديه فات ذلك أو لم يفت، قال في باب آخر: ويكون لهما ما صيراه بيده على أي حال كان يوم رجوعهما، كان ذلك ناقصا أو ميتا أو آبقا، أو كيف كان، ليس لهما غيره، إلا أن يحدث فيه بيع أو عتق فيكون كما وصفنا قبل هذا، قال ابن الماجشون في كتابه: إذا فات العرض الذي أخذ المنكر، فله على البينة فضل ما بين القيمتين ويصفهما الشاهدان. قال: ولو لم تفت السلعة في يديه فطلب التمسك بها. فيرجع عليهما بفضل ما بين القيمتين، وقالا هما: بل نأخذها نحن ونغرم قيمة ما أخرجنا من يديك، فذلك لهما، وهو عليهما لازم ما لم يتراضوا. ومن كتاب ابن سحنون ونحوه لابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أنه ابتاع من فلان شقصاله في جنان والبائع يجحد، أو البائع يدعي البيع والمبتاع بجحد، فقضي بذلك القاضي كما شهداء، وآخذه الشفيع ثم رجعا / وأقرا بالزور، فإن كان المشتري الجاحد للشراء فلا ضمان عليهما له ولا للشفيع، لأن المشتري قد أخذ [من الشفيع ما أخرجا من يديه بشهادتهما، ولا للشفيع على الشاهدين، لأن الشفيع] أخذ بطوعه ورضاه صادف غلاء أو رخصا، وإن أخذ من المشتري في [8/ 458]
الشقص غلاما، والمشتري الجاحد للشراء، فاستشفع الشقص بقيمة الغلام فلا شيء له على الشاهدين، [لأنه رجع/ إليه قيمة ما أخذ منه، وإن كان البائع هو الجاحد والمشتري هو الطالب] واستشفع على المشتري فإن كان في قيمة الشقص فضل عن ما أخذ من المشتري اتبع به الشاهدين، فإن كان البائع أمد في شقصه عرضا فاستشفع على المشري بقيمته، رجع البائع بفضل قيمة شقصه على قيمة العرض على الشاهدين، وإن كانت قيمة العرض مثل قيمة شقصه أو أكثر، فلا يرجع عليهما بشيء، لأنه قد صار في يديه أكثر مما أخرجا من يديه أو مثله بحكم الحاكم وطوع المشتري، وإن شاء البائع أن يأخذ من الشاهدين قيمة ما أخرجا من يديه، وهو قيمة شقصه، ويدفع إلى الشاهدين العرض الذي أدخلاه فيه فذلك له. من كتاب ابن المواز: ومن باع عبدا وزعم أن صاحبه وكله ببيعه وصاحبه منكر، فأقام بذلك البينة، وزعم أنه دفع الثمن إليه، فقضى القاضي بالوكالة، ونفذ الشراء للمشتري، ثم رجعا، قال: إن حلف الوكيل أنه دفع الثمن إلى رب العبد برئ، وليغرم الشاهدان الاكثر من قيمة العبد أو من ثمنه بعد أن يحلف ربه أنه لم يأخذ الثمن من بائعه، فإن نكل لم يكن له إلا ما زادت قيمته على الثمن. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: ومن أقام شاهدين بأن فلانا وفلانا اشتريا منه سلعة بكذا وكذا من الثمن، وضمن كل واحد منهما الثمن عن صاحبه وقبضا/ السلعه وهما منكران، فقضي عليهما بذلك ووديا الثمن، ثم رجع الشاهدان، فليغرما لهما ما وديا من الثمن، يريد: ويأخذ السلعة، إن لم يتماسك بها المشتريان، قال: وإن ودى أحدهما الثمن بالحمالة، ثم رجع الشاهدان، فلا يرجع على صاحبه بشيء، لأنه مقر أنه لم يأمره بضمان ولا ضمن عنه وأنه مظلوم، وليرجع بذلك على الشاهدين. وإن شهد الرجل أنه أسلم إلى رجل مائة دينار في عبد وصفه والبائع يقول: في نصف عبد، والصفة واحدة، فقضي عليه بعبد فوداه، ثم رجعا، فإنه إن كانت [8/ 459]
قيمة العبد مائتين، رجع عليهما بمائة، وإن كان يسوي ثلاثمائة رجع عليهما بخمسين ومائة، لأنه لم يقر أن عليه بالمائة إلا نصف عبد، وإن كان يسوى تسعين دينارا لم يرجع عليهما بشيء، لأن عنده أكثر من ما أخذ منه وقد كان الحكم بينهما لولا الشهادة أن يتحالفا ويتقاسما، فقد كان الفسخ له فيه ممكنا، وبيده أكثر من قيمته. ولو شهد شاهدان أنه أسلم إليه مائة دينار في عبد وصفه، وشهد آخران أنه إنما أسلمها إليه في عبدين بتلك الصفة، والشهادة واحدة، وكلهم عدول، واللذان شهدا بعبد واحد أعدل، فحكم بها للبائع وأمره بدفع عبد واحد، ثم رجعا، فقال المقضي له: لولا شهادتكما لأخذت عبدين فيضمنا له عليهما بقيمة عبد آخر، وقد قيل: إن/ لهما أن يقولا: أنت لم يحكم لك بعبدين، ولا يدري كيف كان يكون الأمر، فإنما أتلفنا عليك عبدا أخذت به مائة دينار، فنحن نغرم لك ما بين قيمة عبد ومائة دينار، قال محمد: وهذا أحب إلي. قال ابن الماجشون في كتابه: وإذا شهدا على رجل أنه باع من رجل سلعة، ثم استحقت بعد الحكم بشهادتهم، ثم أقرا أنهما شهدا بزور، والمشتري ينكر ذلك، فأراد المستحق أن يجيز ذلك البيع ويأخذ الثمن، فذلك له للحكم الذي نفذ، ولو رجعا بعد أن أخذ المستحق سلعته فكذلك كما لم يجز البيع في سلعته. وقال ابن الماجشون في كتابه فيمن باع منزلا لرجل غائب وقال: قد وكلني ببيعه، وشهد له بالوكالة رجلان، فقضي بذلك، ثم رجعا عن شهادتهما، وقدم الغائب فانكر الوكالة، قال: فالبيع ماض، قال: فإن قال الوكيل: دفعت الثمن إلى رب المنزل قبل رجوعها، صدق مع يمينه، ورجع يعني رب المنزل على الشاهدين بالثمن، وإن قال الوكيل: قد دفعت إليه الثمن بعد ما رجعا، لم يصدق، ولا ضمان على الشاهدين، يعني ولا يؤدي الوكيل الثمن بعد يمين رب المنزل. [8/ 460]
فيمن قضي عليه أنه باع عبده من فلان بكذا بشهادة بينة ثم رجع العبد إلى المقضي عليه بابتياع أو هبة
فيمن قضي عليه أنه باع عبده من فلان بكذا بشهادة بينة، ثم رجع العبد إلى المقضي عليه بابتياع أو هبة أو بغير ذلك بعد رجوع البينة أو قبل أو رجعت البينة والمشتري فأقروا / بالزور وقد حدث في العبد حدث أو لم يحدث من كتاب محمد بن عبد الحكم: من قضي عليه بشهادة رجلين أنه باع عبده من فلان بمائة دينار قبضها منه والبائع منكر، ثم رجع الشاهدان والعبد يسوى مائتي دينار، فالحكم ماض، ويغرم الشاهدان للمقضي عليه بالبيع مائة دينار تمام القيمة، قال: ثم إن رجع إليه عبده بمائة من المشتري أو بصدقة فقبله، وقيمته مثل قيمته يوم أخذه أو أكثر، والعبد على حاله في يديه، فليرجع الشاهدان على هذا البائع بالمائة التي غرما له، لأن عبده رجع إليه بحالة أو أفضل، ويرد إلى المشتري المائة التي آخذها منه إن طلبها، وإن كانت قيمته يوم الهبة والصدقة لنقص دخله في يديه، فهو مخير: إن شاء تمسك به ورد المائة على الشاهدين، وهو كالعبد الغصب ينقص، فليس له أخذ ما نقص والتمسك به، ولو نقص سوفه وهو بحاله في يديه، فليرد على الشاهدين ما أخذ منهما، على البائع ما أخذ منه، ولو أقر المشتري أنه كذب، وأقر الشاهدان أنهما شهدا بزور، والعبد على حاله في بدنه، فله لم يرده إلى ربه ويأخذ منه مائة دينار التي دفعها إليه، وتأخذ منه البينة ما دفعا إليه، ولو وهبه له وقد نقص في بدنه فصار يسوى خمسين ومائة دينار فلم يرض بحبسه ناقصا، قيل له: فالمائتا دينار / لك، وادفع إلى الشاهد نصف العبد، ويبقى لك نصفه، ولو كان لا يساوي إلا خمسين، دفع نصف العبد إليهما وأخذ منهما المائة دينار ويبقى له نصفه، لأنه لا يلزمه أن يرضى به ناقصا، وله أن يحبس ما أخذ من البائع الأول، والوصية في ذلك كالهبة والصدقة، وكذلك لو ورثه، لأنه يقر أنه رجع إليه، إلا أنه رجع إليه ناقصا، فيكون كما قلنا في الهبة، وأما إن وهب له نصفه فليرجع عليه الشاهدان بما أخذ منهما إن رضى أن يتمسك به ناقصا، ولو كان نصفه لا يسوى إلا خمسة وعشرين دينارا [8/ 461]
لنقص دخله في بدنه، فليقل له: إن شئت فادفع نصف هذا النصف إلى الشاهدين واحبس مما أخذت منهما لتغيير العبد، فليس عليك بالتمسك به ناقصا، وله أن يقول: النصف من النصف الذي غرمتها قيمته لكما، والنصف هبة من المشتري الأول أعامله فيه بما يجب له وعليه. قال سحنون في كتاب ابنه: ومن أقام شاهدين في عبد في يدي رجل أنه القائم فيه، فقضي له به على ما كان في يديه، وهو منكر، فقبضه ثم رجعا فوديا قيمته إلى المقضي عليه، ثم وهبه المقضي له إلى المقضي عليه، أو تصدق عليه به، أو مات فورثه عنه، فأما في الميراث: فإن ورثه بحاله أو أحسن حالا، فليرد عليى الشاهدين ما أخذ منهما، وإن كان الآن قد نقص في يديه فهو مخير، إما رده على الشاهدين وتمسك بما أخذ منهما، / وإما حبسه ولا شيء له عليهما، وأما الهبة والصدقة فقد رضيه إذا قبضه منه ناقصا، وعليه رد قيمته على الشاهدين، إلا أن يحلف: ما قبضه رضا به ولكن ليرد عليهما، ولو رجع إلى الشاهدين بهبة أو بصدقة أو ميراث وهو بحاله، فلهما رده على المشهود عليه، فيرد عليهما القيمة إلا أن يكون ناقصا فالمشهود عليه مخير: إما قبله ورد القيمة، وإما رده وتمسك بالقيمة. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: قال: ولو اشتراه من المقضي له بأقل من الثمن الذي شهد أنه باعه به أو بمثله أو بأكثر، ولم يرجع الشاهدان، فإن كان اشتراه وهو بحاله في يديه، فلا ينظر إلى قيمته، فإن اشتراه بمائتي دينار فأكثر فلا شيء عليه ولا للشاهدين شيء، لأنه غرم المائتين التي أخذ منهما ومن المشتري، ولو مات المشتري والمشهود رجع بالفضل على المائتين إلى من دفعه إليه، ورجع الشاهدان على البائع بالمائة التي وديا إليه، وإن كان اشتراه بمائة وخمسين ولم يتغير في بدنه، ولم يرجع الشاهدان، فليرد على الشاهدين خمسة وعشرين دينارا، لأنه [8/ 462]
أخرج في نصفها خمسة وسبعين دينارا يقاصصهما بها، لأن عبده رجع بحاله إليه، ولا يغرمان له إلا ما غرما في النصف، ولو اشتراه من المشتري الأول وهو على حاله بأقل من مائة دينار، فإن يقال له: رد على الشاهدين المائة/ وعلى البائع تمام المائة، لأنك تقر أنه لم يكن مشتريا وأنه ظلمك، وقد كان له رده عليك، وترد أنت عليه وعلى الشاهدين ما أخذت منهما. وإن اشتراه منه وقد نقص في يديه ما ينقصه نصف ثمنه وهو مائة دينار، فإن أردت أن ترد على الشاهدين نصفا فلك ما أخذت منهما، وتقاصصهما بخمسين دينارا، فذلك لك، إلا ترى لو أن رجلين غصبالك عبدا فدخله عيب نقصه نصف ثمنه، ثم رداه إليك لم يلزمه أخذه، فإذا رد على الشاهدين النصف فله المائة التي أخذ منها، إلا أنه بعد تقاصصهما بنصف ما غرم، وإن قال: أنا أتماسك بحصة الشاهدين بقيمة من المائة، فليس لك له، إما أخذه ورد جميع المائة عليهما وقاصصهما بخمسين، وإما رد نصفه وتكون المائة التي أخذها منهما له، وقاصصهما، وكأن الشاهدين اغتصباه، فإذا رجع إليه ناقصا النصف: فقد رجع إليه من حصة كل واحد نصف ما غصبه إلا أنه ناقص، ولم يرجع إليه إلا بثمن، فلما اشترى النصف ناقصا بجميع الثمن ورد على الشاهدين ما أخذ منهما، وليس لك أن تأخذ بعض ما غصباك ونقص الثمن، وإن شئت فاردد النصف عليهما وتبقى لك المائة التى أخذت منهما، إلا أنك تقاصصهما منهما بما أديت في ثمن نصف ما صار إليك. قال محمد ولو اشترى نصفا فكذلك يقال/ له: إن شئت فاحبس ما اشتريت ورد على الشاهدين المائة، لأن في يديك ربع العبد من حصة الشاهدين، وإن شئت فرد عليهما الربع من العبد والمائة لك، ولكن تقاصصهما بما أخرجت في الثمن الربع، قال: ولو اشتراه بعرض قوم العرض فجعلت قيمته كثمن اشتراه به [8/ 463]
على ما فسرت لك، قال: ولو ورثه من المشهود له بالشراء، فإن لم يتغير في بدنه فهو له، ويأخذ منه الشاهدان المائة التي أخذ منهما، فإن كان نقص في بدنه: فإن شاء تمسك به ورد على الشاهدين المائة، وإن شاء رد عليهما نصفه ناقصا، وتبقى له المائة التي أخذ منهما، وإن ورث نصفه: فإن شاء تماسك بالنصف ورد على الشاهدين المائة، وإن شاء أعطاهما نصف ما ورث منه، وهو ربع العبد، وتبقي المائة له، لأنه الذي صار إليه من حصة الشاهدين. ولو كان له على الذي قضي له به مائة دينار، واشترى منه العبد بمائة دينار، فقاصصه بهما من دينه، ولا مال للميت غير العبد، كان كما فسرت لك، أن لو ورثه يرجع عليه الشاهدان بمائة، لأنه مقر أنه رجع إليه على حاله وهو له، فإن لم يكن له فيه حق بوراثته، ولو كان على الميت دين آخر فبيع العبد في الدينين، فأخذ من الدين مائة دينار فعليه أن يرد على الشاهدين خمسين دينارا نصف ما قبض وهو ربع الجميع، لأنه ما صار إليه من النصف/ نصفه للشاهدين بما غرما، ولو أخدمه إياه سنين، فقبله المستحق منه، كان نصف الخدمة للشاهدين، لأنه قد أخذ قيمة النصف ولو قبله المستحق منه وقيمته كقيمته أولا فأكثر، فإن علم به فأخذت منه قيمته أقرت الأمور كما كانت، ولم يتغير لذلك حكم تقدم، وإن لم يعلم به فعليه أن يرد إلى الشاهدين المائة التي قضي له بها، فالشاهدة لا تحل له غير ذلك، لأنه قد أخذ عبده تاما فعليه أن يرد إلى كل من أخذ منه شيئا من أخذ، فإن كانت قيمته أقل منهما يوم قضي عليه ولم يتغير في بدنه، فذلك كذلك، لأنهما لو رداه إليه في تلك الحال لزمه أخذه، فإن كان قد تغير في بدنه حتى نقصت قيمته النصف فقبله على ذلك فعليه أن يرد نصف قيمته يوم قبله إلى الشاهدين، ونصف قيمته إلى المشتري، لأنه إذا تغير في بدنه فليس عليه أخذهن ولا يكون قبله قبضا له ولا رضا بنقصه، وإنما يكون قبله قبضا له إذا كان في حال رد عليه لزمه أخذه، ورد عليه ما أخذ منهما. ولو أقر البائع والشاهدان بما قال المشهود عليه من أنهم شهدوا بزور والعبد بحاله في يديه، وقد نقص سوقه، فلهم رده عليه وأخذ المائتين منه، ولو تغير بنقص [8/ 464]
في يديه فالمشهود عليه بالخيار إن شاء أخذ ورد المائتين، وإلا أخذه شركة وتمسك بما أخذ، ويرجع الشاهدان على/ المشهود له بنصف العبد [فياخذاه منه كأنما غصباه نصفه فدفعاه إليه، وإن أراد أن يتمسك بنصف العبد] ناقصا، وله ما أخذ من الشاهدين من المائة فيرد عليهما النصف فذلك له، إن أراد أن يرد على الذي أقام البينة النصف، وله ما أخذ من المائة فذلك له، ولا يرد على الشاهدين شيئا فتمسك بحصتهما وهو النصف، لأن من غصب رجلين عبدا فإنما غصب كل واحد نصفه، فله أن يتمسك بنصف ما شاء منها، ويرد النصف الآخر على الآخر، ويتمسك بما أخذ منه من القيمة. وهذا باب يختلف فيه اصحابنا، فمنهم من يقول على هذا القياس، ومنهم من يقول: إن القياس على قوله: إما ردوه جميعا، وإما غرموا القيمة جميعا، وكذلك قالوا في العبد يشتريه رجلان ثم يظهر به عيب، فاختلفوا فيه كما وصفت لك، ولو كانت أمة لم أحب للسيد أن يتزوجها وهو ممن يحل له نكاح الإماء، ولا يزوجها لأبنه؛ لأنه يرق ولدا إن كان منهما وهم أحرار، لأنه ابنه، وإنما ظلم وغصب، وولد ولده يعتقون عليه. قال محمد بن عبد الله: ولو أسر العدو هذا العبد وقد رجع الشاهدان بالزور، وأقر بذلك المشتري، فغنم فوقع في المقاسم للمقضي عليه أنه باعه فأسلمه المقضي له به، قال: فالعبد للذي صار له في سهمه مع المائتي دينار التي أخذ، إلا أن يشاء المشهود له بالشراء أن يفتكه بقيمته، [يريد: التي وقع به في المقاسم] ويدفعه إليه، ويرجعون عليه بالمائتي دينار التي أخذ، فذلك لهم إن لن يتغير العبد في يديه، ولو وقع في سهم غيره ولم / يقبضه المقضي له بشرائه، فإن المشهود عليه مخير إن شاء افتكه بقيمته، فذلك له، ويرد على الشاهدين فضل ما أفتكه به وبين المائتين، وإن افتكه بأكثر من مائتي دينار لم يرجع على أحد بشيء، [8/ 465]
وكان العبد له، لأنه إنما افتكه من المال الذي أخذ، وليس على من أخذ منه شيء غير ما أخذ منهما. ولو وقع في سهم أجنبي ولم يفتكه المقضي عليه بالبيع ولا المشتري، ثم وهب للمقضي عليه بالبيع [ولا المشتري حتى وهب للمقضى عليه بالبيع] أو ورثه، أو صار إليه بأي وجه صار إليه، فالعبد له والمال له، لأنه هذا ملك آخر صار به العبد إليه بأمر جائز، لأنه لو كان له ثم صار في سهم أحد، لم يأخذه إلا بثمنه، فهذا الباب غير الباب الأول. ولو وقع في سهمان أجنبي ثم أقر الشاهدان والمدعي للعبد بما قال المشهود عليه من أنه زور عليه، فإن كان العبد لم يتغير في بدنه فافتكوه ودفعوه إليه لزمه ذلك، وعليه رد المائتي دينار إلى من أخدها منه، وإن لم يفتكوه قيل له: أنت مخير إن شئت أن تفتكه بما وقع به في المقاسم ويرجع عليه الشاهدان والمدعي بالفضل عن ما يفتكه به إلى تمام المائتين: إن افتككته بمائة رجعوا عليك بمائة، ليس له إن افتكه من ذلك بد. قال: ولو أقر الشاهدان ومدعي شراء العبد أنهم زوروا وقد تغير العبد في بدنه، فاختصم فيه الشاهدان والمدعي للشراء، وهو في يد المقضي له، رأيت العبد بينهما نصفين، ولا شيء على الذي كان عنده من نقصه، لأن الشاهدين رضيا / بمصيره إليه، قال: ولو مات المشتري بعد أن مات العبد عنده، فورث منه المشهود عليه بالبيع مائتي دينار أو أكثر، فله ذلك، وله ما أخذ من قيمة عبده، وذلك أن الذي ادعاه لم يقبضه من الشاهدين بما دفعاه إليه فلم يكن غاصبا منها ولا ضامنا لهما. ولو قال الشاهدان بعد أن رجعا عن الشهادة والعبد حي: ادفع إلينا نصف العبد، فقال: ما شهدتما إلا بحق، ثم مات عبده، ثم مات مدعي الشراء، [8/ 466]
فورث منه المدعى عليه المال، رجع عليه الشاهدان في ذلك المال بقيمة نصف العبد يوم طلب له من الميت، وهو بابتياعه غاصب لنصف منهما، لأنه قد علم أنه ليس له أخذ نصفها وقد غرما قيمته، وهو كالمودع يجحد الوديعة، فهو كالغاصب من يومئذ، وعلى الوارث رد على ما علم أن وارثه غصبه، قال: ولو غصبه المقضي عليه بالبيع وقيمته مثل قيمته أولا فأكثر، فعليه رد المائتين، إلى المقضي له مائة، وإلى الشاهدين مائة، ولو نقصت قيمته لنقص بدنه فذلك رضا منه يأخذه ناقصا، وليرد ما أخذ منهم. وليس الغصب في هذا كالقتل، لأنه قد يجوز له إذا غصبه إن خفي له ذلك، ولا يجوز له قتله وإن خفي له، فإذا تغير في القتل فله ما أخذ وعليه القيمة، وفي الغصب هو رضا منه بأخذه ناقصا، وقد سوى بعض أصحابنا بين القتل والغصب، قال: ولو أبق من المقضي له به فباعه للإمام على أنه أبق وقد كان/ الشهود والمشهود له أقروا أن البينة شهدت بزور، ثم قام الشاهدان والمشهود له والمشهود عليه، فإنه يقال للمقضي عليه: إن شئت فخذ الثمن من الإمام ورد على القوم ما أخذ الشاهدان والمقضي له، وإلا فسلم الثمن [إليهم ولك الثمن] الذي أخذت أولا، وكذلك لو قتل العبد فأخذت له قيمة. قال: ولو زوج العبد المقضي له به، ثم أقر هو وشاهداه بالتزوير، فنكاح العبد جائز لا يصدق عليه البينة ولا المشهود له، ويقال للمقضي عليه، هذا عيب حدث بالعبد، فإن شئت فأسلمه إليهما وخذ الثمن الآول، وإلا فخذه معيبا ورد على الشاهدين والمشهود له ما أخذت منهم، والنكاح باق ثابت. قال: ولو كاتبه أو دبره، ثم أقر أن شاهديه زورا، فالتدبير والكتابة نافذان لا يفسخا، وللمقضي عليه ما أخذ من القيمة إن أحب ذلك، ثم إن رق المكاتب والمدير بعد أن رضي بالتمسك بالقيمة فهو حكم نفذ لا يرد، وإن قال إذا قام وهو مكاتب أو مدبر: أنا أنتظر رقه، فليس ذلك له أن ينتظر بالحكم، والمال الأول في [8/ 467]
يديه ينتفع به إلى ذلك الوقت، ولكن يجوز الساعة، ولو رق في الكتابة ثم أقر المشهود له أو ورثته ولم يتغير العبد في بدنه، فلربه الأول أخذه وأخذ ما أدى في الكتابة لأنه غلة، ولا غلة للغاصب، وإن نقص في بدنه فربه مخير أن يأخذه ناقصا وما أدى معه، وإن شاء أسلمه وما أدى، وكذلك لو دبره ثم مات فسرق بالدين فأقر الوارث أن أباه / أقر بتزوير البينة، فلربه الأول أخذه إن لم يتغير، وإن نقص فربه بالخيار إن شاء أخذه ناقصا ورد ما أخذ وإلا أسلمه وتمسك بما أخذ. ولو قال المشهود عليه والعبد في الكتابه لم يعجز: أنا آخذه مكاتبا، فيرق لي بالعجز أو يعتق فأخذ ما ودى، والولاء لعاقد الكتابة، وأنا أرد المائتي دينار فذلك له، لأنه إنما أخذ بعض ما غصب منه، وليس ببيع كتابة، وقد غمزه بعض أصحابنا قال: ولو قال وهو مدبره: أنا آخذ مديرا فأختدمه، فإن رق بالدين كان لي، وإن عتق كنت قد اختدمته، وأنا أرد المائتين، فذلك له، لأنه إنما أخذ بعض ما غصب منه. وليس لقائل أن يقول: إن هذا في المكاتب والمدير كبيع ذلك في المائتين، لأنه لو أقر رجلان أنهما كانا تبادلا دينارا بدينارين من غير صنفه، أو باعه دينارا بدراهم إلى أجل، وتقابضا، فآمر أن يرد كل واحد ما أخذ على الآخر، ولم يكن ذلك منهما بيع حادث. وقال أشهب في الغاصب للعبد يبيعه فدبره المشتري أو كاتبه، ثم أقر المتبايعان بالغصب: إنه يرجع المغصوب منه على الغاصب بالأكثر من قيمته يوم الغصب، أو الثمن ولم يكشف عن ما سوى هذا. قال محمد: ولو أن المقضي له بالشراء رهنه من رجل ثم أقر هو والبينة بالزور، والمرتهن منكر، فالمشهود له مخير إن شاء افتكه ثم رده إن لم يتغير، وإن امتنع فرب العبد الأول مخير إن شاء افتكه/ وأخذه ورد فضل المائتين على البينة والمدعي، نصف له نصف لهما، فإن افتكه برهنه وهو مائتا دينار فأكثر، لم يرجع على الشاهدين ولا المشهود له بشيء [8/ 468]
في الرجوع عن الشهادة في الصرف
ولو رهنه بعرض فأبى أن يفتكه المشهود له فلربه الأول أن يفتكه بالعرض، ثم يأخذ من المائتين التي عنده قيمة العرض ويرد ما فضلن فإن أبى فليس له إلا هذا، وإن كان ما افتكه به من ماله مثل الطعام أو نحوه اشترى مثله من المائتين، ورد الفضل على الشاهدين والمدعي، فإن اغترق ذلك المائتينأو زاد فلا شيء على الشاهدين ولا على المشهود له. في الرجوع عن الشهادة في الصرف ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن ادعى أنه باع مائة دينار بألفي درهم من رجل، والرجل ينكر ولم يفترقا، فقامت عليه البينة فقضى عليه القاضي بدفع الدراهم وأخذ الدنانير فتقابضا، ثم رجعت البينة، فأنه يرجع مؤدي الدراهم على الشاهدين بألفي درهم، ويدفع إليهما المائة الدينار التي أخذ، ولا ينظر إلى صرف يومئذ كان مثل صرف المائة أو أقل أو أكثر. وقال ابن الماجشون في كتابه: إن كانت الدراهم مثل صرف الدنانير فلا ضمان على البينة، ثم رجع فقال: يرجع مؤدي الدراهم على الشاهدين يمثل دراهمه، ويدفع إليهما ما أخذ من الذهب إلا أن يكون تجاوز في نقد، أو أخذ زائفا؛ / ذلك لأنه ترك الاستيفاء وهو له، قال في كتاب ابن سحنون: وقاله ابن الماجشون في كتابه: وكذلك لو كان الجاحد صاحب الدنانير، لغرما له دنانيره، وأخذا منه الدراهم أو مثلهما، قالا: ولو تأخر منعها بشهادة من شهد في ذلك، أو أقرا به جميعا كان مفسوخا، ولو حكم بذلك حاكم لفسخ حكمه، فإذا سقط الحكم لم يضمنا شيئا، لأن الشاهدين إنما يكونان متلفين ما تمضي به الأحكام، ثم يرجع عنه، قال سحنون: وقد قال بعض أصحابنا: إن ذلك كمثل من شهد عليه في بيع واخرجا ملكه من يديه بغير طوعه بدون قيمته، أنه يرجع عليها بما [8/ 469]
في الرجوع عن شهادة بالتأخير بالدين أو هبته أو الوكالة على قبضه
أتلفا من فضل القيمة، ولو أخر فضل القيمة في السلعة أو فضل ما بين الذهب والورق على الشاهدين بما أتلفا من شهادتهما، لم يكن بذلك بأس، ولم يكن صرف، ولكنه غصب أتلفا به فضل ماله. في الرجوع عن شهادة بالتأخير في الدين أو هبته أو الوكالة على قبضه أو أنه وضع بعضه على العجلة أو وضع الحمالة به من كتاب ابن المواز: ومن حل حقه على غريمه فشهد عليه شاهدان أنه أخره به حولا، ثم رجعا بعد الحكم عن شهادتهما، وأقرا بتعمد الزور فليغرما الحق لصاحبه حالا، لأن التأخير نقصان جنياه عليه. قال ابن المواز: إلا أن يكون الغريم معدما ظاهر العدم لو قام عليه لم يأخذ منه شيئا، فلا يكون/ عليهما شيء حتى يكون عند الغريم ما يقدر أن يؤخذ منه، فحينئذ يغرم الشاهدان ذلك ثم يرجعان بما غرم على غريم صاحب الحق إذا حل الأجل. وقال محمد بن عبد الحكم: إن كان المطلوب مليا فللطالب الرجوع على الشاهدين قبل الأجل بالمال، ورجع الشاهدان بذلك على الذي عليه الحق إذا حل الأجل، وإن رجعا بعد الأجل وهو ملي ففيها قولان: أحدهما: لا شيء على الشاهدين، وليطلب غريمه، وقول آخر: أن له أن يرجع على الشاهدين؛ لأنه قد كان ذلك له في أول شهادتهما لما قضي عليه بالتعجيل، وهما أخراه وهو ملي، وهذا أحب إلي. وإن كان المطلوب معسرا أو مفلسا فلا شيء عليهما لأنهما أنظرا من له الإنظار بالحكم، فإن كان معسرا ثم أيسر قبل الأجل فإنه يحكم بذلك على الشاهدين، لأنه وقت يجب للطالب أخذه به، فوخر بشهادتهما، وإن أيسر [8/ 470]
بنصف المال رجع بذلك على الشاهدين وإن لم يحل الأجل، وإن غاب المطلوب وهو معسر وقد حل الأجل، أو معدم لم يعلم ما حاله فلا شيء على الشاهدين حتى يصح له يسار بذلك؛ لأنه على العدم حتى ينتقل عنه بأمر ثابت. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهدا في دين حال أن ربه أخر به المطلوب سنة، والدين معروف بغيرهما، وهو من فرض عين، أو مما يكال أو يوزن [أو كان من بيع سلم مما يكال أو يوزن من طعام] أو عروض لا تكال ولا توزن؛ فقضي بالتأخير، ثم رجعا بأثر الحكم أو بعد محل الأجل، فعليه غرم الحق/ للطالب حالا، لأنهما أخرجا من يديه تعجيله، وذلك نقص من حقه، ويطلبان الغريم كان مليا أو معدما، ولا يرجعان على المشهود عليه بما دفعا إليه، ويصير الدين لهما، وقال بعض أصحابنا: إن كان رجوعها بعد الأجل فقد أتلفا ربح ما أخرجا عنه من ماله، وإن الأمر في انتفاعه به لو قبضه، وإنما يغرم الشهود ما أتلفا من ماله، وهو الانتفاع بربحه وماله، وقد أعلمتك باختلافهم فيما أتلفا من العروض التي هي دي لا تكال ولا توزن. وإذا شهدا عليه بدين حال، وقال المطلوب: هو إلى أجل، فقضي عليه بتعجيله وهو من قرض أو بيع وهو من عين أو عرض، ثم رجعا بعد القضاء ودفع المال، وإنما رجعا بعد محل الأجل الذي ادعى المطلوب، فعليهما ربح ما أخرجا من يديه ومنعاه الإنتفاع به إن كان فيما بين إخراجه من يده إلى محل الأجل ما يكون لمثله ربح، وإن لم يكن لمثل ذلك ربح لقربه فلا شيء عليهما، وقال ابن الماجشون في كتابه: إذا رجعا بعد حلول الأجل فلا ضمان عليهما فيه، وإن رجعا قبل الأجل فعليهما ربح ما أخرجا من يديه، وأما إن شهدا لرجل أن له على رجال مالا إلى سنة، وقال الطالب: حقي حال فحكم بشهادتهما، ثم رجعا بعد الأجل، وأقرا بتعمد الزور بما شهدا به من الأجل، فعليهما للطالب ربح ما أخرا عنه من ماله، وأزالا من انتفاعه به. [8/ 471]
ومن كتاب ابن المواز: ومن لم يحل حقه فشهد عليه شاهدان أنه وضع عن غريمه بعض حقه، / والذي له الحق منكر للوضعيه وللقبض، فقضي عليه يرد ما شهدا أنه تعجله ثم رجعا عن شهادتهما، فعليهما غرم ما غرمه صاحب الحق لغريمه، فإذا حل الأجل استوفى صاحب الحق جميع حقه من غريمه، ولا شيء على الشاهدين في ذلك، ولو أن صاحب الحق مقر بالقبض منكر للوضعية، فحكم عليه برد ما قبض، ثم رجعا، قال: فليغرما لصاحب الحق ما كلفاه رده على غريمه، ثم يرجعان بذلك على الغريم مع صاحب الحق عند الأجل، فيكون ما يؤخذ منه بين الشاهدين ورب الحق بالحصص. ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإن شهدا أن فلانا الغائب وكل هذا يقبض دينه من فلان، وفلان مقر بالدين، فقضي عليه بدفعه إلى الوكيل، فضاع منه أو استهلكه، ثم قدم رب الدين فأنكر الوكالة، ورجع الشاهدان عن شهادتهما، فإنهما يضمنان له ما قبض الوكيل، فإن كان الوكيل أكل ذلك أو استهلكه بما لا يجب له، رجعا عليه بما غرما، وإن كان ضاع منه بما لا يلزمه ضمانه فلا شيء على الوكيل، وإن أقر الوكيل أنهما شهدا له بباطل، ضمنا المال وإن ضاع منه، ولا يخرجه من الضمان حكم الحاكم له بالوكالة، ولو شهدا أن رب الدين وهبه لمن هو عليه فحكم له بذلك، ثم رجعا، فإنهما يضمناه للطالب إن كان الذي عليه الحق مليا. وكذلك لو شهدا أنه أبرأه منه، أو تصدق به عليه، أو قضاه إياه، فإن كان / المطلوب عديما قامت له البينة بذلك عند الحاكم، أو مفلسا فإنه متى ما أيسر رجع الطالب بذلك الحق على الشاهدين؛ لأنهما لم يتلفا عليه إلا إذا كان المطلوب معسرا، وإذا طرأ للميت يوما مال، يريد: فيه وفاء بالحق، كان للذي عليه الحق أن يرجع بحقه على الشاهدين. ومن كتاب ابن سحنون: قال إذا شهدا أنه وضع الحق عن غريمه، أو حلله منه، أو وهبه له، أو أبرأه منه، أو تصدق به عليه، أو أوفاه إياه، والحق حال، [8/ 472]
في الرجوع عن الشهادة في الهبات والوصايا
ثم رجعا عن الشهادة بعد الحكم، فعليهما غرم ما أقر أنهما أتلفاه، فعليهما في العتق مثله، وكذلك في كل ما يكال أو يوزن من طعام أو عروض، وأما العروض التي فيها القيمة والحيوان فقد اختلف فيه أصحابنا، فقيل: فيه القيمة، وقاله ابن الماجشون في كتابه، قال سحنون: وقيل: بل عليهما مثل العروض، لأنهما حين أتلفا ذلك دخل مدخل من كان ذلك عليه، وكان ذلك عليهما. في الرجوع عن الشهادة في الهبات والوصايا ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد الشاهدان على الميت أنه وهب لرجل دارا، أو عروضان أو حيوانا، أو شيئا يكال أو يوزن من طعام أو عرض، أو تصدق به عليه، أو نحله إياه، أو شيئا من العين، والمشهود عليه منكر، فحكم عليه، وقبض ذلك المدعي، ثم رجعا فعليهما ضمان ما أخرجا من يديه وأتلفاه مع الأب، ويضمنان القيمة فيما / لا يكال ولا يوزن، قيمته يوم قبض ذلك منه على هيئته من سلامة أو نقص في الموضع الذي قبض فيه، والقول قولهما في القيمة مع إيمانهما إن عميت القيمة، إلا أن تقوم بينة بغير ذلك، وعليهما المثل فيما يكال ويوزن في موضع قبض ذلك منه إلا في العين، فإنه يأخذه به في كل موضع، وإن شهدا في الهبة للثواب وهو مما فيه ثواب، فأثيب به أقل أو أكثر من قيمته ما شهدا به عليه، فلا ضمان عليهما، لأن الموهوب له لزمه للواهب القيمة بالقضاء، فيرد الهبة إلا أن تفوت، ففيها القيمة، فإما زاده متطوعا وأعطاه أقل فرضي بذلك الآخر وذلك لا يلزمهما. ومن ادعى أن هذا الميت أوصى له بالثلث، وأقام بذلك شاهدين، فقضي له بذلك وقبضه، ثم رجعا فإنهما يضمنان ذلك الثلث للورثة، وإن رجع أحدهما ضمن نصفه، ولو كانت الشهادة أنه أوصى له بجارية تحمل ثلثه، فقضي له بها، وقبضها ووطئها وأولدها، ثم رجعا، فعليهما قيمتها يوم الحكم له بها، ولا شيء عليهما في الولد. [8/ 473]
في الرجوع عن الشهادة على الشهادة أو ينكر المنقول عنهم الشهادة
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: قال: وإن شهدا أن فلانا الميت أسند وصيته إلى فلان فحكم له بذلك، فتعدي الوصي على شيء من التركة فأتلفه، ثم رجعا، فليغرما ما أتلف الوصي، لأن ذلك بشهادتهما. في الرجوع عن الشهادة على الشهادة، أو يقدم المنقول عنهم فينكرون الشهادة / من كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على شهادة ثمانية غيب، وشاهدان على شهادة شاهدين غائبين، والغيب بموضع بعيد، يجب النقل عن مثلهم لما في انتظارهم من الضرر على الطالب، فقضي بهذا النقل، ثم قدم المنقول عنهم فرجعوا عن شهادتهم وقالوا: ما أشهدنا أحدا على شهادتنا، قال: قال بعض أصحابنا: إذا قالوا: ما أشهدنا على شهادتنا أحدا، وما كان عندنا منه علم، أن الحكم ينتقض، لأنه لا يجوز نقل شهادة عن من ينكرها، وإنما ينفع هذا فيمن يقر على نفسه بشيء ثم ينكره، فهذا يلزمه، ولو رجعوا عن الشهادة فقالوا: قد أشهدناهم وقد كذبنا في شهادتنا، فإنهم يضمنون ما تلف بشهادتهم، وإنماالناقلون عنهم نقلوا قولهم، وقيل أيضا: لا يضر رجوع المنقول عنهم، لأنهم قد يكونون رجعوا قبل الحكم بشهادتهم وهم غياب، ولم يمكنهم إعلام من كان شهد على شهادتهم. والذي يرى هذا يرى أن لو رجع الناقلون والمنقول عنهم، فإن الناقلين هم الضامنون، فيغرم الناقلون عن الثمانية أربعة أخماس الحق، ويغرم الناقلون عن الباقين عن اثنين خمس الحق، لأنه إنما ينظر ما كان يضمنه الشهود لو رجعوا، فذلك الذي يضمنه الناقل عنهم، ولو نقل ثمانية عن رجل، وإثنان عن رجل، فقضي بذلك، ثم رجع الناقلون، فللثمانية عليهم النصف/، والإثنان النصف، لأن الثمانية إنما نقلوا قول واحد، ولو رجع من الثمانية ستة ما كان عليهم، لأنه قد بقي من يحيى به النقل، ولو رجع سبعة من الثمانية وواحد من الإثنين، وغرم السبعة ربع [8/ 474]
الحق، ولو رجع جميع الناقلين، وثبت المنقول عنهم، فإن كانوا عدولا ممن يقبل يوم رجع الناقلون، فالحكم ماض ولا غرم على الراجعين، ويصير كرجلين شهدا على حق فقضي به ثم رجعا، فلما رجعا أتى غيرهما عدلان فشهدا بذلك الحق، فذلك يرفع الغرم عن الراجعين، ويوجب على الجاحد الحق وكأنه أقر بما شهدوا به عليه. قال: وإن كان المنقول عنهما اللذان ثبتا على الشهادة بعد رجوع الناقلين، هما يومئذ ممن لا يقبل، فعلى الراجعين ضمان ما أتلفا، وإذا نقلا الشهادة عن غائبين، أو شهدا على خطهما بشهادة، ولم يشهدا هما فقضي القاضي بذلك، ثم رجع الناقلون للفظ، أو على الخط، فإنهما يضمنان، ولا ينفعهما أن يقولا للحكم: توقف عنا، فلعل من نقلنا عنه لو شهدنا على خطه يعدم فيحق من شهادته ما يزيل الضمان عنا، أو يأتي غيرهما فيشهد به فلا يؤخرا بالغرم لهذا. ولو قدم المشهود على كتابهما فقالا: ما كتبنا ذلك، ما ضر ذلك الحكم ولا نقضه، وهو كمن شهد على شهادتهما ببينة، ثم قدم المنقول عنهم فقالا: شهد علينا بزور، فذلك كله لا يضر شيئا. قال / أبو محمد: انظر ما معنى هذا، وقد قال في أول الكتاب إن الحكم ينتقض في تكذيب المنقول عنهم للناقلين، ولو قالا: شهدنا وكتبنا وكان ما كتبنا زورا، ولم نشهد عليه أحدا، وقد كنا رجعنا عنه، ولا وقع في قلوبنا أن أحدا يعرف كتابنا، ولا شهدا علينا، فلا شيء عليهما من الغرم. قال أبو محمد: انظر أراه إنما هذا في نقل خط الشاهد، لأن فيه اختلافا هل يقصى به؟ وأكثر أقاوين أصحابنا: أنه لا يقضى به حتى يقولوا لهم: انقلوا عنا، فإنه إذا قال: نسينا كتابنا، لم يضرا الحكم، والصواب أن ذلك كله سواء، وينتقض الحكم، أنكر الشهادة أو الكتاب، وفي أول الباب: أن الحكم ينقض في إنكارهم للشهادة. [8/ 475]
في الرجوع عن الشهادة في الرهان
ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين بحق لرجل، فحكم به الحاكم، ثم أتى الشاهدان الأولان إلى الحاكم فقالا: قد كنا أشهدنا هما على شهادتنا، وقد رجعنا عن الشهادة، فعليهما غرم الحق للمقضي عليه ليس كما قال أصحاب أبى حنيفة: إنهما لا يغرمان بالرجوع شيئا، قال محمد: ألا ترى أنهما اللذان حكم القاضي بشهادتهما، وأنهما المزوران لا الناقلون عنهما. قال محمد: ولو لم يرجعا ولكن قالا: لم يشهدوا ولا أشهدناهما على شهادتنا، فإنهما يغرمان أيضا، وهو رجوع منهما، وإن قالا: ما أشهدناهما وقال الناقلون/: صدقا، ما أشهدانا، فالمقضي عليه مخير إن شاء اتبع المنقول عنهما، وإن شاء اتبع الناقلين، فإن أغرم الناقلين لم يرجعا بذلك على أحد، وإن رجع على المنقول عنهما رجع بذلك على الناقلين عنهما. قال ابن الماجشون في كتابه إذا رجع المنقول عنهما ولم يرجع الناقلان فلا ضمان على المنقول عنهما، فأما إن رجع الناقلان وثبت المنقول عنهما، فإن كان المنقول عنهما عدلين يوم رجع الناقلان، فإن ذلك ماض لايرد، لأنهما كما لو رجعا عن شهادتهما في حق شهدا فيه على علمهما، ثم رجع فقام شاهدان فشهدا بمثل ما شهدا به، فحكم بشهادتهما، فذلك يرفع الغرم عن الراجعين أولا، فإن كانا غير عدلين عند رجوع الناقلين، ضمن الناقلان الحق. في الرجوع عن الشهادة في الرهان ومن كتاب ابن سحنون: ومن عليه لرجل دين مائة دينار من قرض أو بيع، فأقام الطالب شاهدين أنه رهنه عبده هذا، أو عروضا، فغاب عليها فقضي بذلك، وحاز ذلك المرتهن، ثم رجعا وأقر بالزور، فعليهما غرم قيمة العبد، أو العرض الذي أخرجاه من يد ربه، ومنعاه من مرافقة فيه، فكأنهما رهناه عنه، فإن مات العبد فهو منهما، وإن بيع في الدين فكان كفاف الدين أو أقل أو أكثر، [8/ 476]
رجعا عليه بما أديا عنه، وكان لهما فضل الثمن إن كان فيه فضل، إلا أن يكون للغريم مال يؤدي عن نفسه، ويرجع العبد إليهما/ بحاله التي يرجع بها سالما ومعطوبا، وإن تلف المتاع عنده ببينة بلا تفريط، فهو كموت العبد، وكذلك أن أبيع في الدين فهو كما قلنا في الغلام، وإن ودى الغريم رجع المتاع إليهما سالما أو ناقصا، وإن تلف المتاع ولم تقم بذلك بينة، فالمرتهن ضامن، فإن كان ذاك كفاف الدين سقط الدين عن المرتهن، ورجعا على الغريم بما أديا عنه إن كان الدين حالا، فإن كان إلى أجل فإلى أجله، وإن كان في قيمة المتاع فضل سقط حق الغريم، وأتبعا الغريم بما أديا عنه على ما ذكرنا، وأتبعا الغريم بفضل الرهن، فإن شاء المشهود عليه أن يبقى رهنه بيد مرتهنه، فإن كان موت في الحيوان فمنه، وكذلك المتاع تقوم على تلفه بينة، ولا شيء له على الراجعين، والدين عليه بحاله، وإن كان تلف المتاع بلا بينة، وقيمته أكثر من الدين، سقط دين صاحب الدين به قصاصا، وكان مخيرا في فضل القيمة، فإن رجع بها على المرتهن أخذها وبرئ الراجعان، وإن شاء رجع بها على الراجعين ورجعا هما بها على المرتهن. قال سحنون: وإذا كان المطلوب مقرا بالدين عليه مائة دينار، وبيد الطالب ثوب قيمته مثل الدين، فقال هو لي رهنتكه في دينك، والطالب منكر، وأقام المطلوب بينة بذلك فقضي بذلك، ثم ادعى الطالب تلف الثوب فضمنه وسقط حقه به، ثم رجع الشاهدان وأقرا بالزور، فعليهما ضمان مائة دينار، ولو قال الطالب: الثوب في / يدي وديعة للذي عليه الدين، وقد قضي عليه أنه رهن، وسقط الحق بتلفه، ثم رجعا، فليضمنا ما أتلفا بشهادتهما إذا أسقطا ما لم يكن سقط من الدين، وكأنهما شهدا أنه قبض الدين. [8/ 477]
في الرجوع عن الشهادة في القراض والمساقاة والشركة، والرجوع عن الشهادة التي توجب رفع اليمين
في الرجوع عن الشهادة في القراض والمساقاة والشركة، وفي الشهادة التي إنما توجب رفع اليمين يرجعان عنها من كتاب ابن سحنون: وإن شهد شاهدان على رجل أنه أخذ من رجل مالا قراضا على النصف، وجحد العامل أو قال: بل على الثلث لرب المال بعد ما نض المال وربحه، فاقتسما على النصف، أو نض رأس المال وبقي الربح دينار أو لم ينض منه شيء، فهو دين كله، وقد أذن له في البيع بالنقد والدين، ثم رجعا عن شهادتهما، فليضمنا له ما أتلفاه، وهو سدس الربح تمام ما ادعى إن كان نض كله، وإن أقتسماه فليرجع العامل عليهما بسدس الربح، وإن كان الربح دينا لم يضمنا شيئا منه، فكل ما اقتضى شيئا اقتسماه ورجع على الشاهدين بسدس ما اقتسما. وإن شهدا أنه أخذه على أن للعامل ثلثي الربح، ولرب المال الثلث، وقال رب المال: دفعته إليه على أن لي الثلثين، فليس هذه مسلمة، لأن العامل مصدق بلا بينة، ولو شهدت فرجعت لم يضمن، لأن الحاكم لم يحكم بها، ولا أتلفت شيئا إن كان قول العامل يشبه، فإن كان لا يشبه وإنما يشبه ما قال رب/ المال، فحكم بشهادتهما واقتسما على ما حكم ثم رجعا، فقد أتلفا لرب المال الربح، فليرجع عليهما بذلك، وإن تلف رأس المال في الوجهين فمن رب المال، ولا يضمناه. ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإن شهدا أنه دفع المال للعامل قراضا على النصف، ورب المال يدعي أن له الثلثين وقد ربح، فأخذ النصف ورد رأس المال ونصف الربح إلى رب المال ثم رجع الشاهدان، فلا يغرمان لرب المال شيئا، لأن العامل مصدق مع يمينه، وإنما منعاه أن يستحلفه وليس يوجب ذلك عليهما شيئا، كما لو شهدا بذلك فطلب رب المال يمينه فشهد أن الحاكم استحلفه فزالت [8/ 478]
عنه اليمين ثم رجعا، لم يلزمهما بذلك شيء، وكذلك لو شهدا في المودع يدعي تلفها فطلب يمينه القاضي، فشهد أن حاكما غيره استحلفه فزالت اليمين، ثم رجعا، أو شهدا أن لصوصا أخذوا الوديعة فحكم بإبرائه ثم رجعا، فلا شيء عليهما، لأنه كان مقبول القول في ذلك، وإنما أسقط عنه يمينا. ولو شهدا في القراض على أن لرب الثلثين، والعامل يدعي على النصف، والمال في يديه مائة، وربح مائة، فأقتسما على ما قضي به يقول الشاهدين وتمادى في العمل به، فربح ثم رجعا، فإنهما يغرمان للعامل ما كان من الفضل على الثلث يوم شهدا، يريد: السدس، قال: وما كان من الربح فيما عمل بعد ذلك فلا غرم عليهما فيه، لأنه كان يقدر على فسخ ذلك/ فتركه، يزيد وقد كان نض المال. ومن كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدين أن صاحب هذا الحائط ساقاه إياه على النصف وهو منكر، فقضي عليه، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلينظر إلى ما يصير للعامل من الثمرة، فإن كانت النفقة عليهما مثل قيمتها فأكثر، فلا شيء عليهما، وإن كانت النفقة أقل غراما لصاحب الأصل الفضل، ولو كان العامل هو المنكر المقضي عليه، ورب الأصل المدعي ثم رجعا بعد الحكم، قال: فعليهما أن يدخلا مدخله، ويلزمهما ما ألزماه من العمل والنفقة والعلاج. قال محمد: وكذلك في كل كراء دابة أو أرض أو عمل يد أو غيره إذا كان صاحب الأصل هو المدعي، وأما إن كان صاحب الأرض والدابة والعامل بيده هو المنكر، فلينظر إلى قيمة العمل والكراء، فإن كانت أكثر مما شهدا به لزمهما غرم الفضل، وهذا مذكور في كتاب ابن الماجشون. ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد على من في يديه مال أو متاع أن فلانا شريكه فيه شركة مفاوضة، فقضي بذلك ثم رجعا، فعليهما غرم نصف المال ونصف قيمة العروض، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن أبيه. [8/ 479]
في الرجوع عن الشهادة في الكراء والإجارة والعارية والوديعة
قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك لو ضاع ذلك بيد المشهود عليه قبل أن يقبضه المشهود له، لأنه حكم نفذ للمشهود له المقضي له يورث عنه وضمانه منه، ويغرمان للمشهود عليه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن / شهدا على رجلين أنهما تعاقدا شركة، وأخرج كل واحد مائة دينار وأخلطاها على أن الربح بينهما على الثلث والثلثين، وعملا على ذلك وربحا، وقال المشهود عليه: تعاقدنا على الشطر لكل واحد منا، فرأى الحاكم إن قبل البينة وأعطاه الشطر من الربح، ورأى أنها عطية منه له، يريد سحنون: الزيادة على الشطر على ما ذهب إليه القاضي، قال: ثم رجعا فإنهما يضمنان ما أتلفا وهو ما بين النصف والثلث. وإذا شهدا أنه مفاوض لرجل في شركته فحكم له بالشركة، وجعل له نصف ما في يديه، ثم أقام المشهود عليه بينة أن عبدا مما في يديه ورثه عن أبيه، وعدلت البينة، فإنه يقضى له بلك العبد. في الرجوع عن الشهادة في الكراء والاجارة والعارية والوديعة من كتاب ابن سحنون: ومن ركب دابة رجل من مكة إلى مصر ذاهبا وراجعا فعطبت بالمدينة، وقال: أكتريتها منه بعشرة دنانير، وأقام بينة، وربها منكر يقول: غصبتنيها، فحكم القاضي بالبينة وأعطاه بحساب ما ركب، ثم رجعا، فعليهما غرم ما أتلفا له، وهذا فضل قيمة الكراء في الدابة على ما وصل إليه من الكراء، أو فضل ما بين قيمة الدابة يوم ركبها وبين ما وصل إلى ربها من الكراء، لأنه لولا البينة كان على رب الدابة اليمين/: ما أكراه، ثم يأخذ الأكثر من قيمتها يوم ركبت، أو كراء مثلها إلى المكان الذي ركبت إليه، وإذا اختار الكراء فلا حق له في قيمتها، وكذلك في دعواه العارية، وربها منكر وقيام البينة ورجوعها، وإن شهدا عليهما أن فلانا أودعه مالا، والمدعي عليه يجحد، فحكم القاضي عليه، وكذلك في البضاعة والعارية. [8/ 480]
من كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان لصباغ أن فلانا آجره على أن يصبغ له ثوب هذا معروفا بدينار وهو ينكر فقضى عليه القاضي أن يدفع ثوبه إلى الصباغ ليصبغه ثم رجعا فليغرما قيمة الثوب لربه ويطاليا الصباغ بالثوب، كما حكم فيه أن يصبغه بالدينار، ولو أخذ الصباغ الدينار من رب الثوب رجع به رب الثوب على الشاهدين، وإن رضي رب الثوب بالصبغ حتى يخرج الثوب بذلك له، فإذا أخرج فلربه – إن شاء – أخذ ثوبه لنفسه ورد للصباغ دينارا، وإن أبى أن يأخذه قيل له: أنت كمن عدا عليه الشاهدان فصبغا ثوبه وأخذا منه دينارا، وهو الذي أخذ منه الصباغ، فارجع به على الشاهدين، وينظر إلى الثوب فيقال له: إن شئت فخذه وادفع إليهما ما زاده الصبغ إن زاده، وإن شاء أغرمهما قيمته وكان الثوب لهما، وهذا على قول ابن القاسم في الغصب، وأما أشهب: فيرى لربه أخذه مصبوغا بلا غرم / شيء إن شاء ذلك، أو يضمنه قيمته ويرى الصبغ كالتزاويق والجير في الدار. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى الجمال أن فلانا اكترى منه على حمل أحمال أو حمل هدية كراء مضمونا، أو دابة بعينهما بعشرة دنانير، والمكترى ينكر، فحكم عليه بذلك، ثم رجع الشاهدان وقالا: كذبنا، فإن كان بحضرة ذلك وقبل الحمل والركوب، فلك أيها المقضي عليه أن تدخل الشاهدين فيما ألزماك فيكون عليهما وضعيته، ولهما فضله، فإن كانا عديمين فلك أن ترجع عليهما بفضل ما أخرجا من يديك إن تكن قيمة ما وصل إليك من قيمة كراء الحمولة أو الركوب خمسة دنانير، رجعت عليهما بخمسة، فإن كان قيمة ما وصل إليك عشرة فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وهذا إذا أدخلا له مدخلا إن أردت أن تلزمهما ما ألزماك/ وتبرأ إليهما منه، فيباع ذلك الكراء ممن يطلب فيه فضلا فلم يوجد، فأما إن ألزمتهما ذلك فأصبت من يشتري ذلك بأقل مما أوجبا عليك، فلك إتباعهما بفضل ما أخرجاه من يديك حين لم يوجد من يشتريه إلا بدون ما أدخلاك فيه، [8/ 481]
فإذا كان هذا فله إما أن يسلم ذلك لهما فلهما نماؤه وعليهما نقصه، أو يدعهما ويلزم ذلك نفسك، فلك نماؤه وعليك نقصانه، ولا تتبعها بشيء، ويؤدبا، وإن شئت في أول أمرك أن لا تسلم إليهما ذلك وتتشبث به وتطالبهما بفضل ما أخرجاه من يديك على / قيمة ما أدخلاك فيه من الكراء، فذلك لك إلا أن يشاء الشاهدان أن يعطياك ما أخرجا من يديك، ويأخذا ما أدخلاك فيه من الحمولة أو الركوب، لهما فضله وعليهما نقصه، فذلك لهما إلا أن تشاء أنت التمسك بما أدخلاك فيه، ولا تطلبهما بشيء، فذلك لك. ولو كان رجوعهما بعد تمام الغاية في حمل أو ركوب رجع عليهما بفضل ما أخرجاه من يديه على قيمة ما وصل إليه من قيمة الكراء للحمولة أو للبدن؛ فإن كان ما وصل إليه من قيمة ذلك مثل ما خرج من يديه فأكثر، فلا شيء له عليهما. ولو كان الطالب هو المكتري، والكري هو الجاحد، فلا يقضى عليه بشهادتهما ثم رجعا، فلرب الظهر عليهما ما نقصاه وأخرجا من يديه، فإن كن كرى أظهره بسوى خمسة عشر وألزماه له بعشرة، فإنه يغرمهما خمسة، قال عبد الله: يريد: وكذلك لو كان كراء مضمونا، وأرى هذا الجواب بعد تمام الركوب، فأما قبل الركوب والحمل والدابة بعينها، فله أن يضمنهما قيمتها ويسلم إليهما ما قبض من الكراء إن قبضه، فإن هلكت في نصف الطريق رجع عليهما بمايرد من الكراء في المقاصة وهو نصفه، وأما الكراء المضمون فله عليهما فضل ما بين قيمة ما ألزماه منه، وبين قيمة ذلك إن كان ما أخذا أقل من قيمة ذلك. وفي باب الرجوع عن الشهادة فى القراض شيء من هذا المعنى. قال محمد بن عبد الحكم: / وإن شهدا على رجل أنه واجر عبده من فلان سنين معلومة بكذا وكذا دينارا كل سنه، والسيد ينكر، فقضي عليه، وقبض المستأجر العبد ليعمل له، فهلك العبد في ذلك العمل، أو بقي ثم رجعا فللسيد [8/ 482]
أن يغرمهما قيمته ويسلمه إليهما، لأنهما قد حالا بينه وبين إلى الأجل، وكذلك إن شهدا أنه واجره إلى مكة يرحل به، أو إلى الأندلس ثم رجعا بعد الحكم، فله أن يضمنهما قيمته، يريد: يوم أخرج من يديه بالحكم. قال: ويقاصانه بما أخذ في إجارته، ويتبع الشاهدان العبد حيث كان، فإن رجعا وأقر بذلك المستأجر أنهما شهدا له بزور، وأنه ما واجره، ودفع ذلك إلى القاضي، فليرد العبد وقيمة ما عمل له، أو ما استغل منه، ويأخذ الإجارة، أو يتقاصوا في ذلك، فإن كان الشاهدان ومدعي الاجارة بعضهم ملي وبعضهم معدم فله أخذ الملي بغلة العبد، فإن أخذها من الشاهدين فليرجعا بذلك على الذي استعمله، وإن أخذ ذلك من مستعمله لم يرجع بذلك على الشاهدين، فإن رجع المستأجر عن دعواه ولم يرجع الشاهدان فليرد العبد إلى سيده مع قيمة عمله وغلته، ويقاصه في ذلك فيما قبض ربه من الإجارة، وإنما يرده إن لم يتغير في بدنه، فإن أخذه سيده ثم رجع الشااهدان بعد ذلك لم يغرما شيئا، فإن رجعا وقد تغير العبد في بدنه فنقصت قيمته، فربه مخيرا إن شاء أخذه وغلته، وإن شاء أسلمه وأخذ منه تمام قيمته، يريد: على ما / عنده من إجارة، وإن شاء أخذه وغلته، يريد: ويرد الإجارة، فإن أسلمه ليأخذ تمام قيمته يوم حكم عليه بالإجارة، فأخذ ذلك أو لم يأخذ حتى رجع الشاهدان، فلربه طلب تمام القيمة ممن شاء، إما من الشاهدين أو من مدعي الإجارة، فإن أخذها من الشاهدين رجعا بذلك على مدعي الإجارة، وإن أخذها من مدعي الإجارة لم يرجع بذلك على الشاهدين. ومن أقام بينة أنه واجر عبدا من فلان سنة بعشرة دنانير يدفعها إليه نقدا، والمدعى عليه الإجارة ينكر ذلك، فقام بذلك شاهدان، يقضى عليه بأن يأخذ العبد ويدفع العشرة دنانير إلى سيده ففعل، ثم رجع الشاهدان فليغرما العشرة للذي دفعها في الإجارة، ويأخذ العبد حتى ينقض الإجارة. [8/ 483]
في الرجوع عن الشهادة في التعديل
في الرجوع عن الشهادة في التعديل من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا شهد رجلان بحق والقاضي لا يعرفهما، وزكاهما رجلان، فقبلهما القاضي، وحكم بالحكم، ثم رجع المزكيان للبينة، وقالا: زكينا غير عدلين ومن لا يزكي مثله، فلا ضمان عليهما، لأن الحق أخذ بغيرهما، ومن لو شاء لم يشهد، ولو رجع الشاهدان أو من زكاهما لم يغرم إلا الشاهدان، إذا لو شاء لم يشهدا، فبهما قام الحق، وقاله ابن الماجشون في كتابه. في الرجوع عن الشهادة في كسر الخمر لذمي/ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد رجلان مسلمان أن مسلما أو ذميا كسر لذمي خمرا، أو قتلا له خنزيرا، فحكم عليه الحاكم بقيمة ما أفسد له لأن ذلك من أموالهم، وقد أقروا على ذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور، فليغر ما للمشهود عليه ما أخرجا من يديه، وقاله ابن الماجشون في كتابه، ثم رجع فقال: لا يضمن الجاني شيئا ويؤدب، وهو قول مالك. في الرجوع عن الشهادة في الصلح ونفقة الزوجة من كتاب محمد بن سحنون عن أبيه، وهو في كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الزوج للزوجة: قد صالحتني في رزقك على خمسة دراهم في كل شهر، وقالت هي: بل على عشرة دراهم في كل شهر، وأقامت شاهدين، فحكم لها بهما، ثم رجعا، فإن كانت نفقة مثلها عشرة فأكثر، فلا غرم عليهما، وإن كان نفقة مثلها أقل من عشرة فعليهما غرم ما زادا على الزوج على نفقة مثلها، [8/ 484]
قال محمد بن عبد الحكم: إلا أن تكون نفقة مثلها أقل من خمسة فلا يغرما للزوج شيئا لأنه مقر بخمسة، يريد: ويغرما ما جاوز الخمسة. [8/ 485]
[8/ 486]
[الجزء الثاني من الرجوع عن الشهادات]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الجزء الثاني من كتاب الرجوع عن الشهادات في الرجوع عن الشهادة في النكاح، وعن النكاح والطلاق، أو عن مقدار الصداق أو عن قبضه/ من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: وإن شهد شاهدان على امرأة أن فلانا تزوجها على مائة دينار، وصداق مثلها مائتا دينار، وهي تجحد، فقض القاضي بذلك، ودخل بها الزوج، ثم أقرا أنهما شهدا بزور، فالنكاح ماض بالحكم، وعليهما ما أتلفا عليه من فضل صداق مثلها: مائة دينار، وإن كان صداق مثلها مائة دينار فأقل لم ترجع عليهما بشيء، وإن طلقها الزوج قبل البناء فإنها تسأل عما أنكرت، فإن ثبتت على أنه لم يكن نكاحا قط فلا شيء لها، وإن قالت: قد كان نكاح وجحدته كراهية للزوج، فلها أخذ نصف الصداق منه، كالمرأة تدعي أن زوجها طلقها ثلاثا ولم تجد بينة، فبقيت تحته حتى مات وصارت وارثة، فإن تمادت على تلك الدعوى فلا ميراث لها، وإن قالت: كنت كاذبة كراهية للزوج، كان لها الميراث يريد: وتحلف. [8/ 478]
قال في كتاب ابن سحنون: ولو أن امرأة تدعي ذلك والزوج يجحد، فقضي لها ودخل بها الزوج، وصداق مثلها أكثر مما شهدت به البينة، ثم رجعا فلا شيء لها عليهما، لأنهما طاعت بذلك. ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون: وإذا شهدا على رجل بنكاح امرأة بمهر مسمى، وشهدا أنه طلقها قبل البناء وهو ينكر النكاح، وهو للطلاق أنكر، فقضي عليه بنصف المهر ثم رجعا، فليغرما له نصف الصداق الذي خرج من يده. قال ابن الماجشون في كتابه: وإن رجعا بعد أن تزوجت غيره فليأخذ الأول منهما / نصف الصداق، ويمضى الحكم الآخر، وكذلك لو شهدا عليه بالدخول وهو ينكر، لكان له عليهما غرم المهر كله الذي قضي به عليه، ولو كان النكاح ثابتا بشهادة غيرهما أو بإقراره فشهدا عليه أنه طلقها البتة ثم رجعا، قال: أما بعد البناء فلا اختلاف فيه أنه لا شيء عليهما، وأما قبل البناء: فابن القاسم يرى عليهما غرم نصف المهر الذي غرم الزوج. وقال أصبغ: والقياس أن لا شيء عليهما، لأنهما لم يشهدا على مال، ولكن استحسن قول ابن القاسم، لأن ذلك قد آل إلى ما قال ابن المواز، والصواب: أن لا يلزمهما شيء، لأن نصف الصداق قد كان لازما له لم يغير شهادتهما، وإنما انطلى عليه مصابها كما لو كان دخل بها، أو أرخى الستر لم يلزمهما شيء إن شهدا بالطلاق ثم رجعا، لأنه شيء لا ثمن له ولا قيمة، وكذلك قال أشهب وعبد الملك وغيرهما ممن أرضى. قال ابن المواز: ولو كان بني بها زوجها الأول قبل أن يشهدا عليه بالفراق، فقضي عليه بذلك فاعتدت. فبعد تمام العدة تزوجها أحد الشاهدين فلم يبن بها حتى رجعا، قال: تحرم عليه لإقراره أنها زوجة لغيره، ويلزمه نصف الصداق، إذ لا يعلم حقيقة رجوعه لعله كرهها، ولو رجع قبل يتزوجها، ثم جعل فتزوجها فلا يلزمه لها صداق، إلا أن يبني بها فيلزمه مهرها ولا يقر معها وهو يقر أنها ذات زوج. [8/ 488]
قال ابن الماجشون في كتابه: إذا تزوجها أحدهما ثم رجع عن شهادته، فلها الصداق، ويفرق بينهما بطلاق ولا حد عليه، والعمد والوهم في هذا سواء، إلا أنه يؤدب في العمد ولا يؤدب في الوهم، وتتزوج من الأجنبيين من بدا لها، وإن كانت رجعة أحد الشاهدين قبل التزويج ثم أراد نكاحها فليمنعه السلطان من ذلك ما دام على إقراره ذلك، فإن رجع إلى قوله الأول حلف: لقد كان ما قال أولا، ثم حل له نكاحها. قال ابن المواز: ولو أن المشهود عليه بالنكاح وهو ينكر، دخل بها ثم رجعا وأقرا بالزور، فلا غرم له عليهما، لأنه قد وطئ بسبب ما ألزماه من المهر، ولو طلقها قبل البناء ثم رجعا لرجع عليهما بما غرم. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه دخل بامرأته، والمرأة تنكر الدخول وقبض الصداق، فليحلف الزوج على دفع الصداق ويصدق، فإن رجع الشاهدان رجعت المرأة عليهما بالصداق إذا حلفت: ما قبضته؛ لأن بشهادتها صار القول قول الزوج في دفع الصداق مع يمينه، فإن رجعا بعد موت المرأة، حلف من بلغ من ورثتها: ما يعلمونها قبضت ذلك ولا شيء منه، ورجعوا بذلك على الشاهدين. ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإذا شهدا عليه أنه تزوجها بغير تسمية، وأنه طلقها قبل البناء وهو ينكر ذلك كله، فقضي عليه، ثم رجعا وقد / تزوجت غيره أو لم تتزوج، فلا شيء عليهما، لأنهما لم يتلفا عليه شيئا إلا أن يكون القاضي ممن يرى الحكم بالمتعة فقضى لها، فعليهما غرم ما أخرجا من يديه في ذلك، ولو شهدا بالتسمية غرما له نصف الصداق. ولو قام رجل آخر بشاهدين على أن أباها زوجه إياها قبل هذا المقضي عليه بنصف الصداق، بشهادة المرجوع عنها، فقضي بها للذي زوجه الأب. للزوج المحكوم بطلاقه أن يرجع على المرأة بما أخذت منه، فإن كان عديمة رجع على الشاهدين بذلك، ثم يرجع الشاهدان الراجعان بذلك عليهما. [8/ 489]
وقال بعض أصحابنا: وهذا إن كانت هي عالمة بالزوج منهما، فإن لم تكن عالمة لم يرجع عليهما الشاهدان بمنزلة غاصب لمال ووهبه لمن لم يعلم أنه غصب فأكله، فإن ربه إنما يأخذه من الغاصب، ثم لا يرجع به الغاصب على الموهوب، وقيل في هذا: ربه مخير إن شاء رجع به على الغاصب، وإن شاء على الموهوب الذي أكله، وهوأن المشهود على نكاحه وطلاقه وهو يجحد دخل بالمرأة، ثم قضي بها للزوج الذي زوجه الأب قبله، فلها على الآخر الصداق بالمسيس إن كانت غير عالمة بما دخلت فيه، وعلى الشاهدين للزوج المقضي بطلاقه مازادت التسمية على صداق مثلها بما أوطآه من العشرة، ولو كانت هي بذلك عالمة لكانت بذلك زانية، يريد: ولا صداق لها، وقد قيل: لا شيء لها عليهما، لأنه مسها وقد علم / بالتسمية وهو قادر على ترك ذلك النكاح، ويرجع بنصف الصداق عليهما [إلا أن يعطاها الزوج قبله، فيرجع بذلك عليها] في ملائهما كما تقدم ذكرنا. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه تزوج هذه المرأة على مائة دينار وهو يجحد، وشهد آخران أنه بنى، وآخران أنه طلقها، فلا شيء على شاهدي الطلاق، لأنه الصداق قد لزمه قبل شهادتهما، وعلى شاهدي العقد خمسون ديناراً، وعلى شاهدي الدخول خمسون، لأنه لولا شهادتهما لم يلزمه إلا خمسون، قال ابن المواز: وشاهدا الدخول قد شاركهما في شهادتهما شاهدا العقد، وقد اختلف أصحاب مالك في ذلك، فقال أشهب: على شاهدي العقد النصف، وعلى شاهدي الدخول النصفن فالصداق بينهم أرباعا، وقاله ابن الماجشون في كتابه. قال ابن المواز: وروي لنا عن ابن القاسم قولان: أحدهما: أن على شاهدي العقد ربع المهر، وعلى شاهدي الدخول ثلاثة أرباعه، وأظن هذا غلطا، لأن شاهدي البناء لم يشهدا على عقد، ولا على وطء، ولا على غصب، ولولا شهادة العقد ما لزمه بإثبات الخلوة شيء إلا خلوة اغتصاب أو خلوة نكاح، [8/ 490]
وشاهدا العقد لو لم يشهد غيرهما كانا قد ألزماه نصف الصداق، ثم اشتركا مع شاهدي البناء في النصف الذي يوجبه البناء، فهذا القول أحب / إلي وأقيس، وإني لأستحسن قول أشهب إذا كان في شهادة شاهدي البناء: أنه أرخيت الستور، وادعت هي المسيس. وقال ابن المواز: وإن شهدا عليه شاهدان بالعقد، وآخران بالبناء، وآخران بالعقد والبناء، ثم رجعوا بعد الحكم، فعلى شاهدي العقد والدخول النصف، ويكون النصف الباقي ثلاثة أرباعه على شاهدي العقد، وربعه على شاهدي البناء، وهذا على القول الذي اخترناه، وفي قول أشهب أن النصف الآخر بين شاهدي العقد وشاهدي البناء نصفين، إن كان في شهادة البناء الخلوة وإرخاء الستور، وفي القول الذي اخترت يكون نصف الجميع على شاهدي العقد والدخول، والنصف الباقي يكون ثلاثة أرباعه على الشاهدين بالعقد خاصة، وربعه على الشاهدين بالبناء خاصة. ومن كتا ابن سحنون: وإن شهد شاهدان أنه تزوجها على مائة دينار وهو يجحد ذلك، والمرأة تدعي ذلك، ومهر مثلها خمسون، وشهد آخرون أنه طلقها قبل البناء، فقضي عليه بالنكاح وبالطلاق، فقبضت منه خمسين ديناراً، ثم رجع جميع الشهود، فإنه يرجع على شاهدي العقد بالخمسين، ولا شيء على شاهدي الطلاق، لأنهما لم يتلفاه مالا، وإنما أتلفا بضعاً، والبضع لا ثمن له، والمال قد وجب بغيرهما، وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم، قال: وهذا قياس قول ابن القاسم وأشهب/ في هذه المسألة. قال محمد بن عبد الحكم: ولو شهد شاهدان أنه تزوجها بألف وهي تدعي ذلك، وقال الزوج بل بخمسمائة، وصداق مثلها خمسمائة، فقضي عليه بالألف ودخل بها، ثم رجعا بعد الحكم، فإنهما يضمنان للزوج الخمسمائة، لأنه لم تكن تلزمه، يريد: لو لم يبق إلا خمسمائة أو يفارق إذا حلف فلم يدفعا إليه من نصفها إلا ما قيمته خمسمائة، ولو كان صداق مثلها ألفا [ما كان عليهما [8/ 491]
شيء، لأنه قد وصل إليه ما قيمته مثل ذلك بالبناء، ولو كان صداق مثلها ألفا] وشهدا أنه تزوجها بخمسمائة، وكذلك قال الزوج، والمرأة تقول بألف، فقضي له فبنى بها، ثم رجعا، فليغرما للمرأة خمسمائة، ولو شهدا على رجع أنه تزوج امرأة وبني بها بخمسمائة، وكذلك تدعي المرأة والزوج يقول: بثلثمائة، فقضي بشهادتهما ثم رجعا، ولم يدفع الزوج إليها شيئا قد تقاررا بذلك، فليغرم الشاهدان للزوج مائتين، لأن القول كان قوله مع يمينه في الصداق بعد الدخول بها، فهما زادا عليه المائتين. هذا على قول ابن القاسم في الذي بنى أن القول قوله في الصداق إن لم يأت بأمر مستنكر، وعلى مذهب أشهب، لها صداق مثلها إلا أن يجاوز ما ادعت، أو ينقص عن ما أقر به الزوج، فإن كان ما ترجع به المرأة من صداق مثلها أربعمائة، رجع الزوج على الشاهدين بمائة، فإن كان أكثر من خمسمائة، لم يكن / له أن يرجع عليهما بشيء، وإن كان أقل من ثلاثمائة لم ينقص منه، لأن الزوج مقر بذلك ويرجع على الشاهدين بمائتين، ولا ادعت هي خمسمائة، وقال الزوج: مائتين، وشهد الشاهدان بثلاثمائة، وصداق مثلها مائتان وخمسون، وقد رجع الشاهدان، فليرجع الزوج عليهما بخمسين، لأنهما لو لم يشهدا لم يلزمه إلا صداق مثلها: مائتان وخمسون، لأنه قد بنى بها. وفي باب الرجوع عن الشهادات في الطلاق ما يشبه بعض ما جري هذا الباب. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى رجل نكاح امرأة وهما طاريان وتقاررا واختلفا في الصداق، فقالت هي بمائة دينار، وذلك يشبه صداق مثلها، وقال الزوج: بعشرة دنانير، وذلك لا يشبه صداق مثلها، وأقام بذلك شاهدين، فقضى له القاضي بذلك، ثم رجعا وقد بنى بها، فإنها ترجع عليهما بتسعين ديناراً، ولو كان قد طلق قبل البناء رجعت عليهما بتمام الخمسين، يريد: تأخذ منهما [8/ 492]
خمسا وأربعين، ويرد نصف العشرة التي قبضت على الزوج، لأنه قد كان القول قولها لما أتت بما يشبه، وادعى الزوج ما لا يشبه، ولو كان صداق مثلها عشرة كما قال الزوج، وأتى بالبينة، ثم رجعا، ما كان عليهما شيء ولم تكن عليه بينه، والقول قوله مع يمينه، فإنما أسقطا عنه اليمين ولم يتلفا له شيئا. قال محمد بن عبد الحكم: / وإن شهدا أن فلانا زوج أمته من فلان وهو ممن له نكاح الإماء، لا يجد طولا إلى الحرائر، ويخشى العنت، والسيد منكر، فقضي عليه، وأخذ منه المهر فدفعه إلى السيد يجهزها به، ودخل بها الزوج ثم رجعا، فإنهما يغرمان ما بين قيمتها متزوجه وقيمتها بلا زوج يوم الحكم فيها بالنكاح، لأن ذلك عيب أدخلاه فيها، ولو طلقها الزوج أو مات عنها قبل البناء أو بعده، قبل أن ينظر في ذلك [الحكم فليحكم عليه بما بين القيمتين، وليس يوم يحكم بذلك] وإنما هذا فيمن أعتق شركا له في عبد، هذا عليه قيمته يوم يحكم بالتقويم عليه، ولا شيء على الشاهدين مما نقص من الافتضاض إن كانت بكراً، ولا قيمة الولد إن ولدت. ومن كتاب ابن الماجشون: قال عبد الملك: وإن شهد شاهدان على رجل قد كان نكح بتفويض أنه فرض فرضا يستنكر، فثبت ذلك، ثم رجعا وأقرا بتعمد الزور، فليغرما للزوج ما بين صداق مثلها إلى ما سمياه عليه، ولو شهدا في نكاح قد صح عقده أن الزوج قد دفع للزوجة صداق المسمى، ثم رجعا وأقرا بتعمد الزور، فإنهما يغرمان ذلك للزوجة. [8/ 493]
في الرجوع عن الشهادة في الطلاق، وكيف إن شهد آخران بالبناء ثم رجع الجميع أو بعضهم
في الرجوع عن الشهادة في الطلاق وكيف إن شهد آخران بالبناء ثم رجع الجميع أو بعضهم؟ والرجوع عن الشهادة في المتعة من كتا ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته، ثم رجعا، فقال بعض أصحابنا: لا شيء عليه/ دخل بالمرأة أو لم يدخل، لأنهما لم يتلفا عليه مالا إلا ما كان لازما له بغيرهما، وإنما أتلفا عليه المرأة ومتعته بها، ولا ثمن لذلك، فإن كان قد بنى بها فقد لزمه الصداق قبل شهادتهما. [وإن لم يدخل بها فقد لزمه نصفه قبل شهادتهما] فإن قيل: فقد أتلفا عليه الاستمتاع بها، قيل: فكذلك فعلا في المدخول بها وهما لا يغرمان فيها شيئا عند من يرى الغرم في التي لم يبن بها، وقال بعض أصحابنا: إذا لم يدخل بها غرما له نصف الصداق، والرواة على خلافه، ولم يرد عليهما في المدخول بها شيئا. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإن شهد شاهدا أنه طلقها واحدة، وشهد آخران أنه طلقها ثلاثا، والزوج لم يبن بها، ثم رجع الأربعة، فعلى شاهدي الواحدة غرم ربع الصداق للزوج، وعلى شاهدي الثلاث ربعه؛ لأن كل شهادة منهما لو انفردت ألزمته نصف الصداق. وقال أصحاب أبي حنيفة: الغرم كله على شاهدي الثلاث، قالوا: لأنها حرمت عليه إلا بعد زوج بشهادتهما، ولا حجة لهم بذلك؛ لأن الشاهدين بالواحدة عندهم لو انفردا لزمهما نصف الصداق، فلا يزول ما لزمها من هذا، بأن غيرهما حرمها قبل زوج. وأما أشهب، فلا يوجب على شاهدي الطلاق قبل البناء شيئاً لازما، وقال: لأن نصف الصداق قد وجب لها بكل حال، / وإنما أتلفا عليه المرأة، وقد بقوا لها الدخول الذي يجب به جميع المهر، وإن شهدا أنه طلق امرأته في شهر [8/ 494]
رمضان قبل البناء بها، فلزمه الطلاق ونصف الصداق، ثم رجعا، فقضي عليهما للزوج بنصف الصداق، ثم شهد غيرهما أنه طلق تلك المرأة في شعبان من تلك السنة قبل البناء بها، فليرد الزوج على الشاهدين ما أخذ منهما من نصف الصداق. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن شهدا عليه بالفراق لم يبرأ الشاهدان، وإن أقر بذلك عند الحاكم فلا شيء على الشاهدين، قال محمد: ولا فرق بين أن يقر بشيء أو يشهد عليه إن كان هذا يبرئهما، فهذا يبرئهما إلا أن يكابر المرء عقله. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهدا أنه طلقها قبل البناء ونكاحها معلوم بغيرهما، وشهد آخر أنه قد كان بنى بها، والزوج يجحد البناء والطلاق، فحكم القاضي عليه بالطلاق وبجميع الصداق، ثم رجع شاهد من شاهدي الطلاق، وشاهد من شاهدي الدخول، فعلى شاهد البناء ربع الصداق، ولا شيء على شاهد الطلاق، ولورجع شاهدا الدخول جميعاً، ولم يرجع شاهدا الطلاق، فعليهما نصف الصداق، ولو رجع شاهدا الطلاق دون شاهدي الدخول، لم يكن على شاهدي الطلاق شيء، ولو رجع شاهدا الطلاق وواحد من شاهدي / الدخول، فعلى هذا الواحد ربع الصداق، ولا شيء على شاهدي الطلاق، لأن نصف الصداق ثابت بكل حال، فإنما زاد شاهدا الدخول النصف الآخر الذي يسقط لو طلق قبل البناء طائعا: الأقوى أنها لو ماتت لم يرجع عليه شاهد الدخول، يريد: لو رجعا فأخذا منه ما كان أخذ منهما، لأنه يقر أن جميع الحق قد وجب لها بموتها، وهو يجحد أن يكون طلقها. ولو أقر بطلاقها وجحد الدخول، ما كان على شاهدي الدخول إلا نصف الصداق، فإذا قضي عليه بالطلاق بشهادة شاهدي الطلاق فكأنه طلق من نكاحها معلوم بغيرهما. وقد كان يكون لها الصداق، وإن مات فكله، وإن طلق فنصفه، وإنما أتلفا بضعاً والبضع لا قيمة له، ولو رجع شاهدا الدخول وشاهدا [8/ 495]
الرجوع عن الشهادة في الخلع
الطلاق كان النصف على شاهدي الدخول، إذا لم يتلفا غيره، ولا شيء على شاهدي الطلاق. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قضى بشاهدين في الطلاق، فقضي بذلك ثم رجع أحدهما، فالحكم الأول ماض ولا يرد، وكذلك لو رجعا جميعا. ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن طلق امرأته بعد البناء فقضى القاضي بالطلاق، أو كان لم يدخل ولم يفرض، فقضى بالطلاق، وكان ممن يوجب القضاء بالمتعة، فقضى لها بها، فشهد شاهدان أنها قبضت ذلك من الزوج، فحكم بذلك القاضي، ثم رجعا، فإنهما يضمنان ذلك للمرأة، لأنه حكم نفذ / لا يرده غيره. ومن له أمة ذات زوج وقد بنى بها أو لم يبن، فشهد شاهدان أن الزوج طلقها، والسيد يدعي ذلك، فقضي له بذلك، ثم شهد شاهدان على الشاهدين بما أسقط شهادتهما ومن أنهما زورا في الشهادة، أو كانا غائبين عن البلد الذي شهدا به، فأثبت القاضي النكاح وصح حكمه بالفراق، ثم رجع الشاهدان آخراً، فإن عليهما ما ينقص الجارية اثبات النكاح، فيغرما ما بين قيمتها ذات زوج، وقيمتها خالية من زوج. وقال ابن الماجشون في كتابه: وإن شهدا أنه طلق زوجته قبل البناء، فقضي عليه بنصف الصداق، ثم رجعا بعد أن مات الزوج، فللمرأة أن ترجع عليهما ببقية صداقها، وبما يقع لها من الميراث، ولو كان إنما ماتت هي، رجع الزوج عليها بميراثه فقط، لا شيء مما غرم من الصداق، وهذا الجواب إذا كان كل واحد من الزوجين منكرا ما شهدا به من طلاق. الرجوع عن الشهادة في الخلع من كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على امرأة أنها اختلعت من زوجها بمال أعطته، أو على أن حطته صداقها قبل البناء، وهي تجحد العطية، فقضى له، ثم رجعا وأقرا بالزور، فعليهما أن يغرمان ما أتلفا لها من مال، وإن كان [8/ 496]
بالصداق، فعليهما نصفه، ولو كان قد بنى بها غرما لها جميع الصداق الذي أتلفا عليها. ومن كتاب/ ابن المواز: وإن شهدا أنه خالعها على ثمره لم يبد صلاحها، ثم رجعا بعد الحكم فأقرا بالزور، فليغرما لها قيمة الثمرة على الرجاء والخوف، كما لو أفسدا لها تلك الثمرة، وهو قول عبد الملك، وقال ابن المواز: يغرمان لها قيمة الثمرة يوم أخذها الزوج وقبضها. قال: ولو شهدا أنها خالعته على جنين في بطن أمه، لم يلزمها غرم حتى يخرج الجنين ويستهل صارخا، ويقبضه الزوج، فجينئذ يضمنان قيمته للمرأة. ولو كانت شهادتهما أنه خالعها بعبده الآبق أو جملها الشارد، فهذا يكون عليها يوم رجعا، قيمة ذلك للمرأة على أقرب صفاته، فإن انكشف بعد ذلك أنه قد كان ميتا قبل الخلع، ولم يكن عليهما شيء، ولو انكشف أنه أصابه عور، أو قطعت يده قبل الخلع، لم يلزمها إلا قيمته كذلك، وهذا قول عبد الملك، وأحب إلى أن ينظر، فإن رجي أخذ ذلك قريبا، لم يعجل بعزمهما حتى يقبض ذلك الزوج فيغرمان قيمة ذلك على ما يوجد، وإن لم يرج تعجيل وجد أنهما لزمهما قيمة صفتهما على ما كانا يعرفان به قبل الإباق والشرود، فمتى انكشف نقص عن ذلك أو موت، رجعا بما زيد عليهما، ثم رجع محمد عن هذا كله وقال: لا يغرمان لها شيئا إلا من خروج الجنين وقبضه ويعد وجدان العبد الآبق، والجمل الشارد وقبضهما، فيغرمان قيمة ذلك يومئذ، وقد كان قبل ذلك تالفاً، وكذلك الجنين، وكذلك الثمرة قبل بدو صلاحها، لأنها في أصل نخل المرأة / فهو فيها كالشرط ألا يقبض إلا بعد الزهو. [8/ 497]
في الرجوع عن الشهادة في العتق البتل أو المؤجل
في الرجوع عن الشهادة في العتق البتل أو المؤجل أو شهدا على تعجيل عتق معتق إلى أجل أو إسقاط خدمة عليه ثم رجعا وكيف إن رجعا في عتق ثم شهد غيرهما أن السيد أعتقه قبل ذلك؟ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن شهدا شاهدان على رجل أنه أعتق عبده، والسيد يجحد، فقضي عليه بعتقه، ثم رجعا، فإن كان السيد مقيما على الجحد، فله قيمة العبد على الشاهدين ويبقى ولاؤه له، ألا ترى أن من أعتق عبداً عن رجل أن الولاء للرجل، وكذلك لو كانت أمة لغرما له قيمتها، إلا أنها لا يحل لها أن تبيح فرجها إن علمت أن البينة شهدت بالزور، وإن كانت لا تعلم بذلك فهي مثل ما ذكرنا في المرأة المشهود بطلاقها بالزور في جميع أمرها، إلا أن يرضى السيد بأخذ القيمة من الشاهدين فيتم بذلك الحكم بحريتها إذا كانت هي لم تعلم أن البينة شهدت بزور ويحل لها النكاح. ولو شهدا أنه أعتق عبده إلى سنين فقضي بذلك ثم رجعا، فعليهما لسيده قيمته حالا، ويطلبا ذلك في خدمة، فيؤاجراه أو يستخدماه، فإن قبضا ما وديا قبل الأجل رجع العبد يخدم سيده إلى الأجل، وإن تم الأجل ولم يتم ما وديا، فلا شيء لهما مما بقي لهما، فإن مات العبد في يد سيده فترك مالا، أو قتل، فأخذ له قيمة، أو مات بعد الحرية وترك مالا/ فليأخذ الشاهدان من ذلك ما بقي لهما. وذكر ابن الماجشون هذه المسألة فى كتابه وقال: إن أراد السيد أن يعتق، أو أعتق قبل أن يقبض الشاهدان من خدمته ما غرما من قيمته، فالعتق ماض، ويرد إليهما ما أخذ منهما من القيمة، ولو أعتقه وقد أخذا نصف ما أخرجا، رد إليهما نصف ما أخذ، وكذلك إن كانت ثلثا أو ربعا على هذا الحساب. [8/ 498]
وذكر هذه المسألة ابن المواز مثل ما ذكر سحنون وزاد: فإن قال السيد بعدما أغرمهما قيمته، أنا لا أسلمه إلى الشاهدين بختدمانه أو يؤاجرانه، ولا آمنهما عليه، ولكن أنا أستخدمه وأدفع إليهما ما يحل علي من خدمته، فذلك له، وربما كان ذلك في الجارية النفيسة وغيرها، وذات الصنعة، فله أن يحبسها، وكذلك العبد، ويدفع إلى الراجعين كسبهما وعملهما، حتى ينتهي ذلك إلى ما غرما. وقال لي عبد الله بن عبد الحكم: يغرمان قيمة العبد للسيد، ويطرح عنهما قيمة خدمته إلى الأجل، فلم يعجبنا هذا. وقد يجاوز [عمله إلى الأجل] قيمته، فيسلم الشاهدان، وقال عبد الملك: يعجلان القيمة ويسلم إليهما الخدمة إلى أن يأخذا منها ما وديا، ولا يعجبنا أن يكره السيد على هذا، ولكن هو مخير بين أن يسلمه إليهما أو يأخذا من خدمته ما وديا، وإن حبسه عنده ودفع هو إليهما كل ما حصل في خدمته وغلته إليهما إلى مبلغ ما وديا، ولا يمكنان من حيازة عبده، ولو كانا غريمين؛ فإنه يحكم عليهما / بقيمة العبد، ثم إن شاء السيد حبسه وتحسب عليه قيمة خدمته، فمتى ما أيسر رجع عليهما بباقي القيمة معجلا، ويدفع هو إليهما فيما يستقبلان قيمة خدمته شهرا فشهرا، وسنة فسنة على قدر ما يرى، وإن شاء دفع العبد إلى غيره بإجازة يستوفيها السيد عن الشاهدين، فإن تمت السنون قبل وفاء قيمته أتبعه بما بقي، وينفذ عتقه، وإن استوفى من الإجارة قيمته ولم تتم السنون كان باقي خدمته للسيد. ومن كتاب ابن المواز: إن شهدا على رجل في عبد أنه أقر أن نصفه لفلان، وأن المقر أعتق نصفه منه، فقضي بذلك وعتق عليه، وغرم القيمة للمقضي له، ثم رجعا، قال: يغرمان للمشهود عليه قيمة عبده، ويغرمان له نصف قيمته التي أخرجها من يده إلى الآخر، ولو كان في شهادتهما أن المقر له هو الذي أعتق الشخص الذي أقر له به هذا، فقضي عليه بنصف قيمته التى أخذ من [8/ 499]
الآخر، ويغرمان للآخر قيمته كاملا، فلو كان هذا الآخر منكرا لما شهدا له به من إقرار رب العبد، ومن العتق، لم يكن عليهما له إذا رجعا إلا نصف قيمته التي خرجت من يده، وللآخر نصف قيمته فقط. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولو شهدا أنه أعتق عبده هذا عام أول في المحرم، فقضى بذلك القاضي، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلزمهما غرم قيمته، ثم شهدا أنه أعتقه عام أول في صفر، فلا/ يلتفت الحاكم إلى ذلك، ولا ينفع ذلك الراجعين، لأنه عتق بشهادتهما قبل هذا، فإن أقر السيد بالعتق، رد ما أخذ من الشاهدين، وقد قيل: إن القاضي يقبل الشاهدين بالعتق في صفر، والسيد جاحد، ويلزمه رد القيمة على الراجعين أولا، وهذا أعم وأكثر من القول الأول، وذكر محمد بن عبد الحكم هذا القول الثاني، وفي سؤاله أن الأولين شهدا أنه أعتقه عام أول في رمضان، فحكم بذلك فقضي عليهما بالقيمة، أو لم يحكم حتى شهدا آخران أنه أعتقه عام أول في ذي الحجة، قال: لا يلزم الراجعين أولا غرم، لأن العبد قد عتق بغيرهما، وليبرنهما القاضى من الغرم، فإن كان السيد يختدم العبد فيما بين رمضان وذي الحجة، فللعبد طلبه بقيمة ذلك بشهادة الراجعين في قول أشهب، فإن قضى له بذلك الحاكم عليه رجع به السيد على الراجعين، لأن شهادتهما أوجبت ذلك، يريد: ولم يغرما قيمته. ثم إن رجع الشاهدان الآخران عن شهادتهما، قيل لهما،: إنما برئ الأول بشهادتكما، فأغرما ما كان يلزمهما من قيمة العبد، ولو شهد آخران بعد ذلك أن السيد أعتقه في المحرم من تلك السنة، سقط عن الشهود كل ما لزمهم بالرجوع وكل ما أخذ منهم، لأن العتق وجب له بغير الراجعين في تاريخ قبل تاريخهم، ويرد السيد على الشاهدين ما أغرمهما من قيمة خدمة العبد من رمضان / إلى ذي الحجة، ثم يكون للعبد في قول أشهب طلب السيد بخدمته من المحرم إلى أن قضى عليه القاضي بالعتق، لأن مذهب أشهب أن من شهد عليه بعتق عبده وهو ينكر من وقت ذكراه، ثم اختدمه بعد ذلك، أن عليه أن يغرمه قيمة الخدمة من ذلك اليوم إلى يوم قضى بعتقه، ويراه كمن اغتصب حرا [8/ 500]
فاختدمه، وابن القاسم لا يرى على السيد شيئا في العبد إذا كان منكرا، ويقول أشهب: أقول كما قال مالك فيمن اختدم حرا غاصبا له. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإن شهدا أنه أعتق عبده منذ سنتين، وكانا غائبين، ثم قدما فوجداه يملك بالرق، فقضى القاضي بشهادتهما وقضى للعبد بأخذ خراجه أو خدمته من تاريخ العتق إلى يوم الحكم، ثم رجع الشاهدان وأقرا بالزور؛ فعليهما للسيد قيمة العبد وما أخرجا من يديه من الغلة والخدمة. وإن شهدا أنه حلف بحرية عبده إن دخل دار فلان، والسيد ينكر، ثم دخل تلك الدار واعترف بذلك، فقضي عليه بالعتق ثم رجعا، فعليهما قيمة العبد لسيده. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه ومن كتاب ابن المواز: ولو شهدا في عبد معتق إلى أجل، أن سيده عجل عتقه، فقضى القاضي بتعجيل عتقه ثم رجعا، فعليهما قيمة الخدمة إلى الأجل/ على غررها، ولو كان معتقا إلى موت فلان فعليهما قيمة خدمته أقصر العمرين: عمر العبد أو عمر الذي يعتق إلى موته. ومن الكتابين: ومن كان بيده عبد أخدمه حياته ثم هو حر. وذلك معلوم بالبينة، ثم شهد شاهدان أنه وضع عنه هذه الخدمة، فحكم بذلك الحاكم وعجل حرية العبد، ثم رجعا وأقرا بالزور، فعليهما قيمة الخدمة التي أتلفا على الرجل على التعمير على أقصر العمرين: عمر العبد أو عمر المخدم، وفي السنين الأقصر من السنين، أو من عمر العبد كانت الخدمة لسيد العبد أو لأجنبي جعلها له السيد. ولو شهدا على رجل أنه أخدم عبده لرجل سنين أو حياته، ثم هو حر، أو قالا: ثم مرجعه إلى سيده، فقضى بذلك القاضي ثم رجعا وأقر بالزور، فالحكم ماض، وإن كان مرجع العبد إلى سيده، فله عليهما – إن شاء – قيمة الخدمة على غررها من أن يرجع العبد إليه بعد مدة طويلة أو قصيرة في التعمير، يريد: أو [8/ 501]
في الرجوع عن الشهادة في التدبير، أو شهدا أنه أعتق مدبره ثم رجعا
يموت العبد قبل ذلك ويأخذ منهما قيمة عبده فيما أتلفا منه عليه، وحالا بينه وبينه، ويكون مرجع العبد إليهما على ما يرجع به من نماء أو نقص، أو يموت قبل ذلك فيضمناه، وإن كان مرجعه إلى حرية، فعليهما قيمته [لأنهما قد أتلفاه، فلا يرجع إليه منه شيء إلا أن يقتل فتكون قيمتة] لسيده، فيكون لهما حينئذ أن يأخذا منهما ما دفعا إليه من قيمته إن كان فيها ذلك، وذكر ابن المواز هذه المسألة على ما ذكر سحنون. وقال في الذي مرجعه إلى سيده: إن اختار أن يضمنهما / قيمته، ويكون مرجع العبد إليهما، فإن كان في قيمته فضل، أعطيا منه القيمة التي وديا، إن لم يكن في ثمنه وفاء ما وديا، فليس لهما غير ذلك. وفي باب الرجوع عن التدبير شيء من هذا المعنى. في الرجوع عن الشهادة في التدبير، أو شهدا أنه أعتق مدبره ثم رجعا ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه دبر عبده فقضي عليه بذلك، وهو جاحد، ثم رجعا وأقرا بالزور، قال: يتعجل منهما قيمة العبد، ويقال لهما: ادخلا فيما أدخلتماه فيه فاقبضا من الخدمة التي بقيت بيده من رقه وما وديتما، ثم ترجع مخدمته لسيده. قال ابن الماجشون في كتابه: تؤخذ منهما قيمته يوم الحكم، ثم يخير السيد في إسلامه إليهما يأخذا من خدمته وغلته ما وديا ما دام سيده حيا، ثم يرجع إلى سيده مدبراً، وإن شاء كان أولى بخدمته، ودفع إليهما قيمة تلك الخدمة، فإن مات السيد وهو في الخدمة التي صارت لهما قبل يستوفيا ما وديا، فإن خرج من ثلث سيده عتق ولا شيء لهما غير ما أخذا، وإن لم يخرج إلا بعضه فإن الشاهدين [8/ 502]
أحق بما رق منه حتى يستوفيا ما بقي لهما من قيمته، فإن فضل من ثمن ما رق منه شيئا بعد ذلك فهو لورثته، ولم يربحا فيما وديا، وكذلك ذكر سحنون في موت السيد. ومن كتاب ابن سحنون: وقال سحنون: ولو مات المدبر قبل يستوفيا وترك مالاً، أخذا مما ترك ما بقي / لهما، وكذلك لو أفادا مالا لأخذا منه ما وديا ولو قيل: لأخذ من قيمته ما بقي لهما، وإن مات ولا شيء له، فلا شيء لهما. قال: ولو مات السيد وعليه دين يرقه، فإنه يباع لهم قبل الدين، لأن الدين أرقه، فكان هؤلاء أولى بقيمته التى وديا مثل ما لو جنى جناية والدين محيط فأهل الجناية أولى، لأنها في رقبته، قال محمد بن عبد الحكم: يتعجل السيد قيمته من الشاهدين، ثم يدفع إليهما المدبر [يختدمانه في القيمة حتى يستوفياها ثم يرجع إلى سيده إن مات المدبر] قبل / يستوفياها، ثم يرجع إلى سيده وإن مات المدبر/ يستوفياها ثم يرجع إلى سيده بشيء، وإن كان الشاهدان معدمين، فليضمنا فضل ما بين قيمته عبداً أو قيمته مدبراً، أن لو جاز بيعه مدبراً، ولا أخرج العبد من يده بغير شيء يصير إليه، ولا أقول كما قال بعض أهل الحجاز: إن السيد يختدمه في قيمته، فإن أوفاها لم يرجع على الشاهدين بشيء وإن أيسرا، وإن مات قبل أن يختدمه وفاء القيمة رجع عليهما بما بقي إذا أيسر، وهذا بعيد أن يعطلا عليه رقبته وخدمته، ولا ينالهما غرم شيء، ولو قال قائل: يقضى على الشاهدين بما نقص التدبير من قيمته، كانا موسرين أو معسرين لم أعبه؛ بل هو أقوى في النظر من القول الآخر. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولو كان المشهود على تدبيره جارية ليست ممن تخارج ولا تعمل، كما نهى عمر أن تكلف الأمة غير ذات الصنعة [8/ 503]
الكسب فتكسب بفرجها، قال: فيؤديا قيمتها / وتعتق إذ لم يبق فيها ما يستوفيان منه ما وديا، إلا أن يشاءوا أن ينفقوا عليها السيد كان ينفق عليهما السيد إلى أن يدركا شيئا من رقها بموت السيد لعجز الثلث، أو لدين حدث عليه، فإن فعلا فأدركا شيئا من رقها فليبع لهما ذلك فيما وديا من قيمتها وفيما أنفقا، ولا يكون لهما الفضل، وإن لم يف ذلك بما وديا من قيمة ونفقة، فلا شيء لهما غير ذلك، وقاله ابن الماجشون في كتابه. وقال: فإن أبيا أن ينفقا ويطلبا ما ذكرنا لم يلزم سيدها أن ينفق وهي حرة. قال سحنون: ولو بقي المدبر بأيديهما يختدمانه فيما غرما من قيمته، فأعتقه السيد قبتله قبل يأخذا من خدمته ما وديا، فليس لهما رد عتقه، ولكن ينظر فإن كان عتقه وقد استوفيا نصف ما أخرجا، رد عليهم السيد نصف ما بقي، وإن بقي الثلث رد ثلث ما بقي، أو الربع فربع ما بقي إذا كان الشاهدان فقيرين فقال السيد: لا أسلمه إليهما يختدمانه ولم يعطياني قيمته، ولكن أختدمه وأحسب ذلك فيما لزمهما من القيمة، كما لو كان مدبرا وعليهما دين يغترق فأسلماه يختدم في الدين، فإن مات المدبر أو أبق أو عطب فضمانه منهما، وعليهما ما بقي من الدين، وكذلك يتبعان ببقية قيمته في رجوعها، أو يتم الأداء فيرجع إلى سيده. قال: ولو رجع شاهدا التدبير ولزمتهما القيمة فودياها، ثم شهد غيرهما أن السيد دبره قبل ذلك التاريخ، أو بتل عتقه/، فقضى بذلك القاضى، فليرد ما أخذ من الراجعين أولا، قال: ولو كان إنما شهد آخران لرجل أنه اشتراه من سيده قبل التدبير بمائة دينار، فقضي بالبيع وأبطل التدبير، ثم رجع شهود التدبير وشهود البيع، فلا شيء على شهداء التدبير ويرجعان على السيد بما أديا ويرجع البائع عليهما إن كان مشهودا عليه بفضل ما أخرجا من يده من القيمة على الثمن الذي [8/ 504]
وصل إليه، فإن كان مثلا أو اكثر، فلا شيء على الشاهدين، وإن كان المشتري هو الجاحد، رجع عليهما بفضل الثمن على قيمة ما في يديه إلا أن يشاء الشاهدان أخذ العبد، ويعطيا المشتري ما ودى، فذلك لهما إلا أن يتماسك، فذلك له. قال سحنون وابن المواز: ولو شهدا أنه أعتق مدبره وقد ثبت تدبيره بغيرهما، أو بإقرار السيد. وهو يجحد العتق البتل، فقضى القاضي بتعجيل عتقه، ثم رجعا وأقرا بالزور، فعليهما قيمته للسيد، لأنهما أتلفاه عليه، لأنها إن كانت أمة كان له وطؤها ويقضى بها دينه بعد موته. وقال ابن المواز، وكذلك قال عبد الملك، قال: وقال أصبغ مثله في المدبر والمعتق إلى أجل. قال ابن المواز: ولم يعجبنا قوله في العتق إلى أجل، لأنه قد ثبت فيه عتق لا يحول ولا يتسيب إليه رق، فلم يتلف الشاهدان منه غير الخدمة، ولم يتلفا فيه قيمة، وإنما نحا أصبغ مذهب ابن القاسم في أم الولد، وإنما قاسا ذلك على القتل أن لو قتلا لكان فيها قيمة عبد/، قاله مالك، وليس القتل من هذا، لآن عبدا لو كان قد أعتق أكثره فلم يبق فيه من الرق إلا قيراط من أربعة وعشرين، فقتله رجل لكانت عليه قيمة عبد، ولو شهد شاهدان بعتق ذلك الشقص، ثم رجعا لم يغرما غير قيمة الشقص. قال محمد: وأم الولد تخالف المدبر، فلو بيعت فأعتقت ثم استحقت لرد العتق ورجعت إلى سيدها إن كان عديما. وكذلك المعتق إلى أجل يرد إلى سيده، فإن لم يكن عنده شيء رجع المشتري في خدمتهما بالثمن، ولو ماتا عبد المبتاع كانت مصيبتهما من البائع، ويرد الثمن، والمدبر لو بيع فعتق لمضى عتقه، ولو لم يعتق حتى مات سيده وعليه دين محيط أن بيعه يمضي. [8/ 505]
في الرجوع عن الشهادة في الكتابة أو شهدا أنه عجل عتق مكاتبه ثم رجعا
في الرجوع عن الشهادة في الكتابة أو شهدا أنه عجل عتق مكاتبه وأن المكاتب ودى من كتابته ثم رجعا أو على أن فلانا لفلان قد كاتبه ثم رجعا من كتاب ابن سحنون عن أبيه ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان على رجل أنه كاتبه عبده، فقضي بشهادتهما وأنفذ الكتابة على السيد، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالحكم ماض، وليؤديا قيمته بأخذه للسيد، قال ابن المواز: قيمته يوم الحكم قالا: ويتأدياها من الكتابة على النجوم فإذا قبضا منها مثل أديا رجع السيد فأخذ مائة الكتابة منجمة، فإن وداها عتق، فإن عجز رق له، وإن عجز قبل يقبض الراجعان ما وديا: بيع لهما منه بتمام ما بقي لهما، فإن لم يكن/ فيه تمام ذلك فلا شيء لها غير ذلك، قال ابن المواز: وهذا قول عبد الملك. وروى أصبغ عن ابن القاسم: أنهما يغرمان القيممة إذا رجعا، فيوقف بيد عدل ويتأدى السيد الكتابة، فإن تأداها وفيها تمام القيمة، رجعت القيمة إلى الشاهدين، وإن كانت الكتابة أقل، أو مات المكاتب قبل الإستيفاء، دفع إلى السيد من تلك القيمة تمام قيمة عبده. قال ابن المواز: وهذا جواب غير معتدل، وبقول عبد الملك أقول، وعليه أصحاب مالك، لأن السيد في قول ابن القاسم مظلوم، قد منع من عبده، وما كان ينبسط به فيه من بيع وغيره، ولم يصل يده إلى قيمته، ولا راحة للشاهدين في إيقافهما ولعلها تتوفى فيغرماها ثانية، ولو اسحسنت قول ابن القاسم [8/ 506]
لقلت: فكلما قبض السيد من الكتابة رجع مثله إلى الشاهدين من القيمة الموقوفة، ولم أوقفها كلها حتى انقضاء الكتابة كما في ظاهر جوابه، قال سحنون، وقال بعض أصحابنا: إذا رجعا بيعت الكتابة بعرض، فإن كان فيه وفاء لقيمة العبد أو أكثر، فللسيد، وإن كان أقل رجع عليهما بتمام القيمة، والقول الأول أكثر. وفي كتاب ابن الماجشون: تباع الكتابة بعرض، فإن شاء سيده أخذه، وإن شاء بيع العرض، فإن كان ثمنه مثل قيمة العبد أو أكثر فهو له، وإن كان أقل رجع عليهما بتمام القيمة، قال عنه ابن ميسر: إلا لو يأبى السيد من بيع/ الكتابة فلا يغرم له الشاهدان شيئا. ومن كتاب ابن سحنون ومثله في كتاب ابن المواز: قال سحنون: وإن شهدا أنه أعتق مكاتبه، قال في الكتابين: شهدا أنه أخذ منه ما عليه من الكتابة. قال في كتاب ابن المواز: أو أسقطه عنه وخرج حرا وقد تبينت كتابته بغيرهما، أو باقرار السيد، وهو يجحد ما شهدا به، فحكم القاضي بذلك، ثم رجعا فليغرما للسيد ما أتلفاه عليه مما كان على المكاتب، كان ذلك عينا أو قرضا، قال في كتاب ابن المواز: يؤديه على النجوم، وقاله عبد الملك. قال سحنون: وإن شهدا على رجل أن فلانا كاتب بمائتي دينار، وقيمته مائة، والمشهود عليه يجحد، فقضي عليه وخرج حرا، ثم رجعا فعليهما أن يغرما له مائتين إذا أقرا بالزور، ولا ينظر إلى قيمته. [8/ 507]
في الرجوع عن الشهادة في أمة أنها أم ولد ثم رجعا
في الرجوع عن الشهادة في أمة أنها أم ولد، ثم رجعا أو في أم ولد أن سيدها أعتقها ثم رجعا من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: وإن شهدا على رجل، قال في كتاب ابن سحنون: أنه أولد جاريته هذه وصارت له أم ولد، وقال في كتاب ابن المواز: شهدا أنه أقر أنها ولدت منه أو أسقطت، قال في الكتابين: فحكم القاضي بأنها أم ولد ثم رجعا، فعليهما قيمتها للسيد، ولا شيء لها، وهي أم ولد للسيد يطؤها ويستمتع بها، ولم يبق فيها خدمة يرجعان فيها: أنهما يغرمان إلا أن تجرح أو تقتل فيؤخذ / لذلك أرش، فلهما الرجوع في ذلك بمقدار ما وديا، والفضل للسيد. قال سحنون: وكذلك لو أفادت مالا فليرجعا فيه بما وديا فقط، وقال ابن المواز: لا يرجعان فيما تفيد من مال بعمل أو بهبة أو بغير ذلك، وذلك للسيد مع ما أخذ. ومن الكتابين: ولو شهدا في أم ولد رجل أنه أعتقها، فحكم بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور، فقد اختلف فيها، فقال سحنون: فقد قيل فيها، وقال ابن المواز: قال عبد الملك: وأخبرنا أصحابنا مثله عن أشهب: أنه لا شيء على الشاهدين، لأنه لم يبق له فيها غير الوطء، ولا قيمة له، كما لو شهدا أنه طلق امرأته ثم رجعا، وأن السفيه يعتق أم ولده فيجوز ذلك، وهو لو وضع خدمة من أعتقه أبوه إلى أجل، أو وضع كتابة مكاتب لم يجز ذلك، وقال ابن المواز: وقال ابن القاسم: على الشاهدين قيمتها للسيد كما لو قتلها رجل، والقول الأول أقوى وأجح، وذكر هذا القول سحنون، ولم يسم قائله. وقال محمد بن عبد الحكم في رجوع اللذين شهدا في أمة لرجل أنها أم ولده: أن عليهما قيمتها، ويخفف عنهما، لما بقي له فيها من الاستمتاع، وكذلك [8/ 508]
في الرجوع عن الشهادة في الأنساب والمواريث وعدد الورثة
إن كانت حاملا غرما قيمتها على التخفيف، ولو كان لها ولد وكانت شهادتهم له أنه أقر أنها ولدت هذا منه فألحق به، ثم رجعا، فعليهما قيمته، وقال في الذي شهدا أنه أعتق أم ولده ثم رجعا: أنهما يغرمان له قيمتها، ويخفف عنهما من ذلك بقدر ما كان بقي له فيها من الرق،/ وروي عن بعض مشايخنا أن لا شيء عليهما إذا شهدا أنه اتخذها أم ولد، وهي رواية ما أدري ما حقيقتها، ولا أرى ذلك. في الرجوع عن الشهادة في الانساب والمواريث وعدد الورثة أو بزوجة الميت أو بعتق أمة ونكاحها من كتاب ابن سحنون: ومن ادعى أنه ابن رجل والأب ينفيه، فأقام بينة أن الأب أقر أنه ابنه، فحكم الحاكم بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور بقرب ذلك، ولم يمت الأب، فلا شيء عليهما في تثبيت النسب قبل أن يؤخذ بشهادتهما المال بالميراث، فيرث المقصي له ويمنع العصبة، فحينئذ يغرمان للعصبة ما أتلفا عليهم، وكذلك إن كانت الشهادة على ما قد مات وترك عصبة فقضي للإبن بالميراث فليغرما للعصبة ما أتلفا عليهم، وعليهم في العين مثله، وكذلك فيما يكال أو يوزن من طعام أو غيره، وفي العروض القيمة. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا على رجل أنه أقر في عبده أنه ابنه، فقضي بالحاق نسبه وحريته، ثم رجعا والسيد صحيح البدن، فالحكم بالنسب ماض، وعليهما للسيد قيمة العبد، فإن مات الأب بعد ذلك وترك ولدا آخر غير المستلحق، فليقسما تركته إلا قدر قيمة المستلحق الذي يأخذ الأب من الشاهدين، فإنها تعزل من التركة فتكون للإبن الأول وحده دون المستلحق، لأن المستحلق مقر أن أباه ظلم فيها الشهود، وأنه لا/ ميراث له فيها، وينظر إلى ما [8/ 509]
حصل للملحق من الميراث في غير القيمة، فيغرم الشاهدان مثله للإبن الأول بما أتلفاه عليه. قال محمد: وإنما جعلنا القضية للإبن الأول، لأنا لو قسمناها بينهما لرجع الشاهدان على المستلحق فيما أخذ منهما فأخذاه منه، لأنه مقر أنه لا رجوع لأبيه عليهما لصحة نسبه عنده، فإذا أخذا ذلك منه قام عليهما الإبن الأول فأخذ ذلك منهما، لأنه يقول: لو بقي ذلك بيد المستلحق وجب لي الرجوع بمثله عليكما وأن تغرما كل ما أخذ من التركة الذي ألحقتماه بأبي، فلذلك أخرجناها أولا للإبن الأول. قال: ولو طرأ على الميت بعد ذلك دين لرجل: مائة دينار، قال: يأخذ من كل واحد من الولدين نصفها، فإن عجز ذلك ثم قضى الدين من تلك القيمة التي انفرد بها الأول، ورجع الشاهدان على الإبن الثابت الأول، فأغرماه مثل الذي غرمه المستلحق للغريم، لأن الملحق يقول: إن المائتي دينار التي ترك أبي منها المائة التي هي قيمتي، لا ميراث لنا فيها، فكان جميع تركة أبي مائة قضى بها دينه، ولم يترك شيئا غير تلك القيمة التي لا شيء لي فيها، فوجب للشاهدين أن يرجعا، بنصفها على الإبن الأول، يريد: لأنهما لم يتلفا شيئا من التركة، وهذه القيمة قد أقر لهما الابن المستلحق أنهما مظلومان في غرمها، فليأخذا نصيبه/ منها من الابن الأول الذي انفرد بها. قال: ولو لم يكن للميت ولد غير المستلحق وحده، وقد ترك مائتي دينار، قال: فالمائة الواحدة له فقط، والمائة الأخرى للعصبة، فإن لم يكونوا قبيت المال، ويغرم الشاهدان مائة أخرى للعصبة أو لبيت المال، لأنهما لولا شهادتهما أخذ العصبة مائتين، إن طرأ على الميت مائة دينار لرجل أخذها من المستلحق وحده، ورجع الشاهدان، فأخذا المائة التي وفياها للعصبة، أو لبيت المال بعد موت الميت، وإن لم يشهدا إلا بعد موته وقد ترك ابنا وعبداً، فشهدا أنه أقر بالعبد أنه أبنه، وفقضي بذلك، ثم مات وترك مائة دينار، فأخذ الملحق نصفها، ثم رجعا وأقرا [8/ 510]
بالزور، قال: فالحكم بالنسب ماض، وليغرما للإبن الأول الخمسين التي أخذ المستلحق وقيمة الملحق. قال: فإن كان قيمة الملحق خمسين يغرم الشاهدان للولد الأول مائة، فصار بيده خمسون ومائة، وبيد الملحق خمسون، فإن طرأ على الميت مائتا دينار لغريم، فليأخذ من الملحق الخمسين التي بيده، ويأخذ من الثابت النسب مائة دينار فقط، ليس له غير ذلك، ويرد الولد الأول الخمسين الباقية بيده إلى الشاهدين، لأنهما إنما غرماها غرما لما ورث الملحق، فقد أخذت منه للدين ولم يرث شيئا، قال: فإن لم يطرأ على الميت دين حتى مات الملحق: فإن كان ترك ورثة سوى أخيه ممن يحوز المال/ فالحكم بينهم قائم كما كان لميتهم فيما يطرأ للميت الأول من مال أو دين فيما ورثوا منه عن ميتهم مع الولد الأول، رجع بمثله الولد الأول على الشاهدين أبدا، وما طرأ على الميت من دين فقضي مما صار لورثة الميت الآخر، أو ما ترك ميتهم من ما كان ورث قبل موته مع ما صار للولد الأول، رجع الشاهدان على الولد الأول بمقدار ما أخذ منه الغريم من مال الملحق ومن ورثته، فأما إن لم يكن للملحق وارث غير أخيه: فالشاهدان أحق بتركته حتى يأخذا منها ما غرما للأول من قيمة أو ميراث، لأنه قد رجع إليه حين ورثه ما أتلف عليه الشاهدان، وسقط عنهما الغرم بعد ذلك فيما يطرأ للميت من مال أو غلة. قال: ولو كان إنما مات الثابت النسبت، فإن ترك ولدا ومن يحرز الميراث فالأمر قائم كأنه لم يمت، لأن ورثته مقامه، وإن لم يترك إلا أخاه الملحق، فإنه يرثه، ويغرم الشاهدان للعصبة مثل جميع ما ترك، وإن كان يرثه من يرث معهم الملحق: قال: فاعما فيما صار للملحق من ذلك ما يفعل في المال كله لو صار إليه بالميراث، قال: ولو طرأ على الميت مائة دينار دينا، وتركة الميت مائتا دينار، يريد: بقيمة الملحق، قال: فأخذ المستلحق خمسين، وأخذ الابن الأول [8/ 511]
خمسين ومائة، منها من القيمة، وخمسون من المورث، فلم يوجد بيد الأول إلا خمسون، وقد أعدم بما بقي، والملحق ملي بما أخذ، فليأخذ/ الغريم من الملحق خمسين، والخمسون التي وجد عند الأول يأخذ هو نصفها، والشاهدان نصفها، لأن الشاهدين وجب لهما الرجوع على الأول بالخمسين التي غرما له التي ورثهما الميت، لأنه صار الدين أحق بها فلم يتلفا على الأول مورثه. قال: ومن هلك فأقام رجل شاهدين أنه أخوه، لا يعلمون له وارثا غيره، فحكم له بذلك، فورث أخاه، ثم أقام آخر شاهدين أنه ولد الميت، فحكم له وانتزع من الأخ ما ورث، ثم رجع الأربعة فأقروا بالزور، قال: فيغرم شاهدا الأخ لبيت المال مثل جميع التركة، ويغرم شاهدا الإبن للأخ مثل جميع التركة، فإن احتج شاهدا الأخ أن شاهدا الإبن قد اخرجا المال عن الأخ وعن بيت المال، قيل لهما: لا حجة لكما بذلك، لأن شاهدي الإبن قد رجعا ووجب للأخ أن يأخذ منهما ما أتلفا عليه، ولولا شهادتكما كان ذلك لبيت المال لا للأخ. قال: ومن ترك أخاه لأبيه فورثه، فأقام آخر شاهدا بأنه أخو الميت شقيقه، وشاهدا أنه أخوه لأبيه، وشاهدا بأنه أخوه لأمه قال: قد ثبت له شاهدان أنه شقيق؛ لأن الشاهد أنه شقيق قد قاربه واحد على الأب، وآخر على الأم، فيكون أحق من الأخ للأب، فإن قضي بذلك ثم رجع هؤلاء الثلاثة وأقروا بالزور، قال: فيلغرموا للأخ للأب ما ورث هذا بشهادتهم، فيغرم الشاهد بأنه / أخ للأب: ثلاثة أثمان المال، ويغرم الشاهد أنه أخ لأم ثمن المال، قال: لأن الشاهد أنه أخ لأم قد شاركه الشاهد بأنه شقيق في الأم، وذلك يوجب السدس، فصار السدس بينهما نصفين، وأصيب الشاهد بأنه أخ لأب، وقد شاركه الشاهد أنه شقيق، في الأب فأوجبت شهادتهما النصف، فذلك بينهما، فعلى الشاهد أنه أخ لأب الربع، فأخرج ربعا وسدسا فذلك أربعة، فهو غرم هذين. [8/ 512]
وقد علمت أن على الشاهد أنه شقيق مثل غرمهما أربعة أجزاء، فأجرى في غرمهم على ثمانية اجزاء كل ما غرموا، ولو كان إنما ورث الميت جده وأخوه لأبيه، ثم كانت الشهادة لأخ شقيق كما ذكرنا من الثلاثة: فإنه يؤخذ له من الأخ للأب النصف الذي في يده، ويؤخذ له من الجد السدس، لأن الشقيق يعادل الجد بالذي للأب ولا يرث، فإن كان ذلك ثم رجع الثلاثة: قال: فليغرم الشاهد أنه أخ لأم للاخ للأب ثلث النصف الذي أخرج من يديه؛ لأنه قد شركه صاحباه في إخراج ذلك النصف من يديه، ولم تضر شهادته الجد، شهد بها وحده أو مع غيره، ويرجع الجد على الشاهدين، يريد: الآخرين بالسدس بينهما نصفين، ثم يغرمان للأخ الأول الثلث. قال: ومن ترك مائة دينار فورثها مولاه، ثم قدم رجل فأثبت شاهدان أنه ابن عمه، فقضي له وأخذ ما بيد المولي، ثم قدم آخر، فأثبت أنه أخوه شقيقه فأخذ ما بيد ابن عمه، ثم قدم آخر فأثبت أنه ابنه فأخذ/ ما بيد أخيه، ثم رجع جميع الشهود، قال: فعلى شهود الإبن غرم المائة دينار للأخ كما أتلفاها عليه، وكذلك على شهود الأخ غرمها لابن العم، وعلى شهود ابن العم مغرمها للمولي أو لبيت المال إن لم يكن له مولى. ومن كتاب بن سحنون: قال سحنون: وإن شهد رجلان في أمة بيد رجل أنها ابنته وهو يعلم كذبهما في ذلك، فقضي عليه بشهادتهما ثم رجعا فأقرا بالزور ووديا، فالحكم بالنسب ماض، ولا يحرم عليه فرجها بينه وبين الله، إلا أنا نكره أن يفعل فيعد زانيا، ويضيع نسب ولده، وله – إن شاء – طلب البينة بقيمتها، فإن أخذ منهما قيمتها تم لها الحكم بالحرية ولم يجز له مسها، فإن ماتت فورث مالها وكان فيه مثل القيمة فأكثر، رد منه على الشاهدين ما أغرمهما، وإن كان قدر نصف القيمة رده عليهما فقط. [8/ 513]
وإذا سبي رجل وامرأة من أرض الحرب فيعتقا، ثم تزوج الرجل المرأة، ثم قدم رجل من أرض الحرب فأسلم وادعى أنهما ولده وأقام البينة المسلمين، وقضي له بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور، فليؤدبا والحكم بالنسب ماض، فإن كان الرجل والمرأة لا يعلمان ما شهدت به البينة أحق هو أو غيره، وسعهما قبول حكم الحاكم على الظاهر، فإن علما أن البينة شهدت بزور، فهما على أمرهما الأول بينهما وبين الله، ولكنا نكره له مسها ليلا يعد زانيا، ويبيح من حرمته، ويقطع نسبه، أو تحمل هى فترجم إذا وضعت، ولا يحل لأحدهما أن يرث من صاحبه إن مات إلا ميراث الزوجية، فإن / لم يعلما غير ظاهر الأمر فهما على النسب بظاهر الحكم، فإن ماتت المرأة فصار ميراثها لأخيها، فإن على الشاهدين للمولى الذي أعتقها ثلاثة أرباع ميراثها إذا لم يترك وارثا غير أخيها، وقال عبد الملك: لا ندري ما أراد بهذا، وأراه خطأ وقع في الكتاب، وإنما أتلفا على المولى النصف، لأن الأخ ورث الجميع بشهادتهما، ولولا ذلك لم يرث إلا النصف بالزوجية. وعن ابن المواز زيادة ليست في كتاب ابن أبي مطر. وقال في ميت ورثه أخوه فأتت امرأة بشاهدين فشهدا أنها زوجة الميت، فقضي لها، فأخذت من الأخ الربع، ثم أتت أخري ببينة أنها زوجة الميت، فرجعت على الأول، فقضي لها، فأخذت نصف ما بيدها، فصار الثمن بيد كل واحدة، ثم رجع شاهدا الأولى، فعليها للثانية غرم الثمن الذي بقي بيد الأولى حتى يصير في يد الثانية الربع كاملا، ثم إن رجع الشاهدان الآخران أيضا، فللغرماء الربع كله، فيكون نصفه للمرأة الأولى ونصفه لشاهدي الأولى، لأن شاهدي الأولى يقولان لشاهدي الآخرة: ولولا شهادتكما لم نغرم برجوعنا للآخرة الثمن الذي غرمناه لها، وكذلك تقول لهما المرأة الأولى: بشهادتكما نزع مني الثمن، ثم يرجع الأخ على الأربعة فيغرمهم الربع كاملا بينهم، ولو رجع شاهدا الآخرة أولا، ثم رجع شاهدا الأولى، قال: فيغرم الآخران الثمن للأولى، ويغرم الأولان الثمن للآخرة، ويغرم الأربعة / الربع للأخ. [8/ 514]
/ من كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن مات وترك أمته وعبديه ومالا، فأقام رجل البينة أنه أخوه شقيقة، فقضي له بالنسب والميراث، وانتزع التركة، ثم أقام أحد العبدين بينة أنه ابن الميت، فقضي له بالنسب، وانتزع التركة من الأخ، ثم أقام العبد الثاني شاهدين بأنه ابن الميت فقضي له بذلك، وشارك الآخر المقضي له بالنسب في الميراث، ثم أقامت الأمة شاهدين أن السيد كان قد أعتقها في صحته وتزوجها، فقضي لها بذلك وأخذت من الإثنين ثمن التركة، ثم رجع اللذان شهدا للعبد الأول أنه ابن، فالحكم للأول نافذ، ويغرمان للولد الآخر قيمة العبد الأول، يأخذ هو سبعة أثمان قيمته، والزوجة ثمن قيمته، وأما ما في يديه من المال فيأخذه الإبن الثاني، لأن المرأة قد أخذت ثمنه، ولم يرجع إلا بينة العبد الثاني، فليغرما للأول سبعة أثمان قيمة العبد الثاني، وللمرأة قيمته، ويغرمان للأول أيضا ما في يد الثاني من الميراث، والحكم الأول نافذ، وكذلك لو رجع هذا بعد رجوع الأولين، فالأمر ما ذكرنا. ثم إن رجع شاهدا الأمة بالعتق والنكاح، فليغرما للإثنين ما أتلفا، وذلك قيمة الأمة، وما أخذت بالميراث يكون بين الولدين نصفين، والحكم نافذ، ولا تبال من رجع منهم أولا أو آخرا، أو رجعوا كلهم مرة واحدة، لأنها شهادة بعد شهادة على أشياء مختلفة، ولو شهدوا كلهم بالنسب والعتق والنكاح، وحكم بذلك ثم رجعوا، لغرموا ما هنا للأخ الأول أخ الميت/ ما أتلفوا من قيمة العبد وجميع الميراث، ولو شهدا لامرأة على رجل بنكاح بصداق مسمي، ثم مات، أو شهدا عليه بذلك بعد موته، فحكم لها بذلك وورثت، ثم رجعا وأقرا بالزور، فليغرما للورثة المعروفين ما أخذت المرأة من ميراث وصداق، ولا يكون للمرأة في ذلك شيء. ولو كان بيده صبي عبد فشهدا أنه ابنه، وشهدا آخران في أمة عنده أنه أعتقها فتزوجها بصداق معلوم، فقضي بذلك كله، ثم رجعوا كلهم وأقروا بالزور، [8/ 515]
في الرجوع عن الشهادة في الولاء وفي إرقاق الحر
وقد مات الزوج ودخل الصبي والزوجة في ميراثه، وأخذت الصداق؛ فإن شهود الصبي يضمنان للوارث المعروف قيمة الصبي وما أخذ من الميراث، ويضمن شاهد الأمة للوارث قيمة الأمة وصداقها وما أخذت من الميراث، والحكم الأول نافذ لا يرد، ولا يدخل الإبن فيما غرم شهوده لباقي الورثة، ولا تدخل الأمة فيما يغرم لهم شهودها. في الرجوع عن الشهادة في الولاء وفي إرقاق الحر ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان في ولاء رجل اختصم فيه رجلان فاثبتاه لاحدهما، أو شهدا في رجل لا يعرف له ولاء، فأثبتا ولاءه لرجل، وهو يدعي ذلك، والمشهود بولائه ينقل ذلك ويدفعه، فقضي بذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلا شيء عليهما إلا أن يرد غير العقوبة، لأنه قد يموت ويدع وارثا يحجب المولى، فإذا مات وترك مالا ولا يرثه غير ذلك المولى المحكوم له، فإنهما يغرمان لمن / تلفا ذلك عليه حتى صار لهذا إن أقر أنهما ينزعان ولاءه من الذي نازع الآخر في الولاء، فانتزعاه منه، وأما الذي لا يعرف له ولاء، فعليهما ضمان ذلك لمن نزعاه منه، وإن كان يعرف دفعا إليه وإلا وقف ليأتي من يستحقه، قال: وإنما يضمان تركته التي مات عنها، كانت أكثر مما كان معه يوم الحكم أو أقل، فالرباع والحيوان والعروض يضمنان القيمة فيه، وما يوزن وبكال فعليهما مثله، وما ولدت من أمة بعد الحكم فمات الولد فلا يضمناه، وكذلك لو زادت في بدنها أو نقصت أو ماتت، فإنما يضمنان ما يملك الميت يوم مات. ولو شهد شاهدان في امرأة ورجل أنهما لفلان وهما ويجحدان ذلك، فقضي بذلك القاضى فيما، ثم رجع الشاهدان فأقرا بالزور فلا موضع للضمان في ذلك. [8/ 516]
قال محمد بن عبد الحكم: إذا شهدا على رجل أنه عبد لفلان، وهو يدعي الحرية، فقضي عليه بالرق، ثم رجعا فلا قيمة عليهما في الرقبة، ولكنه يلزمان للعبد كل ما استعمله سيده وكل خراج أدى إليه من عمله، وإن كان له مال فانتزعه فهذا كله يلزم السيد للعبد، ثم ليس لمن قضي له بملكه أن يأخذ ذلك منه؛ لأنه إنما هو عوض مما أخذه هو منه، ولو مات العبد وذلك في يديه فلا يرث ذلك السيد، ولكن يوقف ذلك حتى يستحق ذلك مستحق، ثم يرثه بالحرية، فإن أعتق منه العبد قبل موته عبدا جاز عتقه، وكان ولاؤه بعد لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حرا، ويرثه العبد إن مات/ ومعتقه حتى، وإن أوصى منه العبد كان ذلك في الثلث منه، وإن وهب منه منه أو تصدق جاز ذلك، ويرث باقيه ورثته إن كان ممن يرثه حرا، وليس للعبد أن يتزوج منه، لأن النكاح ينقص رقبته. ولو مات رجل وله ابن حر فأقر أن هذا العبد أخوه لا وارث لأبي غيري وغيره، وأنه سرق صغيرا، والعبد في يد من يدعي ملكه، فليدفع هذا المقر إلى الأب نصف تركة الأب، وليس لسيده أن ينزعه منه، وللعبد أن يعتق من ذلك المال رقبة ويتصدق وينفقه فيما شاء، وليس مثل ما يملكه العبد من هبة أو صدقة، لأن هذا إنما أقر له به على أنه له على أنه حر، ولو مات هذا العبد لم يرث ذلك سيده، ويأخذه أخوه الذي أقر بأنه أخ له. ولو مات العبد عن ولد من أمة أشتراها من ذلك المال، أو كان ما تركة أبيه رقيقا، فأخذ في نصيبه أمة فأولدها، فذلك الولد حر، وأمه حرة، ويرث ذلك الولد باقي ذلك المال، وإن كنت لا أرى له أن يتسري في المال، لأن من كان له ولد حر من العبيد حط ذلك من ثمنه، ولو أن الشاهدين برقه جرحاه فلسيده أن يأخذ منهما ما نقصه ذلك من قيمته يوم يغرمان للعبد دية الجرح إن كان خطئاً لا تحمله العاقلة، وإن كان مما تحمله العاقلة فلا يلزم عاقلة الشاهدين ذلك بقولهما، ولكن يغرم له ذلك الشاهدان في أوقات وجوب الدية على العاقلة، لأن شهادتهما أتلفت ذلك عليه، وإن كان عمدا فشاء أن يقنص منهما بجرحه فذلك له، يريد: لإقرارهما أنه/ حر فله أن يقتص منهما خاصة بإقرارهما على أنفسهما. [8/ 517]
في الرجوع عن الشهادة بالنسب وقد أوجب ذلك قياما بدم أو عفوا عنه
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد رجلان على رجل أنه عبد لرجل ادعاه، والمدعي قبله يجحد ذلك، فحكم برقه، ثم قاطعه المحكوم له على مال أخذه منه وأعتقه أو كاتبه عليه، فأدى وأعتق، ثم أقرا بالزور ورجعا، فعليهما أن يغرما للمشهود برقة ما ودى إلى سيده، والحكم ماض، والولاء قائم. في الرجوع عن الشهادة بالنسب وقد أوجب ذلك قياما بدم أو عفوا عنه وفي الرجوع عن الشهادة قال ابن سحنون عن أبيه: وإن شهد شاهدان أن هذا ابن هذا القتيل لا وارث له غيره، وله أخ شقيق معروف، أو مولي معروف، والقاتل يقر بقتل القتيل عمدا، فحكم القاضي بذلك له بالنسب وبالقتل، فقتل، ثم رجعا وأقرا بالزور، فلا شيء عليهما في القصاص، كما لو شهدا بعفو عن دم عمد، ثم رجعا، لأنه ليس بمال، وعليهما ضمان كل ما ترك الميت، يغرمانه للأخ المعروف أو المولى المعروف. وقال محمد بن عبد الحكم: يقتل الشاهدان لأن بشهادتهما قتل، وهذا قول أشهب، وابن القاسم لا يرى في هذا القود. محمد بن عبد الحكم: وإن صالحاه على والدية أو أقل، فليغرم ذلك الشهود، لأنه ليس عليه أن بيبح دمه بترك غرم الدية، وإن صالح على أكثر من الدية ففيها قولان، أحدهما: أنهما يغرمان ذلك، وقيل: ليس عليهما أكثر من الدية كأنها قيمة، / لأن أحد الأولياء لو عفا لم يأخذ الباقون إلا حصصهم من الدية. في الرجوع عن الشهادة في القتل في العمد والخطأ وكيف إن كان في الشهادة عتق القاتل أو المقتول؟ قال أبو محمد: قد ذكرنا في أول الكتاب الإختلاف في البينة يشهدون على رجل بقتل أو سرقة فقتل أو قطع، ثم رجعوا وأقروا بالزور: أنه قد قيل: إنهم يقتلون [8/ 518]
في القتل، ويقطعون في القطع إذا تعمدوا الزور، روي ذلك عن على بن أبي طالب. قال سحنون: وبهدا قال بعض أصحابنا، قال محمد بن عبد الحكم: هو قول أشهب، وبه أقول. قال سحنون: وأكثر أصحابنا على أن يضمنوهم الدية، وهو قول ابن القاسم وغيره. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان على حر أنه قتل حرا فقتل به، ثم رجعا وقالا: تعمدنا الزور ليقتل، فإنهما يقتلان ويضمنان الدية في أموالهم، والحكم نافذ، لأنهما لم يجنيا بأيديهما، وإنما قتله السلطان بما غراه، ولم أجعل ديته على عاقلة السلطان، لأن عدالتهما يوم رجعا قد سقطت، فلو قبلت قولهما في الرجوع على العاقلة لنقضت بقولهما الحكم الأول، ولو شهدا أنه قتله عمداً، فحكم الإمام بقتله، ودفعه إلى أولياء القتيل، فذهبوا به ليقتلوه، فرجعا وأقرا بالزور قبل أن يقتل، فقد اضطر فيه القول، فقال ابن القاسم مرة: لينفذ القتل عليه بالحكم الأول ولا يرد برجوعهما؛ لأنهما الآن ممن لا تقبل شهادتهما فلا يقبل منهما ردهما بشهادتهما/ الأولى التي حكم بها، وإنما يؤخذان بقولهما الثاني في انفسهما فيما أقرا به مما أتلفاه وضمناه، ثم رجع ابن القاسم فقال: هذا هو القياس، ولكن أقف عن قتله لحرمة القتل، وكلك القطع وشبهه، وأرى فيه العقل أحب إلي. وقال أشهب في رواية أصبغ مثل قول ابن القاسم الأول، وروى عنه غيره أنه لم ير قتله، أخبرني به إبراهيم البرقي عن أشهب في أربعة شهدوا بالزنا على محصن فحكم برجمه ثم رجعوا قبل يرجم، قال: لا يرجم ويمضي عليه أدنى الحدين مائة جلدة، وكذلك لو شهد شاهدان على رجل بالسرقة فحكم بقطعة، وأمر به، فرجعا قبل يقطع، قال: لا يقطع، وكذلك في قطع يد رجل فحكم بالقصاص، ثم رجعا فليدرأ عنه القطع، وأما الحكم بالأموال فلينفذ وإن لم يقبض. [8/ 519]
قال محمد: لو كان المشهود عليه بالزنا غير محصن لأمضي عليه الحد. قال أصبغ: والقياس إنفاذ القتل والقطع وكان شيء، ولكني استحسن لحرمة الدم وخطر القتل ألا يقتل، ولادية فيه على المشهود عليه ولا على الشهود، وأراه شبهة كبيرة. وكذلك قال ابن المواز، وكذلك في الزاني المحصن، ويحد المحصن بالحكم الأول. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا أربعة على أن هذا العبد قتل رجلا حرا عبدا، فقال اثنان منهما: ما علينا أن مولاه أعتقه، وقال الآخر: علمنا أنه أعتقه قبل القتل، فقضي بشهادتهم وقتل القاتل، ثم رجع الأربعة وأقروا بالزور، فقيل: إن على الأربعة دية المقتص منه في القتل/ ألف دينار لورثته الأحرار، ثم يرجع سيده والشاهدان على أنه عبد جميعا على شاهدي الحرية، فيكون لسيده عليهما قيمة عبده ما بلغت، لأن شهادتهما منعت السيد من أخذ قيمة عبده، ويرجع أيضا عليهما شاهدا الرق بما زادت نصف الدية على نصف القيمة، لأنهما يقولان: لولا شهادتكما بحريته لم نغرم نحن إلا نصف قيمة العبد. وقال ابن المواز: ولم يعجبنا هذا، والصواب ألا يكون على الأربعة إلا قيمة المقتص منه، قيمة عبد، يأخذ ذلك سيده، لأن شهادة الحرية لم تتم حين رجع من شهد بها، وإنما نفذ بها القصاص فقط، لأنه لم يكن يحتاج إلى شهادتهم في الحرية، لأنه يقتص من العبد بالحر في النفس، وإنما نفذ بشهادة الأربعة القتل لا الحرية، ولم ينظر فيمن شهد فيه بحرية، ولا احتيج إليها حتى رجعا عنها، فهي كالشهادة يرجع عنها قبل أن ينفذ بها حكم فلا يقضى بها، ولو لم ينفذ القتل لبطل أيضا. قال: ولو رجع شاهدا الزور فقط، أو شاهدا الحرية فقط، فلا شيء عليهما، لأنه قد بقي من يكتفى به، إلا أن يرجع الباقيان بعدهما، فيلزم الأربعة قيمة عبد [8/ 520]
لسيده، وسواء كان البادئ بالرجوع شهيد الحرية أو شهيد الرق، وكذلك لو لم يشهد أنه إلا اثنان، وشهدا أن سيده أعتقه فقتل به، ثم رجعا، ما كان عليهما إلا غرم قيمته عبدا، لأنهما لم يضرا بشهادتهما على الحرية شيئا، ولا ثبت لورثته بشهادتهما على الحرية حين رجعا عنها./ قال: ولكن لو لم يكن شهد على القتل إلا الشاهدان على أن القاتل عبد، وشهد آخران أن السيد كان أعتقه، ولم يشهدا بالقتل، ثم رجعا، فإن كان رجوعهم جملة، لم يكن فيه إلا قيمة عبد لسيده على الشاهدين بالقتل وحدهما، وكذلك إن ابتدأ بالرجوع شاهدا الحرية، ولكن إن ابتدأ ها هنا بالرجوع اللذان شهدا بالقتل لزمهما غرم دية حر لورثته الأحرار بشهادة شاهدي الحرية، وحينئذ احتيج إلى شهادة شاهدي الحرية، واحتيج أن يكشف عن عدالتهما، فإن ثبتا على شهادهما أنفذ الحكم بشهادتهما أنه حر، وحكم بشهادتهما على شاهدي القتل بدية الأحرار في أموالهما، فإن رجع بعد ذلك شاهدا الحرية فلا تبطل شهادتهما على الحرية، ويغرمان للسيد قيمة عبده، ويغرمان لشاهدي القتل ما كان غرما من فضل الدية على قيمته عبدا، قال: وإن شهدا أن هذا المملوك قتل حرا وما علمنا أن سيده اعتقه، وشهد آخران أن مولاه أعتقه، ولم يشهدا على القتل، فرجع أحد شاهدي القتل ورجع أحد شاهدي الحرية، أو رجع شاهدا الحرية قبله، أو رجع أحدهما وثبت الآخر مع صاحبه، قال: سواء من رجع منهم إذا كان رجوعه قبل أن ينفذ فيه الحكم بحرية، قال في رواية غير ابن ابي مطر: فلا شيء فيه إلا أن يثبت شاهدي الحرية حتى يحكم بشهادتهما فيكون على الراجع من شاهدي القتل نصف دية حر لورثة المقتص منه، فإن رجع بعد ذلك أحد شاهدي الحرية، غرم للسيد نصف قيمة عبده، / وللراجع عن القتل للذي شهد انه عبد نصف فضل دية الحر على نصف قيمة العبد، فإن رجع شاهدا الحرية قبل رجوع أحد [8/ 521]
في الرجوع عن الشهادة في العفو عن الدم على مال أو على غير مال
شاهدي القتل فلا شيء عليه، ولو رجع شاهدا الحرية جميعا ما لزمهما شيء، وإنما الشأن في رجوع شاهدي القتل، فمن رجع منهما فعلهي نصف قيمة العبد. قال ابن المواز: ولو أقر السيد أنه قد كان أعتق العبد بعد رجوع اللذين شهدا بالقتل والرق، أو بعد رجوع شاهدي الحرية أو موتهم، أو قبل رجوع شاهدي القتل، فقال: أما إذا أقر السيد أنه أعتقه، ثم رجع شاهدا القتل فعليهما دية حر لورثته، بشهادة شاهدي الحرية لا بإقرار السيد، أنه أعتقه، فإن رجع بعد ذلك شاهدا الحرية لم يكن عليهما لشاهدي القتل إلا فضل ما بين قيمته ودية حر، لأن بشهادتهما أغرما الدية، وتسقط عنهما قيمته التي كانت تجب للسيد [لو لم يقر بعتقه ولم يشهد أصحاب الحرية، ولو أقر السيد بعتقه] ثم رجع بعدهما شاهدا القتل، فعلى شاهدي القتل قيمة عبد، يدفعان ذلك إلى ورثته، لأن سيده يقر أنه لاحق له فيها، وليس قوله: إنه حر يوجب عليهما دية، لأنهما يقولان: وإنما شهدنا أنه عبد، وشاهدا الحرية قد رجعا قبل ينفذ الحكم بشهادتهما، ولو شهدا أن رجلا حرا قتل فلانا خطأ، فحكم في ذلك بالدية على عاقلته، ثم رجعا وأقر بالزور، فللعاقلة الرجوع على الشاهدين إن وديا [والله الموفق للصواب برحمته]./ في الرجوع عن الشهادة في العفو عن الدم على مال أو على غير مال من كتاب ابن سحنون: وإذا شهدا على ولي الدم أنه عفا عنه، أو على المجروح في جرح عبد أنه قد عفا عنه، فحكم القاضي بإسقاط القود، ثم رجعا فلا يضمنان شيئا، لأنهما لم يتلفا مالا، ولا قصاص على القاتل لأنه حكم نفذ ولا يرد، وكذلك في كتاب ابن المواز، وشبهه برجوعهما في الطلاق. [8/ 522]
قال محمد عبد الحكم: بل يغرمان الدية، لأنه كان له في أحد قولي مالك أن يقتل أو يأخذ الدية، وهو قول أشهب، وتمامها في آخر الباب. قال في كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجلد القاتل مائة، ويحبس سنة، ويؤدب الشاهدان، ولو كانت شهادتهما على أنه عفا على أنه يأخذ مائة درهم، وهو يجحد، والجاني يدعي ذلك، فحكم بذلك ثم رجعا، فإنه لا شيء لولي القصاص، لأن الجاني مخرج المال مقر بأنه عفا عنه بذلك، وولي القصاص لم يتلفا عليه غير القصاص الذي لا ثمن له، وإن كان الجاني يجحد الصلح، وولي القصاص يدعي أنه صالحه على أكثر من الدية أو أقل، فقضى القاضي بذلك، ثم رجعا، فإن عليهما أن يغرما للجاني ما أخرجا من يديه، ويؤدبان، ولو قال ولي الجناية: صالحتك على مائة دينار، وقال الجاني: بل على خمسين دينارا، فولي الجناية المدعي لزيادة المال وقد اتفقا على أنه صالحه واختلفا / وفي المال، فإن أقام ولي الجناية بدعواه بينة فحكم بها ثم رجعا، فليضمنا ما زاد بشهادتهما على ما أقر الجاني به، وذلك خمسون ديناراً. ومنه ومن كتاب ابن المواز: ولو شهدا أنه عفا عن دية خطأ: قال في كتاب ابن سحنون: أو عن جرح خطأ يكون أرشه أقل من ثلث الدية، وذلك لدم الخطأ في نفس أو جرح ثابت بغيرهما، فقضي بذلك ثم رجعا، قال في الكتابين: فإنهما يضمنان ما أتلفا من دية النفس وإسقاطها عن العاقلة، فيكون عليهما في ثلاث سنين منجمة، قال ابن المواز: إلا أن تكون قد حلت. قال في كتاب ابن سحنون: وما أتلفا من أرش جرح دون الثلث ضمنا ذلك حالا. قال ابن المواز: ولو شهدا بالعفو عن قتل عمد ولم ينفذ الحكم حتى رجعا، قال: فكأنهما لم يشهدا، وينفذ القتل على القاتل، وكذلك في جميع الأشياء إذا رجعوا قبل الحكم فالشهادة مرتفعة. [8/ 523]
في الحكم ينفذ ثم يظهر ما يبطل به، مثل البينة تقع بقتل رجل ثم يقدم حيا
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: فإن شهدا بالعفو من ولي الدم عن قاتل عمد، فقضي بذلك ثم رجعا فليغرما الدية، لأنه كان في أحد قولي مالك: أن يقتل أو يأخذ الدية، وقاله أشهب، وروي عن أشهب: أنه لا شيء عليهما، لأنهما إنما أتلفا دما لا مالا، ولا قيمة للعمد، وهذا – عندي – خلاف أصله الذي بني عليه القصاص، وقد قال فيمن عفا عن قاتل وليه أنه يحلف: ما عفا إلا ليأخذ الدية، / ثم يأخذ نصيبه منها، وقال أيضا: إن لم يشترطها فلا شيء له، وإنما هذا – عندي – لاختلاف قوله في الأصل، مرة جعله مخيرا في القتل أو الدية، ومرة قال: ليس له إلا القصاص، قال محمد: وبأي القولين قلت، فإني لم ألزمهما الدية إذا رجعا. في الحكم ينفذ ثم يظهر ما يبطل به مثل البينة تقوم بقتل رجل عمدا أو خطأ فحكم بذلك ثم يقدم المشهود بقتله حيا، وشبه ذلك مما يظهر فيه الكذب أو يظهر المرجوم محبوبا من كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان أن هذا الرجل قتل ابن هذا عمدا، فقضي بقتله فقتل، ثم قدم ابن الرجل حيا، قال ابن القاسم: لا شيء على الإمام، ولا على عاقلته، ولا على الأب، ويغرم الشهود ديته في أموالهم، وقال أصبغ، وإنما الخطأ في ذلك من الشهود، فإن كان ذلك منهم تعمدا فذلك في أموالهم، وإن شبه عليهم فهو على عواقلهم، وهذا يخالف رجوعهم، قال ابن القاسم: ولو صالح الأب القاتل على مال لرد الأب ما أخذ، قال ابن المواز: فإن كان عديما لم يتبع به الشهود، وروي ذلك عن ابن القاسم، وقال ابن القاسم: ولو شهد أنه قتله خطأ فقضي بذلك فأخذ الأب الدية من العاقلة، ثم قدم ابنه فليرد إلى العاقلة ما أخذ منهم، فإن وجد الأب عديما بذلك فليغرم ذلك الشاهدان، وهذا بخلاف رجوعهما، لأنهما لعلهما كذبا في رجوعهما / ولم ينفذ الحكم بقولهما، وهذا لما [8/ 524]
قدم المشهود بقتله فقد ظهرت حقيقة باطل ما شهدا عليه به. قال ابن سحنون عن أبيه: إذا شهدا أنه قتله عمدا، فقضي بالقتل، وقتل المشهود عليه، ثم قدم المقتول حيا، فعلى الشاهدين ضمان الدية لولاة المقتول، ثم لا يرجعان بها على القاتل بشيء، لأنهما هما اللذان تعديا وأباحا للولي قتله، وليس لولي المقتول أن يأخذ الدية إلا من الشاهدين، إلا أن يكون عديمين فيرجع على الولي القاتل المتلف للنفس، فإن أخذ ذلك منه لم يرجع على الشاهدين به، لأنه هو الذي أتلف النفس، وهو كمن تعدي على مال رجل فأطعمه لآخر لا يعرم بعدائه، فله طلب المتعدي [ثم لا رجع المتعدي على الآكل بشيء، فإن كان المتعدي] عديما رجع به على الآكل، ثم لا يرجع الآكل على المعتدي. وقد روي أن ولي الدم مخير إن شاء اتبع بذلك الشاهدين، فإن اختار ذلك لم يكن له التحول عنهما إلا أن يعدما فيكون له، لأنه لو أخذ ذلك الشاهدين لرجعا بذلك على الولي، وإن اختار تضمين القاتل، فليس له التحول عنه إلى الشاهدين، أعدم أو لم يعدم، ولو ودى الولي إلى القاتل لم يكن له رجوع على الشاهدين، وقد روى أنه لا يرجع على الولي بشيء، لأن ظهور المحكوم بقتله حيا قد أبطل الحكم، ولا شيء على الولي لأنه أخذ ما أعطاه الشاهدان/ على أنهما صدقا عنده، والذي أخذ قصاص لا ثمن له، وعلى الشاهدين غرم الدية، لأنهما اللذان أتلفا ذلك، ولا شيء على الحاكم، لأنه قد اجتهد كما عليه. قال: وإن شهدا أنه قتله خطأ، فقضي على العاقلة بالدية، فأخذها الأب، ثم قدم الابن حيا، فللعاقلة أخذ الشهود بما ودوا حالا، ولا شيء لهم على الولي [إلا في عدم الشهود، فيأخذون بها الولي مأخذه، فإن وداها الشهود لم يرجعوا بها على الولي] وإن وداها الولي، ثم لم يرجع بها على الشهود. [8/ 525]
وقد روي أن العاقلة مخيرة، فإن اتبعت البينة فلا يتحول عنهما إلا أن يعدما فيطالب الولي لأنهما كانا لو أغرما أولا الشاهدين، كان لهما أن يرجعا بذلك على الولي، وإن تابعت الولي فلا تتحول عنه وإن أعدم، لأنه الذي أخذهما، وهو لو غرمها لم يرجع بها على الشاهدين. قال سحنون: ولو شهدا على إقرار رجل أنه قتل فلانا عمدا، وادعى ذلك الولي فقضي عليه بالقتل، ثم قدم المشهود بقتله حيا، فلا ضمان على الشهود ها هنا، لأنهم إنما شهدوا على إقراره، ولولي المقتول بالقود أن يضمن القاتل الدية، لأنه أتلف النفس، إلا أن يرجعا عن شهادتهما فيقولا: ما أقر عندنا بشيء وقد كذبنا، فيكون كما قلنا في المسألة المتقدمة، وكذلك لو شهدا على إقراره أنه قتل فلانا خطأ، فقضى القاضي عليه بالدية في ماله، ثم قدم المشهود بقتله حيا، فلا شيء على / الشهود في هذا، لأنهما إنما شهدا على إقراره، وليرجع الذي ودى الدية بها على من قبضها منه، إلا أن يرجعا عن شهادتهما في الإقرار ويقرا بالزور. ولو شهدا على شهادة شاهدين: أن فلانا قتل فلانا خطأ، فقضي القاضي بذلك، وأغرم العاقلة الدية، ثم قدم المشهود بقتله حيا، فإنه تردع العاقلة على الذي قبض منهم الدية، فيأخذوها منه تاجزة، ولا شيء على الشهود، لأنهم شهدوا على شهادة غيرهم، إلا أن يقروا بتعمد الكذب في نقلهم فيكون – كما تقدم – أن للعاقلة أخذ الولي بالدية، ثم لا يرجع بها الولي على الشهود، فإن رجعوا بها على الشهود كان للبينة أن يرجعوا بها على الولي. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان أن رجلا حلف، يعني: بحرية عبده: أن في قيده عشرة أرطال، وقد حلف بحريته: أن لا ينزع عنه القيد شهرا، وقد فعل العبد ما يستوجب به ذلك، ثم أتى شاهدان فشهدا أنه ليس في القيد ثمانية أرطال. قال عبد الله: أراه يريد: فحكم القاضي بحرية العبد، قال في الكتاب: ثم إن السيد نزع القيد، قال عبد الله: يريد: بعد الشهر، قال: [8/ 526]
في الرجوع عن الشهادة في الزنا والسرقة
فوجد فيه عشرة، قال محمد: فلينقض القاضي حكمه لأنه ظهر كذب الشاهدين. وقال أصحاب أبي حنيفة: ينفذ العتق ويضمنان القيمة، جعلوه كالرجوع، وذلك غير مشتبه، لأنهما في الرجوع لا يعرف أي قوليهما أصدق، والآن فقد ظهر كذبهما أولا، قال: / لو وجد في القيد تسعة، لم يرد عتق العبد، لأنه وإن تبين كذب الشاهدين في هذا، فقد عتق على السيد بالحنث، وقال في المشهود عليه بالزنا: فيرجع فيوجد مجبوبا بعد أن رجم، قال: فديته على عاقلة الإمام، ولا شيء على الشهود، وقاله أشهب. في الرجوع عن الشهادة في الزنا والسرقة وكيف إن شهدوا في عبد أنه أعتق ثم زنى؟ أو شهد قوم بالعتق وقوم بالزنا وفي الرجوع عن الشهادة في حد القذف وزنا البكر، وفي الأدب والتعزير من كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد أربعة على رجل أنه زنا وأنه محصن، فرجم، ثم رجع الشهود فأقروا بتعمد الزور، فذكر محمد الاختلاف في قتلهم في التعمد، وذكر أن أشهب يقول: إنهم يقتلون إذا أقروا بتعمد الزور، واحتج محمد بأن علي بن أبي طالب قال في الشاهدين على السرقة، ثم قالا بعد أن قطع السارق: قد أوهمنا وإنما هو آخر، فقال: لو اعلمكما تعمدتما لقطعت أيديكما، وذكر عن النخعي والحسن في القتل: أنهما يقتلان إذا تعمدا، واحتج ابن عبد الحكم فيمن أمسك رجلا لآخر حتى قتله، أنه يقتل إذا علم أنه يريد قتله، قال: والشهود أشد من هذا، وكذلك يقطعون في تعمد الزور في الشهادة بالسرقة أو قطع يد، فقطع المشهود عليه. [8/ 527]
قال عبد الله: وذكر بعض ... البغداديين / أن قول مالك اختلف في تعمد الشهود للزور في القتل بالقطع، قال محمد بن عبد الحكم: قال أشهب: إذا رجعوا بعد الرجم، فإن أقروا بتعمد الزور حدوا حد الفرية وقتلوا، فإن لم يتعمدوا فالدية على عواقلهم، ولا شيء على الوالي. وقد ذكرنا في باب الرجوع عن الشهادة في القتل الاختلاف في هذا، وقول ابن القاسم وغيره فيه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد خمسة على الزنا أو أكثر، فرجم بشهادتهم، ثم رجع منهم واحدا أو أكثر، وأقر بتعمد الزور، فإن بقي ممن لم يرجع أربعة، فلا شيء على من رجع من حد ولا غرم، وعليه الأدب، ثم إن رجع بعد ذلك من الأربعة واحد، لزم غرم [ربع] الدية، يدخل فيه معه من سبقه بالرجوع، قلوا أو كثروا مع الحد على كل منهم سواء رجعوا معا أو مفترقين، ولا أدب عليهم مع الحد. فإن رجع آخر أيضا، لزمه ربع الدية يشاركه فيها كل من رجع قبله، ويشركهم فيما غرموا قبله، فيصير نصف الدية على جميعهم على عددهم، والحد على عددهم، وهذا أحسن ما سمعنا، وإن رجع ثالث من الأربعة، لزمه مع كل من رجع قبله: ثلاثة أباع الدية. وذكر لنا عن ابن القاسم أنه كان يقول: على من رجع الحد، وإن بقي ممن لم يرجع أربعة أو أكثر، وأبى ذلك غيره من أصحاب مالك، وكذلك سمعت عبد الملك يقول: وروى مثله أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم في الأسدية، وروى عنه أصبغ في مجالسه قوله الآخر الذي يخالف فيه/ عبد الملك، وكأنه تأول في ذلك أن الراجع مقر أنه قاذف لمن لم يرق، وأنه وبقية الشهود اتفقوا على أن يشهدوا عليه بالزورفي ذلك في مقام واحد، وانه لقول حسن، ولم أرو عنه هذه الحجة. [8/ 528]
ومن حجة عبد الملك: أنه لما بقي عليه أربعة ينقذ بهم عليه الحد، فكان الراجع إنما قذف من حق عليه الزنا، وإذا رجم بشهادة أربعة في الزنا ثم رجع أحدهم، فإنه يحد ويغرم ربع الدية، ولا حد على من لم يرجع، وذكر عنه أنه كان قال بحد من لم يرجع مع الراجع، ثم رجع عن هذا القول وقال: لأن الحكم لم ينتقض. قال ابن المواز: وإن شهد سبعة على رجل محصن بالزنا، فأمر الإمام برجمه، فلما فقئت عينه في الرجم، ورجع واحد والشهود، ثم تمادوا في رجمه فأوضح موضحة، فرجع ثان من الشهود، ثم تمادوا في رجمه حتى قتل، فرجع آخر، قال: إنه لو لم يرجع هذا الثالث ما كان على من تقدم من رجوعه شيء، وأرى على الراجع الأول بعد فقء العين سدس دية العين، وعلى الراجع [بعده بعد الموضحة خمس دية الموضحة وسدس دية العين، وعلى الراجع بعد قتله ربع ديه النفس فقط، لأن ديه النفس تأتي على ما قبل ذلك. قال في غير رواية ابن أبي مطر: فقد قيل فيها: إن على الثالث أيضا خمس دية الموضحة وسدس دية العين، والأول أصح. قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا شهدا على رجل بالسرقة فقطع ثم رجعا، فعليها / ديه اليد في أموالهما، وإن رجع واحد، فعليه نصف دية اليد، وكذلك في القصاص في النفس وفيما دونها في جميع الأموال، وإن شهدا عليه أربعة بالزور بالزنا، وشهد اثنان غيرهم بالإحصان، أو أقر أنه محصن، فرجم ثم رجع شاهدا الزنا وشاهدا الإحصان، فالغرم للدية على شهود الزنا، ويحدون للقذف، ولا شيء على شاهدي الإحصان ولو رجع واحد من شهود الزنا قبل انفاذ الحكم، وطلب المشهود عليه جرحتهم فجرح واحد منهم، فإن الحد على جميعهم، حد الفرية، لأنه لم ينفذ الحكم، ولو حكم القاضي بالرجم فلم يرجم الرجل حتى رجع [8/ 529]
واحد وإنما يحد الراجع وحده، ولا يسقط الحد عن المشهود عليه، وعلى الراجع ربع الدية، ولا شيء على الثلاثة. قال ابن المواز: اختلف علينا في هذه المسألة، فقال ابن القاسم: إنما الدية على شهود الزنا إذا رجعوا، ولا شيء على شاهدي الاحصان رجعا جميعا أو أحدهما. وقال أشهب وعبد الملك: بل الدية على الستة أسداسا. قال ابن المواز: والذي أقول به: أن نصف الدية على شاهدي الإحصان، ونصفها على شهود الزنا، وقال أصبغ بقول ابن القاسم، وقال: وهو كما لو شهد شاهدان على رجل أنه حلف بحرية عبده إن دخل المسجد شهرا، وشهد غيرهما أنه دخله قبل الشهر، فقضي عليه بالحرية، ثم رجع شاهدا الدخول، فلا شيء عليهما، وإن رجع شاهدا اليمين قضي عليهما بقيمته، ولا شيء/ على شاهدي الدخول إلا ما لزمهم من الجرحة. قال ابن المواز: وقد سمعت من يقول: إن نصف الدية على الأربعة الراجعين في الزنا، ونصفها على الراجعين عن الاحصان، رجعا جملة أو مفترقين، ومن رجع فعليه على هذا الحساب. ومن كتاب ابن سحنون، وذكر عند يحيى بن سعيد من رواية ابن وهب في أربعة شهدوا بالزنا على محصن، فرجم، ثم رجع اثنان وأقرا بتعمد الزور، قال: يغرمان العقل عقلا تاما. قال عبد الملك وسحنون: ولو كان الشهود ثمانية ثم رجع اثنان بعد الرجم، فلا غرم عليهما ولا حد ولا على الباقين، لأنه ممن عليه الرجم ثابت بشهادة من ثبت، ولكن على من رجع الأدب فقط لإقراره بتعمد الزور. [8/ 530]
ولو رجع خمسة وبقي ثلاثة، فعلى الخمسة يرجع العقل بينهم أخماشا، وحد القذف، ولا أدب عليهم غير ذلك، ولا شيء على من لم يرجع من غرم ولا جلد. لأنه حكم نفذ فلا ينقض، ولأنهم لم يقروا على أنفسهم بأمر يؤخذون به، ثم إن رجع أحد الثلاثة الباقين جلد حد القذف، ويصير عليه وعلى من قتله نصف الدية بالربع المتقدم، فيكون النصف عليهم أسداسا، ثم إن رجع أحد الإثنين الباقيين يحد وتصير شركتهم أجمع في ثلاثة أرباع الدية بين السبعة أسباعا، ولا شيء على الباقي، فإن رجع أيضا الثامن حد وكانت الدية على جميعهم أثمانا. وإن شهد ثمانية على رجل بالزنا / والإحصان، كل أربعة على زنا على حدة، بامرأة على حدة، فقضى القاضي برجمه، فرجم، ثم رجع أربعة شهدوا على زناه بامرأة واحدة، فلا حد عليهم ولا غرم، لأنه قد بقي من لو ابتدئ بهم الحق لرجم بهم، ثم إن رجع واحد من الأربعة الثانية، فعليه الحد وعلى الراجعين قبله، لأنهم أقروا أنهم قذفوا غير زان، وعليهم ربع الدية أخماسا، والحكم الأول نافذ، وحتى لو قذفه أحد بالزنا لم يحد، ولكن يؤدب، لأذاه له، إلا الذين رجعوا فإن عليهم الحد إن قذفوه، لأنهم يقرون على أنفسهم أنه غير محدود بحق. ولو رجع واحد من كل أربعة من هاتين الطائفين، كان عليهما الحد وربع الدية، لأنه لم يبق على زنا كل امرأة إلا ثلاثة. ولو رجع اثنان من كل طائفة فعليهم نصف الدية أرباعا مع الحد، ولو كان ثلاثة من كل طائفة فعليهم أرباع الدية بين الستة وحد الفرية، ولو رجع الثمانية غرموا الدية وحدوا، ولو رجع ثلاثة من طائفة، وواحد من طائفة، فعليهم ربع الدية والحد، فخذ هذا على هذا النحو. قال سحنون: وإن شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده والسيد يحجد فقضي عليه، وشهد أربعة أنه زنا، وأنه محصن، فقضي عليه بذلك ورجم، ثم رجعوا كلهم فينظر إلى السيد، فإن كان مقيما على إنكار العتق، فله القيمة على شاهدي العتق، وعلى شهود الزنا الحد والدية لورثة المعتق الآخر، فإن لم يكن له [8/ 531]
وارث غير/ السيد الذي يجحد الحق، فإنه إن أخذ القيمة من شهود العتق، رجع بها شهود بالعتق على شهود الزنا، ولم يكن على شهود الزنا إلا قيمة عبد، وإن أخذ السيد القيمة من شهود الزنا، لم يكن على شهود الزنا غيرها، لأن السيد لم يقر بعتقه ويزغم أنه عبده، ولا يرجع شهود الزنا على شهود العتق بشيء، لأنهم هم أتلفوا النفس، وإن أقر السيد بالعتق لم يكن على شاهدي العتق شيء، وله الدية على شهود الزنا، إن لم يكن وارث غيره، وإن كان يرثه غيره فذلك لوارثه. ولو رجع شاهدا العتق وأقرا بالزور ولم يشهدا عليه بالزنا، فالحكم بالعتق ماض، والولاء للسيد، فإن رضي أخذ القيمة من شاهدي العتق فذلك له، وقد يعتق بعض الناس عن بعض فالولاء للمعتق عنه. وإن شهد أربعة على رجل أنه أعتق عبده، وإن العبد بعد عتقه زنا وهو محصن، فقضي شهادتهم وعتق ورجم، ثم رجع اثنان عن الغرم واثنان عن الولاء فلا ضمان على الراجعين عن العتق، لأنه قد بقي من يتم به العتق لو انفردا، وإن كان للمرجوم وارث من نسب فله نصف الدية على الراجعين عن الزنا، وعليهما حق القذف، فإن لم يكن وارث غيره أحق، فقد أقر له شاهدا الزنا الراجعان بنصف الدية، لأنهما يزعمان أنه حر وأنه مولاه، فإن اعترف السيد بالعتق فله نصف الدية، وإن أقام على جحوده، فله عليهما / نصف قيمة عبده إلا أن تزيد على نصف الدية فلا يزاد، وإنما له الأقل. وإن شهد شاهدان على رجل أنه سرق مائة درهم من حرزها، فقضي بقطعة وأغرم المائة، إما كانت بقيمتها أو لم تكن بعينها، وكان يسره متصلا، ثم رجعا، فعليهما نصف دية اليد وغرم المائة، وإن رجع أحدهما فعليه نصف ذلك كله. [8/ 532]
في البينة يقضى بها ثم يتبين أن أحدهم عبد أو ذمي أو مولى عليه أو غير عدل
قال سحنون: وإذا شهدوا على رجل في شتم أو حد قذف، أو في حد زنا البكر، أو على لطمة، أو ضرب بالسوط مما يوجب الآدب، أو على العفو عن الدم يعني العمد، أو الطلاق، يريد: في التي قد بنى بها، فيقضى بذلك، ويقيم الأدب فيما فيه الأدب، ثم رجع الشهود وأقروا بالزور، في هذا عند جميع أصحابنا غرم ولا قود معروف إلا الأدب من السلطان، ولا تقع المماثلة في اللطمة، ولا ضرب السوط بأمر يضبط، ولا أرش لذلك، وإنما فيه الأدب. في البينة يقضى بها ثم يتبين ان أحدهم عبد أو ذمي أو مولى عليه أو غير عدل وكان ذلك في مال أو زنا أو قذف أو غيره من كتاب ابن سحنون: قال: سحنون: وإذا شهد شاهدان على رجل بمال فقضى به القاضي بعد التأني والكشف كما ينبغي، ثم ظهر أن أحدهم عبد، أو ذمي، أو مولى عليه، فعلى المقضي له بالمائة رد المال إلى المحكوم عليه، إلا أن يحلف مع الشاهد الباقي فيعم له ما أخذ، فإن نكل حلف المحكوم/ عليه إن شاء وأخذ ماله، فإن نكل فلا شيء له، قال في موضع آخر: والحكم ها هنا ينقض بخلاف رجوع البينة، وبخلاف إن ظهر أن أحدهم مسخوط. قال أبو محمد: وقد اختلف في قبول شهادة المولي عليه لسوء نظره في المال لا لجرحة فيه، وهذا مذكور في كتاب الشهادات. قال سحنون: ولو كان الحكم في قصاص في قتل أو قطع يد: فإن حلف المقضي له بالقصاص في اليد مع شاهده الباقي، أو حلف المقضي له بالقتل مع رجل من عصبته خمسين يمينا قسامة، ثم له الحكم الأول، وإن نكل عن القصاص في اليد، ولم يعلم أن شاهده عبد لظاهر حريته، فليحلف المقتص منه في اليد: أن ما شهد به عليه باطل، وإذا نكل المقضي له بالقتل عن القسامة، فالنكول في مثل هذا ترد به الشهادة، وينقض به الحكم. [8/ 533]
فقال بعض أصحابنا: ولا ضمان [على الحاكم، وهو لم يخطئ، وقد اجتهاد وفعل ما عليه من القتل على ما ظهر له، ولا ضمان] على المحكوم له بالقصاص، لأنه لم يأخذ ثمنا فيرده، وغرم ذلك على الشاهدين إن كانا جعلا رد شهادتهما عنه بأن أحدهما عبد أو ذمي، وقال بعض أصحابنا: إن ذلك على عاقلة الإمام، وقيل: ذلك هدر لا على عاقلة الإمام، ولا على البينة، ولا على المحكوم له، وإنما خطأ الإمام الذي يكون على عاقلته ما جاوز ثلث الدية منه ما يخطئ فيه في نفس الحكم، مثل أن يقتل أو يقطع من لايجب ذلك عليه، / أو يجيز شهادة العبد والذمي والمولى عليه، وهو يرى أن ذلك يجوز، أو يقطع من سرق [من غير حرز، أو من سرق] تمرا أو كثرا، وأما أن يظهر له ما لم يكن يعلمه، وما بالغ فيه في الاعذار والإجتهاد، فهذا الذي عليه، وكذلك لو حكم بالرجم في الزنا، ثم ظهر أن أحد الشهود عبد أو ذمي أو مولى عليه، فالحكم زائل كأنه لم يكن، ويجلدون للقذف، وقال بعض أصحابنا: الغرم على الحاكم إن كان الشهود لم يعلموا أن الذين شهدوا معهم كما ظهر من أمرهم، وإن كانوا يعلمون ذلك فعليهم الغرم. وقال بعضهم: إن كانوا جهلوا رد شهادتهم عنه، وقيل: لا شيء عليهم ولا على الحاكم إن جهلوا من معهم، أو كانوا عرفوا بهم، أو جهلوا أن شهادتهم لا تجوز، فأما إن علموا بهم وعلموا أن شهادتهم لا تجوز فهم ضامنون للدية. ومن كتاب ابن المواز: قلت: فإن شهد ستة على رجل بالزنا وهو محصن فرجم بشهادتهم، ثم رجع إنسان منهم؟ فقلت: لا شيء عليهما من غرم ولا حد، أرأيت إن وجد من الأربعة الذين ثبتوا أحدهم عبدا؟ قال: فإنه يرجع على الراجعين الذين شهدوا منهم بربع الدية مع الحد، وليس على من لم يرجع من الأحرار شيء ولا غرم ولا حد، ويحد العبد أربعين جلدة ولا غرم عليه. وإذا لم يشهد عليه إلا أربعة فرجم بشهادتهم، ثم وجد أحدهم عبدا، فإن عليهم الحد أجمعين للقذف، وعلى العبد نصف حد الحر. [8/ 534]
قال / أصبغ: وقال ابن القاسم: إن كان علم الشهود أنه عبد، فعليهم الدية في أموالهم، وإن لم يعلموا فهي على عاقلة الإمام، ولا شيء على العبد في الوجهين، وأما إن وجد أحدهم مسخوطا: فقد قال ابن القاسم بنقض الحاكم كما لو كان عبدا أو ذميا، ويضرب هو ومن شهد منه من مسلم حد القذف إن كانت هذه الجرحة قبل يشهد. وقال أشهب: لا يرد الحكم في المسخوط، ولا ضرب عليه وعلى من معه. قال ابن المواز: ولا أعلم إلا وقد قاله لي عبد الملك. قال أشهب: وكذلك لو كان الحكم في مال، فلا ينقض، فأما في العبد والذمي قينقض الحكم ويحلف المقضي له بالمال مع شاهده الباقي، ويبقي له، فإن نكل حلفه ضامنه وأخذه منه. قال محمد: وقول أشهب وعبد الملك هو أحسن إن كان القاضي غير الذي قضى بشهادتة، فأما إن كان هو الذي قضى بشهادته فلينقضه ما لم يفت، مثل القطع والقتل والرجم، وأخبرني بقول ابن القاسم أبو زيد وأصبغ عند، وقال: ولا ينقض الحكم برجوع من رجع من الشهود، والحكم ماض، وعليهم غرم ما أتلفوا، وقد كان ذكر عنه أنه قال: إن رجع واحد منهم أنه يحد هو ومن لم يرجع، ثم رجع فقال: ولا يحد غير الراجع وحده، وأحده على هذا، وقال: لا ينقض الحكم برجوعهم كلهم بخلاف أن لو وجد أحدهم عبدا، هذا ينقض فيه الحكم الأول، ويسقط الحق عن المقضي عليه، ويكون على عاقلة الإمام في القتل الدية، / إلا أن يكون بقية الشهود علموا برق هذا فيضمنوا الدية في أموالهم، وأما لو رجم بشهادة أربعة في الزنا، ثم وجد بعد أن رجم مجبوبا فقد ذكرنا هذا في باب تقدم [8/ 535]
فيما يحل بالحكم الظاهر وما لا يحل بالحكم لمن يعلم خلاف ظاهرة من محكوم له أو غيره
في الحكم ثم يظهر ما يبطله أن ديته على عاقلة الإمام، قال: وإن شهدا على أن رجلا قتل رجلا، فقضي بشهادتهما، واقتص منه، ثم وجد أحدهما عبدا؟ قال: هذا ينقض فيه الحكم، وتكون كدية المقتول على عاقلة الإمام. قلت: ولا تكون فيه القسامة مع الشاهد الباقي. قال: فعلى من يقسمون وقد فات وأخذوا حقهم بالقصاص؟ وقال سحنون في كتاب الإكراه: إذا أقامت المرأة شاهدين على زوجها أنه رماها بالزنا، فأمر القاضي الزوج باللعان فالتعن خوفا أن يبيح ظهره وهو يعلم أنهما شهدا بزور، والتعنت هي وفرق بينهما، ثم تبين أن أحد الشاهدين عبد أو مجروح، فإن القاضي، يبطل الحكم باللعان الذي كان بينهما، ويردها إليه وتكون امرأته، قال سحنون: ولا يكون قوله: أشهد بالله أني من الصادقين إقرار من قبل أنه قد ظهر أنه أضطره إلى ذلك خوفه الحد، فصار كمن لم يقر وكالمكره، وقال ابن الماجشون في كتابه: ولو رجع الشاهدان بعد الحكم بتمام اللعان لم يغرما، يريد: للزوج شيئا إن كان الزوج قد دخل بها، وكذلك إن لم يدخل بها في قوله، وقد مضى ذكر الإختلاف في رجوعهما قبل البناء. فيما يحل بالحكم الظاهر وما لا يحل / بالحكم لمن يعلم خلاف ظاهرة من محكوم له أو غيره وما دخل في ذلك من الرجوع عن الشهادات قال أبو محمد: وهذا الباب قد كتبنا مثله وأوعب منه في كتاب الأقضية. قال سحنون في كتاب ابنه: وحكم الحاكم لا يبيح للمحكوم له ما يعلم باطل دعواه فيه، وما يعلم الله أنه حرام، فإذا علم ذلك أحد فلا يحل له بظاهر [8/ 536]
الحكم، وإنما يحكم الحاكم بما يظهر له، وذلك أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار واحتج على أهل العراق بهذا وبغيره مما ذكرته في كتاب الأقضية. قال: وإذا شهد رجلان أن رجلا قذف امرأته بالزنا، والرجل يعلم أنهما شهدا بزور، فقبلهما القاضي، وأمره باللعان فالتعن خيفة أن يحد بالقذف، والتعنت هي وهو يعلم كذبهما، ففرق بينهما الحاكم بظاهر ما ظهر إليه، وجعلهما لا تحل له أبدا، أن ذلك لا يحرم عليه بينه وبين الله سبحانه، ولكن نكره ذلك لئلا يعد زانيا فتنتهك حرمته، ويضيع نسبه إن كان حملا، ولئلا ترجم هي إذا وضعت أيضا، ولا يجوز لها أن تنكح، وإن كانت هي لا تعلم إلا ظواهر الأمور فمباح لها أن تنكح على ظاهر الحكم، ولو أن الزوج رماها بالزنا وهي يعلم كذب الزوج، فلاعن بينهما الإمام، فالتعنا، وفرق بينهما وحرمها عليه للأبد، فإنها لا يحرم عليها النكاح، لأن / الزوج ها هنا راض بحكم السلطان وتحريمها عليه، وإباحتها للأزواج. قال: وإذا شهدا أن فلانا فارق زوجته، والزوج يعلم أنهما شهدا بزور، فحكم القاضي بالفراق، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالحكم ماض على ظاهره، فإن علمت المرأة باطل قولهما لم يجز لها أن تنكح، ولا يجوز للزوج أن يتزوج أختها ولا أربعة سواها، وهي زوجته في علم الله، ويجوز للزوج أن يصيبها إن خفي له في ذلك، ولكنا نكره ذلك له للتغرير بنفسه في هتك حرمته، وإبطال نسبه، وإن تحبل هي فترجم إذا وضعت، فإن لم تعلم المرأة إلى ما ظهر من الحكم، فلها التزويج بظاهر الحكم، وكل من لم يعلم إلا ظاهر الحكم فله إقامة ما يوجبه ذلك الحكم في الظاهر، ولو علم الحاكم باطل ذلك جاز له أن يحكم بما ظهر، فكذلك من علم بباطنه، فلا يستبحه بظاهره. [8/ 537]
ولو فرق بينهما السلطان بشهادة عدلين، ثم تزوجها أحد العدلين ورجع عن شهادته أنه شهد بزور، فإنه يفرق بينه وبينها، لأنه مقر أنها زوجة رجل لا تحل له، ويفرق بينهما وبينه بطلقة على ظاهر الحكم، وعليه الصداق إن بنى بها، أو نصفه إن لم يبن بها، ولا حد عليه، ويؤدب في شهادته بالزور، وإن ادعى وهما لم يؤدب، ولو رجع الشاهدين ثم أراد أن يتزوجها وهي لا تعلم أنهما شهدا بزور، فإن الحاكم يمنعه من نكاحها، لأنه أقر أنها ذات زوج [فإن نزع عن قوله وقال: وما شهدت إلا بحق، وثبت عندي ما كنت فيه شاكا، فله أن يتزوجها إذا / حلف، وقد قيل: إنها لا تحل له لإقراره أنها ذات زوج] إلا أن يموت الزوج. وإن شهدا أنه أعتق جاريته هذه فقضى القاضي لها بالعتق، ثم رجعا فالحكم ماض. وإن علمت هي أنها شهدا بزور، لم يحل لها أن تبيح نفسها، وإن لم تعلم فلها التعلق بالحكم الظاهر، وإن علمت كذبهما فلا تبيح نفسها إلا أن يرضى السيد بأخذ القيمة من الشاهدين، فيتم بذلك ما قضى لها به القاضي من حريتها. ومن كتاب محمد عبد الحكم: وإذا شهدا أنه طلق امرأته ثلاثا، فقضى بذلك القاضي، ثم رجعا فلا يحل لأحدهما أن يتزوجها، وهي حلال لغيرهما ممن لا يعلم بكذبهما، والحكم الأول ماض، ولا يجوز للزوج أن يتزوجها إلا بعد زوج، وإن شهدا أن ملك امرأته أن تطلق نفسها ثلاثا إن شاءت، وأنها طلقت نفسها ثلاثا، فقضي عليه بذلك، وهي تعلم أنهما شهدا بزور، فلا يحل لها أن تتزوج، ولا يحل لها أن تمكن من نفسها زوجها المقضي عليه. وإذا علمت هي أن الزوج فارقها وأنكر، فقامت عليه بالبينة، فلم يثبتوا عند القاضي، فردها إليه، فلا يحل لها أن تمكنه من نفسها، ولا يحل له وطؤها إذا علم مثل ذلك، وحكم القاضي بردها إليه لا يحل أحدهما لصاحبه، ولومات الزوج الأول، جاز للشاهدين أن يتزوجها من شاء منهما بعد انقضاء عدتها من الوفاة. [8/ 538]
وإذا طلقت امرأة فقالت: قد انقضت عدتي والزوج يعلم/ أنها كاذبة فحكم لها القاضي أن تتزوج، فلا يجوز لها أن تتزوج حتى تخرج من عدتها، ولو كانت حاملا فحتى تضع، والحكم لا يحل لأحد ما يعلم حرامه، وذكر الحديث المتقدم ذكره، قال بعض أصحاب أبى حنيفة: إنه يجوز لأحد الشاهدين اللذين شهدا بطلاقهما وقضي بشهادتهما أن يتزوجها، لأن الحاكم قد فسخ نكاحها، والنبي (صلي الله عليه وسلم) لم يبح بحكمه لمن علم منه مالم يعلم النبي عليه السلام، فكيف بحكم غيره ولزمهم أن من أقام بينة أنه ابن فلان الميت وهو يعلم كذبهما، وأنه ليس بابنه، يجوز له أخذ ميراثه، وكذلك يلزمهم إن حكم في أخت رجل أنها بنت فلان لغير أبيها، أنه يجوز لأخيها أن يتزوجها، أو حكم في أم رجل أنها ليست بأمه، وأن أمه امرأة أخرى، يجوز له تزويجها. أرأيت إن أشترى شاة مذبوجه، فقام المشتري فقال: قد صح عندي أنها ذبحت بعد أن ماتت، فلم يقبل الحاكم منه ذلك وألزمها إياه، أيحل له أكلها؟ واحتجوا باللعان فقالوا: أرأيت إن علم الزوج أنه كاذب أتحل له بعد ذلك؟ وهذا غير مشتبه، لأن اللعان قد علم الإمام أن أحدهما كاذب، فصار حكما على الصادق والكاذب أن لا يتناكحا أبدا. والشاهدان- يعنى بالطلاق- لو علم الحاكم أن أحدهما كاذب، لم يفرق بينهما بشهادتهما، وقياس هذا أن يقول: إن المحكوم عليه بالطلاق ثلاثا، للزوج أن يتزوجها، وهذا لم نعلمه نحن ولاهم، والشاهدان بالطلاق / المزوران كيف بتزويجها أحدهما وهما يعلمان أنهما كاذبان؟ وهذه ذريعة إلى أن من طلب نكاح ذات زوج فلم يمكنه: أن يشهد عليه رجلان بطلاقها ثم يتزوجها من شاء منهما. أرأيت إن شهدا على حر مسلم أنه من أهل الحرب قد أسر، فقضي عليه بالرق، أيحل لأحدهما أو لمن علم ذلك أن يسترقه؟ أو كانت أمة أن يطأها، وإذا شهدا أن فلانا أقر أن هذه الصبية ابنته، فحكم لها بالنسب ثم ماتت على مال، [8/ 539]
والأب يعلم كذبهما فلا يحل له أن يرث منهما شيئا، وكذلك لو استلحقها كاذبا، فالحقت به القضاء، ثم ماتت لم يجز له أن يرثها، ويجوز لها هى أن ترثه، لأنها لا تعلم صدقه من كذبه، ولو كانت أمة له فشهدا أنها ابنته فألحقت به، وهو يعلم كذبها، فلا يجوز له أن يطأها، ويريد: للتغرير بنفسه، وإن ماتت فله جميع ما تركت، لأنها أمته فيما يعلم، فما لها له حلال في الحالين. قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهدا أن رجلا تزوج امرأة بألف درهم، والزوج ينكر ذلك، وهي تدعيه، فألزمه القاضي النكاح [فأرى أن يفسخ النكاح القاضي] ويجعل لها نصف المهر. وقال أصحاب أبي حنيفة: إنه يجوز للزوج أن يقيم عليها ويطأها، وإن رجع الشاهدان عن النكاح، قال محمد: وهذا مالا يحله الحكم، أرأيت لو أقر أنها أخته من الرضاعة أيترك؟ أو قال: لي أربع نسوة ببلد آخر، فألزمه الحاكم صداقها، أيحل له أن يطأها؟ أو قال: أنا أعلم أنها في عدة من زوجها وقالت هي: خرجت من العدة، أيثبت نكاحه عليها / أم لا؟ [هذه إلا بتت نكاحه] ولا يبرئه ذلك من نصف الصداق إذا قضى عليه بالفرقة. ولو شهد شاهدان أن هذا قتل أبا هذا خطأ، ولا وارث له غيره، وأن هذا الرجل ضمن الدية على العاقلة وعن قاتله، وهو منكر، فقضي القاضي بذلك وأغرمه الدية، والمقضي عليه بالضمان يعلم أن المشهود عليه بقتله حيا ببلد آخر، فلا يجوز، للذي ودى بالضمان أن يرجع بما ودى لا على المشهود عليه بالقتل، ولا على العاقلة، لأنه لا شيء عليهم، وأنه لم يضمن عنهم شيئا، وكذلك لو شهدا أن هذا المسلم أفتكه هذا من حربي بمائة دينار، وهو منكر، فقضى عليه [8/ 540]
القاضي بأدائها، وأذن له بالرجوع بها على المعتدي، فلا يجوز له أن يرجع عليه بشيء، لأنه يعلم أنه لم يكن بيد حربي ولا فداه منه، وأنه مظلوم فيما ودى، وأن هذا ليس عليه شيء من ذلك، فإن رجع الشاهدان عن شهادتهما، رجع عليها بما ودى. وإن شهدا شاهدان على رجل أنه أمر فلانا أن يشتري له من فلان ثوب بدينار، وأنه اشتراه منه ودفعه إلى المأمور، وهما ينكران ذلك، فقضى القاضي على الرسول بغرم الدينار، فلا يجوز للرسول أن يرجع بذلك المشهود عليه أنه أمره، لأنه يعلم أنه بريء، وأنه لم يأمره بشيء، ولا وجب له عليه شيء، وإن شهدا أن فلانا أمره أن يزوجه بمائة دينار، وأن يضمنها عنه، وأنه زوجه وضمان عنه، فقضى القاضي بالنكاح وبالصداق، وحكم على الرجل بأدائها، أنه بالضمان فوداها، وهو منكر، وقدم الزوج فأنكر ذلك، فلا يجوز/ للغارم بالضمان أن يرجع عليه، فإن رجع الشاهدان رجع عليهما بذلك. وقد جرى في معنى هذا الباب في باب الرجوع عن الشهادات في النسب وغيره من هذا الكتاب. تم الجزء الثاني من الرجوع عن الشهادات والحمد لك كثيرا وصلى الله على سيدنا محمد واله يليه كتاب الدعوى والبينات الأول
النوادر والزيادات علي ما في المدونة من غيرها من الأمهات لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني 310 - 386 هـ تحقيق الأستاذ محمد عبد العزيز الدباغ محافظ خزانة القرويين بفاس
كتاب الدعوى والبينات
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي وسلم علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء الأول من كتاب الدعوى والبينات في القوم يرون سلعة بيد رجل حتي انتزعها منه آخر هل يشهدون أنها ملكة؟ وكيف إن شهدوا بالحوز ولم يشهدوا علي الملك, وأن هذا الولد من جارية فلان أو أن هذا الطعام من زرع فلان؟ قال أبو محمد: والقضاء أن اليد دليل الملك، قال الله سبحانه: (أو ما ملكت أيمانكم) (¬1) فيقضي لصاحب اليد بالملك، إلا أن تأتي البينة بغير ذلك. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون، قال أشهب فيمن أقام بينه في عبد بيد رجل أنه انتزعه منه أو غصبه أو غلبه عليه، أو أنه أرسله في حاجة فاعترضه هذا في طريقه [فأخذه، أو ابن من هذا فأخذه هذا، فالشهادة علي هذا جائزة ويقضي برده إليه كما كان من ملك، أو إيداع، أو رهن] (¬2)، إلا أن يأتي الآخر بحجة تقطع (¬3) وذلك، فأما حجته بأنه في يديه اليوم فليس بشئ، ولو أقام بينه أنه كان في يديه قبل هذا، فلما وجده أخذه فيكون هذا/ أحق به. (¬4) (*) 135/ظ [9/ 5] ¬
قال ولو كان عبدا في يد رجل فادغاه آخر وأقام بينة أنه كان أمس بيده فلا يكون أحق به حتي تقول بينته إنه يملكه. وقيل لسحنون في المجموعة في رجل حضر رجلا اشتري سلعة من سوق المسلمين أيشهد أنها ملكه؟ قال: لا، وليشهد أنه اشتراها، ألا تري لو أقام رجل بينه انها ملكه وأقام هذا بينة أنه اشتراها من وسوق المسلمين لم يزيدوا علي هذا لكان الذي أقام البينة بالملك أولي، وقد يبيعها من لا يملكها. قيل فمتي يشهدون أنها ملكه، قال إذ طالت حيازته إياها وهو يفعل فيها فعل المالك لا منازع له وقد حضروا بدء دخولها في ملكه أولا فليشهدوا بالملك، ولو لم يشهدوا مع طول الحيازة بالملك لم يثبت ملك إلا أن يشهدوا أنه غنمها من دار الحرب وشبهه، فهذا أمر ضيق. قيل فلو شهدوا أنهم رأوه يحوزها الزمن الطويل الذي يشهد مثله علي الملك، ولم يشهدوا علي الملك ولا أنه كان يحوزها بحقه، قال فلا يقضي له بها حتي يقولوا حازها بحقه وملكه. قيل له فقد قال مالك إن شهد واحد أنها ملكه وشهد آخر أنها حيزه إنه يقضي له بها، قال معني قوله حيزه أي ملكه. قال فالشاهد أيشهد بالملك بطول الحيازة وإذا شهد بالحيازة التي بها يشهد بالملك لم يحكم/بها، قال هو كذلك، ولابد أن يكون في شهادتهم أنها لم تخرج من ملكه في عملهم. وقال أشهب في الكتابين: وإذا تداعيا دارا فأقام هذا بينة أنها له، وأقام الآخر بينة أنها في يديه منذ سنين، قال يقضي ببينة المالك. وإن أقام رجل البينة في أمة بيد رجل أنها ولدت عنده ولم يقولوا إنها له فلا يقضي له بها حتي يقولوا إنها له يملكها لا يعلمون لغيره فيها حقا، [وقد يولد في يده ما هو لعيره] (¬1). قال ولو شهدوا أنها بنت أمته فليس كالأول لأنهم قد شهدوا أنها له بقولهم إنها بنت أمته إذا كان في شهادتهم أنها ولدتها وهي في ملكه، وإلا لم يقض له بها لأنها قد يكون [9/ 6] ¬
ولدها قبل يملكها، أن يقولوا إنها بنت أمته [وإن أمته] (¬1) ولدت عنده من أمة له جدة الصبية فإنه يقضي له بها، قال ولو شهدوا أن هذا التمر خرج من نخل فلان وهو يملكه، وأن هذا العبد ولدته أمته هذه وهو يملكها، قال يقضي له بذلك. وقال في دجاجة بيد رجل أقام آخر البينة أن البيضة التي خرجت منها هذه الدجاجة كانت له فلا يقضي له بالدجاجة، ولكن يقضي علي صاحب الدجاجة بيضة مثلها لصاحبها إذا أقر أنه أفرخها، بخلاف الولادة, إذ لو ولدت أمة عند الغاصب كانت وولدها لربها، ولو غصب بيضة خرجت منها دجاجة لم يكن عليه إلا مثلها والدجاجة له، كمن غصب/ حنطة فزرعها، فخرج منها أضعافها فعليه المكيلة وما أخرجت فهو له. قيل أفيطيب له؟ قال لو تصدق بالفضل كان أحب إلي، وما ذلك عليه بالواجب، ولو شهدوا أن هذا التمر جد من نخل فلان لقضي له به وعليه اليمين أنه ما باعه من الذي هو في يده، وإن شهدوا أن هذه الحنطة من زرع فلان حصدت من أرض فلان آخر، فأراد رب الأرض أخذها فليس له ذلك، ولرب الأرض كراؤها، قال ولو شهدوا في ثوب أنه غزل من قطن فلان ونسج فلان (¬2)، قال فالقطن قطن من شهد له بالقطن، والغزل غزل من شهد له بالغزل، والنسج نسج من شهد له بالنسج. قال ابن سحنون عن أبيه قال: هذا مثل قولهم في الحنطة إنها من زرع فلان، وهذا الطحين من قمح فلان، وهذا الطحين من قمح فلان، وهذا التمر جد من نخلة [فلان] (¬3)، قياس ذلك كله واحد. قال أشهب: فإن شهدا عليه (¬4) أنه طحن هذا الدقيق من حنطة فلان، فإن كان الطاحن يشتري (¬5) فلربها أخذ الدقيق، وإن شاء أخذ الثمن من البائع أو مثل [9/ 7] ¬
في الحيازة على الحاضر من الأجنبيين وبماذا تكون الحيازة؟
حنطته، فإن أخذ الدقيق رجع الطاحن علي البائع بالثمن، وإن كان قرضا من سلف رجع بالمثل. قال في كتاب ابن سحنون: وإن أقمت بينة في دابة بيد رجل أنها نتجت عندي ولم يقولوا هي لي، قال فلا يقضي بها حتي يقولوا إنك تملكها ويحلف من هي بيده ما أعلم لك فيها حقا، ولو كان ثوبا فشهدوا أنك نسجته ولم يقولوا لك فليل من هو بيده، فإن قال لي حلف أنه له ولا يعلم لك فيه حقا/ ويقضي لك بقيمة النسج ويحلف ما نسجتة باطلا. وكتب إليه شجرة في بينة شهدت أنهم روا فلانا دخل دار فلان فأخذ منه خمسة من الدواب فأخرجها، فقال يؤمر المدعي عليه برد ما أخذ من الدواب، إلا أن يأتي بمخرج له به حجة. في الحيازة علي الحاضر من الأجنبيين وبماذا تكون الحيازة؟ قال أبو محمد: والدليل علي أن الحيازة الطويلة بعلم من يقوم في ذلك لا يدعيه كالتسليم والاقرار، وإن كثيرا من [عوائد الناس] (¬1) والغالب من أحوالهم جعلت كالاقرار منها أن من دخل بزوجة فأقامت معه دهرا طويلا ثم قامت عليه بالنفقه، وقالت ما أنفق علي أنها لا تصدق وتصير مدعية لخروجها عن الغالب من أمر الناس، وكذلك قلنا لو قالت لم أقبض النقد فقد ادعت ما الغالب إلا تمكنه من نفسها قبل قبضه، فجعلت مدعية لخروجها عن العادة، وقال عمر [ومذهبه يري أنها للثواب] (¬2) فجعل الغالب من الحال مغلبا يقضي به، وكذلك يجري غير شئ في تغليب الأحوال، وكذلك ليس يجري في أحوال الناس، والغالب منها أن من له شئ يري غيره يصنع فيه ما يصنع المالك الدهر الطويل لا يدعيه [9/ 8] ¬
فقد خرج من الغالب من الأمور ومن اجتهد مجدا في ذلك عشر سنين فمن دليله أن الله سبحانه جعلها أبلغ شئ في العذر، إذ أمر نبيه [عليه السلام] بتأخير المشركين/ فلم يأذن لهم فلا الإنتصار بالسيف إلا بعد عشر سنين، فقال سبحانه: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير) (¬1) فهذه أول آية نزلت في الجهاد. قال ابن حبيب: روي ابن المسيب أن النبي صلي الله عليه وسلم قال، << من حاز شيئا علي خصمه عشر سنين فهو أحق به>> (¬2) قال ربيعة: وإذا كان الحائز ينسب ذلك إلي نفسه ويلي منه ما كان يلي صاحبه عشر سنين فهو أحق به إن ادعاه ملكا له إلا أن يأتي الآخر ببينة علي عارية أو إسكان، وبذلك أخذ ابن القاسم وابن وهبه وابن عبد الحكم وأصبغ في توقيت عشر سنين، وقال ابن القاسم إن التسع أو الثمان وما قارب العشرة من العشرة، ولو يؤقت مالك في الحيازة ورأي أن ذلك علي قدر ما ينزل ويجتهد فيه الامام فرب حائز يغتل ويهدم ويبني فلا يمكن أن يدع (¬3) ملكه ويتجافي عن هذا، قال وما اغتل من ذلك أقصر مدة في الحيازة مما يحاز بالسكني والحرث وقال مطرف بالعشرة ومنها قاربها، ورأي بعض ذلك أقوي من بعض، ولا يؤقت ابن الماجشون فيها علي معني ما قال مالك، وذكر عنه ابن حبيب نحوه وقال وكان يري أن من ورث ذلك عن حائزه أقوي من موروثة ولا يري عليه من طول الحيازة مثل ما يراه علي من حاز بنفسه بغير مورث، ويري الوارث أولي إلا أن يأتي الطالب ببينة علي إسكان أو إعمار أو مساقاة/ ونحوه، فيكون أولي، قيل له فإن كان الطالب أو أبوه قد خاصم الموروث ذلك عند حكم فلم ينقطع ذلك حتي مات؟ قال فهذا أوهن لحجة الطالب وأقوي لحجة المطلوب بأنه قد خاصم [9/ 9] ¬
فلم يظفر، [وانقرض] (¬1) الموروث بعد أن خوصم ولم يدرك قبله شيئا، فإذا لم يكن الطالب خاصم الموروث عنه فهو أقوي للطالب لأنه يقول لو أدركت أباه فخاصمته لم يجد مدفعا لحجتي. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن سكن دارا حتي مات، ثم أقام آخر بعد موته بيسير بينة علي أصل الملك، فإن كان الحائز بيني ويهدم ويغرس ويخلع فلا شئ، وإن لم يكن منه غير السكني فلا شئ للحائز، وهي للمدعي، وإنما ذلك بقدر الاجتهاد، قال وأما الثوب يكون بيده الزمان الطويل، والدين يقيم عليه الزمن الطويل فلا يقطع بهذا ملك ربه، بخلاف الأرض والعقار، ورب الدين والدابة أولي بذلك مع يمينه إلا أن يكون من ذلك بيده يلبس ذلك ويعيره ويركبه ويكريه بحضرة المدعي لا ينكره، ومن العتبية (¬2) من سماع يحي بن يحي من ابن القاسم قال له: كم الحيازة في الأجنبي الذي إنما سكن دارا وهو زرع الأرض وشبه ذلك، قال عشر سنين ونحوها يبطل دعوي المدعي في هذا، وأبين من ذلك أن يغرس ويبني. وقال ابن الماجشون في المجموعة وكتاب ابن حبيب فيمن حاز ربعا بحضرة المدعي فإن طالت مسافته أو كان من الغيبة/ بحيث ينتهي إليه العلم وهذا يبني ويهدم ولا ينكر الآخر ولا يدفع فهذا يبطل حقه. ومن المجموعة قال أشهب: كتب مالك إلي ابن غانم فيمن يقيم بينة في دار بيد رجل أنها لجده حتي هلك وتركها ميراثا ولم يخاصم فيها أبوه أو خاصم فلم يتم الخصومة (¬3) حتي هلك، فإذا طالت حيازة هذا الذي في يديه بمحضر الطالب يراه يسكن ويعمر وينسبها إلي نفسه ظاهرا فإنه ينتفع بطول حيازته، وإن لم يكن علي ذلك نظر الإمام فاجتهد. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن أثبت بينة في أرض أنها له، وأثبت الذي هي في يديه أنه يحوزها عشر سنين بمحضر الطالب فأقام الطالب بينة أنه طلبها ونازع [9/ 10] ¬
هذا فيما، قال إن قالوا لم يزل يخاصم ويطالب ليس أن يخاصم يوما ويومين ثم يمسك نفعه ذلك وإلا لم ينفعه. وقال عنه فيمن أقام بينة بالحيازة عشر سنين فأكثر بمحضر المدعي لا يطلب ولا يغير، ولم يقولوا يحوزها بحقه ولا يدري بماذا حازها، فقال توقف بيده هذه الحيازة والشهادة. قال ابن حبيب قال مطرف: ومن حاز من الاجنبيين في الأشياء كلها عشر سنين علي وجه الملك فهو له، إن كانت أرضا فزرع فقط أو غرس، أو دارا فسكنها فقط أو هدمها، أو بناها أو غلة فاغتلها أو لبس الثياب، أو اختدم الرقيق أو اعتق أو وطئ أو ركب الدواب واحتلب الماشية علي/ التمليك لذلك بمحضر المدعي ومثبت أصله ويعمه فذلك كله لحائزه بعد يمينه أنه له ورأي ما قارب العشر سنين في ذلك كالعشرة، وبعض ذلك أقرب من بعض مثل الهدم البين الكثير والبناء الذي لا يشبه الرم (¬1) والزيادة مما لا يفعله إلا المالك فهذا أقوي من السكني وأقصر في مدة الحيازة والمغتل أقوي (¬2) أيضا مما لا يغتل، والعروض والحيوان أقصر مدة من الرباع إلا أن عشر سنين غاية تجمع الرباع (¬3) وقد يكون من هذه الوجوه ما يكون فيه الخمس سنين والست والسبع والثمان يقطع حجة الدعي باجتهاد الامام عند نزوله، وأما ما أحدث فيه حائزة بيعا أو عتقا أو تدبيرا أو كتابة أو صدقة أو إصداق الأمة أو وطأها فذلك يقطع حجة المدعي إذا لم يغيرها عند علمه بها قام بحد ثانه، ولا ينظر فيه إلي عشر سنين. قال اصبغ: إذا كان الحاضر يري حيازة الحائز بسكني الربع أو هدم أو بناء أو زرع الأرض بعشر سنين في ذلك وما قاربها قطع لدعواه، كما الرهن والستر (¬4) كشاهد، واما غير الدور والأرض من ثياب وحيوان أو عبيد فذلك أقصر مدة، وكل [9/ 11] ¬
شئ بقدره، فالثياب السنة والسنتان فيها حيازة إذا لبست، والدابة السنتان والثلاثة إذا ركبها واغتلها علي وجه الملك، والأمة شبه ذلك إلا أن يطأها بعلم القائم فلا ينكر فلا حجة له بعد ذلك، وإن لم يطل ذلك قبل الوطء/ وأما العبيد والعروض ففوق ذلك شيئا إن حازه بالملك وشبهه ولا ينظر في هذا إلي عشر سنين فيما بين الأجنبيين إلا في الدور والأرضين والأصول، قال وسألت مطرفا عن الذمي يدعي الأرض أو المنزل في يد الشامي عندنا بالأندلس وذكرت له ما كان ينزل أهل الشام عليهم هل هم كغيرهم؟ فقال ليسوا كغيرهم ورأي إن عرف أن أصل القرية لأبي الذمي أو لجده أو جد أمه مما صالحوا عليه، وعرف أن هذا الشاهد أو جده أو جد أبيه ينزل عليه أو علي أحد أجداده فعلي الشامي البينة أنه اشتري هذا (¬1) وأبوه ولا ينفعه طول كونها في يديه وطول حيازته ولا بمورثه ذلك عن أبيه وعن جده، وإن لم يعرف أصل القرية للذمي أو ابنه أو جده، ولم يعرف أن الشامي أو أباه أو جده ينزل عليه فالبينة علي الذمي إن حازها الشامي عشر سنين فأكثر وسألت عنه أصبغ وابن الماجشون فوقفا عنه وبالأول أقول. وقال ابن سحنون عن أبيه سئل فيمن أقام بينة أن فتاة له تجري علي فلان منذ سنة لا يدري (¬2) بحق أو بغير حق فلا يغير الذي تجري عليه ولا ينكر هل يلزم الذي جرت عليه إثباتها، قال سنة قليل وقد يتغافل الجار عن مثل هذا، [قال] (¬3) فإن جرت عليه أربع سنين أو خمسة، قال هذه حيازة واستحقاق. وعن دارين بينهما زقاق مسلوك، في أحدهما كوة يري منهما ما في الدار الأخري، فبني جاره قبالته غرفة وفتح/ كوة قبالتها، فقام صاحب القديمة بطلب سدها، فطلب الآخر سد القديمة، والقديمة منذ أربع سنين أو خمسة، قال يحلف صاحب الحديثة ما تركتها إلا علي معني الجوار وتسد الكوتان. [9/ 12] ¬
في الحائز يدعي أنه اشترى أو وهب له أو ورث
قال ابن حبيب: وأخبرني حسين بن عاصم عن ابن القاسم في حيازة الأجنبي علي الأجنبي بالهدم والبناء عشر سنين والسكني أنها حيازة، وأما بالحرث والزرع فلا أراه حيازة. في الحائز يدعي أنه اشتري أو وهب له أو ورث وفي الحائز يعلم أن أصل حيازته بكراء أو إسكان أو شبه ذلك أو يقضي للرجل بالربع ثم يبقي بيد المقضي عليه يحوزه طويلا ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن بيده أرض أو مسكن يحوز فيقيم آخر البينة بملكه، أو يقر له ذلك الحائز ويدعي أنه باعه منه او وهبه له أو تصدق به عليه، ولا يأتي ببينة إلا أنه حائز له، قال قالقول قول من بيده الدار في البيع مع يمينه إذا حازها الزمن الطويل الذي يعلم فيه أن قد هلكت فيه البينة علي البيع، وأما الهبة والصدفة والنزول فليحلف المستحق ما خرجت من ملكة وياخذها بعد أن يدفع قيمته [بناء] (¬2) هذا فيها نقضا، وإن كان الحائز ورثها فالقول قوله مع يمينه، إلا أن يكون المستحق غائبا فيكون أولي بها، إلا أن يقيم هذا بينة بسماع علي شراء، يعني فيما طال زمانه. ومن المجموعة قال/ ابن كنانة: ومن حاز أرضا زمانا ثم أقربها لرجل لم تنفعه الحيازة وثبت عليه إقراره. قال ابن حبيب قال مطرف: فإذا عرف أن أصل ما بيد الحائز الأجنبي أو الصبي (¬3) والمولي إنه إنما أرفق به أو كان عبدا أعتقه سيده، وقد كان ذلك في يديه قبل يعتق ثم ادعاه اليوم لنفسه وشبه ذلك مما يعلم أن أول دخوله فيه بإرقاق [9/ 13] ¬
في الحيازة على الغائب من الأجنبيين أو الصغار والمولى عليهم أو على النساء
مالكه أو بأكثر منه أو وكالة (¬1) عليه، فالحق لصاحب الأصل، وإن طالت الحيازة حتي يقيم هذا بينة علي هبة أو اشتراء، أو يحدث في ذلك بحضرة هذا ما لا يحدثه إلا في مكله ولا ينكر عليه فيكون أحق به، قال وولد الحائز وولد ولده في كل ما ذكرنا مثل آبائهم. وفي كتاب الغضب ما يشبه معني الحيازة وقطع الدعوي للحاضر بالحوادث، وفي آخر الكتاب باب في القاضي يقضي بالشئ فلا يحوزه المقضي له حتي يموت أحدهما أو يطول أحدهما فيه فيسأله من قضي له بربع فلم يحزه بقبضه وبقي بيد المقضي عليه فطالت حيازته إياه بمحضر الطالب، وهو من معاني هذا الباب، وفي الدين يتقادم عشرين سنة (¬2) ولا يقام به، قال ابن الماجشون: يقوم به وإن قدم، وهذه في البيوع في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن. في الحيازة علي الغائب من الأجنبيين أو الصغار والمولي عليهم أو علي النساء من العتبية (¬3) روي عيسي عن ابن القاسم في الغائب عن/ أرضه أو داره يحوزها رجل ثم مات وحازها ورثته، ثم قدم الغائب فأثبت أنها له وإنما دخلها الميت بعد مغيب هذا، وقد كان يقول اشتريت (¬4) أو لم يقل، فالقادم أحق بها بكل حال حتي تقوم بينة علي شراء أو هبة أو صدقة أو سماع صحيح علي الشراء، وكذلك لو كان الغائب علي مسيرة ثمانية أيام فليست تلك بحيازة ولا يحاز علي غائب إلا أن يكون علم بذلك وطال زمانه ولا يخرج [إلي ذلك ويتركه] (¬5) له فلا شئ له، قيل له فإن كان علي أربعة أيام أو نحوها فيحوزها الحاضر عشر سنين أو عشرين [سنة] (¬6) ثم يموت وتورث وهو يبلغه ذلك فلا يطلب ولا يوكل ولا يذكر شيئا، قال [9/ 14] ¬
له القيام ولا يقطع ذلك عنه الأمر القريب وليس كل الناس يقرب ذلك عليهم من ضعيف وغيره، وللناس أعذار، قيل فإن لم يكن به ضعف ولا عذر، قال كم من لا يثبين عذره وهو معذور. وروي عنه يحي فيمن مات وترك ورثه غيابا، وترك منزلا فحازه رجل أربعين سنة ولعله مات وورث عنه وعن وارثه، ثم قدم وارث الأول فاحتج ورثة الحائز بالحيازة قال إن كانوا مثل الأندلس من مصر كلف من هو بيده البينة علي ما يستحقونه به، فإن لم يأتوا ببينة لم ينتفعوا بطول الحيازة، وأما أن كانت الغبية قريبة ومنزلهم يتوارث هكذا بعلمهم ولا يقومون ولا يوكلون حتي طال الزمان وقد/ ورث أو لم يورث فذلك قطع لحقهم كالحاضر إلا لمن يتبين للسلطان عذرهم لضعفهم أو عجزهم، قال ابن حبيب قال مطرف: وإذا حيزت علي رجل أرضه أو داره وهو غائب فإن لم يعلم فهو علي حقه إذا قدم وإن طالت الغيبة قربت غيبته أو بعدت، وهو علي أنه يعلم حتي تقوم البينة بعلمه فتنقطع حجته إن كان قريب الغيبة، ومسيرة الخمسة أيام وشبهما قريب إلا أن يأتي بوجه يعذر بمثله، وقد تكون له معاذر (¬1) ويعذر بها، والسبعة أيام والثمانية طول. في العتبية (¬2) ويعذر بترك القدوم (¬3) وإن علم بما حيز عليه لم يضره ولكن استحب له أن يشهد علي حقه، وإن يشهد لم يضره [ذلك] (¬4)، وذكره عن مالك. قال أصبغ: لا حيازة علي غائب وإن علم في غيبته ما لم يقرب ذلك جدا ويري مثل تسعة أيام ونحوها بعدا ومادونها قربا إلا أن يقيم الحائز بينة بشراء أو يطول الزمان جدا مثل تسعين سنة وثمانين وما قاربها، ويكون مع ذلك سماع مستفيض بأنها ملك للذين هي في أيديهم تداولها (¬5) تداول الملك فيكون بالحيازة علي الحاضر. [9/ 15] ¬
وروي حسين بن عاصم عن ابن القاسم وابن وهب وابن نافع في الغائب علي مثل خمسة أيام وسنة إن علم بما حيز عليه فلم يقدم ولا كل حتي طال الزمن فهو كالحاضر إلا أن يكون له عذر مثل أن يكون في جوار عدو ومن وراء بحر أو ضعيفا أو مخبلا أو إمرأة محجوبة [أو غير/ محجوبة] (¬1) وشبه ذلك، فيكون علي حقه أبدا، ثم رجع ابن القاسم وقال أري الغائب علي مثل ثلاثة أيام أو أربعة معذوراً، فإن لم يظهر عذره ورب معاذير للمرء لا تعرف. قال ابن حبيب والأول أحسن، ومن المجموعة قال ابن كنانة ف يالمولي عليه في حجر ولي وأرضه بيد المولي إن ورثة الولي لا يستحقونها بذلك وهي لليتيم، وفي باب بعد هذا ذكر الحيازة علي الصغير. ومن كتاب ابن سحنون كتب شجرة إلي سحنون في [مسألة] (¬2) المنزل الذي أثبت قوم أنها (¬3) لأبيهم تركها [ميرايا] (¬4) لهم ولزوجته فأتي الحائزون للمنزل ببينة علي حيازتهم المنزل بحقهم منذ خمس عشرة سنة (¬5) لا يدعون ولا ينكرون، وما تري في الحيازة علي النساء يظهرون؟ فكتب إليه: طول هذه الحيازة يقطع دعوي المدعين، وأنا الحيازة علي النساء لا يظهرن فإن كان معهم في قرية واحدة أو قريبة بعضهم من بعض فليس يخلي عليهم مثل هذا لطوله، وإن كان غائبا (¬6) ببلد يعلم أنهم لا يعلمون أو صغارا، فإن كانت بينة الطالبين قد دونت تاريخا (¬7) قبل وقت تاريخ المدعي عليهم وهم عدول فحقوق النساء ثابته وإن لم يؤقتوا وقتا قبل وقت المدعي عليهم فاقض بأعدل البيتين، فإن تكافؤوا فأقررها بيد الذي هي بأيديهم. [9/ 16] ¬
القول فيما حازه بعض الورثة أو بعض الشركاء من بعض
القول فيما حازه بعض الورثة أو بعض الشركاء من بعض/ من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك [في الوارثين] (¬1) يرثان دارا أو حائطا فيموت أحدهما وترك (¬2) [فقامت] زوجته فيدعي الباقي أن ذلك له دون أخيه فلا يقبل ذلك وهي بينهما. ومنه ومن العتبية (¬3) من سماع يحي عن ابن القاسم وابن وهب في الأخوة يرثون الأرض ويحرث كل واحد ناحية إلي ان يموت وبيده أكثر المنزل فأراد من بقي المقسم، واحتج عليهم ولد أخيهم بحيازة أبيهم، وقال الأعمام إنما كان ذلك بيننا علي [طريق] (¬4) المرفق، قال لا حجة لهم بالحيازة إذا أقروا بالأصل أو قامت بينة، وليحلف الأعمام أنهم ما باعوا من أخيهم ولا وهبوه، قال ابن القاسم إلا أن يكون المالك الحائز وهب شيئا من ذلك أو باعه أو فعل فيه ما لا يفعله إلا المالك فيكون أحق بما أحدث فيه مثل هذا بحضرة إخوته وعلمهم. قيل فيها كان يكري منه باسمه ويستغل أيستحق به الكراء؟ فقال مرة نعم، ثم سألته عنه فأمسك عنه ومرضه وكأنه لم يره حوزا يستحق به شيئا، قال عنه يحي في الورثة يرثون منزلا فهلك بعضهم وعن ولد وادعوا أن ما ترك الجد من ذلك لم يقسم وادعي أعماهم أن ما بأيديهم حقهم وأنهم عايشوا إخواتهم وكل واحد مقيم علي ما بيده من المنزل راض به وبيد بعضهم أكثر من بعض وعسي أن بعضهم ليس بيده شئ/ وتعايشوا علي ذلك نحو ثلاثين سنة، ولعلهم تقاسموا ولا يجدون بينة، قال أما ما لم يحدث فيها الحائز منهم غير أن سكن أو زرع فلا حجة له بذلك وليسوا في حوز بعضهم عن بعض من غير إحداث بناء أو هدم وكراء كالأجنبيين، وقد اختلف قوله فيما حاز أحدهم ببناء أو هدم أو غرس أو [9/ 17] ¬
كراء باسمه، فقال مرة هم فيها كالأجنبيين إذا حازها بمثل هذا عشر سنين (¬1) فهو أولي بها، ثم رجع فقال لا يقطع ذلك حق الوارث بمثل هذا وثبت فيما حازه الوارث بالبيع والوطء والتدبير والكتابة بالعطية أن ذلك يقطع حق باقي الورثة بمثل هذا، وقال في الغرس والبناء إلا أن يطول الزمان بعدا، ولم يرا الأربعين سنة طولا بين الزمان جدا، قال وكذلك المرأة مع زوجها تقوم هي أو ولدها من زوج بعده علي ولد الأول وقد حازوا بالزرع والسكني وإن بعد عشرين سنة فلا يقطع ذلك حقها وحق ولدها إلا أن يقتسموا أو يبيعوا بعملها أو بعلم من ورثها بعد موتها، بذلك يقطع حقهم. قيل فإن فعلوا ذلك في بعض الرقيق وإن كان في يسير منهم أخذت حقها فيما أعتقوا أو باعوا لأنها تعذره للسكوت عن اليسير في جنب الكثرة والميراث، وإن أحدثوا ذلك في جل الميراث فإن حقها يبطل / من الجميع. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: ولا حيازة بين الورثة والشركاء فيما يزرع أو يسكن بغير عمارة طال الزمان أو قصر في بعض ذلك أو في كله، حضروا أو غابوا، إلا أن يطول الزمن جدا خمسين سنة أو أكثر، أو يحدث فيما لم يطل بيع أو هبة أو قسم أو إصداق للنساء والباقون حضروا لا يغيرون فلا حق لهم إلا أن يقوموا بحدثان ذلك، وإلا فلا شئ لهم لا في ثمن البيع ولا غيره، قال وما حيز منه بالهدم والبناء والغرس والاحياء فهم فيه كالأجنبيين، هذا إذا مضت عشر سنين وشركاؤه حضور عالمون لا يغيرون فهم أحق به إذا ادعاه ملكا لنفسه [إلا لمن] (¬2) لا يريد أن يظهره واحتج بالحيازة فإن حاز بهذا جميع ذلك فهو له، وإن كان غنما حاز بعضها ولم يحز البعض وكان ما حاز مثل سهمه فهو له بسهمه، فإن ادعي أن ما عمر له دونهم فحقهم ثابت فيما بقي وما عمر فله سهمه إذا ادعي أشراكه أنهم انما تركوه يحدث ذلك ليكون له بسهمه، وإن عمر [9/ 18] ¬
أقل من سهمه أتم له بقية سهمه فيما بقي، وإن كان اكثر من سهمه فهو له كله قدر سهمه بسهمه وما زاد علي سهمه بالحيازة، قال والحيازة بقبض الغلات والثمار، وإن قبض غلة ذلك كله كالحيازة بالسكني في الدور، فإن زعم شركاؤه إنما قبض ذلك له ولهم بتوكيلهم أو التقديم له حلفوا، أو هم علي حقهم من الأصل والغلة الماضية، وإن قالوا تجافينا له عن / ذلك فهم علي أصلهم خاصة، وما حاز بعضهم من العبيد والاماء والدواب والحيوان وجميع العروض يختم فيركب ويحتلب ويمتهن العروض فلا يقطع ذلك حق الباقين ما لم يطل في ذلك دون الطول بينهم في حيازة الدور والأرضين بالسكني والازدراع، وفرق بين حيازة الأجنبي علي الأجنبي ما لم يحدث الحائز عتقا أو تدبيرا أو بيعا أو هبة أو إصداقا، أو يطأ الاماء أو يقطع الثياب والباقون حضور لا يغيرون ولم يقوموا بحدثانه، فإن أحدث ذلك فيها كلها فهي له كلها، فإن كان في بعضها فله ذلك خاصة والباقي بينهم بعد يمين الباقين أنه ما خرج من أيديهم، ولو قاموا عند هذا الاحداث وحلفوا [ما سو نحوه] (¬1) ذلك فلهم قيمة نصيبهم فيما أعتق وفيما وطئ وما باع أو وهب أو تصدق أو أصدق فهو مردود وهم علي حقهم، فإن طال ذلك قبل قيامهم فلا شئ لهم لا في ثمن الجميع ولا غيره، وما طال بحيازته لذلك بالامتهان والاستخدام حتي طال الزمان فذلك لحائزه دون الباقين، والطول فيه فوق العشر سنين بالاجتهاد وأنا في غير الورثة والشركاء فالحيازة فيه أقل من عشر سنين، قال والورثة والشركاء فالحيازة فيه أقل من عشر سنين، قال والورثة والشركاء وآباؤهم بمنزلة أبنائهم لا يستحق شئ بموت من مات، وقال مثله كله أصبغ، وقال أصبغ أيضاً وما حاز بعضهم بهدم أو بناء يشبه الاصطلاح والزيادة كالسكني لا يضر معه طول الزمان / ولا بموت بعضهم إلا في طول الزمان جدا خمسين سنة او ستين سنة فذلك يقطع حق من بقي، وما دون الخمسين زمانا بها فليس يحوز في الشركاء والورثة، وأما البناء والهدم الذي لا يشبه الزيادات فذكر فيه مثل ما تقدم لمطرف. ومن المجموعة قال أشهب: وما حاز الورثة فكان كل واحد يعمل ما بيده من الأرض، وكيف إن مات بعضهم فكان ولده كذلك، فما ترك فاقتسموه ولده [9/ 19] ¬
أو لم يقتسموه، ثم طلب ورثه الجد القسم فهم والأباعد سواء إن طال زمانه فيما يندرس فيه علم المقاسمة، فذلك باق علي حاله. وكان سحنون لا يري الحيازة بينهم إلا في أكثر مما يراه بين الأجنبيين ولم يوقت وقتا. قال أشهب: إلا أن يكون عند من طلب القسم منهم بينة أو سماع أن ذلك منهم علي التجاوز فيكون علي ذلك، إلا أن يكون حوزهم لذلك مثل سنة او سنتين فليقتسموا علي ميراثهم الأول، إلا أن يكون عند الآخرين بينة بقسم وإلا فليؤتنف القسم فمن وقع حقه فيما بني وغرس فهو له ومن وقع بناؤه في حق غيره فليحلف ما بني إلا بمقاسمة ثم أعطاه الآخر قيمة البناء قائما، وإلا أعطاه هذا قيمة أرضه وإن أبي كانا شريكين، إلا أن تقوم بينة أنه إنما حاز بغير مقاسمة أو ينكل عن اليمين أو حلف الآخر فإن الآخر يعطيه قيمة بنائه منقوضا أو يأمره بقلعه لأن هذا يبين العداوة (¬1)، والأول يشبهه كالمشتري، وإن لم تقم بينة ونكل أعطاه قيمته / قائما علي ما ذكرنا. قال ابن كنانة: إذا حاز أحدهم بازدراع فقط لم يستحقها إلا بطول الزمان، ثم يحلف أنه ما حاز إلا بحق أو بموت، فيدعي ورثته وراثة، وأما ما حيز بالبناء ولاغرس وإنشاء العيون وحفر الآبار فهو أحق بما عمل فيه ميتا وحيا مع يمينه. ومن العتبية (¬2) روي يحي بن يحي عن ابن وهب فيمن مات عن أب وبنين فلم يأخذ الأب ميراثه حتي مات فقام ورثة الجد بميراثه واحتج ورثة الابم بسكونه عنه، قال هو لورثة الجد إلا أن تكون لهم بينة بصدقة أو بيع فلا يستحقونه بتقادمه في أيديهم. وبلغني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: <<لا يبطل حق امرئ وإن قدم (¬3) >> [9/ 20] ¬
قال سحنون عن ابن القاسم في الورثة فيهم صغار وكبار وبيد بعضهم بعض القري والمساكن وبيني ويغرس، ويختدم العبيد، ويبيع بعضهم، ويطأ الإماء، قم قال الباقون بعد أعوام، فادعي الحائز أن أباه تصدق عليه واحتج بحيازته، قال فهو أحق بذلك يحوزه بمحضرهم، قال ابن القاسم في آخر المسألة: وما باع أو وطئ فلا شئ للباقي فيه، وأما ما كان ببناء أو غرس أو ستغلال فلا يقطع ذلك حق الباقين. [لأن حوز القرابة في ذلك بخلاف الأجنبيين (¬1)]. وروي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في فرن بيد رجل كان يغتله وأوصي به لرجل في مرضه، ثم صح فأصلح سقيفته وكان قد احترق وكان يغتله، ثم مات فأقام إخوته بينة أنه لوالدهم / وكل ما فعل فبمحضرهم وعلمهم وهو حائز (¬2) الأمور، قال إن حازه هكذا نحو عشرين سنين (¬3) أو أكثر منها فهو له ولورثته من بعده إلا أن يكون إخوته صغارا أو تحت يديه أو غيابا غبية طويلة أو بعيدة فيكونون علي حقهم. وقال أشهب: الفرن للموصي له به، يريد إذا وجب للموصي له بحيازته. ومن المجموعة قال ابن كنانة في أخوين ورثا أرضا ثم مات أحدهما فترك ولداً فعمر أخوه الأرض زماناً طويلاً، ثم قام ولد الأخ بنصيب أبيهم فادعاها عمه، فأثبت ولد الأخ أن الأرض للجد وهم صغار حين مات أبوهم أو له معذر من غيبة أو علة فلهم أخذ ميراث أبيهم، وإن كانوا كباراً حضوراً وطال معايشة (¬4) أبيهم لعمهم وهي بيده نظر الإمام فذ ذلك بجتهاده، وقال في شركاء اقتسموا أرضاً فميز حق كل واحد، ثم غاب عليها عبيدهم فدخل بعضهم علي بعض فمكثت سنينا كذلك وكيف إن مات بعضهم ثم ادعي من بيده فضل منها أن ذلك له بحيازته وأراد الباقون الاعتدال في قسمها، فقال أما ما كانوا أحياء فهم يعتدلون علي [9/ 21] ¬
فيما حازه ذوو القربى والأختان والأصهار والموالي، وما حاز الابن في حياة أبيه
قسمهم الأول ويترادون الزيادة إلا أن يطول الزمان جدا بقدر ما يستحق الأرض من عمرها بطول حيازته، فأما إن توارثها القوم فهي علي ما هي عليه الآن بزيادتها. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ في إخوة ورثوا منزلا فقسموه وغاب بعضهم وعمر بعضهم فقدم الغائب بعد سنين فقالوا اشتهيت الحيازة، وقال الحاضرون سهامنا بأيدينا ولا نعرف / سهامكم قال يحلف الذين عمروا أن ما عمروا سهامهم ولا شئ عليهم، إلا أن يقيم الآخرون بينة علي اشتباه سهامهم أو انتقاضها فتعاد القسمة. قيل فإن كان حظ رجل من تلك الأرض بيد أخيه عشرين سنة أو نحوها فمات وطلبه بنوه أو طلب ذلك هو والمنزل يعرف بوالدهم، قال إن ادعي شراء أو صدقة فذلك له أقام بينة أو لم يقم لأم في عشرين سنة ما يبيد الشهود، ولو مت الذي الحظ في يده فقال ورثته لا ندري بماذا كان في يد صاحبنا فلا شئ عليهم إلا أن يأتي الآخرون بما يتبين به حقهم فيه. قال ابن حبيب قال لي عيسي بن دينار عن ابن القاسم: الحيازة بالحرث والسكني مثل الهدم والبنيان علي الورثة وغيرهم، وخالفه عيسي وقال بما ذكرنا من الزيادات (¬1). فيما حازه ذوو القربي والأختان والأصهار والموالي وما حاز الإبن في حياة أبيه والصهر والمولي من المجموعة والعتبية (¬2) قال ابن القاسم عن مالك في الذي تكون بيده الأرض زمانا يزرعها في في حياة أبيه ثم يملك أبوه فيقول قد حزتها فهي لي، قلت [ليس] (¬3) ذلك له إلا ببينة. وكذلك لو قال ذلك في حياة أبيه وقد يكون الرجل يدبر أمره ابنه قيل فلو كان أجنبياً، قال هو أقوي أن يقول اشتريت ومات [9/ 22] ¬
شهودي، فيكون ذلك للأجنبي فوقف وكان يراه فوتا، / وقاله ابن القاسم في العتبية (¬1). قال ابن حبيب: بلغني عن محمد بن إبراهيم بن دينار أنه قال ما حاز الابن من أرض أبيه في حياته بالغرس والبناء والإحياء ولم ينقله الأدب منه حتي مات أو طال الزمان فهو للابن بحيازته إياه إذا ادعاه ملكا لنفسه، قال وإن كان أبوه ينقله من موضع إلي موضع ويعمل في كل موضع فلا شئ له بحيازته، وإن مات أبوه علي ذلك. وقاله مطرف، وروي أصبغ عن ابن القاسم أن ليس بين الولد ووالده في مثل ذلك حوز وإن طالت عمارته لأنه كالحوز لآبائهم إلا ما نسبوه لأنفسهم بشراء أو هبة أو صدقة أو إصداق إمرأة، وإن بنوا أو غرسوا في موضع واحد، وقاله أصبغ وابن حبيب. وقاله ابن حبيب فيمن عمر منزلا لأبيه حتي مات الأب فقام عليه ورثة أبيه، فقال لم يكن لأبي فيه إلا كذا وكذا وباقية لي، قال إن كانت القرية كلها لأبيه فليس له منها إلا ميراثه إلا أن يقيم بينة أن القرية كانت لأبيه فيها أشراك وزعم أن ما بيده منها صار إليه من غير أبيه فهو مصدق وعلي إخوته البينة. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: إذا حاز ربعا علي أبيه حتي مات، فإن أقام باقي الورثة بينة أنه كان لأبيهم حتي مات عنه كلف الحائز من ولده بينة يستحق بها ذلك، وإلا حلف باقي الورثة أن ذلك لم يخرج من ملك الأب، ثم يكون لهم مورثاً، ولو قرب حوزه بعد موت أبيه لم يوجب / له ذلك حقاً، وإذا علم أصل حيازته في حياة الأب أنه بتوكيل وما أشبهه أو في غيبة الأب ما لم يكلف إخوته بينة وكلفها الحائز علي ما يستحق به ومن (¬2) العتبية قال عيسي قال ابن القاسم في الذي يعمر في أرض أبيه أو مواليه أو أختانة حتي هلك ولا بينة له علي عطية أو هبة، فأما الولد فلا شئ له [9/ 23] ¬
إلا أن يقيم بينة علي عطية أو صدقة أو هبة والمولي والختن كالأجنبي إن عمروا أو غرسوا بمحضر رب الأرض لا يغير ولا ينكر ولا يشهد بعارية ولا بغيرها، فذلك لهم إذا عمروه زماناً طويلاً وبنوه بناء معروفاً بعلم رب الأرض عشر سنين أو تسعاً أو ثماناً، وأما حيازة الإبن علي أبيه فيما ثبت أصله لأبيه من حيوان أو دابة أو رأس فلا ينتفع بتقادم ذلك في يديه إلا أن يأتي ببينة علي صدقة أو هبة. قال ابن حبيب قال مطرف ما عدا الشركاء أو الورثة من جميع القرابات، الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والأخوال، والأصهار، والموالي فهم كالأجنبيين فيما حازوه. وقال أصبغ: الموالي والأصهار فيما ليس فيه مواريث كالأجنبيين إلا، موالي الخدمة المدبرين لماله، يريد مثل الخول والقوام وشبههم من الخاصة فلا يجرون مجري الأجنبيين، وكذلك الموالي والأصهار يكونون خولا أو وكلاء لصاحب الأصل أو مختلطين به جداً، إلا أن يكونوا منقطعين عنه فيكونون / كالأجنبيين ولا حيازة للابن علي أبيه، وإن كان منقطعاً، واختلف قول ابن القاسم في ذلك، مرة قال كقول مطرف وأصبغ، ومرة قال بخلافه. وقال ابن القاسم في المجموعة في حيازة الإخوة أو الموالي بعضهم عن بعض بحفر الآبار والغرس والبناء أنهم كالأجنبيين، إلا الولد مع الأب وولد الأب مع الجد فلا حيازة لهم تنفع إلا بصدقة أو عطية. وقال سحنون: الذي كنا عليه مع علي بن زياد أنه لا حوز للموالي وشبههم، ثم رأيت الروايات تخالفه. ومن (¬1) العتبية روي يحي بن يحي عن ابن القاسم في الموالي والأصهار يساكنون الرجل في دار تعرف له ويحرثون أرضه [فبقوا علي ذلك] (¬2) زماناً (طويلاً) (¬3) ثم يدعوه أو ورثتهم أنهم لا يستحقون شيئا مما سكنوا أو حرثوا بتقادمه [9/ 24] ¬
في أيديهم إلا أن يهدموا أو يبينوا فيكونوا كالأجنبيين، ومنها من رواية عيسي ومن المجموعة قال ابن القاسم في الأختان والموالي يساكنون الرجل في داره أو قريته المعروفة له أو يسكنهم ذلك فأقاموا بذلك زمانا ثم ادعوه أو ورثتهم والرجل أو ورثته يدفعونهم فإن كانوا ببلد يعرف منهم التوسع للموالي والأصهار قد جروا عليه فأهل الأصل أحق به إلا أن يأتي آخرون ببينة توجيه لهم أو سماع علي بيع، وإن كانوا ببلاد لا يعرف أن يجوز أحدهم علي أحدهم إلا بشراء أو عطية فالحائزون أولي في عشر سنين وما قاربها، إلا أن تقوم لأهل الأصل بينة بإسكان أو إعمار أو عارية، / وروي يحي مثله عن ابن القاسم وابن وهب إلا أن ابن وهب لم يذكر، إن كان قوم يعرف منهم التوسع [وروي عن ابن القاسم إلا ما حيز علي غائب في الذين لا يعرفون منهم التوسع] (¬1) فإنه أولي بحقه وإن تقادم، إلا أن يأتي الحائز ببينة علي أصل (شراء) (¬2) أو سماع بذلك (¬3) فاش، قال ولم يكن مالك يري الأقارب كالأجنبيين في الحيازة وإن قدمت [قال يحي بن يحي] (¬4)، يعني أهل الميراث. ومن (¬5) العتبية قال سحنون في الصهر [زوج الأخت] (¬6) أو العمة يعمر قريتي الحضري قال هو كالقريب في الحيازة لا يستحقها بعمارة عشر سنين بخلاف الأجنبي، وقد اختلف فيها أصحابنا، وهذا أحسن، وكذلك الموالي من فوق وأسفل كالقرابة أيضا في ذلك، قال يحي قال ابن القاسم: ومن أصدق عن ابنه منزلاً فلما بني الإبن بزوجته أخذت المنزل إلا حقولا يسيرة تركتها بيد حميها (¬7) حتي مات بعد طول زمان، ثم قامت فيها فمنعها ورثته واحتجوا بحيازته فلا يضرها طول بقاء ذلك أو جميع المنزل بيد الحم (¬8) وهي أولي بذلك، قال ابن حبيب عن [9/ 25] ¬
حسين ابن عاصم عن ابن وهب وأشهب أن الورثة والأصهار والموالي كالأجنبيين فيما تجاوزا فيه إذا حازوه عشر سنين. ومن المجموعة قال أشهب فيمن أعتق عبيداً ثم سكنوا دوراًُُ له وبنوا مساكن في أرضه فيقيمون كذلك زماناً، ثم يريد إخراجهم فيدعونها بحيازتهم عشر سنين أو عشرين، أو طلب ذلك ورثته من بعد موته بخمس سنين، أو مات الموالي وبقي أبناؤهم / قال الموالي في هذا كالأجنبيين سواء. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم في العبد يبني بنيانا في أرض سيده ويسمي باسم العبد، ثم يعتقه السيد عند الموت، فيقول العبد هذه الدار لي وبي عرفت، قال فالأرض لورثة الميت والنقض للعبد، قال عنه أصبغ فيمن له عبد بيده منزل فيه بناء وغرس (¬2) معروف أنه لسيده فأعتقه وفي يده المنزل والأرض، ثم أقام بعد عتقه عشرين سنة يبني ويهدم ويزرع حتي مات السيد فقام ورثته علي الموالي واحتجوا بحوزتهم، قال لا ينفعون بحوزهم، وليس الموالي والوالد كالأجنبيين شأنهم أضعف. ومنها ومن المجموعة فيمن وقع له ولابنته ميراث في دار فتزوجت الابنة ودخل بها زوجها ثم باع عليها الأب والزوج وقالا وكلتنا، وأقامت الدار في يد المشتري أربع عشرة سنة يبني ويهدم، وهي مقيمة بالبلد وقالت ما علمت ولا وكلت، وكانا يذكران أنها بكر، فقال مالك إن باع عليها وهي بولي (¬3) جاز ذلك عليها وإن لم تكن بولي (¬4) ولا قامت بينة بوكالتها لهما حلفت دون البيع. [9/ 26] ¬
في الحيازة في عامر الأرض وبورها والطرق
في الحيازة في عامر الأرض وبورها والطرق من العتبية (¬1) روي يحي عن ابن القاسم فيمن سكن قرية ليس له فيها (¬2) إلا مسكنه أو شيئاً اشتراه بعينه ليس من أهل الميراث ولا ممن اشتري منهم فعمر من عامرها / أرضا يحرثها ويذللها أو يزرعها زماناً وأهل القرية حضور لا يغيرون، ثم يريدون إخراجه، قال ذلك لهم إلا أن تقوم له بينة علي شراء أو هبة أو يطول زمانه جداً، قيل أتراه كالأجنبي في الحيازة أم بحال الوارث أو المولي، قال ينظر فيه السلطان علي قدر ما يعذر به أصحاب الأرض في سكوتهم لما يعلم من افتراق سهامهم قولة حق أحدهم لأنه يقول منعني من الكلام قلة حقي فلما خفت أن يستحق علي قمت فهو اعذر ممن يستحق عليه خاصة ما له ولا أبلغ به حد الورثة ولا الموالي والأصهار إلا أن يكون ذلك للرجل والرجلين والنفر القليل، ولا يعذرون لسكوتهم عنه، ويحملون محمل من حيز عليه من داره شئ، وهم في عمارة بعضهم أعذر في عمارة أجنبيين وأوجب حقاً وإن طالب الزمان جداً. وروي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في القوم في منزل له بور وشعراء فاحترق أحدهم في بورها حرقاً، فزرع فيه، فأقام بيده عشر سنين أو عشرين، ثم قام عليه باقيهم ليردوه مرعي (¬3) لعامتهم، واحتج هذا بطول حيازته بالعمارة أو كان قد مات وورثت عنه أو قامت بذلك كله بينة وأقر هو بذلك أعطوه قيمته صحيحاً إن كان اعتماله بعملهم إن كانوا كباراً، وإن كانوا صغاراً ليس لمثلهم إذن فقيمته منقوضاً، وإن لم يعرف البور بالبينة وهو ينكر وذلك بيده يعمره السنين التي في مثلها الحيازة / فلا حق لهم فيها. ومن كتاب ابن سحنون وكتب إليه شجرة أن أهل مرابط قريش أقاموا بينة علي خصائمهم بني ليث أنهم يعرفون مرسي قريش يرابط فيه من ولاية العكي إلي الآن، وأن دواب المرابطين ترعي في الفحص الذي دون الوادي الجاري من جبل [9/ 27] ¬
في المتنازعين في دار يدعي كل واحد أنها في يديه ويقيم البينة
قريش إلي الغربي، ومنهم من لم يدرك ولاية العكي [فهل يدفع بهذا ما استحق بنو ليث وشركاؤهم ببينتهم التي شهدت أن الحق حقهم] (¬1) والمنزل وأرضه بحدوده لهم, فكتب إليه أما الشهادة علي المدعي فضعيف، ورأي شهودهم شهدوا علي جميع الجون والمسجد في الجون منذ دهر وهم حضور، فأري الرباط قد جاز المسجد، وذلك يثبت الحق لمن حازه، إلا أن يقيم المدعي بينة بما يدفع به ذلك، وأما من لم يدرك ولاية العكي من [فهل يدفع بهذا ما استحق بنو ليث وشركاؤهم ببينتهم التي شهدت أن الحق حقهم] (¬2) والمنزل وأرضه بحدوده لهم، فكتب إليه أما الشهادة علي المدعي فضعيف، وأري شهودهم شهدوا علي جميع الجون والمسجد في الجون منذ دهر وهم حضور، فأري الرباط قد جاز المسجد، وذلك يثبت الحق لمن جازه، إلا أن يقيم المدعي بينة بما يدفع به ذلك، وأما من لم يدرك العكي من البينة فلا تجوز شهادته إلا أن ينقل عن غيره. وسئل عن رجل يدخل من زقاق للمسلمين نافذ شيئاً في داره فلا يرفع ذلك الجيران إلي الحاكم إلا بعد عشرين سنة، قال يهدم ويرد إلي الزقاق إن صحت البينة ولا تملك الأزقة ولا تحاز. وسئل عما يحدث في طرق المسلمين من الكنف والحمامات فلا يرفع إلي الحاكم إلا بعد عشر سنين واثنتي عشرة، قال لا تحاز طرق المسلمين بخلاف الأملاك بين الناس إلا أن يأتي من ذلك أمر قديم مثل سنتين أو سنة أو نحوها [فيترك ذلك لأنه لا يعلم بأي وجه / وضع ذلك، وأما عشر سنين ونحوها] (¬3) فلا، وعن رجل تحامل علي مقبرة المسلمين فحرثها وحازها، وقامت بذلك بينة وهو غائب، ثم قدم، قال تعاد عليه البينة وتقر كما كانت. في المتناوعين في دار يدعي كل واحد أنها في يديه ويقيم البينة من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: ومن ادعي في دار أنها بيده وادعي آخر أنها في يديه فلا يصدق هذا ولا هذا، وليأتيا بالبينة، فإن لم يقيما بينة قيل لهما من كانت في يديه فهي في يديه، وإن أقام أحدهما البينة أنها له أو في يديه قضي له بذلك، وإن أقاما البينة بمثل ذلك قضيت بأعدلهما وإن تكافأتا، [9/ 28] ¬
في المتداعيين في شيء في أيديهما أو في يد أحدهما أو في يد غيرهما، وأقاما البينة
فإن لم يكن في شهادة كل بينة أنها ليست في يد الآخر جعلت في يد كل واحد نصفها، وقال في موضع آخر: وإن كانت شهادتهما علي أنهما فيها. قضيت بها بينهما نصفين في أديهما، وإن كانت شهادة كل بينة أنها بيد هذا دون الآخر وتكافأتا بطلت شهادتاهما وبقيت علي ما هي عليه. وإن كانت واحدة أعدل قضيت بالأعدل، وإن أقام واحد بينة أنها له وبينة الآخر أنها في يديه قضيت ببينة الذين قالوا إنها له، وإن يقيما بينة فلا أري أن يستحلف أحد منهما للآخر أنها ليس في يديه إلا أن يكونا جميعاً في الدار، أو قد أقام كل واحد منهما بينة أنها في يديه فيليها لا نعلم أحداً يليها غيره فعلي كل واحد اليمين أنها في يديه دون الآخر، فإن حلفا / أو نكلا لم أجعلها بيد أحد منهما وبقيت بحالها، وإن نكل أحدهما جعلتها في يد الحالف، قال وإن وجدها القاضي بيد أحدهما فلا ينزعها من يديه، ونحو ذلك ذكر (¬1) ابن حبيب عن مطرف. وإذا شهدت بينة لهذا في أمة أنهم يعلمون أنها له، وبينة الآخر أنها في حيازته وخدمته، فبينة الذين علموا الملك أولي. في المتداعبين في شئ في أيديهما، أو في يد أحدهما أو في يد غيرهما، وأقاما البينة من كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدين في دار أنها له، وأقام آخر شاهدين أنها له قضي بأعدلهما، فإن تكافآ قضيت لمن هي بيده، كان أحدهما أو غيرهما، قاله مالك وابن القاسم وهو الصواب وخلاف قول من قال إن كانت بيد أحدهما فالبينة بينة المدعي لأن البينة عليه، وهذا قول عراقي، وهذا القول الذي أنكر محمد يذكر لعبد الملك. وقال محمد بن عبد الحكم: ومن أقام بينة في شئ أنه يملكه وأقام آخر بينة أنه يملكه، فإن ورخت (¬2) البيتان قضيت لأبعدها تاريخاً وإن لم تؤرخا قضيت [9/ 29] ¬
بأعدل البيتين ولا أنظر إلي العدد، فإن تكافأتا بقي لمن هي بيده مع يمينه، وإن كان ذلك ليس بيد واحد منهما لم يحكم فيه الحاكم بشئ، وقد قبل بقسمة الحاكم بينهما إن لم يكن بيد واحد منهما، قال أبو محمد: يريد وليس بيد أحد يدعيه غيرهما. / من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا كانت بيد رجل فادعاها آخر وأقام بينة أن أباه مات وتركها ميراثاً منذ سنة لا يعلمون له وارثاً غيره، وشهدت بينة الذي هي بيده بمثل ذلك فليقبض بها لأعدلهما فإن تكافآ بقيت للذي هي بيده وليس بقضاء، ولو شهدت بينة لحائزها علي أقل من سنة [أو لم يوقتوا] (¬1) وقتا قضيت له بها أيضا. قال ابن عبدوس، وقال سحنون فيمن ادعي عبدا بيد رجل أن أباه مات وتركه ميراثاً له، وأقام بذلك بينة وأنهم لا يعلمون له وارثاً غيره، وادعي آخر أنه له وأقام بينة أن هذا موضع تهاتر، قال ابن عبدوس يعني وتترك لمن هو في يديه. قال ابن الماجشون: إذا شهد رجلان علي أمة في يدي أنها أمة فلان وهو يدعيها وأنه أعتقها أو دبرها أو كاتبها أو أعتقها إلي رجل، وأقمت أنا البينة أنها لي، فإن تكافأت البينتان كانت للحائز من كان منهما. قال أشهب في عبد بيد رجل فأقام بينة أنه له، وأقام حائزه بينة أنه له وقد أعتقه فإني أقضي به لأعدلهما، فإن تكافأتا قضيت به لأولهما توقيتا ليس كلما قال ا [وحنيفة إنه يقضي به للمدبر. قال أشهب: وإن لم يؤقتا أجزت العتق لأني لا أري رده حتي يقيم الذي هو في يديه بينة أنها أمته أولدها / هذا الولد كنت أرقها؟ ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: سمعت بعض أصحابنا من الحجاز يقول في الرجلين يدعيان الشئ يكون بيد أحدهما فيقول الذي هو بيده أنه [9/ 30] ¬
لرجل آخر ويبرأ به إليه مثل الدار فيقيضها المقر له ثم يقيم بينة ويقيم مدعيها ببينة أن الذي هي في يديه لا يكون أولي بها لأنها إنما صارت في يديه بدعوي المدعي، وإنما يكون أولي بالشئ الذي تسبق حيازته دعوي المدعي. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: قلت فإذا اختصم رجلان في عبد كلاهما أنه عبده وهو في أيديهما، فإن كان العبد لا يتكلم كلفا البينة، فإن قامت لأحدهما بينة قضيت له ربه ولم أنظر إلي قول العبد، وإن أقاما جميعاً بينة وأحدهما أعدل قضيت به لأعدلهما ولم أنظر إلي قول العبد إني لغيره، فإن تكافأت البينتان أبطلتهما وجعلت العبد لمن أقر العبد أنه له، ومتي جاء صاحبه بأعدل قضيت له به، وإن لم يقيما بينة جعلته لم أقر له العبد بعد أيمانهما أو نكولهما [وأيهما نكل وحلف الآخر قضيت به للحلف ولم أنظر إلي إقرار العبد، وزعم] (¬1) النعمان أنه يكون بينهما إن لم يقيما بينة، وهذا غلط، أرأيت لو تعلق هو بهما وقال انتما عبداي أيقبل قولهما دون أن يقبل قوله؟ وإذا تداعيا أرضا أو يدعيها كل واحد منهما ويقول إنها في يديه والدار بيد غيرهما فأقر أنه أكراها من أحدهما أو استعارها، قال فهي للذي أقر له الذي هي في يديه، إلا أن يقيم الآخر بينة فيكون [/ أحق بها، إلا يقيم الآخر بينة فتكون] (¬2) لأعدل البينتين، فإن تكافأتا كانت للمقر له بعد [يمينه أنها له ما لأحد فيها حق نعلمه، فإن لم يأتيا ببينة فهي للمقر له بغير] (¬3) يمين علي واحد منهما، ولا يمين علي المقر إذ لو رجع عن إقراره لم يصدق وإن كان شاهدا فلا يحلف الشاهد، وقال أشهب فيه وفي المجموعة في دار بيد رجل فادعي رجل أنها له وأنه أكراها منه، وادعاها آخر وقال ودعته إياها، وأقام كل واحد بينة علي ما ذكر، فإن عرف الذي أكري أو أودع قبل الآخر فالحق حقه إلا أن يكون الآخر منهما يشهد ببينته، أنه عار هذه الدار من زمان حاز به علي الأول بحضرته لا يغير ولا يدفع فيقضي له بسبب الحوز علي صاحبه، وإن لم يعلم أولهما إكراء أو إعارة قسمت بينهما نصفين. [9/ 31] ¬
ومن كتاب ابن سحنون وهو لأشهب، وقال في عبد بيد رجل أقام بينة أنه غصبه منه، وأقام آخر بينة أن حائزه أقر أن هذا أودعه إياه، قال يقضي به لصحاب الغصب دون صاحب الإقرار. وكتب شجرة إلي سحنون فيمن ادعي علي رجل أنه غصب أرضا وشهدت له بينة بغضها، فأقام المدعي عليه بينة أنه اشتراها من هذا المدعي، وأن بينة الغاصب حضروا معهم الشراء وشهدوا عليه، هل يجرحهم هذا، وكيف إن كان مدعي الشراء من الجند ومدعي الغصب من أهل البلد وقد كانت حال الجند في / هذه الفتنة. ما قد بلغك، فكتب إليه سحنون: إن كان شهداء الشراء (¬1) عدولا فخذ بشهادتهم إذا تبين صحة الشراء، وإن كان مدعي الشراء من الجند وهو من أهل العداء والغصب وأنه ممن كان لا يعدل عليه في حالته تلك قبل البينة، فإن علموا أن الطالب أراد البيع من غير ظلم يقر ببيع الرجل علي وجه الحاجة من أهل العداء، فإن لم عندهم من ذلك علم فكلف المعروف [بالعدل فإن كان ما برئت به عندنا حجة شرائه علي ما أعلمتك وإلا فافسخ شراءه بعد يمين مدعي الغصب علي دعوي المعروف] (¬2) بالعداء، وإن كان الجندي ليس بمعروف بالعداء فأجر ببينته علي الشراء. وسأله حبيب عمن حكم عليه بدين فأثبت بينة بغرمه فأقام الطالب بينة أن له دارا هو بها ساكن، وأقامت امرأة الغريم بينة أن الدار لها، قال يقضي بأعدل البيتين فإن تكافأتا بقيت الدار للزوج ويباع في دينه لأن سكناه أغلب من سكني امرأته، وعليه هو ان يسكنها. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في مولي مات فادعي ولاءه رجلان فإن لم يقيما بينة فلا يحلفان ولا يقسمان ماله لأن السلطان يلي الدفع عن هذا المال، والمسلمون وارثوه، وإن أقاما بينة حلفا وقسماه بينهما. [9/ 32] ¬
قال مطرف: فإن أقام أحدهما بعد ذلك بينة أعدل من بينة صاحبه لم يرجع علي صاحبه بشئ لأنه حكم مضي، وقال ابن الماجشون وأصبغ بل يرجع علي صاحبه بما أخذ، وبه أقول. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب وسحنون في / شاة مسلوخة بيد رجل وسقطها ورأسها بيد آخر، فأقام من هي بيده البينة أن الشاة وسقطها له، ورأسها بيد آخر، فأقام من هي بيده البينة أن الشاة وسقطها له، وأقام الآخر بينة بمثل ذلك، قال يقضي بجميع ذلك لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا حلفا فإن حلفا قضيت لكل واحد منهما بما في يديه منهما، وإن نكلا أقررت بما بيد كل واحد منهما بيده وأيهما نكل قضيت [للحالف بما هو في يده وما في يدي] (¬1) صاحبه، وإن أقام كل واحد منهما البينة علي أن الشاة له نتجت عنده وذبحها وسلخها، وأن هذا الجلد والسقط منها فإن ذلك كله له والجواب سواء. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كانت دار بيد رجلين وعبد لأحدهما كان يدعيها، فإن كان العبد تاجراً وعليه دين فهي بينهم أثلاثا، وإن لم يكن تاجرا فهي بين الرجلين لأن العبد في يدي مولاه، وإن كانت في يد عبد وحر فادعاها الحر لنفسه أو لمولاه فالدار بينهما نصفين، ولو أقر لها العبد [للساكن معه فادعاها مولي] (¬2) العبد نفسه أو لبعده تحالفا وإن كان النصف للحر والنصف للعبد أو لمولاه لأن العبد لو أقر بما في يده أنه لفلان وقال السيد هو العبد لو أقر بما في يده أنه لفلان وقال السيد هو لي أو لعبدي لم يقبل إقرار العبد، وإذا كانت في يد حر وعبدين تاجرين أو غير تاجرين فادعاها العبدان لسيدهما والحر لنفسه، أو ادعاها كل واحد منهم لنفسه فإنها تقسم بينهم أثلاثا ولو كان السيد معهم / في الدار وهما غير مأذونين لقسمت بينه وبين المدعي لنفسه نصفين ولم يكن للعبدين يد مع السيد، وكذلك لو كان معه في الدار عيال له أو أضياف أو ينظر إلي عددهم ودعواهم له إن كان الذي أدخلهم في الدار معهم، فإن لم يكن في الدار نظرت إلي عددهم فإن كانوا أربعة أحدهم يدعيها لنفسه والباقون للذي ليس معهم فإنها تقسم علي [9/ 33] ¬
ذكر ما يكون به التكافؤ في البينتين أو تكون إحداهما أعدل أو أكثر عددا
أربعة، الربع للمدعي لنفسه والباقي لمن ادعوها له الباقون، ولو كان معهم في الدار قسمت نصفين وزالت يد المدعين لغيرهم، وأما إن كان الثلاثة يقولون أكراها منا فلان وهي له فلا تبالي كان معهم في الدار أو لم يكن فإنها تقسم علي أربعة لأن الكراء أوجب لهم يدا فصار للذي أسكنهم ثلاثة أربعاها ولو كانوا عيالا أو أضيافا أو عبيدا غير مأذونين بكونه معهم يوجب قسمها نصفين لأن اليد له دونهم، وإن لم يكن معهم كانت أيديهم توجب له زيادة في القسم لحلوهم فيها بسببه. ذكر ما يكون به التكافؤ في البينتين أو تكون إحداهما أعدل أو أكثر عددا من المجموعة قال ابن القاسم: التكافؤ في البينة هو في العدالة لا في العدد. قال هو وابن وهب عن مالك: ولا أنظر إلي كثرة شهداء [أحد الرجلين لكن إلي العدالة وإن كانوا أقل من شهداء الآخر] (¬1). قال ابن القاسم: وإن كان شهداء أحدهما اثنين والبينة الأخري مائة، وهما (¬2) في العدالة سواء، فقد تكافأتا. قال/ ابن حبيب، وروي مطرف وابن الماجشون [عن مالك في المتداعبين في شئ يقيم كل واحد عليه بينة فليقض بالعادلة، وإن كانوا أجمعين عدولا قضي بأعدلهما وإن استوتا في العدالة قضي له لأكثرهم عدداً، فإن كان هؤلاء كثيرا يكتفي بهم فيما يلتمس من الاستظهار، والآخرون أكثر جدا فها هنا لا نراعي الكثرة، فإن استووا في العدالة بقي لمن هو بيده، وإن لم يكن بيد أحدهما فإن راعي الإمام إلا به (¬3) وإلا قسمه بينهما (¬4). قال مطرف وابن الماجشون: وإن جاء أحدهما بشاهدين مبروين والآخر بأربعة أو عشرة من [العدول ملنا إلي الكثرة وقاله مالك وخالفه غيره من] (¬5) علمائنا، فقال إن أقام [9/ 34] ¬
أحدهما شاهدين عدلين وقام الآخر أعدل أو أكثر إنهما جميعا سواء لأن كل بينة أحقت لصاحبها ما أحقت الأخري، فلو أخذ بهذا أحدهما أخطأه. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم في متداعيين تداعيا شيئا أقام كل واحد بينة لا يعرفهم الإمام فيعدل كل بينة معدلون هل يقضي ببينة أعدلهم معدلين؟ قال لا، وإنما ذلك في للشهداء خاصة، وروي مثله ابن حبيب عن ابن الماجشون، وقال مطرف كان مالك يميل في الشهود والمعدلين إلي من هو أرجع بعدالة أو بكثرة عدد، فإذا كان الفريق الواحد من المعدلين إلي من هو أرجع بعدالة أو بكثرة عدد، فإذا كان الفريق الواحد من المعدلين أعرف بوجه التجريح والتعديل وأبين عدالة وفضلا ومعرفة، أو أكثر عددا قضيت بها لمن جاء بأولئك، وفي باب التداعي في الولد والولاء من هذا المعني. [9/ 35] ¬
في البينتين تشهدان في الشيء، كل بينة لرجل فتؤرخ إحداهما
في البينتين تشهدان في الشئ كل بينة لرجل، فتؤرخ إحداهما أو تقول ولد في ملكة أو تؤقتان جميعا ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في عبد بيد / رجل فأقام رجل آخر يدعيه بينة أن أباه مات [وتركه له ميراثا منذ سنة لا يعلمان له وراثاً غيره، وأقام آخر بينة أن أباه مات] (¬1) وتركه ميراثاً منذ سنتين لا يعلمان له وارثا غيره، قال يقضي به لصاحب السنتين إلا أن يكون في شهادة صاحب السنة وأنه أعاره للذي هو بيده صاحب السنتين فيكون لصاحب السنة بحوزه إياه علي صاحب السنتين. ومن كتاب ابن سحنون قيل: فإن أقام أحدهما بينة أن أباه مات وتركه ميراثاً، وأقام آخر بينة أنه له، قال يقضي به بينهما نصفين، إلا أن يكون في شهادة أحدهما توقيت فيقضي له به، ولو أقام أحدهما بينة أنه كان لأبيه حتي مات وتركه ميراثاً لا يعلمون له وارثاً غيره، وأقام آخر بينة أنه اشتراه من أبي هذا المدعي بكذا وكذا ونقده، قال يقضي به للمشتري لأن أبا هذا لو كان حياً قضيت عليه، ولو شهدوا علي صدقة مقبوضة من الميت في صحته أو هبة أو عطية أو عمري، قال فإن شهد شهود ابن الميت أنه لم يزل في يديه حتي مات نظر إلي أعدل الشهود فيقضي بهم، فإن كانوا متكافئين بطلت بينة المتصدق عليه، قال ولو كان إنما أقام الآخر لبينة أن أبا هذا أصدق هذا العبد أم الآخر وأن أمه ماتت وتركته ميراثاً له لا يعلمون لها وارثا غيره، قال يقضي ببينة ابن الزوجة لأن شهوده شهدوا أن الزوج خرج منها حين أصدق كالبيع، إلا أن يكون الزوج / قد حازها بحضرة المرأة حوزا يقطع الدعوي. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في عبد بيد رجل أقام آخر البينة أنه له، قضي له به القاضي، وأقام من هو بيده بينة أنه عبده ولد في ملكه، [9/ 36] ¬
وأقام آخر بينة أن قاضي بلد كذا قضي له به، فإن لم يفسره الشهود أكثر من هذا قضي به لصاحب الولادة إذ لو وجدته بيد أحد هذين المقضي لهما به لقضيت لهذا به، إلا أن يكون في شهادتهما تفسير أن القاضي قضي به لهذا إلا أنه اشتراه من هذا أو من وكيله أو ممن باعه إياه فأقضي له به، وإن شهد للآخر بينة بمثل هذا فسألتهما عن التاريخ فمن ورخت قضيت بقول المؤرخة إلا أن يكون في شهادة التي لم تؤرخ أن القاضي قضي بهذا العبد لهذا فأقضي له به، وإن ورخت شهودهما جميعاً قضيت به لأولهما تاريخا، وإن لم يؤرخا قضيت لهما بعد أيمانهما أو نكولهما ولا يمين علي صاحب الولادة، ومن نكل قضيت عليه للآخر، وقال ابن القاسم في الدابة يدعيها رجلان فيقيم أحدهما بينة أنها نتجت عنده في ملكه، وأقام آخر بينة أنه اشتراها من المقاسم وليست بيد واحد منهما أو هي بيد صاحب النتاج أو صاحب بينة المقاسم أحق بها إلا أن يدفع إليه الثمن الذي اشتراها به ويأخذها. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب في عبد بيد رجل أقام آخر بينة أنه عبده منذ عامين، وأقام حائزه بينة أنه له منذ سنة قال أقضي به لصاحب العامين / إلا أن يكون في شهادة شهداء صاحب السنة أنه يحوزه علي وجه الملك بمحضر هذا وعلمه لا ينكر فأقضي له به، قال ولو أقام رجل بينة أنه له منذ سنة [وأقام الحائز بينة أنه في يديه منذ سنتين، ولم يشهدوا أنه له، قال أراه لمن شهدوا أنه له منذ سنة] (¬1) إلا أن يكون للآخر بينة بالحوز علي الآخر بوجه الملك علي ما ذكرنا. وسئل سحنون في مداعيين لدابة أقام أحدهما بينة أنها له [وبين يديه] (¬2) من خمس عشرة سنة وأقام آخر بينة أنها له وفي يديه، حكم له بها قاض سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتحاكما في سنة سبع وثلاثين، فيكون وقت الحكم بعد وقت الذي لم يذكر ببينته حكماً، فكتب إن شهدت بينة المحكوم له أن الحكم كان علي [9/ 37] ¬
هذا المدعي قضيت للمحكوم له، وإن كان علي غيره قضيت لصاحب الوقت الأول إذا كانوا عدولاً كلهم، وإن كان صاحب الوقت الآخر أعدل. قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلي سحنون في رجلين تنازعا أرضا فادعي كل واحد أنها له وفي يديه، وأقام أحدهما بينة أنها له وفي يديه منذ خمس عشرة سنة وأقام الآخر بينة أنها له وفي يديه حكم بها القاضي سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وأقاما هاتين البيتين سنة سبه وثلاثين، وتاريخ الحكم بعد تاريخ الآخر، فكتب إليه إن كان الحكم علي المدعيين ببينته، وأثبت إن كان حكماً علي غيرهم فلا يضر ويقضي / لأهل التاريخ الأول اعتدلت البينة في العدالة او تفاضلت وكلهم عدول، وسأله حبيب (¬1) عمن حكم له بحمار استحقه ثم يأتي المحكوم عليه بالبائع منه فيقر له فيحكم له عليه، وكذلك في الثالث والرابع، ثم يأتي الرابع بالبائع فيقر له، ويأتي بشاهدين أنه ملك هذا الحمار باشترائه إياه من بائع باعه منه في سنة ثلاثين ومائتين فلم يزل في ملكه حتي باعه من هذا الرابع سنة ثلاث وثلاثين، وقد أقر المحكوم له به (¬2) أنه يملكه قبل خصومته فيه [بسبعة وعشرين شهراً، وكانت خصومته فيه] (¬3) في آخر شهر من سنة أربع وثلاثين، فقال بينة المشهود له بالملك القديم أولي، وذلك سنة ثلاثين، وذلك يوجب صحة ملك هؤلاء المحكوم عليهم، وهذه أحكام تنقض ويرد الحمار إلي من كان في يديه أولا، الذي اعترف أنه في يديه ولا ينظر في هذا إلي أعدل البينتين لكن إلي قدم تاريخه، وإنما ينظر إلي أعدلهما لو كان ذلك في وقت واحد من ذكر المالك، قال وإذا حكم الحاكم بعبد لمن استحقه من يد رجل ثم أحضر المحكوم عليه بائعه فأقام البينة أنه ولد عنده، قال فهو أحق به ويفسخ الحكم الأول، وإن قال بينتي قريبة علي مثل اليوم واليومين (ونحو ذلك) قيل له فقال بينتي بأطرابلس، قال هذا بعيد [ويقضي عليه برد الثمن، ثم إن جاء ببينة حكم له بالعبد وفسخ الحكم الأول [9/ 38] ¬
في الذى يدعي الشيء فيقيم بينة فيحكم له به ثم يدعيه آخر ويقيم بينة
واسترجع الثمن من الذي أخذه، وكان الذي يرد الثمن أحق بالعبد] (¬1) / وهذه المسألة فيها في الأم اختلاط، وهذا للذي صح عندي منه، والله أعلم. في الذي يدعي الشئ فيقيم بينة فيحكم له به ثم يدعيه آخر ويقيم بينة علي مثل ذلك أو كانت لقطة فأخذها من عرفها ثم يقوم غيره من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في شاة بيد رجل أقام آخر بينة أنها لها ولدت في ملكه فقضي له بها، ثم جاء آخر ببينة بمثل ذلك أيعيد الأول بينته؟ قال ليس عليه إعادتهم ولا يرد إلي الأول، ولكن يقضي بها لأعدل هذين بينة، وإن تكافأت بينتاهما لم أردها إلي الأول ويقسم بين هذين بعد يمينيهما، وأيهما نكل قضيت عليه للحالف فإن نكلا قضيت بها للذي أنتزعت من يديه لأن نكولهما كإقرارهما، قيل فلو حلفا في تكافؤ البينة واقتسما ثم أقام أحدهما بعد ذلك بينة غير التي شهدت له أولا بمثل شهادة الأول، قال إن كانت هذه الآخرة أعدل من بينة صاحبه التي طرحتها بالتكافؤ قضيت بجميع الشاة لذا، وإن كانت مثل الأولي أو دونوها أقررت الشاة بينهما. قال أشهب في المجموعة فيمن التقط لقطة فأتي من وصفها فدفعها إليه، ثم جاء آخر فوصف كصفة الأول فهي للأول القابض لها بالصفة، وكذلك لو قال ملتقطها هي لي كان أحق بها، فإن جاء من يدعيها ووصفها فلا تكون له إلا ببينة، وإن كان الأول إنما أخذها ببينة بأمر سلطان أو بغير / أمره قم ادعاها ثان وأقام البينة قضيت بها لأولهما تاريخا، فإن لم يؤرخا قضيت بها لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا بقيت لمن هي بيده بعد يمينه، فما أعلم لذا فيها حقا. وإن نكل حلف صاحبه وأخذها, فإن نكل بقيت لمن بيد من دفعت إليه أولا، وكذلك قال فيما يوجد بيد اللصوص فأقروا أنه مما تلصصوا به علي هذا المعني، قال ولو جاءا جميعا [9/ 39] ¬
في الرجلين يقيم كل واحد منهما بينة على النتاج أو النسج وشبه ذلك
يدعيان ذلك وتكافأت بينتاهما (¬1) كان ذلك بينهما شطرين بعد أيمانهما، وإن كانت إحداهما أعدل قضيت لأعدلهما. قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: ومن أقام بينة علي ميت أنه مولاه أعتقه لا يعلمون له وارثا غيره دفعت إليه ميراثه بغير كفيل فإن جاء آخر بعده ببينة بمثل ذلك نظر في حجته. قال أشهب: ومن حجته أن ينظر من أعتق أولا فيقضي له، وإن كانت بينة الآخر أعدل وهذه عدول، وإن لم يدر من أعتق أولا فالشهادة لأعدلهما، قال عبد الملك: وإن استووا فأطرحهما ويصير مالا ولا شهادة فيه، فمن وجدت المال بيده بغير القضاء بالشهود فدعه حيث هو حتي يستحق وينزع المال من يده، ويوقف حتي يجئ له أمر ويأتي له ببيان. قال عبد الملك فيمن (¬2) أخذ ماله رجل زعم أنه [مولاه، وأتي بعده آخر أقام بينة أنه مولاه، وأقام الأول للذي هو بينة أنه مولاه] (¬3) , قال لا يزال عن موضعه لأنه صار بيده ولا مدع معه إذ لما تكافأت البينتان سقطتا / وإن كان ما جاء به غير قاطع نزع ووقف إلي أن يستحق، وقال ابن القاسم يقسم بينهما نصفين. في الرجلين يقيم كل واحد منهما بينة علي النتاج او النسخ وشبه ذلك من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب فيمن بيده دابة أو عبد أو أمة أو ثوب فيقيم الآخر بينة أن ذلك نتج عنده، أو أن الثوب له أو نسجه، ويقيم من هو بيده بينة بمثل ذلك فإني أقضي بأعدل البيننين، فإن تكافأتا قضيت بذلك لمن هو بيده بعده يمينه ما يعلم للآخر فيها حقا وأنها له نتجت في يديه، فإن كان [9/ 40] ¬
قضيت بها للآخر بعد يمينه، فإن نكل بقي ذلك بيد من هو بيده، قال في كتاب ابن سحنون: إلا أن يكون أقام المدعي وحده بينة أو أقاماها جميعا وكانت بينة الدعي أعدل يكون هذا قد حازها عليه ما ينقطع بمثله الدعوي أو تقوم بذلك بينة. قال في الكتابين: وإن كان ذلك بيد غيرهما قضيت بذلك لمن هو بيده بكل حال بعد يمينه أن ذلك له لا نعلم لهما فيه حقا، فإن نكل حلفا وكان بينهما، وأيهما نكل قضيت بها للحالف، وإن نكلا قضيت للذي هما في يديه، وإن كانت الدابة بيد اثنين أقام كل واحد بينة بالنتاج عنده وأنها له قضيت بها لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا حلفا، فإن حلفا أو نكلا قضيت بها بينهما نصفين، ومن نكل قضيت بها لمن حلف منهما، ومن العتبية / روي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن بيده دابة فاعترفها رجل أنها نتجت عنده وسرقت، وقال من هي بيده ابتعتها من رجل ببلد آخر فوضع القيمة وخرج بها علي بائعه فأعدي عليه بالثمن وذكر الثاني أنه اشتراها ببلد آخر فوضع القيمة وخرج بها علي بائعه فأعدي عليه بالثمن وذكر الثاني أنه اشتراها ببلد آخر فوضع القيمة أيضا وذهب بها إليه، ثم أقام الثالث علي بائعه [فأقام بائعه] (¬1) بينة أنها له نتجت عنده فليقبض بها لأعدلهما بينة، فإن كان شهداء الأول أعدل أو هما في العدالة سواء قضي بها لمستحقها الأول، وإن كانت بينة الآخر أعدل بعد البيع فيها بين كل من تباعيها وردت إلي من استحقت من يديه. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم في دابة ادعاها رجلان وليس هي بيد أحدهما، البينة أنها نتجت عنده، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها من المقاسم، بخلاف من ابتاعها من سوق المسلمين لأن هذه تسرق وتغصب ولا تحاز عن الناتج إلا بأمر يثبت، وأمر المغنم قد استوقن أنها خرجت من يديه بحيازة المشركين، ولو وجدت في يدي من نتجت عنده وأقام هذا بينة أنه اشتراها من المقاسم، قال هما لمن اشتراها من المقاسم بخلاف من ابتاعها من سوق المسلمين لأن هذه تسرق وتغضب ولا تحاز عن الناتج إلا بأمر يثبت، وأمر المغنم قد استوقن أنها خرجت من يديه بحيازة المشركين، ولو وجدت في يدي من نتجت عنده وأقام هذا بينة أنه اشتراها من المغانم أخذها منه أيضا وكان أولي بها، إلا أن يشاء أن [9/ 41] ¬
يدفع إليه الثمن، وأجاز ذلك ابن سحنون، وقال ويكون من أقام البينة بالنتاج أحق بها بالثمن الذي يبعث به في المقاسم. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا كانت دابة بيد رجلين كلاهما / يقيم بينة بالنتاج وأنها له وقد وقتت بينة أحدهما لم انظر في هذا إلي التوقيت إذا كان شيئا يشبه توقيت البينة، لأن الشهادة بالنتاج تقطع الوقت ويقضي بها لأعدلهما بينة، فأن تكافأتا قضيت بها بينهما نصفين يمينهما، وكذلك لو وقتت بينتاهما جميعا نظرت إلي الدابة فإن كان يشبه وقت أحدهما قضيت بها له، يريد وإن كانت الأخري أعدل، وإن كانت مشكلة، أو كان لا يشبه أحد الوقتين قضيت بها لمن حلف منهما، وإن نكلا كانت بينهما نصفين، وكذلك النسج وكل مالا يكون إلا مرة، قيل والخز الذي ينفش ثم ينسخ ثانية فيدعي كل واحد منهما ثوبا هو في أيديهما ويقيم بينة أنه له نسجه، قال إن وقتا وقتا قضي به لآخرهما وقتا إذا كان مجهولا عن الناس الثوب الذي قد نسج غزله مرتين، فما قالوا قضيت به لأنهم شهدوا علي غير ما شهد عليه شهداء الرجلين، فإن قالوا إنه نسج مرتين قضيت به لصاحب الوقت الأول لأن الغزل له وغرم له ذلك الثاني لن شهداءهم لم يشهدوا أن الغزل ليس للأول، إنما قالوا إن الثوب ثوبه نسجه، ولو شهدوا أن الغزل غزله نسجه أبطلت شهادتهما جميعا في الغزل وجعل الثوب لصاحب الوقت الآخر في النسج، وإن كان مما لا ينسج إلا مرة / قضيت به لأعدلهما، فإن تكافأت البينتان (¬1) جعلته بينهما نصفين بعد ايمانهما، ومن نكل منهما قضيت به الآخر، قال وإن كان بيد غيرهما فليقبض به لآخرهما وقتا وإن كان مما ينسج مرتين وحتي سقط أن يقضي به لآخرهما، يريد مما ينسج إلا مرة، قضي به لأعدلهما ببينة، فإن تكافأت أبطلتهما وقضي به لمن هو بيده، وكذلك لو كان بيد رجل أقام آخر عليه بينة أنه نسجه، وأقام من هو بيده بينة بمثل ذلك، [9/ 42] ¬
والثوب مما ينسج مرتين، قضيت له علي ما يقولون، وإن كان مما ينسج مرة فضيت له علي ما يقولون لمن هو بيده في تكافؤ البينة، وإن كان لا يتبين أمرتين نسج أو مرة قضيت به لمن هو بيده بعد أيمانهما، وكذلك المتداعيان في نصل سيف أو حلي أو غزل أو مرعزاء (¬1) أو شعر أو خز فعلي ما فسرنا، قيل فغزل بيد امرأة أقامت أخري بينة أنه لها غزلته من هو بيدها بمثل ذلك بينة، قال يقضي به لأعدلهما بينة، فإن نكلت قضيت به للتي هو بيدها، وكذلك الدار بيد رجل فيقيم آخر بينة أنها له اختطها جده وساق المواريث، وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك فليقض بها لأعدلهما، فإن تكافأتا قضيت بها لمن هي بيده لأن الخطة لا تكون إلا مرة، وكذلك الصوف يقيم من هو بيده بينة أنه صوفه جزه من غنمه وآخر بينة بمثل ذلك علي ما ذكرنا، قيل فالصيد بيد رجل فيقيم آخر بينة / أنه له صاده، ويقيم من هو بيده بينة بمثل ذلك وقتا أو يؤقتا، أو الأرض يقيمان (¬2) بينة بإحيائها وهي غامرة، أو العبد يقيم كل واحد بينة أنه سباه من بلد الحرب وقتا أو يؤقتا. قال أشهب في الكتابين: ولو أن قباء مشحوا بيد رجل أقام آخر البينة أنه قباؤه خاطه وحشاه وقطعه في ملكه، وأقام من هو بيده بينة بمثل ذلك فليقض به لأعدل البينتين، فإن تكافأتا قضي به لمن هو بيده مع يمينه، فإن نكل قضيت به للذي ليس هو بيده بعد يمينه، فإن نكل لم يقض له به، وأقر بيد من هو بيده، وكذلك الجبة المحشوة والفراء والبرود وجميع الثياب وما يقطع من البسط والأنماط والوسائد، وكذلك الشاة المسلوخة يقيم رجل البينة أنها له ضحي بها وسلخها، وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك. وكذلك الثوب المصبوغ يقيم كل واحد منهما بينة أنه له صبغة بهذا العصفر، قيل فاللحم والحيتان المشوي يقيم كل واحد بينة [9/ 43] ¬
أنه له شواه في ملكه، قال إن وجها لشهادتهما وجها واحدا أو وقتا واحدا أو لم يوقتا قضي به لأعدلهما بينة، وإن إحداهما أو وقتتا جميعا وقتا مختلفا قضيت لمن وقتت بينة دون من لم توقت بينته، والذي وقتت بينته الوقت الأول دون من وقت بعده، وكذلك المصحف يقيم كل واحد بينة أنه له كتبه، وهو بيد أحدهما، قيل فالأمة بيد رجل أقام آخر بينة / أنها أمته ولدت عنده من أمة في يديه، وأقام من هي بيده بينة أنها أمته ولدت في ملكه من أمته هذه التي في يديه فليقض بها لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا قضي بها لمن هي بيده مع يمينه، وإن نكل الذي هي في يديه عن اليمين قضيت بها للذي ليست في يديه مع يمينه، وإن نكل الذي هي في يديه عن اليمين قضيت به للذي ليست في يديه مع يمينه، [فإن نكل قضيت بها للذي هي في يديه بلا يمين] (¬1)، ولو لم تسم البينتان أمها أو نسختها إحداهما لم أقض بها للتي سمت إلا كما أقضي للتي لم تسم ومن بيده أمة وابنتها فأقام رجل بينة علي أمها أنها له وأنها ولدت هذه الابنة (¬2) في ملكه، وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك، فإن وجه الشهود شهادتهم وجها من توقيت قضيت بها لأولهما ملكا، وإن لو يؤقتا أو وقتا وقتا واحدا قضيت بها لمن هي بيده، يريد في التكافؤ، وإن وقتت إحداهما دون الأخري قضيت بها للذي وقتت ببينته إلا أن تكون إحداهما أعدل شهودا، وإن لم يؤقتا وقتا وإحداهما أعدل قضي بها لأعدلهما بينة، وكذلك الحيوان كله، قال ولو أن بيده أرضا ذات نخل أقام آخر بينة أنها أرضه ونخله غرسها فيها وأقام من هي بيده بمثل ذلك فليقض بأعدلهما، فإن تكافأتا ولم يوقتا أو وقتا أبطلت شهادتهما في غرس النخل لتكاذبهما، وإن لم يوقتا وقتا أبطلت شهادتهما في الأرض خاصة أيضا، فإن وقتا وقتا يريد مختلفا قضيت بالأرض لأولهما وقتا / إلا أن يكون حاز عليه صاحب الوقت الآخر حيازة تقطع الدعوي فأقضي له بها بالحيازة، وإن وقتت إحدي البينتين قضيت بالأرض لصاحب الوقتين، وإن كانت في يد من لم توقت ببينته قلت لمستحق الأرض إن شئت أن تدفع إلي رب النخل قيمتها الساعة قائمة وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه براحا، فإن أبيا كان شريكين بقدر قيمة الأرض بيضاء من قيمة النخل يوم الحكم، وقال في قطن نابت في أرض [9/ 44] ¬
في المتداعيين في الشىء على تداع مختلف، وكيف إن أقر أحدهما ببعضه لأجنبي
بيد رجل أقام بينة أنها أرضه زرع فيها هذا القطن وأقام من هي بيده بينة بمثل ذلك فإني أقضي بالقطن والأرض لأعدلهما، فإن تكافأتا قضيت بها لمن هي بيده بعد تحلفهما، وإن حلف من ليست بيده ونكل من هي بيده قضي بها للذي حلف قال ابن عبدوس قال سحنون وإنما خالفت مسألة الأمة وأمها مسألة الأمة وأمها مسألة الأرض والغرس في التوقيت لأن الأمة إذا أولدت في ملك رجل فالولد له، وقد يكون غرس رجل وهي بيد رجل لغير رب الأرض، وقد ينبغي في مسألة الأرض والغرس أن ما يري في الغرس أن يبطل في الأرض لأنها شهادة واحدة تهاترا فيها. في المتداعيين في الشئ علي تداع مختلف وكيف إن أقر أحدهما ببعضه لأجنبي من المجموعة قال ابن الماجشون إذا تداعي رجلان في سلعة وهي بيد أحدهما، فقال من ليست بيده لي كلها، وقال/ الذي هي بيده إنما لك معي فيها النصف، فليحلف من هي بيده ماله فيها إلا النصف، ويكن للآخر نصفها، وإن لم يكن بيد أحد منهما وقال واحد لي الجميع، وقال الآخر لي الشطر، قال يتحالفان ويكون لمدعي الكل ثلاثة أرباعها ولمدعي النصف ربعها، لأن مدعي النصف سلم للآخر نصفها ونازعه في النصف فقسم بينهما، وقال ابن حبيب قال عبد العزيز مثل هذا، وقال مالك لمدعي الكل ثلثاها ولمدعي النصف ثلثها لأنهما يقتسمانها علي دعواهما يضرب فيها هذا بسهم وهذا يسهمين، وقال ابن حبيب لأن دعواهما مشاعة في الكل لا في شئ بعينه، ولو كان ذلك لكان كما قال ابن أبس سلمة، ولو كانت دعواهما علي أقل من ذلك أو علي أكثر لكان مثل هذا ولو ادعي هذا الجميع والآخر الثلث كانت بينهما علي أربعة، وقال ابن الماجشون وابن القاسم كقول ابن أبي سلمة، وقال مطرف وابن كنانة والليث وابن وهب وأشهب وأصبغ مثل قول مالك، وبه يقول ابن حبيب عن مالك وابن أبي سلمة مثل ذلك، وكذلك لو اختلفا فيمن أبضع مع رجل دينارا أو أبضع آخر معه دينارين فخلطهما فضاع منها دينار، فقال مالك يقسمان الدينارين الباقين علي الثلث والثلثين، والدينار التالف منهما كذلك، وقال ابن أبي سلمة التالف بينهما نصفين [9/ 45]
ويقسمان الدينار من الباقيين نصفين ويكون الدينار الواحد لصاحب الدينارين، ذكر المسألة التي في المدونة في الذي له مائة دينار ولآخر دينار فذهب / من ذلك دينار واختلافهما فيها. ومن المجموعة قال ابن القاسم في الدار يدعيها ثلاثة، أحدهما يدعي الجميع، وآخر الثلثين، والآخر النصف، وقامت لكل واحد بينة علي دعواه وتكافأتا أو لم تكن بينة أو لمدعي الجميع ثلثاها لأنه لم يدعه آخر والسدس منها بينه وبين مدعي الثلثين نصفين، والنصف بين جميعهم أثلاثا، وقاله أشهب في ثوب يدعي أحدهم جميعه، وثان نصفه، وثالث ثلثه، ورابع ربعه، فالمدعي الكل النصف إذ لا منازع له فيه، ثم يكون سدسه بين مدعي الكل ومدعي النصف نصفين، ونصف السدس بين مدعي الكل ومدعي النصف ومدعي الثلث اثلاثا، ثم الربع بين جميعهم. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، وهو لأشهب، قال في رجلين بيدهما ثوب ادعي أحدهما جميعه، والآخر نصفه فإن كان بأيديهما ليس بيد أحدهما دون الآخر فالذي أقول به إنه بينهما نصفين لتساويهما في الحيازة فيه، وقد قال بعض أصحابنا بذكر مثل قول ابن الماجشون أول الباب، قال أشهب وسحنون: ولو لم يكن بيد واحد منهما فأبي فيه السلطان فلعل أحد يأتي ببينة يستحقه به، فإن طال ذلك فلم يأت من يستحقه قسمه بينهما علي الربع والثلاثة أرباع، قال ولو كانوا ثلاثة ادعي واحد جميعه، وآخر نصفه، وثالث ثلثه والثوب بأيديهم فهو بينهم أثلاثا، أو لم يكن بيد واحد منهم فإنه يقال لمدعي النصف ولمدعي الثلث قد سلمتها / النصف لمدعي الكل فيكون له، كذلك ستة أسهم من التي عثر ثم، يقال لمدعي الثلث قد سلمت السدس وهو سهمان تكون بين مدعي الكل ومدعي النصف نصفين، ثم يبقي الثلث وهو أربعة يدعونه كلهم فيقسم بينهم أثلاثا، فيصير لمدعي الثلث سهم وثلث من اثني عشر ولمدعي النصف سهمان وثلث لمدعي الكل ثمانية وثلث، وهذا نحو جواب ابن القاسم، قال أشهب: وقد قال بعض أصحابنا يقسم بينهم علي حساب عول القراض فيقسم علي أحد عشر سهما، لمدعي الكل ستة، ولمدعي النصف ثلاثة، ولمدعي الثلث اثنان. [9/ 46]
قال ابن سحنون: وكذلك لو ادعاه اثنان، واحد جميعه، وآخر نصفه، قسم بينهم علي تسعة علي هذا القول علي الثلث. قال ابن المواز عن ابن القاسم في شريكين أرادا المفاصلة فتداعيا فقال أحدهما لي ثلثا المال ولك ثلثه، وقال الآخر هو بيننا نصفين، قال يعطي مدعي الثلثين النصف ومدعي النصف الثلث ويقسم السدس الباقي بينهما نصفين، وعلي هذا ثبت ابن القاسم وهو القول. وقال أشهب: يقسم بينهما نصفين إذا حلفا. قبل لابن المواز: وإن ادعي أحدهما الكل والآخر النصف والآخر الثلث، قال يقال لمدعي النصف والثلث سلما السدس لمدعي الكل، وتبقي خمسة أسداس يدعيها صاحب الكل وصاحباه يدعيانه فيعطيانه نصفها، ثم يقتسمان نصفها وهي عشرة قراريط من أربعة وعشرين قيراطا، فيقال لمدعي الثلث أنت لا تدعي قيراطين منها فسلمهما / لمدعي النصف وتقسيم الثمانية بينهما نصفين. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في عبدين بيد رجلين يحوزانهما حوزا واحدا فهما في القضاء بينهما نصفان، فإن ادعي أحدهما جميعهما وادعي الآخر نصفهما حلف مدعي النصف ما يعلم للآخر فيهما إلا النصف وكانا بينهما نصفين، وإن نكل حلف مدعي الكل وكانا له فإن نكل كانا بينهما نصفين ولو كان كل واحد منهما يدعي جميعهما حلفا وكانا بينهما نصفين، وأيهما نكل كانا للحالف ولو كان واحد عبد قد حازة فادعاهما أحدهما وأبقي الآخر بنصفيهما فمدعي الكل له العبد الذي في يديه ونصف العبد الآخر، والنصف الآخر لصاحبه بعد يمينه ما يعلم لصاحبه فيه إلا نصفه، فإن نكل حلف وأخذ العبدين، فإن نكل بقي هذا العبد بينهما نصفين، قال ويحلف مدعي الكل في العبد الذي في يديه، فإن نكل حلف الآخر واستحق نصفه، وكذلك دار بيد رجلين مشاعة أو مقسومة (¬1) علي هذا، فإن كانت بيد رجلين بيد كل واحد منهما منزل وليس فيها إلآ المنزلان، وواحد يدعي جميعهما، والآخر نصفهما [9/ 47] ¬
فليس لمدعي النصف إلا نصف المنزل الذي في يديه وباقيه لمدعي الكل بعد التحالف علي ما ذكرنا في العبدين، وإن كان في الدار سوي ذينك المنزلين اللذين في أديهما، إلا أن تكون الدار بأيديهما وكل واحد في منزل فيكون ما سوي المنزلين / بينهما نصفين. ومن كتاب الاقرار لابن سحنون قال سحنون: وإذا كانت دار في يد رجلين فادعي أحدهما جميعها والآخر نصفها وكانا لا يسكنانها فقد تنازع أصحابنا في ذلك، فقال أشهب لمدعي جميعها / ثلاثة أرباعها ولمدعي نصفها ربعها لأنه قد سلم النصف لصاحبه ونازعه في النصف الآخر فاقتسماه. وقال غيره من أصحابنا: إذا كان حوزهما فيها واحدا وهي بأيديهما قد أغلقا عليها ولم يقفا ظلال في الحوز فهي بينهما نصفين، قال محمد وهذا قول أهل العراق، وقال سحنون. [9/ 48]
قال أشهب وأهل العراق ولو كان في يد أحدهما منها بيت وفي يد الآخر بيت آخر وليس فيها غير البيتين، والساحة في أيديهما يحوزانها، فإن البيت الذي بيد مدعي جميع الدار له وحده، والبيت الذي بيد مدعي النصف بينه وبين مدعي الكل نصفان لأنه قد أقر أن لصاحبه فيما بين يديه نصفه ولم يقر له الآخر مما في يديه بشئ، وتكون الساحة بينهما نصفين، قال سحنون وليست كالدار التي بأيديهما جميعا لأن كل شئ منهما في أيديهما، وهذه بيد كل واحد منهما شئ ليس بيد صاحبه. قال أشهب: وإن كان فيها سوي ذينك البينتين لم يكن لواحد منهما غير البينتين اللذين في أيديهما، إلا أن يكون جميع الدار بأيديهما، وكل واحد منهما في منزل، فيكون منزل مدعي الكل له وحده، ومنزل مدعي النصف بينه وبين الآخر نصفين، وبقية الدار بينهما نصفين لأنهما حازاها حوزا واحدا. قال محمد: وفي قول أشهب هذا رجوع منه إلي قول سحنون وأهل العراق، قال أشهب: وكذلك لو كان عبد في أيديهما جميعا كان بينهما نصفين، فإن ادعي أحدهما أن له فيه أكثر من النصف / لم يكن علي صاحبه إلا يمين أن ماله في نصفه حق يعلمه. وكذلك دار يحوزانها كذلك كلها ويكريانها ويقتسمان كراءها، ثم ادعي أحدهما جميعها وادعي الآخر ما في يديه منها، فلا يدخل عليه في ذلك النصف شريكه، وإنما يكون علي غير هذا الرجلان في يد كل واحد منهما من الدار شطرها، فيدعي أحدهما جميعها، ويدعي الآخر شطر جميع الدار فليحلف مدعي نصفها أنه لا يعلم لصاحبه في يديه حقا غلا ما أقر له به، ثم يرجع عليه الذي ادعي الكل بنصف ما في يديه فيأخذه فيكون له ثلاثة أرباع الدار، نصف منها مقسوم ونصف مشاع بينه وبين مدعي نصفها. ومن المجموعة ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فيمن بيده دار أثبت أخوه البينة أن أباه مات وتركها ميراثا، وأثبت أجنبي بينة أنها له، قال إن أقر من هي بيده أنها كانت لأبيه أقرت الدار في موضعها ولم يكن للأجنبي شئ، وإن [9/ 49]
قال هي (لي) لأحد فيها شئ أقرت بيده وأمر أن يزيدا البينة إن تكافأت ببينتاهما، قال في المجموعة إنما تكافأت البينتان (¬1) في النصف الذي يدعي الأخ الذي ليس في يديه منها شئ، وأما النصف الآخر فإنما شهدت فيه بينة الوارث للذي هي في يديه بميراثه من أبيه، وهو يكذبها فسقطت البينة في ذلك النصف وثبتت فيه بينة الأجنبي، فهو أحق به، ثم قال سحنون بعد ذلك: إذا تكافأت بينة الأجنبي ثلاثة أرباعها وللأخ ربعها، لأن الأخ يقول هذا النصف الذي لي ببينتي ميراث بيني وبين أخي وأخوه يجحد أن يكون له فيها ميراث فرجع نصف للأجنبي، وهذا بعد الاستيناء بالدار، وقال أشهب في دار بين ثلاثة قال أحدهم لي ثلثها ولصاحبي ثلثاها ولا شئ للآخر، فالدار بينهم أثلاثا، ولو أٌر أحدهما لأجنبي بنصفها ونصفها لي ولا شئ لصاحبي، وقال الآخر ثلثاها لي ولأجنبي ثلثها، فمن زعم أن للأجنبي نصفها دفع إليه نصف ما في يديه، ومن قال للأجنبي ثلثها أعطاه ثلث ما في يديه، ومن قال ثلثاها أعطاه ثلثي ما في يديه. قال سحنون في ثوب أو دار بيد رجلين فقال أحدهما نصفها لي ونصفها لفلان، وقال الآخر نصفها لي ونصفها لذلك الفلان، أن الدار يصير ثلثها للأجنبي ولكل واحد من هذين ثلثها لأن كل واحد منهما يقر أن الأجنبي حل محله فيها، هذا جوابه في المجموعة وقال في كتاب ابنه وهو لأشهب يبقي ذلك بينهما نصفين ولا شئ للأجنبي لأن كل واحد إنما أقر فيما في يد صاحبه، إلا أن يكونا عدلين فيحلف زيد مع شهادة / كل واحد يمينا ويأخذ الثوب، وفي كتاب الاقرار باب فيه مما في هذا الباب. [9/ 50] ¬
في المتداعيين في شىء بيد كل واحد منهما طائفة منه أو حائط بين داريهما
في المتداعبين في شئ بيد كل واحد منهما طائفة منه أو حائط بين داريهما يدعيه كل واحد منهما وفي الحائط عليه رف وقمط إلي دار رجل من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب في دار سلفها بيد رجل وعلوها بيد آخر، وطريقه في ساحة السفلي فادعي كل واحد أن الدار له، قال الدار كلها لصاحب السفلي إلا الفلق وطريقه فهو لصاحب العلو بعد أيمانهما أو نكولهما، وأيهما نكل قضيت به للحالف ولو أقاما جميعاً بينة قضي بأعدلهما بينة، فإن تكافأتا بقي بيد كل واحد ما في يديه. فإن قبل قد قال النبي عليه السلام:<< البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه (¬1) >> فليس معني هذا أنه لا يقبل للمدعي عليه بينة ولا يقبل للمدعي يمين، وإنما هذا إعلام منه عليه السلام بما يلزم كل واحد منهما، ولم يقل ليس لهذا بينة ولا لذا يمين، ومن بيده شاة مسلوخة وبيد الآخر جلدها وسواقطها فأقام كلاهما بينة أنها له جميعها فليقض لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا بقي ما بيد كل واحد بيده بعد أيمانهما أو نكولهما، ومن نكل قضيت بها للحالف وكذلك لو أقام كل منهما بينة أنها له نتجت في ملكه وأنه ذبحها / وسلخها قال أشهب: وإذا تداعي رجلان في حائط وهو متصل ببناء أحدهما وللآخر عليه جذوع قضيت به لمن اتصل بداره وقضيت لصاحب الجذوع بموضع جذوعه. وإن انكسرت فله أن يجعل مكانها للأخري. قيل فإن كان عليه لأحدهما عشر خشبات وللآخر عليه خمس خشبات قال أقضي بالجدار لمن عليه عقوده أو ربطه، وللآخر بموضع جذوعه، وإن لم يكن ذلك إلي واحد منهما قضيت بالجوار بينهما نصفين لا علي عدد الخشب وأبقيت خشبها بحاله، وإن إنكسرت رد كل واحد منهما مثل ما كان له فيه، ولا أجعل لكل واحد منهما ما تحت خشبه منه. [9/ 51] ¬
وقال ابن سحنون عن أبيه إنه إذا تداعيا الحائط [وعهده يلي أحدهما قال يا (¬1) الحائط و] إن كان للآخر عليه خشب بقيت بحالها، وإن كان حائط فوق حائط الأسفل عقده إلي أحدهما والأعلي عقده إلي الآخر قضيت بالأسفل لمن إليه عقده وبالأعلي لمن إليه عقده، وإن كان حائط بيم رجلين وعليه لواحد خشب وللآخر عليه خشب يجتهد فأراد صاحب السقف الأسفل دفع خشبه إلي حد خشب صاحبه، قال فليس للآخر منعه، قال ولو قال أعلاهما سقفاً للآخر ليس لك شئ فيما فوق خشبك منه، قال القول قوله، قال ولو كان عقده إلي أحدهما من ثلاثة مواضع ومن ناحية الآخر من موضع واحد قال يقسم بينهما علي عدد العقد قال وإن لم يكن معقوداً إلي / أحدهما وكلاهما يدعيه ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء أو منقوبة، قال إن كانت بعقد البناء فذلك يوجب له ملك الحائط، وقد كان قال قبل ذلك إن ذلك لا يوجب له ملك الحائط. قيل له لم ذلك وقد قلت في كوة في حائط معقودة بعقد البناء أو منقوبة، قال إن كانت بعقد البناء فذلك يوجب له ملك الحائط، وقد كان قال قبل ذلك إن ذلك لا يوجب له ملك الحائط. قيل له لم ذلك وقد قلت في كوة في حائط معقودة بعقد البناء، والحائط الذي فيه الكوة غير معقود إلي حائط آخر، إن عقد الكوة بعقد البناء يوجب له الملك، قال نعم، وعقد الخشب مثله يوجب له الملك بذلك. وأما المنقوبة ففيها نظر فدعني حتي أنظر، يريد بالكوة كوة لرفع الأشياء فيها لا للضوء تكون مبينة من أصل بناء الحائط منقوبة، وأما كوي الضوء المنقوبة فلا دليل فيها. وقال محمد بن عبد الحكم: يقضي بالحائط لمن له عقده، فإن كان لكل واحد منهما عقد فهو بينهما، فإن لم يكن فيه عقد ولاحدهما عليه جمل خشب ولو خشبة واحدة فهو له، فإن لم يكن فيه عقد ولا حمل خشب وفيه كوة من جهة أحدهما، يريد غير منقوبة، فهو لرب الكوة، فإن لم يكن فيه شئ من ذلك فهو بينهما، وإن كان عقده لأحدهما وللآخر حمل خشب، فالجدار لصاحب العقد [9/ 52] ¬
وللآخر حمل خشبه، فإن انهدم فعلي رب العقد بناؤه، ويرد الآخر خشبة فيه، وإن لم يكن في أسفله عقد لواحد منهما وفيه في أعلاه عقد لأحدهما فهو لصاحب العقد، وإن لم يكن لأحد فيه عقد وعليه حصر قصب لأحدهما فهو لمن له القصب، والقصب والطوب سواء. / وكذلك بيت من خشب إذا كان القصب مربوطاً بعضه إلي بعض. قال سحنون: وعن حائط بين حانوتين أو بيتين وعليه خشبهما، فيدعيه كل واحد لنفسه وعليه فوق خشبها حائط لغرفة أحدهما، قال فالحائط الأسفل لمن إليه عقده مع يمينه، وإن لم يعقد إلي أحد حلفا وكان بينهما، وحائط الغرفة هو كالعاقد فأحلف صاحبه ويكون الحائط له وللآخر عليه خشبة. وعن زنقة غير نافذة وفيها أبواب ودبر دار رجل إليها ولا باب له فيها، وكنييف في الزنقة قديم الحفر لزيق داره يخرج إليه منها فناؤه وهو معطل لم يجر إليه شئ منذ زمان فأراد رب الكنيف أن يخرج فيه العذرة فمنعه أهل الزنقة، قال ليس لهم منعه إلا أن يدعوا الكنيف فيكتنف عما اعدوا، وإلا فالكنيف لهذا للرسوم التي تدلك عليه، وكذلك لو باع الدر فأراد ذلك المشتري. وقال أشهب في الكاتبين إذا كان لرجل باب من داره في دار رجل فأراد أن يمر في داره من ذلك الباب فمنعه رب الدار، فإن عرف بمرورهم منه ولم يطل قطعهم المرور منه فله أن يمر في الدار، وإن كان أمر الباب لم يزل مجهولاً، أو كان معروفاً ثم انقطع بمره منه منذ دهر لا يعلمون لا يدرون لم انقطع فصاحب الباب مده الطريق وعليه البينة، وإلا حلف رب الدار وما يعلم لهذا فيها حقا، فإن أقام بينة أنه كان يمر فيها من هذا الباب فإنه يستحق بذلك الممر، وإن لم يشهدوا له أنه طريق له ثابت إلا أن يكون قد مضي لمره / دهر حتي جبر عليه ذلك. قال في كتاب ابن سحنون وهو لأشهب، وقال في حائط في دار رجل له جذوع شاخصة فيه قبة علي دار رجل فأراد أن يجعل عليها كنيفاً فلرب الدار منعه، وليس له قلع الجذوع ولتترك بحالها إن كان لتركها منفعة لربها فإن لم يكن له وجه منفعة يوماً ولا يحمل علي مثلها شئ، إنما هي كأطراف السقف والجريد [9/ 53]
الفاصل علي السقف الخارج عن الجدار فله قطعها، قال ابن سحنون عن أبيه في غصون رف خارجة من داره إلي دار جاره ولا قصب عليها، أراد أن يضع عليها قصباً فمنعه جاره، قال ليس له منعه لأنه إنما يوضع الرف للقصب، قال وفيمن له رف لاقط إلي داره فبني جاره جدارا لزيق جداره فبلغ إلي الرف وأراد البناء عليه فيمنعه صاحب الرف قال ليس له أن يبني عليه وسمي الرف لصاحب الرف، ومن هذا يسير في كتاب الإقرار وفي كتاب القضاء في البنيان. تم الجزء الأول بحمد الله وعونه [9/ 54]
[الجزء الثاني من الدعوي والبينات]
بسم الله الرحمن الرحيم ... وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء الثاني من كتاب الدعوي والبينات والحيازات في الرجلين يقيم كل واحد منهما بينة علي رجل أنه باعه هذا أو أوصي له به وشبه ذلك أو يدعي كل واحد علي صاحبه أنك بعته مني من المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: ومن ادعي دارا / بيد رجل أنه ابتعها منه بمائتي درهم ونقده، وادعي آخر أنه ابتاعها منه بمائة ونقده فإن وقتا قضيت للأول، وإن لم يوقتا وقال كل واحد لا أدري شرائي قبل أم لا، فكل واحد مخير إن شاء أخذ نصف الجدار ونصف الثمن الذي نقده، وإن شاء رد وأخذ جميع الثمن وإن قال كل واحد شرائي قبل الأجل حلفا ثم قيل للبائع أيهما الأول فإن قال له صاحب المائتين وجب للبائع الثمن كله وله عليه نصف قيمة الدار يوم زعم أنه باعها من الآخر، وإن قال ما أعرف الأول، أو قال ما بعته من واحد منهما، فلهما أن يقتسماها نصفين ويرجع كل واحد بنصف ثمنه، وإن شاءا ردها وأخذا ثمنيهما، فإن رداها فللبائع أن يلزم أيهما شاء البينة (¬1)، وإن قال أحدهما يأخذ نصفها ونصف ما فضل دفع، وقال الآخر أنا أرد فذلك لهما، وإن وقت إحدي البينتين ثم لم يؤقت الأخري قضي بالتوقيت. ومن المجموعة قال مالك ومن أذن لرجلين أو لمن حضر منهما السوق ببيع غنمه فباعها أحدهما بخمسين وباعها الآخر بستين ولم يعلم أولهما بيعاً ولم يقبض [9/ 55] ¬
الغنم ولم يفت، قال يلزم كل واحد من المشترين نصف الغنم بنصف الثمن الذي عقد عليه. قال ابن المواز قال أشهب في دار بيد رجل أقام كل واحد من الرجلين شاهدين أنه ابتاعها قضي لأقدمهما تاريخا، فإن لم يؤرخا قضيت بأعدلهما، فإن استويا فهي بينهما. قال ابن سحنون / عن أبيه فيمن في يديه عبد ودار ادعي رجل عليه أنه اشتري منه هذه الدار بذلك العبد وأقام بينة وأقام آخر بينة بمثل ذلك، والذي الدار في يديه ينكرهما، فقال من أصحابنا من يوقف هذه الأشياء بيد المدعي عليه، الدار والعبد، ويحلف [علي دعواهما حتي يزيدا بينة، ومنهم من يخرج الدار خاصة من يديه] (¬1) ويحلف المدعيان ويبقي العبد بيد من اخرجت الدار من يديه لأنه لم يثبت لكل واحد منهما في العبد إلا نصفه، قال ولو أقام من ذلك في يديه البينة أنه ابتاع هذه الدار بهذا العبد من هذا المدعي وتكافأت البينتان فإن الدار تبقي لمن هي بيده ويأخذ العبد مدعيه، ومن المجموعة قال أشهب: إن شهد رجلان أن الميت أوصي لرجل بثلثه وشهد وارثان أن الميت أعتق هذا العبد في مرضه فالشهادتان جائزتان وإن كانت إحداهما أعدل إن لم يتهم الوارثان علي حر ولا العبد في العتق به علي صاحب الثلث. وقال ابن المواز لا تهمة علي الوارثين في هذا بجر الولاء، كما لا أتهم الميت في عتقه بإيثار الذكور بالولاء دون البنات. قال ابن عبدوس قال أشهب فيمن أوصي بعبده لرجل فشهد رجلان أنه رجع عن وصيته به لزيد وأوصي به لعمرو، وشهد وارثه أنه انتزعه من عمرو وأوصي به لزيد، قال فإن كان الوارث أعدل من الشاهدين حلف زيد واستحقه فإن نكل وكان الشاهدان أعدل قضيت به لصاحب الشاهدين / ولا شئ علي الوارث. قال، وقال أشهب فيه وفي كل كتاب سحنون فيمن ادعي في دار بيد رجل أنه ابتاعها [9/ 56] ¬
في الرجلين يتداعيان في الشيء فيقول أحدهما رهنتكه أو غصبتنيه
منه بثمن نقده، وأقام بينة وأقام من هي بيده بينة أنه اشتراها من المدعي بثمن ونقده فإن كان في ذلك توقيت قضيت به لصاحب التوقيت الآخر كان ثمنه أقل أو أكثر وليس بتهاتر، ولو شهد الشهود أن هذا اشتراها من هذا (أمس ثم عاج هذا) فاشتراها منه، وشهد شهود الآخر بمثل ذلك، وتكافأت البينتان قضيت بها لمن هي بيده، وقال يحي بن عمر ليس هذا بتهاتر فأقضي بأعدلهما لأنه يمكن أن يبيعها منه ثم يبتاعها منه، ولكن تبقي بيد من هي بيده، وفي اختصار الشفعة مسألة المتداعيين في شقص، كل واحد يدعي أنه ابتاعه من الآخر. ومن المجموعة قال أشهب في أرض أو دار أو خادم بيد أحد رجلين أقام كل واحد بينة أن الآخر وهبه ذلك وقبضه هو منه، فإن لم يؤقتا قضيت بذلك لمن هي بيده، وإن وقتا قضيت بها لآخرهما توقيتا، قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهد عدلان أن هذا ثوب زيد يملكه، وشهد آخران أن زيدا أقر به لعمرو وهو بيد أحدهما فهو للمقر له به، ولو شاهد بملكه لزيد وشهد علي زيد شاهد أنه أقر به لعمرو وهو بيد ثالث فلزيد أن يحلف فيأخذه، ثم يحلف عمرو علي إقرار زيد فيأخذه منه، فإن قال زيد لا أحلف، أو قال ليس هو لي فليس لعمرو أن يحلف ويأخذه، أو لا يستحقه بإقرار زيد حتي / يثبت ملك زيد، ولا له أن يحلف أنه له وأنه أقر لي به، ولا يثبت ملكه لزيد بيمين عمرو، وليس كيمين الغرماء في دين الميت وقد نكل ورثته. في رجلين يتداعيان في الشئ فيقول أحدهما رهنتكه أو غصبتنيه ويدعي الآخر شراءه منه وشبه ذلك من العتبية (¬1) روي يحي بن يحي عن ابن وهب ويذكره ابن حبيب عن مطرف فيمن أقام علي رجل بينة انه غصبه منزلاً في يديه، وأقام المدعي عليه بينة [9/ 57] ¬
في العبد يتداعيانه فأقاما فيه بينة وهو بيد أحدهما
أنه اشتراه منه، قال بينة الشراء أولي لأنه إن تقدمه غصب فالشراء يزيله، وإن كان الشراء قبل فإنما غصب ماله. من كتاب ابن سحنون قيل له فمن ادعي في جارية بيد رجل انه رهنها عنده وأقام بذلك بينة، وأقام حائزها بينة أنه اشتراها منه، ولم يؤقتوا هل هذا قبل هذا، قال بينة الشراء أثبت إلا أن يقيم المدعي بينة أن الرهن كان بعد الشراء فيعلم أنها قد رجعت إليه. قال سحنون قاله ابن القاسم، وهي في العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم. قال سحنون في كتاب ابنه، وقال بعض أصحابنا يقضي بأعدل البيتين، وكذلك لو لم تكن بينهما بينة فالراهن مصدق مع يمينه لأن المشتري أقر له بالملك وادعي الشراء، وكذلك في تكافؤ البينتين، وأخذ سحنون بقول ابن القاسم. في العبد يتداعيانه (¬1) فأقاما فيه / بينة وهو بيد أحدهما وفي الشهادة توقيت أو تأسر (¬2) عتق ونحوه من معني التداعي من كتاب ابن سحنون، وهو لأشهب وعن عبد بيد رجل ادعاه آخر وأقام بينة، وأقام من هو بيده بينة أنه عبده دبره وأنه يملكه، قضي به لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا (¬3) قضي لصاحب التوقيت، فإن وقتا قضيت لأولهما توقيتا وأجعل الآخر مأنه اغتصبه أو [ملكه بغير حق فعليه المخرج، ولا يقضي للذي شهدت بينته أنه دبره كما قال أبو حنيفه] (¬4) لأنه لو أعتق عبده فأتي آخر ببينة أنه ملكه قبل هذا، أليس هو أولي به ولابد أن يقر بهذا؟ قال فإن لم تؤقت البينتان وقتا أخرت العتق، وكذلك لو كانت أمة وفي شهادة أحدهما أنها ولدت منه ولم يؤقتا فهي له أم ولد [9/ 58] ¬
في العبد بيد رجل فيدعي الحرية
حتي يقيم الآخر بينة بقدم ملكه قبل ملك الذي أولدها أنهم لا يعلمونه باع ولا وهب ولا خرجت من يديه بوجه تخرج بمثله فيحلف علي ذلك ويقضي له بها ويغرم له أبو الولد قيمة الولد. ومن العتبية (¬1) من سماع عيسي وفي بعض الكتب أنها من سماع حسين بن عاصم، قال ابن القاسم في إمرأة ولدت أمتها غلامين فاشتري رجل أحدهما فأعتقه وتركه عند أمه، فمات أحدهما، وادعي المبتاع أن الباقي منهما هو الذي اشتري، وقالت الرأة إن الهالك هو الذي اشتري، قال فالمرأة مصدقة مع يمنيها في ذلك./ في العبد بيد رجل فيدعي الحرية أو يقر بالرق لرجل آخر وفي المتداعيين في شئ بيد غيرهما وهو يقر به لهما أو لأحدهما أو ادعيا ولاء رجل وهو لا يقر لأحدهما من المجموعة قال أشهب في صبي بيد رجل يعرب عن نفسه، فقال السيد أنت عبدي، وقال الصبي بل أنا حر، فإن تقدمت له فيه حيازة وخدمة فهو عبد له، وإن كان متعلقا به لا يعلم منه قبل ذلك خدمة ولا حوز فالقول قول الصبي، وكذلك من بيده عبد يحوزه حوز الملك فلا يقبل إقراره أنه عبد لغيره أو أنه لم يزل حراً. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: ومن بيده عبد صغير يدعي أنه عبده فالقول قوله إن كان العبد صغيرا لا يعرب عن نفسه، ولو ادعي رجل آخر أنه ابنه، قال إن كانت أن الصبي معروفة لا يعلم أنه ملكها أو تزوجها لم يصدق إلا ببينة، وإن كانت أمه مجهولة جلب من بلد آخر كان بها المدعي له فنسبه لاحق به وهو مملوك لسيده، وإن أقام البينة أنه ابنه ولم يزيدا علي هذا فليقض له بنسبة ولا [9/ 59] ¬
في الولد يدعيه رجلان يقيم كل واحد بينة أنه ابنه
يكون حراً، وقد يكون تزوج الحر أمة لقوم آخرين. وإذا تعلق رجلان بعبد كبير، كل واحد يدعي أنه عبده، وهو مقر لأحدهما فهو للمقر له بعد أيمانهما أو نكولهما، ومن نكل قضيت به للحالف ولا أنظر إلي إقرار العبد، ليس كقول أبي حنيفة إنه يجعله بينهما ولا يقبل إقراره، قال / أشهب: وإذا أقرت أم ولد لرجل أنها أمة آخر فلا يقبل إقرارها، وكذلك لو أقرت له أمة بالرق ساعة أو أقرت لغيره لم يقبل إقرارها، وفي باب المتداعيين في شئ بأيديهما أو بيد أحدهما مسائل من هذا المعني، وفي كتاب الإقرار مسألة من أقر بعبد لرجلين وكلاهما يدعيه. في الولد يدعيه رجلان يقيم كل واحد بينة أنه ابنه أو يقيم كل واحد بينة علي امرأة أنها زوجته وذكر التداعي في الولاء واختلاف بينته من المجموعة قال ابن الماجشون في صبي مجهول (¬1) النسب ملكه رجل أقام رجل البينة أنه ابنه يملكه لأمة، قال يلحق به، وإن شهدوا أنه بنكاح ولم يبينوا أمة حرة أو أمة ألحقت نسبه وأبقيت ملكه لمن هو بيده، وقال أشهب فيه وفي كتاب ابن سحنون: إن أقام بينة أنه ابنه ولم يزيدوا علي هذا والأب عربي أو مولي أو دعي قضي له بنسبه والذي هو في يديه يملكه، وإن شهدوا أنه تزوجها علي أنها حرة ولم يشهدوا أنها حرة أعتقته وألحقت نسبه بأبيه (¬2)، وعليه قيمته للذي هو بيده، وإن قالوا في شهادتهم أنها حرة كان ابنه حرا لا قيمة عليه. ولو ادعاه رجلان وهو بيد أحدهما، وأقام كل واحد بينته أنه ابنه ألحقته بأعدلهما بينة فإن تكافأتا ألحقه بمن هو في يديه بلا يمين لأن النسب لا يلحق أو يدفع باليمين. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: / إذا عرف قبل الدعوي أنه ابن الذي هو بيده يحوز نسبة ولو طرفة عين فلا يزيل نسبة عنه بإقرار منه ولا بينة يأتي بها [9/ 60] ¬
الآخر، وإن ينسب إلي الذي هو بيده قبل الدعوي قضيت لأكثرهما بينة، فإن تكافأتا قضيت به لمن هو بيده كما لو ادعاه وهو رقيق بيد أحدهما، ولا ينظر إلي قول من قال إنها البينة علي من ادعي لا علي من هو بيده. ومنه ومن كتاب ابن سحنون، قال أشهب في عبد وامرأته بأيديهما صبي يدعي العبد أنه ابنه، وأقام بينة، وأقام رجل عربي بينة أنه ابنه فليلحق بأعدلهما بينة، وأقام رجل عربي بينة أنه ابنه امرأته هذه العربية أو المولاة أو الذمية وحريتها معروفة حين ولد هذا الصبي فأقضي به للذي ليس في يديه استحسانا كما بدأ المسلمون العتق علي الوصايا. قال ابن الماجسون: سواء قالت البينة هو من امرأته هذه الحرة أو لم تقل فإن كان حازه نسب قبل الخصوم عرف به فلا ينزع عنه، وإن ابتديا ذلك في مجهول قضي بالأعدل أو بأكثرها فإن تكافأتا قضيت بنسبه لحائز العبد. وقال أشهب فيمن بيده صبي أقام آخر بينة أنه ابنه وقامت بينة أخري علي إقرار من هو بيده أنه ابنه قضي لمن شهد له أنه ابنه، إلا أن تكون بينة شهدت بإقراره / أيضاً فليحق نسبه بمن هو بيده لأن من أقر بالولاء لرجل ثم طلب نقله عنه لم يكن له ذلك، فإن آخر بينة أنه مولاه فهو أحق به. وقال ابن الماجشون في زوجة بيد أحد رجلين أقام كل واحد منهما بينة أنها امرأته بالشهادة لأولهما وقتا، فإن لم يؤرخوا أو يتتفقوا في التاريخ قضيت بها لمن هي بيديه، وقال ابن القاسم إذا أقام كل واحد من رجلين البينة في إمرأة أنها امرأته وعدلته فإن كانت إحداهما أعدل والمرأة مقرة لأحدهما أو منكرة إني أفسخ النكاحين بطلقة بخلاف البيوع، وقال ابن المواز: لا ألزم التطليقة من نكحها منهما الآن قبل أن تنكح أحدا. [9/ 61]
وقال سحنون: يقضي بأعدل البينتين في ذلك، فإن تكافؤوا لم يكن الفسخ طلاقاً، وكأنه لم يثبت نكاح، أو إن أصاب أحدهما منفعة (¬1) بعد ذلك فله القيام. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه وعن صبي ادعاه نصراني ومسلم لم يولد عندهما لحق به نسبها وتعتق عليه ولا قيمة عليه في الأم إن أقر بعد موتها ورويت هذا عن بعض أصحابنا، وقال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في المولي يموت فيدعي رجلان ولاءه، يدعيه كل واحد منهما ولا يأتيان ببينة / يحلفان ويقسم المال بينهما؟ قال لا وإنما هذا فيها تنازعاه ولا دافع عنه، فأما ما للسلطان أن يدفع عنه وهو يرثه إن لم يثبت له وارث، فلا إلا أن يقيما بينةفيتهاتر بينهما [من ناحية أن البيتين كلاهما آخرجاه أن يكون للمسلمين وهو لأحد هذين، فلما أشكل علينا من هو منهما قسمناه بينهما] (¬2) وقاله أصبغ، قالا ثم إن أقام أحدهما بعد ذلك بينة عي أعدل من الأخري أيرجع علي صاحبه فيما قبض؟ فقال مطرف لا يرجع عليه بشئ وهو حكم قد مضي، وقال ابن الماجشون وأصبغ بل يرجع عليه فيؤخذ منه ما أخذ، وبه أقول. [9/ 62] ¬
في أخوين مسلم وكافر يدعي كل واحد منها أن أباه مات على دينه
في أخوين مسلم وكافر يدعي كل واحد منهما أن أباه مات علي دينه وكيف إن أقاما بذلك بينة وكيف إن كان أحدهما مسلما فادعي أنه أسلم بعد موت أبيه وكذبه الآخر، أو قال عتقت قبل موت أبي وكذبه أخوه من العتبية (¬1) قال أصبغ فيمن هلك وترك ابنته وأخته فقالت البنت هلك وهو مسلم، يعني وهي مسلمة، وادعت الأخت أنه مات نصرانيا وهي نصرانية، قال كلتاهما يتداعيان النصف فأراه بينهما بعد أيمانهما والنصف الآخر لجميع المسلمين. ولو ترك ابنا وابنة فادعي الابن أنه هلك مسلما وقالت الابنة هلك نصرانيا، قال يكون للابنة الربع لأنها تدعي النصف لا غيره، وللابن ثلاثة أرباع/ المال لأنه يدعي المال كله. قال يحي بن يحي عن ابن القاسم في نصراني مات وله بنون فتأخر قسمهم ثم طلبوا القسم وفيهم يومئذ مسلمون، فقال إنما أسلمت بعد موت أبي، وقال إخوته بل قبل موته أسلمت فعلي المسلم البينة أن أباه مات وهو نصراني لأن إسلامه ظاهر وهو مدع لأخذ الميراث، قال يحي بن عمر، وذهب محمد بن عبد الحكم إلي أن القول قول المسلم أنه أسلم بعد أبيه، وبقول ابن القاسم أقول، وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثل قول ابن عبد الحكم، وقال لأن أصله النصرانية التي يحق له بالميراث، فمن طلب أن يزيله عن ذلك فهو المدعي واحتج علي ابن القاسم بقوله أن لو مات الأب فاختلف ولده فقال هذا مات مسلما وقال الآخر مات نصرانياً أن القول قول النصراني لأن أباه قد عرف بالنصرانية. [9/ 63] ¬
ومن كتاب ابن سحنون لأشهب وقال في داربيد رجلين مسلمين فأقرا أن أباهما مات مسلما وتركها ميراثاً، وقال أحدهما كنت مسلما وأبي مسلم وصدقه أخوه وقال قد أسلمت أنا في حياة أبي فكذبه الآخر وقال لا بل بعد موته أسلمت قال هي للمسلم الذي اجتمعا عليه، وعلي الآخر البينة أنه أسلم قبل موت أبيه، وكذلك إن كان عبدا يقال لأخيه عتقت أنت بعد موت أبيك وعتقت أنا قبل موته، وقال هو عتقت أنا وأنت قبل موته، فالميراث للذي اجتمعا علي عتقه وعلي الآخر البينة بعد أن يعرف/ أنهما اليوم أحرار، وهذا إن لم يطل حيازتهما للدار ما يري أن مثله حيازة علي الآخر، ولو كان مسلم وكافر فقال أحدهما إن أبانا مات وتركهما ميراثا ومات كافرا وقال المسلم قد أسلم قبل موته، وقال الكافر مات علي كفره، قال المسلم مدع وعليه البينة، ولو لم يقر بأن أباه كان كافرا وقال كان مسلما وقال الكافر بل كان كافرا لم أجعل القول قول المسلم بإسلامه وأرد قول الكافر بكفره لأن كل واحد مدع علي صاحبه، ويحلف كل واحد منهما علي دعواه ثم يقسم الميراث بينهما، قال ولو مات رجل وله مسلمون وله أبوان كافران، قال فالأبوان مدعيان علي ولد الميت أن الميراث لهما دون الولد، والأولاد مدعون علي الأبوين مثل ذلك، فليحلف كل فريق علي دعواه، ثم أورث الأبوين والوالد ولا أصدق المسلمين بدعواهم. قال سحنون: وهذا إن كان الأبوان غريبين لا يعرف ما كان أصلهما، فأما إن عرف أنهما لم يريا نصرانيين يعرفان بذلك، فالمال لهما والقول قولهما إن أباهما نصراني لأن الأب إذا كان نصرانيا فقد صار أصل الابن النصرانية، فمن ادعي إسلامه فهو المدعي، وعن رجل هلك فادعي رجل مسلم بأن هذا الميت أبي، وأن هذا الصبي الصغير أخي وأنا مسلم وهو مسلم، وقال رجل نصراني إن هذا الميت أبي / وأن هذا الصغير أخي، وهو نصراني وأنا نصراني كيف يكون غسله والصلاة عليه؟ قال ليس غسله والصلاة عليه حجة من شك فيه فعل به ما يفعل بالمسلمين فإن كان له تركة وهي بأيديهما جميعا قسم المال بينهما بعد أيمانهما ووقف بثلث ما بيد كل واحد منهما، فإن كبر الصبي فادعى الاسلام اخذ ثلث ما في يد المسلم، وإن أحد ادعى النصرانية أخذ ثلث ما بيد النصراني بعد يمين المنكر، والله أعلم. [9/ 64]
ومن كتاب أحمد بن ميسر: ومن مات عن ولدين مسلم ونصراني، وكل واحد منهما يدعي أن أباه مات علي دينه فليحلفا ويقتسما المال بينهما، وإن أقاما بينة مسلمين وتكافأتا فالقياس أن يقضي بالمال لمن له أعدل البينتين، فإن تكافأتا سقطتا ولابد أن تقول كل بينة إنا لم نزل نعرفه بالحال التي شهدنا بها إلي أن مات ونحن من أهل الخبرة به، ولو استحسن أحد أن يكون مسلما لأن الإسلام (¬1) لا يكون بعده كفر يقر عليه، وقد يري ابنه الكافر من مورثه فإن الكفر يكون بعده الإسلام ويقر عليه كان قولاً حسناً، ولو أقر كل واحد أن أباه مات علي دين الآخر فقد أقر أنه لا شئ لهما في هذا المال، وابن القاسم يري أن النصراني إذا مات ولا وارث له أن ميراثه للمسلمين. وقال أشهب يرثه أهل دينه، فعلي مذهب أشهب في هذا يكون نصفه للمسلمين ونصفه لأهل دينه، وأجابني محمد بن / عبد الحكم فيها بمذهب أشهب، وقال ابن المواز بالقول الأول، وقال محمد ولو كان مع هذين الولدين الكبيرين طفل فنصف المال للطفل علي كل حال لا نسمع أحدهما يصلح له النصف، وكل واحد منهما مقر له به، والنصف الآخر يقسم بين الكبيرين بعد أيمانهما، ومن نكل كان النصف لمن حلف، وذلك بعد الاستيناء من الحاكم ليأتي أحدهما ببينته، فإن لم يأتيا ببينة كان ما ذكرنا، وأما الولد فأحب إلي أن يكون مسلما ويرث علي ذلك، فإن غفل عنه حتي كبر علي النصرانية وحتي بلغ لم يكره علي الإسلام، قيل فإن لم يعرف أنهما ولداه أصلا أتكلفهما البينة علي النسب، قيل البينة علي الدين؟ قيل إن كان المال بأديهما لم أكلفهما بينة علي النسب، قيل البينة علي الدين؟ قيل إن كان المال بأيديهما لم أكلفهما بينة علي النسب، وإن كان في يد غيرهما كلفا البينة علي النسب. ومن مات عن ثلاثة بنين مسلمين ونصراني فادعي أحد المسلمين أن أباهم مات وهو مسلم ووقف المسلم الآخر وادعي النصراني أن أباه مات نصرانياً، فإن المسلم المدعي لدين أبيه مقر أنه ليس له إلا النصف والنصراني يدعي جميع المال ولا منازع له في النصف فيأخذه ثم ينازع المسلم في النصف الآخر، فكل واحد منهما يدعيه فيقسم بينهما بعد أيمانهما فيصير للمنفرد ثلاثة أرباعه ولمدعي دين الأب من المسلمين الربع والذي لا يدعي شيئا لا شئ له إذ لا يكذب أحدا، [9/ 65] ¬
وإن ترك ولدين نصرانيين وولدين مسلمين كل فريق يدعي أن الأب مات علي دينه فإنه / تقسم تركته بينهم أرباعا بعد أيمانهم، فإن نكل أحد الفريقين كان جميعه للفريق الحالف، وإن نكل واحد من كل فريق كان للذي معه ما يصيب صاحبه ولو حلف، قال ولو أن المسألة بحالها إلا أنه رجع أحد المسلمين ورجع أحد النصرانيين بعد أن قبضوا، قال فالراجع أولا يسلم حقه للطائفة الأخري، فإن رجعا معا فالراجع يسلم ما في يديه لمن لم يرجع من الفريق الآخر، وذلك أنهما لو نكلا قبل القسم كان المال بين الحالفين من كل فريق نصفين، قال ولو ترك ابناًَ نصرانياً يقول أبي نصراني وابنتين (¬1) واحده كبيرة مسلمة تقول هو مسلم والأخري صغيرة، قال فالذكر يقر للصغيرة بالثلث والكبيرة المسلمة تقر أن للصغيرة الثلث ولها هي الثلث فلا منازع للصغيرة في الثلث، وإنما التداعي في الثلثين بين الابن والبنت الكبيرة المسلمة، فهي تقول لي الثلث والثلث الآخر للعصبة، والابن النصراني يدعي الثلثين فيقسم الثلث الذي يصير للبنت الكبيرة بينها وبين الابن لأنه ينازعها فيه وتنازع العصبة الابن في الثلث الآخر فيقسم بينهما فيصير للأخ الثلث وللعصبة السدس وللبنت المسلمة السدس وذلك إن كان العصبة علي دين البنت الكبيرة، قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن هلك وترك ابنين مسلما ونصرانيا (¬2) كل واحد يدعي أنه مات علي دينه، فقالا إن تقم بينة وعرف أنه كان نصرانياً فهو للنصراني حتي يقيم المسلم بينة أنه مات مسلما لأنه مدع / لإسلام أبيه، فإن أقاما بينة قضيت بأعدلهما، فإن تكافأتا قسم المال بين ولده المسلمين والنصراني نصفين قل عدد أحدهم أو أكثر، ثم يقتسمه كل طائفة منهم علي مواريثهم، وليس قيام البينة للمسلمين بأنه صلي عليه ودفن في مقبرة المسلمين بحجة علي الأخري إلا أن يكون حاضرا ولا ينكر فيقطع ذلك حجته. قال سحنون في كتاب ابنه في الهالك يدعي ابنه أنه مات مسلما وابنه الآخر أنه مات نصرانيا وله ابن صغير فليحلفا ويوقف ثلث ما بيد كل واحد حتي [9/ 66] ¬
فيمن أقام بينة في دار أنه ورثها عن أبيه
يكبر الصغير فيدعي دعوي أحدهما فيأخذ ما وقف له من سهمه ويرد إلي الآخر ما أوقف من سهمه. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ: كلاهما مقر للصغير بالنصف فله النصف ويجبر علي الإسلام ولهذين جميعاً بينهما. قال سحنون: فإن مات قبل أن يبلغ حلفا زاقتسما ميراثه، وإن مات أحدهما قبل بلوغه وله ورثة يعرفون فهم أحق بميراثه وإلا ترك، فإذا كبر الصبي وادعاه كان له. فيمن أقام بينة في دار أنه ورثها عن أبيه وأقام آخر بينة أن أباه تصدق بها عليه أو بينة بالصدقة وبينة أن المعطي كانت بيده حتى مات وكذلك في رهن وفي حيازته من كتاب ابن عبدوس قال أشهب: ومن أقام بينة في أمة بيد رجل أنها لأبيه مات وتركها ميراثاً له لا يعلمون له وارثاً غيره، وأقام آخر بينة أن أبا هذا الطالب تصدق بها عليه وحازها عنه، فإن قالت بينة ابن الميت أنها له لم تزل في / يد الميت حتي مات وهو يختدمها قضيت [بأعدل البينتين، فإن تكافأتا قضيت ببينة ابن الميت، قال ومن أقام بينة أن أباه تصدق عليه بعبد فقبضه وقامت بينة أنه لم يزل في يد الميت حتي مات، قال إذا فات إيقاف الشهود قضيت] (¬2) بأعدلهما لتكاذبهما، وإن لم يفوتوا أوقفوا، فإن رأي في شهادة إحدي البينتين ما هو أقوي من الأخر قضي بذلك مثل أن تقول بينة نشهد أنه كان يخدمه في مرضه كما كان في صحته، وقالت الأخري نعلم أنه حاز ولا نعلم ما قالت هذه، أو تقول بينة الحوز أنه لم يزل في يد المتصدق عليه حتي مات المتصدق، وتقول [9/ 67] ¬
فيمن شهدت بينة فيه أنه أوصى أو فعل فعلا أو أقر أو زنى في صحة عقله
الأخري لا علم لنا بهذا، ولكن رأيناه يختدمه، فتكون بينة الحوز أولي وإن تكافأتا في القوة قضيت بأعدلهما، وإن تكافأتا في العدالة فالصدقة باطلة، وإن كان الشهود أربعة, اثنان علي كل شهادة، فاثنان أعدل من أحد الشاهدين المخالفين لهما ودون عدالة الآخر حلف صاحب الشاهد الذي هو أعدل مع شهادة شاهده الذي هو أعدل، فإن أبي أن يحلف قضي لصاحب الشاهدين الآخرين. ومن كتاب ابن المواز قال: وإن شهد رجلان في وهن علي حيازته، ثم شهد آخران أنه لم يحزه فشهادة الحوز أولي. وكذلك في المجموعة عن المغيرة وابن الماجشون وقال سحنون في كتاب ابنه، قال ابن المواز: وأحسن ذلك أن يقضي ببينة من ذلك في يديه. فيمن شهدت بينة فيه أنه أوصي أو فعل / فعلا أو أقر أو زني في صحة عقله، وبينة أنه كان موسوساً حينئذ أو بينة أنه قتل فلانا وبينة أنه كان ذلك اليوم ببلد آخر وكذلك في غير القتل أو بينة أنه مات يوم كذا وبينة أنه كان يومئذ حياً من المجموعة والعتبية (¬1) عن ابن القاسم من رواية أبي ويد وهي في كتاب ابن المواز في امرأة شهدت بينة أنها أوصت في صحة عقلها، وشهد اثنان أنها كانت حينئذ موسوسة، فشهادة من شهد أنها صحيحة العقل أولي. [9/ 68] ¬
وقال سحنون في المجموعة والعتبية (¬1) في أربعة شهدوا علي رجل بالزنا وأنه حينئذ صحيح العقل، وشهد اثنان غيرهم أنه كان يومئذ ذاهب العقل فإن قاموا به وهو صحيح العقل قضي بشهادة الذين قالوا صحيح العقل وإن قاموا به وهو ذاهب العقل فالشهادة شهادة الآخرين. من العتبية (¬2) قال سحنون في أربعة شهدوا علي رجل أنهم رأوه يزني يوم كذا وهو صحيح العقل وشهد عدلان غيرهم أنه كان ذلك اليوم وفي ذلك الموضع مجنوناً، قال إن قيم به وهو عاقل أقيم عليه الحد ولا تزيل ما ثبت من الحد بقول الآخرين، وإن قيم به وهو مجنون [ذاهب العقل فقد قال بعض أصحابنا إنه يصرف عنه الحد إذا قيم به وهو مجنون (¬3)]. قال أبو بكر بن محمد اللباد: إنما المراعاة وقت رأوه لا وقت القيام به، يريد أبو بكر فإذا غلب قول الشهود أنه عاقل صبر به الآن حتي يفيق فيحد. ومن المجموعة وكتاب ابن / سحنون قال ابن الماجشون في بينة شهدت أن فلانا قتل رجلا عمدا، فأقام فلان بينة أنه كان يومئذ ببلد بعيد، قال فشهادة القتل أولي، وكذلك في كتاب ابن المواز. وروي مثله سحنون عن ابن القاسم في العتبية (¬4) وقاله أصبغ، قال وكذلك لو كان مكان القتل زني أو سرقة، قال سحنون ولا يجرحه ما شهدوا به إلا جرحتهما وليس ما أتي به بتجريح. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال سحنون إلا أن يشهد مثل أهل الموسم في جماعتهم أنه أقام بالحج لك اليوم وأهل مضر أنه صلي بهم العيد ذلك اليوم بطل القتل، لأن أهل الموسم لا يجتمعون علي الغلط ولا يشبه عليهم وقد يشبه علي الشاهدين، وأكثر من ذلك قال في هذه الكتب ابن الماجشون وابن القاسم في العتبية، ولو قال المقتول قتلني فلان قال في كتاب ابن سحنون، أو ¬
قام بالقتل شاهد وقامت بينة أنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد، يقول البينة أولي، وكذلك لو قال ضربني فلان يوم النحر وهو بمصر من ضربه أموت وقامت بينة أنه كان معهم يوم النحر بمني فالبينة أولي، قال في كتاب ابن سحنون فيمن قال قتلني فلان صباح هذا اليوم، وشهد قوم أن فلانا بات معهم تلك الليلة قال هو كالأول. قال وإن قال الشهود مشي معنا بموضع كذا والموضع ينال من موضع الميت في ليلة، فهذا ملبس والقسامة واحدة. من المجموعة قال سحنون: وإن شهد رجلان أنه قتل ولي هذا/الرجل يوم كذا بمصر عمداً، وشهد آخران أنه قتل ولي هذا الرجل الآخر ببلد آخر في ذلك اليوم عمداً أو خطأ لبطلت الشهادتان جميعاً، وقال أصبغ في العتبية (¬5): قد اجتمعا علي قتل إذا قام أولياء القتيلين في العمد قتل لهما، وكذلك لو شهد أربعة أنه زنا بمصر يوم عاشوراء، ثم شهد آخرون أنه زنا بالعراق ذلك اليوم لحد حداً واحدا لأن البينتين أثبتتا زنا، ولو شهدت بينة أنه زنا بمصر في المحرم يوم عاشوراء، وشهدت بينة أنه سرق ذلك اليوم بالعراق أو قتل سقطت الشهادتان. قال سحنون في المجموعة: ولو قال بعض أوليائه قتل بموضع كذا، وقال بعضهم بل بموضع كذا وأقاموا البينة كلهم سقطت الشهادة. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإن شهدوا أن فلانا مات سنة ثمانين، وشهد آخرون أنهم رأوه سنة إحدي وثمانين، فشهادة هؤلاء أحق. [قال (¬6) محمد بن عبد الحكيم: ولو شهد شاهد أن فلانا أقر عنده يوم عرفه بعرفة لفلان بكذا، وشهد آخر أنه أقر عنده لهذا الرجل في ذلك اليوم بمصر بمائة إردب قمح، فإن كانا في العدالة سواء بطلت الشهادتان، وإن ادعي شهادة أعدلهما حلف معه وأخذ ما قال وبطلت شهادة الآخر، وإن ادعي شهادة الذي --------------------- (¬5) البيان والتحصيل، 10: 201. (¬6) من هنا يبدأ حذف نحو صفحتين من ص، وينتهي عند إغلاق المعقوقة. [9/ 70]
في المتزوجة تقوم بينة أنها تزوجت غير بالغ وبينة للزوج أنها كانت بالغا
هو دون الآخر في العدالة لم يقض له بشئ لتكذيب الأعدل له، ويحلف المدعي عليه ويبرأ من ذلك كله، قل أبو محمد فأعرف لأشهب أنه إنما تسقط إحدي/ البينتين بالأخري، إنما كانوا شاهدين، وشاهدين لأنه كالتجريح لا يقبل فيه واحد، فعلي هذا يكون له في المسألة الأولي إن يدعي شهادة الدون في العدالة. قال محمد بن عبد الحكم: لو كان مكان كل شاهد شاهان أخذ بشهادة الأعدل إن ادعي شهادة الآخرين فلا شئ له. وقال بعض أصحابنا: إذا شهد عدلان أنه أقر عندهما بعرفة يوم عرفة من سنة كذا لفلان بكذا، وشهد عدلان أنه كان ذلك اليوم عندها بمصر أنه يقضي بشاهدي الإقرار لأنهما شهدا بحق والآخران لم يشهدا بحق وليس لهذا عندي معني، وأري إن كان اللذان شهدا أنه يومئذ بمصر أعدل فلا شئ له، وهو تجريح للآخرين إما زور وإما خطأ ألا تري لو شهد شاهدان أنه أقر لفلان بكذا في سنة مائتين، وشهد آخران أعدل منهما أنه مات قبل المائتين، أو أنه ولد بعد المائتين أن ذلك يبطل شهادة الآخرين، ولو استووا في العدالة بطلت الشهادة، قال أشهب: كل شهادة ردها مثلها فهي باطل،] قال محمد: ولو شهد شاهد أنه أقر لرجل يوم عرفة بعرفة من سنة كذا بمائة دينار، وآخر أنه أقر لرجل آخر في ذلك اليوم بمصر بمائة إردب قمح، وشهد آخر أنه أقر ذلك اليوم بالشام لثالث بمائة إردب شعير، فإن استووا في العدالة أو كان اثنان أعدل من الثالث بطلت الشهادة أو إن كان واحد أعدل حلف معه واحد، وكذلك لو كان مكان كل شاهد شاهدان/. في المتزوجة تقوم بينة أنها تزوجت غير بالغ وبينة للزوج أنها كانت بالغا وفي بينة شهدت علي امرأة أنها زفت طائعة وبينة أنها كانت حينئذ مكرهة قال سحنون في المجموعة في يتيمة تزوجت، فشهدت بينة أنها تزوجت غير بالغ، وقال الزوج بل هي بالغ، فأقام بذلك بينة، فقد قال بعض أحصابنا إنه [9/ 71]
تهاتر وينظر إلي أعدل البينتين، ونحوه لابن القاسم وأشهب، وقال الآخرون البينة بينة من شهد أنها بالغ. قيل فإن دفع إلي الحاكم في يتيمة أنها نكحت في بالغ، قال يكشف عن ذلك، فإذا نظرها النساء وقلن لم يثبت فذلك يجري في هذا، ولا يجري في هذا أقل من امرأتين. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في يتيمة زوجت فادعت أنها زوجت قبل البلوغ، [وقال الزوج بل بعد البلوغ، قال إن زوجها وليها فالبينة عليها أنها زوجت قبل البلوغ. (¬1)] وعن البكر يدخل بها زوجها وهي سفيهة ثم ترشد ويصلح حالها وقد وهبتة، هبة، ثم ادعت أن ذلك في سقهها، وقال الزوج بل بعد أن رشدت، قال فالبينة علي الزوج وهو المدعي. وقال ابن الماجشون في المجموعة في أربعة شهدوا علي رجل وامرأة بالزني طوعا، وشهد اثنان أنها في ذلك مكرهة، قال تسقط شهادة لأن شهادتهم علي قولهم توجب حدهم، وشهادة الأربعة ثابتة، وكل فريق من الأربعة زادت، فالأربعة / زادوا زني المرأة والاثنان زادوا الصداق علي الزوج ولا يمكن ها هنا الأخذ بالزيادتين، ولو كانوا أربعة وأربعة سقطت الشهادتان، ولا تجد من يشهد علي المرأة بالطوع، كما لو شهد فريق أنه زنا بمصر يوم الفطر وفريق أنه زنا يوم الفطر بمكة لأبطلت الشهادتين، ولا يحد الفريقان. قال سحنون: إن شهد رجلان علي محدود في الزني أنه غضب امرأة بوطئها وهم ينظرون أنه يلزمه الصداق بشهادتهما، وكذلك لو شهدا أنه غصب امرأة فأدخلها بيته، ثم ادعت هي المسيس لوجب لها الصداق. [9/ 72] ¬
فيمن أوصى بعتق عبد إن مات في مرضه هذا
فيمن أوصي بعتق عبد إن مات من مرضه هذا فيدعي العبد أنه مات منه ويقول الورثة بل صح، ويقيمان بينة من كتاب ابن المواز والمجموعة قال أشهب فيمن أوصي إن مات من مرضه هذا ففلان حر وقام بذلك شاهدان وقالا لا ندري متي مات، وقال عبد مات منه، وقالت الورثة بل صح، قال الورثة مصدقون مع يمينهم، لأن العبد يدعي الحرية، قال ابن المواز: إن قالت البينة إنه أوصي بذلك في مرضه فالقول قول العبد حتي يقيم الورثة البينة أنه صح منه. قال أشهب في الكتابين: ولو أقام العبد بينة أنه مات منه، والورثة بينة أنه صح منه قضي بأعدلهما، وإن قال إن مت من مرضي فميمون حر وإن برأت فمرزوق حر، فقال ميمون مات / منه، وقال مرزوق بل صح منه وصدقه الورثة، قال فالورثة مصدقون مع أيمانهم، ولا قول لمن أكذبته فإن قامت البينة أنه مات من مرضه عتق ميمون في ثلثه، ثم إن ثبت الورثة علي أنه قد برأ من مرضه بعد شهادة بينة ميمون وكان الثلث يحمل مرزوقا بعد إخراج ميمون من حمله المال عتق مرزوق أيضا، فإن كان بعضهم لم يقر بعتق وبيع ويؤمر أن يجعل ما نابه منه في عتق ومن اشتراه، فمن أقر فأقام علي إقراره عتق عليه، فإن أقاما جميعا البينة قضي بأعدلهما فإن كان شهداء ميمون أعدل أعتقته ببينته وأعتقت الآخر بإقرارهم علي ما ذكرنا إذا لم يكن معهم ورثة، وإن كان شهداء مرزوق أعدل أعتقته وحده بشهادة بينته وبالإقرار، قال ابن المواز في هذا الجواب غلط وهو قوله ويعتق مرزوق في ثلث ما بقي، بل يعتق من رأس المال لأنه إنما يقع عتقه بعد صحته إذا ثبت ما أقرت له به الورثة، وكذلك لو قامت لمرزوق بينة فهو بخلاف جوابه أول المسألة أري ألا قول لمرزوق ولا لورثته أنه مات من غير ذلك المرض وأنه صح منه إلا بشاهدتين. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: وإن تكافأت بينة ميمون ومرزوق عتق من كل واحد نصفه، إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضي بها، قال محمد وذلك إذا كان من شهد أنه مات من مرضه لم يغيبوا غيبة تمكن فيها صحته، وقال أصبغ [9/ 73]
في الرجلين يتداعيان فيما وقع به البيع من الثمن أو الإجارة أو الكتابة
الشهادة شهادة من شهد علي الصحة كما لو شهدوا أنه أوصي، فقال بعضهم في / صحة عقلة، وقال آخرون ليس بثابت العقل. ومن المجموعة قال أشهب: فإن قال إن مت في جمادي فعبدي فلان حر، وإن مت في رجب فعبدي فلان حر فشهد رجلان أنه مات في جمادي وآخر أنه مات في رجب قضي بأعدلهما لا بأولهما. قال في الكابتين: إن قتلت فميمون حر، ثم شهد شاهدا الوصية أو غيرهما أنه قتل وشهد آخران غيرهما أنه مات فليقض بأعدلهما، ولو شهد بموته شاهدا الوصية ثم شهد غيرهما أنه قتل لم يعتق، وإن كان شاهدا القتل أعدل، وكذلك لو شهد رجلان أنه قال إن مت من سفري هذا ففلان حر وشهدا أنه مات منه، وشهد آخران أنه رجع من ذلك السفر فمات في أهله أجزت شهادة أعدلهما علي ما تقدم ذكره، ولو قال شاهدان إنه قال إن مت من سفري فمرزوق فميمون حر وأنه قدم منه قضيت بأعدلهما وجري من هذا الباب في باب في آخر كتاب الوصايا الثالث. في الرجلين يتداعيان فيما وقع به البيع من الثمن أو الإجارة أو الكتابة أو اختلفا في المبيع نفسه واختلاف البينة في ذلك وفي الطلاق أو في الدين أو في الوصايا، وفي إقرار المطلوب نصف غير ما ادعي المدعي من المجموعة قال ابن نافع فيمن باع سلعة، فقال بعتها بعشرين وقال المبتاع بعشرة، وأقام كل واحد بينة أني أقضي بالزيادة، وكذلك في / الطلاق وقاله ابن الماجشون في أربعة شهدوا في مجلس، قال اثنان نشهد أنه طلقها ثلاثا، وقال اثنان [9/ 74]
نشهد أنه لم يلفظ إلا بواحدة فيلزمه الزائد وكذلك روي يحي بن يحي في العتبية (¬1) عن ابن القاسم عن مالك. ومن المجموعة قال أشهب، وهو في كتاب ابن المواز: إذا شهد ثلاثة نفر لرجل، فشهد اثنان أن له عليه بغلا، وشهد الآخر أن له عليه حماراً، وقالوا كلهم هي شهادة واحدة، فإن ادعي الطالب الحقين بطل دعواه في الجميع. وإن ادعي ما قاله الشاهد حلف واستحق وإن ادعي ما قاله الشاهدان أخذ ذلك بلا يمين، فإن طلب شهادة الشاهد، فقام المطلوب بشهادة الشاهدين يكذب بهما الشاهد فذلك له ويغرم ما قالا. محمد ويحلف علي إبطال قول الواحد إن لم يكن فيما أقر به ولا ما قال الشاهد، وله أخذ ما أقر به المطلوب، وإن لم يدعه، قال في المجموعة: وإن أبي أن يأخذه وطلب المطلوب إكراهة عليه فذلك له، وإن لم يكرهه علي ذلك لم أجبرهما علي شئ منه ومتي ما رجع الطالب فيما كان جحد من ذلك كان له أخذه، ولم أر له عليه يمينا فيما جحده مما شهد له به الشاهد إذ لا خلطة تثبت له، وقال ابن المواز يحلف، قال محمد: وأحب إلينا إذا حكم عليه بما شهد به الشاهدان وهو ينكره أن يباع ويشتري بثمنه ما ادعي من قول الشاهد، فما نقص لم يكن له غيره، وإن زاد رد الفضل علي النطلوب، فإن لم يقبله لم يجبر علي أخذه، وقيل لهذا تصدق به عن من هو له، وهذه المسألة من أولها في / العتبية (¬2) عن سحنون ما كان ها هنا منها لأشهب مذكور، قال ابن المواز: وإن لم يقر المطلوب بما يقول الشاهدان لم يبطل عنه شهادة الشاهد وهو مع الطالب من كذب الشاهدين، ويقضي للطالب بشهادة الشاهد مع يمينه، قال وإن طلب المدعي شهادة الشاهدين وقال المطلوب بشهادة الشاهد يكذب بها الشاهدين [وهو مقر بقول] (¬3) الشاهد فلا يكذب شاهدان بشاهد ويأخذ المدعي أي الحقين شاء، قال وإن قال شاهدان أمر بمائة دينار وقال شاهدان بألف درهم [9/ 75] ¬
أو مائة قفيز قمح، وقالوا كانت شهادة واحدة، فإن ادعي المدعي الحقين جميعا شقطت الشهادتان إن تكافأت البينتان في العدالة، قال محمد بل تسقط الشهادتان وإن ادعاهما وإن لم تتكافأ في العدالة وهم عدول، فإن ادعي أحدهما فذلك له، وإن تكافؤوا في العدالة، [فأخذه بلا يمين، فإن أقام المطلوب بشهادة اللذين كذبهما الطالب فإن تكافؤوا في العدالة] (¬1) فهو تكذيب لشاهدي الطالب ويغرم المطلوب ما أقر به بلا يمين عليه للطالب، ويقال للطالب بعه واشتر بثمنه ما ادعيت، فإن نقص فليس لك غيره، وإن زاد رددت الزيادة عليه، فإن لم يبقلها تصدق بها عن من هي له، قال وإذا سقط شاهدا الطالب بدعوي المطلوب لشهادة الآخرين وتكافئهم قال أشهب فلا يمين للطالب عليه ألا يخلطه غير هذه تثبت وفي باب في آخر الكتاب وهو باب مسائل في المدعي والمدعي عليه / فيه مسألة من ادعي علي رجل بدارهم، وقال المطلوب إنما لك علي زيت وقال الحميل تحملت لك عنده بطعام، قال محمد بن المواز: إذا سقط بالتكافؤ فلا يمين فأما بدعوي المطلوب إحدي البينتين فاليمين قائمة. قال ابن المواز قال أصبغ قال اشهب: وإن شهد لرجل شاهدان أنه اشتري من فلان عبده بخمسين دينارا، وشهد آخران للبائع أنه باعه منه بمائة، وقال الأربعة هو مجلس وأحد قضي بأعدل البينتين، فإن تكافأتا، سقطتا وتحالفا وتفاسخا، فإن فاتت السلعة تحالفا وردا القيمة عند أشهب. وقال ابن القاسم: إن باتت فالمبتاع مصدق ويحلف. ومن العتبية (¬2) قال سحنون إذا شهد شاهدان لرجل فقال أحدهما أشهد له علي فلان ببغل، وقال الآخر بحنطة، وزعما أنها شهادة واحدة، فإن ادعي الشهادتين بطلتا، وإن ادعي إحداهما حلف مع شاهده وأخذ ما ادعي. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقام شاهدا أنه اشتري منه غلاما بمائة دينار، وأقام شاهدا أنه اشتري منه غلاما بمائة دينار، وأقام شاهدا آخر بأنه اشتري منه هذا الغلام المذكور وهذه الجارية بمائة دينار، [9/ 76] ¬
في الشهود يختلفون في كلام رجل في إقرار أو وصية أو غيرها في مجلس
والغلام بيد المشتري والجارية بيد البائع، فإن ادعي الغلام والجارية حلف في الجارية وأخذهما وإن ادعي الغلام وحده أخذ بلا يمين وقد جرت من هذا الباب مسائل كتبتها في الصفقة، ومنها في القسم، ومنها في المكاتب في اختلاف البينات في ذلك والتهاتر فتركت إعادتها ها هنا والله الموفق للصواب./ في الشهود يختلفون في كلام رجل في إقرار أو وصية أو غيرها في مجلس فيقول بعضهم تكلم بكذا ويقول آخرون بل بكذا أو يشهدون بخلاف شهادة الآخرين واختلاف البينة في غير شئ من اليمين والحنث وغير ذلك من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في أربعة نفر كانوا في مجلس مع رجل فشهد عليه اثنان أنه حلف بطلاق البتة، وقال آخران إنما كانت يمينه بواحدة قال يؤخذ بشهادة الأكثر من الطلاق. وكذلك لو قالا أعتق غلاميه زيداً وميموناً وشهد آخران أنه لم يذكر غير زيد فليؤخذ بالأكثر، قال ابن القاسم: ولو كانا علي سلف فقال اثنان عشرين وقال آخران إنما كانت عشرة، فليؤخذ بالزائد. ومن كتاب ابن المواز، وقاله ابن القاسم في المجموعة والعتبية (¬1) من رواية أبي زيد وإن شهد رجلان علي رجل أنه قال عبدي حر، وشهد آخران أنه قال امرأته طالق وقالوا كان مجلس وكلمة واحدة، فالشهادة باطلة إن استووا في العدالة، وإلا قضي بأعدلهم، قال ابن القاسم في العتبية (¬2): وكذلك لو شهد بعضهم أنه أقر لفلان بمائة دينار، وقال آخرون: إنما أقر له بمائة درهم أنه لا يلزمه الدنانير ولا الدراهم، ولو قال بعضهم بمائة وبعضهم بخمسين قضيت بالزائد، قال ابن المواز في المسألة الأولي وإن كانوا ثلاثة فانفرد واحد بأحد الوجهين فهذا يبطل شهادته، [9/ 77] ¬
وإن / كان أعدل من الآخرين، ويقضي بقول الآخر لأنه لا يكذب اثنان بشاهد ولا بشاهد ويمين، وهو من باب التجريح. ومن كتاب ابن سحنون: ومن ادعي علي رجل انك بعت مني غلاما وجارية بألف درهم، يريد وعينوهما، وقال البائع بل بعتك الجارية فقط بمائة دينار، فأقاما جميعا البينة وتكافأتا في العدالة، وقد فات العبد والجارية قائمة أو لم يفوتا، قال هذا من التهاتر، عند ابن القاسم ويتحالفان ويتفاسخان، وقد يقضي لكل واحد بما قامت به ببينته، يعطي المبتاع الجارية والغلام، ويعطي البائع مائة دينار فيقضي بالزيادة فيما زادت به البينة. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن شهد اثنان أنه طلق امرأته في مجلس، وشهد آخران أنه لم يتفوه في مجلسه ذلك بشئ، فإنه يقضي بقول من أثبت الطلاق، قال ابن حبيب عن ابن القاسم نحو ما ذكر عنه ابن المواز في اثنين شهدا أنه طلق، وقال آخران أعتق، وهي كلمة واحدة أن ذلك كله يبطل، وقاله أصبع، قال وقال مطرف وابن الماجشون إن الشهادتين جميعا جائزة من طلاق وعتق أو عتق في عبدين مختلفين لأن كل فريق قد شهد بغير ما شهد به الفريق الآخر، ولو طرحت واحدة بقول الأخري في هذا لطرحت بقول الأخري إنه كان صامتًا، وسواء عندنا كان ذلك في مجلس أو مجلسين، أو قال فريق صمت منذ جلس أو نطق بكذا، وقاله مالك وجميع أصحابنا / لا نعلم خلافه، قال مطرف: ولو قال فريق طلق امرأته ثلاثا وقال فريق بل واحدة، وقال الفريقان كانت لفظو واحدة، قال فليؤخذ بالأزيد، وكذلك في الإقرار بالحق، وقاله ابن القاسم وأصبغ وقال ابن الماجشون: إن زعموا أنها لفظة واحدة حكمت بما اجتمعوا عليه من عدد الطلاق أو الحق فأحلفت المطلوت فيما زاد لأنهم تكاذبوا فيما زادوا (¬1) ولا يشبه الأول، لأن ذاك أمران مختلفان، وهذا أمر واحد اجتمعوا علي شئ وتكاذبوا فيما ناب عليه. [9/ 78] ¬
قال ابن حبيب: والأول أحب إلي، ولكن لو شهد واحد أنه طلقها واحدة وآخر بالثلاث فلا تبالي قالا ذلك في مجلس أو مجالس وليؤخذ بما اجتمعا عليه ويحلف علي ما ناب. ولو قال أحدهما أقر له بمائة وقال الآخر بل بخمسين، وقالا إنه إقرار واحد فليؤخذ بما اجتمعا عليخ بلا يمين، وحلف إن شاء علي ما زاد الآخر وأخذه، قال مطرف وابن الماجشون: وإذا شهد شهود أن كتابا قرئ علي قاض فحكم بتجويزه، وشهد آخرون أنه قرئ عليه ولم يسمع له تجويز، أو قالوا لم يجوزه أصلا، قال يؤخذ بشهادة من ثبت دون من نفي كان في محضر واحد أو محضرين تكافأت العدالة أو لم تتكافأ وهم عدول، وكذلك في صلح أو بيع بعضهم قد تم وقال بعضهم لم يتم فالشهادة من ثبت. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية (¬1)، من رواية عيسي قال ابن القاسم فيمن ترك أربعة/ من الولد فشهد اثنان منهم أنه أوصي لفلان بمائة درهم، وقال الآخران بل لفلان وأوصي بها، قال يقضي بأعدلهما فإن تكافؤوا قسمت الألف بين الرجلين نصفين. قال ابن القاسم في المجموعة والعتبية (¬2): وإن ترك ابنين، فقال أحدهما أوصي لفلان بألف، وقال الآخر بل لفلان فليحلف كل واحد منهما ويقتسمان الألف، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر كانت الألف للحالف، وإن نكلا وقالا لا علم لنا فليدفع كل ابن منهما ما يصيبه من الألف للحالف، وإن نكلا وقالا لا علم لنا فليدفع كل ابن منهما ما يصيبه من الألف إذا قسمت ميراثاً إلي من شهد له، فإن لم يكن غيرهما وكانت تخرج من الثلث أدياها. قال في المجموعة: ومن أقام شهيدين أن فلانا أوصي له بغنم وقال الورثة إنما أوصي له بفرس أو ثوب أو مائة درهم فأراد أن يأخذ الوصيتين بإقرار الورثة وشهادة الشاهدين فذلك له فأعدهما وصيتين حتي يقولوا لم يوص إلا بكذا فيكون ذلك إكذابا لمن شهد أو أقر له من الورثة. [9/ 79] ¬
وقال ابن دينار فيمن شهد له ثلاثة نفر أن فلانا أوصي له بمائة، وشهد اثنان أنه إنما أوصي له بخمسين ولزيد بخمسين، فإن لهذا ثلاثة أرباع المائة وزيد ربع المائة لأنا أعطيناه خمسين اجتمع له عليها وقسمت الخمسين الأخري بينهما لإختلاف البينة فيها، وإن شهد ثلاثة أنه أوصي لزيد ولعمرو بخمسين، وشهد آخران أنه إنما أوصي بالمائة لعمرو وبالخمسين لزيد قال خمسين ومائة تقسم بينهما نصفين لاختلاف الشهادة فيها. ومن كتاب ابن المواز / وإن أقر الوارثان أو أحدهما أن الميت أوصي لفلان بالثلث، وشهد شاهدان أنه أوصي بالثلث لآخر، فإن كان الوارث عدلا حلف معه وكان الثلث بينهما، وإن كان بعضهم أعدل من بعض أو لم يتكاذبوا فإن لم يحلف أو كان الوارث غير عدل فالثلث لمن شهد له الأجنبيان دون الآخر، وإن شهد الوارث أنه رجع عن وصيته بالثلث لمن شهد له الأجنبيان وأوصي به لآخر، وشهد الأجنبيان أنه انتزع ذلك من الذي شهد له الوارث وجعله لمن شهدا له فإن كانت شهادتهم في وقتين قضيت بقول آخرهما وقتا، فإن لم يوقتا أو وقتا وقتا واحدا قضيت بأعدلهما، فإن كان الوارث أعدل حلف معه مدعيه وقضي له، وإلا قضيت له بالشاهدين إن كان أعدل. وإن كان تكاذبهم في فرس وعبد، فقال الوارثان أوصي لسعيد بالعبد ورجع عن وصيته لزيد بالفرس، وشهد الأجنبيان أنه رجع عن وصيته لسعيد بالعبد وأوصي لزيد بالفرس، فإن لم يكن ما شهد به الوارث أكثر ثمنا قضيت بشهادة آخرهما وقتا، فإن وقتت واحدة فالشهادة لها، وإن لم يوقتا وتكافأتا كان ذلك بينهما، وإن كان الأجنبيان أعدل جاز ما شهدا به ونظر إلي ما شهد به الوارث، فإن كان يخرج من ثلث المال كله أخذه من شهد له الوارث وإن استوعب ثلثي مال البيت إن لم يكن له وارث غيره، وإن لم يخرج من ثلث المال كله فله ما يخرج منه، قال محمد: هذا قول ابن القاسم، وقال أشهب: / لا يأخذ من العبد إلا ما حمل الثلاثة بعد إخراج القرض من المال. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد رجل علي رجل أنه شج هذا موضحة، وشهد آخر أنه أقر شجه موضحة قضي له بذلك واقتص له إن [9/ 80]
في الشاهدين يختلفان في عدد المال أو في عدد الطلاق
حدوا للموضحة، ولو شهد واحد أنه ذبحه، وشهد آخر أنه غرقه أو أحرقه بالنار لم نجز الشهادة لأنها أفعال مختلفة، وكذلك إن شهد واحد أنه قتله بحجر وشهد آخر أنه قتله بالسيف لم تجز الشاهدة، ولا يقسم علي قول أحدهما. قال أبو محمد: يريد إذا ادعي شهاتهما، وإن ادعي شهادة أحدهما أقسم عليه، وإن شهد واحد أنه سرق كبشاًَ، وقال الآخر سرق معجة فلا يقطع، وكذلك إن شهد واحد أنه سرق يوم الخميس، وقال الآخر يوم الجمعة لم يقطع، ولو شهد شاهدان أنه حلف لا دخل دار عمرو بن العاص، فشهد واحد أنه دخلها في رمضان، وقال آخر دخلها في ذي الحجة طلقت عليه علي مذهب ابن القاسم وفي قول أشهب لا تطلق لأن هذا فعل وليس بقول وبذلك أقول، وكذلك الحالف لا كلمت فلانا، فشهد واحد أنه كلمه في السوق وقال الآخر في المسجد أجاز ذلك الحاكم، وكذلك في العتق، وإن شهد واحد أنه طلقها البتة، وشهد آخر أنه حلف بالبتة إن دخل الدار، وشهد هو وآخر أنه دخلها فلا تجوز الشهادة. في الشاهدين يختلفان في عدد المال، أو في عدد الطلاق أو يزيد أحدهما علي دعوي المدعي أو شهد/ كل واحد علي مائة دينار فيقول المطلوب هي واحدة أو يقول أحدهما قضاه بعضها واختلافهما في غير ذلك من المجموعة قال ابن نافع عن مالك: وإذا شهد شاهدان أحدهما بمائة وآخر بخمسين فإما أخذ الخمسين بلا يمين، أوحلف وأخذ المائة قال ابن نافع: هذا إن كان في موطن واحد وإن اختلفت المواطن (¬1) فله أن يحلف مع الشاهد المائة ويأخذها ومع شاهد الخمسين ويأخذها، قال ابن الماجشون: أما إن كانا بصكين [9/ 81] ¬
صك بخمسين وآخر بستين فلا اختلاف أنه يقضي بهما، واختلف في شهادتهما بغير صك، فشهد رجل بخمسين وآخر بستين، فقالواـ وهو الصواب ـ إن قال الطالب هي ما لان حلف يمينين وأخذهما وحلف ما الخمسون من الستين، وإن قال إنما لي ستون فإما أخذ خمسين بلا يمين أو ستين باليمين، وقال ابن القاسم: إن شهد شاهد بعشرة وآخر بعشرة وآخر بعشرة فإن شاء حلف مع كل واحد وأخذ ثلاثين ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن الماجشون: وإن شهد رجلان بألف علي رجل قال أحدهما بيض وقال الآخر سود فإن شاء أخذ السود وهي الأدني ورد اليمين علي المطلوب، وإن شاء البيض حلف وأخذها، وهذا من ناحية الزيادة في الجنس وليس نصفين، محمد ولو أقر له أنها سود فليحلفه علي البيض إن شاء، ولأشهب في المجموعة نحوه، ولسحنون في العتبية (¬1) وكتاب أبيه / مثل هذا، إلا أنه جعل البيض أفضل. ومن كتاب ابن المواز، وقاله أشهب في المجموعة، وسحنون في العتبية (¬2): وإن شهدا بمائة درهم فقال أحدهما وزن كل درهم خمسة دوانق، وقال الآخر دراهم وازنة فإن شاء أخذ الناقصة ورد اليمين علي المطلوب، وإن شاء الوزانة حلف وأخذها، فإن نكل حلف المطلوب فإن نكل قضيت عليه، يعني بالوازنة، وإن حلف رد الناقصة [ورد اليمين علي المطلوب] (¬3) ومثله شاهد يشهد بعتق مثل وآخر إلي سنة، قال فإن ادعي الطالب المالين ووقف الشهود علي أنه مال واحد فليس ذلك له، وليحلف مع شاهد الوزانة ويأخذها، وإن نكل حلف المطلوب ما له عليه إلا الناقصة، أو قال ما له علي شئ وودي الناقصة، وإن قالا أشهدت كل واحد منا علي حدة حلف الطالب بيمينين وأخذ المالين، وإن شاء حلف علي أيهما شاء ورد اليمين علي المطلوب في المال الآخر، قال محمد بن المواز: بل له أخذ أقلهما بلا يمين، وإن ادعاهما لم يأخذهما إلا بيمين، وإنما يمينه علي الزيادة وحدها، فإن لم يحلف أخذ الأقل وله اليمين علي المطلوب في الزيادة، فإن نكل غرمها. [9/ 82] ¬
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز لأشهب، وهو لسحنون في العتبية (¬1) وكتاب أبيه، قال أشهب: وإن شهدا له بألف فقال أحدهما قضاه خمسمائة ولم يقر هو بالقبض فكل واحد شهد بخمسمائة، فإما أخذها بلا يمين ورد اليمين علي المطلوب / ما له علي إلا بخمسامائة، قال في كتاب ابن المواز فإن نكل حلف الطالب وأخذ ألفااً، قالوا وإن شاء حلف وأخذ ألفاً، قال في المجموعة وفي العتبية (¬2) إلا أن يحلف المطلوب علي قضاء الخمسمائة فيسقط عنه، فإن نكل لم ترد اليمين علي الطالب لأنه حلف مرة، قال ابن المواز لا يحلف الطالب لأنه مكذب لشاهده، ولكن إن ادعي المطلوب أنه قضاه خمسمائة حلف مع شاهده ولم يغرم إلا خمسمائة، فإن نكل حلف الطالب وأخذ الألف. قالوا كلهم: وإن شهدوا له بألف درهم علي رجل فقال أحدهما حالة، وقال الآخر إلي سنة، فإن شاء حلف مع شاهد الحال فكانت حالة، وإن شاء أخذها إلي سنة بغير يمين. قال أشهب: وليس للمطلوب أن يحلف مع شاهده أنها إلي سنة إذا حلف الطالب أنها حالة، قال ابن المواز ولا يعجبنا هذا وله أن يحلف إن أقر بالحق وادعي الأجل مع شاهده، وإن أنكر الحق فهو للأجل أنكر ولا يحلف لأنه مكذب لشاهده، قال وإن لم يحلف الطالب أنها حالة رد اليمين علي المطلوب فحلف أنها إلي سنة أو يحلف ما له عليه شئ. ومن كتاب ابن سحنون وهو لأشهب: ومن ادعي أنه ابتاع من فلان هذا العلام بمائة دينار وأقام بذلك شاهدا، وشهد له شاهد آخر أنه ابتاع منه هذا الغلام وهذه الجارية بمائة، وهو لا يدعي الجارية قال قد كان / له أن يحلف مع الشاهد الأول ويأخذ الغلام إن لم يدع الجارية، وإن ادعاها فله أن يأخذ العبد بلا يمين وله أن يحلف ويأخذ الجارية والعبد. [9/ 83] ¬
ومن المجموعة قال المغيرة: ومن شهد له شاهد في وصية بمائة وشهد آخر أنه أوصي له ولزيد معه بالمائه فليحلف الأول وتثبت له المائة ويحلف الآخر مع شاهده ويضرب معه بخمسين، فإن نكل قيل للآخر احلف أن ما شهد به شاهد الناكل لباطل وخذ المائة، فإن نكل ضرب معه الآخر بخمسين. ومن المجموعة [قال ابن الماجشون] (¬1): وإن شهد شاهدان بطلقة وشاهدان بطلقتين لزمته اثنتان، قال مالك: وإن شهد واحد بالبتة وآخر بواحدة لزمته واحدة وحلف علي البتة، وقال الماجشون: وإن شهد واحد باثنتين وآخر بالبتة لزمته اثنتان وقال البتة في ذلك مجري الثلاث، وكذلك جميع ألفاظ الطلاق التي يلزمه بها البتة، قيل له فإن لم يبن بها فشهد واحد ببائه والآخر بالبتة قال تطلق عليه، ثم إن أراد أن يتزوجها حلف علي شاهد البتة. قال ابن حبيب قال مطرف: لا تلفق الواحدة إلي البتة لأن البتة لا تتبعض. ومن كتاب ابن المواز قال: وإن أربعة [بألف درهم، قال اثنان بيض وقال اثنان سود، أو شهد اثنان منهم] بخمسمائة فقط، وقالوا كلهم هي شهادة واحدة فليس بتكاذب، وهذا من الحكم بالزائد فيقضي بالألف بأتم الشهادتين بغير يمين. [قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهد عليه شاهدان أنه أقر له بمائة درهم صحاحا وشاهدان أنه أقر له بمائة درهم / قطعا، والطالب يدعيها، فإن لم [يصفها ذلك بصفة] (¬2) فيها تكاذبهما قضي له بالمائتين، ويحتاط في ذلك فيحلف المدعي أن له عليه المائتين فإن نكل حلف الآخر وغرم أي المائتين شاء بعد يمينه علي الاخر، [فإن نكل كان للمدعي المائتان جميعا] (¬3). ولو شهدا أنه أقر عندهما بمائة مبهمة وشاهدين بمائة قطع أو صحاح فليحلف المشهود عليه ما له عليه إلا مائة درهم إن شاء قال قطعا أو صحاحا وتدخل المبهمة في الموصوفة، وإن قال شاهدان بمائة درهم صحاح وشاهدان بمائة [9/ 84] ¬
في اختلاف أهل النظر في الجنس أو الصفة أو الجودة
درهم قطع، وآخران مائة مبهمة، وليس في الشهادة ما يدل علي التكاذب فإنه يغرم مائتين، مائة صحاحا ومائة قطعا، وتدخل المائة المبهمة فيهما، فإن ادعي الطالب أن له عليه ثلاثمائة حلف المدعي [عليه ما له غير المائتين المبهمتين وبرئ من الثالثة فإن نكل حلف المدعي] (¬1) علي المائة المبهمة [ووصفها بما شاء وأنها] (¬2) غير المائتين التي قامت فيهما البينة ويأخذ منه ثلاثمائة درهم وإن شهد [شاهدان] (¬3) أنه أسلمه مائة درهم صحاحا وشهد آخر أنه سلفه مائة درهم قطعا وقالا كانت شهادتهم [واحدة في مقام واحد فاختلفتا فيه] (¬4) قال فيسأل المدعي فإن قال هما لي جميعا لم يقبل منه، ويقال له إن شئت أن تأخذ القطع بلا يمين بعد أن يحلف المدعي عليه علي الصحاح، وإن قال لي القطع قيل له فقد أكذبت شاهدك بالصحاح، فإن كان أعدلهما فلا شئ لك لأنه قد كذب بعضهما بعضا، وإن كان شاهد القطع أعدل فله أن يحلف معه ويستحق، فإن نكل حلف الآخر وبرئ وفي كتاب الإقرار معني من هذا. / في اختلاف أهل النظر في الجنس أو الصفة أو الجودة من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا اختلف أهل النظر في جودة الدنانير ورداءتها فلا يؤخذ إلا اجتمعوا عليه. محمد ولو قبلها علي أنها جياد ثم جاء ليردها فاختلف عليهم فلا يردها حتي يجتمعوا أنها رديئة. قال مالك: ومن ابتاع ثوبا نسبه البائع إلي جنس فقال بعض أهل البصر هو من ذلك الجنس [وقال بعضهم ليس منه، فإن شهد عدلان أنه من ذلك الجنس] (¬5) لزم المبتاع لأن البينة [9/ 85] ¬
في الرجل يقر للرجل عند طوائف بمال ثم يقول هو مال واحد
علي البائع إلا أن يأتي المبتاع ببينة هي أقوي [وأثبت في المعرفة والنظر قال محمد: لا نعرف هذا لمالك ولا لابن القاسم] (¬1)، وهذه شهادة تكاذيب، والبيع ثابت إلا أن يأتي المبتاع بأعدل من شهوده، وفي كتاب الإقرار معني من هذا. في الرجل يقر للرجل عند طوائف بمال ثم يقول هو مال واحد وكيف إن كان مثل هذا في قبض مال أو براءة والطالب يقوم بدين والمطلوب ببراءة ولا تاريخ في ذلك وكيف إن تكرر ذلك في طلاق من المجموعة قال ابن القاسم فيمن أشهد علي نفسه أقواما أن لفلان عليه مائة دينار، ثم أشهد بذلك آخرين، ثم آخرين في غد وبعد الغد أنه يلزمه ثلاثمائة دينار إن طلب ذلك رب الحق. وقال غيره: إن كان بكتاب واحد فهو حق واحد، وإن كان كل شهادة بكتاب فهي حقوق، وإن لم يكن في شئ من ذلك كتاب فهي مائة واحدة إذا حلف المطلوب وتقارب ما بين / الشهادات. وقال ابن سحنون عن أبيه: واضطرب مالك في هذا، وآخر قوله وبه أقول أن المقر يحلف ما كان ذلك منه إلا إقرارا واحدا وتلزمه مائة واحدة. وسئل عمن أقر عند قاض أنه قبض من رجل مائة دينار من دين له عليه، ثم سأله القاضي بعد أن كتب إقراره، فقال دفع إلي رسوله مائة دينار فشهد عليه بذلك قوم فقال هي المائة التي أقررت بها أولا، وادعي الخصم أنهما مائتان وذلك في مجلس واحد وبين الكلامين سكوت، قال يحلف المقر ما كان ذلك منه إلا إقرارا واحدا ثم لا تلزمه إلا مائة واحدة، وهو آخر قولي مالك، قال ابن حبيب فيمن أقر لرجل مرة بخمسين ومرة بمائة شهد عليه بكل مقالة شاهد، وقال الطالب هما حقان، وقال المطلوب يحلف مع كل شاهد، وكذلك لو كان علي كل إقرار شاهدان لأخذ ذلك [9/ 86] ¬
بلا يمين، إلا أن يقول المطلوب إن ذلك حق واحد فيحلف الطالب منك هو إقرار واحد ويأخذ وسواء كانت الشهادة علي دنانير كلها أو علي دراهم كلها، اتفق العدد أو اختلف، أو علي صنفين من دنانير ودراهم، أو دنانير وعروض، كان علي إقرار أو علي معاملة، كان يعرف بينهما مخالطة ومبايعة أو لم يعرف، وكذلك إن قال عند ثلاث فرق أسلفني فلان مائة دينار في أيام مختلفة، فإن زعم الطالب أنها ثلاثمائة حلف وكان ذلك له قاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم، وقال أصبغ: / إذا ترادفت الشهادات بإقراره والعدد واحد وقال هو حق واحد فليحلف ويقبل قوله، وإن اختلف العدد فكان الأقل المتقدم في التاريخ قبل قول المقر مع يمينه أن القليل دخل في الكثير، وإن كان الأكثر متقدما في التاريخ فهما مالان إلا أن يقول في كل شهادة أسلفني فلان كذا، أو شهد كل قوم علي معاينة السلف أو البيع فلا يقبل قوله إنه حق واحد، قال ابن حبيب والأول القياس وهذا استحسال. ومن كتاب ابن المواز، وقاله القاسم في العتبية (¬1) من رواية أبي زيد فيمن قام له شاهدان بمائة وأقام المطلوب شاهدين بإقرار الطالب أنه لا شئ له قبله، قال في العتبية أو قال شاهدا البراءة كان ذلك منذ شهر. قال ابن القاسم: بينة البراءة أولي، قال ابن المواز بينة الدين أولي حتي تثبت البراءة منه لأنه قد كان بريئا قبل تداينه فالطالب يقول أبرأني قبل المداينة، ولو قالا أقر أنه لم يبق له عليه حق، أو لا شئ لي عليه مما كان لي، أو مما كان بيني وبينه، أو ما يدل أن إقراره براءة استيفاء لسقطت بذلك دعواه، فأما إن شهدا ما له عليه حق ولم يشهدا علي العلم فبينة الدين أثبت إلا أن يشهدا أنه أبرأه من حق كما ذكرنا. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن له علي رجل كتاب بخمسمائة فقام عليه هذا المطلوب ببراءة من ألف وقال الخمسمائة داخلة فيها، وقال الطالب الخمسمائة غير الألف، فالقول قول الطالب. وقال أصبغ عن ابن القاسم: / إن القول قول المطلوب، يريد مع يمينه، وقاله أصبغ، والأول أحب إلي. [9/ 87] ¬
وقال ابن نافع فيه وفي العتبية (¬1) في البراءة والإقرار: إن كانت بينهما مخالطة وكثرة مبايعة ومسالفة فالبائع مصدق، يريد مع يمينه، والبينة علي المطلوب أن الخمسمائة دخلت في البراءة من الألف، وإن لم يكن بينهما مخالطة وكثرة مبايعة ومسالفة فالقول قول المطلوب وذكر أصبغ ويحي بن يحي عن ابن القاسم نحو ما ذكر عنه ابن حبيب، وذكره عن ابن القاسم وابن وهب، وفي السؤال أنه ادعي عليه مائة دينار فأتي ببراءة من عشرين ومائة ويذكر أن المائة قد دخلت في ذلك أنه يحلف علي ذلك والقول قوله. وقال ابن القاسم: بلغني عن بعض أهل العلم فيمن ادعي علي رجل بألف دينار وأتي فيها بذكر حق، فأتي المدعي عليه ببراءة من ألفي دينار أنه يحلف ويبرأ. ومن العتبية روي أصبغ عن ابن القاسم فيمن أتي بذكر حق له علي رجل بألف دينار وأتي عليه ببراءة من ألف دينار وأتي المطلوب عليه ببراءة من ألف دينار وببراءة إذا اجتمعت فيها ألف دينار أو أكثر، فادعي المطلوب أن الألف دخلت في هذه البراءة أو البراءات، وأنكر الطالب ولا تاريخ في ذلك، فالقول قول المطلوب، قال سحنون في كتاب ابنه مع يمينه في قيامه ببراءة ثم ضعف اليمين بعد ذلك. ومن العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن عليه مائة دينار دينا وادعي قضاءها فأقام شهيدين أن الطالب أقر أنه قبض منه خمسين وأقام شهيدين / آخرين أنه أوصل إليه خمسين، وقال الطالب هي خمسون واحدة، ولكنه فرق المجالس في الشهادة علي، قالا لا يقضي له خمسين، يريد مع يمين الطالب، قال إلا أن يكتب عليه براءتين ويستدل بهذا أنهما مالان ويبرأ، قال عنه ابنه إذا جاء عليه ببراءات مفترقة فإن كان ليس في واحدة منهن مفردة وفاء من الألف فلا براءة له مما ثبت عليه، وإن كان في واحدة منها جميع الألف وصار بقية البراءات زيادة فليحلف ويبرأ، ثم قال بعد ذلك يبرأ وإن كان ليس في كل واحدة إذا. [9/ 88] ¬
انفردت كفافا لذكر الحق لأنه يقضيه شيئا بعد شئ يكتب له براءة بعد براءة بما انتهي. ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن قام بصك بعشرة دنانير علي رجل فأقام المطلوب بينة أنه [قضاه إياه منذ تسع سنين فأقام الطالب بينة أنه] (¬2) أقر له به منذ سنتين، قال يقضي ببينة الاقرار الحديث. وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم فيمن له قبل رجل اثنا عشر دينار واقر الطالب أنه قبض منه خمسة ثم ثلاثة ثم دينارا أو أقر أنه قد قبض التسعة جملة، وجاء المطلوب ببينة أنه قضاه ثلاثة فقال الطالب هي من التسعة، وقال المطلوب بل هي الثلاثة الباقية، أو له عليه ستة، فأقر الطالب بقبض ثلاثة، وأقام المطلوب بينة بقضاء ثلاثة، فقال الطالب هي الثلاثة التي أقررت بها، فالمطلوب مصدق مع يمينه ويبرأ من جميع الدين، وقاله أصبغ، وقال مطرف وابن الماجشون، القول قول الطالب مع يمينه وبه أقول. قال في المجموعة / عن ابن القاسم ومن العتبية (¬3) من رواية عيسي عن ابن القاسم: وإذا شهد عليه رجلان أنه أشهدهما بطلاق امرأته في رمضان واحدة، وآخران بمثل ذلك في شوال، وآخران بمثل ذلك في ذي القعدة، أنها ثلاث ولا يدين، وكذلك في اختلاف الأيام والمجالس، وكذلم إن كان ذلك في يمين واحدة في شئ واحد فهي ثلاث ولا يدين، وقال غيره قال ابن المواز: إن قال اشهدوا أني قد طلقتنها فهو يدين، وإن قال عند كل شاهدين اشهدوا أنها طالق لم يدين. وقال ابن وهب عن ملك فيمن شهد عليه رجلان، كل رجل بطلقة قال أردت واحدة أنه يحلف ويدين. [9/ 89] ¬
ومن العتبية (¬1) من كتاب الوديعة من سماع ابن القاسم ومن عنده لرجل وديعة ثلاثة وعشرون دينارا، فأخذ منه شيئا بعد شئ حتي بقيت ثمانية عشر، فذكر أنه تسلفها وكتب عليه بها صكاً مؤرخاً ببينة ثم طلبه بها مدة فأخرج عليه براءة من أربعة دنانير بغير تاريخ، وزعم أنها من الثانية عشر، وقال الطالب: بل هي من الثلاثة وعشرين الأصل، قال إذا لم تكن البراءة مؤرخة، والصك الثمانية عشر مؤرخ، وهو مقر بالأصل أو ثبت ببينة فليحلف الطالب ما هذه البراءة من الثمانية عشر وقضي له بها عليه. قال ابن سحنون: كتب شجرة إلي سحنون فيمن أقام بينة علي رجل أنه له قبله مائة دينار وخمسين دينارا وعدلت فسأله القاضي هل قبضت منها شيئا؟ قال قبضت من غريمي / هذا مائة دينار، فكتب إقراره بذلك ثم سأله بعد ذلك في المجلس بعد سكوت وكلام كثير ما الذي قبضت من هذا الدين؟ قال قبضت من رسول خصمي هذا مائة دينار، ثم ادعي الطالب انها مائة واحدة وأنها المائة الأولي التي كتبها القاضي ولم يكتب القاضي إقراره الثاني وقد شهدت به بينة، وزعم المطلوب أنهما مائتان مائة بدفعي ومائة بدفع رسولي، فكتب إليه: كان مالك يضطرب في هذا الأصل، والذي أخذ به وهو أكثر قول مالك أن يحلف المقر ما كان ذلك منه إلا إقرارا واحدا، لأنه قد جاز في كلام الناس أن يقول قبضت منك وقبضت مني، وإنما جري ذلك بإرسال ولم يل الاعطاء بيده، ألا تري أن أصحابنا جعلوا إقرار الرجل بمائة دينار في مجالس شتي مائة واحدة، وجعلوا بخلاف براءات الحقوق إن كان كتب ثلاثة فهي كلها لازمة، وهذا الباب قد جري في الاقرارات مستوعب بمثل معناه. [9/ 90] ¬
في الشاهدين يشهدان على رجل بمال أو تمليك ربع أو عتق أو طلاق ويختلفان
في الشاهدين يشهدان علي رجل بمال أو تمليك ربع أو عتق أو طلاق ويختلفان في اللفظ والمعني من المجموعة والعتبية (¬1) ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم في الرجلين يشهدان لرجل بمسكن، يقول أحدهما مسكنة، ويقول الآخر حيزة قال هي شهادة واحدة، وكذلك كل ما اتفق معناه واختلف لفظه. قال ابن القاسم في العتبية (¬2) من رواية سحنون عن ابن القاسم في يتيم صغير يشهد له / شاهد أن أباه نحله هذا العبد وحازه له، وشهد آخر أنه تصدق به عليه، قال ليست شهادة واحدة لأن النحلة تعتصر والصدقة لا تعتصر، وهذا كشاهدين شهد أحدهما أن فلانا أسلفه فلان مائة دينار، وقال الآخر هي له عليه من بيع فليست شهادة واحدة، وليحلف مع أحدهما ويستحق مائة. وروي عنه محمد بن خال في المسألة الأولي قال في سؤاله كان ذلك في صحته، فقال إن باع الغلام حلف مع شاهده علي الصدقة واستحقه، وإن لم يبلغ وخيف علي الغلام بيع وأوقف ثمنه حتي يبلغ، فإن حلف استحقه وإن نكل كان ميراثا. قال سحنون في كتاب ابنه: ولست أري ذلك وأري الشهادة واحدة وله العبد إلا أن يقيم الورثة بينة أنه اعتصره بعد النحلة فيكون للابن أن يحلف مع شاهد الصدقة ويستحق. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا شهد شاهدان علي ميت، قال أحدهما إن هذا عبده أعتقه، وقال الآخر إنه عبده كاتبه، فقد اجتمعا علي الرق واختلفا فيما سواه، فيثبت الرق ويبطل ما أختلفا فيه. [9/ 91] ¬
قال ابن الماجشون فيه وفي كتاب ابن المواز: شهد أحدهما أنه أوصي بعتقه وشهد آخر أنه دبره فليعتق في ثلثه ولا يستحق تبرية المدبر علي الموصي له بالعتق بعد موته، وإن شهدا في حياته قال ابن المواز في مرضه أو صحته، قال فليحلف أنه ما دبره ويسقط تدبيره لأن له أن يرجع / في الوصية لو أقر بها، وكذلك في كتاب اسن سحنون. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فيمن مات وترك عبدا فشهد شاهد أنه أعتقه وشهد آخر أنه ابنه فلا أري شهادتها واحدة لأن واحدا شهد بحرية الأصل وآخر بعتق بعد ملك. ومن كتاب ابن المواز: شهدا علي صحيح قال أحدهما بتله وآخر أنه دبره فذلك باطل إن أنكر، فإن قالا كانت شهادة واحدة ولفظا واحدا فلا يمين عليه، وإن كانت شهادة كل واحد علي حدة حلف مع كل واحد، فإن أبي سجن حتي يحلف، وشهادتهما مختلفة، ولو شهد واحد أنه بتله في صحته وآخر أنه بتله في مرضه إذ أوصي بعتقه، فأما بالوصية فلا يجوز، وأنا إن شهد بالبتل في المرض عتق في الثلث، محمد وأحب إلينا ألا يجوز لأن هذا صرفه إلي الثلث وهذا إلي رأس المال ويحتج أصل الوصايا فيقولون يؤخذ الثلث لذا بشهادة واحدة. قال محمد واستحسن إن لم يكن للميت وصية أن تجوز الشهادة بعتق المرض وبالوصية به حمله الثلث مع شهادة عتق الصحة، لأن عتقه قد أوجباه فواحد أكثر فيه وهو البتل فيؤخذ بالأقل، فأما إن كانت معه وصية فلا لتبديله (¬1) العتق. ومن كتاب ابن سحنون: ومن شهد له شاهد أن فلانا أوصي له بخدمة غلامه فلانا سنة ثم هو حر، وشهد آخر أنه أوصي له بخدمة سنتين ثم هو حر فالمشهود له مخير إن شاء حلف مع شاهد / السنتين واختدمه إلي انقضائهما ثم يعتق، وإن نكل اختدمه سنة ويعتق بعد سنتين، وخدمته في السنة الثانية للورثة، كشاهد بمائة وآخر بمائتين فإن حلف أخذ مائتين وإن نكل أخذ مائة. [9/ 92] ¬
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز والعتبية (¬1) من سماع أصبغ قال ابن القاسم: وإذا شهد شاهد أنه حلف بطلاق زوجته إن فعل كذا، وشهد آخر أنه قال إحدى امرأتي إن فعل، وشهد فلا يتم الشهادة لاختلافهما. قال أصبغ في العتبية (¬2) وكتاب محمد لا يعجبني هذا، وهي شهادة واحدة لأن قوله امرأتي أو إحدي امرأتي سواء، ويرجع إلي أنه نوي واحدة وإلا طلقتا عليه، فإن أقر بها وادعي النية صدق، وإن أنكرها كان كمن لا نية له وطلقتا عليه. قال محمد: إن لم يشهد أحدهما علي امرأة بعينها فالشهادة واحدة، وإن شهد واحد علي معينة فكأنه لم يشهد عليها غيره ولا نطلق، وهو أقرب إلي قول ابن القاسم، وقاله عبد الملك. ومن العتبية (¬3) من سماع عيسي وأصبغ عن ابن القاسم، وهو كتاب ابن المواز لأشهب: وإن شهد واحد قال عيسي عن ابن القاسم بواحدة، وقال أصبغ بالبتة، وقال أشهب بالبتة أو بالواحدة، قالا وشهد آخر أنه صالحها وهو منكر فليحلف ولا شئ عليه، قال محمد لأن الصلح طلاق علي فعل شهد عليه واحد، قال أشهب: ولو شهد واحد أنه / صالحها، وشهد آخر أنه أقر بالصلح فهي شهادة واحدة ويقضي عليه بالصلح. ولو شهد واحد أنه قال أنت علي حرام، وآخر بالثلاث لزمته الثلاثة. قال عيسي في العتبية عن ابن القاسم: وإن شهد واحد أنه حلف بالطلاق إن دخل دار فلان وأنه دخلها، وشهد آخر أنه حلف بذلك إن ركب دابة فلان وأنه ركبها حلف علي شهادة كل واحد وسقطت الشهادتان. ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: وإن شهد عليه واحد بيمينه بالطلاق إن فرق بيني وبينك إلا ابن أبي سلمة، وشهد الآخر أنه حلف إن استاذيت [9/ 93] ¬
عليك إلا ابن أبي سلمة، وقال الحالف إنما قلت إن فارقني إلا بحقي، فليحلف أن ما قالا ليس بحق. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن شهد أحدهما أنه قتل فلانا بالسيف، وشهد الآخر أنه قتله بالحجر بطلت الشهادتان لاختلافهما، قال سحنون: هذا إن ادعي شهادتهما، وإن ادعي شهادة أحدهما أقسم معه وطرح شهادة الآخر. ومنه ومن العتبية (¬1) من رواية أبي زيد، قال ابن القاسم: ولو شهد علي امرأة بالزني اثنان بالطواعية واثنان بالاكراه فالشهادة باطلة ويحدون. قال المغيرة في المجموعة فيمن شهد له شاهد أن فلانا أوصي إليه وآخران أنه أوصي إليه وإلي فلان يثبت له بذلك شئ، وإن شهد واحد أنه أوصي إليه وإلي رجل لا يعرفه، وشهد آخر أنه أوصي إليه وإلي رجل / آخر لم يجز أيضا، وإن أتي كل واحد من الرجلين [بشاهدين] (¬2) أن فلانا أوصي له فالوصية بينهما. ومن كتاب المدبر لابن سحنون قال: وإذا شهد عليه شاهدان وهو يجحد أنه قال فلان حر أو قال فلان مدبر إن دخل دار فلان وشهد أحدهما أو غيرهما أنه دخلها لزمه الحنث ولو لم يشهد بالدخول غير واحد لم يلزمه إلا اليمين علي تكذيب الشاهد بالدخول، ولو شهد باليمين واحد وشهد بالفعل اثنان وأقر به، وأنكر اليمين فهذا أيضا يحلف أنه ما حلف، ولو شهد واحد باليمين وواحد بالفعل لم يحلف لأن هذا لا يوجب عليه الحنث من البينة لأن هذا شاهد مع شاهد اليمين وآخر مع شاهد الفعل فلا تنوب اليمين عن شاهدين، ولو كان يأخذ الأمرين بشاهدين لم يبق مما يلزمه به الأمر إلا شاهد فتصير يمينه هاهنا لازمة. ومن الأقضية لابن سحنون ما كتب به سحنون إلي شجرة فيمن قام له شاهد أنه بعث عبدا يعرفونه مع أبي الأشعت بن فلان المتوفي، ثم رآه من باعه في تركه أبي الأشعت، وشهد آخر علي إقرار أبي الأشعت أن هذا العبد لهذا الطالب [9/ 94] ¬
في شهادة الأنداد في الطلاق والحدود وغير ذلك
وعدلا فكتب إليه أن ثمنه في تركة أبي الأشعت فأعطه منها الثمن الذي بيع به، إلا أن يجد غلامه بعينه. وكتب إليه فيمن أقام بينة في منزل بيد قوم أنهم يعرفونه لخلف بن فلان حتي هلك أو ترك ورثة يسمونهم وجدوا المنزل وجاء بآخرين فشهدوا بمثل ذلك إلا أنهم قالوا نعلم أن لمحمد أخيه في داخل هذه / الحدود حقا، فكتب إليه يسأل المدعي عن شهادة الآخرين، فإن كذبوهما وقالوا ظننا أنهم يشهدون بالحق فقد بطلت شهادتهم كانت المنزل بيد محمد أو بيد غيرهم، وإن قالوا هو عدول فقد أقروا لمحمد بما أقروا به إن كان في يديه، وإن كان في يد غيره لم يضمن ذلك المدعي عليه قال أبو محمد قوله فقد بطلت شهادتهم، يريد لتكذيبهم أيمانهم، ولكن شهادة البينة الأولي الذين لم يستثنوا لا يقضي له بها. في شهادة الأنداد (¬1) في الطلاق والحدود وغير ذلك من المجموعة قال ابن وهب عن مالك: وإذا شهد عليه رجل انه طلق امرأته البتة بمكة وآخر أنه طلقها البتة بالمدينة لزمته البتة والعدة من يوم شهد الآخر لا من يوم فرق الامام بينهما، وقال عنه هو وابن القاسم وابن نافع: إن شهد شاهدان في طلاق أو عتق فاختلفت الأيام او البلدان والمواضع واتفقت الشهادة جازت، وإن اختلفت لم تجز، مثل أن يختلفا في يمينين علي فعلين مختلفين. قال عنه ابن القاسم في العتبية (¬2): كذلك لو شهد عليه بفرية أو شرب خمر واختلفت الأوقات أو الأماكن لنمت الشهادة، وقاله ابن القاسم. ومن المجموعة قال عبد الملك، وهو في كتاب ابن المواز لم يذكر عبد الملك: ولو شهد عليه رجلان أنه حلف بالطلاق إلا فعل كذا وشهد ثالث أنه فعله فإنه [9/ 95] ¬
يحلف ما فعله، ولو / كان الشاهد باليمين واحدا وآخر بالحنث لم تلزمه يمين لا علي يمين ولا علي حنث. قال ابن الماجشون: ولو شهد اثنان بالفعل وأقر هو بذلك لأحلفته. قال ابن المواز: ولو شهد باليمين وبالحنث واحد لأحلفته. قال أشهب في المجموعة: فإن شهد أحدهما أنه قال لرجل إن دخلت الدار فأنت زان ثم دخلتها، وشهد الآخر أنه قال له إن ركبت الدابة فأنت زان، وأنه ركبها، فالشهادتان مختلفتان (¬1) ولا شئ عليه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن شهد عليه أربعة بالزني واتفقوا في الرؤية والصفة واختلفوا في الأيام والمواطن فلا يضر ذلك لأنهم لو قالوا رأينا فرجه في فرجها وسكتوا عما ذكرت لمضت الشهادة، فاختلافهم في المواضغ والأوقات والأحوال لا يضر، وقال ابن القاسم عن مالك: إن ذلك يسقط الشهادة إذا اختلفوا في الأيام أو المواضع وأجاز ذلك في الخمر والقذف. ومن كتاب ابن المواز قال: وإن شهد واحد علي رجل أنه رآه يشرب الخمر أمس وشهد آخر أنه رآه بشربها اليوم أو اختلفا في البلدين لم تجز الشهادة لأنهما فعلان بخلاف الاقرار، ولو شهد واحد أنه أقر بشربها في وقت كذا وبلد كذا، وشهدا آخر بإقراره في يوم آخر أو بلد آخر فهو بخلاف الأول، وكذلك الطلاق وغيره، وكذلك علي أنه رآه سكرانا في شعبان وآخر أنه رآه سكرانا في رمضان فهو كالاقرار، وذهب عبد الملك في الذي يشهد / عليه واحد أنه شربها بالمدينة وآخر أنه شربها بمصر أنه يحد لأنه زعم مالا تكشف عليه البينة (¬2) كيف شرب وأيم شرب، والأول قول ابن القاسم وأشهب، وذكر ابن عبدوس عن القاسم وأشهب وابن الماجشون نحو ما ذكر عنهم ابن المواز، قال ابن المواز: ومسألة واحدة ذكرها ابن عبد الحكم عن مالك تشبه قول عبد الملك، إذا قالا رأيناه [9/ 96] ¬
يشرب الخمر في وقت كذا لوقت واحد، فقال أحدهما في قدح من قوارير وقال الآخر في قدح من عيدان أنه يحد، وروي ابن وهب عن مالك مسأله الرؤية رآه هذا سكرانا من خمر بالأمس ورآه هذا كذلك اليوم أنه يحد. قال ابن القاسم: ولو شهد واحد أنه شرب خمرا، وشهد آخر أنه شرب نبيذا أنه يحد يريد ولم يختلفا في الأيام والمواضع. وإن شهد واحد أنه حلف لا يشرب نبيذا فشربه فلا شئ عليه يريد لأن المسكر غير النبيذ. قال ابن القاسم: وإن شهد واحد أنه قذفه في شعبان وآخر أنه قذفه في رمضان حد، وهذا من القول، وكذلك الاقرار في الخمر والحقوق، وقاله ابن وهب، قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة وكتاب محمد: وإن شهد واحد أنه سرق كبشا وشهد آخر أنه سرق نعجة لم يجز لأنهما فعلان، قال أشهب إلا أنهما إن شهدا علي فعل واحد فهو تكاذب، وإن كان علي فعلين أو يومين لم يقطع أيضا، ولكن له أن يحلف مع أيهما شاء ويقضي له بشهادته أو يحلف معهما جميعا ويقضي له بالأمرين ما لم يكن علي فعل واحد ووقت واحد. / قال المغيرة عن مالك في المجموعة: تجوز شهادة الأنداد (¬1) في العتق والطلاق والفرية وشرب الخمر، وإن اختلفت الأماكن والبلدان، بخلاف السرقة والزني، حتي يتفقوا في المرأة بعينها وفي المكان، فإن اختلفوا في ذلك في الزني أو في السرقة بطلت الشهادة، وقاله المغيرة، قيل فما الفرق؟ قال لأن السرقة فيها علل منها مالا يجب فيه قطع، ومنها أن يكون مؤتمنا، ومنها أن يكون خادم القوم، ومنها من غير حرز، والخمر قد حرم قليلها وكثيرها علي أي وجه دخلت البطن فهي خمر علي اختلافها. قال ابن نافع عن مالك: وإن شهد واحد أنه حنث بيمين، وقال الآخر أشهدني علي مصالحته. [9/ 97] ¬
في المدعي يكذب بينته، وفي المدعى عليه يجحد
في المدعي يكذب ببينته، وفي المدعي عليه يجحد فإذا ثبت عليه الحق طلب المخرج من المجموعة قال عبد الملك فيمن ادعي في عرصة أو مزرعة عند قاض وكتب دعواه فكلف البينة فأتي بمن شهد له علي عرصة أو مزرعة غير التي ادعي قال يقضي له بشهادتهما إذا ادعاها لأنهما لو شهدا علي ما ادعاه وزادا معه سواه وطلب جميع ذلك كان ذلك له. وقال أشهب فيمن ادعي قبل رجل وديعة فجحده إياها، وقد كان أخذها منه [ببينة أو بغير بينة ثم ادعي ردها إليه فإنه ضامن لها ولا ينتفع ببينة] (¬1) لأنه أكذبهم في الدفع بجحده إياها، وقد قال لي مالك فيمن ادعي قبل رجل / حقا فجحده إياه، فلما قامت عليه البينة أقام بينة بأنه دفعه إليه فلا يقبل ذلك منه بعد الجحد، ورواه عنه ابن نافع. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: من ادعي عليه قراض أو وديعة أو بضاعة فجحدها ثم أقر بها وادعي تلفها، أو قامت عليه بها بينة فادعي ضياعها فلا يصدق، وكذلك من ادعي عليه دين فأنكر أن يكون كان عليه من ذلك شئ قط ثم أقر به أو قامت عليه بينة فأتي بالبراءة منه فلا تنفعه لأنه أنكره أولا، وذلك إذا قال ما كان لك علي هذا الدين أو لا أعرفه، فأما إن قال مالك علي منه شئ فإن البراءة تنفعه، وقاله أصبغ، وقاله ابن القاسم في الدين، وقاله أشهب في الدين والوديعة وغيرها. ومن العتبية روي عيسي عن ابن القاسم فيمن دفع إلي رجل مائة دينار قراضا علي أن يخرج هو خمسين ويكون الربح بينهما نصفين ثم جحد أن يكون أخذ منه شيئا حبيسا، ثم قال بعد تلف مني، قال قال مالك فيمن بعث معه بمال ثم سئل عنه لما قدم فقال لم تبعثوا معي بشئ فلما قامت عليه البينة قال ضاع مني، قال مالك يحلف بالله لقد ضاع ثم يبرأ، وكذلك مسألتك. [9/ 98] ¬
قال عيسي إذا جحد حتي قامت عليه بينة لم يصدق في الضياع، وكذلك بلغني عن مالك، وقال ابن القاسم [في العامل يجحد القراض ثم يزعم أنه رده، قال إن لم يأت بالبينة علي أنه قد رده ضمنه، / بخلاف لو ادعي الضياع، وقال مالك في كتاب من سماع ابن القاسم] (¬1) ما أري عليه إلا يمينه بالله ويبرأ، وهذه المسائل قد كررنا ذكرها في كتاب القراض. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن ادعي عند رجل مالا فجحده، ثم أتي ببينة أنه رده إليه قال لا تنفعه البراءة إلا إن أتي بوجه له به عذر. قال ومن ادعي علي رجل أرضا في يديه قد حازها عشرين سنة فأنكر الذي هي في يديه أن يعرف أنها له، فأثبت المدعي بينة أنها له فجاء هذا ببينة أنه ابتاعها منه أو من أبيه فإن ذلك يقبل منه لأنه يقول رجوت أن حيازتي تكفيني، وليس هذا كالدين. وقال أشهب في الموصي له بوصية يقتل الموصي عمدا فتقوم بذلك بينة فيصدقهم بعض الورثة ويكذبهم البعض، قال فما صار للذين كذبوهم من وصيته فهو له وما صار للذين صدقوهم فهو لهم، كذلك الوارث تقوم عليه بينة أنه قتل موروثه فصدقهم بعض الورثة وكذبهم البعض علي هذا المعني. وكذلك لو أقر الميت لبعض ورثته بدين فكذبه بعضهم وصدقه بعضهم. ومن كتاب ابن سحنون فيمن أبضع معه رأسين فجحد أن يكون أبضع معه إلا رأسا، وقال الآخر بعثت به مع غيري ووكلني بقبضه إذا وصل إلي بلد الاسلام، وزعم أنه لم يصيل إلي بلد الإسلام وأنه مات مع البضع معه قبل يقبضه فأقام المدعي شاهدين أنه إنما أبضع / بالرأسين معه قال يضمن الرأس الذي لم يقر به لأنه جحد وقد كان في حد الأمانة فأزالها بالجحود. [9/ 99] ¬
[ومن كتاب التفليس من العتبية (¬1) قال عيسي بن دينار فيمن ادعي قتل رجل حقا فأنكر الخلطة، ثم إن المدعي عليه ادعي مثل ذلك قبل المدعي بحق وأتي ببينة أتنفعه بينته وقد أنكر الخلطة؟ قال لا تنفعه إلا أن تكون خلطة بعد ذلك] (¬2). ومن كتاب ابن سحنون وسأله شجرة عمن ادعي دارا بيد امرأة أبيه أنها لأبيه تركها ميراثا بين ورثته وسماهم، ثم جاء ببينة أخري أن أباه أشهد له في صحته بنصفها أصيره إليه في حق له قبله من قبل ميراثه من أمه، وذلك عند مخرجه إلي الحج، ثم رجع فسكنها حتي مات فقال له الحاكم قد ادعيتها أولا ميراثا والآن لنفسك، فقال لم أعلم بهذه البينة الأخيرة، فقال قال سحنون لايقبل منه، يريد لأنه كذب بينته الأخيرة بدعواه الأولي. وقال في كتاب الإقرار: ومن ادعي علي رجل ألف درهم فأقام عليه البينة بألفي درهم فإن قال لم يكن لي عليه قط إلا ألف بطلت ببينته، وكذلك إن سألته عند ذلك فلم يجب، وإن قال كنت أبرأته من ألف أو جاء لي بها قبلت بينته، قال ابن المواز في المشتري العبد يقول لبائعه اشتريته منك بخمسين دينارا، فأنكر البائع أن يكون باعه منه بعد أن شهد عليه عدلان بإقراره بالبيع فإن البيع بلزمه ولا ينفعه إنكاره ولا يؤدي المشتري م إلا الثمن الذي أقر، ولو قامت للبائع بثمن أكثر مما أقربه المشتري لم ينفعه لأنه أكذبه ببينته أن قال ما بعت منه شيئا، وإن ادعي المشتري مالا يشبه فلا يصدق إذا قال ما يعرف أنه فيه كاذب ويرد البيع ورد العبد إلا أن يفوت عند البائع فليزمه قيمته. من العتبية (¬3) من كتاب الدعوي روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قام علي رجل بدين من سلف أو من بيع سلعة فينكره فيقول ما أسلفني أو ما بعت مني شيئا، فإذا ثبت عليه الدين أتي ببينة أنه فضاه، قال لا تنفعه لأنه أكذبها بإنكاره، وأما لو كان قال مالك عندي شئ لقبلت منه البينة بالبراءة، وروي عنه سحنون [9/ 100] ¬
فيمن عليه مائة دينار ومائة بحمالة فدفع مائة وقال هي من أحدهما أو سكت
نحوه إلا أنه قال إذا قال مالك علي دين من بيع ولا من سلف لم ينفعه بينته بالبراءة إلا أن يكون قال مالك عندي شئ وإنما يريد ابن القاسم مالك عندي من بيع ولا سلف علي أنه ما كان لك علي دين من بيع ولا سلف، وأما لو قال مالك علي شئ من سلف ولا بيع فلم ينف بهذا المبايعة، والله أعلم. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب في الوصي يقر ليتيمه بخمسة وعشرين دينارا فقيل له وقد كانت له خادم بعتها، فقال ما كانت له خادم ولا بعتها، ثم جاء ببراءة من أربعين دينارا فقيل له في ذلك، فقال دخل فيها ثمن الخادم إنه يقبل منه، وقال ابن المواز لا يقبل منه في الخادم لأنه كذب نفسه. فيمن عليه مائة دينار ومائة بحمالة فدفع مائة وقال هي أحدهمت أو سكت أو قبض دينا / عن غريمه فقال الدافع عن غريمك الآخر دفعته وقال القابض بل عنك من كتاب ابن سحنون ومن العتبية (¬1) قال سحنون فيمن عليه مائة درهم قرض بصك ومائة كفالة عن رجل بصك ومائة حمالة عن آخر بصك فدفع المطلوب مائة وقال من حق فلان دفعتها وقال الطالب ما قبضتها إلا مبهمة، قال يكون لكل صك منها الثلث إن كانت كلها حالة، وإن كان منها الحال والمؤجل كانت المائة من الحال ولا يقبل قول المطلوب قضيتك حق فلان، ولو أنه لما جاء بها قال أقضيك حق فلان كان القول قول الطالب لأنه مال يقضي القاضي عن أيه شاء إلا أن يكون المطلوب بحق ما فيكون المال بينهم جميعا. وكذلك لو مات الطالب قبل أن يبين من أي وجه اقتضي فهي علي الصكوك كلها إن كانت حالة، وإن ادعي القاضي غير ذلك، وكذلك لو ماتا جميعا، قال سحنون وهذا أصحابنا وقد قيل لبعضهم فيمن له كتاب سلف [9/ 101] ¬
فيمن قام بصك فيه بيع وسلف فاختلفا متى كان السلف بعد البيع أو معه
مائة دينار، ومائة برهن ومائة بحمالة رجل بعينه فقضاه مائة ثم اختلفا من أيها قضاه فالقول قول الذي له الحق مع يمينه، ولو قال قضيتك من حق كذا، وقال القابض منها كلها حلف القابض وصدق، وكذلك لو مات المطلوب أو مات الطالب لم ينظر إلي قول المطلوب، ولو كان منها الحال والمؤجل فالقول قول من ادعي أنها من الحال مع يمينه، قال ابن حبيب قال مطرف: ومن كان له علي رجل وعلي ولده دين فدفع الأب إلي / ابنه ما عليه ليدفعه عنه قبضه وقضاه للغريم ثم اختلفا، فقال القابض للابن عنك قبضته وقال للابن بل عن أبي فالقابض مصدق، يريد مع يمينه، ولو أقام الأب بينة أنه دفع ذلك للابن وأمره أن يدفع ذلك عنه لم ينفعه حتي يقولوا إن الابن قال حين دفعه هذا عن أبي وقاله ابن الماجشون وأصبغ. فيمن قام بصك فيه بيع وسلف فاختلفا متي كان السلف بعد البيع أو معه روي عيسي عن ابن القاسم في العتبية (¬1) فيمن قام بذكر حق فيه شراء وسلف، وقال إنما بعته متاعا بالمال ثم أسلفته إياه بعد البيع، وقال الآخر بل هو بيع وسلف فالطالب مصدق مع يمينه إذا لم تقم بينة للمطلوب، فإن نكل حلف المطلوب وفسخ البيع، وقاله سحنون. فيمن قام بصك ممحو فيه بينة وقال المطلوب قضيته ومحاه عني ومن قضي دينا عليه بصك هل له أخذ الصك؟ من العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قام بذكر حق علي رجل وأقام فيه البينة وقال المطلوب قد قضيته ومحاه عني، قال يلزمه الحق ويحلف أنه ما [9/ 102] ¬
فيمن طلب من رجل ثمن ثوب باعه منه فقال بل أمرتني ببيعه
محاه ولا قضاه، ولو قال الطالب أنا محوته وظننت أنه قضاني، قال يحلف المطلوب في هذا لقد قضاه ويبرأ لأن هذا أقر أنه محاه / عنه، قال محمد بن عبد الحكم فيمن قضي دينا عليه بصك فأراد أخذ الصك فأبي عليه الطالب قال لا يجبر علي أخذه، ويجبر علي أن يكتب له براءة كتابا في الموضع الذي فيه الشهود عليه أو في غيره فيمن طلب من رجل ثمن ثوب باعه منه فقال بل أمرتني ببيعه أو قال أمرتك ببيعه بنفد وقال المأمور بالنسيئة أو قال بعت منك هذه الأمة وقال الآخر بل زوجتنيها ومن العتبية روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قال لرجل أعطني ثمن الثوب الذي بعتك فقال إنما أمرتني ببيعه، قال القول قول رب الثوب مع يمينه ويحلف لقد باعه منه، نظر إلي صفة الثوب، فإت اختلفا في صفته قيل للمبتاع صفة واحلف علي صفته [ويقوم تلك الصفة أهل النظر ويغرمها وإن نكل المبتاع قيل لرب الثوب صفة واحلف علي صفتك] (¬1) ويؤدي المشتري قيمة تلك الصفة، وإن أتيا بما يستنكر من الصفة ونكلا عن اليمين فالمبتاع مصدق، قال فإذا كانت قيمته أدني من الثمن الذي باعه به، يريد مدعي الوكالة فإنه يقال له اتق الله، فإن صدقت أنه أمرك ببيعه فادفع بقية الثمن إليه، ولا يقضي بذلك عليه، قال أبو محمد: يريد بقوله أول المسألة يحلف ربه أنه باعه / منه إنما يعني ينفي بذلك الوكالة [لا علي أنه يصدق في البيع وثمنه، ويطلبه بذلك بل إنما حقيقة ذلك دفع الوكالة (¬2)] حتي يطلبه بالقيمة [9/ 103] ¬
فيمن اشترى لزوجته شيئا ثم قال لم تعطني ثمنا فكذبته
للتعدي، وإذا أمرتك أن تبيعه بنقد، وقال المأمور بل بالدين، فإن لم يفت الثوب بيد المبتاع حلف ربه وأخذه، فإن مات فالوكيل مصدق، يريد مع يمينه، قال كما لو اختلفا في الثمن في قتله وكثرته، فإذا لم يفت فلا يمين علي البائع (¬1)، ومسألة الذي يدعي أنه باع منه أمة وقال الآخر زوجتنيها أو قال ربها زوجتك وقال هذا اشتريتها مستوعبة في كتاب أمهات الأولاد. فيمن اشتري لزوجته شيئا ثم قال لم تعطني ثمنا فكذبته أو أعمر في أرضها فقالت هي إنما ذلك من مالي وقال هو من ماله أو ورثته من العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم عن مالك فيمن اشتري دابة أو قال لزوجتي ابتعتها أو اكنرى لها دابة ونقد الثمن أو لم ينقد، وحازت المرأة الدابة ثم طلبها بالثمن فقالت دفعته إليك ولا بينة لها قال إت نقد الثمن فالمرأة مصدقة مع يمينه، وإن لم ينقد حلف هو أنه ما قبضه منها ولزمها دفعه إليه. قال سحنون وعيسي: وإن أشهد الزوج عند دفعه الثمن إلي البائع أنه ينقده من ماله فالقول قوله مع يمينه، وله الرجوع بالثمن عليها، وروي عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن بني أو غرس في أرض زوجته / ثم مات فقالت أنا بنيت ذلك وغرست من مالي، وقال غيرها من ورثته هو أنفق ذي ذلك من ماله ولا بينة لها أو قامت بينة لورثة الزوج أنه عمر، فقالت إنما أنفق من مالي، وقال غيرها من ورثته هو أنفق في ذلك من ماله ولا بينة لها أو قامت بينة لورثة الزوج انه عمر، فقالت إنما أنفق من مالي، وقال ورثته بل عمر لنفسه بماله في أرضها، قال فإن كانت الأرض تعرف للمرأة ولا تدافع عنها بوجه ولم يقم للزوج بينة علي نفقة ولا علي ولاية بنيان ولا قيام عليه، فالقول [9/ 104] ¬
باب من مسائل المدعي والمدعى عليه، ومن أظهر إقرارا بشيء وباطنه بخلافه
قول المرأة وتحلف ولا شئ لورثة الزوج ولا له لو كان حيا، وإن عرفت نفقة الزوج وبنيانه وقيامه فالمرأة مخيرة إن شاءت أعطته قيمة ذلك منقوضا وإلا طرحت، ذلك يريد فيؤمر بقلعه من تركة الزوج إن ترك تركة، وإن قالت المرأة إنما عمر بمالي لم تصدق إلا ببينة، وإلا غرمت ذلك لهم. وقال أشهب: إن كان الزوج حيا فالقول قوله، وإن مات فالقول قولها غلا أن تقوم بينة أن الزوج كان يدعي في حياته تلك العمارة ولو مرة واحدة فيكون القول قول ورثته مع أيمانهم أنهم ما يعلمون تلك العمارة ولا شيئا منها للمرأة. وروي عيسي عن ابن القاسم في الزواج بيني في أرض زوجته بنفسه ورقيقة أو يرم لها ما رث من بنيانها، ثم يطلب النقض هو أو ورثته فذلك له ولورثته بعده إذا ثبت أنه الباني لذلك والقائم به، وإن ادعت هي ان ذلك من مالها وأنها أعطته ذلك أحلف إن كان حيا إن لم تكن له بينة، وإن مات حلف ورثته إن كانوا ممن بلغ علم ذلك أو من بلغ منهم ثم استحقوا نقضهم يريد في يمين / الورثة علي علمهم، قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في الرجل يبني في أرض زوجته ثم اختلفا فقال الزوج بنيت لها بنفقتي ولم تدفع إلي النفقة، وقالت المرأة دفعت ذلك إليه وبمالي بناه فالقول قول الزوج مع يمينه، وقال أصبغ مثله. باب من مسائل المدعي والمدعي عليه ومن أظهر إقرارا بشئ وباطنه بخلافه ومن ادعي علي آخر شيئا فسكت ولم ينكر من كتاب ابن سحنون قال بعض أصحابنا فيمن أحلته بألف دينار علي ألف دينار لك علي رجل فأخذها، وقال هي لي كانت لي قبلك، وقلت أنت بل هي لي، فأنت مصدق مع يمينك، وكذلك لو قلت له اكفل لي بالألف التي لي عليك أو اضمنها له فدفعها إليه فهي لك مع يمينك ويصير المحتال وكيلا، وقال عيره إن كان المحتال يشبه مثله أن يكون له ذلك قبل المحيل فهو مصدق مع يمينه، وإلا حلف الآمر ورجع عليه بها وصار كوكيله، وبهذا قال سحنون قال ابن [9/ 105]
القاسم في المدونة: ولو أمرته يدفع عنك لزيد ألف درهم ففعل ثم قلت كانت لي عليك دينا، وقال المأمور لم يكن لك علي شئ وإنما أسلفتك فالمأمور مصدق ويحلف. قال سحنون: ومن كتب علي نفسه ذكر حق بقرض ثم أقام بينة أن أصله قراض فليؤخذ بإقراره بالقرض إلا أن يقيم البينة علي إقرار الطالب أن اصله قراض، ومن كتب علي نفسه إقرارا بمال من ثمن حرير ثم أقام بينة أنه من ربا وإنما أقر / أنه من ثمن حرير، قال يلزمه المال بإقراره أنه من ثمن حرير، إلا أن يقيم بينة علي إقرار الطالب أنه رباً فيقضي بذلك، قال ابن سحنون وابن أبي ليلي: يقبل منه البينة أن ذلك رباً ويرد إلي رأس ماله، وبالأول قال سحنون. قال سحنون: ومن أقر بمال في ذكر حق من ثمن بيع ثم قال لم أقبض المبيع ولم يشهد علي نفسه بقبضه، قال لا ينظر إلي قوله والمال يلزمه وقال ابن أبي ليلي إن لم يقم البائع البينة بقبض المتاع للشئ المبيع فلا شئ له، وخالفه سحنون، وقد ذكرتها في كتاب أقضية البيوع الثاني، وقول ابن القاسم فيها وغيره مثل قول سحنون, ومن قال لرجل اشتريت منك عبدين هذا أحدهما بمائة فوجدت به عيباً والآخر لم أقبضه، وهو هذا الذي بيدك، وقال الآخر بل بعتك هذا العبد الذي في يدي كما ذكرت مع عبد لا عيب فيه قبضته مني وهو هذا العبد الآخر، واتفقا علي الثمن ويشبه ما قالاه جميعا، قال يتحالفان ويتفاسخان. ومسألة من ادعي علي رجل دعوي فلم ينكر وسكت وما يكون السكوت فيه كالتسليم والإقرار قد كتبت فيه بابا وجعلته في كتاب الإقرار، وفيه أيضا من اشتري سلعة من رجل ثم ادعاها. [9/ 106]
في البنية يختلف فيما تشهد به للرجل من شيئين مختلفين
في البينة يختلف فيما تشهد به للرجل من شيئين مختلفين أو حال ومؤجل ونحو ذلك وفيمن يدعي شيئا من كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان لرجل علي رجل فقال أحدهما تشهد أن له عليه بقلا، وقال الآخر بل حنطة / فإن زعما أنها شهادة واحدة بطلت شهادتهم إن زعم رب الحق أنهما حقان مختلفان قال وإن زعم أن أحدهما حي أحلفته مع شهادة المحق وأعطيته ما شهد له به، وإن كانوا ثلاثة فشهد اثنان منهم أن له عليه حقا وشهد الثالث أن له عليه عشرة أرادب حنطة، وزعموا أنها شهادة واحدة فإن ادعي ذلك الطالب بطلت شهادتهم أجمعون، وإن ادعي ما شهد به الرجلان أخذه بغير يمين وإن ادعي [ما شهد به الواحد حلف (¬1)] معه وقضي له به إلا أن يقول المشهود عليه الحق بما شهد به الشاهدان فلا يلزمه غير ذلك ويبطل ما شهد به الشاهد الذي ادعي الطالب شهادته لأن الشاهدين كأنهما جرحا وقد صارا كشهادتين للمطلوب فإن لم يجبره تركناهما ومتي ما رجع الطالب فطلب أخذ ذلك، فذلك له ولا يمين له علي المطلوب فيما جحده لأن الشاهدين قد شهدا بإكذابه فكأنهما جرحاه وانقطعت الخلطة ولا يمين إلا بعد خلطة تثبت. ومن شهد له شاهد أن فلانا الميت قال يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر، وشهد آخر أنه قال يخدمه سنتين ثم هو حر فإن حلف فلان مع شاهد السنتين خدمه سنتين ثم عتق، فإن نكل فليخدمه سنة ولا يعتق حتي يخدم الورثة سنة أخري لأنهما اجتمعا علي حريته بعد عامين ولم يشهد له بالسنة الأخري واحد، قال ابن القاسم في صغير شهد له شاهد أن أباه في حياته تصدق عليه بعبده/ وقبضه له، وشهد آخر أن أباه نحله إياه، قال هي شهادة مختلفة، الصدقة لا تعتصر والنحل تعتصر، وكمن شهد له شاهد أن له قبل فلان مائة دينار من [9/ 107] ¬
فيمن ادعى على رجل دعوى فأقر له المطلوب بخلافها
سلف، ويشهد آخر أن له عليه مائة دينار من ثمن سلعة فليحلف مع أحد شاهديه ويستحق مائة، وقال سحنون: الشهادة بالصدقة وبالنحل واحد يوجب له العبد إلا أن يقيم الورثة البينة أنه اعتصر ذلك بعد النحل، فيكون له أن يحلف مع شاهد الصدقة ويستحقها. فيمن ادعي علي رجل دعوي فأقر له المطلوب بخلافها أو يقر له بثوب كذا ثم يقول بل هو ثوب آخر من كتاب ابن سحنون: ومن ادعي أن له قبل رجل عشرة دراهم، وقال المطلوب إنما لك علي قسط من زيت، وقال الحميل إنما تحملت بقفيز قمح، قال يؤخذ القسط الزيت من المدعي عليه فيباع، فإن سوي عشرة دراهم أخذها المدعي، ثم يؤخذ من الحميل القمح فيباع منه تمام عشرة دراهم ويرد ما فضل علي الكفيل إن فضل شئ ولا يكون للكفيل أن يبيع بذلك المطلوب، وقال في التي ادعت أن لها علي زوجها صداقها عشرة دنانير فأقر لها الزوج بعشرة دنانير ثم جاء بثمانين درهما دفعها إليها، وقال كانت لي علي العشرة كل دينار ثمانية بدينار كان القول قول / الزوج، وإن كان الأمر عندهم علي العين فالقول قول المرأة، وإن كان ذلك عندهم علي ما قالاه فالقول قول الزوج، يريد مع يمينه. وفي كتاب الإقرار باب من نحو هذا فيمن يقر لرجل بثوب وشي ثم يقول إنما هو ثوب غير وشي، أو يكون ذلك في ذلك أنه يلزمه الأمران جميعا. ومن العتبية روي عيسي عن ابن القاسم فيمن هلك وأوصي ف شعير في حانوته أنه بينه وبين فلان، فقال فلان إنما لي قبله أربعون دينارا وليس لي عنده شعير، وأقام بينة بالأربعين فأخذها، ثم قال وجدت في برنامجي أن الشعير بيني وبينه، قال يحلف أن ذلك له ويأخذ شطر الشعير لأن الأربعين ثابتة بالبينة، وهو لو ادعي الشعير كان له ادعي الأربعين أو لم يدعها. [9/ 108]
باب في مسائل مختلفة من التداعي وغير ذلك
باب في مسائل مختلفة من التداعي وغير ذلك من كتاب ابن سحنون عن أبيه قال أشهب في شريكين قد عرفت شركتهما، فمات أحدهما فقال الباقي إنما للميت مدعي السدس بشركته فهو مصدق فيما في يديه، ومن قال لرجل بعت منك عبدي هذا بكذا فدبرته أنت، وأنكر الآخر الشراء، قال قد أقر أن المشتري دبره وأنه بيده الثمن فيلزمه أن يبقي مدبراً ويأخذ البائع من خدمته الثمن الذي يدعي، إلا أن يقر المبتاع فيعطيه ما بقي منه، وإن استوفي من خدمته الثمن بقي مدبراً، فإن مات البائع وهو يخرج من ثلثه عتق وإن كان عليه دين، وقال فيمن هلك عن زوجة وأخ وترك مائة دينار وأربعين ديناراً، / وذكرت المرأة أن لها قبله مائة دينار صداقها فصدقها الأخ فأخذتها وأخذت ربع ما بقي، ثم طرأ من ادعي أن له علي الميت مائة دينار فصدقته المرأة وكذبه الأخ أنها تقاسمه المائة وعشرة نصفين لأنها أقرت أن ليس لها شئ إلا وله مثله. وعن ورثة أتوا إلي قاض فأقاموا البينة أنهم وارثو الميت فلان لا يعلمون له وارثا غيرهم فيقسم ما هلك عنه بينهم، ثم طرأت زوجة للميت وأقامت بينة أنها زوجته [ولا نعلم له امرأة غيرها وأنها وارثة قال لابد أن يقولوا إنهم يعلمون أنها امرأته وارثته لا يعلمون] (¬1) له امرأة غيرها إذ قد تكون نصرانية وإن لم يذكروا عدد الورثة إذا شهد بذلك غيرهم، ولو جاءت وحدها لكلفت البينة بعدد الورثة لأنها مدعية، وفي المسألة الأولي هي مدعي عليها، وعن من أبضع ثلثمائة دينار مع ثلاثة رجال في شراء جارية فأتوه بها، فزعم اثنان منهم أنهم اشتروها له علي صفته بمائة دينار، وقال الثالث بل بمائتين، وهم كلهم عدول، قال يأخذ من كل واحد من الاثنين سبعة وستين إلا ثلثا ويأخذ من الذي قال ثمانين ثلاثة وثلاثين دينارا وثلثا ولم ير شهادة الاثنين شهادة، قال محمد بن عبد الحكم: ومن في يديه دابة هي دابتي أعرتك إياها فأراها للذي في يديه ولا كراء له، ويحلف، وكذلك لو قال لخياط لك عندي [9/ 109] ¬
درهم من خياطة ثوبي هذا الذي بيدي، فقال له الآخر بل هو لي أودعتك إياه أو أعرتكه، فالثوب لمن هو في يديه ويحلف ولا أجر له، يعني للآخر، وينبغي أن يحلف الآخر في الدابة أنه / ما أكراها منه. ومن العتبية (¬1) روي أصبغ عن ابن القاسم في الصراف يدفع إليه الرجل الدينار يزنه فيقول الصراف يدفع إليه الرجل الدينار يزنه فيقول الصراف قد رددته إليك وأنكر ذلك ربه وهما في مجلسهما، فالقول قول الصراف مع يمينة، من العتبية من سماع عيسي وفي بعض الكتب من سماع حسين بن عاصم من ابن القاسم: وعمن مات وترك زوجته وفي بيته غزل يعرف أن الكتان للرجل وأنها غزلته فلتحلف المرأة أنها ما غزلته له فإن حلفت أقيم غزلها الكتان، فكان بينهما علي قدر ذلك، وإن كان لم يعرف الكتان للرجل فالغزل للمرأة. وقال سحنون في المرأة تنسج الثوب فيدعيه زوجها لنفسه، يقول إن الكتان لي، وتقول المرأة إنه لها وإنها غزلته من كتانها، قال ابن القاسم: هي أولي بما في يديها مع يمينها ولا حق للزواج فيه إلا ببينة، أو تقر هي أن الكتان له فيكونان شريكين في الثوب بقدر ما لكل واحد منهما، وكذلك أمرها بعد موت زوجها أنها مصدقة مع يمينها فيما في يديها، وكذلك قال ابن نافع إنها أولي بما في يديها مع يمينها. وروي عيسي عن ابن القاسم فيمن وجد ثورا ميتا في الجبل فعلم أنه لبعض جيرانه فلسخة وأتي بجلده إلي صاحبه وأخبره أنه وجده ميتا ثم سلخه، فقال ربه أنت قتلته فلا شئ عليه بعد أن يحلف أنه ما قتله ولا تعدي فيه. ومن كتاب ابن حبيب، وذكر عن مطرف فيمن قام بذكر حق من بعد عشرين سنة أنه يقضي له به، وإن قدم، إلا أن يأتي المطلوب بالبراءة منه، ولو قسمت تركته والطالب / حاضر ولم يقم فلا شئ له إلا أن يكون له عذر بغيبة بينة أو قال لم أعرفهم أو لم يجد كتاب الحق إلا الآن، أو كان للورثة سلطان يمتنعون به، فإن كان هذا حلف أنه ما ترك القيام إلا لما يذكر مما يعذر به، فإن [9/ 110] ¬
نكل حلف الورثة أنهم ما يعلمون له حقا قبل وليهم، فإن نكلوا عزموا، وقد كتبت هذه المسألة في الجزء الثاني من أقضية البيوع وفي كتاب الإقرار. قال مطرف في أجير الفراء يبيع الفرو بمحضر مستأجره ثم يريد قبض الثمن لنفسه ويقول كان الفرو لي مما أعمل لنفسي، وينكر الذي استأجره ذلك ويقول أنت أجيري لا شئ لك معي، قال إن كان مثله يعمل لنفسه ويبيع وهو أجير كما هو فإن الثمن له كان مستأجره حاضرا أو غائبا بعد أن يحلف أن الفرو له، وإن كان مثله لا يعمل لنسفه ولا يبيع لها فالثمن للذي استأجره بعد يمينه أن دعوي الأجير باطل. قال ابن القاسم: ومن قضي له به لأن عليه أن يحوز ببينة وينصب علي ذلك حدوده، فإن لم تقم عليه بينة فالمقضي عليه أحق بأرضه. قال ابن الماجشون: ومن أقر لرجل بعشرة دنانير يحل عليه كل يوم منها دينار، وقال الطالب هي حالة فالقول قول المطلوب مع يمينه ولا يصدق في بعض إقراره دون بعض، وهذا الأصل هو في المدونة ولمالك فيه أقاويل ثلاثة، وذلك مفسر في غير هذا / الموضع. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة لرجل أنه أكري من هذا دارا بثمن قبضه وحدوا الدار ولم يقولوا يملكها حتي أكراها، والمكتري ينكر فإن القاضي يحكم بردها إلي الذي أكراها بعد تمام مدة الكراء ويكتب له بذلك كتاباً ولا يكتب أنه قضي بملكها للمكتري، ولكن يحكم بردها إليه، ولو شهدوا أنه أكراها منه وهو يملكها وأنكر ذلك المكتري وادعي المالك حكم له بردها إليه وبملكها. تم الجزء الثاني من الدعوي والبينات والحيازات بحمد الله ويتلوه في الجزء الثاني عشر إن شاء الله الجزء الأول من الاقرار. والحمد لله وحده وصلواته علي سيدنا محمد وعلي آله وشرف تم. [9/ 111]
صفحة بيضاء
كتاب الإقرار
بسم الله الرحمن الرحيم ... وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء الأول من كتاب الإقرار من النوادر (¬1) ذكر ما يلزم من الإقرار وأنواعه وتصرف وجوهه قال الله تعالي ((يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوانيت بالقسط شهدآء لله ولو علي أنفسكم)) (¬2) وقال سبحانه في الكافرين ((وشهدوا علي أنفسهم أنهم كانوا كافرين)) (¬3) فكل مقر علي نفسه فهو شاهد عليها، وقال سبحانه ((فاعترفوا بذنبهم)) (¬4) وقال النبي عليه السلام << واغد يا أنيس علي امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها>> (¬5)، قال بعض العلماء، وقد يعبر عن الإقرار بنعم وببلي وبأجل أو ما أشبه ذلك، قال الله سبحانه ((الست بربكم قالوا بلي شهدنا)) (¬6) وقال تعالي في أهل النار ((قالوا بلي قد جاءنا نذير)) (¬7) وقال ((فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً قالوا نعم)) (¬8) وقال أشهب بن عبد العزيز: وقول كل أحد علي نفسه أوجب [9/ 113] ¬
من دعواه علي غيره، فمن لم يجز إقراره علي نفسه من صغير أو سفيه لم تجز شهادته علي غيره وكذلك لأنفسهم مع قول الصبي في الدم. قال محمد بن عبد الحكم: والإقرار علي صنوف (¬1)، فمنه ما يلزم المقر في بدنه، ومنه ما يلزمه في ماله، ومنه ما يلحق به النسب، ومنه ما يقر به علي نفسه فعله (¬2) بما يوجب أمرا علي غيره وغير ذلك من الوجوه. فكل ما أقر به المرء علي نفسه وهو طائع غير مكره ولا خائف ولا متهدد مما أتلفه علي غيره من عين أو عرض أو / من جرح عمد يقاد منه أو لا يقاد منه من المتألف أو بمداينة أو بضمان أو شبه ذلك، فذلك يلزمه، وما أقر فيه علي نفسه مما يلزمه في بدنه من قصاص أو عقوبة أو حد يجب للآدميين فذلك يلزمه ولا ينفعه الرجوع عنه، ومنه ما يلزمه ما لم يرجع عن إقراره، مثل: حد الزني والسرقة، فيقال: إذا رجع عما لله في ذلك ويلزمه ما للآدميين من مال أو من صداق في غضب امرأة. ومن الإقرار ما يقر به علي غيره مثل إقراره بقتل الخطأ وما فيه ثلث الدية من الجراح، فهذا لا يلزم، وما كان دون الثلث لزمه في ماله وقد اختلف في إقراره بقتل الخطأ وما أقر به من ولد استحلقه والولد صغير أو كبير فيصدقه الكبير فهذا لاحق به، وأنا إقراره بأخ أو ابن عم ونحوه فلا يوجب ذلك النسب ويوجب له مشاركته في الميراث معه. قال ابن الحكم: وإقرار المريض مختلف بما أقر به من دين من بيع أو قرض وجرح عمد تجب فيه الدبة في ماله فذلك يلزمه لغير الوارث صح أو مات، فإن أقر بذلك لأخيه في المرض ولا وارث له غيره فإن صح لزمه، وإن مات من مرضه سقط إقراره. وإقرار الرجل في الصحة للوارث لازم وكذلك إن أقر له في المرض ثم صح وإقراره في المرض لصديق ملاطف يلزمه وإن كان يورث كلالة في قول ابن عبد الحكم، وهو خلاف قول مالك. [9/ 114] ¬
قال أحمد بن ميسر: وإذا / أقر المريض للصديق الملاطف وكان يورث كلالة ويرثه مولي او يرثه من بينه وبينه عداوة من غصبته فإنه يتهمه أهل العلم في إقراره ويرونه تأليجا عن ورثته (¬1) الذين ذكرت، وأنا أري أن ذلك والله أعلم جائز له لا يأثم به (¬2)، فأما الرجل الذي عرف بالدين والصديق ولا يجهل ما في ذلك من الإثم فإقراره جائز للصديق الملاطف مع من ذكرت، فإذا أقر في مرضه أنه طلق امرأته في مرضه أو في صحته لزمه ذلك وورثته. وإقراره بالنكاح في المرض لا يوجب لها الميراث ولا يلزمه النكاح. وأما إقراره في مرضه لبعض ورثته فلا يقال الآن إقرار جائز ولا غير جائز ولكن إقرار مترقب ليعلم ما يلزمه منه أو لا يلزمه في حال آخر. فإن مات وقد شركه وارث بطل الإقرار، وإن صح ثبت الإقرار، وكذلك إن بتل عتق عبده في مرضه فإن صح ذلك وإن مات عتق في الثلث بعد الدين وكذلك في بيعه بمحاباة. قال محمد: ومن الإقرار ما لا يلزم صاحبه في وقت إقراره مثل أن يكري دارا في يديه من رجل ثم يقر أنها لفلان، فلا يقبل منه إلا بعد انقضاء مدة الكراء قبض الدار الساكن أو لم يقبضها، نقد الكراء أو لم ينقده ولكن يكون له الكراء من يوم أقر المقر، ولو قامت بينة أنه أقر بذلك قبل الكراء كان للمقر له / فسخ الكراء وأخذ الدار يريد فإن فسخ فله حصة ما سكن من الكراء إن لم يحاب فيه، ولو أقر في عبد قد رهنه وفبضه المرتهن أنه لفلان فلا يصدق ختي يفتكه فيأخذه المقر له، فإن بيع في الدين فعلي الراهن قيمته للمقر له. وذكر محمد إقرار أحد الابنين علي أبيه الميت بدين وذكر إقرار العبد المأذون وغير المأذون والمكائب والوصي والوكيل، وذلك مذكور في أبوابه. [9/ 115] ¬
في الإقرار في موطن بعد موطن
في الإقرار في موطن بعد موطن (¬1) من كتاب ابن سحنون: وإذا لرجل بمائة درهم في موطن فأشهد له بها ثم أقر له بها في موطن آخر وأشهد فقال الطالب هي مائتان وقال المقر هما مائة واحدة فإن كان الإقرار بغير كتاب لم يلزمه إلا مائة. وقال غيرنا: تلزمه مائتان ثم ناقضوا فجامعونا إن لم أقر له عند بينة بمائة ثم قدمه إلي القاضي فأقر له بمائة فقال له الطالب لي بينة بمائة أخري وأحضرهم فقال المطلوب هي مائة واحدة إن القول قوله ففرق مخالفنا بين إقراره عند القاضي وعند بينة أخري، ولا فرق بين ذلك. قال سحنون: وقال أصحابنا جميعا في إقراره في مواطن بمائة إنه لا يلزمه إلا مائة واحدة بخلاف إذكار الحقوق، فلو شهد له في صك بمائة وفي صك آخر بمائة لزمه مائتان، قال محمد: ولو اختلف الإقرار فأقر له موطن بمائة وأشهد في مواطن بمائتين / لزمه ثلاثمائة. وقال ابن حبيب عن أصبغ: إنه إن كان الإقرار بالأقل أولا صدق المطلوب أن الأقل دخل في الأكثر وإن كان الإقرار بالأكثر أولا منها ما لان وذكر في اتفاق المالين كما قال سحنون: قال ابن سحنون في غير كتاب الإقرار إن قول مالك اضطرب في هذا وآخر قوله وبه أقول أن يحلف المقر ما ذلك إلا مال واحد ولا يلزمه إلا مائة. وقال محمد بن عبد الحكم مثل قول ابن سحنون في ذلك قال: وفرق أهل العراق بين إقراره في موطنين عند بينة وبين إقراره عند القاضي وعند بينة، ولا فرق بين ذلك، وقال أبو حنيفة: إذا أقر لرجل بماثة درهم عند شاهد وأقر عند آخر بمائة وخمسين إنه يأخذ مائة ويحلف المقر علي الخمسين ويبرأ قلنا لهم: أليس المائة التي شهد بها الأول هي التي شهد بها الآخر؟ فينبغي علي هذا إن كان الإقرار بشئ مختلف ألا يلزمه شئ من المائة، وهذا خروج من قول العلماء، أرأيتم إن شهد عليه واحد بمائة درهم من ثمن غلام وشهد الآخر أنه أقر بها من ثمر بر [9/ 116] ¬
فيمن أقر بدنانير أو دراهم ولم يذكر عددها أو بأقفزة لم يسمها
ابتاعه منه فقبضه منه؟ فقالوا: هذان مختلفان فلا تجتمع عليه الشهادة. قلنا: فقد قلتم إن شهد عليه واحد بمائة [في موطن] (¬1) وآخر بمائتين في موطن آخر أن له ثلاثمائة جعلتم المائة هي المائة الأولي، وهذا تناقض؟ وقد جرى في كتاب الدعوى / والبينات باب مثل هذا. فيمن أقر بدنانير أو دراهم ولم يذكر عددها أو بأقفزة لم يسمها، أو قال دنينرات (¬2) أو درهيمات أو قال دراهم كبيرة أو عظيمة أو غنم كثيرة أو إبل (¬3) أو قال له علي مال أو كذا أو كذا في إقرار أو وصية ومن كتاب ابن سحنون: من أقر لفلان عليه دنانير لزمه ثلاثة لا أقل منها وكذلك في الدراهم وكذلك في الأقفزة يقر بها. قال محمد: وهذا إجماع فيما علمت وقوله دنانير أو قال دراهم إن أقل ما يلزمه ثلاثة، ولو قال عندي دنينرات فقد لزمه ثلاثة وكذلك في الدراهم، وعلي المدعي البينة في أكثر منها. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا شهد عليه أن لفلان عليه دنانير أو قالوا دراهم لا يعرفون عددها أنه يلزمه ثلاثة دنانير وكذلك الدراهم، ويحلف ما له عليه غيرها، فإن نكل حلف الطالب علي ما سمي واستحق، وكذلك إن شهدوا أنه قال له اعطني الدنانير التي لي عليك فقال نعم ثم أنكرها فإنه يلزمه ثلاثة. قال ابن سحنون: وإذا قال له دراهم كثيرة لزمه [مائتا درهم وإن قال دنانير كثيرة لزمه] (¬4) عشرون دينارا، وقال محمد بن الحكم: يلزمه ما جاوز الثلاثة لأنها جاوزت القليل، إذ ليس القليل أو الكثير، وقد قيل عليه تسعة لأن الدراهم ثلاثة، فلما قال كثيرة كأنه رددها مرات فلا معني لقول النعمان عشرة دراهم ولا [9/ 117] ¬
لقول أبي يوسف مائتا / درهم، لأن فيها الزكاة ولا مدخل للزكاة في هذا، وقد قيل: يكون له خمسة دراهم لأن ثم قليل وكثير وشئ لا قليل ولا كثير هو بين القلة والكثرة، فلو قاله علي دراهم لا قليلة ولا كثيرة جعلناها أربعة وجعلنا في قوله كثرة خمسة لأنها جاوزت ما قلنا لا كثيرة ولا قليلة، [فصارت كثيرة] (¬1) وهذا أحسن وليس فيه أمر لا يقضي عنه ويجتهد في ذلك عند نزوله، ولو قال له علي إبل كثيرة أو بقر كثيرة أو غنم كثيرة (¬2) فمثل ما قلنا في الدنانير والدراهم. قال أصحاب أبي حنيفة: له في الغنم أربعون شاة ومن الإبل خمسة وعشرون فناقضوا وكان ينبغي أن يقولوا خمسة من الإبل. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال له: علي مال عظيم من الدراهم كان مائتي درهم عند سحنون وغيره، وإن قال من الدنانير فله عشرون ديناراً، وإن قال له: علي مال فهو مصدق فيما يقول مع يمينه عندنا وعند أهل العراق. قال ابن المواز: ومن أوصي أن لفلان عليه مالاً ولم يبين كم هو حتي مات، فإن كان بمصر أو بالشام قضي له بعشرين دينارا وفي العراق بمائتي درهم بعد يمين المدعي ويحلف الورثة أنهم ما يعلمون له أكثر من ذلك أو يحلفون أنهم لا يعلمون عليه حقا إن ادعي المقر له أكثر مما ذكرنا قيل أفيحلف المدعي أنه ليس له أقل من ذلك؟ قال: كيف يحلف وهو يقول عندي ولي معاملة (¬3) وهو من ورثت عنه أو أوصي لي بها، وإن قال له: علي دنانير يقضي له بثلاثة مع يمين الورثة ما يعلمون / له أكثر يحلف من يري أن عنده منه علما وإن قال دنانير كثيرة زدته علي الثلاثة أقل زيادة من الدنانير وهو دينار لأن ما كثر من ذلك فهو شك ويحلف الورثة أنهم لا يعلمون له أكثر من ذلك إن ادعي ذلك الموصي له وسماه فإن نكل الوارث عن يمينه علي علمه حلف المدعي وأخذ من الوارث قدر مصابته. [9/ 118] ¬
ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن وهب: وإن أقر أن لفلان في هذا الكيس مالا قال: يعطي عشرين دينارا منه، قيل فإن كان فيه مائتا درهم قال يعطاها ويحلف. ومن كان ابن سحنون: وإذا قال غصبتك شياها كثيرة فهي أربعون شاة، وإن قال إبلا كثيرة (¬2) ففيها قولان: أحدهما خمس ذود (¬3)، والقول الآخر وهو قول من خالفنا خمس وعشرون ما تجنب فيه فريضة من الإبل، وإن قال: حنطة كثيرة فهي خمسة أوسق (¬4) في قولنا وقولهم وإذا قال له علي كذا وكذا درهم بهذا اللفظ فهو مصدق فيما يسمي مع يمينه، وقد قال يلزمه أقل ما يكون في اللغة كذا وكذا درهم. وقال أهل العراق: يلزمه أحد عشر درهما وكذلك في الدنانير، وفي الكيل وفي الوزن قال سحنون: ما أعرف هذا فإن كان هذا أقل ما يكون في اللغة هذا اللفظ فهو كما قالوا وكان يقول: إن القول قول المقر مع يمينه، وكذلك له علي كذا وكذا دراهم وكذا وكذا ديناراً يلزمه من كل صنف أقل ما يكون عند العرب هذه ديناراً ودرهما نظر إلي أقل ما يكون كذا وكذا من العدد فيكون عليه نصفه دنانير ونصفه دراهم، وفي القول الآخر القول قول المقر ويحلف. [9/ 119] ¬
فيمن أقر أن لفلان عليه جل المائة أو قريبا منها أو قال نحو المائة
فيمن أقر أن لفلان عليه جل المائة أو قريباً منها أو قال نحو المائة أو مائة إلا قليلا أو ناقصة أو إلا شيئا أو إلا مائة وشيئاً أو قال نيفا وعشرين أو بضعا ومن قال له علي مائة درهم أو قال دينار أو قال ووصيف ولم يذكر ما المائة؟ (¬1) من العتبية (¬2) قال سحنون فيمن أقر في مرضه أن لفلان عليه جل المائة أو قرب المائة أو أكثر المائة أو نحو المائة أو مائة إلا قليلاً أو مائة إلا شيئاً فالذي عليه أكثر أصحابنا أن يعطي من ثلثي المائة إلي أكثر بقدر ما يري الحاكم، وقال أهل العراق: يزداد علي الخمسين دينار أو ديناران (¬3). وقال سحنون: وإن أقر لك بمائة دينار ناقصة وقلت أنت وازنة فالقول قوله مع يمينه، ومن سماع عيسي بن دينار من ابن القاسم فيمن أقر الرجل بعشرة دنانير نقص فأتي بها ينقص كل دينار ربعاً أو ثلثا قال يقبل قوله ويحلف كنقصان العدد. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: إذا قال لفلان علي مائة درهم إلا شيئاً أو قال إلا قليلا أو قال له علي أقل من مائة أو جل المائة أو أكثر المائة فقال بعض أصحابنا: يلزمه ثلثا المائة، وقال آخرون منهم: يلزمه النصف وشئ، وذلك أحد وخمسون، ولو كان الإقرار بألف زيد علي الخمسمائة درهم، وناظر سحونا رجل / من أصحابنا يقال له الذهبي (¬4) وذهب إلي أنه إذا قال له علي عظم المائة أو قال جلها أو قال أقل من المائة أن القول قوله مع يمينه فيما يقول وكذلك في القرض (¬5) والوكالة والغصب والوديعة والمضاربة. [9/ 120] ¬
قال محمد: وإذا مات المطلوب كان عليه في تركته في قول بعض أصحابنا الثلثان، وفي قول آخرين أكثر منت النصف بدرهم، وكذلك إن مات الطالب وكذلك في إقرار العبد المأذون والمكاتب والمرأة والذمي وكذلك في قوله علي قريب من المائة، ولو قال له علي كرحنطة إلا شيئا أو إلا قليلا فهو علي ما ذكرنا في العين من الاختلاف. وكذلك في الموزون والمكيل وإن قال علي عشرة دراهم ونيف فالقول قول المقر في النيف قل أو كثر وله أن يجعله من درهم وإن شاء قال دانق فضة وكذلك في نيف وخمسين، وإن قال له علي بضع وخمسون فأقل البضع ثلاثة دراهم في وقولنا وقول غيرنا. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإذا أقر في مرضه لفلان بعشرة دنانير وشئ أو مائة دينار وشئ ثم نات ولم يسأل فالشئ يسقط لأنه مجهول ويلزمه ما سمي، وكذلك لو شهدت بينة بذلك علي رجل ولم يعرفوا كم الشئ لسقط الشئ وثبت العدد ويحلف المطلوب، ولو قال له علي مائة دينار إلا شيئاً ثم مات فهذا يحمل علي ما يتصرف من كلام الناس ويحسن، ويجري في لفظهم. قال الله تبارك وتعالي ((فلبثت فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً)) (¬1) فحسن استثناء هذا من العدد الكثير ولا يحسن أن يقول مائة إلا شيئا يعني إلا خمسين، ويحسن في الألف إلا خمسين وسبعين وثمانين وتسعين، ولا يحسن أن يقول إلا مائة، لا تجد من يقول: له عندي ألف إلا مائة، وإذا قال: عشرة آلاف إلا شيئا فاطرح [تسعمائة وهو أقصي ذلك في الكلام، وإذا قال مائة إلا شيئا] (¬2) فاطرح تسعة وهو الأقصي، ولا يقول أحد إلا عشرة لأنه إذا شاء قال تسعون، وأما قوله له عندي درهم إلا شيئا أو درهمان إلا شيئا فاطرح ثلث درهم وهو الأقصي في مثل هذا ما بينك وبين خمسة عشر، ولا يحسن أن يقول في هذا في قوله إلا شيئا هو إلا درهما فأما في العشرين والثلاثين والأربعين والخمسين فعلي قدر اجتهاد [9/ 121] ¬
المجتهد يكون إلا درهما وإلا درهمين وإلا ثلاثة وأربعة ولا تراه خمسة ولا أكثر، وإن قال له عندي خمسة وسبعون درهما إلا شيئا فلا يجعل الشك بالإ في الجملة كلها ولكن في النيف لأنه حين نيف علمنا أن الجملة صحيحة فإنما الشك في النيف فيطرح منه ثلث درهم وكذلك في مائة وخمسة. وقال أحمد بن ميسر فيمن قال لفلان علي عشرة إلا شيئا فالقول قوله فيما يزعم أنه أراده من قليل أو كثير من يمينه، فإن قال إلا كسرا فالكسر أقل من درهم وشبهه فإن صدقة الطالب وإلا أحلفه. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال مريض أو صحيح لفلان علي عشرة ونصف درهم ولم يبين ما العشرة فله عشرة دراهم ونصف / وكذلك قول مائة ودينار فعليه مائة دينار إذا ادعي ذلك الطالب مع يمينه. وإذا قال له: علي عشرة آلاف ووصيف فالقول قول المقر، فإن قال: أردت عشرة آلاف وصيف ووصيفا فهو كذلك، فإن قال أردت عشرة آلاف درهم ووصيفا صدق، فإن ادعي الطالب غير ذلك من دنانير وغيرها كلف البينة وإلا حلف له المقر، وكذلك قوله ألف وشاة، فإن قال إنها ألف شاة أو ألف درهم أو أقفزة حنطة فهو مصدق مع يمينه، فإن مات ولم يسأل صدق ورثته فيما قالوا مع أيمانهم، وقال أهل العراق في قوله: ووصيف فنجعل العدد دراهم، قال سحنون: لا أعرف هذا وأنكره. [9/ 122]
فيمن أقر لرجل فقال له علي حق أو قال شىء ولم يسمه
فيمن أقر لرجل فقال له علي حق أو قال: شئ ولم يسمه أو قال: له حق في عبدي أو في داري ولم يسمه أو قال من داري أو وهبه نصيبا لم يسمه أو شهدت بذلك بينة من كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه غصب فلانا شيئا [ولم يبينه ثم قال هو كذا وقال الطالب هو كذا أو لم يقل شيئا] (¬1) فالقول قول الغاصب فيما يذكر مع يمينه، فإن ادعي الطالب غير ذلك فعليه البينة فإن لم يجد أو نكل الغاصب فالقول قول الطالب مع يمينه، فإن أبي المقر أن يسمي شيئا جبر علي أن يبين / ما أقر به وإلا سجن حتي يذكر شيئاً ويحلف عليه. وقد قال ابن القاسم وسحنون وغيرهما فيمن وهب لرجل نصيبا من داره ولم يسمه وطلب الموهوب فلابد أن يقر له بما يكون نصيباً، قال سحنون: طائعاً كان أو مكرها (¬2). قال محمد بن عبد الحكيم: إذا قال له: عندي شئ فليقر بما شاء من الأشياء ويحلف إن طلب منه اليمين. ومن كتاب ابن سحنون: ومن قال له علي حق ثم أردت حق الإسلام لم يصدق ولابد أن يقر له بشئ ويحلف علي دعوي المطالب إن ادعي أكثر منه. وكان سحنون يقول: ينظر فيه علي نحو ما ينزل مما يتكلمان فيه فإن كانا تنازعا في ذكر المال أخذناه بذلك وإن تنازعا فيما يوجب بعضاً لبعض من حق وحرمة لم يؤخذ في هذا بالمال، وقد يقول: ما أوجب حقي عليك أني أكبر سنا منك أفإني لقريبك فيقول الآخر: لك علي حقوق يقول حق الإسلام والقرابة والجوار فيجري هذا علي ما يستدل عليه من كلامهما. [9/ 123] ¬
قال سحنون عن ابن نافع عن مالك فيمن أقام بينة أن له علي رجل حقا لا يدرون لا كم هو أيحلف الطالب علي ما يدعي؟ قال: ليس ذلك له وهذه البينة كمن لم يشهد وليحلف المطلوب، قال مالك: فيما يقول المطلوب؟ قيل: يقول شهدوا بباطل وما له عندي شئ، قال: قد شهدوا بشئ فلو سمي شيئا حلف ما له عليه غيره وبرئ، فأما قولهم حقا لا ندري ما هو فليحلف المطلوب ويبرأ، وهذا المعني في كتاب الشهادات مستوعب. / والاختلاف فيه في شهادة البينة وفي إقرار الرجل بذلك. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر بدار بيديه أن لرجل فيها حقا ولم يسم فإنه يجبر أن يسمي من ذلك ما شاء ويحلف إن ادعي المطلوب أكثر منه، وكذلك إن أقر له بحق في أرض أو عبد أو ثوب في يديه فإن تمادى علي الإنكار سجن أبدا حتي يضطر بالسجن إلي الإقرار، وإن أقر له حقا في هذه الغنم ثم قال هو عشر هذه الشاة صدق مع يمينه، وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم. قال ابن سحنون: وإن أقر له بحق في هذه الدار ثم قال: هو هذا الجذع أو هذا الباب المركب، فقال سحنون: مرة يصدق ثم رجع فقال لا يصدق، ولو قال هو هذا البناء لبناء في الدار ففيها قولان أحدهما أنه يصدق وليس كالخشبة والباب، وقول ثان أنه لا يصدق وقد أثبت له في أصل الدار حق فالقول قوله مع يمينه، قال سحنون في قوله الآخر وقول أهل العراق وإذا قال أردت هذا الثوب الذي في الدار أو هذا الطعام لم يصدق. قال سحنون: قيل ذلكم يصدق ولا حق له في رقبة الدار، وكذلك إن أقر أن له في هذا البستان حقا (¬1) ثم قال أردت تمرة هذه النخلة فلا يصدق في قوله الآخر ويصدق في قوله الأول، ولو قال له: هذه النخلة بأصلها لصدق مع يمينه إذا أقر معها من الأرض بشئ، فإن قال: وهبتها له بغير أرض فقيل لا يصدق وقيل يصدق مع يمينه. [9/ 124] ¬
فإن قال له: في هذه الأرض حق فسئل عنه فقال أزرعتها / إياه سنة وقال الآخر بل لي فيها شرك فلابد أن يقر له بشئ في رقبتها في قوله الآخر وهو مصدق في قوله الأول، وكذلك في إقراره أن له في هذه الدار حقاً ثم (¬1) قال هو سكني شهر. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أقر له بحق في الدار وقال أردت سكني بيت منها أكريته منه أو أسكنته إياه سنة قبل قوله مع يمينه، وكذلك إن قال: له حق في هذا الثوب ثم قال أجرته أو أعرته منه شهرا صدق مع يمينه، وأما إن قال: له حق من هذه الدار أو من هذا الثوب لم يقبل منه حتي يقر بشئ من الثوب أو بشئ من رقبة الدار، وكذلك قوله في هذا البيت. وكذلك في جميع الأشياء إذا قال من هذا الشئ حمل علي أنه من الرقبة، وإذا قال في هذه الدار قبل قوله في السكني. قال ابن المواز: إذا قال: من هذه الدار قيل له فريما شئت من رقبتها ولو بعض بيت واحلف فإن نكل وذلك إذا لم يدع المقر معرفة ذلك، فأما إن ادعي معرفة ذلك ونكل المقر حلف المدعي علي ما يقول وقضي له. قال ابن عبد الحكم: ولو قال له في هذه الدارهم أو قال هذه الدنانير أو قال هذا الطعام كان محمل ذلك من الرقبة، قال في أو قال من وظاهر المقصد في هذا عين الشئ. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر لرجل بجزء في داره فالقول قول المقر يقر له من ذلك بماء شاء مما هو جزء، وكذلك في قوله شقص (¬2) منها أو طائفة منها أو سهم أو حق أو نصيب في قول بعض أصحابنا فهو كله واحد والمقر فيه مصدق / مع يمينه، وقال أشهب: إذا قال له في داري حق أنه يكون له ثمن الدار. [9/ 125] ¬
قال سحنون فيمن قال لفلان في داري حق ثم قال إنما له فيها هذا القمح أو هذا الحجر الملقي أن القول قوله ولا يلزمه إقراره في رقبة الدار. وأما إن قال له في داري نصيب ثم قال هو هذا اللوح أو هذه السارية وهي قائمة في البناء أو هذه الخشبة لم يصدق ولابد أن يقر له بنصيب في رقبة الدار قل أو كثر، ولو قال له في ثوبي حق ثم قال هو هذا القفيز من القمح فهو مصدق مع يمينه إن كان القفيز في الثوب، فإن لم يكن فيه قيل له بين إقرارك فإن قال هو رهن عنده أو قال له فيه شرك بدرهم من ثمنه فهو مصدق. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: ولو قال لك معي حق في [هذه الدار التي في يدي ثم قال هي حبس علي وعليك إما نصفان أو لك فيها الثلث قبل قوله مع يمينه. قال هو ابن سحنون وإن قال لك معي حق في] (¬1) جميع هذه الدار قيل له أقر بما شئت منها فإن قال له: هذا البيت قيل له قد وجب له البيت ولابد أن تقر بجزء فيما بقي منها لقولك في جميعها. قال ابن عبد الحكم: ولو قال: له حق في هاتين الدارين [فأقر بجزء شائع في واحدة لم يكن له بد أن يقر في الأخري بجزء آخر كان أقل مما سمي في الأول أو أكثر ويحلف إن طلب منه اليمين. قال ابن عبد الحكم] (¬2) وابن المواز: وإن قال له من أعلي هذه الدار حق فأقر له ببيت من سلفها فله البيت، وعليه أن يقر له من علوها بجزء، وكذلك لو قال له في سلفها فأقر في علوها ولو قال من أعلاها غرفة وهي طبقات فأقر له بغرفة من الطبقة الوسطي فالقول قوله ولا يجزئه إن يقر له ببيت / من سلفها ولو أقر له بغرفة من أعلي غرفها لم يجزئه أن يقر أنها من الوسطي. ولو قال له من داري منزل قيل له أقر بأي منزل شئت من غرفها أو من سلفها، ولو قال لك من هذه الدار أعلي غرفة فيها فوجد في أعلاها غرف متساوية في العلو قيل له أقر بما شئت منها ويحلف إن طلبت منه اليمين، وإن كانت غرفة [9/ 126] ¬
هي أعلاها كانت تلك، ولو قال: لفلان حق في سكني هذه الدار أو من سكناها أقر بما شاء من السكني وصدق. قال ابن عبد الحكم: إذا أقر أن له في هذا البستان حقا ثم قال هو تمر هذه النخل أو النخلة بأصلها صدق مع يمينه، وأما لو قال: له من هذا البستان حق لم يصدق، إذا قال هو تمرته أو تمرة النخلة. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال له في هذه الدار حق من وصية من والدي ثم قال هو سكناها أو بيت منها سنة وقال الآخر بل بشرك في أصلها ففيها قولان: أحدهما: أنه مصدق مع يمينه لأن هذا يجري في قول الناس ومعانيهم، وقاله ابن عبد الحكم، قال ابن سحنون: والقول الآخر أنه لا يصدق وليقر له في رقبتها بشئ ولو بجزء من مائة جزء إلا أن يقر بما لا يشبه أن يوصي الناس به من التافه القليل جدا كما لو قال: أوصي بموضع أصبع أو ما يرجع إلي ذلك لم يقبل منه حتي يذكر ما يشبه أن يوصي به. ويكون به شريكاً مما لا يخرج من معاني الناس ولو وصل الإقرار في قوله له فيها حق وقال هي وصية بسكني شهر فهو مصدق مع يمينه / في إجماعهم، وكذلك له فيها ميراث سكني شهر كان والدي أسكنها والده وورث ذلك عن أبيه، ولو قال لك في رقبة عبدي هذا أحق ثم قال أردت دينا ثم قال الطالب لي عشر رقبته فلا يقبل من السيد حتي يقر له في رقبته إنا بالعشر أو بأقل فإن أقر بأقل صدق مع يمينه وإن قال لك علي عبدي حق ثم قال أردت دينا ثم قال الطالب لي عشر رقبته فلا يقبل من السيد حتي يقر له في رقبته إما بالعشر أو بأقل فإن أقر بأقل صدق مع يمينه وإن قال لك علي عبدي حق ثم قال أردت ديناً وقال الطالب بل لي في رقبته العشر فالمقر مصدق وهو شاهد علي عبده هو ولا يلزمه الدين إلا بعد يمين الطالب، ولو قال لك في عبدي هذا أو في امتي هذه حق فقال الطالب إنما لي حق في الأمة دون العبد فإن حلف المقر أنه لا حق له في الأمة برئ ولم يكن للطالب شئ في العبد لأنه نفي أن يكون له فيه شئ، ولو ادعي فيهما جميعاً جبر المقر أن يقر له في العبد بحق ويحلف في الأمة ما له فيها حق ويخلي عنه إلا أن يدعي الطالب أكثر مما أقر له به في العبد فيحلف علي الزائد. [9/ 127]
فيمن قال لفلان معي في هذا العبد شرك أو قال هو بيني وبينه
فيمن قال لفلان معي في هذا العبد شرك أو قال هو بيني وبينه أو قال شريكي فيه أو قد أشركته فيه ولم يسم جزء الشركة من كتاب ابن سحنون: ومن قال لفلان في هذا العبد شرك قال معي أو لم يقل ثم قال هو العشر فالقول قوله. قال ابن عبد الحكم: ويحلف إن ادعي المقر له أكثر سواء وصل الكلام أو لم يصل لأن الشرك يقل ويكثر وكذلك الدار. قال ابن سحنون في قول بعض أصحابنا: له النصف / وفرق غيرنا بين قوله معي وبينه إذا لم يقل معي قالوا: إن قال معي مصدق فإن لم يقل معي فله النصف ولا فرق بين هذا، وأجمعوا أن لو وصل كلامه فقال له فيه شرك العشر أنه مصدق. وإذا قال: هذا العبد بيني وبين فلان أو قال لي ولفلان ثم سكت فسئل فقال له الثلث أو السدس وقال الآخر لي النصف، فقال بعض أصحابنا وأهل العراق إن له النصف وقال آخرون من أحصابنا وقاله ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم إنه مصدق في قوله: الثلث أو الربع أو العشر، وقال ابن سحنون وقد يحسن في الكلام أن يقال هو بين فلان وفلان لأحدهما أقل من النصف، قال ابن سحنون وكذلك قوله: فلان شريكي فيه علي اختلافهم، وفرق غيرنا بين قوله له فيه حق وبين قوله شرك إن لم يصل كلامه بالتفسير وأجمعوا أنه إن قال له شرك معي أو حق معي أنه مصدق فيما يذكر. وهذا حجة عليهم فيما خالفونا فيه إذا لم يقل معي وفي قول غير أشهب وأهل العراق إذا قال: فلان شريكي في هذا العيد أن له النصف إلا أن يصل كلامه بأن له أقل، وكذلك الحيوان والدور. وإن قال: فلان وفلان شريكان معي في هذا العبد فهو بينهم أثلاثا عند بعض أصحابنا وأهل العراق. وقال أشهب: القول قوله مع يمينه فيما يقول منه قالوا جميعا وإن قال أشركت فلانا في نصف هذا العبد فله النصف كأنه قال أشركته بالنصف وكذلك أشركت في ربع هذا المتاع فله الربع / ولا يقال له نصف [9/ 128]
فيمن أقر لرجل بشجر هل تكون له الأرض؟
الربع وكذلك بربعه وإن قال: هذه الدار لفلان وفلان فهي بينهما نصفين إلا أن ينسق الكلام فيقول: لفلان الثلث ولفلان الثلثان فيكون كما قال. فيمن أقر لرجل بشجر هل تكون له الأرض؟ أو بنخلة أو بجذع أو بجدار (¬1) أو بأسطوانة أو ببناء دار هل تدخل في ذلك الأرض؟ ومن كتاب ابن سحنون وابن عبد الحكم: ومن أقر لرجل بكرم في أرض قضي له بالكرم والأرض، لأن اسم الكرم يجمع الشجر والأرض، ومن أقر أن هذا البستان له كان له الشجر والنخل والأرض، ومن أقر لرجل بنخل كانت له النخل بموضع أصلها وطريقها وما بين النخل من الأرض إلا أن تكون نخل يسيرة في أرض كثيرة والنخل تبع فيكون له النخل بأصلها ولا شئ له في الأرض التي بين النخل، وإذا طبقت النخل الأرض فله الجميع من النخل وأصولها وما بينها من الأرض لأنها تبع للنخل وكذلك في الشجر، ولو أقر له بعشرة أصول من هذا الكرم فله تلك الشجرات بأصولها. ولو أقر له بثمن النخلة فادعي الطالب النخلة مع الثمرة فليس له إلا الثمرة مع يمين المقر. [9/ 129] ¬
قال ابن عبد الحكم: ولو أقر له بجذع النخلة لم يكن له من الأرض شئ ولا من الجريد ولا من الثمرة وإن لم تؤبر. قال: ولو قال بناء هذه الدار لفلان فله البناء دون الأرض، وكذلك لفلان بناء هذا الحائط فله البناء دون الأرض، لأن البناء ليس يخرج من الأرض كما يخرج النخل والشجر من الأرض، والبناء ليس منها، وإن أقر له ببعض هذا الجدار فإنما له البناء دون الأرض، وإن أقر له بجذع هذه النخلة فله الجذع دون الأرض. قال ابن سحنون: وإن أقر لرجل بحائط بين داريهما ثم قال أردت البناء دون الأرض فلا يصدق وتقضي له بالبناء والأرض وكذلك في إقراره له باسطوانة فادعي الطالب بناءها وأصلها فاختلف قوله فقال يقضي له ببنائها وأصلها، وقال أيضا: القول قول المقر مع يمينه. وقال ابن عبد الحكم في الحائط: إن له الحائط بأرضه. قال ابن سحنون: وإذا أقر له بخشية في داره أصلها ثابت في الأرض وعليها حمل فادعي الطالب الخشبة بموضوعها من الأرض فإنما له الخشبة وحدها فإن أقر أنه غصبه إياها فالطالب مخير بين تضمينه قيمتها [وبين أنه يأخذها ويهدم ما عليها، وقال أشهب: إن كان لا يؤخذ إلا بضر فعلي المقر قيمتها] (¬1) للطالب. قال ابن عبد الحكم: وإن كانت في يديه دار فقال لرجل أنت بنيت / هذا البيت فيها فقال له الآخر صدقت والعرصة لي وأخذتها أنت مني ظلما فلا يصدق في العرصة، وكذلك قال ابن المواز: وليس في سؤاله وأخذت العرصة مني ظلما، وقيل له أو ليس لما أقر أنه بني في الأرض أقر أنها صارت في يديه حين بني؟ قال أرأيت إن أدخل متاعا في بيتي أيحكم له بالبيت؟ قيل يقول ادخلته فيه وأنا حاضر قال: ويقول بنيت وأنا حاضر أرأيت إن قال أنا بنيت هذه الغرفة أيكون له ما تحتها،؟ وفي غير هذا الكتاب من هذا المعني فيمن أقر لرجل بأرض أو أوصي (¬2) له بها أن ما فيها من عين أو بئر داخل في ذلك أو كان بينا من ذلك [9/ 130] ¬
فيمن أقر بدنانير أو بدراهم من بيع أو قرض أو غصب ولم يذكر وزنا ولا جودة
أن للبيت حقه من المدخل والمخرج ومرفق البئر والمرحاض وإن لم يذكره، ونحو هذا، وبعد هذا باب فيمن أقر له بالأرض فهل له ما فيها من أصل أو بناء أو زرع؟ وباب في استثناء البناء والأصول في إقراره ونحو هذا. فيمن أقر بدنانير أو بدراهم من بيع أو قرض أو غصب ولم يذكر وزنا ولا جودة ثم ادعي نقصا أو رداءة في عين ونحوه أو أقر بشئ مصوغ أو أقر بدينار دارهم أو بدينار حنطة أو بدينار في دينار أو في دينارين. قال محمد بن عبد الحكم: من أقر أنه اغتصب من رجل دينارا ولم يقل جيدا ولا رديئا ولا ناقصا ثم مات المقر حكم عليه بدينار جيد وازن علي نقد ذلك البلد فإن كان نقدهم مختلفا لزمه دينار من أي الأصناف شاء (¬1) / [بعد يمينه إن طلب منه اليمين يريد يدعي عليه أعلي من ذلك أو يموت الطالب فيحلف أنه لم يقر بأجود من هذا وكذلك في إقراره بالدراهم. إن كان ببلد دراهم كلها ناقصة لزمه وزن دراهم البلد. وروي عن ابن القاسم فيمن قال غصبت فلانا دراهم ثم قال بعد ذلك كانت دريئة أنه لا يصدق. قال محمد وذلك إذا لم يصل الكلام. ومن قال غصبتك درهما ثم قال كان ناقصا أو زائفا رديئا لم يصدق وهذا رجوع. وإن ادعي معرفة الطالب فليحلف فإن نكل حلف الغاصب وصدق فإن نكل غرم دينارا وازنا جيدا وإن قال غصبتك دينارا [رديئا أو قال ناقصا بكلام متصل فالقول قوله مع يمينه بخلاف إذا لم يصل كلامه وإن قال غصبتك ديناراً (¬2) وهو في كيسي هذا فأخرج كيسه وليس فيه إلا دينار ناقص أو ردئ فليس له غيره. فإن ادعي [9/ 131] ¬
عليه جيدا أو وازنا حلفه فإن نكل حلف المدعي وأخذ دعواه، فإن نكل قيل للمقر احلف وود ما أقررت به. ولو كان في الكيس دنانير مختلفة الوزن والجودة فقال المقر هو هذا الردئ الناقص صدق مع يمينه. ولو قال غصبتك دينارا هو في منزلي أو تابوتي لا أعرف وزنه ولا جودته فالقول قوله ويأتي بأي دينار شاء] ويحلف إن ادعي عليه غيره، وإن قال غصبتك دينارا هو في منزلي ولم يزنه فليأت بأي دينار شاء ويحلف إلا أنه إن مات لزمه دينار جيد، ولو مات في المسألة التي قال فيها لا أعرف جودته ولا وزنه فليقض عليه بأقل ما يقع عليه اسم دينار ولا يكون إلا صحيحا [وإن قال غصبتك دينار متقالا فله أن يعطيه دينار متقالا صحيحا (¬1)] أو قطعا إذا كان ذلك مما يتعامل به في تلك البلدة، ولو قال: غصبتك دينارا هو في كيسي هذا فأخرج منه دينار قطعا أقل من دينار فلا يصدق ولا يكون القطع دينار إلا وازنا وليس بمضروب ويسمي دينارا بالسكة فإذا أقر بدينار قطع لزمه دينار قطع ولو قال مضروبا أخرج أي دينار شاء من كيسه وحلف إن سئل (¬2) اليمين إن كان ناقصا. وإن قال غصبتك دينارا تبرأ لزمه وزن مثقال تبر، وإن قال: غصبتك دينارا ينقص قيراطا أو قيراطين فقال هو قطع وصحيح فذلك له مع يمينه إن طلبت منه إذا ذكر الوزن ذهبا. وإن قال: غصبتك مائة درهم عددا ثم قال هي تنقص عشرة أو خمسة فهو مصدق إذا نسبها إلي لاعدد إن وصل الكلام بالعدد، فإن لم يقل عددا لم يصدق بعد ذلك أنها عدد أو أقل من مائة في الوزن، وقال أصحاب أبي حنيفة: إن عليه وازنه في العدد فإن قال عددا وقد جامعونا علي أنه إن قال مائة عددا لا أعرف وزنها أنه تلزمه وازنة. أرأيت لو شهد شهدان بهذا وقالا لا نعرف وزنها أيقضي عليه بوازنة؟ أرأيت لو قال علي / مائة درهم عددا من هذه الدراهم أتلزمه وازنة منها؟ ولو قال مائة منها ولم يقل عددا لزمه بإجماع مائة وازنة منها. [9/ 132] ¬
وإذا أقر لرجل بماشة درهم مطلقا وكانت المعاملة بتلك البلدة علي دراهم غير وازنة يكون دخل المائة خمسة وعشرة وأقل وأكثر فالقول قوله فيما يدعي مع يمينه، وإن كان في بلد دراهمه الشعرة علي وزن سبعة دنانير لزمته وازنة، وكذلك الدنانير وكذلك عيون الدنانير والدراهم له نقد تلك البلدة ولو أقر بفلوس كان له فلوس تلك البلدة الجارية فيه ولو بطلت الفلوس وهي قبل ذلك مختلفة فليق بأي سكة شاء ويحلف لأنه ليس في البلد وقت إقراره أمر يحملان عليه، وإن قال بالعراق له علي مائة دينار وقال من دنانير مر ودنانير العراق أجود فإنما عليه من دنانير مصر كانت أجود أو أردأ إذا وصل كلامه، وإذا قال له علي مائة درهم صغار سئل أي الصغار هي؟ ويصدق مع يمينه فيما يذكر من الصغار ولو قال له علي درهم ناقص صدق في مبلغ النقصان إذا كان يقع عليه اسم درهم ولو أقر بدرهم وزنه نصف درهم صدق إن وصل الكلام ويحلف. ولو قال له علي مائة درهم وازنة إذا أقر بدراهم مثاقيل الدراهم، وإذا أقر بدنانير مثاقيل فله وزن مثاقيل الدنانير وإذا أقر بدرهم عريض أو قال ثخين (¬1) فله درهم وازن، ولو قال: درهم خفيف فهو مثل قوله / درهم ناقص وهو مصدق في وزنه ويحلف إذا وقع علي ما أقر به درهم، ولو قال درهم ثقيل فإن ادعوا عليه أن فيه أكثر من وزن درهم حلف فبرئ من الفضل. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال له: علي ألف درهم زيوف من ثمن بيع فقال الطالب هي جياد ففيها قولان: أحدهما أنها جياد إن كانت الزيوف لا يتبايع بها وكذلك النبهرجة (¬2) وإن كانوا يتبايعون بها فالقول قول المقر، وفي القول الآخر أن القول قول المطلوب مع يمينه إذا وصل الإقرار أن عليه ألف درهم قراض زيوف أو بهرجة ووصل وقال الطالب بل هي جياد. قال سحنون: فالقول قول المقر وكذلك في الإقرار بالغصب أو بالقوة إذا وصل الكلام الإقرار، ولو قال: مائة [9/ 133] ¬
درهم ستوقة (¬1) من بيع فإن كان يتبايع الناس بها فالقول قوله، فإن كان لا يتبايع بها والسلعة قائمة فالمبتاع مخير إن شاء الله أخذها بما قال البائع أو ردها وإن فاتت صدق البائع إذا ادعي ما يشبه لأن المشتري ادعي ما يشبه لأن المشتري ادعي مالا يتبايع به الناس كأنه قال بلا ثمن. وإذا ادعي البائع من الثمن مالا يشبه أعطي القيمة يوم التبايع بخلاف إقراره بالقرض، لأنه لو أقر بعشرة أفلس لم يلزمه غيرها. قال محمد وكذلك القول قوله في الغصب في إجماع العلماء فيما أعلم. وكذلك في الوديعة مع يمينه. فأما إن قال: / غصبته ألف درهم وسكت ثم قال بعد ذلك هي زيوف أو نبهرجة أو ستوقة أو رصاص فلا يصدق عند سحنون، وقال غيرنا يصدق من النبهرجة والزيوف ولا يصدق من الستوقة والرصاص، وهذا كله سواء عند سحنون. ولو قال: غصبته دينارا رديئا او درهما رديئا كلاما نسقا فالقول قول الغاصب ولو لم يقل رديئا ثم قاله بعد ذلك لم يقبل منه ولزمه جيد. قال ابن عبد الحكم: وإن قال غصبتك خاتما من فضة مغشوشة بكلام متصل صدق، ولو كان بعد أن سكت لم يصدق ويصدق المغصوب منه مع يمينه، فإن قال لا علم لي بما قال إنه غصبني وأنا آخذه بإقراره حلف أنه ما يعلم ذلك وله فضة جيدة. قال ابن سحنون: وإذا أقر أن له عليه مائة درهم ثم قال هي وزن خمسة دوانق (¬2) أو قال تنقص المائة خمسة. إن كان ببلد تعرف فيه الدراهم كيلا وافية أخذ بوازنة إلا أن يكون استثناؤه نسقا فيصدق، وهذا إجماع فيما أعلم. [9/ 134] ¬
ولو كان بالكوفة فقال له علي مائة دينار عددا ثم قال تنقص عن وزن الكوفة فلا يصدق وعليه وزن الكوفة، وكذلك الدراهم إلا أن يكون كلامه نسقا، ولو كان البلد يتبايعون بنقص خمسة في المائة إن ادعي ذلك في إجماعهم ولا يصدق في أكثر من ذلك النقص، وإن كان البلد نقده مختلف فأقر له بمائة درهم ثم قال بعد ذلك هي من نقد كذا فذكر بعض ما يتعاملون به فهو مصدق / في إجماعهم. ولو قال له علي درهم كيلا ثم قال ينقص دانقا فلا يصدق إلا أن يكون الكلام نسقا، ولو قال له علي مائة درهم كيلا ثم قال: شئ من هذه الصغار فلا يصدق وعليه من وزن سبعة ولو أقر بمائة درهم من السود الكبار ثم قال هي من وزن سبعة، وقال الطالب هي مائة مثقال فالمقر مصدق ويحلف إن كان المعروف من الدراهم كلها من وزن سبعة إلا أن يسمي من الزيادة أو النقصان ما هو المعروف أو يكون استثناؤه نسقا هو لو أقر بدرهم صغير ثم قال هو نصف درهم، فإن كان وزن الدرهم الصغير بذلك البلد نصف درهم صدق ولا فله وزن الدرهم الصغير بالبلد إلا أن يتسق كلامه فيؤدي ما قال ولا ينظر إلي وزن البلد. ولو نسق كلامه والبلد لا يعرف فيه وزن الدرهم الصغير فليؤخذ منه ما قال ويحلف وإن لم ينسق كلامه وليس للصغير وزن عندهم أخذ بما أقر مع يمينه. ولو أقر بدرهم، ثم قال هو خمسة دوانق وكذبه الطالب فليأخذه بواف إلا أن يكون كلامه نسقا، ولو أقر بدرهمين ثم قال هي ثلاثة صغار وزنها درهم ونصف وقال الطالب هي ثلاثة فليؤخذ بدرهمين وازنين وكذلك إقراره بفلس فعليه فلس تام أو بقفيز فعليه قفيز تام إلا أن يتسق كلامه بذكر قفيز بالعكي أو بالعباسي فيؤخذ به مع يمينه أو يكون ببلد فيه الأقفزة مختلفة فيؤخذ بما أقر به ويحلف / وإن لم يكن في نسق الكلام، وقال غيرنا: إذا أقر بدرهم صغير أن عليه من وزن سبعة وهو قد نسق الكلام بصغير. وقالوا إن نسق الكلام بقوله: وزن نصف درهم أنه مصدق، وهذه مناقضة، ولو قال له: علي دينار تبر أخذ بدينار مكسور ولو لم يقل تبرا إلا بعد سكات أخذ بدينار منقوش. ومن أقر لرجل بمائة درهم من قرض أو بيع من وزن سبعة ثم قال هي زيوف أو نبهرجة [فلا يصدق وعليه جياد علي ما يتبايع الناس ويتقارضون ولو وصل [9/ 135]
كلامه بقوله زيوف أو نبهرجة (¬1) كان ذلك كما قال في القرض، وأما في البيع فينقض إن لم تفت السلعة، وقال بعض أصحابنا: يؤخذ في البيع بجياد مما يتناقد الناس. ولو قال: غصبته ألف درهم ثم قال هي زيوف أو نبهرجة فعليه جياد إلا أن يصل كلامه، وكذلك لو قال غصبته دينارا ثم قال بعد ذلك أنه ردئ فلا يصدق وعليه جيد إلا أن يصل كلامه وكذلك في السلف فيصدق قال رديئا أو قال ناقصا أو كليهما، وأما العروض فالقول قول الغاضب ما لم يستدل علي كذبه، ولو قال له: عندي ألف درهم وديعة، ثم قال بعد ذلك هي نبهرجة أو زيوف فهو مصدق نسق الكلام أو لم ينسقه، لأن المقر بالغضب أقر بشئ لزمه في الذمة فليس له أن يدعي ما ينقضه إلا أن ينسق كلامه، وفي الوديعة هو خالي الذمة فليس بمدع فيما يزيد منها. ولو قال في الوديعة هي رصاص أو ستوقة لم يصدق إلا أن يصل كلامه فيصدق في إجماعهم. وقال سحنون: إن قال / بعد تمام الكلام هي رصاص بحيث لا يقع عليها اسم دراهم وليس فيها فضة وأما إن كانت مختلطة رصاصا وفضه يقع عليها اسم درهم، قبلت قوله وإن لم ينسق كلامه. وإن أقر في البيع بدراهم يتبايع بها الناس وهي رديئة إلا أنها قد جازت بينهم فهو مصدق يريد ويحلف، ولو أقر له بألف درهم قرضا ثم قال هي هي نبهرجة أو زيوف فإن كانت مما يقرضه لنا كما صدق وإن كانت مما لا يجيزها الناس قرضه بينهم ولا البيع بها أبطلت قوله إلا أن يكون كلاما نسقا. ولو أقر بعشرة أفلس من بيع أو قرش ثم قال هي من الفلوس الكاسدة لم يصدق في قولنا وقولهم، لأن الناس لا يتبايعون بها وكذلك قال سحنون في الغضب إلا أن يصل كلامه. [9/ 136] ¬
قال غيرنا: هو مصدق مع يمينه وأجمعوا في الوديعة علي تصديقه ولو نسق بإقراره قوله من الكاسدة في بيع أو قرض فقال بعض أصحابنا وبعض أهل العراق: لا تصدق إذ لا تجزئ في بيع أو قرض، وقال بعض من هؤلاء وهؤلاء: يصدق في القرض ولا يصدق في البيع ويحلف البائع ويرد السلعة إلا أن يأخذها المبتاع بما قال البائع، فإن فاتت صدق المشتري فيما يشبه فلما ادعي من الثمن ما لا يتبايع به الناس صدق البائع فإن جاء بما لا يشبه كان له قيمتها من الفلوس الجياد وكذلك في الدنانير والدراهم في قول بعض أصحابنا إن قال له: علي ألف درهم زيوف / وهي من بيع فلا يصدق، وقال آخرون: يصدق في نسق الكلام ولا يلزمه إلا ما أقر به وإن لم تفت السلعة حلف البائع وله نقض البيع إلا أن يشاء المبتاع أخذها بما قال البائع أو يدعها البائع للمشتري بما أقر به وإن فاتت فالمبتاع مصدق في الثمن إن ادعي ما يشبه البيع، فإن ادعي مالا يشبه قضي للبائع بقيمتها من الدنانير الجياد. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال: علي مائة درهم صنائعية من ثمن شئ اشتريته منه وقبضته وقال البائع هما جياد فإن نسق المبتاع كلامه صدق فيما قال من جياد أو رديئة في قياس قول ابن القاسم، وأما قياس قول أشهب فإن البائع إن شاء قبل قوله وإن شاء حلف وكانت له قيمة السلعة ما لم تجاوز مائة جيادا. قال: وإن قال أقرضني مائة دينار صنائعية أو مغشوشة فلا يقبل قوله، وابن القاسم يقبل قوله. وقد اختلف قوله فيه، وإن أقر أنه غصبه دينارا دراهم فعليه دراهم صرف دينار جيد في يوم الإقرار، فإن قال المغصوب منه كانت الدراهم يوم غصبني أرخص منها اليوم فالقول قول الغاصب مع يمينه وليس عليه إلا صرف اليوم، وقيل إنه يقر بدراهم صرف أي وقت شاء ويحلف، والأول أحب إلينا. [9/ 137]
فيمن أقر بشيء مبهم من العرض أو الطعام أو الإدام أو الرقيق أو الحيوان
وإن قال: غصبتك دراهم تسوي يوم الغصب دينارا سئل عن صرف يومئذ وحلف عليه إن سئل في اليمين. / وإن قال: عندي دينار في دينارين لزمه دينار ويحلف، وكذلك دينار صرف في دراهم فإنما عليه دينار، وإن قال له: علي دينار صرف لك في دراهم فهذا عليه الدراهم لأنه صرف لا يحل، وإن قال له: علي خمسة دراهم في ثوب علي وصفه فإن قال سليما وصدقه الدافع لزمه الثوب وإن أنكره لزمه الدراهم وحلفه. وإن قال: غصبتك دينارا في حنطة أو شعير أو عسل أو بر أو في عوض فليقر بما شاء مما قيمته دينار من هذه الأصناف، وإن كان مما له مثل كالحنطة والشعير غرم مثله وما ليس فيه مثل غرم فيه دينارا ولو قال: قيمته دينارا وهو يسوي اليوم نصف دينار هكذا أقر فإنما عليه المكيلة ويحلف. ومن العتبية روي عيسي عن ابن القاسم فيمن أقر لرجل بعشرة دنانير نقص فأتي ينقص كل دينار ربعا وثلثا. قال: يقبل قوله ويحلف كنقصان العدد. فيمن أقر بشئ مبهم من العروض أو الطعام أو الأدام أو الرقيق أو الحيوان ولم يذكر في ذلك صفة ولا جنسا ولا في الحيوانوالرقيق ذكراً ولا أنثي أو أقر بوديعة ولم يذكر ما هي وكيف بالتداعي في ذلك أو أقر بخير ثيابي أو أكبر بيت في داري! من كتاب ابن سحنون: فإن اقر أن لفلان علي كذا حنطة من بيع ثم قال: وسط من القمح وقال الطالب / هو جيدها فالمقر مصدق في قوله وسطا، أو رديا في إجماعهم، وكذلك كل ما يكال أو يوزن بخلاف العين في قول أصحابنا لأنه في العين مدع للتبايع بخلاف ما يتبايع الناس له وقد يتبايعون حنطة جيدة ووسطة ورديئة، ولو قال: أسلمت إلي في كر حنطة ووصفه بغير الجودة فإن [9/ 138]
كان مما يسلم الناس فيه وتجري بينهم فالمقر مصدق مع يمينه، وكذلك في الغصب والوديعة. ولو جاء الغاصب بكر حنطة أصابه ماء أو عفن وفيه منفعة للأكل أو للعلف فهو مصدق أنه الذي اغتصب منه أو أودع عنده ولو أتي بعفن قد بطل ولا نفع فيه ولا ثمن له فقال هذا الذي غصبتك لم يصدق، ولو قال هذا الذي أوعدتني صدق لخلاء ذمته، والغصب مضمون فيحمل علي انه استهلكه. ولو قال: غصبته ثوبا يهوديا ثم جاء بثوب يهودي خلق فقال هذا هو فهم مصدق ويحلف لأنه ثوب بعد خلق مخترق (¬1). وكذلك الوديعة، ولو جاء بخرق لا منفعة فيها ولا ثمن لها لم يصدق في الغصب ويضمن ويصدق في الوديعة، وقد يأتي عليه عنده سوس فيصدق فيه المستودع، ولو قال أودعني عبدا أو غصبته إياه ثم أتي بعبد معيب فقال هو هذا فكذبه الطالب فالمقر مصدق مع يمينه. ومن"كتاب" محمد بن عبد الحكم: وإن أقر أنه غصبه كبشاً فإنه مصدق فيما أتي به من الكباش أو قيمته إن هلك وكذلك الحيوان / والعروض وكل شئ إلا الدنانير والدراهم لنه لو باع منه ثوبا بدرهم فإنما له درهم جيد وازن فإن كان النقد بالبلد مختلفا في السلع فله نقد تلك السلعة حتي ولو باعه ثوبا بكبش بلا صفة لم يجز البيع وليس في الكباش ظاهر يقصد إليه والدنانير والدراهم ظاهرها الجودة. وإذا أقر له بمكيل من قمح أو شعير أو غيره من الحبوب أو كيل من زيت أو سمن أو عسل فله أن يقول أي حنطة شاء وأي شعير، وكذلك يقول في العسل علي نحل أو قصب أو غيره ويحلف وكذلك الزيوت إن كان بمصر أعطاه أي زيت شاء إن شاء زيت أو فجل أو كتاب وكذلك حبوب، ولو كان بالشام أو المغرب لزمه عسل النحل وزيت الزيتون إلا أن يكون عندهم زيت غيره [9/ 139] ¬
يستعملونه، وإن أقر بحنطة لزمه من حنطة تلك البلدة إلا أن يصل الكلام فيقول من حنطة بلد كذا وكذلك الشعير. وكذلك إن أقر بالعراق بزيت فقال بكلام متصل زيت فجل لزمه. وإذا أقر بذلك وقال: أردت النفط فإن كان النفط يقع عليه اسم زيت قبل منه مع يمينه وإلا فلا، وإن قال: غصبتك ثوبا يسوي دينارا فجاء بثوب يسوي أقل من ذلك فقال هذا هو. وقال الطالب لا أعلم صفته فإن حلف أنه ما يعلم أن هذا الثوب كان له فله أخذ المقر بدينار، ولو أقر أنه غصبه طائرا فعليه أي طير أقر به إنسيا أو وحشيا / ولو قال مذبوحا بكلام متصل صدق وإن لم يصله فهو علي الحي وكذلك عن مات ولم يفسر. وإن قال: أردت دجاجة أو أوزة قبل منه ويحلف إن سئل اليمين، ولو قال: هو نعامة لم يصدق، وإن أنكر الطالب، وإن قال غصبتك شاة أعطاه ما يقر به من كبش ذكر ونعجة وماعز ذكر او أنثي لأنه يقع علي ذلك اسم شاة، ولا أعلم أنه يقع علي ما دون الجذعة (¬1) شاة فإن غرف ذلك أعطيها ولو قال: تيس (¬2) لم يقع إلا علي الذكر. وكذلك الثيران لا تقع إلا علي الذكور ولا تقع النعجة إلا علي الأنثي الكبيرة والنعجة من المعز لا تكون إلا أنثي صغيرة، وإن قال غصبته بهما كان عليه ثلاثة من البهم ذكرانا كن أو إناثا. وإن قال: أردت حمارا وحشيا لم يصدق إلا أن يصل كلامه، وإن قال غصبته دابة قبل قوله في الخيل والبراذين والهجن والبغال والحمير، وإن قال أردت من البقر أو الإبل أو العبيد أو الماشية لم يصدق كما لو وكله علي شراء دابة لم يقع ذلك إلا علي ما يجري في عرف الناس ولو كان علي عموم الآية ((وما من دآبة في [9/ 140] ¬
الأرض إلا علي الله رزقها)) (¬1) ولو وقع علي الذرة فما فوقها، ولو قال: غصبتك شيئا وسمي دابة فهذا لو أقر بما شاء مما يقع عليه اسم دابة قبل منه لأنه بين أنه لم يرد ظاهر الأشياء، ولو قال تيسا أو غزالا أو أرنبا حلف ويصدق، فإن قال: غصبته بقرة كان ذلك علي الذكر والأنثي ويحلف وفيه اختلاف، ولو قال بقرة مسنة لم يقع إلا / علي أنثي كبيرة، والبقر والخيل والجمال يقع علي الإناث والذكور، ولو قال: جمل كان ظاهره ذكرا. ولو قال: لك عندي حمامة وقع علي الذكر والأنثي، ولو قال حمامة من حمام الأبراج قبل منه، والعرب تسمي الساق حر (¬2) والدياسي والفواخت حماما وليس بمستعمل في أفواه الناس، وإنما يريدون الحمام الذي يفرخ في البيوت، ولو أقر له بفرس قبل منه الذكر والأنثي مسنا وغير مسن ويحلف. وإن قال: غصبته عيراً كان من الحمير وإن قال حمارا أو قال بغلا فالغالب أن ذلك ذكور وفيه اختلاف، ولا تكون البغلة إلا أنثي والاتان لا تكون إلا أنثي، وقوله ماعز يقع علي الذكر والانثي، وإن قال: غصبته فصا فليقر بما يشاء من أصناف الفصوص الياقوت والزبرجد وعقيق وحبشي وفيروزي وغيره من الأصناف، وأنا إن قال: فص جوهر لم يكن إلا ياقوتا أحمر أو غير أحمر والزبرجد وكل ما خلق خلقا من الجوهر بلا صنعة للآدميين فيه فهو جوهر. وإن قال: عقيق فإن كان خلق خلقه فهو جوهر وإن كان اليزادي والادرك كذلك فهو جوهر، وإن قال غصبته جوهرة ولم يقل فصا فله أن يقر بما يشاء عن ياقوت أو زبرجد ولؤلؤ وما يقع عليه اسم جوهر. إن قال غصبته حليا كان له أن يقر بما يشاء من الحلي من ذهب أو ورق ولؤلؤ / وجوهر وعقيق وغيره من لباس النساء حليا مشهورا منظوما مثقوبا وصحيحا ومكسورا، وإن أتاه بحلي مكسور فهو يقع عليه اسم حلي، وفي اللؤلؤ [9/ 141] ¬
غير المثقوب اختلاف. قال الله سبحانه ((يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا)) (¬1) ولو أتاه بحلي نحاس مطلي بذهب أو فضة لم يلزمه ويحلف الطالب، فإن قال لا أدري إنما أقر لي حلف أنه ما يعلم أنه هذا ولم يلزمه المطلي، ولو أتاه بحلي من سك (¬2) أو زعفران ونحوه لم يلزمه وليس هذا ظاهر الحلي ولو أتاه بحلي سيف أو حلي منطقة أو مصحف أو لجام وقال هذا أردت فما هذا عندي بظاهر حلي النساء ويحلف، وكل ما أقر به مما يختلف من القمص والجباب والسراويلات والسيجان (¬3) والأردية وجميع الأمتعة فله أن يقر من ذلك الصنف بما شاء ويحلف، والأكسية لا أعلمها تقع إلا علي الصوف أو الخز. والسيجان يقع علي الصوف، والكتان والقطن والأردية لا تقع إلا علي الكتان والقطن والخز، وإن كان يعرف من الحرير اردية دخلت في ذلك، والعمائم تقع علي الأصناف كلها من كتان وقطن وصوف وخز صغار وكبار مما يصلح للرجال والصبيان، وإن أقر له بكساء فقال هو قومصي (¬4) أو صوف مصري أو طبري أو خز فذلك إليه والطبرازي الأغلب علي رسمه ساج ويحمل ذلك في البلدان علي ما يعفرون وسيجان القطن لا تكون إلا مدورة إما منسوجة أو قطعت من ثوب والكساء / يقع علي المدور والمربع ومطبقا وطاقا والساج الطبرازي يقع عليه مدور وجديد لم يقطع وكذلك الكردي الجبلي ولو أقر أنه غصبه قوسا فليقر بما شاء من أصناف القسي، ولو أقر بسهم لم يقع إلا علي السهام العربية وشبهها، والنشاب بخلاف ذلك، ولو قال قوس نشاب لم يقع إلا علي العربية، والرماح تكون من القنا وغيرها وثم بلاد لا يعرفونها إلا من القنا فيحملون علي ما يعرفون وكذلك بلد لا يعرفونها إلا من الزان (¬5)، وإن كان بلد فيه الصنفان أقر بما شاء وحلف، وإن أقر أنه غصبه كل سلاح عنده كان [9/ 142] ¬
ذلك علي السيوف والرماح والبيض الحديد والقسي والنيل والمزاريق (¬1) والأترسة (¬2) والسواعد وشبهها يقر من ذلك بما يقع عليه، وليست المنطقة والأقبية والخناجر واللبادات من السلاح عندي، وأما ما كان لوقاية الدواب من التجافيف (¬3) وغير ذلك فهو من السلاح، وليست السروج واللجم والسكاكين للأقلام والذبح من السلاح، وليست الحسك من السلاح وهي كالحصون. ومن كتاب ابن سحنون قال أصحابنا: إذا أقر بعبد دنئ أو بشئ من الحيوان فذلك يلزمه، وقال مثل قولنا أبو يوسف، وقال صاحبه: باطل إلا أن يفسر من أي شئ لزمه، وإذا أقر أقر أن لفلان عليه عبداً وفلان يدعي ذلك ثم قال لا شئ له علي فلا بد له / من الإقرار بعبد علي أي صفة أقر بها مع يمينه ويجبر علي ذلك. وكذلك إن أقر له بعيد قرضاً أخذ به والقول في صفته قوله مع يمينه. [وقال غيرنا: يؤخذ بقيمة عبد والقول قوله فيه مع يمينه، (¬4) وإن كان العبد لا يكون قرضا. قال محمد: فإذا كان لا يكون قرضا فلم ألزمه ما لا يكون© (¬5)؟، وكذلك في إقراره ببقرة أو شاة والقول وقوله في الصفة، وإن جاء لشئ فقال هو هذا فهو مصدق مع يمينه وإن أقر أن له عليه دابة لزمه ذلك. وقيل له هلم لي أي الدواب (¬6) شئت واحلف علي ذلك، وقال غيرنا: يلزمه أي الدواب شاء، وإن جاء بدابة فقال هي هذه أو جاء بفرس أو برذون أو بغل أو حمار فالقول قوله في إجماعنا. [9/ 143] ¬
قال محمد بن عبد الحكم: كل ما أقر به أنه غصبه لرجل من عبد أو دابة أو ثوب وبما لا يقضي بمثله فإنه إذا تلف فعليه قيمته والقول قوله في القيمة، وقال أبو حنيفة: إذا أقر بعبد فعليه قيمة عبد وسط، قال محمد: لا معني للوسط في هذا إنما هو إقرار بما وقع عليه عبد مما يقر به فليس عليه إلا قيمته علي ما يقر به من صفته (¬1) أرأيت لو قال غصبته خلخال ذهب أو طست ذهب ألا يقبل قوله في وزنه حتي يجعل وسطا؟ أرأيت إن قال له علي دراهم أليس عليه أقل الدراهم؟ وكذلك إن قال له: علي حق أليس ذلك أقل ما يكون من الحقوق؟ وقالوا /: إن أقر أن عليه دارا أو أرضا أو بستانا أو نخلا فإنما يأخذه بأدني ما يكون من ذلك، فهذا تناقض ولا فرق بين هذا وبين العبد. قال ابن سحنون: فإن أقر له أن عليه دارا أو أرضا أو نخلا أو بستانا لزمه ذلك أن يقر بما شاء من الدور والأرضية وغيرها يجبر علي ذلك، وهو مثل قوله عصبته، دارا أو قال أرضاً أقر بذلك عند قاض، فليأخذه بذلك، وإذا أقر أن لفلان عليه ثوبا هروياً فليؤخذ به وهو مصدق فيما أتي به من ثوب هروي ويحلف، ولو قال له: علي ثوب ولم يسم جنسه فأي ثوب جاء به قبل منه مع يمينه وكذلك لو قال: علي ثوب فاللبيس والجديد في هذا سواء. قال محمد بن عبد الحكم: إذا أقر أن لفلان عليه عبداً أو أمة أو حيوانا أو ثوبا أو غيره من العروض فإن قال هو سلف فعليه مثله علي ما أقر من صفته وكذلك من بيع في الحيوان وغيره وقال غيرنا يكون الحيوان من بيع ولا يستسلف فلا يكون دين من سلف ولا بيع، ولا حجة لهم في ذلك، والأخبار عن النبي صلي الله عليه وسلم في ذلك كثيرة وقد رووا عن ابن مسعود أنه كره السلف في الحيوان، وإنما الخبر عنه إن كرهه بشرط من فحل بعينه، واعتلوا أن الصفة فيه لا يحاط بها، وكذلك غيرها من العروض والثياب وقد يسوي (¬2) ثوب يوصف بالدقة والصفاقة والعرض [9/ 144] ¬
والطول، قد يسوي ثلاثة دنانير ويسوي خمسين دينارا، وكذلك من القطن. / والوشي يختلف [به قيمته] (¬1) بأجر كثير، وقد استسلف النبي صلي الله عليه وسلم، بكرا (¬2)، ولو قال جبائي أو غلائلي غصبتها من فلان أو لفلان فله كل جبة مقطوعة من أي الأصناف كانت من خز أو وشئ أو غيره، وكذلك الغلائل، وأما ما كان غير مقطوع ففيها قولان: أنها تكون له مثل العدني من الغلائل وشبهها، والقول الآخر ليس له إلا ما كان مقطوعا، وكذلك لو قال: لفلان جميع كسوتي لم يكن له منها إلا ما قطع أو لبس من رداء أو غيره والسراويلات، والسيجان (¬3) يدخل في الكسوة، وبهذا أقول، ولو قال: غصبته ما في بيتي من وسادة فله ما جاوز المخادد من الوسائد وسائد الطرح والمتكآت. ولو قال ما في بيتي من لحاف كان له اللحف التي ينام فيها، وبرا (¬4) أو قطناً أو خزاً مبطنا وكل ما يلتحف فيه إلا أن الظاهر ألا يدخل في ذلك ساجه ولا رداؤه وإن نام فيهما، ولو قال القطف (¬5) لم يقع إلا علي الصوف والخز والكتان المخمل، وما شك فيه حمل علي الأغلب الظاهر، ولو قال ادفعوا إليه لحافي الذي أنام فيه ولم يكن ينام إلا في قطيفة رأيتها له لأنه نسب ذلك إلي الذي ينام فيه ويحمل كل ذلك علي الأعم في اللحف عندهم، ولو قال غصبته ثوب وبر وقع ذلك علي أي ثوب من الوبر شاء. إن قال ثعالب أو سنجاباً أو سموراً (¬6) أو دلقا (¬7) أو غيره من أصناف الوبر ولا يدخل في ذلك الضأن، والقول قوله إن أقر [9/ 145] ¬
به (¬1) مظاهراً أو غير مظاهر، ولو أتي/ بجلود لم تقطع فقال هذا أردت لم يصدق إذا أنكر الطالب. وإن قال: غصبته رحي (¬2) بأداتها فله أن يقر برحي من أرحاء تلك البلد رحي ماء أو رحي فارسية، أو رحي خبز الكعك بمصر ورحي اليد وكل ذلك يسمي رحي (¬3) بأداتها فله أن يقر برحي من أرحاء تلك البلد رحي ماء أو رحي فارسية، أو رحي خبز الكعك بمصر ورحي اليد وكل ذلك يسمي رحي وأقل ما يقع عليه ذلك الاسم الحجر الأسفل والأعلي والعجلة والعمود الذي يديرها والقادوس الذي يصب فيه القمح والعمود الذي فيه القوس والقوس وليست الخشبة المعترضة عندي من الرحي ولا الحبال. وإن قال غصبته سانية (¬4) بأداتها كان له سانية بعجلتها وترسلها وسهمها المعترض الذي يدير (¬5) وليست الخشبة التي يدور فيها السهم المعترضة علي فم البئر والخشبة التي يدور فيها عمودها القائم المعترض فوق عمودي الساقية ولا الحبال والقوادس من ذلك، ولو قال غصبته عبداً أو جارية جاء بعبد أو جارية صغير أو كبير من أي جنس، وإن قال: قد تلف فالقول قوله في قيمته، وإن قال كان معيبا أعور أو أعرج أو غير ذلك صدق ويحلف إن طلبت منه اليمين، وكذلك جميع الحيوان. وفي باب الإقرار في البيوع شئ من معني هذا الباب. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال لفلان عندي وديعة ولم يبين ما هي فهو مصدق في إجماعهم فيما أقر به من شئ، فإن ادعي عليه غيره حلف إن كان متهما، ولو أقر بثوب وديعة فأي ثوب أتي به خلفا أو جديدا معيبا أو صحيحا فالقول قوله فيه مع يمينه، وإن قال الآخر: أودعته / صحيحا فإن اتهم حلف له وكذلك إن أقر بشئ من الحيوان فما سمي من ذلك قبل منه قوله بعد يمينه إن [9/ 146] ¬
فيمن أقر بشيء على صفة ثم قال إنما أقررت بشيء آخر
اتهم وكذلك إن كان به عيب، فقال كذلك استودعتنيه ولو قال: حدث به عيب عندي فهو مصدق ويحلف إن اتهم أنه فعل ذلك به، ولو قال: غصبتنيه ولم استودعكه فالمقر مصدق ولا شئ عليه. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال له أرفع ثوب من ثيابي هذه فله أرفعها ثمنا اختلفت أجناسها أو اتفقت وكذلك الرقيق والحيوان كله ولو قال له أكبر بيت في داري هذه فوجد فيها بعض هذا أعرض وبعض هذا أطول وبعض أرفع سمكا فلا ينظر إلي السمك ولكن أكبرهما في الطول والعرض مثل أن يكون أحدهما عشرة في عشرة فتكون فيه مائة ذراع مكسرة ويكون الآخر تسعة في عشرة فهو تسعون ذراعا الأول أكبرهما ولو كان الآخر فيه تسعة في اثني عشر كان أكثرها لأنه مائة وثمانية أذرع. فيمن أقر بشئ علي صفة ثم قال إنما أقررت بشئ آخر قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أقر لرجل بثوب وشئ ما قامت عليه بذلك بينة، فقال: إنما أقررت له بثوب كتان فإنه يلزمه الثوب الكتان والوشي، ولو قال له دار في يدي بغافق قيل له أقر له بأي دار شئت منها فإن أقر له بدار في خولان لزمه ما أقر به من التي بخولان ويلزمه / أن يأتي بدار بغافق إن ادعي المقر له كلاهما، وإن أقر له بحق في دار فشهدت عليه بينة أنه أقر له ببيت منها فقال هو بل بهذا البيت أقررت لزمه البستان إن ادعاهما الطالب. [9/ 147]
فيمن أقر بعدد من صنفين لم يذكر كم من كل صنف
فيمن أقر بعدد من صنفين لم يذكركم (¬1) من كل صنف كقوله علي مائة مثقال ذهب وفضة أو كر (¬2) من حنطة وشعير أو له عندي ألف وديعة وقراض ونحو هذا أو قال لفلان علي ألف ولم يفسر كيف هي بينهما وكيف إن استثني من ذلك أو ذكر البيع علي ذلك من كتاب ابن سحنون: وإذا قال لفلان علي مائة مثقال فضة وذهب فالقول قوله فيما منهما ذهب وفيما منهما فضة في قياس قول أصحابنا وعند سحنون، وإن جعل الفضة أكثر كما له في إجماعنا مع من خالفنا أن يجعل الذهب رديئة والفضة رديئة فكذلك له أن يجعل أحدهما أكثر عدداً. وقال من خالفنا: عليه النصف [من كل صنف] (¬3) فناقضوا ولو قال الذهب من ذهب كذا أو الفضة من فضة كذا صدق مع يمينه في إجماعنا. وقال محمد بن عبد الحكم: مثله في قوله له علي مائة دينار ودراهم فليقر بما شاء من كل صنف إلي تمام العدد ويحلف، وكذلك إن قال: غصبته كيساً فيه دنانير ودراهم أقر بما شاء بقليل صنف وبكثير آخر (¬4). وكذلك قوله: غصبته ضأنا إناثاً وذكوراً أقر بما شاء من كل صنف، وكذلك في البقر والإبل وكذلك في البقر والإبل وكذلك لو قال / فيها إناث وفيها ذكور. قال ابن سحنون: وكذلك إن قال له علي كر من حنطة وشعير فهو مصدق في قلة أحدهما وكثرة الآخر إلي مبلغ الكر. وإن قال أيهما وسط أو أحدهما صدق في إجماعنا، وهذا حجة لنا عليهم في قولهم النصف من كل صنف، وكذلك هذا في القرض والسلم والوديعة والغصب [9/ 148] ¬
والبضاعة، وإذا قال أسلمت إلي في كر من حنطة أو شعير الثلثان شعير والثلث حنطة وقال الطالب بل النصف من كل صنف [فالذي عليه السلم مصدق مع يمينه، فإن قال المطلوب لم يسموا كم من كل صنف، وقال الطالب قد سمينا النصف من كل صنف (¬1) فالطالب مصدق من باب دعواه لما يجوز وادعي الآخر ما لا يجوز ولو تضاد فأفسد السلم. وإن قال: استودعني عشرة أثواب مروية ويهودية فهو مصدق فيما يذكر من عدد كل صنف، وكلك في السلم إذا قال قد سمينا ذلك وقت العقد صدق مع يمينه، وإن قال لم يسم وقال الطالب قد سمينا فالقول قول الطالب لدعواه الأمر الجائز ويحلف، وقال غيرنا إن نكح علي كر من حنطة وشعيرة ولم يسميا كم من كل صنف أن النكاح جائز وكذلك الخلع والشراء والبيع، وقلنا: البيع والنكاح فاسدان [ويفسخ البيع] (¬2) ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده. ولهذا صداق المثل، وكذلك من باع عبدا بكرين من حنطة وشعير حالا أو مؤجلا فذلك عندنا فاسد وعندهم / جائز وعليه النصف من كل صنف، وإن أقر أن له عليه كر حنطة وشعير وسمسم فالقول قوله مع يمينه في مقادير ذلك ولا يكون عليه من كل واحد الثلث كما قال غيرنا. وكذلك قوله علي فرق (¬3) من سمن وزيت أو قال كذا وكذا من ورس وزعفران فهو مصدق مع يمينه في مقادير ذلك، ولو قال له علي قفيزان من حنطة وشعير إلا ربعاً فعليه قفيزان إلا ربعا وهو مصدق كم القمح وكم الشعير؟ وقد قيل: يسقط ربع الجميع ويكون عليه قفيز ونصف ويصدق في تسمية كل صنف، ولو قال لفلان علي ولفلان قفيز من حنطة وشعير فعليه لكل واحد منهما نصف قفيو ويصدق في كم القمح وكم الشعير مع يمينه، وإن قال لفلان وفلان علي ألف درهم [9/ 149] ¬
ولم يسم كم لكل واحد منهما فإنهما بينهما نصفين: فإن قال بعد ذلك لفلان منهما شتمائة وللآخر أربعمائة لم يصدق ويغرم للذي أقر له بستمائة إلا أن يكون الكلام نسقا فلا يضمن. ولو وصل الكلام كان كما قال ولم يضمن إن شاء الله. قال محمد: وجاء معنا أهل العراق فيمن قال استودعني فلان ثلاثة أثواب زطيه ويهودية أنه مصدق إن شاء قال يهودي وزطيان مع يمينه ويلازمهم علي أصلهم أن يلزموه النصف من كل صنف. قال ابن المواز ومحمد ابن عبد الحكم: إذا قال له علي ثلاثة أثواب شطوي وهروي فهو مصدق فيما يقول من كل صنف، قال ابن عبد الحكم: وقال أهل العراق نحو قولنا في هذا فتناقضوا / في قولهم في الدنانير والدراهم أن عليه النصف من كل صنف. قال ابن المواز: يكون له ثوب من كل صنف ويكون المقر في الثالث مصدقاً مع يمينه، فإن قال: لا أعرف وقد نسيته حكم للمدعي بما ادعي بلا يمين وإنما يحلف لو قال المطلوب إنما تطلب باطلا وأنا موقن ذلك وأكره اليمين فاحلف أنت فإن لم يحلف لم يكن علي المطلوب إلا ما أقر به في الثوب الثالث. وأنا إن قال ما أدري قيل له كيف تحلفه وأنت لا تدفع قوله ولا أنت مدع عليه بأجود ولا بأكثر؟ قال ابن المواز: وإذا قال المريض لفلان علي مائة دينار وداراهم فإن أمكن مسألته سئل والقول قوله ويجبر حتي يبيم فإن مات فورثته بمثابته يقرون بما ساءوا من كل صنف ويحلفون (¬1)، فإن أنكروا علم ذلك جعل النصف من كل صنف بعد أيمان الورثة أنهم لا يعلمون له شيئا وبعد يمين المقر أنه ليس حقه أقل من ذلك علي البت لا علي العلم. وكذلك لو قال له علي قنطار عنب أبيض وأسود أو قال قنطار عنب وتين لكان النصف والنصف إلا أن يقول المقر أكثر ذلك من العنب أو من التين ويحلف عليه. [9/ 150] ¬
فيمن أقر أن لفلان الدين الذي على فلان وله عليه صنفان فقال أردت أحدهما
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال لفلان عندي ألف درهم قرض ووديعة فالقول قوله فيما يذكر أنه قرض منه أو وديعة إن قال الوديعة الثلثان فهو مصدق مع يمينه. وقال غيرنا: لا يصدق إلا أن يصل كلامه وإلا كان ذلك نصفين وإن قال: له قبلي ألف درهم مضاربة / وقرضا ثم قال مائة منها قرض وتسعمائة مضاربة [فهو مصدق مع يمينه. وإن قال له قبلي (¬1) ألف درهم كر من حنطة وشعير الحنطة من ذلك مختوم فهو مصدق مع يمينه. وإن قال: له عندي ألف درهم مضاربة (¬2) ووديعة خمسمائة مضاربة وخمسمائة وديعة فالقول قوله إلا أن يحرك الضماربة فيعمل بها فهو ضامن إن خسر. وفي كتاب آخر إلا أن يحرك الوديعة [وكل محتمل] (¬3) لأنه قد يدعي رب المال انه كله وديعة فيصير متعديا بتحريكها وقد اختلف في هذا الأصل. وإذا قال: له عندي ألف درهم هبة ووديعة وقال الطالب هي وديعة ولم أهبك شيئا فالقول قوله في إجماعنا. فيمن أقر أن لفلان الدين الذي علي فلان وله عليه صنفان فقال أردت أحدهما أو قال أردت نصف ما عليه وله عليه صنفان أو صنف واحد وفيمن عليه مال فأقر أن ربه أمره بدفعه إلي زيد ولا بينة بأمره، هل يلزمه دفعه؟ ومن كتاب سحنون: وإذا قال: الدين الذي لي علي فلان هو لفلان وكان للمقر علي المطلوب مائة درهم في صك فقال عنيت الدراهم دون الدنانير وقال المقر له بل ذلك كله فإن له المالين في قولنا وقولهم، فإن [9/ 151] ¬
غاب المقر كان له أن يقبض ذلك من الغريم في قولنا، وقال غيرنا: ليس له ذلك في غيبة المقر لنفيهم القضاء علي الغائب، وإن كان له علي / رجل ألف درهم فأقر أن نصفها لفلان فذلك يلزمه. قال غيرنا ولا يتقاضاها إن غاب المقر, فإن حضر المقر كان هو المتقاضي ويعطي للمقر له نصف ما يقبض. وقالوا معنا: إذا أقر له بالألف وهي في صك باسم المقر له فهو جائز، فإن دفع المقر ذلك إلي المقر فهو برئ لأنه دفعه إلي من يملكه (¬1) فنقضوا بهذا قولهم ثم نقضوا هذا فقالوا ولو دفعها إلي المقر الذي باسمه الصك برئ وقلنا (¬2) إن ذلك لا يبرأ به وعليه غرم ذلك للمقر له، وإذا أقر له بالكر الحنطة الذي له علي فلان سلما فذلك جائز فإن وكله المقر بقبضة وغاب فإن كان الإقرار قد ثبت فلا معني للوكالة وللمقر أن يقبض، وكيف يوكله في ماله؟ وإن كان الإقرار لم يثبت وثبتت الوكالة فللوكيل قبضة بالوكالة. [وقال غيرنا: إذا وكله المقر بقبضة وغاب فله ان يقبضه بالوكالة] (¬3) ولا يقبض بالإقرار فيقال لهم هل وجب له الكر بالإقرار ممن قولهم إنه وجب له فكيف يكون وكيلا لغيره فيما هو له؟ وهذ يستحيل فإن لم تكن له بينة علي الوكالة ولا علي الإقرار فأقر المطلوب بالوكالة فإني أجبره علي دفعه في إجماعهم وإن لم يقر بالوكالة وأقر بإقرار الطالب له فليجبر أيضا علي دفعه ولا أصدقه علي صاحب الطعام إذا قدم فأنكر ما أقر به الذي عليه السلم وأغرمه له الطعام ثانية وكذلك في الوكالة، وقال من / خالفنا: لا يجبر علي دفعه ولا أصدقه علي رب الطعام الغائب فيقال له فلم صدقته في الإقرار في الوكالة وجبروته علي دفعه؟ وقال ابن المواز وابن عبد الحكم فيمن عليه دين أو عنده وديعة لفلان فأتاه من ادعي أن من له ذلك أمره بقبضه وأتاه بكتابة فعرف خطة أو أقر أن من له [9/ 152] ¬
فيمن أقر لرجل بأحد هذين الثوبين أو أحد هذين العبدين
ذلك أمرني بدفع ذلك إليك فإنه لا يلزمه دفعه إذا لم تقم بينة علي إذنه بذلك لأن ذلك لا يبرئه إذا جحده الآمر ومن هذا الفن باب موعب في كتاب الوديعة، ومنه في آخر الوكالات. ومن كان له علي رجل كر من حنطة وكر من شعير فأقر أن نصف طعامه الذي علي فلان لفلان فإنه يكون للطالب نصف كل صنف ورأي غيرنا: أن ما أقر بالحنطة دون الشعير وجعلوا قوله طعامي لا يعدو الحنطة قالوا: كما لو كان مع الطعام سمسم أو تمر. قال محمد: واحتجوا لقولهم بقولهم وهذا كله عندنا سواء كله وله نصف الحنطة مع نصف ما معها من سمسم أو تمر أو شعير، لأن ذلك كله طعام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم " من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتي يستوفيه"، فدخل تحت هذا كل ما ذكرنا، أرأيت لو كان له علي رجل شعير فقال طعامي الذي علي فلان لفلان او نصفه أليس يكون له في إجماع الأمة [والله أعلم بذلك كله وأحكم]. فيمن أقر لرجل بأحد هذين الثوبين أو أحد هذين العبدين / من العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم في الرجل يقول للرجل في ثوبين له أو عبدين له إن لك أحد هذين الثوبين أو أحد هذين العبدين ولا يدري أيهما هو فإنه يقال للمقر احلف إنك لا تدري أن أجوهدما للمقر له فإن حلف أنه لا يعلم أيهما له قيل للمقر له احلف أنك ما تعلم أيهما لك, فإن حلف أيضا كانا شريكين في الثوبين جميعا. قيل فإن قيل للمقر الأول احلف فنكل ورد اليمين علي المقر له، قال يحلف فإن حلف كانا في الثوبين شريكين فإن نكلا جميعا فكذلك يكونان شريكين إلا [9/ 153] ¬
فيمن أقر بالشك أن لفلان هذه الشاة أو هذه الناقة
أن يقول المقر لا أعرفه ويقول المقر له أنا أعرفه فإن قال المقر له أدناهما ثوبي أخذه بغير يمين وإن ادعي أجودهما أخذه بعد أن يحلف فإن قال المقر أدناهما هو ثوبه حلف ولم يكن للمقر له غيره وإن ادعي المقر له أجودهما أنه ثوبه لم يقبل قوله ولا يمينه إذا زعم المقر أن [أدناهما هو ثوبه وحلف علي ذلك وإن زعم المقر أن] (¬1) أجودهما ثوبه أعطيه المقر له ولم يحلف واحد منهما علي ذلك [فإن زعم المقر ان أجودهما ثوبه أعطيه المقر له ولم يحلف واحد منهما] (¬2) قال عيسي وقال أشهب: إذا حلف المقر أو نكل فرد اليمين علي المقر له، فإنه يحلف علي البتات علي أيهما شاء فإن نكل كان له أدناهما. فيمن أقر بالشك أن لفلان هذه الشاة او هذه الناقة أو له علي دينار أو درهم أو قال دنانير أو طعام من كتاب ابن سحنون: ومن أقر لرجل أن لك هذه الشاة أو هذه / الناقة، هكذا أقر علي الشك فإن الشاة للمقر له ويحلف المقر ما الناقة له وإن حلف ما له فيهما جميعا شئ وادعي الطالب كلهيما لم يقبل قول المقر في الشاة وقضيت بها للمقر له وتركت الناقة في يديه، ولو نسي الشهود فقالوا سمي لنا إحداهما فنسيناها بطلت الشاهدة. وقال ابن المواز: فقال له اعطه أيهما شئت فلا يمين إلا أن يدعي الطالب ارفعهما أو كليهما فيحلف المقر ولا يكون عليه غلا ما أقر به، وكذلك لو أنكر المقر الشاة ولا يكون عليه إلا ما أقر به، وكذلك لو أنكر المقر الشاة أو البعير فليحلف المقر له ثم لا يكون له إلا أدناهما، وقاله أشهب. قال في موضع آخر: فإن أقام المقر علي شكه فليأخذ المقر له ما شاء منهما بلا يمين، وإن رجع المقر فقال ما له فيها شئ وادعاهما الطالب قضي له بقيمة أدناهما. [9/ 154] ¬
وقال أشهب: بأدناهما بعينه قال وكل من أقر بكذا وبكذا فإنما يلزمه أحدهما أيهما شاء فإن لم يقدر عليه حتي يقر بأحدهما حكم عليه في ماله بأقلهما [وكذا لو حضر وقال لا ندري أيمهما له فلا يحكم عليه بأقلهما] (¬1) لأن الطالب لا يدعي أكثر منه، وإن ادعي الأكثر أخذه بلا يمين لأن المقر يقول لا أدري. وقال محمد بن عبد الحكم: القول قول المقر مع يمينه فإن جحد وقال ما له منهما شئ وادعي الطالب كلاهما فليقبض له بقيمة أدناهما ولا أقضي له (¬2) بأدناهما بعينه. وقال أشهب: يعطيه أدناهما قيمة، قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك في عبد وجارية أو جاريتين يعطيه قيمة: أدناهما، ولو أعطاه أدني الجاريتين لكان يطأ جارية لم يصرح له فيها بالإقرار، يريد ولعل الطالب لا يدعي واحدة معروفة. وقال ابن عبد الحكم فيمن قال غصبت هذا العبد أو هذا الثوب من فلان هكذا أقر حلف الغاصب علي أيهما شاء ما غصبته منه وكان الآخر للمقر له فإن نكل كان له أقلهما قيمة علي قياس قول أشهب، وفيها قول آخر أنه يغرم قيمة أدناهما لأنه أقر أنه غصبه ما يسوي عشرة أو أكثر ولا أقدر علي أخذه بعينه إذا حلف المقر عليهما ولو قال غصبته هذا العبد او هذه الأمة أو هذا الثوب قيل له احلف علي ما شئت وأنت مصدق فإن نكل حلف الطالب علي ما شاء منهما وأخذخ فإن قال لا علم لي بذلك وإنما آخذه بإقراره فإنه يأخذ أدناهم قيمة في قول أشهب. قال محمد بن عبد الحكم: ولو قيل يكونان شريكين في الثلاثة كان مذهبا وأحسن ذلك أن يأخذ قيمة أدناهم إذا نكلا عن اليمين. قال محمد بن عبد الحكم فإن قال: غصبت هذا الرداء أو هذا الساج من فلان فليعطه أيهما شاء ويحلف ما غصبته الآخر فإن نكل حلف الآخر علي أيهما [9/ 155] ¬
شاء فإن نكل ففيهما قولان أحدهما أنهما فيهما شريكان كثوبين اختلطا، والقول الآخر أنه له أن يأخذ أدناهما قيمة او قيمته. قال ابن المواز: وإن أقر لرجل (¬1) أن لك هذا العبد / أو هذه الأمة فأنكر فقامت عليه بينة بإقراره جبر علي أن يقر بأيهما شاء وأحبسه علي ذلك فإن الجي إلي الضرب ضرب، وقيل يقضي عليه أدناهما ولا أحكم له بفرج فأحله له بالوطء. قال ابن المواز: إن ادعي المقر له أخذهما حكمت له به إذا أبي المقر اليمين. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أن لفلان عليه دينارا أو درهما قال سحنون: يلزمه الدينار ويحلف في الدرهم، فإن نكل حلف الطالب وأخذ دينارا ودرهما، وإن قال له علي كر حنطة أو كر شعير لزمه الحنطة وحلف في الشعير، ولو قال أو درهم حلف في الدرهم، وإن قال له علي ثوب هروي أيهودي فإن ادعاهما الطالب لزم المقر الهروي وحلف في الآخر. وإن قال الطالب إنما أسلمت له في ثوب هروي فعليه له ثوب هروي، وإن قال إنما أسلمت له في ثوب هروي فعليه له ثوب هروي، وإن قال إنما أسلمت إليه في ثوب هروي يهدوي وأبرأه من الهروي فإنه يبرأ منه ويحلف علي الثوب الآخر أو يرد رأس المال إذا تحالفا، فإن نكل المقر حلف الطالب وأخذه بالثوب اليهودي فإن نكلا ترادا رأس المال. وإن قال له: علي ألف درهم ودينار أو كر حنطة فالألف يلزمه في الدينار، فإن نكل حلف الطالب وأخذه فإن نكل سقط الدينار وأخذ المائة والكر. [9/ 156] ¬
وإن قال له: علي ألف درهم ومائة دينار أو كر حنطة وكر شعير فألألف يلزمه بإجماعنا، ويلزمه المائة عند سحنون ويلزمه الكر الشعير في إجماعنا ويحلف عند سحنون في الكر الحنطة فإن نكل حلف الطالب وأخذه مع الألف والمائة والكر الشعير فأما الألف والكر الشعير فقد جامعونا فيهما وأنا المائة والكر الحنطة فقال سحنون يغرم المائة لأنه لم يوقع فيها شكا وتلزمه اليمين في الحنطة والشعير. وقال غيرنا ما يلزمه الأول وهو الألف والرابع وهو الشعير وعليه الأوكس (¬1) من الثاني والثالث، وإن قال لفلان علي ألف درهم بيض أو سود فيلزمه ألف بيض ويحلف في السود. قال محمد: وقد قيل فيها إنه يلزمه الأقل من ذلك ويحلف علي الأكثر، وكذلك في القائل له علي ألف درهم او خمسمائة أنه يلزمه الخمسمائة ويحلف فيما بقي فإن نكل حلف الطالب وأخذ الألف فإن نكل فليس إلا خمسمائة. وكذلك لو / قال ألف درهم أو نصفها. قال اشهب: وإن قال غصبت من زيد هذا العبد أو هذا الثوب فإن ادعاها زيد جميعا حلف الغاصب علي أيهما شاء لنفسه وأعطي لزيد الآخر، وإن نكل حلف زيد وكانا له، فإن نكل فله أدناهما وإن حلف علي أحدهما ونكل الآخر فله الذي حلف عليه فقط، وفي قول سحنون: يكون للمقر له العبد لأنه لما قال غصبته هذا العبد وجب له ويحلف الغاصب في الثوب أنه ما أراد الإقرار له به، فإن حلف لم يكن لزيد في الثوب شئ وإن نكل حلف زيد علي ان الثوب ثوبه وأخذ الثوب والعبد وإن نكلا أخذ زيد العبد ولا شئ له في الثوب. قال ابن عبد الحكم: وإن قال لفلان علي ثلاثون درهما أو ديناران ثم أنكر وحلف فعليه الأقل من ذلك. [9/ 157] ¬
فيمن أقر لرجل أن له شاة في غنمه أو جملا في إبله أو عبدا في عبيده
وإن قال لفلان علي عشرة دنانير ومائة درهم أو مائة إردب قمح فإن قال العشرة ومائة دون القمح قبل منه، فإن قال إنما علي المائة إردب قبل منه وإن قال إنما علي الدنانير دون الدراهم أو الدراهم دون الدنانير لم يقبل منه ولزمته الدنانير والدراهم. وإن قال بل له علي ألف درهم او مائة دينار ومائة أردب من شعير فإن أثبت الدراهم قبل منه وإن قال بل المائة دينار دون الشعير لم يقبل منه، وإن قال له علي ألف درهم صحاح أو قطع لزمه الأقل مع يمينه وكذلك مضروبة او نقرة لزمه النقرة مع يمينه لأنه أقل، وإن قال له علي مائة دينار وألف درهم / او مائة إردب حنطة أو مائة أردب شعير فإن شاء أثبت المائة دينار والألف درهم وإن شاء أثبت أحد الطعامين وليس له أن يثبت أحد المائتين دون الآخر [وبالله التوفيق] (¬1). فيمن أقر لرجل أن له شاة في غنمه او جملا (¬2) في إبله أو عبدا في عبيده أو قال ذلك في ثياب أو دنانير أو طعام أو قال له في هذا الطعام عشرة دنانير أو في ثمنه او نحو هذا (¬3) ولم يعينه أو له في هذه الدنانير كذا أو قال له رطل زنبقاً في زيته أو له في ثوبي عصفر صبغ به ونحوه من كتاب ابن حسنون: ومن أقر لفلان شاة من غنمه هذه فإن عينها فهو مصدق فإن ادعي الطالب غيرها ولا بينة له حلف المقر علي ما عين فإن حلف علي جميعهن أجبر علي أن يعطيه شاة منها فإن قال لا أعرفها ولم يدع الطالب [9/ 158] ¬
معرفتها كان شريكا له بها إن كانت عشرة فله عشرها وكذلك في بعير من إبله هذه أو بقرة من بقره أو ثوبا من ثيابه هذه فإن مات المقر فورثته بمنزلته فيما يدعون، فإن جهلوا كان شريكا لهم علي العدد إن لم يجد بينة ولا ادعي الطالب واحدة بعينها، وإن أقر له بعشرة دراهم في دراهمه هذه وهي مائة فله منها عشرة من وزن سبعة فإن قال المقر: هي زيوف وفي الدراهم زيوف فالقول قوله / مع يمينه، وكذلك التبهرجة إن جازت بين الناس وإن كانت رديئة لم يصدق إلا أن يصل الإقرار بالتفسير فإن كان فيها صغار وكبار فقال هي صغار نقص وادعي الطالب عشرة وزن فذلك له لأن المقر قال عشرة دراهم فلا تكون إلا علي الكيل، وإن قال له في طعامي هذا كر حنطة فهو جائز فإن لم يبلغ كر حنطة فهو للطالب ويحلف المقر ما استهلك من هذا الطعام شيئا ولا شئ عليه إذا كان الكلام متصلا، ولو قال له عندي كر حنطة، ثم قال هو في هذا الطعام فلم يكن فيه كر فلا يصدق عليه كر تام ولو وصل الكلام فقال له عندي كر حنطة في طعامي هذا فوجد ناقصا فليس له غيره، وكذلك إن قال له عندي كر إلا ربعاً فهو مصدق، ولو قال: له شاة في غنمي هذه العشرة، ثم جحد وحلف فإن له عشرها وما هلك منها بعد ذلك فهو بينهما وما ولد فبينهما. ولو قال له في هذه العشرة شياه التي بيدي شاة شرك فتموت الغنم فطلب تضمينه فقال انت خلطت شاتي بغنمك، قال بل خلطتها وشاركتني، فالقول قول المقر ويحلف، وإن قال: لك في زيتي هذا رطل من زنبق أنت خلطته، وقال الآخر أنت خلطته فلا يصدق أحدهما علي الآخر ويقال للمقر اعطه رطل زنبق فإن أبي [أخذ صاحب الزنبقي رطلا من الزيت وكان ما بقي للمقر في قول/ ابن القاسم. وقال سحنون: الزيت يعيب الزنبق] (¬1) وسئل عن الزنبق فإن كان أضر الزيت وأحاله وأعابه كانا شريكين في ثمنه هذا بقيمة زنبقه وهذا بقيمة زيته مغيباً، وإن كان الزنبق لا يعيبه ضرب صاحب الزيت بقيمة زيته غير معيب. [9/ 159] ¬
وإن كان بيده خمسون رطلا من زنبق فأقر أن لرجل فيه رطلا من بنفسج صار فيه بغير تعد من أحدهما فإن كان البنفسج يعيب الزنبق والزنبق يعيب البنفسج ضربا في ثمنه بقيمة كل واحد معيبا وإن كان واحد يعيبه الآخر والآخر لا يعاب به ضرب بقيمة هذا (¬1) معيبا وهذا غير معيب علي قول سحنون، وفي قول ابن القاسم يقال لصاحب الزنبق اعطه رطلا من بنفسج وخذ الزنبق بما فيه فإن أبي أخذ صاحب البنفسج رطلا من الزنبق المخلوط وما بقي للآخر. وإن قال في ثوب له مصبوغ أن لفلان في صبغه قفيزاً من عصفر فعليه له قيمة القفيز العصفر إلا أن يقول نسقا غصبني الثوب فصبغه به فإن قال ذلك وأقر به الآخر فرب الثوب مخير بين أن يعطيه قيمة الصبغ ويأخذ ثوبه أو يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه ويسلمه إليه، وإن أنكر صاحب الصبغ الغصب وادعي العصفر فرب الثوب مخير بين أن يعطيه قيمة العصفر وله ثوبه وإن أبي بيع الثوب، فإن زاد ثمنه علي قيمته أبيض فالزيادة لصاحب العصفر / وإن نقص من قيمته أبيض فلا شئ عليه. ابن عبد الحكم: ومن بيده صبرة قمح أقر أن لفلان منها خمسين أردباً فلميكن فيها إلا دون ذلك فجميعها للمقر له، فإن زادت علي خمسين فالزيادة للمقر، ولو قال له من هذه الصبرة عشرة دنانير بيع له منها بعشرة دنانير وما بقي فللمقر، وإن لم يف ثمنها بالعشرة فليس علي المقر غير ذلك، وإن قال له من (¬2) ثمنها عشرة دنانير سئل ما أراد، فإن أراد كان له من ثمنها [إذا اشتريت سئل كم كان ثمنها وكان المقر له شريكا فيها بعشرة وإن قال أردت من ثمنها] (¬3) إذا بيعت فهو كذلك، وإن طلبت منه اليمين حلف علي ما يقول، فإن مات قبل ان يسأل فللمقر له الأقل من الوجهين [. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب] (¬4) [9/ 160] ¬
فيمن أقر لأحد رجلين بالشك فقال لفلان أو لفلان قبلي كذا
فيمن أقر لأحد رجلين بالشك فقال لفلان أو لفلان قبلي كذا أو غصبت كذا من أحدهما أو شهدت بذلك بينة أو قال لفلان لا بل لفلان ونحو هذا أو أقر بشئ لرجل ثم أقر به لآخر من كتاب ابن سحنون: قال أشهب وسحنون: إذا قال لفلان علي ألف درهم أو لفلان فالألف للأول ويحلف أن الألف له عليه وما يعلم للآخر فيها حقا، فإن قال لا أحلف وأخذ المقر بإقراره ولا أدري صدق أو كذب فإن أخذه بما أقر به فذلك له ويحلف للثاني أنه ما يعلم له في هذه الألف حقا وليس علي المقر للثاني إلا يمينه ما له علي شئ ولا غصبت شيئا فإن نكل حلف الثاني وأغرمه ألفا أخري وكذلك / في العروض وما يكال أو يوزن، والذمي والمسلم في ذلك سواء والعبد المأذون والمكاتب والمرأة في ذلك سواء. قال ابن عبد الحكم: إذا قال لفلان علي ألف درهم أو لفلان فقد وجبت لواحد منهما، فإن اجتمعا عليها أخذاها فإن ادعاها كل واحد منهما وجحد المقر وحلف أنه ما أقر بذلك او ما تواجد منها عليه شئ فإن هذين يحلفان فإن حلفا أو نكلا أخذت الألف فقسمت بينهما إن أحبا، وإن قال واحد منهما ما لي شئ، وقال الآخر هي لي وحلف المقر فلا شئ لواحد منهما لأن الإقرار ثبت لواحد بغير عينه فإذا تبرأ أحدهما منهما أمكن أن تكون هي له فلم يكن للآخر شئ. وفي موضع آخر من كتابه قال: وإذا قام علي إقراره هذا بينة وهو يجحد وادعاها كل واحد منهما لنفسه فليحلف المقر لكل واحد منهما فإن نكل لهما غرم لكل واحد مائة وإن نكل لواحد وحلف للآخر غرم لمن نكل له مائة فقط ولا شئ للآخر، فإن حلف لهما فعليه مائة لهما علي الإقرار الأول. وقال أبو حنيفة إذا حلف لهما ثم اتفقا علي أخذها منه فليس ذلك لهما، وهذا فاسد، أرأيت لو [9/ 161]
كانت مائة دينار بعينها أتبقي له؟ [فقال: المائة دينار للأول ثم إن عرف لمن القمح أو الشعير من الباقين قبل قوله فإن أنكر قوله وحلف ما لهما عليه شئ فلهما الأق من الشعير أو القمح يكون بينهما، وكذلك لو قال علي لفلان ثوب يسوي [دينارين أو لفلان ثوب يسوي] (¬1) / ديناراً ثم أنكر قوله وحلف فلهما دينار واحد إن طلباه كما لو قال لرجل له هذا الثوب الجيد أو هذا الدنئ ثم حلف فإنما له أدناهما أو قيمته (¬2). قال ابن سحنون: وقال غيرنا: الدنانير للأول ولا شئ للثاني والثالث. قال ابن المواز: ولو قال أحد هذين الرجلين دفع إلي مائة دينار سلفا أو قال وديعة أو مضارية لا أعرف أيهما هو وادعي كل واحد منهما أنه هو، قال: فإن كان المقر معدما لا يقدر علي أكثر من المائة او يملك أكثر منها إلا أن الطلب [9/ 162] ¬
منه يعسر ويطول لم يكن بد من اليمين علي الرجلين فإن حلفا قسمت بينهما أو طالبناه بمائة أخري وإن كان موسرا أغرمته مائة أخري فيأخذ كل واحد منهما مائة بلا يمين عليهما إذا كان لا يدفع دعواهما ولا ينكره لقوله لا أدري، ولو أكذبهما لزمه اليمين فإن نكل رد اليمين فإن لم يحلف من رد / عليه اليمين فلا شئ له وهو كمن ادعي عليه بحق فقال لا أدري أصدق المدعي أم كذب فهذا لا يمين علي الطالب ويأخذ مطلبه ولو أنكر دعواه وأبي أن يحلف رد اليمين علي المدعي، فإن نكل فلا شئ له. قال فيمن أقر أن أحد هذين دفع إليه هذه المائة دينار لا أدري أيهما هو ثم مات، قال: إذا مات أحلفتهما وأخذ كل واحد مائة دينار من تركته لأنه لم يبق حتي يمكنه معرفة أيهما هو أولا يعرفه فيثبت علي ترك إنكاره أحدهما فاستحسن أيمانهما ها هنا. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال لفلان علي مائة دينار أو لعبد فلان هذا وهو غير مأذون وادعي ذلك العبد والحر فلهما أخذهما إن أخذها إن أحبا نصفين وليس للمقر أن يمنعهما فإن ادعاها الحر بعد أخذها، وحلف كان له النصف، وإن نكل كانت كلها للعبد بلا يمين لأنه لو أقر بها العبد للحر لم تكن له ولو كان مأذونا فلهما أخذهما جميعا إن أحبا، وإن قال لفلان علي مائة درهم ولفلان أو فلان وفلان فإن أقر بها للأولين حلف وكانت لهما وكذلك إن أقر بها للآخرين وإن أنكر وحلف قسمت بين الأربعة أرباعا إن طلبوا ذلك. وإن قال لفلان علي مائة درهم أو لفلان دينار ثم أنكر وحلف فأراد أخذ دينار منه فذلك لهما لأنه الأقل. وقال ابن المواز: إن كان ذلك منه في لفظ واحد لزمه الدينار فقط إذا ثبت علي ذلك إلا أن يطلب الأول المائة / فيحلف له المقر ويبرأ. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم في شاهدين شهدا أن فلانا أقر [9/ 163] ¬
أن لفلان عليه مائة دينار أو لفلان لا يدريان أيهما هو قال: ليس عليه أكثر من مائة ويحلف هذا ويقتسمانها (¬1). قال أصبغ: يريد يحلف كل واحد منهما أنه هو وأن له عليه مائة ثانية فمن نكل فهي للحالف وإن نكلا اقتسماها بغير يمين كما لو حلفا فإن رجع الشاهدان وزورا أنفسهما غرما يريد ما أتلفا بشهادتهما. قال ابن سحنون: وإذا قال لفلان قبلي مائة درهم أو لفلان وفلان ثم جحد وقامت عليه بينة فإن المائة للأول ويحلف للثاني وللثالث فإن نكل حلفا أغرماه مائة عنهما نصفين، قال محمد: وقد كنت قلت إن المائة بين الأول والثالث ويحلف للثاني ثم رأيت أن قوله إن لفلان وفلان شك فيهما فيحلف لهما ويثبت الإقرار للأول، وقوله لفلان علي مائة وإلا فلفلان فهذا مثل قوله أو لفلان، ولو قال لفلان علي مائة درهم لفلان فهو سواء، ولكل واحد منهما مائة في إجماعهم، وإن قال لفلان علي ألف درهم أو نصفها لفلان آخر لزمه الألف للأول ويحلف للثاني وإن نكل حلف الثاني وأخذ منه نصفها، وإن قال: لفلان علي ألف درهم ولفلان أو فلان فالألف للأول والثاني ويحلف للثالث والرابع ويبرأ وإن نكل غرم لهما ألفا. وقال غيرنا للأول الثلث وللرابع الثلث ويحلف للثاني والثالث. ولو قال أقرضني فلان أمس ألفا وإلا فعلي حجة فهو مقر / بالمال ويدين في اليمن. ولو قال: وإلا فلفلان علي دينار لزمته الألف وبطل الدينار في قولنا وقولهم. فإن قال لفلان علي مائة درهم وإلا فلفلان علي دينار لزمته المائة للأول ويحلف للثاني ويبرأ فإن نكل غرم له الدينار. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال: غصبت هذا العبد من هذا الرجل أو من هذا الآخر أو قال من رجل لم يسمه فإنه يحلف أنه إنما غصبه ممن يقول ويدفعه [9/ 164] ¬
إليه ويحلف الآخر عن ادعي عليه ويبرأ أو كان أحدهما غير حاضر فيحلف أنه لم يغصبه من الحاضر ولا شئ له، وإن كانا حاضرين فحلف أنه غصبه من أحدهما فليدفعه إليه، وإن كان حلف أنه لم يغصبه من هذا دفع إلي الآخر مع يمينه أنه لم يغصبه منهما فإن حلفه لكل واحد ما غصبه منه كان بينهما نصفين إذا كانا يدعيانه جميعا أو قولا لا علم لنا بذلك غير أنا نأخذه بإقراره ويحلفان علي ذلك، يحلف أحدهما للآخر إن طلب يمينه. وإن قال: غصبت هذا العبد من هذا أو من هذا فقالا نحن نصطلح فيما بيننا ونأخذه فذلك لهما بلا يمين فإن لم يصطلحا استحلفته علي ما فسرت فإن حلف لواحد منهما أنه غصبه منه فقال الذي لم يحلف إنه غصبه منه استحلفوا هذا الذي حلف أنه غصبه منه ولم يقبضه مني أنه لا يعلم لي فيه حقا فذلك / له، وإن قال: غصبت هذا العبد من هذا أو من هذا ثم قال أنا أحلف أني لم أغصبه من واحد منهما وقد أخطأت في إقراري فإن حلف علي ذلك فشاء اللذان أقر أنه غصبه من أحدهما أن يأخذاه جميعا فليأخذاه ليس لهما غير ذلك لأنه قد أقر لواحد منهما غير معين. وفي باب الإقرار علي العبد مسألة من قال غصبتك أو غصبك عبدي قال سحنون: ومن أقر في عبد في يديه أنه غصبه من رجل بعينه ثم اشتبه في عينه فلا يدري أهو فلان هذا أو فلان وقد كان وقت الغصب يعرف ربه بعينه ثم نسيه فليحلف كل واحد منهما أنه له حتي غصبه منه هذا المقر فإن حلفا كان بينهما نصفين وأغرمنا الغاصب قيمته فكانت بينهما، فأيهما حلف ونكل الآخر فالعبد كله للحالف ولا شئ للناكل في العبد وله نصف قيمته، ولو قال: كان العبد في أيديهما فغصبته منهما فلا أدري لمن هو منهما فهذا يبرأ من الضمان ويحلف كل واحد من الرجلين أنه له حتي غصبه فلان ثم يكون لهما ولا غرم لهما علي المقر إذا لم يتلف بجهله عليهما شيئا ولكن لو قال في عبد في يديه: هذا العبد لفلان بن فلان أو لفلان بن فلان فإن العبد لفلان المقر له أولا ويحلف للآخر أنه ما أراد به [9/ 165]
وجه الإقرار له بالعبد ثم لا يلزمه فيه قيمة ولا غيرها. ولو قال: غصبته من فلان بل إنما غصبته من / فلان أو قال غصبته من فلان بن فلان بل من فلان، كان العبد في إجماعهم للمقر له أولا ولا يغرم للثاني قيمته. وقال أشهب قولا أباه سحنون، قال: لو غصبت هذا العبد أو قال هذا الثوب من هذ الرجل أو هذه الإبل من هذا (¬1) فإنه للمقر له به أولا وليس للذي شك فيه شئ إلا يمين المقر أنه ما اغتصبه منه وعلي الذي أقر له به اليمين بالله لقد اغتصبه وما يعلم له فيه حقا، فإن بي أن يحلف أنه منه اغتصبه وقال (¬2) وقد أقر لي بشئ لا أدري أصدق فيه أن كذب، وأنا آخذه بإقراره فله ذلك ويحلف أنه ما يعلم له فيه حقا فلم يعجب هذا سحنون من قبل أن الذي قال فيه بل هو من هذا يضمن له قيمته عند جميع العلماء, واجتمع أشهب وسحنون علي أنه لو قال غصبته من زيد ومحمد لا بل من زيد أن العبج بينهما شطرين ويرجع عليه زيد بنصف قيمته يوم الغصب وإن شاء أخذه بقيمته كله يوم الغصب [لأنه ليس له أن يغصب منه عبدا فيرد عليه نصفه ونصف قيمته. وهذا يدل علي قول سحنون، وقالا: لو قال اغتصبته من زيد ومحمد لا بل من محمد أن العبد بين زيد ومحمد لا بل من محمد أن العبد بين زيد ومحمد يغرم لمحمد نصف قيمته يوم الغصب (¬3)] وهذا هو الأصل قالا: ويحلف كل واحد منهما انه ما يعلم للآخر فيه حقا فإن حلفا فعلي ما قلنا وإن نكل عن اليمين الذي صار له نصف العبد، يريد الذي بيد الناكل فيرد علي الناكل نصف القيمة بعد يمينه علي / ما ادعي وإن نكل عن اليمين الذي صار له نصف العبد ونصف القيمة صار العبد كله للذي صار له نصف العبد بلا نصف القيمة وبقي نصف القيمة بيد هذا وليس للمغتصب أن يرجع علي واحد منهما بشئ بنكولهما عن اليمين وحلف الآخر وأما إن نكلا أو حلفا فالعبد بينهما شطرين وللآخر نصف القيمة. [9/ 166] ¬
وقرأت عليه قال أصبغ فيمن أقر لرجل بدنانير من دين او غصب أو وديعة أو تعد فلا يقبضها حتي يقول المقر بل هي لفلان لآخر وبعد أن قبضها الأول فإنه يغرم لكل واحد منهما مائة بعد أيمانهما، وكذلك إن قال قبلي مائة دينار لا أدري لفلان أو لفلان، ولو كان ما أقر به سلعة بعينها أو عبدا بعينه فإن لم يقبضه الأول حتي قال بل هو لفلان فليسلم العبد مع قيمته إليهما يكون هذا وهذا بينهما بعد يمين كل واحد أن العبد له، وإن كان قد قبض ذلك الأول لم يدخل عليه الثاني وكانت له القيمة، وكأنه استهلك له العبد، وكذلك في السلعة. قال سحنون: أصاب إلا في العبد والسلعة حين قال ذلك لفلان بل هو لفلان فهو للأول قبضه أو لم يقبضه ويغرم للثاني قيمته يريد بعد أيمانهما. قال أصبغ وسحنون: وإن شهد عليه شاهدان أن ذلك قبله لواحد منهما لا يدريان من هو وهو منكر، فلا شئ عليه ويحلف. وروي عيسي وأصبغ في العتبية (¬1) عن ابن القاسم: إذا شهد أن فلانا أقر أن لفلان / عليه مائة أو لفلان لا يدريان أيهما [هو فليس عليه أكثر من مائة ويحلف هذان ويقتسمانها. قال أصبغ: يحلف كل واحد أنه هو وأن له عليه مائة فإن نكلا أو حلفا اقتسماها فإن نكل أحدهما (¬2) كانت لمن حلف. قال ابن القاسم: ومن قال في وصية أن لفلان علي أو لفلان مائة دينار ثم مات فادعي المائة كلاهما، قال فلكل واحد منهما مائة. قال أشهب وسحنون: ولو قال: غصبت هذا العبد من زيد لا بل غصبته كله من عمرو فالعبد بينهما نصفان وعليه لعمرو نصف القيمة والأيمان بينهما. روي يحي بن يحي عن ابن القاسم فيمن له علي ثلاثة نفر علي كل واحد عشرة دنانير فقبض عشرة من أحدهم ونسيه، فادعي كل واحد أنه هو فإن لم ينصه باسمه حلف الغرماء كلهم وبرئوا. [9/ 167] ¬
فيمن أقر فقال لك علي كذا أو على فلان
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإن قال في عبد في يديه هذا العبد لفلان أودعينه لا بل لفلان، قال: فالعبد للذي أقر له به أولا ولا يضمن للثاني قيمته لأنه استهلكه عليه بإقراره به لغيره أولا قال: ولو قال: هذه الوديعة لزيد أو لعمرو فقد اختلف فيها، قال بعض أصحابنا: يكون بينهما نصفين بعد أيمانهما وقال آخرون: هي للأول ويضمن للآخر مثلها وقال أصحابنا جميعا: إذا قال: هذه الوديعة لفلان بل لفلان فإنها للأول ويغرم للآخر مثلها. قال أشهب فيمن ورث رجلا ولم يرثه غيره فقال هذه وديعة لفلان ثم قال لفلان معه فإن كان في كلام متصل رأيتها بينهما علي ما أقر به / وإن أقر بها للأول ثم أدخل معه الثاني بعد ذلك فإن كانت شهادته بحوز حلف الآخر مع شهادته وكانت بينهما علي ما أقر به فإن نكل أو لم يكن المقر عدلا فإنها للأول ولا يصدق علي الثاني وليس علي المقر شئ للآخر لأنه لم يدفعها إلي الأول حتي أخبر بما عنده فيها وأما إن أقر له بها ودفعها إليه ثم أقر بأنها كانت لفلان معه أو لفلان دونه وأنه قد أخطأ رأيته ضامنا لفلان ما أقر به من ذلك لأنه قد استهلكها بالدفع كان عدلا أو غير عدل ولو لم يدفعها كانت للأول ولا يضمن للثاني لأنه شاهد علي الميت. قال أبو محمد: وبقية هذا المعني في الباب الذي يلي هذا. فيمن أقر فقال لك علي كذا أو علي فلان أو قال أو لا شئ لك علي أو قال غصبتك أنا وفلان أو هذا الحجر ومن قال لك علي أو علي أبي فمات الابن قال ابن المواز، ومحمد بن عبد الحكم: ومن قال لرجل لك علي عشرة دراهم أو علي فلان فليس بإقرار ويحلف. قال ابن المواز: كان فلان صبياً أو عبداً إلا أن يكون الصبي ابن شهر فيلزمه العشرة وحده كقوله علي أو علي هذا الحجر. [9/ 168]
قال ابن عبد الحكم: وكذلك قوله عشرة دراهم أو لك علي فلان دينار، كان فلان حرا أو عبداً فلم يقر علي نفسه بشئ وقد قررنا (¬1) قول سحنون بعد هذا، وكذلك قوله: غصبتك أنا وفلان عبداً إلا أن يكون ذلك الفلان صبياً لا يمكن منه الغصب فيصير / هو الغاصب، كما لو قال حلمت أنا وهذا الصبي (¬2) من قمحك كذا لصبي ابن يومين أو ثلاثة ولو كان صبياً (¬3) يحمل مثله لم يكن إقرارا علي نفسه بالشك. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وكذلك قوله: حملت من منزل فلان أو قال من حديده قنطار حديد أنا وصبي لا يمكن منه الحمل لزمه القنطار وحده، وكذلك إن قال علي مائة درهم أو علي هذا الحجر لزمته المائة الدرهم لأنه نسب ذلك إلي ما لا يمكن، وعلي أصل سحنون: وإذا قال لك علي كذا أو قال علي فلان إن ذلك يلزمه دون فلان. ابن عبد الحكم: وإن قال لك علي مائة درهم أو علي أبي فلان فمات الابن وورثه أبوه وزوجته وترك مائة درهم فأخذت زوجته ربعها والأب ما بقي فعلي الأب أن يدفع ما صار له منها إلي الطالب، ولو ترك الابن مائتي درهم لم يلزم الأب إلا نصيبه (¬4) من مائة واحدة ولو لم يرثه إلا الأب فعليه أن يؤدي ما ترك الابن إلا أن يجاوز مائة درهم وللأب الفضل. ولو ترك الابن ابنا وزوجة وأباه وترك مائة درهم فللأب منها السدس (¬5) وعليه دفع ذلك السدس ولو ترك مائتين لم يغرم الأب إلا سدس مائة واحدة. ولو أقر الباقون معه أخذ الطالب مائة وكان للأب سدس ما بقي وإذا لم يرثه إلا الأب ولم يدع شيئا فلا شئ علي الأب إلا اليمين. [9/ 169] ¬
قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: وإن ترك اقل من مائة درهم أخذ ذلك المقر له ويحلف الأب ما عليه شئ، ولو مات الأب لم يلزم الابن شئ / ترك الأب تركة أو لم يترك. قال محمد بن المواز ومحمد بن عبد الحكم: وإن قال لك علي ألف درهم أو لا شئ لك علي فلا شئ عليه وليس هذا بإقرار يلزم، وكذلك قوله: أودعتني كذا أو لم تودعني إذا كان في لفظ واحد، وأصل سحنون يخالف هذا. ومن كتاب ابن سحنون: وإن قال: لفلان علي ألف درهم أو لا شئ فإنه يلزمه الألف. وكذلك لو قال أو لا أو (كذا) قال غصبته ألف درهم أو لم أغصبه أو قال أودعني كذا أو لم يودعني، فذلك لازم له، وقال غيرنا [لا يلزمه] (¬1) ذلك. ولو قال: لك علي كذا او علي فلان فذلك يلزمه دون فلان كان فلان صبياً أو ميتا أو امرأة أو مكاتباً أو عبداً أو نصرانياً. وقال غيرنا: لا شئ علي المقر. ولو قال: غصبتك أنا أو فلان عشرة دراهم فإنه يلزمه له عشرة، وقال غيرنا: لا يلزمه شئ إلا يمينه وقد جامعونا إلا أبا يوسف (¬2) أنه إن قال لك علي عشرة أو علي هذا الحجر أنه تلزمه عشرة، فكذلك قوله او لا شئ نحوه مما يبطل إقراره فهو كالنادم: وإن قال: لفلان علي عشرة دراهم أو لفلان علي فلان دينار فإنه تلزمه العشرة له وهو شاهد لفلان إن أيقن وإن شك فلا يشهد. وقال غيرنا: لا يلزمه إقراره، وإن قال لك علي عشرة دراهم أو علي عبدي فلان فلا يلزم عبده شئ والشعرة علي السيد. [9/ 170] ¬
فيمن أقر لفلان بشىء ثم قال بل هو لفلان أو استثنى بعض ذلك
وقال غيرنا: إن لم يكن علي العبد دين فليضعها إن شاء الله إليه أو إلي عبده وإن كان علي عبده دين يحيط بقيمته لم يلزمه من هذا الإقرار شئ أن / يقضي عبده دينه يوما فليزمه الإقرار. فيمن أقر لفلان بشئ ثم قال بل هو لفلان أو استثني بعض ذلك لرجل أو يقر به لرجلين فيدعيه كل واحد منهما لنفسه قال أبو محمد: وهذا الباب قد جري منه كثير في البابين اللذين هذا الباب عقيبهما. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه غصب هذا العبد من فلان ثم قال لابل من فلان فإنه يقضي بالعبد للأول بعد يمينه ويقضي للآخر بقيمته يوم الغصب في إجماعهم، فإن دفعه هو أو لم يدفعه حتي قضي به القاضي فهو سواء، وكذلك العارية والوديعة لأنه أتلفها بإقراره للأول فيضمنها للثاني وكذلك الحيوان والعروض والدور والأرضون، وإذا قال: هذه الألف درهم لفلان وديعة عندي ثم قال لا بل هي وديعة لفلان فإنها للأول وعليه مثلها للثاني وكذلك في العروض وفي الغصب والإقرار بالدين، وإذا قال: هذا العبد الذي في يدي وديعة لفلان إلا نصفه لفلان، فالقول قوله والعبد بينها. ولو قال: هذان العبدان لفلان إلا هذا فإنه لفلان فهو كما قال، ولو قال هذا العبد وهذا العبد لفلان إلا الأول فإنه لي فلا يصدق والعبدان جميعا لفلان في قوله الآخر. وفي قوله الأول، وقول أهل العراق أنه مصدق، ولو قال: هذا العبد لفلان وهذا العبد لفلان إلا نصف الأول فإنه لفلان فإنه كما قال لأن الكلام متصل في إجماعهم. / وكذلك وإلا نصف الآخر فهو لفلان فهو كما قال. ولو قال: هذه الحنطة والشعير لفلان إلا كرا من هذه الحنطة فإنه لفلان، فهو مصدق إذا كانت الحنطة أكثر من الكر، وكذلك هذه الفضة والذهب لفلان إلا نصف الذهب فإنه لفلان، أو قال: هذه الدار لفلان وهذه الأرض لفلان إلا [9/ 171]
نصف الدار فإنه لفلان فإنه مصدق في ذلك كله، وإن قال: علي الف درهم أقرضنيها فلان ثم قال لا بل فلان فعليه لكل واحد منهما ألف، وكذلك في الغصب والوديعة، فأما الوديعة إن كانت بعينها فإنه يدفعها إلي الأول ويغرم للآخر مثلها، والصحيح والمريض في هذا سواء. ولو أقر بذلك في الصحة ثم قال في المرض لا بل لفلان فإنهما يتحاصان في ماله فإن لم يترك غير ألف درهم فهي بينهما نصفين. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أقر في عبد في يديه أنه بينه وبين فلان ثم قال بعد ذلك هو بيني وبين فلان آخر ثم قال: بعد ذلك هو بيني وبين فلان آخر ثم قال: هو بيني وبين ثالث فقيل إنه يكون [للأول] (¬1) نصف العبد وللثاني نصف النصف الذي بقي له وللثالث نصف الربع الباقي له فيبقي له ثمن العبد. قال سحنون: وقد سمعت بعض أصحابنا يقول فيها: يكون للثاني نصف العبد الذي بقي وللثالث قيمة نصف العبد لأنه أتلفه عليه بإقراره، ولو أقر بالعبد كله لرجل ثم اقر به للآخر فهو للأول ولا شئ للآخر. قال أشهب: إلا أن / يدفعه إلي الذي أقر له آخراً فليعزم للأول قيمته، ولو قال: فلان أودعنيه ثم قال فلان آخر اودعنيه فهو للأول ويضمن للثاني قيمته، وكذلك الغصب والعارية لأنه أتلفه للثاني. ولو قال: أودعني فلان نصف هذه الدابة ثم قال: أودعني فلان لآخر نصف هذه الدابة ثم أقر بذلك للثالث فليضمن للثالث نصف قيمتها والدابة بين الأولين. من العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن أقر لرجل بعبد ثم أقر به لرجل آخر، قال: فالعبد للذي أقر له به أولا وعليه للثاني قيمة العبد قال ولا يمين عليه لهما. قال عيسي إلا أن يدعيه الثاني, فإن ادعاه فله اليمين علي المقر له أولا [9/ 172] ¬
فإن حلف فالعبد له وكان للثاني علي المقر قيمته وإن نكل المقر له أولا عن اليمين حلف المقر له أولا عن اليمين حلف المقر له آخرا وكان العبد له، ولو لم يكن علي المقر شئ. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ومن قال اكتريت هذه الدار من ربها فلان بكذا وكذا أو كذا سنة وصدقه فلان ثم قال ما هي لفلان بل هي لفلان آخر منه اكتريتها فليؤد جميع الكراء إلي الأول وتكون له الدار بعد المدة ويغرم للثاني جميع الكراء وقيمة الدار يوم تمام المدة علي ما يكري به يومئذ من تغير أو غيره لأنه أقر أنه أكراها منه هذه المدة، ولم لم يكن صدقه أنه أكراها منه لكان له قيمتها يوم أقر له بها ولا كراء له عليه، وكذلك في البعير يقر أنه اكتراه من زيد إلي مكة بكذا ثم يقر أنه لعمرو ومنه اكتراه بهذا الكراء فإن صدقه عمرو أخذ / الكراء وقيمة بعيره يوم يرجع من مكة ولا يضمنه إن هلك في الطريق ويغرم من الكراء لكل واحد بعدد ما سار إلي أن أعطب فإن سلم فالبعير للأول وله كراؤه كاملا [. وكذلك للثاني مع قيمة البعير. قال محمد بن عبد الحكم] (¬1) وكذلك في العبد يكريه سنة ثم يمرض في بعضها علي هذا السؤال في الدار والبعير فإنما يلزمه لكل واحد من الكراء إلي ذلك الوقت ويرجع للثاني قيمة العبد أو الدار يوم يأخذ ذلك الأول علي ما بالدار من هدم وبالبعد من المرض إذا فسخ الكراء ولو أن الأول صدق المقر في إقراره للثاني لرد عليه ما أخذ من الكراء وأخذ الثاني الدار والعبد والبعير بعد المدة، ولو قبض العبد المقر له أولا بعد الأجل فمات بيده ثم أنه صدق المقر في إقراره للثاني فليغرم له قيمته يوم قبضه إن لم يكن أخذها [من المقر ورد ما أخذ من الكراء علي المقر وهو مخير إن شاء أخذ القيمة من المقر أو من هذا] (¬2) المقر له أولا الذي صدقه فإن رجع بها علي المقر رجع به المقر علي الأول. ومن بيده شاة فقال: فلان دفعها إلي وأمرني بذبحها ثم قال بل فلان دفعها إلي وأمرني بذلك وكلاهما صدقه وقد ذبحها فليأخذها الأول مذبوحة ويغرم للثاني قيمتها مذبوحة، ولو كان طائر علي هذا السؤال فأفلت منه قبل ذبحه فلا ضمان [9/ 173] ¬
عليه لواحد منهما، وكذلك لو قال: إنما أمرني كل واحد بإطلاقه ففعلت فلا ضمان عليه أو كان ديناراً فقال أمرني بصدقته ففعلت أو غصب مني لم يضمن لأنهما صدقاه ولم يتعد، ولو أمره كل / واحد منهما برده إليه فذهب ليأتي به فطار فلا شئ عليه وإنما كان يرده علي الأول ويغرم للثاني قيمته طار من يد الأول أو لم يطر. ولو ذبحه بعد أن نهياه عن ذبحة ضمن لكل واحد قيمته، فإن قال الأول أن آخذه مذبوحا وما نقص الذبح فذلك له ويغرم للثاني قيمته وللأول أن يغرمه قيمته حياً ثم للثاني أخذه مذبوحا وما نقصه الذبح أو قيمته حياً، ولو قال: دفع زيد هذه الدابة إلي وأمرني بدفعها إلي ابنه ببرقة، ثم قال بل فلان أمرني بذلك فذهبت بها إلي برقة فهلكت فلا شئ عليه. ومن سماع عيسي عن ابن القاسم وفي بعض الكتب من سماع حسين بن عاصم قال ابن القاسم فيمن أقر بعبد في يده لرجلين قال غصبتكما إياه أو غير غصب وقال كل واحد منهما بل هو لي خاصة ولا بينة لواحد منهما قال: يحلف المقر أنه ما يعلمه لواحد منهما خاصة فإن حلف برئ ولا شئ عليه لواحد منهما ويرجع هذا فيحلف كل واحد منهما أنه له خاصة دون صاحبه، فإن حلفا بقي بينهما نصفين وإن نكل المقر عن اليمين حلف كل واحد م هذين أنه له خالصاً، فإن حلفا غرم لهما قيمته فكانت بينهما نصفين (بعد العبد) وإن نكلا مع النكول المقر لم يكن لهما غير العبد وإن نكل أحدهما ونكل المقر فإن العبد كله لمن حلف ولا شئ لهما علي المقر الناكل، ولو أتي غيرهما فادعاه فإن كان خليطا للمقر حلف ما له / فيه شئ فإن حلف برئ وإن نكل حلف المدعي فإن حلف غرم له قيمة العبد وإن لم يحلف المدعي فلا شئ له وإن لم يكن خليطاً فلا يمين عليه ولا شئ، قال: وكذلك في الدنانير لو اقر في مائة دينار انها بينهما فادعاها كل واحد لنفسه، قال: ولو أن الذي أقر لهما بالعبد ادعاه أحدهما وقال الآخر ما ادري صحة قوله إنما أقر لي بشئ فقبلته قال يحلف هذا انه ما يعرف هذا الذي أقر له به هل هوله أم لا فإن حلف فله نصف العبد، ويقال للمقر [9/ 174]
فيمن قال لفلان عندي عشرة دنانير ولي عنده خمسة أو أوصى له بعشرة على هذا
احلف انك ما تعلمه لهذا الذي ادعاه خالصاً فإن حلف برئ وكان العبد بينهما نصفين، وإن نكل حلف مدعيه انه له ورجع علي المقر بنصف قيمته وبقي العبد بينه وبين الآخر، ولو نكل الذي قال ما أعرف صدق ما قال حلف مدعي العبد وكان له جميعه ولم يكن علي المقر يمين ولا غرم. قال أبو محمد: وفي باب إقرار المضارب شئ من معاني هذا من الإقرار لرجل بشئ ثم يقر به لغيره، ونحوه. [والله أعلم بذلك وأحكم] (¬1). فيمن قال لفلان عندي عشرة دنانير ولي عنده خمسة أو أوصي له بعشرة علي هذا روي عيسي عن ابن القاسم عن مالك، وذكره عنه سحنون قيمن قال عند موته لفلان عندي عشرة دنانير ولي عنده خمسة فانكر المقر له بالعشرة أن كيون عليه شئ فإنه يأخذ العشرة من تركته وعلي الورثة اليمين في الخمسة أنها عليه / وإلا حلف. ولو قال لفلان من مالي عشرة دنانير وصية مني له ولي عليه خمسة دنانير فأنكر فلان الخمسة فإنه ليس له ان يأخذ من الوصية إلا خمسة لأنه لم يوص له إلا بخمسة حين قال عليه خمسة. فيمن أقر فقال (¬2) لفلان علي ألف درهم لا بل ألفان (¬3) أو لا بل خمسمائة أو أقر بالإقتضاء للدين علي هذا الوجه من كتاب ابن سحنون قال سحنون: ومن قال لفلان علي ألف لا بل ألفان لزمه ألفان فإن قال لا بل خمسمائة فإن كان في نسق واحد قبل قوله وإن [9/ 175] ¬
كان بعد أن سكت فلا يصدق وكذلك: له علي درهم لا بل نصف درهم، أو قال درهم أبيض لا بل أسود ويحلف في ذلك كله وكذلك كر لا بل نصف كر وكان كلامه نسقاً. وقال غيرنا: إذا قال له علي مائة درهم لا يل مائتان فالقياس أن عليه ثلاثمائة ولكنا ندع القياس ونستحسن أن عليه مائتين، قال محمد: وكيف يجوز ترك القياس لغير أثر ولا سلف. قال محمد بن عبد الحكم: إن قال له علي درهم بل درهمان لزمه درهمان. وقال ابن سحنون: وإن قال علي درهم لا بل دينار فهذه زيادة فهذه زيادة وعليه دينار ويسقط الدرهم. وقال غيرنا: يلزمه دينار ودرهم، وقد قالوا: إن قال له علي درهم أبيض لا بل أسود أنه يلزمه أفضلهما فقط فليزمهم أن يبطلوا الدرهم. وإن قال: علي كر حنطة لا بل كر شعير ففيها قولان: أحدهما أن يلزمه كر شعير / ويحلف وكأنه استثناء في نفس (¬1) الإقرار، والقول الآخر وهو قول غيرنا: يلزمه الكران، وإن قال له: علي درهم زائف لا بل جيد فله الجيد في إجماعنا، وهذا عندنا زيادة في الإقرار، وكذلك قوله مختوم من دقيق ردئ لا بل حواري (¬2) فله حواري في إجماعنا فإن قال له علي رطل من بنفسج لا بل من خيري (¬3) وادعي الطالب الصنفين فعليه رطل خيري فإن كان هو أفضل فهو زيادة في الإقرار وإن كان أدني استثناء في نسق الكلام، وفي القول الآخر له الصنفان جميعا، وكذلك قوله له علي رطل سمن غنم لا بل بقر علي اختلاف القولين، فأما إن قال له علي رطل سمن ردئ لا بل جيد فعليه رطل جيد فقط في إجماعنا، فإن قال: لزيد علي ألف لا بل لعمرو ألف فعليه لكل واحد ألف في [9/ 176] ¬
إجماعنا، وكذلك لو قال: لا بل لمكاتبه ألف أو لعبده المأذون فإن عليه ألفين لكل واحد ألف كان المأذون، عليه دين أو لا دين عليه. وقال غيرنا: إن لم يكن عليه دين لم يلزمه إلا ألف وقد جامعونا في المكاتب بينهما (¬1). فإن قال له: علي ألف ثمن جارية باعنيها ثم قال لا بل فلان باعنيها فإن ادعاها فلان لنفسه فعليه لكل واحد منهما ألف وإن لم يدعها الثاني لنفسه وأقر بها للأول فهي ألف واحدة تكون للأول، ومن لك عليه عشرة دراهم بيض وعشرة سود فأقررت أنك قبضت منه درهما أبيض ثم قلت لابل أسود وقال الطالب: قضيتك درهما من كل صنف فإنه يلزمه درهم واحد من السود مع يمينك. / قال سحنون: وإن كان لك صكان؟ علي رجل كل صك بمائة فقلت قبضت منه عشرة دراهم من صك كذا لا بل من صك كذا فلا يلزمه إلا عشرة تجعلها من أي صك شئت، فإن كان أحدهما بحمالة والصك الآخر بغير حمالة فقلت أنت قد قبضت عشرة من صك الحمالة لا بل من الصك الذي بلا حمالة لم يلزمك إلا عشرة مع يمينك ولا ينظر إلي قول المطلوب إنها عشرون. فإن قال الكفيل هما مما أتي به كفيل لزمك أن تبرئه من حمالة عشرة وكذلك لو بدا فقال: أخذتها من الصك الذي لا حمالة فيه ثم قال لا بل من صك الحمالة وأما لو قال: قبضتها من الصك الذي لا حمالة فيه لابل قبضتها من الحميل من صك الحمالة والحميل يدعي ذلك والمطلوب يدعي أنه دفع أيضا إليه عشرة فها هنا يلزمه عشرون مع يمينه الغريم والحميل، ولو كان بكل صك حميل فقال قبضت من الغريم عشرة من صك كذا لا بل من الصك الآخر فإنما تلزمه عشرة يجعلها من أيهما شاء مع يمينه انه إنما قبض عشرة واحدة ولكن إن ادعي ذلك حميل لزمه أن يبرئ كل واحد من حمالة عشرة ولا يبرأ الغريم إلا من عشرة واحدة، ولو قال: قبضت عشرة من فلان الكفيل عن حمالة لابل من الكفيل الآخر من كفالته. فها هنا يلزمه عشرون. [9/ 177] ¬
وأما إن كان له عليك صك بمائة درهم وعشرة دنانير فقال: قد قبضت منه دينارا لابل درهما والطالب يدعي الدرهم والدينار ففيها قولان: أحدهما أنه مصدق مع يمينه، والقول الآخر / يلزمه دينار ودرهم، وكذلك كل ما اختلف من النوعين علي هذا مثل حنطة وشعيرة والكيل والوزن. وإذا كان له علي رجلين مائة درهم علي كل واحد، وكانا في صك أو في صكين وكل واحد حميل بها علي الآخر فقال: قبضت من هذا عشرة لا بل من هذا فإنه يلزمه لكل واحد عشرة إذا ادعياها وكذلك لو كفل بها رجل واحد: ومن له علي رجل ألف درهم فقال: قد دفعت إلي فيها مائة قال بل بعثتها إلي مع غلامك، وقال المطلوب هما مائتان فلا يلزمه إلا مائة واحدة عندنا وعند أهل العراق مع يمينه، ولو قال: قبضت منك منها مائة، وقال المطلوب: وعشرة بعثتها إلينا مع فلان وثوبا بعثته لك بعشرة، فقال الطالب: صدقت ولكن دخل ذلك في المائة التي قلت لك فهو مصدق مع يمينه في إجماعنا. [ولو كان ذلك بحميل] (¬1) فقال قبضت منك منها مائة لا بل من كفيلك وكلاهما يدعي ذلك فإنه يلزمه لهما قبض ما تبقي مع أيمانهما. وقال غيرنا لا يمين عليهما لأنه أقر لهما وليس بالقياس لأنه قد جحد أحدهما بما تبين لك بعد ذلك. تم الجزء الأول من كتاب " الإقرار" بحمد الله وعونه (¬2) [9/ 178] ¬
[الجزء الثاني من الإقرار]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم الجزء الثاني من كتاب الإقرار في الإقرار بغير التصريح وبالدلائل من اللفظ / من كتاب محمد بن سحنون ومحمد بن عبد الحكم وربما ذكر هذا ما لم يذكر الآخر والمعني واحد، ومن قال لرجل اعطني الألف درهم التي لي عليك فقال نعم فهو إقرار بها، كذلك قوله سأعطيكها أو أنا أدفعها إليك بها أم ليست عندي اليوم متهيئة كلها أو غدا أعطيكما أو سوف أعطيكها (¬1) أو ابعث إلي غدا من يأخذها مني فهذا كله إقررار بها، وإن قال أقض العشرة التي لي عليك فقال نعم فهو إقرار بها، كذلك قوله سأعطيكها أو أنا أدفعها إليك [أز أبعث إليك بها أم ليست عندي اليوم متهيئة كلها أو غدا أعطيكما أو سوف أعطيكها (¬2)] أو ابعث إلي غدا من يأخذها مني فهذا كله إقرارا بها، وإن قال أقض العشرة التي لي عليك فقال لم يحل أجلها بعد أو حتي يحل فهو إقرار بها إلي أجل، [قال محمد عبد الحكم] (¬3) ولو قال له: اتزن أو قال اجلس فانتقد أو زن لنفسك او حتي يأتي وكيلي يزن لك فهذا كله ليس بإقرار إن حلف، وكذلك لو قال اجلس فانتقدها واتزنها فهو كقوله اتزن وانتقد لأنه لم ينسب ذلك إلي أنه الذي يدفع إليه، ولو قال اتزنها مني أو ساهلني فيها لزمته لأنه نسب ذلك إلي نفسه. وقال أصحاب أبي حنيفة: إذا قال اتزنها لزمته وإن قال اتزن أو انتقد لم تلزمه، قال محمد بن عبد الله ولم يذكر من الوجهين أنه منه يأخذها فإذا قال اتزنها مني لزمته فالهاء إنما هي نسبة للدراهم وإنما تكون النسبة إلي نفسه لو قال اتزنها [9/ 179] ¬
مني، ولو قال اقض حماري أو ثيابي التي لي عليك أو غيرها مما لا يوزن، فقال اتزن فلا شئ عليه وهذا من الاستهزاء، ولو قال اقض مائة إردب لي عليك فقال اكتل من هذا الرمل أو الرماد فهذا استهزاء لا يثبت به إقرار، ولو قال اكتل ذلك مع قمح فلان / لم يكن إقراراً، وإن قال اكتله من قمحي أو أندري (¬1) فهو إقرار. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال له اقضني العشرة التي لي عليك فقال اتزنها أو انتقدها أو اقعد فاقبضها فذلك إقرار، وكذلك قوله اتزن او انتقد، ولو قال اتزن أو اتزنها ما أبعدك من ذلك أو قال من أي ضرب تأخذها ما أبعدك من ذلك فليس بإقرار، ولو قال له خذ أو قال خذها فليس بإقرار. ولو قال له اعطني الألف درهم التي لي عليك فقال نعطيك أو قال نعطيكها فهو إقرار بها، ولو قال زنها لي فقال ازن لك أو قال اتزنها لك فهو كذلك ولو قال اقض الكر حنطة التي لي عليك فقال أرسل من تكيله أو قال من يقبضه لك أو لم يقل لك أو قال أرسل من يقبض لك فهو كله إقرار، وكذلك إن قال: ليست عندي اليوم فقد أقربها في إجماعهم، وكذلك إن قال: ليست بمسيرة اليوم أو ليست بحاضرة أو مهيأه. وإن قال أجلني شهرا أو وخرها عني شهرا أو نفسني بها فهو إقرار، وكذلك دعني حتي أيسرها لك أو أرسلها لك، ولو قال: أقضني المائة التي لي قبلك فإن غرمائي لا يدعونني (¬2) فقال أحل علي بعضهم أو من شئت منهم ائتني برجل منهم أضمنها له أو أكفل له بها أو يحتال علي بها فهو إقرار. ولو / قال قد قضيتكها أبرأتني منها أو حللتني منها أو أحلتك بها أو وهبتها لي أو تصدقت بها علي فهو إقرار في إجماعهم. [9/ 180] ¬
قال محمد بن عبد الله: وكذلك إن قال: قد وهبتها لابني أو لأخي أو أمرتني أن تصدق بها فهو إقرار، [قال ابن سحنون] (¬1) ولو قال والله [لأقضيتكها اليوم أو قال] (¬2) لا أقضيكها اليوم أو قال لا أعطيكها أو لا أزنها لك تأخذها اليوم مني فهو إقرار. ولو قال والله لا أعطيكها قال أبدا أو لم يقل فليس بإقرار. قال محمد بن عبد الله: وإن قال لا تأخذها مني إلي شهر فهو إقرار. قال ابن سحنون: ولو قال حتي يدخل علي من فائدة أو ربح أو حتي يقدم مالي أو غلامي أو حتي يأتي وكيل أو يقضي غريمي فهو إقرار. والمكيل والموزون والسلم في الثياب وغيرها سواء في هذا كله. قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال حتي يأتي وكيلي أو غلامي الذي قبضها منك فهو إقرار منه أن الوكيل أو الغلام قبضها وليس بإقرار منه أنها عليه ومن يقول حتي يأتي وكيلي أو غلامي فأسأله عن ذلك. ولو قال: أحل بها علي من شئت فهو إقرار، وإن قال: إن أخرتني بها سنة أقررت لك بها فليس بإقرار ويحلف، ولو قال إن صالحتني عنها صالحتك فليس بإقرار ويحلف. ولو قال: أرسل رسولك أعطيه خمسة ثم قال: ليس له علي غير خمسة فالقول قوله، ولو قال: أرسل رسولك يأخذ منها خمسة فهو إقرار بالعشرة فيما أري والله أعلم. ولو قال: مالك علي عشرة ولا أقل ولا أكثر فلم يقر له بشئ. ولو قال: مالك علي إلا أقل من / عشرة، قيل له أقر بما شئت واحلف. ولو [9/ 181] ¬
قال لم يبق لك علي إلا خمسة فهذا إقرار بالعشرة فتلزمه العشرة مع يمين الطالب أنه له عليه عشرة لم يأخذ منها شيئا ولا أبدأه من خمسة منها وأنها له عليه ثابتة. ولو قال: أعلم فلانا أن قد أرسلت إليه بعشرة دراهم فليس هذا بإقرار له بشئ. ولو قال: أعلمه أني أرسلت إليه بعشرة دراهم قضاء لم يكن إقرار منه بعشرة قد يرسل إليه قضاء عن غيره، ولو قال: أعلمه أني لم أقبض العشرة التي أسلفتنيها لم يكن هذا اقرارا منه بشئ، وإن قال: أعلمه أني قد رددت عليه العشرة دراهم حلف وبرئ وقد يرسل بها إليه فلا يقبلها. وكذلك إن قال رددت إليك هديتك التي أهديت إلي وهما كذا وكذا. ولو قال: اشتريت من فلان سلعة بعشرة دنانير قبضت السلعة لزمته العشرة وإن لم يقل قبضت السلعة لم يلزمه دفع الثمن حتي يقبض السلعة ويحلف، ولو قال: لك علي عشرة ابتعت بها عبدك هذا الذي في يديك فإن صدقه أخذ العبد ودفع الشعرة وإن كذبه وادعي العشرة لم يلزم المقر شئ ويحلف. وإن قال: لك عند عبدي وديعة مائة درهم فأنكر العبد أو أقر وقال ضاعت أو كان مأذونا فأنكر فلا يلزم ذلك العبد إن كان السيد غير عدل وإن كان عدلا حلف معه الطالب: ولو قال لرجل كتب علي فلان ذكر حق بعشرة دنانير لم يلزمه شئ إلا أن يقول أشهدت له به، ولو قال فاشهدوا به علي (¬1) لزمه أيضا، وإذا تقتضاه في عشرة له عليه / فقال: ما أكثر لجاجك في تقاضيها فليس هذا بإقرار. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعي عليه بألف درهم فقال كم وزنها أو قال ما ضربها؟ فليس هذا بإقرار، قال والاقرار بالفارسية وبالقبطية والسندية وكل لسان يعرف إذا شهد عليه عدلان من أهل الترجمة. ولو قال: غصبتني هذا الغلام فادفعه إلي فقال غدا فقد أقر له به في إجماعهم. [9/ 182] ¬
ويلزم من قال إذا تقاضاك فقال اتزن واتزنها ففرق بين اتزنها وبين اتزن، لأن قوله اتزن لم يضف كلامه إليها فتلزمه إذا قال له غصبتني هذا العبد فادفعه إلي فقال غدا أن ليس هذا بإقرار حتي يقول ادفعه إليك غدا وفي هذا دليل علي صحة قولنا. وكذلك أجمعوا أن لو قال ادفع إلي عبدي هذا الوديعة فقال غداً فإنه إقرار له به. وكذلك قوله نعم أو سأعطيك، والعارية مثله. قال ابن عبد الحكم وكذلك إن قال حتي أفرغ مما أريد منه فهو إقرار. قال ابن سحنون: وكذلك لو قال ابتعت مني عبدي هذا؟ فقال نعم، فهو إقرار، وكذلك لو قال وأجرته مني؟ فقال نعم أو قال أعرتك دابتي فقال نعم أو قال ادفع إلي عبدي هذا فقال نعم أو ثوب عبدي هذا فقال نعم فهو إقرار بالعبد والدابة، والعروض كذلك. وكذلك لو قال: افتح باب داري هذه فقال نعم أو قال حصص داري هذه فقال نعم أو قال جصص داري هذه فقال نعم أو قال أسرج دابتي هذه فقال نعم، هذا كله إقرار، قال ابن عبد الحكم / ليس هذا كله بإقرار ويحلف أنه يركبها أو يسكن الدار أو يجصصها وليس هذا بإقرار بملك. قال ابن سحنون ولو قال أعطني سرج بغلتي هذه فقال نعم، فهو إقرار بالبلغة وكذلك في اللجام. وقال ابن عبد الحكم [ليس هذا بإقرار قالا]): ولو قال في جميع هذا لم يكن إقراراً. قال ابن عبد الحكم: أرأيت لو قال المكتري لجماله أرجل لي بعيري هذا او اسرج لي دابتي هذه فقال نعم أيكون إقراراً؟ [9/ 183]
قال ابن سحنون: ولو قال أعطيكمه اليوم فهو في إجماعنا وأهل العراق إقرار بالدابة واللجام، ولو قال لا أعطيكه أبدأ فليس بإقرار بهذا ولا باللجام لأنه نفي للإعطاء، وكذلك لا أعطيكه أو قال لا فقط. وقال غيرنا: هو إقرار إن قال لا أعطيكه أبدأ، وإن قال لا أعطيكه اليوم فهو إقرار بالدابة واللجام وكأنه سأل تأخيره في يديه يوما أو شهرا. ولو قال رجل لرجل أخبر فلانا أن لفلان علي ألف درهم فهو إقرار لفلان إن ادعي ذلك فلان، وكذلك لو قال قل لفلان أن لفلان لآخر علي ألف درهم فهو إقرار لفلان بألف درهم إن ادعي ذلك فلان ويلزمه المال. ولو أقر رجل لآخر وقال إنما لك علي ألف درهم فهو إقرار بها. وإن قال: ليس لك علي مائة فإنه لم يقر بشئ. ومن قال لامرأته: أقرضتك ألف درهم فقالت: لا أعود لها أولا أعود بعد ذلك فهو إقرار وكذلك في قوله أخذت مني ألف درهم فأجابت بهذا. ومن قال لرجل يخاطبه لم أغصبك إلا هذه المائة أو غير هذه المائة أو سواها فهو إقرار، وكذلك لم أغصبك إلا هذه المائة أو غير هذه المائة أو سواها فهو إقرار، وكذلك لم أغصبك مثل هذه المائة أو قال بعد هذه المائة أو مع هذه المائة شيئا / فهو إقرار، ولو قال لم أغصب أحدا بعدها، أو قال لم أغصب أحدا قبلها، أو قال معها فهو إقرار. سحنون: وإذا قلت غصبتني مائة فأجابك ما غصبتك قبلها فهو إقرار بها. ولو قلت له: قد أقرضتك مائة فقال ما استقرضت من أحد غيرك أو قال بعدك أو قبلك، قال محمد: فهو إقرار عندي، وقال سحنون وأهل العراق ليس بإقرار. قال سحنون: وإذا قال له اقضني المائة التي عليك فقال مجيبا له قد آذيتني بها أو غممتني بها، فليس بإقرار، قال أو قال لا أعود لها فليس هذا بإقرار. قال ابن سحنون: هو إقرار في قوله لا أعود لها وأما قد آذيتني بها أو غممتني فليس بإقرار، وقد يريد أنك آذيتني في طلبك مني ما ليس لك علي. [9/ 184]
قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال اقضني المائة التي لي عليك فقال لا أعود أستقرض منك شيئا فليس هذا بإقرار، وقد يريد جوابا إنك تدعي بأكثر من مالك، ولو قال: لا أعود استقرض منك غيرها فهذا إقرار، وكذلك لم أستقرض منك شيئا قبل هذه [المائة التي لي عليك فقال لم استقرض منك شيئا هذه] (¬1) المرة فليس بإقرار، وكذلك لا أعود أستقرض من أحد شيئا، ولو قال ما استقرضت مائة من أحد سواك فظاهر هذا إقرار، ولو قال لا أعود أستقرض من أحد مائة كان هذا إقرارا. قال ابن سحنون: ولو قال لم أستقرض من أحد معك فهو إقرار. ولو قال: مالك علي إلا مائة درهم فهو إقرار، ولو قال: مالك غير مائة أو سوي مائة او أكثر من / مائة فهو إقرار وإن قال: مالك علي أكثر من مائة ولا أقل من مائة لم يكن إقراراً. ولو قال له: عليك ألف لي فقال المطلوب بل تسعمائة لزمته تسعمائة وعلي الطالب البينة علي ما زاد، ومن قال لرجل أخير فلانا أو أعلم فلانا أو قل أو أشهده أن لفلان علي ألف درهم فهو إقرار إن ادعاها المقر له، ولو قال رجل لآخر أخبر عنك فلانا أو أعلمه عنك أو أشهده أو أقول له إن لفلان عليك مائة درهم، فقال نعم فهو إقرار. ولو قال له بشر فلانا أن له علي ألف درهم فهو إقرار، قال ابن عبد الحكم: ولو قال له ليس لفلان علي شئ فأخبره أن له علي ألف درهم فليس هذا إقرارا إنما قال له أخبره بها ليس علي. قال ابن سحنون: وإن قال: وجدت في كتابي بخط يدي أو قال ذكر حق بخطي أن لفلان علي ألف درهم أو كتبت بيدي أن له علي ألف درهم فإنه يؤخذ بذلك. [9/ 185] ¬
ولو قال: هذا خطي بيدي أن لفلان علي ألف درهم لم يؤخذ بها إلا أن يقر أنها دين عليه، ولو قال: كتبت لفلان علي صكا بألف درهم بخطي أو لم يقل بخطي فإنه يؤخذ بالألف ولو كتب صكا علي نفسه لفلان بألف درهم وقوم ينظرون إليه فقال للقوم اشهدوا فهو جائز في إجماعهم، ولو قال لرجل لا تشهد علي لفلان بألف درهم فليس بإقرار. ولو قال لفلان علي شئ فلا تخبره أن له علي ألف درهم لم يكن هذا إقرارا، وكذلك لو قال ليس لفلان علي شئ فلا تقل له إن له علي ألف درهم فليس بإقرار لأنه افتتح الكلام / بالانكار، ولو قال لا تخبر فلانا أن له علي ألف درهم او لا تقل له إن له علي ألف درهم فهما قولان أحدهما إنه بإقرار له لأنه قال له اكتم عني فلانا ما له علي، وقول آخر لا يكون هذا إقرارا وكذلك لا تشهد أن له علي ألف درهم، ولو قال أشهد له علي بألف درهم كان إقرار لازما. ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن قال: وجدت في كتابي أن لفلان علي دينارا فأخبره بذلك يا فلان لزمه الدينار فيما أري، وكذلك قوله حاسبت فلانا فلم يبق له علي إلا دينار فهو إقرار لفلان بالدينار. ولو قال: أعلم فلانا أن له علي دينارا فهو إقرار بالدينار وكذلك قوله أرسل إليه فأعلمه، ولو قال: وجدت في كتبي كتابا بذكر حق علي لفلان بمائة دينار لم يكن هذا إقرار حتي يقول وجدت بخط يدي أن لفلان علي عشرة دنانير فهذا إقرار يلزمه. ولو قال: كتبت بيدي أن له علي عشرة لزمه ذلك. ولو قال: كتبت لفلان صكا علي بمائة دينار لزمه وأبين ذلك أن يقول وأشهدت له فيه، ولو قال: كتب علي فلان ذكر حق بعشرة دنانير لم يكن هذا إقرارا؟ ولو قال كتبت لفلان ذكر حق بعشرة دنانير ولو يقل علي قضيته منها خمسة فليس هذا إقرار منه بالعشرة. [9/ 186]
في الإقرار على الاستفهام
ولو قال: كتبت لفلان علي ذكر حق قضاه فلان منها خمسة فليس هذا إقرارا منه بالعشرة، ولو قال: كتبت لفلان علي ذكر حق قضاه فلان منها خمسة فليس هذا إقرارا منه بالعشرة، ولو قال: كتبت لفلان علي ذكر حق عشرة دنانير فهذا إقرار بعشرة، وأبين ذلك أن يقول أشهدت له. ولو قال / كتبت لفلان ذكر حق وقضاه فلان منها خمسة لم يكن هذا إقرار علي نفسه بشئ، وكذلك لو قال قضيته منها خمسة. في الإقرار علي الاستفهام من كتاب ابن سحنون: ومن قال لرجل: أليس قد أقرضتني أمي ألف درهم؟ فقال الطالب بلي أو نعم فجحد المقر، فالمال يلزمه [ولو قال: أما أقرضتني أو قال ألم تقرضني؟ فهو سواء يلزمه إن ادعي الطالب المال] (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: يحلف المقر ولا يلزمه شئ وإنما سأله بالاستفهام ما عنده من العلم فليس قوله أليس بإقرار. وكذلك قوله ألم تقرضني كذا؟ قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: وأما إن قال ألم أو فك العشرة دراهم التي لك علي فقال لا فهو إقرار. قال ابن المواز: ويغرم العشرة بلا يمين عليه، قالا: لأنه أقر بالدين وإنما استفهم في القضاء. قال ابن المواز: إلا أن يرجع عن الاستفهام فيقول بل قضيتك فيكون عليه اليمين قالا: ولو قال ألم تسلفني كذا فقضيتك فقال له ما قضيتني شيئا وهي لي عليك فقال المقر ما أسلفتني شيئا، فلا شئ عليه وليس ذلك إقرارا. قال ابن عبد الحكم: وأما إن قال أسلفتني كذا فلم أحسن قضاءك، فهو إقرار وإنما أستفهمه في القضاء فإن أنكره غرم. ولو قال ألم أقضيك الألف التي لك علي أبي وأبوه ميت ولم يرثه غيره فهو إقرار إن ورث عنه مالا وصار في يديه وإلا لم / يلزمه أن يقضي عنه. [9/ 187] ¬
ذكر ما يعد من السكوت كالإقرار فيما يدعى عليه
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن قال ألم أضمن لك المائة التي تدعي علي أبي؟ قال بلي فرجع الابن فقال ما ضمنت لك شيئا وإنما استفهمتك وما أوقن أن لك علي أبي شيئا، فليس هذا بإقرار ولا يحلفه. قال ابن عبد الحكم: إلا أن يكون في يديه من تركته شئ. ومن كتاب ابن سحنون: ومن قال لرجل أعطيتني أمس ألف دره بتثقيل الألف درهم يريد بمدها لم يلزمه شئ وهذا استفهام وإن ادعي ذلك الطالب ولم يثقل الألف لزمه ذلك. وفي باب الاقرار بالنكاح ذكر الاقرار بالنكاح علي الاستفهام. ذكر ما يعد من السكوت كالاقرار فيما يدعي عليه أو فيما يحاز عليه وفيما يؤثر في سنة من الحوادث من العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم وفي بعض الكتب أنها رواية حنين بن عاصم عنه فيمن قال لرجل: فلان الذي في منزلك ساكن لم أسكنته؟ فقال أسكنته بلا كراء والساكن يسمع ولا ينكر ولا يعير هل يقطع دعواه سكوته إن ادعي المنزل يوما؟ قال: لا يقطع ذلك عواه إن أقام بينة أن المنزل له فهو علي حقه ويحلف لأنه يقول ظننته يداعبه ونحو ذلك. وقال فيمن سئل عند موته هل لأحد عليك (¬2) شئ؟ قال لا، قيل ولا لأمرأتك؟، قال لا والمرأة تسمع ساكته لا تذكر حقها فإنها تحلف إن حقها عليه يريد إلي الآن وتأخذه إن شهدت لها به بينة ولا / يضرها سكوتها. وروي عنه عيسي فيمن أتي إلي قوم فقال اشهدوا أن لي علي هذا الرجل لرجل معهم كذا وكذا، والرجل ساكت ولم يسأله الشهود عن شئ فلما طولب أنكر، قال هذا يلزمه السكوت ومسألة التفليس في الميت تباع تركته وتقسم وغريم [9/ 188] ¬
حاضر ساكت لم يقم أنه لا قيام له إلا أيكون له عذر وقد ذكرتها في التفليس بتمامها. وفي كتاب الحيازات أحكام الحيازة ببناء او هدم أو غراس أو زرع أو احداث بيع أو هبة والمدعي حاضر لا ينكر أن سكوته في البيع والهبة تسليم وفي طول الحيازة تسليم ومثل الرجل تقسم تركته ورجل يدعي عليه دينا حاضر لا يدعي أن ذلك يبطل دعواه، ذكرها ابن حبيب عن مطرف وأعرف لابن القاسم مثله. قال ابن حبيب قال مطرف إلا أن يكون له عذر أنه لم يعرف بينته أو كانوا غيابا أو لم يجد ذكر حقه إلا عند قيامه أو كان لهم سلطان يمتنعون به ونحو هذا مما يعذر به فيحلف ما كان تركه القيام إلا لما يذكر مما يعذر به فإن نكل حلف الورثة ما يعلمون له حقا ويبرؤون (¬1) فإن نكلوا غرموا. وذكر ابن حبيب مسألة الميت له ولدان أحدهما مسلم والآخر نصراني فتكلم في المسألة بوجوهها وقال إلا أن يعلم الولد النصراني أنه صلي عليه ودفن في مقبرة المسلمين وهو حاضر ساكت فيبطل دعواه، وبه قال ابن القاسم وابن الماجشون ومطرف وقد جري / في مسائل أصحابنا ما يكون السكوت فيه كالاقرار. فمن ذلك زرع في أرض (¬2) رجل وادعي أنه اكتراها منه وربها ينكر، فإنه إن علم به ربها حين زرع فلم ينكر فليس له إلا ما أقر مع يمينه إن كان ذلك يشبه كراء مثلها. ومنها أن يقول لزوجته المطلقة قد راجعتك فتسكت ثم تدعي أن عدتها قد كانت انقضت، فلا قول لها. وكتب شجرة إلي سحنون فيمن أوصي بعتق أمته وهي حاضرة ساكته تسمع لا تدعي الحرية وشهدت بذلك بينة وقالوا لا نعلمها مملوكة، فلما مات الموصي قالت إني حرة قال: لا يضرها سكوتها. [9/ 189] ¬
في الإقرار على جهة الشكر أو على الذم في دفع دين أو في قبضه
في الاقرار علي جهة الشكر او علي الذم في دفع دين أو في قبضة كقوله أسلفتني وقضيتك أو قضاني ديني ثم تناكرا من العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قال لرجل اشهد أني قبضت من فلان مائة دينار كانت لي عليه. فأحسن قضائي جزاه الله خيرا، فقال الدافع إنما أسلفتها له، وما كان له عيل شئ، فالذي قال أسلفته مصدق إلا أن يأتي الآخر ببينة أنه قد كان يتقاضاه في دينه قبل ذلك، وقاله المخزومي، قال يحي بن يحي عن ابن القاسم: ومن قال لرجل قد قضيتني مائة دينار من الماثتين التي لي عليك فاعطني ما بقي، فيقول الآخر مالك علي شئ وما دفع / إليه إلا لما يقول وذلك له. وروي عنه سحنون فيمن قال: كان لفلان علي دينار فاساء تقاضي فلا جزاه الله خيرا يريد وقد دفعته إليه، فقال المقر له ما تقاضيت منك شيئا، قال: يغرم المقر الدينار بخلاف الذي يقر علي وجه الشكر، وكذلك ذكر ابن سحنون في كتابه عن أبيه عن ابن القاسم. قال ابن حبيب قال ابن ماجشون فيمن قال لقوم أسلفني فلان مائة دينار وقضيته إياها أنه مصدق ولو قالها عند السلطان لم يصدق إلا ببينة، والفرق بين ذلك أن ما كان من أمر جره الحديث والأخبار علي حال الشكر أو الذم فلا يؤخذ به أحد مثل أن يقول لقد أسلفني فلان فأحسن متابعتي أو أساء متابعتي حتي قضيته، فيأتي الآخر فيطلبه بذلك فليس ذلك له، ولو أنه ناكر رجلا ثم تقاعدا عن السلطان فقال قد أسلفني وقضيته لم يصدق لأن هذا إقرار في موضع القضاء ومآخذ البينات. [9/ 190] ¬
قال لي مطرف وأصبغ وقال ابن حبيب في أول باب في الإقرار، ومن أقر بحق عند قوم في مساق حديثه لهم علي وجه الشكر لمن أسلفه وقضاه من أمر قد مضي أو غير ذلك من الحقوق ثم قام المقر له فقال لم أقبض فلا يلزم هذا إذا جري علي هذا الوجه ولا ينبغي للقوم أن يشهدوا به فإن جهلوا ونقلوها علي جهله ومساقه لم ينبغ للقاضي أن يأخذخ بذلك. وقاله (¬1) مالك وجميع اصحبنا، وأخبرني أصبغ عن ابن القاسم عن مالك مثله فيما طال زمانه أو قرب إن كان إقرار لحي، وإن كان أقر / لميت، فإن كان لما قد بعد وطال زمانه مثل ذلك، وإن كان قرب وقته أخذ بإقراره وفرق بين الحي والميت، لأن الميت لعل عنده وثيقة بحق ذلك سوي إقراره هذا، والحي إن كانت بيده وثيقة قام بها، والميت إن قال عند موته: لي عند فلان كذا فلا بد أن يحلف فلان وإن لم تقم بينة بخلطته والحي لا يحلفه حتي يقيم بالخلطة بينة. قال ابن سحنون عن أبيه: ومن أقر فقال: لقد فعلت كذا إذ كان ذلك علي مائة درهم يريد فطالبه بها المقر له، قال إن كان أمرا قد تقادم وجري مجري الشكر لم يؤخذذ بهذا الاقرار وإن كان أمرأ لم يتقادم ولا جري بوجه الشكر فإنه يؤخذ بإقراره، وكذلك قوله: فعلت كذا يوم أقرضني فلان كذا فجزاه الله خيرا فهو مثل ذلك يفترق ما تقادم منه مما كان حديثا. قال ابن سحنون: حدثنا موسي بن معاوية قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش قال: سمعتهم يتحدثون عن شزيح في الرجل يتحدث الحديث فيقول اشتريت من فلان متاعاً كذا وكذا فأعطيته ثمنه فقال إنما هو رجل يتحدث فإن شئتم فصدقوه وإن شئتم فكذبوه، ولا يؤخذ بقوله اشتريت. [9/ 191] ¬
في الإقرار على جهة الاعتذار
في الإقرار علي جهة الاعتذار من كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع أشهب عن مالك فيمن اشتري مالا فسئل الإقالة فقال: تصدقت به علي ابني فلان ثم مات الأب فلا شئ للابن بهذا وليس بقاطع. قال عنه ابن القاسم / وإذا سئل أن يكري منزله من رجل فقال هو لابنتي حتي أشوارهما ثم مات فقامت فيه الابنة، فقال: لا ينفعها ذلك إلا أن تكون حازت ذلك ولها الصدقة والحيازة بينة، قيل: فلو كانت صغيرة في حجرة قال ليس لها شئ قد يعتذر بهذا يريد منعه ولا شئ لها إلا ببينة علي الصدقة وحوزه من الكبير. قال عنه أشهب وابن نافع: ولو سأله ابن عمه أن يسكنه منزلا فقال هو لزوجتي ثم سأله فيه ثان وثالث من بني عمه وهو يقول ذلك، فقامت امرأته بذلك فقال: إنما قلته اعتذارا لأمنعه قال لا شئ لها بهذا، وقد يقول الرجل للسلطان في الأمة ولدت مني والعبد مدبر لئلا يأخذها منه فلا يلزمه هذا ولا شهادة في هذا. وروي عيسي عن ابن القاسم فيمن قال له أتبيع جاريتك؟ فقال هي لزوجتي أو لرجل أجنبي ثم يدعي ذلك من اقر له في حياته أو بعد موته فلا شئ لهما إلا أن يأتيا ببينة عليه بصدقة أو بهبة قد حيزت يريد في صحته. وسواء قال هي لزوجتي أو هي خادمتها لا تنتفع بذلك المرأة ولا الأجنبي إذا عرف أنه كانت له إذا قال في عذره أردت الانتفاع بذكر من ذكرت أنها له من زوجة أو اجنبي أو ولد ونحوه من العذر. قال أصبغ: ولو قال ذلك حين سين بعبده فقال عليه من أقر به به فقالوا هو لنا بإقراره أو قالوا: قد كان لنا قبل إقراره والمقر يقول إنما قلت ذلك علي الاعتذار، قال: فلا حق لهم في هذا / إلا بثبت غير هذا ويحلف أنه لا حق لهم فيه ويبرأ فإن نكل وادعوا حقاً لهم قديما بغير هذا الإقرار حلفوا واستحقوا، فإن قالوا إنما ندعيه بهذا الإقرار لم يوجب لهم نكوله شيئا. [9/ 192]
في الإقرار بالكتاب والإشارة
ولو قال إذ سيم به: قد بعته فلانا بكذا أو وهبته له أو تصدقت به عليه فقامت عليه بذلك البينة وقال كنت معتذرا، قال: هذا يلزمه لأنه فعل شيئا يلزمه إمضاؤه عليه بخلاف قوله هو لفلان. قال أصبغ: ولو خطبت إليه ابنته البكر فقال كنت زوجتها فلانا فقام فلان يدعي أنها زوجه قبل ذلك أو يقول بل بهذا القول زوجتني وقال الأب إنما قلته اعتذاراً قال ذلك سواء، وذلك يلزمه لأن النكاح جد ليس فيه لعب ولا اعتذار كالطلاق. وقال ابن كنانة: إن ادعي ذلك بأمر تقدم غير هذا وهو له منكر فشهد عليه الخاطبان أنه قال قد زوجت فلانا فهذا يلزمه ولا يقبل قوله أردت اعتذاراً وإن كان الطالب إنما طلب ذلك بقول الشهيدين الخاطبين ولم يدع أنهزوجه قبل ذلك فلا شئ له بهذا ولا يلزمه. في الإقرار بالكتاب والإشارة (¬1) من كتاب ابن سحنون: وإذا كتب الرجل (¬2) ذكر حق على نفسه بمحضر قوم وأشهدهم به ولم يقدر عليهم فهو جائز في إجماعنا قال من خالفنا: إن كتبه بين أيديهم بيده أو أملاه على رجل فإن لم يحضروا ذلك لم يجز أن يشهدوا وذلك عندنا / جائز إذا اشهدهم بما فيه وقد جامعونا فيمن كتب رسالة إلي غائب أن 51/ظ لك على كذا إن ذلك يلزمة، ولو كتب في الأرض لفلان على ألف درهم وقال اشهدوا على بهذا لزمة ذلك وإن لم يقل اش هدوا لم يلزمة، وكذلك لو كتبة في صحيفة ثم حرقها ولم يشهد فيها فلا يلزمة في إجماعنا انه إن كتب بذلك إلي رجل أنه يلزمة فإن جحد الكتاب وقامت بينة أنه كتبه أو أملاه لزمه ويلزمه ما فيه أيضا من طلاق وعتق أو كفالة بمال أو نفس أو بدين من بيع أو قرض أو غصب أو بوديعة وعارية وقراض. [9/ 193] ¬
وكذلك الإقرار بالجراح مما فيه قصاص وغيره،] (¬1) وأما الإقرار بالحد فله أن يرجع عنه ثم يؤخذ بغرم السرقة فقط ولا يحد. وقال غيرنا: يؤخذ بكل ما وصفنا ما خلا ما فيه قصاص أو حد فإنا نأخذ في هذا بالقياس، ولا نجيزه إلا في تضمين السرقة. وإذا كتب في وصيته بمحضر البينة أو أملاها ثم أشهدهم بها جاز [ذلك وإن لم يقرأها فإن لم يحضروا الكتاب جاز عندنا إذا أشهدهم بها] (¬2) ودفعها إليهم، وقال غيرنا حتي يقرأها عليهم، [وكذلك قالوا في كتاب (¬3) القاضي إن لم يحضروا كتابه فحتي يقرأه عليهم،] (¬4) وقال أبو يوسف: إذا شهدوا علي الكتاب والخاتم جاز وإن لم يعلموا ما فيه، وهذا أقرب إلي قولنا، ومن قرأ علي رجل كتابا فقال أشهد عليك بما فيه فقال نعم، ورجل آخر يسمع لم يخاطبه جاز له أن يشهد في إجاعنا، وإذا كتب حقاً عليه / لرجل بمحضر قوم وقال اختموا عليه ولم يقل اشهدوا فإن شهدوا أنه خطه جاز ذلك قال اشهدو أو اختموا، وكذلك إن قالوا نشهد عليك فقال اختموا الكتاب ودفعه إليهم فشهدوا أنه خطه لزمه ما فيه. وقل غيره لا يلزمه. ولو قال له نختمه (¬5) فقال اشهدوا جاز في إجماعنا، وإن كتب رسالة إلي فلان أنك ذكرت أني ضمنت لك ألفا عن فلان وإنما ضمنت لك عنه خمسمائة وعنده رجلان ثم محا الكتاب فشهدوا عليه فذلك يلزمه. وكذلك في الطلاق والعتق والدين والغصب بخلاف الصك وكذلك إن كتب بذلك مكاتب أو عبد مأذون أو امرأة أو ذمي قال سحنون: ولو محاه أو حرمه قبل أن يشهدهم وقبل أن يخرجه من يديه لم يلزمه. [9/ 194] ¬
قال محمد وأجمعنا أنه إن كتبه بمحضر رجلين لا يقرآن ولا يكتبان ودفعه إليهما فكان عندهما ثم شهدوا به أن ذلك جائز، وإن كتب علي نفسه صكاً بمحضر رجلين ثم لم يقرأه عليهما ولا أشهدهما به ولا علما ما فيه ثم قبضاه ثم شهدا أنه خطه أنه يقضي بما فيه. وقال غيرنا: لا تجوز شهادتهما. وإن كتب رسالة في تراب ولم يقل اشهدوا علي هذا فذلك باطل، ولو قال اشهدوا علي به فهو جائز في إجماعنا، ولو كتب في خرقة أو لوح أو صحيفة أن لفلان عليه كذا فذلك جائز إن شهدوا انه خطه بخلاف كتابه في الأرض، وقال غيرنا / لا يلزمه إلا أن يقول اشهدوا، ولو كتبه في صحيفة بغير مداد إلا أنه يتبين أو في الأرض ثم أشهدهم به وقد عرفا ما كتب لزمه في إجماعنا. وكذلك لو كتب بغير محضرهما ثم أشهدهما عليه ولو كتب كتابا ليس له أثر ولا يتبين بإقراره بطلاق أو عتق أو دين ثم قال اشهدوا علي به أو أقر عنه القاضي أنه كتبه فإنه يلزمه ولا ينفعه قوله كتبته غير عازم، وقوله اشهدوا عزيمة. وإذا أقر أنه أشهدهم به بعدما كتبه لزمه. وقال غيرنا بل لا يلزمه لأنه لا يتبين، وقد قالوا في الذي كتب رسالة بمائة دينار بمحضر رجلين ولم يقل لهما اشهدا ثم محاه أنه يلزمه فالذي كتب ما لا يبين واشهدهما به أولي أن يلزمه، يريد محمد وقد أقر بما كتب. وإن كتب في صحيفة حسابه أن لفلان عليه كذا وحضره شاهدان شهدوا علي خطه جاز ذلك وكذلك إن أقر به عند حاكم. وإن كتب أن لي علي فلان (¬1) ألف درهم بمحضر الشاهدين ومحضر المطلوب وهو كاتب يعرف ما كتب عليه ثم قال الطالب للشاهدين اشهدا فقال المكتوب عليه نعم فذلك لازم وهم في سعة إن شهدوا فقال المكتوب عليه نعم فذلك لازم وهم في سعة إن شهدوا عليه أنه أقر أو أنه أشهدهم وأما الإشارة بالإقرار فقد جاء في غير شئ من مسائل أصحابنا في الطلاق وفي [9/ 195] ¬
في الإقرار بما بين كذا إلى كذا
الأخرس وفيمن سئل في مرضه عن شئ فقال برأسه نعم أنه يلزمه إذا فهم عنه مراده (¬1) / في الإقرار بما بين كذا إلي كذا أو يوصي من ادعي علي من دينار إلي عشرين فاقضوه من كتاب ابن سحنون ومن أقر أن لفلان عليه ما بين درهم إلي مائتي درهم فإنه يلزمه مائة وتسعة وتسعون. ولو قال ما بين درهم إلي عشرة دراهم لزمه تسعة، وقال أيضا سحنون يلزمه عشرة. وإن قال له علي ما بين كر شعير إلي كر حنطة فعلي قوله الأول يلزمه كر شعير ويلزمه كر حنطة إلا قفيزا، وفي قوله الآخر يلزمه الكران، وعلي قوله هذا لو قال له علي ما بين عشرة دراهم إلي عشرة دنانير للزمه ذلك كله. وفي القول الآخر تلزمه العشرة دراهم وتسعة دنانير. وكذلك لو بدأ بالدنانير في القولين وإذا قال له علي ما بين مائتي درهم إلي مائة درهم قضي له بمائة وتسعة وتسعين لأنا أيقنا بمائة ولم نرد أن نكمل له مائة ثانية. وكذلك لو قال له علي ما بين عشرة دراهم إلي درهم فإنما عليه تسعة دراهم، وفي قوله الآخر يغرم العشرة. وكذلك وقوله له علي من درهم إلي عشرة، والكيل والوزن كله مثل العين فإن اختلف النوعان أو اتفقا فهما سواء ويؤخذ من الأكثر في قوله الأول. وفي قوله الاخر يؤخذ من المالين. [9/ 197] ¬
قال ابن المواز إذا قال له علي ما بين عشرة إلي عشرين لزمته العشرون (¬1) إن ادعاها الطالب وإن لم يدعها فالعشرة له فإن رجع المقر / عن الزائد عليها فذلك له ويحلف إن ادعي المقر له أكثر وإن لم يدع أكثر فلا يمين عليه، وإن تمادي المقر علي شكه وادعي المقر له العشرين فهي له بلا يمين إذا لم يكذبه المقر، ولو رجع المقر فقال ما لك إلا عشرة حلف وصدق فإن نكل حلف المقر له وأخذ. ولو قال له علي ما بين درهم إلي دينار فعليه درهم ونصف ما بقي. قال محمد بن عبد الحكم: إذا قال لفلان علي ما بين مائة درهم إلي ماثتين فإنما أقر له بمائة وشك في الزائد عليها، قال: هذا يملك ما بين مائة إلي ماثتين فلم يقطع علي ملكه إلا بمائة. وقال النعمان: له مائة وتسعة وتسعون قال: لأن الدرهم الآخر غاية فيقال له والدرهم الأول غاية. وقال بعض أصحابه: له جميع المائتين، قال محمد: ولو حلف في رصاص أنه فيه ما بين رطل إلي رطل ونصف لعلمنا أنه إنما شك في الزائد علي رطل، أو قال: تحمل هذه السفينة ما بين أربعمائة إردب إلي خمسمائة أليس إنما الشك في الزائد علي أربعمائة؟ وقال النبي عليه السلام في مخرجه إلي بدر في المشركين إنهم ما بين تسعمائة إلي ألف. قال محمد بن عبد الحكم: وناقض أبو حنيفة في قوله فقال إن أقر له بما بين مائة درهم إلي عشرة دنانير أنه يلزمه الدراهم وتسعة دنانير وكان يلزمه أن يجعل عشرة دنانير غاية لا تلزم. ولو قال ما بين كر حنطة وكر شعير أنه يلزمه كر حنطة وكر شعير إلا قفيزا وهذا تناقض. [9/ 197] ¬
وقال محمد: إذا قال له/ عندي ما بي كر حنطة كر شعير كان له فضل ما بين الكرين، وكذلك لو قال: ما بين دينار ودرهم نطرح من الدينار قيمة درهم، وكان له ما بقي. وإن قال غصبته ثوبا قيمته ما بين دينارين إلي ثلاثة لزمه ديناران مع يمينه، وكذلك غصبته كيسا (¬1) لا أعلم ما فيه إلا أن ما فيه ما بين عشرين دينارا إلي ثلاثين لزمه عشرون مع يمينه وكذلك في السلعة. قال ابن المواز: وإن قال له: عندي ما بين إردب حنطة إلي أردب شعير قال فلا مخرج له من الأقل فإن ادعي المقر له ما زاد علي الأقل كان له إلا أن ينكره المقر فيحلف ويبرأ فإن نكل بعد الإنكار حلف المقر له، وإن لم ينكل ولم يقر غرم. قال ابن المواز: ومن قال أسلفني دنانير ما بين خمسين إلي ستين فقد أقر له بخمسين بلا شك فإن رجع عما زاد حلف إن حلفه الطالب فإن نكل حلف المدعي وأخذ تمام الستين وذلك إن أنكر المقر عشرة، وقال قد أيقنت أنها خمسون وإن نكل وشك جبرته حتي يقر أو ينكر وسجنته إن طلب ذلك المدعي. قال لي عبد الملك وعبد الله بن عبد الحكم: أنه يحبس حتي يحلف أو ينكل، وقاله مالك فيمن لا يقر ولا ينكر. قال محمد وهذا كله صواب والاستحسان عندي إذا ثبت علي شكه وقال كيف أحلف علي ما لا أوقنه أحلفته ما وقف عن ذلك إلا أنه لا يوقن ذلك ثم يغرم العشرة ويحبس فيها ويحكم عليه بها للا يمين علي المدعي لأن كل مدع لا يرفع قوله المدعي عليه ولا / ينكر دعواه فإنه يحكم له بدعواه بلا يمين وأما من أوصي فقال من ادعي علي من دينار إلي عشرين دينار فأعطوه فقد ذكرته في الكتاب الأول من الوصايا مستوعبا. [9/ 198] ¬
في الإقرار يقول فيه إن شاء الله أو إن قضى الله ونحوه
في الإقرار يقول فيه إن شاء الله أو إن قضي الله ونحوه أو قال إلا أن يبدو لي أو قال إن شاء فلان أو في شهادة فلان أو في علمه أو في حكمه أو قال إن دخل الدار أو لفلان علي كذا في حسابه أو بكتابه أو بصكه أو نحو هذا قال ابن سحنون قال أصحابنا جميعا إذا أقر فقال: لفلان علي ألف درهم إن شاء الله، أو قال: له عندي، أو قال: معي، أو قال: عندي له إن شاء الله، إن الإقرار يلزمه ولا ينفعه الاستثناء. وقال أهل العراق: ولا شئ عليه، فاعاب سحنون ذلك وقال: قد جامعونا فيمن قال له علي ألف درهم إلا ألف درهم أو بل لا شئ له علي أن الألف يلزمه، وهذا كالأول أن المستثني لإبطال الجميع لا ينفعه استثناؤه وإن جعلوه شكا فقد قالوا إذ أقر بمال ثم قال سككت فيه أن ذلك لا ينفعه وإن نسق الكلام. وقال محمد بن المواز وابن عبد الحكم: إذا قال له علي ألف درهم عن شاء الله لم يلزمه وكأنه أدخل ما يوجب الشك، ولو قال له علي ألف درهم أقضيه إياه إن شاء الله الآن أو إلي الشهر فذلك لازم فإنما استثني في القضاء. قال ابن سحنون: قلت لسحنون في الاستثناء بمشيئة الله تحل / اليمين فلم لا تحل الإقرار؟ قال: لم تأت بنظير. أجمع العلماء علي الفرق بين اليمين وبين الإقرار فقالوا: إن لفلان عندي ألف درهم فسكت أو قال عبدي حر ثم سكت أو امرأتي طالق ثم سكت أنه مأخوذ بما قال. ولو قال: الله صم سكت أن هذا الكلام غير عامل بنفسه فلا يلزمه فيه حكم حتي يقطعه علي فعل فدل هذا علي انفصال اليمين من الإقرار. [9/ 199]
قال محمد: وقد جامعونا أنه إن قال لعبده: انت حر إن شاء الله إن الاستثناء باطل وهو حر. وقال بعضهم فيمن يكتب علي نفسه ذكر حق أن لفلان علي فلان كذا وكذا ومن قام بهذا الذكر الحق فهو ولي فيه إن شاء الله فقالول لا يلزمه. وقال أبو يوسف يلزمه مثل قولنا. وفي كتاب ابن عبد الحكم قال في الصك: ومن قام به اقتضاء ما فيه إن شاء الله قال ابن عبد الحكم: فهذا يلزمه لأن الاستثناء علي قبض القائم به وقع. قال ابن سحنون: ولو قال: لك علي ألف درهم إن قضي الله ذلك أو بذلك فالألف تلزمه مثل قوله إن شاء الله أو إذا أراد الله، أو قال إن أراد الله ذلك او إن رضي الله ذلك أو إن أحب الله ذلك أو إن يسر الله ذلك. وقال ابن المواز وابن عبد الحكم: لا يلزمه ذلك كله، وكذلك قوله إن رزقني الله مالا فليس بشئ من ذلك يلزمه. وقال ابن سحنون: وإن قال له علي ألف درهم إلا أن يبدو لي، أو قال إلا أن أري غير ذلك فهذا يلزمه، وهو كقوله قد بدا لي. قال سحنون وابن عبد الحكم/: وإذا قال لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان فهذا باطل شاء فلان أو لم يشأ لأنه خطر كما لو قال له علي ألف درهم إن تكلم به أو إن دخل الدار. وقاله ابن المواز وقال هو كمن قال فلان مصدق علي في شهادته فذلك لا يلزمه. قال ابن سحنون: وكذلك إن قال إن مطرت السماء أو هبت الريح أو إن دخل فلان الدار فهو باطل في إجماعهم. وقال قال: له علي ألف درهم إن حمل متاعي هذا إلي منزلي بالبصرة ففعل فهذه إجارة وهو جائز، وإن قال: له علي ألف درهم في شهادة فلان أو بشهادته أو في علمه أو في قوله فهو إقرار جائز. وقال محمد بن المواز ومحمد بن عبد الحكم إذا قال في شهادة فلان أو في علمه أو في قوله فلا يلزمه ذلك، ولو قال شهادة فلان لزمته الألف وكذلك بعلم فلان. [9/ 200]
فيمن أقر لفلان فقال فيما أعلم أو فيما يحضرني أو في علمي
قال ابن سحنون: وأجمعوا أنه إن قال بعلم فلان أنه يلزمه وأما إن قال بقول فلان أو في قوله فلا يلزمه، لأن هذا يخرج علي طريق النفي والإنكار كأنه قال: فلان يقول ذلك ولست أقوله أنا، وأما قوله بعلم فلان أو بشهادته فهو تأكيد للإقرار. وإن قال: له علي ألف درهم في صكه أو بصكه أو في صك أو كتاب أو بكتاب فهذا يلزمه، ولو قال: له علي ألف درهم في قضاء فلان لزمه كما لو قال بقضاء فلان القاضي، وكذلك لو لم يكن فلان قاضيا / فقال الطالب حاكمته إليه فقضي لي عليه وإن أقر الطالب أنه لم يحاكمه إليه وكذلك قال المطلوب ففيها قولان: أحدهما أن الإقرار باطل، والآخر أنه يؤخذ بإقراره إن ادعي ذلك الطالب. وكذلك إن قال: له علي ألف درهم في قضاء فلان وفلان قاض أو قال في فتيا فلان أو في فقهه أن ذلك لا يلزمه. فيمن أقر لفلان فقال فيما أعلم أو فيما يحضرني أو في علمي أو في حسابي أو في ذكري أو في ظني أو قال ذلك في الإبراء له أو قال إن كان ذلك ونحو هذا من كتاب ابن سحنون: وإذا قال له علي ألف درهم فيما أعلم فهو إقرار يلزمه، وأعاب قول من قال أن ذلك باطل واحتج قائل ذلك بالشهادة أن لو شهد أن لفلان علي فلان ألف درهم فيما أعلم أن الشهادة باطلة. وليس ذلك بحجة لأن الشك في الشهادة يبطلها والشك في الإقرار لا يبطله، فإذا قال: علي ألف درهم في علمي أو قال قد علمت أن له علي ألفا [9/ 201]
أن ذلك يلزمه ولو قال: له علي ألف درهم فيما أظن فهو إقرار يلزمه وكذلك فيما ظننت أو فيما حسبت أو فيما احسب أو فيما رأيت أو فيما أري. وقال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: إذا قال فيما أعلم أو قال في علمي او فيما يحضرني فهو شك ولا يلزمه. واحتج بالشهادة ولو قال: قد علمت ان له علي مائة درهم فهذا إقرار، ولو قال: فيما أحسب أو فيما أظن أو فيما أري فلا يلزمه شئ. قال ابن سحنون: وإذا قال له علي ألف درهم في حسابي أو قال / في ذكري أو في كتابي أو بكتابي فذلك يلزمه في إجماعهم. وإن قال: لفلان علي ألف درهم إن كان كذلك أن إن كان ذلك حق فالإقرار يلزمه، وهذا رجوع. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن قال لرجل ما أعلم إلا أن فلانا أعطاني من طعامك أو قال ما أظن إلا أن لك عندي عشرة آصبع فادعي ذلك المقر له قال: لا يلزمه ذلك إلا بإقرار صحيح ويحلف أنه ما يحق ذلك وما هو إلا ظن وإن أنكر أن يكون قال هذا فشهد عليه به شاهد فليحلف أن ما شهد به الشاهد لباطل. قال ابن سحنون: إذا قال: لا حق لي عليك فيما أعلم ثم أقام بينة أن له عليه حقا مسمي فإنه تقبل بينته وليست هذه براءة في إجماعنا، وكذلك قوله في علمي أو في يقيني أو في ظني أو فيما أري أو في حسابي او فيما أحسب أو في كتابي فهو سواء في إجماعنا. ولو قال: قد علمت أنه لا حق لي عليك أو قد استفتيت فلا دعوي له بعد ذلك ولا تقبل منه البينة في إجماعنا. قال محمد بن المواز ومحمد بن الحكم: إذا قال لا حق لي عليك أو قال قبلك فيما أعلم ثم طلبه بحق وأقام به بينة فإنه تقبل ببينته علي علم ذلك إذ يحلفه إن لم تقم بينة وقوله فيما أعلم هو علي الشك وكذلك فيما حضرني أو في ذكري [9/ 202]
جامع تصرف ألفاظ الإقرار بمعان مختلفة
أو في رأيي، ولو قال: لا حق لي قبلك في يقين لم أقبل ببينته بعد ذلك إلا أن يدانيه فيما يستقبل ولو قال في رأيي قبلت بينته بعد ذلك. قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال قد علمت أنه لا حق لي قبلك لم أقبله في هذا، قال ابن المواز /: وإن قال اشهدوا علي شهادتي أن فلانا أقر عندي أن لفلان عليه مائة درهم فيما أعلم أو قال في علمي لم يقبل ذلك، وهذا شك، ولو قال: إن هذه الأمة لفلان لم يبع ولم يهب في علمي جازت شهادته بل لا يشهد في هذه إلا هكذا وأما إن قال: هي أمة فلان في علمي لم تقبل شهادته وإنما يقول لم يبع ولم يهب في علمي. جامع تصرف ألفاظ الإقرار بمعان مختلفة من كتاب ابن سحنون: وإذا قال: اشهدوا أن لفلان علي ألف درهم إن مت فهذا وصية (¬1) في قول ابن القاسم من الثلث. وقال غيره: إن قال في الصحة من غير إحداث وصية فهو إقرار عاش أو مات، وإن قال: علي ألف درهم إذا جاء رأس الشهر أو إلي الفطر أو إلي الأضحي لزمه ذلك إلي أجله ولا تكون حالة، وإن ادعي الطالب أنها حالة حلف المقر وكانت إلي الأجل إلا أن يقر المقر أنها من قرض فهذا إن ادعي الطالب أنها حالة فالقول قوله مع يمينه. وإن قال: له علي كر حنطة من سلم أو بسلم أو من سلف بسلف فهو لازم في إجماعنا، ولو قال: له علي مائة درهم من بيع أو لبيع أو من ثمن بيع أو من قبل بيع أو قال من قبل بيع أو قال من قبل إجارة أو الإجارة أو بإجارة أو بكفالة أو من كفالة أو لكفالة أو علي كفالة فهو جائز كله بإجماعهم، وقد تقدم في بابين قبل هذا قوله لفلان علي كذا بحسابه أو بكتابه أو بكتاب فلان أو قال بصكه أو في صكه أو قال بحسابي أو بكتابي. [9/ 203] ¬
قال ابن سحنون: وكذلك لو أقر له أن له علي ألف درهم من حساب / بيني وبينه أو من كتاب بيني وبينه أو قال من حساب أو من كتاب أو قال له علي صك أو كتاب أو حساب بألف درهم فذلك مله يلزمه، وإن قال: من شرك أو قال من شركة بيني وبينه أو من تجارة أو من خلطة فذلك كله يلزمه. قال ابن عبد الحكم: وإذا أقر أن هذه الدراهم في يديه من قبل فلان فهو إقرار له بهذا، وإن قال: دفعها إلي رسولي فإن قال وأعلمني أن فلان أمره بدفعها إلي فهي للباعث وإن لم يقل ذلك فهي للرسول إن سماه، وإن قال: هذه الدراهم في يدي من عند فلان فهو إقرار له بها، ولو قال: هذا العبد عبدي بميراث فلان فما هذا عندي بإقرار واضح ويسأل عما أراد، فإن قل: ميراثه صار لي فيما قمت به من ميراثه أعطانيه غيره وشبه ذلك فالقول قوله، وإن قال: بميراث فلان ذكر الميت فهو لجميع ورثته وإن ذكر حيا فهو للحي وإن قال بميراثه فليس هذا بإقرار له ويحلف، وإن قال: هذه الدراهم لي بما عملت لفلان اليوم أو لصحبتي له أو لقيامي علي دوابه فليس هذا بإقرار قد يدفعه إليه غير فلان بذلك العمل والكراء. وإن قال: أخذت من تعليم ابن فلان عشرة دنانير أو في ختامه فادعاها الأب أو الإبن وأنكر تعليمه وختانه أو لم ينكر فلا أراه أقر له بشئ قد يعطيه ذلك الأب والأم والقرابة والصديق، وإن قال: صارت إلي هذه الدراهم بسبب فلان لم يلزمه ذلك لفلان بالسبب، وإذا جلب رجل ثيابا فباع نصفها فأقر رجل في ثوب أنه من ثياب فلان التي جلب مما / قد باع منها وقال الجالب هي مما لم أبع فليس له أخذه يريد ويحلف له الآخر. قال: وكذلك لو باع بعض قمح مخزنه ثم وجد قفيزا بيد رجل أو بيد المشتري فقال هذا مما لم أبع لم يكن ذلك له إذا ادعي الآخر أنه مما باع. ومن قال لرجل وضعت ثوبك في حجري فضاع أو خاتمك في إصبعي أو دابتك في داري فضاعت لم يكن عليه ضمان ذلك لأنه لم يقر مما يضمن به من [9/ 204]
فيمن أقر بمال أو طعام واستثنى بعضه أو استثنى صنفا من خلافه
فعل ولا غيره، وكذلك إن قال: ربطت دنانيرك في ثوبي فضاعت وكذلك قال محمد بن عبد الحكم. وفي باب الإقرار يقول فيه إن شاء الله قوله لفلان علي كذا في حسابه أو كتابه أو في علمه أو قال في حساب فلان أو كتابه أو في علمه ونحو هذا. وفي باب العارية فيمن في يديه عين أو طعام أو غيره يدعي فيه العارية ويخالفه ربه معن يمن تصرف الألفاظ في الإقرار أن يقول هذا في يدي عارية بملك فلان أو من ملكه أو لحرمته أو لقرابته فاختلاف في ذلك (¬1). ومن كتاب ابن سحنون: ومن قال لفلان علي الف درهم لحقه أو من حقه أو بحقه أو بميراثه أو من ميراثه أو لميراثه أو بملكه أو لملكه أو من ملكه أو لأجره أو بأجره أو من أجره أو ذكر مثل هذا في الشركة أو البضاعة فهو كله إقرار. قال ابن عبد الحكم، وإن قال له علي دينار من ميراث أو من وديعة أو من شركته أو من حقه أو من بضاعته وشبه ذلك فهو كله إقرار بالدينار. فيمن أقر بمال أو طعام واستثني بعضه أو استثني صنفا من خلافه أو أقر بصنفين أو لرجلين ثم استثني أو أقر بعبد واستثني بعضه من كتاب ابن سحنون [عن أبيه] (¬2) ومن أقر لرجل بألف درهم إلا مائة درهم فاستثناؤه جائز وكذلك إلا تسعمائة وخمسين فلا يلزمه إلا خمسون، وكذلك قال ابن المواز. وقال: وسواء كثر استثناؤه أو قل. قال ابن سحنون: وإن قال له علي ألف درهم إلا ألف درهم أو إلا ألفين فذلك باطل ويلزمه الألف في إجماع أصحابنا وما أعلم فيه اختلافا، وإن قال له [9/ 205] ¬
علي مائة درهم إلا درهما أو إلا عشرة دنانير أو قال نقصان درهم فهو كما قال، وإن قال له علي ألف درهم إلا دينارا طرح من الألف قيمة الدينار في إجماعنا. وكذلك ألف دينار إلا ألف درهم يحط من الدنانير قيمة ألف درهم. ومثله من أول الباب في كتاب ابن عبد الحكم. قال ابن سحنون: وإذا استثني من الدراهم ما يغترق ما أقر به من الدنانير فاستثناؤه باطل، وإن قال له علي كر حنطة إلا درهما فقيل استثناؤه باطل ويلزمه الكر بخلاف الاستثناء من نوع واحد، وقيا يلزمه علي ما أقر به كإقرار درهم إلا دينارا وكذلك دينار إلا فلساً فهو كما أقر به. قال ابن المواز: إذا أقر بمائة درهم إلا دينارا او إلا إردب حنطة نزع من المائة قيمة الدينار أو قيمة الأردب حنطة وودي ما بقي. قال ابن سحنون: وإن أقر بمائة درهم إلا ثوبا مرويا أو إلا شاة أو دابة فقيل استثناؤه باطل ويلزمه الدرهم، والقول / الآخر أن استثناءه جائز، ويقال للمقر صف الثوب أو الدابة أو الشاة أو العرض فتطرح تلك القيمة من الدراهم ويغرم ما بقي فإن اغترق ذلك ما أقر به بطل استثناؤه ولزمه ما أقر به. قال محمد بن عبد الحكم: وهو مصدق في قيمة الثوب مع يمينه، ولو قال له علي مائة درهم إلا ثوبا شطويا يسوي خمسين كان مقرا بخمسين وإذا لم يصفه يريد ولم يذكر له قيمة قيل له صفه وقيمته وهو مصدق مع يمينه. وقال النعمان: إن استثني ثوبا من دراهم فذلك باطل، وإذا استثني دينارا جاز استثناؤه ولا فرق بينهما. قال ابن سحنون: وإن قال لزيد علي ألف درهم ولعمرو علي مائة دينار إلا درهما من الألف فاستثناؤه باطل لأنه غير متصل بما استثني منه وكأنه استثني بعد سكات، وإن قال له علي ألف درهم ولفلان مائة دينار إلا عشرة دراهم فها هنا تكون العشرة مستثناه من الدنانير. وقال ابن عبد الحكم: إن قال إلا عشرة دراهم من الدراهم قيل له وإن لم [9/ 206]
يقل من الدراهم سئل من أيهما هي وقبل قوله ويحلف، وإن مات ولم يبين، وقال المقر لهما لا علم لنا بها جعلت من الآخرة كان ذلك لرجل أو لرجلين. قال ابن سحنون: وإن أقر لرجل بألف درهم ومائة دينار إلا درهما بالاستثناء جاز في إجماعهم، قال بعضهم ويكون الاستثناء من الدراهم، وقال آخرون من المائتي درهم، وإن قال له علي كر حنطة ودرهم إلا قفيز حنطة جاز استثناؤه من الأول إن استثني منه، ويكون كمن سكت ثم استثني، وإن استثني من إقراره للآخر أجزنا ذلك وإن أبهم الاستثناء جعلناه من الآخر وأجزناه، وإن أقر بألف درهم إلا مائة وخمسين ودي تسعمائة وحلف في الخمسين فإن نكل حلف الطالب أن استثناءه المائة باطل وأخذ تسعمائة وخمسين فإن نكل أخذ تسعمائة. وقال ابن عبد الحكم: إذا أقر بمائة درهم إلا عشرة أو عشرين لزمه ثمانون. قال ابن سحنون: وإن أقر بألف درهم إلا مائتي درهم وعشرة دنانير إلا قيراطا فإن المائتي درهم والعشرة دنانير إلا قيراطا كلاهما استثناء من الألف في قول سحنون وأهل العراق، وإن أقر بألف درهم ومائة دينار إلا مائة درهم وعشرة دنانير فاستثناؤه جائز وعليه تسعمائة درهم وتسعون دينارا عند بعض أصحابنا وأهل العراق. وقال آخرون: إن المائة درهم والعشرة دنانير تحط من المالين. وقال ابن عبد الحكم بالقول الأول. قال ابن سحنون: وإن أقر بألف درهم ومائة دينار إلا ألف درهم فقيل استثناؤه باطل كمن استثني جميع أحد النوعين، وقيل: يجوز استثناؤه ويحط الألف درهم من المالين فلا تلزمه إلا مائة دينار. وإن أقر بكر حنطة وكر شعير إلا كر حنطة وقفيز شعير فاستثناؤه بالحنطة باطل وفي الشعير جائز، وفي القول الآخر: استثناؤه جائز كله ويحط من جميع كر حنطة وقفيز شعير فيصير عليه / كر شعير إلا قفيز شعير. [9/ 207]
وإن قال: لفلان علي ألف درهم ولفلان علي مائتا دينار إلا قيراط ذهب وألف درهم فإن الألف درهم عليه لفلان ولا يجوز أن يستثني منها لما أدخل بعدها من الكلام ويكون استثناؤه من المائتي دينار التي أقر بها للآخر، وقيل يسأل المقر فإن قال استثنيت الدراهم من الدراهم والقيراط الذهب من الدنانير بطل استثناؤه من الدراهم إلي الأول وجاز استثناؤه للقيراط من الدنانير، وإن قال: استثنيت ذلك كله من المالين قصصنا الألف درهم والقيراط الذهب علي المالين فما أصاب الألف درهم التي للأول من الدراهم والقيراط الذهب أبطلنا فيه الاستثناء لما قطع به الكلام وما أصاب المائتي دينار من الألف درهم والقيراط ذهب حط ذلك من المائتي دينار فإن اغترق ذلك المائتين بطل استثناؤه أجمع ولزمه الألف درهم والمائتا دينار. وإن قال: استثنيت الجميع من الألف درهم بطل استثناؤه ولزمه المالان، وإن قال: إنما استثنيت ذلك من المائتي دينار حلف وحط منها ألف درهم وقيراط ذهب فإن اغترقها ذلك بطل استثناؤه ولزمه ما أقر به. وإن أقر بمائة درهم وكر حنطة إلا كر حنطة فقيل الاستثناء باطل ويلزمه النوعان، وقيل: تسقط الحنطة وتلزمه مائة درهم، وإن قال له علي ألف درهم أستغفر الله إلا مائة درهم فإن عني استغفارا من الذنوب وذكر الله بالعبادة بطل / استثناؤه لأنه خرج بكلام آخر، وإن كان الاستغفار لذكر ما يذكر فاستثناؤه جائو إذ لم يخرج به عما كان فيه وكأنه من معناه. ولو قال: أستغفر الله لذنوبي أو سبحان الله والحمد لله ثم قال إلا مائة بطل الاستثناء في إجماعنا. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: إذا قال له علي مائة درهم أستغفر الله إلا خمسين أو قال أعوذ بالله من الشيطان أو من النسيان لم يلزمه إلا خمسون إن كان كلاما نسقا. قال ابن المواز: وكذلك إن قال أسأل الله قضاءها إلا عشرة لم يلزمه إلا تسعون. [9/ 208]
قال ابن سحنون: وإن قال له علي مائة درهم يا فلان إلا عشرة فإن كان فلان هو المقر له جاز الاستثناء وإن كان غيره بطل الاستثناء. وإن قال له علي مائة درهم فاشهدوا علي بذلك إلا عشرة دراهم فاستثناؤه جائز لأنه لم يخرج إلي معني آخر، وقد قيل إن المال كله يلزمه لأنه فصل بين الإقرار والاستثناء بكلام. وقال ابن المواز وابن عبد الحكم بالقول الأول. قال ابن سحنون: وإن قال له علي ألف درهم إلا عشرة دراهم وقد قضيتها إياه فاستثناؤه للعشرة جائز وهو مدع أنه قضاه الألف إلا عشرة فعليه البينة وإلا لزمه ذلك لأنه لم يدع القضاء في المستثني، ولو ادعي القضاء في الاستثناء لزمه جميع الألف، وكذلك إن قال له علي ألف درهم غلا درهما قضيتها إياه لزمه ألف درهم الأولي لأنه وصف القضاء في الألف، ولو قال: قضيته إياه وصف / القضاء في الدرهم فيلزمه دفع الألف، وإن قال له علي ألف درهم إلا دانقا لم يقل (¬1) قضيته إياه فعليه درهم إلا دانقا ويصير كأنه استثني الدرهم. وقال ابن المواز وابن عبد الحكم: إن قال له علي ألف درهم إلا مائة درهم قضيتها إياه سئل فإن قال أردت بالقضاء التسعمائه صدق مع يمينه وودي تسعمائه، وسواء قال وقد قضيتها إياه او قال قد قضيته إياها وقع القضاء علي الدرهم فصار مدعيا وتلزمه المائة كلها، وإن قال له علي مائة درهم إلا درهما قضيته إياه فلان أسرج لي دابتي إلا عشرة دراهم لزمته المائة لأنه أدخل كلاما ليس من سبب الإقرار. قال: وإن قال له علي مائة إردب حنطة إلا مائة إردب شعير أخرج من القمح قيمة الشعير فما فضل فللمقر له، والكيل في ذلك والوزن والصفة واحد في الاستثناء. قال ابن المواز: وإن قال هذه الدراهم لفلان إلا نصفها فهو كما قال. [9/ 209] ¬
فيمن أقر لرجل بدار واستثنى منها جزءا أو بيتا أو استثنى الشجر من الأرض
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: ومن قال غصبت من فلان هذا العبد ومن فلان هذه الأمة إلا نصف ذلك العبد بطل استثناؤه وجميع العبد لمن أقر له به لأنه لم يصل الاستثناء حتي قطع بكلام آخر. وكذلك لو قال إلا جميع العبد أو إلا جميع الأمة فالاستثناء باطل في إجماعهم. وإن قال: غصبت من فلان هذا العبد وهذه الأمة وهذه الدار إلا نصف العبد فله استثناؤه / لأنه متكلم في صفة ما غصب منه الرجل ولم يخرج من خبره إلي خبر غيره. ومن كتاب أحمد بن ميسر: ومن قال لفلان علي عشرة إلا ثلاثة إلا واحدة فإنما له ثمانية. فيمن أقر لرجل بدار واستثني منها جزءاً أو بيتا أو بنياناً أو استثني الشجر من الأرض أو الزرع أو الثمر من الشجر أو الفص من الخاتم أو البطانة من الجبة أو سرج الدابة أو ولد الأمة أو ما حوت الدار أو التابوت ونحوه وكيف إن استثني عضوا من العبد أو نصف العبد أو استثني من عبدين أحدهما من كتاب ابن سحنون: ومن أقر في دار في يديه أنها لفلان إلا بيتا معلوما فإنه لي فإقراره جائز علي ما استثني في إجماعهم، وكذلك قوله إلا ثلثها أو تسعة أعشارها فإنه لي فهو كما قال. وقال مثله ابن المواز. قال ابن سحنون: وقال أشهب وسحنون: وإن قال هذه الدار لفلان وهذا البيت لي فإن جميع الدار لفلان ولا يصدق في البيت إلا أن يكون الكلام نسقا فيصدق، وقال غيرنا: لا يصدق في البيت وإن نسق الكلام، وكذلك في قوله: ولكن البيت لي فعلي ما ذكرنا من قولنا وقولهم. [9/ 210]
قال محمد بن عبد الحكم قال أشهب: إذا قال: جميع الدار لفلان ونصفها لي فهي استثناء جائز، وكذلك قال ابن المواز في كتابه. قال محمد بن عبد الحكم: ولو قال غصبته جميع هذه الدار وبيتا منها لي فهذا لا يقبل منه وقد أقر بغصبه جيمعها كأنه قد غصبك هو بيتا لي، وأما إن قال هذه الدار لفلان ولكن بيتا / منها لي قبلت قوله مع يمينه. قال في كتاب ابن سحنون قال أشهب وسحنون فإن قال هذه الدار لفلان وبناؤها لي فهو كما قال إذا نسق الكلام، وغيرنا لا يقبل قوله في البناء وكذلك هذه الأرض لفلان ونخلها لي نسقا وكذلك في الشجر وكذلك هذه الدار إلا بناءها لفلان أو قال هذا البستان إلا نخلة فإنها لي فهو مصدق في قولنا ولا يصدق في قول غيرنا. وكذلك قال محمد بن عبد الحكم عن أشهب في قوله غصبت هذه الدار لفلان وبناؤها لي أو قال بيتا منها لي أو قال في الجبة بطانتها لي إذا نسق الكلام مثل قوله هذا الخاتم لفلان وفصه لي قال ابن المواز: وإن قال هذا البستان لفلان ونخله لي أو قال هو لي وأرضه لفلان أو قال هذه الأرض لي إلا نخلها لفلان فهو كما قال، وكذلك هذه الدار إلا بناءها لفلان، وكذلك الرحي الفارسية في الأرض فيقول الأرض أو قال الأصل لفلان والرحي لي فهو كما قال. وإن قال: هذا البناء لفلان والأرض لفلان فهو كما قال. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن أقر أن هذه البقعة بيني وبين فلان وأن ما فيها من البنيان لي. قال: البناء تبع للأصل وجميع ذلك بينهما وهو مدع. ورواها عنه أصبغ وخالفه، وقال: إن كان إقراره ودعواه نسقا فكان ما أقر به لا يعرف إلا وهو في يديه حتي لو لم يقر به لم يكن لفلان حتي يستحقه فليس له إلا ما أقر به من العرض والبنيان للمقر فينقض / أو يعطيه الآخر نصف [9/ 211] ¬
قيمته ويكون بينهما أو يقتسمانه فإن صار في حصة الثاني فهو له وإن وقع في حصة الآخر أمره بنقضه إن أعطاه قيمته. قال ابن سحنون: ولكن إن قال: هذه النخل أصولها لفلان وتمرها لي فلا يصدق لأن التمر لمالك الأصل وقد يكون النخل في الأرض لغير مالك الأرض، كذلك البنيان والتمرة لا يخرجها إلا الله عز وجل وقد يبني الرجل بشبهة في أرض غيره فيكون له ما أحدث بإجماع العلماء. قال ابن عبد الحكم: وإذا كان في الأرض زرع فقال: هذه الأرض لفلان فلا يدخل الزرع في إقراره بخلاف الأصول والبناء الذي يكون إقراره بالأرض إقرارا بما فيه من أصل وبناء، ولو كان فيها رحي فارسية كانت للمقر. قال ابن سحنون: وإت قال هذه الحبة لفلان بالبطانة والحلية وقالوا: أرأيت لو قال هذه الدار لفلان إلا جذعا بعينه من سقف منها أيصدق؟ قال ابن سحنون: وهو مصدق عندنا استثني جذوعها أو بعضها وإن أقر أنه غصب خاتما ثم ادعي فصه فليس له ذلك وهو مصدق عندنا إلا بكلام نسق وكذلك في بطانة الجبة وبناء الدار، وقد أجمعنا ومن خالفنا أنه إن أقر لرجل بدار ثم قال بل هي لفلان إنها للأول وحده، وكذلك لو قال بعد إقراره ولفلان إلا أن يصل كلامه. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن قال هذا / الخاتم وفصه لفلان أو قال حلقته لي وفصه لقلان أو قال فصه لي وحلقته لفلان فهو كما قال وكذلك لو قال في باب في يديه خشب هذا الباب لفلان ومساميره لي او خشبه لي ومساميرة لفلان فهو كما قال ويكونان فيه شريكين بقدر المسامير من الخشب. وإن قال: هذا الباب لفلان ومساميره لي قال أشهب: فهو كما قال كأنه عنده ليس باستثناء بين. قال ابن عبد الحكم: وأنا أري أن الباب كله للمقر له وليس باستثناء. [9/ 212]
قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال: غصبت منه خاتما فصه لى فإن الخاتم والفصل للمقر له ويحلف، ولو قال لا علم لي يحلف ما يعلم ذلك وكان له الفصل. وإن قال غصبته هذا الخاتم وفصه لى فقد أقر أنه غصبه بالفص وادعى الفص، وهذا الباب فيه اختلاف، فأشهب يري أن يحلف المقر ويعطيه الخاتم إلا فصه إن طلب منه اليمين والله أعلم بالصواب. فإن قال غصبتك خاتما أو قال هذا الخاتم ثم عرفت أن فصه لى أو إلا أن فصه لي أو قال إلا أن فضته أو صياغته لى كان الخاتم بفصه وفضته وصياغته للمقر ويحلف إن سئل اليمين. قال ابن سحنون: وإذا قال هذه الأمة لفلان وولدها لى كلاما نسقا فهو كما قال وقاله معنا أهل العراق وفرقوا بين الولد والبناء بأن البناء والدار شئ واحد والأمة والولد شيئان. قال سحنون: الولد من الأم أثبت لأن البناء يجعل في الأرض / فاستثناؤه 63/ظ أقوى. ولو قال: هذه الأمه لفلان ولم يذكر الولد فإن ولدها وولد ولدها لمن هى في يديه وأما لو شهدت بينة أن هذه الأمة لفلان ولم يذكر الولد فإنه يقضي بها وبولدها لفلان والبينة بخلاف الإقرار في هذا عندنا وعندهم. قال محمد بن المواز ومحمد بن عبد الحكم: إذا أقر بعبد في يديه أو جارية وعليها ثياب ومعها ثياب ودنانير فقال المقر له ذلك لى كله فإن العبد والجارية والثياب والمال الذى معها للمقر له إذا أقر أنه كان له قبل إقراره. قالا: وإن قال هذه الدابة التى في يدى لفلان وعليها جل (¬1) أو سرج أو حمل أو إكاف (¬2) فذلك كله للمقر إذا ادهاه مع يمينه وإن طلبت اليمين من المقر له الجارية والعبد والكسوة والمال حلف ما يعلم لهذا فيه حقا. [9/ 213] ¬
قال بن سحنون: وإذا قال هذة الخاتم لفلان وفصة لى فهو كما قال عندنا، وقال غيرنا: لا شىء لة فى الفص وكذلك الخاتم لفلان إلا فصة فهو لى فى اختلافنا معهم، وكذلك هذة الحلقة الفضة لى والفص لفلان، وقلنا ومن خالفنا وإن قال هذا الصندوق لفلان وما فية من المتاع لى أن المتاع لة وكذلك هذة الدار لفلان وما فيها لى ولم يذكر ما فيها فذلك للمقر إن ادعاة بإجماعهم. قال سحنون: لو بدأ بالبناء فقال: بناء هذة الدار لى وأرضها لفلان / 64/وفهو مصدق، وقال غيرنا: الأرض والبناء لفلان وعلى المقر البينة فى البناء وهذا فاسد، وقد أجمع العلماء أن لو قال: بناء هذة الدار لفلان وأرضها لفلان أنة كما قال ويلزم مخالفنا أن يقول فى هذا البناء لمن لة الأرض وإن قال غصبتة هذة الدار ونصفها لى مشاعا فهو مثلة وفى قياس قول أشهب: لا شىءلة إلا النصف وكذلك قولة غصبتك غلاما لى نصفة أو إردبا لى وفية منة فهو كلة للمقر لة ويحلف. وإن قال غصبتك خاتما أو قال هذا الخاتم إلا فصة أو قال هذة الدار إلا نصفها أو الأردب إلا ويية (¬1) منة فللغاصب ما استثنى والباقى للمقر وإن قال: غصبتة هذا الخاتم وفصة لى لم أغصبة كان كالاسثناء يريد والكلام نسق وكذلك ما أشبة هذا، وإن قال: غصبت هذا الغلام إلا يدة أو رجلة أو بعض اعصابة فالعهد كلة للمقر لة وكذلك استثناء بيت من الدار قد يكون الملك فيها على هذا ولا يكون فى العبد، ولو قال: يد هذا العبد لفلان أو رجلة أو قال غصبتة يدة أو رجلة فجميع العبد للمقر لة، ولو قال: هذة الشاة لفلان غلا رأسها او سواقطها او جلدها كان كما قال، وقد يملك الشاة رجلان لأحدهما سواقطها. (وقد روى ان النبى علية السلام اشترى شاة على أن للبائع سواقطها) (¬2) وكذلك الإبل والبقر وجميع ما يؤكل من / الحيوان. [9/ 214] ¬
فيمن أقر لرجل بجبة أو وسادة هل له حشوها؟
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن قال: هذا العبد لفلان إلا نصفة فقد أقر لة بنصفة، وإن قال: هذان العبدان لة إلا وحدا منهما كان مقرا لة بواحد منهما. وإن قال: هذا العبد لفلان وهذا العبد وهذا العبد إلا واحدا، قال لة أن يوقع الاستثناء على من شاء منهما لأنة كلام واحد كمن قال: واللة لا كلمت فلانا ولا فلانا ولا فلانا إن شاء اللة فغنة استثناء فى الجميع. (وكذلك لو قال فى العبيد إلا نصف الأول فهو استثناء جائز) (¬1) وكذلك إن قال لك هذا السيف إلا حديدتة جاز قولة وللمقر لة الجفن والحمائل وما سوى الحديدة، وكذلك لو قال: هذا الميزان إلا كفتية فهو كما قال، وإن قال: لك هذا العبد تأخذة منى بعد شهر، فهو كما قال، وكذلك إن قال: هذا العبد لك إلا خدمتة شهرا فإنها لى. وفى باب من أقر بشىء واستثنى بعضة شىء من هذا. (وباللة أستعين وبة أثق) فيمن أقر لرجل بجبة او وسادة هل لة حشوها؟ او بأرض هل لة زلاعها أو أصولها أو بنيانها؟ أو بكيس أو تابوت او ميزان أو زق ونحوة هل يكون لة ذلك بما فية أو برواية (¬2) هل لة الدابة او المزادتان أو ما فيهما؟ أو قال هذا باب دار فلان أو سرج دابتة أو مفتاح قفلة قال محمد بن عبد اللة بن عبد الحكم فيمن أقر أنة غصب رجلا هذة الجبة قال: يكون لها حشوها وبطانتها وإن كانت وشيا غير مبطنة فهى تسمى جبة وكذلك الخز وإن أقر لة بهذة الوسادة فهى لة بحشوها. [9/ 215] ¬
/ ومن لة بغل علية رواية فقال هذة الرواية لفلان وقال أردت الماء فذلك لة 65/ووكذلك إن كانت زيتا أو عسلا أو سمنا. ولو قال: استعرت هذة الرواية من فلان فقال أردت الماء فلا يصدق ويكون ذلك على المزادتين ولا يقال للماء استعرتة فى الظاهر، ولو قال هذة المزادة لفلان كان ذلك على الجلد دون الماء، وإذا قال فى أرض فيها زرع هذة الأرض لفلان فلا يدخل الزرع فى إقرارة بخلاف الأصول والبناء، وإقرارة بالأرض إقرار بما فيها من أصل وبناءولو كان فيها رحى فارسية فهى للمقر. قال ابن المواز، وابن عبد الحكم: ومن بيدة سرج أو لجام (أو جل) فقال هذا سرج دابة فلان أو لجامها فهذا مشكل. قال ابن عبد الحكم: ولا يوجب أنة ملك لفلان كأنة قال هذا السرج الذى تسرج بة دابة فلان أو اللجام الذى ألجم بة، قالا وأما لو قال فى باب بيدة هذا باب دار فلان فهذا يوجب ملكة لفلان لأن مشترى الدار يجب لة الباب ومشرى الدابة لا يجب لة بالشراء لجامها وسرجها. قال ابن عبد الحكم: وإن قال: هذا الباب لدار فلان فليس هذا بإقرار ظاهر وقد يكون اشتراة للدار. ومن قال: غصبت هذة الصرة من فلان لم يكن لة أن يقول أردت الخرقة إذ لا تكون الخرقة صرة إلا بمال مملوء هى أبين من أن يقر بكيس فية دنانير ويقول أردت الوعاء نفسة لأن الوعاء يقع علية اسم كيس بلا شىء فية وهو / فى الكيس 65/ظ أشكل ويحمل فى الكيس على ما يجتهد فية. وإن قال: غصبتك كيسا فية دنانير لزمة كيس فية ثلاثة دنانير أقل ذلك، وإن قال: هذا الكيس الذى فية الدنانير كان هذا إقرار بالوعاء ويحلف، وإن قال: غصبتك هذة الحديدة الصرة وفى يدة صرة فيها دنانير لم يلزمة إلا الصرة بلا [9/ 216]
دنانير، وإن قال لة رجل غصبتنى صرة فيها دنانير فقال لا ولكن غصبتك كيسا حلف أنة كيس بلا دنانير. وإن قال: غصبتك ميزانا فية ثلاثة دنانير، كان الميزان والدنانير للمقر لة، هذا ظاهر القول وما يفهم فى المخاطبة. وإن قال: غصبتك ميزانا فية الساعة دنانير لم يكن لة إل ال الميزان بلا دنانير، وإن قال: غصبتك كيسا فية الساعة ثلاثة دنانير، أو قال فية الى الساعة ثلاثة دنانير لم يكن لة إلا الكيس ويحلف. قال ابن سحنون قال ابن القاسم فيمن فى بيتة مسح (¬1) شعر أو خيش مملوء طعاما فقال عند موتة المسح الشعير أو الخيش اعطوة فلانا إنة يأخذة بطعامة. ولو قال: الخريطة (¬2) الحمراء اعطوها فلانا والخريطة مملوءة دنانير أن يعطاها بما فيها، وكذلك اعطوة زقا كذا فأصيب مملوءا عسلا فليأخذة بعسلة ولو كان مملوءا دراهم، كان لة الزق دون الدراهم إلا أن يكون عرف أن فية دراهم. قال ابن عبد الحكم: ومن فى يدية تابوت فقال هو لفلان وما فية من الثياب لى فادعاها ربة فهى لمن فى يدية التابوت، وإن كان علية قفل فالقفل للمقر لة إن ادعاة / وإن كان مضببا (¬3) بحديد أو علية قفل منة فهذا لرب 66/والتابوت، وإن قال: هذا مفتاح قفل فلان أو مفتاح قفل باب دارة فذلك المفتاح لرب الدار ولرب القفل [9/ 217] ¬
فيمن قال غصبتك ثوبا أو ثيابا في ثوب أو قال ثوبا مع ثوب
فيمن قال غصبتك ثوبا أو ثيابا فى ثوب أو قال ثوبا فى ثياب أو ثوبا مع ثوب أو قال غصبتك طعاما فى جوالق (¬1) أو قال فى سفينة أو عسلا فى زقاق أو سرجا على دابة أو رواية أو حملا على دابة أو مائة دينار فى كم عبدك أو طعاما فى بيت فى دار أو عبدا مع عبد أو درهما فى درهم أو فى دراهم قال ابن سحنون عن أبية فيمن أقر فقال غصبت فلانا ثوبا فى منديل أخذناة بثوب ومنديل يكون مصدقا فى صفة الثوب والمنديل وكذلك قولة: غصبتك عشرة أثواب فى عيبة (¬2). وأما إن قال: غصبت فلانا هذا الثوب مع ثوب أخر فذلك يلزمة ويطلبة بثوب آخر والقول قول المقر فى صفتة مع يمينة فى إجماعهم. وقال محمد بن عبد الحكم فى قولة ثوبا مع ثوب مثل قول سحنون قال: وأما قولة ثوبا فى منديل فإنة لا يلزمة المنديل وكذلك إن قال فى عيبة لم تلزمة العيبة. قال فى كتاب ابن سحنون: وإن قال غصبتك عشرة أرداب حنطة فى جوالق أو قال مائة رطل سمن فى ذمة فهو ضامن لما سمى من شىء وظرفة. وقال ابن عبد الحكم: لا يلزمة الظرف. ولو قال غصبتك ثوبا فى ثوب زطى أو فى ثوب مرورى ضمنة ثوبين، وليس / يؤخذ هذا من باب الضرب فى الحساب وقد 66/ظ يكون ثوبا مدرجا فى ثوب، وكذلك قولة غصبتك عشرة أثواب مروية فى ثوب مروى قضى لة بأحد عشر ثوبا مروية. [9/ 218] ¬
ولو قال: غصبتك ثوبا فى ثوب ولم يذكر الجنس لزمة ثوبان، والغاصب مصدق فى جنسهما وصفتهما، وأما إن قال غصبتك ثوبا فى عشرة أثواب أو فى مائة ثوب فبخلاف الأول لأنة معروف من كلام الناس أن الثياب تكون فى ثوب وعاء لها أو ثوب فى ثوب وعاء لة ولا يقال ثوب فى ثياب وعاء لها، وفى المسألة قولان فى قولة ثوب فى عشرة أثواب: أحدهما أنة لا يلزمة الأثواب وقيل يلزمة أحد عشر ثوبا وكذلك قولة فى مائة ثوب على هذا المعنى. وأما قولة غصبتك درهما فى درهم فلا يكون الدرهم وعاء للآخر وإنما يلزمة درهم ولو أصرفتة إلى ضرب الحساب كان درهما واحدا وقد جاء معنا أهل العراق على هذا. وكذلك على قولة غصبتك خمسة أثواب مروية فى ثوب زطى أنة علية ستة أثواب على ما وصف. وأما إن قال: عشرة دراهم فى عشرة دراهم فعلية مائة درهم لأنة لا يخرج إلا إلى الحساب وكذلك مائة درهم فى عشرة يلزمة ألف درهم، وإن أقر أنة غصبة مائة إردب فى سفينة ضمن المائة أردب ولا يضمن السفينة وحلف فيها، وكذلك لو قال مائة إردب فى بيت ضمن الطعام دون البيت، ويلزمة من ضمنة السفينة أو البيت، ولو قال: غصبتة / مائة إردب أو مائة رأس فى قصر أن يضمنة القصر. 67/ووإن قال: غصبتة قفيزا من قمح على رأس غلامة أن يضمنة الغلام، وأجمعوا أن لو قال غصبتة سرجا على دابة أو قال لجاما على دابة أنة لا يضمن الدابة. ولو قال غصبتك رواية على برذون أو قال حمل بر أو قال طعاما على جمل أو قال مائة دينار فى كم عبدك لم يضمن البرذون ولا الجمل ولا الغلام. قال محمد بن عبد الحكم: فيمن قال غصبتك ثوبا فى منديل أو قال كان فى منديل أو ثوبا فى منديل فلا يلزمة المنديل. وكذلك شعير فى غرائز أو جوالق أو قال كان فى غرائز لم يلزمة غير الشعير، وأما إن قال عسلا فى زق فإنة يلزمة العسل والزق لأن ظاهر هذا أنة أخذ العسل بزقة. [9/ 219]
وأما العيبة ونحوها فية الثوب فقد يدخل يدة فيأخذ منها الثوب ولا يأخذها، وسحنون يضمنة المنديل والعيبة والجوالق وقد تقدم هذا. قال ابن عبد الحكم فى قولة غصبتك مائة إردب فى دار أو فى بيت أو فى قرية أو فى مدينة فلا يلزمة إلا المائة أردب ويحلف. (وإن قال غصبتك إردبا على حمار أو سرجا على دابة لم يلزمة الحمار ولا الدابة) (¬1). ولو قال: غصبتك دابة عليها سرج أو لجام لزمتة الدابة والسرج واللجام وكذلك حمار علية جل أو سرج يلزمة مع ما علية. ولو قال غصبتك ثوبا من عيبة أو قال قمحا من سفينة أو من بيت لم يلزمة إلا الثوب أو القمح، وإن قال غصبتك هذا العبد مع عبد آخر / أو هذا الثوب 67/ظ مع ثوب آخر فليأخذ العبد أو الثوب الحاضر ويأتية بثوب آخر أى ثوب أقر بة، وكذلك فى العبد إلا أن يقول أردت أن العبد الآخر كان معى غاصبا فيحلف ويصدق. ولو قال غصبتك هذا العبد ومعة عبد آخر أو قال ومعة حمار أو بغل أو كان معة حمار فلا يلزمة إلا العبد الحاضر. ولو قال: غصبتك هذا العبد ومعة ثوب أو قال وعلية ثوب لزمة العبد والثوب بخلاف قولة ومعة عبد، لأن العبد قد يكون معة وليس فى يدية وقد يكون فى يدية ولا يغصب. ولو قال: غصبتك هذا العبد ومعى رجل آخر أو مجنون أو صبى فإنما يضمن نصف قيمتة مع يمينة وكذلك فى غصب الثوب يلزمة نصف قيمتة مع يمينة. [9/ 220] ¬
فيمن أقر بدراهم في دراهم أو في دنانير أو بعين في طعام أو في عرض
هذا قول محمد بن عبد الحكم، وهو يخالف مالكا فى تضمين اللصوص والسراق بعضهم عن بعض. قال ابن عبد الحكم: ومن أصحابنا من يرى أنة إذا غصب رجلان شيئا كان لة أخذ جميعة من أيهما شاء. فيمن أقر بدراهم فى دراهم أو فى دنانير أو بعين فى طعام أو فى عرض أو بعرض فى عرض أو فى عين أو أقر بدرهم مع درهم أو مع دينار أو قال قبلة أو بعدة ونحو ذلك من كتاب ابن سحنون: ومن أقر لرجل أن لة علية عشرة دراهم فى عشرة دراهم فقال سحنون: يؤخذ بمائة درهم، وقال غيرة أسأل المقر فإن قال أقرضنى عشرة أو باعنيها بعشرة دراهم أو بعشرين أو أقرضها على ذلك لم يؤخذ / إلا 68/وبعشرة مع يمينة. وقال محمد بن عبد الحكم: إن قال لة على دينار فى دينار فعلية دينار؛ وإن قال دينار فى دينارين فلا أعرف لهذا ظاهرا يحمل علية فغذا حلف ما أراد ضرب الحساب حلف ما لة على أكثر من دينار وودى دينارا، وإن نكل فقال المقر لة علية ديناران صدق وحلف. وإن قال لا أدرى ما لى علية وأنا ىخذة بإقرارة فإنة يغرم دينارين بنكولة. قال سحنون: عن قال لة على عشرة دراهم فى عشرة دنانير لم أقض علية إلا بعشرة دراهم لان لقولة مخرجا والجنس مختلف فزال عن ضرب الحساب، وكذلك إن أقر بعشرة دراهم فى دينار، وإن قال المقر عنيت أن لة الدراهم والدنانير لزمة المالان فغن لم يقر بهذا أو ادعاها الطالب من باب الحلال حلف المقر على الدنانير وبرىء منها. فإن نكل حلف الطالب عليها وقضى لة بها. [9/ 221]
وإن قال لة على درهم فى قفيز حنطة قضى علية بالقفيز وهذا من باب السلم، ولو قال الطالب لى علية درهم وما أسلمتة إلية فى قفيز قضى لة بالدرهم وبطل القفيز، وإن قال بل لى علية قفيز حنطة قضى علية بالقفيزمع يمينة وبطل الدرهم، وإن قال لة على عشرة أقساط زيت فى قفيز حنطة فإنما يقضى لة ها هنا بالزيت إذ لا يجوز بيعة بطعام مؤجل وكل ما يقر بة مما لا يجوز ان يسلم بعضة فى بعض من الطعام ونحوة من وزن أو كيل / فإنما 68/ظ علية الوزن الاول أو الكيل الأول لأن هذا لا يدخل فى باب الحساب ومجراة البيوع فما جاز سلمة بعضة فى بعض أخذ بة غلا ان يجحد ذلك الطالب فيحلف ويكون لة ما أقر المقر بقبضة منة، وإن كان الإقرار مما يجرى بعضة من بعض فى الحساب كقولة عشرة دراهم فى عشرة دراهم أو عشرة اقفزة حنطة او زيت فى مثلها مع قول سحنون يؤخذ بما يبلغ ذلك فى ضرب الحساب. وقال غيرة فيسأل المقر فإن قال أقرضنى عشرة فى عشرة قرضا او بيعا فغنما علية عشرة وأخذة إن قال لة على خمسة دراهم باعنى بها ثوبها هروبا فغن صدقة الطالب اخذ الدراهم، وإن قال: الثوب لى ولم أبعة منة حلف وأخذة بثوب هروى، وإن قال: غصبتة فلة قيمتة، وإن قال لة على درهم بعدة درهم او قال قبلة أو قال معة فعلية درهمان فى إجماعهم وكذلك درهم مع دينار، أوقال قبلة أو بعدة أو كان مكان الدينار قفيز حنطة فعلية الدرهم مع الدينار او مع القفيز، وكذلك إن جعل مكان القفيز ثوبا شطويا أو مائة ثوب وكذلك درهم مع مائة درهم أو مع مائة دينار أو قبلة أو بعدة أنة يلزمة الجميع، وإن قال لة على درهم ثم درهمان فعلية ثلاثة. ولو قال ثم دينار أو ثم قفيز حنطة أو ثم ثوب شطوى لزمة الجميع، وإن قال: درهم فوقة درهم وتحتة درهم لزمة ثلاثة، وإن قال لة على درهم درهم أو قال درهم درهم لم يلزمة إلا درهم، وإن شاء الطالب حلف ما / ما أراد درهمين، وإن 69/وقال لة على درهم على درهم فعلية درهمان وقيل علية درهم والأول أحب إلينا. [9/ 222]
فيمن أقر أنه قبض من بيت فلان أو من داره أو من أرضه أو من كيسه
ولو قال لة على درهم على قفيز حنطة أو قال على ثوب شطوى فإن صدقة الطالب اخذ ذلك وإن أنكر وادعى الثمن حلف، وأخذ الثمن. فيمن اقر أنة قبض من بيت فلان أو من دارة أو من أرضة أو من كيسة أو من على دابتة شيئا ادعاة لنفسة أو لغيرة أو قامت بذلك بينة أو لبس ثوبة أو انتفع بشىء لة أو من معارضة أو ابنة من كتاب ابن سحنون ومن أقر أنة قبض من بيت فلان ألف درهم ثم قال هى لى أو قال هى لرجل آخر وجحد ذلك بعد إقرارة بة عند البينة فإنة يلزمة المال لصاحب البيت لأنة قبضة من موضع حوزة. قال محمد بن عبد الحكم: إن أخذ ذلك من منزل يسكنة فلان، قالة ابن سحنون عن أبية، ولا يقبل قول المقر أنها لفلان آخر لأنة أقر بالقبض، ولو قال إن فلانا استودعنيها وأنى دفعتها فى هذة الدار فقد أقر بالتعدى ويضمنها لفلان يريد حين أودعها لغيرة. قال وكذلك إن قال هى لفلان غصبتة إياها، ولو قال هى لفلان دفعتها فى هذا المكان فلا ضمان علية، وإذا قال: قبضت مائة درهم مائة درهم من صندوق فلان أو قال من كيسة أو قال ثوبا مرويا من سفطة (¬1) فهو ضامن لذلك فى إجماعهم. وقالة ابن عبد الحكم /، قال وكذلك قولة من بيتة الذى يسكنة أو من 69/ظ صندوقة الذى فى يدية أو من عيبة لة. قال ابن سحنون: ولو قال قبضت من قريتة كرا من حنطة وهو مالك لجميع القرية أو قال قبضت من تمر نخلة أو قال من زرعة كذا فهو لذلك كلة ضامن. [9/ 223] ¬
فإن قال قبضت من أرضة عدلا (¬1) من بركذا ثم قال إنما مررت بها فنزلها بعدى هذا ومعى أحمال من ذلك فإن كانت الأرض مباحة لا تحاز بغلق ولا بناء وهى فيفاء (¬2) لا يمنع الرعى فيها والنزول او يكون طريقا معروفا فيها فالقول قولة وكذلك القرى إذا كانت الطرق فيها غلا قرى لو كان فيها دواب أو بقر او إبل ترعى فيها وادعاها ربها لم تكن احق بذلك ممكن ادعاها إذا كانت فيفاء يرعى الناس فيها وإن كانت أرضا محازة عليها علق الرجل او حائطة او زربة فالقول قول رب الأرض إن ذلك لة، وكذلك قال ابن المواز فى كتابة. ولو أقام صاحب العدل بينة أنة نزل أرض فلان بإذن او بغير إذنة لبرىء من العدل البر. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن قال أخرجت هذة الابل من أرض فلان أو هذة الأعدال وهى من أرض براح ينزلة الناس ليس لأحد فيها يد حوز إلا يد الملك يدخل بغير إذن لم يلزمة لفلان شىء وهما كالطريق، وكذلك ما قرب من الدور والأجنحة والعراص فصار مسلكا فليس يد مالكها على ما فيها يد ملك وذلك لمن هو بيدة. قال ابن سحنون: وإن قال أخذت من دار فلان مائة درهم / ثم قال: 70/وكنت فيها ساكنا بكذا والمائة لى لم يصدق إلا ببينة أنة كان فيها بكذا فيبرأ من المائة يريد ويحلف. وإن قامت بينة أن فلانا احتضر فى أرض فلان فأخرج منها ألف درهم آدعاها رب الأرض وادعاها الحافر أو جحد ذلك فإما إن جحد أن يكون وجد شيئا فقامت علية البينة بذلك فإنة يضمنها لرب الأرض لأنة لما جحدها ترك أن يدعيها ولو ادعاها وقال دفنتها ها هنا إذ خفت عليها، فإن كانت الأرض قفرا لاتحاز بغلق ولا غيرة فهو مصدق لأن مثل هذة الأرض لا يدفن فيها ربها المال وإن كانت [9/ 224] ¬
أرضا ممنوعة من الناس بجدار أو غلق أو غلق أو زرب فالقول قول ربها وإن قامت بينة أنة أخذ من منزل فلان كذا وكذا ثوبا أو شيئا بكيل أو وزن فهو لذلك ضامن، وكذلك إن شهدوا أنة أخذ سرجا أو لجاما كان على دابة فلان او حملا عليها وادعى ذلك رب الدابة فليقض بة لرب الدابة وكذلك فى إقرارة بذلك. وكذلك لو قال: أخذت حملا من حنطة كان على دابة فلان أو فى جوالقة أو أخذت بطانة جبة فلان أو حمائل سيفة او جفنة أو جلال قبة أو شيرمان فهذا يقضى بة كلة لفلان. قال محمد بن عبد الحكم: إذا قال إخذت سرجا كان على حمار فلان فإن كان الحمار فى يد المقر فلا شىء لفلان ويحلف المقر كما لو قال فى حمار فى يدية هو لى سرجا لفلان فهو مصدق فإن لم يكن الحمار فى يد المقر فلا شىء لفلان ويحلف / المقر كما لو قال فى حمار فى يدية هو لى وسرجة لفلان فهو مصدق وإن 70/ظ لم يكن الحمار فى يد المقر فعلية دفع السرج إلى رب الحمار، وإن قال: أخذت سرجا كان على حمار فى يد فلان وهو غير رب الحمار فالسرج لمن كان فى يد الحمار ويحلف إن آدعاة. وقالة ابن المواز: وقال ولا أنظر لمن لة ملك الحمار ولكن لمن فى يدية الحمار ويحلف. قال ابن عبد الحكم: وإن قال: جنيت من نخل فلان التى فى يدى كذا وكذا وادعاة فالنخل وثمرها لأن الثمرة من النخل بخلاف السراج من الدابة. ولو قال: أخذت دهنا من قارورة هى فى يدى فلان والدهن لى فهو مصدق فى الدهن ويحلف وإن قال: أخذت ثوبا من عبد فلان الذى فى يدى فالثوب لرب العبد إن إدعاة ويحلف لأن للعبد تملك وحيازة بخلاف الدابة والبيت والدابة تكون فى يد غير (¬1) مالكها وكذلك السفينة. [9/ 225] ¬
وإن قال: أخذت من يد ابنك الصغير دراهم كانت معة وقال الأب هى لابنى أو قال لا أعلم لمن هى فإن الدراهم للابن كالعبد. وإن قال: أخذت من يد أجيرك فأسا أو مسحاة (¬1) فالاقرار هاهنا للأجير. وإن قال: أخذت من يد عبد نصفة حر أو دينارا أمر بردة إلية ولو صدق المأخوذة ذلك من يدية لم يلزم ذلك من لة فية الرق ولو صدق السيد وقال الذى نصفة حر هو لى رد ذلك إلى العبد أيضا فى قياس قول أصحابنا. ومن كتاب ابن سحنون: فإن أقر أنة ركب دابة فلان فطلبة بها فهو ضامن / حتى يردها وكذلك إن قال لبست ثوبة أو أخدمت خادمة أو قال: حملت 71/وعلى دابتة متاعا فطلبة بها فعلية ردها وإلا ضمنها، وكذلك إن قال: حملنى عليها فركبتها وربها منكر فالمقر ضامن. وإن (¬2) أقر انة أخذ ثيابا من حمام فلان وقال هى لى فالقول قولة لأنة مأذون فية وكذلك المسجد الجامع والفندق وكل دار أو ارض ينزلها الناس فيضعون فيها الأشياء فالقول قولة ولا ضمان علية. وإن قال: وضعت ثوبى فى دار فلان ثم أخذتة فقال رب البيت: الثوب لى فالقول قولة والآخر ضامن. وإن قال: أخذت من طريق فلان أو من فنائة شيئا فهذا لم يضف ذلك إلى شىء يملكة فلان وهذا فى إجماعنا. وإن قال أخذت ثوبا من أجير فلان كان الثوب للأجير دون الأستاذ، ولو قال من حانوت فلان كان ذلك الثوب لرب الحانوت إن آدعاة وكذلك دهنا من قواريرة أو سمنا من زقة أو زيتا من خابيتة فهو ضامن لذلك ويقبل قولة مع يمينة يريد فى مقدارة وقال: وعلى فلان البينة فيما يدعى من الفضل. وإن قال: أخذت ثوبا من مسجد بنى فلان (وهو لى فلا ضمان علية وكذلك إن قال من مسجد فلان) (¬3) إذا كان مسجدا للعامة فأما مسجد فى دار [9/ 226] ¬
رجل اتخذة لنفسة ولم يبحة فالقول قول رب الدار إن الثوب لة يضمنة لة الذى أخذة. وإن قال: أخذت ثوبا من هذة الكنيسة لم يضمن لأن ذلك مباح لعامتهم وكذلك بيت النار وكذلك القنطرة وكل موضع على هذا الوجة للعامة. وكذلك / المسجد الحرام والكعبة والطريق المعروفة فالقول قول الآخذ فى هذا 71/ظ كلة، وإن أقر أخذ ثوبا من دار بينة وبين فلان فقال فلان الثوب لى أو نصفة وادعاة الذى أخذة فالقول قول الآخذ لأنة يحوز من الدار مثل ما يحوز شريكة ولة أن يدخل فيها ويخرج وقد قيل إن الثوب بينهما نصفين كما لو كان فيها فادعياة لكان بينهما وكأنة فى أيديهما إذا لم تكن بينة. قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال: أخذت من منزل فلان ألف درهم هما لى فإن كان المنزل يسكنة فلان فالألف لفلان إن ادعاها، وكذلك العدل وإن كان إنما يسكنة غيرة فلا شىء فى ذلك لرب المنزل وذلك لساكنها إن ادعاة ولم يسكنها غيرة وكذلك ذكر ابن المواز قال: وكذلك إن قال: أخذت كذا من فدان فهو إقرار لمن فى يدية الفدان. قال ابن عبد الحكم وإن قال أخرجت من دار فلان عدل بر فسمى دار هذيل بمصر وهى ينزلها التجار فلم يقر لأحد بشىء. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ومن لة فندق ينزلة التجار فقال رجل أخرجت منة حملا بإقرار لربة وكذلك الثياب من الحمام. قال ابن عبد الحكم: وإن قال أخرجت العدل من بعض دور فلان ولة دور يسكنها فلان ودور يسكنها الناس بكراء لم يلزمة لفلان شىء. ولو قال: خرجت من دار فلان بألف درهم لم يلزمة شىء لأنة لم يقر أنة أخذها من الدار وإن قال هذا المنديل لفلان أو قال هذا التابوت لفلان وفى ذلك ثياب / فادعاها فلان مع التابوت او المنديل أو قال المقر الثياب لى فالقول قول 72/والمقر لأنة فى يدية وكذلك قال ابن المواز [9/ 227]
فيمن أقر لرجل بدين ثم ادعى قضاءه
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإن قال غصبت من وكيل فلان أو من مقارضة لم يلزمة لفلان شىء حتى يقول من مالة الذى بيد وكيلة أو مقارضة. ولو قال من عبدة أو من أمتة أو مدبرة أو عبدة المعتق إلى أجل أمر برد الدينار إلى السيد إن لم يكن العبد مأذونا، ولو قال غصبتة من ولدك الصغير فإن كان الأب مأمونا رد الدينار إلية وإلا نظر فية الإمام. وإن قال من العبد الذى بينك وبين فلان رد ذلك إلى العبد أو إلى السيدين وإن لم يعلم العبد. وإن قال: من مكاتبك ردة إلى المكاتب إن صدقة السيد أنة مكاتب وإن كذبة فإن أثبت المكاتب كتابتة أخذة وإلا أخذة السيد وكذلك إن لم يسمة ولم يعرف المكاتب وقال السيد مالى مكاتب فليحلف ويأخذ الدينار بضمان فإن لم يكن مليا كلف ضامنا، وإن قال من عبدك فلان المأذون فأنكر السيد الأذن لة فإن كان العبد غائبا أخذ السيد الدينار بضمان فى ملاية أو يأتى بضمان فإن جاء العبد فأقام البينة بالإذن أخذة من السيد أو من الضامن. فيمن أقر لرجل بدين ثم ادعى قضاءة أو بدار أو عبد أو ثوب ثم قال رددت ذلك إلية أو وهبة أو اشترية منة أو قال أودعنية ولم أقبضة أو أسلمت إلى فى ثوب ولو أقبض الثمن / من كتاب ابن سحنون: ومن قال لفلان على ألف درهم وإنى قد قضيتها 72/ظ إياة بكلام متصل فلا يصدق ويغرمها إلا أن يقيم بينة فتقبل منة بإجماعنا. ولو قال بعد إقرارة بالألف قد قضيتها إياة قبل الإقرار فهذا لا يقبل منة البينة بالقضاء ويغرمها وإقرارة أصدق من البينة. [9/ 228]
وإن قال بعد إقرارة قضيتها إياة ولم يقل قبل الإقرار قبلت منة البينة بالقضاء، والإقرار بهذا عند القاضى وعند غيرة سواء. وإن أقر أن هذا العبد لفلان وقال اشترية منة بكذا كلاما متصلا ونقدتة الثمن قبلت منة البينة بالشراء أو الدفع، وأجزت ذلك، وكذلك فى الدار والدابة إذا قال اشتريها منة أو وهبها لى وجاء بالبينة فإنى أقبلها منة. ولو أقر لة بعبد ثم قال بعد ذلك اشترية منة قبل إقرارى وأقام البينة فلا أقبلها منة لأنة أكذبها إلا أكذبها إلا أن يشهدوا أنة اشتراة منة بعد الإقرار فأقبل ذلك وكذلك فى الهبة والصدقة يدعيها فى الأرض والدابة وجميع العروض. وإن قال: هذا العبد الذى فى يدى عبد فلان اشترية منة بمائة دينار ونقدتة الثمن ثم قال بعد ذلك اشترية من فلان آخر بخمسين دينارا ونقدتة وأقام البينة على ذلك كلة فذلك جائز ويلزمة الثمنان لكل واحد ما أقر لة بة، وكذلك إن أقام البينة على الأول ولم تقم بينة على الآخر وصدقة الآخر وإن لم تقم بينة على ذلك كلة فالعبد للأول / إن جحد البيع وللثانى على المقر قيمة العبد إن جحد البيع 73/ووإن أقر أنة أخذ منة خمسين دينارا وكذلك الدابة والأرض والثوب، وإن أقر أنة غصب فلانا ثوبا وردة إلية بكلام متصل لم يصدق فى الرد وعلية البينة وإلا ضمن الثوب. ولو قال: اودعنى مائة درهم فرددتها إلية فهو مصدق وإنما لا يصدق بالرد بما كان فى الذمم. ولو قال: أودعنى ألف درهم ثم قال بعد ذلك لم أقبضها منة فإنة يضمنها وهذا جحد، وإن قال: أقرضنى ألف درهم ثم قال بعد ذلك لم أقبضها منة وقال الطالب بل دفعتها إلية، فذلك يلزمة وكذلك قولة أعطيتنى. وأما لو وصل كلامة بقولة لم تدفعها إلى لم يلزمة شىء وكذلك قولة اسلفتنى أمس ألف درهم فلم تدفعها إلى لم يلزمة شىء وكذلك قولة أسلفتنى أمس ألف درهم فلم تدفعها إلى فهو مصدق مع يمينة. [9/ 229]
ذكر الإقرار الذي لا يلزم، ومن قال لك علي مائة باطلا أو تلجئة
وإن: أسلمت إلى أمس عشرة دراهم فى كر حنطة ثم قال ولم تدفعها إلى أو وصل بذلك كلامة فالكر يلزمة ولا يصدق أنة لم يقبض لأنة ادعى فسادا فالآخر مصدق مع يمينة. وإن قال: أودعنى فلان فلان ألف درهم قد أعطانيها أو قال وضعها عندى أو نقدنى إياها ثم قال بعد ذلك لم أقبضها فلا يصدق وإن وصل قولة لم أقبضها أو لم أقبلها فلا شىء علية فى إجماعهم. وإن قال غصبتة ألف درهم أو قبضتها منة فانتزعتها منى أو لم يتركنى أذهب بها فلا يصدق وهو ضامن فى إجماعهم. وإن قال القصار (¬1) أسلم إلى فلان ثوبة لأقصرة / ثم قال بعد ذلك لم تدفعة 73/ظ إلى فإنة يضمن الثوب وصل كلامة أو لم يصلة، وقال غيرنا: يصدق وإن وصل كلامة مع يمينة. قد جامعونا فى القائل أخذت منك ألف درهم فلم تتركنى أذهب بها أنة ضامن. ذكر الاقرار الذى لا يلزم ومن قال لك على مائة باطلا أو تلجئة (¬2) أو نحو ذلك أو عقد على التلجئة بيعا أو نكاحا أو عتقا أو غيرة ومن أقر لرجل بمال فكذبة ثم صدقة فرجع المقر أو قال أسلفتك فأنكر الآخر ثم قال أقر وقال الأول ما أسلفتك شيئا ومن كتاب ابن سحنون: ومن قال لرجل بمحضر بينة لأحق لى عليك فاشهد لى عليك بألف درهم فقال لة الآخر نعم لاحق لك على فاشهد لة بالألف تلك البينة فلا يلزمة وهى كالهبة فإن قام بها قبل موت الواهب أو تفليسة ومرضة فهى لة علية وإلا بطلت إن مات قبل أن يقبضها وقال غيرنا: لا يلزم [9/ 230] ¬
من هذا شىء وإن قال اشهدوا أن لة على مائة درهم زورا أو باطلا أو كذبا وصدقة الآخر فذلك باطل فى إجماعنا، وإن قال: صدق فى المال وكذب فى قولة باطلا فذلك لة فى إجماعنا. وإن قال: على مائة درهم تلجئة فإن صدق الطالب فلا شىء لة وإن قال بل هى حق لزمتة وإن أقر أنة باع ثمنة بكذا تلجئة فصدقة فى جميع قولة فالبيع باطل ولا يلزمة شىء ولا يسمع البينة إن تشهد بة وإن قال قد باعة بيعا صحيحا لا تلجئة فية فذلك لة ولا يصدق المقر / بالبيع على التلجئة، ولو قال إننى أريد 74/وأن ألجى إليك دارى وأشهد لك بها بيعا بكذا وأقر لك بقبض الثمن تلجئة لأمر خفتة (¬1) وقال الآخر نعم فاشهد لى ما قلت وحضر الشهود هذة المقالة ثم أشهد لة أنة باعة هذة الدار بألف درهم وقبض الثمن فذلك باطل (ولا يلزمة من قبض الثمن شىء ولو ادعى ذلك البائع فذلك باطل) (¬2) إذا أكذبة الآخر فى إجماعنا. ولو قال لامرأة إنى أريد أن أشهد أنى تزوجتك بألف درهم تزويجا باطلا وتلجئة وقالت المرأة نعم أنا أفعل ذلك على هذا وحضر الشهود قولهما ثم أشهدوا وأنة تزوجها بألف درهم ورضيت لة فإن هذا جائز، لأن النكاح جد، وكذلك الطلاق والعتاق فى أجماعنا. ولو قالت لرجل آمرأتة اشهد لى أنك طلقتنى ثلاثا على أن ذلك باطل ففعل ذلك وأوقع عليها الطلاق فذلك يلزمة فى إجماعنا. وكذلك الخلع والعتق بخلاف البيوع التى يجوز فيها الخيار والاقالة وترد بالعيوب، ولو طلقها على مال على هذة الصفة كان المال لة فى إجماعنا، وكذلك العتق. وإن قال عبد لسيدة أظهر أنك كاتبتنى تلجئة باطلا فقال نعم (فاشهد لة) (¬3) وقد حضر الشهود قولها أولا فالكتابة باطل وهو كالبيع. [9/ 231] ¬
ومن قال لرجل اشهد عليك بألف درهم على أنها باطل تلجئة ففعل فذلك باطل يلزمة فى (إجماعنا) (¬1) / ولو تزوج امرأة على أن أمهرها ألفا وأظهر فى العلانية 74/ظ ألفين وأشهدا على ذلك كلة فالسمعة تبطل وتصح الألف عندنا وعندهم. وكذلك فى البيع عندنا وقالة معنا أبو يوسف، وفرق النعمان بين البيع والنكاح وألزمة فى البيع ألفين فناقض فى العلة. ومن أقر أن لفلان علية ألف درهم فقال مالى عليك شىء فقد برىء بذلك فإن أعاد المقر الاقرار بالألف فقال الآخر أجل هى لى عليك أخذتة بها. قال سحنون: إذا قال: لك على ألف فقال الآخر مالى عليك شىء ثم رجع فقال هى لى عليك فأنكرها المقر فالمقر مصدق ولا شىء للطالب ولكن إن قال الطالب ما أعلم لى عليك شيئا ثم قال نعم هى عليك فأنكر المقر فهاهنا يلزمة ولا ينفعة إنكارة. وإن قال: هذة الجارية غصبتها من فلان فقال فلان ليست لى، لم يلزم المقر شىء وإن قال: هذة الجارية غصبتها (فقال فلان ليست لى لم يلزم المقر شىء فإن أعاد الإقرار) (¬2) من فلان وادعاها الطالب دفعت إلية. ولو قال هذا العبد لك فقال الآخر ليس هو لى ثم قال هو لى قبل أن يعيد المقر الإقرار لم يكن لة العبد ولم تقبل بينتة علية إن أقامها لأنة برىء منة (¬3) وكذلك. من أقر أنة برىء من هذا العبد ثم ادعاة فلا يقبل منة بينة إلا بحق حدث لة فية بعد الابراء وكذلك إن قال أخرجت ملكى من هذا العبد أو قال خرج من ملكى أو من يدى. [9/ 232] ¬
فيمن أقر أنه قبض من فلان دينه أو وديعته أو ما وكله أحد على قبضه منه
قال: وإن قال لرجل أسلفتك كذا فأنكر ثم أقر بذلك فرجع الأول فقال ما أسلفتك / فليحلف أنى ما أسلفتك شيئا ولا يلزمة أخذ شىء، وفى أبواب الإقرار 75/وفى البيوع مسائل من هذا المعنى. فيمن أقر أنة قبض من فلان دينة أو وديعتة أو ما وكلة أحد على قبضة منة فقال فلان بل أسلفتك ذلك أو أخذتة منى تعديا أو قال أخذت منك دابتى التى أكريتك أو ثوبى أو دارى فقال الآخر بل ذلك لى من كتاب ابن سحنون: ومن أقر فقال قبضت هذة الألف درهم من فلان كانت لى علية دينا أو وديعة فقال فلان لم يكن لك على شىء ولا عندى إنما دفعتها إليك سلفا فقد قيل إن القول قول الدافع ويأخذها ويحلف مالة على شىء وقيل: إن القول قول القابض إذا أشبة ما قال فى مداينة مثلة، وقالة أكثر أصحابنا، وقالة سحنون. ولو قال فلان إنما أخذتها منى ظلما فقال أشهب وأهل العراق: فليردها المقر إلى الذى أخذها منة بعد أن يحلف مالة علية شىء. وكذلك لو ادعى أنها هبة أو صدقة وجحد ذلك الواهب، وكذلك لو ادعى أنها وديعة لة فلا يصدق فيردها ويحلف، وليس كالقائل استودعتنيها فضاعت لأن المودع لم يقبض لنفسة شيئا، وكل من ذكرنا قبض لنفسة فلا يصدق، ولو قال: قبضتها منك بوكالة فلان كانت لة عليك أو وهبتها لة فقبضها منك ودفعتها إلية فهو ضامن إذا جحد الدافع ذلك. ولو قال: قبضتها منك هبة لفلان أو صلة لة فأمرنى بقبضها ولم / أدفعها 75/ظ إلية بعد فإن كان فلان حاضرا فهذا لة شاهد ويحلف معة ويستحق فإن نكل أو كان هذا غير عدل أو كان فلان غائبا بعيد الغيبة لم يقبل قولة ودفعتها إلى ربها، وإن قال قبض منة ثوبا وقال أعارنية وقال الآخر بل غصبتة منة فالقول قول القابض فى إجما عنا. [9/ 233]
وكذلك الدابة قال ابن سحنون: (¬1) هذا إن جاء بالثوب بحالة، فأما إن لبسة حتى أبلاة أو خرقة فهو ضامن لة وإن ادعى تلفة ضمنة حتى تقوم بينة على تلفة من غير عداء منة فلا يضمن وإن أتى بة وقد لبسة وهو بحالة فعلية قيمة ما انتفع بة منة. وكذلك فى الدابة علية قيمة الركوب ولا يصدق فى ذلك كما لم يصدق الآخر فى تضمينة ولا يضمنها إن تلفت. ولو قال: أسكنت فلانا بيتى ثم أخرجتة منة وسلمة إلى وقال الساكن بل البيت لى فإنا نرد الساكن فى البيت بعد يمينة ما أسكنة إياة، وعلى الآخر البينة إلا أن تطول حيازة الذى أخرجة من البيت بعد إخراجة فبقطع حجة الساكن وكذلك دابتى هذة أعرتها فلانا ثم قبضتها منة. وقال فلان هى لى فليحلف فيرد إلية. وكذلك الثوب والحلى ما لم تطل حيازة القابض لذلك. وإن قال: هذا القميص خاطة لى فلان بكذا وقبضتة منة وقال الخياط بل هو قميص أعرتكة فإنة يقضى بة للخياط مع يمينة. وفى القول الآخر القول قول الذى فى يدية الثوب مع يمينة وإن قال: خاطة لى فلان ولم يقل قبضتة منة فهذا لا يرد إلى الخياط / وكذلك فى جميع المتاع. 76/وولو كان الثوب أو الدار أو الدابة قد عرف ذلك للذى قال أعرتة فلانا ثم قبضتة منة فإن القول قولة. وإن قال: إن فلانا ساكن فى هذا البيت وهو لى وقال الساكن: بل لى فليقض بة الساكن يريد مع يمينة. ولو قال فى أرض فى يدية أو دار إن فلانا بنى هذة الدار بإجازة أو قال معونة أو زرع هذة الأرض أو غرسها وقال البانى والزارع والغارس بل ذلك لى [9/ 234] ¬
فيمن أقر في عين في يديه أو طعام أو عرض أو دابة أنه أخذ ذلك من فلان قرضا أو عارية
فالقول قولة مع يمينة لأن هذا قد أقر بكون الأرض فى يد الزارع والغارس إلا أن يرى لإقرارة وجة، مثل ان يقاولة فى أرض هو بها ساكن من بناها؟ فيقول فلان، وذلك الفلان بناء معروف يؤاجرة الناس، فالقول فى هذا قول المقر مع يمينة. وكذلك فى الزرع والغرس لأن هذا لم يقر أن ذلك فى يد الفاعل ولا أنة خرج من يد المقر إلى يد الفاعل فية. فيمن أقر فى عين فى يدية أو طعام أو عرض أو دابة أنة أخذ ذلك من فلان قرضا أو عارية أو وديعة أو مضاربة وخالفة ربة إلى غير ذلك من الدعوى أو قال غصبتة ووجوة الإقرار بالعارية والتداعى فى ذلك وفى القراض (¬1) من كتاب ابن سحنون ومن أقر فى دراهم فى يدية أو دنانير أو فلوس أنة أخذها من فلان وديعة وقال فلان بل أسلفتكها فرب المال مصدق عند ابن القاسم. وقال أشهب وسحنون: إن لم يحركة / قالا فى موضع آخر حتى إذا ادعى 76/ظ الضياع فالقول قولة لأن ربة يريد أن يضمنة إياة وأن يكون قد تلف بوجة ولم يحركة ولا تجر بة، فلا ضمان علية وإن تجر بة فالقول قول ربة إنة سلف لأنة ضمنة بالتحريك ولا يصدق أنة أمرة بذلك. وإن قال: ما حركتة وتلف بغير سببى صار ربة مدعيا إشغال ذمتة وهو منكر وقد أقر ربة أنة صار بيد أخذة بإذنة بغير فإن عمل بة ضمنة لأن ربة لم يقر لة بالإذن فى ذلك. [9/ 235] ¬
ولو أقر فى الدنانير والدراهم والفلوس أخذتها منة عارية وقال ربها غصبتنيها فالمقر بالعارية ضامن لأن العين لا تكون عارية وكذلك كل مالا يعرف بعينة من طعام أو إدام مما يوزن أو يكال لأن الانتفاع بة بإتلافة فإنما العارية فى هذا سلف يضمنة إن تجر فية وهو إلى أجلة الذى أعارة إلية وليس أخذة قبل الأجل. وإن قال: هذا الطعام عارية عندى فهو قرض يلزمة. وإن قال: هذة الدراهم عندى عارية من قبل فلان فهو إقرار لة بها عندنا وعند أهل العراق. ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا قال أعرتنى هذا الطعام فهو قرض يلزمة وقولة: أعرتنى بطيخا أو غيرة من الفواكة التى لا ينتفع بها إلا للأكل فهو قرض وإن حبسة حتى يتغير ضمنة وكذلك عارية البيض هو قرض يرد مثلة إن وجد وإلا فقيمة بيض دجاج ونحوة وبيض الحيتان وأما بيض النعام فبخلاف ذلك وهو مما يعار وتعلقة النساء يتجملن بة وإن لم يكن صحيحا عمل منة / أقداح. 77/ووإن قال: أرتنى هذا اللجام الكافور أو المسك أو العنبر مما يعلم أنة ينتفع برائحتة فأقام عندة وتغير للقدم فليردة ولا شىء علية. وكذلك الثوب يعيرة إياة ليلبس فيجلس لطول المدة فلا شىء علية وإن تخرق لغير اللبس لشىء علق بة فهو ضامن لة. وإن قال أعرتنى هذة الدار فقال ربها بعتها منك أو قال قد اشتريتها منك فقال ربها بل أعرتك إياها فالقول قول من قال عارية مع يمينة وإن كان ثوبا فلبسة فنقصة ذلك فعلية ما نقصة. ومن كتاب ابن سحنون: وإن قال دفعت إلى ألف درهم وديعة فضاعت وقال للطالب بل غصبتنى إياها فالمطلوب مصدق ويحلف فى إجماعهم. وكذلك إن قال: أخذها منك وديعة فضاعت وقال ربها غصبتنيها فلا يضمن إن لم يقر بحركتها. [9/ 236]
وقال محمد بن عبد الحكم: والقياس أنة ضامن لأن ربها لم يقر أنة سلطة على قبضها وابن القاسم يرى أن القول قول من فى يدية ولا يصدق علية فى الغصب والسرقة. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال أسلفتك فقد أقر لة بقبض جائز وادعى ما يدخلة فى ضمانة من السلف وقال الآخر وديعة فلا يضمن إلا أن يحركها قال ابن سحنون: وإن قال أعطيتكما مضاربة فضاعت قبل العمل وقال الطالب غصبتها فالمقر مصدق مع يمينة لأنة لم يعمل بها ولو عمل بها كان ضامنا فى قول أشهب وسحنون وأهل العراق. وروى / أشهب وابن نافع عن مالك فيمن قال لرجل لى عليك عشرة دنانير 77/ظ من ثمن سلعة بعتكها. وقال المطلوب بل هو وديعة فضاعت فهو مصدق ويحلف وهو لم يقر لة إلا بالأمانة فلا شىء علية غير اليمين. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر فى دابة فى يدية أن ربها فلانا أعارنيها وقال فلان بل غصبتنيها فإن لم يركبها ولا أحدث فيها حدثا فهو مصدق وإن ركبها فليحلف لربها أنك أعرتنيها ويحلف ربها ما أعرتكها ثم يأخذ منة قيمة ما انتفع بها وقولة أعطيتنيها عارية أو قبضتها منك عارية سواء وكل واحد منهما مدع ومدعى علية، ربها يدعى ما يوجب على الآخر ضمانها والآخر يدعى ما يزيل عنة قيمة النفع بها. ولو قال أعرتنيها فلم يركبها حتى عميت أو دخلها عيب وربها منكر فالمستعير مصدق ولا يضمن فى إجماعهم. قال ابن عبد الحكم: إن أصابها شىء فى ركوبة إياها ضمن ما أصاب. وإذا قال أعرتنيها وقال ربها أكريتها منك وتلفت بيد مدعى العارية فإن لم يركبها فلا يضمن قيمتها ولا كراءها وإن ركبها ضمن الكراء إلى الموضع بعد يمين ربها ولا يضمنها وفرق أو حنيفة بين قولة دفعتها إلى عارية وبين أخذتها منك عارية وربها منكر فيضمنة فى قولة أخذتها منك. [9/ 237]
قال محمد وكيف تصير فى يدية إلا بأخذ ولا فرق بين هذا ولو قال قائل يضمن فى / الوجهين لكان وجها لأن ربها لم يقر بدفعها إلية وهو مقر بقبضها 78/ومدع لإذن ربها. وإن قال: أعرتنيها إلى موضع كذا وقال ربها إلى موضع دونة فإن لم يركبها فربها مصدق مع يمينة وإن ركبها المستعير إلى موضع قال فالقول قولة مع يمينة عند ابن القاسم وقال أشهب: يصدق فى رفع الضمان ولا يصدق فى رفع الكراء فيغرم كراء الزيادة مع يمين ربها. قال ابن عبد الحكم: وينبغى عندى على قول أشهب أن يضمن فى زيادتة على قول ربها وابن القاسم يرى أنة قد آئتمنة فهو مصدق وربها مدع للضمان وإن قال أعرتكها لتركبها أنت فقال ما أعرتنى إلا عارية مطلقة وقد حمل عليها ابنة هو أخف منة أو أثقل فهلكت فلا ضمان علية عند ابن القاسم. وقال أشهب: لا يضمن إلا ما بين كراء أثقل هذا إلى خفة الآخر إذا حلف ربها أنة حمل عليها أثقل ولو أعارة لحمل قفيز من السمراء فحملة من البيضاء وهى أخف لم يضمن. قال سحنون: ولو قال أعرتنيها وهذا العيب بها فالقول قولة وإن كان قد ركبها ويضمن قيمة الركوب ولا شىء علية بعد التحالف، وكذلك ففعلت وقال ربها بل أكريتها منك إلى ذلك الموضع بكراء فربها مصدق، وعند ابن القاسم إلا أن يكون مثلة لا يكرى لشرفة، وقال أشهب: قول ربها كان ممكن يكرى أو ممن لا يكرى ويحلف أكراها / ويحلف الآخر ما أكرها ويغرم قيمة الكراء إلا أن يكون أكثر 78/ظ مما ادعى ربها إلا أن يكون رجلا شريفا عظيم القدر الذى يعرف مثلة بكراء دوابة فيكون القول قول المستعير مع يمينة. وإن قال: أعرتنى هذا الثوب وقال ربة بل أخذتة منى بيعا فالقول قول الذى أخذة مع يمينة ما لم يلبسة، ومن أقر فى دارهم فى يدية أن فلانا دفعها إلية قراضا. [9/ 238]
وقال ربها فى بضاعة فرب المال مصدق مع يمينة ولة الربح وعلية للعامل أجر مثلة ما لم يكر أكثر من نصف الربح الذى ادعى فلا يزاد فإن نكل فالقول قول العامل مع يمينة إن كان مثلة يستعمل المال فى القراض ولا يضمن بحركة المال لإقرار ربة أنة أذن لة بحركتة يريد ولو كان يقع لة من الربح أقل من الإجازة حلف العامل وأخذ الإجازة، وإن قال لرب المال هى قرض صدق عند ابن القاسم. وقال أشهب: إن عمل بة ضمنة إن هلك وإن هلك ولم يعمل بة لم يضمن وهو مصدق ويحلف، وقالة سحنون لأنة إذا حركها كان مدعيا لما يزيل عنة الضمان بالتحريك وإذا لم يحركة فرب المال مدع لإشغال ذمتة بأمر لم يقر بة. ولو قال العامل: هى قرض وقال رب المال قراض فالعامل مصدق. قال أشهب وسحنون: وإن قال رب المال سلف وقال العامل وديعة فالعامل مصدق ويحلف بقى المال أو هلك إلا أن يحركة فيضمنة. ولو قال ربة وديعة وقال العامل قراض فإن حرك المال ضمنة لأنة مدع وإن لم يحركة لم يضمن هلك / المال أو أبقى، وكذلك لو قال رب المال هو سلف أو قال 79/ووديعة أو قراض وقال الآخر أمرتنى بدفعة إلى فلان أو أتصدق بة على الفقراء فإن لم يكن فعل فهو مصدق تلف أو بقى وإن دفعة ضمن لأنة مدع، وإن قال ربة قراضا وقال العامل أسلفتنية فهو مصدق ويحلف، فإن نكل حلف ربة لقد وصلتك بة وقبلتة منى ويقضى على الآخر بقولة فإن نكل ربة فلة قبض مالة وافرا من الآخر ولا يحلف. قال: ولو رجع رب المال عن قولة إلى أنة وديعة كما قال الآخر فليأخذ منة رأس مالة بلا يمين، وإن رجع الذى بيدة المال إلى قول رب المال إنة قراض رد علية مالة ناقصا بلا يمين على العامل، ولو رجع رب المال فقال، كان عندك وديعة فحركتة فضمنتة، فقال لة الآخر بل كان قراضا كما قلت قال فيرجع الامر إلى أن يضمن العامل المال يردة وهو كمن قال أسلفتك مائة، فقال الآخر ما ألفتنى شيئا ثم قال قد أسلفتنى. [9/ 239]
في الخيار في الإقرار بالدين والكفالة
وقال الآخر ما أسلفتك شيئا فليطرح قولة أولا وآخرا ويستحلف الذى أبى من أخذ المال أنة ما أسلفة شيئا ولا يلزمة أخذ شىء فإن أقاما بينة أخذ بأعدلهما فإن تكافآ رجع الأمر مثل إذا لم تكن بينة. وإن كان بيدة عبد فقال هو مضاربة لفلان معى على النصف ثم باعة بألفين وقال كان رأس المال ألفا وقال رب المال: العبد نفسة دفعتة مضاربة فليحلف ويأخذ الألفين وعلية للعامل أجر مثلة فى بيع العبد. / فى الخيار فى الإقرار بالدين والكفالة 79/ظ من كتاب ابن سحنون: ومن أقر أن لفلان على ألف درهم وعلى أنى بالخيار يومين أو ثلاثة أو أكثر ففية قولان: أحدهما أن ذلك يلزمة ويكون ما ذكر من الخيار كالأجل يلزمة عند حلولة وكذلك فى إقرارة بالقرض على أنة بالخيار ثلاثا، والقول الآخر إن ذكرة للخيار باطل ويلزمة ما أقر بة حالا مثل أن يقول: لة على مائة أو أقرضنى مائة أو غصبتة إياها. وقال فى ذلك كلة: ولى الخيار ثلاثا وكذلك ما استودعنى مائة استهلكتها أو عارية استهلكتها ولى الخيار ثلاثا فذكرة للخيار باطل والمال لة لازم. وكذلك إن أقر أنة كفيل لفلان بألف درهم على أنة بالخيار والطالب ينكر الخيار فدعواة الخيار باطل وكذلك بالنفس ولو صدقة الطالب فى الخيار ثلاثا كان الكفيل مخيرا فى التمادى على الكفالة أو الرجوع عنها. ولو قال قتلت وليك على أنى بالخيار ثلاثا فى الرجوع عن إقرارى فالإقرار لة لازم ولا خيار لة. وكذلك إن قال لزوجتة: أقر طلقتك ثلاثا على أنى بالخيار فالطلاق يلزمة ولا خيار لة ولو اجتهد أنة أقر لفلان بألف درهم على أنة بالخيار فى الرجوع عنها إلى ثلاثة أيام، فذلك لة لازم ولا خيار لة. [9/ 240]
في الإقرار بسقوط اليمين أو بسبب النكول عنها
وإن أشهد أنة باع منة هذة السلعة بكذا على أنة بالخيار ثلاثا فهو فى / هذا 80/ومصدق صدقة المشترى أو كذبة. ولو قال: أقر لك بالبيع على أنة بالخيار فى الإقرار ثلاثا فهذا يلزمة الإقرار ولا خيار لة فية إذ ليس فى الإقرار خيار ولا فى عتاق ولا فى طلاق ولا فى إقرار بمال أو غصب ونحوة. فى الإقرار بسقوط اليمين أو بسبب النكول عنها كقولة لفلان على كذا إن حلف. وما يعد من النكول إقرارا برد اليمين أو بغير ردها، وكيف بما لا يجب فية على المدعى علية يمين من كتاب ابن سحنون: ومن قال لفلان على مائة درهم إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف أو حين يحلف أو مع يمينة أو فى يمينة أو بعد يمينة، فحلف فلان على ذلك ونكل المقر وقال ما ظننت أنة يحلف فلا يِخذ بذلك المقر فى إجماعنا. قال محمد بن عبد الحكم: إذا قال لفلان على مائة إن حلف فيها أو إن ادعاها أو متى حلف بالعتق أو الطلاق أو الصدقة أو قال إن حلف مطلقا فلا شىء على المقر بهذا وإن حلف الطالب، وكذلك إن قال: إن استحل ذلك وإن كان يعلم أنها لة أو قال إن أعارنى رداءة أو دابتة فأعارة، أو قال إن شهد بها على فلان فشهد علية بها فلان فلا شىء على المقر فى هذا كلة. وأما إن قال: إن حكم بها فلان لرجل سماة فتحاكهما إلية فحكم بها علية لزمة ذلك لأنة لو تحاكم رجلان إلى رجل / من عامة الناس فحكم بينهما جاز حكمة، 80/ظ ولو قال: إن أخرنى بمائة دينار ادعاها على سنة فهى لة على إلى سنة لزمة ذلك إذا أخرة بها سنة. [9/ 241]
ولو قال: إن أخرنى بمائة ادعاها على إلى سنة فهى لة إلى سنتين لزمة ذلك إلى سنتين إذا حلف وطلبت منة اليمين أن ليس لة علية مائة حالة ولا إلى أقل من سنتين. قال ابن سحنون: ولكن لو ادعى ذلك علية فجحد فقال احلف وأنت برىء، أو قال إذا حلفت أو متى حلفت أو كلما حلفت أو أنت برىء مع يمينك أو فى يمينك أو بعد يمينك فحلف فهذا يلزمة ويبرأ بة المطلوب. للمدعى أحلف وأنا أعرم لك فحلف فذلك يلزمة. ولو رجع فقال لا تحلف فليس لة ذلك وللمدعى أن يحلف ويثبت حقة، ومن ادعى مالا وأثبت الخلطة ولا بينة لة ونكل المطلوب عن اليمين فإن حلف الطالب قضى لة وكان يمينة مع نكول المطلوب كإقرار المطلوب. ولو قال: قضيتك فأنكر الطالب ولم يحلف فردت اليمين على المطلوب فيبرأ بيمينة كما يبرأ بالإقرار بالقبض، وكذلك إن ادعى أنة اشترى منة عبدا وأقام لطخا فنكل عن اليمين لحلف المدعى وثبت البيع وكذلك لو كان البيع يدعى البيع ونكل المشترى حلف البائع وكذلك هذا فى الأكرية والإجارات / والرهان والوديعة 81/ووالعارية والمضارية فى النكول وفى رد اليمين على المدعى فيصير كالإقرار. وقال اشهب: ومن ادعى علية جراحة عمدا أو خطأ أو دما فجحد المدعى علية ولم يأت المدعى ببينة فاليمين على المدعى علية ويبرأ فإن نكل لزمة القصاص. وقال بعض العلماء ذلك لة فيما دون النفس فأما فى النفس فيبرأ المدعون بالدم باليمين خمسين يمينا فإن حلفوا استحقوا وإن لم يحلفوا حلف المدعى علية الدم فإن لم يحلف سجن حتى يحلف فإن طال حبسة وأيس من إقرارة ويمينة كانت علية دية المقتول. [9/ 242]
وقال ابن القاسم عن مالك: إن أقام شاهدا فى جرح عمد حلف معة واقتص فإن نكل حلف الجارح فإن نكل سجن حتى يحلف وكذلك القتل. وقال مالك فى المتهم بالقتل يرد علية اليمين فلا يبرأ إلا بخمسين يمينا وليحبس حتى يحلف فاختلف أهل العراق كاختلاف أصحابنا؛ فقال أبو حنيفة: إذا لم يحلف فى جراح العمد فعلية القصاص كما قال أشهب. قال أبو حنيفة: وإن نكل فى قتل العمد حبس حتى يحلف فيبرأ أو يقر فيقتل، وهذا قول مالك وابن القاسم فى قتل العمد. وقال أبو يوسف: علية فى هذا وفى جراح العمد الدية فى مالة، وهذا قول أشهب فى الدية فى قتل العمد. قال سحنون: قال مالك وابن القاسم وغيرهما من أصحابنا: لا تستحلف المرأة فى النكاح / يدعية عليها الرجل ولو أقام عليها عليها شاهدا فلا يمين عليها ولا 81/ظ يوجب النكاح إلا بشاهدين، وكذلك فى دعواها هى ذلك علية لا يمين علية، وإن أقامت شاهدا ولا يستحلف فى ادعاء نسب أبا كان أو ابنا. وقال فى أمة ولدت وادعت أنة من سيدها، فإن أقر بالوطء لحق بة حلف أو لم يحلف إلا أن يدعى استبراء فيصدق ولا يلحق بة ولا يمين علية فى الاستبراء ولا على أنة لم يقر بالولد، ولو ادعت أنة ابنة ولم يدع إقرارة بذلك فلا يمين علية أيضا ولا يمين فى زنى ولا سرقة إلا أن يدعى المشاع فيقول سرقة منى ويقيم لطخا على المتاع فيحلف أنة لة ولا يحلف على السرقة، فإن نكل حلف المدعى وأخذ المتاع ولا يقطع، ولا يمين فى شرب الخمر ولا فى القذف. قال مالك: فإن أقام المقذوف شاهدا حلف القاذف فإن نكل سجن أبدا حتى يحلف ولا يمين فى الرجعة. وإذا ادعت امرأة على رجل أنة تزوجها فطلقها قبل البناء أو بعدة فلا يحلف فإن أقامت علية شاهدا فقيل إنها تحلف مع الشاهد فى المهر وتأخذ نصفة إن لم [9/ 243]
فيمن أقر على يمين فقال لفلان علي كذا وإلا فعبدي حر
يبن بها وجميعة إن بنى بها، وقيل: ليس لها أن تحلف فى المهر إذ لا يثبت النكاح إلا بشاهدين. وقال بعض أهل العراق: يستحلف فى النكاح فترك قول صاحبة وقولنا، قال: واستحلفة فى الرق. إن ادعى أن امرأة أمتة أو أن رجلا عبدة وهو مجهول استحلف الرجل والمرأة فإن نكل أو نكلت قضيت لة برقها. قال سحنون أخطأ فى استحلافة / فى الرق. 82/و ولو أقام شاهدا برقة حلف معة واسترقة، قالة ابن القاسم، وقال غيرنا: لا يكون هذا إلا فيمن عرف بالرق وأما معروف بالحرية فلا يسترق بهذا. وقال سحنون: ولا أعلم خلافا أنة لا يستحلف الأخ فى نسب أخية لأنة لا يلزمة بالنكول. قال محمد: قلت لة قال بعض الناس: إن ادعى ميراثا فى يدية أحلفتة لة. قال سحنون: ولو ادعى أنة أخوة يرث معة فى هذة الدار عن أبيهما أو أخيهما فلا أحلفة، إذ لا يحب لة معة الميراث حتى يقر لة بالنسب، قال قلت لة، وقال: يستحلف السيد لأمتة تدعى أنها أم ولد لة فإن نكل فهى أم ولد لة، قال وفى قول آخر مبهم: لا يحلف فى هذا فقال أوهم الأول وقال الآخر بقول أصحابنا. فيمن أقر على يمين فقال لفلان على كذا وإلا فعبدى حر أو بدأ باليمين أو قال لفلان على كذا وإلا لفلان كذا أو عبدى حر وإلا فعبدى الآخر حر من كتاب ابن سحنون: ومن قال: لفلان على ألف درهم وإلا فعبدى حر فإن المال يلزمة دون العتق، وكذلك لو حلف على ذلك بطلاق أو حج أو [9/ 244]
غيرة أو باللة عز وجل، قال فى باب آخر قال: تلزمة المائة ويحلف فى العبد ما أراد بة إلا اليمين بالعتق ثم لا يعتق فى إجماعهم وإنما أقر بيمين وهو أعلم بنيتة إن كانت المائة علية فلا حنث علية. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ولو أنة قال بعد ذلك أنكر المائة لزمتة المائة. وعتق العبد، وإن ثبت على إقرارة دفع المائة ولا شىء علية / فى العبد، قالا: وإن 82/ظ قال لفلان على مائة درهم أو على عمرة أو حجة أو عتق رقبة فليس هذا إقرار منة فالمال لفلان إذا حلف. قال ابن سحنون: وإن قال: لفلان على مائة درهم أو على حجة فالمال يلزمة وإن لم يرد إيجاب الحجة فلا شىء علية. قال سحنون: وإن قال: لفلان على ما ئة أو عبدى حر لزمتة المائة وحلف فى العبد ما أراد عتقا، وإن قال: على مائة بل على حجة لزمتة المائة والحجة، وقال غيرنا فيمن قال لفلان على مائة أو عبدى حر أنة لا يلزمة شىء من ذلك. وإن قال: على ألف درهم فإن جاز إقرارى وإلا فلفلان على ألف درهم فإن الإقرار الأول جائز وأما الثانى فحظر لا يلزم. وإن قال ابتعت هذا العبد من فلان بألف درهم وإلا فلفلان على خمسمائة فإن صدق البائع جاز البيع ولا يلزمة الخمسمائة صدقة البائع أو جحدة، لأنها خطر ويجاب رب العبد ما ادعاة منة، وهذا فى إجماعنا. وإن قال: لفلان على ألف درهم وإلا فلفلان مائة دينار لزمة الألف ويحلف فى المائة دينار ما هى علية للآخر ويبرأ فإن نكل حلف الآخر وأخذها. وقال غيرنا: لا يلزمة من هذا الواحد منها شىء وإن قال: اعتقت عبدى هذا وإلا فعبدى الآخر حر لم يلزمة العتق إلا فى الأول فى إجماعنا. ولو قال: أعتقت هذا وإلا فقد أعتقت هذا فالأول حر ويحلف فى الثانى ما اعتقة. وفى باب من أقر لأحد رجلين بالشك مسائل من مسائل هذا الباب. [9/ 245]
فيمن أقر أن عليه ثمن سلعة اشتراها ولم يقر بقبضها،
فيمن أقر أن علية ثمن سلعة اشتراها ولم يقر / بقبضها 83/ووكيف إن قال البائع إنما بعتك سلعة أخرى وغير ذلك من التداعى بين المتبايعين من كتاب ابن سحنون، قال سحنون قوا أصحابنا: ومن أقر أن علية دنانير من ثمن بيع، ثم قال: لم أقبض السلعة التى ابتعت فإنة لا يصدق وتلزمة الثمن، وقالة مخالفونا من العراقيين. وقال ابن أبى ليلى: لا يلزمة المال حتى يقيم البائع البينة بدفع السلعة فأنكر هذا سحنون. وروى محمد بن بشار عن سحنون: أن القول قول المبتاع وعلى البائع البينة أنة دفع السلعة إلية، وكذلك إن قال: اشتريت من فلان سلعة بمائه درهم ولم أقبضها منة فالقول قولة. قال: واختلف ابن القاسم وغيرة فى قولة لم أقبض السلعة فقال: إن أقر لة أنة اشتراها وأنة لم يقبضها نسقا متتابعا قبل قولة وأما إن أقر بالشراء ثم قال بعد ذلك ثم أقبضها لم يصدق وغيرة يخالف ويقول القول فى هذا كلة قول البائع. وإذا قال لة على ألف درهم من ثمن متاع لم أقبضة فالمال يلزمة لابد منة فى قول بعض أصحابنا، وفى قول بعضهم: ليس علية شىء وهو مصدق مع يمينة لأنة وصل الكلام. ولو قال من ثمن متاع ثم قال لم أقبضة فقال سحنون فى هذا: يلزمة المال، وقد ذكرنا هذا فى الثانى من أقضية البيوع والاختلاف فية، أن ابن القاسم يقول: إن أشهد لة بالثمن لم يصدق أنة لم يقبض السلعة. قال أصبغ: ولا يحلف إلا أن تقوم علية بحرارة البيع. / وقال ابن عبد 83/ظ الحكم: على البائع البينة بدفعة للسلعة. [9/ 246]
ومن كتاب ابن سحنون: وإن قال: لفلان على ألف درهم من ثمن عبدة فلان وقد قبضة، وقال لفلان لى عليك الألف درهم من ثمن عبد آخر ولم أبعك هذا العبد فليحلف كل واحد على دعوى صاحبة ويرد العبد ويبطل المال ولو سلم لة ذلك العبد ولم يدعة كان لة عليك ألف درهم، ولو قال: لك على ألف درهم من ثمن عبدك هذا الذى فى يديك وقال الطالب هى لى عليك من غير ذلك فإن سلم لة ذلك العبد وجب لة المال وإلا فلا شىء لة فى إجماعنا. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أن لفلان علية ألف درهم من ثمن بر اشتراة منة ثم قال بعد ذلك لم أقبض البر منة فليحلف المقر والقول قولة، وكذلك من ثمن دار وقال لم أقبضها منة، وسواء وصل الكلام أو لم يصلة، وخالفنا فى ذلك أصحاب أبى حنيفة على أنهم قد اختلفوا إذا وصل فقال بعضهم: هى علية ولا يصدق، ولو أقر فقال: ابتعت من فلان بيعا بألف درهم ثم سكت ثم قال لم أقبض المتاع كان القول قولة، وجامعنا على ذلك أصحاب أبى حنيفة، وهذا حجة لنا عليهم إذا قال على وكذلك قالوا إذا أقر أن لفلان علية ألف درهم من ثمن هذا العبد الذى فى يدى المقر فإن أقر الطالب بذلك العبد أخذة بإقرارة وإن قال لم أبعك العبد وبعتك غيرة وقبضتة منى فإن ما أخذ المقر لة العبد ولا شىء على المقر، وهذا / يدل على أنة ليس بقولة على يجب علية شىء إذا لم يتم لة 84/والقبض. ومن كتاب ابن ميسر: ومن قال لرجل لك على ألف درهم من ثمن عبد بعتة منى وقبضتة منك، وقال الآخر هى لى عليك قرضا أو من ثمن دار قبضتها منى قال إن لم يدع البائع العمد أنة لم يخرج من ملكة فقد وجب لة علية ألف والمبتاع يدعى علية عهدة فى سلعة أقر بقبضها فإن استحقت حلف المقر أن الألف منها ورد القابض الألف ما قبض إن لم يكن لة بينة. وإن قال: الألف من ثمن دار بعتها منك فإن قال ابتعتها منك بمال آخر حلف ربها وارتجعتها ويحلف الذى هى فى يدية ما هذة الألف من الدار، وإن ادعى المقر لة ملك [9/ 247]
فيمن أقر على نفسه وعلى غيره أو أقر لرجلين
العبد وأنكر بيعة حلف وأخذ العبد، وإن أنكر ملكة فلا يجبر على أخذ ما لا يدعية. ومن كتاب ابن سحنون: ومن بيدة عبد وبة عيب فأتى إلى رجل بيدة عبد آخر فقال لة بعتنى هذا العبد الذى فى يدى والعبد الذى فى يديك بكذا وقبضت هذا العبد منهما وأصبت بة عيبا وقال الآخر بعتك العبد الذى فى يديك بعبد بيدية لا عيب فية أو جارية وهذا العبد الذى فى يدى بما ذكرت والقول يشبة ما قال هذا وما قال هذا. قال سحنون فيتحالفون ويتقاسمان، وإن أقر لة علية ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير أو ميتة أو ثمن حر فقال الطالب بل هى من بر فإن المال لازم للمطلوب مع يمينة فى قولة وكذلك / قال محمد بن عبد الحكم. 84/ظ قال محمد بن عبد اللة: ولو قال: اشتريت منك خمرا بألف درهم أو خنازير بألف لم يلزمة شىء لأنة لم يقر أن لة علية شيئا. فيمن أقر على نفسة وعلى غيرة أو أقر لرجلين أو أقر أنة وفلان غصبا أو جنيا من كتاب ابن سحنون: ومن أقر فقال لفلان على وعلى فلان وفلان ألف درهم فإنما علية الثلث ويحلف الطالب مع شهادتة ويقضى لة على الرجلين فإن نكل أو كان هذا غير عدل فليس لة إلا الثلث وكذلك ما سمى من عدد الرجال إن سمى عشرة فإنما يلزمة العشر. ولو قال: لفلان على وعلى فلان ألف درهم فجحد ذلك فلان وادعى الطالب ذلك على المقر وحدة فإنما يلزمة النصف وهو فى النصف الآخر شاهد على غيرة فإن شاء المقر لة حلف معة وأخذ من فلان النصف وإن نكل أو لم يكن هذا عدلا فإنما لة النصف على المقر وإن سمى عبدا محجورعليةأو مأذونا أو مكائبا أو من فية بقية رق أو صغيرا أو ذميا أو مرتدا أو رجلا لا يعرف فذلك [9/ 248]
كلة سواء ولا يلزم المقر إلا حصتة على ما ذكرنا ولو لم يسم رجالا ولكنة قال لفلان علينا ألف درهم ثم قال عنيت أن معى فلانا وفلانا وقال الطالب بل ذلك عليك خاصة فإن المال كلة على المقر لأنة لم يسم معة أحدا، وقولة علينا يقع على أكثر من واحد، ولو أقر فقال: لفلان علية ألف درهم وأشار بيدة إلى نفسة وإلى آخر معة وقال الطالب بل كلها / عليك فإن المال كلة يلزم المقر. 85/وولو كان معة رهط فقال لفلان علينا جميعا أو قال كلنا وأشار بيدة إلى نفسة وإليهم مائة درهم، وقال الطالب المال كلة عليك فإنى ألزم المقر حصتة من ذلك على عدد القوم وهو شاهد على غيرة لو ادعى شهادتة المقر لة ولكنة أبرأ القوم، ولو أن عشرة رجال جلوس فقال أحدهم لفلان على رجل منا ألف درهم لم يلزمة بهذا شىء، وكذلك لو قال على اثنين منا أو على أكثر إلى تسعة لم يلزمة شىء حتى يقول لفلان على عشرة منا ألف فيلزمة العشر ويكون شاهدا فيما بقى. وإن أقر أنة غصبة هو وفلان كذا فلا يلزمة غير النصف إلا أن يكون غصب من معى الحرابة وقطع الطريق فيلزمة الجميع عندنا وإلا لم يلزمة إلا النصف. ولو كان المقر اليوم عدلا قد نزع عن حالة فإنة يحلف المقر لة مع شهادتة ويستحق النصف الآخر وكذلك الجراحة الخطأ يلزمة النصف، وأما العمد فيلزمة القصاص فى الجراح وفى النفس. وكذلك الإقرار بالوديعة والعارية والمضاربة والديون إنما يلزمة النصف وهو شاهدا فى النصف الآخر، وإن أقر أنة قطع هو وفلان يد فلان عمدا فادعى الطالب أنهما قطعاها جميعا قطعت يد المقر فإن كان المقر الآن عدلا قد انتقل عن حالة فهو شاهد ويحلف معة المجروح ويستفيد، وإن لم يكن عدلا أو نكل اقتص من يد المقر ولم يلزم الآخر شىء. فإن ادعى ذلك الطالب على المقر كلة فذلك لة وتقطع يدة / وقال غيرنا: 85/ظ إن ادعى أنهما قطعاة جميعا لزم المقر نصف الأرش (¬1) ولا يغرم الآخر شيئا بعد أن يحلف. [9/ 249] ¬
قالوا: ولو ادعى ذلك الطالب على المقر كلة لم يلزم المقر شىء أنة ادعى قصاصا وإنما أقر لة بمال ثم نقضوا هذا فقالوا: تجعل على المقر نصف أرش اليد، وهذا خطأ بين فاحتجوا بقولهم فى رجلين قطعا يد رجل ألا قصاص عليهما. وإن قطعها واحد فعلية القصاص. قال محمد: ويدل على فساد قولهم ما جامعونا فية فى القتل لو أقر أنة وفلان قتلا فلانا عمدا وفلان منكر وقد ادعى ذلك الولى عليهما أو على المقر فلة أن يقتلة فى إجماع العلماء، وإن أقر أنة وفلان قطعا يد فلان خطأ وفلان يدعى عليهما أو على المقر فعلى المقر نصف دية اليد فى مالة فى الوجهين ولا شىء على الآخر، وإن قال: أقرضنى فلان أنا وفلانا ألف درهم فإنما يلزمة نصفها وهو شاهد على فلان بالنصف الآخر. وإن قال: لفلان على ألف ولفلان فإن الألف بينهما نصفان، وكذلك قال وديعة أو مضاربة أو ثوب عارية أو غصبا كان بينهما، ومن أقر لفلان وفلان علية ألف درهم، قال: المال بينهما نصفان. فإن قال بعد ذلك الأحدهما أربعمائة فكذبة وقال لى النصف كان لة النصف ويغرم المقر للآخر مائة ولهذا أربعمائة. ولو قال: أقرضنى فلان ألف درهم مع فلان كانت الالف لهم اذا ادعى. ذلك المقر لة، ولو قال: أقرضنى فلان مع شاهد على ذلك فلان ألف درهم كانت الألف لة علية وحدة. / وكذلك لو قال: معى جالس أو قائم، ولو قال غصبتك أنا وفلان معى 86/وألف درهم فإنما علية لفلان خمسمائة وهو شاهد على فلان بخمسمائة فإن كان وقت الإقرار عدلا حلف معة المقر لة وإلا لم يكن على المقر إلا خمسمائة، فإن قال: وفلان معى شاهد فعلية جميع الألف، وكذلك الإقرار بالغصب والسرقة وكذلك إقرار الذمى والعبد المأذون والمكائب. قال سحنون فى رجلين لهما دين بصك واحد على رجلين فأقر أحدهما أنهما قد تقاضيا دينهما ذلك الذى على فلان فإقرارة على نفسة جائز وشهادتة على [9/ 250]
شريكة ساقطة لما يدفع بها عن نفسة من رجوع صاحبة علية فيما أقر أنة قبضة بما ينوية منة فيرجع المشهود علية فيما يرجعة على الغريم ولا يكون للمقر الشاهد الرجوع على أحد، قال: وشهادتة ساقطة كان المشهود علية مليا أو عديما. ولو أن رجلا أقر فقال يا فلان لكم على ألف درهم أو قال بحق يا فلان لكم علينا ألف درهم فذلك واحد والمال لازم لة كلة لفلان، ولو قال: يا فلان لكما علينا ألف درهم لم يكن لفلان إلا نصفها ولا يصدق إن ادعى جميعها بخلاف قولة لكم لأن لكم يكون على الواحد والجماعة ولكما لايكون إلا لاثنين، قال محمد: وسمعت سحنون ينحو فى هذا إلى أنة إنما يؤخذ بالمال كلة فى قولة يا فلان لكما على ألف درهم، ولو أقر / وقال: أقرضنا فلان أو استودعنا ألف درهم أو 86/ظ غصبنا من فلان ألف درهم ثم قال المقر كنا فى ذلك ثلاثة وقال الطالب ذلك كلة عليك فإن المقر يلزمة جميع ذلك وكذلك فى عارية الدابة والثوب. ولو قال: غصبت ومعى فلان من فلان مائة درهم فإنما يلزمة نصفها. ولو قال: ومعى فلان جالس لزمة المال كلة لأنة لم ينسب الغصب إلية. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن قال على مائة دينار وعلى فلان وفلان فإن هذا يغرمها كلها وإن كان كلامة نسقا. قال أصبغ: ولو قال لفلان على وعلى فلان وفلان مائة دينار لم يلزمة إلا الثلث لأنها إقرار وشهادة، وأما الأول فقد أقر على نفسة ثم ذكر فلانا وفلانا بعد لزوم الإقرار لة. [9/ 251]
فيمن أقر في عبد في يديه لرجل بعد أن أقام فيه آخر البينة
فيمن أقر فى عبد فى يدية لرجل بعد أن أقام فية آخر البينة أو ادعى رجل عبدا بيد آخر فحلف فنكل فحلف الطالب وأخذة ثم أتى غير مدعية هل لة يمين على الأول؟ وغير ذلك من الدعوى من كتاب ابن سحنون ومن ادعى عبدا بيد رجل وأقام لطخا وطلب يمينة هل يحلف لة؟ فإن حلف برىء وإن نكل حلف الطالب وقضى لة بة فإن أقر الذى كان فى يدية أنة لآخر بعد ما قضى بة للمدعى لم ينتفع بذلك الآخر. ولو أقر بة قبل أن يستحلف والمقر لة بة غائب فلا ينتفع بذلك ولا يدفع الخصوم عن نفسة إلا أن تقوم بينة أنة دفعة غلية فتزول الخصومة واليمين بين هذين وتصير / الخصومة بين المدعى والغائب إن لم تقم بينة فهو خصم ويحلف، فإن 87/ونكل دفعة إلى المدعى بعد يمينة فإن جاء المقر لة الأول فصدق المقر فى إقرارة على العبد لة رد رد إلية من يد المقضى لة بة لأنة أقر بة قبل أن يصل إلى يد المدعى لة ولكن يتهم فى إقرارة لإبطال الخصومة عن نفسة فلم أصدقة فلما قدم المقر لة فادعى ما أقر بة فليرد إذ لو كان حاضرا أجزت إقرارة لة بة وزالت عنة الخصومة وجعلت المقر لة بة خصما ويكون هذا الذى أخرج من يدية على حجتة فإن أقام بينة أخذ العبد وإن لم يقم بينة استحلف هذا فإن حلف للطالب برىء وإن نكل قضى بالعبد للمدعى لة بعد يمينة. قال ابن عبد الحكم: ومن ادعى عبدا بيد رجل ورثة عن أبية لا وارث لة غيرة فقال أودعتة لأبيك فأنكرة فاستحلفة القاضى فنكل فرد اليمين على المدعى فحلف وأخذ ثم أتى من ادعى مثل ذلك فليس لة أن يحلف الابن لأنة لم يقر بة بشىء إلا أن يدعى علية أنك غصبتنية فليحلقة فإن نكل حلف مدعى الغصب وأخذ منة قيمة العبد. [9/ 252]
وذكر المسألة سحنون وقال: إن أقام لطخا وكان الابن ممن يظن بة العلم حلف على علمة فإن نكل حلف الطالب وأخذ العبد ثم إن ادعى آخر مثل ذلك فلا يستحلف الابن ولا ينفعة إقرارة لة بة ولا يلزمة لة بشىء، وكذلك كل ما ادعى على الأب من غصب أو عارية لأن الابن لم يل الغصب والعارية وهى دعوى على غيرة فكرة اليمين /فقضى القاضى للأول فلا يضمن الابن للثانى شيئا إذا كان ما 87/ظ ادعى فية بيد المقضى لة بة ولم يكن فى يد الابن من ميراث ابنة شىء. وقال ابن عبد الحكم: ولو ادعى أن أباة غصبة ما ترك أبوة غير العبد فلة أن يحلفة أنة ما يعلم وأن أباة غصبة ولا شىء علية وإن نكل حلف المدعى وأخذ قيمة العبد مما ترك الأب فى يدية فإن لم يترك غير العبد فلا يمين على الابن، إذ لو أقر أن أباة غصبة لم يضمن شيئا، وإذا قال: أودعت هذا العبد لأبيك فقال: ما أدرى أصدقت أم لا فليحلف لة على علمة ويبرأ. وقال مثلة أبو حنيفة وهو ير ما خالفونا فية فيمن قام على من باع منة عبدا فأبق فطلب يمينة فقال احلف لة على العلم فذلك لة عندنا. وقال النعمان: يحلف على البت وهذة المناقضة، وفى هذا أيضا أنهم يقبلون يمينة فيما يعلمون أنة فية كاذب ولا يجوز لأحد أن يقطع أن هذا العبد لم يأبق قط. ومن كتاب ابن سحنون: ومن ادعى عبدا بيد رجل أنة غصبة منة وجحد ذلك الآخر ولا بينة للطالب وأقام لطخا فإنة يستحلف لة فإن نكل حلف الطالب وقضى لة بالعبد، فإن جاء مدع آخر يدعى أن من كان فى يدية غصبة منى وأقام لطخا فإنة يستحلف لة أيضا فإن نكل حلف المدعى وغرم لة قيمة العبد ولا يصدق على العبد ولكن يغرم قيمتة وكذلك فى الحيوان والارضين وجميع الأشياء. تم الجزء الثانى من الإقرار والحمد للة رب العالمين ولا قوة إلا باللة [9/ 253]
[الجزء الثالث من الإقرار]
بسم اللة الرحمن الرحيم ... ... ... وصلى اللة على سيدنا محمد وآلة وصحبة وسلم الجزء الثالث / من كتاب الإقرار 88/و الإقرار فى المرض بالدين وغيرة وكيف إن أقر مع ذلك بشىء بعينة من قراض أو وديعة أو غيرها والمريض يقضى بعض غرمائة دون بعض قال أبو محمد عبد اللة بن أبى زيد، ومن كتاب ابن سحنون قال أصحابنا جميعا فى مريض أقر بدين لرجل فى مرضة الذى مات فية ثم أقر بدين لآخر فوصل إقرارة أو فصلة فذلك لازم. ويتحاصان، ولو أقر بوديعة بعينها لغير وارث ولا ممن يتهم علية ثم أقر بدين لآخر أو بدأ بالدين فذلك سواء ويأخذ الوديعة ربها دون أهل الدين وكذلك القراض بعينة. وقال أهل العراق: هذا إذا بدأ بالوديعة المعينة فأما إن بدأ بالدين تحاصا، قال سحنون: وهذا سواء ولو لم أصدقة فيها بعد أن أقر بالدين ما كان لة بها حصاص والحصاص بها مناقضة وقد ذهب ابن شهاب إلى أن الوديعة التى ليست بعينها وقد صارت فى الذمة يبرأ بها فكيف بهذا. قال: وكل ما كان بغير عينة من وديعة أو قراض أو بضاعة أو أمانة فهو والدين سواء قدم ذكرة أو أخرة، قالة مالك. [9/ 255]
وإن كان ذلك بعينة وعلية بينة بالدين فى الصحة أن رب الوديعة والقراض والبضاعة يأخذ ذلك إذا كان بعينة. / قال عنة ابن وهب فيمن هلك بغتة وبيدة وديعة وبضاعة وقراض عمل فية 88/ظ ولم يتبين أهلك من ذلك شىء أم لا فهذا كلة يلزمة كالدين ويحاص أهلة بة غرماءة وكذلك من أكل وديعة عندة أو وكل على تقاضى مال فخلطة بمالة فرب ذلك أسوة غرمائة وكذلك زوجتة بصداقها. قال سحنون: وإذا استقرض مالا فى مرضة بمعانية البينة لقبضة أو ابتاع وقال مخالفونا: يكون ذلك أولى من الدين فى الصحة. قالوا: وإن قضاهم فى مرضة فقبضهم جائز دون غرماء الصحة لأنة أخذ منهم عوضا. قال مالك: يتحاصون كلهم عاين (¬1) الشهود القبض فى مرضة أو لم يعاينوا إذا كان وارث. وأما قضاء المريض بعض غرمائة دون بعض فمختلف فية؛ فقال سحنون وغيرة من أصحابنا: إن قضاة بعضهم دون بعض جائز. قال سحنون: وأخبرنى بهذا أبو سلمة الأنصارى عن مالك كما لو أقر لمن لا يتهم علية بدين يقبل ذلك مع يمين المقر لة فكذلك يجوز قضاؤة لبعض الغرماء. وقال ابن القاسم: لا يجوز أن يقضى بعضهم دون بعض ورواة عن مالك (ورآة كدين) (¬2) وإذا أقر المريض بألف درهم دينا لرجل ثم بألف وديعة بعينها وبألف دينار لآخر ومات ولم يدع إلا الألف الوديعة إن ربها يأخذها دون أهل الدين ولو لم تكن الوديعة بعينها تحاص الثلاثة فى هذة الألف / فكانت بينهم 89/وأثلاثا. [9/ 256] ¬
ولو قال المقر لة أولا بألف الدين أبرأت منة الميت كانت الألف بين الغريم ورب الوديعة نصفين. ولو أقر بألف درهم دينا وألف وديعة بغير عينها وبألف قراضا بعينها ولم يدع غير ألف درهم فرب القراض أولى بها ولو لم يكن بعينة لتحاصوا فيها، ولو أقر المض بألف درهم لرجل واستقرض ألفا من آخر قبضها بمعاينة بينة ثم مات ولم يدع غيرها فإنهما يتحاصان، وأنكر قول أهل العراق وإن الذى لة القرض أحق بها. ولو كان علية مع ذلك دين فى الصحة بالبينة لتحاصوا كلهم. وقال غيرنا: يتحاص فيها صاحب القرض ومن لة دين فى الصحة دون من أقر لة فى المرض وهو الأوجة لة، وإذا أقر مريض بدين لغير وارث وعلية دين فى الصحة ثم مات من مرضة فليتحاصا .. ولو كان إقرارة لوارث ثم برىء ثم مات لثبت دين الوارث ويتحاصان ولو أقر فى المرض بدين لرجل فى يوم وأقر فى يوم بعدة لآخر لتحاصا مع أهل دين الصحة. قال أحمد بن ميسر: وإذا أقر المريض لرجل أجنبى لا يتهم علية وعلية دين ببينة ثم مات من مرضة ذلك فاختلف فية قول مالك فقال: إن كان مليا جاز إقرارة وإلا لم يجز ثم رجع فقال ذلك جائز وهو كمن لة بينة ولم يرة كالمفلس. قال سحنون (¬1): ولو قال: لفلان قبلى حق فيصدقونة ثم مات فليصدق فيما يشبة مداينة مثلة ومعاملتة ولو أقر بدين مسمى لتحاص ربة مع الذى قال صدقوة يتحاص معة الغرماء فيما يشبة معاملتة /، فإن ادعى ما لا يشبة معاملتة 89/ظ لم يصدق وحلف لة الورثة على علمهم فإن نكلوا حلف هو وقضى لة بما قال. قال أشهب: وإذا أقر المريض بوديعة بعينها ثم بوديعة لآخر بكلام متصل أو غير متصل فهو سواء ولكل واحد ما أقر لة بة وإنما يبدأ الأول إذا كان الإقرار منقطعا إذا كان الإقرار بغير شىء بعينة لأنة يدخل الآخر على الأول فها هنا إن كانت شهادتة جائزة حلف الآخر معة وقضى لة وكان للأول ما أقر لة بة إن بقى [9/ 257] ¬
في الإقرار بالدين للوارث، أو الهبة أو الوصية له، وكيف إن كان غير وارث حينئذ
منة شىء فلم يعجب سحنون من قولة فها هنا إن كانت شهادتة إلى آخر الجواب، وإذا أقر المريض أن عندة ألف درهم بعينها لقطة ومات ولم يدع غيرها فهو مصدق ويأمر الإمام بتعريفها وإن طال أمرها ورأى أن يتصدق بها فعل، ولو أقر أنة قد كان التقط ألفا فعرف بها سنة ثم أفقها فأوصى أن يتصدق بها من مالة ولم يدع الألف درهم فإنة يتصدق بثلثها ويرث ورثتة ثلثيها. ولو كان لة مال يحل إخراجها كلها أخرجت فإن تزوج فى مرضة امرأة بألف درهم وهو مهر مثلها وأمر بوديعة فرب الوديعة أولى كانت بعينها أو بغير عينها وإنما صداق المريض فى الثلث يبدأ. وإقرارة المرأة والعبد المأذون والمكائب والذمى فى المرض كإقرار الحر المسلم. ويجوز إقرار المريض بالدين لقاتلة ولعبد قاتلة ولا يجوز إقرارة لعبد وارثة ولا لمكائب وارثة وإقرارة لمكاتب نفسة بالدين جائز إذا كاتبة فى صحتة / فإن كاتبة 90/وفى مرضة وثلثة يحملة جاز إقرارة لة بالدين وجازت الكتابة وإن لم يحملة خير الورثة إما أجازوا الكتابة فيجوز الإقرار بالدين وإما ردوها فيعتق ما حمل الثلث منة ويجوز إقرارة لة بالدين ويبقى المال موقوفا فى يدة. فى الإقرار بالدين للوارث أو الهبة أو الوصية لة وكيف إن كان غير وارث حينئذ ثم صار قبل موت المريض وارثا أو كان وارثا ثم حدث من حجبة قبل موت المريض أو مات المقر لة أو الموهوب قبل المريض وكيف إن أقر لوارث أو لغير وارث أو أقر لوارث ثم صح؟ من كتاب ابن سحنون قال مالك: لا يجوز إقرار المريض لوارثة بدين إن مات من مرضة. [9/ 258]
قال ابن سحنون: اختلف أصحابنا إذا أقر المريض لأخية وليس بوارث يومئذ فلم يمت المريض حتى صار الأخ وارثة فقال سحنون وأهل العراق: الإقرار باطل وإنما راعوا يوم الموت فقالوا وكذلك إن أقر المسلم فى مرضة لابنة النصرانى بدين ثم أسلم الابن ثم مات الأب من مرضة أن الإقرار باطل. وقال أشهب: إقرارة جائز وكأنة أقر لغير وارث لأنة أقر فى وقت يجوز إقرارة فقد لزمة ذلك قبل أن يكون وارثا. وكذلك إن أقر لأحد إخوتة ولة ولد يحجبهم ومات الولد فصار أخوتة وارثية أن إقرارة إذا مات من مرضة جائز لأنة قد ثبت علية قبل أن يتهم فية. قال سحنون: ولأشهب قول فى الإقرار فى المرض غير هذا أنا أستحسنة. قال ابن سحنون ومحمد بن عبد الحكم (¬1) يقول أشهب إنة إنما يراعى يوم الإقرار. قال ابن سحنون: وأجمعوا أن لو أقر لوارث فى صحتة فلم يقبض ذلك حتى مرض المقر أن الإقرار ثابت إن مات المريض فكذلك هذا لأنة وقع فى وقت لا تهمة فية. قال ابن سحنون وابن عبد الحكم: وراعى أبو حنيفة وقت الموت إن كان المقر لة يومئذ قولة أبطل إقرارة فبقال لة فلو أقر لأجنبية بدين ثم تزوجها فى مرضة ونكاحها عندك جائز فقال فى هذا إن إقرارة جائز فناقض، ولا فرق بين ذلك. قال ابن سحنون قال أشهب فى الذى أقر فى مرضة لأجنبية بدين ثم تزوجها فى مرضة ثم مات فالإقرار لها جائز من وجهين أحدهما أنها غير وارثة يدريد لفساد نكاحها والوجة الآخر على أصل أشهب أنة إنما يراعى يوم الإقرار. وإذا كان ذلك حينئذ لو قيم بة لقضى بة فهو لازم ولا ينظر إلية يوم مات المقر عند سحنون. وأما فى المرأة فيحوز عندة إقرار لها لأنها لا ترثة. [9/ 259] ¬
قال ابن سحنون وقال أشهب وسحنون: إذا أقر فى مرضة لوارث ثم حدث من حجبة فالإقرار يلزمة لو أقر لوارثة فى مرضة ثم صح. قالا: ولو أقر فى مرضة لأخية أو وهبة هبة وهو وارثة فى ظنة ثم ولد لة من يحجبة فالإقرار لة جائز من رأس مالة والهبة جائزة من ثلثة قبضها أو لم يقبضها. وقال ابن المواز مثل قول أشهب إنة إذا ثبت الإقرار قبل موتة لغير وارث ثم صار / وارثا أن الإقرار جائز. قالوا: وإذا أقر المريض لوارثة ثم صح فقال إنما أردت 92/وبة الحيف (¬1) ولا شىء لة أن ذلك يلزمة ولا يصدق، وقد قال مالك وأشهب فى التى وضعت فى مرضها عن زوجها مؤخر صداقها ثم صحت أن ذلك يلزمها ولا ينفعها إن قالت أردت الحيف، قال وإن أقر فى مرضة ثم صح فمات أن ذلك لازم فى رأس المال ما لة للوارث، وكذلك لو حدث من حجبة قبل موت المريض ثم مات من يحجبة فعاد وارثا جاز ذلك الإقرار لة لأنة إذا ثبت مرة لم يحل. ومن العتبية (¬2) روى عيسى ابن القاسم فى صحيح أقر لوارثة بدين من ولد أو زوجة أو غيرها ثم مات بعدسنين أن ذلك لازم يأخذة الوارث من التركة. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا أقر المريض المسلم لأبية النصرانى بدين ثم مات فهو كإقرارة لصديق ملاطف فإن كان يورث كلالة لم يجز إقرارة لة ولا يجوز إقرار المريض لعبد أحد ورثتة أو مكاتبة بدين وإذا أقر فى مرضة لابنة ثم مات الابن وترك ولدا ومات الأب بعدة فترك ولدا يحجب ابن الابن الذى مات فالإقرار لولد جائز. ولو مات المقر ولم يدع ولدا لم يجز الإقرار لأن ولد ولدة هو وارثة فصار الإقرار لوارث. وإذا أقر المريض بدين لرجل ثم مات الرجل وأخذ ورثة المريض وارثة ثم مات المريض (فالإقرار باطل) (¬3) قالة أشهب وأهل العراق ولأنة صار لوارثة. [9/ 260] ¬
قال محمد بن عبد الحكم إقرارة جائز لأنة أقر لغير وارث حين مات قبلة فالإقرار لة لا لوارثة. قال / أشهب: وإذا أقر المريض بدين لرجلين أحدهما وارثة ثم مات المريض 92/ظ أن ذلك مردود لأنة لا يأخذ الأجنبى شيئا إلا يشركة فية الوارث فكلما أخذت الورثة من الوارث شيئا من ذلك رجع على الأجنبى هكذا أبدا حتى لا يبقى شىء كمن اعتق عبدا وعلية دين قبل عتقة وأجاز دينا بعد عتقة وقيمتة مثل الدينين ولا يعتق منة شىء إذ لو بيع منة بقدر الدين الذى قبل العتق ثم عتق ما بقى، لدخل العتق ولا يجوز هذا، وكذلك لو شهد شاهدان على رجل لرجلين أحد الشاهدين ولد أحد الرجلين أو عبدة فلا تجوز شهادتهما لأن المشهود لهما شريكان فى المال لا يستأثر أحدهما على الآخر بشىء إلا دخل فية فيصير تجويزا لشهادة الابن (¬1). ولو اقتسما المال قبل الشهادة جازت شهادة من لا يتهمان علية خاصة ولا يدخل أحدهما على الآخر. ولو شهدا قبل القسم فلم يقض بشهادتهما حتى اقتسما فإنة إن رد الحكم بشهادتهما فقد مضى ذلك وإن لم يردها وكان ينظر فى ذلك حتى اقتسما فشهادتهما جائزة للأجنبى ولا يدخل علية الآخر، وأبى هذا سحنون وقال: لا تجوز شهادتهما. قال: وأهل العراق كما قال أشهب فى المريض يقر لرجلين أحدهما وارثة أو أحد ورثتة ثم قال إن ذلك باطل، وقال ابن عبد الحكم: إن قال غير الوارث ما بينى وبين الوارث شركة أعطى النصف ولا يقبل علية قول الميت أنة شريكة. وإن قال / أنا شريكة فقد قال بعض أصحابنا ثم ذكر قول أشهب الذى ذكر ابن 93/و سحنون. قال ابن عبد الحكم: وإن قال لأجنبى أنا شريك لة فى المال وقال الوارث ما أنا لك شريك فالإقرار باطل. وإن قال إن لكل واحد منا ذلك كلة بغير شركة فليأخذ الأجنبى حصتة بعد يمينة على ذلك. [9/ 261] ¬
قال سحنون وقال اب القاسم: إذا أقر المريض لأجنبى بمائة دينار ولابنة بمائة دينار ولمدع غير مائة فإنهما يتحاصان فما صار للأجنبى أخذة وما صار للوارث دخل فية باقى الورثة إن لم يجيزوة، وقالة مالك. قال أشهب: ولو قال الابن لم يقر لى على أى شىء ولا شرك بينى وبين هذا الأجنبى لم يصدق ولا شىء للأجنبى لأن أصل الإقرار باطل. ولو قال الأجنبى ليس بينى وبين هذا الميت شرك وصدقة ولد الميت لم ينتفع بهما. وإذا أقر فى مرضة لزوجتة بدين ثم ماتت ولها ورثة يحوزون ميراثها ليسوا من ورثة الميت فإقرارة لها جائز، وكذلك لو أقر لابنة ثم مات الابن قبلة وترك ابنا وللمقر بنون يحجبونة فالإقرار جائز لأنة إقرار لغير وارث، ولو كان يرث الزوجة ابنان أحدهما من المريض والمريض أبو الآخر فالإقرار باطل عند أشهب. وإذا أقر مريض بدين لأجنبى ثم استقرض من وارثة دينا قبضة منة بمعاينة البينة فإنهما يتحاصان. وإذا أقر المريض لبعض ورثتة بوديعة بعينها أو بمضاربة أو عارية فذلك لا يجوز، وقال من خالفنا: إذا أقر المريض بدين لامرأتة من مهر فإنة يصدق فيما / بينة وبين مهر مثلها ويقاسم من أقر لة فى الصحة والمرض بخلاف غيرة إذ 93/ظ لا يحل فرج إلا بمهر. وقال ابن القاسم عن مالك فى إقرار لها بدين أو مهر أنة ينظر فإن كان لا يعرف منها إلية انقطاع ويأخذة (¬1) ولة ولد من غيرها فذلك جائز وأما إن عرف منة إليها انقطاع ومودة وكان بينة وبين ولدة تفاهم ولعل لهما الولد الصغير فلا يجوز إقرارة. وإذا أقر المريض لامرأتة بدين ثم طلقها قبل البناء ثم تزوجها ثم مات من مرضة فقال أشهب وسحنون: إقرارة باطل لأنها وارثة عندنا، وإذا أقر المريض [9/ 262] ¬
لابنة العبد بدين ثم عتق ثم مات الأب فالإقرار جائز لة عند أشهب كان مأمونا مديانا أو غير مديان لأن الإقرار قد ثبت لة وهو غير وارث. وقال سحنون والعراقيون: إن استثنى معتقة مالة بمأذون جاز الإقرار وإلا لم يجز لأنة يوم الموت وارث وإن كان مأذونا وعلية دين لم يجز الإقرار لأنة ينتفع بة الابن. قال سحنون: ولا يجوز للسيد استثناء ما أوصى لة بة إذا كان العبد مديانا والغرماء أحق بذلك وما وهب لة أو تصدق علية، ولو كان الابن مكائبا فأقر لة الأب فى مرضة بدين ثم مات فذلك جائز. ولو عتق قبل موت الأب لم يجز الإقرار لة ثم أسلم قبل موت الأب على الاختلاف. ولو أقر مكائب مريض لابنة الحر بدين ثم مات مكانة جاز إقرارة إذا لم يتهم / ترك وفاء بالكتابة أو لم يترك ويرثة مولاة إن لم يكن معة فى الكتابة أحد. 94/وقال سحنون: ولو قضى كتابتة ودينة وعتق ثم مات (بطل إقرارة، وهو عند أشهب جائز. وإن أقر الحر المريض لابنة المكائب بدين ثم عت ثم مات) (¬1) الأب فإقرارة باطل عند سحنون والعراقيين وفى قول أشهب جائز. قال أهل العراق: ولو أن رجلا من أهل الأرض أسلم ثم أقر فى مرضة الذى مات فية بدين لرجل ثم والى صاحب الدين أحدهما فإقرارة جائز، وهذة مناقضة، لأنة عندهم يورث بهذة الولاية فقد أقر لوارث وجاز إقرارة عندنا، إذ لا يورث بهذة الولاية فى قولنا وإذا مرض المأذون فأقر لأربعة لكل واحد بألف فباعة سيدة من أحدهم بألف درهم والعبد المريض ثم مات المشترى وأخذ الغرماء وارثة واكتسب العبد فى مرضة مالا ثم مات فليقسم ذلك بين غرمائة الثلاثة يضرب كل واحد [9/ 263] ¬
فيمن أقر بدين
منهم بألف ويضرب وارث الميت المشترى للعبد المعتق لة بدينة أيضا وهو ألف فى قول أشهب لأنة دين ثبت لة قبل أن يشترية. قال سحنون: يضرب فى مالة الثلاثة الذين لم يشتروة ويضرب أيضا الوارث بدينة إن كان الوارث غير الذى أعتقة من قبل أن ملكة لة لا يبطل دينة عن عبدة وقد مات وهو غير وارث، وإن كان وارث الميت المعتق هو وارث العبد لم يضرب بدين الذى أعتقة لأنة قد صار وارثا لة. وفى كتاب الوصايا يأتى من هذا المعنى / وفى باب إقرار أحد المتفاوضين من 94/ظ كتاب الإقرار إقرار الصحيح لوارث المريض ونحوة من معنى هذا الباب فيمن أقر بدين من كتاب ابن سحنون واختلف فى إقرار المريض لقاتلة بدين فلم يجزة أهل العراق إذا مات من مرضة (¬1) وجعلوة كالوارث وقالوا: إن كان يوم أقر ليس بصاحب فراش فإقرارة جائز. قال أشهب وسحنون: إذا أقر الأجنبى بدين ثم قتلة بعد الإقرار أو جرحة قبل أن يقر ثم أقر ولم يزل صاحب فراش حتى مات أو كان مقبلا ومدبرا ثم مات فذلك سواء لأن الإقرار ثابت لة، فإن جرحة قبل أن يقر لة ثم أقر لة فلا يتهم أن يكون إنما جرحة ليموت فثبت علية إقرارة لأنة لو لم يجرحة ثبت علية إقرارة لأن إقرارة قد كان ثبت علية لو لم يمت فذلك جائز علية كان الجرح قبل أن يقر أو بعدة كان قد لزم الفراش أو كان يقبل ويدبر. قال محمد: والقياس على أصلهم أنة إن أقر لوارث بدين فى صحتة ثم قتلة الوارث عمدا أو خطأ أن ذلك يلزمة لأنة إقرار قد ثبت. [9/ 264] ¬
في الذي يقر بعبد لرجل ثم إن الرجل أقر لابن المريض أو وهبه أو باعه منه
وإذا جرح من يرثة جرحا عامدا فية بنفسة فأقر لة المقتول بمال فذلك جائز لأن قاتل العمد لا يرث من مال ولا دية. ولو كان الجرح خطأ ثم مات منة بطل إقرارة لأنة لم يرث من مالة خاصة فإن تضم الدية إلى تركتة ويقضى الإقرار عليها فما أصاب الدية لزمة فية الإقرار ويبطل ما سواة، فقد خالفت (¬1) مالكا، وفى كتاب الوصايا / باب مستوعب فية قول مالك وأصحابة فى ذلك وأن ذلك جائز 95/وإن كان خطأ فعرف أنة قتلة وإن كان عمدا لم تدخل الوصية فى ديتة إن صولح عليها بعد موتة. فى الذى يقر بعبد لرجل ثم إن الرجل أقر لابن المريض أو وهبة أو باعة منة أو مات الرجل فصار وارث المريض وارثة أو أقر أنة حر أو أنة أعتقة من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر مريض لعبد فى يدية أنة لفلان فقال فلان بل هو لابن المريض ثم مات المريض فإقرار المريض فى ذلك باطل وكذلك الإقرار بالمال أو بوديعة أو عارية أو قراض، ولو باعة منة المريض بثمن هو قيمتة وتقابضا ثم باعة المبتاع من وارث المريض أو وهبة لة أو مات فصار وارث المريض وارثة وللمريض ورثة سواة فهذا كلة جائز لأنة لم يصل إلى الأول إلا بثمن. ولو أن المقر لة بالعبد أقر أنة حر الأصل أو أقر أنة أعتقة ولا مال للمريض غيرة فإقرارة جائز والعبد حر بخلاف قولة أنة لا يلزم المريض لأنة أصرف الأمر إلى ما لا يجوز، ولو أنة قال: إنة لفلان الأجنبى جاز قولة أو قال هو مدبر أو مكاتب لزمة الإقرار وكذلك إن كانت أمة فأقر أنها أم ولدة يريد للمريض. [9/ 265] ¬
في المريض يقر على ابنه الميت بدين أو أنه أعتق عبدأوالمريض مديان أو غير مديان
فى المريض يقر على ابنة الميت بدين أو أنة أعتق عبدا والمريض مديان أو غير مديان وكذلك إن أقر بعد ذلك بدين على ابنة / من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر المريض أن لفلان على ابنة ألف دينار 95/ظ وفى يدية دار لابنة وعلى المريض دين معروف فى صحتة فإقرارة جائز كالصحيح وغرماء ابنة أحق بدار ابنة من غرمائة، ألا ترى لو هلك الأب وعلى الابن دين يغترق مالة وميراثة فأقر بودائع عند أبية بعينها أو أقر لرجل بدين على أبية قبل قيام غرماء الابن على الابن فذلك جائز ويأخذ أهل الودائع ودائعهم ويكون أهل دين أبية أحق بما ترك إذا كان من أقر لة حاضرا غير غائب. وأما إن قاموا بتفليسة فلا يجوز إقرار حينئذ، وقال غيرنا: دينة الذى علية فى الصحة أولى من غرماء أبية. قال محمد: ولا يعدو إقرار بدين أبية أن يكون جائزا وغير جائز، فإن جاز لزم ذمة أبية وصار غرماؤة أحق بتركتة، وإن كان غير جائز فلا شىء لغرماء أبية مما فضل. وإذا أقر المريض أن لفلان على فلان ألف درهم وعلى المريض دين فى الصحة ثم مات فلان والمريض وارثة وترك ألف درهم ثم مات المريض فإن كان تمادى المريض على ذلك الإقرار بعد موت فلان فأهل دين فلان الذين أقر لهم المريض أولى بمالة من غرماء المريض، وإن أنكر ذلك الإقرار بعدما ورث المال فإن مال الأول بين غرماء المريض لأن المريض أقر فى حال لا يجوز إقرارة وإنما كان شاهدا يرجع عن شهادتة فإن لم يسمع منة بعد موت الميت إنكار ولا إقرار فلا شىء لغرماء الميت والمال لغرماء المريض، (المقر) (¬1) لأن ذلك / الإقرار لم يكن إقرار ايلزمة 96/ويومئذ إنما كان شهادة. [9/ 266] ¬
وقال من خالفنا: يكون مال الميت من غرماء المريض لأن المريض أقر فى حال لا يجوز إقرارة، وكذلك لو أقر المريض بدين هذا الرجل بعد موتة وقد أجمعنا أنة لو أقر بذلك فى صحتة وبعد موت الآخر أو بدين الآخر أو بدين ابنة فى صحتة بعد موت الأب فذلك جائز، ويكون دين أولئك أحق بهذا المال من غرماء المريض. وإذا أقر المريض على ابنة لرجل بدين وفى يد المريض ألف درهم لأبية ولا دين علية وقال ولفلان ألف درهم يوصل كلامة فهى بينهما نصفين فى إجماعنا، وكذلك لو قال على أبى لفلان ألف درهم وهذة وديعة عندنا لفلان لزمة ذلك وصاحب الوديعة المعينة أحق بها. قال أشهب: إذا أقر الوارث فقال لفلان من الدين على أبى كذا ولفلان وديعة كذا عندة وذلك جميعا تركتة فلكل واحد ما أقر بة ولا يصادق بينهما بدا بالوديعة فى إقرارة أو بالدين، لأن إقرارة لهما جميعا معا على نفسة، ولو أقر لأحدهما بعد الآخر رأيت أن يبتدىء من بدأ بالإقرار لة إلا أن يكون ممن تجوز شهادتة فيحلف معة الذى أقر لة آخرا فيقضى بما أقر لة بة من وديعة أو دين. قال سحنون: الجواب صحيح إلا قولة لو أقر لأحدهما قبل صاحبة رأيت أن يبتدىء من بدأ الإقرار ألا يكون ممن تجوز شهادتة فإن هذا ليس بشىء. قال: فلو أقر فقال على أبى ألف درهم دين فإن دفعها إلية بقضاء / قاض 96/ظ ثم أقر بعد ذلك لآخر بدين على أبية لم يكن للثانى دين إذ لم يكن لابنة مال غير ذلك والابن غير عدل، فإن كان عدلا وحلف معة المقر الآخر دخل مع الأول فى الألف ولا ضمان على الوارث، لأن القاضى قضى بالمال ولو أن الوارث دفع المال بغير قضية ثم أقر لآخر بمثل ذلك ضمن لة الوارث خمسمائة التى كان يضمنها من الألف. قال أشهب فيمن ملك أبوة ولا وارث لة غيرة فقال هذة وديعة لفلان عندة ودفعها إلية ثم قال بعد ذلك إنما هى لفلان معة أو لفلان دونة وأنة قد أخطأ فإنة [9/ 267]
ضامن لفلان ما أقر لة بة من تلك الوديعة لأنة دفع فاستهلك سواء كان عدلا أو غير عدل ولم يدفعها كانت للأول ولا ضمان علية للثانى لأنة شاهد على الميت. ولو قال لفلان على أبى ألف درههم لا بل لفلان فإن القاضى يقضى بها للأول ولا ضمان على الابن ولا شىء للثانى. (ولو دفعها الابن للأول بغير قضاء ضمن مثلها للثانى) (¬1) ومن شهد أن لفلان على زيد ألف درهم فجحد زيد ثم مات والشاهد مريض وهو وارث زيد وعلى الشاهد دين فى صحتة ثم مات الشاهد وقد ترك ألف درهم ورثها عن زيد ففيها قولان: أن غرماء زيد أحق بها من غرماء الشاهد، لأنة أقر أنة لا ميراث لة منة للدين الذى اغترق تركتة، والقول الآخر: إن غرماء الشاهد أولى بها لأن (إقرارة بدين) (¬2) لم يكن يلزمة لو رجع عنة. ومن شهد على زيد أنة أعتق عبدة / وهو يجحد ثم مات زيد والشاهد وارثة 97/وفابن القاسم يعتقة بالقضاء وإن كان مريضا، ولا ينفعة رجوعة. وقال المغيرة وأشهب: لا يلزمة ذلك إلا أن يتمادى على إقرارة بعد أن يملكة فعلى قولهما إن ملكة وهو مريض فتمادى على إقرارة عتق فى ثلثة. قال ابن سحنون: وهذا قول أهل العراق إلا أنهم يقولون إن لم يدع غيرة عتق ثلثة واستسعى فى قيمة الثلث وإن كان علية دين محيط بيع فية لأهل الدين وإنما خالفهم المغيرة وأشهب فى الاستسعاء، ويقولان إن لم يدع غيرة عتق ثلثة ورق ثلثاة وإن أحاط بة الدين بطل عتقة. وبعد هذا باب فى إقرار الوارث على أبية بدين وفى كتاب الوصايا من هذا المعنى. [9/ 268] ¬
فيمن أقر بقبض الدين من وارث أو من غير وارث
فيمن أقر بقبض الدين من وارث أو من غير وارث أو بقبض كتابة مكاتبة أو بقبض ما صالح علية فى نفس أو جرح وكذلك إن كان مديانا وفى إقرار المأذون فى مرضة بقبض دين من سيدة من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر بقبض دين لة على وارث من ورثتة لم يجز إقرارة فى إجماعهم وكذلك الزوجة بقبض صداقها المعلوم من زوجها فى مرضها الذى ماتت فية لا يجوز. قال محمد بن عبد الحكم: ولو مات الذى أقر لة المريض من ورثتة بقبض الدين منة فورثة المريض جاز إقرارة لأنة صار غير وارث. ومن كتاب أحمد بن ميسر قال: قال / مالك: إذا أقرت الزوجة فى 97/ظ مرضها بقبض صداقها من زوجها فإن كان لها الولد من غيرة ولا يتهم فإقرارها جائز، وإن كانت تورث كلالة لم يجز إقرارها إلا أن يكون زوجها قد مات قبلها فقولها مقبول. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقبل قولها، يريد إذا مات قبلها بعد إقرارها. ومن كتاب ابن سحنون: وقال فى الزوجة المريضة لو أقام الزوج بينة أنة دفعة إليها بنعاينتهم فى مرضها بقبضتة فإنة يبرأ بذلك. قال سحنون: ومعاينة القبض أمر يقبل وليكشف القاضى عنة، فإن صح عندة أن ذلك رجع إلية أبطلة وإن لم يتبين لة أجازة واللة حسب من ظلم. وإن أقرت فى مرضها أنها قد كانت قبضت منة فروى أشهب عن مالك أن ذلك لة ولكن إن صحت لزمها الإقرار ولا ينفعها إن قالت إنما أقررتة بذلك حيفا. وقال أشهب فى مريض لة دين على وارثة وقد تكفل بة الأجنبى فأقر أنة قبضة من وارثة أو من كفيلة فلا يصدق ولو كان الدين على الأجنبى والوارث كفيل بة [9/ 269]
فأقر بقبضة فى الأجنبى فههو كالأول. وأنكر ذلك سحنون وقال: لو أوصى بة للأجنبى (لجاز فى ثلثة فكيف بهذا. قال ابن سحنون: إن كان الأجنبى) (¬1) مليا بة فكما قال سحنون، وإن كان غير ملى فهو يقع لوارثة وإقرارة باطل إن مات من مرضة، وأما إن أقر أنة قبض ذلك من الوارث فإقرارة باطل، قال أشهب: / وإذا كان الكفيل أجنبيا فأبطلت 98/وإقرار المريض بقبض الدين فقال الكفيل برئت من الحمالة إذ لست بوارث فإنة لا يبرأ منها حتى يسقط الدين كما لو أوصى بذلك الدين لوارثة لم تسقط الحمالة بذلك. وقال ابن المواز: إذا كان لة دين على وارثة بحمالة أجنبى فلما مرض أسقط حمالة الأجنبى وذلك سواء كان الوارث موسرا أو معدما لأنة لم يسقط من حقة شيئا عن الوارث وليس إسقاط الحمالة مما ينفع وارثة بشىء. قال: وكذلك لو أقر فى مرضة أنة قد استوفى حقة من وارثة لسقطت الحمالة عن الحميل. قال ابن عبد الحكم: إن حمل الثلث المال قلا لم يسقط الحق عن الوارث. قال ابن المواز: ولو أقر أنة قد استوفى الحق من الحميل وهو أجنبى جاز قولة وسقط الحق عن الوارث وسقطت الحمالة عن الحميل وكان الحق الذى على الوارث للحميل بمنزلة ما لو أوصى لة لأن الوصية بة لة من ثلث مالة والإقرار بة لة من رأس المال. قال ابن سحنون: وإذا كان دين على وارث وأجنبى وكل واحد منهما كفيل بصاحبة فإقرارة بقبضة ذلك منهما باطل كما لو أقر لهما بدين، هذا قول أشهب. وقال ابن القاسم: يجوز إقرارة بحصة الأجنبى خاصة ويغرم الوارث حصتة ولا يرجع بشىء من ذلك على الأجنبى، فإن كان عديما ودى عنة الأجنبى / (ثم يرجع بة علية فإن لم 98/ظ [9/ 270] ¬
يكن واحدا منهما كفيلا عن صاحبة فأقر أنة قبض حصة الآخرين) (¬1) فذلك جائز فى إجماعهم. وإن كان كل واحد حميلا بصاحبة فأقر المريض بقبض جميع الدين من وارثة فذلك باطل، وإن قال من الأجنبى بطل إقرارة فى حصة الوارث وبرىء الأجنبى من حصتة إن كان الأجنبى مليا وإن كان عديما بطل إقرارة وكان لورثة أحدهما بالمال ولو أقر أن أجنبيا تطوع بدفع حصة الوارث بطل إقرارة فى إجماعهم. وكذلك لو أقر أن الوارث أحالة بة على رجل دفعة إلية عن الوارث فقبضة منة. قال ابن المواز: إذا كان دين المريض على وارث وأجنبى فأقر أنة قبضة منهما وبعضها حميل ببعض فإن كان الأجنبى عديما لم يسقط من الحق شىء والحمالة بحالها ويؤخذ من الوارث جميع الحق ويرجع على الأجنبى بما غرم عنة وكذلك إن كان الوارث اليوم عديما لأنة قد يتيسر قبل الأجنبى، ولكن إن كان الأجنبى مليا سقط عن الأجنبى ما علية من الدين والحمالة واتبع الوارث بحصتة وإنما ينظر فى هذا إلى يسر الأجنبى وعدمة كان كان الوارث مليا أو عديما، ولو أقر أنة قبض حقة من الأجنبى جاز إقرارة كانا مليين أو عديمين أو أحدهما. قلت: فإن كان الأجنبى عديما فلم يقبل قول الميت وأغرمت الوارث ما لزمة ولزم الأجنبى واتبع الوارث الأجنبى هل للأجنبى الرجوع بذلك على الورثة بما أقر وليهم أنة قبضهم من الأجنبى؟ قال: لا، لأن إقرارة / قد سقط ألا بالتهمة. 99/وقال ابن المواز فى مريض لة على ابنة مائة دينار فأقر فى مرضة الذى مات فية أنة قبضها من فلان الأجنبى دفعها عن الابن فليسأل الأجنبى فإن قال قبضتة من مالى صدق وصدق الأب، فإن قال من مال الابن لم يصدق هو ولا الأب ويغرمها الابن ثانية للورثة ويرجع بها على الابن دفعها بلا بينة يبرأ بها الأب، ولو مات الابن قبل أبية ولم يترك وارثا يرث أباة صدق الأب والأجنبى وبرىء من حق الأب. [9/ 271] ¬
ولو قال الأجنبى: إنما دفعها إلى الأب من مالى وصدقة الأب جاز قولهما ولم يبرأ الولد ويغرم الأجنبى ما ودى عنة. قال ابن سحنون: ومن أمر رجلا ببيع خادنة فباعها من ابن الآمر (فذلك جائز وإن مرض الآمر مرضا مات منة فأقر الوكيل حينئذ أنة قبض الثمن من ابن الآمر) (¬1) فدفعة إلى الآمر فقد قيل إنة لا يصدق وإن صدقة المريض أنة ابن الوارث، وفيها قول آخر: إن الوكيل مصدق فى قبض الثمن وفى دفعة إلى المريض صدقة المريض أو كذبة لأنة أمينة ومأمور بالبيع والوكيل على البيع مأذون لة فى قبض الثمن مصدق فية وهذا الذى ذكر ابن المواز فى كتابة. وأما لو أقر المريض أنة قبض من أبية بغير علم الوكيل فلا يصدق ولا يبرأ منة الابن. وقال ابن المواز: وإن قال المريض قبضتة من الوكيل قبل إقرارة إلا أن يكذبة الوكيل فيبقى الحق ثابتا على أبية ولو صدقة الوكيل برىء الابن وكان للوكيل طلب الابن بة إلا أن يقر الوكيل بقبضة من الأب، ولو قال الوكيل قبضتة من الابن وضاع / منى لصدق وبرىء الابن. 99/ظ قال ابن سحنون: ولو كان الوكيل هو المريض والآمر صحيح فأقر الوكيل بقبضة من الابن ودفعة إلى الآمر فهو مصدق ولا ينفع الآمر إنكارة وإن كان الآمر وارث المريض الوكيل ومات من مرضة فإنة مصدق، لأن المال ليس لة وقد أقر أنة قبضة من المبتاع ودفعة إلى الآمر فهو أمين ومصدق وقد وهم من قال إنة لا يصدق فى هذا، وإن كان المشترى وارث البائع وليس بوارث للآمر فالآمر والمأمور مريضان فأقر المأمور أنة قبضة ودفعة إلى الآمر فذلك جائز فى إجماعهم. وكذلك إن قال: ضاع منى فأما إن قال قبضتة ولم أدفعو وهو فى مالى فلا يصدق فى إجماعهم ويغرم المشترى الثمن لأن المال يلزمة ها هنا وكأنة أمر (¬2) أن [9/ 272] ¬
يودى من مالة عن وارثة، وذكر ابن المواز هذا القول. وقد قيل إن الوكيل ها هنا مصدق. قال محمد بن المواز: والقول الأول أصوب عندى. قال ابن عبد الحكم: ولو باع الوكيل من ابن نفسة ثم مرض فقال قد قبضت من الثمن ودفعتة فهو مصدق وابنة برىء لأنة مال غيرة، وكذلك إن قال: قبضتة من أبى ولم يقل دفعتة إلى الآمر فالابن برىء، وقد قال بعض الناس: لا يبرأ فى هذا الابن، ويبرأ إن قال أبوة قبضتة ودفعتة إلى الآمر وقد ضاع منى ولا فرق بين هذا (¬1). وقال ابن سحنون فى مريض علية دين محيط بمالة فأقر بقبض دين لة على أجنبى فذلك جائز إذا كان الدين فى الصحة فى قول / سحنون وكثير من 100/وأصحابنا وأهل العراق. فإن كان الغريم أخا للمريض فأقر المريض بقبض الدين منة وللمريض ولد يحجب الأخ ثم مات الابن قبل الأب ومات الأب وأخوة هذا وارثة مع إخوة لة فلا يصدق فى قول سحنون وأهل العراق، ويصدق فى قول أشهب. وكذلك إن أقر مريض مسلم أنة قبض دينة من ابنة النصرانى ثم أسلم الابن ثم مات المريض فلا يصدق عن سحنون وأهل العراق ويصدق عند أشهب، لأن الإقرار وقع فى وقت لا يتهم فية كما لو أقر لوارثة فى صحتة حيث لا يتهم. قال سحنون وابن المواز: وإذا أقر مريض بقبض دين دين لة على زوجتة ثم طلقها ثلاثا فانقضت عدتها فلا يجوز إقرارة لأنها ترثة. قال ابن المواز: سواء كان دينة من جرح أو خلع أو مبايعة أو من أى وجة كان. قال سحنون: ولو صح صحة بينة ثم مرض ثم مات لزمة إقرارة. [9/ 273] ¬
وإن أقر لأخية بقبض دين ثم ولد لة من حجبة جاز إقرارة فى إجماعهم لأنة غير وارث. وإذا كان على المريض دين محيط فإقر فى مرضة أنة أقرض رجلا ألف درهم وهو جميع ما ترك ثم قال المريض قد استوفيتها منة، فهو مصدق فى غير الوارث ولا يصدق فى الوارث، وكذلك الصديق الملاطف. وقال غيرنا: الأجنبى والوارث والصديق الملاطف سواء ولا يجوز ذلك حتى تعاين البينة القبض. وكذلك لو باع أمة بمثل القيمة فى المرض وأقر بقبض الثمن من المبتاع فذلك جائز / فى غير الوارث. وغيرنا لا يجيز إقرارة بالقبض إذا كان علية دين فى 100/ظ الصحة. وإن باع المريض من الوارث دارا أبطلنا إقرارة بالقبض منة. ويقال للمشترى إن مات المريض انقد الثمن وخذ الدار فإن أبى ألزمناة ذلك وتباع علية فية الدار إن لم يكن لة مال فإن نقص شىء أتبع بة. قال ابن عبد الحكم: وإن قال مريض ابتعت من ابنى هذة السلعة وقبضها منة ودفع الثمن إلى الابن فقبضة منة وأقر الابن بذلك فعلى الابن رد الثمن إن مات الأب من مرضة. (محمد وهذا على أنة لم تقم بينة على الشراء أو على بيع الابن من الأب وما علم الابن موتهما فلهذا يرد الثمن بعد موت الأب من مرضة) (¬1). وقال غيرنا: الوارث وغيرة فية سواء. ويقال للمشترى إن مات المريض انقد الثمن. وكذلك إن قالا فسخنا البيع وبعنا الدار لغرماء الميت. قال ابن القاسم: وإذا أقر المريض أنة قبض فى مرضة من مكائبة جميع الكتابة، والكتابة فى الصحة ويرثة ولدة فإقرارة جائز. وإن لم يرثة ولدة فإن حملة ثلثة جاز إقرارة كما لو أعتقة وإن لم يحملة الثلث لم يقبل قولة. [9/ 274] ¬
قال سحنون: إذا اتهم لم يجز إقرارة حملة الثلث أو لم يحملة لأنة أراد بة رأس المال ولا يكون فى الثلث إلا ما أراد بة الثلث. وقالة أيضا ابن القاسم. وإن كاتبة فى مرضة فأقر بقبضها فى المرض والثلث يحملة جاز ذلك. وإن لم يحملة خير الورثة بين إمضاء كتابتة أو يعتقون ثلثة إن لم يدع غيرة ورق ثلثاة. قال سحنون: الكتابة فى المرض من الثلث لأنها عتاقة فهو موقوف بنجومة. وإذا اختلعت المرأة من زوجها وهو مريض وأقر بقبض الخلع منها / فلا 101/ويصدق فى قولنا لأنها ترثة (وغيرنا يجيزة لأنها لا ترثة) (¬1) عندة إذا لم يكن علية دين فى الصحة ولا فى مرضة. وإذا صالح فى مرضة من دم عمد أو جرح عمد على مال فأقر بقبضة فى مرضة فذلك جائز فى إجماعهم. وإن كان على وارث لم يجز فى إجماعهم، وكذلك إن كفل بة وارث فى قول أشهب وأهل العراق. وقال سحنون وابن المواز: وإذا أقر العبد المأذون المريض بقبض دين لة على مولاة فإن كان على العبد دين لم يجز إقرارة إن مات من مرضة (. وأهل العراق قالوا إن لم يكن علية دين جاز ذلك) (¬2).قال ابن سحنون: وكذلك فى إقرار المكائب لسيدة وإن كان لة على مولاة طعام فأقر بقبضة وترك وفاء بالكتابة ولة ورثة غير مولاة فإنة يصدق، فإن كان علية دين يحيط بمالة لم يجز إقرارة، وإن كان فيما ترك وفاء بالدين والكتابة بدا بالكتابة وجاز إقرار لسيدة بقبض الدين منة كان سيدة وارثة أو غيرة. قال: وإذا كان للمريض دين وعلية دين فى صحتة فأقر بقبض دينة فى مرضة فذلك جائز فإن أداة فى مرضة فأقر فى مرضة بقبضة صدق فى قول [9/ 275] ¬
في الإقرار بقبض الوديعة والمضاربة من الوارث وغيره
سحنون وأصحابنا ولم يصدق فى قول غيرنا، وإن لم يكن علية دين صدق فى إجماعنا. قال محمد: إذا لم يتهم فى الورثة فى إقرارة بقبض الدين لم يتهم فى إقرارة مع أهل الدين. ومن هذا فى كتاب الوصايا. فى الإقرار بقبض الوديعة والمضاربة من الوارث وغيرة من كتاب ابن سحنون / ونحوة فى كتاب ابن المواز، وقال فى المريض يقر فى 101/ظ مرضة أنة قبض من بعض ورثتة وديعة كانت لة عندة أو عارية مما لا يضمن أو بضاعة أو مضاربة، وكل ما كان بمعنى الأمانة فهو مصدق فية بخلاف الديون. قال ابن المواز إلا فيما دفعة إلية ببينة فلا يصدق فية كما لو ادعى الوارث ردة لم يصدق إلا ببينة مع يمين الأب، وقد قيل إنة لا يصدق الأب فى إقرارة وإن دفع ذلك إلية لأن الابن لو قال تلفت منى (¬1) لصدق مع يمينة وهذا أحسن. قال سحنون: والعارية المضمونة فلا يصدق فيها، ولو قال الوارث رددت إليك الوديعة والقراض وأنكر ذلك المريض، فالوارث مصدق إن قبض ذلك بغير بينة، ولو كان ذلك من ثمن متاع باعة لة من غير وارث فقال قبضتة ودفعتة إليك أو قال ضاع منى فهو مصدق، فكذلك إن قبض من المريض دراهم يشترى لة حاجة فقال قد فعلت ودفعتها إليك فهو مصدق ولو كان إنما أمرة أن يقبض ذلك عنة فى دين فقال قد قبضتة وكذبة الغريم فالوارث ضامن إلا أن يقيم بينة بالدفع ولو صدقة المريض لم يبرأ بذلك الوارث من الضمان، ولو أمرة بتقاضى دين لة فقال الوارث قبضتة ودفعتة إليك فإن لم يقيم الغريم بينة بقبض الوارث لم يبرأ وإن أقام بينة برىء ثم هو مصدق أنة دفع ذلك إلى المريض، ولو كان وكيلا مفوضا إلية صدق فى القبض من / الغريم وبرىء المطلوب كذبة المريض أو صدقة. 102/و [9/ 276] ¬
وإن وكلة ببيع شىء فباع فأتى لقبضة ثم قال قبضت الثمن ودفعتة إليك أو ضاع منى فهو مصدق مع يمينة وعلية اليمين فى كل ما جعلناة فية مصدقا وإن كان متهما كان المريض حيا أو ميتا مديانا وغير مديان صدقة أو كذبة. وإذا مات المريض فقال وارثة كانت لة عندى وديعة فدفعتها إلية فهو مصدق ويحلف إن كان متهما وكذلك البضاعة والمضاربة ما لم يعمل بهما فإن عمل بهما لم يصدق فى الدفع لأنة إقرار صلة أمانة فلما حركة خرج من الأمانة إلى الضمان، وهذا قول أشهب وسحنون. وقال ابن القاسم: لا يضمن أقر بتحريكها أو لم يقر فإن كان المين أقر فى مرضة أنها مضاربة أو بضاعة وأقر الوارث بالعمل أو التحريك ففيها قولان: أحدهما أن الوارث ضامن لإقرارة بتحريك ما أصلة أمانة ولا ينفعة تصديق المريض أحدهما أن الوارث ضامن لإقرارة بتحريك ما أصلة أمانة ولا ينفعة تصديق المريض إياة، والقول الآخر أنة مصدق مع يمينة، وكذلك لو قال دفعت إلى الورثة أنصباءهم من ذلك فهو مصدق فى هذا القول، وفى القول الآخر لا يصدق، ولو باع لأبية المريض عبدا فأقر أبوة أنة أمرة بذلك ثم مات الأب من مرضة فقال الابن قد قبضت الثمن ودفعتة إلى أبى فإنة لا يصدق لأنة لم تثبت لة الوكالة إلا بإقرار الأب فى المرض وهو فى القول الآخر مصدق ويحلف. ولو كان عند عبدة وديعة لبنة فقال قد رددتة لة فهو مصدق كان / الأب 102/ظ صحيحا أو مريضا، وأما لو غصبة ابنة عبدا فقال الأب فى مرضة الذى مات قد قبضتة منة ومات عندى فلا يصدق فى إجماعهم وكذلك فى كل شىء مضمون (وكذلك ما أنفق الابن من الوديعة ثم أقر الأب المريض بقبضها منة وكذلك فى العارية والمضاربة إذا خالف فيها فضمنها. وقال ابن القاسم: إذا أنفقت الوديعة ورددت ما أنفقت فى مكانة ثم قال الأب بعد ذلك قد قبضت منة الوديعة فهذا مصدق لأن المودع عبدة يبرأ برد ما أنفق منها.) (¬1). [9/ 277] ¬
في إقرار الوارث بدين على الميت أو بوديعة أو بأنه أوصى بوصية والوارث مديان أو غير مديان
فى إقرار الوارث بدين على الميت أو بوديعة أو بأنة أوصى بوصية والوارث مديان أو غير مديان وكيف إن أبرأ غريم ابنة من كتاب ابن سحنون قال أشهب وسحنون: ومن مات عن ولد واحد وأقر بدين على أبية لرجل فعلية أن يقبضة من تركتة إلا أن يزيد فلا يلزمة إلا ما ترك أبوة. ولو قال لفلان على أبى ألف درهم ولفلان ألف درهم ولم يترك غير ألف درهم فإن وصل كلامة فهى بينهما كان عدلا أو غير عدل. قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك إن قال لهذا علية مائة دينار ولهذا مائة وديعة بغير عينها فليتحاصا فى ضيق تركتة. وقال ابن سحنون قال أشهب وأهل العراق: وإن أقر بدين على أبية ثم أقر بعد ذلك بدين آخر على أبية فى غير كلام متصل بدىء بدين الأول لأنة لا يقدر أن يرجع عنة. قال أشهب: وإن كان عدلا وجاء بعذر بة فيما رجع عنة / جاز قولة 103/ووحلف معة الثانى فإن نكل فالمال للأول. وأنكر سحنون قولة وقال: إن رجع عن الأول ثم أقر فشهادته الثانية باطل كما لو شهد رجلان بدين على رجل فلم يحكم بذلك متى قالا وهمنا بل هو رجل آخر وكذلك في الوضية بالعتق لعبد بعينه ثم يقولون لا بل هذا هو فالشهادة باطلة وينبغى في الإبن أن الأول أحق بالتركة حتى يستوفي. قال ابن المواز: ولا وارث له غير ابنه وللميت مائة ديناؤ دين على رجل لم يدع غيرها فإقرار الإبن أن الأب قد قبضها قبل موته ثم قام رجل على المت بمائة ديناء دينا فأقر له بها الإبن فإن لم يكن للقائم بذلك بينة إلا اقرار الإبن بعد إقراره الأول سقط دين الميت. ولو قامت به بينه سقط إقرار الابن أولا ورجع غريم الأب على من عليه دين الأب بالمائة فأخذها منه وكذلك لو أقر الإبن أن أباه أعتق عبدا [9/ 278]
في صحته ثم طرا غريم له قبل الأدب دين من قيمة العبد ولم يترك غير العبد فإن أقام الطارئ بينة بدينة بطل عتق العبد وبيع في الدين سواء كان عتق العبد باقرار الابن أو بينة على الميت أنه اعتقة. قال: وإن كان عتقه باقرار من الابن والدين باقرار من الابن فلا يرد العتق ولا يرجع الغريم على الابن بقيمة العبد لآنه شاعد واحد ثابت على شهادته ولم يتعد وأما لو أبعد هو عتقه قبل أن يقر بالدين فبعد أن ثبت عتقه أقر أن لهذا على أبيه دينار دينا يغرم قيمتها حتى يأخذ منها / الغريم دينه 103/ظ إلا أن يثبت الدين ببينة فلا يغرم الابن شيئاً، يعنى ويرد العتق. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب وسحنون: ولو أقر بوديعة بعينها عند أبية ولفلان بدين على أبيه فرب الوديعة أحق بها والدين فيما بقي من نركته ولا حصاص بينهما لا تبالى من بدأ به الذكر. ولو أقر اولا لأحدهما ثم أقر للآخر فالأول يبدأ إلا أن يكون عدلا فليحلف معه الآخر ويكون له ما أقر له به من وديعة أو دين. وذكر ابن عبد الحكم مثله ثم قال وفيها قول انه أن اقر بالوديعة بعينها وبالدين معا أنهما يتحاصان فيها وهذا الذكر الذي ذكر ابن عبد الحكم ليس بقياس. قال ابن سحنون: ولو قال لفلان على أبي ألف درهم لا بل لفلان، قال سحون: يقضي بها للأول ولا يقضي للثانى بشئ. وقال أشهب: إن كان عدلا حلف مع الثانى وقضي له، يريد ويتحاصان. قال سحنون: لا تجوز شهادته فإن دفع الألف إلي الأول ضمنها للثانى لأنه أتلف مال الثانى ورجع عن شهادته للأول وهذا إجماع. قال أشهب: وإن قال أوصي أبي بالثلث لفلان ثم قال بل لفلان أو قال يشرك فلان معه فالثلث للأول في الوجهين ولا شئ للآخر، ولو وصل كلامه كان الثلث بينهما نصفين، ولو قال: أوصي به لفلان ثم قال أو لفلان فهو للأول لا يقضي بع بكلامه، ولو دفعه له ثم قال لا بل لفلان فإنه يتضمن للثانى مثله ولا يصدق على الاول ولو لم يدفعه إلي الأول ثم دفع إلي قاض فليقض به للأول [9/ 279]
ولا يضمن الوارث ها هنا لأنه شاهد /، ولو أقر لفلان بالف درهم ثم سكت ثم 104/وقال ولفلان ألف ثم أعطاها للأول بغير قضية فإنه يضمن للثانى خمسمائة وكذلك قال ابن عبد الحكم. وقال: ولو دفعها إلي الأول ثم قال بل هى لفلان يغرم للثانى ألفا ولا يؤخذ شئ من الأول، قال: ولو قال له رجل هذه الوديعة التى ترك أبوك لى وقال آخر: إن على أبيك دين ألف درهم فصدقهما قال سحنون: فرب الوديعة أحق بها في قولنا. قال أشهب: وإن قال الوارث وليس معه غيره: هذه وديعة لفلان ثم قال ولفلان معه فإن وصل قوله فهى بينهما وإن لم يصل قوله ف، لم يكن عدلا أو كان عدلا ولم يحلف معه الثانى فهى للأول وإن كان عدلا حلف معه الثانى وكانت بينهما ولا يضمن المقر شيئا لانه لم يدفعها حتى ذكر ما علم فيها. ولو أقر الثانى أنها له أو شريكا مع الأول بعد أن دفعها إلي الأول فإنه يضمن للثانى ما أقر له به كان عدلا أو غير عدل في هذا. قال ابن الحكم: ومن ترك ولدين فأقر أحدهما أن لفلان على ابيهما مائة دينار فأنكر الآخر والمقر غير عدل وقد ورثا مائتين فليعط المقر خمسين دينارا من حصته. وقال النعمان: يعطيه المائه كلها ولا يرث وعلى ابنه دين فقلنا الميت لم يثبت عليه بإقرار هذا فإنما عليه حصته منه. وقد قال النعمان في نصرانى مات عن ولدين على دينه فأسلم أحدهما بعد موته ثم أقام النصرانى بينه نصارى بدين على الميت أنى أقضي بنصفه في حصة الولد / النصرانى وأبطل النصف وهذا خلاف أصله وكيف يرث وقد ثبت على أبيه 104/ظ الدين عندك ويلزمه أن يؤدى الدين كله من حصة النصرانى أويرجع إلى قولنا. قال ابن سحنون: فإن ترك ثلاثه ىلاف درهم وثلاثة بنين وأخذ كل ابن الفا ثم قال رجل على أبيكم ثلاثة آلاف درهم وصدقة الأكبر في ذلك وصدقه الأوسط في الفين وصدقه الأصغر في ألف فإن كانوا عدولا أخذ ألفا بشاهد ثم [9/ 280]
ألفا بشهادة اثنين وألفا بيمينة مع شهادة الأكبر، فإن كان الأكبر وحدة عدلا حلف معة وأخ\ الثلاثة آلاف، وإن كان الأوسط وحدة عدلا أخذ من الأكبر ألفة ومن الاوسط ثلثى ما معة ويحلف مع شهادة الأوسط ويأخذ من الأصغر ثلثى ما فى يدية. وإن كان الأصغر وحدة عدلا فليأخذ ألف الأكبر وثلثى ألف الأوسط ولم يأخذ من الأصغر إلا ثلث ما فى يدية، وكذلك لو لم يكونوا عدولا، وإن لقى الأصغر أولا والآخران عديمان فليقض لة علية بجميع الألف ثم إن أيسر الأوسط ولقية والأكبر عديم أو ملى غائب قضى علية بالألف التى فى يدية، ثم إن لقى الغريم الأكبر وهو ملى ولقية معة أخواة فليأخذ منة الغريم الألف التى فى يدية، ثم إن كان الأكبر عدلا حلف الغريم مع شهادتة وسلم لة كل ما أخذ، وإن لم يكن عدلا رجع الأوسط على الغريم بثلث ما أخذ منة ورجع علية الأصغر بثلثى ما أخذ منة إن كان الأوسط غير عدل. وإن كان / عدلا حلف مع شهادتة ولم 105/ويرجع علية الأصغر إلا بثلث ما أخذ منة. وإن لقى الأكبر أولا ما أخذ ما بيدة، فإن كان عدلا حلف مع شهادتة إذا لقى الأوسط والأصغر وأخذ ما بأيديهما فإن لم يكن عدلا أو نكل وهو عدل فإنما يأخ\ من الأوسط ثلث ما بيدة. وإن كان عدلا ولقى الأصغر حلف مع شهادتة الأوسط وأخذ ثلثى ما بيد الأصغر فإن نكل أو كان الأوسط غير عدل أخذ ثلث ما بيد الأصغر. وإن لقى الأوسط أولا أخذ منة ألفة ثم إن لقى الأصغر بعدة حلف مع شهادة الأوسط إن كان عدلا وأخذ من الأصغر جميع ما بيدة، وإن نكل أو لم يكن الأوسط عدلا أخذ من الأصغر ثلثى ما بيدة فثلثا بإقرارة وثلثا آخر عن الأكبر لأنة مقر أنها على أبية فنقل لهذا عليك منها ثلثها ثم إن لقى الأكبر جميعا وهو عدل حلف معة وأخذ من الأصغر الثلث الباقى ومن الأكبر جميع ألفة ولم يرجع علية الأوسط بشىء، فإن نكل أو كان الأكبر غير عدل أخذ منة ألفة ورجع الأوسط على الغريم بثلث ما أخذ منة فيرجع علية الأصغر بنصف ما أخذ منة. [9/ 281]
ومن هلك عن ولدين وترك ألفين فأخذ كل واحد ألفا فأقر أحدهما أن على أبية خمسمائة درهم فإن كان عدلا حلف الطالب وأخذها فإن قضى لة بها ثم أقر أن علية لآخر ألف درهم فليقض عليهما بذلك على كل حال فأخذ خمسمائة. (وإن كان المقر الواحد غير عدل أو أبى الطالب أن يحلف معة أخذ من حق المقر لة ما ئتين وخمسين./ ولو أقر الأول بألف كاملة وحلف معة الطالب وأخذ من المقر يريد لغيبة 105/ظ أخية، ثم أقرا جميعا بألف ثانية فليقض لصاحبها بالألف التى بيد الثانى إن كان مليا ولا يرجع على أخية بشىء. وإن نكل الطالب أولا مع شاهدة أو كان غير عدل أخذ منة ما بيدية من الدين وهو) (¬1) خمسمائة ويخرج المقر الأول الذى أقر بألف لواحد وللثانى مع أخية بألف فلا يرث شيئا ولا يرجع على أخية بشىء ولواحد من الولدين كل واحد ألف ثم أقر لواحد بمائة درهم على الميت وأقر أحدهما بمائة درهم وذلك بعد إقرارة للأول فإن مائة الأول عليهما نصفين. ولو أخذ من أحدهما رجع غارمهما على أخية بنصفها وينظر فى المائة الأخرى، فإن حلف الطالب مع المقر بها إن كان عدلا أخذهما منهما وإن نكل ولم يكن المقر عدلا أخذ من الذى لة قدر منابتة من المائة وذلك خمسون درهما. وكذلك لو بدأفأقر لهذا وحدة ثم اجتمعا على الإقرار للآخر فإن حلف الطالب مع شهادتة ثبتت مائة كما تثبت مائة الآخر، وإن نكل أو لم يكن المقر عدلا فإن للمقر أولا خمسين درهما من حصة من أقر لة والمائة الأخرى من مالهما نصفين، ولو أقر بألف على الميت لرجل وأقر أحدهما لآخر بألف وكان إقرارهما معا فيأخذ الذى أقر لة بالألف خمسمائة من كل واحد فإن كان الثانى عدلا حلف الطالب معة وأخذ من كل ابن خمسمائة أيضا، وإن نكل أو كان المقر غير عدل / أعطاة من أقر لة خمسمائة وهو ما بقى فى يدية ولو لم يرجع على أخية منها 106/و [9/ 282] ¬
بشىء ولو لم يحضر إلا الذى أقر لة الواحد فحلف معة قضى لة بالألف التى بيدة، يريد لغيبة أخية، ثم إن قدم الآخر فقدم أخاة قضى له بالألف التى بيده، يريد لغيبة أخية، ثم إن قدم الاخر فقدم أخاه قضي له بالألف التى في يدية يريد كلها ولا يرجع واحد من الأخوين على أخيه بشئ، ولو كان الذي أقر للواحد غير عدل أو نكل الطالب عن اليمين فإنما يقضي له عليه بخمسمائة ثم إن قدم الآخر أخذ من الأخويين ألفاً من كل واحد خمسمائة، ولو أن أقرا له جميعا قدم الذي أقر له ولم يقر لغيره وهما عدلان قضي له بدينه كله وأخذ الألف من هذا الملي الخاص، ثم إن جاء الغريم الآخر وشهد له أخوه وهو عدل حلف معه وأخذ منه الألف ولا يرجع أحد منهما على أخيه منهما أخيه بشئ، وإن يحلف أو كان المقر له غير عدل لم يض لهذا الذي أقر له الواحد إلا بخمسمائة ويرجع عليه أخوه الغارم الألف بخمسمائة أخري. وكذلك إن كانت التركة دنانير والدين أو كانت التركة مما يكال أو يوزن والدين كذلك وإذا مات عن عبدين وترك ولدين وأخذ كل ابن منهما عبدا بالقيمة ثم أقر أن أحد العبدين وديعة لفلان وهو الذي أخذه الأصغير وأقر الأكبر وحده أن الذي صار له وديعة لفلان فيلزمهما الإقرار بالذي في يد الأصغير أنه لفلان ثم ينظر فإن كان الأكبر عدلا حلف معه الطالب وأخذ العبد الذي في يديه فإن نكل أكان اغبن غير عدل لم يكن للمقر له / بالعبد الذب بيد الأكبر إلا حصته منه. 106/ظ قال محمد بن عبد الحكم: ومن مت وترك ولدين وثلاثه آلاف درهم فاقتسماها فقال أحدهما لفلان عندى ألف درهم وقال الآخر كلك لفلان ولفلان آخر عند أبي ألفا درهم فإنه يقال للمقر بالألفين ادفع للرجلين ألف درهم بينهما نصفين ويقال للمقر الواحد ادفع إليه خمسمائة مما في يدك ثم إن طرأ للمين ألف درهم فاقتسماها الاثنان فليس للمقر لهما من ذلك شئ لأن الذي أقرأ له جميعاً أخذ بجميع حقه فالآخر إنما للآخر بألف فأعطاه حصته مما في يديه منها وهو خمسمائة. [9/ 283]
وكذلك لو طرأ للميت أكثر من ألف ولو طرأت زوجة لم تقر بشىء مما أقر بة الاثنان والتركة ثلاثة آلاف قد اقتسماها الاثنان فصار لها ثمن ذلك فسقط ثمن ما أقرا بة من الدين فيدفع الابن المقر لرجلين تسعة أثمان ألف وهو ثمانمائة وخمسة وسبعون، ويدفع الإبن المقر للواحد أربعمائة وسبعة وثلاثين درهما ونصفا للذى أقر لة وهو سبعة أثمان خمسمائة. وإذا مات رجل وترك اثنى عشر دينارا وترك ابنين وزوجة فأوصى بالثلث فأقر الابنان بدينار دينا لرجل على أبيهما ولم تقر الزوجة يريد والابنان غير عدلين ولا يولى عليهما فإنا نخرج الثلث أربعة دنانير كأنة لا دين علية وتبقى ثمانية تأخذ المرأة ثمنها دينارا والباقى سبعة دنانير بين الابنين، والابنان قد أقرا أن دينارا دينا فيقال لهما فعلى إقراركما لو أخرج / الدينار من التركة كان الباقى أحد عشر تخرج 107/وثلثها ثلاثة دنانير وقيراطين الباقى بينكما على هذا ستة دنانير وثلث وقيراطان الفاضل هذا بأيديكما نصف دينار وقيراطان فادفعاها إلى صاحب الدين فإن مات ولم يرثة غير وارث واحد وترك مائة دينار فأقر الابن أن لفلان على أبى مائة دينار يدفعها ثم قام آخر ببينة أن الميت أوصى لة بالثلث فإن الحكم يقضى لة بثلث المائة التى أخذ (المقر لة) (¬1). قال أبو محمد (¬2): يريد إن لم يكن المقر عدلا يقض للثالث بشهادتة مع يمينة. ومن كتاب ابن المواز: ومن مات وترك ولدا لا يرثة غيرة وعلى الابن دين محيط فأقر أن أباة أوصى بثلث ما لة فى عتق وغيرة أو على أبى دين لفلان ولفلان مما إن صدق لم يبق وفاء لدين الابن فقد اختلف فيها ابن القاسم وأشهب فقال ابن القاسم: إقرارة جائز فى ذلك كلة ما لم يكن قام علية غرماؤة قبل إقرارة فذلك جائز فيما أقر بة من دين على أبية أو وصية لأنة ممن لا يتهم علية. وفرق أشهب بين إقرارة بدين على أبية وبين إقرارة بالوصية فجعل إقرارة بدين أبية لازما [9/ 284] ¬
فى تركة. قال محمد: يزيد ما لم يقم غرماؤة وتفليسة لأنة لو أقر بدين على نفسة لزمة. قال أشهب: وأما إقرارة بوصية أبية فلا يجوز بعتق ولا بغيرة لأنة لو فعل ذلك الابن فيما يملك لم يجز لأن ما ترك أبوة قد صار لة. وقول أبى القاسم أحب إلى لأن إقرار الوارث كأنة قال لا حق لى فى الثلث وهو لفلان من أبى قبل أن يصير / لى وليست كعطية من الابن إذ لا تبطل بموتة قبل حيازتها. 107/ظ ولقد قال أشهب فيمن أقر أن أباة أوصى بثلثة أو بأكبر منة وأنة أجاز وصيتة ولا دين على الأب ثم مات بعد أن شهد بذلك على نفسة وعلى الابن دين كثير إن ما أقر بة الابن من وصية أبية نفسة فيما يقر بة من مال أبية لأنة أقر فى وقت يلزمةفية إقرارة، وكذلك كل ما أقر بة أن أباة أوصى بة لأحد فهلك الابن قبل أن ينفذ ذلك واستهلك الابن تركة أبية ولم يوجد من تركة الأب شىء وعلى الابن دين وقد ترك مالا لا وفاء لة فإن الذين أقروا أن أباهم أوصى لهم يحاصون غرماء الابن (فى تركة الابن ولو وجد من تركة الأب شىء يعرف بعينة كان أهل وصية الأب أحق بة من غرماء الابن) (¬1) حتى يتم لهم وصية الأب، وإن عجز ذلك عن جميع وصيتهم حاصوا بما بقى لهم غرماء الابن فيما يوجد للابن لأن تلك الوصية صارت دينا على الابن حين استهلك التركة قبل تنفيذ وصية أبية. ومن هلك فترك ابنا لا يرثة غيرة وترك مائة دينار على رجل فقال الابن: قبضها منك أبى قبل موتة أو أبرأتك أنا منها بعد موتة أو وهبتها لك ثم أقر أن على أبية مائة دينار لآخر فلا يرد بذلك الابراء والهبة للغريم وأما إن قامت بها بينة فإنة يرجع بها على من كانت علية ولا شىء على الابن ولو لم تقم بينة فقال الطالب للابن أنت أتلفت الدين بإقرارك فلا يلزمة، أرأيت إن قال أبرأك منها أبى أو ليس لأبى عليك شىء أو أعتق عبدا تركة ثم أقر بدين على أبية؟ / وقد تقدم فى المريض 108/ويقر على أبية بدين فية من معانى هذا الباب. [9/ 285] ¬
في إقرار أحد الورثة بأن الميت أوصى بوصية أو أنه أعتق عبدا
فى إقرار أحد الورثة بأن الميت أوصى بوصية أو أنة أعتق عبدا من كتاب ابن سحنون: قال أشهب وسحنون: ومن ترك ثلاثة بنين فأقر أحدهم أن أباة أوصى بالثلث وقد اقتسموا التركة فإن الموصى لة يحلف مع المقر ويأخذ ما بيد كل واحد منهم. فإن لم يكن عدلا أعطاة ثلث ما بيدة فقط. ولو كانا ولدين حلف مع الذى شهد لة وأخذ ثلث ما بيد كل واحد فإن لم يحلف أو لم يكن الشاهد عدلا أخذ ثلث ما بيد الشاهد فقط. قال أشهب: وإن ترك ولدين وألفين إحدى إحدى الألفين دين على أحدهما فأقر الذى لا دين علية أن الأب أوصى لهذا بالثلث، فإن كان عدلا حلف معة وأخذ من الألف ثلثها وأخذ الابن الشاهد ثلثها وثلثها نصيب الذى علية الدين بين هذين نصفين قضاء بما لهما علية لأن لكل واحد منهما علية ثلث الألف التى علية. وإن نكل أو كان الشاهد غير عدل كانت هذة الألف لهذا الابن وللآخر الألف التى علية ويرجع الموصى لة على هذا المقر بثلث ما فى يدية. ولو ترك ابنين وألفين فأخذ كل ابن ألفا ثم أقر كل واحد لرجل غير من أقر لة صاحبة بوصية الثلث فإن لم يكونا عدلين أعطى كل واحد لمن أقر لة ثلث ما فى يدية وإن كانا عدلين متفقى العدالة أو متفاضلين حلف كل واحد مع شاهدة وقسم الثلث بينهما، / فإن نكل أحدهما فالثلث للحالف ولا شىء للناكل على 108/ظ صاحبة إذا لم يبق بيدة من الثلث شىء ولو دفع كل ابن ثلث ما فى يدة لمن أقر لة ثم أقر كل واحد منهما أن ما شهد بة أخوة حق فإنة يضمن لمن كان شهد لة أخوة نصف ما دفع إلى من أقر لة. وإذا مات عن عبدين وابنين وقيمة كل عبد ألف فأخذ كل ابن عبدا على القيمة فأقرا جميعا أن العبد الذى صار للأصغر أعتقة الأب فى صحتة وأقر الأكبر أن أباة أعتق العبد الذى فى يدية فى صحتة فليعتق الذى أجمعا علية من رأس المال ويبطل إقرار الأكبر للعبد الآخر لأنة شاهد واحد ولا يلزمة عتق صحتة [9/ 286]
فيمن قتل عمدا وترك ولدين فعفا أحدهما عن دمه ثم أقر أحدهما بدين على أبيه
فيصير كعتق الشريك بغير تقويم، فإن ملكة يوما عتق علية وإلا أمرا جميعا ببيعة فما صار للمقر من ثمنة أمر أن يجعل ذلك فى عتق وقد قيل يعتق العبدان ويضمن الأكبر للأصغر نصف قيمة العبد الذى فى يدية، لأن الأصغر دفع إلية نصف العبد الذى فى يدية بنصف العبد الذى أخذة الأصغر فلما اجتمعا على عتق الذى بيدة الأصغر عتق ورجع الأصغر فى نصف العبد الآخر، فلما أتلفة الكبير بإقرارة بحريتة غرم لأخية نصف قيمتة، وهذا الباب منة فى كتاب الوصايا باب مستوعب. فيمن قتل عمدا وترك ولدين فعفا أحدهما عن دمة ثم أقر أحدهما بدين على أبية وقد ترك أبوة مالا أو لم يترك وكيف إن ترك ورثة غيرهما؟ وكيف إن أقر مع ذلك بأخ؟ /قال أبو محمد: وفى هذا الباب فى كتاب التفليس كلام مستوعب من 109/وهذا المعنى. ومن كتاب ابن المواز: ومن قتل عمدا وترك ولدين فعفا أحدهما على غير شىء فليأخذ الذى لم يعف من القاتل نصف الدية فى ثلاث سنين فإن ترك المقتول مائة دينار وعلية مثلها دين ببينة فإن المائة مقسومة على مائة التركة وعلى الخمسمائة التى أخذها الذى لم يعف فوقع على العافى فى الخمسين التى ورث ثمانية دنانير وثلث وكذلك إن كان الدين أكثر من مائة جعل منة على كل مائة جزؤها. قال أحمد بن ميسر: إذا كان القتل خطأ فعفا أحد الابنين عن الدية وقد ترك الميت مائة ببينة أو بإقرارهما لعجل الدين من المائة التى ترك لأن الدين حال والدية منجمة. [9/ 287]
وكذلك إن كان المقر عدلا وحلف معة الطالب فإن كان المقر هو العافى وليس بعدل فليدفع إلية نصف المائة العين إن كان فية وفاء، فإن لم يكن فية وفاء نظر فإن كان العفو بعد أن أقر بالدين بيع منة يريد من حظة من الدية المنجمة بقدر ما يجب علية من الدين وسقط عن أهلة ما بقى، ولو أقر بالدين بعد العفو يضمن ما بقى منة والعفو ماض ولو كان المقر هو الذى لم يعف لأخذ ما فى يدية من مال أبية إن لم يكن عدلا إن كان فية وفاء بقدر ما يصيبة من دين أبية لو أقرا قال ابن المواز (¬1): وإن كان الدين ستمائة فأكثر / فحينئذ لا شىء للذى 109/ظ عفا ولا للذى لم يعف ويكون ذلك كلة للغرماء. قال: ولو أقر أخو العافى بأخ لأعطاه ثلث ما بقي من ثلث الدية وثلث التركة بعد الدين، وكذلك لو كان الدم خطأ ولو كان أيضا أقر بدين على أبيه لأعطاه جميع ما بيده إن بلغ الدين ذلك لأنه لم يرث معه غيره من الدية شيئا فكأنه لا وارث للميت غيره فإقراره بأخ يوجب أن يعطيه ثلث ما في يديه وأما في الدين فلا يكون بيد وارث شئ من تركة أو دين إلا والدين أحق به، ثم رجع محمد فقال: ليس على الذي لم يعف إذا أقر على الميت بدين لرجل إلا أن يعطيه نصف الدسن، لن الدية وإن كانت من عمد فقد صارت للوارث لازمة للقاتل ويطلب الغريم لو كانت له بينة على الدين كالوارثين يبقي أحدهما ولو لم يعف أخذ من الولدين فأقر أحدهما بأخ وبدين فالجواب سواء، إلا أنه يقال للمقر بأخ قد صار لك النصف من دية إن كانت ومن مال غيرها والذي والذي لك الثلث من غيرها فسلم مازاد عليه إلي هذا، كان المقر عدلا أو غير عدل، وفي إقراراك بالدين يخرج النصف إلي من أقررت له به وينبغي أن يحسب الدين عليك وعلي الوارث معك فيخرج مما صار إليك بقدره من الدين إن ورثت النصف أخرجت نصف الدين وإن ورثت الثلث فثلت الدين إلي مبلغ ما بيدك ولو كان المقر بالدين عدلا حلف معه الطالب واستحق ويأخذ من الورثة ما بقي / من دينه إلي مبلغ ما بأيديهم. 110/و [9/ 288] ¬
وإذا كانا ولدين فعفا أحدهما عن دين أبيه العمد فعلي الذي لم يعف نصف الذي يريد فيما يأخذ من نصيبه من دية أو تركة على أحد القولين الذي ذكر، وإن كانت الدية من خطأ أو كان عمدا فعفا أحدهما بغير شئ ثم أقر العافي بدين على أبيه فإن كان عدلا حلف معه الطالب ورجع الطالب على القاتل وعلي المنكر بالسواء (¬1) يستوفي دينه فإذا كان على أحدهما فأقر الذي لم يعف بأربعمائة دينار على الأب فعلي المقر منهما مائتان يريد فيما ورث. فإن كان عدلا حلف معه الطالب وقضي له في الخطأ بمائتين على العاقلة وفي العمد على القاتل بمائتين. ولو كان هذا الدين بشاهدين لأخذ من الذي أقر له جميع الأربعمائة ثم للمأخوذ منه الرجوع على من ورث معه شيئا من الدية أو على العاقلة في الخطأ أو على القاتل في العمد. وكذلك لو لم يعف أخوه حتى أقر أحدهما بدين على أبيه يريد ثم عفا على جميع الدية فليس على المقر إلا نصف الدين فيما بيده من نصف الدية فيرجع الغريم (على المنكر فيحلفه على علمة، وإن كان المقر عدلا حلف مع الغريم) (¬2) ورجع على المنكر فيما في يديه من الدية أيضا. وكذلك في دية الخطأ إن عفا أحدهما وقد أحدهما بمائة دينار علة الأب فعلية نصف ما أقر به من الدين في نصف الدية فحصل له أربعمائة وخمسون. / وإن كانو ثلاثة ودي ثلث ما أقر به 110/ظ. ولو أقر بأخ دفع إليه ثلثما في يديه ويصير الباقي عنده ثلث جميع التركة. قال أبو محمد: وكل ما جري في هذه المسألة من أولها بالرجوع على القاتل بعد عفو أحدهما بدين يلحق فليس باصلهم، وكذلك أحد القولين الذين قال فيه لا يغرم الذي لم يعف إلي نصف الدين الذي لحق المقتول إذا لم يترك غير ما أخذ من الدية، والمسألة فيها اضطراب إلي ها هنا. [9/ 289] ¬
قال ابن المواز: وإذا ورث الميت أخر وأخت فأقر الأخ بدين على الميت فعليه ثلثا الدين فيما بيده، وإن أقر بأخ فليحبس ما في يدية خمس التركة ويدفع إليه ما بقي. وإن أقرت الأخت بدين فعليها ثلث ما أقرت به، ولو كانت زوجة فأقرت فعليها ثمن ما أقرت به. وسواء ورثوا (¬1) من دية خطأ أو عمد أو غير دية. قال: والمقتول عمدا إذا عفي عن دمه جاز ذلك ولاكلام لغرمائة وإن أحاط الدين. وكذلك إن ترك ولدين فعفا الولدان عن دمه، وأما إن عفا أحدهما على غير شئ لم يكن للآخر أن يعفو على غير شئ وعلى الميت دين وقد وجب بعفو الأول نصف الدية للولد الآخر فليس له أن يترك ذلك إن كان على المقتول دين يحيط بذلك وكذلك لو كان الدين على الولدين فعفوا (¬2) معا فلا قول للغرماء. وإن عفا واحد بعد واحد فلغرماء الثانى القيام إلا أن يكون على أبيه دين فغرماء أبيه أحق من غرمائه إلي مبلغ دينه. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: ومن قتل عمدا وترك ولدين وترك ألف درهم فعفا أحدهما على غير مال / يقضي للآخر بنصف الدية، فأقر الذي عفا 111/وبأخ وإنما في يديه نصف الألف درهم التركة فيقال اعطه ثلث ما بيدك. ولو أقر الذي لم يعف بزوجة الميت فقط وأنكر الآخر فليعطيها المقر ثمن ما بيده من التركة ومن الدية ولو أقر بها الذي عفا أعطي مما بيده من التركة ثمنه. ولو ترك ابنا وبنتا وزوجة وترك ثلاثة آلاف درهم وقد قتل عمدا وعليه دين ألف درهم فعفا الابن على غير شئ فقد اختلف في ذلك. فقال ابن القاسم وأشهب: لا شئ للبنات والزوجة حظهم من الدية. وروي أشهب عن مالك: أنه وإن عفا جميع البنين فللبنات حظهم من الدية وكذلك الزوجة، وبه أقول ولا أعلم روي عن مالك غيره. [9/ 290] ¬
قال ابن المواز: وقد روي عن مال مثل ابن القاسم وأشهب وروي عن أشهب القول الآخر والذي عليه من أدركنا من أصحاب مالك. قوله أن لاشئ للبنات إذا عفا جميع النين وكذلك في الموطإ قال ابن عبد الحكم على رواية أشهب عن مالك في مسالة الابن والبنت والزوجة وقد عفا الابن على غير شئ فإن للزوجة والبنت حظهما من الدية وذلك ربعها وسدسها وهو عشر أجزاء من أربعة وعشرين من الدية وذلك خمسة آلاف درهم للبنت ثلاثة آلاف وخمسمائة وللزوجة ألف وخمسمائة (¬1) يضم إليها التركة ثلاثة آلاف (¬2) تصير ثمانية آلاف / فخرج الدين من جميعها بالحصص فيقع على كل ألف مائة وخمسة 111ظ وعشرون فيبقي من مال التركة ألفان وستمائة وخمسة وعشرون فيكون ذلك بين البنت والزوجة على عشرة أسهم للزوجة ثلاثة وللبنت سبعة. قال ابن عبد الحكم في المقتول عمدا يترك ولدين يعفو أحدهما على غير شئ فأخذ الآخر نصف الدية ثم أقر العافي أن لفلان على أبيه دينا فليس على أخيه منه شئ إذا أنكر فإن أقر ودي جميع الدين بما أخذ، ولو أقر له بمثل نصف الدية فأخذها منه ثم أقام آخر البينة بدين على أبيه فليأخذ دينه كله من الذي قبض دينه بالإقرار فإن لم يكن له شئ طلب بذلك الابن الذي دفعه إليه إلا أن يكون دفعه إليه بقضية فلا شئ عليه، ولو ترك المقتول مائة وأخذ الذي لم يعف نصف الدية خمسمائة دينار وأقام البينة بدين مائة دينار على المقتول فالمائة الدين تخرج من ذلك كله بالحصص فيلزم الذي عفا نصف سدسها من الخمسين التى ورث ويلزم الآخر باقيها وكذلك لو لم تقم بها بينة وإنما أقر بها الذي عفا ولو أقر بها الذي لم يعف وحده لودي خمسة أسداسها ونصف سدسها، ولو أقر الذي عفا أن أباه أوصي بالثلث لدفع إلي الموضي ثلث ما في يديه لأن وصية الميت إنما تدخل فيما علم به الميت ولو كان المقر بالوصية الذي لم يعف لعطي للموصي له ثلث الخمسين [9/ 291] ¬
الذي أخذ بالميراث فقط ولا تدخل الوصية فيما بيده من دية العمدة لأن ذلك لم يعلم به الميت، ولو أقر بالمائة الدين فدفعا إلي الطالب / مائة الميراث ثم عفا 112/و أحدهما على غير شئ وأخذ أخوه نصف الدية فليرجع الذي عفا على أخيه فأخذوا أربعين دينارا وثلثي دينار لأنه إنما يلزم مائة الميراث من مائة الدين سدسها وباقيها ميراثا بينهما وخمسة أسداس الدين في نصف الدية الذي قبض الآخر، ولو ترك ابنين وبنتا فعفا أحد الابنين على غير شئ فإن الابن والبنت يأخذان ثلاثة أخماس الدية وذلك ستمائة دينار بعد إخراج ستة أسباع المائة الدين منها. وتودي المائة الدين من هذه الستمائة ومن المائة ماية التركة بالحصص إن أقرت الأخت معهما فعلي مائة التركة من مائة الدين سبعها وستة أسباعها على نصف الدية ثم يأخذ مما بقي من مائة التركة الأخ الذي عفا خمسين ما بقي منها ثم يضم باقيها إلي ما بقي من الستمائة فيقسمه الذي لم يعف مع أخيه على البنت والابنين. وإن أنكرت الأخت الدين وحلفت وأقر به الأخوان فإنما يأخذ من المائة التركة خمسها ومن الستمائة التى من الدين ثلثها وذلك أخذ عشرة أجزاء من خمسة وثلاثين جزءا وتبقي أربعة وعشرون جزءا عشرون دينارا فإنما يؤدي الأخوان من الدين حصة ذلك وليس عليهما أن يوديا حصة الأخت المنكرة. قال أبو محمد: يريد فيأخذ الطالب من دينه من الأخوين أربعة وعشرين جزءا من خمسة وثلاثين وذلك أربعة أسباعها وأربعة أخماس سبعها فيأخذ من الثمانين الباقية من مائة / التركة أربعة أجزاء من هذه الأربعة وعشرين جزءا وذلك 112 / ظ أربعة أسباع الدين وهو عشرون جزءاً من هذه الأربعة وعشرين. قال ابن عبد الحكم ثم ينظر ما بقي من الثمانين بعد ذلك فيقسمه الاخوان نصفين وما بقي من الأربعمائة فالذي لم يعف وحده. قال ابن المواز: وإذا كانا أخوين يعفو أحدهما وأخذ الآخر نصف الدية وقد ترك المقتول مائة دينار وعليه دين مثلها فطرأت أخت لهما فإن ثبت نسبها ببينة أخذ من القاتل مائة دينار تمام ثلاثة أخماس الدينة وذلك ستمائة دينار ومائة تركها فيقسم الدين على هذه السبعمائة دينار فيزول الدين من مائة التركة سبعها أربعة. [9/ 292]
فيمن أقر على رجل أجنبي، ثم مات الأجنبي والمقر وارثه
عشر دينار وسبعا دينا الباقى خمسة وثمانون وخمسة أسباع دينار فترجع فيها البنت بخمسها ولكل ابن خمساها ويرجع على الذى لم يعف بثلث ما بقى من الستمائة دينار التى من الدية. قال ابن المواز: فإن كانت هذة البنت لم يثبت نسبها بالبينة وإنما أقر بها الذى عفا على غير شىء فلا يؤخذ من القاتل شىء بسببها وإنما لها خمس ما يحصل بيد المقر بها من مائة التركة بعد إزالة ما وقع عليها من مائة الدين وقد حصل بيدة بعد زوال حصة الدين منها اثنان وأربعون دينارا إلا ثلثا فيدفع إليها من ذلك ثمانية وثلثا، وإن كان الذى أقر بها لم يعف فليعطها خمس ما بيدة من مائة التركة بعد زوال الدين منها ويعطيها ثلث ما بقى بيدة من نصف الدية بعد زوال ما لحق / 113/وذلك من الدين، لأن نصف الدية لم يرث فية العافى شيئا فإنما هى نصيب من لم يعف من الدية، فلو ثبت نسب البنت لأحد من القائل مائة سادسة فكانت بين الابن والبنت الذى لم يعفوا على الثلث والثلثين. قال أبو محمد: وهذة المسألة التى لابن المواز كتبت من قولة: وإن كان الذى أقر بها الذى لم يعف على ما فسر لى من أصولهم وهى فى الأمم مشكلة. فيمن أقر على رجل أجنبى ثم مات الأجنبى والمقر وارثة ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر لفلان علية بألف درهم أو على فلان ثم مات فلان والمقر وارثة أو غير وارثة وترك مالا أو لم يترك فإن الإقرار يلزمة، يريد لأن هذا كالرجوع فى قولة أو على فلان. وكذلك لو أقر بذلك بعد موت الميت إلا أنة إن أقر بة بعد موت الميت وهذا وارثة وقد ترك مالا فذلك يلزم المقر إن شاء فى مالة وإن شاء فيما ورث، وإذا أقر أن لفلان على فلان ألف درهم ثم مات فلان والمقر وارثة ولا دين علية فإن تمادى على إقرارة بعد موت الميت فإن الدين يكون فى ميراث الميت، وإن رجع عما أقر بة وقال قلت باطلا لم يكن للمقر بة فى مال الميت شىء. [9/ 293]
في إقرار الوصي بقبض ديون الميت وبغير ذلك وإقرار الوكيل
فإن كان على الميت دين فى الصحة أو فى المرض والمقر غير عدل فالغرماء أحق بما ترك إن تمادى المقر على إقرارة، فأما إن رجع وهو عدل أو غير عدل فالغرماء أحق بما ترك. وإن كان المقر عدلا ومضى على إقرارة فإن حلف الطالب مع شهادتة حاص الغرماء بما أقر لة بة فإن نكل فالغرماء أحق بمال الميت ولا ينفعة / تمادى المقر على 113/ظ إقرارة لأنة لا ميراث للمقر حتى يأخذ الغرماء، فإن بقى لة ميراث بعد الدين جاز إقرارة للمقر لة إن تمادى على إقرارة. وإن رجع لم يؤخذ بما تقدم من إقرارة، قال من خالفنا فى الذى أقر أن لفلان علية ألف درهم وعلى فلان ثم مات فلان والمقر وارثة وترك مالا فإن الإقرار يلزمة إن شاء فى مالة أو فى مال الميت. قال محمد: وإنما يصح هذا إن تمادى المقر على إقرارة بعد موت وارثة، فأما إن رجع فالإقرار يلزمة فى مالة، وقد أجمعوا على أنة لو قال لفلان على ألف درهم لا بل على فلان أو بل على فلان فإن المال يلزم المقر ولا يصدق على قولة بل على فلان. فى إقرار الوصى بقبض ديون الميت وبغير ذلك وإقرار الوكيل من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر الوصى أنة قبض جميع ما للميت على فلان ولم يذكر كم هو والورثة صغار ثم قال إنما قبضت منة مائة درهم وقال الغريم كانت على ألف فقبضها ولا بينة بينهما ولا للميت بينة على الأصل فالقول قول الوصى مع يمينة أنة ما قبض إلا مائة ويؤخذ الغريم بتسعمائة. وأما إن قامت بينة بأصل الدين أنة ألف فالوصى لها ضامن بإقرارة أنة قبض جميع ما للميت على هذا بخلاف إقرار الغريم بالألف بلا بينة إذا كان إقرارة بعدما أشهد الوصى بالاستيفاء فإن كان الغريم أقر قبل إقرار الغريم بالاستيفاء ثم أقر ولم يسم كم قبض ثم قال إنما قبضت مائة درهم فإنة يلزمة الألف درهم وكل شىء / 114/و [9/ 294]
قامت بة البينة على الغريم فهو يلزم الوصى كلة. وكذلك الوكيل المفوض إلية فى قبض الدين هو كالوصى، وكذلك قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم. وقال أبو حنيفة: يبرأ الغريم والوصى وإن كان الدين بإقرار الوصى. وقالوا معنا: لو قال: قبضت من أصحاب الدين كلهم جميع ما لللميت عليهم فأقر جماعة بديون للميت فأنكر الوصى القبض من بعضهم فلا يبرأ ذلك الذى أنكرة الوصى مما علية وهذا متناقض، قالا: وإن قال الوصى: قبضت جميع ما للميت على فلان وهو مائة درهم فقال فلان بعد ذلك كانت على ألف درهم وقبضتها منى فالقول قول الوصى أنة ما قبض مائة ويؤخذ الغريم بتسعمائة. قال ابن سحنون: وليس الوكيل والوصى كالطالب نفسة، فلو أشهد الطالب أنة قبض جميع ما لة على فلان وهو مائة درهم وقال فلان كانت على ألف درهم وقد قبضتها منى فإن المطلوب يبرأ من جميع الألف والطالب مصدق على نفسة أنة قبض جميع حقة وأنة كذا وكذا ولا يصدق الوكيل والوصى أن جميع الحق (كذا) (¬1). قال ابن المواز: وإن قال الوصى بنصف ما كان للميت على فلان ولم يسمة والورثة صغار فإن فلانا يبرأ بقولة فإن أقر الغريم أنها كانت مائة وقال الوصى لم أقبض منك إلا خمسين وهى التى كتبت (¬2) عليك فلا يلزم الوصى غير ذلك ويحلف ويؤدى الغريم باقى المائة ولا ينبغى أن يكتب لة براءة من كل ما علية، وكذلك لا يكتب عن اليتيم براءة / جامعة، وإن أشهد الوصى للغريم أنى قبضت 114/ظ منك خمسين وهى جميع ما كان للميت عليك ثم أصاب بينة أن للميت علية مائة فلا يبرأ بذلك الغريم ويؤدى ما بقى. ولو قال الوصى: علمت أنها مائة وعلمت أن الميت قبض خمسين وأنا خمسين فكتبت لة البراءة من مائة فلا يبرأ الغريم إلا مما أقر الوصى بقبضة والوصى شاهد فيما قبض الميت، وقالة أشهب. [9/ 295] ¬
ولو أن الوصى هو عامل الغريم وكتب لة أنى قبضت كل ما عليك للميت، ثم قال إنما قبضت خمسين وقال الغريم بل مائة وقد أبرأتنى من كل ما على فلا شىء على الوصى غير ما أقر بقبضة فإن كبر اليتامى وطلبوا يمينة فذلك لهم ولا يلزمة من قول الغريم ولا على الغريم تباعة لقول الوصى أنة قبض كل ما كان علية إلا أن يسمى الوصى ما قبض ولا يبرأ الغريم إلا من ذلك العدد. ولو شهد هو أو غيرة أن هذا آخر حق كان للميت علية لم يجز ذلك إلا على إقرار الميت كما يشهد فى ملك الشىء، ولا يقولوا ما باع ولا وهب ولكن على العلم وللغريم أن يحلف الوصى فإذا أحلفة لم يكن لليتامى إحلافة بعد بلوغهم. قال ابن سحنون: وإن باع الوصى خادما للورثة فأشهد أنة استوفى جميع ثمنها من المشترى وهو مائة وقال المشترى بل هو خمسون ومائة وقد قبضها منى فالقول قول الوصى ويلزم للمشترى ما أقر بة للورثة. وكذلك قال ابن المواز، قال ويحلف الوصى، فإن حلف فلا يحلفة الصبى إن بلغ. قال ابن سحنون وقال غيرنا: لا يلزم المشترى شىء والوصى مصدق وليس لة طلبة بالخمسين لأنة أقر أنة قبض منة / جميع الثمن. 115/ووقال محمد بن عبد الحكم مثل ما ذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنة لا يلزم المشترى شىء لأنة لم يعامل غير الوصى وقد أقر الوصى أنة قبض منة كل ما كان علية. قال ابن سحنون: ثم نقض غيرنا قولهم هذا فقالوا معنا: إذا قال الوصى قد استوفيت منة مائة وهو جميع ثمنها وقال المشترى هو خمسون ومائة للوصى أن يتبعة بخمسين ها هنا لأنة إنما أقر بقبض مائة وفرقوا بين قولة استوفيت ثمنها وهو مائة وبين قولة استوفيت مائة وهو ثمنها، ولا فرق بين ذلك. وكذلك الوكيل البائع والمضارب البائع، ولو أن بائعا باع لنفسة فقال واشهدوا أنى قد استوفيت ثمنها وهو مائة أو قال مائة وهو ثمنها فذلك سواء لا يلزمة ولا يرجع على المشترى بالخمسين الباقية التى أقر بها، لأنة أقر على نفسة أنة قبض [9/ 296]
جميع الثمن بخلاف الوصى الذى إنما باع لغيرة فذلك أخذ المبتاع بإقرارة، وفرق أهل العراق أيضا فى البائع لنفسة بين قولة قبضت ثمنها وهو مائة وبين قول مائة وهو ثمنها ولا فرق بين ذلك. قال ابن المواز: وإن قال الوصى لا أقبض الخمسين من المشترى لعلمى أنها ليست لليتيم قال قد قيل يجبر على أخذها لأنة وصى قد قبل حياطة ما وجب لة كما لو علم أن الميت أقر فى ذكر لة أنها لفلان فعلية حياطتها، وقد قيل توقف الخمسون بين عدل إلى بلوغ الصبى ورشدة، وإذا أقر الوصى أنة قبض ما للميت على فلان / وهو مائة درهم ولم يقل الغريم إن علية أكثر منها ثم قامت بينة بمائتين 115/ظ فإن الغريم يغرم المائة الباقية ولا يصدق الوصى على إبطالها ولا يضمن غير ما قبض. وإذا قال الوصى: قبضت ما للميت عند فلان من وديعة أو مضاربة أو شركة أو بضاعة أو عارية ثم قال بعد ذلك إنما قبضت مائة درهم وقال المطلوب قبض منى ألفا وقامت بينة على ذلك فإن الوصي على ما قبض ويبرأ ويضمن المطلوب ما ذكر أنه دفعه إليه غير المائة التى أقر بقبضها وكل ما قامت به بينة أنه للميت عند هذا قبل إقرار الوصي فإن الوصي يضمنه بإقراره هذا ويبرأ به المطلوب. وغذا أقر أنه قبض كل دين كان للميت على الناس فأتي غريم للميت فقال قد دفعت إليك كذا وكذا فأنكر وقال ما علمت أن للميت عندك شيئا وما قبضت منك شيئا فإن كان هذا الذي بينه فالوصي ضامن له ويبرأ الغريم وإن لم تكن بينة لم يلزم الوضي ويحلف ويغرمة الغريم. وكذلك لو قال: قبضت كل دين له بالكوفة أو قال على قبيلة كذا فمثل هذا لا يلزمة قبض كل ما كان معروفا بالبينة على أصل الدين الغريم وكذلك إقرار الوكيل المفوض إليه بالقبض على هذا. وإم قال الوضي: قبضت ما على مكائب الميت من الكتابة وهو فلان فقال المكائب قبضت منى ألفا وهو جميع كتابتى وقال الوضي قبضت منك مائة درهم / فالوصي مصدق ويحلف ويلزم المكاتب تسعمائة في إجماعنا. [9/ 297]
قالوا جميعا: فلو قالت بينة إن أصل الكتابة الف درهم وإن المكائب أقر بها قبل إقرار الوصي بالقبض وقد أقر الوصي بقبض الكتابة ولم يسم دراهم ولا غيرها فإنه يلزم الوصي الألف كاملة في إجماعنا. ويعتق المكائب، وكذلك قال ابن عبد الحكم. قال ابن سحنون: وهذا من قولهم حجة عليهم فيما قلنا. ولو قال الوصي: الكتابة ألف درهم قبض الميت منها تسعمائة في حياتة إلا مائة وقال المكائب بل أن قبضت منى الألف وقامت بينة بإقرار الوصي أنه استوفي جميع ما على المكائب فإنه يلزم الألف في ماله بعد يمين الورثة مايعلمون الميت قبض ما قال وكذلك الوكيل في قبض ما عل المكاتب. قال ابن المواز: إذا قال قبضت ما على المكائب من الكتابة فيسأل كم هو؟ فقال: قد قبضت منه خمسائة والميت خمسمائة والكتابة ألف وقال المكائب بل الوصي قبض منى الألف فالقول قول الوصي ويحلف ويغرم المكائب خمسمائة وهو كذب شهادة الوصي له وليس قوله قبضت ما عليه من الكتابة كقوله قبضت منه الكتابة فإذا كان يعلم مبلغها قبضت منه الكتابة فها هنا يلزم الوصي الألف ولا يقبل قوله بعد ذلك قبض الميت منها خمسمائة ولو صدقة المكائب / في ذلك لم يلزمة ذلك ويغرم الوصي الألف ويرجع بخمسمائة على 116/ ظ المكاتب وهو حر بعد. قلت: وله أن يغرمها له وهو يعلم أنه منها برئ قال: نعم كما لو أن عليك مائة دينار بكفيل فوديتها بعلمه فجحدك الطالب (¬1) ووداها عنك الحميل فله أن يرجع عليك بها وهو يعلم أنك منها برئ. قال ابن عبد الحكم: وإن قال الوصي قد قبضت ما أقر مكائب الميت من الكتابة فقال الوضي هو خمسمائة وقال المكائب هي ألف وعلى المكائب بينة بألف لم يلزم الوصي إلا خمسون. [9/ 298] ¬
ولو قال المكائب: دفعت الميت خمسمائة وإلي الوصي مثل ذلك فقال الورثة قد أقررت أيها الوصي بقبض الكتابة لزم الوصي للورثة خمسمائة ويرجع للوصي على المكاتب بخمسمائة أو كان الوصي قد أقر بقبض جميع ما عليه من الكتابة. قال ابن سحنون: وكذلك إن قال الوصي قبضت ما للميت على فلان من الدين فقال الغريم هو ألف درهم دفعتها إليك وقال الوصي قد كان له عليك ألف درهم غير أنه قبض منك منها خمسمائة قبل موته خمسمائة فلا يقبل منه ويضمن الوصي الألف ويحلف الورثة على علمهم وكذلك الوكيل في قبض المال. وإن أقر الوصي أنه قبض ما لفلان الميت على الناس من دين استوفاه فلان ابن فلانن فقامت بينة أن للميت على رجل ألف درهم الوصي ليست هذه مما قبضت فإنها تلزم الوصي، وكل من قامت عليه بينة أن للميت عليه مالا فإنه / 117/ ويلزم الوصي ذلك لآنه أقر بقبضه في اجماعنا. قال غيرنا لأنه أضاف ذلك إلي رجل معروف قبضه منه قالوا ولا يشبه ذلك لو قال قبضت ما له على الناس ولم يضف ذلك إلي أحد. قال محمد: وهذا عندنا سواء والحكم فيه واحد في قول أصحابنا. قال ابن عبد الحكم: فقلنا لهم أرأيتم لو قال قضانى فلان عن جميع غرماء الميت ثم قال الوصي في بعض الغرماء لم يدفع إلي عن هؤلاء شيئا؟ قال فالوصي ضامن بإقراره بالقبض من رجل واحد، قلنا: فصار قوله قبضت من دافع دفع عنهم أقوي من قوله قبضت أن منهم وهذا فاسد. قال ابن سحنون: وإذا أقر الوصي أنه قبض جميع ما في منزل الميت من متاعه وميراثه ثم قال بعد ذلك هو مائة درهم أوقال خمسون أو خمسة أثواب وقال الوارث كان في منزله يوم مات ألف درهم ومائة ثوب وأقام البينة بذلك فهذا لا يلزم الوصي إلا ما أقر به لأنه يقول لم اجد له إلا ما قلت وكذلك إن أقر أنه قبض ما في ضيعته من الطعام وما في نخلة من التمر وزرع أرضه هذه ثم قال هو [9/ 299]
كذا وادعي الورثه أكثر فالوصي مصدق ويحلف إن اتهم فإن أقام البينة أنه كان في هذه الضيعه أكثر مما قال وفي هذا البيت أكثر مما سمي فلا يلزمه ذلك حتي يقولوا إنه قبض ذلك أو يقولوا إن هذا البيت في وقت قبض ما فيه الوصي كان فيه كذا وكذا وكذلك في الضيعة وكذلك في الوكيل يقر أنه قبض ما في نخل فلان وهو كذا / ويقول فلان هو أكثر ويقيم البينة فهو مثل هذا. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال الوصي قبضت جميع ما خلف فلان الميت في منزله من القمح ثم قال كان ألف إردب فأقام الورثة البينة أن الميت خلف في منزل ألفي إردب أنه يلزم الوصي الألفان. وقال ابن المواز: القول الوصي ويحلف، ومن يقول لعل ذلك كان والأحداث تحدث وهذا الذي وجدت وكذلك في الدنانير وهو نحو ما قال ابن سحنون. قال ابن عبد الحكم: ولو قال الوصي قبضت ما وجدت في منزله ألفي إردب فلا يلزم في هذا إلا ألف لأنه إنما قال ما وجدت إلا كذا فليس عليه غير اليمين. وإذا قال قبضت ما خلف الميت في نخله من التمر وذكر شيئا ادعي الورثة أكثر منه وأقاموا بينة أنه كان فيها كذا لزم الوصي ما أقاموا به البينة، وفيها قول آخر: أنه يحلف والقول قوله لأنه يسقط ويسرق ويذهب بغير وجه بخلاف إقراره بقبض الدين، وقد قبل في الوصي يقر بالقبض بلا تسمية (أنه لا يقبل منه إقرار بقبض) (¬1) ولا يبرأ الغريم بذلك. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال الوصي قبضت الدين الذي للميت على فلان وضاع مني فهو مصدق في القبض والضياع عند أصحابنا إذا كان الورثة مولي عليهم. [9/ 300] ¬
ولى الميت معاملتهم فية وما ليت أنا فية معاملتهم وقد ضاع منى فهو مصدق وما كانوا / فى ولايتة وقد برىء الغرماء، وإن أقر بهذا بعد أن ولى الشامى أنفسهم لم 118/ويبرأ الغرماء بذلك إلا أنة شاهد إن كان عدلا، وكذلك إن قال بعد رشدهم إنما قبضت ما وليت معاملتهم فية فلا يبرؤون إلا أن يخرجهم الوصى بوجة يبرؤون بمثلة وإلا غرموا ورجعوا بة على الوصى إذا لم يوثق ولم يشهد، وكذلك قولة قبضت كل ما كان على مكاتبة أو على غريمة أو كل ما كان لة على الناس فلا يلزمة إلا ما يقول أنة قبضة إلا أن تقوم بينة بأكثر منة. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الوصى قبضت ما على مكاتب الميت وهو خمسمائة فقال المكاتب قد دفعت إلى الميت خمسمائة فلا يعتق حتى يؤدى الخمسمائة. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: فإن قال الوصى: قبضت ما على فلان من الدين لفلان ولم يبنية فثبتت لة بينة على فلان مائة دينار فقال الوصى أنا قبضت منة خمسين وقبض الميت قبل موتة خمسين وكتبت لة براءة بمائة فصدقة الغريم، قال يغرم الغريم خمسين فإن لم يوجد عندة شىء أخذت من الوصى ورجع بها الوصى إلى الغريم. ولو قال الغريم: ما دفعت إلى الميت إنما دفعت المائة إلى الوصى برىء الغريم ولزمت الوصى لأنة ما ثبت على الغريم بينة وقد أقر الوصى بقبض ما للميت علية ويحلف الغريم أنة دفعها إلى الوصى. قال ابن المواز: إذا كتب لهم الوصى براءة / بمائة دينار منها خمسون قبضها 118/ظ الميت ومنها خمسون قبضتها أنا منهم والورثة صغار فلا يبرؤون إلا من الخمسين التى قبض الوصى وما قال الميت قبضة فهو فية كشاهد إن حلفوا معة برئوا من المائة إن كان عدلا. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن أقر الوصى أن صانعا كان استصنعة الميت شيئا من حلى يصنعة أو ثوبا يصبغة بجعل فقال الوصى قد قبضتة من الصانع بعد أن عملة فذلك يبرأ منة الصانع إن كان بين الورثة وكذلك لو واجر [9/ 301]
الميت على بناء يبنية فقال الوصى قد بناة وفرغ منة أو حفر بئرا وفى حكل متاع فاقر الوصى بعد موت الميت أنة فعل ذلك بعد موت الميت فالوصى مصدق. فإن قال قبل موت الميت فهو كشاهد يحلف معة الصانع إن كان عدلا. وإن قال الوصى قد كان دفع الصانع إلى الميت وأنكر الورثة لم يبرأ الصانع بقول الوصى، وإن قال قبضت منة ما استصنعة الميت وفى الورثة كبار فإن حق الأصاغر يسقط عن الصانع ويلزمة حق الكبار من ذلك لو أقام الصانع بينة بدفع الجميع إلية لم يبرأ من حق الكبار ويضمن الوصى حق الكبار أيضا لتعدية فية ويرجعون بذلك إن شاءوا علية أو على الصانع، فإن رجعوا بة على الوصى لم يرجع بما ودى عن الصانع وإن رجعوا على الصانع رجع الصانع بذلك على الوصى. وإن قال الوصى ضاع الجميع من يدى فلا يضمنون نصيب / الصغار ويضمنون حق 119/والكبار ويضمنة الصانع يرجعون بة على أيهما شاؤوا. وإذا قال الوصى: قبضت ذلك وهم فى ولائى وقد رشد الآن بعضهم فلا يصدق فى حصة من رشد. وإذا غرم الصانع حصة الكبار رجع بة على الوصى حين لم يتوثق بالإشهاد على الكبار فى دفعة إليهم. وإذا أقر الوصى أنة قبض دين الميت على فلان وفى الورثة ولد أكابر وزوجة فلم يجيزوا قبضة، فقبضة فى حصة الصغار جائز ولا يجوز قبضة على الزوجة والأكابر ولهم طلب الغريم بحظهم ويرجع الغريم على الوصى. ولو هلك الجميع بيد الوصى فنصيب الصغار منهم ونصيب الكبار ويرجعون بة إن شاءوا على الغريم ويرجع بة الغريم على الوصى. وإذا أقر الوصى أنة قبض ما للميت عند فلان من وديعة وقراض برىء بذلك فلان، يريد والورثة صغار، وإن أنكر الوصى لم يبرأ المودع والعامل. وإن كان أخذ ذلك من الميت بغير بينة لأنة دفع إلى غير اليد الذى دفعت إلية فلا يبرئة إلا البينة كما لا يبرأ الوصى بدعواة الدفع إلى اليتامى بعد بلوغهم إلا [9/ 302]
ببينة، والموكل بالبيع يقبل قولة فى قبض الثمن مع يمينة، لأنة ولى معاملتة وأذن لة فى القبض منة. قال ابن عبد الحكم: ولو قال الوصى قد اقتضيت ما للميت قبل فلان فطلبة بة الورثة فقال اقتضيتة فلم لى شيئا فذلك لة وعلية اليمين وقد يقتضى ولا يقبض. وكذلك إن قال: اقتضيت مالى قبل فلان فليس / بالإقرار بالقبض إذا 119/ظ حلف، وكل مدع بالدفع إلى الوصى ممن للميت عندة دين أو وديعة فعلية البينة إذا أنكر الوصى، لأنة دفع إلى غير من عاملة. وإذا كتب الوصى على الوارث أنى دفعت إليك نصيبك من كل دين تركة فلان على الناس فذلك يلزمة وإن لم يسمة. قال ابن المواز: وإذا أقر الوصى أنة قبض من غرماء الميت ما كان لة عليهم قبل موتة فذلك يلزمهم إذا كان على الورثة وإن لم يقر الوصى حتى ولى أيتامة أنفسهم لم يصدق وهو كشاهد للغرماء إن حلفوا وكان عدلا بهذا وإلا غرم الغرماء ورجعوا على الوصى إذا لم يتوقف. وإن كانوا صغارا فقال قد قبض الميت دينة فلا يبرأ وهو كشاهد كما ذكرنا وقالة أشهب. وإذا أقر الوصى أن الميت أوصى لفلان بالثلث فهو كشاهد، وإن شهد لمن لا يلى علية جازت شهادتة وحلف معة من يقضى لة، وإن دفع الوصى إلى أحد يتيمية ألف دينار بعد أن بلغ ورشد فقال هذا حقك ثم بلغ الآخر فطلب حقة فقال الوصى: حقك فيما أخذ أخوك وما كان لأبيكما عندى غيرها فلا يقبل منة ويغرم ألف دينار أخرى للثانى. فإن كان عديما لم يرجع هذا على أخية لأن الوصى أقر للأول أنة حقة فلم يتعد فيما قبض. وشىء من إقرار الوكيل فى باب جامع الإقرار فى البيع. [9/ 303]
في إقرار الأب على الصبي
فى إقرار الأب على الصبى / من كتاب ابن سحنون قال: وإذا أقر الأب أن ابنة الصغير غصب شيئا 120/وفإنما هو شاهد ولا يجوز إقرارة علية بذلك ولو أقر علية أنة تداين بدين لم يجز ذلك لأن مداينتة لا تلزمة. وكذلك إقرار الوصى (¬1) على يتيمة بمثل ذلك وكذلك إقرار الأب أو الوصى على من يلية من مغلوب على عقلة أو مجنون أنة تداين بدين فذلك غير لازم لة، وأما إقرارة علية بغصب أو جراحة أو لفساد قال: فهو فى ذلك كالشاهد لا كالمقر. إذا أقر علية بعتق أو طلاق لم يلزمة وإن أقر بة على ابنة الكبير أو ابنتة التيب فهو فى معنى الشاهد. وإن كان الأب عبدا والابن حرا لم يقبل إقرارة علية ولا شهادتة. ولو كان حرا والابن عبدا مكاتبا لم يجز إقرارة علية وكان كشاهد علية. فى الإقرار بالشركة المفاوضة والتداعى فى ذلك من كتاب ابن سحنون: ومن أقر فقال: فلان شريكى مفاوضة فقال فلان نعم أو قال أجل أو قال صدق أو هو صادق أو هو كما قال فهذا كلة واحد وهما شريكان فيما بيد كل واحد منهما من مال عين لهما أو دين أو لهما من دين أو بأيديهما من عروض أو رقيق أو حيوان أو ربع أو عقار أو أشقاص فى رقيق أو دار أو متاع وعروض من متاع التجار إلا ما بيد كل واحد مما يأكل من طعام وكسوتة وكسوة أهلة مما يلبسة / مثلة أهلة ويأكل ويلبس أهلة فهذا لة خاصة فى 120/ظ إجماعنا. قال ابن القاسم: وكذلك إن أقام كل واحد منهما بينة أن فلانا شريكة مفاوضة فإن كل ما بيد كل واحد منهما إلا ما أقام أحدهما فية البينة أنة لة [9/ 304] ¬
بميراث أو هبة أو صدفة إذا كان لة قبل أن يفاوضة وأنة لم يفاوض علية، يريد وأما ما ثبت ببينة أنة ورثة بعد المفاوضة أو وهب لة فهو لة خاصة. قال سحنون: والذى أقر بالمفاوضة إن من كان لة أم ولد أو مدبرة فلا تدخل فى المفاوضة، وأما المكاتب كاتبة أحدهما فإن الكتابة بينهما إلا أن يكون كاتبة بغير إذن سيدة فتفسخ الكتابة ويرجع عبدا بينهما. وإذا قال أحدهما: أودعنى فلان وديعة فخلطتها فى المال أو أنفقتها على نفسى ففيها قولان: أحدهما أنة مصدق كما لو تسلف ما أنفق على نفسة أو قال رددتة فى المال، والقول الآخر: لا يصدق، لأنة خلطها، وقبول الودائع ليس من التجارة فيصدق فيها ولزمتة فى حصتة. ولو قال: تسلفت وأفقت على نفسى كان مصدقا وإذا قال طائفة من هذا المال ورثتة فإنة لا يصدق. وكذلك إن قال هو من وديعة أو مضاربة لأبية أو لأمة أو لولدة فلا يصدق. وإذا قال: فلان شريكى مفاوضة أو مفاوض فى الشركة أو أنا مفاوضة وصدقة الآخر فهما متفاوضان. وإن قال أحدهما: فلان شريكك معنا فى سلع كذا أو فى تجارة كذا فهو / كما قال ولا ينظر إلى إنكار الشريك. وإن قال: فلان مفاوض معنا فى جميع مالنا فلا يلزم ذلك شريكة ويلزم ذلك المقر فى حصتة ويصير شاهدا على شريكة يحلف معة المدعى إن شاء ويقض لة، فإن كان أو لم يكن المقر عدلا فللمقر لة ثلثا ما فى يدى المقر وأهل الذمة والمسلمون فى المفاوضة سواء. وإن أقر مسلم بمفاوضة ذمى أو ذمى بمفاوضة مسلم لزمة وإن كنا نكرة لة شركة الذمى فإذا أقر حربى بشركة عبد مسلم بمفاوضة وهو مأذون فذلك لازم لهما، وكذلك إقرار المأذون والمكاتب بمفاوضة حر أو عبد مأذون. [9/ 305]
ومن أقر لصبى تاجر أنة مفاوضة لزمة ذلك للصبى فيما فى يد الكبير ولا يلزم ذلك الصبى فيما فى يدية صدقة الصبى أو كذبة. ولو أقر صبى أنة مفاوض لكبير أو صغير فإقرارة باطل. وقال غيرنا، يلزم إقرار الصبى بالمفاوضة ويلزمة تصديقة للكبير فيما فى يد الصبى. قال محمد: وهذا خلاف السنة، أجمعت العلماء أنة إن أقر بعتق أو كتابة أو قتل أو رهن أنة لا يصدق، وكذلك المرتد يقر بالمفاوضة ثم يسلم. وإذا أقر رجل لآخر بشركة مفاوضة والآخر منكر فلا شىء لكل واحد منهما فيما بيد ضامنة. ولو قال منكر: ليس لك فيما فى يدى شىء وأنا شريك لك فيما فى يديك غير مفاوضة فالقول قولة مع يمينة. فإذا أقر لصبى لا يتكلم بشركة مفاوضة فصدقة أبوة فإن ما فى يد الرجل بينهما فى إجماعنا ولا يكونان (¬1) متفاوضين / لأن 121/ظ الصبى لا يتكلم. وفيما جامعونا فية من هذا دليل على صحة قولنا فى إقرار الرجل الصبى التاجر أنة مفاوضة. وكتب ابن سحنون فيمن أقر عن موتة فقال: كل مال فى يدى فثلثة لى وثلثة لفلان بعد أن يؤدى عنى لفلان كذا وكذا دينارا غير هؤلاء فقال من أقر لهم بالشركة بحق شركائة والدين علية خاصة، وقال ورثتة إنما أقر لكم بالشركة بعد أن يؤدى عنة الدين. قال سحنون: لا يثبت إقرارة لهم إلا بأداء الدين لأن الشركة إنما تثبت بإقرارة. [9/ 306] ¬
في إقرار أحد المتفاوضين في الصحة أو في المرض
فى إقرار أحد المتفاوضين فى الصحة أو فى المرض وأفعال أحدهما ومعروفة وجناياتة من كتاب ابن سحنون: قال أصحابنا وأهل العراق: إذا أقر أحد المتفاوضين بدين لزمهما جميعا ولا ينفع شريكة إن جحدة. قال ابن القاسم: إذا كان دين من تجارتهما إلا لمن يقر بة لمن يتهم علية مثل الولد والأبوين والزوجة والجد والجدة والصديق الملاطف وكذلك إن أقر بوديعة بعينها لفلان أودعنيها ولو قال إنة استهلكتها لزمة فى حصتة دون شريكة وكذلك ما أقربة من جناية أو غصب فقال أهل العراق: إذا أقر باستهلاك الوديعة أو بغصب مال فذلك يلزمها جميعا ولو قال شريكة كان هذا قبل المفاوضة لم يقبل منة. قال محمد: وإذا كان الغصب والجناية ليس من التجارة فكيف لزم شريكة؟ أرأيتم إن أقر أنة قتل دابة فلان أو أحرق ثوبة / أو أكل طعامة غصبا؟ 122/وفإن ألزموا هذا شريكة لزمهم أن يلزموة إقرارة الآخر أنة قطع إصبع رجل خطأ أو قتل عبدة عمدا أو افتض امرأة حرة غصبها نفسها وهذا لا يقولة أحد من الأمة فهذا يدل أن الجنايات لا تلزم شريكة. وإذا كفل أحدهما بمال أو ضمنة عن رجل فذلك عندنا علية خاصة وقالة بعض العراقيين. وقال بعضهم: يلزم ذلك شريكة وقال هذا من تجارتهما، وقال أصحابنا: لا يلزم ذلك شريكة لأنة من المعروف، وكذلك إن تزوج أحدهما أو آجر نفسة فى عمل الطين والطوب أو الحمل على رأسة. وإن أقر أحدهما بقبض دين من الشركة إذا بناة جميعا أو أحدهما فإقرارة جائز على شريكة فى إجماعهم. قال ابن القاسم وسحنون: إذا أخر استيفاء مالة على وجة التجارة قال ابن القاسم فإن أرارد بة المعروف فقط أو وضع لة منة لزمة فى حصتة ولا يلزم شريكة. وقال سحنون: ويلزمة فى حصتة إن كان مال غير مال المفاوضة فيرد [9/ 307]
منة إلى مال الشركة مثل ما أخرج منها، وإلا لم يجزم، وإذا أقر أحدهما بإجازة أجير أو دابة أو دار من الشركة لزمهما، ولو أقر أحدهما بشىء من شركتهما لرجل من عين أو حيوان أو رقيق أو دار أو مما يكال ويوزن فذلك يلزم شريكة فى إجماعنا. وقال العراقيون معنا فى إقرار لامرأتة ونفقتة لها أنة لا يلزم شريكة وهذا حجة عليهم فى الغصب والاستهلاك، ولو أقر أحدهما أن على شريكة / مهر امرأتة أو 122/ظ نفقة لها أو جناية لها أرش جناها على رجل فلا يلزم المقر ذلك وهو كشاهد تحلف معة المرأة والمجنى علية ويقضى لهما فى مال المشهود علية. وإن قالت: كفلت لهم بذلك عنة فذلك يلزمة دون صاحبة، ولو أن امرأة مفاوضة أقرت أنها اختلعت بشىء من مال الشركة من زوجها لزمة ذلك دون شريكها فى إجماعنا. ولو ادعى أحد الشريكين أن الآخر أنفق من الشركة نفقة على نفسة لزمة ذلك فى خاصتة ولو أقر أحدهما أن على شريكة دينا قبل الشركة لفلان وشريكة منكر وقال الطالب هذا الدين فى الشركة ففيها قولان: قيا إنة شاهد لو ادعى الطالب شهادتة قضى بذلك مع يمينة فلما ادعى خلاف ذلك لم يلزم المقر شىء ولا يكون للطالب شىء، والقول الآخر أن الدين يلزمهما لأنة أقر بة فى وقت هو مأخوذ بالإقرار. ولو أقر الذي أنفق عليه على نفسه بالمال قبل الشركة وادعي الطالب أنه عليه في الشركة فإن المال لازم له ولشريكه ولا يصدق واحد منهما على دفع ذلك عن نفسه. وفي القول الآخر يلزم الذي أقر عليه ثم أقر هو على نفسه يلزمه في ماله خاصة ودعوي الطالب أن ذلك كان في الشركة لا يصدق فيه ولا يلزم المقر الأول شئ. وإذا أقر أحدهما أن لفلان عليه ألف درهم فقال الآخر بل لفلان آخر فإنه يلزمهما المالان جميعا لأن / إقرار أحدهما كإقرارهما. وقال ابن القاسم: ولو مات أحدهما ثم أقر الحي بدين كان في الشركة لزمه ذلك دون صاحبه، وقال أهل العراق: لأن المفاوضة قد انقضت. [9/ 308]
وقال ابن سحنون: يلزم ذلك في المال الذي كان بينهما وكذلك قال ابن القاسم. ولو قال: قد رهنا متاعا من الشركة عند فلان وقال ورثة الميت في ماله. وكذلك لو أقر أحدهما بدين من الشركة بعد المفاصلة فيها فذلك يلزم شريكه عند سحنون. وفي قول غيرنا يلزم المقر دون صاحبه ويحلف صاحبه، وفي قول ابن القاسم: يلزم المقر النصف في حصته وهو شاهد للطالب فيحلف معه ويستحق النصف الآخر في مال الشريك. ومن ادعي عليهما بدين فأنكرا فأحضرهما إلي الحاكم فأقاما لطخا فحلف أحدهما ونكل الآخر أن الطالب يحلف يلزمهما المال جميعا. وإذا أقر أحدهما أنه أنفق على نفسه في المال أنها له خاصة في ميراث لم يصدق، ولو قال: إن ذلك وديعة لابنه أو للآمه أو لولده أو مضاربة لأحدهما لم يصدق، ولو أقر أحدهما بوديعة خلطها في مال فليس هذا من التجارة ولا يلزم / 123/ظ شريكة اقراره وذلك يلزمه في حصته وإذا أقر أحدهما بشئ من السلع فهو مصدق على شريكه. قال ابن سحنون قال ابن القاسم وسحنون وغيره من اصحابه في المتفاوضين يمرض أحدهما مرضا يموت منه وعليهما دين محيط فأقر المريضلمن لا يتهم عليه درهم من الشركة وجحد ذلك الصحيح أو أقر بها الصحيح وجحدها المريض فذلك سواء ويلزمهما جميعا بإقرار أحدهما أو بإقرارهما ويحاص بها من داين المريض في صحته. ولو أقر الصحيح منهما بدين لوارث المريض فإن الصحيح يلزمه نصف ما أقر به لوارث المريض في حصته، فإن كان عدلا حلف معه الوارث وأخذ النصف الآخر من نصف المريض، وإن كان غير عدل لم يلزم الصحيح إلا نصف المال ولو أبي الوارث أن يحلف لأخذ من حصته المقر نصف الدين أيضا، وإذا مرضا [9/ 309]
جميعا فأقر أحدهما بدين لمن لا يتهم عليه ثم مات المقر وبرئ الآخر فإنه يلزم المقر نصف المال في حصته والنصف على الشريك الآخر الذي أحلفه (¬1) قال أصحابنا: وإقرار المتفاوضين يلزمهما جميعا كان عليهما دين في الصحة أو لم يكن، فإقرار المريض منهم جائز بالدين والوديعة والمضاربة والشركة جائز ذلك عليهما كالصحيح كان عليهما دين أو لم يكن. فإن كان عليهما دين في الصحة حاص الذي أقر له بالدين أحدهما في مرضه أهل الدين في الصحة إن لم يتهم أن يكون ذا قرابة أو صديقا ملاطفا. قال / اصحابنا لم يجيزوا إقرار أحد الشريكين يريد المتفاوضين للابويه أو 124/و لولده أو لزوجته أو لجده أو جدته بدين من الشركة ولا لصديق ملاطف، وأجاز محمد بن عبد الحكم إقرار المريض بالدين للصديق الملاطف. وكذلك ينبغي على قوله في إقرار أحد المتفاوضين للصديق الملاطف على قوله في صحته أو مرضه. قال سحنون قال صاحبنا: وإذا أقر أحد المتفاوضين في مرضه أنه تكفل بألف درهم في صحته لزمه ذلك في ماله خاصة لأنه معروف وليس لأحدهما صنيع المعروف في مال الشركة، وكذلك ما غصب أحدهما أو جني أو تزوج أو خرق ثوبا أو آجر نفسه في حمل على رأسه ونحوه فلا يلزم شريكة من ذلك شئ ولا له أن يدخل معه فيما أصاب. وإذا قال المفاوض لأجنبي ما ناب لك قبل فلان فهو على أو ما قضي لك عليه، ثم مرض الضامن من قبل أن يقضي على فلان ثم أقر فلان بألف درهم لفلان فقضي بها القاضي عليه فلا يلزم شريك الضامن من ذلك شئ وذلك على الضامن في ماله. ولو باع أحدهما دارا من الشركة وتكفل بالدرك فإن درك الدار عليهما لأن ذلك من الشركة. [9/ 310] ¬
في إقرار بالشركة غير المفاوضة وذكر المفاوضة في نوع من التجارة
ولو مات الضامن وعليخ دين محيط فالحصاص في مالها للغرماء ولصاحب الدرك وكفالته في المرض فيما يباع منه من الشركة لازم في شركته وكفالته في غير >لك في ماله خاضة لأنه معروف. / في إقرار بالشركة غير المفاوضة وذكر المفاوضة في نوع التجارة وذكر إقرار أحد الشريكين في ذلك كله من كتاب ابن سحنون: وإن أقر أنه شريك فلان في كل قليل وكثير وقال الآخر نعم فهما شريكان فيما بيد كل واحد منهما كالمتفاوضين إلا أنه لا يجوز إقرار أحدهما بالدين ولا بالوديعة. ولو أقر أنه شريكه في التجارات وصدقه الآخر كان ما بأيديهما من المتاع للتجارة بينهما ولا يدخل في ذلك مسكن ولا خادم ولا طعام، فإن كان في يد أحدهما دار فقال هذه ليست من تجارتنا فهو مصدق مع يمينة إلا أن يقيم الآخر بينة أنه من الشركة أوأنه كان في ديية يوم أقر، ولو أقر أنه كان في يدية يوم أقر كان من الشركة، لأن العين هي من التجارة، ولو كان بيده متاع من متاع التجارة فقال: ليس هذا من التجارة ولم يزل في يدي قبل الشركة والتجارة، كان هذا في الشركة بينهما ولا يصدق في إجماعنا. ولو قال: فلان شريكي ولم يسم شيئا ثم قال: إنما عنيت في هذا الدار والخادم فهو مصدق مع مينة في إجماعنا. وإن قال: هو شريكي في المتاع الرطني (¬1) خاصة صدق. ولو قال في كل تجارة وقال الآخر أنا شريكك فيما في يديك ولست شريكي فيما في يدي فهو مصدق مع يمينه. [9/ 311] ¬
وإن قال في يديه فلان شريكي فيما فيه فأدخل فيه عدلا ذهبا ثم قال هو من غير الشركة / وقال الآخر قد كان في الحانوت يوم إقراره وقد ثبت أنه أدخلها 125/والحانوت بعد إقراره فالعدل للمقر خاصة، وكل ما وجد في الحانوت بعد الإقرار فلا يقبل قوله أنه أدخله فيه بعد الإقرار وذلك بينهما حتي يقيم هذا بينة أنه أدخلة ويصدق أنه أدخله بعد الإقرار أن يقيم الآخر بينة لأن ما في الحانوت غير معلوم. قال محمد: وقوله الأول أحب إلي. وإذا قال: فلان شريكي في كل تجارة فصدقة فلان ثم مات أحدهما وبيده مال فقال ورثته إنما أفاده من غير الشركة فالقول قولهم مع أيمانهم وعلي الآخر بينة، وإن أقر أنه كان في يديه يوم أقر بالشركة وهو من التجارة أو قامت بذلك بينة فهو من الشركة. وإن كان للميت صك باسمه على رجل تاريخة قبل الشركة فهو مشترك بينهما في إجماعنا ولا يصدق ورثة الميت بأنه له خاصة، وإن كان تاريخه بعد الشركة فقال الورثة ليس من الشركة فإنه من الشركة عندى، وقال أشهب وغيرنا: القول قول الورثة مع أيمانهم. ومن في يديه رحي فقال: فلان شريكي فيها ثم ادعي أن أداتها له خاصة فإن الرحي وأداتها بينهما في قول سحنون، وهو قول ابن القاسم وأشهب وغيرنا أن الذي بيده الرحي مصدق ويحلف. وكذلك كل عامل في يديه حانوت فيما يعمل به ذلك العمل فيدعيه المقر لنفسه بينهما فإنه بينهما وفي قول ابن القاسم / وأشهب وسحنون وغيرنا أنه 125/ ظ مصدق وقال ابن القاسم فيمن أقر أنه أصاب في زرع ثلاثين مدا وقال هي بيني وبين فلان شاركني في الحرث وقد أنفقت على الدوراب والعمل عشرة أمداء وبذرت خمسة أمداء وكلامه متصل وقال الآخر ما له عندي من نفقة الأعوان ولا من الزريعة شئ والثلاثون مدي بيننا، فإن أقام المقر بينة أنه ولي الحرث معه فالمقر [9/ 312]
مدع، وإن كان المقر هو ولي العمل والزراعة فهو مصدق مع يمينه، وإذا قال: فلان شريكي فيما اشتريته من الوطنى (¬1) وفي يديه منه عدلان فقال اشتريت واحدا وورثت الآخر فهو مصدق مع يمينه. ولو كان اشتراهما وقال واحد منهما من غير مال الشركة فهو مدع والعدلان بينهما إذا ادعي ذلك صاحبه في قول سحنون وقولي. وقال أشهب وغيرنا: القول المقر مع يمينه، ولو قال الذي هما في يديه هما للتجارة جميعا ثم قال واحد لي خاصة فلا يصدق ويكونان من الشركة. وقال أشهب وسحنون: القول قول ذلك في يديه. وقال هو شريكي في كل وطني (¬2) قدم من الأهواز أمس ثم أقر أن عشرة أعدال قدمت أمش من الأهواز فقال: واحد منهما لي وآخر بضاعة لفلان، وقال الآخر: كلها من الشركة، فإنها تكون كلها من الشركة إلا العدل البضاعة فهو فيه شاهد فيحلف المدعي معه ويأخذه فإن لم يحلف أو كان المقر غير عدل فإنه يصدق في حصته ولا يصدق في حصة شريكة. وقال غيرنا: يضمن لصاحبة / البضاعة نصف العدل لأنه أتلفه بإقراره 126/والأول وقوله أنه لايضمن. وإذا كان عبد بين شريكين وأقرا أنه من شركتهما ثم قال أحدهما وهو غير عدل إن فلانا أودعه عندنا فإنه يصدق في حصته لا في حصة شريكة ولا يضمن شيئا في إجماعنا. وهذا يرد قولهم في المسألة الأولي. فإن قيل: لم يكن في يديه غير النصف، قيل وكذلك الأعدال. وإذا قال: فلان شريكي في هذا الدين الذي على فلان فقال المقر له أنت أذنته بغير إذنى ولا شركة بيني وبينك فإن المقر هو باع البيع وقبض الدين فالمقر له [9/ 313] ¬
مخير بين أن يجيز البيع ويأخذ نصف الثمن وإلا أخذ نصف القيمة يوم تعدي عليه، فإن كان الدين لم يقبض فالمقر ضامن لنصف القيمة وهو مصدق في نصفها إن خالفه الآخر ويحلف الآخر ما أمره. ولو قال المقر: أنت بعت المتاع وليس في الصك ذكر من باعه وكتبت الصك باسمي فالمقر مصدق أنه لم يبع المتاع مع يمينه والصك بينهما، ولو طلب المقر تضمين من عليه الدين نصف قيمة المتاع وقال الغريم إنما باعنى من الصك باسمه فالقول قوله مع يمينه ولا يصدق على الصك باسمه في التضمين ويكون الصك بينهما قال سحنون في شريكين في حانوت بمال يبيعان فيه ويشتريان وأحدهما ساكن في الحانوت فيقول قد ذهب ماكان من متاع الشركة وهذا المتاع لي خاصة فإن القول قول الساكن ويحلف. قال ابن سحنون: وإذا اشتركا في نوع / من التجارة تفاوضا فيه مثل أن 126/ ظ يشتركا في شراء البر وبيعه أو شراء الرقيق وبيعها وهي شركة عنان في قول غيرنا فأقر أحدهما بدين عليهما من ذلك النوع وأنكر صاحبه فإن ذلك يلزمهما جميعا، وإن أقر أحدهما بدين عليهما في ذلك وأنكر الآخر فلا يصدق على شريكة وهو كشاهد عليه ومقر على نفسه فيؤخذ بما أفر به على نفسه ويحلف الطالب مع شهادته في النصف الآخر على شريكة إلا أن يقول أنا وليت الدين وحدي فيلزمة الدين وحده. ولو قال وليناه جميعا لم يلزمه إلا نصف وهو شاهد على شريكة في النصف الآخر. وإن أقر بعبد من الشركة التى تفاوضا فيها لزم ذلك شريكه إلا أن تكون الشركة في شراء سلعة بعينها فلا يلزم شريكة ما أقر به. ولو أقر بوديعة بعينها في أيديهما لم يلزم ذلك شريكة إن انكر ويلزمة النصف من ذلك ويحلف الطالب في النصف الآخر لقد أودعتكما ذلك جميعا ويأخذ النصف الأخر [9/ 314]
في إقرار أحد الشريكين لغير شريكه فيما هما فيه شريكان من ربع أو غيره
في إقرار أحد الشريكين شريكه فيما هما فيه شريكان من ربع أو غيره وكيف إن أقر بثلث من دار من الشركة أو بثوب من الثياب أو من غيره؟ من كتاب ابن سحنون: ولو أن دارا بين رجلين أقر أحدهما أن خشبه من بين منهما لرجل وأنكر الآخر فليحلف مع شاهده وتكون له قيمة الخشبة عليهما وإن نكل أو لم يكن المقر / عدلا فعليه لفلان نصف قيمه الخشبة وكذلك في 127/و إقراره بعمود قد بني عليه. وكذلك بعةد في قبوة أو باب، فإن حلف وكان أخذ اللوح ليس بفساد أخذه وإن كان فسادا أخذ منهما وإن لم يحلف فإنما له نصف قيمته على المقر. قال بعض أصحابنا: إلا أن يقر أنهما غصبا الخشبة فأدخلاها في السقف فلربها انتزاعها أو يضمنهما قيمتها إن شاء، وإن كانت دارا بين رجلين فأقر أحدهما أنهما بينهما وبين فلان أثلاثا وقال الآخر إنها بينهما وبين المقر له، ثم قال بعد ذلك وبين آخر أرباعا فإن للذي أقرا له جميعا ثلثها ويأخذ المقران كل واحد ثلثها ثم يرجع المقر له على الذي أقر له بربع ما في يديه وهو نصف سدس الدار ولو كان أقرا له وللآخر إقرارا متصلا فإن الذي أقر له جميعا من نصف المقر الذي أقر به وحده ثلث ما في يديه وهو سدس الدار. ويقال للذي أقر لاثنين غير شريكة قد أقررت أن ما لك في الدار ربعها وذلك ثلاثة أسهم من اثني عشر وفي يدك ستة فادفع ثلاثة منها للذي أقررت لهما فيكون ذلك بينهما نصفين. وقال غيرنا: إن الذي أقر بالأرباع يعطي للذي أقرا له جميعا ربع ما في يديه ويقاسم الآخر ما بقي في يديه نصفين ويضم الذي أخذ الربع ما أخذ إلي ما في يد الذي أقر له بالثلث فيقتسمانة نصفين وذلك من ستة عشر سهما للذي أقر بالأرباع ثلاثة ولصاحبه الذي لم يقر له الآخر ثلاثة وللذي أقر له بالثلث خمسة / 127 /ظ وللذي أقرا له جميعا خمسة. [9/ 315]
وقال في دار بين رجلين فأقر أحدهما أن نصيبة منها لفلان أو قال نصيبي منها له فذلك جائز في إجماعنا. وكذلك يعتبر جميعها من نصيبة خاصة أو ثلثها من نصيبي خاصة فذلك جائز؟ وكذلك في العبد والأمة والأرض، وإن أقر أن لي ربع الدار وثلاثة أرباعها بيني وبين شريكي نصفين وجحد شريكة فإن كان المقر عدلا حلف معه الطالب وقضي له بربعها وإن نكل أو كان المقر غير عدل فللشريك الجاحد نصف الدار وللمقر ثلاثة أثمانها وللمقر له الثمن سهم من ثمانية من نصف المقر. ولو أقر بجميع الدار فإنما له نصف المقر والنصف الآخر لصاحبة إلا أن يكون المقر عدلا فيحلف معه الطالب ويقضي له بالنصف الآخر. ومن كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: وإذا كانت دار بين رجلين فأقر أحدهما ببيت منها بعينة لرجل وأنكر شريكة فإن نصيب المقر من المنزل للمقر له ويحلف مع شاهدة المقر ويستحق باقية فإن نكل أو كان المقر غير عدل قال ابن سحنون: قضي له بنصيب المقر من البيت فيكون بينه وبين الشريك. وكذلك في إقراره بطريق في الدار لرجل أو لحائط بعينه والآخر منكر وكذلك البستان والقراح (¬1) والأرض. وقال ابن المواز: إذا نكل أو كان المقر غير عدل في إقراره بالبيت لرجل فإنه يقال للذي أنكر إن / رضيت أن يكون المنزل وحده بينك وبين المقر له وباقي المنزل بينك وبين شريك المقر جاز ذلك وإن لم ترض بتبعيض القسم فذلك له فتقاسم المقر الدار نصفين. فإن صار البيت في حظ المقر لزمه إشلامة لمن أقر له وإن وقع في حظ المنكر قيل للمقر إن الذي أقررت له شريك لك في كل ما صار لك بقدر قيمة نصف البيت من قيمة باقي نصف الدار مثل أن تكون قيمة الدار غير البيت [9/ 316] ¬
ثلاثين دينارا وقيمتها بالبيت خمسون فصار شريكم على خمسة أجزاء لك ثلاثة أحماسة وله خمساه. قلت: فإذا وقع في سهمة لم ألزمته تسليم البيت وهو كأنه فداه ببعض الدار كمن فدي من العدو شيئا أو من لص؟ قال العدو لهم شبهخ ملك فله الرجوع بما فدي ولا يرجع بما أعطي للص. وكذلك هذا فداه من يد جاحد فهو كالغاصب. قال: وإن صار هذا البيت بين الشريكين في القسم فليسلم المقر النصف الذي صار له من البيت للمقر له / وإن صار له ربعه سلم ذلك الربع، ويكون شريكا بقيمة الربع الباقي في باقي نصف الدار الذي صار له بلا بيت. قال محمد بن عبد الحكم: إذا أقر أحدهما ببيت من الدار بعينه لرجل والآخر منكر فليقسم الدار فإن وقع البيت في نصيب المقر دفعة إلي من أقر له وإن وقع في سهم الذي لم يقر رجع المقر له على المقر بما أخذ عوضا عن نصف البيت فيقال كم قيمة نصف البيت؟ / فيقال عشرون دينارا ثم يقال ما قيمة 128 / ظ نصف الدار بغير البيت؟ فيقال ثلاثون دينارا فقد صار النصق الذي صار للمقر بينة وبين المقر له على خمسة أسهم للمقر ثلاثة وللمقر له سهمان. وقال أبو حنيفة: يضرب المقر له بقيمة البيت كله ويضرب المقر بقيمة نصف ما بقي من الدار وهذا غلط، لأن الذي صار إليه نصف الدار فإنما صار إليه عوض نصف البيت وإنما جعلنا له جميع البيت لو صار في حظ المقر لأنه لو اشتري بيتا ثم أقر أنها لآخر لوجب أن يدفعها إليه وكما لو بيعت ولم تقسم لم يكن على المقر من نصف ثمنها إلا نصف قيمة البيت وليس عليه غرم نصف المنكر. وكذلك لو غضبت لهما أو هدمت فأخذا قيمتها. ومن كتاب ابن المواز وابن عبد الحكم: ولو كانت ثيابا بينهما فأقر أن ثوبا منها بعينة لرجل فإن حصة المقر منه للمقر له ولا يقسم لهذا جميع الثياب إذا لا ضرر في ذلك وإنما الضرر في الدار. [9/ 317]
قال ابن عبد الحكم: وقد قيل إنه إذا لم يكن له ان يبيع نصف ثوب منها من رجل لم يكن له تبعيض ذلك على صاحبة بالإقرار ولو جاز أن يقر بنصف ثوب لرجل و. وكذلك الرقيق والحيوان. قال ابن المواز: وقد قيل هو مثل منزل لا يحكم فيه إلا بعد مقاسمتها. قال ابن عبد الحكم: ولو أقر في ضمح بينه وبين رجل أن لرجل فيه إردبا من حصتى لزمه ذلك في حصته منه يأخذ منها إردبا وكذلك في التمر والزبيب والخل والعسل والزيت. قال: وإن أقر / في سيف بينه وبين رجل أن حليته والشريك منكر 129 / وفلا تقلع حليته لأن ذلك ضرر على شريكة ولكن يباع جميعه بحليته فيعطي للمقر له نصف حصة الحلية مصوغا من الثمن. قال ابن المواز: يعطي من الثمن نصف قيمة الحلي مصوغا من قيمة نصف السيف بلا حلي كما لو أقر له بجذوع من دار بينه وبين رجل أو بعمود أو بخشبه. قال ابن سحنون: وإن كان عدلا حلف معه الطالب واستحق، فإن لم يكن عدلا أو نكل للطالب فله نصف الحلية ينقضها ويقسم بالوزن بينهما. وقال غيرنا: يضمن نصف قيمتها ذهبا ولا يجوز الإقرار. وقول سحنون في نقض الحلية بقول المقر سلا أدري وجهة، وقول ابن المواز وابن عبد الحكم أبين. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن المقر يضمن نصف قيمة الحلية من الذهب وهذا غلط: كيف يضمن من لم يتعد أرأيت لو أقر بما في يد غيرهما يضمنه؟ وكذلك لو أقر بجزوع من دار بينة وبين رجل فلا يضمن حصة غيره إنما يلزمه حصته منها. وإن بيع ذلك كان لة نصف قيمة من حصة المقر وكذلك لو أقر بسارية منها فهو إقرار بذلك لا بالأرض. [9/ 318]
ومن كتاب ابن سحنون وقال فى حمام بين رجلين أقر أحدهما أن البيت الأوسط منة لرجل فإن كان المقر عدلا يحلف معه المقر له وقضي له بالبيت فإن نكل أو لم يكن المقر عدلا قضي له بنصيب المقر من البيت. وقال من خالفنا: هذا إقرار لا يجوز وللمقر له أن يضمن المقر نصف قيمة البيت ولا يجوز إقرار / هذا على شريكة لما يدخل عليه من الضرر. 129 / ظ وقال سحنون: ولو كان إقراره لايجوز لم يضمنوه نصف قيمة البيت والشئ المقر فيه قائم غير مستهلك فلم يضمنوه. قال محمد: إجمعوا معنا على أنه لو أقر بنصف الحمام إن إقراره جائز، قال: لأنه ليس فيه ضرر على المنكر. وإذا كان بينهما عدل ثياب فأقر أحدهما في ثوب بعينة لرجل والآخر منكر فليحلف الطالب ويأخذه فإن نكل فحصة المقر منه للطالب في إجماع العلماء. قال من خالفنا: هذا لا ضرر فيه على المنكر قالوا: وكذلك الرقيق والحيوان ما يقسم منه وما لا يقسم فهو مثل هذا. وعن دار بين رجلين أقر أحدهما ببيت لآخر فإن كانا عدلين حلف كل طالب مع شاهده في إنكار شريكة وكان له البيت، فإن نكلا أو لم يكن من شهد عدلا فنصيب كل مقر من البيت لم أقر له به. ولو أن طريقا لقوم عليه باب أقر أحدهم فيه بطريق لرجل فأنكر الباقون فإن كان المقر عدلا حلف معه الطالب وقضي له وإن نكل أو لم يكن المقر عدلا فإن حمل القسم وكان يقع لكل واحد ما يكفيه قسمة مما وقع للمقر أدخلت فيه المقر له بقدر ما أقر به على قدر الأنصباء وإن لم يحمل القسم أبطلت إقراره لأني لو أخرت إقراره أدخلت له الطريق في جميع الممر في حق المقر وغيره لأنه غير منفصل، ولو أن نهرا بيد قوم خاص بشربهم منه وأقر أحدهم بشرب فيه لرجل وأنكر / الباقون فليحلف معه المقر له ويقضي له، فإن نكل أو كان المقر غير 130 / ظ [9/ 319]
في أقرار المضارب
عدل قالوا جميعا فيقال لهم كم شربه منه؟ فإن قال عشرة وهو ثلاثة كان له عشر نصيب المقر وهو عشر الثلث. وقال من خالفنا: يكون نصيب المقر وهو الثلث بينه وبين المقر له على الثلث وعلى العشرة يريد على ثلاثة عشر جزءاً في إقرار المضارب من كتاب ابن سحنون: ومن بيده مال قراض فأقر فيه بدين وكذبه رب المال فإقراره جائز ما لم يجاوز المال القراض فما جاوزه فلا يلزم رب المال. وكذلك إن أقر فيه بإجارة أجير عمل معه ما ينبغي لمثله أن يعمله أو بإجارة ذاته أو كراء حانوت أو أجر قصار أو خياط فذلك لازم لو دفع إلي رب المال رأس ماله ث أقر بشئ من هذا فإنه لا يلزم ذلك في إجماعنا واستحسن أصحابنا أنه إن قام بحدثان دفع المال أن ذلك له وإن كانت ألف درهم قراضا بيد رجلين فربحا فيهما ألفين ثم أقر أحدهما بخمسمائة لفلان فقال الألف فالمقر مصدق فيما في يديه في مائتين وخمسين شاهد على صاحبه فإن كان عدلا حلف معه الطالب وأخذ مائتين وخمسين من العامل الآخر ويبقي بأيديهما خمسمائة ونصفها بينهما. وإن لم يكن عدلا أو نكل الطالب فإنه يأخذها بيد المقر مائتين وخمسين ويأخذ رب المال منهما رأس ماله ونصف ما بقي في يد المقر وذلك مائة وخمسة وعشرون / ومثلها تبقي بيد المقر لنفسه ويأخذ نصف ما بيد المنكر من الربح 130/ظ وذلك مائتان وخمسون ويبقي مثلها بيده لنفسه. ولو كان إقرار المقر لأبيه أو لولده أو لمن يتهم عليه لم يصدق على رب المال وصدق في حصته من الربح يأخذ منه ما يقع له على إقراره. وفي كتاب القراض إقرار أحد العاملين أن بيديهما لرجل آخر كذا وكذا واختلفا في رأس المال ومبلغة وفي المال ربح [9/ 320]
في إقرار الرجل على عبده أو مكاتبه أو فيه رق
وإذا قال: هذا المال قراض في يدي لزيد على النصف ثم قال بل قراض لعمرو وعلي النصف ثم ربح فيه فليعطه للأول مع نصف الربح ويضمن للثانى مثل ذلك من ٍرأس مال وربح. وقال غيرنا: لا يضمن للثانى إلا رأس المال بلا لأنه ضمنه قبل ان يعمل فيه. قال سحنون: وليس للمتعدي عندنا في القراض أن يستأثر بالربح. وإذا قال: هذا المال قراض بيدي لفلان وفلان ثم قال لفلان الثلثان ولفلان الثلث فلا يصدث إلا أن يكون كلاما نسقا. وإن كان قراضا بيد رجلين فأقر به لفلانفصدقهما ثم قال لفلان منهما ربع الربح والآخر الثلث فإن صدقاه فهو قراض فاسد ولهما قراض مثلهما. وإن قال صاحب الربع بل لي الثلث ولصاحبي الثلث فالقول قوله ويحلفان في اقرار الرجل على عبده أو مكاتبة أو من فيه رق أو يقول لك على أو على عبدي ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر على عبده المأذون بدين وهو منكر وعليه دين ببينة يحيط بقيمته وبما في يديه فهو كشاهد إذا أقر / لمن لا يتهم عليه يحلف 131/و معه الطالب ويحاص الغرماء في ماله. وإن أقر لمن يتهم عليه بطل إقراره ولا يلزم العبدين عتق (كذا) وكذلك إقراره على مكائبة وأن ولده ومدبره لا يلزمهم إلا من باب الشهادة ولو لم يقبل من جهة الشهادة ثم عجز المكائب أو عتق فلا يلزمه. وقال من خالفنا: إن عجز لزم مولاه الإقرار ويكون في رقبته وذلك أنهم يقولون دين العبد ومن فيه بقية رق في أموالهم وفي رقابهم كالجناية وذلك عندنا لا يئبه الجناية، لأن الجناية أخذت بعد طول المجنى عليه والدين أخذه العبد بطوع الطالب فافترقا. 11 – النوادر والزيادات 9 [9/ 321]
في إقرار الصبي والكبير المحجور عليه والمعتوه وأفعالهم
قال محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أن لفلان عند عبده مائة درهم وهو مأذو ن أو غير مأذون فلا يلزم العبد شيئا إن كان غير مأذون وقد يستودع شيئا فيتلف وشبه ذلك مما لا يلزم في رقبته ولا يقبل إقرار السيد عليه وإن كان مأذونا وبيده مال ولا دين عليه ألزمته ولأخذت ذلك منه للذي أقر له السيد وإن قال الرجل لك على عبدي هذا مائة درهم أو على والعبد مأذون فلا يلزمه ذلك ولا يلزم السيد إذا قال: ذلك على عبدي لأنه إنما أقر له في ذمة العبد كان مأذونا أو غير مأذون إلا أن يكون مأذونا وفي يده دخل ولا دين عليه فإنه يدفع ذلك إليه مما في يد العبد وكذلك قال ابن المواز. قال ابن عبد الحكم: وإن قال غضبتك ثوبا يسوي عشرة دراهم أو غصبتك عبدي هذا فإنه يقال للسيد فربما يثبت فإن أقر علي نفسه ودي العشرة / 131 / ظ وأن أقر به على عبده وهو غير مأذون قيل له أفده أو أسلمه فإن جحد الإقرار وقامت عليه البينة لزمة الأول من قيمة العبد أو من العشرة فإن كان مأذونا ولا دين عليه فالجواب سواء. وإن كان عليه دين فالدين أولي بماله ويفتك رقبته بعشرة أو بقيمته أو يسلمة لأن ذلك أقل ما يلزمة ولم أقدر على دفع العبد لأنه لم يقر به بعينه. وقياس قول اشهب أنه لا يلزمه إلا أقل من العشرة يدفع العبد إن كان قيمته أقل لأنه يقول من أقر بأخذ هذين الثوبين ثم أنكر أنه يدفع إليه أدناهما، وأنا أري أن يعطيه قيمة أدناهما، أرأيت إن كانا جاريتين أيعطيه أدناهما يطأها ولعلها ليست التى له؟ في اقرار الصبي والكبير والمحجور عليه والمعتوه وأفعالهم من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر صبي أذن له أبوه بالتجارة بدين لرجل فإقراره باطل لا فيما في يديه ولا في ماله عند وصية. [9/ 322]
وإن أذن لة وصية وهو مراهق / أن يتجر وأذن لة القاضى فى ذلك فإقرارة بالدين باطل. وكذلك بالوديعة والعارية والغصب أو بعيب فى سلعة أو بغير ذلك من أسباب التجارة أو بعبد فى يدية أنة لفلان، وأجاز غيرنا إقرارة بالعبد أنة لفلان. قال محمد: وهذا باطل وهو يقبل إقرارة عند الجميع بغصب أو سرقة او قذف أو نكاح أو كفالة، وأجمعوا على إبطال كفالتة. وإن أذن لة وصية فى التجارة فهذا يرد قولهم فى إقرارة بالعبد لفلان، وإذا حجر القاضى على رجل حر / ثم أقر بدين لرجل فهو باطل والحجر لازم وكذلك 132/وما أقر بة من غصب أو وديعة أو عارية أو إجازة أو بيع او شراء أو عتق أو نكاح ويلزمة إقرارة بالطلاق إذ ليس بمالة، وإن أقر بولد استلحقة فذلك لازم لة. ولو أن يتلف المال بالوطء. وإذا أقر قذف رجلا بالزنى حد لة، وأجاز غيرنا إقرارة بالمال وجعلة كإقرارة بالطلاق والزنى والاستحقاق، وذلك مختلف، لأن هذا غير مال. وأجمعوا إقرار العبد المحجور علية بالمال وأجازوا إقرارة بالزنى والقذف والطلاق. قالوا: ولا يجوز تأخيرة بدين على رجل وأما شهادتة فتجوز إن كان عدلا. قال أبو محمد: يريد وقد اختلف فى شهادتة. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حجر القاضى على كبير وأشهد على قضائة بذلك ثم باع ونكح أو أعتق أو أقر فذلك باطل، فإن حكم حاكم بإجازة ذلك فلمن ولى بعدة نقضة ولا يفسخ حكم قاض إلا في جور بين أو يحكم بحث فيثبت عند الثانى براءته منه وشبه ذلك يريد مما تبين فيه بال حكمه، وهذا مشروح في كتاب الرجوع عن الشهادات. وقال أبو حنيفة: إن ذلك يمضي إذا حكم حاكم بإجازة أفعاله ولا ينفعه حكم الأول بالحجر. [9/ 323]
وقال ابن عبد الحكم: ويقال له: أرأيت لو حكم حاكم بإخراجه من الحجر فباع واشتري أينقض هذا؟ ولو أبعد هذا من قوله في فسخ من حكم قبله لجاز لكل حاكم أن يفسخ / حكم من خالفه. وقال أصحاب أبي حنيفة مثل قولنا في 132/ظ هذا. قال محمد: ولو أخرجة قاض آخر من الحجر فليس هذا بفسخ وإنما هذا أمر حادث، وكذلك لو جاء ثالث فرده في الحجر فليس هذا بفسخ وإنما هذا أمر حاذث، وكذلك لو جاء ثالث فرده في الحجر فهو حكم مؤتنف، وبلغني ان بعضهم قال يفسخ الحكم باليمين مع الشاهد أو ببيع المدبر وليس هذا من الفقه، وما رأينا حاكما قط أقدم على هذا. ولو نقضه حاكم لجاز على من ولي بعده أن يفسخ حكم من حكم بفسخة ولا ينفذ حكم حاكم بفسخ حكم حاكم قبله إلا في جور لا يختلف فيه، فكيف يرد حكم من حكم به رسول الله وعلي بن أبي طالب وخيار هذه الأمة؟ قال ابن عبد الحكم: وإقرار المجحود عليه بالطلاق والجراح التي عليه فيها القصاص وما يقطع فيه من السرقة وشبهه فهذا كله يلزمه. وكذلك العبد يلزمه ما كان في يديه وكذلك القذف والزني يلزمه إقرارهما ولا يلزمه إقراره بأموال الناس. وقال أبو حنيفة: لا يحجر على البالغ ويجوز عتقه وبيعه وصدقته إن قبضت وغير ذلك من فعله. وقال في قوله تعالى (فإن ءانستم منهم رشدا) (¬1) إنه الفعل بعد الحلم وتأول على القرآن المحال لأن الله شرط الرشد فإذا كان يخدع عن ماله كيف يقال له شريد؟ ثم خالف ما قال إن الله أراده فقال إذا بلغ الحلم لم يدفع إليه ماله حتي يبلغ خمسا وعشرين سنة (¬2) والله قد أمر بالدفع إليهم وقال هو لا يدفع إليهم وقد بلغوا عنده النكاح والرشد / ثم أجاز أفعالهم والمال محجور عليهم لا يدفع 133/ و [9/ 324] ¬
إليهم وأجازوا أفعالهم وهم محجور عليهم فلا أعرف المعني الذي منع به من قبض ماله وأفعاله فيه جائزة من عتق وبيع وغيره. ويقال له: من الذين أقر الله أن يدفع إليهم أموالهم بعد النكاح والرشد؟ فلابد أن يقول بقولنا إن الرشيد المصلح لماله وأن يكون معه دين يحجره عن إنفاقه في غير وجهه، وأصحابنا يحتجون بقول الله (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا ... ) (¬1) الآية فجعل السفيه ينوب غيره عنه. قالوا: وهذا على الحجر عليه أو يقول بقول من يري الرشد إصلاح المال وإن لا يخدع فيه ولا ينظر إلي بيعه الدين إذا كان مصلحا لماله أو يقول بما ذكر عنه أن الرشد صحة العقل بعد البلوغ، وهذا وإن كان غير معقول في اللغة وخلاف النظر عندنا فلم منعه أن يدفع إليه وهو صحيح العقل عنده بالغ؟ ثم لا يعدل قوله بمنعه قبض ماله وتمضي أفعاله فيه فلا المنع بأفعاله ولا يدفع له عن ماله وإنما يمنع الله من دفع ماله عليه لمعنى وجده. (فلو قال غيره عشرين أو ثلاثين أو أربعين فهل يكون قوله أولي منه) (¬2) ويسألونني هل للرشد وقت في السن أو صفة في مالك المال؟ فإن كان بلوغ العاقل هو وقت أمر الله بالدفع فلم يمنع من قبضه؟ وإن كان ليس هو الوقت فلم أجازوا أفعاله فيمن أفعاله في سلعة؟ وإذا كان منع المال هو الحجر فلم جاز فيه؟ وإن / كان منع القبض 133 / ظ ليس بحجر فما الحجر الذي كان فيه؟ وهذا تناقض فاحش. قال ابن عبد الحكم: ومن أذن لابنه الصغير في التجارة وأقر بدين فذلك باطل وكذلك اليتيم يأذن له وصية، وأجاز غيرنا إقراره، قالوا: وكذلك إن أذن له جده لأبيه ولا وصي له. [9/ 325] ¬
في الإقرار للصبي ولمن في النظر وللمحجور عليه
قال محمد: وهذا فاسد وهذا لو لم يأذن له فأقر بإفساد متاع أو جرح عمد لم يلزمه ذلك إلا أن تقوم بينة بذلك وكيف يأذن له أن يقر على نفسه بإتلاف ماله، ولو جاز هذا جاز أن يخرجة من ولايته في صغره. وكما ليس له أن يدفع إليه ماله في صغره فكذلك لا يجوز إقراره في ماله قبل بلوغة رشده، قالوا: ليس هذا بنظره والتجارة نظر. قلنا إنما النظر في تعلمه وأما أن يطلق له فهذا من إتلاف ماله وأجازوا إقراره إذا أذن له في التجارة بالوديعة والعارية والغصب، فقلنا: ولم لزمه الغصب وليس من التجارة ولا يلزمة الجرح عند العلماء إلا بالبينة؟ وكذلك افساده. قال أصحاب أبي حنيفة: وإن أقر بعبد في يديه أنه لرجل إن ذلك يلزمه وإن كان ورقة عن أبيه أن إقراره جائز فإن كان معه وارث آخر كان ذلك في حصته. قال محمد: فلو كان من التجارة للزمه في ماله الذي في يديه من كال أبيه وغير مال أبيه فإذا لم يكن من التجارة لم يلزمه لا فيما في يديه ولا في غيره، وكيف يجوز إقراره والنبي قد رفع القلم عنه؟ في الإقرار للصبي ولمن في النظر وللمحجور عليه / 134/و ومن تكفل عن الصغير أو غائب ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر لصبي صغير بدين فذلك يلزمه وإن لم يكن مثله يداين ولا يتكلم. وكذلك لو قال أقرضنيها أو أعطانيها فلا يقدح هذا في إقراره لأنه قد لزمه فلا يقبل منه ما يحوله وقد يلزمة ذلك أو جناية أو أنه كان لأبيه عنده أو غير ذلك. وإن قال: أودعنى هذا العبد أو أعارنيه أو أجره مني أو وهبه لي أو باعه مني والصبي لا يتكلم فإقراره جائز والعبد للصبي، وكذلك إقراره للمجنون المطبق بمقل هذا لازم. [9/ 326]
وما نسب إلي المجنون من الفعل باطل والإقرار له لازم. وكذلك إن أقر أنه تكفل لهذا الصبي بمال عن فلان فذلك يلزمه ولا يلزم اللقيط كما لو أقر لا يرجع به على المكفول عنه إلا أن يقر له. وإن اقر أنه تحمل عن صبي لقيط لاي تكلم بمال عن فلان فذلك يلزمه ولا يلزم اللقيط كما لو أقر لرجل أنه تكفل له عن غائب بمائة درهم أقرضة إياها أمس وقبل ذلك الطالب أن ذلك يلزمة وإن كان يعرف أن الغائب لم يقدم لأن ذلك يمكن على وجوه. ومن كفل لرجل عن حاضر بغير أمره فرضي المكفول عنه ثم رضي المكفول له فذلك لازم رضي المكفول ذلك قبل رضي الكفيل أو بعده. وإذا قال: قد شئت كفالتك أو قد شئتها أو أجزتها كقوله رضيت، ولو أن الكفيل بعد ضري المكفول عنه رجع قبل رضي المكفول له لم يكن له رجوع ويلزمه المال. قال محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أنه غصب شئيا من هذا الصبي أو 134/ ظ المجنون فليرد ذلك إلي ولي المجنون إن كان له ولي أو إلي السلطان، وأما الصبي فإن كان مثله يحوز متاعه ويقوي على ذلك دفع إليه وإن كان له مال، وأما إن كان مثل الدرهم والشئ الخفيف مما يحوز ذلك مثله دفع إليه وغلي المعتوه كما لو تصدق عليه رجل بذلك اوبثوب لم ينزعه منه الإمام، ولو دفع إليهما ألف درهم لأخذها الإمام فجعلها علي يدي عدل. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أن عليه ألف درهم لما بطن فلانة فولدت غلاما لأقل من ستة أشهر من يوم قوله لزمه ذلك. فإن قال: وهبت ذلك له أو تصدقت به عليه أو أوصي له به أبي قبل منه وأخذ منه ما قال وكذلك لو وضعت ابنه فذلك لها. [9/ 327]
وإن وضعت لأكثر من ستة أشهر وزوجها مرسل عليها لم يلزمه ما ذكر من هبة وصدقة ووصية (¬1) وإن كان الزوج معزولا عنها فقد قيل يجوز له الإقرار إذا وضعت لما يلد له النساء وذلك اربع سنين. وإن قال: هذا العبد أو هذه الدار لمن في بطن هذه الأمة لا حق لي فيه فذلك يلزمه على ما ذكرنا، ولو وضعت غلاما وجارية فالصدقة والهبة والوصية بينهما نصفين وإن ولدت أحدهما ميتا فذلك كله للحي منهما. ولو ولدت ميتا بطل إقراره وتبطل الوصية. وإن ولدته حيا ثم مات فذلك ميراث لورثته وإن أقر أي وصي فلان وقد ترك مائة درهم أكلتها والذي في بطن هذه المرأة وارثه / فالمائة دين عليه. ... ... ... ... ... ... 135/ ووإن وضعت ذكرا وأنثي فهما ولدا الميت كان بينهما للذكر مثل حظ الأنثي وإن كانت المرأة زوجة فلها الثمن من ذلك وإن ولدت ولدا ميتا فالمائة لعصبة الميت. وإن قال: لجنين هذه المرأة على ألف درهم فقيل له من ماذا؟ قال أقرضنيها فهذا لا يمكن ويعد ندما ويلزمه الإقراروذكر نحو ما ذكر ابن سحنون في الإقرار للحمل. قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك لمن أقر للحمل بكذا وكذا من كراء هذه الدار ومن غلة هذه الجنان كان ذلك له إن ولدته حيا ويدفعه إلي أمة أو وصية وإن ولدت توأما ذكرا وانثي فهو بينهما نصفين. وكذلك في إقراره بدين وإن قال: ذلك ميراث لهما عن أخر شقيق أو لأب فذلك بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان عن أخيها لأمهما فالذكر والأنثي فيه سواء، وإن قال عن أخيهما ولم يفسر حتي مات فوضعت غلاما وجارية فليصطلحا فيه فإن لم يصطلحا ففيها [9/ 328] ¬
قولان: أحدهما أن يكون بينهما نصفين، والقول الآخر أنه يقسم ذلك على ثلاثة فيأخذ الذكر جزءا والأنثي والجزء الثالث يدعيه الذكر كله وتدعي الأنثي نصفه فقد سلمت نسفه للذكر فيقسم نصفه بينهما ولتداعيها فيه فيقسم المال على انثي عشرة للذكر سبعة وللأنثي خمسة، وبالأقل أقول. ولو قال ميراثا من بعض قرابتهما كان بينهما نصفين إن مات المقر، وإن ولدت ولدين أحدهما ميت فجميع ذلك للحي ولا يثبت ميراث للميت ولا إقرار / 135/ظ فيما يحرضنى. وقال أصحاب أبي حنيفة: إقراره لما في البطن باطل وإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم إقراره أقر له بعبد أو كراء أو ثمن بيع أو غيره فقلنا فيمن أوصي له بدنانير فأكلها الوصي فقالوا: يكون عليه لمن تلد هذه المرأة من حتي قلنا فما أنكرتم في الإقرار له؟ قالوا وذكر سنة. قلنا فقد أجزتم إقراره للكبير وإن لم يذكر سنة قالوا لأن ذلك يعرف لمثله قلنا: والصغير قد يكون له حق على ما ذكرنا. قالوا ولو كان ميت لم يكن له شيئا قلنا هذا لاستحالة ملكه وقد قلتم من أقر لصبي كمن ولد لا يتكلم أن ذلك يلزمه ولا فرق بين ذلك. [9/ 329]
[الجزء الرابع من الإقرار]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء الرابع من كتاب الإقرار في اقرار العبد الماذون له في التجارة وذكر الحجر عليه وفي إقرار العبد المحجور عليه من كتاب ابن سحنون قال مالك وأصحابه: إقرار العبد المأذون له في التجارة بالدين لمن لا يتهم علية جائز وإن كان مديانا ما لم يقم علية الغرماء. وكذا إقرارة بالعروض والحيوان والرقيق أو بوديعة أو عارية أو غصب أو إجازة قال ابن ميسر أو رهن أو مضاربة ما لا يستنكر ولا يتبين فية كذا وكذلك اللقطة، ولا يلحق شىء مما أقر بة رقبة وذلك فيما فى يدية أو فى ذمتة. وإذا كان عليه دين محيط لم يجز إقراره لسيده / بدين ولا وديعة ولا عارية ونحو 136/و ذلك، ولا يجوز إقراره بشئ من جراحات الخطأ والجنايات الخطأ. وإن أقر أنه جرح حرا عمدا فقال قطعت يده أو فقأت عينه فذلك باطل إذا لا قصاص بينهما فيما دون النفس، وإن أقر أنه قتله عمدا فلولية القصاص فإن استحبوه على استرقاقه فلا حق لهم فيه. قال ابن المواز: ويضرب مائة ويحبس سنة. قال ابن سحنون: ويجوز إقراره بالجراحات العمد والجنايات في العبيد، فإن شاء سيد المجني عليه أن يقتصر فذلك له، وإن طلب الدية فليس له ذلك وإقراره [9/ 331]
بالسرقة يلزمه وإن لم يكن فيها قطع وعليه غرمة لأن إقراره بوصول الأموال إليه جائز ويقطع فيما فيه القطع، وإقراره بالزنى يلزمه ويحد به، ويحد في إقراره بقذف مسلم حر، ولايجوز إقراره بمهر زوجته إذ لا يتزوج إلا بإذن سيده، ولا يجوز إقراره بالكفالة أو بمال لأن ذلك من المعروف ولا إقراره بعتق عبده أو بكتابته. ويجوز إقراره بالنكاح وسيده مخير في إجازته أو فسخة، ويلزمه إقراره بالطلاق. وإن أقر أنه افتض امرأة بأصبعة لم يلزمة غرم شئ، وقال سحنون: وإذا قال الحر لرجل غصبت من عبدك ألف درهم رددتها إليه فصدقة العبد في درهت فإن كان مأذونا صدق ولا يصدق غير مأذون. قال محمد: في هذا دليل أن المأذون إن قال غصبت من فلان مالا أو سرقته منه أن ذلك يلزمه. وإذا أقر أنه اشتري أمة فافتضها ثم استحقت فلا شئ عليه من العقر / فإن جحد البائع فهو إقرار بجناية فإن شاء ربها أخذتها ولا شئ له من 136/ظ عقر (¬1) ولا نقص وإن شاء ضمنه، وإن زعم أن عذرتها ذهبت عنده من غير فعله فإن شاء ربها أخذها ولا شئ له من عقر ولا نقص وإن شاء ضمنه قيمتها أجاز البيع وأخذ الثمن أو يأخذها ناقصة وكذلك في ذهاب عينها. وإن قال ذهبت عينها من فعلي فهو ضامن لما نقصها ذلك وإن شاء ربها أجاز البيع فأخذ الثمن وإن أقر له وطء أمة بشبهة فافتضها (¬2) بغير إذن سيدها فهذا جناية ولا يلزمه شئ إلا أن يقر أنه وطئها بشراء فلربها إجازة البيع وأخذ الثمن. وقد اختلف في الحجر على المأذون. فقال غيرنا: إن حجر عليه سيده في سوقة فهو حجر وإن حجر عليه في غير سوقة فليس بحجر. وما أقر به بعد الحجر من دين لم يلزمه في رقبته ويلزمه فيما بيده من المتاع. فإن كان عليه دين قبل الحجر فأولئك أولي ممن أقر له بعد الحجر، وكذلك إن مات مولاه ولم يحجر عليه. [9/ 332] ¬
وقال ابن القاسم عن مالك: لا يحجر عليه إلا عند السلطان فيكون هو الذي يوقفه للناس ويسمع به في محله ويشهد على ذلك ويأمر أن يطاف به حتي يعلم ذلك ثم لا يلزم مبايعته كالحجر. قال محمد وفرق غيرنا بين حجر سيده عليه في سوقة وفي غير سوقة ولا فرق بين ذلك. وقالوا: إن أقر بعد الحجر لزمه فيما في يديه ولا يلزمه في رقبته. وهذا كما قالوا وتأييدا لقولنا أن الدين لا يلزم رقبة المأذون ثم نقضوا هذا فقالوا إن حجر عليه السيد ثم أخذ / ما بيده من المتاع فإقراره بعد ذلك باطل ولا فرق بين كونه بيد 137/والعبد أو بيد السيد، ولو جاز هذا لم يئأ سيده أن يبطل ديون المأذون إلا فعل بأن يحجر عليه ويقبض ما في يديه. وإذا باع الرجل عبده المأذون ولا يدن عليه معلوم وترك متاعا في يدي مولاه ثم أقر بدين أو بمتاع بعينه أوب بوديعة بعينها أو بعارية فذلك مقبول ولو رد على بائعة بعيب جاز إقراره، وكذلك لو وهبه سيده فقبضه الموهوب ثم أقر بدين فإقراره جائز يرجع إلي مولاه. وقال غيرنا: لايجوز إقراره؟ ولو رجع إلي مولاه بوراثة قم أقر فإقراره جائز ولا يجيزه غيرنا. وقالوا: فإن أذن له في التجارة ثانية ثم أقر بدين من التجارة الأولي أن ذلك يلزم رقبته ولا يصدق على المتاع الذي كان في يد مولاه فيقال لهم المال الذي لم يختلف فيه أن دين المأذون فيه أولي من رقته الذي قد اختلف في لحوق الدين بها. قال: والمدبر وأم الولد إذا أذن لهما في التجارة فلهما حكم العبد المأذون، وكذلك إذا أذن العبد المأذون لعبده في التجارة بإذن سيده. وإقرار المأذون له بالشركة في الشئ الحاضر وفي التجارة الكبيرة جائز. وإقراره بشركة المفاوضة جائز فيما في يدية كله. ومفاوضته للحر والعبد جائزة والعبد الذمي التاجر ومولاه مسلم أو ذمي أو حر في مستأمن أو حر مسلم أو عبد فذلك سواء. [9/ 333]
وكذلك إن كان مولاه مرتدا أذن له في اسلامه فإقراره / جائز ما لم يحجر 137/ظ عليه وعلى مولاه السلطان في قول ابن القاسم. وقال سحنون: هو بالردة محجور عليه دون حجر السلطان ولا يجوز إذنه له في الردة وإقراره في ردة مولاه كإقرار المحجور عليه وإقرار المأذون جائز وإن كان مولاه صبيا أذن له أبوه أو وصيه ولا يجوز إذن غيرهما من جد وغيره. وكذلك الأمة التاجرة فيما وصفنا وإن ولدت ولدا فلا يكون ولدها تاجرا إلا أن يأذن له مولاه كان عليها دين أو لم يكن، والعبد والمحجور عليه يحد في إقراره بالزني ويقطع في اقراره بالسرقة ولا يغرم السرقة ولو كانت قائمة كان سيده أولا وكذلك الأمة ومن فيه بقية رق. وأما المأذون فليغرم بالسرقة إن كانت قائمة إن أقر بها وإن استهلكها وله مال فالقيمة في ماله. وإن كان لا مال له لم يتبع بها. وإن أقر بدن عمد فليقتص منه كان مأذونا أو غيره وإن كان للدم وليان فعفا أحدهما فلا شئ للآخر في رقبته ولا في ماله. وإن أقر العبد المحجور عليه بسرقة لا قطع فيها لم يجز ذلك عليه في إجماعنا. لو كان مأذونا لزمه غرمها في إجماعنا. قال غيرنا: كان تاجرا أو يؤدي الغلة أو مكائبا فذلك عليه، وقولنا أن ذلك يلزم المكائب ولا يلز عن ال غلة كالمحجور عليه ويلزمه إقراره بالنكاح ويخير سيده في إجازته أو فسخة وإن أقر بجنابة على حر دون النفس لم يجز فالمأذون وغيره في ذلك سواء وإقرار المكائب بجناية الخطأ لا يلزمه وإذا أقر العبد بدم / عمد فعفا بعض الأوليا فلاي لزم الإقرار لأنه صار إلي مال. 138/و ولو حكم الحاكم عليه بالعمد ثم عفا بعضهم لم يقبل إقراره وبطل القود، ويجوز إقرار العبد ومن فيه بقية رق عليه بالطلاق وبأن زوجته أخت رضاعة وبأنها ارتدت وهي تنكر. وغذا أقر مكائب أو عبد بجرح فيه قصاص فعفا المجروح ليرجع ذلك إلي مال يفدي به أو يسلمه السيد فلا يجوز إقراره. [9/ 334]
قال أحمد بن ميسر: إذا أقر العبد المحجور عليه بشئ لرجل لم يجز إقراره وإن أقر له بدين فإن أسقطة عنه السيد سقط ولم يلزمه إن عتق وإن لم يسقطة حتى عتق أتبع به وكذلك اللقطة يقر أنه أتلفها بعد السنة فأما إن أقر أنه أتلفها قبل السنة فلا تلزمه وإن عتق لأنه إنما أقر بشئ في رقبته وإن كان بعد سنة ففي ذمته. في اقرار المكائب أو العبد بين الرجلين وذكر الإقرار للمكائب أو العبد من كتاب سحنون ونحوه في كتاب ابن المواز: وإذا أقر المكائب بدين عليه أو ببيع أو بشراء أو بوديعة أو عارية في يديه أو بدار بكذا فذلك كله جائز أقر لحر أو لعبد أو مسلم أو كافر. وكذلك لو أحاط الدين الذي أقر له به بما في يديه فإن عجز بقي في ذمته في إجماعنا وهذا يدل أن دين العبد لا يعدو ذمته. وقال محمد بن عبد الحكم مثله في إقرار بالدين أو مباعية أو اجارة وشبهه. / وقال: فإن أقر بوديعة لرجل لم يحكم بها عليه إلا أن يعتق وهي بيده 138/ظ فإن تلفت قبل أن يعتق فلا شئ عليه. قال: ولا يلزمه اقراره بالعرية الا أن يعتق فيأخذ ذلك من أقر له به وإن عجز ذلك سيده، ولا يجوز اقراره في غصب ولا جناية لا تلزمه في بدنه، ولا يلزمه اقراره في شئ في يديه أنه غصبه ويلزمه اقراره بالحدود ويحد حد عبد ما بقي عليه من الكتابة شئ. قال ابن المواز: اقرار المكاتب لازم في البيع والشراء وكل ما لزم المأذون، ولا يجوز اقراره بالغصب ولا بما يلزم رقبته ولا يلزمه أيضا إن عجز أو عتق لأن ذلك لو ثبت كان في رقبته. [9/ 335]
ومن كتاب ابن سحنون ونحوه في كتاب ابن المواز: واقرار المكاتب لسيده بدين أو وديعة أو عاية في يديه جائز ويجوز اقراره باإجارة وبكل ما يلزم المأذون، ولا يجوز اقراره بغصب الأموال ولا بما يلزم رقبته ولا يتبع بذلك إن عجز. قال سحنون: ويقبل اقراره بجناية فيها قصاص في اجماعنا، وقال أصحابنا لا يجوز اقراره بجنايات الخطأ أو بأنه افتض امرأة بأصبعة ولا يلزمه ذلك في ذمته ولا في رقبته. وقال ابن عبد الحكم: وإن أقر أنه تزوج امرأة لم يلزمه نكاح ولا صدق إذا لم يجز له سيده. وقال النعمان: إن أقر أنه افتض حرة أو أمة بأصبعة لزمه ذلك دين في رقبته فإن قضي عليه القاضي بذلك فودي بعضه ثم عجز بطل عنه ما بقي. قال ابن عبد الحكم / فإن لزمه الدين فلم فسخ عنه الباقي؟ وإن كان 139/و لا يلزمه فلم حكم عليه به؟ وقد جامعونا أن دينة من بيع وشراء لا يسقط بعجزه فهذا يدل أن الأول لا يلزمه ولو لزمه مثل هذا يسقطة العجز. قال محمد: واقراره بالعيوب فيما باع يلزمه وكذلك بالإجارة والكراء وأنه واجر من يخدمه. وكذلك في كتاب ابن سحنون. وقال ابن سحنون كذلك إن أقر أن ولده الذي حذث في الكتابة أو اشتراه في الكتابة بإذن سيده في قول ابن القاسم. وكذلك شراؤه بإذن سيده كل من يعتق على المكاتب لو كان حرا فيجوز اقراره بالدين. وقال سحنون: عبد الملك لا يدخل في الكتابة بالشراء إلا الولد، وقال أشهب عن مالك: يدخل الولد فقط يشتريها بإذن السيد ثم يجوز اقرارهما حينئذ. وقال غيرنا: يجوز اقرار الولد يتشريه في الكتابة وكذلك أبوية ولم يذكر إذن السيد وأما غير هؤلاء يشتريهم فلا يجوز اقرارهم. [9/ 336]
قال ابن عبد الحكم: قال السمان: وان اشتري غيرهم من ذوي رحمة فله بيعهم ولا يجوز اقرارهم وهو يقول إن اشتراهم الحر عتق عليه وهذه مناقضة. قال ابن سحنون: ويجوز اقرار مكاتب المكاتب أو أمة مكاتبة أو كانت مدبرة مكاتبة ولا تبطل كتابة المكاتب يريد سيده ولا اقراره رجوع مولاه وكذلك / 139/ظ مكائب الحربي المستأمن والمرتد إذا كاتب عبده ثم قتل لم تجز كتابتة ولا اقراره فيها فإن صار إلي بلد الحرب وقف ماله وهذا المكاتب فإن رجع إلي الإصلام جازت الكتابة وإن قتل بطلت وإن أسلم قبل أن يلحق بدار الحرب جازت الكتابة ولزم اقراره فيها. قال ابن سحنون وابن عبد الحكم: واقرار الحر للمكاتب أو لعبد مأذون أو غير مأذون يلزمه. قال ابن عبد الحكم: وللسيد خصومته لغير المأذون وأخذ ما أقر له به ولا يأخذ ما أقر به للمكاتب ولا للمأذون. وقال أصحاب أبي حنيفة ليس للسيد طلب ما أقر به لغير المأذون حتي يحضر العبد، وهذا يدل أن المالك للعبد لا للسيد وحكي نحوه سحنون. قال ابن عبد الحكم: ومنأقر أنه غصب من عبد فلان شيئا والعبد حاضر مأذون أو غير مأذون فليرده إليه وإن طلب السيد قبضته دفع إلي العبد وقيل للسيد خذه منه إن شئت. وإن غاب العبد وليس بمأذون أخذه السيد وإن كان مأدونا لم يأخذه ونظر فيه القاضي قال سحنون: وإقرار الحر للمكاتب أو للعبد بوديعة أو عارية جائز كان العبد مأذونا أو غير مأذون، وإن غاب العبد فلمولاه أخذ ذلك المال من المقر، وفي قول غيرنا لا ياخذه حتي يحضر العبد. قال ابن القاسم: وللسيد أخذ وديعة عبده الغائب كان مأذونا أو غير مأذون. [9/ 337]
في إقرار الأجير
قال سحنون: وكذلك إقرار الحر / للأمة وإقرار الذمي للعبد التاجر جائز 140/و غاب مولاه أو حضر. وإن أقر العبد للحر بوديعة فأقر العبد بها لغيره فإن كان مأذونا جاز إقراره وإن كان غير مأذون بطل إقراره ولمولاه أخذها حضر العبد أو غاب. ومن أقر لعبد تاجر بدين بين رجلين فذلك جائز ولا يكون مأذونا بإذن أحدهما له في التجارة والإقرار له جائز وهو مال له حتي ينزعه الموليان، وإذن له أحدهما فهو كالمحجور عليه لا يجوز إقراره بالديون. في اقرار الأجير من كتاب ابن سحنون: وإذا قال الأجير إن ما في يدي من قليل أو كثير من تجارة أو متاع أو مال عين أو دين لفلان وأنا فيه أجير فذلك يلزمه في كل ما في يديه يومئذ لا حق للأجير فيه إلا طعامه وكسوته وما سوي ذلك فللمقر له فإن لم يعرف ما كان في يديه يوم أقر فالقول المقر له في جميع ما يوجد في يد الأجير. وإن قال في شئ أصبت هذا بعد اقراري فهو لي لم يصدق إلا ببينة أنه أصابة بعد اقراره. وقال اشهب: القول قول الأجير مع يمينة، وقاله أهل العراق. قال: ولو أقر أن ذلك الشئ كان في يديه يوم أقر فهو للأستاذ ولا يصدق الأجير عليه في إجماعنا. وإن أقر أن ما في يديه من تجارة كذا فلفلان لزمه ذلك كما قال وما كان من غيرها فلا يكون لفلان وما كان بيده من تلك التجارة فقال أخذته بعد اقراري فإنه لفلان دونه / حتي يقيم بينة أنه أفاده بعد اقراره، وفي قول غيرنا: القول قوله 140/ظ مع يمينة. [9/ 338]
ولو قال: كان في يدي يوم الإقرار ولم يدخل في اقراره لم يصدق في اجماعنا ولو قال: لم يكن يومئذ في يدي فقامت بينة أنه كان في يدية فهو للأستاذ في اجماعنا. وإن قال: إن ما في يدي من تجارة أو مال فلفلان وبيده عين وصكوك بدين فذلك كله لفلان في اجماعنا، وما كان من صك أخذ به بعد ذلك فقال هو مالي وهب لي أو ورثته كلف البينة. والقول قول المقر له. وقال غيرنا: المقر مصدق مع يمينة وإن قال ما في يدي من الحنطة لفلان فهو له كما قال. فإن قال في حنطة في ديي أفدتها بعد اقراري لم يصدق. وقال أشهب وأهل العراق: ويصدق مع يمينة وإن قال ما في يديه من الطعام لفلان وبيده حنطة وشعير وسمسم وتمر ثم جحد وثبتت عليه البينة باقراره وإن ذلك في يديه فإن نستحسن ألا يكون لفلان إلا الحنطة والشعير. ولو قال قائل: يدخل فيه التمر ما عتق إلا أن يكون البلد طعامهم التمر فيكون للمقر له. وقال غيرنا: لا يدخل في ذلك إلا الحنطة وما سواها فللأجير ويحلف قالوا: ألا تراه لو أمره يشتري له طعاما فاشتري له تمرا أو سمسما أو شعير لضمن قال ابن سحنون: لا حجة بهذا إنما ينظر إلي ناحية الأمر وطعامه وما يشبه أكل مثله فلا يضمن ما اشتري له من ذلك، ولو كان ممن أكله الشعير / فاشتري 141/و له القمح وينظر أيضا إلي الغالب من أكل البلد، فإن كان التمر ضمن في قولنا بشرائة لغيرة وإن أقر بذلك وفي يديه تمر وشعير وسمسم فالشعير للمقر له دون السمسم وإن كان البلد جل عيشهم غير التمر استحببت ألا أجعل له التمر بعد يمين المقر. وإن كان عيشهم التمر كان له التمر. ولو قال قائل: ما يدخل التمر في اقراره في كل بلد لم أعب ذلك. قال غيرنا: لا شئ له من التمر والشعير والسمسم. وأخبرنى محمد بن يسار عن سحنون بن سعيد فيمن حلف لا أكلت طعاما وقد أكل بقلا فإن كان ليس بعيشه ولا عيش البلد لم يحنث ورواه عن ابن القاسم. [9/ 339]
في إقرار الذمي أو الحربي المستأمن والإقرار له والتداعي في ذلك
في اقرار الذمي أو الحبي المستأمن والإقرار له والتداعي في ذلك من كتاب ابن سحنون: وما أقر به الذمي لمسلم من دين أو غصب أو وديعة أو عارية فذلك يلزمه. وما أقر له به من جراحات خطأ أو عمد فهو مأخوذ بذلك، وإن أقر بذلك لذمي لم أعرض له إلا أن يتراضيا بالتحكام إلينا. وما أقر من نكاح أو طلاق أو عتاق لم أعرض له فيه. وإن أقر أنه استهلك خنزيرا لمسلم كان نصرانيا وقال استهلكته له بعد إسلامه وقال الآخر بل قبل إسلامي فإنه يضمن له في إجماعنا. ولو أقر ذمي أني استهلكت خمر الذمي وأنا حربي وقال الآخر بل بعد الذمة فالقول قوله ويأخذ بذلك وكذلك / الخنزير، وكذلك لو قال الذمي لذمي كان 141/ظ حربيا استهلكت لك الخمر وأنت حربي وكذبه الآخر فهو ضامن في إجماعنا. وإذا أقر الحربي المستأمن في دار الإسلام بدين لمسلم لزمه ذلك فإن قال داينته بدار الحرب وقال المسلم بل بدار الإسلام فالدين يلزمه في إجماعنا. وكذلك لو فصل كلامه فهو سواء وكذلك القبض والغصب والبيع وإقراره لمسلم أو لذمي أو حربي مستأمن سواء. أو أقر لعبد مأذون أو لمكاتب بكل ما أقر به ما في يده من دار أو عبد أو ثوب أو حيوان أو غيره فذلك يلزمه. وإن قال: غصبتك هذا الثوب بدار الحرب وقال ربه بل بدار الإسلام فرب الثوب أحق به وكذلك في الدين لا ينفع قوله داينته بدار الحرب وما أقر به من نكاح أو طلاق أو مكاتبة لم أعرض له فيه وكذلك بنكاح مستأمن إلا أن يتحاكما إلينا بالتراضي ولا أعرض له في إقراره بالزني وأرده إلي أهل دينة. وإن أقر بسرقة في أرض الإسلام قطعته سرقها لمسلم أو لذمي وإن أقر بقذف مسلم حد به. [9/ 340]
وإن أقر لمسلم بدين أو وديعة أو عارية فذلك موقوف، فإن أسلم لزمة ذلك وإن قتل لم يجز إقراره في شئ من هذا وكذلك المرتد. وقال محمد بن عبد الحكم: إقراره جائز ما لم يوقفه السلطان فإذا أوقفة ثم أقر فإقراره موقوف. فإن فعل بطل ذلك ولزمه ما أقر به قبل الإيقاف، وإن أسلم لزمه ذلك كله، ولو أقر قبل الإيقاف بنكاح لم يلزمه لأن / نكاحه لا يجوز وإن كان ببينة. 142/و قال ابن سحنون: وإذا أقر له مسلم بشئ أخذ به وإن أقر المرتد أنه كائب عبده أو أعتقه فذلك موقوف فإن قتل بطل ذلك وإن أسلم لزمه. وكذلك إقراره بالنكاح. وإن أقرت المرتده بقذف أو سرقة أو زني فإن عادت إلي الإسلام حدت للقذف وقطع يدها للسرقة ولا حد عليها للزني لأنه يوضع عنها بالإسلام وإن تمادت على الردة حدت للقذف ثم قتلت ثم القتل يأتي على باقي الحدود وإن أسلمت ضمنت المال الذي أقرت بسرقته مع الحد وتضمن إن تمادي بسيرها إلي يوم القطع وكذلك المرتد. لو قال: إنما اردتدت بعد الغنيمة فالقول قوله حتي تأتي بينة بخلاف ذلك. ولو تزوج امرأة وقد شهد عليه بالردة فقال تزوجها في الردة وقالت بعد أن رجع إلي الإسلام فالقول قولها قياسا على القول إن مدعي الحلال أولا يفسخ النكاح لإقراره بفساده وعليه نصف الصداق المسمي لأنا لم نقبل قوله في إيصال الصداق. [9/ 341]
فيمن قال أقررت لك أو جنيت عليك وأنا صبي أو مجنون
ولو اوقفة السلطان وأوقف ماله فثبتت بينة أنه باع سلعة أو اشتراها فقال هو كان ذلك في الردة أو قبلها وادعي بائعة خلاف ذلك فلا يلزم البيع إن قتل / أو 142/ظ مات مرتدا. وإذا ارتد وقد طلق ثم راجع الإسلام وقد قمت بينة برجعته فقال هو ارتجعت في الردة أو بعد الرجوع إلي الإسلام وخالفته المرأة فذلك سواء ولا رجعة له والردة تفسخ النكاح فكيف تكون له الرجعة. ومن هذا باب في كتاب المرتدين وأحكامهم مستوعب. فيمن قال أقررت لك أو جنيت عليك وأنا صبي أو مجنون أو إذا كنت عبدا أو قبل أن أسلم وأنا حربي أو قال: جنيت عليك أو قذفتك وأنا عبد أو أنت حربي وقال الآخر بعد العتق أو الإسلام أو قال قطعت يمينك ويميني باقية وقال الآخر بعد أن قطعت ونحو هذا من التداعي في حالين مختلفين من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر رجل لرجل فقال أقررت لك بألف درهم وأنا صبي. قال ابن المواز: أو بدارى هذه وأنا صبي وقال الطالب بل أقررت لي بذلك وأنت رجل فالقول قول المقر مع يمينه ولا شئ عليه. وقال سحنون: هذا قول ابن القاسم وأهل العراق، وكذلك إن قال أقررت لك بذلك في نومي أوقال قبل أن أخلق فذلك عندهم باطل لأنه نسبه إلي حال لا يثبت فيه إقرار وقال سحنون: يلزمه الإقرار في ذلك كله ويعد كالنادم وكأنة قال أقررت لك وكنت في اقراري كاذبا فلا خلاف أن هذا يلزمه، وإن قال قد أقررت لك [9/ 342]
بذلك وانا ذاهب العقل من برسام (¬1) أو لمم (¬2) أو كنت / سفيها أو مولي علي 143/و فقد قال العلماء من أهل المدينة وأهل العراق إن علم أن ذلك كان أصابة كان ذلك باطلا وإن لم يعلم أنه أصابه فهو ضامن للمال وكذلك في كتاب ابن المواز. قال سحنون: فلما نسب الإقرار إلي وقت جنون لا يعرف لزمة عند جميعهم ويعد كالنادم، وكذلك قوله قبل أن أخلق فهو ندم. ولو قال اخذت منك ألف درهم بغير طوعك وأنا صبي او وأنا ذاهب العقل وقد كان يعرف أن ذلك أصابة فهو ضامن المال بخلاف الإقرار وهذا أشبه. قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ولو قامت عليه بينة بفعله ذلك في الصبا للزمة. ولو أقر في الصبا أنه فعل ذلك لم يلزمه بإقراره وهو كبير أن قد يستهلك وهو صغير كالبينة. وإن قال: أقررت لك بكذا وأنا ذاهب العقل فإن علم أن ذلك أصابه فلا شئ عليه وغن لم يبه لزمه. وقد قيل إن وصل كلامه لم يلزمه شئ. وقاله ابن المواز. وقال ابن عبدالحكم: ولو سمعت منه بينة إقراره بذلك وهو مريض مغمور تارة يضيق فقال أقررت بذلك وأنا في غمرة الحمي أهذي لقبل ذلك منه. وإن قامت بينة أنه قذف أو سرق وهو ممن يذهب عقله ويرجع وقالوا وما ندري فعل ذلك وهو يعقل أم لا فلا حد عليه في قذف ولا سرقة. وقاله أشهب في السرقة ويحلف ما فعل ذلك وهو يعقل. قال ابن عبد الحكم / وإن قال المريض طلقت امرأتى في مرضي هذا وأنا 143/ظ أهذي من غمرة الحمي أو كان (¬3) فقال كنت لا أعقل فإذا كان له سبب [9/ 343] ¬
من مرض ونحوه مما يمكن ذلك فيه فهو مصدق أن ذلك كان في غمرته أو وهو لا يعقل. فإن لم يكن له سبب يعرف فلا يصدق. وأما من قال كنت أهذي فقلت امرأتى طالق أو غلامي حر ولا يعرف أصدق أن كذب فليحمل من ذلك ما يحمل ويقبل منه. وكذلك لو قال لقيني لصوص فهددونى بالقتل فحلفت فهو مصدق قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال أقررت لك بألف درهم وأنا صبي فقال الآخر بل وأنت بالغ مرشد فالقول قول المقر، وكذلك لو كان محجورا عليه ثم زال عنه الحجر فقال أقررت لك في الحجر فهو مصدق مع يمينة. وفي باب الإقرار في الطلاق ذكر من قال طلقتك وأنا صبي أو مجنون. وكذلك في باب العتق وفي باب الإقرار بالنكاح قوله تزوجتك وأنا نائم أو قبل أن أولد. قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال أقررت لك وأنا عبد وهو الان حر فالقول قوله مع يمينه كما لو أقر مريض ثم قال أقررت ولم اكن عاقلا وقد كان تصيبه غمرة الحمي قال فالقول قوله مع يمينه. وقد اختلف في هذا قال ابن الحكم. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أقر الحر لرجل أني قد أقررت لك بكذا وأنا عبد وقد كان عتق / فذلك يلزمه في اجماعهم بخلاف قوله وأنا صبي. 144/و وكذلك حربي أسلم ثم أقر أنه أقر في دار الحرب لفلان بكذا في دخلة دخلها بأمات فهذا يلزمه في اجماعهم. وكذلك لو قال دخل علينا فلان بأمان فأقررت له بألف درهم فهذا يلزمه لأمنه أقر بذلك وهو ممن يجوز إقراره. ولو قال اقررت لك وأنا بدار الحرب وهو الآن بدار الإسلام فهذا يلزمه. وكذلك المسلم يقر أنه كان أقر لفلان بكذا وهو حربي فذلك يلزمه. [9/ 344]
وإذا قال: أقررت لك بكذا فذلك يلزمه إن اعتق وقال الطالب بل يعد عتقك فإن المال يلزمه ويكون المال للعبد دون سيده. وقد قال أيضا: القول قول المقر للسيد دون عبده إذا أعتق ويتبعهما له إن لم يستثنه سيده وإن أقر وهو مسلم وقد كان مشركا محاربا أنه أخذ في حربه من فلان ألف درهم وقال فلان بل أخذتها مني بعد إسلامك فالحربي يصدق في قول ابن القاسم، وأما في قول سحنون وهو قول أهل العراق فإن الحربي لها ضامن ولا يصدق لأنه أقر بالتعدي وادعي ما يزيل عنه الضمان، ألا تري لو فقأ رجل عين رجل اليمني وعين الفاقي اليمني قد ذهبت فقال المفقوءة عينه فقأت عينى وعينك ذاهبة وقال الفاقي بل قبل أن تذهب فالقول قول المفقوءة عينه والفاقي ضامن لأرش العين وكذلك الجراحات وغيرها في قول سحنون لأنه / وقعت الإقرار 144/ ظ لا عين له فهو يدعي طرح الدية. وفي قول ابن القاسم: القول قول الفاقئ ولا شئ عليه. قال سحنون: ولو قال المسلم قد كنت أخذت من هذا الحربي مائة دينار في الحرب وقال هو أخذتها مني بعد الإسلام فالقول قول المسلم في قول ابن القاسم، وفي قول ابن سحنون وأهل العراق: ولو أن المسلم أخذ من الحربي عرضا أو عبدا فقال أخذته منك في الحرب فلا يصدق والحربي مصدق في أنه إنما أخذه منه بعد اسلامه لأن المسلم أقر أنه ملك الحربي ثم ادعي زوال ملكة عنه إليه بأمر يجوز فهو المدعي كما لو قال سبيت ابنك في الحرب فلا يصدق في هذا إلا أن يأذن المسلم وهو موثوق في يديه فيقول اشتريته والابن معروف أنه كان حربيا فيصدق عليه المسلم. قال محمد بن عبد الحكم: ومن أسلم من أهل الحرب ثم أقر أنه أخذ من رجل مالا أو جرحة جرحا أو غار على قرية فقتل وسبي وأخذ المال فقال المقرن له بل فعلته بعد اسلامه فالقول قول المقر مع يمينه. لأنه حال كان بها وكذلك لو قال قتلت في تلك الحال لم ألزمة شيئا وهو كالصبي يقر أنه فعل ذلك في صباه وكذلك خارجي رجع إلي الجماعة فقال إنما فعلت ذلك قبل رجوعى إلي الجماعة [9/ 345]
وقال المدعي بل بعد ان رجعت فالخارجي مصدق مع يمينة، وكذلك حربي يغير عل المسلمين أو لم يغر على / الرفاق فتاب فأتي إلي الإمام تائبا فقامت البينة أنه 145/وأغار على أحد ولم يوقت متي ذلك فقال كان ذلك قبل أن أتوب فلا يقام عليه حد الحرابة حتي تؤقت البينة أنه فعله بعد أن تاب. وكذلك المريض بهذي فقال أقررت وأنا لا أعقل وقال الطالب بل وأنت تعقل فالمريض مصدق مع يمينة. وإن قال أقررت لك في وقت لا أدري أكنت حينئذ صبيا أو بالغا لم يلزمه بذلك الإقرار شئ لأنه لم ينسبه إلي وقت يلزمه ولا ألزمه إياه بالشك. قال أبو محمد: الذي أعرف من أصولهم أن من لم يكذب المدي عليه فإن المدعي يحلف ويقبل قوله وهذا قد قال خصمة أقررت لي وأنت رجل فلم يدفع ذلك بتكذيب له. قال محمد بن عبد الحكم: ولو قال عبد قد عتق لرجل حر قذفتك وأنا رقيق فقال الرجل بل وأنت معتق فالرجل مدع وليس على القاذف إلا حد العبد أربعين جلده. وقال المقذوف بل وأنا حر فالقول قول المقذوف. قال ابن بعد الحكم: ولو قال من أسلم من الحربين لرجل قذفتك قبل أن أسلم وقال الرجل بل بعد غسلامك. فهو مدع، ولو كتب رجل على رجل براءة من كل حق له قبله ثم قال كانت لك على خمسون دينارا قبل تاريخ البراءة فدخلت في البراءة وقال الآخر بل هي بعد البراءة فهو المدعي والمطلوب برئ مع يمينة. قال / ابن المواز وابن عبد الحكم: ومن قال لعبد: دفعت إلي مائة دينار 145/ظ وأنت في ملك زيد وقد كان يعرف أن زيدا ملكه وهو الآن لمحمد فقال العبد: دفعها إليك وأنا في ملك محمد فالقول قول الذي المال في يديه وهو المقر. قال ابن عبد الحكم مع يمينه. قال ابن المواز: كان المقر عدلا أو غير عدل ولو كانت المائة بيد العبد فقال العبد هي لزيد أو قال هي لي ملكتهاوأنا في ملك زيد. وقال محمد بل ملكتها وأنت في ملكي صدق محمد وعليه اليمين لزيد إذا طلب ذلك زيد. [9/ 346]
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أعتق عبدا ثم أقر أنه أخذ منه ألف درهم قبل أن يعتق وقال العبد بل بعد أن أعتقنى فالقول قول العبد ويرد إليه ما قبض منه. وكذلك لو قال: قطعت يدك قبل أن أعتقك وقال العبد بل بعد العتق فعليه دية حر. وقال ابن بعد الحكم: القول قول القاطع، وكذلك في كتاب ابن ميسر: القول قول السيد مع يمينه فإن نكل حلف العبد وكانت له دية حر وإن حلف برئ إلا أن يتيبين كذبه مقل أن يكون جرحا طريا والعتق قديم فيقض منه في عمده. قال اسن سحنون: ومن أعتق أمته ثم قال أخذت منك هذا الولد قبل أن أعتقك وقالت هي بل بعد أن أعتقني فإن كانا ولدته قبل العتق فالقول قول السيد، وإن ولدته بعد العتق فالولد عتيق، وإن قالت: ولدته بعد العتق وقال السيد قبل العتق فإن كان في حوز السيد / فالقول قول السيد وإن كان في 146/و حوز الأمة فالقول قول الأمة. وكذلك إن قال: أعتقك بعد أن ولدته وقالت هي قبل أن ألده فالقول قول من في يديه الولد. وإن قال: أخذت منك الغلة قبل أن أعتقك كل شهر خمسة دراهم وقالت هي: أخذتها بعد العتق فالقول قول السيد ويحلف. وإن قال: جامعتك قبل أن أعتقك وقالت هي بل بعد أن أعتقني جامعتنى غصبا فالقول قول السيد. وإن كان ممن لا يشار إليه بذلك حددت له. ومن أسلم من أهل الحرب فقال له رجل غصبتك ألف درهم وأنت في دار الحرب وقال هو بل في دار الإسلام بعد أن اسلمت فالغاصب ضامن وكذلك الجراحات مايصدق به المقر في تقادمها وحداثة إسلامه مما لا يمكن أن يكون بعد اسلامه في قول سحنون. وإذا قال: سبيت ابن هذا من دار الحرب وهو صبي وقال الحربي الذي أسلم بل غصبته في دار الاسلام فإن كان الابن في وثاق المسلم وحوزه فالقول قوله وإن كان في حيازة الأب فالقول قول الأب. [9/ 347]
وإذا أقرالرجل لعبد قد أعتق أنه أخذ منه ألفا وهو عبد لفلان وقال العبد بل أخذتها مني بعد العتق فالقول قول العبد. وإن قال: أخذت من هذا المكائب ألف درهم قبل أن يكائب وقال المكائب بل بعد الكتابة فالقول قول المكائب والمال له دون مولاه. ومن باع عبدا من رجل فأقر رجل آخر أنه غصب / من هذا العبد مائة 146/ظ درهم قبل أن تبيعه وقال مبتاعه بل غصبتها منه وهو عبدي فالمائة لمولاه الآخر دون الأول وكذلك الجراحات إلا أن يكون الابن يصدقه فيما قال. ومن عرف بالرق ثم عتق قم قال قتلت فلانا خطأ أو عمدا وأنا عبد وقال ورثة المقتول بل قتلة بعد أن عتق أنه لا شئ على العبد في هذا وهو مصدق، قاله ابن القاسم، واهل العراق قالوا لأنه أقر على مولاه. وقا سحنون: والقول قول ورثة المقتول والمقر مأخوذ بإقراره. قال ابن سحنون: قبل لأهل العراق فلم لم تنظروا إلي الإقرار في وقته كما نظرتم إلي اقرار الذي قال فقأت عينك وأنا بصير فقلتم القول قول المفقوءة عينه؟ ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا أقر من أسلم من الحربيين فقال أقررت لفلان بمائة وأنا مستأمن فالمائة تلزمه لآنه أقر في حال يلزمه الإقرار. وكذلك لو قال: دخل علينا فلان فأقررت له بدار الحرب أو أقررت له بدار الحرب وهو بدار الإسلام فذلك يلزمه، ولو قال مسلم أقررت لحربي وهة بدار الحرب لزمه ذلك. ولو قال الحربي بعد إسلامة أخذت منك كذا وأنا حربي وقال الآخر أخذته مني بعد إسلامك فلا ضمان على الذي أسلم. وإذا قال مسلم: أخذت من هذا الذي كان حربيا بدار الحرب في الحرب مائة دينار وقال الآخر أخذته مني بعد أن أسلمت لم يكن عليه شئ. ولو أن الساعي بيده / شاه فقال لرجل أخدتها منك في صدقتك وقال ربها 147/و [9/ 248]
بل غيرها أخذت وهذه لي فالقول الساعي ولو كانتا شاتين فقال أخذتها منك في الصدقه وقال المؤدي أخذت مني واحدة وأخري لم تجب علي فالقول قول المؤدي مع يمينه. وإذا أسلم أهل مصر أو دخلو علينا بأمان ولهم في يدي أهل الإسلام رقيق وأموال وأولاد فقالوا أخذتم ذلك من بعد الأمان وقال من ذلك بيده أخذناه قبل الأمان وكان يعرف أنهم يعدونهم يسبون ويغنمون فأما الأموال كلها فهي لمن هي بيدها وأما الرقيق فإن خيروا بالرق فهم لمن هم بيده، وإن أنكر الرقيق أن يكونوا كانوا في ايديهم برق ولا بينة على ذلك فهم أحرار لأنه لم يصح عليهم حوز برق. وكذلك إن قالوا لم يحزنا (¬1) برق ولم يقم على ذلك بينة وقالوا غصبتمونا أنفسنا ونحن أحرار قال وسواء كان ذلك المال قائما أو مستهلكا وكذلك الحيوان والنساء والرجال قال: وإن كان بأيديهم صبيان لا يعرفون عن أنفسهم فادعي (¬2) آباؤهم انهم أخذوا بعد الأمان وقال من هم بأيديهم بل قبل الأمان وقد عرف أنهم يحاربون يغيرون ويغار عليهم ثم أسلموا ودخلوا بأمان فأراهم رقيقا لمن هم بأيديهم. وإذا أسلم قوم من اهل الحرب ووجد في ايديهم رقيق للمسلمين وأموال فقالوا اسلمنا عليهم وهو في ايدينا وقال أربابهم بل / أخذتم ذلك بعد دخولكم 147/ظ مسلمين إلي دار الإسلام فإذا لم أقبل قول أهل الحصن إذا أسلموا فيما بأيديهم لزمني أن أقول إذا ادعوا أموالا ورقيقا منهم في أيدي أهل الإسلام فقالوا أخذوا منا بعد أن صرنا في الإسلام أن أكلف أهل الإسلام على ذلك البينة. ومن بيده عبد أقطع فقال قطعة فلان والعبد في ملكي وقال القاطع قطعته وهو في ملك غيرك وهو معلوم أنه كان لغيره فالقول قول القاطع مع يمينه فإن نكل غرم قيمة القطع للأول والثاني يغرم للواحد بالنكول وللآخر بالإقرار. [9/ 349] ¬
وقال ابن سحنون: وإن قال المشتري قطعته وهو في ملكي وقال القاطع بل في ملك من باعه منك فالأرش للمشتري والقول قوله. قال ابن عبد الحكم: وإذا أقر رجل أقطع اليد اليسري فقال قطعت يسري فلان قبل أن تقطع يدي، وقال المقطوع بل بعد أن قطعت يدك فإن القاطع تلزمه الدية ولا يبرأ مما فعل بالدغمي وقاله سحنون وقد تقدم لسحنون مثله في العين. قال ابن عبد الحكم في موضع آخر: إن القول قول القاطع. وكذلك لو قطعت يده فودي فادعي عليه رجل أنك قطعت يدي بعد ذلك وقال هو قبل فالقاطع مصدق كمن كتب براءة على رجل من مائة دينار ثم قام عليه بصك فيه عشرون دينار يقول انه من غير المائة وقال المطلوب بل هي من المائة فهو مصدق مع يمينة حتي تقوم بينة أن ذلك بعد البراءة، وكل ما / شك فيه 148/و فالقول قول الواهب. وقال ابن سحنون: القول قول الموهوب، وقال: كما لو قال: قطعت يده فوهبته وقال الأخر قطعت يده بعد الهبة. قال ابن عبد الحكم وقال أصحاب أبي حنيغة في هذه المسألة: وقوله قطعته ثم وهبته أن القول قول الواهب، وقالوا في الأول إن القول قول الموهوب والقاطع ضامن، وهذا خلاف قول النبي. قال ابن المواز: وكذلك في الصدقة قال ابن عبد الحكم: وكذلك لو قطعه أجنبي مقر بالقطع فقال سيده قطعه قبل أن أتصدق به على فلان وقال فلان بل بعد أن قبضته بالصدقة منك، وكذلك لو باعه فقال البائع قطعته قبل أن أبيعه منك، وقال المبتاع بل بعد البيع فالقول قول السيد الأول وليس للمبتاع رده عليه وله عليه اليمين، وكذلك لو أعتقه وقال قطعت يده قبل العتق وقال العبد بل بعد العتق [9/ 350]
فالعبد مدع والسيد مصدق، ولو تداوله بيعا بعد بيع أو ميراثا بعد ميراث ثم أقر رجل أنه قطع يده فقال واحد إن ذلك كان في ملكه فالقاطع مصدق. ومن كتاب أحمد بن ميسر وإذا قال البائع للعبد قطعت يده قبل البيع وقال / المبتاع بل بعد البيع فالمبتاع مدع وله يمين البائع، فإن نكل فللمبتاع عليه ما نقص العبد بعد يمينه ما لم يتبين كذبه مثل أن يشتريه منذ أيام يسيرة وأن القطع قديم، ولو صدقه المبتاع أنه قطعه قبل البيع ورده عليه فإنه يعتق عليه إن كانت الجناية عمدا وإن لم يصدقه لن يعتق. ومن ابتاع عبدا من المغنم فقال رجل قطعت يده وهو في المغنم وقال المشتري بل قطعته بعد شرائي له قال يحلف المشتري ويغرم لأهل الجيش ما نقصه إلا أن يأتي من علم الجرح ما يدل على صدق المشتري فيصدق مع يمينه. وإن قال المقر قطعته في الحرب صدق مع يمينه. ولو أسلم نصراني فأقر رجل أنه قطع يده وهو نصراني وقال الآخر جنيت علي بعد إسلامي فالقول قول القاطع مع يمينه فإن نكل حلف الآخر، وقبل قوله وكان له دية مسلم، يريد في الخطأ ولو تبين كذب الجاني بطراء الجرح وقدم إسلام هذا فالقول قول المجني عليه مع يمينه. وفي باب الإقرار في الدماء بقية من هذه المسائل. قال بن المواز: ومن اشترى رجلا في المغانم فقال آخر قطعت يده في الحرب وقال مشتريه بل بعد أن اشتريته أنا فالقول قول المقر مع يمينه، وكذلك لو أسلم نصراني فقال لرجل قطعت يده بعد أن أسلمت وقال القاطع إنما قطعتها قبل إسلامك فالقاطع مصدق مع يمينه ويعزم له دية نصراني. وقال أصبغ عن ابن القاسم / فيمن تزوج امرأة على أن كل امرأة يتزوجها عليها طالق ثم ظهرت له امرأة فقال تزوجتها قبل أن أتزوج ذات الشرط وقالت هي بل بعد تزويجي تزوجتها فالقول قول الزوج. [9/ 351]
فيمن أقر لرجل بمال وقال دفعه إلي آخر قرضا أو وديعة
ومن حدَ في قذف فقيم عليه بقذف آخر فقال كان ذلك قبل أن أحد وقال المقذوف بل بعد الحد فالقول قول المقذوف وكذلك قال بن المواز ومحمد بن عبد الحكم، قال بن المواز إذا حلف أنه ما قذفه بعد الحد الذي ضرب فيه. فيمن أقر لرجل بمال وقال دفعه إلى آخر قرضا أو وديعة أو أرسل به إلي وكيف إن كان ثوبا أو عبدا فقال أتاني به عارية أو قال في العبد هو بن فلان أو قال في الثوب بعثه إلي لأخيطه أو لأقطعه ونحو هذا ومن كتاب بن سحنون: ومن أقر فقال دفع إلى زيد هذه الألف لفلان وكلاهما يدعيها فليحلف فلان مع شهادة المقر إن كان عدلا ويأخذها، وإن نكل أو كان المقر غير عدل فإنها تكون للدافع، وكذلك لو قال هذه الألف لفلان دفعها إلى فلان فإن حلف فلان مع شهادة المقر أخذها ولا شيء للدافع فإن نكل أو لم يكن المقر عدلا فليردها إلى الدافع إلا أن يقول هذه الألف لزيد غصبه إياها عمرو ودفعها إلي فغبت عنها وأنا أعلم أنها غصب وعمرو يجحد فعلى المقر ألف لزيد لتعديه في قبض ماله ويلزمه ألف أخرى لعمرو/ الدافع إليه إذا أنكر الغصب مع يمينه لزيد ولا شهادة للمقر لأنه كالغاصب. قال: إلا أن يقول غصبها عمرو ودفعها إلي وأمرني بردها إلى زيد فيصير شاهدا ويحلف معه زيد ويستحقها. وقال غيرنا: إن قال هذه لفلان دفعها لفلان فهي للمقر له ولا تكون للدافع، وإن ادعاها الدافع وحلف ضمن له المستودع ألفا أخرى فيقال لهم لا يعدو قوله هي لفلان دفعها إلى فلان أن يكون في مقام شاهد أو يكون أنه رآه غصبها لفلان ثم دفعها إليه وهو يعلم فهو كالغاصب فهذا يضمن ألفين ويقول أقر عبدي بقبضها منه فيكون شاهدا. [9/ 352]
وإذا قال: هذه ألف لزيد أقرضنيها عمرو وكلاهما يدعيها فإن قال غصبها منه عمرو فأقرضنيها فقد حرج نفسه فعليه ألف لزيد وألف لعمرو فإن قال أقرضنيها من مال زيد بأمره ففيها قولان: أحدهما أنه يغرم لكل واحد / ألفا ولا يحلف لزيد مع شهادته لأن ذلك يوجب براءته ما أقر به لعمرو أنه أقرضه فسقطت بهذا شهادته، والقول الآخر: أنه يغرم لزيد ألفا ولا شيء لعمرو لأنه رسول. وأما لو قال هـ (¬1) ذه الألف لعمرو تسلفها من زيد فأقرضنيها أو قال أقر عندي بذلك عمرو حين أسلفني أو قال أقر عندي أنه أسلفنيها من وديعة لزيد عنده فإن زيدا يحلف معه في ذلك كله ويأخذ الألف ولا شيء لعمرو، فإن نكل أو لم يكن المقر عدلا كانت / الألف لعمرو ولم يكن على المقر لزيد شيء1 (1) لأنه شاهده. وإذا قال: هذا العبد الذي عندي لزيد باعه من عمرو بألف درهم وادعى البائع أنه باعه بما ذكر وادعاه المقر له وحلف أنه لم يأذن له في بيعه فإنه يقضى بالعبد للمقر له وبالثمن للبائع في إجماعنا. وإن قال: هذا العبد الذي في يدي لفلان غصبته من فلان فإن كان المقر عدلا حلف المغصوب منه مع شهادته واستحقه، وإن لم يكن عدلا أو لم يحلف معه فليقض به للمقر دون المغصوب منه. ولو قال: هذه الألف لفلان أرسل بها إلي كان إقرارا له، ولو قال أرسل إلي بها مع فلان وادعاها كل واحد منهما بعد الإقرار بالرسالة فهي للأول دون الرسول، فإن قال الأول ليست لي ولم أرسل بها وادعاها الرسول وقال كذبت في الرسالة فإنها لرسول في إجماع العلماء، فإن كان المقر له غائبا وأراد الرسول أن يأخذها وادعاها لنفسه فلا تكون له بعد إقراره بالرسالة، وإن قال هي لفلان وكنت فيها رسولا فذلك أبعد له منها، ولو لم يقر الرسول بالرسالة وقال ما دفعتها إليك إلا وديعة لي فقد قال بعض علمائنا إن كان المقر عدلا لم يكن له على المقر شيء (¬2) والألف للرسول. [9/ 353] ¬
وإذا قال الخياط في ثوب في يديه إنه لفلان أرسله إليه مع فلان وكل واحد منهما يدعيه فإن أقر الرسول بالرسالة ثم ادعاه فإنه للذي أقر أنه أرسله به أولا وإن قال ما دفعته إليك إلا لنفسي وما/ قلت إني رسول فالثوب له ولا شيء على الخياط للأول. وكذلك القصار والصباغ والصائغ في هذا شاهد. فإن كان في شهادته جر إلى نفسه لم تجز شهادته على الدافع وإن لم يكن فيها جر حلف معه الأول وأخذ ثوبه فإن نكل عن اليمين فلا شيء له والثوب للدافع. وإذا قال: هذا الثوب أسلمه إلى فلان ليقطعه قميصا وهو لفلان وادعاه كل واحد منهما فإن كان قطعه وهو يعلم أنه لغير الذي دفعه إليه فقد أقر بالجرحة ولا شهادة له والثوب في إجماعنا للدافع، وإن لم يحدث فيه شيئا فليحلف الذي قال إنه له مع شهادته ويأخذه فإن لم يكن عدلا أو أبى أن يحلف فالثوب للذي دفعه إلى الخياط. وإن قال هذا الثوب أعارنيه فلان وبعث به إلي مع فلان وأقر المبعوث به بذلك ثم ادعياه فهو للمعير، دون المبعوث به إليه. وإن قال: فلان أتاني بهذا الثوب عارية من فلان وأقر بذلك الرسول فلا ينفعه ما يدعي بعد ذلك وإن لم يقر بشيء وقال الثوب لي دفعه إليك وقال المقر فلان أرسل به معك إلي عارية فالمقر شاهد للمعير ويحلف معه ويأخذ ثوبه فإن لم يحلف أو كان المقر غير عدل فالثوب للدافع. ولو قال في صبي في يديه هذا الصبي ولد لزيد غصبه من عمرو وهو عبد له وادعي زيد أنه ابنه وادعي عمرو أنه عبده فإن كان المقر عدلا حلف معه المغتصب وأخذ/ العبد، فإن ادعى نسبه والمغتصب منه ينكر نسبه لم يقبل دعواه ولم يثبت نسبه، وإن لم يكن المقر عدلا أو نكل الحالف عن اليمين لم يقض له بشيء وكان الابن ابنا للأول الذي ادعاه إذا لم يعرف كذبه ويكون حرا ثابت النسبة، وفي قول سحنون لا يثبت النسب حتى يكون معروف الولادة عنده من أمته أو زوجته أو يكون أصل الحمل عنده. [9/ 354]
فيمن أقر أن الدين الذي على فلان أو الوديعة التي عنده لفلان آخر
ولو قال الصبي ابن فلان له مع فلان، وفلان يدعى نسبه فإنه يحلف به، فإن قال الرسول هو عبدي فإن العبد له يرد إليه حتى يقيم مدعي النسب شاهدا آخر مع المقر أنه ابنه وأنه حر إلا أن يكون الصبي يعرف عن نفسه فيقول أنا ابن فلان وينكر ملك الرسول فلا يثبت عليه ملك إلا أن يكون كان في يد الرسول يحوزه حيازة الملك فيكون عبدا للرسول. فيمن أقر أن الدين الذي على فلان أو الوديعة التي لي عنده لفلان آخر وكيف إن علم بذلك صاحبه قبل دفع ذلك إلى الطالب ومن كتب حق باسم رجل هل لرب الحق أخذه دون من هو باسمه؟ من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر فقال: الوديعة لي عند فلان لفلان فهو جائز وللمقر له أخذها ممن هي بيده غاب المقر أو حضر إذا ثبت الإقرار وليس للمقر أخذها. ولو كان عند فلان ودائع من أنواع شتى فقال المقر إنما/ غصب وديعة كذا وقال المقر له بل كلها ففيها قولان أحدهما أنه ينظر فإن كان استودعه إياها في وقت واحد فهي كلها للمقر له وإن كان أودعه إياها في أوقات مختلفة فالمقر مصدق مع يمينه في أي وديعة شاء فهذا القول أيضا هو قول من خالفنا أنا جميعها للمقر له كان المقر أودعها في وقت واحد أو في أوقات. وإن قال فلان ما أودعني شيئا فالقول قوله. ويضمن المقر إن قال أودعنيها المقر له فأودعتها لهذا بغير أمره أو قال بأمره فجحد ذلك الأمر فالمقر ضامن. ولو قال المقر ما أودعتني شيئا ولكن تصدقت بها عليه أو وهبتها له فأقررت بها له فهو مصدق ولا يضمن. [9/ 355]
وإذا قال المقر له قد أذنت له في إيداعها فلانا فقال فلان قد دفعتها إليك أيها المقر فأنكر فالقول قول المودع إذا كان قبضها في الإيداع بغير بينة ولا يضمن المقر وعليهما اليمين. ولو قال: دفعتها إلى المقر له صدق مع يمينه إن ثبت إقرار المقر ولا ضمان على المقر. قال مالك: وإن قال من عنده وديعة قد رددتها إلى ربها فهو مصدق، ولو قال قضيتك الذي لك علي لم يصدق وعليه البينة. قال محمد بن عبد الحكم: ومن له ذكر حق على رجل فأقر أنه لرجل فلم يعلم المطلوب حتى دفعه إلى الطالب ثم ندم المقر له فلا شيء على الدافع وإن أقام بينة لأنه لم يتعد ويتبع به القابض له. ومن له على رجل مال وأمره/ أن يدفعه إلى فلان أو كتب بذلك إليه كتابا وعرف أنه خطه وامتنع من الدفع وقال يبرئني ذلك إن جحدني فالقول قوله وذلك له. ولو أنه قبل السفنجة (1) على أن يدفعها ثم بدا له فليس له ذلك وليدفع ويشهد، وكذلك قال ابن المواز، وهي مذكورة في الوكالات. قال ابن المواز في الذي كتب إليه إليك أن ادفع إلى فلان الدين الذي لي عندك أو الوديعة وعرفت خطه وأمارته فلا يلزمك الدفع ولا يقضي عليك به السلطان، وإن أقررت بهذا كله عنده إلا أن يقر أنك رضيت بالدفع فيلزمك الدفع أو تقول له تعود إلي حتى أدفع إليك فيلزمك الدفع وإلا فلا، لأن على من ذلك له أن يوثقك بالاشهاد. ولو صدقت كتابه ورسوله فدفعت إليه ثم جاء فأنكر فعليه اليمين وتغرم أنت له وترجع أنت على من قبض منك ولا يضرك تصديقه أو لا فيما ذكر من أمر فلان له بالقبض. [9/ 356]
وقال أشهب في كتبه: إذا صدق الرسول أنه أمر بأخذها فلا يرجع إليه إن غرمها. قال ابن المواز فيمن لك عليه حق فأمرته أن يكتبه باسم رجل ميت وعرف المطلوب أن الحق لي دونه فطلبته بحقي وغاب الذي له الاسم فأما المطلوب من دفعه حتى يحضر صاحب الاسم فذلك له ولا يقضي عليه بالدفع وإن أقر أن الحق لك، لأن دفعه لا يبرئه من صاحب الاسم ولو قامت بينة على إقرار صاحب/ الاسم بذلك لقضي عليه بالدفع إليه ويبرأ بذلك لا يحكم عليه بدفع لا يبرأ به ولو أحضر صاحب الاسم وقد كان أشهد له أن الحق له ثم بدا له فاقتضاه وأخذ فقال صاحب الحق دفعت إلى صاحب الاسم ما يعلم أنه ليس له قال لا شيء عليه ويبرأ الغريم لأن لوكيل البيع قبض الثمن وكل وكيل على وكالته حتى يعزل ولو حضرك إلى السلطان فأقررت أن الذي كتب الحق عليك باسمه قد أمرك بالدفع إلى هذا لكنك تخاف إن جحدك فيضمنك فلا يقضى عليك بالدفع إلى هذا. ولو أقررت أنه جمع بينك وبينه وأمرك بالدفع إليه فقلت له أنت أنا أدفع إليك فهنا يقضى عليك بالدفع إن أقررت أنك قلت ذلك لأنه من باب الضمان وإن لم تزد على أن قلت أمرني بالدفع إليك فلا يقضى عليك بالدفع إلا ببينة على الإذن إلا أن تقر أنك رضيت بالدفع فيكون هذا من باب الضمان. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ فيمن عليه لرجل مائة دينار فأتاه من زعم أنه وكله ربها على قبضها وقال له أنا أضع عنك منها خمسين فإن أتى ربها فهن في مالي أضمنها أو يذكر له أن ربها حطه خمسين فلا يصدقه على الوكالة فيقول له ادفع إلي وأنا أضمن له الخمسين التي حططت إن أنكر قال إذا قبض على ذلك لزمه الضمان في الوجهين ولكن إن كان إنما يقبض لغائب بعيد الغيبة أو لوجه يطول مكثها به عنده لينتفع بها فليس بجائز/ لأنه ضمان بانتفاع وإن كان ربها قريب [9/ 357] ¬
فيمن قال غصبت منك عبدا غصبته أنت من فلان وأقام آخر بينة أنه منه غصبه
الغيبة ومعاملته منه قريب فيرضى أولا يرضى فذلك جائز وضمان لازم لأنه معروف وليس بضمان بزيادة. وروى أشهب عن مالك فيمن أسلفته أربعين درهما وأمرت صرافا يدفعها إليه فقبضها فلما ردها دفعها إلى الصراف ظنه وكيلا فلا يبرأ بذلك فإن جحد الصراف وكان متهما حلفه وهذه شبهة وقال سحنون وابن نافع يحلف له الصراف بكل حال. فيمن قال غصبت منك عبدا غصبته أنت من فلان وأقام آخر بينة أنه منه غصبه أو رهن عبدا ثم قال غصبته من فلان قال محمد بن عبد الحكم: ومن قال غصبت هذا العبد الذي غصبته أنت من فلان والعبد في يد المقر أو في يد آخر يدعي ملكه فإن صدقه المغصوب منه قلنا له رد العبد إلى الذي غصبته منه ويرده هو إلى ربه، وإن كان في يد مدع له غرم المقر قيمته لمن غصبه هو منه فإن صدقك أنه غصبه من فلان دفع إلى فلان الأكثر من قيمته يوم غصبه هو أو من قيمته التي أخذ من الغاصب الآخر قيمته يوم غصبه الآخر. قال أبو محمد: والذي قال محمد من هذا إن كان على أن ربه الأول يضمن الغاصب الأول أوفر القيمتين من قيمته يوم غصبه الأول أو من قيمته يوم غصبه من الثاني فليس هذا قول مالك وإنما له أن يضمن الأول قيمته يوم غصبه أو يأخذ عين عبده/ أو يدعه ويدع الغاصب الأول ويضمن الثاني قيمته يوم غصبه من الثاني ثم لاشيء له على الأول فإن أراه محمد أن الغاصب الأول إذا قبض قيمته يوم غصبه الثاني منه وهي أكثر من قيمته يوم غصبه الأول أن يدفعها كلها إلى ربه الأول لأنه مختار لتضمين الغاصب الثاني دون الأول فذلك صحيح، وإن قال من غصبه من الآخر: العبد لي لم أغصبه من أحد قيل للمقر ادفع قيمته إلى الذي [9/ 358]
فيمن أقر أنه غصب رجلا دارا ثم قال هي لفلان أو قال بالبصرة
غصبته أنت منه يوم غصبته أو ادفع إلى من أقررت أن هذا غصب منه العبد إن كان قائما، يريد لم يحل عنده فإن فاء فعليه للأول قيمته أيضا، يريد محمد قيمته عند غصبه الثاني، وإذا طال عنده ولم يفت فربه الأول مخير بين تضمينه قيمته يوم غصبه أو أخذه بعينه. ولو قال لرجل غصبتك هذا العبد الذي في يدي فصدقه ثم أقام غيره بينة أن هذا الغاصب غصبه منه وأنه يأخذه صاحب البينة إن قام المقر له يطالبه فله تضمين الغاصب قيمته بإقراره إنه من غصبه. وليس قيام البينة للآخر يخرج هذا من الضمان لأنه يقول غصبته من غير الذي شهدت له البينة وهو هذا. ولو قال: أودعينه فلان فأقام آخر البينة أن المقر له غصبه منه فحكم له به ثم قام من أقر له هذا بالإيداع على المقر فلا ضمان عليه لأنه لم يجن عليه جناية. ومن كتاب أحمد بن ميسر: ومن رهن عبدا ثم قال غصبته من فلان فإن كان مليا ودى الدين ورده على صاحبه وإن لم يكن مليا/ ترك ذلك حتى يحل الحق فإن وجد ما يؤدي في الدين رد العبد إلى ربه إن كان بحاله وإن دخله نقص في يديه فربه مخير بين أخذه ولا شيء له غيره أو أخذ قيمته. وإن بيع لغير الغاصب ودي الدين من ثمنه فإن فضل منه شيء كان لربه من قيمته واتبع الغاصب بباقيها. فيمن أقر أنه غصب رجلا داراً ثم قال هي لفلان أو قال بالبصرة قال محمد بن عبد الحكم ونحوه في كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه غصب فلاناً داراً ثم قال هي هذه فإن كانت في يديه دفعها إليه وإن كانت في يدي غيره فإن صدقه الذي هي في يديه ودفعها إليه ردها إلى المقر له وإن أنكر ذلك من هي في يديه فعلى المقر قيمتها. [9/ 359]
قال ابن سحنون يقال للمقر بالغصب خلصها من يد من هي بيده إن أنكر قولك وسلمها إلى ربها وإن لم تقدر على خلاصها فعليك قيمتها للمغصوب منه، وكذلك الأرض والإماء والعبيد. وكذلك لو قال غصبت فلانا مالا فأنفقته على فلان أو أودعته إياه أو قارضته عليه وفلان منكر فالمقر ضامن للمال لربه إن لم يخلصه له. قال ابن سحنون: فإن قال: غصبتك دارا ثم قال في نسق الكلام هي بالبصرة أو بالكوفة ففيها قولان: أحدهما: إن كان المقر والمقر له غريبين (¬1) لا يعرفان فالمقر مصدق مع يمينه، وإن كانا يعرفان ويعلم الناس أنهما لم يدخلا تلك البلاد قط ولا/ ملكا بها مالا فبعض أصحابنا يرى هذا ندما ورجوعا عن إقراره ولا يصدق وعليه أن يبين ما أقر به طائعا أو مكرها بالسجن، هذا معنى قول سحنون. فأما في قول غيره من أصحابنا فالقول قول المقر مع يمينه على أنه دخل البلد أو لم يدخلها. قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال: غصبته دارا ثم قال بعد ذلك هي بالمدينة أو بالكوفة صدق وحلف إن ادعى عليه غيرها فإن طلبه حبس المقرها هنا حتى يدفعها إلى ربها أو إلى وكيل ربها، وإن قال أعطيته كفيلا حتى أوافيه بالبلد فأدفعها إليه إلى أجل قدر المسافة فليس ذلك له إلا برضى الطالب وكذلك أحبسه إذا كانت الدار معه بالبلد حتى يردها إليه. وقال أبو حنيفة: إن قال هي التي بيد فلان فلا شيء عليه لأنه لا يزال بها ولو كان عبدا أو دابة غرم القيمة لأنه لا يزال بها. قلت لمن ناظرني عنه فإذا لم يزل بها فينبغي ألا يضمنه حتى يزال به وأنت تضمنه الآن فقد وقع تضمينك بإخراجه من يده وإزالة ذلك هو فعل غير [9/ 360] ¬
جامع الإقرار في البيوع والتداعي في ذلك وشيء من اختلاف الآمر والمأمور
الغاصب فأنت لا تضمنه بفعل نفسه وتضمنه فإن الذي ذلك في يديه يقدر على إزالته، أرأيت لو قال قائل لا أضمنه ما دام حيا لأنه يقدر على رده لأنه الحجة عليه أكثر من أن يقال إنه قد أخرج ملكه من يديه، أرأيت ما فيها من الخشب والنقض أليس يقدر أن يزيله من موضعه فيلزمك أن تضمنه ذلك وعليه الضمان و/ إخراج الشىء من يد مالكه، وقد خالف أبا حنيفة صاحبه وقال بقولنا. جامع الإقرار في البيوع والتداعي في ذلك وشيء من اختلاف الآمر والمأمور من كتاب ابن سحنون وإذا أقر أنه باع عبده هذا من فلان وقبض الثمن ولم يسمه وصرفه المشتري فهو إقرار لازم، وإن سمي الثمن كان إقرارا أجوز، وكذلك في كل مبيع ولو سمي الثمن وقال لم أقبضه فالقول قوله وعلى المبتاع البينة بالدفع إن ادعى ذلك وللبائع منع العبد حتى يقبض الثمن. فإن دفع العبد ولم يكن له رده ليأخذ الثمن، ولو تقاررا بالبيع ولم يسميا الثمن ثم استحق العبد فاختلفا في مبلغه فالقول قول البائع مع يمينه فيما يشبه وإذا اختلفا في الثمن في عقد البيع تحالفا وترادا، وذكر رواية ابن وهب أن المبتاع إذا قبضه مصدق ويحلف. وقال ابن القاسم إنه إن لم يفت تحالفا، وقال أهل العراق مثل قول ابن القاسم قالا وإن فات بيد المشتري بنقص فالقول قوله ويحلف، قال أهل العراق: إلا أن يرضى البائع بأخذه ناقصا. قال ابن القاسم: ليس له أخذه إلا أن يرضى المبتاع، وإذا قال: بعته من فلان بألف وأنكر فلان الشراء ثم أقر به فأنكره البائع فلا شيء للمشتري لإنكاره [9/ 361]
الأول كمن أقر لرجل بمائة درهم فقال الرجل مالي عليك شيء ثم قال هي لي عليك فأنكره المقر فالقول قوله ولا شيء للطالب. وفي قول غيرنا ينفذ شراؤه/ بألف ولا يضره قوله لم أبع. وقال: لو قال بعتك هذا العبد بألف وقال المشتري ما اشتريته منك فصدقه البائع ثم قال المشتري قد اشتريته لم يلزمه البيع ولم تقبل منه البينة على ذلك في إجماعنا. ولو قال: بعت منك هذا العبد فأنكر وقال ما اشتريته فأحلفه الحاكم فأقر أنه اشتراه بذلك فذلك يلزمه. وكذلك لو ادعى هذا الشراء وأنكره فأحلفه فأقر فذلك لازم. وإذا قال: بعت عبدي من فلان ولم يسم ثمنا فقال فلان اشتريته بخمسمائة فأنكر البائع أن يكون باعه فالقول قول المبتاع ويحلف إلا أن يذكر من الثمن مالا يشبه. وقال غيرنا يحلف البائع ولا يلزمه البيع، وكذلك لو ادعى المشتري الشراء ولم يسم الثمن فقال البائع بعتكه بألف درهم فجحد المشتري أن يكون اشتراه منه بشيء فالبائع مصدق إن ذكر من الثمن ما يشبه. وقال غيرنا يحلف المشتري ويبرأ وقد جامعونا أنه إن أقر أنه باع عبده من فلان وقبض الثمن وصدقه المشتري أن البيع لازم وإن لم يسميا الثمن فقد اتفقنا على ما اختلفنا فيه. وإذا قال: اشتريت هذا العبد من فلان فجحد ذلك البائع فادعى الآخر أن العبد كان له من أصله فلا يصدق ولا تقبل منه البينة لأن إقراره هدم ذلك وكذلك إن ساومه ليشتريه. وإن أقر أنه باع عبدا/ لم يسمه من فلان ثم جحد فليؤخذ بإقراره إن طلبه المشتري ويلزمه أن يأتي بالعبد فأتى عبد أتى به فقال هو هذا فالقول قوله مع يمينه. [9/ 362]
فإن ادعى المبتاع عبدا بعينه وجحد البائع حلف وبريء فإن نكل حلف المبتاع وأخذ العبد الذي ادعى. وفي قول غيرنا: هذا الإقرار باطل، وإذا أقر أنه باع منه عبده فلانا والبينة لا تعرف العبد والمشتري يعرفه فإن عرف غير بينة الإقرار بالبيع عبده فلانا جازت شهادتهم وحكمت ببيع عبده فلان، وإن لم يكن أحد يعرف عبده كلفته أن يأتي بعبد فما أتى به فقال هو الذي أقررت به فالقول قوله مع يمينه. فإن ادعى المبتاع غيره حلف البائع وقيل للمبتاع إن شئت فخذ ما أقر به وإلا فدعه وكذلك في الأمة والدار والدابة. وإذا عرفوا هذه الأشياء ولم يسم الثمن فذلك جائز، فإن اتفقا في الثمن لزمهما ما اتفقا فيه وإن اختلفا تحالفا وتقاسما. وفي قول غيرنا إذا لم يسم الثمن لم يجز وإن عرف الشهود السلعة، ولكنه يحلف. وأجمعنا أنه إن حدد الدار وسمي الثمن أنه جائز وإن جحده البائع ولم يعرف الشهود الحدود بعد أن تقوم بينة على معرفة الحدود فذلك جائز. وما أقر به أحد المتفاوضين من شراء أو بيع فهو لازم للآخر وكذلك لو تفاوضا في نوع من التجارة إذا أقر به في ذلك النوع وما أقر به من شراء شيء مستهلك/ من تجارتهما وقال الثمن دين علينا فإن ذلك عليهما في المال الذي تفاوضا فيه ولا يلزم ذمة شريكه من إقراره ولا تجاوز إقراره المال الذي بأيديهما ويلزم ذمة المقر ما جاوز المال الذي تفاوضا فيه إلا أن يكون تفاوضا في نوع من التجارة بمال على أن يشتريا به وبوجوهما فهاهنا يلزمهما ما جاوز المال إن كانت هذه الشركة مكروهة. وإذا أقر الوكيل على بيع العبد إنه باعه من فلان بكذا وصدقه فلان وجحد الآمر فالبيع لازم والعهدة على الآمر دون الوكيل وكذلك البضاعة، وكذلك إذا أمره بالشراء فالقول قول الوكيل في اجماعنا، ولو أمر بشراء عبد بغير عينه وسمي جنسه [9/ 363]
وثمنه فأقر الوكيل أنه قد اشترى هذا العبد له بالثمن وجحد الآمر فالقول قول الوكيل ويلزم العبد الآمر إذا اشتراه بما يشبه سواء دفع الثمن إليه أو لم يدفع، وقد أحال من فرق بين دفعه الثمن وغير دفعه وقال: إذا لم يدفع الآمر الثمن إلى الوكيل لم يصدق الوكيل ويلزمه البيع دون الآمر. وإن مات البائع وأقر الوكيل لشراء العبد فإن كان الثمن في يديه أو دفعه إلى البائع ببينة أو أقر بذلك الورثة فالشراء جائز ويدفع الآمر الثمن إلى الورثة إن كان في يديه وإن جحد الورثة البيع ولم تكن بينة وقال الوكيل اشتريت منه ودفعت إليه الثمن بلا بينة فالوكيل ضامن للمال ويحلف الورثة على علمهم، وإن قبض/ البائع الثمن ببينة واستهلكه فالبيع تام لازم للميت. وإذا أمر ببيع عبد فمات الآمر وأقر الوكيل وقالت الورثة إنما بعته بعد موت صاحبنا فالقول قول ورثة الميت وإن كان العبد مستهلكا فالقول قول ورثة الوكيل. قال محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أنه باع هذا العبد من هذا الرجل ولم يسم الثمن ثم أنكر إقراره هذا فقامت عليه بذلك بينة فقال المقر له اشتريته بخمسين دينارا فلا يصدق على هذه التسمية ولا يجب له العبد بهذا الإقرار إذا لم يقم بالثمن بينة. ولو مات المقر قبل أن يسأل عن الثمن لم يلزم بهذا الإقرار بيع إلا أن يدعي المبتاع على ورثة البائع معرفة الثمن فيحلفوا علمهم ويبقى العبد لورثة البائع. ولو مات المتبايعان حلف ورثة البائع ما يعلمون الثمن، ولو قال ورثة المبتاع نحن نعلم الثمن يقبل منهم، وإذا نكل ورثة البائع عن اليمين على العلم حلف ورثة المبتاع وأخذوه وإن نكلوا فلا شيء لهم. ولو قال البائع الثمن خمسون وحلف وطلب يمين ورثة المبتاع فحلف بعضهم ونكل بعضهم فإن شاء البائع علم حصة من حلف إليهم إن كان النصف بذلك وإن قال لا أرضى أن يتبعض علي العبد فذلك له. [9/ 364]
في الإقرار بالعيوب في البيوع
قال محمد بن عبد الله، وعلى مذهب بعض أصحابنا: إن الذين حلفوا إن شاؤوا أخذوا نصف من لم يحلف ويؤدوا / جميع الثمن فذلك لهم. وإذا أقر المشتري أنه اشترى من فلان هذه الدابة بكذا وكذا وصدقه البائع وطالبه فأنكر الإقرار وحلف فللبائع بيع دابته ويصنع بها ما يشاء، وينفسخ البيع الذي أقر به المشتري. ومن ادعى أنه ابتاع هذا العبد من فلان ولم يسم الثمن فقال المدعى عليه بعتك إياه بمائة فأنكر المبتاع أن يكون أقر بشيء وحلف ما أقر ولا اشترى فقامت عليه بإقراره بينة فلا يلزمه بهذا بيع، ولو اختلفا في اليمين فتحالفا وتقاسما، ومذهب أشهب في اختلاف المتبايعين في قلة الثمن وكثرته يتحالفان بعد فوت السلعة وترد القيمة. وابن القاسم يرى ذلك في جنسين من الثمن يدعى هذا صنفا وهذا صنفا ويرى في قلة الثمن وكثرته أن يتحالفا ما كانت. ويقول أشهب بقول ابن عبد الحكم. في الإقرار بالعيوب في البيوع من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر البائع أنه باع هذه الأمة من فلان وبها هذا العيب فلفلان ردها بذلك فإن ادعى البائع أنه أبرأه منه فإن لم تقم بينة حلف المشتري وردها فإن لم يحلف حلف البائع وبريء، وإن قال المشتري: اشتريتها وبها هذا العيب وهو مما يحدث مثله وأقر البائع أنه باعها وبها عيب لم يسم أي عيب هو فلا يلزمه بهذا الإقرار إلا اليمين في العيب الذي ادعاه المبتاع أنه ما باعها وبها ذلك العيب. فإن قال: / بعتها وبها عيب لم يسمه وقال قد ذهب بها فالقول قوله ويحلف ولا يرد عليه بهذا. وإن أقر أنه باعها وبها عيب لم يسمه فجاء المشتري بها وبها عيب فقال البائع ليس هذا هو وهو يرى ذلك العيب فالقول قوله مع يمينه وينظر في العيب الذي قال المشتري فإن كان مما لا يحدث مثله رده وإن كان يحدث مثله أحلف البائع ما باعها وذلك بها ويبرأ. فإن نكل حلف المشتري ما حدث عنده ورده به. [9/ 365]
ولو كان اشترى رجل من رجلين فأقر أحدهما بعيب سماه وجحد الآخر فللمشتري أن يرد على المقر حصته وإنما له على المنكر اليمين. ولو كان المقر جحد حلف معه المشتري ورد على الآخر. وإن اشترى رجلان من رجل فأقر البائع بعيب قائم في الأمة وقال أحد المشترين قد رضيته وأراد الآخر أن يرد فاختلف فيها أصحابنا وأهل العراق، فروى أشهب عن مالك أنه ليس لأحدهما رد دون الآخر فإما ردا جميعا أو أخذا. وروى عنه ابن القاسم أن لأحدهما أن يرد حصته وأن للبائع ها هنا مقال وإن كان البائع واحدا وله شريك مفاوض فأقر شريكه بالبيع وجحده الآخر البائع فللمشتري أن يرد بإقرار الشريك المفاوض. ومن أمر رجلا فباع خادما له ثم أقر الآمر بعيب فيها وجحده البائع أن ذلك لا يلزم الآمر ولا شيء على البائع، وإن أقر به البائع وجحد الآمر فللمشتري أن يرد على البائع. ومن باع سلعة / فباعه المبتاع من أخرى ثم باعه الآخر بعيب فأقر له البائع الثاني فإن قبلها بغير قضاء قاض فليس له ردها على البائع الأول في إجماعنا وإن قبلها بقضاء قاض بهذا الإقرار أو جحد العيب فإما أن يحلف فليس له ردها على الأول وله مخاصمته. ولو قال المشتري الآخر بعتنيها وهذا العيب بها فاستحلفه القاضي فنكل وحلف المشتري فرد القاضي عليه فأراد خصومة البائع الأول فقال له قد قلت لك إنها لم يكن هذا العيب بها يوم بعتها فإن ذلك يضره وليس له ردها على الأول أنه يزعم أنه حدث عند المشتري الأول لا أن يقول ما علمت بهذا العيب ولعله أن يكون بها ولم أعلم فإنه أمكنه من خصومة البائع. وإذا باع الآمر ثم أقر بعيب فيها لا يحدث مثله فإنها تلزم البائع. وكذلك الشريكان في السلعة يبيعها أحدهما بإذن الآخر إذ لو أنكره وكان لا يحدث مثله لزمهما بخلاف ما يحدث مثله. [9/ 366]
جامع التداعي والإقرار في البيوع
ومن باع دارا ثم أقر أنه باعها وبها هذا العيب الذي يحدث مثله من صدع في حائط أو كسر في جذع يخاف على الدار منه أو كسر في الباب وكان الباب له بال من الدار فهذا ترد به الدار وكذلك فيما أقر به من عيب في ثوب أو عرض أو حيوان. ولو قال: بعتك هذا الثوب وهو خرق فجاء المشتري بخرق فقال بعتني وهذا به وقال البائع ليس هذا الذي أقررت لك به وهذا عندك حدث وليس في الثوب خرق غيره فلا/ يصدق البائع على ما قال. ولو قال كان هذا الخرق صغيرا فازداد عنك ففيها قولان: أحدهما أنه مصدق، والقول الآخر أنه مدع في قوله زاد فإن كان فيه خرق غير ذلك فقال البائع بعتك وهذا به ولم يكن الآخر به فالقول قول البائع مع يمينه ويرد المشتري الثوب وما نقصه أو يحبسه ويأخذ قيمة العيب. وإن أقر أنه باعه وهو أقطع اليد فقيم عليه وهو أقطع اليدين فليس له رده. وإن قال المشتري كذلك بعتنيه حلف البائع ما بعته كذلك ثم إن أراد المشتري إمساكه ويرجع بالعيب فذلك له. وإذا قال: بعته وبه قرحة ثم جاء المشتري به ليرده فقال البائع برأت تلك القرحة وهذه غيرها فلا يصدق وللمشتري أن يرد بعد أن يحلف على ذلك. جامع التداعي والإقرار في البيوع وفي غير ذلك وفي اختلاف البينة في ذلك من كتاب ابن سحنون قال سحنون فيمن ادعى على رجل فقال بعت منك هذه السلعة بمائة دينار والرجل منكر فأقام عليه البائع البينة بذلك ثم أتى آخر يدعي على ذلك المدعى عليه يقول إني بعت منك تلك السلعة بخمسين دينارا والرجل منكر لذلك وهي سلعة واحدة ادعاها البائعان أن كل واحد منها باعها من المشتري منفردا هذا بخمسين وهذا بمائة وأقاما بذلك بينة قال: يقضي عليه [9/ 367]
بمائة للأول (¬1) / وللثاني بخمسين وقال له خذ سلعتك قال: فإن أصاب بها عيبا فإن كان متماديا على إنكاره فليس له ردها على واحد منهما، وإن قال بل اشتريتها من هذا كان له أن يردها عليه. قال ابن سحنون: وإن قال اشتريتها من هذا ومن هذا قيل له إن أثبت دعواك على واحد منهما فارددها عليه وليس لك ردها عليهما وأخذ الثمن من كل واحد منهما الثمن الذي دفعت إليه لأن كل واحد قد أثبت شراء جميعها فليس لك أن ترد عليه نصفها وتأخذ الثمن أجمع. وقال في دار بيد رجل أقام آخر بينة على إقراره أنها للمدعي وأقام من بيده بينة أن المدعي أقر أنها للذي هي في يديه فليقض بأعدلهما فإن تكافأتا بقيت لمن هي في يديه، وكذلك في العبد والأمة والدابة والثوب والكيل والوزن، وإذا شهد شاهدان بدار لرجل وشهد أحدهما له بدار أخرى فإنه يقضى له بالتي اجتمعا عليها ولو أن يحلف مع الذي شهد له عن الآخر أو يقضى له بها. وكذلك إن شهدا له بمال. وقال من خالفنا: إن شهد أحدهما بألفين والآخر بألف بطل ذلك كله وهذه مناقضة لا يحتج عليها بأكثر من حكايتها. وقال بعضهم كقولنا إنه يقضى له بالألف التي اجتمعا عليها. وإن شهدا له بألف فقال أحدهما كنا جميعا عليها، وقال الآخر كنت وحدي فذلك جائز. وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال: هذه الدار بيني وبين أخوي فلان وفلان ميراثا/ عن أخينا وهما أخواه لأمه وأنا شقيقه وقال أخواه نحن أشقاء فالقول قول المقر. [9/ 368] ¬
فيمن أقر بغصب حمامة وكيف إن فرخت عنده
فيمن أقر بغصب حمامة وكيف إن فرَخت عنده أو قال هي ذكر قال محمد بن عبد الحكم ومن أقر أنه غصب من فلان حمامة ففرخت عنده فيسأل فإن قال: كانت ذكرا فلا شيء له في الفراخ. وإن قال: كانت أنثى فالأنثى وأفراخها للمقر له كشاة ولدت عند الغاصب. ومن أقر لرجل بحمامة أقر بما شاء من ذكر أو أنثى والذكر والأنثى يسمى حمامة ويقال حمامة ذكر ولا يقال حمام ذكر وإنما الحمام جماع، وإن كان في بلد قد جرى في ألفاظهم أن الحمام الواحد حمام على الغالب من عرفهم مثل الشاة تقع على الذكر والأنثى، وهذه في كتاب الغصب مذكورة. في الإقرار في الكراء والإجارة والمساقاة من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر أنه أكرى داره من فلان كل شهر بكذا وادعى ذلك المكتري أو ادعى ذلك الساكن وأقر به رب الدار أو ادعاه أحدهما فقال له الآخر نعم أو أجل أو صدق فذلك لازم. ولو اختلفا في الإقرار أو في أجل كراء الدور ولم يكن تحالفا وترادا، وكذلك في إجارة العبيد والأرض، وكذلك هذا في الحر والعبد المأذون والمكاتب والمرأة والذمي/ والبينة والإقرار. وإذا أقر بإجارة في دار لم يعرفها الشهود فإن حددها ووصف مكانها فذلك جائز، يريد إن تصادقا وإن لم يحدها وجحد لم يجز، وكذلك في إجارة عبد لم يسمه فإن عرفه الشهود وإلا لم يجز إذا جحد، والإقرار بكل لسان جائز إذا ترجم وعرف. وقال محمد بن عبد الحكم فيمن بيده بستان فقال هو لعمرو ساقانيه على نصف الثمرة فصدقه عمرو ثم قال بل هو لزيد ساقانيه على سنة على النصف فصدقه ثم تخاصموا فإن البستان يبقى بيده إلى آخر السنة ثم يرفع إلى كل واحد [9/ 369]
في الإقرار بالوديعة والعارية وتصرف أوجه الإقرار بذلك
منهما نصف الثمن بإقراره ويكون البستان للأول وهو عمرو ويغرم لزيد قيمته يوم يأخذه، ولو عطب أو غصب قبل تمام السنة لم يضمنه حينئذ لزيد لأنه مقر أنه في يديه بإذن ولم يأت موضع التعدي إلا بعد تمام السنة. في الإقرار بالوديعة والعارية وتصرف أوجه الإقرار بذلك من كتاب ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ومن أقر أن لفلان عنده وديعة فليقر له بما شاء وهو مصدق من قليل وكثير ومعيب وغير معيب. وإن أقر أنه ركب الدابة الوديعة ولبس الثوب فقال ربها هلكت الدابة قبل أن تنزل عنها والثوب قبل أن تنزعه وقال الآخر بل بعد نزولي عنها ونزعي الثوب وقامت بينة/ بالركوب واللباس فهو يضمن حتى يثبت أنه ردها إلى حيث كانت وأنه نزع الثوب ورده إلى حيث كان فيبرأ من الضمان وذلك لقيام البينة بالركوب واللباس ولو كان ذلك بإقرار باللباس والركوب وإنه نزل ونزع الثوب فالقول قوله عند أصحابنا لا يؤخذ إلا بما أقر به. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن ركبها ببينة ونزل عنها ببينة لم يضمن فوافقونا في هذا وهو حجة عليهم فيما خالفونا فيه إذا تسلف من الوديعة ثم ردها فقالوا يضمن وإن ردها. قال ابن المواز: إذا ردها بما تسلف منها لم يضمن وأحسبه إن تسلفها بغير بينة صدق في ردها. وإن كان ببينة لم يبرأ وهذا كله في كتاب الوديعة. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أن هذا الثوب عنده عارية بملك فلان أو من ملكه أو لملكه أو بميراثه أو من حقه أو بحقه أو لحقه فهذا كله إقرار في إجماعنا. ولو قال: هو عندي عارية لحرمة فلان أو بحرمته أو لقدره أو بقدره أو لشرفه أو بشرفه أو باستعانته أو بشفاعته فليس هذا بإقرار بالثوب ولا بشيء منه. [9/ 370]
وإن قال: هو عندي عارية على يدي فلان فليس بإقرار له، وإن قال لفلان عندي مائة درهم أو قال قبلي ثم سكت ثم قال هي وديعة قبلي قبل قوله وحلف. ولو مات قبل أن يقر أنها وديعة أخذت من ماله وديعة / كانت أو من حق عليه. وذكر ابن سحنون خلافه في قوله قبلي. قال ابن عبد الحكم: ولو قال لفلان في بيتي ألف درهم أو في صندوقي ثم قال استودعتها غيري. وصيرها هناك قبل ذلك منه وليس هذا بإقرار منه بها، ولو قال له في مالي ألف درهم لزمه ذلك. وإن قال له من مالي مائة درهم سئل فإن قال هبة قبل منه. قال محمد بن عبد الحكم: والعارية جائزةو إلى أجل وإلى غير أجل. وقد استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفوان السلاح في مخرجه إلى هوازن (¬1)، وليس لذلك حد من الأيام قدر ذلك إن ما ليس بمعاوضة من عارية وشبهها يجوز إلى أجل وإلى غير أجل. فإن كانت إلى أجل فهي إليه وإن كانت إلى أمر معروف فذلك كالأجل كما استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مخرجه إلى هوازن فمضى في وجهه ذلك ولم يكن أمراً معروفاً وجهه ولا فيه أجل فهو بيد المستعير حتى يطلبه ربه فيأخذه. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال لفلان عندي مائة درهم عارية فهي تلزمه في إجماعهم. وكذلك كل ما يكال ويوزن، وأما قوله على مائة درهم وديعة لا يكون إلا وديعة في إجماعهم. وإن قال دينا كانت دينا. ولو قال له قبلي أو علي مائة درهم دينا وديعة لزمته دينا، ولو قال له قبلي أو قال علي مائة درهم وديعة دينا لزمته دينا إذ لعله تسلفها أو استهلكها، ولو قال لفلان / ألف درهم أو قال قبلي أو قال عندي فذلك يلزمه ديناً، وإن قال بعد ذلك في غير نسق كلامه هي وديعة لم يصدق، وأما إن قال له معي ألف درهم ثم قال هي بضاعة لم يصدق، وقال آخرون في قوله له عندي مائة درهم أنه يصدق في قوله بعد ذلك إنها وديعة ويحلفه، وأجمعوا في قوله قبلي أنه لا يضمن إلا في نسق الكلام. [9/ 371] ¬
في الإقرار بالهبة والصدقة والحيازة
وأما قوله في منزلي أو في بيتي أو في كيسي أو في صندوقي فليس هذا بدين في إجماعهم. ولو قال له في مالي كذا فهذا إقرار وأما إن قال له من مالي كذا فهي هبة. فإن قام عليه أخذها، وكذلك قوله له علي من دراهمي هذه مائة ولو قال له في مالي جارية لا حق لي فيها فهذا إقرار، وإن قال في دراهمي هذه مائة فهو إقرار وأجمعوا أنه إن قال له عندي مائة درهم وديعة قرضا أو قال دينا، ثم قال ضاعت وادعى الطالب أنها قرض فالقول قوله، وكذلك قوله مضاربة قرضا فهي قرض، وكذلك قوله بضاعة قرضا في إجماعهم. في الإقرار بالهبة والصدقة والحيازة من كتاب ابن سحنون وقال من يرضى من علمائنا إذا أقر رجل أنه تصدق على فلان بهذه الدار وأن فلانا قبضها ثم جحد ذلك وهي في يديه فالإقرار جائز ويقضى بها لفلان. وكذلك العبد والأمة والعروض أو بيت من دار، وكذلك لو أقر رجلان أنهما تصدقا بذلك عليه وادعى ذلك عليهما / فصدقاه. ولو أقر أنه تصدق عليه بشقص في دار وأنه قبضه فذلك جائز عندنا جميعا، ولم يجزه أهل العراق لأنه مشاع، وجامعونا أن لو تصدق رجلان بدار لهما على رجل أن ذلك جائز وهذا هو صدقة المشاع. وأجمع العلماء على أن الصدقة ببعض عبد جائزة والهبة والعمري والنحل في جميع ما ذكرنا سواء، ولو أقر أنه وهب لفلان هذه الأمة وأن فلاناً قبضها منه ولم تعاين البينة الحيازة فالهبة تلزمه، وإن قام عليه الموهوب قضي له بهذا إلا أن يموت الواهب فيبطل حتى تشهد بينة على معاينتهم القبض في صحة الواهب وكذلك العمري والنحل والعطية. ولو أقر ورثة الواهب بذلك بعد موته وبالقبض في صحة الواهب أمضيته إن كانوا حائزوا الأمور، وإن أقر بذلك إثنان منهم عدلان لزم ذلك من بقي إن أقر به واحد عدل حلف الموهوب وأخذها وإن لم يكن عدلاً فله قدر حصته من الهبة. [9/ 372]
في الإقرار بالرهن
ولو أقر الواهب بذلك بعد موت الموهوب فذلك ماض ويقضى به لورثته، ولو قال: فلان وهبني هذا الثوب الذي في يدي فقال فلان نعم أو صدقت أو أجل أو قال لعمري فهو إقرار بالهبة وكذلك العمرى والنحل. وإن أقر بالهبة فذلك يلزمه أقر بالقبض أو لم يقره. ولو قال للموهوب احلف على القبض لم يلزمه ولا يضره عندنا وليقبض الآن ما لم يفلس الواهب أو يمرض أو يمت، ولو مات الواهب فقال ورثته لم يقبض الهبة، وقال الموهوب / قبضت كلف البينة فإن لم يجد حلف من ورثة الواهب من يرى أنه يعلم ذلك، يريد على العلم. وإذا قال له وهبني هذه الجارية فقبضتها ثم أودعتها عندك فقال صدقت أو قال نعم أو أجل فذلك يلزمه. وكذلك إذا جاوبه بالفارسية أو بالقبطية أو غيرها وترجم ذلك رجلان، وكذلك لو قال: وهبتك ولم يقبضها فلا يضر ذلك ويؤمر بدفعها إليه، ولو كان هذا بعد موت الواهب كلف الموهوب البينة على القبض في صحة الواهب. قال سحنون: ولو أقر مريض أنه تصدق في صحته بدار وأنه قبضها منه في صحته والدار في يد المريض فذلك باطل إذا لم يثبت حوزها. وإقرار المريض بالحوز لا ينفع ولا يكون في ثلثه لأنه أدخلها في أحكام رأس المال ولم يقصد بها أحكام الثلث فتكون في الثلث، ولو قال تصدقت بها عليه في مرض وقبضها ثم مات كانت له من الثلث قبضها المعطي أو لم يقبضها لأن أفعال المريض في ثلثه حال في موضع ولا يحتاج إلى حيازة في هذا. في الاقرار بالرهن من كتاب ابن سحنون: ومن أقر برجل أنه رهنه داراً أو عبداً أو عرضاً بعينه وأنه قبض ذلك فذلك جائز وليقبض الرهن إن لم يفلس الراهن أو تقوم عليه الغرماء يريد أو بمرض قال فلا يجوز إقراره حينئذ حتى تشهد البينة على الرهن وعلى [9/ 373]
في الإقرار بالبراءة من كل حق، وجامع أوجه البراءات
حيازته قبل ذلك/، وإذا كان الرهن بإقرار منهما ولم يقبض الرهن فله قبضه ما لم يفلس الراهن ويقوم عليه الغرماء وكذلك في الصدقة والهبة يدعيها فيصدقه الواهب فإن لم يقم عليه الغرماء فللموهوب قبض الهبة والصدقة. وإن أقر برهن شقص في دار وأنه قد قبضه جاز ذلك عندنا ولا يجيز غيرنا رهن المشاع من ربع أو عبد أو غيره. وإذا قال وهبتني هذا العبد وقبضته فقال له الراهن صدقت أو قال نعم أو قال أجل أو قاله بالقبطية أو بالفارسية فذلك جائز ويلزمه ويدفع الرهن إلى المرتهن، وإذا اختلفا فيما رهنه فالمرتهن مصدق فيما بينه وبين قيمة الرهن كان بيد الراهن أو بيد المرتهن إذا أقر الراهن بالرهن وكذلك إقرار المأذون والمكاتب. وإذا أقر في دار برهن لم يحزها ولا عرفها الشهود فذلك لا يجوز إذا جحد ذلك، وإن حددها وسماها رهنا فهو جائز، وكذلك إن لم يحدها وعرفها الشهود، وكذلك العبد والأمة. في الإقرار بالبراءة من كل حق وجامع أوجه البراءات من كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه لا حق له قبل فلان فهو جائز عليه وفلان بريء في إجماعنا من كل قليل وكثير دين أو وديعة أو عارية أو كفالة أو غصب أو قرض أو إجارة أو غير ذلك. وقال سحنون: وقد قال مالك فيمن قال عند موته ما كان لي على قرابتي من حقوقهم لهم وكان له عند أحدهم قراض قال: أراه له فيما يحضرني. / قال محمد: وكذلك إن قال فلان بريء من ما لي عليه عند سحنون، وأما أنا فرأيت ألا يبرأ من الوديعة في هذا ولا من العارية التي لا تضمن ولا من كل شيء أصله أمانة ومن كل شيء أصله ضمان من قرض أو غصب أو كفالة أو وديعة فيها. [9/ 374]
وقال غيرنا: إذا قال بريء من مالي عنده فهو بريء مما أصله أمانة ولا يبرأ ما أصله ضمان من قرض أو غصب أو كفالة أو وديعة خالف فيها. قالوا: وقوله بريء مما له عليه هو على الضمان. وإن قال مما عنده فهو على الأمانة. قال محمد: ذلك سواء وقد أجمعنا أنه إذا قال هو بريء مما لي قبله أن ذلك يجمع الضمان والأمانة ويبرأ من ذلك كله، فإن ادعى الطالب بعد ذلك دعوى لم تقبل وإن أتى ببينة بدين فلا تقبل حتى يقولوا إنه بعد تاريخ البراءة، وهذا يقضي على اختلافنا في إذا أبرأه مما عنده لأن الوديعة وشبهها لا تفترق فيما عليه وقبله. وقال سحنون في بعض أقاويله: إذا قال فلان بريء من كل حق لي عليه أو قال ما لي عليه أو قال مما لي عنده أو قال لا حق لي قبله فذلك كله سواء وهو بريء من كل شيء من أمانة أو ضمان. قال محمد: وأنا أستحسن في قوله هو بريء مما لي عليه أنه لا يبرأ من الأمانة، وإذا أقر أن فلاناً قد بريء من حقه قبله ولم يقل من جميع حقه ثم قال إنما بريء من بعض حقي وبقي البعض فلا يصدق والبراءة جائزة/ في إجماعنا في جميع حقه. وكذلك في قوله هو بريء من الذي لي قبله أو من دين عليه أو من الذي لي عليه أو من حقي عليه بريء من ذلك كله. وكذلك لو كانت قبله كفالة بنفس أو مال فهو بريء منها، لأن ذلك من الحق، وكذلك إن كان قبله قصاص أو أرش جناية فهو بريء من ذلك كله. وكذلك امرأة لو شهدت بذلك كان زوجها بريئاً من المهر، وإن أقر أنه لا حق له قبل فلان ثم ادعى قبله قذفا أو سرقة فيها قطع وأقام ببينة فلا يقبل ذلك إلا أن تقول البينة أنه فعله بعد البراءة. وإن أقر أنه بريء من قذفه إياه فليس له به قيام وهو كالعفو، ولو أبرأ من السرقة بريء من الضمان ولم يبرأ من القطع إن قام به غيره. ولو قال: لست من فلان في شيء لم تكن هذه براءة وتقبل منه البينة بما أقر به قبل هذا القول. [9/ 375]
ولو قال: برئت من فلان أو بريء مني فهو براءة، وقال غيرنا: لا يكون هذا براءة لواحد منهما من حق له قبل صاحبه. قال محمد: وهو لو قال برئت من هذه الدار أو بريء فلان مني في هذه الدار برأه فيها. وقد أجمعنا أن لو قال لست من هذه الدار في شيء أنه لا يقبل منه بعد هذا دعوى فيها. وكذلك لو قال: أنا بريء من هذه الدار إلى فلان وكذلك لو قال قد خرجت من هذه الدار إلى فلان. وقال غيرنا في قوله قد خرجت منها إلى فلان لا يكون إبراء، وقد أجمعنا لو قال: قد خرجت منها على مائة درهم قبضتها من/ فلان أن هذا إقرار أنه لا حق له فيها لأن هذا صلح إن أقر به فلان. وكذلك العبيد والحيوان والعروض والدين، ولو أنكر الذي في يديه الدار وغيرها فقال قد أقر أنه قبض مني مائة درهم ظلما فليردها إلي فذلك له إذا حلف. وإذا قال برئت من دين على فلان أو قال بريء فلان أو قال بريء فلان من ديني فهو براءة في إجماعنا. وكذلك لو قال: هو في حل ما لي عليه أو قد وهبته له فهو براءة إلا أن لا يقبل الهبة، وإن مات قبل أن يرد ذلك فهو بريء وإن لم يعلم فورثته مقامه في قبول الهبة أو ردها. وقوله هو في حل وسعة ما لي عليه فهو براءة في إجماعنا. ولو قال: ليس لي مع فلان شيء فليس هذا براءة من الدين وهو براءة من البضاعة والوديعة وكل أمانة في إجماعنا. إلا في مذهب سحنون فإنه يرى ذلك من الدين والأمانة. وإن قال بريء إلىَ فلان مما لي عليه فهو إقرار بالقبض في إجماعنا. [9/ 376]
وإن قال: لا قصاص لي قبله فله أن يطلبه بجراح الخطأ إلا القول لا جراحة لي قبله فيبرأ من جراح العمد والخطأ في إجماعنا. وإن ادعى نفسا عمداً أو خطأ فهو على دعواه، وإن قال: لا قصاص لي قبله فادعى قبله حدا فذلك له. وإن أقر أنه لا حق له قبله فليس له أن يطلبه بقصاص ولا حد ولا أرش ولا كفالة بنفس ولا بمال ولا دين ولا مضاربة ولا شركة ولا ميراث ولا دار ولا أرض ولا رقيق ولا في شيء من الأشياء من عروض أو غيرها، إلا ما يستأنف بعد البراءة / في إجماعنا. وإذا أقر أنه لا دين له قبل فلان فليس له أن يدعي دية خطأ أو عمد صالح عليها. وإن أقر لرجل فقال: لست من هذه الدار في شيء ثم ادعاها وأقام بينة فيها أو في بعضها فلا يقبل ذلك منه في إجماعنا لأنه قد أقر أنه لا حق له فيها. وإن اشترى منها شيئاً بعد قوله هذا جاز ذلك. وقال محمد بن عبد اله: إذا قال: لست من هذه الدار في شيء ثم ادعاها وأقام البينة فيها أو في بعضها فإن ذلك يقبل منه وليس هذا بإقرار أنه لا حق له فيها قد يكون من الكلام الجائز أن يقول لست منها في شيء يريد أن غيره الناظر في أمرها من كراء وبناء وغيره لا على التبري منها إليه. قال: وقال أصحاب أبي حنيفة: إنه لا يقبل منه دعواه فيها بعد قوله هذا، وقالوا: إن قال لعبده لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء ثم قال هو عبدي على حاله حلف وصدق. قال محمد: وقول الرجل ليس من هذا في شيء أبعد من الإقرار أنه لا ملك له على ذلك من قوله لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فالذي يفهم من هذا أنه لا حق له ولا رق له عليه وأنه مولاه. [9/ 377]
فيمن أبرأ رجلا ثم قام عليه بحق وقال لم يدخل في البراءة
قال ابن سحنون: وإذا أقر أنه لا هبة له قبل فلان فادعاها صدقة قال ابن القاسم: فهو على دعواه، وقال سحنون: يقبل دعواه في الصدقة وكذلك لو ادعى أنه لا صدقة له قبله فادعى هبة فهو على دعواه عند ابن القاسم. وكذلك إن ادعى شراء وإن قال لا بيع/ لي قبله ثم ادعى عبدا جعله له من صلح فدعواه باطل والصلح بيع. وإن قال: لا صلح لي فيه فادعى عبدا شراء فقيل إنه على دعواه وقيل إن دعواه باطل بإقراره أنه لا صلح لي قبله. وإن أقر أنه ليس من هذا العبد في شيء ثم ادعى أنه اشتراه لعبده قبل الإقرار فلا يقبل منه وكانت المخاصمة لمقر أنه اشتراه له ولو ادعاه لنفسه لم يقبل منه وكذلك الحيوان والعروض والعقار كله. ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال عند موته ما كان لي حق على قرابتي فهو لهم ثم مات وله عند أحدهم قراض قال: أراه لهم في رأيي. فيمن أبرأ رجلا ثم قام عليه بحق وقال لم يدخل في البراءة وقال المطلوب قد دخل فيها ومن كتب على رجل دينا وجعل براءته منه أن يأتي بصك وهذا الباب قد جرى من مسائله في كتاب الدعوى والبينات، قال ابن القاسم في العتبية (¬2) عن مالك فيمن كتب على رجل براءة من كل حق له قبله وكان بينه وبينه شركة أو مداينة ثم قام عليه بذكر حق لم يسمه في البراءة قال المبرأ لقد دخل في البراءة ويبرأ، قال: وإذا قبض دينه من غريمه وكتب أنه حق قبله ثم [9/ 378] ¬
قام بذكر حق لا يدرى قبل البراءة أم بعدها فليحلف المبرأ لقد دخل في البراءة ويبرأ وكذلك إن قام بعد موته. قال ابن المواز: وإذا دفع إليه خمسين / وكتب له أن ذلك آخر حق له قبله ثم قام عليه بحق فقال هو بعد البراءة وقال الآخر قبلها، فكل ما أشكل من هذا الأمر قبل البراءة أم بعدها فلا يقضى به. وكذلك لو أخرج هذا ذكر حق لا تاريخ فيه وبيد الآخر براءة لا تاريخ فيها فالبراءة أحق، وإن كان في أحدهما تاريخ حكم بالذي فيه التاريخ وبطل الآخر. ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن عليه ذكر حق مائة دينار فأتى ببراءة من مائة دينار دفعها إليه لا تاريخ فيها ولا نعلم البينة أقبل الحق أم بعده فليحلف المطلوب ويبرأ. قال أصبغ: يحلف أنه قضى لك الحق ويبرأ كما لو كان للحق تاريخ والبراءة بعده بمال دفعه إليه وادعى الطالب أنه غير هذا فليحلف الآخر أنه هو ويبرأ. وقال سحنون فيمن قام بصك ألف دينار فأتى المطلوب ببراءة من ألفي دينار وقال دخلت الألف في المحاسبة فليحلف ويبرأ ولو أتى ببراءات متفرقة إذا جمعت مع ذكر الحق أو مع أذكار الحقوق كانت أكثر منها أو أقل وليس في البراءات أنها قبل أذكار الحقوق ولا غير ذلك فإن كانت البراءات المتفرقة لا تفي واحدة منهن بالحق أو بأذكار الحقوق لم تنفعه البراءة. وإن كانت واحدة من البراءات فيها جميع ذكر الحق يريد أو أذكار الحقوق، قالت البراءات الباقية زيادة عليه فإنه يحلف ويبرأ. قال أبو محمد وهذه المسألة لم أجدها وروايتي في العتبية / من رواية يحيى ابن عبد العزيز عن العتبي وهي رواية ذكر الحق وهي في كتاب ينسب إلى سحنون في الشهادات وقال رواها أصبغ عن ابن القاسم وقال في سؤاله وقال في الأكبر قد [9/ 379] ¬
في الإقرار في النكاح والتداعي فيه وما جرى فيه من ذكر الطلاق
دخل ذلك في الحساب والبراءة من غيره فزاد: قال ذلك، كله سواء وذلك له براءة ويحلف إذا ادعى الآخر غير ذلك وإن كانت البراءات أقل من ذكر الحق غرماه ما بقي. قال أصبغ وردتها على ابن القاسم فثبت على هذا قال أصبغ: وهو رأيي. وروى ابن القاسم عن مالك فيمن كتب على رجل ذكر حق وكتب فيه أن براءته منه أن يأتي بذكر الحق فجاء به وقال الطالب سرقه مني فلا يقبل منه ويبرأ المطلوب بعد أن يحلف ما أغنى له فيه وذلك مما يجوز بين الناس. وإن كتب فيه: وإن جاء بالصك فليقبض به فيأتي به غير صاحبه قال: فلا يرفع إليه شيء إلا بوكاله، ورواه أشهب عنه. في الإقرار في النكاح والتداعي فيه وما جرى فيه من ذكر الطلاق من كتاب ابن سحنون ومن أقر أنه تزوج فلانة بألف درهم فصدقته ثم جحد الزواج فإقراره يلزمه إن كانا طارئين وإن كانا من أهل البلد وأقر بذلك الولي ولم يبين بماذا فذلك جائز ويأتنف الإشهاد فإن تقارا بالوطء فإن كانا من أهل الحاضرة حدا ولا نكاح بينهما وإن كانا طارئين/ فذلك لازم للزوج. فإن مات قبل البناء وقبل أن تدعي المرأة ذلك ثم ادعته وهما طارئان فذلك جائز ولها الميراث والمهر، ولو أقر بهذا في مرضه وهما طارئان فهي زوجته ولها الميراث ولا يصدق في المهر إن كان ورثته كلالة فإن كان ورثته ولدا صدق في المهر إن سمي مهر مثلها فأقل إلا أن يكون أقر في المرض أنه تزوجها في المرض فذلك لا يجوز. ولو كانا غير طارئين فأقر في المرض أنه تزوجها في المرض أو في الصحة لم يجز ذلك ولا مهر لها ولا ميراث. فإذا أقرت امرأة أنها تزوجت فلانا بألف درهم ثم جحدت ذلك وادعاه الزوج وأقر الولي أنه زوجها إياه بذلك فهو جائز ويؤمر بالإشهاد وإن أنكر ذلك الولي لم يلزمهما إقرارها وإن تمادت عليه. [9/ 380]
وإن أقرت في مرضها أنه تزوجها فصدقها وهما طارئان فذلك مقبول ويتوارثان بذلك فإن لم يكونا طارئين فأقرت في مرضها أنها تزوجته في صحتها وصدقها الولي فلا يقبل ذلك منها. ولو أقرت في صحتها بذلك ثم مرضت فماتت قبل البناء وصدقها الولي أنه زوجها منه في صحته أو ادعى ذلك الزوج بعد موتها فله الميراث وعليه الصداق. وإن قالت تزوجته بلا بينة وقال هو بل بالبينة ولم يبن بها قيل له هلم البينة فإن لم يجدها وأقر الولي بالنكاح ثبت النكاح وقيل لهما اشهدا فيما يستقبلان. وإن تقارا بالبناء وهي في حوز الزوج / وهما طارئان فالنكاح جائز ولا يكشف الزوج عن شيء. وإن كانا من أهل البلد فتقارا بالبناء فإن أتى الزوج بالبينة على النكاح ثبت ذلك وإن لم يأت بها وأقر بالوطء حددتهما. وإذا قالت: تزوجته وأنا في عدة وقال هو بل في غير عدة فالقول قوله. وإن قالت تزوجته قبل أن أعتق وقال الزوج بل بعد أن عتقت أو قبل ذلك سواء فالنكاح جائز. ولو قال: تزوجتها بعد أن أسلمت وكانت مجوسية وهو مسلم وقالت هي: تزوجني قبل أن أسلم فالقول قول الزوج. وقال محمد بن عبد الحكم القول قولها لأنها كانت مجوسية. قال ابن سحنون: ولو قالت تزوجته قبل أن أبلغ وقال الزوج بعدما بلغت فقال سحنون مرة القول قولها وعلى الزوج البينة ثم قال بل القول قول الزوج وعلى المرأة البينة لأنها تريد إبطال النكاح. وقوله الأول قول أهل العراق وقالوا: وكذلك لو قالت تزوجتك وأنا مغلوبة على عقلي وقال الزوج بل وأنت بصحة فالقول قوله. [9/ 381]
وقال غيرنا: إن عرف أنها كانت مغلوبة على عقلها فالقول قولها وإن لم يعرف ذلك فالنكاح لازم. وقالوا: هي بخلاف المجوسية لأن المجوسية قد يجوز نكاحها. وإن قال: تزوجتك وأنا صبي وقالت هي بل وأنت بالغ فالنكاح ثابت وإن بنى بها فلها المهر فإن لم يسم فلها صداق المثل وإن لم يبن بها فطلقها/ فلها نصف المسمى وإن لم يسم لها صداقا فلها المتعة إن أطاع. قال ابن عبد الحكم: فإن أسلمت مجوسية فقال مجوسي تزوجتها وقال مسلم تزوجتها وهم غرباء فقالت هي: تزوجني المسلم وأنا مجوسية وتزوجني المجوسي وأنا مسلمة لم يثبت نكاح واحد منهما عليها. قال ابن سحنون: وإذا قال تزوجتك وأختك في عقد قال ابن عبد الحكم أو قال وأختك عندي قالا: وقالت المرأة بل تزوجتني وحدي ولم تكن أختي عندك فإن النكاح يفسد لإقراره بفساده وعلي نصف الصداق المسمى إن لم يبن بها وإن لم يسم صداقا فلا شيء لها. قال ابن عبد الحكم لها المتعة. قال ابن سحنون: وإن بني بها لم يصدق على إبطال الطلاق والسكنى وكذلك لو ادعى أنه تزوجها في عدة. وإذا أقر أنه تزوجها وقد كان طلقها قبل ذلك ثلاثا فتزوجها قبل أن تنكح غيره وقالت هي: ما طلقني أو قالت طلقني وتزوجت غيره ودخل بي وطلقني فليفرق بينهما بإقراره على نفسه ولها المسمى إن بنى بها وإن لم يسم صداقا فلها صداق المثل وإن لم يبن بها، وإن أقر لها بالتسمية فلها نصف وإن لم يسم فلا شيء لها ولا متعة لأنه يقر بنكاح مفسوخ. وإذا قال: تزوجتها أمس وقال: قلت إن شاء الله وقالت هي: ما استثنيت وقاله الولي فالنكاح لازم. وقال غيرنا: لا يلزمه، وكذلك إن ادعت هي الإستثناء ونفاه هو، وإذا أقر سيد الأمة أنه زوجها/ لزمه النكاح، وإن أقر بذلك سيد العبيد لم يلزم العبد النكاح في إجماعنا. [9/ 382]
قال: وكذلك أبو الصبي والصبية فإنه يلزم الإبن والإبنة النكاح بإقرار الأب، وإن قال رجل لإمرأته ألم أتزوجك أمس؟ أو قال أليس قد تزوجتك أمس؟ أو قال أو ما تزوجتك أمس؟ فقالت بلى ثم جحد الزواج فهذا إقرار في إجماعنا. قال محمد: قوله أو ما تزوجتك؟ كقوله أو ما قلت لك كذا؟ فهو إثبات كقوله ألم أتزوجك؟ وإن قال لها: قد تزوجتك أمس فأنكرت ثم قالت بلى قد تزوجتني فقال هو ما تزوجتك فلا يلزمه النكاح بهذا، وقال غيرنا: يلزمه. وإذا قالت امرأة لرجل قد طلقتني أو قد خالعتني وهما طارئان فهذا إقرار منهما بالزوجية، وكذلك لو قال الزوج إختلعت مني وقالت هي طلقتني فهذا إقرار منها بأنها زوجته. قال ابن سحنون: وإن قال لها إختاري أو أمرك بيدك في الطلاق فهو إقرار بالنكاح. وإن قال لها أنت علي حرام أو بائنة أو بته فليس بإقرار بالنكاح لأن الأجنبية عليه حرام إلا أن تسأله هي الطلاق فيجيبها فهذا إقرار بالنكاح في إجماعنا. وكذلك لو قال لها: أنا منك مظاهر بخلاف قوله أنت علي كظهر أمي، ولو قال أنا منك مول فهو إقرار بالنكاح في إجماعنا. وإن قالت: أنت علي كظهر أمي إن وطئتك أو (¬1) إن دخلت دار فلان فهو إقرار بالنكاح، وكذلك قوله ألم أطلقك أمس؟ أو قال: أو ما طلقتك؟ أو ليس قد طلقتك أمس؟ فهذا إقرار بالنكاح / وبالطلاق. ولو قالت له وهما طارئان قد خالعتني أمس وأنت مظاهر أو مولي مني فهو إقرار منها بالنكاح. وكذلك هذا ابني منك فصدقها أو قال هو ذلك فصدقته فهو إقرار بالنكاح في إجماعنا. [9/ 383] ¬
قال ابن عبد الحكم: ولو قالت له ما أنفقت علي كما ينفق على الزوجات أو قال أجري (¬1) على ولدم مني هذه النفقة أو قالت اجعل لي الطلاق بنفسي منك فهو إقرار بالنكاح. ولو قالت له: طلقني فقال لها أمرك بيدك أو أنت طالق فهو إقرار منه بالنكاح. قال ابن سحنون: وإذا أقر أنه تزوج امرأة ثم مرض فمات قبل أن تصدقه ثم أتت بعد موته فصدقته وصدق الولي وهما طارئان فهي امرأته ولها الميراث في إجماعنا. وإن كان من أهل البلد ولم يبن بها ثبت النكاح وورثته، وإن كان ذلك بعد البناء فأقرت هي بالوطء فإنها تحد ولا صداق لها ولا ميراث، ولو أقرت هي بالنكاح في صحتها ثم ماتت قبل أن يصدقها الزوج ثم أتى فصدقها وهما طارئان فالنكاح ثابت ويرثها. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال تزوجتها قبل أن أولد لم يلزمه ذلك في قولنا وقول أبي حنيفة، وهذا يدل أن اللعب في النكاح لا يلزم، ولو قال تزوجتك في المنام لم يكن هذا بشئ. وإذا أقر أنه تزوج هذه المرأة ثم مات قبل أن تصدقه أو قالت امرأة تزوجت هذا فماتت قبل أن يصدقها ثم صدق كل واحد منهما الآخر بعد موته فالنكاح لازم ويرث كل واحد الآخر كما لو احتضر فقال: لي امرأة / بمكة سماها ثم مات فطلبت ميراثها منه أن ذلك لها. وكذلك لو قالت امرأة زوكي فلان بمكة فأتى بعد موتها فإنه يرثها باقرارها. [9/ 384] ¬
في الإقرار بالطلاق وفي المبتوتة تقول تزوجت زوجا وطلقني هل تحل بذلك للأول؟
في الإقرار بالطلاق وفي المبتوتة تقول تزوجت زوجاً وطلقني هل تحل بذلك للأول؟ وكيف إن تزوجها ثم قامت عليه بينة أنه طلقها طلقة فقال كان ذلك في العصمة الأولى والبينة لم تؤرخ ونحو هذا من كتاب ابن سحنون: وإذا قال لامرأته طلقتك وأنا صبي صدق في قول ابن القاسم وأهل العراق. ولو قال: طلقتك في منامي أو قبل أن أولد لم يلزمه عنده ولا عندهم شئ. وقال سحنون: يلزمه الطلاق وهو كالنادم وكمن قال طالق لا طالق. ولو قال: طلقتك وأنا مغلوب على عقلي فإن كان ذلك قد أصابه فلا شئ عليه عند ابن القاسم وأهل العراق وإن لم يصبه فالطلاق يلزمه. وقال سحنون: يلزمه الطلاق على كل حال. وإذا قال لامرأته كنت قلت إذا تزوجتك فأنت طالق فالطلاق يلزمه وإن تزوجها اليوم ثم أقر أنه طلقها أمس فلا يلزمه شئ إلا أن يقول قلت أمس إن تزوجتك فأنت طالق فيلزمه. وإن قال: طلقتها إن شاء الله أو طلقتها وقلت إن شاء اله فالطلاق لازم ولا ينفعه استثناؤه. وإن قال: طلقتها منذ ثلاثة أشهر وقد تزوجتها قبل ذلك وقالت هي ما أدري متى طلقني / فالطلاق لازم والعدة من يوم إقراره. وإن أقر أنه طلقها ولم يمسها وليست له بامرأة لزمه الطلاق. وإن قال: لي امرأة أخرى لم يصدق إلا ببينة فإن قامت بينة قيل له أيهما نويت؟ ويصدق. [9/ 385]
ولو قال زينب طالق وامرأته تسمى زينب وقال زينب الأجنبية فإن قامت عليه بينة لزمه الطلاق وإن جاء مستفتيا لم يلزمه. وكذلك لو نسبها إلى أبيها أو إلى أمها أو إلى ولدها فقال ابنة فلان أو ابنة فلانة طالق ولم يسمها فهذا كله يلزمه إذا قامت عليه بينة. وقال محمد بن عبد الحكم: ومن تزوج امرأة ثم قال قد علمت أنك أختي من الرضاعة وأنكرت هي الرضاع فليفرق بينهما ولها نصف الصداق. وإن قال: امرأتي طالق وله امرأة معروفة فقال إن لي امرأة أخرى أردتها ولا بينة له فإن التي تعرف تطلق ولا يصدق أن له أخرى إلا ببينة. وإن قال: ابنة زيد طالق وله امرأة اسم أبيها زيد طلقت ولا يصدق أنه أراد غيرها، وإن سمى أخرى بذلك النسب والاسم، وكذلك قوله بنت فلانة وأمها تسمى بذلك الاسم، وإن كانت من ولد رجل معروف بالجد فنسبها إلى جدها فإن قال أردت غير امرأتي لم يصدق إن كان ذلك نسباً مشهوراً، وكثير من الناس ينسب إلى الجد إذا كان مشهوراً. ولو قالت جارية لرجل هذا ابني منك ثم قالت ما أنا لك زوجة وإنما أنا أم ولدك وقد أعتقتني وقال هو بل أنت امرأة لي ولو قالت له هذا ابني منك فقال صدقت ولكنه / من زنى أو قال صدقت فقط لم يكن هذا إقرارا بالنكاح قد يكون ابنه منها وهي أمة له فإذا وصل الكلام فقال من زنى لم يلحق به ولو قال ابني هو ثم سكت ثم قال من زنى لم يصدق ولحق به. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن قال: طلقت امرأتي عائشة ثلاثا أو حنثت بطلاقها ثلاثا وشهد عليه عند الحاكم أو أقر وقال لي امرأتان اسم كل واحدة عائشة والتي أردت منها غائبة. قال ابن المواز إن علم أن له امرأة أخرى تسمى عائشة دين (¬1) وإن لم يعلم إلا بقوله حيل بينه وبين الحاضرة وقضي بفراقها. [9/ 386] ¬
قال ابن عبد الحكم: وإذا قامت عليه بينة أنهم لا يعلمون له امرأة غير عائشة هذه فتلوم له الحاكم فلم يثبت عنده أن له غيرها فليحكم عليه بطلاقها قالا جميعاً فإن جاءت بعد ذلك بينة تشهد بما قال رد القاضى حكمه وردت إليه التى طلقت عليه وطلق عليه عائشة التى أرادها. قال ابن المواز: ويفسخ الحكم الماضي. قال ابن عبد الحكم: ليس هو بفسخ حكم إنما ظهر له خلاف ما حكم به في الظاهر كما لو حكم بموته ثم أتى حيا. قال ابن المواز وهو كعبد طلق طلقتين فحكم عليه بالبتات ثم ثبت بشاهدين أنه كان حرا قبل طلاقه فتكون له الرجعة ويسقط عنه الحكم بالبينة وكذلك حر قتل عبدا عمدا فحكم عليه بالقيمة وبالضرب والحبس ثم بين أن المقتول كان حرا فينتقض الحكم ويرد القيمة ويقتل به. / وكذلك العبد يقتل حرا خطأ فيحكم فيه ثم يتبين أن القاتل حر فينتقض الحكم وترجع الدية على العاقلة، وهذا كله بخلاف المطلق يرتجع ولا تعلم هي حتى تنكح غيره. وامرأة المفقود تفوت بالبناء. قال ابن المواز وابن عبد الحكم في المطلقة ثلاثا تريد نكاح الأول وتقول تزوجت غيره وبنى بي وطلقني. قال ابن المواز فأما المأمونة وبعد إقامة الزمان فلا أرى أن تكلف بينة ولا تكشف وإن كانت من أهل الظنة ومن لا يوثق بها فلا يتزوجها حتى يستخبر لنفسه ولو ارتفع إلى السلطان لم يأذن لمثل هذه إلا باستخبار وإذا وقع في قلب الأول شك فليكف عنها حتى يختبر دون السلطان كأنه لا يرى للسلطان عليها تكشف. وقال ابن عبد الحكم: أما المرأة المقيمة التي لم يطل ذلك منها فلابد أن يكون ذلك ظاهرا مكشوفا وإن طال الزماان ما يمكن موت الشهود فهي كالغريبة وإن كانا غريبين قدما البلد فالقول قول المرأة. [9/ 387]
في الإقرار بالعتق
وإن قالت المرأة قد تزوجت قبل أن تتزوجه وقال الزوج تزوجتك قبل أن تتزوجي وهي غريبة فليفرق بينهما ولها نصف الصداق إن سمى لها. وإن قال: كان نكاحي تفويضا قبل أن تتزوجني وقد كان طلاقها ثلاثا وقالت هي بل بعد أن تزوجت غيرك وسميت لي صداقا فليفرق بينهما ويحلف ما سمى لها ولا صداق لها. ومن طلق امرأته ثلاثا في مرار ثم تزوجها بعد زوج فقامت بينة / أن طلقها طلقة أو اثنتين فقال كان ذلك في العصمة الأولى ولم تؤرخ البينة فهو مصدق ولا تطلق عليه وكذلك من حلف بعتق رأس فحنث فأعتق رقبة ثم قيم عليه بذلك اليمين ويحنثه فقال هو الحنث الأول فهو مصدق إذا لم تؤرخ البينتان. في الإقرار بالعتق ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر لعبده أنه كان أعتقه أمس وقد كذب فإنه يعتق في القضاء ولا يعتق في الفتيا في إجماعنا. ولو قال: لقد أعتقتك واستثنيت فإنه يعتق في الفتيا والقضاء. ولو قال: أعتقتك في منامي أو وأنا صبي فلا يعتق عند ابن القاسم وأهل العراق في القضاء ولا في الفتيا ويعتق عند سحنون يريد في القضاء ويجعل قوله ندما، فإن قال: أعتقتك وأنا ذاهب العقل فقال سحنون يعتق، وقال ابن القاسم وأهل العراق: إن عرف أنه كان به ذلك لم يعتق وإن لم يعرف ذلك عتق بالقضاء، وإن قال: أعتقتك قبل أن أشتريك أو أعتقتك أمس وإنما اشتراه اليوم فليعتق في قول سحنون. وقال ابن القاسم وأهل العراق: لا يعتق إلا أن يريد أني قلت إن اشتريتك فأنت حر فليعتق عند جميعهم. ولو قال: أعتقت هذا لا بل هذا عتق جميعا. ولو قال: أعتقتك على مال وفتات وقال العبد بل على غير مال فهو حر ولا شئ عليه إلا بيمينه إلا أن يقيم بينة في قول ابن القاسم وأهل العراق. [9/ 388]
وقال أشهب وسحنون / القول قول السيد ويحلف لأنه لو قال له أنت حر وعليك كذا للزمه عندهم بخلاف الزوجة في الطلاق. ولو قال له: جعلت أمرك أمس بيدك فلم تعتق نفسك وقال العبد ما أعتقت نفسي فإنه يعتق، وكذلك أعتقتك على ألف فلم تقبل وقال العبد قبلته أو قال قد أعتقتني على غير شئ فهو حر ويحلف وكذلك في تمليك المرأة في هذا. وإذا أعتق شقصا له من عبد منذ زمان فقيم الآن عليه فقال أعتقتك وأنا معسر وقال الشريك كنت موسرا فإن كان اليوم معسرا فلا شئ عليه وإن كان موسرا قوم عليه إلا أن يعلم أنه إنما تركه لعدمه والناس والسيد والعبد يعلمون ذلك فلا تقوم عليه الآن. ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن قال لعبده لا حق لي عليك فلا شئ عليه وهذا على المال. ولو قال له لا حق لي عليك في رقبتك حلف ما أراد العتق فإن نكل لزمه العتق. وليس إذا ادعى لم يكن له في رقبته حق كان حرا. وعبيد الناس لا حق لهم في رقابهم، ولو قال قد أبرأتك من الرق الذي لي عليك فهذا عتق، ولو قال لا حق لي في رقبتك فليس بعتق إذا حلف ما أراد عتقا قد يبيعه وقد يهبه. ولو قال لعبده ما يحل لي بيعك فليس هذا بشئ يلزمه. وكذلك لا يحل لي أو لا يحل لي ميراثك وكذلك لأمته لا يحل لي وطؤك أو قال النظر إلى عريتك أو قال النظر إلى فرجك ويحلف في هذا كله. وإن مات قبل أن يحلف فهي رقيق. / ومن أعطى عبده لرجل وأمره أن يعتقه عنه فأقر أنه أعتقه عنه ثم أقر أن رجلا آخر أعطاه إياه فأعتقه عنه بأمره مع قياس قول أشهب العتق نافذ ولو علم ذلك ببينة فإن الولاء لدافع العبد ولكن أتلف ولاءه على الآخر لأن إقراره الأول قد ثبت عليه ولأن أشهب من قوله إذا قال له اعتق هذا العبد عني فأعتقه عن نفسه أنه حر عن الدافع وولاؤه له. [9/ 389]
الإقرار بالكتابة وشيء من التداعي في ذلك
الإقرار بالكتابة وشئ من التداعي في ذلك من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر أنه كاتب عبده على ألف درهم أو قال ولم أسم مالا وقال العبد بل على خمسمائة فالعبد مصدق في إجماعنا. وكذلك قوله كاتبتك أمس على كذا فلم تقبل وقال العبد كنت قبلت فالعبد مصدق كالبيع يقول كنت بعتك عبدي بكذا فلم تقبل وقال الآخر قبلت فالمبتاع مصدق. ولو قال: كاتبت هذا لا بل هذا على كذا وكلاهما يدعي فيلزمه أن يكونا مكاتبين. ولو قال: كاتبت هؤلاء الثلاثة على الألف درهم إلا هذا وقال المستثنى أنا في الكتابة فالقول قول السيد مع يمينه. وكذلك في العتق والطلاق. وإن قال: كاتبتك وأنا صبي فلا شيء عليه عند ابن القاسم وأهل العراق وقال سحنون: تلزمه الكتابة، وكذلك في البيع والشراء، ولو قال: كاتبتك قبل أملكك وقال العبد بعد أن ملكتني (¬1) فالقول قول العبد في قولهم أجمع. وإن قال / كاتبتك وقلت إن شاء الله فلا استثناء في ذلك، وقال غيره تنفعه والسيد مصدق مع يمينه. قال محمد: وأجمعنا أن إن قال كاتبتك واستثنيت الخيار لنفسي وقال العبد بلا خيار أن القول قول العبد. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإذا قال كاتبت عبدي ميمون على مائة دينار ثم قال لم أكاتبه وإنما كاتبت عبدي نصرا قال ابن المواز: كتابة ميمون بمائة بلا يمين وتلزمه كتابة نصر، وقال ابن عبد الحكم: إن ادعى ذلك، العبد إن كانا [9/ 390] ¬
في الإقرار بالرق والدعوى في الحرية والنسب
مكاتبين جميعاً وليس عليهما ولا على أحدهما يمين كما لو أقر لواحد أنه كاتبه ثم رجع عن ذلك فطلب يمين العبد فليس ذلك له، قالا: وكذلك لو قال تزوجت فلانة بهذا العبد. قال ابن عبد الحكم ودفعه إليها ثم أنكر النكاح وقال ابن المواز: ثم قال نسيت وطلب يمينها قالا: فليس له أن يستحلفها، وكذلك لو أقر لرجل بدين ثم رجع عن إقراره وأراد أن يستحلفه فليس ذلك له. قال ابن المواز: أما في إنكاره أو قوله غلطت أو نسيت فلا يمين له عليه وأما إن قال قد أقررت لك بذلك وأشهدت له ولكن تركت ذلك وديعة عنده أو رددته إليه رأيت له عليه اليمين فإن حلف بريء من دعواه وإن نكل حلف الآخر وله أن يغرمه مرة أخرى. قالا: وكذلك إن شهد له شاهدان بحق فأراد المطلوب يمين الطالب فليس ذلك له، قالا: وإن قال: كاتبت عبيدي وعبيدي هؤلاء الثلاثة بألف إلا فلانا منهم فذلك إستثناء جائز ويكون / الاثنان مكاتبين بألف ويرق الذي استثنى إلا أن يقر له بكتابة أخرى. وقال ابن المواز: وكذلك إن قال إلا فلانا منهم فإني كاتبته على مائة إردب قمح فهو إستثناء جائز. في الإقرار بالرق والدعوى في الحرية والنسب من كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا أعلم بين العلماء إختلافا أن الرجل والمرأة يقران بالرق لفلان ولا تعلم لهما حرية أن ذلك جائز يوجب ملكهما وكذلك صبي يعقل ويتكلم يقر بالرق وهو في يدي رجل يحوزه فلا يزيل عنه الرق إلا البينة بأنه يحوزه. قال محمد ابن عبد الحكم: وإن كان واحد من أقر بالرق معروف الأصل بالحرية تعرف أمه أنها حرة لم يجز إقراره بالرق. [9/ 391]
قال ابن سحنون: وأما اللقيط فقال أصحابنا هو حر ولا ينظر فيه إلى حكم حاكم بحريته ولا يقبل إقراره بالرق. وقال غيرنا: إذا لم يحكم بعتقه جاز إقراره بالرق. وأجمعنا في امرأة معروفة بالحرية وأبواها أحرار (¬1) أن إقرارها بالرق باطل. قال ابن المواز: وإقرار الصغير أنه مملوك لرجل ادعى رقبته فإقراره بالرق باطل. قال ابن المواز: وإقرار الصغير أنه مملوك لرجل ادعى رقبته فإقراره له جائز إن كان يعرب عن نفسه. ولو قال الصغير أنا حر وأنا لقيط وقبل قوله ولم يلزمه قول من هو في يديه وإن كان له حائزا لأنه لا يقر له بالرق. قال ابن المواز وابن عبد الحكم في عبد يعرف بالملك لفلان فأعتقه ثم أقر العبد بالرق لغير / مولاه فلا يقبل منه ذلك إلا ببينة كما لا يرق الحر نفسه ولكن أقضى للمقر له بماله وبإمائه وعبيده إلا ما أعتق أو كاتب أو دبر أو اتخذ أم ولد فليس له نقض شيء من هذا بإقراره غير أني أجعل خدمة المدبر وكتابة المكاتب للذي أقر له بالملك وله انتزاع مال مدبره وأم ولده وكذلك لو صدقه في ذلك من أعتقه إلا أنه يغرم ها هنا قيمة رقبة هذا العبد للمدعي ولا ينقض عتقه ولا أزيل عنه ولاءه لأنه كالنسب. قال أحمد ابن ميسر: وأما إن أقر بذلك في مرضه الذي يموت فيه فلا أقبل إقراره في المال وهو ممنوع منه إلا ما يجوز له من وصيته ونفقته فأما مدبروه ومكاتبوه فمثل مدبر الحر ومكاتبه إلا أن المقر يتقاضى الكتابة في صحة السيد فإن عتق بالأداء فولاؤه للمعتق المقر ثم إن مات المكاتب فميراثه للمقر له إن كان المقر حيا وإن كان ميتا فميراثه للذي ثبت له ولاء سيده أولا دون من أقر له بالرق، ولو عجز المكاتب فإنه لمن أقر له بالرق، وأما مدبره فهو يخرج من ثلثه إذا مات وولاؤهم للأول مع ما تركه المعتق من تركته، وكذلك ولاء أم ولده لا تعتق بموته من رأس ماله. [9/ 392] ¬
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ومن عرف بالحرية فأقر بالملك لفلان لم يرق له بذلك أم ولده ولا ولده منها وهو حر وكذلك ما تلد منه بعد ذلك. ومن أعتق عبده ثم أقر العبد والسيد أنه كان ملوكا لزيد وادعى ذلك / زيد أو أنكره فإنه لا يرق أبدا بإقراره ولا يرق إلا بالبينة ولا يزول الولاء بالإقرار. قال ابن عبد الحكم: وقال أصحاب أبي حنيفة إذا أقر بالرق لرجل وصدقه الذي أعتقه جاز ذلك وإن لم يصدقه لم يجز لأن الولاء قد ثبت. قال محمد: فإذا ثبت الولاء كيف يزول بالإقرار؟ قال ابن سحنون: ومن أعتق عبدا ثم أقر العبد أنه ملوك لآخر لم يجز الإقرار إلا أن يصدقه المعتق فيجوز ذلك فيرق له. وهذا خلاف ما ذكر ابن المواز وابن عبد الحكم. قال ابن سحنون: إذا أقر أعتقه ثم أقر هو والعبد أنه لفلان وصدقهما فلان ولا يعرف المعتق بحرية ولا جرى في عتقه حكم فإنه يرق لفلان في إجماعنا مع أهل العراق وكذلك لو جرى بعد عتقه حكم بقصاص فيه أوحد أو شيء ما يحكم به في الحر فأمضاه القاضي ولا يمنعه هذا أن يقبل قوله ويرق لمن أقر له. وإنما الذي لا يرجع في الرق من كان مشهورا بالحرية وطال لأأمره فلا يقبل قول هذا في إرقاق نفسه وإن صدق الذي أعتقه وعليه قيمته لفلان إن صدقه. وأجمعنا فيمن في يديه عبد فأقر العبد أنه ملوك لآخر فكذبه الذي يحوزه وقاتل هو عبدي فهو مصدق أنه عبده لإقرار العبد بالرق وصار كالقرض وصار الحائز أولى به وتنازعوا في عبده بين رجل متشبث به لم يتقدم له فيه حيازة بملك فقال هو عبدي وقال العبد أنا حر أو قال لفلان فقال أشهد / وسحنون وابن المواز: القول قول العبد. قال ابن المواز إلا أن يقول له العبد أنت أعتقتني فلا يقبل قول العبد إذا أنكر الذي هو بيديه عتقه. قال ابن سحنون: وقال غيرنا: إن قال أنا حر فهو حر وإذا قال أنا ملك لفلان فالقول قول الذي هو في يديه. [9/ 393]
قال أشهب وسحنون: وإذا تعلق رجلان بعبد كل يدعي ملكه فإن كان لا يتكلم كلف البينة فأن أقاماها قضي بأعدلهما فإن تكافأتا كان بينهما. وكذلك إن لم يقيما بينة بعد أيمانهما، وإن نكل أحدهما فهو لمن حلف وإن نكلا فهو بينهما وإن كان العبد كبيرا يتكلم ولا بينة لهما كان العبد لمن أقر له بالرق. وكذلك إن أقاما البينة وتكافأتا في العدالة بعد أيمانهما أو نكولهما، وإن نكل أحدهما قضي به لمن حلف ولا ينظر إلى قول العبد أنه للآخر لأنه أبى أن يدعيه حين نكل، وإن كانت إحدى البيتين أعدل قضي به لمن أقامها حتى يأتي الآخر بأثبت من هذا ولا ينظر إلى قول العبد وكذلك إن أقامها أحدهما ولا بينة للآخر قضى له بالبينة دون قول العبد. وقال أبو حنيفة: إن لم تكن لهما بينة فهو لهما جميعا، قال أشهب: وهو لو ادعى أنهما عبدان له لكلف البينة كما يكلفانها (¬1) قال ابن المواز ومحمد ابن عبد الحكم في رجل لا يعرف أصله وهو يدعي الحرية فأولد أمة له ثم أقر بالرق لرجل فإنه يرق له ويكون كل ما في يديه من رقيق وعين وعرض يأخذه / منه إن شاء ولا يصدق على رق الولد ولا على رق أم الولد ولا على رق المكاتب ولا من له من مدبر ومن معتق إلى أجل ولا يفسخ ما عقد في عبده من إجارة ولا في أمته من نكاح ولا يصدق فيما تلد أم ولد من ذي قبل وهو حر لأنه ولده من أم ولده ولا يجوز لها بيعها ولا أن يهبها. قال ابن المواز: وللمقر له خدمة مدبرة وكتابة مكاتبة، وللمقر أن يعتق أم ولده ولا حجة للذي أقر له بالرق في ذلك وليس له أن يعتق مدبره. قال ابن عبد الحكم: ولو أن امرأة حرة في الظاهر فحدث فولدت أولادا فأقرت أنها أمة لرجل وصدقها فإنها ترق له دون ولدها لما ثبت لهم من الحرية فلا يرقون (¬2) بقول أمهم وكذلك لو كان صغيرا لا يعقل لم أرقه بقولهم. [9/ 394] ¬
وأما لو أقر رجل لامرأة بالملك لرجل فأقر ذلك عليها ثم قامت بينة أنها حرة الأصل فإن هذا الرجل أعتقها قبل ذلك فإنها يحكم لها بالحرية وليس للحر إرقاق نفسه والبينة أولى في هذا من الإقرار. قال ابن سحنون قال أشهب وسحنون ومن بيده عبد بحوزه حيازة الرق بما يحوز الناس به أرقاءهم فلا يقبل قول العبد أنه لرجل آخر يدعيه ولا دعواه أنه حر وعلى السيد اليمين أنه لا يعلم أن لهذا فيه حقا. وكذلك أم ولد الرجل لا يقبل إقرارها بالرق لغيره وكذلك لو أقرت أمة لرجل بالرق ساعة واحدة ثم رجعت / مكانها فأقرت للآخر فإنها للأول إلا أن يقيم الآخر بينة. ولو أن قصارا أو ذا صنعة بيده عبد يحوزه فقال إنه عبدي وقال العبد بل أنا لفلان أسلمني إليك وادعاه فلان فهو للحائز إلا أن يقيم الآخر بينة. وكذلك إن حاز أمة فقالت أنا أمة لفلان أو مدبرته أو مكاتبته فالقول قول الذي هي في يديه يدعي رقها. وكذلك إن قالت: كنت لفلان فأعتقني وصدقها فلان فلا يقبل ذلك إلا ببينة إلا أن يكون الذي هي في يديه لم يحزها ولم يعرف له منها خدمة ولا حوز وإنما وجدت في يديه وقت الدعوى فالقول قولها. ومن بيده غلام يحوزه بالملك فقال أنا ابن فلان وأمي أم ولده وقال الذي هو وأمه في يديه أنت عبدي وأمك أمتي وقال الذي أقر له هو ابني فإن قال الغلام ولد في ملك الذي هو في يديه فهو وأمه رق له ولا يلحق نسبه بمدعيه وإن لم يعلم مولده إلا أن هذا يحوز بالملك فالقول أيضا قوله وأما إن وجد في يديه متشبتا به ولم يتقدم له فيه حوز ولا خدمة معروفة فالغلام حر وإن لم يكن له نسب معروف فهو لاحق بمن إدعاه في قول ابن القاسم. [9/ 395]
وقال سحنون: لا يثبت بهذا النسب، وإذا ادعى عبد رجل أنه ابنه أو أنه أعتقه فلا يصدق وهو رق لحائزه إلا أن تكون له فيه حيازة ولا خدمة متقدمة وإنما هو متشبت به فإنه يكون حرا ولا يلحق به نسبه / بدعواه. وقال أحمد بن ميسر فيمن لا يعرف أصله وهو يدعي الحرية أقر لرجل بالرق فإنه يرق له ويكون له ماله وأما ما ولد له فحر لا يضره إقرار أبيه. وكذلك ما يولد له بعد هذا من أم ولده، وأما ما يولد له قبل انتسابه فيرقون برقه (¬1). وما كان له من امرأة حرة فهي حرة فإن اختارت المقام فلسيده فسخ النكاح إن لم يكن علم بالنكاح وإن بنا بها فلها المسمى وهي أولى بماله حتى تستوفي مهرها، وإن لم يبن بها واختارت الفراق فلا مهر لها وإن اختارت المقام ففارق عليه سيده فلها نصف الصداق وليس كعبد تزوجها بغير اذن سيده وإنما عقد هذا ولا سبيل عليه وإنما حدد السبيل بإقراره. ومن كتاب ابن سحنون ونحوه في كتاب ابن عبد الحكم: وإذا أقر رجل مجهول لرجل بالرق فباعه المقر له فذلك جائز. وكذلك الأمة وإن ادعت عتقا بعد البيع فإن أقامت بينة أنه أعتقها قبل البيع أو أنها حرة الأصل قبلت بذلك وليس إقرارها بالملك إكذاب البينة كما لا ألزمها إقرارها بالملك وهي معروفة النسب. وكذلك العبد. ومن كتاب ابن المواز: ولو أن رجلا باع عبدا أو دفعه إلى المبتاع فقبضه ونقد الثمن فمضى بالعبد إلى منزله والعبد ساكت لا يقر ولا ينكر وهو رجل أو صبي يعقل فهذا إقرار بالرق ولا يصدق وإن ادعى الحرية / بعد أن بيع وقبضه المبتاع إلا بالبينة. وكذلك لو عرضه للبيع وقلت فلم ينكر فهو إقرار بالرق ولا يقبل إنكاره بعد ذلك. وكذلك إن وهبه أو أسلمه بجنايته فهو كالإقرار في إجماعنا وكذلك لو كاتبه وأشهد عليه، وأما لو واجره ثم قال أنا حر قبل قوله وقد يكون عليه الخدمة فيؤاجره، أما الرهن والبيع والسلام (¬2) في الجناية وهو يعلم فلا ينكر [9/ 396] ¬
قال سحنون: فلا يفعل منك هذا إلا بعهده، ألا ترى لو كان بخدمة فقال أنا حر فالقول قوله لأن الخدمة ليست بإقرار بالرق، وكذلك الاجارة وهو إقرار من المستأجر فإن العبد ليس له إلا أن يطول الخدمة حتى يخرج من حد الاجارة. ولو قال لرجل أعرني هذا العبد يخدمني فهذا إقرار من المستعير للمعير في إجماعنا. ومن قدم من بلد ومعه رجال ونساء وصبيان يخدمونه فادعى ملكهم وادعوا الحرية فإنهم أحرار إلا أن يقيم البينة. وإن كانوا أعاجم أعتاما أو سندا أو حبشا فهو بمنزلة هذا في إجماعنا إلا أن يحازوا بما يحاز به الأرقاء من الوطء والبيع والاستخدام فيكون القول قول من حازهم بمثل هذا أو يقرون بالملك بكلام أو بالبيع. ومن عرض جارية للبيع وسام بها وهي ساكتة لا تنكر فليس هذا إقرار بالرق وتصدق أنها حرة. وكذلك الغلام الذي يعقل. وقال ابن عبد الحكم: ومن عرض غلاما للبيع وقلب على ذلك أو كانت أمة فلا / ينكران ولا يدفعان فهو إقرار بالرق ولا ينفع دعواهما بعد ذلك الحرية إلا ببينة. ولو قالت الجارية بعتني لفلان فهو إقرار بالرقوكذلك قولها أرهنتني، وأما قولها زوجتني فليس بإقرار، وإن قالت: هو أعتقني فليس بإقرار بالرق. وكتب سحنون إلى شجرة في الذي أوصى بعتق جارية وهي حاضرة تسمع وصيته فلما مات قالت إني حرة وقالت البينة إنها تسمع وصيته فلم تقر ولم تنكر وقالوا إنا لا نعرفها له ملكا، قال: لا يضرها سكوتها. وعن امرأة (¬1) زوجها رجل أقر وأقرت بذلك فلا يكون إقرارها بذلك إقرارا بالرق للذي زوجها. ولو كاتبها إذا أعتقها على مال أو باعها نفسها كان إقرارا منها بالرق. [9/ 397] ¬
ولو قالت آجرتني من فلان فليس بإقرار بالرق، ولو قال أرهنتني منه أو تزوج فلانة على رهن فهو إقرار بالرق. وكذلك لو قالت لامرأة اختلعي من زوجك في اجماعنا. ومن قال لآخر قد أعتقتني وهو مجهول فقال الآخر ما أعتقتك فهو إقرار بالرق وكذلك لو قال ألم تعتقني أمس؟ أو قال أليس قد أعتقتني؟ أو قال أو ما أعتقتني؟ فهو إقرار بالرق. وقال ابن سحنون: ومن استأجر عبدا ثم ادعى رقه لم يصدق في اجماعنا ومن بيده غلام لا ينطق يقول هو عبدي وجاره بالملك فلما كبر الغلام قال أنا حر فعليه البينة في إجماعنا ولو كان الغلام ينطق فقال الرجل أنت عبدي / وقال الغلام أنا حر فالقول قوله. وكذلك الجارية والصغير والكبير في هذا سواء إذا لم يتقدم له فيه حوز بملك ولا خدمة وكذلك لو قال أنا عبد لآخر ادعاه فالقول قول العبد، وكذلك لو قال الصبي أنا لقيط فهو حر في إجماعنا. قال ابن عبد الحكم في صبي قد عقل وهو بيد رجل فقال أنا ابنك من أم ولدك هذه وهي أمة له وقال بل أنت وهي رقيق لي فهما رقيق له لأن الأم في يديه ولم يثبت أنها أم ولد ببينة ولا إقرار. قال أشهب وسحنون في الذي في يديه صغير يدعي ملكه إن القول قوله كالثوب في يديه. ومن في يديه أمة يحوزها ولها ولد فقال حائزها هذه لفلان فالقول قوله وكانت أمة لفلان ويبقى ولدها لها إن زعم الولد له رقا إذا كان الولد معروفا بالرق أو كان صغيرا وقد يقول بعتها بعد أن ولدت أو وهبتها فيصدق. قال ابن عبد الحكم: ولو أقر أنها لرجل من سنتين ومنا ولد ولدته من أقل من سنتين فإنها مع ولدها للمقر له. [9/ 398]
قال ابن سحنون عن أبيه: ولو قامت بينة أنها لفلان قضيت له بها وبولدها لأن البينة نفت ملك الآخر عن الأمة والأول إنما أخذ بإقراره وهو لا يرجع بالثمن على أحد والمحكوم عليه بالثمن على بائعه إلا أن يقول المقر وهبتها له قبل أن تلد فيقضى للآخر بها وبولدها. وقال ابن عبد الحكم سواء الإقرار / في هذا والبينة إذا قامت بينة على أمة أنها لفلان ولها ولد فالجارية له بلا ولد لا نعلم يشهد له بالولد ولا تثبت أنها ولدته بعد أن ملكها. ولو جاز الفرق بين الإقرار والبينة جاز أن يقول تجعلها له في الإقرار فولد الأول جعله له في البينة. قال ابن المواز وإن قدمت امرأة بلدا فادعت أنها حرة فتزوجها رجل ثم قدم رجل آخر فقال هي أمتي فأقرت له بذلك فلا يقبل منها إلا بينة وتبقى بحالها وأولادها أحرار ما ولدت قبل إقرارها أو بعد. ولو مات ورثها زوجها وولدها، ولو مات هو لم ترثه هي إلا أن يرجع ويذكر عذرا يعذر به في إقرارها مثل أن يقول أقررت هربا من زوجتي وشبه ذلك فذلك لها. ولو ماتت ولا ولد لها لورث الزوج النصف والنصف لبيت المال. قال أحمد بن ميسر: وليس للذي أقرت له أن يأخذ قيمة ولدها من أبيهم ولا ترث ولدها إن مات لأنه حر وهي مقرة أنها أمة فإن فارقها الزوج كانت عند السيد بملك اليمين. قال ابن سحنون: وإذا تزوجت امرأة على أنها حرة وهي غريبة لا يعرف أصلها ثم أقرت بالملك لرجل صدقناها وتكون أمة له ولا تصدق على فساد النكاح، والزوج مخير إن شاء فارق أو ثبت على النكاح، وإن كان دفع إليها مهرها قبل أن يقر بالرق فهو برئ منه فإن طلب أن يفارق وكان أكثر من صداق مثلها رجع عليها بالفضل وإن نسب بالنكاح لزمه جميع المهر وإن دفع المهر / إليها بعد إقرارها بالملك لم يبرأ منه إلا أن يدفعه بإذن سيده، وكل ولد ولدت قبل الإقرار فهم أحرار. [9/ 399]
وإن كانت حاملا يوم أقرت فما في بطنها حر وإن لم يعرف أحامل هي أم لا وهو مرسل عليها فما وضعت لأقل من ستة أشهر فهو حر وما وضعت لأكثر فهو عبد وما حملت به بعد إقرارها فهو عبد. وإن طلقها بعد إقرارها طلقتين لم تحرم عليها وطلاقها ثلاثا وعدتها عدة الأمة، ولو طلقها قبل إقرارها طلقتين ثم راجعها فهي عنده علي طلقة ولو لم يراجعها كان له أن يراجعها. قال محمد بن عبد الحكم: إن ما ولدت قبل إقرارها وبعده وما في بطنها حر ولو جعلت ما تلد رقيقا لفسخت النكاح ولو أوجبت عليها الرق من يوم يقر جعلت علي الأب قيمة الولد كما لمستحقه وهي حامل، ولو ماتت لورثها الزوج لأنه لم يقر أنها أمة! ولو مات الزوج لم يرثه هي فأقبل قولها فيما كان لها ولا أقبل قولها عليه، ولو ثبت عليها الرق لفسخت نكاحها ولو طلقها طلقتين بعد الإقرار كان له الرجعة. هذا مما للزوج ولو طلقها اثنتين قبل الإقرار لم يزل إقرارها بالرق ما للزوج من الرجعة وقد جامعنا علي هذا مخالفنا وهذا حجة لنا فيما خالفونا فيه. ومن كتاب ابن سحنون: ولو أن رجلا مجهولا أقر بالرق لرجل وللمقر مال وعبيد وولد لزمه ذلك في نفسه وماله ولا يصدق في أم ولده وولده ومدبره ومكاتبه في إجماعنا. ولو أن امرأة / مجهولة في يديها ابن لها صغير أقرت أنها وابنها رق لفلان فهي مصدقة وهي وابنها رق له، ولو كان ابنها يتكلم فقال أنا حر فهو مصدق ويكون حرا. وأخبرني محمد بن يسار عن سحنون في رجل وامرأة قدما من بلد وهما زوجان فيما قالا ثم قدم رجل فأقرت المرأة أنها أمة له فلا تصدق وعلي المدعي البينة. وقال أيضا يقبل قولها في نفسها لا في الولد ولا في فتح النكاح وهذا القياس والقول به. ولو أن رجلا وامرأة في أيديهما ابن لهما صغير لا يتكلم فأقرا أنهما وابنهما رق لفلان فذلك جائز عليهما وعلي الابن. [9/ 400]
ولو قالا نحن رق لفلان وابننا لفلان آخر فهو كما قالا إن صدقهما مولاهما فإن كذبها في الولد فالولد له معهما في إجماعنا. ولو أن رجلا وامرأة مجهولان كل واحد منهما يقول إنه رقيق للاخر وليس واحد منهما في يد الآخر وكل واحد مصدق للآخر فهذا باطل ويبقيان علي ما كانا عليه. وأما لو تقدم إقرار المرأة للرجل وثبت رقها ثم أقر هو بعد ذلك أنه عبد لها وصدقها فيما قالت ففيها لسحنون قولان: أحدهما قال أولا قد ثبت وحرية الرجل بإقرارها له فليس له أن يرق نفسه وتعتق الأمة بإقراره أنه لا رق له عليها، والقول الآخر أن الرجل الذي أقر أخيرا مملوك للأمة إن ادعت ذلك وكذلك الرجل، لأن الثاني يصير مقرا بحرية الأول وأنه رقيق له وهو مجهول فإذا صدقه الأول ثبت رق الثاني له كما لو قال/ رجل مجهول لآخر أنا عبدك فقال له الآخر لا ثم قال صدقت وتمادي الأول علي إقراره فإنه عبد له كعبد لك يقر لك بالمال فكذبته ثم صدقته وهو متماد علي إقراره فإنه عبد لك. ولو أن الرجل المجهول أقر لآخر بالملك فكذبه ثم رجع المقر فقال ما أنا لك بعبد ثم رجع الذي كان كذبه فادعي ملكه فلا يقبل منه ولا سبيل له علي المقر إذا جحد قبل رجوع المقر له. ألا تري لو أن رجلا في يديه عبد فقال هو لفلان فقال فلان لا ثم قال بلي فقال من هو بيده بل عبدي، فالقول قوله ولا حق فيه للاخر. وإن قال من هو بيده هو عبدك يا فلان فقال له فلان بل هو لك ثم قال بل هو لي وجحد المقر فأقام له البينة فلا تقبل بينة لأنه أقر به لحائزه. وكذلك من أقر بعبد لزيد ثم أقام بينة أنه له فلا يقبل منه، ولو ادعي رجل دارا إلا بيتا منها فجحد ذلك حائزها فأقام المدعي البينة أن الدار له وقال كنت [9/ 401]
بعت البيت فإني أقبل بينته. ولو قال: لم يكن البيت لي قط كان قد أكذب شهوده فلا تقبل بينته في إجماعنا. قال محمد بن عبد الحكم: وإن كان رجل يخدم رجلا فقال له ليس منك حر إلا السدس وقال الخادم بل نصف حر فالقول قول الخادم إذا لم يقل أعتقني لأنه لم يحزه كله علي الرق إذا كان فيه جزء من الحرية. قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ولو كان غلام في يدي رجل / فادعي رجل آخر أن له ثلثيه وأنه أعتقهما وقال الذي هو في يديه إنما ثلثاه لي ولك أنت ثلثه أعتقه فلي عليك قيمة الثلثين فالقول قول الذي بيده العبد لأنه حاز كله علي الرق مع يمينه ويغرم له الآخر قيمة (¬1) ولا ينظر في هذا إلا أن هذا يدعي قيمة الثلثين والآخر يقول إنما علي قيمة الثلث لأن من يحوز عبدا بالملك فهو مصدق فيما يدعي من رقه. فالأول قال الذي هو بيده لي ثلاثة أرباعه وربعه لك يا فلان وقال العبد بل ربعاي لفلان ورعي لك، كان للذي في يديه العبد ثلاثة أرباعه لأنه إذا أقر العبد برق ثلاثة أرباعه فحائزه أولي بما رق منه وإنما سقط عنه ما ادعي العبد من الحرية فقط فيكون ربعه حرا. قال ابن المواز بعد أن ذكر هذا الجواب: الجواب صحيح ما خلا قول العبد ربعي حر فإني أتوقف عنه إذ لا يكون في عبد رق وإن قل إلا وأوصله رقيق كله وهذا بخلاف قول العبد جميعي حر. قالا: ولو قال حائزه لي ربعه ولفلان ربعه ولفلان آخر ربعه فسمي غير الذي أقر لهما العبد فالقول قول حائزه. وأما إن قال العبد: ثلاثة أرباعه حر فالقول قوله. قال: وإن أقر في مكاتب له أو مدبر أنه ملك لفلان لم يفسخ التدبير ولا الكتابة فإن رقا أخذهما المقر له وإن أدي المكاتب عتق وولاؤه لعاقد الكتابة [9/ 402] ¬
الإقرار بالولد
ولكن أقضي بما أدي المكاتب من الكتابة للمقر له وبخدمة المدبر فإن مات المقر أعتق / في الثلث وولاؤه للذي دبره. وإن رق منه شئ أخذه ذلك المقر فكان رقيقا وإن قال المقر له أنا آخذ مال المكاتب الذي لم يؤده فليس ذلك له. وإن قال آخذ مال المدبر مع خدمته فذلك له لأن للسيد أخذ مال مدبره فمن له به أخذه منه، ومال المكاتب ليس لسيده أخذه منه. في الإقرار بالولد من كتاب ابن سحنون قال: ومن في يديه صبي أو صبية فقال هذا ابني وهذه ابنتي ومثله يولد وليس له نسب معروف فقال ابن القاسم وأهل العراق هو به لاحق، قال ابن القاسم: ما لم يكن يعرف كذبه. وقال سحنون: لا يلحق نسبه أبدا إلا من ولد في ملكه من أمة عنده أو كانت له وليس للولد نسب معروف. وقال كبار أصحابنا وأنا أقوله إنه لا يلحق بنسب هذا الولد إلا أن تكون أمه أمة كانت له وولدته عنده أو عند غيره ثم باعه ولم يحزه نسب أو كانت عنده زوجة له بقدر ما يلحق به الأنساب ويشبه أن يكون ولد من حين زالت عنه وإلا لم يلحق به. وإن كان للصبي أم معروفة والولد في يديها فصدقته في النكاح وهما طارئان فهي امرأته والولد ولدهما وكذلك الصبي بيد رجل فقالت المرأة هذا ابني منك فهو ابنها وهذا زوجها إن كانا طارئين، وإن كانا من أهل البلد ممن يجهل لم أصدقهما وإن تماديا علي الإقرار. / حددتهما. قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: إذا أقر الحر بالولد لزمه ذلك إن لم يعرف كذبه ولم يعرف للصبي نسب وكذلك اللقيط، وهو قول أشهب في اللقيط، وكذلك عبد رجل يستلحقه أنه يلحقه به إن لم يتبين كذبه. وإن قال هذا الولد ولدي من زني وأمه أمة لم تكن بذلك أن ولد ولا يلحق نسبه ولا يعتق عليه ولو اعتقناه عليه لجعلنا أمه أم ولد وهي أولي أن لا تباع لأن [9/ 403]
الأمة مجتمعه علي نفي ولد الزني ولا تنفي ولده من أمه فيلزم من أعتقه أن يجعل أمه أن ولد. قال أحمد بن ميسر: إذا كان ملكه لها معروفا لم يزل ملكه عنها لحق به وكان كاذبا في قوله من زني. قال ابن سحنون في امرأة لها زوج معروف وبايديهما صبي فقال الزوج هو ابني من امرأة غيرك وقالت هي هو ولدي من رجل غائب، فالقول قولها فإن رجعت إلي تصديقه ولم تكن سمت الآخر ولا وصفته بصفه كان ابنه إن ادعاه وإن سمت رجلا نسبته حتي يعرف بتلك الصفة فلا يجوز أن يلحق بالأول وإن قدم الغائب فأنكر الولد لم يلحق بالأول إلا أن ترجع الأم إلي تصديقه ولا يصدق هو والأم تنكر. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ولو قال في عبد له إنه ابنه وللعبد أب معروف فإنه يعتق هذا العبد عليه ولا يلحق به نسبه ولا ينتفي من أبيه المعروف كان صغيرا أو كبيرا أو لو اشتري صبيا فقال هو ابني من زني / لم يعتق عليه ولم يلحق به. قال ابن عبد الحكم وقال النعمان إذا أقر في عبد في يديه أنه ولده من زني فلا يلحق به ويعتق عليه وكذلك لو كان في غير يديه ثم ملكه وهذا غلط. قال ابن عبد الحكم وقال أيضا: لو اشتري أمة فقال: ولدت هذه مني من زني لم تكن له أم ولد ولم يعتق عليه. قال محمد: وقوله وقول أصحابه أنه إن أولد أمة بنكاح ثم اشتراها أنها بذلك أم لود ولا فرق عندهم بين ذلك. وإن كان يؤخذ بالحكم فقد أجمعت الأمة ألا يلحق به ولد زني، وإن كان يؤخذ بإقراره فقد أقر أنها أم ولده. قال ابن المواز في امرأة معها ولد فادعاه رجل أنه ابنه منها قالت هي بل هو ولدي من غيرك ولم تسم أحدا فإن لم يحزه نسب غيره لحق بمستلحقه ما لم يتبين [9/ 404]
كذبه. وإن سمت أحدا وحضر فادعاه كان أحق به بإقرار المرأة له وهذا إن كانا طارئين فإن لم يكونا غريبين نظر من كان الحائز لها وتعرف به. فإن لم تكن حيازة كان ولد زني لا يلحق بواحد منهما. قال ابن المواز وابن سحنون: ومن التلقط لقيطا فادعي أنه ابنه لحق به عند أشهب. قال ابن المواز: وكذلك إن التقطه غيره وبعد الدهر الطويل لقبل قوله عند أشهب. قالا وقال ابن القاسم: إن جاء بعذر في طرحه مما يعرف به وجه قوله لحق به وإلا لم يلحق به. قال ابن سحنون وقال أهل العراق مثل قول أشهب / أنه يلحق به. وقال ابن القاسم لا يلحق به. قال أشهب: وكذلك المرأة تدعي اللقيط أنه ابنها أنه يلحق بها. وقال ابن القاسم لا يقبل قولها. ولو أن صبياً في يدي رجل ادعي انه ابنه وله أب معروف وأمه أمة له قال أشهب وسحنون لا يعتق ولا يثبت نسبه لأن له أبا معروفا. قال أهل العراق: يعتق ولا يثبت نسبه، وهذا فاسد، وقد أجمعنا لو قال في عبد في يديه هو مثله في السن أنه ابني لا يعتق ولا يلحق به. وكذلك من ادعي في عبد لغيره انه ابنه وجحد المولي وقال المدعي اشتريت أمه أو تزوجتها فلا يصدق في قول ابن القاسم وأهل العراق. قال ابن القاسم فيمن ادعي أولاد أمة رجل وقال لسيدها زوجتنيها وولدت هؤلاء الأولاد مني وقال السيد ما زوجتكما وما هم منك فلا يصدق المدعي ولا يثبت نسب الولد منه فإن اشتراهم واشتري أمهم ثبت نسبهم منه ولا تكون أمهم أم ولد لأنه أقر أنهم أولاده بنكاح. قال ابن القاسم وهذا إذا كان مثلهم يولد لمثله ولم يكن لهم نسب معروف. [9/ 405]
في الاقرار في الدماء في النفس والجراح وذكر التداعي في ذلك والبينات
قال ابن المواز: ومن بيده صبي يحوزه وقال هو عبدي وقال غيره هو ابني فإنه يلحق بمستلحقه ما لم يتبين كذبه ويبقي رقيقا لسيده مثل أن تكون أمة قد عرفت بملك غيره ولا يعرفونها زالت من ملكه ولا تزوجت هذا قط أو تكون مجلوبة مع ولدها من بلد قد عرفوا أن هذا ما دخلها قط لمعرفة منهم. قال ابن / المواز: ولو جاءت امرأة بولد فقالت هو من زوجي هذا وأنكره الزوج فإن أقر بالزوجية لزمه الولد وإن أنكره لاعن وإن أنكر الزوجية وقال ولدته مني من زني فإن كانا حاضرين ولا يعلم بينهما نكاح ولا اجتماع بسبب نكاح أو سماع له فإنهما يحدان ويسقط نسب الولد. وكذلك لو وجدت حاملا فحدت حد الزني ولا يقبل رجوعها هنا ويقبل رجوعه هو علي إقراره بالزني. وأما الطارئان فالقول قولها ولا ينظر إلي قول الرجل إنه زني بها وهي تدعي الصحة. وإن رجعا عن الزني لم يحد فيه ويحد للقذف. وفي كتاب الاستلحاق كثير من معني هذا الباب. في الإقرار في الدماء في النفس والجراح وذكر التداعي في ذلك والبينات وهذا الباب منه في كتب الدماء ومنه في كتاب الشهادات قال ابن المواز: ومن أقر أنه قتل فلانا خطأ أو عمدا فلا يعجل فيه ولكن يشهد علي قوله في الخطأ ويطلق سبيله ويحبس في العمد ثم يكشف عن الرجل فإن وجد مقتولا أو ميتا أقسم فيه في الخطا وكانت الدية علي العاقلة ما لم يرجع عن قوله لأنه لوث (¬1) من بينة. [9/ 406] ¬
قال أحمد بن ميسر قاله مالك. وقال أشهب وابن وهب: لا تحمل العاقلة إقراره. قال ابن المواز: وإنما يشهد علي إقراره في الخطا وهو لو رجع عنه لبطلت القسامة لئلا يموت قبل / القسامة فينقل عنه الشهادة رجلان عدلان أو رجل وامرأتان فتجب القسامة علي قول من يراها بقول لا. قال ابن المواز ويقتص منه في العمد بلا قسامة قال فأما قبل أن يظهر أمر الرجل فلا ينفذ فيه حكم بقصاص ولا دية لأنا لو فعلنا ذلك لأنفذنا وصاياه وتزوجت امرأته وعتقت أم ولده وقسم ميراثه بقول هذا ولا يقبل رجوعه في ويقبل رجوعه في الخطأ. قال ابن سحنون: ومن أقر أنه قتل فلانا عمدا وادعي ذلك عليه الولي فعليه القصاص، وكذلك في جراح العمد مما فيه القصاص فليقتص منه. قال ابن المواز: واختلف قول مالك في الأولياء يختارون أخذ الدية في العمد فقال: ليس ذلك لهم وبه أخذ ابن القاسم. وقال أشهب عن المغيرة عن مالك: إن ذلك لهم، وبه أقول، وقد نقض ابن القاسم قوله إذ قال: إن عفا بعض الأولياء علي الدية قال احمد ميسر بغير إذن القاتل قالا: إن ذلك يلزم من بقي ولا قول للقاتل. قال محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أنه قتل فلانا عمدا أو ادعي ذلك الأولياء فلهم القصاص. وروي أشهب عن المغيرة عن مالك أنهم بالخيار في القتل أو أخذ الدية وجاء به الحديث. واختلف قول مالك في العفو علي اختلاف قوله في الأصل، فقال مرة: إن عفا بعض الأولياء فإن حلف ما عفا إلا علي أخذ حظه من الدية فذلك له وهذا علي قوله إن الأولياء بالخيار ومرة قال: ليس للعافي شئ. وهذا / علي قوله إنهم ليسوا بالخيار. [9/ 407]
قال ابن عبد الحكم: وقوله في العبد يقتل الحر أن أولياءه بالخيار في القتل فإن أبوا القتل خير رب العبد في فدائه بالدية أو إسلامه. قال محمد: وهذا علي قوله إن الخيار له، وكذلك في الصحيح يفقأ عين الأعور أن له أن يعفو بالدية وله القصاص فهو مخير، ولو كان الدم لا يجب به إلا القود (¬1) لما كان للأولياء أن يأخذوا العبد إن كرهوا القتل. قال ابن سحنون وابن المواز وابن عبد الحكم وإذا أقر رجل أنه قتل فلانا وحده عمدا ثم أقر آخر بمثل ذلك فإن الولي هما قتلاه عمدا فله قتلهما وإن صدق أحدهما وبرئ الآخر ولا يقتل إلا الذي قال إنه قتله. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ولو قال ما أدري علم ذلك ولكني آخذكما بذلك فله قتلهما وله قتل واحد وله أن يأخذ من الآخر ما يلزمه من الدية علي قول أشهب وروايته. قال ابن المواز: لأولياء المقتول قتلهما وإن شاءوا عفوا عن أحدهما بالدية أو باكثر وما اصطلحوا عليه ويقتلون الآخر فإن قال الثاني أنا قتلته مع الأول فللأولياء أن يعفوا عن الأول بالدية كاملة ويلزمه ذلك وإن كره لإقراره أنه قتله وحده يريد في رواية كما لو قال للأول عفونا عنك علي ديتين لم يكن ذلك لهم في رواية أشهب ولا في غيرها / إلا أن يقول الولي لا أعفو إلا علي ديتين أو أكثر فذلك له. فأما إن كان العفو من قبل الولي فلا يزاد علي دية. قال ابن سحنون: ولو قال الولي لهما قد صدقتما أن كل واحد منكما قتله وحده فليس له قتل واحد منهما لأنه قد أحال وهو مكذب لكل واحد بتصدقه للآخر. قال ابن المواز: ولو استحق الدم علي واحد بالقسامة ثم أقر آخر أنه قتله وقد أقسموا علي الأول فللأولياء المقتول أن يقتلوهما هذا بالقسامة وهذا بالإقرار. [9/ 408] ¬
قال ابن عبد الحكم: واختلف قول أشهب في الجراح فقال في كتبه ليس إلا القود، وسمعته وسئل عن الجراح فقال: المجروح مخير أن يقتص أو يأخذ العقل. قال ابن سحنون: ولو أقر رجل أنه قتله عمدا وقامت بينة علي آخر أن فلانا غيره قتله فادعي الولي أنهما قتلاه فلا يقتل إلا الذي قامت عليه البينة وحده. وكذلك هذا في جراحات العمد في قولنا. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أقر رجل أنه قتله وحده عمدا وقامت البينة علي آخر أنه قتله فللولي أن يقتل الذي قامت عليه البينة بالبينة والذي أقر بإقراره. قال ابن سحنون: وإن أقر أنه قتل فلانا خطأ وادعي ذلك الولي فقال ابن القاسم عن مالك إن كان ممن يتهم فيه يريد غني ولده مثل الأخ والصديق لم يصدق وإن كان من الأباعد فليقبل قوله ويكون العقل علي العاقلة بقسامة إن كان المقر مأمونا / لا يتهم أن يرشيه الورثة. وقال المغيرة وعبد الملك: الدية علي المقر في ماله، وروي ذلك عن مالك. وقال آخرون: يلزمه ما كان يلزمه مع العاقله لو أقسم عليهم وقال غيرنا كقول المغيرة. ومن أقر بقتل رجل خطأ وقامت بينة أن آخر قتله خطأ وادعي الولي ذلك ففي قول ابن القاسم: الحكم علي قول البينة والدية علي عاقله من شهدوا عليه خاصة، وفي قول المغيرة: عليهم نصف الدية وفي مال المقر نصفها، فإن ادعي ذلك الولي علي المقر وحده لم يكن له شئ في قول ابن القاسم وفي قول المغيرة يكون علي المقر جميع الدية في ماله. ولو ادعي ذلك علي من قامت عليه البينة وحده كانت له عليه الدية وحده علي عاقلته في إجماعهم. قال ابن عبد الحكم: ومن أقر أنه قتل ولي رجل ولم يقل عمدا ولا خطأ ثم قال قتلته عمدا فللولي أن يقتله وإن قال خطأ لم يكن عليه شئ ولا علي العاقلة، وقال ابن القاسام في كتبه إذا قال فتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ أن للأولياء إن قالوا عمدا أن يقتلوه. [9/ 409]
وقال في غير كتبه إنه لا شئ فيه لأنه لم يقم علي القاتل بالعمد ولا يقبل قول الوارث في هذا. وهذا عندي صواب وهو خلاف قوله وقول أشهب في كتبهما ودعوي غير الميت في العمد لا يقبل ولا في الخطأ. وقال أشهب: إن لم يقل عمدا ولا خطأ فإن كان حاله حالا يستدل بها علي العمد مثل أن يكون مقطعا جراحا فيقسمون / علي العمد فإن لم يستدلوا علي شئ مما أصبح عليه الولاة من عمد أو خطأ أخذ بذلك. وقال ابن المواز نحو قول أشهب في الذي قال قتلني فلان فإن لم يقل عمدا ولا خطأ أنه يكشف عن حال القاتل والمقتول وجراحه وسبب عدائه وبغيه ونحو هذا فإن لم يظهر لذلك سبب من عمد أو خطأ فلا يقبل قول الأولياء في عمد ولا خطأ وإنما يقبل قول القتيل. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال قتلت فلانا خطأ أو قال وهو مجروح قد أنفذت مقاتله قتلني فلان خطأ فلا يقبل دعوي من ذلك. واختلف قول مالك فيه، والصحيح أن ذلك دعوي مال وليس دعوي قصاص، ومن أقر أنه قطع يد رجل عمدا ويد آخر خطأ وأنه مات منها فإنه يقتل بالقصاص ولا شئ عليه في الخطأ لأنه مقر علي عاقلته بمال كما لو شهد عليه أنه قتل فلانا عمدا ومعه آخر قتله خطأ فيقتل المتعمد وعلي عالقة المخطئ نصف الدية، وفي ذلك اختلاف، وهذا أحب إلي. وإذا قال: جرحته أنا عمدا وجرحه آخر خطأ فمات مكانه فليقتص المقر ولا يصدق علي جارح الخطأ. وقال ابن القاسم: لعله مات من الخطأ فلا أقتله، ولو كان هذا حجة لكان إذا جرحه رجلان فأمكن أن يموت من جرح أحدهما فلا أقتص منهما وهذا يفسد، وقول أشهب أصح. ولو قال: جرحته خطأ ثم قتلته عمدا سئل عن الجرح فإن قال موضحة. [9/ 410]
فإنه يقتل وتؤخذ من ماله / دية الموضحة (¬1) وكذلك ما لا تحمله العاقلة وإن كان جرحا تحمله العاقلة فلا شئ عليه لأنه أقر علي غيره. فإن قال: قتلت فلانا عمدا أو خطأ سئل فإن أيقن بالعمد قتل وإن قال أيقنت بالخطأ فليس عليه إلا اليمين أنه ما قتله عمدا إن ادعي ذلك عليه الولي ولا شئ علي العاقلة. فإن قال رميت بسهم ورمي غيري بسهم فأصاب أحد السهمين رجلا فقتله ولا ندري أي السهمين هو فلا يوجب هذا إقرارا. وكذلك لو رمي جماعة صيدا فأصاب سهم أحدهم رجلا فقتله ولا ندري من هو لا شئ علي واحد منهم. قال ابن المواز وقاله أشهب لأنه قال في القاتل يهرب فينزل في بئر فينزل إليه فيؤخذ هو وآخر كل يدعي أن الآخر نزل عليه. فالذي أظن أن أشهب يهدر دمه وأن ابن القاسم يري الدية في أموالهما. قال ابن المواز: يريد في العمد وأما في الخطأ فهو هدر ولا تحمل العاقلة إلا ما حق عليها. وكذلك مسألة السهمين والذين رموا صيدا فأصاب سهم أحدهم رجلا ولا يعرف صاحب السهم فهو هدر لأنه خطأ فالإقرار والبينة في هذا سواء، إذا لم يعرف القاتل. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أقر أنه قتل فلانا خطأ فلا شئ عليه فإن قامت بينة علي رجل أنه قتل ذلك الرجل خطأ فالدية علي عاقلة من قامت عليه البينة ولو كانت البينة بالعمد فللأولياء قتل من شهدوا عليه. [9/ 411] ¬
قال محمد/: ويحلف كل واحد من صاحبي السهمين أنه ما يعلم أن سهمه هو القاتل علي واحد منهما خمسين يمينا إلا أن يدعي ذلك أولياء المقتول علي احدهما فيقسموا في العمد وعلي العاقلة في الخطأ. قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن شهد رجلان أن فلانا قتله خطأ وشهد آخران أن فلانا قتله عمدا قضي بأعدل البينتين، فإن قال الأولياء إنما قتله من شهد عليه بالخطا برئ صاحب العمد وصاحب الخطا. إذا كانت بينة العمد أعدل فقد أسقطت الأخري وقد كذبهم الأعدل ويضرب مائة ويحبس سنة فإن قالوا بل قتله صاحب العمد فلهم القصاص إن كانت هي أعدل. وإن كانت بينة الخطأ أعدل وقد ادعوا العمد فلا دية ولا قود وإن طلبوا يمين المدعي عليه في العمد فلا يمين عليه لأن بينة الخطأ أعدل وقد أبرأته من ذلك. قال ابن المواز: وإن تكافأتا في العدالة فلا شئ للأولياء في عمد ولا خطأ وإن ادعوه لأن كل بينة قد كذبت الخري وقد تكافأتا. وقال ابن ميسر: والقول قولهم فيما يدعون من عمد أو خطا بالقسامة. قال ابن المواز: وكذلك لو قال المقتول قتلني فلان خطأ وقال أولياؤه عمدا فإن القسامة تبطل في العمد والخطأ ولا دم لهم ولا دية فإن رجعوا فادعوا ما قال فليس ذلك لهم. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال رجل قطعت أنا وزيد يد فلان فجحد زيد فإن قال المقر عمدا فللمقطوعة / يده قطع يد المقر. فإن قال: أريد الدية فله في قياس قول أشهب في النصف دية اليد شاء القاطع أو أبي. وفي قول ابن القاسم إن تراضيا علي الدية تم ذلك. وفي باب من قال أقررت لك وأنا صبي أو مجنون أو عبد أو محارب بشئ من معني هذا الباب. [9/ 412]
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه قطع يد هذا العبد وهو في يد من باعه من هذا الرجل وقال من هو في يده بل قطعته وهو في ملكي بالأرش لمن بيده والقول قوله. وقد تقدم في باب من قال أقررت وأنا صبي قول ابن عبد الحكم أن القول قول القاطع. قال ابن سحنون: ولو قال البائع قطعته إذ كان في ملكي وقال المشتري بل وهو في ملكي ضمنته ذلك بعد أن يكون .... (¬1) الإقرار. وكذلك الهبة إذا قبضه. ومن وهب عبدا لرجل فقبضه وأقر الواهب أنه كان قطع يده قبل الهبة وقال الموهوب بل بعد الهبة والقبض فالقول قول الموهوب له والقاطع ضامن. وقال ابن المواز وابن عبد الحكم: القول قول الموهوب لا الواهب. وقال ابن سحنون: ولو لم يعرف بالهبة ولم يعرف فقال الواهب قطعت يده خطأ ثم وهبته لك وقال الموهوب بل قطعت يده بعد قبضي له بالهبة فالقول قول الواهب، وكذلك في البيع والعتق. إذا كان الإقرار علي. هذا، يريد قبل أن يعلم بالهبة. وقال ابن سحنون وإذا / قامت البينة علي الهبة والبيع والعتق قبل الإقرار لم يصدق المقر وهو ضامن. ولو أن اقطع اليمين قال قطعت يمين فلان قبل تقطع يدي (¬2)، وقال فلان بل قطعتها وأنت مقطوع اليمين فعلي المقر دية اليد لأنه مدع لإسقاط الجناية كما لو قال أمرتني أن أقطع يدك لم يصدق. [9/ 413] ¬
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني 310 - 386 هـ تحقيق الأستاذ محمد الأمين بوخبذة محافظ الخزانة العامة بتطوان سابقًا المجلد العاشر 1999 دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى
كتاب المديان والتفليس في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الجزء الأول من كتاب المديان والتفليس في الدين وما جاء فيه من التشديد واللين وإنظار المعسر والغريم من كتاب ابن حبيب: ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الترغيب في الرفق بالمديان: أن النبي عليه السلام قال: أحب الله عبدا سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى، وفيا يأخذ حقه في عفاف وافيا أو غير واف وروى أن النبي عليه السلام قال: من سره أن يفرج الله عنه كربه، ويعطيه سؤله - وفي حديث آخر - أن يظله الله في ظله، فلينظر معسرا أو يخفف عه، وذكر ما روي من التشديد في الدين، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم محبوس دون الجنة بدين عليه في رجل استشهد، وفي حديث آخر: قال: صلوا على صاحبكم ولم يصل عليه. [10/ 5]
قال ابن حبيب: قال أصبع في هذه الأحاديث في التشديد في الدين: إنها منسوخة، وإنها كانت قبل أن يفرض الله الصدقة فيقضى منها عن الغارمين، فلما فرضها وجعل قضاء الغارمين منها. صار ذلك على السلطان، فإن لم يقضه فإثمه عليه دون الغريم المعسر إلا من كان في سرف أو فساد، وذكر نحو ذلك عن ابن أشهاب أنه تأوله، وذكر/قول النبي صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دين فعلينا، ومن مات وترك مالا فلورثته. وفي حديث آخر: إن ترك كلا فإلينا كله، ومن ترك دينا فعلينا دينه فقال رجل: يا رسول الله، فمن لنا بعدك؟ قال: يأخذ الله الولاة لكم بمثل ما يأخذكم به لغرمائكم يوم القيامة، ثم صار رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد ذلك على من مات وعليه دين. قال أصبغ عن أبي العباس الزهري: إن الله وضع ذلك في الدنيا بقوله سبحانه في المعسر: (فنظرة إلى ميسرة) أفيأخذه في الآخرة. وروي أن معاذا لما خلعه النبي صلى الله عليه وسلم من ماله لغرمائه وبقي لهم فقال: يا رسول الله فكيف بالتباعة؟ فقال عليه السلام: لا تباعة في الدنيا ولا في الآخرة يعني تباعة الإثم، وروي أن من أدان دينا ينوي قضاءه أداه الله عنه، وإذا لم ينو قضاءه أتلفه الله، وفي حديث آخر: إذا مات أحد من خصمائه وإن كان ينوي قضاءه، فالله قادر أن يرضي عنه غريمه وفي حديث آخر: قال: [10/ 6]
في تفليس الغريم وخلع ماله، وما الذى يباع عليه بن ماله؟ وكيف يباع؟
النبي صلى الله عليه وسلم: فأنا وليه يوم القيامة، وروي أن من أدان في غزو، أو حج، أو كفن ميت لا كفن له، أو في صلة رحم، أو نفقة على العيال، أو في نكاح لخوف العنت فعلى الله سبحانه وعلى ولاة المسلمين أن يقضوا عنه، وفي حديث آخر: قضى الله عنه يوم القيامة. وفي العتبية/من سماع ابن القاسم: قال مالك: إن عبد الله بن عمرو وابن حرام والد جابر بن عبد الله استشهد يوم أحد وعليه دين قد رهقه، فقال النبي عليه السلام لجابر: إذا كان الجداد فآذنوني، قال جابر فآذنته، فوضع عليه السلام فيه يده ودعا فيه، فكال منه أهل دينه وبقي بعد ذلك مثل الذي كان فيه. في تفليس الغريم وخلع ماله، وما الذي يباع عليه من ماله؟ وكيف يباع؟ وهل يؤاجر الحر أو العبد؟ وهل يؤمر بانتزاع مال عبده أو بأخذ شفعته أو باعتصار هبته، أو تؤخذ نفقة بعثها إلى أهله وذكر الكفن والرهن فيمن مات عريانا، وفي الخادم تدعيه زوجة المفلس أو هل يكون قيامهم تفليسا دون الإمام؟ قال ابن حبي وغيره: قال ابن شهاب: لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم غرماء معاذ على أن خلع لهم ماله، ولم يأمر ببيعه. [10/ 7]
قال مالك في سماع ابن القاسم في العتبية وفي كتاب ابن المواز وابن حبيب: ويترك له ما فيه نفقة له ولأهله وعياله، وكسوة له ولأهله، وفي زوجته شك، يريد كسوتها، وكذلك في المختصر، قال ابن المواز وابن حبي عن مالك: تترك له نفقته ونفقة أهله بقدر الشهر، قال ابن حبيب: يعني بأهله زوجته وولده الصغير، قال عنه ابن القاسم في العتبية: وكذلك في إخدامه، يريد أن يؤاجر نفسه ففضل عن نفقة أهله ونفقته فضل بعد، أن يؤخذ منه. قال في كتاب ابن المواز: ولا يؤاجر لغرمائه، قال الله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) وكذلك لا يؤاجر المأذون لغرمائه إن فلس. قال سحنون في العتبية: ويترك للمفلس قدر كسوته ونفقته ولا يترك كسوة زوجته. قال ابن القاسم في العتبية: يترك له ما يكفيه هو وزوجته وولده الصغير الأيام، وفي كتاب آخر: قدر الشهر. قال في العتبية: ويترك له للسنة إلا أن يكون فيها فضل عن لباس مثله، وإن كان شيئا يسيرا لا خطب له ترك له قدر ما يعيش به الأيام. قال في كتاب ابن المواز: إن كان الذي يوجد معه لا خطب له يتجر فيه لا شيء له غيره فليترك له يعيش به، قال أصبغ: إن كان قدر نفقته شهرا أو نحوه. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون ومطرف: ويباع عليه خاتمه ومصحفه، وقاله مالك في كتاب ابن المواز. [10/ 8]
ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: ويستأنى في بيع ربعه يتسوق به الشهر والشهرين، وأما الحيوان فلا يؤخذ إلا اليسير، قال مطرف: ويشترط السلطان عندنا فيما يبيع الخيار ثلاثا. وقال في كتاب ابن المواز: وأما الحيوان والعروض أسبوع بيعا، وأما الدور والأرضون فالشهر والشهرين ثم تباع ويقسم بين من حضر/من غرمائه، وفي العتبية من سماع ابن القاسم نحوه. قال مالك في موضع آخر: ومن شأن بيع السلطان عندنا أن يبيع بالخيار ثلاثة أيام. قال سحنون في غير مسألة من بيع السلطان، وليبع بالخيار لعل زايدا يأتيه، ولم يذكر الأجل في الخيار. وكتب إليه شجرة في الحاكم يبيع الشيء في سوق المسلمين على غائب أو طفل أو مفلس، هل له يشتريه من مبتاعه؟ قال: لا أحب له ذلك إلا أن يتداوله الملاك فتسقط عنه الظنة. قال ابن المواز وابن حبيب: قال مالك: وإذا قصر مال المفلس عن دينهم اتبعوه بما بقي إلا أن يكونوا يوم خلعوه رضوا بأخذه بيعا فها هنا إن باعوه فقصر ثمنه عن دينهم فلا يتبعوه، وقاله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ويباع على المفلس سريره وقينته ومصحفه وخاتمة، قال مالك: ولا تباع كتب العلم في دين الميت، وقال في موضوع آخر: والوارث وغير الموارث فيها سواء ممن هو لها أهل، وإليه ذهب سحنون، وغيره من أصحابنا يجيز بعيها ويرى أن تباع في الدين على الميت. [10/ 9]
قال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بعد موت بثلاث مائة دينار، وأصحابنا متوافرون، فما أنكروا ذلك. قال ابن المواز: قال مالك: وليس لغرماء الميت أن يؤاجروا أم ولده، ولهم أن يؤاجروا ومديروه ويبيعوا كتابة مكاتبه، ولا يجبر على اعتصار/ما وهب لولده أو نحله، ولا على طلب شفعة له فيها فضل، وكلك في شفعة الميت، والورثة أولى منهم. ومن كتب دارا بمعنى الحبس على ولديه، وكتب: إنهما إن شاءا باعا وإن شاءا أمسكا ا، فرهقهما دين وفلسا، فلهما بيع الدار. ومن العتبية من سماع أصبغ، وذكر ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن بعث بنفقة إلى عياله، فقام فيها غرماؤه، فلهم أخذها، فإن قال الرسول: قد وصلتها إلى أهل صدق مع يمينه، وللغرماء أخذها من عياله إن قاموا بحدثان ذلك، فإن تراخى ذلك مدة ينفق ذلك في مثلها، فلا شيء لهم كمغترق الذمة ينفق على عياله، وقال أصبغ، ولو قاموا بحدثان ذلك فقال أهله: قضينا ذلك في نفقة تقدمت، وفي كراء منزل، لم يصدقوا إلا أن يأتوا على ذلك بلطخ وبرهان. ومن كتاب ابن المواز: ولا يؤاخر المفلس فيما بقي عليه كان حرا أو عبدا مأذونا، ولسيد العبيد بيعه، ولا شيء لهم من ثمنه، وإن أفاد مالا عند مبتاعه أخذه غرماؤه، وإن عتق اتبعوه به، وإن أراد أن يستعمله في غير التجارة فله ذلك، وليس لغرمائه أن يأبوا ذلك، وليس لهم في عمله شيء إلا أن يفيد مالا من غير إجارته ومن غير كسب يده، فأما الحر إن أجر نفسه فيفضل له من أجرته فضلة بينة بعد عيشته، فذلك لغرمائه بخلاف العبد. ومن العتبية، ومن كتاب ابن المواز: قال ابن/القاسم بن مالك: والكفن أولى من الدين، والمرتهن أولى بالرهن من الكفن، وفي كتاب الرهن من الرهن، وفي كتاب الرهون وكتاب الجنائز هذا. [10/ 10]
في المفلس له أمة ولها ولد صغير فدبره، هل تباع الأمة في دينه؟
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في الذي يقام عليه بالديون فيقول: لا مال عندي وبيد امرأته خادم تقول: هي لي، ويصدقها الزوج، ويقول الغرماء: بل هي له، فكتب إليه: إذا كانت في حيازة المرأة والزوج يقوم بأمرها فهي للزوج، ولا يقبل قول بعد التفليس، وعلى المرأة البينة. وسأله حبيب عن الصناع يقرون بالدين وليس لهم أموال يقضون منها إلا عمل أيديهم: قال: ينظر عمل يده فيترك منه قدر مؤنته وقوت عياله، ويأخذ الغرماء ما بقي عليه، قيل: وإن كان لا دين عليه، ولكن عليه نفقة أولاد له من امرأة فارقها، قال: تترك له نفقة نفسه وزوجته، فإن فضل شيء أنفق منه على ولده وإلا فلا شيء لهم. في المفلس له أمة ولها ولد صغير فدبره، هل تباع الأمة في دينه؟ والنصراني يموت وعليه دين وله خمر وخنازير، هل تباع؟ من العتبية: قال أصبغ فيمن دبر ولد أمته الصغير ثم استدان وفلس فلا تباع الأمة للتفرقة، ولكن تخارج ويأخذ الغرماء خراجها من دينهم إلى مبلغ حد التفرقة فتباع حينئذ، أو يباع منها بقدر باقي الدين، إلا أن يموت السيد دون ذلك فتباع الأمة إن وفت بالدين وعتق/ثلث المدبر، فإن كان في بعضها وفاء بالدين عتق الصبي في باقيها وما في نفسه مبلغ الثلث من ذلك إن لم يدع غير ذلك، وإن كانت هي المدبرة دون الولد: فالجواب سواء، قال أبو محمد: يريد في قوله: تباع الأمة بعد موت إن وفت بالدين، يريد: تباع مع مارق من الولد في صفقة والله أعلم. [10/ 11]
في المفلس يوهب له الشيء، هل عليه قبوله؟
قال سحنون في النصراني يموت وعليه دين للمسلمين ولا يترك غير خمر وخنازير، قال: فلا يجبر ورثنه على بيع ذلك، وليتربص الطالب بهم، وإذا باعوا ذلك وصار مالا قام فيه وقضي له به، وكذلك مركب بمرسى بساحلنا وفيها الخمر وغيرها، فلا يجبرهم الإمام على بيع الخمر، ولكن يجعل من يتحفظ بهم، فإن باعوها أخذ من ثمنها العشر. في المفلس يوهب له الشيء هل عليه قبوله؟ أو أن يعفو عن دم عمد ليأخذ الدية، أو يقبل سلفا ممن يسلفه؟ وكيف إن ورث أباه، أو أوصى له به أو أجاز وصية أبيه بأكثر من ثلثه؟ قال ابن حبيب: وليس لغرماء المفلس أن يجبروه على قبول ما وهب له أو وصل به أو على أخذ شفعته. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: قال: إن تصدق عليه أحد بدنانير يؤديها في دين فيأبي قبولها، فلا يجبر على قبولها، قال عنه أصبغ: ولو بذل له رجل سلف أو معونة/إلى أجل فلا يجبر على قبول ذلك، وهو في المعين أقيس، والجواب واحد. قال عنه أبو زيد: وإذا ورث أباه فالدين أولى به، ولا يعتق إلا ما فضل عن الدين منه، فأما إن وهب له فهو يعتق عليه، وليس لأهل الدين فيه شيء، لأنه لم يوهب له ليأخذه غرماؤه، وإنما اعنرى به العتق، وأعرف من قول ابن القاسم أنه لا يجبر على أن يعفو عن دم أبيه ليأخذ الدية، ولا أن يعفو عن دية وجبت له. قال ابن حبيب: قال مطرف: وليس له أن يجيز وصية بماله. وبقية هذا المعني في باب إقرار المفلس. [10/ 12]
في المفلس يثبت عليه غرماؤه فيمكنهم من ماله، هل يكون كمن فلسه الإمام
في المفلس يثب عليه غرماؤه فيمكنهم من ماله هل يكون كمن فلسه الإمام في أحكامه؟ من العتبية من سماع ابن القاسم، وقال في المديان يقول عليه غرماؤه فيمكنهم من ماله فيبيعون ويقتسمون، ثم يداين آخرين فليس للأولين دخول فيما بيده إلا أن يكون فيه فضل ربح، ويكون هذا بمنزلة تفليس السلطان، وكذلك روى أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز: وإذا قاموا ففلسوه فيما بينهم وقسموا ما بيده ثم دوين؛ أن الآخرين أولى بما في يديه كتفليس الإمام. قال في كتاب ابن المواز: ولو أبقي بعضهم بيده ما صار له، ثم داينه/آخرون فهو كتفليس السلطان، وهذا المعني مستوعب في باب بعد هذا. قال فيه وفي العتبية: ولو قاموا عليه فلم يجدوا معه شيئا فتركوه ثم دوين فليس هذا تفليسا، فإن قيم عليه تحاص فيما بيده الأولون والآخرون إلا أن يكونوا بلغوا به السلطان ففلسه فيكون هذا تفليس لأنه يبلغ من كشف حالته مالا يبلغه غرماؤه، ولو علم أنهم يبلغون من ذلك ما يبلغه السلطان رأيته تفليسا، ولكن لا أقوله خوفا ألا يبلغوا ذلك، وقاله أصبغ. وقال أصبغ في العتبية: تفليسهم إياه دون السلطان تفليس إذا اجتمعوا وتبين ذلك، ومن تبيانه أن يجدوا في حانوت الذي تفالس فيه الشيء اليسير والسقط فيقسمون على تفليسة والإياس من ماله، ويطلقونه، فهذا تفليس كنحو فعل السلطان به. [10/ 13]
في تفليس الغائب
في تفليس الغائب قال ابن حبيب: قال مطرف وابن وهب عن مالك في الغائب له ماله حاضر فقام غرماؤه بتفليسة، قال: ذلك لهم ولا يؤخرون لاستبراء ما عليه لغيرهم لأن ذمته باقية، ولكن ما يعرف أن عليه لغائب فالتحاص قال: وأما الميت فيستأنى بهم لأن ذمته قد ذهبت وهذا في ميت معروف بالدين، فأما من لا يعرف به فليعجل قضاء دينه. قال مالك في كتاب ابن المواز: نحون في المعروف بالدين أو يظن ذلك به لم يعجل بقسم ماله حتى يتبين أمره، وإن لم يعرف بذلك فضوا مكانهم ولم ينتظروا. والمفلس إذا بيت عروضه لم ينتظر بقسمته، ولم تؤخر لاستواء أمره، وإن خيف أن يكون عليه دين لغيرهم إلا بمعرفة تعرف من دين فيحاص به مع من قام، وليس الحي كالميت، قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم، ورواه عيسى عنه في العتبية في الغائب يقوم به بعض غرمائه، وليس فيما حضر من ماله وفاء ففلس، قال: أما الغيبة القريبة كالأيام اليسيرة فليكتب فيه ليكشف ملاؤه من عدمه، وأما في الغيبة البعيدة فلا يعرف ملاؤه من عدمه، أو يعرف فيها عدمه، قال في العتبية: ولا يدرى أين هو فهو كالتفليس ويحل المؤجل من دينه، ومن باع منه سلعة فوجدها فله أخذها وأما إن عرف فيها ملاؤه فلا تفليس ويقضي من حل دينه، ويبقي المؤجل على أجله، ولا يأخذ البائع سلعته. وذكر ابن المواز مثله عن ابن القاسم وأشهب في البعيد الغيبة ولا يعرف فيها ملاؤه من عدمه أنه يفلس، وقال: ولو كان حاضرا بمصر وله بالأندلس مال لا يدرى ما حدث عليه ألا يفلس وبقول ابن القاسم أخذ أصبغ استحسانا، قال: والقياس قول أشهب، وليكتب في قوله بتفليسه إلى موضع هو غائب حتى يتم ذلك عليه، وذكر ابن حبيب، عن أشهب وأصبغ مثله/وذهب مذهب أصبغ. [10/ 14]
في حبس المديان وكشف أمره والعمل فيه
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في غائب بعث بمتاع فقام غريم له فطلب عقل المتاع أو ثمنه، قال: لا يعقل له ذلك الحاكم، وليضرب لذلك أجلا. ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك في الغائب تقوم الغرماء عليه بدين قد حل، قال: يبيع السلطان فيها ماله ويقضيهم ولا يستأني قدومه وحجته. في حبس المديان وكشف أمره والعمل فيه من كتاب ابن حبيب: روى أن عمر بن عبد العزيز لم يمكن يسجن الحر في الدين ويقول بالأدب يسعى في دينه، قال ابن عبد الحكم: وذلك بعد انكشاف عدمه. قال ابن جريح: وكان أبو بكر وعمر يسجنان المعسر الذي لا يجد شيئا يعلم له أنه ما يجد فضاء في فرض ولا عرض، وأنه إن وجد قضاء حيث لا يعلم ليقضينه. قال ابن وهب: قال مالك: لا يحبس إن كان معسرا لا شيء له، وإن كان يجد قضاء فلم يقض سجن، قال عن مطرف: ولا يحبس في الدين حر ولا عبد، ولكن يستبرأ أمره فإن أتهم أن يكون خبأ شيئا سجن، وإن لم يكن ذلك ترك ولا يؤاجر. قال الله سبحانه: (وإن كان ذو عشرة فنظرة إلى ميسرة)، إلا أن يحبس قدر التلوم في اختباره ممن يعرفه، أو يأخذ عليه حميلا، ونحو هذا عن مالك في كتاب ابن المواز قال: يحبس الحر والعبد حتى يستبرأ أمره لعله غيب مالا ولا حد في ذلك إلا كشف حاله، وإن علم أنه لا شيء له/لم يحبس في الحر والعبد. قال عيسى بن دينار في العتبية عن ابن القاسم: ولا يسأله الحاكم إذا سجن البينة أن لا مال له، ومن يشهد أنه لا مال له فهذا غموس وزور، ولكن يكشف عن أهل الخبرة به، إن لم يجد له ماله حلف وأطلق. [10/ 15]
ومن كتاب ابن حبيب: مطرف عن مالك، ومثله في كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم: وإذا تبين لدده حبس، مثل أن يتهم بمال أخفاه قال: ومثل هؤلاء التجار الذين يأخذون أموال الناس ثم يقولون: ذهبت ولا نعرف ذلك، والرجل في السوق وفي موضعه لا يعلم أنه سرق له شيء ولا احترق منزله، ولا أصيب بشيء، فهؤلاء يحبسون حتى يوفوا الناس حقوقهم، أو يتبين أن لا شيء لهم فيطلقهم، ولا يلازمهم أحد. قال مالك في الذين يعاكسون ويقولون: ذهب لنا ولا يعرف ذلك، فإنهم يسجنون، وإن شهد لهم ناس أنه لا شيء لهم، فهذا لا يعرف، ولا يعجل سراحهم حتى يستبرأ أمرهم. قال في كتاب محمد وابن حبيب: وأرى في الذين يتفالسون في السوق ولا يعرف ما يعرفون به، وأن يخرجوا من السوق، وقال عن مطرف: فإنه لا يزال يزال يفعل ذلك الرجل منهم ثم يظهر له مال ومتاع، فلينف هؤلاء من السوق. قال مطرف: وتسجن النساء ومن فيه بقية رق في الدين في اللدد والتهمة، وكذلك من قسم ما وجد له بين غرمائه، والملد بما بقي واتهم. قال مطرف: ولا يحبس/الأبوان في دين الولد لأن مالكا قال: لا يحلف القاضي الأب للولد إن طلب يمينه، فاليمين أيسر، ولكن يأمره الإمام فيما ثبت له عليه أن يقضيه، وأما غير الأبوين من سائر القرابات فإنه يحبس، وقاله كله ابن الماجشون عن ابن القاسم عن مالك، قال أصبغ: وقال أشهب: وقال ابن القاسم: فإن شح الابن في استحلاف أبيه أحلف له، وكانت جرحه على الابن. ومن العتبية من سماع عيسى فيمن له دين على رجلين فأخذ بهما شاة بحقه فسجن أحدهما، فللمسجون إن سجن الآخر إن كان له مال أو اتهم بمال. [10/ 16]
قال سحنون فيمن سجن في دين لامرأته أو لغيرها فليس له أن تدخل إليه امرأته، لأنه إنما سجن للتضييق عليه، فإذا لم يمنع لديه لم يضيق عليه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا حل الدين فطلب العزيم النظرة ووعد بالقضاء، فليؤخره الإمام حسب ما يرجو له، ولا يعجل عليه، وأما إذا تفالس وقال: ما عندي ولم يوعد بالقضاء ويسأل الصبر فليحبس إن جهل عدمه، وقال: ويحبس في الدريهمات ليسره قدر نصف شهر، وفي الكثير المال أربعة أشهر، وفي الوسط منه شهرين. وقال في سماك حل لرجل عليه سمك فسأل الصبر حتى يخرج يتصيد، قال: يصبر عليه، قال: ولا يحبس المكاتب في الكتابة، ويحبس له السيد في دينه، وقال: وليس على الإمام أن يوقف/المفلس للناس ينذرهم أن يعترفه أحد، وقاله مطرف بخلاف المحجور عليه. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب عمن يجب عليه الحق فيقول: أنا فقير، وظاهره ليس بظاهر فقير، فأقام بينة أنه فقير، ولم تزل البينة: يأخذ عليه حميلا ويسجن حتى تثبت البينة، قال: بل يسجن حتى تزكي بينته، وعمن وجب له على رجل دين فسأل أن يؤخر يوما أو نحوه، قال: يؤخر ويعطي حميلا بالمال فإن لم يكن يجد حميلا بالمال إلى يوم، ولا وجد المال سجن. وقال ابن عبد الحكم: ويحبس الوصي فيما على اليتامى من دين إن كان لهم في يديه مال ولم يدفعه، وكذلك الأب إن كان بيده للولد مال. ويحبس الكفيل بالمال إذا غاب الغريم، فإن حبس الكفيل فليس على الغريم إن يدفع الحق إلى الكفيل حتى يؤخذ به، ولكن يحبس للكفيل إن طلب ذلك حتى يخلص، ويحبس الرجل فيما يلزمه من النفقات إذا كان بها مليا، ويحبس الجد والجدة وغيرهما من القرابة في الدين، ولا يخرج المحبوس لجمعة ولا لعيدين، واستحسن إذا اشتد مرض [10/ 17]
أبويه أو ولده وأخيه وأخته ومن ويقرب من قرابته، أو خيف عليه الموت أن يخرج فيلسم عليه، ويؤخذ منه كفيل بوجهه، ولا يفعل ذلك به في غيرهم من القرابة، ولا يخرج لحجة الإسلام ولو أحرم بحجة أو عمرة أو لنذره، حنث بذلك، ثم قيم عليه بالدين فليحبس فيه، ويبقي على/إحرامه، ولو ثبت عليه الدين يوم نزوله بمكة ومنى أو عرفة وهو محرم استحسنت أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج ثم يحبس بعد النفر الأول، ولا يخرج ليغير على العدو إلا يخاف عليه الأسر أو القتل بموضعه، فليخرج إلى غيره، وإن قذف رجلا في السجن أخرج لإقامة الحد عليه، ثم يرد. ويحبس في قليل الدم وكثيرة، وفي الدم والقصاص حتى يؤخذ به ويحبس المسلم للكافر في الدين، وإذا مرض المحبوس لم يخرج إلا أن يذهب عقله فيخرج بحميل، فإذا عاد عقله رد إلى السجن، ويحبس النساء على حدة، والرجال على حدة فيما يجب عليهن، ويحبسن فيما يحبس فيه الرجال، ولا يحبس العبد في حالة الخطأ، لأن الطلب على سيده، وإذا امتنع الأب من النفقة على ولده الصغير حبس هذا بضربهم وبقتلهم، وليس هذا كدين الولد على أبويه. ويحبس الأخرس في الدين إذا كان يعقل بالإشارة والكتاب، ويحبس أهل البلاء من أعمي ومقعد ومن لا يدان له ولا رجلان. وتحبس أم الولد في دين إذن لها السيد في التجارة به، فلحقها دين. ويحبس كل من فيه رق في الدين، أصحابنا لا يرون حبس الأب في دين الولد، ولو امتنع الأب من دفع دين ولده، يريد: وهو به ملي، قال محمد: إذا دفع الولد. ولا يمنع المحبوس في الحقوق ممن يسلم عليه، ولا ممن يخدمه، وإن اشتد/مرضه واحتاج إلى أمة تباشر منه ما لا يباشر غيرها، وتطلع على عورته، فلا بأس أن تجعل معه حيث يجوز ذلك، وإذا حبس الزوجان في دين، فطلب الغريم أن يفرق بينهما، وطلب الزوجان أن يجمعا، فذلك لهما إن كان الحبس خاليا، وإن كان فيه رجال غيرهما حبس معهم الرجل وحبست المرأة مع النساء. [10/ 18]
فيمن ثبت عليه دين فغاب وأقر رجل أن له بيده وديعة أو بضاعة
وقال سحنون في المسجون: لا يمكن أن يكون معه امرأته وتبيت عنده، لأنه إنما حبس ليضيق عليه. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يفرق بين الأب والابن ولا غيرهما من القرابات إن سجنوا، وإذا أقر المحبوس لرجل أنه كان أجره على خروج معه لسفر يخدمه أو يصنع صنعة هاهنا، لم يخرج لذلك، ولو قامت عليه بذلك بينة، كان العمل مما يعمله في السجن أو خارجا منه، فلا يخرج حتى يقضي الدين، ثم يطلبه الرجل بعمله، وإذا شاء الطالب له فسخ الإجارة لسجنه فذلك له، وإذا طلب الزوج أن يخرج بامرأته إلى بلد فأقرت بدين لرجل، أو بايعته، أو قامت بذلك بينة، وأرادوا حبسها، وطلب الزوج أن يخرج بها فإنها تحبس إن قامت بينة بما عليها، وأما إن أقرت لابنها أو لغيره ممن يتهم عليه أو يكون ذلك كراهية الخروج لم تصدق، وينظر الإمام في ذلك بقدر ما ينزل به ويشاور فيه. فيمن ثبت عليه دين فغاب وأقر رجل أن له بيده وديعة أو بضاعة ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شرحبيل إلى سحنون في رجل ثبت عليه دين فلم يوجد له مال، ثم غاب، فأتى رجل فذكر أن هذا الغائب أودعه جارية أو دنانير أو دراهم، فهل يقبل منه الحاكم ويأمر ببيع ما يباع من ذلك، فيقضي منه غرماء الغائب إن كان غائبا، أو متواريا بالبلد؟ فكتب إليه: ما أرى أن يقضي الحاكم غرماءه من المال الذي أقر هذا له به. وسأله حبيب فقال: أتاني رجل فقال: إن هذا معه بضاعة لفلان الذي بصقلية، ولي أنا على فلان الغائب دين فأعدني في بضاعته هذه، فقال له: نعم فأعداه فيها إذا أتي بالبينة على ما ادعاه وذكر. وسأله شجرة فيمن أخذ مالا قراضا يعمل فيه، ثم خرج إلى القيروان ثن قفل إلى مصر بغير علم ربه، وترك بيد أبيه ثلاثين دينارا فأقر بها الابن، فزعم رب [10/ 19]
في الغريم يطلب تفليسه وحبسه أحد غرمائه وكيف إن كان معه قدر حقه
القراض أنه ماله وقام قوم بدين على الخارج إلى مصر لهم عليه في نفسه، وقامت امرأته بمهرها، والعامل عديم لا يعرف له مال ظاهر، فكتب إليه. إن ثبت أن غيبته منقطعة مثل مصر وغيرها فالمال الذي أقر به الابن أنه للغائب، يقضي منه غرماؤه وزوجته إن أثبتوا دينهم، وينظر في صاحب القراض فإن كان أعطاه إياه على العمل به بأرض تونس/والمال كثير أو قليل، فخرج به إلى مصر، وثبت ذلك، فليضرب رب المال مع الغرماء، وإن كان أعطاه إياه ولم يشترط عليه، والمال قليل فهو كذلك يضرب به مع الغرماء، وإن كان المال واسعا يحمل الخروج به إلى مصر، ولم يشترط عليه شيئا فليس لصاحب القراض أن يضرب به مع الغرماء. في الغريم يطلب تفليسه وحبسه أحد غرمائه، وكيف إن كان معه قدر حق من قام به هل يفلس؟ قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا طلب واحد من الغرماء سجن الغريم، وقال الباقون: ندعه يسعى، قال: فإن لد أو اتهم فللقائم أن يسجنه وللآخرين محاصة القائم في ماله، ثم إن أبقوا ما فاتهم في يديه، لم يكن للقائم أن يأخذ منه شيئا إلا أن يربح فيه أو يفيد فائدة من غيره فيضرب في الربح أو الفائدة القائم بما بقي له، وهؤلاء بما بقي لهم بعد الذي أبقوا بيده، وإن كان فيما أبقوا بيده وضيعة وطرأت فائدة، ضربوا فيها بالوضيعة، وبما بقي لهم أولا، وضرب فيها الأولون بما بقي لهم، وقاله ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ. قال ابن حبيب: قال مالك: وإذا فلس لبعض غرمائه، وقال بعضهم: لا نفلسه، قسم ما بيده على ديونهم أجمع، فما صار للقائمين أخذوه ويبقي بيده نصيب الآخرين، ثم لا دخول فيه للذين أخذوا، وإن داين/آخرين واكتسب مالا فالذين لم يفلسوه عامله بعد ذلك أحق بما في يديه إلى مبلغ حقوقهم، فما فضل فللذين فلسوه، لأن الذين لم يفلسوه فيه بمنزلة غريم لم يفلسه غرماؤه حتى [10/ 20]
في المفلس والميت يقوم بعض غرمائه وبعضهم حاضر فلم يقم وقد قسم المال
داين آخرين ثم فلس، فكلهم يسرع في ماله بقدر دينه، وإن أفاد بعد التفليس فائدة بهة، أو وصية، أو ميراث، أو عقل خطأ أو عمد فليسرع في ذلك من فلس ومن لم يفلسه، ومن داينه بعد التفليس بقدر ديونهم. قال ابن المواز: ومن هلك عن مال وعليه دين فطلب الورثة غرماءه، فتركوا لهم نصف حقوقهم وأخذوا النصف، ثم قدم غريم فأبى أن يضع، قال: يحاصه الورثة بما وضع الأولون للميت فيدخلون معه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قام به أحد غرمائه وله عليه دين يسير ليسجنه، وعليه كسائر غرمائه مال كبير لم يريدوا سجنه، فإما دفعوا إلى القائم دينه، وإلا بيع له مما بيده ما بقي بدينه، وإن أتى على جميعه، ولا يدخل معه فيه الآخرون بعد التعريف لمن قدر عليه من غرمائه، فمن شاء قام وحاص هذا، ومن أبي فلا حصاص له، وإذا سجن لمن قام وكان له من دين وعروض أكثر من دين من قام به، فلا يفلس هذا، ولا يقضى إلا لمن حل أجله، ولو تلف ما بقي بيده ثم قام غريم، فلا يرجع على من أخذ حقه بشيء. في المفلس والميت يقوم بعض غرمائه/وبعضهم حاضر فلم يقم وقد قسم المال وكيف إن فلس المفلس ثانية وقد أبقي بيده بعض غرمائه شيئا وعامل آخرين؟ وفيمن أبي من أخذ دينه المؤجل حتى يحل من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الميت يقسم ورثته ماله، والرجل عليه دين فلا يقوم به، وهو حاضر لقسمتهم لماله، ثم قام ذلك فلا [10/ 21]
شيء له، إلا أن يكون له عذر في ترك القيام، أو يكون لهم سلطان يتقون به ونحو ذلك مما يعذر به، فهذا على حق أبدا وإن طال الزمن النبي عليه السلام: لا يبطل حق امرئ وإن قدم. ومن سماع ابن القاسم: قال مالك في الميت عليه طعام إلى أجل: فقال ورثته للطالب: خذ حقك، فقال: لا حتى يحل حقي، فإنه يجبر على أخذه، لأن مال الميت يباع، وقد لا يكون فيه وفاء، قال ابن القاسم في العروض: يجبر على أخذها في الفلس والموت. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أعطى الغريم بعض ما عيه للطالب، فأبى إلا أخذ الجميع، أنه على أخذه. قال ابن القاسم: إلا أن يكون الغريم مليئا فلا يجبر الطالب، ويجبر المطلوب على أداء الحق كله. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا قام بعض الغرماء بالغريم ففقلسوه، وباقيهم حضور عالمون، فلم يقوموا، فليس لهم بعد ذلك دخول فيما أخذوا القائمين، لأن سكوتهم تسليم كسكوتهم/عما أعتق الغريم، وقاله ابن القاسم وأشهب وأصبغ، وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال فيه: وإذا لم يقم الباقون حتى داين آخرين، قال مالك: فلمن لم يقم من الأولين تفليسه ومحاصة من داينه بعد التفليس فحاص غرماءه، ثم أبقي بعضهم حصته بيده، وداين آخرين، ثم فلس، فالذين أبقوا بيده مع الذين عاملوه آخرا أولى بما في يديه إلى مبلغ ذلك، وإن نقص تحاصوا فيه خاصة، وأما إن كان فيه ربح أو أفاد فائدة فليتحاص في الربح والفائدة كل من بقي له عنده شيء. قال في كتاب ابن حبيب: وإن كان فيه وضيعة ضرب في الفائدة لهؤلاء بالوضيعة، وضرب أيضًا الأولون بما بقي عليه ممن أبقي بيده شيئا أو لم يبق، وقد تقدم هذا في الباب قبل هذا، وذكر ابن حبيب عن مطرف أنه إذا فلس [10/ 22]
ثانية فلا يدخل في ذلك كل من له دين قبل التفليس الثاني، كان ممن حاصص في الأولى أو لم يحاص، ولو ذهب كل ما بيده مما أبقى بيده بعض الغرماء وما عامله به آخرون، ثم أفاد فائدة لدخل فيها كل أحد من أول وآخر بجميع ما بقى لهم، وكذلك فيما يدخل عليه من ميراث أو عقل دية أو جرح، وإن كانت وضيعة في ذلك لأحد ما بقى من داينه آخر مع الذين أبقوا بيده ما أبقوا هم، يحاص في الفائدة هؤلاء وغيرهم بكل ما بقى لهم. ومن العتبية قال سحنون فيمن مات وعليه دين لجماعة، فأتى بعضهم السلطان فأثبت دينه، فأمر/ببيع مال الميت وقسمته بينهم، ثم قام باقي غرمائه فلهم الدخول فيما أخذ الأولون، ولا يضرهم علمهم بموته وأن ماله يباع لغرمائه، وأما لو كان مفلسا لم يكن لتاركي القيام الدخول على من قام فيما أخذ، لأن المفلس قد بقيت ذمته والميت لم تبق له ذمة، وقد قال لي ابن القاسم عن مالك: لا يجوز أن يشترى دين على ميت لأنه لا ذمة له يطلب فيها، والمفلس له ذمة تتبع. وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن فلسه غرماؤه ثم داين أحدهم، ثم فلس ثانية، فلم يكن في ماله وفاء بما داينه به آخر، ثم إنه داينه ثالثة بشيء آخر فربح فيه ربحا كثيرا، هل يكون أحق بذلك في دينه الأول والآخر؟ قال: لا، ولكن له أن يأخذ ماله الذي فلس داينه به آخر مرة، ثم هو في الفضل مع الغرماء اسوة يحاص بما بقى له من دينه الأول والأوسط، كمن فلس ثم داين آخرين، ثم فلس فللآخرين رؤوس أموالهم، ثم هم في الفضل أسوة غرمائه فيما بقى لهم، وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم، وروى عنه أبو زيد في الكتابين فيمن فلس وضرب على يديه فيقي ولا مال له ثم أعطاه رجلا علم بفلسه قراضا فداين الناس، ثم فلس، ثم طلب رب المال ماله فلا يكون أحق به لأن الناس داينوه. [10/ 23]
في الرجل يفلس أو يموت وبعض غرمائه غائب فيأخذ من حضر حقه
قال في العتبية: والغرماء أولى به إلا أن يبقي فضل فيأخذه رب المال، إلا أن يكون تعدى العامل في المال بما أدخله في ذمته مثل أن يتعدى ما أمر به/أو يتسلفه فيكون به إسوة الغرماء، وقاله مالك، ولا ينبغي أن يدان في القراض، فإن ادان فيه فهو أولى به، ولا يجوز أن يقول له: داين، وإذا تعدى وماله معروف، وماله الذي تعدى عليه فيه معروف ببينة فهو أحق به من الغرماء، قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا فلس الغريم ومات رجل وعليه دين فليأمر القاضي من ينادي على باب المسجد في مجتمع الناس أن فلان ابن فلان قد مات أو فلس فمن كان له عليه دين، أو قراض، أو وديعة، أو بضاعة فليرفع ذلك إلى القاضي، وكذلك فعل عمر في الأسيفع. في الرجل يفلس أو يموت وبعض غرمائه غائب فيأخذ من حضر حقه، وكيف إن هلك ما بقي من ماله ثم طرأ غرماء آخرون؟ وكيف إن طرأ له مال أو وهبه قبل قدوم الغائب؟ وهذا الباب أكثره في المدونة، إلا أن هذا أبين تفسيرا. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فيمن فلس أو مات وعليه دين فيأخذ غرماؤه ديونهم، وبقي من ماله ربع، أو عرض، أو حيوان، أو عين فهلك ذلك، ثم طرأ غرماء آخرون، فلا رجوع لهم على الأولين إن كان فيما أبقوا وفاء دين الطارئين، ولو كان أخذه الورثة في الموت لم يرجع الطارئون إلا عليهم، أملياء كانوا أم عدماء، وإن كان واحد مليئا أخذوا منه كل ما أخذ ما لم يكن أكثر من/ديونهم، ويرجع هذا الوارث على بقية الورثة بقدر حقه على أن تركة الميت ما أخذوا، وما بقى بيد هذا إن بقي شيء، ولا يتبع المليء منهم بما على المعدم، ويضمنوا ما أكلوا واستهلكوا، وما مات بأيديهم من حيوان ورقيق، أو هلك بأمر [10/ 24]
في مال الميت أو المفلس يوقف للغرماء فيهلك في الإيقاف
من الله تعالى من العروض فلا يضمنوه، وما باعوه فلا محاباة فإنما عليهم الثمن، وما جني عليه عندهم فلهم أجمعين أرش ذلك، سواء كانت قسمتهم بأنفسهم أو بأمر قاض، وقاله كله ابن القاسم عن مالك. قال أصبغ: قال ابن القاسم: ولو كان القاضي أمر ببيع الرقيق، أو الوصي أو وصي أوصي إليه فاشترى الورثة منهم كغيرهم، ولو يكن بمعنى القسمة ضمن بعضهم لبعض ما مات واتبعهم الغرماء بالأثمان، ولو كان قسموا لم يتبعوا، قال أصبغ: ولا أرى ذلك، وقسمتهم ذلك بينهم، وقسمة السلطان أو الوصي سواء، لأن مالكا قال في الحالفة بعتق أمتها إن كلمت فلانا، فباعتها، ثم مات أبوها وقد دارت إليه فورثتها هي وأخوتها فباعوها فاشترتها في حظها، وفي المدونة: فأخذتها في حظها، ثم كلمت فلانا فإن كانت قدر ميراثها لم تحنث، قال مالك: وشراؤها كالقسمة، قال ابن الماجشون ومطرف: فإن لم يكن فيما أخذ الورثة بعد دين الأولين كفافأ لدين الطارئين فلينظر إلى ما كان ينو بهم في الحصاص بحضورهم، فيطرح منهم ما أخذ الورثة ويتبعون الغرماء بما بقي، كل/واحد بما عليه لا يؤخذ فيه مليئ عن معدم، وكذلك في المفلس يظن الغرماء أن ماله لا يفي بدينه، ويقتسمون ماله، وتبقى فضلة فتركت بيده، ثم طرأ عليه دين وقد هلكت الفضلة أو لم تهلك وفيها وفاء بدين الطارئين أولا وفاء فيها مثل ما ذكرنا في الميت، يأخذ الفضلة ورثته ولو لم يكن في مال الميت والمفلس فضل عن دين الأولين رجع من طرؤ من الأولين بما كان ينوبه لو حضر، ولا يؤخذ فيه مليء بما على معدم، وليس لهم أن يأخذوا ما وجدوا من ذلك بعينه فيقسمونه، لكن على ما وصفنا، وقاله كله مالك، وذكر مثل ابن القاسم عنه أيضًا، وقد ذكرنا في باب من فلس وبعض غرمائه حاضر من هذا المعنى. في مال الميت أوالمفلس يوقف للغرماء فيهلك في الإيقاف من كتاب ابن المواز قال: وإذا جمع السلطان مال المفلس وأوقفه ليقضي غرماءه فتلف، فروى أشهب عن مالك: أن ضمانه من المفلس كان عرضا، أو [10/ 25]
حيوانا، أو عينا حتى يصل إلى الغرماء، وروى عنه ابن القاسم أنه يضمن غير العين. قال أبن حبيب وابن وهب ومطرف: وأما العين فضمانه من الغرماء، وكذلك ثمن ما باعه له من عروض وغيرها فصار عينا فهو من الغرماء، وبه أخذ ابن القاسم، وروى ابن الماجشون عن مالك أن ضمانه من الغرماء/كان عينا أو أو حيوانا أو عرضا، أو ما كان، لأن السلطان احتجنه عنه فضمانه من غرمائه من حضر منهم، أو غاب أو علم، كان دينه عرضا، أو حيوانا أو ما كان، وله قال: وقال ابن عبد الحكم بقول أشهب، وبه أقول، وقال أصبغ بقول ابن القاسم، وقال ابن حبيب أن أصبغ أخذ بقول ابن الماجشون. محمد: قيل لابن القاسم: فلو اشترى من العبد أن أوقف سلعة فربح فيها، قال: الربح يقضى منه دينه. قيل له: كيف له ربح ما ضمانه من غيره؟ فسكت، وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون ما ذكر عن ابن المواز، وقال: هو قول مالك وأصحابه، وقال: ولو قدم غريم بعد ضياع ماله ممن لم يكن علم لكان عليه من ضمان ذلك حصته كما أن كان يرجع على الحاضرين فيما يأخذون، وقاله مطرف. قال محمد: قال أصبغ وعبد الملك: ولو بيعت دار الميت بأمر القاضي لدين عليه مائة دينار فاستحقت ممن اشتراها وأودعت فهلكت في الإيداع، ثم استحقت الدار، لرجع مشتريها على الذي بيعت لد الدار طالب الدين لأنه كان الثمن في ضمانة، فكأنه قبضه، وكذلك لو كان عبدا فباعه القاضي لغرمائه فضاع من رسول القاضي، فاستحق العبد الحرية، أن الثمن من الغرماء، وعليهم يرجع المشتري بالثمن، فإن لم يجد عندهم رجع به عليهم في مال المفلس أو الميت إن بقي له شيء، أو طرأ له ما يأخذ ذلك منه دون سائر الغرماء، لأنه عنهم يأخذه ويحسب عليهم/إن بلغ ذلك دينهم، وإن لم يكن للميت مال يرجع بالمائة أو بما عجز منها على الغرماء، وأما على رواية أشهب فذلك من المديان حتى يصل إلى [10/ 26]
في مال الميت أو المفلس يوقف وفيه فضل في دينه فيهلك
أصل الدين، أو يضعه لهم السلطان، أو يعزله لهم الوصي، ويكون للمشتري محاصة الغرماء بالثمن، ولم يختلف قول مالك أن لا يضمن ذلك السلطان، وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، أن المشتري يرجع على الغريم بالثمن الذي تلف في الإيقاف، فإن لم يجد له شيئا رجع على الغرماء الذين بيع لهم ذلك، وقال مطرف وابن الماجشون: ويرجع على من كان غائبا ولم يقم. ومن العتبية قال أصبغ: ومن قام بدين على ميت فباع له القاضي ماله ولا كفاف فيه، فأوقفه فهلك، ثم قدم غرماء آخرون، قال: المال من الغريم الذي أوقف له، ويرجع عليه القادمون بما ينوبهم منه. في مال الميت أو المفلس يوقف وفيه فضل عن دينه فيهلك أو يهلك ما بقي بعد القضاء ثم طرأ الحي، أو يعتق أو يصدق، ثم طرأ غريم، أو يود أكله ثم يحدث له ملاء ثم يعدم ثم يطرأ غريم من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماحشون فيمن فلس فوجد له ألف درهم ومائة درهم، فيأخذ الألف غرماؤه، وأوقفت المائة فهلكت في الإيقاف، أو سلمت إليه فأنفقها، ثم طرأ غريم له مائتان، قال: إن تلفت في الإيقاف فهي من الطارئ، وإن أنفقها/المفلس فهي له من لا يرجع منها بشيء على الأولين، فأما المائة الأخرى: فيرجع منها الوجهين على الأولين على أن يحاصصهم في الألف بجزء من أحد عشر جزءا، وهذا الذي ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون بعيد، وإنما ينبغي وهو أصل ابن القاسم أن يحاصهم في الألف ومائة بجزئين من اثني عشر جزءا فنصيبه مائتان إلا سدس مائة، فتحسب عليه المائة الذاهبة [10/ 27]
ويذهب عليهم بخمسة أسداس مائة، وقد تقدم ما يدل على هذا من قول ابن الماجشون، قال ابن الماجشون: وكذلك لو بيعت طائفة من ماله لغرمائه فكانت كفاف دينهم، وكان الظن أن جميع مال لا يفي بدينه، فأخذ من قام حقه وبقي بيده ما بقي، ثم طرأ له غرماء فلا رجوع لهم على الأولين وإن هلك ما بقي بيده إذا كان فيه كفاف دين الطارئين وليتبع الطارئون ذمة غريمهم بما هلك بيده، وقاله مطرف، وخالفهما أصبغ فقال: إنما هذا الميت الذي لم تبق له ذمة فيحسب ما فضل عليهم، وأما من له ذمة قائمة فحق الطارئين في ذمته ولا يحسب عليهم ما هلك، كما لو حضروا وأبوا القيام فهلك ما بيع له في الإيقاف، لكان ضمان ذلك ممن قام بتفليسه دون من أبى أن يقوم، وبقول مطرف وابن الماجشون أقول. قال أبو محمد: انظر كيف يكون مفلسا ومعه وفاء بحق من قام إلا أن يعلم أن عليه لآخرين دينا، ولو علم ذلك لكان يحاص فيه. وقد تقدم في الباب الذي/قبل هذا الاختلاف في هذا المعنى، وقول أصبغ فيما هلك في الإيقاف من مال الميت أن من طرأ من غريم يرجع بحصته في الحصاص فيما أوقف ذلك له من الغرماء، قال ابن الماجشون: وسواء كان ما بقي عينا أو عرضا، فلا يرجع القادم على الأولين إلا بما يبقى له بعد أن تحسب عليه قيمة العرض أو وزن العين. قال ابن الماجشون: ولو كان له عبد أبق فاقتسم الغرماء ماله، ثم قدم الأبعد فمات، أو أبق ثانية، ثم طرأ غريم، فلا يرجع على الأولين فيحاصهم إلا بما يبقى له بعد قيمة العبد، ولو لم يقدم العبد لحاصهم بجميع دينه، ولو أرجعت على الأولين فلم يأخذ منهم شيئا، ثم قدم العبد لرجع طلبه في العبد دونهم. قال أبو محمد: يريد: إلا أن يبقى له شيء بعد ثمن العبد، وكذلك كل ما يظهر للغريم من عطية وغيرها قبل أن يأخذ الطارئ من الغرماء شيئا، فإن حقه يرجع فيما ظهر للمفلس، وقاله مطرف، وقال: ليس هذا مما يقطعه الحكم، وقال أصبغ: إذا حكم له بالرجوع على الغرماء بالحصاص مضى ذلك ولم يرجع حقه [10/ 28]
في الطارئ كحميل الوجه يقضى عليه بالمال، ثم يأتي الغريم قبل قبض الطالب، قال ابن حبيب وبالأولى أقول، ولا يشبه الحميل إلا في الاستحسان. قال ابن الماجشون: ولو وهبه أبوه بعد أخذ الغرماء ماله أو ورثه بحق عليه، ثم طرأ غريم له دين/تاريخه تاريخ دين الأولين، لكان له الدخول مع الأولين، لأن مالكا قال: إذا وهب له أبوه وعليه دين محيط أنه يعتق ولا شيء لغرمائه فيه، ولو أنه اشتراه وأخذه في دية أو دم عمد فهذا يرد عتقه إن لم يكن مليا يوم عتق عليه، بخلاف الهبة والميراث الذي لم يكن حق أحدهما به، ولو كان قد حلف بحرية عبد إن اشتراه فعتق عليه، ثم طرأ غريم، ثم جهل أمره فإن لم يكن يوم عتق عليه مليا بحق الطارئ، رد عتقه وأخذ منه الطارئ دينه، فما فضل منه عتق، وإن عجز ثمنه عن الدفع رجع بالباقي فحاص به الغرماء فيما قبضوا، وقد قال مالك فيمن حلف لغريم بعتق عبده ينوي فيئه يوم كذا، فلم يفعل فعتق عليه، أن للمحلوف له رد عتقه في دينه إن لم يجد غيره، فهذا أبين من مسألتك، ولو ملكه في مسألتك بهبة أو ميراث فكما ذكرنا في الأب. قال ابن الماجشون: وإنما يباع للغريم من العبد الذي في عتق مناقصة يقال: من يشتري منه بكذا على أن باقيه حر، فيقول رجل: أنا آخذ بذلك نصفه، ثم يقول آخر: آخذ ثلثه، ويقول آخر: ربعه، حتى يقف على يقف، ولو أنه فلس فكان ما بيده كفاف غرمائه فيما يرون فقسم، ثم حدث له ملاء من هبة أو ميراث أو دين، أٌر له به رجل ولا بينة عليه، ثم يعتلف ذلك من يديه، ثم طرأ/غريم، فلا رجوع له على الأولين وليتبع ذمته، ولو اقتسم غرماؤه ماله كله بعد أن ثبت لهم ببينة يوم قام طارئ عليه بما به فذهب ليرجع على الأولين، فرجع شهيدان كانا شهدا لبعض الأولياء بما به، وقالا: شهدنا بزور، فقال باقي الأولين للطارئ: ارجع على الذي أخذ المائة بشهادتهما دوننا، قال: بل نرجع عليهم أجمع وفيهم الذي رجع شاهداه، ثم يرجعون على الشاهدين الراجعين بالمائة وفيهم الذي رجع شاهداه، وقاله مطرف وأصبغ. [10/ 29]
في التركة تباع وتقسم بين الورثة وفيهم أصاغر ثم ينمو ذلك أو ينقص
في التركة تباع وتقسم بين الورثة وفيهم أصاغر، ثم ينمو ذلك أو ينقص، ثم يطرأ وراث أو غريم من العتبية من سماع ابن القاسم فيمن ترك بنين صغارا أوصى بهم رجلا، وترك ثلاثمائة دينار فتجر فيها لهم الوصي فصارت ستمائة دينار، ثم طرأ على الميت دين: ألف دينار، أن الستمائة تؤدى كلها في الدين، لأنه لو أنفق عليهم المال لم يضمنوه، ولو أن الورثة كلهم كبار لا يولى عليهم فباعوا التركة وتجروا وربحوا فليس عليهم إلا رأس المال، ولهم النماء وعليهم النقصان، وكذلك يضمون ما غابوا عليه من العين، وأما الحيوان إن تلف أو نما فلا ضمان عليهم فيه. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وأمين الوصي/إذا باع للغريم، ثم تلف الثمن عنده فلا ضمان عليه، وكذلك الوصي إذا كان أمره على الصحة، قيل: فإذا قسم ذلك الوصي بين الورثة وطرأ دين وقال الورثة: قد تلف ما قبضنا، قال: لا يقبل قولهم فيما يغاب عليه، وأما الحيوان فلا يضمنوه إلا أن يتلف بسببهم، وما أنفقوا على أنفسهم غرم الكبار ما صار لهم منه، وما أنفق على الصغار فلا يتبعون به، وما ربح الوصي للصغار في ذلك دخل الغرماء في أصله وربحه، وما ربح الكبار فيه لا يدخل فيه الغرماء، لأن الكبار ضمنوه ولا يضمنوا الحيوان، ولكن إن اشتروا بما قبضوا من حيوان أو غيره حيونا فهلك، فهذا ضمان منهم، وإن كان جميعهم صغارا ومولى عليهم فتجر لهم الوصي بما ورثوا، ثم طرأ دين، صار ذلك كله في الدين، لأنه لو أنفق عليم لم يضمنوه هم ولا الوصي، وأما أشهب فقال: إن طرأ دين رجع عليهم أجمع، فإن لم يكن عند الصغار بحصتهم، وإن لم يوجد أيضًا عند الكبار شيء اتبع الغرماء الصغار والكبار بقدر حصصهم التي ورثوا، وبه قال أصبغ. [10/ 30]
في الغريم يطرأ على غرمائه أو علي ورثته أو على موصى لهم
وروي عن أشهب فيمن ترك مائتين وولدين صغرين فرفع الوصي مائة كل واحد إلى عمل بها فصارت أربعمائة، ثم طرأ على الميت أربعمائة دينار دين، فلا تؤخذ من الصغار إلا المائتين/التي ورثا، وخالف ابن عبد الحكم فقال: إن ترك ولدين كبيرا وصغيرا فورث كل واحد مائة فأكلاها، ثم أفادا مالا، وطرأت مائة على الميت دينا، قال: تؤخذ كلها من الكبير خاصة، ولا يرجع الكبير على الصغير بشيء، ثم إن طرأ مائة للميت أخذها الكبير وحده، ولو تجر الوصي للصغير في مائة فربح فصارت أربعمائة، ثم طرأ دين على الميت مائة، فعلى الكبير خمسها، وعلى الصغير أربعة أخماسها، وأما لو قدم عليهم وارث فلا يتبع كل واحد إلا بقدر حصته من صغير أو كبير، ولا يأخذ من أحد عن أحد، وكذلك عن مالك في كتاب ابن المواز: وهو في الأول من الوصايا. في الغريم يطرأ على غرمائه، أو على ورثته أو على موصى لهم، أو وراث على ورثة، أو موصى على ورثة قال محمد بن المواز: قال مالك: وإذا باع الورثة تركة الميت وأكلوا ذلك واستهلك، ثم أتى غرماؤه، فإن كان لا يعرف بمداينة الناس، فبيع ورثته جائز، وتتبعهم الغرماء بالثمن دينا، ولا سبيل لهم إلى السلع، وإن كانت قائمة بيد المبتاع، ولو هلك الثمن بأيديهم من غير سببهم لم يضمنوه، ولو كان معروفا بالدين، كان للغريم أخذ السلع حيث كانت بلا ثمن/، ويرجع المشتري على الورثة بما دفعوا إليهم إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما بأيديهم، أو نقص قيمته يوم قبضوه، فذلك لهم، ويرجع المشترون على الورثة بالثمن. [10/ 31]
قال عبد الملك: ولو قبضوا ما باع غرماؤه وفضلت فضلة فورثوها، ثم جاء غريم، وقد كان بيع الورثة مبادرة، وهم الآن معدمون، فليرجع على الغرماء بما كان ينوبه معهم، ويرجع جميعهم على الورثة ولو كان بيعهم على ثان، وكبيع السلطان، وأجراه مجرى السلطان، قال محمد: فإن لم يجد الطارئ هاهنا عند الغرماء شيئا لم يكن له على ما باع الورثة سبيل، ولا على المشتري، لأن بيعهم ليس على مبادرة لأنفسهم، وإنما تعدوا في مسألة عبد الملك فقضوا الدين وتركوا واحدا من الغرماء وهم عالمون، فلذلك لزم الغرماء الغرم له، ورواية ابن القاسم عن مالك نحوه. قال ابن القاسم: وأما الوارث يبيع الدار ثم يطرأ وارث معه فهذا يرجع في الدار كان الوارث البائع مليا أو معدما، كان عالما بالوارث معه أو غير عالم، ويرجع المشتري على بائعه بالثمن، بخلاف الغريم يطرأ إذ لا حق للغريم في رقبة الدار، إنما حقه دين، إذ لو قال له الوارث: نعطيك الدين، أو قال ذلك له المشتري لنفذ بيع الدار، ولا يكون ذلك في الوارث، ولا يباع عليه ملكه. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ولو ترك ألف درهم عينا وعبدا/وعليه دين لرجلين لكل واحد ألف درهم وحضر أحدهما فأخذ الألف العين، ثم قدم الغائب وقد هلك العبد، قال: ينظر قيمة العبد، فإن كانت قيمته ألف درهم فلا رجوع له على قابض الألف، ولا ينظر إلى قيمة العبد يوم مات ولا يوم مات السيد، ولكن على أوفر قيمة مضت عليه من يوم قبض الغريم الألف إلى أن مات العبد، فإن بلغ ألف درهم لسوق زاد أو زيادة بدن، فلا رجوع على الغريم الأول بشيء، وإن كان أوفر قيمة مضت له خمسمائة رجع القادم على الغريم الحاضر بمائتين وخمسين وحسب العبد على الغائب، وإن اختلفا فقال الحاضر: بلغت قيمته ألفا، وقال الطارئ خمسمائة، فالقول قول الطارئ إن لم تقم بينة، ولو كان إنما باع الوصي العبد بألف فقضاها للحاضر، وبقيت الألف العين فلا رجوع للطارئ على الحاضر بشيء، ولو رد العبد بعيب بعد أن تلفت الألف التي عزلت للغائب، وقدم الغائب، قال: يباع العبد ثانية للحاضر الذي كان بيع له دون الغائب إلا أن ينقص من الثمن شيء فيرجع على الغائب من نقصانه بما يصيبه إلا [10/ 32]
أن يكون أتى على العبد وقت من يوم قضى ثمن يسوى فيه بالعيب ألفا فلا يرجع بشيء على الحاضر، وذلك إذا قامت بينة، ولو بيع العبد بالألف فيأخذها الحاضر، ثم قدم الغائب فأخذ الألف العين، ثم رد العبد بعيب فإن كانت قد/بلغت قيمة العبد ألفا لم يرجع الحاضر على القادم بشيء، ولو كانت قيمته خمسمائة، رجع الطارئ بمائتين وخمسين، وفي الأول من الوصايا في مثل هذا فيه قول مالك أنه إذا تجر الوصي في نصيب الصغير فربح، أن يقضي بذلك دين الميت، ويقضي الدين على ما أخذ الكبير فقط، وعلى ما أخذ الصغير من ربح. قال مالك فيه وفي العتبية من رواية أشهب فيمن ترك قيمة ألف دينار، قال في العتبية: ألفا دينار وعليه دين: مائتان، فباع الورثة لأنفسهم بعض تركته وقالوا في باقي التركة وفاء لدنيه فالبيع باطل، وقد يذهب ما أبقوا أو يفسخ، وقد ما بياع ما يقال يبلغ ألفا، قيل: فإن جاء الأمر على العاقبة، قال لابد من فسخه بكل حال. محمد: يريد: لمعرفتهم بالدين وأن بيعهم لأنفسهم. قال مالك: قال الله سبحانه: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وإذا أخذ الغرماء حقوقهم بقضاء سلطان أو وصي ثم طرأ غريم فليرجع على الغرماء يتبع كل واحد بقدر ما عنده مما ينوبه في الحصاص، ولا يتبع المليء منهم بما عند المعدم، وقاله مالك وأصحابه، قال ما لك: ولو كان بقيه فضله قدر حق الطارئ لم يرجع إلا على الورثة، قال ابن القاسم: كانوا أملياء أو معدمين، وليأخذ ممن يجد من الورثة كل ما صار إليه حتى يستوفي جميع حقه، ثم يرجع الوارث على باقي الورثة بحصة ذلك، علموا بالطارئ أو لم يعلموا، وكذلك/إن كانت الفضلة لا تفي بدينه حسب عليه، ويرجع على الغرماء بباقي ما يبقى مما كان يصيبه في المحاصة لو حضر، ولا يتبع المليء إلا بما عنده من ذلك، لا يأخذه بما عند الغريم منهم، وأما ما يرجع به على الورثة فليأخذ من المليء منهم حقه من كل ما صار إليه، قال أصبغ: وكذلك موصى له طرأ على موصى لهم، ثم أخذوا [10/ 33]
وصاياهم، وبقيت فضلة فيها وصية الطارئ، أخذها الورثة، فإنها تحسب عليه، ولا يتبع بها إلا الورثة، وإن لم يكن فيما صار إليهم وفاء وصيته رجع على أصحابه بما بقي فيتبع كل واحد بما يصير عليه منه لا يأخذه بما عند المعدم منه مثل إن يوصي لثلاثة بمائة مائة والثلث مائتان وخمسون، وأخذ الحاضران مائتين والورثة خمسين ثم قدم الثالث فقد كان يجب له ثلاثة وثمانون وثلث، ويحسب عليه منها خمسون عند الورثة يطلبهم به، ويرجع على كل واحد من الموصى له بسبعة عشر إلا ثلثا لا يأخذ المليء منهما عن المعدم، وقال أشهب، وله أن يأخذ الوارث المليء بجميع ما صار إليه من الخمسين، ثم يتبعان جميعا باقي الورثة، وكذلك كل من يرجع على وارث من غريم على غريم، أو موصى له على موصى لهم فلا يتبع المليء منهم إلا كما يتبع المعدم، وأما إن طرأ وارث/على ورثة فيختلف، فقال ابن القاسم، ورواه عن مالك، وقاله أصبغ: إنه لغريم يطرأ على غرماء وموصى له على موصى لهم، وذهب أشهب وابن عبد الحكم إلى أن يقاسم الوارث الطارئ من وجده مليا منهم جميع ما صار إليه حتى كأنه لم يترك الميت غيرهما، ثم يرجعان على سائر الورثة بما يعتدلون به معهم، فمن أيسر منهم قاسموه، ثم رجعوا على الباقين هكذا حتى يعتدلوا. قال محمد: والغريم يطرأ على الموصى لهم أو على ورثته، فذلك سواء، يأخذ المليء منهم جميع ما صار إليه إلى مبلغ حقه. ومن مات عن امرأة وابن فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي، ثم قدمت امرأة له أخرى لم يعم بها فوجدت صاحبتها عديمة والابن مليئا فلترجع على الابن بخمس ثلث ما صار إليه، لأن حق الابن من التركة سبعة أثمان، ولهذه الطارئة نصف ثمن فأضعفها تصير خمسة عشر سهما، فلما من ذلك سهما، وترجع هي والابن على الأولى بنصف ما أخذت، فكل ما يؤخذ منها فستمائة على خمسة عشر سهما، سهم للطارئة وللابن أربعة عشر، وهذا الذي ذكر محمد إنما هو على مذهب [10/ 34]
أشهب، وأما على مذهب ابن القاسم فإنما يقسم سهمها ثمانية، تأخذ من الابن سبعة أثمان نصف الثمن، ومن المرأة ثمن نصف الثمن قال محمد: ولو قالت الطارئة: عبدي خفي من الميراث، أو قالت: تركت لكما ميراثي، فإن الابن/والزوجة ينتقص قسمهما ويرجعان فيقتسمان ما بأيديهما على خمسة عشر سهما، للزوجة سهم، وللابن ما بقي مثل أن يترك الميت ستة عشر دينارا، أخذت الزوجة دينارين، والابن أربعة عشر، فترد المرأة دينارا فتقسم على خمسة عشر، لها من ذلك سهم وللابن ما بقي، ويصير ذلك أن يرجع الابن عليها بأربعة عشر مهما من خمسة عشر من نصف الثمن الذي أخذت، ويبقي بيدها دينار وجزء من خمسة عشر جزء من دينار، وذلك خمس ثلث دينار، وذلك قراط وثلاثة أخمسا قيراط، فكذلك ينبغي أن يكون بيد الطارئة، فإن طرأ على الميت دين رجع عليهم به على حساب ما بأيديهم، وإذا طرأ وارث وغريم على بعض الورثة وهو ملئ وباقيهم عديم، فقال الأول منى ما أخذت، فأما فيما يغاب عليه فلا يصدق إلا ببينة، وأما الحيوان والسفن والرباع وما لا يغاب عليه، فهو مصدق ما لم يتبين كذبه مثل أن يذكر موت العبد بموضع فيه ثقات لا يعملون ذلك، وكذلك الدابة، فإن قالوا: مات عبد أو دابة لا يدري ما هي صدق فيه، وأما قوله: سرق الدابة، أو شرد البعير فهو مصدق مع يمينه. محمد: ولو ترك ولدين وعبدين، فأخذ كل واحد عبدا على قسمة أو بيع فمات أحد العبدين ثم طرأ لهما أخ ثالث، قال ابن القاسم: فأما في القسم فقسمتهما باطل، ويدخل جميعهم في العبد الباقي، قال محمد: وأما لو كان/كل واحد عند شرائه من أخيه أو من وصي كانت مصيبته نصف العبد الميت بين الثلاثة أخوة، وهو النصف الذي لم يشتره، والنصف الذي اشتراه منه وحده، ثم يكون نصف العبد الحي الذي لم يقع عليه الشراء الطارئ مخيرا في إنفاذ بيع مصيبته منه، وهو سدس العبد، فإن أنفذه رجع بثمنه على من قبضه، ويكون نصف الميت المشترى مصيبته من مشتريه وحده يرجع الطارئ بثمن ما يستحقه [10/ 35]
في الرجل يقتل عمدأوعليه دين وترك مالا يفي بدينه أو يفي
من هذا النصف المباع على أخيه الذي باع، ثم هو مخير أيضًا عليه في العبد الحي الذي بيده إن شاء أخذ ثلثه كله، السدس ثمن النصف المباع، والسدس من النصف الذي لم يقع عليه بيع، ويرجع هذا على الأخ الذي مات العبد بيده بثلث ما كان دفع إليه في ثمن العبد الحي، لأن مشتري العبد، إنما رقع شراؤه على نصفه، وكأن النصفين من العبدين وقع فيهما مبايعة، ونصفيهما الآخرين وقع فيهما مقاسمة بما وقع على المبالغة ضمن مشتريه، وما وقع على المقاسمة فسخت، ويكون مصيبة ذلك على جميع الورثة، لأن من اشترى شيئا فمات بيده فمصيبته منه لا يرجع على بائعه بشيء، ويرجع مستحقه على بائعه بالثمن، ولو كان بائعه عالما متعديا لزمته القيمة إن كانت أكثر من الثمن، وكذلك الحكم في النصف المباع من العبد الميت، وإذا لم يجز بيع حقه من النص المبيع/فله أخذ ثلث العبد الباقي، ويرجع من بيده العبد الحي على أخيه الذي باعه بثلث ما دفع إليه في ثمن النصف، قال: وما سكن الوارث من الدور إنما اغتل يظن ألا وارث معه، ثم قدم وارث، قال ابن القاسم: لا يرجع عليه فيما سكن، وقال مالك، وكذلك الأرض وما اغتل، فليرجع عليه، كان يعلم أنه معه وارث غير، أو لا يعلم، وقاله أشهب. وهذا الباب مثله في الوصايا الأول. في الرجل يقتل عمدا وعليه دين وترك ما لا بقي بدينه أو يقي فعفا أحد ولده عن دمه بغير شيء من العتبية من كتاب الديات عن ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا قتل الرجل عمدا فترك ولدين، وترك مائة دينار، وعليه مائة دينار ببينة فعفا أحد ولديه عن الدم بلا شيء، وأخذ الآخر نصف الدية، قال: تؤدى المائة الدين من نصف الدية ومن المائة التركة من كل مائة سدسها للدين، فيبقى من [10/ 36]
المائة التي ترك المائة خمسة أسداسها بين الولدين نصفين، وللذي لم يعف ما بقي له من نصف الدية، وهو أربعمائة وستة عشر وثلثان، قال ابن القاسم في رواية عيسى: فتقسم المائة الدين على اثني عشر جزءا، فعلى الذي لم يعف منه أحد عشر جزءا لأن خمسمائة من الدين ونصف المائة التركة، وللذي عفا نصف المائة عليه فيها نصف سدس الدين جزء من اثني عشر جزءا، وذلك ثمانية وثلث، يبقي له أحد وأربعون وثلثان، يريد: ويصح للآخر بعد الدين بسبب الدية والميراث أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث، وذكر مثله ابن سحنون في كتاب الإقرار عن أشهب وسحنون. وقال: ولو ترك الميت مدبرا أعتق في جميع هذا المال حتى يبلغ الثلث بعد الدين. وقال عيسى عن ابن القاسم: وإن الخمسمائة التركة ونصفه من الخمسمائة التي يأخذها الابن الآخر من الدية، ويقسم ما بقي من التركة بين الولدين، وهو مائتان وخمسون، وبقية الخمسمائة المأخوذ من الدية للابن الذي لم يعف وحده، قال في كتاب ابن المواز: ولو عفيا ولا مال للميت جاز عفوهما، ولا قول للغرماء إلا أن يكون القتل خطأ لم يجز العفو عنه حتى يأخذ الغرماء دينهم من الدية، وفي عفو المقتول نفسه لا يجوز عفوه في الخطأ إلا في ثلثه، ويجوز في العمد ولو عفا الوارث، وذلك الوارث مديان، فيجوز ذلك في العمد، ثم إن عفا بعده وارث آخر لم يجز عفو الثاني إن كان مديانا، وغرماء هذا الثاني أحق به، إلا أن يكون على الميت دين فغرماؤه أحق بحصة من لم يعف، ولو لم يعف بعد عفو الأول أحد، كان كذلك دين المقتول أحق بما بقي من الدية من الوارث، وإن لم يحط دين الميت بما بقي من الدية وقد ترك الميت مالأ سواه/فيه وفاء بدينه فليقض دينه منه، ومن بقية الدين بالحصاص، ثم يكون بقية ماله بين ورثته كلهم، وما بقي من الدية لمن لم يعف خاصة. [10/ 37]
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: وقال يعنى أشهب وسحنون فيمن قتل عمدا وله ابنان، وترك ألف درهم، وعليه دين عفا أحد الابنين عن نصيبين، وأخذ الذي لم يعف نصف الدية ستة آلاف درهم فإنها تضم إلى الألف التركة، ثم يقضى الدين على ذلك كله، فما وقع على الألف التي ترك خرج منها، وكان باقيها بينهما، ويرجع ذلك إلى أن يخرج الدين من الجملة ويقسم ما بقي بين الابنين على أربعة عشر سهما، للذي عفا سهم، والباقي للآخر، ولو أن عليه دين ثلاثة آلاف وخمسمائة، وأوصى لرجل بألف درهم فإنه يؤدى نصف السبعة آلاف في الدين، فيصير على الألف التي ترك نصفها، ونصفها الباقي فيه تكون الوصايا في ثلثه، لأن الوصايا لا تدخل إلا فيما علم الميت، فيأخذ الموصى له ثلث الخمسمائة وما بقي من المال كله يكون بين الولدين على عشرين جزءا، للذي عفا جزء، وهو نصف العشر، وللذي لم يعف تسعة عشر سهما، ولو ترك عبدا يساوي ألف درهم، وعليه ألف درهم دينار، فباعه القاضي وقضي دينه، ثم عفا أحدهما وأخذ الآخر ستة آلاف درهم نصف الدية، فليرجع أخوه عليه حتى بنصف سبعها، وذلك أربعمائة درهم، وثمانية وعشرون/درهما، وأربعة أسباع درهم ولو لم يقم الغريم حتى قبض الابن الستة آلاف وأخذ منها الغريم ألفا، فإن العبد بين الولدين نصفين والخمسة آلاف الباقية للأخ الذي لم يعف، ويرجع الذي لم يعف على الذي عفا بنصف سبع الدين الذي هو الألف درهم، وذلك أحد وسبعون درهما وثلاث أسباع درهم، فإن أداها وإلا بيع من نصيبه من نصف العبد بقدر ذلك، وإذا ترك ابنا وزوجة فعفا الابن وأخذ في دية أبيه اثني عشر ألف درهم وترك الميت عبدا يساوي ألف درهم، وعليه دين ألف، فللمرأة من ذلك كله الثمن ثمن العبد، وثمن الدية، ولو ترك ابنا وابنة وزوجة وعليه دين ألف درهم، فترك ألف درهم، فعفا الابن عن الدم على الدية، فإنه تدخل فيها الابنة والزودة بالميراث، وما كان على الميت دخل في الدية وفي المال، وما بقي من ذلك قسم على الفرائض، ولو ترك ابنين وابنة فترك مائة دينار وعليه مائة دينار فعفا أحد الابنين، فإن للابن الذي لم يعف [10/ 38]
وللبنت ثلاثة أخماس الدية، وذلك ستمائة دينار بينهما على الثلث والثلثين، والمائة التي ترك بين الابنين والابنة أخماسا، ويقسم الدين على جميع التركة التي بأيديهم، وهي ستمائة دينار ثمن الدية، ومائة من التركة، فستة أسباع الدين على الابن الذي لم يعف، وعلى الابنة/فيما أخذا من الدية، فعليهما من ذلك خمسة وثمانون دينارا، وخمسة أسباع دينار، على الابن ثلثا ذلك، وثلث على الابنة، ويبقي من الدية أربعة عشر دينارا مخروجة من المائة التركة وهي بينهم أخماسا، وكذلك تؤدى هذه البقية من الدين أخماسا على كل ابن خمسا ذلك، وذلك خمسة دنانير وخمسة أسباع دينار، على البنت الخمس، دينارا وستة أسباع دينار. ولو أن مريضا أقر بوديعة بعينها لرجل ثم قتل عمدا وترك ولدين فعفا أحدهما وأخذ الآخر نصف الدية إذ لم يعف، فيكون له خاصة، ويأخذ رب الوديعة وديعة لأنها بعينها، ولا شيء للابن الآخر، وكذلك لو أقر بدين: ألف درهم لرجل وقضاه إياها قبل أن يقتل فهو مثل هذا، ولو لحقه دين بعد ذلك فاتبع صاحب الدين الابن الذي لم يعف، فأخذ منه دينه، فإن ذلك لا يوجب للابن الذي عفا شيئا، وإن لم يتبع به الابن الذي لم يعف وأراد أن يتبع به الغريم الذي اقتضي في المرض، وكان دين هذا الذي لحق به في الصحة ألف درهم ببينة، فليس ذلك له، وإنما له أن يتبع بدينه الابن الذي لم يعف فيما أخذ من الدية، ولكن لو كان المقر له بالدين في المرض وارثا فأقر بألف درهم في مرضه دينا وقضاه إياها، ثم قتل ثم لحقه دين ببينة في الصحة، فإن إقراره للوارث باطل، فيؤخذ الألف من الوارث، ثم تكون هذه الألف التي/في الصحة على الابن الذي لم يعف منها ستة أسباع ونصف ألف دينار، ولا مال له غيره، ثم قتل العبد المريض وله ابنان، فهبته كالوصية قبضت أو لم تقبض، فإنما للموصى له ثلث العبد، فإذا قتل العبد المريض فشاء ورئته قتلوه، فإن استحيوه على أن يكون لهم فضت الدية على العبد، فثلثا الدية على ثلثي الورثة فيسقط ذلك الدية على ثلث العبد الذي هو للموهوب له العبد، فيخير بين أن يفديه بثلث الدية أو يسلمه، ولو أجاز الورثة جميع الوصية [10/ 39]
صار العبد للموهوب له، وصارت الدية في رقبته، فإما فداه به الموهوب أو أسلمه بها للوارثة، فإن عفا الورثة على غير دية وقد أجازوا وصية صاحبهم، صار جميع العبد للموهوب له، وإن عفوا على غير دية وأبوا من إجازة الوصية صار ثلث العبد للموصى له، وثلثاه للورثة، فإن عفا أحد الابنين على الدية، فالحكم على ما شرحت لك، وإن عفا أحدهما على غير دية، فللأخ الذي لم يعف شطر الدية في رقبة العبد، فإن أجازوا وصية المقتول صار جميع العبد للموهوب له، ويخير في أن يفتك نصفه من الأخ إذا لم يعف بنصف الدية، أو يسلم نصفه إليه، فإن افتدى نصفه بنصف الدية لم يكن للأخ الذي عفا في نصف الدية شيء، وإن أبوا أن يجيزوا الهبة صار العبد بينهم أثلاثا، فإن عفا أحد الابنين على الدية سقط عن العبد ثلثا الدية، وقيل للموهوب له: إفتك ثلثك بثلث الدية، فيكون ثلث الدية بين الاثنين شطرين، أو أسلم ثلثه إليهما فيكون العبد بين الاثنين شطرين، وإن على أحد الابنين على غير دية، وجب للأخ الذي لم يعف شطر الدية في العبد، وله من العبد ثلث الدية، فيسقط عن ثلثه نصف ثلثه من العبد بثلث النصف، وذلك سدس الدية في قول المغيرة وغيره، وفي قول ابن القاسم، يخير بين أن يسلم نصف ثلث العبد الذي صار له بنصف ثلث الدية، أو يفتكه بها، فيكون ذلك للأخ الذي لم يعف دون الذي عفا، فإن أسلمه إليه لم يكن للأخ الذي عفا فيه معه شيء، وكذلك يقال للأخذ الذي عفا فيما صار له من العبد ميراثا: تفتك ثلثك بسدس الدية التي لأخيك الذي لم يعف، أو تسلم على شرحت من اختلافهم، فإن أجاز الذي عفا وصية المقتول وقال: عفوت من غير دية، وأبي الآخر أن يجيز، فقد صار للموهوب له العبد ثلثا العبد، وثلثه للأخ الذي لم يعف، ويصير للأخ الذي لم يعف شطر الدية في رقبة العبد، فسقط من ذلك ثلث النصف، وذلك سدس الدية، ويخير الموهوب له العبد في افتكاك ما صار له من العبد، أو يسلم على اختلافهم كما وصفت لك. [10/ 40]
في المحاصة في المدبر والدين، وقد عفا أحد الولدين عن الدم
في المحاصة في المدبر والدين وقد عفا أحد الولدين عن الدم ومن العتبية/في الديات: روى عيسى عن ابن القاسم: ومن قتل عمدا وترك مائة دينار، وعليه مائة دينار دينا، وأوصى بوصايا، فعفا عن القاتل عل الدية، قال: يقضى الدين من المائة التي علم بها، وتبقي الدية لورثته، وتبطل الوصايا. انظر وفيها غير هذا، والمسألة الأولى في الذي عليه دين ولم يوص بشيء فعفا واحد من البنين، يدلك على ذلك. قال عيسى: قال ابن القاسم: ولو ترك مائة دينار وخمسة وأربعين، وعليه مائة دينار، وأوصى بوصايا، فطرأ له مال بعد الموت، يريد: لم يعلم به، فليؤد الدين من المال الذي علم به، فتبقى خمسة وأربعون، فثلثها للوصايا: خمسة عشر، وإن كان فيها عتق يريد: بعينه، بدأ به، وتبقى ثلاثون للورثة مع المال الطارئ، وأما لو كان مع الوصايا مدبر، فإن الدين يخرج ويعتق في ثلث ماله مما علم به ومما لم يعلم، وذلك أنه ينظر في ثلث المال الذي علم به بعد إخراج الدين منه، فإن كان ثلث ما بقي من الذي علم به مائة، وثلث الطارئ مائتين، عتق ثلثاه في الطارئ، وثلثه في المعلوم، فإن فضل من ثلث المال المعلوم بعد ذلك شيء كان لأهل الوصايا، وإن لم يفضل شيء لهم، وإن أحاط الدين بالمال الذي علم به سقطت الوصايا، وعتق المدبر في ثلث الطارئ، ولو لم يف المال الذي علم به بالدين أخذ باقيه من الطارئ ثم عتق المدبر من ثلث ما بقي منه أو ما حمل منه، ولو ترك مدبرا قيمته مائة/دينار ولا دين عليه فعفا أحدهما فهو مثله، لأن المدبر يخرج مما علم به الميت ومما لم يعلم به، فيعتق في نفسه وفي الخمسمائة، وذلك اثنا عشر جزءا، فإذا أعتق المدبر قسم نصف الدين على اثني عشر جزءا، ويصير للذي لم يعف من نصف الدية أحد عشر جزءا من ذلك، وللذي عفا من اثني عشر، وقال محمد: وقيل: بل ليس للذي عفا من نصف [10/ 41]
الدية إلا جزء من سبعة عشرة جزءا، وللذي لم يعف جزء من سبعة عشر، لأن ثلث المدبر خارج في نفسه فيبقى ثلثاه، لكل ابن ثلث، إلا أن باقية خرج بسببه نصف الدية فما فاتها ثلثا تبلغ خمسة عشر ثلثا فزد عليها ثلثي العبد، فذلك تسعة عشر ثلثا فباقي المدبر من جميعها خارج، فينبغي أن يقسم نصف الدية على سبعة عشر، يأخذ منها الذي عفا جزء ويعتق المدبر كله، قال محمد: والأول أحب إلي، ولو كان على هذا لكان إذا كان عليه دين: مائة ألا يكون للذي عفا شيء، وقال عيسى في العتبية عن ابن القاسم: وإن كان له مدبر قيمته مائة ولا دين عليه، فقال للذي عفى: كم كان يكون لك من المدبر لو لم تكن دية؟ فقال: ثلاثة، قلنا: فالمدبر يستتم عتقه في الخمسمائة دينار فيتم عتقه كله، ثم ترجع أنت على أخيك بمثل ما كان يكون لك من المدبر، وذلك ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث، ولا يكون هذا كالدين يقضي على الحالين كما قال من قالوا ذلك، وذلك خطأ، ولا يكون الذي عفا أحسن حالا، لأن العافي في عفوه عن العمد لم يعف عن مال، فلذلك لم يضمن الدين، وأما إذا كان خطأ فليس لأحد عفو حتى يخرج الدين، ثم يخرج ثلث ما بقي للمدبر وللوصايا، قال: ولو كان على المقتول دين: مائة دينار، وله مدبر قيمته مائة. قال أبو محمد: فلم يفسر محمد على القول الأول إلا مجملا، وتفسيره: أن يكون للذي عفا نصف سدس أربعمائة من نصف الدية، لأنه يخرج المدبر، ويأخذ المديان مائة، وتبقى أربعمائة فتقسم بينهما على ما كان لكل واحد من أصل المال لو لم يكن دين ولا مدبر، وهو ستمائة، منهما خمسمائة للذي لم يعف، وله نصف المائة التي ترك الميت ونصفها لأخيه، وعلى القول الآخر تقسم الأربعمائة على سبعة عشر سهما؛ للذي عفا سهم، والباقي لأخيه، ولو كان مع ذلك وصية بعتق أو غيره، وترك المدبر مائة عينا، فوصاياه باطلة إذ لا تدخل فيما لم يعلم به الميت، وكذلك لو طرأت مائة له يعلم بها، قال: ومن ترك ثلاث بنين له على أحدهم مائة دينار، وترك مائتين، وأوصى بمائة، فالتركة ثلاثمائة، للوصايا منها سهما مائة، والمائتان بين البنين لكل ابن ثلاثمائة، فالذي عليه المائة عنده أكثر [10/ 42]
في إقرار المفلس، وقضائه بعض غرمائه وأفعاله في ماله في حياته
من حقه، فاقسم ما حضر بين الولدين والموصى له على سبعة، للموصي له ثلاثة، ولكل ابن ممن لا دين عليه سهمان، ثم يتبع جميعهم الولد الذي عليه المائة بثلاثمائة، فكلما قبضوا قسموه على سبعة، وقال محمد: يأخذ الموصى له ثلث المائتين ويقسم ما بقي على الثلاث بنين/، فما صار للمديان رجع فيه صاحب الثلث بثلاثة أسباعه، والوارثان بأربعة أسباعه. في إقرار المفلس وقضائه بعض غرمائه وأفعاله في ماله في حياته وإقرار المديان عند وفاته، وإقرار المأذون وقضائه ومن كتاب ابن حبيب: قال النخعي وشريح: إذا فلس الحر فلا يجوز له بيع، ولا صدقة، ولا إقرار بدين، ولا بغير ذلك، وقال الليث فيمن أحاط به الدين: إن قضى بعض غرمائه أو رهن فذلك ماض ما لم يقوموا به، واختلف في ذلك قول مالك، فقال: يدخل في ذلك باقي الغرماء، وقال: لا يدخلون وذلك ماض، قال ابن القاسم: وعلى هذا جماعة من الناس، وإن فلس بحدثان ذلك مما كان قائم الوجه، قال ابن القاسم: وكذلك لو فطن المقتص باستغراقه وبادر الغرماء فهو أحق ما لم يكن الغرماء قد تشاوروا كلهم في تفليسه ولم يرفعوه، ثم خالفهم بعضهم إليه فقضاه فهذا يدخلون معه، وقال أصبغ: لا يدخلون معه، وبه أقول. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم مثل قوله هاهنا فذكره عن مالك. ومن العتبية: قال أصبغ: وأما المريض فلا يجوز قضاؤه بعض غرمائه دون بعض إن كان مرضا مخوفا، وإن كان غير مخوف لا يحجب عنه القضاء في ماله، فله ذلك. [10/ 43]
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن لك عليه عشرة دنانير فتقاضيته، فأعطاه رجل سلعة ليبيعها ويوفيك، ففلس غريمك قبل بيعها أنك أسوة غرمائه في تلك السلعة. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وجه التفليس الذي لا يجوز إقرار المفلس فيه: أن يقوم عليه غرماؤه ويسجنوه، وقال أيضًا: إذا قاموا عليه على وجه التفليس، قال محمد: يريد: وحالوا بينه وبين ماله، وبين البيع والشراء، والأخذ والعطاء، واستتر عنهم، فحينئذ لا يقبل إقراره بدين ولا وديعة، وأما إن لم يكن لأحد منهم بينة، فإقراره جائز لمن أقر له إن كان في مجلس واحد ولفظ واحد، وقرب بعض ذلك من بعض، أو كان من له بينة منهم لا يستغرق ماله فيجوز إقراره، لأن أهل البينة ليس لهم تفليسه، قال: وقد كان من قول مالك: أن من أقر له المفلس إن كان يعلم منه إليه تقاضيا ومداينة وخلطة، أن يحلف ويدخل في الحصاص مع من له بينة، ويجوز إقراره المريض بالدين لمن لا يتهم عليه بخلاف المفلس. قال مالك فيمن عليه دين فأقر في مال عنده أنه وديعة، فإن كان وارثا يعرف فصاحبه أحق به، إلا أن تأتي بأمر لا يعرف. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: إذا أقر المفلس لمن يتهم عليه ولمن لا يتهم عليه، ولا بينة لغرمائه، فإقراره جائز ويتحاصوا، وإن كان لغرمائه بينة لم يدخل معهم من أقر له ممن يتهم عليه أو لا يتهم عليه، وأما المقر عند الموت، فيدخل من أقر له ممن لا يتهم عليه مع دينه بالبينة، ولا يدخل معهم من يتهم عليه، ولو أقر لمن يتهم عليه وليس لجميعهم/بينة، جاز إقراره، وإن ضاق مال تحاصوا، فما وقع للمتهم عليه نظر، فإن كان وارثا يشركه الورثة، وإن كان غير وارث كان له إن كان في الورثة ولد، وإن كانوا كلالة كان للورثة دونه، قال ابن حبيب: وذلك إذ أقر بماله كله أو بجله مما لا تجوز وصيته له به، فأما إن كان إقر له بما أوصى له به لجاز، وقاله ابن القاسم وغيره وبه أقول. [10/ 44]
قال أحمد بن ميسير: وإذا أقر المديان المسجون، يريد: وقد أحاط به الدين، فإن كان قائم الوجه فإقراره جائز ما دام منبسط اليد في ماله، غير أني أستحسن إذا قرب من التفليس، وتعذرت عليه الحال، وخاف من قيام الغرماء فأقر لمن يتهم عليه من ولد أو والد، فإني أبطل إقراره وأراه تاليجا إليهم لما يخاف من ذهاب ما في يديه، وأما إقراره للأجنبيين فليس كذلك، قال أصبغ: قال ابن القاسم في المفلس يقول: هذا قراض فلان، فهو مصدق، وكذلك في الموت إن كان على أصل القراض والوديعة ببينة، قال أصبغ: وهذا قول مالك للآخر، وهذا أحب إلي وليس بالقياس، وأما في البيع يقر في التفليس أن هذه سلعة فلان، وعلى أصل البيع بينة، ولا يعينوها فلا يقبل قوله، أو يدعي بائعها أن الغرماء يعرفونها فليحلفوا، فإن نكلوا كان أحق بها مع يمينه. قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: وإذا فلس المقارض بدين عليه فأقر في بعض ما في يديه أنه ليس من مال القراض، قال: لا يصدق. ومن كتاب محمد:/وإذا كان على الحر بينة فقال عند التفليس: هذا متاع فلان، فقيل: يكون أولى به من الغرماء وقيل: إذا لم يعينوا ذلك، وإنما شهدوا على إقراره بعبد أو سلعة لم يعينها لهم، فلا يقبل قول في تعيينه بعد التفليس، ويحلف الغرماء على علمهم، فإن نكلوا حلف البائع وأخذها، قال: ولو كان ذلك في قراض أو وديعة لقبلت قوله. ومن كتاب ابن حبيب والعتبية: ابن القاسم عن مالك، ومثله في كتاب ابن المواز: فيمن مات وقبله ودائع وقراض ودين، ولم يوص بشيء من ذلك، فمات ولو يوجد شيء من ذلك يعرف، أنهم يتحاصون في مال إلا أن يوصي بشيء بعينه فيقول: هذا قراض فلان أو وديعته، فيكون أحق به ممن لا يتهم عليه، قال ابن [10/ 45]
القاسم: وأما في التفليس فلا يصدق كما لا يصدق في الدين، قال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: كان على أصل القراض والوديعة بينة أو لم يكن، ولو أقر بذلك في مرضه، ولم يعين، وجب به الحصاص، وأما في التفليس فلا، وقال أشهب، واختلفا في قول المفلس: هذا قراض فلان أو وديعته، وعلى أصلها بينة، فأجاز ابن القاسم إقراره، ولم يجزه أشهب إلا ببينة على التعيين، رواه عن مالك. وقال أصبغ: يقبل قوله فيما عين من وديعة وقراض، كان عينا أو عرضا، كان على أصله ببينة أو لم تكن، لأنه أقر بأمانة ولم يقر بدين إذا أقر لمن لا يتهم عليه بالتاليج إليه، فأما إن لم يفسر ذلك وإنما/قال: في ماله وديعة كذا وكذا وقراضا كذا فلا يجوز، لأن هذا إقرار بدين. وقال ابن حبيب، وقال أشهب في كتابه: إذا قال قراض فلان في موضوع كذا، فلم يوجد حيث قال، فلا ضمان عليه، وقال ابن وهب في سماعه: ومن أوصى عند وكان يلابس الناس في البيع فقال: هذا عِكْمُ فلان، وهذه الدنانير قراض عندي، وهذه الصرة وديعة عندي لفلان بغير بينة إلا قوله، قال مالك: إن كان مليئا جاز، وإن كان معدما لم يقبل منه يخص من أحب، قلت له: فإن لم يكن له مال أيتحاص كل من سمى فيما ترك؟ قال: نعم. قال مطرف في المديان أو المفلس يوصي أبوه بماله كله فيجيز وصيته فلغرمائه رد ذلك، ولا يجوز منه إلا الثلث، ولو أقر أن أباه أوصى لفلان بالثلث، وأكذبه غرماؤه، فإن أقر قبل قيامهم، فذلك جائز، ولا يجوز بعد قيامهم، ولو أقر أن لفلان عند أبيه ودائع، أو له عليه دين، فإن كان فلان حاضرا حلف وقبل قول المديان إن كان قبل يقام عليه، ولا يقبل قوله بعد قيامهم، وقاله ابن الماجشون وابن القاسم، وقاله أصبغ في الدين، وأما في ودائع ابنه فجائز إن نصها، وإن لم نصها لم يجز. [10/ 46]
قال ابن القاسم ومطرف عن مالك في المفلس يهب للثواب، فلغرمائه أخذ الثواب، وكذلك إن مات، ومن كتاب ابن المواز: في الحر يقر عند موته لصديق ملاطف، أو لزوجته ومن أتهم عليه، فإن كانوا عصبة لم يجز إقراره/وإن كانوا ولده أو ولد ولده أو أبويه جاز إقراره إلا أن يكون عليه دين محيط ببينة، أو يكون ولده عرف منه البعضة لهم فلا يجوز إقراره للصديق الملاطف. قال مالك: ولو أقر لعمته بدين، ومن لا يرثه من رحمه، ولا بينة لهم، وعليه دين ببينة، فلا يجوز إقراره، وأما إقراره لأجنبي فذلك جائز، ويحاص أهل البينة. قال مالك في المأذون له ينتزع ماله فيقر بديون للناس بغير بينة، فإن كان مما يشبه مداينة مثله، ويؤتمن على مثله وهم يعرفون بمخالطته وتقاضي، جاز إقراره، وإذا كان بيده مال لسيده لم يستنجزه به، فالسيد أحق به، وإن استنجزه به فالغرماء أحق به، إلا أن يكون عليه دين من بيع أو سلف، قال مالك: وأما إن كتب عليه دينا كثيرا لا من بيع يشبه مال العبد، فإن الغرماء أحق بماله إلا أن يرتهن بذلك رهنا فيكون أولى بالرهن. أصبغ: حتى يستوفي ما يشبه مداينه ويسقط الفضل. قال مالك: إذا باع من عبده المؤذون سلعة، وأخذ منه رهنا، فلحق العبد دين، فإن كان دين السيد بقدر مال العبد ومبايعة مثله، فهو أحق بالرهن إذا كانت له عليه بينة، وإن كان على غير ذلك لم يكن أحق به، وإن كانت له به البينة: فقال ابن القاسم: ويفسخ رهنه لأنه كان على التاليج، وليحاص بقدر قيمة ما باع في الرهن وفي غيره من ماله إذا قامت له بينة، ولا بينة، ولا يكون أولى بالرهن في مبلغ/قيمة ما باع منه، قال اصبغ: وأنا أرى ذلك للسيد في الرهن إلا أن الرهن يقسم على ماله من صحيح الدين وفاسدة، فما قابل صحيحة كان به فيه رهنا، وقال أشهب وأصبغ في العبد يداين بغير إذن سيده، ثم يعتق فليتبع به ذمته، إلا إن يكن قد فسخه عنه سيده فلا شيء عليه منه. [10/ 47]
ومن العتبية وكتاب ابن المواز وابن حبيب: قال أشهب عن مالك في الصانع يفلس، فيقول النساج: هذا الغزل لفلان، ويقول الصائغ: هذه سبيكة فلان، قال في كتاب ابن المواز: وكتاب ابن حبيب: لا يصدق إلا ببينة، وكذلك الوديعة، وقال في العتبية إلا أن يأتي ربه بشاهد ولذلك علامات، قال ابن المواز في رواية أشهب وابن عبد الحكم: لا يصدق إلا ببينة، وروي عن ابن القاسم في الصانع يسرق بيته فيقول: هذا ثوب فلان، وهذا متاع فلان، وقد سرق متاع الآخر، قال: يحلف أصحاب ذلك ويأخذونه، وكذلك المفلس. قال محمد: أما في المفلس فإن كان على أصل دفع ذلك إليه ببينة، وإن لم يعرفه البينة بعينه، أو على إقراره قبل فلسه، فإني أقبل قوله. وأما في سرقة بيته، أو حرقه بالنار، فيذهب بعض المتاع ويبقى بعض، فهو يقبل فيه إقراره ويصدق. قال عيسى: قال ابن القاسم عن مالك: إن إقراره لهم بذلك جائز بغير بينة، قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: يجوز إقراره بما استعمل فيه، ولا يجوز بالوديعة. وقال أصبغ: يجوز إقراره في الوجهين إن عين ذلك،/وأما إن قال: دفع إلي ثوبا أعمله، وأودعني كذا ولم يعين، فلا يقبل قوله، ويصير كإقراره بدين. قال أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم: إذا قال: هذا قراض فلان ووديعته قبل قوله في الموت والفلس، وإن لم يكن على أصله بينة. ولو كان قد باع منه أمة أو سلعة وعلى ذلك بينة ولا يعرفونها بعينها، فقال بعد التفليس: هذه هي، أنه مصدق وبائعها أحق بها. قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا أقر المفلس بدين لرجل فرد إقراره، وتحاص غرماءه، وبقيت لهم عليه بقية، ثم أفاد مالا، فإنه يدخل معهم فيه المقر له أولا، إذ لا تهمة هاهنا، ولو كان قد الآخر قبل الفائدة، جاز إقراره، وإن كانت الفائدة بتجارة دخل فيها المقر له آخرا، وكل من عامله بعد التفليس أو لا من [10/ 48]
الأولين ومن المقر له أولا، لأن ما في يديه مال حادث. يريد بالتجارة كما قال مالك: أن من عامله بعد التفليس أحق من الأولين إن فلس الآن، وكذلك من ابقي بيده شيء من الأولين كان أحق، ولا يدخل في ذلك المقر له أولا، ولو أفاد فائدة بميراث، أو وصية، أو صدقة، أو عقل جرح لدخل فيه الأولون والآخرون، ولا يدخل في التفليس الثاني كل من له دين من الأولين ممن حاص في المال الأول أو لم يحاص، وقاله ابن الماجشون وابن القاسم. قال ابن المواز: وقال أشهب في المفلس يفر بدين لرجل ثم يداين آخرين، ثم يفيد فائدة: أن المقر له يدخل/فيها مع الأولين والآخرين، ثم لا يرجع الأولون على المقر له فيأخذوا منه ما أخذه. قال مالك في العبد المأذون يفر بالدين، ويقول السيد: لا أعرف هذا، فإقراره جائز، وكما لو حضرته الوفاة فأقر فذلك لازم فيما في يد الغلام إذا كان معروفا بمداينة الناس. قال ابن وهب: لا يقبل إقرار المأذون غلا بالبينة، وقال أصبغ: ذلك جائز ما لم يكن لمن يتهم عليه مثل صديق ملاطف ونحوه. محمد: وهذا المعروف من قول مالك ما لم يفلس. قال مالك في المأذون يقر عند موته لرجل ببضاعة ولا بينة فيها، فإقراره جائز إلا لمن يتهم فيه من قريب القرابة والصديق المنقطع إليه، فلا يؤخذ بقوله في هذا، وكذلك الحر يقر لولد ولده، ولامرأته المطلقة، وله منها ولد، فهذا يتهم ولا يصدق. وبعد هذا باب في أفعال المديان من صدقة وعتق وغيره، وفي كتاب العتق: باب في عتق المديان. محمد: قال مالك في كتاب المديان: أعطي سيده عشرة دنانير من كتابته، ثم عجز فطلب الغرماء تلك العشرة، فإن علم أنها من أموالهم التي داينوه فيها أخذوها من سيده. [10/ 49]
في نكاح المفلس والمفلسة
في نكاح المفلس والمفلسة من كتاب ابن حبيب: ذكر أنه روي عن ابن نافع عن مالك فيمن ابتاع عبدا فتزوج به، ثم طولب بالثمن ولا مال له وقد بني أو لم يبن، قال: يكون دينا عليه إذا لم يكن يعلم/منه خلابة قبل شرائه العبد، ولم يعلم منه إلا خيرا، فإن عرف بالخلابة أخذ صاحب العبد عبده، واتبعته المرأة بقيمته، وقال أصبغ: لو كان الزوج أخلب الخلابين لم يأخذ البائع العبد، وهو للمرأة بني بها أو لم يبن، وقال ابن القاسم في المرأة المديانة فتفلس أو لا تفلس حتى تتزوج، فليس لغرمائها أخذ مهرها في دينهم إلا أن يكون الشيء الخفيف مثل الدينار ونحوه، وليس لها أن تعطيهم جميع صداقها وتبقى بلا جهاز. قال ابن القاسم: ليس للمفلس أن يتزوج في المال الذي فلس فيه، وله أن يتزوج فيما يفيد بعد ذلك. ومن كتاب محمد: قال أشهب عن مالك فيمن أحاط به الدين يتزوج بعبد بعينه ثم يفلس: أن المرأة أحق به ما لم يصدقها إياه بعد أن وقف على فلس، وقاله ابن القاسم. قال مالك: وإن كان دين قد أظله غرمه، ولزم به، وليس عنده غير العبد، والمرأة فيه أسوة، وإن كان لم يطله الدين ولم يلزم به حتى يرى الناس أنه لم يتزوج به فرارا، فالمرأة أحق به. قال أصبغ: رجع مالك عن هذا إلى أن شراءه وبيعه وقضاءه ونكاحه جائز ما لم يفلس، به أقول. [10/ 50]
في التي أعطت زوجها مالا على ألا يتزوج ففلس ثم تزوج
في التي أعطت زوجها مالا على ألا يتزوج ففلس ثم تزوج، أو أقر لزوجته ثم فلس من العتبية: قال أصبغ في التي أعطت زوجها بعد عقد النكاح مالا على أن لا يتزوج عليها، فلما فلس وأوقف ماله/تزوج قبل يقسم ماله: قال: لها أن تتبعه به، ولا تحاص مع الغرماء؛ وهو كدين حادث. وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي يشهد لزوجته بحق لها عليه ثم أقام سنتين إلى ثلاثة ثم فلس، فإنها تحاص غرماءه بذلك إن قامت بإقراره قبل التفليس بينة، ورواه أشهب عن مالك. وروى سحنون عن ابن القاسم في مريض أقر بدين لمن يتهم عليه من وارث أو غيره، ثم صح حصة بينة، ثم مرض فمات، فإقراره جائز ثابت يؤخذ من رأس ماله ويحاص به الغرماء الذين لهم البينات. جامع القول في المديان والمفلس من قضائه في ماله وقد جرى في كتاب العتق باب في عتق المديان مستوعب. روى أشهب عن مالك في العتبية في المديان يتصدق أو يعتق، ثم أقام حينا، ثم قام غرماؤه في ذلك، فإ، أقام البينة أنه حين تصدق لا وفاء عنده فيما يرون، قال ابن القاسم: فلهم ذلك إذا يكونوا علموا بالصدقة، وإن كان في الصدقة فضل عن دينه لم يرد الفضل، وأما العتق فلا يرد إن طال زمانه ووارث الأحرار، وجازت شهادته. وروى عيسى ومحمد بن خالد عن ابن القاسم في الرجل يرهقه دين فيزعم في جاريته أنها سقطت منه، قال: لا يصدق إلا أن تقوم بينة بذلك من النساء، أو يكون قد فشا هذا قبل ادعائه، أو كان يذكر ذلك، وإلا فلا، وتباع للغرماء. [10/ 51]
قال عنه عيسى في غير رواية يحيى/بن عبد العزيز: أن الذي عليه المهر المؤجل لأجل قريب أو بعيد يحيط بماله أنه ليس له أن يعتق ولا تهب كسائر الديون. قال عنه أصبغ وسحنون فيمن اعتق عبيده وعليه دين يغترق بعضهم، ثم يستحدث دينا، ثم يقوم به الغرماء الأولون، فليرد من عتق العبيد بقدر الذي كان لهم من الدين يوم العتق، فيباع لهم ويدخل فيه الغرماء الآخرون، ثم يعتق باقي العبيد، ثم لا يباع منهم شيء، وإنما يباع للأولين أول مرة. ومن العتبية في قول لأشهب أنه إذا دخل الآخرون على الأولين فقاصوهم، وبيع للأولين ثانية بقدر ما انتقصهم الآخرون، ثم يدخل في ذلك الآخرون، هكذا أبدا حتى يباعوا كلهم، ويوفى الدين قبل ذلك، وأعاب هذا أصبغ، وذكر أن ابن القاسم أعابه أيضًا، قال: وقد كان جنح إليه فيما أعلم، ثم رجع عنه، والمسألة مستوعبة في كتاب العتق، والاختلاف فيها. قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن أحاط به الدين فلا يجوز أن يتحمل بحمالة ولا فيما بين وبين الله، وتفسخ الحمالة وهي كصدقته، قال أصبغ: وهي معروف، كما لا تجوز حمالة ذات الزوج بما الثلث، ولا تجوز حمالة المأذون أيضًا. [10/ 52]
في البائع يجد سلعة في التفليس أو قد أخلطت بغيرها أو تغيرت
في البائع يجد سلعته في التفليس أو قد أخلطت بغيرها، أو تغيرت وكيف إن بيع بعضها أو انتقد بعض الثمن أو لم ينتقد؟ وفي المطلقة تفلس قبل البناء بها وبيدها ما أصدقت من كتاب ابن المواز وفيه من العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن حبيب: قال مالك في المفلس يجد البائع سلعته التي باع منه بيده، فإن شاء أخذها زادت أو نقصت بجميع الثمن، وإن شاء تركها وحاص الغرماء، وإن كان قد قبض بعض ثمنها فله رد ما قبض وأخذها أو تركها ومحاصتهم، قال ابن حبيب: ولو لم يبق له من ثمنها إلا درهم لم يأخذها إلا برد ما قبض، قال مالك في كتاب محمد: إلا أن يشاء الغرماء حبسها لغريمهم، ويعطوا للبائع الثمن أو ما بقي منه، فلا حجة للغريم ونماؤها له، وثواؤها منه، ولو قال: إما أن تحبسوها على أن تبروا بي وتضمنوها، وإلا فدعوه يأخذها، فليس له ذلك. وقال يحيى بن يحيى عن ابن وهب في العتبية: إذا قال لهم هذا ثم حبسوها، ودفعوا الثمن، فضمانها منهم، يقاصهم بها المفلس فيما لهم عليه، وإن بيعت ففضلها للمفلس. قال أبو محمد: قوله: فيما لهم عليه، يعنى فيما ودوا عنه من ثمنها، وذكر ابن حبيب من رواية ابن وهب عن ابن شهاب: أنه إذا قبض بعض ثمنها فليقاسم الغرماء ربها بالحصص، وقد ذكرنا قول مالك وأصحابه فيه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون عن مالك: أما إذا زاد ثمن السعلة فالغرماء مخيرون بين أن يعطوا البائع ثمنها أو يسلموها، فإن كان بعض ثمنها فالبائع هو المخير إن شاء أخذها [10/ 53]
ولا تباعة له، أو يتركها ويحاص. قال ابن الماجشون: وإذا/زاد ثمها فأعطى له الغرماء ما ائتمن من ماله أو من أموالهم فنماؤها للمفلس ما فضل عنه، ومصيبتها إن تلفت قبل أن تباع أو نقصت منهم، ليس على المفلس من ذلك شيء لأنه برئ بها إلى البائع فيما كان عليه منها من ثمنها، كالعبد الرهن يحرج فيأبى سيده أن يفدي أو يسلم، فيفتك المرتهن، ثم يموت، فمصيبته من المرتهن مصيبته ما أفتكه به، ويتبع بالدين الأول، فإن بيع بأكثر كانت الزيادة قضاء عن الراهن، وقاله أصبغ، قال ابن كنانة: ليس للغرماء أن يفدوها بأموالهم، ولكنها تبدية يبدونه بثمنها في مال المفلس إن كان له مال، وقال أشهب: ليس للغرماء أخذها بالثمن حتى يزيدوا على الثمن زيادة يحطونها عن المشتري من دينهم، وتكون لهم السلعة، لهم نماؤها وعليهم ثواؤها، وقال ابن القاسم: النماء والثواء فيها من المفلس، ولسنا نقول بشيء من هذه الأقاويل الثلاثة. قال مطرف عن مالك في المفلس يقوم من باع منه عبدا، فأقام فيه البينة، فمات المفلس قبل يأخذه، قال: إذا قام البائع في حياته فهو أحق إذا أثبت ببينة، وليس وقف الغرماء وقفا لهذا حتى يقوم ويوقف له العبد بعينه. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: قال مالك في المفلس يوقف السلطان ماله وفيه دابة، فمات المفلس قبل قسم المال، فيجد بائع الدابة دابته، قال: إذا وقفت له فهو أحق بها، وإن مات قبل أن توقف للبائع فهو/أسوة الغرماء، وليس إيقاف ماله إيقاف البائع إذا لم يجيء حتى مات المفلس، هذا يكون أسوة حتى ينقلوها في حياة المفلس، فتوقف له، فيكون أحق بها. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: إذا أصاب البائع جاريته التي تباع من المفلس، فطلب أخذها، وأبى ذلك الغرماء، فهو أحق بها، إلا أن يدفع إليه الغرماء ثمنها أو يضمنوه له وهم ثقات، أو يعطوه حميلا ثقة، فإن فعلوا فماتت فهي من المفلس، كما أن له فضلها، وليس له أن يأبي الغرماء من أخذها له ويقول: إما [10/ 54]
برأتموني من ثمنها، وإلا دفعتموها إلى البائع وذلك لهم، ولا قول له، وكذلك ذكر ابن حبيب عن مالك، وقال: وليس لهم أن يقولوا له: نبيعها ونعطيك، إلا أن يضمنوا له، ثم نماؤها للغريم، ومصيبتها منه، ويتبع الغريم بما ودي عنه، وقال أصبغ: مصيبتها من الغرماء ونماؤها للغريم، لأن الغريم قد بريء منها، وإنما أخذوها، رجاء الفضل له ليأخذوه من دينهم، وكالعبد الرهن يجني فيفدي المرتهن بعد أن أسلمه الراهن، فيكون نماؤه للراهن، وإن هلك لم يضمن الراهن إلا الدين الأول دون ما فدوه به، وقاله ابن الماجشون، وبه أقول. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز: وكتاب ابن حبيب: قال مالك فيمن باع راويتين زيت بعشرين دينارا فيقبض عشرة، ثم فلس المبتاع وقد باع رواية، فأراد البائع أخذ الرواية التي وجد، فإنه يرد ما قابلها مما قبض، وذلك خمسة/دنانير، ثم يأخذها، وكذلك لو كانت عشرة، ولم يجد إلا واحدة فليرد عشر ما قبض ويأخذها إن شاء، فعلى هذا يحق إن قبض عشر الثمن رد عشر ثمن ما وجد من سلعته، وإن قبض الثلث رد ثلث ما وجد بعد فض الثمن على ما فات وما بقي منها، وكذلك ما بيع من الأعدال وغيرها فيحسب أن ما انتقد عن الجميع. قال ابن القاسم: وإن كانت عروضا مختلفة القيم في صفقة، وقبض بعض الثمن فلتقوم كل سلعة من ذلك، ويقبض الثمن على الجميع، ثم يقسم ما اقتضي لكل سلعة قدر ما يصيبها فإن شاء أخذ ما وجد ورد ما قبض من ثمنه إلا أن يشاء الغرماء أن يتموا له بقية ثمن هذا الذي وجد، مثل أن يبيع ثلاثة أرؤس بمائة دينار، فيقبض ثلاثين، وقيمة أحدهم نصف الثمن، وللآخر ثلاثة أعشار الثمن، والآخر خمس الثمن، فصار من الثلاثين على الذي قيمته النصف خمسة عشر، وعلى الذي قيمته ثلاثة أعشار تسعة دنانير، وعلى الآخر ستة دنانير، فمات فات منهم [10/ 55]
حسب عليه فيه ما قبض من ثمنه، وحاص بما بقي، وما وجد منهم ردما وقع له وأخذه إن شاء، إلا أن يعطيه الغرماء بقية ما وقع له من الثمن، قال مالك: وكذلك إن باع خمس روايا زيت، فأخلطها بروايتين، ثم باع بعض ذلك، وقد كان نقد بعض الثمن، ثم فلس، فإذا عرف ذلك أخذ البائع إن شاء قدر ما يصير له مما بقي بعد أن يرد ما انتقد من الثمن حصة ما يسترجع، قال في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم:/وكذلك الثياب والدواب وكل اشتري صفقة وإن اختلفت أصنافه فعلى ما ذكرنا من تقديم كل صنف وما يقع له من الثمن، ومما قبض من الثمن فيرد حصة ما قبض من ثمن ما يجد ويأخذه، إلا أن يعطي الغرماء قبض من الثمن فيرد حصة ما قبض من ثمن ما يجد ويأخذه، إلا أن يعطي الغرماء باقي ثمن ويبقوه، وإذا دفعوا إليه باقي ثمن ما وجده دخل بالحصاص معهم في ثمنها وفي باقي مال المفلس بما بقي له، وقاله مالك، قال محمد: يريد فيما فضل من ثمنها بعد ما فدوها به، يريد محمد: إن فدوها بأموالهم، قال: كما لو فدوها من مرتهن، أو فداها بعضهم. قال مالك: وإذا اختلط ما ابتاع من قمح، أو عسل، وزيت بمثله، وعرف ذلك ببينة، فله أخذه من جملته، قال ابن القاسم: وإن خلط بشيء اشتراه من آخر كانا أحق به وتحاصا فيه. قال محمد: وإن صب عسل هذا في جديدة هذا ولته فهما أحق بذلك من سائر الغرماء يتحاصون في ثمنها بقدر قيمة هذا من قيمة هذا ليس لهما غيره إن أحبا إلا أن يعطيهما الغرماء ثمن الجميع، أو يعطوا لمن شاؤوا ثمنه ويدخلون مدخله من الآخر، قال ابن أبي مطر: ثم وقف عنها محمد. ومن العتبية من سماع أشهب في الذي يشتري من غير واحد فاشتري من هذا قمحا ومن هذا قمحا حتى اشتري من رجال فصبه كله في سفينته، ثم فلس قبل دفع الثمن فهم أحق بما في السفينة من الغرماء إذا ثبت ذلك، ويقتسموه على [10/ 56]
الحصص، وذكر ابن الحبيب عن مطرف عن مالك. وابن عبد الحكم عن ابن وهب عن مالك مثل ما تقدم كله من خلطه/الشيء بمثله أن ذلك لا يبينه ولا يمنع بائعه من أخذه إذا ثبت ذلك، وهو كمن دفع صراف مائة دينار فصبها في كيس ثم فلس مكانها، أو بز يشتريه فيرقمه ويخلطه ببز غيره، فليس ذلك مما يمنع به البائع من أخذ ماله فيه، وقال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ، قال أصبغ: إلا أن يخلطه بغير نوعه مثل أن يصب زيت الفجل على زيت الزيتون، أو القمح القصيل على المغلوث جدا أو على المسوس حتى يفسد فيكون كما قد فات. ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم قال: بلغني عن مالك، وهي في كتاب ابن المواز فيمن اشترى سلعتين من رجل بثمنين، ثم فلس فوجد البائع أحدى السلعتين وفاتت الأخرى، فأعطاه الغرماء ثمن التي وجد، أن يحاصهم في ثمنها، وفي سائر مال الميت بثمن الفائتة، بمنزلة ما فدوها من جرح، أو رهن، قال عنه أبو زيد، في العتبية فيمن تزوج امرأة بعبدين فقبضتهما، ثم فلست وطلقها، قال أبو محمد: يريد: قبل البناء، فهو أحق بأخذ العبدين، قال أبو محمد: يريد: يكون شريكا فيهما. قال ابن المواز: وإذا طلقت امرأة قبل البناء وفلست، فإن عرف المهر بيدها فالزوج أحق به حتى يأخذ نصفه، فإن لم يوجد إلا نصفه، فإن كان ما هلك بغير سببها يعرف ذلك، فليس له إلا نصف ما وجد، ولا محاصة له بما بقي، وإن كان بسببها حاص بنصف ما ذهب وفي سائر ماله/. قال أصبغ في كتاب محمد: إن ضمان هذا [التي] أفتكوها من المفلس لأن ذلك سلف منهم له، إلا أنهم يبدون من ثمنها ما فدوها به، ثم يدخل معهم في الفضل سائر الغرماء. [10/ 57]
قال ابن حبيب: قال مطرف: ولو وهب لرجل هبة للثواب فتغيرت عند الموهوب ثم فلس: أن الواهب أحق بها كالبيع، إلا أن يعطيه الغرماء قيمتها، وقاله ابن الماجشون، وقاله ابن القاسم عن مالك. ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ فيمن اشترى من الفيء رقيقا بأكثر من سهمانه فلحقه درك لأهل ذلك الغزو، وعليه دين آخر ففلس وليس له غير تلك الرقيق، فأهل ذلك المغنم الذين باعوه أولى، بمقدار ما فضل فيهم عن سهم، وينظر قدر سهم منهم فيكون مالا من ماله لغرمائه سواهم، وهؤلاء أحق بالفضل يأخذوه أبو يتركوه، ويحاصون في جميع ذلك، وذلك إن كان شراه منهم خاصة بمقدار ما صار لهم وله خاصة دون الجيش، والحق ثابت عليه لم يختل بعضهم بعضا عليه، فأما إن أحيل عليه بما زاد عنده على حقه رأيت من احتال عليه أسوة الغرماء بما احتال، وكذلك إذا لم يشتر من قوم منهم بأعيانهم من شيء مما صار لهم خاصة بالقسم، لم يكن من احتال عليه بما زاد عنده على سهمه أحق بشيء مما بيده من ذلك، إذ ليست سلعا لقوم بعينهم، إنما هي غنائم يبيعها السلطان للخمس، ولأهل الجيش، فالمحتال/ليس ببائع، إنما أحيل بدين، فهو وغيره أسوة في تلك الرقيق، قال محمد: لم أدر من أي وجه قاله أصبغ، وأرى أن يكون المحتال يقوم مقام من أحاله سواء، يكون أحق بما زاد ثمنهم على سهمه على ما كان اشترى يوم الشراء. وفي باب التحاص في مال المفلس: ذكر من طلق قبل البناء وفلست المرأة فوجد الصداق بعينه. ثم الجزء الأول من المديان والتفليس بحمد الله [10/ 58]
[الجزء الثاني من المديان والتفليس]
(بسم الله الرحمن الرحيم) عونك اللهم كتاب الجزء الثاني من المديان والتفليس فيمن ابتاع طعاما فلم يقبضه حتى مات البائع وقام غرماؤه قال ابن حبيب ك قال ابن القاسم عن مالك فيمن ابتاع من رجل طعاما عنده، ونقده الثمن، ثم ذهب ليأتي بمركب يحمل فيه، فمات بائعه وقام غرماؤه، فالمبتاع أولى منهم بطعامه، قال أبو محمد: يعني وكذلك لو ابتاع على الكيل فلم يكتله حتى مات بائعه، فالمبتاع أحق به وتكتاله، ولا حصاص فيه، لأنه ليس في الذمة ويتبين لو هلك هذا الطعام قبل ذلك ببينة بأمر من الله أن البيع ينتقض ويصير المشترى أسوة الغرماء في الثمن إذا لم يعرف بعينه. فيمن باع سلعة فتحول عن حالها بحادث أو غير حادث أو يحدث فيها المبتاع صنعة أو رهنا، أو يكون عبدا فيأبق، أو يجني ثم يفلس المشتري في ذلك كله ومن كتاب ابن حبيب:/قال مطرف عن مالك فيمن باع أمة فعميت أو اعورت بغير جناية، ثم فلس فإما أخذها البائع بجميع حقه أو يدعها ويحاص، وكذلك في كتاب ابن المواز، قال مطرف: ولو كان ذلك بجناية جان فنقصها [10/ 59]
نصف قيمتها، فللبائع أخذها بنصف حقه إلا أن يعطيه الغرماء نصف حقه، أو يسلمها ويحاص الجميع، قال مالك: وكذلك الثوب يخلق، أو يتوهى، أو يدخله فساد فهو كالأمة تعور، وقاله ابن الماجشون، وابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ، قالوا: إلا أن يكون ما دخل من البلى والفساد فاحشا جدا، قال ابن الماجشون: فلا يكون له أخذه، قال ابن القاسم، وأشهب: ولا خيار لصاحبه في أخذه وأخذه ما نقصه، ولكن يضمنه المتعدي بقيمته، ويسلمه إليه. قال مطرف عن مالك: وإذا وجد الثياب قد قطعت، قال ما أدي لو كانت جلودا فقطعت نعالا كان ذلك له فوتا فإذا تفاوت الشيء هكذا فلا أرى له شيئا، وأما شيء متقارب لم يأت فيه فوت، فإنه أحق به قاله أصحاب مالك، وذكر مثله ابن المواز عن مالك، والجلود تقطع نعالا، من رواية ابن وهب. ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب: قال مالك فيمن اشترى عرصة فبناها دارا أو عدلا فنسجه ثم فلس، فإن للبائع أن يكون شريكا للغرماء بقدر قيمتها من قيمة البنيان، وكذلك الغزل، وكذلك في العتبية عن زيد عن ابن القاسم، قال ابن حبيب:/وقال أصحاب مالك كلهم: قال مالك في كتاب ابن المواز: ولو اشترى جلودا فقطعها خفافا لم يكن أحق بها، وهذا فوت، وكأنه ليس بعين شبه، بخلاف العرصة تبنى، وقال أصبغ، ورواه عن ابن وهب عن مالك. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن اشترى زبدا فعمل سمنا، أو ثوبا فقطع قميصا، أو ظهارة، أو خشبة فعمل منها بابا أو تابوتا، أو كبشا فذبح، أن ذلك كله فوت، وليس لبائعه غير المحاصة بخلاف العرصة تبنى والعزل ينسج، لأن هذا عني شبه قائم زيد فيه غيره. قال ابن المواز: وأما الجلد يدبغ، والثوب يصبغ، فإنه يكون البائع شريكا فيه، ويكون الغرماء معه شركاء بقد ما زاد الصبغ والدباغ، وقال أصبغ عن ابن [10/ 60]
وهب أنه قال: إن ذلك فوت، ثم رجع إلى هذا وقال ابن القاسم: يكون العامل شريكا بقيمة الصبغ وبقيمة النسخ في الغزل. وقال في الصباغ يسلم الثوب إلى ربه، ثم يفلس ربه: أن الصباغ أن يكون شريكا في الثوب بما زاد فيه الصبغ. ومن كتاب ابن المواز: وإن اشترى قمحا فزرع لم يكن البائع أولى به، ولو طحن ما كان أولى به، قال أشهب: وإذا فلس وقد دفع ثوبا إلى قصار أو صباغ يعمل، فقام بائعه بعد فراغه، فله أخذه من الصانع بعد أن يعطي أجره، ويحاص الغرماء بما أعطاه يقوم مقام الصانع، قال محمد: لا شيء له مما فداه به وإن أسلم إليه الغرماء، وليس له إلا ثوبه زاده الصبغ غأو نقص كالعبد يجني عنده ثم يفلس فيفديه/بائعه فلا يرجع بشيء مما فداه به، ولو وجد سلعته مرهونة، فالبائع مخير أن يدعها، أو يحاص، أو يفديها ويأخذها بالثمن كله زادت أو نقصت، ويحاص بما فداها به، ففرق محمد عن أشهب بين الجنابة والرهن، وهو صحيح، لأنه في الجنابة لم يتعلق بذمة المشتري شيء يلزمه، ثم ذكر في نسقه سببا كأنه يخالف هذا في الجنابة فتركته. ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك: ومن اشترى عبدا بثمن مؤجل، فرهنه، ثم فلس، فبائعه مخير إما فداه وحاص الغرماء بما دفع إلى المرتهن، وإلا أسلمه وحاص بثمنه كله مع الغرماء في فضل ثمنه بعد افتكاكه، وفي سائر مال المفلس، فإن فداه من المرتهن فالغرماء بالخيار، إن شاؤوا أسلموه إليه، وإن شاءوا أعطوه ثمنه ثم حاصهم فيه وفي غيره بما فداه به، قال في كتاب ابن المواز: ولو لم يرهنه ولكن جنى، فالغرماء مخيرون إما فدوه بدية الجناية وبثمنه الذي لبائعه، ثم يبيعونه فيستوفون من ثمنه دية الجنابة، فإن عجز عنها لم يكن لهم من بقية الجنابة شيء، وإن فضل بعد تلك الجناية شيء فذلك بين غرمائه من دينهم الأول، وإن مات العبد أو نقص بعد أن فدوه فلا شيء على المفلس مما فدوه به من مثل [10/ 61]
الجناية وحدها، قال: وإن شاءوا افتكوه من بائعه بالرهن، ومن المجروح بدية جرحه وبزيادة على دية الجرح شيء من دينهم ليكون العبد لهم رقا، فذلك لهم، وإن مات إن دينهم عليه/إلا الزيادة التي زادوها على دية الجرح يحطوه عن الغريم. وروى أبو زيد وعيسى عن ابن القاسم في العتبية، وهو في كتاب ابن المواز فيمن باع عبدا فأبق عن المشتري ثم فلس فطلب البائع أن يحاص بثمنه على أنه إن وجد العبد أخذه ورد ما حاص به، فليس له ذلك. إما أن يرضى بطلب العبد ولا شيء له غيره، وإلا فليحاص - إن شاء - الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن، قال ابن حبيب: قال أصبغ عن أشهب، قال: وليس سوى الآبق فيه ترك المحاصة، ويقول: أن أطلب عبدي، فذلك له، فإن وجده فهو أحق به، وإلا رجع فحاص الغرماء. وقال: قال مالك فيمن باع تمرة حائطه في رؤوس النخل ثم فلس المبتاع بعد أن تيبس، فأراد البائع أخذه بحقه، قال: لا خير فيه، وأجازه أشهب، واختلف قول مالك فيه في العتبية، وقال أصبغ بقول مالك في النهي عنه، قال ابن حبيب: وذهب أصبغ في الآبق إلى أن بائعه ليس له أخذه بثمنه، وبه أقول. وقال ابن الماجشون: ومن أعرى حائطه سنين ثم فلس، فلا يباع حتى يتم سنوه، ولو كان ساقاه بيع الحائط على أن هذه مساقاة. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن باع عبدا ففلس مشتريه بعد أن باعه فحاص البائع بمثنه، ثم رد بعيب، فقال البائع الأول: أنا آخذه وأورد ما أحدث، فذلك له، وإذا وطئ المشتري الأمة ثم فلس فللبائع أخذها، وليس الوطء فيها فوتا وهو يفيت الإعتصار، وفوت في هبة الثواب. [10/ 62]
فيمن رد سلعة بعيب أو بفساد بيع فلم يقبض ثمنه حتى فلس بائعه
فيمن رد سلعة بعيب، أو بفساد بيع فلم يقبض/ثمنه حتى فلس بائعه فوجدها، هل يأخذها؟ أو بائع أخذ سلعته في التفليس ثم وجد بها عيبا من كتاب ابن المواز: قال القاسم في المشتري يرد العبد بالعيب، فلم يقبض يمنه م البائع حتى فلس والعبد بيده، فلا يكون الراد له أولى به. قال مالك في المشتري يفليس وقد نقد بعض ثمنها ورد البائع ما قبض وأخذها، ثم وجد بها عيبا. يريد: مما حدث عند المبتاع، فله ردها ويحاص أو يحبس ولا شيء له، قال محمد: لأنه لا يعرف ما كان رد من الثمن بعينه، ولو عرف بعينه مثل أن يكون طعاما أو كتانا أو غيره فيكون أ؛ ق به ويحاص بما بقي له من ثمنها فيها وفي غيرها، قال أبو محمد: أنظر قول محمد وتأويله، ولم لا يأخذ ما رد وإن لم يعرف بعينه، كما لو بيع على المفلس عبد فاقتسموا ثمنه، ثم رد بعيب. قال ابن القاسم في المكاتب يعجز ثم يرد عليه عبد باعه بعيب وعليه دين، فقال الغرماء للمشتري: إن رددته دخلنا معك فيه، فذلك لهم، إلا أن يتمسك به، وهذه في المدونة وذكر مسألة المقارض يتعدى، ثم يأتي بسلع وعين، وذكر مثل ما في المدونة وزاد محمد قال: وذلك إذا عرف أنها من القراض. قال أبو زيد فيمن عليه مائة إردب قمح من بيع فابتاع البائع مائة إردب بصفة ما عليه، وأحال بها مبتاعه فقبضها قبل يستوفيها مبتاعها، وكان مبتاعها حلف له بالطلاق ليوفين حقه. فقد برئ في يمينه ويفسخ قبض المحلوف له/والأول أحق به، قال محمد: لأنه يعينه له، ولم يفت، وإذا رد غرم الحالف ما عليه، فكان بين غرماء المحلوف له. قال ابن الماجشون: ومن ابتاع سلعة من رجل بيعا فاسدا بنقد أو بدين له عليه، ثم فلس البائع قبل فوت السلعة، فإنه يرد البيع ويرجع السلعة إلى المفلس بين غرمائه، إلا أنه إن باعها بنقد فمبتاعها أحق بثمنها حتى يستوفي حقه، وإن [10/ 63]
أخذها بدين دخل مع الغرماء في ثمنها، لا أنه كان له هدين كدينهم فرجع إلى ما قد كان، قال محمد: وهما عندنا سواء إلا أنه إذا نقص البيع في النقد فإن وجد ثمنها بعينه كان أحق به، وكذلك فيما رد بعيب، وإن لم يجده بعينه كان إسوة الغرماء إن اختار الرد، ولو جعلت في النقد أحق بثمنها، وإن لم يجده بعينه، لكان له ذلك في اشترائه إياها بدين. قال سحنون في كتاب ابنه فيمن اشترى سلعة شراء فاسدا، ففسخ البيع وقد فلس البائع، قال: فالمبتاع أحق بالسلعة حتى يستوفي ثمنها، وقال ابن المواز: لا يكون أحق بها. قال ابن المواز: وقال ابن القاسم فيمن تكفل عن رجل بألف درهم، فصالح الكفيل الطالب على مائة درهم لتكون الألف له، فذلك حرام، والحمالة على حالها، ويرد الطالب المائة على الكفيل ليس له حبسها من الألف، قال أصبغ: إلا أن يكون ليس على الكفيل دين والمطلوب غائب أو معدم، يريد: حبسها. /قال أصبغ عن ابن وهب فيمن حبس عليه ثوب فرهنه فليرد، وينقص رهنه، ويتبعه الطالب بدينه، فإن كان الرهن دارا أو دابة أكريت، وكان المرتهن أحق بكرائها من الغرماء حتى يستوفي حقه، قال محمد: والصواب عندي أن المرتهن إن شرط عليه ارهنا فالرهن جائز فهيا ما دام المحبس عليه حيا، فإذا مات رجعت إلى من إليه مرجعها، وإن لم يكن اشترط الغلة رهنا فالرهن باطل، وكذلك كل ما ليس له غلة من الأحباس فرهنه باطل. [10/ 64]
في العين هل يكون دافعه أولى به إذا وجده في تفليس قابضه
في العين هل يكون دافعه أولى به إذا وجده في تفليس قابضه؟ أو وجد ما اشترى به في بيع أو كراء أو قرض من العتبية: روى سحنون عن أشهب في قوم اكتروا إبلا ودفعوا الثمن ثم فلس الجمال ووجدت دنانير أحدهم بيد الجمال بعينها يشهد عليها: أن دافعها لا يكون أحق به، بخلاف السلع، ولو كانوا أخذوا عليه حميلا فدفعوا إلى الجمال الكراء إلا رجل منهم دفع إلى الحميل ونفى الجمال ذلك، فإن الدافع لا يدخل عليه في ذلك أصحابه، وإن كان قبضه بأمر الجمال فالمال الذي بيد الحميل بين جميع الغرماء، وقد روى محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن أسلف رجلا مالا فاشترى به سلعة، ثم فلس فقام المفلس مع الغرماء فطلب أخذ السلعة التي اشتريت بماله، فليس ذلك له، وهو أسوة/الغرماء. وفي باب التحاص في مال المفلس في ذكر الصداق بعينه يوجد بيد الزوجة وقد فلست. فيمن باع أمة أو غنما فولدت ثم فلس وكيف إن وجد الولد دونها؟ أو بيع الولد، أو بيعت دونه أو مات أحدهما من كتاب ابن المواز: قال مالك، وذكره عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع أمة ثم فلس المشتري وقد ولدت، وباع الولد، فإن شاء أخذها بجميع الثمن وإما تركها وحاص بثمنها كله، وكذلك إن كانت غنم أو رمكة فيبيع نتاجها فليس له في الولد شيء، وكأنه غلة، قال: وإن وجد الأولاد وقد باع الأمة، قسم الثمن على الأمة وولدها، فأخذها الأولاد بحصتهم من الثمن، ويحاص بما أصاب الأم من الثمن، قال يحيى بن عمر: مسألته إذا وجد الأم وقد بيع الولد، [10/ 65]
فيمن فلس وقد ابتاع عبدا بما له فهلك العبد وبقي المال أو هلك المال وبقي العبد
رواية ابن القاسم عن مالك، وإذا وجد الولد وقد بيعت الأم من رواية ابن وهب عن مالك، قال سحنون: لا أدري ما هذا؟ قال مالك في الكتابين: ولو ماتت الأم وبقي الولد، أو مات الولد وبقيت الأم فليس له أخذ الباقي منهما إلا بجميع الثمن، أو يترك ويحاص، قال محمد: إذا ولدت عند المشتري فإن كان قبض شيئا من الثمن رده وأخذ ما وجد بالثمن كله، قاله مالك. ومن كتاب ابن حبيب: وذكر مثل ما ذكرنا كله عن أصبغ عن ابن القاسم، وقال: قال ابن القاسم: ولو قتل أحدهما فأخذ له عقل وبقي الآخر كان/مثل البيع سواء، وإن لم يؤخذ له عقل فسبيله سبيل الموت، ولو باعها بولدها كانا كسلعتين بيعتا في صفقة في وجود ما وجد منها، وذكر مثله كله ابن وهب عن مالك، وقاله أشهب، قال ابن القاسم: ولو ولدت الأمة ثم ردها بعين فذلك بخلاف التفليس، هذا وإن باعها ردها مع أيمانهم، وإن مات ولدها ردها بغير شيء إلا أن ينقصها الولد نقصا بينا، وإن باع الأم وبقي الولد ثم ظهر على عيب، لم يرجع بشيء إلا أن يرجع عليه، فيكون مخيرا كما ذكرنا في الزيادة والنقصان، قال أصبغ: إن تولدت الغنم فله أخذها بأولادها أو يتركها، وتكلم فيها إذا وجد الأم أو الأولاد مثل ما تقدم في الأمة، وروي مثله عن ابن وهب عن مالك والليث. فيمن فلس وقد ابتاع عبدا بماله فهلك العبد وبقي المال، أو هلك المال وبقي العبد أو كانت غنما فجز صوفها، أو نخلا فجد تمرها، ثم فلس أو رد ذلك بعيبه من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم، ومثله في كتاب ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون في رجل ابتاع عبدا بماله بدين إلى أجل ففلس مشتريه وقد مات العبد وبقي ماله، فليس للبائع أخذ المال وهو أسوة في مال العبد مع سائر مال المفلس، وإن كان مال العبد رقيقا وعروضا وقد قال مالك: إذا ذهب [10/ 66]
مال العبد في الثلاث أنه لا يرده،/بذلك، قال: ولو هلك المال وبقي العبد ثم فلس مشتريه فسواء هلاك المال بانتزاع من السيد، أو استهلاك منه أو من العبد، فالبائع مخير إن شاء أخذ العبد ولا شيء له غيره، أو يدعه ويحاص بالثمن، إلا أن يدفع إليه الغرماء الثمن ويأخذوا العبد فذلك لهم، قال ابن القاسم: وإن وجد به عيبا وقد ذهب ماله رده ولا شيء عليه من المال إلا أن يكون ينزعه منه فليرده معه، وكذلك لو كان ما انتزع منه إنما اكتسب عند المبتاع فلا يرده إلا بماله، قال في كتاب ابن حبيب: وما وهب له السيد ثم انتزعه فليس عليه رده في رده بالعيب، وله أن ينتزعه في حين رده بالعيب. ومن كتاب ابن حبيب وابن المواز: قال ابن القاسم: وإن اشترى غنما عليها صوف، - قال في كتاب ابن حبيب عن أصبغ - قد حان جزازه فجزه ثم فلس، يريد: وقد فات الصوف فلينظركم كان قدر الصوف من الرقاب إلى ما باعه إن باعه فيأخذ غنمه بحصتها بلا صوف، ثم يحاص الغرماء بما دفع الصوف من الثمن، إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه ما قابل الغنم ويحاص بقيمة الصوف من الثمن، وكذلك الأصول كلها يشتريها وفيها ثمر قد طاب، قال في كتاب ابن حبيب: قد أدبر وكذلك الدار لها الغلة قد حلت فاشتراها مع غلتها بما يجوز به البيع، إن كانت عينا اشتراها بعرض، وإن كانت عرضا بعين، قال في كتاب ابن المواز: أو عبدا اشتراه/بغلته التي قد حلت فهو كما ذكرنا في الغنم يجز صوفها، قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ولو كان الصوف الذي حز منها عنده فللبائع أخذها مع صوفها، أو يترك ذلك ويحاص بجميع الثمن، ولو شاء أخذها مع صوفها فطلب الغرماء أن يعطوه الثمن ويبقوا ذلك، للغريم نماؤه وعليه ثواؤه فذلك لهم، ويباع ويتخلص في ثمن ذلك وغيره من ماله. قال أصبغ: وإن لم يفلس ولكن ردها بعيب فليرد مكيلة الثمرة التي أخذ يابسة، أو يقاصه بقيمتها إن جدها رطبة، وأما في رد الغنم أو الدار بعيب فلا بد أن يرد معها مثل الصوف التي جز وغلة الدار التي اشترى معها، وهذا إن كان ذلك تبع وإلا. [10/ 67]
فيمن اشتري ماله غلة من غنم أو نخل أو ربع أو حيوان فاغتله ثم فلس
فيمن اشترى ماله غلة من غنم أو نخل أو ربع أو حيوان فاغتله، ثم فلس وطلب بائعه أخذه ما الحكم في الغلة؟ وكيف إن رد بعيب؟ من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم، ومثل معناه في كتاب ابن المواز، وذكر نحوه ابن حبيب عن أصبغ وما/اشترى من نخل لا تمر فيها، أو غنم ليس عليها صوف، أو در، أو عبد لم يحل فيه غلة فاغتل ذلك سنين، واكتسب العبد مالا فانتزعه ثم فلس المبتاع فليس للبائع فيما اغتل المبتاع وانتزع شيء، إن اختار أخذ السلع من غنم ونخل وغيرها فليأخذها وحدها، وإلا تركها وحاص الغرماء، ابن حبيب: كانت الغلة عنده أو قد فاتت وإذا كان في النخل يوم يأخذها ثمرة قد طابت فهي بيع للغرماء، وكذلك ما حل من غلة دار، وأما ما كسب العبد فله أخذه بما كسب عند المبتاع والغنم بما عليه من صوف قد تم إلا أن يعطيه الغرماء دينه، والفرق بينهما: أن مشتري الغنم عليها صوف لا يذكره، ويكون للمبتاع ولا يكون له مأبور الثمر. قال العتبي، وقد قال مالك في كتاب آخر: إذا بقيت النخل ولا تمر فيها، ثم فلس وفيها تم أن للبائع أخذها بتمرها، ومن كتاب ابن المواز: وذكر ابن المواز اختلاف قول مالك أنه قال مرة: لا يأخذ الغلة، ثم رجع فقال: يأخذها ما لم تفارق النخل، فإن جدت فلا يأخذها، وأما مال العبد الذي أفاده عند المشتري فانتزع منه، فإن البائع يأخذه به إذا أخذ العبد، وقاله أصبغ، وقال: وأما الصوف والتمر إذا كان فيهما يوم اشترى فهما شيئان كالسلعتين يقع الثمن عليهما، كما لو استحق أحدهما لفض الثمن عليها، ويرجع/بقدر ذلك، قال محمد: فإذا أخذ ذلك المشتري وقد كان يوم الشراء فيها ترم قد أزهى وعلى الغنم صوف قد تم، فللبائع قيمة ذلك عن ابن القاسم، وإن لم يجد الثمرة ولا جز الصوف فهو للبائع ما لم تيبس التمرة. [10/ 68]
قال ابن القاسم: قوله الأول هو القياس، والثاني هو الاستحسان، وهو أحب إلي، وقاله أصبغ، وقال مالك: ما دامت الثمرة في رؤوس النخل لم تجد ولم تبع فهي كالولد. قال أشهب فيمن اشترى نخلا فيها تمر مأبور، أو مزهي، أو لا تمر فيها، فإذا قام الغرماء فالبائع أحق بالنخل بما فيها من تمر أزهى أو لم يزه، إلا أن يعطي الغرماء الثمن، ولو كان فيها شفعة فالشفيع أولى بها من بائعها ومن الغرماء، وبائعها أولى بالثمن الذي يدفع الشفيع، فبائعها أحق بها، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه ثمنها، وقال أصبغ عن ابن القاسم عن مالك: إذا لم يكن فيها يوم البيع تم ففلس المبتاع وفيها ثمرة قد طابت، أن للبائع أخذها بثمرها ما دامت في النخل، إلا أن يعطي الغرماء حقه. قال ابن القاسم: وكذلك لو كان فيها يوم البيع ثمرة مأبورة فاستثناها. وقال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن ابتاع حائطا ثم أقاله وقد صار فيه تمر قد يبس، فلا خير فيه إلا أن يفلس مشتريه فيكون أحق به من الغرماء، لأن الحكم أوجبه له. قال في كتاب ابن حبيب: وما اغتل من النخل قبل ردها بالعيب، فلا يأخذه البائع إلا أن يكون في النخل/حين يردها بالعيب تمر قد أبر أو أزهى أو لم يؤبر فلتؤد مع الأصول ما لم تزايلها، وأما في التفليس فإن كان فيها تمر لم يؤبر للبائع، وإن كان قد أبر فهو للمبتاع مثل الشفعة، قال: وإن كان للدار حين يردها بالعيب غلة قد حلت ولم تقبض فهي للمبتاع، وإن كان للغنم صوف اكتسبه عنه ردها في العيب بصوفها ما لم يجزه، وغلة الدار بخلاف صوف الغنم وتمرة الشجر، وإذا رد الشجرة بعيب وفيها ثمرة قد طابت فلا أجر له في قيامه وسقيه للتمرة، لأن ضمان ذلك منه كنفقته على الدواب، فإنما أنفق في ماله، قال أصبغ: وإذا فلس مشتري الغنم وعليها صوف قد تم، فللبائع أخذها بصوفها، إلا [10/ 69]
في الصناع هل يكونون أحق في التفليس والموت بما عملهم حتى يأخذوا أجرهم
أن يعطيه الغرماء دينه، وأما الدار تحل غلتها فالغلة للغرماء ويأخذ البائع الدار بلا غلة إن شاء، وليس غلة الدار بمنزلة تمر النخل وصوف الغنم، فرق بين ذلك: أن من اشترى غنما عليها صوف فلا يستثنه فيكون له، ويشتري الدار ولها غلة قد حلت فلا تكون له إلا بالاشتراط. في الصناع هل يكونون أحق في التفليس والموت بما عملوه حتى يأخذوا أجرهم؟ وكيف إن دفعوه إلى أربابه؟ وفي الأجير هل يحاص الغرماء؟ من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم، وفي كتاب ابن حبيب من رواية أصبغ عن ابن القاسم: كل صانع عمل لرجل سلعة لم يجعل فيه إلا عمل يده مثل الخياطة والصياغة/والقصارة وما أشبه ذلك، ثم فلس ربها، فالصانع أحق بها حتى يأخذ أجره، قال في كتاب ابن حبيب: في الموت والفلس إلا أن يكون قد ردها إلى ربها قبل ذلك، ثم يؤخذ قبل ذلك فهو أسوة الغرماء بعمله، وكل صانع أخرج من عنده شيئا صار في السلعة سوى عمله مثل الصباغ يجعل: قال أبو محمد: يريد: العصفر وغيره، والصيقل: يريد: حوائج السيف، والفراء يرقع الفرو برقاع من عنده، ثم أخذه ربه ثم فلس، فهذا إذا وجد ما بيد أرباب ينظر إلى قيمة ذلك الصبغ يوم الحكم فيه، وذلك العمل لا ينظر، زادت السلعة بذلك أو نقصت، وإلى قيمة الثوب أبيض فيكون بقيمة الصنعة شريكا إن أبى الحصاص، زادت قيمة ذلك على أجره أو نقصت، إلا أن يعطي الغرماء ما شاركه عليه المفلس من الأجر، فذلك لهم بمنزلة من باع غزلا نسجه المبتاع ثوبا، ثم فلس والثوب بيده، فإن لم يحاص كان شريكا بقيمة العمل من قيمة الغزل، كانت قيمة الثوب أقل من قيمة الغزل أو كثر إلا أن يعطيه الغرماء ثمنه، وقد تقدم هذا، زاد في [10/ 70]
كتاب ابن حبيب: أصبغ عن ابن القاسم: وأما إن كان بأيديهم فيهم أحق بذلك كله في الموت والفلس، كان لهم في صنعة غير علم اليد أو لم تكن، وأما التجارة والبناء فهم فيه أسوة في الموت والفلس، والذي يرقع الثوب برقاع من عند ربه ثم رده إليه، وإنما خاطه فقط، فهو أسوة في الموت والفلس، وإن كان لم/يرده فهم أحق به في الموت والفلس، وإن كان برقاع للخياط وقد رده فهو أحق به، وإن خرج من يده في الفلس لا في الموت حتى يأخذ حقه يقام مرقوعا، ويقام غير مرقوع ويكون شريكا بذلك. قال أصبغ: وإن كان خاط فيه فتوقا مع الرقاع، فللأقل من ذلك حكم الأكثر إن كانت الرقاع أيسر ذلك: رقعة ورقعتان من غيره ولا بال له، وأكثره خياطة فتوق ونحو ذلك، فهو أسوة في الموت والفلس في جميعه، وإن كانت الرقاع أكثر ذلك وهي من عنده وأقل مرمة وفتوقا، كان أحق به على ما تقدم، وإن تناصف ذلك وكان لذلك قدر، أقيم كل ذلك على حدته، ثم يكون أسوة في المرموم، وكان بما يتوب الرقاع شريكا إذا قيم الثوب مرقوعا معمولا على ما ذكرنا. ومن كتاب ابن المواز: وقال ابن القاسم في صانع استأجره رجل يعمل له عملا في بيته، فإذا كان الليل انصرف وترك الحلي، فإذا فلس صاحب الحلي فالصائغ أسوة الغرماء، قيل: فلو استأجره يدرس ببقر الأجير، يدرس النهار، وينقلب في الليل ببقره، ففلس صاحب الأندر، قال: صاحب البقر أحق بالأنذر بخلاف الصائغ، وكذلك روى عيسى وأبو زيد في العتبية عن ابن القاسم، قال محمد: لأنه وإن انقلب في الليل فإن الأندر بحال لا ينقلب به صاحبه، ولا يحوي عليه، ولا هو في يديه. ومن الكتابين: وقال أيضًا فيمن دفع غلامه إلى من يعلمه الخبز/والطبخ يكون العبد عند معلمه على أجل معلوم، فأفلس السيد فليس للغرماء أخذ العبد [10/ 71]
قبل تعلمه إلا أن يعطيه ما كان السيد راضاه عليه، وكذلك لو لم يعلمه شيئا بعد، إلا أن يكون إنما دفعه في عمل ينقلب فيه بالليل إلى سيده. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وفي العتبية من رواية أبي زيد: ومن دفع إلى صائغ سوارا يعمله، ثم دفع إليه بعد سورا آخر يعمله، أو دفعهما معا، فعمل أحدهما فدفعه إلى ربه، ولم يأخذ إجارته حتى فلس ربهما، فلا يكون الصائغ أولى بالباقي عنده حتى يأخذ أجر الذي دفع، وهو أسوة، وهو أولى بالباقي عنده حتى يأخذ أجرة هذا خاصة. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أجر بناء يبنى له عرصة مقاطعة، كل ذلك من عند البناء، فيبنيها، ثم فلس صاحبها، أن البناء أولى بذلك، لأن ذلك كسلعة بعينها. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن دفع إلى صائغ ثوبا يصبغه، أو غزلا ينسجه فأتم صبغة ورد إلى ربه قبل قبض أجره، ثم فلس رب الثوب، فللعامل أن يكون شريكا في الثوب بقيمة الصبغ أو النسج، نقصه ذلك أو زاده، قيل: فالبناء يكتريه الرجل فيبني له دارا ثم يفلس، قال: البناء أسوة الغرماء. ومن كتاب ابن سحنون قال: وكلم سحنون الأمير في استعجال أرزاق كتاب وأعوان لما احتبس ذلك عنهم، وقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه فهم أجراء ونحن نرى/أن من عمل لرجل عملا بإجارة ثم فلس قبل قبض الأجير حقه أن يبدأ بحق الأجير قبل دين الغرماء لهذا الحديث. [10/ 72]
في الأجراء هل يكونون أولى بما عملوا به في تفليس أربابه
في الأجراء هل يكونون أولى بما علموا به في تفليس أربابه؟ من كتاب ابن المواز: قلت: أيكون الأجراء أحق بما في أيديهم؟ قال: أما الحرابين، وأجير خدمة بيتك، أو لرحلك أبلك أو دوابك، وعلوفتهم، وليبيع لك في حانوت بزا أو غيره، فهو أسوة في الفلس والموت، وأما أجير السقي للزرع أو حائط فأحياه بسقي، فالأجير أولى بالزرع حتى يأخذ حقه، وهو في الموت أسوة، وكذلك في سقي الأصول من الفواكه وغيرها إلا أن يعطيه الغرماء أجره في الفلس، قاله كله مالك. قال مالك في الأجير في الزرع فزرعه وقاته به فهو في المفلس أحق به، وهو في الموت أسوة، قال ابن القاسم: إن صاحب الأرض مع الأجير في سقيها وعلاجها كلاهما أولى من مرتهن الزرع في الفلس، والأجير أيضًا أولى في المرتهن في الفلس. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في أجي السقي في الزرع والنخل فهو أسوة. ومن كتاب ابن المواز: روى أشهب عن مالك، قال ابن حبيب: ورواه عن مطرف فيمن اكترى أرضا فزرعها، واستأجر أجيرا، ورهن الزرع، قال ابن حبيب: وقبض المرتهن، ثم فلس فصاحب الأرض والأجير سويان على المرتهن يتحاصان، قال: والأجير/مبدأ مع كل من فدي، وهو في الموت أسوة. وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثله، وقال أصبغ، قال ابن القاسم: ورب الأرض أولى بما في أرضه من الغرماء في الموت والفلس، وقال أصبغ كالرهن ما دام فيها الزرع، ورب الأرض أولى من الأجراء في الفلس والموت، والأجراء أولى من المرتهن ومن الغرماء في الفلس، وأما في الموت فالأجير أسوة. ومن الكتابين: روى أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم في رب الزرع يؤاجر أجيرا يسقيه فعجز، فأجر ثم فلس رب الزرع: أن رب الأرض والأجير الثاني [10/ 73]
بالزرع يتحاصان، فإن فضل شيء فالأجير الأول أولى به من الغرماء، وقاله أصبغ، لأن بهم تم كما لو رهنه قوما فأحيوه بأموالهم ثم عجزوا فرهنه لغيرهم، أن الأجيرين أحق وما فضل فللأولين برهنهم وإحيائهم. قال في كتاب محمد: وقد قال مالك فيمن ارتهن زرعا فأصابته عاهة، فأخذ صاحبه من غيره فأصلحه ثم انتعش، فبالأولى يبدأ ثم الثاني، هكذا في كتاب محمد. وقال أيضًا مالك فيه وفي العتبية من سماع أشهب: ومن استدان فزرع واستأجر أجراء ثم عجز فاستدان، قال: يبدأ صاحب الدين الآخر فالآخر لأنه أحياه لمن قبله، فما فضل فللأول، قال: والأجير مبدأ كان أولا أو آخرا، وذكر ابن حبيب عن مطرف عن مالك، وقال: ويبدأ أهل الدين الآخر فالآخر على مكري الأرض والأجير، فما فضل فلمكري الأرض والأجير يتحاصان، فما فضل للغرماء. ومن العتبية روى عيسى/عن ابن القاسم فيمن مات عن زرع أفرك، فلما حصد ودرس قام الغرماء ولم يدع غيره، فطلب الولد إجارة ما حصدوا ودرسوا، فذلك لهم. قال عنه أبو زيد في أجير السقي ومكري الأرض أولى بالزرع من الغرماء يتحاصان فما فضل للغرماء يدخل معهم فيه أجير حراسة الزرع. ومن كتاب ابن حبيب: روى ابن القاسم، وأشهب عن مالك أن مكري الأرض وأجير الزرع والحوائط أولى بالزرع والثمر من الغرماء، وهما في الموت أسوة، وقال عنه أشهب: إنهما يتحاصان، وقال عنه ابن القاسم: يبدأ رب الأرض والأجير بعده، وذهب أصبغ إلى أنهما يتحاصان، وأنهما أولى في الموت والفلس كالرهن، وقاله ابن الماجشون وزاد: أن مكري الأرض ومكري الدابة لسقي الزرع [10/ 74]
في تفليس المكري أو المكترى في كراء الحمولة
والأجراء فيه وفي النخل أولى في الموت والفلس في الزرع والتمر، لا من باب الرهن، لكن لأن بهم حيي وتم، وكذلك الصناع أولى في الموت والفلس ما كان المتاع بأيدهم، قال: والأجراء فيما بعثوا لجلبه من بلد إلى بلد، والمجاعل على الآبق والشارد مبدون كالرهن بأيديهم هذه الحجة فيهم، والحجة في الزرع: أنه بهم حيي وتم، والأجير على رعاية غنم أو إبل يسلم إليه ويكون في يديه أولى في الموت والفلس، وكذلك وكلاء من بالعراق على ما لهم بالمدينة من قيم وساق وناضح مبدؤن في الموت والفلس، وفي الغزل إذا قدم أحدهم بغزلهم قبض ذلك منهم قبض أجرهم، وللأجير على بيع الثمرة/إن لم تخرج الثمرة أو ثمنها من يده حتى مات ربها أو فلس، فهذا مبدأ، وكذلك أجير الحصاد إذا قبض الزرع وغاب عليه وهو بيده، ولو كان قد خرج ذلك كله من أيدهم إلى أربابه قبل ذلك فهم أسوة، وأما أجير على خدمة أو رحلة وعلوفة، أو بيع متاع لم يسلم إليه، فأسوة في الموت والفلس. في تفليس المكري أو المكتري في كراء الحمولة من كتاب ابن المواز: قال مالك: وأكرياء الحمولة أولى بما حملوا من الغرماء في الموت والفلس، قال ابن القاسم عن مالك: كان طعاما أو غيره ما لم يسلمه، بلغ أو لم يبلغ، قال مالك: وكذلك السفن. وكذلك لو برز بها ولم يسر، أو قبض المتاع ولم يحمله حتى فلس ربه، فالمكري أولى به حتى يستوفي من ثمنه جميع الكراء، كان إلى مكة أو غيرها، ويكري الغرماء الظهر ما بقي من الطريق إن كان سار شيئا، وكذلك الصانع يدفع إليه العمل يعمله فيفلس ربه أو يموت، فالصانع أحق بما في يده إلا أن يفتك الغرماء، وكذلك لو دفع الجمال إبله إلى صاحب المتاع ليحمل هو عليها أو يسلمها إليه، فحمل عليها لنفسه فأفلس المكتري، فرب الظهر أولى بالمتاع، وإن لم يكن مع إبله. [10/ 75]
قال مالك في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن حبيب: وإن فلس صاحب الظهر فقد جعله مالك كمشتري السلع فقال: إن مات أو فلس قبل يكري المكتري أو يقبض شيئا/من الإبل، فإن كان اكترى إبلا معينة وعرفت فالمكتري أ؛ ق بها، كمبتاع سلعة بعينيها، أو يكتري دارا، فمكتري ذلك ومشتريه ألوى في الموت والفلس، وإن كان الكراء مضمونا فالمكتري والغرماء أسوة يحاصهم بقدر قيمة الكراء، قال محمد: فالقيمة يوم المحاصة والحكم، وكذلك في العتبية في سماع ابن القاسم في الكراء المضمون، وقال: كما يحاص من له في ذمة البائع سلعة بقيمتها يوم الحصاص، فإن صار لكل غريم نصف حقه كان لها نصف قيمة السلعة يشتري بذلك من تلك السلعة على شرطه، ولا يأخذه ثمنا. قال مالك في كتاب محمد والعتبية وإن لم يفلس أو يمت في الكراء المضمون حتى دفع لكل إنسان بعيرا ثم فلس أو مات، أو سار بالقوم فكان تديل تحتهم الإبل، فكل واحد أحق بما في يديه يوم مات أو فلس من أصحابه ومن سائر الغرماء، وفي كتاب ابن المواز: إلا أن يكون في أثمانها فضل عن كرائها، فلمن بقي من الغرماء أن يبيعوها ويتكارى لهم من الثقات الأملياء، ويحاص باقي الغرماء في فضل ثمنها بعد الكراء، قال مالك: وإن مات بعير تحت رجل ممن يديل تحتهم إبله، لم يكن له دخول على سائر أصحابه فيما في أيديهم يوم يموت البعير لا يدخل بعضهم على بعض إلا أن يشاء الذي هلك بعيره أن يتكارى لمن سلم بعيره من مليء، ويتبع ما سلم فيكون له فضل الثمن، قال أبو محمد يريد: يكتري به، في الواضحة نحو ما تقدم، كله/عن مالك. من العتبية: قال سحنون: والكراء المضمون وغيره سواء في أن كل من بيده بعيره كان أولى به، قال: ولو تسلف الجمال من بعض المكترين على أن يرهنه ما في يديه من الإبل فذلك جائز، ويكون رهنا محوزا، لأنه لو أفلس الجمال كان [10/ 76]
في التفليس في أكرية الدور والأرضين
كل واحد منهم أحق بما تحته من الغرماء ومن أصحابه، وكذلك أصحاب الأحمال أولى بما تحت أحمالهم من الإبل، ولو أراد الجمال أن ينقل تلك الإبل ويديلها بينهم وأباه أصحاب الأحمال فذلك لهم، ولا يفعل الجمال إلا برضاهم. قال سحنون عن ابن القاسم فيمن اكترى كراء مضمونا ذاهبا وراجعا، فلما بلغ مكة نزل عن بعض الإبل التي تحته واشتغل بحجه وأخرجت الإبل إلى الرعي، ثم فلس الجمال، قال: فالمكتري أولى بالإبل. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن وهب عن مالك: إذا هلك المكري على الحمولة كراء مضمونا، فإن كان صاحب الحمولة قد حمل وبرز بها فهو أحق من الغرماء إلا أن يرغب الغرماء في بيع الظهر ويضمنوا له حقه في ثقة وملاء. قال: ومن قول مالك في الأجير على رحلة الإبل وعلوفتها، ثم يفلس مستأجره فلا يكون الأجير أولى بالإبل التي يليها، وإن كانت بيده، وأما إذا فلس الجمال فكل رجل من المكترين أحق بما تحته، وإن كان الجمال كان يديلها تحتهم، وإن لم يكن ركب الرجل جمله إلا يومه ذلك. قال أصبغ: وهذا اختلاف من القول،/وينبغي أن يكون الجواب فيهما سواء، إن كان الراكب أولى بجمله إذا كانت تدال تحتهم، فذلك الأجير أولى بما في يديه منها، وإن لم يكن الأجير أولى بما في يديه مما يدير منها بالعلوفة والرحلة، لم يكن المكترون أحق بما تحتهم، وقولي: إلا أن يكون أ؛ د منهم أحق بشيء من ذلك، إلا أن يكون مكتري الحمل أسلمه إليه وقبضه وإلا يدال منه فهو أحق به، قال ابن حبيب: وبقول مالك أقول. قال ابن وهب عن مالك فيمن تكارى دابة، أو أجر عبدا ونقد، ثم فلس المكري، فالمكتري أولى بالدابة والعبد حتى يستوفي حقه. في التفليس في أكرية الدور والأرضين من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا فلس مكتري الدار لم يكن رب الدار أولى بما فيها في فلس ولا موت، وكذلك الحوانيت، قال: وهو أسوة في حصة [10/ 77]
ما مضى من الكراء، وهو أحق ببقية السكنى، يريد: في حصة ذلك من الكراء. قال أصبغ: إلا أن يدفع إليه الغرماء حصة باقي المدة بعد أن يأخذوا من الكراء ما فدوها به، ويكون لحصاص فيما في بقي مع سائر مال الغريم وإن ساء رب الدار تسليم باقي السكني، ويحاصهم بجميع الكراء في ذلك وفي غيره، فذلك له، قال ابن القاسم: وهذا في الفلس، وأما في الموت فلا يكون أحق بباقي السكني وهو أسوة في ذلك وفي غيره بجميع الكراء، قال مالك: وكذلك/في كراء الحوانيت مثل الدار فيما ذكرنا، قال محمد: ولو مات رب الدار والحانوت أو فلس فالمكتري أحق بذلك في الموت والفلس، وكذلك لو لم يكن لأنه شيء بعينه كالسعلة المشتراة بعينها يفلس بائعها. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم، وقاله ابن حبيب عن ابن القاسم: وإن اكترى دارا سنة بستة دنانير، وانتقد ثلاثة وسكن ستة أشهر، ثم فلس الساكن، فإن شاء رب الدار ترك الدار وحاص بالثلاثة دنانير الباقية له، وإن أبي إلا أخذ داره فليرد نصف ما انتقد حصة النصف الباقي من السنة في ذلك، ويأخذ باقي السكنى، ويحاص بدينار ونصف بقية حصة ما مضى، إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه دينارا ونصف حصة باقي السكنى من الكرا، ويحاص بدينار ونصف باقي ما مضى، قال ابن حبيب: وكذلك قال مطرف، وقال ابن كنانة وابن نافع: إذا اختار الغرماء حبس ما أدرك البائع من ماله، فلا يكون ذلك لهم إلا بدفع جميع الثمن، أو ما بقي منه إليه، وإن أتوا وخذه البائع لم يرد ما انتقد من الثمن إلا حصة ما استرجع من الصفقة، قال لي أصبغ. وقد كان قاله أيضًا مالك، قال ابن حبيب: والأول أحب إلي. ومن كتاب ابن حبيب: قال مالك: وإن أكرى داره سنة، ثم فلس الساكن بعد أن سكن شهرا، فإن شاء ربها حاصص بالكراء كله، وإن شاء حاصص بحصة ما سكن وأخذ داره إلا أن يعطية الغرماء حصة باقي المدة/فذلك لهم ويحاص بحصته ما مضى. [10/ 78]
في تفليس أحد المقارضين أو أحد الشريكين
وروى ابن القاسم وأشهب عن مالك في مكتري الأرض سنة يفس وقد زرعها: أن رب الأرض أولى بالزرع حتى يأخذ جميع الكراء إلا أن يدفعه إليه الغرماء. في تفليس أحد المقارضين أو أحد الشريكين من كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم في المقارض يشتري متاعا ويخرج إلى أطرابلس، فقام عليه بأطرابلس غرماء له أو لرب المال، قال مالك: أما غرماء رب المال فليبع لهم في ذلك فيأخذ العامل حصته، وكان ما بقي لغرماء رب المال، وأما إن قام على العامل غرماء له فأرادوا البيع ليأخذوا ربحه فلا عين المال شي، ولا يجبر على بيع، ولا يمنع منه. قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا فلس العامل بدين عليه فاقر في بعض ما في يديه أنه ليس من مال القراض فلا يصدق ولا نعمة عين. ومن كتاب ابن المواز: وعن شريكين في مال بعينه فسافر فيه أحدهما، فيدان فيه، ثم فلس، فأراد غريماه أن يتبعوا الشريك المقيم، فليس ذلك لهم، لأنه شاركه في مال بعينه. ومن أفلس بديون عليه في ذاته وعنده مال قراض لرجل، فرب القراض إن أدرك من ماله شيئا بعينه أخذه، وإلا فهو أسوة، إلا أن يقول العامل/: هذا مالي، فيصدق ولا يتهم أن يفر من ذمته إلى شيء في ذمته، ويقبل قوله فيه في ربح أو وضيعة، قال محمد: ولأنه إنما فلس بغير مال القراض، ولم يعرف هذا منه، ولو عرف كان صاحبه أولى به، وكيف تفليس في القراض وهو لا يصلح أن يداين فيه، ولو شرط ذلك ما جاز. وذكر تفليس الشريكين وعلى أحدهما مهر لزوجته في باب بعد هذا. [10/ 79]
فيمن مات وعنده وديعة أو قراض أو بضاعة أو لقطة فلم يوجد
فيمن مات وعنده وديعة وقراض أو بضاعة، أو لقطة فلم يوجد من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن مات وعنده وديعة أو قراض فلم يذكرها ولا وجدت، فذلك كالدين يحاص به غرماؤه إلا أن يذكر بعينه فيقول: هذا لفلان، فيصدق، قال محمد: أو يقول: قد تلف فيصدق، ومن مات وقد بعث معه ببضاعة ولم يدر أين هي، فإن مات قبل أن يبلغ البلد لم يلزمه، وإن مات بعد أن بلغها فهي في ماله ولزمه، وخالف في هذه أشهب وغيره وأصحابه وأصحاب ابن القاسم، وقالوا: سواء بلغ البلد أو لم يبلغ هي في ماله يحاص بها غرماؤه ما لم يوجد، أو يذكر هو فيها ذكرا يدفع ضمانها عنه، وقاله ابن عبد الحكم: قال مالك: ومن عنده لقطة قد فرع بها فلم يجد طالبها فأوصى بها، فليحاص بها أهل دينه. في أحد الشريكين في الدين يقتضي أحدهما منه وكيف إن بدأ أحدهما بنجم الآخر؟ / من كتاب ابن المواز: والشريكين في الدين ما اقتضى أحدهما لنفسه فللأخر أن يدخل معه إلا أن يكون أذن له أو استأدى عليه، وإذا الإمام للحاضر منهما بأخذ حقه جاز ذلك، إلا أن يكون لا شيء له غير ما يأخذ هذا، فهذا يرجع عليه القادم، وإن لم يأت السلطان ولكن صالحه على نصيبه بعد أن حل بعضه أو باعه منه قبل الأجل، ففي الصلح يأخذ الآخر نصف ما أخذ، ثم إذا قبض رد عليه مثله، وأما في البيع فإن شاء أجاز ودخل معه، وإلا سلم ذلك واتبع الغريم، وقال في الحميلين يغرمان المال ثم يقبض أحدهما من الغريم نصيبه، فللآخر أن يدخل معه فيه لأنهما كالشريكين. [10/ 80]
جامع مسائل في الدين والتفليس
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية في رجلين لهما حق بكتاب واحد، وللمطلوب على أحدهما دين فقاص به في نصيبه من الدين: أن لشريكه أن يدخل على صاحبه فيما قاص به الغريم، قال سحنون: وإذا كان لهما دين بكتاب واحد فيشهد أحدهما أنهما قد قبضا حقهما منه لم تجز شهادته، لأنه يدفع عن نفسه ما عليه من رجوع شريكه عليه، وللشريك أن يأخذ منه نصف ما أقر بقبضه ثم يرجع المنكر على الغريم بتمام حقه. قال ابن حبيب: روى مطرف وابن القاسم عن مالك في الدين المنجم لرجلين فيبدأ الآخر بنجم حل، ثم يفلس الغريم، فله أن يرجع على/المبدأ بنصف ذلك النجم لأنه سلف، ولو قبض أحدهما نصيبه وأخره الآخر لم يرجع على صاحبه بشيء، قال ابن الماجشون: ولو أخذ جميع النجم الأول من غير استئذان صاحبه ولا بدأه شريكه على أنه يسوغ له ذلك، ورضي بالنجم الثاني فليس له رجوع عليه في التفليس، قال أصبغ: وإذا كان لهما في كل نجم ثلاثة، فبدأ أحدهما الآخر بنجم على وجه المعروف فجائز، وإن كان إنما قصد إلى جبر الدنانير لأن كل واحد يأخذ دينارا ونصفا، لم يجز ويصير سلفا بنفع. جامع مسائل في الدين والتفليس من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا صالح ابن الميت غرماء ابيه على نصف حقوقهم على تحليل أبنه فرضوا فذلك يبرئه، ويكون في حل منه، قال: ومن ترك رهونا طال زمانها، ولا يعرف أهلها، ولا في كم هي فلتبع وليتربص بأثمانها سنة وما يرى، فإن لم يأت لها مستحق قضى بها دينه، ثم إن طرأ مستحق لها رجع على الغرماء. قال أبو محمد: يريد: بما يفضل من ثمن رهنه على الدين الذي يقر به. [10/ 81]
قال مالك: وإن أعطى الغريم بعض ما عليه للطالب فأبى إلا أخذ الجميع، فإنه يجبر على أخذه، قال ابن القاسم: إلا أن يكون الغريم مليئا يجبر الطالب، وجبرت الغريم على دفع الحق كله. وقال فيمن صالح من دم على أن يأخذ في كل سنة شيئا سمياه، ويأخذه عند السنة جملة فأراد الذي عليه الإبل/أن يؤديها رسلا رسلا، وقال الطالب: لا آخذها إلا جملة كما اشترطت، قال: ليأخذها رسلا كما قال، قيل: إن شرطه في سنة لم يقل أولها ولا آخرها: فقال: ليعط في وسطها، يعني وسط السنة. قال مالك: ومن ترك زوجة حاملا فأراد الورثة صلحها على حقها فلا يجوز ذلك، إذ لا تدري مالها: الربع أو الثمن؟ ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن استأجر أجير اليستتجره وأجلسه في حانوته أن ذلك جائز، قال: وما لحقه في ذلك من دين فذلك في ذمته إن لم يكن في يديه مال، قال: وما دخل عليه كان للذي استتجره، قيل: فلا تراه كأنه استأجره على أن يضمن ما تلف؟ قال: لا، وقد يستأجر نواتية يكرون سفينة ويحملون فيها، وهم يضمنون ما حملوا من الطعام، وكذلك عبده المأذون يكون الدين في ذمته. وقال أصبغ: قال أشهب فيمن له على رجل ديناران فأتاه بدينار، فأبى أن يأخذ إلا دينارين، فإن كان المطلوب مليئا لم يجبر الطالب على أخذه وأجير المطلوب على الأداء، وإن كان معسرا أجير الطالب على أخذه، وقال أصبغ: وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أتى ببعض الحق فأبى الطالب أخذه أنه يجير على أخذه، وهذا المعنى مكرر في باب آخر. [10/ 82]
في التحاصص مع الغرماء بصداق أو نفقة وخلع وعقل جرح وشبهه
وقال عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن له على رجل وعلى ابنه مال، أو طعام، فدفع الأب ما عليه إلى الابن ليؤديه عنه، ففعل، فقال الغريم: إنما دفع الابن عن نفسه وكذبه الابن، فالغريم مصدق/مع يمينه إلا أن يقيم الابن بينة أنه قال له: هذا عن أبي، ولو أقام الأب بينة أنه أمر الابن أن يدفع ذلك عنه لم ينفع حتى تقوم بينة أن ذلك الشيء بعينه هو الذي دفع الابن. قال أصبغ عن ابن القاسم في رجلين لهما على رجل حق فوكلا من يقبضه، قال: قبضت حق فلان، وقال الغريم: بل دفعت حق فلان وهو معدم، فإن كان حقهما واحدا مجتمعا فذلك بينهما. وقال أصبغ: ومن سماع أشهب: وعمن له عليك دين فأدرت أن تشتري منه سلعة فقال: أخاف أن تقاصصني وأنا محتاج إلى ثمنها، فقلت له: لا أقاصصك، فباعها منك على ذلك، ثم أردت مقاصته وعليه دين كثير ولكن لم يفلس، قال مالك: له أن يقاصه، فروجع فثبت على هذا. في التحاصص مع الغرماء بصداق أو نفقة وخلع وعلق جرح وشبهه وكيف إن طلقت الزوجة بعد ذلك؟ من كتاب ابن حبيب، وهو في غيره: قال مالك: للمرأة أن تحاص غرماء الزوج بصداقها، أو بما بقي منه، أو بما صالحته في خلع ففلس قبل يقبضه. قال عنه مطرف: ولا تضرب المطلقة بنفقة الحمل كما لا تضرب بنفقتها في العصمة إلا ما أنفقت الزوجة قبل ذلك في غيبته، وذلك في يوم ترفع إلى الإمام فلتضرب به في الفلس والموت، وقاله ابن الماجشون. قال ابن القاسم: اختلف قول مالك في نفقة الزوجة، فقال مرة: هذا/البائع معهم ببقية ثمن الفائتة بيد المبتاع، ولو فلس البائع قيل للمشتري: أخرج [10/ 83]
باقي ثمن الفائتة عندك تتحاص فيه وفي غيره أنت والغرماء من مال المفلس بما كان يجب كل به الرجوع في المستحقة على البائع، وهذا مذهب مالك وأصحابه. قال محمد: قال ابن القاسم: وإذا فلست المرأة وقد طلقت قبل البناء وقد كانت أخذها مهرها، فإن عرف المهر بعينه فالزوج أحق بنصفه، فإن لم يعرف إلا بعضه، كان أولى بنصف ما وجد منه ويحاص الغرماء بنصف ما بقي منه، ولو لم ينقدها إلا النصف ففلست وطلقها بعد التفليس قبل البناء وقد عرف ذلك بعينه، فلا شيء له فيه، وهو حقها، ولو كان بقي عليه من تمام النصف شيء لغرمه لها، وسواء طلقها قبل التفليس أو بعده. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن صالح زوجته بعشرة دنانير إلى شهر ثم فلست فليحاص غرماءها بذلك كما تحاص هي غرماءه بمهرها المسمى، محمد: وعليه دين محيط. وقال في شريكين متفاوضين فلسا وعليهما ألف دينار، وعلى أحدهما لزوجته مهرها مائتا دينار، ومعهما ألف دينار ومائتان، فعلمنا أن على هذه سبعمائة في نفسه، وعلى الآخر خمسمائة، وبيد كل واحد ستمائة، فيحاص في ستمائة؛ الزوجة بثمانين، والغرماء بخمسمائة، فيصير للزوجة مائة وخمسة أسباع مائة، وللغرماء أربعمائة وسبعمائة، ثم يأخذ الغرماء من/نصيب الآخر خمسمائة تبقى له مائة يقام عليه فيها بالضمان عن صاحبه، فيؤخذ منها ما عجز الغرماء، وذلك خمسة أسباع مائة، فإذا أيسر صاحبه غرم مائة تأخذ منها الزوجة ما بقي لها وهو سبعمائة، وشريكه خمسة أسباع المائة. [10/ 84]
وجه الحصاص في مال المفلس والميت وحلول ما عليه لمن له عليه من دين مؤجل
وجه الحصاص في مال المفلس والميت وحلول ما عليه لمن له عليه من دين مؤجل، وكيف يحاص لمن له عليه طعام مؤجل أو عرض، أو حيوان؟ وكيف بمن عنده رهن يتأخر بيعه؟ من كتاب ابن حبيب: قال مالك: يحل ما على المفلس مندين مؤجل، قال ابن شهاب: هي السنة أن من مات حل ما عليه من دين، ولا يحل ماله من دين، قال أشهب: وكذلك يحل ما باع من عطائه. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن باع رزقا له بالجار فمحقا سنين ثم مات، أن ذلك يحل في مال الميت، يأخذه المشتري قمحا من مال الميت، وكذلك من باع عطاءه ثم مات فليؤخذ ذلك من تركته، قال محمد: ولو بقي حتى يحل الأجل لألزمته ذلك في ماله ولا يقسم، لان عمدة ذلك عليه، وإنما شرط ذلك وتسميت بمعنى الأجل، ولو تبرأ من ضمانه على أن ذلك المشتري خرج أو لم يخرج، كان مكروها وفسخ. وفي العتبية من سماع أشهب فيمن تعين في عطائه، فتأخر العطاء وله مال فيه وفاء، أيؤخذ من ماله؟ قال: لا، وروي عنه فيمن اشترى بالدين في عطائه، ويكتب ذلك في ديوانه/فيخرج له نصف العطاء، أيحل حقه كله؟ قال: إن أمثل ذلك أن يأخذ ما خرج من عطائه فقط. ومن كتاب ابن المواز، ومثله في العتبية عن ابن القاسم، ومن رواية عيسى، وفي كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وذكر أن مطرفا وابن القاسم وأشهب رووه عن مالك، واللفظ لكتاب ابن المواز، قال: ومن أفلس وعليه عروض وحيوان سلم إليه فيها، قال: المشتري يحاص بقيمة ذلك فما حصل له من ذلك القيمة بالمحاصة اشترى له شرطه وما بلغ منه، وقاله أصبغ، قال: ويحاص [10/ 85]
بقيمته ما يسوي يوم الحصاص، فما أدرك بذلك جعل له في مثل ما كان يسأله بلغ ذلك الجميع أو أقل أو ما بلغ من أجزائه يشتري له، وإن صار به شريكا لم يتبع بباقي ما كان من شيء. قال في كتاب ابن حبيب، ونحوه في العتبية من سماع عيسى: وإن كان له طعام من سلم حوصص له بقيمته يوم الحصاص، فما وقع له اشتري له به من الطعام ما بلغ، وطالب بالباقي، ولا يجوز له أن يأخذ ما وقع ثمنا في طعام أو عرض، ولو كان السلم في صيف فوقع له ما يأخذ به نصف وصيف، فإن شاء اشترى له نصف وصيف وإلا ترك حتى ييأس صاحبه فيأخذ منه وصيفا، ولا يجوز أن يأخذ هذه الدنانير ويتبعه بنصف وصيف، وأن يأخذ ما أدرك ويطرح ما بقي إلا أن يكون ما وقع له مثل رأس المال فأقل، فيكون كما قال جائز. يريد/: في غير الطعام من بيع. قال في العتبية: وإن اشترى له نصف عبد طالب غريمه بنصف عبد. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: فإن لم يشتر الطالب الطعام بما وقع له طعاما حتى غلا أو رخص، فلا تراجع بينه وبين الغرماء، ولكن ما نقص اتبعوا به الغريم وما زاده لرخص السعر حوسبوا به للغريم، إلا أن يبقى فضلة بعد قبض جميع الطعام فيرد الفضلة إلى الغرماء، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وكذلك يحاصص من له كراء حمل غرماء الحمال في موته أو فلسه بقيمة الكراء، لا بما نقده. وفي باب تفليس الكري والمكتري من هذا. قال مطرف وابن الماجشون: وإن كان لأحدهم أصناف من طعام من قمح وشعيره وغيره، فوقع له في الحصاص دنانير فطلب أن يشتري له بها قمح، وقال المطلوب: شعير، فليس لهما ذلك، ويأمر الإمام من يشتري له من أصناف طعام بقدر ما يقع لكل صنف، لا يجوز لهما غير ذلك، وأما في غير التفليس: فالبائع [10/ 86]
يعطه ما شاء من أصناف ماله عليه، وليس للمبتاع أن يقول: بع ما عندك من الشعير وابتع لي قمحا. ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان لرجل عليه عشرة أرادب قمح فلم يوجد له إلا فحل وعليه لغرمائه فحل، فقال له رجل من الغرماء: تسلم لنا الفحل وأقله من القمح، وأنا أضمن لك رأس مالك نعطيكه إلى أجل كذا، ودع الفحل لنا فلا يجوز، ويرجع من له القمح على من/ضمن له رأس ماله، فيأخذ من ما كان يصير له في المحاصة من ذلك الفحل، ويرجع بالذي ضمن على سائر الغرماء الذين اقتضوا معه فيأخذ من كل واحد منهم قدر ما يصيبه، قال محمد: وذلك للتأخير، ولو نقده رأس ماله كان جائزا إن تولاه لنفسه، فأما عن الغريم فلا يحل. قال لي ابن الماجشون: وإن كان بيد أحدهم رهن فإنه يحاص الغرماء بجميع حقه إلى أن يباع الرهن، فإن بيع بجميع حقه أو أكثر رد الفضل إن كان مع ما أخذ في الحصاص، وإن بيع بأقل من حقه أخذه ونظر ما بقي له فيأخذ مما أخذ في الحصاص مثل ما صار لكل غريم إن كان نصف حقهما أخذ هذا نصف ما بقي له ورد ما بقي فيحاص هو والغرماء فيه بما بقي لكل منهم، قال محمد، وقاله ابن القاسم وأشهب وابن وهب فيمن كان بيده رهن زرع لم يبد صلاحه، وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا فلس دنانير وعليه دراهم فليصرفها، وكذلك إن كان له دراهم وعليه دنانير إلا أن يصرفها من الغرماء بما يسوي برضاهم، وإن كان له طعام وعليه مثلها دفعها فيما عليه، يريد: إن وقع له قيمتها في الحصاص، قال: وإن كان لو باعها لا شترى ما عليه بأقل من الثمن فليبعها، وإذا كانت الصفة علي الجيد والجيد أصناف فليشتر له إذنا ما تقع عليه تلك الصفة، وقد قيل: أوسط تلك الصفة، والله أعلم/. [10/ 87]
فيمن أنظر غريمه ثم بدا له
فيمن أنظر غريمه ثم بدا له من العتبية من سماع أصبغ عن ابن القاسم عمن له دين حال، فسأله غريمه أن ينظره إلى الصدر، فقال: لا، ولكن أكتبه حالا وأنا أنظرك إلى أن يتهيأ لك، ففعل، ثم طلب أخذه قبل أن يتهيأ، فإن أشهد له بالانتظار إلى أن يتهيأ له لزمه، وإن كان كتبه حالا وأنظره إلى أن يتهيأ له فذلك له، ويحلف: ما أراد إلا أن يتهيأ له ما بينه وبين الصدر، قال أصبغ: وليس له قبل الصدر طلب إذا لم يتهيأ له بغير مرزأة من بيع عقار وربع، إنما استنظره مخافة ذلك، فإذا حل الصدر أخذه به وحلف، وأما الوجه الآخر في التأخير المبهم: إلى أن يتهيأ له، فهو على الصدر وبعد الصدر متى ما تهيأ إذا لم يكن للذي عليه الحق نشاط في التأخير إلى الصدر، فإن كان ذلك لم يجاوز الصدر ولم يجعل دونه. فيمن مات ولزوجته عليه دين ثم أقرت الزوجة لأجنبي أن له عليه دينا، وكيف التحاصص في ذلك؟ من كتاب ابن المواز: ومن مات عن زوجة وأخ ولها عليه مائة دينار، وترك خمسين ومائة، وأقرت الزوجة أن لفلان على زوجها مائة دينار، فلتدفع إليه هي سبعة وثلاثين دينارا ونصف، لأن إقرارها لا يلزم الأخ فيما ورث، ويبقى له عند الأخ سبعة وثلاثون دينارا ونصف، ولأنها هي/تقول: إنما لي بالحصاص خمسة وسبعون فتحبسها وقد أخذت مائة بالدين، واثنين عشر ونصفا بالميراث، فتعطي من أقرت له مما بيدها ما زاد على خمسة وسبعين، وهو ما ذكرنا، وتحسب على الذي أقرت له ما ورث الأخ، فإن طرأ غريم آخر بمائة على الميت ببينة، قال: فليدخل مدخل الذي أقرت له المرأة، لأنه بالبينة أولى ممن لا بينة له، فيأخذ ما بيده ويحسب على الطارئ ما ورث الأخ، وهو بقية حقه، ثم يرجع الذي أقرت له [10/ 88]
في أحكام العبد المأذون وتفليسه
المرأة على المرأة وحدها بخمسة وعشرين دينارا لأنها تقول الآن ليس لي بالحصاص في تركته إلا خمسون، ولك خمسون فتدفع إليه منها خمسة وعشرين، وتقول له في يد الطارئ الذي أقام بينة، يريد: بما قبض وبما حسب عليه عند الأخ خمسة وسبعون لك منها خمسة وعشرون، قال: فإن لم يكن للمرأة بينة أيضًا إنما أخذتها بإقرار الميت، قال: يأخذ الذي له البينة المائة كلها، وتأخذ المرأة خمسين، ولا شيء لمن أقرت له المرأة لأنها تقول: إنما بيدي ما يجب لي في الحصاص، وجميع حقك عندك الذي أقام البينة. في أحكام العبد المأذون وتفليسه من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن استتجر عبده بمال، ثم فلس العبد، أن سيده لا يحاص بذلك المال غرماءه، إلا أن يسلفه سلفا، أو يبيعه بيعا فيحاص بذلك، ولو باعه وكتب عليه مالا يشبه مال العبد فالغرماء أحق بماله، إلا أن يكون/ارتهن منه رهنا فهو أولى بالرهن. قال سحنون: إلا مبلغ قيمة سلعته، لأنها لا تشبه ثمنها، قال مالك: وإذا فلس وبيده مال لسيده لم يستتجره فسيده أحق به، وأما ما استتجره فله فالغرماء أحق به وبجميع مال العبد، وعن المأذون له على من بايعه دين ببينة فادعوا أنهم بعض ذلك إلى سيده، فإن عرف أن السيد كان يقتص ذلك مع العبد، حلف السيد فيما ادعي وحلف العبد فيما ادعي عليه. ومن سماع أصبغ من ابن القاسم فيمن استتجبر عبده بمال وأمره ألا يبيع إلا بالنقد، ولا يشتري إلا به، فداين الناس، أنهم أحق بما في يديه، وإن لم تكن هي أموالهم بعينها، قال أصبغ: لأنه مأذون حين أطلقه على البعض، وكمن أذن له ألا يتجر إلا في البز، فتجر في غيره، فلحقه دين أنه يلزمها، لأنه نصبه للناس، وليس على الناس أن يعلموا بعضها دون بعض قال ابن القاسم: فإن قضى ما في يديه فإني أستحسن أن يكون ما بقي في ذمته، وقاله أصبغ على استحسان وفيها [10/ 89]
في معاملة غير المأذون العبد المحجور عليه
ضعف، قال سحنون: وهو كما شرط للسيد، ليس له أن يتعداه، ألا تراه لو أعطاه قراضا كان به مأذونا، وحكم القراض لا يباع بالدين، فكذلك إذا شرط عليه ألا يبيع بالدين لم يجز على سيده تعديه. قال أبو بكر عن ابن القاسم: وإذا أحلت من له عليك مائة دينار على عبدك المأذون، ثم فلس العبد فليحاص الذي أحلت غرماءه، فإن نابه نصف حصة رجع/بالنصف على السيد، ويرجع غرماء العبد على السيد بما صار لغريمه في المحاصة، وهي خمسون، فإن لم يكن عنده شيء باعوا من العبد بقدر ذلك. قال ابن المواز: ولم يجب أن يكون ما لحق المأذون من دين في رقبته، لأن إذن السيد له ليس من ناحية الضمان، ولو كان من الضمان يلزم السيد ديونه وإن جاوز قيمته. في معاملة غير المأذون وحكم العبد المحجور عليه من كتاب ابن المواز: قال: والعبد إذا حجر عليه سيد حجرا بينا ظاهرا عند الحاكم، أو في مجمع سوقه، ثم في سائر الأسواق، وأذاع ذلك وأعلنه، لم يلزم ما أقر به بعد ذلك لا مستأنفا ولا قديما، إلا أن تقوم بينة بدين قديم، فإن قامت بينة بإقراره أو بمعاملة حضروها ولا يعلمون قبل الحجر أو بعده، فلا يحكم عليه بشيء من ذلك، إلا أن يقولوا: إن ذلك كان قبل الحجر عليه، ولا يقبل قوله بعد الحجر بأن هذا كان قبل الحجر، ولو قبلناه كان إبطالا للحجر. وروى أشهب عن مالك، قال: ولا يشتري من العبد الذي لم يؤذن له في البيع والشراء شيء وإن قل، مثل الحب وشبهه إلا بإذن أهله، ولا يقبل قوله: إن أهله أذنوا له حتى يسألهم أو يرده عليهم، وقد يكونون في بعد. وقد جرى في العتق باب فيه أحكام مال العبيد، وجرى هناك شيء من ذكر المأذون. ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتد وله عبد مأذون، فإن العبد يوقف عن التجارة، ويمنع ويضرب على يديه/كما يضرب على يدي سيده، ويوقف عن ذلك [10/ 90]
توقيف رؤية لئلا يضيع، كما يفعل بسائر مال سيده من غير حجره انتظارا لما يكون من سيده، فإن عاود سيده الإسلام عاد وهو على أمره، وإن قتل كان ماله لبيت المال، وإقرار العبد لازم له في ماله بخلاف إقرار سيده المرتد. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: قال: وإذا ارتد ثم رجع إلى الإسلام فهو مأذون له في التجارة على حاله، ويطلق الإمام الوقف عن ماله، وما أقر به العبد من التجارة في وقت ردة مولاه أو بعد ذلك فذلك يلزمه إلا أن يوقفه الإمام ويمنعه من تحريك ماله، فإن أوقفه الإمام فقتل على الردة قضى في مال العبد، والذي في يديه، وكن ما بقي فيئا مع رقبة العبد، وإن ارتد المأذون حبس ولم يعرض لما في يديه، فإن قتل فما في يديه لسيده، وإن لم يكن عليه دين، وإن كان عليه دين، قضي من ذلك الدين وأخذ السيد ما بقي. ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون فيمن مات وله عبد مأذون فلما مات مولاه أمرت بضم ما في حانوت العبد خفت عليه الضيعة، فزعم أن عليه ديونا لناس سماهم، وقامت بينة لآخرين بإقراره قبل هذا بدين ولمولاه بدين، ثم أقر بعد أشهر بديون لآخرين، فكتب إليه: إقراره بحدثان ما أقر خاص، إلا أن يقر لمن يتهم عليه بصداقة والدين غالب على ماله، فإذا وقف ماله، وضرب/على يديه، وأقام الناس في إثبات ديونهم، والدين غالب على ما في يديه، فإقراره بعد ذلك باطل. قال محمد بن عبد الحكم: إذا حجر السيد على عبده المأذون حجرا ظاهرا عند حاكم وفي جامع الناس والأسواق، وأذاع ذلك. فلا يقبل إقراره بعد ذلك بدين، ولم يلزم ذلك فيما في يديه ولا في رقبته، وقال النعمان: إن أقر بدين بعد الحجر لم يلزمه في رقبته، ويلزمه فيما بيده من متاع، وما كان له عليه من دين قبل الحجر فهو أولى مما أقر به بعد الحجر، وكذلك لو مات مولاه ولم يحجر عليه، قال محمد: وهو يقول: إن المأذون يلحق رقبته الدين مع ماله، قال محمد: فإذا كان قد ثبت حجره ولزمه الحجر فلم أجاز إقراره بعد الحجر؟ فلا هو جعله حجرا [10/ 91]
في بيع السفيه وشرائه وأفعاله ولا ولاية عليه
فأبطل إقراره، ولا هو ألزمه إياه فجعله فيما هو في يديه وفي رقبته على أصله في الذي يم يحجر عليه، وحكاية هذا تنوب عن نقضه، وقد قال أصحابه في هذا بقولنا: إنه لا يلزمه إذا حجر عليه، لا فيما بيده ولا في رقبته. في بيع السفيه وشرائه وأفعاله ولا ولاية عليه من العتبية: قال عيسى في السفيه يبيع قبل أن يولى عليه، قال ابن كنانة وابن نافع وجميع أصحاب مالك: إن بيعه جائز حتى يولى عليه، إلا ابن القاسم قال: بيعه وقضاؤه لا يجوز، لأنه لم يزل في ولاية منذ كان، لأن السلطان ولي لمن لا ولي له، فهو في ولايته حتى يولي عليه يقوم بأمره، وكذلك روى عنه سحنون في سفيه مات أبوه ولم يول عليه أحدا، أو مات/وصيه ولو يوصف به إلى أحد ثم يبيع متاعه أو ينقلب به، أن ذلك مفسوخ وإن طال الزمن فيه إذا كان مشهورا بالسفه، ولا شيء للمشتري عليه من الثمن كالمولى عليه، قال: وإن لم يعرف بشر ولا بخير ولا بتبذير إلا أنه يشرب الخمر، وربما أحسن النظر في ماله، ففعل هذا جائز إذا لم يول. قال سحنون: أفعال السفيه الذي لا وصي عليه، يعني: ولا حجر، نافذة من بيع وهبة وصدقة حتى يحجر عليه، فإذا حجر عليه لم يجز شيء من أفعاله بعد الحجر، قال ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف: إنه إن كان منذ بلغ سفيها لم يأت عليه حال رشد، فأفعاله مردودة، لأنه لم يزل في ولاية، ثم ذكر نحو قول ابن القاسم وحجته، قالا: وليس ترك السلطان ما يلزمه من التولية عليه مما يخرجه من ولايته، قال: وأما من خرج من الولاية بالبلوغ فإيناس الرشد منه بعد وحسن النظر في أمره، وما رجي منه من تماديه حتى بلغ وخالط، ثم حدث به حال سفه، فباع فيها وخالط أيضًا، ثم رفع أمره، فهذا بيعه كله، إلا أن يكون بيع سفه [10/ 92]
في أفعال البكر اليتيمة أو غيرها، وكيف إن لم يول عليها
وخديعة بينة، مثل أن يبيع ما يسوى ألف دينار بمائة، فهذا يرد ولا يتبع بالثمن إن أفسده، ولا يكون في ماله، وما كان بيعا متقاربا وإن كان فيه غبن متفاوت فهو نافذ، وقال ابن القاسم: بيعه قبل الولاية وبعدها مردود. وقال ابن كنانة: ولا يرد إلا ما كان بعد الولاية قولا مجملا لم يفصله. قال مطرف وابن الماجشون:/ويرد بيع المولى عليه ولا يتبع بالثمن إلا أن يكون في يديه أو ما أدرك منه، أو يكون نمى به ماله، أو أدخله في مصلحته مما لم يكن له بد من إنفاق مثله من ماله فينظر له، فإن كان رد سلعته اليوم خيرا له ردت وودي الثمن من ماله، وإن رأى إنفاذ البيع خيرا له أنفذ وأخذ من المشتري تمام قيمته اليوم إن كانت أكثر، قالا: ولو كان إنما أكل الثمن فلا يلزمه منه شيء، وقال لي أصبغ: مثله إلا أنه قال: إلا أن ينفق ذلك فيما لا غنى به عنه، نفقة بينة معروفة، ومما لا بد أن يباع في مثل ذلك ماله، فهذا ماض، ويؤخذ الثمن من البائع، ويأخذ شيئه، فإن أكله السفيه فلا طلب عليه، ولو اشترى أمة فأولدت فهو فوت، ويرد بائعه الثمن، ولا يطالب السفيه بشيء، وقاله أصبغ. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في السفيه الذي لا ولاية عليه: بيعه جائز ما لم يخرج ن بيوع المسلمين، ولم يكن منه فيه إفساد ولا تلف. في أفعال البكر اليتيمة أو غيرها وكيف إن لم يول عليها؟ وما الذي يوجب لها الرشد؟ وكيف إن قاسم عليها إخوتها؟ قال ابن حبيب: قال عطاء ومجاهد: لا يجوز للبكر قضاء في مالها حتى تدخل/بيتها. وتمضي لها سنة، أو تلد ولدا. قال مالك: بعدما تدخل بيتها [10/ 93]
ويعرف من حالها، قال مطرف: يعني يشهد لها عدول من أهل الخبرة بها أنها صحيحة العقل رشيدة الحال، مصلحة للمال، حسنة النظر فيه حابسة على نفسها، قال مطرف: فإن شهد لها بهذا بعد البناء عندما دخلت وقد عرفت بما ذكرنا قبل البناء، فقد استحب مالك أم يؤخر جواز قضائها ما بينها وبين سنة، وهذا استحباب والذي يلزم أن يجوز بذلك قضاؤها، وإن شهد بذلك بعد البناء بيسير إذا عرفت بذلك في سترها، وأما إذا قضت في مالها بعد البناء، ولا تعرف برشد على من يريد أجازة فعلها ما بينها وبين السنة وما قاربها، وإن كان قضاؤها بعد السنة فالبينة على من يريد رد فعلها بأنها سفيهة، أو سيئة النظر، أو مختبلة العقل، وقاله كله ابن الماجشون وأصبغ. قال مطرف عن مالك في البكر المرشدة المرضية الحال، الحسنة النظر، فلا يجوز لها قضاء في مالها ببيع ولا غيره، كان لها أب أو لم يكن حتى تبلغ أربعين سنة، وقاله أصبغ وابن القاسم. وقال ابن الماجشون: إذا لم يول بأب ولا غيره، فإذا بلغت الثلاثين جاز قضاؤها من عتق وعطية وغير ذلك إذا كانت مرشدة، وأما التي تولى بأب أو وصي أو خليفة سلطان، فلا يجوز لها قضاء وإن كانت/في الستر والحال كما ذكرنا حتى تنكح أو تعنس، وأول التعنيس أربعون. وبه قال ابن وهب وغيره. قال ابن حبيب: وبه أقول. ومن العتبية: قال سحنون في البكر تعطي زوجها قبل البناء من مالها ما تبارئه به، فإن كان لها أب أو وصي لم يجز ذلك ورد ما أخذ، وألزمه الطلاق، وإن كانت لا أب لها ولا وصي عليها حتى تكون غير محجورة فذلك نافذ للزوج ما أعطته، بمنزلة السفيه ولا وصي له فأموره نافذه من بيع وشراء أو هبة أو غيرها ما لم [10/ 94]
يحجر عليه، فكذلك البكر تجوز هبتها وخلعها إلا أن يولى بأب أو وصي. وقال مالك في ضعيف العقل يزوج فأراد وليه إجازة ذلك، فقال: إن كان مولى عليه لم يجز نكاحه، وإن كان غير مولى عليه فهو جائز. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون في اليتيمة يدخل بها زوجها، ثم تخالع زوجها بالقرب بكل ما أعطاها، قال: يمضي الطلاق ويسترد وليها من الزوج كل من أخذ منها، ولم يكن لها أن تعطيه شيئا بإذن وليها أو بغير إذنه حتى تقيم سنة وتلد ولدا. ومن العتبية: قال سحنون عن ابن القاسم في البكر الثلاثين سنة: لا يجوز قضاؤها في مالها وإن أبوها عنها، وإن تزوجت إلا بعد البناء ورشد الحال، وأما التي عنست وبلغت الخمسين والستين فهذه يجوز فعلها في مالها إن كانت لا بأس بنظرها، وإن لم تكن كذلك لم يجز ذلك./قال ابن القاسم: وإذا تصدقت بمهرها على زوجها بعد البناء بنحو الشهر، ولا يعلم أمرشده هي أم لا، وأجاز ذلك وليها أب أو غيره، أن ذلك مردود، وليس للولي أن يجيز فعل من في ولاية حتى يعرف حالها بالرشد ويتواطأ وتقوم به البينة. قال أصبغ في العتبية، وكتاب ابن حبيب في البكر تحتاج فتبيع بعض عروضها، قال عنه ابن حبيب: وعقارها وتنفقه وتفعل في البيع والنفقة مثل ما يفعله السلطان، أو تبيع ذلك لها أمها أو من يقوم لها من أقاربها ممن ليس بوصي. قال في العتبية: ولعله يبعد عليه أو عليها أمر السلطان أو يضيع ذلك، أو لعلها ومن ولي أمرها يقدر على رفع ذلك فتركته، فالا عنه: غير أن البيع والنفقة جريا بما يجريه الإمام من حسن النظر، قال ذلك سواء، وينظر فإن كان شيء له بال وقدر، مثل العقار الصالح، والأمر الكبير من عين فذلك مردود كله، وينظر في الثمن، فإن كان جعل في نفقة لا بد منها، أو أمر لا غناء عنه، ولا مرجع إلى [10/ 95]
في أفعال المولى عليه وما الذى يوجب له الرشد؟
شيء غيره، ولو وليه سلطان أو وصي لباع ذلك للحاجة إليه، فليحسب للمشتري الثمن، قال عنه ابن حبيب: وأعطيه من مالها وإن كان على غير ذلك فهو ساقط عنها. قال عنه العتبي: وإنما يبطل من بيع السفيه ما لا مخرج لثمنه إلا فيما شاء أو في شهوته، فهذا لا مرجوع بالثمن فيه، وأما ما دخل في وجهه، أو وجد بيد السفيه/فمردود إلى المشتري ويفسخ البيع، قالا عنه: وأما إن كان المبيع خفيفا مثل الدويرة أو البيت الخرب والأمر القريب، قال عنه ابن حبيب: أو الدويية أو الثوب فذلك نافذ إذا بيع لنفقة ومصلحته ولم يكن له غيره. قال ابن حبيب عن أصبغ في البكر لا يوصي بها أبوها إلى أحد ترث مع إخوتها المنزل فيقسم ذلك إخوتها بغير أمر سلطان، فيعزلون لها حقها، فإن لم يفت ما بأيديهم ردوا وانتفي القسم، وإن فات ما أخذوا نظر فإن كان لها حظ فيما صنعوا ولا غبن فيه مضى ذلك ونفذ، وإن لم يكن نظر لها ولاحظ، وقد فات نصيبهم من الأرضين ببناء أو غرس، أعيد كله إلى القسم كأنه براح، فإن وقع لها ما فيه بناء وغرس نظر، فإن كان إنما أحدثه إخوتها أو من اشترى منهم محمد يعلم بعدتهم فليس له إلا قيمة ذلك مقلوعا، وإن كان مشتر لا يعلم بعدتهم فله قيمة ذلك قائما كمن بنى على شبهة. في أفعال المولى عليه وما الذي يوجب له الرشد؟ وما الذي يوجب الحجر على السفيه؟ من كتاب ابن المواز: قال محمد: تجوز أفعال من لم يبلغ، فإذا بلغ فأنس منه الرشد كما قال الله سبحانه جاز فعله، وذلك أن يصلح ماله ويثمره ويكون له دين يحجزه عن معاصي الله، وعن إتلاف ماله في لذاته، وليس لذلك حد من [10/ 96]
السنين إلا الرشد، ولا يصح قول أهل العراق: إنه لا يحكم/له بماله حتى يبلغ خمسة وعشرين سنة، ويجوز عندهم قبل ذلك عتقه وبيعه وشراؤه، وهذا خلاف ما دل عليه القرآن. قال: والذي يلي عليه يقوم مقامه في البيع والشراء أو غير ذلك، فيرهن ماله، ويتسلف له حتى يبيع ماله ويزوجه بغير إذنه إذا رأى ذلك نظرا له ويمهر بشبهه. قيل: فالكبير السفيه لا أب له ولا وصي، أو كان غير مرشد أيحجر عليه؟ قال: أشهب: لا أرى ذلك إلا في البين أمره في تبذير ماله، وما لا يحكم إمساكه. وقال ابن القاسم: يحجر على من لا أب له ولا وصي ممن لو كان عليه وصي لم يقض له بأخذ ماله ممن لم يتبين رشده، ولينزع القاضي منه ماله، ويجعل من يلي عليه، قال: وكذلك: من دفع إليه وصيه ماله ثم ظهر منه غير الرشد، فإن له أن يحجر عليه ثانية وينزع ماله. قال أشهب: ولا ينظر إلى سفهه في دينه إذا كان لا يخدع في ماله كما يخدع الصبي، ولا يخاف عليه في تدبيره ولا تبذيره. قال محمد: ولم يختلف في الصغير إذا بلغ أنه لا يدفع إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون في المولى عليه يؤنس منه بعد البلوغ حسن النظر في ماله وفي أخذه وإعطائه، إلا أن يشرب المسكر، قال: لا يحكم له بأخذ ماله إلا بالرشد في الحال وفي المآل، قالا: ولا يرد لشرب الخمر في الولاية بعد أن خرج منها. وقال ابن كنانة وغيره من المدنيين: لا يرشد حتى يكون رشيدا في حاله ومآله. [10/ 97]
/وقال ابن القاسم وأصبغ: إذا كان حسن النظر في ماله خرج ن الولاية وإن شرب الخمر. وبقول المدنيين أقول، وهو قول الحسن البصري. قال أصبغ: لا يخرج المولىعليه من الولاية، ولا البكر المعنسة إلا بشهادة عدلين بحسن نظرهما في المال، ويكون أيضًا مع ذلك أمرا فاشيا غالبا، وإلا لم تنفع شهادة العدلين في قبض أموالهما، ولكن يحكم لهم في إنفاذ ما اعتقا وباعا وقضيا فيه. قال أصبغ في السفيه المولى عليه، أو الصغير، أو البكر يتبع أحدهم الجارية فتعتق أو تحمل من مشتريها أو من زوج، أو يكون حيوانا فينتاتج فلترد تلك الدواب ونتاجها، والأمة وإن كان ولدها من زوج رد معها، وإن كان من المشتري فعليه الأكثر من قيمتها يوم ابتاعها أو اليوم، ويسقط الثمن الأول عن المولى عليه، إلا أن يكون قائما، أو دخل في مصلحة لا بد منا، وأما العتق فيرد. قال ابن كنانة: ما أقر به المولى عليه من دين عند موته فهو في ثلثه مبدأ، واستحسنه أصبغ ما لم يكثر جدا، وإن وسعه الثلث. قال مطرف وابن الماجشون في البكر والصغير والمولى عليه يبيع أحدهما، أو يهب، أو يعتق، فلا يعلم ذلك إلا بعد موته: أن ذلك مردود يورث عنه، وكذلك لو تزوج فلم يعلم به وليه حتى مات المولى عليه: أنه لا ميراث لامرأته ولا صداق عليه، إن بنى بها، لأن ذلك/مردود حتى يجيزه الولي، وإن كانت المرأة هي التي ماتت وبقي المولى عليه فالنظر لوليه قائم فإن رأى إجازة ذلك خيرا له وغرم الصداق لما يأخذ من الميراث أجازه وإلا رده، وقاله ابن أبي سلمة، وقال ابن القاسم: بل هو أمر جائز فد قات موضع النظر فيه، ومضى الذي كانت به الولاية، والأول أحب إلي، وإليه رجع أصبغ وقالا في المولى عليه من سفيه، وصغير وبكر: إنه لا يجوز عفوهم عما نيل منهم من الحدود والشتم والجراح، عمدها وخطائها، بل ذلك أولى بالصيانة مما حجر عليهم فيه، إلا في النفس فإنهم عند [10/ 98]
الموت في العفو في العمد والخطأ كالكبير، وقال ابن القاسم: يجوز عفوهم فيما ليس بمال في الحياة، وبالأول قال أصبغ، وقال: هو كالعبد، ولو جاز هذا جاز نكاحه بغير إذنه وليه إذا حمل عنه الصداق حامل. قال مطرف وابن الماجشون: ومن أتى إلى القاضي بيتيم بالغ فقال: إن أباه أوصى به إلي، وقد رشد وأنا أدفع إليه ماله، فاكتب لي به، فرآه، قال: لا يفعل حتى يثبت عنده أنه وصيه، وأنه قد رشد، ولو خوصم في فسخ بيع عليه ما أمكنه من ذلك. قال أصبغ: إن ثبت عنده رشده كتب له على ما يذكر من الوصية: إنك ذكرت كذا ودفعت إلى من ثبت رشده. وقال سحنون في العتبية: يكتب له: إن فلانا أتاني بفتى صفته كذا، وزعم أنه يسمى فلانا، أو بامرأة/صفتها كذا، وزعم أن اسمها كذا، وذكر أن أباها أوصى بها إله وبمالها، وأنها بلغت مبلغ الأخذ لنفسها والإعطاء منها، يريد سحنون ذلك بعد البناء، وسألني أن آمره بدفع مالها إليها، ويكتب له براءة، فأمرته بدفعه إليها، فدفعه إليها عندنا، وهو كذا وكذا، وقبضته منه، وقد أشهدنا له بالبراءة منه شهداء هذا الكتاب. وفي كتاب الصداقات: باب في صدقة المولى عليه. قال ابن الماجشون: ومن باع من مولى عليه وأخذ حميلا بالثمن، فرد ذلك السلطان، وأسقطه عن المولى عليه، فإن جهل البائع والحميل حاله لزمته الحمالة، لأنه أدخل البائع فيما لو شاء كشفه، وإن دخل البائع في ذلك بعلم سقطت الحمالة، علم الحميل أو لم يعلم. قال ابن الماجشون: ومن دفع إلى موقى عليه دنانير سلما في سلعة، فاشترى بها اليتيم سلعة من رجل وهي تعرف بعينها بيد الثاني، أو رهنا رجل ثم قال الأولى ففسخ ذلك، فله أخذ دنانيره بعينها من الثاني ومن الموهوب، وهي كدنانير لليتيم اشترى بها سلعة. [10/ 99]
في البائع هل يسافر بغير إذن أبويه؟
ومن العتبية: قال: ولو أسلفت إلى مولى عليه مالا، أو أسلمه إليه في سلعة، فاشترى بها أمة فأحبلها فهي له أم ولد، وليس لك أخذها في مالك، وترد أنت إليه السلعة إن قبضها، وإذا ابتاع السفيه أمة فأولدها فلترد الأمة على بائعها، ويرد هو الثمن، ولا شيء له من قيمة الولد والولد ابن للسفيه حر. وروى أشهب عن مالك في المولى/عليه يداين ثم يموت: أنه لا يقضى عليه، وهو في موته كهو في حياته، إلا أن يوصي به وقد بلغ حد الوصية، قال أبو محمد: يريد ك فيكون في ثلثه. قال عيسى عن ابن القاسم في يتيم له وصي وقد بلغ: ومثله لو طلب ماله أخذه، تزوج بغير إذن وصيه، ثم فسد وصار ممن يستحق الحجر، ثم طلقها في سفهه قبل البناء، وصالحها على أقل من نصف الصداق الذي قبضت بعلم الوصي، قال: يرجع وصية بتمام نصف الصداق، لا إذن لوليه في النقصان، ولو ادعى أبوها أنه رد إلى اليتيم نصف الصداق لم ينفعه، وإن صدقة اليتيم، لأنه دفع إلى مولى يجوز قبضه، وأما نكاحه وهو في الحال الذي ذكرت فيجوز، وهو كالإذن له. وفي كتاب الوصايا: ذكر وصية المولى عليه. وفي كتاب العتق: ذكر عتقه، وفي الوصايا: كثير من معاني هذا الباب. وهناك ذكر فيمن يبيع على الصبي ممن ليس بوصي من أم أو عم كنفه. في البالغ هل يسافر بغير إذن أبويه؟ من العتبية: روى أشهب عن مالك، وسأله رجل فقال: إن ابني تزوج امرأة، وهو يريد أن يذهب معها ويخرج ويدعني، وأنا شيخ كبير لا أقدر على نزع الشوكة من رجلي، فقال: إن كان قد بلغ وليس بسفيه ولا ضعيف العقل، وهو [10/ 100]
فعل الأب في مال ولده
يلي نفسه، فذلك جائز له، وهو رجل يخرج إن شاء إلى العراق، وإن كان لا يلي نفسه وهو سفيه مأخوذ على يديه فليس ذلك له. /فعل الأب في مال ولده قال ابن حبي: قال مطرف وابن الماجشون: وما وهب الأب من مال ولده الصغير من عرض أو رقيق أو عقار، فإن كان مليا فذلك نافذ للموهوب، وعليه للابن عوضه، شرط له ذلك على نفسه أو لم يشترطه، ولا سبيل للابن على الهبة إلا أن يعسر الأب من بعد يسره، فليرجع الابن فيأخذ الهبة، إلا أن تفوت فيأخذ قيمتها من الموهوب، ثم يرجع الموهوب على الأب بذلك، يتبعه من عدمه، لأنه قد لزمته القيمة لابنه فوداها هذا، والفوت في ذلك عتق العبد، والأمة تتخذ أم ولد، وإبلاء الثوب، وأكل الطعام، وبيع الهبة وأكل ثمنها، وما كان فوته بسببه، وأما ما هلك بأمر الله عز وجل فلا يضمنه، وإن كان الأب يوم الهبة قيمته إن كان له شيء يوم الحكم، وإن لم يكن وكان متصل العدم وداها المعطي ولا يرجع بها على الأب، وكأنه وهب مال أجنبي، وإن كان الأب يوم العطية معسرا ثم أيسر ثم أعسر نفذت العطية ولا يأخذها الابن وإن كانت قائمة، إن كان الأب مليا، وإن كان عديما فهل أخذها إلا أن يفوت فيأخذ القيمة من المعطي إن فاتت بسببه، ثم يرجع بها المعطي على الأب، قال: ومن باع أو رهن من متاع ولده لنفسه فهو مردود، إن عرف أنه فعله لنفسه، ولأنه قد يفعله لولده، وإن لم يعرف، فهو على أنه لولده/لا يرد حتى يعلم أنه لنفسه لدين عليه أو لغيره، وهذا في عدمه، فأما وهو ملي فذلك ماض ويضمن الثمن، وما اشترى لنفسه من رقيقهم وعقارهم فذلك نافذ، إلا بالبخس البين، فيرد كله، وما قارب الأثمان مضى. ومن باع من مال ولد الصغير فحابى فيه، فإن صغرت المحاباة مضى ذلك، وكانت في مال الأب كالعطية، وما عظم من المحاباة رد كله. [10/ 101]
قال مطرف: وما أعتق من عبيده جاز في ملأ الأب، وإن كان عديما رد ذلك، إلا أن يطول زمانه، ويولد للعبد على الحرية فيمضى، وبيع الأب على القيمة، قاله مالك. وكذلك ما نكح به من عبد أو غيره جاز في ملئه وعليه، فإن كان عديما رد ما لم يبن بالزوجة فيمضى، ويتبع الأب بالقيمة، ولا يكون للابن أخذ ذلك وإن لم يفت، وقال ابن الماجشون: سواء بني بها أو لم يبن، طال أمر العتق وولد له على الحرية أو لم يطل ولم يولد له، وسواء صغيرت المحاباة فيما أعطى من ماله أو عظمت، إن كان الأب موسرا مضى ذلك وأخذت هذه القيمة، وإن كان معدما رد ذلك كله إلى الابن. وقال أصبغ: يحوز هذا كله من فعل الأب من هبته وبيعه وعتقه وإصداقه النساء، مليا كان أو معدما، قائما كان ذلك أو فائتا، طال أمر العبد أو لم يطل، بني بالمرأة أو لم يبن، كان البيع له أو لنفسه، فذلك كله ماض ويلزم الأب قيمة ذلك لنفسه في ماله وفي ذمته إلا أن يكون السلطان قد تقدم/إليه في ذلك ونهاه عنه، فلا يجوز بعد ذلك، فجعله في شيء من ذلك، وبالأول قال ابن حبيب. وفي كتاب ابن المواز من هذا الباب في النكاح وكتاب العتق وغيره. ومن سماع أصبغ من العتبية: قال ابن القاسم في الأب يبيع على ابنه في حجره دارا أو أرضا، فإن كان ليس بسفيه ولا مولى عليه جاز ذلك، ولا يرده الابن إن كبر إذا ذلك نظر له، ويتبع أباه بالثمن، وللأب محاسبته بالثمن بالنفقة عليه إن شاء من يوم باع، وإن كان الأب سفيها يولى على مثله، لم يحز بيعه، وإن لم يكن عليه ولي كما لو باع على نفسه، وإن السفيه إذا مات أبوه أو وصيه فهو عندي كالمولي عليه، وقد يموت الرجل فجأة أو في سفر، وقد لا يرفع أمره إلى قاض فيولي عليه، أفيذهب مال هذا في مبايعته وأفعاله؟ هذا بين الفساد، وكذلك سمعت. [10/ 102]
في قضاء ذات الزوج في مالها
ومن سماع ابن القاسم: وعمن تصدق على امرأته وعلى ابنه الصغير منها ببعض حائطه صدقة بتلا، فطلبت المرأة بيع حصتها من ذلك، وأراد الأب أن يبيع لابنه، قال: ذلك لهما، قيل: والابن صغير فأراد أن يبيع عليه نظرا له، قال: ذلك له. وروى عيسى عن ابن القاسم في الأب يهب عبد ابنه صغيرا ويتصدق به، وقال مالك: ذلك باطل، وإن كان مليا، وإن أعتقه، يريد: عن نفسه والأب مليء، فذلك نافذ، وعليه لأبيه قيمته، ولو كان كبيرا لم يجز عتق الأب/وأما ما تزوج به من مال ولده الصغير، فإن كان الأب مليا فذلك نافذ للمرأة بني بها أو لم يبن، وقاله مالك. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن تصدق على ابنه الصغير بغلام ثم أوصى بعتقه ومات الأب، فإن ذلك نافذ، ويعتق في ثلثه، وقيمته للابن في رأس ماله، لأنه كان يجوز لابنه، ولو أوصى بعتق لابنه الصغير لجاز إن كان له ثلث يعتق فيه، فكذلك هذا، وإن مات الأب ولا مال له لم تجز الوصية للعبد، والابن أولى به بالصدقة، وإن كان الابن كبيرا يجوز لنفسه، فإن لم يقبض الابن العبد حتى مات الأب بطلت الصدقة له، والوصية للعبد جائزة، وإن قام يجوزه في صحة الأب فذلك له، وتبطل الوصية للعبد لأنه لا يجوز أن يوصى في عبد ابنه الكبير بعتقه. في قضاء ذات الزوج في مالها قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: روي أن النبي عليه السلام قال: لا يجوز لامرأة أن تقضي في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها. فرأى العلماء أن الثلث ذو بال، ولم تكن أسوأ حالا من المريض الذي قصره رسول [10/ 103]
الله صلى الله عليه وسلم على الثلث: فما فعلت أكثر من الثلث في عتق، أو صدقة، أو هبة فهو مردود حتى يجيزه الزوج، وقال ابن القاسم: هو جائز حتى يرده الزوج كعتق المديان، ورواه عن مالك، وأنكر مطرف/وعبد الملك هذه الرواية، وقالا: الغرماء لا يصح لهم نكير إلا بإثبات بينة على الدين وإغراق الذمة، وهذا زوج فلا يكلف بينة، وقد قال في الحديث: لا يجوز لامرأة، فهو مردود في الأصل، قالا: وإذا قضت بالكثير فلم يعلم به حتى تأيمت بموته، أو طلاقه، أو علم فرده فلم يخرجه من ملكها حتى تأيمت. فذلك نافذ عليها، وكالعبد يعطي ويعتق فلا يرد ذلك حتى أعتق أنه يلزمه، والغرماء يردون عتق المديان للعبد فلم يخرج من يديه حتى أيسر أن العتق ماض، وإذا لم يعلم الزوج بما فعلت من عتق وعطية حتى ماتت هي، أو لم يعلم السيد بفعل العبد حتى مات فذلك مردود، لأن لها الميراث فيه. وقال أصبغ بقول ابن القاسم: إن قضاء المرأة جائز حتى يرده الزوج، فإن لم يعلم حتى تأيمت أو ماتت فذلك ماض، وقال أصبغ: أقول بقوله في الموت، وأما في التأيم فبقول مطرف وابن الماجشون، وقال ابن حبيب بقولهما في كل شيء، وقال: قد أجمعوا في التأيم واختلفوا في الموت، فقال ابن القاسم: إذا لم يعلم به الزوج ولا رده حتى تأيمت يحكم به عليها، ولا يحكم به عليها إن كان الزوج قد رده حين علم، وقال مطرف وابن الماجشون واصبغ: ذلك كله ماض عليها، لأن ذلك الرد ليس برد للعتق، إنما هو رد للضرر، وقد أجمعوا في الهبة أنها بخلاف العتق، وأن الزوج إذا ردها ثم تأيمت فلا يلزمها/إمضاؤها، وإذا لم يرد حتى تأيمت فهي ماضية، وأجمعوا في الهبة أنها تقضي فيها بما أحبت قبل أن تتأيم إذا كان قد ردها الزوج. قال ابن القاسم: وإذا أعتقت ثلث عبدها ولا تملك غيره جاز ذلك، ولو أعتقته كله لم يجز عنه شيء، وهو قول ابن أبي حازم وقال ابن الماجشون [10/ 104]
ومطرف: ويبطل عتقها في الوجهين لأنه كأنه أعتقته كله بعتق بعضه، لإيجاب النبي عليه السلام تتيمم العتق على معتق شقص، فكيف بمن يملك جميع العبد، فلما منع الزوج من ذلك رد جميعه، وروياه عن مالك، وعن المغيرة، وابن دينار، وغيرهم، قالا: وكذلك لو أعتقت نصيبا لها منه لا تملك غير ذلك النصيب، فرده الزوج، فلا يجوز من عتقه شيء، وقاله ابن نافع وأشهب وأصبغ، إلا أن أصبغ قال: إذا أعتقت. . . بينها وبين رجل أنه يستتم عليها، إلا أن يرد ذلك الزوج هذا، لأن أصله أن فعلها ماض حتى يرده الزوج. قال مطرف وابن الماجشون: وإن كان لها عبيد غيرهم، فأعتقت أثلاثهم، فذلك باطل، ولو أعتق ثلثهم أعتقت ثلثهم بالسهم، فإن خرج عبد وبقي من الثلاث أسهم حتى يتم الثلث، فإن كان تمامه في أقل من عبد أو جميعها على ما بينا. وقاله أصبغ. وقال مطرف عن مالك: إذا دبرت عبدها فذلك ماض لا رد للزوج فيه، إذ لم يزل رقه وإنما منعت بيعه، وقد كان/لها ألا تبيعها بلا تدبير، وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وقال أصبغ: وقال ابن الماجشون: لا يتم ذلك إلا بإذنه، وهو كعتقه، وقد منعت نفسها من البيع إن أرادته بعد ذلك، وقال ابن حبيب بالقول الأول. وقال ابن الماجشون: وإذا أعطت أو تصدقت بأكثر من الثلث رد منه الزائد على الثلث، وأما في عتق العبد فيرد جميعه لئلا يعتق بعض عبد بلا استتمام فيخالف السنة، ورواه عن مالك. وقال مطرف: ما علمت مالكا فرق بين ذلك، إن ذلك مردود إلا أن تقتصر هي على الثلث، وقاله ابن القاسم، وبقول ابن الماجشون أقول. [10/ 105]
وقال لي عن مالك: إذا تصدقت بالثلث فأقل على وجه الضرر بالزوج والسفه أنه يرد ذلك كله، وبه أقول، وقاله أشهب عن مالك، وقال ابن القاسم ذلك ماض لها على أي وجه كان، وقاله أصبغ. قال مطرف وابن الماجشون: ولها أن تنفق على أبويها وتكسوهما وإن جاوزت الثلث، ولا قول للزوج، لأن الحكم يوجبه عليها، وقاله أصبغ. وقال أصبغ: وإذا أعتقت رأسا من رقيقها ثم رأسا ثم رأسا والزوج غائب، ثم قدم فإن كان بين ذلك أمر قريب حتى كأنها اغتزت تجويز الكثير من مالها مثل أن يكون بين ذلك اليوم واليومين، فإن حملهم الثلث وإلا رد جميعهم كعتقها إياهم في كملة، وإن كان بين ذلك بعد مثل/شهر وشهرين جاز الأول إن حمله الثلث فأقل ورد ما بعده وإن حمله الثلث مع الأول لأن مخرجه الضرر، وإن تفاوت ما بين الوقتين مثل ستة أشهر فهو عتق مؤتنف يبدأ لها فيه نظر الثلث في كل وقت. قال أصبغ: وإذا تصدقت بشوار بيتها وهو قدر الثلث فأقل فقال الزوج: لا تعري بيتي فذلك ماض، وتؤمر هي أن تعمر بيتها بشوار مثلها، وكذلك لو تصدقت قبل البناء بصداقها، وهي دون الثلث، وهي ثيب أن ذلك ماض، وتؤمر أن تجعل مثله من مالها في شورة تدخل بها. وقال ابن الماجشون: وإذا أقرت في الكثير من جهازها أنه لأهلها جملوها به والزوج يكذبها، فإن لم يكن إقرارها بمعنى العطية فذلك نافذ على الزوج، وإن كان بمعنى العطية. رجع ذلك إلى الثلث. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن وهب في العبد له المرأة الحرة، إنه ليس له من منعها من القضاء في ثلثي مالها مثل ما للحر، ولها أن تتصدق بمالها ولا كلام له، قلت: إنه قد يعتق، قال: ما اتفق الناس في الحر فكيف في العبد، قلت: [10/ 106]
في مال المرتد وإيقافه وقضاء ديونه
فهو رأيك في الحر أن له منعها إلا من الثلث، قال: هو أحب غلي. قال: وأما الأمة تحت الحر فليس له عليها حجر مالها لسيدها، وهي لا تختلع إلا بإذنه. قال أصبغ: أما قوله في الحرة تحت العبد فليس بشيء، وله ما للحر، وهو زوج، وهو حق له. وقال أشهب وابن نافع عن مالك مثله. وكذلك ذكر ابن المواز عن مالك/أن له منعها. وفي كتاب الصدقات باب في صدقة ذات الزوج المولى عليها فيه كثير من هذين البابين ها هنا وزيادة في معنى ما فيهما. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا طلب الزوج أن يخرج بزوجته إلى بلد آخر، ولها عليه دين فدخل أو تقارب حلوله أو لم يتقارب، وقالت: لا أخرج وها هنا بينتي، فإن له أن يخرج بها وتطلبه بالدين حيث ما حل، فإن طلبت كتابا من القاضي بما ثبت من دينها فإن كان قريبا فذلك لها، وإن كان ذلك بعيدا فليس لها ذلك، وله أن يخرج بها. في مال المرتد، وإيقافه، وقضاء ديونه، وذكر دين المعاهد الناكث ونحو ذلك وهذا الباب مستوعب في كتاب الجهاد، وكتاب المرتد، من قول مالك وأصحابه، وهذا المذكور منه ها هنا لابن عبد الحكم سيغني عنه أو يضاف إليه ما في ذينك الكتابين لتعلق ذلك بما في هذا الكتاب من ذكر الديون والحجر في المال. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا ارتد رجل وعليه ديون حالة أو مؤجلة، فإنما يقضي عنه الإمام ما حل من ديونه من ماله، فإن قتل قبل ذلك فقد حل الرجل من الدين الذي عليه، ويحاص في ماله من حل دينه ومن لم يحل، ولو رجع إلى [10/ 107]
الإسلام قبل ذلك فلم يحل ما عليه إلى الأجل، ولمن حل دينه قبضه منه بخلاف المفلس، ولو لحق/بدار الحرب مرتد فليسمع البينة بما عليه من دين، ويبقى المؤجل إلى أجله بخلاف التفليس ويحاط الفاضل من ماله حتى يموت مرتدا فيكون كالفيء، أو يرجع إلى الإسلام فيورث عنه إن مات، وليس كالتفليس، ولا يكون من وجد من غرمائه سلعته بعينها أحق بها. تم الجزء الثاني من كتاب المديان والتفليس بحمد الله وعونه [10/ 108]
كتاب الحمالة والحوالة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب الحمالة والحوالة في الحمالة بالوجه، وكيف إن قال: إن لم آت به فعلي المال؟ وأخذ حميل من حميل، ومن تحمل بمنكر بوجه أو مال، أو تحمل بوجه رجل بما قضى به عليه قاض معلوم من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن تحمل بوجه رجل أو بعينه أو بنفسه فهو سواء، إن لم يأت به وإلا غرم المال حتى يشترط في حمالته: لست من المال في شيء، محمد: أو يقول: لا أضمن لك إلا الوجه فهذا لا يضمن إلا الوجه، غاب الغريم أو حضر أو مات، أو لا يتكلف إلا إحضاره، قال ابن القاسم: فإن لم يحضره لم يسجن إلا أن يعلم بمكانه فليسجن فيه بقدر ما يرى السلطان مما يرجو به إحضاره، وإن لم يشترط هذا وتحمل بالوجه مبهما فهذا إن لم يقدر عليه حكم عليه بما يصح على الغريم بالبينة، وهذا في غيبة المطلوب فقط، فأما/في موته، أو تفليسه، أو وهو محبوس في دم أو دين أو غيره فلا شيء عليه، إذ يدفعه إليه وهو في السجن ويكفيه أن يقول: قد برئت إليك منه، وهو في السجن، فشأنك به. قال فيه وفي العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن طلب الحميل أن يؤجل له في طلبه في غيبته، فإن بعدت غيبته فليس له ذلك، وليغرم [10/ 109]
مكانه، وإن كان قريبا على يوم أو يومين، قال في العتبية: أو ثلاثة، وبقدر ما لا يضر فيه بالطالب، وما يجتهد به للحميل، أستأني به بقدر ذلك، وإن كان ببلد لا يرجوا قدومه منه إلى يومين أو ثلاثة ونحوها أغرمه مكانه. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إذا غاب الغريم عند محل أجل الحمالة ضرب لحميل الوجه أجل، فإن جاء بالغريم فيه وإلا غرم ما عليه إن ثبت ما عليه بالبينة، إلا أن يكون شرط ألا مال علي، فلا يلزمه إلا طلبه. ومن العتبية من سماع يحيى، ومن كتاب ابن المواز: فإن طلب الحميل بيع مال الغريم، فإن كان على مسيرة عشرة أيام، بيع ما له عليه، وأما على يومين فلا، وليكاتب حتى يبعث أو يؤنس منه فيباع عليه، قال: ولا يؤخر حميل المال، وهو كالغريم نفسه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا حكم على حمي الوجه بالغرم فلم يغرم حتى قدم الغريم فأتى به، ويبرأ منه، لم ينفعه ذلك، ولابد أن يرغم، قال: ولو غرم بالحكم ثم أصاب بينة بموت الغريم قبل الحكم فإنه يرجع بما ودي على الطالب وتسقط الحمالة. قال ابن وهب في حميل/الوجه: إذا غاب الغريم قضي عليه بالغرم ولا يضرب له أجلا ليطلبه، وقال أصبغ: يضرب له أجلا خفيفا في قريب الغيبة كقول ابن القاسم. قال محمد بن عبد الحكم: ومن تكفل بوجه رجل فغاب رجل فأخذ به الكفيل، فأقام آخر البينة على الكفيل أنه استأجره قبل ذلك أن يبني له داره أو يسافر معه إلى مكة، فالإجارة أول ولا يحبس في الدين، لأن الكفالة بالدين معروف تطوع به، ولو كانت ظئرا استؤجرت لرضاع قبل الكفالة لم تحبس في الكفالة أيضًا، والرضاع أولى، فإذا انقضت إجارة الرضاع طولبت بالحمالة. [10/ 110]
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وفي العتبية من رواية عيسى: وإذا مات الغريم في البلد قبل الأجل أو بعده في حميل الوجه قبل الحكم عليه فلا شيء عليه، قال محمد عن ابن القاسم: وقيل لمالك: فإن مات بالبلد أيلزم الحميل شيء؟ فقال: أرأيت إن غاب إلى سفر لم يكن عليه أن يعطيه حقه، قيل لمالك: أفترى الموت مثله؟ قال: الخروج أبين، قال محمد: وهذا المعروف من قول مالك وأصحابه، وقال أشهب: لا أبالي مات في غيبته أو في البلد، يريد: فلا يغرم الحميل. وقال ابن القاسم في الكتابين: يغرم في موت الغائب إن كان الدين حالا قربت الغيبة أو بعدت، وإن كان مؤجلا فمات قبل الأجل بأيام كثيرة لو خرج فيها الحميل جاء به قبل الأجل،/فلا شيء عليه، وإن كان لو طلب فخرج لم يأت به إلا بعد الأجل فهو ضامن، قال عنه عيسى: وإذا مات بعد الأجل ضمن، قربت الغيبة أو بعدت، قال في الكتابين: وإن كنت قلت فيها غير هذا فاطرحوه، وكذلك ذكر عنه أصبغ في كتاب ابن حبيب، وزاد: ولو جاء به عند الأجل والطالب غائب فالحميل حميلا حتى يجمع بينه وبين صاحبه، إلا أن يكون شرط عليه في أصل الحمالة: أنك إن غبت ولم توكل من يقبض مني فلا حمالة، فذلك له إذا أحضره عند الأجل فأشهد بإحضاره فقد برئ من حمالته. قال عنه أبو زيد في العتبية: وإذا تحمل بالوجه إلى أجل على أنه إن لم يأت به إليه غرم، فأتى به كالغد، فإنه يغرم حتى يأتي به في اليوم بعينه. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن أبى أن يتحمل برجل إلا أن الطالب كتب عليه: إن عليك إذا طلبته أن تأتي به سالما من كل علق أو تباعة ببعض حقه من كل أحد، أترى ذلك حمالة؟ قال: نعم هي حمالة، وهي في العتبية [10/ 111]
من سماع ابن القاسم، وقال في سؤاله: وأرهن بالحق رهنا وضعه بيد رجل، وأبى الموضوع على يديه أن يتحمل به، ولكن كتب على نفسه: إن علي إذا طلبت مالك أن آتيك بفلان سالما من كل تباعة ببعض مالك من كل أحد من الناس، قال: هذه حمالة لازمة. ... ... حمالة ومن كتاب محمد: وإذا دفع الغريم نفسه إلى الطالب ليبري الحميل فلا ينفعه وهو كأجنبي لم يوكله بدفعه إليه/إلا أن يأمره الحميل بذلك فيكون ذلك كرفع الحميل، فإن أنكر الطالب أن يكون الحمل أمره بذلك، أو وكل به من قام بذلك، فإن شهد بذلك أحد بري. قال: ومن تحمل برجل وتحمل آخر بنفس الحميل فلم يوجد إلا حميل الحميل فإنه جاء بأحدهما برئ، وإلا لزمه المال ثم يرجع هو به على من شاء منهما، قال: وإن لم يحكم عليه حتى مات أحدهما، فإن مات الغريم برآ جميعا، وإن مات الأوسط كانت الحمالة في تركته، وبرئ هذا الذي تحمل بالحميل، وإن مات هذا فالحمالة عليهما قائمة، فإن تحمل الثاني عن الحميل بالمال قيل له: إن جئت بالغريم برئت، وإن جئت بالحميل فإنه إن ثبت عليه المال إذا لم يأت بالغريم، كنت للمال ضامنا، وإن مات الغريم برئتما، وإن مات الحميل الأول، فالأول على حمالته. محمد: ويقوم الثاني مقامه إن جاء بالغريم برآ، وإلا غرم، وقال عبد الملك: إذا مات الحميل الأول سقطت عنه الحمالة بموته وعن حميله، ولم يعجبنا هذا، ولا تسقط عنه، وأما عن حميله فلا تسقط إلا، يتحمل بالوجه، قال: ولو شرط حميل الوجه: إن آتك به عند وفاء الأجل، فحقك علي، فمات الغريم ولم يأت به، فإن مات في البل بعد الأجل لم يبرأ لأنه صار بمضي الأجل حميلا بالمال. ومن قام على منكر بدين، فقال له رجل: دعه فأنا كفيل بوجهه إلى غد، فإن لم آت به فالمال علي/وقد سماه، فلم يأت به في غد أن المال لا يلزمه حتى يثبته الطالب ببينة، ولو أقر له به المطلوب بعد الحمالة لم يلزم ذلك الحميل إلا ببينة، وكذلك من ادعى على غائب ألف درهم فتكفل بها رجل، ثم قدم الغائب فأنكر أو أقر لم يلزم الحميل إلا ببينة، أو تقوم بينة أنه أقر بها قبل الحمالة فيلزم [10/ 112]
الحميل، وكذلك لو قال له: أنا حميل لك به إلى غد، فإن لم أوفك به غرمت ما ثبت لك عليه، فلا تضمن إلا ما تقوم به البينة، فإما بإقرار المطلوب بعد الحمالة فلا يضمنه، ونحوه كله في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم. وقال في كتاب محمد: وقال مالك في رجل طولب بدينارين فأنكر، فقال أخوه للطالب: خله وحقك علي إذا حلفت عليه، وأشهد عليه بذلك وكتب، ثم بدا للأخ، قال يلزمه إذا حلف الطالب. ومن العتبية: وروى حسين بن عاصم عن ابن القاسم في الحميل يشترط على الطالب: أنك إذا لقيت غريمك فتلك براءتي، قال: إن لقيه بموضع يقدر عليه ثم له براءة وله شرطه، وإن لقيه بموضع لا يقدر عليه لم يكن براءة للحميل. قال: ومن تحمل بالوجه وقال: على أني لا أكفل بمال، إنما أطلب وجهه حيث كان، فغاب الغريم وأجل للحميل في طلبه أجلا آجالا كثيرة، قال مالك: لا شيء عليه غير طلبه وإن طال ذلك، وله شرطه، وإن قال به الطالب: هو بموضع كذا فأخرج إليه، فلينظر،/فإن كان مثل الحميل يقوى على المسير إليه، أمر بذلك، وإن ضعف عن ذلك لم يكن عليه، ولو خرج ثم قدم فقال: لم آخذه، فكذبه الطالب في الوصول: فإن كان من وقت خروجه مدة يبلغ في مثله، صدق، فإذا ثبت ببينة أنه خرج فأقام بقريته ولم يتماد فليعاقبه بالسجن بقدر ما يرى، ويأمره بإحضار صاحبه إن قدر عليه، وأما أن يضمنه المال فلا، إلا أن يلقاه فيتركه، أو غيبه في بيته فلم يظهره، فإن ثبت ذلك ببينة ضمن إن لم يأت به، قال أشهب: إن لقيه فتركه ضمن. قال أبو زيد عن ابن القاسم في من طالب غريما له بمائة أردب قمحا ثمنها مائة درهم، فقال له رجل: أنا حميل لك بوجهه إن لم آت به في غد فأنا أضمن لك مائة درهم ثمن القمح ولا أضمن القمح، فرضي ولم يأت به، فإنه يضمن مائة [10/ 113]
في الحميل بالمال متى يؤخذ به؟ وكيف إن لم يثبت الدين على المطلوب أو أقر به؟
درهم فيشتري بها السلطان قمحا، فإن فضل شيء رد الحميل، فإن عجز فلا شيء على الحميل، قال: فلو تلفت قبل الشراء بها كانت من الغريم وبرئ الحميل ورجع بها على الغريم، ويطلبه الطالب بقمحه. وهذه المسألة من أولها في كتاب ابن المواز كما ذكره. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في حميل الوجه وقد شرط البراءة من المال فغرم الغريم، فإن جهل مكانه فليس عليه طلبه ولا الغرم عنه، وإن عرف مكانه فعليه أن يخرج إليه قرب مكانه أو بعد، إلا في البعد/المتفاحش جدا فليس عليه خروج ولا غرم، وأما مسيرة الأيام التي تكون من أسفار الناس واختلاف البلدان غير النائية جدا فليخرج أو يرسل أو يغرم. وقاله ابن عبد الحكم، وقال أصبغ: ليس عليه طلبه إلا في مسيرة يوم أو يومين وما لا ضرر فيه. قال محمد بن عبد الحكم: ومن تكفل بوجه رجل قضى به عليه قاضي المدينة أو مصر، فقضى عليه قاضي مكة أو البصرة، لم يلزمه، لأنه أمر تطوع به، ولو قال: بما قضى به عليه فلان بن فلان قاضي بلد كذا فعزل ووليها غيره، فلا يلزمه إلا قضاء المعزور، فيكون حميلا بذلك، لعله يريد أن الحميل حضر القاضي لمعني فيه من مذهب أو عفاف. قال محمد بن عبد الحكم: ولو قال: قد تحملت بما قضى لوكيل فلان على فلان، فعزل الطالب ذلك الوكيل ووكل غيره، فإن كان علم أن الأول وكيل لغيره فالكفالة لازمة له لكل من وكله الطالب، وإن لم يعلم أنه وكيل لغيره لم يلزمه لوكيل غيره وفسخت وكالته. في الحميل بالمال متى يؤخذ به؟ وكيف إن لم يثبت الدين على المطلوب، أو أقر به؟ والحميل يؤدي الصداق ثم يقع الطلاق قبل البناء من كتاب ابن المواز: قال مالك في الحميل بالمال: إن للطالب طلبه في ملأ الغريم وحضوره، ثم رجع فقال: لا يتبعه إلا/في عدمه أو غيبته، أو يلتوي [10/ 114]
عليه، أو يموت ولا شيء عنده، أو يستحق أو يقصر ماله عن الحق فيؤخذ الحميل بما يفي، وهو قول الليث، وإذا حكم له على الحميل بحقه أو بما عجز عنه الغريم فلم يأخذه حتى أيسر الغريم رجع على ما شاء منها. قال ابن حبيب عن ابن القاسم: وإذا غاب الغريم عند الأجل غيبة بعيدة وله مال حاضر أعدي الطالب على الحميل، ثم أعدي الحميل في مال الغائب فبيع له، ولو كان قريب الغيبة أجل به الحميل أجلا قريبا وكوتب، فإن أتى وإلا فعل به ما ذكرنا، وأما البعيد الغيبة فإن الحميل يغرم إلا أن يكون للغائب مال ظاهر ناض أو شبيه بالناض مما لا تأخير فيه ولا مضرة على الطالب فيؤدى منه، وأما الدار وما يطوى بيعه. ويكون فيه التربص، فليؤخذ الحميل بالغرم، ثم للحميل أن يباع له ذلك ويعدى فيه. ومن العتبية: وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الطالب يقوم على الحميل بعد الأجل، ويزعم أنه غارم إلا أن ينكشف للطالب مال الغريم فلا يكون له شيء عن الحميل. وروى عنه عيسى عن مالك فيمن أشهد أنه حميل لكل من داين فلانا، فأتى رجل يدعي أنه داينه بكذا، ولا بينة له إلا أن الغريم مقر، قال: لا يغرم الحميل بإقرار الغريم حتى تقوم بينة بالحق، وكذلك من شكا مطل غريمه، فقال له رجل: فما لك عليه فهو علي فيقر له الغريم بألف دينار، فلا يلزم الحميل شيئا بذلك إلا بالبينة. /قال: ومن تحمل بصداق ابنه أو أجنبي فغاب فطولب الحميل، فإن كانت غيبة قريبة كالأيام اليسيرة كتبا إليه، فإن جاء وودى وإلا أخذ من الحميل، وأما البعيد الغيبة، أو لا يدري أين هو، ودي الحميل ولم يضرب له أجل، ثم إن قدم فطلق قبل البناء رجع عليه بنصف الصداق، يريد: وعليها بنصفه كالمفقود قبل البناء يقضى لزوجته بالصداق ثم يقدم، فإن طلق رجع بنصفه، وإلا [10/ 115]
في موت الحميل أو الحملاء أو بعضهم وموت الغريم
فهو لها، قال مالك: فإن وجدها قد تزوجت لم يرجع بشيء، وبه أخذ عيسى وليس من روايته، وروى سحنون عن ابن القاسم أنه يرجع عليها بنصفه، وهذا في كتب النساء وفي التفليس. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب في المدعى عليه الدين ينكر ويقر الحميل به بأنه ضمن ذلك عنه، قال: يؤدي الضامن ذلك. قيل: فإن للمدعي بينة على الدين، فهل يقيمها ليطلب الغريم قبل الحميل حتى يعوزه طلب الغريم؟ فقال: لا، وإنما يؤخذ الحميل والضامن بمصل هذا، فله أخذ حقه من الضامن عاجلا، ثم للضامن أن يقوم بتلك البينة فيأخذ منه ما ضمن عنه. في موت الحميل أو الحملاء أو بعضهم وموت الغريم من كتاب ابن المواز: وإذا مات الحميل قبل الأجل فهو كموت الغريم يأخذ الطالب حقه من ماله، وإن كان الغريم مليا حاضرا فلا يرجع عليه ورثة الحميل حتى يحل الأجل، ولو مات عند محله أو بعده فها هنا يبدأ بالغريم، فإن كان/عديما أو ملدا أو غائبا أو ما يعنته أخذه، فليؤخذ من مال الحميل، وقاله ابن القاسم وأشهب. وقال ابن الماجشون في موت الحميل قبل الأجل: إنه لا يحل الحق بموته، ولكن يوقف من ماله بقدر الدين، فإذا حل الأجل فإن قضي الحق من مال الغريم أو بعضه أخذ من مال الحميل ما عجز، فإذا مات بعض حملاء الوجه قبل الأجل، فإن قام أحد ورثته بإحضار الغريم برئ به الميت، وإلا لزمه ما لزم من ضمن المال، وإنما يبرأ الميت إذا تحمل بعضهم عن بعض، فجاء به بعض من بقي منهم، قيل يحكم عليهم بالمال، وأما لو شرط: أني لست من المال في شيء لم يلزم الميت ولا ورثته ولا فيها ترك شيء، وتسقط الحمالة، ولو تحملوا بالمال فمن مات فقد حلت عليه الحمالة، وإن لم يحل الأجل فيؤدي من ماله، وأما إن كان بعضهم [10/ 116]
في حمالة الجماعة
حميلا عن بعض أخذ من مال الميت جميع الحق معجلا، وهذا أحب إلي من قول عبد الملك، وإذا مات الغريم قبل الأجل تعجل الدين، فإن لم يكن له مال أو عجز حاله لم يتبع الحميل حتى يحل الأجل فيؤدي المال وما بقي منه، ولا يرجع الحميل فيحاص بما ودي الآن غرماء الميت، لأنه إنما غرم تمام المائة التي حاص بها كلها رب الحق، إلا أن يطرأ الآن للميت مال فيدخل فيه الحميل، ويحاص فيه الطالب، فيرد ما يأخذ إلى الحميل فيما ودي إليه، ولو مات الحميل قبل الغريم، ولم يحل الأجل، فحاص الطالب غرماء الحميل، فنابه من مائة خمسون، ثم حل/الأجل على الغريم فليرجع الطالب وغرماء الحميل بالمائة كلها، فيرجع منها إلى غرماء الحميل ما كان أخذ عن الغريم من مال الحميل، وإن لم يؤخذ من المائة إلا الخمسون ردت خمسة وعشرون إلى غرماء الحميل، يحاص فيها الطالب بخمسة وعشرين، وغرماء الحميل بما ودي من ماله بسب الحمالة، فما ناب غرماء الحميل بذلك دخل فيه هم والطالب بما بقي لكل واحد. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجلين ويكتب عليهما أيهما شاء، أخذ بحقه، والحي عن الميت، فمات أحدهما فللطالب أخذ جميع الحق من تركته، ويتبع ورثة الآخر بما عليه بعد محل الأجل، ولو لم يدع شيئا لم يؤخذ من الحي شيء حتى يحل الأجل. في حمالة الجماعة من كتاب ابن الحبيب: قال ابن الماجشون فيمن باع شيئا من رجلين وشرط أن يأخذ أيهما شاء بجميع الثمن، أو باع من واحد ثم تحمل له آخر، وشرط مثل ذلك، أو تحمل له رجلان بدين وشرط عليهما ذلك، فشرطه في مذهبه باطل، وليس له أتباع أحدهما بأكثر من نصيبه إلا في عدم صاحبه أو غيبته كالحمالة المبهمة، وقاله ابن كنانة وأشهب، وقال ابن القاسم: الشرط لازم في ذلك كله [10/ 117]
ويتبع أيهما شاء، وإن كان الآخر مليا حاضرا، بخلاف الحمالة المبهمة والناس عند شروطهم، وقد اختلف قول مالك في الحميل المبهم، أنه يتبع فكيف بالشرط، وقاله أصبغ/وابن حبيب. وقال ابن الماجشون فيمن أخذ بحق حميلا ثم طلب الغريم فأعطاه حميلا آخر، ثم أعدم الغريم، قال مالك: فله أن يتبع أي الحميلين شاء، وينتقل من واحد إلى آخر حتى يكمل حقه. وقال ابن الماجشون: من تحمل عن رجل ثم أخذ من الحميل حميلا، فإن الطالب يتلوا الغريم، فإن لم يجد عنده شيئا، أتلا حميله الأول، فإن غاب أو عدم، اتبع الحميل الثاني. وقاله مطرف. وقال ابن القاسم في ثلاثة تحملوا عن رجل، وتحمل بعضهم ببعض، فطولب أحدهم، والغريم والباقون غياب أو معدمون، فغرم جميع المال، فله أن يأخذ من أول صاحبيه ملأ نصف ما أدى، فثلث الحق عن هذا ونصف الثلث عن المعدم. ولو مات أحد الحملاء عن مال، وبعضهم حميل ببعض، أخذ من ماله جميع الحق معجلا، ولا يرجع ورثته على غريم أو حميل حتى يحل الأجل، ولو لم يتحمل بعضهم ببعض، وقال أيضًا: على أن يأخذ من شاء منهم بحقه، فأخذ من أحدهم جميع الحق، كان الأمر على ما ذكرنا، ولو لم يتحمل بعضهم ببعض وقال: من شئت أخذت بحقي، فله أن يأخذ أحدهم بجميعه، فإن فضل فليس للغارم أن يرجع عن صاحبه بشيء ويتبع الغريم. وقاله مطرف وابن الماجشون. من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا اشترى رجلان سلعة بثمن إلى أجل، وأحدهما حميلا بالآخر، أو قال: من شاء أخذ بحقه، أو الحي عن الميت، فمات/أحدهما قبل الأجل فليؤخذ من ماله جميع الحق ولا يرجع ورثته على [10/ 118]
الآخر إلى الأجل، وإن لم يدع شيئا لم يأخذ الآخر بما عليه ولا ما على الميت حتى يحل الأجل. قال ابن القاسم: ولو اشتركا فيها بالثلث والثلثين، ولم يذكرا ذلك عند الشراء، ولم يتحمل أحدهما بالآخر فليؤخذ كل واحد بنصف الثمن، ولو ذكرا في العقد كيف اشتركا لم يتبعها إلا بالثلث والثلثين. قال ابن القاسم: وإذا تحمل أربعة بحق لرجل على أن من شاء أن يأخذ منهم بحقه أخذه، فله أخذ من شاء منهم بجميع الحق بمحضر الباقين وملئهم، ثم لا يرجع الغارم على كل واحد من الباقين إلا بربع الحق لا يأخذ أحدا بما على صاحبه، يريد: غابوا أو عدموا. ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم أنه ليس للغريم منهم أن يرجع على صاحبيه بشيء إذا لم يتحمل بعضهم ببعض، وإنما قال: من شئت أخذت بحقي، وقد ذكر محمد بعد هذا ما دل على ذلك. قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يقول مع ذلك: وبعضهم حميل عن بعض، فيكون لهذا الغارم إن وجد أصحابه حضورا أملياء: أخذ كل واحد بربع الحق، ولا يأخذ بعضهم عن بعض بشيء، فإن لم يلق إلا أحدهم وكان الحق أربعمائة درهم، وداها فليأخذ منه مائة وداها عنه، وتبقي مائتان عن الغائبين، يأخذ منه مائة لأنه حميل معه بهما، فيتفق أداؤهما، ثم إن لقيا الثالث فيأخذان منه مائة عن نفسه، وثلث المائة التي عن الرابع، فيكون ذلك بينهما/نصفين. يريد: ويصير لكل واحد من الثلاثة على الرابع ثلث المائة يطلبه بها. قال ابن القاسم فيه وفي العتبية: ولو أن الطالب لم يأخذ من الأول إلا ما تبين، ثم لقي غارمها أحد الثلاثة، فإن مائة وداها عن نفسه، ومائة عن ثلاثة هذا أحدهم، فيأخذ عنه ثلثها، ويأخذ منه ثلثها عن صاحبيه لشركته معه في الحمالة، [10/ 119]
ثم إن لقي هذان ثالثا أخذا منه أربعة وأربعين درهما، وأربعة أتساع درهم بينهما نصفين، منها ثلاثة وثلاثون ودياها عنه، ومنها أحد عشر درهما وتسع درهم ثلث الثلاثين والثلاثين الذي وديا عن الرابع، ثم إن لقي هؤلاء الثلاثة الرابع أخذوا منه ثلث المائة فاقتسموه أثلاثا. قال في كتاب محمد: ولو لم يأخذ الطالب من الأول إلا مائة فإنه لا يرجع على من لقي من أصحابه بشيء، إلا أن يؤدي أكثر من المائة ولو بدرهم، فيرجع بذلك الدرهم على الباقين، فإن لقي أحدهم أخذ منه ثلث درهم عنه، وثلث التسع عن الرابع. قال: وإذا وجد الذي ودي جميع أصحابه أملياء لم يأخذ كل واحد إلا بما ودي عنه لا بما ودي عن غيره، كانت حمالة بعضهم عن بعض، وهم شركاء في السلعة، أو حمالة عن غيرهم، شرط صاحب الحق عليهم: أيهم شاء أخذ بحقه أو لم يشترط، وإنما للمؤدي أن يرجع على أصحابه في شرط صاحب الحق حمالة بعضهم ببعض، لا لشرط: أيهم شاء أخذ بحقه إلا أن يقول أيضًا: وبعضهم حميل ببعض: فللمؤدي/حينئذ الرجوع عليهم، فإن وجدهم أملياء حضورا لم يأخذ بعضهم بما على بعض إلا في غيبة أحد منهم أو في عدمه، وكذلك لو ودي أكثر من ربع الحق وهم أربعة، لم يرجع عليهم في الزيادة إلا على ما ذكرنا. قال: وللمؤدي أن يرجع عليهم بما ودي عنهم في حضرة الغريم وملئه لأنه عنهم أدي، وله أتباع الغريم، وتركهم إن شاء. ومن العتبية: روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إذا تحمل ثلاثة بمال على أن يأخذ الطالب حيهم بميتهم وملئهم بمعدمهم، وأيهم شاء أخذ بحقه، ثم أخذ من أحدهم حميلا ولم يشترط على الحميل، فقام على هذا الحميل في عدم الذي عنه تحمل، فأراد أن يغرمه جميع المال، وقال الحميل: إنما أغرم ثلثه الذي [10/ 120]
على صاحبي في نفسه، قال: يلزمه جميع الحق لأنه قد لزمه ما لزم من تحمل عنه، يريد: وقد علم الحميل بما على الحميلاء من الشروط. وروى عنه عيسى في الرجلين يشتريان السلعة ويتحملان حيهما بميتهما وحاضرهما عن غائبهما، وأيهما شاء أخذ بحقه، ثم تحمل عنهما رجل بجميع الحق فوداه، أن له أن يأخذ بالحق كله أحدهما، كما كان للطالب؟ قال: نعم، لأنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما كان للغريم أن يتبع هذا الحميل بالحق كله، لأن له أن يتبع أحدهما بالمال كله، فكذلك للحميل أخذ أحدهما بما للغريم أخذه به. وكذلك روى ابن الحبيب عن أصبغ هذه المسألة. وروى عيسى عن ابن القاسم وقال: لو اشترى رجل وعبده سلعة وبعضهما/حميل عن بعض، فباع العبد، فليس للطالب تعجل الدين من السيد، ولا أن يأخذه بحميل بدلا من العبد، وله أتباع حمالة العبد حيث كان، فإن لم يعلم المبتاع فهو كعيب إما رضيه أو رد به، إلا أن يزيله السيد بالأداء عنه فلا يرد. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب في رجلين تحملا بمائة درهم وحلفا للطالب بالطلاق ليقضيانه حقه إلى أجل كذا، فحل وغاب واحد، فقضى الآخر نصف الحق، فإن لم يكن بعضهم حميلا ببعض فالذي قد قضاه بار، وقد حنث الآخر، وكذلك لو كانت اليمين: ليقضينك، قال: وإن قضاء الحاضر جميع الحق وكان احدهما حميلا بالآخر، فقد برئا جميعا، وإن لم يأمره الغائب بالقضاء عنه، ولو قضاه الحاضر نصف الحق حنثا جميعا، يعني إذا كان أحدهما حميلا بالآخر، ورواها كلها عن مالك. وإذا تحملوا بوجه رجل، فأتوا به بروا، فإن لم يأتوا به حكم عليهم بالحق ثم جاء به أحد ممن لم يطلب منه فلا ينفعه، وقد لزم جماعتهم غرم المال، وإذا لم يكن بعضهم حميلا ببعض لم يبر إلا من جاء به هو وحده، فإن أخذ به أحدهم فلم يأت به والحملاء أربعة، غرم ربع المال، ثم إن طولب به آخر فجاء به برئ هذا [10/ 121]
في غرماء تحمل بعضهم ببعض فودى أحدهم، ثم ادعى كل واحد أنه هو
وحده، ولم يخرج بذلك الأول من ربع المال الذي/لزمه، وإن لم يأت به الثاني غرم ربع المال فقط. في غرماء تحمل بعضهم ببعض فودي أحدهم، ثم ادعى كل واحد أنه هو قال ابن حبيب: قال أصبغ في غرماء ثلاثة تحمل بعضهم ببعض في ثلاثين دينارا عليهم، فأخذها من أحدهم، فادعى كل واحد أنه هو. فالمقتضي مصدق فيمن هو مع يمينه، ويرجع ذلك الدافع على صاحبيه بعشرين، فإن قال القابض: لا أدري من هو، حلف أنه لا يدريه، ثم حلفوا، يحلف كل واحد من الغرماء: أنه الدافع، فإن حلفوا أو نكلوا برئوا ولا يرجع بعضهم على بعض بشيء، وإن حلف واحد رجع على الناكلين بعشرين، وإن حلف اثنان رجعا على الناكل بعشرة، ولو قبض من أحدهم عشرة فادعاها جميعهم فهو مصدق فيمن قال: إنه دفعه إليه، فإن قال: لا أدري من هو، حلف القوم ثم برئوا من الثلاثين، ولو قال بعد قوله: لا أدري ممن قبضتها إن فلانا هو، لم يقبل قوله. وأعرف لسحنون نحو قول أصبغ الذي ذكر ابن حبيب. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن له على رجلين حق أيهما شاء أخذه بحقه، فقال: ما لي عليهما شيء، فقال كل واحد منهما: إنه الذي قضاه، وأقر صاحب الحق لواحد، قال: هو كشاهد ويحلف معه الدافع إذا لم تبق عليه تهمة. قال محمد: ولو قاله قولا نسقا: ما بقي لي عليهما شيء قد أخذته من فلان، كان قوله جائزا، وإن لم يكن عدلا بلا يمين على من أقر له، كان كما لو قال: تركت حقي كله لفلان/لأنه حقه حتى تركه، فأما إذا ثبت سقوطه عنهما ثم قال: فلان دفعه، فهو كالشاهد. [10/ 122]
فيمن تحمل بنصف سلعة فاستحق نصفها، أو حاص الطالب غرماء الغريم فنابه بعفض حقه
فيمن تحمل بنصف سلعة فاستحق نصفها أو حاص الطالب غرماء الغريم فنابه بعض حقه، أو تحمل بنصف عهدة سلعة فاستحقت، أو بصداق امرأة فطلقت قبل البناء من كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بمائة وأخذ حميلا بخمسين منها فاستحق نصف السلعة، وتمسك المبتاع بالنصف، ثم غاب أو فلس، فعلى الحميل خمسة وعشرون لأن نصف حمالته زالت بالاستحقاق، وقاله أصبغ. وروي عن ابن القاسم فيمن اشترى سلعة بمائة دينار، وأخذ حميلا بنصف عهدتها، ثم استحق نصفها: أنه إنما يطلب الحميل بخمسة وعشرين، ويتبع ذمة البائع في عدمه بخمسة وعشرين. محمد كسر يكثر في الحمالة إلا أن تشترط أنك حميل بما استحق منها، فهو حميل بالجميع. قال ابن القاسم: وإذا تزوجت امرأة بمائة وأخذت حميلا بخمسين فطلقت قبل البناء، فلا تتبعه إلا بخمسة وعشرين، وكمن حمل عن الزوج خمسين، ثم طلق قبل البناء فلا تتبع هي الحامل إلا بخمسة وعشرين كان أبا أو أجنبيا، وزوجها بخمسة وعشرين، وقاله أصبغ. ولو شاءت في الحمالة تركت الحميل وطلبت الزوج بخمسين، فذلك لها، قال محمد: وأما في الحمل فلا. وقاله أصبغ، واحسب ابن القاسم معه. وذكر ابن حبيب/هذا القوم عن أصبغ وخالفه، وقال: قال ابن كنانة وابن الماجشون: إن لها إذا طلقت أن تأخذ من الحميل الخمسين كلها، قال: وذلك أنه لو باع سلعة بمائة، وأخذ حميلا بخمسين، فاستحق نصف السلعة، فلا يسقط عن الحميل نصف الخمسين التي تحمل بها، وكذلك لو وهب البائع للمبتاع نصف الثمن فله أن يأخذ من الحميل خمسين. [10/ 123]
في الحمالة بالعقود الفاسدة، والحمالة بنفع أو بجعل، وما يفسد من شروط الحمالة ويصح
ومن كتاب ابن المواز: وإذا ارتهن رهنا بمائة، ثم قال للغريم: إنه لا يساوي، فأعطاه حميلا بخمسين، فبيع الرهن بخمسين، فإن الحميل يلزمه خمسون، وكذلك لو كان أعطاه رهنا بخمسين وحميلا بخمسين، قال محمد: ولو لم يبع الرهن ولكن ودي الغريم خمسين لكانت عن الرهن وعن الحميل جميعا بالحصص إن كان قضاءه أمرا مبهما، ولو كان بشرط أن ذلك خاصة عن الرهن، أو عن الحميل، كان ذلك له ما له يفلس، بخلاف الرهن إذا بيع لأن ثمن الرهن مكانه، وهو أحق به. من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من عليه خمسون دينارا، فأعطى حميلا بخمسة وعشرين، ثم فلس الغريم فوقع للطالب بالحصاص ثلاثين بمثل نصفها يسقط من الحمالة ويبقي على الحميل عشرة بالحمالة، وقاله سحنون. وقال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم مثله وقال: بل يرجع على الحميل بتمام الخمسين، ثم رجع إلى قول ابن القاسم بعدي، وبه أقول. في الحمالة بالعقود الفاسدة،/والحمالة بنفع أو بجعل، وما يفسد من شرط الحمالة وما يصح من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أعطى رجلا دينارا في دينارين إلى أجل، أو مائة دينار في ألف درهم مؤجلة وأخذ بذلك حميلا، فإن لم يعلم الحميل بما صنعا فالحمالة ساقطة، وإن علم لزمه في الدينارين دينار، وبطل الربا، وأما في الدراهم فيخرجها فيشتري بها مائة دينار، فإن كانت تساوي أكثر لم يتبع الغريم إلا بما ودي في المائة، وحبس ما بقي، وإن لم تبلغ إلا تسعين لم يلزمه غير ذلك، واتبع الطالب غريمه بعشرة، والحميل بألف درهم. [10/ 124]
قال: وأهل العراق يرون الحمالة ساقطة بكل حال. والذي قلت لك الذي آخذ به، وقال مثله سحنون فيمن دفع دينارا في دراهم إلا أنه قال: وإن لم تساو الدراهم إلا ثلاثة أرباع دينار، قيل للطالب: رد من عندك الدينار، فتضرب وتدفع إليه، ويرجع الحميل على الغريم بدراهمه، يريد سحنون: ويرجع الغريم عليه بربع دينار ذهبا. قال ابن المواز: وقال أشهب: الحمالة باطل وبخلال الرهن، ويجعل الرهن رهنا بالأقل. قال عيسى: قال ابن القاسم: ومن له على رجل دينار ففسخه في زيت، فأخذ بالزيت حميلا، فإن لم يعلم فلا شيء عليه، وإن تحمل عالما ودي الزيت فبيع، وودي الدينار منه، واتبع هو الغريم بالزيت. قال: ومن باع سلعة بيعا فاسدا، وأخذ بالثمن حميلا وفاتت، ولزم المبتاع/قيمتها، فعلى الحميل الأقل من القيمة أو الثمن. ولو أسلم نصراني إلى نصراني في خمر أو خنازير، فأخذ بذلك حميلا، فأسلم الحميل، وأعدم البائع. فالحمالة ساقطة، وكل حمالة أصل شرائها حرام فالحمالة باطل. من كتاب ابن المواز: وإذا أقرضه الخمر سقطت عن الحميل بإسلامه، وتثبت بين الباقين، ومن أسلم منهما سقطت الخمر بإسلامه، ولو كانت من بيع فاسلم إن فات، وعلى الحميل في عدم الغريم الأقل من ذلك أو من قيمة الخمر، وكذلك إ، أسلما جميعا، ويتبع الطالب المطلوب بتمام قيمة عرضه، وإن لم يسلم إلا الحميل اشتريا بما يؤخذ من الحميل خمرا إن أحبا، واتبع الطالب المطلوب بما بقي له، وإن كانت الخمر من غصب فلا تسقط الحمالة ولو أسلموا كلهم، وكقول مالك وأصحابه في مسلم كسر لذمي خمرا، أن عليه قيمته، وكذلك في الخنازير إلا عبد الملك يقول: لا شيء عليه، لأنها لا تقوم عنده، لأن تقويمها [10/ 125]
كالشهادة. ويقول مالك أقول، وهي قد تباع بحضرة الناس، تستفيض معرفة قيمتها، والاستحسان جار في العلم وهو من القياس. وروي عن سحنون في مسلم كسر لذمي خمرا أنه يقومها حديث عهد بالإسلام منهم. ومن كتاب ابن المواز أيضًا: قال مالك: لا تجوز الحمالة بالجعل. قال ابن القاسم: فإن كان صاحب الحق عالما/بذلك سقطت الحمالة ورد الجعل، وإن لم يعلم فالحمالة لازمة، والجعل مردود وقاله أصبغ. وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك. وقال ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: قال: وكل حمالة وقعت على أمر حرام بين المتبايعين في أول أمرهما أو بعد: فهي ساقطة، لا يلزم الحميل منها شيء علم المتبايعان بحرام ذلك أو جهلاه، علم الحميل بذلك أو جهله، محمد: لأن حرامه للبائع فيه عقد وسبب. قال أصبغ: وكل حمالة وقع حرامها بعقد بين الحميل والمطلوب بغير علم الطالب، فالحمالة ثابتة، إنما يفسدها علم الطالب، قال محمد: أو يكون ذلك من سببه أو معاملته، فإذا لم يكن من سببه، ولا علم بصنيع الحميل والمطلوب، فالحمالة لازمة. قال أشهب في دافع دينار في دراهم إلى أجل، وأخذ بها حميلا، فالحمالة ساقطة، ولم ير ذلك كالرهن، وقال: يكون رهنا بالأقل، وكذلك كل حمالة بأمر فاسد. قال محمد على ما فسرنا، وهو معنى قول ابن القاسم وأصحاب مالك على إتباع منهم لقول مالك. [10/ 126]
وقال ابن القاسم فيمن دفع دينارا في دينارين: إن الحمالة في ذلك ساقطة، وكذلك في فسخ الدين في الدين. وروى أصبغ عن ابن القاسم، وأشهب، فيمن باع طعاما من بيع قبل قبضه، وأخذ بذلك حميلا، أو في بيع حرام: أن الحمالة ساقطة، وقال أصبغ عن ابن القاسم: وهي من رواية عيسى عن ابن القاسم. في العتبية في رجلين/لهما على رجل مائة إردب، فقاضى أحدهما خمسين منها، فطلب صاحبه الدخول معه، فقال له: هبني ما قبضت لنفسي، وأنا أضمن لك الخمسين التي على الغريم، فذلك لا يجوز من غير وجه، منها: أنه ضمن له على أن أسلفه خمسة وعشرين، وكأنه بيع طعام بطعام متأخر وزيادة ضمان وغير شيء مكروه، ولو ضمن له خمسة وعشرين مما على الغريم، وهو قدر نصيبه مما قبض كان جائزا. قال أصبغ: لأنه معروف كله، وسلف منه له. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن له قبل رجل طعام يوفيه إياه ببلد فاقتضى بعضه عند أجله، وتحمل له رجل بباقيه على أن يوفيه إياه ببلد آخر، فلا يجوز ذلك وتسقط الحمالة. قال أصبغ: معناه: أن البلد الآخر أقرب إلى منزله، فصار تأخيره بنفع. انظر قول أصبغ فيه، قال ابن القاسم: ومن حل دينه فقال له رجل: ضع لغريمك منه كذا وأنا حميل لك بباقيه إلى أجل كذا، فذلك جائز، لأنه لو شاء تعجله، فكأنه أسلفه وحطه. وقاله ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم، رووه عن مالك. واختلفت رواية أشهب فيه عنه فكرهه وأجازه، وإجازته أبين، لأنه إذا جاز أن يؤخر بحميل، جاز أن يحطه ويؤخره بحميل. [10/ 127]
قال ابن وهب، وأجازه ابن أبي سلمة، وأن يعطيه به رهنا، قال: لأنه ليس له في تأخيره منفعة إلا أن يكون غريمه تبين فلسه فلا يجوز، لأنه إذا قام عليه قد يقع له في المحاصة بعض حقه، فوخره على أن يضمن له/الحميل أكثر منه. قال ابن القاسم: ولو قال للطالب: هب فلانا دينارا غير الغريم، فأنا أتحمل لكل بدينك، لم يجز وهي حمالة بجعل. قال مالك: وإن لم يحل الأجل لم يجز تأخيه بحميل ولا برهن. قال: وإذا حل الدين فقال له: أسلفني مالا آخر، ووخرني على أن أرهنك بهما أو أعطيك حميلا، فذلك جائز، وقد قيل: إلا أن يتبين عدم الغريم. قال محمد: هو عندي جائز وإن تبين عدمه إن كان الرهن لنفسه، ما لم يكن عليه دين محيط فلا يجوز تأخيره الدين الأول، وإن كان وحده بذلك الرهن، لأنه يزداد بما أخره منفعة، وأما تأخيره بحميل فجائز ما لم يسلفه سلفا ثانيا، قال: ولو كان عديما ولا دين عليه لغيرك، أو عليه دين لغيرك فلا شيء له أصلا فجائز له تأخيرك بحميل ما لم يكن معه سلف آخر، ولا أحب له تأخيره الأجل البعيد الذي يرجى له قبل ذلك اليسر. قال: ولو قال له قبل الأجل: أسلفني مائة أخرى وخذ رهنا بالمائتين إلى شهر بعد الأجل، لم يجز، ويرد المائة السلف ويأخذ رهنه، ويرد الدين إلى أجله، وكذلك لو لم يزده في الأجل شيئا وهو سلف جر منفعة، فغن لم يعثر على ذلك حتى مات الراهن أو فلس، وقام الغرماء، قال: ما سمعت فيها إلا ما خاض فيه أصحابنا أن يكون نصف الرهن هنا بالمائة الأخرى، ويرد نصفه إلى الغرماء. قال محمد: بل الرهن كله رهن بالمائة الآخرة لأنه بسببها. وهذا مذهب أشهب، لأن يجيز الرهن بالجعل، ولم يره ابن القاسم/رهنا بالجعل، ولو كانت بحمالة سقطت الحمالة عن المائتين لأنه لا تثبت حمالة في معاملة فاسدة، ولا يثبت فيه تأخير ولا سلف، وكذلك لو سأله قبل الأجل أن يؤخره إلى بعد الأجل ويعطيه رهنا أو حميلا، فذلك فاسد، ويرد إلى أجله، فإن مات الغريم أو فلس قبل [10/ 128]
الأجل فلا رهن ولا حميل يلزم فيه، وإن مات أو فلس بعد الأجل ثبت له الرهن وتبطل الحمالة. قال أشهب: ومن لك عليه عشرة دنانير سلفا، فبعث منه بيعا على أن يعطيك بالعشرة السلف رهنا، فذلك جائز، ولو كانت العشرة من بيع فأسلفته عشرة أخرى على أن يرهنك بالعشرة الأولى لم يجز، لأنه لا يسلف ويشترط نفعا، وله أن يبيع ويشرط نفعا، قال محمد: ولم يجزه ابن القاسم في الوجهين، فأجاز أشهب الرهن بجعل، لأنه إنما يصل ذلك إلى الغريم لا لغيره، فهو كوضيعة من الحق بعد أن حل على أن يرهنه، والجعل في الحمالة للحميل، وكذلك لو كان الرهن لأجنبي بجعل من الغريم لم يجز وينقض الرهن إن علم رب الحق، وإن لم يعلم ثبت الرهن وسقط الجعل، وليس كمن اكترى حليا أو متاعا يلبسه، لأن الرهن كما مطل المديان بالدين ازداد صاحب الرهن في الرهن كراء، فكأنه وخره بزيادة يعطيها لغيره. قلت: فلو أكراه إلى أجل؟ قال: لا يجوز الرهن إلى أجل، ويبطل من أوله، وإن فلس أو مات الغريم قبل الأجل دخل فيه الغرماء. وقال أشهب فيمن لك عليه عشرة دنانير/إلى أجل، فحططته دينارين قبل الأجل على أن أعطاك رهنا بثمانية، أن ذلك جائز، ولم يجزه ابن القاسم. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك في من له على رجل مائة درهم فأخره بها على أن أعطاه حميلا، أنه جائز، فإن قال الحميل: أنا أتحمل لك وتضع عشرة، لم يجز كأنه أعطاه عشرة من دينه على أن تحمل له. وقال أصبغ في من له دين إلى أجل، فأخذ به حميلا على أن وضع عنه بعضه، أن ذلك جائز، ولو قال له: أعطني بها حميلا أو رهنا إلى الأجل، وخذ مني هذه العشرة دنانير ففعل، وأخذها منه ولا مقاصة فيها، قال: ذلك جائز. [10/ 129]
ومن كتاب محمد: روى ابن القاسم عن مالك في من له قبل رجل أذهاب مختلفة الآجال، فباعه بيعا على أن يرهنه بالثمن وبتلك الديون، فلا خير فيه، وإن لم يقدم دينه الأول ولا وخره عن أجله. قال لي البرقي عن أشهب في من ارتهن رهنا في بيع فاسد، وفاتت السلعة، أن الرهن رهن بالأقل من القيمة أو الثمن. وقال في دافع دناني في دراهم إلى أجل، وأخذ رهنا، إن الرهن رهن بالأقل، وإن كان حميلا فالحمالة باطل. وابن القاسم يبطل الرهن والحميل. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وفي العتبية من رواية أصبغ: ومن باع سلعة وأخذ حميلا على أنه إن مات الحميل، يريد: قبل الأجل، فلا تباعة في تركته وإن مات صاحبه. قال في كتاب ابن المواز: البائع قبل ذلك الأجل فلا حمالة له لا على الحميل ولا لورثته/فقال: هذا بيع حرام لا يجوز، والحمالة ساقطة، وعلى المشتري في فوت السلعة القيمة. قال أصبغ: أجاب على غير تأمل، وهذا عندي جائز والشرط ثابت، ورأى أن الشرط ليس بيع البائع والمبتاع، وهو شرط بينه وبين الحميل، كما لو تحمل على هذا من غير بيع، وكذلك لو تحمل بمهر على أنه إن دخل فالحمالة ثابتة، وإن مات أو طلق قبل البناء فلا حمالة علي، فذلك جائز، وكذلك لو تحمل بمهر قال: أتحمل على أن أعطاني فلان وثيقة قبل أن يموت، وإلا فلا حمالة لكم علي به، أو تحمل إلى قدوم فلان، أو قال: إلى أجل كذا على أنه إن قدم فلان قبل ذلك فلا حمالة علي، فهو جائز، ولا غرر فيه بين الحمل والبائع، ولا في المبالغة، وإنما الذي يفسد لو شرط المشتري أنه إن مات بائع أو مبتاع قبل الأجل فالثمن هدر لا تباعة فيه، فهذا بيع فاسد. [10/ 130]
قال محمد: وأرى قول ابن القاسم إن كان ذلك شريطة مع النفع على المشتري فالبيع فاسد، والحمالة ساقطة لا، ثمن السلعة مع حميل أو رهن أكثر منه بلا رهن ولا حميل. فقد تخاطرا، وإن كن شرط في سلف غير بيع كان جائزا. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في من تحمل بحق مؤجل على أنه إن مات الغريم قبل محله فلا حمالة علي، قال: ذلك شرط جائز. ومن العتبية من سماع أبي زيد من أبي القاسم: ومن كل عليه ثلثا دينار، فأحلت عليه من له عليك نصف دينار ليأخذ ذلك وليبقى لك عليه سدس دينار، لم يجز ذلك. قال ابن/القاسم في كتاب ابن حبيب: ومن باع من ثلاثة سلعة على أن بعضهم حميل ببعض، وأن لم يكونوا شركاء في غيرها، قال: ذلك جائز، ولم يزل هذا من بيوع الناس، وما علمت من أنكره، وإنما لا يجوز أن يقول: تحمل عني في شيء على أن أتحمل عنك في أمر آخر، وهؤلاء في أمر واحد هم فيه شركاء، ولو اشتروا على أن كل واحد منهم يأخذ حصته من هذه السلعة على حدة من البيع فهو سواء إذا كان في صفقة، وأما لو اشترى أحدهم جزءا منها، واشترى الآخر جزءا لم تجز حمالة أحدهما بالآخر، وتبطل الحمالة ع أعرف في بائعين على أن يضمن بعضهما عن بعض العهدة لا يجوز، وقد قيل: إن اتفقت أنصباؤهما جاز، وإن اختلفت لم يجزا نظر. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب، وعن شريكين في سلعة وكل أحدها الآخر على بيع نصيبه منها، فقال المشتري: لا أشتري منك إلا أن تضمن لي نصيب شريكك، قال: لا يجوز ذلك وكأنه زاده في ثمن نصيبه على أن يضمن له عند شريكه. [10/ 131]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في شريكين في سلعة أو أمة يريدون بيعها، فأعطى بعضهم بعضا شيئا على أن تكون عهدته عليه: أن هذا لا يجوز، والحمالة بالجعل حرام، ويرد ما أخذ، وهو كأجنبي قال لبائع سلعة: أعطني دينارين على أن عهدة السلعة علي من كل درك. ومن سماع أصبغ: ومن قال لرجل: تحمل عني لفلان ولك دينار، فلا يجوز، كأنه/أخذ دينارا ليضمن عشرة. وروى عيسى عن ابن القاسم في من تحمل لرجل بدينار له على رجل إلى أجل قرضا، ثم فسخه عليه بعد الأجل في شعير إلى أجل آخر، وأبرأ الحميل، ثم علم بفساد ذلك ورجع بالدينار فقام على الحميل وقال: لم أعلم، قال: قد برئ الحميل ولا ينفعه جهله، وقد برئ الحميل. ومن كتاب ابن المواز: قال: يعني مالكا في من أسلف سلفا وأخذ بذلك رهنا أو حميلا، فلا بأس به، وما بلغني أن أحدا كرهه إلا الحسن ولا بأس به. وقال في من باع سلعة بمائة دينار إلى أجل وأخذ بها حميلا، فلما حل الأجل دفع إليه بالمائة ثمرة لم يبد صلاحها، ثم علم بمكروه ذلك ففسخ ورد، قال: قد سقطت الحمالة عن الحميل، أرأيت لو حلف: ليقضينه دينه وقت كذا، وأخذ حميلا، ثم أعطاه جارية عند الأجل فوجد بها عيبا، فردها، فإنه حانث، وتسقط الحمالة، وإن رضي إمساكها وهي تسوى ما له عليه بعينها فلا يحنث، وإن ردها فقد حنث وإن سويت ما عليه. ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم في من تحمل عن رجل فقال المطلوب للحميل: بعني سلعتك لأقضيها فلانا، أو أقضيه ثمنها، وتسقط عنك الحمالة، قال: لا يعجبني وأخاف أن يكون من الدين بالدين، أو باب من أبواب الربا. [10/ 132]
في التداعي في الحمالة والحوالة
في التداعي في الحمالة والحوالة من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم: وقال في من تحمل وقال: تحملت بألف درهم، وقال الطالب: بل بخمس مائة/دينار، وصدقه المطلوب، يريد: ولا مال له، فليحلف الحميل: ما تحمل إلا بألف فيؤديها ويشتري بها دنانير، فإن بيعت بثلاثمائة له دينار يرجع الطالب على المطلوب بمائتين، ويرجع الحميل على الغريم بثلاثمائة دينار، فيشتري له بها دراهم، فإن وفت ألفا فذلك، وإن زادت فالزيادة للغريم، وإن نقصت حلف المطلوب للحميل: ما تحمل له إلا بخمسمائة، فإن نكل حلف الحميل وأخذ، ولو قال الحميل: تحملت لك بألف إردب قمحا، وقال الطالب: بل بخمسمائة دينار، وقال المطلوب: بألف درهم، قال: فإن كان مائة إردب أخذ من الحميل تسعمائة إردب تمام ما أقر به، ثم يباع الحميل بدنانير فيوفي الطالب بخمسمائة فإن نقصت فلا شيء له على الحميل، يريد: ولا على الغريم، وما زاد رد إلى الحميل. ... ... ... حمالة وقال في كتاب ابن المواز: إذا ادعى الطالب خمسين دينارا، وقال الحميل: ألف درهم، وقال الغريم، مائتي إردب قمحا فليؤخذ منه المائتا إردب، وأخر اليمين، فإن بلغ ثمنها دعوى الطالب سقطت الأثمان، وبرئ الحميل والغريم، وإن لم يف ثمنها بخمسين دينارا، وكانت تسوى ألف درهم، يريد محمد: فيبرأ الحميل ويؤثر يمينه، قال: ويحلف الغريم، فإن نكل لزمه دعوى الطالب إن كان مليا فبرئ الحميل، وإن حلف فهو بريء، ويحلف الحميل ويبرأ إذا كانت تسوى ألف درهم، وإن لم تسو حلف وغرم ما عجز ثمن القمح/عن ألف درهم، يريد: إن عجز هذا كله عن خمسين دينارا، قال: فإن نكل غرم بقية دعوى الطالب الخمسين دينارا، ولا يرجع الحميل بما غرم في ذلك كله، لا على الطالب، ولا على الغريم، وإن كان الغريم معدما: أخذت الألف درهم من الحميل، فإن كانت تفي بخمسين دينارا، فلا يمين على الحميل، وإن كانت أقل منها حلف ولم يلزمه غير [10/ 133]
الألف التي أقر بها، ثم إن أيسر الغريم فيؤخذ منه القمح الذي أقر به، فإن كان ثمنه أكثر من الألف، يعني بما يتم دعوى الطالب، فلا يمين على الغريم، قال: والحميل أولى بذلك القمح حتى يستوفي دراهمه، قال: وإن كان إنما أيسر الغريم ببعض القمح، فإن كانت قيمة القمح، يريد: كله مثل الألف درهم فأقل، فالجميع أولى بذلك من صاحب الحق، فإن كان في قيمة القمح كله أكثر من الألف درهم تحصا فيما يجدا عند الغريم مما ذكر أنه أقل من جميع القمح، تحاص الحميل بألف، والطالب بالزائد على الألف درهم من قيمة القمح كحقين أحدهما بحمالة، والآخر بغير حمالة، كمن تحمل بخمسمائة من الألف على رجل فغرمها عنه ثم طرأ للمطلوب مال لتحاص فيه الغريم والطالب، قال: وإذا غرم الحميل الألف درهم التي أٌر بها، يريد: في عدم المطلوب وقيمتها من الذهب مثل دعوى الطالب فلا يمين، وإن كان أقل حلف الحميل، قال: ثم يشتري بها قمح، فإن بلغت ما أقر به فليس للطالب غيره مع يمين الغريم، وإن كانت الألف/درهم أكثر من ثمن القمح دفعت الفضلة إلى الطالب عينا، ولم يكن للحميل على الغريم إلا قدر ما اشتري به القمح، وبطل ما أخذه الطالب من الفضل، فلا يرجع به الحميل على أحد، وإذا كانت الألف درهم تبلغ دعوى الطالب فزالت اليمين بذلك عن الحميل، كانت للحميل اليمين على الغريم إن كان ما أقر به الغريم من قيمة القمح أقل مما ودى الحميل. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن ادعى على رجل أن له قبله عشرة دراهم، وقال المطلوب: إنما لك علي قسط من زيت، وقال الحميل، إنما تحملت بقفيز من قمح، قال: يؤخذ القسط من زيت من المدعى عليه، فإن سوى عشرة دراهم أخذها المدعي، وإن زادت ردت الزيادة على المدعى عليه، وإن نقص من عشرة أخذ ذلك المدعي، ثم يؤخذ من الحميل القمح فيباع من تمام العشرة دراهم، ويرد ما فضل على الكفيل إن فضل شيء، ولا يكون للكفيل أن يتبع بذلك المطلوب، وهذه مذكورة في كتاب الدعوى والبينات. [10/ 134]
ومن كتاب ابن المواز: قال: وإن أحلت غريمك على رجل فمات المحال عليه قبل يؤدي، يريد: وهو عديم، فقال الطالب: أحلتني على غير مال كان لك عليه، وقال المطلوب: بل على مال لي عليه، قال: فهو حول ثابت حتى يظهر أنه على غير أصل مال. وإن ادعى الطالب مائة إردب، وقال الغريم: خمسين إردبا وقال الحميل: أربعين،/فليحلق الغريم والحميل مكانهما، ثم إن وجد عند الغريم خمسين سقطت الحمالة وإن لم يوجد عنده إلا أربعون غرم الحميل ثمانية، لأن ما أخذ من الغريم خمسة بغير حمالة وأربعة أخماس ما ودى عن الحمالة، فيسقط عن الحميل أربعة أخماس ما أقر به، وبقي عليه الخمس، ولو كانت عشرين سقطت عن الحميل ستة عشر من الأربعين، ويؤدي أربعة وعشرين، ولو ادعى الطالب مائة دينار وصدقة الغريم وقال الحميل: بل هي ألف درهم، والغريم عديم، فليؤخذ ألف درهم من الحميل ويباع بدنانير، فإن نقصت عن مائة دينار فلابد من يمين الحميل ويرجع الطالب على الغريم مما بقي والحميل بما ودى فما أصابا عنده تحاصا فيه، قيل: فلو أن الحميل صدق الطالب وكذبهما الغريم، قال: فقد اختلف قول مالك في شهادة الحميل، فروى عنه ابن القاسم أنه لا تقبل شهادته، ويلزمه ما تحمل به عنه، وروى عنه أشهب وابن عبد الحكم أن شهادته جائزة وحمالته لازمة. قال محمد: والصواب عندي إن كان الغريم مليا جازت شهادة الحميل عليه مع يمين الطالب، وإن كان عديما أغرمت الحميل ما أقر به، ولم أقض له به على الغريم. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن أقر لرجل أنه تحمل له بماله على فلان فأنكر أن يكون عليه حق للطالب، وأن يكون الحميل تحمل عنه، قال: يغرم الحميل ما أقر أنه تحمل به، ثم لا يعد الحميل على/المطلوب إلا ببينة أن ذلك الحق عليه، ولو أقر المطلوب وأنكر حمالة الحميل عنه، [10/ 135]
قال: يغرم المطلوب ما أقر به ولا شيء على الحميل حتى يجد الغريم وفاء، فإن لم يكن عنده وفاء غرم الحميل ما أقر بحمالته كما لو أحاله الطالب لجاز له أن يطلب ذلك منه، ولو قضى عنه بغير أمره ولا بحمالة كان له أن يرجع عليه. قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن تحمل برجل فأتى به إلى الطالب مبرئا إليه، والرجل مقر أو منكر فقال الطالب: لم تتحمل لي إلا بفلان، فالقول قول الحميل مع يمينه، إلا أن يأتي الطالب ببينة، ولا شيء على الذي جاء به الحميل، أقر أو أنكر، لأن الطالب قد برأه، قال: ولو شكا رجل غريمه فتبرع رجل فودى عنه، ثم أنكر المطلوب أن يكون كان عليه شيء، وإن كان الدافع قد دفع إلى الطالب مصدقا له، لم يكن له عليه شيء، وإن قال: إن هذا الحق لك عليه فخذه مني، ودفعه إليه، فإنه يرجع على الطالب له، إلا أن يقيم به بينة، وإن كان لم يتبين تصديقه إياه، ولا أنه لم يصدقه، وادعى المعطي أنه إنما أعطاه ذلك يرى أنه على الغريم فهو على التصديق لا يرجع حتى يتبين بشرط أن يثبت دعوان عليه. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن أحلته بعشرة دنانير على غريم لك فقبضها، ثم قلت له: إنما أسلفتك إياها. قال في كتاب ابن/حبيب: أو أمرتك تكفيني تقاضيها، فقال هو: بل قبضتها من دين كان لي عليك، فالقول قولك مع يمينك، ويقضي لك بالرجوع عليه بها، وليس إحالتك إياه إقرارا له، قال ابن حبيب عن ابن الماجشون ذلك على ما يشبه، فإن كان من أحلته يشبه أن يكون له عليك مثل ذلك، فهو مصدق مع يمينه، وإن كان لا يشبه ذلك، فهو كوكيلك مع يمينك، وقال أشهب: أنت مصدق قولا مجملا، وبقول ابن الماجشون قال ابن حبيب. [10/ 136]
في التداعي في الحق بحمالة وحق بغير حمالة يقصيه أحدهما فيختلفان فيه
في التداعي في الحق بحمالة وحق بغير حمالة يقضيه أحدهما فيختلفان فيه من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن عليه حق بحمالة، وحق بغير حمالة فيقضيه الغريم أحدهما بغير تسمية، ثم يختلفان عن أيهما قضاه، فليقض ذلك على الحقين، قال أصبغ: ولا ينفع الطالب إقرار الغريم بعد القضاء أنه عن غير الحمالة حتى يعرف عند القضاء بسبب أو بشرط. قال ابن القاسم: ولو كان الحقان من ثمن سلعة لم يخرج من يد البائع حتى قبض، ثم ادعى الحميل أنه عن الحمالة فلا يصدق، لأنه لم يصر بعد دينا للغريم. قال أصبغ: والحقان برهنين أو برهن وحميل على مجرى هذا سواء. قال ابن القاسم: ولو قبض الغريم السلعة وصار مطلوبا، فلما دفع إليه الحميل بعد ذلك عن الحمالة قال الطالب: بل ثمن سلعتي وقد حل الدينان فليقسم ذلك على الحقين، قال أصبغ: إن قضاء مبهما، وأما إن/فسرا فهو على ما بينا، قال محمد: وسواء ادعى كل واحد أنه بين ذلك عند القضاء، أو قالا: كان ذلك الذي نويا، وقال مثله أشهب: إذا كان القضاء مبهما، وخالفه إذا ادعى كل واحد أنه بين عند القضاء، فجعل القول قول القاضي. وقال مثله عبد الملك، وخالفه في الحجة، فاحتج أشهب أن الدافع مدع لقضاء الحق الذي بحمالة أو رهن، والآخر ينكر، فالمدعي عليه البيان، وحجة عبد الملك: أنه لما أسلم ذلك إليه فكأنه أئتمنه، ولم يشهد عليه فصدقه، ومن مات منهما فورثته بمثابته، قالا: وذلك إذا لم يحلا أو حلا جميعا، فأما أن حل أحدهما: فالقول قول من ادعى أنه من الحال مع يمينه. وقال ابن القاسم - وقاله مالك -: إذا قال هذا: قضيتك وبينت لك أنه لكذا، وقال الآخر، قد شرطت عليك أنه من حق كذا، فليقسم الحق بينهما، محمد: يريد: بعد أيمانهما، ومن نكل فالقول قول من حلف، فإن حلفا أو نكلا قسم ذلك على الحقين. [10/ 137]
قال ابن القاسم عن مالك فيمن أسلف رجلا برهن جعل بيد أمين، ضمن له ما نقص من رهنه، ثم أقرضه شيئا آخر برهن، وجعله على يدي الأول، وقضاه البعض، وقال: قد أعلمتك عند القضاء أن ذلك عن الحق الذي بالرهن المضمون ما نقص، وقال المرتهن: بل من الآخر، قال مالك: يقسم ذلك على الحقين، وكذلك قال في حق برهن، وحق بغير رهن، أو حق بحميل، أو حق بلا حميل، قال: وكذلك حق/بيمين، وحق بلا يمين. قال أصبغ: ولو ادعى أحدهما أنه بين عند القضاء، وقال الآخر: ما بين شيئا فالقول قول الذي قال ما بين شيئا إلا أن يقيم الآخر البينة، قال محمد: وهذا مذهب أشهب وعبد الملك، وخلاف ابن القاسم، وأما لو اتفقا أنهما لم يبينا، فلم يختلفوا فيه أنه يقسم على الحقين. ولو كان لك عليه صك بكفالة عن فلان بمائة فقضاه مائة ثم قال: هي عن القرض، أو عن كفالتين عن فلان، وقلت أنت: بل عن كفالتك عن فلان، فقول مالك يقسم على الحقين، وقال أشهب وعبد الملك: القول قول القابض، وكذلك لو قال: قبضت ذلك منهما، وقال الدافع: قد بينا، فالقابض مصدق مع يمينه، يريد: في قول مالك، قال: ويكون على كل صك ثلث ما اقتضى إذا كانت كلها حالة، ولو كان منها ما لم يحل، كان ذلك عن الحق الذي قد حل، ولا يقبل قول المطلوب: إن ما قضيتك عن فلان، فيحابي من أحب، ولو قال له حين القضاء: أقضيك عن فلان، فقال: لا أقبض إلا حق فلان فذلك للطالب، إلا أن يكون المطلوب محوبا، فيكون المال بينهما جميعا إن كانت حالة، ولا ينظر قول المطلوب، وكذلك في موتهما. [10/ 138]
في الحميل يدفع إلى الطالب غير النوع الذي تحمل به وصلحه فيه
في الحميل يدفع إلى الطالب غير النوع الذي تحمل به، وصلحه فيه، وكيف إن تحمل بعرض أو طعام فوداه، بماذا يرجع؟ /ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل بدنانير، فدفع فيها الطالب دراهم، فأما بعد الأجل فذلك جائز، ثم لا يأخذ من الغريم الدنانير، ولكن يخرج الدنانير الغريم، ثم يشتري بها دراهم، فإن نقصت لم يكن للحميل غيرها، وإن كان أكثر فليس له الفضل، وهذا كله بعد الأجل، وكان ابن القاسم يقول: الغريم مخير إن شاء دفع دنانير، وإن شاء دفع دراهم، ثم رجع فقال: هذا حرام بين الحميل والغريم، وقاله أشهب: وهو أحب إلينا. قالا: ولو أراد الكفيل أن يصالح في ذلك لنفسه حتى يكون له ما على الغريم، فلا يجوز له إلا ما يجوز لأجنبي أن يشتري الدين به، وبعد أن يكون الغريم قريب الغيبة يعرف الحميل ملأه من عدمه، حل الأجل أو لم يحل، فإن كان بعيد الغيبة، أو مجهول الغيبة، أو لا يعرف ملاؤه وما عليه لم يجزه، ولو كان طعاما فاستولاه الحميل لنفسه، فإن كان حاضرا وجع بينهما وهو يعرف حاله وأحاله عليه، فهو جائز، وإن كان من قرض فجائز، وإن لم يجمع بينهما، إذا عرف ملؤه ودأبه وقربت غيبته، وإنما يفترق الحميل في هذا والأجنبي في وجه واحد: أن للأجنبي شراء ما يجوز بيعه بما شاء، ولا يجوز للحميل أن يشتري به بمثل الثمن الذي نقد فيه مشتريه وإن حل. ولو صالح الكفيل الغريم والدين دنانير لم يجز بدارهم، ولا بما يوزن ويكال من الأشياء إلا بالجزاف منه، ويجوز بما يرجع إلى القيمة من حيوان أو عرض أو غيره، لأنه يؤدي/ما عليه أو القيمة إن شاء، وهي دنانير كما عليه، وأما بما في المثل فإنما كرهته لأنه يصير عليك مخيرا، وهذا قول أشهب، وهذا الذي يرجع إليه ابن القاسم، وقاله أصحابهما. [10/ 139]
وروى يحيى بن يحيى عن القاسم في العتبية: أن الحميل إذا تحمل بعرض فصالح فيه أو بعرض، يرجع إلى القيمة أن المطلوب مخير بين أن يؤدي ما ودى عنه من العين أو من قيمة العرض، ويعطيه ما كان عليه، ومن كتاب محمد: وإن كان ما عليه عرض أو حيوان لم يجز صلح الوكيل عنه على شيء من الأشياء إلا بجنس ما عليه إما أقل أو أكثر، لأنه إن وقع أكثر أو أجود فقد علم أنه إنما له مثل ما تحمل به، وإن دفع أقل فليس له غيره، ولا يجوز أن يدفع عنه نوع ما عليه ولا عينا، لأنه يصير مخيرا عليه، فإن نزل ذلك فسخته فيما بين الحميل والطالب، لأنه عقد للمطلوب، ولو كان للحميل شراء لنفسه جاز من ذلك له ما يجوز لغيره، ثم لا حجة عليه للغريم، ولا يجوز أن يستقيله عن الغريم من طعام عليه أو عرض أو غيره، فإن شاء تولى ذلك لنفسه، ولا يدفع عن الغريم بيضاء عن سمراء، ولا سمراء عن بيضاء، ولا يدفع عنه إلا مثل ما عليه، محمد: من طعام أو عين إن حل، ولا يجوز لأجنبي أن يدفع عن الغريم مثل ما عليه من طعام أو عين، وإن حل، ويحيله به، لأنه بيع، إلا أن يكون الطالب سأل في ذلك الأجنبي، أو يكون المطلوب سأله أن يقض ذلك عنه فيجوز حل الأجل أو لم يحل، فهو بخلاف الحميل، لأن الحميل يدفع عن نفسه/شرا لزمه، فيجوز وإن لم يحل الأجل. قال ابن القاسم: والمأمور فيما يقضي عن الغريم بخلاف الحميل فيمن أمرته يقضي دراهم فقضى دنانير، فذلك جائز، وليس كل أن تعطيه إلا مثل ما أمرته، لأن ذلك عمل بين المأمور والقابض لم يكن لك منعه منه، كما لو أعطاه عبدا أو عرضا لأنه له أن يبايعه ويصارفه، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية، قال محمد: وإلى هذا رجع ابن القاسم، وأما في أقل من دينار إن أمرته أن يدفع عنك نصف دينار، فدفع عنك ورقا فيها ترجع، لأن ذلك الأمر إنما يقع على الورق، وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك أنه يخير بين أن يدفع إليه الدراهم أو نصف دينار كما أمره، ثم رجع مالك في رواية ابن القاسم إلى ما ذكرنا، [10/ 140]
وأما لو دفع طعاما أو عرضا فله على الآخر نصف دينار ما بلع، وقال في رواية ابن القاسم: وإنما له عليه من ذلك دراهم، ولو كان إنما دفع في ذلك دينارا فصرفه وأخذ الطالب نصفه ورد نصفه إلى المأمور، رجع المأمور بنصف دينار بالغا ما بلغ، وقد روي عن ابن القاسم أنه جعل نصف دينار كالدينار، ولا يرجع الدافع إلا بنصف إن دفع دراهم فلا يرجع إلا بمثلها إلا إن يكن تجاوز في الصرف فليرد إلى العدل وهو الذي ثبت عندنا من قول ابن/القاسم، وكذلك يرجع الأمر على القابض إن كان إنما أسلفه ذلك، وإذا دفع غير الدراهم لم يرجع إلا بنصف دينار ما بلغ يوم يستوفي، ويكون للآمر على القابض كذلك إن كان سلفا، وكذلك لو أمره يدفع إليه دينارا سلفا يرجع عليه بدينار، وكذلك يؤدي الآمر للمأمور، ولو كان المأمور وكيلا للآخر فدفع في الدينار ورقا لم يرجع الآمر إلا بدراهم، لأن وكيله بمنزلته، إلا أن يعطب ما على القابض فيضمن الوكيل بتعديه حين دفع من ماله غير ما أمره به، فيضمنه مثل الدراهم، وإن شاء أسلم ذلك له، قال أصبغ: ما لم يكن عن قرض أيكون وكيلا مفوضا إليه. قال أصبغ عن ابن القاسم في المأمور أن يدفع عنه قراريط ذهب، فيدفع فيها دراهم، أنه يرجع بدارهم مثل ما دفع ورقه، لأن القراريط مرجعها إلى الدراهم، وقاله أصبغ. قال محمد: وإذا أمره بدفع دينار فدفع دراهم ورجع بدينار، وكذلك يؤدي القابض إلى الآخر، قال: فإن: أحبا أن يتصارفا عند القضاء فجائز ما لم يرجع إلى المأمور من الدراهم أكثر مما دفع فانقبه لاختلاف قول ابن القاسم في الدينار يدفع فيه المأمور دراهم، فقال مرة: الآمر مخي، ثم يرجع إلى أنه لا يدفع إلا دينارا، وبمثله يرجع، وبهذا قال أصبغ. [10/ 141]
قال أصبغ: قال ابن القاسم: وكان مالك مرة يقول: يرجع بدراهم، ثم قال: الآمر مخي رفي دفع دينار أو دراهم، ثم رجع إلى أن يؤدي دينارا/وبه أقول. ومن تحمل بعبد أو حيوان أو عرض فوداه، يريد: عنده، رجع بمثله لأنه سلف، قاله مالك وأصحابه. قال ابن القاسم: وإن تكلف الحميل شراءه بثمن فله الرجوع بمثل الثمن، ولو تحمل بطعام فاشتراه وقضاه لرجع بالثمن. قال ابن القاسم في العتبية من رواية يحيى بن يحيى: وإن وداه من عنده رجع بمثله. من كتاب محمد: ومن تحمل بثمن طعام فوداه فله أن يأخذ من الغريم فيه طعاما، يريد: إن رضيا، وإن كان من صنفه أكثر كيلا مما اشترى أو من غير صنفه، وكذلك من تطوع بقضاء ذلك عنه وهما بخلاف البائع وبخلاف من أحاله البائع على الثمن. وكذلك روى عيسى في العتبية نحو عن ابن القاسم، وكذلك روى عنه أصبغ سواء، وروايته أتم. ومن كتاب محمد: ومن تحمل لك بثوب فلا تأخذ منه من صنفه قبل الأجل أرفع ولا أدنى عن نفسه ولا عن الغريم، وذلك بعد الأجل يجوز عن الغريم، ولا يجوز للكفيل نفسه إلا أن يؤدي مثله، ومن تحمل بكذا مضمون فأكرى للمكتري بأكثر مما ودى فله الرجوع بذلك على الكري، وقاله مالك. ومنه، ومن العتبية من رواية أبي زيد، وعيسى عن ابن القاسم: ومن تكفل بطعام من بيع فدفع إليه الغريم دنانير يشتري بها طعاما ويقضيه عنه، فقضي عنه [10/ 142]
من طعام عنده، فإن لم يعلمه ثم بلغه فرضي، فذلك جائز، لأنه سلف رضي له فيه بثمن، ولو كان ذلك بأمر/الغريم لم يجز، لأنه بيع فوجب أن يستوفيه الغريم من الحميل قبل أن يقبضه عنه، فدخله بيع الطعام قبل قبضه. قال في العتبية: ولا يحل للذي له القمح أن يقبضه من الضامن حتى يكتاله الذي عليه الحق، وأحب إلي يوكل المطلوب بالقمح من يقبضه من الضامن ثم يقضيه عنه، وإن وكل الضامن فأرجو أن يكون خفيفا، وضعفه، وقال في رواية عيسى: ولعله يجوز، وما يجوز الآن حقا. ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم ذكر مسألة المأمور يقضي عن الآمر دراهم عن دنانير، وقد تقدمت، ثم قال في رجل لزم بصاع من قمح فأحاله على رجل فأعطاه فيه تمرا فهي كالأولى، وليس له أن يرجع إلا بثمن، وهذا إن كان من سلف، ولو كان من بيع لم يؤخذ فيه ثمن، ولو صالحه المطلوب من القمح السلف على تمر من رجل أمره بدفعه إليه، فإنما للدافع تمر. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن تحمل بعبد أو عرض أو حيوان أو غيره مما لا يكال ولا يوزن فودى، فإن وداه من شيء كان عنده رجع بقيمته، وإن اشتراه، يريد: اشتراه ليقضيه رجع بالثمن كان أقل من قيمة ما تحمل به أو أكثر، وأما ما يكال ويوزن فيرجع فيما ودى من عنده بالمثل، وفيها اشترى بالثمن. [10/ 143]
في الطالب يؤخر الغريم أو يهبه، أو يؤخر الحميل أو يصالحه
في الطالب يؤخر الغريم أو يهبه، أو يؤخر الحميل أو يصالحه، وفي الحميل يأخذ المال من الغريم ليقضيه فيتلف، وهل له ذلك؟ وكيف إن قدم الغريم وقال: قضيت الطالب؟ /من العتبية وكتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك فيمن له حمل بحق فأخر غريمه بعد محله سنة مؤتنفة، فقال الحميل: قد انفسخت حمالتي، قال مالك: الحمالة عليه قائمة ولا يقدر المحتمل له أن ينظر غريمه قبل يقول الحميل: أنت أخذته حتى فلس، قال: لو شاء هو لقام به. قال في العتبية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: قال: وإذا تحمل رجل بحق فلما حل الأجل فقضى الغريم الطالب بعض حقه وأنظره بما بقي إلى أجل، فلما حل الأجل قام على الحميل فقال له: لما أنظرت غريمك فذلك أبرأ لي، قال: لا يبرأ بذلك، والحمالة قائمة حتى يقبض جميع حقه. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك فيمن أخذ حميلا بحقه وارتهن به حائطا فلما أثمر دفع إليه ربه جميع ثمرته في دينه، وأخره بما بقي إلى أجل، قال: لا يبرأ الحميل ما لم يقم الحميل وينظر لنفسه، وعسى أن يلزمه اليمين: أنه ما أبرأه. قال في الكتابين أشهب عن مالك فيمن باع سلعة وأخذ حميلا، وكتب: أيهما شاء أخذ بحقه، فمات الغريم، فبيعت تركته كلها، فاستوفى ثلثي حقه، ثم حلل الميت مما بقي، فقال له الحميل: قد برئت، قال: يحلف بالله: ما وضع إلا للميت، ثم هو على حقه، قال محمد: فيها شيء، وقال في موضع آخر: فيها نظر، وفي موضع: ذكرها عن مالك، قال: محلل الميت، ثم طلب الحميل، قال: يكون ما أخذ بين الحقين بالحصص، ويحلف: ما/وضعت إلا للميت، ثم يكون على الحميل حصته من ذلك. [10/ 144]
من كتاب محمد: قال ابن القاسم: وليس للحميل أخذ الحق من الغريم ليقضيه، وله طلبه ليدفع بنفسه، فإن قبضه منه على الاقتضا فهو ضامن له إن تلف، كان محمد يغاب عليه أو لا يغاب عليه، قبضه بطوع أو بقضاء سلطان، وقد أخطأ السلطان إن جبره على ذلك، وإن قبضه على الرسالة لم يضمن، ويقبل قوله في تلفه بلا بينة، وإن اتهم حلف، قال للطالب أن يكلف الحميل بملازمة الغريم ليدفع ما عليه وهو مليء. قال ابن حبيب عن أصبغ: وإذا أراد الحميل أن يأخذ من الذي تحمل به الحق بعد محله، والطالب غائب، وقال: أخاف أن يفلس، قال: ينظر السلطان فإن كان يخاف عدمه قبل قدوم الطالب، أو كان لا يخاف عدمه لكثره ماله، إلا أنه كثير اللدد والمطل، فليعد الحميل عليه، وينظر فإن كان الحميل من أهل الملأ والوفاء، أقر ذلك في يديه، وإلا أودعه، وكان ذلك براءة للحميل والغريم، وضمان المال فمن الغائب، فإن كان المطلوب من أهل الملأ والوفاء، فليس للحميل أن يأخذ ذلك منه. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا كان له حق على رجلين بعضهما حميل عن بعض، وأيهما شاء أخذه بحقه، فأخذ أحدهما فسجنه وترك الآخر، فأراد المحبوس أن يحبس معه صاحبه، قال: ذلك له أن يسجن له. قال محمد:/وقال أشهب: في ظني فيمن أخذ غريمه بعد الأجل أن ذلك تأخير للحميل، إلا أن يأبى الحميل، فذلك له، ويقال للطالب: إما أسقطت الحمالة فيجوز تأخيرك، وإلا فاحلف: أنه ما أردت بتأخير الغريم إسقاط الحمالة، فإن حلف بطل تأخيره، إلا أن يشاء ذلك الحميل، وإن علم الحميل بتأخيره فسكت حتى حل الأجل والحمالة لازمة، وكذلك إن لم يعلم حتى حل الأجل إذا حلف الطالب أنه ما أخره رضي بترك الحمالة، فإن نكل سقطت الحمالة، قال: وإن أخر الحميل وطلب الغريم ثم حلف: ما ذلك تأخير للغريم، [10/ 145]
فإن نكل كان تأخيرا لغريم معه، وكذلك لو وضع عن الحميل حمالته أو بعضها كان الحد كله قائما على الغريم. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أخذ بثمن سلعة كفيلا، وكتب: أن يأخذ أيهما شاء، ثم أمره بقبض الثمن فقبضه، ثم زعم أنه ضاع، قال: إذا كان أيهام شاء أخذ بحقه فهو والبيع سواء، وإن كان على وجه الوكالة على قبضه فهو بريء في الحمالة، ولو كان شريكا في البيع بريء من نصف الحق، وإن أمره بأخذه على وجه التعاطي لم يجعله وكيلا له فهما ضامنان جميعا. ومن كتاب ابن المواز: قال: يريد: ابن القاسم: وإذا غاب الغريم فغرم الحميل الحق، ثم قدم الغريم فأقام بينة أنه دفع إلى الطالب، فلينظر فإن كان الحميل فهو دفع قبل الغريم وبعد الأجل؟ فله الرجعة/به على الغريم، لأنه دفعه كان بحق، ويرجع الغريم بما دفع إلى الطالب، وإن كان الغريم هو الدافع إلى الطالب إلا فلا يتبعه الحميل، ولكن يرجع على صاحب الحق بما دفع إليه، وإن جهل أمرهما فلا يعرف الأول لم يكن للحميل أن يتبع إلا من دفع إليه ن وهو صاحب الحق، إلا أن يكون له بينة أنه الدافع الأول أو بقضاء من السلطان بعد أن يحلف الغريم: أنه دفع أولا، فإن نكل حلف الحميل وأغرم الغريم، فإن نكلا لم يكن للحميل شيء على الغريم. ومن العتبية: قال عيسى بن دينار: وإذا أنكر الحميل الحمالة فصالحه الطالب على بعض الحق في غيبة الغريم، ثم قدم فله أن يرجع عليه ببقية حقه، ويأخذ منه الحميل ما ودى عنه. [10/ 146]
فيمن ادعى دابة فضمن له رجل ما جاء فيها فماتت بيد الآخر
فيمن ادعى دابة فضمن له رجل ما جاء فيها، فمات بيد الآخر. ومن باع عبدا وأعطي به حميلا، والمدعي فيها يذهب بها إلى موضع بينته ويعطي حميلا بقيمتها من العتبية: قال سحنون فيمن ادعى دابة بيد رجل، فضمن له رجل ما جاء فيها، فخلا عنه، فأخرجت إلى الرعي يوما آخر فماتت، قال: يضمنها إذا أثبتها المدعي عند القاضي وقضى له بها. وقال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في رجلين اعترفا دابتين سرقتا لهما، فقال من هما بيده: أعطياني حميلا بقيمتها واذهبا بها إلى بلد بينتكما، فإن أثبتما ذلك عند قاضي بلدكما سقطت الحمالة، وإن لم تثبتا ذلك أخذت الحميل بالقيمة إلى الأجل، فتحمل أحد الطرفين بقيمتها وذهبا بهما فهلكتا قبل/يقضي لهما، فأخذ الحميل منهما فودى القيمة ورجع على صاحبه فقال له: أنت تعلم أني محق، وأن الدابة لي فلا ترجع علي، قال: يلزمه غرم ما ودى عنه إذا تحمل عنه بأمره إن كان ودى، وإن لم يؤد رجع المتحمل له عليهما فأغرم كل واحد النصف إن تحمل بإذن صاحبه، قال أشهب: يغرم له ما غرم عنه، إلا أن يستحق الدابتين فيرجع الحميل بما وفى على من كانتا في يديه فيأخذه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن اعترف عبدا بيد رجل فيأخذ به عليه حميلا حتى يثبت بينته، فزعم أنه أبق، قال: يضمن، وأما الموت فلا يضمن لأن الموت معروف. قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن ابتاع من رجل عبدا على أن يعطيه به حميلا فمات العبد قبل يقبضه المبتاع، أو بعد أن قبضه قبل أن يعطيه الحميل، فمصيبته [10/ 147]
في حالة من أحاط الدين بماله، وحمالة ذات الزوج والعبد
من المبتاع، وإن كان له رده إذا أبى أن يعطيه حميلا، وهذا أحب إلي من قول ابن كنانة: إن الضمان من مشترط الخيار، ومشترط الخيار كان له الرد، وهذا لم يكن رد حتى يعجز صاحبه عن الحميل فيكون هو حينئذ مخيرا في الرد. في حمالة من أحاط الدين بماله، وحمالة ذات/الزوج، والعبد، والحمالة بالمولى عليه، وحمالة المريض، وإقراره، وحوالة السيد على عبده، أو يكرهه على الحمالة من كتاب ابن المواز والعتبية: قال مالك: لا يجوز حمالة من أحاط به الدين كصدقته، وهي من المعروف، وتفسخ، قال ابن القاسم: ولا تسعة فيها بينه وبين الله، ومن كتاب محمد: قال أصبغ: وهي كحمالة ذات الزوج في الكثير، ثم إن طلقت وأيسر هذا المعدم ولم تفسخ فهي ثابتة، إلا أن يكون قد كان الزوج أسقطها عن زوجته، والغرماء عن غريمهم. قال مالك: حمالة ذات الزوج جائزة ما لم تجاوز ثلث مالها، وإن كان بأبيها أو أخيها، محمد: أو أجنبي، قال: فإن جاوزت الثلث فللزوج رد جميعه. قال مالك: وتجوز حمالتها بزوجها بمالها كله إن كانت طائعة، فإن ادعت إكراهه كشف عن ذلك. وقال المغيرة في غير كتاب ابن المواز: إذا تصدقت بأكثر من الثلث لم يرد منه الزوج إلا ما جاوز الثلث. قال محمد: قال أشهب: أما حمالتها لزوجها لأجنبي فذلك لازم، ولا يقبل دعواها الإكراه إلا ببينة، قال محمد: فإذا قامت البينة بالإكراه، سقطت الحمالة، علم الأجنبي بالإكراه أو لم يعمل، قال أشهب: فإن لم تقم بينة فإن كان الأجنبي [10/ 148]
منهما يعلم ذلك كالقريب الجوار وشبهه، حلف الأجنبي: أنه ما علم ذلك، فإن نكل حلفت: لقد علم وبرئت، وأما غير الجار ممن لا يظن به علم ذلك فلا يحلف، وأما حمالتها بغير الزوج للزوج ويدعي/الإكراه، فإن كان ظاهر الإساءة لها بالبينة وقلة ورعه فيها، وتحامله بما لا يحل له، معروف أنها إن لم تفعل فعل بها ما لا يحل، فإنها تحلف وتسقط الحمالة، وإن كان على غير ذلك حلف الزوج: ما أكرهها وثبتت الحمالة. قال محمد: وحمالة المريض في ثلثه لأنها من ناحية العطية عند مالك وأصحاب لا كالبيع. قال ابن القاسم: ثم إن داين الناس في مرضه حتى أحاط به الدين، بطلت الحمالة، قال محمد: ولو صح ثم مرض كانت من رأس ماله. وقال أشهب: إن حمالة المريض جائز ما لم يدخل على أهل دينه نقص بها، ولا يكون المتحمل به مليا ويكون المريض متهما في إحياء حقه، وإذا كان مليا جازت بكل حال. وقال عبد الملك: إن كان المحمول به مليا فهي لازمة، وإن كان عديما بطلت ولم تكن في الثلث إذ يرد بها الوصية. قال محمد في المريض وله دين على رجلين وقد تحمل بعضهما ببعض، وأحدهما وارثه فأقر أنه قبض منه جميع الحق فلا يجوز إقراره، والحمالة قائمة كانا مليين أو معدمين، لأنها وصية لوارث أسقط ما عليه وجعل له اتباع الأجنبي، وإن اقر أنه قبض الحق من الأجنبي جاز إقراره، وسقط الحق عنه، إن كان مليين، لأن الأجنبي يتبع الوارث ولم يسقط عن وارثه شيئا لأن صاحبه ملي لا يغرم بحمالته شيئا، وإن كانا معدمين لم يجز إقراره، ولم تسقط عنهما حمالة ولا دين، لأن الوارث إن أيسر أولا صارت وصية له، لأنه أسقط عنه ما يلزمه في نفسه وعن الأجنبي، وأما في عدم الأجنبي وملأ الوارث لا يجوز، لأنه يزيل عن/وارثه واجبا إن أقر له فلا يجوز للأجنبي، لأنه يزيل بذلك الطلب عن وارثه. [10/ 149]
وإن أقر المريض أنه قبض ديته من وارثه وله به حميل أجنبي لم تسقط الحمالة عنه لبقاء الحق على الوارث، وإن مات هذا من مرضه قال: ولو أسقط الحمالة لم يجز إسقاطها لأن ذلك يضعف فرضه وينقضه. ولو أقر أنه قبضه من الحميل جاز إقراره ويتبع الأجنبي الوارث، كما لو أوصى للأجنبي بالحق، وكذلك لو أقر أن الحق له أو بغيره جاز إقراره، وإن لم يدع غيره. قال: وحمالة العبد بغير إذن سيده باطل، وإن كان مأذونا له في التجارة، وتجوز بإذنه في المأذون وغير المأذون، وتكون في ذمته. وقال عبد الملك: إنه تجوز حمالته. قال: وللسيد إكراهه على الحمالة ما لم يكن على العبد دين محيط. وقول ابن القاسم: لا يكرهه، والأول أحب إلينا. ومن أحال غريمه على عبده أو مكاتبه فمات فلا شيء أو فلس، أو عجز المكاتب رجع الطالب على السيد أحاله على المكاتب بأول نجم أو بآخره، قال أصبغ عن ابن القاسم: وهذا إن أحاله على غير أصل دين، فأما لو أحاله بدين له على عبده أو مكاتبه، لم يرجع على السيد بحال في عجز ولا غيره، وبطلت ذمته، وكذلك هذه المسألة في العتبية من رواية أصبغ. ومن كتاب محمد: ومن أحال على عبده المأذون الملي بمائة دينار من غير دين ففلس العبد، فحاص/غرماءه، فأصابه نصفها لرجع هو والغرماء على السيد بالمائة يأخذ المكفول له بما بقي له، ويأخذ الغرماء غيره ما أخذ منهم بسبب الحوالة، فإن لم يكن عند السيد شيء بيع العبد في ذلك، محمد: وإنما ذلك يريد: في حمالة العبد ما لم يكن على العبد دين محيط وبيده مال بقدر حمالته فأكثر، ومن تكفل عن عبده ثم عتق فله اتباعه بما ودى عنه. ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا تكفل عن عبده إلى أجل، ثم باعه وانتزع ماله وطلب الطالب تعجيل ماله فليس ذلك له، وذكر مسألة [10/ 150]
في الحمالة بدين مجهول، والوارث يتحمل بدين أبيه على أن يؤخر
مالك فيمن باع من عبده المأذون وارتهن به رهنا، ثم فلس العبد، فإن كان الدين يشبه معاملة العبد، كان الرهن له رهنا إن أثبت الدين ببينة، وإن لم يكن لمثله مداينته بطل الرهن، وإن كانت له بينة لأنه لم يرتهن بصحة وهو توليج، وحاص بقيمة سلعته إن ثبت ذلك ببينة في الرهن وفي غيره، وليس كالأجنبي يحابي في البيع ويرتهن. وقال أصبغ: أرى أن يكون السيد أحق من الرهن بمبلغ قيمة السلعة، قال عبد الملك: ومن تحمل برجل فإذا هو مولى عليه لزم الحميل الغرم، ولم يرجع هو ولا الطالب عليه بشيء، ولو أن الطالب عامل المولى عليه قبل هذه الحمالة لم يلزم الحميل شيء، قال: ولو كان مما يلزم اليتيم مثل أن يكون لليتيم الدار والحائط، فيسلفه النفقة فهذا يلزم الحميل. قال ابن القاسم: إذا تحمل بالصبي فيما يلزم الصبي/لزمه ورجع به في مال الصبي. ومن العتبية: قال أصبغ: من اشترى من سفيه أو من بكر وأخذ حميلا بما لزمه من قبلهما، فأبطل البيع وأبطل الثمن عنهما: أن الحميل يلزمه غرم الثمن، ولا يرجع به على أحد، ولو قال: ضمنت لك ما يدركك من السفيه لم أره شيئا، لأنه لا يدركه من السفيه، إنما أدركه بسببه، إلا أن يكون السفيه هو الذي قام بذلك في ولايته أو بعد رشده حتى فسخ ذلك، فلذلك الرجوع على الضامن عنه. في الحمالة بدين مجهول، الوارث يتحمل بدين أبيه على أن يؤخر من كتاب ابن المواز: قال مالك: من أوصى ولده أو غيرهم أن يضمنوا عنه دينه، فذلك جائز، سمى الدين أو لم يسمه، والغرماء حضور أو غيب، في الصحة أو في المرض. [10/ 151]
قال أشهب: ومن مات وعليه دين فقال رجل أنا حميل بما عليه فذلك يلزمه ولا رجوع له، فإن لم يكن للميت مال يوم تحمل لزمه الغرم ولا رجوع لها بما غرم في مال إن طرأ للميت، ولو كان للميت يوم تحمل مال يعلم به رجع فيه إن قال: إنما تحملت لأرجع به. ومنه ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك، قال مالك فيمن مات وعليه من الدين مالا يدري كم هو، وترك مالا، قال في العتبية في عين وعرض لا يدرى كم هو ولم يحصل، فتحمل بعض ورثته بجميع دينه، يريد: إلى أجل على أن يخلى بينه وبين ماله، فإن كان فيه فضل بعد وفاء الدين كان/بينه وبين الورثة على فرائض الله عز وجل، وإن كان نقصا فعليه وحده، فذلك جائز. قال في العتبية لأن ذلك منه على وجه المعروف وطلب الخير للميت ولورثته، كان الذي تحمل به عن الميت نقدا أو إلي أجل، قال في الكتابين: وأما إن كان له الفضل بعد وفاء الدين وعليه النقصان فلا يجوز، لأنه غرر وغير وجه من الفساد، وصار كالبيع يحله ما يحله، قال: ولو كان وارثا واحدا كان جائزا. قال: ولو طرأ غريم لم يعلم به الابن فعليه أن يغرم له ولا ينفعه قوله: لم أعلم به، وإنما تحملت بما علمت. قال مالك فيمن مات وعليه ثلاثة آلاف دينار، ولم يترك غير ألف دينار وولد لا يرثه غيره، فسأل غرماء أبيه أن يدعوا الألف بيده، وينظروه سنين، ويضمن لهم بقية دينهم، فرضوا، فذلك جائز قال ابن القاسم: وبلغني عن ابن هرمز مثله، قال مالك: وإن كان معه ورثة غيره وأدخلهم في فضل إن كان، فذلك جائز فإن طرأ غريم لم يعلم به لزمه أن يغرم له. [10/ 152]
في الحميل يدفع إلى الطالب من عند نفسه ما أخذ من المطلوب بغير بينة
في الحميل يدفع إلى الطالب من عند نفسه ما أخذ من المطلوب بغير بينة، أو يدفع المطلوب بغير بينة من العتبية: وري عيسى عن ابن القاسم في الحميل بعشرة دنانير يأخذها من الغريم ليدفعها إلى الطالب ليدفعها إلى الطالب، فدفعها إليه بغير بينة فجحد، فالحميل ضامن حين لم يشهد إلا أن يدفعها بمحضر المطلوب فلا يضمن الحميل/، ويغرمها المطلوب ثانية لأنه غرر بنفسه، ولو دفعها الحميل من عند نفسه بلا بينة بمحضر من المطلوب وهو يشهد عليه وقد جحد، قال: يؤديها الغريم إن كان مليا للطالب ولا يتبعه الحميل بما ودي عنه، ولو أن المطلوب وداها بمحضر الحميل فليؤدها الغريم فللحميل الرجوع عليه بعشرين، وفي رواية عيسى: لا يغرم غلا عشرة، قال عنه أبو زيد: وإن دفها بغير محضر الغريم لم يرجع عليه إلا بعشرة. جامع مسائل مختلفة من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم: ومن خرج في قتال نائرة فضمن له رجل من الناس عقل جرحه، فذهب ثم طلبه بذلك فقال: لا أضمن، قال: ذلك يلزمه إذا كان على وجه الحمالة والإصلاح بين الناس إذا كان قد قبل ذلك من المجروح، وذلك في الخطأ مما فيه دية، أو في العمد إذا اصطلحوا على الدية. ومن قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر فتكفل بها رجل وعجل عتقه، قال: يلزمه الحمالة ويرجع الحميل على العبد بما أدي، وهي حمالة في حرية ثبتت، كمن قال:/أعتق عبدك ولك علي كذا إلى أجل. [10/ 153]
ومن سماع ابن القاسم: ومن ابتاع من غريب شيئا ثم سأله بعد يوم التعريف به، قال: لا يلزمه ذلك، إلا أن يشترط ذلك عند البيع، أرأيت الذين يبيعون الإبل والغنم أعليهم معرفة، أو على أهل منى؟. ومن سماع عيسى عن ابن القاسم، وعن من له دين على رجل إلى أجل، فيقرب الأجل فيريد الغريم سفرا، فطلب منه الطالب حميلا لئلا يحل الدين في غيبته، قال: ينظر السلطان، فإن رأى أن الدين يحل قبل تقضي سفره، أمره بحميل، وإلا فليس ذلك عليه، ويحلف بالله: ما يخرج إلا مثل ما يخرج الناس في التجارة والحوائج القريبة مما يأتي مثل أجله. وروى عنه أبو زيد في الغريم له مال غائب، فقال له غرماؤه: أعطنا حميلا حتى يأتي مالك، فليس لهم ذلك عليه إلا أن يخاف عليه أن يهرب أو يغيب. وروى عنه عيسى فيمن قضى غريمه عشرة دنانير، فذهب بها لربها ليزنها فوجدها قبيحة الوجوه أو ناقصة الوزن فردها، فقال له: إنما أخذتها من فلان فاذهب بها إليه بيبدلها، فذهب لذلك فوقعت منه، فإن كان حين ردها إليه قبضها منه ثم ردها إليه ليذهب في بدلها فضمانها من الذي عليه الحق، وإن لم يكن قبضها منه، فهي ممن سقطت منه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا أخذ الطالب من الغريم عبدا بدينه، ثم استحق فرجع على الغريم، إن الحميل قد برئ، لا تعود عليه حمالة. وفي باب الحمالة بالعقود الفاسدة ما يشبه هذا./ قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجلين اشتريا سلعة، فقال البائع: لا أكتب الثمن إلا على أحدكما فكتبه عليه وقبضا السلعة، فقال المكتوب عليه لشريكه: لا أعطيك من السلعة شيئا حتى تأتين بثقة أو تنقدني، فليس له ذلك، وهو قد تحمل، والحمالة تلزمه. هذه المسألة في العتبية، كتبتها في التفليس. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن تكارى من رجل وتحمل عن الكري حميل، والكري مديان، فوثق حميله بأن باع بعيرين وأعطاه أثمانهما، وقال: [10/ 154]
في الحوالة وجامع مسائلها
إن رهقني شيء فهذا معي بكراية يكتري له به، ففلس الكري، هل يدخل غرماؤه فيما وضع بيد الحميل لذلك؟ قال: الحميل أحق بذلك منهم كالرهن ما لم يخرج الحمال بأكريائه، فلو خرج بهم ثم فعل هذا لدخل في ذلك غرماؤه. قال محمد بن عبد الحكم فيمن ادعى على رجل بمائة دينار، وأنه تحمل بها رجل وهما منكران، فأقام عليهما البينة فأخذ بها الحميل فأداها، فإنه ليس للحميل أن يرجع بها على الغريم لأنه يقول، إنما ظلمه فلا آخذ من هذا شيئا. ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: وإذا اشترى رجلان سلعة بثمن مؤجل، وكتب أحدهما الثمن على نفسه ليمكن صاحبه السفر، فبيعث السلعة، فطلب الذي ليس عليه الكتاب قبض نصف الثمن، فأبى عليه الذي كتب الثمن عليه، وقال: أنا المطلوب وغلب على حبسه، فلما حل الأجل قال: ضاع منه عندي عشرة دنانير، قال: هو لها ضامن، وكذلك لو قال: سرق/مني المال لضمنه، ولو استأدى عليه أولا حين منعه لقضي عليه أن يدفع نصف الثمن إلى صاحبه. في الحوالة وجامع مسائلها من كتاب ابن المواز: قال محمد: لا تكون حوالة إلا على أصل دين، وإلا فهي حمالة. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: الحوالة جائزة، وإن لم يكن للحميل دين على المحال عليه، وبه أقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن على ملي فليتبع. محمد: وإذا أحالك على أصل دين فهي براءة للحميل لا يرجع عليه في فليس المحال عليه أو موته. [10/ 155]
قال مالك: ولو أحاله على مفلس وهما عالمان به فلا رجعة له ولو لم يعلم المحال كان له أن يرجع على المحيل إذا غره أو كتمه شيئا علمه منه، مثل أن يكون مفلسا، أو قد غرق في الدين أو غير ذلك. قيل لمالك: أفعلى الغريم شيء؟ قال: ينظر القاضي فيه فإن كان يتهم في ذلك أحلفه، وإنما تجوز الحوالة إذا حل ما تحيل به أحلت على ما قد حل أو لم يحمل إذا كان في صفته وفي جنسه، وجاز ذل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن اتبع على ملي فليتبع، فأما إذا لم يحل دينك فلا تحيل به على دين قد حل أو لم يحل، ويصير دينا بدين وذمة بذمة، وقد جاء النهي عنه. قال مالك: ومن أحلته بدين على رجل ثم تبين أنه ليس لك إلا بعضه فإنه تتم الحوالة فيما يساوي ما لك عليه، ويصير الباقي حمالة يتبع بها أيهما شاء، وقاله ابن القاسم. قال محمد: وإذا كان له عليه خمسون دينارا فأحالك عليه/بمائة فمات الحميل وعليه لغيرك مائة، وترك مائة، والذي أحالك عليه غائب، والذي مات يحل ما عليه، ف إنك تحاص غرماءه بالمائة كاملة، فيصيبك بالحصاص خمسون، فمنها خمسة وعشرون عن الحول وخمسة وعشرون عن الحمالة فما كان منها عن الحمالة صار دينا للميت على المحيل الغائب، ولك أنت عليه بقية الخمسين التي هي حمالة، وذلك خمسة وعشرون والميت لك بها حميل، وبقي لك على الميت خمسة وعشرون بالحول لا يرجع بها على أحد، فإذا قدم الغائب أخذت منه الخمسين التي عن الحمالة لنفسك، فالذي صار للميت منها تضرب فيه أنت بما بقي لك على الميت من الحول خاصة، وهو خمسة وعشرون، وغرماء الميت بما بقي لهم، يريد محمد: وهو خمسون، فتأخذ أنت ثلثها وهو ثلثيها. قال محمد: وإن لم يوجد في مال العادم إلا خمسة وعشرون لزمك رد نصفها وهو اثنا عشرة ونصف إلى الميت، ثم تحاص أنت منها غرماءه بما بقي لك من الحول والحمالة، وقد بقي كل من الحول خمسة وعشرون، وعن الحمالة اثنا عشر ونصف، فلما رجع [10/ 156]
إليك من مال العادم خمسة وعشرون صار كأنه لم يجب لك على الميت بالحمالة إلا خمسة وعشرون، وبها كان ينبغي أن تحاصص فصار يصير لك أثنا عشر ونصف، إذ صار لكل غريم نصف حقه، فعليك أن ترد اثني عشر ونصفا ثم تحاص فيها أنت وغرماء الميت ثانية كفضلة من ماله، فتضرب أنت/فيها بما بقي لك، فذلك سبعة وثلاثون ونصف، ويحاص المحيل بها غرماءه في الاثني عشر ونصف، فما نابك فثلثاه للحول وثلثه للحمالة، ويصير جزء الحمالة دينا للميت على المحيل، قال: فإن لم يوجد للقادم إلا عشرون، أو كانت هي التي أصابك في الحصاص، فينبغي إن ترك عشرة تحاص فيها أنت بما بقي لك، وغرماء الميت بما بقي لهم، وبقي لك أنت بالحمالة خمسة عشر، ومن الحول خمسة وعشرون، وذلك أربعون، فما صار لها منها فخمسة أثمانه عن الحول، وثلاثة أثمانه عن الحمالة، وإنما دررت الآن العشرة لأنك لما أخذت عشرين من مال العادم عن الحمالة علمنا أن بثلاثين كان ينبغي أن يحاص من الخمسين التي للحمالة في مال الميت. فيتمسك بنصف خمسة عشر من الخمسة، لأن كل غريم أخذ نصف حقه أولا، ويرد عشرة يكون فيها الحصاص، فإذا أحلته على ثمن سلعة بعتها من رجل وهو ملي ثم استحقت السلعة أو ردها عليك بعيب، قال ابن القاسم: الحول ثابت يؤديه ويرجع به عليك، قال: وبلغني ذلك عن مالك. وقال أشهب: الحول ساقط، ويرجع غريمك عليك، وكذلك لو قبض ما أحلته به لرجع به عليه من دفعه إليه، قال محمد: هذا أحب إلي، كما لو بيع على مفلس أو ميت متاعه، وقبض غرماؤه من متولي بيعه أو من المشتري بحوالتهم عليه، ثم استحق ما بيع فليرجع المشتري بالثمن على من قبض الثمن، وهذا قول أصحاب مالك كلهم. قال فيه وفي العتبية من سماع أصبغ وأبي زيد عن ابن القاسم قال: ومن/باع بمائة دينار ثم تصدق بها على رجل وأحاله بها وأشهد له، ثم استحق العبد أو رد بعيب، قال: قال ابن القاسم: ومن حمل عن ناكح صداقه في عقد نكاحه فهو له لازم في حياته وبعد مماته، وأما حمله بعد عقد النكاح، واحتالت عليه به المرأة، [10/ 157]
في الحوالة على غير أصل دين، وكيف إن شرط المحيل أنه بريء بذلك
وأشهد على ذلك، فذلك جائز لازم في الحياة، ويسقط بعد الموت كالعطية لم تقبض، ولا تكون الحوالة إلا من أصل دين، وقال ابن الماجشون: تلزمه بعد موته، لأن الحوالة عندي تلزم، وإن لم تكن على أصل دين، كما إذا قال: بع منه ثوبك والثمن علي، فكذلك هذا كأنه قال: أعطه من مالك كذا ومثله لك علي. في الحوالة على غير دين، وكيف إن شرط المحيل أنه بريء بذلك، أو شرط أنه إن فلس المحال عليه رجع؟ وفي الحميل يعطى على أن يأخذ من شاء بحقه من كتاب ابن المواز: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أحال رجلا على رجل ليس له عليه دين وشرط أنه بريء بذلك وشق الصحيفة، قال: ذلك لازم وله شرطه، قال محمد: إلا أنه إن فلس المحال عليه قبل يدفع إلى المحال حقه، فليرجع المحتال على من أحاله، لأنه لو دفعها إليه المحال عليه كان له الرجوع به على المحيل، وروى أشهب عن/مالك أنه إن فلس المحال عليه أو مات فليرجع المحتال على المحيل، إلا أن يكون أحاله على أصل دين فلا يرجع على الأول، قال وما لم يفلس أو يمت فليس له أن يأبى من الدفع إلى المحتال عليه. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: إذا شرط الغريم على الحميل: إن خفي عليك، لا أطلب به غريمي لشر عرفه منه، أو قبح مطالبة، أو لامتناع بسلطان، فالشرط جائز وحقه عليه، حضر الغريم أو غاب في ملئه وعدمه، إلا أن يشاء أن يرجع إلى غريمه، قال ابن الماجشون: الشرط باطل، وهي حمالة لا يطالب الحميل إلا في غيبة الغريم أو عدمه، وهي سنة الحمالة حتى يسمي الحوالة فيقول: احتال عليك من حقي، فحينئذ يكون حقه عليه لا يرجع به على الأول، وما دام له الخيار في الرجوع إلى الأول فهي سنة الحمالة، وقال أشهب وابن كنانة مثله إنه كالحميل، وقال ابن الحكم وأصبغ مثل قول مطرف، وروايته عن مالك، ورواه ابن القاسم عن مالك، وبه أقول، قال أصبغ: وكان ابن القاسم إنما يقول في القبيح المطالبة أو ذي السلطان، ونحن نراه في كل أحد إذا بين وحقق. [10/ 158]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أحلته على غريم لك بدين ثم تبين أنه إنما لك عليه بعض ما أحلت هذا به، فينظر، فما قابل ذلك فهو حول، وهو في الباقي كحميل. ومن سماع عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال الحميل: علي حقك ودع صاحبك لا تكلمه، فإن الحق عليه، وإن كان المحيل مليا فالمحال مخبر فيه وفي المحيل. وإذا/كتب: على المحيل طلبك، ولست من الغريم في شيء، أو كتب: إن حقه عليهما حيهما عن ميتها، أو أيهما شاء أخذ بحقه، فحقه لازم للمحيل، وإن كان الغريم مليا فله أخذ الحميل بحقه إن شاء، وإن لم يكن كذلك قال مالك: يستأني بالغريم إلا أن يغيب أو يفلس. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المطلوب يذهب بالطالب إلى غريم له فيأمره بالأخذ منه، ويأمر الآخر بالدفع له فيتقاضاه فيقضيه البعض أو لا يعطيه شيئا: أن الطالب أن يرجع إلى الأول، لأنه يقول: ليس هذا احتيالا بالحق، وإنما أردت أن أكفيك التقاضي، وإنما وجه الحول أن تقول: أحيلك بحقك على هذا وأبرأ إليك بذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن شمن حقا وشرط للطالب أن يأخذ من شاء بحقه ويبدأ بمن شاء، قال: قول ابن القاسم: إن له أن يبدأ به ويطلب الذي عليه الحق، وله أن يأخذ ممن شاء. وقال أشهب ورواه عن مالك فيمن كتب حقه على رجلين أن يأخذ الحي عن الميت، والحاضر على الغائب، وأيهما شاء أخذ بحقه، فليس له أن يأخذ هذا فيبيع داره والآخر حاضر مليء، وأما في عدم صاحبه أو غيبته فذلك له. [10/ 159]
قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا شرط على الحميل: أن حقي عليك، أو كتب عليهما أن يأخذ أيهما شاء بحقه، أن ذلك يلزم الحميل أن يأخذه وحده، وأن كان الغريم حاضرا مليا لا علة به، ولا يكون عليه أن يبدأ بالغريم، والناس عند شروطهم ما لم يكن شرطا حراما، وإنما يبدأ بالغريم إذا لم يكن شرطا، وكانت حمالة مبهمة، وقد كان مالك يقول في المبهمة: يأخذ أيهما شاء، ثم رجع. ومن احتال على/رجل بغير حق للحميل عليه، ثم دفع المحيل ذلك الحق للحميل ثم فلس أو مات فرجع الطالب على غريمه وقال: كانت حمالة، وقال الغريم: قد كانت ثم صارت حولا، قال: للطالب أن يرجع على غريمه، ثم يرجع الغريم على الحميل بما أعطاه، وإذا كانت لك وديعة عند رجل فأحلت صاحب دينك على من عنده الوديعة بها وضمنها له، وقال: هي لك علي حتى أعطيكها، فمضى ليعطيه إياها فوجدها قد ضاعت، فهو مصدق، ولا شيء عليه فيها، ولكن يضمن للطالب يعطيه قيمتها، فإن كان أقل من دينه رجع بما بقي على غريمه. ومن العتبية: قال سحنون سئل المغيرة عن من أحلته بدينه على غريم لك، على أنه نقص أو فلس رجع عليك فهو حول ثابت، وهو أحق به لو فلست، إلا أنه له شرطه إذا فلس من أحلته عليه فله طلبك. ومسألة من أحال على عبده أو مكاتبة في باب حمالة من أحاط الدين بماله. وذكر التداعي في الحول قد تقدم في باب التداعي في الحمالة. [10/ 160]
كتاب الرهون
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الرهون في حيازة الرهون من كتاب ابن المواز والمجموعة عن عبد الملك، قال: وإذا كتب في كتبا الرهن أن فلانا قد حازه، يعنى المرتهن، أو قد حازه له فلان، وأشهدا بذلك على أنفسهما فلا ينفع ذلك حتى تشهد البينة على معاينة الحوز، ولو مات الراهن أو أفلس ووجد الرهن بيد المرتهن أو بيد الموضع على يده ينفع ذلك حتى تعلم البينة أنه حازه قبل الموت والتفليس،/قال ابن المواز: صواب لا ينفع إلا معاينة الحوز بعد الارتهان. قال ابن الماجشون في كتبا ابن عبدوس: وكذلك لو وجد بيد الوارث لا يدرك هل حيز أم لا، فذلك أوهى له، وهو باطل. ومن المجموعة: قال ابن وهب: قال مالك: وإذا أقر الرهن بيد ربه، وأشهد عليه أن لا يبيعه ولا يهبه، ولم يقبضه، فليس برهن حتى يقبضه أو وكيله أو من يرضيان به، وإذا كتب أنه قد حازه ولم يخرج من يد ربه، فباعه، جاز بيعه وليس برهن. [10/ 161]
قال غيره عن مالك: إذا كتبا أنه حازه وقبضه وأشهد بذلك، ولم يروه يقبض، ولكن يشهدون على إقراره بالقبض، ومن ذلك ما يعرف أنه لم يقبضه مثل الحائط خارج المدينة، فليشهدوا على إقراره. قيل: فقد يشهد عليه ببراءة من مال له عليه دفعه إليه، كيف يشهد على دفعه ويدفع إليه، ويشهد بذلك ولم يره قبضه؟ قال: قد يرى ذلك حين دفعه ويراه في يديه وإن لم يعرف عددها إلا بإقراره، والمقر على نفسه بقبض الذهب لم يدخل بقبضه على غيره ضررا في الرهن إذا شهدوا بقبضه، وإنما سمعوا يقر به قد ظلموا الغرماء. ومنه ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قبضه المرتهن، ثم رده إلى ربه إما بإجارة أو مساقاة أو وديعة أو عارية أو بغير ذلك فقد خرج من الرهن، قال أشهب: ثم إن قام المرتهن برجه قضي له بذلك إلا أن يدخله فوت من تحبيس أو عتق أو غيره. أو قام غرماؤه. قال في كتاب ابن المواز: أو بيعه، قال في الكتابين، وقاله ابن القاسم إلا في العارية، وقال: ليس رده في العارية إلا أن يكون أعاره على ذلك، فإن أعاره على ذلك: قال في كتاب ابن المواز: فيكون له رده ما لم يمت صاحبه أو يقوم غرماؤه. قال ابن القاسم في المجموعة: إذا أعاره على ذلك، فاستحدث دينا، فقيم عليه قبل دره فهو أسوة الغرماء. وهذه المسألة من أولها في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم على ما ذكر عنه ابن عبدوس، وزاد عيسى في روايته فقال: وقد اختلف في: إن رده إليه قبل [10/ 162]
أن يفلس ثم فلس، قال مالك: ليس برهن، وهو أسوة الغرماء فيه، وأحب إلي أنا أن يكون رهنا حازه قبل أن يفلس. قال ابن القاسم: وإذا أذن له في الدار يسكن فقد خرجت من الرهن، قال هو وأشهب: ولو أذن في زراعة الأرض فزرعها وهي بيد المرتهن، فهو خروج من الرهن. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن تسلف من امرأته سلفا ورهنها خادما تخدمها، قال: أحب إلى الو جعلها بيد غيرها. وقال في موضع آخر: لا يكون ذلك رهنا. قال اصبغ في كتاب ابن المواز: ذلك لها حوز وكل ما في البيت إلا رقبة البيت فلا يكون سكناها فيه حوز له. قال ابن القاسم: وكذلك الصدقة. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم: إذا رهنها خادما ببقية صداقها قبل البناء فحازتها أشهرا، ثم بنى بها، فكانت الخادم تخدمها، فعدا عليها الزوج فباعها، فالبيع نافذ وقد خرجت من الرهن بكونها تخدمها ولا تنتفع بمتقدم، وكذلك لو رهنها إياها بعد البناء. فبقيت تخدمه لم يكن ذلك رهن حتى/يكون بيد غيرها، قال بخلاف الصدقة والهبة، يهب أحد الزوجين لصاحبه الأمة فتبقى في البيت تخدمها، فذلك حيازة تامة. [10/ 163]
ومن قول مالك فيمن حبس ووهب فحيز ذلك عنه سنين، ثم سكن ذلك المحبس أو الواهب بكراء أو غيره، فلا يبطل ذلك. وكذلك الصدقة، ولو كان رهنا لبطل بعودته إلى يده. قال ابن عبدوس: وقال غيره في الذي وهن زوجته خادما قبل البناء فما خدمتها به فهي تحاسب بخدمتها، وأما إذا رهنها إياها بعد البناء فكانت تخدمهما في البيت فلا يكون رهنا ولا تحاسب بخدمتها. ... ... ... ... ... الرهون قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في المرآة ترتهن من زوجها خادمة في حق لها قبلها، ثم أراد طلبها بأجر خدمتها، وقالت: لم تطلبني بحق خدمتها علي، قال: فإن كانت الخادم تعمل لها خاصة من غزل وصنعة، فعليها الأجرة، وأما في خدمة البيت معها فلا شيء له عليها فيه، وقال أشهب: لا أجرة له. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن رهن بيتا من دار فيها بنيان ما يلي ذلك في الدار فحازه المرتهن بغلق أو كراء، قال: إن حد له نصف الدار، فذلك أحسن، وإن لم يحده ولكنه أرهنه البيت بعينه، ونصف الدار شائعا فحيازته للبيت تكفيه، وهي حيازة للجميع، وكذلك في الصدقة. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الرجل يرتهن الدار وفيها طريق للمسلمين يسلكها الراهن معهم، قال: إذا حاز البيوت لم يضره الطريق، لأنه حق للناس كلهم. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: ومن اكترى دارا سنة،/أو أخذ حائطا مساقاة، أو استأجر عبدا سنة، ثم ارتهن شيئا من ذلك قبل تمام السنة فلا يكون محازا للرهن، لأنه محازا قبل ذلك بوجه آخر. [10/ 164]
قيل: فمن رهن فضلة رهن وقد تقدم فيه حوز الأول، قال: هذا محوز عن صاحبه، والأول هو باسم صاحبه في المساقاة والكراء والإجارة، قال محمد: فهو محاز له، والرهن محاز عنه. ومن المجموعة قال سحنون: ومذهب ابن القاسم: أنه يجوز للرجل أن يرتهن ما هي في يديه بإجارة أو سقاء، ويكون ذلك حوزا للمرتهن، مثل الذي يخدم العبد ثم يتصدق به على آخر بعد ذلك فيكون حوز المخدم حوز المتصدق عليه. ومن العتبية من سماع عيسى: ومن ارتهن رهنا وحازه سنة أو سنتين ثم أتى غيره فأقام البينة أنه ارتهنه قبله وحازه، وقال: لم أعلم برهنه لهذا، فإنه يبدأ الأول، ويكون ما فضل لهذا الآخر دون الغرماء قيل: قد بيعت الدار للثاني بأمر السلطان، قال: يمضي البيع، ويبدأ بدين الأول، وللثاني ما فضل لأن حيازته قد سبقت. ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك في الحائط الرهن يوضع بيد رجل أمين، أيساقيه من وضع على يديه صاحبه؟ قال: هذا يوهن للرهن وكأنه لم يره رهنا، وأما إن أخذه رب الدين مساقاء من الأمين فذلك جائز. وروى أبو الماجشون في كتاب ابن عبدوس: والأمين إذا ساقاه، أو أكراه، وكتب/عليه الكتاب، وصار الكراء والثمرة إلى ربه فليس ذلك مما يغير الحيازة، فإن كتب به للأجنبي كتاب براءة ومنه ومن كتاب ابن المواز: قال ابن [10/ 165]
الماجشون: وإذا مات الراهن فأكرى المرتهن الرهن الذي حازه في حياته من بعض ورثته، فلا يخرج بذلك من الرهن، وهو أولى به من الغرماء. محمد: لأنه ليس لابنه إلا بعد الدين، ولو كان ذلك والأب حي لأضعف ذلك الرهن وأبطله. ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ارتهن دارا فأكراها من رجل بإذن الراهن، ثم أكراها المكتري من الراهن، فإن كان المكتري من ناحية رب الدار، فالكراء لازم وقد فسد الرهن، وإن كان أجنبيا وصح ذلك فذلك جائز ولا يفسد الرهن. قال ابن حبيب: قال اصبغ عن ابن القاسم: وإذا جعل الرهن بيد أمين فأكثراه الأمين من ربه، فإن كان يعلم المرتهن بعد خروج من الرهن وهو فيه أسوة الغرماء، وإن كان أكراه بغير ففسخه حين علم ورده إلى الحيازة، كان رهنا ماضيا، وإن تركه لم يغيره حتى فلس الراهن فهو أسوة الغرماء، وإن باعه ربه نفد بيعه ولم يكن رهنا، وإن أكراه بعلمه أو علم بعد العقد فترك فله أن يفسخه، وإن أكراه بعلمه أو علم فلم ينكر ثم أراد أن يفسخ ذلك فليس ذلك له، وإن لم يعلم حتى حل حقه فالرهن باطل، والأمين ضامن. قال محمد بن عبد الحكم: من بايع رجلا أو أقرضه على رهن ولم يذكرا عند من يكون فاختصما فيه، قيل لهما: اجعلاه/عند من رضيتماه، فإن لم يجتمعا على الرضا بأحد جعله القاضي عند من يرضى. [10/ 166]
في الرهن يوضع على يد غير المرتهن ممن هو منه بسبب من ولده أو زوجته أو أجيره
في الرهن يوضع على يد غير المرتهن ممن هو منه بسبب من ولده، أو زوجته، أو أجيره أو وكيله أو ذي قرابته ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في المجموعة، وكتاب ابن المواز: وإذا وضع الرهن بيد ابن رب الرهن، فذلك تضعيف له، ولا ينبغي أن يضعه على يدي ابنه، ولا امرأته، ولا أخيه، وذلك يضعفه. قال ابن القاسم في المجموعة: أما في الأخ فذلك رهن تمام، وأما الابن والمرأة فإن وضع بأيديهما فسخ ذلك. قال سحنون في العتبية: هذا في الابن الصغير، فأما الكبير البائن عنه فذلك جائز، وكذلك ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في الابن البائن عنه، أو ابنته، أو زوجته، فإذا قبضوه دونه كله حوز للرهن، وإن كانوا في ولايته فليس بحوز. ومن العتبية: روى أشهب عن مالك في الرهن يوضع على يدي الراهن في دين، وضمن الابن الدين، والابن معه في المنزل، قال: الرهن ضعيف لكونه معه في المنزل والعبد يخدمه، وأما ضمان الابن فإن لم يكن مولى عليه فضمانه يلزمه إن دخل عليك الغرماء في العبد فهو ضامن لما خس من حقك. وقال أصبغ في كتاب ابن المواز في حيازة الزوجة والابن، ثم قام الغرماء، فإن حيز عن راهنه حتى لا يلي عليه ولا يقضى عليه فهو رهن ثابت. [10/ 167]
في رهن المشاع
ومن المجموعة: قال عبد الملك: وإذا وضعه على يدي قببض لربه من عبده/أو أجيره وكاتبه، فإن كان شيئا يرهن بعضه فليس بحوز، وإن رهن جميعه فذلك حيازة، إلا في عبده، قال: وحوز عبد الراهن ليس بحوز، كان مأذونا أو غير مأذون. قال اصبغ في العتبية فيمن ارتهن حائطا فجعل على يد المساقي فيه أو الأجير فيه، فليس برهن حتى يجعل على يد غير من في الحائط. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: ومن أرهن حائطا له فيه مساقاة، فليجعل المرتهن مع المساقي رجلا يستخلفه، أو يجعلاه على يد من يرضياه به، فإن على يد المساقي أو أجير له في الحائط، فليس برهن حتى يجعلاه بيد غير من في الحائط. ومن المجموعة: قال عبد الملك: والوليان لا تتم الصداقة بحيازة أحدهما، ولو كان حقا على أحدهما، فلا يتم فيه الحوز برهن أو غيره حتى يجعله على يد الآخر، لأن الولاية لهما، فلا بد من حيازتهما، ولا يحوز المرء عن نفسه. في رهن المشاع من كتاب ابن المواز: قال فيمن له نصف عبد أو نصف دابة: لم يجز أن يرهن حصته إلا بإذن شريكه، وكذلك كل ما لا ينقسم لأن ذلك يمنع صاحبه بيع نصيبه، وإن أذن له جاز ذلك، ثم لا رجوع له، قيل: فكيف الحوز فيه؟ قال: أما ابن القاسم فيقول: يحل المرتهن فيه محل الراهن في الحوز، وقال أشهب وعبد الملك: لا يتم فيه الحوز إلا بأن يجعل جميعه على يد الشريك، قال [10/ 168]
أشهب: أو يد غيرهما، أو بيد المرتهن، فإن لم يرض الشريك بهذا فالرهن منتقض فيما يزال به من عبد أو دابة وسيف. قال أشهب/في المجموعة: إلا أن يكون ثيابا تحمل القسمة فتقسم، وتضم حصة الراهن بيد المرتهن أو بيد أمين، قال في الكتابين: وأما الدار والحمام فإن أبى مما ذكرنا فليحل المرتهن فيه محل الراهن مع شريكه في الكراء والقيام بما يليه، فتكون حيازة، وهذا قبض فيما لا يزال به. وقال في المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: ولو أن الراهن لنصف الدار اكترى نصف شريكه لم يفسخ الكراء فإن أقره المرتهن حتى سكن الدار، فسد الرهن، وله منعه من السكنى حتى تقسم الدار حتى يحوز المرتهن حصة الراهن. وقال أشهب: للمرتهن منع الراهن من سكنى ما اكترى، أو القيام به إن لم يسكنه حتى يجعل ما اكترى على يدي من الرهن على يديه ليتم الحوز شاء أو أبى. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز: قال عبد الملك: قال ابن المواز وغيره من أصحاب مالك: ولو جعلت مصابة الراهن من الدار على يد الشريك فذلك حوز، ثم رهن منه الشريك نصيبه جعل ذلك بيد الراهن الأول فحازه بطل الحوز في الحقين. ولو جعل حق الراهن الثاني بيد أجنبي، قال ابن المواز: وبيد المرتهن لو يجز الحوز فيه، لأن بيد راهنه نصف الدار غير مميز وأما حق الأول فهو رهن محوز. [10/ 169]
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في دار بين زيد وعمرو، وفأرهن نصيبه في دين عليه وجعله بيد عمرو، فسكن عمرو جميع الدار يؤدي كراء حصة زيد فذلك جائز، وهو رهن محوز. ... ... ... الرهون 2 ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: ومن رهن دارا أو عبدا أو ثوبا فاستحق نصفه فإنه يكون كمن رهن نصف ذلك على ما ذكرنا، قال أشهب: أما في الدار ولما لا يزال به فليكن ذلك على يد المرتهن أو المستحق، وأما ما يزال به فإن حيازة ذلك حوز المرتهن جميعه، فإن أبي المستحق قسم ما ينقسم، وحاز المرتهن ما دفع للراهن، وبيع ما لا ينقسم يأخذ المرتهن مصابة الراهن من الثمن معجلا من دينه إن بيع بمثل الدين من دنانير أو دراهم، ولأن إيقاف الثمن ضرر فلا منفعة فيه، وإذا كان حقك دراهم فبيع بدنانير أو بغيرها، فلك إيقاف ذلك إلى الأجل، وكذلك لو كان حقك دنانير فبيع بدراهم أو بغير ذلك، ولو أنه أرهنك النصف ثم أراد بيع النصف الذي لم يرهنك فليس ذلك له حتى يتم الأجل، يريد: فيما لا ينقسم، وإنما ذكرنها في المجموعة في الثوب، قال: فإذا حل الأجل فبيع ذلك كنت أحق بنصف الثمن في دينك، ويحاصص بباقيه. قال أشهب: وإن كان نصف الثوب لشريك الراهن، وقد كان سلم له ما رهن، فأراد الشريك بيع جميع الثوب فليس له ذلك، إلا إلى الأجل، لأنه سلم لك الرهن، ولكن له بيع نصيبه على أن يبقي جميعه بيدك إلى الأجل، وكذلك لو كانت على يد الشريك فأراد الشريك بيع نصيبه على أن يكون جميعه بيده كما كان فهو جائز، وإن لم يدن حلول الأجل، وليس كمن باع شيئا يقدر على دفعه على أن لا يدفعه/إلى مدة، يريد: فلا يجوز، وأما في الرهن فيجوز عندي ويصير في ضمان المشتري، قال ابن ميسر: لا فرق بينهما ولا يجوز. [10/ 170]
في ارتهان الدين وحيازته
ومن كتاب ابن المواز: ويجوز للرجل أن يرهن نصف الدار، وهي كلها له، وكذلك نصف الأرض، فيقوم بذلك المرتهن مع الراهن جميعا، يكريان جميعا أو يحوزان أو يضعانه على يد غريهما ما لم يكن الموضوع على يديه قيما للراهن من عبد أو أجير، وأما رهن الجميع فيجوز إلا على يد عبده. ومن المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك فيمن رهن نصف دار، أو نصف دابة، أو نصف ثوب فذلك جائز، وقبضه أن يحوزه دون صاحبه. قال أشهب: ولا حيازة فيه إلا بقبضه كله على يديك أو بيد من يرضيان به. في ارتهان الدين وحيازته من كتاب ابن المواز: قال مالك: وارتهان الدين جائز، وإذا دفع إليه وذكر الحق وأشهد له فهو حوز في الرهن والصدقة، وهو أحق به في الموت والفلس، وإن لم يكن فيه كتاب ذكر حق، فإذا جمع بينهما وأشهد فهو حوز. ومن العتبية من سماع ابن القاسم والمجموعة: قال مالك: ومن أقرض رجلا مالا على أن يرهنه دينه على فلان، فرهنه إياه، وأشهد على ذلك فهو حوز تام وكان أمرا قويا. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن لم يكن فيه ذكر حق وأشهد على ذلك فهو حوز تام فلا باس بذلك. وقال أيضًا ابن القاسم: إذا لم يكن فيه ذكر حق لم يجز إلا أن يجمع بينهما، وإذا كان فيه ذكر حق جاز، وإن لم يجمع بينهما بذلك،/ودفع ذكر الحق وأشهد. [10/ 171]
ومنه ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القسام فيمن له عليك دين مؤجل، فبعت منه سلعة بثمن مؤجل، وارتهنت منه دينه الذي عليك، فإن كنت بعت منه إلى أجل دينه أو إلى دونه فذلك جائز، وإن بعتها منه إلى أبعد من أجل دينه لم يجز، لأن بقاء دينه بعد محله رهنا عليه كالسلف، فهو بيع وسلف، وكذلك لو كان دينه قد حل عليك فاشترطته رهنا في ثمن سلعتك إلى أجل، دخله: بيع وسلف إلا أن يدفع ذلك بيد عدل إلى محل أجل الدين، وهذا تفسير قول مالك. ومنه ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم قال: وإذا كان عليك دين لرجلين فرهنتهما ذكر حق لك على رجل على أأحدهما مبدأ فيه أول ما تقتضي فذلك جائز، وله شرطه إذا جمع بينه وبينهما، وذكرنا في باب ضمان الرهون في الرهن يهلك بيد المرتهن، أن دينه لا يكون رهنا في قيمة الرهن، وما أشبه هذا. ومن المجموعة: قال غيره: ومن واجر نفسه من رجل سنة بدينار يأخذه عند السنة، فتسلف الأجير دراهم، وارتهنه الدينار الذي له في الإجارة: أنه مكروه، ولا أراه رهنا، وكل عطاء يخرج من الأمان إلى أهله، فارتهنه رجل في بيع أو سلف فليس برهن، وما كان من عطاء يخرج إلى العرفاء فذهب معه إلى عريفه فأقر عنده، وأشهد له، وأمره بدفع عطائه إليه، فالمرتهن أولى من الغرماء، وهذا حيث يخرج العطاء لا شك فيه. [10/ 172]
في الرهن من يلي عقد كرائه؟ وكيف إن أكراه من الراهن أو ممن هو بسببه
في الرهن من يلي عقد كرائه؟ وكيف إن أكراه من الراهن أو ممن هو بسببه؟ وما يبطل الحيازة من هذا وشبهه؟ /قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وللمرتهن أن يكري الرهن، وأحب إلي أن يستأمر الراهن إن حضر، فإن لم يؤامره مضى لك إذا اجتهد ولم يحاب، فإن حابى ضمن المحاباة وتم الكراء، وإن لم يحاب فعجل الراهن الدين وطلب فسخ الكراء فليس له ذلك إذا كان بلا وجيبة، وإن كان أكراه بوجيبة فللراهن فسخه، وإن كان أجلا دون أجل الدين. قال أصبغ: إن كان الوجيبة إلى أجل الدين فدون، فليس للراهن فسخه، وإن كان إلى أبعد من أجل الدين، فإذا تم أجل الدين فله فسخ ما زاد عليه، وإذا كان الدين حالا لم أحب أن يكرى بها بوجيبة طويلة جدا، فإن أطال أجلها لم يلزم الراهن إذا عجل الدين. قال ابن الماجشون: وإذا ترك المرتهن أن يكري الدار حتى حل الدين، فأنكر ذلك عليه الراهن الآن فله مقال، لأن عقد الكراء إلى المرتهن، فإن كانت دارا لها قدر ولكرائها خطب مثل دور مصر ومكة في الموسم وغيره، فقد تعدى في ترك كرائها، ويضمن كراء مثلها كان الراهن حاضرا أو غائبا، ما لم يكن يراها مغلقة فلا ينكر، وكذلك العبد المخارج النبيل الذي إنما ارتفع ثمنه لخراجه يدعه لا يكذبه فهو ضامن لأجر مثله، وإذا لم يكن الأمر على هذا، وقد يكون ما ليس له كبير كراء، ومثل ما قد يكري وقد لا يكري فلا يضمن في مثل هذا. قال أصبغ: لا يضمن كان ذلك ما كان، ولو أمره بإكرائها ولم يفعل لم يضمن،/ولو [10/ 173]
كان وكيلا على الكراء فترك ذلك لم يضمن، إلا أن يكون شرط اطراد الغلة في حقه فهذا يضمن على ما قال ابن الماجشون، وبهذا قال ابن حبيب. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإذا أكرى الراهن الدار بأمر المرتهن خرجت من الرهن، وقال هو وأشهب: وكذلك في العيب أو البئر أو حصة من شرب بئر أو عين، فللمرتهن منعه إن يسقي به وأن يكريه، وإذنه له في ذلك خروج من الرهن، وإن كان المرتهن عقد الكراء بأمر الراهن لم يخرج من الرهن، وإن لم يأمره رب الماء بالكراء فليس له أن يكريه، قال أشهب: هذا في ارتهانه أصل البئر، وأما في ارتهانه الماء بعينه وكان بيعه إياه أغرر لثمنه لحار البئر إذا أميج فللمرتهن بيعه شاء الراهن أو أبى، وإن كان ذلك كله يجتمع في البئر، فليس لك بيع حتى يحل حقك، وكذلك إن ارتهن إجارة العبد مع العبد فله أن يؤاجره بغير إذن ربه. [وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم أن للمرتهن أن يكري الرهن بغير إذن ربه] علم أو لم يعلم. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك، وهو في كتاب ابن المواز، قال: إن المرتهن يلي كراء الرهن، ويؤاجره إن كان عبدا بإذن الراهن، أو يكريه من وضع عليه يديه بإذن ربه. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك: قال سحنون فيمن بيده كرم رهن، فإذا حل إبان حفره فأتى ربه بحفار، قال: لا يحضر حفره ولا يأتي بحفار، وإنما يأتي به المرتهن/وهو يأمره بالحفر ومن حيث يبدأ، وكذلك حرث الأرض. [10/ 174]
في العبد الرهن يأبق أو يستحق، وفي الراهن يحدث في الرهن حدثا
قال ابن المواز: واجتمع ابن القاسم وأشهب على أن الراهن إذا أكرى الرهن بأمر المرتهن فقد خرج من الرهن، وهو كقبضه له، ولكن يكريه المرتهن. قال ابن القاسم: وكذلك في العارية له عندي. قال أشهب: هو في العارية خارج من الرهن، وإن كان أعاره المرتهن بأمر الراهن. قال محمد: ورواية ابن عبد الحكم عن مالك أن من وضع على يديه الرهن أولى بكرائه من صاحبه، وليس لصاحبه فيه أمر، فإن طلب أجره في قيامه بالرهن، فإن كان مثله يطلب الأجر فذلك له. في العبد الرهق يأبق أو يستحق، وفي الراهن يحدث في الرهن حدثا، هل يحاز أو يفلس ربه؟ والراهن يريد كونه بيد أجنبي، وفي العدل يموت من كتاب ابن المواز: وإذا أبق العبد الرهن فأخذه راهنه، فقام غرماؤه وقام المرتهن. وقال: مني أبق، فقال: المرتهن أحق به إن حازه قبل إباقه، إلا أن يعلم المرتهن بقبض ربه له فتركه حتى قام غرماؤه فيكون اسوتهم. قال أشهب: وإذا رد الرهن المرتهن إلى ربه لعارية أو إجارة، فليرد إلى المرتهن إن طلبه قبل يفوت الرهن بعتق أو تدبير أو حبس، أو بموت ربه، أو يقوم غرماؤه، أو ببيعه، ولو كان عديما فإنما ينقض لعدمه عتقه وتحبيسه وشبهه، فأما البيع فلا يرد، ولا يعجل من ثمنه الدين، ويبقى إلى أجله،/ولا يوضع له لأنه يرده وكما لو باعه قبل حيازة المرتهن له وهو فرط، وقد تقدم نحو هذا في الباب الأول. [10/ 175]
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإذا لم يقبض الرهن من الراهن حتى أحدث فقيه حدثا، فكل ما فعل فيه من بيع، أو وطء أو عتق، أو هبة، أو صدقة، أو عطية أو غير ذلك، فذلك نافذ إن كان مليا ويعجل منه الحق، وإن كان معدما لم ينفذ من ذلك إلا الأمة يطؤها فتحمل، أو البيع فينفذ، ويرد العتق، والحبس والعطايا، ولو فلس الراهن قبل يحاز كان المرتهن أسوة الغرماء، ولو قام قبل الحوادث والتفليس فطلب حيازته فهي له بذلك أن يجعله على يدي المرتهن، أو على يد من يرضيان به إن كره كونه بيد المرتهن، ولم يكن شرط ذلك المرتهن في أصل الرهن، وكذلك كل رهن يشترط في بيع أو سلف، ولم يشترط قبضه، وللمرتهن القيام بالحيازة على ما ذكرنا، ومن ارتهن رهنا وكتب أنه قد قبضه ولم يقبضه حتى باعه الراهن، فبيعه نافذ. ومن المجموعة عن ابن القاسم وأشهب ذكر نحو ما تقدم، وأنه إذا اشترط رهنا في بيع أو سلف ثم افترقا قبل قبضه، فلا يفسخ ذلك الرهن، وله القيام بقبضه ما لم يفلس الراهن، أو يبيعه فينفذ بيعه، وإن كان رهنا بعينه، لأنه تركه له حتى بيع كالتسليم، قال أشهب: وكذلك لو شرطت رهنا بغير عينه، فأعطاك ما فيه ثقة، فأعرته إياه فباعه، فذلك نافذ من عدمه وملئه،/ولو أعتقه أو حبسه لجاز ذلك إن كان مليا، ثم ليس لك عليه رهن غيره لأنه صار كالمعين. قال أشهب: ويبقى الدين إلى أجله. قال ابن القاسم: وإذا مات أمين جعل الرهن بيده، فأوصى إلى رجل فلا يكن على يده، ولكن على يد من يرضى المتراهنان. قال أشهب: وعلى الوصي أن يعلمهما بموته، ثم إن شئتما أقررتماه عنده أو عند غيره، فإن اختلفتما فيه وفي غيره جعل بيد أفضل الرجلين. [10/ 176]
في الرجلين يرتهنان الرهن أو يرهن أحدهما ويرتهن الآخر فضله، كيف حيازته؟
في الرجلين يرتهنا الرهن، أو يرهنه أحدهما، ويرتهن الآخر فضله، كيف حيازته؟ وممن ضمانه؟ وكيف إن حل حق أحدهما؟ ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: وإذا ارتهن رجلان رهنا، فرضي الراهن أن يكون بيد أحدهما فذلك جائز، ويضمن حصته منه، وضمان حصة الآخر على الراهن، قال أشهب: فإن يتراضوا بكونه بيد أحدهما، جعل بيد أمين ولا يضمناه، قالا: وإن قبضا من الراهن الثوب الرهن، ولم يجعله بيد أحدهما، ضمناه، ويجعلانه بيد من أحبا، ولو جعلاه بيد أمين لضمناه. قال ابن القاسم: ومن رهن رهنا بدين عليه لرجل، ثم تسلف منه مالا آخر على أن يكون الرهن به رهنا، فذلك جائز، ولو رهن فضله من رجل آخر جاز إذا رضي المرتهن الأول، فإن لم يرض لم يجز، وقاله مالك، وهو قول أشهب، قال ابن القاسم: ثم إن ضاع عند الأول بعد ذلك وهو مما يغاب عليه، ضمن منه الأول مبلغ حقه، وهو في الباقي أمين. ومن العتبية وكتاب ابن المواز: روى أشهب/عن مالك: أنه إذا رهن الثاني فضلة رهن الأول على أن الأول مبدأ عليه، فحل أجل (الآخر قبل أجل) الأول، فكان الأول لم يعلم أن حق الثاني يحل قبله قيل لم يعلم، قال: فليباع الرهن ثم يعجل للأول حقه قبل يحله، ويعطي الثاني ما فضل في دينه، ومن كتاب محمد، وقاله أشهب، وقال: وهذا إن بيع بدراهم وحق الأول دراهم، قال محمد: أو بيع بدنانير، وحق الأول دنانير، أو بيع بقمح وحق الأول قمح مثله، [10/ 177]
فأما إن بيع بعرض، وإن كان مثل الدين الذي له عليه، أو بيع بدنانير، وله عليه دراهم، أو بيع بطعام مخالف لما له عليه، فإنه يوضع له رهنا بيده إلى حلول حقه، قال سحنون في المجموعة: سواء علم الأول أن حق الثاني يحل قبله أو لم يعلم، فإنه إن بيع بمثل حقه فليجعل له، قال في موضوع آخر: إلا أن يكون حقه طعاما من بيع فيأبى أن يتعجله فذلك له، وإنا قال في مسألة الراهن يطأ الجارية الرهن تعديا وباقي هذه المسألة في باب الرهن يستحق موعبا. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية فبمن رهن رهنا إلى سنة، ثم أرهنه لآخر إلى شهر برضى الأول، يريد: فضلة، ثم حل الشهر وطلب الغريم الثاني حقه، فإن لم يكن في الرهن فضل لم يبع إلى الأجل الآخر، وإن كان فيه فضل بيع الآن يتعجل للأول حقه، وأخذ الثاني ما فضل. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن رهن حائطه في عشرة دنانير، ثم رهن نصفه عند آخر في عشرة دنانير بإذن الأول، ثم قضى للأول حقه، فأراد أن يرهن نصفه الذي/فداه من الأول عند آخر، فذلك له. وقال فيمن عليه مائة دينار لرجل، فرهنه دارا على أن له من ثمنها، فرهنه ما جاوز مائة دينار، وبها مبدأ بالمائة، قال: لا يجوز هذا الرهن، وذكر هذه المسألة ابن المواز عن مالك فقال: إذا مات الرهن أو فلس فغرماؤه أولى بمائة دينار من ثمنها الذي استثنى لنفسه. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: ومن رهن رهنا وجعله بيد غير المرتهن، ثم رهن فضله للآخر فلا يجوز ذلك إلا أن يرضى الأول فيجوز، ويبدأ الأول ثم للثاني ما فضل. [10/ 178]
في الرهن يرهن فضله ويحل حق الآخر، هل يباع الرهن بخلاف حق الأول؟
قال أصبغ: ومن رهن رهنا وجعله بيد غير المرتهن جاز أن يرهن فضله لآخر شاء الأول أو أبى إذا علم بذلك الموضوع على يديه كائن من كان ليتم الحيازة لهما، وقيل عن مالك حتى يرضى الأول، والقياس ما قلت لك، إذ لا ضرر على الأول إذ هو مبدأ وقال أشهب: وفي باب الرهن يستحق تفسير لسحنون. في الرهن يرهن فضله، ويحل حق الآخر، هل يباع الرهن بخلاف حق الأول؟ قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم عن مالك فيمن له رهن أنه لا يرهن فضله عن آخر إلا برضى الأول. قال أصبغ: وما أدري ما حقيقة ذلك، وقال أشهب: ذلك له رضي الأول أو سخط، لأنه لا ضرر عليه إذ هو المبدأ به. قال ابن حبيب: إنما أراد مالك برضى الأول ليتم الحوز للثاني، وإذا لم يرض له لم يتم الحوز للثاني، ولا تكون الفضلة له رهنا، وهو أسوة الغرماء في التفليس، وباقي ذكر ضمان الرهن برهن فضلة لآخر في باب ضمان الرهن، والله الموفق برحمته. في ولد الرهن، وغلته، وثمرته، ومال العبد هل يدخل في الرهن معه؟ وكيف إن شرط أن يأخذ حقه من الغلة؟ من كتاب ابن المواز، ونحو في المجموعة: قال مالك: من رهن عبدا لم يكن ماله رهنا معه إلا أن يشترطه، فإن اشترطه لم يكن ما أفاد بعد رهنا لأنه غلة. قال في كتاب ابن عبدوس: ولا ما وهب له، قال في الكتابين: إلا أن يربح في المال الذي شرط فيكون كماله وغلة الرهن من دار وعبد وحائط لا يكون رهنا، وما ولدت الأمة بعد الرهن فرهن معها، قال مالك: وإن شرط أنه ليس برهن معها لم يجز ذلك. [10/ 179]
قال ابن القاسم وأشهب: وليس صوف الغنم ولا سمنها ولا غلتها رهنا، قال ابن القاسم: إلا أن تكون قد تم صوفها يوم رهنها، وقال أشهب: تم أو لم يتم هو كله له، كلبن في ضروعها، وكثمرة مزهية أو مأبورة في النخل يوم رهن النخل، فوافقه ابن القاسم في اللبن والثمرة المزهية، ورواه عن مالك. ومن كتاب ابن المواز: والعبد الرهن له جارية فإن لم يشترط أنها في الرهن معه فله وطؤها وكذلك أم ولده وإن كان شرط أنها رهن معه فذلك انتزاع لها ولا يطؤها. قال مالك: ولو زوج عبده لأمته ثم رهنهما أو رهنها وحدها، فللعبد أن يطأها. قال مالك: وإن شرط المرتهن أن يأخذ الغلة في دينه، فإن كان في أصل بيع لم يجز، وإن كان في القرض فجائز. قال ابن القاسم: أو رهنه بعد تمام البيع بهذا الشرط كان جائزا. قال محمد: هذا ترك من ابن القاسم لأصله إذا كان لم يكن له ما يوفيه/من الغلة، لأنه خاطره لما رهنه على أن يؤخر الحق عن أجله إلى مجيء الغلة، أو يتعجله قبل أجله بحلول الغلة، وأما إن كان لا يزال الحق عن أجله إن تأخرت الغلة بشرط وكان عين فذلك جائز، وأما إن شرط إلا يوفيه إلا من الغلة على ما ذكر فقد تخاطرا، ولو رهنه ثم شرط ذلك لكان جائزا إذا لم يشترط تأخير ذلك إلى بعد الأجل. قال مالك: ولد الأمة الرهن الذي هي به حامل وما تلد بعد الرهن رهن معها بخلاف تمر النخل، وإن أتمرت بعد الرهن، لأن النبي عليه السلام جعل الثمرة المأبورة للبائع، ولا يختلف عندنا أن الأمة إن بيعت حاملا أن الولد للمبتاع، ولو شرط في الرهن أنها رهن دون ما تلد لم يجز ذلك. [10/ 180]
رهن ما لا يجوز بيعه من تمر لم يبد صلاحه وشبهه
ومن المجموعة عن مالك قال: ومن أمر الناس أن ترتهن الثمرة دون الأصل ولا يرتهن الجنين دون الأم، وليس الولد كالثمرة. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك في كل رهن له غلة فلا تكون الغلة رهن إلا أن تشترط فتكون رهنا إلى محل الحق وكذلك في ثمرة النخل وكذلك إن كانت يوم الرهن فيها ثمرة مزهية، أو مأبورة أو غير مأبورة ولم تدخل في الرهن إلا بشرط. قال أشهب: والغلات من ثمرة وغيرها لا تكون للمستحق ويكون له ما ولدت الأمة. قال مالك: ومال العبد لا يكون رهنا إلا بشرط فيجوز وإن كان مجهولا، وهو يجوز في ضمه مع البيع فيكن في الرهن. رهن مالا يجوز بيعه من تمر لم يبد صلاحه، وشبهه ويجوز ارتهان مال العبد دونه، فيكون له معلومة ومجهولة يوم الرهن إن قبضه، ولا ينفرد منه البيع لأنه غرر في المعاوضة ولا/غرر في الرهن إنما له غنمه. قال أشهب: ولا يكون ما وهب للأمة الرهن رهنا معها، وإن اشترط مالها رهنا، وأما ما ربحت في المال المشترط رهنا معها فيكون رهنا، كما أن من أوصى بوصايا فلا تدخل فيما لم يعلم به من ماله، وتدخل فيما علم في أرباح ما علم مما يربح فيه يريد: ربه فيه قبل موته أو بعده. قال: قال مالك: ومن رهن الدار بشرط أن يكريها ويأخذ كراءها في حقه فلا يجوز هذا، قال أشهب: إذا حقه غير حال، قال ابن القاسم: قال مالك: إن شرط ذلك في أصل بيع لم يجز، ويجوز في القرض، وكذلك لو رهنه على هذا بعد عقده البيع. قال أشهب: وإن ارتهنت مصابة رجل من رقبة بئر فغلة البئر للراهن يأخذه، ولو ارتهن بعينه كانت غلة البئر كله كل أن تأخذها من حقك إن [10/ 181]
كان من قرض، وإن كان إلى أجل، وأما من بيع فليكن ذلك بيد من الرهن على يديه إلى محل دينك، ولا يتعجله بغير إذن الراهن لما اتقي من الذريعة أن تكون لما بعتها على أن تأخذ من الماء حقك قبل أن يحل وأنك لا تدري متى يصل إليك حقك. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: والي على يديه الرهن فليدفع غلته وكراءه وتمر النخل إلى الراهن وليس للمرتهن إبقاؤه بيده. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لرجل: أبيعك سلعتي بمائة دينار، وترهني غلامك أتقاضى من خراجه درهما كل يوم، فما نقص فعليك تمامه، فذلك جائز، ولو لم/يشترط هذا في البيع ثم تبرع له أن يأخذ من خراجه درهما كل يوم، فذلك جائز ما لم يرد المرتهن العبد على سيده بذلك. قال عيسى: وأما في السلف فهذا كله جائز. قال ابن القاسم: وغلات الرهان للراهن حتى يشترط أن تكون رهنا، ولا يجوز أن يشترط في البيع أن يتقاضى الثمن من الغلة لأنها تقل وتكثر في السلف، وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه، وإن لم يشترط الغلة في رهنه، لأنه حاز الرهن هو أو من جعل على يديه، ولو كان للراهن أن يعامل في الحائط من أحب، ويكري الدار ويؤاجر العبد لأبطل الحوز بإذنه أو بغير إذنه، والمرتهن يلي ذلك. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ارتهن نخلا، قال: فالعسل للراهن مثل ثمرة النخل، يريد: ولا يكون في الرهن. [10/ 182]
في رهن الولد دون الأم أو الأم دونه
في رهن الولد دون الأم أو الأم دونه ومن العتبية: روى أشهب عن مال فيمن ارتهن أمة دون ولدها الصغير، فذلك جائز، ويباع معها فيكون أولى بحصتها من الثمن، وهو في الفاضل أسوة، وكذل في هبة الجارية دون ولدها فجائز، ولا يباعها إلا جميعا. قال في سماع ابن القاسم: ولو أرهن الولد الصغير ويخرج بالأم إلى بلد للخدمة والاستمتاع فلا خير في ذلك، إلا أن يكون قد أثغر. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أرهن وصيفا له يرضع، قال: أمه تكون معه في الرهن. في النفقة على الرهن والقيام به وبإحيائه/وأجرة بيعه، وكيف إن أنفق عليه المرتهن بأمر ربه أو بغير أمره؟ وفي المرتهن يطلب في قيامه بالرهن وتقارض الغلة أجرا من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم، ونحو في كتاب ابن المواز قال: وليس على المرتهن عمل الحائط للرهن، ولا مرمة الدار، ولا نفقة العبد وكسوته، اشترط أن الغلة رهن أو لم يشترط ويلزم ذلك الراهن، وليس له أن يدع الرهن يخرج ويبطل حق المرتهن. وقال في كتاب ابن المواز: قال مالك: على ربه نفقته، كما أن له غلته. [10/ 183]
ومن العتبية وغيرها: قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا خاف الراهن على الزرع ولم يسلفه المرتهن لإصلاحه فأخذ من غيره ما أحياه به، فإنه يبدي الذي أسلفه في الزرع على المرتهن. قال غيره في المجموعة: لأنه بذلك حيي، وليس للأول منعه أن يأخذ من غيره بيعا يحيي به الزرع والعين تفور من النخل، إذا أبى هو من مبايعته. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية: وإذا تهور بئر النخل الرهن فإصلاحها على الراهن، يجبر على ذلك إن كان له مال، فإن لم يكن له مال نظر، فإن كان بيع بعض الأصل خيرا له بيع منه ما يصلح به البئر، فإن تطوع المرتهن بالنفقة في إصلاحها فإن رأى أن ذلك خير لرب النخل قيل للمرتهن: أنفق إن شئت وتكون أولى بالنخل حتى تأخذ ما أنفقت لا ينظر إلى قيمة النفقة، ولا قيمة ما يضع من حجر وغيره، ولكن يحسب له ما أنفق كالسلف. قال أشهب في المجموعة: وإذا أبى/الراهن أن ينفق في إحياء الزرع وبئر النخل فأنفق المرتهن فلا تكون نفقته في ذمة الراهن، ولكن تكون نفقته في الزرع وفي رقاب النخل وتمرها وفي البئر، فإذا بيع الزرع والتمر أخذت منه ثمنه نفقتك، وما فضل ففي دينك، فإن لم يفي ذلك بنفقتك فأنت أولى بماء البئر تنتفع به حتى يعطيك باقي نفقته ويأخذه، ثم لا طلب له عليك فيما انتفعت به من مائه لأنك كنت ضامنا لمائه ولو غار. وذكر ابن القاسم نحوه كله فيغور بئر الزرع وبئر النخل إذا أتى الراهن أن ينفق المرتهن، وكن يخالف بترك النفقة على الزرع والتمر. ومن المجموعة ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: إذا أنفق المرتهن على الرهن بأمر به فهو سلف ولا يكون في الرهن إلا بشرط أنه رهن، قال [10/ 184]
ابن القاسم: إلا أن له حبسه بما أنفق وبدينه، إلا أن يكون على الراهن دين فلا يكون أولى بما فضل عن دينه إلا أن يشترط أن ذلك رهن في النفقة أنفق بإذنه أو بغير إذنه وليس كالضالة ينفق عليها فيكون أولى بها من الغرماء في نفقته، قال مالك: لأنه لا بد أن ينفق عليها، وليس عليه ذلك في الرهن لأنه يطلب ربه أو يرفع ذلك إلى الإمام في غيبته. وقال أشهب: هو مثل الضالة، والرهن به رهن، قال: وليس نفقتك على الرهن في ذمته إن أنفقت بغير أمره، ولكنها في الرهن، ولا له منعك فيها، لأنه يهلك إن كان حيوانا أو يخرب إن كان ربعا. ومن كتاب ابن المواز: من ارتهن/أرضا فأغرم خراجها فإن كانت من أرض خراج رجع به على ربها، وإن كانت حرة لم يرجع عليه بشيء، وهي مظلمة نزلت به. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الرهن في كرى خزنه فقال: أما ما يحوزه المرتهن في منزله مثل العبد والثوب وما لا مؤنة فيه، فلا كراء فيه، على هذا أمر الناس، وأما ماله بال ومثله يحرز فكره في خزنه على الراهن كالنفقة. وروى عنه أبو زيد في الرهن يحل بيعه، وصاحبه بعيد من السلطان فلا يوجد من يعبأ ببيعه إلا بجعل، قال: الجعل على صاحب البيع. ورواها عيسى وأصبغ مثله، قال عيسى: وما أرى الجعل إلا على الرهن. ومن سماع ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن المواز: قال مالك في الدار الرهن بيد المرتهن يكريها ويلي قبض غلتها ثم يطلب على ذلك أجرا، فإن كان مثله [10/ 185]
جامع القول في ضمان الرهان، وكيف تقوم؟ وكيف إن اختلفا في قيمته
يؤاجر نفسه في مثل ذلك، فذلك له إن طلبه، وأما من مثله يعين فليس ذلك له، وقال في السؤال في كتاب ابن المواز: ممن اشترط الغلة رهنا أو لم يشترطها. ومن الكتابين: قال مالك: وإذا قال الراهن للمرتهن: أؤاجرك لقبض الخراج والغلة بأجر معلوم فما فضل عن إجارتك فاحبسه فكلما حل من دينك شيء فاقبضه فيه، فذلك جائز أن يتعجل القضاء إلا لمحله، ولم يكن في أصل البيع بشرط. قال أشهب في المجموعة: وإذا مات العبد الرهن فكفنه ودفنه على راهنه. جامع القول في ضمان الرهان وكيف تقوم؟ /وكيف إن اختلفا في قيمته؟ وهل يكون الدين رهنا بقيمة الرهن؟ من كتاب ابن المواز: قال مالك: المرتهن ضامن لما بيده من الرهان التي يغاب عليها من ثياب وحلي وسلاح وشبهه، ولا يضمن ما لا يغاب عليه: من رقيق ورباع وشبهه، وأما ما قامت فيه بينة [مما يغاب عليه] فاختلف فيه قول مالك فأخذ ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ بقوله: إنه لا يضمنه وهو أحب إلي. وقال أشهب بروايته عن مالك: إنه ضامن قال أشهب: وكذلك العارية واحتج بالحديث عن صفوان في عارية السلاح قول النبي عليه السلام: عارية مؤداة، قال: وقد كان أصل ما أخذه النبي عليه السلام على الضمان، قال هو وغيره وهو قول مالك فيه وفي المجموعة ولا يضمن مالا يغاب عليه وهو مصدق فيه هلاكه وفي إباق العبد وهروب الدابة، وأما في الموت فيصدق إلا أن يظهر كذبه بدعواه ذلك بموضع لا يعلم أهله ذلك، ولو قيل: ماتت دابة لا يعلم لمن هي [10/ 186]
زاد في المجموعة: فيصفونها إن عرفوا الصفة أو لا يصفونها فيقبل قوله: إنها هي ويحلف قال: ولا يصدق في ذلك فيمن يسأل إلا العدول، ويصدق في هروب الدابة وإباق العبد قال أشهب: إلا أن يزعم أن الدابة انفلتت منه في جماعة من الناس أو كابره العبد فتسأل الجماعة عنه فلا يقولون ذلك، فلا يصدق إلا أن يكون الذي اؤتمن عليهم غير عدول فلا يصدقون والقول قوله فيما لا يغاب عليه. قال محمد/ابن المواز: وهذا مذهب مالك وأصحابه فيما لا يغاب عليه وقد كان أصل ما أخذه عليه على غير ضمان فلا يضمنه حتى يتبين فيه كذبه، قال محمد: وكذلك ما يغاب عليه أصل أخذه على الضمان حتى يتبين فيه صدقة بالبينة على هلاكه وهو قول أشهب. ومن كتاب ابن المواز: قال: قلت: ففي أي موضع يكون الرهن بما فيه إن ضاع؟ قال: فيما يغاب عليه ولا يعلم له قيمة ولا صفة، ولا بقول الراهن ولا يكون المرتهن، ولا بقول غيرهما فهذا لا طلب لأحدهما على الآخر وإن كان القياس يقتضي أن تجعل قيمته من أدنى الرهون وقد ذكر لي ذلك عن أشهب ولكن الذي قلت لك هو قول جماعة العلماء، وأشهبه بما روى عن النبي عليه السلام: الرهن بما فيه، قال أبو الزناد: وفي الحديث: إذا عميت قيمته، قال: ولو شرط فيما يغاب عليه ألا يضمنه وأن يقبل قوله فيه فقال ابن القاسم: شرطه باطل وهو ضامن لأن ذلك خلاف السنة. وقال الرقي عن أشهب: شرطه جائز وهو مصدق وكذلك في العارية. قال مالك: والزرع في الأرض والثمرة في رؤوس الشجر مما لا يغاب عليه في تصديق المرتهن في هلاكه. [10/ 187]
قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا هلك الرهن وجهل المرتهن صفته ووصفه الراهن فليحلف فإن نكل بطل حقه وكان الرهن بما فيه. ومن المجموعة: روى ابن وهب عن مالك: وإذا هلك بيد المرتهن ما يغاب عليه فاختلفا في قيمته وصفه المرتهن وحلف على ذلك وعلى ماله فيه ثم قوم، فإن كان فيه فضل أخذه إلى الراهن وإن كان نقصا حلف الراهن على ما سمى وبطل عنه ما زاد على قيمة الرهن/فإن نكل ودى ما زاد على قيمة الرهن وإن قال المرتهن: لا علم لي بقيمة الرهن حلف الراهن على صفته وكان له ما قال إن جاء بما لا يستنكر وإن قال [المرتهن] قيمته ثلاثة دنانير وقال الراهن: عشرين دينارا والحق عشرة فليحلف المرتهن: ما كانت قيمته أكثر من ثلاثة دنانير وسقط من الحق بقدرها فإن نكل حلف الراهن على عشرين وأخذ عشرة. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الرهن يبيعه المرتهن تعديا فيفوت ويجعل الراهن والمرتهن صفته وقيمته واختلفا على ذلك ولا بينة بينهما وقد اتفقا على أن المرتهن يحلف على ما باع به الرهن ويجعل ذلك ثمنه. ومنه ومن المجموعة: قال: ولو ادعى عليك رجل حقا فرهنته به رهنا ثم تصادقا على أنه لم يكن قبلي شيء وقال: هو ضامن للرهن. قال أشهب: ولو كان الرهن حيوانا لضمنه عندي إذا أقر أن دعواه باطل لأنه كالغاصب وكذلك روى سحنون عن أشهب في العتبية قال: ومن لك عليه دين وله بيدك رهن فرهنته الدين ثم ضاع الرهن عندك فإنك تضمنه قاله ابن القاسم وأشهب، قال أشهب: وترجع فيما وضعت من حقك لأنك لم تضع [10/ 188]
لتتبع بقيمة الثوب فتقاصه بقيمته، فإن بقي عندك فضل وديته، فإن كان دينك أكثر فلا شيء لك فيه. ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم: وقال مالك في الساج الرهن يتآكل من السوس وشبهه، قال: لا يضمن ويحلف: ما ضيعته ولا أردت فساده وإن كان أضاعه ولم ينظر في أمره حتى أصابه فيشبه أن يكون فيه شيء. وروى عنه/يحيى بن يحيى وعن من سألك سلفا وأتاك برهن فقبضته وودعته إلى غد تسلفه فهلك الرهن عندك قبل غد فأنت ضامن إذ لم تأخذه إلا بمعنى لاستيثاق لا للأمانة عليه. وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثله، وقد قال ابن القاسم عن مالك فيمن طلب رجلا بدينار له عليه فأعطاه دراهم حتى يصارفه بها فضاعت، أنه ضامن. قال: قلت له: فالذي يأتي إلى الصانع بشيء يستعمله فيه فيقول: دعه عندك حتى أرجع إليك فيتلف عنده قال: هو ضامن له لأنه لم يقبضه على الأمانة. [وذكر أشهب عن مالك في ضياع المثال عند الصانع يعمل عليه، أنه يضمنه لأنه لم يقبضه على الأمانة]. وأخبرنا عبد الله بن مسرور عن عيسى بن مسكين عن سحنون أنه لا يضمن في المثال ولا في الكتاب يكتب منه، وإنما يضمن ما يعلم فيه صنعته. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن دفع إلا خراز خفين ليعمل ساقا في أحدهما قال: لا يضمن إلا الذي استعمله فيه وكل ما قبضه على وجه الارتهان [10/ 189]
وإن لم يكن رهنه، أو على وجه الاستعمال فيه وإن لم يكن استعمله فيه أو على وجه الابتياع وإن لم يكن باعه منه فهو ضامن. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: وإنما يضن المرتهن قيمة ما ضاع عنده مما يغاب عليه من حلي وثياب وغيره قيمته يوم ضاع لا قيمته يوم ارتهنه وقال في موضع آخر: إذا هلك الرهن الذي يغاب عليه فإنما يضمنه قيمته يوم ارتهنه وإن تداعيا في الحق والرهن قائم روعيت قيمته يوم يتداعيان فيه. قال ابن الحبيب: قال أصبغ: إذا باع المرتهن الرهن وقال: أذن لي الراهن في ذلك وأنكر الراهن وهو مما يغاب عليه/فليحلف الراهن إن لم تكن بينة ويلزم المرتهن لا أكثر من الثمن الذي باعه به أو فمن قيمته يوم باعه [إن قامت له]، على صفته يوم البيع بينة وإن لم تقم بينة فعليه الأكثر من الثمن أو قيمته يوم باعه على صفته التي كان عليها يوم ارتهنه إلا أن يقر المرتهن أن صفته يوم باعه كانت أفضل من صفته يوم ارتهنه فيلزمه الأكثر من قيمته يوم باعه أو الثمن. وعن رجل رهن رهنا وأقامه بأربعة دنانير فضاع فتلك القيمة تلزمه إلا أن يكون قصر في قيمته أو زاد فيه فترد إلى قيمته إذا علم بذلك. ومن استعار ثوبا ليرهنه بعشرة دنانير فرهنه بها فضاع فليضمنه المرتهن للراهن ويضمنه الراهن لصاحبه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قامت البينة بهلاك ما يغاب عليه من رهن ووديعة في الضياع من غير تضييع لم يضمن، ومثله أن يرتهن رهنا في البحر في المركب فتغرق أو يحترق منزله أو يأخذه لصوص منه بمعاينة البينة في ذلك كله. [10/ 190]
قال ابن القاسم وأشهب: وإن ارتهن نصف ثوب أو جميعه فاستحق نصفه ثم ضاع، فإن كان وضع على يد المستحق أو غيره لم يضمنه المرتهن وإن كان بيد المرتهن حتى ضاع ضمن نصف قيمته. قال أشهب: كان كله لراهنه أو له فيه شريك إنما يضن ما صار له وثيقة من حقه ولو فلس غريمك ورهنك نصفه فأنت في نصفه أسوتهم. قال: ومن صرف دراهم بدنانير فأعطى بالدينار رهنا وقبض الدراهم ثم ضاع الرهن فالمرتهن يضمنه ويترادا الفضل. قال أشبه في غير المجموعة: هو رهن بالأقل من قيمة الدينار أو الدراهم وما زاد فيه أسوة الغرماء. قالا: وإن استعار عارية يغاب عليه ورهن بها رهنا/فالرهن جائز ومضمون. قال ابن القاسم: وأما في عارية الحيوان فلا يجوز فيه الرهن، وقال أشهب مرة: هو رهن ومرة ليس برهن إذن أصيبت الدابة بما يضمنها به فهو رهن وإن كان بأمر من الله تعالى بغير تعديك لم يكن رهنك رهنا إذ لا تضمن ذلك. قال أشهب: وإن أخذ رهنا بجنين اشتراه في بطن أمه أو ببيع فاسد فالرهن مضمون. ومن كتاب ابن المواز: وإذا هلك بيد المرتهن ثم فلس فطلب غرماؤه أخذ الدين من الراهن وليحاصهم بقيمة رهنه وطلب الراهن أن يحبس ما عليه فيما وجب له من قيمة الرهن فقال ابن القاسم: القول قول الغرماء لأن الدين لم يكن [10/ 191]
في الرهان والحمالة بالعقود الفاسدة وضمان الرهن في ذلك
برهن، وقال كما قال مالك فيمن له عليك مائة دينار فابتعت منه سلعة بمائة دينار فأفلس أحدهما فلم ير أن الذي لم يفلس أحق بما في يديه. وقال أشهب: إن الراهن أولى بما عليه من الدين حتى يستوفي قيمة رهنه لأنه كان أولى برهنه فهو أولى بعوضه وإنما بيد كل واحد وثيقة من حقه هذا لولا ما عليه من الدين ما دفع الرهن والآخر لولا الرهن ما رضي ببقاء الدين على غريمه، قال محمد: وهذا أحب إلينا قال: والوكيل لشراء سلعة لك فنقد عنك ثمنها فليس له حبسها رهنا بما ودى عنك. ومن رهن عند رجل رهنا ثم رهن فضله لآخر فقال ابن القاسم: لا يضمن الأول منه إلا قدر مبلغ حقه من قيمته وهو في باقية أمين ولا ضمان على الثاني، وقال أشهب: ضمانه كله من الأول كما لو كان بيد الثاني أو بيد غيره لم يضمنه لأنه للأول وإنما لهذا منه فضلة إن كانت، وأما لو رهن رجلين فكان على يد أحدهما لم يضمن الذي هو عليه يديه إلا نصفه./ قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا جاء المرتهن بالرهن وقد احترق وقال: قد وقعت عليه نار فلا يصدق وهو ضامن إلا أن يقيم بينة أو يكون ما ذكرنا من الاحتراق كان معروفا مشهورا من احتراق منزله أو حانوته فإذا أتى ببعض الرهن محترقا في هذا صدق. في الرهان والحمالة بالعقود الفاسدة، وضمان الرهن في ذلك، وهل تكون السلعة رهنا في بيع فاسد؟ ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتهن رهنا ببيع لا يحل فيتلف فليضمن قيمته ولينقض البيع ويرد الرهن وهو قبل ينقض على شبه الرهن وضمانه ويكون رهنا [10/ 192]
بقيمة السلعة إن كانت أقل من الثمن بخلاف الحمالة، الحمالة تسقط لو أخذ من الغريم مع الحميل رهنا وأخذه من الحميل في البيع الفاسد ليطلب الحمالة وبقي الرهن رهن حتى ينفصلا، فإن لزم الراهن في ذلك قيمة أكثر من الثمن لم يكن الرهن رهنا إلا بأقل من الثمن أو القيمة. ومن له عليك دين لم يحل فسألته أن يؤخرك على أن تعطيه رهنا أو حميلا لم يجز وتسقط [الحمالة متى علم بذلك، وأما الرهن فيرد إلى ربه وإن أدرك قبل يدخل في الأجل] الثاني فيصير كسلف لا يحل وفيه رهن مقبوض والرهن به ثابت حتى يقضى وأما لو كان الدين قد حل كان لك جائز في الحميل والرهن، وهذا وما يشبهه في الحمالة مستوعب. ومن لك عليه دين مؤجل فسألك قبل محله أن تسلفه وتؤخره بالمالين [إلى بعد كل محل الأول بشهر على أن يعطيك بالمالين] رهنا لم يجز، ولو لم يسألك تأخيرا في الأجل لم يجز،/فإن نزل وقد فلس الراهن أو مات: فقال بعض أصحابنا: إن نصف الرهن رهن بالمائة الآخرة ويبطل الرهن في نصفه وقلت أنا: بل يكون كله رهنا بالمائة الآخرة كرهن بثمن سلعتين تستحق أحداهما أنه رهن كله بحصة الباقية، وكالمرأة رهنا بالصداق ثم تطلق قبل البناء فجميعه رهن بنصف الصداق، فإن قلت: هذا أصله جائز قيل لك: فمن دفع دينارا في دارهم إلى أجل وأخذ رهنا ثم فلس الراهن فالمرتهن أحق بالرهن حتى يأخذ ديناره أو قيمة الدراهم التي رضي بها أقل الأمرين، ولو أن له دينارا وبيده رهن فقال له قبل [10/ 193]
الأجل: زدني في الأجل وأرهنك رهنا آخر فإن كان الرهن الأول فيه وفاء لا شك فيه مأمون فذلك جائز وإن لم يكن فيه وفاء لم يجز. ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم وعمن ارتهن رهنا في سلعة عليه لرجل إلى أجل فأتى الراهن إلى رجل فطلب شراء سلعة منه ليقبضها الرجل ويأخذ رهنه فطلبه التابع حميلا فلم يجد إلا صاحب رهنه فلا ينبغي للمرتهن أن يتحمل عنه بذلك كمالا يبيعه شيئا يرجع إليه قضاء من حقه. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع عبدا أو ثوبا أو دارا واشترط البائع أن ذلك بيده رهنا بقبض ثمنه فلا يجوز ويفسخ البيع، ولو جعله بيد غيره بهذا الشرط فذلك جائز وهو رهن قاله مالك. ولو اشترى على أن لا يبيع ولا يهب حتى يوفيه حقه إلى أجله أن ذلك جائز، قال محمد لا أحب ذلك يريد: من الوجهين، ومن اشترى شيئا لا يدري متى يقبضه لم يجز ذلك، وذكر ابن حبيب المسألة من أولها فقال: روى ابن وهب عن مالك في العبد أنه لا يجوز. وروى عيسى وأبو زيد عن ابن القاسم فيمن/له عليك عرض مؤجل رهنته به رهنا فابتعت من غيره عرضا بثمن مؤجل على أن ترهنه رهنك الذي عند الأول يعني ليقضيه الآخر على أن يتحمل بك في الثمن الذي رهنك عنده لم تجز كما لا يجوز أم تشتري منه ما لا ترده إليه قضاء من حقه. أخبرني به أصبغ عن ابن القاسم مثله في العروض والحيوان، وأما في الدور والأراضين الذي يجوز بيعه وتأخير قبضه إلى أجل، فذلك جائز فيه، ويبقى رهنا بيد البائع إلى أجله رهنا محوزا، ولو وضع الحيوان ولعروض بيد غيره كان جائزا. [10/ 194]
قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: ومن ابتاع عبدا بيعا فاسدا فعتق عليه وقد فلس البائع فإنه يفسخ ويباع للمتباع في ثمنه يكون أولى به من الغرماء بخلاف لو ابتاعه بيعا صحيحا فرده بعيب لأنه فيه مخير، ولو رضيه كان لو، فإذا اختاره رده كان أسوة الغرماء والأول يقضي عليه برده وليس فيه مخير وكذلك قال سحنون: إنه أحق بها في البيع الفاسد، وقال ابن المواز: لا يكون أ؛ ق بها وهو أسوة الغرماء. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: ومن ابتاع بيعا فاسدا على أن يرهن بالثمن رهنا صحيحا أو فاسدا فإنه أحق به من الغرماء لأنه عليه وقع البيع وكذلك إن كان البيع صحيحا والرهن فاسدا كمن قال: إن جئتك بالثمن إلى سنة وإلا فالرهن لك بالثمن فهو أحق بالرهن، وإذا وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط في البيع رهنا فلا يكون أولى به لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئا، ومن اشترط الانتفاع برهن أخذه في سلف فلا يكون أولى به وكذلك الرهن بعد السلف يشترط الانتفاع به ومن باع أو أسلف وأخذ رهنا في أصل البيع وعلى أن يكون/رهنا أيضًا بدين له عليه قبل ذلك فلا يجوز ويكون الرهن رهنا بالبيع الآخر والسلف دون الدين الأول وهو الذي رجع إليه ابن القاسم في المسألة كلها وقاله معه أشهب. قال مالك فيه وفي العتبية: ومن لك عليه دنانير بآجال مختلفة، فبعته [10/ 195]
باب ضمان الرهن يستعار ليرهن، وضمان رهن الكفيل بإذن من كفل عنه أو بغير إذنه
بيعا على أن يرهنك بذلك كله رهنا ويجعل آجالها أجلا واحدا فلا يجوز، محمد: ويدخله سلف بزيادة وبيع وسلف لأنه أخره بالدين الأول بما زاده في ثمن السلعة. قال أشهب: ولو كان الأول سلفا وباعه بيعا على أن يرهنه بالمالين ولا يؤخر الأول عن أجله كان جائزا عنده، ولو كان الأول من بيع فأسلفه سلفا على أن يرهنه بالمال الأول لم يجز وقد كرهه في الوجهين مالك وابن القاسم لأنه لو كان لك دين على رجل إلى أجل فأعطيته دينارا أو حططته منه على أن يرهنك به لم يجزه وكذلك البيع لأنه يضع من ثمن السلعة ليرهنه ولم تسقط أيضًا الحمالة بالجعل والحمالة والرهن فيه سواء وقاله أصبغ وكذلك قوله: أبيعك سلعتي على أن تتحمل لي بثمنها وبديني الأول إلى أجله وكذلك أسلفك على هذا وهو أشر، وهذا الذي ذكر عن مالك وعن ابن القاسم وحجته كله في العتبية عنهما. باب ضمان الرهن يستعار ليرهن، وضمان رهن الكفيل بإذن من كفل عنه أو بغير إذنه ومن المجموعة: ومن استعار رهنا ليرهنه فتلف بيد مرتهنه غرم قيمته المستعير للمعير وكانت قيمته على المرتهن يوم يطلب/منه، وإن تلف بيد عدل وضع على يديه لم يضمنه إلا المستعير للمعير يوم طلب منه، ولو بيعت من يد المرتهن بأمر جائز فإنما يتبع المعير المستعير بمبلغ ما بيع به إن ودى عنه كله، وإن ودى عنه بعضه وتلف بغيبته بعد أمر السلطان ببيعه فما تلف من ثمنه ربه وله على المستعير ما قضى عنه من ثمنه. قال أشهب: ومن تكفل بدين أو رهن فيه رهنا بأمر المطلوب وضاع الرهن بيد مرتهنه فليس للكفيل أن يتبع المكفول عنه بقيمة الرهن ولكن يتبعه بمبلغ [10/ 196]
في الذي يوضع علي يديه الرهن هل يضمن ما نقص الرهن أو ما نقص الدين؟
الدين فقط ويرجع على المرتهن بالفضلة ويتبعه بها في عدمه ولا يتبع المكفول عنه لأن المتهم فيه غيره، وأزيدك أن هذا الرهن لو وضع على يد الذي عليه الحق ما ضمنه إن تلف وما أراه رهنا مقبوضا، وإن كانت قيمة الرهن أقل من الحق كان له قصاصا من حقه واتبع الذي له الحق الكفيل بما بقي إلى الأجل واتبع الكفيل الذي عليه الحق بقيمة رهنه. في الذين يوضع على يديه الرهن هل يضمن ما نقص الرهن أو ما نقص الدين؟ من كتاب ابن المواز: ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وقال في الأمين يوضع على يده الأمة الرهن على أن يضمنها للمرتهن فيقول له: أنا لرهنك ضامن قال: فلا يضمن الموت ولا ما يدخلها من عور وعمى وعيب ينقصها وإنما يضمن ما دخلها قبل الرهن من أمر يبطل رهنه من بيع أو رهن قبل ذلك. وفي العتبية: أو/رهن وشبه ذلك ومثله ذكر عن ابن حبيب وقال: قال مطرف وابن الماجشون عن مالك: ويحلف أنه لم يضمن إلا حيازته وأن لا يضيع ولا يرجع إلى صاحبه وأنه ما أراد الموت ثم رجع إلى الكتابين الأولين، ولو قال: أضمن لك كل شيء إلا الإباق والموت لم يلزمه ضمان ما يصيبها من عمى أو عور إلا أن يقول: أنا ضامن لرهنك أو قال: لما نقص من رهنك فإنه يضمن كل شيء إلا الموت والإباق والعور وغيره، قال سحنون في العتبية: وهذا أحب غلي، قال ابن المواز: وبه أخذ ابن عبد الحكم وأصبغ. [10/ 197]
قال ابن القاسم وكان عند مالك: قوله: أنا ضامن لما نقص من رهنك أقوى من قوله: أنا ضامن لرهنك ثم قال: يضمن في الوجهين. قال أصبغ في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن حبيب مثل قول البائع بعد البيع للمبتاع حين استغلى: بع ولا نقصان عليك: أنها إن ماتت أو دخلها عيب فهي من البائع، وهذا الذي ذكر محمد وابن حبيب عن أصبغ قد ذكر ابن المواز خلافه أنه لا يضمن الموت والعور، وقد بينا ذلك في البيوع وذكر مثله ابن الماجشون ومطرف. قال ابن حبيب عن ابن القاسم عن مالك: إذا قال: أنا ضامن لما نقص من حقك أنه يضمن الموت وبه أخذ ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وقد كان مالك يقول: لا يضمن الموت وإن اشترط هذا عليه وأخذ به ابن عبد الحكم وبالأول أقول. قال ابن المواز: قال أشهب: إذا ضمن له الرهن حتى يستوفي حقه فمات الرهن أو استحق/أو بيع بأقل من الثمن فهو ضامن ولا يضمن النقصان، وقال مثله أصبغ في العتبية وقال في النقصان اختلاف. ومن العتبية قال مالك: وإذا قال الأمين: قد حزت لك رهنك وقبضته فدفع بقوله: إنه ضامن قال ابن القاسم: ضامن لقيمة الرهن. قال ابن المواز: وإنما يضمن قيمة الرهن يوم رهنه، فإن بيع بدون ذلك أتمه ولا يضمن تمام الحق. ومن العتبية: قال مالك: وإذا قال: أنا ضامن لما أصاب العبد إنه يضمنه إن مات قيل: فإن قال: أنا ضامن لما نقص من رهنك قال: ما أحرى أن يضمن والأول أبين. [10/ 198]
قال مالك: ولو قال: أنا حميل لما نقص من رهنك فحل الحق وأمر ببيع الدار الرهن فبعيت بنقص من الحق فأمر بوقف البيع شهرين لطلب الزيادة فطلب الطالب تعجيل تغريم الضامن، وقال الضامن: حتى تنقضي الشهران لما عسى أن يزاد فيها، فذلك للضامن. قال ابن المواز: قال ابن الماجشون: إذا تحمل الموضوع على يديه فاستحق الرهن الأقل من قيمته أو الحق يغرمه حالا كأنه أسلمه إلى راهنه ثم لا يجرع على المديان حتى يحل الحق إلا أن يكون الراهن كان عارفا فتعدى عليه فليرجع عليه بما يؤدي مكانه فإن لم يعلم فلا، ويحلف الراهن إن اتهم. ومن العتبية: روى يحيى عن ابن القاسم فيمن ارتهن رهنا على أن يضمن له رجل ما نقص الرهن فحال السوق أو هلك الرهن فإنه يضمن ما أصابه من موت أو مرض أو عطب أو نقص سوق فإنه يضمن جميع الحق يريد: أو ما نقص/عنه. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا ضمن له كل نقص إلا الموت فمات فينظر إلى قيمته يوم رهنه فإن كانت مثل ما تحمل به فلا شيء عليه، وإن عجز عن ما تحمل به غرم فضل ذلك للذي تحمل له، واتبع بذلك الغريم ورجع المرتهن على الغريم بقيمة الرهن، ولا يلزم الحميل شيء إلا ما نقص الحق عن قيمته يوم ارتهنه، قال أصبغ: يوم مات وهو القصد في الحمالة، ولو كان ضمان قيمته يوم تحمل لم يراد الحميل فهو على قيمته يوم يموت حتى يتبين أنه قصد قيمته يوم تحمل. ومن المجموعة: قال عبد الملك: وإنما ضمن الأمين الرهن ولم يضمن الحق وقبض الرهن فلا ضمان عليه فيه مات أو أبق، وما فرط في قبضه حتى أفاته الراهن ببيع أو غيره أو قبضه فأضاعه فهلك فليضمنه فيؤخذ منه الأقل من قيمته [10/ 199]
في العدل يتعدى فيدفع الرهن الموضوع بيده إلى الراهن أو إلى المرتهن
أو الحق، وإن كان ضمن الحق والرهن غرم قيمة الرهن فإن بقي من الحق شيء وداه الغريم فإن لم يكن عنده شيء وداه الحميل. قال عبد الملك: وإذا تحمل العبد الرهن ثم أسلمه إلى ربه فباعه أو مات عنده ثم أخذه الطالب من المطلوب من غرمائه بعض حقه وبقيت له من حقه خمسون وقيمته العبد خمسون فطلب أخذها من الحميل فذلك له وكان مثل له قضاه الغريم والعبد بيد الحميل ثم رده إلى ربه كان ضامنا للأقل من بقية الحق أو قيمة جميع العبد وقال: ومن بيده رهن بدينه ثم تحمل لرجل آخر بذلك الرهن ممن له على غريمه دين ثم قال: ضاع عبدي فطلبه الثاني بقيمته وقال الأول: إنما تحملت بقيمته يوم/قبض لمالي فيه من الدين فليحلف ولا يلزمه إلا ما فضل عن حقه فيه يدفعه إلى الطالب الثاني لأن الثاني إنما دخل فيه على أنه رهن بكذا. في العدل يتعدى فيدفع الرهن الموضوع بيده إلى الراهن أو إلى المرتهن، وكيف إن تركه بيد الراهن وقد ضمن الرهن والدين؟ وكيف إن كان أمة فوطئها الراهن؟ من كتاب ابن المواز: وإذا دفع الموضوع على يديه الرهن إلى ربه بأجرة أو بغيرها بغير إذن رب الحق ثم قال ليرتجعه فذلك له، فإن فات الرهن بموت أو فلس وقام غرماء الرهن بموت أو فلس وقام غرماء الراهن أو لم يوجد الرهن ضمن الأمين، وإن حاص الطالب الغرماء فنابه عشرة دنانير وهو نصف حقه وقيمة الرهن عشرة فليرجع على العدل بتمام ما كان يصير له مع الغرماء بعد الذي يصير له من رقبة الرهن ولو لم يسلمه فقد كان لو أخذ ثمن الرهن عشرة فحاصهم بعشرة [10/ 200]
فليأخذ نصف العشرة التي في يده كما أخذ كل غريم نصف حقه ثم انقطع الكلام من كتاب ابن محمد: وإنما بقي إذا ضمن الأمين قيمة الرهن عشرة وأخذها منه وهي نصف حقه فكان يجب له الحصاص بعشرة [فيرد خمسة ويحاصهم فيها بخمسة] فنصيبه منه ديناران إلا ثلث. ومن المجموعة: قال عبد المالك: وإذا رد الأمين العبد الرهن إلى الراهن فمات عنده فإن العدل يضمنه فليس له حجة بالموت كما أنه لو مات/بيد من اشتراه من الراهن لكان الأمين ضامنا بأول تعديه. ومن العتبية: روى أبو زيد وعيسى عن ابن القاسم في العدل يرد الأمة الرهن إلى الراهن أو أرسلها إليه فوطئها فحملت فإن كان الغريم مليا أخذ منه الحق معجلا وصارت له أم ولد، وإن لم يكن له مال غرم الأمين قيمتا يوم الوطء ورجع الأمين على الغريم بما ودى عنه، وإن لم يكن له مال ولا للغريم بيعت الأمة بعد الوضع فقضى حق الغرماء أو بيع منها حق الغريم إن كان فيها فضل وعتق ما بقي والولد يتبع أباه وهو حر ولا يباع، وإن لم تحمل وكان يطؤها ففلس فإن كان للأمين مال ضمن قيمتها للمرتهن وكان الأمين أسوة الغرماء فيها وفي غيرها، قال عيسى: وإن لم يكن للأمين مال فالمرتهن أحق بالأمة وهذا كله إن لم يعلم المرتهن بردها فإن كان علم فلا رهن له. قال: ولو أن الأمين على الرهن ضمن للمرتهن قبضه وحوزه وتحمل له أيضًا بالحق إلى أجله فتركه الأمين عند الراهن فقام المرتهن على حيازة الرهن فقال الحميل: إنما تركته عنده وفقا به وأنا له وللحق ضامن، فالقول قول المرتهن لما يخاف من فلس الحميل والغريم ويجبر الحميل على [10/ 201]
قبض الرهن، فإن أبى نزع وجعل بيد غيره والحمالة بالحق كما هي، قال: ومن رهن عبدا لامرأته برضاها وضمنه رجل للمرتهن إلا في الموت على أنه يعطيه حقه عند الأجل فأقر الحميل العبد عند المرأة على الأجل ثم طلب بيعه فمنعته المرأة إذ لم يقبض عنها واحتج/الحميل بإذنها في رهنه، قال: يغرم الحميل الحق لأنه حل، ويرجع به على زوجها لا عليها، ولو تركه عندها أياما ثم طلب أخذه فله ذلك بخلاف حلول الأجل. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الموضع على يديه الأمة الرهن فيعيرها للراهن فيطأها فتحمل فليغرم السيد الحق في ملئه ويعجله إلا أن يكون ما عليه طعام أو عرض فيأتي برهن ثقة، وعن الأمين على الرهن يأتيه صاحب الحق في حلول الأجل في غيبة الغريم فيسأله أن يدفع إليه الرهن لبيعة ويأخذ حقه فيدفعه إليه فيضيع فالأمين ضامن للرهن ولا شيء على الذي ضاع عنده الرهن لأنه مؤتمن يعني أئتمنه العدل الضامن. الرهون 13 ومن المجموعة: قال أشهب في الرجلين يرتهنان ثوبا من رجل فرضي ربه أن يكون بيده وأخذ منهما بعينه فدفعه الذي هو بيده إلى صاحبه فتلف فإنه يضمن جميعه للراهن ولا يضمن الآخر إلا نصفه ويتبع الراهن الأمين بنصف قيمته بكل حال، وهو مخير في النصف الآخر فإن شاء اتبع به الآخر وانقضى ما بينهما، وإن شاء أخذه من [الأمين ورجع به] الأمين على صاحبه. قال سحنون في العتبية: وعن العدل بيده الرهن فيريد سفرا قيل أجل الدين فليرفع ذلك إلى الإمام ليجعله بيد عدل برضاه، فإذا حل الأجل ولم يقبضه الغريم باعه الإمام ولا يبيعه من جعله الأمين على يديه. [10/ 202]
في الراهن يتعدى على الرهن فيبيعه أو يهبه أو يعتقه أو يدبره أو يكاتبة
في الراهن يتعدى على الرهن فيبيعه، أو يهبه، أو يعتقه، أو يدبره، أو يكاتبه، قبل يجاز أو بعد،/وفيمن أعارك رهنا ثم أعتقه، أو تزوجه، وكيف إن طلب الراهن بدل الرهن أو أذن له المرتهن في بيعه؟ من كتاب ابن المواز: قال: وإذا تعدى الراهن فباع الرهن قبل يقبضه المرتهن أو بعد فمختلف فأما بيعه قبل يجاز عنه فالبيع نافذ وإن قرب فات أو لم يفت، وإن لم يحل الحق فالتمر للراهن يأخذه ولا يعجل للمرتهن حقه ويوضع له رهن مكانه ولا ينفض ما بينهما من بيع أو سلف وقد كان للمرتهن لو لم بيع أن يقوم فيحوزه وهذا كله قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك. قال عبد الملك في المجموعة: كان بيعه بتفريط من وضع على يديه أو بغلبة عليه حتى بيع فالبيع نافذ. ومن كتاب ابن المواز: وتعديه في العتق كتعديه في البيع عن مالك قبل قبض الرهن أو بعده إن كان مليا، وقاله ابن القاسم وأشهب، وقال ابن القاسم في الكتابة: هي كالعتق يمضي ذلك ويعجل للمرتهن حقه إن كان بعد أن قبض الرهن وأما التدبير فإنه يبقى رهنا بحاله بيد مرتهنه لأن المدبر يرهن، محمد: وكذلك الكتابة مثل التدبير، وقال أشهب: هما مثل العتق إن كان مليا أخذ منه الحق معجلا إن كان ذلك بعد الحيازة، فإن كان مليا بقي ذلك بيد المرتهن بحاله، [10/ 203]
فإن ودي الدين نفذ ما صنع الراهن فإن لم يوفيه بطل صنيعه وبيع ذلك فإن كان في بعض ثمنه وفاء بيع في العتق بقدره وعتق ما بقي. قال أشهب: وأما في الولادة والتدبير والكتابة فيباع كله،/فيكون فضل ثمنه لسيده إذ لا يكون بعض أم ولد ولا بعض مكاتب ولا مدبر. قال محمد: وأما في التدبير والكتابة فيبقي رهنا بحاله لأن الكتابة مما يباع فإن حل الأجل وفيها وفاء بيعت وإن كان فيها فضل لم يبع منها إلا بقدر الدين وإن لم يكن فيها وفاء إلا ببيع الرقبة بيعت الرقبة، وكذلك المدبر إذا حل الأجل بيع كله ولا يحوز بيع شيء منه على أنه مدبر على حاله ولا عرى أن يقاويه فيه، وأما إذا أولد الراهن الأمة فيجوز أن تباع بقيتها ويبقى ما فيها بحساب أم الولد. قال فيه وفي المجموعة: قال أشهب: وإن كان هذا كله قبل حوز الرهن فهو كله نافذ ولا رهن له في العتق وحده ولا يعجل له الحق، وأما في الكتابة والتدبير فللمرتهن قبض رهنه فيبقي بيده رهنا وهو مكاتب أو مدبر وتكون الكتابة رهنا معه، ولا تكون خدمة المدبر رهنا إلا أن يشترطها في أصل الرهن، وأما الكتابة فالرقبة لا كالغلة والخدمة إلا أن يشترطها المرتهن، قال محمد: الكتابة كالغلة لا تكون رهنا إلا أن يشترط في أصل الرهن قال: ولو كان عتق الراهن بعد قبض المرتهن للعبد وليس بملي، فإن لم يكن في ثمنه فضل لم يبع منه شيء ولم يعتق منه شيء حتى يحل الدين، وقاله مالك، وإن كان فيه فضل ووجد من يباع منه بيع منه بقدر الدين وعتق ما بقي، وإن لم يوجد من يبتاع بعضه بيع كله فما فضل [10/ 204]
عن الدين فلسيده يصنع به ما يشاء، قال أشهب: ويباع/منه بقدر الدين وإن لم يحل الدين وإن لم يكن فيه فضل لم يبع حتى يحل حقه فيصنع فيه كما ذكر مالك، وقال أبو الزناد: وإن كان السيد مليا عتق مكانه وقضى الدين وإن لم يكن له مال فقضى العبد من ماله الدين فهو حر أيضًا، ولا رجوع له بذلك على سيده، وإن لم يكن ذلك فلا عتق للعبد. قال: ووطء الراهن الأمة بعد أن حيزت بإذن المرتهن كوطئه قبل أن تحاز بغير إذنه، إن حملت بطل الرهن ولا يعجل الحق (مليا كان أو معدما، وإن وطئها بغير إذن المرتهن بعد أن حازها فحملت فروى ابن القاسم عن مالك قولين فقال: إن كانت تذهب وتجيء في حوائج المرتهن بطل الرهن ولم يعجل الحق] ورجعت إلى الراهن أم ولد فأما إن وطئ غصبا أو تسورا ولا مال له بيعت بعد الوضع والولد حر، ولو كان له مال عجل الدين وكانت له أم ولد، والقول الآخر: إن لقيها فوطئها فلتبع دون الولد إلا أن يكون له مال، وقال أشهب: إن لم يكن له مال فلا تباع حتى يحل الأجل فتباع كلها إذا وضعت وإن كان فيها فضل، وما فضل من الثمن فلسيدها إذ لا يكون بعض أم ولد. وفي المجموعة: نحو ما ذكر في العتق والوطء والكتابة عن ابن القاسم وأشهب، وذكر قول مالك إذا وطئها بغير إذنه تسورا وله مال عجل الحق وكانت له أم ولد، قال سحنون: هذا إن كان دينه عينا فإن كان طعاما من سلم فالمرتهن بالخيار إن شاء تعجل حقه وسلم الجارية وإن شاء حبسها رهنا وأرجا الطعام إلى أجله، وقال/سحنون: وتدبيره إياها كالعتق في رواية ابن وهب عن مالك وهو أحسن من قول ابن القاسم الذي قال فيه: تبقي مدبرة كما يرهن المدبر قال سحنون هنا: والتدبير سابق للرهن فدخل فيها على الأتباع بعد موت الراهن [10/ 205]
وهذا أحدث التدبير فأضر به بتأخير بيعها في عدمه وقد يحل حقه إلى قريب وأما الكتابة فتمضى إن كان له مال يؤخذ منه الدين، وإن لم يكن له مال وفي الكتابة إن بيعت وفاء الدين جازت وبيعت، وقال أشهب: إن لم يكن له مال بقيت رهنا حتى يحل الدين فتباع إن لم يكن له مال وكذلك في التدبير فإن فضل من ثمنها شيء كان للسيد، وأما في العتق فلا يباع منها إلا بمقدار الدين ويعتق ما بقي. ومن كتاب ابن المواز: وإذا وهب المرتهن الرهن فإن كان للثواب فهو كالبيع وقد ذكرنا البيع. ومن أعارك عبدا لترهنه فرهنته ربه فاختلف فيه فقال ابن القاسم: إن كان له مال جاز عتقه وغرم الأقل من قيمته، أو من الدين فيعجله المرتهن فيرجع ببقيته على الراهن إذا حل الأجل ولا يرجع المعير على المستعير بما دوي حتى يحل الأجل، ولم يره أشهب مثل ربه، ورآه مثل من أعتق عبده بعد أن جنى يحلف المعير: ما أعتقته لأؤدي الدين ويبقي رهنا حتى يقبض حقه من ثمنه إن بيع أو بيدأ فينفذ فيه العتق، وإن نكل غرم الأقل من قيمته أو الدين ونفذ عتق العبد. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إلي/لأن الجناية أخرجت العبد من ملك ربه إلا أن يفديه، وهذا لم يخرجه على ريبة من ملكه ولا من ماله وغيره يعديه إلا أن يكون المستعير قد هلك عن إياس أن يكون له شيء فيكون كما قال أشهب. قال ابن حبيب: قال اصبغ: سمعت ابن القاسم وأشهب يقولان: إذا أقر الراهن في عبد رهنه أنه لغيره فإن ثبت إقراره قبل أن يقبضه المرتهن فالمقر له أولى به كان الراهن مليا أو معدما، وإن كان بعد أن حيز فإن كان للمقر مال عجل دين المرتهن وأخذ رب العبد عبده، وإن لم يكن له مال فالمقر له مخير بين أن يضمنه قيمته ويتبعه بها دينا، وبين أن يؤخره حتى يمكنه أخذه، فإن حدث له مال [10/ 206]
وودي دينه أخذ هذا عبده وإلا بيع للدين بعد الأجل واتبعه ربه بقيمته يوم أقر له به. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ليس للراهن أن يزوج الأمة الرهن وقال أشهب: ويفسخ إن فعل ما لم يبن فإن بنى بها بعلمك فسد رهنك، وإن لم تعلم فلك أن تحول بينه وبينها ما كانت رهنا ويثبت النكاح ولها الأكثر من صداق المثل أو ما سمي لها. قال سحنون: ولو كان فاسدا ما صح بالبناء لأن فساده في عقده وأرى النكاح جائزا بمنزلة أن لو أعتقها وتعجل للمرتهن دينه بمنزلة أن لو قتلها عمدا فأما خطأ فلا شيء عليه، والدين إلى أجله، ولا يؤخذ منه القيمة فيوضع رهنا لأنه لا يضمن ملكه. قال محمد بن عبد الحكم: إذا زوجها الراهن وهي في حوز المرتهن ولم يرض، فسخ النكاح/لأن ذلك يعيب رهنها وينقص قيمته وليفسخ دخل أو لم يدخل ولو بنى بها بغير علم المرتهن فافتضها فعليه صداق المثل يوقف معها في الرهن كالحمالة عليها وإن نقصها الافتضاض أكثر مما أخذ من الصداق غرم ذلك اليسد فيوقف من الصداق رهنا معها. وقال أشهب: يفسخ قبل البناء فإن بنى بها فلا يفسخ ولكن يحال بينه وبينها أن يطأها ما كانت رهنا ولها الأكثر من المسمى أو صداق المثل، ولو افتكها السيد قبل البناء لم يفسخ، قال محمد بن عبد الله: قول أشهب هذا ليس بقياس وليفسخ دخل بها أو لم يدخل لأنه نقص الرهن، ولو لم يكن نقصا لكان منعه من الوطء يفسد النكاح كمن تزوج امرأة على أن يطأها سنة فهذا فساد في العقد لا [10/ 207]
في الصداق وقول مالك: إنه لا يجوز نكاحها. وإذا قلت: كل من لا يحوز وطؤها إلى مدة لم يجز نكاحها، قلت ذلك في التي واجرت نفسها سنين أو تؤاجر نفسها للرضاع فتتزوج أن ذلك يفسخ قبل البناء أو بعدة، وعلى قول أشهب: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده وبمنع من الوطء حتى تنقضي الأجرة وتخرج الأمة من الرهن، وإذا استؤجرت ذات الزوج لعمل تعلمه أو لرضاع صبي فمات وزجها وهي في ذلك فإنها تقيم في منزلها في الليل ولا تخرج منه للعدة ويفسخ رضاعها للصبي إن طلبوا ذلك ليس عليهم أن يصيروا الصبي إليها في منزلها، فإن رضوا أن يرسلوه إليها ترضعه في منزلها فإن مضت العدة وبقي من مدة الرضاع بقية فقالت: أنا أرضع/لكم فكرهوا أو كرهوا هم ذلك وأرادت هي فإنها ترجع إلى الرضاع في بيت الصبي بقية مدة الإجارة. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: لو رده إلى الراهن بإجارة أو إيداع أو غيره فباعه كبيعه قبل أن يحاز، وهو قول مالك، وأما لو باعه وهو بيد المرتهن أو بيد أمين بمثل الحق فإنه يعجل للمرتهن حقه إن لم يحل وينفذ البيع ولا حجة للمرتهن في رده، وقاله مالك إلا أن يباع بأقل من حقه فله أن يرده أو يمضيه فلا يتعجل الثمن ويطلب بما بقي، قال محمد: وكذلك إن باعه بثمن خلاف حق المرتهن قال: وقد كان من رواية ابن القاسم وأشهب أنه إذا باعه قبل/يحاز فالبيع أولى به، وإن باعه بعد الحوز فلا بيع له ويرد، والقول الآخر لمالك أحب إلي وعليه أصحابه: إنه ينفذ ويعجل الحق ولا حجة للمرتهن إن كان حقه عين وبيع بمثله، قال أشهب: وليس للراهن أن يقول: لا أعجل حقك وإما أن يرد البيع أو يجيزه ويبقى الحق إلى أجله. محمد: لأنه مضار لا نفع له في ذلك. وروى لنا عن أشهب بعض الخلاف لهذا، وهذا الثابت عندنا من قوله وعليه أصحابه. [10/ 208]
قال أشهب: وإن استهلك ثمن الرهن قبل يدفعه إلى المرتهن فإن كان عنده وفاء به وداه وتم البيع وإلا فللمرتهن رد البيع. قلت: فإن كان المرتهن وصله إلى الراهن حتى باعه فقلت بيعه جائز ولا يعجل الحق كما لو باعه قبل الحوز أرأيت إن قال المرتهن: إني إنما وصلته إليك لتبيعه لتعجل حقي، وأنكر الراهن؟ قال: قال أشهب: يحلف المرتهن والقول قوله ولا يضر قيام الغرماء إن كان/ذلك بقرب دفعه إليه، وإن كان ذلك ليس بقربه فقام الغرماء قبل أخذك الثمن فهم أحق بالثمن. ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا باعه بغير إذن المرتهن لم يجز إلا أن يجيزه فإن أجازه جاز وعجل له دينه من الثمن وإن لم يحل إلا أن يكون مليا فيجوز بيعك ويعجل الثمن من مالك أو من الثمن إن كان فيه وفاء، وهو كما لو أعتقه، وليس لك أن تقول: أعطيك رهنا مكانه ولا أن يقول: أبقي الثمن رهنا، وإن بعته بإذن المرتهن فلا أرى الثمن به رهنا إلا أن يكون اشترط ذلك عليك فيكون الثمن رهنا، وإن اشترط عند الإذن أن يقبض حقه فإن ذلك لا يصح وأراه رهنا إلى أجله، ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا طلب الراهن أن يبدل الرهن وهو جارية رغب في بيعها إذ لا توافقه وأعطاه بدلها دارا أو أصولا فأبى، فليس للراهن ذلك إلا برضي المرتهن، ولو باعها عجل للطالب حقه وتم البيع، وقاله اصبغ وسحنون. وروى أشهب عن مالك في الحائط النخل يطرح الريح منها نخلا فطرحها فطلب الراهن بيعها فللمرتهن منعه فإن كانت تبقي ولا تفسد إلى محل الحق بقيت في الرهن ولا تباع إلا باجتماعهما ويوضع الثمن بيد عدل، وإن خيف فسادها بيعت ووضع الثمن بيد عدل. [10/ 209]
فيمن وهب رهنا فاستحق جميعه أو بعضه، أو مات أو استلحقه الراهن
قال أبو زيد عن ابن القاسم قال: وإذا طلب الراهن المرتهن أن يرد عليه العبد الرهن ويعطيه غيره فلا بأس به. وروى عنه عيسى فيه: إن أعتقه الراهن أو دبره فإن كان مليا ودفع إلى المرتهن حقه نفذ/عتقه وتدبيره، فإن لم يكن مليا فلا عتق له ولا تدبير فيه. فيمن رهن رهنا فاستحق جميعه أو بعضه، أو مات، أو استلحقه الراهن إن كان عبدا، ومن باع على رهن أو حميل فلم يجده من كتاب ابن المواز: ومن رهن رهنا فاستحق فإن كان قبل يحوزه المرتهن يريد محمد: والرهن بعينه فالمرتهن مخير فإما أمضي بيعه أو أسلفه بلا رهن وإن شاء رد ذلك ولو فات الشيء المبيع بيده مبتاعه ولم يرض البائع إلا برهن فله قيمتها معجلة ويفيتها العيوب المفسدة إلا أن يأتي الراهن برهن مثله يشبه فيثبت الأمر إن شاء المرتهن أو أبى وإن كان الاستحقاق بعد أن حازه لم ترد المعاملة ويبقى الحق إلى أجله. وليس عليه رهن غيره ولا أن يعجل حقه قال عبد الملك: إلا أن يعلم أن الرهن رهنه عالما أنه ليس له وإنما عيبه عليه ظلما فعليه أن يأتي برهن غيره. محمد: فإن لم يفعل فالمرتهن مخير بين أن يجيز البيع أو يرد السلعة فإن لم يجدها أخذ قيمتها، قال عبد الملك: فإن لم تقم بذلك بينة واتهم فليحلف: أنه ما علم استحق بملك أو حرية أو صدقة قال: وإن استحق نصفه فحلف الراهن أو كان ثقة فإن الباقي رهن بجميع الحق إلى أجله، وقاله أشهب فإن [10/ 210]
طلب المستحق البيع: قيل للمرتهن والراهن: بيعا معه أو يأخذه أحدكما بما يعطى به فإن بيع كله كان ما يقع للراهن موقوفا بيد ثقة للمرتهن إلى أجله فيشترى لربه ما كان له، وإن كان حقه عين عجل له حقه. ومن المجموعة: قال ابن الماجشون:/وإذا بعته شيئا وشطر لك رهنا بعينه فاستحق ولم يغرك فلا بدل عليه وإن اتهم أن يكون غرك حلف: انه ما رهنك عالما بذلك فبه، وإن قامت بينة فعليه البدل وإذا قبضت الرهن بعيه فمات فلا شيء لك غيره والبيع تام والدين إلى أجله، وقاله ابن القاسم وأشهب. قال ابن القاسم: وإن مات بيد راهنه قبل يجاز فإنه مخير بين إمضاء البيع أو رده لأنه باعه على أن يوصله إليه ألا ترى لو فلس قبل دفعه لم يكن له أخذه وإن كان بعينه فإن رددت فليس له أن يأتيك برهن غيره ليتم البيع كما ليس له بدل الرهن إذا تم البيع إلا برضاك. قال أشهب: إذا استحق الرهن فإن غرك منه فعليه رهن سواه وإلا رجعت بسلعتك التي بعت إن شئت، وإن لم يغرك فلا رهن لك، وكذلك في الحميل يدلس به في أنه عبد مولى عليه وأما في موت الحميل أو الرهن فلا حجة لك. ومن كتاب ابن المواز: قال: وإذا أسلم عبد النصراني فرهنه قال محمد: أو أسلم في الرهن فإن لم يأت سيده ثقة أو مثله: بيع فتعجل الحق. محمد: إلا أن بياع بغير نوع ما على سيده فيوقف له ذلك حتى يحل الحق وليس على سيده غير ذلك، وهذا الذي قال محمد هو في المجموعة لأشهب، وقال في أول المسألة وقال غيره أولا ثم تلاه بقول أشهب. [10/ 211]
ومن العتبية: قال سحنون فيمن باع سلعة وارتهن عبدا فاستحق، فإن غره عجل له الحق وإن لم يغره فهو كموته ولا شيء عليه، هذا إن كان رهنا بعينه، وإن كان بغير عينه أتاه غيره ثقة حقه. /ومن سماع عبد الملك بن الحسن: قال ابن القاسم: ومن رهن عبده ثم استلحقه أنه ابنه فإنه يلحق به، ويتبعه الطالب بحقه، فإن لم يكن له مال فليبع ما عسى أن يطرأ له. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الرهن بيد أمين يبيعه ويقضي للطالب حقه كما أمر ثم استحق الرهن، فاللمشتري أن يرجع بالثمن على الراهن، فإن لم يكن له مال رحع به على من بيع له ويأخذ الثمن كالمفلس يباع ماله ثم يستحق شيء منه. وقد جرى في باب رهن المشاع شيء من استحقاق بعض الرهن. قال أشهب: فإذا كان ذلك ثيابا أو دابة وما يزال به ولم يرض المستحق يكون ذلك في يديك ايها المرتهن فليقسم فإن كان لا ينقسم بيع عجل لك حقك إن بيع مالك من دنانير أو دراهم فإن بيع بدنانير ولك دراهم أو بدراهم ولك دنانير فليوقف ذلك لك إلى أجل فيباع حينئذ في حقك لما يرجى من غلاء ذلك وإن كان حقك غير الدنانير والدراهم فبيع بدنانير أو بدراهم أو بعرض مثل حقك أو مخالفا له وضع ذلك لك رهنا وليس لك تعجيله بغير رضاه وإن بيع شيء من طعام أو شراب أو إدام وهو مثل الذي لك معه جنسا وجودة، فإني استحسن أن لك تعجيله وإن أبى صاحبك لأنه إنما يعطيك مثله إذا لم يعطكه. [10/ 212]
واحتج أشهب في تعجيل الحق بمسألة مالك في الرهن يبيعه تعديا وقد جعل بيد أمين فتؤخذ قيمته فليعجل لك حقك إن فات الرهن ولم يوجد، وبمسألة من أرهن فضلة رهن له بيد مرتهن آخر فلم يعلم/الأول فحل الحق الثاني قبل الأول فليباع الرهن فيقضى هذا حقه ويعجل للأول حقه فهذا مثله. قال سحنون: وإنما تفسير قول مالك في الراهن يستحق نصفه فأما مسألة الرهن برهن فضلة فيحل حق الثاني فبيع له فإذا إذا وقف للأول بمقدار حقه ودفع الفضلة للثاني فقد يتغير ما يوقف للأول حتى إن بيع عند أجله نقص من حقه، قال ابن عبدوس: فكأنه يرى فيما رأيت أنه إن كان لهذا يباع بخلاف حق الأول أن لا يباع إلى أجله لأنا بعناه بخلافه أوقف الرهن كله ولم يتعجل منه الثاني شيئا فيصير كأنه لا فضل فيه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات وبيده رهن فأعطاه وصيه لبعض من ولي عليه ليقضى به دين فتعدى فيه فرهنه فقام فيه وصيه فليحلف الوصي ما أمره برهن ويأخذه. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع على رهن يساوي مائة دينار فلم يقدم المشتري على شيء فالبائع مخير أن يمضي ذلك بلا رهن أو يرد، قال أشهب: وكذلك في الحميل، قال محمد: ويجبر أن يعطى رهنا أو حميلا إن طلب البائع [10/ 213]
في تعدي المرتهن أو الموضوع على يده الرهن يتعدى فيه ببيع أو وطء أو إنكاح
حتى يعلم أنه لا يقدر على ذلك، وإن لم يسم فيه أعطاه ثقة من حثه وكذلك الحميل، قال أشهب: فإن تبين بعذر بين أنه لم يجد فالبائع مخير كما ذكرنا، قال ابن القاسم: فإن باعه إلى أن يرهنه عبدا غائبا فجائز وتوقف السلعة حتى يقدم العبد، فإن تلف العبد الغائب لم يكن للآخر أن يقول: أنا أدفع لك رهنا مكانه ألا برضي البائع، قال أشهب: وإن كانت غيبة الرهن بعيدة لم يجز إلا أن يكون الرهن دارا أو أرضا ويقبض السلعة المشترى لأن النقد/في بيع الدور الغائبة يجوز، وأما إن كان العبد الرهن قريب الغيبة مثل يوم ويومين فالبيع جائز، فإن مات العبد الرهن قبل يقبض لم ينقض البيع وليس عليه رهن غيره وكذلك لو مات الحميل لم يكن عليه غيره ولو لم يمت وأبى أن يحمل فالبائع مخير وليس للآخر أن يقول له: أعطنا حميلا غيره. وقال ابن القاسم: إذا مات الراهن قبل نقده فالبائع مخير في رد البيع وإن مات العبد بعد أن قبضه فلا رهن له عنده وإن باعه على أن يأخذ فلانا الغائب حميلا فإن كانت غيبته قريبة فجائز ولا يقبض السلعة حتى يقدم الحميل فيتحمل فإن أبى فالبائع بالخيار. في تعدي المرتهن أو الموضوع على يده الرهن يتعدى فيه ببيع أو وطء أو إنكاح أو إيداع أو عارية، وتعدي الأجنبي فيه باستهلاك أو غيره من كتاب ابن المواز: إذا تعدى المرتهن فباع الرهن فلزمه نقض ذلك وأخذه حيث وجده ويدفع ما عليه، وأراده يريد: يدفع ما عليه إلى المشترى إن كان [10/ 214]
مثل ثمنه فأقل قال: ويتبع المشترى الذي غره بالثمن، قال محمد: إن بقي له شيء وقاله ابن القاسم وأشهب. وقال أشهب: فإن غرم المرتهن قيمته يوم باعه أو يوم رهنه إلا أن يكون ما باعه به أكثر فيأخذ ذلك منه الراهن ولا يعجل له من حقه شيئا إلى أجله لأنه فسخ رهنه، وأما لو باعه الأمين الموضوع على يده وفات الرهن فلم يوجد فيأخذ المرتهن حقه حالا إن بيع بمثل ماله من العين وبيع بمثل قيمته فأكثر، فإن كانت قيمته أكثر/غرم العدل تمام قيمته للراهن وعجل للمرتهن دينه، فإن وجد الرهن لم يفت نقض أخذت منه القيمة فقال ابن القاسم: فإن جاء ربه برهن فأحرقه فإن ثبت ذلك ببينة أخذت منه القيمة فقال ابن القاسم: فإن جاء ربه برهن مثله أو بما فيه ثقة من الحق القيمة، قال محمد: وبه أقول إلا أبن أقول: إن كانت القيمة دراهم عجلها له وكذلك إن كانت دنانير وحقه دنانير، وإن كان على غير ذلك كان رهنا إلى أجله قال أشهب: قامت على ذلك بينة أو لم تقم فالمرتهن ضامن وهو يطلب المتعدي وللراهن أن يقاصه لآن بقيمته وليس عليه أن يخرج القيمة فيبقى رهنا إلى الأجل لأن دينه مثلها دنانير أو دراهم، ولو وطء المرتهن الأمة الرهن كان زانيا وولده رقيق، قال أشهب: ولا يعذر إن قال: ظننت أنها تحل لي، وكذلك الأجير، قال أشهب: وعليها ما نقصها كانت بكرا أو ثيبا إن غصبها على الوطء، ويدفع ذلك إلى ربها إن لم يحل الدين، وإن طاوعته فلا شيء عليه كانت بكرا أو ثيبا، قال ابن القاسم: غصبها أو طاوعته، فعليه ما نقصها إن كانت بكرا، ولا غرم عليه في الثيب إذا طاوعته، قال أشهب: لو جعلت عليه شيئا في طواعية البكر لجعلته في طواعية الثيب، لأن ذلك نقصها، وهو في البكر [10/ 215]
أنقص، وللزمني أن أجعل عليه الصداق في طواعية الحرة البكر، لأنها مولى عليها، ولزمني مثله في الثيب المولى عليها. قال: ولو زوج المرتهن الأمة الرهن بغير إذن سيدها فولدت فماتت في نفاسها، قال: قال ابن القاسم: قال مالك: [فلا يضمن المرتهن، قال أصبغ: لأنه لم يتعد في/الحمل، وليس عن كل وطىء يكون الحمل، قال مالك:] وليس لربها أن يزوجها، ورواها عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال ابن القاسم: ولدها لسيدها، وهم وهن مع أمهم ويفسخ النكاح، وإن ماتت من النفاس فبلغني عن مالك أنه قال: لا يضمن، وأنا أراه ضامنا إن ماتت من قبل الحمل، قال ابن القاسم في سماعه: قال مالك: وليس لسيدها أن يطأها ولا يزوجها وقد رهنها. ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: قال محمد في المرتهن يعير المرتهن الرهن بغير إذن ربه. فهلك عند المستعير، فقال ابن القاسم: إن لم يعطب في عمل المستعير، فلا ضمان على واحد منهما، وكذلك إن مات من أمر الله سبحانه، وقال سحنون: يضمن المعير إذا عطب عند المستعير لأنه متعد، كان العمل يعطب فيه أو لا يعطب فيه. ومن المجموعة: قال سحنون: وإذا تعدى المرتهن فأودع العبد الرهن أو أعاره بغير إذن ربه، فإنه يضمنه هلك بأمر من الله أو من غير ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتهن عبدا فأودعه غيره فمات فلا ضمان عليه. [10/ 216]
فيمن اشترط في الرهن أو يبيعه المرتهن بلا مؤامرة
ومن المجموعة: قال سحنون: وإذا باع المرتهن الدين الذي على الرهن، فسأله المشترى دفع الرهن إليه، فليس ذلك له وإن فعل ضمن. فيمن اشترط في الرهن أن يبيعه المرتهن بلا مؤامرة من كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: إذا أشهد الراهن للمرتهن إن لم يوفه إلى أجل كذا فقد وكله على بيع الرهن ويستوفي، قال: لا يباع إلى بأمر السلطان، كان على يد المرتهن أو على يد غيره، وإن كتبوا أنه يبيع بلا مؤامرة ولا حرج/عليه فلا يفعل وشدد فيه، وبلغني عن مالك أنه قال: إن أصاب وجه البيع أنفذ فات أو لم يفت، ثم قال: أما الشيء التافه فيمضي فات أو لم يفت، وأما ماله بال من الدور والأرضين فيرد إن لم يفت، وأجب قوله إلى أن يمضى إذا أصاب وجه البيع كان مما له بال أو لم يكن، لأنه بيع بإذن ربه، وضمنه صاحبه، وذكر ابن المواز عن أصبغ عن ابن القاسم أنه قال: يمضى ذلك إلا أن يكون مما له بال مثل الدور والأرضين والرقيق والحيوان، وماله بال في العدد أيضًا فليرد إن لم يفت، فإن فات أمضي إلا أن تعلم له صفه هي أكثر مما بيع به فيضمن الفضل، وبلغني ذلك عن مالك. وروى أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة: أما القصب والمقناة وما يباع من الثمار شيئا بعد شيء: فليبع بمحضر قوم، وأما الرقيق فللسلطان، قال أشهب: ولأن مثل هذا إذا وخره لم يؤمن فيه الفساد والنقص ودخول الآفات فليبعه بغير أمر السلطان كما شرط، وأما الدور والثمار والعبيد فلابد [10/ 217]
من السلطان لأن له نظر في بعض الأمور أن لا يعجل عليه ببيع عبده وربعه وعرضه، ولعله تفلسا عليه أن يملك، ورأي السلطان أولى. وقد قال مالك في السيف الرهن يبيعه المرتهن فليس له ذلك ويضمنه، قال أشهب: إن لم يفت رد، قال أشهب: وهذا بموضع السلطان، فأما بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يعسر تناوله فبيعه جائز إذا صح وأبلى المعدل. وقال في كتاب ابن المواز عن مالك: إذا رهنه حائطا وأشهد له أن بيعه إليك وأنت مصدق مأمون، ثم طاب ثمره فأرسل إليه ربه: إنني بعت/الثمرة من هذا الرجل باثنين وعشرين دينارا فاقبضها منه وسلم إليه الثمرة، فقال المرتهن: حتى أنظر، ثم قال لرجل آخر عنده: أعندك زيادة؟ قال: نعم، دينار، فباعه منه المرتهن بمحضر رسول الراهن، فأبى الراهن أن يجيز البيع، فذلك له، لأن الرهان لا تباع إلا بأمر السلطان. ومن كتاب ابن عبدوس: قال غيره: إذا أمر الإمام ببيع الرهن، فأما الرهن اليسير الثمن، فإنه يباع في مجلس، فأما ما أكثر منه ففي الأيام، وأما أكبر منه ففي أكبر من ذلك، وأما الجارية الفارهة والدار والمنزل والثوب الرفيع فبقدر ذلك حتى يشتهر ويسمع به ويفشو، وربما نودي على السلعة الشهرين والثلاثة، وكل شيء بقدره. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أمر الإمام ببيع الرهن فبيع بغير العين من عرض أو طعام، قال ابن القاسم: لا يجوز ذلك، وقال أشبه: إن باعه بمثل ما عليه، ولم يكن في ثمنه فضل، فذلك جائز، وإن كان فيه فضل لم يجز بيع تلك الفضلة، والمشتري بالخيار فيما بقي، إن شاء تمسك أو رد لما فيه من الشركة، وإن باعه بغير ما عليه فلا يجوز. [10/ 218]
في الرهن يرتهنه الرجلان فيقوم أحدهما بحقه وقد أنظر الآخر الغريم
في الرهن يرتهنه الرجلان فيقوم أحدهما بحقه، وقد أنظر الآخر الغريم، ومن قيم عليه بدين قد حل وله فضل رهن بدين لم يحل من المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك، ومن كتاب ابن المواز، وهو في العتبية من رواية عيسى وأبي زيد عن ابن/القاسم في الرجلين يرهنان رهنا بينهما، يريد: ودينهما سواء، فقام أحدهما على الغريم ببيع الرهن في حقه، وقد كان أنظره الآخر سنة، فإن قدر على قسم الرهن بما لا ينتقص به حق القائم بحقه، قسم فبيع لهذا نصفه في حقه، وأوقف النصف الآخر لصاحبه، فإن كان قسمه بنقص حق القائم بيع كله وأخذ القائم من نصفه حقه كله، وإن طابت نفس الذي أنظره أن يدع الرهن يأخذ باقي الثمن إلى الأجل فعل، وإلا حلف: ما أنظرته إلا ليوقف لي رهني، ثم عجل له حقه فلا يوقف، لأن إيقافه ضرر بلا منفعة للراهن. قال ابن القاسم في العتبية قال مالك: إلا أن يأتي الراهن برهن فيه وفاء حق الذي أنظره فيكون له أخذ الثمن. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أرهن دارا أو رقيقا في حق عليه إلى أجل، فقام عليه قبل الأجل غريم آخر، يريد: ولا شيء عنده، قال: فإن كان في الرهن فضل عن ما رهن فيه، بيع فقضى المرتهن حقه معجلا، وقضي الغريم الآخر، فإن لم يمكن فيه فضل لم يبع حتى يحل أجل المرتهن. [10/ 219]
في الراهن يقضي بعض الحق أو بعض الحقين
وقد تقدم باب رهن فضلة الرهن لرجل فيحل حق الآخر قبل الأول. في الراهن يقضي بعض الحق أو بعض أحد الحقين، أو يرهن عند رجلين فيقضي أحدهما، هل يأخذ من الرهن شيئا؟ وفي أخذ رهن من رحلين أو رها من رجل من المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قبضت المرأة رهنا بصداقها ثم طلقت قبل البناء، فالرهن كله رهن بنصف الصداق. قال:/ومن عليه لرجل دين دراهم، ولآخر شعيرا، ولأخر ثمن سلعة، وهذا قرض، فأعطاهم بذلك رهنا واحدا، فذلك جائز، قال ابن القاسم: إذا كان بينهما وقع بصحة ولم يكن أقرضه هذا على أن باعه هذا فذلك جائز عند مالك، ولو أقرضاه معا على أن يرهنهما فذلك جائز، قال أشهب: فإذا حل دينهما ولواحد شعير والآخر دراهم، قوم الشعير، فإن كانت قيمته مثل الدراهم بيع الرهن. وكان ثمنه بينهما نصفين، فأن تفاضل ذلك فبحساب ذلك فيشتري لصاحب الشعير بما وقع له شعيرا وللآخر دراهم، وذلك جائز أن يكون رهنا من [جماعة] أو رهونا من رجل واحد، أو يرتهن رجلان جميعا رهنا من [جماعة أو رهونا من] رجل واحد و [يرتهن] من رجال من بيع أو سلف أو منهما ما لم يكن شرط سلف يدفع له أو لغيره، فإن قضى الواهن أحد الرجلين فله قبض حصة دينه من الرهن إن [10/ 220]
انقسم وإلا أقر، ولا يكون منه رهنا إلا بمصابه من لم يقبض شيئا، ولا يضمن ما فيه ما فوق ذلك، كذلك لو كان الرهن لرجلين عند رجلين فقضاهما أحدهما فله أخذ مصابته منه إن قدر، وإلا أقر ولم يكن منه رهن غير نصيب الآخر، وهذا إذا حاز الذي لم يقتضي للذي اقتضى. قال ابن القاسم: فأما لو كان الدين من شيء واحد أصله بينهما كان بكتاب أو بغير كتاب، فليس لأحدهما اقتضاء دون صاحبه. قال عبد الملك: ومن رهن حائطه رجلا ثم رهنه آخرا من بعد حقه على يدي الأول، ثم رهنه ثالثا من بعد حق الأولين، أو كانت الحقوق لرجل فبدأ بعضها قبل بعض، ثم قضى الغريم/الحق الأول، فإن صحة ذلك الحق من الرهن فارغا يرهنه الغريم لمن أراد، ولو فلس أو مات كان لغرمائه، كانت الحقوق لرجل أو لرجال، لأنه إنما رهن الثاني فضل ما فضل عن الأول، وكذلك الثالث بعد وقدر ما يؤدي عليه، وإن قضى من كل حق بعضه فإنه يكون الباقي من بعض كل حق شاغلا لذلك الموضع كله كرهن واحد اقتضى بعضه والباقي شاغل له أجمع. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن رهن رجلان دراهم ثم مات أحدهما فقد حل ما عليه، ويبقى بقية الرهن على صاحبه، والرهن أولى من الكفن. [10/ 221]
في الانتفاع في الرهن بشرط أو بغير شرط
في الانتفاع في الرهن بشرط أو بغير شرط من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع سلعة إلى أجل أو ارتهن رهنا وشرط الانتفاع به، فأما في الدور والأرضين فلا بأس به، [ولا يجوز أن يشترط ذلك في السلف]، ويجوز في البيع بأجل مضروب أكثر من أجل الدين أو دونه أو إليه، وذكر مثله عن أصبغ عن ابن القاسم في العتبية. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن لم يشترط ذلك فلا يحل له أن ينتفع بشيء منه، وإن كان سلاحا ونزل به عدو لا يفعل، ولا ينظر في المصحف ولا كتب العلم إن كانت رهنا. وكذلك في العتبية عن مالك. قال محمد: يشترط الانتفاع بالرهن في البيع في الحيوان والعروض [والثياب ما خلا المصحف والكتب وما خلا ذلك فجائز في كل ما تجوز فيه الإجارة إذا كان يعرف وجه النفع به/وضر أجلا، واختلف قول مالك في غير الربع، فقال: لا يشترط النفع في] الحيوان والعروض والسلاح ولا ما سوى الدور والأرضين، فإنه يدخله اختلاف في القيمة، وقال أيضًا: كل ما للانتفاع به من العروض وجها معروفا فلا بأس أن يشترطه عند البيع إلى أجل معلوم، وأجازه أشهب وأصبغ في الثياب والحيوان والعروض لأنه إجارة وبيع، قال: ولا خير في أن [10/ 222]
في جناية الرهن والجناية عليه
يشترطه يوم تمام البيع حين يرهنه الرهن ولا بعد ذلك، لأن فيه اصطناع من رب الرهن لرب الدين لئلا يعجل عليه أخذه يحقه، قاله ابن القاسم وأشهب، قال أشهب: وإن لم يحل فهو يحمل أنه يطمع بالإنظار، وإن أذن له بعد أن حل فهو مخافة ألا يطلبه بحقه، وإن سلم هذا من ذلك فهو ذريعة لغيرهما. محمد: وأما المصحف فلا يحوز شرط القراءة فيه، لا في عقد البيع ولا بعده، ولا تجوز إجارته، وقد أجاز ابن القاسم في المدونة إجارته، وكرهه في كتاب الرهن أن يشترط بعد البيع، وكل ما تقدم في أول الباب من شرط النفع بالرهن في سلف أو بيع فمثله في المجموعة عن مالك من رواية ابن القاسم وابن وهب، وذكر اختلاف قوله في شرط الانتفاع برهن الحيوان والعروض، وذكر أن ابن القاسم روي عنه أنه كره اشتراط الانتفاع بالرهن في البيع، وفي رواية لابن وهب عن مالك أنه قال: وإن فيه مع ذلك لشيء إذا اشترط سكنى الدار الرهن وخدمة العبد فمات العبد أو احترقت الدار، بطل ما كان يشترط، وما وضع من سلعته للانتفاع/الذي شرط بالهن. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن ارتهن ثوبا في سلف ثم سأل ربه أن يلبسه، فأذن له، فإن كان يجري ذلك بينهما قبل الرهن، وكان لو سأله ذلك قبل ذلك فلا بأس له. في جناية الرهن والجناية عليه من كتاب ابن المواز: وقال في العبد الرهن يجرح فسيده يخير بين أن يفديه ويبقى رهنا، أو يسلمه، فإن أسلمه خير المرتهن فيه في ثلاثة أوجه: إما أسلمه واتبع غريمه بدينه إلى أجله، وإن شاء افتكه بزيادة درهم فأكثر على دية [10/ 223]
جرحه، ويكون له بتلا، ويسقط من دنه الدرهم، ويتبع غريمه بدينه إلا الدرهم الذي زاد فيه إلى أجله، وإن شاء افتكه بدية جرحه فقط، ليكون بيدك رهنا بما اتفككته به وبدينك الأول، على أن سيده لا يضمن ما افتككته به إن مات أو نقص، ثم لا يأخذه سيده حتى يدفع إليك ما افتككته به، ثم دينك الأول إن كان ثمنه قدر الجناية ونقص ذلك ابتعت الغريم بباقي دينك، ولو كان للعبد مال، فطلب المرتهن أن يفدي منه الأرش ويبقى رهنا، قال مالك: فليس ذلك إلا بإذن سيده، فإن أبى اسمله بماله وإن كان أضعاف الجناية، ثم خير المرتهن في الوجوه التي ذكرنا فإن افتككته فماله رهن لك بدية جنايته وحدها مع رقبته لا بالدين، لأنك لم تشترط ما له بدينك رهنا، ويبقى المال بيده كما كان قبل يجني يتصرف فيه بالمصلحة ويأكل ويكتسي، وقد كان اختلف/قول مالك في ماله إذا فدى المرتهن العبد، فقال: لا يكون ماله رهنا بجناية ولا دين، ويقال لك: إن شئت أخذت العبد بدون ماله بدية الجرح وبدينك الأول وإلا فدعه، ويرجع مال العبد لسيده، وبهذا أخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم، والقول الآخر به يأخذ أصحابنا ونحن، وهو الصواب لأنه إنما فدى منه ما كان بالجناية مرهونا، قال مالك: ولا يدخل ما فداه به على سيده، قال محمد: يريد: إذا بيع بماله بأقل مما فداه به المرتهن لم يكن ما نقصه على السيد، ولا يلزمه إلا الدين الأول، وإن فضل عن الثمن شيء بعد الجناية كان في الدين القديم، إلا أن يكون عليه دين لغرماء غيره فليدخلون معه فيما زاد العبد في ثمنه بعد الجناية ينظر فإن زاد المال مثل نصف ثمنه نظر ما فضل بعد ثمن الجرح فيكون نصفه للمال، [10/ 224]
ونصفه للرقبة، فما كان للرقبة كان للمرتهن، وما كان للمال دخل فيه جميع الغرماء ودخل معهم فيه المرتهن بما بقي له إن بقي له شيء، وكذلك إن زاد المال فيه الثلث أو الربع حسب على هذا، قال محمد: إلا أن يفديه مرتهن من الجناية بإذن سيده، فقد روى ابن القاسم عن مالك أنه يتبع سيده بالجناية وبالدين الأول، ويكون العبد بذلك كله رهنا [بماله فداه]، وقاله ابن القاسم وأشهب، إلا أن أشهب قال لا يكون رهنا بما فداه، ولا يبدأ بما افتداه به إلا يشترط ذلك على سيده [فيكون رهنا بهما، قال محمد: وهذا أحب إلينا إلا أن يكون رهنا بما فداه به، لأنه سلف منه لسيد، إلا أن يشترط ذلك على سيده]. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في العبد الرهن يجرح: أن المرتهن أولى بخراجه حتى يأخذ دينه، لأن ذلك نقصا من ثمنه/وكذلك روى عنه أبو زيد أن عقله رهن معه يوضع بيد من هو على يديه، قال: وإذا جنى فأسلمه السيد ولم يحل الدين، فإن الدين يبقى إلى أجله إن كان السيد مليا. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن رهن عبدين فقتل أحدهما الآخر، فالقاتل رهن بجميع الحق، قال سحنون: فإن قتله عبد الراهن بيد مرتهن أخر بقي القاتل بيد مرتهنه، وليس للسيد أن يقتله في العمد، لأن المرتهن فيه حق، وليس له في قتله منفعة، إلا أن يدفع إلى المرتهن دينه ويقتله، وكذلك لو قتله، عبد له ليس برهن، فله قتله، فإن عفي عنه أو كان قتله خطأ لم [10/ 225]
في ارتهان العين وما يكال ويوزن من الطعام وغيره
يكن عليه في العبد القاتل شيء ولم يقال له: أسلمه أو افتده، ولو قتله رجل حر عمدا أو خطأ ودى قيمته فكانت رهنا، ولو قتله عبد أجنبي، فإن قتله عمدا واجتمع الراهن والمرتهن على قتله قتلاه، وقيل لسيد القاتل: أفده أو أسلمه، فإن أسلمه أو فداه كان ذلك رهنا، وكذلك إن قتله خطأ. في ارتهان العين وما يكال ويوزن من الطعام وغيره، وارتهان الثمرة والزرع وما لا يحوز بيعه من. من المجموعة: قال أشهب: لا أحب ارتهان الدنانير والدراهم والفلوس إلا مطبوعة للتهمة ف سلقها، فإن لم تطيع لم يفسد الرهن ولا البيع، ويستقبل طبعها إن عثر على ذلك، وأما على يد أمين فلا تطبع. وما أرى ذلك عليه في الطعام والإدام وما لا يعرف بعينه، وإن كانت تجري مجرى العين، لأنه لا يخاف من ذلك/في غير العين ما يخاف في العين لأن تفعك في العين أخفي وأمكن، ولا يكاد يخفي في الطعام وشبهه، وإنما هو موضع تهمة، وما قوي منها أبين فيما بيقى، ولو تعدينا بالتهمة في غير ذلك لأقمناها في الحلي لأنه قد يلبس والعيد يختدم، ولكن يصرف إلى أمانتهم. ومن العتبيه من سماع ابن القاسم: وم اشترى ثوبا بدينار فرهته الدينار وهو فيه يا لخيار، فلا أحب ذلك إلا أن يطبع عليه أو يجعله على يد [10/ 226]
غيرن وكذلك إن تسلف منه دراهم ورهنه دينارا: قال أشهب: وإن وهن عنده دينارا ثم أراد أن يصرفه منه فلا يفلا يفعل إلا بخضرة المرتهن. قال ابن القاسم: ويجوز ارتهان التمر والزرع وارتهان الثمرة سنين، ولا يعم الحوز إلا بقبض الأرض والأصل، ولا رهن لك في ولا أرض، والمرتهن يحوز الرقاب ويسقبها بماء الراهن ونفقته. قال غيره: ولا بأس أن يرتهن الرجال الرهن من رجل، وغلته وخراجه من رجل آخر، إلا أن يشترطها المرتهن. ولا بأس أن يرهن الأصول من رجل والثمرة من آخر ويحوز الأصول مرتهن الأصول ويكون حوزا للراهنين، وليس لربه أن يسترجع الأصل من يد مرتهنه فتبطل حيازة الثمرة، ولكن يكون الأصل بيد من يرضيان به. قال أشهب عن مالك فيمن ارتهن من امرأته حائطا تصدق به عليها حياتها قارتهن ثمرتها في تلك الصدقة من سنة إلى سنة كذا، فذلك جائز، وإن مضت السنون فله أخذها يحقه حالا ولا يؤخرها إلى الثمرة، قال أشهب: ذلك جائز إذا قبض الحائط أو قبض له، وكذلك رهن/غلة الدار إذا قبض الدار. ومن كتاب ابن المواز: ويجوز رهن الثمرة قبل الزهو وقبل أن تكون طعاما إذا قبض النخل، ويجوز رهن المدبر، ولا يجوز بيعه. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع بيعا فرهنه المبتاع خدمة مدبره، قال: ما يعجبني إلا أن يكون أمرا ناجزا أو مخارجا، ويرهنه خراجه فقد أجازه في كتاب آخر. [10/ 227]
قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن أرهن مدبره فحل الأجل ولا مال له، قال: يؤاجر له المدبر ويكون أولى به من الغرماء، فإن قبض دينه من خراجه قبل موت السيد أو يسره رد إليه، وإن مات السيد قبل ذلك بيع المرتهن فيما بقي له من دينه. ومن كتاب ابن المواز: ويجوز ارتهان البعير الشارد والعبد الآبق إن قبضة قبل موت صاحبه وقبل مكسبه ذلك، ويجوز ارتهان ما تلد هذه الجارية أو هذه الغنم أو البقر، فلم يذكر محمد فيها جوابا، والمعروق لمالك أنه لا ترتهن الأجنة، وقال أحمد بن ميسر: ذلك جائز كما يرتهن العبد الآبق والبعير الشارد، ويصح ذلك بالقبض، وكذلك إذا ولدت الغنم كان الأولاد رهنا، وإن كان أوله مكروها. قال ابن القاسم وأشهب: لا يجوز أن يرتهن المسلم من ذمي خمرا ولا خنزيرا، قال أشهب وأقبضه ثم فلس الذمي فلا رهن له فيه. لأن رهنه لم يكن يجوز في الأصل، والغرماء فيه أسوة. قال سحنون: إلا أن يتخلل فيكون أحق بها، وإذا الذمي، ولو أراد المسلم إيقافها بيد نصراني إلى أجل دينه لما يخاف من عدمه، فلا أرى ذلك، ولو غفل عنها حتى تخللت كان أحق بها،/ولو ارتهن نصراني من مسلم خمرا أهريقت عليه، ولا يكون على المسلم أن يأتيه برهن ثان. قال ابن القاسم وأشهب: وإن ارتهن مسلم عصيرا فصارت خمرا رفعت إلى السلطان فتهراق، قال أشهب: إن كان مسلما وإن كان غير مسلم ردت عليه ويبقي الحق إلى أجله. قال مالك: ولا ترتهن جلود الميتة وإن دبغت، وترتهن جلود السباع إذا ذكيت. [10/ 228]
في الراهن والمرتهن يختلفان في الدين وقد هلك الرهن بيد المرتهن أو لم يهلك
ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتهن زرعا قبل يبدو صلاحه فأصابته جائحة، فقال له صاحب الزرع: زدني ما أصلح به زرعي، فأبى فتسلف لذلك من غيره، قال: الأول من الثاني، ثم الثاني، ثم الثالث، وقد ذكرنا الاختلاف في هذا في كتاب التفليس. في الراهن والمرتهن يختلفان في الدين وقد هلك الرهن بيد المرتهن أو لم يهلك من العتبية من سماع أشهب عن مالك، ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ارتهن ثوبا بعشرة بمحضر بينة، ثم اختلفا عند الأجل، فقال المرتهن: ازددت مني خمسة أخرى سرا والرهن يسوى خمسة عشر، وأنكر الراهن، فإن قامت بينة وإلا حلف الراهن وصدق، وهو بخلاف ما لم تكن فيه بينة في أصل المعاملة [والرهن. قال ابن المواز: وإنما يصدق المرتهن فيما ادعي فيما بينه وبين قيمة الرهن] إذا كان الرهن قائما، كان الرهن يغاب عليه أو لا يغاب عليه، كان مما يضمن أو مما لا يضمن، كان على يديه أو على يدي أمين غيره. قال أصبغ في العتبية: إذا كان الرهن بيد أمين ثم اختلفا فيما رهن به، فالقول قول الراهن مع يمينه، لأنه لم يبله في يده. فال ابن المواز: ونحوه رواه يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ولكن لو تلف الرهن لاختلف القول فيه، فإن كان مما يضمن فتكون قيمته مكانه، وإن كان من [10/ 229]
الحيوان أو مما لا يلزم المرتهن قيمته لقيام البينة على ما يغاب عليه منه، أو لأنه كان على يد غيره، فلا يكون على الراهن إلا ما أقر به إذا حلف قل ذلك أو كثر [قال محمد: وإن علم أن الرهن كان سواه أكثر] فهو سواء ونحوه روى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في الحيوان يهلك، وروى مثله عنه يحيى بن يحيى في الحيوان، وروي في الثياب تقوم على هلاكها بينة، مثله. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وإذا اختلفا في مقدار الدين والرهن قائم بيد المرتهن، فقال المرتهن: بعشرين وقال الراهن في عشرة، فصدقنا المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن، فقال الراهن: أنا أقضيك خمسة عشر وآخذ رهني، فليس ذلك له إلا بدفع عشرين، وإلا للمرتهن إلزام الراهن خمسة عشر إذا برئ الراهن من الرهن إلى المرتهن، ولا يجبر على أخذه إلا أن يرضى المرتهن بعشرة، وإلا بقي للمرتهن. [وقال ابن نافع: إن الراهن إذا دفع إلى المرتهن قيمة الرهن كان أولى به، وهو تفسير قول مالك في الموطأ]. وقال ابن نافع في غير هذا الكتاب إنما ينظر إلى قيمته يوم [الحكم إذا كان الرهن قائما، فإما إن ملك إنما ينظر إلى قيمته] يوم قبضه، ويصدق في قيمته مع يمينه، ويصدق من دعواه في الحق إلى مبلغ ذلك. وقال مالك في الموطأ: إن قال الراهن هو في عشرة، وقال المرتهن في عشرين، وقيمة/الرهن عشرون، حلف المرتهن ثم كان له أخذ الرهن بحقه إلا أن يشاء الراهن أن يعطيه عشرين وأخذه. [10/ 230]
في كتاب ابن عبدوس: قال: وإذا كان الرهن قائما والرهن يسوى أكثر مما قال الراهن وأقل مما قال المرتهن، فإن شاء أن يعطي ما قال المرتهن وإلا بعت الرهن أو دفعت إليه من ثمنه ما ذكر، قال ابن المواز: إذا كان الرهن يسوى عشرة، وهي ادعى المرتهن أو أكثر، لم تكن اليمين إلا عليه وحده، وإن كان الرهن يسوى ما قال الراهن فأقل، لم يحلف إلا الراهن وحده، لأن يمين المرتهن لا تنفعه، فإن كانت قيمته أكثر مما أقر به الراهن، أقل مما ادعى المرتهن، فها هنا يحلفان، يبدأ بالمرتهن باليمين، لأن الرهن كالشاهد له على قيمته، فإن حلف فليحلف الآخر، فإن نكل لزمه كل ما ادعاه المرتهن وحلف عليه، وإن كان أكثر من قيمة الرهن أضعافا، فإن حلف برئ من الزيادة، والمرتهن أولى بالرهن، إلا أن يدفع إليه الراهن قيمته ويأخذ رهنه فذلك له، ولا حجة للمرتهن أن يقول: لا أدفعه إليك إلا بحقي، ولكن لو قال المرتهن من أول: لا أحلف إلا على مقدار قيمته، إذ لا آخذه إلا بقيمته. فذلك إليه، فإن نكل المرتهن عن اليمين بما ادعى، أو بمبلغ قيمة الرهن حلف الراهن ولم يغرم إلا ما حلف عليه، فإن نكل فعليه قيمة الرهن فقط، إن أحب أخذ رهنه، وإلا فالمرتهن أولى به ويكونان إذا نكلا بمنزلتهما إذا حلفا، قال: ولا ألزم الراهن إذا نكل ما ادعاه المرتهن كاملا، لأني إنما أحلف المرتهن في الابتداء ليستوجب ما بينه وبين قيمة الرهن لا ما زاد على ذلك، لأن الراهن إنما يشهد له/بمبلغ ذلك، والراهن إنما استحلفه للزيادة على قيمة الرهن، فلما نكل لم ألزمه الزيادة حتى يحلف عليها مدعيها، فلما تقدم نكوله عنها لم يكن له منها شيء ورجعا إلى قيمة الرهن، بخلاف من أقام شاهدا فنكل عن اليمين معه، فأحلف المدعى عليه فنكل، هذا يغرم الجميع، لأن الشاهد يشهد له بجميع الدين. ومن العتبية: قال أصبغ في المتراهنين يختلفان في الدين فيقول المرتهن: هو رهن بمائة دينار، وقيمة الرهن مائة دينار فأكثر، وقال الراهن: بل بمائة إردب [10/ 231]
في الراهن يقول: رهنتك هذا الثوب، ويقول المرتهن بل هذا، أو قال رددت الثوب
من قمح بيعا أو قرضا، فإن كانت المائة إردب هي أكثر من مائة من مائة دينار، فالراهن مصدق، وتؤخذ منه وتباع، ويوفي هذا مائة، وإن كانت أقل فالمرتهن مصدق كما أصدقه في كثرة النوع إن سوى الرهن ما قال، كان اختلافهما في نوعين أو في نوع واحد من جميع الأشياء. ومن كتاب محمد: وإذا تصادقا أن له عنده ألفا وبيده رهن قيمته خمسمائة، فقال الراهن: هو بخمسمائة رهنا وخمسمائة بلا رهن فيها، فخذ مني الخمسمائة وأجل الألف لم يحل فخذها، وقال المرتهن: بل هو في ألف كله، قال ابن القاسم: القول قول الراهن ويحلف، وقال أشهب: لا يأخذ الرهن حتى يدفع الألف كلها بعد يمين المرتهن، قال محمد: والصواب قول ابن القاسم. في الراهن يقول: رهنتك هذا الثوب، ويقول المرتهن: بل هذا، أو قال: رددت الثوب، وجحد ذلك الراهن، أو رد الرهن، وادعى أن حقه لم يقبضه من كتاب ابن المواز: قال مالك في الرهن يضيع عند المرتهن فاختلفا/في مصفته، واتفقا في الدين، فالمرتهن مصدق يصفه ويحلف، ويقول ما وصف أهل المعرفة، فإن نقصت عن الدين ودي الراهن ما بقي. قال محمد: يقبل قوله، وإن كانت قيمة ذلك يسيرة، إلا في قول أشهب فقال: إلا أن يتبين كذبه لعلة ما ذكر حدا. ومن العتبية: قال أصبغ فيمن رهن رهنا بألف دينار فجاء ليقضيه فأخرج رهنا يسوى مائة دينار، وقال الراهن: قيمة رهني ألف وذكر صفة تشبه [10/ 232]
ألفا وليس هو هذا، فالراهن مصدق ويحلف لأنه ادعى ما يشبه، وادعى المرتهن ما لا يشبه، ويحلف الراهن على صفة ثوبه ويسقط عنه من الدين مقدار قيمته، وقال أشهب: القول قول المرتهن وإن لم يساو إلا درهما واحدا. وليس هذا بشيء، قال ابن حبيب: قال ابن عبد الحكم: القول قول المرتهن، وذكر عن أصبغ ما ذكر العتبى، وأخذ ابن حبيب بقول ابن عبد الحكم. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الراهن يقول: رهنتك ثوبا جديدا، وقال المرتهن: كان خلقا، وهو هذا، واتفقا في مبلغ الدين، فالمرتهن مصدق مع يمينه. وقال ابن القاسم: من ارتهن وهنا بغير بينة ثم زعم أنه قد رده إلى صاحبه وأخذ الذين فأنكر الراهن رده، فليحلف الراهن ويضمن المرتهن الرهن. ومن سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز في الراهن يقبض الرهن، ثم قام المرتهن يطلب دينه أو بعضه فليحلف الراهن ولا شيء عليه وقال سحنون في العبية: إن ادعي الراهن أنه لم يقبض الرهن إلا/بعد دفع الحق، وقال المرتهن: بل سرقته مني، أو اختلسته، أو أعرتك إياه، أو دفته إليك على أن تأتيني بحقي، فالقول قول المرتهن بجميع ما ذكر من العذر إذا كان قيامه يحدثان حلول الأجل مع يمينه، فإن تكل حلف الراهن وبرئ كالصانع يقوم بالأجر يحدثان دفع المتاع، قال: ولو كان الحق حالا متي شاء الطالب أخذه فأبقى الحق بيد الراهن فقال: قبضته منذ أشهر ودفعت إليه الحق، وقال المرتهن: دفته إليه بالأمس، فإنه يكشف عن ذلك فإن عرف كان الأمر على ما ذكرنا، وإن جهل فالمرتهن مصدق مع بيمنه، لأن قيامه عليه كحلول الأجل، فإن تكل حلف الراهن وبرئ.
في المرتهن يموت وبيده رهن لا يعلم ورثته في كم هو؟ ويدعي الراهن أنه في كذا
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في امرأة ارتهنت حليا لها فرهنه المرتهن عند غيره، فكسره وباعه، وادعت صاحبته فيه مالا، فإن كانت لها بينة وإلا حلف الذي كسره على ما وجد فيه، قال محمد: بل يحلف المرتهن الأول للمرأة لأنها نقول: لا أثق إلا بيمين صاحبي، ويحلف الثاني أيضًا لها، لو افتات المرتهن فباعه، وقال: بعته بأقل من حقي، وادعى الراهن أن فيه أكثر، فإن لم تكن بينه، ولا تعرف للرهن صفة، فالمرتهن مصدق مع يمينه. في المرتهن يموت وبيده رهن لا يعلم ورثته في كم هو، ويدعي الراهن أنه في كذا، أو قال: لا أدري، أو قال: وديت بعض الذين من كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وعمن هلك وعنده سيف رهن قيمته خمسة دنانير، وقال ربه: وهنته ذلك في دينارا، ولو قال: رهنته بخمسة وقضيت أربعة، لم يصدق، ولا يأخذه حتى يؤدي خمسة إذا كان يسوي خمسة، قال ابن القسم: لإقراره بأصل الحق، قال محمد: سوى السيف خمسة أو دينارا أو أقل، قال محمد: وأرى يمين الراهن ضعيفة، إذ لا يدفع أحد قوله فيما أدعى أنه رهنه فيه، يريد محمد: في مسألته إذا قال: رهنته في دينار، ورواها سحنون عن أشهب في العتبية، وقال: إن سوى الرهن عشرة وادعى الراهن أنه أرهنه في دينار، وذكر مثل الجواب. [10/ 234]
قال سحنون: وإن قال: كان الدين عشرة قضيت منها خمسة، فعليه عشرة، ويحلف من كان بالغا من الورثة يظن به ذلك: أنه ما علم أن أباه اقتضى منه شيئا، ولا يمين على صغير أو غائب. وقال أشهب في كتاب ابن المواز: إن ادعى الورثة أنه مرهون بأكثر مما أقر به صاحب الرهن، فالورثة بمثابة الميت يحلفون إن أيقنوا ويصدقون إلى مبلغ قيمة الرهن، وكذلك لو سمى الميت ما ارتهنه به أقام الورثة مقامه، فإن كان الورثة ها هنا صغارا، وأنكر الراهن ما سمى الميت، فإن شاء أن يدفع ما أقر به مع يمينه، ثم لا يأخذ كبارا حلف الكبير وقضى له بقدر مصابته، إلا أن يدفع إليه الراهن قيمة مصابة هذا الكبير الحالف من الرهن، ثم يحاص للراهن من رهنه بقدر مصابة الحالف ويغرم من مصابة الصغير على قدر ما أقر به، ويوقف مصابة الصغير حتى يكبر ويحلف ويستحق مثل/ما استحق الكبير. ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز فيمن جاء بسيف إلى ورثة رجل فقال: إن أباكم رهنني هذا بكذا، فقالوا: ما نعلم ما تدعي من الدين فادفع إلينا سيف أبينا، قال: إن أقام بينة وإلا دفع إليهم السيف وحلف منهم من يظن به علم ذلك على علمه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن بيده سوار رهن، وغاب عنه وعن الراهن في كم هو رهن، فليدفع ربه قيمة الرهن، ثم هو أعلم بعد إن شاء أخذ وإن شاء ترك، ولكن لا يأخذه إلا بعد دفع قيمته. ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن أوصى أن له قبل فلان مائة دينار بذكر حق، ومائة أخرى برهن هذا المتاع، وقال الراهن: ليس له علي إلا لمائة التي يذكر الحق والرهن بها رهن، ولم أشهد على ذلك، وليس في [10/ 235]
في الراهن يدعي أحدهما أنه رهن، ويقول الآخر فيه المبايعة
الذكر الحق رهن مكتوب، فقال مرة: القول قول الراهن، لأنه لو قال: هو رديعة لكان القول قوله، قلت: إن هذا لم يقر برهن، ومسألتي قد أقر أنه رهن، إلا أنه ادعى أنه في ذكر الحق، والذكر الحق لايحتاج فيه إلى إقراره فيها ولا في الرهن، فهو مدع، ففكر ثم رجع فقال: تلزمه المائتان جميعا، لأنه صدقه أن متاعه رهن، قال: فإن كان لا يسوى فليس عليه فيه إلا مبلغ قيمة الرهن، يريد: بعد اليمين. في الرهن يدعى أحدهما أنه رهن، ويقول الآخر فيه المبايعة قال ابن حبيب عن أصبغ في الرهن يقول المرتهن: [فيها نظرا رآه، يريد: القول قول المرتهن في أخذه الدراهم، لا على أن المرتهن حكم الرهان لأنه يكون أحق به من الغرماء]، قال: ولو قال صاحبه: بعتكه ولم انتقد، وقال الآخر: بل بعتنيه بكذا، وقد دفعت إليك ذلك، فلا قول لواحد منهما، وترجع السلعة إلى ربها. قال أصبغ: وإذا قال رب الثوب: رهنته عندك بخمسة، وقال الذي هو في يديه: بعته مني بعشرة، فالقول قول مدعي الرهن مع يمينه. في اختلاف الراهن والمرتهن مع الرسول في الدين والقبض من كتاب ابن المواز: ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك فيمن بعث مع رسول ثوبا ليرهنه، فطلب المرتهن عشرة، وقال الباعث: أوصل إلي خمسة وبها أمرته، وأقر الرسول أو أنكر، فإن كان الثواب يسوى عشرة لم يأخذه [10/ 236]
إلا حتى يؤدي عشرة، قال محمد: أو قيمة الثوب، قال مالك: ويكون للآمر الرجوع على الرسول بخمسة، إلا أن يزعم أنه دفع إلى الآمر عشرة فيحلف وييرأ فأن قال الرسول: لم آخذ من المرتهن إلا خمسة حلف وبرئ، ومصيبته تمام العشرة من الآمر. وقاله ابن القاسم. قال في كتاب محمد: وإن ادعى عشرين وأقر الآمر بخمسة، فقال الرسول: بخمسة عشر وقيمة الثوب عشرة، فليحلف المرتهن، ثم يحلف رب الثوب، فإن شاء الآمر ثوبه فليؤد عشرة، ثم يحلف الرسول يمينين، ويغرم خمسة التي زادت على قيمة الثوب، وأنه أقر أنه قبض من الآمر خمسة عشر من المرتهن، ويحلف الأمر بيمين: لقد أوصل إليه عشرة، وأخرى للمرتهن: أني ما قبضت منك إلا خمسة عشر. ومن العتبية: قال سحنون وعيسى بن دينار، ورواه عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال الراهن بخمسة أمرته، وأقام بينة وصدقه الرسول، غرم خمسة وأخذ رهنه، وحلف الرسول للمرتهن فبرئ، ولم يطالبه المرتهن بشيء، وإن لم تكن بينة وقال المرتهن: بعشرة، فالمرتهن مصدق فيما بينه وبين قيمة الرهن مع يمينه، ثم يقال للآمر: افتك رهنك بقيمته، أو دعه بما فيه، فإن كانت دعوى المرتهن أكثر من قيمة الرهن أحلف الرسول: ما أرهنه إلا بخمسة، وبرئ، ولم يطالبه الأمر ولا المرتهن بشيء [كثرت أو قلت]، قلت لابن القاسم: فإذا أقام الراهن بينة وأخذ رهنه وودى خمسة لم لا يرجع المرتهن على الرسول بخمسة إذا كان الرهن يسوى عشرة؟ قال: لأن الرهن الذي كان يصدق به قد انتزع منه بالبينة، فإنما هو مدع لا حجة له بقيمة الرهن، وقد حلف له الرسول، وكل رهن استحق فأخرج من يد المرتهن فلم يبق له ما يصدق قوله به، فالقول فيه قول الراهن مع يمينه فيما [10/ 237]
يقول: إنه رهنه فيه، وقد قال مالك: إذا مات العبد الرهن وكان قيمته عشرة، وقال المرتهن: هو في عشرة، وقال الراهن في دينارين: إن الراهن مصدق مع يمينه، وكل رهن رهنه رجل وكان عنده وديعة أو عارية فاستحقه ربه فأخذه، فإنه يرجع القول قول الراهن في الدين، يحلف. هذا قولنا، وقول العراقيين أجمع: إن المرتهن مدع، وإن كان الرهن قائما بيده وفي قيمته ما يدعى، وكذلك من مات وبيده رهن فقال/لورثته: هو رهن لفلان، ولم يذكر في كم هو رهن، فإن القول قول الراهن في الدين مع يمينه، ولا ينظر إلى قيمة الرهن في هذا، ولو قال الرسول: أمرني بخمسة، فرهنته بعشرة، وللآمر بينة فليؤدى خمسة ويأخذ رهنه، واتبع المرتهن الرسول بخمسة إن لم تكن بينة، وله بينة على أن ارهن له أحلف: ما أمرته إلا بخمسة، ثم غرم قيمة الرهن إن كانت ما بينه وبين عشرة، وأخذ رهنه، واتبع المرتهن الرسول بما نقص من العشرة، واتبعه الراهن بما غرم من فوق خمسة، ولو قال الرسول: أمرني بعشرة، وقال الآمر: بخمسة، حلف الرسول، وإن شاء هو أن يفتك رهنه فعل، فإن فداه لم يتبع الرسول إذا حلف: أنه أمره بعشرة بشيء. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قال الرسول: رهنته بخمسة، وصدقه المرتهن، وقال الراهن: أمرتك بدينارين، فإن كان للراهن بينة ودي دينارين وأخذ رهنه، واتبع بدينارين، وقال الرسول بثلثه، وإن لم تكن بينة بما أمره به وله بينة أن الرهن له، وقال: أمرته بدينارين، وقال الرسول: أمرتني بدينارين ورهنته بخمسة أحلف يعني: الراهن أنه لم يأمره إلا بدينارين وغرم قيمة الرهن إن كانت قيمة أقل من خمسة، واتبع المرتهن الرسول بما نقص من الخمسة دنانير، واتبعه الراهن بما غرم فوق دينارين التي زعم أنه رهنه بها، وإن قال الرسول: أمرني بخمسة، وقال الآمر: لم آمرك إلا بدينارين، فالرسول مصدق مع يمينه، وقيل لهذا: افد رهنك أو فدعه، فإن فداه لم يتبع الرسول/بشيء إذا حلف: أنه أمره بخمسة. [10/ 238]
جامع أقضية في الرهان وفي التداعي فيها، وباقي مسائل مختلفة في الرهون
ومن كتاب ابن المواز: ومن رهن رهنا بدينار فرهنه المرتهن عبدا آخر في ثلاثة، ثم مات المرتهن الأول، ثم قام صاحبه، فإن وجد بينة أخذ رهنه ودفع دينارا إلى الثاني، فإن كان للثاني بينة اتبع الميت بدينارين، قال أصبغ: وإن لم تكن له بينة لم يصدق إن عرف أنه رهن في يديه، ولم يكن الرهن ها هنا شاهدا يصدق فيه إلى مبلغ قيمته، لأن الرهن قد بطل عنه، وهو كموت الرهن، ثم اختلف فلا يكون الرهن إذا مات شاهدا، وقاله ابن القاسم في موت الرهن. جامع أقضية في الرهان وفي التداعي فيها، وباقي مسائل مختلفة في الرهون من العتبية من سماع ابن القاسم، وعن رجل أسلف رجلا مالا وأخذ منه دارا رهنا جعلها على يد رجل، وضمن له الرجل ما نقص من الرهن، ثم أسلفه مالا آخر ورهنه رهنا آخر وبضعه بيد الرجل بلا حمالة، ثم قضاه بعض حقه، ثم اختلفا، فقال: قضيتك من حق الحمالة وعرفتك ذلك، وقال القابض: بل هو من الحق الآخر، قال: يقسم ما قبض بينهما، وإن كان الأول ستون والثاني ثلاثون جعل للأول ثلثي ما قبض بالحصص. وروى عيسى عن ابن القاسم، وعن من باع بيعا وأخذ بالثمن رهنا، وشرط أن يجعله بيد عدل، ثم زعم المرتهن أن الرهن ضاع بيد الأمين، وصدقه الأمين، وقال الراهن: لم/تضعه عند أحد، وإنما هلك بيدك ولا بينة له: أنه وضعه عند أحد، قال: إن كان الذي وضعه على يده عدلا، فلا ضمان عليه، ويرجع بجميع حقه على الراهن، وذكر ابن حبيب عن اصبغ عن ابن القاسم مثله، وقال أصبغ: أراه ضامنا، وإن أقر له الأمين، ولا يبرأ ببينة على دفع ذلك إليه، وبه أخذ ابن دينار. [10/ 239]
ومن كتاب ابن المواز: إذا اشترى المقارض بجميع مال القراض عبدا ثم ابتاع عبدا آخر بدين ورهن فيه الأول، فإن اشترى الثاني لنفسه فلا رهن في الأول وليأته برهن غيره، إلا أن يعلم المرتهن أنه لغيره فلا رهن، وإن اشتراه للقراض فلرب المال أن يجيره فيصير رهنا أو يرده فيسقط الرهن. ومن المجموعة: قال ابن وهب: قال مالك: ومن رهن جارية عبد له أن رهنهما جميعا فليس للعبد أن يطأها، قال أشهب: لأن الراهن قد كان يملك أن يمنع عبده أن يطأها وأن يمنع نفسه ذلك منها، ومن وطئها منهما فقد فسد الرهن بذلك، ووطء السيد أشد إفسادا لرهنك. قال ابن وهب: قال مالك: وإن قام غرماء العبد على ما فضل من ثمن الجارية عن ما رهنها به السيد فلهم أخذ ذلك الفضل. قال أشبه: ولو كان إنما رهن العبد وحده فله أن يطأ جواريه وهو مرهون بخلاف وطء الجارية الرهن. ومن ارتهن عبدا على أنه إن لم يوفه حقه إلى أجل كذا فالرهن له بحقه، لم يجز، وإن حل الأجل فأخذه فسخ ذلك، وإن فات في يده فعليه قيمته/قيل: يوم فات، وقيل: قيمته يوم حل الأجل، قال ابن عبد الحكم: وهذا أحب إلينا. ومن كتاب ابن المواز: ومن أسلم في طعام أو عروض وأخذ رهنا يغاب عليه فهلك الرهن، فأرادا أن يتتاركا، فإن كان السلم في عروض ورأس المال عينا، والرهن عروض فذلك جائز، وإن كان الرهن عينا لم يجز، إلا أن يكون مثل رأس مالك سواء، وإن كان المسلم في طعام لم يجز كائن ما كان رأس المال، وكائن ما كان الرهن، لأنه وإن كان قيمة الرهن مثل رأس المال، لأنه إنما ضمنه لغيبة أمره، فإما أن يكون لم يتلف فلا يجل لك أخذه من الطعام، أو يكون هلك فلا شيء عليك، والطعام لك، ولو كان للذي لك عليه القمح على رجل عشرة دنانير فأحاله بها عليك، فلا بأس أن يقابله بها. [10/ 240]
وروى ابن القاسم عن مالك فيمن تعلق بمديانه وقد أراد فأعطاه رهنا، والدين محيط به، فاختلف فيه قول مالك، فقال: لا يكون أولى به، ثم رجع فقال: هو أولى. قال محمد: ولا يحوز رهن المريض بدين عليه متقدما رهنا، ويجوز أن يرهن بدين يستأنفه كشرائه، ولا يقضي بعض غرمائه دون بعض. قال أحمد وقد اختلف فيها قول مالك، فقال مرة في إقرار المريض: ليس المليء كالمعدم، ثم رجع فقال: إقراره جائز إلا لمن يتهم عليه. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن باع أرضا بثمن إلى أجل، يأخذ في كل شهر دينارا، وإذا حل الأجل أعطاه باقي الثمن، وجعلها له رهنا بيد رجل، فمات/المشتري قبل الأجل، قال: حل ما عليه وتباع الأرض، والمرتهن أولى بثمنها من الغرماء، فيأخذ ما بقي له. وعمن رهن سوارين لامرأته بغير أمرها فلما علمت قامت فيهما، فقال: سأفتكهما لك، فسكتت زمانا ترجو ذلك، فلم يفتكهما، فقامت على المرتهن لتأخذهما، فإن قامت بحدثان ما علمت فذلك لها، وتحلف: ما أذنت ولا علمت، وإن تطاول ذلك بعد علمها فلا قيام لها، قال عنه أصبغ: إذا أنكرت حين علمت، فوعدها أن يفتكه فسكتت حتى مات الزوج، قال: تحلف: ما رضيت ولا سكتت تركا لها، وتأخذه حيث وجدته ويتبع المرتهن مال الميت. قال أصبغ: وذلك إذا عرف أن ذلك لها. ومن سماع ابن القاسم: ومن باع من عبده سلعة بدين وأخذ منه رهنا فلحق العبد دين، فإن كان دين السيد معروفا ببينة، وكان دينه بقدر مال العبد، فهو [10/ 241]
أحق بالرهن وإن كان على غير ذلك، وإن قامت له بينة لم يكن أحق به من الغرماء. قال عيسى: يفسخ البيع رهنه لما لم يكن على وجه البيع وكان على وجه التأليج فيحاص بقيمة ما باع من عبده الغرماء فيما ارتهن وفيها بقي، ولا يكون أولى بالرهن، وهو بخلاف الأجنبي. قال سحنون: إذا ثبتت المحاباة في العبد فالرهن له رهن بقيمة السلعة دون الزيادة، وتبطل الزيادة. قال سحنون: سئل مالك عمن ارتهن شقصا من ارض فحل الأجل فأراد شراء بدينه، فخاف من الشفعة وأكرى/منه الشقص سنين يقاصه في الكراء بدينه فلا خير فيه. وروى أشهب عن مالك فيمن ترك رهانا لها زمانا، ولا يدري أهلها، لا في كم هي، وقام غرماء، قال: تباع هذه الرهون وينتظر أصحابها سنة، وبقدر ما يرى مما يرجي، فإن لم يأت أحد قصى الغرماء أثمانها، ثم إن استحق أحد منها شيئا رجع بما وجب له على الغرماء. ومن سماع ابن القاسم: قال مالك: ومن ترك رهنا في دين عليه وليس له ما يكفن فيه، فالدين أولى به من الكفن، قال سحنون: إلا أن يكون فيه فضل، وإلا فهو من فقراء المسلمين، قال في كتاب آخر: وإن لم يكن رهنا فالكفن أولى من الدين. قال غيره: ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. [10/ 242]
ومن سماع ابن القاسم: ومن عليه دين فأعطى به رهنا حائطا له، وحلف بالطلاق: ليوفينه إلى أجل كذا، فقرت أجله وخاف الحنث ولم يجد فباع منه الحائط بدينه، ثم قام عليه بعد ذلك وقال: إنما خفت الحنث وأنا أظن أنك ترده إلي، وقال الآخر: قد ابتعت بالبينة، قال مالك: إن طابت نفسه بالحنث نظر فإن كان مال رابح كثير الفضل لا يشبه تغابن الناس فليرد عليه حائطه، ويقضه هذا دينه ويحنث. [10/ 243]
صفحة بيضاء
كتاب الإكراه
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب الإكراه القول في الإكراه على القول وعلى الفعل /من كتاب ابن سحنون ومن غيره: قال الله تبارك وتعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وقال: (إلا أن تتقوا منهم تقه)، وقال النبي عليه السلام لعمار بن ياسر لما فتنه المشركون حتى تكلم بالكفر، فقال له: إن عادوا فعد. وروي أن فيه نزلت الآية، قاله قتادة وغيره، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر حتى أمسى يقولون له أكفر بمحمد وأشرك، فتابعهم على ذلك فأنزل الله الآية، وروي أن النبي عليه السلام قال: حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه. [ابن حبيب] عن مطرف وابن الماجشون عن مسلم بن خلف عن سعيد بن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي عليه السلام. [10/ 245]
وروي ابن وهب عن النبي عليه السلام قال: من خشي سوطين فليعط ما سئل. وقال ابن مسعود: ما من كلام يدرا عني سوطين إلا كنت متكلما به. قال ابن سحنون: روي عن ابن عباس أنه قال: إنما الرخصة في القول لا في ترك العمل من شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير، أو أن تصلي إلى غير القبلة. وقال مسروق: من اضطر إلى شيء مما حرم الله فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار. قال الأوزاعي: إذا فتن الأسير على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، فذلك له في القرآن، وليس له أن يصدق الكفر بعمل من سجوده لصليب أو وثن أو شرب خمر، أو أكل خنزير، فإن أرادوه على هذا فليخير القتل ولا/يفعل، وقاله قتادة. وقال سحنون في كتاب السير: إنه يسعه أن يفعل ذلك كله كما يسعه في القول. وقال الأوزاعي: إن أمر الأسير سيده أن يسقيه الخمر قال: لا يفعل وإن قتل. وقال سحنون: بل يسقيه إن خاف القتل أو قطع جارحة له، قيل: فأي ذلك أفضل؟ قال: يسقيه إن خاف القتل أو خاف ضربا يحشى منه الموت، وإلا فلا، ثم رجع فقال مثل قول الأوزاعي. ومن كتاب الإكراه لابن سحنون: قال الحسن ومكحول: يكره على القول والعمل وهو يسر الإيمان. [10/ 246]
قال الوليد: وروي أن المسلمين لما فتحوا تستر، تقدموا إلى غيرها فتركوا بها ناسا من المسلمين، فهددتهم فارس وأوقد دهقان لهم نارا، وعرض عليهم الخمر ولحم الخنزير، فمن لم يأكل منهم قذفه في التنور، فأتي برجل يقال له سهيت بن حارث فأبي أن يأكل فألقي في التنور، فبلغ ذلك عمر فقال: وما كان سهيت أن يأكل. قال ابن حبيب: حدثني علي بن معبد عن محمد بن الحسن قال في الرجل يقال له: اسجد إلى هذا الصنم وإلا قتلناك، قال: إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد، وتكون نيته لله سبحانه، وإن كان إلى غير القبلة فلا، وإن قتلوه. قال ابن حبيب: وهو قول حسن. قال ابن حبيب عن مطرف في المستكره لا يلزمه ما استكره عليه من بيع، أو طلاق، أو عتاق. وكذلك إذا أكره على شرب الخمر، أو الإفطار في رمضان، أو ترك/الصلاة، فذلك موضوع عنه الماثم فيه، وقاله لي عبد الله ابن عبد الحكم وأصبغ، وروياه عن ابن القاسم عن مالك. ومن كتاب ابن سحنون في سلطان أو لصوص أكرهوا رجلا بوعيد بقتل، أو قطع عضو، أو ضرب، أو سجن على شرب الخمر، أو أكل الميتة أو لحم الخنزير، فإنه يسعه أن يفعل ذلك. قال سحنون: وترك ذلك أفضل، وإنما الإكراه في القول. قال ابن سحنون: وقال من خالفنا: إذا هدد بقتل أو قطع بضرب يخاف منه التلف حتى يشرب الخمر أو يأكل الخنزير فذلك له، فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما، وهو كالمضطر إلى أكل الميتة أو شرب الخمر غير باغ ولا عاد، فإذا خاف على نفسه الموت فلم يأكل ولم يشرب حتى مات أثم، ولا يشبه هذا الكفر وقذف المسلم، لأن [10/ 247]
هذا فيه رخصة وتركه أفضل، ولم يجعل في الضرورة حلالا كما جعلت الميتة ولحم الخنزير حلالا، وبينها حرم الخمر بالنهي، فإذا جاءت الضرورة صار مثل ما لم ينه عنه، والكفر لا يحل في حال من الأحوال، وإنما فيه رخصة في الضرورة قولا بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، وكذلك القذف فيه وخصة في الضرورة. قال سحنون: وإذا لم يفعل ما أكره عليه من شرب الخمر/وأكل الخنزير حتى قتل وسعه ذلك، وكان مأجورا كالكفر والقذف يكره عليهما، قال محمد: لأن الله أباح له الكفر بضرورة الإكراه، وأبا ح له الميتة ولحم الخنزير بالضرورة إليهما، وأجمعنا أن له ترك الرخصة في قول الكفر، فكذلك يلزم مخالفنا أن يقول: له ترك قبول الرخصة في الميتة ولحم الخنزير، ولا يكون معينا على نفسه، وأما قولهم إن الكفر والقذف لم يجعل حلالا في الضرورة، وإن الميتة حلال في الضرورة، فقد أفسدوا هذه العلة بقولهم معنا في المكره بوعيد بقتل أو قطع، على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له: إنه في سعة في ذلك، لأنه كالمضطر، ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمون، وإن أبى أن يأخذه حتى قتله، كان عندنا في سعة، قالا جميعا: وكذلك لو أمره بذلك أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله ما وصفنا، قال غيرنا: ولم يتهدده: أنه من ذلك في سعة إن فعل، وقال غيرنا: إذا أكره بتهديه بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقذف مسلما ففعل. رجونا أن يكون في سعة، وهذا من القول كما لو أكره على القول بالكفر أو شتم النبي عليه السلام، ولم يقل الكفر ولا يشم النبي عليه السلام حتى قتل كان مأجورا. قال محمد، وقال سحنون وغيره من أصحابنا: إذا أكره بوعيد بقتل أو قطع عضو، أو بضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه ولا يخاف تلف نفسه، أو بقيد أو بسجن على أن يكفر بالله أو يشتم/النبي عليه السلام أو يقذف مسلما لم يسعه ذلك، وإنما يسعه ذلك عم خوف القتل لا بغير ذلك وله أن يصبر حتى يقتل ولا يفعل ذلك وهو مأجور وهو أفضل له. [10/ 248]
فيما يكون إكراها يعذر به، وما لا يكون إكراها، وكيف إن هدد أو أمر أمرا
قال سحنون: وكذلك لو أكره بما ذكرنا على أكل الميتة ولحم الخنزير أو شرب الخمر لم يسعه أن يفعل ذلك إلا لخوف القتل فقط. وذكر ابن سحنون أن أصحابنا وغيرهم أجمعوا أنه لا يسعه قتل غيره من المسلمين، ولا قطع يده بالإكراه ولا على أن يزني، وأما على قطع يد نفسه فيسعه ذلك، ويستوعب القول في هذا في أبوابه بعد هذا إن شاء الله، وفي باب ما يكون إكراها من هذا المعنى. فيما يكون إكراها يعذر به، وما لا يكون إكراها، وكيف إن هدد أو أمرا، وفي الدراية باليمين عن نفسه أو ماله أو لده أو غيره من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن النبي عليه السلام قال: من خشي سوطين فليعط ما يسأل. وقال ابن مسعود: ما من كلام يدر أعنى سوطين إلا كنت متكلما به، قال ابن سحنون: يعني إن كان للسوطين ألم وشدة وإن لم يكن فيهما تلف لبعض أعضائه. قال: وفي إجماعهم على أن الألم والوجع والشدة إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون من غير تلف نفس أو عضو. وقال مالك وأصحابه: إكراه السلطان وغيره إكراه، وإكراه الزوج إكراه/والإكراه عندهم بالضرب إكراه، والتهديد بالقتل أو الضرب أو بالسحن أو بالقيد إكراه، وليس في الضرب ولا في السجن توقيت، وإنما هو ما كان يؤلم من الضرب وما كان من السجن يدخل منه الضيق على المكره قل ذلك أو كثر، وكثير الحبس [10/ 249]
ليس فيه نفس ولا عضو وإنما ذلك لضيق الحبس فالضيق يدخل في قليله وكثيره. وقال أهل العراق: ولو أكرهه لصوص غالبون أو أهل ذمة غلبوا على بلد بوعيد بقتل أو قطع يد أو أذن أو ضرب مائة سوط أو أقل منها مما يخاف منه تلفا أو ذهاب عضو على شرب خمر أو أكل الميتة ولحم الخنزير: أن ذلك يسعه، وأما بوعيد بضرب لا يخاف منه تلفا فلا، وقال بعضهم: إن هدد بأدنى الحدود أربعين سوطا عذر لا بأقل منها. وقال محمد: وهذه مجامعة منهم لنا بأن الإكراه من غير السلطان إكراه. قالوا: ولو هددوه بسجن أو قيد لم يسعه ذلك لأنه لا يخاف من ذلك تلف نفس ولا عضو، وإن هددوه بجوع فلا يفعل يأتي من الجوع ما يخاف منه التلف فيعذر حينئذ وقالوا: إذا هدد أو قطع عضو أو ضرب أو قيد أو سجن يقر لفلان درهم فأقر له فذلك باطل، وفرقوا بين هذا وبين التهديد بالقيد والحبس في أكل الميتة وشرب الخمر قالوا: لأن ذلك لا يحل إلا بالضرورة وهذا أبطلوه بالإكراه وإن لم تكن فيه ضرورة، والقيد والحبس/لا يحد فيه حدا إلا ما فيه الإجتهاد على مايرد الحاكم أنه إكراه، وفرقوا بين الضرب في أكل الميتة وبين القيد والسجن وجعلوا ذلك سواء في الإقرار بالدين والبيع وقالوا: لأن الضرب يخاف منه تلف النفس. فيقال لهم: فلم جعلتم القيد والسجن إكراه في الإقرار ولا يخاف فيه التلف؟ (وقولهم: إن الإكراه في أكل الميتة وشرب الخمر لا يكون إلا فيما فيه التلف) حكاية لقولهم والعلة لا تكون إلا متفقا عليها، وقد ناقضوا إذ جعلوا السجن والقيد إكراها في شيء، وقول من قال منهم: لا يكون التهديد بالضرب بأقل من أربعين والتوقيت لا يكون إلا بخبر وعلته: أنه أقل [10/ 250]
الحد لا يصح ولو كان ذلك لزمه أن لا يكون التهديد بقطع أصبع علة لأن أدني ما يقطع في الحدود يد أو رجل. ومن كتاب ابن حبيب: قال: وروى سفيان عن حذيفة أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف وروى غيره عنه أنه قال: ما من كلام يدرا عني عشرين ضربة بسوط إلا كنت متكلما به. وقال مجاهد: التقية أوسع مما بين السماء والأرض. وقال الحسن: التقية جائزة إلى يوم القيامة. قال ابن حبيب: قلت لمطرف: ما حد ضغط المضغوط الذي لا يلزمه بيع متاعه؟ قال: أن يحبس أو يقيد أو يرهق يهدد بذلك وذلك يتوقع من ذلك الظالم وأخذه أموال الناس بالظلم وهتكهم بالضرب والرهق. وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ وقال/مالك: القيد إكراه والسجن إكراه والوعيد المخوف إكراه كالضرب والرهق فلا يجوز لصاحبه معه بيع ولا يمين وكذلك بلغني عن إبراهيم النخعي مثله وقاله أصحابه مالك أجمع. ومن ثمانية أبي زيد: قال ابن الماجشون في الإكراه في اليمين: وجه الإكراه: المخافة إذا أخيف مخافة بينة وسع صاحب اليمين ما وسع المكره ولا شيء عليه. قال أصبغ: مدار المخافة على نفسه وبدنه فإن خاف إن لم يحلف نزل العذاب ببدنه من قتل أو ضرب أو عذاب إن لم يحلف نزل به لا شك في ذلك من أمارته وأسبابه أو قد بطش به، فهذا مكره في جميع ما حلف فيه إن استحلف. وأما إن لم يبلغ ذلك إلا وعيد لا يدري لعله تهديد لا عاقبة له فبدر فحلف فاليمين تلزمه، والسجن إذا أفضى إليه فلم يخلص منه إلا بيمين فلا يمين عليه، لأن [10/ 251]
الله سبحانه سماه عذابا، وأما التخويف السجن فهو كالتخويف الذي لم يطله عذابه ولا يدري يعم أو لا يعم؟ فأما خوفه على مال بتلف أوغيره فليس من هذا مثل أن يخلص ماله اليمين ولا يخاف على نفسه في ذلك شيئا ولا على غيره فليس من هذا. ومن قال: أصبغ لي على كذا وإلا أغرمتك مالا كذا أو عاقبتك في غير بدنك عقوبة توجعك فحلف كاذبا دراية عن ماله فهو حانث وإنما له الدراية عن بدنه ولا يسعه ذلك مخافة السجن يرد فإذا دخله كان كسائر عقوبة البدن، فأما إن هدد بالسجن فلا يخلف حتى/يسجن. وقال ابن حبيب عن مطرف: لا يسعه أو يقي عن ماله بيمينه، وأما إن خاف إن لم يحلف عاقبه في بدنه إما بضرب أو سجن أو بعض المعرة فلا يلزمه اليمين ولا أحب أن يعجل باليمين حتى يرى موضع الشدة فيسعه اليمين، وإن كان كاذبا، وإن كان أصل ما استحلف عليه المال لأن ذلك يفضي إلى بدنه إن لم يحلف. قال ابن الماجشون: تسعه الدارية من ماله بيمينه ولا يحنث وإن لم يخف على بدنه. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ كقول مطرف، واخبراني أنه قول ابن القاسم، وأنه ذكره عن مالك وبه يقول ابن حبيب، قال ابن الماجشون: إلا ما كان من المال فادحا مثل السلطان يجتاح الرجل والقوم يعترضون لماله وشبه ذلك فلا يلزم فيه اليمين وقاله أصبغ. قال أصبغ في ثمانية أبي زيد: وإن قال له سلطان: أحلف لي على كذا وكذا وإلا عاقبت ولدك أو بعض من يلزمه أمره فحلف له كاذبا قال: فهو حانث، وإنما يعذر في الدراية عن نفسه، وكذلك لو سأله عن رجل يريد عقوبته [10/ 252]
في المكره على طلاق أو عتق
وحلفه: أنه ما يعرف موضعه فحلف له وهو يعرف موضعه: أنه حانث إلا أن يخاف إن لم يحلف عاقبه في بدنه فلا شيء عليه من يمينه. وفي باب الإكراه على اليمين بقية هذا. قال أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري: وكل تحريم فيما بين العبد وبين الله سبحانه إذا جبر عليه الإنسان لم يلزمه وله أن يفعله متى خاف على نفسه من قتل أو ضرب أو ظلم يخافه على نفسه وأهله وماله وأشباه ذلك، وأما على هتك حق آدمي وحرمته فلا يفعل ذلك لأن حرمته/ليست بأوكد من حرمة الآخر. ومن العتبية: روى ابن القاسم عن ملاك في امرأة سألها زوجها أن تهبه حظها بالميراث منه من داره فأبت فحلف: إن لم تفعلي لأطبقن عليك ولا أتركك تأتي أهلك ولا يأتونك ما دمت حيا، فلما رأت ذلك أشهدت له أنها وهبته ميراثها فأوصى فيه الهالك. قال: لها أن ترجع فيه. قيل: إنها إنما تدعي أنه قال لها ذلك بغير بينة لها أينفعها ذلك؟ قال نعم وليس المرأة كغيرها من الورثة مثل الابن البائس المنقطع عن ابيه فهذا يلزمه ما صنع من ذلك. وفي الباب الأول: أنه إذا أمره سلطان أن يأخذ مال فلان فيدفعه إليه ولم يهدده بعذاب إن لم يفعل وهو يخاف إن لم يفعل ما أمره به، ناله منه عذاب في بدنه مثل أن يهدده ويسعه أن يأخذه فيدفعه إليه. في المكره على طلاق أو عتق من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب: أن ممن لم يجز طلاق المكره: عمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وابن عباس وعبد الله بن [10/ 253]
الزبير وقاله عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عبيد بن عمير ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والحسن البصري وشريح وهذا كله عنهم بروايات متصلة. وروي عن عائشة أن النبي عليه السلام قال: لا طلاق ولا عتاق في غلاق، قال معناه: في الإكراه. قال ابن سحنون: وروى من خالفنا أن عمر بن عبد العزيز أجاز طلاق الكره وقد روينا عنه/أنه لم يجز طلاق الكره ولكن روي عنه أنه لم ير القيد إكراها فهو معنى ما روى مخالفنا عنه. وروي مخالفا أن امرأة جلست على صدر زوجها بسكين فقالت: طلقني وإلا ذبحتك ففعل فقال النبي عليه السلام: لا قيلولة في الطلاق، قال ابن سحنون: وهو حديث لا يثبت وعن مجهولين والحديث الذي ورينا في الإغلاق أصح. وروي محمد بن الحسن أن عمر بن الخطاب أجاز نكاح المكره وولنا عن عمر خلافه بإسناد أقوى من إسناده. وروي عن ابن المسيب فيمن ضرب غلامه حتى طلق امرأته قال: بئس ما صنع وليس هذا مما يدل أنه ألزمه الطلاق. وقال إبراهيم النخعي: طلاق المكره يلزمه كان بإكراه من السلطان أو من غيره. وقاله أبو قلابة. [10/ 254]
وقال الشعبي إن أكرهه السلطان لزمه وإن أكرهه لص فلا شيء عليه. وروي بعض الناس عن قتادة والزهري أنهما أجازا طلاق المكره وروي مخالفنا أن علي بن أبي طالب قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه قال: فهذا قد دخل فيه المكره والمعني في هذا لو ثبت طلاق بطوع ولو كان على ما تأول لزمه أن يجيز طلاق الصبي والنائم والمعتوه وهو لا يراه. وقد روي عن ابن السيب أنه أجاز طلاق الصبي إذا أحسن الصلاة وصام رمضان. وروي ابن الحسن عن النبي عليه السلام مثل ما ذكر عن علي ولكنها روايات ضعيفة واهية، ولو ثبت كان/معناه في الطوع كما خرج منه عند غيرنا طلاق الصبي والنائم والمعتوه. قال غير ابن سحنون: وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة إجازته وإنما ثبت لهم عن بعض التابعين ولا يجوز أن يخالف الصحابة بقول تابع في قولنا وقول من خالفنا أن الصاحب لا يخالف إلا إلى قول صاحب مثله. ومن كتاب ابن سحنون: قال من خالفنا في المكره بوعيد بقتل أو تلف على أن يطلق أو يعتق: أن ذلك يلزمه. وقال مالك وأصحابه: لا يلزمه وقد أجمع أهل الصلاة على أن المشركين لو أكرهوا رجلا على أن يكفر بالله ففعل بلسانه ثم أتى فقال: إن قلبي حينئذ مطمئن بالإيمان وله زوجة حرة مسلمة أنها لا تحرم عليه. وذكر ابن المنذر: أن أبا حنيفة يقول: تطلق عليه في ظاهر الحكم وأنه لا يكون مرتدا بذلك والردة فرقة بائنة وهذا يقضي على اختلافهم في طلاق المكره. [10/ 255]
وقال بعض من خالفنا: هذا استحسان، والقياس أن يفرق بينهما ولكنا نستحسن أن لا يفرق بينهما. وقال بعض البغدايين من أصحابنا: وجدنا الطلاق لا يلزم إلا بلفظ ونية والمكره لا نية له وإنما طلق بلسانه لا بقلبه فلما رفع الله عنه الكفر الذي تكلم به مكرها ولم يعتقده وجب رفع الطلاق لرفع النية فيه، قال: والطلاق إن كان من حقوق الله فلا يلزم حتى تقارنه النية كما لم يلزم الكفر الذي لم تقارته نية، وإن كان من حقوق الناس فقد أجمعنا معهم على إبطال بيع المكره فكذلك الطلاق ولا مخرج من هذا. وقد ذكر ابن سحنون نحوه في مناقضته إياهم بالبيع. وقال ابن سحنون: وقد أجمعوا في المكره على الكفر أن الزوجة لا تبين بكفره، ولكن قال أبو حنيفة: القياس يوجب أن يلزمه الفراق ولكنا نستحسن ألا تبين منه، ثم نقضوا هذا فقالوا في نصراني أسلم مكرها: إنه يكون مسلما ثم إن راجع النصرانية جبر على الإسلام بالسجن ونحوه ولا يقبل وهذا تناقض فإن كان مسلما فاقتلوه بردته وإلا فأبطلوا إسلامه بالإكراه كما أبطلتم كفر المسلم بالإكراه وفي إجماع العلماء في رفع القتل عنه دليل على أن إسلامه ليس بإسلام، وقيل لهم: ما الفرق بين ما أبطلتم من البيع بالإكراه وما ألزمتم من الطلاق والعتق والنكاح على الإكراه؟ قالوا: لأن البيع يكون فيه الخيار ولو اختاره المكره بعد أن أمن لزم المبتاع فيقال لهم: فقد أجمع العلماء على إبطال كفر الكره ولا يجوز فيه الخيار، فلو ارتد مسلم على أن ينظر في الكفر فإن أعجبه وإلا رجع إلى الإسلام لكان مرتدا عن الجميع، ولو قال الكافر: أسلم على أن أكون بالخيار في الرجوع إلى الكفر لم يكن له ذلك وكان مسلما، فإن رجع عن ذلك قتل، وأجمعنا أنه لو أكره على أن يقر لفلان بمال ففعل: أن ذلك باطل، ولا خلاف أنه لو أقر له طائعا [10/ 256]
في الإكراه على النكاح
بمال على أن ينظر فإن وافقه/التمادي على ذلك وإلا رجع: أن ذلك ليس له، فقد أبطلتم عنه الإقرار بالإكراه ولا خيار فيه عندكم، فكذلك فألزموه الطلاق والعتق بالإكراه الذي لا خيار فيه، وأما قولهم: لأن البيع له أن يقول بعد الإكراه: [قد أجزته وهو آمن فيلزم فيقال لهم: فإذا كان له حل عقد بيع الإكراه] وأمضاؤه فحل الطلاق أولى، فإن كان البيع لم يقع فلا يلزم أن يبتدئه وإن كان قد وقع وله حله فألزم ذلك نفسك في الطلاق والعتق ونحن نقول: لم يتعقد بيع ولا طلاق ولا عتق وقلتم في العفو عن الدم العمد بإكراه: إنه يلزمه ولا يلزمه البيع قلتم: لأنه في البيع له أن يجيزه بعد الإكراه والأمة لا تختلف في المكره على العفو: أن له يجيزه بعد الإكراه فيلزمكم التساوي بينهما في إلزامهما بالإكراه أو إبطالهما. وقالوا: وجدنا الطلاق والعتق هزلهما جد وكذلك النكاح والعفو عن الدم قلنا: فقد أجمعنا أن المكره خارج عن معنى الجد والهزل وأنه لا إرادة له، والهازل مذموم في إجماعهم ولا ذم على المكره بل هو مأجور، وقد جامعونا أن من أكره على أن يقر لعبده أنه أبنه أو لأمته أنها أم ولده: أن ذلك لا يلزمه وكذلك في التدبير. في الإكراه على النكاح قال ابن سحنون: وقال من خالفنا: ولو أكره أن ينكح امرأة بعشرة آلاف درهم وصداق مثلها ألف درهم: إن النكاح جائز ويلزمه ألف درهم ويبطل الفضل. قال أصحابنا:/النكاح باطل لأنه نكاح إكراه وقد أكره على معنيين: على النكاح وعلى نهر، فكما أبطلوا الزائد على الألف بالإكراه فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه. [10/ 257]
قال محمد: أجمع أصحابنا على ابطال نكاح المكره وكذلك نكاح المكرهة، ولا يجوز المقام عليه لأنه لم ينعقد، قال سحنون: ولو كان منعقدا لبطل أيضًا لأيه نكاح على خيار ولا يجوز النكاح بالخيار. قال محمد: وفي قياس بعض مذاهب مالك: أن للمكره إمضاء ذلك النكاح آمنا مطمئنا وكذلك لأولياء المرأة المكرهة. وفي قياس بعض مذاهبهم: إنما تحوز إجازة المكره بحدثان ذلك وقربه وإلا لم يجز وكذلك في أولياء المرأة، وإنما للمكره أن يجيزه في هذا القول على ما سمي لها وإن كان أكثر صداق مثلها، لأن بذلك رضيت ما لم يكن وطئ، وكذلك يكون لأولياء المكره إجازة نكاحها على ما رضي به الزوج وإن كان أقل من صداق مثلها، [وكذلك إن رضي به الزوج إلا أن يشاء أن يتم لها صداق مثله] ويرضى الأولياء بذلك فيجوز النكاح. قال عبد الله: في إجازة أوليائها النكاح: يعني: بإذنها أو يكون الولي أب وهي بكر. قال محمد: وهذا خلاف قول سحنون. قال سحنون: فإن وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطئ لزمه إمضاء النكاح على المسمي من الصداق وإن زاد على صداق مثلها، وإذا قال: وطئتها على الرضي بالنكاح [درئ عنه الحد ولزمه المسمي، وإن قال: وطئتها على غير رضا مني بالنكاح] فعليه الحد وعليه الصداق المسمي لأنه مدع لإبطال/الصداق المسمى بهذا وتحد المرأة إن تقدمت وهي عالمة أنه مكره على [10/ 258]
النكاح، وأما المكرهة على النكاح وأكرهت على الوطئ: فعلي واطئها الحد في قول سحنون وغيره من أصحابنا ولها صداق المثل ولا حد عليها. وفي قياس قول بعضهم: إن وطئت على الطوع منها ومن الأولياء فذلك رضا بالنكاح، ويثبت النكاح ولها المسمى وإن نقص عن صداق المثل، ومن قول سحنون: لا نكاح بينهما فإن تقدمت على الرضا بالنكاح هي والأولياء فلا حد عليها ويجد الواطئ، وليس لها من الصداق إلا ما وطئت عليه ورضيت به وإن نقص عن صداق المثل، وإن لم توطأ المكرهة وكانت بكرا وقد أكره الأب على إنكاحها فلم توطأ فليس للأب أن يمضي النكاح في قول سحنون، وقال غيره: له أن يمضيه بالمسمى وإن نقص عن صداق المثل إن كان ذلك نظرا لها ما لم يطل ذلك، ولا رضا لها مع أبيها، فإن كان الولي غير الأب فالخيار لها ولوليها فإن اختلفا لم يجز النكاح إلا بهما جميعا. قال ابن سحنون: وإذا لم يلزمها النقصان من صداق المثل بالإكراه لم يلزمهما العقد بالإكراه وكذلك الأب في البكر والعقد على أجماعهم أكثر من حطيطة الصداق في الحرمة [فإذا لم يلزم الأقل لم يلزم الأكثر. قال ابن حبيب قال مطرف] ومن خطب إلى من هو له قاهر وهو ممن يخاف تعديه أن يجوزها إليه بلا نكاح إذا شاء فزوجه وأشهد سرا أنه إنما يفعله خوفا منه قال: هذا نكاح مفسوخ أبدا، وقاله ابن عبد الحكم/وأصبغ. وبعد هذا باب فيمن أكره على شراء من يعتق عليه من معاني العتق بسبب الإكراه: غير شيء. [10/ 259]
في الإكراه في الخلع والعتق، أو على الوكالة على ذلك، ومسألة في اللعان
في الإكراه في الخلع والعتق، أو على الوكالة على ذلك، ومسألة في اللعان من كتاب ابن سحنون: وإذا أكره بوعيد بقتل أو تلف حتى خلع امرأته على ألف درهم وقد تزوجها على أربعة آلاف والمرأة غير مكرهة على الخلع فلا يلزمه إلا أن يشاء أن يجيزه وهو آمن، ويأخذ منها الألف فله ذلك بغير ائتناف خلع وهو كبيع الإكراه يجيزه، ولو أقر الزوج آمنا أنه كان في الإكراه مريدا للخلع راضيا به، لزمه الخلع ولزم المرأة دفع الألف إليه إذ هي غير مكرهة ولا شيء له على من أكره ولو أن المرأة مكرهة على إعطاء الألف وأقر الزوج: أنه كان راضيا به عند الإكراه لزمه الخلع وبانت منه بطلقة بائنة ولا شيء لها عليه من الألف ولا على الذي أكرهها لإقراره بالرضا، ولولا ذلك لم يلزم الطلاق. قال سحنون: ولو أكره على أن طلق امرأته وأعتق عبده ثم قال وهو آمن: قد أجزت ذلك الطلاق والعتق فذلك له لازم وتبين منه الزوجة ويعتق العبد. قلت: ولم ألزمنه ذلك لاختلاف الناس، لأن من العلماء من يلزمه طلاق الإكراه وعتقه. قال محمد: وقد قال لي قبل ذلك: إن/ذلك لا يلزمه لأن من ألزم نفسه ما قد سقط فذلك غير لازم له. قال سحنون: ولو أكره على عتق عبده على مائة درهم يؤديها العبد وقيمته ألف درهم والعبد غير مكره فأعتقه على هذا فالعتق باطل، وما أخذ منه سائغ، وللسيد أن يجيز العتق بعد الإكراه ويلزمه نفسه وهو آمن ثم لا شيء له على العبد [10/ 260]
غير المائة التي أخذ ولا له على من أكرهه شيء، لأن السيد ألزم نفسه العتق إلا بطوعه ولو أكره على عتق عبده بمال دفعه إليه رجل والرجل غير مكره لم يلزمه، فإن أجازه السيد آمنا جاز، وكان له المال وليس لغارم المال أن يرجع به على العبد لأنه متطوع في دفعه عنه. قال محمد: وإن أقر السيد أنه كان في الإكراه مريدا للعتق راغبا في المال لزمه العتق وساغ له المال ولا يرجع به مخرجه وإن كان غارم المال مكرها على دفعه، وأقر السيد أنه كان راضيا بالعتق في الإكراه لزمه العتق ويرد المال على الأجنبي وليس للسيد على من أكرهه شيئا ولو أكرهه على أن يعتق عبده على ألفي درهم إلى سنة، يريد: يكون على العبد وقيمته ألف درهم والعبد غير مكره فلا يلزمه العتق ولا شيء له على من أكرهه، وإن شاء السيد أن يلزم نفسه العتق فذلك له ويلزم العبد غرم ألفي درهم إلى سنة، ولا يرجع بها العبد على المكره لسيده، وإن كان العبد مكرها على/غرم الألفين إلى الأجل فللسيد إجازة ذلك العتق، ويلزم العبد الألفين إلى الأجل وليس للعبد أن يأتي ذلك لأن من قال لعبده: أنت حر الساعة وعليك ألفي درهم إلى سنة أنه حر مكانه، ويلزمه غرم المال إلى الأجل وإن كره، ولا يرجع العبد بشيء على المكره له لأنها لم تلزمه بالإكراه، وإنما تلزمه بما ألزمه السيد. قال سحنون: ولو قال لزوجته: أنت طالق على أن تعطي ألف درهم، ولعبده: أنت حر على أن تدفع إلي درهم فذلك سواء لا يعتق العبد ولا تطلق المرأة إلا أن يغرم الألف وإلا لم يلزمه عتق ولا طلاق، ولو قال: أنت [10/ 261]
طالق الساعة وعليك ألف درهم سقطت الألف عنها ولزمه الطلاق، والقائل: أنت حر الساعة وعليك ألف درهم، فإن العبد يكون حرا ويلزمه الألف وإن كره، لأن له في العبد خدمة وخراج يبقيه عليه إن شاء وليس ذلك في الزوجة، ولو كانت الألف نجوما على العبد فحل نجم منها وطلب المولى أخذ النجم وأجاز العتق فالعبد حر وعليه باقي النجوم وعليه غرم النجم الذي حل معجلا ولا يرجع العبد على من أكرهه بشيء. ولو أكرهت امرأة بوعيد بقتل أو تلف أن سجن أو قيد أو غير ذلك على أن تقبل من زوجها تطليقة يطلقها على أن تعطيه ألف درهم ففعل هو ذلك غير مكره، وقبلت هي ذلك مكرهة، وقد بني بها ولها عليه مهر أكثر من ألف درهم أو أقل، فإنه يلزمه طلقة بائنة لأنه غير مكره، وقد طلق على/مال فهو طلاق بائن ولا شيء له من المال لأنها مكرهة. قال سحنون: وربما تبين لي أنه يلزمه فيها ثلاث، لأنه طلاق بائن على غير مال ولو كان مكان التطليقة الخلع على ألف وهي مكرهة والزوج غير مكره: فالخلع واقع والطلاق بائن، ولا شيء عليها من المال. قال محمد: وهذا إجماع العلماء. قال سحنون: وإذا أكرهه لص على عتق عبده عن رجل بألف وهو يسوى ألفين بوعيد بقتل أو بشيء مما يخاف منه التلف ففعل. وقيل منه ذلك المعتق وهو غير مكره، فالعتق لا يلزمه إلا أن يجيزه رب العبد وهو آمن، فإن أجازه فذلك له ويأخذ من المعتق عنه الألف درهم فقط، والولاء للمعتق عنه، وإن شاء أبطل العتق وأخذ عبده، وكذلك الإكراه في ذلك في قولنا بقيد أو سجن، ولو أن المعتق عنه أيضًا مكرها لم يلزمه، وإن رضي المعتق أن يأخذ منه ألفا فقط إلا أن [10/ 262]
يرضى بذلك وهو آمن، قال سحنون: وكذلك لو كان أحدهما مكرها بقتل أو تلف والآخر بقيد أو سجن فكله عندنا إكراه، ولو أكرههما على أن دبر هذا عبده عن هذا بألف درهم فذلك باطل، كان إكراهه لهما بقيد أو بسجن أو بما يخاف منه التلف ن وإن كان أحدهما بأحد الوجهين والآخر بالوجه الآخر، ولو كان المدبر عنه غير مكره فرضي بالتدبير عنه على المال المذكور لم يلزم ذلك رب العبد، لأنه مكره ولو رضي بذلك رب العبد أيضًا ويأخذ المال لم يجز ذلك وإن تراضيا، لأنه خطر كمن أعطى/مالا لرجل على أن يدبر عبده. ولو قال رجل لرجل: دبر عبدك عني ولك دينار ففعل لم يجز هذا أيضًا، فإن فعل فدبر عبده عنه على مال بعد العتق صار العبد معتقا إلى أجل، لأن التدبير هاهنا إنما معناه: إلى أجل وهو موت المدبر عنه ويوقف المال إلى موت المدبر عنه، فإن مات العبد قبله رجع المال إلى مخرجه، وإن بقي العبد إلى موت المدبر عنه عتق العبد وأخذ السيد المال الموقوف والولاء للمعتق عنه. وقال ابن القاسم عن مالك: ومن أعطى لرجل مالا على أن يدبر عبده أو يكاتبه: فلا يجوز وهو خطأ. قال ابن القاسم: ولو كان العتق إلى أجل والمال إلى أجل لم يجز، وقاله أشهب إلا أنه قال: فإن فعل فأخذ المال وأعتق عبده إلى الأجل أو دبره أنفذ ذلك ولم يرده. قال سحنون: لا أقول بقول أشهب ويفسخ ذلك لأنه خطر ويأخذ المعطى ماله ويمضى العتق والتدبير إلى الأجل، ثم رجع فقال: يوقف المال ويمضى العتق والتدبير إلى الأجل، فإن تم عتق العبد بمضي الأجل أو بموت السيد في المدبر ويترك مالا يخرج من ثلثه أعطي السيد المال الموقوف وإن مات العبد قبل الأجل [10/ 263]
أو قبل موت سيده يرجع المال إلى مخرجه وإن مات السيد في المدبر فترك مالا لا يحمله ثلثه أعتق منه محمل الثلث، وأخذ ورثه السيد من المال الموقوف بقدر ما عتق من المدبر، ويرد إلى صاحبه بقدر ما رق منه، ولو كان لم/يكره رب العبد على أن يدبره عن فلان وإنما أكره المدبر عنه حتى قبل التدبير على مال غرمه: فالمال ساقط عنه، وإن وداه فليرد إليه، ويلزم رب العبد عتقه إلى موت الآخر، ولو أكره هذا على بيع عبده وهذا على شرائه وعلى أن ينقايضا ثم أكره المبتاع على التدبير أو العتق فذلك كله باطل، لا بيع ولا تدبير ولا عتق، ولو أكرههما على التبايع ثم أكره المشترى على قتل العبد فعلي المبتاع القاتل قيمة العبد لمولاه وعليه الكفارة ويرجع بما غرم من القيمة على من أكرههما، وكذلك لو اختلف الإكراه فأكره هذا بوعيد بقتل وهذا بوعيد بسجن فذلك كله عندنا سواء، وكذلك لو كان أكرهه على قتل العبد بقيد أو بسجن فهو إكراه، ويضمن القاتل ويرجع رب العبد بقيمة العبد على المكره، فإذا غرمها المكره ثم أفاد القاتل مالا لم يكن له أن يرجع بما ودي على القاتل، قال سحنون: وإذا: كرهه بوعيد بقتل أو سجن أو قد على أن وكل رجلا بعتق عبده أو بطلاق زوجته فأعتق الوكيل وطلق فذلك كله باطل، ولو أكره على أن يوكله ببيع عبده من هذا بألف درهم وعلى أن يدفعه إليه فباعه الوكيل وقبضه المبتاع فهلك بيده والوكيل والمبتاع غير مكرهين فالوكالة بالطالة، فإن باع فالسيد مخير بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو ينقضه ويأخذه، فإن مات العبد فلسيده أن يجيز البيع ويأخذ الثمن إن كان مثل القيمة فأكثر وإن كانت القيمة أكثر من رجع بتمام القيمة على المشتري، ومسألة التي أقامت بينة على قذف زوجها لها فلاعن ثم ظهر أن أحد البينة عبد، وكان لعان الزوج خوفا من الحد: أن الحكم ينقض ويرجع زوجه: قد كتبتها في كتاب الرجوع عن الشهادات. [10/ 264]
في الإكراه على الزنا أو على أن يقتل رجلا أو يقطع له عضوا أو يجرحه
في الإكراه على الزنا أو علي أن يقتل رجلا، أو يقطع له عضوا، أو يجرحه، وقد أذن له في ذلك المفعول به أو لم يأذن، أو على أن يفديه من كتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن أكرهه السلطان أو غيره على أن يزني بامرأة ففعل فعليه الحد، لأنه لم ينتشر إلا بلذة، فأما إن أكرهت امرأة على الزنا فلا حد عليها ولها الصداق على الوطء فإن كان عديما فذلك لها على الذي أكرهها ثم لا يرجع به غارمه على الواطء، فإن كانت، المرأة طائعة حدت ولا صداق لها. قال سحنون في كتاب الشرح ينسب إلى سحنون، في امرأة خافت على نفسها الموت من الجوع أو العطش فقال لها رجل: نعطيك ذلك على أن أطأك فإن خافت الموت وسعها ذلك لأن هذا إكراه، وليست كالرجل يكره على الزنا لأنه لا يطأ من خاف على نفسه الموت، وليس إكراهه في ذلك إكراه وأنكر أبو بكر ابن اللباد قوله في المرأة وقال: يشبه نكاح المتعة والله أعلم. قال سحنون: ولو أكره بقيد أو سجن/أو ضرب لا يخاف منه تلفا على أن يزني بامرأة طائعة أو مكرهة لم يجز له أن يفعل، فإن اثم وعليه الحد وقد أثم في وقول غيرنا أيضًا طاعت له أن كرهت وهذا دليل على أبطال قولهم في رفع الحد عنه، وهو لو امتنع حتى قتل لكان مأجورا ولو كان الحد يسقط عنه وسعه الفعل وكان معينا على نفسه إن لم يفعل. قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا هدد بقتل أو غيره على أن يزني أو يقتل رجلا ظلما أو يقطعه أو يجلده أو يأخذ ماله أو يبيع متاعه فلا يسعه ذلك وإن علم أنه إن عصاه أوقع ذلك به في نفسه أو ماله أو ظهره، قال: وإن [10/ 265]
أطاعه في ذلك لزمه القود في القتل أو القطع وغرم ما اتلف له، وذكر في الضرب أن عليه الضرب، ولا يسعه إن أكره بالتهديد بالقتل على أن يزني، ويجد إن فعل ويأثم. ومن كتاب ابن سحنون: قال: ولو أكره بوعيد بقتل أو غيره على أن يقطع يد رجل فأذن له ذلك الرجل في ذلك طائعا لم يسعه أن يفعل، فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية، ولا شيء على من أكرهه لإذن صاحب اليد للقاطع، ولو كان صاحب اليد مكرها أيضًا بوعيد لأثم القاطع، ولو أن الذي أكرهه غير الذي أكره القاطع فلصاحب اليد القصاص من القاطع، وعليه الأدب والحبس لأنه أمر لا يسعه فعله بالإكراه، ولو أكره على أن يقتل فأذن له الرجل في قتل نفسه ففعل فقد أثم ولأوليائه القصاص، وليس على من أكرهه إلا الأدب وليس كإذبه في/قطع اليد، لأن العفو في اليد له فهو كالعافي، والعفو في الدم وهم الأولياء ولم يجب له في حياته. قال محمد بن عبد الحكم: أمر اليد والنفس سواء ولا قود عليه، فهما كمن قتل فعفي عن دمه. قال ابن سحنون: قلت لسحنون: فأنت تقول في المجروح يموت من جرحه وقد عفي عن دمه: أن لا قصاص لأوليائه، قال: لأن ذلك بعلة ما تقدم من الجرح الذي هو سبب الموت فوجب له الحق قبل موته والأول عفي قبل أن يجب له الحق، قال: وإذا أذن له أن يفعل ما دون النفس ففعل فمات منه فإنه آثم فإن مات منه قعصا فالقود لأوليائه على المكره وليس على من أكرهه إلا الأدب، وإن لم يمت قعصا وأقام أياما ثم نزي في جرحه فمات فلأوليائه أن يقسموا على المكره ويقتلوه. [10/ 266]
قال سحنون: ولو أكره على أن يفعل به مالا يخاف منه تلفا مثل ضربه بسوط ونحوه فهو آثم إن فعل، فإن خاف القتل إن لم يفعل فليضربه ولا يبيح دقه. قال سحنون: ولو أتى عليه من الضربة بالسوط فمات مكانه، فإن لأوليائه قتل المكره لأن ذلك عندنا عمد يقتل فيه القاتل. وقال من خالفنا في عامل الخليفة يأمر رجلا بقتل رجل ظلما ويهدده بالقتل إن لم يقتله فيقتله: إن القتل على العامل دون القاتل المأمور. قال سحنون: قال بعض أصحابنا: إذا أكره الوالي رجلا من رعيته أو السيد عبده أو المعلم بعض صبيانه على أن يقتل رجلا ففعل،/إن الآمر والقاتل يقتلان. وقال بعضهم: إن السلطان والمولي والمعلم في تعليمه إنهم وغيرهم من الأجنبيين بمعنى واحد لا قتل على الآمر لأنه لم يل الفعل بنفسه، وعليه الأدب والحبس، وعلى المأمور القود لأنه ولي القتل، وليس له إتلاف نفس غيره ببقاء نفسه. وقال سحنون: يقتلان جميعا. قالوا: ومن أكره فقيل له ك لتقطعن يده أو لتفقأن عينه أو لأقتلنك فإنه لا يسعه أن يفعل ذلك، فإن فعل فعليه القود، وعلى الآمر الأدب، وفي القول الآخر يقتص منهما جميعا. قال محمد: ثم ناقض من خالفنا فقالوا: لو هدده بسجن أو قيد لم يسعه أن يفعل، فإن فعل فالقود فيما فيه القود، والأرش فيما فيه الإرش على الفاعل، وليس على الآمر إلا العقوبة والحبس، وهو قول سحنون. قال محمد: ولما جامعونا على أن الحبس والقيد إكراه في الإقرار وفي غيره كان ذلك قاض عليهم فيما خالفونا فيه من الوعيد بالقيد والحبس في القتل ويلزمهم أن ذلك إكراه في القتل [10/ 267]
أيضًا وقد قالوا في الراجعين عن الشهادة في النفس وفي القصاص: إنه لا قصاص عليهم، وعليهم الدية في أموالهم، ويلزمهم في هذا إبطال القود عن المكره على القتل إذا لم يلي الفعل بيده كما لم يلي الشهود القتل أو يقتل الشاهدين كما قتلوا المكره، وقد روينا عن النخعي أنه قال: يقتل الشهود إن تعمدوا، وروي نحوه عن علي بن أبي طالب وبه قال بعض أصحابنا، ثم ناقص من خالفنا فقال: إن هدد بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يضرب رجلا سوطا ويحلق رأسه أو لحيته أو أن يقيده أو يسجنه رجونا أن لا يأثم في ذلك إن فعل، فإن كان مما لا يعرضه فيه لتلف فلا ينبغي أن يقدم عليه بشيء من ذلك وإن قل فإن فعل أثم. قال محمد: وهذا كله واحد، ولا يجوز له أن يقدم على حلق لحية رجل ولا سجنه كما لا يقدم على قطع أصبعه، والقول في إكراهه على قذف رجل مسلم قد تقدم في الباب الأول. وقال من خالفنا: لو أن لصين غالبين هددا رجلا بقتل أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقطع يد رجل ظلما ففعل فلا شيء على القاطع، ودية اليد على الآمرين في أموالهم نصفين في عامين، وفي العام الأول ثلثا نصف الدية وهو ثلث الدية والثلث الباقي في السنة الثانية، ولا قود على الآمرين لأنه لا يقطع عندهم يد بيدين. قال سحنون: قال بعض أصحابنا: القود على القاطع ولا قود على الآمرين ويؤديان، وقال بعضهم: القود على المكره وعلى الآمرين لأنهما كالفعلة. وقال من خالفنا: ولو أن الآمر واحد فأكره رجلين حتى قطعا اليد فإنه يقطع الآمر ولا يلتفت إلى القاطعين. [10/ 268]
في الإكراه على أخذ مال رجل أو استهلاكه له أو دفعه لغيره
وقال سحنون: وقال بعض أصحابنا: يقتص من القاطعين دون الآمر، وقال بعضهم: يقتص من الآمر والمأمورين. اكراه 7 قال سحنون: ولو أكره رجلان رجلا على قطع يد ففعل/فمات. قال بعض أصحابنا: إن مات قعصا فالقود على القاطعين، وليس على الآمر إلا الأدب، وإن كان الآمران والقاتل بنوعم المقتول فلا ميراث لواحد منهم والميراث لغيرهم، وقال بعضهم: القود عليهم أجمع، وإن كان الآمر واحدا والقاطعان اثنين: فالقود على القاطعين في قول بعضهم، وفي القول الآخر القود عليهم أجمعين ولا ميراث لهم. وفي باب الإكراه على التخيير في فعلين ذكر من الإكراه على القتل والزنا وغيره. في الإكراه على أخذ مال رجل أو استهلاكه، أو دفعه لغيره، وكيف إن أذن له في ذلك ربه، ومن أكره على دفع ماله لرجل، وأكره آخر على قبضه من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا أكره رجل على أن يأخذ مال رجل فيرمي به في مهلكة بوعيد بقتل أو قيد أو سجن فأذن له في ذلك ربه من غير إكراه ففعل فلا شيء عليه ولا على الذي أكرهه، وإن كان ربه مكرها على الإذن في ذلك فالمكره الفاعل ضامن، فإن كان عديما فلا ضمان على الذي أكرهه ثم لا رجوع له على الفاعل بذلك إذا أيسر. وقال في باب آخر: وأما قولهم: إن الكفر والقذف لم يجعل له حلالا في الضرورة كما جعلت له الميتة حلالا في الضرورة قال: فقد أفسدوا هذه العلة [10/ 269]
بإجماعهم معنا على أن من أكره بتهديد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له أو أمره بذلك/أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله بعض ما وصفنا: أنه في سعة من مال الرحل ودفعه إليه ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمور، وقال من خالفنا: وإنما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر فأما إن أرسله ليفعل ذلك فخاف إن ظفر به أن يفعل له ما يهدده به فلا يسعه أني يفعل ذلك، إلا أن يكون معه رسول للآمر يخاف أن يرده إليه إن لم يفعل فيكون كالحاضر سواء. قال محمد: وإنما ينظر في هذا إن كان المكره يرجو الخلاص إن لم يفعل فلا يسعه أن يفعل كان معه رسول أو لم يكن، وإن كان لا يأمن نزول الفعل به وسعه أن يفعل كان معه رسول أو لم يكن. قالوا: وإن تهدده بما ذكرنا أن يأخذ مال مسلم فيدفعه إليه فأبى حتى قتله كان عندنا في سعة، وإن أخذ لكان في سعة قالوا: وأما في تهديده إياه بسجن أو قيد مما لا يخاف منه تلفا فلا يسعه أخذ ذلك، قال محمد: فنقضوا علتهم فيقال لهم: فهذا مال مسلم قد أحللتموه في الضرورة بالإكراه بالتهديد بقتل أو بزوال عضو أو بضرب يخاف منه التلف كما أحل الله الميتة في الضرورة فلو لم يسعه ترك أكل الميتة حتى يقتل كما وسعه تركه أخذ مال السلم في الإكراه حتى يقتل؟ وأجمع أصحابنا ومن خالفهم على أنه إن هدد بالقتل على أن يحلق رأس فلان ولحيته أو ليسجننه أو ليقيدنه أو ليشهدن عليه بالكفر فأبى يفعل حتى قتل: أنه من ذلك في سعة/قال من خالفنا: فإن فعل شيئا مما أمر به كان ذلك واسعا له، وأبى ذلك من خالفهم. [10/ 270]
قال من خالفنا: والرجل لا يحل له أن يرزا مال أخيه المسلم فإن كان معه في سفر ومع أحدهما طعام أو شراب وليس مع الأخر شيء، فخاف الموت فأبى صاحبه أن يعطيه كان في سعة أن يأخذ منه فيأكل ويشرب ويقاتله بما دون السلاح إن منعه ما لم يأت على نفسه أو عضو من أعضائه، ويعطيه قيمة ما أخذ منه، قال سحنون: له أن يأخذ منه الطعام كرها من غير أن يبلغ بذلك نفسه أو جرحه، ويضمن ما أخذ منه. وقال أصحابنا ومن خالفهم في لص غالب توعد رجلا بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يعطي ماله لرجل ظلما، وأكره الرجل على قبضه منه فقبضه فهلك عنده: إنه لا يضمنه ولربه تضمين الذي أكرهه ولا ضمان على قابض المال. قال سحنون ولو أكره الدافع على دفع المال إلى رجل ولم يكره الرجل على قبضه منه فإنه يضمنه إن هلك، لأنه قبضه طائعا ولا ينفعه إن قال: أخذته لأحرزه على ربه. قال أصحابنا ومن خالفهم ولو اكره القابض على القبض على أن يدفعه إلى هذا اللص فلما قبضه هلك بيده قبل يدفعه إلى اللص فلا ضمان عليه. قال من خالفنا: وهذا إذا حلف المكره على القبض: إنه ما أخذه ليدفعه إليه طائعا وما أخذه إلا ليرده إلى ربه إلا أن يكره على دفعه. قال سحنون: ولا يمين عليه/ولا ضمان لظاهر عذره بالإكراه. وفي باب المضغوط على غرم مال: شيء من هذا المعنى. وقد تقدم في الباب الأول ذكر من الإكراه على أخذ مال الرجل، وتكرر ها هنا. [10/ 271]
في إكراه الرجل على قتل من يرثه
في إكراه الرجل على قتل من يرثه من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: لو أن لصا غالبا أكره رجلا على قتل أبيه أو أخيه ولا وارث له غيره بوعيد بقتل ففعل: إنه لا يرث من مله ولا من دينه شيئا، لأنه غير مباح له أن يقتله في الإكراه عند المعلماء، ولا يخرجه ذلك عند بعضهم من القود، وقال الآخرون: يقتل الآمر والمكره، فإذا ثبت القصاص بطل الميراث. قال سحنون: ولو كان المكره غلاما لم يبلغ فأكرهه سلطان حتى قتل فلا شيء عليه، وله الميراث، وكذلك لو قلته من غير إكراه لأن قتل الصبي خطأ وقاتل الخطأ يرث من المال دون الدية. قال سحنون: والقود على الذي أكرهه، قاله بعض أصحابنا، وقال بعضهم: لا قود عليه، وقال بعض أصحابنا: ولو كان معتوها إلا أنه يعقل ما يؤمر به: فالقود على الآمر، وقال بعضهم: لا قود على الآمر وعليه الدية. قال سحنون وأهل العراق: ولو كان الآمر غلاما لم يحتلم إلا أنه يعقل أو رجلا به مرة إلا أنه مختلط العقل وهو مسلط يجوز إكراهه ويطاع في ذلك، فأكره رجلا على قتل رجل بتهديد بقتل أو تلف حتى قتله، فإنه يقتل القائل ولا ميراث له إن كان هو وارث/المقتول، لأنه فعل مالا يجوز له. قال سحنون: وإن كان المكره وارث المقتول وهو غير بالغ أو مختلط العق لا يجرى عليه قلم فلهما الميراث، لأنهما لو تعمدا القتل ورثا، ولو كان المكره الذي يرث المقتول كبير عاقلا لم يرث في قول أكثر أصحابنا، ولو أن الأب أكره رجلا على قتل ابنه وهو يعقل فقتله فقال أصحابنا: القود على القاتل ولا يرث الابن من الابن شيئا ولا قود على الأب. [10/ 272]
في الإكراه على قتل رجل نفسه أو إزالة بعض أعضائه أو هلاك ماله
في الإكراه على قتل رجل نفسه أو إزالة بعض أعضائه، أو هلاك ماله م أو على قتل عبده قال سحنون قال أصحابنا ومن خالفهم فيمن أكرهه لص غالب على قطع يد نفسه: إنه يسعه أن يقطعها، وأختلفوا في القصاص من المكره له فقال أصحابنا: لا قصاص له عليه لأنه لم يل الفعل وعليه دية اليد في ماله، وقال من خالفنا: له أن يقطع يد الذي أكرهه وقاله سحنون: وهو القياس. وقال عبد الله: روي مثله على أشهب في رجوع الشاهدين في القتل أو القطع وإقرارهما بالزور: أنه يقتص منهما، وبه قال محمد بن عبد الحكم، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وقد بينا ذلك في كتاب الشهادات. قال ابن سحنون: ولو أكرهه على أن يطرح نفسه في نهر أو نار أو يلقي نفسه من فوق بيت وتوعده في ذلك بالقتل فقال سحنون: لا يسعه أن يفعل ذلك لأن ذلك فيه تلف نفسه فتلف نفسه بفعل غيره أولى. وهذا إن كان تلفه في ذلك الفعل لا محالة، وإن كان قد يعيش منه أو لا يعيش/وسعه أن يفعل ذلك لرجاء البقاء، قال سحنون: فإن أخطأه البقاء وأصيب فالدية في مال الذي أكرهه. قال سحنون: ولو قيل له: لنقتلنك بالسياط أو بالعذاب أو بأمر هو اشد عليه من السيف أو لقتلن نفسك بهذا السيف لم يسعه أن يفعل ذلك بنفسه، وقال بعض أصحابنا: فإذا فعل ذلك الفعل الذي أكره عليه فتلفت نفسه لم يقتل الذي أكرهه وكانت عليه الدية في ماله وقد قيل: إنه يقتل. قال سحنون: فإذا أكره بقتل أو بقطع يده على طرح ماله في البحر أو أن يحرق ثيابه أو يكسر متاعه ففعل فإن من أكرهه يضمن له القيمة فيما يقول، والمثل فيما يوزن ويكال، وقال مثله أهل العراق وقالوا: وأما لو أكرهه بحبس أو بقيد لم يضمن وقد ناقضوا في هذا. [10/ 273]
في الإكراه على البيع والشراء، وكيف إن أحدث المشتري أو البائع في ذلك بيعا أو عتقا
قال سحنون: وإن أكرهه أن يأكل طعام نفسه أو يلبس ثوبه حتى خرقه فلا يضمن من أكرهه، لأن منفعة ذلك وصلت إليه. ولو أكرهه على أن يقتل عبد نفسه بسيف أو يقطع يده لم يسعه ذلك بخلاف شرب الخمر، فإن فعل اثم ويضمن له من أكرهه ما نقص العبد القطع، وقيمته إن قتله. قال سحنون: وإذا أكره السيد على قتل عبده وفي وقبته جناية خطأ بوعيد بقتل أو ضرب أو سجن فعلى السيد الأقل من قيمته أو من أرش جنايته لأهل الجناية، ثم رجع هو بذلك على من أكرهه. قال محمد: وإنما هذا من باب من أكره على إتلاف متاع رجل فيغرم ذلك المستهلك فيرجع بما غرم على من أكرهه. /في الإكراه على البيع والشراء، وكيف إن أحدث المشتري أو البائع في ذلك بيعا أو عتقا، أو أجاز أحدهما البيع بعد ذلك، أو كلاهما؟ من كتاب ابن سحنون: قال: أجمع أصحابنا وأهل العراق أن بيع المكره لا يلزمه قال: ولا خلاف في هذا بين العلماء. وكذلك ذكر أبو بكر الأبهري أنه إجماع. قال محمد: قال سحنون: وقال أصحابنا وأهل العراق: ولو أن لصوصا ممتنعين قال أصحابنا: أو غير ممتنعين أو غير لصوص أكرهوا رجلا بوعيد بقتل أو قطع أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يبيع عبده من فلان بألف درهم وهو يساوي ألفين، أو أمره بذلك وهو يخاف إن لم يفعل أن يناله ذلك لما رأى من [10/ 274]
حالهم قال أصحابنا: أو أكرهوه بوعيد بسجن أو قيد على أن يبيع ويدفع ويقبض الثمن والمشترى غير مكره فلما وقع البيع وتقايضا وتغرقا فال: قد أجزت هذا البيع وهو آمن: إن ذلك يلزمه، وكذلك أو لم يكن قبض الثمن ثم قبضه. قال سحنون: ولو أن المشترى أعتقه أو ديره قبل أن يجيز البائع البيع فالبائع مخير في إجازة البيع فيهم ذلك أو لا يجيزه وله أجر عبده، ويبطل العتق والتدبير، ولو كانت أمة فوطئها المشترى فأحتلها قبل أن يجير البائع فعليه الحد، وللبائع أخذها وولدها رقيق له، ولو أجاز البائع البيع بعد ذلك لم يلحق الولد بالمشترى ولم يسقط عنه الحد بذلك ولو لم يحدث في الأمة والعبد حدثا حتى قال المشترى للبائع: قد نقضت البيع/لأنك مكره فقال له البائع: فأنا أجيره ولا أنقضه فأن ذلك للبائع، ويلزم ذلك المشترى لأنه غير مكره وإنما الخيار لمن أكره، قال: ولو لم يكن هذا حتى باع المشترى العبد فإن البائع على الإكراه مخير في رد البيعين وأخذ عبده، أو يجيز البيع الأول ويأخذ الثمن من المشترى منه ويتم حينئذ البيع الثاني أيضًا، وإن شاء أبطل البيع الأول وأجاز المشتري وأخذ الذي قبضه البائع الثاني من المشترى الثاني على البائع الأول، وكذلك لو تداولته بيوع فكان له نقضها كلها أو يجيز منها ما شاء بثمنه، ولو أعتقه آخرهم فإن أبطل جميع البيوع بطل العتق، وإن أجاز البيوع أو آخر البيوع فعتق الآخر جائز، ويبطل من البيوع ما كان قبل الذي أجاز يبعه. قال سحنون: ولو كان إنما أكره المشتري على الشراء وعلى دفع الثمن وقبض العبد، والبائع غير مكره ففعل ذلك، ثم إن المشتري بعد أن قبض العبد أحدث فيه عتقا أو تدبيرا أو كتابة، أو كانت أمة فأحبلها أو قبلها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة أو قال: قد أجزت ذلك البيع فذلك كله يلزمه، وهو كمن [10/ 275]
اشترى بالخيار ثلاثا ثم فعل ذلك أيام الخيار، ولو كان البائع هو المكره فأعتقه المشتري أو دبره قبل يقضه فذلك باطل، وكذلك لو كان قبضه قال: ولو أعتقاه جميعا معا جاز عتق البائع ولم يجز عتق المشتري، لأن البائع هو المكره فلم/يدخل في ملك المشتري بعد. قال سحنون: ولو أن المتبايعين أكرها على التبايع التقابض ففعلا، ثم أجاز أحدهما البيع آمنا فالأمر للآخر كأنه بالخيار، فإن أجازا جميعا جاز وإلا رد فإن أجازه البائع سئل المشتري: فإن أجازه تم وإلا رد. وما أحدث المشتري فيه من عتق باطل إلا أن يجيز البائع البيع فيكون كأنهما أجازا، وعلى المشتري الثمن، ولو أعتقاه جميعا قبل الإجازة كان عتق البائع أولى، ولو أعتقاه بعد أن أجاز البائع البيع فعتق البائع باطل لأنه أعتق ما تم فيه ملك المشتري، ويتم عتق المشتري في قول بعض أصحابنا إذا أعتق بعد علمه بإجازة البائع، قال بعضهم: لا يتم عتق واحد منهما إلا بعد إجازة البائع منهما ولو أن المشتري أجاز البيع أولا ثم أعتقاه جميعا جاز عتق البائع وبطل عتق المشتري لأنه في ملك البائع بعد. قال سحنون: ولو أجاز البائع البيع بعد عتق المشتري فذلك إجازة منهما ويتم العتق، وإن كان البائع أعتق أولا فقد نقض البيع ولزمه العتق ويبطل عتق المشتري بعده، ولو أعتق البائع بعد أن أجاز البيع ثم أعتق المشتري فالعتق في قول بعض أصحابنا للمشتري، ولو كان الذي أجاز البيع أول مرة المشتري ولم يجز البائع فعتق البائع جائز ولا عتق للمشتري، ولو أعتقاه جميعا بعد إجازة البائع للبيع فعتق المشتري أولى في قول بعض أصحابنا، وإن أعتقاد جميعا معا بعد إجازة المشتري فالعتق عتق البائع لأن ملك البائع غير مستقل بإجازة المشتري. [10/ 276]
قال محمد:/قال أهل العراق معنا فيمن أكره على البيع فباع فالبيع باطل وهذا إجماع العلماء أن البيع على الإكراه باطل، قال محمد: وفي هذا دليل على أن البيع غير ناقل للملك، ثم نقض هذا أهل العراق فجعلوا المشتري إذا اعتق أو دبر العبد المبيع أو أولد الأمة فليس للبائع رد ذلك، ويسألون: هل بيع الإكراه ناقل؟ فإن قالوا: لا. بطل عتق المشتري وتدبيره كما بطلت هبته، وإن كان ناقلا للملك: فأجيروا كل شيء صنع المشتري من هبة وغيرها. وإذا قصد المشتري الشراء بعد علمه بالإكراه صار كالغاصب، وقد أجمع العلماء في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده، وقد قال من خالفنا: إن له أن يضمن إن شاء الذي ولي الإكراه، وإن شاء المشتري المعتق فقد جعلوه في معنى الغاصب، وقد أجمعوا أن بيع المشتري وصدقته باطل، وأن بيع المشتري الشراء الفاسد ماض وموجب للقيمة ففارق المشتري شراء فاسدا: المشتري من المكره على البيع، وصار كالغاصب، وقال من خالفنا: وإن أكره على بيع أمته بألف، وقيمتها أكثر فباعها بأقل من ألف: إن القياس أن يجوز البيع وفي الإستحسان إبطاله، وقال ابن سحنون: بل القياس إبطاله، لأن الإكراه واقع على البيع ولا ينظر إلى الثمن، وقد أجمعوا على أنه لو أكرهوه على بيعها بعشرة آلاف وقيمتها ألف ففعل: أن البيع باطل قالوا: ولو باعها بألفي درهم لم يكن إكراها لأنه بأكثر مما/أكره عليه. [قال عبد الله: قوله: بأكثر كذلك وقع في الأم واراه بأقل]، قال سحنون: البيع باطل إذا كان لم يخرجها من يد المكره إلا البيع، ولو اكره على بيعها بألف فباعها بألفين فإن كان قادرا على أن لا يبيعها أصلا فهذا يلزمه البيع، فأما إن لم يكن له بدا من البيع فبأي معنى باع فلا يلزمه. قال أصحابنا ومن خالفنهم: ومن أره على بيع عبده وعلى قبض ثمنه، وأكره الآخر على شرائه ودفع ثمنه إلية ففعلا ذلك، فإن الذي أكرههما يضمن العبد لربه والثمن لدافعه. [10/ 277]
قال سحنون: وإن قابض الثمن: ضاع مني صدق إن كان مما يغاب عليه، وليس لأحدهما أن يضمن صاحبه شيئا، قال غيرنا: فإن طلب واحد منهما تضمين صاحبه: سئل كل واحد منهما: على أي شيء قبض ما قبض؟ فإن قال: على البيع الذي أكرهنا عليه على أنا راضيان به جميعا لم يضمن مكرههما شيئا، وإن حلفا جميعا ولم يرجع أحدهما على الآخر بشيء، ورجعا على من أكرههما. قال سحنون: لا يسألهما القاضي على الاعتقاد في القبض ظاهره إكراه إلا أن يتقارا بما ذكر فيكون الأمر كما قال. قال من حالفنا: وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لم يضمن الحالف وضمن الناكل إن كان هو قابض العبد، فإن لبائعه أن يضمن الذي أكرههما قيمته إن شاء ويرجع إذا أدي ذلك بما أدى على المشتري الناكل، لأن متولي اإكراه إنما يضمن بإكراهه إياهما على القبض وقد كان البيع قبل القبض، وإن شاء البائع ضمن/المشتري قابض العبد ثم لا يرجع المشتري على من ولي الإكراه بشيء لأنه مقر أنه قبضه على غير إكراه له وليكن له سالما، يريد: بنكوله عن اليمين، ولا يرجع أيضًا على البائع بشيء، وإن كان الناكل قابض المال فلا يضمن متولي الإكراه في العبد شيئا لأن دافعه مقر أنه دفعه راضيا بأخذ الثمن ولا شيء له أيضًا على قابضه [لأن قابضه] حلف: إنما قبضه ليرده، ودافع الثمن مخير أن يضمن قابضه أو يضمن من ولي الإكراه، فإن ضمن قابضه لم يرجع على متولي الإكراه بشيء، وإن ضمن متولي الإكراه الثمن رجع متولي الإكراه به على قابضه، لأن قابضه يزعم أنه أعطاه عيده وأخذ الثمن راضيا، به ويدفع العبد، فصار قابض العبد كأنه لم يقبضه حين لم يلزمه ضمانه، فصار البائع قابض للثمن بغير حق وهو غير مكره فصار ضامنا له، قال سحنون: ولا يمين على واحد منهما لظهور الإكراه، ولكن إن أقر البائع مبتدأ أنه [10/ 278]
باع عبده بيع غبطة على إكراه، وأنه دفعه ليسلم له الثمن رضاء بالبيع فلا ضمان له على قابض العبد إن هلك بيده، لأنه قبضه مكرها ليرده ولا ضمان للبائع على متولي الإكراه لأنه مقر أنه دفعه راضيا بأخذ الثمن فيه، فعليه رد الثمن وضمان العبد منه، وهو ضامن للثمن والمبتاع مخير إن شاء تماسك بالعبد وإن شاء رده وأخذ ثمنه من البائع ثم لا يرجع به البائع على متولي الإكراه/لأنه مقر أنه باع راضيا وأخذ الثمن فصار منه. قال محمد: فإن كان البائع معدما فللبمتاع تضمين متولي الإكراه فيأخذ منه الثمن، ثم لمتولي الإكراه أن يرجع بذلك على البائع لأنه مقر أنه قبضه راضيا بالبيع فكأنه لم يكرهه. قال سحنون: فإن قال المشتري: قبضت العبد في الإكراه راضيا بالبيع فإن كان قائما: فربه مخير بين الرضا بذلك وحبس الثمن أو رده وأخذ عبده، فإن هلك بيد المبتاع ضمنه، فإن كان ما قبض فيه البائع مثل قيمته يوم الإكراه فأكثر فلا شيء له غيره لا على المبتاع ولا على من ولي الإكراه، وإن كان أقل من القيمة فإني أستحسن له طلب تمام القيمة من متولي الإكراه، قال محمد: والقياس أن يكون مخيرا في إتباع من ولي الإكراه أو المشتري، ومن ودي منهما فلا رجوع له على الآخر. قال سحنون: وإذا قال البائع: قد ضاع مني الثمن فإن أقام بذلك بينة لم يضمنه ويأخذ عبده إن لم يفت والثمن من المبتاع وليس له رجوع به على متولي الإكراه لأنه مقر أنه دفعه رضي بالبيع، وإن كان العبد قد هلك بيد المبتاع، فضمانه منه، وللبائع أن يرجع بقيمته على الذي أكرههما إن تلف الثمن من يده ثم لا يرجع متولي الإكراه بذلك على المبتاع، ولو طلب البائع تضمين المبتاع [10/ 279]
قيمة العبد ويدع الذي أكرههما فذلك له ثم لا يرجع بذلك المبتاع على متولي الإكراه لأنه مقر أنه إنما قبضه البائع على أن المشتري راض بالشراء، فإن لم تقم/بينة للبائع بهلاك الثمن فهو له ضامن وقد كان يقول: لا يضمنه ويصدق في تلفه ويكون من المشتري. قال من خالفنا: ولو كان إنما أكرههما على التبايع فلم يذكر التقابض فتبايعا ثم فارقاه فتقابضا فهذا جائز والبيع تام بينهما وتقابضهما رضي بالبيع، قال سحنون: وذلك إذا تقابضا آمنين لا يتعقبان أمرا، فأما إن تقابضا على تقية فهو كالإكراه على القبض واعتل أصحابنا فقالوا: لأنهما لو أجازا البيع آمنين بعد أن أكرها على البيع والقبض أو البيع بلا قبض فإن البيع يجوز ويتم، وقال من خالفنا: وإن أكرههما على التبايع والتقابض بما ليس فيه تلف من وعيد بسجن أو قيد وتقابضا على ذلك فالبيع لا يجوز، فإن ضاع عندهما فكل واحد منهما ضامن لما قبض ولا يضمنه من أكرههما لأنه لم يكرههما بما فيه تلف فلذلك ضمن كل واحد ما قبض إذا كان لا يجوز لهما أن يأخذ أحد منهما مال صاحبه بتهديد بالقيد والحبس. وقال أصحابنا: الإكراه بالوعيد بالقيد والحبس في معنى الوعيد بالقتل وقطع العضو والحكم في الأمرين سواء. قال محمد: وقد جامعونا في الوعيد بالقيد والسجن على أن يقر لفلان بكذا أن ذلك باطل، فاجتمعت الأمة في هذا بتساوي الإكراهين فيه، وهذا نقض على من خالفونا فيه من الإكراه على البيع والهبة، وكذلك قالوا: إن أكره بوعيد بقتل أو بسجن أو بقيد على أنه يقر انه أعتق أو طلق أو تزوج فلانه أو عفا عن/دم في نفس أو جراح أن ذلك كله باطل في إجماعهم. وفرق مخالفنا بين الإكراه بهذا على العفو الماضي والعفو المستقبل، كذلك على عتق أو طلاق مستقبل فهذا عندهم يلزمه ولا يلزمه الماضي إذا أكره على الإقرار به بأي إكراه، قالوا: لأن الإكراه على الإقرار كذلك بخلاف الإكراه على [10/ 280]
في المضغوط بالإكراه على غرم مال ظلما فيبيع عرضه وعقاره في ذلك
الفعل، ولا فرق بين طلاق ماض وعتق ماض يقر به وبين طلاق أو عتق يبتدئه لأن العلة في أبطال الماضي هي الإكراه وهي قائمة في المستقبل. في المضغوط بالإكراه على غرم مال ظلما فيبيع عرضه وعقاره في ذلك أو يبيعه أحد من أوليائه من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ومن أخذ بمال ظلما ليؤديه فأكرهوه على أدائه ولم يذكروا له بيع شبه فباع متاعه أو أمته ليؤدي ذلك المال: إن البيع باطل وكذلك بيع النبط والقبط الذين يعلقون فيبيعون بعض أموالهم ليؤدوا ما علقوا فيه فبيعهم باطل. قال محمد: وهذا القياس لأن الذي أضطرهم إلى البيع هو الإكراه والتعليق والعذاب، فلما صح أن البيع لرفع ما نزل بهم ثبت أن البيع لعلة الإضطراب وقد أجمعنا على إبطال بيع المكره، وقال من خالفنا: إن البيع جائز لأنهم لم يكرهوا على البيع، ولو أخذوه بمال وأكرهوه على بيع أمته ليأخذوا المال فالبيع باطل ودي المال من ثمنها أو لم يؤده،/لأنه مكره على البيع فكل ما باع فهو فيه مكره. ومن كتاب ابن حبيب: قال: وسألت مطرفا عن بيع أهل المضغوط متاعه في غير حق لزمه إلا في ظلم الوالي له، قال: سمعت مالكا قال في أهل الذمة: يضغطون فيما تعدي عليهم من جزيتهم وأخذ منهم بغير حق فيرهقون عليه حتى يلجؤون إلى بيع متاعهم في ذلك فذلك بيع لا يجوز عليهم وهم أولى بما باعوا أن يأخذوه بلا ثمن، وليبع المشتري بالثمن ذلك الظالم الذي وصل إليه. [10/ 281]
قال مطرف: فكذلك في بيع المسلم المضغوط بل هو أعظم حرمة ولأنه بيع إكراه والمكره لا يلزمه ما أكره على فعله من بيع أو طلاق أو عتق ونحوه. قال ابن حبيب: وقاله لي عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ وقالا: إنه قول ابن القاسم وروايته عن مالك. قال مطرف: وسواء دفع الثمن إلى المضغوط فدفعه المضغوط إلى الظالم الذي ضغطه، أو قبضه الظالم من المبتاع وللمبتاع أخذ متاعه إذا ظفر به كان بيد مبتاعه منه أو بيد ابتاعه من ذلك المشتري أيضًا فله أخذه بلا ثمن يؤديه وليتراجع الباعة ثمنه حتى يرجع به على الظالم قال: ولو أن الظالم إنما وكل بذلك بعض أعوانه حتى يبيع ويأخذ منه الثمن فقبضه الوكيل، فللمبتاع أن يرجع بالثمن إن شاء على الوكيل وإن شاء فعلى من وكله إذا ثبت أنه أوصل المال إليه، أو ثبت أنه أمر الوكيل بقبضه، وأن الوكيل قبضه فكلاهما ضامن مأخوذ به،/وكذلك المظلوم ولو وجد متاعه قد فات فله أن يرجع بقيمته أو بثمنه الذي بيع له أيهما أكثر إن شاي على الوكيل أو على الذي وكله على ما بينا. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: مثل ذلك كله. وقال مطرف: وإن ادعى أنه لم يرض ما امره به الظالم من رهق المظلوم وإغرامه وأنه خاف إن لم يفعل أن يعاقب فلا عذرا له في ذلك، وكان من أعوانه أو من غير أعوانه ممن قد أمره بذلك، وقد قال النبي عليه والسلام: لا طاعة لمخلوق في معصيته الخالق وكذلك كل ما أمره أن يفعله في مسلم ظلما من قتله أو قطعه أو جلده أو أخذ ماله وهو يخاف إن لم يفعل نزل به مثل ذلك فلا يسعه أن يفعل، فإن فعل لزمه القود بما قتل أو قطع أو ضرب، والغرم إن أغرم أحدا شيئا أو قيمة ما باع له. [10/ 282]
قال عبد الله: قوله أو ضرب يعني: أنه يؤدب لا بمعنى القصاص في الضرب قال: ولا يسعه لو هدد بالقتل على أن يزني أو أن يجلد رجلا أو يقطع أو يقتله فلا يفعل وإن قتل إن لم يفعله، وكذلك قال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ. قال مطرف: وإذا عرف بيع المظلوم متاعه في مظلمته ثم لا يدري أوصل الثمن إلى الظالم في ذلك المغرم أو صرفه في مصالح نفسه، فإذا كان ظلمه له وعداؤه عليه وقهره له معروفا حتى باع متاعه فإنه يحمل على أنا لثمن وصل إلى الظالم حتى يستقين أن ذلك دخل في غير مظلمته وفي منافعه فلا يصل حينئذ إلى أخذ متاعه حتى يدفع الثمن إلى متاعه، وقاله/ابن عبد الحكم وأصبغ. قلت لمطرف: وسواء عرف المشتري أن ما اشتري لمضغوط أو لم يعلم فإنهم يخرجونهم عندنا من السجن بغير وكيل ولا حديد فيقفون لبيع أمتعاتهم فإذا أمسوا ردوا إلى السجن وقد وكل بهم حراس، أو أخذ عليهم حملاء، والمشتري لا يعلم بذلك أو يعلم، ومنهم من هو ظاهر في كبل وعذاب، ومنهم هارب وقد أخذ متاعه يباع قد أمر بعض أهله ببيعه، قال: كل هذا سواء وهو بيع الإكراه لأنه أسير مغلوب فلا تباع، علم المبتاع أو جهل إلا أن من علم مأثوم بالقصد، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ. قلت لمطرف: فإن منهم من ليس عنده إلا ما يبيع ومنهم الملي، المستغني عن البيع وعنده العين ولكنه يخاف إن فعل ذلك زيد عليه في الغرم فقال: ذلك سواء وكلاهما مظلوم مضغوط، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال مطرف: من كان من المشترين يعلم حال المضغوط فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب، وأما من لا يعلم منهم ونشتري منه في السوق ولا يعلم فلا يضمن الرقيق والحيوان ويضمن ما انتفع فأكله ولبسه والغلة له، وأما العالم فلا علة له وهو [10/ 283]
في المضغوط يبيع ولده أو زوجته أو أبوه متاع أنفسهم في فدائه
لها ضامن، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال مطرف: كل ما أحدث المبتاع فيما ابتاع من ذلك من عتق أو تدبير أو كتابة فلا يلزم المظغوط وله أخذ رقيقه كان المبتاع قد علم حاله أو لم يعلم، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. قال مطرف: وإذا أخذه بمال ظلما مثل أن يحمله مغارم الذين خلوا من بلده وغير/ذلك من الظلم فيقول له: دعني أبع متاعي وأود متاعي فيدعه بلا حميل ولا وكيل ولا حرس اقتدارا عليه فيبقى مسرحا يقدر أن يهرب إلا أنه يخشى إن هرب خالفه إلى منزله بالاجتياح والمعرة في أهله فيقيم ويبيع رقيقه ومتاعه لذلك، فهو عندنا مثل من هو في حبس أو موكل به، لأنه في قبضته وسواء أمره ببيع متاعه أو أمر بذلك بعض أعوانه، وقاله ابن عبد الحكم. في المضغوط يبيع ولده، أو زوجته، أو أبوه متاع أنفسهم في فدائه قال ابن حبيب: قال مطرف في المضغوط يرهق في غير حق فتبيع زوجته أو ابنه أو أبوه قربيه متاع أنفسهم في افتكاكه قال: هؤلاء يلزمهم البيع بخلاف بيع متاع المضغوط، لأن هؤلاء لو لم يبيعوا متاعهم لم يطلبوا، فلهم أجر ما احتسوا، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. في بيع أهل الذمة فيما يؤخذون به قال ابن حبيب: قال مطرف: وأما ما باع أهل الذمة فيما يؤخذون به من جزيتهم ويعذبون على أدائه، فإذا لم يتعد عليهم بالزيادة في جزيتهم فبيعهم لازم وكذلك فيما صولح عليه أهل الصلح، وما جعل على أهل العنوة من الجزية إن لم [10/ 284]
في المضغوط يعطي حميلا أو يتسلف هل يلزمه؟
يتعد عليهم في ذلك بظلم وزيادة، وكان ينبغي أن يرفق بهم في ذلك ولا يقدحوا، وأما ما باعوا فيما يظلمون به ويتعدى عليهم فهو كبيع المظغوط من المسلمين بالظلم وإذا واجروا أولادهم/في حال الظلم والعداء لم يجز أن يدخل في ذلك، ومن فعله فعليه أجر مثله ثانية ولا يحاسب بالأول، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. في المضغوط يعطى حميلا، أو يتسلف هل يلزمه؟ وهل يلزمه ما باع من عروضع لذلك؟ قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا أعطى المضغوط حميلا فيما أخذ منه من الظلم لينفسخ في جمع ما أخذ به، فما باع على هذا فهو كبيع من هو في سجن أو كبل. ولو تغيب فودي الحميل ما ضمن فإنه لا يرجع بذلك على المضغوط لأنه ظلم لم يرض ب المضغوط، ولو أن الحميل ضغط فيما ضمن عنه حتى باع متاعه بالرهق والحبس فهو كبيع المضغوط لا يلزم، وقاله محمد بن عبد الحكم وأصبغ. وروى بعض الأندلسيين عن ابن مزين عن أصبغ في المكره على غرم مال بغير حق فيتسلف من الرجل في ذلك: إن له أن يرجع عليه بما تسلف بخلاف البيع لأن السلف معروف، قال الفضل بن سلمة: وكذلك على أصله الكفالة لأنها معروف. في الوالي يغزل فيكره على غرم مال فيبيع فيه رقيقه ومتاعه قال ابن حبيب: قلت لمطرف في العامل يعزله الوالي على سخطة فيغرمه مالا على رهق وعذاب حتى يلجأ إلى بيع رقيقه ومتاعه، أبكون كبيع المضغوط [10/ 285]
في أشرية الأمراء العقار والرقيق من أهل عملهم
المظلوم ويرجع فيأخذ متاعه بلا ثمن؟ قال: لا وإنما قال ذلك مالك في المضغوط مظلوما فأما الظالم المتعدي فبيعه في ضغطته يلزمه ولا رجوع له فيه سواء كان الذي عزله يرد ما/أغرمه على من كان يظلمه المعزول أو يأخذه لنفسه على غير تحرى للعدل فذلك بيع ماض كالمضغوط في حق عليه أو دين يبيعه فيه، لأن إغرام العمال فيما أخذوه للناس ظلما وعاثوا فيه فذلك حق فعله الوالي بهم، وكان عليه أن يرده إلى أهله، فإذا حبسه فهو ظالم في حبسه كظلمه للرعية في غير ذلك، وقد كان ينبغي للوالي أن يغرمهم لكل من طلموه وأخذوا منه شيئا ظلما ولا حجة لهم إن قالوا: أخذنا ذلك لمن ولانا ويقاد منهم لكل من جلدوه بغير حق أو قطعوه، ويقاد منهم في القتل بغير حق وسواء ولي لهذا بطوع أو كره. قلت له: ومن العمال عندنا من يتقبل الكورة بمال يلزمه نفسه، ثم يأخذ الناس بما شاء من الظلم، فربما عزل عجز ذلك عليه فطولب فيه بالرهق والعذاب حتى يبيع متاعه: نعم بيع هذا ماض عليه كان مطلقا أو غير مطلق حين بيعه، وكذلك متقبلوا المعادن فيما عجز عليهم فيؤخذون بذلك فيبيعون في ضغطة فذلك نافذ عليهم، وقاله وقاله لي ابن عبد الحكم وأصبغ. في أشرية الأمراء العقار والرقيق من أهل عملهم قال ابن حبيب: سألت مطرفا عن أشريه الأمراء دور أهل بلدهم ووصفت له حالهم فقلت له: إن أميرهم ربما سخط عليهم فقتل رجالا منهم ونفى الباقين من بلدهم من دورهم وقراهم إلى أقصى بلدهم، ثم أخذ في أشريه ذلك منهم وهم منفيون فيأتي الرجل منهم/فيدخل البلد آمنا حتى يشتري منه قريته أو داره وينقده الثمن ثم يؤمر بالخروج عن بلده إلى موضع كان فيه، ومنهم من يؤذن له بالمقام قال: إذا لم يرد عليهم رباعهم قبل الشراء ردا بينا في أمن حتى يملكوها في أمن إن شاؤا باعوا وإن شاؤا أمسكوا غير منفيين عنها ولا مشردين، فلا يجوز بيعهم ولا يلزمهم، وذلك كالغاصب للشيء يشتريه من ربه قبل أن يمكنه فيه ويرده إليه [10/ 286]
فلا يجوز ذلك إلا على ما بينت لك، قلت: إنهم لم يغصبوهم قراهم: إنما نفوهم منها سخطة عليهم ويقيت خالية إلا أهم ممنوعون عنها ومدفوعون عنها، قال: هذا هو الغصب نفسه، ولا يجوز بيعهم إلا على ما ذكرت لك، أحق بما باعوا أن يسترجعوه ويقاضوا في الأثمان التي أخذوا بما أصيب من غلاتهم أرضهم ودورهم، وعليهم قيمة بني في القراض من البنان منقوضا، قال:: ولو كان إنما باعوا من غير الذي نفاهم ثم خلص المشتري من يد الذي نفاهم، قال: يكون سبيل هذا الشراء سبيل البيع الفاسد إذا كان ممنوعا من صاحبه في وقت بيعه فهو بيع مفسوخ متى ما عثر عليه، وغلته للمشتري، ولا كراء عليه فيما سكن وازدرع، قلت: فما بني في القراض؟ قال: إن كان البائع كان قادرا على حقه حين زال من يد الذي نفاه عنه إلى يد المشتري بإزاله قيمته يومئذ إذا فات بالبنيان، وإن كان البائع كان أبدا ممنوعا من حقه. وبعد أن زايل يد الذي نفاه عنه إلى يد المشتري حتى لو قام/فيه يومئذ منه فأراه كالمستحق له، وقد بنى بشبهة لأنه يوم فات بالبناء كان ممنوعا معه ففارق هاهنا البيع الفاسد، وليحكم في المستحق من قيمة البناء قائما بعد أن يرد إليه رأس ماله، وهذا إن كان المشتري ليس من أهل الذي نفاهم ولا من أعوانه، فإن كان منهم فشراؤه كشراء الظالم نفسه منهم. وقال ابن الماجشون: مثل ذلك كله، وكذلك قال ابن عبد الحكم وأصبغ قلت لمطرف: فلو أمنوا بعد تشريدهم فرجعوا إلى بلدهم وأمنوا على دمائهم وأموالهم غير أنهم منعوا من البناء في عراصهم التي تهدمت ومنع الناس جميعا البنيان إلا من كان منهم يحاص فباعوا عراصهم تلك؟ قال: أرى بيعهم جائزا لأنهم باعوا ما قد رد عليهم، ولو شاءوا تركوها في ملكهم إلى أن يؤذن لهم في بنائها إلا أن يكون المشتري هو السلطان الذي منعهم البنيان أو أحد من أعوانه، فيكون كالغاصب، وقال مثله ابن الماجشون وانب عبد الحكم وأصبغ. [10/ 287]
فيمن أكره على شراء من يعتق عليه أو على شراء عبد حلف بحريته إن اشتراه
قلت لمطرف: فشراؤهم رقيق الناس وهم إذا هووا العبد أعطوا ربه بخسا من الثمن ولا يسعه أن يأبى أخذه فيأخذه كارها، قال: هو كبيع المكره ولا يضره قبضه للثمن وله أخذ عبده إذا قدر، وأخذ خراجه أو أجرة عمله إن كان له عمل، ويقاص بذلك في الثمن الذي أخذه، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. قلت لمطرف: فيمن خاف أن يبيع منهم عبده فأعتقه أو دبره أو كاتبه وأشهد سرا: أني أقبل ذلك ليقر العبد عندي ولا يستتبع منه، قال: ذلك جائز إذا أشهدهم حين يريد أن يفعل،/ويشهدهم أو غيرهم على العتق والتدبير، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. فيمن أكره على شراء من يعتق عليه، أو على أن يملك عبده العتق، أو يحلف بالحرية، أو يكره على أن يهب عبده أو يبيعه فأعتقه الموهوب أو المشتري من كتاب ابن سحنون: وقال من خالفنا: وإذا أكره على أن يشتري من يعتق عليه، أو على شراء أمة حلف بعتقها إن اشتراها وقد أكره على شرائها بأكثر من القيمة ففعل أنهما يعتقان، ولا يغرم إلا القيمة ويرجع بما زاد عليها إن دفع الثمن إلى البائع، فيقاصه ولا يرجع على من أكرهه بشيء، وكذلك لو كانت يمينه: إن اشتريتها فهي مدبرة فألزموه التدبير قالوا: وأما لو أكرهه على عتق عبده ففعل فهذا يعتق ويرجع بقيمته على من أكرهه. قال محمد: وقد نقضوا أصلهم في هذا، ثم نقضوا هذا أيضًا فقالوا: ولو اكرهه على أن يجعل عتق عبده بيد رجل وطلاق امرأته ولم بين بها فطلق الرجل عليه وأعتق: إن ذلك يلزمه ويغرم من أكرهه له قيمة العبد ونصف الصداق. [10/ 288]
قال محمد: والمكره على شراء ابنه أبين في أن يضمن، لأن ذلك أكره على أن يوكل فأعتق الوكيل وهذا إكراه على شراء كان عنه العتق، فهذه مناقضة وقالوا: لو أكره على أنه يقول: كل عبد أملكه في المستقبل حر، ثم ملك عبدا بشراء أو غيره: إنه حر ولا يضمن من أكرهه وهذه مناقضة، ثم نقضوا هذا فقالوا: ويستحسن أن لو ملكه بميراث أن يضمن من أكرهه/أن يكون إكراهه بقيد أو سجن فلا يضمن قالوا: وإن أكره على أن يقول لعبده: إن شئت الحرية فأنت حر قال: فشاء العبد الحرية، أو على أن يقول له: إن دخلت الدار [فأنت حر]: ثم دخل العبد الدار إنه حر ويضمن قيمته من أكره السيد، وهذا رجوع عن قولهم في الإكراه على شراء من يعتق عليه وقالوا: وإن أكره على أن قال لعبده: إن صليت فأنت حر أو إن كانت أو شربت فأنت حر فقال ذلك، وفعل العبد ذلك: إنه ويضمن من أكره السيد، وأما إن أكره على أن يقول: إن تقاضيت ديني على فلان أو إن أكلت طعاما غدا أو دخلت دار فلان فأنت حر فقال ذلك، وفعل العبد ذلك، فهو حر ولا يضمن من أكرهه شيئا. قال محمد: وهذا مناقضة. قال سحنون: والمكره على شراء من يعتق عليه أو على أن يحلف بعتق من يملك إلى أجل فيفعل، أو على تمليك العبد العتق، أو على أن يحلف بحريته إن فعل كذا وكذا فيفعل ذلك، ويكون ما حلف عليه، فذلك كله باطل لا يلزمه. وقال من خالفنا: وإذا أكره على أن يهب أمته وعلى أن يدفعها إلى الموهوب ففعل فأعتقها الموهوب أو دبرها أو أولدها فذلك ماض، ولربها تضمينه قيمتها، ثم لا يرجع الغارم بشيء على متولي الإكراه، ولربها طلب الذي أكرهه بذلك ثم يرجع بما ودي على الموهوب. [10/ 289]
فيمن أكره على أن يفعل شيئأ فيفعل غيره، مثل أن يكره على أن يبيع فيهب
قال سحنون: ذلك كله باطل ولربها أخذها، وإن أولدها الموهوب فهو زان ولربها أخذ الولد معها رقيقا، وله في التي ولدت خاصة تركها وتغريم/المكره له قيمتها لأن الولادة تنقصها وليس له ذلك في العتق والتدبير لأنه لم ينقصها، وكذلك المشتري على الإكراه يولدها إذا علم بالإكراه فهو كالغاصب، وليس له في العتق والتدبير تضمين واحد منها لا متولي الإكراه ولا الموهوب إلى المشتري، وللمكره في البيع إجازة البيع وأخذ الثمن وله أن يضمن من أكرهه قيمتها إذا ولدت ثم يرجع إذا ودي القيمة على المبتاع بالأقل منها أو من الثمن، ويرد الثمن أو يقاصه به. قال سحنون: والإكراه علي البيع والهبة غير مزيل للملك، فما أحدث المشتري في ذلك فهو في غير ملكه، وقد جامعونا فيما أحدث من بيع أو هبة أو صدقة: أنه مردود وإن قبض بذلك وفرقوا بين ذلك وبين من أحدث من عتق وتدبير وإيلاد، ولا فرق ببين ذلك، وما جامعونا فيه حجة لنا فيما خالفونا فيه من ذلك. وفي باب الإكراه علي البيع تمام القول في هذا والحجة فيه. فمن أكره على أن يفعل شيئا فيفعل غيره، مثل أن يكره على أن يبيع فيهب أو يبيع على غير الوجه الذي أكره عليه، أو على أن يهبه فيتصدق عليه، أو يحله، أو على الصدقة فوهبه ونحو هذا قال ابن سحنون: قال سحنون: ومن أكره بوعيد بقتل أو قطع وما فيه تلف أو يقيد أو بسجن على أن يبيع أمته من فلان/فوهبها له إن ذلك باطل، لأنه فعل مكره، وكذلك لو أكره على أن يقر له بألف درهم فوهب له ألف درهم فذلك باطل حتى يهبه وهو آمن. [10/ 290]
وقال من خالفنا في الوجهين: إن ذلك جائز، وجامعونا على أنه إن أكره على أن يبيع أمته ولم يسم له أحد فباعها أن البيع باطل، ويلزمهم أن يجيزوا البيع لأنه لم يكره على البيع من هذا بعينه كما قالوا: إذا أكره على أن يقر له فوهب له أن ذلك لازم قالوا: وإن أكره على أن يبيعها من فلان بألف درهم فباعها منه بألف دينار: إن القياس إجازة البيع، وفي الإستحسان إبطال البيع لأن الدنانير والدراهم شيء واحد في البيوع، قال محمد: وإذا كان شيء واحد فهو نقص لما قالوا إذا أكره على أن يقر له بألف درهم فأقر له بمائة دينار إن ذلك حائز ولا فرق بين هذا. وقال سحنون: لا يجوز البيع في جميع هذا وكذلك لو أخذ بمال ظلما أو كره على أدائه ولم يكره على بيع شيء فباع شيئا ليؤدي ذلك: إن البيع باطل وغيرنا يجيزه، وذلك باطل لأن الإكراه سببه وقد تقدم هذا في باب آخر. قال سحنون: وإذا أكره على أن يهب الرجل فيتصدق عليه أو على أن يتصدق عليه فوهبه فذلك غير لازم. وقال أهل العراق: إن ذلك يلزمه لأنه غير ما أكره عليه. قال سحنون: وهذا فاسد/إلا أن يكون قادرا على إمساك سلعته والامتناع من الأمر الذي يزيلها عن ملكه فهو إن أخرجها من ملكه بأي معنى كان قادرا ألا يفعله فهذا يلزمه ما فعل. وقد جامعونا على أنه إن أكره على أن يهبها له ويدفعها إليه فنحلها له أو أعمره إياها: إن ذلك باطل قالوا: لأن الهبة والعمرى والنحل بمعني واحد والصدقة غير ذلك وقلنا: وإنما بطل ذلك لأنه فعل عن إكراه. قال سحنون: ولو شهد شاهدان على رجل لرجل فقال أحدهما: إنه نحله هذه الدار وقبضها، وقال الآخر: إنه أعمره إياها كانت الشهادة مختلفة وإن [10/ 291]
ادعى المدعي شهادتها بطلت كلها، وإن ادعى شهادة أحدهما حلف معه وقضي له، لأن العمري عندنا راجعة بعد موت المعمر إلى صاحبها بخلاف الهبة. ولو شهد أحدهما بالهبة لغير ثواب، وشهد الآخر أنه نحله أياها أو تصدق بها عليه فهذا معنى واحد ويقضي بها للمدعي. ولو قال: إنه تصدق بها عليه وقال الآخر: إنه وهبها له للثواب فالشهادة مختلفة، وإن ادعى أحدهما حلف مع شاهده بذلك، فإن ادعى هبة الثواب غرم الثواب، وإن ادعى شهادتهما جميعا بطلت دعواه. قال سحنون: وإن أكره على أن يهب ويدفع فوهب على عوض ودفع وقبض العوض فذلك غير لازم له. قال: ومن خالفنا يلزمه ذلك لأن هذا كالبيع. قال سحنون ولو/أكره على أن يهب على عوض فوهب على غير عوض فلا يلزمه، لأنه إنما أكره على إزالة الملك، وقال أهل العراق: ذلك يلزمه. قال محمد: وقد جامعونا إنه إن أكره على أن يهب على عوض ويدفع فباع ذلك ودفع وقبض: أن ذلك باطل، وكذلك إن أكره على البيع فوهب على عوض، وهذا دليل أن الإكراه إنما على إزالة الملك، قالوا جميعا: وإن أكرهه على أن يهبه ويدفع ففعل ثم عوضه الآخر بغير إكراه فقبله، فذلك إجازة منه لهبته. قال سحنون: وذلك إذا قبض العوض آمنا في موضع لو قام المكره على هبته لأخذها، فإن قال المكره: لا أسلم العوض وقد سلمت أنت الهبة حين رضيت بالعوض فلا أدفع أليك العوض، فليس له ذلك لأنه إنما أسلم الهبة على العوض فهو كإشتراط العوض، قالوا جميعا: ألا ترى لو وهب رجل جاريتي وقلت له: عوضني منها فعوضني عوضا قبضته كان هذا إجازة للهبة، وإن أبى هو من [10/ 292]
العوض فليست بإجازة، وكذلك لو أكره على بيع عبده بألف درهم وعلى دفعه وقبض الثمن ففعل ثم قال له: زدني في البيع كذا على أن أجيز البيع فلا تكون إجازة حتى يزيده الآخر، وإن لم يزده فله رد البيع. قال سحنون: ولو أكرهه على أن يبيع منه بيعا فاسدا فباعه منه بيعا صحيحا فإن كان قادرا على أن لا يبيعه منه فبيعه يلزم، وإن كان لا بد أن يخرجه من ملكه بهذا البيع أو بغيره فلا بلزمه البيع. وكذلك على أن يبيعه منه بيعا فاسدا أو يدفعه إليه فباعه بيعا صحيحا ودفعه إليه. وقال/من خالفنا: البيع لازم، لأنه غير ما أكره عليه. قال محمد: ويدل على ما قلنا أنا وإياهم مجمعون على أنه إن أكرهه على أن يبيعه منه بيعا صراما أو يدفعه إليه فباعه منه بيعا فاسدا ودفعه إليه ففات عند المشتري فإن ضمنه لم يرجع على من ولي الإكراه، وإن ضمن من ولي الإكراه رجع على المبتاع إذا أكرهه على بيع جائز فباعه بيعا فاسدا ودفع فلم يخالفه لأنه باعه بيعا دنه ما أمره به. قالوا جميعا: وإن أمره أن يبيعه بألف نقد بيت المال فباعه بألف غلة فلا يلزمه هذا حجة عليهم. وقالوا في المكره على هبة نصف دار مقسوم ويدفعه، فوهبه جميع الدار ودفعها فالهبة جائزة ولا ضمان على من أكرهه، وكذلك لو أمره أن يبيع منه نصفها مقسوما ويدفع إليه فباعه جميعها فذلك جائز في القياس، ولا يضمن من أكرهه شيئا، ولو قسم كما أمره في إكراه البيع أو الهبة ثم باع أو وهب نصفا مقسوما فالذي أكرهه ضامن، وهذا القياس ولكنا نستحسن فلا نجيز هبته ولا بيعه في [10/ 293]
فيمن أكره على فعل شيء فيفعله أو أكثر منه أو يفعله وشيئا غيره
شيء مما أكرهه عليه من مقسوم ولا غيره، وكذلك إن أكرهه على أن يبيعه أو يهبه شيئا من هذه البيوت فباعه البيوت كلها أو وهبها له كان ذلك باطلا في الإستحسان، لأنه أكرهه على بعضه. قال محمد: وهذا رجوع إلى قولنا وليس باستحسان ولكنه قياس. فيمن أكره على فعل شيء فيفعله أو أكثر منه، أو يفعله وشيئا غيره أو على البيع فباع ودفع، أو على إقرار بشيء فأقر بأكثر منه أو بأٌقل أو به وبغيره؟ قال ابن سحنون: قال سحنون وغيره ممن لقيت من علمائنا فيمن أكره بوعيد بقتل أو قطع أو ما فيه تلف أو بقيد أو سجن على أن يهب نصف دار شائع أو غير شائع، وأن يدفعه، فوهب الدار كلها ودفعها، إن ذلك باطل لا يلزمه منه شيء لأنه عن إكراه. قال سحنون: ولو أكره على بيع عبده من رجل بألف درهم ولم يأمره بدفع فلا ضمان على الذي أكرهه إن هلك العبد وكان المبتاع عديما. وقال صحابنا وأهل العراق: لأنه لم يأمره بالدفع إنما أمره بالبيع. قال سحنون: ولو هلك العبد بيد البائع فلم يقبضه المبتاع فهو من البائع. قال أهل العراق: وينبغي أن يجوز إذا كان هو الدافع من غير إكراه وقال سحنون: ينظر إلى دفع المكره: فإن دفعه وهو آمن لو شاء أن لا يدفعه أمكنه فهو إجازة للبيع، وأما إن دفعه وهو لا يقدر فليس بإجازة. قال أهل العراق: وإذا أكرهه على بيع عبده بوعيد بقيد ونحوه وقال: قد حلفت لتبيعنه منهم فباعه منهم، فقد خرج الذي أكرهه من يمينه، فإن دفعه البائع إلى المشتري على ذلك البيع بغير إكراه وقبض منه الثمن جاز البيع وخرج من الإكراه. [10/ 294]
قال سحنون: إن دفعه يقدر أن لا يدفعه على ذلك البيع فذلك إجازة للبيع وخرج/الحالف من يمينه، وإن دفعه على غير ما وصفت لم يكن بإجازة للبيع ولم يخرج الحالف من يمينه. قال سحنون: ولو أكوهما على بيعه ولم يذكر دفعا فوهبه ودفعه إلى الموهوب فقبضه فهلك عنده، فإن دفعه وهو قادر على أن لا يدفعه فلا ضمان على الذي أكرهه، لأن هذا متطوع بالدفع، وإن دفعه وهو قادر على أن لا يدفعه فالذي أكرهه ضامن لقيمته، وقال من خالفنا: إذا ملك عنده كان الذي أكرهه ضامنا لأمن أمره بالهبة ولم يأمره بالدفع فقد أمره بالدفع قالوا: ولا بشبه البيع لأن البيع يتم قبل القبض، والهبة لا تتم إلا بالقبض، وإذا قبضه في الهبة فليس للواهب منعه، وإذا قبضه في البيع بمحضر البائع ولم يأمره بقبضه فله أن لا يأخذه منه حتى يدفع الثمن. قال سحنون: البيع قد يفارق الهبة، وأما ما فوق فيه هذا بينهما فلا يفترق وإذا قبضه بمحضر من البائع فليس له أن يسترده وقال من خالفنا: وإذا اكره على أن يهب لرجل جاريته أو ألفا وقال له: وادفع ذلك أو لم يقل ففعل ودفع ذلك وقبض منه، فالهبة باطل وكذلك إن أكره على البيع والدفع. قال محمد: وقد ناقضوا في هذه لأنه إذا دفع ولم يكره على الدفع فهو متطوع على أصلهم إذا أقر بأكثر مما أكره عليه، وكذلك قالوا: لو أكره على هبة جارية لزيد فوهبه الجارية وأخرى دفعها إليه: إنه يلزمه/في غير المسماة ويبطل في الأخرى، وكذلك لو وهب المسماة لزيد لزيد ولخالد معه جازت حصة خالد منهما وبطلت حصة زيد عندهم، ولو أكرهوه على أن يهب لزيد ألفا بعينها فوهبه ألفا وخمسمائة ودفع إليه ذلك فقبضه، جازت الهبة في الخمسمائة وبطلت في الألف، ولو لم يهبه إلا خمسمائة لبطلت. قال سحنون: ويبطل الإقرار كله ولا يصح ما زاد على ما أكره عليه ولا غيره، وكذلك هبته لجارية لزيد ولخالد لزيد وذلك كله باطل، وقول مخالفنا في المكره [10/ 295]
على أن يقر لزيد بألف فأقر بها لزيد ولآخر غائب: إن ذلك باطل كله: رجوع منهم عن هذا ولا فرق بين ذلك. قال بعضهم: لو أكره على أن يعتق نصف عبده فأعتقه كله فهو حر في القضاء وفيما بينه وبين الله، ويغرم له الذي أكرهه جميع قيمته، وفي هذا رجوع منهم إلى قول سحنون في المكره على أن يقر بألف فأقر بألف وخمسمائة: إن ذلك كله باطل. قال سحنون: ومن أكره على أن يقر لفلان بألف درهم فأقر له بخمسمائة درهم أو بأكثر من ألف أو بمائة دينار أو بجارية أو بعروض فهذا كله باطل، وكذلك لو أكره على أن يطلق امرأته واحدة فطلقها اثنتين أو ثلاثا لم يلزمه شيء لأنه عن إكراه خلص به نفسه، قال: ولو أكره على أن يقر بصنف فأقر بصنف آخر وهو آمن غير خائف، فهذا يلزمه، وكذلك ما زاد من عدد الطلاق وهو آمن فإنه يلزمه أو بعتق نصف عبد فأعتق/جميعه، وأما إن كان لا يخرجه من العقوبة إلا إقراره بما سمي له أو بغيره فلا يلزمه شيء مما أقر به وكذلك الطلاق. وقال غيرنا: إن أكره على الإقرار بمائة درهم فأقر بمائة دينار فذلك يلزمه، وكذلك إقراره بغير الصنف الذي أكره عليه لأنه لم يكره على ما أقر به، ولو أكره على أن يقر بألف فأقر بألف وخمسمائة لزمته الخمسمائة الزائدة فقط، قالوا: ولو أكره على أن يقر له بألف فأقر بألف له ولآخر غائب فلا يجوز من ذلك شيء أنكر الغائب أن يكون الحاضر شريكه أو أقر. قال بعضهم: إن قال الغائب: صدق المقر والمال بيننا نصفين، بطل جميع الإقرار إذا لا يصح للغائب شيء إلا دخل معه الآخر، وإن قال الغائب: لي عليك نصف المال ولا شركه بيني وبين الحاضر جاز إقراره للغائب وبطل للحاضر. [10/ 296]
في الإكراه على إبراء من الحق أو تسليم الشفعة أو على الصلح من الدم أو العفو
في الإكراه على أبراء من الحق، أو تسليم الشفعة ن أو على الصلح من الدم، أو على العفو عنه قال ابن سحنون: أجمعنا ومن خالفنا على أن من له حق على رجل من مال أو كفالة بنفس أو بمال فأكره بوعيد بقتل أو سجن على أن أبرأ المطلوب من ذلك: إن البراءة باطل، وكذلك على تسليم الشفعة بعدما طلبها: أن التسليم باطل، ثم نقض ذلك من خالفنا فقالوا: إن أكره على العفو مما وجب له من القصاص من نفس أو جرح: إن العفو يلزمه ولا شيء على الذي أكرهه. قال محمد: ولا فرق/بين هذا وبين الأول وقالوا معنا: لو قيل للشفيع: إن طلبت شفعتك لنقلنك أو لنعذبنك أو لنسجننك فسكت ولم يطلب فلا تبطل شفعته، ولا فرق بين هذا وبين العفو عن الدم، قال سحنون: ولو قال: إنما كففت عن طلب الشفعة للإكراه، وقال المشتري: لم يكف للإكراه ولكنه لم يرد أخذها فالقول قول الشفيع إذا ظهر الإكراه قال: ومن له على رجل دم عمد فأكره على أن يصالحه منه على ألف درهم، والآخر غير مكره، فالصلح باطل إلا أن لولي الدم أن يجيز ذلك فإن أجازه لزم ذلك من قبله الدم، وودي الألف درهم وليس له أن يأبى ذلك، لأنه غير مكره على الصلح، وكذلك لو أقر ولي الدم: أنه كان وقت الإكراه راضيا بالصلح على الألف لزمه ذلك ولزم الذي قبله الدم، غرم الألف ولا شيء لصاحب الدم على الذي أكرهه، ولا شيء للذي قبله الدم عليه لأنه لم يكرهه. [10/ 297]
في الإكراه من القاضي أو غيره على الإقرار بالحديد، وكيف إن سجنه في شيء من ذلك فأقر في السجن
في الإكراه من القاضي أو غيره على الإقرار بالحدود، وكيف إن سجنه في شيء من ذلك فأقر به في السجن؟ ومن قتل رجلا في داره ثم ادعى أنه كابره على ماله، أو أنه أكثر من تعرض زوجته؟ قال ابن سحنون: قلت لسحنون: قال أهل العراق: من أكرهه قاض بضرب أو تهديد أو بسجن أو قيد حتى أقر بحد أو قصاص أو غير ذلك من الحدود فذلك باطل، ولا يؤخذ بشيء منه، ولو أكرهه حتى أقر بذلك ثم خلى سبيله ثم أخذ بعد ذلك فجيء به فأقر بذلك/بغير إكراه محدث، فإنه يؤخذ بذلك كله، ولو أنه لم يخل سبيله أولا ولكن قال له: إني لا آخذك بهذا الإقرار ولا أعرض لك، فإن شئت فأقر وإن شئت فلا تقر وهو في القاضي بحاله، فذلك باطل وكونه في يدي القاضي كالسجن، ولو خلى سبيله فلم يتوار عنه حتى رده فأقر بمثل ذلك بغير إكراه فذلك سواء، ولا يلزمه وهو كما لو خلاه وبعث معه من يحفظه وذلك باطل. قال سحنون: القاضي الذي يكره الناس حتى يقروا بالحدود ظلما وتعديا وليس المكره من أهل التهم فلا يقع عليه اسم قاض، وهو بأن يسمى باللصوصية أقرب، وإقرار المقر باطل، ولو رفع إلى القاضي رجل يعرف بالسرقة والدعارة مأبون بذلك فادعي ذلك عليه فحبسه لاختبار ذلك فأقر في السجن بما ادعي عليه فهذا يلزمه وهذا الحبس خارج من الإكراه، لأن القاضي إنما فعل ما هو له لازم وقد تقدم الحبس على الجوار يحبس رجلا حتى يقر وليس من أهل الدعارة والتهم فإقراره باطل. [10/ 298]
وفي كتاب السرقة: باب في الإقرار بالسرقة عن سجن أو محنة وقيد: روى عيسى عن ابن القاسم: أنه أقر بعد عشرة أسواط أو حبس ليلة فلا يلزمه إقراره. وقال ابن المواز: قال مالك: إذا أقر بشيء من الحدود بعد سحن أو تهديد ثم رجع فإنه يقبل رجوعه. قال ابن القاسم وأشهب: لا يقطع ولا يغرم رجع أو لم يرجع وإن ثبت على إقراره إلا يجيز بأمر تتبين به حقيقة إقراره أو بعين السرقة، قال أشهب: ويعرف أنها للمسروق معه، أو بقي بعد ذلك آمنا. ثم عاد الكلام/إلى كتاب ابن سحنون. قال سحنون: وليس قول من خالفنا: ما دام لم يتوار عن نظر القاضي وما دام في حبسه بصواب، والصواب أنه إذا أقر من طريق الخوف الذي أصله ظلم وجور فإقراره باطل، ثم إن أقر بعد ذلك آمنا مطمئنا قد علم أن الخوف والتهديد قد أمن منه فإقراره لازم. قال سحنون: فإن أقر عند القاضي من طريق الإكراه والظلم فأقام القاضي ذلك الحد من قطع يد أو ضرب، فعلي القاضي القصاص فيما فيه القصاص، والأرش فيما لا يقص فيه من الجراح، ولا أرش عليه في ضرب الحدود وعليه فيه الأدب. وقال من خالفنا: إذا أقام عليه القاضي ما أقر به من ذلك، فإن كان المقر في الإكراه من أهل التهم: فالقياس أن يقتص من القاضي فيما فيه القصاص، وما كان لا قصاص فيه من ضرب ونحوه جعل عليه أرش ذلك في ماله، ولكنا نستحسن فنجعل عليه أرش ما يستطاع فيه القصاص أو لا يستطاع في ماله، وإن كان المكره لا يعرف شيئا من ذلك فإنا نأخذ فيه بالقياس فيقيد فيما يقدر على القصاص فيه، ويؤخذ منه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص. وقال مثله إبراهيم النخعي في قتيل يوجد في دار فيقول: كابرني على مالي فقتلته [10/ 299]
في إكراه الخوارج المتأولين وغير المتأولين، ومن دخل عليك من لص هل تقتله ولا يعلم
بالسيف: إنه ينظر فإن كان المقتول دارعا معروفا بالشر بطل دمه، وكان على القاتل الدية، وإن كان لا يتهم بذلك قتل به. قال سحنون: وقال أصحابنا: المغيرة وغيره: إن كان القاتل قد أشهد قبل ذلك أذى هذا المقتول، وأشهد على ذلك وشكاه، والمقتول/متهم في نفسه بما ذكر عنه فدمه هدر، ولا قود على القاتل ولا دية. قال ابن القاسم: كتب إلي والي المدينة في رجل تأذى برجل في امرأته وأشهد عليه وحذره نفسه، ثم أصابه مع امرأته فقتلهما، وأتى برجال فأراهم الحال قال: وكان القاضي يومئذ يحيى بن سعيد، وكان ربيعة حاضرا فكتب يعني الوالي: إن كان قد أشهد عليه وحذره فدمه هدر، وذلك إذا أشهد عليه بحضرته أو يكون قد تأذى به فبلغه ذلك وبلغه الإشهاد عليه خوفا أن يقتل رجلا لم يحذره ولم يشهد عليه. في إكراه الخوارج المتأولين وغير المتأولين، ومن دخل عليك من لص هل تقتله ولا يعلم؟ قال ابن سحنون: قال أصحابنا وأهل العراق: وإذا غلب خوارج متأولين على بلد فأكرهوا رجلا على فعل شيء كغير المتأولين من اللصوص، فما جاز له فعله بالإكراه من اللصوص جاز له بإكراه الآخرين وكذلك أهل الحرب إكراههم إكراه ويبيح له ما أبيه في اللصوص، أكره بوعيد بقتل أو تلف، قال أصحابنا: أو بقيد أو بسجن، قال غيرنا: ولو رأيت من ينقب عليك بيتا أو دخل عليك من نقب أو غير نقب وخفته إن أنذرته أن يضربك بالسيف وكان على ذلك أكبر منك فلا بأس أن تقتله قبل أن يعلم إذا خفت إن أعلمته قتلك. [10/ 300]
وقال سحنون: لا يجوز أن تقتله لظنك، ولكن لو/وقف عليك بالسيف فقال: إن تحركت أو تكلمت قتلتك، فلك أن تحتال حتى تضربه أو تقتله من حيث لا يعلم. قال محمد: قال أصحابنا ومن يخالفهم: وما أكره أهل الحرب الرجل المسلم بما لو أكرهه اللصوص أو الخوارج عليه لم يسعه فعله من قتل مسلم أو قطع يده فلا يسعه فعله بإكراه أهل الحرب. قال سحنون: وقال أصحابنا جميعا: إن ما يضمن فيه اللصوص بإكراههم من أكرهوه على مال استهلكه، أو قتل أمره به، أو قطع أوجب به القصاص، أو قتل خطأ أوجب الدية على عواقلهم، أو عمد لا يستطاع فيه القصاص، فوجب الأرش في أموالهم بإكراههم، فكل ما أكره على مثل هذا الخوارج المتأولون أو أهل الحرب المشركون أكرهوا مسلما حتى فعل ذلك ثم تاب المتأولون أو أسلم المشركون فلا ضمان عليهم في ذلك. قال مالك: الدماء موضوعة عن الخوارج، ولا يؤخذ من الأموال إلا ما وجد بعينه، وتوضع عنهم الحدود في وطء النساء. قال محمد: وقال أصحابنا وأهل العراق: ولا ضمان على من أمروه بذلك، ولو غنموا لنا إماء فاقتسموهن على التأويل وأولدوهن ثم ظهرنا عليهم، فإنهم يرددن إلى ساداتهن ولا حد على من وطئهن، وكذلك ما وطئوا من الحرائر على وجه الملك بالتأويل لا حد عليهم فيها ولا مهر ولا ما نقص الأمة، وأولادهم من الإماء أحرار لاحقون بهم. وفي الباب الذي هذا عقبه مسألة من/قتل رجلا في داره ثم ذكر أنه كابره على ماله أو أكثر من أذاه في زوجته. [10/ 301]
في الإكراه فيما يجعل الرجل علي نفسه لله أو يحلف به
في الإكراه فيما يجعل الرجل على نفسه لله، أو يحلف به، وفيما يكفر به عن ظهاره أو غيره. قال سحنون: قال أصحابنا فيمن أكره على أن جعل على نفسه شيئا من أعمال البر من صدقة أو صيام أو حج أو عمرة أو غزو أو غير ذلك من البر أنه لا يلزمه، وكذلك على أن يحلف بذلك: ليفعلن فعلا من البر أو المعصية فذلك كله لا يلزمه، وقال غيرنا: يلزمه النذر بالإكراه واليمين به من حج أو غيره، ويلزمه ما ألزم نفسه، قالوا: وذلك عندنا كالطلاق والعتاق، وكذلك لو أكره على اليمين بالله على أن لا يفعل شيئا ثم فعله فعليه الكفارة. قال محمد: وأصحابنا لا يلزمونه يمينا ولا كفارة، وكذلك المكره على الظهار عندنا، وغيرنا يرى أن يلزمه ذلك ويلزمه ذلك ويلزمه الكفارة، قالوا: ولو أكرهه على الكفارة لم يجرع بها عليه لأنها تلزمه، قال سحنون: له أن يرجع عليه بالكفارة إذا أكرهه على إخراجها لأنها لا تلزمه، يريد: في ظهار أو يمين. قال محمد: ثم نقضوا هذا فقالوا: إن أكرهه بوعيد بقتل أو ما يخاف منه التلف على عتق عبده من ظهاره فالعبد حر، ويرجع عليه بقيمته. ولا يجزيه عن ظهاره، ولو قال: أنا أبرئه من القيمة حتى يجزيني عن ظهاري لا لإكراهه، فذلك يجزيه ولا يرجع عليه بشيء، فإن قال: لم يخطر هذا ببالي وأوردت به عتقا عن ظهاري: فلا يجزيه ويرجع قيمته، ولو أكرهه بحبس أو قيد أجزأ عنه ولا يضمن من أكرهه، قال محمد: وإبطالهم لكفارة الظهار دليل على كفارة الطعام وهذا كله لا يلزمه عندنا ولا يمين الإيلاء لو أكره عليه، وكذلك لو أكره على أن يقول: إن قربتها فهي طالق، أو فعبدي حر: أو أم ولد حر، فذلك كله ساقط، ولو أكرهه على أن يكفر عن ظهاره بعتق وهو ملي، فأعتق عن ظهاره لا يريد الكفارة وإنما فعله من أجل الإكراه فلا يلزمه العتق، ولو كان مريدا بذلك كفارة الظهار أجرأه ولزمه ولا شيء له على من أكرهه، وإن أكرهه على عتق عبد من عبيده بعينه فأعتقه كان مثل ما وصفت لك، وإن أعتقه للإكراه وهو غير مريد للكفارة لم [10/ 302]
يلزمه العتق، وإن كان حيا أعتقه مريدا للكفارة به عن ما لزمه من الظهار أجزأه ولا شيء له على من أكرهه، وكذلك لو أكرهه على التكفير عن يمين كان حانثا فيها فيكفر بعتق أو صدقة أو كسوة وهو مريد للكفارة أجزأه، ولا يرجع على من أكرهه بشيء، ولو أكرهه على أن يعتق عبده بهذا ففعل ولا يريد الكفارة فلا يلزمه العتق، ولو قال المتظاهر: قد كنت غير مريد للعتق ولا للكفارة، ولكن الآن أمضي ذلك العتق ويريد به الكفارة وهو الآن آمن، فإن ذلك جائز ويجزئه لأن العتق الأول لم يكن/يلزمه ولا شيء له على من أكرهه. قال سحنون: ولو أكرهه على كفارة اليمين بوعيد بقتل أو سجن أو غيره على الصدقة أو على يكفر عن ظهاره بالطعام وهو لا يقدر على عتق ولا صوم فكفر مكرها، فإن أراد الكفارة أجزأه، وإن لم ينو ذلك لم يجزه، وله رد الصدقة ممن أخذها إن قدر، وإن أكلوها وهم يعلمون أنه مكره يضمنوها إن كان لهم مال، فإن لم يكن لهم مال رجع بالكفارة على من أكرهه، فإن وداها لم يرجع بها على المساكين ولو أكره على أداء كفارة اليمين فواداها فليس له على من أكرهه شيء إذا لم يكن يكرهه على صنف بعينه، وإنما أكرهه على التكفير منهما فكفر بما أراد، ولو سمى له صنفا فكفر به ثم قال: ما كنت أريد أن أكفر إلا بغيره، فهاهنا يقع الضمان على ما ذكرنا إن كان المساكين عالمين بذلك أو غير عالمين، وأما العتق فلا يلزمه ولا ضمان على المكره في العتق، وكذلك في كفارة الظهار إذا لم يسم له في الإكراه نوعا بعينه، فلا يضمن، وأما إن أكرهه على عتق عبده فقال المتظاهر: ما أردت عتقه عن ظهاري وإنما أردت غير، فلا يلزمه العتق والعبد رقيق. وإذا أجبره على أن يكفر بالطعام فهو كما وصفنا في كفارة اليمين، ولو أكرهه في الطعام على أن يعتق ولم يسم له عبدا بعينه وه ملي، فلا ضمان على من أكرهه، فإن أعتق هذا يريد: الكفارة فهو يجزئه، وإن قال: أعتقت غير مريد للظهار لم يجزه، ولو لزمه نذر صدقة للمساكين فأكره على أن يتصدق به ففعل فذلك يجزئه ولا شيء على المكره، ولو أكرهه على إخراج زكاة وجبت عليه ففعل فلا شيء على الذي أكرهه وكذلك في صدقة الفطر لأنه أمر واجب. [10/ 303]
باب في الإكراه على الهبة وعلى قبولها
/باب في الإكراه على الهبة وعلى قبولها ومن أكرهه لص على أن يهب ماله لرجل فأبى الرجل من قبول فأكرهه على قبول الهبة وعلى قبضها ففعل وضاعت عنده فلا ضمان عليه، لأنه إنما قبضها مكرها إلا أن يقر أنه إنما قبض الهبة لتسلم له فيضمن، ويخير الواهب فإن شاء ضمنه وإن شاء ضمن اللص الذي أكرهه، فإن ضمن الموهوب لم يرجع الموهوب على اللص بشيء، وإن ضمن اللص رجع اللص على الموهوب بذلك، وإن قال الموهوب: أخذته ليكون بيدي وديعة على الإكراه لأرده على ربه فهو مصدق مع يمينه لأنه مكره لا يقدر أن يتكلم [بهذا، والضمان على اللص ولو كان يقدر أن يتكلم] بذلك عند الهبة فلم بفعل فهو ضمان، قال سحنون: لا يمين عليه والقول قوله بظاهر الإكراه، وقالوا جميعا: لأن المكره على الكفر إذا قال بعد أن أمن: إن قلبي كان مطمئنا بالإيمان صدق بل يمين ولم تبن منه زوجته. قال محمد: ويلزم مخالفنا أن يحلفه كما حلف الموهوب: أنه لم يأخذ الهبة ليسلم له، وقد تقدم في غير باب شيء من ذكر الهبات. باب في الإكراه على التخيير /قال ابن سحنون: قال سحنون: ومن أكرهه لص أو غيره من بين أن يطلق زوجته أو يعتق عبده خيره في أحد الوجهين ففعل أحدها فلا يلزمه ذلك، ولو أكرهه على هذا بين أن يكفر بالله أو يقتل رجلا مسلما: فله أن يكفر وقلبه [10/ 304]
في الإكراه على اليمين أو يتبرع باليمين بعد أن ضغط في شيء
مطمئن بالإيمان، فإن أبى الكفر حتى قتل فهو أعظم لأجره، ولا يسعه أن يقتل المسلم بالإكراه، فإن قتله قتل القاتل ولا شيء على من أكرهه. ولو قال: لأقتلكن أو لتأكلن هذه الميتة أو لتقتلن هذا المسلم فإن صبر على القتل فهو أفضل له، وإن أكل الميتة فلا شيء عليه إن شاء الله، وإن قتل المسلم ولم يأكل الميتة قتل به، وكذلك لو ترك الكفر وقتل المسلم فذلك سواء ويقتل به، ولا قتل على الذي أكرهه، ولو أكرهه على أن يقتل هذا المسلم أن يزني بهذه المرأة لم يسعه أن يفعل واحدا منهما حتى يقتل، فإن فعل أحدهما فقد أثم وإن لم يفعل حتى قتل فهو مأجور ويقتل به الذي قتله، وإن زنى كما أكره فعليه الحد، ولو قتل المسلم قتل به، وقتل الذي أكرهه في قياس قول سحنون، وأما في قول غيره من أصحابنا فلا قتل على المكره وإنما القتل على القاتل، لأنه ولي القتل، ولو أكرهه على قتل أحد هذين الرجلين فقتل أحدهما فالقود عليهما عند سحنون، وقال غيره: لا يقتل إلا الذي ولي القتل. قال: ويحك المكره على الزنا ولا تحد المكرهة على الزنا، وعلى الذي زنى بها الحد والصداق، ولو قيل له: لتقتلن هذا الرجل أو لتأخذن ماله هذا وهو أكثر من الدية، فلا بأس أن يأخذ ماله ويستهلكه ويضمنه كان أكثر من الدية أو أقل، فإن قتل الرجل قتل متولي القتل، ولو صبر حتى قتل ولم يفعل شيئا من ذلك فلا إثم عليه عندنا. في الإكراه على اليمين أو يتبرع باليمين بعد أن ضغط في شيء من كتاب ابن حبيب: روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. [10/ 305]
قال مطرف وابن الماجشون وابن نافع وإسماعيل بن أبي أويس: من أكره على أن يحلف بيمين وهدد بضرب أو بسجن وجاء من ذلك وعيد بين تقع فيه المخافة أو خاف ذلك وإن لم يوقف عليه مثل ما يفعلون في البيعة وأشباها، فلا يمين عليه وكأنه لم يحلف، ورواه عن مالك وعن كثير من أصحابه، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ وهو قول ابن القاسم وابن وهب وأشهب. قال ابن وهب: وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعبيد بن عمير وبريد بن قسيط وغيرهم لا يرون يمين المكره ولا طلاقه شيئا، قال شريح: القيد كره والسجن كره والوعيد المخوف كره لا يلزمه معه يمين، وقاله النخعي وغيره، قال مطرف: وكذلك سمعت مالكا يقول: قال ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. قال ابن الماجشون: وسواء أحلف فيما هو لله طاعة أو فيما هو لله معصية إذا أكره على اليمين، وقاله أصبغ وفرق بين ذلك مطرف وقال: إن أحلف فيما هو لله عز وجل معصية أو فيما ليس فيه طاعة لله/ولا معصية فاليمين موضوعة، وإن أحلف فيما هو لله طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلا شاربا فيكرهه أن يحلف بالطلاق، أو أن لا يشرب الخمر أو لا يفسق أو لا يغش في عمله أو لا يتلقى الركبان، والوالد يحلف ولده مكره له على اليمين في أشباه هذا من تأديبه إياه فإن اليمين تلزمه، وإن كن قد تكلف منه المحلف ما ليس علم وما هو منه خطأ. قال ابن حبيب: وقول مطرف استحسان وبه أقول، وقول ابن الماجشون وأصبغ هو القياس: لأن اليمين إنما يسقط بالإكراه كانت في طاعة أو معصية. قال مطرف وابن الماجشون: ومن أحلفه الساعي على عدد غنمه ليأخذ منها الصدقة، وأكرهه على اليمين بوعيد أو ضرب فاليمين تلزمه إن حلف، وإن كان [10/ 306]
الساعي قد تعدى في إحلافه، وكذلك إن حلفه في غير الغنم مما يأخذ فيه الزكاة من الحبوب والثمار والماشية والعين إذا كان الوالي لا يتعدى فيما يأخذ، وإنما يتعدى في الإحلاف والإكراه عليه، أو كان والي سوء لا يضعها مواضعها لأنه يأخذها على فرائضها باليمين فهي لحالفها لازمة يحنث بحنثها ويبر ببرها، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ. وقال مطرف: وإذا كان يجوز فيما يأخذ على اسم الصدقة والزكاة فأخذ ما لا يؤخذ ويزيد على ما افترض ويأخذ في غير أوان أخذ، أو يكون قط وظف الصدقات على أهل القرى ويأخذ في تلك الوضعية فأحلف رجلا على بعض ما يزيد، إما أن يكون قال له/: لم أزرع أو قال: مالي ماشية ونحو ذلك فقال له: احلف لي على ما تقول فإنه إن كن لم يحلف أمن من العقوبة في نفسه بضرب أو سجن أو مغرقة تصيبه منه فحلف فاليمين تلزمه فيما حلف به يحنث بحنثها ويبر ببرها ولتصدقه ولا يحلف، وإن علم أنه إذا صدق أخذ ماله بغير حق فلا يبقى عن ماله بيمينه، وإن هو إن لم يحلف عاقبه في نفسه إما بضرب أو سجن ونحوه فقد دخل عليه الإكراه الذي لا يلزمه معه اليمين، وأحب غلي ألا يعجل باليمين حتى يرى موضع الشدة، فكلما اشتد عليه الأمر اتسعت عليه اليمين ثم لا يلزمه إن حلف كاذبا، وقال ابن الماجشون: لا يحنث وإن درأ عن ماله بيمينه، وبقول مطرف أقول وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ ورواه ابن القاسم عن مالك. وقال مطرف وابن الماجشون: وإن بدر الحالف بيمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها منه ليذب بها عن ما حلف عليه من بدنه أو ماله فحلف سلسلا بها فإنها تلزمه وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. [10/ 307]
قال ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق ثلاثا من غير أن يحلف فصدقه وتركه وهو كاذب وإنما حلف له خوفا من قتله أو ضربه أو أخذ ماله، قال: إن كان تبرع باليمين رجاء أن ينجيه من ظلمه فقد دخل في الإكراه ن ولا شيء عليه، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فاليمين تلزمه. قال مطرف في ولاة يحلفون الناس أنهم لم يكتموا شيئا من متاعهم وتجارتهم وإنما يحلفون لهم لأنهم إذا ظهر له أخذه منه ما أحب/بالثمن، وقد يرجو العمل فيه عند غيره، قال: إن كان إن لم يحلف يناله سجن أو ضرب أو معرة تصيبه منه فلا يلزمه اليمين، وإن كان آمنا من هذا فاليمين تلزمه. وقال ابن الماجشون: لا تلزمه اليمين في الوجهين. قال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل قول مطرف وبه قال ابن حبيب: وقال لي مطرف في الذين يحلفون الناس على ما معهم من ناضهم ليأخذوا منه زكاة فيما يزعمون وذلك في غير إبانها، ولعل الرجل قد أداها منذ قريب، فيحلف الرجل على أدنى ما معه ولعه قد دس ماله من غيره، فيحلف أنه ما غيب شيئا، قال: إن كان إن لم يحلف لم يزره إلا أن يرده ولا يجيزه فاليمين تلزمه فإن شاء فليحلف صادقا وإن شاء فليرجع. قلت: وإن كان صرورة يريد الحج، قال: لا رخصة له بهذا إلا أن يخشى - إن لم يحلف - العقوبة منه فذلك يدرأ عنه حنث اليمين. قال ابن الماجشون: وإن حلف لم يحنث وذلك أن يرى الدراية باليمين عن البدن والمال: قال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل قول مطرف. [10/ 308]
قال مطرف وابن الماجشون في عريف العامل على عدد من رفع إليه من أسمائهم أو على بعض ذلك فيحلف صادقا أو كاذبا، قال: إن كان يخشى عقوبة إن لم يحلف فلا شيء عليه، وإن كان آمنا من عقوبته فاليمين تلزمه. قلت لهما: فالرجل يستخفي عند الرجل من السلطان الجائر الذي يريد دمه أو ماله أو عقوبته في بدنه فيسأله السلطان عنه فيجحد أن يكون عنده فيحلفه على ذلك فيحلف ليدفع بذلك/ما خشي عليه؟ فقالا: إن خالف إن لم يحلف على نفسه فلا شيء عليه، وإن كان آمنا على نفسه وإنما أراد أن يقيه بيمينه فقد أجر ولزمه الحنث، وكذلك قال مالك، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل ذلك في المسألتين ورويا الآخرة عن ابن القاسم. وفي باب ما يكون إكراها: قول أصبغ فيمن حلف دراية عن ولده: إن اليمين تلزمه وإنما يعذر في الدراية عن نفسه. قال عبد الملك بن حبيب: وحدثني علي بن معبد عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال: سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل هل ترى أن يحلف ليقيه بيمينه؟ فقال: نعم لأن أحلف سبعين يمينا وأحنث أحب إلي من أن أدل على مسلم. وقاله ميمون بن مهران. وقال المسيب عن شريك عن سليمان بن ميسرة [عن النزال بن سيده] قال: التقى عثمان وحذيفة عن باب الكعبة فقال له عثمان: أنت القائل الكلمة التي بلغتني؟ فقال: لا والله ما قلتها فلما خلونا بحذيفة فلنا له: يا أبا عبد الله حلفت له وقد قلت ما قلت؟ قال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة لئلا يذهب كله قال: وكان الحسن يقول: أعطهم بلسانك ما شاءوا إذا خفتهم. [10/ 309]
فيمن فدى متاع رجل من اللصوص أو في مكس
قال ابن الماجشون في السلطان يحلف أصحاب الطعام أن لا يجهزوا إلا إلى المدينة، فيحلفون له بالطلاق خوفا من عقوبته، لأنهم إن لم يحلفوا حبسهم وضربهم، ثم وجد بعضهم قد جهز إلى غير المدينة أو وجد رجلا لم يكن حلف له وقد جهز إلى غيرها فحلف/له بالطلاق خوفا من عقوبته: أنه ما جهز إلى غيرها، قال: لا ينبغي لهم أن يعصوا السلطان في صلاح العامة، فإذا وقع ما ذكرت من المعصية واليمين عليها قبل وقوعها أو بعدها فرقا من العقوبة أو الحبس إن لم يحلف فقد دخل في الإكراه الذي يسقط الحنث، وعليه المأتم فيما أضر بالعامة، قال عبد الملك: وذلك أنه لم ير النهي عن التجهيز إلى غير المدينة بالأمر اللازم للسلطان أن يلزمه الناس، وإنما هو يستحسن، فلذلك رأى الإحلاف على ذلك من الإكراه لخوف العقوبة، ولو كان مما يجب النهي عنه ويحرم فعله على من فعله للزمت فيه اليمين وإن أخافهم عليه إن لم يحلفوا، وكذلك سمعته يقول في مثل هذا، وقاله مالك بن أنس. فيمن فدى متاع رجل من اللصوص أوفى مكس أو ودي لمن عرض الطريق خوفا منه، أو خلص له آبقا بمغرم، أو خلص شيئا من يد سلطان بمغرم، أو حمل له حملا من مفازة، أو نفق على رقيق له من كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنونا عن الرجل يغرم الغرم في الطريق من خوف السلب هل يلزم صاحب الظهر الذي أكرى منه من ذلك شيء؟ قال: يكون الغرم على قيمة المتاع وقيمة الظهر بمنزلة حرم المركب. قال أبو بكر بن محمد: رأيت في كتاب حماد بن يحيى السجلماسي: قلت لسحنون: أرأيت الرفاق في أرض المغرب يعرض/لهم اللصوص فيريدون [10/ 410]
أكلهم، فيقوم بعض أهل الرفقة فيصانعهم على مال عليه وعلى جميع من دفعه وعلى من غاب من أصحاب الأمتعة، فيريد من غاب أن يدفع ذلك عن نفسه؟ قال: إن كان مما قد عرف من سنة تلك البلاد: أن إعطاءه المال يخلصهم وينجيهم فإن ذلك لازم لمن حضر ولمن غاب ممن له أمتعة في تلك الرفاق وإن كان يخاف أن لا ينجيهم ذلك وإن أعطوا وكان فيهم موضع رباع فما أحب لهم إلا أن يدفعوا عن أنفسهم وأموالهم، فإن أعطوا في هذه الحال لم يلزم من غاب من أصحاب الأمتعة. قال محمد بن عبد الحكم في قوم في رفقة معهم أحمال ليسوا عليه بوكلاء فجاء لصوص ليأخذوا متاعهم فصالحوهم عن جميع ما معهم على شيء دفعوه إليهم؟ قال: أرى على الأحمال التي ليس معها أربابها حصتهم من ذلك. ومن العتبية من الودائع: قال عيسى بن دينار فيمن عنده وديعة لرجل فعدا عاد فأغرمه على ذلك المتاع غرما فلا يلزم رب المتاع منه شيء. قال ابن القاسم عن مالك فيمن مات بعيره بفلاة من الأرض فترك حمله فأتى رجل فحمله إلى منزله، فلربه أخذه بعد أن يغرم لهذا أجر حمله، وكذلك من وقف بغيره فتركه فأنفق عليه رجل حتى صلح فليدفع إليه ما أنفق عليه ويأخذه ولا أجر له في قيامه عليه. وروى حماد بن يحيى عن سحنون فيمن معه رقيق في سفره إلى أرض الشرك فنفد ماله وطعامه وهو في مخافة، فطرد الرقيق وتركهم فأخذهم/رجل ممن سلك الطريق فأخبأهم وخرج بهم إلى بلد الإسلام، قال: لربهم أن يأخذهم إذا أعطاه قيمة ما أنفق عليهم في الموضع الذي وجدهم فيه، فإن لم يفعل فهم له دون الأول. [10/ 311]
وقال علي بن جعفر فيمن ودى عن رجل عن أحماله غرما للسلطان عن شطر الطريق، أو برطيل ونحوه، فقال ابن القاسم: لا يجب عليه من ذلك شيء ولو تسلف ذلك الغرم سلفا على هذا الوجه، ولو باعه ثوبا وداه في هذا المغرم لم يلزمه من ذلك شيء إلا أن يدفع المؤدى عنه الظلم إلى الدافع ما دفع عنه متطوعا وهو يعلم أن ذلك لا يلزمه. والذي قال سحنون في الرفقة يخافون اللصوص فيعطوا المال: إنه يلزم من غاب ممن له في الرفقة متاع فقال: إن كان شيء قد عرف أنه لا يخلصهم إلا ذلك فهو يلزم من غاب ومن حضر، فكذلك يلزم على هذا أن كل ما يؤدى في المراصد وفي المدن مما أقامه السلاطين مما قد عرف واستفاض مما لا يخلصهم إلا غرمه، فإنه يلزم أرباب الأموال ممن أبضع بضاعة أو أعطى قراضا، لأنهم كأنهم على هذا خرجوا وكالإذن لهم لأنه أمر قد عرف، وأما ما حدث مما لم يخرج على معرفته من لصوص أخذوا المتاع، أو سلطان جائر ففداه منه العامل أو المبضع معه فقد أختلف فيه فقال ابن المواز في كتاب الجهاد: من فدى مال رجل من اللصوص، أو فدى دابته ممن التقطها أو متاعا فأنفق عليه في حمولة فليس لربه ولا لغرمائه إليه سبيل حتى يستوفي/من ذلك حقه، [وقال في كتاب الإقرار: من فدى متاعا من اللصوص فليس على ربه شيء مما فداه به ويأخذه ربه بغير شيء] وقال في أول كتاب الإقرار: في أحد الشريكين في الدار يقر بمنزل منها لرجل: أنا لدار تقسم فإن وقع المنزل في حظ المقر أسلمه إلى المقر له. قال: قلت: جعلته له مسلما وهو فداه ببعض الدار؟ قال: غرم ما غرم بسببه كمن خلص مال رجل من أيدي أهل الحرب، أو فداه من أيدي اللصوص، قال: لا يلزمه ما فداه من أيدي اللصوص ويلزمه ما فدى من العدو لشبهة ملكهم بخلاف ما فداه من أيدي العدو لأن لهم فيه شبهة ملك. [10/ 312]
وقال محمد بن عبد الحكم: ما تقدم ذكره إذا عرض لصوص في الطريق فصودروا على شيء: إنه يلزمه ذلك أمتعات الناس ممن غاب أو حضر. ومن كتاب الإكراه لابن سحنون: وقال من خالفنا: وإذا أرق لرجل عبد فأراد رجل أخذه ليرده على ربه فلم يمكنه إلا بشراء أو بهبة فاشتراه، أو طلب أن يوهب له فوهب له: إنه لذلك ضامن حتى يشهد أنه إنما يشتريه أو يقبله على الهبة ليرده إلى ربه، فإن لم يشهد على ما ذكرنا لم يصدق ويضمنه، وكذلك الموهوب في الإكراه إلا أنه يصدق بيمينه بلا بينة. قال سحنون: أما إذا أخذه بهبة وأشهد فإنه ضامن عليه، إن هلك العبد فلربه إجازة البيع وأخذ الثمن من البائع والمصيبة من المشتري. تم كتاب الإكراه من النوادر بحمد الله وعونه وبتمامه تم الجزء الثالث عشر وصلى الله عليه محمد وآله [10/ 313]
كتاب الغصب
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الغصب فمن اغتصب دارا أو عبدا [أو من فيه بقية رق فمات عنده، وذكر ما يضمن به من الفوت والتغيير] وما لا يضمن به في الغصب والتعدي من المجموعة: روى ابن وهب عن مالك فيمن غصب عبدا فمات عنده من ساعته لغير تباعد ولا تعب من عمل، فإنه ضامن له ممن أخذه بغير حق تعديا وقاله ابن القاسم فيمن غصب دارا فلم يسكنها حتى انهدمت إنه ضامن لقيمتها وكذلك في كتاب ابن المواز وقاله مالك في العبد والدابة يموت عنده بعد يوم موتا ظاهرا، قال ابن عبدوس وقاله أشهب في ذلك كله في العروض وغيرها، وإن هلك بأمر من الله سبحانه. قال ابن القاسم فيه وفي العتبية من رواية عيسى فيمن اغتصب أم ولد رجل فماتت عنده: أنه يضمن له قيمتها على أنها أمة لا عتق فيها، وقال سحنون في المجموعة: إنه لا يضمن كالحرة لو غصبها فماتت عنده من غير سببه، وكان يرى أن ولد أم الولد مخالف لها في هذا، قال: ولأن أم الولد إذا حرم فرجها عتقت، وأنها لا تتعب في الخدمة ولا تؤاجر ولا تسلم في الجناية، وولدها يخارج ويسلم في الجناية يختدم فمغتصبه يضمنه، لأنه حبس منافعه/عن السيد فهو ضامن له. [10/ 315]
ومن كتاب ابن المواز: ومن غصب عبدا فأدركه ربه بعينه فإن لم يتغير في بدنه فليس له غيره، ولا أنظر إلى نقص قيمته واختلاف سوقه بنقص أو زيادة طال زمانه أو كان ساعة واحدة أو سنين كثيرة، وإنما أنظر إلى تغير بدنه فإن تغير خير بين أخذه ناقصا لا شيء له غيره، وإن شاء قيمته ما بلغت، وسواء غصبه أو سرقه، وكذلك في المجموعة عن مالك من رواية ابن القاسم في الرقيق والحيوان وغيره لا يراعى فيه حوالة سوق، وكذلك إن سرقة دابة أو حلها من دار رجل أو من الربيع وكذلك البعير يحبسه السنة والسنتين ثم وجده بحاله، فليس له إلا بعيره إلا أن يستعمله فنقص أو مات، وقاله كله أشهب: إنه لا فوت في حوالة الأسواق ولا يضمن حتى يتغير في بدنه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا لم تلد الأمة ولا حالت إلا أن الغاصب غاب عليها ولا يعلم أوطئها أو لم يطأها؟ فذلك فوت يوجب له الخيار في أخذها معها بقيمتها أو تضيمنه قيمتها، ولو وجدها في يد مبتاع وهي بحالها أو أحسن: فهو مخير إما أن يأخذها بعينها وإن شاء أخذ من الغاصب الثمن، وإن شاء أخذ منه قيمتها إن كان قد عيب عليها كذا وكذا وقاله كله أصبغ. قال: وهو قول مالك وجميع أصحابنا، قال: ولسنا نقول ذلك في الرقيق الذكور ولا في الدواب إلا أن يسافر على الدابة/سفرا بعيدا فنرى أن ربها مخير في أخذها أو أخذ قيمتها، وقاله أصبغ وقال ما ذكرنا في الجارية إذا كانت رائعة. وقال مالك من رواية ابن القاسم وابن وهب في المتعدي في حبس الدابة من مكتر أو مستعير يأتي بها أحسن حالا فربها مخير في أخذ الكراء أو تضمينه القيمة يريد: يوم التعدي لأنه حبسها عن أسواقها إلا في الحبس اليسير الذي لا يتغير في مثله في سوق أو بدن. [10/ 316]
قال ابن القاسم وكل ما أصله أمانة فيتعدى فيه فأكراه أو ركبه من وديعة أو عارية أو كراء فهذا سبيله، قال سحنون: والفرق بينهم وبين الغاصب والسارق: اختلاف الأصلين: أن الغاصب له ربح المال وليس كذلك المقارض والمبضع معه يتعدى. قال ابن القاسم: وإذا تغيرت الأمة بيد الغاصب بنقصان يسير أو كثير فربها مخير في أخذها أو تضمينه القيمة. قال هو وأشهب: ولو باعها فلم تحل بيد المبتاع فليس لربها تضمين الغاصب وليس له إلا جاريته أو دابته إن أخذ ثمنها من الغاصب، قال أشهب بخلاف من تعدى عليها فقطع لها أنملة أو إصبعا أو فقأ عينها فليس له أن يضمنه إلا ما نقصها وخالف الغاصب، لأن الغاصب ضمنها كلها بالغصب، قال ابن القاسم: والهرم في الجارية عند الغاصب فوت يوجب القيمة إن لم يرد أخذها، قال أشهب: كان ما أصابها عنده من الكبر والهرم يسيرا أو كثيرا، وكذلك لو كان ما صارت إليه من السن أمرا يسيرا مثل انكسار الثديين ونحو ذلك: أن له تضمينه قيمتها إن شاء، قال محمد: وأما إن كبرت وهرمت عند المشتري فلا خيار له عليه وإنما له إن شاء جاريته فقط ويرجع المبتاع بثمنه ولا يرجع ببقيته على أحد، وإن شاء ربها تركها وأخذ الغاصب بالثمن أو القيمة يوم الغصب كما وصفنا في الاستحقاق. قال أبو محمد: وبعد هذا باب فيما يجب به ضمان المتعدي فيه تمام هذا المعنى. قال ابن المواز: وإذا ضمنت الغاصب العبد في تغييره ولا شيء له غيره: بيع عليه في القيمة فما نقص ابتع به دينا وما زاد للغاصب، ولغرماء الغاصب الدخول في ثمنه مع ربه إلا أن يشاء أو يأخذه ناقصا ولا شيء له من نقصه. [10/ 317]
في الطعام أو الحيوان أو العرض ينقله الغاصب أو المتعدي من بلد إلى بلد
قال ابن المواز: قال مالك في الشريكين في الأمة فجحد أحدهما الشركة حتى تلد أولادا فباع منهم وأعتق ومات بعضهم، ثم ثبت عليه الحق فله نصف قيمته، وإن كان بعدما تمسك بنصيبه منه وما باع فله نصف الثمن إن شاء وإن شاء الرأس ن ولا شيء له فيمن مات ممن أعتق وممن لم يعتق ولم يبع. قال محمد: هو كالغاصب إن وجد الأمة فتمسك بها فله حقه في الولد، ولا حق له له فيمن مات منهم إلا من بيع فقله نصف الثمن. في الطعام أو الحيوان أو العروض ينقله الغاصب أو المتعدي من بلد إلى بلد/ من المجموعة والعتبية: روى سحنون عن ابن القاسم، قال محمد في العروض والرقيق والطعام يسرق فيجده ربه في غير بلده، فأما الطعام فليس له أخذه وإنما له أن يأخذ السارق أو الغاصب بمثله في موضع سرقه، وأما العبيد: قال في المجموعة: والدواب: فليس له إلا أخذهم حيث وجدهم ليس له غير ذلك، يريد: إن لم يتغيروا وأما البز والعروض: فربها مخير بين أخذه بعينه وإن شاء قيمته بموضع سرق منه، قال سحنون في المجموعة: البز والرقيق عندي سواء إنما أخذه حيث وجده إذا لم يتغير في بدنه وكأنه رأى اختلاف البلدان كاختلاف الأسواق، فإنما حال منه بغير السوق وهو لو انحط سوقه ببلده لم يكن له غيره وليس بمنزلة أن لو لقيه ربه وقد عاد إلى بلده، والمال الذي نقله إليه هذا له أن يضمنه قيمته لأنه حال بينه وبينه. ومنه ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب في الطعام يجده ببلد آخر هو مخير بين أخذه، أو يأخذه بمثله في موضع غصبه. قال أشهب في المجموعة: ويحال بين [10/ 318]
الغاصب وبين نقل حتى يوفى المغصوب حقه، قال سحنون: ولا أعرف قول أشهب هذا من قول الرواة أن يأخذ الطعام وإنما له أخذه بمثله في موضع غصبه، وكذلك روى أصبغ عن أشهب في العتبية وكتاب ابن المواز: قال: وابن القاسم لا يرى له إلا مثله في بلد الغصب، قال أصبغ في الكتابين: وأنا أرى إن كان البلد البعيد فالقول ما قال ابن القاسم ويتوثق له بحقه قبل أن يخلى بينه وبينه، وإن كان بعيدا كبعض الأرياف والقرى فله أخذه ويحمل على الظالم بعض الحمل. وذكر ابن المواز: اختلاف ابن القاسم وأشهب في الطعام وقول أصبغ هذا، وذكر في العروض والحيوان أن أشهب يقول: إذا أصابها ببلد آخر فإن له أخذها، وإن شاء تركها وأخذه بقيمتها يوم الغصب ببلد الغصب يأخذ ذلك منه حيث لقيه، وقال أصبغ: وقال ابن القاسم: يأخذه بالقيمة حيث وجده قيمة ذلك ببلد الغصب يوم الغصب، قال محمد: قول أشهب صواب لأن اختلاف البلدان البعيدة كتغيرها عن حالها. قال ابن القاسم: وأما الطعام والإدام وما يوزن أو يكال من غير الطعام: فليس له أن يأخذه حيث وجده، وإنما له أخذه بمثله بموضع غصبه، قال محمد: بعد أن يتوثق منه قبل أن يخلى بينه وبين هذا الطعام، قال ابن القاسم: ولو اتفقنا على أن يأخذ منه فيه ثمنا نقدا جاز بمنزله بيع الطعام القرض قبل قبضه، وقاله أصبغ. قال ابن القاسم عن مالك في العتبية والمجموعة: ولا يجوز أن يأخذ منه طعاما يخالف في جنس أو صفة لأنه بيع طعام بطعام فيه تأخير. وقال مالك في المودع قمحا ينقله إلى بلد آخر فيبيعه ثم يأتي ربه فيريد أن يجيز البيع ويأخذ الثمن فليس ذلك له، إنما له عليه مثله بموضع أودعه إياه، قال: ولو تراضيا أن يعطيه الثمن أو مثل طعام ببلد بيع أو تغيير طعامه إن لم يبع فذلك جائز. ولو/ابتاع منه طعاما في بيت أو مطمر ببلد آخر فلا خير في أن [10/ 319]
يعطيه مثل ببلد آخر وهذا بيع طعام بطعام مؤخر. ولو نقله البائع إلى بلد فتراضيا أن يأخذه بها فذلك جائز، وقد ضمنه بنقله له فهذا قضاء، وقال غيره: لا بأس به في الوجهين لأن الأول معروف. ومن العتبية: قال أصبغ عن أشهب في العروض: لربها أخذها بغير البلدان إن شاء وإلا فقيمتها، قال أصبغ: وإن أخذها فلا كراء عليه ولا نفقة ولا على الغاصب ردها وله القيمة كالعين تتغير، وما هو بالقوى، وأرى البلدان المتباعدة كالتغير في الأبدان. ... ... غصب1 ومن المجموعة: قال المغيرة فيمن تعدى على خشب رجل فحمله من عدن إلى جدة بمائة دينار فأدركه به، فإن كان متعديا بلا شبهة فرب السلعة مخير إن شاء كلفه ردها إلى حيث كانت وإن شاء أخذها بعينها، وإن نقلها بوجه شبهة اشتراها أو بغير ذلك مما يعذر به نظر، فإن كانت قيمتها هاهنا أفضل من قيمتها ببلد نقلها منه: قيل لربها: أرني الكراء ما بينها وبين أن تحيط بفضل ما بين القيمتين وقال ابن القاسم وأشهب في المكتري على حمل حمل بعينه فيخطئ فيحمل غيره إلى البلد المكترى إليه، فربه مخير أن يضمنه قيمته بموضع حمله منه يأخذها حيث لقيه أو يأخذه، قال ابن القاسم: ويعطيه الكراء. وقال أشهب: لا كراء له: قالا: وليس له أن يكلفه رده ولا للحمال أن يفعل ذلك إذا شاء ربه أخذه والكراء الأول قائم عليه أن يرجع فيحمل الحمل الآخر/. [10/ 320]
في المغصوب منه يجد متاعه قد خلط بغيره، أو غيره في حاله بصنعة أو بغير صنعة
في المغصوب منه يجد متاعه قد خلط بغيره، أو غيره عن حاله بصنعة أو بغير صنعة، وفي المودع يخلط شيئا بغيره أو يخلطه غيره، ما الحكم؟؟ ومن المجموعة: قال ابن القاسم فيمن غصب قمحا فخلطه بشعير له أنه ضامن لمثله. قال أشهب: ولو غصب من آخر شعيرا ثم خلطه فطلب أحدهما تضمينه مثل طعامه، وقال الآخر: أخذ طعامي بعينه فأكون معك شريكا في هذا المختلط فليس ذلك له، قال: ولهما أن يضمناه كل واحد مثل طعامه، وكذلك لو قالا في حنطة وديعة فخلطها صبي بشعير للمستودع فإنه يضمنه لكل واحد مثل طعامه، قال أشهب: فإن لم يكن له مال بيع المختلط ويشتري منه لهذا بقدر قيمة قمحه، ولهذا بقدر قيمة شعيره، فما فضل فللصبي وما نقص فعليه إلا أن يشاء صاحب الطعامين أن يتركا الصبي والغاصب ويأخذا القمح والشعير المختلط فيكون فيه شريكين بالسواء إن كان مكيلتهما واحدة ولا يجوز أن يقتسماه على أقل فيكونا فيه شريكين بالسواء إن كان مكيلتهما واحدة ولا يجوز أن يقتسماه على أقل أو أكثر من نصفين، لأنه يصير الشعير بالقمح متفاضلا، وقال ابن القاسم: إن تركا الصبي ليكونا في المختلط شريكين هذا بقيمة قمحه وهذا بقيمة شعيره فذلك لهما ولم يجز هذا أشهب، وقال أشبه: ولو قال أحدهما: أنا آخذ الطعام كله وأغرم لصاحبي مثل طعامه لم يجز وكأنه أخذ بما وجب له على الغاصب/من القمح قمحا ومن الشعير شعيرا يعطيه عن الغاصب صاحب الشعير، وذلك لا يصلح قال سحنون: هذا أصح من الأولى كأنه يقول: ليس لهما أن يتركا الغاصب ويأخذا فيقسماه لا على تساو ولا على تفاضل قيمة الطعام لأن أحدهما لو اتبع الغاصب بمثل طعامه لم يكن للآخر أن يقول: أنا آخذ من هذا الطعام مثل طعامه [مثل مكيلتي لأنه ليس بعين طعامه فصار]
لا حكم لهما على الطعام ويتبعا الغاصب وليس لهما أخذ المختلط كمن غصب خشبة واغتصب نجارا عملها بابا لم يكن لهما أخذ الباب ليشتركا فيه هذا بقيمة خشبه وهذا بقيمة عمله لأن ذلك تغير وإنما تلزمه القيمة. ومن المجموعة: قال أشهب: إذا قال أحدهما للآخر: أنا آخذ المختلط مثل طعامك برضي الآخر فذلك جائز على التراضي منهما، وأما في القضاء فليس ذلك له، قال يحيى ين عمر: إذا أعطاه ذلك على التراضي قبل التفرق وإلا لم يجز، وروى أبو زيد عن ابن القاسم: يبيعان المختلط ثم يقتسمان الثمن على قدر قيمة ما لكل واحد، وقال أشهب: لا يكونان شريكين ولكن يباع على الصبي ثم يشترى لكل واحد من صنف ماله فما فضل فللصبي وما نقص أتبع به. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن خلط قمحا بشعير لآخر ثم ذهب فلم يعرف؟ قال: يباع فيقتسمان ثمنه على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير ولا أحب أن يقسماه على الكيل. ومن كتاب ابن المواز: ومن اغتصب من رجل حنطة ومن آخر شعيرا فخلطهما فعليه لكل واحد مثل طعامه، فإن لم يكن عنده شيء بيع المختط واشتري من ثمنه لكل واحد مثل طعامه، وإن لم يبلغ قسم الثمن على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير ثم يشترى لكل واحد بما وقع مثل طعامه وما بقي أتبعاه به دينا، فإن رضيا بقسمة الثمن على هذا جاز، وإن اختلفا: فمن شاء أخذ حصته من الثمن أخذها ويشتري للآخر مما وقع له من جنس طعامه، قال محمد: ومن رضي بالثمن نليس له أن يتبعه بما بقي له، ولا يجوز أن يصطلحا على أن يقسما ذلك بينهما على قيمة الطعامين. وأما على قدر كيل طعام كل واحد فجائز إذا رضيا جميعا، لأنه ربما كان الشعير أكثر ثمنا من القمح، ولو رضي أحدهما أن يأخذه كله ويعطي للآخر مثل طعامه أو قيمته فلا خير فيه، ولو قال أحدهما: أنا [10/ 322]
آخد بمثل طعامي وقال الآخر: أنا أكون لك أيها الغاصب في المختلط شريكا لأن فيه عين شيء فليس ذلك له بجائز. قال سحنون في كتاب آخر: ولو اختلطا من غير عداء من هذين ولا من غيرهما فإنا نرى أن القمح لم يعب الشعير، والشعير قد أعاب القمح، فيباعا ويكونان شريكين في ثمنه هذا بقيمة قمحه معيبا وهذا بقيمة شعيره غير معيب. قال أشهب في كتابه: ولو أودعه هذا جوزا وهذا حنطة فخلطهما ثم تلفا جميعا فلا يضمن شيئا لأنه يقدر على تخليص ذلك بلا مضرة على القمح والجوز إلا أن يكون أحدهما يفسد الآخر فيضمن ذلك الذي يفسده ذلك الخلط، وإن كان كل واحد مفسدا لصاحبه فهو ضامن لهما، وكذلك خلط الجوز بالرمان والرمان بالأترنج والتفاح بالخوخ لا يضمن شيئا من ذلك إلا أن يكون بعض ذلك يفسده خلطه بغيره، أو يفسد بعضهما بعضا فيكون كما ذكرنا في ضمانه وإن لم يكونا فسدا حتى تلفا، قال عبد الله: كيف يضمنهما قبل أن يفسدا والخلط ليس هو الموجب لضمانه؟ قال أشهب: ولو خلط زيتا بسمن أو سمنا بعسل أو سمن بقر بسمن غنم لضمن ما ضاع منه وما بقي، وإن خلط نوعا واحدا كزيت وزيت أو سمن وسمن فضاع بعضه فهو ضامن لما ضاع وما بقي، ولصاحبي ذلك أن يقسما ما بقي شطرين أو يدعاه، وما كان نوعين كسمن وعسل فلهما أن يصطلحا فيه على الثلث والثلثين، كأن أحدهما باع ثلث سمنه بثلثي عسل صاحبه، فصار له الثلثان من العسل ومن السمن، وصار لصاحبه الثلث من العسل والسمن. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن اغتصب من رجل درهما فأخلطه بدراهمه فعليه مثله ولا يشاركه في الدراهم. وذكر مسألة غاصب السويق يلته: أن عليه مثله. قال ابن القاسم: ولا يكونان شريكين، وكذلك استحب في القمح يطحنه. [10/ 323]
وقال أشهب في غير المجموعة: ولرب القمح أخذ دقيقه ولا شيء عليه في طحينه، وابن القاسم يرى في الثوب يصبغه الغاصب: أن ربه لا يأخذه حتى يدفع إليه قيمة الصبغ، وإلا ضمنه قيمة الثوب، وقال أشهب في غير/المجموعة: له أخذ الثوب ولا شيء عليه في صباغه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن سرق حنطة فطحنها سويقا فلته فليس لربها أخذه، فإن لم يكن للسارق مال بيع السويق عليه فاشترى منه مثل حنطة هذا، فإن كان فيه فضل فللسارق، وما نقص أتبع به، قال أشهب: وليس كالثوب يصبغ والثوب يقطع والعمود يدخل في البنيان، لأن اسم ذلك قائم بعد، والقمح ليس القمح بعينه وقد صار سويقا فعليه مثل الحنطة. قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب أو سرق فضة فصاغها حليا وضربها دراهم، أو غصب دراهم فضة فصاغها حليا، أو حليا فكسره وصاغ منه حليا آخر مخالفا، أو نحاسا ففسخ منه آنية، أو حديدا فعلم منه سيوفا أو آنية فليس لرب هذا أخذ ذلك، وله مثل وزن فضته ونحاسه وحديده ومثل دراهمه وقيمة الحلي الذي كسر له، قال أشهب: وليس له أن يعطيه قيمة الصنعة فيكون الفضل بين الفضتين، ولا له أن يذهب بصنعته باطلا وليس كالحنطة يطحنها ثم يلتها، لأن الحنطة بالسويق وإن لم تلت يجوز فيه التفاضل للصنعة، والفضة وإن ضربت دراهم لم تحل إلى غير ذلك ولا يجوز بينهما التفاضل. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في الفضة يصوغها حليا، والثوب يقطعه ويخيطه ويصبغه، والقمح يطحنه سويقا: أن لربه في هذا كله أخذه إن شاء، وإن شاء أن يضمنه ويأخذ منه المثل فيما يقضي بمثله، والقيمة فيما فيه/القيمة ولا حجة له بالصنعة. وقد قال النبي عليه السلام: ليس لعرف ظالم حق وفي [10/ 324]
كتاب السرقة باب مثل هذا الباب فيه هذه المعاني مستقصاة وكثير منها مكرر هاهنا. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: وإن غصبه كتانا مغزولا أو منفوشا فغزله ثم نسجه ثوبا فعليه مثل الكتان، فإن لم يجد مثله فقيمته يوم استهلكه. قال ابن القاسم وأشهب في الخشبة يعملها بابا: فإنما عليه قيمتها قال أشهب: وليس له أخذ الباب بلا غرم صنعة ولا أن يأخذه ويغرم الصنعة لأنه قد حال إلى غير ما كان، قال سحنون: كل ما غير حتى يصير له اسم غير اسمه فليس له أخذه وهو فوت. قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب أو سرق ثوبا فظاهر به جبة أو بطنها أو جعله قلانس فلربه أخذه وفتقه وإلا أخذ منه قيمته ولا يتبع السارق بفضل ذلك في عدمه. قال ابن القاسم: وإن غصبك دراهم فجعلها في قلادة وجعل لها عرى فلك أخذها وتدع عراه. وقال مالك في غاصب العمود والخشب أو شيئا منهما يدخلهما في بنيانه: أن لرب ذلك تركه وإن أخرب البنيان، وقاله أشهب وقال: بخلاف الخشب يعمل منها بابا لأنه لا يقدر على أن يعيدها كما كانت. قال: ولو غصب وديا من النخل أو شجرا صغارا فغرسها في أرضه فكبرت فلربها أخذها، وكذلك في كبر الحيوان والرقيق بخلاف الحنطة يجعلها خبزا والجلد خفاقا والخشبة بابا، وقال سحنون: إنما يحكم له بقلع/النخل إذا كانت إذا قلعت نبتت. [10/ 325]
فيمن غصب أمة أو حيوانا أو غيره فزاد ذلك في بدنه أو نقص بجناية أو غيرها
وقال ابن القاسم وأشهب: فإن اغتصب من مسلم خمرا فخللها فلربها أخذها خلا لا غير ذلك، قال أشهب: ولو كانت لذمي كان مخيرا في أخذها خلا أو قيمتها خمرا يوم الغصب. فيمن غصب أمة أو حيوانا أو غيره فزاد ذلك في بدنه أو نقص بجناية أو غيرها وكيف إن هلك ذلك بعد ذلك بأمر من الله تعالى، أو بجناية جان؟ أو باعه الغاصب، أو انتفع به؟ ومن المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب جارية صغيرة تسوى مائة فلما كبرت ونهدت وفرهت ماتت بعد أن صارت قيمتها ألف دينار، فإنها يضمن قيمتها يوم الغصب، قال أشهب: كما لو نقصت لم ينقصن من تلك القيمة، وكمن جرح عبدا قيمته مائة دينار فيموت وقيمته ألف دينار، فلا يضمن إلا قيمته يوم الجرح، والأمة إذا طلقت أو مات زوجها ثم عتقت لم تنتقل إلى عدة الحرائر. قال غيره: ومن سرق عرفت قيمتها يوم سرقها فلا ينظر إلى ما تؤول إليه قيمتها قبل القطع، قال: ولو فرهت الجارية عند الغاصب ثم قتلها أو تصدق بها فغابت لم يضمن إلا قيمتها يوم الغصب مثل لو ماتت. وقال سحنون في المجموعة: إن القتل فعل ثاني كأنه يقول: وجب عليه الضمان وكل واحد من الفعلين، ألا ترى المشتري قد ضمن فيها الثمن الذي نقد، ثم لو قتلها لضمنها بالقتل وهو ضامن بمعنى آخر/وكان لمن استحقها أخذه بقيمتها يوم القتل، ثم رجع إلى قول ابن القاسم وأشهب في الغاصب، قال ابن القاسم وأشهب: ولو [10/ 326]
باعها وهي تسوى ألفين بألف وخمس مائة ثم لم يقدر عليها فلا يضمن إلا قيمتها يوم الغصب. قال مالك: ولو كان ثوبا فلبسه المشتري فبلي فلربه على غاصبه إن شاء قيمته يوم الغصب أو الثمن أو يضمن المشتري قيمته يوم لبسه، ولو كانت أمة فقتلها أجنبي عند الغاصب فعلى الأجنبي قيمتها يوم القتل، فإن كان ذلك أقل من قيمتها يوم الغصب رجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب. وقال سحنون: لا يرجع على الغاصب بشيء، ومسألة مالك في لبس الثوب أصح، وأما أخذ قيمتها من الغاصب فقط، أو قيمتها من القاتل يوم القتل فقط كما لو نقصت لم يأخذها من الغاصب ناقصة وما نقصها فإنه لو باعها فماتت عند المبتاع لم يكن له قيمتها يوم الموت، وأما أخذ الثمن أو قيمتها يوم الغصب وليس له أخذ الثمن فيرجع بتمام القيمة يوم الغصب، ويرجع بتمام الثمن، وخالفه ابن المواز وقال: له أن يرجع على الغاصب بتمام قيمتها يوم الغصب لأن أخذه ما أخذ من القاتل لأنه غريم لغريمه. قال أشهب: إذا قتلها أجنبي فبخلاف قتل الغاصب الذي قتل ما قد كان ضمن، والأجنبي قتل ما في ضمان غيره، فإن أخذ منه الغاصب قيمتها أخذ ربها بالأكثر من ذلك أو من قيمتها يوم الغصب، وإن لم يأخذ قيمتها فلربها استيعاب أوفر القيمتين، فإن أخذ من الغاصب قيمتها يوم الغصب وهي أكثر أخذ/ [على القاتل بتمام القيمة يوم القتل وأخذ] الغاصب قيمتها من القاتل يوم القتل، وإن كان ما أخذ من الغاصب أقل رجع على القاتل بتمام القيمة يوم القتل، وأخذ الغاصب من القاتل باقيها وإن أخذ ربها من القاتل قيمتها يوم القتل وهي أوفر، لم يرجع القاتل على الغاصب بشيء، ولا يرجع عليه ربها بشيء، وإن كانت أقل رجع ربها على الغاصب بتمام قيمتها يوم الغصب، وقال ابن المواز: إذا أخذ من القاتل قيمتها يوم القتل وهي أقل من قيمتها يوم الغصب، رجع على الغاصب بالفضل [10/ 327]
لأنه يقول: إنما أخذت من قاتلها ما وجب لغاصبي عليه فهو غرم غريمي، وأنا آخذ تمام حقي من غريمي، ولو كان إنما أخذ قيمتها يوم الغصب من الغاصب فكانت أقل من قيمتها يوم القتل، فلا رجوع له على القاتل بشيء، وللغاصب طلبه، وزعم أشهب إن ربها يرجع على القاتل بفضل القيمة، ولم يعجبنا هذا إلا أنه لما ضمنه قيمتها يوم الغصب فقد ملكه إياها يومئذ، فتمامها ونقصها له وعليه، وأما لو أخذ من القاتل القيمة فلم يختلف ابن القاسم وأشهب أنه يرجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب على ما ذكرنا، قال: وجعلت على المشتري قيمتها يون القتل كالأجنبي وإن كان الثمن أقل، لأنه لم يضمنها إلا يوم القتل، وجعلت الغاصب إذا قتلها لم يضمن إلا قيمتها يوم الغصب وإن كانت أقل من القيمة يوم القتل، لأنه من يوم الغصب ضامن، وقد اجتمع ابن القاسم وأشهب في القتل واختلفا في جنايته عليها دون القتل وذلك عندنا سواء. ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا غصب/ثوبا فوهبه أو باعه ممن لبسه حتى أبلاه فلربه أن يأخذ الثمن من الغاصب فيتم البيع، فإن أبى فله تضمين الغاصب قيمته يوم الغصب، أو تضمين اللابس يوم اللبس، فإن ضمنه الغاصب قيمته يوم الغصب مضى البيع أيضًا ثم لا يرجع الغاصب منها على الموهوب أو المشتري بشيء كانت أكثر من الثمن أو من قيمته يوم اللبس أو أكثر، ولكن يرجع رب الثوب على اللابس إن كانت قيمته يوم اللبس أكثر بفضل القيمة، وإن أخذ القيمة من اللابس لم يرجع الموهوب على الغاصب منها بشيء كانت أكثر من قيمته يوم الغصب أو أقل، ولكن يرجع رب الثوب على الغاصب إن كانت قيمته يوم الغصب أكثر بفضل القيمة، وأما في البيع فإذا غرم المشتري القيمة رجع بثمنه على الغاصب إلا أن يكون أكثر مما في يدي البائع من الثمن أو من القيمة يوم الغصب أيهما أكثر، وأنكر قول من قال: إنه إن شاء ضمن المشتري قيمته يوم لبسه ولم يرجع على الغاصب بشيء، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب ولم يرجع على اللابس بشيء، وأنكر روايته عن مالك وقال: فلو كان طعاما فهو إن أجاز البيع وأخذ الثمن جاز البيع وإن أخذ الغاصب بالمثل جاز البيع ولم يرجع [10/ 328]
على اللابس بشيء، وإن أخذ المثل من الآكل وكان مشتريا رجع بالثمن على الغاصب، وإن كان موهوبا لم يرجع وقد ذكرنا اختيار ابن المواز في القتل. قال أشهب: والأمة يفقأ/عينها أجنبي فلربها أخذها وما نقصها يوم الفقء من الفاقئ في عدمه وملائه ثم لا شيء له على الغاصب لأنه لو كان هو الفاقئ لم يتبعه بما نقصها، وإن شاء تسلمها وأخذ قيمتها من الغاصب يوم الغصب إذ كان ذلك أكثر مما نقصها يوم الفقء، وإن كان الغاصب أخذ ما نقصها من الفاقئ وهو أكثر من قيمتها يوم الغصب، أخذ منه الأكثر، قال سحنون: لها تفسير وكأنه لم يعجبه تفسير أشهب. قال ابن عبدوس: وتفسيرها: ينظر، فإن كان الغاصب قد أخذ من الفاقئ ما نقصها وذلك أكثر من قيمتها يوم الغصب لأنها زادت فله أخذ جاريته ويتبع الغاصب بما أخذ، فإن كان عديما طلب بذلك الجارية ورجع الجاني على الغاصب، وإن كانت قيمتها يوم الغصب أكثر فله طلب الغاصب بالقيمة وتبقى الأمة للغاصب وما أخذ في نقصها، وإن شاء أخذ الأمة وابتع الغاصب بما أخذ من الجاني ويتبع به الجاني ثم يرجع به الجاني على الغاصب، قال أشهب: وإن لم يأخذ الغاصب من الجاني شيئا فإن لربها إن أخذ قيمتها من الغاصب وهو أكثر فللغاصب طلب الجاني بما لزمته، وإن كان ما أخذ من الغاصب أقل رجع على الجاني بما فضل له مما بين القيمتين، وأخذه الغاصب بما ودى من القيمة يوم الغصب إلى الغاصب، وهذا مما أنكره ابن المواز وقد تقدم. قال أشهب: ولو كان إنما أخذ من الجاني أولا ما نقصها وهو الأكثر فلا/طلب له على الغاصب، وإن كان هو الأقل رجع على الغاصب بما بقي له من قيمتها يوم الغصب، وعلى قول سحنون: ليس له إلا أخذ جاريته وما نقصها من الجانب كان أكثر من قيمتها التي تلزم الغاصب أو أقل ولا شيء له على الغاصب، أو يأخذ من الجاني قيمتها يوم الغصب، وتسلم إلى الجارية، وما يلزم الجاني يأخذه منه الغاصب لأنه لما ضمنه القيمة يوم الغصب صارت الجناية إنما هي على الغاصب. [10/ 329]
ذكر ما يلزم الغاصب أو المتعدي فيه القيمة أو المثل فيما استهلك أو جني عليه
قال أشهب: وإذا غصب أشياء مختلفة فنقصت في يديه فلربها أن يضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب، وإن شاء أخذها ناقصها ولا شيء له، وإن شاء أخذ قيمة نقصها أو يأخذ منها ما شاء بنقصه ولا يرجع في نقصه بشيء. ذكر ما يلزم الغاصب أو المتعدي فيه القيمة أو المثل فيما استهلك أو جنى عليه، وجامع جناية الغاصب، وجناية المتعدي، وكيف إن شاء رب السلعة أخذها وأخذ ما نقصها في الوجهين؟ من المجموعة: فقال مالك: ما استهلك من الحيوان والرقيق والعروض فالقيمة فيه أعدل، ومستهلك الطعام عليه مثله، وكذلك ما يوزن أو يكال من غيره من نحاس وحديد وكتان والقصب والتبن وغيره. قال بعض البغداديين من أصحابنا: وأوجبنا القيمة في غير الكليل والموزون لقول النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد قوم نصيب شريكه فجعل فيه القيمة وهي أعدل لتعذر/إدراك المماثلة فيه، وما كانت فيه مدركة مما يكال ويوزن فهي فيه أعدل والله أعلم فهي تقارب الذهب والورق في إدراك المماثلة، وغيرنا يقر بذلك فيه ويخالفنا في العروض، وقول الله سبحانه: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) قد علم أنه أريد المثل في الصفة والمقاربة لا حقيقة المقدار في الوزن لأن ما ذكر من النعم لا يقابله الصيد في المقدار، ليست البدنة مثلا للنعامة، وبذلك يحكم فيها فيعلم أنه أراد مماثلة الصفة والمقاربة في الخلقة والله أعلم. [10/ 330]
قال مالك فيمن تعدى بوطء أمة رجل قيمتها مائة دينار فحملت، قال في موضع آخر: أو لم تحمل ثم قال صاحبها وقيمتها خمسون دينارا فعليه قيمتها يوم الوطء وهي في ضمانه من يومئذ، وكذلك في الغصب قيمته ذلك يوم الغصب لا ينظر إلى ما بعد ذلك زاد أو نقص. قال مالك: ومغتصب الطعام والإدام يلقاه ربه ببلده آخر فليس له عليه المثل هنالك ولا القيمة، ولكن عليه المثل ببلد غصبه فيه، ولو كانت تلزمه القيمة أخذه ربها حيث لقيه قيمة ذلك بموضع الغصب في يوم الغصب أو التعدي، وقاله ابن القاسم وأشهب: إلا أن تعرض عليه القيمة بموضع غرر إن أخذها خيف أن تؤخذ منه أو يغصبها. فله أن لا يأخذها منه إلا أن يشاء ويرضى بالتغرير فعلى الغاصب حينئذ دفعها إليه. ومنه ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن استهلك لرجل عسلا أو/سمنا في بلد فلم يجد له بذلك البلد عسل ولا سمنا، قال: لا بد أن يأتيه بمثله وله أن لا يأخذ قيمته إلا أن يصطلحا على أمر يجوز، وقال أشهب: رب الطعام مخير إن شاء صبر عليك وألزمك أن تأتيه بالمثل من أي بلد كان، وإن شاء ألزمك القيمة الآن. قال ابن عبدوس: واختلفا في هذا كما اختلفا في الذي يسلم في الفاكهة فيفرغ إبانها وقد بقي منها، فالصبر حتى يؤتى بالطعام من بلد آخر كالصبر حتى يأتي إمكان الثمرة إلى عام قبل، فقال ابن القاسم: يلزم الطالب التأخير حتى يؤتى بالطعام وحتى يأتي قابل في الفاكهة. وقال أشهب: يرد إليه رأس ماله في السلم ولا يجوز أن يؤخره، وقال في الطعام: يأخذ قيمة الطعام إن شاء، ثم قال: وإن شاء أخره حتى يأتي المثل، فهذا فسخ دين في دين على أصله فلا يجوز أن يؤخره بالطعام إذا كان له أخذ القيمة، وإنما ينظر: فإن كان الموضع الذي يوجد فيه مثل الطعام على يوم ويومين والثلاثة ولأمر القريب فليس له إلا مثل طعامه يأتي به، وإن كان بعيدا على الطالب في تأخيره ضرر، أو كان استهلكه في لج بحر أو فيافي بعيدة من العمران فهذا يعزم قيمته حيث استهلكه يأخذه بها [10/ 331]
حيث لقيه، وليس هذا مثل مسألة مالك إذا وجد الطعام المستهلك بعينه بغير البلد فيقضى عليه أن لا يعطيه ذلك بالبلد، لأن المثل بذلك البلد موجود، وإذا كان الطعام لا يوجد فالقيمة أولى به إلا أن يجلب من بلد قريب/كما ذكرنا. من المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في المتعدي يفسد الثوب ففي الفساد اليسير لا يلزمه إلا ما نقص. قال ابن المواز: ولم يختلف في هذا قول مالك وابن القاسم وأشهب كانت جنايته خطأ أو عمدا، وفي الفساد الكثير ربه مخير في أخذ جميع قيمته، أو يأخذه ويأخذ ما نقصه، وإلى هذا رجع مالك في الفساد الكبير. وقال أشهب في الثوب والعبد إذا كان له تضمينه قيمته لكثرة الفساد فليس له أن يأخذه ويأخذ ما نقصه، إنما له أخذه بحاله ولا شيء له غير ذلك، وإما ألزمه قيمته جميعه وكذلك ذابح الشاة ليس له أخذها لحما ويأخذ ما نقصها، قال سحنون: وقاله ابن القاسم في غير الشاة أولا ثم رجع إلى ما ذكرنا. قال ابن المواز: وهو أحب إلي لأنه لما لزمته فيه القيمة لم يكن له أن يأخذ في القيمة غير العين ولا يأخذ سلعة وبعض القيمة ولا يأخذ غير القيمة إلا باجتماعها على أمر جائز، والحكم أوجب القيمة إلا أن يرضى رب السلعة بأخذها وحدها ناقصة بلا شيء فذلك له كذا بح الشاة وكاسر الغضا تعديا وليس بغاصب، فليس لربها أخذها وما نقصها في قول مالك وأصحابه، وما احتج به محمد فهو حجة أشهب، قال أشهب: وكذا ليس له أن يضمنه في اليسير فكذلك ليس له الفساد الكثير أن يحبس ويأخذ ما نقص، قال محمد: ولم يختلف قول ابن القاسم وأصحاب في جناية غير الغاصب: أن لا يلزم الغاصب ما نقصه. قال/سحنون في المجموعة: وقد قالا في أحد الشريكين في الأمة يطؤها ولا تحمل فإن شاء صاحبه ألزمها قيمتها أو يتمسك بنصيبه قال ابن القاسم: فإن تمسك بنصيبه فلا رجوع به عليه بما نقصها ولا بصداق لتركه القيمة التي وجبت [10/ 332]
له، ومن كتاب ابن المواز: قال: وكذلك الصانع أو المستعير كالمتعدي يفترق في الفساد اليسير والكثير بخلاف الغاصب والسارق لأنهما يوم الغصب ضمنا، والآخران لو أقاما بينة بشيء من فعل غيرهما لم يلزمهما شيء فافترق ضمانهما من ضمان الغاصب. وقال في الغاصب للثوب أو المتعدي بشقه أو يقطعه أو يفسده بعد الغصب، فأما في الغصب فيتفق الفساد اليسير والكبير فلربه أخذ قيمته يوم الغصب، وإن شاء يأخذ ثوبه ولا شيء له النقصان وسواء كان غاصبه الجاني عليه أو غيره وقد خالف ابن القاسم بين جناية الغاصب وجناية غيره وهما عندنا سواء، وأما في المتعدي فليس عليه إلا ما نقصه، وأما في الكثير فعليه قيمته يوم الجناية، قال في موضع آخر: أو يأخذه ربه ويأخذ ما نقصه، قال ابن المواز: ولو كانت أمة ففقأ الغاصب عينها عمدا أو خطأ أو قطع يدها فليس لربها إلا قيمتها يوم الغصب، أو يأخذها ولا شيء له من نقصها. وقال ابن القاسم فيه وفي المجموعة وغيرها: أن لربها أن يأخذها ويأخذ ما نقصها يريد: يوم/الجناية. قال ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: وقاله ابن كنانة في سارق الدابة يصنع بها ما ينقصها من ركوب أو غيره، قال سحنون: هذا خلاف لما قال ابن القاسم في القتل: أن عليه قيمتها يوم الغاصب لا يوم القتل، وقد يزيد قيمتها يوم القتل، وقد يكون فيما نقص القطع منها مثل قيمتها وأكثر فيأخذها ومثل قيمتها، فيأخذ في اليد مالا يأخذ في النفس وإنما له أخذها ناقصة فقط، أو يأخذ قيمتها يوم الغصب كقول أشهب، وأما جناية الأجنبي: فبخلاف ذلك لأن الأجنبي لم يضمنها كلها فله أخذ جاريته ويأخذ من الجاني ما نقصها، ولا شيء له على الغاصب، أو يدعها ويضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب ويرجع الغاصب على الجاني بما نقصها. ومن المجموعة: وقالا جميعا وابن كنانة: لو أصابها ذلك بأمر من الله لم يكن له أخذها ويأخذ ما نقصها من الغاصب، وإما أخذها فقط أو يأخذ منه قيمتها يوم الغصب، قال ابن القاسم: ولو قال له الغاصب: خذها وأعطيك ما نقصها ولا تضمني قيمتها فليس ذلك له، وكذلك لو فعل ذلك بها أجنبي فلم [10/ 333]
يوجد فلا يؤخذ الغاصب بما نقصها وإما أخذه بقيمتها وإلا أخذتها ولا شيء لك، قال ابن المواز: واحتج ابن القاسم في الفرق بين جناية الأجنبي والغاصب: أن يقول ربها للغاصب: أنا أسقط عنك حكم الغصب وآخذك بالتعدي، فيلزمه أن يقول ذلك/في القتل إذا قتلها الغاصب: أن لربها أن يضمنه قيمتها يوم القتل وهو لا يقوله ولا مالك ولا أصحابه، ولو قتلها أجنبي فإنما عليه قيمتها يوم القتل وقيمتها من الغاصب فإذا أخذها وأخذ ما نقصها فكأنه إنما أخذ ببعض القيمة عرضا وليس له أن يأخذ في القيمة عرضا وإنما طلبه لما نقص طلب لتمام القيمة يوم الغصب، وكذلك لو أصابها أمر من السماء، أو جني عليها أجنبي فلم يقدر عليه لم يلزم الغاصب ما نقصها، وإنما لربها أخذها منه ناقصة أو قيمتها يوم الغصب، ولو أخذها ناقصة فله طلب الجاني بما نقصها. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في غاصب العبد يقطع يده عمدا أو خطأ فربه مخير إن شاء ضمنه قيمته يوم الغصب أو أخذه وما نقصه، يريد: يوم القطع، وإن قطعه أجنبي فله أخذ قيمته من الغاصب، أو يأخذه وعقل جرحه إن كان له الغاصب عقلا، وإن كان عفا عنه فلربه أتباع الجاني بما نقصه، ولو وجده ميتا لم يتبع الغاصب بشيء من نقصه، وله تضمين قيمة العبد ولو أصابه ذلك من أمر من السماء، فإما أخذ قيمته أو أخذه ولا شيء له، ولو قطعه مشتري ففي العمد فله أخذه مع ما نقصه من المشتري فيرجع المشتري بالثمن على الغاصب، أو يضمن الغاصب قيمته أو ثمنه/وإن كان خطأ فإما أخذ قيمته من الغاصب أو أخذه مقطوعا ولا شيء له في القطع على الغاصب ولا المشتري. قال محمد ابن المواز: ومن اغتصب حليا فكسره ثم أعاده كما كان فلربه أخذه ولا شيء له غيره، ولا غرم عليه، ولو صاغه على غير صياغته لم يكون له [10/ 334]
جامع القول فيمن تعدى على شيء فاستهلكه أو جنى عليه
أخذه وله قيمته، وقاله ابن القاسم وأشهب: قال محمد: هذا إن صاغهما غير صياغتهما فأما إن أعادهما مثل صياغتهما فليس لربهما إلا قيمتهما التي ضمن ولو كان هذا فعل متعدي غير غاصب أو سارق لأخذهما ربهما مصوغين. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ومن غصب خلخالين فكسرهما فرضي ربهما أخذهما مكسرين فذلك له وقد كان له أن يلزمك صياغتهما إن قدر على ذلك أو يأخذهما وما نقص الكسر منهما أو يأخذهما ويقنع عنك ذلك، ولو صغتهما بعد الكسر [خلخالين فله أخذهما ولو صغتهما] سوارين أو دملجين فليس له أخذهما وعليك قيمتهما يوم كسرتهما. جامع القول فين تعدى على شيء فاستهلكه أو جني عليه جناية فنقصته من عبد أو دابة أو عرض أو حلى أو غيره من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال ابن القاسم عن مالك فيمن استهلك سوارين فعليه قيمتهما مصوغين يوم جنايته يقومان بخلافهما بين ذهب أو فضة مسكوك. قال أشهب في المجموعة: إلا أن يكون فيه الجوهر المربوط به ما تراه يقع له فلا بأس أن يأخذ قيمته ذهبا وهو من ذهب، أو نقصه وهو من فضة. قال في كتاب ابن المواز في مستلك سواري ذهب: إن لم يكن له شيء جاز أن يؤخذ بقيمهما من الفضة وقد قيل: واجب له أن لو أبقي الذهب بحاله سوارين حتى يجد، وإن كانت القيمة إنما تجب يوم الاستهلاك. [10/ 335]
قال ابن القاسم في الكتابين: ولو كسرهما أو هشمهما فإنما عليه قيمة الصياغة من ذهب أو فضة. وليس كالفساد الفاحش في العروض لأنه إنما أتلف الصيغة، قال ابن المواز: وهو لم يغصبها فيضمن بالغصب قيمتهما، وقال أشهب في الكتابين: عليه أن يضوغهما له وهو أحب إلي من قيمتهما وما نقصهما وقد قاله مالك فيهما وفي الجدار يهدمه، فإن لم يقدر أن يصوغهما فعليه ما نقص ما بين قيمتهما مصوغين ومهشمين أو مكسورين ولا أبالي قوما بذهب أو بفضة قال ابن المواز: عليه قيمة ما نقصتهما الصيغة بخلاف كاسر العصا أو ذابح الشاة لأن ذلك لا يمكن اعادته، قال أشهب: ولم ألزمه في الاستهلاك مثلهما لأني لا آمن أن يكون في ذلك أكثر من ذهبه أو أقل في الكسر إنما يصوغ ذهبهما بنفسه وقال في هاشم الدينار: عليه مثله لأنه عين فلو أخذه وما نقصه كان فضل بين الذهبين، قال ابن القاسم: الحلي ليس بعين وإنما أتلف فيه صياغته وقول ابن القاسم وأشهب فيمن كسر قصعة أو سرجا أو قمقما أو شق ثوبا: إن في ذلك النقص الكثير قيمته، وقي اليسير ما نقصه، قال أشهب: بعد خياطة الثوب، ورواه عن مالك، وقال ابن القاسم: بعد رفوه. وقال أشهب في الكتابين فيمن قطع يد عبد غيره أو فقأ عينه: إن عليه ما نقصه، قطع اليد من فقء العين وكل ليس فيه إلا ما نقصه، وأما قطع اليدين والرجلين، أو فقء العين: فيضمن قيمته العبد كله ويعتق على الجاني، وقاله ابن كنانة عن مالك وابن أبي الزناد عن أبيه، قال أشهب في كتاب ابن المواز: إلا أن يرى فيه بعد العمى أو قطع اليدين ما لم يذهب أكثر منافعه، قال في الكتابين: أما في الدواب والبهائم: فإن قطع اليد الواحدة يبطل منافعها أو جلها، وتجب عليه [10/ 336]
قيمة الدابة، وأما فقء عينها وقطع أذنها أو كسرها كسرا تنجبر فيه فإنما عليه في نقصها وقاله عمر بن عبد العزيز ومالك وأبو الزناد، وقال ابن القاسم، وذلك في الدواب مثل الثوب في الفساد اليسير والكثير، وقد قيل في غير كتاب ابن المواز: إن العبد الصانع إذا قطع يده يوجب قيمة جميعه لأنه أبطله، وقيل في مفقوء العين أو مقطوع ليد: يفقأ عينه أو يقطع يده جان: إن عليه قيمة جميعه. من المجموعة: قال أشهب: قال ابن كنانة عن مالك فيمن قطع يد عبد أو فقأ عينه عمدا: إن ربه مخير بين أخذه ما نقصه أو تضمينه قيمة جميعه فإن ضمنه قيمته عتق على الجاني، قال أشهب: إذا كان قطع يده الواحدة أذهب أكثر منافعه فليس لسيده إلا قيمته، وإن لم يذهب أكثر منافعه: فربه مخير كما قال مالك، وهو استحسان وليس بالقياس. قال ابن عبدوس: وإذا جني عبد على عبد فقطع يديه أو فقأ عينيه خطأ أو كان عمدا وترك السيد القصاص، فقد صار الثاني مرتهنا بجميع قيمة المجني عليه فيسلمه أو يفديه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن تعدى على شاة بأمر قل لبنها به فإن كان عظم ما يراد له اللبن ضمن قيمتها إن شاء بها وإن لم تكن غزيرة اللبن فإنما يضم ما نقصها، وأما الناقة والبقرة: فإنما فيهما ما نقصهما وإن كانت غزيرة اللبن، لأن فيهما منافع غير ذلك باقية، وقال أصبغ قالا: وإن قطع يد رجل فإن كان صانعا وعظم شأنه لصنعته فقد ضمنه، وإن لم يكن صانعا فإنما فيه ما نقصه، [وإن كان تاجرا نبيلا، وأما فقء العين ففيه ما نقصه] كان صانعا أو غيره، وأما إن قطع يديه أو رجليه أو فقأ عينيه فقد لزمته [10/ 337]
فيمن اغتصب أرضا أو عدا عليها أو أحدث فيها بناء أو غرسا أو زرعا أو هدم أو بنى
قيمته كلها إلا أنه لا يعتق عليه لأن مثل بعبد غيره، وليس لسيده أن يختار إمساكه وأخذ ما نقصه، وكذلك غير العبد من عرض أو غيره، وأما إن عدا على فرس أو دابة غيره ففقأ عينها أو قطع أذنها: فإنما له ما نقصها، فإن قطع ذنبها وهو فرس أو حمار فاره أو بغل ضمن جميع قيمته لأنه أبطل الغرض فيه من ركوب من يركب مثله من ذوي الهيئات، بخلاف العين والأذن، وقاله كله أصبغ إلا في قطع يدي العبد وفقء عينيه، فإنه قال: يعتق عليه، قال عبد الملك: وهو استحسان. وذكر من تعدى على عبد/رجل فأخصاه في كتاب الجنايات. فيمن اغتصب أرضا أو عدا عليها أو أحدث فيها بناء أو غرسا أو زرعا أو هدم وبنى أو رم أو أصلح في الدار أو في المركب والغلة في ذلك ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك فيمن بنى في أرض قوم بغير إذنهم فلهم أن يكفوه هدمه إلا أن يعطوه قيمته نقضا فلا يكون له غير ذلك، وقال ابن القاسم وأشهب فيمن غصب أرضا بقي منها أو بناها، فإذا كان ما يقلع ويهدم منها لا قيمة له فليس للغاصب قلعه، قال ابن المواز: وإذا شاء ربها أن يعطيه قيمة ذلك ملقى أو مقلوعا إنما ذلك بعد أن يطرح من ذلك أجر من يهدمه أو يقلعه، قال ابن القاسم: وليس له فيما حفر من حفرة أو طمس مطمورا شيئا لأنه شيء لا يقدر الغاصب على أخذه ولا في تراب ردم به في حفرة، قال سحنون: أما ما ردم به الأرض من تراب فله أخذه، لأن من غصب ترابا فلربه أخذه، وكذلك في مسألة أشهب في الذي حبس الأرض: أن له أخذ التراب وهو كالطوب عين قائمة بخلاف الحفر، والحفر كالبنيان في الطوب إنما له قيمة الطوب [10/ 338]
فقط إلا أن لرب الأرض في الحفر إن شاء أن يكلفه ردمه فعل ويقول: لا أريد في أرضي مطمرا ولا بئرا، وكذلك قال عيسى بن دينار، وفي العتبية: إن له أن يأمره بردم الحفر التي حفر وهي تضر به في أرضه. ومن كتاب ابن المواز: ومن غصب دارا فهدمها ثم استحقها رجل فإن شاء أخذ منه قيمتها يوم الغصب وإن شاء أخذ العوصة والنقض على أن لا يتبع الغاصب بشيء، ولو هدمها ثم بناها بنقضها نفسه ثم أعادها كما كانت قال: فللغاصب قيمة هذا النقض المبني منقوصا اليوم وتكون عليه قيمة النقض منقوصا يوم هدمه فيتقاصان، هذا مذهب أشهب ومالك وهو أحب إلي، وقال ابن القاسم: يحسب على الهادم قيمة ما هدم قائما وتحسب له قيمة ما نبي منقوضا. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن ضرب طوبا أو عمل تلالا في أرض رجل بغير إذنه، قال: الطوب والتلال لمن عملهما ولا شيء عليه لرب الأرض إلا أن يكون عليه فعليه قيمة ما أفسد من الأرض، قال: وإن حفر فيها بئرا فعليه ردم ما حفر فيها وللحافر نقضها إلا أن يشاء رب الأرض أن يعطيه قيمة نقضه مقلوعا فذلك له وهو قول مالك. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: ابن القاسم عن مالك فيمن تعدى على أرض رجل فزرعها، فإن قام ربها وقد نبت الزرع فإن قام في إبان يدرك فيه الحرث فله قلعه، يريد: يلي قلعه المتعدي، وإن فات الإبان فله كراء أرضه، قال ابن القاسم وأشهب: وكذلك في غاصب الأرض، قالا في كتاب ابن المواز: وإن كان الزرع صغيرا إذا قلع لا منفعة فيه للعلف قضي به لرب الأرض بلا ثمن ولا زريعة/ولا شيء، فإن كان ينتفع به للعلف لم يكن بد من قلعه، [وإن مضى [10/ 339]
الإبان فله الكراء وليس له قلعه]. قال ابن المواز: ولو كان صغيرا جدا في الإبان فأراد رب الأرض تركه ويأخذ الكراء لم يجز ذلك لأنه يحكم به لرب الأرض فكأنه بيع زرع لم يبد صلاحه مع كراء الأرض، قال ابن القاسم: وقال لي من أثق به: إنه إذا لم تكن فيه منفعة للعلف قضي به لرب الأرض. ومن المجموعة: قال عبد الملك عن مالك، والمغيرة وابن دينار: إن الزرع إذا أسبل لا يقلع لأن قلعه من الفساد العام للناس. كما يمنع من ذبح الفتي مما فيه الحمولة من الإبل [وذات الدر من الغنم، وفي موضع آخر] وما فيه الحرث من البقر لما في ذلك من مصلحة العامة، قال غيره من أصحابنا في غير المجموعة: كما نهي عن تلقي الركبان واحتكار الطعام لمصلحة العامة فيمنع الخاص من بعض منافعه لما فيه من الضرر بالعامة، قال عبد الملك: وإن كان الزرع صغيرا حين شرط أو حين سقى فإنه يقلع ويلزم المتعدي ما ألزم نفسه، وإذا لم يكن فيه علف ولا له ثمن [كان لرب الأرض بلا شيء] وليس للزرع قلعه، ولا يوجد زرع بقيمته، لأنه يبيع له قبل بدو صلاحه، وكذلك قال ابن القاسم إذا كان في الإبان فلرب الأرض أن يأخذ منه الكراء أو يأمره بقلعه إلا أن يتراضيا على أمر يجوز، فإن رضي الزارع بتركه لرب الأرض جاز إذا رضي رب الأرض، وإذا لم يكن فيه قلعه نفع ترك لرب الأرض إلا أن يأبى فيؤمر/الزارع بقلعه. ومن المختصر الكبير: ومن غصب أرضا فزرعها فإن قام ربها وقد بلغ الزرع فله الكراء، وإن كان لو لم يكن فيها زرع لزرع كان ذلك له، يريد: الزرع بلا ثمن قال: وقد قيل: إن من اغتصب أرضا فزرعها فلا يعطى شيئا لأنه ليس لعرق ظالم حق، فهو أهلك ماله، والأول أحب إلينا، والذي في كتاب الأبهري عن [10/ 340]
ابن عبد الحكم: وقد قال مالك: إن له أن يقلع الزرع سواء قدر أن يزرع أرضه أم لا، والأول أحب إلينا. وفي المجموعة والعتبية من سماع يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: وإذا تعدى بزرع أرض رجل ثم ينصف صاحب الأرض فتعديه على حقه في أوان لو شاء أن يزرع أرضه أمكنه ذلك ولم يمنع فترك الزرع حتى إذا أمكنه تنازعا فيه، فأراد رب الأرض أخذه ويغرم للمتعدي بذره أو قيمته، قال، فالزارع أحق به وعليه كراء الأرض، ولو دعاه رب الأرض لقلع الزرع حين قام فترك الغاصب زرعه مؤيسا من منفعته وبرئ إلى رب الأرض منه، وقال له: اصنع به ما شئت، لا حاجة لي به، فقال رب الأرض: فأنا أقره لنفسي فلما بلغ تنازعا فيه، فأراه لرب الأرض. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: ولو زرع الأرض بشبهة من شراء أو كراء فقام ربها في الإبان فله كراء عامه، قال ابن القاسم: وإن فات فلا كراء له، وكذلك إن كان المكتري لا يعلم ما مكريه: غاصب أو مشتري؟ فهو كالشراء حتى يعلم أنه غصبها، ولو استحق بعضها واستشفع/فله كراء حصته في الإبان ولا كراء له فيما استشفع فيه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولو غصب قمحا فزرعه فعليه مثله؛ قال عبد الملك: إذا أراد أن يخرج مما دخل فيه ورده إلى أهله فليس عليه إلا مكيلة ما غصب ويستغفر الله. ومن كتاب ابن المواز: ذكر النفقة على الحيوان والعبيد والنخل وغلات ذلك وقال: وكذلك لو اغتصب مركبا خربا فأنفق في قلفطته وزفته واطراقه وحوائجه ثم اغتل غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما [10/ 341]
أنفقه إلا مثل الأرجل والصاري والحبال وما إذا أخذ وجد له ثمنا، قال محمد: ولو استحقه ربه بموضع لا يجد فيه صاريا غير صاري هذا الغاصب ولا أرجلا ولا أحبلا ولا بموضع ينال حمله إليه إلا بالمشقة والمؤنة العظيمة، وهو مما لا بد له منه مما يجري به المركب حتى يرده إلى موضعه، فربه مخير بين أن يعطيه قيمة ذلك بموضعه كائن ما كان، وأن شاء أسلم ذلك إليه، وكذلك منغصب دارا خرابا لا يقدر على سكناها حتى يصلحها فسقف فيها وحفر وردم وأصلح حتى سكن وأغلت غلة كثيرة فلربها أخذها مصلوحة وأخذ ما اغتل منها، وكراء ما سكن، فلم يكن عليه مما أصلح شيء إلا قيمة ما لو تركه كان له قيمة فيعطيه ثمنه نقضا على قدر ما يظن أنه يصفو من ثمنه بعد أن يطرح منه أجرة قلعه، أو يشاء المستحق. أن يكلف نقضه، قال أبو محمد: كان ابن المواز فيما ذكر/من هذا يفرق بين ما رم وأصلح في الدار وبين أن يغصب أرضا فيبنيها دارا، هذا ينبغي أن لربها أن يعطيه قيمة البناء مطروحا ثم يغرم له ما يقع للأرض من الكراء فيما سكن، وإن أكراها مبنية نظر ما وقع للأرض من الغلة فوداه، وكذلك فيما غرس في الأرض من الشجر فاعتلها مدة الغلة للغاصب وعليه كراء ما أقامت تلك الأصول في الأرض لرب الأرض، ولربها أن يعطيه قيمة ذلك ملقى أو يأمره بقلعه، وقد رأيت لأصحابنا ما يدل على هذا الجواب. [10/ 342]
فيما يحدث عند الغاصب من ولد وما يغتل من غلة في الحيوان وغيره
فيما يحدث عند الغاصب من ولد، وما يغتل من غلة في الحيوان وغيره، وكيف بما أنفق على ذلك أو أصلح أو عمر، أو سقى وعالج؟ قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: إن ما ولدت الأمة المغصوبة من الغاصب أو غيره ممن ليس بمغرور بنكاح أو شراء فرقيقه لسيدها معها، قال أشهب: فإن شاء تركها وأخذ من الغاصب قيمتها يوم الغصب، لأن الولادة تنقصها، ومن مات من ولدها فإنه يضمنهم عند أشهب بقيمهم يوم ولدوا وإن ماتوا وماتت الأم لزمه عنده قيمتها وقيمة الولد يوم ولدوا، وإن ماتت الأم وحدها أخذ الولد مع قيمتها وابن القاسم لا يضمنه من مات الولد، والأشهب قول يشبه قول ابن القاسم في الولد يموت، وذلك أنه أنكر قول من قال في الأمة تلد من المشتري: إن المستحق يأخذ قيمتها يوم أحبلها وقيمة ولدها، فأعاب هذا وقال: إذا لزمه قيمتها يوم الوطء صار الولد له/بعد أن لزمته القيمة. قال ابن القاسم: وإذا هلكت وبقي الولد ولدته عند الغاصب: فإما أخذ ربها الولد ولا شيء له، أو يأخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له في الولد، وكذلك إن ماتت وقد انتقع منها بغلة من صوف ولبن وما تولد منه، فإنما له إما قيمتها يوم الغصب فقط وإلا أخذ ما وجد من غلتها فقط، فإن فات ذلك بانتفاعه أخذ ما فيه القيمة والمثل فيما يجب فيه المثل فقط، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثل قول ابن القاسم في ذلك كله. ومن المجموعة: قال أشهب: وغاصب الدابة إذا أكراها فإن شاء ربها أخذه بقيمتها يوم الغصب ولا كراء له وإن شاء أخذ كراءها فقط، قال ابن عبدوس: وهذا يدل من قوله: إنه إذا أخذ القيمة يوم الغصب لم يكن له شيء في ولد ولا غلة، ولو كان إنما مات الولد لم يضمنهم لدخولهم في حكمها فهم كعضو منها لو ذهب لم يضمنه، ويأخذها ناقصة أو قيمتها يوم الغصب. [10/ 343]
فإن قيل: إنه لما احتبس الولد يوم ولدوا فهو كما لو غصبه يومئذ. قيل له: وكذلك كان محتبس العضو التالف منها فضمنه قيمته وقد أبى من ذلك أشهب إذ أوجب جميع تضمين الكل، قال أشهب: إذا وجد الأمهات أخذها وضمنه ما أكل مت غلتها وذهب وتلف على يديه وكذلك تمر النخل. قال ابن القاسم: وإذا أخذ منه تمرة النخل فلا شيء له فيما سقى وعالج، وقال أيضًا: ثم يأخذ ما سقي وعالج ما بينه وبين قيمة الثمن/وقال أشهب فيه وفي غلة الغنم: يحسب فيها ما أنفق في رعاية ومؤنة، وأما فلا الولد فلا نفقة له فيه لأنه ليس بغلة، وذكر تفريق ابن القاسم بين الدور والأرض وبين العبد والدابة فيما زرع أو سكن أو أكرى أواغتل أو استحق أنه لا شيء له من ذلك في الحيوان وإنما له في الدور والأرض، ولو جعلت له ذلك فيهم لقوصص فيه بما أنفق عليهم ولكنت أقول في الصغير يكبر: أن يطلب ما أنفق عليه، ورواه عن مالك؛ قال سحنون: وقد روي عن مالك أنه يغرم له غلة الحيوان والعبيد، وقال أشهب: إن الدور والأرض والعبيد والحيوان سواء ويرد كلما اغتل في ذلك كله من كراء وقيمة ما عمل له إن كان عملا لمثله كراء ما أكرى من ذلك ويقاص في ذلك كله بما أنفق وعمل وعلف، وإنما الذي فيه الحديث كان الخراج بالضمان إنما هو لمن ضمن بغير تعدي فأما المتعدي الظالم فليس من ذلك. [10/ 344]
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إن للمستحق طلب الغاصب في العبيد والحيوان بأجر ما ركب واستخدم وأكرى، وكذلك الدور والأرضين، وإن علم أنه أغلق الدار وبور الأرض وأوقف الدابة والعبد فلم ينتفع بشيء من ذلك في سكن ولا خدمة ولا كراء: قالا: فعليه كراء ذلك لأنه منعه ذلك منها. ويرد كل ما أكل من الثمرة المكيلة إن عرفت وإلا فالقيمة، والغاصب مصدق/في صفة ذلك مع يمينه، قال سحنون في العتبية: وإذا غرم لرب الدابة غلتها قاصة بما علفها وإذا كانت عنده واقفة لم يستعملها فلا كراء عليه. وأخذ ابن المواز بقول أشهب في رد الحيوان والعبيد والمقاصة فيها بالنفقة والمؤنة، وناقض أشهب ومحمد ابن القاسم في حجته بالصغير يكبر وينفق عليه: أنه لا يرجع بذلك ويرجع بما أثر في الدار فقالا: إنما يرجع في الدار في عين قائمة وليست النفقة في الصغير نعين قائمة. قال أشهب: ويلزمه أن يقول إذا ركب الدابة غير الغاصب واستخدم: إن كراء غلة ذلك للغاصب بضمانه، وهذا قول العراقيين، قال محمد: وهو قول ابن القاسم عن مالك، وروايته: أن ما اغتل في الحيوان لا يغرمه الغاصب، قال أصبغ: أما الذي استأجر فلا شيء عليه إذا لم يعلم، لا اختلاف بيننا فيه، وأما قبض الغاصب في غلة الحيوان فقول أشهب أحب إلي، وقاله محمد، ولم يختلف مالك وأصحابه فيما تولد عن الحيوان من صوف ولبن وشبهه: أن يرده الغاصب مع الأمهات ومع الولد، ويرد غلة النخل، ويرد ما تلف من علتها وما تلف منه بسببه وبغير سببه فليرده وكل ما انتفع به من ذلك أو وهبه، وبحسب ما سعى وعالج وما أنفق في رعاية الغنم ما بينهما وبين استيعاب الغلة فلا يزاد الغاصب على ذلك، وهذا قول أشهب في غرم القيمة، وقاله ابن القاسم ثم رجع عنه وقال: لا شيء له من النفقة وإن كانت/بسبب للغلة ولا مما علف الدابة، وقاله مالك. وبه قال ابن المواز قال: إذ ليس بعين قائمة ولا يقدر على أخذه ولا مما له قيمة بعد قلعه فيودى، كما لو غصب مركبا مخربا فأنفق في قلفطته [10/ 345]
فيمن تعدى فبنى أو سكن أو غرس في أرض بينه وبين رجل بميراث أو غيره
وزفته وتزجيجه وأطرافه وحوائجه ثم اغتل فيه غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما أنفق عليه إلا مثل الصاري والأرجل والحبال وما يوجد له ثمن إذا أخذ فللغاصب أخذه، وإن كان موضع لا عناية عنه: فقد ذكرنا القول فيه قبل هذا وقال: وكذلك لو غصب دارا لا يقدر أن يسكنها إلا بأصلاح فسقف فيها وأصلح وردم وحفر حتى سكن، فلربها أخذها وأخذ غلتها بلا غرم شيء إلا ما لو نزع كان له قيمة، فله أن يعطيه قيمته مطروحا بعد أجر قلعه، وهذا قد كتبته وزيادرة فيه في باب تقدم فيما عمر فيه الغاصب وبنى. فيمن تعدي فبني أو سكن أو غرس في أرض بينه وبين رجل بميراث أو غيره، ومن غرس في أرض غيره وهو يراه مثل الزوج في أرض زوجته أو غيره من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن غرس أو بنى في أرض بينه وبين شريكه فليقسماها، فإن صار بناؤه فيما وقع له فهو له وعليه كراء حصة صاحبه فيما خلا، وإن صار الغرس والبناء في نصيب شريكه خير شريكه بين أن يعطيه قيمة ذلك مقلوعا وبين أن يأمره بقلعه، وله على الباني من/الكراء بقدر نصيبه. وروى عيسى عن ابن القاسم في إخوة ورثوا منزلا فيعمل أحدهم في الأرض أو المنزل قبل أن يقسم بيننا أو يغرس، فذكر ما ذكر مالك وزاد: فإن استغل من ذلك شيئا قبل القسم: قال: إن كانوا حضورا فلا شيء لهم لأنهم بمنزلة أن لو أذنوا له، وإن كانوا غيبا فلهم بقدر كراء الأرض البيضاء، وعليه لهم ما ينوبهم صارت له أو لغيره. [10/ 346]
قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن هلك عن أرض وبقر وغنم ودواب فاستعملت ذلك كله زوجته زمانا وورثة الميت صغار أوغيب، فإن عليها قدر حصتهم من كراء الأرض وما استعملت من البقر والدواب بعد أن تقاص بالعلف، وما مات من ذلك في علمها فهي ضامنة لقيمتهم، وما دخلهم من نقص أو عيب فإنهم مخيرون بين أخذه وما نقص، أو يضمنوها قيمة ذلك يوم تعديها وما مات أو نقص في غير عملها أو سببها لم يضمنه إذا تركته على حاله وكلما حلبت من لبن وأصابت من رسل مما فيه فضل عن مؤناتها ورعايتها فعليها ذلك الفضل، وإن لم يكن فيه فضل فلا شيء عليها، وما رفعت من زرع فلها، وعليها كراء البقر ومكيلة البذر إن أقرت أنها من بذرة زرعت وكراء بقره وتحلف: ما زرعت إلا لنفسها وإن قالت: البذر من طعامي صدقت مع يمينها، وقاله أصبغ. ومن العتبية من سماع ابن القاسم في من بني في أرض رجل أو غرس وهو حاضر يراه فلمل فرغ قام عليه: أن للعامل قيمة ما أنفق. قال ابن القاسم/: وذلك في فياقي الأرض وحيث لا يظن أن تلك الأرض لأحد، فإذا بنى في مثل ذلك المكان وصاحبه ينظر ثم طلب إخراجه فلا يخرجه إلا بقيمته مبنيا، ولو بنى في مثل المكان الذي يجوز استحياء مثله ولم يعلم ربه لم يكن له إخراجه إلا أن يغرم القيمة مبنية، وأما من دخل بمعرفة متعديا: فله أن يهدم بناءه ويقلع غرسه إلا أن يريد أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعا فليس للمتعدي أن يأبى ذلك. وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن بنى أو غرس في أرض امرأته أو في داره، ثم يموت أحدهما فقيمة ذلك البناء عليها أو على ورثتها للزوج أو للورثة قيمته مقلوعا، وإنما حاله فيما غرس من مال امرأته حال المرتفق به كالعارية يغرس فيها ويبني إلا أن يكون للمرأة أو لورثتها بينة أنه إنما كان ينفق في عمارة ما عمر من ذلك من مالها ولها كان يصلح، فتكون أحق بأرضها وما فيها بغير شيء، وإلا فكما ذكرنا [10/ 347]
فيمن غصب بيضة فحضنها، أو غصب دجاجه فحضن تحتها بيضا منها أو من غيرها
وإنما يعطى القيمة، فأما من عمر بميراث أو بشراء ثم استحق واستشفع فأما إن أسكن أجلا أو عمري أو إلى غير أجل، ثم خرجوا طوعا أو خرجوا عند الأجل، فهؤلاء يعطون قيمته منقوضا. وذكر مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب أن من بنى في أرض بينه وبين شريكه فإن كان شريكه حاضرا لا ينكر فهو كالإذن ويعطيه قيمة البناء قائما، قال ابن القاسم واصبغ: قيمته ملقى، وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك: إن بنى بعلمه فلم ينكر عليه فليعطه قيمة البناء قائما كالباني بشبهة، وهذا مذكور في كتبا الصدقة/والهبة بأكثر من هذا المعنى وأتم. وفي كتاب الدعوى: ذكر الزوج يبني في أرض زوجته ثم تدعي هي أو ورثتها أن ذلك من مالها. فيمن غصب بيضة فحضنها، أو غصب دجاجة فحضن تحتها بيضا منها أو من غيرها، والحكم فيما توالد من ذلك في الدجاج أو في الحمام ومن المجموعة: قال أشهب فيمن غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة فخرج منها دجاجة فعليه بيضة مثلها والدجاجة للغاصب، كالغاصب القمح فزرعه فله الزرع وعليه مثل القمح، قال: وأحب إلي لو تصدق بالفضل وليس بواجب عليه للضمان. وقال سحنون في العتبية: من غصب لرجل بيضة له من دجاجة حية أو من دجاجة ميتة فحضنها تحت دجاجة فخرج مها فرخ: فالفرخ لرب البيضة وللغاصب عليه قدر إكراء ما حضنت دجاجة كانت البيضة من ميتة أو حية. [10/ 348]
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة ونسبة في المجموعة إلى أشهب قال: ومن اغتصب دجاجة فباضت عنده فحضنت من بيضها فما خرج من الفراريج فلربها أخذهم مع الدجاجة كالولادة، وأما لو حضن الغاصب تحتها بيضا من غير بيضها فخرج من ذلك فراريج، أو حضن بيضها تحت دجاجة له أخرى فليس للغصوب منه إلا دجاجته وحدها إن شاء ولاشيء له مما خرج عن البيض الذي حضنت لا من بيض غيرها ولا مما حضنه غيرها من بيضها ويغرمه للمستحق بيضا مثل بيضها. قال في كتبا ابن المواز: ويكون له فيما حضنت من بيض غيرها كراء مثلها، يعني محمد: على قول أشهب، قال في كتاب محمد: وما نقصها ذلك وهذه الكلمة التي في كتاب محمد فيها نظر، قال: إلا أن يكون نقصانا بينا فله، يريد محمد: إن شاء قيمة الدجاجة يوم غصبها ثم لا شيء له من بيضها لا من فراريجها ولا من كراء حضانتها شيء أذا أخذ قيمتها يوم غصت منه، قال في الكتابين: وكذلك الحمامة بعينها ولا شيء للغاصب فيما أعانها به الذكر الذي له، قال في كتاب ابن المواز: ويكون للمغصوب منه قيمة حضانتها، قال في الكتابين: ولا شيء له من فراخ ما حضن غيره من بيضها وإنما له في الغاصب بيض مثل بيض حمامته إلا أن يكون عليه في أخذ البيض ضرر في تكلف حمام تحضنهم فله أن يأخذ الغاصب بقيمة ذلك البيض. [10/ 349]
في الغاصب يكري ما غصب فيعطب، أو يعتدي فيه المكترى بأمر، وشيء من ضمان الغاصب
في الغاصب يكري ما غصب فيعطب، أو يعتدي فيه المكتري بأمر، وشيء من ضمان الغاضب، وضمان من غصب السكنى دون الدار من كتاب ابن المواز: ومن غصب دارا فأكراها فأخرب الساكن بعضها قال ابن القاسم: فعليه قيمة ما أخرب وليس عليه أن يبني له، ولو انهدمت من غير فعله لم يلزمه شيء، ولو كان غاصبا لزمه ما أنهدم بغير سببه يخير ربها بين أن يسلم إليه ما أخرب فيها بأصله وأخذ قيمته وإلا أخذه بلا غرم نقصان إلا أن يكون هدم/أكثر الدار فله أن يسلم العرصة ويأخذ قيمتها مبنية أو يأخذها ولا يرجع بنقصانها، ولو أكرى الغاصب دابة فعطبت تحت المكتري: قال ابن القاسم: إن ربها لا يتبعه بشيء ويتبع الغاصب بقيمتها إلا أن يموت من فعل فعله بها المكترى بخلاف ما أكل المشتري ولبس وقد قال مالك في الذي واجر عبدا لم يدر أنه عبد ليبلغ له كتابا إلى بلد فعطب أنه ضامن مثل ما يتلف المشتري من السلع، وكذلك ما عطب في عمله. وفرق ابن القاسم بين هذا العبد والدابة التي اكتراها فعطبت وما بينهما فرق، كذلك لو لم يركبها وبعثها مع غيره إلى بعض القرى، قال محمد: وهما سواء وفيها الضمان قيل: فقد قال مالك في المشتري يهدم الدار: أنه لا يضمن الهدم قال: قد قال في قطعه للثوب: إنه ضامن، قال محمد: والفرق: أن الدار يقدر على إعادتها ولا يقدر على إعادة الثوب، وكذلك كسره للحلي كهدم الدار إذ ليس يختلف قاطع الثوب كذابح الشاة وكاسر العصا وكذلك بعثه للغلام إذا هلك فيه فهو تلف له، وكذلك عندي راكب الدابة والباعث بها يهلك في ذلك. قال ابن القاسم: ومن سكن دارا غصبا للسكنى لا للدار فانهدمت من غير فعله مثل ما سكن المسودة حين دخلوا فلا يضمن إلا قيمة السكنى إلا أن [10/ 350]
ينهدم من فعله، وأما لو غصبه البنيان، يريد برقبة الدار ضمن ما أنهدم وكراء ما سكن وقاله أصبغ إذا لم يعطه الرقبة لم يضمن إلا الكراء حتى تنهدم من فعله، ولا يضمن إلا ما يضمنه/المكتري من التعدي في الأمور. قال ابن القاسم: وإذا نزل سلطان على مكتري فأخرجه وسكن: إن المصيبة على أهل الدور ويسقط عن المكتري ما سكن السلطان، وقاله مالك وأصبغ وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال: قضى به محمد الحرمي بمصر حين قدم المسودة قال ابن المواز: فإن تاب لم يضمن ما أنهدم بغير فعله وضمن الكراء إلا أن يغصبه الرقبة كما ذكرنا. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وعبد الملك فيمن اكترى دارا أو أرضا فاغتصبها منه رجل فسكن أو زرع: إن الكراء على المكترى إلا أن يكون سلطان ليس فرقه آخذ يمنع منه إلا الله سبحانه وليس السلطان كغيره. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن غصب سكنى الدار دون أصلها فانهذمت من غير فعله فليس عليه إلا كراء ما سكن، وإن انهدمت من فعله فعليه كراء ما سكن وربها مخير بين أن يضمنه قيمة الدار يوم انهدمت من فعله فعليه كراء ما سكن وربها مخير بين أن يضمنه قيمنه الدار يوم انهدمت من فعله وإن شاء قيمه ما هدم وأخذ البقعة، ولو غصب رقبتها فانهدمت من غير فعله فربها مخير إما أخذ منه قيمتها يوم الغصب ولا كراء له وإن شاء فله كراء ما سكن وله البقعة ولا شيء له من قيمة الهدم، وإن شاء فله البقعة وقيمة الهدم ولا شيء من الكراء، وإن هدمها الغاصب فربها مخير إن شاء قيمتها يوم الغصب وإن شاء أخذ البقعة وكراء ما سكن وقيمة الهدم، قال أبو محمد: وقوله في الغاصب: فتهدم بغير فعله إن لربها أن يأخذ قيمة الهدم والبقعة ولا كراء له، ليس/بأصلهم لأن الغاصب لا تؤخذ منه وما نقصها إذا نقصت من غير فعله. [10/ 351]
في جناية العبد المغصوب قبل الغصب أو عند الغاصب
قال عيسى بن دينار في ظالم أسكن معلما دار رجل ليعلم له فيها ولده ثم مات الظالم والمعلم فربها مخير أن يأخذ ذلك من مال الظالم أو من مال المعلم. وقاله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ. في جناية العبد المغصوب قبل الغصب أو عند الغاصب من كتاب ابن المواز: قال: إذا جنى العبد المغصوب عند الغاصب قد اختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب فقال ابن القاسم: إن شاء سيده أخذ من الغاصب فيمته يوم الغصب وسلمه إلى المجروح وإن شاء أخذه بلا شيء على الغاصب فيسلمه إلى المجني عليه أو يفديه، فإن أخذ قيمته من الغاصب كان للغاصب أن يفديه أو يسلمه وهذا الصواب لأن كل نقص يحدث به فليس لربه أن يأخذ من الغاصب ما نقص إن أخذه، وقال أشهب: يسلم العبد إلى ربه يسلمه أو يفتكه، فإن أسلمه أو افتكه رجع على الغاصب بالأقل من جنايته أو قيمته لأنه إذا أسلمه وكانت قيمة رقبته يوم الغصب أقل [قال الغاصب: ليس علي غيرها وإن كانت الجناية أقل] قال له الغاصب: قد كان لك أن يفديه بدية الجناية فقط فأسلمته بما لم يكن يلزمك ولا يلزم غيرك قال: ولو أسلمه الغاصب قبل أن يستحق سيده فلسيده أن يتم إسلامه ويرجع بقيمته يوم الغصب على الغاصب، وإن فداه رجع على الغاصب بالأقل، ولو كان الغاصب/قد كان فداه فلربه أخذ عبده ولا خيار له فيه إن كانت جنايته خطأ كان أو عمدا وكان يفعل ذلك عند سيده، وإن لم تكن فعالا لذلك وهي عمد فربه مخير إن شاء أخذه ولا شيء له أو يتركه ويأخذ قيمته من الغاصب يوم الغصب، قال ابن المواز: ومحمل جواب أشهب في هذه المسألة على الخطأ. [10/ 352]
وقال في المجموعة: قال أشهب: إن كانت الجناية خطأ فإن فداه الغاصب فله رده على سيده، وإن كانت جناية عمدا فليس له رده عليه وإن فداه إلا أن يشاء سيده، لأنه عيب حدث به إلا أن يكون عند سيده يفعل مثل ذلك فله رده عليه إذا فداه، وإذا لم يكن فعالا لهذا عند ربه فأبى سيده أخذه فله قيمته على الغاصب يوم الغاص أن يفديه خير ربه بين أن يسلمه ويرجع بقيمته على الغاصب، وإن شاء فداه ورجع على الغاصب بالأقل مما فداه به أو من قيمته. قال سحنون: كنت أقول بقول أشهب هذا ثم تبين لي أن قول ابن القاسم أشبه بالأصل لأن جنايته لا تعدو أن تكون نقص فيه وكل نقص حدث فيه فليس لسيده أن يأخذ العبد ويرجع بما نقص، وإنما له أخذ قيمته من الغاصب يوم الغصب أو أخذ عبده ناقصا ثم يسلمه إن شاء أو يفديه، وقال ابن المواز مثل قول سحنون. واحتج بنحو حجته. ومن كتاب ابن المواز: قال: ولو قتل العبد رجلا قبل الغصب وآخر بعد الغصب قال: روي لنا أن أشهب/قال: يخير سيده فإن شاء أسلمه إليهما ثم رجع على الغاصب بنصف قيمته يوم الغصب إلا أن يكون ذلك أكثر من دية جنايته على الثاني، وإن شاء فداه بدية الجنايتين ورجع على الغاصب بدية الآخرة منهما إلا أن يكون أكثر من نصف رقبته يوم الغصب، قال محمد: ولم يعجبنا هذا والصواب عندنا أنه إذا أسلمه سيده إلى المجني عليهم فلا يرجع على الغاصب بشيء لأنه كان مرتهنا بجرح الأول فعليه وقع تعدي الغاصب فتلف عند العاصب نصف العبد الذي صار مرتهنا بجناية الثاني، وإنما يرجع بذلك المجروح الأول على الغاصب [والعبد بين أولياء القتيلين ويرجع ورثة الأول علي الغاصب] بنصف قيمة العبد إلا أن تكون دية القتيل الآخر أقل من نصف القيمة فعلى الغاصب [10/ 353]
الأقل، فيصير لأولياء الأول نصف العبد مع نصف قيمته إلا أن يدفع سيده لأولياء الأول جنايتهم فكون له ما كان للأول، ويصير له نصف العبد ويرجع على الغاصب بنصف قيمة العبد لأن الغاصب لم يتلف عنده إلا نصف العبد، قال: ولو قتل عند سيده فتيلا ولم يقتل عند الغاصب أحدا حتى باعه فقتل عند المشتري قتيلا ثم قام الولاة والسيد فإن ودي السيد لأولياء الأول دية وليهم كان له نصف العبد ويرجع على الغاصب إن شاء بنصف الثمن، وإن شاء بنصف قيمة العبد الذي صار مرتهنا بيد أولياء الثاني، وإن شاء سيده أن يدع العبد فلا يفديه ولا يكون له فيه حق ويكون لأولياء الأول نصفه ويأخذوا من الغاصب نصف قيمة العبد أو نصف ثمنه فيرجع المشتري على الغاصب بنصف الثمن الذي استحق أولياء الأول قال: فإن فداه السيد منهما جميعا فلا شيء على الغاصب ولا على غيره، وإن أسلمه إلى أولياء القتيلين لم يكن له على الغاصب طلب ويكون لأولياء الأول على الغاصب قيمة ما صار لأولياء الآخر عن العبد وهو النصف، لأن ذلك الذي أتلفه الغاصب على الأول، فيصير لهم نصف قيمة العبد ونصف وقبته، ولورثة الآخر نصف العبد ويرجع المشتري على الغاصب بنصف الثمن. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العبد يجنى عند الغاصب فربه مخير أن يسلمه إلى المجروح ويأخذ من الغاصب قيمته يوم الغصب وإن شاء أفتكه بالعقل فأخذه وينظر إلى ما يرى أن الغاصب كان يغرمه لرب العبد من قيمته لو أخذه بذلك وما يلزمه من غرم [عقل إن فداه فيغرم لربه أقل الغرمين إذ لا بد للغاصب من غرم] أحدهما مع إسلام العبد لربه أو للمجروح إن شاء ربه أخذ قيمته، فإن قال الغاصب: أنا أفتكه حتى يصير غير معيب ولا مأخوذ بعقل جنايته ولا يتبع بها ويأخذه ريه سليما قال: ذلك له، وهذا سند القول الأول ألا تراه زالت الرقبة من يده وغرم المجروح عقله فما حجة من [10/ 354]
فيمن غصب ما لا يحل بيعه أو أتلفه
قال: إنما لربه أن يأخذه معيبا ويغرم عقل الجناية أو يدعه ويأخذ قيمته فقط؟ وهو إن أخذ القيمة لم يسلم الغاصب من غرم/العقل للمجروح وهو قد غرم قيمته لربه أو يسلمه بجنايته، فقد زالت من يده رقبته، وغرم القيمة للسيد، فربه أحق بعبده وبأقل الغرمين اللذين لا بد للغاصب من غرمهما. قال سحنون في العبد يجني عند الغاصب ثم أخذه ربه ولم يعلم بجنايته ثم جنى عبده على آخر ثم قام الرجلان والجنايتان سواء، فإن شاء سيده أخذ من الغاصب نصف قيمة العبد ويصير كعبد بين رجلين جنى فيخيران في فدائه أو إسلامه، فإن شاء فدياه أو أسلماه أو يفتك أحدهما ويسلم الآخر، فإن أفتكه السيد بالجنايتين لم يضمن الغاصب شيئا، كذلك قال ابن القاسم، وقال غيره: يرجع على الغاصب بالأقل من نصف القيمة أو نصف الجنايتين. فيمن غصب مالا يحل بيعه أو أتلفه من المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب فين اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ لزمته قيمته كما أن كلب الصيد لا يباع ويلزم قاتله قيمته. قال أشهب: وكزرع لم يبد صلاحه استهلك وكبئر الماشية الذي لا يجوز بيعه يغصبه وكل فيسقى به زرعه فعليه قيمة ما سقى منها. وقال أبو الفرج البغدادي: إن مالكا قال فيمن استهلك لرجل جلد ميتة غير مدبوغ: إنه لا شيء عليه. قال إسماعيل القاضي: إلا أن يكون لمجوسي، وقاله ابن القاسم فيمن سقى من بئر غصبها. قال مالك: ولا شيء على من قتل كلاب الدور/، وإنما يضمن من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع، قال أشهب: وكلب الصيد والماشية ثبت في الحديث، وقد جاء الإذن في كلب الزرع وعلى قاتله قيمته. [10/ 355]
فيمن تعدى بإرسال ماء أو نار بقرب أرض غيره فأفسد بذلك شيئا
قال مالك في مسلم غصب خمرا لنصراني فعليه قيمتها يقومها من يعرف القيمة من المسلمين. قال سحنون في كتاب ابنه: حديث عهد بالإسلام. وقال ابن المواز: لا تخفى قيمتها على المسلمين، وقال ابن الماجشون: لا شيء عليه، لأنه لا قيمة للخمر ولا للميتة، وقاله أحمد بن المعدل. قال ابن القاسم عن مالك في العتبية في الزرع تأكله الماشية، فإنه يقوم على ما يرجى من تمامه، ويخاف من هلاكه اللا جاز بيعه، واحتج بقضاء النبي عليه السلام بالغرة في الجنين، فهذا مثله. فيمن تعدى بإرسال ماء أو نار بقرب أرض غيره فأفسد بذلك شيئا من المجموعة: ذكر مسألة ابن القاسم فيمن أرسل نارا في أرضه وهي بعيدة فيما يرى الناس أنها لا تصل إلى جاره، فتحاملت النار، أو حملتها الريح إليها فأفسدت. لم يضمن، وإن كانت قريبة يعلم الناس أنها لا تكاد تسلم منها فهو ضامن، ومن مات منها فديته على عاقلته، وقاله مالك. وقاله أشهب، وقال: أما الماء فإن كانت أرضا يسير الماء فيها قالا له: وكنت أنت تلي تسريحها فأغفلت حسن تسييرها فأنت ضامن، وإن كان قيمك الذي يلي ذلك هو الضامن، وإن كان ما يظهر على الأرض فموجبه فيها على احتفاظ منك بجسورها لمالك من المرفق/يحبس الماء على أرضك، فتحامل الماء على الجسور بغير إحراف منك في إرساله، ولا في عمل الجسور، فلا ضمان عليك لما أفسد، وإن كنت إنما أرسلت الماء في أرضك على قرب من أرض جارك، وذلك مخوف عند الناس على زرعه، لتركك للمرفق في الحبس فأنت ضامن لزرعه، وإن كان زرعه بعيدا عنك مما [10/ 356]
في الدعوى في الغصب، والدعوى من قيمة الشيء المغصوب منه
لا يخاف عليه بما أرسلت من الماء، ولم يكن على أرضك جسور، فتحامل الماء بسوق الريح أو بزيادة زادها الله فيه، فأتت على الزرع فلا شيء عليك، قال: وإذا أحرقت هذه النار ناسنا فجأتهم فدياتهم على العاقلة. قال سحنون: ينظر في هذا على ما يجوز وعلى ما لا يجوز، وإن كانوا لما خافوا على زرعهم قاموا في دفعها فأحرقتهم، فهذا هدر لا دية فيه على عاقلة ولا غيرها. في الدعوى في الغصب، والدعوى في قيمة الشيء المغصوب منه، وكيف إن ودى قيمته ثم ظهر عنده من المجموعة: قال ابن القاسم فيمن أثبت بينة إن رجلا غصبه جارية، ولا يعلمون قيمتها، وقد هلكت، فليصفها الغاصب ثم يقومها المقومون، قال أشهب: بقيمتها يوم الغصب، فإن لم يصفوها بصفة، جعلت من أوضع الجواري. قال ابن القاسم: وإذا ادعى هلاك الأمة واختلفا في الصفة فالقائم يقبل قوله مع يمينه، وإن لم يأت بما يشبه صدق الآخر مع يمينه، كما قال مالك: يقبل قول منتهب الصرة مع يمينه فيها. ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك فيمن انتهب صرة من رجل وناس ينظرون إليه قد أخذها. فطولب فطرحها في متلف، فادعى ربها عددا، وأكذبه الآخر ولم يفتحها، ولا يدري المنتهب كم فيها، أو لم يطرحها، ثم يختلفان قال: القول قول المنتهب مع يمينه، وقال مطرف وابن كنانة وأشهب: يقولون في هذا أو شبهه: إن القول قول المنتهب منه إذا ادعى ما يشبه. ومن المجموعة: قال [10/ 357]
أشهب: القول قول الغاصب في الصفة، وإن وصف أدن صفة تكون مع يمينه، ولو قال عميا بكما صما، يحلف على ذلك، وقيل: قوله وقول من قال: إذا أتى بما لا يشبه صدق المغصوب من مع يمينه، فقد غلط، إنما يدخل هذا في اختلاف المتبايعين في قلة الثمن وكثرته، والسلعة قائمة معروفة الحال، فيصدق من يشبه أن يكون الحق في قوله مع يمينه مما يتغابن الناس بمثله، وأما الغاصب فلا يعرف للجارية حالا إلا ما يقر به الغاصب. قال ابن القاسم: فإن ضمنته القيمة ثم ظهرت عنده، فإن علم أنه كان أخفاها عند المغصوب فله أخذها، وإن لم يعلم ذلك فليس له أخذها إلا أن يكون أحلف الغاصب على صفة، وغرم قيمتها، فظهرت على غير تلك الصفة خلافا بينا فليزاد ربها تمام القيمة على صفتها، وإنما جحده بعض القيمة [على صفتها] وقاله كله أشهب، قال: ويحلف: أنه ما أخفاها. قال أشهب: ومن قال: إن له أخذها إذا ظهرت مخالفة لتلك الصفة، فذلك خطأ لأنها لو ظهرت مثل الصفة لم يأخذها، لأنه لم يبعها طائعا/وإنما وجبت للغاصب بالقيمة حين أخذه بها فإنما يطلبه مما جحدك من قيمتها. ألا ترى لو نكل عن اليمين في صفتها وحلفت على صفتك، ثم ظهر خلاف ذلك، كنت قد ظلمته في القيمة، فيرجع عليك بما حبسته عنه من ذلك، ولم يكن له أن يقول لك: رد الجارية علي. قالا في الغاصب الثوب يقول: كان خلقا، وقال ربه: كان جديدا، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ قال أشهب: لأنه مدعى عليه. قال ابن القاسم: فإن حلف على الخلق فغرم قيمته، ثم وجد الآخر بينة أنه جديد، فليقم بها إن لم يكن علم بها في اليقين. قال أشهب: البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة، وقاله عمر: فإن شاء تمسك رب الثوب بثوبه، وإن شاء أخذه بقيمته يوم الغصب، ورد الثوب [10/ 358]
في المغصوب منه العبد يأخذه ربه وقد حدث به عيب ولم يعلم
عليه إن لم يفت، وإن باعه قاصصه في القيمة بالثمن، وإن وهب فلا شيء عليه فيه، لأن الغاصب أباحه ذلك ظلما، وليتبع الذي صار له الثوب فيأخذه منه أو قيمته إن لبسه يوم لبسه إن كان أبلاه، وإن تلف عنده فلا شيء عليه. في المغصوب منه العبد يأخذه ربه وقد حدث به عيب ولم يعلم، والمكتري يزيد على الدابة ما تعطب فيه ولا يعلم وبها من المجموعة: قال سحنون في غاصب العبد يحدث له عنده عيب، ثم أخذه من ربه ولم يعلم، ثم حدث به عنده عيب آخر، أو مات في يديه، أو وهبه، أو باعه، فإن باعه بقيمته/يوم غصبه فأكثر، فلا شيء له، وإن باعه بأقل من القيمة فله الأقل من تمام القيمة أو من قيمة العيب، وإن وهبه رجع بقيمة العيب على الغاصب، وإن حدث به عنده عيب ولم يبعه ولا وهبه، وده وقيمة العيب الحادث عنده، ويأخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه، وإن شاء حبسه ورجع على الغاصب بقيمة العيب الذي حدث عنده. قال ابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز والعتبية في المكتري يزيد على الحمل ما يعطب في مثله، ثم رد البعير على ربه وقد أنقضه، فلما رآه صاحبه كذلك نحره، ثم علم أنه بزيادة الرجل وعطب البعير من ذلك، أنه ينظر إلى قيمته يوم أتى، وقيمته يوم تعدى عليه، فإن شاء رجع بفضل ما بين القيمتين وإن أحب أن يكون له كراء الزيادة فذلك له. [10/ 359]
في الجماعة يغصبون الشيء
في الجماعة يغصبون الشيء قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في قوم أغاروا على منزل رجل والناس ينظرون، فينتهبون ويذهبون بما كان فيه من مال أو حلي أو ثياب أو طعام وماشية، والشهود لا يشهدون على معاينة ما يذهبون به، لكن على أنهم أعاروا ونهبوه. قال مطرف: فليحلف المغار عليه على ما ادعى فيما يشبه أن مثله يملكه ولم يأت بمستنكر، ثم يصدق، وقال ابن الماجشون: لا يقضى بقول ويمينه وإن ادعى ما يشبه حتى يقيم البينة، وقال اصبغ عن ابن القاسم مثل قول ابن الماجشون، واحتج بمسألة مالك في منتهب الصرة يختلفان في عددها: إن القول قول المنتهب مع يمينه/. وقول مطرف أحب إلي، وقاله ابن كنانة: ويحمل على الظالم. قال مطرف: وإذا أخذ من المغيرين واحد ضمن جميع ما أغاروا عليه مما تثبت معرفته أو ما حلف عليه المغار مما يشبه ملكه، لأن بعضهم عون لبعض كالسراق يحملون الخشبة لا يقدرون عليها إلا بتعاونهم، وثمنها ثلاثة دراهم، فكلهم يقطع، وكل واحد ضامن لجميعها إن كان له مال. ولو كان لا يضمن إلا ما ينوبه من ثمنها لم يقطع فيه، وكذلك اللصوص المحاربون. ولو أخذوا كلهم وهم أملياء لم يضمن كل واحد إلا ما ينوبه، وقاله ابن الماجشون واصبغ في الضمان. قال مطرف: وهؤلاء المغيرون كاللصوص إذا أشهروا السلاح على وجه المكابرة كان ذلك على أصل نائرة بينهم أو على وجه الغياثة، قاله ابن الماجشون وأصبغ. وقالوا في والي البلد يغير على بعض أهل ولايته وينسف أموالهم ظلما: مثل ذلك في المغيرين. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر أنه غصب عبد رجل هو ورجلان معه سماهما، وصدقه رب العبد. قال: هذا يضمن جميع قيمة العبد، ولا يلتفت إلى من غصب معه، إلا أن يقوم عليهم بينة أو يقروا، ولو أقروا أو قامت عليهم بينة [10/ 360]
في البنية تشهد بغصب الأرض ولا تحفظ الحدود
في البينة تشهد غصب الأرض ولا تحفظ الحدود، وفي البينة بالغصب وبينة بالشراء/ ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الأرض تستحق بشهادة العدول. ولا يثبتون حوزها يريد: حدودها. فيشهد على حوزها من الجيران غير عدول، قال: لا يقبلون ولا يتم استحقاقها إلا بالعدول. قلت: فإن الغاصب ربما خلط دورا ويجوز حوزها حتى لا يثبت أحد ممن كان يعرفها لأهلها حوزها لهم، يريد: حدودها، قال: يحوز المدعى عليه ما أقر به من ذلك ثم لا شيء عليه غيره، يريد: يقال له: خذ منها ما شهدت به البينة، قلت: فإن قال ذلك حدا، قال: أما إن لم يقر إلا بموضع الباب وما يرى أنه ليس بشيء فلا يقبل منه، وأما أن يقر بالبيت ونحوه فيقبل ذلك منه مع يمينه إلا ما يجوزه العدول لمدعي الغصب. قال: وإذا أبى أن يقر إلا بموضع الباب مثل الجدار ونحوه، أكره الغاصب، يريد: على أن يقر بأمر لا يستنكر، فإذا شهدوا أن الغاصب يكتم الحدود بما يستنكر من أمر حاز المدعي، ويستحق ما حاز بيمينه مع ما شهد له من البينة على أصل الغصب. وروى عيسى عن ابن القاسم في البينة تشهد للرجل أن فلانا غصبه أرضه من قرية كذا، ولا يعرفون موضع الأرض منها والغاصب ينكر، فشهادتهم باطل، لأنهم لم يذكروا أرضا معينه ولا محدودة. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا شهدوا للمغصوب أن هذه أرضه ولا يعرفون الحدود. فإنه يسجن المشهود عليه ويضيق [10/ 361]
في المتداعين في الأرض فيزرع أحدهما فيها ثم يزرع الآخر على بذر الآخر
عليه حتى يبين له حقه، ولا يقضى له بشهادة أو بإقرار، فإن أقر له بشيء/وقال: هذا حقه حلف عليه. قال اصبغ. أو يشهد غيرهم على الحدود فيقضى بذلك، فإن لم يكن وضيق على الغاصب فاستبرأ بالسجن فلم يقر بشيء، حلف على الجميع كما يحلف المدعى عليه بغير بينة، ولا يكون عليه شيء بتلك الشهادات، وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقام بينة أن فلانا غصبه أرضا له، وأقام فلان هذا بينة أنه اشتراها منه ولم تدر البينة: أكان الشراء بعدما ادعى من الغصب أو قبل، أو ثبت أن الغصب قبل؟ فبينة الشراء أولى، علم أن الغصب قبله أو لم يعلم، لأنه إن كان الغصب قبل فقد صححه الشراء بعده. وإن كان الغصب بعد الشراء فشهادة الغصب باطل والشراء حق. في المتداعيين في الأرض فيزرع أحدهما فيها، ثم يزرع الآخر على بذر الآخر، ثم يثبت لأحدهما من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجلين تداعيا في أرض، فبذر فيها أحدهما فولا، ثم أعقب الآخر فبذرها قمحا على فول الآخر، وقلب ما نبت منه فاستهلك الفول، ثم ثبت استحقاقها لباذر الفول، فإن قضي له بها في إبان الحرث فله كراؤها على باذر القمح، لأنه غير غاصب وزرع القمح لباذره، ويؤدي للآخر أيضًا قيمة فوله الذي استهلكه، يريد: على الرجاء والخوف، وإن استحقها بعد الإبان فلا كراء له على باذر القمح، والقمح لباذره، وعليه قيمة الفول بكل حال، ولو كان غاصبا كان لمستحقها في/إبان قلع الزرع إلا أن يشاء أن يقره ويأخذ كراء أرضه. [10/ 362]
فيمن باع علي ابنته الثيب ربعا مع زوجها وقالا: وكلتنا
فيمن باع على ابنته الثيب ربعا مع زوجها وقالا: وكلتنا، وبائع الشيء يقول: ابتعته لفلان، أو قال: ابتعته من فلان، أو وكلني على بيعه هل للمشتري منه الغلة؟ من العتبية من سماع أشهب: قال مالك فيمن وقع له ولابنته ميراث في دار، وقد تزوجت وبنى بها الزوج. فولي الأب والزوج بيع نصيبها في الدار وقالا: وكلتنا، فحاز المشتري ذلك أربعة عشرة سنة يبني ويهدم، ثم قامت وأنكرت الوكالة وقالت: ما علمت بالبيع، وكانا يقولان لي: هي مكتراة، قال: إن لم تكن تلي نفسها فلها مقال وإن كانت ممن لا يولى وممن لا يجوز عليها فعلهم، فلتحلف هي بالله: ما علمت بذلك، ورد البيع إلا أن تقول البينة: إنها وكلتهما. [وفي كتاب آخر: قال سحنون فيمن باع سلعة تعرف برجل، وزعم أنه وكله على البيع وغاب ولا يعرف ذلك إلا بقوله، فاشترى منه رجل على هذا وهو يعلم أن الدار للغائب، ثم قدم فأنكر، وقد اغتلها المبتاع، فإن كان الوكيل يقوم في الدار ويعمد وينظر حتى تثبت له شبهة الوكالة: فالغلة للمبتاع، وإن لم يتقدم على شبهة كما قلنا، فالمشتري كالغاصب، وكذلك من هلك عن أطفال معهم أمهم وهي غير وصية، فتبيع حقا لهم من رجل فيغتله، ثم يبلغ الأطفال فإن كانت الأم تقوم وتحوط وتنظر/في الدار، فباعث وهي كذلك، فالغلة للمشترى]. [10/ 363]
في أحد الورثة يبيع نصيبه ونصيب غيره في غيبة بعضهم وحضرته
في أحد الورثة يبيع نصيبه ونصيب غيره في غيبة بعضهم وحضرته من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في امرأة وإخوتها ورثوا منزلا عن أبيهم، فباع أحد أخواتهم جميع المنزل دالة على إخوته وتعدى، فحازه المبتاع زمانا ومات عنه، وأخت البائع يوم البيع بكر فتزوجت ثم أقامت زمانا طويلا، أو هي يوم البيع متزوجة، والمنزل في جوارها أو على أميال يسيرة مثل ثلاثة ونحوها، فادعت حقها من المنزل بعد عشر سنين أو خمسة عشر. أو أكثر. وقالت: لم أعلم بالبيع، أو قالت: علمت ولم أجد من يتوكل لي بالطلب، أو قالت: زوجي ممن لا يمكنني ممن يشهد على وجهي بالوكالة لشرفه وشدة غيرته، وهو ممن لا يتوكل لي مثله، ولا يلتفت إلى مالي. قال: فأما التي قالت: لم أعلم بالبيع وهي بكر أو غير بكر فلتحلف: أنها ما علمت بالبيع إن جاءت بما يدل على صدقها، ثم هي على نصيبها إلا أن يأتي المبتاع بالبينة على علمها بالبيع وطول سكوتها على الطلب زمانا طويلا، وهي قادرة على أن تطلب أو توكل، ليست في حجاب يمنعها من اتخاذ وكيل، ولا ممنوعة من الخروج أو الإرسال إلى من شاءت، فإن كانت بهذه الحالة، وطال تركها لطلب حقها، فلا شيء لها إلا أن يكون سكوتها زمنا يسيرا أو لا عذر لها في العشر سنين، وأما التي ذكرت/من شرف زوجها وشدة حجابه وتهاونه بالنظر لها، فإن بلغ من شأنه ما يتبين للناظر في ذلك عذرها، نظر لها، وإن طال الزمان لم يضرها وإن علمت، إذا بلغ من حجاب الزوج ما ذكرت وعرف بذلك. [10/ 364]
في السلطان المعروف بالغصب يدعي عليه بعد عزله شيء مما في يديه
في السلطان المعروف بالغصب يدعى عليه بعد عزله شيء مما في يديه: أنه غصبه منه، أو حبس ثمنه من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجل من ذوي السلطان والولاية المعروف بالظلم والتعدي في أمولا الناس يدعي عليه رجل: أنه إليه على أرض أو غيرها من الأموال، ولا يجد بينة عدولا، ولكن من لا يعرف بعدالة ولا سخطة حال. قال: لا يقبل في شيء إلا العدول كما قال الله سبحانه، قلت: فقوم عرفوا بالغصب لأموال الناس من ذوي الاستطالة بالسلطان، ثم جاء الله بوالي أنصف منهم وأعدي عليهم، فلا يجد الرجل من يشهد على معاينة الغصب، ويجد من يشهدون على حق أنهم يعرفونه ملكا للمدعي، ثم رأوه بيد هذا الظالم لا يدرون بماذا صار إليه إلا أن الطالب كان يشكو إليهم ذلك أو لا يشكوه، قال: إذا كان من أهل القهر والتعدي أو ممن يقدر على ذلك، والبينة عادلة. فذلك يوجب للمدعي أخذ حقه منه إلا أن يأتي الظالم ببينة عادلة على شراء صحيح أو عطية/ممن كان يأمن ظلمه وتعديه، أو يأتي بوجه حق فينظر له فيه، قال: فإن جاء ببينة عادلة على شرائه، فزعم البائع أن ذلك البيع من خوف سطوته وهو ممن يقدر عليه قال: يفسخ البيع إن ثبت أنه من أهل الظلم والاستطالة، قال: وإن زعم البائع أنه باع وقبض منه الثمن ظاهرا ثم دس إليه سرا من أخذه منه، ولو لم يفعل له ذلك لقي منه شرا، قال: لا يقبل هذا منه، وعليه رد الثمن إليه بعد أن يحلف الظالم: أنه ما ارتجعه ولا أخذه معه بعد أن دفعه إليه. وقال سحنون في الأمير الغاصب لأموال الناس يعزل فيقوم من يدعي شيئا مما في يديه، قال: إذا أثبتوا شيئا من أموالهم كلف الظالم البينة بماذا صار إليه، فإن لم تقم بينة فلا شيء له فيه، ولو أقام بينة أنه كان يجوزها منذ عشر سنين أو [10/ 365]
في طول حيازة الغاصب بمحضر المدعي
عشرين سنة بمحضر المدعين، ولم تقم بينة بالشراء، قال: فلا يقضى له بهذا في الحيازة وهو معروف بالظلم، قال: وإن لم يشهد المظلوم سرا أنه إنما يترك القيام خوفا منه لم يضره في هذه الحيازة، ولو أشهد في السر لكان أقوى، قال: وإن مات في ولايته فقام وارثه على ورثته، فأثبتوا البينة أن هذه الدور كانت لهم، قال: لا يكلف ورثته البينة بأي شيء صارت لأبيهم كما كلف أبوهم، وعلى الطالب البينة أن هذا السلطان كان غصب ذلك منه بعد أن يقيم بينة أن هذا الشيء كان/له، ولو أثبت المدعي بينة أن ذلك له ولم يأت ببينة قضى بذلك لمدعية، ثم لا يكون حال الأمير حال الغاصب في الغلة وفيما غرس حتى يقيم المدعي بينة الغصب، وإلا لم تكن عليه غلة، ويأخذ قيمة ما غرس قائما حتى يقيم بينة أنه غصبه ذلك فيعطيه قيمته مقلوعا فيرجع عليه بالغلات. في طول حيازة الغاصب بمجضر المدعي قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون عن الرجل في يديه المنزل أو غيره سنين مثل عشر سنين يبني ويغرس ويفعل ما يفعل المالك، ثم يقيم جاره البينة أنه كان اغتصبه ذلك، أو على إقرار الغاصب بالغصب، هل يضره ترك القيام هذه المدة وهو عالم ببينته، قالا: لا يضره ذلك، لأنه قد عرف أصل هذه الحيازة بيد هذا الغاصب، وإن عاد بعد السلطان إلى حال السومة ومن ينتصف منه وهو كالكتاب بالكراء والإسكان، وإن أورث ذلك ورثته واقتسموه بحضرته، فهو على حقه إلا أن يحدثوا فيه بيعا أو أصداق نساء أو عطايا وربه عالم بذلك قادر على حقه. لا عذر له في تركه، فذلك إن طال زمانه من بعد هذا يقطع حجته وحقه. قلت: شهادة شهدائه له وهم يرون الغاصب يحوز حقوقه ولا يقومون بشهادتهم، وإلا فإن كان ربه عالما بهم لم يضرهم ذلك، وإن لم يكن عالما بهم ولم يعلموه بما عندهم من علمهم له فشهادتهم ساقطة، إلا أن يكون/الغاصب أو وارثه ممن لا ينتصف منه من ذوي السلطان، فلا يسقط شهادتهم تركهم إعلام المغصوب بها، لأن لهم عذرا ومقالا، وقاله أصبغ. [10/ 366]
فيمن أخذ من بستان رجل غرسا فغرسه في أرضه
فيمن أخذ من بستان رجل غرسا فغرسه في أرضه قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن دل على رجل فأخذ من بستانه غرسا من أصله فيغرسه في أرضه فينكر ذلك المأخوذ له ولا يرضى قال: إن قام بحدثان ما عرسه المدل في أرضه وقبل طول زمان فله قلعه وإن كان قد نبت وعلق، وأما إن طال زمانه فليس له أخذه وأرى دالته عليه شبهة إذا كان من أهل الدالة عليه وتكون له عليه قيمته قائما يوم اقتلعه، وإن لم يكن دالا ولكن غاصبا متعديا فلربه قلعه وإن طال زمانه وكبر كالصغير يكثر سواء كان مما ينبت بعد قلعه أو لا ينبت إلا أن يشاء ربه أن يدعه ويأخذ من الغاصب قيمته ثانيا فذلك له وإن لم يكن غرسا ولكن امتلاخا امتلخه من شجرته غاصبا متعديا غير دال إن قام بحدثان ما أخذه الآخذ وإن كان قد علق فليأخذه، وإن كان بعد طول زمان ونما زيادة فليس له أخذه ولكن له قيمته يوم امتخله من شجرة قيمته عودا ميتا مكسورا إذا كان ذلك لم يضر بالشجرة، وإن أثر بالشجرة فعليه مع قيمة العود ما نقص الشجرة وأوهاها، والأمتلاخ بخلاف الغرس/لأن الغرس عرق حي فأخذ وهو حي فهو كصغير يغتصب فتكبر، وأما الامتلاخ فغصب ميت كمن اغتصب حيا فزرعه فإنما عليه مثل مكيلته قال: وعليه في ذلك كله العقوبة قال: ولو كان في الامتلاخ مدلا: قال يتحلله فإن حلله وإلا غرم له قيمته عودا مملوخا مكسورا قام بحدثان ذلك أو بغير حدثانه. قال: ولو اغتصب رجل غرسا لرجل فباعه فغرسه المبتاع وهو لا يعلم بالغصب فاستحق ذلك بعد أن نبت وعلق قال: يخير في ثلاثة أوجه: إما أخذ من الغاصب الثمن وإما أخذ منه قيمته قائما يوم اقتلعه وإن شاء قلعه وأخذه ما لم يطل زمانه وتتبين زيادته ونماؤه فليس له قلعه، ويأخذ من المشتري إن شاء قيمته [10/ 367]
فيمن تعدى على شجر أرض فقطعها وأفسدها أو أفسد الثمر
يوم غرس في أرضه لا قيمته اليوم لأن له فيه سقى وعلاج، فإن أخذ ذلك من المشترى رجع المشتري بالثمن على الغاصب. قال: ولو اغتصب من هذا أرضا ومن آخر غرسا فغرسه فنبت وصار شجرا ثم قام عليه قام: يأخذ رب الأرض أرضه ورب الغرس غرسه كان ذلك مما إذا قلع وغرس ينبت أو لا ينبت ويبقى خشبا، لأنه عين شيئة ولا يكون رب الأرض هاهنا كالمشتري الذي لم يعلم لأنه إنما غرسه غيره فهو كما لو غرسه الغاصب في أرض نفسه إلا أن يشاء أن يدعه في هذه الأرض ويرجع على الغاصب بقيمته يوم اقتلعه فذلك له، أو يأخذ الذي هو أرض على ما أحب أو كره من قيمته أو غيرها فذلك له [ولله أعلم] /. فيمن تعدى على شجر أرض فقطعها وأفسدها أو أفسد الثمر قال ابن حبيب: قال اصبغ فيمن تعدى على بستان رجل أو حديقة أو زيتون أو غيره من أنواع الشجر فقطع شجر ذلك كله أو أفسدها فإن كان الفساد يسيرا في الشجر قومت عليه الشجر التي قطع قيمتها قائمة في أصولها يوم قطعها، وإن كان ذلك كثيرا شاملا فإنه ينظر إلى قيمتها ثانية يوم قطعها وينظر إلى قيمة البستان أو الحديقة ذلك يوم القطع وغلى قيمتها بعد القطع والفساد فيعرف، فيكون عليه الأكثر مما بين القيمتين أو من قيمة الشجر قائمة يوم القطع مع العقوبة، وكذلك ذكر ابن وهب عن ربيعة. قلت لأصبغ: فلم يذكر عن [10/ 368]
في الحارس يغر أو يفرط ومن أمر بغلق باب دار أو تطهير إناء نجس فقال قد فعلت ولم يفعل
تضعيف القيمة على قاطع الشجر؟ قال: قد سئل عنه مالك فأنكره وقال: لا يزاد عليه على القيمة شيء. قال مالك: ومن أفسد ثمرة قبل بدو صلاحها فإنه يغرم قيمتها يوم أفسدها على الرجاء أن يتم والخوف أن لا يتم كالزرع الأخضر يفسده. في الحارس يغر أو يفرط، ومن أمر بغلق باب دار، أو تطهير إناء نجس أو غير ذلك فقال: قد فعلت ولم يفعل فذهب ما في الدار وفسد ما صب في الإناء، ومن قال لرجل: هذا الظرف صحيح فصب فيه وهو مكسور، أو أمره أن يصب فيه فصب وهو يعلم بكسره ونحو هذا من التعدي/ من كتاب الإقرار لابن المواز ومثله في كتاب الإقرار لابن عبد الحكم: قال فيمن قال لرجل: أغلق باب داري فإن فيها دوابي فقال: قد فعلت ولم يفعل تعمدا لتركه حتى ذهبت الدواب، أو فعل ذلك في قفص فيه طائر أمره بغلق بابه فتعمد تركه حتى ذهب الطير فلا ضمان عليه في شيء من ذلك، ولو كان هو الذي أدخل الطائر القفص والدواب الدار وترك الباب مفتوحا وقد قيل له: أغلقه لكان ضامنا، ولو قلت له: اطرح من هذه الجرة فأرة فيها ميتة لأصب فيها سمنا أو عسلا أو غيره فقال: قد فعلت فصببت فيها زيتا أو دهنا أو غيره فإذا فيها الفأر بحاله أو النجاسة بحالها وأقر المأمور: أنه تعمد ذلك أو غره أو نسي قال: لا غرم عليه في شيء من ذلك لأنه لم يل صبه، ولو كان هو الذي صبه بأمر صاحبه بعد أن قال له: قد طهرتها لكان ضامنا. ولو قلت له: احرس لي ثيابي هذه أو طعامي أو دوابي حتى أرجع أو حتى أنام فقال: نعم فقام المأمور وترك [10/ 369]
الحراسة فسرق ذلك لكان ضامنا له، لأن هذا من باب التضييع لأمانته كما لو اودعه ذلك فتركه وذهب، فأما لو غلب عليه نوم مما قهره لم يضمن، ولو أقر الحارس أنه نظر إلى إنسان حتى أخذه فإن كان لا يخافه فهو ضامن، وإن كان غصبا لم يضمن وهو مصدق في ذلك لو قال: غصب مني أو أخذ. قال: وهو ضامن في نوم النهار وأما الليل المعروف الذي لا بد منه فلا شيء عليه. قال: ولو غلبه النوم في النهار حتى لا يقدر على دفعه فلا شيء عليه سواء في هذا كله جعل له فيه أجرا أم لا. ولو قال: غلبني النوم ولم أتهيأ له قبل قوله وحلف، قال: ولو حمل لك زيتا أو غيره فقال: أين أصبه؟ فقلت: انظر إلى هذه الجرة فإن كانت صحيحة فصب فيها فإذا هي غير صحيحة وقال: نسيت أن أنظرها فهو ضامن، لأنه إنما أمره بالصب في صحيحة، ولو أمرته أن يجعل طيرا في قفص ويغلق عليه فجعله فيه ولم يغلق عليه فذهب الطير فإن تعمد ضمن، وإن كان ناسيا لم يضمن، ولو أعطيته قيدا وقلت له: قيد هذه الدابة فقال: قد فعلت ولم يفعل حتى ذهبت الدابة فلا شيء عليه لأنه لم يدفع إليه الدابة وليس مثل الطير لأن هذا لم يعمل شيئا بيده فيضمن بفعله، والطير هو جعل في القفص فخلاه من يده في غير حرز ولم يكن له أمر يطلقه، كما لو دفع إليه دابة فقال له: اربطها فخلافا بغير رباط لكان ضامنا، ولو دفع إليه علفا فقال له: اعلف به حماري هذا أياما سماها حتى أقدم من سفري وسلم إليه الحمار فتركه بلا علف حتى مات لكان ضامنا، وأما لو قال له: اسق دابتي أو أعلفها فقال: قد فعلت ولم يفعل حتى ماتت الدابة عطشا/وجوعا فلا يضمن، وكذلك في كل ما يقول فيه: قد فعلت، وإن اقر بالتعمد لأنه لم يدفعها إليه وكأنه قال له: قد سقاها فلان، ولو قال له: اذبح كبشي هذا وتصدق بلحمه على المساكين فذبحه وأكل لحمه أو بعضه فعليه غرم ما أكل منه إن عرف وزنه غرم وزنه في مثله، وإن لم يعرف وزنه فقيمته ولا شيء عليه في الذبح، قال ابن عبد الحكم: ولو ذبحه وتصدق به وقال: اشهدوا أني تصدقت به عن نفسي أو عن رجل آخر فلا شيء عليه عند [10/ 370]
أشهب والصدقة عن ربه. ولو قال: سد هذا الحوض وصب فيه هذه الرواية فصب الرواية ولم يسد الحوض فهذا يضمن لأنه أمره أن يصب بعد السد فصب قبله، وكذلك إن قال: إن كان صحيحا فصب لي فيه وليس بصحيح فصب فيه وقال: نسيت أنظره أو تعمدت لأنه إنما أمره بالصب في صحيح، وكذلك إن قال له: صب في هذه الجرة إن كانت رخاما فصب فيها وهي فخار فانكسرت فإنه يضمن: وكذلك إن قال: إن كانت نحاسا ولا يضمن الجرة. قال أبو محمد: وقد قال ابن كنانة في الصيرفي يريه الرجل دينارا ليأخده من غريم له فيقول له: إنه جيد فيأخذه رديا: أنه ضامن لأنه غره، ولم ير ابن القاسم تضمينه وإن غره ويؤدب عنده إن غره، كذلك ينبغي فيما تقدم ذكره مما يغره فيه بلسانه ويكذب له فيتلف بذلك عليه ماله: أن يدخل في هذا الاختلاف في تضمينه، وقد اختلف قول مالك في تضمين/الصيرفي إذا غر بجهله فقال: يضمن وقال: لا يضمن ولا اجر له، وهذا في العتبية. وقال مالك في سماع ابن القاسم: إذا استؤجر صيرقي ينتقد للورثة دنانير فوجد فيها ذهبا قباح قال: لا يضمن إلا أن يكون غر من نفسه أو يعرف أن ليس من أهل البصر فيضمن قال سحنون: وهذه أصح من التي تحتها حين قال: أن غرم فلا شيء عليه ويؤدب. قال ابن دينار المدني فيمن استأجر رجلا في انتقاد مال فوجد فيه رديا، فإن كان بصيرا وأخطأ فيما يختلف في مثله لم يضمن، فإن كان شيئا لا يختلف في مثله لبيان فساده رأيته ضامنا لأنه قصر فيما كان يدركه لو اجتهد، قال أبو محمد: وأعرف مسالة نزلت أخبر لصوصا بمطمر فلان أو اخبر به غاصبا قاهرا وقد بحث عن مطمر فلان فدل عليه رجل فأخذه اللصوص أو الغاصب، ولولا دلالة الدال ما عرفوه فضمنه بعض متأخري أصحابنا ولم يضمنه بعضهم وهذا من هذا المعنى والله أعلم. [10/ 371]
جامع مسائل مختلفة من كتاب الغصب
ومن أوجه التغرير الموجب للضمان: من صانع رجلا فارق نفسه له على أن أقر له بالملك [ويبيعه ويقاسمه التمر ففعل وأقر بالملك] فبيع ثم ظفر به وقد هلك متولي البيع. إن هذا ضامن لأنه اتلف مال المشتري. وقال مثله ابن المواز في الحر يغنم من العدو فيباع في المغانم وهو ساكت فيشتريه رجل قال: فإن كان مثل الرجل الأبله الذي يظن أن هذا يرق ونحوه مما يعذر به فلا شيء عليه، وأما من ليس بمثل هذا الحال فإنه ضامن للثمن بسكوته حتى أتلف مال المشتري/فهذا من هذا المعنى والله أعلم. وقالوا فيمن اعتدي على رجل فقدمه إلى سلطان معتد يعلم أنه إذا قدمه إليه تجاوز في ظلمه وأغرمه مالا يجب له عليه، فقدمه إليه فغرمه مالا ظلما فقد اختلف في تضمينه، وهو لم يبسط يده فيأخذ شيئا ولا أمر بشيء وإنما مر به إلى من اعتدى عليه فلم يعتد عليه إلا في تقدمته به إليه على علم من أن يتجاوز بالظلم إليه، فقال كثير من أصحابنا: إنما عليه الأدب وقد أثم فيما فعل. جامع مسائل مختلفة من كتاب الغصب من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك فيمن تسوق سلعة فيعطيه غير واحد فيها ثمنا ثم يستهلكها رجل فليضمن ما كان أعطي بها ولا ينظر إلى قيمتها إذا كان عطاء قد تواطأ عليه الناس، ولو شاء أن يبيع باع. قال سحنون: لا يضمن إلا قيمتها. قال عيسى: يضمن الأكثر من القيمة أو الثمن. [10/ 372]
قال سحنون: قال أشهب فيمن اغتصب صرة قمح فأراد الغاصب أن يصالح منها على كيل من القمح فإن كان قد ألزم الغاصب القيمة بحكم أو بصلح اصطلحا عليه فلا بأس أن يأخذ منه بتلك القيمة كيلا من القمح. قلت: أو ليس القيمة لازمة له بالغصب لأنها مجهولة الكيل فلم قلت: إن كان ألزم القيمة؟ قال: لأن ربها لو أقام بينة أن فيها عشرين إردبا أن له أخذ ذلك إلا أن يصالحه من الكيل على ما لا يشك فيه، وكذلك من غصب خلخالي فضة وشبه/ذلك وهو يلزمه قيمتها من الذهب. قال سحنون: قال ابن القاسم فيمن غصب عبدا فباعه ثم مات ربه فكان الغاصب وارثه فله بقض البيع ورد العبد، وكذلك الدار بين رجلين باعها أحدهما كلها ثم مات الآخر وهذا وارثه فيريد أن يرد النصف ويأخذه بالشفعة فذلك له. ومن سماع أشهب: قال مالك في الماء ينكشف عن أرض مصر وبعضها لزيق بعض، فإذا بذر الناس الحبوب فربما تجاوز المرء إلى أكثر من حده من حد جاره الفدان أو الفدانين فيبذر فيه ثم يتبين بعد ذلك، فيريد رب الأرض أن يعطيه مثل بذره وكذا بقره فلا يصلح ذلك وما أظنه، قال ويكون على الباذر كراء تلك الأرض والزرع له. وروى عيسى عن ابن القاسم في مسلم أو نصراني عدا على سفينة مسلم فحمل فيها خمرا قال: يؤخذ من النصراني الكراء ويتصدق به وله على المسلم كراء سفينته فيما أبطلها ولا ينظر إلى كراء الخمر. قال سحنون فيمن قال لرجل: غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا قال: يلزمه ولو قال: كنا أقررت لك بألف دينار وأنا صبي للزمه كالأول. من سماع أشهب: قال مالك في الأمة الفارهة تتعلق برجل تدعي أن غصبها قال: تصدق عليه بما بلغت من فضيحة نفسها بغير يمين عليها كانت بكرا أو ثيبا، يريد: في غرم ما نقصها لا في الحد، وقد اختلف في إلزامه نقص الأمة وصداق الحرة بهذا. [10/ 373]
وقال سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن يدخل بيت فلان/فيخرج منه متاعه فدفعه إليه فأخرج له ما أقره فدفعه إليه، ثم عزل العامل وقام رب المتاع، قال: له أن يأخذ بذلك من شاء منهما إن شاء الآمر وإن شاء المأمور، فإن أخذه من المكره على الدخول رجع به الغارم على العامل الذي أكرهه قال: وإن عزل الأمير وغاب رب المتاع فقام الكره على الدخول الذي أكرهه ليغرمه إياه ويقول: أنا أو خذ به إذا جاء صاحبي قال: ذلك له ويعدى له عليه. قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن جلس على ثوب رجل في الصلاة فيقوم صاحب الثوب المجلوس عليه وهو تحت الجالس فينقطع قال: لا يضمن وهذا مما لا يجد الناس منه بدا في صلاتهم ومجالسهم، وقال اصبغ: مثله. وقال ابن الماجشون فيمن واجر مملوكا أبق من سيده في عمل فمات في ذلك أو انكسر في عمله قال: إن كان لصديقه فآجره على حسن النظر له والتخيف عنه لئلا تجتمع عليه النفقة، وآجره في عمل مثله مضى ذلك ولا ضمان عليه، وإلا فهو ضامن. وقال فيمن غصب عشرة دنانير فتجر فيها حتى صارت مئة، ثم تحلل من ربها في الربح فأبى حتى يأخذ نصفه قال: الربح للغاصب، فإذا ردها طاب له الربح، وما لم يردها لم يطب له ربح ولا غيره، قال أشهب في موضع آخر: وأحب إلي لو تصدق به ولا أراه واجبا، وباب من تعدي على عبد رجل فأخصاه، قد كتبته في كتاب الجنايات، وهو مما يشبه هذا الكتاب. تم كتاب الغصب بحمد الله وعونه [10/ 374]
كتاب الاستحقاق
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب الاستحقاق في العبد أو السلعة تهلك بيد المبتاع أو مودع، ثم يستحق من المجموعة: قال مالك وابن القاسم وأشهب وابن كنانة: إذا ماتت الأمة بيد مبتاع من غاصب ولا يعلم، فلا شيء عليه، وكذلك الدابة أو المبتاع والطعام فيما هلك عنده. قال ابن القاسم: ويصدق فيما لا يغاب عليه ولا يصدق فيما يغاب عليه، ويحلف: لقد هلك، ثم يضمن قيمته يريد: إن لم يرد أتباع الغاصب بالثمن ولا بالقيمة، ولو أقام بينة بهلاك ذلك من غير سببه برئ، ولو باع ذلك لم يضمن غير الثمن ويصدق في مبلغه، ولأن الشيء يعرف في يديه ثم يتغير عنده بكبر وغيره، والمسألة من أولها عن عيسى عن ابن القاسم في العتبية، ولو أن الغاصب أودع السلعة لم يضمن المودع هلاكها من غير فعله، قال أشهب: أو يكون على أن مودعها له غاصب فيكون ضامنا، قالا: ما أصاب الأمة عن مبتاع بغير معيبه من عمى أو عور أو نقص بدن وسوق فلا يضمن، وإما أخذها ناقصة أو اتبع للغاصب بالثمن وإن شاء بقيمتها يوم الغصب إلا في حوالة السوق فلا يضمن قيمتها. [10/ 375]
قال أشهب: ولا يضمن المشتري إلا جنايته، قال مالك: وكذلك الدار تهدم وتحترق بيد مبتاع فلا شيء عليه، وإما أخذها بحالها ولا شيء له مما/أصابها وإلا أتبع الغاصب بالثمن، وقال ابن القاسم وأشهب: وكذلك الأمة يدخلها عيب وليس له ما نقصها عليك، ولا على الغاصب وإذا سلمها رجع على الغاصب بالأكثر من قيمتها يوم الغصب، أو الثمن الذي أخذ، وإن أخذها منك رجعت على بائعك بالثمن كله، قال ابن القاسم، ولو جعلت له إذا أخذها معيبة أو يرجع على الغاصب بنقصها لكان الغاصب يؤدي أيضًا جميع الثمن للمبتاع ولا يرجع بما ودي في نقصها على أحد، قال أشهب: والغاصب نفسه لو فقأ عينها لم يكن لربها إذا أخذها أن يغرمه نقصها، وأما أخذها ناقضة، أو ضمنه قيمتها كاملة. ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى أمة من غاصب ولم يعلم فماتت عنده ثم استحقت لم يرجع المشتري على الغاصب بشيء، ورجع عليه المستحق بالقيمة أو بالثمن. قال أشهب: ولو أستحقت أنها حرة رجع المشتري على الغاصب بالثمن، ولا يرجع عليه في المدبرة بشيء، وتكون كالأمة تموت عنده. قال محمد: وكذلك الكاتبة، عندي قال: وإذا استحقت بحرية وكانت (كذا)، فافتضها قال: لا صداق لها، وقال المغيرة في كتاب محمد: لها صداق المثل وانفرد بذلك. قال محمد: ولو قذفها ثم استحقت بحرية لحد لها، ولو قطعت يدها فأخذ ما نقصها لودي إليها وطالبت هي بالدية العاقلة في الخطأ/والقصاص لها في العمد فقط. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في العبد يشترى من الغاصب فمات بيد المبتاع فترك مالا: سيده إن شاء أخذ ماله فقط ورجع المبتاع على البائع بجميع الثمن، وإن شاء ترك ماله وأخذ من الغاصب القيمة أو الثمن. [10/ 376]
فيمن أقام بينة فيما ادعى من عبد أو غيره بيد مبتاع أو متعد فلم يقض له به
فيمن أقام بينة فيما ادعى من عبد أو غيره بيد مبتاع، أو متعد فلم يقض له به حتى هلك ذلك، وعلى من نفقة ذلك في الإيقاف من العتبية: قال سحنون: قال مالك: ومن أقام بينة في عبده أنه غصب منه وهو بيد مشتر فمات العبد بعد قيام البينة فإن مصيبته ممن استحقه، قال سحنون: وأنا أقول: هو من المبتاع حتى يقضى به لمستحقه. قال مالك في سماع ابن القاسم: مصيبة الأمة من الذي أقام فيها البينة ولا شيء له في الثمن، قال ابن القاسم: ويرجع المبتاع بالثمن على بائعه، وذلك إن كان الذي هي في يديه ينتفي من وطئها أو من حمل إن كان بها، وأما إن أقر بؤطئها ولم يدع استبراء أو ماتت قبل أن تستبرأ فهي ممن كانت بيده. قال ابن حبيب عن أصبغ مثل ما قال مالك: إن مصيبة العبد من الذي أقام فيه البينة، لأنه كان مخيرا بين طلبه العبد بعينه وبين طلبه الغاصب، إما بالقيمة أو بالثمن، فاختياره لطلب العبد وإقامة البينة فيه ترك منه للثمن أو القيمة. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن ادعى في عبد أو دابة بيد رجل ذكر أن أودعه ذلك فجحده من/ذلك في يديه فخاصمه في ذلك فيموت العبد أو الدابة قبل القضاء بها للطالب: أن ضمانها من الجاحد ويغرم القيمة، لأن جحوده الغصب، وكذلك ولو كانت دارا فجحدها له فانهدمت أو غرقت أو احترقت بعد الحجود فهو ضامن بقيمتها يوم الجحود في الوديعة ويوم الغصب في الغصب. ومن سماع ابن القاسم: ومن اعترف دابة وأقام فيها شاهدا فأوقفت ليأتي بشاهد آخر فإن نفقتها في الإيقاف على من تكون له، وكذلك في الجارية، وروى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم مثل رواية عيسى عنه والدابة تموت والدار تعطب بيد الجاحد في الخصوم وقال: قال أصبغ: ومن ادعى في غنم بيد الغاصب فلتوقف له في وغلتها حتى تأتي البينة، وإن ادعاها بيد من ليس بغاصب وادعاها بوجه خرجت بها من يديه، فإن جاء بشبهة بينة وأمر ظاهر [10/ 377]
فيمن ابتاع سلعة فجنى عليها هو أو غيره أو انتفع بها
وقفت له وإلا لم يوقف وإذا وقفت أو أوقفت غلتها قال: ورعيتها على من تصير له، وكذلك نفقة الرقيق والكسوة وعلوفة الدواب إذا وقفت بالدعوى الظاهرة البينة أو دعوى قبل غاصب وتجتهد في إخراج النفقة من سلف أو من بيت المال، فإن لم يكن ينفق من هي بيده فإذا تم عليه الحكم رجع بما أنفق على المقضي له. وفي الجزء الثاني من سير القضاة باب في هذا المعنى مستوعب وفيه الاختلاف على الإيقاف. فيمن ابتاع سلعة فجني عليها هو أو غيره، أو انتفع بها، أو أفاتها بعتق أو غيره ثم استحقت/ من المجموعة: قال ابن القاسم: إذا هلكت بيد المبتاع بجنايته فلمستحقها أن يضمنه قيمتها مثل الطعام يأكله والثوب يلبسه ولا يضمنه ما هلك بغير جناية. قال أشهب: قتلها عمدا أو خطأ لأنها جناية ولا يضمن إلا ما جني، ولو هبها أو تصدق بها لم يضمنها بذلك وكذلك لو باعها أو ماتت عنده لم يضمنها ولكن يضمن ما ودي فيها ولا يرجع به على أحد. قال ابن كنانة: ولو كان بعيرا فنحره لضمنه كالطعام يأكله والثوب يلبسه، فإن غرمه قيمة ذلك يوم لبس أو نحر ومثل الطعام يوم أكله رجع بالثمن على بائعه. قال هو وأشهب: وإنما ضمن الطعام يأكله والثوب يلبسه والبعير ينحره لأنه وفي به ماله ولو لم يفعل هذا الأكل ولبس من ماله فطولب من منافعه ولا يضمن المبتاع ما هدم من الدار وكذلك لو وهبها فهدمها الموهوب لم يضمن واحد منهما، وإما أخذها ربها مهدومة وإلا طلب الثمن من بائعها ولا شيء على المشتري الواهب لأنه غير متعدى بالهبة وكذلك لو هدمها أجنبي تعديا ظلما لم ظلما لم يضمن إلا المتعدي ولو أخذ من المبتاع لذلك [10/ 378]
شيء فللمستحق أخذه من المبتاع، فإن كان حاباه في القيمة فلهذ أخذ المحاباة من الهادم ولا شيء عليه في وطئه الأمة بكرا كانت أو ثيبا استحقت بملك أو بحرية، وقاله مالك وأشهب وقال المغيرة في موضع آخر: عليه للحرة صداق مثلها، قال أشهب: وإنما ضمن في ردها بالعيب في البكر/ما نقصها وطؤه لأنه كان ضامنا لها بشرائه إياها من ربها ولم يكن يضمنها حين اشتراها من غير ربها ولم يره كالثوب يلبسه فللمستحق أخذه وما نقصه اللبس يوم يلبسه، ويرجع المشتري على البائع بجميع الثمن أو يدع الثوب ربه، قال أشهب: ويرجع بالأكثر من قيمته يوم غصبه أو ثمنه على الغاصب، قالا: ولو قطع المشتري يد الأمة فكذلك يأخذها ويأخذ ما نقصها القطع من المشتري، ورجع المشتري بالثمن، فإما تركها وأخذ الغاصب، قال ابن القاسم بالأكثر كما ذكرنا في الثوب، قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية مثله إن كان القطع عمدا فإن كان خطأ فليس له إلا أخذ العبد مقطوعا ولا شيء له على المشتري ولا على الغاصب، وفي أول الباب مسألة أشهب في قتل المبتاع للعبد فساوى بين العمد والخطأ في أن لربه تضمينه، قال اشهب: ولو قتلت عند المبتاع فأخذ قيمتها فإن شاء المستحق أخذ الغاصب بالثمن أو بالقيمة، وإن شاء أخذ القيمة المأخوذة من القاتل ورجع المبتاع بالثمن على بائعه. قال ابن كنانة: وإذا اختار أخذ قيمتها من الغاصب لم يكن له رجوع إلى أخذها بعينها من المبتاع وقد أولدها. ومن كتاب ابن المواز: وإذا لبس المشتري الثوب فإن أبلاه فلا خيار له ولا عليه، ويلزمه جميع قيمته إذا ذهب أكثر منافعه في لبس الثوب، أو بجناية على العبد يرضى باتباع الغاصب وليس له على المشتري إلا تضمينه قيمته أو أخذه بحاله،/وكذلك قال أشهب وهو مذهب مالك، وإن كان ما نقصه يسيرا والجناية على العبد إذا لم يرض بإتباع الغاصب وليس له على المشتري إلا تضمينه، فليس له [10/ 379]
تضمين المبتاع القيمة وما أخذ ذلك مع قيمة ما انتقص وإلا أتبع الغاصب، وهذا كجناية أجنبي لا كجناية الغاصب، والجناية الكثيرة كذابح الشاة أو كاسر العصا وساق والثوب. قال محمد: وكذلك المشتري يقطع الثوب فللمستحق تضمينه جميع القيمة، قاله مالك وفرق بينه وبين هدم الدار وكسر الحي لأن هذا تمكن إعادته ولا يمكن ذلك في الثوب. وإذا ابتاع عبد فجنى عليه عبدا فاقتص منه ثم استحق فالمستحق مخير أن يأخذ عبده ولا شيء له على المشتري من بعض الجناية ثم رجع المشتري بجميع الثمن على الغاصب، قال محمد: وللمستحق أخذ العبد الجاني بجنايته إلا أن يفديه سيده ويرجع من صار له العبد الجاني من سيده إن فداه. أو المستحق إن أسلم على من اقتص من سلطان أو مشتري بما نقص القصاص قال: والمشتري للأمة وإذا قتلها فلربها إن شاء أخذه بقيمتها يوم القتل، وإلا تركه وأخذ الغاصب بقيمتها للمبتاع أخذ الثمن من الغاصب، وإن كان أكثر فما غرم في قتلها، ولو قتلها عند المبتاع أجنبي فلربها طلب الأجنبي بقيمتها يوم القتل، فإذا أخذ ذلك رجع المبتاع بالثمن على الغاصب كان أقل أو أكثر، ثم ليس لربها غير ذلك إلا على/الغاصب ولا على المبتاع، وإن شاء لم يتبع إلا الغاصب بالثمن أو بالقيمة يوم الغصب، فإن أخذ ذلك من الغاصب فليس للغاصب رجوع على أحد بشيء، ولم يرجع المبتاع على قاتلها بقيمتها يوم القتل، ولو جنى عليها المبتاع ولم يقتلها فربها مخير إن شاء أخذ من المبتاع قيمتها يوم جنايته وإلا أخذها وما نقصها الجناية، وإن شاء تركه وأخذ الغاصب بقيمتها يوم الغصب أو بالثمن، وإذا جنى عليها جان عند المشتري فأخذ لها أرشا، أو كان ذلك عند الغاصب فأخذ لها أرشا فلربها أخذها وأخذ ما أخذ بها من أرش، وإنما تختلف جناية الغاصب عليها وجناية المشتري فله في [10/ 380]
المشتري أخذها وما نقصها. واختلف ابن القاسم وأشهب في جناية الغاصب عليه وقد ذكرناه في كتاب الأقضية. ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب في مبتاع العبد من الغاصب إذا أعتقه فلربه أخذه ورد عتقه أو أخذ الثمن من الغاصب. قال أشهب: ولو كان ليس له رد العتق لكان داعية إلى زوال الناس من أيديهم بأن يجعل العبد من يبيعه ممن يعتقه. قال ابن القاسم: وكذلك من بنى داره مسجدا ثم استحقها رجل فله أن يهدمه كالعتق يرده. قال سحنون: هذا فيمن بنى في غصب بلا شبهة، فأما بشبهة فإنما يقال له: أعطه قيمة النقص قائما. قلت لسحنون: كيف يأخذ قيمة النقص وقد جعله حبسا؟ قال: يجعل ذلك في نقض مثله يجعل في مسجد آخر. . قال: محمد: ووجه جواب ابن/القاسم: أنه لما صار له وأبانه عن نفسه لم ير أن يأخذ فيه ثمنا، ورأى أن يهدم وإن كان بشبهة، ورأيته عنه في بعض الكتب. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الأمة بين الرجلين يبيعها أحدهما تعديا فأولدها المبتاع أو أعتقها فالشريك مخير بين إن شاء أخذ من المبتاع نصف قيمتها يوم حملت ورجع هو بنصف ثمنه على بائعه، وإن شاء أخذ الشريك بنصف الثمن الذي باع به أو بنصف قيمتها يوم باع [وإن فاتت بيد المبتاع فله أن يأخذ منه نصف ثمنها وإلا تركه وأخذ المتعدى بنصف قيمتها يوم باع] أو نص ثمنها الذي باع هو به، فإن ماتت بيد المبتاع فلا طلب له عليه ويأخذ المتعدي بأخذ الأمرين، فإن لم يفت إلا بنماء فليس له إلا أخذ نصف الثمن من [10/ 381]
متعدي إن أخذ نصفها ولا سبيل إلى القيمة، وإن فاتت بنقصان فله أخذ نصفها فقط، وإنما أخذ من المتعدي نصف الثمن أو نصف القيمة. وتمام هذه المسألة في آخر الكتاب. وفي باب الأمة تلد من المبتاع من هذا المعنى. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع جارية من غاصب ولا يعلم فأعتقها فوارثت الأحرار وشهدت السهادات ونفذت أمورها لها وعليها على أمور الأحرار، ثم استحقها ربها فاختار أخذ قيمتها من الغاصب ليقر ما في يدها، أو لم تتغير بشيء فاختار أخذ الثمن منه ليقدر أمورها المتقدمة على أمور الأحرار، وكذلك ولو أولدها المبتاع صارت له أم ولد لا قيمة له في ولدها، وليس على أن البيع والعتق اليوم/جاز، إنما العتق والبيع جائز حتى يرد كالمولى عليه يتزوج بغير إذن وليه أو عبد بغير إذن سيده فيجيزه فهو جائز بالعقد الأول، وكذلك الأمة وقد كانت في ضمان المبتاع، فلو كانت يؤتنف فيها البيع لم تكن في ضمانه قال: وإذا أخذها سيدها ردت أفعالها كلها إلى حكم الرق ولو كان قد اقتص لها بقاطع من حقها لرجع المقتص منه على عاقلة الإمام يديه كفه، ورجع المستحق بها على قاطع كفه بما نقصها، وترد ما ورثت فترجع أحكامها فيهما مضى وفيما يستقبل أحكام الإماء، ويرد ما تقدم، وفي كتاب الغصب باب يشبه هذا الباب. [10/ 382]
في المستحق السلعة بيد مبتاع فأراد أن يجيز البيع، وكيف إن هلكت السلعة؟
في المستحق السلعة بيد مبتاع فأراد أن يجيز البيع وكيف إن هلكت السلعة؟ وكيف إن ابتاعها الغاصب أو غيره بعد ذلك من ربها؟ من المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك في المستحق للأمة بيد مبتاع من غاصب، فإن شاء أجاز البيع ورجع بالثمن على الغاصب. قال سحنون: ولا تزول عن الغاصب العهدة - قال ابن القاسم وأشهب: ويلزم المبتاع البيع. قال: مالك: وأما في غيبة رب الأمة وقد أثبتت عليه في البيع فللمبتاع إذا علم ذلك الرد، قال مالك: ولو ماتت بيد المبتاع لم يكن لربها عليه شيء ويأخذ من الغاصب إن شاء الثمن أو قيمتها يوم الغصب، وإذا أجاز البيع لم ينظر أزادت عند المبتاع أم نقصت أو ولدت؟ /إنما يجيز أمرا كان يوم البيع والأمة من يومئذ للمبتاع، له نماؤها وعليه بوارها، قال أشهب: فكما له إذا وجدها ناقصة أخذها إن شاء أو قيمتها يوم الغصب، فكذلك إن وجد ثمنها إن شاء أخذه كما كان يأخذها وإن أخذ قيمتها بعيب للمبتاع بما فيها من نقص أو نماء أو لود، قالا: ولم يزل البيع جائزا حتى يرد فإذا لم يرده كان ما تقدم للمبتاع فيها من عتق وإيلاد نافذ تام الحكم. قال أشهب: ولم يجز البيع لأنها أجازه لو كان هذا كان مفسوخا ولكن هو بيع جائز حتى يرد وقد دخلت في ضمانه، وكذلك العبد يتزوج بغير إذن سيده، والسفيه بغير إذن وليه، فإن رداه رد وإلا كان جائزا. قال ابن القاسم: والكراء كالبيع إذا شاء أمضى الكراء فذلك له، قال أشهب: إذا باعها الغاصب ثم باعها المبتاع بأكثر من ذلك فللمستحق أن يجيز البيع الثاني ويأخذ الثمن ممن يأخذه ويرجع هو على بائعها بثمنه. من العتبية: وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن سرق عبدا فباعه: أن ربه إذا أجاز البيع وأخذ الثمن فلا حجة للمبتاع في رده، وعهدته على سيده دون [10/ 383]
السارق، وقاله أصبغ. وذلك ما لم يدخل العبد فوت حتى يصير المستحق مخيرا في الثمن أو القيمة ليس في العبد لفواته، فإن اختار القيمة من السارق: فالعهدة على السارق، وإن اختار الثمن فالعهدة عليه أيضًا، وقال عنه يحيى بن يحيى فيمن تعدى فباع أمة رجل في غيبته، فلما علم المبتاع أراد ردها قبل قدومه وطلب البائع التربص إلى قدومه وقال: أستجيز البيع فللمبتاع تعجل ردها وإن لم يعثر/على هذا حتى قدم فأجاز فذلك ماض لا يرد وكذلك الشركاء في الأمة يبيع جميعها بعض من حضر من الشركاء وواحد غائب. ثم يعلم، والمشتري فليردها قبل قدوم الغائب، فإن لم يردها حتى قدم فيمسك بحظه فليس لشركائه أن يلزموه بنصيبهم منها للضرر عليه في دخول الشركة، وأما إن باعوا كلهم جارية من رجل فاستحق حظ أحدهم بعينه فليس له رد حظوظ بقيتهم لأنه إنما اشترى من كل واحد نصيبه خاصة ولو استحق ربعها مطلقا أو خمسها بحرية أو ملك فله رد ما فيها على جماعتهم خلاف استحقاق سهم أحدهم بعينه. وفي كتاب الوكالات زيادة في هذا المعنى. قال سحنون في المجموعة: قال ابن القاسم فيمن استعار دابة إلى بلد فباعها في الطريق بعشرة وتمادى، فلما رجع اشتراها بأربعة وهي أحسن حالا مما كانت، فإن شاء ربها أخذ ثمنها الأول، وإن شاء أخذها مع الستة الدنانير الفاضلة بيد المتعدى. وقال أشهب: إنه إن أخذ الدابة فلا شيء له في الستة دنانير، ورأيت في كتاب في البيوع ينسب إلى ابن سحنون: إذا وجد العبد بيد مبتاع من غاصب فأجاز البيع أن له أخذ الثمن من المبتاع، ويرجع المبتاع به على الغاصب، وهذا ما أعرفه في غير هذا الكتاب، وقول مالك وأصحابه فيما علمت: أنه إما يتبع بالثمن الغاصب قال: وسمعت بعض أصحابنا يقول: ترد الستة دنانير التي اشتراها أولا من المتعدي، لأن ربها لما أخذ دابته انفسخت البياعات كلها، ولو اشتراها المتعدي منه بدراهم/أو بعرض أو دنانير مخالفة للدنانير الأولى أو مثلها [10/ 384]
عينا ووزنا بأكثر. ثم لم يذكر في الأم تمام الجواب، وينبغي على أصله أن تستقصى البياعات ويرد هذا ما أخذ من عرض أو دارهم وما خالف النقد، ويأخذ بنقده من الذي كان باع منه، وذكرها ابن المواز وفرق بين شرائها لنفسه وبين شرائها لربها. وقد ذكرتها في العارية. وقال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى وسحنون عن ابن القاسم مثل ما ذكر هاهنا. قال ابن القاسم وأشهب: ومشترى السلعة من غاصبها إذا باعها من آخر فربها أن يأخذ الثمن من الغاصب الذي باعها له، وإن شاء أخذ من البائع الثاني ما باعها به، ولو باعها بعروض أو حيوان فإنما يأخذ ذلك بعينه زاد سوقه أو نقص لأن ثمن سلعته بخلاف ما حال سوقه من عوض السلعة ترد بعيب يريد: أو تستحق فيأخذها ربها، قال أشهب: كما لا يضمن مبتاع المغصوبة موتها ولا يفيتها عتقه لها، كذلك لا يفوت عوضها إذا شاء ربها أخذه. قال ابن عبدوس: قلت لسحنون فيمن باع عبدا بأمة فأعتقد العبد مبتاعه واستحق الأمة رجل فقال: أنا أجيز بيعها وأنقض عتق العبد، قال ذلك ثم فكر فقال: إنما له قيمة العبد على معتقه لأنه ضامن وعليه العهدة. قال ابن القاسم وأشهب: ولو غصبه أمة بعينها بياض فذهب عند المبتاع ثم أجاز ربها البيع ثم قال: لم أعلم بذهاب البياض ولا أجيز، فليس له ذلك. قال أشهب: ولو أبق العبد من غاصبه لم يكن أخذ ربه منه قيمته/كبيع الآبق، وإنما هو أوجبه الحكم ولو رجع لم يكن له فيه قيام، ولو كان لك عبد به خنق فانقطع عنه ولم يعلم به سيده فباعه ثم علم، فليس له رجوع في بيعه. قال أشهب: وإن غصبت أمة فبعتها ثم ابتعته من ربها فإن كنت وهو لا تدريان أي هي فلا يجوز بيعكما، ولربها أن يجيز بيعك ويأخذك بالثمن إن [10/ 385]
كانت لم تتغير، وإن تغيرت أخذت بالأكثر من الثمن أو القيمة أو جاريته إن شاء، ولا شيء له في مغرمها، وإن كنت اشتريتها منه وقد علم أنك غصبتها منه فلا شيء لك على الذي يعتمد منه، لأن ربها جوز لك بيعك إما بزيادة زدته أو نقصان نقصك، قال أشهب: ومن غصب جارية فذهب بها إلى بلد ثم أتى إلى ربها فقال: جاريتك عندي فبعينها فباعها منه، فإن باعها بغير ما وجب عليه من قيمته وقد عرف قيمتها يوم الغصب، فذلك جائز، وإن جهلاها لم يجز لأنك ابتعت منه قيمة لزمتك لا تعلماها. قال ابن القاسم: إذا اشتراها الغاصب من ربها بعد أن باعها لم يكن له رد بيعه لأنه تحلل صنيعه من ربها، وإنما ينقض بيعك لها ربها أو مشتريها منك يعلم بنقدتك وربها غائب، وأما شراء غيرك إياها من ربها وقد رآها المبتاع وعرف شأنها وهي بيدك أو بيد مبتاعها منك، فيجوز يكن له نقض بيعك أيضًا، قال سحنون: وإنما يجوز هذا إن كانت بيد الغاصب أو المبتاع منه وهو حاضر مقر، وإلا فذلك خطر وشراء خصوم. قال ابن القاسم وأشهب: من/تعدى على متابع عنده وديعة فباعه فلم يقبض الثمن حتى مات ربه فكان البائع وارثه: أن له رد البيع إن شاء كما كان للميت، وكما لو روثه غيرك فله نقضه وكذلك لو بعته شقصا أخوك شفيعها فلم يقم حتى مات قبل انقطاع الشفعة. فلك القيام بها، قال أشهب: كما لو بعت سلعة لرجل على أنه فيها بالخيار فمات، فكنت أنت وارثه فلك منه الخيار ما كان له، وخلاف العبد يتزوج بغير إذن سيده فيعتقه قل يعلم، فهذا يتم نكاحه، وكذلك السفيه ينكح بغير إذن وليه فلا يفسخ حتى ولي نفسه. وبعد هذا باب فيه شيء من ذكر من أفتيت عليه ببيع متاعه بغير أمره. [10/ 386]
في الأمة تلد عند الغاصب أو عند المبتاع ثم استحقت، وكيف إن مات أحدهما؟
في الأمة تلد عند الغاصب أو عند المبتاع ثم استحقت، وكيف إن مات أحدهما؟ وكيف إن ماتت وبقي مالها أو خراجها؟ وذكر مال العبد المستحق من كتاب ابن عبدوس عن ابن القاسم وأشهب ونحوه في كتاب ابن المواز ومثله في رواية عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال: ومن اشترى أمة من غاصبها ولم يعلم فولدت عنده ثم ماتت فلربها إن شاء أخذ الولد ولا شيء له على الغاصب، فيرجع المبتاع بجميع الثمن على الغاصب، وإن شاء ترك الولد وأخذ من الغاصب الأكثر من قيمتها يوم الغصب أو الثمن، قال عنه عيسى: وكذلك لو كان عبد فمات عنده وترك مالا فإما أخذ ماله ولا شيء له/ورجع المبتاع بجميع الثمن، وإلا ترك المال للمبتاع وأتبع الغاصب بالثمن أو القيمة، قال أشهب في كتاب ابن المواز وابن عبدوس: ولو ولدت عند الغاصب فباعها بولدها فلربها إن شاء أخذ من الغاصب الثمن كله أو قيمتها وحدها يوم الغصب، ولا شيء له في الولد من ثمن ولا قيمة لأن أخذ قيمتها قبل كون الولد، وإن شاء أخذها مع ولدها، قال عنه ابن المواز: وإن شاء أخذ ثمن بعضهم وأسلم بعضهم، وإن شاء أخذ الأم وثمن الأولاد، وإن شاء أخذ بعض الولد وأخذ من الغاصب ثمن الأم وثمن باقي الولد بعد أن يفض الثمن على قيمتهم ما لم ين الذين أجاز بيعهم أقل من نصفهم فيكون للمبتاع حجة في قبوله أو رده، فإن رده رجع بجميع الثمن على الغاصب، وإن حبسه رجع بحصة ما أخذ المستحق من الثمن، ويزيد محمد في إجازة البيع في الولد خاصة: إن كانوا ممن تجوز فيهم التفرقة، قال: وله أخذ قيمة الأم من الغاصب لدخول النقص فيها بالولادة ثم لا شيء له في الولد، لأن له أخذهم بأعيانهم إذ هم عند المبتاع ولم يدخلهم نقص أو غيره، أو ماتوا فإن شاء أخذ حصتهم من الثمن الغاصب وإلا فله أخذ قيمتم من الغاصب يوم ولدوا الأكثر من ذلك. قال [10/ 387]
محمد: وقول ابن القاسم أحب إلي، لأنه لا يضمن ما لمك من الولد، كما لو أخذ الأم وقد ذهب منها عضوا أو غيره لم يضمن ذلك الغاصب. قال أشهب في كتابه في الغصب: وإذا لم يدخل الولد نقص لم يكن له فيهم غير أخذهم أو أخذ حصتهم من الثمن. قال ابن عبدوس: وقال أشهب في كتاب/ابن القاسم: وإذا وجد الأم قد ماتت وبقي الولد أو مات الولد وبقيت الأم: فله أخذ من بقي منهم وحصة الميت منهم من الثمن على الغاصب، ومن مات من الولد فليس له أن يأخذ من الغاصب إلا الأكثر من قيمته أو ثمنه، قال ابن عبدوس: وهذا خير من قوله في كتاب الغصب وقال أشهب في كتابه في الغاصب: إن ماتت الأم فله أن يأخذ من الغاصب الأكثر من ثمنها أو قيمتها يوم الغصب، ويأخذ الولد ويرجع مبتاعهم بحصته على بائعه، وإن كان الولد هو الذي مات فإنه على الغاصب الأكثر من حصته من الثمن، أو قيمته يوم ولد، وهذا الذي أنكره ابن المواز وابن عبدوس. قوله في تضمين من مات من الولد وقوله مع ذلك: إذا أخذ قيمة الأم: إن له أخذ الولد وهو إنما يأخذ قيمتها من الغاصب يوم الغصب وتصير كأنها ولدت في ملك الغاصب. ومن كتاب ابن المواز: وإذا ولدت الأمة عند الغاصب أو عند من اشترى منه ولم يعلم بغصبه ثم ماتت الأم أو مات الولد. فذلك كله سواء عند ابن القاسم فإن شاء صاحبها أن يأخذ من خدمتها ثم لا له على الغاصب من قيمة ولا غيرها ولا على المشتري ما لم يكن الولد منه فيكون له إن شاء قيمته مكانه إن كان حيا مع أخذ الأم، ولو كان من الغاصب فهو كالزنا يأخذه معها فإن ماتت الأم فشاء أخذ الولد فلا قيمة له في الأم، وكذلك إن شاء أخذ قيمة الولد من المشتري وقد ماتت الأم فلا شيء له عليه من قيمة الأم ولا على الغاصب، ويرجع المبتاع/بجميع الثمن على الغاصب، ولو مات الولد وحده عند المبتاع وقد ولدت منه أو من غيره فليس له إلا الأم إن شاء، وإن أخذ الأكثر من ثمنها أو من قيمتها يوم الغصب، قال محمد: فإن ماتت عند الغاصب أو قتلها الغاصب وبقي الولد فإن شاء أخذ الولد فلا حق له في الأم، لأن الغاصب ضمن قيمتها يوم الغصب، فليس [10/ 388]
له أن يأخذ بتلك القيمة ولدا ولا غيره، وإذا لم يجد إلا الأم لم يكن له غيرها لا خيار له في غير ذلك إن لم يتغير ولا قيمة له في الولد، قال محمد: وقيل: إن الولادة تغيرها فإن تغيرت فإما أخذها ولا شيء له غيرها، وإما أخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له غيرها، وإما أخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له فيما ولدت بعد ذلك، وابن القاسم يقول: إذا لم تدخلها الولادة فلا يجب لربها قيمتها غلا أن تغيرها الولادة وتنقصها. وقال أشهب: الولادة تحطها وتغيرها وتوجب له قيمتها إن شاء. ومن كتاب ابن المواز أيضًا: وإذا تغيرت الأمة من الولد أو من غيره بيد الغاصب فرضي ربها بأخذها ناقصة فله مع أخذها ما يجد من ولدها وما هو قائم من غلتها فأما ما مات بسببه أو بنفسه من ولد أو غلة فهو يضمنه، وكذلك من قتل هو من ولدها وما أكل من نسل الحيوان وأكل من الغلة في الرقيق والحيوان إذا كانت الأم قائمة ورضي بأخذها، ولا يقبل قول الغاصب في تلك الغلة: أنها هلكت بغير سببه إلا ببينة وما هلك/بغير سببه فلا يضمنه، وإذا هلكت الأمهات فلا شيء له من غلاتهن وأولادهن وإن كان قائما إذا رضي بأخذ قيمة الأمهات وكذلك إذا كانت الأمهات قائمة وتغيرت وشاء أخذ قيمتها، ولو رضي في هلاك الأم أن يأخذ ما وجد من الأولاد ويدع قيمة الأم فذلك له. قال محمد: وأما قول أشهب: إذا ولدت عند الغاصب ومات الولد إنما لربها أخذها ويغرمه قيمته الولد يوم ولدوا فكيف يقول هذا وهو يقول: لو نقصت أو زال لها عضو: أن لا يضمنه؟ وإما أخذها ناقصة أو ضمنه قيمتها يوم الغصب بالولد كعضو منها ولو كان بجناية جان اتبع المستحق الجاني، وإن أخذ فيه الغاصب إن شاء كان للمستحق معها إن أخذها، ولو باع ولدها كان له أخذ الثمن ولا يضمنه قيمة، ولو وجده بيده مبتاعه فله إن يجيز أو يأخذه بعينه ويأخذ الأم وليس كالمفلس، وقد اشترى أمة أورمكة فولدت عنده وباع الولد ثم فلس فالمبتاع أخذها ولا [10/ 389]
شيء له في الولد وإن كان بيد مبتاعه ولا في ثمنه، قال مالك: وتصير كالغلة. ولو لم تبع كان له أخذها معها إلا أن يعطيه الغرماء الثمن، قال: وما قتل الغاصب من ولدها فإن أخذ ربها الأم أخذ منه قيمة الولد يوم قتله ولو قتل الأم لم يلزمه إلا قيمتها يوم الغصب وهو لا يضمن الولد إلا بتعديه، وفي قول أشهب: إذا ماتت الأمهات أن له قيمتهن يوم الغصب مع ما وجد من ولد. وقيمة ما هلك من ولدها يوم ولدتهم، وما تلف/في إيقاف بغير سببه فعليه قيمته، والذي قال مالك وابن القاسم هو الصواب. قال محمد: ولو كان الولد هو الغاصب فهو مثل ما ولدت عنده، ولو طلب من قيمتها لتغيرها بالولد فإنها تباع عليه هي وولدها في قيمتها لأنه غير لاحق به وعليه الحد. ومن العتبية: قال عيسى بن دينار: وإذا وجدها بحالها عند الغاصب فليس له غيرها وليس له قيمتها إن طلبها، ولو [دخلها نقص فليس له أخذها مع ما نقصها وإما أخذها] ناقصة وإلا فقيمتها يوم الغصب إلا أن يكون نقصها شيء فعله بها الغاصب. فله أن يغرمها ما نقصها ويأخذها، ولو فعله أجنبي فله إذا أخذها اتباع الجاني، وإذا باعها الغاصب وباعها المبتاع من رجل ثان وهي بحالها فلربها إن شاء أخذها ولا يضمن الغاصب شيئا، وإن شاء أخذ أي ثمن شاء من أثمانها ويرجع المأخوذ ذلك منه على بائعه بما دفع إليه، وباب الغلة في الاستحقاق ذكر في مال العبد. ومن المجموعة: قال ابن نافع عن مالك وقاله ابن القاسم وابن كنانة في العبد يأبق فيبيعه متعدي أو يبيعه من غصبه فيفيد مالا: أن لربه أخذه مع ماله وكذلك الأمة، وأما ما أعطاه المشتري عن طوع يده فللمشتري أخذه منه. قال ابن كنانة: مثل من يهدي لزوجته ثم توجد ذات محرم منه فيفسخ نكاحه فله ارتجاع ما أهدى، وأما الصداق: فإن كان بني بها فهو لها وإلا فلا شيء لها. وما استخدم المشتري واستغل/فلا شيء عليه فيه بخلاف الولد. [10/ 390]
باب في الأمة تستحق وقد ولدت من المبتاع أو من غيره
ومن المجموعة: قال عبد الملك في العبد المستحق وبيده من المال وما بيع معه من ولد فوجدوا بيد مبتاع أو بعضهم، فإن وجدوا هم فله أن يجيز بيعهم ويأخذ ثمنهم من الغاصب، فإن شاء أخذهم ورجع المبتاع بثمنهم على بائعه، وإن مات العبد بيده المبتاع فلربه أن يجيز جميعهم ويأخذ الثمن من الغاصب، وإن شاء أخذ الولد الباقي ورجع المبتاع بحصته من الثمن على بائعه، وأخذ في العبد الميت إن شاء حصته وإن شاء قيمته معهم يوم قبضه كان أكثر من ثمنها أو أقل أو موافق لثمنه. وإذا مات العبد بيد المبتاع وبقي بيده رقيق العبد وماله فإن اختار أخذه فكأنه أخذ العبد لأن المال تبع. فيرجع المبتاع بجميع الثمن على بائعه، ولو وجد ذلك بيد الغاصب فأخذه كان له تضمينه قيمته العبد كما لو قتله لودي قيمته ويأخذ ربه ماله، والمبتاع إنما صار له المال بالاشتراط بغير حصة له من الثمن، وليس له أخذ المال من المبتاع وتضمين الغاصب قيمة العبد لأن ذلك يوجب للمبتاع الرجوع بجميع الثمن إذ لا حصة للمال، فجمع على الغاصب غرم الثمن مع القيمة، وهذا ليس عليه لأنه إذا ودي القيمة صح له الثمن وإن أخذ منه الثمن زالت القيمة. باب في الأمة تستحق وقد ولدت من المبتاع أو من غيره وقد ماتت أو مات الولد، وبقية القول فيها وفي ولدها من المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم/قال ملك في الجارية تستحق من يد مبتاع وقد أولدها المبتاع، فلربها أخذها وقيمة ولدها ثم رجع فقال في المجموعة: إنه رجع فقال: يأخذ قيمتها وقيمة ولدها يوم الحكم إلا أن يكون عليه - أراه يريد المبتاع - في ذلك ضرر لأن أخذها فيه مضرة عليه وعلى ولده، وإذا أخذ مستحقها قيمتها أخذ حقه، وامتناعه في ذلك هو فيه مضار. قال ابن [10/ 391]
القاسم وفي القول الذي قال فيه يأخذ قيمتها وقيمة ولدها إنما هو قيمتها يوم الاستحقاق وكذلك قيمة الولد، وقال في كتاب ابن المواز: وفي قول مالك: يأخذها وقيمته ولدها يوم الحكم كان الولد يومئذ صغيرا أو كبيرا صحيحا أو سقيما قلت قيمته أو كثرت، وإن جاوزت الدية ولا قيمة عليه فيمن مات منهم، واجتمع على هذا ابن القاسم وأشهب. قال أشهب في الكتابين وعليه جماعة الناس وهو قول علي بن أبي طالب، ورجع مالك فقال: يأخذ قيمة أمته فقط إلا أن يكون عليه في إسلامها ضرر، قال أشهب: ثم رجع إلى القول الأول، قال ابن كنانة في المجموعة: وعلى هذا كان حتى مات، قال في الواضحة وغيرها: وهذا إذا لم يجب أن يأخذ من الغاصب الذي باعها ثمنها ولا قيمتها، قال ابن حبيب: أول قول مالك: إن شاء أخذها وأخذ قيمة ولدها، وإن شاء قيمتها يوم الاستحقاق مع قيمة ولدها يومئذ. وبه أخذ المصريون من أصحابه مع مطرف، ثم رجع فقال: ليس عليه إلا قيمتها يوم وطئها ولا قيمة عليه في ولدها، وبه أخذ ابن دينار/وابن الماجشون وابن أبي حازم وابن كنانة وبه نقول. وفي غير كتاب ابن حبيب أن المغيرة يقول: يأخذها وقيمة ولدها يوم ولدوا كانوا أحياء أو قد ماتوا، وقد ذكرنا ما ذكره ابن عبدوس عن ابن كنانة خلاف ما ذكره عنه ابن حبيب. قال أشهب في المجموعة: وله إذا طلب المستحق قيمتها وقد ولدت من المشتري لم يلزمه ذلك إلا أن يرضى كما ليس له أن يضمنه إياها إن وجدها نقصت أو نمت. وكذلك إذا أولدها أو أعتقها، ويقال له: إن شئت فخذ الثمن من الغاصب إذا، وقال ابن القاسم فيه وفي كتاب ابن المواز: إذا رضي بأخذ قيمتها وقيمة ولدها خير المشتري على ذلك في قول مالك جميعا وتكون قيمتها يوم الاستحقاق، وقال أشهب: هذا خطأ وإنما كنت لو قلت بهذا عليه قيمتها يوم أحبلها ثم لا قيمة له في ولدها لأنه في ملكه ولد. قال ابن المواز: والقياس أن ليس له عليه قيمتها في نقص الولادة وإنما له أن يلزمه ذلك إن جني عليها أو [10/ 392]
قتلها هو، ولو قتلها غيره لم يلزمه هو قيمتها لأنه غير غاصب، غير أن ابن القاسم قال ذلك لاختلاف قول مالك في هذا الأصل. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: فأما إن ماتت وبقي ولدها فليس له في قول ملك الأول إلا قيمة ولدها الباقين، قال: وكذلك قال في كتاب ابن المواز: ليس له غير قيمة من وجد منهم يأخذها ليس له قيمة الأم لا على الغاصب ولا على المشتري؛ قال ابن المواز: ثم يرجع المشتري على بائعه بجميع ثمن الأمة ولا شيء للمستحق منه. وإن شاء المستحق ترك المشتري/فلم يأخذ منه شيئا واتبع الغاصب إن شاء بالثمن أو قيمة الأم. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وأما في قول مالك الآخر: فلربها إتباع المشتري بقيمة الأمة يوم وطئها لأنه ضمنها يومئذ ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وإن كانوا قياما كواطئ أمة أبيه أو أمة له فيها شرك؛ وقال ابن المواز: لا شيء عليه من قيمة ولدها فيها إذا ماتت في قول مالك الذي قال فيه: وهي حية ليس له إلا قيمتها فقط لأنه ليس عليه فيها ضمان، قال: وإذا مات الولد وحده عند المشتري وقد ولدته منه أو من غيره فليس له إلا الأم إن شاء. وإلا اخذ من الغاصب الثمن أو القيمة. ومن العتبية من مسائل عيسى بن دينار ومثله في كتاب ابن المواز عن ابن ابن القاسم قال: وإذا ولدت من المشتري فقام ربها وهو مخير على الغاصب في وجهين وعلى المشتري في وجهين إن شاء أخذ من الغاصب قيمتها يوم غصبها، وإن شاء فالثمن الذي باعها به، فما أخذ فيها فقد مضت لمبتاعها فإن ترك الغاصب فله أن يأخذ من المشتري أمته وقيمة ولدها ميتة وإن شاء قيمتها وقيمة ولدها فما أخذ من ذلك فليرجع المشتري على الغاصب بالثمن ولا يرجع عليه الولد بشيء، وإن ماتت الأم عند المشتري فليس له عليه إلا قيمة ولدها إن شاء، وإن كره ذلك فله على الغاصب الثمن أو قيمة الأمة، وإن وجد الولد قد ماتوا فلا شيء له فيهم، فإن قتلوا فدياتهم لأبيهم وللمستحق/عليه الأقل من ذلك يوم [10/ 393]
قيمتهم، يريد: يوم القتل، ولو كان المشتري زوجها فولدت من الزوج فلربها أخذها مع الولد إن شاء وإن شاء أخذ من الغاصب الثمن أو القيمة، ولو كان الولد ولدته عند الغاصب منه أو من زوج أو زنا فله أن يأخذ منه قيمتها يوم الغصب، وإن شاء أخذها وجميع الولد ويحد الغاصب في وطئه، وإن مات الولد فليس له أخذ قيمتهم منه إن أخذ الأمة، وقال أشهب: عليه قيمتهم يوم ولد. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إذا مات الولد عند الغاصب فله قيمتهم يوم ولد فليس له إلا الأم أو قيمة الأم إن تغرت بالولادة أو بغيرها، وقال أصبغ: يأخذ ما وجد منهما وقيمة من مات كان الأم والولد وكأنه غصبهما وليس كالغلة، وإنما قيمتهم الولد يوم ولدتهم وهو قول أشهب، قال محمد: وهذا خلاف قول ملك وأصحابه، وهو غلط لأنه إن أخذ الولد وقيمة الأم يوم الغصب فقد صار حدوث الولد وهي مقومة على الغاصب يوم الغصب فكيف يلزمه لما تلف بعد ذلك شيء؟ فإن قال: أنا آخذ قيمتها يوم ماتت وولدها لم يكن له ذلك وأما إن وجدها معيبة فقال: يأخذها بنقصها مع ولدها فله ذلك وليس له في نقصها شيء على الغاصب قال: وإنما اختلف ابن القاسم وأشهب إذا ولدت عند الغاصب وقد اتفق قولهما فيه إذا ولدت عند المشتري ولدا من غير المشتري: إنما وجد عنده من ولد أو أم وقد مات الآخر ورضي أخذها وحدها فليس له غيره عليه ولا علي الغاصب ويرجع المبتاع بالثمن على الغاصب/، وإن ترك ربها المشتري أخذ من الغاصب الثمن أو القيمة، وقال أصبغ: إذا ماتت الأم عند المبتاع وبقي الولد فلربها أخذ الولد ويأخذ الغاصب بقيمة الأم أو بالثمن الذي أخذ فيها ويرجع فيما زعم المشتري على الغاصب بحصة الولد من الثمن كأنه اشتراه معها في صفقة كما لو ولدت عند مشتر وماتت وقام بعيب فيهما فيجعل [10/ 394]
جامع القول في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح
كأنه اشتراهما معا، قال محمد: هذا كله غلط وخلاف لقول مالك وابن القاسم وأشهب. قال أصبغ: ولو وجد الأم عند المشتري وقد مات الولد لم يكن له غير الأم إن شاء أو لا شيء له في الولد. قال محمد: وقوله في التي اطلع على عيب وقد ماتت وبقي ولد ولدته عنده ليس بصواب، وإنما يرجع بقية العيب إلا أن يرضى البائع اخذ الولد ورد جميع الثمن فذلك له، وفي كتاب أمهات الأولاد كثير من هذا الباب وزيادة فيه. جامع القول في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح، وكيف إن شرط حرية ولده في أمة تزوجه فاستحقت؟ من المجموعة: قال أشهب في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح إنما لزوج الأب قيمتهم إذ ليسوا بغلة فيكون لهم حكم الغلة ولا يرقوا فيأخذهم سيد الأم وجعلت قيمتهم يوم الحكم لأنهم أحرارا في الرحم ولا قيمة لهم يومئذ، وإذا لم اجعلها يوم الحكم جعلت الأب ضامنا لهم ولا يضمن إلا المتعدي ويدل أنه لا يكون يوم ولدوا: ما روي عن عمر من القضاء بأمثالهم فقال:/أيادهم، وفي حديث آخر: قيمتهم فكأنه يقول على مقاديرهم بالأشبار، ولما لم يضمنهم كان كأنه يفديهم من طالبهم بقيمتهم يوم قيامه كأم الولد حتى إذ لا سبيل إلى إسلامهم رقا، ولو كانوا يخرجون بالقيمة من رق كان ولاؤهم [10/ 395]
للمستحق ولكان لو أن وجدهم أو جدتهم أن يعتقوا عليه بالرحم فليس كذلك بل هم أحرار بسبب أبيهم، وللمستحق سبب لا يصل به إلى رقهم، فكان أمثل ذلك القيمة يوم الحكم، وهذا قول مالك وابن دينار وابن القاسم وغيره من أصحاب مالك إلا ما ذكرنا من الاختلاف عن المغيرة في قيمتهم يوم ولدوا في الباب الذي قبل هذا. قال ابن القاسم: وإن كانت حاملا يوم قيامه انتظر أن تلد فيأخذ قيمته يوم تلده. قال ابن القاسم: ولهم أحكام الأحرار في القتل والجراح والحدود، وعليهم قبل الاستحقاق وبعده، ومن قتل منم عمدا فقتل قاتله فلا شيء له فيه، ولو صالح أبوه من قتله عمدا على أقل من الدبة أو على الدية غرم للمستحق قيمته ما لم تكن أكثر مما أخذ فلا يلزمه غيره، ويرجع المستحق على القاتل إن كان صلحه على أقل من الدية بالأقل من بقية القيمة أو الدبة. غصب 29 قال ابن المواز: وقال أشهب لا شيء على الأب فيما أخذ في الولد إن قتل لأنه اخذ دية حر كما لو مات ولا قيمة يده إن قطع ولا عليه قيمته يوم القطع. ومن المجموعة: وذكر مسألة ابن القاسم في الولد تقطع يده فيأخذ أبوه لها دية فيؤدي للمستحق قيمته/الآن أقطع، والأقل من قيمة يده يوم القطع أو مما أخذ فيها وما فضل كان للأب، فقلت لسحنون: لم كان هذا وهذا ولد حر له دية يده دون هذا الأب وإنما على الأب قيمته في ملائه لا على ولده وقوله: ويكون الفضل للأب؟ فكأني رأيت سحنون إنما يرى للولد ما فضل ولأن ذلك إنما استحقه السيد لأنه لولا ذلك لم يكن على الأب شيء في يد قد زالت، ولا وصل إليه من ديتها شيء، فيكون فيما وصل إليه وللولد المجني عليه فإن ماله من [10/ 396]
بعدما يستحقه السيد من ذلك، وكذلك في النفس ليس لورثته من ديته إلا ما نفذه فيه. قال ابن كنانة: وإن كان للولد مال كسبه لم يقوم بماله لكن بغير ماله كقيمة عبد فإن كان عند الأب مال ودي قيمتهم وإلا أتبع بها دينا ولا يؤخذ من مال الولد شيء. قال ابن القاسم وأشهب: يؤخذ من مال الابن في غرم الأب ولا يرجع بها على الأب. قال أشهب: أستحسن أن يؤخذ من الابن في غرم الأب كما لو اشترى لابنه جارية بماله فهو إن وداه كانت للابن ولا شيء عليه للأب، وإن لم يكن للأب مال لم يكن على البائع تسليمها حتى يأخذ المال، فإن وداه الابن كانت له، وقال غيره ذلك على الأب في العسر واليسر. قال سحنون: ويحكم عليه في عدمه، ثم إن مات ابنه بعد الحكم لم يزل عنه ما لزمه من القيمة، وكذلك في جناية أم الولد والسيد عديم، وكذلك من يحكم عليه في العاقلة بشيء رآه الحاكم ثم أعدم فلا يزول عنه. قال أشهب فيه/: ولو قام وقد مات الأب قضي بقيمة الولد في تركته لا من مال الولد. قال سحنون: وفي قول غيره: لا شيء على الولد. ومن كتاب محمد: قال: وإن لم يدع شيئا أتبع به الولد: فمن أيسر منهم اخذ منه حصة نفسه فقط يوم كان الحكم، وإن طرأ للأب مال ما تتم به قيمته فليتبع به المستحق كل واحد منهم ما يتم به قيمته لا يأخذ من بعضهم عن بعض ولو كان عديمين: الأب والابن اتبع أولهما يسرا ثم لا رجوع للغارم على الآخر بشيء، وإن أيسر الابن فلم يؤخذ منه شيء حتى أيسر الأب فعلى الأب الأداء، وإذا قتل الولد خطأ فكانت لورثته ديته منجمة كان للأب منها قيمته يأخذ فيه أول نجم منها، فإن لم يتم اخذ تمامه من الثاني ثم مما يليه حتى يتم، ثم يورث عن الابن ما فضل، وما اقتص فيه الأب مما جني على الولد في نفس أو جرح فلا حجة للسيد فيه ن وإن قطعت يده أخذ قيمته مقطوعا من الأب، وإن أخذ في قطعها خطأ دية أخذ منه قدر نقصه القطع من قيمة عبد ثم ما فضل من الدية فللابن دون الأب. [10/ 397]
ومن المجموعة: قال أشهب: وإن كان على الأب دين فللمستحق أن يحاص غرماءه بقيمة الولد. وإذا استحقت أنها أم ولد أو مدبرة أو مكاتبة وقد ولدت فقد ذكرنا ذلك في كتاب أم الولد. قال سحنون في الأمة تغر من سيدها فتزوجها على أنها حرة فأولدها فإن عليه قيمتها للابن ولا قيمة للولد عليه ولا صداق المثل ولا المسمى، وليس النكاح فيها نكاح وهو كما لو وطئها يظن/أنها لو أو متعمدا وهي له أم الولد بذلك، وأما الابن تغره أمة الأب فهو كالأجنبي يأخذها سيدها ويأخذ منه صداق المثل ولا قيمة عليه في الولد. قال أشهب: وإذا غرت الأمة عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو معتقا إلى أجل: فإن أولادهم رقيق وتبع لها. قال أشهب: وإذا غرت أمة الابن الأب فولدت منه فودى قيمتها يوم استحقت فعليه للمستحق قيمة ولده وتسلم الأمة إليه ويرجع على الابن بما أخذ منه من قيمتها، وإن غصب رجل أمة فباعها ممن يعلم بغصبه إياها فأولدها فلربها إن جاء وأثبت ذلك اخذها وأخذ الولد لأن المبتاع قد علم أنها لغير البائع وعليه الحد ولا يعذر بقوله: ظننتها تحل لي بالشراء، وإذا قالت له أمة: إني حرة فتزوجها وهو يعلم أنها أمة فإن ولده رقيق، فإن كان ذلك ليس إلا بإقرار منه يريد: بعد ولادتهم فإن أولاده لا يرقون، ولو كان إقراره بذلك قبل أن يولدوا فهم رقيق، وإن أقروا بعد أن ولدتهم ولا يعلم بعد مكانهم عنده فإنه يضمن من مات منهم وقيمة من وجد منهم. وإن لم يكن له مال لم أستحسن أن يرجع على [10/ 398]
ولده بقيمتهم لأن إقراره لا يلزمهم. أشهب: وإذا أبقت أمة فغرت رجلا فتزوجها على أنها حرة فأولدها ثم استحقت فلربها والولد حر يلحق نسبه وإن لم يقم الزوج بينة على أنه تزوجها على أنها حرة ويصدق في هذا ولو كذبته حددته ولم ألحق به الولد وعلى السيد البينة: أنه تزوجها على أنها أمة إن ادعى ذلك ويأخذ الولد/وإلا فهو حر وله قيمة حالة. قال أشهب في كتاب ابن سحنون: حالة على الأب يوم يقضى بذلك للمستحق، فإن لم يكن للأب مال فأستحسن أن يكون في مال الولد. ومن المجموعة قال أشهب: وإن أقمت بينة أنه غصبك هذه الجارية وقد ولدت منه قضي لك بها وبولدها ولا حد عليه ولا على شاهديك، وكذلك يقضى بذلك بشاهد ويمين، وأنت فلم تقل: وطى ولا قال من شهد لك أنه زنا وهو يقر ويقول: وطئت وطئا يجوز لي فأدرا عنه الحد بالشبهة وأعاقبه بما حق عليه من الغصب، ولو شهد عليه أربعة أقمت عليه الحد ولا يثبت نسب الولد بكل حال شهد عليه شاهدن أو أربعة. وقال ابن القاسم: إذا ثبت أنه غصبه الجارية بالبينة فعليه الحد إن أقر بالوطء ولا يثبت نسب الولد، قالا: وأما إن كان ولدها من غيره بنكاح أو بشراء فنسبهم ثابت وعلى الأب قيمتهم إن نكح على أنها حرة أو اشترى، وإن نكح على أنها أمة فولدها تبع لها. قال ابن القاسم: ومن تزوج أمة على أن ولده حر فاستحقت فإن ولدها رقيق لمستحقها وليس للأب أن يجبرهم على أخذ قيمتهم منه ولا ذلك للسيد إن طلبه حتى يجتمعا جميعا. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج أمة على أنها إن تلد منه حرة فتلد ثم تستحق، قال: فولدها رقيق وليس لأبيهم أن يفديهم بالقيمة إلا [10/ 399]
أن يشاء السيد، ولو شاء ذلك السيد وأباه الأب فليس للسيد، قال: وإذا غر منها الغاصب فزوجها على أنها حرة رجع عليه بما غرم في الصداق لا في قيمة الولد مع الأب، وكأنه باعه البضع فيرجع عليه/بما أخذ فيه، ولو غره منها أجنبي وهو يعلم أنها أمة وعقد لها لرجع عليه إلا أن يعرف أنه غير ولي لها، وإذا لم يعلم أنها أمة لم يكن عليه شيء ولو كان وليا. ولو علمت هي أيضًا فلا ترجع غلا على الولي الذي غره، ولو أخبره أنه غير ولي لها أو عرف ذاك الزوج فلا يرجع على الذي زوجه كالمنادين لا عهدة عليهم [وإن لن يبينوا لأنهم معروفون، وأما غيرهم فعليهم العهدة حتى يتبين أنه ممن لا عهدة عليه] وأنها على ربها من الأوصياء والوكلاء. ويرجع فيؤخذ من الأمة ما زاد على صداق المثل، وقد قيل: يأخذ منها كل ما يصدقها لا مثل ما تستحل به، وإن غره منها الولي وولي العقد غيره فلا شيء على الولي، وقيل عليها. قال محمد: بل ذلك لازم له ها هنا لأن الولي ها هنا هو السيد ولأن وكيله عقد بأمره فكأنه هو العاقد فليرجع عليه بالصداق كله. قال: ولو زوجها الولي بعد علمه بما غرته إلا أنه زوجه على ما قالت، قال: فيلزمه الصداق كله أيضًا كمن زوج امرأة في عدتها وهو وهي عالمان بذلك فالرجوع عليه دونها إذا كان وليا، وإن لم يكن هو عالما فلا شيء عليه ويؤخذ منها إلا قدر ما تستحق به. [10/ 400]
في الغلة في الاستحقاق من يد مشتر أو موهوب أو غيره
في الغلة في الاستحقاق من يد مشتر أو موهوب أو غيره، وذكر الخدمة والسكني، وذكر مال العبد ونسل الحيوان والثمار، وكيف إن قام والثمرة لم تجد ومدة الكراء لم تتم؟ وفيمن ابتاع ممن قال: أنا وكيل على البيع من المجموعة/: قال ابن القاسم: ومعنى ما قيل: إن الغلة بالضمان: أن المشتري للشيء إذا غتله هلك في يده كان منه وذهب الثمن الذي نقد فيه، فالغلة له بضمانه. قال غيره: ولا غلة للموهوب الذي وهب له الغاصب إذا لم يضمن هو ثمنا نقده، ولا من وهبه ممن تجب له الغلة بضمانه. في المجموعة: لأن الغلة إنما تجب بضمان الشراء لا بضمان الغصب لها، قال في الحديث: وليس لعرق ظالم حق، قال ابن المواز: وقال أشهب: إن من وهبه الغاصب أن له الغلة إذا لم يعلم بغصب الواهب كالمشتري، قال: ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أن ما استغل المشتري من قليل أو كثير أو مسكن أو زرع له ولا شيء عليه من غلة أو كراء، ولا على الغاصب، فيرجع المبتاع بجميع الثمن على الغاصب لا يحاسبه بشيء من غلة أو كراء إلا أن يعلم المشتري بغصبه، يريد: قبل الشراء فيكون كالغاصب في رد الغلة. ومن أكرى الغاصب فليس للمستحق إلا اخذ ذلك الكراء بعينه، فإن حابى في الكراء كان كمن أسكن غيره باطلا، وأشهب لا يرى عليه ولا على المكتري شيئا ويراه كالمشتري. قال ابن القاسم: يغرم ذلك المشتري في ملائه فإن لم يجد طولب به الساكن. وقال ابن القاسم: ومن غصب نجلا فوهبها لرجل فاغتلها سنين فلربها أخذها وأخذ غلها من الغاصب، فإن لم يجد عنده شيئا أخذ ذلك من الموهوب كالمشتري ولا غلة عليه. ومن المجموعة/: [10/ 401]
قال ابن القاسم: وكذلك ما وهبك الغاصب فأكلته أو أكلت ثمنه فلربه طلب الغاصب، فإن كان عديما رجع عليك إلا أن تعلم أن ذلك هلك في يديك بغير سببك وإيقاعك فلا شيء عليك، وإن هلكت بيد الغاصب ضمنها ولا تضمنها أنت حتى تأخذها وأنت تعلم بالغصب. قال هو وعبد الملك: وإذا جهل مكري هذه الأشياء هل هو غاصب أو مشتري؟ فهو على الشراء حتى يعلم أنه غاصب أو صارت إليه من غاصب، ولو ورث الأرض عن أبيه فأكراها ثم أتى ابن أخيه الوارث في إبان الحرب أو غير غبانه فالكراء له لأن ضمانها كان منه. ولم يكن ذلك الوارث ضامنا لها وإنما ظن أنه وارث والوارث غيره، وكذلك لو جاء شريك معه في ذلك، وأما المستحق من يد مشتر أو وارث عن مشتر فلا غلة له إلا من يوم يقضى له. قال عبد الملك: ولو استحقها رجل غير وارث ورجل وارث كان نصفها له حكم المشتري ونصفها له حكم الوارث. قال ابن القاسم: ولو استحقها وارث يشارك الذي ورثها رجع عليه بما تقدم من الكراء، ولو كان فيه محاباة رجع بهؤلاء على أخيه إذا لم يعلم بأن له أخ ولم ير عليه أنه لو سكن كراء إذا لم يعلم، وروي عن مالك: أن عليه نصف الكراء. قال عبد الملك: وإذا زرع الأرض الآخر فقام فليس له قلع الزرع وإن كان في إبان الحرث، وله الكراء لأنه هو الضامن، ولم أقلع الزرع لأن زراعه زرعه بوجه شبهة فلذلك تركته لا لأنه ضامن. قال أشهب/: وإذا أسكنك الغاصب أو أزرعك أو أكرى منك فحاباك لم يرجع المستحق بكراء ولا محاباة لا عليك ولا على الغاصب، وليس على الغاصب إلا ما أخذ في كرائها إن أخذ شيئا وجعله كما لو باعه إياها. وقال سحنون: عليه الكراء فيما أسكنه بلا كراء وغرم ما حابى في [10/ 402]
كرائه لأنه ليس بضامن، وكما لو وهبه طعاما غصبه فأكله أو ثوبا فلبسه. قال سحنون: ولهم حكم آخر في الغسال يخطيء فيدفع الثوب إلى غير ربه، والمولي عليه يبتاع الشيء فينفقه فيما لا غنى به عنه مما صان به ماله، ولولا ذلك لم يكن بد من أن ينفقه من ماله مثله. قال ابن القاسم في المجموعة ومثله في رواية عيسى في العتبية: ومن كاتب عبده وأخذ الكتابة ثم استحق بالحرية فذلك كالغلة والخراج الاستخدام لا يرجع به عليه، وأما لو كان انتزع منه مالا لرجع به عليه كان اشتراه به أو أفاده عنده من فضل خراجه أو عمله أو وهب له لأن رقبته لم تملك، وكذلك يرد ما أخذ له من رأس في جرح أو قطع يد لأنه لم يكن نصيبه لو مات عنده ثم ظهر أنه حر رجع على بائعه بالثمن. فإن قيل: فكذلك يرد عليه كما أنه لا يضمن رقبته. قيل له: الفرق بينهما: أن من يشتري عبدا إنما يشتريه للغلة لا لينتزع ماله فهذا فرق بين الانتزاع والاغتلال. ورأيت في غير المجموعة: أن المغيرة يقول: يرد عليه ما اغتل منه. قال ابن القاسم في المجموعة: فأما ما وهبه السيد فله أن ينتزعه منه بعد ثبات حريته، وله/أيضًا أخذ ما ربح فيما استتجره به إلا أن يكون استتجره بمال على أن ربحه للعبد فلا يأخذ منه غير رأس ماله. وروي عن مالك فيمن أعتق عبده في سفر بمحضر بينة ثم قدم فاغتله ثم مات فكاتبه الورثة ولم يعلموا، ثم جاءت البينة بالعتق فلا شيء له من غلة ولا من كتابة. قال سحنون: وخالفه الرواة ويرون له أخذ الغلة وأن له حكم الحر. قال ابن القاسم وأشهب: ومن اشترى نخلا قد أبرتموها أو لم تؤبر ثم استحقت فإن كان حين الشراء فليأخذها بتمرها ويرجع المبتاع على بائعه بالثمن، فإن قام بعد أن سقى هذا وعالج والثمرة لم تؤبر أو أبرت وأزهت فله أخذ النخل [10/ 403]
بتمرها، ويغرم ما سقى وعالج، وإلا فلا سبيل له إلى أخذها ويرجع بالثمن، قال أشهب: إنما يغرم السقي والعلاج إن كان قد بلغ عمله أو زاد في التمرة أو في نبات وحبالها، وإن لم تؤبر عمله، ذلك وتؤبر بعمل لم يضمن ذلك فلا يرجع بشيء وله طلب الثمن من البائع، والثمرة للمستحق إن أخذ النخل، كأن المشتري اشترى النخل بتمرها بعد الزهو أو بغير ثمره ولم يشترطها إلا أنه لم يكن على المشتري سقي ولا قيام، إنما ذلك على البائع، فإذا سقى كان له أن يدعه وقام قبله على المستحق ما كان يكون لبائع الأصل لو كان هو الساقي والقائم. من كتاب ابن المواز: ومن استحق نخلا من يد مشتر وفيها تمره فله التمرة ما لم تيبس أو تقارب اليبس فيكون مثل ما جده فليس له أخذها، وهي وإن لم تيبس فهي لمستحق وإن تقارب وعليه للمبتاع ما سقى وعالج، ولو كانت بيد غاصب لأخذها/وإن جدت ويطلبه بكل ثمرة تقدمت، وقال ابن القاسم: ويعطى ما أنفقه بأخذه من غلتها، وكذلك رعاية الغنم ونفقتهم فمن غلتها لا من نتاجها، ثم رجع فقال: يأخذ جميع غلتها ولا شيء للغاصب في نفقته وعلاجه كان ذلك نخلا أو دورا أو حيوانا. وقال أشهب: يعطى الغاصب نفقته من الخلة. قال ابن القاسم: ومن ابتاع نخلا فيها ثمرة لم تؤبر أو شيء فيها فقام المستحق وفيها تمرة قد طابت فإنه يأخذها ما لم تيبس أو تجد، فإن يبست أو جدت فهي للمبتاع، ولو كان قد أبرت يوم الشراء فاشترطها المبتاع فهي للمستحق جدت أو لم تجد أو بيعت أو أكلت، ويرد المثل فيها إن عرف مكيلتها، وإلا فالقيمة، وإن بيعت أخذ ثمنها وله فيما ذكرنا قيمة ما سقى وعالج. [10/ 404]
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في المستحق أصولا من يد مبتاع فإنه يأخذ التمرة ما لم تفارق الأصل، وإذا أخذها ودي للمبتاع قيمة ما سقى وعالج. ومن العتبية وذكر مسألة ابن القاسم في مستحق الأرض وقد أكريت سنين أو سنة وقد أزرعت، فإن كان لم تفت الزراعة فله كراء السنة، وليس له فسخها، وهو مخير فيها بقي أن يجيزه أو يرده، وإذا كانت تزرع السنة كلها فله الكراء من يوم تستحق، ويخير فيما بقي، وإن فات الإبان فلا شيء له من كراء تلك السنة. قال عد الملك: إذا قام بعد أن زرع ولم يفت الحرث أكراها سنة، فإن قبض الكراء وهو غاصب رده كله، وإن كان مشتريا فله حصة ما مضى/بضمانه إلى يوم الاستحقاق، وحصة ما بقي منه للمستحق يأخذه إن أجاز الكراء، وإن لم يجزه أخذ في بقية الشهور إلى تمام حصاده كراء المثل في ذلك يتبع به المكتري ولو أتى بعد مضي الإبان فلا كراء له. وفي باب الأمة تلد عند غاصب أو مبتاع ذكر من حال العبد المستحق. وفي كتاب آخر: قال سحنون فيمن باع سلعة تعرف برجل وزعم أنه وكيله على البيع وغاب ولا يعرف ذلك إلا بقوله، فاشترى منه رجل على هذا وهو يعلم أن الدار للغائب ثم قدم فأنكر اغتلها المبتاع، فإن كان الوكيل يقوم في الدار ويعمل وينظر حتى تثبت له شبهة الوكالة: فالغلة للمبتاع، وإن لم يقدم على شبهة كما قلنا فالمشتري كالغاصب، وكذلك من هلك عن أطفال معهم أمهم وهي غير وصية فتبيع حقا لهم من رجل فيقبله، ثم يبلغ الأطفال، فإن كانت الأم تقوم وتحوط وتنظر في الدار فباعت وهي كذلك فالغلة للمشتري. [10/ 405]
باب في المشتري أو من دخل بشبهة، والغاصب يحدث في الأرض عمارة
باب في المشتري أو من دخل بشبهة، والغاصب يحدث في الأرض عمارة، أو بني في الدار، أم هدمها، أو في السلعة عملا ثم تستحق أو تنمو بيد المبتاع من المجموعة: قال ابن القاسم في المبتاع للأرض يبنيها ثم يستحقها رجل، فإن ودي قيمة العمارة أخذها وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه، فإن أبيا كانا شريكين. قال مالك: تقدر قيمة الأرض بلا عمارة وقيمة العمارة. ومن العتبية/: قال أشهب عن مالك: إذا بنيتها فليعطك ما عمرت مما يشبه عمل الناس، فأما شأن؟ قال: كل بقعته، قال: ولا شيء عليه فيما هدم، ورواها ابن نافع عن مالك. في المجموعة، وقال: قال ابن نافع: إنما يغرم قيمة ما عمر لا ما أنفقه الآخر فيه كان البناء قليلا أو كثيرا جيدا أو رديئا. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنه إذا بنى وغرس فقيل للآخر: أعطه قيمة عمله وغرسه فقال: [ما معي اليوم وإنما أدعه يسكن وينتفع حتى أخذ ما أعطيه] وأبى الآخر من الصبر فذلك له ويقال له: أعطه قيمة أرضه، فإن أبى أو كان معدما كانا شريكين، فقيمة الأرض لهذا وقيمة العمران لهذا، وكذلك لو كانت أرض عمرها يظنها مواتا ولم يتراضيا على أن يبقى ينتفع بالعمارة والأرض لم يجز، لأنه حق له معجلا من أخذ قيمة العمارة فوخره به على أن ينتفع فهو كالسلف بنفع، قال أشهب في المجموعة: إذا باعها الغاصب من رجل أو وهبها فعمرها فربها مخير في أخذ الثمن من الغاصب أو القيمة لأنها حالت بما أحدت فيها وبنى، وإن شاء أخذ داره وأعطى للثاني قيمة بنائه اليوم على حاله شاء الثاني [10/ 406]
أو أبى، ولا ينظر إلى ما أنفقه فيها وإن كثر، فإن أبى قيل للبائع: أعطه قيمة أرضه يوم بناها شاء المغصوب أو أبى، فإن أبى كانا شريكين إن شاء المغصوب على قيمة داره وقيمة/بناء الآخر الساعة وقيمة الأرض الساعة بلا بناء، فإن كانت قيمتها اليوم بلا بناء ألفا، وقيمة بناء اليوم بلا أرض خمسمائة فهي بينهما على الثلث. قال سحنون: وإذ أبى المغصوب منه أن يعطيه قيمة بنيانه فلا يكون للباني أن يعطيه قيمة داره على مما أحب أو كره، ولكن يكونان شريكين، وهذا الذي قال سحنون ذكر مثله ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف وروياه عن مالك والمغيرة وابن دينار. قالوا: إذا باعها الغاصب فبناها المشتري فلينظر إلى قيمتها قبل العمل وقيمتها بعد العمل، فإن شاء ربها دفع ذلك إلى الثاني وإن شاء كان الثاني به شريكا، وليس للذي بنى أن يعطي المستحق قيمة أرضه إذا أبى ذلك ولكن يكونان شريكين، وهذا مذكور في كتاب السرقة. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية في عبد باع أرضا لسيده: إن أعارها لرجل فبني فيها أو غرس ثم علم السيد فأخذ الأرض، فإن شاء تماسك بالبناء أو الغرس وودي قيمته مقلوعا ويرجع المبتاع في دية العبد لا في رقبته. ومن المجموعة: قال أشهب في مبتاع القمح من غاصب فطحنه أو سويقا فلته أو ثوبا فصبغه فقام ربه، فإما أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب. ومن كتاب ابن المواز: وإذا هدم المشتري الدار فإن ترك الغاصب فإنما له اخذ العرصة مع النقض على أن لا شيء له غير ذلك لا على المشتري ولا على الغاصب، ولو هدم وباع النقض مفرقا إن شاء اخذ العرصة وثمن النقض فقط، ويرجع المبتاع بالثمن على الغاصب، إلا ترك المشتري وطلب الغاصب إن شاء بالثمن أو بالقيمة يوم الغصب، ولو أن المبتاع بعد أن هدمها بناها حتى يدفع إليه قيمة بنائه قائما كان بناها ينقض، ويطالبه بقيمة نفضه منقوضا وإلا أخذ من المشتري قيمة العرصة براحا، وقيمة نقضه منقوضا لأنه ليس بمتعد في هدمه، ثم يرجع المشتري بالثمن على الغاصب، قال: ومشتري الدار إذا أكراها فهدمها [10/ 407]
المكتري وأخذ بردمها المشتري النقض والتعدي ثم قام ربها فله أتباع الهادم بقيمة الهدم، وإن كان اتبع ذمته، وكذلك لو اشتري عبدا فسرقه رجل منه أو قتله فترك له قيمته فلربه طلب السارق والقاتل بقيمته ولا شيء له على المشتري، يريد: وإن شاء طلب الغاصب بالثمن والقيمة، ومن اشترى دارا فهدمها أو وهبها لرجل يهدمها ثم استحقت فليس لمن استحقها على الهادم في الهدم شيء، فإما أخذها مهدومة بنقضها أو ما وجد منه ولا من شيء فيما تلف منه، وإلا طلب الغاصب، ولو باعها الهادم فلربها اخذ ثمن النقض مع العرصة، ولو وجد النقص قائما بيد المبتاع، فإن شاء نقض فيه البيع وأخذه وإلا أخذ ثمنه، ولو استحق نصفها فلا شيء له على الهادم إلا أن يكون باعه، فإن كان فات فليس له فيما استحق إلا نصف الثمن، وإن لم يفت فله أن يجيز بيعه ويأخذ حصته من ثمنه، وإن شاء رد الثمن لا يحط عنه الهدم ويأخذ النقض إن وجد أو ما وجد فيه. ولو تلف النقض كله أو بعضه لم يكن لذلك شيء إذا تلف بغير سبب المشتري، فإن أخذ فيه المشتري ثمنا فللشفيع أخذ ذلك الثمن، ولا ينقض بيع انتقض وإن كان قائما بيد مبتاعه لأن بيع المشتري جائز. قال محمد وهل له بعد الشفعة في النقض فهي في الأرض وله أخذه كشفعته إن لم يفت فإن فات بيد من اشتراه نظر ما ضمنه النقض من قيمة العرصة يوم الشراء فيقسموا الثمن على ذلك فيأخذ العرصة بالشفعة بما وقع عليها. محمد: وهذا أحسن ما ثبت فيه من قول أصحابنا، ولو وجد النقض النصف الآخر بالشفعة أخذ نصف العرصة مخير في رده أو إجازة بيعه، وإن أخذ النصف الآخر بالشفعة آخذ نصف العرصة ونصف النقض. وخير في رده وإجازة بيعه وإن أخذ النصف الآخر. وليس له أن يأخذ ثمن النقض الذي أخذ بالشفعة مع العرصة وإنما يأخذه بعينه، فإن فات سقط ما قابله من الثمن، وليس له في الشفعة أخذ ثمن النقض فيما يأخذ بالشفعة ولا يؤخذ الأثمان بالشفعة، قال: وإن كان المشتري بعد أن هدم الدار بناها على ما كانت أو غيرها بالبناء عن حالها الأول فليس للمستحق أخذ نصفه الذي استحق حتى [10/ 408]
يدفع إلى المشتري نصف قيمة البناء، وإنما يرد يوم الحكم ويحسب له على المشتري قيمة ما انتفع به من نقضه مطروحا، أو قيمة ما سلم منه إن لم يسلم كله فقيمة ذلك، يريد: يوم إقامته وبنائه، قال: وكذلك في النصف الآخر سواء إن شاء أن يأخذه بالشفعة فله أن يؤدي نصف الثمن وقيمة البناء فإنما يريد: يوم الأخذ الشفعة، ويحسب له قيمة البناء الذي هدم المشتري فيما سلم منه نقضا، قال في الكتاب: يوم بنائه وإنما ينبني على الأصل في النقض في الشفعة يحسب عليه قيمة نقصان قيمة العرصة من الثمن يوم الصفقة إن كان سلم النقض كله أو ما سلم منه، قال محمد: وأبى المشتري أن يدفع فيما استحق قيمة نصف البناء قائما يوم الحكم فلا شفعة له. ويقال للمشتري: ادفع إليه نصف قيمة العرصة يومئذ، ويرجع المستحق على المشتري بنصف قيمة النقض الذي هدم منقوضا وترجع أنت أيها المشتري على البائع بنصف الثمن، وإن شاء المستحق ترك ذلك كله ورجع على الغاصب إن شاء بالقيمة أو بالثمن الذي أخذه، قال محمد: وإذا صار شريكين في النصف المستحق بما ذكرنا فله نصف النصف الآخر بالشفعة إن شاء بنصف الثمن أو بنصف قيمة ما بنى قائما، يريد: له يوم الحكم ويحسب له على المشتري قيمة ربع نقض جميع الدار منقوضا، وهو الذي انتفع به وينبغي أن يكون، يعني محمد: رفع قيمة النقض منقوضا من قيمة العرصة يوم الصفقة من الثمن لما يتقى أن يكون استرخص إذا تولاه. ومن اشترى سوارين فكسرهما ثم أعادهما فليس لربهما أخذهما حتى يدفع إليه قيمة صياغتهما لأنه غير متعد في كسرهما، ولو وجدهما مكسورين فإنما له إن شاء أخذهما منه مكسورين ولا يضمنه بكسرهما شيئا، أو يدعهما ويأخذ من الغاصب [10/ 409]
قيمتهما مصوغين. قال محمد: ما أحب أن يدفع قيمة الصنعة ولا يظلم عمله، وأرى إن شاء أن يأخذ منه مثل وزنهما مكسورين وإلا أخذ من الغاصب قيمتهما مصوغين يوم الغصب أو الثمن، وهما مثل الدار يهدمها ثم يبنيها إلا أنه إذا أخذهما وودي الصيغة صار أن أخذ مصوغين غير مسكورين له وودي ثمنا للصياعة. وفي كتاب الغصب ذكر كسر الغاصب لهما وهدمه للدار. قال: وإذا اشترى من الغاصب قمحا فطحنه فقد قيل: لزمه أخذه منه غرم طحين وإن شاء تركه وأخذه من غاصبه مثل قمحه أو الثمن. قال محمد: وهذا غلط وليس له إلا أن يأخذ مثل قمحه من المشتري، أو يأخذ من الغاصب مثل قمحه أو الثمن، وإن كان الغاصب عديما ورجع على المشتري فالمشتري مخير إن شاء أعطاه مثل قمحه وإلا اسلم إليه الدقيق ورجع على الغاصب بالثمن كله، ولو طحنه الغاصب فلربه أخذه دقيقا أو يأخذ منه مثل قمحه. ومن المجموعة: قال أشهب في مبتاع القمح من غاصب فطحنه أو سويقا فلته أو ثوبا فصبغه فقام ربه، فإما أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب أو قيمة الثوب أو المثل في المكيل إن كان بائعا، وإن كان واهبا للغاصب أن يرجع على الموهوب/بما وهب له إن كان قائما وكان له مثل ما للمغصوب على الموهوب له، وإن شاء ترك الغاصب ودفع إلى المبتاع أو الموهوب قيمة الصبغ حين يقوم وقيمة الطحين حين يقوم، وكذلك اللتات، وقال: يدفع أجر ما لته ويأخذ جميع ذلك شاء ذلك الذي في يديه أو أبى، وإن أبى الغاصب فليعطه هذا مثل قمحه أو سويقه أو قيمة ثوبه، فإن أبيا كانا شريكين هذا بقيمة ثوبه وهذا بقيمة ما أحدث فيه، ثم يرجع المبتاع على بائعه بالثمن. [10/ 410]
وروى غيره عن مالك في مبتاع الجمل يعلفه حتى يسمن ثم استحق، فربه مخير في دفع ما أنفقه عليه أو يأخذ قيمة جمله يوم قبضه الرجل. وقال أشهب: وإذا اشترى غلاما صغيرا لا صنعة له فرباه وأنفق عليه، ثم يستحق حرا أو عبدا فإنه لا يتبع فيه بشيء، قال سحنون: وفي هذا الأصل اختلاف. قال ابن القاسم: وإذا استحقت الأرض وقد قلبها المشتري وأنهم حرثها فالمستحق مخير إن شاء أعطاه قيمة عمله وأخذها وإلا قيل للآخر: أغرم كراءها وإلا فأسلمها بما فيها من العمل ولا شيء عليه. قال سحنون: وإذا زبل الأرض وغرم في ذلك نفقة فزاد ذلك في ثمنها ثم استحقت، فلا شيء للذي زبلها لأنه مستهلك، وكذلك مشتري الدابة العجفاء والصبي الصغير أو الودي الصغار وينفق على ذلك حتى يكبر أو تسمن فلا شيء فلا ذلك على مستحقه. قال ابن القاسم: ومن اشترى أرضا محبسة ولم يعلم مثل حبس الكنائس أو للمسلمين/ببناء وغرس ثم استحق ذلك فليقلع عمله، وقاله سحنون: فقلت له: كيف يقلعه وقد بنى بشبهة؟ قال: فمن يعطيه قيمة بنائه؟ قلت: فيكونان شريكين فأنكر ذلك، وقال بعض من حضر: إذا يكون هذا كبيع الحبس وهو يسمع ولم ينكر، قيل: أفيعطيه مستحق الحبس قيمة بنائه؟ فلم ير ذلك. وقال: مالك يقول: من بنى في الحبس فليس له فيه إذا خرج فإذا جعلنا لهذا أن يعطيه قيمته وخرج وخلف غيره، أيؤدي الثاني أيضًا قيمته؟ [10/ 411]
في الموهوب له الشيء أو المعار له أو المواجر ينتفع به أو يستهلكه ثم يستحق
في الموهوب له الشيء، أو المعار له، أو المواجر ينتفع به أو يستهلكه أو يحدث فيه شيئا ثم يستحق، والهبة تستحق فرجع الواهب بالثمن، لمن يكون؟ من المجموعة: قال ابن القاسم في الموهوب له طعاما فأكله أو ثوبا فلبسه فإنما للمستحق تضمين الواهب إن كان مليئا فعليه يرجع، وإن كان عديما أولا يقدر عليه فله تضمين الموهوب ولا يرجع الموهوب بما ودي على الواهب. قال ابن عبدوس: إنما يضمن الواهب أولا إن كان غاصبا، فأما إن لم يكن غاصبا أو لا يعلم أنه غصب فلا يضمن، ولكن يتبع المستحق من استهلك ذلك. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن غصب شاة فأهداها لرجل فأكلها، فإن كان الطالب مليئا فعليه يرجع بقيمتها دون الموهوب، وإن كان عديما رد الذي أكلها قيمتها، يريد: يوم أكلها ولو وهبها الغاصب بعد أن ذبحها فعليه يرجع أولا/بقيمتها، فإن كان عديما أخذ من الموهوب قيمتها مذبوحة ورجع على الغاصب بما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية يوم الغصب يتبع. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: والمستحق يرجع في العارية أولا على المعير بما نقص ثوبه، فإن كان عديما فعلى اللابس وإذا كان المعير غير غاصب [فلا شيء عليه عديما كان أو مليئا. وقال أشهب وسحنون: وإن كان المستعير غاصبا] فليس لربه تضمينه النقص، وإنما له أن يضمنه الجميع ولا شيء على المستعير إن كان للغاصب مال، فإن كان عديما بيع الثوب في القيمة وأتبع المستعير بالأقل من تمام القيمة وما نقص لبسه الثوب لأنه كمن استعار من مديان ثوبا فلبسه ولا مال له يفي بدينه إلا أن يكون قد كان للغاصب مال في وقت لباس المستعير ثم زال المال فلا يضمن المستعير شيئا، فإن شاء المستحق أخذ الثوب ويأخذ النقص من [10/ 412]
المستعير فذلك في عدم الغاصب وملائه لأن النقص لم يجب له على الغاصب، فيكون ليس له طلب المستعير حتى لا يجد شيئا عند المعير. غصب 35 قال: ومذهب ابن القاسم أن النقص إذا كان من فعل الغاصب ماله اتباعه ويأخذ ثوبه، فإذا كان هو الذي أباحه ذلك فكأنه هو الفاعل فيتبع بالنقص المعير، فإن لم يجد عنده شيئا على المستعير، قال ابن القاسم في الغاصب يؤاجر الثوب فينقصه الثمن فلربه تضمين الغاصب إن يجز الإجارة وإن شاء أخذ ثوبه/وما نقصه اللبس من اللابس، ويرجع اللابس بالإجارة على الغاصب، وذلك كما قال مالك في البيع، وإن أجاز الإجارة أخذ ثوبه وأتبع الغاصب بما أخذ في الإجارة في عدمه وملائه، وإذا لم يكن المكري غاصبا فلا يضمنه وإنما له أن يجيز الإجارة ويتبعه بها أو يأخذ ثوبه وما نقصه من اللبس، وليس له في الغاصب أن يأخذ ثوبه ويتبع الغاصب بما نقصه اللبس، لأنه قد ملك تضمينه الجميع في قول أشهب وسحنون وقال أشهب: وإذا وهب الغاصب الطعام أو الثوب لمن استهلكه فلربه أن يتبع من شاء منهما اللابس في الثوب يوم لبسه والغاصب يوم غصبه، وبه قال سحنون واحتج بالبيع أن لمستحق الطعام طلب الغاصب به أو طلب المشتري الذي أكل إذا لم يجز البيع، وكذلك في كتاب ابن المواز واحتج بالبيع، وقاله مالك، وقال ابن القاسم: يرجع أولا على الغاصب فإن لم يكن عنده فعلى الموهوب. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أسكنك الغاصب أو وهبك فسكنت أو اغتللت، فقال أشهب: لك الغلة كالمشتري إذا لم يعلم بالغصب ولا كراء عليك فيما سكنت ولا على الغاصب وإنما لقائم أخذ داره. وقال ابن القاسم: ليس كالمشتري إذا لم يضمن ثمنا أخرجه، وللقائم أخذ الكراء من الغاصب، فإن عاد أو عدم أخذه من الموهوب. وهذا قد تقدم في باب قبل هذا. [10/ 413]
باب في إلرجل يموت فتنفذ وصيته ويقسم ماله ثم تستحق رقبته
قال أشهب: وإذا هلك الطعام أو الثياب عند الموهوب أو المشتري بأمر من الله لم يكن على واحد منهما شيء إلا أن يهلك ذلك بأكله ولباسه، ويتبع أيهما شاء، فإن أتبع الغاصب أخذه إن شاء بالثمن وإن شاء بقيمة الثوب والمثل في الطعام، فإن أغرمه القيمة وهي أقل من قيمة الثوب يوم لبسها الموهوب، لم يرجع عليه الغاصب ولا المستحق ولا على المشتري بشيء، ولو كان إنما أغرم الموهوب أو المبتاع القيمة فكانت أقل من قيمة الثياب يوم الغصب، أو الثمن الذي أخذ الغاصب من المشتري، لم يرجع المستحق على الغاصب بفضل ذلك، ورجع المشتري على الغاصب بما دفع إليه إلا أن يكون الثمن الذي دفع إليه أكثر مما غرم للمستحق فلا يرجع عليه إلا بمثل ما غرم ويكون فضل ذلك للمستحق، وأما الموهوب: فلا يرجع على الغاصب بشيء مما غرم، وكذلك إن كان الغاصب الغارم فلا يرجع بشيء على الموهوب، قال محمد: وأعرف ذلك أنه إن رجع على المشتري وكان ما لزم الغاصب من القيمة أو الثمن أكثر فليرجع المستحق على الغاصب بالفضل، فأما إن أخذ من الغاصب القيمة أو الثمن فلا يكون له ولا للغاصب الرجوع على المشتري بشيء، ومن وهب جارية فاستحقت فرجع الواهب بالثمن فإنه له أو لورثته وليس للموهوب منه شيء. باب في الرجل يموت فتنفذ وصيته، ويقسم ماله، ثم تستحق رقبته، أو ينعى فتباع تركته، ثم يقدم حيا. من المجموعة/ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: فيمن مات فأنفذت وصيته بحج أو غيره ثم استحقت رقبته، فإن كان معروفا بالحرية - ابن المواز -: ويظهر ذلك وينتشر، لم يضمن الوصي ولا متولي الحج شيئا، ويأخذ ما وجد من تركته، وما بيع أخذه بالثمن ورجع بذلك الثمن على البائع، قال ابن المواز: إذا باع الوصي فإنما يرجع المستحق على الوصي بما عنده من الثمن، يريد محمد: إذا أخذ سلعته ودفع الثمن. ومن الكتابين: قال ابن عبدوس من رواية [10/ 414]
ابن القاسم وابن وهب عن مالك: ومن شهد بموته فبيعت تركته وأعتق رقيقه ونكحت امرأته ثم قدم، فإن شهدوا بزور فله أخذ ماله حيث وجده بلا ثمن، وإن شاء أخذ الثمن ممن قبضه، وله أخذ أمته التي قد أولدها المبتاع ويأخذ منه قيمة الولد، قال ابن المواز: جعله مالك كبيع الغاصب إذا شهدوا بزور أو كانوا غير عدول ويرد ما أحدث فيه عتق أو تدبير أو كتابة، وأما العدول وقد شبه عليهم فلا يرد من ذلك إلا ما لم يفت، وما فات بموت أو بعتق أو ولادة أو تدبير أو كتابة والصغير يكبر وما تغير عن حاله عند مبتاعة ولا يرد، وله الثمن على ما قبضه، وزوجته ترد إليه في الوجهين، وعليها ثلاثة قروء إن وطئت، وما لم يفت من ماله فلا يأخذه إلا بالثمن، ويرجع هو بالثمن على من قبضه. وفي الأول من الوصايا هذه المسألة مستوعبة. غصب 36 قال عبد الملك في المجموعة: وإذا نعي الرجل ثم قدم حيا فإن ما بيع من ماله ماض وقد بيع بشبهة/وطئ بها الفرج واستحل ووقع به الضمان. وأما الزوجة فترد إليه وما أنفدته من عتق مدبرته فأجزه وكذلك أم ولده. ومن كتاب ابن المواز: من أفتيت رقيقه وداوبه وثيابه بغير إذنه، فأما الثياب إن لبست فله أخذها وأخذ ما نقصها اللباس من المشتري إلا أن يبليها فله قيمتها حالة قال: وأما النخل فلا شيء له فيما مضى من الغلة، وله من الثمرة ما في رؤس الشجرة ما لم تيبس وتستجد ولا يأخذه، وإذا أخذ ما لم يستجد ودي قيمة السقي والعلاج، ويأخذ الحيوان كله ونسله. [10/ 415]
باب فيمن باع سلعة بثمن أو أسلفها في شيء أو وهبها على عوض فاستحقت السلعة
باب فيمن باع سلعة بثمن، أو أسلفها في شيء، أو وهبها على عوض، أو صالح بها، فاستحقت السلعة، أو ما أخذ فيها، أو وجد بها عيبا، أو استحق ما أخذ، أو دفع من العين وقد أخذ غير ما باع. من المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا استحقت السلعة المشتراة بسلعة، أو ردها بعيب، رجع من استحقت من يديه بسلعته، فإن فاتت وتفيتها حوالة الأسواق فاغلي فله قيمتها يوم قبضت، وإن كانت مما يكال أو يوزن فله مثلها في الطعام وغيره. قال أشهب: إلا أن يكون ابتاعها بجزاف ففيه القيمة يوم البيع كالعروض. وقال ابن القاسم: وإذا استحق العين رجعت بمثله، ولو استحق ما ابتعت من مكيل أو موزون انتقض البيع ورجعت بعوضك فأخذته، وإن فات بتغير سوق فأكثر فقمته أو المثل فيما فيه المثل،/فإذا استحقت الفلوس في البيع رجع بمثلها ولا ينتقض بيع ولا سلم، وقاله كله أشهب، وقال: والحلي المكسور والذي ليس فيه جوهر هو كالعين في الرجوع بمثله، ولا ينتقض السلم والحلي بمنزلة العروض، قال سحنون: ومن لا يجيز القراض بالتبر يري أنها إذا استحقت انتقض السلم. قال ابن القاسم: وإذا قبضت طعاما أو حيوانا أو عرضا واستحق رجعت بمثله ولم ينتقض السلم، لأن ذلك شيء في ذمته لن تبرأ منه بما استحق من يدك، وقاله أشهب. قال ابن القاسم عن مالك: ومن باع سلعة بدنانير فأخذ فيها دراهم فاستحقت السلعة فليرجع بالدراهم، ولو أخذ عرضا لرجع بالدنانير، ولو شاء المستحق أن يجيز البيع ويأخذ الدنانير من المشتري لأنها لم تقبض منه فذلك له، [10/ 416]
فيرجع المشتري على البائع بالدنانير، لأنه صرف ينتقض وليس للمستحق أن يضمن للبائع الدنانير لو كان وهبها للمشتري، قال ابن حبيب في أخذه الدنانير عرضا فاستحقت السلعة فليرجع بالدنانير. قال ابن حبيب: إلا أن يتجاوز في العرض فلا يؤدي إلا قيمته يوم قبضه إن فات، ولو استحق العرض المأخوذ في الدنانير رجع بالدنانير بكل حال تجاوز فيه أو لم يتجاوز، قاله مالك وأصحابه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم في الذي أخذ بالدنانير عرضا فوجد به عيبا أو استحق فليرجع بالدنانير، إذ ليس هذا العرض ثمنا للسلعة الأخرى، وبلغني عن سحنون أنه قال: من باع سلعة بمائة دينار ثم أخذ ألف درهم فاستحقت/الدراهم: أنه يرجع بالمائة دينار التي باع بها السلعة، فكأنه رآه صرفا لا يرجع فيه بمثل الدراهم، لأن مالكا قال: إذا استحقت السلعة رجع المشتري بالدراهم على البائع لأنه لو رجع بالدنانير صار صرفا مستأخرا، وكذلك قال أشهب: لو صرف دينارا دراهم ثم أخذ بالدراهم سلعة فوجد بالسلعة عيبا فردها أنه يرجع بديناره ولو رجع بالدراهم صار صرفا مؤخرا، وبلغني عن سحنون أنه قال فيمن باع عبدا بثوب ثم أخذ في الثوب دراهم ثم استحق العبد: أنه يرجع بالدراهم التي دفع. قال ابن القاسم: ولو أن لك ألف درهم على رجل فصالحته على حطيطة خمس مائة درهم على أن أعطاك بهما عبده ميمونا فذلك جائز، فإن استحق رجعت بالألف كلها، لأن العبد وقع في الصلح في عقد واحد. قال ابن القاسم: ومن وهبته هبة فعوضك عوضا فاستحق العوض فلك الرجوع بهبتك إلا أن يعوضك مثل قيمتها فلا حجة لك وإن كان العوض الأول مثل قيمتها، قال أشهب: إن أثابك ذلك بعد ما لزمتك هبتك بقيمتها، أو إنما باعك ذلك بيعا بالقيمة فإنما لك عليه إذا استحق ذلك بيدك قيمة هبتك، وإن كان إنما أثابك ذلك مثل أن يلزمك قيمة الهبة فذلك بيع للعروض بسلعتك، [10/ 417]
باب فيمن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على عرض يقع فيه الاستحقاق
فإنما لك عليه قيمة ما أخذ منك بسلعته المستحقة كمن باع سلعة، ولو أثابك دنانير قبل أن تلزمه السلعة بقيمتها فاستحقت الدنانير فإنك ترجع بمثل تلك الدنانير، ولو أثابك بعد أن لزمته هبتك بالقيمة، فإنما توجه عليه/بقيمة سلعتك وما كان زادك أولا منه ليس لك الرجوع بها، وكمن تزوج بتفويض فدفع إليها دنانير أو عروضا في صداقها فاستحق من يدها، فإن كان ابتنى بها قبل ذلك فلترجع عليه بصداق المثل يوم عقد النكاح، وإن دفع إليها ذلك قبل البناء رجعت عليه بجميع ما اعترف في يديها الذي كان أصدقها، ولو أتى بك من هبتك دنانير أقل من قيمتها فقبلتها ثم استحقت الدنانير فلترجع بمثل الدنانير لا بهبتك ولا بقيمتها في قولها، ولو أثابك عرضا فأنت على هبتك ما لم يثبك مثل قيمتها أو تفوت فلك عليه قيمتها يوم الهبة. قال ابن القاسم وأشهب: ولو بعت منه سلعة بثمن على أن تهبه أنت مع السلعة، فإن كانت الهبة شيئا معلوما فذلك جائز، فإن استحقت السلعة وقد فاتت الهبة فليفض على السلعة والهبة وترجع بحصة السلعة من الثمن، وفي كتاب الصلح مسألة من صالح من دعواه على شيء فاستحق ذلك، أو استحق ما فيه الدعوى. باب فيمن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على عرض، أو قاطع به مكاتبا ثم استحق العرض، وفي الصلح على إقرار وإنكار يقع فيه الاستحقاق. من المجموعة: قال ابن القاسم في الرجل يصالح من دم عمد على عبد، أو يتزوج به أو يخالع به امرأته ثم يستحق العبد فإنما يرجع في هذه الثلاثة أوجه من أخذ العبد بقيمة العبد، لأنه لا ثمن لذلك يعلم إلا ما أخذه فيه، وقاله مالك في النكاح، ولو/تزوجت بشقص فالشفعة فيه بقيمته لا بصداق المثل، ولو تزوجت بعبد فاستحقه حرا رجعت بقيمته، وقال أشهب: لا بصداق المثل بخلاف [10/ 418]
البيوع وليس صداق المثل لها في كل زوج سواء، ولو حدث عندها به عيب ثم استحق بحرية فلا شيء لها للعيب، وترجع بقيمة العبد صحيحا يوم النكاح، وقال المغيرة: إذا استحق بملك رجعت بقيمته لأن ربه لو تركه للزوج لم يكن لها غيره، وإن استحق بحرية رجعت بصداق المثل وكأنه لم يمهرها شيئا ولو مات في يديها ثم استحق، فإن استحق بملك فلا شيء لها ترجع به على الزوج، وإن استحق بحرية رجعت بصداق المثل لأنه لم يعطها شيئا، يريد: ملكه بحياته وموته سواء. قال: ولو باع عبدا بعبد فاستحق أحدهما فإنما ينظر إلى قيمة الذي لم يستحق فيرجع بقيمته، يريد إذا فات الرقيق. قال عبد الملك: وإذا تزوجها بشيء يكال أو يوزن بعينه فاستحق فلترجع بمثله ولو كان مما فيه القيمة رجعت بقيمته. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك فيمن قاطع مكاتبه على عرض فاستحق العرض، قال عنه ابن القاسم: أو وجد به عيبا فإنما يرجع بقيمة العرض لأنه ليس بدين قاطع عليه وهو كالنكاح، به قال عنه أشهب: إلا أن يكون المكاتب تعمد ذلك فاستعار عبدا فتعدى فيه فليرده إلى ربه العبد إلى كتابته ونجومه. قال ابن القاسم: وإن كاتبه على عبد موصوف أو طعام موصوف فوداه ثم استحق ذلك فأحب إلي أن لا يرد في الرق، ويرجع عليه/بمثله، ولو عتق عبده على شيء من ذلك أو باعه به نفسه ثم استحق أو وجد به عيبا فلا يرجع عليه بشيء، وهو كالانتزاع، ولو باعه نفسه بما لم يكن لعبد يومئذ فهذا يرجع بقيمة ذلك كالمكاتب. قال ابن القاسم: من ادعى شيئا بيد رجل فاصطلحا على الإقرار فاستحق ما في المدعي فليرجع فيما أقر له به الآخر، فإن فات ذلك بزيادة أو نقصان أو حوالة سوق رجع عليه بقيمته، ولو اصطلحا على إنكار فاستحق ما بيد المدعي [10/ 419]
عليه فليرجع على صاحبه بما أعطاه، فإن فات بحوالة سوق أو بدن رجع بقيمته، وقال أشهب: ومن ادعى عليك شيئا في يديك فصالحته على شيء أعطيته على إقرار منه أو إنكار، ثم استحق ما في يدك بالبينة والحكم، فلترجع أنت على الأول بما كنت أعطيته في الذي قضي به الثاني، لأن الثاني أقام بينة فلا تبالي كان الصلح من الأول بإقرار أو بإنكار أو تقوم بينة أولى من بينة الثاني. ولو اشتريت من رجل سلعة وأنت تعلم أنها لو فأقام رجل البينة أنها له فحكم له بها وأنت تعلم بكذب البينة، فلك الرجوع بالثمن على بائعك، لأن الظلم وقع عليه دونك، لأن البينة تقول: إنه باع ما ليس له. وقال ابن القاسم: والصلح على الإنكار، ثم استحقت السلعة فإن كان ذلك بحضرة الصلح رجع من استحقت من يده السلعة على الآخر بما دفع إليه، وإن كان قد تطاول ذلك في مثل ما تهلك فيه البينات فإن من استحقت السلعة من يديه لا يرجع على صاحبه بشيء، لأنه يقول: قد كانت/لي بينة عادلة فمنعني بما أعطي القيام بها، فلما هلكت وأخذ ما في يديك بالجور يريد: أن ترجع علي فليس له ذلك. وفي كتاب الشرح لابن سحنون عن أبيه: وإن استحق ما بيد المدعي [الصلح على الإنكار رجع بمثل ما أخذ في الصلح أو قيمته إن كان مما لا يقضى بمثله، وإن استحق ما بيد المدعي] عليه لم يرجع على المدعي شيئا لأنه إنما دفع عن نفسه خصومته بما أعطاه لا بشيء وجب له، وقد قيل يرجع عليه بما دفع إليه بمثله أو بقيمته إن كان مما يقوم، قال: والأول أبين. [10/ 420]
فيمن اشترى سلعا كثيرة فيستحق بعضها أو يوجد به عيب
فيمن اشترى سلعا كثيرة، فيستحق بعضها، أو يوجد به عيب، أو كانتا سلعتين فكان ذلك في أحدهما، والسلعة الواحدة يستحق بعضها أو يستحق نصيب أحد الشريكين فيها. قال ابن القاسم وابن نافع عن مالك فيمن باع سلعتين أو سلعا بثمن، وسمى لكل سلعة تسمية من ذلك ثم استحقت واحدة منها، أو وجد به عيب فلا ينظر إلى ما سمى لها من الثمن لأنه لا يبيع هذه بكذا إلى على أن الأخرى بكذا فبعضها يحمل بعضا ولكن يقسم جميع الثمن، على قيمة السلع يوم الصفقة فيرجع بحصتها كان أقل مما سمى لها من الثمن أو أكثر. وقاله أشهب وعبد الملك، قال ابن القاسم: وكذلك لو كانت صبرة شعير وصبة قمح بكذا وسمى لكل صبرة تسمية فاستحق أحدهما قال مالك: ولو واجر عبده عامين العام الأول بعشرة/والثاني بخمسة، فإن كان ذلك شيئا واحدا فلا بأس به ويقع لكل شهر سبعة ونصف فإن أراد أن يجعل للعام الأول عشرة مرتبة على أنه أصيب العبد يريد: بعد سنة لم يرد إلا خمسة فلا خير فيه. قال ابن القاسم: ومن اشترى سلعا من دواب أو رقيق وثياب في صفقة فأصاب بالعبد عيبا وقيمته خمسون، وقيمة كل سلعة سواه نحو الثلاثين، فليس العبد بوجه الصفقة الذي ينتقص برده البيع إن شاء، ولو كان قيمته سبعون أو ثمانون وجميع الثمن مائة وجه الصفقة فله رد الجميع أو يحبس الجميع. قال ابن المواز: إذا كان قيمته أكثر من نصف الثمن فهو وجه الصفقة، ولو اشترى مائة إردب فاستحق فيها خمسون فأنت مخير في رد ما بقي أو حبسه بنصف الثمن، ولو أصيب بخمسين عيبا أو بالثلث فليس لك إلا أن ترد الجميع أو تحبس الجميع، وليس له حبس الجيد بحصته. قال سحنون في غير المجموعة: [10/ 421]
إلا أن يرضى به البائع فيجوز لأنه مكيلا يعلم ما يصيبه من الثمن بخلاف السلع. قال مالك: وإذا اشترى صبرة كيلا أو جزافا فوجد أسلفها مخالفا لأولها فإن كان هو شأن الصبر ولم يكن بالمستنكر فلا كلام له، وأما إن كان كثيرا فليس له حبس الجيد بحصته وليأخذ الجميع أو يرده ولا يأخذ الجيد بحصته إلى برضي صاحبه وليس ذلك لواحد منهما حتى يجتمعا جميعا، قال أشهب: هذا صحيح لأنه يقول: أبيع بعضه ببعض، وأما ما روى بعض أصحابنا أنه في الطعام يستحق نصفه أو له رد باقية وهو لا يقول ذلك في الرقيق وهي أولى بالرد والضرر عليه فيها أكثر، وقد يتعمد في الرقيق شراء ما استحق بعينه، ولا يغفل هذا في الطعام حتى يستحق أكثر ذلك وما يرجي فيه الفضل، وأخذ سحنون بقول ابن القاسم لأنه قد يرغب في الجملة، وقد عرف في الناس أن الجملة يرغب فيها ويزاد في ثمنها، وذكر مسألة العبدين والشاتين والفرس، وذكر ما يوجد به عيب وما يستحق، أو يوجد غير ذكر، وماله أن يمسك بباقيه وما ليس له مما يشترى على كيل أو وزن، وكله في المدونة. قال ابن القاسم في الدارين تشترى في صفقة يستحق بعض أحدهما وهو يسير منها، فليرجع بحصة ذلك من الثمن، وليس له رد شيء من الصفقة كانت تلك الدار وجها أو لم تكن، وإن كان ما استحق من الدار أكثرها وليس بوجه الصفقة رد تلك الدار كلها بحصتها من الثمن، وإن كانت وجه الصفقة رد الدارين إن شاء أو حبسها ولا شيء له قال سحنون في كتاب آخر: إذا كان المستحق أكثرها ليس بوجه الصفقة لم يرد إلا ما استحق منها فقط. [10/ 422]
قال أشهب: فإن اشتريت عبدا بثوبين فهلك أحد الثوبين ووجد بالآخر عيبا، فإن كان المعيب من الثوبين النصف أو الثلث أو أقل أو أكثر رده ورجع بحصته ذلك في قيمة عبده، وفي غير هذا الكتاب عن أشهب: يرجع في العبد نفسه يكون فيه شريكا بذلك، وقال ابن القاسم/: إن كان المعيب وجه الصفقة رد قيمة الهالك وأخذ عبده، وإن كان ثلث الصفقة أو ربعها رده ورجع بحصة ذلك في قيمة العبد، وإن لم تفت قال في كتاب ابن المواز. فإذا فات والثوب المعيب وجه الصفقة رجع بحصته من الثمن في قيمة العبد [وإنما يرد قيمة التألف إذا كان عبده قائما له أخذه، وهذا كله مستوعب في كتاب العيوب] وقال أشهب في مثل هذا في القسم: إذا استحق نصف أحدهما فإنما يرجع بنصف ما استحق في نصيب صاحبه يشاركه فيه فإن كان ما استحق أقله أو أكثرة أو ما فيه ضرر أو ما لا ضرر فيه، ولا ينقض القسم على أي حال كان من ذلك وأعاب قول من قال: ينتقض القسم لأن الذي بقي بيد المستحق قد فات بالبناء فلا يقدر على رده فكيف ينتقض القسم وهو لم يرد عليه شيئا مما أخذ منه؟ قال ابن القاسم: ولو وجد عيبا بالعبد الذي اشتراه بالثوبين فرده وقد هلك أحدهما، فإن كان الباقي وجهها أخذه وقيمة التالف، وإن كان أدناهما أخذ قيمتهما جميعا، وقال أشهب: بل يأخذ الباقي وقيمة التالف كان أرفعهما أو أدناهما إلا أن يتغير الباقي في سوق أو بدن فيأخذ قيمتهما. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم: ومن ابتاع دابة بثوبين قيمتهما سواء، فاستحق أحدهما والدابة قائمة لم تفت بشيء فإنه يرجع بنصف قيمة الدابة ولا يرجع فيها فاتت أو لم تفت. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن اشترى عبدا بعينه/وعبدا في ذمة وصفه في صفقة بمائة دينار فاستحق المعين فإنه ينظر ما أصابه من المائة على قدر صفة [10/ 423]
الآخر وبعد أجله وقربه، فما أصاب المستحق رجع بحصته من المائة إلا أن يكون المستحق وجهه الصفقة فينتقض البيع كله قاله اصبغ. قال ابن القاسم في المدونة فيمن أسلم ثوبين في فرس فاستحق أحدهما فإن كان وجهها انتقض السلم ورد الباقي، وإن كان أقلهما ثمنا غرم القيمة وتم السلم، وروى عنه ابن المواز: أن يرجع بحصته من قيمة الفرس في صفقته إلى أجله. قال ابن القاسم عن مالك في العبد يستحق منه جزء وإن قل فللمشتري رده أو التمسك بما بقي منه، وكذلك الأمة لضرر الشركة في ذلك، قال ابن المواز: وأما رقيق يستحق جزء منهم شائع فإن انقسموا على ذلك الجزء لم تنقض الصفقة باستحقاق القليل منهم، وإن لم ينقسموا على ذلك الجزء فله رد الجميع. ومن المجموعة: قال مالك: وأما الدار يستحق منها البيت أو نخلات من حائط مخير في التمسك بما بقي بحصته أو رد الجميع، قال سحنون: ذا فيما استحق على الأجزاء فأما على شيء بعينه فقد بيناه قبل هذا. قال: واستحقاق بيت من دار قد يكون ضررا في بعض الدور وليس بضرر في أخرى مثل الدار العظمي ذات المقاصر والحجر كالفنادق فلا ضرر في هذه، ورب دار جامعة صاحبها كثير العيال يضربها من/يسكن معه، فهذا فيه ضرر وإنما يعرف هذا عند نزوله. ويعتبر الكراء كذلك مثل البيوع فيما يستحق فيه، قال غيره: لا يشبه الكراء البيوع وإن كان ما استحق منه النصف أو الجل فليس للمستكري أن يتماسك بما بقي لأنه مجهول. قال ابن القاسم: ومن اشترى عبدا فباع نصفه ثم استحق رجل ربعه فقد وقع الاستحقاق على النصف الذي باع والذي أبقى، ويرجع المبتاع بحصة ما استحق من يده من الثمن إن تماسك بباقية وإلا فله رد جميعه. [10/ 424]
قال أشهب في العبد فيستحق بعضه فلك رد باقيه وليس لك حبس بعض ما لم يستحق منه ورد بعضه، وأما الذي باع نصفه ثم استحق ربع جميع العبد فباع نصفه ثم استحق ربع البعد، فليس لمشتري النصف على بائعه رد وله جزءه الذي باع منه بحاله، وليس له حبس بعض ذلك النصف ورده نصفه، ولو شاء أن يرد عليه جميع الثلاثة أرباع الباقية فذلك له، وإن لم يرد الثلاثة الأرباع فليس ذلك له وليرجع بربع الثمن لما استحق ربع العبد، وكذلك لو استحق نصفه وثلثه فشاء الرجوع بحصة ذلك من الثمن وليس للمستحق أن يأخذ من النصف المشتري من العبد شيء كعبد بين رجلين باع أحدهما نصفه فليس للآخر أن يدخل معه فيما باع بأن يقول: بعت نصف عبد والعبد بيني وبينك. فيعلم نصف الثمن، وليس هذا مثل طعام بينهما فباع أحدهما نصف الطعام وكاله لصاحبه، لأن الطعام كان القسم فيه ممكنا قبل البيع/والعبد لا قسمة فيه فكان كل واحد في بيع نصيبه منه كالمقسوم الثمن، وكذلك إذا باع ربعه ولا يعلم لأحد فيه شيء، فإن وقع البيع على ما يملك لا على ما ملك عليه وأعجب هذا القول سحنون، وقال به. قال ابن القاسم: ومن اشترى أمة فأولدها ثم استحق نصفها بحرية فليس له أن يرد النصف المملوك وهو عليه بنصف الثمن، إلا أن يكون نصف الثمن أكثر من نصف قيمتها، على أن نصفها حر فلا يزاد على نصف القيمة، ويعتق النصف على المشتري لأنها حرمت عليه. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم: وإذا استحق عبد رقيق أو عبدين بأعيانهما وذلك يشري جملة الرقيق فهو كما ذكرنا. قال أبو محمد: يريد: يلزمه ما بقي، قال: وسواء إذا كان ذلك يسيرا استحق عبيدا بأعيانهم أو جزءا شائعا في جميع الرقيق إذا كان ينقسم بينهما فالبيع يلزمه ويقال له: قاسم شريكك وإذا كان هذا مما لا ينقسم رد الجميع كان المستحق يسيرا أو كثيرا في الرقيق والحيوان، قيل: فإن كان ذلك فيما لا ينقسم من غير الحيوان من الشجر [10/ 425]
جامع في الاستحقاق
والثوب؟ قال: هو مثله وهو تفسير قول مالك، وإذا استحق من الدار عشرها شائعا: قال مالك: ينظر الإمام فربما كان العشر منها لا يضر، وربما كان يضر فينظر فيه باجتهاده، فإن كان ضررا رده فإن لم يضر رجع بمقدار ذلك من الثمن. جامع في الاستحقاق من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الرجل أو المرأة في/حال الصغر أو حال الكبر يقران بالمملكة فيباعان فتوطأ المرأة فتلد وقد مات بائعها أو فلس، وسقط من الأم كلام معناه: وقد استحقا بحرية على من يرجع بالثمن؟ قال ابن القاسم: أرى ذلك يكون دينا على الكبيرين ولا شيء على الصغيرين يريد: لعدم البائع وأن هذين سبب لتلاف المال حين أقرا بالمملكة وهما حران. ومن المجموعة: قال أشهب عن مالك فيمن له جارية فأتاه قوم فذكروا أنهم يعلمون أنها لفلان وأنها سرقت له. ثم كفوا عنه، ثم لقيهم وطلب منهم المضي إلى السلطان فأبوا وذهبوا إلى بلدهم فقال: هل أبيعها؟ فقال له مالك: فرطت حتى ذهب القوم اشتهر هذا، ولو بعتها ثم سمع أن قيل هذا فيها لردت عليك فلا أدري ما هذا؟ وأنا لا آمرك أن تبيعها. وعمن سرقت دابته فوجدها في الصحراء أيأخذها بغير إذن الإمام؟ قال: نعم. ومن العتبية من سماع سحنون عن ابن القاسم: قال ابن القاسم في ثلاثة إخوة اقتسموا ثلاثة أعبد بميراث فأخذ كل واحد عبدا فمات عبد أحدهم واستحق عبد الآخر، فأما الذي مات عبده فلا يرجع بشيء ولا يرجع عليه بشيء، وأما الذي استحق عبده: فليرجع على الذي بقي عبده بيده فيكون له منه ثلثه، فإن رجع في المستحق بثمن كان ثلثا الثمن للذي استحق العبد من يده، وثلثه للذي عبده في يديه ورجع فيه أخوه بثلثه، وقد كتبت هذا المسألة لابن القاسم وهي لمالك وبالله التوفيق/. [10/ 426]
فيمن استحق من يده شيء وهو مقر أن بائعه باعه ما نتج عنده
فيمن استحق من يده شيء وهو مقر أن بائعه باعه ما نتج عنده أو خطة جده هل يرجع عليه بشي؟ ووجه الشهادة في الاستحقاق من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم: وعمن استحق من يده عبد فزعم أنه ببلاده عند بائعه، أو كان ثوبا فشهد المبتاع أنه مما نسج عند بائعه، أو كانت دارا فقال: هي من خطة جد البائع هل يرجع عليه بالثمن؟ وهو يقول: كيف يرجع علي الثمن وأنت تعلم أنه محق فإن المستحق ظالم أخذ ذلك منك بظلم؟ قال: ليس له أن يرجع عليه في هذا كله، وكذلك عنه في المجموعة قال فيها أشهب: له أن يرجع علي بائعه بالثمن، لأن الظلم ليس هو علي المشتري وإنما هو علي البائع لأن البينة تزعم أنه باع ما ليس له. ومن العتبية: قال مالك في سماع القاسم في الشهود يشهدون بالسرقة تسرق من رجل فإنما يشهدون أنها لفلان ما علموه باع ولا وهب على علمهم. قال ابن القاسم: ولا يقطع السارق بهذا حتى يشهدوا أنهم رأوه يسرق. ومن المجموعة: قال أشهب: وإن اشتريت من رجل سلعة وأنت تعلم أنها له فأقام رجل البينة أنها له فقضي له بها وأنت تعلم بكذب البينة، فلك الرجوع بالثمن على بائعك، لأن الظلم وقد وقع عليه دونك، لأن البينة تقول: إنه باع ما ليس له. . تم كتاب الاستحقاق والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وأصحابه وأزواجه وسلم [10/ 427]
صفحة بيضاء
كتاب الوديعة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب الوديعة باب في الوديعة وما يكون من دفعها وإيداعها وما لا يكون تعديا؟ وهل له إيداعها لعذر أو غير عذر؟ وكيف إن هلكت عن تفريط فيها ونسيان؟ ومن أودع لرجلين كيف يقبضانها؟ من العتبية: روى أصبغ عن ابن وهب فيمن استودع وديعة في المسجد أو في المجلس فجعلها على نعليه فذهبت، قال: لا ضمان عليه، قلت: ألم يضيع إذ لم يربطها؟ قال: يقول: لا خيط معي. قلت: في طرف ردائه، قال: لا يضمن كان عليه رداء أو لم يكن. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في المودع يودع الوديعة أنه ضامن إلا أن يكون لا أهل له، أو يريد سفرا أو يخاف على موضعه أو لحرابة أو نحوه. قال فيه وفي العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا دفن الوديعة في أهله واشهد عليها. أو خلفها عند أهله أو استودعها أحد إخوانه يريد: عند السفر، فلا ضمان عليه. قال ابن المواز: وإن لم يكن شيء من هذا ودفعها عند غير من يكون عنده ماله والقائم له به، ضمن. [10/ 429]
قال أشهب في كتبه: إذا أودعه الوديعة لغيره من عبد أو خادم أو أجير ممن في عياله أو في غير عياله، فهو ضامن، وأما في وضعه إياها في بيته، أو صندوقه، أو غير ذلك من بيته أو بيت غيره إذا لم يأمنه عليه ويخلي بينه وبينها، فإنه لا يضمن. قال أشهب: ومن استودع وديعة وهو في/خراب، فخاف عليها فأودعها لغيره في أعمر من مكانه، فإن كان ربها قد علم بخراب موضعه وخوفه، ولم يزد خرابه إلى ما هو أخوف منه فالمودع ضامن، وإن ازداد خراب موضعه وخوفه على ما كان في وقت الوديعة، فلا شيء عليه في إيداعه لغيره، قال: لا بأس أن يستودعها من أحب إذا أراد سفرا ولم يكن صاحبها حاضرا. قال ابن القاسم وأشهب: وإن سافر بها ضمنها، وإن ردها ولم يضع، فلا يضمن إن ضاعت بعد ذلك، قال: وإن أودعها في السفر فأودعها لغيره في السفر ضمن، وإن استرجعها ثم ضاعت عنده فلا يضمن، وأما المسافر يخرج عليه لصوص فيعطي البضاعة لمن يرجو نجاته فلا شيء عليه. وهذه في الوكالات مذكورة. قال سحنون في كتاب أبنه: ومن كانت عنده وديعة فحضرته الوفاء فله أن يودعها ولا يضمن. قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون ومطرف فيمن عنده وديعة فأخذها يوما فأدخلها في كمه وخرج بها يظنها دراهم فسقطت فإنه يضمن، وإن نسيها في موضع دفعت إليه وقام لضمنها، وهذه جنايات منه، وليس ذلك كسقوطها من كمه أو من يده في غير نسيان لأخذها، هذا لا ضمان عليه، وقاله أصبغ. قال سحنون في كتاب آخر: ومن أودع وديعة فصرها في كمه مع نفقته، ثم دخل للحمام فضاعت ثيابه بما فيها، فإنه ضامن. وقال ابن القاسم في المدونة، في المال يودع لرجلين، أن يكون عند أعدلهما كالوصيين، وقاله/ [10/ 430]
باب فيمن أودع يديعة وقيل له: اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها وجعلها في غيره
أشهب في كتابه، وقال أشهب: وكذلك البضاعة أنها تكون عند أعدلهما، فإن اقتسماها شطرين أو الثلث أو الثلثين أو كانت عند أدناهما في العدالة ما لم يكن بين الحال في الفجور فلا ضمان على من كان المال في يديه ولا من لم يكن. وقال سحنون في المودعين لا يكون عند أعدلهما. ولا ينزع منهما، بخلاف الوصيين. قال سحنون: وإذا اقتسم المودعين المال أو العاملين في القراض ولا يضمنان، قال يحيى: ولا يضمن الوصيان إذا اقتسماه، وقاله أشهب وابن عبد الحكم. وقال علي بن زياد: إذا تشاح الوصيان قسم بينهما. وقد تقدم في البضائع في المبضع معه يودع أو يبعث مع غيره. باب فيمن أودع وديعة وقيل له: اجعلها في تابوتك، ولا تقفل عليها، أو اجعلها في كذا، وجعلها في غيره، ونحو هذا قال محمد بن عبد الحكم فيمن أودع رجلا وديعة وقال له: اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها، فجعلها فيه وأقفل عليها فتلفت فإنه يضمنها، لأن السارق إذا رأى التابوت مقفولا كان أطمع فيه. ولو قال: اجعلها في التابوت ولم يقل غير ذلك لم يضمن إن أقفل عليها، ولو قال له: أقفل عليها قفلا واحدا، فأقفل عليها قفلين لم يضمن، لأن السارق يطمع فيما يقفل بقفل وقفلين، ولو قال له: اجعلها في سطل نحاس، فجعلها في قدر فخار، فضاعت لم يضمن./ولو قال له: في قلة فخار، فجعلها في قلة نحاس لضمنها، ولو قال له: في قلة نحاس فجعلها في قلة فخار لم يضمن. [10/ 431]
باب في المودع ينقل الوديعة إلى بلد آخر أو يحولها من موضع في بيته فتهلك
باب في المودع ينقل الوديعة إلى بلد آخر، أو يحولها من موضع في بيته إلى موضع آخر فتهلك، أو يبعثها إلى ربها، أو تسقط من يديه، أو يقع عليها شيء في يديه من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن عنده طعام وديعة فنقله إلى بلد آخر، فوجده ربه، فليس له أخذه هناك، وعليه أن يأخذه منه بالبلد الذي أودعه إياه، وكذلك السارق ينقل الطعام، وقال عيسى: إذا كان الطعام المسروق بعينه، فله أخذه حيث وجده، وهذا في كتاب الغصب مستوعب. وقال اصبغ عن ابن وهب في المودع يبعث بالوديعة إلى ربها، فياخذها لصوص أو تهلك، ويدعي أن ربها أمره، وينكر ربها ذلك، فالباعث ضامن وربها مصدق، يريد: مع يمينه، قال: ولو قال: سقطت مني أو سرقت أو رددتها إليك، كان مصدقا. ومن كتاب آخر: قال أشهب وعبد الملك فيمن استودع جرارا فيها إدام، أو قوارير فيها دهن، فنقلها من موضع في بيته إلى موضع، فتكسرت في ذلك فلا يضمن، ولو سقط عليها من يده شيء فانكسرت، أو رمي في بيته وهو يريد إصابة غيرها فأصابها فتكسرت، ضمن، لأنها جناية لم تتعمد. قال أشهب في كتابه: ولو سقطت من يده فانكسرت لم يضمن. [10/ 432]
باب في الوديعة يتسلف منها شيئا ثم يرده أو لا يرده ثم تهلك
باب في الوديعة يتسلف منها شيئا/ثم يرده أو لا يرده، وهل له ذلك؟ أو يخلطها بماله ثم تذهب أو بعضها، أو لا يدري أذهب منها أو من غيرها؟ وكيف إن قال رب الطعام: كان لي فيه مال؟ من كتاب ابن المواز: ومن استودع كيسا فتسلف منه عشرة دنانير ثم سرق، فلا يضمن إلا ما أخذه، ولو قال: رددت فيه ما أخذت قبل أن يذهب فهو مصدق مع يمينه، ولم يذكر في المدونة، وذكر أشهب في كتبه: أنه مصدق مع يمينه. وقال محمد في كتاب الإقرار فيمن استودع دناني فتسلف منها دنانير ثم ردها فضاع ذلك أنه لا يضمن، فإن كان تسلفها بغير بينة فالقول قوله، وإن كان ببينة فلا قول له إلا ببينة. قال يحيى بن عمر: اختلف قول مالك في الذي ينفق من وديعة عبده شيئا ثم يرده فقال: لا شيء عليه، وأخذ بهذا ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ، وقال أيضًا مالك: إن رده بإشهاد وإلا لم يبرأ، وبهذا أخذ ابن وهب. وقال أيضًا مالك: لا يبرأ وإن أشهد، لأنه دين ثبت في ذمته، وهذا قول أهل المدينة من أصحاب مالك وروايتهم عن مالك، ورواه المصريون ولم يقولوا به. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا استودعها مصرورة فحل صرارتها ثم تسلف منها شيئا، فقد ضمنها كلها إن تلفت بعد أن رد فيها ما تسلف أو قبل، وكذلك لو حلها ولم يتسلف منها لضمنها حين تعدى فحل وثاق ربها وأفضى إليها/، ولو استودعها منثورة ثم تسلف منها ثم تلفت لم يضن غير ما تسلف، وهو مصدق في رد ما تسلف منها. ولو تلفت بعد أن رده لم يضمن شيئا. وقال ابن القاسم وأشهب وأصبغ: المصرورة والمنثورة سواء، والأول أحب إلي. [10/ 433]
ومن كتاب ابن شعبان: ومن أودع وديعة وقيل له: تسلف منها إن شئت، وتسلف منها وقال: رددتها، فهذا لا يبرئه رده إياها إلا إلى ربها. ومن العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن أودع ثلاثين دينارا فجعلها بقرب دنانير له مثلها فذهب منها عشرة لا يدري من أي المالين ذهبت؟ فعليه أن يدفع ثلاثين كاملة إلى من أودعه. وروى عن يحيى بن يحيى فيمن معه عشرة دنانير لنفسه، فأودعه رجل دينارا، فذهب من الجميع دينار، قال: يأخذ صاحب العشرة تسعة، ويقتسمان الدينار العاشر نصفين، ويكون الذاهب منهما، ولم يأخذ بقول مالك: أن العشرة بينهما على أحد عشر جزءا، وكذلك الذاهب بينهما على هذا. ومن سماع أشهب: قيل لمالك فيمن بيده مال: أليف له أن يستلف منه؟ قال: ترك ذلك أحب إلي. وقد أجاز بعض الناس فروجع فقال: إن كان له مال فيه وفاء وأشهد فأرجو أن لا يكون به بأس. وعن من أودع طعاما فاستنفقه فجاء ربه فطلبه به فأخبره ليعطيه مثله، فقال ربه: قد كان لي فيه دينار في صرة، فليحلف المودع ويبرأ ويحلف: ما أخذت لك شيئا، ولا علمت لك فيه شيئا. قال أصبغ في كتاب آخر في جابية زيت وديعة بيد رجل فتسلف منها قسطا من زيت/ثم ذهبت الجابية فليس عليه إلا ما تسلف منها. قال أشهب في كتبه: وكذلك إن كان عنده حنطة وديعة فأكل بعضها فلا يضمن إلا ما أكل، وإن رد في الحنطة مثل ما أكل منها سقط عنه الضمان، وهو مصدق في رد ذلك مع يمينه، قال أشهب: وكذلك كل ما يقدر على رد مثله إذا تسلف بعضه أو جميعه، ثم رد مثل ما تسلف سقط عنه الضمان، وصدق في رد ذلك مع يمينه. [10/ 434]
باب في المودع يقر بركوب الوديعة أو لباسها ثم يقول هلكت بعد ذلك
باب في المودع يقر بركوب الوديعة أو لباسها ثم يقول: هلكت بعد ذلك، ويقول له ربها: بل في حين تعديك، أو تهلك في الركوب ويدعي أن ربها أذن له في ذلك قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن استودع دابة أو ثوبا، فأمر المستودع بركوب الدابة ولباس الثوب فهلك ذلك فقال ربه: إنما هلك ذلك بيدك قبل أن ترده إلى موضعه، وقال المستودع: رددتها حين نزلت عنها وحين فرغت، قال: هو مصدق مع يمينه إذا كان مقرا بالفعل، وأما إن لم يقر وقامت بذلك بينة، فلا يصدق أنه رد ذلك إلى موضعه إلا ببينة، وهو قول أصحابنا. ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: وإذا أقر أنه لبس ثوبا وديعة عنده أو كانت دابة فركبها ثم قالت: هلكت بعدما/نزلت عنها، فإنه ضامن، لأنه لما ركبها ضمن بالتعدي، ولو قال: ركبتها بإذن ربها فأنكر ذلك رب الوديعة، فالراكب مدع في الإذن [ويحلف في الإذن] وهو ضامن، ويحلف رب الدابة: أنه ما أذن له، ولو أقام بينة [أنه نزل عنها وهي سالمة ثم نفقت، برئ من ضمانها، وقول بعض أصحابنا ومن خالفنا، وفي قول آخرين من أصحابنا: ضامن حتى يردها بحالها، وكذلك إن أقام بينة] أنه أذن له في الركوب لم يضمن. [10/ 435]
باب في الوديعة يتعدى فيها ببيع أو شراء، وكيف إن باعها ثم اشتراها ثم هلكت
باب في الوديعة يتعدى فيها ببيع أو شراء، وكيف إن باعها ثم اشتراها؟ أو كانت عارية، وكيف إن انتفع بها ثم ردها ثم هلكت؟ من كتاب ابن المواز: قال مالك في المال الودعية يشتري به المودع لنفسه جارية أو غيرها فليس عليه إلا مثل المال والربح له والخسارة عليه، فإن حملت منه فليتبع ذمته. محمد: ولو كان طعاما أو سلعة فباعه بثمن: أو ابتاع به جارية أو سلعة، فلرب الوديعة أخذها وقيمة الولد أو قيمتها فقط، ولو كانت الوديعة أو البضاعة عرضا فباعه بثمن فلربه أخذ الثمن إن شاء وإن شاء أخذ عرضه إن لم يفت، فإن فات وهو مما لا يوزن ويكال، فله أخذ الثمن إن شاء، وإن شاء قيمته يوم تعدى فيه، وإن كان طعاما أو إداما فله أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو يضمنه مثل طعامه أو إدامه، ولو أن المشتري للسلعة باعها بأكثر مما اشتراها فلربها إجازة بيع المشتري وأخذ الثمن، ويرجع المشتري على بائعه/بالثمن، وإن شاء أسلم ذلك له واتبع المستودع أو المبضع معه بالثمن الذي باعها به، وإن شاء أخذ منه قيمتها يوم التعدي، ولو كانت دارهم فصرفها بدنانير أو دنانير فصرفها بدراهم لنفسه، فليس لربها إلا ما كان له، وليس له أن يأخذ ما صرفها به إلا برضى المودع، وإن صرفها لربها فلا يحل لربها أن يأخذ ما صرف، وإن رضيا بذلك، ولكن يصرف هذه إن كانت دراهم بمثل دنانيره، فما كان من فضل فلربها، وما كان من نقص ضمنه المتعدي، بخلاف التعدي في العروض الذي يكون ربها مخيرا في التعدي عليه، ولو تعدى عليه في العروض فباعها بثمن إلى أجل، فإن لم يفت من يد المبتاع فلربها الرضا بالثمن، وإن فاتت لم يجز أن يرضى بذلك، ولكن يباع ذلك الدين بعرض، ثم يباع العرض بعين، فإن كان أٌل من قيمة السلعة ضمنه المتعدي، وإن كان أكثر فلربها. ولو باعه بطعام إلى أجل أغرم المتعدي القيمة، فإذا قبض الطعام بيع ثم كان الفضل لربها إن كان فضلا. ومن [10/ 436]
أو دع حمارا أو استعماره فتعدى فيه فباعه بعشرة، ثم ابتاعه بخمسة، فلرب الحمار أن يأخذه، ثم ينظر إلى المتعدي فإن كان شراؤه إياه لنفسه فالخمسة الفاضلة له، وكذلك إن اشتراه لمن أمره بشرائه، فإن كان ربه رضي ببيع المتعدي فليس له إلا العشرة، ويصير كمتعد على عين اشترى به سلعة، فلا خيار لرب العين فيه، يريد: وإن لم يرض ببيع المتعدي أخذ حماره فقط، قال: وإن كان إنما اشتراه ليرده على صاحبه، فها هنا يكون فضل الثمن لرب الحمار، يريد: مع/الحمار، وإن شاء أن يأخذ عشرة ويدع الحمار. ومسألة الحمار هذه مذكورة في العارية قد كتبتها هناك من العتبية، وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون في شراء المودع المال الوديعة تعديا مثل ما تقدم، وفي السلعة الوديعة يبيعها بعين أو بعرض، فإن شاء ربها أخذ ما بيعت به، وإلا قيمتها، قال مطرف: ثم لو باع العرض الذي أخذ فيها بدنانير كان لربها إن شاء أخذ قيمة سلعته، أو قيمة السلعة المأخوذة فيها، يريد: في قولهما، وإن شاء فالثمن المأخوذ في الآخرة، يريد: وإن لم يفوتا. ولو ابتاع بالدنانير الآخرة سلعة فليس لرب الوديعة أخذها كالتعدي على مال أودعه وديعة يبتاع به سلعة، وقاله مالك وابن القاسم. قال مطرف وابن الماجشون في المال البضاعة لشراء شيء فيشتري به غيره، بخلاف الوديعة، وربه مخير في أخذ ما ابتاع به أو مثل ماله، يريد: في البضاعة، لأنه مأذون له في حركة المال كالمقارض، فلربه نماء ما حركه فيه، وأما العرض فسواء كان وديعة أو بضاعة في تخيير ربه في التضمين، وأخذ العوض المأخوذ فيه، لأنه عن شبيه، وقاله ابن القاسم وأصبغ، وقال ابن عبد الحكم: إن البضاعة في الوجهين مثل الوديعة، ولا يعجبنا. [10/ 437]
باب فيمن تجر في الوديعة أو في مال يتيمه لنفسه
باب فين تجر في الوديعة أو في مال يتيمه لنفسه ومن قول مالك وأصحابه: أن من تجر في وديعة عنده أو في مال يتيمه لنفسه: أن الربح له إلا ما روى ابن حبيب عن ابن الماجشون/. فإنه قال: إن تجر في الوديعة ونحوها تعديا وهو ملئ أو مفلس، فالربح له بضمانه إلا أن يتجر في مال يتيمه لنفسه وهو مفلس، فإن مالكا قال فيه قولا مستحسنا قال: إن ربح فيه فالربح لليتيم لأنه المدبر لماله، فلم يكن من النظر له أن يتجر به لنفسه في عدمه، وإن ملك فهو له ضامن، قال: وإن تجر به لنفسه وهو ملئ، فالربح لولي اليتيم، قال ابن الماجشون: وأنا أقول به، وأبى المغيرة وغيره من أصحابنا، وقالوا: المفلس والموسر في ذلك سواء وولي اليتيم في ذلك كغيره، وبهذا قال المصريون وهو قول العامة. قال أشهب في كتبه فكان مالك يكره لولي اليتيم أن يتجر في مال يتيمه لنفسه أو في مال عنده وديعة، ويرخص فيه بعض الإرخاص إذا كان له به وفاء، والغالب عليه في ذلك الكراهة. باب فيمن امتنع من دفع الوديعة، ثم ادعى تلفها قبل ذلك أو بعد أو جحدها، ثم أقام بينة بردها من العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن له عند رجل مال وديعة فطلبه منه فاعتذر بشغل وأنه يركب إلى موضع كذا فلم يقبل عذره، وتشاحا فحلف: لا يعطيه ذلك الليلة، فلما كان في غد قال: قد ذهب، فإن قال: ذهبت قبل أن تلقاني ضمن، لأنه أقر بها، وإن قال: لا أدري متى ذهبت حلف ولا ضمان عليه، قال أصبغ: ويحلف: ما علم به ها هنا حين منعه، قال ابن القاسم: وإن قال: ذهبت بعدما حلفت وفارقته ضمنها، لأنه/منعه إياها إلا أن يكون كان على أمر لا يستطيع فيه أن يرجع أو يكون عليه فيه ضرر فلا [10/ 438]
يضمن. قال ابن القاسم: لا يضمن كان في أمر حفره فيه عليه ضرر أو لم يكن عليه ضرر إذا لم يكن الأمر يمكنه بما لا يطول عليه فيه عند نمائه أو في يده. وما ليس فيه بحث ولا فتح ولا غلق ولا استخراج ولا أمر ينتظر فيه رجوع، فإن جاء مثل هذا فهو ضامن لمنعه، وإلا لم يضمن، وقد تعوق الناس عوائق، وقد يثقل عليه في وقت، ويرد الناس مثل هذا من شغل وكسل، وما يعذرون به فليحلف ويبرأ. وقال محمد بن عبد الحكم في كتاب آخر: إذا طلبه في وديعة فقال: أنا مشغول إلى غد ترجع، فرجع إليه فقال: تلفت قبل مجيئك الأول أو بعده، فلا ضمان عليه، ولو قال له: لا أدفعها إليك إلا بالسلطان، فترافعا إلى السلطان فضاعت بين سؤاله إياه وبين إتيانه إلى السلطان، فلا ضمان عليه، لأن له في ذلك عذرا أن يقول: خفت شغبه وأذاه. ومن العتبية: قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن طلبت منه وديعة فقال: ضاعت منذ سنين إلا أني كنت أرجو أن أجدها وأطلبها، ولم يكن يذكر هذا وصاحبها حاضر قال: هو مصدق ولا ضمان عليه إلا أن يكون قد طلبت منه فأقر أنها عنده ثم قال: قد ضاعت قبل ذلك فيضمن، وكذلك القراض، قال أصبغ: بل هو ضامن إذا لم يعرف منه طلب لها ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره ولا سماع بطرق ولا غرق. وحضور ربها آكد. وكل سواء إذا طال ذلك ولم يكن له ذكر، وقال محمد بن عبد الحكم/: أصحابنا يقولون: إن سمع ذلك منه قبل ذلك الوقت الذي سُئِلَها فيه قبل منه، وإن لم يسمع ذلك منه إلا ذلك الوقت لم يقبل منه، قال محمد: وأنا أرى أن يحلف ولا شيء عليه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رب الوديعة يطلبها، أو الرهن يطلب فكاكه، فيأبى الذي ذلك في يديه أن يدفعه حتى يأتي السلطان فيقضي عليه [10/ 439]
في المردع لا يدري أرد الوديعة أم ذهبت، أو لا يدري أين دفنها
بالدفع فهلك ذلك قبل القضية وبعد طلب أرباب ذلك، فإن كان دفع إليه الوديعة والرهن بلا بينة فهو ضامن. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: ومن استودع وديعة ببينة، ثم جحدها، ثم أقر أنه ردا، وأقام البينة بردها، فإنه ضامن، لأنه أكذب ببينته إذ قال: لم أجحدها، يريد: إن قال: ما أوعتني شيئا، وأما إن قال: مالك عندي من هذه الوديعة شيء، فالبينة بالبراءة تنفعه، وكذلك من أخذ قراضا أو بضاعة فجحد ذلك، ثم ذكر أنه رده، وهذا مذكور في كتاب البضائع. في المودع لا يدري: أرد الوديعة أم ذهبت، أو لا يدري أين دفنها؟ أو لا يدري لأي الرجلين هي؟ أو قال: دفع إلي فلان كذا، لا يصدق به ثم قال: بل لغيره من العتبية: قال أصبغ في الوديعة يطلبها ربها فيقول المودع: لا أدري أضاعت مني أم رددتها إليه؟ فلا ضمان عليه لأنه ذكر أمرين هو مصدق فيهما، إلا أن يأخذها ببينة فلا يبرأ حتى يقيم ببينة: أنه ردها إليه، وإلا ضمن. قال عبد الله بن عبد الحكم: ولو قال/المودع لربها: إن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع، وقد قبض الوديعة ببينة فليس عليه إلا يمينه. قال أصبغ في العتبية: ولو قال: دفنتها فضل عني موضعها فهو ضامن، لأن فرط إلا أن يقول: دفنتها في بيتي أو حيث يجوز له دفنها فزعم أنه دفنها هناك وأحاط بالموضع علما، وأما إن قال: لا أدري أين دفنتها فهو ضامن. ومن كتاب ابن المواز: ومن استودع مائة دينار فأتاه رجلان تداعياها فقال: قد رددتها إلى أحدكما، فإن لم يثبت أيها هو، يريد: محمد: ويقول: إنه [10/ 440]
ربها، فإنه يضمن لكل واحد منهما مائة. قال محمد: لأن كل واحد منهما يدعي أنه أودعه فلم يقطع بذكر فيه، ولقوله للمودع: لا أدري هل أودعتني؟ وهو كالنكول، فليحلف المدعي ويضمنه، وكذلك لو كانوا عشرة، قال ابن عبد الحكم: أما في الدين فيغرم لكل واحد مائة، وأما في الوديعة فلم أره مثل الدين. قال محمد: وذلك عندي سواء. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن بيده مائة دينار وديعة فيأتي رجلان كل واحد يدعي ولا يدري لم هي منهما، قال: تكون بينهما بعد أيمانها، فمن نكل منهما فلا شيء له وهي كله لمن حلف، وأما في الدين فيغرم لكل واحد مائة. وقال ابن المواز في كتاب الإقرار: إذا قال: دفعها إلي أحدكما ولا أدري من هو، فادعى كل واحد منهما أنه لم يدفعها إليه، فإنه يلحف كل واحد منهما ويحكم له بمائة، ومن نكل لم يكن له شيء وكانت لمن حلف/، فإن نكلا جميعا لم يكن على المقر إلى مائة واحدة يقتسمانها بينهما ولا يمين عليه، لأنه هو الذي أبى اليمين وردها بعد أن ردت عليه. قال محمد: فإن رجع المودع فقال: أنا أحلف أنها لهذا لأحدهما فذلك له لأنه إنما قال أولا: لا أدري، فإن رجع فقال: أنا أحلف أنه ليس لواحد منهما شيء، فلابد من غرم مائة واحدة فيقتسمها الرجلان بعد أيمانهما، لأنه قد أقر أنها عليه ثابتة ولا حجة له في إسقاطها، ولا حجة لأحدهما في طلب تمام المائة لنفسه. وكذلك لو كانت المائة عليه دينا فيما ذكرنا. وقال سحنون في كتاب آخر فيمن استودع وديعة ثم مات فادعاها رجلان، كل واحد منهما لنفسه، ولا بينة لهما، وقال ابن الميت: لا أدري إلا أن أبي ذكر أنها وديعة، فإنه يوقف أبدا حتى يستحقها من يستحقها بالبينة، وقال أيضًا في رجل أودع رجلا مائة دينار، وآخر خمسين، فنسي من صاحب المائة منهما، وادعى كل واحد منهما المائة، قال: يتحالفان على المائة ثم يقتسمانها، والخمسون الباقية [10/ 441]
باب فيمن ادعى رد الوديعة أو تلفها، وكيف إن أقر بها ثم مات يطلبها ربها
الأخرى بيد المستودع ليس لها مدع، فأرى أن يقستماها، قال بعض أصحابنا: يغرم لكل واحد منهما مائة بعد أيمانهما. وقال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن قال: دفع إلي فلان مائة دينار لأتصدق بها وفعلت ثم قال: بل هو فلان دفعها إلي لأتصدق بها وفعلت، فادعى كل واحد منهما أنه الآمر، فقال بعض أصحابنا: إن الصدقة نافذة لمن هي منهما، ولا تباعة عليه/، وهو قول أشهب، وذهب ابن المواز إلى أنه يغرم لكل واحد منهما مائة. وفي كتاب الإقرار شيء من معنى هذا الباب. باب فيمن ادعى رد الوديعة أو تلفها، وكيف إن أقر بها ثم مات وطلبها ربها؟ وغير ذلك من الدعوى فيها، وكيف إن ادعى أنه ردها إلى وصي المودع قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا أخذ الوديعة بإشهاد فقال: رددتها إلى ربها بلا إشهاد فهو مصدق مع يمينه. ومن كتاب آخر: روى عن مالك فيمن دفع عنده ثوب ثم طلبه ربه منه فقال له: قد خيل إلي أنك أخذته مني أو رسولك، فإن كن على وجه فليحلف بالله: لقد اجتهدت وما ضيعت، ولقد ذهب إن لم يكن أخذته ويبرأ. وقال أصحاب مالك في المودع يدعي ضياع الوديعة وقد أخذها ببينة أو بغير بينة، فأكذبه ربها وقال له: أكلتها فالمودع مصدق إلا أن يتهم فيحلف، قال محمد بن عبد الحكم: فإن نكل ضمن ولا ترد اليمين ها هنا على ربها. وروى ابن نافع عن مالك: أن يحلف المودع وإن لم يكن من أهل التهم. [10/ 442]
قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن كان لميت عنده وديعة أو إقراض فقال: قد رددته على الوصي والورثة صغار، فإن أقر له الوصي بقبضه، برئ المستودع والعامل، وكذلك في الدين وما عند الصناع، وإن أنكر الوصي كان ذلك ثابتا على العامل والمستودع وغيرهما، سواء أخذوا ذلك ببينة أو بغير ببينة وليس قولهم: رددنا على الوصي مثل قولهم/رددناه على الميت ولم يأخذوه منه ببينة، والحكم: أن كل من دفع إلى غير اليد التي أودعته فعليه البينة، ومن رد إلى اليد التي أعطته فالقول قوله في الرد بلا بينة إذا لم يأخذ ذلك ببينة. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب في المستودع يأذن له ربها أن يدفعها إلى من جاءه بأمارة ذكرها له، فجاء رجل بالأمارة فدفع إليه المال ثم مات ربه وقام ورثته على الرسول فقالوا: ما صنعت به؟ قال: صنعت به ما أمرني ربي، قالوا: ما أمرك به؟ قال: ليس علي أن أخبركم، قال: يحلف: لقد صنع ما أمره ربه ويبرأ، أو قاله ابن القاسم. ومن كتاب ابن الماجشون: فيمن في يديه مال وديعة أو كان عليه دين فأشهد بذلك على نفسه قوما، ورب المال لا يعلم إشهاده ثم ادعى رد الوديعة وقضاء الدين وكذبه الورثة، فعليه البينة فيها جميعا، يريد: أنه ردها إلى الورثة وهم غير من أودعه. ومن العتبية وكتاب ابن المواز: روى ابن ابن القاسم عن مالك فيمن استودع وديعة فيقر بها عند نفر من غير أن يشهد عليه بها، قال مالك: هذه أمور لها وجوه، أرأيت لو تقادم هذا منذ عشرين سنة؟ قال في موضع آخر: عشر سنين، ثم مات فقام بها، فهذا لا شيء له، قال ابن القاسم: وكأني رأيته إن كان قريبا أن يكون ذلك له، قال ابن القاسم في العتبية: ولو كان إنما ذلك الأشهر والسنة وما أشبه ذلك ثم مات وقام ربها، إن ذلك في مال الميت. [10/ 443]
باب في المودع يستهلك الوديعة ويدعي أن ربها ليهبها له
وقال أشهب في كتبه فيمن لرجل عليه ألف وديعة وألف قرض فدفع/إليه ألفا ثم قال: هي القرض وتلفت الوديعة وقال بها: هي الوديعة فإن دفع الألف إلى ربها ببينة قبل قوله: إنها القرض، وإن دفعها بغير بينة صدق ربها ولا يخرجه من الدين إلا البينة، وابن القاسم يقول: القول قول الدافع كما يصدق في ذهاب الوديعة. باب في المودع يستهلك الوديعة ويدعي أن ربها وهبها له، أو ينفقها على أهل المودع، أو يدفعها إلى رجل ويقول: أمرتي بذلك ربها صلة له وخالفه ربها قال ابن المواز: ومن أودعك وديعة فادعيت أنه وهبها لك وقد استهلكتها والمودع منكر فربها مصدق، يريد: مع يمينه. وقال أشهب في كتبه: ولو قال المستودع: أنفقتها على أهل المودع وولده في غيبته، فإن قال ربها: تركت لهم النفقة، أو كنت أبعث بها إليهم ووصلت إليهم فليحلف على ذلك وعلى وصولها إليهم ثم يضمن المودع ولا يرجع على أهل ربها بشيء إن كان قد قال لربها لم يفعل، أو قال: أمرني بالدفع إليهم، وإن كان لم يفعل فله الرجوع على من كان منهم يلي نفسه قدر حصته من النفقة، وإن أقر القادم أنه لم يترك لهم نفقة ولا بعث إليهم يومئذ نفقة هذا إن كان مثل نفقة مثلهم فأقل، ولا يلزمه ما زاد على نفقة مثلهم ويغرمه المستودع لربها، وهذا كله إذا [10/ 444]
لم يكن السلطان قضى على هذا الغائب بالنفقة، فأما إن قضى عليه بهذا فلا يصدق في قوله: بعثتها أو تركتها/لههم، وإن لم تقم بينة وقد قضى عليه فالجواب كما قلنا في إقراره: أنه لم يبعث ولا ترك لهم شيئا. قال ابن القاسم وأشهب وابن نافع وابن الماجشون: وإن قال المستودع: أمرني ربها بدفعها إلى فلان وقد فعلت وأنكر ذلك ربها فالدافع ضامن إلا أن يأتي ببينة: أنه بذلك. قال أشهب في كتبه: سواء أودعه ببينة أو بغير بينة. ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: ومن بيده دابة وديعة فدفعها إلى غير صاحبها فضاعت وقال: أمرني بذلك صاحبها وصاحبها منكر، فهو ضامن لأنه مدع ويحلف رب الدابة، فإن نكل حلف المستودع وبرئ. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: ومن بعث مع رجل بمال إلى ربه فقبضه منه وقال: تصدق علي به ربه وصدقه الرسول، والباعث منكر للصدقة يقول: بل هو إيداع، فالرسول شاهد يحلف معه زيد ويكون له، وقاله عبد الله بن عبد الحكم وابن المواز. قال ابن المواز: هذا أحب ما سمعت فيها إلي، لأن الرسول لم يتعد في الدفع لإقرار ربها أنه أمره بذلك، فشهادته جائزة، وذلك إن كان للرسول بينة على دفعه، وقال أشهب في كتبه: لا تجوز شهادة الرسول لأنه يدفع عن نفسه الضمان، يريد أشهب: أن المتصدق عليه عديم وقد أتلف المال ولا بينة للرسول على الدفع، وأما وهو مليء فشهادة الرسول جائزة على الصدقة مع يمين زيد، وكذلك إن قامت للرسول بينة: فالدفع في عدم زيد. وفي كتاب الوكالات باب في/شهادة الرسول فيما أمر بدفعه فيه من معنى هذا الباب مستوعب.
باب فيمن بيده مال ذكر أن من دفعه إليه أمره بدفعه إلى ورثة فلان
باب فيمن بيده مال ذكر أن من دفعه إليه أمره بدفعه إلى ورثة فلان، ما يصنع الحاكم في ذلك؟ من كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون فيمن أتى الحكم فقال: إن فلانا دفع إلي أو بعث إلي بدنانير. ذكر أنه لورثة فلان وأن أدفعها إليهم بأمر الحاكم، كيف يجري أمر الحكم في هذا؟ فكتب إليه: إذا ثبت عند الورثة وأقر هذا أن الغائب أمره بدفعها إليهم، كتب له الحاكم: إنك ذكرت أن فلانا أمرك بدفع ذلك إلى ورثة فلان بأمري، وأني أمرتك أن تدفعها إليهم، يريد: بعد أن ثبت عندي أنهم ورثة فلان. باب في المودع يخلط الودائع العين ثم يهلك منها شيء قال ابن الماجشون فيمن أودعه رجل ثلاثة دنانير وآخر دينارين وآخر دينارا فخلطها المستودع ثم ذهب منها دينار، قال: يأخذ صاحب الثلاثة من الخمسة الباقية ثلاثة إلا ربع، وصاحبه الدينارين اثنتين إلا ربع، وصاحب الدينار نصف دينار، وذلك أنه يقال لصاحب الدينار: أنت لا تدعي من الخمسة إلا دينار فتعزل وتبقى أربعة، فصاحب الاثنين يدعي منها اثنين فتعزل وتبقى اثنين لا يدعيها إلا صاحب الثلاثة فيأخذها، ثم يرجع إلى الثلاثة المعزولة فتجد صاحب الدينار لا يدعي منها إلا دينارا فيعزل ويبقى دينار لا مدعي له إلا صاحب الاثنين فيأخذه ثم ترج إلى/الدينارين المعزولين، فصاحب الدينار لا يدعي منهما إلا دينارا ويبقى دينار فيقسم بين صاحب الثلاثة وصاحب الاثنين نصفين لأن كل واحد منهما يدعي جميعه ويبقى الدينار فيقسم بينهم، يكون لصاحب
باب فيمن أودع حيوانا فأنزى عليها أو أكراها
الدينار الواحد نصفه لأنه يدعيه كله، ويكون لصاحب الثلاثة والاثنين نصفه بينهما جميعا لأنهما إنما يدعيانه كله، وهذا الذي ذهب إليه ابن الماجشون وأبوه عبد العزيز وابن القاسم، قال ابن القاسم: وذهب مالك: أن الدينار الثالث يقسم بينهم على الأجزاء يكون لصاحب الثلاثة ثلاثة أجزاء، وعلى صاحب الاثنين جزآن، وعلى صاحب الدينار جزء، وأخذ بقول مالك: الليث بن سعد وابن كنانة وابن وهب ومطرف وأشهب وأصبغ وابن حبيب، وهذا كله إذا لم يعرف الدينار الثالث، فأما لو عرف لمن هو كانت مصيبته منه. باب فيمن أودع حيوانا فأنزى عليها أو أكراها قال ابن القاسم في المدونة وغيرها فيمن استودع نوقا أو أتتا أو بقرا فأنزى عليها، أو كن جواري فزوجهن فمتن من الولادة أو عطبن تحت الفحل فهو ضامن في ذلك كله، وقال أشهب في كتبه: لا ضمان عليه في شيء من ذلك. قال أشهب: وإن نقص ذلك كله الولادة فلا شيء عليه لأن الولادة في الجواري ليس من فعله إنما زوجهن فكان الحمل من غيره فلا يضمن، ولو سألني في البهائم: هل ينزيها قبل أن يمزيها؟ /لرأيت أن لا يدعها من الإنزاء لأن ذلك مصلحة، ولو أضمنه في الجواري ما نقصهن شيئا لأن للسيد أن يجيزه فلا يضمنه وقد أجاز فعله، وإن فسخه رجع العبد إلى حالته من غير نقص، ولو أكرى البقر في الحرث أو الدراس أو سقي الأجنة، أو أكرى البغال والحمير على حمل طعام أو حجارة، ضمن البهائم لأن ذلك يتلفها وإن تلفت أو نقصت فرب الدابة مخير إن [10/ 447]
باب في العبد يودعه رجل وديعة فيستهلكها
شاء في كرائها، ولا شيء له من قيمتها إن كانت ماتت أو ما نقص ذلكم من قيمتها إن لم تمت ولا كراء له. باب في العبد يودعه رجل وديعة فيستهلكها قال ابن القاسم في العبد يودع فيتعدى فيها فتضيع فهي في ذمته، فإن لم يكن مأذونا فلسيده فسخ ذلك عن ذمته ثم لا يتبعه إن عتقه، وأما المأذون فلا يفسخها عن ذمته. وقال أشهب في كتبه في العبد المحجور عليه يتلف الوديعة قد أو دعها فإن كان مثله يستودع فهي في ذمنه رق أو عق. وإن كان مثله وغدا لا يستودع فلا شيء عليه في رقه رد ذلك عنه السيد أو لم يرد حتى يلي نفسه بالعتق، يريد: فيتبع، وأنكرها سحنون. قال أشهب: وقد قال مالك في العبد غير المأذون يتاجر الناس بغير إذن سيده، فإن كان فارها مثله يتاجر الناس فذلك في ذمته، قال أشهب: وأما المأذون يتلف الوديعة فهي في ذمته لا في رقبته، قال/: وإذا استتجر عبده الوغد فلسيده أن يبطل عنه ما أتلف من أمانته لأنه لم يأذن له في أخذ الودائع، ومثله لا يودع. وقال أشهب في العتبية: ومن أردا أن يودع رجلا وديعة فقال له: ادفعها إلى عبدي ففعل، فاستهلكها العبد فهي في ذمته، قلت: وإن غره السيد من العبد؟ قال لا شيء على السيد بكل حال. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يكون في ذمته بإقراره أنه استهلكها حتى تقوم بينة باستهلاكه إياها. [10/ 448]
باب في المدعي يأتيه من يذكر أن ربها أمره أن يأخذها فيدفعها إليه
باب في المودع يأتيه من يذكر أن ربها أمره أن يأخذها فيدفعها إليه، وكيف إن أقر المستودع أن الذي أودعه قال: الوديعة لهذا؟ قال ابن القاسم في المودع يأتيه من يزعم أن ربها أمره بأخذها، وصدقه ودفعها إليه فضاعت منه: أن الدافع ضامن لها ثم له أن يرجع على الذي قبضها فيأخذها منه، وقال أشهب في كتبه: لربها أخذها من أيهما شاء ثم لا رجوع لمن أخذها منه فهما على الآخر لأن الدافع صدق الرسول: أنه مأمور بأخذها فلا يرجع عليه إن غرمها. قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ولو جاءه بكتابه بأمارة يدفعها إليه وهو يعرف خطه ويعرف أمارته فدفع إليه وصدق كتابه فأنكر ربها فليحلف: أنه ما أمره ولا كتب بذلك إليه وأنه لا حق له عليه، ثم يغرم له الدافع، ثم يرجع بذلك على القابض فيه أولا ولا يمنعه من ذلك تصديقه فيما أتى به/، ولا ما عرف من صحة ما جاء به، وأنه يشهد بذلك، فلا يمنعه من الرجوع بذلك. قال ابن المواز: والذي جاءه الكتاب وإن عرف خطه وأمارات فيه: أنه لا يدفع إليه ما أودعه الغائب أو حق الغائب عليه. ود 5 قال محمد بن عبدوس في الذي قال للمودع: بعثني ربها لآخذها منك فدفعها إليه ثم اجتمع مع ربها فذكر له ذلك فسكت ثم طلبه بعد ذلك، قال: يحلف: أنه ما أمر فلانا بقبضها وما كان سكوته رضا بقبضه ثم يغرمه، ولو أن رب المال علم بقبض القابض فجاء إلى المودع فقال: كلم فلانا القابض يحتال لي في المال فقال: هذا رضا بقبضه فليطلبه به ويبرأ الدافع. قال: ولو طلبه ربها فجحد الدافع فقال ربها: أحلف: ما أودعتك، قال: يحلف له: ما لك علي شيء. قال أبو محمد: يريد: على قول أبن الماجشون، ويعني أيضًا أن الدافع [10/ 449]
أيقن بأمر رب الوديعة. وفي كتاب الوكالات في باب المسائل المختلفة: معنى من هذا الباب. ومن كتاب ابن الموز ومحمد بن عبد الحكم: قالا: ومن أودعته وديعة ثم أقر رب الوديعة أنها لزيد الغائب ثم طلبت أنت قبضها فلك ذلك بالحكم: وليس إقرارك أنها لزيد يمنعك من قبضها في غيبة زيد لأنك أنت الذي أودعتها، وكذلك ما أو دعت عند سفرك من وديعة أو مال أنت فيه وكيل وأنت مقر: أن ذلك لفلان فلك أخذه، وكذلك ما أنت وكيل على بيعه فبعته فلك قبض الثمن، ولو قدم مالك الوديعة فطلب أخذها منك وأنت مقر أن ذلك لفلان فلك أخذه، وكذلك ما أنت وكيل على بيع أن من أودعها عندك ذكر: أنها لهذا الطالب فلك منعها من ربها إلا بشاهدين على إقرار مودعها بذلك لأنك لا تبرأ منه إن جحد إلا بهذا، أو يقوم شاهد معك فيقضي له السلطان بهذا، أو يستأذنك مع يمين طالبها فإن لم يقضي له بشيء ثم قدم م أو دعكها وقد غاب ربها فعليك دفعها إليه وإن علمت أنها لغيره، وكذلك لو كانت دارا فبعتها إليه فهدمها أو أتلف نقضها فلا ضمان عليك إن جاء ربها، لأنك غير متعد فيما فعلت، وكذلك لو أقررت أنه أمرك بدفعها إليه أو بدفع حق له عليك. ومن هذا في كتاب الوكالات، وفي كتاب الإقرار الأول، في باب من أقر أن الدين الذي له على فلان لفلان وفيه قول آخر. [10/ 450]
باب في المدعي عليه الوديعة ينكرها، هل يحلف إذا ادعى ربها أنها نقصت
باب في المدعى عليه الوديعة ينكرها هل يحلف إذا ادعى ربها أنها نقصت؟ فقال له المودع: احلف وأنا أغرم، ثم نزع قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن ادعى أنه أودع رجلا مالا فأنكره فله أن يحلف على البت: أنه ما أودعه شيئا لا على العلم، فإن قال: لا أدري لم يقبل منه ذلك وكان ذلك منه نكولا عن اليمين فيحلف الطالب ويحكم له بما حلف عليه، فإن نكل هو أيضًا لم يكن له شيء. وقال في العتبية فيمن يقدم بلدا فيدعي أنه أودع رجلا مالا فأنكره فله أن يحلفه وإن لم تقم بينة بخلطة فإن نكل حلف وأغرمه، وكذلك في/سفره يدعي ذلك على رجل وليس في هذا تراد خلطة ولا بد للناس من هذا وله اليمين وعليه بكل حال وإن لم تثبت خلطة، وكذلك في دعوى المسافر للشراء والبيع والأيمان لهم وعليهم وما يبايعون إلا من لا يعرفون. وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي عنده الوديعة يأتي بها فيقول ربها: قد نقصت ويأتيان إلى القاضي، وقال المستودع: لا تنقص وأنا على سفر فلا يشغلني، فإذا رجعت فما حلفت أنها نقصت أعطيتكه، فإذا رجع قال: لا يلزمني شيء إنما قلت لك: لا تشغلني، قال: يلزمه غرم ما يحلف عليه أنها نقصته، وقاله أصبغ وذكر أن أهل المشرق يخالفوننا فيه. وقال محمد بن عبد الحكم: يحلف المودع ويبرأ، فإن نكل حلف رب المال وأخذ تمام وديعته. [10/ 451]
باب في الإنفاق على الوديعة، وهل يرجع بالثمن أو بمثل الطعام؟
باب في الإنفاق على الوديعة، وهل يرجع بالثمن أو بمثل الطعام؟ ومن أغرم على وديعة عنده مالا، وفي الوديعة توهب هل يتم الحوز فيها بحوز المودع؟ ومن بيده صك وديعة هل يدفعه إلى وارث المودع؟ من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن بيده جارية وديعة فأنفق عليها ثلاثين صاعا منتمر، فأراد ربها أن يغرم تمرا، وقال المنفق: كان يوم أنفقت أغلى من اليوم فآخذ بذلك السعر، قال مالك: له بسعر يوم أنفقه. قال ابن القاسم: وهذا إذا اشترى التمر فليرجع بالثمن، وأما إن أنفق تمرا من عنده فلا يرجع إلا بمثله لأنه/سلف منه. قال عيسى بن دينار فيمن أودع عنده متاع فعدا عليه عاد فأغرمه عليه مالا فلا شيء على رب الوديعة من ذلك. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن له وديعة بيد رجل فقال: اشهدوا أني قد تصدقت بها على فلان، ولم يأمره بحوزها له، ثم مات المعطي فإن علم من بده الوديعة أنه تصدق بها فهي حيازة ثانية لأن ربها لا يقدر أن يأخذها منه بعد علمه ولو دفعها إليه بعد علمه لضمنها. ومن العتبية: قال أشهب عن مالك في امرأة أودعتك ذكر حق على زوجها ثم ماتت ولا يرثها غيره وهو مولاها قال: يسأل فإن كان عليها دين فلا يعطه إياه، وإن لم يكن عليها دين فادفعه إليه بإشهاد، قيل: قد أوصت بوصايا، قال: فادفعه إليه بإشهاد. [10/ 452]
باب فيمن مات وبيده ودائع وقراض فيقر بذلك ويوجد اسم رب الوديعة عليها
باب فيمن مات وبيده ودائع وقراض فيقر بذلك، ويوجد اسم رب الوديعة عليها أو خط الميت من العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن بيده ودائع للناس وهو يعلم أنه ينفق منها فيوصي بودائع، فيوجد في تابوته كيس فيه دنانير مكتوب فيه: أنها لفلان وأن عددها كذا فيوجد العدد أقل، فإن ثبت أن ذلك خطه ببينة كان ما نقص في ماله، وإن لم يشهد على خطه أحد حلف الورثة: أنهم ما يعلمون من ذلك شيئا ولا شيء عليهم، وروى أو زيد عن ابن القاسم فيه: إذا ترك ودائع ولم يوص فتوجد صرر عليها مكتوب: هذه لفلان وفيها كذا ولا/بينة على إيداعه فلا شيء له إلا ببينة أو بإقرار الميت ولعله صانع أهل البيت. ومن كتاب التفليس: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات فوجد في تابوته كيس فيه مال عليه مكتوب: لفلان بن فلان فإن شهدت بينة أنه خط الميت دفع إلى من ذكر فيه وإلا يدفع إليه، وكذلك قرطاس مكتوب فيه حساب: لفلان عندي كذا وكذا شهد بأنه خط الميت كان ذلك لفلان في ماله، وإلا فلا شيء له. وقال أصبغ: أو خط صاحب المال على الكيس مع وجدانه في حرز المستودع حيث أقره، فإنه يقضى له به، قال أصبغ: وهذا في قول من يقضى له بالخط والخط عندنا ثابت صحيح، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز قضى بالخط في شهادة الشاهد وهو أشهده، وأما على خط المقر بعينه فهو الإقرار الصراح، وقد [10/ 453]
باب فيمن لك عليه شيء فظفرت له بمال أو أودعك هل تحبسه؟
قال مالك: إذا شهد على الخط شاهدان لم يكن على صاحب الحق يمين لأن ذلك إقرار، وإن كان شاهدا حلف معه واستحق، فإن كان شاهدا على الحق وشاهدا على الخط تمت الشهادة. وقال أشهب في كتبه: وإن قال عند موته: قراض فلان ووديعة فلان في كذا فلم يوجد حيث قال فلا ضمان عليه. باب فيمن لك شيء فظفرت له بمال أو أودعك هل تحبسه؟ والوصي يقر عنده الميت لأحد هل يعطيه ذلك من التركة؟ / من العتبية: روى ابن القاسم عن مالك فيمن له على رجل دين بلا بينة فهلك المطلوب ولا دين عليه لأحد غيره وقد دار للميت على الطالب حق مثله بلا بينة فأراد حبس ذلك بدينه وعرف أنه إن أقر ودي ولم يجد بينة بالدين له، وعرف أن لا دين على الميت، ما أرى إلا أن يخير ورثته وينتهي الأمر إلى ما انتهى ويحتسب ماله. قال عنه سعد بن عبد الله: ومن جحدك فلا تجحده. قال أبو بكر بن محمد فيمن جحد مالا وقدرت له على مثله فقد اختلف فيه، فروى أشهب عن مالك قال: لا آمرك بذلك، ولا آمرك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تفعله فأنت أعلم. وروى عنه ابن وهب: إن لم يكن على الجاحد دين إن قيم به لم يقع له ذلك في المحاصة فلا يأخذه، وإن علم أن لا ين عليه فليأخذه، وروى ابن نافع مثله وزاد: وأمن أن يحلف كاذبا فليأخذ قدر حقه. قال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يأخذ وإن كان عليه دين ما لم يفلس. [10/ 454]
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن غصبك شيئا ثم حلا لك أخذه بعينه فلا بأس بذلك. قيل: فإن لم أجد الشيء الذي غصبني بعينه وظفرت له بغيره من ماله قال: لو أعلم أنه لا دين عليه يحيط بماله لم أر عليه شيئا. قال ابن المواز: قال مالك في ميت أوصى لصغير بدنانير ولم يشهد على ذلك إلا الوصي، فإن خفي له دفع ذلك حتى لا يتبع به فله ذلك دون السلطان، وكذلك لو دفعه فلم يقبل شهادته السلطان ثم خفي له دفع ذلك/قيل: فإن غصبني رجل شيئا ثم خفي له أخذه قال: ذلك جائز، قال مالك: وهو بخلاف من جحدك لما جاء فيه. [10/ 455]
كتاب العارية
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب العارية في ضمان العارية وفيمن شرط دفع ضمانها من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في العارية تهلك عند المستعير وهي مما يغاب عليه فليضمنها ويصدق في صفتها مع يمينه، فإن نكل وصفها المعير وحلف إن لم تكن له بينة. ومن استعار ثوبا أو فأسا أو غيره مما يغاب عليه فيأتي به مكسورا يقول: بأن ذلك فيما استعرته له أنه ضامن ولا يصدق، وقاله ابن وهب، وقال عيسى: لا يضمن إذا ذكر ما يشبه ويرى أن مصيبته في ذلك العمل وذلك لا يخفي. وقال أشهب في كتابه في السيف يستعيره ليقاتل به فيأتي به مكسورا يقوله: نابه ذلك فيما استعرته فهو ضامن. وقال ابن القاسم في العتبية في السيف العارية ينكسر في القتال: إن ريى معه في القتال لم يضمن، قال سحنون: ولعله صوب به صوتا أخرق به، وذكر [10/ 457]
ابن حبيب عن مطرف وأصبغ مثل قول عيسى وتفسيره في الفأس والسيف والصحفة وما يغاب عليه: لا يضمن إذا جاء بما يشبه، وأن ابن القاسم يضمنه، وبقول مطرف أقول. قال ابن المواز: ومن استعار دابة بسرجها أو لجامها فقال: ضاعت وما عليها فلا يضمن الدابة ويضمن السرج واللجام. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن استعار ثوبا يلبسه/أو أكراه مرتفقا أو ذنبا فأمسك مصباحا فيسقط عليه فيفسده فهو ضامن، فإن كان يسيرا أصلحه وإن كان كثيرا ضمن قيمة الثوب، ولو سقط منه على ثوب رجل إلى جنبه لضمنه أيضًا. وقال ابن حبيب فيمن استعار بازا للصيد فزعم أنه مات أو سرق أو طار فلم يرجع في حين اصطياده أو في غير حينه فهو مصدق ولا يضمن لأنه حيوان، وقاله أصبغ. وقال مطرف فيمن استعار دابة أو أكراها على أنه ضامن لها فالشرط ساقط ولا يضمن إلا أن يكون ربها يخاف عليها من أمر يظهر مثل طريق مخوفة من لصوص أو غيرها فيضمن في مثل هذا بالشرط إن هلكت فيما خاف فيها، وإن هلكت في غير ذلك لم يضمن، فإن كان لغير سبب لم يلزمه الشرط. وقال أصبغ: لا ضمان عليه بكل حال، وقال ابن حبيب بقول مطرف. ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن اشترط في عارية الحيوان الضمان: أن الشرط ساقط، وقاله أصبغ، وقال: لأنه شرط فيه خلاف سنتها. وروى عنه عيسى في رجل باع كساءه أو رداءه بدينار وانتقد الدينار فقال البائع للمشتري: أبلغ به البيت آخذ على نفسي ثوبا ثم آتيك بكسائك واختلس منه الكساء: أن مصيبته من المشتري وليس من البائع إذا قامت البينة على ذلك. [10/ 458]
باب التعدي في العارية كيف إن باعها ثم اششراها فهلكت
باب التعدي في العارية وكيف إن باعها ثم اشترها أو ردها إليه مع رسول فهلكت؟ من العتبية/من سماع ابن القاسم: ومن استعار ثوبا ليلبسه يومين أو ثلاثة فلبسه أكثر من ذلك فعليه ما نقص من قيمته يوم التعدي، يريد: وإن شاء كراء ما لبسه. قال سحنون: أخبرني علي بن زياد عن مالك فيمن استعار دابة يركبها إلى بلد فركبها إلى بلد غيره فعطبت، فإن كان مثله في السهولة والحزونة لم يضمن. وقال أشهب في كتبه: ومن استعار دابة ليركبها إلى موضع فركبها وأردف خلفه رديفا فعطبت فالمستعير ضامن، وإن سلمت الدابة ولم ينقصها ما فعل فكراء الرديف على المستعير وإن كان مفلسا، ولا يلزم الرديف من كراء ركوبه شيء، وإن كان المستعير عديما وقد أخطأ من ألزمه الكراء في عدم المستعير، ولو كان الرديف عبدا للمستعير أو غيره لم يكن شيء من ذلك في رقبته ولا في ذمته هلكت الدابة أو سلمت لأنه ركب بوجه يجوز له ولم يتعد ولا ضمان في شيء من الحيوان إلا على متعد. ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: قال ابن القاسم وأشهب فيمن استعار دابة إلى موضع معلوم فلما بلغه تعدى بها إلى مثل ميل ونحوه ثم ردها إلى الموضع الذي استعارها إليه ثم رجع. يريد: ردها إلى ربها فعطبت في الطريق أنه يضمن الدابة بتعديه. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن استعار حمارا ليحج عليه فباعه في سيره بعشرة دنانير ثم اشتراه حين رجع بخمسة أن ربه مخير إن شاء أخذ منه/حماره وخمسة دنانير وإلا تركه وأخذ منه العشرة التي باعه بها. وروى عنه سحنون مثله، قال: ويلغني عن مالك وذكر ابن المواز مثله إلا أنه قال: هذا إذا اشتراه لربه، فأما إن اشتراه لنفسه أو لمن آجره: فالخمسة له، وليس لرب الحمار [10/ 459]
باب في العبد يستعير لسيده العارية فتهلك بيده والسيد منكر لإرساله
إلا الرضا بالبيع الأول ويأخذ عشرته أو يأخذ حماره فقط، وقد تقدم هذا في الوديعة. قال ابن حبيب عن مطرف: ومن استعار دابة من رجل ثم ردها إليه مع عبده أو أجيره أو جار فتعطب أو تصاب فلا يضمن، لأن شأن الناس على هذا أن يردوا ذلك السحب الدنيء من عبد وأجير وشبهه، وإن لم يعرف ضياعها إلا منزله أو إلى الرجاء فيرسلها مع عبده أو أجيره أو جاره فلا يضمن عطبت أو انفلتت إلا أن يكون ذلك من سبب فعل الرسول فيضمن وهو مصدق أنها انفلتت أو سرقت كان مأمونا أو غير مأمون، وكذلك من ابتاع عبدا أو دابة بخيار فردها مع رسوله مثل ما ذكرنا وأكثر ما فيه يمين الرسول. باب في العبد يستعير لسيده العارية فتهلك بيده، والسيد منكر لإرساله، وكيف إن أخذها من العبد حين أتى بها؟ من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الأمة أو الحرة تأتي قوما تستعير منهم حليا لأهلها وتقول: هم بعثوني فيتلف ذلك فإن صدقهم أهلها/فهم ضامنون ويبرأ الرسول، وإن جحدوا حلفوا ويبرءون وحلف الرسول: لقد بعثوه ويبرأ، لأن هؤلاء قد صدقوه أنه مرسل، وإن أقر الرسول بأنه تعدى وهو حر ضمن، وإن كان عبدا كان في ذمته إن عتق يوما ما ولا يلزم رقبته، ولو قال الرسول: أوصلت ذلك إلى من أرسلني لم يكن عليهم ولا عليه غير اليمن، وكذلك من بعث رجلا يستعير له ثم أنكر، وقال سحنون عن أشهب: إذا قال العبد: سيدي أرسلني وأوصلت إليه العارية أو تلفت والسيد منكر قال: ذلك [10/ 460]
باب في اختلاف المعير والمستعير وشهادة الرسول في ذلك
في رقبته كالجناية ولو كان حرا كان في ذمته، وقال ابن القاسم: إن أقر السيد غرم وإن أنكر فذلك في رقبته لأنه خدم القوم. ومن سماع ابن القاسم في أمة جاءت إلى جارتها بقلادة استعارتها لها فأنكرت وقبلتها منها لتردها على أهلها فتلفت فهي ضامنة لقبولها لها، والقول في صفتها، يريد: ووزنها قول الضامنة. باب في اختلاف المعير والمستعير، وشهادة الرسول في ذلك، والدعوى في رد العارية من سماع ابن القاسم: وقال فيمن استعار دابة إلى بلد ادعاه، وقال المعير: إنما أعرتك إلى غيره، فإن أشبه ما قال المستعير صدق مع يمينه، قال ابن القاسم: وذلك إذا ركب ورجع، وإن لم يركب بعد فالمعير مصدق مع يمينه، وكمن أسكنته دارا أو اخدمته عبدا، فبعد سنة قال: هو مدة سنة، وقلت أنت: ستة أشهر فهو مصدق عليك مع يمينه إلا أن يدعي/ما لا يشبه ولو لم يقبض المسكن ولا العبد فأنت مصدق مع يمينك. وروى عيسى عن ابن القاسم في التي استعارت حجلة من امرأة فغابت عليها سنين ثم ماتت، فقامت المعيرة على ورثتها فأنكروا وشهد بالعارية امرأتان وقد غابت الحجلة، قال: تحلف المعيرة معهما أنها أعارتها إياها وأنها ما رجعت إليها ولا خرجت من ملكها ببيع ولا هبة وتستحق ذلك في تركة المستعيرة. قال ابن حبيب: سمعت من أرضى يقول فين استعار من رجل دابة فمضى لها عنده يومان ونفقت في اليوم الثالث، فقال المعير: إنما أعرتك يوما وقال المستعير: بل يومين: أن كل واحد منهما مدع على صاحبه، فالمعير يدعي [10/ 461]
تضمين المستعير، والمستعير يدعي سقوط الكراء عنه، فأرى أن يحلفا جميعا، ويلزم المستعير كراء اليوم الثاني ولا يلزمه الضمان إذا حلف. وقال أشهب في كتبه فيمن استعار دابة فركبها إلى برقة، وقال المعير: إنما أعرته إلى فلسطين، فالقول قول المستعير في إسقاط الضمان مع يمينه، وينظر إلى مسافة الموضعين فإن كانت مختلفة كان للمعير فضل ما بين كراء برقة على كراء فلسطين مع يمينه، قال: ومن بعث وسولا إلى رجل يعيره دابة إلى برقة فأعاره فركبها المستعير إلى برقة فعطبت فقال المعير: إنما أعرته إلى فلسطين، وقال المستعير: بل إلى برقة، فشهادة الرسول ها هنا لا تجوز للمستعير ولا عليه، لأنه إنما يشهد على فعل نفسه، ويحلف المستعير له/: أنه ما استعارها إلا إلى برقة ويسقط عنه الضمان، ويحلف رب الدابة: ما أعاره إلا إلى فلسطين ويكون له على المستعير فضل ما بين كراء برقة على كراء فلسطين. ولو قال المستعير للرسول: اذهب إلى فلان فاستعر لي دابة أركبها إلى برقة، فقال له الرسول: يسألك فلان أن تعيره دابتك إلى فلسطين فأعاره فركبها المستعير إلى برقة لا يدري فعطبت، فإن قامت للمعير بينة أن الرسول قال له: إلى فلسطين فلا ضمان على المستعير لأنه يقول: إلى برقة استعرتها، وعليه فضل كرائها على ما فسرنا، ولا يمين على رب الدابة لأن البينة قد قامت له بذلك، وأما الرسول فإن قال: ما أمرني المستعير إلا إلى فلسطين حلف ولم يضمن هو وال المستعير. وإن قال الرسول: إنما أمرني إلى برقة فقلت لرب الدابة غير ذلك، ضمن الرسول الدابة إن كانت مسافة برقة أشد من مسافة فلسطين في البعد أو في التعب. ولو كانت مسافة برقة مثل مسافة فلسطين في البعد والخزونة فهلكت تحته لم يضمن. وقال أشهب: من ركب دابة رجل إلى بلد وادعى أنه أعاره إياها، وقال ربها: بل أكريتها منه فالقول قول ربها كان ممن يكري أولا يكري ويحلف الراكب: ما تكاراها منه لأنه مدعى عليه في الكراء ويحلف رب الدابة: أنه أكراه إياها ويكون له كراء مثلها إلا/أن تكون الدابة للرجل الشريف العظيم القدر الذي مثله يأنف عن كراء دابته فيصدق الراكب مع يمينه، وإن نكل عن اليمين [10/ 462]
باب فيمن أعار حمل جذوع أو عرصة لبناء ثم أراد نزعه
حلف رب الدابة وأخذ منه الكراء الذي زعم أنه أكراه، فإن نكر لم يأخذ ما ادعى من الكراء ولكن يأخذ من الراكب كراء مثلها إلى الموضع الذي ركبها إليه، لأنه مدع في عارية ركوبها فكانت عليه البينة واليمين على صاحبه فنكل صاحبه عن اليمين فكانت مردودة عليه وقد نكلا عنها فلزمه غرم ركوبها في التعدي وهو قيمة ذلك. قال ابن حبيب عن مطرف في المستعير يقول: رددت العارية إلى ربها، أو أرسلتها إليك وقبضتها وأنكر المعير، فأما ما يغاب عليه فعلى المستعير البينة بردها منذ استعارها ببينة أو بغير بينة، وأما الحيوان وشبه فإن أعاره ببينة لم يبرأ المستعير إلا ببينة على الرد وإلا ضمن، وإن لم يكن أشهد فهو مصدق مع يمينه ادعى أنه هو ردها أو رسوله، وقاله أصبغ كله إلا في قوله: رددتها إليك مع رسول فقال: لا يصدق وإن كان حيوانا، وإن لم يكن المعير أشهد حين أعار فلا يبرأ المستعير إلا ببينة، وبقول مطرف أقول لأنه يقبل قول الرسول في انفلات الدابة أو سرقتها وإن لم يكن مأمونا. وكذلك في دعواه ردها. وقال مطرف: قال مالك: وعلى الصناع البينة في رد المتاع أخذوه ببينة أو بغير بينة لأن عليهم الضمان، وكذلك ما يضمنه من عارية ما يغاب عليه أو رهنه وما كان لا يضمنه فهو مصدق في رده إلا أن/يكون قبضه ببينة مثل الوديعة والقراض وشبهه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. باب فيمن أعار حمل جذوع، أو عرصة لبناء، أو مرفقا ثم أراد نزعه من العتبية من سماع أشهب: قال مالك فيمن أذن لجاره في غرز خشب في جداره ثم أراد نزعها فليس له ذلك وهذا من الضرر الذي نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم [10/ 463]
إلا أن يكون احتاج إلى جداره مما لم يرد به الضرر، وأما إن أراد البيع فأراد نزعها ليزيده المشتري في الثمن فليس له ذلك، أرأيت إن كان المبتاع عدوا له قبل فإن ذلك على الصحة؟ قال: ليس له ذلك ز وقال: من أرفق رجلا مرفقا ثم أراد نزعه فإن كان لحاجته إليه فذلك له، أو يريد رفع جداره لأمر أضر، به فأما على وجه الضرر بجاره فلا. قال ابن القاسم في المدونة فيمن أذنت له في البناء في عرصته أو أن يغرس ففعل ثم شئت إخراجه فإن لم يمض من الأمد ما يبني ذلك لمثله لم يكن ذلك إلا أن يعطيه ما أنفقه، وقال في موضع آخر: قيمة ما أنفقه. قال أبو بكر بن محمد: وروى عنه أصبغ: يعطيه قيمة ما أنفق، وروى عنه الدمياطي: أنه وإن لم يضرب أجلا فليس له إخراجه بحال وإن أعطاه ما أنفقه، ولكن ينظر إلى ما تعاد إلى مثله من الأمد فيكون عند فراغ الأمد كفراغ الأجل المشترط، وذكر أشهب في كتبه: أن المستعير إذا فرغ من بنائه وعرصته فلرب الأرض أن يخرجه فيما قرب أو بعد لأنه/أعاره إلى غير أجل وهو فرط إذ لم يضر أجلا، ويعطيه رب الأرض قيمة ذلك مقلوعا ويأخذه أو يأمره بقلعه، وروى الدمياطي عن أشهب: أن له إخراجه متى شاء إذا كان لحاجته إلى عرصته إلى بيعها سواء تقدم بينهما شر أم لا، وإن كان لغير حاجة ولكن لشر وقع بينهما فليس له ذلك. وقال أصبغ: إذا لم يسكن فليس له أن يخرجه أصلا وإن أعطاه قيمته قائما إلا برضاه وبه أخذ يحيى بن عمر. قال سحنون: ومن أصحابنا من يقول: يعطيه قيمته قائما وهو المغيرة وابن كنانة. قال ابن حبيب في كتبا الصدقة، وقد روي ابن الماجشون ومطرف عن مالك: إن كل بان أو غارس في أرض قوم بإذنهم أو علمهم فلم يمنعوه فله قيمة ذلك قائما كالباني بشبة. [10/ 464]
باب فيمن بنى في أرض رجل بإذنه الى أجل أو لم يذكر أجلا وهو معار أو مكترى
قال ابن القاسم وأشهب: وإن ضرب لعاريته أجلا فليس له إخراجه قبل الأجل، وإن أعطاه قيمة ذلك قائما، وكذلك لو لم يبن ولم يغرس فأراد إخراجه قبل الأجل فليس له ذلك قبل الأجل ولو لم يضرب أجلا كان ذلك له قبل البناء والغرس. قال أشهب في كتبه: وكذلك من قال لرجل: أعرتك دابتي فإن قال: إلى موضع كذا وكذا يوما أو حياتك فليس له أن يرجع في شيء من ذلك إلى الأجل الذي سمى وإن لم يزد على أن قال: قد أعرتك فله أن يرجع متى شاء. باب فيمن بنى في أرض رجل بإذنه إلى أجل أو لم يذكر أجلا وهو معار أو مكترى، أو بنى بغير إذنهم، والحكم في بنيانه، وكيف إن شرط/أنه إن تم الأجل فله قلع نقضه؟ قال ابن حبيب في كتاب الصدقات: قال مطرف وابن الماجشون: قال مالك: وكل من بنى في أرض قوم أو غرس بإذنهم أو علمهم فلم يمنعوه فله قيمة ذلك قائما كالباني بشبهة، وإن بنى بغير إذنهم ولا علمهم فإنما له قيمة ذلك منقوضا، وكذلك من تكارى أرضا أو منحا إلى أجل أو إلى غير أجل ثم بنى فيها بإذنهم أو بعلمهم ولم يستأذنهم فلم ينهوه ولا منعوه فإن له قيمة بنيانه قائما إن أراد أو إخراجه، وكذلك من بنى في أرض بينة وبين شركائه بإذنهم أو بعلمهم فله قيمة علمه قائما، وكذلك من بنى في أرض امرأته بإذنها أو بعلمها ولم تنكر، وأما كل من بنى في أرض غيره من زوجة أو شريك أو غيره بغير إذن ربها أو علمه فله قيمة عمله منقوضا، قال: قلت لهما: روي لنا عن مالك: أن له قيمة عمله منقوضا بنى بإذن رب الأرض أو بغير إذنه، قال: ما علمنا أن مالكا اختلف قوله في هذا ولا أحد من أصحابه: ابن أبي حازم والمغيرة وابن دينار وغيرهم وبه يقضي قضاة المدينة قديما وحديثا، وقد وهم ناقل هذا عن مالك، قال ابن حبيب: وهو قول ابن كنانة وابن نافع وجميع المدنيين، وقال ابن القاسم بالقول الآخر ورواه عن مالك ولسنا نقول به وبقول لمدنيين نقول، وروي مثله عن ابن مسعود وشريح، وروى ابن وهب ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله. [10/ 465]
باب فيمن أعار رجلا على أن يعيره الآخر أو يرفقه مرفقا بعوض
وقال مطرف وابن الماجشون: وإن غرس العبد أو بنى في أرض سيده/بإذنه أو علمه ثم كاتبه فودي كتابته فأراد إخراجه فله ذلك وعليه قيمة بنائه قائما لأنه لما كاتبه تبعه ماله وقد علم أنه بنى في أرضه فكأنه أذن له وهو مكاتب فهو كإذنه للأجنبي، وكذلك كل من بنى في أرض رجل بإذنه أو بشبهة من الشبه فله قيمته قائما إلا أن يكون متعديا وقاله مالك، قال ابن حبيب: وقال أصبغ بقول ابن القاسم. قال مطرف وابن الماجشون فيمن أذن لرجل أن يبني في عرصته على أن يسكن إلى أجل يوقته على أنه إذا خرج قلع بنيانه وذهب به وترك عرصته، قالا: فالشرط باطل لأنه من الضرر، وله قيمته قائما إذا تم الأجل. قالا: ولو شرط في أصل البناء: أن له إذا تم الأجل قيمته قائما فإن الشرط يفسده كأنه أكراه الأرض تلك المدة بما يغادر فيها من البناء بقيمته يوم يتركه، وهذا من الغرر والسلف يجر منفعة، فإذا بنى على هذا فله الأقل من قيمة بنيانه قائما يوم فرغ منها أو ما أنفق فيه، ثم يكون لرب العرصة قيمة كرائها مبنية من يوم سكن، وقال أصبغ مثل قولهما إذا شرط له قيمة بنائه قائما، وأجازه إن شرط أن له قيمة بنائه منقوضا. باب فيمن أعار رجلا على أن يعيره الآخر أو يرفقه مرفقا بعوض من سماع ابن القاسم: ومن قال: أعني بغلامك أو ثورك في حرثي يوما أو يومين، وأعينك بغلامي أو ثوري يوما أو يومين فلا بأس بذلك/ورآه من الرفق، وكان هو الذي يطلب ذلك. وقال عيسى بن دينار في جدار بين دارين فمال فسأل الذي هو له ربه أن يدعه يهدمه ويبنيه له على أن يدعه يجعل فيه خشب بيته فيفعل أذلك كالعارية يزيلها إذا احتاج إليها؟ قال: لا بل هو كالشراء ليس له زوال خشب جاره بحال. [10/ 466]
كتاب اللقطة والضوال والإباق
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب اللقطة والضوال والإباق باب في اللقطة والعمل فيها وهل يأخذها؟ ومن أخذها ثم ردها؟ وكيف يعرف بها؟ وكيف ما أنفق أو أكل منها؟ قال ابن حبيب: حدثني ابن الماجشون عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن عمر سأله رجل وجد قلما م ذهب قال: عرفه قال: قد فعلت قال: عرفه قال: قد فعلت قال: عرفه قال: قد عرفته فلم أجد من يعرفه أفأدفعه إلى الأمير؟ قال: إذا يأخذه قال: أفأتصدق به؟ قال: تغرم إن جاء صاحبه قال: فما أصنع به؟ قال: لو شئت لم تأخذه. قال نافع: كان ابن عمر باللقطة فلا يأخذها. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: لا أحب أن يأخذها من وجدها إلا أن يكون لها قدر، وقاله في موضع آخر أو لذي رحمه، قال عنه ابن القاسم: أما الشيء الذي له بال: فأرى له أخذه، وفي رواية أشهب: إن كانت دنانير لها بال أو شيء له بال فأحب إلي أن يأخذه ويعرفه. وليس كالدرهم وما لا بال له، وقال في الدرهم يجده: أحب إلي أن لا يأخذه، ولو أعلم أنه يجد [10/ 467]
صاحبه أمرته بأخذه، ولو وجد/من يأمره بذلك رأيت ذلك. قال عنه ابن القاسم: قال له رجل: وجدت سيفا في المسجد فتركته قال: لو أخذته فأعطيته بعض نساء المسجد يعرفنه كان أحب إلي، وكذلك الرجل يجد الشيء فإن كان لا يقوى عليه، فإنه يجد من يقلبه منه ويعرفه إذا كان الشيء له بال فليأخذه، وأما اليسير فليتركه، قال ابن القاسم: إذا دفعه إلى مثله في الأمانة والثقة ثم جاء ربه فلا يضمن من وجده. ومن وجد ثوبا فظنه لقوم يراهم فليأخذه ويسألهم عنه فلا يدعونه. فله رده حين وجده، قال ابن القاسم: ولو كانت دنانير أو دراهم كان له أخذها، والتعريف بها أحب إلي. قال مالك: وإذا وجد مثل المخلاة والدلو والحبل أو شبهه، فإن كان في طريف وضع ذلك في أقرب الأماكن إليه يعرفه، وإن كان في مدينة فلينتفع به ويعرفه، وأحب إلي لو تصدق به، فإن جاء ربه وداره. ومن سماع أشهب: وعمن وجد العصا والسوط أيعرف به؟ قال: لا يأخذه، قيل: فقد أخذه. قال: يعرف به، فإن لم يعرف فأرجو أن يكون خفيفا، ومن وجد حديدة فليعرف بها، فإن عرفت وإلا تصدق بها وضمن قيمتها لربها إن جاء قال: وله أن يتصدق بها بعينها أو يبيعها ويتصدق بثمنها قيل: فإن كانت سكينا تصلح للسفهاء قال: والعصا قد يقاتل بها، أرأيت لو ورثها ألا يبيعها؟ وإنما يكره ذلك في موضع يباع للعدو. قيل له لما خرج حين أقمت ذلك ثم كسرته أفيجزئ أن أتصدق بثمنه؟ قال: نعم. قيل: أتعرف/اللقطة في المساجد؟ قال: ما أحب رفع الصوت في المسجد، وإنما أمر عمر أن تعرف على باب المسجد، ولو مشى هذا الذي وجدها إلى الخلق فخبرهم ولا يرفع صوته لم أر بأسا. [10/ 468]
ومن سماع عيسى: قال ابن القاسم وابن وهب في الحاج يجد القطعة مثل عشرين دينارا فيعرفها سنة فلم يجد لها طالبا، أو كان مثل دينار أو عشرة دراهم أو نصف دينار كم يعرف بها؟ قال ابن وهب: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في اللقطة: يعرفها سنة فإن جاء لها طالب وإلا أنفقها ثم إن جاء ربها أداها إليه وإن لم يجد أتبعه وكان أسوة غرمائه. وإن مات ولا شيء له فهو في سعة إن شاء الله لأن النبي عليه السلام أذن في أكلها، قال: وأما الدنانير والديهمات فليعرفها فإن يأت صاحبها أنفقها على نفسه إن كان محتاجا، وإن كان غنيا تصدق بها عن ربها، وقال ابن القاسم: لا ينفقها قليلة كانت أو كثيرة. قال: وما وجد مما يلفظه البحر فإن كان من متاع المسلمين عرف به، وإن كان لأهل الشرك فليس لمن وجده وأمره إلى الإمام، وإن شك فليعرف به ثم يتصدق به. وقال أشهب في كتبه: ما كان من متاع الجاهلية فلا زكاة فيه وإنما فيه الخمس. ولا تعريف فيه على من وجده. ومن سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن وجد لقطة فعرف بها سنة أيأتي الإمام/ليأمر بصدقتها؟ قال: لا وما للإمام وما لها، ولو تعدى الإمام فأخذها فباعها وتصدق بثمنها ثم جاء ربها فله تضمينه الثمن إن شاء كما لو فعل ذلك ملتقطها. وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم عن مالك في اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة، قال: تدفع إلى أحبارهم. ومن سماع ابن القاسم؛ وإذا عرف باللقطة سنة فلم يأت ربها فأنفقها ثم يأتيه الموت فيوصي بها وعليه دين يحيط بماله؟ قال: يحاص بها غرماءه، وقال [10/ 469]
عبد الملك بن الحسن: قال ابن وهب: وليحاص بها السلطان في تفليسه، وقاله أشهب ولم يذكر السلطان. وقال أشهب في كتبه: سواء أكلها أوتصدق بها قبل الأجل أو بعده، كان ذلك في ذمته وفيها في يديه من مال. قال ابن حبيب: قال مطرف: ومن التقط مالا يبقى من طعام في الحضر وحيث الناس فالصدقة به أحب إلي من أكله، فإن تصدق به لم يضمن لربه إن جاء لأنه مما يؤول إلى فساد، ولو كان أكله ضمنه لصاحبه وإن كان تافها لانتفاعه به، ولو كان في السفر وحيث لا بأس بأكله فلا يضمنه لربه إذا كان مما لا يبقى ولا يحمل حملا يرضى بقاؤه، ويزوده إلا اليوم وشبهه ويصير كالشاة بالفلاة وأكله حينئذ أفضل من طرحه بالعراء، فأما إن كان يبقى وتزوده فإنه يضمنه أكله أو تصدق به، وقاله أصبغ. لقطة ومن كتاب آخر: قال ابن القاسم/وابن نافع عن مالك: إذا وجد ما لا يبقى في أيدي الناس من الطعام فليتصدق به وإن كان تافها وقاله أشهب في كتبه. قال ابن القاسم: فإن أكله أو تصدق به لم يضمنه لربه إن جاء. قلا أشهب في كتبه: التافه وغير التافه سواء في أكله وإنما ذلك إذا وجده في فيافي الأرض، كمن يجد الشاة في الفلاة فأما في غير الفيافي فإنه يتبعه ويعرفه به، فإن جاء ربه دفع إليه الثمن وليس له غير ذلك. وقال أشهب في كتابه في الدرهم وما أشبهه لا بأس أن يتصدق به قبل السنة. وفي باب ضالة الإبل مسألة من وجد ضالة ما بالفلاة فحمل ذلك إلى العمران. [10/ 470]
باب ما تستحق به اللقطة من صفة العفاص والوكاء
باب ما تستحق به اللقطة من صفة لعفاص والوكاء، ومن سقط له دينار في موضع فوجد فيه دينارا هل يأخذه؟ ذكر بعض أصحابنا أنه روى أنه نافع عن مالك قال: ينبغي للذي يعرف اللقطة أن لا يريها أحدا ولا يسميها بعينها، وليفعل من يعرف دنانير أو دراهم أو جزورا أو شاة أو حليا أو عرضا لكي يعمي بذلك لئلا يأتي مستحل فيصفها بصفة المعرف فيأخذها وليست له، وليعرفها بين اليومين والثلاثة وكلما تفرغ، ولا يجب عليه أن يدع ضيعته ويعرفها. وقال أشهب في كتبه نحوه. وقال ابن القاسم وأشهب: ومن وجد لقطة فوصف رجل العفاص والوكاء والعدد: أنها تدفع إليه، قال أشهب في كتبه: ولو أخطأ في صفته/لم يعطها، وإن وصفها مرة أخرى فأصاب لم يأخذها إلا باليمين: أنها له، فإن نكل لم يأخذها وإن عاد إلى أن يحلف. وإن لم يعرف العدد وعرف العفاص والوكاء أو عرف العفاص والعدد ولم يعرف الوكاء أو عرف الوكاء ولم يعرف ما سوى ذلك فذلك يجزيه إذا حلف. قال: ولو وصف العفاص والوكاء وأخطأ في ضرب الدنانير أو الدراهم لم أر أن يعطى منها شيئا. قال محمد بن عبد الحكم: لو أصاب تسعة أعشار الصفة وأخطأ في العشر لم يعط إلا في معنى واحد: أن يصف عددا فيصاب أقل، وأشهب يعطيه إياها، وقال: أخاف أن يكون اغتيل فيها. وما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: اعرف عفاصها ووكاؤها فالعفاص: الرباط، والوكاء: ما فيه اللقطة من خرقة أو غيرها. ومن العتبية: قال أصبغ: وإذا أتى من يعرف اللقطة فعرف العفاص وحده فليستبرأ ذلك فإن لم يأت أحد أعطيها هذا، وما ذكر في الحديث: أعرف [10/ 471]
العفاص والوكاء، ليس على أن لا يستحقها إلا بمعرفتها كما جاء في شرط الخليطين أصناف تجري وإن انخرم بعضها، ورأيت لبعض أصحابنا من رواية عون: لا يأخذها إلا بمعرفة العفاص والوكاء، قال أصبغ: وإن قال في خرقة حمراء وخيط أبيض، فوجد الخرقة حمراء والخيط أسود فقال: يستبرأ أيضًا أمرها ثم رجع فقال: هذا أكذب نفسه في أدعائها المعرفة فلا يصدق وإنما/يصدق لو أصاب في بعض وادعى الجهالة في بعض، استبرأ الآن، فإن لم يدعها أحد أخذها، ولو وصف العفاص والوكاء كما هو وقال: وفيها دنانير فأصيبت دراهم قال: فلا يعطى شيئا قال: وكذلك لو قال: دنانير شامية فوجدت عتقا فلا شيء له، ولو عرف واحد العفاص والوكاء ووصف آخر عدد الدنانير ووزنها كانت لمن عرف العفاص والوكاء، وكذلك لو لم يعرف إلا العفاص وحده كان أحق بها بعد الاستيناء. وروى ابن حبيب عن أصبغ مثله في الذي عرف العفاص والوكاء وزاد: ولكني أستحسن أن تقسم بينهما كما لو اجتمعا على معرفة العفاص والوكاء ويتحالفان: فإن نكل أحدهما دفعت إلى الآخر. وقال ابن حبيب في غير باب اللقطة في كتاب آخر: إذا اعترف اللقطة فعرف العفاص والوكاء أنه يحلف مع ذلك، ولم يذكر غيره اليمين. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا وصف سكة الدنانير اللقطة طالبه لم يستحقه بذلك حتى يذكر علامة في غير السكة من أثر أو شق أو شيء غير السكة. وذكر يحيى بن عمر أنه قال: ما تبين لي قول سحنون، وأرى إذا وصف السكة في الدنانير وذكر نقص الدنانير إن كان فيها نقص فأصاب بذلك أنه يأخذها. [10/ 472]
باب في اللقطة يصفها رجل فيأخذها ثم يأتي من يصفها أو يقيم بينة
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن دخل حانوت رجل فوجد رب الحانوت دينارا في حانوته بعد خروج الرجل فعرضه عليه وقال: ما دخل/إلي اليوم غيرك فنظر ضربه فافتقد دينارا، قال مالك: لا أدري إن أيقن أنه ديناره فليأخذه وإلا فليدعه. باب في اللقطة يصفها رجل فيأخذها ثم يأتي من يصفها أو يقيم بينة قال ابن القاسم: إذا وصف اللقطة رجل بما يجب فأخذها ثم جاء آخر فوصفها أو أتى ببينة لم يضمن الدافع شيئا، وقال أشهب في كتبه: لا يضمن الدافع إلا أنه إن كان الثاني إنما وصفها فلا شيء له، وإن كان أقام بينة فهي له ويأخذها من الأول كما لو ادعاها ملتقطها ثم جاء من أقام بينة فهو أحق بها ولا يستحقها بالصفة، قال: ولو أخذها الأول من ملتقطها ببينة بأمر سلطان أو بغير أمره ثم جاء ثان فأقام بينة أنها له فهي لأولهما ملكا بالتاريخ، فإن لم يكن لذلك تاريخ فهي لأعدلهما بينة، فإن تكافآ كانت للذي هي في يديه وهو الأول بعد يمينه: أنها له ما يعلم لصاحبه فيها حقا، فإن نكل حلف صاحبه وأخذها، فإن نكل فهي للأول بلا يمين. وقال ابن الماجشون: إذا دفعها الملتقط إلى رجل وصفها ثم أتى من يدعيها ووصفها أو جاء ببينة وطلب من ملتقطها أن يجمع بينة وبين الذي أخذها بالصفة فقال: دفعتها إليه ولم أشهد عليه ولا أعرفه فلينظر فإن جاء الثاني بصفتها أو حلف عليها أو جاء ببينة: أنها له وأنها التي رأوا عند/فلان ضمن الذي دفعها بغير بينة قيمتها للثاني كانت قليلة أو كثيرة، وإذا ثبت أن ملتقطها دفعها إلى الأول بما ينبغي أن يدفعها به من بينة أو صفة لم يلزم الملتقط شيء إذا كان دفعه ببينة وتبقى الخصومة بين المدفوع إليه الأول والطالب، ولو دفعها على الصفة ولم [10/ 473]
باب في الملتقط يدعي ضياع اللقطة أو قال رددتها إلى موضعها أو إلى من يعرفها
يحلف واستحقها الآخر فإنها تطلب من الأول حتى يحكم بينهما فيها فإن أغرم أو أفلس ضمها دافعها. باب في الملتقط يدعي ضياع اللقطة أو قال: رددتها إلى موضعها أو إلى من يعرفها، أو أعطى منها لمن يعرفها، وكيف إن قال ربها: التقطتها لتأخذها من غير كتاب: قال ابن القاسم وأشهب وابن نافع في ملتقط اللقطة يدعي ضياعها فلا شيء عليه. قال أشهب وابن نافع: وعليه اليمين، وقال أشهب: إذا قال: التقطت اللقطة لأعرفها بها وقال ربها: بل أخذتها لتذهب بها فالملتقط مصدق بلا يمين ولم يذكر ابن القاسم يمينا. وقال أشهب في مسألة مالك في الكساء الذي أخذه بأثر جواز رفقة وصاح بهم: أهذا لكم؟ فقالوا: لا، فرده فلا شيء عليه، قال ابن القاسم: ولو رده بعد أن ذهب به وأحرزه لضمنه، قال أشهب: لا يضمن رده بقرب ذلك أو ببعد ولا إشهاد عليه في رده وأكثر ما عليه أن يحلف: لقد ردها في موضعها فإن ردها في غير موضعها ضمنها، وروى ابن وهب عن مالك/أنه إذا قال: ليس لنا فلا بأس أن يرده إلى موضعه. قال ابن القاسم: وإذا دفع الملتقط إلى غيره ليعرف بها فضاعت فلا شيء على الملتقط اللقطة. قال ابن كنانة: وكذلك لو دفعها إليه ليعمل بها ما شاء فلا شيء عليه. قال ابن نافع عن مالك: فإن أعطى منها شيئا لمن يعرف بها فلا غرم عليه فيه إن جاء بها. قال غيره عنه: إذا لم يسرف في العطاء. [10/ 474]
باب في العبد ومن فيه بقية رق يستهلك الوديعة اللقطة قبل السنة أو بعدها
قال سحنون فيمن وقع له ثوب في بئر وجب فنزل رجل فأخرجه فأتى ربه فطلب منه مخرجه أجره فامتنع فرده مخرجه في البئر أو الجب فطلبه فيه ربه فلم يجده قال: يخرجه الذي كان رده فيه وإلا ضمنه، قال أبو محمد: فإذا أخرجه فينبغي أن تكون له أجرة إذا كان ربه لا يصل إلى ذلك إلا بأجر. باب في العبد ومن فيه بقية رق يستهلك الوديعة اللقطة قبل السنة أو بعدها من غير كتاب: قال مالك في العبد يستهلك اللقطة قبل السنة: إنها في رقبته، قال ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: سواء أكلها أو أكل ثمنها أو تصدق بها أو وهبها، قال أشهب والمغيرة: وكذلك المدبر فإن أسلم سيده خدمته فيما اختدمه فيها ثم عاد إلى ربه، فإن مات ربه قبل استيفاء ربها قيمتها من خدمته عتق في ثلث سيده وأتبع بما بقي، قال أشهب: وإن كان مكاتبا فهي في رقبته، إما أن يؤدي قيمتها وإلا عجز ثم خير سيده في إسلامه بها عبدا أو افتدى به ويبقى له عبد،/وإن استهلكها بعد السنة فكالجنابة يضمن سيدها الأقل من قيمتها وقيمة اللقطة، وكذلك لو اجتمعت مع اللقطة تستهلك قبل السنة جناية فإن ذلك كله في رقبة من ذكرنا ممن فيه بقية رق. باب في الصبي الصغير تدعي أمه أنه التقط دنانير من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في امرأة أتت بابن لها صغير معه أربعة دنانير فزعمت أنه التقطها من الطريق في غير صرة فدفعتها على يدي ناس فأتى من ادعاها ووصف سكة بعضها ولم يصف البعض، فكتب إليه: الأم مقرة أن الصبي فليس لها أن تقر على غيرها، فأرى الدنانير للصبي، وما كان من لقطة معروفة فوصف المدعي لها بعضها ولم يصف بعضا فلا شيء له. [10/ 475]
باب فيمن وجد في دار ابتاعها مالا دفينا أو عمدا
باب فيمن وجد في دار ابتاعها مالا دفينا أو عمدا من العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن اشترى دارا وشرط على البائع أني اشتري منك فإن كان فيها من مجهول ومعلوم قل أو كثر فوجد فيها المبتاع مدفونا صخرا أو عمدا أو دراهم أو فضة أو آنية فلا شيء في ذلك للمبتاع، فأما الذهب والفضة والجوهر والآنية: فإن كانت من بلد عنوة فهي للمسلمين وإن كانت بلد صلح فهي لأهل ذمة تلك القرية الذين صالحوا عليها إن كان ذلك من دفن الجاهلية، فإن/كان من دفن الإسلام فهو لقطة يعرف بها سنة فإن لم يأت أحد لم أحب أن يأخذها وليحبسها إلا أن يشاء أن يتصدق بها على أن يضمنها لربها، وأما العمد والصخر والخشب وإن لم يعرف من دفن الجاهلية فهي كاركاز، فإن كانوا أهل صلح فهو لأهل تلك الذمة المصالحين، وإن بادوا فلم يجد منهم أحدا تصدق به، وإن كانت عنوة فهو للمسلمين يتصدق به من وجده، وإن كان للمسلمين فهو كاللقطة إن لم يدعه المبتاع، وإن ادعاه وأقام بينة فيه كان له. وقال مالك فيما وجد في قبر من ذهب أو فضة فهو لأهل ذلك الجيش الذي بسببه أصابه. وقد جرى في كتاب الشهادات وفي كتاب المحاربين ذكر ما يوجد بأيدي اللصوص من متاع والدعوي فيه. [10/ 476]
باب في ضالة الإبل وغيرها
باب في ضالة الإبل وغيرها وذكر نسلها والنفقة عليها، وكيف إن بيعت أو تصدق بها ثم جاء ربها؟ وهل لمن وجدها جعل؟ قال ابن حبيب: ذكرت امرأة لعائشة أنها وجدت شاة فقالت لها: عرفي واعلفي واحلبي واشربي. ومن العتبية من سماع أشهب: قال مالك فيمن وجد بعيرا ضالا يريد: فأخذه فليرسله حيث وجده وليس عليه أن يشهد على إرساله. قال ابن نافع: وأحب إلي أن يشهد على إرساله، قال مالك: ولو عرف به فلم يعرف فليحله حيث وجده، قيل: فيشهد على ذلك، قال: أما المتهم فهو خير له، وليس ذلك على المأمون، قال: وكذلك الآبق إذا عرفه/فلم يعرفه أحد فليخله خير له من أن يبيعه فيهلك ثمنه أو يسجن فلا يجد من يطعمه. وكان عمر ينهي عن أخذ الضالة، وإنما الضالة في الإبل لا يقال ذلك في العبيد. ومن كتاب آخر: قال مالك: كان عثمان إذا لم يجد رب الضوال باعها وحبس أثمانها لأربابها. قال مالك في رواية أخرى: وكان علي بن أبي طالب قد بنى للضوال مربدا يعلفها فيه علفا لا يسمنها ولا يميز لها من بيت المال، فمن أقام بينة على شيء منها أخذه وإلا بقيت على حالها لا يبيعها، واستحسن ذلك ابن المسيب. قال مالك: ومن وجد بعيرا ضالا فليأت به إلى الإمام وينبغي للإمام أن يبيعه ويجعل ثمنه في بيت المال حتى يأتي ربه ولا يوكل بذلك من وجده ليكون [10/ 477]
الثمن عنده. ولكن عند الإمام ليكون أمكن لربه إذا أتى. قال أشهب في كتبه: إن كان الإمام غير عدل فليخلها حيث وجدها وإن كان عدلا رفعها إليه. ومن العتبية من سماع أشهب: قال مالك: ومن جد ضالة فباعها وتصدق بثمنها ثم جاء ربها قال: لم أقل في هذا شيئا ولو جوز هذا للناس لأكل ثمنها الفاجر وقد تصدقت، وقال أيضًا: وضالة المواشي إذا عرف بها فلم يأته أحد تصدق بثمنها، وقال: يتصدق بها ولا يحبس لنفسه منها شيئا، ثم إن جاء ربها فلا شيء له بخلاف المال، قال: ولو نتجت عنده فلا يأكل من نتاجها،/وأما اللبن فعسى قال: وعثمان الذي أمر ببيعها قال: ويعرف صفتها وتباع وتحبس أثمانها فإذا جاء ربها أخذه، وإن لم يأت طالب تصدق به. وقال سحنون فيمن وجد شاة اختلطت بغنمه فهي كاللقطة يتصدق بها ثم إن جاء ربها ضمنها له قال: وله شرب لبنها، قال: وهذا خفيف. قال ابن نافع في موضع آخر. قال مالك في الرجل يكون في غنمه وباديته فيجد شاة بفلاة من الأرض. فأرى أن يحبسها مع غنمه ولا يأكلها سنة أو أكثر منها وله حلابها، ولا يتبع إن جاء ربها إلا بها وبنسلها، يريد: إن كان قائما فإن ذبحها قبل السنة ضمنها لربها إلا أن يخاف موتها فيركبها ولا شيء عليه إلا أن يقدر على بيع لحمها، وقال عبد الملك في غير رواية ابن نافع: فإن ذبحها وأكلها بعد السنة ثم جاء ربها فعليه غرمها له. وأحب إلى أهل العلم أن لا يأكلها بعد السنة بل يتصدق بثمنها. قال غيره: وإن التقط طعاما في فيافي الأرض فحمل ذلك إلى العمران فليبع الطعام ويوقف ثمنه، فإن جاء طالب ليأخذه فإن أكل الطعام أو الإدام بعد قدومه به إلى العمران فإنه يضمن ذلك لربه. وقال أصبغ في العتبية: إذا وجد شاة بفلاة فذبحها ثم أتى بلحمها إلى الأحياء فله أكله كان غنيا عنه أو لم يكن ويصير لحمها وجلدها مالا من ماله، ويطيب له وليس عليه/أن يعرفها، فإن أكلها ثم اعترفها ربها فلا ضمان عليه إلا [10/ 478]
أن يأتي ربها وذلك في يديه فهو أحق به، وأما لو قدم بها الأحياء وهي حية كان عليه التعريف أو يضمها إلى أهل قرية يعرفونها ولا يأكلها الآن وتصير كاللقطة. وقال أشهب في كتبه: قال مالك في ضالة الغنم يجدها الرجل فما كان قرب القرى فلا يأكلها وليعرف بها في أقرب القري إليه، وما كان في الفلوات والصحاري فإن تلك تؤكل وليس عليه أن يحملها فيعرفها، فإن جاء صاحبها بعد أكله إياها لم يضمن له شيئا، قال أشهب: وبلغني عن عبد العزيز أنه قال: إن أخذها ثم أتى ربها أغرمه قيمتها. قال ابن حبيب عن مطرف في ضالة البقر والغنم عن مالك: إذا وجدها بالفلاة فله أكلها ولا يضمنها لربها، وإن وجدها قرب العمران ضمها إلى أقرب القرى إليه يعرفها أو يدفعها إلى من يعرفها، فإن جاء ربها وإلا فأحب إلي أن يتصدق بها ولا يأكلها، فإن تصدق أو أكل ضمن لربها - إن جاء - قيمتها يوم تصدق، قال مطرف: والصدقة بثمنها أحب إلي من الصدقة بها، والاستيناء بثمنها أحب إلي من الاستيناء بها، وليس بواجب ونسلها مثلها، وأما اللبن والزبد فإذا كان بموضع لذلك ثمن فليبع ويصنع بثمنه ما يصنع بقيمتها، فإن كان له بها قيام وعلوفة فله أن يأكل منه بقدر ذلك، وأما بموضع لا ثمن فليأكل ولا بأس أن يكري البقر في علوفتها كراء مأمونا من العطب./وأما الصوف والسمن فليتصدق بثمنه أو به. وقال أشهب في كتبه: فإن كان للبقر من منعة أنفسها والعيش في المرعى والمشرب مثل ما للإبل فهي كالإبل لا يأخذها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل، وإن لم تكن للبقر منعة فهي كالغنم ولا يغرمها إن أكلها إن جاء ربها. قال ابن القاسم: وما التقط من الخيل والبغال والحمير فلتعرف فإن لم يجيء لها طالب تصدق بها. [10/ 479]
وقال أشهب في كتبه: لا تؤخذ الخيل والبغال والحمير فإن أخذها أحد عرفها سنة ثم تصدق بها. قال ابن كنانة: لا ينبغي لأحد أن ينفق على الدابة الضالة ولا يأخذها ولا يعرض لها لأن النفقة عليها سبب إلى إخراجها من يدي ربها وربما جاوزت النفقة ثمنها، قال ابن حبيب: وضالة الدواب له أن يركبها من موضع وجدها إلى موضعه فأما في حوائجه فلا، فإن فعل ضمنها وله كراؤها في علفها كراء مأمونا لا يجر إلى عطب ما بينه وبين أن يبيعها ويتصدق بثمنها أو يأتي صاحبها وليس بقدر حبسه إياها هي والمواشي حد إلا على اجتهاده وصبره، وإذا شاء يصفها فأحب إلي رفع ذلك إلى الإمام إن كان مأمونا إلا فيما خف من الشاة والشاتين فلا بأس أن يليه ويشهره، وقال أصبغ فيه كله نحوه. لقطة 3 ومن كتب أشهب وغيرها/: قال أشهب: وإذا أنفق الملتقط على الدواب والإبل والبقر والماشية فربها مخير بين غرم النفقة وأخذها أو إسلامها فيها، فإن أسلمها فيها ثم بدا له أن يطلبها ويؤدي النفقة فليس له ذلك، وكذلك في الآبق إذا أنفق عليه ثم أسلمه في النفقة، وإن كان لسيده غرماء ولا وفاء له بدينه فأراد إسلامه بما أنفق عليه ملتقطه أو السلطان أو افتدائه نظر فإن كان قد بان فلسه فلا كلام له في العبد وذلك إلى غرمائه على النظر، فإما أسملوا العبد بالنفقة ولا قول للسيد إلا أن يكون في افتدائه رد فذلك له إن شاءوا ودوا ذلك من ماله، وإن كان عليه في فدائه ضرر فله إسلامه بذلك. ولا قول لهم إلا أن يضمنوا له ما وضعوا فيه فله ما ربحوا فيه. قال ابن القاسم: وإذا باع الدواب بعد السنة ثم جاء ربها ولم تفت فليس له إلا أخذ الثمن، وإن كان باعها بغير أمر السلطان بعد السنة فإن جاء ربها فله نقض البيع فإن لم يقدر عليه فلا شيء له غير الثمن إن باعها الملتقط خوفا من [10/ 480]
الضيعة عليها، وأما إن باع الثياب وما لا مؤنه في بقائها فربه أحق به إن وجد بيد المبتاع وإن لم يجده فله إن شاء أخذ الثمن من البائع أو القيمة يوم بيعه إذا لم يبعه من سلطان ولا ضرورة إلى ذلك وكل ما باع من هذا كله بأمر سلطان مضى البيع وليس لربه أخذه إلا الثمن. قال ابن القاسم: وإن تصدق باللقطة/بعينها على المساكين ثم جاء ربها فله أخذها منهم إن لم تفت فإن أكلوها لم يضمنوا. وقال أشهب: إن تصدق بها عن ربها فليس له إلا أخدها إن تفت فإن نقصت فله إن شاء أخذها وإلا أخذ قيمتها من المتصدق بها يوم تصدق بها، وإن أخذها ناقصة فلا شيء له على الملتقط من نقصها، فإن أخذه بقيمتها رجع ملتقطها فأخذها بنقصها من المساكين ولا شيء له عليهم، وإن تصدق بها عن نفسه فلربها أخذها على ما وجدها ولا شيء له على ملتقطها، أو يأخذه بقيمتها إن تغيرت ثم لا شيء لملتقطها على المساكين، قال: فإن لم تفت عندهم بشيء فليس لربها إلا هي ولو أكلها المساكين فلربها تضمينهم مثلا أو قيمة إلا أن يبيعوها فليس له إلا الثمن إن شاء، وإن شاء أخذ ملتقطها بقيمتها يوم تصدق بها عن نفسه أو عن ربها، قال ابن القاسم: وإن وجدت بيد من ابتاعها من المساكين فله أخذها منه ثم يرجع المبتاع على من تصدق بها عليهم، وكذلك لو ماتت، قال غيره: يرجع عليه بالأقل من الثمن الذي وقع إلى المساكين أو من قيمتها يوم تصدق بها الملتقط، ثم إن كان ثمنه أكثر رجع بالقيمة على المساكين، قال أشهب في كتبه: ومن كان شأنه طلب الدواب الضوال والأمتعة والرقيق فيردها على أربابها فله جعل مثله في ذلك على قدر غنائه فيه إن أراد رب ذلك أخذه وإن كره أخذه فلا شيء فيه إلا أن يكون جعل فيه/فعليه ما جعل فيه شاء أو أبى ولولا فساد الناس وأنه يخاف على من أخذ شيئا أن لا يرده إذا لم يجعل له فيه جعلا لم أر لمن أخذ ذلك فيه جعلا إلا أن يكون صاحبه قد جعل فيه جعلا فيلزمه وقاله مالك. [10/ 481]
باب في النفقة على اليتيم واللقيط وولد الغائب وغيره
باب في النفقة على اليتيم واللقيط وولد الغائب وغيره، وفيمن وقفت دابته فأنفق عليها رجل وحمل متاعه من غير كتاب: قال ابن القاسم وابن نافع عن مالك: من أنفق على يتيم فله أن يرجع بما أنفقه في ماله، وإن لم يكن له يوم الإنفاق مال لم يرجع عليه بشيء وهو كالمحتسب قال عنه ابن نافع: وإنما يرجع في ماله بعد يمينه أنه أنفق ليرجع عليه، وقاله أشهب كله. قال ابن نافع عن مالك في يتيم تنفق عليه أمه أو قريب له وهو لا يعلم له قال: فلا رجوع له عليه وإن علم أن له مالا وأشهد أنه أنفق ليرجع فيه فله ذلك وإن لم يشهد فلا يرجع بشيء، وهذا خلاف قول ابن القاسم وروايته. قال أشهب: إذا علم المنفق أن له مالا رجع فيه وإن كان له مال ولم يعلم به المنفق فلا يرجع له عليه بشيء، قال ابن القاسم: وإذا لم يكن له مال فقال: أنفق عليه واتبع ذمته فلا شيء له. قال أشهب: وإني لأرى لو ابتلي بذلك فلم يجد من ينفق عليهم إلا من يتبعهم وخيف عليهم الهلاك لرأيت أن يؤخذوا بذلك ويتبعوا به بشرطهم، وقال في موضع آخر، إلا أن يجعله السلطان لهم لما خيف عليهم من الضيعة فيتبعون له. قال ابن القاسم: ومن إلتقط لقيطا فأنفق عليه فأتاه من أقام البينة على أنه أبنه فله أن يبيعه إن تعمد طرحه، وإلا فلا شيء له عليه. وقال أشهب: لا شيء على الأب بحال لأن المنفق محتسب. قال سحنون: إن أنفق عليه ليتبعه فطرأ له أب تعمد طرحه أتبعه، وإن أنفق حبسه لم يرجع بشيء، وقال أشهب فيمن أنفق على ولد غائب صغار بغير أمره والأب يؤمئذ مليء فللمنفق أتباعه إن أنفق وهو يرى أن له مالا ثم وجده كذلك إذا لم ينفق حسبة بعد أن يحلف: ما أنفق احتسابا، فإن تكل فلا شيء له، وإن أنفق وهو لا يرى أن له ملا لم يرجع عليه بشيء، وإن كان يوم الإنفاق مليا لأنه [10/ 482]
باب في اللقيط هل ينزع ممن التقطه؟ وهل يقبل قول من ادعاه؟
كالمحتسب. وابن القاسم لم يراع إلا أن يكون الأب مليا يوم انفاقه، قال أشهب: واقوي للمنفق أن يشهد بما أنفقه ليرجع على أبيهم، ومسألة من وقفت دابته في فلاة فتركتها مؤيسا منها فأتي من أنفق عليها وقام بها حتى صلحت وماتت دابته فحمل له متاعه إلى بيته ثم جاء فوجده، قال ابن القاسم عن مالك: يعطيه قيمة حمل متاعه وما أنفق على دابته ليأخذ ذلك، وأما في قيامه عليها فلا شيء له إلا ما أنفق، وقد كتبناها في كتاب الإجارة. وقال مالك في الذين خافوا غرق مركبهم فطرحوا متاعهم فوجده آخرون بضفة البحر قال: يأخذه أهله. باب في اللقيط هل ينزع ممن التقطه؟ / وهل يقبل قول من ادعاه؟ وما حكم القيط في دينه وحريته؟ قال ابن القاسم في ملتقط اللقيط ينتزعه منه رجل فخاصمه فيه فلينظر الإمام فإن كان ملتقطه قويا على مؤنته وكفايته رده إليه، وإن كان الذي انتزعه أقوى على أمر الصبي وهو مأمون نظر فيه بما يرى، قال أشهب: إن كانا سواء أو متقاربين: فالأول أحق به فإن خيف أن يضيع عند الأول فالثاني أحق به. قال أشهب: ومن التقط لقيطا فليس له تركه إذا كان أخذه ليمر به، فأما إن أخذه ليرفعه إلى السلطان فأبى السلطان أن يقبله، فليس عليه ضيق في رده إلى موضع أخذه. قال ابن القاسم: ومن التقط لقيطا في قرية ليس فيها إلا الاثنان والثلاثة من المسلمين فهو للنصارى إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه. قال أشهب: هو مسلم التقطه مسلم أو نصراني أو غيرهما من أهل الأديان حين لم يدر أحر هو أو غير حر؟ فكذلك أجعله مسلما، قال مطرف وأصبغ: وإذا التقط النصراني لقيطا فلينزع منه لئلا ينصره أو يدرس أمره فيسترقه. وقال [10/ 483]
باب في حبس الآبق والنفقة عليه، وهل لسيده بيعه؟
أشهب في الرجل والمرأة يدعي لقيط أنه ابن أحدهما فإنه يصدق إلا أن يعلم كذبه، وإن ادعاه ملتقطه أو غيره أنه عبده لم يصدق واللقيط حر كما قال عمر. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب/شجرة إلى سحنون في نصرانية التقطت صبية فربتها حتى بلغت على دينها قال: إن ثبت أنها لقطة فردها إلى الإسلام وهي حرة. باب في حبس الآبق والنفقة عليه وهل لسيده بيعه؟ من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال: السنة في الآبق أن يحبس سنة إلا أن يخاف أن يضيع فيباع، وإذا بلغ السنة بيع إن لم يخف عليه ضيعة. قال مالك في سماع أشهب في الآبق إذا عرف به فلم يعرفه أحد أن يخليه خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويؤكل، أو يحبس فلا يجد من يطعمه، وقال مالك في كتاب آخر: إذا حبس الآبق الإمام سنة وأنفق عليه فلم يأت له طالب بيع فأخذ من ثمنه ما أنفق وحبس الباقي، وقال: وقاله أشهب من كتبه إلا أنه قال: إن لم ينفق عليه الإمام في السنة وخيف عليه الضيعة بيع قبل السنة إلا أن يخاف علي ثمنه فإن خيف على ثمنه خلوا سبيله إن لم يجد من ينفق عليه. وروي عن سحنون: أنه قال: من ينفق عليه في السنة؟ وقد يكون هذا ضررا بسيده إذ قد تغترق النفقة كثيرا من ثمنه. قال سحنون: لا أرى أن يوقف سنة ولكن بقدر ما يتبين أمره ثم يباع ويكتب الحاكم صفته عنده حتى يأتي له طالب. [10/ 484]
باب في الآبق يأخذه أحد ثم يخليه أو يأبق منه
قال ابن القاسم: لا يجوز لسيد/الآبق بيعه إلا أن يأتيه رجل فيقول: هو عندي على صفته أو على صفة يذكرها حال عليها فيجوز بيعه حينئذ منه ومن غيره ولا ينقد الثمن إن كان بعيدا، وقال أشهب في كتبه: لا يجوز فيه النقد وإن كان على مسيرة ليلة. قال أبو محمد: وليس هذا قول مالك في شراء الغائب. قال سحنون: وإن وقع الآبق عند حاكم عدل فحبس ينتظر به مولاه فباعه مولاه وهو في السجن فلا يجوز بيعه إياه، لأن فيه خصومة، لأن مولاه لا يأخذه بدعواه إلا ببينة فباعه مولاه قبل أن يستحق. باب في الآبق يأخذه أحد ثم يخليه أو يأبق منه أو يرسله في أمره فيأبق، وهل يأخذه من وجده؟ قال مالك: ومن أخذ آبقا فأبق منه فلا شيء عليه، وأما إن خلاه فهو يضمنه، وقاله ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون وابن عبد الحكم، قال ابن الماجشون: سواء كان ممن يأخذ الجعل على الإباق أو لم يكن، قال عبد الله بن عبد الحكم: ولو خلاه بعد أخذه لعذر خاف أن يقتله أو يضربه فلا شيء عليه وإن أرسل لسيده النفقة فهو ضامن. قال أشهب في كتبه: وإن أرسله في حاجته فأبق في الحاجة والحاجة يؤبق في مثلها فهو ضامن، فأما حاجة خفيفة في قربها فلا شيء عليه. قال ابن نافع: ومن أخذ آبقا ثم قال: أبق مني. قال: يكشف أمره إن كان من أهل التهم فإن ظن أنه أطلقه لو داهن/ضمنه وإلا لم يضمن، وسواء جعل له طلبه جعلا أو لم يجعل. قال ابن الماجشون: إذا قال: انفلت مني كلف البينة على ذلك وليحلف: لقد انفلت من غيره تفريط ولا إضاعة. [10/ 485]
باب في العبد الأبق يأتي من يدعيه بحكم في يديه
قال أشهب في كتبه: ومن وجد آبقا أو آبقة فإن كان مكان سيده بعيدا فتركه أحب إلي له، وإن أخذه فهو في سعة، وإن كان سيده قريب المطلب فليأخذه أحب إلي من تكره فيتلف، وإن تركه فهو في سعة. باب في العبد الآبق يأتي من يدعيه بحكم في يديه بعبد آبق له على صفته، أو ادعاه ووصه، ولم يأت ببينة ولا بحكم قال ابن القاسم وأشهب فيمن أتى إلى القاضي يذكر أن عبده أبق وقد عقل ببلد كذا وأقام بينة أن عبدا أبق له من صفته كذا وكذا وكتب له القاضي إلى قاضي ذلك البلد: إن حامل كتاب هذا أبق له عبد صفته كذا وكذا فخلاه وعن المكتوب إليه عبد آبق محبوس على هذه الصفة: أن يقبل الكتاب والبينة الذين شهدوا فيه ويأخذ القيمة مالا، وقبل القاضي الأول منه البينة على الصفة ويكتب بها إلى القاضي الآخر، قال ابن القاسم: وإن ادعاه ولم يقسم بينة عليه فلينتظر الإمام ويتلوه فهي فإن جاء أحد يدعيه وإلا دفعه إليه وضمنه إياه، قال أشهب في كتبه: لا يدفع إليه إلا أن يقر له العبد بالملك لأنه لو اعترف بالرق لغيره/لكان له ولم ينفع هذا ما عرف من صفته وحليته. ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنونا عن الآبق يطرحه الحاكم في الحبس فأتى من يزعم أنه له وأقر لع العبد قال ك فليرجع إليه ولا يكلف بينة إذ لا حكم له فيه إلا أن يأتي بحدثان ما صار إلى الحاكم فليتلوم له قليلا خوفا أن يأتي [10/ 486]
له طالب غيره، فأما أن مكث أياما في الحبس فهذا يلزم، فإن طال مقامه في الحبس فهو أبين أن يدفعه إليه ولا يتلوم له، لأن طول سجنه تلوم فيدفعه إليه ولا يكلفه بينة، ثم رجع سحنون فقال: لا يدفع إليه إلا ببينة عدلة طال مكث أو لم يطل. قال ابن كنانة فيمن أبق له غلام من مصر فوقع بالأندلس فأقام بينة عند قاضي مصر أن غلاما له أبق من مصر يعرفونه بعينه واسمه ونعته وخرج منها في زمن كذا، لم يخرج من ملكه، يريد: فيما علموا إلى الآن فأخذ منه كتابا إلى قاضي الأندلس وثبته عند قاضي الأندلس فوجد العبد بتلك الصفة والنعث وأنكر العبد أن يكون هذا سيده قال: لا يأخذه حتى ينظر إليه الشهود ويعرفون أنه هو فإن أتوا من مصر حتى يثبتوه وإلا فلا، وإنما ينفذ/مثل هذا بالكتاب في عبد لا يدعي أحد ولا يدعي هو في نفسه مقر بالعبودية، يريد: لمن قام فيه، أو أرض معروفة لرجل لا يدعيها أحد، أو دين على رجل، فأما عبد بيد رجل أو عبد يدعي الحرية، أو قرية في يد رجل معروفة في يديه فيريد الطالب أن يدرك ذلك بكتاب قاض فيه صفة موافقة لصفة ما يطلب من غير أن يعاين الشهود. فهذا لا يكون ولم أسمع من قضى به. قال ابن عبدوس: وابن القاسم: يجيز الحكم بالكتاب بصفة العبد المنكر، وقال ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون فيمن أثبت عند قاض بينة على غائب بحد أو حق أو قصاص فكتب القاضي بذلك إلى قاض آخر فليقبل المكتوب إليه ما في كتابه ويقضي بذلك على المذكور يريد: ويثبت الكتاب ببينة. قال ابن الماجشون: ولولا ذلك ما انتفع أحد بشهادة شهادة إلا شاهدا معه في قريته هذا لا بدمنه وما لا غنى عنه. قال ابن القاسم وأشهب: ومن أقام شاهدا على آبق له حلف وأخذه وإن لم يقم شاهدا فإن صدقه العبد دفع إليه. قال أشهب في كتبه: بعد أن يحلف مدعيه ثم إن جاء طالب لم يأخذه إلا ببينة عادلة، وإن أقر له العبد بمثل ما أقر به للأول من الرق. [10/ 487]
باب فيمن استعمل آبقا بأجر أو بغير أجر
قال ابن القاسم وأشهب: ومن أقام شاهدا على آبق له حلف وأخذه وإن لم يقم شاهدا فإن صدق العبد دفع إليه. قال أشهب في كتبه: بعد أن يحلف مدعيه ثم إن جاء طالب له لم يأخذه إلا ببينة عادلة، وإن أقر له العبد بمثل ما أقر به للأول من الرق. قال ابن القاسم في الآبق إذا اعترفه ربه من يدك ولم تعرفه فأرفعه إلى الإمام إن لم يخف ظلمه، قال أشهب: إن أقر له العبد بالملك فأنت في سعة من دفعه إليه ودفعك إليه بأمر الإمام أحب إلي، وإن جحد أن تكون سيده/فلا تدفعه إليه فإن فعلت ضمنت العبد. باب فيمن استعمل آبقا بأجر أو بغير أجر قال ابن القاسم عن مالك: ومن آجر آبقا فعطب في عمله ضمنه لربه وإن لم يعلم أنه آبق، وكذلك في تبليغ فهلك فيه، وإن سلم أخذ قيمة عمله يريد: إلا أن تكون الإجارة أكثر، وقال أشهب في كتبه: لا ضمان عليه إذا علم أنه لم يعلم أنه مملوك، وإنما يضمن من استعمل عبدا أو مولى عليه وهو يعلم بذلك عملا مخوفا فتلف فيه. قال المشايخ السبعة: كل من استعان أو استأجر صبيا أو مولى عليه أو عبدا لم يأذن له ربه أن يؤاجر نفسه في مثل ذلك ضامن لما أصابه، فإن كان العبد أذن له ربه في الإجارة في مثل ذلك فاستعانه أحد فيه بغير أجر فهو ضامن له، وإن كان بأجر فلا يضمن. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون في رجل وجد مملوكا قد أبق من سيده فأجره في عمل فهلك العبد في ذلك العمل أو انكسر، فإن كان العبد لصديقه الملاطف واجره على حسن النظر له والتخفيف عنه لكيلا تجتمع النفقة عليه وأجره في عمل مثله وما يحسنه فلا ضمان عليه وإلا فهو ضامن. [10/ 488]
كتاب الأراضي والشعاري وأحياء الموات
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه كتاب الأراضي والشعاري وأحياء الموات في صفة أرض الصلح وأرض العنوة، والتي أسلم عليها أهلها، وما يصلح فيه القطائع والحمى، وشيء من ذكر إحياء الموات/ من المجموعة ونحوه في كتاب ابن سحنون: روى عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق، ومن أسلم على شيء في يديه فهو له وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع شبرا من الأرض بغير حق طوقه يوم القيامة. قال سحنون: فالأرض على ثلاثة أوجه: إما عنوة، أو صلح، أو أرض أسلم عليها أهلا، ولكل واحدة منهن حكم، فحكم العنوة: أنها لا تقسم ولا تباع، بل توقف وتكون خراجًا للمسلمين. كما فعل عمر في مصر والعراق وغيرها. ولا تكون فيها القطائع. [10/ 489]
قال في كتاب ابن سحنون: عاب مالك على من قال: القطائع في أرض مصر، قال: فأما التي صلاح عليها أهلها ولم يغلبوا عليها، فهم أحق بها، يصنعون فيها ما شاءوا من بيع أو غيره، وأما التي أسلم عليها أهلها فلم يغلبوا عليها ولا صولحوا بشيء: فهي على رجلين، وذلك يرجع إلى أنهم يتركون فيها على حد ما أسلموا عليها. فما كان منها مما أسلموا عليه وهو معمور محوز محدود معروف، فهو ملك لربه يصنع فيه ما شاء من بيع وعطية وغيرها، وأما ما أسلموا عليه من جبالهم ودمنهم ومراعيهم التي لا معمل فيها إنما هي مراعي وعفى، كذلك كانت قبل إسلامهم حتى أسلموا عليها، فهي الأرض التي لا تقسم في المواريث، قال في موضع آخر: ولا تملك حقيقة الملك فألفيت هنا، وهي التي جاء فيها: لا يمنع فضل المالك ليمنع به الكلأ. وقال ابن الماجشون نحوه، قال: وكذلك بقيت/مذ كان الإسلام، ولم تكن مما يقسم ولا يباع، بخلاف الحقوق المملوكة بأوجه الملك. قال غيره: وليست مما يأخذه الحدود، إنما هي تجاوز أحياء العرب لمرافقهم ومرعاهم ما دام المرعى قائما والمنافع موجودة، فإذا لم يكن ذلك انتقلوا منها يطلبون الكلأ، وتبقى أوديتهم معروفة بأسمائهم عفى، على هذا كانت في الجاهلية، وعليه تبقى، على أن ملكهم فيها ليس بالتام، وبهذا الأرض كانت الأحمية والقطائع. ومن كتاب ابن سحنون: فكل أرض لم تملك في الجاهلة بإحياء أو زرع، أو أرض لم يعرف بحي من أحياء العرب أنها منتجعهم ومرعاهم، فتلك من الموات، وهي لمن أحياها، وما كان من أرضهم مما نزلوا فيه، وعرف بأسمائهم من بطون أوديتهم ومرعاهم، إنما حازوها بالمرعى والسكن لا معتمل من غرس ولا زرع، إنما هي مرعى وعفى، فهذه التي لا تملك ملك المواريث، وهي التي [10/ 490]
روي فيها: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ. وإنما يملكونها ملك المنافع والمراعي، فلا تجري فيها المواريث والاقتسام، ولا تملك كملك من أحيي بالعمارة، أو اشتري، أو ورث ولا يحيي فيها أحد شيئا إلا بعطية من السلطان، وفيها كانت الأئمة تحمي وتقطع، وما كان من أرض الأعراب من فيافيهم لم تملك بعمارة، ولا عرفت بمرعى ومنتجع، فمن أحيى هذه فهي له. وأما أرض الصلح فما كان منها من عفى لم يعتمل ولا حيز بعمارة كان لمن أحياه أيضًا، وأما أرض العنوة فعامرها موقوف للمسلمين، ولا تكون فيها القطائع، وما كان فيها من موات وشعاري/لم تعتمل ولا جرى فيها ملك لأحد، ولا ميراث، فهو أيضًا لمن أحياه. ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: قال مالك: لا أرى لأحد من الأئمة والولاة أن يقطعوا لأحد من أهل أرض العنوة. قال في كتاب ابن حبيب: أرض العنوة العامرة، قال في الكتابين: بمعنى واحد، واللفظ لكتاب ابن حبيب. قال في كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: وذلك أن العنوة في الأرض المعمورة، لأنها كانت قرى عامرة افتتحت عنوة، وإنما الإقطاع في الأرض الموات، وفيها الخطط ثم أفنية الفسطاط التي بقرب المصلى بالموضع عندنا حيث تشاح الناس، فلا أرى لأحد أن يبني فيها إلا بعطية من الإمام، وموضع الفسطاط إنما كان فلاة لم يكن فيه إلا الحصن فاختط المسلمون ما كان صحة فنزلوه، وبقي الحصن والعمران لم يكن لأحد فيها خطة، لأن الخطط لا تكون في المعمور، قال ابن حبيب: وقاله لي ابن الماجشون وسحنون وأصبغ. [10/ 491]
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: لا أرى أن يحييها أحد بقطيعة من سلطان. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: قرى العنوة التي لم تقسم، إذا أذن السلطان باختطاطها نظرا منه لم لانقطاع ذلك البلد عن أهل الإسلام مثل أهل الأندلس، وهو لو لم يفعل ذلك لم يأتها أحد، ولم يبن بها أحد، وغلب عليها العدو، وقال: لا يفعل ذلك، وليقرها كما أقرها عمر، وقاله ابن القاسم وأصبغ. قال ابن الماجشون: ولو فتحت البلاد فهرب/أهلها وتحصن بعضهم في حصونهم فصولحوا على أن تبقى الأرض الأحياء لهم حتى يقروا فيها ويؤدوا الجزية على أن أرض من مات فيء قال: ذلك جائز، ولمن امتنع حتى صولح ملك أرضه ببيعها إن شاء، ولو حقه في شعرائها، وإن أسلم كانت له، وكل من هرب أو قتل صارت أرضه عنوة، وإن ردوا من الهاربين من رجع في منازلهم على الجزية، فذلك كله عنده لا حق لهم فيها ولا في شعرائها. ... ... شعاري ومن المجموعة: قال سحنون: وأما أرض أفريقية فكشفت عن أصلها، فلم أقع منها على حقيقة من عنوة أو أصلح، وكاشفت عنها علي بن زياد فلم يصح عنده أمرها، ولكن كان يقال لغلمان العرب لما فتحوا البلاد، قيل للوالي، أظنه موسى بن نصير: اختر أن تأخذ الخمس من حيث شئت فأخذ هذه الصوافي مثل طالس، وقمس وغيرها فهذا ما عندنا منها، وقد ذكرنا حكم بلاد الأعراب، وأما منازل البربر التي نزلوا فيها، وهذه السواحل التي على البحر مثل سيمه وغيرها فإنها كانت محرمة كلها حتى فتحت العرب أفريقية، فلما كثر الظلم [10/ 492]
في القطائع والأحمية وما دخل فيه من إحياء الموات
خربت البلاد وزالت العمارة منها، وكانت إذا دخلها العرب عامرة، فلا أدري صالح عليها أهلها ثم جلوا عنها من غير صلح، فهذا الذي نظن أنه كان من شأنها، فإن كانوا جلوا عنها وهي عامرة حين دخلوا العرب من غير صلح فصارت عنوة، ثم عطلها المسلمون حتى صارت شعري ومواتا، فهي لمن أحياها/قال: لا، والسلطان يرى فيها رأيه، ثم سمعته بعد ذلك يقول: وهذا الشعاري التي على سواحل البحر التي عمرها الناس بعدما كانت غياضا، فأرجو أنها أسهل من غيه من لتعط إفريقية التي كانت عامرة، فأما الشعاري العامرة التي لا يتبين أن أحدا ملكها، فمن عمر فهيا فهي أخف عندي وأحب إلي إذا كانت في بعد من العمران، وقد قال المغيرة: إذا قطع رجل بقرب العمران فإن لم يكن ذلك حقا لأحد فكأنه تسهل فيه وبالسلطان أحب إلي. قال سحنون وسئل عن أرض لقوم حلوا فيها وصارت شعري وطال زمانها، أيجوز لأحد أن يعمرها؟ قال: لا، ولكن السلطان ينظر في ذلك، وكان إذا سئل عن أحمية حصون المرابطات بأفريقية يقول: أخبرني عن البلاد أصلح أم عنوة حتى أخبرك بحكمها؟ قيل له: إن ابن غانم هو الذي حددها وذب عنها، قال: أما الذي نعرف أن ابن غانم قال للمرابطين: لم تضيقون على أنفسهم الحدود، ولو احتجتم ما ها هنا إلى موضع كذا كنتم أ؛ ق به؟ وكأني رأيته لو صح عنده أن ابن غانم حدد ذلك وبينه وأوقفه لقلده وحمله منها ما تحمل، وكان كثيرا مما يقف عنها ولا يتكلم فيها بشيء. في القطائع والأحمية وما دخل فيه من إحياء الموات من المجموعة وكتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع وهو قدر ميل في ثمانية أميال حماه لخيل المهاجرين/ثم زاد فيه الولاة بعد [10/ 493]
ذلك، وحمى أبو بكر الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله، وهي خمسة أميال في مثلها، وحمى ذلك أيضًا عمر لإبل الصدقة يحمل عليها في سبيل الله، وحمى أيضًا الشرف وهو نحو حمى الربذة، واستعمل على الحمى مولاه هبب وقال له: أدخل رب الصريمة والغنيمة وإياك ونعم ابن عوف وابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وأن رب الصريمة والغنيمة يأتي ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك. وفي الحديث غير هذا، وقال: والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليه من بلادهم شيئا، وقال لرجل من العرب عاتبه في الحمى، فقال: بلاد الله حميت لمال الله. [قال سحنون: وهذه الأحمية] إنما هي بلاد الأطراف العفى التي لا عمارة فيها بغرس ولا بناء حيث لا يضيق على ساكن، وكذلك الأودية العفى التي لا ساكن بها إلا ما فضل عن منافع أهلها من المسارح والمراعي لسقيها، وفي ذلك تكون القطائع أيضًا لمن رأى الإمام من أهل القرى وغيرهم، وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا فيها نخل من أموال بني النضير، وأقطع له أبو بكر أرضا مواتا يقال لها الجرف. وأقطع الناس العقيق أجمع. [10/ 494]
قال ربيعة: وما أحياه الأعراب من مال في الجاهلية فأحرزوه لماشيتهم، وأسلموا عليه، فلا يدخل/عليهم فيه ضرر أو ضيق عطن أو وطن أو مسرح، قال ابن شعبان وما سبق القطائع من حوز الجاهلية فهو أولى منها، كان في سهل أو جبل أو ظهر أو بطن في شيء من حريمها، ولا حجة لمن ادعى شيئا من هذا. فلم تكن له بيع أو ميراث أو قطيعة أو سلم، وليس لعرق ظالم حق، والعرق أربعة، فذكر نحو ما قال ربيعة في باب إحياء الموات، وكان سحنون يعجبه قول ابن شمعان هذا، قيل لعبد الملك فكيف حوزهم في أوديتهم؟ فقال على الجوار بهم وما عرفوا فهم على ما حازوا، وما سمي لهم لهؤلاء واد. قال عبد الملك: ولو انجلى قوم عن واديهم ثم له آخرون بقطيعة أو غيرها. ثم رجعوا أو بضعهم فهم أحق به إذا كان من رجع يضر بهم بقي من حل فيه باعتهم في مرافقهم وحريمهم، فأما إن كان من حل فيه لا يضر بهم في حريم ولا موضع شرب ولا سانية فلا يمنع، ويصير كأنهم منعوهم في غيبتهم، وهذا شبه منع فل الماء يمنع به الكلأ. فليس لهم ذلك. من كتاب ابن سحنون قال: وهذه الأرض التي لا عمارة فيها لا تمنع من أرض الأعراب، إنما هي لهم مرعى من بطون الأودية وجبال هي التي جاء فيها: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ، فهم في الكلأ والناس سواء، وهم أولى بمائهم حتى يرووا، ولا يمنعوا ما فضل. [10/ 495]
في إقطاع المعادن وميراثها وبيعها
قال ابن كنانة: ولا يغرس أحد على ماء الماشية غروسا، ولا يحيى عليها حقا، وفي الباب الأول من معنى الأول من معنى هذا الباب./ في إقطاع المعادن وميراثها وبيعها من المجموعة وغيرها: روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المربي معادن القبلية. وفي رواية ابن وهب: أقطعه ما بين الصحر والبحر ومعادن القبلية نحورها وجلسها. روى ابن نافع وعلي عن مالك فيما وجد أهل الذمة من المعادن؟ قال: إن كانت في أرض من عفا الأرض فلا يدعهم الإمام يعملون فيها إلا على شيء معلوم يقاطعهم عليه، يكون عليهم للمسلمين، وإن كانت لبعض المسلمين فذلك لربها على ما راضاهم عليه، فإن كانت من جزيرة العرب فلا يقروا فيها كما جاء في الحديث وقد أجلاهم منها عمر، قال سحنون: لا يقرهم فيها إلا على شيء يقاطعهم عليه فلا أعرف هذه المقاطعة، وإنما أرض الموات أرض العرب التي أسلم عليها أهلها. ولهم النفع بها، وليس لهم بيعها. وفيها كانت تقطع المعادن، فلا يؤخذ منها إلا الزكاة، وهي التي لا يمنع فيها فضل الماء ليمنع بها الكلأ، وهي التي حمي عمر فيها وقال: لولا ما أحمل عليها في السبيل ما حميت منها شيئا. وأما فيافي الأرض فهي لمن أحياها، وروي عن مالك: ما ظهر في أرض البربر من المعادن، أنها لا تكون لأهلها، والسلطان يقطعها لمن يرى ومثل ما ظهر في أرض العرب فكان الناس يقطعونها للناس، وكذلك ذكر ابن القاسم: قال: [10/ 496]
ولغني ذلك عن مالك، قال سحنون: ورواية ابن نافع وعلي عن مالك أحب إلي إن كانت في أرض مسلم. وكانت مملوكة فذلك إليه/وأما ما شبهها به ابن القاسم من أرض العرب فليست مثلها، لأن تلك لا يملكها أهلها ملكا تاما. إنما لهم الانتفاع بها، وقال ابن القاسم وأشهب: ما ظهر منها في أرض الصلح أو يأذنوا لهم في العمل فيها دون السلطان، وأما ما ظهر منها في أرض العنوة، فذلك إلى السلطان. قال ابن القاسم في معادن النحاص والرصاص والقزدير والكحل والزرنيخ والجوهر: إنها مثل معادن الذهب والفضة، والسلطان يقطع ذلك لمن يعمل فيه. قال سحنون: إنما كان السلطان يلي معادن الذهب والفضة لينظر في زكاتها ويحوطها، قال ابن نافع: فأما هذه الأشياء فليس فيها زكاة، ولو كان يلي هذا لكان له أنه ينظر فيما يخرج من البحر من العنبر واللؤلؤ. قال مالك في رواية ابن القاسم: ولا يجوز بيع المعادن، لأنه إذا مات الذي عملها أقطعها الإمام لغيره، وقال عنه علي: لأنه لا يدري ما تحت ما ظهر به، قال سحنون: هذه العلة، وأما هذا الذي ذكر ابن القاسم أنه إن مات أقطع لغيره، فكيف يكون هذا إن لم تكن فيه بينة؟ ينفق النفقة العظيمة فإذا أدرك النيل مات فيذهب عمله باطلا، وقد قالوا في المجعول له على حفر بئر، يحفر بعضها ثم يدعها: أنه إن أتمها رب البئر وانتفع بما عمل فللأول بقدر عمله، وقال في موت العامل في القراض أن لورثته أن يتموا العمل فيه إن كانوا أمناء، أو أتوا بأمين، وهذا يشبه الجعل، وقال في المساقاة: وهي سنة الإجارة. يقال لورثته: إن شئتم أن تعملوا لتمام ذلك فذلك لكم، وإلا رجع/الحائط إلى ربه، وقال بعضهم: بل يلزمهم ذلك في ماله. [10/ 497]
في بيع الأعراب مسلماتهم وقسمها
وقال بعض أصحابنا: إذا مات صاحب المعدن فهو لورثته، كبئر الماشية يموت صاحبها أن لورثته أن يسقوا منها بقدر سهامهم فيها، ولا يجوز بيع المعدن ولا بيع بئر الماشية له ولا لورثته، وإن أحق بالبئر حتى يروا. ومن أسلم مصابته من الورثة من أو المعدن فإن مصابته لعامة الناس، ويقطع ذلك الإمام من يراه، يريد: في المعدن. وقال غيره: إن مات صاحب المعدن فلير الإمام فيه رأيه، فإن كان ورثته يقومون على العمل. يتركه لهم، وإلا أعطاه لغيرهم، قال: وقال لي مالك: إن عمر قال لهم في معادن القبلية: أقطعتم ما لم تقووا على عمله فتركتموه، فأخذ منهم بعضه. فترك لهم ما يقوون على علمه. قال ابن نافع: سئل مالك عن معدن بني رجلين تركاه وعطلاه نحوا من أربعة أشهر ثم جاء أحدهما إلى والي المعدن يسأله أن يقطعه إياه ففعل، ولأهل المعادن في ذلك سنة، قال: لا أدري ما سنتهم، أرى إن قام عليه شريكه بحدثان ما أقطع لشريكه أو بعد أن عمل فيه بئرا، فله الدخول فيه معه، وأما إن تركه وهو ينظر إليه حتى عمل وكثر عمله ثم أدرك خيلا، ثم قام عليه فلا شيء له، كما لو أقطع لغيره. وهذه المسألة من أولها في العتبية من سماع أشهب عن مالك. في بيع الأعراب مسلماتهم وقسمتها من المجموعة: قال مالك في واد بين مسلمات الأعراب أرادوا قسمتها بغير محاكمة إلى سلطان فليس لهم ذلك كله، إنما ذلك لهم فيها يجوز لهم بيعه فيه كمصرف العيون والمسيلات الصغار، يعنى ببيع المسيل والسيلات: جمع مسيل، ومصرف العيون: بعض الوادي، قال: (إلا) أنهم يبيعون ما لا يستأصله كله على من لم يأت من المسيل أو على من يعود من الغيبة، لأن ملكه إياها كالعمري ولا يقتسمونه على المواريث ولم يقسم منه لكان الإسلام واد من أودية العرب، قلت: [10/ 498]
باب في إحياء الموات من الأرض وشيء من ذكر القطائع
فإن باع القوم من مسلماتهم وحيث امتنع أن يقطع مما قاربهم وفي أوديتهم، وهل ينتظر الغائب؟ وهل يتبع بعضهم دون بعض من رجال أو نساء؟ قال: البيع في هذا أفسخ منه في حقوق الملك المشترى والموروث، لأن تلك مسلمات الإعراب إنما هو نفي الضرر عنهم من داخل يدخل عليهم ولا هو مما تجرى فيه المواريث ولا تدخل فيه الزوجات ولا مهور النساء ما لم بيع أو يحييه أهله بعمارة أو بئر غير بئر الماشية أو من زرع، فإذا أحيي أو بيع أو وهب فقد صار ملكا لغيره من ملك العروض، فإذا باع ذلك الحاضرون وقد جلا آخرون وقطعوا فلا شيء لهم فيه إلا من خرج على أن يرجع لحاجة أو حج أو غيره إلا أن يبيعه الحاضرون والرجال منهم. فإذا بيع دخل فيه مع الرجال النساء والصغير مع الكبير، ولا يفضل فيه أحد على أحد، ولا يسلك به سبيل المواريث ولا شيء فيه للنساء قبل البيع، فإذا بيع دخلوا في الثمن، ولا يدخلون في دية العمد، ولا شيء لهم في الدم، ولا شفعة فيما بيع من هذا الطارئ، يريد: ممن قد يحلا، ولا لمن ولد من الآن، لأن الملك فيه ليس كسائر الأملاك. وفي باب الكلأ مسألة من هذا الباب مستوعبة. باب في إحياء الموات من الأرض، وشيء من ذكر القطائع من المجموعة وكتاب ابن حبيب: روى ابن وهب وغيره، عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق قال ابن سحنون عن أبيه: وقد وصله محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن [10/ 499]
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن وهب. قال هشام بن عروة في هذا الكتاب: العرق الظالم هو أن يغرس في أرض غيره. قال مالك: هو أن يغرس أو يحتفر أو يتخذ بغير حق، قال عنه مطرف وابن الماجشون في هذه الكتاب: أو ابتنى، قالا: وقال ربيعة: العروق أربعة: عرقان فوق الأرض: الغرس والبناء، وعرقان في جوفها: المعادن والمياه، فكل بناء بني أو غرس غرس أو معدن احتفر أو ما انبسط في حق امرئ مسلم فهو من ذلك، قال عروة في كتاب ابن سحنون نحوا من قول ربيعة إلا أنه قال في الباطنين: البئر والعين. قال مالك في هذه الكتب: ومعنى الحديث في فيافي الأرض وما بعد من العمران. قال ابن سحنون عن أبيه: قال مالك وأهل العلم: ما علمت اختلافا بينهم أن من أحيى أرضا ميتة في فيافي الأرض وأطرافها في بعد من العمران والقرى بغير إذن الإمام أن ذلك له ملكا تاما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قضى عمر بن الخطاب، واختلفوا فيمن أحيى فيما قرب من العمران والقرى: فقال كثير من العلماء من أصحابنا وغيرهم: له ذلك بغير إذن الإمام، وقال آخرون: ليس له ذلك إلا بأمر الإمام ونظره. قال مطرف وابن الماجشون: إن من أحيى أرضا ميتة لاحق فيها لأحد ولا ضرر فيها على أحد مما بعد من العمران، وحيث لا يتشاح الناس فيه من الفيافي والصحاري ولا ماله أهل القرى المسكونة بمراعيهم ومحطبهم، فهي له، وإن كنا لا نأمر أحدا أن يحيى مواتا إلا بإذن الإمام، ولكن إن فعل في هذه الفيافي فهي له، وأما إن أحيى مواتا بقرب المدائن والقرى ونحو العمارة بغي قطيعة الإمام. فليس ذلك له، ولينظر فيه الإمام. فإن رأى إبقاءه له، فذلك له، وإن رأى أن يزيله ويقطعه غيره، أو يبقيه للمسلمين، فعل، ويعطيه قيمة ما عمر منقوضا إن شاء ذلك الإمام أو من يقطعه إياه، وإلا أمره بقطعه. [10/ 500]
قال أصبغ: له إحياء البعيد من العمران بغير إذن الإمام، فأما ما قرب فلا، فإن فعل بغير إذنه أمضيته ولم يتعقبه - قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: أحب إلي أن ينظر فيه الإمام بما رأى، وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وقاله ابن نافع. ومن المجموعة: قال أشهب: من أحيى مواتا فهو له على ما جاء في الحديث، قرب من العمران أو بعد، واستحب له فيما قرب من العمران أن يسأذنه فيأذن له ما لم يكن فيه على أحد ضرر، ولا يستأذنه فيما بعد من المعمران، لأنه لو منعه من ذلك لكان ذلك ظلما. قال ابن سحنون: وقرأت على سحنون من الشعري المذكور، عن ابن القاسم أن ما كان قريبا من القرى مما تلحقه الماشية بالرعي في غدوها ورواحها، وهي لهم مسرح ومحطب، فلا يدخل ذلك في هذا الحديث. قال: ولأهل القرى قسمة الشعري بينهم على عدة القرى بالسواء لا تفضل قرية كبيرة على صغيرة، ويكون لكل واحدة ما يقع لها من تلك الشعري مما يليها، وقد يغل ما يقع لها يكرم ما يليها من الشعري، وقد يكثر لدناتها، فأنكر سحنون قوله: تقسم الشعري وقال: المعروق لمالك وابن القاسم خلاف هذا: إن ما قرب من العمران لا يحييه إلا بقطيعة، فإذا جعله في هذه الرواية عن ابن القاسم ملكا لأهل القرى يقتسمونه، فكيف يقطعه الإمام لمن يرى؟ فالمعروف لابن القاسم غير هذا وعلى ما قلت لك، وهو قول ابن كنانة وأشهب وغيرهما: إن الشعري والمسارح إن لم يكن لها مالك حتى يغير المرعى والمحتطب فهي كالموات، فما كان منها بقرب العمران فلا يجوز لأحد أن يحييه إلا بأمر الإمام ينظر فيه، فما كان على أهل القرى فيه ضرر من مرعى ومسرح ومحتطب ونحوه منع منه. قال سحنون في المجموعة: وسواء كانت أرض صلح أو عنوة، أو أرض أسلم عليها أهلها. [10/ 501]
قال ابن كنانة في أرض متقاربة أو متباعدة بينهم مسارح تجمع فيها مواشيهم، هل لبعضهم عمارة تلك المسارح بالغرس والحرث؟ وهل ملك المسارح بينهم بالسواء، أو لبعضهم دون بعض، فمن قرب منها كان أكثر أرضا وعمارة؟ فقال: لا يقسم ذلك بينهم، لأن لكل واحد منهم أن يرعى في جمعه، ولو قسم لكان من بيع الكلأ المنهي عنه، فلا يجوز أن يحيى من ذلك بالغرس إلا ما لا يضر من ذلك بأهل القرى في مسارحهم وأمورهم تسعه البلاد وبعد ذلك من العمارة، فأما ما قرب من العمران فلا يحيى إلا بإذن الإمام. ومن المجموعة: قال سحنون: وقد أقطع عمر العقيقة وهو قرب المدينة، فلم يؤخذ إلا بإقطاعه لقربه، قال: ومسافة يوم عن العمارة بعيدة. ومن الكتاب ابن سحنون: قلت: فهل لما قرب من العمران أو بعد حد معلوم؟ قال: ما رأيت من وقت فيه من أصحابنا. وأرى ما كان من العامر على اليوم وما قاربها مما لا تدركه المواشي في غدوها ورواحها، وما نتقطع فيه الحجة بضيق المسرح، فأراه من البعيد ومن الفيافي، وأما ما تدركه المواشي في غدوها ورواحها، أو في غدوها ثم تروح، أو أبعد من ذلك قليلا مما فيه المرفق لأهل الغامورة فذلك يدخله نظر السلطان. فلا يحيى إلا بإذنه بعد اجتهاده ونظره ومشورته أهل الرأي. ومن المجموعة: قال سحنون: وإن أتى قوم من قرية بعيدة من العمران فأحيوا فيها وعمروا، ثم أتى آخرون فأرادوا أن يحيوا معهم وبقربهم فلا يفعلوا إلا بإذن الإمام، لأنها قد صارت عمارة، فلا يعمر أحد بقربهم فيما عليهم فيه ضرر، ولكن يكون بإذن الإمام واجتهاده فيما لا ضرر فيه على الأولين. قيل لعبد الملك في أرض أسلم عليها أهلها: أيقطع فيها الإمام؟ قال: أما في أطرافها حيث لا يبلغه المرعى والمسرح فيقطعه لمن يرى فيما لا يضر بأهل [10/ 502]
العمران، قلت: فهل يكون ذلك لحي من العرب يدخلون به في اسم غيرهم؟ قال: ما سمعت أنه يكره ذلك لدخول/بعض أحياء العرب على بعض، وإنما تكون القطائع في ذلك لغير المواشي، ويدخلون غير المرعى ماء العيون، والمعادن والازدياد من حي في أطرافه مسلماتهم لمواشيهم، فلا بأس به، ولا أعلم ذلك يكون لحي من العرب على حي، وقال بعض أصحابنا: إنما ذلك في الحيين من العرب يتجاوران فيضيق بأحدهما حيزه، ويكون حيز الآخر واسعا، فيريد أن يقطع له من أطراف مسلم الآخر فيزاد في مسلمه للمرعى، فهذا ليس لهم، ولا فيما مضى من شأنهم أن يدخل حي على حي إلا يريدوا أن يجروا العين تحت الأرض ما مسلم غيرهم وليس مما يضر به، فلا بأس به. قال ابن الماجشون: وقال بعض أصحابنا فيمن حفر بئرا على طريق مسلوكة في مسلمات الأعراب فتصدق بها: أنه نافذ وإن لم يكن بقطيعة، وإن كان على غير الطريق لم يجز إلا بقطيعة من السلطان، وليردم إلا أن يكون بأطراف البلاد حيث لا يتكلم فيه أحد. وروى ابن وهب أن عمر بن عبد العزيز قضى بين بني حارثة وهوبالربذة وقد تشاجروا في المنازل، فحكم أن ينزل بعضهم على بعض على مائتي ذراع، بحيث لا تتبين امرأة ولا يسمع كلام لحي. قال ابن سمعان: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: كانت أحياء أهل البادية إذا نزل بهم القول يريدون المقام معهم ميلا في ميل لمراتع بهمهم ولقاحهم ومرابط خيولهم ومخرج نسائهم إذا كانت الأرض مهمه، وإن كانت قفرة فحريم القلب العلوية خمسون ذراعا، وحريم النواي خمسة/وعشرون ذراعا وتصرف حمامتان لهم لماشيتهم، وماشيتهم إلى ناحية على حده شرقا أو غربا أو غير ذلك، [10/ 503]
في أهل الذمة إذا أحيوا أرضا ميتة
فإن ضاقت الأرض فهي بينهم بالحصص إلا أن يكون لأحدهم حق ثابت فيمنع له حريمه، ولا يمنعه فضل الماء ليمنع به الكلأ، فكان سحنون يعجبه حديث ابن سمعان هذا. في أهل إذا أحيوا أرضا ميتة ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن أحيى أرضا ميتة من أهل الذمة في أرض موات الإسلام، فذلك لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيى أرضا ميتة فهي له إلا أن يكون ذلك في جزيرة العرب لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يبقن دينان في أرض العرب ولذلك أجلاهم عمر. قال مالك: وجزيرة العرب: الحجاز ومكة والمدينة واليمن. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله، قالا: أن عمر نفى بين مكة والمدينة وجزيرة العرب والحجاز كله والحرد واليمن، أعطي قيمة عمارته وأخرج، فإن عمر في غير ذلك في بعد من العمران فذلك لهم، فأما في قرب العمران فإنه يخرج ويعطى قيمة ما عمر منقوضا، لأن الذمي ليس ممن يقطعه الإمام، لأن ما قرب من العمران كالفيء، ولا حق لهم في الفيء. فيما يكون من العمارة إحياء، وما قطع بقرب من العمران هل يحتاج إلى إحياء؟ من المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال مالك: وإحياء الأرض أن يحفر/فيها بئرا أو يجري عينا. [10/ 504]
ومن الإحياء: غرس الشجر والبنيان والحرث، فما فعل من ذلك فهو إحياء وقاله ابن القاسم. قالا: وكذلك لو سبل عنها. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: الإحياء في الموات البعيد عن العمران: حفر الآبار، وشق العيون، وغرس الشجر، وبناء البنيان، وتسييل الماء عن الردعة من الأرض، وقطع الغياض، والفحص عن الأرض مما تعظم مؤونته، وتبقى منفعته حتى يصير مالا يعتد به، وتبقى منفعته، فهذا وشبهه إحياء. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم وأشهب وجميع أصحابنا لا يكون الرعي إحياء، قال ابن القاسم: ولا حفرهم بئرا لماشيتهم إحياء، وهم أحق بمائهم، وما فضل فالناس فيه سواء. وقد قال أشهب: إذا نزلوا أرضا فرعوا ما حولها فهم أحق بها من غيرهم، وذلك إحياء، لأنهم قد راعوا وينظرون أن يزرعوا فلم يعجب سحنون قول أشهب. ومن المجموعة: ذكر عن أشهب مثله وقال: ألا ترى المعدن إذا حازه فعمل فيه كان أحق به ما أقام عليه؟ كذلك هذه، ذلك إحياء لها ما اقاموا عليها غير معطلين لها، فإن عطلوها فالناس أحق بها. قال ابن كنانة: سبب أن له ثمرة بموضع كذا إلى موضع كذا، فليس هذا بشيء. قال ابن القاسم: وليس التحجير إحياء. قال أشهب: وقد روي عن عمر أنه ينتظر به ثلاث سنين وأنا أراه حسنا، ثم من أحياها بعد فهي له. قال: ولو أخذ غيره في إحيائها فقام عليه يحجرها فأراهما فيها شريكين. [10/ 505]
ومن العتبية م رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وذكره ابن عبدوس فقال: وقال غيره: ومن أقطعه الإمام/أرضا بقرب العمران كانت له وإن لم يعمرها، ويبيع ذلك إن شاء ويورث عنه. ومن المجموعة: قال أشهب: ومن تحجر أرضا بعيدة من العمران، فلا يكون أولى بها من أحد، حتى يعلم أنه تحجرها ليعملها إلى أيام يسيرة حتى يمكنه العمل، ولو لم يتحجره حتى يقطعه من الناس ليعمله يوما ما، ولو تحجر كثيرا وعمل فيه يسيرا، فهو كمن تحجر يسيرا وأخر عمله، فإن كان قويا عليه وإنما أخره لأيام تتبين فيه الأرض، أو أخره لغلاء الأجر أو نحوه من العذر الذي يؤخر له الناس أعمالهم، فذلك له، إن رأى أنه إنما تحجره وهو لا يقوى عليه، فله منه ما عمر، ويشرع الناس فيما لم يعمر. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث ما بين الصخر والبحر، ومعادن القبلية، فقال له أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعك ما لا تطيق، فخل بيني وبينه أقطع فيه، فقال: اقطع ما بدا لك، فأقطع فيه، وبقي لبلال. وفي حديث آخر: أنه أقطعه من العقيق ما يصلح فيه المعتمل، فلم يعمله، فقال له عمر: إن قدرت عليه فاعمله، فما عملته فهو لك، وإلا أقطعته للناس. فقال: قد أقطعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليك فيه شرطا، فأقطعه عمر ولم يكن اعتمل فيه بلال شيئا. قال ابن كنانة فيمن نزل منزلا فلم يعمر فيه غير منزله، فأراد رجل أن ينزل إلى جانبه فمنعه، قال: ليس له أن يمنعه، وليس للباني أن يضر به فيما عمر، وليس للحريم حد إلا ما يمنع من الضر. قال ابن القاسم وأشهب: وليس حفر بئر الماشية إحياء/، ولا يمنع فضل مائها، وهو الذي جاء فيه: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ. قال أشهب: [10/ 506]
فيمن أحيى أرضا مواتا ثم استحقت أو أحياها ثم عطلها فدثرت
وهذا في ارض الأعراب حيث المراعي، فإذا كانت البئر لا تملك وله النفع به فليس بإحياء، وأما من حفر بئرا بفلاة من العمران، ثم جاء آخرون فنزلوا قربه، فإنهم يمنعون مما يضر به. فيمن أحيى أرضا مواتا ثم استحقت، أو أحياها ثم عطلها فدثرت، فأحياها غيره، ومن أقطع أرضا فتركها حتى عمرها غيره بإقطاع أو غيره من كتاب ابن حبيب وغيره: ذكر حديث حميد بن قيس فيمن أحيى أرضا مواتا لا يظنها لأحد، ثم أتى من يستحقها بالبينة، فقضي عمر أن لرب الأرض إن شاء أعطى الذي عمر قيمة ما أحدث فيها، وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه. ومن رواية مطرف أن الصديق قطع لرجل أرضا فأحيى فيها وعمر وغرس، ثم جاء آخر بقطيعة من النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختصما إلى عمر فقضى للأول أن يعطيه فيه ما عمر وأحيى ويخرجه، فقال: لا أجد، فقال للآخر: أعطه قيمة أرضه بيضاء، فقال: لا أجد فقضى أن يكون ذلك بينهما، هذا بقيمة الأرض، وهذا بقيمة العمارة، وبهذا الحديث أخذ ابن القاسم. قال مطرف وابن القاسم: إن قول مالك والمغيرة وابن دينار وغيرهم من علمائنا أن ليس للذي عمر أن يعطي لرب الأرض قيمة أرضه إذا أبى رب الأرض أن يعطيه قيمة عمارته، ولكن إذا أبى رب الأرض أن يعطيه قيمة العمران كانت الأرض بينهما، هذا بقيمة/أرضه براحا وهذا بقيمة عمارته قائمة، وتفسير ذلك أن تقوم الأرض اليوم براحا، ثم تقوم الأرض بعمارتها، فما زادت قيمتها بالعمارة كان العامل به شريكا لرب الأرض، وهذا مستوعب في كتاب الاستحقاق. [10/ 507]
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: بلغني عن مالك فيمن أحيى أرضا بالعمارة فتركها حتى عفت آثارها وهلكت أشجارها، وطال زمانها ثم أحياها بعد ذلك غيره، إن الثاني أحق بها إذا أحياها. قال ابن القاسم: وهذا فيمن أحيى في الموات فيما ليس بأصل ملك له بخطة أو شراء، فأما ما كان له فيه أصل ملك: فهذا ليس لأحد إحياؤه، وهو الذي جاء فيه حديث حميد بن قيس. قال سحنون: من عمر أرضا مواتا فقد ملكها لا تخرج من يده بتعطيله إياها. وإن عمرها غيره فالأول أحق بها. قال ابن عبدوس: قلت له: ولا يشبه الصيد الذي صاده رجل ثم نذ واستوحش فصاده آخر؟ قال: لا. ومن العتبية: قال أشهب عن مالك: وسأله رجل فقال: إن عاملنا أقطعني أرضا أربع مائة ذراعا من حد كذا إلى كذا، فغيب عنها فوثب عليها رجل يعمرها وبنى فيها، فقدمت فقمت في ذلك، فقال: لا أراك حزت ما أقطعك بعمارة ولا نماء حتى عمرها غيرك، فأمرك ضعيف. قال: كنت غائبا. قال: كم غبت؟ قال: ثلاثة أشهر، قال: فما أعلمه أحد بقطاعك؟ قال: ما أدري، قال: فلعمارته مؤنة؟ قال: نعم بنى فيها حوانيت. قال: من أقطعك؟ قال: والينا. قال: فمن أذن له أن يقطعك، أمرك ضعيف، فارفع ذلك إلى/السلطان. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن أحيى مواتا بما يحيى به مثله ثم تركه حتى عفت آثاره، ويبست أشجاره، وغاضت مياهه، وعاد مواتا كما كان، وأحياه غيره، فإن كان بحدثان ترك الأول إياه وبحوالة عمارته، فهو للأول، ثم ينظر للثاني، فإن عمر عن جهل بالأول فهي شبهة، وله قيمة عمارته قائمة، فإن كان عن علم بالأول، فإنما له قيمة نقضه، قالا: وإن عمرها عن طول ترك الأول لها، وكان تركه كالإسلام لها وترك إعادتها فهي للآخر، غير أنه ينبغي للإمام أن ينهي أن يفعل مثل هذا دونه لأنه ذريعة إلى إدخال الشبهة في عمرانهم وقطائعهم، قالوا: وسواء أحياها الأول بإذن الإمام أو بغير إذنه. قال: وإن ادعى الأول تركه لها لم يكن إسلاما لها، وأنه كان على إحيائها، فلينظر، فإن كان بعد العهد وطال [10/ 508]
في الشعرى والبور يكون بين القرى أو قريبا منها هل لهم قسمة ذلك؟
جدا بعد أن عفت، فلا قول له، وإن قرب العهد فذلك له، قالا: وإن أقطعه الإمام أرضا ولم يقدر على عمارتها فليس له أن يحجرها عن الناس، وللإمام أن يقطعها غيره ممن يقدر على عمارتها، كذلك لو تحجر أرضا حيث يجوز له الإحياء بغير إذن الإمام، فلا يجوز له أن يحجر ما يضعف عن عمارته، وللإمام أن ينظر فيه، فإن رأى أن له قوة على عمارته فيما قرب من عامين وثلاثة خلاه، وإلا أقطعه لغيره. قال: والذي يقطعه الإمام أرضا فلم يقو على عمارتهما فله أن يبيعها ويهب ويتصدق ما لم يكن في عجزه عنها فيقطعها لغيره. ومن هذا في باب ما يكون في العمارة إحياء. في الشعري والبور يكون بين القرى أو قريبا منها/هل لهم قسمة ذلك؟ وكيف يقسم؟ ابن حبيب: اختلف أصحابنا في قسمة الشعري والبور بين أهل القرى المحيطة والشارعة إليها، ولم يجتمعوا على القضاء بقسمته، فقال ابن وهب وأشهب: لا يقسم بينهم، اجتمع رأيهم على قسمتها واختلفوا، لأن البور والمسرح ليس لهم، وهو من أعفا الأرض، وفيه لكل المسلمين حق في مناخ لهم لإبلهم ومرعى دوابهم من المارة وغيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ فإذا قسموه فقد منعوا الكلأ يجوز كل واحد منهم حظه إلى قريبه، وكذلك قال اصبغ إنه لا يقسم البور بين تلك القرى لأن فيه منفعة المارة في الرعي، وهو كالكلأ في الفيافي، لا يجوز منعه، إلا أن يكون البور في داخل حوز كل قرية قد أحاطت به حدودها، فهذا يقسم بين أهل القرية إن شاءوا، فأما الذي أحاطت به القرى وحد كل قرية ينتهي إلى البور ثم يقف، والبور بائن من القرى فلا يقسم، وإن اجتمعوا على ذلك، فأما الذي في داخل حدود القرية فلهم قسمه كالساقية للدور، قال: [10/ 509]
فإن أحبوا قسمه فلا يقسم بمراد بعضهم حتى يجتمعوا كلهم وقسم بتراض منهم، أو يجتمع على قسمه رؤساء القرية ومن إليه أمرهم فيقسم على قدر ما لكل واحد من أهل القرية، وقال داود بن سعيد بن دينر صاحب مالك: نحو قول أصبغ، وقال ابن الماجشون في البور الذي أحاطت به القرى فلهم قسمه إن أحبوا، ومن دعا منهم إلى قسمه قضي له على الباقين بالقسم، وليس ترك من كان قبلهم يمنعهم قسمه، وقاله مطرف وابن القاسم، وقد وصف محمد بن يحيى النسائي لمالك شعري الأندلس، وسأله عن ذلك فقال: يقسم إذا طلب ذلك بعضهم ثم لمن شاء أن يبور سهمه، ومن شاء اختزنه. وقال ابن نافع مثله. قال ابن حبيب: وقسمه الشعري بين أهل القرية إذا تداعوا إلى ذلك لأنها أفنيتهم. وإنكاح قريتهم، ومحطهم، ومسارب ماشيتهم، ألا ترى أنه ليس للسلطان أن يقطع منه لأحد شيئا، لأنه حق لهم كالساحة للدار أو الدور فهي لهم إذا أحبوا قسمها أو دعي إلى ذلك بعضهم، وكانت تحمل القسم لسعتها، فلتقسم بخلاف العفاء فيما بعد من القرى مما لا تناله الماشية من الغدو والرواح، ولا ينال منه الاحتطاب إلا بالكلفة. فذلك لا حق فيه للقرى التي تجاوره إلا بقطيعة من الإمام يقطعه أهل القوة على إحيائه منهم أو من غيرهم إن رأى ذلك أرفق بالناس، وإن رأى أبقاءه عفاء أبقاء، وكذلك فسره مطرف وابن الماجشون، وقيل: ومثله عن ابن القاسم. قول ابن حبيب: ليس للسلطان أن يقطع منه أحدا شيئا. لا يصلح، لأن ما قرب من العمران لا يحيى إلا بقطيعة من السلطان، هذا قول أصحاب مالك، وقال بعضهم: يجوز أن يحييه بغير إذن الإمام، وأما قوله: فيما [10/ 510]
بعد مما لا تناله الماشية في الغدو والرواح، فإنه لا حق فيه للقرى التي تجاوره إلا بقطيعة من الإمام، فإن كان يريد قرى غير هذه تجاوره في الشعري التي أحاطت بها القرى أن ذلك يقسم، لأنه ليس للسلطان أن يعطيه لأحد، فقد نقض قوله: أن ذلك كساحة الدار، وإن دعا أحد/إلى قسمتها فذلك له، فهذا لا يصح ولا يقسم إلا باجتماعهم وتراضيهم، ولو قسمت بالسهام وقع نصيب هذه قبالة باب هذه، كذلك قال سحنون، قال سحنون: وفيها قول أنها تقسم إذا اجتمعوا بغير سهم، ويعطى كل واحد منهم نصيبه قبالة بيته، وروى ذلك عن مالك. ومن كتاب ابن سحنون: قرأت على سحنون من كتاب الشعري من القرى مما تلحقه الماشية في الغدو والرواح فهو لهم مرعى ومحتطب ن فلا يكون لمن أحياه، ولأهل تلك القرى قسم تلك الشعري بينهم على عدد القرى، لا ينظر إلى صغر قرية ولا كبر أخرى، فتأخذ كل قرية منابها مما يليها بالسواء، وقد يقل ما يقع لقرية لكريم ما يليها من الشعراء وقد يكثر لدناءتها، فأنكر هذا سحنون وقال: المعروف لمالك وابن القاسم وغيره خلاف هذا، وذلك أن الناس لم يختلفوا فيما بعد من العمران أنه يحيى بقطيعة من الإمام، واختلفوا فيما قرب فقال كثير منهم من أصحابنا وغيرهم: أن للرجل أن يحييه دون إذن الإمام، وقال الآخرون: لا يحييه إلا بقطيعة من الإمام، وهذا خارج من هذين القولين، فإذا كان لهم أن يقسموه فلا معنى لنظر السلطان وإقطاعه. ومن العتبية: روى محمد بن خالد عن ابن القاسم في مسرح أراودا قسمته قال: ليس ذلك لهم ولا تقسم المسارح، إنما تقسم الأرضون. وروى عنه أصبغ في قرئ أحاطت بفحص عظيم أكثره بور يرعى فيه ويحتطب، أرادوا قسمه، قال:/ليس ذلك لهم، ويبقى مرعى لهم ولمن بعدهم، وللمارة. قال ابن سحنون: قرأت عليه من هذا الكتاب: وإذا كانت الشعري بين القرى، والقرى يسرعون إليها بمواشيهم واحتطابهم، وبعضهم أقرب إلى الشعري من [10/ 511]
بعض، فأرادوا قسمتها، فإنها تقسم على عدد القرى، وذكر مثل ما تقدم، قال: كذلك الشعري يكون للقرية القريبة منها مثل ما يكون للبعيدة من هذه القرى، وإن كانت على ثلاثة أميال ونحوها، ومبناهما متصل بتلك الشعري، فلها في القسم حصتها على عدد القرى يأخذه من ناحيتها، وإنما قسمته على عدد القرى، وجعلت حد الصغيرة والكبيرة سواء لما جعلت لمن بقي منهم ولعلها لبعضهم دون بعض وكلهم يدعيها، فيعطى أهل كل قرية ما يقع لهم مما يليها إن كريما فبقيمته، أو لئيما فبقيمته، قال: لو كان يقطع بين أرض هذه القرى البعيدة وبين الشعري نهر عظيم، أو جبل صخر لا نفع لهم فيه، فلا يدخل أهل القرية في قسم الشعري إلا أن يقيموا بينة أن لهم فيها حقا. قال سحنون: قد أعلمتك بقول ابن كنانة وأشهب وابن وهب وابن نافع أنها لا تقسم وإن اجتمعوا على قسمها، ابن نافع إلا أن تكون الشعري لهم بوراثة، أو شراء، أو ملك بوجه من الوجوه، فله قسمتها بقدر ملكهم فيها، وإن كانت على غير ذلك فهي إلى الإمام وله أن يقطع فيها من يرى. قال سحنون: وإذا لم يكن لهم فيها إحياء إلا بالمرعى والمسرح والمحتطب/فليس ذلك مما يوجب الملك الذي يوجب القسم، ولكن يبقى على ذلك، ومن أراد الإحياء فيها بالعمارة فيأذن الإمام على اجتهاده مما لا يضر بأهل القرية في مرافقهم منها. قال سحنون: وفي بعض ما ذكر ابن القاسم في القرية التي حال بينها وبين الشعري صخرة أو نهر ما يدل على صحة قول ابن كنانة ومن معه، لأن ابن القاسم لم يجعل لتلك القرية المرعى والمحتطب في الشعري حظا في قسمتها، وكذلك قوله: وقبسمتها بينهم، إذ لا أدري لمن هي منهم وكلهم يدعيها، فهذا يدل على أنها لهم بملك غير الإحياء بالرعي والمحتطب، ولو كان ذلك بإحياء الرعي والمحتطب ما ساوى بين القرية الصغيرة والكبيرة في القسم. وقال عبد الملك: يقسم بينهم، ويدخل معهم أهل القرية التي قطع بينهم وبين الشعري نهر أو جبل أو صخرة. قال عنه ابن حبيب: نهر أو محجة أو [10/ 512]
جبل، أوصخرة أو حرة لا تحرث، ويعطي كل قرية ما يقطع لهم مما يليهم كان لئيما أو كريما بالقيمة لأن أخذ ما يليهم أرفق بهم. قال في كتاب ابن حبيب: ويعطى أهل كل قرية منفردة حظهم مما يلي نهرهم أو حرثهم القاطعة بينهم وبين الشعري، وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم: أنهم لا يدخلون معهم، واختار قول ابن الماجشون. قال سحنون: فلو قال عبد الملك: إن السلطان يقطعهم ذلك بينهم لئلا يضر بهم من يحييه من غيرهم لكان وجها، وقد خلط في بعض قوله فقال: فادعى أهل القرية التي خلف النهر أو الصخرة أن لهم في الشعري حقا معهم،/وقال أهل القرى: إن الذي يصل لهم منا ناحية منزلهم صادف كرما أو دناءه. قال سحنون: فصار هذا كإقرار منهم أن للمنفردة منهم في الشعري حقا. قال ابن القاسم في كتابة هذا: وإذا كانت قرية تلي أرضها الشعري وقرى خلفها قد انقطعوا من الشعري بأرض هذه القرية، أو بحور معروف، أو بجبل صخرة فأهل القرية التي تليها أحق بها ولا يدخلون معهم فيها، وإن يرعون فيها، ولا يوجب المرعى حقا فيها إذا لم تتصل أرضهم بها، ويقسمها أهل هذه القرية على قدر أملاكهم في القرية، فكذلك تقسم بينهم الشعري بالقيمة والسهم، ولم يجعل ذلك مثل القرى حول الشعري فيدعونها فتقسم بينهم بالقيمة بلا سهم يأخذ كل واحد مما يليه. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: وسئل أشهب عن الشعري يكون مسرحا لماشية ومحتطبأ ولبعض القوم حرفه في بعض ذلك المسرح بيعده من القرى لها بياض يسير هل يعطى من المسرح بقدر بياضها في القسم؟ قال: لا تقسم الشعري وإن اجتمعوا على ذلك؛ لأن هذا من العفاء، ولعامة المسلمين فيه حق في الرعي والمراح والمادة وغيرها، وقسم ذلك مع الكلأ فأشبه ما نهي عنه [10/ 513]
من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ، ولو أجزت قسمتها جعلت لصاحب القرية الخربة بقدرها من قراهم، ولم أر القسمة فيها قسمة مضرة من تضييق الواسع وخراب العامر إلا باجتماع منهم، ولكن لا يجوز قسمتها لأنها ليست لهم وهي من العفاء. قال:/قال نحوه ابن وهب. وقال ابن وهب في قرى أهل يريدونهم أو من اشترى منهم أو من غيرهم أن يمنعوا في شعراهم ما أحيوا أو غرموها. قال: لا يمنعوا من ذلك. قال سحنون: سألت ابن نافع عن قول أشهب وابن وهب قال: إن كانت الشعري لأهل القرى بوراثة أو شراء أو بوجه من الوجوه، فلهم قسم بورها، وإن لم يكن ذلك فذلك للإمام يقطعه من شاء، قال ابن سحنون: فرأيت سحنون ينحو إلى معنى ما روي عن ابن القاسم في قسم الشعري: أنه بمعنى ما ذكر ابن القاسم. نافع: إنه إذا ذكر أهل تلك القرى أن الشعري بينهم بملك أو وراثة أو أمر قد سمع وتقدم عهده فقدت فيه البينة. قسم ذلك على دعواهم من الملك وهو وجه ما ذكر. عبد الملك أنه قال في الشعري بين القرى: إذا كان أهل القرى يدعونها لا ينازعهم فيها أحد، وكان قد تحقق أنها لهم دون غيرهم بسماع من الناس يترجح بذلك فأراها لهم دون غيرهم، فإن قسموها فإنما تقسم على عدد القرى الكبيرة والصغيرة سواء مما يقع عليها اسم قرية، ويعطى أهل كل قرية نصيبهم مما يليهم، ولا ينقص هؤلاء لكرم ما يليهم، ولا يزاد هؤلاء لدناءة، وكذلك قال ابن حبيب عنه من أول المسألة وزاد من كتاب ابن حبيب بغير تقويم وإن اختلفت في الكرم والدناءة، والشعري بين القرى كالأفنية بين الدور، قال في [10/ 514]
الكتابين: لأن ذلك لو عدل بالقيمة والزرع لاستفاض ودخل بعضهم على بعض. قال في كتاب ابن حبيب: إلا أنه لا يضر بهم/ولا يدخل بعضهم على بعض بالتعديل لسعته، فيعدل بالقيمة. ويزاد في اللئيم، وينقص في الكريم ما كان فيما يلي كل قرية ما ينتفع به، ولم تدخل واحدة على الأخرى بالتعديل ضررا، فإذا خيف ذلك أمسك عن تمام التعديل ولم يكن للأخرى غير ذلك. قال في كتاب ابن سحنون: ولو باعوا جميع هذه الشعري لكانت حقوقهم منها على ما وصفنا. قال في الكتابين وأما إن كانت هذه الشعري بناحية من النهر لا يضرهم أن تكون حقوقهم منها حيث كانت، فهذه تقسم بالتعديل في القيس عن تساوت، وعلى القيمة إن اختلفت في الكرم والدناءة فيزاد في الزهيد على الكريم في القيس، قال في كتاب ابن حبيب: ثم يضرب بالسهم بينهم، يقع ذلك حيث وقع، وسواء كانت القرى في القرب من الشعري بمنزلة سواء، أو كانت لاصقا بها، وأخرى على الميل والميلين إلا أن بعضهم متصلا بها، فإنما تقسم بالاجتهاد. قال في كتاب ابن سحنون: إلا أن يكون في ذلك ضرر فيعدل بالدنانير والدراهم. قال سحنون: قد قارب هنا عبد الملك قول ابن نافع، قال سحنون: فإذا ثبت الملك فيها قسمت على سبيل الأملاك فيفضل الكريم بالقيمة، وقولي قول ابن كنانة وأشهب وغيرهما: إن المسالك والشعارى إذا لم يسبق فيها إحياء بغير الرعي ولاحتطاب، فإنها لا تباع ولا تقسم، لأنها من الموات، فما كان منها بين القرى وقرب العمران فلا يحيى إلا بإذن الإمام، وما بعد من العمران فهو لمن أحياه/بغير إذن الإمام، فإن تعدى ذلك هذين الصنفين، أو يكون قوم اختطوا فتركوا ما اختطوا مسرحا بعد أن ملكوه بالخطة، فلا يجوز أن يقسم لأنه تضييق عما ترك له، إلا أن يجتمعوا على ذلك، إلا أن يكونوا اختطوا ما قرب من المسرح، [10/ 515]
وتركوا المسرح لم يجر فيه معتمل، تركوه مرعى، فهذا الذي قال أشهب: هذا موات فمن أحيى فيه شيئا فهو له، إلا أن يقرب من العمران فلأهل الخطة منعه، وينظر فيه السلطان، فيعطيه لمن يرى من أهل تلك القرية وغيرهم. قال ابن حبيب: وقال مطرف في ذلك مثل قول ابن الماجشون، وقال أصبغ مثله. أرى اصبغ تأول في قول عبد الملك: إنه رأى أن الشعري ملك لهم. قال سحنون: لأن ابن حبيب قال في غير موضع من كتابه: إن أصبغ يرى أن تقسم الشعري إلا أن تكون في داخل القرية وحدودها. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا كان البور بين قريتين فأرادا هنا قسمه، فليقسم شطرين لا تفضل الكبرى وإن كثر أهلها على الصغرى وإن كانت الصغرى قرية وليست تتبع الكبرى ويجعل نصيب كل قرية مما يليها بغير قرعة، لئلا يقع تصيب هذه قبالة الأخرى، فإن كان ما يلي هذه كريما وهذه لئيما: فليقسم بينهما طولا لتنال كل قرية حقها من الكرم بالقيمة إذا صار ما يلي كل قرية ما ينتفع به ما لم يدخل بتعديل ذلك بالقيمة ضرر على إحداهما، فإذا بلغ ذلك إلى ما يدخل به الضرر على إحداهما أمسك عن بقية التعديل إلى منتهي الضرر، ولم يكن للأخرى غير ذلك، ثم إن طلب أهل/كل قرية قسم ما وقع لهم، كرهت لهم ذلك وأحبيت لهم إبقاءه مرعى ومسرحا ومحتطبأ وطريقا للمارة، فإن أبوا إلا القسم أو بعضهم ليزرعوا، قسم بينهم على قدر أصل أملاكهم من القرية بشراء أو ميراث أو هبة على قدر أصل سهامهم فيها، لا على قدر البياض والعمران، ولا على عدد الجماجم كان بعضهم قويا على العمل أو ضعيفا؛ لأن العمران بينهم على أصل ملكهم لعامرها، وليس للرجل معهم بقطيعة أرض اشتراها أو بمسكن منهم إذا لم يكن له في أصل القرية شيء، وقال مثله مطرف وابن الماجشون. قال أصبغ: لا تقسم البور وما يكون داخل حوز القرية وملكها. [10/ 516]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وذكر ابن حبيب محمد بن بشير: كتب به إلى ابن القاسم في قريتين إحداهما في جهة المشرق، والأخرى في جهة المغرب، وبينهما ميل أو أميال، يريد أهل كل قرية قرب العامل، ويدعونه من حوز قريتهم خاصة، ولا بينة لهم، وجوز كل قرية ينتهي إليه، وهو بائن عن القريتين، قال: يقسم بين القريتين نصفين، ولا ينظر إلى قلة عمارة إحداهما وإن قل، ولا إلى كثرة عمارة الأخرى وإن كثر، ثم يقسم أهل كل قرية نصفهم على قدر سهامهم في قريتهم، فإن ادعاه كل واحد دون أصحابه قسم بينهم أجمعين، ولو كانت القريتان في شق واحد متحاذيتين، والعامر مقابلهما، فلا تقسم بينهما نصفين، ولكن لكل قرية حد، وعامرها من الغامر قل ذلك أو كثر، كالفناء حول الدارين يدعيان فيه،/فليأخذ كل واحد ما كان حدا فناء داره، قل ذلك أو كثر، قال عنه ابن حبيب، وهذا إذا كان في تعديله بينهما في القسم دخول إحدى القريتين على الأخرى أو من إحدى الدارين على صاحبتها، وقاله مطرف وابن الماجشون. ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المسرح لقوم من دون منزلهم، أراد بعضهم حرثه وأبى بعضهم قال: فليقسم، ثم يصنع كل واحد في نصيبه ما شاء، قال يحيى: فإن أراد بعضهم أن يقر نصيبه مسرحا ومنع كلأه، فقد كره ذلك بعض أصحابنا، وأجازه آخرون، وكراهته أحب إلي، لأنه من منع الكلأ الذي نهي عنه، فلا أري أن يمنعه ولا يبيعه. وقال: أربعة لا أرى أن تمنع: الماء لشق، والحطب، والكلأ، والنار. قال ابن القاسم في مسارح في بعض القرى أرادوا قسمتها. وقد كان ينتجعها من حولها من أهل القرى للرعي فيرعى كل من كانت ماشيته تسرح فيه، فأما من كان يحظى إليه فلا حق له فيه، [وقد يسرح قوم عند قوم فلا يوجب لهم الرعي حقا، والمسرح لأهل القرية التي هم حيزها، فإن تداعى فيها أهل قريتين أو [10/ 517]
في القرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض ولهم بور تشاحوا في قسمته
ثلاثة أو أربعة، وكلهم حول أهل المسرح، وهو في وسطهم، ولا بينة لهم فليقسم بينهم على عدد تلك القرى، لا على قدر عمارتها، وقال عنه محمد بن خالد في المسرح بين القوم أرادوا قسمه، قال: ليس ذلك] لهم ولا تقسم المسارح إنما تقسم الأرضون، قال عنه اصبغ في منازل أحاطت بفحص عظيم، ولكل منزل/منها فيما بينهما أرض تحرث، وأكثر ذلك الفحص بور يرعى فيه أهل تلك المنازل وغيرهم ويحطبون، ولا يزال بعضهم يزيد إلى أرضه العامرة فيه من المنافع للمارة من رعي ومناخ واحتطاب، فإن قسموه فلا أرى لمن يرعى معهم يدخل معهم في ذلك، قال أصبغ: ويترك على حاله كالماء المورود وسطهم، فهو لهم ولغيرهم، ليس لهم اقتطاعه ولا رده. في القرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض، ولهم بور تشاحوا في قسمته، وكيف إن اختلف تداعيهم فيه؟ وكيف تقسم؟ روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وذكر ابن حبيب أن محمد بن بشير كتب إلى ابن القاسم في قرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض، ولهم عامر أرادوا قطعه وقسمه وحوزه. كيف يقسم بينهم أعلى أصل سهامهم، أم على أصل ما في أيديهم اليوم منها، أو على عددهم؟ قال: إن ادعوا ذلك لأهل القرية، وبذلك يجاورون جيرانهم من أهل القرى، قسم ذلك بينهم على أصل ملكهم من القرية، ومن ليس له من أصل سهامهم شيء بميراث أو شراء أو عطية، وإنما أعطي حقولا [10/ 518]
بأعيانها أو حوزا من أرض معينة أو دارا منفصلة وشبه ذلك من المعينات، وليس بسهم شائع، فلا حق له في العامر، وإنما يقسم على كل ذي سهم من أهل الميراث، ومن اشترى أو أعطي سهما شائعا فله أن يقاسم به، فإن ادعى/العامر كلهم لأنفسهم ومن مشتري سهم ومعطاه ووارث غير سهم، وكل يدعي أن العامر له، فإنه يقسم على جميع أهل القرية كالشيء يدعيه رجلان يقسم بينهما بعد أيمانهما. قال ابن حبيب: قيل لمطرف: إذا تشاحوا في بور قريتهم، واختلفوا في دعواهم فيه، عرف أن أصل القرية كان لثلاثة نفر لا يدري كم كان لكل واحد منها، وهؤلاء أبناؤهم، كيف يقسم بينهم؟ قال: على قدر الدعوى بعد أيمانهم، فإن ادعاه كل واحد لنفسه دون غيرهم، قسم بينهم على عددهم بعد يمينه قلوا أو كثروا، وكذلك يقسم البور بينهم على عددهم إذا جهل أهل الأصول منهم، وجهلت قيمتهم، وكان كل من في القرية من ذكر أو أنثى ممن له فيها شرب يدعي حقا في البور فليقسم بينهم على عدد الجماجم، وكذلك قال ابن الماجشون وابن القاسم. قال ابن الماجشون: فإذا كانت القرية في وسط شعري لثلاثة نفر لكل واحد منهم ناحية معروفة في أرضها البيضاء، لا يدخل بعضهم على بعض، فقال بعضهم: تقسم الشعري بالسهم، وقال آخرون: بل على النواحي يأخذ كل واحد ما يلي ناحيته. [قال: فليقسم بينهم على أرفق شيء بهم وأقربه إلى منافعهم، والأرفق بهم عندي أن يأخذ كل واحد مما يلي ناحيته] من الشعري، وكذلك إن كانت قرى، فلكل قرية ما يليهم، فإن كان الملك لثلاثة: أخذ كل واحد ثلث الشعري مما يليه بلا تقويم ولا تفاضل درع الكريم على اللئيم يضر بهم التقويم في/دخول بعضهم على بعض، ويعذل ذلك بينهم على القيمة، وكذلك قال [10/ 419]
مطرف، وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم في الكتاب المنسوب إليه: أنها إن كانت قرية واحدة فليقسموا شعراءهم بالقيمة بالسهم لأنه حريم واحد، وإن كانت قرى قسمت بالقيمة بلا سهم، يأخذ كل واحد مما يلي قريته من الشعري، وكذلك قال ابن سحنون، قرأت عليه من كتب المدنيين، وقال فيه: لأن للقرى لكل واحد منهن حريما لا يدخل بعضهم على بعض، قال سحنون: جواب ابن القاسم وعبد الملك قريب بعضه من بعض، وما أرى أتوا إلا من السائل، وإنما الأمر على أن الشعري إن كانت ملكها لهم بميراث أو غيره. أو بما يحيى به الموات فلتقسم بالسهم والقيمة، وإن لم يملكوها إلا بالرعي وشبهه فبالقيمة، فإن لم يملكوها نظر فيها الإمام، يجتهد فيه فيما قرب من القرية التي يقرب منها مع ما يضر بأهلها ما قطع فيها من رأى بما لا يضر بأهل العمارة. ابن حبيب: قيل لابن الماجشون في قرية فيها ثلاث حارات، كل حارة تسمى باسمها والقرية تجمعهم، وقد أحاطت الشعري بها، كيف يقسمونها؟ فقال: على ما أعلمتك من أرفق ذلك بهم. قيل: فقوم أرادوا قسم شعري قريتهم، فجحد بعضهم بعضا أصل القرية، ولا بينة لهم، أو كان لبعضهم بينة. قال: إن عرف أهل الأصل فالشعري لهم دون غيرهم، فإن كان أهل الأصل ثلاثة أو أربعة، ثم تفرقت بعدهم، وسكنها قوم آخرون، فأهل الأصل أحق بالشعري أو بما أغنم منها على حال الاختطاط من غيرهم من/أهل القرية، وإن كانت في أيديهم أرض بيضاء، فقال لأهل القرية: اثبتوا أنكم اشتريتم عامرا وغامرا، أو أنه وهب لكم في الشعري شيء، فمن أثبت شيئا أعطيه من حظ الذي باعه أو وهبه بعد أن يقاسم أصحابه، ويأخذ حظه، فيصير في حظ هؤلاء ما اشتروا منه أو [10/ 520]
في الشعرى بين القرى يسرعون فيها بعمارة أو بعضهم ثم يتخاصمون
وهب لهم، وإن لم تثبت بينة لأصحاب الأصل. وجهل أمر القرية فلم يعرف كيف كان ولمن أصلها، وادعى هؤلاء كلهم أن لهم حقا في الشعري، قسمت بينهم على عدد جماجمهم على كل من بلغ أن يكون له كسب من الذكور والإناث شرعا سواء، لا يلتفت لمن كثر بياضه أو قل، ومن عرف أنه القرية بسكنى فقط أو بابتياع بياض بعينه فقط، وشبه ذلك ممن يجهل سببه، فلا حق له في الشعري، وقاله ابن القاسم ومطرف. وقال أصبغ: لا تقسم الشعري إلا أن تكون في داخل القرية. في الشعري بين القرى يسرعون فيها بعمارة أو بعضهم، أو يحيى فيها غيرهم، ثم يتخاصمون في ذلك، وكيف فيمن عمر باشتراء؟ والتداعي في ذلك كله من المجموعة: سئل أشهب عن قوم نزلوا بلادا فاختطوا وسكنوا، وبقيت شعري بينهم وبين البحر، وعلى البحر مدائن غير مسكونة يرابط فيها، إنما هي جزائر، وكان الولاة يمنعون أن يزيدوا في الخطط خوفا عليهم من الروم، ثم تراخت الحال فأخذوا يتقدمون في الشعري ويختطون حتى/اختطوا على ساحل البحر، فهل لهم ذلك، أو ترى للبحر حريما لما يخاف من الروم، أو لما ينفع به المرابطون لدوابهم؟ قال: لا يمنعون مما يريدون من الشعري إلا أن تكون قرب العمران فيضر ذلك بأهل العمارة فيمنعوا من ذلك، ولا أرى للبحر حريما. وفي آخر باب قسمة الشعري مسألة من هذا. ومن الكتاب ابن سحنون: وقرأت على سحنون من كتاب ابن القاسم في قريتين لكل قرية أرض محدودة مفردة من الأخرى بهدف منصوب، لا يتجاوز أحدهما إلى حد الأخرى، وخلف إحداهما مما يلي أرضها شعري يرعى فيها أهل [10/ 521]
القريتين ويحتطبون. فإن أراد أهل القرية التي يليها الشعري أن يحموها دون القرية الأخرى فمنعهم أهل تلك القرية؟ قال: ذلك لأهل القرية التي تليها دون الأخرى، لأن الهدف المنصوب فاصل قاطع بينهم وبين الأخرى وما يليها من الشعري، وليس رعيتهم واحتطابهم فيها يحق لهم حقا. قال: ولو عمروها معهم بالعمارة، وتقادم عمرانهم نحو عشرين سنة، ثم قام عليهم التي يليها الشعري فقالوا: إنما تركناكم ونحن نظن أن ذلك لكم لرعيكم معنا. فإنهم يحلفون على ذلك وعلى أنهم لم يدعوهم ليكون لهم أصلا لتركهم، ثم لهم أن يعطوهم قيمة عملهم، وذكر مثله سواء ابن حبيب عن ابن الماجشون، وفي سؤاله: قرية عليا وسفلي، وبين أرضهما حد معروف، والشعري من وراء العليا. قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: ولو هلك الذين عمروها من أهل القرية الأخرى وورثها بنوهم/وطال زمانهم، واصدق ذلك النساء أو بيع، فإن كانت تلك الشعري مما يورث أو يباع ويوهب، فذلك لمن هي بيده بما ذكرت من ميراث أو بيع، فإن كانت تلك الشعري مما يورث أو يباع ويوهب فذلك لمن هي بيده بما ذكرت من ميراث أو بيع أو إصداق أو هبة. حتى يقيم أهل القرية التي صارت لهم البينة أن آباءهم إنما عملوا على ما ذكروا فيعطوا. قال سحنون: إن ابن القاسم في جوابه هذا رجع على قول المغيرة وأصحابه، ويدل على أن الملك المتقدم بغير الجواز، ألا ترى إلى قوله: إذا كانت مما يباع ويورث ويوهب، وضعف الحوز بالمرعي، وجعل الحوز بالجوار والملاصقة لا بالمرعي، وهذا رجوع عن ما تقدم. وهذا الكتاب إنما أتي فيه من قبل سائله وناقله عنه، والأمر في هذا أن ينظر: فإن كان لم يكن للقرية التي تلي الشعري فيها إحياء إلا بالمرعي والجوار، [10/ 522]
فلا حق لهم ولا لأهل القرية الأخرى، وينظر للإحياء، فإن كان في إحيائه ضرر على القرية التي تليها في المرعى والمسرح وغيرهم منع منهم وضم إليهم، وما جاوز ذلك أقطعه لمن رأى باجتهاده، وأما ما عمر أهل القريتين في هذه الشعري: فذلك ماض لهم في قول المغيرة وأشهب، ولكن لم يكن لهم ذلك إلا بإذن الإمام لأنه بقرب العمارة، قال محمد: وقرأتها على سحنون من كتاب المدنيين: فأجاب فيها عبد الملك بنحو قول سحنون. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون واللفظ له: قال سحنون: كتبت إلى أشهب أسأله عن قوم اختطوا أرضا عندنا يغرس/هؤلاء في ناحية، وبنوا، وحرثوا، وفعل الآخرون مثل ذلك على أميال منهم، وكذلك آخرون، وبقيت سبخة في وسط خططهم يصب فيها ماء أودية تسيل إليها من مسيرة اليومين فأكثر، ثم نبتت تلك السبخة فصارت مرعى لهم ولغيرهم، ثم أتى قوم فأحيوا فيها بقطيعة من الإمام أو بغي قطيعة، وكيف إن كان الذين اختطوا أبقوا تلك السبخة مرعى لهم ومسرحا، هل ذلك إحياء لهم؟ قال السبخة لمن اختط فيها ليس لأحد فيها قول إلا أن يكون ذلك بقرب عمارة فيضر ذلك أهل العمارة فيمنعون، سواء كان أهل الخطط الأول تركوا تلك السبخة لهم مرعى، كان بقطيعة من الإمام أو لم يكن. قال سحنون: وقال ابن القاسم في كتابه في الشعري فيها قوى فعمر فيها بعضهم، واختط بقدر قوته أو ضعفه، فمستقل أو مستكتر، وآخر يحجر منها شيئا، ومنهم من عمر ولا شيء لهم في القرى، ومن أهل القرى الغائب والصبي والمرأة، وماشية القرى يرعون فيها ويحتطبون. قال: تقسم الشعري بين القرى بالقيمة على عددهم إذا كان عمارة من عمر فيها مبادرة على غير قسم ولا حق، ويعطي لمن عمر قيمة عمارته قائما لأنه بنى بشبهة، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لقريتهم بقدر ملكهم من القرية، ويأخذ في ذلك المرأة والصغير والضعيف [10/ 523]
حقه، فمن صار له من العمران شيء أدي قيمة العمارة، ولا تكون الخطط فيما حازه المسلمون. وقال المغيرة وأشهب وسحنون: هي من الموات، ومن أحيي منهم فيها شيئا فهو له، ولكنا نكره لهم أن/يحيوا فيها إلا بإذن الإمام، فإن فعلوا مضي ذلك، قال سحنون: قول ابن القاسم هنا: لا يكون الخطط فيما حاز المسلمون، إن كان يعني: لأن ملكا تقدم فيه فكلام صحيح، فإن كانت هذه الشعري مما قد حازه المسلمون عنوة، فكانت تعتمل فيما مضي، فحكمها الوقف، يقرها الإمام في يد الذين غلبوا عنوة يعمرونها، فإن ضعفوا عنها أعطاها غيرهم، وإن كانت صلحا فهي لأهل الصلح ملك: وإن كانت عنوة بغير قتال، فقد وصفت لك الحكم فيها، فكيف يمنع منها الخطط ويقطعها بغير خطط ولا ملك متقدم؟ فكيف يدخل فيها أهل القرى فيما قد ملك؟ وإن منع من الخطط، لأنه قد منع فهذا جواب صحيح، ويكون أهل الجواز أبعد من أن يملكوه بجوارهم، وإن لم يتقدم في هذه الشعري ملك، وكانت مواتا: فلم تمنع فيها الخطط؟ قال ابن القاسم: ولو قضى قاض أن كل من عمر في هذه الشعري فمضي لعمارته عشر سنين فهو له دون إشراكه في القرية، فإن قامت بينة تشهد أنه إنما عمر هذه الشعري كل بقدر قوته، وهم يرون أنهم لهم بعمرانهم، ومن أهل القرى من له فيها حق من صغير وغائب وامرأة في حجلها، فليرد ذلك الحاكم ويعطي كل إنسان حقه منها. قال سحنون: وهذا القضاء خطأ يرد، لأنها إن كانت الشعري قد ثبت عنده ملكها لأهل القرى بخطط مقدمة، فكيف تبيح الخطط لمن اختط وعمر عشر سنين أو مائة سنة فيما تقدم الملك فيه لغيره؟ وإن كان لم يثبت ملكها/لأحد بإحياء أكثر من المسرح والمرعى: فحكمها للإمام يقطعها لمن رأي. قيل لابن القاسم: فلو اتخذ قوم في وسط شعري صبرا لمواشيهم [10/ 524]
تأوي إليه عند رواحها وتغدو منها، وتطاول ذلك نحو عشر سنين أو عشرين أو ثلاثين، فيموت من ابتني الصبر، وبنى بنوه فيها واتخذوها مساكن وأجنة ويعمرون ما حولها من الشعري، وربما زرع آباؤهم تلك الصبر مثل السلت والقطنية، هل يدخلون مع أهل القرى في تلك الشعري بشيء؟ وهل يترك باقيها لا يقسم؟ قال: إن عرف دخولهم أو دخول آبائهم في الشعري على ما ذكرت، على أن لكل قوم ما اختلطوا فعمره أو سكنه، فهو يستحقه بذلك، فليعطوا قيمة عمارتهم، ثم يقسم ما عمروه منها، وتلك الصبر بين أهل تلك القرى المحيطة بها، وإن لم يعرف كيف دخولهم فيها ولا كيف أمرهم. وادعاها من عمرها أنها له، وأن باقيها مصرف له، وقد حازوا ما عمروه فيها، ولهم فيما خطهم نصيبهم كقرية من القرى لمسرحهم، لأنهم ادعوها وأهل القرى، فلم يثبت لواحد منهم بينة، فرأيت أن يثبت لأهل القرى ولهؤلاء حظهم منها معهم لدعواهم أنها لهم. قال سحنون: وقد رجع في جوابه هذا إلى أصل مالك والمغيرة وابن كنانة وأشهب وغيره، لأنه قال: فإن لم يعرف دخولهم فيها ولا يعرف كيف أمرها، وادعاها من عمرها أنها لهم، فأرى أن ما عمروه لهم، فدل أن الشعري لا تملك بالجوار، والمسرح [لأنه قطع حق أهل القرى مما عمر هؤلاء، والقرى أقدم من عمارتهم، فدل أن الجوار والمسرح] /لا يوجب الملك، فهذا صواب. وقرأت عليه من كتب المدنيين: وعن صبر لقوم في وسط شعري هي بين القرى، فباع بعض أهل الصبر منها من رجل، فعمر في تلك الشعري التي تلي الصبر وسرح فيها وأولاده، فتشاح أهل تلك الشعري في الشعر، فهل لأهل الصبر فيها شيء، والصبر مسكونة لا يدري قديمة أو محدثة، أو قبل القرى أو بعدها؟ قال: إذا جهل أمرها فأدركت مسكونة فهي من القرى، ولها حقها من الشعري، وإن ثبت أنها محدثة فلا حق لها في الشعري، وإن عمر أصحابها بشبهة، فهي كما قدمها من المسائل، ولو هلك المشتري وقسم ولده ما عمر أبوهم، وقد [10/ 525]
عمروا البيوت فيها عمارة أخرى؟ قال: لهم ما ورثوا من آبائهم لما درج من الحجر لآبائهم، وما لم يورث عن آبائهم بالبينة أو بإقرارهم فيما ورثوا، أعطوه وعملوا فيه، فقال: ما وصفته قبل هذا، وقال: إنما رايته لمن هو بيده من الورثة إذا ورثوا عن آبائهم بالإقرار وبالبينة، لأنه يمكن أن يبتاعه آباؤهم أو يملكوه بأمر جائز، وما عمروا مما لم يرثوا عن آبائهم فليسألوا: بن أخذوه؟ فما جاءوا به في ذلك من بينة أو ثبت أعطوا بها، وإلا كان من حقوق القرى، وكان لهم في عمارتها مثل ما ذكرنا من القيمة، وقاله ابن نافع. في جامع مسائل الشعري نحو هذه المسألة من أولها من قول ابن الماجشون. وفي قول سحنون: لا يحب بالصبر والمرعى في الشعري حق وإن تطاول ذلك، فأما بالإحياء بالعمارة فهو لهم، وإن لم يتطاول، وإن ادعى أهل الصبر أنهم/اشتروها وقد عمروا وأحيوا، لم نكلفهم بينة لأهل القرى، ولا حق لهم بالرعي في الشعري إلا أن يثبت لهم حق قديم واجب، فإني اكلفهم البينة على دعواهم، لأنها تصير إليهم بالعمارة، وأما إذا لم يعمروا فيها شيئا ولا ادعوها بالاشتراء فعليهم البينة، لأنهم اشتروها من مالكين قد ملكوها بإحياء متقدم، وعمل غير المسرح. فأحكم لهم خاصة بالشعري، وأمنع منها من لم يملكها بغير الجوار والرعي. قال عبد الملك: ولو قضى قاض أن من عمر في هذه الشعري شيئا فبقي في يديه عشر سنين، فهي له دون إشراكه في القرية، وكيف بما باعوا بعد الحكم؟ قال: يرد ذلك كله، ويأخذ من عمر فيها قيمة عمارته ممن تكون له الشعري. قال سحنون: وقد أعلمتك بفساد هذه القضية؛ لأنه إن تقدم له فيها ملك بالإحياء، فلا تبطلها الحيازة وإن لم يتقدم فيها ملك فليس وجه الإقطاع من الإمام أن يقول من أقطعته فلا يتم له إلا بحيازة عشر سنين، فهذا كله خطأ. [10/ 526]
قال ابن القاسم: وإن أتى أهل الصبر ببينة: أنهم اشتروا [ذلك، وحد البينة ما اشتروه، قضي لهم به. قال سحنون: إذا قالت البينة: إنهم اشتروا] من مالك ملك بالإحياء بالعمارة لا بالرعي فلا شيء لهم، فيرجعون بالثمن على بائعهم. قيل لابن القاسم: فقوم ليس لهم في القرية شيء إلا ما ورثوا من آبائهم، وبينهم وبين قرى غيرهم شعرى، لا يعرف لمن هي فشرعوا فيها بالعمارة، كل واحد بقدر قوته، وطال زمان ذلك وتوارثه بنوهم؟ قال: إذا/طالت حيازتهم بالعمارة إلى مثل ما يستحق بالحيازة وهم يدعونه، فهم أحق به من بقية أهل القرى إذا لم يعرف أصل عمارتهم لها بأي وجه، فأما إن قامت بينة أو أقر من عمرها: إنما ذلك بالمبادرة بالاختطاط منهم لا بأصل ملك، فليقسم أصل تلك الشعرى بين أهل القرى بالقيمة، تأخذ كل قرية مما يليها، ويغرم من وقعت له العمارة قيمة ذلك لمن عمر، أو يعطيه الآخر قيمة الأرض، فإن وقع المعمور لأهل القرية التي عمر أهلها أو بعضهم، فذلك بينهم مع ما صار لهم منها غير معمور، ولهم قسم ذلك إن شاءوا على أصل ملكهم من القرية، وكذلك إذا جهل أصل عمارتهم وملكهم ولم يطل الزمان بالعمارة، فإنهم يقتسمونها كما ذكرنا، قال سحنون: الجواب صحيح إلا قوله: إن عمروا مبادرة واختطاطا، فهذا في قولنا وقول أشهب وابن كنانة لمن عمره، لأنه من الموات إلا أن تكون الأرض معروفة لهم ملكا، فهذه تقسم ويأخذ من عمر قيمة عمارته. قال ابن القاسم في قرية فيها حارات كل حارة تعرف باسم، وبني كل حارة وأخرى نصف ميل أو أقل أو أكثر، ولكل حارة أرض معروفة من أرض القرية، فعمر أحد أهل الحارات ناحية من الشعرى، ثم تشاحوا في الشعرى وأرادوا قسمتها أو ردها مسرحا؟ قال: تقسم الشعرى التي أحاطت بها القرى على [10/ 527]
عدد/القرى بالقيمة، ولكل قرية أخذ ما يليهم مما عمر أو لم يعمر، ويغرم من وقعت له الغرامة قيمة العمارة، أو يسلم الأرض بقيمتها فما وقع للقرية ذات الحارات كان بينهم بقدر أملاكهم من القرية، هذا إن عرف أن عمارتهم كانت على غير أصل ملك، على ما تقدم ذكره، وما فات هذه القرية قسم بينهم بالسهم، وللذي قطع وقلع قيمة عمله فيما قلع من الشعرى أيضًا، لأنه عمل بشبهة يرى أن ذلك له، وقال قبل ذلك: لا شيء له بالقطع والزبر حتى يعمر بالبناء والغرس، ثم رجع إلى هذا. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في قطعه الشجر وإفحاصه الأرض: إنها عمارة وله قيمة ما عمر، قال سحنون: والقول في هذه مثل ما تقدم إن كانت الشعرى مملوكة كما قال، ويأخذ من عمر قيمة ما عمر للشبهة إذا كان أشراكه حضورا يرونه ولا ينكرونه، ولا شيء لمن زبر وقطع ولم يبن وإن لم تكن مملوكة فذلك إحياء، وذلك لمن أحياه. قال ابن القاسم: ولو سكن معهم أهل الذمة، ومن المسلمين، ومن هو على غنيمة، ومنهم وارث ومبتاع، ومنهم البعيد العهد والقريب، ومنهم من لا حق له في القرية، فعمر الجميع في الشعرى ثم تشاحوا فيها، قال: إن كانت عنوة أخرج منها المسلمون وما عمروا منها، وتكلم فيمن عمر في تلك الشعرى مبادرة على ما تقدم، وهو يرى أن ذلك له، قال: وإن كانت صلحا والذين عمروها يرونها لأنفسهم، فطالت حيازتهم فذلك لهم بطول الحيازة، وإذا لم يعرف أعنوة أم صلح، ولا كيف دخلوهم؟ فلتقسم بينهم الشعرى ويدخل معهم أهل الذمة على ما لهم من القرية، ومن له عمارة يأخذ قيمة عمارته إذا كانت عمارتهم مبادرة، فإن لم يعرف أصل عمارتهم كيف هي، وطال زمانهم، فهم أحق بما عمروا، ويقتسمون ما بقي من الشعرى لمن يعمر على قدر ما لهم من القوة. [10/ 528]
قال سحنون: إن كنت عنوة نظر إلى تلك الشعرى، فإن كانت مملوكة معمورة حين غلب عليها فهي موقوفة مثل ما هو معمور. ومن له فيها عمرة بشبهة: أعطي فيها قيمة عمارته بقطيعة الإمام، وليس لأحد من مسلم ولا نصراني أن يحيى من هذه الشعرى شيئا إلا بإذن الإمام، ومن كان منهم إنما قطع الشجر وزبر وقطع فلا شيء له في ذلك، واختلف قول ابن القاسم فيه إذا قلع الشجر من أصولها هل له شيء؟ قال سحنون: وإن كانت يوم غلب عليهم شعرى لا معمل فيها لهم إلا بالرعي والاحتطاب، فهي من الموات، ومن أحيى فيها شيئا فهو له إن بعدت عن العمران، وإن كانت بالقرب فلا تحيى إلا بقطيعة، ومن أحيى فيها بغير إذن الإمام مضى ذلك في قول أشهب والمغيرة، وكذلك القول في شعرى أرض الصلح سواء إلا أن تكون معمورة قديما فلهم أخذها، ويعطوا من عمر فيها قيمة عمارته للشبهة، وإنما تقسم هذه بينهم على قدر أملاكهم، وإن لم تكن كان لهم فيها معتمل فهي من الموات، والإمام ينظر فيها قرب من العمران خاصة، وإن لم يعرف أصله أصلح أم عنوة، فحكم الشعرى إذا عمرت حكم الإحياء في الموات فيما قرب من العمران/أو بعد. قال ابن كنانة في قرية فيها أهل ذمة ومسلمون ولها بور، قال: فإن كانت عنوة فالبور للمسلمين. قال سحنون: هذا فيما ملكه أهل العنوة فأحيوه، قال ابن كنانة: وإن كانوا صالحوا، فالبور لأهل الذمة إلا أن يحوزه المسلمون عنهم الزمان الطويل: فيكون لهم. قال سحنون: هذا في بور ملكه أهل الذمة بالعمارة قبل الصلح، وليس هذا في عفاء الأرض. ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في قرية سكنها المسلمون وسكن أهل الذمة في بعضها، فقال أهل الذمة: نحن أحق بالشعرى لأنا على صلح، وأهل الإسلام على عنوة، قال: أرى لأهل الصلح ما يليهم من الشعرى وأما ما يلي المسلمين من ذ1لك فلجماعة المسلمين، وإن كان ذلك عنوة، البور والمعمور، وإن كان أهل العنوة قد قسموا المعمور ولم يوقفوه كما فعل عمر، فإن لهم من الشعرى ما يليهم منها بقدر ما لهم من القرية، وإنما يعطون منها ما قرب من [10/ 529]
القرية للمرعى والاحتطاب، لأنها حقوق القرى ومسارحها، وأما ما بعد فهو موات، وإنما الصلح والعنوة في المعمور وما قاربه مما فيه حق. وقاله أشهب وأصبغ، قال ابن الماجشون: وإن لم يعرف في القرية أصلح أم عنوة وفيها المسلمون، وأهل الذمة، ووارث، ومبتاع. وكل يدعي الشعري لنفسه، أو يدعي أن له فيها حقا، فلتقسم بينهم على عددهم من ذمي ومسلم، وذكر وأنثى، وصغير وكبير، ممن بلغ أن يكون له حق شرعا سواء. قال سحنون: قال ابن القاسم/في قرية بين قوم ولأحدهم فيها أرض على أربعة أميال أو أقل أو أكثر فسكنها أو أعمرها وأتخذ فيها الماشية، وبينها وبين القرية القديمة شعري، فكان هو وأقل القديمة يشرعون فيها بالرعي والاحتطاب، تشاحوا فيها؟ قال: لا قسم للمحدثة فيها، ويقسم بين أهل القديمة على قدر ملكهم فيها، فإن لم يعرف أصل ملكهم فيها على الأجزاء، فلكل قوم ما حازوا إذا كانت حيازة قديمة، قال سحنون: ولا حيازة في الشعري إلا بالعمارة لا بالرعي ونحوه، قال ابن القاسم فإن عمرها بعضهم القوي بقدر قوته، والضعيف بقدره. ومنهم من لم يعمر فإن ثبت ذلك بالبينة قسم جميعها ما عمر وما لم يعمر، وكان لمن عمر قيمة عمارته على ما قدمناه. قال سحنون: إن كانت شعري ملكا لهم بميراث أو غيرهم مما يوجب الملك، فهو كما قال، ولا يكون لمن زير وقطع الشجر شيئا وأما من بنى أو غرس الشجر فذلك له حق عمارته وإن لم يعرف أنها ملك لهم، فمن أحيى فيها شيئا بالبناء والغرس فذلك له في قول المغيرة وأشهب، وقال غيرهما: لا يكون له ذلك إلا بإذن الإمام لقرب ذلك من العمارة. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في قريتين بينهما شعري عمر أهل قرية ما يليهم حتى أو عبوا الشعري وأقاموا كذلك نحو خمس عشرة سنة وأكثر، ثم [10/ 530]
أراد بعضهم التعديل في قسمتها قال: فذلك لهم إذا تقاربوا كما ذكرت ذلك، ومن صار من عمارته شيء في حيز آخر أعطي قيمة عمارته على ما تقدر من قولنا. وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم نحوه./وقال في سؤاله: فعمر أهل كل قرية في الشعري مما يليها، أو عمر بعضهم أكثر من بعض، أو بقيت الشعري قائمة، ثم تشاحوا فيما قد عمر وفي المعمور والقاسم، فأحبوا قسمته وإبطاله وتركه مسرحا، وقد مضى لعمارتهم عشر سنين أو عشرون أو أكثر. فأراد بعضهم اتخاذها مزدرعا وأراد بعضهم إبطالها. قال: تقاس الشعراء أو ما عرف منها قديما بورا مما قد اعتمل ثم يجرى على القيمة، فيعطى أهل كل قرية حدها من ناحيتها مما بينهم، ويعطى من عمر قيمة عمارته من صار إليه إذا كان إنما عمر وهو يرى أن من عمر شيئا فهو له، فإن ثبت ذلك وعرف دخوله فيها أخذ فيما عمله، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لهم من تلك العشري، فمن صار له من المعمور شيء أعطى لمن عمر قيمة عمارته، ومن أراد اتخاذها مسرحا وهي شعري بحال ما كانت. فليس له ذلك، ولكن يقاسم أصحابه فما صار في حظه رجعه إن شاء، وقد وصفت لك قسمها أنه إن عرف لكل إنسان جزؤه من القرية أعطي من الشعري على حساب ذلك، وإن لم يعرف قسمت على كل من سكن القرية شرعا سواء ممن له فيها أصل. قال سحنون: لم يثبت أنها مسرح بملك متقدم ما كان اقتسام المسرح إلا باجتماع أهله. ابن القاسم: في القرى بين كل قريتين منها مثل الميلين أو الثلاثة أو أربعة، وبين تلك القرى شعري فشرع ناس من أهل تلك القرى فعمروا تلك الشعري، ولم يعمر آخرون فيها شيئا، ولا يعرف لأي القرى هي، وجميعهم يسرحون فيها بمواشيهم، قال تقسم بين القرى كما ذكرنا بالقيمة/على عدد ما عمل في تلك الشعري: فإن كانوا يدعونه ويزعمون أنه لهم، ومضى لهم عشر سنين مذ [10/ 531]
في الخربة القديمة بين الشعرى، هل لها حظ في الشعرى؟
عمروا رأيتها لهم حيازة فيما اعتملوا منها ممن يطلبهم، فقال لمن يطلبهم: أحقوا حقكم فيما اعتمر هؤلاء منها، فإن أثبتوا البينة أنهم إنما عمروا على معنى أن من عمر شيئا فهو له، فإنه يعطى العاملين فيه عملهم، واقتسموا ما اعتمر هؤلاء من الشعري، وما بقي منها بحال ما وصفت لك. وفي قول ابن كنانة وأشهب وسحنون أن هذه الشعري من الموات، فأحب إليهم ألا يحيى منها شيء إلا بقطعه من السلطان، فإن عمروا بغير قطيعة فذلك ماض في قول المغيرة، وفي ذلك جواب عبد الرحمن ها هنا في قوله: إذا ادعوا أنه لهم وطالت حيازتهم فهو لهم. فيدل هذا من قوله على ملك متقدم صحيح، لا على الجوار المسرح، ألا تراه قطع الملك المتقدم بحيازة عشر سنين. وفي جامع مسائل الشعري مسألة من هذا. في الخربة القديمة بين الشعري هل لها حظ في الشعري؟ أو في البياض يكون في وسط الشعري، أو الكنائس أو المجاشير، أو الصبر من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم في الخربة بين القرى العامرة لم تعمر منذ دخل العرب، ولها بياض أرض مبذر ثلاثين إردبا، ولها بئر قد غار ماءها أو لم يغر، وكان صاحبها ربما انتجعها بالحرث، ثم عمر صاحب القرية الخربة أو من ابتاعها منه وسكنها، وبينها وبين القرى شعري فيشرعون فيها بالرعي والعمارة، وكان ذلك نحو عشرين سنة أو ثلاثين سنة، ثم طلبوا قسمة الشعري، قال ابن القاسم: لا حق لصاحب الخربة في الشعري إن ثبت أنها لم تسكن منذ دخل العرب، ولو كانت مسكونة منذ دخلت البلاد كان لها حظها، فإذا لم يكن ذلك فلا حق له [10/ 532]
فيها، وما عمر في الشعري وفي الخربة، وهو يرى أن ذلك له، فله قيمة عمارته من أهل القرى، وهذا إذا عرف ما ذكرنا ببينة أو بإقرار منه، ثم يقتسمون الشعري ما عمر منها وما لم يعمر، وإن لم يعرف ذلك ببينة ولا بإقرار، وادعى رب الخربة أن له فيها ما عمر من الخربة بحق، فذلك له إذا حاز ذلك عشر سنين أو أكثر، ويقال لأهل القرى: أقيموا البينة على أصل ذلك. قال سحنون: أري عبد الرحمن في هذا في آخر كلامه راجعا إلى قولنا، لأنه لم يجعل الملك بالجوار بالجوار والمرعى، وجعل الحيازة حجة ممن له الحيازة على الغائب والصغير ومن لا يحاز عليه. قال ابن القاسم في كتاب المدنيين: وإن ادعى أصحاب الخربة وهي الآن مسكونة أنها كانت معمورة منذ كانت فهم على قولهم، ولهم حقهم في الشعري حتى يثبت أنها خربة غير مسكونة قديما. وقال ابن نافع: للخربة حظها من الشعري كما لغيرها من القرى، قال سحنون: قول ابن نافع هنا على أصل ما وصفت لك لا يوجب في الشعري ملكا بجوار ولا مسرح، وهو يرى حق أهل الخربة مثل حق غيرهم، وذلك هو الصواب إن شاء الله، والحكم في هذه الشعري إلى السلطان لقربها من العمارة، لا يحيى فيها إلا بإذنه. ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: ولا أرى لبياض يكون للرجل في وسط الشعري حقا في الشعري مع أهل القرى، وكذلك الخرائب لا حق لها معهم في الشعري وإن كان لها البياض والشجر، وأهلها ينتابونها للحرث، ويجنون الثمر إلا أن تقوم بينة أنها مسكونة في الإسلام، فتكون كأحدي القرى في العشري لا حق له قد ثبت لها، قال: وكذلك الكنائس وسط الشعري لا حق لها فيها [10/ 533]
[وإن كانت فيها الرهبان والقومة، ويزرعون بياضها، ويتخذون فيها الغنم، وكذلك المجاشير] والصبر تكون وسط الشعري من أهل القرى، ولكن تترك المجاشير والصبر والكنائس والخرائب من الشعري طرقها وأفنيتها ومداخلها ومخارجها إلا أن تقوم بينة أن لها من الشعري شيئا فتعطاه، وليس هذا كله مما بقي للسكنى، وإنما الشعري للقرى الأمهات التي لها الأهل والجماعات، قال: ولو عمر أهل الخرائب خرائبهم وصارت قرى مسكونة مأهولة كغيرها قبل قسم الشعري. ثم أراد أهل القرى قسمة الشعري فلأهل الخراب التي عمرت: حقهم فيها، كما لوا أقطع الإمام في حواشي الشعري مواتا فعمر وصار قرية مأهولة. فيأخذوا حظوظهم في قسم الشعري إذا كانت تجاور الشعري، إلا أن تكون القرية المحدثة إنما فيها الواحد والنفر اليسير، فلا قسم لها من ذلك، ولها طريقها وفناؤها، وكذلك قال مطرف وابن القاسم في ذلك كله، وكان ابن نافع يجعل لهذا كله حقا في الشعري، وتفرد بهذا عن أصحابه. قال ابن الماجشون في ذمي له قرية/عامرة، وخربة في القرب منها، ولها بياض، وبينهما شعري، فباع الذمي قريته من رجل، ثم باع آخر بعد ذلك من رجل آخر، فسكن المشتري الخربة، ثم تنازع المشتريات في الشعري، قال: أرى أن نعطي الخربة حقها منها، ولا يمنع هذه ولا يخرج ذلك من ملك واحد، وليست عندي كالخربة المجهولة لا يعرف لها في الإسلام عمارة، قال: ولو قامت بينة أن ذلك كان ثم جلا عنها أهلها لها حق في الشعري، قال: ولو قضي قاض في هذه الخربة المجهولة أن لها حقا في الشعري نقضت قضيته لأنه مما قيل بالرأي، قال سحنون في كتاب ابنه: هذا من قول عبد الملك صواب. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن ابتاع خربة فاشترط عامرها وغامرها وعمر وقطع الشجر من الشعري وفحص عن الأرض، وأهل القرى العامرة الشارعة إلى الشعري ينظرون إليه ولا ينكرون عليه، وما سمعوا: أن من أحيى أرضا ميتة [10/ 534]
جامع مسائل مختلفة من مسائل الشعرى
فهي له، ثم علموا أن الشعري للقرى العامرة قال: لا أرى أن الشعري إلا للقرى العامرة دون الخربة وللمشتري التماسك بالخربة بما ينوبها من الثمن، ويرجع بما وقع على العامر إن عرف ذلك وأحيط به، وإن شاء رد الجميع وأخذ ثمنه أجمع، وله أخذ عمارته من الشعري فيما قطع من الشجر وفحص عن الأرض، وإن كان قد بنى وغرس في الخربة، كان ذلك له بقيمته من الثمن، وإن بنى وغرس في الشعراء إن كان ذلك عليه بقيمته بلغ ذلك ما بلغ، وكذلك قال ابن القاسم فيه كله. وفي جامع مسائل الشعري أمثلة من هذا الباب فيمن له بياض أحاطت به الشعري. جامع مسائل مختلفة من مسائل الشعري قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن حاز على رجل منزلا كان له ورثه عن آبائه فعمر الحائز الأرض البيضاء، وسكن بيوت القرية، قال: ثم قام ربها فأقام البينة، واحتج هذا بالحيازة عليه. قال: أما ماجاور المنزل المعمور فهو له، وما لم يجز من العامر بالعمارة فهو الذي أثبت أصل المنزل إلا أن يأتي بشراء باطن من عامر وغامر، وهذا إذا كان المنزل بيد من لم يرثه عن أحد، فأما إن كان ورثه فإن الغامر تبع للعامر، ويصير حوزة للعامر حوزا للغامر، ولا يكلف إذا كان ميراثا أن يأتي بوثيقة، إذ لعله كان بيد الميت بوثيقة، وأمر قد درج وانطوى بانطوائه، وإن كان بيد بغير الميراث وقد حازه وحاز بعض الشعري بالعمارة، وباقيها لم يحزه إلا بالاحتطاب والرعي وهي المنزل والمنزل الذي كان أثبت أصله، قال: أما المنزل المعمور وما هو قائم من الحقوق، فإن من حازه [10/ 535]
على من له أصله العشر سنين ونحوها أحق به إن ادعاه ملكا له، ولا يكون ذلك حيازة لما عمر من الشعري حتى يطول زمانها أكثر من هذا، لأن حيازة عمل العشري لا يشبه عندي حيازة الحقوق القائمة، وأما الشعري التي لم يحز منها شيئا إلا بالاحتطاب والرعي، فليس ذلك بحيازة يوجبها لحائزها وإن طال ذلك جدا. إلا أن يؤخذ ذلك عن ميت بوراثة، فيكون يبقى للمنزل كما ذكرنا. قال ابن الماجشون فيمن اشترى في قرية من قرى الشعري أجزاء من عامر القرية، ولا يدري ما ملك القرية من الشعري ولا مبلغ حدها، إلا أنه يعرف/أنها تقسم بين أربع قرى أو خمس، ولا يعرف كم تنقسم الشعري بين أهل تلك القرية التي منها اشترى ذلك، قال: لا أحب بيع العامر حتى يقسم، وينهي عن ذلك، فإن وقع ذلك قبل النهي، فذلك مختلف، فإن الشعري بين أربع قرى أو خمس، وكانت تلك الخربة يعرف عدد من بيده منها، وكم لكل إنسان منهم منها، فلا بأس بذلك، لأنه كمن اشترى من رجل سهما مبهما من سهام قد أحاط بعددها، فذلك جائز، وإن كانت جملة سهام القرية لم يجز الشراء ويرد، وإن كان هذا المشتري على ما لا يجوز قد عمر وإبان الأرض وغير الرسوم، فليرد ذلك إلى القيمة، وقال مثله ابن القاسم: قال: وإن فات بعض ذلك بعمارة في الشعري والذي عمر منها يسير، ليس من أجله وقع الاشتراء في الجميع، فإنه يفسخ ما عمل منه وما لم يعمل، ويرد إلى البائع، ويغرم له البائع قيمة العمارة، يريد: قائمة فإن عمر من الشعري الجل، فذلك فوت في جميعه، وعليه قيمة الجميع. قوله: يغرم له البائع قيمة العمارة لعله يريد: إذا اتفقا، والذي ذكر ابن عبدوس عن ابن القاسم فيمن اشترى قاعة فبناها ثم قام بعيب، فله ردها، ويكون بالبناء شريكا للبائع. [10/ 536]
ابن حبيب: قال ابن الماجشون في الشعري إذا تشاحوا فيها بعد أن اعتمر كل قوم منها ما يليهم، فقام رجل من أهل القرية على إشراكهم أو على أهل القرى هل يأمرهم القاضي بالوقوف عن عمارته حتى يرى رأيه؟ [قال: يأمر بالتوقف عن من لم يعمر حتى يرى فيه رأيه] فأما ما قد عمروا منها فلا يأمر فيه بشيء حتى/يتبين له أنهم على غير حق فيها، فيأمر بقسم الشعري على عدد القرى، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لهم على أصل ملكهم من القرية، فإن لم يجد القاضي من يكتب إليه في قسمها أو إيقافها والنظر فيها إلا وهو جار لنفسه لما له فيها من الشركة، فليمسك عن القضاء فيها، قاله ابن القاسم. قال مطرف وابن الماجشون عن أهل القرية يجتمعون على تبوير بورهم ويكتبون فيه كتابا يشهدون فيه على أنفسهم، ثم يرجع عن ذلك بعضهم [ويريدون القسمة، قال: إن كان لهم صلاح في تبوير بورهم فقد لزمهم ما رضوا به] ولا رجوع لهم فيه، وقاله أصبغ وقال: سواء كان في داخل حوزهم أو خارجا منه فهو يلزمهم. وقالا في قوم ادعي عليهم عمروا في الشعري، وأنكر ذلك العامرون أ، يكونوا عمروا في شعري: أنهم على قولهم حتى يقيم أهل القرية البينة أن ذلك الموضع كان شعري، أو يقر بذلك العامرون، فيصير لأهل القرية إلا أن يتقادم عمرانهم، قال مطرف: العشر سنين ونحوها، وقال ابن الماجشون: الزمن الطويل من غير توفيت، فيكونون أحق بما عمروا، وإن ثبت أنه كان شعري إذا ادعى ذلك العمار ملكا لهم، ولا يسألون عن غير ذلك إذا جهل أصل دعواهم فيه وإحيائهم، إلا أن يثبت ببينة أو بإقرارهم أنهم إنما عمروا على وجه الاختطاط [10/ 537]
والتبادر إليه، فلا يستحقونه بذلك، وتكون عمارتهم وحيازتهم له. وذلك لأهل القرية ويصير من عمر كذلك كمن عمر بشبهة، يرون أن من أحيى ذلك فهو له، فلهم قيمة العمارة، وإنما يؤديه أهل/القرية أو القرى ويقتسمونه، وإن لم يعمروا إلا بقطع الشجر والإفحاص عن الأرض فلهم قيمة ما غادروا فيها بعلمهم من النفقة لمن يقضي بها فيما ينتفع به في مستقبل أمره، وليس على قدر ما تكلف الأولون في ذلك من النفقة، ولا كراء عليهم فيما قد كان يرعى منها لأنه على شبهة، وإنما يؤدي أهل القرية أو القرى قيمة العمارة قبل القسمة، ولا يجوز أن يقتسموا على أنها كلها شعري، على أن من وقع في سهمه العمارة ودي قمتها، هذا لا يجوز إذا قسموا على التعديل والقرعة، وإن قسموا على أن يأخذ كل منهم ما يليهم، فإنما قيمة العمارة على من يقع في ناحيته، ولا يقع السهم في هذه القسمة، وقال مثله كله ابن القاسم، ولم يلخص هذا التلخيص إلا أنه وقت في الحيازة كما وقت مطرف. وسألت مطرفا عن رجل يقال له مغيرة، ابتاع من رجل ماء ملاصقا والرجل يقال له: حارث والماء في داخل بور، اتباعه مغيرة فقطع عنه الشجر، وغرس فيه أشجارا، وأغلق عليه بحائط، ثم إن حارثا قام بعد عشرين سنين فادعى أنه كان منتفعا بذلك الماء قبل إغلاق مغيرة عليه، وقامت له بذلك بينة، قال مطرف: الحق لمغيرة، ولو كان أصل الماء لحارث دون غيره فأغلق عليه مغيرة، وغرس عليه الثمار، وأحياه وما حوله بالعمران، وحارث عالم بذلك حتى مضى من السنين ما ذكرت، لكان مغيرة أحق به إن ادعاه ملكا له، فيكيف والماء في داخل البور الذي ابتاع مغيرة، وإنما ثبت أن حارثا انتفع به قبل إغلاق مغيرة عليه، ولا تستحق مياه الفلوات ولانتفاع للمأذون في ملك أصلها، وقد ترعى الماشية في مرعى غير أصلها، ويرد ما يعمر ماءهم، وقاله كله أصبغ. وهذه المسألة رواها عيسى من أولها في العتبية عن ابن القاسم. وسألت ابن الماجشون عن صبرة في وسط شعري أحاطت بها القرى فسكن تلك الصبرة وعمر حولها في الشعري زمانا، وباعها من سكنها، وعمر في [10/ 538]
تلك الشعري ورعاها فيما لم يعمر منها، ثم تشاح أهل القرى في قيمتها؟ قال: إن كانت الصبر مسكونة لحقت القرى في كثرة من سكنها، فلها نصيب من الشعري كأحد القرى وإن لم يسكنها إلا النفر اليسير والرعاة لم يكن لها شعري كالقرية. ولكن لها الأفنية والمدخل والمخرج والطريق، وما اعتمر صاحب الصبر من الشعري وقال: هو ملكي. وأحتج بأتي أعمرته بعلم أهل القرى لا يغيرون في ذلك يكسى من البينة، على أنه إن قال: لا بينة عليه فيما عمر من الشعري، فإذ ثبت ذلك البينة أو بإقراره نظر، فإن طال زمان ذلك بمحضر هؤلاء بذلك تسمع يمينه أن له حق وملك، ولا حق لها ولا ولاء فيه، وإن لم يطل زمان ذلك لم يجب له ذلك إلا ببينة على شراء أو عطية، وإلا دخلت في الشعري وكان له قيمة ما عمره إلا أن يموت الغامر ويورث ذلك ولده بذلك لهم طالت العمارة أو قصرت، فإن ثبت أن أباهم إنما عمرها لما درج الأب من حجته، وإن كان حيا فقد يأتي ببينة على شراء، أو بما ينبغي من الملك. إلا أن تقوم بينة على إقرار الأب أو بينة تثبت أن عمارته إنما كانت اختطاطا وبدارا كما ذكرنا، فإن كان هذا لم ينتفع بطول زمانها ولا من حيا أو مات، وكان أهلها بقيمة العمارة كما ذكرنا، ولو لم يثبت العمارة، ولكن باع منها وتصدق وأصدق النساء ولم يطل زمان العمارة، وكان من كان بيده ذلك كالوارث لا يخرج من يده طال الزمان أو لم يطل إلا ببينة على أنه إنما عمر على الاختطاط وعلى التبادر أو على إقرار بذلك فيكون أهل القرى أحق بذلك ويؤدون قيمة العمارة، ثم ترجع الزوجة بقيمة ذلك على الزوج، والمبتاع على بائعه بما أدى، ولا يرجع المتصدق عليه بشيء، ولو كان إقراره عند هذه البينة بعد أن صار ذلك بيد من ذكرت من متاع أو معطى، فذلك باطل لأنه مقر على غيره، وعليه لأهل الشعري قيمة ما أتلف عليهم، قال: وكذلك كل ما عمر في العشري بشبهة، ولا تنفع العمارة من الشعري إلا أن يطول الزمان، أو يورث ذلك، وإن لم يطل الزمان فذلك لعامره. ولو ثبت أنه كان من شعري إذا قال: إنما أعمرته بحق لي وملك حتى تقوم بينة أن عمارته اختطاط أو بدار، ويقر هولك فتبطل بذلك الحيازة، وإن طالت وتوسعت بالوراثة، ويصير ذلك لأهل الشعري، وعليهم قيمة العمارة، [10/ 539]
قال: ولو حكم الحاكم وتقدم إلى الناس بالنهي عن عمارة الشعري الملاصقة للمقر إلا باقتسام أهلها، فعمر أحد بعد هذا قامت عليه بينة إن ذلك بعد علمه بوجه الحكم فيها ولم يتأول الحديث، فهذا كالمتعدي وتؤخذ منه ويعطى قيمة عمارته مطروحا ولا شيء له في قلع الشجر والإفحاص عن الأرض. قال ابن الماجشون في أرض الشعري وقد أحاطت أرض بعضهم بشيء من الشعري فصارت في أرضه، قال: هو أحق بتلك الشعري التي احتاط بها بياضه من نواحيها كلها. ولو جعلت لغيره معه فيها حقا، جعلت لهم في أرضه حقا، وأبحث لحريمها وضيقت طريقها، وأما إن كانت الشعري تنال وتدخل من غير أرض هذا، فلا أري لها تماديا منها أرضه فضلا على غيره، والشعري قد تبعد من بعض القرى وتقرب من الأخرى، فلا يزداد حظ القريب بذلك، ولو أنهم عمروا شعري هذا الرجل الذي أحاطت بها أرضه من كل ناحية وهو يراهم ولا ينكر، ثم يزعم أنه تأول الحديث في إحياء الميت قال: فله ذلك، ويعطيهم قيمة ما عمروا قائما [ويخرجهم، وكذلك قال ابن القاسم في ذلك كله قال ابن الماجشون]: ومحمل المروج والأودية والأجما في القرية محمل الشعري إذا أحاطت أرضه [بذلك من كل ناحية فلا حق لغيره في ذلك معه، وكذلك لو كانت الأرض لرجلين] فذلك الوادي أو المراح أو الشعري لهما وبينهما خاصة، وإن كانت أرض هذا من جانب، وأرض الآخر من جانب، وهي بينهما بالسواء، ولا يبالي أيهما كان أخذ للمرج أو الروضة أو الشعري من أرضه من الآخر، وقاله ابن القاسم. [10/ 540]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الذي يسكن القرية وليس له فيها إلا مسكنه أو شيء اشتراه بعينه، وليس ممن ورث، ولا اشترى سهما من وارث، فعمر من بورها أرضا فحرثها وزرعها زمانا بمعاينة أهل القرية، لا يمنعونه ولا يغيرون عليه ثم أرادوا إخراجه؟ قال: ذلك لهم [إلا أن يقيم بينة بشراء أو ميراث أو هبة/أو حق يستوجب به ما عمر وإلا أخرجوه] إلا أن تطول حيازته جدا، قلت: أفمثل طول الحيازة بين الأجانب أو بين القرابة أو الرجل مع مواليه؟ قال: يجتهد فيه الإمام بقدر ما يعذر به أهل أصل الأرض لافتراق سهامهم وقلة حق أحدهم فيقول كل واحد منهم: منعني من الكلام سكوت أصحابي، وقلة حقي، فلما خفت طول الزمان قمت، فهذا أعذر من الذي يستحق عليه من داره أو أرضه شيئا ولا أبلغ به حوز الورثة والموالي في أرض مواليه والصهر في أرض أصهاره إلا أن يكون ذلك البور لرجل أو رجلين أو نفر قليل فلا يغدرون بسكوتهم. ويحملون فيما عمر جارهم من عامر أرضهم ما يحمل على من حاز من أرضه أو داره شيء قال: وهم فيما يعمر بعضهم من عامرهم المشترك أعذر في السكوت وأوجبت حقا وإن طال الزمن جدا. وسئل سحنون عن قوم يسكنون قرية ويزرعونها وأمام مزرعهم أرض لمواشيهم، فزرع فيه أكثر تلك القرية زمانا قبل أن ترفع إلى الإمام ولم يزرع فيه الباقون، قال: الذين عمروه أحق به دون من لم يعمر. [10/ 541]
تم كتاب الأراضي والشعاري وإحياء الموات يليه كتاب القضاء في الكلأ والآبار والأودية والبرك والأنهار، وفي بيع بئر الماشية وغيرها من الأبار، وبيع مائها، وذكر الكلأ ولبيع الكلأ باب آخر [10/ 542]
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني 310 - 386هـ تحقيق الأستاذ محمد عبد العزيز الدباغ محافظ خزانة القرويين بفاس المجلد الحادي عشر
كتاب القضاء في الكلإ والآبار والأدوية والبرك والأنهار
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب القضاء في الكلإ والآبار والأدوية والبرك والأنهار في بيع بئر الماشية وغيرها من الآبار ولبيع مائة وذكر الكلإ وبيع الكلإ باب آخر قال الفقيه أبو محمد/ من المجموعة وكتاب ابن حبيب روى مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يمنع فضا الماء ليمنع به الكلأ" (¬1)، قال مالك ومعنى ذلك في آبار الماشية لأنه إذا منع فضل الماء لم يرع ذلك الكلأ الذي بذلك الوادي إذا لم يجد ما يسقي به فصار منعاً للكلأ وذلك في آبار الماشية التي في الفلوات لا تُباع ولا تورث وصاحبها الذي احتفرها أو ورثته أحق بمائها يسقون منها قبل غيرهم ثم ليس لهم (¬2) منع الناس أن يسقوا بفضلها. قال ابن حبيب وهو قول ابن الماجشون وقال ابن عبد الحكم وهو قول جميع أصحابنا وهو قول مالك وقال أصبغ. قال مالك في المجموعة ولا يمنع الأعراب من يرد عليهم من أهل المواشي فضل مائهم وهم يبدؤون ولو أشركوهم فيه ما انتفعوا بمائهم دون غيرهم ¬
وأضر ذلك بهم، قال ابن الماجشون في بئر الماشية للأعراب لا يُباع ولا يُوهب ولا تقع فيها المواريث بمعنى الملك لا حَظَّ فيها لزوج ولا زوج من بطنٍ على بطن ولا يشرب منه غيرهم إلا ما فضل عنهم وما استغنى عن الشرب منهم فليس له أن يعطي حظه أحداً ومن حضر من أهل البئر أولى منه ومن غاب، قال: وإن تشاحوا (¬1) فيمن يبدأ بالشرب فإن لم تمض له سنة فيمن يبدأ بالشرب من كثير الماء على قلته أو قوم على قوم أو كبير على صغير فليستهموا (¬2) وإلا فأمرهم (¬3) على ما مضى من سنتهم، قال: ولو نزل بلدهم من لا يضرهم نزوله قال: يشرب ما/ فضل منهم وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ (¬4)، فإنما أباح ما هو فضل لولا ذلك لكان يقول لا يمنع ماء قال ولهم الشرب ببئر لا يسقون فيه أو في يوم لا يردون فيه وقد جاء لا يمنع فضل بئر وهو من رهو (¬5) بئر لا يمنع. ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم وأشهب فيما جاء لا يمنع فضل ماء ذلك في الأرض ينزلونها للرعي لا للعمارة فصار الناس في الرعي سواء ولكنهم يبدؤؤن بمائهم فما فضل منهم فالناس فيه سواء. لا يمنعوه. ومن المجموعة قال أشهب سُئل مالك عمن هلك وورثه أخواه وأختاه وله قليب (¬6) ماشية وأوصى لابن أخيه بثلثه وأخذ ثلث ما ترك من مال وغيره ثم طلب أن يأخذ في القليب، قال القليب لا يورث ولا يباع وهم أجمعون فيه سواء [لا شيء لهم فيه إلا الشرب يسقون فيه سواء] (¬7). ¬
ابن القاسم وأشهب وابن وهب (¬1) وابن نافع عن مالك قال أما بئر النخل والزرع فلا يُجبر أحدٌ على أن يبيح فضله لمن يسعى به إلا أن تهور (¬2) بئر جاره فيخاف على نخله أو زرعه فيُقضى له أن يسقي بفضل ذلك الماء حتى يصلح بئره وأما بئر الماشية فيمنع فضله لا يجوز لأنه من الكلإ المباح، قال مالك ويباع بئر الزرع ولا يجوز بيع بئر الماشية (¬3)، قال أشهب: لأنه إذا كان فضلها لغيره فإنما اشترى من مائها ما يرويه وذلك قد يقل لقلة غنمه ويكثر لكسميها، قال ابن القاسم: لا تباع بئر الماشية لأن للناس فيها حقاً. ابن وهب. قال مالك في جباب (¬4) أهل البادية التي تكون للماشية/ فلا ينبغي أن يمنع فضل مائها ليمنع به الكلأ قيل له فالجباب التي تجعل لماء السماء قال: ذلك أبعد قال عنه ابن القاسم: لا تُباع آبار الماشية كان حفرها قريباً أو كان بعيداً إلخ الجاهلية أو في الإسلام ولا يورث ولا يوهب مثل مياه الأعراب التي كانت لأبائهم فلا تباع، [قيل: إنه لا يملك غرسها وقد احتاج، قال: لا تباع] (¬5) وإن احتاج وإنما ينتفع به هو والناس. قال ابن القاسم: يعني الماء الذي يكون في البادية وحيث الكلأ، قال سحنون وقوله كانت لآبائهم يعني أنهم احتفروها وليس على أنهم يملكونها. قال أشهب عن مالك في العتبية (¬6) في بئر الماشية لا يكون فيها بيع ولا عطية وإنما يشرب بها ويشرب بها أبناء السبيل قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة: لا يُباع بئر الماشية وإن حُفرت يريد في قرب المنازل إذا حفرها للصدقة وأما ما حفرها في أرضه لمنفعته فله بيعها يبيع مائها وإنما التي لا تباع ما حفرت في الفيافي، قال سحنون: والذي جاء: لا يمنع فضل الماء ليُمنع به الكلأ (¬7) إنما ذلك في أرض ¬
في البئر المملوكة التي يجوز بيعها أو غيرها، هل يمنع المسافرون لشفاههم أو دوائهم
الأعراب. قال المغيرة: ومن حفر بئراً حيث الكلأ وحيث ترعى الناس فهو أحق بما يصلحه ويصلح ماشيته ولا يمنع ما فضل عنه ولا يبيعه، وإن حفر في قريته وفي حقه وفي غير مسارح الأنعام ومواضع الكلأ فله أن يبيع ذلك ويصنع فيه ما شاء، وإذا حفر جُباً فله منعه إلا يشرب منه غيره وليس كالبئر. قال ابن كنانة: ولا تُباع مياهُ البادية ولا يُمنع فضلها وليس لأحد أن يغرس عليها غروساً. / قال ابن القاسم في آبار الشفة (¬1) إن ما حفره في داره أو أرضه لنفسه، وأما ما عمل في الصحاري وفيافي الأرض مثل مواجل (¬2) طريق المغرب فكان يُكره بيعُها من غير تحريم، وهي مثل آبار الماشية التي تُحتفر فيها فليس لأهلها منعُ (¬3) فضلها. وأما المارة فلا يُمنعون لشفاههم ودوابهم. ومن أدرك مثلاً في المعدن فله منعه بخلاف الماء. في البئر المملوكة التي يجوز بيعها أو غيرها هل يُمنع المسافرون لشفاههم أو دوابهم؟ من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك لا يمنع الماء لشفة ولا لسقي كبد إلا ما لا فضل فيه عن أصحابه ولا ينبغي أن يمنع أهل البركة والغدير من ذلك. قال عنه ابن وهب ولا يُمنع أبناء السبيل من بئر الماشية، قال ابن القاسم في المسافرين يمنعهم أهل بئر الماشية الفضلة لدوابهم وشفاههم ويخافون على أنفسهم إلى بلوغ ماء آخر فليجاهدوهم. قال أشهب في مسافرين وردوا ماءً يمنعهم أهله من الشرب فليس ذلك لهم ولا أعلم أنه يصيبهم من الإضطرار إليه ما يجوز لهم معه سفك الدماء ولست أرى أن يبلغوا ذلك فإن قدروا أن يغلبوهم عليه بغير فساد فذلك لهم جائز ومانعهم ظالم متعد ولقد كره مالك قتالهم على ذلك. ¬
قال ابن نافع: سُئل مالك عن بيع أهل المياه الذي على الطريق بين مكة والمدينة. حتى إنه يمنع الناس قرب مكة بالأبطح. قال: ما أرى ذلك لهم وليمنعوا من ذلك. قيل أفيقاتلون على ذلك؟ / قال أما القتال فلا أدري. قال أشهب: فإن وردوا مياه المواجل فمُنعوا فهي والآبار سواء وقد فسرت لك ذلك ولا يجوز بيعها ولا بيع مائها من بئر أو ماجل لأنه مُرتفق بين المسلمين وليسقوا دوابهم من فضل مائها والمواجل والآبار إلا أن يكون فيه فضل وقد اضطروا إليه والمسافة بعيدة فيكون ذلك بينهم أسوة إلا أن يكون لأهل تلك المياه غوث أقرب من غوث السفر فيكون السفر أولى (¬1) به لأنفسهم ودوابهم. وقد كتب عمر بن عبد العزيز في الآبار التي في الطريق بين مكة والمدينة أولى من شرب منها ابن السبيل، وهذا حسن للضرورة إلى ذلك ولتزودهم منه وأنه ليس بأهله إليه من الضرورة مثل ما بالمسافر يُقرِب غوثهم وصار بئرهم وأنه بين أظهرهم والمسافرون يرحلون عنه، قال ابن نافع عن مالك سُئل عن بيع الماء قال: أما المياه التي تسقي الأرض فلا بأس ببيع فضلها وأما الآبار التي للشفة فلا أحب أن يُمنع ذلك ولا أراه لهم وقد كان يكتب على من احتفر بئراً أن أولى من يشرب بهذه الآبار المحدثة أبناء السبيل. وروى ابن وهب أن عمر قال من أحل فلاة (¬2) من الأرض فالحجاج والمعتمرون وأبناء السبيل أحق بالظل والماء فلا تحجروا على الناس من الأرض، وكان علي بن أبي طالب أمر أهل المياه بسقاية المارة من غير بيع ولا يُباع فضل الماء من أحد احتاج إليه من أهل الإسلام، ورُوي أن عمر هدر (¬3) جراحات أهل الماء وأغرمهم جراحات أبناء السبيل حين اقتتلوا عليه وقال: أبناء السبيل أولى بالماء من الباني عليه حتى يروون وروى ابن وهب أن/ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُقطع ¬
فيمن هارت بئره وخاف على زرعه هل يسقى ببئر جاره؟ أو لبئر جاره فضل فاحتاج إليه
طريق ولا يُمنع فضل ماءٍ (¬1) ولابن السبيل عارية الدلو والرشاء والحوض إن لم تكن له أداة تعينه ويخلى بينه وبين الركية (¬2) فيسقي. فيمن هارت بئره وخاف على زرعه هل يسقي ببئر جاره؟ أو لبئر جاره فضل فاحتاج إليه وفي البئر بين الرجلين كيف بما فضل من ماء أحدهما أو استغنى عنه؟ من كتاب ابن حبيب روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُمنع نقع بئر. وفي حديث غيره ولا رهو ماءٍ (¬3)، قال أبو الزناد الرهو والنقع الماء الواقف الذي لا يُسقى عليه أو يُسقى عليه وفيه فضل ومن ذلك حائطين وهي لأحدهما يسقي بمائها وفيها فضل ورب الحائط الآخر محتاج إلى أن يسقي بها فله أن يسقي بغير إذن صاحبها. قال ابن حبيب فسألت مطرف عن تفسير ذلك فقال: ذلك عندنا. وقاله مالك لي هو في البئر بين الشريكين يسقي هذا يوماً وهذا يوماً فأقل من ذلك أو أكثر فيسقي أحدهما في يومه فيروي إبله أو زرعه في بعض يومه أو يستغني ذلك اليوم عن السقي فيريد صاحبه أن يسقي في ذلك اليوم فيمنعه صاحب اليوم وقال هو حظي من السقي إن سقيتُ به سقيتُ وإن استغنيتُ عنه منعتُه منك فليس له ذلك وليس له منعه مما لا نفع فيه ولا يضره تركه فهو معنى قوله لا يُمنع بئر ولا رهو بئرٍ (¬4). قيل لمطرف فإن كانت البئر لأحد الرجلين فيحتاج جاره أن يسقي حائطه بفضل مائها. قال مالك: ليس له ذلك إلا أن تهور (¬5) بئر جاره/ فله أن ¬
يسقي بفضل بئر جاره إلى أن يصلح بئره ويُقضى له بذلك، ويدخل في معنى قول الحديث "لا يُمنع نقعُ بئر" وليس له تأخير إصلاحه استمر (¬1) على ماء جاره وليؤمر بالإصلاح ولا يؤخر، قال مالك: وذلك في النخل والزرع الذي يخاف عليه لهلاك إن مُنع السقي إلى إصلاح بئر، فأما إن أراد أن يحدث عملاً من زرع أو غرس ويسقيه بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره فليس ذلك له. وقال ابن الماجشون مثله كله، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ إنه قول ابن وهب وابن القاسم وأشهب وروايتهم عن مالك. ومن العتبية (¬2) روى ابن وهب أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إن لي زرعاً قد كاد يُصرم فانهارت بئري، قال: انظر أدنى بئر من حائطك فاهدم جدارك الذي بينك وبينها ثم اسقه منها حتى تصرمه وقضى بذلك في النخل فيها ثم ثمر يُخشى هلاكه إلى أن يصلح بئره، وروى ابن القاسم وأشهب وابن نافع عن مالك فيمن هارت (¬3) بئر جاره فإنه يكره على أن يسقيه فضل مائه حتى يصلح بئره، قال مالك: وهو يشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُمنع نقعُ بئرٍ" (¬4) وأما إن لم يقضُلْ من مائه عن سقي ورعه فلا شيء لجاره عليه وليس له أن يأتنف غرس ودي (¬5) لسقيه من فضله. قال أشهب في بئر الزرع أسقي منها أرضي وفيها فضل هل لجاري السقي بفضلها؟ قال لا إلا أن يبيع ذلك الفضل وليس ذلك عليك إلا أن يضطر جارك فيخاف على نخله أن يهلك لانهيار بئره فذلك عليك في فضل مائك [إن كان عنده ثمنٌ أداه في ذلك وإن لم يكن عنده ثمنٌ وقد خيف على نخله سقيت/ له ¬
في البئر أو العين بين الشريكين تهور البئر أو تغور العين أو ينهدم جدار بينهما
فضل مائك] (¬1) بغير ثمن، وإن كرهت إلى أن يصلح بئره قريباً، وكذلك قال مالك: وليس له أن يسقيها إن كانت ودياً حتى تبلغ وإنما يُنظر في هذا على قدر ما ينزل منه، قال ابن القاسم في الذي هارت (¬2) بئره ويخاف على حائطه، أن له أن يسقي بئر جاره بغير ثمن ويُقضى له بذلك، قال: والفرق بين بئر الماشية أن الناس أولى بفضلها وأما بئر الزرع فربه أولى بفضله ولأن من زرع إلى جنب رجل على غير أصل ما يريد إن فضل ماءُ جاره فهو مضار وليس له ذلك إلا بالثمن والذي له بئر فانهارت قد زرع على أصل ما يُقضى له بالفضل. في البئر أو العين بين الشريكين تهور البئر أو تغور العين أو ينهدم جدار بينهما فيأبى أحدهما العمل وفي السفل ينهدم والعلو لآخر أو يقسم البئر بالمناضح فزال الماء من أحد المناضح وفي بئر الماشية يريد الكنس من كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون عن مالك وهو قول جميع أصحابنا في البئر أو العين بين الشريكين ينقص ماؤها فطلب أحدهما العمل وأبى الآخر أنه يقال له إما أن تعمل وإلا فبع ممن يعمل وإلا قلنا لصاحبك اعمل وما زاد عملك في الماء فهو لك خالصاً حتى يعطيك صاحبك نصف ما أنفقت. ومن العتبية (¬3) والمجموعة قال سحنون قال ابن القاسم في قول مالك في الماء بين الرجلين فيهور. فيقال لأحدهما اعمل ولك الماء كله أو اعمل مع صاحبك. إن كل أرض مشتركة لم تُقسم من نخل أو أصيل أو أرض فيها زرع زرعاه فهارت البئر/ فليقل لمن أبى العمل اعمل مع صاحبك أو مع حصتك من الماء الأصل ¬
أو قاسمه فتأخذ حصته ويأخذ حصتك، فيؤمر فمن أحب أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهم كان له الماء كله حتى يعطيه شريكه ما يصيبه من النفقة فيرجع على حقه من الماء. وإن كان بينهما طرع أو شجر بثمره في أرض لهما فإن من أبى العمل يُجبر على ما أحب أو كره أو ببيع ممن يعمل، وأما الأرض المقسومة أو الشجر المقسوم (¬1) أو زرع لرجلين في أرضي بينهما إلا أن ماءهما واحد فتهور البئر وتنقطع العين فيأبى أحدهما العمل ويرضى بهلاك زرعه أو أصوله يريد زرعه مغروراً وكذلك أصوله فإن ذلك له ولا يكلف النفقة معه ويقال للآخر اعمل ولك الماء كله إلا أن يأتي شريكه بما يصيبه من النفقة في نصيبه فيرجع على حقه في الماء. والشريكان في الأصول والزرع إذا انهارت البئر كالشريكين في الدار تنهدم فإما بنى مع صاحبه وإلا قاسمه العرصة. قال سحنون وقال ابن كنانة وابن نافع والمغيرة: إنما هذا في البئر ليس عليه حياة من زرع ولا نخيل ولا غيره فأما بئر عليها حياة من نخل أو زرع فيهور فيأبى أحدهما أن يعمل فإنه يُجبر أن يعمل أو يبيع ممن يعمل كالعلو لرجل والسفل لآخر فينهدم فإنه يُجبر أن يعمل أو يبيع ممن يعمل وإلا بيع عليه. ومن المجموعة قال أشهب عن مالك في رجلين لهما بئر أو عين فخربت فدعا أحدهما صاحبه إلى عملها فأبى الآخر فقال إنما تكلف/ أن تعمل معه إن لم تخرب العين أو البئر وإنما قل ماؤها وكاد ينقطع ويخرب، فهذه من دعا إلى عملها جبر الآخر على ذلك، لأنه إذا أبى ذهب بقية مائها فماتت كلها فلا يُترك وذلك، وهذا من الضرر، فإن أبى ضرب حتى يعمل أو يبيع. وأما الذي لا يُجبر على العمل مع شريكه فهو أن يخرب البئر أو العين وينقطع ماؤها فلا يُجبر على العمل في هذا فإن شاء شريكه أن يعمل ويكون له ¬
الحق بجميع الماء حتى يُعطيه شريكه نصف ما أنفق فذلك له فإذا أعطاه كان الماء بينهما فيما يستقبلان (¬1) ولا شيء على العامل فيما شرب قبل ذلك، قيل: فإن عمل جميع البئر وطلب أن يكريها كلها وبياض الأرض حتى يعطيه نصف النفقة فقال: إنما له [الماء] (¬2) الذي أحيا وليس له بياض أرض شريكه، قيل: فما الذي انتفع به؟ قال: إحياء الماء يسقي به أرضه، قيل: فالأرض مشتركة، قال: يقاسمه أو يكري منه أو يسقي بقدر مصابته منها وله الماء كله وليس له أرض شريكه. ع (¬3) انظر قوله يقاسمه نصيبه أو يكري أو يسقي قدر نصيبه إن الألف وقفت غلطاً لأن له أن يُجبره على القسم ليجعل له أرضه خاصة وهو لم يجعل له النفع بأرض شريكه ولا يصل إلى أرضه إلا باقتسام. وذكر سحنون أيضاً في المجموعة ما تقدم من قول ابن نافع والمخزومي ثم قال سحنون بإثر كلامهما: وكذلك الحائط بين الرجلين قياس ذلك وقياس السفل والعلو والبئر التي عليها واحد وهو أصل قولنا. ولا يفرق بينهما إلا شهر إذا انهدمت البئر أو الحائط أو السفل يجبر صاحبه أن يعمل فإن أبى عليه السفلي/ والدار والبئر والأرض، وهو قول كبار أصحابنا وذكره سحنون عن غير المغيرة وابن نافع في جدار بينهما انهدم فدعا أحدهما الآخر إلى بنائه فذلك له ويُجبر أن يبني معه أو يبيع نصيبه من الدار ممن يبني، وليس يبيع نصيبه من الحائط فقط إذ لا يشتري ذلك أحد. وكذلك العين الحية ليس فيها من الماء ما يكفي أحد الشريكين فإن من دعا إلى عمارتها فذلك له ويُجبر على ذلك صاحبه وإن لم يكن عنده مال أُجبر على بيع نصيبه ممن يعمر لأنه يخاف عليها الخراب وأما التي قد خربت فهذه التي قال مالك فيها لا يُجبرُ على العمارة، وأما العين يقل ماؤها ويسقي منها ما يكفي بعض الشركاء لقلة نخله ولا يكفي صاحب الكثير فهذا لا يجبر صاحب القليل على ¬
العمل ويعمل الآخر ويكون للذي لم يعمر قدر حصته من الماء القليل ويكون باقي الماء للذي عمر حتى يعطيه حصته من النفقة، قال ابن نافع قال مالك: يُعطونه (¬1) حصصهم بما أنفق عى غلاء ذلك يوم أنفق ورخصه، وأنا أرى أن يعطوه قدر ذلك من قيمة العمارة، من كان له الربع أعطاه ربع القيمة يوم يأخذ لأن المنفق قد أبلى ما أنفق وأخلق فليس له أن يأخذ ثمن ذلك جديداً وإنما يقوم يوم يقوم وقد بلي ذلك وخلق والقيمة في هذا وشبهه أعدل إن شاء الله. ومن سماع أشهب عن مالك في قوم لهم بئر يسقون عليها فاقتسموها على مناضح خمسةٍ وكل واحد يسقي بمنضحة ثم إن واحداً منهم انقطع من ناحية منضحته الماءُ وارتفع ملقاه التراب/ يُرسل الدلو فيخرج لا ماء فيه ولا يقدر أن يسقي، ومنهم من يسقي على مائه أيسقي معهم من مناضحهم أم حتى يسقوا جميعاً وقد دعاهم إلى ذلك فأبوا عليه وقالوا اضرب لنفسك. قال مالك: إني لأرى لمثل هذا فيه سنة جارية. قيل له: إنه قد اختُلف في ذلك، قال: إن أصوب ذلك أن يضربوا في البئر حتى يسقوا جميعاً، وروى عيسى عن ابن القاسم في الماء بين الرجلين يعمل أحدهما ويأبى الآخر، فلما عمل نصف العمل قال له الآخر أنا أعمل معك الساعة فإن خرج الماء أعطيتك نصف ما أنفقت وإلا فلا شيء لك. قال: ليس ذلك له ولا يعمل معه حتى يعطيه نصف ما عمل ويستقل العمل معه فيما بقي خرج الماء أو لم يخرج. ومن المجموعة وهو في المدونة في بئر الماشية يحتاج إلى الكنس فيأبى بعضهم إنه كبئر الزرع في أخذ من كنس بما زاد [حتى يرووا فإذا رووا كان شركاؤهم والأجنبيون سواء.] (¬2) حتى يُعطوهم ما يصيبهم من النفقة فيكونوا حينئذ شركاء في الماء كله بقدر ما كان لهم فيه ثم الناس كلهم في الفضل سواء. ¬
في ساقية أجنة قوم فارتدمت، على من كنسها؟ وفي كنس القناة تجري بالأتفال
وقاله كله أشهب وقال: ومن فضل له من مائه من ماء هذه البئر شيء لم يحل له منعه لا ممن يشركه في البئر ولا من غيرهم وإنما يفترق بئر الماشية من بئر الزرع أن بئر الزرع يمنع ربه ما فضل منه وهذا لا يجوز منع فضله لنهيه صلى الله عليه وسلم عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ وهو بئر الماشية. قال ابن نافع عن مالك في عين بين رجلين زرع عليها أحدهما فقل ماؤها فأراد أن يرفع في العين/ ليستغزر في الماء في الماء فأبى ذلك صاحبه وقال: أخاف أن يضر ذلك بالعين قال: يسأل عنه الناس فإن كان يضر بالعين فليس له ذلك. قال ابن القاسم عن مالك فيمن اكترى أرضاً يزرعها سنة بزرع فخربت بئرُها فصاحب الزرع مخير فإن شاء أنفق الكراء كله في إصلاح البئر لصلاح الزرع فذلك وله ولا شيء لرب الأرض، فإن شاء ترك زرعه تهلك ويرجع بالعشرة فذلك له، وبعد هذا باب في الساقية تسقي أجنة قوم فارتدمت كيف تُكنَسُ فيه من معاني هذا الباب في ساقية أجنة قوم فارتدمت على من كنسها؟ وفي كنس القناة تجري بالأثفال في الأفنية وفي الدور من العتبية (¬1) سُئل أصبغ عن قوم لهم مجرى ماء وهم فيه أشراك ولبعض الناس عليه أجنة كثيرة ولبعضهم عليه جنان (¬2) أو جنانان فارتدمت الساقية كيف تُكنس أعلى الجماجم (¬3) أم على الأنصبة؟ قال: بل على الأنصبة والحقوق ولا تباع كالشفعة وحق القاسم ولا أقول فيه بقول ابن القاسم أنه على الجماجم ولا ¬
أعلم شيئاً من هذا يكون على الجماجم إلا كنس المراحيض لأن الانتفاع بها سواء ولا يُحاط فيه بعلم ذلك معرفة. وابن القاسم يرى في المرحاض الكنس على من له رقبة البئر أو على قدر أملاكهم من رقبته، قال أصبغ: فإن انسدت الساقية وبعضهم ينتفع بأعلاها وبعضهم بأسفلها فقال الأسفلون للأعلين اكنُسُوا معنا لأنها إذا اجتمعت من/ عندنا أضرت بكم وقال الأعلون لا حاجة لنا بالكنس ولا ضرر علينا قال: أرى أن يكنسوا معهم لأن ماءهم ووسخهم فيها كلها، قال فإن انسدت في الأعلى لم يكن على الأسفلين عون الأعلين في الكنس لأنهم لا ماء لهم في أعلاها. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في قوم لهم قناة فاحتاجت إلى الكنس فأبى بعضهم وفي ذلك ضرر بالماء ونقص فإنه إن كان من مائها ما يكفيهم جميعاً قال أشهب ولم يُخف على باقي مائها الذهاب بترك كنسها قالا: فلا نرى أن يُكلف أحدٌ ممن أبى الكنس أن يكنس ويقال للذين أرادوا الكنس اكنسوا إن شئتم ثم يقتسمون الماء الذي كان قبل الكنس على ما كان بينهم وما زاد في الكنس فهو للذين كنسوا أبداً دون الذين لم يكنسوا ما لم يُعطهم الذين لم يكنسوا نصيبهم من النفقة، قال أشهب: فإن كان المنفق واحداً منهم فمن أعطاه منهم نصف الذي أنفق صار الماء بينهما يوم أعطاه ومن أعطاه منهم قدر مصابته من القناة كانت له قدر مصابته من الماء ولا شيء عليه فيما لا يكلف من أبى الكنس فأما إن كان ذلك تافهاً يسيراً فإنهم يكلفون ذلك شاءُوا أم أبوا. ابن القاسم وقد قال مالك في قوم بينهم ماء فقلَّ ولأحدهم نخل يسيرة فقال في مائي ما يكفيني ولا أعمل معكم قال: يقال للآخرين اعملوا ولكم ما زاد الماء على القدر الأول حتى يُعطيكم حصته من النفقة فيكون له من فضل الماء قدر حصته من الآن. قال أبو بكر بن محمدٍ/ قال سحنون في كنس القناة التي تجري من قوم إلى
قوم في الأزقة والطرق بالتفل (¬1) أو الغُسالات (¬2) قال فإن الأول يكنس حتى يصل إلى الثاني ثم على الأول والثاني الكنس حتى يبلغا إلى الثالث ثم على الأول والثاني والثالث الكنس حتى يبلغوا إلى الرابع هكذا حتى يبلغوا إلى آخرها لأن الأول ينتفع بها قبل انتفاعهم بها وماؤه يسلكها كلها ولا يسلكها الثاني بشيء إلا من موضعه وكذلك الثالث ومن بعده وهي تجري أيضاً في غير ملك أحد، وأما ما كان يسلك في دار غيرك ويجري في داره الكنس إلا أن يكون موضعها من دار الرجل مِلكاً لمن يجري عليه فيكون ذلك على من له المِلكُ، وعلى قول ابن وهب الكنس على قدر المنافع ولم يراع مالك البقعة. وروى أبو بكر بن محمد عن سحنون في قناة تجري تحت أربع أدورٍ فانسدت فأرادوا إصلاحها هل يُصلِحُ كل واحد ما في داره أو يشتركون (¬3) في نفقتها؟ قال سحنون يصلح الأول ما في داره ثم يصلح الأول والثاني مع الثالث ثم يصلحون كلهم مع الرابع لأن ماء الأول قد سلك فيها كلها فهو يصلح مع كل واحد وهذا إن كان ماء الدور يجري في القناة فإن كانت لرجل واحد تجري في دور هؤلاء فإن إصلاحها على الذي هي له دونهم، قال يحيى بن عمر في قوم لهم قناة يجري ماء كل قناة على قناة جاره هكذا حتى يصل ماؤهم إلى أم (¬4) يخرج منها إلى الخندق فانسدت قناة/ فكنس الأول فلم يجر ماؤه في قناه جاره فقال لجاره اكنس قناتك حتى تجري قناتي فأبى ذلك جاره وكذلك من بعده ممن يليه. قال يحيى: أرى أن يُجبر كل من استدت قناته على كنس قناته حتى يمر عليه ماء جاره هكذا يلزمهم حتى يخرج ماؤهم إلى الأم (¬5) التي يخرج منها إلى الحندق، وأما كنس الأم التي يجتمع فيها ماؤهم فالكنس فيها عليهم أجمع ويُنظر ¬
في منع الكلإ أو بيعه والحيتان التي في الغدر والأنهار
فإن كان إنما يجري فيها ماء المطر فقط بالغرم على عدد الدور لا على عدد العيال وإن كان يجري في هذه القنوات التفل من الغائط والبول فالغرمُ في كنس تلك على قدر كثرة العيال وقلتهم كسكان في دارٍ وكنيفهم (¬1) واحدٌ. في منع الكلأ أو بيعه والحيتان التي في الغُدرِ والأنهار من المجموعة قيل لابن القاسم في الحديث الذي جاء لا يُمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ (¬2) قال: إنما ذلك فيما أحسب في الصحاري والبراري وأما في القرى والأرض التي عرفها أهلها وقسموها فلهم منع كلئها عند مالك إن احتاج إليه وإلا خَلى بين الناس وبينه، قال مالك: وله بيع مراعي أرضه سنة بعد أن تطيب ويبلغ أن يُرْعَى ولا يبيعه عامين. من العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم في الأرض فيها العُشبُ أن له أن يحييها إن كان له بها حاجة وإلا فليس له ذلك، قال عيسى: سألتُ ابن القاسم عن قول مالك وكذلك قال ابن حبيب: سألتُ مطرف عن قول مالك/ إن كان لرجل أرض فله منع كلئها إن احتاج إليه وإلا فليُخَل بين الناس وبينه، وعن قوله لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه عامه ذلك إذا بلغ أن يُرْعَى وأي خصب يبيعه للناس؟ وأي خصب يمنع (¬4)؟ فقالا: الذي يبيعه ويمنع الناس منه وإن لم لم يحتج إليه فما من مروجه وحماه، فأما الذي لا يبيعه ولا يمنعه إلا أن يحتاج إليه فما سقى المرج والحمى من خِصْبِ فدادينه وفحوص أرضه. ¬
قال مطرف: البُور (¬1) والعفاء (¬2) فإنه لا يجوز بيعه ولا منعه قالا: وهذا يُجبر على إباحته للناس إن استغنى عنه إلا أن يكون عليه في وصول الناس إليه بدوابهم مضرة مثل فدان فيه خصب وحواليه الزرع فله منعهم منه للضر. قال ابن حبيب: وسألتُ عن ذلك ابن الماجشون فساوى بين الوجهين وقال: هو أحق بخصب أرضه البيضاء (¬3) كلها التي يزدرعها وإن لم تكن حمىً ولا مروجاً وإن شاء باع أو أو رعى، وإنما الذي لا يحل بيعه ومنعه إن لم يحتج إلى رعايته خصب العفاء من منزله. وقال أصبغ: رأيتُ أشهب ينكر رواية ابن القاسم عن مالك أن للرجل بيع خصب أرضه عامه ذلك إن بلغ أن يُرْعَى وكان لا يجيز بيع الكلأ على حال وإن كان في أرضه وحماه ومروجه قال: وإنما الكلأ كالماء العذب الذي يخرجه الله على وجه الأرض فلا يملك ولا يباع وهو لمن يأتيه الله في أرضه فينتفع به وله أن يحميه/ ويذب عنه لمنافعه به فإن استغنى عنه لم يجز له منعه ممن احتاج إليه ولا يبيعه إلا أن يجذه ويحتمله كما يفعل الناس في بيعه، فأما نابتاً قائماً فلا يبيعه ولا يمنعه ولو جاز هذا لمن له أرض جاز للإمام ذلك في أرض العنوة أن يمنع كلأها يجعله كالسواد، وبهذا قال أصبغ، ابن حبيب، وقول مالك ومطرف وابن القاسم أحب إلي. وروى أصبغ للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المسلمون شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار (¬4). ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في رجل يكون له الغدير أو البركة أو البحيرة فيها الحيتان فلا يُعجبني بيعه ولا ينبغي أن يمنع من يصيد فيه، وكذلك في بحيرات عندنا يبيع أهلها سمكها ممن يصيد فيها سنة. ¬
قال مالك: لا يعجبني لأنه يقل ويكثر ولا أحب لهم أن يمنعوا الناس من الصيد فيها، قال أشهب: إذا كان لك غدير أو بركة أو عين فيها سمك فإن كنت أنت طرحت فيها سمكاً فتوالد ولم يأتها ذلك من غياث الله سبحانه فأنت أولى به، وإن كان ذلك جاء مع الماء إذ جاء فليس لك أن تمنع من الصيد فيها إلا أن يكون في صيد فيها ما يفسد عليك غير ذلك من ملكك فليس ذلك لهم. قال سحنون: له أن يمنع مراعي أرضه وحيتان غديره لأن ذلك في ملكه وحوزه وذلك سواء. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ما كان من ذلك ملكاً لأهله وفي حوزهم وملكهم فلهم أن يمنعوا الناس منه وما كان منها في الخلج والأنهار التي لا تملك فليس لمن دنا إليها بسكناه/ وحقه أن يمنع منها من طرأ وقال مثله ابن حبيب، وكذلك قالا في مصايد الحيتان في الأنهار والبحيرات والغدر والبرك والخليج أن لهم منع الناس من الصيد فيها إن كان ذلك فيما يملكون من أرضهم، وإلا فليس لهم المنع منها. قلت: فلو عملوا فيها مصايد بقصب وخشب وما عرفه أهل الاصطياد؟ قال: ليس لهم أن يتحجروها عن الناس ولكن يبدؤؤن بالاصطياد فيها فإذا أخذوا حاجتهم خلوا بين الناس وبينها والصيد فيها. قال أصبغ: وابن القاسم ساوى بين ما كان في ملكهم وغير ملكهم كالكلأ. ومن المجموعة قال عبد الملك للرجل أن يُكري مراعي أرضه فإن شاء باع وإن شاء وهب إذا حضر وقت الرعي فإن كانت الأرض مسلم قوم من القرية فليس لهم أن يكروها ولا يمنعوا فضل مائها ليمنعوا به الكلأ. قال سحنون: وفيها جاء الحديث فيما لا يُمنع ولا يجوز بيعه وكما لا يباع البئر في أرض الأعراب فكذلك كلؤها وكما يباع البئر في الأرض المملوكة، كذلك يباع كلؤها، هكذا بلغني عن سحنون أن مسلم القوم إن لم يكن في كلئه فضل عن ماشيته لضيق المسلم أو لكثرة الماشية فليس لغيرهم أن يدخل عليهم بالرعي فلهم منعهم لأنه من دفع الضرر ولكن ليس لهم بيعه كما لا يبيعون بئر ماشيتهم
في حريم الآبار والعيون وحريم النخلة، وفيمن حفر في داره ما يضر جاره
وهم يبدؤؤن بالشرب وكذلك في الكلأ. والناس في فضل هذا وهذا سواء ولا يباع ذلك، وكذلك لا يعجبني بيع أطراف مسلماتهم لأن بيع/ ذلك منع لمنافعه وكلئه، وهم ليس لهم منع ما فضل عن حاجتهم، فكيف يبيعون ما لا يملكون ولا يورث عنهم؟ إلا أن يبيعوا ذلك ويقتسموه (¬1) بالسلطان فيكون ذلك كأنه قطعه لهم. وإن كان ذلك مما يحتاجون إليه مما لا يدخل فيه القطائع فليس ذلك لهم لأن بيع ذلك قطع لمنافعه عن نسلهم وعن الغائب عنهم وملكهم فيه ملك منعةٍ ليس ملك حقيقة. في حريم الآبار والعيون وحريم النخلة وفيمن حفر في داره ما يضر جاره من المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن له بئر في أرضه يسقي بها حرثه وحائطه فيريد جاره أن يحفر بئراً قريباً منها، قال: ينظر فيه الإمام فرُبَّ أرض رقيقة إن حُفر بقربها ذهب ماؤها وأخرى جبل لا يضر ما حُفر بقربها فما كان فيه ضرر منعه الإمام وإلا تركه. وروى مثله ابن القاسم في بئر الماشية والعيون إن حريمها علي قدر اجتهاد الإمام بقدر حدة الأرض ورقتها، وفي سماع ابن وهب قال وذكر له ما جاء عن ابن المسيب فقال: ما علمتُ ذلك. وذكر ابن نافع عن مالك في المجموعة وهو في العتبية (¬2) من سماع أشهب عن مالك أنه سُئل عن حريم الآبار والعيون فقال: إنما الحريم في الفلوات وحيث لا يُملك فأما ما احتفر رجل من بئرٍ أو عين في حقه فله ذلك إلا أن يضر ذلك بجاره ضرراً بيناً، فقد يحفر بئراً يستفرغ بحفره بئر جاره فهذا يثمنع وأما في الفلوات فليس لذلك حريم معلوم ولكن ما صار إلى الضرر/ مُنع منه ولا بأس بما لا يضر أما الأرض الشديدة الصخر فلا يكاد يضر الحفرُ فيها وإن تقاربت الآبار، وأما ¬
الأرض البطاح اللينة فإنها إذا تقاربت انتشف بعضها ماء بعض فليُبعَد عنها ما لا يضر بها بغير حد معلوم إلا ما فيه الضرر. قال ابن نافع: وبلغني في حريم البئر العادية (¬1) خمسين ذراعاً وفي البئر البادية خمسة وعشرين ذراعاً أخبرنيه ابن أبي ذيب عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهب: قد جعل لها العلم حريماً (¬2) وجرى ذلك بينهم قديماً وذكر هذا الحديث عن سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حريم بئر الزرع خمسمائة ذراع (¬3). قال ابن شهاب: لا أدري ذكر حريم بئر الزرع أفي الحديث هو أم من قول سعيد؟ وذكر ابن وهب الحديث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وذكر عن قول ابن المسيب في البئر العادية وبئر البدو مثل ما تقدم من نواحيها كلها. قال ابن المسيب: وسمعت الناس يقولون: حريم العيون خمسمائة ذراع، وكان يقال: حريم الأنهار ألف ذراع، وفي حديث آخر لابن وهب عن عمر بن الخطاب في البئر العادية وبئر البادية كما تقدم، وقال: في العيون خمسمائة ذراع وفي بئر الزرع المناضح ثلثمائة ذراع، وقال ابن شهاب عمن أدرك من العلماء كانوا يقضون في غياض العيون في رقاق من الأرض بتسعمائة (¬4) ذراع وإن كانت في جلد من الأرض فأربعمائة ذراع وخمسون ذراعاً. ¬
قال أشهب: وإنما هذا حكومة سواء في كل ما نزل وفيما ذكر عمر في ذلك يقاس عليه/ كما يُروى في جزاء الصيد ويؤتنف فيه الحكم فيجتهد في ذلك كله في بئر العادية وبئر البادية وبئر الزرع وبئر الماشية ويقدر ما لا يضر من ذلك بمن سبق وليحتفر وإن كان أقل مما مضى من حده، وإن كان مما يضر فليمنع وإن كان أبعد مما مضى فيه من الحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ضرر ولا ضِرار" (¬1)، وكذلك حريم العيون والأنهار مختلف باختلاف الأرض في لينها وشدتها وهذا في إحياء الموات وما احتفر الرجل في حقه أو [مما اختلط إياه أو ابتاعه] (¬2) فإنما يراعي ألا يضر ما فعل بجاره إن كان يجد بداً من احتفار ذلك ولم يضطر إليه فإن كان لضرورة ولا مندوحة له منها فليحتفر في حقه وإن ضر ذلك بجاره لأنه قد أضر به تركه كما يضر بجاره حفره وهذا حقه أن يمنع جاره أن يضر به في منعه الحفر لأنه ماله، وهذا أيضاً قول مالك. قال ابن القاسم في البئر في أرض صلبة فأراد أحد أن يحفر قربها أو يبني بناء فقال أهل البئر: هذا عطنُ إبلنا ومرابض غنمنا (¬3) وبقرنا [وذلك لا يضر ماء البئر] (¬4)، قال: يُمنع من ذلك لأنه حق لهم إذا أضر بهم في معاطنهم فهو كالضرر بهم في مائهم. وقال أشهب: هذا في إحياء الموات فيما يُحتضر ويُحرث ويُبنى فليس لمحيي الموات (¬5) أن يحيى ما كان مُضراً بمن قاربه ولا ينظر فيه إلى قول الحافر ولا قول أرباب الماشية ولكن إلى ما كان فيه الضرر بعطنهم فإن لم يضربهم فله أن يحتفر. قال ابن القاسم وأشهب فيمن له بئر خلف حائطه أو وسط داره فحفر جاره في داره بئراً أو كنيفاً أضر ببئر جاره فإنه يُمنع. قال أشهب لأنك أحييت ¬
في سيل الأودية والأنهار إذا تشاح فيها أهلها
ذلك لما قبله/ فليس له أن يُحيي ما يقطع عليك ما أحييت قبله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضِرار (¬1). وقال في نهر يمر في أرض قوم فأرادوا أن يغرسوا في حافتيه فمنعهم صاحب النهر فليس له منعهم، وقال أشهب: لأنهم يغرسون في حقهم ولا يضر ممر نهره وإن شرب منه الغرس إلا أن يغرس في موضع لك أن تلقى طين نهرك فيه فلك منعُهُم لأن لك فيه حقاً. قال ابن القاسم فإن غرس ولم يقدر أن يُلقى الطين على غيره الشجر لكثرته فليُلقه على الشجر إذا كان شأنهم إلقاء الطين في حافيته هذه سنة بلدهم. ومن كتاب ابن غانم وسؤاله مالكاً قال: وسألته عن حريم النخلة قال: قدر ما يرى أن فيه مصلحتها ويترك ما أضر بها، قال: وسُئل عن ذلك أهل العلم به وقد قالوا: من اثني عشر ذراعاً من نواحيها كلها إلى عشرة أذرع وذلك حسن وسُئل عن الكرم أيضاً وعن كل شجرة أهل العلم بها فيكون لكل شجرة بقدر مصلحتها. في سيل الأودية والأنهار إذا تشاح فيها أهلها من المجموعة ذكر من رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومذينب (¬2) أن يمسك الأعلى على الأسفل [ثم يرسل الأعلى على الأسفل، وفي حديث ابن وهب: يُمسك الأعلى على الأسفل، الماء في حائطه إلى الكعبين ثم يرسل على الأسفل] (¬3) ثم يعمل من كان أسفل منه كعمله ¬
حتى ينقص الأموال (¬1) أو ينفد (¬2) الماء. قال المسور: فمضت بذلك السنة في شرب الحوائط/ بالسيول على هذا وعملوا به ثم تشاح الناس. قيل لمالك في قوله صلى الله عليه وسلم: يُمسك الماء حتى الكعبين ثم يرسله على الأسفل (¬3) يلزم ذلك الأئمة الناس في كل ما كان مثل العوالي في ماء السماء، قال: أما السيل فإنه يُقضى به في كل مكان. وأما النيل (¬4) فلا أدري. قال ابن نافع: وأرى ذلك في النيل أيضاً قال: وقد كان في سيل مهزور ومذينب يومئذ أصل نخل قال: نعم. قال ابن كنانة، وبلغني أن السيل إن كان يُسقى به الزرع مثل سيل مهزور ومذينب أنه يُحبس حتى شراك النعل ثم يرسل الأعلى على الأسفل فأما ما سقى النخل والشجر التي لها أصل فليُحبس إلى الكعبين، قال: وليُمسك الزرع والنخل والأصول إلى الكعبين أحبُّ إلينا لأنه أحرى أن يروى ما يسقى به، وتفسير أن يمسك السيل على نخل الرجل وزرعه قبل يدخله السيل فإذا بلغ إلى الكعبين أرسل حتى يسقي ما تحته من نخل أو زرع لغيره فإذا سقاه أمهل أيضاً عن نخل من هو أسفل منه وزرعه فيفعل هكذا حتى يسقي كل ما تحته فيُحبس لنخل كل رجل وزرعه مرة ولا يحبس مرة واحدة لها كلها. قال سحنون ومهزور ومذينب واديان بالمدينة يسقيان بالسيل ليس ملكهما لأحد فيتشاح الناس فيها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ الأعلى فيحبس الماء إلى الكعبين وإنما يراد بذلك أن يرسل الأعلى السيل ويحبس الماء الذي بلغ في أرضه إلى الكعبين فلا يرسله. قلت له: فإن كانت أرض الأعلى غير معتدلة بعضها أشرف من بعض؟ قال: يُؤمر أن يعدل أرضه وليس له أن يحبس/ على أرضه كلها ¬
فوق الكعبين وهو الحكم في كل عين غير مملوكة وهي تسيل سيحاً، وكذلك حكم السيول من ماء المطر مما يأتي من الجبال والأرض التي ليس بمملوكة إن قدر الأعلى أن يمسك الماء حتى الكعبين فذلك له ثم يرسل على من تحته ما بعد الكعبين وكل عين مملوكة ملكها لقوم فإنهم يقتسمون ماءها على قدر ملكهم فيها لا يكون الأعلى أولى بها حتى يبلغ الكعبين ولكن يُقسم بالقلد (¬1) وهي القدر ويأخذ كل واحد ماءه فيصنع به ما شاء كان أسفل أو أعلى. وكذلك السيول التي تأتي من ماء المطر من أرض الناس المعروفة لهم فلكل واحد أن يمنع ماءه ويحبسه في أرضه قل أو كثر ولا يرسل من تحته شيئاً ولا حجة لمن تحته عليه إلا أن يتطوع له بذلك. وإن أرسل رجل ماء أرضه إلى جاره فللمرسَل إليه أن يحبسه في أرضه ولا يخلي منه شيئاً إلى من تحته. وسُئل بعض أصحابنا عن النهر الصغير عليه الأرحية والأجنة فيسقي به أهل كل قرية شجرهم وبعض الأجنة فوق بعض إلى آخر النهر والقرى على النهر يشربون من مائه ويردون بمواشيهم فيقل ماؤه في الصيف لما يكثر عليه من سداد الأرحية والأجنة فيسقي به أهل كل ملايا في القرى السفلى ما يسقون ويردون بمواشيهم وربما حفت شجرهم قال وأرى أن يهدم الوالي تلك السداد إذا علم أن الماء يسعهم بهدم السداد، وإن كان لا يعمهم إن خرقها فلا يخرقها إلا أن يخرج الماء من أرض قوم وحوزهم فيكون أولئك أحق بمائه حتى يفرغوا من حاجتهم فيكون فيه الأسفلون بالسوية/ القرى كلها يقسمون ثم يقسم أهل كل قرية ماءهم إذا احتاجوا إليه على قدر ما لهم في القرية، وإن كان لأحدهم شرب معلوم من الأسفلين أعطيه إن ثبت ذلك ببينة عادلة وسواء كانت ترده الماشية أم لا. ¬
قيل فقد تكثر عليه الأرحية فيقل ماؤه في الصيف فيسد الأعلى رحاه فيحبس الماء ليلة أو بعض يوم ثم يرسله فيطحن رحاه ويسقي شجرة ثم يتولاه الذي يليه فيفعل مثل ذلك فربما بقي الأسفل لا يطحن رحاه أياماً قال فليوكل الوالي أمناء على كل قوم بناحيتهم فيمنعون من سد ذلك الماء ويرسلونه إذا كان في إرساله منفعة للأسفلين في طحينهم وسقي شجرهم وإن لم تكن لهم فيه منفعة تركوا وذلك، لا يُمنعون من منافعهم إذا لم يضروا فيها بأحد. ومن العتبية (¬1) قال عيسى وسُئل ابن وهب وهو في المجموعة إلا أنه قال وسُئل بعض أصحابنا عن قوم لهم مرج يزرعون فيه وللمرج واد فإذا كان السيول في مرجهم وأن ذلك الوادي انصرف عن مرجهم فهل لهم أن يسدوا مصرفه عن مرج الآخرين؟ قال: إن دخل الماء أرضهم قبل انصرافه فهم أحق به حتى يسقوا ما عندهم ثم يرسلوا الفضل إلى إخوانهم وإن انصرف عنهم قبل أن يدخل أرضهم فليس لهم قطعه عن إخوانهم إلا ان تكون فيه سعة لهم جميعاً لأن الماء غيث يسوقه الله تعالى إلى ما يشاء قال الله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَفنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) [الفرقان: 51] يريد المطر فلا يقطع عن قوم ما صرَّفه الله إليهم ولا ينقلونه من مكان بعيد فيصرفونه إليهم دون ما هو أقرب إليهم منهم/. قال في العتبية (¬2) وقال ابن القاسم مثله وفي أبواب الأرحية شيءٌ من معنى هذا الباب. ومن الواضحة وسألتُ أصبغ عن العين لرجل في أرضه ولجاره أرض إلى جنب عينه فينبع في تلك الأرض عيون من تلك العين فيريد صاحب العين سدَّ ما نبع منها في أرض جاره ليُعزر عينه، قال: إن كان جاره لم يستحدث ذلك ولم يحتفره كي يجر ماء العين لنفسه فليس ذلك له لأنه شيء ساقه الله إليه وإن كان ¬
في البئر أو العين في جنان الرجل أو في داره المهدومة شركة للناس ينتفعون به
هو الذي احتفرها واجتر الماء إلى أرضه بحفر أو شيء صنعه فليس ذلك له ولرب العين منعه وإن بسد ينابيع الماء في أرضه. وقال ابن القاسم مثله وهو من كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب سحنون عن جنانين في زقاق من أزقة واحد أعلى وآخر أسفل فيأتي المطر فيريد صاحب الأعلى حبس الماء كله قال: هو أولى بالماء كله حتى يصير إلى الكعبين إن كانت أرضه مستوية ثم يسرح الماء إلى الأسفل قبل الجنان الأسفل كبئر يحمل الماء قال: وإن كثر فليس له منه إلا ما فضل عن الكعبين، قيل: فإن كان الجنانان متقابلين قال: يُقسم الماء بينهما، قيل: فإن كان الأسفل مقابلاً للأعلى؟ قال: يعطي ما خرج عنه ما يسقي إلى الكعبين، يريد بذلك الخارج ثم يُقسم الماء بينهما، قيل: فإن كان بعض الأجنة ٌأقدم من بعض؟ قال: والقديم أحق بالماء. في البئر أو العين في جنان الرجل أو في داره المهدومة شركة للناس ينتفعون به زماناً ثم أراد منعهم ومن أقطعته عيناً من واديك ثم قام فيه ورثته / من العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن انهدم حائط حجرته وفيها بئر يشرب منها جيرانه زماناً حتى مات الآباء وشرب منه الأبناء حتى طال الزمان ثم أراد منعهم وبناها كما كانت، قال: إن كانت معروفة في غلقه وحجرته حتى انهدم الجدار فتركها شرباً لجيرانه ردَّها إن شاء وإن طال الزمان إلا أن يأتوا بأمر يستحقونها به، وإن كان أمر الجدار مجهولاً وتقادم الأمر فيه جداً لا يمنع أحداً أن يشرب منها يبقى كذلك إلا أن تقوم بينة (¬2) على إرفاقٍ (¬3) أو عارية أو أمر يستحقها به دونهم. ¬
قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب عن حائط رجل ليس عليه جدار قال وفيها عين يغسل فيها من يجاوره من النساء ثيابهن ويُقصرن شققهن ويرتفقن ومضى لذلك زمان ثم طلب رب الجنان أو مبتاعه منه أن يحظر عليهن (¬1) الحائط ويقطع عمن كانوا يرتفقون (¬2) بالعين مرافقهم بالغسل والوضوء وغير ذلك وادعوا أن لهم هذا المرفق منها وقامت لهم بذلك بينة وقال رب الجنان كنت تركتهم وقد أضر بي اختلافهم إليها قال: فله منعهم من ذلك وإباحته إذا شاء وليس ما أباحهم من ذلك أولاً لجيرانه وللمارة وللناس مما يقطع نفعه من ذلك ولا منعه، وصرَّفه حيث شاء إذا كان ما تقدم منه معروفاً صنعه ولم يكن صدقة بأصل العين أو تحبيساً على الناس فله منع ذلك إن شاء، وسواء كان هو أنبطها أو اشتراها وإنما هي كبئر الزرع والأجنة ولا أحب له أن يمنع الشرب منها من غير أن أقضي عليه. وقال أشهب: له ذلك/ ليس لهم أن يدخلوا عليه في حظيرة (¬3) ولم يكن له قبل الحظر معهم من غسل ثيابهم في العين إلا أن يكونوا يغسلون ثيابهم في موضع من الحائط يخاف على بعض ما فيه منهم فله منعهم، وإن لم يكن الحائط محظراً. ومن سماع أشهب وابن نافع عن مالك فيمن له واد فأقطع رجلاً منه عيناً ثم ماتا فطلب أبناء القاطع منع أبناء المقطع ولا يُدرى كيف أقطعه إلا أن ذلك بيده سنين ببينة قال مالك: أقطعهم عيناً ولم يحدثوا فيها شيئاً بحضرته يحتجون به إنا أحدثنا ذلك وأنتم تنظرون هم يريدون اقتطاع الوادي كله فليس هكذا يكون، وكذلك من أعطى رجلاً بيتاً فأي بيت هو وما درعه؟ ¬
فيمن غرس على ماء رجل أو على فضل مائه فلم يمنعه ثم أراد منعه
فيمن غرس على ماء رجل أو على فضل مائه فلم يمنعه ثم أراد منعه أو غرس على ماء أحياه ثم أراد أن يغرس عليه من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له ماء يسقي به وفي الماء فضل يجري على قوم فغرسوا عليه غرساً ثم بدا لرب الماء أن يحبسه عنهم ويحفر له بركا يحبسه فيها قال: ليس ذلك له، قال محمد بن خالد عن ابن القاسم إن كان يعطيه منه لهم فهو أولى به إن احتاج إليه وإلا فليس ذلك له. قوله يعطيه يريد كالعارية لا يريد التمليك والعارية في مثل هذا على التأييد إلا أن يحتاج إليها لأن هؤلاء بنوا وغرسوا وهو يعلم ولا ماء لهم غيره فهذا كأنه سلم إلا أن يكون بين لهم وجه العارية. وأعرف لسحنون نحوه. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن له أرض قريبة من ماء قوم فغرس عليه/ فنبت الشجر وأهل الماء يعلمون ثم أرادوا حبسه عنهم فقالوا تركتمونا حتى غرسنا ثم تحبسوه عنا، وقال أهل الماء غرستم عليه وهو مما لا نقدر على حبسه، قال: ليس لأهل الماء حبسُه وليرسلوه إلا أن يحفر هو بئراً أو ينتظروا ماء إلا أن يكون ليس في الماء فضلة عن حاجة أصحابه، وإن أخذ منه شيءٌ منهم دخل عليهم الضرر والهلاك في علمهم فيكونوا أولى بمائهم، وقد قال مالك فيمن انهارت بئره ولجاره فضل ماء أنه يعطي له فضل مائه بغير ثمن حتى يصلح بئره. ابن القاسم: وإن لم يعلموا بذلك فأرادوا صرف مائهم وفيه فضل فإن كان ليس لهم في الفضل منفعة تأتيهم يريد فأهل الغرس أولى به وإن كانت لهم فيه منفعة فهم أحق بمائهم وليس لأهل الغرس في ذلك قول وإن باعوه يريد أهله إلا أن يرضوا أن يبيعوه منهم، قال عيسى: أرى أهل الغرس أولى بالماء بالثمن الذي ¬
في العين المشتركة يريد أحدهما صرف مائه منها إلى أرض أخرى
يبيعونه به، قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن غرس في واد فكان يسقي بمائه فجاء غيره فغرس في ذلك الوادي، قال: ليس له أن يحدث على الأول ما يقطع ماءه إلا أن يكون في الماء ما يكفيهما، قال أصبغ: وذلك إذا استرسل الأول بالإحياء والغرس والانتفاع بالماء، وفي باب من أذن لرجل أن يجري الماء في أرضه إلى رحىً يجريها مسائل من معنى هذا الباب في العين المشتركة يريد أحدهما صرف مائه منها إلى أرض أخرى ومن عليه في حائطه مجرى ماء لرجل فأجراه في حائط آخر أو أراد قطعه هل له ذلك؟ من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في أرض لقوم وقد عرف كل/ رجل منهم حصته من الأرض ولهم عين هم فيها أشراك وهي شِربٌ لأرضهم فأراد أحدهم أن يصرف شِربه إلى أرض له أخرى قال ذلك له، عطَّل مصابته من الأرض التي بينهم أو لم يُعطلها يريد والأرض مقسومة، قال لأن له أن يمنع ذلك الماء وكذلك له أن يسوقه إلى أرض له أخرى إذا كان لا يسوقه في شيء من خطوطهم فإن كان إنما يمر به في شيء من خطوطهم فليس له ذلك إلا برضا من يمر به في خطه. ابن القاسم قال مالك: ولأحدهم بيع مصابته منه ولا شفعة فيه إذا قُسِّمَتْ الأرض فهذا يدلك على ما ذكرنا، وقال ابن كنانة فيمن في حائطه ربيع (¬1) لقوم فجروه وأجروه في حائط غيره خمس سنين ثم أراد الأول (¬2) أن يجره إلى مجراه الأول لمنفعته به في حائطه قال: ليس ذلك له وحجة الذي يجري في حائطه الربيع آخر ¬
في النهر ينكشف (في) بعض أرضه أو في أرض رجل لمن يكون ما انكشف منه؟
مرة أقوى ولا أرى أن يُنْقَلَ عنهم إلا أن لا يكونوا أحيوا عليه شيئاً فيكون الأول أولى به. وقال فيمن له العين تجري إليه من مكان بعيد أو قريب فأراد بعض من وجد تلك القناة في دار أو أرضه فوقه قطعها عنه ويحتج بأني قد وجدت في داري وقناتي فلا أمنع منه، قال: ليس له ولا لغيره أن يقطعها عن الذي ظهرت عنده ولا عمن ينتفع بذلك الماء ظهر ذلك الماء أو لم يظهر ولكن للذي فوقه أن يشرب وينتفع من غير أن ينقص ماؤها نقصاناً يضره وليس له أن يقطعه كان قريباً أو بعيداً. في النهر ينكشف (في) (¬1) بعض أرضه أو في أرض رجل. لمن يكون ما انكشف منه؟ من العتبية (¬2) / روى عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن حبيب عن ابن الماجشون، في النهر إلى جانب قرية فيبس منه في ناحية من نواحيه شيء، قال ابن الماجشون: في كل سنة؟ قالا: حتى صار أرضاً بيضاء يعتمل لمن ترى ذلك؟ قال: لصاحب الأرض التي تلي النهر من الناحية التي يبست إن كانت تلك الأرض لرجل وإن كانت بوراً لقوم فهو بسبيل البور قالا: وإن مال النهر إلى ناحية من مجراه فصار مجراه بأرض رجل كان يليه بأرضه قال: فالأرض التي انكشف النهر عنها للرجلين اللذين كانا يليان بأرضهما من جانبيه كما كان النهر بينهما في منافعه ثم قد صار النهر الذي قد صرفه الله تعالى إلى أرضه فشقها. قال سحنون في العتبية (¬3) أرى مجرى النهر مواتاً لا يكون لمن يليه من الأرض إلا بقطيعة من الإمام. ¬
قال ابن عبدوس ومن كتاب شجرة إلى سحنون في واد مجراه يميل إلى أحد ناحيتيه فيكسر الأرض كسراً شديداً ويرمي في الناحية الأخرى الرمل والطفل فيذهب بأرض كثيرة إلى الناحية الأخرى وحد كل طائفة إلى الوادي قديماً تبدل مجراه وقد يكون مجراه اليوم غير مجراه فيما خلا قال: مجراه الذي أدركتموه هو مجراه وما أفسد في أرض أحد فهو مصيبة [نزلت] (¬1) به وما أصلح في الأخرى فهو له وما انكشف من أرض الوادي فسبق إليه أحدهما فأخذه فحرثه فهذا هو الذي قرب من العمران ولا يكون لمن أحياه إلا بإذن الحاكم ينظر فيه بما هو أصلح للعامة. ابن حبيب قال مطرف: سواء يبست ناحية النهر أو يبس النهر كله او تحول عن مجراه إلى مجرى آخر فصار أرضاً بيضاء فإنها ليست لمن كان يلي النهر بأرضه ولكن للإمام/ أن يقطعها لمن رأى كالعفاء والموات وهي كالطرق وهي لجميع المسلمين مقرة ليرجع إليها الماء أو ينتفع بها المسلمون ينظر فيها الإمام وليس حقوق من يلي النهر بأن ينصبوا عليه الأرحاء وشبهها من ذلك لأن ذلك يقع بالماء وحده. وأما الأرض تنكشف فهي للمسلمين بخلاف البور والشعراء إلى جانب القوم والناس في النفع في النهر سواء في جري السفن وممرها فهو إذا انكشف للمسلمين، وقال أصبغ مثل قول مطرف، وقال ابن حبيب: هذا هو الأصل لو كان للناس إمام ينظر فيه فإذا لم يكن لهم ذلك فقول ابن الماجشون أحب إلي، قال مطرف وابن الماجشون: وإن كان النهر لاصقاً بالطريق والطريق لاصق بأرض رجل يحفر النهرُ جميع الطريق ودخل في أرض الرجل هل للناس أن يتطرقوا طريقاً في أرضه لاصقاً بالنهر كما كان الأول، قال: ليس لهم ذلك إلا بإذنه وله منعهم إن قدر، قيل: فإن يأخذ الناس ولا منفذ لهم قال: ينظر لهم الإمام ويحتالوا لأنفسهم ومن مر في ذلك فليتحلل صاحب الأرض ةتحلله قبل ذلك أحب إلي. ¬
قال ابن عبدوس قال سحنون في نهر إلى جانب طريق الناس وإلى جانب الطريق أرض لرجل فمال النهر على الطريق فهدمها، قال: إن كان للناس طريق قريب يسلكونها لا ضرر عليهم في ذلك فلا أرى لهم على هذا الرجل طريقاً وإن كان يدخل عليهم ذلك الضرر رأيت أن يأخذ لهم الإمام طيقاً في أرضه يعطيه قيمتها من بيت المال. تم الكتاب بحمد الله وعونه وتأييده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً
صفحة بيضاء
كتاب القضاء في نفي الضرر
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب القضاء في نفي الضرر فيما يحدثه الرجل في ملكه مما يضر بجاره من بناء أو حفر ماء وكوة ومن أحدث أندراً أو بنى بجوار أندر لغيره وشبه هذا القول في الضرر القديم من المجموعة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ضرر ولا ضرار" (¬1) قال ابن القاسم فيما يحدثه الرجل في عرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن الخبز أو لتسييل الذهب والفضة أو كِيرٍ لعمل الحديد أو رحىً أو رحبة تضر بالجدار فلهم منعه، قاله مالك في غير شيء من ذلك، وفي الدخان وأرى التنور (¬2) خفيفاً، قال أشهب: وما احتفره الرجل في مِلكِه مما يضر بجاره فليس له ذلك إن كان يجد من ذلك بداً ولم يضطرَّ إليه، فأما إن كان به إلى ذلك ضرورة ولم يجد عنه مندوحةً فله أن يحتفره في حقه وإن أضرَّ بجاره لأنه لا يضرُّ به منعُه كما أضر بجاره حفره فهو أولى أن يمنع جاره أن يضر به في منعه له من الحفر في حقه لأنه ماله، وكذلك قال لي فيه مالك، وتقدم هذا في باب حريم البئر. قال ابن القاسم: وإن فتح في غرفته كُوىً أو أبواباً أشرف منها على دار جاره أو عياله أو بنى غرفاً ففتح فيها ذلك فإنه يُمنع من ذلك، وقاله مالك، وقضى عمر أن يوضع وراء تلك الكوى سرير ويقف عليه رجل فإن نظر إلى ما في دار ¬
جاره مُنع منه وما كان من ذلك لا يضر به لم يُمنع، قال مالك: فإذا كان يتناوله بالنظر مُنع وأما ما رُفع من البناء فمنع جاره من الشمس ومهب الرياح فقال/ فلا يُمنع من هذا، وقاله ابن نافع وأشهب عن مالك، وقال هذا جداره في جهة الغرب وهذا في جهة الشرق ففي طلوع الشمس يمنع هذا جاره منها بنيانه وعند غروبها يمنع الآخر جاره فلا حجة لهما في هذا. وفي كتاب البنيان وكذلك روى ابن القاسم عن مالك قال ابن كنانة إلا أن يكون إنما يرفع بناءه ليُضِرَّ جاره في شمس يمنعه منفعتها أو لضرورة يدخلها عليه ولا نفع له هو في بنائه فإنه يمنع من هذا. قال ابن القاسم: وإن كانت له كوة قديمة تضر بجاره لم أمنعه من القديم. قال سحنون وسأل حبيب سحنوناً عمَّن فتح كوة في غرفة يرى منها ما في دار جاره فقضى عليه بسدها فطلب أن يسدَّها من خلف بابها قال: ليس ذلك له وليقلع الباب ويسده فتركُ الباب يوجب له حيازة بعد اليوم يشهدون له أنهم يعرفون هذا الباب منذ سنين كثيرة فيصير حيازة فلابد أن يُقلع. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن بنى على شرف يطل منه على مورد القرية على قدر غلوةٍ (¬1) أو غلوتين فإن كان ذلك فعليه فتح بابها إلى المورد أو كوة فتحها وشبه ذلك مُنع، فإن كان لإشراف مكانه فقط لم يُمنع وإن وجد عنده مندوحة، قالا: وإن كان يطل من بنيانه على دور جيرانه فلا يُمنع هذا إذا كان من ذلك الشرف على دورهم قبل هذا البناء، وقاله أصبغ. وقال مطرف وابن الماجشون في الرجل يكون له أرض لاصقة بأندر رجل فأراد أن يبني فيها بناء وذلك يقطع الريح عن الأندر ويُبطل نفعه فقالا/: لا يُمنع من ذلك لأن الأندر نفعه تنصرف منافعها إلى غيره، ذلك ولو منفعتُه من هذا كنتُ مضراً به، وقال مثله أصبغ. ¬
قال ابن عبدوس قال بعض أصحابنا وهو في العتبية (¬1) من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال في الكتابين إنه يُمنع مما يضر في قطع مرافق الأندر (¬2) الذي قد تقادم نفع صاحبه به فالأنادر عندنا كالأفنية لا يجوز لأحد التضييق فيها ولا قطع منافعها، قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن أحدث أندرا إلى جانب جنان رجل وهو يضر به في تذرية (¬3) التبن قال: يُمنع عن ذلك وهذا كمن أحدث إلى جانب جاره فرناً أو حماماً فيضر بمن جاوره دخانه إلا أن يأذن في ذلك كل من يصل إليه أذاه فذلك له، قالا: وأما الغسال والضراب يؤذي جاره وقعُ ضربهما! قالا: لا يُمنعان من هذا، وأما الدباغ يؤذي جيرانه ريحُ دباغه ونتنه فهذا يُمنع من ذلك كالفرن والحمام يحدثه، قالا: ولو أحدث جناناً إلى جانب الأندر وتبن الأندر يضر به فذلك سواء ويُمنع صاحب الأندر من الضرر كما كان له أن يمنعه قبل البناء وقوعُ التبن في أرضه فذلك له بعد البناء. ومن العتبية (¬4) قال سحنون في الأندر يبني رجلٌ إلى جانبه بناء يكنه من الريح ويضر برب الأندر، فإن كان الأندر قبل البنيان فلا يغيره الأندر عن حاله وللباني أن يبني ولا يمنع لما ذكرت من أنه يستره عن الريح كما لا يُمنع من رفع بنائه فمنع جاره من ضوء الشمس وهبوب الرياح. وإن كان البنيان قبل الأندر ثم أحدث هذا الأندر فأضر بالذي بنى وصار التبن يقع في داره أو كان جناناً أو/ مبقلةً فليس لرب الأندر أن يحدث أندراً إذا كان يضر به كما ذكرت ثم ذكر مثل ما ذكر مطرف وابن الماجشون. ¬
قال: ويُمنع من ذلك بالقضاء، ولو أن أندَرَ الرجلِ بجوار أندر الآخر فنصب فيه قشاقرة (¬1) يريد حال الزرع فاشتكى جاره أن القشاقر تمتعها الريح وطلب أن يزيلها قال: ليس ذلك له، وقال ابن نافع: الأندر ليس لمن في جواره أن يُحدث بنياناً يضر بصاحب الأندر وليُنَحِّ ذلك إلى مكان يرتفع به الضرر عن الأندر وسواء احتاج إلى البنيان أو لم يحتج. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار (¬2). قال العتبي: وقد قال سحنون مثل هذا الأول إنه يُمنَعُ أن يبني من ناحية الريح، وهو خلاف قول الأول، وهو أحسن. ومن كتاب ابن سحنون وكتب شجرة إلى سحنون فيمن احتفر في داره بئراً ثم بنى جاره إلى جانب البئر حائطاً فتهورت البئر فقال الذي بنى: تهور البئر يضر بحائطي، قال: فليعدها كما كانت وينفي عنه الضرر، وعمن تهورت بئره فقام رجل فقال أخاف أن يسقط مسكني وهو بقرب البئر، قال: إن عُرف أن ذلك مخوف مُنع أن يُضر به، قيل: فإن كان رب البئر عديماً؟ قال: يُؤمر أن يبيع ممن يصلح. وسأله حبيب عن قناة في حائط رجل قديمة وهي مضرة لجاره فقام عليه فقال: لا يغير القديم وإن أضر بجاره، وسأله سائل عن أفران توقد للفخار بين الدور منها القديم والمحدث فربما شكا جيرانها أذى دخانها وربما أمسكوا فكتب إليه القديم منها لا يعرض له، وروى يوسف بن يحيى عن ابن مدين أن ما كان من الضرر يبقى على حال واحدة لا يزيد كفتح/ الأبواب والكوى وشبهه فإنه يستحقه من أحدثه بطول الزمن وما كان مما يحدثه فيمسك عن جاره ثم يقوم عليه بعد زمان فإن ما كان ضرورة بينة لا تحاز بطول الزمان، من ذلك الكنيف يحدثه ¬
فإذا شكا جاره الضرر به بعد طول الزمان فله أن يغير لأن الكنيف يوهن ما يليه عاماً بعد عام وكذلك ما يفتحه لمستنقع المياه لأن ذلك كلما طال أضر بطوله لما يدخل من الرطوبة والبلة في بناء جاره، وكذلك الدباغ لأن ضرره يتزيد بطول المدة. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن له قطعة من أرض في فحص والقرية منها نائية فأراد أن يبني في عرصته تلك وقال الذين حوله لا يبني فيها فإنك تضر بزرعنا قال: لا يُمنع أن يبني ما شاء إذا كان له مخرج إلى الطريق في أرضه. وقال فيمن أراد أن يبني بيتاً أو مسجداً في قرية أو مدينة فمنعه جيرانه وقالوا يضر ذلك بنا وعسى أن يكون ذلك عند موردهم قال: لا يُمنع أن يبني في أرضه ما أحب. قال ابن سحنون وسأل حبيب صاحب المظالم سحنوناً عن دارين بينهما زقاق مسلوك وفي أحدهما كوة يُرى منها ما في الدار الأخرى فبنى الذي ليس في داره كوة غرفة قبالة الكوة وفتح كوة قبالة الكوة يرى منها ما في غرفة الأول إذا فُتٍحَت فطلب الأول سد الحديثة فقال له الآخر وسُدّ أنت القديمة فإني إنما سكتُّ عنها خمس سنين أو أربعاً (¬1) على حسن الجوار وقد نظر ذلك من أمرتُه فقال يرى من كل كوة ما في غرفة الآخر قال: يحلف صاحب الكوة الحديثة أنه ما ترك القديمة في هذه المدة إلا على حسن الجوار غير تارك/ لحقه ثم يس بعضُهما على بعض إن شاء. ومن كتاب البنيان مما حدثنا به أبو بكر بن محمد عن يحيى عون عن عون ابن يوسف عن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن القاسم قال: ومن بنى داراً يفتح فيها كوىً فمنعه جيرانه فإن كانت من كُوى الضوء لا يتشرف منها ولا يتطلع لاصقه بالسقوف أو تقاربها فليس لهم منعك وأما ما يتشرف منها عليهم ويتطلع فإنك تمنع من ذلك. ¬
قال ابن وهب عن مالك: وليس له أن يفتح كوة في جداره أو سطحه يتطلع منها على جاره ولا يكلف الأسفل أن يطيل بنيانه حتى لا يراه الآخر إلا أن يكون صاحب الكوة أراد منها الروح ولا يطلع منها على جاره، قال يعني ابن القاسم: وإذا فتحت عليه كوة فلم يكن له منعك فطلب أن يبني في حقه ما يسدها به فذلك له كما لا يمنع أحدهما الآخر أن يرفع بناءه حيث شاء وإن ستر به الريح والشمس وإن سد الضوء. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن له غرفة يطل منها ومن كواها على جاره قال: إن بُنيت الغرفة واتخذت كواها قبل أن تُبنى الدارُ التي تطل عليها لم يُمنع رب الغرفة فيما جاز منفعته وسبق إليه وقيل للآخر استُر على نفسك، وإن كانت الغرفة أو الكوى هي المحدثة مُنع صاحبُها وأُمر أن يستر باب غرفته وكواها أو يجعل أمام ذلك ما يستره حتى يواريها، ولو كان يوم بنى هذه الغرفة واتخذ الكوى دار الآخر قائمة فقام عليه، قال وهذا يضر بي إذا بنيت فلا حاجة له بذلك قبل أن يبني ولا يعود إلى ذلك بعد أن يبني وهو/ منفعة سبق إليها الآخر وحازها فلا يُمنع. وقال مطرف: له أن يمنعه قبل أن يبني وبعد أن يبني لأنه حق يذب عنه مما يضر به إذا بنى ولو ترك أن يمنعه قبل أن يبني كان له أن يمنعه إذا بنى ولا يكون تركه قبل أن يبني عليه حجة إلا أن يكون صاحب الغرفة اشتراها على ذلك فليس لهذا منعه وإنما له منعه عند الإحداث لها أو برفقة يفتحها على أنه متى شاء منعه فيجوز ذلك بينهما. وقال أصبغ وابن حبيب مثل قول مطرف وابن الماجشون فيمن باع داره وقد أحدث عليه جاره كوة أو مجرى ماء أو غيره من وجوه الضرر والذي كان له فيه القيام فلم يقم عليه حتى باعها فليس للمشتري أن يقوم في ذلك ولو كان البائع قد قام في ذلك وخاصم فلم يتم له الحكم حتى باع فللمشتري أن يقوم ويحلَّ محله، وقاله أصبغ.
في إحداث العساكر والرواشن والأبواب في السكك والروائغ والشوارع
قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عمَّن بنى مسجداً على ظهر حوانيت له وجعل له سطحها فكل من صار في السطح يرى ما في دار رجل إلى جانبه فقام عليه بذلك قال: يُجبر باني المسجد على أن يستُرَ على سقف المسجد ويُمنع الناس الصلاة في المسجد حتى يستر هذا جاره. وسأله عمن قام على جاره فقال له: الحائط الذي بين داري ودارك كان لك على سترة تسترني فأزلها فقال الآخر: الحائط لي ولم يكن عليه سترة فأتى المدعي ببينة شهدت أنهم رأوا على هذا الحائط سترة ارتفاعها كذا وكذا ولا يدرون لمن هي ولم نرها عليه الآن، قال: يُقال لرب الحائط إن سماء الحائط لك فأعد السترة إن ادعيتها/ ويحتمل أن يكون سماؤها لصاحبك والبينة قد شهدت بإثبات السترة فأما أن تبنيها وهي لك وإلا قيل للآخر ابنها وهي لك. وقال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن صعد إلى الشجرة يجنيها فيرى منها ما في دار جاره فلا يُمنع من هذا ولكن لا يُؤذي جاره بصعوده، وإن كانت في وسط داره وهي قديمة أو حديثة فخلاف الغرفة، وقاله أصبغ. وروى عبد الملك بن الحسن في العتبية (¬1) عن ابن وهب نحوه وهو في باب آخر. في إحداث العساكر (¬2) والرواشن (¬3) والأبواب في السكك والروائغ (¬4) والشوارع أو يفتح بابا في حائط هو بينه وبين آخر من العتبية (¬5) قال سحنون فيمن له دار عن يمين الطريق ودار عن يسارها متقابلتين فأراد أن يبني على جداري دارية ساباطاً يتخذ عليه غرفة أو مجلساً ¬
فذلك له ولا يُمنع من هذا أحد وإنما يُمنع من تضييق السكة وأما ما لا ضرر فيه على السكة فلا يُمنعُ. من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: لا بأس بإخراج العساكر والأجنحة على الحيطان إلى طرق المسلمين. قال ابن القاسم وهو يعمل بالمدينة فلا ينكرونها فاشترى مالك داراً لها عسكر قال مالك في جناح خارج في الطريق فسقط على رجل فمات فقال مالك: لا شيء على من بناه. قيل له: فأهل العراق يضمنونه وقالوا لأنه جعله حيث لا يجوز له فأنكر قولهم. قال: ومن أخرج حتى جاء أسفل الجدار حيث يضر بأهل الطريق مُنع من ذلك. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب/ فيمن داره لاصقة بسكة نافذة أو غير نافذة فطلب أن يحول باب داره من موضعه إلى موضع آخر من داره هو أرفق به فمنعه جاره الذي يلي داره وقال: بين بابي وبابك مجلس لي ومربط لدابتك ومنزل لأحمالي وأنا في سترة إن فتحت بابي فإذا أدنيت بابك مني زال عني هذا، وقال الآخر إنما أفتح في جداري فلا حجة لك علي. قال: إن كانت السكة غير نافذة وقد فتح باباً قبالة باب جاره حتى يكون الداخل والخارج ومن خلف الباب يُعينه أو كان الفتح قريباً من جاره (¬1) وكان مضراً به ضرراً بيناً يُعرف فليُمنع منه، وإن كانت طريقاً سالكة وسكة واسعة حتى يكون هو وغيره من المارة في الفتح في داره والمرور بها والنظر سواء ولا يضر به في غير ذلك لم يُمنع من الفتح. وذكر ابن القاسم في المجموعة نحوه وإنه إن كانت السكة نافذة فليفتح ما شاء ويحول بابه حيث شاء، وقال أشهب: إن كان تقديم الباب يضر بجاره على ما وصفتُ فليس ذلك له، فأما إن قدمه تقديماً يكون فيما بقي لا يقطع عنه المرفق الذي يتسع وليس بمضطر إلى أكثر منه فليس له أن يمنعه إذ سد الباب الأول ¬
وهذا في زُقاقٍ غير نافذ، فأما في سكة مسلوكة نافذة فله أن يفتح ما شاء من الأبواب في جُدرِه ويقدم ما شاء من أبوابه. قال ابن وهب: ولو فتح حوانيت في جداره إلى سكة من سكك الناس ولرجل دارٌ يقابل بابها تلك الحوانيت فشكا ضرورة ذلك، قال: فذلك على ما ذكرتُ لك في السكة النافذة، وقال أشهب: إن كانت نافذة فله أن يفتح ما شاء ويعمل/ ما أحب. ومن المجموعة قيل لابن كنانة: فهل يفتح رجل باب داره قبالة باب دار رجل قال: إن لم يضر بالرجل لم يُمنع ما لا يضر بأحد فيه، قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عن الطريق الشارع يفتح فيه رجل باب دار لم يكن له قبالة باب رجل قال: يُمنع من ذلك وينكب عنه، قيل: قدر ذراع أو ذراعين قال: بقدر ما يرى أن يُزال به الضرر عن الذي في قبالته. ومن كتاب البنيان الذي ذكرنا فيه رواية عون قال ابن القاسم: ليس لك في الزقاق غير نافذ أن تفتح باباً أو تقدمه، قيل له: فهل له أن يفتح في الطريق النافذة بابا قبالة باب آخر متنحياً عنه؟ له أن يفتح فيها ما شاء ما لم يكن ضرراً بيناً فيُمنع. قال أشهب عن مالك في المجموعة في زقاق غير نافذ فيه رجلان أحدهما بابه على فم الزقاق والآخر بابه في أقصاه فطلب القاضي أن يقوم بابه في بناء نفسه قال: إن أضر ذلك بصاحبه فليس له ذلك، الناس يُقبِلون ويُدبِرون والسرق يكون في مثل هذا. ومن العتبية (¬1) قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن بنى داره ففتح بابها قبالة باب جاره فمنعه فإن كان ذلك مُضرِاً لجاره مثال أن يكون ليس له مصرف ولا مدخل ومخرج (¬2) إلا بالنظر في منزله والتطلع على عياله مُنع من فتحه، ¬
وإن كان ليس كذلك إنما يبقى أن يتطلع إليه منه لم يُمنع وقيل للآخر استُر على نفسك أو يعلم ما قلت من تطلعه فيُزجَرُ وإن عاد أدب بعد التقدمة وهذا بمنزلة ظهر السطح أو بناء يرفعه عليه فيقول نخشى أن يتطله منه أو كوة يفتحها للضوء فيقول هذا/ نخشى أن يتطلع فليس له في هذا حجة، قال أشهب: إن كان يناله المار فليُمنَع حتى يرفع بقدر ما لا يناله النظر من المار ثم إن تطلع منه لغير حاجة مُنِعَ. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ولا يُمنع أحد من إخراج العساكر والوقوف على الطريق ما لم يُضر ذلك بأحد، وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في دار فالداخلة لقوم والخارجة لآخرين فلأهل الداخلة الممر في الخارجة فإذا أراد أهل الخارجة تضييق باب الدار وتحويله قالا: ليس لهم تضييقه، قال أشهب: لأنه جزاء لجميعهم، ولو سرق الباب لزم أهل الخارجة أن يجعلوا عليها باباً بالقضاء وإن أرادوا تحويله وكان تحويله إلى موضع هو مثل الأول في الممر والقرب في خواء يحميهم ليس بين ذلك اختلاف في أمر يُعرف له وجه فذلك لهم وإلا فلا يفعلوا ذلك إلا بإذن أهل الداخلة، وقال ابن القاسم نحوه، قال سحنون: ليس هذا أصلهم وليس لهم تغيير باب الدار إلا برضاء أهل الداخلة، ألا ترى أن حديث محمد ابن سلمة لم يأخذ به مالك. وسأل حبيب سحنوناً عن درب كبير غير نافذ هو مثل زنقة غير نافذة؟ قال: نعم، قيل فإن كان فيه زنقة في ناحية منه غير نافذة وللرجل في أقصاها باب فأراد أن يقدمه إلى طرف الزنقة فمنعه أهل الدرب؟ قال: لهم أن يمنعوه ولا يحركه من موضعه إلا برضاء جميع أهل الدرب، وكتب إليه شجرة في دار عظمى بين رجلين يسكن كل واحد في نصفها وبين مسكنيهما زقاق يخرج فيه أحدهما فأراد الآخر أن يفتح فيه باباً يخرج منه فمنعه/ شريكه ولهما بابٌ يخرجان منه جميعاً فقال: الباب بينها مشاع وإنما سكناً على التهاب (¬1) ولا يُفتح في الشارع بابٌ ¬
جامع القول في الأفنية والطرق وذكر ما يحدث فيها أو ينقص منها
إلا باجتماعهما، قال يوسف بن يحيى في الدرب التي ليست بنافذة والروائغ التي لا تنفذ، ذلك كله مشترك منافعه بين ساكنيه، قال: ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق ولا باطنه حدثاً إلا باجتماعهما في فتح باب أو إخراج عساكر أو حفرة يحفرها ويواريها. جامع القول في الأفنية والطرق وذكر ما يحدث فيها أو ينقص منها وهل تُقسم وغير ذلك مما يشبهه والتداعي في الطريق من المجموعة والواضحة روى ابن وهب أن النبي عليه السلام قال "من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين" (¬1) وقضى عمر بالأفنية لأرباب الدور، قال ابن حبيب: "وتفسير هذا يعني بالانتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيها للبياعات (¬2) الخفيفة في الأفنية وليس بأن يحاز بالبنيان والتحصين وقاله لي من أرضى من أهل العلم وقد مر عمر بكير حداد في السوق فأمر به فهُدم وقال: يُضيقون على الناس السوق. ومن المجموعة روى ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها أن أهلها الذين هم أقرب الناس منها يقتطعونها بالحصص على قدر ما شرعوا فيها من رباعهم فيُعطى صاحب الربعة الواسعة بقدر ما شرع فيها من ربعة،/ وصاحب الصغيرة بقدرها فيتركون لطريق ¬
المسلمين ثمانية أذرع، ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اختلف الناسُ في الطريق فحدها سبعة أذرع (¬1). قال ابن حبيب قال أصبغ: وقضى عمر بالأفنية لأرباب الدور فالأفنية دور الدور كلها مقبلها ومدبرها ينتفعون بها ما لم يُضيق طريقاً أو يمنع مارة أو يضر بالمسلمين، فإذا كان لهم الانتفاع بغير ضرورة حموه إن شاؤوا فإذا كان لهم أن يحموه فابتناه منهم مبنى وأدخله في بنيانه لم يُمنع إن كانت الطريق وراءه واسعة لا يضيق بوجه من الوجوه، وأكرهه له ابتداء مخافة الإثم عليه فإن فعل لم أحكم عليهبزواله وقال لي أشهب مثل ذلك وروى عن مالك أنه كرهه، وقال مطرف وابن الماجشون: لا يكون له أن ينتقص الفناء والطرق ولا يدخله في بنائه وإن كانت خلفه صحراء واحتج بالحديث فيمن اقتطع من الطريق شيئاً. ومن المجموعة قال ابن وهب قال ربيعة فيمن بنى مسجداً من طائفة داره فلا يتزيد فيه من الطريق، وقال مالك: إن كان لا يضر بطريق للناس فلا بأس بذلك. ومن العتبية (¬2) قال ابن القاسم عن مالك في الأفنية التي تكون في الطرق أن يكريها أهلها؟ قال: أما البناء الضيق إذا وُضِعَ فيه شيء أضر بالناس في طريقهم فليُمنع من ذلك، وأما كل بناء إن انتفع به أهله لم يُضيق على المسلمين شيئاً لسعته فلا بأس بذلك. ¬
ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك في الأفنية قال النبي عليه السلام "لا ضرر ولا ضِرار" (¬2) وروى ابن القاسم عن مالك في/ الرجل يبني داره فيريد أن يدخل فيها من الفناء الواسع، قال: ما يعجبني ذلك، وقال عن مالك فيمن له داران في رحبة واحدة والمارة بها فيرتفقون بفناء الرحبة إذا ضاق الطريق فأراد، صاحب الفناء أن يجعله بابا ويدخله إليه ولم يكن على الرحبة، قال: ليس ذلك له. ومن المجموعة وقال ابن كنانة: ليس لأحد أن يزيد من الطرق والفنية في المدائن والقرى في بنائه ولا أن يعمل فيها حانوتاً إلا أن يزيد شيئاً يسيراً لا يُضِرُّ فيه بأحد ويترك الناس من سعة الأزقة والطرق بقدر ما يمر فيه أوسع شيء يمر فيها مما تجري به منافع الناس. ومن كتاب ابن سحنون وسأل حبيب [سحنوناً] (¬3) فيمن أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ شيئاً فلا تشهد به البينة (¬4) إلا بعد عشرين سنة قال: إذا صحت البينة فليرد ذلك إلى الزقاق ولا تحازُ الأزقة. قال أبو محمد: وأعرف في موضع آخر أن شيئاً يبني مما فيه الضرر البين على الطريق ولا عذر للبينة في ترك القيام بذلك فهذه جرحة. قال أبو بكر بن محمد: اختلف أصحابنا فيمن يزيد في بنيانه من الفناء الواسع لا يضر فيه بأحد فروى ابن وهب عن مالك: أنه ليس له ذلك وقال عنه ابن القاسم ما يعجبني ذلك وقال مطرف وابن الماجشون ليس له ذلك وبه أخذ ابن حبيب، قال أصبغ: أكرهه له أن يفعل فإن فعل لم يعرض له. ¬
ومن العتبية (¬1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن زاد من طريق المسلمين في داره ذراعاً أو ذراعين فقام عليه جاره الذي يقابله أو غيره وقد بقي الآن في سعة الطريق ثمانية أذرع أو/ تسعة قال: يُهدمُ، وليتقدم الإمام في ذلك ألا يزيد أحد من طريق المسلمين شيئاً، وقد هدم عمر كير حداد بناه في الطريق. وقال أشهب: يهدم، قام عليه جيرانه أو غيرهم، كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان ما يزيد مضراً أو لم يكن. وقال أصبغ عن أشهب في العتبية (¬2) مثل ما ذكر عنه أصبغ في كتاب ابن حبيب فيمن هدم داره وفناؤه واسع فزاد منه فيها أنه لا يعرض له إن كان البناء واسعاً رحراحاً لا يضر (¬3) الطريق، وقد كرهه مالك وأنا أكرهه بدءاً ولا أقضي عليه بهدمه إذا كان الطريق واسعاً لا يضر شيء منه، قيل لأصبغ فيمن أدخل من الطريق في داره الجرح بذلك قال إن اقتطع ذلك وهو يضر بالطريق وهو يعرف ذلك لا يجهله أو وقف عليه فلم يبال لم تجز شهادته وليهدم ذلك أن أضر جداً، وإن كانت الطريق واسعة جداً وقد أخذ اليسير لا يضر فيه فلا يهدم، وقاله أشهب فيه، وقد نزلتُ وسألتُه فأفتى فيها بهذا. ومن المجموعة وسُئل سحنون عن طريق الفدادين قال يُنظر فإن كان أمراً معروفاً فهو على ذلك وإلا فانظر فإن كان الفدادين يشق منهم إلى حرث فدانه لم يقدر أحد أن يشقه ودار أصحابه من وراء ذلك فليس لأحد على أحد طريق وإن كان إذا حرث أحدهم شقوا حرثه وأخذوا فيه طريقاً مسلوكاً قد عرف ذلك فهو على ما عرفوا ليس لأحد أن يغير ذلك. ومن العتبية (¬4) قال سحنون فيمن له أرض فحجر عليها وغرسها وكان أهل المنزل وغيرهم يستطرقونها فقاموا عليه في الطريق فأقاموا بينة بأنهم يعرفون فيها/ ¬
طريقاً مسلوكة منذ عشرين سنة وأقام هو بينة أنها طريق محدثة بغير حق فقال سحنون: هذا كثير ما يختصم فيه أهل المنزل وربما قطعوا الطريق الحرث حتى ربما تُؤتي القرية من غير طريقٍ وربما تساهل الناس في أرضهم لاستبعادهم عن ذلك فإن ثبت أن هذه الطريق من هذا المعنى فليست بلازمة لرب الأرض إلا أن تكون الطريق الخاملة التي تُركت من غير وجه ويطول أمرها وينقطع عنها الزرع في اتساعها وطول زمانها الخمسين سنة والستين فأما الطريق المختصرة فليست بحجة على صاحبها إذا ثبت له ذلك كما ذكرنا. قال ابن حبيب عن أصبغ في أرض لرجل في وسط أراضي قوم كان يحرثها ويدخل إليها على أرض لم تُحرث فأراد أن يبني فيها بنياناً فمنعه أصحاب الفدادين المحيطة به وقالوا: تطرق علينا إذا زرعنا قال: لا يُمنع من البناء وليمر إلى أرضه من حيث كان يمر مرة من هذه الأرض إن لم يزرع ومر على الآخر إذا زُرعت تلك ويُمنع أن يضر بهم في زروعهم، قلت: فإن أراد كل واحد منهم أن يُعلق على أرضه بنياناً أو تحظير بستان كيف يعمل صاحب الأرض المتوسط قال: يُمنعون من ذلك حتى يجتمعون على ممر يتركونه له من أرض من شاء منهم وذلك على كل من كان هذا المتوسط يُختلف على أرضه فإن اختلفوا معه في سعة الممر فطلب هو ما يحمل ماشيته وجميع حوائجه وأبوا من ذلك فإنه يُحكم له عليهم بمثل الممر الذي كان له منهم ومنه قبل البناء على ما كان/ يُختلف ببقره على الحرث ونقل الزرع وماشيته إن كان يدخلها أرضه لرعي كلئها وإن لم يكن يختلف إليها بالماشية لم يكن عليهم أن يتركوا له ممر الماشية، وكذلك إن أراد هو وحده البنيان دونهم ولم يريدوا هُم أن يبنوا واحتاج هو من المنافع في الدخول والخروج إلى أكثر مما يحتاج له أولاً إذا كان يختلف للحرث فقط فإنه يُمنع من البنيان لأن هذا استحقاق لأكثر من حقه، وقال ابن القاسم مثله كله. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن بنى أبرجه في الطريق ملاصقة بداره فليس ذلك له أن ينقص الطريق وإن كان مانعاً منها واسعاً وليهدم ما بناه قالا: وما حفر بلصق جداره من الكنف فإن واراها وغطاها واتقن غطاءها
فلا بأس بذلك إذا ساواها بالطريق حتى لا يضر ذلك بأحد وما كان من ذلك ضرر مُنع منه، وقاله أصبغ وقال في الأبرجة إذا كان ما بقي من الطريق واسعاً فلا تُهدم لأن للناس الارتفاق بأفنيتهم من غير ضرر. قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عمن يحدث في طرق المسلمين من الكنُفِ والحمامات وغيرها ويطول فيه الزمان نحو عشرين سنة وأكثر لا يُرفع إلى الحاكم قال: لا حيازة في طرق المسلمين بخلاف حيازة بعض الناس على بعض إلا أن يتطاول أمر هذه القناة بمثل الستين سنة ونحوها فيترك أو لا يعلم بأي معنى وضع ذلك ومن بنى على باب داره في السكة دكاناً وهي لا تضر بالزقاق غير أنها قبالة دار رجل وهي تضر به لأنه يقعد عليها/ ويقعد ناس فقال: يُمنع من بنيانها إذا كانت تضر بالآخر. قال ابن عبدوس قال سحنون فيما يُحدث الناس من آبار الكنُف في الأفنية في الطريق قال إنما ينبغي أن تكون الحيطان إلى داخل الدور فيُخرج منها إلى الطريق قدر ما يدخله منه القلة فيستقي بها وكان يكره غير ذلك ويراه من الضرر البين. قال ابن سحنون وكتب شجرة إلى سحنون يسأله عن حوانيت في شرق الجامع وأحسبها صافية وبين يديها سقائف على عمد لاصقة بالطريق والناس يسلكون تحتها وهي نافذة وبين يدي الحوانيت دكاكين والطريق بين الدكاكين وبين العمد فأراد أهل الحوانيت قطع الطريق بالبناء أو أراد كل واحد أن يجعل حائطاً من حائطه إلى العمد من الجانبين ليدخل إليه من العمد فكتب إليه: ليس لهم قطع الطريق ببناء في هذه السقائف ولا في حانوت منها إن كره ذلك أهل الحوانيت، وكذلك لو لم يكن هذا الجنب أصلاً. وكتب إليه في حوانيت على هذه الصفة مملوكة فأراد أهلها سد الطريق من السقائف واتخذوا دكاكين أمام العمد نصبوا عليها ركائز فكتب إليه تُرد على حالها ويُمنع من تضييق الطريق، وأما هذه الحوانيت فهي لأهلها وهم إذا قطعوا هذه
فيمن له ممر أو طريق في أرض رجل كيف العمل فيه، وكيف إن أراد تحويله
الطريق تزيدوا أمام السواري ما يضر بالطريق فليس ذلك لهم وإنما موضع السواري فناؤهم ومدخل الناس إليهم فإذا فعلوا ما ذكرت وزادوا بناءً من الطريق فإنما الذي بين يدي هذه الحوانيت أفنية سُقفت والأفنية لا تُقسم/ وهي كذلك قديمة فتبقى على حالها، وأما ما أرادوا من منع أهل البادية أن يلبثوا بدوابهم تحت تلك السقائف فلهم ذلك لضرر الدواب وأزبالها، وأما حوانيت مال الله فلا تُغيرُ عن حالها. وكتب إليه فيمن رفع إلى الحاكم أن رجلاً غائباً يومئذ اقتطع طريقاً للمسلمين وأقام بذلك بينة أنهم يعرفونها طريقاً للمسلمين مسلوكة منذ عرفوها فكتب إليه إنما يقطع هذه الشهادة العامة وما كثر من الناس وإن كان المدعي قريب الغيبة أحضره وأسمع منه. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: لم يكن مالك يجيز قسمة الفناء والمباح فيكون أمام دور القوم عن جانب الطريق وإن اجتمعوا ورضوا بذلك لأنه مما للناس من عامة، فيه المنفعة، ربما ضاق الطريق بأهله وبالدواب فيميل الراكب أو الرجل وصاحب الحمل عن الطريق إلى تلك الأفنية والرحاب التي على الأبواب فيتسع فيها وليس لأهلها تغييرها عن حالها، وقال أصبغ، أكره لهم ذلك ابتداء فإذا فعلوا مضى ذلك لهم لأنهم أحق به من غيرهم وإنما للناس فيه المنفعة في بعض الأحايين فلهم قطع تلك المنفعة، وأنكر ابن حبيب قول أصبغ ولم يأخذ به. فيمن له ممر أو طريق في أرض رجل كيف العمل فيه وكيف إن أراد تحويله في أرض الرجل أو يجري الماء في أرض آخر وفي طريق لرجل وللمسلمين هل يُحول؟ والقضاء بالمرفق في غرز الخشب وغيرها من المجموعة روى ابن نافع قال في غيرها وأشهب عن مالك فيما رُوي من المرفق/ بغرز الخشب لا يمنع ذلك جاره. إن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على الوصية
بالجار والترغيب في ذلك ولا يقضي به، وقد كان ابن المطلب يقضي به عندنا وما أراه إلا دلالة على المعروف وإني منه لفي شك، وقال عنه ابن القاسم: لا يقضي به وإنما هو على المعروف، وقال عنه فيمن له حائط هل لجاره أن يبني عليه سترة؟ قال: لا إلا بإذنه. قال ابن القاسم عن مالك في رجل له ماءٌ وراء أرضي وله أرض دون أرضي فأراد أن يجري ماءه إلى أرضه في أرضي قال مالك: فليس ذلك له، قال: ولو كان له مجرىً في أرضك أو دارك فأراد أن يحوله إلى موضع آخر من أرضك هو أقرب إلى أرضه لم يكن له ذلك ولم يأخذ بما رُوي عن عمر في ذلك. قال عنه أشهب: كان يقال يُستحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور قال مالك وأحدثه من يوثق برأيه ولو كان الشأن معتدلاً في أزمنتنا هذه كما عند الذي في زمن عمر رأيت أن يُقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك ولكن فسد الناس واستحقوا التهم ويخاف أن يطول الزمن ويُنسى ما كان عليه جريُ الماء وقد يدعي جارك عليك به دعوى في أرضك. وقال ابن كنانة نحوه لا يقضى بحديث الضحاك بن خليفة لأن الناس قد فسدوا. ومن كتاب آخر روى زياد شبطون عن مالك في مثل ربيع عبد الرحمن بن عوف الذي كان له في أرض جد عمرو بن يحيى المازني فأراد تحويله في أرضه إلى مكان هو أقرب إلى أرض عبد الرحمن فأبى عليه رب الأرض فقضى عليه عمر/ أن يجريه، وفي حديث الضحاك بن خليفة الذي أراد أن يمر به في أرض محمد بن سلمة فمنعه فقضى عليه عمر أن يمر به فيها. قال مالك وفي رواية زياد أنه إن لم يضر به فليقض بمروره في أرضه وإن أضر به فليمنع من ذلك، قال: والربيع هو الساقية، قال ابن نافع: وهذا فيما يُراد تحويله فأما ما يُبتدأ عمله فليس ذلك. قيل لأشهب: فلو أن لي أرضاً إلى جانبها أرضٌ لغيري ولي خلف أرضه عينٌ وليس لي إليها ممر إلا في أرضه فمنعني الممر إليها قال: إن كانت أرض جارك
أحييت بعد إحيائك العين وأرضك فلك الممر في أرضه وأن تجري ماءك فيها إلى أرضك بالقضاء، وإن كانت أرضه كانت قبل عينك وقبل أرضك فليس لك في أرضه ممر إلى عينك ولا لعينك ممر في أرضه إلى أرضك. قال أشهب عن مالك فيمن مات عن أرض كانت عفاءً لا غرس فيها ولا ماء فاقتسمها الورثة وباعوا وغرسها المشترون فمنهم من اشترى ماء فساقه ومنهم من اكتراه وأمنحه فأقاموا بذلك نحو أربعين سنة حتى عَمِيَ ذلك عليهم ثم باع بعضهم حقه فقال المشتري لمن يمر منهم بمائه عليه لا أدعك تمر به وقال الذي يمر بمائه هذا الماء لم يزل هكذا منذ أربعين سنة، قال مالك: أرى أن يدعوهم القاضي بأصل القسم فيحملهم عليه وإن لم يكن إلا ما هو عليه أقروا على ذلك ولم يكن له أن يمنعه. قال ابن القاسم عن مالك في دار بين رجلين اقتسماها ولرجل إلى جنب أحد النصيبين دار بابها إلى الطريق الآخر فاشترى هذا الرجل النصيب الذي يلاحقه/ ففتح فيه باباً وأحدث ممر داره في طريق هذا النصيب فمنعه صاحب النصيب الآخر. قال: ليس له أن يمنعه إذا جعل ذلك ليرفق به هو ومن يسكن معه وإن كان إنما أراد أن يجعلها سكة نافذة للناس يدخلون من باب داره فحرفوا ذلك إلى مخرج النصيب قال: فليس ذلك له، قال ابن القاسم فاحتجبتُ عنده بما اختُلف فيه عندنا فقال: أرى ذلك له. قال ابن القاسم: ولو لم يقسم الدار ولك دارٌ إلى جانبها لم يكن لك فتح باب في الدار التي بينك وبينه لأن الوضع الذي يفتح فيه معك فيه شريكٌ. وقاله أشهب عن مالك. ومسألة رجلين عن أرضين له متصلتين ولقوم بينهما طريق إلى ماء آخر بيني وبينه وقد غرستُ في أحد الأرضين وادياً فمرورهم به يضر بالوادي فأردتُ رفع الطريق إلى أرض الآخر إذ هو أرفق بي وبهم، قال: ليس ذلك لك إلا بإذنهم، فقال: إني إنما أقدم الطريق عن الوادي في بياض قدر عظم الذراعِ قال: إن كان قريباً هكذا ولا يضرهم فذلك لك وإلا فاستأذنهم.
قال ابن القاسم وأشهب: وإذا كانت لك نخلة في أرض فأردت أن تجذها فقال رب الأرض لا تتخذ في أرضي طريقاً قال: ليس لهم منعك من الطريق إلى نخلتك في سقيها وجذاذها وإبارها (¬1) ومصلحتها. قال أشهب: ولك أن تخرق زرعه بأيسر ما تقدر عليه وأبعده من الضرر، قال: ولك أن تدخل إلى نخلتك في غير حين إفلاحها وتنظر إليها وتتعاهدها وإن كنت إنما تمر مرور الضرر مُنعت من ذلك ولك أن تمر معك بمن يعينك على أمرها/ أو تستشره فيما يحتاج إليه منها. قال ابن القاسم وليس لك أن تجمع نفراً من الناس يفسدون عليه زرعه لجذاذها، وقد قال مالك فيمن له أرض في وسط أرض رجل إنه ليس له أن يخرق زرعه بماشيته لرعي خصبها، قال ابن القاسم: ولا يمنع من احتشاشه. قال ابن حبيب قال ابن القاسم فيمن له أرض بيضاء (¬2) والطرق تشقها فأراد أن يحول الطريق إلى موضع آخر منها أرفق بها وبأهل الطريق فليس ذلك له وليس لأحد أن يحول طريقاً وإن كان إلى أسهل من الأول وإن رضي له بذلك [من جاوره من اهل القرى لأنها طريق لعامة المسلمين فلا يأذنه] (¬3) فيها بعضهم إلا أن يكون طريقاً لأقوام بأعيانهم فيأذنوا في ذلك، قال ابن الماجشون: ينظر الإمام فيها، فإن رأى في تحولها منفعة للعامة في مثل سيولتها وقربها أو أقرب وأسهل، وإن رأى في ذلك ضرراً بأحد من المارة أو ممن جاورها منع من ذلك وإن حولها بغير إذنه فليتعقب ذلك الإمام فما كان صواباً أمضاه وإلا ردَّه. من المجموعة قال عبد الملك: ومن له أرض مرتفعة ولآخر تحته أرض منصبة فيأتي المطر فيجيء من المنصبة إلى أخرى تحتها وهما مزروعتان يشربان كثيراً من الماء فاشترى المنصبة ناس فبنوا فيها وقرمدوا بيوتهم بالقراميد فكثر ما ينصبُّ منها ¬
فيمن له ممر في حائط لرجل، أو له فيه شجر ولا تحظير عليه فأراد ربه تحظيره
فقال من تحته لم يكن يجري عليّ منها هذا الماء كله وقد بقيت التي تحته أو بقيت مزدرعة فلا حُجة له بهذا والماء يجري على ما كان بالواجب قلّ أو كثر. قال ابن كنانة فيمن في داره بئرٌ ولرجل فيه شراب أية ساعة شاء فقال الذي له البئر للذي له الشرب/ أنا أحفر لك بئراً في دارك وأقطع عني شُربكَ، قال: ليس له ذلك إلا أن يصطلحا على ذلك وذلك أن البئر ربما أفسدت دار الرجل وضيقتها. قاله سحنون. وسأل حبيب سحنوناً عمن له قناة تجري إلى زقاق نافذ (¬1) فأراد أن يحولها إلى زقاق أخر مثله فمنعه أهل الزقاق. قال: لهم منعُه، قيل: فإن أجراها فأقامت ثلاث سنين ثم قاموا؟ فقال: هذا قليل ولهم القيام. فيمن له ممر في حائط لرجل أو له فيه شجر ولا تحظير عليه فأراد ربه تحظيره وأن يجعل عليه باباً ومن العتبية (¬2) من سماع أشهب وهو عن ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن له ممر في حائط لرجل إلى مال له ورأى ذلك الحائط ولم يكن الحائط مُحظراً (¬3) فأراد ربه تحظيره وأن يجعل عليه باباً، قال: ليس له ذلك إلا برضاء صاحب الممر فيه لأنه إذا جعل هكذا لم يدخل الذي لم الممر متى شاء وقد يأتي ليلاً فلا يفتح له ويقال لا تُفتح في مثل الساعة لأحد وإذا كان مطراً لم يقعد ينتظر صاحب الطريق فما أرى ذلك إلا برضاء صاحب الممر. ¬
قال: ولو حظر على الحائط حظيرة ولم يجعل عليه باباً يُغْلقُ؟ قال: إذا حظر وجعل له باباً يدخل منه ويخرج ولا يُغلق فيوشك أن يأتي من له الممر فيه فإذا رأى الحائط محظراً لم يمر وقد يطول هذا ويتشاحن هذا ويجعل ذلك الباب باباً ويصير صاحب الممر يكلف البينة على الممر. قال ابن حبيب: كتبتُ إلى أصبغ أسأله عمَّنْ له شجرة أو شجرات في أرض رجل فيريد ربُّ الأرض/ التحظير على ارضه بجدار، أو بينهما دارٌ أو يغلق على شجر الرجل فيأبى ذلك الرجل ويقول: هذا يحول بيني وبينها وقال صاحبه: أنا أشهد لك بحقك وأفتح إذا جئت إليها. قال أصبغ: إن كانت الشجرة أو الشجرات التي للرجل مجتمعةٌ بناحية من الأرض غير متفرقة ومتبددة فيها منع صاحب الأرض من دخول ذلك في الحظيرة ويحظره ما شاء ويدع شجر هذا وذلك إذا كان لصاحبها طريقٌ إليها على حال ما كان قبل ذلك في قرب ذلك أو بعده أو سهولته أو منفعته، وإن كانت الشجرة أو الشجرات متوسطة للأرض أو مبتددة فيها لا يقدر رب الأرض أن يفرد حقه فيحظره إلا بدخول الضرر عليه والشجرات قليلة غير شاغلة للأرض كلها والأرض واسعة فليس لرب الشجر أن يمنعه من الانتفاع بأرضه. وإن قال: يضرني تحظيره على شجري قيل له ويضره هو تركه، فإذا اجتمع الضرران على مشتركين في شيء كان أولاهما باحتماله أيسرهما نصيباً منه ويصير هو مضاراً بصاحبه إن منعه لها كان عظيم الضرر عليه وقيل لرب الأرض حظر على أرضك وافتح لصاحب الشجر باباً يدخل منه إلى شجره على أقرب الطريق وأسهلها إليه ويكون غلقه بيده إن طلب ذلك ولم يرد أن يكون مدخله من مدخل صاحب الأرض وقيل لرب الأرض احتفظ من مدخل هذا عليك إن شئت التحظير. قال: وإن كانت الشجر كثيرة قد عمت الأرض يتبددها فليس لصاحب الأرض أن يحظر عليها لأن أكثر الضرر في/ هذا لصاحب الشجر إذ أغلق عليها
فيمن له شجرة إلى جنب جدار رجل فتضربه أو تخرج فروعها إلى أرض جاره
ولم يأتها إلا من ناحية واحدة، واحتج بقول مالك في النخل تُباع وقد أبر بعضها أنه يغلب الأكثر على الأقل فكذلك يغلب أكثر الضرر على أقله وإن جاء لا ضرر ولا ضرار كما جاء من باع نخلاً قد أبرت فتمرها للبائع ولا حد في هذا ولا هذا. فيمن له شجرة إلى جنب جدار رجل فتضر به أو تخرج فروعها إلى أرض جاره ومن له في حائط رجل شجرة فانقلعت هل يرد غيرها؟ وكيف إن نبت مكانها خلوف؟ ومن له بئر أو عين فنبع في أرض جاره عيون من ذلك؟ أو خرج من حائطه شجرة من أصل شجر لك؟ قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في الشجرة تكون إلى جانب جدار الرجل فتضر به أتقطع عنه؟ فقال مطرف: إن كانت أقدم من الجدار إلا أن يحدث لها أغصان بعد بناء الجدار يضر بالجدار فليُشمر (¬1) منها كل ما ضر مما حدث بعد بنائه، وقال ابن الماجشون: إن كانت هي أقدم من الجدار تُركت وما حدث من أغصانها وزاد فيها من الانبساط والانتشار وإن أضر ذلك بالجدار لأنه قد عُلم هذا من شأن الشجرة أنه يكون منها فقد صار، هذا من حريمها وهو أيضاً قبل بناء الجدار، وقال أصبغ كقول مطرف، وقال مثله عيسى بن دينار في كتاب آخر، وقال به ابن حبيب وقالوا أجمع: وإن كانت الشجرة محدثة بعد الجدار فإنه يقطع منها/ كل ما آذى بالجدار وأضر به من قليل أو كثير. ومن العتبية (¬2) روى عبد الملك ابن الحسن عن ابن وهب في شجرة في دار رجل فطالت حتى صار يتشرف منها على دار جاره إذا طلع بجنبها أو غرسها ¬
قريب من جدار جاره فيزعم صاحبه أن موضع الشجرة يضر به لأنه يخاف أن يطرق منها فيدخل عليه في داره وقد يكون قد تقادمت ومضى لها أعوام وهي تتزيد، قال: إن لم تكن له حجة إلا ما ضاق من الطرق من ناحيتها أو من يطلع من تحتها فلا حجة له بذلك ويمنع من يجنيها من التطلع والضرر إن عُلم ذلك منه وليس له قطع الشجرة، وأما إن انتشرت وعظمت حتى تخرج فروعها من أرض صاحبها وتصير في أرض جاره فليقطع ذلك الذي أضر به ووقع في حده وآذاه فقط. وروى ابن القاسم عن مالك فيمن له شجرة في أرض رجل فسقطت فنبت فيها خلوف لها، قال: ذلك لصاحبها، قبل فله أن يغرس في مكانها شجرة أخرى؟ قال: نعم. ومن المجموعة قال بعض أصحابنا وهو في كتاب ابن حبيب لأصبغ بن الفرج فيمن له شجرة في حائطه قد أنشأها فتعظم وتنبسط وتضر بجنان جاره فلا ينتفع بأرضه. قال في كتاب ابن حبيب فيضر بأرض جاره أو داره، وقال في الكتابين: إن كان عِظَمُها إنما هو امتداد صاعد في السماء يمد في أرض جاره فلا يغير عن حالها كالبنيان يرفعه الرجل في حقه فيستر به الريح والشمس عن جاره، وإن كان إنما مُدت في أرض جاره وأضرت به فلتشمر ويُقطع منها وتُرد إلى حالٍ لا يُؤذي. قال سحنون كل ما يخرج/ منها إلى أرض جاره فليُقطع حتى يعود فروعها إلى جدار أرض صاحبها، لأن هواء الأرض التي حدث فيها الفرع لرب الأرض. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: وأما الشجر التي تكون للرجل في أرض الرجل بميراث أو شراء أو قسم أو غيره فامتدت ارتفاعاً وانبساطاً حتى أضرت بالأرض فلا قول لصاحب الأرض في ذلك، وقاله ابن القاسم. ومن المجموعة قال مالك فيمن له شجرة في أرض رجل فسقطت فنبت فيها خلفة شجرةٌ أخرى فهي لرب الأولى وإن كانت الأولى نخلة فلربها أن يغرس مكانها نخلة أخرى. قال ابن كنانة وأشهب مثله، قال أشهب: لأن له أرض النخلة، قال
ابن كنانة: إلا أن تكون النخلة في يديه حُبُساً أو كان إنما له تَمرها دون الأصل وليس ذلك له. قال ابن القاسم: وليس له أن يغرس ما يعلم أنه يكون أعظم انتشاراً من الأولى، وله أن يغرس ما ضرره من الشجر كضرر نخلته وأقل وما هو مثل نخلته. قال ابن القاسم: ومن له بئر أو عين ولصيقها أرض لرجل فنبع في أرض الآخر عيون من العين أو البئر فأراد ربُّ العين سدَّها فقال: إن لم يستحدث ذلك ولم يحفره وإنما هو شيء ساقه الله إليه فلا يعرض له، وإن كان هو احتفرها وأجرى الماء مُنِعَ من ذلك وسُدت عليه. قال وقال بعض أصحابنا وهي لعيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬1) ونحوه في كتاب ابن حبيب عن أصبغ فيمن في حائطه شجرةٌ فيخرج منها قضبان تحت الأرض/ فتظهر في أرض جاره وتصير شجراً مثمراً، فإن ثبت أنها من أصل الرجل خُير من ثبتت في أرضه بين أن يقلعها عن أرضه أو يُعطي الذي تفرعت من شجرة قيمتها مطروحة. قال ابن القاسم في الكتابين: إلا أن يكون لصاحب الشجرة فيها منفعةٌ لو قلعها وغرسها بموضع آخر لتنبت فله ذلك، وإن كان لا منفعة له فيه ولا مضرة عليه فهو لرب الأرض إلا أن يكون قد بلغ فيكون لو قُلع كان لخشبه قيمته فلرب الأرض أن يعطيه قيمتها مطروحة، قال في المجموعة: إذا كان ليس في بقائها مضرة على رب الشجرة الأولى فإن كان عليه فيها مضرة لأن عروق القديمة تُسقى منه الخلوف فتنتشر هذه فله قلعها إلا أن يشاء الذي ظهرت في أرضه أن يقطع عروقها المتصلة بشجرة الأولى حتى لا يضر بها ويعطيه قيمتها مقلوعة فذلك له. وقال في العتبية (¬2) قال عيسى: إلا أن يكون بقاؤها مضرّاً بأصل الشجرة فليس له ذلك إلا برضاء ربها. ¬
في إحداث الأبرجة، وفي حمام الأبرجة يؤذي ما حولها من الزرع ودخول بعضها في بعض
وسُئل عن شجر ينبت في هدف بين حائطين والهدف يُعرف برجل أو لا يُعرف بأحدهما وهما يدعيانه جميعاً والشجر مشتبكة أو متباعدة قال: إن عُرف أن الهدف لأحدهما فما ثبت عليه فهو له ويُنظر إلى أصول تلك الشجر إن قدر أن يختبر من غير فساد فمن أي شجر هي أعطى صاحبها قيمتها مقلوعة أو يأمره بقلعها عن أرضه إن كان لها ثمن، وإن لم يُعرف لمن الهدف منهما وكانت الشجر تحمل القسم وكانت متباعدة قُسم الهدف بينهما بالشجر/ فيبيع كل واحد منهما ما شاء وإن كانت مشبكة جداً حتى لا يُعرف ما أسقطته الريحُ من حَبها من أيهما هو فأرى أن تُباع من رجل واحد ويُقسم ثمنُها بينهما أو يتقاومانها بينهما. في إحداث الأبرجة وفي حمام الأبرجة يُؤذي ما حولها من الزرع وفي دخول بعضها في بعض ودخول الصيد في منصبة الرجل أو في داره من المجموعة سُئل ابن كنانة عمن يتخذ برج الحمام فيتأذى به جيرانه في زرعهم وثمارهم قال: فلا يُمنع من ذلك وأكره أن يُؤذي أحداً، وسُئل بعض أصحابنا عن حمام الأبرجة وعصافيرها يُؤذي زرع أهل القرية وغيرها وبخاصة العصافير في شدة إيذائها قريبة من الجراد، قال: لا أرى أن يمنع صاحب البرج من اتخاذ منافعه في جداره وبرجه وعلى أهل الزرع حرس زرعهم بالنهار والذب عنه. قيل فالدجاج والإوز يتخذها فتُفسد الزرع قال: لا يُمنع من ذلك وعلى أهل الزرع حرسُ زرعهم بالنهار. قال ابن القاسم عن مالك في الأبرجة يدخل حمام بعضها في بعض فإن قدر على رد كل حمام إلى برجة رد ذلك، فإن لم يقدر فلا شيء عليهم في ذلك وهي لمن
ثبتت في برجه، وكذلك النحل تخرج من جبح (¬1) هذا إلى جبح هذا إن استُطيع ردها وإلا فهي لمن ثبتت في جبحه، وقاله كله، وقال: وهي في النحل أجوز إذ لا يُعرف أبداً ولا يقدر على ردها. قال ابن عبدوس وقال بعض أصحابنا وذكره ابن حبيب عن مطرف في البرج يتخذ للحمام فيه الكُوَى خارجاً/ في جداره فيأوي الحمام إلى البرج في داخله وخارجه إلى الحمام الذي وضعه الرجل في برجه ولا يعرف تلك الحمام بعينها هل يأكل فراخ حمام البرج؟ قال: إن عرفها بعينها وعرف ربها ردها إليه وإن لم يستطع ردها ولا أخذها فإن عرف موضعها إذا أفرخت رد فراخها على صاحبها، وإن ازدوجت حمامة مع حمامة لجاره فعرفها وعرف عُشها الذي تفرخ فيه ولا يقدر على ردها ولا أخذها فليرد نصف ما أفرخت. قال: وكذلك إن كانت حمامة جاره ذكراً لأنه إنما يكون ذلك على وجه الحضانة لا على وجه البيض فليرد على صاحبه (¬2) فرخ حمامته ذكراً كان أو أنثى ويمسك فرخ حمامته ولا يكون هذا إلا في الحمام فقط من جميع الطير والبهائم وإن اشتبهت بحمامة فلا يعرفها أو يعرفها ولا يعرف عشها ولا يقدر على ردها فلا شيء عليه وله كل ما أوى إلى برجه، وقاله من أرضى من العلماء. وكذلك الحمام التي خارج البرج في كُواه هي لصاحب البرج وله كل ما آوى إليها من العصافير وفراخها وله منع كُواه من غيره، والنحل مثل الحمام إذا آوت إلى خلية الرجل خلية لجاره فيقال لربها إن عرفت نحلك فخذها وإلا فلا شيء لك ولا يكونان شريكين، قال ابن حبيب قال لي أصبغ مثله كله، ورواه عن ابن القاسم. من المجموعة، وقال ابن كنانة في برج الحمام والجبح إذا وقع فيه ما يُغلبُ صاحبه فلا يعرف/ شيئاً بعينه فله أكل ذلك كله، قال ابن القاسم ¬
وأشهب: ولا تصاد حمام الأبرجة ولا يُنصب لها ولا تُرمى قال ابن القاسم فإن صاده فليرد أو ليعرف به ولا يأكله، قال أشهب: وإن قتله غرم ما قتل إن عرف البرج وربه وإلا تصدق بالقيمة. قال ابن كنانة: وأكره أن ينصب الرجل جبحاً في مكان قريب من جباح الناس وحيث ترعى نحلُهم وتسرح وتأوي إليه ولا بأس أن ينصبها بعيداً من العمران وهذا بقدر ما يعلم أهل البلدان مما يضر به في نحلهم ومصايدهم من نحل القرية التي ليست لهم أو من نحل الناس التي يُتخوف أن يكون من جباح غيرهم. قال ابن القاسم عن مالك: ومن نصب جبحاً في الجبال فدخله النخل فهي لمن وضع الجبح، وقاله أشهب وإن كانت نحل جبلية (¬1) ليست لأحد وإن كانت من نحل قوم، ولا أرى أحد أن يفعل ذلك، فمن فعل ذلك لم أره له ورأيت أن أهل تلك النحل أسوةً فيما دخل في الجبح وإن كان ذلك الجبل به نحل كثيرة ليست لأحد وبه نخل للناس لم أر بأساً أن ينصب أجباحه وله ما دخل فيها من أجباح الناس إلا أن يعرف شيئاً بعينه فليرده. قال ابن القاسم: كل من نصب لصيد منصباً له ما وقع فيه فإن وجده غيره فليس له أن يأخذه منه، وكذلك من وجد حجراً فسده وذهب ليأتي بما يحفره فأتى من فتحه وأخذ ما فيه فالذي سده أولى بذلك، فإن قالوا ومن يعلم أنك سددته؟ قيل لهم ادفعوا ذلك إليه حتى تأتي من يدعي أنه يسده وأنتم لا تدعون ذلك، وكذلك في الجبح إن قالوا ومن يعلم أنك وضعته. قال ابن كنانة في الرجل يجد النحل في شجرة أو صخرة فلا بأس أن ينزع عسلها إذا لم يعلم أنها لأحد، ولا يحل لك أن تأكل عسل جبح نصبه غيرك لا في عمران ولا في مفازٍ ولا أكل حمام لغيرك إذا عرفته بعينه، قال: وأكره أن يأخذ الرجل من شجرة غيره غرساً إلا أن يأمره، وذكر قول ابن القاسم في الذي يطلب ¬
في تحظير الحوائط وما على أهلها من حفظها من المواشي بالنهار وما على أهل الواشي بالليل
الصيد حتى يدخل دار رجل أو منصبته أنه إن اضطرته الكلاب أو الرجل رهقه لأخذه فهو له وإلا فهو لرب الدار أو المنصب بالجبالات. وقال أشهب أرى الصيد الذي دخل الدار للطالب دون رب الدار لأنه هو الذي أحرزه في الدار ولم يجرزه ربُّها بوجه من الوجوه. قال سحنون: وهذا بخلاف ما طلبته الكلاب والكلاب كلهم إذا كانت في حومة الكلاب لم يتباعد بعضهم من بعض حتى تنقطع معونة بعضها لبعض، وفي كتاب الصيد شيءٌ من معاني هذا الباب وفي الباب الذي يلي هذا من معنى هذا الباب. في تحظير الحوائط وما على أهلها من حفظها من المواشي بالنهار وما على أهل المواشي من حفظها بالليل وفي أذى النحل والحمام وغيرها وكيف يضمن الزرع الأخضر إذا فسد؟ قال ابن حبيب روى ابن شهاب عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن على أهل الحوائط حفظَ حوائطهم بالنهار وعلى أهل المواشي حفظَ مواشيهم بالليل (¬1)، وفي حديث آخر من رواية مالك عن ابن شهاب وأن ما أفسدت المواشي، بالليل ضمانه على أهلها. قال مالك: وعلى/ ذلك الأمر عندنا. قلتُ لمطرف: فإن الزرع عندنا كثيرٌ منبسط جداً لا يطيق أهله على حراسته، قال: سُئل عن ذلك مالك فقال: الحكم في ذلك واحد على حكم ¬
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مالك في البقرة أو الناقة الضارة بالزرع فليأمر الإمام ببيعها وإن كره ربها. وسُئل مطرف عن النخل يتخذها الرجل في القرية وهي تضر بشجر القوم إذا نورت أو تجد برجاً في القرية وتتخذ فيه الكُوى للعصافير تأوي إليه ويأخذ من فراخها وهي والحمام في إيذائها وفسادها للزرع هل يُمنع من ذلك؟ قال: أرى أن يُمنع من اتخاذ ما يضر بالناس في زروعهم وفي شجرهم، قلت: أفلا يكون ذلك كالماشية؟ قال: لا، لأن هذه طائرة ولا يقدر على الاحتراس منها كما يُستطاع ذلك في الماشية، وقد قال مالك في الدابة الضاربة بفساد الزرع التي لا يحترس منها أنها تُخرج وتُعرف وتُباع فالنحل والحمام أشد وكذلك الدجاج الطائرة والإوز وشبهها مما لا يُستطاع الاحتراس منه فأما ما يُقدرُ على الاحتراس منه كالماشية فلا يؤمر صاحبُه بإخراجه. وقال أصبغ: النحل والحمام والدجاج والإوز كالماشية لا يمنع صاحبُها من اتخاذها وإن ضرت وعلى أهل القرية حفظ زرعهم وشجرهم، وكذلك قال ابن القاسم. وقال ابن حبيب بقول مطرف. قال أبو محمد عبد الله: وقد ذكرنا في باب إحداث الأبرجة قول ابن كنانة وغيره في الأبرجة والأجباح وضررها وضرر الدجاج والإوز. قال ابن حبيب: قلت لمطرف فما أفسد من الزرع الأخضر كيف يقوم؟ قال مالك: على الرجاء والخوف أن يتم أو لا يتم يريد لو جاز ذلك فيه، قال: فيغرم قيمته ولا يُستأنى بالزرع أن ينبُتَ كما يُصنع بسن الصغير، قال مطرف: فإن عاد الزرع بعد الحكم بقيمته إلى حالته الأولى قال: تمضي القيمة لصاحب الزرع لأنه حكم قد نفذ. قُلت: فلو لم يُحكم فيه حتى عاد لهيئته؟ قال: إذا تسقط القيمة التي وصفت لك وليس على المعسر إلا الأدب بقدر سفهه وإفساده إلا أن يكون ما أفسد من ذلك كان يُرعى ويُنتفع به فتكون عليه قيمتُه ناجزة لا على الرجاء والخوف وعليه الأدب، وقال أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في صدر المسألة مثل قول مطرف.
قال أصبغ: وإذا عاد لهيئته قبل الحكم فيه فهو عندي مثله يُقوم على الرجاء والخوف نبت أو لم ينبت كان ذلك ذلك قبل الحكم أو بعده قال ابن حبيب: وقول مطرف أحب إلي، قال ابن حبيب قال الشعبي: دخلت شاة بيت حائك فأفسدت عمله فرفع ذلك إلى شريح فقال (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت (¬1) فيه غنم القوم) [سورة الأنبياء: 78] لا يكون النفش إلا بالليل، وفي كتاب الأقضية باب من هذا مفرد يصلح أن يضم أحدهما إلى الآخر. ¬
صفحة بيضاء
كتاب الأرحية
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الأرحية في إحداث الأرحية والضرر فيها وما يحدث في الأنهار من السداد مما يضر بالناس وغير ذلك من نفي الضرر (¬1) / من العتبية (¬2) من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم وقال ابن عبدوس سئل بعض أصحابنا. وقال ابن حبيب: سألتُ أصبغ عن الرجل يكون له الرحى المتقادمة فيريد رجل أن يحدث فوقها أو تحتها رحىً، قال: إن كان ذلك يضر بالقديمة في بعض طحين أو يكثر بذلك مؤنة عملها أو شيء مما يضر بصاحبها ضرراً يتبين لأهل المعرفة بالأرحاء مُنع الذي أراد أن يحدث الرحى أن يحدثها. قال وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ فإن قالوا: لا يضر ذلك بالرحى القديمة تُرك ذلك فإن أشكل ذلك عليهم قيل له اعمل فإن أضررت برحاه منعناك وأبطلنا عملك قال: وإن قالوا لا ضرر على الأول من إحداثها فحُكم له بالعمل فلما تم عمله تبين الإضرار بالأول نُقض الحكم ومُنع، ولو عمل على غير حكم وصاحب الرحى الأول ينظر إليه فلا يغير حتى تم عمله ثم تبين ضرره وقال الأول ما ظننتُ أن ذلك يضر بي قال: ينظر: فإن كان مثله لا يخفى عليه ولا على غيره أن ذلك يضر فلا كلام له وتبقى (¬3) الرحى المحدثة، وإن كان يشبه أن يخفى ¬
عل مثله أحلف ما سكت وهو يرى أن ذلك يضر به ثم أزيل عنه الضرر، قال ابن وهب وابن نافع مثله. قال في العتبية (¬1) وكتاب ابن عبدوس قلت: فإن كان لعدوتي نهر موضع رحاءين وكل عدوة لرجل وهما متقاربتان أن أعمل المنصب الذي بهذه العدوة ينفذ سده إلى العدوة الأخرى بطل المنصب الآخر وإن عمل الآخر كذلك بطل هذا قال: إن تشاحَّا (¬2) فليس لكل رجل إلا نصف النهر/ فإن كان في نصفه ما يعمل عليه رحاه فذلك له وليس له أن ينفذ سده إلى برية غيره إلا أن يأذن له أهل تلك البرية أضر ذلك بهم أو لم يضر لأن نصف الماء لهم إن تشاحوا إن شاؤوا سقوا به أو حولوه إلى منبعهم وإن لم يكن في نصف الماء ما يحمل عمل رحىً مُنعا جميعاً من العمل حتى يتراضيا على ما يحمل. [ومن العتبية (¬3) قال محمد بن خالد عن ابن القاسم] (¬4) فيمن له رحىً فنصب رجل تحتها رحىً فنقصت الأولى من طحينها قال: ليس له ذلك ويُمنع قال في المجموعة قال بعض أصحابنا فيمن له رحىً فيحدث رجل تحتها رحىً فقال صاحب القديمة أخاف أن يضر برحائي فيبعث القاضي من ينظر ذلك من أهل النظر فيقولون: لا فساد على رحائه من ذلك فيأذن له بالبنيان فإذا فرغ أضر ذلك بالرحاء العليا وخنقت الماء عليها فلم تدُر قال: إذا اجتهد السلطان أولاً ثم أمره بالبناء فهو حكم مضى ولا يُرد ولا تركه صاحب العليا حتى بنى وطحنت رحاه ثم قام وذكر إضرارها به لم أر للسلطان أن يهدمها عنه لأنه قد تركها حتى أنفق فيها النفقة العظيمة، وقال غيره: لا يمضي الضرر فيها على أحد كان بأمر السلطان أو بغير أمره وأرى أن يُقلع الضرر إذا تبين، وقال غيره: إذا رآه بنى ¬
وسكت حتى طحنت فلا قيام له كانت رحاه قائمة أو قد خربت لأن النهر موات. وقد قال عمر لا تحجروا على الناس فيمن أحيا مواتاً ثم تركه فأحياه غيره فهو لغيره فإن قال إنما تركته وأنا لا أعلم أنه يضر رحائي فإن كان لا يخفى على أحدٍ أنه يضر فلا قول له وإن كان يخفى ذلك حلف وكان له أن يقلع. وسُئل عن سداد الأرحية إذا تقادمت بيد أهلها فأراد قوم أن يمروا بخشبهم في النهر قال: أرى أن يُوكل السلطان من يهدم ما أضر بالمسلمين من تلك السدادات في ممرهم بخشبهم وسفنهم ويترك ما لا يضر بهم. قال ابن حبيب: سألت أصبغ عما يفعل أهل سداد الأرحية عندنا من منعهم ممر الخشابين فخشبهم والخرق لهم فيها حتى يأخذوا منهم على ذلك غرماً قال: ليس [ذلك لهم لأن الأنهار التي لم يستقها الناس هي ضرر للعباد] (¬1) ليس لأحد منعها ولا أن يحدث فيها ما يضر بالناس في مسالكهم وليأمر الإمام بخرق ما حُبس من السداد ومؤنة ذلك ومؤنة إعادتها على أصحاب السداد دون الخشابين كانت السداد محدثة أو قديمة، وقاله ابن القاسم. قال ابن حبيب سألت أصبغ عن الرجلين يبتدران (¬2) عمل رحاءين في أرضيهما معاً أو بدأ هذا قبل هذا فلما فرعا أضر أحد الرحاءين بالآخر قال: إن بدأ أحدهما قبل صاحبه بالعمل الذي له قال وقدر من النفقة ثم عمل الآخر بعده فسبقه بالفراغ أو لم يسبقه فهو المحدث فإن كان هو المضر مُنع وإن كان هو المضر به تُرك، وهو كمن حفر بئراً في داره ثم حفر جاره بئراً في حقه يستنزف ماء الأخرى مُنع [مِنْ] ذلك. قال: وإن بدآ جميعاً ولم يسبق أحدهما الآخر بالأمر البين ولا بالإنفاق الكثير فلا يمنع واحد منهما لصاحبه إذا تباينا/ بموضعيهما [فإن تقاربا] (¬3) ¬
بالموضعين بما يتبين أن فيه الضرر البين فليُمنعا جميعاً لأنهما استبقا الضرار حتى يفترقا ويتباعدا بأمر بين أو متشابه. قال أصبغ: ولو خربت رحى رجلٍ فأراد غيره أن ينشئ فوقها رحىً في أرض نفسه أو تحتها وهي تضر (¬1) بالأولى إن أُعيدت قال: إن كان خراباً طويلاً قد عفا (¬2) ودرس وتُركت على التعطيل حتى طال الزمان فليس له منعه فإن كان أمرها قريباً ولم يتقادم الزمان ولا درس الأمر ولا يتبين للناظر فيها أن يتركها على التعطيل فله أن يمنع من إحداث ما يبقي ضرره إذا دعي الآن إلى العمل وإعادة رحاه فأما أن يمنعه وهو لا يريد أن ينشئ رحاه القديمة الآن فليس ذلك له، لأن هذا من التحجير على الناس. ومن المجموعة قال بعض أصحابنا فيمن له رحىً فمات عنها فضعف ورثته فبطلت ثم أتى من اتخذ تحتها رحىً ثم قام الورثة فأرادوا هدم ما أحدث قال إنما ذلك لهم إذا قالوا نحن نبني فيتلوم لهم في ذلك وإن قالوا لا نبني لأنا لا نقدر قيل لهذا ابن في حقك ما شئت وكذلك إن لم يكن لكل واحد منهم عليه رحىً فأراد أحدهم أن يعمل في موضعه رحىً فقال صاحبه رحالك يضر بي إن أردتُ أن أحدث رحىً فليس له أن يمنعه إلا أن يقول أنا أبني رحىً في حقي أو أبيع ممن يبني. فإن قال ذلك وكان كل واحد منهما يضر بصاحبه مُنع من ذلك حتى يتراضيا. وقد سمعت مالكاً يقول في العين للرجل تهور (¬3) ثم أراد رجل أن يتخذ بئراً أو عيناً فإن قال صاحب القديمة أنا أبني/ [أو (¬4) أبيع ممن يبني تُلوم له وإن قال لا أبني لم يُمنه هذا من اتخاذ ما أراد، قال وكذلك الرحى عندي، وما أحدث في منع من أحدث رحىً تحت رجل، وهو على الاستحسان، وقد ضعفه بعض العلماء ولكن أخذنا به. ¬
وكتب شجرة إلى سحنون في الواد (¬1) يتخذ فيه القوم سدوداً بالخشب قطعوا بها عرصة يصيدون منها الحيتان، فشكا قوم أن بعض تلك السدود يضر بهم في أرضهم ويُميل الماء عليها فهدّم أجوافها (¬2) وتخرق أرضهم، ومن السدود شيء قديم منها عند مورد قوم وسقيهم للماشية والشفة يخدمهم ونساءهم فقد منعوا النساء من الاستقاء للزومهم الصيد أو تعديهم فكتب إليه: امنع الضرر حيث كان ولا أعرف الخطط في الأودية ولا في البحر ولا يمنع الناس بالأمر الذي لا يدخل به على أحد ضرر ومن أراد أن يختط فيه ويمنع من تخطية من يصيد فلا أعرف هذا. وسئل بعض أصحابنا عن الذي يتخذ سدّاً في النهر ولعل أرضه من حافيته ويجعل في السد مصيداً للحيتان ويتقادم في يده حتى يصير ميراثاً فيأتي قوم من أهل القرية أو غيرهم يريدون عادة مثل ذلك الصيد فيمنعهم الأولون؟ قال ليس لهم أن يمنعوا أحداً من ذلك ولا من الاصطياد بشباكه وقواربه. وسئل عن رجلين غرساً شجراً في أرض ليس بينهما إلا حد فأضر أحدهما بالآخر؟ قال يقران على حالهما لأن كل واحد عمل في أرضه ما أحب، ولو كانت واحدة قبل صاحبتها مُنع المحدثُ من الضرر على صاحبه. ومن العتبية (¬3) قال أصبغ في رجل كان يبني رحى أو بيتاً في جوار مُغتسل (¬4) أو مُستقىً فأرادوا منعه لغاشية الرحى وما يردها من الناس، وكيف إن كان على المغتسل طريق سابلة عامرة هل لهم بذلك حجة عليهم؟ قال أصبغ إن كان يضر بهم وبغاشيتهم (¬5) ومستقاهم وممرهم أو ينقص منها شيئاً أو يعور طريقهم إلى ¬
غيرها، لم يكن له ذلك، إلا أن يكون تحويل الطريق الذي ذكرت، الأمر اليسير ليس فيه عطب عليهم في ممرهم ولا عوج إنما هو يمنة أو يسرة وشيء لا يتباعد ولا يلحقهم به ضرر (¬1) ولا إذاية في طريقهم إذا أقبلوا أو أدبروا من طريق هم الأولى في غاشيتهم ولا في حشونة (¬2) مستقاهم فلا أرى به بأساً. وما كان عليه في وكف (¬3) فعلى السلطان نفي الضرر في ذلك. وسئل عيسى بن دينار عن ساقية بين قوم أعلين وأسفلين، وللأعلين نصفها يسقون بها يومين [ثم يسرحون إلى الأسفلين فيسقون بها يومين] (¬4)، فهذا فعلهم ما احتاجوا إلى السقي، [فإذا استغنوا سرحوا الماء إلى الأسفلين حتى يقع في النهر الأعظم فأنشأ الأسفل على الساقية] (¬5) رحى فطحنت زماناً في غير أيام السقي ثم أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر رحى الأسفلين فمنعوهم وقالوا سبقناكم إلى العمل؟ قال فللأعلين أن ينشئوا الرحى ثم يقتسموا الماء كما كانوا يفعلون يومين يومين فإن كان يوم الأعلين طحنوا بمائهم ثم] (8) أرسلوا على الأسفلين فطحنوا في يومهم، فسقوا وصنعوا ما شاؤوا، وإن أراد الأعلون والأسفلون قسمة الساقية نصفين وكره ذلك الآخرون لم يكن لهم أن يقسموها إلا باجتماعهم لأن ذلك عليهم لأنه يضر عليهم ما كانوا يستقونه في يومين لا يستقون إلا في أربعة فيكثر عناؤهم، ويضر ذلك بهم، وذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون من أول السؤال إلى قوله حتى يقع في النهر الأعظم، ثم قال فهل للأعلين أن يُنشئوا في حقهم رحى يطحنون عليها في يوميهم وفي أيام استغنائهم جميعاً عن السقي فإذا احتاجوا إلى السقي يسرحون الماء كله إلى الأسفلين في يومهم وعلقوا أرحاءهم؟ فقال ليس ذلك لهم لأن الأمر يتقادم والعلمُ يدرس فيصير ذلك حقاً لهم على الأسفلين فليس ذلك لهم إلا برضاء الأسفلين. ¬
قال: ولو أحب الأسفلون أن ينشئوا رحىً في حقهم يطحنون عليها في يومهم وفيما أتاهم من فضل الماء عن السقي فليس ذلك لهم وليس للأعلين منعهم ولا حجة لهم بمثل ما احتجبه الأسفلون عليهم لأن الأسفلين لا يملكون من الماء إلا ما يأتيهم من الأعلين من شرب يوميهم ثم إن أحب الأعلون أن ينشئوا رحىً عندهم بعد إنشاء الأسفلين فذلك لهم ويقتسمون الماء بينهم على قدر حقهم فيه فيطحن كل قوم بمائهم أو يسقون به إن أحبوا ولو أراد الأعلون أو الأسفلون قسمة الساقية نصفين وأبى ذلك الآخرون فليس ذلك لمن أراده حتى يجتمعوا/ ثم ذكر مثل ما ذكر عيسى إلى آخر المسألة (¬1) ومن العتبية (¬2) قال عيسى بن دينار في الساقية تشق أرض رجل إلى ناس تحته يسقون بها وله منها شرب أو لا شرب له منها ويريد أن يشق الساقية في أعلاها حيث يمر في أرضه فيخرق منها ساقية أخرى تصب عليها رحىً ثم يرد الماء من تحت الرحى إلى الساقية [فيمضي الماء كله إلى القوم الذين إليهم تجري الساقية] (¬3) وذلك لا يضرهم أذلك له (¬4)؟ قال: إن كانت هذه الساقية الله أجرى الماء فيها من غير أن يعملها الذين يسقون بها فذلك له، وإن كانوا هم الذين عملوا حتى أجرى الله الماء فيها (¬5) فليس له أن يغرقها عليهم. وذكرها ابن حبيب عن ابن الماجشون وقال في جوابه: إن كانت هذه الساقية التي أُجري الماءُ فيها من غير أن يعملها الذين يسقون بها والذي يبقى فيها من الماء بعد الذي يسبق هذا فيها كثير لا يخاف نضوبه ولا انقطاعه في وقت من الأوقات فذلك له وإن لم تكن كثرته على هذه الصفة أو كانوا هم الذين أجروا الماء فيها وسقوها فليس ذلك لهم، وقال لي مطرف وأصبغ: ليس ذلك له على كل حالٍ، وقول ابن الماجشون أحب إلي. ¬
ومن العتبية (¬6) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن له في أرضه مخاضة نهر (¬7) فيريد أن ينصب في موضعه رحىً وذلك يعور المخاضة أو ينصب الرحى تحتها فيفرق المخاضة ويقطعها قال: ليس ذلك له أن يحدث ما يجر به ضرراً على الناس في المخاضة التي هي طريق العامة. قلت فإن كانت المخاضة منها على قدر رحيل أو ميلين أو الغلوة (¬8) والغلوتين هل له/ أن يرد الناس إلى بعض تلك المخائض لينتفع هو بما أحب أن يصنع في أرضه؟ قال: لا يجوز له أن يحول الناس عن طريقهم وليس للناس منعه مما لا يضرهم فإن كان يقدر أن يعمل الرحى ولا يضر بالمخاضة لم يُمنع قيل له إن الضرر لا يتبين إلا بعد فراغه من العمل قال: يقال له إن شئت أن تعمل فإن تبين ضرر عملك أبطلناه عليك فاعمل على ذلك إن شئت. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن أراد أن ينشئ رحىً في أرضه تحت رحاءٍ لغيره أو فوقها وذلك مضر فليس ذلك له ويُمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على الأول من الآخر ضررٌ (¬9) وقال أصبغ: لا يُمنع من ذلك. وإن كان فيه بعض الضرر على من الساقية فوقه أو تحته ما لم يكن ضرراً مُفسداً أو مبطلاً، وأما ما فيه الانتفاع والاعتمال فإن كان فيه بعض الضرر فلا يُمنع إلا أن يجاوره في العمل والبناء ويشرف على [سده أو قربه جدارٌ ليس فيما بينهما للماء منفسحٌ فيُمنع من ذلك قال: وليس الانتفاع] (¬10) بالأنهار وحوز منافعها بحق ثابت كحق ذي الخطة إذا أوتي عليه في ركحه (¬11) ومستراحه ومدخله ومخرجه إنما النهر كالموات --------- (¬6) البيان والتحصيل، 10: 298. (¬7) المخاضة موضع الخوض في الماء والجمع مخائض ومخاضات من قولهم خاض الماء يخوضه خوضاً وخياضاً إذا دخله. (¬8) الغلوة مقدار رمية السهم. (¬9) تقدم تخريج هذا الحديث فيما سبق. (¬10) ما بين معقوفتين ساقط من ص. (¬11) الركح: جمع أركاح ورُكوح: ساحة الدار وله معان أخرى في اللغة منها أنه الأساس وأنه ركن الجبل أو ناحيته، وأنه بيت الراهب.
فحيث ما وضع فيه الإحياء كان ذلك له ولا يُراعى من الضرر [في هذا إلا ما فيه إبطال الجميع مثل أن يُغلق عليه ماء النهر أو جُله أو يشرف فوق رابية] (¬1) أو على سده على ما أعلمتك ألا ترى سيل مهزور ومذينب في إمساك الأعلى في حائطه كله حتى يروي ثم يرسله على الأسفل فقد كان منشأ تلك الحوائط/ متفاوتاً بعضٌ بعد بعض فوق وأسفل فلم يكن يمنع من إنشائه فوق الأسفل مخافة حبس الماء عنه. قال أصبغ: وكذلك إذا كان في إنشاء المنشئ الثاني منفعةٌ لهما واعتمال لرحييهما جميعاً. وإن كان عليهما فيه بعض الضرر أو على أحدهما فلا يُمنع المنشئ ما لم يكن في ذلك إبطال العمل الأول وفساد فاحش يبطل عمله أو جله فيُمنع، وكذلك المصائد من شاء أن يصنع مصيدة فوق مصيدة صاحبه أو دونه فليس للسابق منعُ من بعده بأن يقول تُنفر الصيد أو تصرفه عن مصيدتي ما لم يضع مصيدته على رأس مصيدة الأول بحيث يقطع عنه الصيد كله أو أكثره وإنما هذا في المصايد فيما يبدو فيه أهل المصايد لحاجيتهم، فأما ما فضل عن حاجتهم فليس لهم منعُه للناس أو يتحجرونه عليهم (¬2). قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن له المنصبُ في نهر يصيد فيه الحيتان أعواماً ثم شكا جيرانه أن ذلك يضر بهم قال: لهم أن يمنعوه وليس هذا مما يستحق بالحيازة على أحد ولا يضر به أحد، وقاله أصبغ، وهذه المسألة في العتبية لعيسى ابن دينار في مثل هذا الجواب فيها. ¬
في مناصب الأرحية ومياهها هل تقسم؟ وكيف بما لا ينقسم منها؟ وهل فيه شفعة؟
في مناصب الأرحية ومياهها هل تُقسمُ؟ وكيف بما لا ينقسم منها وهل فيها شُفعةً؟ وكيف إن اختلفت حاجتهم إلى مائها إذا اتفقت؟ من العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مناصب الأرحية في الأنهار أتقسمُ؟ قال: نعم إذا انقسمت فكان فيما يصير للسهم/ مُنتفع ومعتملٌ قلت: فإن لم تنقسم وأراد أحد الشريكين أو أحد الورثة العمل وضعف الآخرون ما الحكم على من ضعف؟ قال: يُخير بين أن يقاويه (¬2) شريكه فيُجعل لأحدهما أو يبيع معه إن ادعى (¬3) أحدهما إلى البيع يُخير (¬4) على أحد الأمرين وإن دُعي الضعيف إلى البيع وأبى المقاواة إذ لا ثمن معه قال: يُجبر شريكه على البيع معه كان طالب البيع قوياً على العمل أو ضعيفاً واجداً للثمن أو معدماً، قال: ولو باع أحدهما نصيبه وهي مما لا ينقسم فلا شفعة في ذلك. قال ابن حبيب: سألتُ مطرفاً وابن الماجشون عن أنهار الأندلس وتشاح أهل الأرحية عند نضوب مائها في أيام نضوبها وتقلصه هل يُساوى بين الأعلين والأسفلين في ذلك فقالا: إن الأنهار التي لم ينشئها الناس وإنما أخرجها الله سبحانه ليست ملكاً لمن جاورها فتكون لهم المساواة فيها في قسمة مائها عند الحاجة إليه وإنما كغياث المطر أولاهم به أقربهم من عنصره فهو المبدأ بالانتفاع في الطحين والسقي حتى يروي شجره ويعمل أرحيته ثم يرسله إلى من تحته على ما بين النبي صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومُذينب على إرسال ما جاوز الكعبين إلى من ¬
تحته (¬1) قلت لهما: فإن كان الأعلى إنما حاجته إلى الماء ليسقي الشجر دون الأرحاء أو الأرحاء دون السقي والذي يليه مخالفٌ له أو موافق قالا: إن استوت حاجتهما فالأعلى أحق به قبل أن تكون/ حاجتُهما إلى الطحين جميعاً أو للسقي جميعاً أو حاجة الأعلى للسقي والأسفل للطحين. والأعلى في هذا كله مبدأ (على الأسفل) (¬2). وإن كانت حاجة الأعلى للطحين والأسفل للسقي وكانت الشجر يأتيها من الماء بعد تبدئة الأعلى لطحينها ما يحيا به شجر الثاني [ويُؤمن معه موتُها فالأعلى مُبدأ وإن كانت الشجرة لا يأتيها] من الماء شيءٌ إذا بدأ به الأعلى وفي حبس الأعلى إياه للطحين يبس شجرات الأسفلين التي إنما حييت على ذلك النهر في أيام كثيرة فالأسفلون أحق بالماء في هذا من أرحية الأعلين ويُمنع الأعلون من حبس الماء وهذا في أصول حييت بذلك الماء قبل نضوبه وليس فيما يُبتدأ عمله من غراس الشجر ولا فيما يُنشأ كل عام من المباقل والمباطح وشبه ذلك. قال: ومن كان من الخلج والسواقي التي تجتمع أهل القرى في إنشائها وإجراء الماء فيها لمنافعهم من طحين أو سقي فقل الماء فيها ونضب في وقت نضوبه فالأعلى والأسفل فيها بالسواء ويُقسم ذلك بينهما على قدر حقوقهم فيها بالغ ذلك ما بلغ ليس من قرب من عنصرها أولى ممن في أسفلها الأعلى قدر حقه منها استوت حاجتُهم فيها أو اختلفت، وقاله كله أصبغ، وبلغني أن ابن وهب وابن القاسم وابن نافع سُئلوا عن بعض ذلك فذهبوا هذا المذهب، وفي باب من أذن لرجل أن يُجري الماء في أرضه إلى رحىً يحدثها معنى من هذا الباب وبالله التوفيق. ¬
في نهر عليه أرحاء لقوم فأزالها وال غاصب وبنى جنبها مثلها ثم أنصف أهلها
/في نهر عليه أرحاءٌ لقوم فأزالها والٍ غاصب وبنى جنبها مثلها ثم أنصف أهلها والٍ بعده فابتاعوا النقض من ورثة الغاصب وأبقوها من العتبية (¬1) سُئل أصبغ عن سلطان اغتصب أرحاءً قديمة على نهر وبنى تحتها قريباً منها أرحية بنقضها (¬2) فأقامت نحو خمسين سنة أو أكثر منها يتداولها الأمراءُ ثم قام ورثة المغصوب منه بحقهم فأنصفوا فقُضِيَ لهم به وأمر القاضي من كانت الأرحاءُ في يديه بقلع نقضهم من الموضع الذي أحدث فيه الغاصب الأرحية إذا لم يقم لورثة المغصوبين بينة على نقضهم وإنما قامت لهم بينة على أصل أرحيتهم فأمر القاضي بهدم المحدثة لقربها من الأولى فيشُق على أهل الغاصب قلعُ نقضهم لما يلحقهم فيه من المؤنة فباعوا ذلك النقض من المغصوبة منه فلما صار له رأى أن يُقره بحاله ويبني بذلك الموضع أرحية من قبلِ أنه ليس لأحد أن يبني فيد رحىً لمكان ضرورته لموضع الأولى وأن هذا الموضع ليس لأحدٍ وإنما هو نهر للمسلمين فبنى المغصوب منه أرحية بذلك الموضع وأنفق فيها أموالاً والإمام والقاضي وجميعُ الناس ينظرون إليه يبني ويعمل حتى فرغ وأعملها سنيناً ثم أراد الإمام اليوم أن يُخرب عليه ما عمل فقال: هذا الموضع ليس لك فأقررت فيه أرحيتك بوضعها فوق هذا فقال له: لو شئتُ قبل الغصب إلى ها هنا فعلتُ إذ ليس/ ذلك بمملوك لأحد ولم يكن لأحد أن يبني بهذا الموضع أرحاء لموضع الضرر بأرحيتي وأنا أحق بهذا الموضع ومع هذا إنك تراني أبني فلم تنهني. قال أشهب: ليس لهذا الإمام نقضُه عليه ولا التعرض له وقد أخطأ أولاً حين فسخه وعرض فيه لأنه لم ينقضه لنقض المغصوب منه بعينه إذ لم تثبت له بينة على النقض بعينه وقد صار هذا الثاني كمن أحيا مواتاً فلا يماتُ حيٌّ بموات قد مات لا يقدر على إحيائه لأنه قد استعذر وصار مواتاً قد امتنع من الإحياء ¬
وإنما كان يجوز له أخذ النقض لو ثبت للأول فيه نقض معروف فيوجد قائماً لم يغير فيقوم ربه فيه، فأما ما بلي فأكله الماءُ فلا يُنزعُ وإن كان غصباً لأن لا يُنتفعُ به وموضعه ليس لصاحبه فينازعه وإنما كان ينبغي للإمام أن يقضي في هذا للمغصوب بقيمة بنيانه ورحائه يوم هدمها الغاب إن كان قد بليت الحجارة والنقض وفي مسألتك لم يثبت لهم نقضٌ قد حول فيقضى لهم بقيمتها على الفساد والقلع والنقض فإن كان قد ذهب مع ذلك بحجارتها بأمر مشهود عليه قضى له بالقيمة قائمة على أصولها وإن لم يذهب بما قُضي له بما بين القيمتين ما نقض الهدم والفساد منها حية إلى وقت قلعها ميتة. فإن جهل هذا وأطأ العمل به وفسخ وأمر بالقلع وقضى به فاشتراه المغصوب وأقره وزاد فيه عملاً وبناءٌ فلا يعرض له ولا ينقض عليه. ولا ينقض الإمام حكمه الماضي له به أنه وجه شبهة وإنما هذا بمنزلة ما/ ما لو قضى له فاشتراه غيره وأرضى صاحبُه المنقوض له وأقره لنفسه وزاد فيه فلا يُفسخ ذلك على هذا المشتري لأجنبي ويصير كمُحي مستأنفٍ لأنه كان له أن يحييه لو كان معطلاً بغير إذن الإمام لأن ذلك سُنتُهم في أنهارهم من أول الإسلام لأنها لهذا ولمثله من المنافع من قصائدهم وأرحيتهم ليست حمايةً ولا مساقي لغيرها من الأرضين ولا مصرف لها إلا لهذه المنافع فذلك لهم فيها وإن قرُبن من العمران. قيل له: فإن كان القاضي جهل وجه الصواب فأمر ورثة الغاصب بقلع النقض وإخراب الأرحاء ولم يثبت عنده أن النقض للمغصوب منه وذلك بعد أن استعذر موضع الأول وطال زمان ذلك أو لم يطل فشق على أهل الغاصب قلعُه وباعوا ذلك النقض من المغصوب فأقره ورأى أنه أحق بذلك الموضع إذ ليس لأحد أن يبني فيه لقربها من الأرحية الأولى وأنفق في ذلك المشتري نفقة عظيمةً ثم أراد الإمامُ منعه من ذلك وقال هذا الموضع النظر فيه إلي. وقال ورثة الغاصب خُذ نقضك وانقله عن مكاننا الذي نحن أولى به؟
قال أصبغ: إن كان ذلك المكان في برية الغاصب وفي أرضه فلورثته أن يدفعوا عنه المشترى ويؤمر بنقل نقضه، وإن كان ذلك الموضع ليس مِلكاً للغاصب ولا لغيره وإنما هو كالموات ولا قول فيه للغاصب ولا لورثته وقد أخطأ هذا القاضي فيما قضى به لأنه لم يقض النقض فيقضي للمغصوب فيه بعينه وإنما نقضه لموضعه المحدث عن الموضع/ الأول لأن الأول قد مات ما كان أحياه وصار الثاني كمن أحيى مواتاً بعده وإنما كان الصواب ما أعلمتك فوق هذا، فإذا جهل القاضي وفعل ما ذكرتُ فليفسخ قضيته ما كان قائماً في سلطانه فإن زال عن سلطانه ثم ولي هو بعد ذلك أو غيره فلا سبيل إلى رده. قال: وإنما يرجع في الذي حكم فيه ما كان في سلطانه ما لم يفت ذلك النقض ببيعٍ فإذا فات ببيع من المغصوب أو من غيره وحال الاعتمال فلا سبيل إلى فسخه ويمضي على حاله لأن قضاءه الأول بنقضه لم يكن بالجور المحض ولا الخطأ الشاذ وإنما هو مأخوذ بالاجتهاد والرأي فلا يُرد رأيٌ إلى رأيٍ وإن كان الآخر أحسن منه إذا فات الأول وزال من حكم به عن سلطانه. وذكر ابن حبيب عن أصبغ هذه المسألة وفي سؤاله وأقامت في يدي ورثة الغاصب حتى أنصف ورثة المغصوب من حقه وثبت في ذلك البينة العدول (¬1) ما الحكم في ذلك؟ قال: إن كان العهد حديثاً لم يطل زمانه ولم يندرس وكان المغصوب يمكنه إعادة أرحائه المهدومة فليحكم له أو لورثته بموضع أرحائهم ويُخرق عنهم سد هذه المحدثة حتى ينسرح الماء عن موضع المهدومة فيمكن إعادتها قال: وإن كان زمان ذلك قد طال ودثر أثر الأولى واستعذر وحال عن الإحياء الذي كان فلا أرى أن يُخرق سدّ المحدثة ولا يُمات إحياء ما تم لموات [ما حال] (¬2) عن الإحياء وطال زمانه ولا أرى في الوجهين أن تُنقض هذه المحدثة وتُخرب إنما يُخرق في سدها لينسرح الماءُ/ ويستمر عن مواضع الأولى ليمكن أهلها إحياءها. ولو ثبتت المحدثة بنقض الأولى وكان النقض قائماً فأهل الأولى أحق ¬
وجه المعاملة بالأرحية، وفي الرحاء بين الرجلين تخرب فيدعو أحدهما إلى العمل فيأبى
بنقضهم يأخذونه وإن كان في ذلك هدم المحدثة وخرابُها، فإن كان النقض قد بلي وأكله الماءُ حتى لو نُقض لم يُنتفع به كبير منفعةٍ لا يُنقضُ ولا يُخرب فيه عملُ الغاصب وتكون عليه قيمتُه كشيء قد فات. قال: وإن لم يكن في خرق السد وحده إذا خُرق ما ينسرح به عن موضوع الأولى [إذا كان لعهد حديث يمكن المغصوب إعادة] (¬1) الأولى ولا يمكنه ذلك إلا بهدم المحدثة فإنها تُهدم كان نقضها للمغصوب أو للغاصب ويُنظر في الأرحية المهدومة فإن كان الغاصب حين هدمها نقل بعضها وذهب به ثم استعذر موضعها حتى لا يمكن إعادتها في قرب العهد أو بُعده فعلى الغاصب قيمة الأرحاء يوم هدمها قائمة على أصولها لو بيعت يومئذٍ وإن كان حين هدمها وعذرها (¬2) وأفسدها للأبد ترك نقضها ولم ينقله لنفسه فعليه ما بين قيمتها قائمةً ومهدومةً متروكاً نقضها بمكانه لصاحبها وإن كان يوم هدمها لم يعذر مكانها وقضى لصاحبها بإعادتها فإنما له ما بين قيمتها قائمةً ومهدومةً قيمة البنيان وحده لا يعتبر فيه بالقائمة. وجه المعاملة بالأرحية وفي الرحاء بين الرجلين تُخربُ فيدعو أحدهما الآخر إلى العمل فيأبى أو يتعاملان فيها على ما يجوز أو لا يجوز من العتبية (¬3) قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجل كان له موضع/ رحىً فأعطاه لرجل يعمل فيه رحىً على أن للعامل غلة يومٍ وليلةٍ من كل جمعةٍ يعمل على ذلك نحو ثلاثين سنة ثم علم بفساده قال: تكون الغلة كلها للعامل ¬
ويغرم صاحب الأصل كل ما أخذ من الغلة يغرم في الطعام مثل مكيلته وفي العين مثل وزنه فإن لم يعرف مكيلة الطعام غرم قيمة خرصه ولا يغرم مكيلة الخرص ويغرم العامل لصاحب الأرض كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها فينظر كراء كل عام بقدر رغبة الناس فيه أو زهادتهم على النقد، ويقال لصاحب الأصل إن شئت أمرته بخلع النقض وإلا فأعطه قيمته مقلوعاً وتكون الرحاء لك، وبعد هذا في آخر الباب خلاف هذا أراه من قول عيسى بن دينار. قال يحيى: قلت: وإن كان للعامل في الموضع شركٌ فأحب أن يُقر عمله ويأخذ الغلة كلها حتى يستوفي قيمة العمل، قال إن كان الموضعُ ينقسم قيل له قاسم صاحبك فإن عملك في حظك زاقلع ما صار في حظ شريكك وإن لم ينقسم قيل له إن اتفقتما على العمل وإلا أُجبر صاحبُك على البيع ممن يعمل معك إن كره العمل فإن باع ممن يعمل معك أو أراد هو العمل غرم لك قيمة ما يصير عليه في حظه من نقضك مقلوعاً ثم يكونان شريكين في الموضع [والعمل وتقدر حقوقها] (¬1) من الأصل. قال سحنون: إنما يجوز هذا البيع بحال الضرر إذا كان البائع لا مال له ولو كان له مال جاز بيعُه ممن يليه (¬2) باشتراط ولكان يُجبر على العمل على ما أحب أو كره، وكذلك الجارية يأذن لها سيدها/ بالإحرام فتحرم ثم يطؤها أن عليه أن يُحجها فإن فلس باعها وجاز ذلك للضرر تُباع ممن يُحجها ويُحط بذلك عن المشتري وكذلك ما يُشبه هذا. ومن ذلك الأمة لها الولد الصغير يعتق السيد أحدهما فلا يجوز له بيع الرقيق منها إلا في فلس أو ضرورة فيباع في قول ابن القاسم ويُشترط على المبتاع ألا يُفرق بينهما، والبئر بين الشريكين إذا انهارت وعليها حياة فإن أبى أن يعمل يُجبر على أن يبيع أو يعمل. ¬
قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم في رحىً بين ثلاثة قد خرجت فقال الورثة لرجل منهم اعملها مناصفةً فإذا صلحت فلك النصف ولنا النصف ففعل قال: إن أرادوا نصف الغلة لم يجز وإن أرادوا أن للعامل نصف الأرض ونصف البنيان فذلك جائزٌ إذا كان عمل الرحى محدوداً معروفاً، قال عيسى: إذا انهدمت الرحى فدعا أحد الشركاء إلى عملها وأبى الباقون فإن من أبى يُجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، كذلك قال مالك وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك. قال عيسى: فلو عمل بعضهم فلما تمت وطحنت (¬1) قال من لم يعمل خُذ نصف ما أنفقت وأكون على حظي معها قال: ذلك له فإن كان العامل قد اغتل منها غلةً قبل أن يأخذ ممن أنفق فقد اختُلف في ذلك فقال محمد بن إبراهيم بن دينار: يكون للعامل فيها بقدر ما أنفق وما كان له فيها قبل أن ينفق ويكون للذي لم يعمل بقدر ما بقي له من قاعتها وبقية سدها وحجارتها وما كان فيها من صلاح. وقال لي ابن القاسم مرة: الغلة كلها للعامل حتى يعطي قيمة ما عمل كالبئر/ تغور فيقال لمن أبى العمل اعمل أو بع ممن يعمل فإن أبى وخُلي بينه وبين العمل وحده كان الماء كله له حتى يأخذ من الأجرة حصته من النفقة، وبهذا قال ابن بشير ثم قال لي ابن القاسم في الرحى خاصة له اما اغتل فيما أنفق فإن اغتل جميع نفقته رجع هذا في حظه ولا شيء عليه. قال عيسى: والذي أقول أن تكون الغلة كلها للعامل وعليه للذي لم يُرد كراء نصيبه من القاعة وما كان باقياً فيها من عملٍ أراد أن يدخل معه فيما بنى دفع إليه ما ينوبه من قيمة العمل الذي عمل في الرحى قيمته يوم يدخل معه لا يوم عمل ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق، وبلغني عن ابن وهب أنه قال ¬
في الغلة كقول ابن دينار، وتفسير ذلك أن تُقوم الرحى غير معمولةٍ فيقال عشرة فتقوم بعد العمل فيقال خمسة عشر فيكون ثلث الغلة للعامل وثلثاها بينه وبين شريكه وعلى الذي لم يعمل ما ينوبه من أجر العمل في قيامه بغلتها ثم إن أراد الذي لم يعمل أن يدخل مع الذي عمل في الرحى أعطاه ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفع ذلك إليه، وقال يحيى ابن محمد مثل ذلك كله. وقد سمعتُ ابن القاسم يقول مثل ذلك. وسُئل عيسى بن دينار عمن له رحىً قد خربت أو منصبُ رحىً فيُريدُ أن يعامل رجلاً على عملها ما الذي يجوز من ذلك؟ قال: الذي يجوز فيه أن يقول ابنِ لي رحى في هذه على صفة كذا بصخر كذا [أو أحجار كذا وخشب كذا فيصف جميع بنائها فإن تمت فنصفها لي ونصفها لك من أصلها أو جُزءٍ يذكرانه أو يقول له/ ابن لي رحاي هذه على صفة كذا] (¬1) أو أنفق عليها كذا وهي لك بذلك كذا وكذا سنة، فقال حسين بن عاصم مثله إلا أنه قال: ولا يجوز ذلك إلا في النهر المأمون. قلت انظرا؟ يعني يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار. قلت: فلو قال: اعمل رحاي هذه على صفة كذا فإذا تمت فغلتها بيني وبينك أو لك من غلتها يوم وليلة كل جمعةٍ فعملا واغتلاها على ذلك زماناً ثم علم بفساده قال: يكون للعامل قيمة ما أدخل في الرحى من شجر وأحجار وخشب قيمته يوم جعله فيها وله أجره فيما استغل في ذلك وقيمة عمل الآخر فيها وتكون الغلة كلها لرب الرحى ويرد إليه العامل ما أخذ منها من العين ومكيلة الطعام فإن لم يعرفوا مكيلة غرم قيمة خرصه لا مثل خرصه لأن ربها واجر العامل على عملها واشترى منه أداتها (¬2) بقدر كما لو قال له اعمل لي رحىً في هذه فإذا تمت فلك نصف غلة رحاي هذه أو يومٌ من غلتها في كل جمعةٍ أو لك ثمرةُ جناني هذه قبل أن يحل بيعُها. ¬
قال يحيى بن محمد: سألتُ ابن القاسم عن ذلك فقال لي: تكون الغلة كلها للعامل وعليه كراءُ قاعة الرحى وله (¬1) قيمة عمله منقوصاً. قال يحيى: والذي آخذ به أن يُعطى قيمة عمله قائماً تاماً. قال ابن حبيب قلتُ لمطرفٍ وابن الماجشون في الرحى بين الشريكين تخرب أنه يقال لمن أبى العمل اعمل أو بع ممن يعمل قلت لهما: فإن عمل أحدهما بعلم صاحبه أو بغير علمه بعد أن أبى من العمل معه؟ فقال مطرف: تكون الغلة/ كلها للعامل وعليه لصاحبه كراءُ حصته من القاعة وباقي ما كان فيها من مصلحة ومؤنة فإذا دخل معه دفع إليه الأقل من قيمته اليوم ثابتاً (¬2) أو قيمة ما أنفق، وقال ابن الماجشون: يحاص نفسه بما اغتل فإذا تقاضى مثل نصف ما أنفق كانت بينهما نصفين قال: وهي عندي كالبيت (¬3) بينهما يخرب فيبنيه أحدُهما فذلك سلفٌ منه لصاحبه إن شاء صاحبُه أعطاه نصفَ النفقة وقاصّه بالغلةِ والكراء وإن شاء أقر ذلك بيده حتى يستوفي من غلته مثل نفقته ثم يكون بينهما. ولو كانت الرحى أو البيت حُبُساً لم يُؤمر الذي يأبى العمل بالبيع وقيل للآخر اعمل واستغل وحدك فإذا أعطاك شريكك مثل ما أنفقت كان شريكاً معك وإذا أمر بالعمل جُعل معه أمين يعرف قدر (¬4) النفقة، قال ابن حبيب وقال دينار وابن وهب: يكون للعامل من الغلة بقدر ما أنفق فيها وما كان لها منا وللذي لم يعمل بقدر ما كان له من قاعتها وما كان يعمل ثم ذكر مثل ما تقدم من التفسير، قال: ولابن القاسم فيها قولان أحدهما كقول ابن الماجشون والآخر كقول مطرف، وقال أصبغ كقول مطرفٍ، وقول ابن الماجشون أحبُّ إليَّ ولو حكم فيها حاكمٌ بأحد القولين ما أخطأ وكلاهما يحتمل القياس والله أعلم. ¬
فيمن بنى رحى فأخرج طرف سده في أرض جاره على شرط له من الطحين
فيمن بنى رحىً فأخرج [طرف] (¬1) سده (¬2) في أرض جاره على شرط له من الطحين وكيف إن وقع ذلك على ما لا يجوز؟ / من العتبية (¬3) قال عيسى بن دينار فيمن أنشأ رحى ماءٍ فأخرج طرف سده في أرض جاره على أن يطحن لجاره فيها مُدياً (¬4) كل شهر قال: ذلك جائزٌ وإن لم يوقت للطعام أجلاً فلا يجوز فإن ترك ذلك فلصاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه وعليه لصاحب الرحى أجر ما طحن له على هذا الشرط إذا كان إنما تركه يبني ويُخرج سدّه في أرضه على أن يطحن له قال: ويسأل أن يقاسمه الماء لأن له نصفه وللعامل نصفه. ولو باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ هذا الشرط واشترط على المشتري أن يحمل شرط صاحب الأرض أو علم المشتري بذلك فاشترى ولم يشترط عليه ليعلمه بذلك قال: يفسخ شراءه ويكون العمل بين مشتري الرحى وصاحب الأرض على ما فسرتُ لك إلا أن يفوت الرحى فتلزمه القيمة، قال: فإن لم يعلم المشتري بذلك ولم يشترطه، قال: فالبيع جائز ويكون العمل بين المشتري وصاحب الأرض كما فسرنا. قال عيسى: وإذا تشارحا فأخرج طرفٌ سدّه في أرض قوم على أن لهم أياماً معلومةً من الشهر فإن جعلهم شركاءَ في الرحى بعد أن يتم بقدر تلك الأيام من الشهر وشرطوا للرحى عملاً موصوفاً ويكونون فيها شركاء وعليهم من إصلاحها إذا خربت والقيام بها مثل ما لهم من تلك الأيام فذلك جائز، وإن كان إنما لهم [غلة] (¬5) تلك الأيام فقط دون شيء من أصل الرحى لم يجز، فإن فات ذلك بإخراج السدّ فيه فلهم قيمة أرضهم وعليهم أن يردوا ما أخذوا من الغلة. ¬
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا أخرج سد الرحى في أرض/ جاره على أن يطحن له أياماً معلومةً من كل شهر فإن سمى لذلك عدداً من سنين أو شهور أو سمى ما يطحن كل شهر فذلك جائز، فإن بطلت الرحى فأحب إعادة السد كما كان وإعادة الرحى فذلك له بما أعطى صاحبه من الثمن الذي وصفتُ، وإن كان بقي عليه منه شيءٌ أتمه له وإن لم يرد إعادته أصلاً كان موضعُ السد من أرض الآذن راجعاً إليه ولم يكن للآخر أبداً، لأنه لم يكن على وجه البيع بل على وجه الارتقاق وجاز فيه الثمن استحساناً إذ هو ثمن غير مجهول. وإن كان بطلان السد وترك العامل إعادة عمله قبل استيفاء ذلك الطحين سقط عنه ما بقي عليه ولم يحملا محمل المبايعة. وأما إن عامله على طحين مجهول مثل أن يقول أطحن لك ما شئت وشبه هذا فيُحمَلان محمل البيع الفاسد فيُفسخُ قبل العمل ويُرد إلى قيمته إذا فات بالعمل، وقال مطرف [موضع السد للمأذون له أبداً وحمله محمل البيع، قال: وعليه إتمامُ ما بقي من الطحين] (¬1) قال أصبغ مثله، وقول ابن الماجشون أحب إلي. قال مطرف وابن الماجشون في قوم لهم مخاضة فأراد رجل إنشاء رحىً تحتها فيشترطون عليه إن متى ما أفسدت رحاه مخاضتهم فعمله مقلوع عليهم هل يجوز [له] (¬2) بيع رحاه هذه على هذا الشرط فقالا: جائز إذا كان يوم بيعها لا يضر بتلك المخاضة [سواء اشترطوا ذلك عليه أو لم يشترطوا لأن المخاضة] (¬3) طريق المسلمين وهي لو أفسدت المخاضة ثم رضي القوم بإقرار عمله لم يقر ولأنزل عمله عن المخاضة [لأنها لجميع المسلمين فالبيع جائز ومتى ما تغيرت عن المخاضة] (¬4) ¬
فيمن أذن لرجل أن يجري الماء في أرضه إلى رحى يحدثها الطالب لذلك في أرضه
من أجل رحاه وقامت بتلك بينة فسِخَ عمله ورجع مشتريها بقيمة عيب ذلك إن كان لم يُعلمه، وإن كان أعلمه فلا شيء عليه. /قلتُ وما الذي يُعلمُه؟ قال: يعلمه أنه أنشأ هذه الرحى على هذه المخاضة وهي بالقرب منها على ما يرى، وقال أصبغ مثله. فيمن أذن لرجل أن يُجري الماء في أرضه إلى رحىً يحدثها الطالب لذلك في أرضه ثم يبدو له أو يدع الرجل ينتفع بعينه ثم يبدو له وكيف إن غرس عليها بعلمه أو إذنه؟ قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن له أرض فيها منصب رحىً ولا ماء له فيها وبينها وبين النهر أرض لجاره فيسأله أن يشق أرضه بالساقية إلى منصبه الذي يريد نصب الرحى فيه فيأذن له فيبني الرحى على ذلك ويجري إليها الماء في أرض جاره ثم يرجع الآذن عن ذلك فقال: ليس له ذلك وهي عطية سماها عطيةً أو لم يسمها ولا رجوع له استغنى عن أرضه أو احتاج إليها أراد بيعها أو لم يرد مات أو عاش. ما لم يُوقت لإذنه وقتاً أو يُسم (¬1) ذلك عارية. فإن وقت فذلك إلى وقته وإن سمى عارية فله أن يرتجع عاريته إذا شاء بعد أن يكون المعار قد استمتع قدر ما تكون العارية التي مثله في مثل ذلك الشيء. قالا: وإن كان الماء الذي أجراه في الساقية ليس من النهر ولكنه مما لصاحب الأرض الآذن لشقها بالساقية فإذن له فذلك سواء في إلزامه، قال: نعم هي كالعطية والهبة ما لم يوقت أو يسمِّ عارية قالا: ولو كانت الأرض التي شق فيها الساقية لمنشئ الرحى وكان الماء فقط للآذن فإذن له في ذلك ثم رجع/ أذلك له؟ قالا: نعم (¬2) ذلك له متى شاء ما لم يُسمه هبةً أو يُسمِّ له وقتاً من الأجل ¬
قلت: ولِمَ وقد قلتما إن من أرفق شيئاً من عينه ليُنشئ عليه عملاً أن ذلك له للأبد ولا رجوع له فيه؟ قالا: إلا ان يشاء الغرس على ما يؤذن فيه من الماء يؤول إذا قطع عنه الماء إلى فساده وإبطال نفقته، وإنشاء بيت الرحى لا يؤول إلى فساد بقطع الماء وإنما تنقطع عنه منفعة كانت مزايلةً للبيت، وقال أصبغ: إذاً له الرجوع في جميع هذا ما لم يكن هبةً تُسمى، وهو قول ابن القاسم، قال ابن حبيب: والأول أحب إلي. قال أصبغ في عين لرجل في جنانه في سفح جبل لرجل تحته دار قد بناها وأسأل ساقيتها حتى أدخلها داره أو جنانه فكان يشرب منها ويسقي زماناً ثم أراد صاحب العين أن يحولها ويقطعها عنه من غير حاجة إليها. قال ذلك له: وإن غرس عليها هذا منتفعاً بها ما لم يأذن له بذلك صاحب العين إذناً يبينه وليس عمله ونظره إليه بالذي يمنعه من القيام على حقه إذا أراد تحويله وإذا أذن له فأنشأ المأذون عليه غرساً فلا رجوع له فيما أذن فيه، قال ابن حبيب وقاله ابن القاسم وابن نافع، قال أصبغ: بعد أن يحلف صاحب الماء أنه أعلم ما كان تركه على الرضى بالإذن له والتخلية وإن لم يعلم فلا يمين عليه وله صرف مائه إلا أن يكون في ذلك الوقت في الشجر ثمرة يخاف عليها لصرف الماء عنها فيُترك الماء إلى جذاذها/ وإن كان (¬1) زرعاً فإلى حصاده. قال مطرف وابن الماجشون في عين في قرية قوم تجري بنهر ومخرجها في أول أرضهم فينشئون عليها أرحية ويسيل الماء إلى من تحتهم من أهل القرى فيغرسون عليه الشجر وينشئون عليه الأرحاء فيكونون على ذلك زماناً طويلاً ثم يقل الماء عن الأسفلين حتى يجف شجرهم ويتساح فيه الأعلون قال: فليسق (¬2) به الأعلون على ما يملكون من أصل الماء وأما الأسفلون الذين إنما يأتيهم فضل الماء فإنما يسقي الأعلى فالأعلى حتى ينتهي الماء حيث انتهى. قال: وسألتُ عن ذلك أصبغ فقال لي مثله. ¬
صفحة بيضاء
كتاب القضاء في البنيان
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب القضاء في البنيان فيمن أذن لجاره في غرز خشبة أو فتح باب أو طريق أو غيرها هل له الرجوع. قال ابن نافع عن مالك في المجموعة وهو في سماع أشهب أن ما أمر به النبي عليه السلام من قوله لا يمنع أحدُكم جاره أن يغرز خشبةً في جداره (¬1) أن ذلك على وجه المعروف والترغيب في الوصية بالجار ولا يُقضى به، وقد كان ابن المطلب (¬2) يقضي به عندنا ولا أراه إلا دلالة على المعروف وإني منه لفي شك. ومن غير المجموعة قال ابن القاسم: لا ينبغي له أن يمنعه من ذلك ولا يقضي عليه، قال ابن وهب عن مالك وهو أمر رغَّب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن القاسم: وإذا أذن له فليس له أن يرجع فينزعه إلا لحاجة بيَّن أن له بها عذراً ولم يرد/ الضرر في نزع ذلك، فإن كان لغير عذر أو لغير حاجة إلا لما هاج بينه وبينه فليس له قلع ذلك. قال مالك: لا ينزعه إلا إذا احتاج إلى جداره لأمر لم يرد به الضرر. ¬
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية (¬1)، فإذا أراد أن يهدم جداره وينتفع به فذلك له، في كتاب آخر وإن أراد بيع داره فقال له نحِّ خشبك والمشتري يريد ذلك قال: إن أراد بذلك الضرر لم يكن له ذلك. قال ابن حبيب عن مطرفٍ عن ابن الماجشون إذا أعار جاره جداره لحمل خشبه فليس له نزعها طال الزمان أو قصر احتاج إلى جداره أو استغنى عنه سواء مات أو عاش باع أو ورث إلا أن ينهدم الجدار ثم يعيده صاحبُه فليس للمعار ها هنا أن يعيد خشبه إلا بعارية مبتدأ، وذكراه عن مالك وعن غيره، قالا: وقد جاء ألا يمنعه فقال مالك ذلك على التخصيص روي عن أبي هريرة ما روي فإذا أذن فلا رجوع له. قالا: والإذن أن يبني على خشب جاره تلك إن لم يضرّ بها ولا أفسد عمله قالا: وكل ما طلبه جاره من فتح باب أو إرفاقٍ بها أو مختلف في طريق أو فتح طرقٍ في غير موضعه وشبه ذلك فهو مثل ذلك لا ينبغي في الترغيب والإرفاق منعه من ذلك مما لا يضره ولا ينفعه منعه، وليس مما يُقضى به. قلت: فإذا أذن له في هذا هل له أن يرجع فيه؟ فقالا: ذلك مختلف أما ما أذن فيه مما يقع فيه العمل والإنفاق والمؤنة من غرز الخشب وبناء أساس جداره في حق الآذن والإرفاق بالماء من العيون والآبار لمن يُنشئ عليه غرساً أو يبتدئ عملاً وشبه ذلك مما فعله ورده كما كان فساداً أو ضرراً فليس له ذلك صغُرَت/ المؤونة أو عظمت ولا رجوع له عاش أو مات باع أو ورث احتاج أو استغنى فهو كالعطية. ولو أن الآذن اشترط يوم أذن أني متى شئتُ أو أرجع وأقطع ما أذنتُ فيه فعلتُ كان ذلك غير جائز لمشترطه، ولا يُقضى له به لأن هذا من شرط الضرر. والتغرير بالعامل بالشرط ساقط والإذن بعد العمل به نافذ وهو قبل العمل به على هذا الشرط غير نافذٍ قالا: وما كان من ذلك لا يتكلف فيه كبير عمل ولا ¬
في الجدار بين دارين لرجلين يهدم وهو لهما أو لأحدهما، وهل يجبر أحد على بنائه؟
إنفاق، ومن فتح باباً أو فتح طريقاً إلى بناء الآذن أو أرضه أو إرفاق بماء لشفةٍ أو لسقيه شجراً قد أنشئت قبل ذلك ثم نضب ماؤها أو غارت فهذا له الرجوع إليه أو يكون المأذون له في الطريق والمدخل والمخرج قد باع داره وشرط للمشتري ما أذن له فيه بعلم الآذن فيكون ذلك لازماً للآذن أبداً ولم يكن بنياناً تكون له فيه نفقة ومؤونة. قال ابن حبيب وقال ابن نافع وأشهب في ذلك كله مثل قولهما، وقال أصبغ: ذلك كله عندي واحد ما تكلف فيه عمل وإنفاق وما لم يتكلفه فيه إذا أتى عليه من الزمان ما يكون إلى مثله يُعار مثل هذا فله منعُه إلا في الغرس فإنه لا يمنعه بعد ذلك، قال ابن حبيب: ولا يعجبني قوله. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإذا كان الجدار لأحدهما فسأله جاره أن يأذن له أن يدعه يهدمه ويبنيه فيتقنه ليحمل عليه بنياناً ففعل فليمض ذلك للمرفق الثاني أبداً وليس لرب الجدار أن يرجع في ذلك ولا ينحى عنه بناءً لآخر وإن احتاج إلى جداره، وقاله أصبغ. / في الجدار بين دارين لرجلين ينهدم وهو لهما أو لأحدهما هل يُجبر أحد على بنائه؟ وهل يُقسمُ إن كان بينهما وأبى أحدهما؟ وهل لأحدهما هدمُه؟ وفي جدار الرجل ينهدم من نهر تحته لرجل من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في جدار بين رجلين فسقط فإن كان لأحدهما لم يُجبر على بنائه ويقال للآخر استُر على نفسك إن شئت وإن كان بينهما أملاً يبني أو يبني مع صاحبه إن طلب ذلك.
قال في العتبية (¬1) إن كان لأحدهما فهدمه ربه أو انهزم بغير فعله وهو قادر على رده، فترك ذلك ضرراً أُجبر على رده وإن كان لضعف عن إعادته عُذِرَ وقيل للآخر استُر على نفسك فالبناء في حقك إن شئت. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬2) إن كان لأحدهما فسقط بأمر من الله لم يجبر أن يبنيه ولمن شاء منهما أن يستر على نفسه في حقه، ولو هدمه للضرر جُبر على أن يعيده، وإن هدم لوجه منفعة أو ليعيده ثم عجز عن ذلك واستغنى عنه فإنه لا يُجبر على إعادته ويقال للآخر ابن في حقك إن شئت. قال ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب قال: لا يُجبر ربه على بنائه إذا انهدم في قول ابن القاسم ويُجبر في قول ابن كنانة وبه أقول وأجمعا أنه إن هدم للضرر أن يُجبر على بنائه. ذكر ابن عبدوس أن ابن كنانة يقول: إذا انهدم وهو لهما لم يُجبر أحدٌ على بنائه ومن شاء منهما أن يستُرَ على نفسه فعل (¬3). قال ابن القاسم في العتبية (¬4) والمجموعة إذا كان لأحدهما فطلب هدمه فليس له هدمه إلا بوجه يُعلم أنه/ لم يُرد به الضرر. قال في المجموعة: فإن انهدم بغير فعله لو يُجبر على بنائه وإن كان بينهما قيل لمن أبى البناء إما أن تبني معه أو تبيع أو تقاسمه. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وليس لربه هدمُه فإن فعل أُمر بإعادته لأنه مضارٌ، ولو قال إني محتاجٌ إلى هدمه ولي في ذلك منفعةٌ نُظر في ذلك؛ فإن تبين صدقه تُرك على نفسه وأُمِرَ بإعادته للسترةِ التي قد حيزت عليه ولزمته، وقال أصبغ: له أن يهدمه لمنفعته أو لغير منفعةٍ ويصنع به ما أحب، قال ابن حبيب ولا أقول بقوله قال يحيى بن عمر قال ابن القاسم: وإن خِيف سُقوطه قيل لربه اهدمه ثم لا يُجبرُ على رده، قال ابن القاسم في كتاب آخر: إن هدمه ¬
ربُّه لغير ضرورة لجاره ولكن كما يهدم الناس للحاجة يُترك لم يُجبر على رده وإن أضرَّ ذلك بجاره قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إذا كان الجدار بينهما يملكانه وسقط فإنه يُجبر من أبى البنيان يبني مع من طلبه وإن دُعي إلى قسمه موضع الجدار فليس ذلك له وإن كان لأحدهما فقال ابن الماجشون: يُجبر ربه على بنائه، وقال مطرف: لا يُجبر، ويقال للآخر استر على نفسك فإن لم يقدر أو لم يجد وله عورةٌ أُجبر ربُّه على بنائه. وقال أصبغ عن ابن القاسم: لا يُجبر كان لها أو لأحدهما، وقال ابن حبيب يقول مطرف وقال أصبغ في قسمة الجدار: لا يُقسمُ بينهما إلا عن تراضٍ منهما [مجرداً كان أو حامداً ومن كتاب البنيان لابن عبد الحكم قال ابن القاسم: لا يُجبر أحدٌ] منهما على بنائه ومن طلب قسمةً وكان مما يُقسم جُبر الآخر على القسم معه وإن كان لا ينقسم قيل له/ إما أن تبنيه معه وإلا فبع معه، قال مالك: وإن بناه أحدهما ومنع صاحبه أن ينتفع معه حتى يُعطيه النفقة فإنه يقال لمن لم يبن إما أن تأمره بهدمه ثم يبنيه معه وإلا فأعطه نصف قيمة البنيان منقوضاً ويبقى بينكما وليس لك أن تنتفع به حتى تفعل أحد هذين الأمرين. من العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك في خليج لرجل يجري تحت جدار للرجل فجرى السيلُ تحته حتى انهدم فطلب ربُّه رب [الخليج ببنائه قال: يُجبرُ] (¬2) رب الخليج الذي أفسد حائطه على بنائه. ¬
في البئر أو البيت بين الرجلين يندم، وفي العرصة بينهما يدعو أحدهما إلى البناء
في البئر أو البيت بين الرجلين ينهدم وفي العرصة بينهما يدعو أحدهما إلى البناء في ذلك كله أو كان جناناً فيدعو صاحبه إلى تحظيره من العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في البيت أو البئر بين الرجلين ينهدم قال مالك: أما البيت وشبهه مما ينقسم فليقسما ثم بين من شاء في حظه، وأما البئر وشبهه مما لا ينقسم فيقال لمن أبى العمل إما أن تعمل مع شريكك أو تقاويه أو تبيع ممن يعمل وإلا بعنا عليك حقك بمقدار ما يعمل به باقي حقك ولا يُمنع شريكك من النفع بحظه بهذا الضرر. وقال مالك في كتاب ابن عبد الحكم في العرصة بينهما يطلب أحدهما البناء فلا يلزم ذلك صاحبه إن أبى ويُقال له: أما إن تبنيه معه وإلا فقاسمه، وقد ذكرنا في الباب الذي هذا عقبيه (¬2) ذكر الجدار بينهما يأتي أحدهما من العمل إذا انهدم وتقدم في باب قبله ذكر البئر والعين يخرب أو ينقص ماؤها ومن الذي يلزمه العمل في هذا والذي يُقال له اعمل ولك فضل الماء حتى تأخذ/ نصف النفقة من شريكك. من المجموعة روى أشهب عن مالك في جنان بين رجلين لا جدار عليه فأراد أحدهما أن يغترس فدعا شريكه إلى أن يُحظر الجنان معه قال: ليس ذلك عليه. ومن العتبية (¬3) من رواية يحيى بن يحيى وهو في المجموعة إلا أنه قال عن بعض أصحابنا في كرم بين أشراك تساقطت حيطانه فخيف عليه الفساد فدعا بعضهم بعضاً إلى إصلاح ما تساقط من جُدُره وأبى الآخرون فإن كان لكل واحد نصيبٌ مُفرزٌ معروف بالغلق يجمعهم لم يُجبر أحدٌ على العمل ولمن شاء أن يُحظر كرمه ¬
في الجدار سترة بين الرجلين يدعيه كل واحد منهما
فعل وإن كان الجنان مشاعاً بينهم فلم يجتمعوا على العمل فإنه يُجبر على القسم من أباه إن دعا إليه بعضُهم ثم شأن كل واحد بحصته ولو كان في الحائط ثمرةٌ يُمنعُ من القسم وفي ترك إصلاح ذهاب الثمرة وفساد الكرم فإن كانت الثمرةُ قد طابت قيل لمن أبى البناء حظر معهم أو بع حظك من الثمرة ممن يخصنا وإن كانت الثمرة لم تطب قيل لمن طلب التحظير إن شئتُم حظروا وكونوا أملك بحصة الآبي من الثمرة حتى تستوفوا ما أنفقتم فإن كان ما أنفقوا أكثر من ثمن الحائط لم يكن لهم عليه [غيرُ] (¬1) ما يسوى الثمر. في الجدار سُترة بين الرجلين يدعيه كل واحد منهما من كتاب القضاء في البنيان قال عبد الملك بن الحكم وفي أوله سؤاله لابن القاسم قال: وإذا اختلف الرجلان في جدار بين داريهما كل يدعيه؟ فإن كان عقد بنيانه إليهما فهو بينهما يريد بعد أيمانهما وإن كان معقوداً إلى أحدهما ومنقطعاً من الآخر فهو لمن إليه العقد وإن كان منقطعاً منهما جميعاً فهو بينهما فإن كان لأحدهما/ فيه كوىً والآخر لا شيء له فيه وليس بمنعقد إلى واحد منهما فهو لمن إليه مرافقه وإن كان فيه الكُوى لكلاهما (¬2) فهو بينهما وإن كان لأحدهما عليه خشب ولا عقد فيه لواحد منهما فهو لمن له عليه الحمل فإن كان لهما عليه الحمل جميعاً فهو بينهما فإن كان لهذا عشرُ خشباتٍ وللآخر سبعٌ (¬3) قال: فهو على حاله ثم ليس لأحدهما أن يزيد خشباً على خشبه إلا برضاء صاحبه وإن انهدم فليبنياه جميعاً ويرداه (¬4) على حاله فإن أبى أحدهما البناء قيل له بع ممن يبني ¬
يعني بع دارك كلها وليس يعني الجدار خاصة وكل ما تقدم فمثله لسحنون في كتاب ابنه إلا أن يكون لأحدهما عليه حملٌ خشب ولا عقد فيه لأحدهما فقد اختلف فيه قوله وسنذكره بعد هذا. ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: وإذا كان حائط بين داري رجلين ووجه البناء لأحدهما وإلى الآخر ظهر البناء وليس لأحد منهما من العقد شيء فهو بينهما نصفان وإذا كان الباب في حائط فادعى رجلان كل واحد منهما يقول الباب لي والحائط وغلقُ الباب إلى أحدهما فإنما يُنظر في مثل هذا إلى الحيازة، فمن حاز الباب بالغلق فهو له والحائط ومن كان له ممر قد حازه فله الممر وإن كان له غلقان كل واحدٍ يلي غلقاً فهو بينهما نصفان. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: إذا كان عقده إلى أحدهما وللآخر عليه حذوعٌ قضى به لمن إليه عقدُه، وقضى لصاحب الجذوع بموضع جذوعه فإن انكسرت فله أن يجعل مكانها أخرى، قال ابن سحنون في كتاب الإقرار وقال أهل العراق: الحائط لمن له عليه الجذوع إلا أن/ يكون اتصاله بالبناء اتصالاً يتربع بيته كله فيكون لصاحب البيت وللآخر حملُ جذوعه. قال أشهب في المجموعة: فإن كان عليه لهذا عشر خشبات ولهذا خمسٌ قضى بالجدار لمن غليه العقد وللآخر بموضع جذوعه وإن لم يكن معقوداً إلى أحدهما قضى به بينهما نصفين لا على عدد الخشب، ومن انكسر له منها شيء رد مثله ولا يكون لكل واحد منهما ما تحت خشبه، وقال نحوه سحنون في كتاب الإقرار لابنه وقال فيه: بعض أصحابنا (¬1) يقولون إذا كان الحائط لأحدهما عليه خشبةٌ واحدة وللآخر عليه عشر خشبات ولم يكن معقوداً إلى أحدهما أنه يكون بينهما نصفين، وكذلك إن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه تسع ولكن لكل واحد ما تحت خشبه منه وقال من خالفنا: هو لصاحب العشر ¬
خشباتٍ إلا موضع الخشبة الواحدة التي للآخر، وقالوا: إن كان لأحدهما عليه خمس خشبات وللآخر أربع فهو بينهما نصفين. وقال سحنون في كتاب ابنه نحو ما قال أشهب هاهنا مما تقدم وزاد فقال: ولو كان عقده إلى أحدهما ثلاثة مواضع وعقده من ناحية الآخر من موضع واحد فإنه يُقسم بينهما على عدد العقود وإن لم يكن معقوداً إلى أحدهما وكلاهما يدعيه ولأحدهما عليه خُشبٌ معقودة بعقد البناء فذلك يوجب له ملكه، وقد قال قبل هذا إن ذلك لا يوجب له ملك الحائط فقيل له: لم ذلك وقد قُلت في حائط فيه لأحدهما كوىً يعقد البناء وليس معقوداً إلى أحدهما إنه لصاحب الكوى؟ فقال: نعم هو كذلك وعقد الخشب ملك يوجب المِلك وأما الكوى المتقوبة ففيها نظرٌ. قال أبو محمد يريد سحنون بالكوى/ كوى غير منفردة لرفع الأشياء فيها مبنية من أصل بناء الحائط غير متقوبة وأما كوى الضوء المنفردة فلا دليل فيها. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا كان لكل واحد منهما إليه عقدٌ فهو بينهما فإن لم يكن فيه عقد ولأحدهما عليه حملُ خشبٍ ولو خشبة واحدة، قال: فهو له، فإن لم يكن عقد ولا حملُ خشب وفيه كوىً من جهة أحدهما يريد غير نافذة فهو لرب الكوى فإن لم يكن فيه شيءٌ من ذلك فهو بينهما وإن كان عقدة لأحدهما وللآخر عليه حمل خشب فهو لصاحب العقد [وعليه بناؤه إن انهدم ويرد الآخر خشبه فيه وإن لم يكن في أسفله عقدٌ لأحدهما وفي أعلاه عقدٌ لأحدهما فهو لصاحب العقد] (¬1) وإن لم يكن لكل واحد منهما عقد وعليه حصير قصب لأحدهما فهو لمن له القصب والقصب والطوب سواءٌ، وكذلك بيتٌ من خشب. إذا كان القصب يُربط بعضه إلى بعض. قال سحنون في كتاب ابنه في حائط بين بيتين أو حانوتين لرجل وعليه خشبهما لكل رجلٍ حانوتٌ أو بيتٌ فادعاه كل واحد لنفسه وعليه فوق خشبهما حائط لغرفةٍ لأحدهما والحائط الأسفل لمن إليه عقده مع يمينه وإن لم يعقد إلى أحد ¬
حلفا وكان بينهما وحائط الغرفة هو كالعقد فأحلف صاحبه ويكون الحائط له ويبقى للآخر عليه خشبُه قال: وإذا كان حائط فوق حائط وعقد الأسفل إلى أحدهما وعقد الأعلى إلى الآخر قضيتُ بالأسفل لمن إليه عقده وبالأعلى لمن إليه عقده وكذلك في جواب سحنون لحبيب وقال في جوابه أيضاً: / إذا كان عقده إلى أحدهما وللآخر عليه حمل خشب سقوف معقودة بالبناء فالحائط لمن له العقد وللآخر حمل السقوف فإن أراد صاحب العقد أن يبني على حائطه غرفةً أو غيرها فلينظر فإن أضر ذلك بحمل الآخر فليس له ذلك وإن كان لا يضره فله أن يبني ما لا يضره عند أهل المعرفة. وسأله حبيب عن حائط عليه سُترة يتنازع فيه رجلان وهو بين داريهما وكل واحدٍ يدعيه ويدعي السترة فيبعث أميناً من البنائين لينظره فذكر أن عقد الحائط الأسفل من الجانبين إلى واحد وعقد السترة من ناحيةٍ إلى صاحب الأسفل ومن ناحية إلى صاحبه ثم أقام عندي صاحبُ الأسفل ببينةٍ أنه أعار لجاره هذا حائطه يبني هليه هذه السترة قال: يقضي بقول البينة قال وإنما يُنظر في العقود في عدم البينة ولو كان عقد السترة من الجانبين إلى دار صاحب الحائط الأسفل هكذا وقع في الأم وأراه إلى دار الآخر الذي لا عقد له في الأسفل لأنه أبطل حُكمُ العقود بوجود البينة قال في جوابه فيكون كما شهدت البينة ولا ينفع العقد ولصاحب الحائط الأسفل أن يأمر صاحب السترة بنزعها يريد لأنها عارية. قال سحنون في جوابه لشجرة في الحائط بين رجلين أراد أحدهما نقضه ليجدده وأبى ذلك صاحبُه فقال: إن ثبت أن الحائط لأحدهما وخِيف سقوطه فله إصلاحه وتبقى الأشياء كما كانت، وإن لم يثبت لأحدهما فإن الحائط إذا كان بين رجلين وخيف سقوطه فطلب أحدهما إصلاحه وابى الآخر فبعض أصحابنا يرى لا يُجبرُ وبعضُهم يجبره أن يُصلح أو يبيع/ ممن يُصلح، وفي مسألتك أن على الحائط حائطاً فهذا إن خيف عليه والأسفل بينهما يُجبر على إصلاحه وإن كان لصاحب الأعلى جُبر على إصلاحه.
في الجدار بين الرجلين، هل لأحدهما أن ينتفع به بغير إذن الآخر؟ وكيف إن كان لأحدهما؟
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في الجدار بين داري الرجلين يتداعيانه (¬1) فإن كان فيه ربط لأحدهما فهو له ولا يُلتفتُ إلى الخشب إن كانت عليه لأحدهما فإن لم يكن فيه ربط لأحدهما فهو بينهما نصفين بعد أيمانهما فإن حلفا أو نكلا فهو بينهما فإن نكل أحدهما فهو لمن حلف، ولو قال هذا هو لي كله وقال الآخر هو بيني وبينك فقال مطرف: يكون لمدعي الكل ثلثاه ولمدعي النصف ثلثه إلا ان يعرف أحدهما أن للآخر فيه شيئاً فيكون له ثم يكون ما بقي بينهما على ما قلنا في جميعه. وقال ابن الماجشون سواء حدَّ له منه ناحية أو لم يَحُدَّ فإن القائل لي نصفه لا دعوى له في النصف الآخر فهو لمدعي الجميع ويُقسم النصف الباقي بينهما فيكون بينهما أرباعاً لهذا ربعه ولهذا ثلاثة أرباعه وذلك كالدعوى في شيء غيره كان ذلك في أيديهما متشبثين به أو لم يكن في أيديهما فقول مطرف فيه على قول مالك وقول ابن الماجشون على قول ابن عبد العزيز وبه قال ابن القاسم وقولنا على قول مطرف، وهذا قول مالك والليث وابن كنانة وأشهب وابن وهب. في الجدار بين الرجلين هل لأحدهما أن ينتفع به بغير إذن الآخر وكيف إن كان لأحدهما هل يحمل عليه ما يضر بالآخر؟ قال ابن حبيب: سألتُ مطرفاً وابن الماجشون عن الحائط يملكه الرجلان فيريد أحدهما أن يحمل عليه ما يمنع/ صاحبه من حمل مثله عليه إن احتاج إليه بعده إلا ان يأذن له في ذلك وإن كان ما يمنع صاحبه أن يحمل مثله إذا شاء مثل حمل سقف أو خشب يغزرها لحاجته فإن ذلك له وإن لم يأذن له صاحبه، ولو كان لأحدهما فأراد ربه أن يحمل عليه سقفاً يسيل ميازيبه على صاحبه فليس ذلك له إلا أن يأذن صاحبُه وإن لم يضرّ به. قلت: فلو كانت دار صاحبه ¬
واسعةً لا يضرها سقوط الميازيب؟ قالا: ولو كانت أوسع من السكة ولو أراد ربه أن يهدمه ليقدمه إلى داخل داره لينصب ما سقفه في موضع الجدار الأول ثم يسيله خارجاً، قال: ليس ذلك له لأن ذلك يضر بجاره ويعذر داره وإن كان لهما فأراد أحدهما أن يبني عليه قبل صاحبه بنياناً لا يمنع صاحبه من حمل سيله إن احتاج إلى ذلك وكان الجدار يضعف عن حمل ما يريده فأراد أن يهدمه ويبنيه يحمل عليه ما يريد قالا: ذلك له وليس للآخر منعُه ويكون الجدار بينهما كما كان، وقاله أصبغ كله. ومن كتاب البنيان عن عبد الله بن عبد الحكم وأوله سؤاله ابن القاسم: وإذا كان الجدار بينهما وهو سُفلي فطلب أحدهما من صاحبه إذا بنى معه أن يرفه بناءه حتى يكون سُترةً لغرفة الآخر بينهما فليس ذلك عليه إن أبى وليس لأحدهما أن يحدث على الجدار شيئاً بغير إذن شريكه فيه ولا يكلف ها هنا أن يبني معه أو يبيع كما يكلف في الجدار بينهما يُهدم. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب سحنوناً عن الحائط بين الرجلين وهما مُقران بذلك ولكل واحد منهما عليه خشب، وخشب أحدهما أسفل من الآخر فأراد رفعها وأخذ خشب صاحبه/ فمنعه قال: ليس له أن يمنعه فإن أنكر الذي خشبه أعلى أن يكون لصاحب الخشب الأسفل من فوق خشبه شيءٌ قال: القول قوله، يريد مع يمينه، قال: لأنه حائز ما فوق خشب الأسفل، يريد ولا عقد في ذلك الزائد للأسفل.
في السفلي يكون لرجل والعلو لآخر، ما الذي يكون على رب السفلى من مرافق العلو؟
في السفلي يكون لرجل والعلو لآخر ما الذي يكون على رب السفلي من مرافق العلو وكيف إن اعتل السفلي وعلى من التعليق وكيف إن انهدم؟ من كتاب البنيان لابن عبد الحكم قال ابن القاسم وهو في العتبية (¬1) عن ابن القاسم عن مالك في السفلي لرجل والعلو للآخر فأعتل السفلي فإن إصلاحه على صاحب السفلي وعليه تعليق العلو حتى يصلح سفليه لأن عليه أن يجعله إما على بنيان وإما على تعليق وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب الأوسط في إصلاح الأوسط، قال مالك: وعلى رب السفلى الخشب والجريد وذلك ما يُقوم عليه في القسم. ومن العتبية (¬2) قال سحنون: إذا خيف على حيطان السفلي الضعفُ فليهدم السفلي ربه ويبنيه وعليه تعليق العلو. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كانت لرجل منازل بعضها فوق بعض فانهدمت فليبن الأسفل منزلهُ ثم يبني كل رجل منهم منزله، يريد إلا أعلاهم فإن شاء بنى وإن شاء ترك. قال مالك في كتاب البنيان المذكور فإذا انهدم السفلي وفوقه علوٌ وفوق العلو علوٌ فعلى رب السفلي بناؤه وعلى الأوسط بناء غرفة حتى يبني عليها الثالث علوه. قال سحنون في كتاب ابنه وهو لأشهب: وإذا انهدم السفلي/ والعلو جُبر صاحبُ السفلي على بنائه وليس على صاحب العلو أن يبني السفلي من البناء قيل له بع ممن يبني وقد تقدم في باب آخر في الحائط بينهما يُهدم فيأبى أحدهما من العمل فإن كان مضاراً أُجبر على البناء مع صاحبه. ¬
ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك في سقف السفلى ينكسر فعلى صاحب السفلي إصلاحه وعليه الخشب والجريد وكذلك في انهدامه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه وهو لأشهب: وإذا أراد رب السفلي أن يهدم السفلي وأراد صاحب العلو ان يبني عُلوه فليس لصاحب السفلي أن يهدم السفلي إلا من ضرورة ويكون هدمه إياه أرفق بصاحب العلو لئلا ينهدم ويكون ذلك ليناً فيفسد عليه طوبه وينهدم بانهدامه العلو وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئاً لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي يتبين أنه لا يضر بصاحب السفلي فإن كان ما يبني مضراً مُنع، وكذلك لو انكسرت حشبةً من سقف العلو لأدخل مكانها خشبة ما لم يكن أثقل منها ثقلاً يخاف ضرره على صاحب السفلي فيمنع وإلا لم يمنع. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ قال أشهب وباب الدار على صاحب السفل. ومن كتاب ابن عبد الحكم عن ابن القاسم قلتُ: فعلى من السلم فإن صاحب السفل قال: ليس علي أن أجعل لصاحب العلو طريقاً؟ قال: هو بينهما على صاحب السفل إذا كان له علوان يبلغ به علوه ثم على صاحب العلو الأعلى ما أدرك العلو الأول إلى علوه، وأعرف في غير هذا الكتاب لبعض أصحابنا أن على صاحب السفل بناء السلم إلى حد العلو فإن كان ثم علواً آخر فعلى صاحب العلو الأول من بناء السلم من حد علوه/ إلى أن يبلغ به سقف علوه الذي عليه علوه الآخر. ¬
في كنس المرحاض بين دارين أو بين علو وأسفل، وقمامة السفل على من تكون؟
في كنس المرحاض بين دارين أو بين علو وأسفل وقمامة السفل على من تكون وعلى من بناء المرحاض؟ من كتاب ابن عبد الحكم قال ابن القاسم: وبناء المرحاض على صاحب السفلي إلى السقف وعليه كنسه. ومن العتبية (¬1) قال أشهب: قال أشهب: وبناء المرحاض على صاحب السفلي لأنه بئره ولصاحب العلو أن يُلقي فيه سُقاطته وأن يرفق به فهو كسقف السفلي، وقال ابن وهب وأصبغ: كنسه بينهما على قدر الجماجم من كثرة العيال وقلتهم والمستعمل، وقال لنا أبو بكر بن محمد: أما إن كانت فيه البئر لصاحب السفلي فالكنس عليه، وإما أن كان لرب العلو رقبةُ البئر ملكاً (¬2) فالكنس عليهما على قدر الجماجم، قال عبد الله: خرج عن قول ابن القاسم وعن قول ابن وهب، أما على قول ابن القاسم: فإن كان رب العُلو في رقبته البئرُ ملكاً فعليه من الكنس بقدر ملكه فيه، وابن وهب لا يسأل عن الرقبة ويجعل الكنس على من انتفع، وأخذ بعض متأخري أصحابنا ممن ولي الحكم بقول ابن وهب إذا كان البئر محفوراً في الفناء، وإن كان البئر محفوراً في رقبة الدار فالكنس على من له رقبةُ الملك. قال أصبغ في العتبية (¬3) قال أشهب: وكنس تراب القاعة السفلي على صاحب السفلي، قال أصبغ مما لم يطرحه رب العلو وليس لرب العلو أن يطرح فيها شيئاً ولا في ناحية منها حتى يجتمع. وقاله أشهب وقال: إلا أن يكون له شرط في القسم أن له الانتفاع بقاعة السفلي، قال عبد الله: ويجري القول في المرحاض بين دارين نحو/ القول في العلو والسفلي فيمن له رقبة البئر وليست له وعلى الاختلاف في ذلك. ¬
فيمن له رف خارج على جاره هل يسقفه؟ وإذا بنى جاره هل يبني فوقه؟
فيمن له رف خارجٌ على جاره هل يسقفه؟ وإذا بنى جاره هل يبني فوقه؟ وفيمن خرج بنيانه في هواء جاره وهل له أن يطر (¬1) حائطه من دار جاره؟ ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب لسحنون وعن رف بحطور خارجة لرجل إلى دار جاره ولا قصب عليه فأراد أن يضع عليه القصب فمنعه جاره قال: فليس له منعُه وإنما وُضعت الحطورُ لهذا وعمن له رف خارج لدار جاره فبنى جاره جدار الرف فأراد أن يُعلي بناءه على الرف قال: ليس له أن يبني فوقه لأن صاحب الرف قد ملك سماءه. ومن العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن بنى بناءً مستعلياً فعوجه في العلو لو عوجه إلى بناء غيره ثم بنى الذي له الهواء في أرض نفسه فعارضه العوج الذي خرج به إليه جارُه قال: يهدم كل ما خرج في هواء غيره كان ذلك مما تعظُم فيه النفقة أو تقل. قال ابن سحنون وقال سحنون في جواب حبيب فيمن أراد أن يطر حائطه من دار جاره فمنعه قال: ليس له أن يمنعه أن يدخل داره فيطر حائطه وكذلك لو قلعت الريح ثوباً عن كتفي رجل فألقته في دار رجل لم يكن له أن يمنعه أن يدخل فيأخذه أو فيخرجه إليه. في الجب في أرض رجل وبابُه في أرض آخر فتداعياه والعلو بابه إلى غير من له سُفليه من العتبية (¬3) مما رُوي عن ابن القاسم وذكره في المجموعة قال وقال غيره فيمن وجد جُباً في أرضه وباب الجُب في أرض غيره/ قال: الجُب لمن الباب في ¬
في قناة ظاهرة الأمر بالبناء إلى بئر في رانقه فأراد من أصلها في داره أن يجرى فيها
أرضه لأن منفعته له وهو حظه وكذلك العلو لرجل والسفلي لآخر وباب ذلك العلو إلى ناحية أخرى فليس بالعلو يستحق السفلي فالجُب لصاحب الباب ومثله عليه لصاحب الأرض، وقال في غير هذا الكتاب من سماع عيسى وهو في كتاب العتق أن لكل واحد في الجُب أن يأخذه من أرضه وينتفع به ويسد ما بينه وبين صاحبه ولا يستحقه بالباب. ومن المجموعة قال سحنون: إن كان جُباً واحداً لا يستغني بعضُه عن بعض فهو لصاحب الباب وإن كان له عيابات تستغني عن الذي فيه الباب فذلك لصاحب أعلى الأرض دون صاحب الباب. في قناة ظاهرة الأمر بالبناء إلى بئرٍ في رانقة فأراد من أصلها في داره أن يُجري فيها ثُقْلَ مرحاضه فمنعه أهل الزقاق قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عن رانقة (¬1) غير نافذة فيها أبوابٌ لقوم ودبر دار رجل إليها ولا باب له فيها ويلصق داره في الرانقة كنيف محفور مطوي قديم ويخرج إليه من داره قناةٌ مبنية إلا أنها لم يجر فيها شيء منذ دهرٍ فأراد الآن أن يُخرج فيها العَذِرةَ إلى هذه البئر فمنعه أهل الرانقة قال: ليس لهم منعُه إلا أن يدعو في رقبة البئر فيكشف عن جعواهم وإلا فالبئر لصاحب الدار بهذه الرسوم الظاهرة. قال: ولو أن هذا مُشتر من غيره لكان له من ذلك ما كان لبائعه. ¬
فيمن أذن لجاره في بناء حائطه على أن يحمل فيه
فيمن أذن لجاره في بناء حائطه على أن يحمل فيه من كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب في رجل أعطى لجاره أرض حائط/ له وتراباً على أن يبني للآخر ذلك بطوب من عنده ومن عنده النفقة فإذا تم الجدار حمل كل واحد منهما عليه ما شاء، قال سحنون: لا يجوز ذلك لأن الحمل ليس لأجلٍ معلوم ولا سمى كل واحد ما يحمل فعلى صاحب القاعة والتراب أن يعطي لصاحب الطوب والعمل قيمة طوبه وعمله ويكون له الحائط. في الجدار أو الغرفة يخاف سقوط ذلك من المجموعة سئل ابن كنانة عن جدار مائل يخاف عليه السقوط قال: يبعث الإمام إليه عدولاً ينظرونه فإن رأوه مخوفاً أمر افمام صاحبه بإصلاحه فإن ضعف عن إصلاحه وكان عديماً خبره على بيعه ممن يصلح، قال عبد الله: يريد بائع الدار وهو مُفسر في غير هذا الموضع. قال ابن سحنون وسأل شجرة سحنوناً فيمن شكا إلى الحاكم أن لجاره غرفةً مائلةً أو حائطاً فقال: إن كان ذلك مخوفاً ببناء فائق الضرر عن الناس غاب صاحب الحائط أو حضر. في دار خربة بين أظهر قوم كثر فيها الزبل أضر بمن جاورها على من كنسُه؟ قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عن خربة لرجل بين دور يلقى فيها الزبل لا يُدرى من يلقيه فقام جار الخربة على ربها فيما أضر به الزبل لحائطه فقال ربها ليس ذلك من جنايتي وأنا أشتكي ذلك وثبت عن الحاكم أن ذلك مضر بحائط الجدار فتفكر فيها طويلاً وذكر نظائر لها فقال: قد يقع جدار الرجل فيسد على الرجل مدخله ومخرجه فذكر سقوط الحائط السترة والاختلاف فيه ثم قال: أرى أن على/ صاحب الخربة نزع الزبل الذي أضر بجاره.
في الدار يخاف سقوط جدار منها وقد أوصى بسكناها لرجل حياته
وقال سحنون في موضع آخر من كتاب ابنه الزبل يجتمع في خربةٍ لقوم أو في فلاة فيضر بالناس أن على جيران الموضع كنسه يؤخذ به الأقرب فالأقرب على الاجتهاد قال عبد الله: يريد لأن الغالب من الأمر أنهم يلقونه فيها. في الدار يُخاف سقوط جدار منها وقد أوصى بسكناها لرجل حياته على من إصلاحه؟ قال ابن سحنون سأل حبيب سحنوناً عن دار أوصى فيها رجل لرجل بسكناه حياته ثم مرجعُها إلى ورثته فاعتلَّ فيها حائط وقال أهل النظر إنه يخاف من سقوطه وقام في ذلك جاره الذي يخاف من سقوطه عليه قال: يُؤمر هذا الموصى له بإصلاح الحائط فإذا تم أجل السُّكنى لم يأخذ الورثة الدار حتى يدفعوا إليه قيمة الحائط قائماً إلا في قول ابن القاسم فإنه يقول في مثل هذا: يُؤدي قيمته منقوضاً يأخذ ذلك ورثة الموصى له وإن كان السكنى إلى مدة فانقضت أخذ ذلك الموصى له. في السفلى لرجل والعُلو لآخر فيرفع الطريق على السفلي ويضيق مدخله أو تعذر خروج الماء وهو ماء يجري من دارٍ إلى دارٍ وعن تراب نقله المطر فردم به قال ابن عبدوس فيمن له سفلي ولآخر علو فاحتاج صاحب السفلي أن يردم لأن سفليه عليه الطريق وضاق عليه مدخله ومخرجه أن صاحب العلو مخير أن يرفع صاحب العلو في هوائه وبنيانه ممن يدفعه إليه، وقال أيضاً في قناة لرجل تجري على آخر فاحتاج الذي/ تجري عليه القناة إلى ردم داره لأن الطريق بنت عليه ورفعُه ما يضر بالأول قال فإن له أن يرفع ويردم داره ويقال لصاحبه ارفع إن
شئت وإلا فلا شيء لك، قال أبو بكر بن اللباد: القياس ألا يرفع الثاني ولا يردم إلا تطوعاً من الأول لأن رفعه يضر بالأول. قال عبد الله: إنما يصح قول أبي بكر إن كان للماء منعه في الإقامة بإصلاح يسير وأما إن تفاحش الأمر فقول ابن عبدوس صحيح. قال يحيى بن عُمر في تراب لقومٍ في موضعٍ فنقله المطرُّ من موضع إلى زقاقٍ لقوم فسدّ عليهم مخرج مائهم قال: يقال لصاحب التراب خذ ترابك وانقله إن أحببت فإن أبى قيل للذي سد عليهم زقاقهم اطرحوه إن شئتم قيل ولا يُجبر صاحب التراب على نقلانه إن قال لا، وقد تقدم في باب المزبلة لسحنون ما يُشبه هذا وسحنون يرى في المزبلة على رب الدار نزعُه وكذلك ينبغي في التراب والله أعلم. تم كتاب البنيان والمرفق وبتمامه تم الجزء الرابع عشر بحمد الله وعونه ويتلوه في الخامس عشر إن شاء الله تعالى الجزء الأول من كتاب الشفعة والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم
كتاب الشفعة
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر (¬1) الجزء الأول من كتاب الشفعة ذكر ما فيه الشفعة من الأموال وما لا شفعة فيه من كتاب ابن المواز، قال مالك: إنما الشفعة في الأرض وما يتصل بالأرض، من ثمر، أو نبات. قال عنه أشهب في المجموعة إذا لم يرثاها، وذلك أنه يُقسم بالحدود، كما تُقسم الأرض، ولما يلحق الشريك من ضرر دخول المبتاع. قال مالك: كل شريك في ثمرة من ساق أو غيره فله فيها الشفعة. وقاله ابن القاسم. ومن العتبية (¬2) قال ابن القاسم: فإن احتج الشفيع (رجع على أخذ ذلك منه بشفعته) (¬3). قال عيسى: ويرجع المشتري على ما باعه. قال ابن القاسم، عن مالك: وفي ثمرة العنب الشفعة. قال ابن القاسم: والمقاتي عندي كالأصول فيها الشفعة، لأنها ثمرٌ، ولا أرى في البقول شفعة. ¬
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: الشفعة في الثمرة، وماعلمت من قاله قبلي. وقال ابن الماجشون: لا شفعة في الثمار، قال محمد: وقول مالك الصواب ما لم تيبس إن كان الأصل بينهما. وقال أشهب: للشريك الشفعة في الثمر، كان الأصل لهما أو لم يكن لهما غير الثمر، وكذلك لو كان الأصل لواحد، فباع الثمرة أو نصفها لرجلين، فالشفعة بينهما دون رب الأصل. وفي المدونة عن مالك مثل قول أشهب هذا، كانت الثمرة بينهما بحبس أو غيره. وقال أشهب في موضع آخر، من كتاب ابن المواز:/ [إذا اقتسما] (¬1) الأصل دون الثمرة ثم باع حظه من الثمرة بعد الطياب فلا شفعة فيها بعد قسمة الأصل والثمرة ها هنا كالبئر. قال ابن القاسم: في الثمرة الشفعة، قال أشهب: ولو لم يقتسما شيئاً فباع نصيبه من الأصل دون الثمرة أو العين ثم باع نصيبه من الثمرة أو العين فلا شفعة للشفيع في ذلك كان قد أخذ الأصل بالشفعة أو ترك، وقال ابن القاسم: له الشفعة في الثمرة ولا شفعة له في العين والبئر ولا لمشتري حصته في الأرض إن لم تُؤخذ منه الأرضُ بالشفعة، ومن المجموعة قال أشهب عن مالك فيمن جعل لرجلين ثمر نخلتين على أن يأبر له حائطه فباع الآخر ثمرتهما فلا شفعة فيهما، قال ابن نافع: وهي أجرة فاسدة، وله أجر مثله في إباره. قال ابن القاسم عن مالك من باع نصيبه من نخلة أو شجرة فلا شفعة لشريكه فيها، قال في رواية ابن المواز وإن بيعت بثمرتها، وقال ابن حبيب عن مطرف: لا شفعة في شجرة، وقال ابن الماجشون: فيها الشفعة لأنها من الأصول، وقال به أشهب وأصبغ وابن حبيب، ومن كتاب ابن المواز وقال أشهب: لا شفعة في كل ما لا يصلح فيه القسم، [وقال ربيعة: لا شفعة فيما ¬
لا قسمة فيه بين أهله، قال مالك: ولا شفعة في طريق ولا في عرصة دار وإن صلح في ذلك القسم، ولا في حيوان ولا رقيق، قال عنه ابن وهب في المجموعة وما لا يصلح فيه القسم] (¬1) فلا شفعة فيه، قال ابن القاسم وأشهب: ولا في سارية ولا حجر. قال ابن المواز قال مالك: وإذا قُسم الحائط وبقي الفحل والفحلان لا يقدر أن يقسم فليس بذلك شفعة ولا فيه، قال مالك: ولو كان حائطاً فيه أصناف من الثمار فقُسم أكثره وبقي أيسره، ففي ما بقي الشفعة قائمة لأنه أصل ما فيه الشفعة وليس مما هو صلاح لما قُسم، قال ابن المواز: ولم يختلف مالكٌ وأصحابه أن الشفعة في الحمام، قال ابن الماجشون في غير كتاب ابن المواز أما مالك من الشفعة في الحمام من قبل أن لا ينقسم إلا بتحويله عن أن يكون حماماً. قال وأنا أرى فيه الشفعة، وقاله هو وأشهب في لاالمجموعة. قال في كتاب ابن المواز وقال ابن القاسم: لا شفعة في رحى الماء ولا رحى الدواب، قال في كتاب محمد والعتبية: وإن بيعت مع البيت فالشفعة في البيت دون الرحى، قال في العتبية يُقوم البيت وتقوم الرحى بآلتها فيأخذ البيت بحصته من الثمن. وقال أشهب وعبد الملك في كتاب محمد والمجموعة: إن نصبوها في أرضهم ففيها الشفعة وإن نصبوها في غير أرضهم فلا شفعة فيها باع أحدُهم حصته من الرحى أو حصته منها ومن البيت، قال أشهب في غير هذه الكتب: وإنما الرحى الذي لا شفعة فيه الرحى الذي تُجعل وسط الماء على غير أرض وأما ما رُدم في الملك وجُعل عليه رحى فإن كان متصلاً بالأرض فله حكمُها وإن لم يتصل بها فلا شفعة فيه. وقال أشهب في كتاب محمد والمجموعة: إذا باع نصيبه في الرحى/ بموضعها من العرصة أو مع نصيبه من جميع بيت الرحى فالشفعة لشريكه في ¬
ذلك كله، إلا أنه إذا باع الرحى بموضعها من العرصة خاصة فشريكه مخيرٌ إما أن يجيز بيع حصته أو يأخذ بالشفعة نصيب شريكه، فإن أبى إلا فسخ البيع فليقلسمه فإن وقع للبائع موضع الرحى بعد بيعه وإن وقع لشريكه فسخ بيعه. قال أشهب في كتاب محمد: فإن باع حظه من الرحى خاصة دون موضعها من الأرض أو نصيبه من خشب في الدار فلشريكه الشفعة في ذلك إن أجاز بيع نصيبشريكه وإلا فله فسخه إلا أن يقاسمه الشريك وإن أخذ ذلك بالشفعة كانت الرحى أو خشب البيت له خاصة فإن اقتسما الدار اقتسماها بغير خشب ولا رحىً فإن صار في حظه أبقاه، وإن صار لشريكه نزع ذلك عنه. قال محمد: فإن لم يأخذ ذلك الشفيع وسلم فسخ الشراء فيه لأنه اشترى ما يدخل في القسم مع غيره فلا يدري ما يقع له، ومن العتبية (¬1) قال سحنون: ولاشفعة في الأندر وهو كالأفنية لا شفعة فيها، وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب أنه إذا كانت بقعة الأندر بينهما ففيها الشفعة لا شك فيه كغيره من البقاع وكعرصة الدار المهدومة. وقال أشهب مثله كان قليلاً أو كثيراً أندراً أو غير أندر إذا ملكاه، ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬2) والمجموعة قال ابن القاسم قال مالك: لا شفعة في الزرع لأنه لا يحل بيعه حتى ييبس، ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب/ قال مالك فيمن باع ديناً على رجل فباعه فلا يكون من هو في ذمته أحق به بالشفعة وبيعثه نافذ إلا ان يجري على ضرر ببيعه من عدوه ونحوه، قال في كتاب ابن المواز: ولم يقل أحدٌ أن في الدين شفعةً ولكن الذي هو عليه أحق به للضرر كما المكاتب أحق بما بيع من كتابته. ¬
قال مالك (¬1) وإنه لحسن أن يكون أحق به ولا يقضى بذلك، قال أشهب: هو بكامله من رق الدين الذي عليه. وروى ابن وهب اانبي عليه السلام أنه أحق به (¬2)، قال مالك: والمثكاتب أحق بما بيع من كتابته مما يعتقُ به وأما إن باع الشريك نصيبه (¬3) من الكتابة لم يكن شريكه أولى بها ولا المكاتب لأنه لا يعتق به، وقاله أشهب لحجة الشريك إذا أخذ ذلك المكاتب ثم يعجز فيرجع إلي لا مال له، وأما لو أذن الشريك الذي لم يبع للمكاتب في ذلك كان ذلك للمكاتب لما له فيه من المرتفق (¬4) فإن عجز رق كله لمن بقي له فيه الكتابة. ومن العتبية (¬5) من سماع ابن القاسم وعمن باع نصف أرضه بأرض أخرى وبزيادة دنانير فقيه الشفعة وعليه قيمة الأرض التي أخذها، قال ابن القاسم وقال بعض إخواننا: إنه كان من قول مالك أو غيره (¬6) من المدنيين أنه إذا علم أنه أراد المناقلة والسكنى. ولم يرد به البيع فلا شفعة فيه، وقاله ربيعة وذكرناه لمالك فلم يره وقال فيه الشفعة. وقال العتبي قال مطرف وابن الماجشون: وإنما الذي قال مالك لا شفعة فيه من المناقلة أن يكون دارين أو حائطين (¬7) بين أشراك فيناقل أحدُهم بعض أشراكه من حصته من هذه الدار بحصة الآخر من الدار الأخرى أو الحائط فيجمع حظ ¬
كل واحد منهما في شيء واحد؛ فهذا الذي قال [مالك] (¬1) لا شفعة فيه لأنه إنما أراد به توسعة حظه وجمعه، وأما إن ناقل بنصيبه من دار بدار أخرى لا نصيب له فيها ففيه الشفعة. عامل بذلك بعض شركائه أو أجنببياً. وحكى مثله كله ابن حبيب عن مطرف عن مالك وقال: وقد كان ابن القاسم يروي عن مالك أن في ذلك كله الشفعة، [والأول أحبُّ إلي] (¬2). ومن المجموعة قال مالك في رجل أُعطي من خيف (¬3) في واد خمسين ومائة قفيز، بين كل قفيزين عشرة أذرع ثم باع أهله ذلك الخيف فلا شفعة لهذا الرجل فقال له إنهم لم يحدوه لي قال قد سموا لك أذرعاً مسماة. قال أشهب لأنهم إنما جعلوها لك بين كل قفيزين عشرة أذرع. قيل [لمالك] أيأخذ من أسفل الوادي أو أعلاه؟ قال لا أدري اذهب إلى القاضي وذكره في العتبية في كتاب الوصايا. ومن العتبية من سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز: ومن تصدق بنصيبه من حائط على قوم وعقبهم ما عاشوا ثم باع الشريك نصيبه فأراد أهل الصدقة وفي كتاب آخر فأراد أهل الثمرة أخذه بالشفعة فلا شفعة لهم فيه. قال عنه محمد: لأنهم لا أصل لهم وإنما الشفعة لمن له الأصل، قال ابن القاسم في العتبية (¬4): وبلغني عنه أنه قال: إذا أراد الذي تصدق أن يأخذه/ بالشفعة لم يكن له ذلك إلا أن يلحقه بالحبس فيكون ذلك له، قال ابن حبيب عن مطرف: إن كان حبس له مرجع إلى المحبس فالشفعة للمحبس لأنه مال من ماله وإن كان لا يرجع له إليه فلا شفعة إلا ان يريد المحبس أو المحبس عليه أن يلحق ذلك بالحبس فذلك له، وقاله أصبغ. ¬
فيما فيه الشفعة بمقارنته لأصل الأرض من عبيد أو عين أو بئر أو نحوه يباع مجتمعا
قال في كتاب ابن المواز: إذا جعل نصيبه من دار في سبيل الله أو على المساكين ثم باع شريكه حصته فإن كان المتصدق ينفذ ذلك لا فيما جعل فيه مصابته فله الشفعة وإن كان يمسكه فلا شفعة له، ولو كان إنما أعمر سهمه على رجل وعقبه ثم مرجعها إليه فله الشفعة، وسنذكر الشفعة في الكتاب بعد هذا إن شاء الله. فيما فيه الشفعة بمقارنته لأصل الأرض من عبيد (¬1) أو عين أو بئر ونحوه يُباع مجتمعاً أو منفرداً أو بعضه بعد بعض من المجموعة وكتاب محمد قال ابن القاسم قال مالك: إذا قسمت البيوت وبقيت العرصة فلأحدهم بيع نصيبه من البيوت والعرصة ولا شفعة لشريكه من العرصة بها ولا فيها. قال أشهب: وليس لأحدهم بيعُ حصته من العرصة خاصة إلا ببيع نصيبه من البيوت، وإن كانت العرصة واسعة إلا أن يجتمع ملؤهم على بيعها فيجوز فإن أبى احدهم فهو مردود لأنها أبقيت مرفقاً بينهم. قال يحيى بن يحيى في العتبية (¬2) عن ابن القاسم عن مالك إن للشفعة في الماء الذي يقسمه الورثة بينهم بالأقلاد/ وإن لم يكونوا شركاء في الأرضين التي تُسقى بتلك العيون والحوائط. قال مالك في العتبية (¬3) والمجموعة: وأهل كل بلد يتشافعون بينهم دون أشراكهم. قال أشهب في المجموعة إنما ذلك إذا لم يقتسموا الأرض وأما إن قسموا الأرض وبقي الماء على شركتهم فلا شفعة فيه بينهم والبيع ماضٍ. ¬
قال أشهب في كتاب ابن المواز: ومن باع نصيبه من الماء قبل قسم الحائط أو سقي يوم أكثر قال: لولا ضرر ذلك حتى يجوز بيعه لكانت فيه الشفعة ولكن ليس فيه حجة في رد بيعه لحاجة الأرض إلى سقي ما باع ولا تُقسم الأرضُ بينهما لذلك في يومين ولا ثلاثة، قال أشهب في الكتابين: وإن كانت لها بئران أو عينان فاقتسما البئرين أو العينين خاصة ثم كان يسقي هذا يوماً وهذا يوماً فباع أحدهما بئره أو عينه أو باع حصته في الأرض شائعةً بمائه المُفرز فلا شفعة لشريكه في البئر وله الشفعة في الأرض فقط بحصتها بقيمة البئر بلا أرض والأرض بلا بئر. قال في كتاب محمد: وإن باع البئر فقط فلا شفعة فيها ولكن ينظر فإن كان بيعها يُضر بالأرض إلى أن يقتسماها فلشريكه منعُه من بيع ما بها حتى يُقسم، ولو باع نصيبه من البئرين قبل أن يقتسما شيئاً ففيه الشفعة وإن شاء شريكه منع المشتري من قبض ذلك إن كان قبضه ضرراً حتى يقاسم شريكه الأصل وإذا قسما الأرض وأبقيا لها بئرين أو عينين ثم أرادا قسمتها فلا أحب ذلك إلا بالمقاواة، وأكرهه بالسهم/ إلا أن يُخلط بذلك وبمعرفة قدرهما ويوجد من يحكم ذلك، ولو باع أحدهما حصته من البئرين بعد قسم الحائط فلا شفعة في ذلك. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن كانت الأرض والماءُ بينهما فباع أحدهما نصيبه من الأرض فترك الماء أو من الماء فترك الأرض ثم باع شريكه مصابته مما باع الأول فليس للأول في ذلك شفعةً لمكان ما بقي له من الشركة في المال أو في الأرض. قال في كتاب ابن المواز كان مبتاع ذلك مبتاع الأصل أو غيره، قال محمد: وإن لم يكن الشفيع سلم ولا أخذ حتى اشترى ذلك مشتري الشقص فللشفيع الآن الشفعة من الأصل والعبيد والآلة وليس له أن يأخذ بعض ذلك دون بعض إذا لحقه ببيعه قبل الأخذ بالشفعة.
قال ابن الماجشون في المجموعة: وإن مات منهم الرأس والرأسان وأخلفه البائع بعد صفقة المال وقبل بيع العبيد والآلة ثم باعهم فله الشفعة في الجميع إن كان ذلك قريباً وكان زاد قليلاً في كثير وإن لم يكن كان فيه رقيق وكان يسقى بالأجزاء فاستحدثهم بعد الصفقة ثم باعهم ممن باع المال منه فلا شفعة فيهم مع المال وما بيع من عرصة دار أو بئر في أرض أو ثمرة أو عبد من عبيد الحائط أو شيءٍ من آلته وحديده أو الأبواب والخشب والحجارة مع أصل ذلك كله ففي الجميع الشفعة، قال أشهب عن مالك في المجموعة: وكذلك الزقوق وغيره من آلة الحائط. قال ابن القاسم عن مالك: وليس/ له بيع رقيق الحائط وحديده وآلته ويأخذ الأصل بحصته، قال في كتاب محمد: وكذلك لو بيع شيءٌ من ذلك على حدته ما دام الأصل يقسم، ومن العتبية (¬1) روى أبو زيد عن ابن القاسم في الشريك يبيع حصته من عبيد النخل وحدهم قال: في ذلك الشفعة وهم كبعض الحائط، قال أصبغ: وهم مثل الآلة والسوداني. ومن كتاب محمد والمجموعة قال أشهب: فإن باع أحدهما مصابته من الأرض أو النخل أو الشجر فيأخذ ذلك الشفيع بالشفعة أو أسلمه ثم باع بعد ذلك مصابته من البئر أو الثمر والعين فلا شفعة فيها للشريك كان أخذ بالشفعة أو ترك ولا للمشتري إن كان لم يأخذه منه بالشفعة لأنه ليس له بياضٌ ولا شجر وكذلك في الحائط برقيقه وآلته أن يبيع جميعه أو بيع الرقيق وحدهم فللشريك فيما بيع من ذلك الشفعة ما دام الحائط غير مقسومٍ وأما إن اقتسم الحائط أو باع أحدهما نصيبه معه بغير رقيقه وآلته فيأخذه الشفيع إذا سلمه ثم باع بعد نصيبه من الرقيق والآلة فلا شفعة لأحد في ذلك. ¬
فيما يشتري على القلع من الشجر أو على الهدم من البناء، وكيف إن ابتاع الأرض قبل ذلك؟
فيما يُشترى على القلع من الشجر أو على الهدم من البناء وكيف إن ابتاع الأرض قبل ذلك أو بعد والشفعة في ذلك في كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم: من ابتاع نخلاً على القلع ثم اشترى الأرض بعد ذلك فأقرها ثم استحق رجل نصف ذلك كله فاستشفع فله الشفعة في جميعه بنصف/ ثمنه ولا يقدر المشتري أن يقلع النخل لشريكه المستحق فيها وإن أبى أن يستشفع فللمبتاع (¬1) رد باقي صفقته إن شاء أو يتماسك. قال ابن عبدوس قال سحنون إنما يقال أولاً للمستحق أنت مخير في أن تجيز بيع نصيبك وتأخذ الثمن من شريكك ثم لا حجة للمبتاع لأن صفقته سُلمت له فإن لم يجز بيع نصيبه أخذه ورجع المبتاع على البائع بنصف الثمن ثم ينظر إلى النخل فإن تفاضل جنسها من صيحاني وبرني أو صغير أو كبير وشبهه، فالبيع يُفسخ في نصف البائع لأنه لما بلغ النخل على القلع صار بيعاً مجهولاً لا يعرف ماذا يقع له في القسم لأن الأرض يقسم مع النخل فيقع في النصيب كثيرٌ من النخل مع قليل من الأرض أو قليلٍ من النخل مع كثير من الأرض للكرم والدناءة فأما إن كانت النخل والأرض لا يختلف حتى يقسم قسماً معتدلاً فالبيع جائز في نصيب البائع ثم يبدأ المشتري بالخيار في قول أشهب في رد ما بقي في يديه أو حبسه فإن أمسكه فللشفيع الشفعة بنصف الثمن. وقال ابن القاسم: ويبدأ الشفيع بالتخيير في أن يأخذ أو يسلم. قال سحنون قال ابن القاسم: ومن اشترى نقض دار على القلع ثم اشترى العرصة أو بدأ بشراء العرصة دون النقض ثم اشترى النقض ثم استحق رجل نصف جميع الدار أنه يأخذ نصف القاعة بالشفعة بنصف الثمر ونصف النقض ¬
بقيمته قائماً كان المشتري بناه في القاعة بعد شرائه فأنكر هذا سحنون وطرحه وقال: قد أنكرُ الشفعة في/ النقض ها هنا. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن اشترى نخلاً على القلع أو نقضاً على القلع ثم اشترى الأرض فأخذ ذلك ثم استحق رجل نصف الجميع قال: له الشفعة فيهما بنصف ثمن الجميع، قال أصبغ: وإلى هذا رجع ابن القاسم وقال أشهب: الشفعة في الأرض دون النخل والبناء. وقال أصبغ: قول ابن القاسم أصوب وعليه أصحابنا، قال ابن القاسم وأشهب: ومن ابتاع مصابة شريكٍ في نخل على القلع لم يجز، قال أشهب: لأنه لا يدري ما يصير له منها إذا قسمت لأنها تقسم في الأرض فتارة يقع له عددٌ قليل وتارةً كثير لكرم الأرض ودناءتها. قال ابن القاسم ولأنه اشترى ما قسمه بيد غيره ولا يقدر أن يقول له اقسم النخل دون الأرض ولا تقسم إلا بها، قال محمد: ولو كانت النخل تُشترى في قسمتها لتشابهها في الصفة وتشابه الأرض حتى يقع القسم على عدد واحد لا جزئه. وقال أشهب وزاد: كالغنم والثياب والدواب، قال أشهب: ثم لا شفعة في النخل لأنها بيعت على القلع ولو أخذها بالشفعة كان عليه قلعها أيضاً، ولو اشترى مصابته من الأرض فقط لم يجز إذا كانت غير متشابهة، وكذلك لو اشترى بعد ذلك مصابته من تمر النخل لم يجز حتى يجتمع شراءُ نصف الأرض بنخلها في صفقة. قال أصبغ: إلا أن تكون متشابهة في الأرض والنخل فيجوز كانت الأرض أولاً أو أخيراً ثم تكون الشفعة في الأرض دون النخل فإذا أخذ بالشفعة كلفه الشفيع قلع النخيل/ قال محمد: لا يعجبني وأرى إن كان شراؤه للنخل أولاً فالشفعة في النخل والأرض لأن شراءه جائز لتشابهها وكذلك إن كان مشتري الأرض في الصفقة الثانية غير مشتري النخل فالشفعة للشريك في الأرض والنخل وله أخذ أيهما شاء، فإن أخذ النخل وحدها وسلم الأرض فلابد أن يقاسم شريكه النخل والأرض فما صار
له بنصفه الذي كان يملكه كان له أخذه بنخله وما وقع لشريكه كلف الشفيع قلع نخله منه خاصة وإما له أخذه بنخله وما وقع إن أخذ الأرض وسلم النخل فإنها تُقسم النخل وحدها لأنه صنف واحد فما صار للمشتري كلف قلعه، قال: وإن اشترى الأرض أولاً لم تكن الشفعة إلا في الأرض لأن النخل بيعت ولا حق للبائع في الأرض كما قلنا إذا باع نصيبه من النخل إذا بقي نصيبه في العين والبئر ورقيق الحائط ثم إن باع نصيبه من ذلك لم تكن فيه شفعة، قال: ومن ابتاع نقض دار على القلع أو نخلاً على القلع فلم ينقض ولا قلع حتى استحق رجل نصف الأرض مع البناء أو النخل قال ابن القاسم: يرد البيع فيه ولا شفعة فيه وللمبتاع رد ما بقي في يديه. وقال أشهب [استحقاقه فسخ] (¬1) للبيع في البناء. واما من اشترى مصابة أحد الشريكين من البناء والنخل على القلع فلا يجوز إن كانت غير متشابهة وأما في المستحق فإن أجاز ذلك المستحق جاز ولزم المشتري، محمد: لأن العقدة وقعت أولاً صحيحةً وإن لم يجز رد وانفسخ ما لم يستحق وإذا كانت النخل متشابهة لزم المشتري ما لم يستحق منها والنخل قلعها مأمون ليس فيه من الجهالة فيما يأتي عليه في القلع مثل ما يأتي في هدم البناء. وقال أشهب في المجموعة: وإن باع رجل مصابته من أرض بينه وبين شريك له فيها نخل أو مصابته من دار على أن البائع يقلع عنه ما له فيها من بناء أو نخل ويدفع إليه أرضاً براحاً (¬2) فإن كان بين النخل أو بين بناء الدار أو بين الأرض اختلاف فذلك بيع فاسد لا شفعة فيه لأنه لا يدري ما يصير له من الأرض وإن كان ذلك كله متشابهاً فذلك جائز وفيه شفعة للشفيع ثم على البائع أن يقاسمه ويقلع عنه ما صار له. ¬
وقال ابن القاسم: ومن باع نقض دار على القلع أو نخلاً على القلع ثم استحق رجل الأرض دون النقض والنخل فللمستحق إن شاء أن يدفع إلى المشتري قيمة النقض أو النخل مُلغىً من باب الضرر لا من باب الشفعة فأنكر هذا سحنون وقال: يقول أشهب: إن البائع إن كان غصب الأرض فغرس فيها ثم باع فالمستحق مخير أن يعطي الغاصب قيمة النخل مقلوعة ويُنتقض بيعُ المبتاع فإن لم يفعل جاز بيعه وقلعها مبتاعها وإن لم يكن غاصباً فالمستحقُّ مخير بين أن يدفع إلى الغارس لشبهة فيها ثابتة ويُنتقض بيعُ المبتاع ثم ليس للمشتري أن يقول أنا أحق بهذه القيمة المأخوذة وهو كمن باع سلعةً بمائة ثم باعها من آخر بتسعين فأخذها الأول بشفعة فليس للثاني أن يقول أنا آخذ الثمن/ المأخوذ من الأول، قال: فإن لم يطلب ذلك صاحب الأرض وأباه فإن قيل للغارس أعطه قيمة أرضه بيضاء ويجوز بيع النخل للمشتري فليس له فسخ البيع وله أن يعطيه قيمة النخل منقوضة فإن أبيا كانت الأرض والغرس بينهما عاى قيمة الأرض من قيمة الغرس قائماً وينقص بيع المشتري للنقض فيما صار من هذه الأرض والشجر لرب الأرض ويجوز بيعه فيما صار لبائعه إن كانت الثلث قاسم رب الأرض وأخذ ثلث الشجر ثم قلعها ولا شفعة للشريك في هذا الثلث، قال سحنون: إنما يجوز بيعه إذا كانت الأرض تختلف. وفي كتاب ابن المواز وإذا ابتاع رجل من أحد الشريكين نصيبه من النخل وهي صنف واحد فقاسم المبتاع شريكه ثم اشترى نصف الأرض من بائع النخل منه قال إن الشريكين من الأرض والنخل إذا اقتسما النخل كان قسماً للأرض، لأن النخل يصير بموضعها من الأرض وما بين النخلتين حريم لها فلا يجوز غير هذا ولو شرط قسم النخل بلا أرض لم يجز إلا على القلع فإن لم يجتمعا على القلع لم تجز القسمة إلا مع الأرض. قال أشهب في المجموعة نحوه، قال: إن كان ما بين النخلتين من أرض مصلحة لتمرهما فالأرض مقسومة مع النخل وحدها أو كانت نخلاً كلها أو اقتسمها بعضها. فالشفعة فيما لم يقتسما وقد انقطعت فيما قسما. وقال
سحنون: ما كان بين النخل من الأرض مصلحة لها فهي مقسومة مع النخل التي بينها الفضاء الواسع يزاد في قيمتها وأما إن بعد ما بين/ النخلتين حتى لا يصل نفع ما بعد إليهما فهي كأرض فيها شجر متفرقة فكأنه يرى أن يقسم مع الأرض ولو قسمت النخل المتباعدة دون الأرض وقع لكل نخلة طريقٌ. ومن كتاب محمد قال أشهب: ولو اشترى مصابة أحدهما من نخل على أن يقرها ما بقيت فإن انقلعت فبياضها يبقى للبائع مع ما فيها من البياض الآن لم يجز ولا شفعة فيه. وإن اشترى مصابته من النخل بلا أرض وهي متشابهة ثم اشترى نصيب البائع من الأرض ثم أخذ الشفيع الأرض خاصة ما بالشفعة وسلم النخل ليقلع فقاسمه النخل وحدها ثم أراد أن يصالحه، على بقاء نخله (¬1) في أرضه على شيءٍ فذلك جائزٌ على أن يسلم هذا له نخله وسلم هذا له بياضه على ما اصطلحا عليه على النصف أو الثلث أو أقل أو أكثر بغير تقويم فهو جائز، كما يجوز صلح بائعه نفسه ولو لم يشتر منه مصابته من الأرض فقاسم هو شريكه الأرض والنخل فأخذه بائعه بقلع النخل فصالحه على أن يقرها في الأرض ويكون ذلك بينهما على ما سميا بلا قيمة فهو جائز. وكذلك بعد ان عرفا قيمة ذلك، فأما إن أوجبا الشركة على أن يقوما بذلك في المستقبل فيكون بينهما على ما هي عليه القيمة في النخل مقلوعاً أو ثابتاً لم يجز وهو غررٌ وفي باب الشفعة في النقض مسألة من باع شيئاً على القلع ثم أراد أن يُعطي قيمته للمبتاع. ¬
في الشفعة في النقض القائم في عارية أو حبس
في الشفعة في النقض القائم في عاريةٍ أو حُبُسٍ/ من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذ بنى رجلان في أرض عاريةٍ فباع أحدهما حصته من النقض فرب الأرض مبدأ فإن شاء أخذ ذلك بالأقل من حصته نقضاً أو الثمن فإن أبى فلشريكه أخذها بالثمن. وقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه إذ لا ملك له في العرصة وهو بيع لا يجوز. باعاً جميعاً أو أحدهما لأن رب الأرض له أن يبقيه ويؤدي قيمته نقضاً أو يأمر بقلعه فلم يدر المبتاعُ ما اشترى نقضاً أو ذهباً، ورواه عن مالك فيمن بنى في عرصة رجل بإذنه ثم باع بناءه أن ذلك لا يجوز، وكذلك إن بنيا في عرصة محبسه عليهما لم يجز بيعهما ولا بيع أحدهما ولا شفعة فيه ولا على رب العرصة أخذه بذلك الثمن وإن رضيا زاد على القيمة أو نقص لأنه بيع فاسد ولا يصلح فيه تولية ولا شركة ولكن لرب العرصة في البانين فيها عارية أن يُعطيهما قيمته منقوضاً وإن شاء فعل ذلك بأحدهما وإن شاء أمرهما بقلعه وليس له أن ينقض على أحدهما حتى يقتسما. قال محمد: كله صواب. ورواه أشهب عن مالك. وقال ابن عبدوس، قال سحنون في مسألة مالك في أهل الحبس يبنون فيه ثم مات أحدهم فأراد بعض ورثته بيع نصيبه من ذلك البناء، فأستحسن أن يكون لإخوته فيه الشفعةُ قال سحنون: وهو يقول ما بنى في الحُبُس فليس لصاحبه أخذه ولا بيعه، ويكون محبساً. قيل له: لعله أراد حبس عُمرى: قال: فيبيع البعض إذ لا يجوز (¬1)، ثم ذكر مثل قول أشهب وقال: إنه لا يجوز بيعه إلا أن يباع في الضرورة/ في الدين وشبهه فيجوز، وقال: هو كالشريك يبيع حصته من العبد بعد عتق شريكه فذلك غير جائز. ومن كتاب محمد قال أشهب: ومن باع نخل حائطه كله على القلع ثم قال للمبتاع خذ مني قيمتها مقلوعةً فليس له ذلك، وكذلك الشريك يبيع نصفها على ¬
في الشفعة في الزرع وحده أو مع الأرض، وشراء التمر أو الزرع بعد الأرض أو قبله
القلع وهي متشابهة فليس له ذلك ولا للشفيع بخلاف من تنقض مدته بكراء أو عارية أو كان غاصباً لأن الأول مشترط للقلع في شرائه بعينه فله شرطه (محمد) ولعله يرد في القيمة أكثر من الثمن، ولو كان الثمن عِوضاً فكان البائع مخيراً بين تسليم ذلك أو يعطيه قيمةً مجهولةً تستأنف لكان أمراً غير جائز. في الشفعة في الزرع وحده أو مع الأرض وفي شراء الثمر أو الزرع بعد شراء الأرض أو قبله وذكر الجائحة في ذلك من كتاب ابن المواز قال: وإذا قسما ثمر الحائط بينهما بعد طيبة ثم باع أحدهما نصيبه من الأصل مع ما صار له من الثمر بالشفعة في الأصل دون الثمر، ويقضي الثمن ولو قسما الأصل بلا ثمر ثم باع حظه من الثمرة بعد الطياب أو قبله بالأصل فلا شفعة في أصل ولا ثمر، والثمر ها هنا كالبئر بعد قسم الأصل لا شفعة فيها، هذا قول أشهب، وخالفه ابن القاسم ورأى فيه الشفعة قال: ولا شفعة في الزرع الأخضر إلا أن يُباع مع الأرض فإن بيع بعد يبسه مع الأرض فالشفعة في الأرض دونه ويقضي الثمن على قيمته وقيمة الأرض كان الشفيع/ شريكاً في الزرع أو لم يكن، وكذلك بيع الأصول مع الثمرة بعد يبسها، قال في موضع آخر: ولو اشترى الأرض أولاً دون زرعها ثم اشترى الزرع أخضر فذلك جائز وفيه مع الأرض الشفعة وكأنهما معاً، ثم قال: وإن اشترى أرضاً بزرعها الأخضر فاستحق نصف الأرض والزرع وهو بعد أخضر فله الشفعة في الأرض دون الزرع، ويقضي نصف الثمن عليه وعلى نصف الأرض ثم قال بعد ذلك: ومن اشترى أرضاً بزرعها الأخضر فاستحق رجل نصف الأرض ونصف الزرع فله الشفعة في الأرض والزرع بل ليس له أن يأخذها إلا بزرعها فإن كره المشتري التماسك ببقية الصفقة لكثرة ما استحق فابن القاسم يبدأ بتخيير الشفيع فإن لم يستشفع فالخيار للمشتري في الرد أو التماسك.
وقال أشهب: المشتري يبدأ بالتخيير فإن تماسك ففيه الشفعة، وحجة ابن القاسم أنه ليس بيع خيار بل بيع نقل وجبت فيه الشفعة، وهو كعيبٍ يرضى به الشفيع فهو المبدأ، قال ابن عبدوس: أنكر سحنون قول أشهب في الزرع وقال بقول ابن القاسم أنه لا شُفعة في الزرع قال سحنون بخلاف الرقيق والبئر والآلة تباع مع الحائط، ولأن هذا صلاح للحائط والبناء صلاح للدار والزرع لا يُقوم به الأرض والثمرة إذا بيعت مع الرقاب وقد أبر ثمرها أو أزهى فالشفعة في الجميع، إذ لو بيعت الثمرة وحدها كان فيها الشفعة وليس الشفعة فيها مع النخل لأنها/ منفعةً للنخل وهي أيضاً لها غذاء في النخل ويقع بها فكأنها منها فإذا يبست زال ذلك منها وزالت الشفعة. قال في كتاب ابن المواز: فإذا اشترى الأرض بزرعها ولم يظهر من الأرض فهو كما لم يُؤبر من الثمر فأخذه الشفيع بالشفعة بالثمرة والنفقة فإن لم تُقسم حتى برز من الأرض حتى صار كمأبور الثمر فقال ابن القاسم هو كمبتاع نخل لم يُؤبر ثمرها ثم قال الشفيع وقد أبرت أو أزهت فيأخذها بثمرها بالثمن وبالنفقة، وقال أشهب: يأخذها دون الثمرة لأن الشفعة بيع ومأبور الثمر للبائع وليأخذ النخل أو الأرض وحدها بجميع الثمن بعد أن يوضع عنه من الثمن قيمة الطلع وقدر قيمة البذر على غرر ذلك بعد قبض الثمن على قيمة الأرض بلا بذر والبذر بلا أرض يوم الصفقة وكذلك النخل. قال أشهب: ولو كان الشراء بعد بروزه من الأرض كانت فيه الشفعة معها وهو كالماء وآلة الحائط وعبيده أنه كانت في الصفقة ففيه الشفعة وإن بيعت الأصول وحدها فلا شفعة في هذا بعد ذلك، وكذلك الثمر، ولو بيع ذلك مع الحائط أو قبل الحائط كانت فيه الشفعة، ولم يختلفا إذا اشترى بعد بروز الزرع وإبار الثمر أن الشفعة في ذلك مع الأصل وإنما اختلفا إذا كان الشراء قبل ظهور الزرع وإبار الثمر ثم قام بعد الظهور والإبار، وهو مذكور بعد هذا مستوعباً قال: ولو اشترى أرضاً بزرعها الأخضر فاستحق رجل نصف الأرض/ دون الزرع وقد اشتراها معاً والزرع بعد الأرض فإنه يفسخ عن المبتاع نصف ثمن الزرع
والأرض ويكون البائع شريكاً له في الزرع وحده والمستحق شريكاً له في الأرض وحدها، ثم إن أخذ نصف الأرض بالشفعة انفسخ بقية الزرع ورجع الزرع كله إلى البائع فيرجع المشتري عليه بجميع الثمن إلا ما قابل ما أخذ الشفيع من الأرض خاصة وعلى البائع الكراء في النصف المستحق من الأرض فقط، قال سحنون: تنفسخ جميع الصفقة لأنها صفقة جمعت حلالاً وحراماً لبقاء نصف الزرع الأخضر بلا أرض. ومن المجموعة قال أشهب: لا شفعة في جريد النخل وسقفها لأنه لا يصلح بيعه قبل أوان قطعه، قال ابن المواز: إذا اشترى أصولاً فيها ثمر يعني أبرت بغير ثمرتها جاز شراؤه الثمرة قبل طيبها وكأنهما في صفقة والصفقة فيهما جميعاً وليس له أخذ أحدهما دون الآخر، وإن اشترى نصف الأصل ثم اشترى نصف الثمرة بعد طيبها فها هنا له أن يأخذ أحدهما بالشفعة كليهما (¬1)، فأما إن اشتراهما بعد الطياب في صفقة فلا يأخذهما إلا جميعاً قياساً على قول ابن القاسم في الجائحة أنه إذا اشتراها بعد الطياب في صفقة فلا جائحة فيها، وإن اشترى الأصل قبل ثم اشترى الثمرة ففيها الجائحة عنده، وأما إن اشترى الثمرة قبل طيابها بعد شراء الأصل أو معه فلا جائحة فيها، قال محمد في موضع آخر عن أشهب: إذا اشترى الأصل وقد أبرت الثمرة أو طابت ولم يشترك/ ففي الأصل الشفعة ولا شفعة في الثمرة بعد ذلك ولو لم يسلم الشفيع في الأصل ولا أخذ حتى باع البائع نصيبه من الثمرة من أجنبي بعد ان أزهت لم يكن فيها شفعة وله الشفعة في الأصل عند أشهب، ولو باع الثمر قبل وهوهاً أو بعد من مُشتري نصف الحائط فلشريكه الشفعة في الأصل والحائط وكأنهما في صفقة. قال أشهب: ولو باع حائطهما وفيه ثمرة ثم باع أحدهما نصيبه منها بعد ذلك فلا شفعة لشريكه لأنه لا شركة بينهما في الأصل ولو لم يبيعا الأصل وباعا الثمرة من رجلين فباع أحدهما نصيبه من رجل من الثمرة ففيها الشفعة عند ابن ¬
فيمن ابتاع دارا فهدمها أو انهدمت ثم استحق رجل نصفها وقد باع النقض
القاسم وأشهب لأنهما مقام صاحب الأصل، قال محمد: ومن اشترى ثمرة قبل زهزها ثم اشترى الرقاب بعد طيب الثمرة فالشفعة في الأصل خاصة ولا شفعة في الثمرة ويُفسخ بيعُها ولا يُرد لأنها إنما فاتته بالطياب في نخل البائع ولو جذها المبتاع يابسة أو رطبة لردها ورد المثل فيما فات منها وما لا يُعرف كيله رد قيمته يوم جذه فلو كان شراؤه الأصول قبل طيب الثمرة كان طيبها في الشجر فوتاً لأنها طابت في نخل المبتاع ويرد قيمتها يوم عقد البيع في الأصول، ويومئذ تجب فيها الشفعة بالقيمة وفي الأصول بالثمر وليس للشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ولا الثمرة دون الأصل لأن الثمرة إنما وجبت بملك الأصل فهو كصفقة واحدة/ ولم يكن في المسألة الأولى شفعة لأنها في يد البائع طابت. فيمن ابتاع داراً فهدمها أو انهدمت ثم استحق رجل نصفها وقد باع النقض وفات أو لم يفت وما يحدث في رقيق الحائط ثم يقول الشفيع في ذلك كله من كتاب محمد والمجموعة قال ابن القاسم قال مالك فيمن اشترى شِقصاً عن دار فهدمها أو انهدمت بأمر من الله أو غرق أو حرق فأتى الشفيع فليأخُذها مهدومة بجميع الثمن ويأخذ النقض مهدوماً أو يدع ولا شيء له على المشتري. قال أشهب في المجموعة: وكذلك لو سكن الشقص أو أسكنه حتى أبلى المساكن وانهدمت السكنى فلا شيء عليه للشفيع وليؤد جميع الثمن. قال في كتاب محمد: وإن تلف البعض بغير سببه لم يضمنه الهادم ولا ما نقص الهدم، وإن تلف بسببه ضمن له قيمته، قال ابن عبدوس وذكر هذه المسألة كلها عن مالكٍ وقال قال عبد الملك وإنما هذه المسألة أنه وقع البيع وغاب الشفيع وقسم السلطان للمبتاع بحقه بعد ضرب الآجال ثم لا يبطل ذلك شفعته حين وقع البيعُ وهو شيءٌ يُكره.
قال أشهب وابن القاسم في المجموعة: لو كان أرض فغار ماء بئرها أو عينها، وقال سحنون: لا يشبه البئر والعين البنيان (لأن في البئر والعين الشفعة لو (¬1) بيعت وحدها) فكأنهما شيئان مختلفان لأن في واحد الشفعة منفرداً والنخل والنقض لو بيع على القلع لم تكن فيه شفعةٌ بعد أن يهدمه وإنما فيه الشفعة مع الأرض لدخوله/ في حكم الأرض. ومن كتاب محمد قال: فإن وهب المشتري نقض الدار التي اشترى ثم استحق رجل نصفها لم يرجع به المستحق إلا على الموهوب ويصير الموهوب كالمشتري يأخذ منه النقض إن وجده بيده أو بيد مبتاعه منه أو يأخذ الثمر في حصته، وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة وقالا: وكذلك إن وهبه لمن هدمه، قال في كتاب محمد: وإن أخذ باقيها بالشفعة أخذه مع النقض بجميع الثمن لا يُحط للهدم شيءٌ وما هلك بتلفٍ أو بهبة المبتاع فلا يُحط عن الشفيع لذلك من الثمن شيءٌ. قال ابن القاسم في العتبية (¬2) من رواية عيسى فيمن اشترى شِقصاً من حائطٍ وفيه رقيق ودوب فليأخذه مع رقيقه ودوابه بالشفعة إذا لم يكن للحائط منهم بُد، ولو تصدق المبتاع بالرقيق ووهبهم فهو كالبيع يأخذ الحائط بحصته من الثمن فأما في الموت فإن شاء أن يأخذ الشقص بجميع الثمن أو يدع. قال أشهب في المجموعة: ولو اشترى أشقاصاً من دورٍ من رجل فانهدم بعضها فليس للشفيع إلا أخذ المهدوم وغير المهدوم بجميع الثمن أو يترك كان قد انهدم أو هدمه المشتري. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وإن هدمها تعدياً فليتبعه مستحق نصفها بنصف قيمة الهدم، وإن أخذ بالشفعة أخذ بنصف جميع الثمن لا يُحط عنه للهدم شيء، وروى عن ابن القاسم أيضاً أنه يسقط عنه من نصف الثمن ما ¬
لزم الهادم كما لو باعه فيأخذ العرصة بحصتها من الثمن ينظر ما قيمتُها/ بلا بناء وما قيمة البناء مهدوماً فيُقسم الثمن على ذلك ويأخذ العرصة بحصة ذلك بشفعته ثم يتبع الهادم هو والمستحق بما لزمه لهما، وكذلك لو ترك له المبتاع ما لزمه من الهدم يُحسب للشفيع كان المتعدي ملياً أو معدماً، وذكر ابن المواز هذا القول في كتاب الغصب ثم قال محمد: وإنما ذلك إذا كان المتعدي موسراً فقدر المشتري على أخذ ما وجب له عليه وأما من لا يقدر على أخذ ذلك منه فهو بمنزلة ما هلك بأمر من السماء فلا يأخذ بالشفعة إلا بالثمن كله، فأما إن كان ملياً فللشفيع أن يحسب على المشتري قدر قيمة ذلك نقصاً يوم الشراء من قيمة العرصة ويتبع المشتري الهادم بقيمة ذلك قائماً يوم هدمه بالغاً ذلك ما بلغ (¬1)، وقد جعله ابن المسيب مثل بيعه للنقض لأنه قد وجب له على المتعدي شيء يرجع به، فهو بخلاف ما هلك بأمر من السماء، قال محمد: وذلك فيمن يقدر على أخذ ذلك منه فيتبعه المستحق والمشتري بما ذكرنا. قال ابن القاسم: ولو كان قد ترك المشتري له قيمة الهدم فرجع عليه المستحق في حصته بما يجب له فيها ويسقط عنه حق المشتري في ذلك. قال محمد: ويحسب ذلك الشفيع على المشتري لأنه كالبيع، قال محمد: وهذا إن فات عين البعض فأما إن لم يفت فهو للشفيع بشفعته ولو وجد الهادم عديماً لم يكن غاصباً له على المشتري حجة فيما وهب له من النقض. قال أشهب في المجموعة: إذا لم يكن بائعها غاصباً ووهبها/ [وهدمها] (¬2) رجل بيد المبتاع ظلماً فليس للمستحق على البائع إلا الثمن الذي باع به ثم لا شيء له على الهادم ولا عليك في الشفعة ولك أيها المشتري اتباع الهادم بما نقص هدمه من دارك، وإن لم يرض المستحق بالثمن فله أن يأخذ من المبتاع نصف ما ابتاع مهدوماً ولا شيء له عليه في الهدم ويأخذ بقية الدار بالشفعة إن شاء ويتبع ¬
هو الهادم بما بين قيمة الدار مهدومة وقيمتها مبنية يريد بجميع الثمن في هذا القول، وإن لم يستشفع فليتبع الهادم بنصف ما بين قيمتها مهدومة وقيمتها صحيحة ويتبعه المبتاع بمثل ذلك، وفي كتاب ابن المواز عن أشهب نحوه وقال: هو أحب إلي من قول ابن القاسم وأنكر سحنون قول ابن القاسم إذ جعله كالبيع وقال بقول أشهب هذا. قال ابن المواز: وذلك إن كان الهادم معدماً. ومن كتاب ابن المواز: وإن هدم المبتاع نقض دار ابتاع جميعها ثم باعه أو باعه لمن هدمه ثم استحق نصفها فللمستحق أخذ نصف الدار ونصف النقض باستحقاقه، فإن استشفع أخذ أيضاً نصفها ونصف النقض وينقض بيعه فيه ويرد به الثمن إلى مبتاعه وليس للشفيع أخذ ثمنه مع نصف العرصة بشفعته كان الثمن عيناً أو عرضاً. قال ابن عبدوس عن ابن القاسم بإثر هذه المسألة إذا كان النقض لم يفت فللشفيع أخذ ثمن النقض الذي باع به من المشتري من القاعة ويعطيه الثمن/ وأنكر سحنون هذا الموضع من المسألة في أخذه لثمن النقض. قال هو ومحمد بن المواز عن أشهب: أنه في الذي أخذ بالشفعة يأخذ ثمن ما بيع من النقض ما بلغ ويقاصص المبتاع في الثمن، قال في كتاب ابن المواز مثل أن يُباع النقض بخمسين ومائة وكان شراؤه لجميع الدار بمائة فليأخذ نصف هذا النقض بخمسين ومائة وكان شراؤه لجميع الدار بمائة فليأخذ نصف هذا النقض بخمسين ومائة وكان شراؤه [لجميع الدار بمائة فليأخذ نصف هذا] الثمن مع نصف القاعة باستحقاقه حين لم يجد النقض ثم يأخذ النصف الباقي بخمسين ويكون له الخمس والسبعون ديناراً من ثمن النقض فيتقاصان في خمسين ويأخذ خمسة وعشرين. وأنكر هذا سحنون وابن المواز، قال ابن المواز: وهو وهم ولم يقله أحد من الناس، قالا: وقد أجمعوا أن من ابتاع شِقصاً له فيه شفيع ثم باعه قبل أن يأخذه الشفيع ثم قال الشفيع أنا أجيز البيع وآخذ الثمن وأدفع إلى المبتاع ما اشترى به لم يكن له ذلك.
قال سحنون: وهو خلاف الاستحقاق، لأن المستحق إنما يبيع ملكه والشفيع إنما يبيع ملك غيره فصار يجيز البيع في مِلك المستحق غيره، قال محمد: وصار يربح فيما لم يضمن. وفي كتاب الاستحقاق زيادة في هذا المعنى من كتاب الغصب لابن المواز. قال ابن المواز: ومن ابتاع شِقصاً من حائط بحصته من رقيقه ودوابه وآلته ثم باع المبتاع حصته من الرقيق والدواب والآلة/ ثم قام الشفيع وذلك كله قائمٌ فليس له تسليم بيعه للرقيق والآلة وأخذ النصف من الحائط خاصة بشفعته بحصته ذلك، فإن رضي به المبتاع فليأخذ الجميع إن لم يفت ولأنه لا يعرف حصة الشقص إلا بالقيمة فيصير إيجاب بيعٍ بثمن مجهول وكذلك نقض الشقص ليس له أخذ العرصة بحصتها إلا بعد فوات أعيان هذه الأشياء، ولو هدمه المبتاع ولم يبعه هو ورضي الشفيع بأخذ العرصة بحصتها قبل فوت النقض لم يجز إلا بعد المعرفة بما يقع لذلك من الثمن ثم لا شفعة بعد ذلك في النقض، ولو قال الشفيع لما باع مبتاع الشقص النقض بأقل من ثمنه أنا أسلم بيعه للنقض وآخذه من مبتاعه بالشفعة فليس له ذلك لأنه إذا أسلم بيع النقض صار شريكاً لمبتاع النقض في نقض لا في عرصة فلا شفعة في نقض مفرد. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا باع النقض ففات عند مبتاعه فأما حصة المستحق منه فليس إلا ثمنه الذي بيع به إن تمسك بشقصه وإن استشفع فض الثمن على ما باع وعلى ما بقي يوم وقعت الصفقة ولا يُنظر إلى الثمن الذي باع به فإن كان قيمة الشقص المبيع يوم الصفقة الثلثين فما بقي من الدار بثلث الثمن فيدفع نصف الثلث ويأخذ نصف العرصة بالشفعة ويكون له نصف ثمن النقض باستحقاقه. قال غيره عن مالك: لا يأخذ الشفيع بالشفعة إلا ما أدرك قائماً تُقوم البقعة بغير نقضٍ ويُقوم النقض فتوضع قيمة النقض/ من الثمن.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬1) فيمن باع داراً بعشرة فباع المشتري باب الدار بعشرة ثم جاء الشفيع قال: يُقوم البابُ وتُقوم الدار ويفض الثمن عليهما فيأخذ الدار بالشفعة بما يقع لها ولا شيء له في الباب لأنه قد فات بالبيع يريد وقد فاتت عينُه. ومن كتاب ابن المواز: وما بيع من النقض ففات عند مبتاعه فليس على بائعه المستحق غير الثمن. وإن أخذ نصف العرصة بالثمن بالشفعة بحصتها من الثمن لفوت النقض يُنظر إلى قيمة النقض ملغىً يوم الصفقة وكل قيمة العرصة فما قابل النقض من الثمن سقط عن الشفيع إلا أن يكون ما أخذ فيه من الثمن أقل من ذلك فإنما يسقط عنه ما قابل الأقل مثل المبتاع يقول لو حابيت في ثمنه أو وهبته لم يلزمني إلا ما طرأ لي من ثمنه واتبع أنت المبتاع بالمحاباة هذا في النصف المأخوذ بالشفعة، وأما في النصف المستحق فله ثمن النقض على بائعه قل أو كثر فيرجع المبتاع على بائعه بحصة ما استحق من يده ويتبع المستحق بحصته من النقض قائمة ببيعٍ أو هبةٍ إلا ان يتلف أيضاً في يديه بغير سببه فلا يتبع فيه شيءٍ هذا ولا غيره. قال ابن عبدوس وقال عبد الملك: إذا أخذ الشفيع بالشفعة فله أن يُضمن مشتري الشقص قيمة النقض. قال سحنون: كيف يُضمن قيمة ما لم يتعد فيه وإنما هو مِلكه؟ ألا ترى أن من وقعت له في المغنم أمةٌ فأولدها ثم أتى ربها أنه لا يُضمنُه/ قيمتها قال ابن عبدوس وقال غيره: ومن ابتاع نصيب رجل من ثمرة فلم يأت الشفيعُ حتى ماتت فلا شفعة له فيها ولو باع منها شيئاً يسيراً بخمسة دراهم ونحوها ثم جاء الشفيع فهو أحق بما أدرك منها. ¬
فيمن ابتاع دارا أو أرضا فيعمر فيها وينفق أو يغرس ويزرع ثم يأتي الشفيع
فيمن ابتاع داراً أو أرضاً فيُعمرُ فيها ويُنفقُ أو يغرس ويزرع ثم يأتي الشفيع ومن المجموعة وكتاب محمد قال مالك في مبتاع الأرض يغرسها أو يبنيها (¬1) ثم يأتي الشفيع فلا شفعة له إلا أن يعطيه قيمة ما عَمرَ. قال عنه أشهب: ولا يعطي ما أنفق وهو يخرب ما بنى أو يهدم فإنما له قيمة ما بنى يوم يؤخذ منه بالشفعة. قال أشهب وقال بعض الناس إن للغارس ما أنفق، وليس بصواب، وقد ينفق في غِراسٍ وحفر عيون وآبار ألف دينار فلا ينبت من الشجر ولا يخرج من العيون إلا ما يساوي أقل من ذلك. قال محمد وقال نحوه ابن القاسم وعبد الملك، وهو قول الليث. قال أشهب في المجموعة ومن ابتاع أرضاً فبناها ثم استحق نصفها فأبى أن يدفع نصف قيمة العمارة فيما استحق فأعطاه المبتاع نصف قيمة الأرض فأخذه فلا شفعة له في بقية الدار لأنه لم يأخذ بالشفعة حتى أخذ قيمة شِقصه، ومن أهل العلم من يرى له في ذلك الشفعة وإن خرج من يده الذي وجبت له به الشفعة، ولستُ أراه، وقد اختلف قول مالك فيه قال أشهب: فإن أبى المبتاع أن يدفع إليه نصف قيمة/ الأرض براحاً [كانا شريكين بقيمة البناء قائماً من قيمة الأرض براحاً، فإن كان الأرض براحاً كانا شريكين بقيمة البناء قائماً من قيمة الأرض براحاً] (¬2) فإن كان ذلك نصفاً ونصفاً فذلك النصف بينهما نصفين ولا شفعة له في النصف الآخر إلا بنصفه. قال في كتاب الغصب لابن المواز: ويكون له الشفعة في النصف بما أحدث فيه من البناء فيكون له نصفه أيضاً بربع ثمن الدار وربع قيمة البناء بعد أن يحسب على المشتري ربع قيمة النقض الذي هدم منقوضاً. ¬
قال ابن حبيب عن أصبغ: ولو حفر في الدار بئراً فلم يخرج الماءُ فشرب شرباً فلم يجد الماء لم يكن على الشفيع في ذلك شيءٌ فإنما عليه فيما هو في الدار زيادة. قال ابن عبدوس وابن المواز قال أشهب عن مالك: وإن غرس في الأرض نخلاً فأثمرت فليأخذها بالثمن وبقيمة النخل قائمة بتمرها إن كان فيها تمرٌ أبرت أو لم تُؤبر فأزهت قال في كتاب محمد ما لم تيبس أو تجذ، محمد في نصفه المستحق وفي النصف المستشفع به، وروى مثله ابن القاسم قال: وإن شاء تركها وأخذ نصف قيمة أرضه بفوتها بالغراس أو بأخذ الثمن من البائع. قال في كتاب ابن المواز وذكره ابن عبدوس عن أشهب وعبد الملك فيمن ابتاع نخلاً فقلعها أو داراً فهدمها ثم استحدث فيها بناءً أو غراساً قال عبد الملك: فعلى الشفيع أن يقضيه ما زاد بالغرس والبناء في الشفعة لا ما زاد فيما غرس وبنى على ما كان قطع وهدم/ (¬1) [إذ يصير له ضامناً قال محمد لا يأخذ ما استحق حتى يدفع قيمة بنيانه فإنما يريد يوم قيامه. قال أشهب وعبد الملك فإن كان من هذا النقض الذي هدم مطروحاً من قيمة العرصة من الثمن يوم الصفقة قال محمد وإن بناها بنقضها فلا يأخذ ما استحق منها حتى يدفع قيمة بنائه قائماً كما لو بنى بغير نقضه ثم يكون له نصف قيمة بعضها ملغى ما سلم منه لأن المبتاع لم يكن له ضامناً ولا تعدى في هدمه. فإن أخذ باقيها بالشفعة فذلك له بعد أن يرد قيمة البناء قائماً أو الثمن. قال في كتاب الغصب ويكون له قيمة البناء الأول منقوضاً فإن باعها الهادم مهدومة فللمستحق نصف العرصة ونصف النقض وإن بنى أخذ ما في العرصة والنقض وإن لم يأخذ ما استحق وبنى حظه من الثمن مما بعد فذلك له ولا شفعة له وكذلك إن أخذ قيمة نصف العرصة من المشتري الذي بنى لفوتها بالبناء بعد الهدم ويأخذ نقضها وإن كانت قيمته منقوضاً ثم يرجع المبتاع بنصف الثمن على ¬
بائعه وإن أخذ نصف العرصة وأدى نصف قيمة البناء قائماً وطلب بقيمة نصف النقض منقوضاً كان له الشفعة على ما ذكرنا. قال أشهب فإن أخذ بالشفعة فقبل يؤدي في النصف الثاني الذي استشفع فيه البناء قائماً يوم استشفع وقبل قيمة ما أنفق ويؤدي نصف الثمن ويسقط عنه منه نصف قيمتها كان فيها من البناء منقوضاً يقاص به في الثمن. قال أبو محمد المعنى فيه والله أهلم إذا هدمها المبتاع ثم بناها] / ثم استحق رجل نصفها فإن دفع المستحق إليه نصف قيمة البناء قائماً يوم قيامه كان له نصفها باستحقاقه وله على الهادم نصف قيمة نقضه الذي هدم أو ما سلم منه قيمته يوم أفاته بالبناء فإن أبى المستحق أن يقضيه قيمة نصف البناء قائماً فله الرجوع على الغاصب بالثمن أو بالقيمة يوم الغصب إلا أن يقيم على طلب عين شبه من المشتري فيقال للمشتري اعطه نصف قيمة الأرض فإن أبى (¬1) كانا شريكين في نصفها بقيمة الأرض من قيمة البناء يوم القسم ويغرم المشتري للمستحق نصف قيمة النقض الذي هدم مهدوماً يوم أفاته أو ما سلم منه. فهذا القول في النصف المستحق ثم إن أخذ النصف الآخر بالشفعة قيل له رُد ما في ذلك النصف من قيمة البناء قائماً اليوم وخُذ العرصة بما ينوبها من التي [يوم الصفقة بقيمتها من قيمة النقض من الثمن،] (¬2) وأما إن أبى فيما استحق أن يؤدي قيمة البناء وأبى هذا الذي بنى أن يعطيه نصف قيمة أرضه ونصف قيمة النقض منقوضاً يوم أفاته فإنهما يكونان شريكين في نصف الدار، هذا بقيمة أرضه وهذا بقيمة بنيانه ويغرم الذي بنى للذي استحق نصف قيمة النقض نقضاً يوم أفاته، ثم إن كانت شركتهما في نصف الدار بما ذكرنا نصفين لتساوي قيمة الأرض وقيمة البناء ثم طلب الشفعة في النصف الآخر فله ذلك في نصف ذلك النصف ويصير الدار بينهما فيُنظر إلى قيمة نصف الأرض من قيمة/ ¬
النقض منقوضاً يوم الصفقة لأنه لا يضمن فيه الحوادث بما وقع للأرض من الثمن وداره (¬1) مع قيمة ربع بناء الدار قائماً يوم الحكم. وقال في كتاب محمد يغرم نصفاً من ذلك النصف المستشفع فيه ونصف قيمة بنائه (¬2) المستحدث قائماً بعين يوم الحكم فيرجع على المشتري بنصف قيمة النقض منقوضاً من قيمة العرصة يعني من الثمن يوم الصفقة إن كان النقض قد انتفع به ولم يهلك بأمر من الله [تعالى] (¬3) هكذا يريد محمد والذي ذكرتُ أولاً وهذا، في المعنى سواءٌ، وقال عبد الملك في المجموعة: معنى المسألة فيمن اشترى شِقصاً فهدمه ثم بناه إنما ذلك أن يغيب الشفيع ثم قسم السلطان للمشتري حقه فهدم وبنى في شِقصه بعد القسم فأما لو هدم قبل القسم فإنه ضامن لحصة شريكه ولا يضمن ما سواه قال غيره فإن بنى نصف البقعة وهي مشاع ثم قام شفيع فإن العمارة تقوم مطروحة نقضاً فإن شاء الشفيع أخذ ذلك بقيمته منقوضاً وإلا تركه وأمر الثاني بنقضه. وقال في كتاب ابن المواز: وإذا اشترى أرضاً بزرعها ثم استحق نصفها وقد ظهر الزرع من الأرض فلا شيء له من الزرع فيما استحق واستشفع وله حصة كراء ما استحق في إبان الزراعة وإن لم يخرج من الأرض فهو للآخذ بالشفعة، وقال أشهب في المجموعة قال: وإن أخذه بالنفقة ولم يظهر الزرع فليأخذ بثمن الشقص [وبقيمة الزرع على الرجاء والخوف وكأنه قاربها في السر الآن ولو قال قائل يأخذها] (¬4) / بالثمن وبما أنفق لم أعبه بل هو أقيس وأنا أستحسن الأول، قال محمد: بل يأخذها بالثمن وبقيمة ما أنفق في البذر والعلاج إذا لم يظهر من الأرض. ¬
فيمن اشترى نخلا ثم استحق نصفها أو استشفع وفي النخل تمر يوم الشرى
قال أشهب: ولو ظهر من الأرض لم تكن فيه شفعة. قال ابن عبدوس قال سحنون: هذا مختلف لطلع النخل لأن من زرع أيضاً ثم استحقت قبل ظهوره فالزرع لزارعه، وابن القاسم يرى الأخذ بالشفعة كالاستحقاق لأنه بعض الثمرة وإن أبرت للشفيع كالاستحقاق فإذا أخذ الأرض بالشفعة فلا شيء له في البذر كالمستحق، وأشهب يرى الأخذ بالشفعة كالبيع فيرى البذر للشفيع لأنه لا يستثنى في البيع. فيمن اشترى نخلاً ثم استحق نصفها أو استشفع وفي النخل ثمرٌ يوم الشرى أو يوم القيام أو لا ثمر فيها من المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: ومن اشترى ودياً صغاراً ثم قام شفيع وقد صارت بواسق (¬1) فله الشفعة بالثمن يريد كان غائباً. قال ابن القاسم: وله الثمرة إن لم تيبس وعليه قيمة السقي والعلاج وإن استغلها سنين فإنما على الشفيع السقي في السنة التي قدم فيها إن لم تيبس وجبت له بشفعته، قال عبد الملك في الكتابين وقاله سحنون: ليس عليه غُرمُ شيءٍ إلا الثمن لأن المنفق أنفق على مال نفسه ولا يرجع بشيء مما أنفق ما ليس بقائم في النخل وقد يُنفق أضعاف الثمرة ولو كان ذلك عليه للزمه وإن تغير الغرسُ/ أو عطب. قال أشهب في الكتابين: ولمن اشترى نخلاً لا ثمر فيها فسقى ةعالج حتى أثمرت والنخل لم تُؤبر ثم أتى الشفيع فليأخذ بالثمن وبقيمة الثمرة على الرجاء والخوف ولو قال قائل له قيمة ما أنفق لم ار له بأساً. قال ابن المواز: إنما يأخذها بقيمة ما أنفق. ¬
قال ابن عبدوس قال عبد الملك وسحنون: لا شيء على السقي والعلاج. قال ابن المواز: وإن ابتاعها وفيها طلع لم يُؤبر فجذها المبتاعُ قبل أن تُؤبر فللبائع أن يحسب ذلك على المشتري إذا رجع عليه بثمن ما ستحق من يده، وكذلك إن أخذ منه النصف الآخر بالشفعة، فأما إن أخذها المبتاع بعد أن أبرت عنده وهي بلح أو زهو فهي له عله لا يُحاسب بها في الاستحقاق ولا في الشفعة ولا في الرجوع بالثمن على البائع. محمد ابن المواز: ومن اشترى نخلاً لا ثمر فيها أو فيها ثمر لم يُؤبر ثم استحق رجل نصف النخل واستشفع منه النصف المستحق بثمرته أبرت أو لم تُؤبر أزهت أو لم تزه ويغرمُ له نصف ما أنفق وسقى من يوم الشراء فإن فاتت الثمرة بجذاذ أو يُبس فلا شيء له فيها وهي للمبتاع وكالذي يحدث عنده من الغلة فلا شيء له من سقي وعلاج ويرجع على البائع بنصف الثمن ولو كانت يوم الشراء مأبورة أو مُزهية كان نصف الثمرة للمستحق كيف كانت يبست أو جذها أو باعها أو أكلها ويغرم المكيلة إن عرفها وإلا فالقيمة وفي البيع يغرم نصف الثمن إن فاتت، وإن كانت بيد مبتاعها فهو مُخير في أخذها ... / أو إبقاء بيعها وأخذ الثمن وإن تلفت عند المبتاع فليس له إلا الثمن وإن أكلها رد المكيلة فإن لم يعرف فالقيمة، وإن باعها المبتاع فله أي الثمنين شاء ما باعها به الأول أو الثاني، وإن أكلها الثاني فله أن يُغرمه قيمتها وإن شاء أخذ الثمن من البائع الثاني، فإن أخذ مشتريها قيمتها وأخذ ثمناً رجع الغارم على بائعها منه بثمن هذا الذي استحق ويرجع مبتاعها على المستحق بالنفقة والعلاج في النصف، وإن جاوزت النفقة الثمن والقيمة فإما ودى ذلك وإلا أخذ الثمن من بائع الرقاب، وقاله ابن القاسم. قالا وهو مصدق فيما أنفق ما لم يتبين كذبه وله أخذ النصف الآخر بالشفعة بنصف الثمن كاملاً بعد دفع النفقة ما لم تيبس أو تُجَذ [فإن يبست أو جُذتْ فله أخذ الأصول بالشفعة دون الثمرة في قول ابن القاسم بعد أن نقص الثمن على قيمة الأصول وقيمة الثمرة يوم الصفقة إذا كانت يوم الصفقة مأبورة كما
ذكرنا، قال ابن المواز] (¬1) وسحنون قال أشهب: يأخذ الثمرة في الشفعة فإن يبست أو جُذت أو القيمة في أكلها أو الثمن في بيعها كما قال في النصف المستحق إذا كانت مأبورة ويغرم النفقة التي بها حُسبت الثمرة وإن جاوزت الثمن أو القيمة. قال محمد: وأما ابن القاسم فمرة قال إنما له الثمرة ما لم تيبس أو تُجذ، جُذت/ وهي صغيرة أو كبيرة فلا يأخذها ويحط عن الشفيع حصتها من نصف الثمن، ورواه عن مالك، وقال مرة: يأخذها في الشفعة إن يبست أو جُذت ويأخذ مثلها إن فاتت وعرف مكيلها وإن لم يعرف أو كان جذها وهي صغيرة لم تطب فلا يُؤخذ فيها ثمن ولا قيمة، ويُفض الثمن عليها وعلى الأصول. ورواه أيضاً عن مالك إذا كانت يوم الشراء مأبورة أو مُزهية وقد اشترطها ولم تكن يبست يومئذٍ، وقالا قال عبد الملك: يأخذها ما لم تُجذ، قال عنه ابن المواز: أو تيبس قالا عنه: فلا يأخذها، قال عنه محمد ويقضي الثمن، قالا عنه: ولا نفقة عليه للسقي والعلاج إن أخذها ولم تُجذ. وقال سحنون لا نفقة له. قال ابن عبدوس: ورأيتُ سحنوناً، يذهب إلى أن الثمرة لغو (¬2) وتبعٌ لا حق لها من الثمن كما إذا اشتراها مأبورة فقلت له فهي هبة إذاً فسكت قال ابن عبدوس بل لها حصة من الثمن ولكنها تبع وقد اختلف فيها قول سحنون. قال سحنون وقال ابن القاسم في العيوب إذا رُد النخل بعيب والثمرة مأبورة وقت البيع أنه يرد الثمرة وإن جذها ولأنها لا حصة لها من الثمن، وقال في الشفعة: إن جذها أخذ الأصول بحصتها من الثمن وهو اختلاف من قوله قال وقال ابن الماجشون ما اشتريت ما فيه ثمره وهي تبع بغير اسم فلم يقم الشفيع حتى زايله ثمره فلا يحسب ولا ينظر فيه. وكذلك يقول في الثمرة المأبورة أنها تباع ¬
مع النخل/ بالطعام إلى أجل إذ لا حصة لها من الثمن والذي ذكر عنه سحنون من هذا خلاف ما حكى عنه ابن المواز، قال ابن عبدوس: ويفترق عندي في الرد بالعيب من الأخذ بالشفعة، لأن الرد بالعيب نقض بيع في الأصول فإن حسبت للثمرة حصة صارت مبيعةً بلا أصل، وفي الشفعة البيع الأول ثابت والشفعة بيعٌ مؤتنف فحسُن أن تسقط الثمرة بحصتها. قال ابن القاسم في الكتابين: وإن ابتاعها غير مأبورة أو لا ثمرة فيها فأبرت عنده فليأخذها الشفيع ويغرم النفقة ما لم تيبس أو تُجذ فتكون غلة. قال ابن القاسم: ولا حصة لها من الثمن إن كانت طلعاً (¬1)، قال محمد: وهو أحب إلينا لأنه شريك في الثمرة فهو فيها شفيع ويغرم ما سقى وعالج، وعلى هذا أكثر أصحاب مالك محمد وقال أشهب: يأخذ الأصول دون الثمرة لأن الشفعة بيع ومأبور الثمر للبائع، قال: فإن قال الشفيع فأنا أشترطها للحديث (¬2) إلا أن يشترطها المبتاع قيل له إنما ذلك بطوع البائع، قال أشهب: وكذلك لو اشترى أرضاً بزرعها المتغيب (¬3) فهو كما لم يُؤبر فإن برز فهو مثل ما أبر فيأخذ الأرض دون الزرع الباذر بجميع الثمن بعد أن يوضع عنه قيمة البذر وقيمة الطلع يوم الصفقة على غرره من قيمة الأصل أو الأرض، قال أشهب: ولو اشتراها بعد ظهور الزرع فللشفيع الشفعة في الزرع وإن يبس كالثمرة، وذكر ابن عبدوس عن عبد الملك مثل/ قول أشهب إذا أبرت الثمرة عنده بعد الشراء، وقال: اتفق ابن القاسم وأشهب في النصف المستحق له يأخذ ثمرته، فإن أبرت عند مبتاعها، ويدفع قيمة السقي والفلاح ما لم تيبس أو تُجذ. قال أشهب: ومن ابتاع حائطاً فيه ثمرة مزهية ثم قام شفيع فليأخذ الأصول وتبقى الثمرة للبائع الأول، قال في كتاب ابن المواز: ومن اشترى نخلاً فأبرت ¬
ما جاء في الشفعة في الكراء والمساقاة
عنده ثم قام عليه الغرماء والشفيع ورضي الغرماء بدفع الثمن إلى البائع فالشفع أحق بها بالثمن والبائع أحق بالثمن الذي يدفعه المستحق إلى المبتاع يريد إذا لم يدفعه الغرماء. قال محمد: وأحب إليَّ في الثمرة أن تكون للشفيع بعد دفعه للنفقة مع الثمن فيكون الثمن لبائع الثمرة (¬1) والنفقة للغرماء. [وقال أشهب: الثمرة للغرماء] (¬2) ولا شفعة في هذه الثمرة إذا أبرت عند المبتاع. ما جاء في الشفعة في الكراء والمساقاة قال ابن المواز: واختلف قول مالك في الشفعة في الكراء، فروى عنه ابن القاسم وابن وهب فيمن اكترى نصف دار لرجل ونصفها لآخر قال: ما علمتُ في هذا شفعةً، وقاله المغيرة وعبد الملك، وروى عنه ابن القاسم أيضاً في شريكين اكتريا (¬3) أيضاً ثم أكرى أحدهما حصته أن شريكه أولى بها وقال أشهب: في جميع ذلك الشفعة وبلغني ذلك عن مالك وهو أحب إلي لأنه/ مما يخرج إلى القسمة التي معها تضييق الواسع وتغيير البناء ولمثل هذا وجبت الشفعة في البيع. قال أشهب: قال أحب أن يُسلم الشريكُ شفعته ويقاسمه السكنى فذلك له وإن طلب قسمة الدراهم مع شريك الأصل فذلك له. فإن وقع في نصيب المكري على غير استواء فالمكري مخيرٌ في التمسك والرد وذلك إذا وقع له أقل من النصف في الانتفاع لا في القيمة وإن لم يقع له أقل فلا حجة له. قال ابن حبيب: اختلف قول مالكٍ في الشفعة في الكراء فأخذ ابن الماجشون وابن عبد الحكم بقوله أن لا شفعة فيه، وأخذ مطرف وابن القاسم وأصبغ بقوله أن فيه الشفعة، وبه يأخذ وذلك في كراء الدور والمزارع سواء. ¬
قال ابن المواز قال أشهب: في مكتريين أكرى أحدهما نصيبه فلصاحبه الشفعة وعهدته على المكتري من صاحبه ثم عهدتهما على رب الدار، ولو أكرى أحد المكتريين نصيبه من رب الدار أو من مكترى منه أقاله من مصابته فلشريكه الشفعة على رب الدار المستقيل، قال محمد: بل يُؤخذ من المكتري الذي أقال كالإقامة في الشراء، وإذا أكرى رجلان دارهما أو ساقيا نخلهما من رجلين وأكرى أحدهما نصيبه أو كلاهما الأرض أو الدار أو ساقى أحدهما (¬1) النخل من سواهما فليس لصاحبي الأصل شفعةٌ في كراء ولا سقاء ولا لأحدهما كان مقسوماً أو شائعاً، ولو أن أحد المكتريين أو المساقيين/ ساقى أو اكترى فلشريكه الشفعة في ذلك، وليس صاحبا الأصل أحق من الشريك في الكراء، فإن سلم شفعته صاحب الأصل بالمساقاة لشركهما في الثمرة ولا شركة لهما في الكراء، ولو أن نخلاً بين شريكين ساقى أحدُهما حصته فقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه محمد: وأظن ابن القاسم يرى في ذلك الشفعة، كذلك رأيتُه في كتابي ولا أدري ممن سمعته. قال: ولو ساقى أو أكرى أحد صاحبي الأصل فلشريكه الشفعة في الكراء والمساقاة، فإن سلم ذلك للمساقي ثم ساقى المساقي غيره فلصاحب الأصل الشفعة، ولو كان الأصل لواحد فأكرى النصف مشاعاً أو ساقى النصف مشاعاً ثم أكرى المكتري غيره وساقى المساقي غيره فلرب الأصل الشفعة، ولو أكراه شيئاً بعينه منها أو ساقاه كذلك فلا شفعة لرب الأصل فيما أكرى وله الشفعة فيما ساقاه لشريكهما في الثمرة، ولو أكرى من رجلين نصف أرضه أو ساقاهما نصف نخله فساقى أحدهما رجلاً فشريكه أولى بالشفعة من صاحب الأصل، فإن سلم فذلك لصاحب الأصل كما لو باعها ذلك فباع أحدهما فشريكه المبتاع معه أشفع فإن سلم فصاحب الأصل الشريك لهما شفيعٌ في ذلك. ¬
في أحد الشريكين في الدار يبيع شيئا بعينه منها، أو يبيع أحد دارين لهما
قال أبو محمد: هذا على قول أشهب الذي يرى المشتري في صفقته أحدهما أشفع من الشريك الأقدم/ في أحد الشريكين في الدار يبيع شيئاً بعينه منها أو يبيع أحد دارين لهما ثم قام شريكه بالشفعة ومن العتبية (¬1) والمجموعة قال ابن القاسم قال مالك: وإذا ورث أخوان دارين فباع أحدهما أحد الدارين فقام أخوه في ذلك فله رد نصفه منها وأخذ النصف الآخر بالشفعة ولا يلزمه البيع في حصته منها إلا أن يشاء وليس لشريكه أن يقول قاسمني فإن دفع لي ما بعتُ نفذ بيعي وإلا بطل. قال مالك في كتاب ابن المواز في الدار بين رجلين يبيع أحدهما طائفةً منها بعينها قدر نصفها بغير إذن شريكه فإن شاء شريكه جعل ذلك قسماً وأمضى ذلك ثم لا شفعة له في المبيع وليس له أن يقول له قاسمني فإن دفع ما بعتَ في نصيبك مضى، هذا في قول ابن القاسم، قال: فإن شاء أخذ نصف المبيع بالاستحقاق ونصفه بالشفعة بنصف الثمن ثم اقتسما بقية الدار فيرجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، وإن شاء فسخ بيع الشريك كله وقاسم شريكه الدار وإن شار أجاز البيع وقاسم شريكه الثمن، وإن شاء لم يجز بيع حصته وسلم الشفعة وقاسم شريكه بقية الدار ويكون المبتاع مخيراً في التماسك بما بقي له أو يرده فترجع الدار بين الشريكين كما كانت، ثم ذكر محمد بعد ذلك في هذا قول أشهب وذكره ابن عبدوس عن سحنون أنه إن لم يُجز البيع في نصيبه وإلا أجاز بيع نصيب شريكه وإلا أخذ بالشفعة فليس له فسخُ/ الشراء حتى يقاسم شريكه البائع الدار نصفين فإن دفع ما باع البائع في سهمه نفذ فيه البيع وإن لم يقع في سهمه انتقض بيعُه وبه قال سحنون في كتاب ابنه وكتب به إلى شجرة بن عيسى وكذلك قال أشهب في بيع أحدهما بيتاً من الدار او حصته من بيت يريد ¬
مفرزاً فإن لم يأخذ بالشفعة ولا أجاز بيع حقه ولا سلم بيع نصف شريكه مما باع فلا يفسخ ذلك حتى يقاسم شريكه الدار. قال أشهب في الكتابين: ولو كان إنما باع نصيبه من عرصة الدار فله إذا أبى مما ذكرنا الفسخ قبل المقاسمة في العرصة لأن العرصة لا تُقسمُ إلا بتراضي الشركاء، وأما بيعُه لنصيبه من بئر الأرض أو عينها فليس للآخر فسخُه إنما له الأخذَ بالشفعة أو بتسليمه لمشتريه. قال في كتاب ابن المواز: بيع من باع مصابته من ذلك جائزٌ وليس لشريكه الأخذ بالشفعة أو الترك قال: وأما إن باع أحدهما شرب يوم أو أقل فلصاحبه فيه الشفعة، وإن شاء أجاز البيع، وإن شاء رد بيعه إذا كانت الأرض تحتاج البئر، لأنه ليس في يومين وثلاثة ما يقسمون فيه الأرض فينفي في ذلك شرب من ماء هذا خاصة وأما فحل النخل يبيع أحدهما مصابته منه قبل القسم فهو كالمنزل في الدار إن تم البيع وإلا أخذ بالشفعة لم يكن له فسخ البيع حتى يقاسمه لأن فحل النخل يُقسم معها فقد يقع في قسم أحدهما. قال أشهب في الكتابين: وإن أكرى أحدهما منزلاً/ بعينه من دار بينهما ثلاثة أيام فلشريكه فيه الشفعة ولا يُرد الكراءُ لقربه ولا ضرر فيه ولو كان سنة كان لشريكه إن شاء أخذ بالشفعة وإن شاء ترك وإن شاء قال أقاسمك، فإن صار الثلث في حظك جاز كراؤك وإلا نقضته. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: في الأرض بين الشركاء يبيع أحدهم منها شيئاً بعينه وفي شركائه حاضر وغائب وصغير والمبتاع يظن أنه باعه حقه وحده فلم يُحدث فيها شيئاً حتى قام الحاضر وقدم الغائب وكبر الصغير فإن قام الحاضر بحدثان البيع قبل انقطاع حجتهم بطول حيازتها فهم أجمعون سواء يجيزون إن شاؤوا أجازوا وأخذوا أنصابهم من الثمن وإن شاؤوا أخذوا عوضها فيما بقي من الأرض المشتركة وجعلوا حظ الشريك فيما باع واستشفعوا ما بقي، قالا: وإن بنى المبتاع العرصة أو طالت حيازته بمحضر الشركاء الحضور فلا قيام لهم
على المبتاع ويرجع حكمهم مع البائه، فإن اعترف أن حقوقهم في البيع فإن شاؤوا أخذوا نصيبهم من الثمن أو يأخذون العوض مما بقي من الأرض، وإن قال: ما بعتُ ذلك من الأرض حتى صار ذلك لكم حَلَفَ على ذلك وانقطع حقه عنه في الثمن والعوض فكانوا على حظهم مما بقي من الأرض، وأما الغيبُ والصغار فهم مخيرون في الثلاثة أوجهٍ المذكورة أولاً فإن شاؤوا أخذوا حظهم وقد فات بالبناء فذلك لهم إذا ودوا قيمة ما بحظهم من البنيان قيمته قائماً لبنيانه على شبهة وإن شاؤوا/ أخذوا ما بقي بالشفعة من حظ البائع وحظ الحضور الذين انقطعت حجتهم فذلك لهم ويؤدون ما زاد بهاؤه في عرصتهم تقوّم العرصة مبنية اليوم فيُنظر ما زاد البنيان على ثمنها الذي به ابتيعت فيدفعون ذلك إلى المبتاع ويستشفعون بالثمن. وقاله أصبغ. ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى [عن ابن القاسم]: فيمن اشترى فداناً من أرض مشتركة أو بفعةً لرجل فيها شركٌ وذلك بحضرة الشريك وعلمه فيبني أو يعرش فيريد الذي لم يبع أخذ حصته وما فيها بالشفعة فليس في هذا شفعةً. ولو باع أحدهما جزءاً شائعاً من دارٍ أو أرض بينهما قل أو كثر فللشفيع أن يأخذ نصف المبيع بحقه والنصف بالشفعة، فأما إن باع فداناً بعينه أو شيئاً من الدار بعينه بحضرة شريكه فلم ينكر فسكوته تجويز لبيعه ولا شفعة فيه وله على البائع حصتثه من الثمن فقط، وهو كما لو باع ثوباً بينهما فسكت فهو تجويزٌ منه وإن أنكر لم يلزمه البيعُ. قال عنه سحنون في الأرض بينهما يبيع أحدُهما فداناً منها بعينه أو نصف فدان بعينه بحضرة صاحبه لا يغير ولا ينكر فقد لزمه البيعُ ولا نكران له بعد ذلك ولا شفعة وكذلك بيعه لشيء بعينه من دار بينهما، وكذلك كل من بيع عليه شيءٌ من ماله وهو حاضر لا يغير ولا ينكر فالبيع له لازم، ولو باع جزءاً شائعاً من تلك فالبيع ماضٍ والشفعة للشريك. ¬
في محاصة الشركاء في الشفعة، ومحاصة أهل السهام دين الشركاء
في مُحاصة الشركاء في الشفعة ومحاصة/ أهل السهام دون الشركاء ومن هو أولى بها من جميع الأشراك ومن كتاب ابن المواز: والمُشتري والوارث في الشفعة سواء، قال مالك فيه وفي المجموعة: والشفعة بين الشركاء على قدر الأنصباء لا على عدد الرجال. قال ابن القاسم: وقالع علي بن أبي طالب. قال أشهب: وإذا كانت الشفعة إنما وجبت بشركتهم لا بعدتهم وجب تفاضلهم فيما تتفاضل الشركة قال محمد: كعتق رجلين من الشركاء نصيبهما في عبد بينهما فليُقومُ عليهما بقدر نصيبهما. قال مالك في الكتابين: فإذا كان في الفريضة أهل سهامٍ فيها جدتان في السدس وزوجاتٌ في ربع أو ثمن وإخوة لأم في الثلث، وأخوات شقائق في الثلثين فما باع واحد من أهل سهم واحد فمن شركه في السهم أشفع فإن سلموا فبقية أهل الميراث أشفع من غيرهم من الشركاء، وكذلك إن باع أهل السهم كلهم، ولم يختلف فيه أصحابه، وقاله المغيرة ولم يقل بغيره إلا ابن دينار قال محمد: وإن كان مع أهل السهام عصبة فباع بعض العصبة فالشفعة بين بقيتهم وبقية أهل السهام، قاله مالك وأصحابه إلا أشهب، فرأى بقية العصبة أحق كأهل سهم وكالموصى لهم بسهم يبيع بعضهم أنهم أشفع ممن شركهم، وقول مالكٍ أصح. ومن الكتابين قال ابن القاسم: فإن ترك أختاً شقيقةً/ وأخوات لأب فباعت إحدى الأخوات للأب فلشقيقة الدخول مع بقية الأخوات للأب، وقال أشهب: لا تدخل معهم الشقيقة، فإن باعت الشقيقة فاللواتي للأب أحق من العصبة، فإن باع العصبة فهن كلهن في الشفعة سواءٌ. قال في المجموعة: فإن باع جميع الأخوات فالشقيقة أحقُّ من العصبة، قال عنه ابن المواز: كمن (¬1) أوصى بدارٍ لخمسة عشر رجلاً فقال لعشرة منهم سماهم ¬
ثلثاهم لفلان وفلان منهم السدس ولسبعة منهم النصف وبقية الدار وهو الثلث للخمسة الآخرين، فإن باع أحد الخمسة فباقيهم أشفع، وغن سلموا فذلك لجميع العشرة فإن باع أحد العشرة فبقية السبعة أحق، فإن سلموا [فالثلاثة أشفع وإن باع أحد الثلاثة فالاثنان أشفع فإن سلموا] (¬1) فالسبعة أحق من الخمسة. قال مالك: فإن باع بعض الورثة فبقية الورثة أشفع ممن شرك الميت، فإن باع أحد شركاء الميت دخل مع الشركاء ورثة الميت. قال ابن المواز قال ابن القاسم: واختلف قول مالك في العصبة فرآهم مرة كأهل سهم، قال أصبغ: ثم ثبت أن أهل السهم هم الذين يتشافعون خاصة. ومن العتبية (¬2) والمجموعة روى ابن القاسم عن مالك في أربعة إخوة ورثوا داراً فباع أحدهم حصته فسلم الشفعة إخوته ثم باع أحدهم إن المشتري الأول شفيعٌ مع من لم يبع في ذلك. قال مالك: وإذا باع بعض أهل سهم مفروض فسلم ذلك بقيتهم فالشفعة لبقية أهل الميراث/ فإن سلموا كلهم ثم باع أحد المشترين نصيبه مما اشترى فبقية أهل ذلك السهم وشركاءُ البائع الآن الذين كانوا اشتروا معه وبقية الورثة أجمعين فيما يؤخذ بالشفعة من ذلك شفعاء أجمعون. قال مالك: وليس المشتري كالورثة ولا العصبة كأهل السهام المفروضة، أهل السهام يدخلون على العصبة ويدخلون على من اشترى من أهل السهام ثم باع بعض ما اشترى، وإذا باع بعضُ أهل السهام لم يدخل المشترون ولا العصبة عليهم فيما يتشافعون فيه إذا كان في ذلك السهم للبائع شريكٌ فيه دنيا، فإن أخذ جميع الورثة بالشفعة دخل معهم العصبة والمشترون. وقال مالك: فيمن مات وترك داراً وترك زوجةً وابناً وابنةً ثم مات الابنُ وترك أمه وأخته وعصبته فباع بعض العصبة فللأب والأم التشافع بحصة ما ورثا عن ¬
الميتين. محمد! وإذا مات أحد الورثة فصارت مصابته لورثة نفسه وبعضُهم ورثة الميت الأول ثم إن بعض ورثة نفسه باع مورثه من ذلك فإن لم يكن مع هذا البائع شركاء في سهم معلومٍ فكلهم يدخلون بالشفعة من ورثه وورث معه بمصابته جميعاً إذا لم يكن عصبةٌ. ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن يوصي في حائط له لقوم بثلثه أو بسهم معلوم فيبيع بعضهم إن شركاءه أحق بالشفعة فيما باع [من] (¬2) بقية الورثة. قال محمد وقاله أشهب ومحمد بن عبد الحكم/ وقال ابن القاسم: للورثة الدخول معهم كالعصبة مع أهل السهام، قال مالك: ومن أوصى لرجل بثلث داره فهو شفيع مع الورثة فيما باع بعضهم. محمد: لأنه رجل واحد، قال أبو محمدٍ: كذا في الأم ولكن ما أدري معناه، محمد: وإذا أوصى أحد ولد الميت بنصيبه لرجل ثم باع واحد من بقية الولد فإن من أوصى له الولد يدخل في ذلك مع بقية الإخوة، ولم يُختلف في هذا لأنه لم يُوصِ لنفر وليس كالذي [أوصى] (¬3) لهم أبوهم الذي ورثوا الدار عنه لكنه كالمبتاع من أحد الميتين فيحل محل بائعه. ومن كتاب محمد قال أشهب: في دار بين ثلاثة بميراث أو شراء فباع أحدهم من نفر وسلم الشريكان ثم باع أحدُ النفر المشتريين مصابته فبقية النفر أشفع من شريكي البائع، ولو باع أحد شريكي البائع لدخل في الشفعة شريكه الذي لم يبع وسائر النفر الذين اشتروا الثلث الأول فيصير لهم النصف وجعل المشتري من الشريك كوريثه، وحالفه ابن القاسم وقال: لا يكون مشتري الثلث الأول أشفع فيما باع بعضهم دون شركاء بائعه، وجعلهم بخلاف ورثة الوارث أو ورثة المشتري وذكر عن مالك: وجعل المشتري مقام بائعهم وجعل الموصى لهم مع الورثة كالعصبة مع أهل السهام. قال أصبغ: وهذا هو الصواب. ¬
ما جاء فيمن ابتاع شقصا له شفعاء فسلم بعضهم أو كان غائبا
قال محمد: وكذلك لو باع بعد ذلك بعض ورثة الميت لدخل المشتري في ذلك مع بقية الورثة. ما جاء فيمن ابتاع شِقصاً له شفعاءُ /فسلم بعضهم أو كان غائباً ومن كتاب محمد ونحوه في المجموعة من رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك وهو في العتبية (¬1). قال مالك: إذا وجبت الشفعة لجماعة فسلم بعضهم وأخذ الباقون فليس للباقين إلا أخذ الجميع أو التركُ قال ابن المواز: وليس للمبتاع أن يمنعهم أخذ نصيب من سلم إذا كان في صفقة. قال ابن حبيب عن أصبغ، إن كان تسليم من سلم على الهبة والعطية للمبتاع والصدقة عليه بها فليس للآخذ إلا بقدر سهمه وللمبتاع سهم المسلمين، وإن كان على ترك الشفعة وكراهته الأخذ فللمتمسك أخذُ جميعها. قال مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة: ولو كانوا غيباً إلا واحداً فليس له إلا أن يأخذ الجميع أو يدع فإن أبى فلا شفعة له ولا دخول له مع أصحابه إن قدموا، فإن قدم وأخذ ممن أبى قيل له خُذ الجميع أو دع. محمد: وذلك إذا كان في صفقة. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: فإن قدم الغُيَّبُ وقد أخذ الحاضرُ الجميع معه بقدر سهامهم. قال أشهب: وما أخذوا منك في ذلك فهم في كتاب عهدتهم مُخيرون إن شاؤوا كتبوا عهدتهم عليك لأنك أخذت لنفسك وضمانه منك وإن شاؤوا كتبوه على المأخوذ منهم (¬2) بشفعتهم وليس لهم أن يكتبوا ذلك عليها جميعاً وإن أبى بعضهم الأخذ فللآخذين من الشفعة بقدر حصصهم من حصص من أخذ لا بقدر حصصهم من حصص جميع/ الشركاء، قالا: ¬
فإن أبوا إلا واحداً ومصابته مثل مصابتك فجميع ما أخذت بينكما شطرين. قال أشهب: وله أن يكتب عهدته عليك وإن شاء على الأول أنت وهو وحرقت أنت كتابك الأول، قالا وعبد الملك: فإن لم يقدم (¬1) إلا واحدٌ فليس له بقدر حصةٍ من حصص أصحابه ولكن يأخذ نصف ما اظخذت إن كان نصيبه مثل نصيبك. قال عبد الملك: فإن قال الشفيع أنا أسلم الجميع إليك فليس له ذلك إلا برضاء القادم فإن رضيا بذلك ثم جاء ثالثً قائماً طاع به الأول للثاني فوق ما يلزمه يتبعُ بأخذه الثالثُ من الثاني بالشفعة إلا أن يشركه الثاني فيه بقدر حقه بما يصيبه في ذلك من الشفعة، وإن كان الثاني هو التارك ذلك كله للأول إلا قدر ما يصيبه مع جميع شركائه فليس ببيع ولا شفعة فيه إلا الشفعة الأولى يأخذ منها الثالث بقدر حقه لو حضر معهما. قال ابن القاسم وأشهب: وإن تساوى نصيبُ الأول والثاني فاقتسما الشفعة نصفين ثم قدم ثالث له مثل مصابة أحدهما فإنما يأخذ بالشفعة إن شاء ثلث ما في يديهما فيصير لكل واحد منهما ثلث ذلك، قال أشهب: وهو مخير أيضاً في كتاب عهدته على المشتري الأول أو على الشفيع الأول أو عليكما، وإن شاء أخذ بالشفعة ثلث ما بقي في يد أحدهما وترك ما في يد الآخر وليس له أن يكتُبَ ها هنا عهدته على المشتري الأول لأنه يقول ليس لك أن تأخذ مني بعضاً وتدع/ بعضاً ولكن يكتب عهدته على من أخذ منه إن كان الأول يريد دون الثاني، وإن أخذ من الثاني خاصة كتب عهدته على أي الشقيقين شاء، ثم إن قدم رابع وله مثل مصابة أحدهم فله أن يأخذ ربع ما بيد كل واحدٍ منهم مما أخذ بالشفعة، وهو مُخير في كتاب عُهدته على المشتري الأول أو على أو الآخذين أو عليه وعلى الثاني أو على جميعهم، وإن شاء أخذ بالشفعة ربع ما في يد أيكم شاء وترك ما في يد من شاء، ثم ليس له أن يكتب عهدته على المشتري الأول ولكن على من أخذ منه خاصةً إن كان الأول وإن كان الثاني كتب ذلك على أي الشقيقين الأولين شاء، وإن أخذه من الثالث كتب عهدته على أي الشفعاء الثلاثة شاء. ¬
قال سحنون في المجموعة: فإن حضر أحدهم فأخذ الجميع ثم باعه من أجنبي ثم قدم الشفيع فله أن يأخذ نصف هذا الشقص من المشتري الأول بنصف الثمن ويأخذ النصف الآخر من المشتري من الشفيع الذي اشترى منه هذا الثاني. قال ابن المواز: فإن كان ذلك في صقفاتٍ فللحاضر الأخذ بأي صفقة شاء، ثم غن قدم ثانٍ شركه فيها وكان له أخذ بقية الصفقات أو ما شاء منها مثل أن يكون الشفعاء ثلاثةً والصفقاتُ ثلاثةً فأخذ الحاضر الصفقة الآخرة وهي ثلث الربع وسلم غيرها فذلك له وللمشتري الدخول معه بالصفقتين الأوليين وذلك ثلثا الربع وللشفيع ربعٌ كامل يُقسم بينهم هذه/ الصفقة وهي ثلث الربع على خمسة أجزاء ثم إن قدم ثانٍ فسلَّم للمشتري ما سلم له الأول [كان رُبعُ] الصفقة للمبتاع وثلاثة أرباعها بين الشقيقين فإن لم يُسلم له الثاني شيئاً فللثاني أخذُ الصفقتين الأوليين وحده ويكتب عهدتهما على المشتري ثم له الرجوع مع الأول في الصفقة الآخرة التي هي ثلث الربع يدخل فيها الثاني بخمسة أثمانها وللأول وثلاثة أثمانها، لأن الأول له الربع وهو ثلاثة أجزاء وللثاني الربعُ أيضاً ثلاثةً وله ثلثا الربع بالصفقتين اللتين أخذهما هو خاصة التي سلمها الأول، ثم إن قدم ثالث فله نصف الصفقتين اللتين سلمهما الأول فيصير له أربعة وللثاني أربعة وللأول ثلاثة فيقسموا ثلث الربع وهو الصفقة الثالثة على أحد عشر جزءاً للأول ثلاثةٌ ولكل واحد من هؤلاء أربعة. ومن العتبية (¬1) من سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ومثله لمطرف من رواية ابن حبيب وقال: فلا ثلاثة بينهم أرض فباع أحدُهم فلم يعلم الباقيان أو لم يقوما بالشفعة ولم يفت وقتها حتى باع أحدهما، قال: الشفعة فيما باع البائع الأول للبائع الثاني وللشريك الثالث المتمسك لأن الثاني باع بعد وجوب الشفعة له في بيع الأول فلا يُبطلها بيعه، فإن ترك البائع الثاني الآخذ بالشفعة مع الشريك الذي لم يبع فالشفعة كلها واجبة للثالث الذي تمسك بحظه فيما باع الأول والثاني، وإن ¬
في المشترين لشقص فيريد الشفيع أن يأخذ من أحدهما دون الآخر
ترك الآخذ بالشفعة فيما باع الأول وأراد أن/ يستشفع ما باع الثاني صار المشتري من البائع الأول شفيعاً مع الثاني الذي لم يبع حظه فيما باع الثاني لأنه نزل منزلة بائعه إذ لم يُؤخذ منه بالشفعة فصار شريكاً للبائع الثاني ولصاحبه الذي لم يبع فباع الثاني حين باع والمشتري من البائع الأول شريكٌ تجب له الشفعة. في المشتريين لشِقص فيريد الشفيع أن يأخذ من احدهما دون الآخر أو يكون المشتري واحداً لأشقاص من دور ولكل واحد شفيع من كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم: وإذا باع الشريك من رجلين فقال الشفيع أنا آخذ من أحدهما وأدع الآخر فليس له إلا أن يأخذ الجميع أو يدع، وقال أشهب: له أن يأخذ من أحدهما، محمد: وهذا أحب إلينا، وقاله سحنون. قال أشهب: وليس الذي سلم إليه الشفعة بما سلم إليه لوجوب الشفعة قبل ذلك. قال أشهب: وإن اشترى ثلاثة من ثلاثة اشتروا من أيديهم حصةً من نخلٍ ومن الآخر من دارٍ ومن الآخر من أرضٍ أو ابتاع رجل حظ رجل من دار في صفقة وشفيع ذلك كله واحدٌ أو كنتم شفعاء فلك أيها الشفيع أو أحد الشفعاء أن يأخذ حظ أيهم شاء من الدار أو النخل أو القربة ويُسلم حظ الباقين وليس لكم ولا لواحد منكم أن يأخذ حظ أحدهم من نخل ويدع حظه من الدار حتى يأخذ جميع حظه ولكم أن تفترقوا فيأخذ أحدكم مصابة أحد المشتريين كلها ويأخذ/ الآخر مصابة الآخر كلها (وأيكم) قال: لا آخذ إلا مصابة فلان وقال الآخر وأنا فيها معك شريكٌ وأخذ مصابة فلانٍ معها فذلك له ولا مقال لشريكه ولا للمأخوذ ذلك منه، قالا: ولو اشترى واحدٌ من اثنين في صفقةٍ فليس للشفيع ها هنا أخذ بعض الصفقة، قاله ابن القاسم وأشهب، وإن بعت حظاً من دارين
من رجل ولكل واحد شفيع فلكل واحد أخذُ ما هو شفيعه بعد قبض الثمن على الشقصين فيعرف حظه ذلك فإن أخذ قبل معرفة ذلك فأخذه باطلٌ ثم له أخذ ذلك بعد العلم. قال ابن القاسم وأشهب: ومن ابتاع حظاً من دار من رجل وحظاً من حائط من آخر وشفيعهما واحد فليس للشفيع إلا أخذ الجميع أو يترك، قال ابن عبدوس: وقاله عبد الملك. قال محمد: وأنا أنكر أن يجمع رجلان شفعتيهما في صفقة وليُرد ذلك إن علم بأن المشتري ما لم يفت بحوالة أسواق أو ببيعٍ أو لا يأخذ بالشفعة أو غيره فينفد ويُقسم الثمنُ على القيمة، قال أشهب في الكتابين متصلاً بكلام عبد الملك: وكذلك إن كان الشفعاءُ جماعةً فليس لهم أن يأخذوا النخل دون غيرها فإما أخذوا الجميع أو تركوا قال أشهب: فإن أخذوا الجميع على أن لأحدهم من ذلك النخل وللآخر الدور فليس للمشتري أن يأتي ذلك ولا حجة له وليس بقياس وهو استحسان. تم الجزء الأول من كتاب الشفعة بحمد الله وعونه ويليه الجزء الثاني منه إن شاء الله والحمد لله وحده
صفحة بيضاء
[الجزء الثاني من الشفعة]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء الثاني من كتاب الشفعة فيمن ابتاع شِقصاً ثم باعه أو أقال منه أو وهبه (¬1) ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن اشترى شِقصاً ثم باعه من رجل ثم باعه الرجل الآخر وتداولته (¬2) أملاك فللشفيع أن يأخذ بأي صفقة شاء ويفسخ ما بعدها، وقاله أشهب فإن أخذها من الأول كتب عُهدته عليه ودفع من ثمن الشقص إلى الثالث ما اشتراه به لأنه يقول لا ادفع الشقص حتى أقبض ما دفعتُ ويدفع فضلاً إن كان للأول إن فضل للثالث مما اشترى به شيءٌ رجع به على الثاني وليس للثالث حبسه حتى يدفع إليه بقية ثمنه ثم رجع الثاني على الأول بما اشترى به الشقص منه وإن أخذها من الثاني بعهدته عليه وثبت بيع الأول (¬3) ويدفع من ثمن الشقص إلى الثالث ما اشتراه به ويدفع فضلاً إن كان إلى الثاني، وإن فضل إلى الثالث مما اشترى به الشقص شيءٌ رجع به على الثاني، ولا تراجع بين الثاني والأول لتمام بيعها وإن أخذها من الثالث كتب عهدته عليه [وتمَّ ما قبل ذلك من بيع] (3). ¬
من المجموعة وقال غيره: وإذا اشترى شِقصاً بمائة ثم باع نصفه بمائة فللشفيع أخذُ الشقص كله ممن اشتراه أولاً بمائة [وإن شاء] (¬1) من الثاني بمائة ونصفه من الأول بخمسين. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال مالك: وإذا تقايل المتتابعان فللشفيع الشفعة بعهدة البيع لا بعهدة الإقالة، قال أشهب: وهو استحسان كان/ المستقيل البائع أو المبتاع والقياسُ أن يأخذ من أيهما شاء ولو قاله قائل لم أعبه. قال مالك: فإن سلم الشفعة فالإقالة جائزة. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إن ريء أن التقايل منهما كان لقطع الشفعة فالإقالة باطلٌ وللشفيع بعهدة الشراء وإن ريء أنها على وجه الصحة وإرادة الإقالة فهو بيعٌ حادثٌ وللشفيع الشفعة بأي بيعتين شاء. ومن كتاب ابن المواز وقاله أشهب وابن الماجشون في المجموعة وقاله مطرفٌ في الواضحة: وإذا سلم الشفيع الشفعة ثم تقايل المتبايعان كان للشفيع أخذها بالشفعة بعهدة الإقالة من البائع ويصير بيعاً حادثاً لزوال التهمة. قال ابن الماجشون في المجموعة ومطرف في كتاب ابن حبيب: وكذلك ولو ولاه أو أشرك فيه فللشفيع الشفعة بذلك. قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولو تقايلا بزيادة أو نقصان قبل تسليم الشفيع فله الشفعة على أيهما شاء وكذلك لو تقايلا بعد تسليمة بالثمن نفسه. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: ومن اشترى شِقصاً له شفيع غائب فقاسم شركاءه ثم قدم الشفيع فله رد القسمة والأخذ بالشفعة، قال أشهب: وإنه ليأخذ بالقلب أن ليس له رد القسم لأنهم قاسموا من يجوز قسمه. وقال سحنون: يمضي القسم ويأخذ ما صار له بشفعته. قال أشهب: ولو حبس الشقص لكان ¬
في الشقص يباع بعرض أو بدين أو يؤاجره أو يكري به
للشفيع ردُّه والأخذ بالشفعة، قال هو وعبد الملك وهو في كتاب محمد: ولو باع/ [المبتاع الشقص فقال الشفيع أنا آخذ بالشفعة من الأول وأجيز بيعه وأخذ ذلك بجائز وهو ربح ما لم يضمن قال عبد الملك وهو بخلاف الاستحقاق. قال أشهب وهذا إذا لم يكن الشفيع أوجبها على نفسه قبل بيع الأول وأشهد] (¬1) على ذلك فهو في البيع الثاني بالخيار، إن شاء أجاز بيعه وأخذ ثمنه وإن شاء نقضه وأخذ شِقصه وليس للشفيع أن يدفع إلى الأول ما اشتراه به إلا ما فضل عما اشتراه به الآخر اختار الشفيع الشقص أو الثمن لا له أن يأخذه بالثمن الآخر إن كان قد أخذ أولاً بالشفعة حين بلغه أن الآخر قد دفع. ومن المجموعة قال سحنون: فيمن اشترى شِقصاً بنقد فباعه بدينٍ وله شفيعان فقال أحدهما: يأخذ بالبيع الثاني وقال الآخر: يأخذ بالأول فليس ذلك لهما أن يفرّقا الصفقة عليه. في الشقص يباع بعرض أو بدينٍ أو يؤاجره أو يُكرى به من المجموعة قال ابن وهب عن مالك: فيمن اشترى شِقصاً بعنبرٍ ولم يجد الشفيع عنبراً قال: عليه قيمتُه. ومن كتاب ابن المواز: (وإن اشتراه بحُلي جُزافاً أخذه بقيمة ذلك الحلي من ذهب أو فضة يقوّم بخلافه) (¬2) فإن استُحق ذلك أو رُد بعيب رجع بقيمة الشقص إن فات بأخذ الشفيع أو بغير ذلك، وكذلك في السبائك أو في الرصاص والنحاس والطعام المعين وإن لم يُؤخذ الشقصُ بالشفعة ولا فات رجع فيه بعينه. ¬
ومنه ومن كتاب ابن المواز قال مالك: فيمن اشترى شِقصاً بثمن مؤجل/ [فليس للشفيع تعجيل قيمة الدين ولا يحتج بعدم المبتاع ولا بغير ذلك وإن كان الشفيع عديماً لم تأخذه إلا بحميل ثقة (¬1). محمد ولم يختلف فيه أصحابه قال وإن كان مليئين قال أشهب وإن لم يكن الشفيع مثله في الملإ فليأت بحميل] (¬2) في مثل ثقة المشتري وملائه قال محمد: والذي عندنا أن ليس عليه حميلً إذا كان ملياً ثقةً، وإن كان المبتاع أملأ منه ولم يشترط، هذا في رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك، وقاله عبد الملك كروايتهما، وإن اتفقا في العُدم فأبى المبتاع تسليم الشفعة إلا بحميل واحتج بتفضيل البائع عليه أو حميله لعُدمه فلا حجة له بذلك ولا حميل له وإن كان أعدم منه فليأت بحميلٍ في مثل عُدم المبتاع أو ملائه. قال محمد: إذا كان الشفيع عديماً فلا شفعة له إلا بحميل ثقة كان المبتاع عديماً أو لم يكن. قال أشهب: وإذا اشتراه بثمن مؤجل بحميل أو رهنٍ فقام الشفيع وهو أملأ منه فإن لم يجد حميلاً أو رهناً مثله فلا شفعة له إلا بمثله، ولو جاء برهن لا يشك أن فيه وفاءً لم يقبل إلا بمثل الأول ولو كان برهن وحميل فجاء برهن ولم يقدر على حميل فلا شفعة له قال: وأصبنا لأشهب أنه إن كان الشفيع أملأ من الحميل ومن الغريم فله أن يأخذ بلا رهن ولا حميل. قال محمد: والأول أولى عندنا. قال عبد الملك في الكتابين: [وإن لم يقم الشفيع] (3) حتى حل أجل الدين ورد الثمن، قال فله من الأجل مستأنفاً مثل أجل المشتري الأول، فإن كان/ ثقةً دفع إليه وإن لم يكن ثقةً قيل له ائت بحميل ثقة. وكذلك ذكر ابن حبيب عنه وعن مطرف وزاد: فإن عجز عن ثقة ولم يكن هو ثقةً قطع السلطان شفعته، فإن وجد ثقة ما بينه وبين حلول أجل الثمن أو بعده فلا شفعة له وذلك كعجزه عن الثمن إذا أوقفه السلطان. ¬
قال ابن حبيب وقال أصبغ: إذا قام بعد محل الأجل فلا يأخذه الشفيع إلا بنقد. قال ابن حبيب: وبالأول أقول، وهو قول مالك. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإن اشترى بعرض موصوف فللشفيع أخذه بقيمة العرض إلى أجله على مثل [من] (¬1) هو عليه، ولا يجوز أن يأخذ ذلك قبل معرفتهما بقيمته، محمد: وهذا غلط ولا يأخذه إلا بمثل العرض إلى أجله وإنما تؤخذ القيمة نقداً في شرائه بعرض بعينه ولأنه إذا استحق المعين قبل قيام الشفيع أمضى البيع، وفي الموصوف لا يُنتقض البيعُ والشفعةُ قائمةٌ، ثم ذكر محمد عن أشهب: أنه إذا اشتراه بعرض إلى أجل فعلى الشفيع مثله إلى أجله. ومن كتاب محمد بن المواز (¬2) وهو لأشهب في المجموعة: ولو عجل الشفيع الثمن فالمبتاع أولى به وليس للبائع منعُه من قبض الشقص إن لم يكن قبضه المبتاع، ولو قال الشفيع أنا أرضى أنقده البائع فليس له ذلك إلا برضى المبتاع. وكذلك لو حل لم ينبغ أن يدفعه عنه إلا بأمره أو بأمر السلطان. ومن كتاب محمد والمجموعة وكتاب ابن حبيب قال بن الماجشون: ومن اشترى شِقصاً بدين له على البائع إلى سنة/ فلا يأخذ الشفيع إلا بقيمة الدين عرضاً نقداً يدفعه الآن لأن الدين عرضٌ من العروض وكذلك إن لم يقم الشفيع حتى حل أجل الحق فلا ينظر في وقته بعدما يشفع. قال عنه ابن حبيب: وإنما يُقام الدينُ بعرض مثل الحنطة والزبيب وشبهه ولا يُقامُ بمثل بانٍ أو عرضٍ وما ليس [بقائم] (¬3) ثمنه ولا متعجل بيعه. وقال ابن عبدوس عن سحنون: أنه كان يقول في ذلك بقول عبد الملك إلا [أنه] (¬4) قال: يقوم الدينُ بعرض ثم يقوّم العرض [بعين] ثم يأخذ الشفيع بذلك. ¬
قال ابن المواز وابن حبيب قال مالك: لا يأخذه الشفيع إلا بمثل ذلك الدين أو يترك، وكذلك إن كان البائع عديماً بذلك الدين لم يأخذه بقيمته ولكن يأخذه به أو يتركه وقاله أشهب قال: ولا قيمة في الذهب والفضة والقيمة في العروض، وقال ابن القاسم نحو قول أشهب. قال ابن حبيب قال مالك: وكذلك إن كان يهضم فيه أو كان على مفلس (¬1) لا يسوى ما عليه ثلث الدين فلا يأخذه إلا بجميعه (¬2) فإن كان الدين يومئذ حالاً أخذه به حالاً وإن كان لم يحل أخذه إلى مثل ما كان بقي فيه إلى الأجل كان الأجل يوم قيام الشفيع حل أو لم يحل. قال أصبغ: إنما يستشفع بمثل الدين نقداً إلا أن يكون يُهضم فيه هضمة (¬3) بينة فيأخذه بقيمة الشقص لا بقيمة الدين. قال ابن حبيب: وقول مطرف أحب إلي، وإن كثر بهضمه فيه فلا يأخذه إلا بجميعه. قال ابن الماجشون في كتاب محمد والمجموعة: وإن اشتراه بكتابة مكاتب [أخذه بقيمة الكتابة عرضاً يقوم على أنه يؤدي أو يعجز فإن عجز] (¬4) / فهو رقيق لبائع الشقص. قال في المجموعة قال مالك: وإن اكترى إبلاً إلى مكة بشِقص أو واجرته أجيراً أو داراً سنةً فللشفيع الشفعة بمثل كراء الإبل [وبقيمة الكراء والإجارة] (¬5). وقال أشهب: بمثل كراء الإبل إلى مكة من مثل صاحبها إن كان مضموناً فمضمون وإن كانت بأعيانها فبأعيانها، وقاله عبد الملك في الإجارة بمثل أجرة من استُؤجر بها. ¬
ما جاء في الشقص يباع معه ما لا شفعة فيه
وقال ابن المواز عن مالك وابن القاسم وعبد الملك: يأخذ الشقص بقيمة أجرة الأجير وبقيمة كراء الدار كم يسوى ذلك يوم الوجيبة على البعد ويكتب عهدته على الأجير وعلى من أخذ منه. قال محمد: فإن مات الأجير أو هلكت الدابة أو انهدم المسكن في نصف السنة فليرجع البائع بقيمة نصف شِقصه على المبتاع ولا يُنقصُ على الشفيع شيءٌ. وقال أشهب في المجموعة: إن ماتت الإبل في نصف الطريق فرجع عليه المكاري بنصف قيمة الشقص رجع المكري على الشفيع بما رجع به رب الشقص عليه ويُقاصه من نصف ما كان أخذ منه من قيمة كراء إبله إلا أن يكون قيمة كرائها أكثر من قيمة الشقص فيكون الشفيع هو الراجع عليه بنصف كراء إبله ويدع له من ذلك نصف قيمة الشقص ونحوه عن عبد الملك. ما جاء في الشقص يباع معه ما لا شفعة فيه من كتاب ابن المواز: وكل ما بيع مع الشقص مما لا شفعة فيه/ فليقبض الثمن عليه وعلى الشقص فيأخذ الشفيع بما قابل الشقص منه فإن استوجبه قبل المعرفة بما يقع على الشقص لم يجز، وأما آلة الحائط وعبيده ودوابه فذلك كبعضه إلا أن يضاف إليه يوم الصفقة وقد كان أخرج منه قبل ذلك فلا شفعة فيه ويقضي الثمن، وقاله مالك وابن القاسم وأشهب: فيمن اشترى شِقصاً أو بعيراً بعينه، فإن كان البعير من الشقص قدر ثلث الجميع بالقيمة يوم الصفقة أخذ (¬6) الشفيع الشقص بثلثي قيمة العبد ثم إن استحق العبد (¬7) رجع بائع العبد بثلث قيمة العبد على بائع الشقص، وإن ابتاع شِقصاً وقمحاً بدنانير فلابد من تقويم القمح والشقص فيأخذ بحصة ما يقع للشقص. محمد: وكذلك لو ابتاع شِقصاً ومع مائة درهم بمائة دينار- يريد محمد على قول أشهب- الذي يجيز البيع والصرف معاً [في صفقة] (¬8). -------- (¬6) في الأصل، أخذ من الشفيع الشقص. (¬7) في الأصل، ثم إن استحق البعير. (¬8) (في صفقة) ساقطة من الأصل مثبتة من ع وف.
في الشقص يباع بما لا يسوى أو يضع البائع من ثمنه أو يزاد فيه أو يأخذ في الثمن غير ما وقع به
في الشقص يباع بما لا يسوى أو يضع البائع من ثمنه أو يُزاد فيه أو يأخذ في الثمن غير ما وقع به أو يشتريه بثمن قليل واختلاف الشفيع والمبتاع في الثمن من المجموعة قال سحنون: إذا ظهر للحكم في ثمن الشقص تجاوز [إلى] (¬1) ما لا يشبه التغابن فيه أو الزيادة في مثله بجوار مِلك أو حديد وكان الأغلب أنه حيلة لقطع الشفعة فليرده إلى أشبه ذلك وأقربه إلى قيمة الشقص، وإن ادعى الشفيع علم الثمن قضى له/ به مع يمينه إلا أن يأبى بأقل من القيمة. قال ابن المواز قال مالك في رواية أشهب وهو في العتبية: في اختلاف الشفيع والمبتاع في الثمن أن المبتاع مصدق فيما يشبه بلا يمين. [وفيما لا يشبه مع اليمين إلا أن يكون يجاوره ملك أو سلطان، فيصدق فيما لا يشبه الثمن بلا يمين] (¬2). وقال ابن حبيب: إن ذكر المبتاع ما يشبه وعلى ذلك بينة لم يحلف وإن أتى بسرف سُئلت البينة فإن قالوا شهدنا على إقرارها رد إلى القيمة وإن قالوا على معاينة النقد قيل للشفيع خذ بذلك أو دع. وقال مطرف: يُصدق المشتري وإن جاء بسرف من الثمن. ومن العتبية (¬3) روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن أوصى أن يُباع شِقص له قيمتُه ثلاثون ديناراً من رجل بعشرة دنانير ولا مال له غيره ثم مات فإنه يقال للمبتاع إن لم يجز ذلك الورثة فزد عشرة أخرى وخذ الشقص، فإن فعل فللشفيع أخذ الشقص بعشرين وإن أبى قطعوا له بثلث الشقص ولا شفعة فيه للشفيع، قيل له: لم أعطيتها للشفيع بعشرين وقد حُوبي المشتري بعشرة؟ قال: كما قال ¬
لو اشترى رجل شقصاً بعشرين وقيمته أربعون وحاباه بعشرين فللشفيع أخذه بعشرين. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن باع في مرضه شقصاً فحابى فيه فالبيع جائز والمحاباة في ثلثه ويأخذه الشفيع بذلك الثمن ولو كان في صحته فهو كذلك إلا أن يبقى (¬1) ما لا يُشبه أن يكون ثمناً لقلته فلا شفعة بذلك في صحة أو مرض، ومنه من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: إذا قال البائع بعد البيع للمبتاع/ اشترِ حصته فزدني فزاده فلا شيء على الشفيع من الزيادة. قال أشهب في المجموعة: وللمبتاع أن يرجع على البائع بما زاده بعد أن يحلف ما زاده إلا فراراً من الشفعة وإلا فلا رجوع له. قال ابن المواز وقال عبد الملك: يأخذ الشفيع بما زاد البائع وإلا ترك ولا يتهم [المبتاع] (¬2) أن يزيد إلا بصلاح البيع. قالوا كلهم: وإذا استوضع المبتاع البائع بعد البيع قبل أخذ الشفيع أو بعده فوضع عنه فذلك موضوعٌ عن الشفيع إن كان مما يوضع مثله في البيوع وإن كان ما لا يتواضع مثله فذلك هبة. قال أشهب: وهذا استحسان والقياس أن يحط ما حط عنه قل أم كثر بمنزلة ما باعه إياه بدءاً بنصف ثمنه أو بثلثه فللشفيع أخذه بذلك وإن كان التخفيف عنه على وجه الصلة، قال محمد: وقد قال ابن القاسم أيضاً: إن بقي من الثمن ما يُشبه أن يكون ثمن الشقص فهي ذريعة وتهمة بينة وليُحط عن الشفيع ما حط وإن كان ما بقي لا يشبه ثمنه لم يلزمه أن يَحُط ما حطه. قال أشهب في المجموعة: وإن كانت الوضيعة بعدما سلم الشفيع الشفعة فإن كان يشبه ما وضع الآن فحاص له فللشفيع الرجوعُ إلى الأخذ بهذا الثمن، وإن كان لا يشبه مثل أن يضع أكثر الثمن فلا رجوع للشفيع إليها. ¬
في الشقص يؤخذ في صلح من دم عمد أو خطأ أو يؤخذ في نكاح أو خلع أو يكون في ذلك غيره
ومن كتاب ابن المواز قال عبد الملك: إذا ابتاع شِقصاً بدنانير فنقد عرضاً أو بعرض فنقد دنانير فليأخذه الشفيع بما خلص إلى البائع من الثمن من عرض أو عين. قال محمد: وأحب إلينا ألا/ يأخذه إلا بما وقع عليه العقد إن أخذ عرضاً من ذهب أو ورق فليأخذ الشفيع بالعين إن كان مثل ذلك أو أقل وقد قيل لما وقع عليه أصل الشراء أو قيمتُه إن كان عرضاً. قال ابن عبد الحكم: إلا أن يدفع ذهباً عن ورقٍ أو ورقاً عن ذهب فليأخذه بما دفع كالمرابحة. وقال أشهب: إن دفع ورقاً أو طعاماً عن ذهب أخذه الشفيع بأقل ذلك. محمد: وهذا أحب إلينا. قال سحنون في المجموعة: إذا أخذ عرضاً عن دنانير فقولنا أن يأخذه بقيمة العرض. قال ابن عبدوس وقال غيره: يأخذه بالأقل [من ذلك] (¬1). في الشقص يوخذ في صلح من دم عمد أو خطأ أو يؤخذ في نكاح أو خُلعٍ أو يكون في ذلك غيره قال مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة وغيرها: من صالح من دم عمد على شِقصٍ أو نكح به فالشفعة له بقيمته. قال ابن القاسم وأشهب: [ولا يجوز الإشفاع في ذلك إلا بعد المعرفة بقيمته. قال ابن القاسم وأشهب] (¬2): وإذا أخذ الشقص في ديةٍ خطأ فليؤجر الشفيعُ كما تُؤجر العاقلة فإن كان عن ثلث ديةٍ أخر عاماً وفي الثلثين يؤخر عامين. قال مالك: وفي النصف تجتهد فيه. وقال ابن القاسم: يؤخر عامين. وقال أشهب: يُؤدي الثلث في أول سنةٍ والسدس في الثانية. قال ابن عبدوس قال سحنون: لا يجوز أن يأخذ في النصف شِقصاً ولا غيره حتى يمضي فيه حِصته من حاكم يقطعها على العاقلة في سنتين أو غير ذلك، ¬
لأن ذلك إلى اجتهاد الحاكم فهو مجهول ولا يباع بشيء حتى يعرف بالحكم في قول/ ابن القاسم. وقال في المصالح عن جميع الدية على شِقص إن كان أعطى ذلك العاقلة أهل ذهبٍ أو ورقٍ فالصلح جائز. فيرجعه ابن القاسم عليهم بالأقل إن كان صلحه عليهم. وإن كانوا أهل إبل فإن كان القاتل يعطي الشقص ولا يرجع بذلك على العاقلة فهو جائز، وإن كان إنما صالح عنهم ليرجع لم يجز الصلحُ لأنهم عليه مُخيرون ويُرجع في هذا إلى مسألة ابن القاسم في الكفيل يصالح عن الغريم. وكان سحنون يقول في هذا الأصل بقول عبد الملك: أن الدين له حُكمُ العرض، فإذا اشترى الشقص بالدية وهي ديته فإن كانت دنانير أو دراهم قومت بالعرض على أن تؤخذ في ثلاث سنين ثم يُقوم العرضُ بالعين. وقال عبد الملك: يأخذ ذلك بالعرض الذي قوم به الدين. قال سحنون: وإن كانت الدية إبلاً قومت على أن الإبل تؤخذ إلى ثلاث سنين ثم يأخذ بذلك الشفيع أو يدع- يريد وينقد. قال ابن المواز: رُوي عن ابن القاسم أنه يُؤخرُ الشفيع في دية العمد كالخطأ. قال أحمد بن ميسر: وهذا غلط لأنه إنما يؤخذ بقيمة الشقص، ولو صالحه على الدية مبهمةً أعطاه بها شِقصاً ففيه الشفعةُ بالدية على ما كان اتفقا عليه من تعجيل أو تأخير. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة عن ابن القاسم! في مسألة الموضحتين الخطأ والعمد يؤخذ بهما شِقصٌ في دار فذكر قول ابن القاسم. قال ابن عبدوس: وهو قول أشهب. وذكر قول المغيرة فحكى نحوه عن ابن الماجشون، وقاله سحنون في مسألة الخلع. /وقال ابن المواز: قال ابن نافع: لا يكون للموضحة العمد إلا ما فضل عن قيمة الشقص فإن كانت قيمته خمسين فأقل أخذه الشفيع بخمسين وعلمنا أنه لم يأخذ للعمد شيئاً، وإن كانت قيمتُه ستين علمنا أن الزائد للعمد فيأخذه بخمسين وبسدس قيمة الشقص، وبهذا أخذ ابن المواز وأعاب قول ابن القاسم.
قال ابن المواز: ولو ودى الجارح في الموضحتين عمداً وأخذ من المجروح شِقصاً فإن زادت قيمة العبد على قيمة الشقص ودية موضحة الخطأ شيئاً فالزيادة للعمد وإن لم يزد لم يكن للعمد شيءٌ مثل أن تكون قيمة العبد مائةً وخمسةً وعشرين وقيمة الشقص خمسين فصار خمسُ العبد للعمد فعلى الشفيع خمسُ قيمة العبد، قال ابن المواز: وإن كانت قيمة العبد مائة عُلم أن العمد لم يُؤخذ له شيءٌ وإن كانت قيمتُه أقل من مائة لم يأخذ الشفيع إلا بنصف قيمة العبد إن كانت قيمة الشقص خمسين وإن كانت قيمتُه مائة أخذه بثلثي قيمة العبد. قال يحيى بن عمر: ولو صالحه منهما بشقصٍ وبعشرة دنانير فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطأ خاصة ويأخذ الشقص بأربعين ديناراً وبخمسة أسباع قيمة الشقص، وإن صالح منهما على شِقص وعرض قيمتُه عشرون ديناراً فالعرض مقسومٌ على الموضحتين وليأخذ الشقص بأربعين ديناراً أو بنصف قيمة الشقص. قال أصبغ: إذا صالح منهما على شِقص وعبد وقيمةُ العبد مثل قيمة الشقص فقد أخذ العبد بنصف الموضحتين وبقي للشقص نصفهما فيأخذه بنصف موضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص ما بلغ/، وإن كان العمد من ذلك الثلث أو الربع أو الثلثين فما بقي للشقص فهو للموضحتين. قال أصبغ: ولو كان المجروح أعطى عبداً وأخذ شِقصاً فقال: تُقوم موضحة العمد بالاجتهاد ويُنظر ما قيمة العبد وإلى عقل موضحة الخطأ فأخذ بذلك كله- يريد أصبغ إن كانت قيمة العبد بالاجتهاد- وقدر الثلث من الجميع أخذ الشقص بخمسين للخطأ وبقيمة العبد وبثلثي قيمة الشقص وجرى كلام أصبغ ها هنا على أن موضحة العمد مقسومة بالاجتهاد وجعلها في الصلح منهما على شقص من غير عطية من المجروح على معنى ابن القاسم أن المأخوذ مقسومٌ على الموضحتين بالسواء ولم يجعل للعمد قيمةً بالاجتهاد. ومن كتاب ابن المواز: ومن أخذ في موضحة خطأ شقصاً ودفع خمسين ديناراً فليأخذه الشفيعُ بمائة دينار، وإن كانت موضحة عمداً فقط فودى المجروح
عشرة وأخذ شِقصاً فلينظر إلى قيمته فإن كانت خمسين فعلى الشفيع عشرة وأربعة أخماس قيمة الشقص، وإن كانت ستين فعشرة وخمسة أسداس قيمة الشقص. قال عبد الملك: ومن نكح بشقص معه عرضٌ أو مالٌ فالشفعة فيه بقيمة الشقص ما بلغ، قال: ولو نكح على أن أخذ منها شقصاً فأعطاه عشرة دنانير فإن كانت قيمة الشقص عشرةً فسخ النكاح وإن نقصت قيمتُه ربعَ دينارٍ فأكثر جاز النكاحُ، قاله عبد الملك، وبه أقول، وكرهه ابن القاسم، ولم نجد له فيه حجةً، قال عبد الملك في المجموعة: فإن شاء الشفيع الأخذ/ ضم قيمة الشقص إلى العشرة فإن كان الشقص نصف الجميع استشفع بنصف العشرة وإن رُبعاً فبربعها (¬1)، وهذا من قول عبد الملك على أصل المغيرة الذي في المدونة، وهذا الذي رُوي عن عبد الملك في المجموعة من قوله: النصف أراه لا يصح وإن صح فهو خلاف ما ذكر عنه ابن المواز: أن النكاح يفسد حتى يبقى مما اعطى الزوجُ ربع دينار. وقال عبد الملك في المجموعة: إذا نكح امرأة بشقص وأخذ منها ديناراً وفي ذلك فضل مما لا ينقض النكاح فليضُم الدينار إلى قيمة الشقص فإن كان الدينار من جميعه العشر استشفع بدينار وبتسعة أعشار قيمة الشقص أو رُبع دينار وقيمة ثلاثة أرباعه قال: وإن أصدقها شِقصاً وعبداً وأخدمها عشرة دنانير وفي ذلك فضلٌ مما لا يفسد النكاح ضممت العشرة إلى قيمة الشقص والعبد (فإن كانت العشرة الثلث فقد نقلت من العبد ثلثاً ومن الشقص ثلثاً) (¬2) فإن كانت قيمة الشقص أربعين وقيمة العبد عشرةً فذلك مع العشرة التي أخذ ستون فيستشفعه بأربعة أخماس العشرة وبخمسة أسداس قيمة الشقص، وقاله سحنون في الخُلع، وقال: فإن استحق العبد رجع بخمس العشرة وبخمسة أسداس قيمة العبد. ¬
ما جاء فيمن صالح من شقص أو على شقص أو صالح به الكفيل عن غريم
ومن كتاب ابن المواز قال: ولو خالعته على دنانير على أن أعطاها شقصاً فإن كانت قيمته أكثر من الدنانير فليأخذه الشفيعُ بمثل تلك الدنانير وإن كانت قينتُه أقل منها أخذ ذلك بالأقل/ وكذلك لو دفعت إليه عرضاً، وإن كان الشقص منها والدنانير منه فعلى الشفيع الأكثر من قيمة الشقص أو من الدنانانير. وكذلك في جناية العمد يأخذ المجني عليه شِقصاً ويَرد مالا فليأخذ الشفعة بالأكثر، فإن أعطى شِقصاً وأخذ مالاً فليؤخذ بالشفعة بالأقل، ولو جرحت زوجها موضحة (¬1) خطأ ودفعت إليه عن الموضحة وعن الخُلع شِقصاً فليأخذ الشفعة (¬2) بالأكثر من دية موضحته الخطأ أو قيمة الشقص. ولو دفع الجارح أو المختلعة شقصاً ومالاً أو شقصاً وعرضاً أو شقصاً وجرحاً خطأ فالشفعة بقيمة الشقص ما بلغت [من ذلك] (¬3). ما جاء فيمن صالح من شقص أو على شقص أو صالح به الكفيل عن غريم ومن كتاب محمد: ومن ادعى حقاً في دار بيد رجل فصالحه بدنانير أو بشقص في دار أخرى ولم يُسم ما (¬4) دعواه من الدار فإن كانا يجهلان ذلك ويمكنهما معرفتُه أو كان أحدهما يجهله فلا يجوز الصلح. قال أحمد بن ميسر: وإن عرفاه جميعاً جاز. قال محمد: وإن لم يعرفاه جميعاً ولا يصلان إلى معرفته فجائز. ومن ادعى حقاً في دار مُقر فيه (¬5) والمدعى عليه منكر فصالحه [منه بدنانير فلا شفعة له في ¬
ذلك. وإن ادعى عليه سُدس ما بيده فأنكر فصالحه] (¬1) على شقص في دار أخرى ففيها أخذ المدعي الشفعة بقيمة المدعى عليه ولا شفعة في المدعى فيه. وإذا لم يُسم دعواه وهو بها عالمٌ (¬2) لم يجز الصلح ولا شفعة في ذلك. [قال مالك: ومن باع/ شِقصاً بجارية وقال إنما رغبتُ في الجارية لهواي فيها فالشفعة في ذلك] (¬3). قال في المجموعة ابن القاسم وأشهب: ومن تحمل بنفس رجل فغاب المكفول به فلم يقدر عليه فصالحه الكفيل بشقصٍ فالصلح جائز إذا علم الدين ويأخذه الشفيع بالدين. قال أشهب: وإن صالحت وأنت لا تدري ما يثبت للذي تكفلت له إلا أنه قد سماه لك فللشفيع أن يُحلِفه أن دينه (¬4) كذا وكذا ثم يأخذه الشفيع بذلك إن شاء، وإن أخذ به ثم جاء الغريم فلم يستحق قبله من دعواه شيئاً لم يرجع الكفيل عليه بشيء ورجع على المتحمل له بالثمن الذي أُخذ من الشفيع لأنه الذي رضي أن يبيع به شِقصه إن كان صلحاً بغير إقرار، وإن كان بإقرار منك لم يرجع عليه بشيء. والشفعة في جميع ذلك بما أخذها [به] (¬5) ثبت الحق أو لم يثبت أو ثبت بعضُه وإن كان إنما تحمل بالوجه وليس من المال في شيء فصالحه على شِقصٍ فللشفيع الشفعةُ بالأقل من قيمة الشقص أو مما على الغريم. ¬
في الشفعة في هبة الشقص للثواب أو لغير الثواب [أو بعطاء أو به حباء]
وقال ابن حبيب في كتاب الأحكام في باب (¬1) الصلح قال أصبغ: في الطالب يصالح المدعى عليه من دعواه وهو منكر على شقص في دار أنه لا شفعة فيه لأنه كالهبة (¬2). في الشفعة في هبة الشقص للثواب أو لغير الثواب [أو بعطاء أو به حباء] (¬3) قال ابن عبد الحكم في المختصر: اختلف قول مالك في الشفعة في الشقص يوهب لغير الثواب [فقال فيه الشفعة بقيمته وقيل لا شفعة فيه] (¬4). ومن العتبية (¬5) روى عيسى/ عن ابن القاسم: فيمن تصدق على أخت له بحصة في قرية وقال: كنتُ أصبتُ من مورثها مالاً فسهمي عليها صدقة في ذلم ولا يعلم ما أهاب من مالها قال: لا شفعة في ذلك لأن الثمن لا يُعرف ولا حوز عليها في ذلك الحظ لأنه لها بمعنى الشراء. قال سحنون مثله قال: لأنه ليس ببيع وهو تمخ (¬6) فيما لا يعرفه المقرله ولا يطلبه ولو كان عن شيء يطلبه أو يدعيه فصولح عنه (¬7) كان كالبيع وأخذ الشفيعُ ذلك بالقيمة إن لم يُسم ما أصاب من مورثها. ومن كتاب ابن المواز قال: فإذا وهبه شقصاً لغير الثواب فلا شفعة فيه وإن أثبت منها فلا شفعة فيها ولا في عوضها. ¬
قال محمد: وإذا فاتت الهبة للثواب في الرباع فوتاً يوجب القيمة فقد اختلف في فوتها. فقال ابن القاسم: حوالة الأسواق في الهبة فوتٌ إلا في الدور، وقال أشهب: هو فوتٌ في الرباع والهبة والبيع الفاسد، وقاله ابن عبد الحكم، فإذا فاتت على ما ذكرنا فقال أشهب: فقد وجبت القيمة والشفعة، وقال ابن القاسم وعبد الملك: (لا يوجب الشفعة حتى يدفعوا الثواب أو يُقضى به ويُعرف) (¬1). قال عبد الملك: إذ لعله يقول لم أرِد ثواباً وإن رأى الناسُ أني أردته (¬2) فلا يكون له ثواباً ولا قول للشفيع أنك أردت إبطال شفعتي، وإن رأى أن الثواب قُبِضَ وكُتِمَ أحلف من بيده الشقص، قال محمد: وإن ترك الثواب بموضع الشفعة فلا شفعة إلا بعد دفع الثواب. ومن العتبية (¬3) قال:/ عيسى عن ابن القاسم: فيمن دفع شقصاً على ثواب فيقول الموهوب له: مالي غائب أو غلامي غائب بمالي، أو شيءٌ يعتذر به فخذ عشرة دنانير فإذا قدم مالي أتيتُك بثواب ترضاه وتأخذها فيقوم الشفيع يريد الأخذ بالشفعة فلا شفعة له حتى يُثاب تمام الثواب، وكذلك لو قال الشفيع: أنا أدفع العشرة فإذا دفع تمام الثواب دفعته فليس ذلك له لأنه [إن لم يشبه رضاه رجع في عشرته] (¬4) ولم يلزمه تمام المثوبة ولا قيمة الهبة وذكر مثله ابن حبيب عن مطرف. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أثابه في الشقص أكثر من قيمته فقال أشهب: إن كان قبل فواتها فلا يأخذها [الشفيع إلا بجميع العوض وإن أثابه بعد فواته (¬5) أخذها] (¬6) بالأقل من ذلك أو من قيمتها وقال ابن القاسم وعبد الملك: ¬
ما جاء في الشفعة في البيع الفاسد
بل بقيمة العِوض ما بلغ. قال مالك: وإذا أظهر الصدقة لم يحلف المتصدق عليه إن كان ممن لا يتهم وإن كان ممن يُتهم أُحلف. وقال ابن نافع عن مالك في المجموعة: يُنظر، فإن رأى أنه وُهب لثواب لأنه محتاج وهب لأغنياء فاليمين على الموهوب وإن كان ضغيراً فعلى أبيه (¬1) الذي قبل ذلك له وإن كان مستغنياً عن ثوابهم وإنما وهب لقرابة أو صداقة فلا يمين في ذلك وإن وهب ولا قرابة بينهم ولا إخاء ولا حاجة له إليهم فاليمين في ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن أعمر داره على عوض لم يجز ورُدت ورد غلتها لربه (¬2). قال ابن القاسم: لأن ضمانها منه ويرد العوض، فإن فات/ فقيمته وما كان له مثل فمثله. قال محمد: بل الغلة للمستغل وعليه كراء المثل فيما سكن كالكراء الفاسد يفسخ ما بقي. قال ابن القاسم وأشهب: فيمن وهب داراً فاستحق رجل نصفها واستشفع فجميع الثمن للواهب، ولو وهب شِقصاً اشتراه فأخذه الشفيع من الموهوب فله الثمن عند ابن القاسم إذا كان يعلم أن له شفيعاً، وقال أشهب: الثمن للواهب في الشفعة والاستحقاق. قال محمد: وهذا أحب إلينا لأنه بالبيع الأول يأخذه فهو يفسخ ما بعده [من بيع]. [ما جاء] (¬3) في الشفعة في البيع الفاسد قال ابن المواز: لا شفعة في بيع فاسد عند مالك إلا بعد فوت الشقص، والفوت فيه عند ابن القاسم البناءُ والهدمُ والغرسُ وقلعُ الشجر، وقال أشهب: حوالة الأسواق فوت في الرباع كغيرها. قال: وإن أخذه الشفيع قبل فوته بمثل ما اشتراه به فلينقض أيضاً (¬4) إلا أن يفوت في يده، فإن فات [في يده] (¬5) ببعض ما ¬
ذكرنا فرجع البائع على المشتري بقيمته يوم قبضه لزم الشفيع ما لزم المشتري من تلك القيمة إلا أن يكون أكثر- يريد مما أخذه به الشفيع- فالشفيع مُخير إن شاء رد الشفعة وإن شاء تمسك (¬1) بها بتلك القيمة ما بلغت. قال: وإن فات الشقص عند المشتري قبل أن يأخذه الشفيع ثم تراد البائع والمبتاع القيمة انتقضت الشفعة بكل حال وخُير الشفيع إن شاء أخذه بالقيمة التي رجع المشتري إليها ما بلغت وإن شاء أسلم (¬2). قال محمد: بل ذلك سواء/ فات عند المشتري قبل أن يأخذه الشفيع أو لم يفت حتى أخذه الشفيع فقد لزم الشفيع أخذُه بما ترادا به إلا أن يكون أكثر فيكون مخيراً بين أن يرد أو يأخذها بذلك. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: وإن باعه المبتاع بيعاً فاسداً. قال أشهب: أو ولاه رجلاً لردا جميعاً ما لم يفت، قال أشهب: ولا شفعة للشفيع لأن بيعهما جميعاً مردود، فإن كان قد فات عند الأجل فللشفيع أخذها من أيهما شاء بالقيمة التي لزمته بعد علمه بها، وإن كان إنما فاتت (¬3) عند الأول ولم تفت عند الآخر فبيعُ الآخر مفسوخٌ وللشفيع الشفعة بالبيع الأول. محمد: ولو باعه ثانٍ من ثالثٍ بيعاً جائزاً فهو فوتٌ وللشفيع الشفعةُ على أيهما شاء، فإن أخذها من الأول فبالقيمة يوم قبضها ويرجع كل واحد من الباقين بما دفع، وإن أخذ من الثاني فبالقيمة يوم بيعه وقبضه بعد علمه بذلك كله، وإن أخذ من الثالث فبالثمن وعهدتُه على من يأخذ منه. وإن أخذ من الأول زالت عن الباقين ولا يأخذ من الأول ولا من الثاني حتى يتراجعوا القيمة وتُعرف، ولو فعل ¬
قبل ذلك لنقض بذلك البيع الصحيح وما قبله وزالت الشفعة أخذها من الأول أو الثاني. ولو لم يأخذ بالشفعة حتى تراجعوا القيمة أو دخله فوت يوجب القيمة لم يكن فيه فسخ وليأخذ إن شاء بالقيمة ممن لزمته وعليه عهدته بعد معرفتهما وإلا فأخذه باطل. قال ابن ميسر: ثم له إذا عرفها أن يأخذ قال: وإن شاء بالثمن من الآخر. قال/ أشهب في المجموعة: وإن كان مبتاع الشقص بيعاً فاسداً باعه من بائعه إياه بيعاً فاسداً أو جائزاً ولم يدخل الشقص فوتٌ إلا البيع فلا شفعة للشفيع على واحد منهما (¬1) وليس هذا البيع فوتاً وليترادا ما تعاطيا فإن باعه البائع بعدما اشتراه [بيعاً جائزاً فللشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة، محمد وإذا اشتراه] (¬2) الثاني من الأول شراءً صحيحاً ثم لم يقم الشفيع حتى رده الثاني بعيب فإن كان ذلك بعد أن غرم الأول قيمة الشقص لفساد البيع فليس له رد بفساد البيع وله الرد بالعيب إن شاء. قال ابن عبدوس قال سحنون: كيف يكون للمشتري الأول ردها بالعيب على البائع الأول والبيع الأول قد انتقض ووجبت فيه القيمة لفوته وإنما يجب عليه الرجوعُ بفضل ما بين القيمتين، قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة فيصير المشتري غرم قيمة ما فات في يديه وليس ردها بالعيب كقولهم: فيمن تعدى على دابةٍ فضلت فغرم قيمتها بعد أن وصفها فحلف ثم وُجدت على خلاف ما وصف فليس لربها أخذها وإنما له تمام القيمة؟ قال ابن المواز: وإن كان ذلك قبل تراجع القيمة فسخ البيع الأول ورجعت إلى البائع الأول، قاله ابن القاسم، ولو لم يفت الشقص بيد الأول إلا ببناء أو هدم فليس للشفيع أن يأخذ حتى يتراد البائع والمبتاع القيمة ثم يأخذه ويغرم قيمة ما ¬
في الشفعة في بيع الخيار أو فيما يرده بعيب أو بفلس أو فيما يستحق منه
بناه قائماً ولا يُحط من قيمة الشقص للهدم شيءٌ ولا لما هلك بغير سببه ولا بنائه من نقضه حُسب على المبتاع قيمة ما سُلم منه نقضاً وكان له (¬1) على الشفيع قيمة ما بناه قائماً وإلا فلا شفعة له. / في الشفعة في بيع الخِيار أو فيما يَرُده بعيبٍ أو بفلس أو فيما يستحق منه وكيف إن غصب عبداً فابتاع به شِقصاً من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال مالك: ومن ابتاع شِقصاً بالخيار له أو لبائعه فلا شفعة حتى يَنفذ البيعُ. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: وكذلك إن كان الخيارُ لأجنبي قال في كتاب ابن المواز: ولو سلم الشفيعُ شفعته قبل تمام الخيار لم يُبطل ذلك شفعته وله القيام إذا تم البيعُ وإذا باع شِقصاً بالخيار ثم باع الشفيع شقصه بيع بتل قبل تمام الخيار فروى أصبغُ عن ابن القاسم أن من صار إليه شِقصُ الخيار له الشفعة في بيع البتل للبائع إن تم لمبتاعه، وإن رجع إلى بائعه فهي لبائعه، قال محمد: وأحب إلينا أن تكون الشفعة في بيع البتل للبائع أولاً على الخيار رجع إليه شِقصه أو تم فيه البيعُ لأنه لم ينفذ بيعُه حتى وجبت فيه الشفعة في شِقص شريكه وقاله أصبغ. قال ابن حبيب عن مطرف كقول ابن القاسم وقال عن ابن الماجشون: إنه إن اختار المشتري وله الخيار ينفذ البيعُ كانت الشفعة لبائع الخيار في بيع البتل لأنه كأنه باع بعد ان وجبت له الشفعة فإن ترك البائع بالخيار الأخذ بالشفعة فالشفعة للمشتري البتل فيما بيع بالخيار لأن بيع الخيار إنما بتل (¬2) يوم الخيار وقال مثله أشهب وفي غير كتاب ابن حبيب قال أشهب: الشفعة لمبتاع البتل/ في المبتاع بالخيار. ¬
قال ابن حبيب عن مطرف: من باع نصف دار بالخيار لأحدهما ثم باع باقيها بيع بتل فإنه إن اختار ذو الخيار تنفيذ البيع وكان هو المبتاع فالشفعة لمشتري البتل وإن رد البيع فلا شفعة فيه للبائع الأول لأنه هو الذي باع. ومن العتبية (¬1) روى يحيى عن ابن القاسم: فيمن باع داراً بعبد أو عرضٍ فاستحق نصفها فيرد المبتاع النصف الباقي على لابائع ثم قام الشفيعُ فالشفعة له واجبةٌ على المبتاع لا يقطعها رده للنصف قال: وإذا ابتاع داراً ثم ردها بعيبٍ دلس له به ثم استحق نصفها بعد أن ردها فالشفعة له إن شاء من حِساب جميع الثمن، وإن اشتراها بعد فاستحق نصفها وترك المستحق الشفعة ورضي المبتاع بإمساك النصف ويرجع في نصف العبد فإن فات رجع بنصف قيمته، فإن قال البائع: لا أحب نصف عبد فله ذلك وينتقض إلا أن يكون العبد فائتاً فلا حجة له. قال أشهب في المجموعة: ومن ابتاع شقصاً فوجد به عيباً فأراد رده وطلب الشفيع أخذه وري بعيبه فللمبتاع رده ولا شفعة للشفيع، وقال سحنون في العتبية (¬2). في استحقاق أكثر ما اشترى أنه المقدم في الخيار. وقال أشهب: ومن اشترى شِقصاً بتسعين وأسلق عشرة فقال لرجل: قامت عليَّ بمائة فأنا أولاهما فولاه ذلك فليس البيعُ الثاني فاسداً ولكنه بيع تدليس فالمشتري الثاني مُخيرٌ إن شاء التمسك ببيعه وللشفيع الشفعة وإن شاء رده ولا شفعة، وإن فات الشقص ببناء أو هدم لزمه الأقل من المائة أو القيمة/ إلا أن تكون القيمة أقل من التسعين فلا تُنقض منها ويأخذ الشفيع بذلك. وقال سحنون: إذا فلس مشتري الشقص فرجع إلى بائعه فللشفيع الشفعة لأنه بيعٌ جديدٌ وليس كبيع الخيار ولا بيع العيب. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع شِقصاً بحنطة فأخذه الشفيع بمثلها ثم استحقت الحنطة الأولى فقال ابن القاسم: يرجع على بائعه بمثلها، قال محمد: ¬
وهذا غلطٌ بل يرجع بقيمة شقصه ولو لم يأخذ بالشفعة لأخذه بعينه، وقد قال مالك [فيمن] (¬1) ابتاع حنطة بعينها فاستُحقت أنه لا يرجع بمثلها. ومنه ومن المجموعة (¬2) قال ابن القاسم: ومن ابتاع شِقصاً قيمتُه ألفٌ بعبد قيمتُه ألفان فأخذه الشفيع بقيمة العبد ثم استُحق العبدُ فليرجع البائعُ أيضاً بقيمة شِقصه [ألف ولو كان الشقص قيمته ألفان وقيمة العبد ألف ثم استحق العبد لرجع البائع أيضاً بقيمة شقصه] (¬3) ولا رجوع للشفيع عليه بشيء. وقال ابن القاسم (¬4) وقاله أشهب وأصبغ وقال عبد الملك في الكتابين: إن الشفيع مخيرٌ إن كان قيمة الشقص أكثر فإن شاء استشفع بذلك وإن شاء رد، قال في غير الكتابين: إن كان قيمة الشقص أقل رجع الشفيع بما بقي له، وقاله سحنون، وقال ابن القاسم في الكتابين: فيمن غصب عبداً فابتاع به شِقصاً فما دام العبدُ قائماً فلا شفعة في الشقص وإن (فات) حتى يحسب على غاصبه قيمته فالشفعة للشفيع بقيمته يوم بيع الشقص. قال ابن المواز: لا شفعة له حتى يفوت العبد بالموت ولا بقية العيوب، لأن لربه أخذه معيباً، فإذا مات فللشفيع الشفعة بقيمة العبد يوم اشترى به الشقص وعلى الغاصب قيمتُه/ يوم الغصب، وكذلك لو اشتراه وهو لم يعلم بالغصب حتى ابتاع به شِقصاً فلا شفعة فيه حتى يفوت العبد بالموت لأن لربه أخذه معيباً إن شاء. قال سحنون: ليس هذا جواب ابن القاسم في العبد (المغصوب) (¬5) وإنما ينظر فإن كان مشتري العبد عالماً بغصبه فاشتراه على ذلك فإنه ينظر ربه فإن جاء فأجاز البيع وجبت الشفعةُ وإن أخذ عبده انفسخ البيعُ وإن لم يعلم مشترية بالغصب وعلم بذلك في قيام الشفيع فإن كان رب العبد قريب الغيبة انتظر حتى ¬
في عهدة الشفيع وفي قبض الثمن
يقدم فيجيز أو يفسخ وإن بعُدت غيبته فللمبتاع فسخُ البيع ويرجع إليه الشقص وإن لم يفت حتى أخذ الشفيع بالشفعة فقد مضت الشفعةُ ونرجعُ إلى مسألة ابن القاسم إذا أخذ بالشفعة ثم استُحق العبدُ. في عهدة الشفيع وفي قبض الثمن قال ابن المواز: أجمع مالك وأصحابُه أن عهدة الشفيع على المشتري، قال أشهب في المجموعة: وإليه يدفع الثمن غن كان المبتاع قد دفعه إلى البائع وعلى المشتري قبض الشقص ودفعه إلى الشفيع، فإن كان المشتري حاضراً ولم يدفع الثمن دفع الشفيع الثمن إلى البائع وعلى المشتري قبضُ الشقص للشفيع، وإن شاء الشفيع قبضه من البائع وعهدتُه في ذلك كله على المبتاع. ومن كتاب ابن المواز قال: فإن غاب المبتاع ولم يكن نقد فأبى البائع من دفع الشقص. قال ابن القاسم: ينظر فيه السلطان (¬1). وقال أشهب/ في الكتابين: إن قرُبت غيبته كتب إليه حتى يقدم فتكتب عليه العُهدة فإن بعدت غيبتُه قضى للشفيع بشفعته وقضى للبائع بقبض الثمن منه إن لم يكن قبضه وإن كان البائع قد قبضه أخذه الإمام من الشفيع فأوقفه للمبتاع وكتب عليه العهدة، فإذا قدم أشهد بذلك على نفسه. محمد: وإن مات فالعهدة على ورثته- يريد في تركته. قال ابن حبيب: وإذا حكم على المبتاع بشفعة فأبى من اخذ الثمن فيوقف له مالاً من ماله والشفيع منه بريءٌ ومن كتاب ابن المواز: وإن قبض المبتاع الشقص وسكنه ثم مات وقام غرماؤه وقام البائع بالثمن وقام الشفيع فالبائع أحق بالثمن من غرماء المشتري. محمد: ولو فلس المبتاع فالشفيع أحق بالشقص ويدفع الثمن إلى البائع. ¬
فيمن وجبت له الشفعة فلم يقم بها حتى باع شقصه، وفيمن باع بعض حظه
فيمن وجبت له الشفعة فلم يقم بها حتى باع شقصه وفيمن باع بعض حظه هل يستشفع فيه بما بقي؟ من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن وجبت له شفعة ثم باع شِقصه وهو لا يعلم بذلك فله الشفعة وتُكتب عهدتُه على المبتاع، وقال مثله مطرف في كتاب ابن حبيب. وقال أشهب في المجموعة: اختلف فيه قول مالك، وأحب إلي ألا شفعة له بعد. قال أحمد بن ميسر: لا شفعة له بعد أن باع إلا أن يبقى له بقية أخر/ لأن أصل الشفعة لما يدخل على الرجل من تضييق الواسع وخراب العامر وهذا فليس له شيء. وقال ابن المواز: إذا باع نصيبه بعد أن وجبت له الشفعة من المبتاع من شريكه أو من غيره فشفعته قائمة في الشقص الأول إن قام بها. ومن المجموعة قال أشهب: من باع بعض حصته من دار فلا شفعة له مع الشريك بما بقي له لأنه باع راغباً في البيع وإنما الشفعة للضرر. قال غيره: ولو باع السطان على غائب بعض شِقصه في دينٍ عليه ثم قدم فلا شفعة له فيه، وكذلك لو باع جميعها عليه وعلى شريكه فلا شفعة لهما فيما بيع عليهما وهو كما لو باعاهما. قال أبو محمد: وتبين لي أن رجلاً لو باع شِقصاً له في دار ثم إن المشتري منه باع ذلك الشقص من رجل آخر أن لبائعه الأول فيه الشفعة لأن هذا بيع ثانٍ لم يله البائع الأول فلا حجة له فيه وليس له أخذه بالشفعة من هذا المشتري منه لأنه ولي بيعه. ¬
في تأجيل الآخذ بالشفعة في الأخذ وفي الثمن، وفيما تنقطع به شفعة الحاضر
في تأجيل الآخذ بالشفعة في الأخذ وفي الثمن وفيما تنقطع به شفعة الحاضر من العتبية (¬1) من رواية أشهب عن مالك وهو في كتاب ابن المواز قال مالك: فيمن باع شِقصاً من حائط غائب فقال الشفيع دعني حتى أنظر فليس له ذلك إلا أن يكون الشقصُ على ساعةٍ من نهار وإلا فليس له ذلك. قال ابن المواز: لأن الصفة (¬2) التي اشترى عليها المشتري تجري ويكتفي الشفيع بها عن النظر لأمر المشتري لأن المشتري إنما اشترى/ عن صفة أو عيان. ومن كتاب ابن المواز: وإذا رفعه المشتري إلى الإمام خُير الشفيعُ فإما أخذ أو ترك [وإن طلب التأخير اليومين والثلاثة لينظر رأيه فليس ذلك له ويسلمه السلطان إلى المشتري فإما أخذ] (¬3) الشفيع في مقامه أو ترك وقال أشهب في المجموعة مثله. وقال غيره: إذا طلب الشفيع عند الإمام الشفعة كلف الإمام المبتاع يثبتُ شراءه وإذا أثبت أحلفه لقد نقد ما سمى من الثمن وما أعلن شيئاً وأسر غيره وما ابتاعه بعرض ولا بدينٍ ثم قيل للشفيع أتأخذ أو تُسلم؟ فلا يبرح من المجلس حتى يأخذ أو يُسلم، فإن أخذها ضرب له في الثمن أجل يومين أو ثلاثة وإن لم يضرب أجلاً فلا بأس به، وإن طلب المبتاع بعد ذلك عند الحاكم في الثمن خيره في ذلك المجلس فإما ودى الثمن [أو قطع] الشفعة. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: يؤخره السلطان اليومين أو الثلاثة ليستشير وينظر. وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثل ما ذكر ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: وإن أوقفه غير السلطان فذلك بيده وإليه حتى يوقفه السلطان. قال مالك في هذه الكتب: فإن أخذ بالشفعة وطلب التأخير بالثمن اليومين والثلاثة فذلك له. ¬
قال في كتاب ابن المواز: فإن أجابه إلى ذلك وإلا فالمشتري أحق بها. وقال مالك: رأيت القضاة يؤخرونه هكذا. ومن العتبية (¬1) من رواية يحيى عن ابن القاسم: في الذي أخذ بالشفعة وطلب التأخير بالثمن فيؤخر ثم يبدو له ويأبى المشتري أن يقبله فالأخذ قد لزم الشفيع فإن لم يكن له مالٌ بيع حظه الذي استشفع وحظه الأول حتى يتم للمشتري جميع حقه ولا يقال إلا برضى المبتاع أن يُقيله/ وروى محمد عن أشهب نحوه. قال: وروى أشهب عن مالكٍ أن الحاضر إن لم يقم بشفعته حتى مضت سنة من يوم علمه ومن يوم بلغ الصغير لا أب له ولا وصي ومن يوم قدم الغائب فلا شفعة له. وقاله أشهب وقال: والسنة أصل في غير شيءٍ. قال ابن وهب عن مالك في المجموعة: إن لم تقم سنة ولا طلب فلا شفعة له وقال عنه أشهب: ليس في ذلك حد وذلك مختلف، ليس الأرض البراح مثل ما عُمر وأُحيي. قال في كتاب محمد روى عنه ابن القاسم: السنة والسنة قريب. وقال أشهب: إذا غَرُبت الشمس من آخر أيام السنة ولم يقم فلا شيء له. قال ابن ميسر: ما قارب السنة داخل في حكمها. قال غيره: إلا أن يقول الشفيع أنا على شفعتي ويشهد على ذلك شهوداً يشهدهم على المبتاع فله الشفعة، وإن طال مُكث ذلك لأنه قد أشهد عليه بالأخذ فترك المبتاع القيام عليه إلا أن يكون قد أوقفه السلطان فلم يأخذه بالشفعة وأشهد عليه بذلك. قال ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك: لا تقطع شُفعة الحاضر شيءٌ إلا أن يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك أو يتركها هو طوعاً أو يأتي من طول الزمان ما يُعلم أنه كان تاركاً لها أو يحدث فيها المبتاع بناءً أو غرساً أو هدماً أو تغييراً وهو حاضرٌ فتنقطع شفعته إلا أن يقوم بحدثان ذلك ومقاربته وأنكر أن يكون مالكٌ ما حدّ سنةٍ، وقالا: سمعناه وقد سُئل عن شفيع حاضر قام على ¬
شفعته بعد خمس سنين وربما قيل له أكثر من ذلك فيقول في هذا: لا أرى له طولاً ما لم يحدث المشتري بنياناً أو تغييراً بيناً/ وهو حاضر، فإن أجله أقصرُ من أجل الدين لم يحدث عليه شيءٌ. وقال أصبغ: هو على شفعته السنتين والثلاثة ونحو ذلك ما لم يبنِ فيه المشتري أو يبع. قال ابن حبيب: وروى ابن وهب عن مالك مثل رواية مطرفٍ وابن الماجشون. وروى أصبغ عن أشهب في العتبية (¬1) أنه قال: إذا عالج فيها المبتاع هدماً أو مرمة (¬2) فلا أرى إلا وستنقطع قبل السنة وإن لم يكن كذلك فإلى سنة. قال أشهب وللغائب سنة من يوم يقدم وكذلك الصغير له أجل سنة من حين يحتلم وكذلك في كتاب محمد عنه. وقال مالك في الكتابين: إذا حضر الشفيع الشراء وكتب شهادته ثم قام بعد عشرة أيام أو نحوها قال: ذلك له وأشدُّ ما عليه أن يحلف ما كان ذلك منه تركاً لشفعته ويأخذها. وروى عنه ابن القاسم في العتبية (¬3): في شفيع قام بعد شهرين أيحلف [أم لا؟] (¬4) قال: لا. وروى عنه: فيمن قام بعد تسعة أشهر. قال: يحلف. وفي كتاب محمد عن مالك: أنه يحلف في سبعة أشهر أوخمسة ولا يحلف في شهرين. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال الشفيع: لم أعلم بالبيع وهو (حاضر) (¬5) بالبلد فهو مصدق ولو بعد أربع سنين. محمد: وإن الأربع السنين لكثيرٌ ولا يصدق في أكثر منها وقاله لي ابن عبد الحكم. ¬
ما جاء في شفعة الغائب والصغير والمولى عليه
ما جاء في شفعة الغائب والصغير والمُولى عليه من كتاب محمد والمجموعة قال مالك: إذا قدم الغائب فله القيام بشفعته وإن طالت غيبته وإن لم يشهد في غيبته أنه على شفعته قال محمد: قاله مالك وأصحابه. ومن كتاب محمد: / قال مالك: إلا أن يقدم بعد طول العهد مما يُجهل في مثله أصلُ البيع وتموت الشهود، وأما في قرب الأمر مما يرى أن البائع أحق بالثمن لقطع الشفعة فليُقم على ما يرى من ثمنها يوم البيع فيأخذه. قال أشهب في الكتابين: إلا أن تكون غيبةُ الشفيع لا مُؤونة عليه في الشخوص فيُعد كالحاضر. قال في المجموعة: وهذا إذا طال زمانُه وعلم بوجوب الشفعة. قال غيره: وليس المرأة في ذلك والضعيف ومن لا يستطيع النهوض مثل غيرهم وإنما فيه اجتهاد السلطان ولسلطان بلد المشتري الكتابُ إلى سلطان بلد الشفيع فيوقفه فإما أخذ أو ترك. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: في الغائب نحو قول مالك. قالا: وله بعد قدومه مثل ما للحاضر. قالا: وكذلك المريض أو الصغير والبِكر فذلك كغيبة الغائب ولهم بعد زوال العذر مثل ما للحاضر سواء كان الغائب أو المريض عالِماً بشفعته أو جاهلاً. وقال أصبغ: المريض كالصحيح إلا ان يشهد في مرضه قبل مُضي وقت الشفعة أنه على شفعته وأنه ترك التوكيل (¬1) عجزاً عنه وإلا فلا شيء له بعد ذلك، قال ابن حبيب: والأول أحب إلينا. وبه ومن كتاب محمد قال مالك: وإن مات الشفيعُ في غيبته فلورثته القيامُ. قال ابن القاسم: وإن سافر المشتري والشفيع من موضع الدار إلى موضعٍ واحدٍ بعد علمه بالشراء؟ فإن شفعته تنقطع وفي طول المدة بما تنقطع به شفعة الحاضر. ¬
قال في/ كتاب محمد وهو لأشهب في المجموعة: وإذا كان الشفيع حاضراً بموضع الدار والمبتاع غائبٌ غاب بموضع الشراء أو اشتراها في غيبة أو اشتراها له وكيل فالشفعة له قائمة وإن طالت غيبةُ المشتري، وكذلك إن كان وكيله هدم وبنى ويُكري بحضرة الشفيع ما لم يكن مُوكلاً (¬1) على دفع الشفعة عنه. قال في المجموعة: بينة [عادلة] (¬2) حاضرة قد علم بها الشفيع. قال في الكتابين: وإن كان لو قام الشفيع لحكم بالشفعة ولكن لا يضره ذلك إن لم يقم لعذره (¬3) بتجشم الخطوم. وإن كتابه عليه العهدة بحضرته أحسن. قال ابن ميسر: إذا كان الوكيل يهدم ويبني ويكري بحضرة الشفيع فلابد أن يلي ذلك معه وهذا يقطع شفعته، وكذلك إن لم يل ذلك معه وقامت بينة بعلمه ذلك وحضوره فلا شفعة له إذا مضى ما تنقطع إليه الشفعة. ومن الكتابين قال أشهب: وإذا قام الشفيع في غيبة المبتاع قضى له على وكيله بالشفعة ولا عهدة له على الوكيل ولكن على الغائب ويدفع الثمن إلى الوكيل على الشراء إن كان وكله وهو يعلم أن لها شفيعاً فيكون ذلك توكيلاً على قبض الثمن، وإن لم يعلم بالشفيع فلا يدفع الثمن إليه ولكن إلى من يراه الإمام وإنما لا يكتب العهدة على الوكيل إذا ثبت أنه للغائب اشتراها قبل عقد البيع (¬4) بالإشهاد أنه لفلان يشتري فأما على إقراره بذلك بعد الشراء فلا يقبل ولا يزيل العهدة عنه، ثم إن قدم الغائب فأقر بمثل ذلك فالشفيع مخير في/ أن يقبل ذلك ويبرئ الوكيل من العهدة ويكتبها على هذا ثم لا رجوع له على الوكيل بعد ذلك إن كان استحقاق وإن اختار عهدته على الوكيل فإن استحق ذلك فهو مخير في اتباع أيهما شاء لأنه إن رجع [على الوكيل رجع الوكيل] (¬5) على الموكل بإقراره له قال: ¬
ومن ابتاع شقصاً غائباً والشفيع والمبتاع غائبان وكل واحد منهما بموضع غير موضع الآخر ثم قدم الشفيع على المبتاع بموضع هو به فأقام معه ما تنقطع فيه الشفعة (وهو) (¬1) لا يطلبه فذلك يقطع شفعته، قال مالك: ولا حجة له بغيبة الدار. قال أشهب: والشفعة للصغير والمولى عليه أبداً حتى يقيما بعد زوال الولاية سنة كالغائب بعد قدومه إلا أن يكون للصبي أو المولى عليه أبٌ أو وصي أو من جعله القاضي يليه فيكون تركُه ذلك سنةً بعد علمه به يقطع الشفعة، وإن ولي نفسه قبل تمامها فله ذلك إلى تمامها إلا أن يكون وليه قد سلمها. قال مالك في المجموعة: إذا علم بها وليه وعُلم منه في ذلك تفريط وتضييعٌ وإن أمره فيه كان غير حسن، فلا أرى له شفعة إذا بلغ الصبي بعد خمس سنين. وقال ابن القاسم وأشهب: لأن وليه بمنزلته. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإن لم يكن للبكر والصبي ولي ورُفع ذلك إلى الإمام نظر لهما في الأخذ أو الترك فينفذ ما رأى لا يعود ذلك لهما (¬2) بعد، زوال الولاية، ولو كان الولي أو الإمام إنما ترك الأخذ إذ لا مال لهما ولهما فيها حظ ثم أفادا مالاً فلا شفعة بعد/ ذلك. ومن كتاب محمد والمجموعة قال أشهب: ولا تسليم لأحد من قرابة الصغير إلا لأبٍ أو وصي أب أو من جعله السلطان وصياً عليه، وإذا رفع المشتري خبره إلى الإمام ولا ولي له لم يؤخر ونظر فإما أخذ له أو سلم ولا يؤخره حتى يقيم له خليفته عليه إلا أن يكون على ثقة من إيجاز ذلك إلى مثل يومين أو ثلاثة، وإذا كان له وصيان فاختلفا لم يلزمه رد هذا ولا أخذ هذا ونظر له الإمامُ، فإن طال ذلك ولم يرفع إلى الإمام حتى تمت السنة فإن كان ذلك بيد المبتاع زالت (¬3) الشفعة، وإن كان ذلك بيد الآخر فالصبي إذا بلغ مخيرٌ إما أخذ أو ترك فإن لم يبلغ نظر السلطان له. ¬
ما جاء في تسليم الشفعة قبل الشراء أو بعده بمال أو بغير مال، وما يعد من فعل الشفيع تسليما
[ما جاء] (¬1) في تسليم الشفعة قبل الشراء أو بعده بمال أو بغير مالٍ، وما يُعد من فعل الشفيع تسليماً من المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: وإذا رضي الشريكان أن يقول كل واحد للآخر بع ولا شفعة لي فليس ذلك لهما وكل واحد على شفعته. قال عنه ابن القاسم: والتسليم قبل الشراء بمالٍ أو بغير مال فلا يلزم ذلك ويرد المال. قال أشهب وعبد الملك: كمن أذن له ورثتُه أن يوصي بأكثر من ثلثه في صحته فلا يلزمهم (¬2). قال أشهب: وإذا سلم بعد الشراء بمال أخذه من المبتاع أو من غيره فلا بأس به. وقال أيضاً: وهو في كتاب ابن المواز: وإذا سلم في شقص بيع بالخيار في أيام الخيار بعوض أو بغير عوض لم يلزمه وهو على شفعته، ولو رضيا بإمضاء ذلك العوضِ بعد تمام البيع لم يجز ذلك حتى يفسخا ذلك بقضية أو بغير قضية/ ثم تبايعا ما أحبا، وتسليمه الشفعة قبل علمه بالثمن بخلاف أخذه ولو عرف الثمن فأخذ وقد أحدث المشتري بناءً لم يجز ذلك إلا بعد علمه بقيمة البناء. ومن العتبية (¬3) قال عيسى بن دينار: فيمن وقعت له شفعة في أرض فقام بها إلا أنه قال للمبتاع أنا أحب حفظك ولك ولد مؤذ فأنا أدع الشفعة على أن لا يؤذيني ولدُك فمتى ما بلغني أذاه فأنا على شفعتي فتراضيا على ذلك وأشهدا به. قال: ما أحب العمل به، فإن وقع ومضت السنة (¬4) ثم بلغه الأذى وثبت ذلك فله الأخذ بالشفعة وليوقف الآن أو يترك الشرط، بلغه الأذى أو لم يبلغه، ولا تقطع السنة شفعته لأن عذره فيها بين، ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا ساوم الشفيع المبتاع في الشقص أو اكتراه منه أو ساقاه إياه فهو تسليم للشفعة. ¬
باب في الشفيع يخبر بغير ما وقع به الشراء فيأخذ أو يترك ثم يتبين له خلاف ذلك
وقال أشهب: لا يضره ذلك وهو على شفعته لأنه يقول كما لو فعل ذلك غيري بمحضري فلم أنكر وكذلك لو حضر وهو يباع في المزايدة فزايد فيه ثم بيع بحضرته ثم طلب شفعته كان ذلك له. قال أشهب: ولو قاسمه كان قطعاً لشفعته. باب (¬1) في الشفيع يخبر بغير ما وقع به الشراء فيأخذ أو يترك ثم يتبين له خلاف ذلك من كتاب ابن المواز والمجموعة لأشهب واللفظ لكتاب محمد: وإذا قيل للشفيع إن البيع وقع بدنانير كذا أو شيءِ/ يكال أو يوزن فسلم ثم ظهر أنه ابتاعه بأقل من ذلك فله الأخذ بعد يمينه. وقال: لا يمين عليه لظهور سبب تسليمه. قال أشهب فيه وفي المجموعة: وإذا قيل له بيع بمائة إردب قمح فسلم ثم ظهر أنه باع بدنانير؟ قال في المجموعة: أو بعرض يُقوم فأخذ فذلك له وإن كانت الدنانير أكثر من قسمة القمح ويحلف ما سلمتُ إلا لذلك، ولو أخذ بالقمح ثم علم بالدنانير لم يكن له رد لأن الدنانير أخذ مؤنة. قال محمد: إلا أن تكون الدنانير أكثر من ثمن القمح بأمر بين، ولو قيل بالدنانير ثم ظهر أنه بقمح فها هنا يلزمه تسليمه إلا أن يكون القمح أقل ثمناً، ولو كنت أخذت أولاً لم يلزمك إلا أن تشاء، فلو قيل لك إنه مائة إردب قمح فسلمت ثم ظهر أنه عدَسٌ (¬2) أو تمرٌ أو شيءٌ يُكال فلك مقالٌ في قلة الثمن ولا حجة لك في الكيل لأن مؤن الكيل واحدة، ولو ظهر لك أنه بما يوزن من عسل أو زيت فلك الرجوع، لأن الوزن أخذ بعد يمينك أنك ما سلمت إلا لذلك، ولو قيل لك ¬
بجارية صفتها كذا أو عرض فسلمت أو أخذت ثم تبين أن ذلك بدنانير فذلك يلزمك في التسليم والأخذ أنك تؤدي القيمة ما لم تكن قيمة ذلك أكثر وقد سلمت فلك الرجوع أو تكون (¬1) أقل وقد أخذت فلك الرجوع، وكذلك لو سمى لك بدنانير فأخذت ثم تبين أنه عرضٌ فأخذُك جائز لازم ما لم تكن القيمة أكثر، وإن سلمتَ لزمك ما لم تكن القيمة أقل، ولو قيل لك بجارية أو عرض ولم تُوصف/ فسلمت ثم تبين أنه دنانير (¬2) فلا حجة لك لأن التسليم مع جهل مبلغ الثمن لازم وإنما يؤدي في العروض مالاً إلا أن ظهر أن ثمن الشقص شيءٌ قليلٌ لا يكون مثله ثمناً لما سمى لك من جارية أو عرض ولا بعارية مثل دينارٍ أو عشرين درهماً فلك الأخذ. قال محمد: إذا كان الثمن قليلاً لا يشبه أن يكون ثمناً لم يلزمه تسليمه. قال أشهب في المجموعة: وكذلك لو قيل لو بيعت بدنانير أو بدراهم لم يسميا (¬3) ولم يوصف فسلَّمَ ثم ظهر أنه بيع بغير ذلك فلا شفعة له. قال في الكتابين: وإن سمى له مائة دينارٍ أو مائة درهم فأخذ لزمه بالوزن الذي يتبايع به الناس يومئذ، وإن وقع البيع على أغلى من ذلك فهو مخيرٌ أن يأخذ أو يترك، إن سُمي له قمحٌ بكليه ولم يوصف فأخذ لزمه إن كان بالوسط منه أو بدونه، وإن كان بأغلى من الوسط [فإما أخذ أو ترك، ولو قال المشتري للشفيع ود الوسط] (¬4) لم يلزمه إلا أن يشاء، إذ لا يلزمه قبول المعروف وكذلك لو سميت له دنانير أقل مما بيع به فأخذ بها ثم ظهر له أكثر (¬5) فترك فأسقط عنه المبتاع الزيادة ليلزمه فلا يلزمه إلا أن يشاء، ولو قيل له بجارية أو عرض ولم يوصف فأخذ فهذا أخذ فاسد لا يلزمه، وكذلك لو صفت له ولم يعرف القيمة فأخذه فاسد. وقد تقدم في كتاب ابن ¬
المواز في باب آخر أنه بيع بعبد فأخذ فذلك جائز وإن لم يعرفا قيمته إذا عرفاه وإن جهلا قيمته فأما إذا كانت/ الشفعةُ إنما تجب بقيمة الشقص فهذا لا تلزمه الصفقة فيه إلا بعد معرفة قيمته. قال أشهب في المجموعة في المسألة الأولى: وإن أراد الشفيع والمبتاع المقام على ذلك لم يجز ولكن من قال بعد أن عرف قيمة العرض قد أخذتُ فقد لزمه. قال ابن المواز: وإن سمى له الثمن ولم يُسم له المشتري فسلم أو أخذ [فلا رجوع له، ولو سمى له غير المشتري فترك ثم علمه فأخذ فذلك له ولو كان أخذ] (¬1) أولاً أو لم يكن له رد حين عرفه إذ علم الثمن، ولو قيل له اشتراه فلانٌ فسلم ثم ظهر أنه مع آخر اشترياه فله الرجوع [في الشفعة] (¬2). قال ابن القاسم: ثم له أخذ جميع الشقص منهما ولا يلزمه تسليمه للآخذ. محمد: لأنه يقول ينتقص عليَّ. وقال أشهب: يلزمه التسليم للذي سلم له ويأخذ حصة الآخر ثم تكون الحصة التي سلمها أولاً بين المشتريين إن أحبا ويكتب عهدته عليهما، وإن شاء ألزماه أخذ ما سلم أو سلم لهما جميع الشراء. قال محمد: إذا كانا متفاوضين فليس له إلا الأخذ منهما جميعاً أو التسليم إليهما، ولو سلمنا له فإن أدى الآخذ من أحدهما فقال أشهب: له الأخذ من أحدهما والتسليم للآخر. محمد: وهذا إن لم يكونا متفاوضين. وقال ابن القاسم: ليس له إلا أخذ الجميع أو يدع. قال أشهب: فإن قيل له بيع الشقص بمائة [فقال أخذت] (¬3) ثم ظهر أنه إنما اشترى نصفه بخمسين فإنه يلزمه النصف إلا أن يكون ما لا منفعة فيه لقلته وضيقه فله رده، ولو قيل له اشترى الجميع فسلم ثم ظهر أنه النصفُ فلا رجوع له. قاله ابن القاسم وأشهب. قال/ أشهب: ولا حجة له أن يقول شركني رجلان. محمد: إذ لا يتشافعان دونه ولو قيل له اشتري ¬
في مجهلة الثمن وفي اختلاف المتبايعين في الثمن فيما فيه الشفعة واختلاف الشفيع والمبتاع في ذلك
النصف بخمسين فأخذ ثم ظهر أنه [اشتُري] (¬1) الجميع بمائة فله أخذ باقيه، فإن أبى فالمبتاع مخيرٌ أن يقول رُد النصف أو خُذ الجميع، ولو سلم على النصف ثم تبين أنه الجميع فشاء الأخذ فقال المبتاع لا أعطيك هذا النصف (¬2) الذي سلمت لي، قال أشهب: فذلك له وللشفيع أخذ النصف الآخر (¬3). فقال ابن القاسم: له أخذ الجميع، وإن قيل بيع الجميع فأخذ النصف وسكت عن النصف الآخر فإن شاء المشتري إلزامه الجميع فذلك له أو يدع الجميع، وإن تماسك المبتاع بالنصف الذي سكت عنه الشفيع وأراد الشفيع أخذه فليحلف ما كان ذلك تسليماً له ولكن لما يذكره ثم يأخذ باقيه. في مجهلة (¬4) الثمن وفي اختلاف المتبايعين في الثمن فيما فيه الشفعة واختلاف الشفيع والمبتاع في ذلك والرجلين يدعي كل واحد منهما أنه ابتاع الشقص من الآخر من كتاب ابن المواز وهو في العتبية (¬5) من سماع ابن القاسم: وإذا قال المبتاع نسيتُ الثمن فإن مضى من طول السنين ما يندرس فيه العلم وتموت البينة وتُرفع فيها التهمة فالشفعة ساقطة، وكذلك إن كان غائباً أو صغيراً، وأما إن كان على غير ذلك فالشفعة قائمة بقيمة الشقص. قال ابن عبدوس قال ابن الماجشون: إذا جاء الشفيع إلى ولد المبتاع بعد طول الزمان فيحلف الولد/ ما عنده عِلم ذلك ثم يأخذ بالقيمة وكذلك لو كان المبتاع حياً وقال لا أدري بكم اشتريتُ فيحلف، فإن نكل أخذه الشفيع إن شاء ¬
وقيل للمبتاع متى أحببت حقك فخذه وإن حلف فلك قيمته يوم تسليمه إلى الشفيع، وإن قال الشفيع لا أقبضه (¬1) إذ لعل ثمنه كثير فلابد من أن يحلف المبتاع ما علمه أو يُسجن. وقال غيره: إذا اختلفوا في الثمن فجاء المشتري بما لا يشبه أو جهلوا الثمن استشفعه بقيمته يوم ابتاعه المبتاع (¬2). ومن كتاب محمد: وإذا تشاهد المتبايعان على البيع وكتما الثمن لم تجب الشفعة حتى يظهر الثمن. قال في كتاب محمد وهو لأشهب في المجموعة: ولو قال البائع: بعتُ بمائتين وقال المبتاع بمائة تحالفا وتفاسخا وفُسخت الشفعة، فإن نكل المبتاع بعد يمين البائع ودى مائتين وأخذ الشفيع بمائة كما أقر المبتاع، ولو رجع فصدَّق البائع ما قبل منه، وكذلك إن قال: أنا آخذها بما قال وكذلك لو كان قول البائع أشبه فقضى بقوله مع يمينه لم يلزم الشفيع غير مائة. وروى ابن حبيب عن ابن عبد الحكم أنه إذا اختلفا فقال البائع بمائتين وقال المبتاع بمائة أن المبتاع إن نكل لزمه الشراءُ بمائتين وإن نكل ما وجبت له الشفعة. وقاله أصبغ قال ابن القاسم: فإن نكلا جميعاً أو حلفا فُسِخَ البيعُ ثم ليس للشفيع أخذها بقول البائع لانفساخ الصفقة فإذا فاتت ببناء أو هدم صُدق المشتري في الثمن مع يمينه/ قاله ابن القاسم، وقال أشهب: يتحالفان ويتفاسخان وتُرد القيمة في الفوت إلا أن تتجاوز دعوى البائع أو تنقص عن دعوى المبتاع فلا تُنقص ولا يُزاد ثم يأخذ الشفيع بما استقر من ذلك. ومن كتاب محمد ومن العتبية (¬3) من سماع أشهب: ولو قال المشتري: اشتريتُ بمائتين وقال الشفيع بل بمائة لم ينظر إلى تصديق البائع أحدهما ولا تُقبل ¬
شهادتُه ولا يأخذها الشفيع إلا بما قال المبتاع. قال محمد: لم يختلف مالكٌ وأصحابه في هذا، فإن ادعى ما لا يشبه فقد اختلفوا، فروى أشهب عن مالك: أنه يُصدق فيما يشبه بلا يمين وفيما لا يشبه مع اليمين وكذلك في العتبية (¬1) عنه. وقال في الكتابين: إلا أن يكون ملك مجاورٌ له أو سلطان فيصدّق [في كثرة الثمن الذي لا يشبه بلا يمين. محمد وروى عنه ابن القاسم أن المشتري يصدق فيما يشبه ولا يصدق فيما لا يشبه إلا مثل الملك المجاور فيصدق] (¬2) فيما يتغابن فيه مثله. محمد: وهذا كله مما إذا لم يدع الشفيع أنه حضر تبايعهما ولا عَلِمَ الثمن فأما إن ادعى عِلمَ الثمن فلابد من يمين المبتاع، فإن نكل حلف الشفيع وودى ما قال، وقاله مالك في موطأه (¬3) وكذلك إن أقام شاهداً حلف معه وإلا حلف المبتاع. قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا اختلف الشفيع والمبتاع في ثمن الشقص فإن ادعى المبتاع ما يشبه حلف وصُدق وإن جاء بسرف (¬4) ردٌ إلى قيمة الشقص، فإن شاء أخذ الشفيع بذلك وإن شاء ترك. وقال مطرف: يُصدق المبتاع مع يمينه وإن جاء بسرف. قال في كتاب ابن المواز ذكره ابن عبدوس لابن القاسم: وإن أقاما جميعاً البينة صُدق المبتاع كارتفاع البينة قال/ في كتاب محمد: إذا كانت شهادتهما على صفقة [واحدة] (¬5) قضى بأعدلهما فإن تكافؤوا سقطوا. وذكر ابن عبدوس مثله عن أشهب. قال سحنون: لا يبطلان في التكافؤ والبينة بينة المبتاع وليس من التهاتر لأنها أزيد كاختلاف المتبايعين في مقدار الثمن ويقيمان البينة، فالبينة بينة البائع لأنها زادت، وكذلك المبتاع والشفيع. ¬
وقال أشهب مثله في كتاب محمد: أنه إن كانت الشهادة في مجلسين (¬1) فالقول قول بينة الشفيع إن كانوا عدولاً وإن كان الآخرون [أعدل]، لأنه إن كانت بينة الشفيع قبل فقد زاده المبتاع بعد الصفقة وإن كانت بعد فهي وضيعة من الثمن الأول. قال محمد: وإن كان الثمن عرضاً أو حيواناً قد فات فاختلفا في قيمته فقال مالك: فالمبتاع مُصدق في صفته أو في قيمته يوم البيع، فإن جاء بما لا يُشبه صُدق الشفيعُ مع يمينه فيما يشبه، وقاله ابن القاسم وقال نحوه أشهب: إذا كان العرض قائماً إلا أنه طال زمانه. واختلفا في صفته كيف كان يوم البيع قال: وإن هلك العرض فأتيا بما لا يشبه قيل للمبتاع احلف ولك أقصى ما لا يتبين فيه كذبك فإن أبى حلف الشفيع وكان عليه أدنى مالا يظهر فيه كذبُه فإن نكل نُظر فإن ادعى أنه حضر أو علم الثمن ونكل لم يأخذه إلا بأكثر ما لا يتبين فيه كذبه للمبتاع، فإن لم يدع العلم فليس بناكل والمبتاع ناكل فيكون للشفيع بأقل ما ادعى مما لا يعرف فيه كذبه بعد أن يحلف أنه ما يعلم/ ما ادعى المشتري، قال محمد: فإن حلف فأحبُّ إليَّ أن يحبس المشتري حتى يحلف وإن ادعى الشفيع العلم ونكل فلا شفعة له. وروى أشهب وابن وهب عن مالك: إذا هلك العرض والحيوان وهو الثمن فاختلفا في قيمته حلف المبتاع أن قيمته ما قال ثم إن شاء الشفيع أخذ بذلك أو ترك إلا ان يأتي ببينة. وقال ابن الماجشون: إذا نكل المبتاع فليقبض الشفيع الشقص إن شاء ويقال للشفيع متى أثبت (¬2) حقك ببينة أو يمين فلك قيمته يوم سلمته إلى البائع، فإن قال الشفيع لا أقبضه (¬3) على هذا إذ لعله أكثرُ فلابد أن يحلف المبتاع أو يُسجن. ¬
ومن كتاب ابن المواز ومثله في العتبية (¬1) عن ابن القاسم من رواية أبي زيد: وإذا ابتاعه بدنانير ولؤلؤة فاختلفا في قيمتها فليصفها المبتاع ويُقوم صفته مع يمينه فإن لم يحلف أو لم يصف (¬2) وصفها الشفيع وحلف فإن لم يصفها أخذه الشفيع بقيمته. ومن العتبية (¬3) من سماع عيسى: وعمن ابتاع أرضاً وقبضها فقام الشفيع فقال المبتاع: ابتعتُ مقسوماً، وقال الشفيع بل شائعاً فالمبتاع مُدعٍ والشفيع مُصدقٌ. ومن كتاب محمد: وإذا قال البائع: بعتُ الشقص من فلان وفلانٌ منكرٌ فلا شفعة فيه، وإن كان غائباً بعيد الغيبة فللشفيع أخذ ذلك [قال] (¬4) في باب آخر ويدفع الثمن إلى البائع إن لم يُقر بقبضه ولا يكون له على البائع عهدة إلا في الاستحقاق/ ويكتب للغائب العهدة في كل شيء، ثم إن قدم الغائب فأقر كتب عليه العهدة وإن أنكر حلف ورجع الشقص على بائعه. قال محمد: وأجب إلي ألا يرجع إلى البائع إذا رضي أن يأخذه بلا كتاب عهدته ولكن يُشهد على البائع بقبض الثمن وتلزمه عهدة الثمن فقط. قال أحمد بن ميسر: إذا لم يثبت البيع إلا بإقرار أحد المتبايعين فلا شفعة فيه. قال أشهب: وإذا أقر المبتاع أنه ابتاع الشقص وبائعه غائب فإن كان بيد المبتاع ففيه الشفعة، ثم إن جاء البائع فأنكر ولم تكن بينة أخذ شقصه ورجع الشفيع بالثمن. وقال ابن القاسم: لا شفعة بإقرار المبتاع والقضاء بذلك برفع الغلة عن الشفيع إن أنكر البائع البيع. قال محمد: وهذا أحب إلينا. ¬
في الشفعة تجب للشريك أو المقارض أو الوكيل أو فيما باع الوصي على بعض من يليه
قال أشهب في الكتابين: واللفظ لكتاب محمد: وإن تداعى رجلان شِقصاً كل واحد يدعي أنه اشتراه من الآخر وأقام كل واحد بينة قضى بالبينة التي ورخت وإن ورختا قضى بآخرها وللشفيع أخذها بأي الثمنين شاء ويكتب عهدته على من شاء أن يأخذ منه، فإن أخذ من الآخر لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وإن أخذه من الذي لم يُقض له بد دفع إلى المقضي له به ما ذكر أنه اشتراه به ودفع فضلة ذلك إلى الآخر. وإن كانت شهادتهما في مجلس أو مجلسين ولم يؤرخا وتكافآ في العدالة ولا يُدرى أي الشهادتين بعد فإن لم يكن الشقص بيد أحدهما فالشهادة [باطل] (¬1) والشقص لمن/ أقر له به من هو بيده وللشفيع عليه الشفعة، فإن لم يكن يدري بيد من هو بيده قسم بينهما بعد أيمانهما وللشفيع أخذه منهما بما يقران به من الثمن. قال ابن القاسم: فإن ادعى أحدهما شراءه بمائة والآخر شراءه بمائتين فقسمناه بينهما أخذ الشفيع بنصف المائة ونصف المائتين. قال أشهب: فإن نكلا لم يُقض لهما بشيء ولا شفعة للشفيع، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهو لمن حلف ويُؤخذ منه بالشفعة ولو كان بيد أحدهما فهو لمن هو بيده مع يمينه، فإن نكل حلف الآخر ويأخذ الشفيع ممن قضى له به. في الشفعة تجب للشريك أو المقارض أو للوكيل أو فيما باع الوصيُّ على بعض من يليه هل يأخذ لمن بقي أو لنفسه؟ وفيما باعه السلطان (¬2) في تفليس أو لوصية هل فيه شفعة أم لا؟ من كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم وأشهب: في المقارض يشتري من المال شقصاً ورب المال شفيعه فله أخذه بالثمن [الذي اشترى به] (¬3). ¬
قال أشهب في المجموعة: وعهدتُك على البائع، لأنه إنما اشترى لك بربح إن كان مالاً ولو كان العامل شفيعهما فله أخذه. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وهي مشكلة والأولى بينة. قال أشهب في المجموعة: ولا أرى عهدته أيضاً إلا على البائع لأنه لم يرض بشرائه وليس له أن يشتري عليك/ ما يلحقك فيه له عهدة فيحكم لنفسه عليك. قال في كتاب محمد وهو لعبد الملك في المجموعة: وإذا باع الوصي شقصاً لأحد الأيتام فله أن يأخذ بالشفعة لباقيهم ولا يدخل فيه من بيع عليه ولا حجة للوصي أنه باع على غيره. قال ابن المواز: ولو كان له هو معهم شقص لدخل في تلك الشفعة معهم أحب إلي ولينظر فإن كان خيراً لليتيم أمضاه وإلا رد لأنه يُتهم أن يفتري بالبيع رخصاً لأخذه بالشفعة. قال ابن الماجشون في المجموعة: إن كان بيع الوصي على اليتيم سداداً فلا يستشفع فيه لنفسه لأنه يُتهم فإن استشفع فليتعقب [ذلك السلطان] (¬1) فإن كان سداداً لليتيم أمضاه وإلا رده وفسخ بيع المشتري. ومن العتبية (¬2) من سماع أشهب: وعن الرجل له أرض مشتركة من قوم فبيعت عليه في تفليس بأمر السلطان ففيها الشفعة. وقال سحنون: إذا أوصى الميت بالثلث فباع السلطان ثلث داره لذلك فلا شفعة للورثة إذا كان الميت باع. قال غيره في المجموعة: في ميت لحقه دينٌ فباع الإمام أرضه مزايدة فقال أحد الورثة بعد الدين إنا نؤدي من الدين قدر ما على واحد بقيمة نصيب شركائي ¬
في الشفعة بين الذمي والمسلم، وشفعة المرتد والمديان ومن فيه بقية رق
بالشفعة فإن كان في بقية ما يباع من الأرض تمام ذلك فله ذلك وإلا فلا شفعة له. في الشفعة بين الذمي والمسلم وشفعة المرتد والمديان (¬1) ومن فيه بقية رق من العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إذا باع المسلم/ شقصه من نصراني والشفيع نصراني فلا شفعة له لأن الخصمين نصرانيان وهذا خلاف قول ابن القاسم في المدونة وقال أشهب في المجموعة إذا كان أحد الثلاثة مسلماً بائعاً أو مبتاعاً أو شفيعاً ففي ذلك الشفعة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا كان الشريكان نصرانيين فباع أحدهما من نصراني فإن تحاكما إلينا قضينا بينهما بالشفعة. وقال أشهب: إذا كان الشريكان نصرايين فباه أحدهما والمبتاع نصراني مثلهما فلا شفعة فيه وإن تحاكما إلينا. وقال الأوزاعي: لا شفعة لنصراني. وروى يحيى بن عُمر عن البرقي عن أشهب: في نصراني اشترى من نصراني شقصاً بخمر أو خنازير والشفيع مسلم فله الشفعة بقيمة الشقص. قال يحيى: بل بقيمة الخمر والخنازير، وبه قال محمد بن عبد الحكم. وقال سحنون في العتبية (¬3): في المرتد يُحبس فتجب له الشفعة قال: هو محجوز عليه فإن تاب فله الشفعة وإن قُتل فهي للسلطان (¬4) يأخذها إن شاء لبيت المال أة يترك. ¬
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال أشهب وابن القاسم: إذا سلم العبد شفعته أو أخذ أو فعل ذلك سيده قال: من سبق منهما إلى الأخذ أو التسليم فلا كلام للآخر بعده إلا أن يكون على المأذون دينٌ فلا يلزمه تسليم سيده ولا أخذه إن كان ذلك حظاً للعبد في دينه. محمد: وأما غير المأذون فلا أخذ له ولا ترك. وكل من فيه بقية رقٌ فعلى ما ذكرنا في أمر العبد. قال أشهب: وإن أخذها المأذون وفيها غبن شديد أو في تسليمها وعلم أن فيه محاباةً بينةً فليس له ذلك. / قال ابن القاسم: وأما المكاتب فذلك له دون السيد. قال أشهب: إلا أن يتبين أن في أخذه أو تركه محاباة بينة. قال أشهب: في المعتق بعضه وهو غير مأذون فلا أخذ له إلا باجتماعهما، ويجوز تسليمه على السيد كما لو كان له فيه شرك لم يأخذ أحدهما إلا باجتماعهما، ثم إن ملك بقية العبد أو عتق باقي العبد الذي كان فيه عتق فلا أخذ لهما بعد ذلك ويُعد تسليم أحدهما لازماً للآخر (¬1) وكذلك إن عجز (¬2) المُكاتب بعد أن سلم والسيد كارهٌ فلا أخذ له. قال في المجموعة: ولو لم يأخذ العبدُ ولا المعتقُ بعضه ولا المُكاتب ولا سلموا (¬3) حتى عتقوا ولم يَطل الزمان فلهم الشفعة بعد عتقهم إلا أن يكون معتِقُ العبد استثنى الشقص الذي كان يستشفع به فلا أرى ذلك، له ولو رأى ذلك أحد لم أعبه عليه لأنها وجبت له قبل العتق، وقد اختلف قول مالك فيمن له شفعة فباع شِقصه قبل قيامه فلا شفعة له عندي. قال في الكتابين: والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل والعبد إذا لم يكن لواحد منهم (¬4) مالٌ يأخذه به الشفعة وطلبوا الأخذ فليس للسيد أخذ ذلك لنفسه، لأن الشفعة لغيره وجبت، وأما أن يأخذ ذلك لمن وجبت له بسلف أو هبة فذلك له جائز في ¬
ما جاء في ميراث الشفعة عن الشفيع وعليه دين أولا دين عليه، والشفيع يرثه البائع هل له القيام؟
عبده ومدبره وأم ولده ومعتقه إلى سنين إن شاء وإن أبى فليس له ذلك في مُكاتبه والمعتق بعضه إلا برضائها. قالا: وليس لغرماء المفلس أخذ شفعته إذا أبى. قال أشهب/ كما لا يعتصر (¬1) لهم ما وهب لابنه فإن أراد من أحاط به الدين الأخذ بها لم يمنعوه، قال أشهب: ما لم يفلس فيكون لهم منعُه [إن كان ذلك يضر بهم وبه] (¬2). ما جاء (¬3) في ميراث الشفعة عن الشفيع وعليه دينٌ أو لا دين عليه والشفيع يرثه البائع هل له القيام؟ والغاصب يوهب له مال غُصب بعد أن باعه أو [يرثه بعد أن باعه] (¬4) من العتبية (¬5) من سماع أبي زيد: وعن رجل باع شقصاً له شفيع فلم يقم بها حتى مات فورثه البائع فللبائع أن يقوم بها. وقال نحوه أشهب في المجموعة. قال العتبي وسئل أصبغ: عن ثلاثة إخوة بينهم دار فغاب أحدهم فباع الحاضران جميعها وأعلما بذلك المبتاع وأنهم يرجون أن لا يخالفهم فقبل ثم قدم الأخ فردّ حصته واستشفع فلم ينظر فيه حتى مات فطلب أخواه أن يردا سهمه ¬
ويأخذاها بشفعة عنه فليس ذلك لهما لأنهما ابتديا ذلك كمن باع سلعةً قد اغتصبها ثم وُهبت له فأراد فسخ البيع فليس ذلك له. ورُوي عن ابن القاسم: في الغاصب يبيع ثم يرث ما باع أن البيع نافذ. وقال أصبغ: يُفسخُ، ورُوي عن سحنون عن ابن القاسم مثل قول أصبغ. قال ابن المواز عن أشهب وفي المجموعة عنه: ومن مات والدينُ محيط به فليس للغرماء أخذ شفعته إلا أن يشاء ورثته أخذها، فإن أخذوها بمال الميت فللغرماء الثمن والفضل وإن بقي شيء هن دينهم كان ميراثاً، وأن أخذوها بمالهم بيعت فبدؤوا برأس المال/ وقضى بالفضل دينه فإن لم يسو إلا رأس المال فأقل لم يبع عليهم. قال ابن عبدوس قال سحنون: لمالكٍ فيها تفسير لم يقع عليه أشهب [وكانت تُعجِبُ سحنون ويراها أصلاً حسناً وهي للمغيرة. قال سحنون] (¬1) قال مالك: يبدأ بالورثة فيقال لهم: إن قضيتُم الدين فلكم الشفعة لأن الميراث بعد الدين، فإن أبوا وبيع ميراثُ الميت للدين فلا شفعة لهم، لأن الشقص الذي يُستشفعُ به قد بيع ولم يملكوه في حال ولا حلوا محل الميت لبرِئهم من تركته. قال المغيرة: وإذا أبى الوثة أن يُقضى الدين [وقالوا] (¬2) ولكن يُباع المالُ فإن كان فيه فضل ورثناه قال: لا شفعة لهم ولا للغرماء، لأن الغرماء لا يملكون الشقص الذي به الشفعة. قال أشهب في كتاب ابن المواز والمجموعة: ولو قال قائل: ليس لمن أحاط به الدين شفعةٌ لتُباع في دينه لأنه يأخذها لغيره ما عتقته وإنما قلت: "ذلك استحسان" والقياس غيره وصوبه سحنون في هذا في المجموعة واستجاده لأن ¬
باب في الشفيع يهب شفعته أو ييعها قبل أن يأخذها
الشفعة في السنة إنما هي للضرر بالشفيع. قال أشهب: وهو يأخذها في مرضه لورثته، لأن لهم أخذها بعد موته، قال سحنون: المريض يبيع ويبتاع لم يُمنع من ماله والمفلس محجوز عليه ولا يشتبهان. باب (¬1) في الشفيع يهب شفعته أو يبيعها قبل أن يأخذها قال أشهب: إذا باع الشفيع قبل أن يأخذ بالشفعة فبيعُه مفسوخ. قال ابن المواز: ولا يجوز أن يهب شفعته قبل الأخذ/ وكره مالكٌ أن يأخذ شفعته على أن يدفعها لغيره ولم يره. قال عنه أشهب في كتاب محمد والعتبية (¬2): وإن كان الشفيع عديماً فقال له رجل خُذ بالشفعة وأنا أربِحُكَ كذا ففعل ثم ظهر على ذلك فإن علم ذلك بمعرفة أو إقرار الشفيع والمبتاع وإلا فمن أين يثبت هذا وليس إقرار الشفيع فيه شيءٌ إلا بالبينة. قال أشهب: ولا إقرار المبتاع خاصةً حتى يجتمع المبتاع من الشفيع والشفيع على الإقرار بذلك ولا يُقبل إقرارُ أحدهما دون الآخر. قال مالك: فإن علمت بذلك بينة ردَّ ذلك إلى المبتاع. قال عنه ابن القاسم: هذا مكروه ورأى أن يُرد. ما جاء (¬3) في الوكالة على الشفعة من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وللحاضر أن يوكل على طلب شفعته وكذلك قال مالك في وكالته على خصومته، قال أشهب: وكلته قبل أن تجب لك الشفعة أو بعدما عَلِمت بالثمن أو جهلته إذا كان لا يأخذ لك إلا بعد ¬
فيمن تصدق على رجل وباع من آخر في كلمة واحدة
عِلمِه بالثمن كما يأمره بالشراء ولا يوقف له ثمناً فيبتاع بما يشبه على الاجتهاد فإن طلب الوكيل شفعته فوجد الدارَ قد هُدِمت أو بُنيت فإن علمت بالثمن ولم تعلم بالبنيان فليس له أن يأخذ وإن أخذ أو سلم لم يلزمك أخذُه ولا تركُه لأنك إنما وكلته على ما علمت، وإن لم تعلم بالثمن ولا ما حالُ الدار فللوكيل أن يأخذ بالشفعة بالثمن وبقيمة البنيان ويلزمك، وإن علمت بالدار ولم تعلم بالثمن أو علمت به فليس له أن يأخذ لك بالشفعة لأنك أمرته أن يأخذ/ لك ما قد عرفت وقد صارت الدار إلى غير ذلك قال: ولو هُدِمت الدارُ فلم يعلم بهدمها وقد كنت عالماً بالدار أو جاهلاً [بها عالماً بالثمن أو جاهلاً] (¬1) به فليس للوكيل أن يأخذ لك بالشفعة ولا يلزمك أخذه ولا تركه. وإذا وكلته على الأخذ فسلم، فأما المفوض إليه فذلك يلزمك وإن لم يكن مُفوضاً إليه لم يلزمك، وقاله ابن القاسم قال: وإن أقر الوكيل بتسليمك فهو كشاهد يحلف معه المبتاع ويلزمك فإن نكل حلفتَ أنت وبرئت. قيل لأشهب: فيطلب لي شفعتي وقد شهد علي بالتسليم؟ قال: لا ينبغي للوكيل أن يطلب لك شفعة تزعم أن طلبها لا يجوز، فإن تمادى فليسمع منه الإمام ويقضِ بها، وإن نكل الشفيع عن اليمين فلا شفعة له، قال: فإن أقام بالبينة أن فلاناً وكَّله على طلب الشفعة والمبتاعُ غائبٌ أمكن من الشفعة ومن الوكالة عليها. فيمن تصدَّق على رجل وباع من آخر في كلمة واحدة ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: فيمن له دارٌ فتصدَّق على رجل بنصفها شائعاً وباع النصف الآخر من آخر (¬2) وذلك مُتسِقٌ (¬3) في كلام واحد ومجلس واحد فللمصدَّق عليه أن يستشفع وإن كان في كلام واحد إذا بدأ ¬
في الوكيل على طلب شقص وبيعه فاشتراه لنفسه، هل فيه شفعة؟
بالصدقة قبل البيع وإن بدأ بالبيع قبل الصدقة فلا شفعة له إلا أن يكون إنما قال كنتُ تصدَّقتُ على فلان وبعتُ من فلان فلا يُنظر في هذا بما بدأ به ولا يستشفع المتصدق عليه فيما ذكر أنه باعه بعد الصدقة لأنه لا يدري هل كانت الصدقة قبل أو بعد/ ولا يُقبلُ في ذلك قولُه وإنما يُنظر إلى تقديمه وتأخيره إذا كان الآن يفعله. وقال أصبغ: هو عندي واحد وقوله فيه مقبول لأنه لا يتبين ذلك إلا بقوله وبالأول أقول. في الوكيل على طلب شِقصٍ وبيعه فاشتراه لنفسه هل فيه شفعةٌ؟ من العتبية (¬1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم: فيمن وكَّل رجلاً على طلب حقٌ له ببلد آخر وفوَّض إليه في بيعه إذا قبضه وأذن له إن شاء أن يشتريه لنفسه بما بلغ، فقدم البلد فألفى حانوتاً للذي وكله فيه شِقصٌ قد بيع فأثبت وكالته عند القاضي وأن سهم الذي وكله في هذا الحانوت فتداعى وكيل الغائب ومبتاعُ الحانوت إلى الصلح على أن يأخذ الوكيل للغائب نصف قاعة الحانوت وعُلو جميع الحانوت، فلما حضر الشهود لوثيقة الصلح أشهدهم الوكيل بعد الصلح في ذلك في المجلس أنه قد أخذ لنفسه ما صالح عليه للذي وكله من نصف القاعة وجميع العلو بكذا وكذا [ديناراً مع الصلح، وقال: إني أصالح على أن يأخذه لصاحبي وأشتريه لنفسي بكذا وكذا] ولم يكن على شرط في أصل الصلح وإنما أشهد بعد الصلح أنه أخذه لنفسه بكذا وكذا] (¬2) فزعم المصالحُ للوكيل أنه يقوم بالشفعة على الوكيل فيما اشترى لنفسه مما صالح عليه. قال: الشفعة لازمة للشريك على ما ذكرنا، وقال أشهب: لا شفعة/ فيه لأنه بيعٌ مفسوخٌ لا يجوز إلا أن يجيزه الذي له نصف الحانوت، ولو كان البيع جائزاً ¬
كانت الشفعة (¬1) للشريك في الحانوت ولم تكن له شفعة في علوه، وذلك لأن الشركة بينهما في سفل الحانوت ولا شركة بينهما في علوه وإن كان الصلح بينهما وإنما وقع على أن يأخذه لنفسه فالصلح أيضاً بينهما منتقض لأن الشريك إنما رضي بمصالحته ليأخذ بالشفعة فصار الوكيل قد أخذ لما سَلم من الشفعة ثمناً وذلك لا يجوز (¬2). تم الكتاب الثاني من الشفعة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم ¬
كتاب القسم
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب القَسْمِ ما يُجمع في القَسْمِ من الدور والأرضين والعقار مما تتقارب أماكنه ويتفق كرمُه وما لا يُجمع بالقيمة وما يُقسم بالذرع من العتبية (¬1) والمجموعة من سماع أشهب قال مالك: في الدارين بين قوم إحداهما في موضع عامر يرغب فيه والأخرى في موضع غير عامر وهما في قرية واحدة أيُجمعان في القَسْمِ؟ قال: إن تباعد ما بينهما مثل منزلي هذا ومنزلٍ آخر بالثنية (¬2) قُسمت كل دار على حدة بخلاف النخل والحوائط، وإن كانت الدور متقاربة بناحية واحدة جُمعت في القَسْمِ. قال عنه ابن القاسم في المجموعة: إذا كان بعضها في الأسواق والمواضع المرتفعة وبعضها في موضع/ قاصٍ ليس بالعامر وثمنها متفاوتٌ واحدة ألف دينار والأخرى خمسون فلتُقسم كل واحدة على حدة. وقال عنه ابن وهب في المجموعة: إن افترقت الأماكن وتفاضلت المواضع فرقت. ¬
وقال أشهب: إذا كانت داران (¬1) في نمط (¬2) واحد جُمعت في القسم، وإن كان بعضها أعمر من بعض كالأرضين في نمط واحد وبعضها أكرم من بعض فتُجمع عند أشهب. قال سحنون: ليست الدور كالأرضين وقد تكون الدور في نمط ونفاقها (¬3) مختلفٌ ومن داري إلى الجامع نمط واحد وهو متباين الاختلاف وأما الأرضون في نمط فلتُجمع وإن تباينت في الكرم. وابن القاسم لا يجمعُها كالدور حتى تتفاوت في الأماكن والنفاق. وقال ابن حبيب: إن كانت الدور متقاربة (¬4) متشابهة في مواضعها واستوت فيها الرغبة جُمعت وما تباعد في مواضعه وتفاضل في الرغبة فيه فرق (¬5) مثل أن يكون بعضها قرب السوق [والمرفق] (¬6) أو قرب المسجد والأخرى بعيدة من ذلك فلا يُجمع إلا بتراضٍ بغير سهم. قال ابن القاسم عن مالكٍ في المجموعة: وما كان حول المسجد عندنا من الدور فهو الذي يُتشاح فيه (¬7) فما كان مديراً بالمسجد يتساحُّ الناس فيه ضُمَّ بعضُه إلى بعض. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا كانت الداران (¬8) في نمط واحد وبناء إحداهما أجد (¬9) جُمِعَتا في القسم وإن كانت إحداهما قاعةً لم تُجمع مع الأخرى في القسم. ¬
ومن المجموعة والعتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: في أعذق (¬2) بين ورثة/ منها بخيبر ومنها بوادي القرى ومنها بناحية الفرع ونحو ذلك قال: يُضم في القسم ما بخيبر إلى وادي القرى وما كان بالفرع إلى ما كان بناحيتها كل ناحية إلى ما قاربها. قال عنه أشهب: بخلاف الدور وقال عنه: في الحائطين متقاربين في الموضع وسقيهما بشيءٍ واحد من عينٍ أو نضحٍ وأحدهما عجوة (¬3) والآخر صيحاني (¬4) قال: ولا تُقسم حوائط المدينة مع حوائط خيبر ولا تُقسم ذات العين مع النضح ولا البعل (¬5) مع السقي وإن تقاربت الحوائط، ويُقسم كل واحدٍ من هذا على حدة إلا أن يتراضوا أن يجمعوه في القسم فذلك لهم. وروى عنه مثله ابن وهب في المجموعة. قال سحنون: وذلك بغير قرعة ولا يصلح بالقرعة لأن ذلك مختلف ويصير كمن جمع فرساً وحماراً في القسم بالسهم. وأشهب يجيز هذا كله إذا رضيا. وقال ابن الماجشون: لا يجوز أن يُجمع في القسم بالسهم ما اختلف وإن تراضوا. قال أشهب: وإن اجتمع الورثة فيما يُجمع في القسم من الدور على أن يقسموا كل دارٍ وكل أرضٍ على حدة جاز ولزم إذا اقتسموا. قال ابن حبيب: لا يُضم ما يُبقى بعين أو بنضح مع البعل في القسم ولا النصحُ من بئر أو نهر مع ما يُسقى بعين أو بساقية نهر سيما لشدة مؤونة النضح وخفة مؤونة السيح، ويُجمع البعل كله إذا تجاور في مواضعه وإن كان بينه الميل والميلانُ إذا اشتبه في/ كرمه أو لؤمه وتقارب وإن تباعد فرق إلا أن يتراضيا على قسمه بغير سهم. ¬
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إذا كانت الأرض مستوية في كرمها أو لؤمها قُسمت بالقيس وإن كانت مختلفة قُسمت بالقيمة وإن تراضوا وهم أكابر على قسمها بالتخير (¬1) والمراضاة بالسواء أو على التفاضل على غير قيسٍ ولا قيمة فذلك جائز، وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: ويُقسم البعل مع العيون إذا كان يشبهها في الفضل. وروى عنه ابن وهب: إذا كانت أموالهم مفترقة وكانت بعلاً ونضحاً أو عيناً أنه يُعطى حقَّه في كل صنف، وأما إن كانت بواد واحد لا فضل بينهما وهي بعلً كلها أو عين كلها أو نضح جُمعت في القسم. ومن العتبية (¬2) أشهب عن مالك: في النخل بعضها أقرب من بعض من الماء فليُقسم بالقيمة فيُفضَّلُ ما قَرُبَ من الماء لأن الماء ربما قل فلا يشرب إلا القريبة. قال عنه ابن القاسم: في الأرضين إن تقاربت وبعضها بعين وبعضها بنضح فلا تُجمعُ وإن كانت كلها بنضح أو بعين وتباعدت مواضعها لم تُجمع وإن تقاربت وسقيها بنضح كلها أو بعين جُمِعَت وكذلك ذكرها في المجموعة. ومن المجموعة وقال ابن الماجشون: وإذا تدانت الأرض في كرمها واشتبهت الحوائط واشتبهت الدور في بنيانها جُمعت في القسم إن تقاربت مواضعُها، وليس للقرب حدٌّ به يُعرف/ بحضرة ما يراه من يَرَاه يوم يقع. قال ابن القاسم: في شجر تفاحٍ ورمان وخوخ وغيره جُمِعَ ذلك كله في القسم بالقيمة والسهم. وقال سحنون: هذا استحسان للمرفق باجتماع الحق وأنا أكره أن يُقسم هذا قَسماً واحداً. ¬
في صفة قسم الرباع والأرضين، وهل يجمع حظ رجلين في القسم من ذوي سهم أو غيرهم
قال عبد الملك: إن كان كل صنف على اختلاطه شبيهاً بالآخر جاز جمعه في القسم، وإن كان أكثره صنفاً واحداً أُفرِدَ ذلك الصنف في القَسم وقُسِمَ ما سواه مختلطاً إذا اشتبه. قال ابن القاسم وأشهب: في الأرض فيها شجر مفترقة شجرة ها هنا وأخرى ها هنا فلتُقسم الأرضُ والشجرُ جميعاً فيقع لكل واحد شجر وأرض. قال سحنون: وإذا كان ما بين النخل من الأرض مصلحةً لها قُسمت الأرض مع النخل لأن النخلة التي فضاؤها واسه أزيد في القيمة فأما إذا بعد ما بين النخلتين من الأرض حتى لا تصل منفعةُ ما بَعُد عن النخلة إلى النخلة قُسمت النخل مع الأرض، ولو قُسمت النخل على حدة احتاجت كل نخلة طريقاً قُسمت لنخلُ مع الأرض. قال ابن عبدوس قال سحنون: والشجر وإن كان بعضها أفضل من بعض أو الأرض بعضها أكرم من بعض فلتُجمع في القسم إلا أن يأتي من ذلك أمر متباين فإذا تقارب ذلك جُمع. وقال ابن حبيب مثله. في صفة قسمِ الرباع والأرضين وهل يُجمع حظ رجلين في القسم من ذوي سهمٍٍُ أو غيرهم إن طلبوا ذلك أو بعضهم؟ وكيف إن كان/ للوارث سهمٌ غير ما ورث هل يُجمعُ له؟ ومن وهب نصيبه من أحد الدارين قبل القسم، وقِسمة الدار الغائبة من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: في الورثة أنه يُقسم بينهم الدار والأرض على أقلهم سهماً ويُجمع حقُّ كل واحدة على حدة ولا يُفرق وقاله: في أم وزوجة وأخت.
قال محمد بن عبد الحكم: ويُقسمُ على أقل السهام، فإن كان لأحدهم النصف ولآخر الثلث ولآخر السدس فإن اتفقوا على أي الطرفين يُبدأ به فيما أخرج السهم أسهموا بأيهما يُبدأ فيُعرف أيهما خرج وقد جعل ذلك ستة أنصباء معتدلة فيُسهم بينهم فإن خرج [سهم] (¬1) صاحب السدس كان له سهم من الطرف الذي اتفقوا على أن يبدؤوا به إن أخرجه السهم ثم يُسهم بين من بقي فإن خرج صاحب الثلث أخذ سهمين يليان (¬2) سهم صاحب السدس وكان ما بقي لصاحب النصف، وإن خرج صاحب النصف بعد السدس كان له ثلاثة [تليه] (¬3) ثم ما بقي لصاحب الثلث هكذا بعد خروج اثنين يكون للثالث ما بقي. وكذلك إن خرج أولاً صاحب الثلث كان له سهمان أو كان صاحب النصف كان له ثلاثة ثم إن خرج صاحب السدس كان له سهم ثم يكون ما بقي للثالث، وقد قيل إن صاحب السدس لا يكون إلا في أحد الطرفين، قال: والأول أحب إلي. قال محمد: إنما هذا إذا كان نصيبين مثل ابنٍ وزوجة. ومن العتبية (¬4) روى عيسى عن ابن القاسم قال: إذا كان أدنى/ الورثة سهماً صاحب السدس قُسمت على ستة أجزاء بالقيمة، وإن كثُرت الأرض في بعض تلك السهام بالقيمة لرداءتها وقلت في بعضها لارتفاعها في القيمة فإذا عُدل ذلك كتب أهل كل سهم اسم سهمهم ثم أسهم في الطرفين جميعاً فمن خرج سهمهُ في طرف ضُم إليه ما بقي من حقه ثم يُضرب لمن بقي كذلك في أحد الطرفين بعد الذي عُدل فإذا وقع سهم أحدهم في شِق ضُم إليه سهمه. قال عيسى: وإذا كانت الأرض الكريمة القسمة والدنية تحمل القسمة قُسمت الكريمة على حدة والدنية على حدة. ¬
قال ابن القاسم في المجموعة: يُضرب على أحد الطرفين فإن تشاحت الورثة (¬1) في أي الطرفين يُبدأ به، ضُرب بالسهم على أي طرف يُبدأ به فما خرج ضُرب عليه أولاً ثم يُضرب بسهامهم فمن خرج سهمُه أخذه وضم إليه باقي حقه ثم يُضرب بسهام من بقي فإن تشاجروا أيضاً في الطرفين ضُرب أيضاً على أي طرف يبدأ حتى لا يبقى منهم إلا اثنان فإن تشاحا على أي الطرفين يُبدأ به لم ينظر إلى ذلك وضرب القاسم على أي الطرفين شاء لأنه إذا ضرب على أحد الطرفين فقد ضرب لهما جميعاً. وقال ابن الماجشون: إذا ورثه أخوان وأختُ فليُقسم على خمسة أجزاء ويُضرب بثلاثة أسهم. وقيل: بخمسة، والأول أصوب، قوله يُضرب بثلاثة أسهم- يريد أن الضرب بالسهم يُخرجك إلى ثلاثة أنصباء والضرب/ مرتين لا أكثر- ثم قال: يضرب [فإن خرج سهم للأخت أخذت ثم ضرب بين الأخوين] (¬2) فإذا خرج سهم أحدهما ضم إليه سهمه الآخر وكان ما بقي للآخر، وإن خرج [أولاً سهمُ أحد الأخوين جمع إليه سهمه الآخر ثم ضرب للأخ والأخت فإن خرج سهم الأخ جمع إليه سهمه الآخر وكان ما بقي للأُخت، وإن خرج] (¬3) سهم الأخت فما بقي للأخ. قال ابن حبيب قال مطرف: وتُقسم الدار والأرض بين الورثة على أقلهم سهماً إن كان أدناهم سهماً له السدس فعلى ستة وإن كان الثمن فعلى ثمانية وكذلك جزء من اثني عشر أو سهم يبقى للعصبة فليُقسم على [أقل] (¬4) سهام الفريضة، فإن كانت الأرض مستوية قسمت بالقيس وإن كانت مختلفة فبالقيمة على قدر تفاضلهم، فإذا استوت كتب أهل كل سهم اسم سهمهم في بطاقة ثم أخرجت بطاقتين بطاقتين من جملتها فتجعل بطاقة في هذا الطرف وبطاقة في ¬
الطرف الآخر فمن خرج سهمُه في طرف ضُم إليه ما بقي من حقه ويصير أهل الثمن أهل سهمٍ واحد وأهل السدس أهل سهم واحد وأهل الثلث من الكلالة كذلك وأهل الثلث بالوصية كذلك، ومن صارت له سهام من ميراثه ومن اشترائه من بعض الورثة ومن صدقة أحدهم عليه ضُمت له تلك السهام كلها إلى حقه فيأخذه مجتمعاً ثم بعد هذا القسم يقسم أهل كل سهم ما صار لهم مثل النسوة في الثمن والجدتين في السدس/ والكلالة في الثلث، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، وقالا: هو قول جميع أصحابنا. قال سحنون: يُبدأ في قِسمة الدار برفع الطريق من باب الدار إلى أقصى بيوتها فينظر مع ذلك فلا يحسبه على أحد ثم يُقسم ما بقي بالقيمة على الأنصباء ثم يرمي بالسهام. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذ أكرينا الدار واتسعت ساحتها قُسم ذلك كله معاً، فإن ضاق البنيان عن القسم واتسعت الساحة قُسم البنيان والسحة بالاجتهاد وليس على أن تقع السهام كلها في البيان إن ضاق عنها ولكن على الاجتهاد يضم إلى الساحة حطاطاً منها وإن كَبُر البنيان وحمل القسم وضاقت الساحة [أفرِد البنيانُ بالقسم وتُركت الساحة] (¬1)، وقد قال قائل: لا تُقسم الساحةُ مع البنيان وإن حملت القسم، ورأى أنه تأويل قول مالكٍ وقد أخطأ وأنكر سحنون وابن حبيب قسم أهل العراق في قولهم: أن يأخذ مساحة أرض الدار ثم يقسمها على الفرائض بالسهم فمن وقع عليه درك في القيمة فيما صار له أخذ الفضل ومن وقع له فضل ودى الفضل وهذا غلط وغرر (¬2) ولا يجوز لأن بعضهم يأخذ مالاً وربعاً والآخر ربعاً وهذا، التخاطر، والصواب أن يُقسم ذلك بالقيمة يُقوم البنيان بقاعته. قال ابن حبيب: يُقوم بقاعته وما يليه من ساحة الدار وبمخرج كل سهم فيه فيُقوم كل سهم بقيمته في موضعه من الدار ليس الجوفي كالقبلي ولا القبلي ¬
كالشرقي/ وإذا عُرفت السهام بالقيمة كُتب أهل كل سهم في بطاقة ثم أُخرج منها بطاقتان فجعل هذا بطاقةً في هذا الطرف وبطاقةً في الطرف الآخر فمن خرج سهمه في كليهما أخذه وضم إليه تمام ميراثه ثم تُخرجُ بطاقتان فتوضع (¬1) واحدة في هذا الطرف والأخرى في الطرف الآخر حتى يتم ذلك. قال ابن عبدوس قال سحنون: ووجه قسم الشجر أن يُقوم القاسم كل شجرة بالعدل إن كان من أهل المعرفة بقيمة ذلك الموضع وإلا جُمع لذلك أهل المعرفة [بالقيمة ويُسأل لذلك أهل الخبرة] (¬2) والمعرفة عما عرف من حمل كل شجرة فرُبَّ شجرة لها منظر ولا مخبر لها وأخرى يكثر حملُها لا منظر لها، فإذا قُوِّمَ ذلك جمع جميع القيمة فقسمها على قدر السهام فعرف ما ينوب كل سهم ثم ضرب بالسهام بأي الطرفين يبدأ فإذا عرفه كتب أسماء الأشراك كل واحد في رقعة ثم يدخلها في كمه فيخلطها ثم يُخرج أول سهم ثم ثانياً ثم ثالثاً ثم رابعاً إلى آخر ذلك، فإذا تمت بدأ بالأول فأعطاه من الناحية التي وقع عليها السهمُ أولاً فأعطاه شجرةً شجرةً حتى يكمل له ما صار له من جملة القيمة (¬3)، فإن استوفى بكمال شجرة فقد استوفى وإن لم يأتِ حقه على تمام شجرة وبقي له كسرٌ من القيمة أُعطي ذلك في شجرة فكان شريكاً فيها بقدر ما بقي له ويأخذ من بعده ما بقي من الشجر يضم إليه تمام حقه. قال مالك في المجموعة: في الزوجة مع العصبة في قسمة الأرض أنه يضرب لها في/ أحد الطرفين، قال ابن القاسم: كان العصبة واحداً أو جماعة. قال عبد الملك: ثم يستهم العصبة فيما بينهم إن شاؤوا وإن خرج أولاً للعصبة على أحد الطرفين فلها بغير سهم السهم الباقي. قال ابن حبيب: لأن العصبة كأهل سهم واحد فيكتب اسم (¬4) العصبة في بطاقة والزوجة في أخرى ثم توضع بطاقة ها هنا ¬
وأخرى ها هنا قال: وإنما هذا إذا كان معها عصبةٌ بنون أو غيرهم، وأما إن كان معها مثل الأم والابنة وغيرهما فها هنا يُقرعُ بينهم فحيث خرج سهمُ الزوجة أخذت. قال المغيرة في المجموعة: في الزوجة مع العصبة أنها تُعطى حقَّها حيث خرج في الطرفين وغيرها قال ابن الماجشون: وبهذا أقول. ومن العتبية (¬1) [قال] (¬2) أشهب عن مالكٍ: في الإخوة لأم يرثون الثلث فيريد أحدهم إفراد حقه (¬3) على حدة فليس له ذلك وليقسم له ولإخوته الثلث ثم يُقاسم إخوته إن شاء، وكذلك الزوجات وكذلك العصبة وإنما يتقاسمون بينهم بعد ذلك، ومثله في الواضحة قال: وكذلك الجداتُ في السدس وأهل كل سهم. ومن العتبية (¬4) والمجموعة عن ابن القاسم عن مالك في الرجل والمرأة يرثان الدار فيقع لأحدهما مواريثُ بعضُها بعد بعض أنه يجمع حظه كله في سهم واحد كل ما ورث أو اشترى. وفي الواضحة مثله. ومن المجموعة: وقال غيره: في امرأة هلكت عن زوج وأم ابن فقاطع الأم والابن الزوج على شيءٍ من التركة وسلم/ لهما باقي الميراث فليقتسما بقية المال على تسعة أسهم تُسعان للأم وسبعة أتساع للولد. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: في أحد الورثة للدار والأرض يُشترى من بعضهم أو يُوهب له ثم يقتسمون، أنه يجمع له ما ورِث وما صار إليه منهم في القسم ولا يُفرق عليه. قال ابن حبيب: ولا تُقسم الدور والأرض بالذرع ولكن بالقيمة وكذلك عن ابن القاسم في العتبية (¬5) في رواية يحيى. ¬
وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: في الدار بين الرجلين فيأخذ هذا طائفة والآخر طائفة على أن لأحدهم الطريق على الآخر وملك الطريق لمن صارت له قالا: لا بأس به. قال سحنون: إنما هذا بالتراضي بغير سهم وإنما يُضرب بالسهم بعد رفع الطريق. قال ابن عبدوس قال أشهب: في أقرحة (¬1) بين قوم أراد بعضهم أن يُعطى حقه من كل أرض وقال بعضُهم بل اجمع لي نصيبي في موضع فإن كانت في نمط واحد وإن كان بعضها أكرم من بعض فإنه يجمع لمن طلب حصته في مكان واحد، وإن زاد حظه عن أرض واحدة أخذ من الأخرى تمام حقه، وإذا اجتمعت أنصباءُ الذين أرادوا الجمع اقتسم الذين أرادوا التفريق أنصباءهم على ما تراضوا عليه. قال ابن عبدوس: يجعل سهام المريدين للتفريق سهماً واحداً وسهام [مُريدي الجمع سهماً سهماً ثم يُفرغُ فإن خرج سهم] (¬2) مريدي التفرقة جمع إليه باقي حقوقهم وصار كحق رجل واحد وحيث ما خرج سهم مريدي الجمع/ أخذ كل واحد حقه حيث خرج ثم يرجع الذين أرادوا التفرقة فيقسمون كل أرض مما صار لهم على حِدتها فيأخذ كل غنسانٍ حقه من ذلك. قال أشهب: وإن تباعدت الأرض ليست في نمط قَسَمَ للذين طلبوا أن يُعطوا حقوقُهم من كل أرض في الأرضين ثم قيل للمريدين جمع حقوقهم اقتسموا على ما تتراضون عليه. قال ابن عبدوس: يجعل سهم من يحب الجمع ها هنا سهماً واحداً ثم يُقرع بينهم في كل أرض على حِدتها فإن خرج سهم الذين أرادوا الجمع جمع لهم حقهم في تلك الأرض وأعطى مريدي التفرقة كل واحد نصيبه منها حيث صار له، فهكذا يُعمل في كل أرض ثم يرجع الذين أرادوا الجمع فيقسمون ما صار لهم مجتمعاً على ما أرادوا. ¬
قال ابن عبدوس: وليس هذا أصل مالكٍ وأصحابه لأن أصلهم لا يجمع حظ اثنين في القسم، وهذا أيضاً على ما ذهب إليه أشهب: أن الشركاء إذا رضوا بقسم الصنفين المختلفين بالقرعة جاز وخالف فيه أصحابه. قال ابن القاسم: في الدار الغائبة بين الرجلين لا بأس أن يقسماها على الصفة. قال سحنون: وكيف تُقسم وهي غائبةٌ ولا يُدرى ما حدث فيها إلا أن يكون بتراضٍ بغير قرعة ولا يجوز بالقرعة ولا يُجبر على القسم من أباه. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون: فيمن ترك ابناً وثلاث بناتٍ فترك دارين متلاصقين في نمط واحد ولهما في الساحة سواء إلا أن واحدة أسنى بناءً من الأخرى فوهبت/ واحدةٌ من البناتِ نصيبها من إحدى الدارين لأختها الأخرى قبل القسم هل يُجمع لها ذلك مع نصيبها في القسم؟ وهل يُجمع قسم الدارين على هذا؟ فكتب إليه: إذا كان الدارين (¬1) كل واحدة مبنية إلا أن واحدة أسنى بناءً [من الأخرى فوهبت واحدة من البنات نصيبها من إحدى الدارين لأختها الأخرى قبل القسم هل يجمع لها ذلك مع نصيبها في القسم؟ وهل تجمع قسمة الدارين على حدة؟ فكتب إليه إذا كانت الدارين كل واحدة مبنية إلا أن واحدة أسنى] (¬2) فليُجمعا في القسم كأنهما دارٌ واحدةٌ فيقتسمان على خمسة أجزاء بالقيم ويعدل حتى لا يكون بين ذلك زيادة ثم يرمي السهام على أحد الطرفين، فإن خرج سهمُ الغلام جُمع له سهمان ثم يسهم فإن خرج سهمُ إحدى البنات أخذت السهم الثالث ثم يسهم فتأخذ الثانية الخمس الرابع ثم ما بقي للثالثة، وإن خرج أولاً لإحدى البنات (¬3) أخذت خمساً ثم إن خرج لأخرى أخذت خُمساً ثم إن خرج للذكر أخذ خُمسين وللثالثة ما بقي، وكذلك إن خرج البنات قبله كان ما بقي له ثم ينظر إلى الواهبة فإن وقع سهمُها في الدار التي وهبت مصابتُها منها أخذت المتصدّق عليها خمس تلك الدار مما في ¬
في الدار لها ساحة وطريق، هل يقسم معها؟ وقد أراد ذلك بعضهم أو أباه
يديها، وإن وقع حقها في الدار الأخرى بطلت هبتُها، وإن اختلفت الداران (¬1) فكانت واحدة مبنية والأخرى قاعة قُسمت بكل واحدة مفردة فإن كانت الهبة في المبنية قُسمت وجُمع للموهوبة فيها سهام من خمسة بالقيمة، وإن كانت الهبة في القاعة قُسمت وعمل فيها كذلك. وكتب في سؤاله وإنهم قسموا الدار التي فيها الهبة ووكلت الموهوبة من يَقسم لها فقسمت على خمسة ولم يُجمع لها سهم الميراث (¬2) مع سهم الهبة فقالت/: لا أرضى هذا ولم آمر وكيلي أن يُفرق عليَّ؟ وكتب إليه: إن كان الداران (¬3) مما لا يُجمع في القسم فانقض القسم حتى يجمع لها سهمين في موضع وإن كانت التي قسموا ليست فيها الهبة وسهامها لا تُجمع في القسم فامض القسم. في الدار لها ساحة وطريق هل يُقسم معها وقد أراد ذلك بعضهم أو أباه؟ وفي بيع الطريق وكيف إن قسموا ولم يذكروا الطريق؟ [وفي الساحة تبقى مشاعاً بعد القسم هل تقسم؟] (¬4) من المجموعة قال ابن وهب وابن القاسم وأشهب عن مالك: في الدار بين قوم لها ساحةٌ واسعةٌ وليس لبيوتها حجرٌ فأرادوا قسمها مع العرصة؟ قال: ذلك لهم ليتخذوا حجراً على بيوتهم وإنما العرصة التي لا تنقسم التي لبيوتها حجرٌ تسترها وتبقى العرصةُ مُناخ إبلهم (¬5) ومرتفقهُم. قال أشهب: وكذلك إن كانت البيوت لا حجر لها والعرصة إن قُسمت ضاقت فإنها لا تُقسمُ وتقر بينهم. وقاله ابن حبيب. ¬
وقال ابن الماجشون: وتُقسم البيوت فقط وتبقى الساحة بينهم. وقال: ولقد قال قائل- يعني مطرفاً-: لا تُقسم الساحةُ وإن حملت القسم وتُقسم البيوت، ورآه تأويل قول مالكٍ لا تُقسم الساحةُ وإن احتملت القسم، وأخطأ التأويل وإنما تلك الساحة الفِناء يكون أمام دار القوم محطاًلرحالهم وأثقالهم ومدخلاً للناس عند تضايق الطريق لهم وتكاثر الدواب وازدحام الناس فتلك لا تُقسم وإن احتملت القسم وإن اجتمع الورثة على/ قسمها لأن فيها حقاً لغيرهم. وقال لي مطرفٌ وابن الماجشون عن مالك: أنه لا يُجيزُ قِسمة الفِناء. قال ابن المواز: ولا يُقسم ما بقي مشاعاً بعد القسم من قاعة دار أو طريق. قال: وإذا كانت العرصة واسعة فأراد أحدهم بيع نصيبه منها فليس له ذلك إلا ببيع مصابته من البيوت أو يأذن في ذلك شركاؤه فإن أبى أحدهم لم يكن له ذلك ورُد إن فعل، وإن اجتمعوا على قسم العرصة فذلك لهم كانت واسعة أو غير واسعة كان بعد قسم البيوت أو معها- يريد محمد بغير سهمٍ. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن وهب عن مالك: في قوم لهم دارٌ مقسومة وباب مدخلهم واحد ولهم عرصة فيريد كل واحد أن يصير له من العرصة بقدر ميراثه ليربط فيه دابته فلا بأس أن يُعطى كل واحدٍ منهم قدر ما يصيبه من ذلك (¬1). وقاله أشهب: يريد مما يلي نصيبه. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: إذا تراضوا بذلك فهو جائز. قال أشهب: كانت العرصة واسعةً أو لم تكن. [قال في كتاب ابن المواز: وإن اختلفوا ولم تكن] (¬2) واسعةً فلا يُقسم إن أبى أحدهم، وإن كانت واسعةً نظر فإن لم يكن لبيوتهم حجرٌ قُسمت إن طلب القسم أحدهم إذا كان يبقى بعد القسم ما ينتفعون به في الممر وغيره ولا يدخل ضرر على من أبى القسم، ويقسم لكل واحد بحصته مما يليه وإن كان يصير لكل واحد ما لا ينتفع به لم يُقسم. ¬
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وارتفاعهم بالساحة إذا قُسمت البيوت/ ارتفاعاً واحداً القليل النصيب والكثير في ملك سواء. وروى أشهب عن مالك في المجموعة وكتاب محمد: إنما ارتفاقهم فيها بقدر عدد البيوت لا على الأنصاب ولا على قدر الأبواب وليس البيتُ الصغير كالكبير؛ الكبير أكثر مرفقاً. قال ابن الماجشون: إذا كانت الساحة من حقوق الدار قُسمت معها وإن كانت الساحة أرضاً واسعةً قُسمت الدارُ على حدة ثم إن شاؤوا قسموا أرضهم ليس اسمُها ساحةً ولا فِناءً. قال أشهب وعبد الملك: ولا بأس بشراء ممر في دار دون أن يشتري من رقبة الدار شيئاً وذلك إن كان يخرج به إلى انتفاع مثل أن يفتح فيه باباً فيمر منها حيث لم يكن يمر. قال أشهب: وإن لم يكن ينتفع أكثر من أن يدخل إلى اقصى الدار ثم يرجع فهذا لا يجوز. قال ابن الماجشون: وإذا كان عليك ممر لرجل فاشتريته منه فذلك جائز ويجعل البائع ممره حيث شاء وإلا تركه مسدوداً إلى أن يجعل الله له طريقاً أو يفتح له باباً. قال ابن القاسم: وإن اقتسموا داراً وساحتها ولم يُذكر الطريقُ فالطريق لمن صارت له وللآخر فيها الممر إذا لم يشترط صرف الطريق، وهذا على مذهب سحنون لا يجوز بالسهم إلا برفع الطريق بينهم. قال ابن حبيب: إذا لم يذكرا، الطريق عند القسم أعدت القسم ثانية على ذكر ذلك ومعرفة مخرج كل سهم ما لم يشترطا قطع ذلك وكذلك لو اقتسموا داراً بتراضٍ بلا سهم أو بالسهم ومجرى مائها في/ ناحية فصارت تلك الناحية في سهم واحد منهم فكره مجرى مائهم عليه ولم يذكروه عند القسم فإن القسم ينتقض ثم يُعادُ على ذكر ذلك وبيانه. وفي آخر الكتاب بابٌ مفرد لهذا [قد يتكرر فيه مما ها هنا] (¬1). ¬
في قسمة الحمام والبيت الصغير والعين والبئر والماجل وفحل النخل وغيره
في قسم الحمّام والبيت الصغير والعين والبئر والماجل (¬1) وفحل النخل وغيره وما في قَسمة ضررٌ، وذكر قِسمة الماءِ بالقلد (¬2) في المجموعة قال أشهب عن مالك: في الأرض بين أشراك ولمن فيها عينٌ فيريدون القسم وإن اقتسموا صار لبعضهم ما لا يكون فيه عين أيُقسمُ أو يباع؟ قال: بل يُقسمُ أما رأيت قَسماً لإنسان في دار لا يستطيع سكناه. قال: وإن اتخذ بعضُهم عيناً فليس لمن صار (¬3) له ما لا يكون فيه عين الدخول معه. قال مالك: وقد عمل بذلك بالمدينة حتى صار لبعضهم ما لا ينتفع به في قسمه. قال ابن القاسم عن مالك: ويُقسم الحمّامُ. قال عبد الملك: لم أعلم من وافق مالكاً على قسمه من أصحابنا ولا سمعتُ من يستحسنه وهذا من الضرر. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: أنه يَقسِمُ الأرض وإن قلت ولم يقع لواحد منهم إلا مذود. قال ابن حبيب: وقال أبو حنيفة: يقول مالكٌ هذا وهو شاذ ولم يقل به من أصحاب مالكٍ إلا ابن كنانة وباقي أصحابه المدنيين والمصرين على خلافه، منهم ابن أبي حازم والمغيرة، وابن دينار، ومطرف، وابن الماجشون/ وابن نافع، وابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ وقالوا: معنى قول الله ¬
سبحانه (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) (¬1) ثم يُقسمُ على السنة وبقي الضرر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم [لا ضرر ولا ضِرار] (¬2)، فمن أعظم الضرر أن يقسم بينهم ما يُنتفع به ولكن يُباع ويُقسم الثمنُ. قال مطرف: وبهذا كان يقضي قُضاةُ المدينة كلهم إلا هشام ابن عبد الله المخزومي. قال مطرف: والذي آخذ به أنه إن كان بعضهم ينتفع بسعة سهمه ويضيق عن بعضهم لقلة سهمه فيُباع ويُقسم الثمن أولى بالصواب. قال ابن الماجشون: سواء ضاق السهم عن جميعهم أو عن بعضهم وإن كان أقلهم حظاً فإنه لا يُقسم وإن كان لأصغرهم حظاً انتفاعٌ في وجهٍ من وجوه المنافع وإن قل مما لا ضرر فيه فالقسم قائم. قال ابن حبيب: [قاله كله أصبغ وذكره عن ابن القاسم. قال ابن حبيب] (¬3): ولا يُقسم الحمّامُ ولا الفرن ولا الرحى ولا البئرُ ولا العينُ ولا الساقية ولا الذكان ولا الجدار ولا الطريق ولا الشجرة. ومن المجموعة: يُقسم الجدارُ إن لم يكن فيه ضررٌ. قال أشهب: لا يُقسمُ إلا باجتماعهم قال: وإن كان لهذا عليه جُذُوعٌ ولهذا عليه جُذوعٌ لم يُقسم. قال ابن القاسم: وليتقاوياه. ولم يذكر أشهب المقاواة. قال ابن القاسم وأشهب: في زيتونة ونخلةٍ بين رجلين فلا يقتسماهما (¬4) بينهما إلا أن يتراضيا ويعتدلا في القسم- يريد بالقيمة. قال سحنون: / ترك ابن القاسم قوله وهو: لا يجمع صنفين مختلفين في القسم وإن تراضيا. قسم 3 قال أشهب: وإن قُسمت الدارُ وتُرك ماجلُها فلا يُقسم بعد ذلك وإنما يُقسم الماجل مع الدار قسماً واحداً، وكذلك البئر وكذلك العينُ في النخل إلا أن تكون العينُ إن قُسمت ماتت ويكون في موتها موت النخل وكذلك فحول النخل تُقسم مع النخل. ¬
قال ابن حبيب: وجه قسم العيون والآبار بين الورثة والشركاء على ما تراضوا عليه فإن لم يتراضوا وأحبوا السهم فلا يُقسم إلا على أن يصير كل عين أو كل بئر منفردةً لكل واحد بلا دركٍ لبعضهم على بعض ولكن يعتدل ذلك في القيمة، فأما على أن يُجمع اثنان في عين أو بئر فلا يجوز ذلك بالسهم إذا كانت العيون والآبار تحمل القسم على ما ذكرنا بقيت بينهم يسقون بمائها سهامهم بقدر مواريثهم وشركتهم، ومن دعا إلى البيع قُضي له بذلك فإذا وقفت على ثمن فللآخر أخذُها به. قال عبد الملك: وليس ما يفعله الناسُ من اقتسام البئر بين الدارين فيُقسم بجدار يُحمل على وسطها قسمةٌ يُعمل بها ولا يُحكم وليس بلازم. قال ابن عبدوس قال أشهب: لا تُقسمُ العيون ولا الآبار إلا على الشرب إلا ما إذا قُسم منها لم ينقطع ماؤه فإن كان منها شيءٌ يكون كذلك بالقسم فيها مع النخل قسماً واحداً. قال ابن حبي: وإن طلب الورثة أو الشركاء قِسمة الماء بينهم من العين أو البئر أو من عيون أو آبارٍ لم يحمل القسم قُسم بينهم ثم يسقي كل واحدٍ بجميع الماء حتى/ يستوعب قلده ثم يأخذه الذي يتلوه ثم الآخر حتى يتموا، وتفسير (¬1) ذلك إن تحاكموا فيه اجتمعوا على قسمة فليأمر الإمامُ رجلين مأمونين أو يجتمع الورثة على الرضى بهما فيأخذان قِدراً من فخار أو شبهها فيثقبان في أسفله بمثقب بمسكانه عندهما ثم يعلقانها ويجعلان تحتها قصرية ويُعدان ماءً في جرارٍ ثم إذا تصدع الفجر صبا الماء في القدر فسال الماء من الثقب فكلما هم الماء أن ينضب صبا حتى يكون سيل الماء من الثقب معتدلاً النهار كله والليل كله إلى انصداع الفجر ثم يُنحيانها ويقسمان ما اجتمع من الماء على أقلهم سهماً كيلاً أو وزناً ثم يجعلان لكل وارث قِدراً يحمل سهمه من الماء ويثقبان كل قدرٍ منها بالمِثقب الذي ثقبا به القدر الأولى فإذا أراد أحدهما السقي على قدره بمائه وصرف الماء كله إلى ¬
في قسم العلو مع السفل والقضاء فيما ينهدم من ذلك وما يحدثه أحدهم وقسمة الأرحاء
أرضه فيبقى ما سال الماء من قدره ثم كذلك بقيتهم (¬1) فإن تشاحوا (¬2) في التبدية استهموا فيه. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإذا قسما الأرض وأبقيا بينهما البئرين أو العينين ثم أرادا قسمتهما فلا أحبُّ ذلك بالسهم ولكن بالمراضاة إلا أن يُحاط بذلك وبمعرفة قدرهما ويؤخذ من يعرف ذلك. في قسم العُلو مع السُّفل والقضاء فيما ينهدم من ذلك وما يحدثه أحدهم وقسمة الأرحاء من الواضحة ومن قول مالك: في قسمة الدار ذات العلو أن تُقوم/ حسب البيوت التي عليها على صاحب السفل وكذلك يُجعل الجدارُ من أساسه إلى موضع الفرش للسفل وكذلك إذا كان عليها سطح. قال ابن القاسم في المجموعة: وعلى صاحب العلو [دَعم (¬3) عُلوه] (¬4) حتى يبني صاحب السفل إذا احتاج إلى ذلك وليس على الأسفل أن يبني سفله إلا بما كان به مبنياً قبل ذلك وإن أضر ذلك بصاحب العلو. قال أشهب وعبد الملك: إذا انهدم السفل فعلى ربه أن يبنيه حتى يضع الخشب والجريد حتى يصير أرضاً. قال أشهب: فإن أبى أن يبني قيل له بع- يريد ممن يبني- وليس لصاحب العلو أن يبني السفل وليس لصاحب السفل أن يهدمه إلا من ضرورة، وليس لرب العلو أن يبني فوق علوه شيئاً يُضر بصاحب السفل إلا ما خَف ولا يُبدل ما انكسر من خشبه إلا بمثلها أو ما يقاربها في الخفة. ¬
باب في قسمة العبيد والمتاع والعروض وما يجمع من ذلك في القسم
ومن الواضحة قال: ويقسم الورثة الأرحاء على ما تراضوا فإن لم يتراضوا فلا تُقسم إلا أن يكون عددها كعدد سهامهم وتتفق قيمتها حتى لا يبقى على أحد دركٌ فأما على أن يصير رحىً بين اثنين أو يصير على أحدهم دركٌ أو يأخذه فلا يجوز ذلك. وفي كتاب الأرحية بقية القول في قسم ماء الأرحية وهل فيها تبدئة بالماء للأول على من بعده؟ باب (¬1) في قسمة العبيد والمتاع والعروض وما يُجمع من ذلك في القسم من الواضحة قال ابن حبيب: ذهب ابن القاسم إلى أن جعل البز كله من الخز/ والحرير والقطن والصوف والكتان والمرعزى (¬2) والفراء صنفاً واحداً في القسم. وخالفه مطرفٌ وابن الماجشون وقالا: لا يُقسَمُ ثياب الخَز والحرير مع ثياب القطن والكتان ولا مع الفِراء ولا يُقسم الصوف والمرعزى مع ما ذكرنا. قال ابن حبيب: وثياب القطن والكتان صنفٌ واحدٌ [في القسم] (¬3) وإن كان فيها قُمُصٌ وأردية وعمائم، وثيابُ الخَز والحرير من الوشي وغيره صنف واحد إلا ما كان من وشي القُطن اليوسفي والصنعاني (¬4) والمشطب من اليماني كله ولا يُقسم مع وشي الخز ولار الحرير وليُقسم وحده بالسهم وإن كان فيه حَبِرٌ (¬5) ¬
ومشطبٌ ووشي وصنعاني ويوسفي. وثياب الديباج صنف لا يُقسم مع ثياب الخز والحرير، وثياب الصوف والمرعزى صنف وإن كان منها جيب وسنجابٌ (¬1) وفراء الخز فإن صُنف لا يضم إلى فراء القلنيات (¬2) لبعد اختلافها ولا تُضم فراءٌ معمولة إلى ما ليس بمعمول كانت شركتهم بميراث أو شراء. ومن المجموعة قال أشهب: كل ما يصلح من هذا أن يُباع منه اثنان (¬3) بواحد إلى أجل [فلا يُضم مع الصنف الآخر في القسم لأنهما صنفان وكل ما لا يُباع بالآخر اثنان بواحد إلى أجل] (¬4) فهو كصنف واحد ويُجمع في القسم وليس الخز كالصوف ولا الكتان ولا الصوف كالكتان ولا الحرير كالخز وكل واحد يُقسم على حدة وكذلك ما بان/ اختلافه من ثياب الكتان فجاز بيعه متفاضلاً إلى أجل فليقسم كل واحد على حدته ولا يُقسم الشطوي مع القيسي ولا مع الزيقة ولا مع الأتربي، والمروزي أراه مثل الشطوي في جودته ولينه وإن كان أصلهما ليس بواحد ولو ترك خَل عنب وخل تمر لقُسم كل واحد على حِدته لدخول التفاضل بالقيم إذا جُمعا في القسم، وكذلك الزبيب الأسود والأحمر إلا أن يقسموا ذلك بالسوية بغير سهم. قال سحنون: لا يكون السهم فيما يُكال ويُوزن. قال أشهب في المجموعة: ولا يُجمع في القسم اللؤلؤ مع الياقوت والزبرجد ولا الزبرجد مع الياقوت إلا أن يتراضوا. قال أشهب: ولو لزم جميع ما يقع عليه اسم بَز في القسم مع اختلافه لزم مثله فيما يقع عليه اسم دابةٍ فيُقسم الرقيقُ إذاً مع الدواب والخيل مع الحمير والإبل. قال ابن عبدوس: ومذهب أشهب في هذا أصحُّ عند سحنون. قال ابن حبيب: ولا يجمع إلى سائر الحيوان من دوابٌ أو غيرها وليُقسم على حدة، ¬
وليُجمع الرقيق كله في القسم، الذكور والإناث والصغار والكبار والأعجمي والفصيح والحسن والقبيح إذا اعتدلتِ القيمة، ولا يُجمع الخيل مع البغال ولا البغال مع الحمير ولا الإبل مع البقر ولا البقر مع الغنم وإن اعتدلت القيم، ولكن يُقسم كل نوع على حدة، أو يقتسمون بالتراضي. ومن العتبية (¬1) قال يحيى بن يحيى: بلغني أن/ ابن الماجشون قال: لا يُقسمُ شيءٌ من الحيوان والعروض بالقيمة ولكن يُباع ذلك فيُقسم ثمنُه، والذي روى عنه ابن حبيب خلافُ هذا وهو ما في أول الباب. ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: كل ما انقسم من رقيق أو حيوان أو عين أو غيره فإنه يُقسم إذا دعا أحدهما إلى ذلك وشركتهما بميراث أو شراء. قال عنه ابن وهب: في الميت يترُك عبيداً فتريد زوجته أن يقع لها حقها في كل عبد أو وليدة فإنه يُقسم لها حقها في عبد أو وليدة فإن تم حقها في العبد أو الوليدة أخذته وإن نقص منه قاومت في العبد أو الوليدة ولم يُجعل حقها في ذلك كله لفساده وضرره والثيابُ والمتاع تقوَّم فتُعطَى حقها من ذلك. قال عنه ابن القاسم: في نفر اشتروا السفينة من الرقيق فيطلب بعضهم القسم ويريد الباقون البيع. فإن استُطيع القَسمُ قسموا وإلا بيع، قيل: إنهم جملة قال: رُبَّ جملة لا تنقسم خمسة من عشرة. قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس أن يُقسم الحناء [والكتان] (¬2) والمسك والعنبر وغيره مما يجوز فيه التفاضل على التحري. وقد قيل: لا يجوز، وإجازته أحب إلي. ¬
فيما لا ينقسم من الرقيق والمتاع وغيره إلا بضرر
فيما لا ينقسم من الرقيق والمتاع وغيره إلا بضرر ومن المجموعة قال أشهب: لا تُقسمُ الخشبة بين الرجلين، فإن قيل من الخشب ما يصلح/ في القطع (¬1) فإن ما يكون قطعه صلاحاً ولا يُكلف ذلك من أباه وإنما القسم في غير الرباع والأرض فيما لا يحال عن حال ولا يحدث بالقسم فيه ما لم يكن فيه من قطع ولا زيادة دراهم. قال: ولا يُقسم المحمل لأن الفرد لا ينتفع به إلا بالآخر وليقض ثمنه إذا أفرد، ولا يُقسم فص ولا ياقوتة ولا لؤلؤة أو زبرجدة وإن كان فصاً كبيراً إلا بتراصٍ، وكذلك السيف والمصحفُ فيه الحلية فيريد أحدهما نزعها وقسمته فليس له ذلك إلا أن يجتمعا ولا بأس يقسم الغرارتين (¬2) بين الرجلين إذ لا ضرر في تفريقهما. وقال ابن حبيب: لا تُقسم الغرارتان (¬3) وجعلهما كالخرج ولا تُقسم الخشبة ولا الثوب الواحد. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: في العبد وشبهه بين الرجلين أن من دعا إلى بيعه أجبر عليه من أباه أو يتقاويانه إلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يُعطى به. قال عنه ابن القاسم: فإن أبى أحدهما إلا المقاواة وأراد الآخر البيع قال: فليبع الآخر معه، وإن أحب أن يأخذه بما أعطى أخذ وإلا باع. وقال غيره: إن قال بعضهم نتزايد عليه وقال بعضهم بل يقومه بيننا أهل المعرفة والعدل ومن دعا إلى المزايدة فذلك له. قال ابن حبيب: إن دعا إلى البيع وطلب الباقون بقاءه على الشركة حُكم بالبيع لطالبه ولا تلزم المقاواة واحداً منهم، وإن دعا [إليها بعضهم حتى يجتمعوا/ على الرِّضى] (¬4) وإن دعا بعضهم إلى البيع وبعضهم إلى المقاواة أُجبر على البيع من أباه. ¬
في قسمة الزرع والثمار والطعام والمصبر واللبن في الضروع وغير الطعام مما يوزن أو يكال
في قسمة الزرع والثمار والطعام والمصبر، واللبن في الضروع وغير الطعام مما يوزن أو يكال ومن العتبية (¬1) والمجموعة قال أشهب عن مالك: لا بأس بقسم جميع الثمار بالخرص من نخل وعنبٍ وتين وغير ذلك إن وجد من يحسن ذلك وطاب وحل بيعُه قيل: فما يدعوهم إلى اقتسامه؟ قال: اختلاف حاجتهم من بين آكل رطباً وبائعه أو آكل تمراً وبائع رطباً. قال ابن عبدوس: ولا تجوز قسمته إذا أثمر. ومن الواضحة قال: كل ما لا يجوز فيه التفاضل من الطعام فلا يُقسم بالتحري لا زرعاً ولا حصيداً ولا ذرياً ولا مُصبراً ولا زيتوناً يابساً في شجر ولا منثوراً ولا عنباً في كرومه ولا مجموعاً ولا تيناً يابساً ولا رطباً إلا كيلاً أو وزناً فيما يوزن أو عدداً إلا مُدَّخر الثمار إذا بدا صلاحه واختلفت الحاجة فيه فيُقسم بالخرص، قاله مالك وأصحابه ومطرف وابن الماجشون إلا ابن القاسم فلم يجزه إلا في النخل والعنب. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: أجاز أصحابنا قُسم الثمار التي يستعجلها أهلها بالخرص من التمر والعنب والتي تُخرص، وكره مالكٌ قسم الثمار الكثيرة جداً لأنه مما لا تُنال عجلته كله ولا تختلف منه الحاجة إلا في الشيء/ الخفيف. قال ابن القاسم وأشهب: ولهما قسم البلح الكبير على الخرص والتعديل. قال ابن القاسم: إذا أراد أحدهما بيعه والآخر أكله، وأنكره سحنون ولم يره اختلاف حاجةٍ لأن الذي يبيعُ يجذ، فقد اجتمعوا على الجذ لأن تركه يُبطل القسم. قال أشهب: إذا كان بينهما بُسرٌ ورُطب لم يجز أن يقسماها على أن يأخذ أحدهما البسر والآخر الرطب وإن كان بالخرص، ولكن يقتسمان الرطب ¬
ويقتسمان البُسر بالخرص، وكره ابن القاسم قسم البقل قائماً بالخرص. قال ابن عبدوس: لأنه لا يقبض كل واحدٍ ما صار له حتى يَجزه فصار طعاماً بطعام غير يد بيد وقد غلط من تأول عليه أنه لا يجيز قسمه بالتحري بعد جزه- يريد أو قبله- وليس هذا مذهبه وهو يُجوز قِسمة اللحم والخبز بالتحري فكيف بما يجوز فيه التفاضل، وقد جوز قسم البلح الصغير في النخل تحرياً. قال ابن حبيب: ويجوز قسمُ الكتان قائماً لم يُجمع وحُزماً قد جُمع قبل إدخاله الماء وبعد إخراجه وقبل نفضه وبعد نفضه على التعديل والتحري أو الرضى بالتفاضل. وذكر ابن سحنون عن أبيه: في قسم الكتان قبل أن يُعمل وقد حُصد وفي رؤوسه زريعة [أو عُزلت منه قال: لا يُقسم كان في رؤوسه زريعة] (¬1) أو ليس ذلك فيه حتى يُدق ويُقسم. قال ابن المواز قال مالك: وإذا قُسم الثمن في النخل لاختلاف الحاجة فعلى حرز الكل على القيم، وإن تفاضل الجنس الواحد في الجودة/ قُسم كل شيء على حدة [كما تُقسم العجوة على حدة والصيحاني على حدة،] (¬2) وإرادة أحدهما البيع والآخر ترك البيع اختلاف حاجة يجيزُ القسم وإن أحبا المقاواة جاز لهما. ومن طلب القسم فذلك له. ومن كتاب محمد والعتبية (¬3) والمجموعة: وإذا كان صيحانيٌ وعجوةٌ أو عنب أحمر وأسود فلا بأس أن يُجمعا في القسم بالخرص على تساوي الكيل فإن لم يطوعا بذلك قُسم كل صنف على حدة. قال ابن نافع في المجموعة: ولو قوموا ذلك فأخذه أحدُهم وأعطى للباقين ثمناً كان أحسن وإن أبوا إلا ما قال مالك فأرجو أنه خفيف. قال ابن القاسم: في الغنم بين الرجلين فلا يقسما (¬4) لبنها في الضروع إلا أن يتبين تفضيل أحدهما الآخر على المعروف وكان إن هلكت غنمُ أحدهما رجع ¬
على الآخر بما في يده فيجوز لأنه على الفضل ولم يجزه أشهب وقال مثله سحنون. قال سحنون: لأنه طعامٌ بطعام غير يد بيد، ولو حلباه قبل التفرق لجاز إذا فضل أحدهما الآخر بأمر بين. وعلة أشهب أنه لبن بلبن متفاضلاً والتأخير وهو لا يُجوز قسمته محلوباً تحرياً فإذا فضله فهو أحرم، وأنكر عليه هذه سحنون وقال: قد أجاز في الصبر أن يأخذ أحدهما أقل من نصفها بأمر بينٍ ويُسلم للآخر باقيها لأنه من المعروف. قال ابن عبدوس: فهذا يرُدُّ قوله في تفاضل اللبن معروفاً. قال ابن القاسم: في قوم بينهم نخل أو شجر فيها نوىً على أن يأخذ هؤلاء/ نخلاً يأكلون تمرها ويأخذ الآخرون مثل ذلك بغير قسمة فلا يجوز وكذلك في لبن غنم بينهم لأنه قسمُ لبنٍ بغير كيل وقسمة ثمرٍ قبل بُدو صلاحها وقد قال في الغنم ما ذكرنا. ومن كتاب ابن المواز: وكل ما يُكال من طعامٍ أو غيره فلا يُقسم تحرياً وما لا يُمكنُ فيه إلا الوزن فيجوز قسمُه تحرياً وبيعُ بعضه ببعض تحرياً مثل اللحم والخبز والحيتان. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬1): وذلك في الشيء القليل. وقال مثله ابن حبيب وذكر البيض في ذلك قال: والفرق بين ما لا يمكن فيه إلا الوزن وبين المكيل أن المكيل لا يُفقدُ ولو بالأكف وهذا فيما لا يجوز فيه التفاضل، وأما ما يجوز التفاضل فيه من الطعام والثمار أو من العروض مثل الحناء والقطن والمِسك والزعفران والحديد والرصاص وغيره فلا بأس باقتسامه تحرياً على التعديل والتفضيل، ولا يجوز على الشك في تعديله كالتبادل فيه تبعاً، وقاله مطرف وابن الماجشون ورووه عن مالك وقاله أصبغ: وبه أقول وقاله أشهب في المجموعة: في الحِناء والمسك وغيره مما يجوز فيه التفاضل مما يكال أو يوزن أنه يُقسم بالتحري [لأن المتقى في ذلك في الطعام التفاضل] (¬2). وروى ابن المواز وابن عبدوس عن ابن ¬
في اقتسام الطعامين المختلفين أو طعام مع غيره وقسمة ما يوزن بالكيل أو يكال بالوزن
ابن القاسم أنه لا يجوز قسمُ الحناء والكتم والتين والنوى والكتان والمسك إلا/ كيلاً فيما يُكال ووزناً فيما يوزن إلا أن يقتسماه على معرفة التفاضل البين فيجوز، قال ابن عبدوس: وقول ابن القاسم أشبه (¬1) بالأصل وهو أحب إلي. ومن المجموعة ذكر قول ابن القاسم: إذا قسما بلحاً صغيراً فجذ واحدٌ حصته وترك الآخر حتى كبر البلح أنه إن كان قسماه على غير تفاضل وكان إذا كَبِرَ لا يتفاضل فذلك جائز. قال أشهب: إذا اقتسماه صغيراً أو كبيراً فلا خير في أن يتركاه حتى يزيد زيادة بينة أو يصير الصغير كبيراً فيُنقضُ القسمُ بذلك، قالا: وإن تركه الآخر حتى أزهى أن من جذ يردُّ قيمة ما جذ. قال أشهب: قيمتُه يوم جذه ليس على الرجاء والخوفِ قالا: ثم يقتسمان ذلك مع ما أزهاه. قال ابن عبدوس قال ابن الماجشون: وإذا اشتريا ثمرةً ثم قسماها معلقةً ثم احتجَّ أحدهما فلا يرجع بشيءٍ على شريكه وليرجع على البائع. ومن كتاب ابن سحنون: كتب سليمان إلى سحنون: هل يُقسمُ الكتانُ قبل أن يُعمل وقد حُصد في رؤوسه زريعة أو عزلوا منه الزريعة وأرادوا قسمه قبل أن ينقع وقبل أن يُدق فيصير مما يوزن؟ فكتب إليه: لا يعتدل قَسمُه لنا وزريعتُه في رؤوسه أو ليست فيه حتى يُدق فيقسم؟ في اقتسام الطعامين المختلفين أو طعام مع غيره وقِسمة ما يوزن بالكيل أو يكال بالوزن /من كتاب محمد ابن المواز: وإذا كان بينهما صُبرة (¬2) قمحٍ وصبرة شعير والقمح أكثرهما بأمر بين فأخذ أحدهما القمح والآخر الشعير لم يجز، وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة. ¬
في قسم الشجر لثمرها والحلي بما فيه، وفي سقي الأصول
ومن الكتابين قال ابن القاسم: وإن ترك أحدهما نصيبه من صبرة القمح واقتسما صبرة الشعير جزافاً لم يجز، ويجوز كيلاً وكأنه في الجُزاف خاطره فيها بما ترك له في القمح. قال أشهب: وإن قال له: خُذ هذا الشعير ونصف القمح أو وثلثي القمح جاز، وفي الصبرة بينهما إن قال له: خُذ ثلاثة أرباعها فجائزٌ. قال هو وابن القاسم: أو على أن يأخذ أحدهما منها كذا وكذا ويترك باقيها للآخر فإن كان لا يشك أن ما أخذ أقل من حقه قال أشهب: أو أكثر لا شك فجائز، وقاله ابن حبيب. ومن المجموعة قال أشهب: في الدنانير والدراهم والفلوس لا تقسم ولا يشتري به كيلاً وهو في الفلوس أخف منه في البيع، ولا تُقسم الفلوس موازنة. قال ابن الماجشون: في قسم الرطب والتين والعنب أنه يُقسم على الأكثر من شأنه في البلد من وزن أو كيلٍ وكذلك بيع بعضه ببعض مما لا يصلح فيه التفاضل. قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس أن يقسم القاضي الزيت كيلاً أو وزناً أي ذلك شاء فعل. في قسم الشجر لثمرها والحُلي بما فيه وفي سقي الأصول /ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا اقتسموا الأصول وفيها ثمرة قد أزهت فلا يقتسموا الثمرة معها ثم إن قسموها كان على كل واحد سَقيُ نخله وإن كان ثمرتها لغيره كبائع ثمر نخله، وأنكر هذا سحنون وقال: القسمُ تمييز حق والسقي على من له التمرة كمن أوصى بالأصل لرجل وهي مُزهية أو مأبورة فالسقي على ورثة الموصي بخلاف البيع، ولو كان حكم القسم ها هنا كالبيع لم يكن عليه أن يسقي من التمر إلا نصف ما في نخله ونصف ما في نخل صاحبه، ولأن التمرة قد تختلف في الخرص فيكون تمر عشر نخلات خرص نخلة واحدة فيختلف السقي والخرص سواء وفرقٌ آخر أنه لا جائحة في القسم وهي في البيع.
في التهابي في قسم الغلات والسكنى والخدمة وقسمة الدين
قال ابن القاسم وأشهب: وإن كانت التمرة بلحاً أو طلحاً فأراد قِسمتها مع النخل فلا يفعلا إلا أن يجذاه. قال أشهب: أو يُقسم ذلك مع النخل على الجذ فيجوز ما لم يبلغ أن يكون طعاماً أو يبلغ أن يكون بلحاً قد احلولى فلا يجوز لامتناع التفاضل فيه. قال ابن القاسم: تُقسم الرقاب ويُترك البلحُ والطلعُ، وأنكر سحنون ذكره للطلع وقال: إذا لم يُؤبر لم يُجز قسمتُها. قال ابن حبيب: لا تجوز قسمة الحُلي إلا وزناً حُلياً مُركباً فيه الجوهر مرصعاً منظوماً فلا بأس بقسمته إذا عُدِلَ بالقيمة وكان ما فيه من الذهب والورق تبعٌ لما فيه من جوهر/ ولؤلؤ فيعتدل بالقيمة ويُقسمُ بالسهم أو يُقسم على المراضاة على التعديل كالتاج والسواجر (¬1) والخواتم والأخلة (¬2) وشبهه مما لا ينزع فيه إلا بنقضه، وأما إن كان ذهبه [أكثر من الثلث أو كان جوهره نظماً فلا يجوز قسمه بالقيمة، وإن كان ذهبه] (¬3) تبعاً حتى يميز فيُقسمُ ذهبُه وزناً وجوهره بالقيمة. في التهابي (¬4) في قسم الغلات والسكنى والخدمة وقسمة الدين من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: في عبد بين رجلين فيقول أحدهما للآخر دعني أكريه هذا الشهر وآخذ كراءه وتكريه أنت في الشهر الآخر فلا يعجبني وسهَّله في الخدمة. ¬
في الشركاء يريد أحدهم القسم هل يبعث القاضي في ذلك؟ وكيف إن كان غائب أو صغير
ومن كتاب محمد قال مالك: في الدابة بينهما لم يجز أن يقول ما كسبت اليوم فلي وما كسبت غداً فلك وكذلك العبد. وإن قال اختدمه أنت اليوم وأنا غداً كان جائزاً وكذلك أنا شهراً وأنت شهراً. قال محمد: إنما يجوز في الخدمة مثل خمسة أيام فأقل ولا يجوز في الكسب ولا يوم واحد. وقد سهل مالك في اليوم الواحد وكرهه في أكثر منه وأجازه في الخدمة. قال ابن عبدوس قال ابن القاسم: وإن تهايوا في دور أو أرض على أن يسكن كل واحد أو يزرع ناحية فذلك جائز في السكنى والزراعة ولا يجوز في الغلة والكراء قال: ولا يجوز ذلك في خدمة العبيد إلا في أجل قريب كالشهر وأكثر منه وما أشبهه، ولا يجوز/ فيما بعد، وأما الدور والأرضون وما هو مأمون فيجوز التهابي فيه السنين المعلومة والأجل البعيد ككرائها، وليس لأحدهما فسخُه بعد ذلك. قال ابن حبيب: وتجوز قسمة الدين إذا كان على رجل واحد كان الغريم حاضراً أو غائباً. في الشركاء يريد أحدهم القسم هل يبعث القاضي في ذلك؟ وكيف إن كان فيهم غائب أو صغير؟ من كتاب ابن سحنون قال: وإذا سأل الورثة القاضي أن يقسم بينهم ربعاً ورثوه فلا يأمر بذلك حتى يثبت عنده بينة بملكهم لذلك أو ميراثهم إياه، وإن كان منهم غائب وكل له من يأخذ له حقه. وذكر ابن حبيب مثله. وقال سحنون وابن حبيب نحوه: أن القاضي لا يأمر بقسم ذلك حتى يثبت عنده أن ذلك مِلك لوليهم ملك عنه أو كان ساكناً كما يسكن في مِلكه حتى هلك عنده وثبت عنده عدد ورثته، وإن كانت قريةً فحتى يأتوه ببينة تثبت حدودها وتسميتها ومساحتها وأنهم يعرفون ذلك ملكاً للهالك أو في يديه وحوزه حتى هلك، وليوكل للصغير منهم أو للغائب من يقوم مقامه وإذا كانوا كلهم أكابر حضوراً فليس عليه أن يبعث لذلك قاسماً وليأخذوا هؤلاء لا بقسمهم قاسماً إلا أن يدعو إليه بعضهم
ويأباه بعضهم فيقضي بالقسم ويأمر به أو يكون فيهم صغير أو غائب. قال ابن حبيب: وهو/ كله منهاج مالك. قال أشهب في المجموعة: وإن كان أحدهم غائباً فاقتسموا بغير أمر السلطان ولم يقسموا للغائب على أن حظه مفترق عندهم لم يجز ذلك إذ له إذا جاء جمعُ حقه. قال ابن القاسم عن مالك: ولا يقسم الوصي للكبير الغائب وليرفع ذلك إلى السلطان ليلي ذلك للغائب. قال أشهب: يتخذ لمصابته وكيلاً يقوم له فيه وإن لم يجد ذلك إلا بأجرة، وكذلك من مات عن أطفال ولا وصي لهم فإن لم يجد أن يتخذ لهم وصياً إلا بجعل اتخذه لهم، وإن كان للأصاغر وصي ورأى الإمام أن يوليه ما كان للكبير الغائب فذلك جائز. قال ابن القاسم وأشهب: وإن قاسم الوصي للغائب بغير أمر السلطان لم يجز عليه، قال أشهب: وهو بالخيار إذا قدم في إجازة ذلك أو رده، فإن أجازه فقال الوصي لا أرضى فليس ذلك له، وقد أخطأ الوصي فيما فعل من القسم وهذا في الرباع والعروض والحيوان والثياب وكل ما يعرف بعينه (¬1). قال ابن القاسم عن مالك: وإن كان الورثة صغاراً كلهم فلا يُقسمُ بينهم مالُهم إلا بالسلطان إن رآه خيراً لهم. قال أشهب: إذا لم يدخل به الوصي عليهم مرفقاً فلا أحب أن يقسمه فإن فعل رأيتُه ماضياً وإن لم يكن بأمر سلطان، وإن كان لبعضهم فيه مرفق أو لجميعهم مثل أن يكون أعمر لبعضهم أو منهم من بلغ أن يحوط ماشيته فيقسم لهم إذا خاف أن يتواكلوا أو يكون منه صغيرٌ يريد/ أن يتجر بماله له أو يضارب به لضعفه عنه وما هلك لأحدهم فهو منه وليس شيءٌ من ذلك أحب إلى أن يطالع فيه الإمام مثل الرباع ولأنه لا يبيع الوصي الرباع إلا بأمر الإمام. ¬
في التداعي في القسم وفي الغلط فيه، وكيف إن وجد أحدهم في حظه ماجلا أو بئرا أو كنزا
وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أن مالكاً وغيره أجازوا في الأصاغر لا أباً لهم ولا وصيَّ ولهم أم أو أخٌ رشيدٌ أو غيره ممن احتسب فهم من الأجنبيين فقام بولايتهم وكنفهم بغير تولية سلطان أنه يجوز له فيهم وعليهم ما يجوز للوصي على من أوصى بهم إليه من مقاسمة أو بيع أو ابتياع أو صلح أو تزويج أو تزكية مالٍ أو تضمينه أو حيازة صدقة منه أو من غيره بمنزلة الوصي في جميع ذلك، وقال به أصبغ وقاله ابن القاسم: فيمن يلي اللقيط وكذلك من ولي يتيماً فاكتنفه لقرابة أو لحسبة فهو له كالوصي. قال ابن القاسم عن مالك: إن صاحب الشُّرط إن كان عدلاً فمقاسمتُه على الصغار جائزة. وفيما ذكر ابن حبيب من هذا ما المعروف خلافه. في التداعي في القسمِ وفي الغلطِ فيه وكيف إن وجد أحدهم في حظه ماجلاً أو بئراً أو عمداً عافية أو كنزاً أو ظهر في القسم غلط من العتبية (¬1) ابن القاسم عن مالك: في الشريكين في الدار يدعي أحدهما أن شريكه قاسمه والآخر ينكر؟ قال: على مدعي القسم البينة. قال ابن حبيب: وإن قسما على مراضاة أو تساهمٍ/ ثم اختلفا في بيت فادعاه كلاهما أو في حد من حدودها فإن لم تقم بينة تحالفا فإن نكلا أو حلفا تفاسخا، وإن نكل واحدٌ فالقول قول الحالف. قال ابن عبدوس عن ابن القاسم: فإن قسما عشرة أثواب فأخذ أحدهما أربعة والآخر ستة ثم ادعى آخذ الأربعة أن ثوباً من الستة له وكذبه الآخر فالقول قول الحائز مع يمينه إذا أشبه، وقال أشهب: يتحالفان ويتفاسخان. قال ابن عبدوس: يقتسمان هذا الثوب المختلف فيه بينهما نصفين بعد أيمانهما، [واختار سحنون قول ابن القاسم] (¬2). ¬
ومن العتبية (¬1) من سماع عيسى عن ابن القاسم: وإذا قسم ورثة منزلاً فغاب بعضُهم وعمَّر الباقون ثم قدم الغائب بعد مدة فاشتبهت عليهم حقوقُهم وقال الحاضرون لا نعرف سهامهم [فليحلف الحاضرون أن الذين عمروا سهامهم] (¬2) ولا شيء لهم ويعيد الذين اشتبهت عليهم سهامهم القسمة بينهم قال: وإذا كان حظ أحدهم في يد أخيه عشرين سنة ونحوها فمات صاحب السهم فقام فيه بنوه أو قام هو ولمنزل يُعرف أنه من تركة أبيهم قال: إن ادعى اشتراءً أو صدقة فذلك له أقام بينةً أو لم يقم لأن في عشرين سنة ما يبيد الشهود، وإن لم يدع شراءً ولا صدقة إلا قوله هو بيدي فلا ينتفع بذلك ولو قال ورثتُه: لا ندري بماذا هو في يديه فلا شيء عليهم إلا أن يأتي المدعون بأمر يتبين به حقوقهم. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا ادعى/ أحدهم الغلط بعد القسم فإن قسموا بالتراضي بلا سهم وهم جائزو الأمور فلا يُنظر إلى دعوى ذلك وإن كان الغلط ببينة أو بغير ذلك من الأمور الظاهرة لأنه كبيع التساوم يلزمه فيه التغابن، وإن قسموا بالسهم على تعديل القيمة فلا يُقبل قولُه إلا ببينة أو يتفاحش فيه الغلط فتُرد القسمةُ كبيع المرابحة وتعاد القسمة ولا تُعدل على أن يبقوا على سهامهم ولكن يُقسم ثانية ولو لم يكن الغلط إلا في نصيبٍ واحد وقع عنده زيادةً لفسخ القسم، فإن فات نصيبه بالبناء فيرجع عليه من بعض سهمه بقيمة ذلك مالاً، ولو فات ببيع فإن لم يكن المبتاع بنى أيضاً نقض بيعه ورُدت القسمة، فإن بنى المبتاع رجع الناقض سهمه على البائع بقيمة ذلك مالاً فإن لم يجد عنده شيئاً رجع به على المشتري مالاً أيضاً ورجع به المشتري على البائع في ذمته، وإن بنى الذي لم تقع الزيادة في سهمه ولم يبن الذي عنده الزيادة انتقض القسم فيما لم يُبن من السهام وفي السهم الذي فيه الزيادة، وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط ماضياً لصاحبه، هكذا فسر لي مطرفٌ وابن الماجشون وأصبغ. ¬
ومن العتبية (¬1) من سماع يحيى عن البن القاسم: وعن المقتسمين يجد أحدهما في نصيبه جُباً أو بئراً (¬2) قال: للآخر فيه حظه ويعاوده القسم إن لم يفت، فإن فات ببناء فله قيمة نصف ذلك كبيوت وجدها أسفل بيوت/ لم يعلم بها. وقال سحنون: إذا وجد أحدهم في نصيبه بئراً عاديةً فهي له دون الآخر. وقال مثله ابنُ حبيب وقال: وكذلك إن وجد عُمداً أو صخراً، وكذلك المشتري يجد مثل ذلك أو الشريك، وقاله أصبغ. وفيما كتب سحنون إلى شجرة: إن كل ما وجد أحدُهم من القديم ليس من تركة الميت من ماجل أو بئر مطوية أو عُمُدٍ من آبار الأولين فهو لمن وجده وليس للآخرين عليه شيء وكذلك ما يجده المبتاع، وأما ما وجد من كنز ذهب أو فضة أو متاع أو نحاس من آثار الأولين فله حُكم الكنز إن كانت من أرض العرب فهو لمن وجده وإن كانت عنوةً فهو إن افتتحها وهم لا يعرفون فيكون لمساكين أهل تلك البلدة وإن كانت صُلحاً فهو للذين صالحوا عليها. وقال ابن نافع: الكنز كله لمن وجده. ومن العتبية (¬3) من سماع أشهب: وعن قوم ورثوا أرضاً عفاءً لا ماء فيها فاقتسموها وباع كل واحد نصيبه وأقام المشترون نحو أربعين سنة كذلك وقد اغترسوا ومنهم من اشترى ماءً فساقه ومنهم من اكتراه ثم باع أحدهم فقال المشتري لمن يمر عليه بمائه لا أدعك تمر به عليَّ، وقال الذي يمر به هذا الماء لم يزل هكذا الماء منذ أربعين سنة قال مالك: فليدعُهم (¬4) القاضي بأصل القسم فإن أتوا به عمل عليه وإن لم يكن إلا ما هم عليه أقروا على ذلك، ولم يكن له أن يمنعه، أرأيت البائع لو خالفهم الآن؟ ما أرى أمثل من أن يقروا/ على ما هُم عليه إذا لم يكن قسمٌ يُعرف. ¬
فيما يستحق بعد القسم أو يظهر به عيب
فيما يُستحق بعد القسم أو يظهر به عيبٌ من العتبية (¬1) والمجموعة روى أشهب عن مالك: في ثلاثة إخوة ورثوا ثلاثة أعبُدٍ فاقتسموهم فأخذ كل واحد عبداً فمات عبد أحدهم واعترف عبد الآخر فمن مات ببده العبد فلا يرجع بشيء ولا يُرجع عليه بشيء ويرجع الذي استحق في يديه العبد على أخيه الذي بقي عبده فيكون له ثلثه وللذي هو بيده ثُلثُاه، ولو مات أيضاً هذا العبد لم يرجع على من كان بيده بشيء، قال أشهب في المجموعة: ولو كانت القسمة كالبيع لم يرجع من يستحق من يديه على من مات بيده بثلث قيمته ولكن ليس كالبيع. قال سحنون عن ابن القاسم في المجموعة والعتبية (¬2): فإن كان العبد المستحق رجع فيه بثمن على بائعه لما استحق قال: ثلثا ذلك الثمن وثلث العبد الباقي للمستحق منه وثلث الثمن وثلثا العبد الباقي للذي العبد في يديه. وقاله سحنون. قال ابن عبدوس: تفسير هذا عندي على مذهب ابن القاسم فيما أوجب من الضمان بالقسمة إنما ذلك إذا كان ما رجعوا به من الثمن على بائع العبد مثل قيمة العبد المستحق يوم اقتسموا، فإن كان أكثر مما زاد على ذلك رجع فيه الذي مات عبده في يديه بثلثه وأما مقداره من الثمن فلا حجة له فيه لأن مصيبته منه/ ولو لم يمت منهم أحد حتى استحق أحدهم فالمستحق مخيرٌ في أن يجيز البيع ويرجع بالثمن على البائع وتمضي القسمة، وإن شاء أخذ عبده ورجع الإخوة بالثمن فقسموه بينهم أثلاثاً ورجع المستحق منه العبد على إخوته فكان شريكاً لهم بثلث كل عبد وليس له أن يأخذ الثمن ويسلم لهما العبدين ولا لهما ذلك إن طلباه. ¬
وهذا على مذهب ابن القاسم الذي يُضمن بالقسم من مات عبدُه في يديه وأما من لا يُضمنه فقد مات العبد وثلثُه للمستحق منه العبدُ الآخر فمنه ضمانه وثلثاه من الذي مات العبد في يديه ثلثٌ هو له وثلثٌ عاوض به الذي بقي العبد في يديه، لأن القسمة بين هذين قد تمت وبينه وبين المستحق منه قد انتقضت فيكون الثمن بينهم أثلاثاً وللمستحق منه ثلثُ العبد الباقي هذا على هذا الأصل، ابن القاسم: وإذا اقتسم رجلان عبدين فأخذ كل واحد عبداً ثم استُحق عبدُ أحدهما أنه كالبيع فليرجع [بنصف العبد الآخر فإن تغير في سوق أو بدن أو بيع رجع] (¬1) بنصف قيمته وكذلك ما يفوت بهدم أو بناء. قال سحنون: فأوجب على كل واحد ضمان ما بيده، وهذا خلاف أصل مالكٍ في الأعبد الثلاثة، والقسمُ بخلاف البيع، ألا ترى أنه لو طرأ دين لم يضمن من مات عبدُه في يديه. قال ابن عبدوس: أرأيت لما استحق عبد هذا فأوجبت له أن يرجع على الذي مات العبدُ في يديه ثم طرأ دينٌ ما أنت صانعٌ؟ فإن أمرتَ أخذ/ نصف القيمة أن يُعطيه في الدين فقد ضمنت من مات عبدٌ في يديه لرب الدين وأصلك أن لا يُضمن من مات بيده لأهل الدين وإن لم يرجع رب الدين على أخذ نصف القيمة كنت قد ورثت مع قيام الدين [أرأيت لو أدركه من الدين دينارٌ وقيمةُ العبد مائة؟ فإن أرجعت طالب الدين على الذي رجع على أخيه فقد ضمنت من مات بيده لرب الدين وإن لم ترجعه كنت قد ورثت مع قيام الدين] (¬2) وإن أسقطت بلحوق هذا الدين الرجوع للأخ على أخيه بشيء فهو أشنع في القول، ولو كان القسم بيعاً لكان لمستحق العبد أن يجيز البيع في نصفه ويأخذ نصف الآخر [وإن وجد عبده قد مات كان له أخذ نصف الآخر] (¬3) لأنه ثمن نصف عبده، وكله قول أشهب وسحنون ثم اختلفا فيما أحدث أحدهما بفعله هل هو ¬
فوتٌ؟ فقال أشهب: إذا استُحق عبدُ أحدهما رجع على شريكه فيما أخذ ولا يفيت ذلك حوالة سوق أو بدن وأما إن باع أو دبر أو كاتب أو بنى أو هدم أو حبس فذلك فوت يوجب عليه القيمة يوم القسم. قال ابن عبدوس: ويدخل في هذا على أشهب ما ذكرنا في الفوت (¬1) يقال له: فلو ذهبت يده بعد القسم ثم أعتقه فأوجبتُ عليه قيمته صحيحاً يوم القسم وهو مائة وقيمته يوم العتق خمسون فأغرمتُه مائة فقد ضمنته ما لم يكن له في تلفه فعلٌ فإن قال ضمنته يوم القسم لأن التسليط بالقسم وقع/ قيل: فقد كان التسليط موجوداً والضمان مرتفعاً فإنما وقع الضمان بالعتق، فأما سحنون فإنما يُضمنُه قيمته يوم العتق. قال سحنون: فإن باع أحدهما عبده واستحق عبد الآخر كان الثمن بينهما ولو كانت أمة فاتخذها أم ولد فإنما يضمنه قيمتها يوم حملت، وعند أشهب: قيمتُها يوم قاسم، وأما إن وهب أو حبس فعلى أصل سحنون تجوز الهبة في نصيبه لا في نصيب شريكه ويأخذ شريكه نصيبه من الموهوب، وإن كان مما يُقسمُ قاسمه، وفي قول أشهب: يضمن لأخيه نصف قيمته يوم قاسم، وإن أُعتق، فقال أشهب أيضاً: نصف قيمته يوم قاسم، وعلى أصل سحنون يعتق نصيبه ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم التقويم إن كان ملياً وأما إن كان ما بينا فينا (¬2) فقال ابن القاسم وأشهب وابن كنانة: يضمن نصف قيمة ما قبض. قال سحنون: ليس هذا أصل القسم وينبغي على أصل القسم إن شاركه في قاعة ما بناه ثم يتعاملان في البناء على حديث حميد بن قيس في الاستحقاق. قال سحنون: والهدم في القسم ليس بفوت. وقد قال ابن القاسم: في الموصى له بالثلث يأخذ ثلث دور الميت مُقاسمةً ثم استُحق ما بيده فرجع على الورثة وقد هدموا أن له ثلث ذلك مهدوماً فهذا هو أصلٌ جيد قيل له فلو قسما خشباً ¬
فعمل أحدهما باباً بنصيبه قال: قد قال مالكٌ فيمن ابتاع غزلاً فنسجه ثم فلس أن النسج ليس بفوت. وبلغني عن سحنون أن/ الطحين ليس بفوت في القسم فكذلك ينبغي في الخشب وقال: إذا اعتل العبد ثم استحق عبد الآخر أنه يرجع في العبد الآخر وفي غلته؟ فقلت مثل المطلقة قبل البناء تقتل عبداً أصدقها فسكت وقال بعد ذلك: قد اختلفوا فيه. قال ابن عبدوس: فأما غلةُ العبد المستحق فإن كان بيد أبيهما بغصب أو بهبة غاصب فعليه للمستحق وإن كان بشراء فالمستحق من يده مخيرٌ إن شاء تماسك بما بيده من الغلة ولم يرجع على أخيه بشيء ولا رجع عليه أخوه بشيءٍ، وإن شاء رد الغلة فكانت مع العبد الباقي وعليه الباقي بينهما نصفين. ومن الواضحة: إذا اقتسم الشريكان داراً وأرضاً أو غيرها فاستُحق بعض ما بيد أحدهما فإن كان أقل ما بيده رجع بقيمة ما قابله مما بيد الآخر كان قائماً أو فائتاً، وإن كان وجه ما بيده في فضله أو كثرته انفسخت القسمة في النصيبين وعادا في الجميع شريكين إلا أن يفوت ما بيد صاحبه ببيع أو بناء أو هدمٍ أو صدقةٍ أو إصداق فيرجع عليه بنصف قيمة ذلك ويكون ما بقي من النصيب المستحق بعضه إن لم يفت بينهما فإن فات اقتسما قيمته بينهما، وإن اقتسما عبدين فاستُحق نصفُ أحدهما فليرجع ما ستُحق من يده على شريكه بربع قيمة العبد الآخر. من العتبية (¬1) من سماع عيسى عن ابن القاسم: في شريكين اقتسما عشرة أرؤسٍ فأخذ كل واحد خمسةً وأعطى أحدهما للآخر ديناراً ونصفاً فضله به –يريد/ بلا سهم- فوجد صاحب الذي أخذ الدينار ونصفاً عيباً برأس واحد فإن لم يفت رقيق الآخر نظر ما المعيبُ مما بيد هذا من العبيد فإن كان سُدسهم كان المعيب بينهما نصفين وسُدسُ الدينار ونصف بينهما نصفين ويرجع على شريكه بنصف سدس ما بيده يكون به شريكاً له، فإن فات ما بيد شريكه رجع ¬
عليه بنصف قيمة سدسهم وقاصه في ذلك بنصف سُدس الدينار ونصف ويبقى المعيب بينهما، وإن كان المعيب وجه الخمسة أرؤُس وفيه يرجأ الفضلُ انتقضتِ القسمة كلها وأعادوا القسم إن لم يفت نصيب الآخر وإن فاتوا في سوق أو بدن كان عليه قيمتهم يوم القسم. وقال يحيى بن يحيى: أخبرني من أرضى أن ابن الماجشون قال: إن اقتسموا دوراً وأرضاً –يريد بالسهم- ثم استحق بعضُ ما في أيديهم أو وجدوا ببعضه عيباً فإن القسم يُعادُ بينهم، وإن كان قسموا على المراضاة فإنما هو عيب دخل عليه ينظر فيه بما ينظر في الشراء لأن قسمة التراضي كالبيع. قال ابن حبيب: وإذا وجد أحدهم عيباً بعد القسم فإن كان المعيب ليس وجه نصيبه مضى القسم وإن لم يفت ما بأيديهم ويكون المعيب بينهما ويرد الآخر ما قابل ذلك بالقيمة فيكون أيضاً بينهما. وإن كان المعيب وجه نصيبه انفسخت القسمة في النصيبين واستأنفا القسم إلا أن يفوت ما بيد الآخر فيرد قيمته فيكون مع المعيب بينهما. وإن فات بعضه رد قيمة ما فات/ فكان ذلك مع ما لم يفت بينهما وكذلك بعض النصيب الذي وجد فيه العيب رد قيمة نصف ما فات منه لصاحبه، واختلاف الأسواق عند مالكٍ في ذلك فوتٌ في جميع الأشياء إلا في الدور والأرضين. قول ابن حبيب في فوت المعيب باختلاف الأسواق ليس بقول مالكٍ وإنما هو فوتٌ في عوضه والعوض في القسم أقامه ابن حبيب مقام البيوع وقد اختُلف فيه. ومن كتاب ابن عبدوس قال ابن القاسم: في رجلين اقتسما داراً فبنى أحدهما حصته ثم اطلع على عيب أن البناء فوتٌ قال سحنون: لم يحمله محمل البيع ولا محمل القسم كأنه يقول ليس البناء فوتاً إذا اطلع على عيب ولكن يكون شريكاً بالبناء وتكون الدار بينهما وهو يقول إن صبغ المبتاعُ الثوب ثم ظهر له عيبٌ فله رده ويكون شريكاً بالصبغ- يريد إن زاده.
في الدين يطرأ على الميت بعد القسم أو موصى له يأتي بعد القسم
قال ابن القاسم: وإن قسما حنطة ثم اطلع على عيب فليُرد قيمتها. وقال أشهب: يرد مثلها ثم يقتسمان ذلك وحصة الآخر نصفين. وبلغني أن سحنوناً قال: يكون شريكاً بقيمة الطحين في الدقيق ويكون ما بقي وحصة الآخر بينهما. في الدين يطرأ على الميت بعد القسم أو موصى له يأتي بعد القسم من المجموعة قال سحنون: في الورثة يقتسمون ثم يطرأ على الميت دينٌ علموا أنه حين القسم أو جهلوه، فقال ابن القاسم وأشهب: يقال لهم اتفقوا على قضاء الدين وأقروا القسمة، فإن أبوا/ أو أبى أحدٌ منهم رُد القسمُ وبيع من التركة بقدر الدين وقُسم ما بقي. قال سحنون: لا تنتقض القسمة بلحوق الدين. قال ابن عبدوس: ولا أحفظ عنه أكثر من هذا، وسمعتُ عنه تفسيراً في مسألتهما في إقرار أحدهما بدينٍ أنه يحلف معه الطالب إن كان عدلاً ويثبت الدينُ فإن أبى المقر أن يُخرج ما نابه من الدين قيل لغيره أخرجوا ما نابكم منه ثم يباع على المقر نصيبه مما ينوبه من الدين. قال سحنون: إذا ثبت الدينُ بيمين الطالب معه أو ببينة غيره لم يبطل القسم وهو تمييز حق ليس ببيع فالدين شائع في جميع ما بأيديهم مدخلاً واحداً بقدر حصته من الميراث، فإن كان الدينُ يغترق نصف التركة بيع من نصيب كل واحد نصف حقه للدين ويتم القسمُ فيما بقي كاستحقاق نصف أنصبائهم ولا يُقضى الدينُ على قدر سهام المواريث بل على قدر قيمة ما بيد كل واحد يوم البيع للدين، فما وقع من الدين على كل واحد يتوظف على قيمة ما بأيديهم اليوم بيع مما بيده بقدره ولكل واحد أن يفتك ما يباع عليه بأداء ما ينوبه. وإذا كان في البيع من نصيب كل واحد ضررٌ على طالب الدين لطوله أو لأن بعض ما بيد أحدهم أحضر ثمناً فليبع ما هو أنجر له بيد أحدهم ثم يرجعه على إخوته بمقدار ما كان ينوبه من الدين يوم قضاه.
وقال أشهب: وإذا كان إخوة الشاهد غيباً بما دفع لهم في القسم والشاهد حاضر بالعبد وكان/ إذا بيع عليد عبده رجع على إخوته فيما صار لهما بثلث ما [بقي] (¬1) بأيديهما وكان ذلك أحط له لغبن في أصل القسم عليه أو لهما ما بيد إخوته فهو متهم في شهادته ولا يغرم ولا يفتك إلا حصته يباع من عنده بقدره فأنكرها سحنون. قال ابن عبدوس: وعلى أصل سحنون لا تهمة عليه لأنه عنده إنما يرجع عليهما بقدر ما ينوبهما من الدين من قيمة عبديهما يوم أداء الدين، بخلاف استحقاق أحد العبيد، والفرق أنه لو مات عبد أحدهم وغاب الآخر بعبده فبيع العبد الحاضر في الدين فلو كان كالاستحقاق لرجع هذا في ثلث عبد الغائب وفي الدين يرجع عليه بنصفه في اتفاق قيمتها، وقد قال أشهب: إذا كان قد أتلفوا ما بأيديهم ودى كل واحد مصابته من الدين، فإن كان بعضهم عديماً ودى الملي جميع الدين ما بينه وبين أن يحيط بما ورث ثم يرجع على إخوته بمصابتهم، وهذا خلاف ما قال في مسألة الوارث المقر حين جعله فيها شريكاً لهم ولم يجعلهم ها هنا شريكاً. وقد قال ابن القاسم: إذا جنى جانٍ على ما في يد أحد الورثة ثم طرأ دينٌ أن الورثة يتبعون جميعاً الجاني لأنه كان لجميعهم يوم جنى عليه. قال أشهب: إن أخذ الدين من جميع الورثة وأما إن أخذ من أحدهم فإنما يرجع هو وحده على الذي صار له ذلك العبد بما يصيبه من العبد وله من الجناية بقدر مصابته من العبد. قال ابن عبدوس: هذا القول كأنه جعل/ الدين كالاستحقاق، ومذهب سحنون: أن رب الدين يأخذه مما بيد الورثة، وإذا أخذه منهم لم يرجعوا على المجني على عبده بشيء ولكن على الجاني بحصة ما يلحق قيمة العبد المجني إذا قضى على جميع ما بأيديهم فيرجع المجني على عبده على الجاني بما بقي مثل أن تكون قيمة المقتول يوم القتل خمسين وقيمة كل عبد بيد إخوته مائة والدين مائتان ¬
فبيع العبدان للدين أن الأخوين يأخذان من الجاني أربعين وأخوهما العشرة، ولو كان كالاستحقاق لرجعوا فيه أثلاثاً. وقال أشهب وابن القاسم: إذا طرأ الدين وقد تلف ما بيد أحدهم كان حيواناً فماتت أو دوراً فانهدمت أو غصبها فلا شيء له ولا عليه، وإن باعه أو أتلفه بهبة أو غيرها رجع عليه صاحب الدين بدينه ما بينه وبين ما كان صار إليه، وأنكره سحنون. وفي كتاب ابن حبيب: مثل ما قال أشهب: أن ما يصدقُ به يلزمه في لحوق الدين قيمته .. قال ابن عبدوس وقال أشهب في مسألة أخرى لا يضمن الوارث إلا ما أتلف كمن اشترى عبداً فاستحق من يديه وقد باعه أنه إنما عليه ثمنه وإن أعتقه رد عتقه وإن وهبه لم يتبع بشيء منه. قال أشهب: فالقسمة مثل هذا اقتسموا بسلطان أو بغير سلطان وقاله سحنون وتفسير قوله: إن كان الدين (يَغترق) التركة فإن رب الدين يأخذ ما وجد قديماً ويأخذ ممن باع الثمن إن لم يُحاب في البيع وليس له أن ينقضه، وقاله مالك: وإن لم يغترق الدين التركة ولم يُحاب وليس/ معروفاً بالدين قُسم الدين على قيمة من بقيت سلعته قائمة وعلى الجزء الذي باع به من باع فمن أدركه ملياً أخذ منه ومن كان عديماً فليأخذ من الملي ثم يرجع الملي على المعدمين بما كان يرجع به عليهم صاحب الدين. ولو وهب أحدهم أو أعتق ثم طرأ دين يغترق التركة فلترد الهبة والعتق ويباعون في الدين، وكذلك الوارث وحده يرد عتقه وإن كانت أمة اتخذها أم ولد فليتبع بقيمتها ديناً عليه وإن لم يحط الدين بالتركة فض على جميع ما كان للإخوة ثم يباع مما وهب بقدر منابته من الدين، وتجوز الهبة فيما بقي، وأما العتق فيلزمه إن كان ملياً وتقوَّم عليه حصة الدين فيعتق كله وإن كان معدماً بيع من العبد بقدر حصة الدين وعتق ما بقي. ومن العتبية (¬1) والمجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن ترك ألف دينار وعليه مائتا دينار دينٌ فباع وارثه بعض التركة فالبيع مردود. قال ¬
سحنون في المجموعة: لا يعجبني والبيع تام إن كان فيما بقي ما يؤدي الدين. وقد قال مالك: فيمن حلف بحرية رقيقه ليغصبن حقاً عليه إلى شيء فهو من بيعهم ممنوع، فإن باعهم وقضى الدين قبل الأجل أن بيعه تام لأن ما مر أجله برد بيعهم قد زال بالقضاء. قال ابن عبدوس: وروى عن مالك في الورثة يبيع بعضهم من بعض بعد القسم أو يبتاعون من غيرهم ثم يلحقه دين أن رب الدين يأخذ ما وجد/ بأيدي الورثة ولا يأخذ ما اشترى بعضهم من بعض لأنهم ضمنوا ثمن ما باعوا به حتى يستوفي الغريم، وإن لم يكن عندهم شيء اتبعوا به ديناً ولا يضمنون ما هلك من الحيوان وإن كانوا قد استشفعوا به. وروى يحيى عن ابن القاسم في العتبية (¬1): في الميت تنفذ وصاياه ويُقسم مالُه فينمو أو ينقص أو يُستهلك ثم طرأ دينٌ أن وصاياه ترد من يد من أخذها نامية أو ناقصة ولا يضمنون ما هلك بغير سببهم إلا أن يستهلكوا شيئاً أو يكونوا اشتروا شيئاً حُوسبوا به في وصاياهم فإنهم يردون ما حوسبوا به ولهم نماء ذلك تواه وكذلك الورثة ما أخذوا على الاقتسام فنماؤه وتواه على الغرماء ولهم وما استهلكوا غرموا وما أخذوه بمعنى البيع فنماؤه وتواه عليهم ولهم ويغرمون الثمن الذي كان وجب عليهم به وما قسموا من عروض يغاب عليها فيضمنون إلا ما قامت بينة بهلاكه فلا يضمنونه. ومن كتاب الوصايا لمحمد بن المواز: وإذا لحق دينٌ بعد القسم انتقض القسم (قَلَّ) الدين أو كثُر إلا أن يتفقوا على أدائه وما هلك مما يُعاب عليه لم يُصدَّقوا إلا ببينة ولا يضمنون ما لا يُعاب عليه ويُصدَّقون فيه. قال ابن القاسم: لا يضمن الورثة ما مات أو نقص أصابوا في القسمة أو أخطؤوا بخلاف البيع لو بيع من ذلك شيءٌ باعه/ وصي أو قاضٍ فاشتراه بعض الورثة لضمنه بخلاف ¬
في موصى له أو وارث يطرأ على ورثة بعد القسم
القسم تأخر الثمن أو تقدم، ولو كانت التركة عبداً فتقاووه فأخذه أحدهم فهو بيعٌ وهو له ضامن] (¬1). ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون: في الدين يُحكم به على الميت فيأمر الحكم أن يباع لذلك من أرضه بقدره ثم يأتي وارث غائب فيقول يؤدي الدين ويأخذ الأرض؟ فكتب إليه: إذا حضر الورثة وبدؤوا قضاء الدين فلا يباع عليهم وإن غاب بعضهم وغيبتُه قريبةٌ كُتب إليه حتى يُعرف قوله وإن بعدت غيبته بيع للغرماء بقدر الدين وقُسم ما بقي، ولو حضروا فقال بعضهم أقضي ما علي ولا يباع نصيبي فإن كان فيما يبقى تمام الدين فذلك له وإن لم يكن ذلك بيعت كلها وقُضي الدين إلا أن يفتكها الورثة بالدين. قال ابن حبيب: ولُحُوقُ الوصية للرجل بالثلث أو للمساكين أو بعدة دنانير بمنزلة لحوق الدين في انتقاض القسم فيما يُنقض وفي ضمان الورثة ما يضمنونه وفي جميع ذلك. في موصى له أو وارثٍ يطرأ على ورثة بعد القسم وقال أشهب وابن القاسم في كتاب ابن حبيب: إذا طرأ موصى له بالثلث أو وارث طرأ بعد القسم فإن قسموا عيناً قال أشهب: أو قمحاً أو زيتاً أو عسلاً وما لا يُعرف بعينه؟ قالا: فإنما للقادم أن يتبع كل واحدٍ بما صار في يديه من حقه يكون شريكاً/ لهم بذلك. قال أشهب: ولو اقتسموا عروضاً أو رقيقاً شرك كل واحد فيما بيده إلا أن يكون لو قاسمهم إياها على اجتماعهم اجتمع له حقه في شيء واحد أو شيئين. وأما الدور فإن كانت من الدور التي تُقسم كل واحدة على حدة فهو مُخير بين أن يشارك كل واحد أو ينقض له القسم فيُجمع له حقه وكذلك إن كانت مما يُجمع في القسم فهو مُخير على ما ذكرنا. -------- (¬1) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
في الوارث يطرأ على الورثة بعد القسم
وقال ابن المواز: في موصى له طرأ على موصى لهم فهو كغريم طرأ على غرماء لا يتبع المعدم إلا بما يتبع الملي إن كان أهل الوصايا استوفوا الثلث، وإن بقي منه فضلٌ مثل وصية الطارئ رجع على الورثة يكون فيما بأيديهم وأتبع الملي منهم بجميع ما صار إليه كغريم طرأ على ورثة وإن كان الثلث يضيق عنه وعن الموصى لهم وقد صار إلى الورثة من الثلث شيءٌ مثل أن يكون الثلث مائتين وخمسين ووصاياهم مائة مائة وهم ثلاثة فجاء وقد أخذ صاحباه مائتين فإن الذي له من الثلث خمسة أسداس مائة يأخذ منها من الورثة ثلاثة أسداس ويبقى له سدساً مائة يرجع على كل واحد بسدس مائة ولا يتبع الملي عن المعدم. ومن كتاب محمد بن عبد الحكم على مذهب مالك: وإذا اقتسم الورثة داراً أو غير ذلك فأقام رجل بالبينة أن الميت أوصى له بالثلث أو أنه وارث معهم فما اقتسموا من العين فإن الموصى له بالثلث يكون شريكاً لكل واحد فيما/ صار في يديه، وأما الدور والأرضون فإن الموصى له أو الوارث يقاسمهمحتى يُجمع له حقه إذا كانت مما يُجمع في القسم من الدور والأرضين ولا يفرق حقه. في الوارث يطرأ على الورثة بعد القسم ومن المجموعة قال ابن وهب: إذا لحق بالميت ولد بعد موته فله حقه في تركته وما أكل الورثة تبعهم به وما عُرف هلاكه لم يضمنوه وما عابوا عليه وخفي هلاكه ضمنوا له نصيبه منه قال عنه ابن القاسم: يأخذ من كل واحد بقدر ما بيده من ميراثه ولا يتبع الملي بما عند المعدم. قال أشهب مثله وقال: هو بخلاف الدين إن كان ميراثه العُشر شرك هذا بعشر ما في يديه وإن باع أخذ منه عشر الثمن وما تلف بغير سببه لم يضمنه ويضمن ما أكل أو لبس. قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم: اختلف في الوارث يطرأ على الورثة فقبل هو كغريم طرأ على غرماء لا يتبع الملي بما صار إلى المعدم وكالموصى له يطرأ
على الموصى لهم. قاله ابن القاسم عن مالك ورواه وقاله أصبغ. وقال ابن عبد الحكم غير هذا، وهو قول أشهب أن الطارئ يقاسم من وجد من الورثة ملياً ما صار إليه حتى كأنه لم يترك الميتُ غيرهما ثم يتبعان باقي الورثة فمن أيسر دخلوا معه وساووه هكذا حتى يعتدلوا. قسم 12 قال محمد: وإن ترك امرأته وابناً فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي ثم طرأت زوجة أخرى فوجدت صاحبتها عديمة/ والابن ملي فليُرجع على الابن بثلث خمس ما صار إليه وهو جزءٌ من خمسة عشر مما في يديه لأن له أربعة عشر من ستة عشر ولكل واحد من الزوجين سهم ثم يرجعان على الزوجة بنصف ما أخذت فكل ما وجدا عندها من ذلك اقتسماه على خمسة عشر حتى يستوفيا. ولو قالت الطارئة لما قدمت قد صار إلى ميراثي فيكون كقولها قد تركتُ لكما ميراثي لا حاجة لي به ويُنقض القسمُ فيقسمان على خمسة عشر جزءاً للابن أربعة عشر ولهذه جزءٌ، ونعلم أنه قد صار لهذه الطارئة مثل ما أخذت هذه الزوجة من الابن فيصير ذلك على ستة عشر سهماً منقسماً على العدل. قال ابن القاسم: ولو ترك ولدين وعبدين فأخذ كل واحد عبداً بقسمة أو بتبايع ثم مات أحد العبدين ثم قدم أخ ثالث فالقسمة باطل ويكون العبد الباقي بينهم أثلاثاً إن كانا اقتسما، وهذا الذي حكى محمدٌ عن ابن القاسم خلاف ما قال سحنون وخلاف ما ذكر مما بُني عليه القسم من قول مالك في الثلاثة أعبدٍ استُحق أحدُهم بعد القسم. قال محمد: ولو كان صار لكل واحد عبدُه بشراء من أخيه بثمن معلوم أو من وصي أبيهما لكانت مصيبةُ نصف العبد الميت بين الثلاثة إخوة وكانت مصيبة نصفه المشترى من مشتريه ثم يكون نصف العبد الحي الذي وقع عليه والنصف الذي لم يقع عليه يكون الأخوان في إنفاذ بيع/ مصابتها منه بالخيار. وقال محمد: بل الطارئ وحده الذي له الخيار في إنفاذ بيع مصابته منه وهو سدس العبد فإن أنفذه رجع بثمنه على من قبضه ويكون نصف الميت المشترى
في الميت يدع زوجة حاملا هل يتعجل القسم؟ أو له ربع قد عقد فيه كراء
منه مصيبته من المشترى له وحده يرجع الأخ الطارئ بثُمن ما يستحقه من هذا النصف المباع على أخيه الذي باع ثم يكون بالخيار في العبد الحي، فإن شاء أخذ ثلثه كله، سدس وقع عليه بيع وسدس لم يقع عليه بيع فيرجع هذا على الذي مات العبد بيده ثلث ما كان دفع إليه في ثمن العبد القائم. ومن الواضحة قال: وإذا طرأ وارثٌ على ورثة بعد القسم فخلاف الدين يطرأ أو موصى له يطرأ عليهم، فإن كان ما قسموا عيناً أو ماشية قسموها عداً لم يُنقض القسمُ بقدوم الوارث وليرجع على كل وارث بما ينوبه مما أخذ لو كان هذا حاضراً، وما هلك بأيديهم بفعل منه أو بموت أو بجائحة فذلك سواء وهو ممن كان في يده ويضمن للقادم حصته منه، لأن القسم لم يُنقض ولا يتبع الملي بما على المعدم، وإن كان ما قسموا داراً أو دوراً أو شجراً أو أرضاً أو عروضاً ما كانت فإن القسم يُنقض لأنه لا يلزمه أن يأخذ من كل وارث حصته مما في يديه فيتفرق عليه سهمه ويجتمع لهم ولكن يُنتقضُ القسم ويصير كل ما مات أو هلك بغير سبب من كان في يديه من جميعهم ضمانه وما بيع أو تصدق به/ فمردود إلا أن يقع بالقسم الثاني في سهم البائع له أو المتصدق به فيمضي للمشتري وللمتصدق عليه. واحتج بمسألة مالك في الثلاثة أعبد يُستحق أحدهم ويموت الآخر وقد ذكرناها وضمنه القيمة فيما لم ينتقض فيه القسم وهي مما لا يعاب عليه. في الميت يدع زوجة حاملاً هل يتعجل القسم؟ أو له ربعٌ قد عقد فيه كراءً من العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك: في الميت يدع زوجته حاملاً هل يُقسمُ ماله؟ قال: لا تُقسم تركتُه حتى تضع، قيل: فإن لم يعلم هل بها حملُ أيتربص بها حتى تحيض؟ قال: ما سمعتُ. ثم سُئل عن امرأةٍ أبطأت حيضتُها ¬
في أجرة القاسم وشهادته، وكيف أمر القاضي بالقسم وإنفاذه
قال: فلا يُقسم الميراث حتى يُتبين من حملها قيل: حتى تستبرئ؟ قال: ليس حتى تستبرئ ولكن يستأني حتى تطهر. قال أبو زيد عن ابن القاسم: فيمن عقد في داره كراء سنةٍ ثم مات بعد مُضي شهر أو شهرين فأراد ورثته القسم؟ قال: الكراء ماضٍ ولهم قسمتُها ويعرف كل واحد منهم ما يصير له إذا كان لا يضر ذلك بالمكتري ولا يضيق عليه شيئاً، ولكل واحد أن يبني ما يصير له إن لم يضر بالمكتري وليس لهم إخراجه حتى تتم سنته. في أجرة القاسم وشهادته وكيف أمر القاضي بالقسم وإنفاذُه له من العتبية (¬1) قال ابن القاسم في سماعه: كره مالك ما/ جُعل للقُسام مع القضاة في قسمهم وحسابهم، ولم يكن خارجة بن زيد ومجاهدٌ يأخذان في ذلك أجراً. قال ابن القاسم: وذلك رأيي ولينظر الإمامُ رجلاً يرضاه بقيمة لذلك ويجري له عطاءه مع الناس كما يُجري للقاضي وغيره ممن يحتاج إليه المسلمون. قال ابن حبيب: إنما كرهه لأن ذلك يأخذونه من أموال اليتامى وغيرهم، وأما أن أجرى لهم من بيت المال فلا بأس به. وكذلك كل ما يحتاج الناس إليه وفي قسم غنائمهم. قال: فإذا أجرى له عطاءه من بيت المال أو من الفيء لم يحل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئاً لأنه كالقاضي المرتزق، فإن لم يُجر له رزق فلا بأس أن يأخذ منهم، ولو قسم احتساباً كان أفضل له، وقد أجازه مالكٌ له ولكاتب الوثيقة ويكون الأجر في ذلك على عددهم لا على أنصبائهم وأدى المأخوذ منه المال الذي كان على يديه كواحد منهم في غُرم أجر الوثيقة لا يتوثق له ولهم، قال مالك: وكذلك لو طلب القسم أحدُهم وأبى الآخرون فألزمه فعلى الآبي والطالب أجرُ التقاسم سواء قال: وإذا قسم بين ورثة بأمر القاضي ثم أنفذ ذلك القاضي وأشهد ¬
به ثم اختلفوا أو نزع بعضُهم أو تجاوز الحق صاحبه ولم تحفظ البينة ذلك واحتاجوا إلى شهادة القاسم فإن كان هذا الحاكم هو أمره بذلك فشهادته وحده في ذلك جائزة إذا كان الحاكم يعلم/ ويذكر الآن أنه أمره بذلك يومئذ فليمض شهادته وحده على ما وصف. وقاله ابن الماجشون. وكذلك كل ما لا يباشره القاضي من الفعل والقسم والأحلاف والكتاب والنظر إلى العيب وشبهه فمأمون مقبول القول فيه عنده لأن فعله في ذلك كفعله كانوا مرتزقين أو غير مرتزقين. قال ابن حبيب: وإن لم يمكن هذا الحاكم هو أمر القاسم بقسم ذلك وإنما أمره من قد درج من الحكام أو قومٌ تراضوا على قسمه فلا يجوز فيه شهادة القاسم أصلاً ولابد من اثنين سواه أن القاضي أمره بذلك وأنه بعد أن قسم نفذه القاضي أو أن الورثة تراضوا به وألزموا أنفسهم قسمه بعد أن قسم وكذلك العاقد والمحلف والكاتب والناظرُ إلى اللبيب لا تجوز شهادتهم عند غير الذي أمرهم في الذي أمرهم فيه لا وحدهم ولا مع غيرهم بحالٍ، كما لا تجوز شهادة القاضي المعزول فيما يذكر أنه حكم فيه لا وحده ولا مع غيره. وقاله ابن الماجشون، وهو تفسير قول مالك. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد قاسمان على ما قسماه بأمر قاض أو بغير أمره فإن كل إنسان ممن قسما بينهم قد استوفى في نصيبه فلا تجوز شهادتهما لأنهما شهدا على فعل أنفسهما. قال ابن حبيب: ولا يأمر القاضي بالقسم إلا القاسم المأمون المرضي عنده البصير بما يكلفه، فإن كان/ اثنان فهو أفضل وإن لم يجد إلا واحداً فهو يكفي وإذا أتاه فأعلمه أنه قسم وأتاه بصفة ما فعل جاز للقاضي قبوله منه والإشهاد عليه إذا رآه صواباً وأقر به أكابر الورثة ولم يدعوا بشيء ينظر لهم فيه فليُنفذه على الصغير والغائب بقول القاسم وحده، وليس بمعنى الشهادة بل هو بمعنى المعونة له على أمره، وبعض القضاة يبعث قاسماً لا يرضى حاله ويأمره من يرضاه أن يحضر معه وهم يجهلون أمر القسم فهذا خطأ ممن فعله، لأن من معه لا يدري صواب القاسم من خطئه أو عدله وجوره شيئاً وإنما يشهدهم على فعله وهم لا يعلمون من ذلك غير قوله بشهادتهم أنهم حضروا
القسم على ما كتب لا ينبغي ولا يقبلها القاضي ولا ينبغي للقاضي أن يأمر القاسم المرضي أن يشهد على ما قسم حتى يأتيه به مكتوباً وينظر فيه، فإن رآه صواباً سأل الأكابر عن عمله فإن عاضوا فيه نظر فيه وإلا أمضاه. في القوم يقتسمون الدار ولا يذكرون مجرى مائها وكيف إن وقع خطأ أو غلط في القسم من كتاب ابن حبيب: وسألتُ مطرفاً عن قوم اقتسموا داراً ومجرى مائها في ناحية منها فصارت تلك الناحية في سهم أحدهم ولم يذكروا المجرى؟ قال: إن لم يذكروا المجرى عند القسم/ انتقض القسم ثم يُقسم على بيان من ذكر مجرى كل سهم أن يصطلحوا بالتراضي فيمضي القسم الأول وكذلك إن لم يذكروا باب الدار في وقت القسم وقد وقع في نصيب أحدهم فإنه ينقض القسم ويُؤتنف على بيان أو يشترط ذلك في أول الوقت فيمضي على الشرط إن كان لكل واحد مفتحٌ لبابه ولمجرى مائه في نصيبه مضى ذلك وإن لم يُفسر ذلك فليؤتنف القسمُ، وقاله كله أصبغ. قال مطرف: وإذا ظهر في قسمة القسام للأرض غلط أو خطأ فليُفسخ القسمُ ثم يُعاد ولا يُعدل بينهم ويقرون عليه، وكذلك لو لم يقع الغلط إلا في نصيب أحدهم لأُعيد القسمُ ما لم يفت ذلك ببناء من الذي وقع ذلك في سهمه، فإن فات فليرجع بقيمة ما نقص من سهمه مالاً فإن لم يبن ولكن باع فإن لم يبن المبتاع رُد البيعُ وفُسخ القسم وإن بنى المشتري رجع المنقوص السهم على البائع بقيمة ذلك مالاً فإن لم يجد عنده شيئاً رجع به على المشتري مالاً أيضاً ورجع به المشتري على البائع في ذمته قلت: فلو كان غير الذي وقعت الزيادة في سهمه بناءً؟ قال: ينتقض القسمُ فيما لم يبن وفي السهم الذي فيه الزيادة كما فسرتُ لك، وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط ماضياً لصاحبه. وقال أصبغ مثل ذلك كله. تم كتاب القسم بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد
كتاب الوصايا
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الجزء الأول من كتاب الوصايا (¬1) في الحض على الوصية وذكر التشهد فيها ومن كره للمعل أن يوصى بنصفه قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: ومن كتاب ابن حبيب وغيره: رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتُوبة (¬2)، قال نافعٌ: فكان ابن عمر يكتبُ وصيته ثم ترك ذلك وقال: ما عندي ما أحدِث فيه وصية، رباعي حبس، وحائطي صدقةٌ، وما كان من شيءٍ فقد أنفقته. فلما احتضر قال: قد كنت أصنعُ في الحياة ما الله أعلم به وأما الآن فلا أرى أحداً أحق به من هؤلاء. وكذلك قال حاطب بن أبي بلتعة لعُمر وذكر من فعله في الصحة في ماله. ¬
ومن غير كتاب ابن حبيب: أن سعيد بن المُسيب لما قيل له في المحنة اعهد عهدك؟ قال: لستُ من يُوصى بأمره الرجال، ما كان لي من أمر فقد أحكمتُه، ونحو هذا. قال غيره: وأما من عليه تباعةٌ أو ما فرَّط فيه من كفارةٍ أو غيرها من زكاة أو غير ذلك مما يُوصى فيه فواجب عليه أن يوصى بذلك، وإنما يُرخص في ترك التطوع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لسعد: الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير ... (الحديث) (¬1). ومن كتاب ابن حبيب: قال علي بن أبي طالب لمريض ذكر له الوصية: لا توص إنما قال الله سبحانه (إن تَرَكَ خَيْراً) (¬2) وأنت لا تترك إلا اليسير دع/ ما لك لبنيك. وقيل لعائشة: أيوصي من ترك أربعمائة دينار وله عدد من الولد؟ فقالت: ما في هذا فصل عن ولده. وقيل لميمون بم مهران: إن فلاناً مات وأعتق كل عبدٍ له؟ فقال: تعصون مرتين يبخلون به وقد أُمروا بالإنفاق فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه. قال عمر: الثلث وسط لا بخس ولا شطط. قال ميمون بن مهران: لأن أوصي بالخُمس أحبُّ إلي من الربع وبالربع أحب إلي من الثلث، من أوصى بالثلث لم يترك شيئاً. قال ابن القاسم عن مالك في العتبية (¬3) وكتاب ابن المواز والمجموعة قال: كان من (أدركت) يكتبون التشهد قبل ذكر الوصية ومازال ذلك من شأن الناس ¬
ذكر وصية المولى عليه والصبي والمجنون والمرتد
بالمدينة، وإنه ليعجبني وأراه حسناً، ورواه عنه أشهب. قال أشهب في المجموعة: كل ذلك لا بأس به تشهد أو لم يتشهد، قد تشهد ناس فقهاء صالحون وترك ذلك بعض الناس وذلك قليل. قال أشهب عن مالك في العتبية (¬1) والمجموعة وكتاب ابن المواز: قيل له: إن رجلاً كتب في ذلك: أومن بالقدر خيره وشره حلوه ومُره؟ قال: ما أرى هذا إلا كتب الصفرية والإباضية قد كتب من مضى وصاياهم ولم يكتبوا مثل هذا. قال ابن حبيب: قال ابن سيرين: كانوا يكتبون: هذا ما أوصى به فلان بن فلان أوصى بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأوصى أهله من بعد موته بتقوى الله العظيم وأن يصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم نبيه: إلى قوله وأنتم مسلمون (¬2). /ذكر وصية المُولى عليه والصبي والمجنون والمرتد ووصية المولى عليه مما أدان أو تعدى وذكر تدبيره من كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه: تجوز وصية الصغير إذا عقل ما يوصى به مثل ابن تسع سنين وشبهه. قال ابن حبيب: قال ابن شهاب: في الصبي والصبية إذا عقلا الصلاة جازت وصيتهما. قال أصبغ وحده: إذا عقلا ما يفعلان، ومن المجموعة قال: قال مالك: تجوز وصية اليفاع. قال عنه ابن وهب وأشهب في كتاب ابن المواز: وتجوز وصية ابن عشر وتسع. ¬
ومن المجموعة: وتجوز وصية الأحمق والسفيه وتجوز وصية المصاب في حال إفاقته. قال عبد الملك: تجوز وصية المجنون في إفاقته، لأنه تجوز شهادته في تلك الحال إن كان عدلاً. قال ابن كنانة: يجوز من وصية المُولى عليه وتدبيره وما لا يقع عليه إلا بعد موته وإنما يُمنع في حياته من مال إلى رشده ليأخذه فإذا جاء الموت لم يُمنع من خير يفعله في ثلثه ولو مُنع لكان توفيراً على وارثه فهو أحق من الوارث بالثلث. ومنه ومن كتاب ابن المواز أشهب عن مالك: وإذا أدان المُولى عليه ثم مات لم يلزمه ذلك كالحي إلا أن يُوصى به وقد بلغ الوصية فيجوز في ثلثه. قال ابن نافع عن مالك مثله في المجموعة، قال ابن كنانة: كما يجوز في التطوع يوصى به كذلك يجوز/ على وجه القضاء في ثلثه ويبدأ على وصاياه وإن كان إنما سمى ذلك الدين ليُقضى من رأس ماله ولم يجعله في ثلثه، لم يجز ذلك على ورثته. قال عبد الملك: وإن دبر السفيه خادماً عالية الثمن لم يجز تدبيره ويجوز في قليلة الثمن، وأما تدبير من لم يبلغ الحُلم فلا يجوز بخلاف وصيته. قال أشهب: لا يجوز تدبير المُولى عليه ويبطل ذلك وإن بقي العبد في يديه حتى ولي نفسه. قال ابن القاسم: له تدبير عبده في المرض فإذا صح بطل ذلك. قال أشهب: في صبي أوصى إلى غير وصيه أن يُفرق ثلثه فلم يُجز وصيه إيصاءه إلى غيره فذلك للوصي أن لا يلي غيره تفرقة ثلثه. قال ابن نافع عن مالك: في يتيم أمر رجلاً أن يضرب غلاماً له فضربه وهو يقول له اضرب اقتُل فتمادى به حتى قتله؟ قال يضمنه الضارب. قيل: فأوصى اليتيم حين احتضر أن يعتق عنه وصيه رقبةً فيما ركب من الغلام؟ قال: إن سمى أن ذلك عن ضرب الغلام فهو مُبدأ على وصاياه وإن لم يُسمه لذلك لم يبدأ. قال ابن حبيب: قال أصبغ: فيمن ارتد وقد أوصى بوصايا ثم قُتل أو مات في ردته فوصاياه باطلٌ وإن راجع الإسلام ثم مات، فإن كانت تلك الوصايا
فيمن كتب وصيته عند سفره أو في مرضه أو أشهد بها بغير كتاب ثم قدم أو أفاق
مكتوبة جازت كلها وإلا لم تجز، وكذلك لو أوصى بها وهو مرتد، وهو كالمريض إذا صح ثم مات. فيمن كتب وصيته عند سفره أو في مرضه أو أشهد بها بغير كتاب ثم قدم أو أفاق وكيف إن لم يقل إن متُّ من مرضي هذا أو سفري/ أو قاله أو قال في سنتي هذه من كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قال أو أشهد بغير كتاب إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا فعبدي حر ولفلان كذا ثم قدم المسافر وبرئ المريض ثم مات فذلك باطلٌ، وإن كان ذلك في كتاب بيده أو بكتاب عند غيره ثم أخذه فهو باطلٌ إلا أن يترك الكتاب الذي عند غيره فلا يأخذه حتى يموت فهو نافذ. ومن المجموعة روى ابن القاسم وأشهب وعلي وابن نافع عن مالك: إذا أوصى إن مت من مرضي هذا ثم صح ولم يُغير وصيته حتى مرض مرضاً ثانياً فمات وقد أقر وصيته بحالها أنها نافذة. قال عنه ابن القاسم في العتبية (¬2) فيه وفي السفر فإذا قدم من ذلك السفر وأفاق من ذلك المرض ثم مرض بعد حين فمات فتؤخذ وصيتُه تلك ولم ينكرها الآن بإجازة ولا تغيير؟ قال: هي نافذة. وقال عنه في كتاب آخر: لا يجوز إلا أن يكون بيد غيره. قال سحنون: هذا أحسن. قال عنه ابن القاسم فيه وفي المجموعة: وإن أوصى بأخرى جازتا إلا أن يُنقص في الثانية شيئاً من الأولى، وإن أوصى في الآخرة لرجل بمثل ما أوصى له في الأولى فإنما له ذلك مرة واحدة. ¬
قال ابن كنانة في المجموعة: في الموصي في مرضه أو سفره يقول: أو مت من مرضي بغير كتاب ثم صح أو قدم ثم مات بعد ذلك فذلك باطل، وإن كان بكتاب أشهد فيه ثم لم يحرفه ولا محاه ولا أشهد على تغييره حين أفاق أو قدم فهو نافذ. وقال أشهب: إن مات من مرضٍ آخر/ جازت الوصية لأن فيها إن مت من مرضي هذا فلما أقرها في المرض الثاني فكأنه عناه، وسواء قال إن مت من مرضي هذا أو في مرضي، وكذلك في السفر إذا مات في سفر آخر فإن مات في غير سفر أو مات ذلك المريض في غير مرض فذلك باطل. وكذلك قال اشهب في كتاب ابن المواز وقال: ورواه عن مالك. قال ابن القاسم وأشهب: وإذا كانت مبهمةً جازت وإن كانت عنده إذا أشهد عليها. قال أشهب في المجموعة: يعني في التي يذكر فيها إن مت في مرضي أو سفري والاستحسان غير القياس أنه إن مات في غير سفر ولا مرض أنها تنفذ إذا لم يغيرها لما عُلم أن ليس قصد الناس في ذكر السفر والمرض تخصيص ذلك، ألا ترى لو كتب في سفري هذا فبغته الموت قبل أن يسافر أنها نافذة. ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز: ذكر ابن القاسم عن مالك: إذا كتب إن مت من مرضي هذا أو سفري ثم يفيق أو يقدم ثم يمرض فيموت فتوجد وصيتُه أنها نافذة، لأن أكثر وصايا الناس عند سفر أو مرض ثم يزول ذلك [فيثق] (¬2) بوصيته أنها موضوعة فيقرها فهي نافذة. قال ابن المواز: يعني والله أعلم أنها كانت بيد غيره فأقرها لقوله موضوعة. قال سحنون في المجموعة: روايته عنه أخرى أحسن وأبين إن كانت عنده فهي باطل وإن كانت عند غيره فهي جازت. ¬
فيمن أشهد على وصيته وأقرها عنده أو عند غيره، وكيف إن طبع عليها؟ وكيف إن قرأها عليهم أو لم يقرأ
قال في الكتابين: قال عنه ابن القاسم أيضاً:/ وكذلك لو قال فيها: إن مت من مرضي هذا أو قال فيما بيني وبين سنة فيموت بعد البرء أو بعد الأجل فهي نافذة إن لم يأخذها ممن هي بيده. قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم: ومثله الحامل تقول: إن مت من حملي هذا ثم تموت من غير حمل أو من حمل يأتي ويموت الرجل في سفر يأتي أو مرض يأتي أو في غير سفر ولا مرض فإن كانت بيده بطلت وإن كانت بيد غيره نفذت. ومسألة الحامل في العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم أيضاً. ومن المجموعة روى علي عن مالك: فيمن كتب في وصيته إن مت سنتي هذه فعاش بعدها شيئاً ثم مات ووصيتُه تلك بيده لم يغيرها ولا أحدث غيرها أنها نافذة جائزة. قال ابن حبيب: قال أصبغ: في حامل جاوزت ستة أشهر بمرض مرضاً من غير حملها فتوصي بوصايا ثم أفاقت ثم ماتت من نِفاسها؟ قالا: لا تجوز وصاياها تلك إلا ان تكون كتبتها وأقرت الكتابة حتى ماتت فلتنفذ، ولو كان مرضها الأول من سبب حملها فوصاياها جائزة كتبتها أو لم تكتبها إن ماتت من نفاسها لأنه نرضٌ واحدً. فيمن أشهد على وصيته وأقرها عنده أو عند غيره وكيف إن طبع عليها؟ وكيف إن قرأها أو لم يقرأها عليهم؟ من العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز: روى أشهب عن مالك: فيمن طبع في آخر وصيته وقال للقوم اشهدوا علي بما فيها ولم/ يقرأها ولا علموا ما فيها فكتبوا ¬
شهادتهم ثم مات فإن لم يشك الشاهد في الطابع فليشهد وإن شك فلا يشهد إذا لم يكن الكتاب عنده، قيل: أفلا يشك في الخاتم وقد غاب عنه؟ قال: إن شك فلا يشهد. قيل: وإذا دعا بوصيته من عند أهله فأشهد قوماً على ما فيها أتقولون له اقرأها فإنها كانت عند أهلك؟ قال: ليس عليهم ذلك وليشهدوا. قال ابن المواز قال أشهب: ذلك جائزٌ كانت مختومة أو منشورة قرأها عليهم أو لم يقرأها ولو قرأها ولم يأمرهم بالشهادة فليس بشيء حتى يقول إنها وصيتي وأن ما فيها حق وإن لم يقرأها وكذلك لو قرؤوها وقالوا نشهد أنها وصيتُك فقال نعم، أو قال برأسه نعم ولم يتكلم فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز: قال –يعني مالكاً- وإن لم يقرأها عليهم فليشهدوا فإذا مات وعرفوا الكتاب فليشهدوا أنها وصيته أشهدنا على ما فيها، وكذلك لو أشهدهم عليها مطبوعة إذا عرفوها. قال: وإن فُتحت فوجد فيها محوٌ (لا) يغير ما قبله ولا ما بعده لم يضر، وإن كان يحمل بعض الوصية المغيرة فذلك الشيءُ لا يجوز إلا أن يعرفوا المحو. ولو وجدوا لحقاً لم يُبينه لهم فلا يشهدوا عليه إلا أن يكونوا طبعوا عليها وعرفوا الخواتم فاحملوهم ما تحملوا. قال أشهب عن مالك: ومن شك منهم فلا يشهد إذا لم تكن الوصية عنده حتى يتبين أنه خاتمه بعينه لم يُفض وكان الناس قديماً يجيزون الخواتم في كتب/ القضاة وغيرها ثم حدث الإشهاد على الطابع، وأجوزهم عندي شهادة الذي الوصية في يديه والآخرون يشهدون بمبلغ علمهم ويحملون ما تحملوا. وقال أيضاً أما الآخرون فلا أدري كيف يشهدون، وكذلك روى ابن القاسم عن مالك. كما روى أشهب من أول المسألة. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالكٍ: في الميت توجد وصيتُه في بيته بخطه ويشهد عدلان أنه خطه فلا يجوز ذلك حتى يُشهدهم عليها وقد يكتب ولا يعزم. وكذلك في العتبية (¬1) قال في المجموعة: وإذا أشهد جازت كانت بيده أو عند غيره. ¬
فيمن قال وصيتي عند فلان فصدقوه أو قال قد أوصيته فما قال فأنفذوه
ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن وهب: في امرأة دعت قوماً إلى وصيتها مكتوبة فقالت: اشهدوا على مافيها لي وعلي وقد أسندتُها إلى عمتي وما بقي من ثلثي فلعمتي ثم مات ففتح الكتاب فإذا فيه أن باقي ثلثي للفقراء والمساكين والأرامل قال: فليُقسم الثلث بين العمة وهذه الأصناف. قال أبو محمد: يريد فللعمة نصفه ولهذه الأصناف نصفه، وقال ابن القاسم مثله. قال ابن المواز أشهب عن مالك: في مريض حضره قوم فقالت امرأتُه إنه أوصاني في بقية ثلثه أن أنفق منه على بني فلان كل شهر كذا وهو يسع ووصيتُه حاضرة ولم يُوقع ذلك فيها وقد كان قرؤوها عليه وأقر بها ثم مات فلا يجوز الذي قالت، وذلك إلى الورثة إلا ما يصيب الزوجة من بقية الثلث يُعزل ذلك يُنفق على من أقرت له في كل شهر/ كما قالت، وفي الباب الذي يلي هذا تمام القول في الوصية تكون بيد غيره. فيمن قال وصيتي عند فلان فصدقوه أو قال قد أوصيتُه فما قال فأنفذوه أو قال يجعل فلان ثلتي حيث يراه الله من العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز وابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك: فيمن قال عند موته: وصيتي عند فلان وأشهد على ذلك، وفي كتاب ابن المواز وأشهدوا على ذلك، فلما مات أخرج الرجل وصية فيها عتقٌ وغيره قال: هي جائزة، وأبينُ من ذلك إن كتب وصيتين وجعل بيد كل رجل واحدة فإذا أخرجاها جازتا إن انتفيا وفي رواية ابن وهب في المجموعة: في الوصية الواحدة بيد الذي ذكر قال مالكٌ: على ماذا شهد هؤلاء ما أرى إلا شاهداً واحداً وأراه يجوز في الوصايا دون العتق ثم قال بعد ذلك: أراها نافذة، وقاله أشهب. ¬
وقال ابن القاسم في هذه الكتب عن مالك قال: فيمن قال: قد كتبتُ وصيتي وجعلتُها عند فلان فأنفذوها فأخرجها الرجل بعد موته ولا بينة فيها غير البينة على قوله هذا قال: إن كان الذي هي بيده عدلاً أنفذت، وقاله ابن القاسم. قال العتبي قال سحنون: وتنفذ كان الرجل عدلاً أو غير عدلً. قال يحيى بن يحيى وقال ابن القاسم: هو كما لو قال: قد أوصيتُ بوصايا أعلمتُ بها فلاناً فأنفذوا ما قال أنه/ ينفذ، ولو قال: كنت أعامل فلاناً وفلاناً وفلاناً فما ادَّعوا علي فصدِّقوهم قال: فليُعطوا ما ادَّعوا بلا يمين. ومن المجموعة وكتاب محمد قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قال: قد أوصيتُ بثُلثي وأخبرتُه بوصيتي فصدِّقُوه فهو مُصدَّق. وقال أشهب: فإن قال: إنما أوصي بالثلث في ولايتي فهو مصدَّق، ولأن الميت أُمر بتصديقه وليس مثل الذي شهد لابنه ولا مثل الذي يوصي إلى فلانٍ أن يجعل ثلثه حيث يرى فيجعله لنفسه أو لابنه وأقاربه كما يُعطى الناس حسب الاستحقاق ولجاز وأكره أن يأخذ منه شيئاً لنفسه فإن فعل حسب استحقاقه لم آخذه منه. وقاله ابن القاسم وقال: فإن قال لولدي أوصي به جُعلتُه كشاهد له وكمسألة مالكٍ في إذا قال: فلانً يجعل ثلثي حيث يرى. قال محمد قال مالكٌ في هذا إنه لا يأخذ هو منه وإن كان مُحتاجاً، وإن أعطى ولده وكان لذلك موضعاً جاز، قال ابن عبدوس: ورُوي عن مالك في الذي أوصاه على أن يجعل ثلثه حيث يراه الله لا يُجبر أن يُعطي ذلك أقارب الميت ولكن يعطيهم كما يعطي الناس. قال مالك: وإذا كان قد علم حين أوصاه بجعل ثلثه حيث أراه أنه أراد أن يرده على بعض الورثة فلا يجوز وليرجع كله ميراثاً. وقال علي عن مالك: فيمن أوصى امرأته أن تجعل ثلثه حيث أراها الله فلم تفعل حتى هلكت/ وأوصت بثلثها ولم تذكر وصية زوجها قال: فليأمر القاضي من يرضى ويضع ذلك حيث يرى أن الميت كان أراد أن يوضع فيه.
ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) ابن القاسم عن مالك في الموصى إليه بالثلث يجعله حيث أراه الله قال: ليجعله في سبيل الخير وإن قال اصرفهُ حيث شئت أو حيث أحببت فصرفه إلى أقارب الموصي أو إخوته فلم يجز ذلك الورثة فلُيرد ذلك ميراثاً. وقاله ابن القاسم في العتبية (¬2) قال: ويقال له اتق الله واجعلها في غيرهم فإن أبى رجعت ميراثاً إن لم يجزها الورثة، ولا يجبره السلطانُ أن يجعلها في سبيل الله. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: يُنظر فيما فعل فإن كان من وجه ما يتقرب الناس به وكان في حاجة فلينفذ وإن كان في غير ذي حاجة لم يجز، لأن الميت إنما قصد وجه الصدقات. ومن الكتابين وعن ابن القاسم: وعن امرأة أوصت إليها أن تُخرج بعض الثلث في أشياء وباقيه حيث أراها الله ففعلت فاحتاجت الوصية هل تأخذ من تلك البقية؟ قال مالك: لا تأخذ منها شيئاً. قال ابن حبيب عن أصبغ: فيمن أوصى لرجل أن يجعل ثلثه في أفضل ما يراه وأقربه إلى الله سبحانه هل يعتق به رقاباً؟ قال: إن سأل عن ذلك قبل أن يفعل رأيتُ الصدقة خيراً له. وقال مالك: الصدقة أفضل من العتق. ورُوي أن النبي عليه السلام قال: الصدقة شيء عجيب (¬3) وصح أنه يبقى في العتق الولاء لورثته ولو حتى فعل وأنفذه لم يُرد كان عتقاً أو غيره/ قال: والعتقُ أحب إلي من الحج وإن كان صرورة (¬4)، ولو كان حياً كان الحج أولى به. قال أصبغ: وهذا الاستحباب فيما يتطوع به أهل الميت عنه، فأما في وصيته لو أوصى بعتق بعينه وبحجة لبُدئ العتقُ عندي وإن كان صرورةً، وقد اختلف فيه قول ابن القاسم ويبدأ الحج في الرجل الصرورة على عتق بغير عينه ¬
في الوصي هل يكشف عما أنفذ من عتق وغيره وعما بيده
وعلى الوصايا وإن كان الحج تطوعاً قاله مع العتق بغير عينه والوصايا وقد قال أيضاً أصبغ: كل ذلك على الحصاص يريد إلا في العتق بعينه. في الوصي هل يكشف عمَّا أنفذ من عتق وغيره وعما بيده؟ من العتبية (¬1) ابن القاسم وذكره ابن عبدوس من رواية ابن وهب وابن نافع وهو في كتاب ابن المواز: فيمن أوصى بعتق وبشيء في السبيل وغير ذلك. قال في العتبية (¬2): يعتق وبأن يحمل عنه في سبيل الله، قال في هذه الكتب: وأسند ذلك إلى وارث فطلب باقي الورثة أن ينظر في ذلك، فإن كان الوصي وارثاً فلباقي الورثة أن ينظر في ذلك ويكشف عنه الوصي وإن لم يكن وارثاً فلا يكشف عن شيء إلا عما يبقى للوارث نفعُه من العتق الذي لهم ولاؤه زاد ابن نافع عن مالك في المجموعة: إلا أن يكون الوصي سفيهاً مارقاً فليُكشف عن ذلك كله فرُب وصي لا يُنفذ من الوصية/ شيئاً، وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك وقال: فإن لم يكن الوصي وارثاً ولا سفيهاً فليس للورثة كشفه إلا عن العتق، وفي العتبية رواية أشهب عن مالك مثل ما روى ابن وهب وابن نافع سواء وقال: فإن كان الوصي محتاجاً فلا يأخذ من ذلك شيئاً. ومن المجموعة والعتبية (¬3) روى أشهب عن مالك وقال مالك: إذا أوصاه أن يضع ثلثه حيث أراه الله ففعل فأراد الورثة كشفه حيث وضعه وقالوا لعلك لم تُنفذهُ، فإن كان الوصي وارثاً فذلك لهو وعليه البينة بإنفاذه وإلا ضمن، قال عنه ابن القاسم: لنا في الورثة أن يقوموا ويدخلوا معه حتى يُنفذ ذلك، قال في الرواية الأولى: وإن لم يكن الوصي وارثاً فلا يعطي منه قرابته إلا بوجه الاجتهاد ولا يكتم ¬
عن الورثة ما أنفذ، ويفترق ما قدم من ذلك وما كان قريباً وليُعرفهم بالقريب أن ما قرب يُعرف ويُذكر ولا يُكلف ذلك فيما قدم وهم أغفلوا ذلك. ومن العتبية (¬1) رواية ابن القاسم عن مالك نحوه في الوارث وغير الوارث على ما تقدم سواء قال: ولا يأخذ منه لأقاربه وخاصته إلا أن يكون لذلك وجه، وليس له أن يكتم عمله عنهم ولا يمين عليه في ذلك. قال في كتاب ابن المواز وقاله أصبغ قال: إلا أن يكونوا صغاراً فعليه إذا كبروا أن يُعلمهم لأن ذلك من القضاء لنفسه والجر إليها، ولو كان بعضهم كباراً فغفل عن ذلك حتى كبر الصغار فلا كلام لواحد منهم كما لو قام الكبار يوم العقد يوم أنفذ/ فلا قيام للصغار إن كبروا لأنه أمر طاهر. قال مالك: ولا يأخذ هو منه شيئاً لنفسه ولو احتاج. قال أشهب عن مالك: إن لم يكن الوصي وارثاً فلا يكشف عن الصدقة ولا عن غيرها إلا عن العتق وإن كان وارثاً فلهم كشفه على كل حال. ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم: وعمن أوصى بولده وبمالهم إلى زوجته فتزوجت وخيف على المال؟ قال: إن كانت لا بأس بحالها فلا يكشف وإن خيف من قبلها كشف ما قبلها وهذا في باب الوصية إلى غير العدل. وروى أشهب عن مالك: في مُكاتبٍ أوصى إليه سيده بولده ثم أراد الولد أن يكشفه عما في يديه وعما ربح فيه وهو عند الناس لا يأمر به؟ قال: ليس ذلك عليه. وقال له مالك: أليس ما في يديك لهم معروف؟ قال: نعم ولكنهم يرون أن تُعلمهم به وبما ربحت قال: ما ذلك عليك، قال له: إنني غلام مُولدٌ ولدتُ في اليمن قد علم ذلك سيدي فإذا كتبتُ شيئاً كتبتُ: فلانٌ بن فلانٍ مكاتبُ فلانٍ، قال: لا بأس. ¬
فيمن أوصى أن فلانا مصدق فيما يذكر أن عليه من دين أو قال ما ادعى علي فلان فأعطوه
فيمن أوصى أن فلاناً مُصدقٌ فيما يذكر أن عليه من دينٍ أو قال ما ادعى علي فلانً فأعطوه أو من ادعى من كذا إلى كذا فأعطوه من كتاب ابن حبيبٍ قلتُ لأصبغ: فيمن قال عند موته علي ديون وفلان مولاي (أو أبي) يعلم أهلها فمن سمى أنله علي شيئاً فأعطوه، فإنه عندنا عن ابن القاسم: أنه كالشاهد إن بان/ عدلاً حلف معه المدعي وأخذ. قال: ما هذا بشيءٍ ولا أعرفه من قوله ولكن يُصدق من جعل الميتُ التصديق إليه كان عدلاً أو غير عدلٍ، كقول مالكٍ: فيمن قال: وصيتي عند فلان فما أخرج فيها فأنفذوه أن ذلك نافذٌ وما استثنى مالك عدلاً من غير عدل، وذلك سوى ما لم يُسم من يتهم عليه تهمة بينة من أقاربه ممن هو كنفسه. وروى عيسى في العتبية (¬1) عن ابن القاسم: أنه كالشاهد في سؤاله فما شهد به على ابني من دينٍ فهو مُصدقٌ قال: فإن لم يكن عدلاً أو نكل الشهود عن اليمين فلا شيء له إلا قدر نصيبه من ذلك إن لم يكن سفيهاً. قال أصبغ في كتاب ابن حبيبٍ: وهو أيضاً كقول مالك في الذي قال من ادعى على [أقل] (¬2) من عشرين ديناراً فاقضوه بلا بينة إنه جائز ولم يقل إن كان عدلاً ولا يزاد من ماله على أكثر من عشرين إلى ما دون. قال ابن القاسم: فليتحاصوا في العشرين فقط إذا ادعى كل واحد منهم أقل من عشرين، ومن ادعى العشرين فلا شيء له إلا ببينة. وكذلك في العتبية رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك من أول المسألة إلا أنه قال: يحاصص من ادعى العشرين. قال في الكتابين: ولا يدخل في الحصص من ادعى أكثر من عشرين ولا شيء له ولا يعزل هذه العشرين فلا يجعل فيها حتى ¬
يعلم من يدعي شيئاً وليكتم ذلك ولا يُفسر، وذكرها ابن سحنون عن مالك من أول/ أولها كما روى عيسى قال: ويعزل العشرين من رأس ماله، فكل من ادعى من عشرين إلى ما دونها تحاصوا فيها. قال محمد بن سحنون وبلغني عن ابن القاسم أنه قال ومن ادعى عشرين كاملةً فلا شيء له لأن مخرج إقراره على وجه التفرقة من ادعى من ها هنا وها هنا ثم ذكر ما في المسألة ومثل ما ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم: أن من له بينة مبدأ على هؤلاء. قال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: ومن له بينة فهو مبدأ على أصحاب العشرين. قال عنه محمد بن خالد في العتبية (¬1): من ادعى مثل ما قال أعطي ذلك مع يمينه وذلك في كتاب ابن المواز وقال: والعشرون (¬2) من رأس المال. ومن ادعى أكثر من عشرين فلا شيء له وإن ادعى واحداً وعشرين وآخرُ أحد عشر تحاصا ولا يُزادُ على عشرين. قال ابن حبيب قال أصبغ: وأما إن قال: من ادعى علي ديناً فحلفوه وأعطوه بلا بينة أو قال بلا يمين ولا بينة ولم يُؤقت للدين زماناً فهذا يكون من ثلثه بخلاف الذي وقت العشرين وكأنه أقرَّ بالعشرين لمن لا يعرف فهي من رأس المال. وأما إن لم يُؤقت وأمر بتصديق كل من ادعى فهذا من الثلث، وقضى به ابن وهب قاضي سليمان بن عبد الملك قال: وأما إن قال: من ادعى علي من دينار إلى عشرين فاقضوه مع يمينه بلا بينة فهذا من الثلث بخلاف مسألة مالكٍ الذي قال فيها: من ادعى علي من كذا إلى كذا فصدِّقوه وهذا المؤقت هو من رأس المال لأنه لم يقل كل. وهو أحسن ما سمعتُ. ¬
ومن العتبية (¬1) / روى ابن القاسم عن مالك: فيمن قال أدارين فلاناً وفلاناً فما ادعوا علي فهم مصدَّقون قال: يُعطوا ما ادعوا بلا يمين. وقال مالك أيضاً: ولو قال لفلان علي أربعون وهومُصدق فيما قال فادعى خمسين قال: يحلف ويأخذ خمسين وكذلك في كتاب ابن المواز. قال أصبغ في العتبية (¬2) عن ابن القاسم: وإذا أوصى فقال: كنتُ أعامل فلاناً فما ادعى علي فأعطوه قال: يُصدق في معاملة مثله وأراه ذكره عن مالك. قال ابن القاسم: ويكون من رظاس ماله وليس الناس في قلة المال وكثرته سواء. وإن ادعى ما لا يشبه بطلت دعواه فلم يكن في ثلث ولا رأس مال. وقال أصبغ: يبطل ما زاد على ما يشبه معاملة مثله. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أوصى أن يُصدق شريكي فهو يعلم مالي فما دفع إليكم فصدقوه فرفع إلى السلطان عيناً فقسمه معهم ثم أقام عشر سنين يتقاضى كل ما اقتضى قسمُه معهم ثم كبر الورثة فأرادوا يمينه على ما قبض فإنه يكشف أمره فإن كان صحيحاً لم يحلف وإن كان على غير ذلك حلف. قال أبو زيد عن ابن وهب: فيمن أوصى أن لفلانٍ علي شيئاً (¬3) فهو فيه مُصدق قال: سمعت أن بعض الخلفاء كتب أن يُعطى ما ادعى من الثلث فقلتُ أن عليه ديناً (¬4) ولا ثلثَ له، قال: فلا شيء لهذا. وذكر ابن المواز عن ابن وهب مثله. وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ عن ابن وهب: في الذي قال: ما ادعى/ على بنو أبي خالد فأعطوهم وما أقروا لي به فلا تأخذوا منهم غيره قال: قضى ابن موهب (¬5) أن يجاز قوله إلى مبلغ الثلث فما زاد ففيه البينة والأيمان. قال ابن حبيب وقال لي مطرف وابن الماجشون مثله. ¬
في شهادة الوصي في الوصية واليتامى وشهادة من أوصى له بشيء والوصية يقوم عليها شاهد واحد
في شهادة الوصي في الوصية واليتامى وشهادة من أوصى له فيها بشيء وفي الوصية يقوم عليها شاهد واحد وهل يُنفذ الوصي ما علم من دينٍ أو وصية؟ من العتبية (¬1) روى ابن القاسم عن مالك: فيمن أسند وصيته إلى ثلاثة نفر مع امرأته وأحدهم غائب فشهد الحاضران على وصيته وقد أوصى لهما فيها بشيء قال: إن كان تافهاً لا يُتهمان عليه جازت شهادتُهما إن كانا عدلين. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شهد وصيان أن الميت أوصى إلى فلان معنا فذلك جائز. قال أشهب: فإن لم يقبل لم يكن ذلك عليه إلا أن يكون في شهادتهما أنه قبل وهو يُنكرُ فينظر فإن اتهما أنهما أرادا التخفيف عنهما فيما لا يقدران عليه ويكرهان لم تجز شهادتهما وإن لم يُتهما جازت وكان وصياً معهما وإن كره. قال عنه أشهب: لا تجوز شهادة الوصي لمن يلي عليه. وقال أيضاً: إذا كان في شيء يجره إليهم. وقال أيضاً: فيما يجر إلى نفسه. قال محمد: يريد: مما لو حكم به كان هو القابض له. ورواه ابن القاسم عن مالك. وأما فيما لا يلي/ قبضه من ماله في الوصية فذلك جائزٌ. وروى عنه أشهب في العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز: في الوصية يقوم عليها شاهد واحد فلا يحلف الوصي معه ولينظر السلطان في الوصي فإن رأى أن يقيمه لأمانته فعل، وأما الوصي له فيها فيحلف مع الشاهد. وروى أبو زيد عن ابن القاسم: فيمن أوصى رجلين أن يزوجا ابنته فزوجاها بعد موته فأنكرت الابنة أن يكون الأب أوصى بذلك إليهما فلا تُقبل شهادتهما بعد النكاح، ولو شهدا قبل النكاح جازت شهادتهما وإن رضيت ما صنعا ولم تنكره فالنكاح جائز. ¬
فيمن قال فلان وصيي ولا يزيد على هذا أو يوصي إليه بشيء يخصه به أو إلى مدة يذكرها
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: في صغير يوصى له بدنانير فلم يشهد بذلك إلا الوصي فإن خفي للوصي دفعُ ذلك فليفعل وكذلك لو رفع إلى الإمام فلم تُقبل شهادتُه فله دفعُها إن خفي له. قال محمد: ولو كان كثيراً لحلف وأخذ ولو كان يُوقف للصغير حتى يكبر فيحلف لكان يتهم الوصي في بقاء ذلك بيده إلى بلوغه. قال أشهب عن مالك: فيمن هلك وقد علم ابنه الكبير أن لامرأةٍ ماتت عند والده جهازاً لها ولغيرها وقد أوصى بذلك فاعتلت وصيته فهل يأخذ من مال إخوته الأصاغر ما يقضي به دين أبيه الذي قد علمه؟ قال: فلا يفعل. وصايا4 قال ابن حبيب قال أصبغ: في الميت يشهد أن ثلثه صدقة ولا يُشهد غيره قال: إن خفي له وأمن إذا أخرجه فليفعل ولا إثم عليه بل ذلك عليه واجب وقد قال/ أشهب: إذا علم أن على الميت ديناً (¬1) وهو لا يخاف عاقبة فعليه أن يؤديه من تركته وكذلك ما سألت عنه من الوصايا والديون والحقوق، ولو علم أن في تركته [عبداً أمر أن يعتق عليه] (¬2) في رأس ماله أو في ثلثه، إن عليه أن يمهله ولا يعرض له ببيعٍ ولا خدمةٍ ولا بغيرها وكذلك الوارث فيما علم من هذا كله وأشهده عليه الميت. وهذا الباب مثل معناه في كتاب الشهادات. فيمن قال: فلان وصي ولا يزيد على هذا أو يوصي إليه بشيء يخصه به أو إلى مدة يذكرها وذكر وصي الوصي وذكر الوصيين وموت أحدهما. من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال: فلان وصي فقد بالغ في الإيصاء ويكون وصياً على كل شيء كمن سُميت له الأمور. ¬
ومن المجموعة مثله في رواية ابن نافع وقاله ابن القاسم وأشهب قالا: ويقوم مُقامه في كل شيء وفي بُضع بناته وإنكاح صغار بنيه. قال أشهب: وفي كل ما كان يليه في حياته وفيما كان يلي من وصايا الناس، وقاله مالكٌ. من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قال: فلان وصي على ولدي كان إليه فيهم جميع الأمور من مال وغيره كمن سميت له الأمور. وقال ابن كنانة: فيمن أوصى إلى رجل ببُضعِ بناته ثم وُلدت له بنتٌ بعده إنها داخلة في ولايته. قال ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: وإذا أوصى إليه/ بما له فهو وصي على ماله وولده، وزاد أشهب في المجموعة: إلا أن يقول: أوصيتُ إليه بمالي وليس من ولدي في شيءٍ فيكون إليه من أمور ولده ما كان بسبب المال من بيع وشراءٍ أو إنفاق وغيره، ويكون الإنكاح وغيره إلى غيره من أوصيائه، فإن لم يكن له بذلك وصي فإنهم إن احتاجوا فيه إلى إنفاق وصيً أقامه لهم الإمام وإلا تركه إلى أن يحتاجوا إلى إنكاح وغيره فيُجعل من يلي ذلك. من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: فيمن أوصى بميراث بنت له صغيرة أن يُدفع إلى فلانٍ؟ قال: فله أن يلي بُضعها ولو رُفع إلى افمام فنظر فيه. قال مالك: في الذي أوصى إليه بتقاضي دينه وبيع تركته أنه إن زوج بناته جاز ذلك ولو رفع إلى الإمام كان أحب إلي. وقال أشهب: له أن يزوج ولا يرفع. وقال ابن القاسم إن شاء الله. ومن قال له أوصي فقال: ما لي مالٌ وزوجتي وصيتي على ولدي ثم طرأ له مالٌ بعد موته فهي وصيته وليدفع إليها وقد وصى إليها بما لم يكن ملك من أموره غيره فهي وصيةٌ في كل شيءٍ حتى يُتبين أنه خصها بالبُضعِ خاصة بأمر يعرف. قال ابن القاسم: هي وصية على ذلك كله، وقد يوصى إلى رجل بولده فيحدث لهم مالٌ فيكون إليه أمره. قلت: فإن قال: فلانٌ خليفتي على رقيق
ولدي وعلى رقيقي القائمين بأمور ولدي قال: فلا يكون وصياً إلا فيما يقوم به العبيد لولده، فأما في إنكاح/ بناته وصغار بنيه فلا ولا أمر مما يجوز للوصي. ومنه ومن المجموعة قال أشهب: وإن أوصى إليه بماله العين ولآخر بتقاضي دينه فلا وصية للمتقاضي إلا على التقاضي خاصة فكل ما قبض فليدفعه إلى وصي العين. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإن قال: فلانٌ وصي على تقاضي ديني وقضاء ما علي وفلانٌ وصي على مالي وفلان على بُضع بناتي فهو كما قال أشهب وليس للذي جعله للقضاء والاقتضاء غير ذلك وللذي جعله وصياً على ماله بيعُ تركته وقبضُ الثمن ووصي البُضع ليس له غير ذلك، وإن أوصى إلى رجل ببعض ولده وبميراثهم وإلى آخر بباقي ولده وأموالهم قال: فلا يدخل أحدهما على الآخر فيما إليه وأستحسن للقاضي إن خاف منهما ضعفاً في الانفراد أن يشركهما في الجمع كما إن حس ضعف وصي فعليه أن يشرك معه غيره فهذان أحق قال: والوصي إذا قال قد أوصيت بتركتي إلى فلان وما أنا عليه وصي إلى فلان فهو كما أوصى. قال ابن القاسم: وإذا قال في [فُلول غُيب] (¬1) إن أول قادم منهم وصي فقدموا معاً فليختر منهم القاضي واحداً عدلاً لذلك. ومن كتاب ابن المواز: إذا قال: فلانٌ وصي حتى يقدم فلانٌ فليُعط (¬2) الحاضرُ كل شيءٍ البُضع وغيره حتى يقدم الغائب فيكون هو وصياً وحده. ومنه ومن العتبية (¬3) لأشهب عن مالكٍ وذكره ابن عبدوس عن أشهب قال: وإذا أوصى إليه بولده وسماهم ولم يُسم أموالهم ولم يُسم/ بنتاً له بكراً كبيرةً معنسة فيمن سمى قال: ثم آخر قوله: وأموال ولدي كُلهم إلى فلانٍ فإن كانت التي لم يُسمها أهلاً أن تلي نفسها الآن دفع إليها مالها وإلا كان بيد الوصي. ¬
في الوصي يقبل الوصية ثم يبدو له أو يقبل بعضها
ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: وصي الوصي كالوصي في البُضع وغيره. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ووصي الوصي ووصي وصيه كالوصي في البُضع وغيره، ولو أوصى إلى ميت ولم يعلم لم يكن وصيه له وصياً (¬1). وإذا مات أحد الوصيين عن غير وصية فأراد القاضي أن يجعل مع الباقي غيره وإما لحاجته إلى معين لكثرة ما يلي وإما لأنه ليس بالبين في العدالة فعل وإلا لم أر أن يجعل معه أحداً، ولو أن الميت منهما أوصى إليه أو إلى غيره بما إليه من ذلك كان جائزاً. في الوصي يقبل الوصية ثم يبدو له أو يقبل بعضها من كتاب ابن المواز وابن عبدوس قال مالك: وإذا قبل الوصي الوصية في مرض الموصي أو صحته ثم بدا له؟ قال ابن القاسم بعد موته فليس له ذلك ولو لم يقبلها حتى مات فإن ذلك إليه. قال أشهب: وكذلك إن قبل ذلك بعد موته فلا رجوع له فيه أو كان منه شيءٌ يدل على قبوله من البيع لهم والشراء لما يصلحهم أو الاقتضاء أو القضاء عنهم أو غير ذلك فتلزمه الوصية. وإذا قبلها في حياته ثم بدا له في حياته فأعلمه أنه لا يقبل فذلك له لأنه لم يُعره وهو/ قادر على أن يستبدل، وإذا أبى من قبولها في حياته وأباه أيضاً منها بعد مماته ثم أراد قبولها فليس ذلك إلا أن يجعله السلطان بحسن نظره. ومن العتبية (¬2) روى أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى إلى رجل بوصيته وبما كان وصياً عليه فقبل وصيته في نفسه ولم يقبل ما كان عليه وصياً؟ قال: فذلك له وليقم الإمام من يلي أمر الأول. قال أصبغ: وصية الأول هي من وصية الثاني فإما قبل الجميع أو ترك وإن قبل بعضاً فهو قبول للجميع. ¬
في الوصية إلى غير العدل وإلى من يضعف عن الوصية أو إلى ذمي أو صبي
وقال ابن حبيب قال أصبغ: في الرجل يوكله السلطان بالنظر لليتيم فإنه إذا قبل ذلك منه فليس له أن يعتزل عن ذلك عُزل ذلك السلطان أو لم يُعزل إلا أن يُزيله السلطانُ على وجه النظر ويولي غيره بحسن النظر وشبه ذلك. في الوصية إلى غير العدل وإلى من يضعف عن الوصية أو إلى ذمي أو صبي ووصية الكافل لليتيم من كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه: لا يجوز للرجل الوصاية إلى غير المأمون العدل فإن فعل فليخلفه الإمام ويجعل مأموناً، ولا يجوز أيضاً إلى ذمي وإلى حربي وهو أشر قاله ابن القاسم وأشهب. وقال ابن القاسم في بعض مجالسه: إلا أن يرى الإمام لذلك وجهاً، فإن رآه فلا يلي عقد نكاح البنات وليُكل بذلك مسلماً، وأما بنت النصراني المسلمة فلا يُوكل بعقدها ولا رأي له فيها. ومن العتبية (¬1) / قال ابن القاسم: كره مالكٌ الوصاية إلى اليهودي والنصراني وكان قد أجازه قبل ذلك. قال ابن القاسم: وإذا كان على الصلة والرحم يكون أبوه أو أخوه نصرانياً أو أخواله فيصل بذلك رحمهم فلا بأس به وهو حسنٌ وأما لغير هذا فلا. قال عنه عيسى: فأما الأباعد فلا يعجبني. قال ابن المواز وابن عبدوس قال أشهب وابن القاسم: ولا يجوز أن يُوصي إلى صبي أو ضعيفٍ أو معتوه. قال في المجموعة: أو مأبونٍ، ولا يجوز ذلك من النصارى إلى بعضهم إذا كانوا بهذه الأحوال. ومن المجموعة قال أشهب: وإذا أوصى مسلم أو ذمي إلى امرأة أو أعمى فذلك جائز. ابن المواز عن ابن القاسم وأشهب: ومن أوصى إلى محدود في قذف فذلك جائز إذا كانت منه فلتة وكان ممن يرضى حاله وإن لم يتزيد حسن حال إذا كان يوم حُد غير مسخوط فأما من حُد في زنىً أو سرقةٍ أو خمر فلا يقع في مثل ¬
في عزل الوصي لما يحدث منه من تغيير أو كانت امرأة فتزوجت وفي الوصيين يعزل أحدهما
هذا من له ورع فلا يجوز الوصية إليه إلا أن يحدث له توبة ونزوع يعرف فضله فيه فتجوز الوصية إليه. وتجوز وصية ذمي إلى ذمي لأنه على ملته. قال في الكتابين: وإن أوصى ذمي إلى حربي لم يجز وإن كان مستأمناً. قال ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم: في وصية المسلم إلى النصراني أو إلى غير هذا أرى أن يُفسخ إلا أن يكون قريبه أو مولاه أو زوجته ومن يُرجى منه حُسن النظر لولده من أقاربه أو ولاته فأرى أن يجعل معه غيره/ ويكون المال بيد المجعول معه ولا تُفسخُ وصيةُ الآخر، وقاله مطرف، وبه أقول. قال ابن الماجشون: وإن أوصى ذمي إلى ذمي وفي تركته خمر وخنازير وغيره ما يستحلونه لم أمنعه قسمته بينهم –قاله مالك- وليس لرجل منع عبده النصراني من شراء الخمر والخنزير وأكل ذلك وشربه وإن اقتسم أهل الذمة الخمر قسطاً بقسطين ولا من الربا بينهم إلا أن يرابوا مسلماً فيُفسخُ ذلك. في عزل الوصي لما يحدث منه من تغيير أو كانت امرأة فتزوَّجت وفي الوصيين يُعزل أحدُهما هل يجعل مع صاحبه غيره؟ من كتاب ابن المواز ومن المجموعة قال أشهب وابن القاسم: وإذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي فلا يعزله حتى تظهر له منه خيانة أو ضعف يدخل عليهم منه ما يدخل بالخيانة فيُعزل ويُجعل غيرُه ويكون من يُجعل كوصي الميت في كل شيء. ومنه ومن العتبية (¬1) ابن القاسم وابن وهب عن مالك: فيمن أوصى إلى امرأته فتزوجت فخيف على مال الأيتام هل يكشف؟ قال: إن كانت لا بأس بحالها لم تُكشف وإن خيف كشف عما قِبَلها. ¬
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز: وإن عزلت الولد في بيت وأقامت لهم خادماً وما يُصلِحُهُم فهي أولى بهم أيضاً. قال في العتبية (¬2): وإن لم تفعل نُزعوا منها. قال ابن المواز: قال ابن القاسم وأما المال فوجه/ ما سمعتُ منه أن ينظر في حالها فإن رضي حالها وسيرها والمال يسير لم يؤخذ منها، محمد: ولم تكشف وإن كان المال كثيراً وهي مُقلة وخيف من ناحيتها نزع المال منها. وقاله أصبغ، وهي على الوصية على كل حال إلا أن تكون مبرزة الأمر في إبقاء المال عندها بعد النكاح في الحزم والدين والحرز والستر فيقر عندها. قال مالك: وإن قال الميتُ: فإن تزوجت فانزعوهم منها فأرادت النكاح فإن عزلتهم في مكان عندها مع خادم ونفقة فهي أولى بهم وإلا نُزعوا منها. محمد: لأن الميت لم يقل إن تزوجت فلا وصية لها إنما قال يُنزعوا منها، فالوصية لها قائمة بعدُ فإن عزلتهم في حِرزٍ وكفاية لم يؤخذوا منها، وأما المالُ فقد فسر ابن القاسم أمره حسناً. ومن العتبية (¬3) من رواية أشهب عن مالك: إذا تزوجت ولها صبية صغيرة قال: إن المرأة إذا تزوجت غُلبت على أمرها فما أخوفني أن يُنزع منها والأولياء يقولون كيف يدخل عليها رجل ولا أرى أن تُدخل عليها رجلاً. وروى عنه أشهب في يتم له وصيان صار على أحدهما من غلته ثلاثون (¬4) ديناراً يُفالس بها ولليتيم اثنان وعشرون ديناراً عيناً ودار كراؤها خمسة دنانير فأراد اليتيم سكنى مسكن منها كراؤه دينارٌ فقال وصيه الآخر إني أكتري لك غيره بخمسة دراهم قال: إن كان نحو منزله وقريباً منه ومن مسجده وفي عمران فذلك له وإن كان بعيداً من منزله ومسجده وفي خراب فليس ذلك له/ وليعزل الوصي الذي أخذ المال وتفالس إذا كان يجعل ثقةً مكانه قيل: فإن الثاني ثقةٌ قال: فلا يدخل عليه أحد إلا أن يخاف أن يضعف عن ذلك وحده. ¬
في المسلم يوصي إليه الذمي أو مسلم خبيث المال، وفي الذمي عليه دين لمسلم وفي تركته الخمر وشبهه
ومن كتاب ابن المواز قال مالكٌ: وإذا عزل أحد الوصيين لخيانةٍ فلا يجعل مع الآخر غيره إلا أن يضعُف. في المسلم يوصي إليه الذمي أو مسلمٌ خبيث المال وفي الذمي عليه دينٌ لمسلم وفي تركته الخمر وشبهه أو مالٌ غُصب من كتاب ابن المواز والمجموعة ذكر قول مالك: في الذمي إذا أوصى إلى مسلم إذا لم يكن في التركة خمر أو خنازير وأمر أن يؤخذ بالجزية مثل ما في المدونة ثم يقول: وقال أشهب: ولا بأس بقبول وصيته وإن كان في التركة خمرٌ وخنازير ولا يكون له في ذلك وصية وهو موصي فيما يجوز أن يليه وإنما أكرهُ له قبوله وليس بالبين في الكراهية في موضع يخاف أن يكون على الذمي جزيةٌ يؤخذ بها فلا أحب له قبولها فإن قبلها جاز وليس له أن يرجع عنه. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: وإذا أوصى ذمي إلى مسلم وفي التركة خمر وخنازير فلا يُوكل المسلم ذمياً ببيع ذلم وليقبل من وصيته ما يجوز له ويدع ما سواه، ولو أسلم بعض ولد الميت النصراني فليُقاسم الخمر والخنازير. قال أبو محمد: يريد مع إخوته ثم يهريق الخمر ويقتل الخنازير ويغيب جيفها وليفعل ذلك المسلم بما/ يجده في تركة عبده النصراني من ذلك. قال مطرف: ولو كان على الذمي دين للمسلمين ووصية ذمي فليبع الخمر والخنازير ويقضي دينه وإن لم يوصِ إلى أحد فليأمر الإمام أحداً من أهل دينه بذلك، وقد أجاز مالكٌ للمسلم أن يقبض دينه من الذمي من ثمن الخمر. قال: ولا يقبض دينه من النصراني من الغصب مثل أن يكون متسلطاً بالسلطان على غصب أموال الناس فلا يأخذ دينه من هذا إلا أن يريد أن يتصدق به ويكون ممن لا يُقتدى به فليفعل ذلك خيرٌ من تركه، وإن كان ممن يُقتدى به
فيمن أوصى إلى زوجته أو إلى عبد أو مكاتب له أو لغيره أو أوصى بولده إلى جدته وأوصى لها بنفقة
فلا يفعل وكذلك من المسلم الغاصب كولاة الظلم. وقال لي أصبغ مثله كله من أول المسائل ورواه عن ابن القاسم. قال مطرف قال مالك: ولا أحب لمُسلم شراء طعامٍ من ذمي [قبل أن يقبضه] (¬1) الذمي من بائعه منه ولو كان مشتريه منه ذمياً (¬2) لم أعرض له إلا أن يتحاكموا إلينا فيختار الحاكم الحكم بينهم. قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك في العتبية والمجموعة: فيمن له قريب يلي عملاً للسلطان وما اطلع منه على أمر يكرهه ولكن يتهمه بأمور يلابسها فيوصي إليه بولده أترى أن يليهم؟ قال: لا بأس بذلك وأستحسنُه، وذكره أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز. فيمن أوصى إلى زوجته أو إلى عبد أو مكاتبٍ له أو لغيره أو أوصى بولده إلى جدته وأوصى لها بنفقة من كتاب/ ابن المواز والعتبية (¬3) قال مالك: قد أوصى عمر بن الخطاب إلى حفصة وأراه فعل ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4) قال مالك: لا بأس أن يوصي الرجل إلى زوجته وإلى عبده وقد أوصى غير واحد إلى عبده ممن وجد فيه خيراً ولتُوكل المرأة والعبد بالبُضع غيرهما. وتقدم في باب آخر فيمن أوصى إلى زوجته فتزوجت. قال مالك في الكتابين وفي المجموعة: فيمن أوصى بولده إلى عبده فذلك جائز إن كانوا كلهم يُولي عليهم، وقاله أصحابه. ¬
قال سحنون في المجموعة: إذا كان الولد كلهم منوا (¬1) فيما يتكلف لهم العبد فيكون على قدر مواريثهم منه. قال مالك فيه وفي كتاب ابن المواز: فإن كان فيهم أكابرُ قوم حظهم على الأصاغر ثم من بلغ قُوم حظه على من بقي. قال ابن القاسم وأشهب: إذا كان ما لهم محمل (¬2) لذلك وطلب الأكابر البيع فإن لم يكن لهم باع معهم من يليه الإمام على الصغار إلا أن يشاء الكبار بيع حظهم شائعاً. قال ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم مثله وقال: فإن بيع وجعل القاضي عليهم غيره ثم عتق لم يرجع عليهم إلا أن يرى القاضي لذلك وجهاً فيجعله ابتداءً لا بالوصية الأولى، وكذلك لو عُزل المسخوط ثم حسنت حاله ورأى أن يجعله نظراً بأمرٍ يبتديه فيه لا بالوصية الأولى فعل. قال أصبغ/: وأنا أستحسن في العبد أنه إن بيع بموضع فيه اليتامى مقيمون أن يقر الوصية له إن كان في ذلك نظر لهم. ومن المجموعة قال سحنون: إنما قال مالك قولاً مسجلاً في إجازة وصيته إلى عبده وإنما هو على ما قلتُ لك، فإذا كان فيهم كبيرٌ فهي وصيةٌ لوارث فإن أجازها الكبار وإلا بطلت. وقاله عبد الملك وقال: ويباع حينئذ. قال ابن كنانة: إذا أجاز الكبار أن يلي ولا يشغلوه عنها جاز ذلك وإلا اشترى للأصاغر حظ الأكابر. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإذا استخلص للأصاغر لسعةٍ مالهم فكل من بلغ منهم اشترى حظه لمن بقي حتى يكون إذ ذلك لمن بقي مُضراً بهم لقلة مالهم من منفعته وكثرة ثمنه فلا تقويم عليهم ويبقى بينهم، فإذا شاء الكبار ¬
البيع بيع كله وأقام لهم الإمام غيره. وقال لي مالك والليث: في الموصي إلى عبده أنه يُقوم على الأصاغر قيمة عدل كوصيته بعتقه، وقد ذكرنا قول سحنون في هذا. ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن أوصى إلى أخيه مع عبده فطلبت الزوجة بيعه وقالت: ثمنُه ثلاثة آلاف دينارٍ؟ قال: يخرج إلى السوق فيقوم (¬2) قيمة عدل فتعطى المرأة ثُمنها ويستخلص لمن بقي كما لو أوصى بعتقه وكأنه اشتراه لهم. قال في العتبية (¬3) وكتاب ابن المواز وقاله لي الليث. قال في المجموعة وكتاب ابن المواز وقال أشهب: وإن أوصى إلى مُكاتبه فذلك جائز وليس/ فيه تقويمٌ على من بلغ ممن يُولى إلا أن يعجز. قال في المجموعة: فإن أوصى إلى أم ولده أو مدبره أو عبد له أو معتقٍ إلى أجل فذلك جائز. قال سحنون: أما العتق إلى أجل فلا يجوز إلا برضى الأكابر لأنه يشتغل عن خدمتهم. قال عبد الملك: وإذا أوصى إلى عبده بولده ثم هو حر وله ورثة غير الولد فطلبوا الخدمة فإن كان مثله يخدم تخادموه وإن كان لا يصلح للخدمة كالعبد التاجر والأمة الفارهة وفي الورثة كبير لا يخدم مثلها مثله فلا حق في الخدمة لمن ذكرنا، لأن هذين لن يراد منهما الخدمة ولكن الأمانة والتدبير والولاية وإن لم يرثه غير الولد مضى ذلك بكل حال. قال ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى بعتق عبده وأوصى أن يحضن ابنين له صغيرين حتى يبلغا بكذا وكذا كل شهر فلينظر الإمامُ في ذلك، فإن رأى أن يجيزه جاز لأن الورثة يقولون بماذا أخذت ثلث أبينا. ¬
في وصية الأم بولدها وبماله، ووصية الجد والأخ وذوي القرابات ولاية الأب الكافر
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا أوصى إلى عبده غيره فذلك جائز إن أجازه السيد ثم ليس له بعد أن يجيز رجوعٌ إلا بعذرٍ من بيع أو سفر أو نقلة منه أو من العبد إلى غير الموضع الذي الورثة فيه فيقيم لهم الإمام غيره. ومن العتبية (¬1) ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى بابنه إلى أمه وأوصى أن يُنفق على الأم فإن كانت محتاجةً والولد صغيرٌ وهي تلي مؤنته وحضانته فليُنفق عليها –يريد من مال الولد- قال: وإن كانت مليةً وكان/ ذلك أرفق بها في حضانتها وقيامها ولو نزع منها كلف له من يقوم بذلك فليُنفق أيضاً عليها من مال الولد وكأنه لا يرى لها نفقة إلا في صغره ثم رجع فقال لا يُنفق عليها في ملائها فإن شاءت أقامت أو ذهبت، وهو رأيي. في وصية الأم بولدها وبماله ووصية الجد والأخ وذوي القرابات وولاية الأب الكافر من المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: لا تجوز وصية الأم بمال ولدها إن كان لهم أبٌ أو وصي، فإن لم يكن فأجازها مالك في المال القليل استحساناً وليس بقياس ولم يجزه في الكثير قال: وليُقم (¬2) له السلطان من يراه. قال مالك: ووصي الأم كأجنبي لا يجوز من صنيعه شيءٌ ولا يكون وصياً إلا فيما ينفذ من وصاياها. قال ابن المواز: ولو كانت وصيةً جاز إيصاؤها بمالهم ثم لوصيها أن يزوج ويصنع ما يصنع الوصي، ومن الكتابين على تقارب المعنى. قال ابن القاسم: ولا تجوز وصية الجد والأخ والعم قل المال أو كثر وإنما استحسنه مالك في الأم في المال القليل وهي أقوى حالاً في ولدها من هؤلاء. وقال ¬
في أفعال الوصيين، وهل يقسمان المال؟ وهل يبيع أحدهما دين الآخر؟ أو يوصي أحدهما إلى الآخر؟
أشهب: لا تجوز وصاية الأم ولا الجد والأخ بالولد وليُنزع المالُ من وصي الأم إلا أن يتقادم ويتداوله السلاطين فلا يُنزع منها لأنه قد صار وصياً وجرى ذلك على يديه، والأخ والجد والعم أقوى عندي فيه من الأم لأنهم عصبةٌ، والجد كان أولاهم في الأُبوة ولكن ليس ذلك لهم ولكن السلطان ينظر، فإن رضي/ من أوصى إليه أقره وكان أولى وإلا عزله، ومن كان منهم وصي بوصية وصي قام (كذا). ومن الكتابين قال ابن القاسم وأشهب: والأب الكافر لا يجوز أن يُقاسم على ابنته البكر المسلمة وما له من ولايتها من شيء في بُضعٍ ولا غيره. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أوصى لبني ابنته وأوصى بهم وبما أوصى لهم به إلى امرأته فذلك جائز وليس لأبيهم أخذه من زوجته وإن كان عدلاً ويبقى بيدها بخلاف إيصاء الأم والجد في مال الولد من ميراثه وغيره. قال أبو محمد: يريد لأنه وهبه له على أن يلي حيازته غير الأب فله شرطه. في أفعال الوصيين وهل يقسمان المال؟ وهل يبيع أحدهما دون الآخر؟ أو يوصي أحدهما إلى الآخر؟ من كتاب ابن المواز وهو في المجموعة من رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك: في الأوصياء يريدون قسمة المال، قال في كتاب ابن المواز: العين وغيره إنا لنكره ذلك وليكن عند أعدلهم ويلي هو النفقة، قال عنه ابن القاسم: فإن اختلفوا طبعوا على ذلك ولا يقسم. قال في كتاب ابن المواز: وجُعل عند غيرهم، قال عنه ابن وهب: ولا ينفرد أحدهم وليتعاونوا في قيامهم والمال عند أحدهم. قالا عنه: فإن اتهموا نزع منهم إلى يد عدل. وكذلك في كتاب ابن المواز قال ابن عبدوس قال علي عن مالك: إن لم يجتمعوا على كونه عند أحدهم نُزع منهم. قال علي: وأعجب/ إلي أن يقسموه إن تشاحوا ولا يُنزعُ منهم.
قال أشهب في الكتابين: في الوصيين: أكره لهما قسمة المال وليكن بيد أعدلهما، فإن اقتسماه أو اتكل فيه أعدلهما على صاحبه ولا بأس به عنده لم يضمناه، فإن اختلفا جعله السلطان عند أعدلهما، فإن استويا أو تقاربا فعند أكفئهما وأحرزهما وأنجاهما من الظنون إما بغفلة أو عوار منزل أو بحاجة غالية وقال ابن القاسم نحوه. قال أشهب: فإن كان هذا أفضل والآخر أيسر فيُستحسن إن كان الأفضل يُرجى عنده من الفضل ما يُحرزه أن يكون عنده وإن تقاربا في الفضل والملاء فأيهما كان عنده فلا بأس به إن تطاوعا بذلك أو بقسمته، فإن أبيا فللقاضي أن يجعله بيد أحدهما أو يقسمه بينهما على تساوٍ أو تفاضل على وجه النظر منه. قال ابن كنانة في المجموعة: لا يقسم الأوصياء المال وليكن عند أو ثقهم بإيقافهم أو بالسلطان ويختمون عليه ولأن الميت أراد اجتماعهم فيما كلفهم وقد يُرادُ أحدُهم لأمانته وآخرُ لكفايته وآخر لرأيه فلم ير أن يقسموا فينفرد كل واحد وإنما أحب اجتماعهم في كل أمر ليُنتفع بذي الأمانة وذي الكفاية (¬1) وذي الرأي. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا اقتسما المال ضمناه فإن هلك ما بيد أحدهما ضمنه صاحبه حين أسلمه إليه. قال أشهب في الكتابين: وإني لأرى قسمة الوصيين عليهما جائزةً صغاراً وكباراً كان ما عندهما شائعاً أو يكون/ عند هذا حظ فلانٍ وعند هذا الآخر حظ فلانٍ إذا رضيا بذلك وأشهدا فهو تام على ما أشهدا، وأبى ذلك ابن القاسم وقال: لا يقتسماه وليُجعل عند أعدلهما وأكفئهما. قال ابن القاسم: ولا يبيع أحدهما أو يشتري إلا بإذن الآخر وكذلك النكاح، فإن اختلفا نظر السلطان. قال غيره وهما كرجل واحد. قال أشهب: وكذلك النكاح والإجازة والقسمة وجميعُ أمر الوصية إلا أن يُفوض أحدُهما إلى صاحبه إلا ما لابد منه من الشيء ¬
في فعل الوصي في مال اليتامى ووجه الإنفاق عليهم مذ، وهل يزكيه أو يخرج زكاة الفطر أو يضحي؟
التافه وأستحسن أن يشتري به أحدُهما لليتامى مثل طعام وكسوة وما لابد منه مما يضر بهم تأخيره فهو خفيف إذا غاب الآخرُ أو أتى، ولا يجوز أن يقتضي أحدهما من بعض الغرماء بغير إذن صاحبه، ويضمن ذلك الغريم كوكيلين على بيع أو نكاحٍ أو قبض دينٍ فيليه أحدهما فلا يجوز. قال ابن القاسم: وإن قاسم أحدهم لليتامى فضاعت حصة أحدهم فأما ما في يديه من العين فجائز وأما في غيره فلا يجوز حتى يجيزه صاحبُه، فإن ضاعت حصة أحدهم فهو منهم وما بقي بينهم، وإن وكل أحدهما بالقسمة أجنبياً فجائز لا يدفعه صاحبه كما لو أوصى بما إليه من ذلك، ولو مات أحدهما ولم يوصِ فإن كان الباقي بين العدالة والكفاية لم أر أن يجعل معه القاضي غيره وإن لم يكن بين العدالة أو كان مبرزاً ويحتاج إلى معونة فليجعل معه غيره فيكون كالميت. قال علي عن مالك: إذا مات أحدهما جعل القاضي/ معه غيره. وقال: فيمن أوصى إلى ثلاثة وجعل بأيديهم صدقة يلونها فمات واحد وأوصى بها إلى زوجته وهي بنتُ الميت الأول ولم يسند إليها قال: إن كانت عدلةً جاز ما صنعت وإلا فوض ذلك إلى عدل. ومن كتابٍ آخر: وإذا كانا وصيين فأوصى أحدهما بما إليه من ذلك إلى أجنبي فذلك جائز عند يحيى بن سعيد وأشهب وأباه سحنون وقال: ينظر السلطان. في فعل الوصي في مال اليتامى ووجه الإنفقاق عليهم منه وهل يزكيه أو يُخرج زكاة الفطر عنهم أو يضحي؟ وهل بُيضعُ لهم أو يقارض أو يتجر لهم به أو يأخذه قراضاً أو يداين لهم؟ من كتاب ابن المواز قال يعني مالكاً: وإنما للوصي أن يفعل في مال اليتيم ما ينميه أو ينفعه به.
ومن العتبية (¬1) أشهب عن مالك قال: وينفق الوصي على اليتامى على كل إنسان بقدره من مصابته ليس الصغير كالكبير. ومن كتاب ابن المواز وابن عبدوس قال مالك: قال ربيعة: وليُوسع عليهم ولا يضيق وربما قال: وله أن يشتري لهم ما يلهون به [وذلك مما يطيب نفوسهم ويشبون به] (¬2). قال مالك: وإذا كانت لهم سعة فليُوسع عليهم، ولا ينظرُ إلى صغير فرُب صغيرٍ أكثر نفقة من كبير. ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: كان سالم ابن عبد الله يلي أيتاماً وكان مالهم في خريطة (¬3) فما وقع لهم جعله فيها ويُخرج منها نفقتهم ولا يكتب شيئاً من ذلك. قال/ عنه ابن وهب قال: وأحجهم قبل أن يبلغوا قال مالك: ولا بأس بذلك وهو خير في أدبهم وله أن يُحجهم بعد حجة الإسلام - يريد بعد بلوغهم. قال ابن كنانة: وله أن ينفق في غرس اليتيم ما يصلح من صنيع وطيب ومصلحته بقدر حاله وحال من تُزوج إليه وبقدر ذلك من كثرة ماله، وكذلك في ختانه، فإن خشي أن يُتهم دفع ذلك إلى الإمام فيأمره بالقصد من نحو ما ذكرنا. ومن العتبية (¬4) من سماع ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز نحوه مالك: وإذا زوج يتيمه وأنفق في ابنتائه أو في ختانه النفقة العظيمة فأما الصنيع المعروف من غير سرف فجائز وأما ما أنفق في الباطل وعلى اللعابين فلا يلزم اليتيم، ومن كتاب ابن المواز والمجموعة ابن القاسم عن مالك: ولو أنفق عليهم سرفاً لم يُحتسب له السرف وإن أقام بينة بإنفاقه ولكن السداد ويضمن السرف. ¬
قال في كتاب ابن المواز: وليُزك (¬1) مال اليتيم ويخرج عنه وعن عبده الفطرة ويضح (¬2) عنه من ماله وهذا إذا أمن أن يُتعقب بأمر من اختلاف الناس أو كان شيءٌ يخفى له. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال مالك: وإذا أفاد عبد اليتامى مالاً كثيراً فللوصي أن ينزعه منه وأما اليسير لا بال له فلا ينزعه وكذلك الأب. ومن العتبية (¬3) أشهب عن مالك: وإذا كسب المُولى عليه مالاً فلينزعه منه وليه. قيل إنه هو كسبه؟ قال: رُب رميةٍ من غير رامٍ. ومن المجموعة وفي كتاب ابن المواز نحوه، قال ابن القاسم/ عن مالك: وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه. قال عنه ابن وهب: في البر والبحر ويشتري لهم الرقيق للغلة والحيوان من الماشية وشبه ذلك وذلك كله حسنٌ، وقد فعله السلف، وقد أعطت عائشة مال يتيم لمن تجر له به في البحر وأنكر ما يفعله أهل العراق أن يُقرِضوا أموالهم لمن يضمنها وأعظم كراهيته. قال عنه ابن وهب: ولو باع متاعاً لهم فأفلس المشتري فلا ضمان على الوصي. قال أشهب: وله أن يتجر بمال يتيمه ببدنه أو يؤاجر له من يتجر فيه أو بدفعها قِراضاً أو بضاعة على اجتهاده ولا يضمن، وله أن يودع ماله على النظر ولأمر يراه وأما أن يفعله على المعروف بمن يأخذه فلا يصلح ذلك. وذكره كله ابن المواز لابن القاسم ولم يذكر أشهب. ومن هذه الدواوين قال مالك: وله أن يدفع ماله قراضاً إذا دفع إلى أمين ولا يضمن. قال في كتاب ابن المواز: وله أن يُبضع لهم ويبعث في البحر وله أن يُودع ماله ويسلفه. قال ابن المواز يسلفه في التجارة فأما على المعروف فلا. ¬
في الوصي هل يبيع عن اليتامى الربع أو الغنم ذات الغلة أو يشتري ذلك لهم أو يخالطهم
قال محمد بن عبد الحكم: وللوصي أن يبيع لليتامى بالدين إن رأى ذلك نظراً. قال في كتاب ابن المواز وذكره ابن عبدوس لأشهب قال: يعمل الوصي بمالهم قراضاً كما لا يبيع لهم من نفسه ولا يشتري لها، وقد قال بعض أصحابنا في كتاب آخر: إذا أخذه على حرز من الربح يشبه قراض مثله فيه أمضى ذلك كشرائه شيئاً لليتيم فيعقب فيكون/ أحسن لليتيم. ومن العتبية (¬1) أشهب عن مالك: في وصي على صبي صغير وأخوات له وفي التركة مصحفٌ ثمنه خمسة وعشرون ديناراً استخلصه ااغلام كم التركة؟ قيل أموال عظام ومنها أصول قال: فما سنُّ الغلام؟ قال: ابن ست سنين. قال: لا بأس بذلك وكان ذلك من شأن الناس أن يُستخلص له السيف والمصحف. قيل: فيستخلص له وربما علمن فقرأن (¬2) في المصحف قال: بل للغلام أحب إلي. ومن كتاب ابن المواز وابن عبدوس عن مالك: في يتيمة لها ستمائة دينار ودار بمصر وهي في حِجر أمها فهل يشتري لها خادماً؟ قال: نعم. قيل: فيتيمةٌ خرج لها في القسم عشرةُ دنانير تحلى بها وعندها مائة دينار؟ قال: نعم وذلك ينفعها في نكاحها. قيل: في الكسوة؟ قال: هي أيسر شأناً الثوب وشبهه. في الوصي هل يبيع على اليتامى الربع أو الغنم ذات الغلة أو يشتري ذلك لهم أو يخالطهم أو يبيع لهم بالدين أو يشتري به أو يكاتب عبدهم أو يعتقه على مالٍ؟ من العتبية (¬3) والمجموعة قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: ومن اليتامى ممن لهم الغنمُ أهل بادية فلا ينبغي للوصي بيعُها عليهم وله أن يخالطهم في الماشية ¬
والزرع وأن يخلط طعامه بطعامهم إذا كان لا يغبنهم (والله يعلمُ المُفسد من المُصلح) [البقرة: الآية 220]، وعن يتيم له إبل مؤبلة (¬1) فقال أولياؤه نبيعُ حيوانه/ فإنه صغير والحيوان يتلف والدنانير خير وأبت أمه ومن يقرب منه بيعها وقالوا: يباع منها لنفقة، قال مالك: أما من أصل ماله وما يُرى له فيه الحظ في الماشية من أهل العهود والبادية فلا يباع لهم وينظر فإن كان ممن أصلح له بقاءُ إبله وماشيته أمسكت وإلا بيعت. قال في كتاب ابن المواز: إلا في جرب يخاف عليها فيه. ومن المجموعة قال عنه علي: وللوصي أن يبتاع لهم ماشيةً يعيشون بها إن كانوا بموضع لا يصلحهم إلا ذلك، وله أن يبتاع لهم أيضاً من يحرث عليهم ومن رقيق وحيوان يحتاجونها إما بالبادية أو بالحضرة. قال مالك: وليس له أن يبيع عبدهم الذي أحسن القيام عليهم. وكذلك في كتاب ابن المواز وغيره. ومن كتاب ابن المواز ونحوه في غيره وهو لمالك قال: ولا يبيع عليهم الربع لغير عذر ليتخذ لهم العين فلا يفعل فأما لحاجةٍ لمصالحهم أو لرغبةٍ في الثمن النفيس أو ربع بموضع سوء أو لتداعي خراب ليتخذ غيره أو ليس في غلته شيءٌ. وعمن أوصى بابنه وابنته إلى زوجته وإلى أجنبي وترك دواب (¬2) وغنماً ورقيقاً حبسهم على ورثته فمات الابن فأراد الوصي بيع ذلك وأبت المرأة إلا إيقافهم كما أوصى؟ قال مالك: لو كانت سنة خصب لم أر بيع ذلك (¬3) وفي سنة جدبةٍ [فلتُبع (¬4) الغنم والدواب وتبقى الرقيقُ] إن كان فيهم منفعةً يختدمون ويؤاجرون وإن كان رعُي تلك الغنم والدواب لا يقع فيهم فليباعوا. قال: وللزوجة بيعُ حصتها من ذلك وإن كانت قد/ رضيت بما أوصى زوجُها قيل: وأوصى لها بنفقة من مالهم ما بقيت معهم؟ قال: إن كانت محتاجةً فذلك لها. قيل: ليست بمحتاجة قال: فما مضى فهو لها وليس لها ذلك فيما يُستقبلُ. ¬
ومن المجموعة قال علي وابن غانمٍ عن مالك: في الوصي أيبيع ربع اليتامى خوفاً أن تخرب؟ قال: رُب ربعٍ لا يصلح إلا بالتعاهد فإن كان بموضع لا يقدر أن يتعاهده ويقوم عليه وخشي أن يخرب فليبعه. قال عنه علي: لا يباعُ ربعُهم إلا في ثلاثة وجوه: في دينٍ على الميت، أو في حاجة أو خوفاً أن يخرب قالا: وإن أوصى أن يباع ربعُه في دينٍ على الميت وله عينٌ وعروضٌ وورثةٌ صغارٌ فلينظر السلطان لهم فإن كان مُضاراً في وصيته بالبيع فلا يباع وإن رأى بيعه نظراً بيع. قال عنه ابن القاسم: وللوصي بيعُ متاع اليتيم الميت مساومة أو فيمن يزيد من ربعٍ وغيره على وجه النظر. ومن المجموعة قال أشهب: وله أن يبيع متاعهم بتأخير وأن يحتال بدينهم فإن أُحيل على معدم فإن كان مفلساً مبرزاً والآخر بينُ الفضل عليه في الملاء فاحتياله باطلٌ والدينُ على الأول، وكذلك إن صالح على حق له وكان الصلحُ خيراً له جاز وإن كان أمرٌ يرى بعض الناس أنه خيرٌ ثم ذكر مثل ما ذكر ابن المواز. ومن العتبية (¬1) روى أشهب عن مالك: وسأله ابن كنانة: عمن اشترى حائطاً بثمن منجمٍ إلى أجلٍ وذكر أنه اشتراه لأيتامٍ في حجره ثم اغتله لهم سنين ثم قيم عليه وخيف أن يعدم؟ قال: أن من يشتري بدينٍ ويقول هو لأيتام/ فلا يلزمهم فيما أن الحائط قائمٌ وقد اغتُل منه مالٌ: أليس باسمه كتبه؟ فعليه يرجع البائع وبه يبدأ إلا أن يُرفع ذلك إلى القاضي فيكشف عن ذلك وينظر فيه. وفي الباب الذي يلي هذا ذكر من بيعُه بدينٍ. ومن كتاب ابن المواز: وله أن يكاتب عبد يتيمه ولا يعتقه عنه قال أشهب: ولا يُعجل عتقه على مالٍ يتبعه به غلا أن يكاتبه وإن أعتقه على أن أخذ منه مالاً أخفاه لولا عتقه لخيف أن يُتلفه فذلك جائز. محمد: إذا لم يكن يظهره قبل ذلك لولاء العتق. قال أشهب: وكذلك لو كاتبه بهذا المال لجاز وكذلك ¬
في صلح الوصي في مال اليتيم وتأخيره بديونه وحطاطه منها
الأبُ في ذلك فيمن يُولى عليه، وفي كتاب القراض لابن المواز قال محمد: ولا يجوز أن يكاتب الوصي عبد يتيمه فانظر معناه هل هو على غير وجه النظر. في صُلح الوصي في مال اليتيم وتأخيره بديونه وحطاطه منها من كتاب ابن المواز وهو لأشهب قال: ولا يُخرُ الوصي بدين اليتيم إلا لوجه نظر من خوف جحود أو تفليس إن قيم به فيكون نظراً لليتيم وكذلك لو وضع من دَينه أو صالح عنه على هذا المعنى مما هو خير لليتيم، ولو كان يرى بعض الناس أنه خيرٌ له ولا يرى ذلك بعضهم ففعله فيه جائز، محمد: ما لم يفعله محاباةً لمن يفعله له. قال: وإذا كان بيناً أنه ليس بنظر لم يجز ورُد كما لو أمر الوصي من بيده وديعةً للميت أن يهبها/ أو يبسلفها لم يجز ويضمن المأمور ولو أمره أن يعمل بها قراضاً (¬1) أو يشتري بها متعاً لم يجز حتى يدفعها هو إليه لذلك. ولو أمره أن يدفعها إلى فلان سلماً أو على غير ذلك فذلك جائز. ولو ادعى أحد دعوى فيما بيد يتيم فصالحه وصيه فذلك جائزٌ إن أصاب وجه النظر وإن لم يأت السلطان فصلحه أبداً جائز حتى يطالب فيه ويرى السلطان أنه غير نظر لم يجز، مثل أن يدعي فيصالحه من غير أمر خيف منه وأما إن أشرف عليه المدعي وخيف أن يؤخذ ما بيد اليتيم فالصلح جائز. قال ابن عبدوس قال أشهب: لا يجوز تأخير الوصي بدين اليتيم وإني لا أستحسن إذا خاف جحداً أو تفليساً فأخره وأخذ رهناً أنه لا يجوز ويكون الدينُ حالاً والرهن جائزاً وكذلك إن دخله وذكر ما تقدم من روايته ابن المواز في الصلح وما في الباب المتقدم من بيع متاعهم بالدين والحول فيه. ¬
في الوصي هل ينتفع بمال اليتيم أو يأكل منه هو، والأب من مال ابنه؟ أو يتسلف الوصي
في الوصي هل ينتفع بمال اليتيم أو يأكل منه هو والأب من مال ابنه؟ أو يتسلف الوصي أو يعتق أو يتصدق أو يخالطه في طعامه أو يشتري من متاعه أو يعمل بماله قراضاً أو يزوجُه لابنته؟ من المجموعة قال ابن وهب قال مالك: أكره للوصي أن يأكل من مال اليتامى إلا أن يصيب من اللبن والتمر والعنب ويأخذ بحديث ابن عباس وقاله لي الليث. ومن كتاب ابن المواز/ قال مالك: لا يأكل من مال اليتيم وقد قيل إلا أن يكون به وبماله مشغولاً فليأكل منه بقدر عمله إن كان محتاجاً وإن يستعفف فهو خير له. قال فيه وفي العتبية (¬1) والمجموعة: ولا أعلم أنه يجوز له أكل شيءٍ من ماله إلا اللبن إن كان في غير سوق يباع فيه ولا ثمن له هنالك. قال في المجموعة: وما علمتُ من أرخص في غير ذلك. قال فيه وفي غيره: ولا أحب له أن يركب له دابةً ولا يتسلف ماله. قال في العتبية (¬2): ولا بأس أن يأكل الرجل من الضيعة لابنه الصغير ينزل بها ورثها عن أمه. قال في كتاب ابن المواز: للأب أن يأكل من مال ولده قدر ما يحكم له به وليس كالوصي. ومن العتبية (¬3) روى أشهب عن مالك: في ولي اليتيم يسأله السائل فيعطيه الشيء من ماله أو من زرع اليتيم؟ قال: أرجو ألا يكون به بأسٌ يرجو بركة ذلك لليتيم. ¬
قال في هذه الكتب: وإذا أخلط طعامه بطعام اليتيم فإن كان ما ينال اليتيم أفضل وهو خير له فلا بأس به وذلك له أن يخالطه في زرعه وماشيته (والله يعلم المُفسد من المُصلح) [البقرة: الآية 220]. قال عنه ابن وهب في المجموعة: ومن مات في سفر ووصى رجلاً فلا يتسلف الوصي من تركته، ولا أحب أن يشتري من متاعه، وقاله أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز. قال عنه ابن نافع في المجموعة: ولا أحب أن يتسلف من مالٍ بيده لغيره، وأجازه بعض الناس فرُوجع فقال/ إن كان له مالٌ فيه وفاءٌ فأرجو إذا أشهد أن لا بأس به وإذا ربح في وديعة عنده تجر بها فالربحُ له حل لأنه ضمنها. قال عنه علي: وإذا اشترى الوصي نت تركة الميت فإن كان السلطان بعث لذلك من يليه في جماعة الناس فلا بأس به. وقال نحوه ابن الماجشون: إذا حضره العدول وتبين أنه استقصى مزايدة وأخذ ذلك بما بلغ. وفي سؤاله أنه جنى (¬1) كان شريكاً للميت. قال عنه علي وابن غانم: فيما يباع في المزايدة فإذا وقف أخذه الوصي بذلك فإن كان وارثاً فلا بأس لأن له معهم شركاً (¬2) ويريد أن يبتاع من متاع أبيه، وأما الوصي الأجنبي فلا وهو قبيحٌ وتقع فيه التهمة وإن سوغ هذا لمن فيه خيرٌ من الأوصياء دخل فيه من لا خير فيه منهم وربما أمسك الناس عما يريد هو شراءه وقد يأمر بالبيع قبل تمام الثمن. قيل: فإن سلم من هذا؟ قال: أكرهه. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يُولي القاضي على بيع التركات إلا مأموناً وإذا ولاه فلا يشتري منها ولا بأس أن يدبر من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله، ومن المجموعة قال عنه ابن القاسم: فيما ابتاع من ماله؟ قد شدد مالكٌ كراهيته ¬
ولينظر فإن لم يكن فيه فضلٌ ترك. وقال مالك يُعاد إلى السوق فإن زيد فيه وإلا ترك. قال ابن القاسم: وكذلك الكراءُ إلا أن يفوت الإبان فإن كان فضل وداه (¬1) وإلا لزمه بما عقد. وقال ابن الماجشون: إذا نكا ... (¬2) / أرض يتيمه نظر الحاكم فيه يوم يُرفع إليه فإن كان سداداً أمضاه. قال ابن كنانة: وإن اشترى من التركة أمةً ثم زوجها فولدت نظر فإن كانت قيمتها يوم الشراء مثل الثمن فأقل مضى وإن كانت أكثر ودى ما بقي ولا يشتري منها ولا يدس من يشتري له إلا بأمر الإمام يتبع ذلك لدين أو لوصية فله أن يبتاع إلا أن يخاف أن يكسر سلع الميت لولايته قال أشهب: ولا يأخذ مال يتيمه قراضاً كما لا يشتري منه ولا يبيع منه ويُتهم فإن اشترى من متاعه سلعةً نظر فيها. قال في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم: فيمن يزيد أو غيره قالا: فإن رجا فيها أكثر لم يجز وإن لم يرفع ذلك إلى الإمام فليتق الله هو فإن كانت فرصةً ردها وإن غير ذلك أمسكها. ونحوه كله لابن القاسم في كتاب ابن المواز. قال أشهب: وإن كان شسء بحسب رأس المال أو أكثر باعه فإن كان نقص وداه لليتيم وإن كان أفضل كان اليتيم. قال ابن المواز: وذلك فيما له قدرٌ من الثمن الكثير. ومن العتبية (¬3) أشهب عن مالك: وإذا كان الوصي عم اليتيم فزوجه ابنته وأمهرها من مال اليتيم خمسين ديناراً ثم مات العم وأوصى إلى رجل قال: يزوجه ابنته ويستكثر لها من الصداق لا أرى ذلك، قيل: قد فني مالُها فهل للوصي الثاني أن يُنقصها من المهر عشرين ديناراً ويتم ذلك على وجه النظر؟ قال: نعم فليفعل وليُشهد على ذلك وأنه رآه خيراً لهما، ولا أرى أن ينفق عليها من مال الزوج وإن/ راهق حتى يبلغ. ¬
في الوصي هل يبيع تركة الميت لدين أو وصية وفي الورثة صغار وكبار وهل يقسم بينهم؟
ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يزوج يتيمه من نفسه وإن بلغت ورضيت وينظر الإمام إن فات بالدخول فإن كان لهما كُفؤاً في الحال والمال أو دونها بيسير جاز ذلك. وإذا أعتق الأب أو الوصي عبداً ليتيم عن نفسه فإن كان ملياً جاز وغرم القيمة، وكذلك الصدقةُ إن كان عديماً لم يجز وهذا مذكور في العتق وذكرنا في النكاح تزويج الأب بمال ولده ويرد العتق في عدمه إلا أن تطول السنين (¬1) في العتق خاصة فيمضي. وقد قال أيضاً ابن القاسم: إن الصدقة لا تجوز وإن كان ملياً. في الوصي هل يبيع تركة الميت لدين أو وصية وفي الورثة صغارٌ وكبارٌ أو كبار أو صغار؟ وهل يقسم بينهم؟ وكيف إن كان فيهم حملٌ؟ وهل ينقل التركة من بلد إلى بلد؟ وفي قسمة أحد الوصيين من المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: في الوصي يريد بيع متاع الميت لمساومة ويراه أثمن له من بيع المزايدة وفي الربع وغيره فذلك له يفعل ما رآه أفضل. قال عنه ابن وهب: وإذا مات في سفر، بلا وصاية بيع عروضه ومتاعه لأنه يثقل حملُه ولا يتسلفوا من المال شيئاً. قال أشهب: فيه وفي كتاب ابن المواز: في الوصي يريد بيع الرقيق والحيوان وغيره يريد لإنفاذ وصاياه وفي/ الورثة كبيرٌ غائبٌ لا يولى عليه فذلك له وكذلك لو كان عليه دينٌ، ولو أوصى بوصية أو بثلث في صدقة أو غيرها والورثة كلهم كبارٌ فله بيع العقار وغيره، وفيها قول أنه ليس له بيع شيءٍ من العقار إلا ¬
الثلث، وهو أحب إليَّ، وكل ما له فيه بيع العقار فله بيع ما سواه من حيوان وغيره، وإذا لم يكن عليه دينٌ ولا أوصى بوصية ولم يترك عقاراً والورثة كلهم كبارٌ غيابٌ أو بعضهم غيابٌ غيبةً بعيدة فله بيع ما كان من العروض والحيوان بخلاف الرباع وإن كانوا حضوراً محمد: أو قريبةٌ غيبتهم فليس له بيعُ شيءٍ ولا للسلطان وله ذلك في الغيبة البعيدة قال ابن القاسم: إذا رفع ذلك إلى السلطان حتى يأمره أو يأمر من بيع معه. ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: إذا كانوا صغاراً أو أكابر فلا يبع حتى يحضر الأكابر إن كانوا حضوراً. قال ابن القاسم: فإن غابوا بأرض نائية وترك حيواناً ورقيقاً وعروضاً فله بيع ذلك ويرفع ذلك إلى الإمام حتى يأمر من يبيع على الغائب. قال أشهب: إن قرُبت غيبتهم ولم يُخف تغيرُ شيءٍ من التركة كاتبهم، وإن بعدت غيبتهم فليبع ما يخاف عليه ويرى أن بيعه أفضل للجميع ويقسم الثمن إذا قدموا وإن شاء قسمه في غيبتهم ثم من تلف حقه كان/ منه صغيراً كان أو كبيراً وكذلك إن كان الورثة عصبةً قال سحنون: كيف يبيع على الورثة الكبار الغياب بغير أمر السلطان وكيف يقسم بينهم. ومن العتبية (¬1) عيسى عن ابن القاسم: وإذا كان في الورثة من بان (¬2) نفسه لم يجز بيعُ الوصي التركة بغير إذنهم فإن فعل وفات وأصاب وجه البيع كأنه يقول يمضي. قال أصبغ: لهم رده إلا أن يكن أوصى بالثلث فيحتاج الوصي تحصيل المال لإنفاذه فذلك له إلا في العقار والربع فليس له ذلك دونهم، فإن لم يكن ذلك فللبالغين رد ذلك أو أخذه بما بلغ. ¬
ومن المجموعة قال ابن القاسم: إذا كان منهم كبيرٌ غائب لم يقسم له إلا السلطان وإن طانوا صغاراً فلا يقسم الوصي مالهم بينهم إلا بقول الإمام إن رآه نظراً. قال أشهب: قسمُ الوصي بين الصغار جائز في جميع الأموال العين وغيره وكذلك إن كان فيهم كبير مُولى عليه لأنه ولي لكل واحد ولو كانا وصيين فقسماها لهم فأخذ هذا حظ فلانٍ وهذا حظ فلان فذلك جائز على ما سميا وأشهدا، وإن كان فيهم كبارٌ لا يُولى عليهم فقسمُ الوصي بينهم العين جائزٌ إذ لا عين فيه ليعزل حظ الأكابر عنهم ثم من هلك حظه من الأصاغر فهو منه ولا يجوز أن يقسم بين الأكابر ما وقع لهم من الأصاغر ولو كانوا كلهم كباراً لم يجز قسمه بينهم ولو فعل كان ما هلك من جميعهم وأما/ غير العين فلا يقسمه الوصي إن كان فيهم كبيرٌ غائبٌ إلا بوكالة منهم أو بأمر إمام فإن فعل فهو إذا قدم مُخير ولا ينبغي للوصي أن يفعل لأنه غبنٌ على الصغير فيما ينقص عليه. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك لو كان بينهما عبدان (¬1) فلا يقسمهما في غيبة الكبير. قال أشهب في المجموعة: وليس كمن أوصى له بالثلث وهو كبير غائب وترك وارثاً يلي نفسه حاضراً وللميت وصي على ذلك فقاسم الوصي الوارث الكبير لأهل الثلث فذلك نافذٌ على الموصى له الغائب لأن الميت ولي الوصي ذلك وليس له أن يُولي على كبير ولده أحداً وكما لو أوصى ثبلثه إلى رجل يليه وأوصى بولده إلى آخر فقاسم الوصي الوصي فذلك نافذٌ. ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان في الورثة كبارٌ غيبٌ فله أن يقسم للصغار بحظوظهم من العين ثم يقسم ما وقع للصغار ولا يقسم ما وقع للكبار بينهم ولا يجوز إن فعل وما هلك منه فمن جميعهم الكبار وإن كان بعض الكبار حاضراً فله أن يعطيه حظه من العين قال ابن القاسم: وأما الربع فلا يقسمه إن كان فيهم ¬
كبير غائب إلا بأمر الإمام، ولا يجوز إن فعل والغائب مُخير وإن كانوا صغاراً أجاز أن يقسم بينهم الرباع وغيرها. ومن المجموعة علي عن مالك: في الأيتام لهم رقيق فللوصي قسمُها بينهم أو تأخيرها إلى بلوغهم حسب ما يراه نظرا. قال ابن كنانة: إذا كان لهم أرضٌ وغلاتٌ/ فأراد قسمها فإن كانت نفقاتهم متقاربة في ملبس وغيره ولم يكن في تعجل ذلك نفعٌ لهم فهو سعةٌ من بقاء ذلك بينهم مجتمعاً، وإن اختلفت نفقاتهم وتفاوتت من كسوةٍ ومؤنة فعليه أن يقسم ذلك بينهم وتكون نفقة كل واحد من نصيبه وقسمه على كل حال جائزٌ على وجه النظر. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصى بثلثه إلى ثلاثة نفر أحدهم غائب فأعطى الوصي للحاضرين نصيبهما منه ثم ضاع نصيب الغائب فهو منه. قال أشهب: وكذلك لو كان الورثة غيباً (¬1) فقسم الوصي الثلث فأعطاه الموصى له ثم هلك ثلثا الورثة فذلك منهم، وكذلك لو غاب الموصى لهم وحضر الورثة فقاسمهم وحبس الثلث فضاع فهو من الموصى لهم. وكذلك لو قسم الثلث بين الموصى لهم لجاز ذلك لهم وعليهم، ولو قسم الثلثين بين الورثة لم يجز إلا أن يكون فيهم صغير فيجوز في العين خاصة وإذا كانا وصيين وبين أحدهما مال اليتامى فأراد قسمه بينهم دون أصحابه فذلك جائز في العين خاصة ومن هلك حظه بعد القسم فهو منه كقسم الوصي العين وفي الورثة كبيرٌ فأما غير العين فلا إلا بمحضر الوصي الآخر وإلا لم يجز القسمُ إلا أن يأتي الآخر فيرضى، وما هلك قبل رضى الوصي الآخر فبينهم وما بقي بينهم فمنه. ومن العتبية (¬2) ابن القاسم عن مالك: وإذا ادعت امرأة الميت حملاً لم ينفذ من الوصايا شيءٌ حتى يتبين ذلك وتضع حملها،/ قال في موضع آخر: وكذلك لا يأخذ وارثٌ شيئاً حتى تضع حملها. قال ابن المواز قال ابن القاسم: ولو ¬
أنفذت الوصايا قبل أن تضع وهلك ما بقي صارت الوصايا من رأس المال ومُنع الورثة – يريد ابن القاسم ولو أخذ الوارث شيئاً قبل أن تضع وهلك ما بقي صار بعض الورثة قد ورث وانتفع وبعضهم لم ينتفع. ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: وإذا قالت زوجة الميت أو جاريته التي كان يطأ إن بي حملاً فلا تنفذ له وصيةٌ ولا يُقسم ماله حتى تضع أو ينكشف ذلك، قيل لابن القاسم: فإذا أوقفت نصيب الولد لما يُجهل من سهامهم فلم يوقف نصيبُ الأبوين والزوجة ونصيبهم سواء صح الحملُ أو بطل؟ فقال: وكيف يأخذ بعض الورثة ويتعرض ما بقي للتلف فإن تلف الباقي بقي الولد بلا ميراث وإن أرجعتهم على الأبوين والزوجة فقد يعدمون والواقف أعدلُ على الجميع في النفع والضرر؟ ومن العتبية وكتاب ابن المواز، ابن القاسم عن مالك: في امرأة ماتت بمصر وورثتها بالمدينة وأوصت إلى رجل فكاتبهم الوصي قال في العتبية: فلم ير لهم جواباً وعمي أمرهم، قال في كتاب ابن المواز: فلم يأتوا فخرج حاجاً وحمل التركة معه قال في كتاب ابن المواز: فذهبت قال في العتبية: فجعلها وهي في صُرةٍ في نفقته وكان ينفق فانحل كُمه فذهب ما فيه؟ قال: يضمن لأنه خرج بالتركة بغير إذنهم. قال في/ كتاب ابن المواز: وإذا أوصى وهو من أهل الأندلس أن عليه اثنى عشر ألف درهم زكاةً وأوصى بعتق وغيره وصدقة ما بقي وله أموالٌ بالأندلس فلا ينبغي للوصي أن يحرك شيئاً حتى يقدم الأندلس إذ لا يدري ما عليه من دينٍ وما الذي ترك فيبدأ في القسم الزكاة ثم العتقُ ثم باقي الوصايا.
في اليتيم أو اللقيط يبيع عليه أو يقاسم عليه أو يجوز له أو ينفق عليه غير وصيه هل يجوز ذلك؟
في اليتيم أو اللقيط يبيع عليه أو يقاسم عليه أو يحوز له أو ينفق عليه غير وصيه هل يجوز له ذلك؟ ونفقة الابن والبنت على الأم كيف تكون؟ من المجموعة روى ابن غانم عن مالك: فيمن له إخوة صغارٌ أيتامٌ وليس بوصي عليهم أن له أن يبيع عليهم من التركة ما يراه وله بيع ذلك مساومة على وجه النظر، وقال ابن القاسم: فيمن ضم أخاه أو ابن أخيه صغيراً حِسبةً ولا مال له فقاسم له فيما أوصى له به وباع له فلا يجوز ذلك، وكذلك لو مات أخوه فضم ماله وولده ليليهم بغير أمر السلطان لم يجز فعله. قال ابن حبيب قال مطرف: في الأم تبيع على ولدها الأيتام الصغار بعض مالهم وليست بوصية ولا خليفة وباعت في مصالحهم قال: هي كغيرها وينظر السلطان فإن كان إنفاذه خيراً لهم اليوم أمضاه وإلا رده، وقاله أصبغ. قال مطرف: وإذا كانت فقيرةً فنفقتها في مال ولدها على الذكر مثل حظ الأنثيين، لأن النفقة على أموالهم وجبت لصغرهم وأما لو وُلوا أنفسهم كانت نفقتُها عليهم بالسوية،/ وقال أصبغ: بل هم بالسواء في صغرهم وكبرهم. وقال ابن حبيب بقول مطرف. وقال ابن الماجشون قال مالك وغيره من علمائنا: في أيتام الأصاغر لا وصي لهم ولهم أم أو أخ أو عم رشيد فقام بولايتهم بغير أمر السلطان أن ذلك ماضٍ ويجوز من فعله عليهم ما يجوز للوصي. ومن العتبية (¬1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: فيمن عنده لقيطٌ فتصدق عليه هو بصدقة أن حيازته له جائزة كالأب، قال سحنون: وكذلك كل من ولي يتيماً أجنبياً أو قريباً، وهو قول المدنيين كلهم إلا ابن القاسم فلم يكن يرى ذلك إلا للوصي، وأخذ سحنون بقول ابن وهب وقال: وإن لم يكن بخلافه، ¬
في الأب ينفق على الصغير من مال الصبي أو من غيره ثم يحاسبه أو يموت فيريد ذلك إخوته
ولا وصية، وهو قريبٌ له. فقسمتُه عليه جائزة وحيازته عليه صدقته وصدقة غيره جائزة، وضعف الرواية الأخرى. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: في اللقيط في حجر الرجل يوصي له بوصية فلم أن يقاسم له، قال أشهب: استحساناً وهو قد وليه وقام بأمره بخلاف الأخ والعم والجد إلا أن يكون قد وليه بمثل ما ولي الملتقط لقيطه يأخذ له ويعطي ويقاسم ويبيع له ويبتاع. ابن نافع عن مالك: فيمن ترك ثلاثة (¬1) بنين أحدهم صغير فباع الكبيران ماله ثم قام الصغير بعد سبع (¬2) عشرة سنة فقال إنما بعتها في دينٍ عليكما فقالا: لا بل في دينٍ على أبينا، فإن ثبت أنه في دينٍ على الأب وإلا قيل للمبتاع ادفع إلى الصغير ماله وارجع على الكبيرين به قيل: قد كتب على اليتيم كتاباً برضائه بالبيع فقال: الآن كنت أظنه/ في دين على أبي فلما علمتُ قمت وكُتب هذا الكتاب وأنا صغير قال: لا يضره الكتاب وليس لصغير ولا مولى عليه أمرٌ. في الأب ينفق على الصغير من مال الصبي أو من غيره ثم يحاسبه أو يموت فيريد ذلك إخوته من المجموعة وغيرها ابن القاسم عن مالك: فيمن أنفق على ولده وللولد مالٌ فله أن يحاسب ذلك عليه. ومن العتبية (¬3) روى عيسى عن ابن القاسم قال: قال مالك: فيمن قال عند موته حاسبوا ابني بما أنفقت عليه فإن كان مال الابن عيناً بيده فليس له ذلك إذ لو شاء أنفق منه وإن كان عرضاً فليحاسب. ¬
ومن المجموعة ابن القاسم قال مالك: وإذا كان يأخذ لابنه الصغير ثم طلب ذلك بعد موت الأب فطلب إخوته أن يحاسبوه بما أنفق عليه فذلك لهم بقدر سعر كل سنة مضت فإن بقي للابن شيءٌ أخذه. قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا أنفق على ابنه الصغير من عنده وله في يديه مالٌ ثم مات فإن كان عيناً فوجد مصروراً فلا يحاسبه إخوتُه بالنفقة إلا أن يوصي بذلك الأبُ، ولو كان عرضاً لحُوسب من يوم كان له وإذا كان عيناً فأشهد به الأب في ماله ولم يشهد وقد عُرف أصله فهو كالعرض ويحاسب الابن بالنفقة ولو كان مصروراً وقد أشهد به على نفسه ثم أراد أن يحاسبه في حياته وأوصى بذلك فذلك له، ولو كان/ عُروضاً قائمةً أو عيناً أنفقه ولم يشهد به ثم أوصى أن لا يحاسب بالنفقة فقال ابن القاسم: لا يُحاسب وكأنه شيءٌ يُرد في الصحة، وقال أصبغ: هي كالوصية ولهم أن يحاسبوه إلا أن يجيزوا وصيته وبقول ابن القاسم قال ابن حبيب. ومن المجموعة قال غيره: أحب ما سمعتُ إلي فيمن أنفق على ولده الصغير ثم مات الأبُ وبيده له مالٌ أنه إن كان مالُ الابن عروضاً فللورثة أن يحاسبوه بما أنفق عليه وقد يؤخر بيع العرض لزيادة، ولو أوصى ألا يُحاسب لم ينتفع بذلك إلا أن يشهد في الصحة أنه إنما أنفق من ماله –يريد عطية- قال: وإن كان مالُه عيناً موضوعاً فتركه فأنفق من عنده ولم يفسر فلا يُحاسب ويُحمل ذلك على أنه حمل ذلك عنه إلا أن يوصي أن يُحاسب فذلك له. قال ابن القاسم عن مالك: إذا أنفق على ولده وقد طلق أمه ثم ورث الابن مالاً والأب ينفق عليه – يريد من يوم ورث المال- ولا يمين على الأب أنه أنفقه من عنده ثم قال بعد ذلك: إن كان مقلاً مأموناً لم يحلف وإن كان على غير ذلك حلف.
في الوصي أو غير الوصي ينفق على المولى عليه من مال المولى عليه أو من غيره ثم يريد أن يحاسبه
في الوصي أو غير الوصي ينفق على المولى عليه من مال المولى عليه أو من عنده ثم يريد أن يحاسبه والتداعي في ذلك وفي الكفن من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أنفق الوصي من ماله على يتيم/ فإن كان له بيده مالٌ فليرجع به فيه وإن أنفق عليه بعد نفاد ماله فلا يتبعه بشيء إلا أن يكون له ربعٌ يرجع فيه. قال عنه ابن القاسم: وإذا قال الوصي لليتامى: أنفقتُ عليكم أموالكم أو بعضها فإن كانوا في حجره يليهم فالقول قوله في السداد، وإن كانوا عند أمهم أو أختهم أو غيرها لم يصدق إلا ببينة- يريد إذا أنكروا في رشدهم. قال أشهب: إن أنكروا وكانوا في عياله أو كانوا عند غيره فكان يرى ينفق عليهم ويكسوهم فإن ادعى في تلك المدة من النفقة سداداً أو الزيادة اليسيرة صُدق مع يمينه وأما السرف وما يتبين فيه كذبُه فلا يُحسب له منه إلا السداد كما لو أقام به بينةً وهو سرف فلا يُحسبُ له إلا السداد. قال عنه ابن وهب في المجموعة: إذا ذكر الوصي من النفقة على اليتيم ما يشبه صُدق إلا في السرف. وقال أشهب فيه وفي كتاب ابن المواز: أن الوصي مُصدق فيما يقول أنه كفن به الميت من كفن مثله وإن جاءه بالبينة حتى يبلغ اليتيم مبلغ الدفع عن نفسه ولكن إن أخذ القاضي منه مالاً لليتيم فلتكتب له البراءة ما قبض منه فقط. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز عن أشهب: ولو أعطى لأحد الوارثين بعد جواز أمره نصيبه ألف درهم ثم قال: لم يكن عندي غيرُها فهو ضامن للآخذ ألفاً أخرى لأنه أقر أن حصة الكبير ألف. ومن كتاب ابن المواز وعن مصيً كان عنده/ ليتيم مائة دينار فأنفق عليه ثم مات اليتيم فطلب الورثة ما بقي له فأبى الوصي ببراءة بخمسة وسبعين فقُبلت منه
فقالوا: بقي خمسة وعشرون (¬1) ديناراً وثمن خادمٍ بعتُها له فقال: ما كانت له خادمٌ ولا بعتها فطولب بباقي المائة فجاء ببراءة من أربعين ديناراً وقيل له: هذه براءة من أربعين وإنما باقي المائة خمسة وعشرون فقال: دخل فيها ثمن الجارية قال: يُقبل منه، هكذا روى لي أبو زيد عن أشهب في طبى قال محمد: وأحب إلي أن يضمن ثمن الخادم لأنه كذب نفسه في قوله ما كانت له خادم. ومن العتبية (¬2) من سماع أشهب ومن كتاب ابن المواز: وعن وصي ولي يتامى فكان لا يتحفظ من أموالهم وربما تناول منها فسألهم بعد أن بلغوا الرشد أن يحللوه من بين كذا إلى كذا فحللوه عن مال ثم قالوا بعد زمان لا تُحلك قال: ليحرز ما أصاب من أموالهم ويحتاط حتى لا يشك أو يأتي رجل فيخير بذلك وبالمال وبما كان منه فيه فيحرزه إن لم يحسن هو حرزه وليحتط (¬3) ثم يتحلل من ذلك فأما من بين كذا إلى كذا فإنهم يقولون ظنناه يسيراً. ومن العتبية (¬4) روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب: في وصي على أخته باع لها وصيفةً بمائتي دينارٍ ثم اشترى لها رأسين بمائتين وسبعين ديناراً ذكر أنه زاد من عنده السبعين وأشهد على الشراء لها بهذا الثمن وعلى قبولها- يريد وقد حاز أمرها- ولا يدرون هل اشترى ذلك بثمن/ الوصيفة أم لا؟ وادعت هي بعد جواز أمرها أن ذلك مالٌ آخر من ميراثها وأن ثمن الوصيفة عليه وأتى هو ببراءة عليها من جميع مورثها عن أبيها وقال: شرائي للرأسين بعد البراءة وليس لها عنده غير ميراثها من أبيها وثمن الوصيفة فليحلف أن ذلك الثمن ثمن الوصيفة ويبرأ إلا أن تأتي هي ببينة أن لها قِبلة غير ذلك فينظر لها، وأما السبعون (¬5) الزيادة فإن فات الرأسان فلا يتبعها بشيءٍ لأنه زاد ما لم تأمره، وإن لم يفوتا خُيرت بين أداء ¬
في الوصي يشتري منزلا لليتامى ومنهم الذكر والأنثى ثم مات ولم يبين كيف هي بينهم
السبعين وتحسبهما أو تذرهما ويغرمه المائتين إلا أن يسلم لها الرأسين بمائتين فلا حجة لها. قال ابن القاسم: يحلف لقد أدخل ثمن الوصيفة في الرأسين ويبرأ ولا شيء عليها من السبعين لأن البراءة تقدمت قبل بيع الوصيفة فهو أمر طاع به لها أو شيء تورع عنه من بقية مالها، وإن كانت البراءة بعد شراء الرأسين فالبراءة تزيل ما قبلها مما بينهما إذا اختلفا. في الوصي يشتري منزلاً لليتامى ومنهم الذكر والأنثى ثم مات ولم يبين كيف هي بينهم؟ قال ابن حبيب قال مطرف: في الوصي يشتري منزلاً لليتامى من مالهم ثم يموت فقال الإناث: هو بيننا بالسواء وقال الذكور بل للذكر منا سهمان وللأنثى سهم، قال: يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين اشتراه من عرض أموالهم أو بجميعها أو جُهل ذلك، ولو اختلفوا بعد جواز أمرهم/ تحالفوا فإن نكلوا فذلك منهم على ما ذكرنا ومن نكل منهم فالقول قول من حلف، وإن حلفوا فلكل واحد بقدر دعواه، فإن كان ذكراً وأنثى فهو بينهما على سبعة للذكر أربعةٌ وللأنثى ثلاثة لأن الذكر قال لي من الستة أربعة وقالت الأنثى لي منها ثلاثة فقُسم ذلك على دعويهما أربعة وثلاثة. قال وقال أصبغ: إن اشتراه من عرض أموالهم فهو بينهم بالسواء وإن كان بجميع أموالهم فهو بينهم للذكر سهمان وللأنثى سهم.
في ترشيد السفيه المولى عليه ودفع ماله إليه، وهل يختبر ببعضه؟
في ترشيد السفيه المولى عليه ودفع ماله إليه وهل يُختبر ببعضه؟ وفي أفعال السفيه الذي لا ولي عليه وفي تعديه فيما يعامل فيه هذا باب قد ذكرناه مستوعباً في كتاب التفليس وذكرنا منه ها هنا ما يتعلق بالوصايا. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا تبين للوصي الرشدُ من يتيمه فإن كان شيء يبين للناس فليدفع إليه ماله ولا ضمان عليه وإن كان يشك في أمر فلا، إلا بأمر الإمام، وإلا ضمن. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: إذا احتلم ولا يعلم منه إلا خيراً قال: إن آنس منه وليه الرشد دفع إليه ماله وإلا فلا قال: وإذا كان سفيهاً في دينه وحاله، حسن النظر في ماله، دفع إليه ماله ولا يجوز شراءُ المولى عليه إلا فيما لا بال له كالفاكهة واللحم بالدراهم ونحوه. وعن المولى عليه في السوق يريد/ وليه أن يدفع إليه مالاً يختبره به فأدان فلا يلزمه الدينُ فيما أعطاه ولا فيما أبقى له عنده، وإذا تكارى اليتيم في الولي دابةً بغير إذن الوصي يتعدى عليها فتلفت لم يضمن، محمد: ولو باعها لم يضمن في ماله شيئاً قال مالك: ولو بعثه في طلب آبق فأخذه وباعه فليأخذه ربه ولا شيء عليه ويحلف ما أمره ببيعه، وليس كالتعدي بغير سبب، قال محمد: ليس كالجناية ولو لم يرسله فيه لكان في ماله كالجناية وكسرقته لما لا قطع فيه. قال مالك فيه وفي العتبية: من سماع أشهب: قلت: إن لي يتيماً قد أخذ بوجهه وله بيدي ستون ديناراً فطلب أن أعطيه خمسة عشر ديناراً يتجهز بها إلى ¬
في الوصي يبيع التركة أو الورثة ثم يطرأ دين بعد إنفاق الثمن أو تلفه أو قضي به لبعض الغرماء
خاله بمصر يرجو صلته قال: لا أرى ذلك، فإن ضمنها لي رجل إن طولبتُ بها قال: لا أرى أن يدفعها إلا بأمر السلطان. ابن المواز قال مالك: ومن دفع إليه الإمام مال غلام مولى عليه فحسن حاله هل يدفعه إليه ويكون كالوصي يتبين له حُسن حال أبيه؟ قال: أما من يتبين أمره في يسره وفضله فلا شيء عليه إن فعل كالوصي وأما من فيه شكٌ فلا، كأنه يراه يضمن إن فعل. ومن كتاب ابن المواز: ومن مات عن بنين سفاء فاقتسموا وباعوا واشتروا فابن القاسم يرى ذلك كفعل من في الحجر، وقال ابن وهب: أفعاله جائزة حتى يُحجر عليه وأرى أن يُحجر عليه فيما يُستقبل، أشهب: ومن أوصى/ لبكر بمائة دينار ولا ولي لها فدفع الورثة ذلك إليها بغير أمر الإمام قال: قد برئوا منها، ونحوه في العتبية وقال: وكان يلي أيتاماً أيضاً قال: إيصاؤه لهم جائز. قال ابن حبيبب قال مالك وجميع أصحابه: إن الرشد الذي ذكر الله سبحانه الذي يستوجب به اليتيم أخذ ماله، الرشدُ في الحال والمال (¬1) إلا ابن القاسم فلم يُراع إلا إصلاح المال. في الوصي يبيع التركة أو الورثة ثم يطرأ دينٌ بعد إنفاق الثمن أو تلفه أو قُضي به لبض الغرماء وكيف إن ربح في مال الأصاغر؟ من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا باع الوصي مال اليتيم وقبض الثمن فهلك عنده ثم طرأ دينٌ على الميت فلا يضمن الوصي وكذلك الوارث غير وصيً إذا جرى أمرُه على الصحة محمد: وإن استحق ما باع الوصي وقد تلف الثمن لم ¬
يضمنه الوصي ولا الوارث، قال مالك: وإذا طرأ دينٌ وقد باع الورثة وأكلوا الثمن، فإن باعوا مبادرة وهو يعرف بالدين فللغرماء أخذ السلع من المشتري ويرجع هو على الورثة، وإن لم يعرف بالدين وباعوا كما يبيع الناس تركة ميتهم أتبعوا الورثة ولو قضوه لغرم وقد علموا بغريم آخر ثم جاء فللآخر الرجوع عليهم في عُدم الأول ثم لهم الرجوع على الأول، محمد: وكذلك الوصي إن فعل هذا ضمن. ومنه ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن القاسم: والوصي ينفق على/ الأيتام ما ورثوا عن أبيهم ولهم مال ورثوه عن أمهم ثم طرأ دينٌ على الأب فلا يرجع عليهم فيما ورثوا عن أمهم قال ابن المواز: لا يلحق الأيتام دينٌ بحال إلا من أنفق عليهم سلفاً ولهم ما يرجع به فيه، ولأصبغ قولٌ حسنٌ: أن النفقة نقصٌ على ما ورثوا من الأب ومن الأم فما أصاب ما ورثوا من الأم قضي منه الدين، محمد: يعني إنما أنفق عليهم بتركة الأب بعد أن ورثوا الأم. قال ابن القاسم في المجموعة: ولو أخلط المالين وأنفق حسب الدين على المالين بالحصص وإن لم يخلط وأنفق عليهم ميراث الأب لم يرجع في مال غيره ولا فيما أفادوا بعد ذلك إلا أن يبقى من تركة الأب شيءٌ وإلا لم يضمن لا هو ولا الوصي، ولو أنفق عليهم مالاً لهم من غير تركة الأب أو لم يُخلط بغيره. قال علي عن مالك: إذا باع الوصي مال الميت ثم هلك الثمن وطرأ دينٌ فلا يضمن [ولو باع الورثة في مثل هذا ضمنوا] (¬2). ومن كتاب ابن المواز: وإن قضى الورثة بعض الغرماء ثم جاء غريم فإن لم يبق من التركة شيءٌ بعد القضاء رجع الطارئ على الغريم القابض في ملائه وعدمه، ولا يضمن الوصي إلا أن يعلم بالآخر فليرجع القادم عليه بما ينوبه ثم رجع هو على الأول، ولو بقي من التركة قدرُ حظ الطارئ فحسبه له أو لم يُكره عالماً فهلك بيده فضمانه من الطارئ، وكذلك لو أنفقت على اليتامى فهو محسوب على الطارئ ولا ¬
في عهدة ما باعه الوصي من التركة أو باعه الغرماء، وفي لحوق الدين على الميت أيضا
يرجع على الأول بشيء/ وهذا الباب مستوعبٌ في كتاب التفليس وفيه مسألة أشهب إن ترك ألفاً وعبداً فأخذ الغريم الألف وقدم غريمٌ وقد تغير سوق العبد أو كان بيع فقضي ثمنُه للغائب وهلكت ثم رد العبدُ بعيب. قال مالك: إن ورثوا مائتين وهو كبير وصغير فأخذ الكبير مائة وأخذ الوصي مائة فتجر فيها فصارت مائتين ثم طرأ دينٌ مائة فعلى الصغير ثلثاها ولأن الصغير لم يكن يضمن فدخل الدينُ في ربحه ولا يدخل فيها ربح الكبير لأنه كان ضامناً لما أخذ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن عبد الحكم: ثم إن طرأ مائة للميت أخذ الوصي ثلثها للصغير وأخذ الكبير ثلثها كما ودى، ولو تلف جميعُ المال ثم طرأ دينٌ يغترقه رد الكبير ما أخذ ولا شيء على الصغير ولا شيء على الوصي، ثم إن طرأ للميت مال أخذ منه الأكابر ما أخذ منهم للدين. ومن المجموعة ذكر علي عن مالك وقال العُتبي وذكره عنه ابن القاسم بلاغاً أنه إن ترك أطفالاً وثلثمائة دينار فتجر بها الوصي فتلفت ستمائة وطرأت ألف دينار ديناً على الميت فلتؤد منها الستمائة إذ لم يكونوا يضمنون، ولو كانوا كباراً لم يُول عليهم لم يغرموا غير ثلاثمائة وهم يضمنون كل ما غابوا عليه من العين ولا يضمنون الحيوان من رقيق ودواب وماشية إن هلكت بأيديهم، وقال علي بن زياد: الصغارُ ضامنون لما أُنفق عليهم/، وقال سحنون عن المغيرة مثله. في عهدة ما باعه الوصي من التركة أو باعه الغرماءُ وفي لحوق الدين على الميت أيضاً من المجموعة وكتاب محمد بن المواز قال ابن القاسم قال مالك: لا عهدة على الوصي فيما باع على اليتامى، قال في كتاب محمد: إلا أن يشترط ذلك على نفسه، قال في المجموعة: وعُهدة المبتاع في مال اليتامى وكذلك فيما باعه القاضي في تركةٍ أو على مفلس. قال ابن المواز: إنما العبرة في المال إن بقي بيد الوصي أو قضى به ديناً وما دفعه إلى أكابر الورثة فالعهدة في المال ببيع ذلك حيث دفع برئ، وأما ما أُنفق على الصغار أو تلف فلا شيء عليه فيه والقول قوله فيه.
في الوصايا تنفذ بعتق أو غيره وتقسم التركة ثم يطرأ دين على الميت أو وصية أخرى أو عول
من المجموعة قال أشهب: وإذا باع الوصي عبداً من التركة ودفع إلى الورثة ثمنه ثم استُحق فلا رجوع على الوصي إذا علم أنه باع لغيره كالوكيل. قال ابن القاسم: بلغني عن مالك في الوصي يبيع التركة ثم ضاع منه الثمن أو أنفقه على الأيتام ثم استُحقت السلعة فلا شيء عليه ولا عليهم إن بلغوا، وقال عبد الملك: إن كان للولد مالٌ عند الوصي فيرجع المبتاع فيه وإلا كان في ذمتهم بقدر ما أصابهم، لأنه كذلك أنفق عليهم وأخرج بسببهم ولا يضمن الوصي. وأما إن طرأ دينٌ على الميت وقد أنفق الوصي التركة على الأيتام فلا شيء عليهم ولا على الوصي ويبقى/ في ذمة الميت (¬1) كمن وهب ثم قيم عليه في عدمه وأما ثمن ما استُحق من ما بيع من التركة فكمعاملة جرت بينهم وبين المشتري والوصي فيها كوكيلهم ويضمنون ذلك، قال ابن حبيب قال مطرف: ولا يضمن الوصي ولا الأيتام في هذا إلا أن يكون لهم مالٌ غيره من عقارٍ وغيره فيبيعون وكذلك في إنفاقه عليهم إن كان لهم مالٌ آخرُ رجع عليهم في الاستحقاق ولحوق الدين وإن لم يكن لهم شيءٌ لم يُتبعوا بشيءٍ. في الوصايا تُنفذُ أو غيره وتُقسم التركةُ ثم يطرأ دينٌ على الميت أو وصية أخرى أو عولٌ أو عتقٌ هو أولى من الوصايا وكيف يُقدم من أخذ شيئاً من ذلك؟ من العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في وصايا الميت تُنفذ وفيها عتقٌ ثم يطرأ دينٌ محيطٌ على الميت فلترد الوصايا من يد من أخذها على ما يؤخذ بها من نقصٍ أو نماءٍ ولا يضمنون (¬3) شيئاً إلا أن يستهلكوا أو يشتروا شيئاً ¬
فيحاسبوا بثمنه في وصاياهم فيكون عليهم نقصه ولهم نماؤه ويردوا الثمن الذي حوسبوا به والورثة كذلك ما أخذوه على الاقتسام لم يضمنوه ونماؤه للغرماء وما اشتروه على حال البيع فمنهم نقصُه ولهم نماؤه ويغرمون الثمن الذي وجب عليهم به وما اقتسموا من عينٍ أو طعامٍ أو إدامٍ فليغرموه وإنما يوضع عنهم ضمان ما يُقسم بالقيمة من العروض فغابوا عليه ولا يُعرف هلاكه إلا بقولهم، وضمانهم/ في جميع ما ذكرنا كضمان المرتهن والمستعير فيما يغابُ عليه. وحالهم فيما لا يغاب عليه كحالهما. ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن القاسم وذكره عنه ابن المواز وابن عبدوس: وإذا أنفذ الوصي الوصايا وقد أوصى الميت بعتق عبد لم يعلم به الوصي فإن فعل ذلك الوصي بعد تربص واستثبات واجتهاد فلا شيء عليه. قال أصبغ: ودون هذا التأكيد لا شيء عليه إذا لم يعلم ولم يبادر وإنما عليه أن يجتهد بقدر الوصية في قلتها وكثرتها واجتماع المال واستبراء ذلك ثم ينفذ. قال ابن القاسم: ويعتق العبد إن حمله الثلثُ ويتبع الورثة أهل الوصايا بما فضل عن الثلث في ذممهم إن عدموا بقدر ما عند كل واحد بقدر وصيته كغريم طرأ على ورثة. قال أصبغ في العتبية: جعله كغريم طرأ على ورثة يرجع على الملي منهم بدينه ويرجع الغارم على باقي الورثة، وليس هو عندي إلا كوارث طرأ على ورثة لم يعلموا به فإنما يتبع كل واحد بقدره في ملائه وعدمه، وكذلك لا يعتق من هذا إلا بقدر ما صار بيد كل واحد من وارث أو موصىً له في الثلث من قيمته التي كان يعتق فيها فيعتق منه ما وُجد فيرق ما بقي حين بيسر الآخرون فيعتق باقيه. قال في العتبية: والورثة والموصى لهم بمعنىً واحدٍ والورثة والعبد كالوارثين، فإذا كانت التركة بالعبد ستين وقد أوصى لرجلين بعشرة وترك وارثين وقيمة العبد عشرة فأخذ/ الموصى لهما عشرةً وأخذ الورثة خمسين ثم علم بالعتق فللعبد سُدس التركة فيلزم الورثة خمسةُ أسداسها قيمته والموصى لهم سدسها، فمن كان له منهم مالٌ ¬
نُفذ في حصته منه العتق ومن كان منهم عديماً أو غائباً اتبع بحصته من ذلك يوماً ما. ومن الكتابين قال ابن القاسم: وإن عجل الموصى إليه ضمن وأتبع هو أهل الوصايا. قال أصبغ: إن كانت عجلة مبادرة بلا استبراء لاجتماع المال وتنفيذه فيضمن فإن لم يعلم ويكون كالخطإ والخطأ مضمونٌ. ومن المجموعة قال ابن كنانة: ومن أوصى بعتق وصدقة فأنفذ الوصي الصدقة قبل العتق ولم يكن في الثلث سعةٌ فإن العتق يمضي وتُؤخذ الصدقة ممن أعطيها. وقال ابن حبيب عن أصبغ في الوصايا تنفذ بالعتق ثم يطرأ دينٌ فإن فعله الوصي بجهالة رُد العتقُ وبيع للدين. قال أبو محمد: أراه يريد في عُدم الورثة أو كان الدين محيطاً، وإذا علم الوصي وكان له مالٌ ضمن فإن لم يعلم أو علم إلا أنه عديمٌ رد العتق حتى يقضي الدين. قال ابن المواز في الوصي يُنفذ الوصايا ثم يظهر أن الميت أوصى بعتق عبد – يريد بعينه- لم يعلم به الوصي فإذا كان فيما صار إلى الورثة من بقية الثلث بعد الوصايا قدر قيمة هذا العبد فأكثر لم يرجع على أهل الوصايا بشيءٍ، وإن كان ذلك أقل من قيمته رجع على أهل الوصايا بما يعتق به ويتبع الملي منهم بجميع ما بيده/ ولأصبغ فيه تفسيرٌ لم يعجبنا فهذا الصواب قال محمد: وليس كالوارث يطرأ هذا على أن في الوارث اختلافاً وإنما هو كغريم طرأ على ورثة كما قال ابن القاسم لأنه مُبدأ على أهل الوصايا كما الغريم مُبدأ على الورثة فله أخذُ ما بيد الملي. ومن العتبية (¬1) من رواية أبي زيد: ومن أوصى بعتق عبيده وهم قدرُ الثلث فعتقوا ثم لحق دينٌ وقد قُسم المالُ فثاث الدين يُخرج من العبيد فيُقرع بينهم أيهم ¬
في الميت تنفذ وصاياه ثم تستحق رقبته أو تشهد بينة بموته ثم يقدم حيا
يباعُ فيه وثلثا الدين على الورثة في ملائهم وعدمهم، وهذا مستوعبٌ في التفليس، وذكر أصبغ أن الموصى له إذا طرأ على الورثة أتبع الملي بجميع ما أخذ حتى يأخذ حقه كغريم طرأ على ورثة وإن قدم على موصىً لهم لم يتبع الملي بما على المعدم. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا أوصى برقبة تُشترى للعتق بقدر الثلث وأنفذ ذلك ثم لحق دينٌ محيطٌ رُد العبدُ رقيقاً فإن لم يُحط بماله بُدئ بالدين وعتق من العبد مبلغُ ثلث ما بقي، وإن علم الوصي بالدين فهو ضامن، وإن لم يعلم أو علم وهو عديمٌ رُد العتقُ. قال ابن المواز عن ابن وهب وأشهب عن مالك: فإذا أعتق عنه الوصي رقبةً أوصى بها بعد إذن السلطان ثم لحقها عول دينار إلا كسرا (¬1) أن على الوصي غُرمه. قال أشهب عن مالك في العتبية (¬2) والمجموعة وكتاب ابن المواز: إن لحق الرقبة المعتقة سبعة عشر ديناراً عولاً قال: يمضي العتقُ وتكون الدنانير على الوصي وقاله له الوصي إنما اشتريت لغيري في السوق مع بيع/ السلطان قاضياً؟ قال: نعم. في الميت تنفذ وصاياه ثم تُستحق رقبتُه أو تشهد بينة بموته ثم يقدم حياً قال: وهذا الباب في كتاب الاستحقاق مذكورٌ بزيادة فيه. من كتاب ابن المواز قال مالكٌ: في الميت تنفذ وصاياه وتباع تركتُه ثم يستحق رجل رقبته فإن كان يُعرف بالحرية قال محمد بن يزيد: قد ظهر ذلك وانتشر فذلك نافذ كله ولا شيء على وصيً ولا على متباع ولا على أخذ المال للحج وإن كان ذلك قائماً بعينه ¬
فيمن أوصى أن يباع عبده للعتق فأنفذ ذلك ثم لحق الميت دين
إلا أن يريد أن يدفع الثمن ويأخذه إن لم يفت فذلك له وإلا فإنما يرجع على الوصي بما يجد عنده من الثمن كقول مالك فيمن قامت بينةً بموته فبيعت تركتُه ثم يأتي حياً فإن اشتبه عليهم مثل أن يروه في معركة صريعاً فظنوا أنه مات أو شهد عندهم قومٌ بموته فلا رد لما بيع وترد إليه امرأته إن نُكحت قال محمد: ويرد ما أنفذ من وصاياه من عتق وغيره، وأما ما بيع فلا يرد إلا أن يجد شيئاً لم يفت فيأخذه بالثمن ويرجع هو على من ولي البيع بالثمن وما عتق مما بيع أو اتخذ أم ولد أو فات بزيادة بدنٍ أو غيره فلا يأخذه وليرجع بالثمن على بائعه، قاله كله مالك، وإن تعمدوا الزور نُقض ذلك كله من بيع أو غيره ويُرد ما عتق المبتاعُ مما بيع وما اتخذ لولد فله أمتُه وقيمة ولدها ويأخذ متاعه بلا غُرم ثمن وإن نما، ويرجع بالثمن على البائع إلا أن يشاء القادم/ أن يُجيز البيع ويأخذ الثمن من البائع فذلك له. فيمن أوصى أن يباع عبدُه للعتق فأنفذ ذلك ثم لحق الميت دين. ومن أعطى لمأذونٍ ذلك أو مُكاتبٍ مالاً على عتق عبده ثم قام السيدُ من العتبية (¬1) روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم وذكره ابن عبدوس: فيمن أوصى أن يباع عبدُه رقبةً [فبيع بخطإ ما، بثلثي ثمنه] (¬2) ثم لحق الميت دينٌ فلا يرجع على المشتري بشيءٍ لأن الوصية للعبد وكأنه بيع ثلثاه ولكن ينظر إلى ثلث العبد فإن كان قدر رُبع التركة مما قُبض في ثلثي العبد وغيره بيع من رقبة العبد بقدر ربع الدين ما لم يجاوز ذلك ثلث رقبته فلا يزاد عليها ويكون ما بقي من ربع الدين إن بقي شيءٌ من ثلاثة أرباع الدين فيما بيد الورثة من التركة، وقد ذُكر عن مالكٍ أن المشتري يغرمُ ثلث ثمن العبد ولا يعجبني. ¬
في الوصي يشتري العبد فيعتق بالوصية ثم يستحق بملك أو حرية أو بعضه أو يستحق ثمنه
ومن المجموعة قال: وقد قال ابن القاسم أيضاً: أنه ينظر فإن كان العبد قدر ثلث جميع التركة رجع على المشتري بثلث قيمته ورجع هو على الورثة بثلث الثمن. قال: وقال أشهب: ولو قال رجل لمكاتبٍ أو لعبد مأذونٍ اعتق عبدكَ على ألف درهم وقيمتُه أكثر فللسيد أن يجيز ذلك أو رده رقيقاً وليس له أن يجيز عتقه على أن يبيع معطي الألف بتمام ثمنه إلا أن يكون قال على أن يعتقه عني فيرجع عليه بما خفف عنه إن كان ملياً وإن لم يكن له مالٌ فعتقه باطلٌ إن شاء سيدُ المكاتب أو العبد/ إلا أن يدفع التخفيف الذي خُفف عنه من الثمن فإن لم يدفع ذلك بيع من العبد بقدر ذلك التخفيف فقبضه السيدُ وعتق من العبد ما فضل عن ذلك، وإن كان العبد غير مأذونٍ فلك فسخُ بيع عبدك ويرجع رقيقاً وإن شئت أمضيته بالثمن، وإن كان فيه تخفيفٌ فليس لك أن تقول أمضيه وآخذ التخفيف، بخلاف الأول، لأن الأول ثبت فيه عتقٌ لا يُردُ إلا بعدم المعتق وهذا عتقٌ لا يجوز إلا بتجويزك للبيع. في الوصي يشتري العبد فيعتقه بالوصية ثم يستحق بملك أو حريةٍ أو بعضُه أو يُستحق ثمنُه أو يجنى أو يتلف الثمنُ أو الثلثُ بعد القسم أو قبل أو أوصى بعتق عبده فاستُحق أو أبق من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: ومن ترك ثلثمائة درهم وأوصى أن يشتري بثلثه رقبةً تُعتق ففعل ذلك الوصي وأخذ الورثة مائتين ثم استُحق العبدُ فرجع الوصي بالمائة فتلفت في يديه قبل أن يبتاع بها أخرى فلا شيء عليه ولا على الورثة ولا يقاسموا مرتين كما لو تلف بعضُ ما أخذوا لم يرجعوا في الثلث بشيءٍ. قال ابن القاسم: ولو أُخرج ثمن الرقبة قبل القسم فضاع فليرجع يشتري من ثلث ما بقي أبداً ما لم يقع القسمُ لأن المال بحاله والرقبة لم تنفذ، فأما لو أخذ الورثة بالثلثين وعُزل الثلثُ للوصايا لم يرجع عليهم بسبب يحدث في الثلث إلا أن
يكون ورث الورثة أكثر من/ الثلثين فيرجع عليهم في بقية الثلث فقط، فإن لم يكن فيه ثمن رقبةٍ وهي التي تخرج جعل ذلك في بعض رقبةٍ أو قطاعه (¬1). قال ابن المواز قال أصبغ: وكذلك لو جئت فأسلمت قال أشهب: ولو كان بعينها أو يشتري من شيء بعينه فذهب أو ماتت المُعينة بطلت الوصية، ولو اشتريت المعينة فلم تعتق حتى جنت فلا تُسلم لأن الحرية جرت فيها ولتعتق وتتبع. ومن العتبية (¬2) عن ابن القاسم أو أشهب وهو في كتاب ابن المواز لأشهب: وإذا أوصى بعتق رقبة بثلاثين دينار فابتاعها الوصي فأعتقها ثم استُحق نصفها فالمستحق مخيرٌ أن يجيز البيع ويأخذ الثمن في نصفه أو يرده ويُقومه على الوصي في ماله لا على الورثة، قال محمد بن المواز: ويرجع الوصي على البائع بنصف الثمن فيجعله في النصف المستحق فيشتريه إن وجده. قال أصبغ: وقد كان قال لي قبل ذلك إنما يُقوم على الورثة في مال الميت، قال ابن المواز: وإلى هذا جنح أصبغ ولا يعجبنا القولان، ولكن إن كانت الثلثان (¬3) بعينها فلا يعتق إلا نصفه حتى يؤخذ من البائع بقية ثمنه فيتم به عتقه وإن لم تكونا (¬4) بعينها فليُتم عتق ما بقي منه من ثلث ما بقي بعد أن يسقط منه نصف الثلثين التي تلفت عند البائع. قال ابن المواز: قال أشهب: فيمن أوصى أن تُعتق عنه نسمةٌ بهذه المائة دينار بعينها فاشتريت بها وعتقت ثم لحق الميت دينٌ أو استُحقت المائة أو بعضها قال: إن ضاعت تلك المائة/ بعينها أو استُحقت قبل يدفعها فالوصي ضامنٌ لثمن النسمة لأنه ابتاعها وأعتقها وينفذ العتق ولا شيء على الورثة لأن التي فيها الوصية قد ذهبت بعينها. ¬
قال محمد: وكذلك لو لم يعتقها وضاعت المائة لنفذ البيعُ وودى المائة ولم يؤمن بالعتق. وكذلك لو كان الآمر حياً لم يلزمه شيءٌ ولزم المأمور الثمن، هذا قول مالك وأصحابه ولا يرد عتقه إذا أعتق ولو لم يعتقه حتى ضاع الثمنُ أو استُحق فإنه لا يعتق ويلزم الثمنُ المشتري، وأما في الدين فيُرد العتق ولا يلزم الوصي شيءٌ كما يرد الغرماءُ عتق المديان، ولو استحق بعض المائة قبل الشراء فليشر بما بقي منها ولو ودى المشتري من عنده تمام الثمن وأعتقت على الشركة فيها جاز ذلك وأكره أن يفعل وشريُ رقبةٍ بما بقي أحسنُ ولكن لا يرد ويكون كمن لم يجد فشارك في رقبة. ولو لحق المائة دينٌ لا نُخرج المائة من الثلث معه أو كان لا يخرج ولا دين عليه فالوصي يضمن تمام الثمن في هذا إلا أن يبقى من الثلث بقيةٌ بعد قضاء الدين فيها وفاء فلا يرجع إلا عليهم وإما أعتقها ولم تُخرج من الثلث لدينٍ طرأ أو غيره يضمن لأنه أخطأ فصار كالتعدي. قال محمد: ليس بتعد (¬1) إلا أن يعاجل أو يبادر أو يأتي ذلك عالماً وإلا لم يضمن ويرجع فيما أنفذ من عتق أو وصية وكذلك لو دفع ذلك إلى الورثة فأكلوه لم يضمن إلا أن يُعجل والميتُ يعرف بالدين فهذا يضمن إذا لم يوجد ما بيع من مال الميت ويتبعُ هو الورثة/ قال أشهب: وإن أوصى أن يباع عبدُه فلانٌ ويشتري بثمنه نسمةً تعتقُ ففعل ذلك الوصي ثم استُحق المبيعُ فالوصي ضامنٌ للثمن ولا يرُد العتق ولا يرجع على الورثة في الثلث، لأن الميت أوصى في شيء بعينه، قال محمد: جيدة إلا أن الوصي يرجعُ على من باع من الميت بسبب ما غرم. قال أشهب: ولو رد عبدُ الميت بعيب فليُرد الوصي الثمن ويباعُ المعيبُ فإن لم يف فما بقي على الوصي وإن زاد اشترى بالزيادة رقبةً تعتق على الميت إن حمل وإلا أُعين به في رقبة والولاء للميت مع ولي العبد الأول ولو كان إنما اشترى النسمة بعبد الميت فرُد عبد الميت بعيبٍ أو استُحق وقد عتقت النسمة لضمن الوصي تباعة ذلك، وإن لم يعتق فلا يعتق ويُرد إلا أن تفوت بزيادة أو نقصٍ في سوق أو ¬
في الوصي يعتق بالوصية عبدا أو نصرانيا أو مدبرا أو معتقا بعضه ولم يعلم
بدن –يريد فتلزمه القيمة- ولو باع الوصي عبداً من التركة لا وصية فيه ودفع الثمن إلى الورثة ثم استُحق لم يرجع إلا على الورثة إذا بين أنه يبيع لغيره كالوكيل. ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن أوصى بعتق عبده وبباقي الثلث لفلان فاستحق العبد أو ثبت أن الميت أعتقه في صحته فليس لفلان إلا ما بقي من ثلثه بعد قيمته. ولو أوصى بعتق عبده وبوصايا فكان العبد هو الثلث فبُدئ بالعتق ثم استُحق ورجع بثمنه على البائع فليرجع أهل الوصايا في ثلث ما بقي من التركة وفي ثلث ثمن العبد قبض أو لم يقبض، وإن أوصى بعتق عبده وبباقي ثلثه لفلان فأبق العبد فإنه يُقوم،/ فإن كان هو الثلث فلا شيء لصاحب باقي الثلث وإن زاد الثلث على قيمته أعطي الزائد. في الوصي يعتق بالوصية عبداً نصرانياً أو مُدبراً أو معتقاً (¬2) بعضه ولم يعلم أو اشترى بثمن الرقبة رأسين فأعتقهما من المجموعة والعتبية (¬3) من رواية أبي زيد قال ابن القاسم: إذا أعتق الوصي رقبة فإذا هي نصرانية ولم يعلم فإن كانت واجبةً من ظهارٍ أو غيره ضمن الوصي لأنه فرط، ولو قال الميتُ رقبةً ولم يفسر فهي على أنها غير واجبةٍ حتى يتبين أنها واجبةً، وذكر في رواية أصبغ في العتبية (¬4) وكتاب ابن المواز: أنه يضمن ولم يلزمه شيءٌ لأن غيره أنفذه، وقاله أصبغ قال أصبغ: لأن تنفيذ القاضي كتنفيذه بعد الاستيناء وبلوغ الأمر أجله فتنفيذه عند ذلك كتنفيذ القاضي. ¬
في الوصي يقضي عن الميت الدين بغير بينة أو يقر أنه قبض دين الميت واليتامى في ولايته أو رشدوا
قال: ولو اشترى الوصي مُدبراً فأعتقه ولم يعلم فلا يجري وإن كان عن تطوع. قال ابن المواز: بل يجري في التطوع والواجب وقد نفذ العتق وبطل التدبير ولا يرجع على البائع بشيء من قيمة عيب ولا غيره، وقاله عبد الملك. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن أوصى أن يُعتق عنه عبدٌ بالخمسين فاشترى الوصي بالخمسين رأسين فأعتقهما عنه قال: ينفذُ عتقهما وعلى من فعل ذلك من وصي أو غيره ضمان عند يسرته بخمسين ديناراً فيعتقه عن الميت. ومن المجموعة قال/ علي عن مالك: في الوصي يشتري رقبة فيعتقها من الوصية فوُجدت قد كان أُعتق نصفها فليُرد البائعُ الثمن فيُجعل في رقبة أخرى ويبقى له نصفها رقيقاً. في الوصي يقضي عن الميت الدين بغير بينةٍ أو يُقر أنه قبض دين الميت واليتامى في ولايته أو قد رشدوا أو أن الأب قبضه من المجموعة قال أشهب: وللوصي أن يقضي الدين عن الميت بغير أمر قاضٍ إن كان فيه بينةٌ عدولٌ والثقةُ له ألا يدفع إلا بأمر قاضٍ، لأنه لو بلغ بعض الورثة فجرح شهود الدين لضمن وأُخِذت ممن قبضها، ولو كان بأمر قاضٍ لم يُرد ولا يُقبل تجريحهم لأنه حُكم نفذ، وإن دفع الوصي إلى الغريم ثم قام آخرون فأثبتوا دينهم وجرحوا بينة الأول فالوصي ضامن ويرجع على الأول بما أخذ أو يُغرمه القائمون إن شاؤوا ويدعون (¬1) الوصي ثم لا يرجع الأول على الوصي بشيءٍ، ولو دفع إليه بقضية لم يضمن للقائمين بعده وليرجعوا على الأول بحصتهم، وكذلك قال ابن القاسم: إن كان الوصي عالماً (¬2) بغرماء الميت أو كان موصوفاً ¬
بالدين فيضمن لمن أبى ويرجع على من أخذ، وأما إن لم يعلم ولم يكن الميتُ موصوفاً بالدين لم يرجعوا إلا على من أخذ، وقال: في قضاء الورثة بعض الغرماء كما قال في الوصي، وقال مثله عبد الملك إذا تابوا ولم يعجلوا وبعد الصياح (¬1) في الدين وفعلوا ما كان يفعله السلطان فلا يضمنوا، وأما إن عجلوا ضمنوا فإن لم يكن/ عندهم شيءٌ رجع الطارئ على الأول. قال أشهب في الوصيين يدفعان (¬2) ديناً بشهادتهما أو الوارثين ثم يطرأ دين أو وارث يقوم فإن دفعا بأمر قاضٍ لم يضمنا ويُرجع على الأول وإنما تُقبل شهادتهما قبل أن يدفعا وأما بعد الدفع، وإن كان بغير أمر قاضٍ فيضمنتن. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال أشهب: وإذا أقر الوصي أنه قبض دين اليتامى فإقراره جائز، وإن أقر بذلك وقد أخرجوا من ولايته فهو شاهد، وإن أقر وهو يليهم أن الميت قبضه فهو شاهد ولا يبرأ الدافع إلا بيمين مع شهادته، قال: ولا يكتب الوصي لغريم الميت براءة إلا مما قبض منه ولا ينفعه إن أبرأه من غير ذلك. قال ابن القاسم: إذا أقر الوصي بقبض دين الميت ثم قام اليتامى بعد الرشد على الغرماء فهو بُراء بقول الوصيادعى أنه ضاع أو لم يدع، وإن ادعوا الدفع إليه فأنكروا ونكل عن اليمين فضمنه مالك في اليسير ووقف في الكثير وضمنه ابن هرمز في القليل والكثير، وبه قال ابن القاسم. وقال أشهب: إذا نكل حلف الغرماءُ وبرئوا وضمن الوصي. ومن الكتابين قال مالك وابن القاسم وأشهب: وإذا دفع ديناً إلى غريم للميت بغير بينة فأنكر ضمن الوصي إذا لم يشهد، وكذلك لو قال: أشهدتُ ومات شهودي أو نسوا لضمن. ¬
في الوصي يجد في التركة خمرا أو خنزيرا أو شطرنجا، وفيما أفسد الورثة من تركة الميت
قال ابن المواز قال أشهب: وكذلك إن أشهد فماتوا أو غابوا فلم يجدهم لضمن، وإذا حلف الغرماء فإن نكلوا/ فلا حق لهم ولا تُرد في هذا يمينٌ على الورثة ولا على الوصي أنه قضاهم، قال محمد: بل تُرد اليمين على الوصي فإن نكل ضمن إلا أن يكون عديماً فيغرمُ ذلك الورثة –يريد من التركة- ويتبعون (¬1) الوصي، وقاله ابن القاسم –يريد محمد: ولابد من يمين الغرماء أن الدين لهم ما قبضوه من الميت ولا سقط عنه إلا الآن وبهذا يتم الحكمُ لهم وإلا فلا. قال أشهب في المجموعة: لا تُرد في هذا يمين لا على وارثٍ ولا وصي أنه قضاهم، وكذلك من له دين على ميت فلابد من يمينه أنه ما قبضه وإلا فلا شيء له ولا يحلف الورثة أنه قد قبض إلا أن يدعوا علم ذلك، قال سحنون: أما دعوى الوصي أنه قضاه ببينة ماتوا أو نسوا فإن طال الزمان حتى يرى أنهم نسوا أو ماتوا فعسى أن يُقبل قوله، وأما في القرب فلا. قلت فلم لا يُصدق وهو أمين؟ قال: فلو قال قد ثبت عندي أن لفلان على الميت ديناً وقد دفعتُه إليه أيُصدق؟ ومن كتاب ابن المواز قال مالكٌ: وإن دفع الوصيان ديناً على الميت بشهادتهما فإن كان بقضاء قاضٍ بعد أن أجاز شهادتهما لم يضمنا ولا طلب للورثة على القابض وإن كان بغير قضيةٍ ضمناً ولا تُقبل شهادتهما فيه بعد أن دفعاه إلى قابضه. في الوصي يجد في التركة خمراً أو خنزيراً أو شِطرنجاً، وفيما أفسد الورثة من تركة الميت ومن أوصى بأمر لا يجوز هل ينفذ (¬2) ومن العتبية وكتاب محمد/ وغيره قال مالك: أحسنُ ما سمعتُ أن أول الحملِ كالمرض الخفيف لصاحبه يضع في ماله ما شاء قال الله تعالى: (حَمَلَتْ ¬
حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أُثْقَلَت) [الأعراف: الآية189] فحين تثقل فأفعالها في الثلث وأول الإتمام ستة أشهر لقول الله سبحانه (وَحَمْلُهُ وفِصَالُه ثَلاَثُونَ شهْراً) [الأحقاف: الآية 15]، والفصال حولان فما أعتقت أو تصدقت بعد ستة أشهر فما كان بمعنى الوصية فلها الرجوع فيه قبل الوضع وبعده وما كان بمعنى البتل فلا رجوع لها فيه وإن وضعت وصحت وإن ماتت فهو في الثلث. قال مالك: والزواحف إلى القتال في الصف كالمريض في أفعاله وكذلك من حُبس للقتل وكذلك راكب البحر إذا أخذه الهول وخاف الغرق، وبه قال أشهب. وفرق ابن القاسم بينه وبين الزواحف ومن حُبس للقتل وقال: هو كالصحيح. وروى عبد الملك بن الحسن في العتبية (¬1) عن ابن وهب: فيمن أخذه هول العاصف في البحر كالمريض. وكذلك من جمحت به الدابة أو قرُب للقتل. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: في الشيخ الكبير به البُهرُ (¬2) الشديد والبلغمُ لا يقوم إلا بين اثنين وقد احتبس في منزل فإن فعله كفعل الصحيح إلا أن يأتي من ذلك يُخاف عليه منه فيكون كالمريض، وكذلك روى عنه ابن وهب في الأجذم والمفلوج وأهل البلاء أنهم كالصحيح إلا فيما يُخاف عليهم منه، وقاله عنه ابن القاسم. قال عثمان بن عيسى بن كنانة في الأمراض الطويلة مثل الفالج والجُذام والبرص والجنون والحُمى الربع وشبهه فهو/ كالصحيح في أفعاله من عتق وصدقة وبيع وطلاق ونكاحٍ وغيره ما كان خفيفاً لا يُضجعه حتى لا يُجرح، ¬
وأما إن كان في ذلك بين القلة لا يجرح الآخر وجاء يرى أنه يريد أن يمضي به فعله فأعال هذا في الثلث وقد شاور قاضي المدينة العلماء فيمن به ريحٌ وهو يدخل ويخرج ويسافر وهو مضرور مصفر مُعتلٌ يمشي أحياناً الأميال فأجازوا أفعاله من نكاح وطلاق وغيره ورأوه كالصحيح.
[الجزء الثاني من الوصايا]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الجزء الثاني من كتاب الوصايا في المريض يريد أن يُعجل في مرضه صدقةً أو (نذراً) عليه أو يحابي في بيعٍ أو يقضي بعض غرمائه قال عبد الله بن أبي زيد ومن المجموعة قال علي عن مالك: ليس للمريض أن يتصدق في مرضه بما بينه وبين ثلثه إذ لعله لا يموت حتى يذهب ما بقي بنفقة أو مصيبة ولا له أن ينفق إلا على ما لا يُستنكرُ، قال عنه ابن القاسم: ولا له أن يتصدق عن أبيه صداقاً أو ينحله فإن فعل فنكح بها أو ساق ذلك عنه ثم مات فلورثته رده وتتبعُ المرأة الابن، ولا له أن يصل بعض ولده دون بعض. قال أشهب: وإن بتل عتق عبده في مرضه وله مالٌ مأمون فله حُكم الرق حتى يموت سيده فيعتق ويُبدأ على الوصايا وقد تخرب الرباع قبل موته. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا باع المريض عبداً قيمتُه ثلثمائة دينار بمائة ثم مات ولا مال له غيره؟ قال:/ فللمبتاع ثلثاه ثلث بالوصية وثلث بالمائة. ولو باع ديناراً لا يملك غيره بثلاثة دراهم نُقض بيعُه ويرد الورثة ثلاثة الدراهم ويكون ثلثا الدينار لهم وثلثه للمشتري. قال: وله أن يقضي بعض غرمائه في مرضه دينه إذا كان فيما بقي وفاءٌ لمن بقي، وجرى في كتاب العتق في باب من أقر في مرضه أنه أعتق عبداً في صحته مسائل من معنى هذا الباب وفي عتق عبده في مرضه وله دينٌ على سيده مثل قيمته.
في الموصي يغير وصيته أو يرجع عنها، وما لا يرجع فيه من البتل والتدبر
في الموصي يُغير وصيته أو يرجع عنها وما لا يرجع فيه من البتل والتدبير وما يُفرق به بين الوصية بالعتق والتدبير من المجموعة وغيرها قال مالكٌ: الأمر المجتمع عندنا أن للرجل أن يُغير وصيته ويرجع عنها أوصى في صحة أو مرض أو عند سفر بعتق أو غيره. قال في كتاب ابن المواز: يرجع في مرضه أو بعد صحته إلا فيما أبتل. ومن المجموعة قال ابن القاسم: إن قال إن مت فعبدي حُر أو قال بعد موتي بشهر أو إن مت فأعتقوه فذلك سواء -يريد وهي وصية- قال مالك: وإن قال: هو حُر يوم أموت فإن أراد التدبير فهو مُدبرٌ وإلا فهي وصية، قال عنه ابن وهب: كل عتق بعد فهو وصية حتى ينص على التدبير فيقول عن دبر مني وذكر/ قول أشهب: أن فلاناً حُر وفلاناً حر قال إذا أجراها مجرى الوصية فله الرجوع فيها. قال علي عن مالك: إذا قال غلامي حر متى مت فإن استيقن أنه أراد أن لا يغير ما عقد له حتى يموت فهو مُدبرٌ. قال ابن القاسم: وإن كتب في أمته أنها مُدبرةٌ إن لم يحدث فيها حدثاً فهذه وصية. قال ابن القاسم: وإن قال: عبدي مدبر بعد موتي فهو كالوصية، ويفكر فيها سحنون ولم يقل شيئاً قلت له: فيكون قوله هذا أكثر من قوله أنت حر بعد موتي؟ قال: بما أحلفه ودعني حتى أنظر. قال عنه ابن وهب: في الحامل أو المريض يعتق أو يتصدق فإذا كان بمعنى الوصية يدل بعض ذلك على بعض فيُعلم أنه وصيةٌ فله أن يرجع فيها، فإن لم يُعلم وجهُ ذلك فليس في ذلك رجوع وينفذ. قال عنه علي: في المريض يعتق أو يتصدق ولم يقل إن مت ثم صح فقال: أردتُ إن مت وقالت البينة ظننا أنه أراد البتل قال: يُنظر في ذلك بما يُستدل به على قصده، فإن رأى أنه أراد الوصية فهو وصيةٌ يرجع فيها وإلا فلا رجوع له. قال عنه علي: في مريض قيل له: أوصِ فقال: فلان حر ثم صح فقال: أردتُ بعد موتي فذلك له قيل: فهو
ما يكون من أفعال الموصي رجوعا عن وصيته وما لا يعد رجوعا من تغييره الشيء أو إحداثه صنعة فيه
لا يتكلم فقيل له: اعتق فلاناً فأشار برأسه أن نعم فإن عُرف أن عقله معه وإنما مُنع الكلام فذلك نافذٌ من ثلثه، وإن رأى أنه غُلب على عقله فهو باطلٌ وما يُعرف به ذلك أن يسمي له غيره فيشير بلا فإذا سمى له قال نعم. ومن كتاب ابن المواز: ومن حبس داراً في مرضه/ ثم هي في السبيل ثم رجع عن ذلك فذلك له، محمد: لأنها وصيةٌ ولم يبتل ذلك. قال ابن وهب عن المخزومي: فيمن قال في وصيته لفلان عشرة دنانير صدقةٌ وعبدي فلانٌ حر وفلان مُدبرٌ ثم رجع بعد أن صح فقال: لم أبتل ذلك فذلك له إلا في التدبير لأن العتق يمكن أن يكون بعد الموت فحُمل أنه بتل تدبير للمدبر فإن بين فقال: مدبر بعد موتي قال: فليس لذلك موضعٌ إلا أن يريد اللعب ويُحملُ على تدبير البتل قلت: إنه عالمٌ غير جاهل فوقف. قال ابن القاسم: إن قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي مدبرٌ فلا يرجع فيه. قال أصبغ: ينزل منه على التدبير ولو دبره على غيره فله أن يرجع، وبعد هذا مسألة ابن كنانة فيمن أوصى لرجل بأمته عن دبر منه في باب مفرد. ما يكون من أفعال الموصي رجوعاً عن وصيته وما لا يُعد رجوعاً من تغييره الشيء أو إحداثه صنعةً فيه أو زيادة فيه وشبه (ذلك) (¬1) من المجموعة والعتبية (¬2) من رواية عيسى قال ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بدينٍ له على رجل ثم اقتضاه في مرضه فأنفقه أو استودعه فهو رجوع ولا شيء له. قال في العتبية (¬3): إلا أن يوصي له بمائة مبهمة أو عُرفت المائة بعينها ولم يحرك. ¬
قال ابن القاسم في المجموعة: وإن أوصى له بزرعٍ ثم حصده أو بثمر ثم جذه أو بصوفٍ ثم جزه فليس برجوع/ إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته فهذا رجوع، وإن أوصى له بعبد فرهنه فليس برجوع وليبدأ من رأس المال ولو أجره فالعبد للموصي، قاله مالك. ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: فإن أوصى له بثوب فصبغه فالثوب بصبغه للموصى له. قال أشهب: وكذلك لو غسله أو كانت داراً فجصصها أو زاد فيها بناءً أو سويقاً (¬1) فلته لأنه لم يتغير الاسم عن حاله. قال أشهب: ولو أوصى له بعرصة فبناها داراً فذلك رجوع، ولو أوصى له بدار فهدمها حتى صارت عرصةً فليس برجوع فيها كله لأنه موصى له بعرصة وبناءٍ فأزال البنيان وأبقى العرصة. قال في كتاب ابن المواز: ولا وصية له في النقض الذي نُقض. قال: وأما الموصي بعرصة فيبنيها فإنه لا يقع عليها بعد البناء اسمُ عرصة. وقاله سحنون في العتبية (¬2). قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم: إذا هدم الدار فالعرصة والنقض للموصى له، قال عنه أصبغ وأبو زيد في العتبية (¬3): وإذا أوصى له بعرصة ثم بنى بها لكانا شريكين فيها بقدر قيمة البناء في العرصة، وقاله أصبغ. وكذلك لو أوصى له بثوب فصبغه أو بسويق فلته كانا فيه شريكين بقدره من قدر الصبغ واللتات. ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو أوصى له بغزل فحاكه ثوباً أو دبراً فقطعه/ قميصاً فهو رجوع، وقاله أشهب. قال أشهب: أو أوصى له بقميص ثم قطعه قباءٌ أو جُبة فردها قميصاً أو ببطانة ثم بطن بها ثوباً أو ¬
بظهارةٍ ثم ظهر بها ثوباً أو بقطن ثم حشا به أو غزله أو بغزل ثم نسجه أو بفضة ثم صاعها خاتماً أو بشاة ثم ذبحها ثم مات فهذا كله رجوع وتبطل الوصية لأنه لا يقع عليه الاسم الذي أوصى فيه، قال أشهب: وإن أوصى له بثوب أو عبد ثم باعه فإن مات قبل أن يشتريه فقد رجع ولا وصية فيه، وإن اشتراه عادت الوصية فيه بحالها إن مات كان للموصى له وإذا أوصى له بعبد في غير ملكه أن يشتري ثم صار ذلك العبد إلى الموصي بميراث أو صدقة أو هبة ثم مات فالوصية فيه نافذة. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى لرجل بمزودٍ جديد ثم لته بعسل أو سمن فليس برجوع كما لو أوصى له بعبد ثم علمه الكتاب قال أصبغ: ليس برجوع ويكون شريكاً بقدرها من قدر اللتات، وكذلك الثوب بصبغة والقاعة بينهما. قال ابن القاسم: وإن أوصى بريطةٍ (¬2) فقطعها قميصاً قبل أن يموت أن هذا رجوعٌ بخلاف وطئه للأمة. وقال أبو زيد عن ابن القاسم: وإذا قال: ثوبي لزيد ثم قطعه قميصاً ولبسه في مرضه فليس برجوع وهو للموصى له، ولو قال شُقتي لفلان ثم قطعها قميصاً أو/ سراويلاتٍ كان رجوعاً لتغير الاسم، وإذا صبغ الثوب صبغاً زاده فليضرب فيه بقيمته أبيض. قال ابن حبيب قال أصبغ: في امرأة أعتقت أمتها في مرضها فقال لها من يجهل لا يجوز لها منها إلا الثلث، قالت: فإذا كان لا يجوز فأعتقوا ثلثها قال: هذا رجوعٌ وزلا يعتق إلا ثلث الأمةِ لأنها صدقت من قال لها ذلك، ولو قالت: فإن كان لا يجوز ذلك فاعتقوا ثلثها فهذه كلها تعتق في الثلث لقولها فإن كان كأنها قالت وإن لم يجز ذلك. ¬
فيمن أوصى بشيء لرجل ثم باع ذلك أو انتفع به أو هلك بعضه ثم أخلف مثله أو زاد أو نقص
فيمن أوصى بشيء لرجل ثم باع ذلك أو انتفع به أو هلك بعضُه ثم أخلف مثله أو زاد في العد أو نقص أو غير اسمه وقد عين أو أبهم من العتبية (¬1) روى أشهب عن مالك: فيمن أوصى لرجل بثيابه ثم باع بعضها وأخلف ثياباً أو بمتاع بينةٍ فتنكسر الصفحة ويذهب الشيء ثم يخلفه فذلك للموصى له، وكذلك من أوصى لأخيه بسيفه ودرعه فهلك ذلك ثم يخلفه فهو للموصى له كما لو أوصى له بحائطه فيكسر منه النخلات ويغرس فيه ودياً (¬2) أو يُنبتُ فيه ودياً ويزرع فيه زرعاً فذلك له وهذا الذي أراد الميت وأما لو أوصى له بعبد بعينه قال في كتاب ابن المواز: أو بعتقه فمات العبد فأخلف غيره فبخلاف ذلك، ولو قال: رقيقي أو ثيابي لفلان فمات بعضهم/ وخلف بعض الثياب فأفاد رقيقاً وثياباً فللموصى له جميع رقيقه وثيابه كما لو أوصى لرجل بسُدس ماله فله سدس ماله على ما هو به يوم يموت، وكما لو قال: إذا مت فرقيقي أحرارٌ فيبيعهم ويبتاع غيرهم فالوصية بحالها، وكذلك لو زاد إليهم غيرهم، ولو قال: عبدي النوبي أو الصقلبي حر فباعه واشترى مثله صقلبياً أو نوبياً أو حبشياً آخر فلا عتق له كما لو اشترى معه غيره لم يعتق ذلك الغير. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصى في عبد له بالعتق أو لفلان فمات العبد أو باعه أو وهبه ثم اشترى عبداً غيره فإن كان الأول بعينه سماه أو قال: هذا من رقيقي أو من إبلي لزيد فمات بعضهم ثم أفاد غيرهم من إبل أو عبيد فالوصية ترجع فيمن أفاد كما كانت. قال أشهب عن مالك: وكذلك قوله: ثيابي أو سلاحي أو متاعي فيذهب ذلك ويستحدث مثله فإن الوصية فيما أفاد قائمةً، قال مالك: وكذلك لو كانت له دُورٌ محبسةٌ حبسها هو أو أبوه أو أجنبي ومرجعها إليه وكذلك جمله ¬
الشارد وعبده الآبق يرجع ذلك كله إليه بعد موته ولو بعد سنين وكذلك قوله: حائطي لزيد فانكسر نخلات منه وغرس مكانهن أو زاد أو زرع، محمد: لأنه حائط بعينه باقٍ فأما لو ذهب الحائطُ فاشترى آخر فلا شيء فيه للموصى له إذا عينه/ أو قصد تعيينه، وإن لم يقل هذا الحائط بعينه ولكن وصفه بصفة ثم هلك الحائط أو باعه أو استحدث مثله في صفته فاختلف فيه، فابن القاسم يقول: تسقط الوصية وروى هو وأشهب عن مالك: في التي قالت: ثوبي الخز لفلانة فذهب ثوبها وأخلفت مثله أنه لا شيء للموصى له فيه وخالف ذلك أشهب فيمن أوصى برقيقه فسماهم ووصف سلاحه وثيابه بصفة ذلك وجنسه ثم استهلك بعض ذلك واستفاد مثله ثم هلك قال: فلا يكون ذلك للموصى له إلا أن يوافقه في الاسم، مثل أن يقول: عبدي نجيح النوبي حر وقميصي المروي [الكدر] (¬1) لزيدٍ أو سيفي العدني في السبيل أن الوصية تقع في الثاني الذي هو مثل الأول في الاسم والصفة قال أشهب: فإن قيل فإن له إن حلف بحريته إن فعل كذا فباعه واشترى مثله اسماً أو صفة ثم فعل أنه لا يحنث قيل له: ذلك يختلف، لأن الوصية يُرجع فيها ولا يُرجعُ في اليمين، ولو حلف بعتق رقيقه فيحنث فإنما يلزمه فيمن عنده يوم حلف. وإذا أوصى برقيقه ثم بدلهم أو زاد أو نقص فإنما للموصى له من يكون عنده يوم مات لا يوم أوصى، قاله مالك. وكذلك وصيتُه في جزءٍ من المال، ولم يأخذ محمدٌ بقول أشهب حين جعل المبهم والموصوف بالاسم والصفة سواء، ومسألة مالكٍ في التي أوصت في ثوبها/ الخز يُرد هذا، وقال ابن القاسم: في الذي أوصلى أن غلامي النوبي أو الصقلبي حر فباعه ثم ابتاع مثله فلا يعتق إلا أن يشتريه هو بعينه، ولأنه لو قال: رقيقي أحرارٌ في وصيته ثم زاد إليهم غيرهم لأعتقوا أجمعون، ولو قال: عبدي النوبي ثم اشترى مثله لم يعتق إلا الأول فليس المبهم كالمقصود بالاسم والصفة، وبهذا أخذ أصبغ. ¬
قال محمد: وليس قوله عبدي أو ثلاثة أعبدٍ كقوله عبيدي، لأن قوله عبدي أو ثلاثة أعبدي تعيينٌ لهم لا يعدوهم العتق، وقوله عبيدي غير تعيين بالعتق فيمن عنده يوم مات زاد فيهم أو نقص قبل ذلك. قال أشهب: إذا أوصى فقال: غلامي نجيحٌ الصقلبي حُر فباع واشترى من اسمُه نجيحٌ وهو نوبي فلا وصية فيه حتى يوافقه في الاسم والجنس، ولو قال: غلامي نجيحٌ حُر ولم يصفه بصفة فاشترى من اسمُه مبارك فسماه نجيحاً لأعتق قال محمد: وقد أخبرتُك أنه إنما يُنظر إلى المعين فيكون خلاف المبهم، ولو قال: غلامي نجيحٌ ثم سماه مباركاً لم تزل الوصية عنه لأنه عبد نفسه، وقاله أشهب: ولو اشترى آخر فسماه باسمٍ غير الذي اسمُه لم يعتق إلا الأول، قال أشهب: ولو قال في وصيته: عبدي حر ولم يُسمه وليس له غيره ثم اشترى غيره ثم مات فلا لاستحسان أن يعتق الأول، وبه أقول، لأنه إياه أراد، والقياس أن يعتق نصفها بالسهم/ قال محمد: لا يعتق إلا الأول. قال أشهب: ولو قال في وصيته: عبدي حر ولم يسمه وليس له غيره ثم اشترى غيره ثم إن له عبدين فقال هما حران فمات واشترى آخر فهما حران. قال محمد: لا يعتق عندي إلا الباقي من العبدين كمن قال: عبدي حر لا كمن قال: عبيدي. ولو لم يمت من العبدين أحد واشترى ثالثاً لم يعتق إلا الأول، ولو قال: عبيدي دخل من اشترى في وصيته مات الأولان أو بقيا، ولو قال: ثلاثة أعبدي كان كالتعيين لا يعتق غيرهم ممن يفيد. قال أشهب: ولو قال: عبداي حران فمات أحدهما ثم اشترى اثنين فلا يعتق من الذي اشترى إلا واحداً بالسهم نصف قيمتهما، ولو أعتق نصف كل واحد لجاز والسهم أحب إلي ويعتق الأول. قال محمد: لا يصلح لأنه قد علم أن الميت أراد الأول وصاحبه ولو كان أراد المبهم لزم أشهب: إذا اشترى غيرهما مناقصة لأنه يقول في هذا لا يعتق إلا الأولان، ولو قال: عبدي حر وله عبدٌ واحدٌ فاشترى آخر فقال: إن القياس السهم بينهما ولكني أستحسن عتق الأول، وقال في الاثنين يموت أحدهما ثم اشترى اثنين أن يعتق الأول ويسهم بين الاثنين وكان ينبغي في القياس عنده أن يعتق ثلثا الثلاثة. والصواب عندنا وهو قولُ مالكٍ وابن
فيمن أوصى لرجل بجاريته أو بالثلث عن دبر منه، هل له رجوع؟ وهل الوطء رجوع؟
القاسم أن قوله: عبدي حر أو عبداي (¬1) حران أو ثلاثة أعبدي أنه تعيين لا ينصرف العتقُ إلى غيرهم كمسألة مالك في ثوب الخز رواها أشهب./ قال محمد: وأما إن قال: عبدي حر وله عبيدٌ كمن يعتق أحد عبيده وليس كمن له غيرهم. فيمن أوصى لرجل بجاريته أو بالثلث عن دبرٍ منه هل له رجوعٌ؟ وهل الوطء رجوعٌ؟ من المجموعة قال ابن كنانة: ومن أوصى لرجل بجارية عن دبرٍ منه أو بالثلث عن دبر منه فإن له الوطء والبيع في الجارية ويحدث في ثلثه ما شاء ولا تنتقض وصيتُه إلا أن تحمل الأمة من سنتها أو تخرج من ملكه أو شيء من ثلثه، وقاله ابن القاسم في الوطء ليس برجوع، وقاله محمد وأصبغ وأبو زيد في العتبية (¬2) قال عنه أبو زيد: وإن وُقفت الأمة بعد موته خيفة أن تكون حاملاً منه ولا شيء للموصى له في قيمتها، وذكره عنه في المجموعة قال ابن عبدوس: انظر في هذا هي إنما فيها القيمة والقيمة تدخل في المال وتدخل فيها الوصايا لو لم يوصِ برقبتها فلما أوصى بها فالموصى له أحق بقيمتها لأن حكمها حكم الأمة حتى يتبين حملُها وكذلك أمةً لعبدٍ كان يطؤها فأعتقه سيده ثم أعتقها العبدُ فحكمها حكم الأمة حتى تضع. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بجارية له أو أوصى بعتقها فإن له وطأها لأن له الرجوع والبيع وأما لو أعتق في مرضه أو تصدق بتلاً فلا يطؤها وإن كانت من الثلث لأنه/ لو صح نفذ عتقه. ¬
فيمن أوصى بوصية أو بعد وصية أو أوصى في شيء واحد بأمرين مختلفين
فيمن أوصى بوصية أو بعد وصية أو أوصى في شيءٍ واحدٍ بأمرين مختلفين من كتاب ابن المواز ومن المجموعة روى ابن وهب وابن القاسم وعلي عن مالك: فيمن أوصى بوصية وأشهد عليها ثم أوصى بأخرى عند الموت ولم يذكر الأولى فهما جائزتان إلا أن يتبين في الآخرة نقصُ شيءٍ من الأولى. قال في كتاب ابن المواز: وإذا أوصى الميت بوصية بعد وصية فإن عجز ثلثه فلا تبدئة للأول ولا للآخر كان في كتاب واحد أو في كتاب بعد كتاب، وإن كان بينهما سنون فإن كان عتقاً بعد عتق فإنما فيه الحصاص إلا ما كان من تدبير أو عتق بتل فإنه إن كان في وصية واحدة فهو كشيءٍ واحد لا تبدية فيه إلا أن تُدَبرَ أو يبتل ثم يبدو له فيدبرُ فليُبدأ الأول. ومن العتبية روى محمد بن خالد عن ابن القاسم: فيمن كتب وصية عند سفره ثم حضره الموت في سفره فكتب وصيةً أخرى ولم يذكر وصيته الأخرى وأسند الثانية إلى رجل فأنفذها عنه في سفره ذلك مما ترك في يديه قال: هو ضامن لما أعطى، وقاله ابن نافع، وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب: فيمن عوتب في أقاربه أن يصلهم وأوصى لهم بثلثه ثم أنه مرض فأوصى بثلثه – يريد في شيءٍ آخر- قال: ليس لأقاربه شيءٌ. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن أوصى بثلثه في سبيل الله سبحانه ثم قال بعد يوم أو يومين:/ يُقسم ثُلثي أثلاثاً فثلثٌ في المساكين وثلث في الرقاب وثلث يُحج به عني قال: يُقسم ثلثه نصفين فنصفه في سبيل الله ونصفه يُقسم أثلاثاً على ما ينص في وصيته.
فيمن أوصى لرجل بعبد ولآخر بسدس ماله أو لهذا بجزء من ماله ولآخر بجزء أكثر أو أقل
فيمن أوصى لرجل بعبد ولآخر بسدس ماله أو لهذا بجزءٍ من ماله ولآخر بجزء أكثر منه أو أقل من كتاب ابن المواز: وإذا أوصى لرجل بعبد ثم أوصى لآخر بسُدس ماله وترك خمسمائة دينار وقيمةُ العبد مائة دينار قال: فلهذا العبدُ كله ولهذا مائة دينارٍ لأن هذا وفاءُ الثلث. وقال أصبغ عن ابن القاسم: أن يأخذ صاحبُ السدسِ سُدس العبد ولصاحب والعبد خمسهُ أسداس العبد ويكون سُدسُ العبد بينهما، ولا يعجبنا هذا ولا تؤخذ الوصايا باللفظ ولكن على ما يرى أن الميت أراده، قال عمر: من وهب هبةً يرى أنها للثواب. وأخبرني أبو زيد أراه عن أشهب أنه عابه وقال: لو قلتُ هذا لزمته رجوعاً ويكون سدس العبد للآخر وحده، قال أشهب: وكذلك لو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بعبده وهو سدس المال فإن لكل واحد ثلثي وصيته، لصاحب الثلث ثلثا الثلث في كل شيءٍ وللآخر ثلث الثلث في العبد، ولو أوصى لواحد بالسدس ولآخر بالعبد وهو الثلث فله ثلثا العبد وللآخر ثلثا الثلث من كل شيءٍ يكون شريكاً للورثة بالسبعِ/، ولو كان العبد السدس كان كله له والآخر شريكاً بالخُمس. من المجموعة قال أشهب: ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه فالثلث بينهما على خمسة، وإن أوصى للثاني بجميعه فالثلث بينهما على أربعة. وقاله ابن القاسم. فيمن أوصى لرجل بعبده أو بعتقه ثم أوصى به لآخر أو أوصى للأول برقبته أو خدمته وللثاني مثل ذلك أو بأن يُباع منه ومن غيره من كتاب ابن المواز: ومن أوصى أن عبده ميمون لزيدٍ وكتب في وصيته تلك أو في غيرها أنه لعمرو فهو بينهما حتى يتبين أنه رجوع أو يظهر دليلٌ على
ذلك مثل أن يقول: عبدي الذي أوصيتُ به لزيد هو لعمرٍو فهذا رجوع، فإن لم يقبله الثاني فلا شيء للأول، وذكره ابن عبدوس عن ابن القاسم وأشهب وأنه قول مالكٍ. قال أشهب: لأنه قد أوصى لهما به فتساويا وليس ما يبدأ به في اللفظ يوجب التبدية وكذلك لو كانت داراً فذلك أو ما حمل الثلث منه فبينهما. قال ابن القاسم وأشهب: فإن أوصى بعبده لوارث ثم أوصى به لأجنبي فهو بينهما ويرجع نصيب الوارث ميراثاً إلا أن يجيز له الورثة، قال ابن القاسم: وإن أوصى بعتقه ثم أوصى به لرجل فهذا رجوع وكذلك لو أجرى وصيةً بعتقه. وقال أشهب/ في الوصايا الثالث مثله وقال في الثاني إن أوصى به لرجل بعد أن أوصى بعتقه فالعتق أولى، ولو كان لرجل آخر لتحاصا فالعتق مبدأ. ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب: في امرأة أوصت لبني زوجها بعبيد سمتهم حين خرجت من الأندلس ودفعتهم إليهم ثم كتبت من مصر إلى رجل أن يبيع لها كل مالها بالأندلس من رأسٍ وغيره ولم تذكر أولياء الرقيق بذكر ولها رقيقٌ وغيرهم فطلب الوكيل بيع الجميع وقال هذا رجوعٌ عما أوصت، وقال بنو الزوج لو رجعت لسمتهم قال: يوقفون ويعاود بكتاب فيهم فإن مات قبل ذلك نفذت الوصية ولم يُغير إلا بأمر بينٍ، قال ابن القاسم: كتابها بالبيع رجوعٌ عن الوصية كما لو كتبت بصدقة كل مالها بالأندلس على رجل كان رجوعاً والصدقة أثبتُ لهم من الوصية ويُقضى لهم، وكذلك لو أعتقت كل مالها من عبدٍ بالأندلس كان العتقُ أولى. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: ومن أوصى بعبده لفلان ثم أوصى ببيعه أو قال: بيعوه من فلان وسمى ثمناً أو لم يُسم فهو رجوع والوصية للآخر ويباع من الذي سمى ويحُط ثلث ثمنه إن لم يُسم وإن سمى ثمناً لم يُحط منه شيءٌ، فإن قبله فذلك وإلا عاد ميراثاً، قال أشهب: حتى لو قال: عبدي ¬
لفلان وبيعوه من فلان فليبع منه بثلثي ثمنه/ (و) يعطاه للأول فإن ترك الموصى له فابتياعه سواء، فالثلث الذي أوصى به للورثة دون الموصى له به. قال في كتاب ابن المواز: ويكون للموصى له بالعبد ثلثا ثمنه قال في الكتابين: وكذلك لو قال: عبدي فلانٌ لفلان وهو لفلان فهو بينهما نصفان فإن رد الآخر نصفه فنصفه للورثة. قال ابن عبدوس عن أشهب وقال ابن المواز عن ابن القاسم: فيمن أوصى بعبده لفلان وفي وصية له أخرى أن يُباع من فلان ولا مال له غيره فإن ثلث العبد يكون بينهما أرباعاً للموصى له بالعبد ثلاثةُ أرباع الثلث وللموصى له ببيعه ربع الثلث. قال ابن عبدوس قال سحنون: ولو أوصى أن تُباع داره من فلان بمائة وأوصى بعد ذلك أن تُباع تلك الدار من فلان بخمسين فإن حملها الثلث بيع نصفها من هذا بخمسين ونصفها من الآخر بخمسة وعشرين وإن لم يحملها الثلث خُير الورثة فإما أجازوا أو يُسلمون لهم من ثلث الميت في الدار فتكون بينهما نصفين. قال: ولا أرى للمريض أن يوصي ببيع دار بعد موته ليس له غيرها وإن لم يحاب لأنهم يملكون بموته الثلثين وإنما له ذلك في حياته. ومن المجموعة قال أشهب: إذا قال في وصيته: علة عبدي لفلان ثم قال بعد ذلك لفلان آخر فليس برجوع والغلة والخدمة سواء، فإن حمله الثلث اختدماه أو استغلاه جميعاً يكون بينهما بالسواء، وإن لم يحمله الثلثُ خُير الورثة أن يجيزوا ذلك أو يُسلموا/ إليهما ثلث الميت قال ابن القاسم: وإن قال: عبدي يخدم فلاناً سنتين ثم هو حُر ثم قال يخدم فلاناً سنةً أنهما يتحاصان في خدمته سنتين [فلصاحب السنة خدمتُه ثلثي سنة ولصاحب السنتين خدمتُه سنةً وثلثاً] (¬1) ولو قال: يخدم فلاناً ¬
فيمن له ثلاثة أعبد وأوصى بهم لرجل أو لرجلين ثم أوصى بأحدهم بعينه لرجل ثالث
سنة ثم هو حُر ثم قال يخدم فلاناً سنتين فليتحاصا في خدمته سنة ثم هو حر لهذا ثلثاها وللآخر ثلثها. فيمن له ثلاثة أعبد وأوصى بهم لرجل أو لرجلين ثم أوصى بأحدهم بعينه لرجل ثالث أو لأحد الرجلين وبالثالث لآخر أو أوصى بأحدهم غير مسمى لرجل وبواحد بعينه لرجل أو كانت الوصية بدين على هذا المعنى من العتبية (¬1) أراه من سماع أصبغ أو عيسى قال ابن القاسم: ومن له ثلاثة أعبدٍ أوصى بهم لرجل ثم أوصى بواحد منهم سماه لآخر فإن حملهم الثلث فالعبدان للأول ويكون الثالث بينه وبين الآخر نصفين وإن حمل من كل واحد ثلثاه فما حمل من العبدين للأول وما حمل من الثالث بينهما بجميع الثمن. قال أصبغ: وتكون وصية كل واحد في المحاصة فيما أوصى له فيه لا في سائر التركة. ومنه ومن العتبية: وإن أوصى بثلاثة أعبُدٍ لرجلين ثم أوصى لأحدهما باثنين منهم سماهم وبالثالث للرجل الثالث فليضربا فيهما بأكثر الوصيتين فإن كان قيمة العبد المنفرد أكثر من نصف قيمتها ضرب صاحبه فيهما بقيمته وإن كان/ نصفهما أكثر له صوب له بنصفهما وكذلك الموصى له بنصفهما وكذلك الموصى له بالاثنين إن كان قيمتهما أقل من نصف الثلاثة ضرب له بذلك وإن كان نصفهم أكثر ضرب له بذلك وكذلك يضربان فيما حمل الثلث منهم بأكثر الوصيتين، وروى عنه عيسى: وإذا أوصى لفلان وفلان بالمائة التي له على فلان ثم أوصى بها لأحدهما فليضرب فيها الواحد بمائة ويضرب الآخر بخمسين. ولو قال: عبدي ميمون ومرزوق للموصى لهما وإن لم يدع غيرهم فثلث جائز بينهما وثلثا الاثنين للآخر. ¬
فيمن أوصى لرجل بوصية بعد وصية من صنف واحد مختلفي العدد أو من صنفين مختلفين
ومنه ومن رواية عيسى ومن المجموعة: ومن ليس له غير ثلاثة أعبد قيمتهم سواء وأوصى لرجل بأحدهم ولم يُسمه ثم أوصى لآخر بعبد بعينه منهم فليُسهم بينهم أيهم يقع للذي أُبهم عبدُه فإن وقع له المعينُ كان بينهما نصفين وإن وقع له الآخر فله نصفه وللورثة نصفه ولصاحب المعين نصف المعين فحصاصُ هذا لصاحبه بقيمة المعين ويحاصه الآخرُ ثلث قيمتهم. فيمن أوصى لرجل بوصية بعد وصية من صنف واحد مختلفي العدد أو من صنفين مختلفين من المجموعة وغيرها روى ابن القاسم وابن وهب وعبد الملك وغيره عن مالك: فيمن أوصى لرجل بدنانير ثم أوصى له بدنانير أقل عدداً أو أكثر فله أكثر الوصيتين، قال/ عبد الملك: لأنه لما لم يتبين أنه يرجع عن الأولى واحتمل أن يكون بسببها أعطيناه أكثرهما. قال عبد الملك فيه وفي كتاب ابن حبيب: وأما إن كانت وصيةٌ واحدة فسمى له في أولها عشرةً ثم سمى له في آخرها أكثر من عبدي فله الزائد على العشرة وله الآخرة فقط وكأنه يقبل الأولى فزاده فقال له عشرون منها الأولى ولا يحسن في المسألة الأولى أن يقول أخر له عشرةً أو تسعةً منها الأولى، ولو قال: لزيد عشرةٌ ولفلان كذا ولفلان كذا ولزيد عشرون فإنما له عشرون وكانت واو النسق على ما قاربها من ذكر غيره ولأنه يحسن أن ينسق (¬1) بذلك. ولو قال: وانظروا فلاناً فإنه فعل بنا كذا أو ظلم فلاناً ولزيد عشرون فهذا لا يحسن أن ينسق (¬2) إلا على الأولى فكأنه قال: لزيد عشرة وله عشرون وله ثلاثون ولو قال لزيد عشرة لزيد عشرون لم يكن له إلا عشرون. قال عنهما ابن حبيب: وكذلك ما يوزن أو يكال في بدايته بالأكثر أو الأقل، وكذلك العين لأنه صنف وأخذ الدنانير والدراهم بدأ بالذهب أو بالفضة ويُعتبر الأكثر والأقل بالصرف، ورواه كله عن مالك. ¬
قال ابن الماجشون: ولو كانا في كتابين أخذ أكثر الوصيتين لا يُراعى فيها شيءٌ. وقال مطرف: كانا في كتاب أو كتابين يراعى الأقل إذا بدأ به أو بالأكثر فالأول إن كان عروضاً أو عرضاً وعيناً/ فله الوصيتان جميعاً تفاضل ذلك أم لا في كتاب أو كتابين وساوى ابن القاسم في كتاب وكتابين إن كانت الوصيتان عيناً أو يُكال ويوزن فله الأكثرُ منهما كانت الأولى والآخرة وجعل الدنانير والدراهم صنفين في هذا وله الوصيتان، وقاله أصبغ قال ابن حبيب بقول مطرف وابن الماجشون. ومن المجموعة وروى علي بن زيد عن مالك: إن أوصى له بخمسة ثم أوصى له في وصية أخرى بعشرة فله عشرة ولو كانت الأولى عشرة والثانية خمسة فله خمسة عشر. وقال أشهب ورواه عن مالك: إن كل ما كان من صنف واحد فله أكثر بالوصيتين كانت الأولى أو الآخرة، قال أشهب كان ذلك مما يُكال ويوزن ومما لا يكال ولا لايوزن كان حبوباً أو عروضاً أو غيرها ما لم يكن في ذلك شيءٌ بعينه، وكذلك لو قال: لفلانٍ عشرة أعبدٍ أو أقواس أو أندر أو أثواب قال: من أندري أو من عبيدي أو من دوري أو أقواسي أو ثيابي أو لم يقل ثم أوصى له بأكثر من ذلك أو بأقل من ذلك الجنس فله الأكثر ما لم يكن شيئاً بعينه، وكذلك قال ابن القاسم فيما يكال ويوزن وفي الحيوان والدور ويكون شريكاً فيما لا يُكال ولا يوزن بذلك العدد إن كان عشرة وعند الميت عشرون فله نصفه ذلك ما بقي وقع له في القسم أقل من العدد أو أكثر، وإن كانت دورٌ في غير ملك أُعطي النصف من كل ناحية وهذا إذا حمل الثلث الوصية أو أجاز الورثة/ وإلا فبمقدار ما حمل الثلث منها يكون به شريكاً. قال أشهب: وهذا قول مالكٍ كله لي في غير عام ذلك كانت الولى هي الأكثر أو الآخرة، وذكر ابن المواز عن أشهب عن مالك نحو ما تقدم أنه إذا
أوصى له بشيءٍ بعد شيءٍ في كتاب واحد أو كتاب بعد كتاب ولم يذكر الأولى فما كان من نوع واحد من دنانير أو دراهم أو طعام يُكالُ أو يوزن فله أكثرهما، وإن كانت أشياء مختلفةً دنانير وعبد ودابة أخذ الجميع وحُوصص له به، محمد: وكذلك دنانير ودراهم وقمحٌ وشعير أو دراهم وسبائكُ فضةٍ فله ذلك كله. وفي العتبية (¬1) ذكر يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثل ما تقدم، إن أوصى له في وصية بعشرة وفي أخرى بعشرين أخذ عشرين وإن كان في هذه مائة دينار وفي هذه مائة درهم أخذ ما في الوصيتين، وإن كان في هذه فرسان وفي هذه ثلاثة أخذ ثلاثة فأما في هذه فرسٌ وفي هذه جملان فليأخذ فرساً وجملين، وكذلك الدنانير والدراهم والحيوان والثياب إذا اتفق الجنس أخذ أكثرهما، فإن اختلف فله الوصيتان. قال في المجموعة ابن القاسم وأشهب: ولو أوصى له بثلثي ماله ثم أوصى له بثلثه لحاص بالأكثر، قال أشهب: ولو أوصى له في كل مرة بالثلث لحاص بثلث واحد وإلا ثلاثاً كالدنانير ولا تُعرفُ بأعيانها، فأما إن أوصى له بالثلث ثم أوصى له بعدة دنانير أو بعبد لحاص بالثلث والعدة الدنانير أو العتق. وقال أيضاً/ أشهب: إن أوصى له بثلاثين ديناراً ثم أوصى له بالثلث أنه يُحاص بالثلث من كل شيءٍ ويُنظرُ إلى ما ترك من العين فإن كان أكثر من الثلاثين حاص به وإن كانت الثلاثون أكثر حاص بها. قال ابن القاسم: إن أوصى له بثلاثين ديناراً ثم أوصى له بالثلث فليُحاص بالأكثر، قال سحنون: معناه عندي أن ماله عين كله، وذكر ابن حبيب عن أصبغ نحوه إن كان مالُه ناضاً أعطى الأكثر وإن كان ماله عرضاً كله أُعطي الوصيتين إن أجازوا له وإن لم يجيزوا ومعه وصايا ضرب بالثلث وبالمال، وإن لم ¬
تكن وصايا فإنما له الثلث وإن كان ماله عرضاً وناضاً فله ثلث العرض والأكثر من ثلث العين أو الدنانير المسماة – يريد في الحصاص. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن البن القاسم: فيمن أوصى بثلثه لفلان وفلان [وفلان] (¬2) ثم قال أعطُوا فلاناً مائة لأحد الثلاثة فإنه يضرب له بالأكثر الوصيتين من المائة أو من ثلث الثلث. قال أصبغ: وفيها شيءٌ ولنا تفسير. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: وإذا أوصى بمائة دينار ثم أوصى له بثلثه في وصية أخرى فإن كان ماله كله عيناً ضرب بأكثر الوصيتين وإن كان عرضاً وعيناً ضرب له بثلث العرض ونظر إلى ثلث العين، وإن كان أكثر من مائة أو كانت المائة أكثر ضرب له بأكثرهما وقاله أشهب. قال: وإن أوصى لرجل بألف دينار/ وأوصى لغيره بوصايا ثم أوصى لصاحب الألف بخمسمائة دينار مُبدأة فإنه يُحاص له بالألف فإن صار له خمسمائة فأكثر لم يكن له غير ذلك وإن صار له بحصاص الألف لأقل من خمسمائة تمت له خمسمائة مُبدأة كما قال. قال مالك: ومن أوصى لرجل بثلاثمائة دينار وبمسكن ويبدأ ذلك كله على الوصايا ثم أوصى له بعد عامين في وصية أخرى بألف دينار ولم يقل مبدأة قال: يبدأ بالمسكن بكل حال ويحاصص بألف دينارٍ فإن وقع له أقل من ثلاثمائة بُدئ ببقية الثلاثمائة وإن وقع له أكثر من ثلاثمائة كان ذلك له، وذكر في العتبية (¬3) من سماع أشهب عن مالك وهو في المجموعة (¬4): ثم أقام سنين ثم أوصى لفلان كذا ولفلان كذا ولفلانٍ – يعني الأول- ألف دينار فإنه يبدأ للأول بالمسكنِ ثم ¬
يحاصصُ أهل الوصايا بألف ومائة التي لم يبدأ بها فإن صار له أكثر من ثلاثمائة فذلك له لأن له الأكثر. قال في سماع عيسى عن ابن القاسم: وإن صار له/ الأقل من ثلاثمائة ثم له ثلاثمائة مبدأ والسؤال في سماع عيسى عن ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى لرجل بمائة مبدأ ويقوم بوصايا ثم قال بعد ذلك ولصاحب المائة المبدأ ألف دينار ثم ذكر الجواز. ومن المجموعة والعتبية (¬1) من رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا أوصى لواحد بعشرة ولآخر بعشرين ولآخر بثلاثين ثم أوصى لهم بعد ذلك بالثلث فإنهم يُعطون التسمية ثم يقتسمون ما بقي من الثلث أثلاثاً وقال أيضاً: بقدر ما بأيديهم. ومن العتبية (¬2) قال سحنون وأصبغ عن ابن القاسم: إذا أوصى لرجل بدنانير ودراهم أو بصيحاني (¬3) وبرني (¬4) في وصية أو وصيتين فله الصنفان. قال عنه أبو زيد: إذا أوصى له في واحدة بعشرة وعبد وفي الثانية بخمسة وبرذونٍ (¬5) أخذ عشرة والعبد والبرذون إن حمل الثلث وإن لم يحمل الثلث ولم يُجز الورثةُ أخذ ما حُمل من ذلك كله، وإن أوصى له في واحدة بعبدين وفي الأخرى بعبد ولم يعينهم فإنما له عبدان ولو عينهم كان له الثلاثة. ومن المجموعة قال أشهب: إن أوصى لرجل بعبدٍ سماه ثم أوصى له بعبد فله العبدان. قال عبد الملك: إذا أوصى له بعرضين مختلفين في وصيتين فله العرضان ولو كانتا وصيتين في هذه دارٌ وفي هذه أصولٌ فله الأكثر من قيمتهما، قال عبد الملك: فالدار والأصل لا يكون إلا شيئاً بعينه فهذا وجه قوله. ¬
ذكر الكفن والوصية فيه، وفي الوصية بما لا يجوز أو على الضرر
/ذكر الكفن والوصية فيه وفي الوصية بما لا يجوز أو على الضرر من المجموعة قال ابن القاسم وعلي عن مالك: والكفنُ أولى من الدين والميراث، والرهن أولى من الكفن. قال سحنون: وسكنى الزوجة في دار قد نقد الميت كراءها أولى من الكفن. قال ابن القاسم: ومن نُبش فعلى ورثته كفنُه ثانيةً، وقد ذكرنا الاختلاف فيه في كتاب الجنائز وفيه الوصيةُ في الكفن، قال علي عن مالك: ومن أوصى أن يُكفن في كذا فلا يجوز من ذلك إلا ما يجوز في كفن مثله في فقره وغناه. قال في كتاب ابن المواز: ومن أوصى بسرف في كفنه وحنوطه (¬1) ودفنه لم يجز منه في رأس المال إلا ما يجوز لمثله، ورواه ابن وهب عن مالك، وقاله ابن القاسم. ومنه ومن العتبية (¬2) رواية عيسى عن ابن القاسم: ومن أوصى أن يُقام له في عرس فلانٍ أو نياة على ميت لم يَجُز ولو كان بلهو يجوز في العرس مثل الدُّف والكير فلا تَنفذ وصيتُه قال في كتاب ابن المواز: ويصير ذلك لأهل الميراث دون أهل الوصايا. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: ومن أوصى لرجل بمالٍ على أن يصوم عنه لم يَجُز ذلك. قال سحنون: وإن أوصى أن تُباع جاريتُه ممن يتخذها بنصف الثمن لم تجز وصيته. قال ابن القاسم عن مالك: في وصية محمد بن سليمان أن جواريه أحرارٌ بعد سبعين سنة؟ قال: لا تجوز وصيته وينظر السلطان، فإن رأى بيعهن/ ¬
في المسلم يوصي للكافر بوصية أو بنذر أن يتصدق عليه، وفي الذمي يوصي بما له لك
باعهُن وإن رأى تعجيل عتقهن فعل، واختار ابن القاسم في كتاب ابن المواز أن يُبعن، وقال عبد الملك في مثل هذا العتق باطلٌ فيما لا يبلغه عُمرُ العبد. قال أشهب في المجموعة: فيمن أوصى بخدمة جاريته خمس سنين ثم هي حرة وأن يباع ولدُها الصغير ويحج عنه بثمنه ومثله لا يُفرق من أمه؟ قال: يقرُّ مع أمه فإذا بلغ بيع. في المسلم يوصي للكافر بوصية أو بندرٍ أن يتصدق عليه وفي الذمي يوصي بماله لك من المجموعة روى ابن وهب عن مالك قال: وصية المسلم للكافر جائزة واحتج بالجبة التي كسا عمر أخاه – وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أشهب: كان ذا قرابة أو أجنبياً، وقد أوصت صفية بنت حي إلى أخ بها كافر، وقال ابن حبيب عن أصبغ: تجوز وصية المسلم للذمي ولا تجوز للحربي لأن ذلك قوةٌ لهم على حربهم ويرجع ذلك ميراثاً ولا يُجعل في صدقة ولا غيرها وكل ذي أوصى بما لا يحل، وأما الذمي فجعل الله في قتله، ديةً، وفي مُوطإٍ ابن وهب عن مالك: فيمن نذر صدقةً على كافر أن ذلك يلزمه وفي موضع آخر [قال مالي] (¬1) صدقة على فقراء اليهود أنه يلزمه صدقة ثلث ماله عليهم، وقد قال الله تعالى (ويُطعِمُون الطَّعَامَ عَلَى حُبِّه مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان: الآية8] والأسير الكافر. ومن المجموعة قال ابن القاسم: في نصراني أوصى بجميع ماله في الكنيسة ولا وارث له قال:/ يدفع إلى أساقفتهم ثلثَ ماله لذلك وثلثاه للمسلمين، وفي الباب الذي يلي هذا ذكرُ الوصية للحربي وهذه المسألة مكررة في آخر الكتاب في باب مفرد. ¬
فيمن أوصى لوارث أو بما لا يجوز فإن لم يجزه ورثتي فالعبد حر والمال في السبيل
فيمن أوصى لوارثٍ أو بما لا يجوز فإن لم يُجزه ورثتي فالعبد حر والمال في السبيل وتحج به عني أو قال إن باع ورثتي داري فثلثها صدقة ونحو هذا من المجموعة قال ابن نافع: قال الله سبحانه في الموصي: (غَيْرَ مُضَارًّ) [النساء: من الآية12] فلا تجوز الوصية على الضرر. قال أشهب وابن نافع وعبد الملك: فيمن أوصى لوارث وقال: فإن لم يُجز الورثة فذلك في السبيل؟ فذلك باطل لأنه مضار بالورثة إذ منعوه ما لهم منعُه. وقال ربيعة قال أشهب: إلا أن يجيز الورثة ذلك للوارث فيجوز. قال: فإن أوصى بذلك لبعض أهل الحرب وقال: فإن أُجيز ذلك وإلا فهو في سبيل الله فلا يُجازُ هذا في سبيل الله ولا في غيره ويُورثُ. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أوصى لبعض ورثته بغلام يخدمه إلى بلوغه ثم هو حر فإن لم يُجز الورثة فثلثي صدقة على فلان قال: فالعبد حُر إلى الأجل إن خرج من الثلث ويختدمه الورثة على مواريثهم إلى بلوغ من ذكر فيعتق، محمد: وإن لم يسعه الثلث خُير الورثة بين إجازة ذلك أو عجلوا عتق محمل الثلث منه بتلاً وهو من الضرر، وهو قول أصحاب مالكٍ أجمع ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك وروى نحوه ابن القاسم. فإذا أوصى بعبده لابنه فإن لم يجزه الورثة فهو حر/ فهو ميراث وكذلك إن أوصى بثلثه لابنه فإن لم يجيزوا فهو لفلان أو في السبيل فذلك باطلٌ وهو ميراثٌ ولو قال: هو حر أو في السبيل إلا أن يجيزه الورثةُ لأبي فهذا يجوز قال: وقال أشهب: لا يجوز وهو من الضرر كالأول، وقال ابن وهب مثل قول مالك وابن القاسم، قال أصبغ: وهو رأي على الاتباع للعلماء وهو قول المدنيين يجتمعون فيه، وقاله ابن كنانة وابن نافع.
قال ابن نافع قال ابن القاسم: إن بدأ بالوارث لم يجز وإن بدأ بالسبيل جاز، قال أصبغ: وأنا أقوله استحساناً واتباعاً للعلماء، وقاله غير ابن القاسم من المدنيين وفي بعض [المعمر] (¬1) وأما القياس فهو كالأول. قال ابن القاسم عن مالك: في التي أوصت في جارية لها أن تخدم ابنها حتى تسع ثم هي حرة فقيل لها هذا لا يجوز فقالت: إن لم يجز فتحج هي عني قال: تعتق الأمةُ إلى المدة وخدمتُها بين الورثة ميراثاً. وإذا قال في صحته: غلة داري حبس على المساكين [تُفرقُ عليهم] (¬2) وهي في يدي حتى أموت فإن ردها أحد من ورثتي فهي وصية في يدي. تباع فتُعطى للمساكين فقال ابن القاسم: ذلك جائز وقال أشهب: لا تجوز فأما لو قال: على بعض ورثتي وأنا أفرقها عليهم إلى آخر السؤال فهذه باطل عندهما ويُورث. ومن المجموعة قال أشهب: فيمن أوصى بوصية من غلة داره أو عبده فخاف أن لا يجيزها القاضي فاشترط إن ردها قاضٍ فقد أوصيتُ أن تُباع ويُتصدق بها قال: أما إذا أوصى/ لمن يجوز له فذلك نافذٌ ولا شيء للمساكين قال علي عن مالك: فيمن أوصى لفلان أجنبيًّ بكذا فإن لم يقبل فذلك في السبيل أو لفلان فذلك جائز من ثلثه قال غيره: وإن قال: لفلان وهو أكثر من الثلث فإن لم يجز الورثةُ فهو حر فذلك جائزٌ وهو حر قال أبو محمد: ما حمل الثلث منه. ومنه ومن العتبية (¬3) رواية أبي زيد قال ابن القاسم: فيمن لم يترك غير دار وأوصى إن باعها ورثتي فثلثها للمساكين ومن باع منهم فثلث نصيبه للمساكين؟ قال: هو على ما أوصى. قيل: إن لها عُلواً وسُفلاً فقوم علوها بزيادة أربعين ديناراً ¬
في الوصية للورثة أو لبعضهم بمال أو سكنى أو خدمة، أو توفي وأوصى مع ذلك بوصايا
وأحب إلينا أخذه ويُودوا أربعين للورثة قال: لا يترادوا بالدنانير وليأخذ النساء منها بجمعهن ولو ربع ثُلثٍ قيل: إن القاضي قضى به أيكون ما زاد النساء بيعاً؟ قال: لا ليس (ببيع) ولا شيء على الرجال في الأربعين التي أخذوا. قيل فإن شاء النساء البيع؟ قال: فليتصدق بثلث ما بقي وإن باع الرجال أخرجوا ثلث ما باعوا وثلث العشرين التي أخذوا قال: ولو باع النساءُ بتلك العشرين التي ردُّوها على الرجال فقط فلا شيء عليهم ولا على الرجال. في الوصية للورثة أو لبعضهم بمال أو سكنى أو خدمة أو تُوفي وأوصى مع ذلك بوصايا أو لم يوص وكيف إن أجاز بعض الورثة؟ من كتاب ابن المواز وغيره قال مالك وأصحابه: فيمن أوصى لوارث وأوصى بوصايا لأجنبيين فإن كان مع الوارث وارث من زوجة أو غيرها/ فإنه يُحاص الأجنبي في الثلث فما صار لوارث رجع ميراثاً إن لم يُجزه الورثة وإن لم يكن معه وارثٌ غيرُه فللأجنبيين وصاياهم بغير حصاص للوارث وكأنه أوصى له بميراثه وإذا كان معه وارث علم أنه أراد تفضيله عليه فحاص بذلك، وكذلك لو أوصى لجميع ورثته مع الأجنبي ولأنصبائهم في الميراث والوصية [سواء فالأجنبي مقدم] (¬1) إلا أن يكون الورثة ذكوراً [ ... ] بينهم في وصيته فقد علم أنه خص الإناث دون الذكور بوصية فيُحاص الأجنبي، وقد اختلفا بماذا يُحاص، فروى أصبغ عن ابن القاسم: في ابن وابنة أنه إذا أوصى لكل واحد بمائة وللأجنبي بمائة أن الأنثى تُحاص الأجنبي بخمسين وهي التي زادها على مورثها بما [ ... ] للذكر مائة كان يجب لها هي خمسون فوداها خمسين، وقاله أبو زيد وقال غيرهم من أهل العلم: يُحاص بثلث الميت لأن مورثها من مائتين [ ... ] فيحاص بالزائد وهو ثلث الميت، ولو ¬
أوصى لورثته بما جعله بينهم على سهام مواريثهم كانوا كوارث واحد ولا حصاص لهم، وكذلك لو أوصى بشيءٍ سماه لجملتهم ولم يحضرهم بعينه فلا حصاص لهم مع أهل الوصايا، وكذلك لو أوصى بوصايا وأوصى بخدمة عبده لولده فإن لم يرثه غيرُه فلا حصاص له مع الأجنبي وإن كان يرثه غيرُه وقع الحصاصُ، فما صار له من قيمة الخدمة شركةٌ فيما ورثه إن شاؤوا. ومن المجموعة/ قال أشهب: وإذا قال: مالي بين ابني وابنتي- يعني نصفين- ولفلان ثلثُ مالي ولا وارث له غيرهما فلهما الحصاصُ مع الأجنبي يحاصصانه (¬1) بستة لستة أسهم وهو لسهمين فيقع له ربعُ الثلثِ وباقيه لهما على الفرائض إلا أن يجيز الابن لأخته قيل: ولا يطرح قدر نصيب الابن والبنت بالميراث وما زاد حوصص به الأجنبي قال: لا. قال: ولو أوصى لهما بقدر المواريث لم يكن حصاص مثل أن يوصي للابن بعشرين وللابنة بعشرة ولا يُحاص الأجنبي ويسلمان إليه الثلث فيأخذ منه وصيته وقال ابن القاسم مثله من أول المسألة. ومن العتبية (¬2) وذكر أصبغ عن ابن القاسم مثله وقال: مثل أن يكون له ابنان وابنتان فأعطى لكل واحد منهما مائة في مرضه أو في وصيته ثم مات؟ قال: فيُطرح حظ الذكرين مائة مائة وحظ الأنثيين خمسين خمسين فتبقى مائة وصية للاثنين وإن لم يكن معهما أجنبي وأجاز لهما الذكران فذلك لهما وإلا رجع ميراثاً، وإن أجازه أحد الابنين حصته وذلك ثلثا المائة بينهما وكان للآخر ثلثهما، وإن أجاز الواحد لواحدة فبحساب ذلك، وكذلك في إجازة الآخر لأحدهما أولهما وإن كان معهما أجنبي حوصص لهما بهذه المائة فما وقع لهما كان لهما على هذا التفسير على الإجازة وعلى غير الإجازة، ولو أوصى مع ذلك لورثته كلهم بوصايا على قدر مواريثهم فلا حصاص لهم مع الأجنبيين ويكون الثلث للأجنبيين ¬
في وصاياهم، قال أشهب في/ المجموعة: وأما لو أوصى لعبد وارثه ولأجنبي ولا وارث له غيره فإنهما يتحاصان. ومن كتاب ابن المواز بعد ذكر مسائل لأشهب وقال: من ترك وارثين وأوصى أن ماله صدقةٌ على فلان وعلى أحد وارثيه وأجاز ذلك الوارث لآخر قال: فالمال بينهما نصفان، قال محمد: إنما هذا لو أجازوا جميعاً فأما إن لم يجز إلا الذي لم يُوص له ولم يجز لآخر فإنما له حتى عشرة من أربعة وعشرين وله من الموصى له أربعة عشر لأنها لن تُخير كان للأجنبي من الثلث نصفُه ويرجع نصفه بين الوارثين سهمان لمكان واحد فالذي أجاز رد سهمه على الآخر والذي لم يجز للأجنبي يُحبَسُ (¬1) سهمه بالميراث ويقسم المخير الثمانية التي بيده والميراث بين أخيه وبين الأجنبي فتصير للأجنبي عشرةٌ فلم يبق له من وصية إلا السهمان الذي لم يجزهما الأخ الموصى له قال: فإن أجاز الذي أوصى له ولم يجز الآخر فللذي لم يجز عشرةٌ وللمجيز ثمانية وللأجنبي ستة قال: وإن أجاز الذي لم يُوص له للأجنبي ولم يجزه لأخيه فإنه يصير للأجنبي عشرةٌ ويبقى بيد المجيز للأجنبي أربعةٌ لأن للأجنبي أربعةٌ بالمحاصة في الثلث فرد هذا إليه السهمين من الثلث لإجازته له (¬2) [فأعطاه نصف الثلث الذي أخذ بالميراث] (3) لإجازته له خاصة. ومن كتاب ابن المواز: ومن له عبدٌ لا يملك غيره وصى بثلثه لابنه وبثلثيه لأجنبي ومع الابن ورثة فليحاص/ الابن والأجنبي في ثلث العبد فيصير للأجنبي ثلثُ الثلث وثلثاه للابن، ولو لم يكن معه وارثٌ فلا حصاص وثلثُ العبد للأجنبي، قال أشهب: وكذلك لو أوصى له بنصفه فله الثلث إلا أن يجيز له الابنُ. ¬
ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى بالثلث لإخوته ولم يدع غيرهم وهم أخوان لأبوين وأخوان لأم وأخوان لأبٍ فليُتحاص في الثلث الشقيقان والكلالة مع أخوي الأب وهما لا يرثان فما صار للذين للأب أخذاه ويصير كل ما بقي ميراثاً. قال أصبغ: يُقسم الثلث على ستة فسهمان للذين للأب وتُضم أربعةٌ إلى ثلثي المال فيكون ميراثاً قال ابن وهب: ولو أوصى لهم بذلك وله ابن ثم مات الابن قبله فالجواب سواء. قال أصبغ: المسألتان سواء والجواب في التحاصص على غير ما قال. قال أبو محمد: ما أعرف وجه قول أصبغ. وقال أشهب عن مالك: فيمن أوصى بثلثه لقوم وأوصى في طعام أن يُحبس لعياله كلهم أيأكلونه (¬2)؟ قال: لا شيء للموصى لهم بالثلث في الطعام ولهم ثلث ما سواه، والكلام في الطعام للورثة لأن بعضهم أوفر حظاً من بعض وبعضهم أكثر أكلاً فإن سلموا ذلك وإلا قسموه على مواريثهم. قال أبو محمد: انظر معنى هذا وتقدم عن مالك أنه يُحاص الورثة الأجنبي عند اختلاف أنصبائهم بما زاد القليل النصيب إلا أن يعني أوصى لعياله به بقدر من إرثهم. ومن العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم: وعن امرأة أوصت أن تخدم/ أمتُها ابنها حتى يبلغ ثم هي حرة فقيل لها إن هذا لا يجوز فقالت: فإن لم يجز فيحج عني [بثلثي] قال مالك: تكون الخدمة بين جميع الورثة حتى يبلغ الولد فتعتق الجارية. قال أصبغ: فإن مات الغلام قبل المبلغ نظر فإن كانت من [رقيق الحضانة] عتقت بموته وإن كانت من [وغد] الرقيق خدمت الوارث إلى مبلغ الغلام ثم عتقت. وإن ماتت الخادم قبل بلوغ الغلام وتركت مالاً فهو بين الورثة. ¬
في الوصية لوارث، وكيف إن نفذت ثم قيم فيها، والوصية لبعض الورثة
قال عيسى عن ابن القاسم: فيمن أوصى لزوجته بسكن ما (¬1) بباقي ثلثه فكانت الدار الثلث فإن أجاز لها الورثة السكنى سكنت فإذا ماتت كانت الدار لصاحب باقي الثلث وإن لم يجيزوا دخلوا معها على المواريث، ولو أوصى مع ذلك بمائة دينار لرجل، والدار مع المائة تخرجان من الثلث، فليأخذ المائة صاحبها وتخرج الدار فإن بقي شيء من الثلث أخذه صاحب باقي الثلث مع الدار بعد موت المرأة وسلم لها الورثة السكنى وإلا سكنوا معها على المواريث. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى أن عبده يخدم ابنه خمس سنين وابنته سنتين ونصفا فهو حر بعد خمس سنين والثلث يحمله فهو حر بعد خمس سنين ويقسمان الخدمة على لاثلث والثلثين، ويبطل ما ذكر من بقية الخدمة، يريد ولم يرثه غيرهما. في الوصية للوارث وكيف إن نفذت ثم قيم فيها ولوصية (¬2) لبعض الورثة/ أو أن يحج عنه وارث وغير ذلك من معنى الوصية للوارث (¬3) من المجموعة قال سحنون: وما روى أن لا وصية لوارث (¬4) يقول: إذا لم يُجز بقية الورثة ذلك، وأما إن لم يكن معه وارثٌ فلا تكون وصيةً بحال. ¬
قال أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة: فيمن أوصى لبعض ورثته فأنفذت وصيتُه ثم رجع بعض الورثة وقال لم أعلم فليحلف أنه ما علم ورجع ويكون له ذلك. وفي امرأة أوصت بمثل ذلك وقال الزوج كنتُ كاتب الصحيفة وما علمتُ أنه لا وصية لوارث. قال: إذا حلفت أنك ما علمت لم يلزمك ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى بثلث ماله أو بأقل أو بأكثر وأوصى أن لا تُنقص أمه من السدس فليعزل وصية الأجنبي ويقسم ما بقي على الورثة فما أصاب الأم نظر ما بقي لها إلى تمام السدس حاصت به الأجنبي في الثلث، فما صار لها فإن أجازه الورثة كان لها وإلا رجع ميراثاً، ولو أجازوا لها وللأجنبي خرجوا لهما من النصف وقسم الورثة ما بقي على مواريثهم بعد طرح سهم الأم. وإذا تركت امرأةٌ زوجها وأمها وأختين لأم وأختين لأب أو شقائق وأوصت أن لا تُنقص الأم من السدس وأجاز الورثة فالفريضة بالعول من عشرة، للأم منها سهمٌ فأسقطه فيبقى تسعة بعد نصيب الأم فاعط الأم السدس من أصل المال واقسم ما بقي على تسعة للزوج ثلاثة/ وللأختين للأم سهمان وللأختين للأب أربعة. وكذلك لو تركت الأم نصيبها لوارث أو قالت: نصيبي عندي ولم يُوص له بشيء، ولو ترك أخاه وزوجته فقالت: حقي عندي أو تركت موارثها ... فإن القسم يرجع مما ... على سبعة للزوجة لها فيه سهم منها وما بقي للأخ ولو كان مكان الأخ ابنٌ رجع القسم على خمسة ... سهم منها وهو خمس الثلث وللابن ما بقي. قال ابن عبدوس قال سحنون: وإن ترك ابنين وأوصى لرجل بثلث ماله على أن لا ينقص ابنه فلاناً من النصف شيئاً فإن لم يجز الوارث ... ثلث الثلث وبقيةُ المال بين الأخوين، وقيل غير هذا، وهذا أحسن. قال أبو محمد: وبلغني أن سحنوناً قال في رجل تُوفي وترك ابنين وأوصى للأجنبي بنصف ماله على أن لا يُنقص أحد ابنيه من النصف شيئاً ثم تُوفي. فأما إن لم يُجز الابنان الوصية كان للأجنبي الثلثُ وذلك أربعةُ أسهم من اثني عشر
سهماً، وإن أجاز له الوصية أحدُهما ولم يُجزها الآخر، فإنه يعطيه الذي أجاز ذلك له بينهما مما في يديه فيصير بيد الأجنبي خمسةٌ وبيد الذي أجاز ثلاثةٌ وبيد الذي لم يُجز أربعةٌ، وإن أجازا له جميعاً وأجاز الأخ لأخيه أيضاً فإنه يعطيه كل واحد من الابنين مما في يديه سهماً فيصير بيد الأجنبي ستةٌ ويبقى بيد كل ابن ثلاثةُ أسهم، فيقال للأخ الذي أجاز للأجنبي ادفع إلى أخيك سهمين مما معك فيصير/ بيد الأجنبي ستةٌ وبيد كل ابن ثلاثةُ أسهم فيقال للأخ الذي أجاز لأخيه افع إلى أخيك سهمين مما معك فيصير في يدي الأخ الموصى له خمسةُ أسهم وقد أعطى سهماً للأجنبي من الأربعة الأسهم الأولى التي كان ورث أولاً فيحسب عليه في وصيته فقد استوفى وصيته ستة أسهم وهو يصف المال ويبقى في يدي الأخ الذي أجاز الوصية الذي لم يُوص له سهم، والذي ذكر ابن عبدوس عن ابن سحنون أحسنُ من هذا. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وهو عنه في المجموعة: فيمن أوصى بثلثه لفلان ألا يصيب أمي منه فيبقى لها؟ قال: يُعزل الثلثُ ثم يُؤخذ منه سهمُ الأم فيُرد إلى ثلثي المال فيُقسم ذلك بين جميع الورثة إلا أن يجيز لها ذلك باقي الورثة. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى أن يحج عنه وارثٌ ويصوم عنه وله كذا وأن يُنفذ باقي ثلثه حيث أراه الله فليرد ما كان للصوم، ولا يصوم أحدٌ عن أحد، ولا يُعطى في الحج إلا قدرُ النفقة، وأما باقي الثلث فليقوم معه فيه باقي الورثة حتى ينفذ. قال مالك: في امرأة لها ناقة فقالت لزوجها: هي للآخر مني ومنك ثم ماتت فباعها الزوج واشترى من الثمن أيضاً ثم جاء باقي الورثة فطلبوا الدخول في الإيصاء معه فأبى، فذلك له، وإنما عليه حصتُهم من ثمن الباقية وليس لهم بالقيمة إلا أن يحابي في البيع.
فيمن أوصى لوارث فصار قبل موته غير وارث أو كان غير وارث ثم صار وارثا
ومسألة من ضمن في مرضه صداق ابنته في النكاح/ والاختلاف فيها وفيه مسألة الذي قال ... مع ولدي حتى يبلغ ... ومن المجموعة قال مالك: فيمن أوصى ... في ... أما هذا ... قال ابن حبيب: قال يحيى بن سعيد: ... باقي الورثة فإن ... كلهم ... فإن لم يكن له وارثٌ غيره فذلك له. فيمن أوصى لوارث فصار قبل موته غير وارث أو كان غير وارثٍ ثم صار وارثاً ... لد بدين على هذا وفي الموصى له ... (¬1) من المجموعة والعتبية (¬2) قال سحنون ومحمد بن خالد عن ابن القاسم في امرأة أوصت لزوجها ... ثم مات فإن علم بموته فالوصية له ... وارث وقال ذلك ... وقال عنه أصبغ: فيمن أوصى لإخوته وله ولدٌ ثم مات ولدُه قبل موته فصار إخوته ورثته فذكر ما معناه أن الوصية تمضي، وقد تقدم جوابُ هذه المسألة في الكتاب الذي قبل هذا. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى لغير وارث ثم صار وارثاً فلا وصية له إلا أن ... فيجوزوه ... في هذا ابن القاسم وأشهب: ولو أوصى صاحبه وهو يرثه وارث ثم مات فظهر له حمل فولدت له ولداً، حجته لم يكن علم ... / نافذة وذكره في المجموعة عن ابن القاسم وأشهب ولم يذكر أنه لم يعلم به. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: إن لم يعلم الميتُ بالولد فلا وصية للأخ، قال في كتاب ابن المواز: فإن لم يمُت حتى مات الابن بطلت الوصية للأخ لأنه وارثٌ. ¬
ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن أوصى لامرأة ثم صح فطلقها – يريد بتاتاً – ثم مات فالوصيةُ لها نافذة. ولو أوصت له في مرضها ثم طلقها البتة ثم ماتت من مرضها فإن كانت الوصية قدر ميراثه فأقل فذلك جائز وإن كانت أكثر رد إلى ميراثه. ومن الكتابين قال أشهب: ولو أقر لوارثه بدين أو وهبه هبة ثم قبله الموهوب فلا شيء عليه، وإن قامت بينةٌ أن هذا قتل أباه – يريد عمداً – وأبرأه الأب فلا يُقبل منه ويُتهم الأبُ ويجوز عفوُه عنه وهو لم يجعل ما يرث عنه وصيةً له فيكون في ثلثه، ولو لم يُبن وجعل ذلك وصيةً له جاز ذلك من ثلثه لأنه غير وارث، ومن أوصى لابنه وهو عبد أو نصراني فلم يمت حتى أعتق أو أسلم بطلت الوصية، وكذلك لو أوصى لامرأة ثم تزوجها في صحته ثم مات، ولو كان أقر لها بدين لزمه كإقراره لوارث في الصحة، وكذلك لو أقر لابنه النصراني بدين في مرضه ثم أسلم أو لأخيه في مرضه وهو غير وارث ثم صار وارثاً فذلك كله جائزٌ. قال أشهب: ولو وهب أخاه في مرضه هبةً وقبضها وللواهب ولد فمات/ وصار الأخ وارثه فالهبة باطلٌ وإن خيرت لا تمس الثلث (كذا) لا ينظر فيها إلا بعد الموت وقد صار وارثاً، ومن وهب لامرأته هبةً في صحته ثم تزوجها في صحته ثم مات فإن أجاز لها في صحته فهي تأخذها من رأس ماله، فإن لم يُجزها فهي ميراث وإن وهبها في مرضه وقبضت الهبة ثم تزوجها في مرضه ثم مات فالوصية جائزة في (ثلثه) لأنها لامرأته. ومن كتاب ابن المواز: ومن ... في مرضه فتزوج الابن بذلك ودخل أو زوجه هو فذلك مردود إلى الورثة والنكاح ثابتٌ وتتبع زوجته ...
فيمن أوصى لابن وارثه أو لعبد وارثه أو من يقرب من وارثه أو يتصدق به عليه في مرضه
فيمن أوصى لابن وارثه أو لعبد وارثه أو من يقرب من وارثه أو يتصدق به عليه في مرضه أو أوصى لعبد نفسه أو لصديقه الملاطف (¬1) من العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في امرأة توصي لابن زوجها أو لإخوته أو لأخواته أو من قرُب منه من قرابته أو لبعض أخواته ... له ممن يصير به أو يرجع إلى الزوج وقاله أصبغ، وكذلك لولد ولده الحي قال أصبغ: ولا يمين على الموصى له لأنه ليس ... إلى الزوج كان ذا قرابة أو ... وذكرت عن ابن حبيب عن أصبغ: في ... له بصدقة فالمهر على زوجها في مرضها، فقيل لها هذا لا يجوز، فقالت: هو لأخيه وصية/ قال: ذلك نافذ ولا يمين على الأخ أو غيره، ولو صرفه الأخ إلى الزوج لم يُنظر إلى ذلك، وله أخذُه أو تركُه، وكذلك إلى غير الأخ ممن يُتهم برده إلى الزوج أو إلى وارث غيره، أو ممن يرى أنه أراد به الميت صلة الموصى له أو ممن يرى أنه أراد فيه ذلك لغناه، عنه والله يحكم بينهم فيما يعلم من التاليج (¬3) [وقدفا قائمة إن فعل] (¬4). ومن المجموعة روى ابن القاسم عن مالك وابن وهب في امرأة تصدَّقت عند الموت بمهرها على ابن زوجها من غيرها؟ قال: ذلك جائز من ثلثها. قال يحيى قال ابن القاسم: وإذا أوصى لأم ولده وله منها ولدٌ فذلك نافذٌ، وأجاز مالك الوصية لابن زوجها، قال ابن القاسم: وأما لأم ولد زوجها فأما باليسير مما يُعلمُ أنها أرادت به الأم فذلك ماضٍ وأما بالكثير فلا يجوز. ¬
ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب وابن كنانة وعبد الملك: إنما يجوز من وصيته لعبد وارثه بالتافه كالثوب ونحوه يرى أنه نحا ناحية العبد، ورواه أشهب وعلي عن مالك. قال في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم وأشهب: كالثوب والدينار. قال أشهب في المجموعة: وكذلك لمكاتب وارثه بالتافه عاماً بالكثير فإن كان المكاتب ملياً يقدر أن يؤدي فذلك جائز، وإن لم يكن بالواجد لم يجز، وإن أوصى لعبد وارثه بالشيء الكثير وعلى العبد دينٌ يستغرقه أو يبقى منه ما لا يُتهم فيه/ فذلك جائز. قال أشهب: إن أوصى لعبد وارثه الذي لا يرثه غيره فذلك جائز قل ذلك أو كثر، فإن أوصى مع ذلك لأجنبي تحاص مع العبد في الثلث إن ضاق [فهو مع العبد كان له، وأما إن كان وارثه فننظر ما صار بعد تحاصه فإن كان تافهاً فهو له وإن كان عنه مرأة إن لم يجز وارثه وليس وصيته لعبد وارثه لا يرثه غيره صار وصيته ... ] (¬1) لأن ذلك للعبد حتى ينزع منه فذلك تحاصص به فيه، إذا كثر صار كوصية وارث، فأما وصية الرجل من ... عبد أو مدبَّر أو مكاتب أو أم ولد أو من يملك بعضه أو معتقه إلى أجل فذلك جائز ويحاص به الأجنبي. قال ابن القاسم: وصيته لعبد نفسه جائزة ولا ينزعه الورثة، وتجوز وصيته لعبد ابنه الذي لا وارث له غيره، وإن كان معه وارثٌ لم يجز من ذلك إلا ما لا يتهم فيه العبدا ولو أوصى لعبد أجنبي كان للأجنبي انتزاعُ ذلك بخلاف عبد نفسه. قال أشهب: لأنها وصية لعبد أجنبي، وأما عبده فلا يُنزع منه، لأنه إذا انتزعه منه ورثتُه فكأن وصيته لم تنفذ، واستحسنتُ أن يقر بيده حتى ينتفع بها ويتمتع به ويطول زمان ذلك، ولا ينتزعونه إن باعوه أيضاً قبل طول الزمان. وأما بالتافه فله انتزاعُه واستحسنتُ في غير ما ذكرنا لأن القياس إما أن ينتزعوه مكانهم ¬
في المريض يتكفل عن وارث أو لوارث أو يقر أنه قبض دينا من وارثه
أو لا يكون له انتزاعُه أبداً لأن الميت نزعه منهم فرأيتُ ذلك لأنه/ نزعه على وجه الضرر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) (¬1). قال أشهب في كتاب ابن المواز: والقياس في اليسير نزعُه أيضاً. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلي، ولا أستحسن أن لا ينزعوا من العبد وصيته يبيعونه به إن باعوه وقاله مالك. قال مالك: وأما لعبد أجنبي فللأجنبي انتزاعُه منه ولو دفعها الوصي إلى سيده وهي دراهم مختومة عن العبد ثم لقيه الوصي فقال ما دفعتُها إليه ولا نزعتُها منه، ثم باعه فأعتق أو أعتقه، فإن انتزعه قبل ... فهي له، وإلا فللعبد طلبه. وأما في البيع فهي للبائع إلا أن يشترط المبتاع ماله. قال في العتبية: وإن انتزعه قبل بيعه فذلك له وليس ذلك بحسن. ومن المجموعة قال علي عن مالك: إذا أوصى أن يُقضى دينُ ابنه وقد هلك أبوه قبله فذلك جائز في ثلثه إلا أن يقول اقضوا فلانة امرأتي دينها على أبي أو على بعض ورثته فلا يجوز ذلك إلا ببينة، وأجاز مالك وصيته لصديقه الملاطف. قال أشهب: وهو حق من أوصى له بحقه وحُرمتُه عليه. في المريض يتكفل عن وارث أو لوارث أو يقر أنه قبض ديناً من وارثه من كتاب ابن المواز: وإذا تكفل المريض عن وارث له بحق لغير وارث أو تكفل عن غير وارث بحق لوارث لم يُجز مالك إلا أن تصح صحة ثلثه ثم يموت فيلزمه، أو يولد له ولد يحجب ذلك الوارث ويموت من مرضه ذلك. ثم لو مات ذلك الولد قبل أبيه وعاد الوارث الأول وارثاً/ لجازت الحمالة، مثل لو صح، لأن ذلك من رأس المال، والذي مات ولدُه من الثلث، كمن تكفّل في المرض عن ¬
في المريض يبيع من وازثه شيئا أو يشتريه فه أو يوصي بذلك
أخته. وهذا كله قول أشهب، ونحوه لعبد الملك. قال محمد: وكله صواب إلا قول أشهب إن لم تكن صحته بينةً خص الثلث. ولو أن له على وارث دية بحمالة فأشهد له في مرضه أنه قبض ذلك فلا يُقبل قوله. ولا تسقط الحمالةُ عن الأجنبي، ولو أوصى بذلك الدين وارثُه الذي عليه لم تسقُط حمالة الأجنبي بذلك. في المريض يبيع من وارثه شيئاً أو يشتريه منه أو يوصى بذلك (¬1) قال ابن المواز: أخبرني ابن عبد الحكم عن ابن القاسم وأشهب عن بيع المريض عبده من وارثه أو شرائه منه؟ قال: أما ... فجائز. وأخبرني أبو زيد عن أشهب في مريض يبيع عبده من الوارث أو وصية أن يبيع منه فإن كان من العبد ... يرغب في ملكه فلا يجوز. قال محمد: وهذا أحسن، ومالك عندي في العبد ... حر مرغوب فيه، فإن لم يكن كذلك فذلك نافذٌ من ... أو إذا كان ... ولا يوجد من يُعطي به أكثر فإن باع عبده في مرضه من وارثه منه بأقل من قيمته أو اشترى منه عبداً بأكثر من ... فقول الوارث أنه إن فضل من الثمن قيمة العبد وودى ... القيمة فيما ابتعت قال ابن القاسم لا نرى ذلك ويرى إن صح/ وقال أشهب: ذلك له ويتم البيع، وهذا أحب إلينا ولا حجة للورثة، قال ابن وهب عن مالك نحوه. ولو كانت المحاباةُ في مبايعته من أجنبي كانت في الثلث. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ويجوز بيع المريض عبده من ابنه بغير محاباة، قال سحنون: إلا العبد النبيل التاجر منهم النافذ فيهم أن يميل به إلى بعض ورثته قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا باع المريض عبده من ابنه بمحاباة بينة ثمن مائتين بمائة، فطلب الابنُ أداء المحاباة وأبى الورثة إلا رد البيع فذلك لهم وهي كوصية لوارث لا تجوز إلا أن يجيزوها، وإن أجاز بعضُهم مضى من المحاباة بقدر حظه، إلا أن يأبى المشتري إلا رده أو أن يملك جميعه، وقال بعض الناس: وإن له ¬
فيمن اشترى أباه أو أمه أو أخاه في مرضه أو أوصى بذلك، أو أوصى برقبة هل يشترى أبوه؟
إن شاء أن يملك منه بقدر مائة على أما أحبوا أو كرهوا لأنه لو كان ثمنه مائة لم يكن لهم مقالٌ، ولا أقول به. ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب: وعن مريض ليس له إلا دارٌ واحدة فيبيعها من بعض ورثته ويستوفي الثمن ولا يحابي؟ قال: ينظر السلطان، فإن كان إنما أراد أن يخص بها بعض الورثة دون ... أو حوزاً لينقض بيعه، وكذلك الأرض والعبد. ومن المجموعة ابن وهب عن مالك في مريض اشترى من وارثه عبداً فزاد في قيمته رُدت. قال أشهب: وإذا أوصى أن يشتري عنه وارثُه للعتق فلا يزاد على ثمنه، قاله مالكٌ قال أشهب: وإن قلت الزيادة كالدينار ونحوه لأنها وصية/ لوارث قال وقد كان مالك ترد مثل الأجنبي ما لم يكن يعلم ذلك، ثم رجع فقال: لا ترد. ولو مضى له بيع عبده ما أخذ ورثته وهو ممن يرغب في ملكه فلا يجوز ذلك وإن أخذه بقيمته إلا أن يكون ... لأمر فيشتري كما يشتري سائر الناس. وأما إن كان من جنس الرقيق فذلك جائز ولا يحط من ثمنه شيء. قال ابن نافع: وإن أوصى ببيع عبده ممن ... فأحب العبد من وارث فليوضع عنه ثلث الثمن. وفي باب بيع العبد ممن أحب أو شرائه في الجزء الثاني بقية هذا المعنى. وبعد هذا باب فيمن ابتاع في مرضه أمة وأوصى بعتقها. فيمن اشترى أباه أو أمه أو أخاه في مرضه أو أوصى بذلك أو أوصى برقبةٍ هل يُشترى أبوه؟ من كتاب ابن المواز: ومن اشترى أباه في مرضه يرد مكانه ويرثه إن اشتراه بثلث ماله ويبدأ على ما سواه من عتق وغيره، وعلى العتق ... والتدبير في المرض وكل من له أن يستحسنه فهو أولى بالثلث، ويرث مع من يرثه ... باعه أو اشتراه حر ويعتق ... يقوم قال أشهب فيه وفي العتبية (¬1) عن مالك: إن اشتراه ... فهو جائز ويرثه. ¬
قال في العتبية (¬1): إن استوفى أنه اشترى به يخرج من الثلث وفي سؤاله: ومن له ورثة غير ... ؟ قال: وإن ... يخرج من الثلث ... /له الدين والمال الغائب فليس له سواه بأكثر من ثلثه قال ابن المواز: فإن فعل عتق منه محمل ثلثه ولم يرثه. قال أشهب: وما أدري ما حقيقتُه، قال ابن المواز: وقد اختلف فيه قول أشهب فقال في كتاب له شراؤه بماله كله إذا لم يكن معه وارثٌ يشاركه لكن ثم وارث يرث في رق الولد ويحجبه لو كان حراً، قال: فلما ابتاعه ماله صار حراً لا ميراث لأحد معه، فأما إن كان معه مشاركٌ في الميراث فليس له أن يشتريه إلا بثلث فأقل، وكذلك يقول في كل من يعتق عليه إذا ملكه، وأنكر قول مالك. وروى البرقي عنه جواباً كقول مالك واستقبل ابن عبد الحكم بورثته منه وإن اشتراه في مرضه بثلث وقال: كيف يرث وهو لو أعتق عبداً بتلاً لم يوارث أحرار ورثته حتى يقوم في ثلث العتق يوم موته إلا أن يكون له مالٌ مأمون؟ ولكنه استسلم إلى قول مالك اتباعاً له. قال أشهب: وإن اشترى ابنه وأخاه في مرضه، فإن كان ذلك واحداً بعد واحد بُدئ بالأول في ثلثه وإن كانا في صفقة فعلى قياس قول مالك يتحاصان، وفي قولي، أبدئ الابن وأعتقُه وإن كان أكثر من الثلث وأورثه. قال محمد: بل إن حمله الثلث بُدئ به وإن بقي من الثلث شيءٌ أعتق فيه الأخ أو ما حمل منه، وإن اشترى أخاه أولاً فإن لم يحمله الثلث أعتق منه محمل الثلث، وأعتق الابن في بقية ماله وورثهُ إن خرج/ كله وإن لم يخرج كله لم يعتق منه إلا ... الأخ، وقاله أيضاً أشهب. وقال أشهبُ في رواية أخرى: إذا كانا في صفقة تحاصا. قال ابن سحنون: أو يشتري ابنه جميع ماله، شركة وارث أو لم يشركه ويرث، كما له أن يستلحقه ... ¬
أن يشتري من سوى الابن من الآباء والأمهات والجدود لأنه لا يستحلقهم. قال ابن حبيب: وهذا قول المدنيين ابن دينار وابن نافع وغيرهم. وابن القاسم يروي عن مالك في الأب والابن وغيره ... وورثه وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن اشترى أخاه في مرض مات فيه ... حمل ... قال أصبغ: ويرثه لأنه لهم حرمته إلا بعد موت ... أن يكون شيئاً ... مأمونة من ... وغيره ... وورث. قال ابن القاسم: وإن لم يسعه الثلث أعتق ما حمل الثلث منه ... قبل موته ... قال ... أن من يعتق عنه عتق. قال أصبغ في المجموعة: في الثلث حتى يموت الميت فيعتق في ... قال محمد: ليس قول أصبغ في هذا كله بشيء ولا يعجبني قول ابن عبد الحكم، وقول مالك أصوب، لأن حرمته أقوى من حرمة غيره من مثال في مرضه لأنه يملكه ... حر صار لو استحقه ... وومن العتبية عن عيسى عن ابن القاسم: في مريض ... / ثم باعه للحق به وورثه. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم: في مريض اشترى أباه بأكثر من الثلث ثم مات فالبيع جائزٌ، فإن خرج من الثلث عتق وورث وإن لم يخرُج عتق ما حمل منه ورق باقيه، وإن كان الورثة ممن يُعتق عليهم ما رق منه عتق عليهم وإن كان قيمتُه جميع ماله والورثة ممن يعتقُ عليهم فالشراء جائزٌ ويعتق عليهم. قال سحنون قال ابن وهب: إن كان المشتري يُحجبُ من يرث المشتري من الورثة فإنه يجوز شراؤه بماله كله أو بما بلغ ويعتق ويرث باقي ماله وإن كان معه من يشركه في الميراث فلا يشتريه إلا بالثلث ثم لا يرثه لأنه إنما يعتق بعد الموت، وقاله أشهب لا يشتريه إلا بالثلث كان يحجب غيره أو يشركه غيره ثم لا يرثه ¬
فيمن أعتق في مرضه أم ولده وتزوجها أو ضمن عن أبيه صداقا
بحال، وقال غيره: كل من له أن يستلحقه فله أن يشتريه بجميع تركته ويرثه كان يشركه غيرُه من الورثة أو لا يشركه، وهذا القول ذكره ابن حبيب عن ابن الماجشون. ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم: إن اشتراه والثلث يحمله جاز الشراء وعتق، وورث إن كان وحد، وإن شركه أحدٌ ورث حصته معه، قال لنا أبو بكر بن محمد رُوي عن مالك أن له شراء ابنه بالمال كله ويرثه، وهو قول ابن الماجشون كما له استلحاقُه. ومن سماع ابن القاسم: ومن أوصى برقبةٍ فإن كان تطوعاً فلا بأس أن يُشترى أبوه أو أخوه ويعتق وإن كان ظهاراً وشبهه فغيره أحب إلي. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن أوصى/ أن يُشترى أخوه ولم يقل واعتقوه فإن فرق (كذا) عتق لأنه ما قصد، وكذلك في كل من يعتق عتقوا لو ... أن يتبعه فليرد قدر ثلث القيمة ... مرض ... أن يتبعه بنظر ... الثمن ميراثاً إلا أن يشاء الورثة صرفه في ... وقال ... أكثر ولم يكن فيه مبلغ ثمنه ورضي سيده ثم بيع بذلك ولا يحتمل ثلثه ما سمى ... أن يبيع منه بقدر ثلث المبتاع ... ذلك وعتقه قال: نعم. فيمن أعتق في مرضه أم ولده وتزوجها أو ضمن عن أبيه صداقاً (¬2) من العتبية (¬3) روى أشهب عن مالك فيمن أعتق أم ولده في مرضه فتزوجها فيه فعتقُه جائزٌ لأنها بعد موته حرةٌ لا تُحسب في ثلث ولا رأس مال، ولا يجوز نكاحها ... ولا صداق لها ولا ميراث في ثلث ولا رأس مال ... فلها صداقها منذ ¬
فيمن أذن له ورثته في مرضه أو في صحته أن يوصي بأكثر من ثلثه أو يعطي عطية لبعض ورثته
أعلن الوصايا وإن كان ... من صداق المثل. وقال في مريض زوج أمته من ... أخ له صحيح وضمن صداقها وزوج الصحيح ... المريض وضمن لها الصداق قال: فضمان الصحيح على أنه يلزمه ونكاحه صحيح تام وضمان المريض على أنه لا يتهم، وأما النكاح فجائز والابن مخير إن شاء ... أدى الصداق وإلا فارق. قال أبو محمد: وفي هذه المسألة اختلاف وتأتي في النكاح. فيمن أذن له ورثته في مرضه أو صحته أن يوصي بأكثر من ثلثه أو يعطي عطية لبعض ورثته والمديان يجيز وصية أبيه بأكثر من ثلثه (¬1) من سماع ابن القاسم عن مالك قال مالك فيمن أذن له ورثته عند خروجه إلى غزوٍ أو سفرٍ أن يوصي بأكثر من ثلثه ففعل ثم مات في سفره أن ذلك يلزمهم كالمريض، وقاله ابن القاسم. قال أصبغ وقال ابن وهب: كنتُ أقول هذا ثم رجعتُ أن لا يلزمهم ذلك لأنه صحيحٌ، وكذلك لو أدى له أحدُهم في هبة ميراثه كالصحيح يأذنون له في العول على ثلثه. قال أصبغ: وهو الصواب. وذكر في كتاب ابن المواز عن ابن الحكم عن مالك مثل رواية ابن القاسم. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن أذن له ورثته في مرضه بالوصية بأكثر من ثلثه ثم صح وأقر وصيته ثم مرض فمات فلا يلزمهم ذلك الإذنُ لأنه صح بما يسغني عن إذنهم، فلا يلزمهم حتى يأذنوا في المرض الثاني وكذلك ذكر عنه في المجموعة. وقال ابن كنانة: ولكن يحلفون ما سكتوا عن تغيير ذلك رضىً به. ¬
ومن كتاب ابن حبيب: ومن أوصى في مرضه بمائة دينارٍ لرجل وبوصايا وعال على الثلث فأجاز له ورثته الوصية بالمائة ثم مات، قال مطرف عن مالكٍ: يحاصص صاحب/ المائة أهل الوصايا، فغن نقص فعلى الورثة ثمنه قال مطرف: ولو أوصى له بمائة وهي أكثر من ثلثه وأجازوا له ثم مضى بوصايا بعد ذلك لغيره فيحاصهم الموصى له بالمائة ثم ينظر فإن علم الورثة بما أوصى به لغيره ... حتى مات فيرجع عليهم بما انتقص من المائة، وإن لم يعلموا أو علموا فقالوا لا نجيز ... الأمر ... وصيته على الثلث أول فذلك لهم لا يرجع عليهم إلا بما كان ينقص المائة من الثلث قبل أن يوصي بما وصى بعد ذلك، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. ومن المجموعة وهو في الموطأ (¬1): وإذا أذن الورثة لصحيح أن يوصي بأكثر من ثلثه لم يلزمهم ذلك إن مات، لأنهم أذنوا في وقت ... قال عن مالك: وإذا كان ... من المجموعة روى ابن القاسم عن مالك: وأما ... ورث المريض إذا كان ورثه عنه ... ومات ... ومن في ... فله الرجوع بعد موته، قال ابن الماجشون أنفذ ذلك بعد الموت ... فلا رجوع لهم ... ولا ينكره. قال ابن كنانة: لا ... فيلزمها وأما الزوجة ... وحرة أو ... / الإمام. قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: وإذا استوهب وارثه ميراثه ففعل ثم لم يقضِ فيه شيئاً فإنه رد إلى واهبه. قال عنه ابن وهب: إلا أن يكون سمى له من يهبه له من ورثته فذلك ماضٍ، ولو وهب له ميراثه فأنفذ بعضه فما بقي يُرد إلى معطيه ويمضي ما أنفذ، قال مالك: وما يعجبني أن يسأل امرأته بهبة ميراثها منه، وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن عبد الحكم عن مالك: إذا أذن له أن يوصي به لوارثٍ آخر فإن أنفذه مضى وإن لم ينفذه فهو رد، وإذا أنفذ بعضه مضى ما نفذ ورُد ما بقي. ¬
ومن كتاب ابن المواز ذكر مالك في إذن الورثة والزوجة نجوماً تقدم وقال: ليس المرأة كغيرها. قا أشهب: وليس كل زوجة لها أن ترجع، ورُب زوجة لا ترهب منعه ولا تهاب فهذه لا ترجع، وكذلك ابنٌ كبير غير سفيهٍ وهو في عيال ابنه فلا رجوع له إذا كان ممن لا يُخدعُ، وقال ابن القاسم: لمثل هؤلاء أن يرجعوا إذا كانوا في عياله ثم ذكر مرادتهم في صحته أو عند سفره مثل ما تقدم من رواية ابن القاسم، وروى مثله ابن عبد الحكم. قال مالك: في امرأة تصدقت في مرضها على ابن ابنها بسدس دار لا تملك غيرها، فأشهد ابنُها أني سكتُّ كراهيةً في سخطها، ثم حاز ابن الابن وقاسم عند ذلك وجاز له عنده فضلٌ فأخذه منه ثم لم تزل الأم في الدار حتى ... / قال مضى ذلك ولا ينفع ... فضلاً فلا ... ذلك، قاله ابن القاسم وقال أشهب إذا أشهد فذلك ينفعه، ولا يضره ما قاسم، قالها لي عنه ابن عبد الملك. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم في مريض أوصى بجميع ماله وليس له وارث إلا ابن مريض فأجاز أصبغ الأب وقال: لأنه ... صدقة على فلان ... دينار ولا مال له غير ذلك قال: فالذي أوصى له ... المائة دينار ثم يحاص هو والذي أوصى له الابن نصيب هذا مائتان ومن أوصى له بثلث المائتين قال عيسى: إنما هذا إذا أجاز الابن وهو مريض ثم مات لأنها وصية، فأما إن أجاز الابن في صحة ثم مرض وأوصى بثلث ماله فليس ذلك المال له بمال، إذا قبضه المتصدق به عليه قبل موت هذا أو مرضه، فإن لم يقبضه حتى مرض الابن فلا شيء له لأنها صدقة لم تُحزْ. قال أبو محمد: يريد تبطل إجازة الابن ما أجاز إن رضي أن يجوز من وصية الأب الثلث. من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: فيمن أوصى لذكرين بثلث ماله ووارثه عليه دين محيط فأجاز ذلك فليس ذلك له وقال أشهب: لأنه وهب الثلثين وهي جائزة ... فلم يردوها فلا ... قال ابن وهب عن مالك ... / رد الثلثين. ¬
في بيع المريض وشرائه وإقالته وهبته للثواب ومساقاته ومحاباته في ذلك وفعل الحامل في ذلك
في بيع المريض وشرائه وإقالته وهبته للثواب ومساقاته ومحاباته في ذلك وفعل الحامل في ذلك (¬1) من المجموعة قال ابن وهب عن مالك: لا يُمنع المريضُ أن يبيع ويبتاع إذا لم يُعرف في ذلك محاباةٌ أو ضررٌ بالورثة. قال ابن القاسم وأشهب: وتجوز هبتُه للثواب كبيعه. قالا: فإن باع عبداً فقبضه المشتري فأعتقه وهو عديمٌ فلا يجوز عتقُه، قال أشهب: إلا أن يجيزه المريضُ ويخرج من الثلث. ولو قبضه مبتاعُه ثم باعه بعد بيعه ويُتبعُ المبتاع الأول بالثمن الذي عليه. قال ابن القاسم: وإذا كان الموهوبُ له عديماً فللورثة أن يمنعوه من بيع الهبة حتى يؤدي قيمته. قال ابن القاسم: وتجوز مساقاة المريض محله إلا أن يحابي في ذلك فتكون المحاباة في الثلث، وكان سحنون ينكر هذا ولم أحفظ عنه فيه تفسيراً، والذي يُعرف على مذاهبه إن كان زاد على سقاء مثله بأمرٍ بين فذلك مثل هبته وما أنفذ من عطيته فهو في السقاء إلى غير ما يطول ولا يدخل على رب الحائط ضررٌ، فإن صح فهما على شرطهما، وإن مات قبل يفسخُ. فإن حمل ثلثُه (الحائط) تم ما صنع أيضاً، وإن لم يحمل الحائط ويحمل ما حاباه به من الثمرة لم يُنظر إلى ذلك، وقيل للورثة أجيزُوا السقاء كما شرط وإلا فاقطعوا للعامل ثلث تركة الميت ويفسخ/ السقاء، ولا يمكن العامل في الإنفاق من السقي، فإن طال ذلك الإيقافُ وخِيف على الحائط أن تضيع قُسِمَ السقاءُ بينهما ولم ينتظر صحة المريض أو موته. قال علي عن مالك: وإذا باع غلاماً ليس له غيره فوضع منه، فإن كان قدر ثلثه جاز، وإلا جاز منه قدرُ الثلث، وذكر ما له المريض من مقسم من سلم كما في المدونة وأما إن كان الطعام ... ما له منه في مرضه ولا يملك إلا بهبة فأعرف ... لم تجز الورثة أن يبدأ بدينه وهو ... مما بقي ... للموصى له ثلثه ولم يجز الورثة. ¬
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن أسلم في ... مال منها في مرضه ثم مات ولم يترك غيرها فإن كانت تسوى رأس المال لا ... فذلك جائز وإن ... أكثر خير الورثة بين أن ... كان مع ... حاص المعل بما زاد منها على رأس المال مما صار له ... وضع له من قيمة ... كان طعاماً أو غيره، وقال ابن دينار غير هذا. قال ابن القاسم: وهذا أحبُّ إلينا. ومن المجموعة قال عيسى عنه في مريض باع عبده بأقل من قيمته ... فإن شاء المشتري عجَّل فسخ البيع وإن شاء المريضُ إلى ما لا يطول في وضع في القلة ولمالك مسألة ... على شيء من هذا في الأمة في ... فتأخر حيضها ... فتوقف خمسون ... /ثم إن رضيا بعد ذلك إن بنوا فناءها فإن ذلك خطر ... قال: ولا إجازة للورثة قبل الموت إذ لا يعلم لعل غيرهم يرثه. قال سحنون: في المريض يبيع عبداً بمائة قيمته ثلاثون ومائة، ويقبض المائة فينتقُها، ثم مات ولا شيء عنده فإن لم يُجز الورثةُ البيع بيع من العبد في المائة الدين للمشتري، ثم للمشتري ثلثُ بقية العبد بلا ثمن، ولو قال المبتاعُ أنا أؤدي الثلاثين تمام قيمته ويكون لي فليس ذلك له على الورثة هم المُبدون في إجازة البيع أو القطع له بالثلث. ومن العتبية قال سحنون: فيمن باع في مرضه داراً بمائتين قيمتها ثلثمائة وأنفق المائتين ولا شيء له فذكر مثل ما ذكر في مسألة العبد إن أجاز ورثته البيع بما فيه من المحاباة التي لا يحملها الثلث مضى ذلك، وإلا رده، وكان للمشتري ثلثُ ما يبقى من الدار بعد أن يُباع له منها بالمائتين. ومن المجموعة قال ابن القاسم: في مريض اشترى ثلاثة دراهم بدينار ليس له غيره ثم مات فلتُرد الدراهم إلى صاحبها ويُؤخذ منه ثلثا دينارٍ.
فيمن ابتاع من زوجته في مرضه جارية بدار له قيمتها
قال ابن حبيب: إذا باع المريض فبت بيعه وقبض مبتاعه وفيه محاباة فتلك المحاباة تُبدأ على الوصايا كالصدقة البتل في المرض تمضي، قال أصبغ: وإنما يُنظر إن كان فيها محاباةٌ يوم البيع لا يوم يموت، وإن لم يكن فيه البيع محاباةٌ مضى ولا ينظر إلى ما يجول من سوقه يوم مات باع من وارث أو غيره، وإن باع في مرضه ورِقاً بذهبٍ/ أو ذهباً بورقٍ وحائز في دار ما وأوصى مع ... محاباة إذ لا محاباة فيه فهو جائز ... بعد الموت قيل قد قال قائل إنه من ملك ... الأخذ إلا لأنه لم يرد به التأخير. قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا باع المريض عبداً من أجنبي ... فهو كما لو أوصى ببيعه منه إن كان قدر ثلثه- يريد بعد يموت- نفد ذلك ومضى ذلك، وإن كان أكثر خُير الورثة بين ذلك أو يضعوا له بثلث العبد وليس له أن يعول إذا دفع لكم خمس ثمن العبد بعد ثلثه وأخذ العبد. وقال عيسى بن دينار يمضي له منه مالا محاباة فيه، ثم يُخير الورثة في باقيه ... له وإما قطعوا له بثلث مال الميت في باقي العبد وليس للمشتري أن يعطيهم منه ثمنه وبادر هؤلاء لهم أن يردوا ذلك. ومن العتبية (¬1) قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم: في الحبلى لا تفعل في حملها شيئاً ... ستة أشهر حتى تصير منزلة المريض من يعولها يعرف ... مما ... قال: لا ولها ولا يسئل عن ذلك ... قال أصبغ: وما فعلها إذا أثقلت ... قال مالك: في موضع آخر فذلك ستة أشهر وجعل ... فيمن ابتاع من زوجته في مرضه جارية بدار له وقيمتها أكثر من قيمة الجارية وأوصى بعتقها /قال ابن حبيب قال أصبغ: فيمن ابتاع من زوجته في مرضه جاريةً بمنزل له قيمتُه أكثرُ من قيمة الجارية وأوصى بعتقها وعليه دين محيط لا ... فإن لم يبعها ¬
فيمن عليه دين لرجل لا يعرف فأوصى به له وأوصى له بوصية
على شرط العتق فهي مخيرة بين أن يؤدي قدر ما حُوسب به في المنزل، وإلا ردته وتأخذ قيمة جاريتها من ماله تكون به مبدأة في ثمن المنزل وإن باعها بشرط العتق خُيرت بين أن تحبس المنزل أو تؤدي المحاباة ويتم بيعُ الأمة بقيمتها ويعطي دين الميت، فإن بقي شيءٌ أعتق مقدار ثلثه من الجارية، فإن أبت المرأةُ ... ردت المنزل وخُيرت بين أن تمسك من الجارية بما رق منها وتأخذ من ثمن المنزل ... ما عتق منها ومن قيمتها، وبين أن يمضي بيعُها كلها ويرجع في مال الرجل بجميع قيمتها تكون مبدأة في ثمن المنزل. في الموصي بماله كله ولا وارث له وفي الذمي لا وارث له يوصي بماله للكنيسة أو لا يوصي بشيء من كتاب ابن المواز قال محمد: ومن ليس له وارثٌ وأوصى فقال: ثلثُ مالي صدقةٌ علي، وثلثاه صدقةٌ على المساكين فلا يجوز له ذلك، لأن الوصايا مقصورة على الثلث في السنة (¬1) ولو فعل ذلك الوصي على الاجتهاد جاز ذلك استحساناً. قال أشهب: وبلغني عن علي وابن مسعودٍ وعُبيدة السلماني فيمن لا وارث له أن يوصي بماله كله لأن له الثلث وكأنه أنفذ الثلثين فيما ينبغي أن ينفذ فيه إذ لا وارث له، قال أشهب (¬2): ¬
في تبدية العتق الموصى به على الوصايا، وكيف أوجه التبدية فيه إن كان به عتق دونه
فيمن عليه دينٌ لرجل لا يُعرف فأوصى به له وأوصى له بوصيةٍ من كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال مالك: ومن أوصى لرجل بدين فلم يُعرف الرجل وطلب فلم يوجد فليُتصدق به عن صاحبه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: فيمن أوصى لرجل بستة دنانير ولآخر بثلاثة ... الوصي فلم يعرفهُما وأقامت بيده سنين لا يُعرف لمن هي فلا يتصدق بها عن أصحابها وقد أبلى عذراً، وكذلك فيمن قال: لفلان ثمانية دراهم من عملٍ عمله فلم يُعرف الرجلُ. ومن العتبية (¬2) قال أبو زيد عن ابن القاسم: فيمن أوصى بدين لرجل لا يُعرفُ، قال: إن كان له ولدٌ فليُخرج الدين من رأس ماله فيوقف ويستأني به، فإن لم يأت طالبُه تصدق به وإن كان لا ولد له والدينُ تافهٌ فعل به مثل ذلك، وإن كان كبيراً مثل نصف ماله أو أكثر لم يجُز منه شيءٌ. وفي الجزء الثالث في آخر أبواب الوصايا بابٌ فيه معاني هذا الباب مستوعبةٌ وبعضُها قد يكون في هذا وهنا ما ذكرنا في ... إقرار المريض لمن يُتهمُ عليه. في تبدية العتق المُوصى به على الوصايا وكيف أوجه التبدية فيه إن كان به عتقٌ دونه أو معنىً من العتق وكيف بما يساوي من العتق (¬3) من كتاب ابن المواز/ ... /قال ابن وهب قال ربيعة: يتحاصان، قال: والرقبة بعينها مما في ملكه أو تُشترى إن دخلها عولٌ أعتق منها محمل الثلث وكان حدودُها حدود عبد، والتي ¬
بغير عينها إن دخل العول اشترى بما بلغ لها رقبة. فإن لم يبلغ أعين بها فيما يصير حُراً كله. قال ابن القاسم عن مالكٍ: في الموصي بعتق عبده وبعتق آخر بعينه يشترى فإنهما يتحاصان، وقال أشهب وعبد الملك يُبدأ بالذي في ملكه، قال عبد الملك: ليتم حريته، ولعل الآخر لا يُتم شراءه بامتناع أو غيره. قال أشهب: وأجمع العلماءُ إلا من سُرق الذي في ملكه يبدأ على الوصايا وأكثرهم لا يبدئون الآخر على الوصايا. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: إذا أوصى بعتق عبده وبأن يُكاتب الآخر فالعتق مبدأ، وكذلك على أن يؤدي الآخر كذا فلم يعجله ولو عجله لتحاصا. قال سحنون وقال أشهب: يُبدأ الذي يعتق على غير مالٍ، قال أشهب: فإن كان معنى قوله يؤدي هذا إلى ورثتي كذا وهو حر بمعنى أنه حرٌ بتلاً وعليه المال باقٍ فليعتقا في الثلث بالسهم فمن خرج سهمُه أعتق فإن بقي من الثلث شيءٌ أعتق فيه الآخر أو ما حمل منه، وأنكر سحنون السهم في هذا وقال: يتحاصان، والذي ذكر ابن المواز عن أشهب كقول ابن القاسم إن عجَّل إلا المال تحاصا وإلا بُدئ الآخر إلا أن يعني أن ذلك بتلٌ على أن يبقى عليه المالُ فيتحاصان، ولم يذكر. /قال ابن القاسم في الكتابين: وإن أوصى بعتق عبد تاجر أو بعتق عبده الآخر في سهم الخط الذي ... بعد الأجل بدئ معجل وقال أشهب: ... المعجل إلا أن يكون الموصى ... قال سحنون في المجموعة: قولي هذا أقوى من قولي في مسألة المال حين قال له سهم ولا موضع سهم في ... قال ابن المواز وقاله أصبغ قال ابن المواز: فإن كان ... معجل أو قريب من التعجيل والآخر إلى أجل عبد شرك، بالمعجل وأما إن كان إلى ...
قال ابن القاسم: ولو قال يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، وفي الآخر يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، فصاحب ... ولو قال في الأول يخدم فلاناً سنة أو عمراً ثم هو حر تحاصا ولو كان الأجلان ... تحاصا. ومن المجموعة قال عنه ... : في الموصى بعتقه مال مبدأ على الموصى ... لو ... إلى أجل. وإن أوصى إن كاتب ... أو عتق هذا إلى أجل المؤجل أولى، ولا يدخل المكاتب في شيء من ... المؤجل. قال أبو محمد: واحتج بشيء نظر أن معناه ولو ... مما لكان يبدئه من المكاتب عنه. وقال ابن القاسم يحاص ولا يبدأ أحدهما على الآخر. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: وإن أوصى بعتق مكاتبه وبعتق عبد عبده يحاص. قال عنه ابن القاسم: وإن أوصى بعتق مُكاتبه وبمكاتبه/ عبدٍ آخر بُدئ بالذي كان مكاتباً. وإن أوصى أن يكاتب عبدُه فلانٌ وأن يعتق الآخر بعد خدمة فلان سنةً وضاق الثلث فليُسهم بينهما فمن خرج عتق في الثلث، وإن لم يحمله خُير الورثة فإما أنفذوا قول الميت أو أعتقوا منه محمل الثلث بتلاً، فإن خرج المعتق بعد خدمة سقطت الخدمةُ كالسنة والسنتين على الموصي أن يكاتب، وإذا طال أجلُ الموصى يعتقه إلى أجل قال ابن المواز: وأحب إلي أن يبدأ المعتقُ إلى سنة لأنه مثلُه ولا عجز فيه، وقاله عبد الملك. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: تبدأ الرقبةُ بغير بقيتها التي في مِلكه على التي تُشترى، وتبدأ على التي تعتق إلى أجل، ويبدأ المُوصى بعتقها إلى أجل غير طويل يحاص مع الموصى بكتابته، فيعتق من كل واحد منهما بقدر ما أوصى له وتسقط الخدمة والكتابة، وهما مُبدآن على رقبة بغير عينها، والتي ليست بعينها مبدأةٌ على الوصايا بالمال، كان ذلك كله في كلمة واحدة أو فورا بعد فور فليبدأ الأوجب فالأوجب، وقال المغيرة وابن دينار ولا أعلم كثيراً منه إلا قول مالك، قال ابن حبيب: وبه أقول.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أوصى بعتق عبدٍ له حاضرٍ وبعتق آخر أبق فإن كان إباق إياسٍ بُدئ الحاضرُ. قال سحنون في المجموعة في المدبرة تلد فيأبق ولدها إباق إياس وتعتق هي في الثلث كله، ثم يرجع الولد، إنه يُحاصها كالدين لحقها، وقال ابن القاسم: وإذا قال: فلانٌ حر بعد موتي بسنة وفلان حر/ بعد موتي بعشر سنين، فهذا ... يُعجل الذي إلى سنة حتى وتقارب مثل ثمانية وتسعة وخمسة تحاصا في الثلث. وأما موصى بعتقه إلى سنة وموصى بكتابته فيتحاصان، ويقال للورثة إن لم يسعهما الثلث إما أن يجيزوا، وإلا عتق محمل الثلث منهما ابتداء. قال ابن وهب وعلي عن مالك: فيمن أوصى بعتق عبده معجلاً وأوصى لرجلٍ بخدمة عبد له آخر ثم هو حر فيبدأ بالمعجل، قال عنه ابن القاسم: في عبد معتق إلى أجل أوصى فيه بوضع خدمته وبعتاقة آخر فيتحاصان ويُحاص الذي فيه الخدمة بقية الخدمة، وإن كان معه ... العتق ومدبر ... وكذلك في رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم. وقال سحنون: فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده سنةً ثم هو لفلان، وأوصى بعتق عبدٍ له آخر إلى عشر سنين، ولم يحمل الثلث ... فيُبدأ المعتق إلى عشر سنين ثم يجيز الورثةُ ذلك عشر العبد الآخر للرجلين وبرقبة صاحب خدمة ثم تصير رقبتُه للآخر، فإن أبوا سلموا خدمة العبد الآخر إليهما فبُدئ فيه الموصى له بالخدمة بقيمة خدمة الآخر ومن فضل فهو موصى له برقبة الآخر ثم أعتق هذا العبد الآخر إذا حل الأجلُ. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: وإن أوصى أن يُباع عبدُه للمعتق فإنه يوضع من ثمنه ثلثُه ويبدأ على الوصايا.
وجه التبدية فيما بتل المريض من عتق أو صدقة أو عطية أو دبر فيه مع ما أوصى به
ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز/ روى أشهب عن مالك: فيمن أوصى أن تُشترى رقبةٌ مكفولة أو مُفدى نفسُها وأوصى بوصايا فإنه يبدأ بالمكفولة لأنه إن دخلها العول لم تكن مكفولةً ولا تفي نفسها، ومن كتاب ابن المواز: وكذلك لو قال: مستغنية محررة قيل لأشهب: فإن قال مستغنية أتبدأ؟ قال نعم. ومن العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن قال: ثلثي حر وعبد فلان حر؟ قال: يبدأ العبد الذي سمى، فيما بقي من الثلث اشتُريت به رقابٌ فأعتقت. ولو كان له رقابٌ لبدئ المسمى فإن بقي من ثلثه شيءٌ أسهم فيه بين من بقي من رقيقها. قال عنه موسى ابن معاوية: وإن أوصى بشراء عبدٍ من ثلثه- يريد بغير عينه- فيعتق وما بقي من ثلثه ففي رقاب تعتق وأوصى بوصايا، قال: فإن ضاق الثلث تحاصوا بالوصايا والرقبة الأولى، وإن اتسع جعل الفضل من الثلث في الرقاب التي قال لأن من أوصى بشيءٍ بعينه وقال فما بقي من ثلثي في كذا وأوصى بوصايا قبل ذلك أو بعد فإن لصاحب باقي الثلث ما يبقى بعد ذلك كله. قال ابن عبدوس قال علي عن مالك: ويبدأ بالعتق على الوصية للقرابة. قال أبو محمد: يريد العتق بعينه. قال علي عن مالك: إذا أوصى بمال يُعالُ به في رقبة وبوصايا فقال على الثلث فإنه يدخل فيها العول. ولو أوصى برقبة تامةٍ لم يدخل فيها العول إن كانت/ بعينها ويدخل في التي غير معالةٍ. وإذا أوصى بمثال يُعال به في رقبة فلا يُعالُ به إلا فيما يتم فيه عتقُه. ¬
وجه التبدية فيما بتل المريض من عتق أو صدقةٍ أو عطية أو دبر فيه مع ما أوصى به من عتق وغيره أو ما تقدم له من تدبير وكيف بما يُبدأ من هذا بشيء بعد شيءٍ من كتاب ابن المواز قال: اختلف قول مالك في تبدية عتق البتل في المرض أو التدبير فيه على ما أوصى أن يعتق بعينه فقال: يبدأ المبتلُ والمدبرُ فيه لأنه أيضاً بتلُ تدبير على الموصى بعتقه، وبه قال ابن القاسم وابن وهب وابن دينار إن شاء الله، وقال أشهب: يتحاصان. قال: وبلغني أن مالكاً هذا آخر قوليه. أشهب وكأنه قال أنتما حران بعد إن مت، وإن عشتُ فأنت يا فلان لأحدهما حر فلم يفضله عليه في موته ولكن فضله إن صح. وكقوله لرجلين: إن مت فبينكما عشرة وإن عشتُ فلفلان منكما خمسةٌ. قال ابن المواز: ويقول ابن القاسم أقول، ولو قال: إن مت فأنت حر وإن عشتُ فأنت حر ولم يعجل له العتق بتلاً لكان كما قال أشهب فيه وفي الصدقة، إذ لو شاء باعه في مرضه. ولو ادان ديناً محيطاً بيع فيه ولكان له أن يرجع فيه في حكم المريض، وينفذ قولُه فإن عشتُ فأنت حر فيلزمه إن عاش، ولو كان (شك) / ولم يقرأها ولا علموا ما فيها فكتبوا شهادتهم ثم مات فإن لم يشك الشاهدُ في الطابع فليشهد، وإن شك فلا يشهد إذا لم يكن الكتاب عنده. قيل: أفلا يشك في الخاتم وقد غاب عنه؟ قال: إن شك فلا يشهد، قيل: وإذا دعا بوصيته من عند أهله فأشهد قوماً على ما فيها أتقولون له إقرأها فإنها كانت عند أهلك؟ قال: ليس عليهم ذلك وليشهدوا. قال ابن المواز قال أشهب: ذلك جائز كانت مختومةً أم منشورةً قرأها عليهم أو لم يقرأها، ولو قرأها ولم يأمرهم بالشهادة فليس بشيء حتى يقول إنها وصيتي وأن ما فيها حق، وإن لم يقرأها. وكذلك لو قرأوها وقالوا نشهد أنها وصيتُك فقال نعم، أو قال برأسه نعم ولم يتكلم فذلك جائز.
فيمن قال وصيتي عند فلان فصدقوه أو قال قد أوصيته فما قال فانفذوه
ومن كتاب ابن المواز قال –يعني مالكاً- وإن لم يقرأها عليهم فليشهدوا، فإذا مات وعرفوا الكتاب فليشهدوا أنها وصيته أشهدنا على ما فيها. وكذلك لو أشهدهم عليها مطبوعةً إذا عرفوها. قال: وإن فُتحت فوجد فيها محو لا يُغير ما قبله ولا ما بعده لم يضر، وإن كان يحيل بعض الوصية المغيرة فذلك الشيء لا يجوز إلا أن يعرفوا المحو. ولو وجدوا لحقاً لم يُبينه لهم فلا يشهدوا عليه إلا أن يكونوا طبعوا عليها وعرفوا خواتمه فاحملوهم ما تحملوا. قال أشهب عن مالك: ومن شك منهم فلا يشهد إذا لم تكن الوصية عنده حتى يتبين أنه خاتمه بعينه لم يُفض، وكان الناس قديماً يجيزون الخواتم في كتب/ القضاة وغيرها، ثم حدث الإشهاد على الطابع، وأجوزُهم عندي شهادةُ الذي الوصية في يديه، والآخرون يشهدون بمبلغ علمهم ويحملون ما تحملوا، وقال أيضاً: أما الآخرون فلا أدري كيف يشهدون، وكذلك روى ابن القاسم عن مالك كما روى أشهب من أول المسألة. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك في الميت توجد وصيتُه في بيته بخطه ويشهد عدلان أنه خطه فلا يجوز ذلك حتى يشهدهم عليها، وقد يكتب ولا يعزم، وكذلك في العتبية (¬1) قال في المجموعة: وإذا أشهد جازت كانت بيده أو عند غيره. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ عن ابن وهب: في امرأة دعت قوماً إلى وصيتها مكتوبةً فقالت: اشهدُوا على ما فيها لي وعلي وقد أسندتها إلى عمتي وما بقي من ثلثي فلعمتي، ثم ماتت ففُتح الكتابُ فإذا فيه أن باقي ثلثي للفقراء والمساكين والأرامل قال: فليُقسم الثلث بين العمة وهذه الأصناف، قال أبو محمدٍ: يريد فللعمةِ نصفُه ولهذا الأصناف نصفُه، وقال ابن القاسم مثله. ¬
قال ابن المواز روى أشهب عن مالك: في مريض حضره قوم فقالت امرأته أنه أوصاني في بقية ثلثه أن أنفق منه على بني فلانٍ كل شهرٍ كذا وهو يسمع ووصيته حاضرةٌ ولم يُوقع ذلك فيها وقد كان قرؤوها عليه وأقر بها ثم مات، فلا يجوز الذي قالت وذلك رد إلى الورثة إلا ما يصيب الزوجة من بقية الثلث، يُعزل ذلك ويُنفق على من أقرت له في كل شهرٍ/ كما قالقت. وفي الباب الذي يلي تمامُ القول في الوصية تكون بيد غيره. فيمن قال وصيتي عند فلان فصدقوه أو قال قد أوصيته فما قال فأنفذوه أو قال يجعل فلانٌ ثلثي حيث يراه الله من العتبية وكتاب ابن المواز وابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال عند موته: وصيتي عند فلان وأشهد على ذلك، وفي كتاب ابن المواز: فأشهدوا على ذلك فلما مات أخرج الرجل وصيةً فيها عتقٌ وغيره قال: هي جائزةٌ، وأبينُ ذلك إن كتب وصيتين وجعل بيد كل رجلٍ واحدةً فإذا أخرجاها جازتا إن اتفقتا. وفي رواية ابن وهب في المجموعة في الوصية الواحدة بيد الذي ذكر قال مالك: على ماذا شهد هؤلاء ما أرى إلا شاهداً واحداً وأراه يجوز في الوصايا دون العتق، ثم قال بعد ذلك: أراها نافذةً وقاله أشهبُ. وقال ابن القاسم في هذه الكتب عن مالك قال فيمن قال قد كتبتُ وصيتي وجعلتُها عند فلانٍ فأنفذوها فأخرجها الرجل بعد موته ولا بينة فيها غير البينة على قوله هذا، قال: إن كان الذي هي بيده عدلاً أنفذت، وقاله ابن القاسم. قال العتبي قال سحنون: تنفذ كان الرجل عدلاً أو غير عدلٍ. قال يحيى بن يحيى وقال ابن القاسم: هو كما لو قال: قد أوصيتُ بوصايا أعلمتُ بها فلاناً فأنفذوا ما قال، إنه/ ينفذ، ولو قال: كنتُ أعامل فلاناً وفلاناً فما ادَّعوا عليَّ فصدِّقوهم قال: فليُعطوا ما ادعوا بلا يمين.
ومن المجموعة وكتاب محمدٍ قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قال: قد أوصيتُ بثلثي فلاناً وأخبرتُه بوصيتي فصدَّقوه فهو مصدَّق. وقال أشهب: فإن قال إنما أوصي بالثلث في ولايتي فهو مصدَّق، لأن الميت أمر بتصديقه، وليس مثل الذي يوصي إلى فلانٍ أن يجعل ثلثه حيث يرى فيجعلُه لنفسه أو لابنه، هذا ليس له ذلك لأنه يوصي إليه ليجتهد فلم يجتهد، ولو أعطى لابنه وأقاربه كما يعطي الناس حسب الاستحقاق لجاز، وأكره أن يأخذ منه شيئاً لنفسه، فإن فعل حسب استحقاقه لم آخذه منه، وقاله ابن القاسم. وقال: فإن قال لولدٍ أوصى به جعلته كشاهد له، وكمسألة مالك إذ قال: فلانٌ يجعل ثلثي حيث يرى. قال محمد وقال مالك في هذا إنه لا يأخذ هو منه وإن كان محتاجاً، وإن أعطى ولده وكان ذلك موضعاً جاز. قال ابن عبدوس وروى علي عن مالك في الذي أوصاه بجعل ثلثه حيث يراه الله لا يُجبر أن يُعطي ذلك أقارب الميت، ولكن يعطيهم كما يعطي الناسُ. قال مالك: وإذا كان قد علم حين أوصاه بجعل ثلثه حيث أراه [الله] أنه أراد أن يرده على بعض الورثة فلا يجوز وليرجع كله ميراثاً. وقال علي عن مالك: فيمن أوصى امرأته أن تجعل ثلثه حيث أراها الله فلم تفعل حتى هلكت (¬1) / صحيح لفلان عشرة دنانير من مالي عشتُ أو مت فإن قام عليه في صحته أخذها منه وإن مات المعطي لورثته القيامُ فيها فإن مات المعطي كانت في ثلثه مبدأة وكذلك عتقُ البتل في المرض كما ذكرنا. قال محمد: وإذا مات فصدقه البتل مبدأةٌ في ثلثه، ولو كانت له أموال مأمونةٌ كان للمعطى تعجلها، ويكون من الثلث إن مات، وأما لو مات المعطي ثم مات المعطى فلا شيء لورثة المعطى إذ لا تتم صدقةُ الصحة إلا بالحوز، فإذا رجعت إلى معنى الوصية فقد مات المُوصى له قبل موت الموصي فبطلت، وحملها ¬
جامع القول في الوصايا بعضها قبل بعض
ابن القاسم محمل عتق البتل إذ لم يكُن له أن يرجع فيها. وهو عندي مختلفٌ لأن العبد حائزٌ لنفسه بالعتق والصدقةُ لم تُحز. ألا ترى لو قال صحيحٌ لرجل لك عشرةُ دنانير من مالي إلى عشر سنين، وأعتق عبده إلى عشر سنين، ثم مات السيدُ لبطت الصدقة وصح العتقُ، وقاله ابن القاسم: إذا تصدق عليه إلى عشر سنين فمات قبلها بطلت الصدقةُ، ولو استحدث ديناً قبل العشر سنين بطلت الصدقةُ، وإن كانت في شيءٍ بعينه إذ لم يقبض والدين أولى بها. ولو أراد بيعها قبل عشر السنين من غير دين لحقه مُنع من ذلك ولو كانت أمةٌ لم يطأها. قال محمد: ولو قال: فإن مت قبل عشر السنين فهي لك لرجعت إلى ثلثه إن مات، وإن مات المعطي قبله فلا شيء لورثته، وإن مات المعطي قبل المعطى رجعت إلى عشر سنين، فإن مات/ المُعطى فيها قبل المعطي بطلت وإن بقي المعطى له حتى تمت عشر السنين كانت له ولورثته إن مات فمن الثلث. قال أحمد بن ميسر: يعني إن بقي المعطي تمت السنون كانت من رأس ماله في حياته للمُعطى أو لورثته ما لم يمرض المعطي قبل يقبض ذلك مرض موته أو يموت فهي وصيةٌ إن كان المعطي حبا أحدهما، وإن مات قبل ذلك بطلت. وفي باب من أعتق عبيداً له عند موته من معنى هذا الباب. جامع القول في الوصايا بعضها قبل بعضٍ من المجموعة وغيرها قال ابن القاسم وأشهب: ولا ينظر إلى ما قدمه الميتُ بالذكر في كتاب وصيته، إنما يبدأ الأوكدُ، إلا أن يقول: بدئوا كذا فيبدأ على ما هو أوكد منه. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإنما له ذلك في ماله أن يرجع عنه وأما ما لا يُرجع عنه من عتق بتل وعطية بتلٍ في مرضه والتدبير فيه فلا يُبدأ بما يقول، ولكن بما هو أولى.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصى بمثل صدقة وعطيةٍ ونحوها مما بعضه أفضل من بعض فلا تبدية فيه وإنما هو في العتق. قال مالكٌ: ومن قال ثُلثي في المساكين وفي سبيل الله وفي الرقاب ولفلان مائة دينار نحاصوا، سواء بدأ بشيء من ذلك في كتابه أو بلفظه حتى يقول بدؤوا كذا على كذا فيُبدأ. قال العتبي/: والتبدية في الوصايا بالأوكد، ويبدأ عليها صداقُ المريض لأنه قد قيل إنه من رأس المال كالجناية، واختلف قولُ ابن القاسم فيه وفي تدبير الصحة، فقدَّم المدبر مرةً وبدأ صداق المريض مرةً. قال: ثم الزكاة الموصى بها مما فرَّط فيه، ثم عتقُ الظهار وقتل الخطأ، واختلف فيه قولُه فقال: يتحاصان وقال: يبدأ بكفارة القتل إذ في الظهار بدلٌ، ثم المدبر في المريض والمبتل فيه معاً ثم الموصى بعتقه بعينه، والمشترى للعتق بعينه معاً، وقد قال يبدأ الذي في ملكه. قال: والموصى بعتقه معجلاً والموصى بعتقه إلى شهرٍ وما قَرُبَ يتحاصان، وكذلك المعجل مع كتابة عبده أو عبد عبده على غرم مالٍ، فإن عجل المكاتب الكتابة وأدى المال تحاصوا، وإلا بُدي الذي لا مال له، ثم هما ثم الموصى بعتقه بغير عينه والحج بوصاية معاً. وقد قال، يبدأ العتقُ بغير عينه على الحج. ومن كتاب ابن حبيب ذكر قول ابن الماجشون الذي ذكرناه في باب التبدية فيما بتل المريض، فذكر ما يبدأ شيءٌ بعد شيء إلى أن ذكر التسمية بغير عينها وذكر أنها مبداةٌ على الوصية بالمال. قال ابن حبيب: وقد اختُلف فيما ذكر فيه ابن الماجشون التبدية فقال ابن القاسم: المدبر في الصحة مبدأ على جميع ما ذكرنا –يريد من بتل في المرض أو معتق بعينه أو زكاة أو كفارةٍ- قال: وبعد مدبر الصحة/ الزكاةُ يُوصى بها ثم عتقُ الظهار وقتلُ الخطأ معاً، ثم البتل في المرض والمدبر فيه معاً، إن كانا في كلمة واحدة وفور واحد، فأما في فور بعد فور فالأول مبدأ، ثم الرقبة بعينها التي في ملكه والمشتراة معاً، ثم الموصى بعتقه إلى أجل غير بعيد كسنة وسنتين ثم الموصى بكتابته، فإن طال أجل العتق أكثر من السنتين فهو من المُكاتب يتحاصان، ثم الرقبة بغير عينها. وقال مطرفٌ: البتل في المرض يبدأ على المدبر فيه والمدبر فيه والموصى بعتقه يتحاصان، وذكره عن مالك.
قال ابن الماجشون: إذا أوصى بوصايا بزكاته لعامه أو لعامٍ مضى وبزكاة فطره وكفارة ظهاره وقتل وجزاء صيدٍ وكفارة أيمان فهذه الواجبات كلها لا يبدأ بعضُها قبل بعضٍ وتبدأ هي على الوصايا. قال: وقال مالك في المدبر في المرض والموصى بعتقه يتحاصان، وقولي أن يبدأ المدبر إذ لا يُرجع عنه ويُرجع عن الموصى بعتقه، وكذلك يبدأ على الزكاة لأنه لو شاء قال لم يكن على زكاةٌ، ويبدأ المبتل في المرض من عتقٍ وعطيةٍ على وصية العتق بعينه فيه، والعتقُ بعينه مبدأ على الوصايا، وقاله مالكٌ كله ولا ينفعه إن قال: تبدأ الوصيةُ بالعتق على البتل، وإنما له ذلك في الوصايا، فلو أوصى بهذه الكفارة أو بالزكاة وقال بدؤوا على ذلك عشرين ديناراً أوصيتُ بها لفلانٍ لبدئت عليها، وقاله أصبغ كله قال: وهو القياس إلا أنه قال في صدقة البتل إذا أجيزت/ في المرض. قال أصبغ: والاستحسان أن تبدأ الوصية بالعتق على بتل العطية في المرض، قال ابن حبيب: لا يُعجبني ما استحسن أصبغ من ذلك ولا ما ذكر من حيازة العطية في المرض، ولا وجه للحيازة في العطية في المرض. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ويبدأ بما أوصى به من كفارة يمين وظهارٍ وقتل الخطأ على الوصايا من عتقٍ بعينه وغيره، والزكاة –يريد يُوصى بها- يبدأ على كل كفارة وعتق وإبتالٍ في المرض ووصيةٍ. قال: والمدبر في الصحة مُبدأ على الزكاة، قاله مالك. قال محمد: وليس من شيءٍ في الثلث يبدأ عليه. قال مالك: وليس كل ما فرط فيه من زكاة وكفارة قتلٍ وغيره ثم أوصى به فلا يكون إلا في ثلثه مبدأ، وكذلك ما كان نذره من صدقة وعتق وغيره، والزكاة إن أوصى بها مبدأةٌ على هذا كله. وروى البرقي عن أشهب: أنه يبدأ العتق –يريد بعينه- على الزكاة والزكاة على الصدقة. محمد: وقولُ ابن القاسم أحب إلينا.
قال ابن المواز: ولو بتل عتق عبدٍ – يريد في مرضه- ثم أوصى بزكاةٍ عليه لم يكن له ذلك، ولا يُحدث عليه ما ينقضه إلا أن يكون ديناً، وكذلك المدبر، وإذا أوصى بكفارة قتلِ خطأٍ وظهار وضاق الثلث فإن كان فيه ما يُعتق للقتل ويُطعم للظهار فعل ذلك إذ لا إطعام في القتل ولو كان القتلُ عمداً لبُدئت كفارةُ الظهار إذ ليست بواجبة في العمد، وقاله ابن القاسم في الخطأ، وإن لم يكن/ في الثلث غيرُ رقبةٍ واحدة أخرجها ورثتُه عن أيها شاءوا، وقال أصبغ: أحب إلي أن يُخرج عن القتل لعله يتوب له مالٌ فيكفر عن الظهار، فإن يئس من ذلك ففيما شاؤوا. قيل لابن القاسم: فإن لم يُوص إلا بالقتل وليس في الثلث رقبةٌ أيورثُ؟ قال: لا. قيل: فيُعان به في رقبةٍ؟ قال: عسى به. قال أصبغ: يُعان به. قال ابن المواز: وإذا أوصى بزكاةٍ تقدمت ودبر في صحته ثم دبر في مرضه وتزوج فيه وبتل عتقاً وأوصى بكفارات وعتق عبدٍ بعينه وبوصايا، فقال مالك وأصحابه: المدبر في الصحة مبدأ على كل ما ذكرنا، ثم صداق المريض، واختلف قول ابن القاسم في تبديته على المدبر في الصحة وبتبدية المدبر، قال أصحابُه وقلنا: ثم بعد هذين الزكاةُ تبدأ على ما سُميت الأشياءُ. ذكر عن أشهب أنه يبدأ الزكاة على العتق بعينه، ولا نأخذ به. ومن المجموعة ذكر قول ابن القاسم أن مدبر الصحة يبدأ على صداق المريض. وقال عبد الملك: الصداق يبدأ عليه لأنه كالجناية، والمدبر يبدأ على العتق في اليمين بعتق عبدٍ في صحته ليفعلن كذا فمات ولم يفعله كان المدبر قبل يمينه أو بعد، لأن المدبر لا مخرج منه، وهذا يقدر على المخرج بالفعل. ومن كتاب ابن المواز: وزكاة المال والحب والماشية سواء بالحصص في ضيق الثلث، ويبدأ ذلك على زكاة الفطر لأنها سُنة ثم الكفارات ويبدأ منها ما فيه/ عتق على الإطعام، ثم إطعام الظهار، ثم كفارة الأيمان. ورُوي عن مالك في غير هذه الكتب أنه إنما تُبدأ كفارات الأيمان إن كانت عليه فيما علم، وأما إن أوصى بها تحسباً وتحرجاً يخاف أن يكون عليه فلا يبدأ هذا وهو كالوصية بالصدقة.
ومن كتاب ابن المواز قال: ومن يُعلم منه أنه لا يُزكي ولعله قيل له في ذلك في مرضه فقال سأفعل إذا صححتُ فلا يلزم ورثته إن مات إخراجُها، وأما إذا حلت في المرض فقد ذكرناه في كتاب الزكاة. وكذلك ما عليه من كفارة في التفريط في قضاء رمضان وأوصى به فيبدأ على ما أوصى به من نذرٍ في صدقةٍ أو صومٍ قبل أن يُفطر لسفر أو مرضٍ ثم يُقدم فيعتق فلم يقضه حتى مات فعليه الإطعام إن صح ما يمكنه قضاؤه فيه. وكذلك إن صح يوماً أو يومين – يريد وكذلك إن صح فلم يقضه- وقد أمكنه قضاؤه كله ثم مات قبل رمضان آخر فتلزمه الكفارة إن أوصى بها، وكذلك إن دخل عليه رمضان آخر ولم يقضه وقد أمكنه قضاؤه. ومنه ومن المجموعة ابن القاسم عن مالكٍ: ومن عليه صوم شهرين متتابعين فأوصى به فليُخرج عنه مُداً لكل يوم مبدأ على الوصايا وإن لم يذكره لم يلزم ورثته. ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالكٍ: وتبدأ الزكاة على كل كفارة وعلى عتق البتل والمدبر فيه. قال سحنون: هذا إن كانت الوصايا معاً وكانت الوصية/ والزكاةُ قبلُ، قال أشهب: تبدأ الزكاة أن أمر بها على ما دبر ثم زكاة الفطر وكفارة اليمين، والزكاة أولى من كفارة القتل والظهار، وقاله مالك. قال ابن القاسم: وكفارة القتل والظهار تُبدآن معاً بعد الزكاة على كفارة اليمين، فإن ضاق الثلث عن كفارة القتل والظهار أقرع بينهما وما كنتُ أبالي بأيهما بدأتُ، وله قولٌ آخرُ: أن يبدأ بالقتل ثم يُطعمُ عن الظهار، فإن لم يبلُغ أطعم ما بلغ وإن زاد على إطعام ستين مسكيناً أعين به في رقبةٍ. قال ابن كنانة: إن أوصى بعتق عن ظهار لم يبلُغ ثلثه فليُطعم عنه. قال ابن وهبٍ عن مالكٍ: تبدأ الزكاةُ والنذر يُوصى بهما على الوصايا. قال ابن القاسم: يبدأ بكفارة اليمين على العتق وغيره. قال أشهب: إلا أن يوصي في شيءٍ واجب مثل ذلك أو زكاةٍ مفروضة فيبدأ بذلك أو أوصى بذلك في فور واحدٍ أو بشيءٍ بعد شيءٍ فلتبدأ زكاةُ المال ثم زكاة الفطر ثم كفارة الأيمان، وليس هذا إذا أوصى
في الحج يوصى به وبوصايا غيره، وكيف التبدية في ذلك؟
وأوصى بمدبر لأن المدبر لا يرجع فيه ويرجع في الآخر فله أن يُدخِلَ معه ما شاء، ويبدأ بما أحب أن يبدئه. وإذا كان المدبر مع الزكاة والكفارات في لفظ واحد أو كان المدبر بعد ذلك فالزكاة والكفارات مبدأة عليه. قال: والكلام المتصل لا ضمان بينه هو معنى قولنا في لفظ واحد. قال أشهب والمغيرة: إذا أوصى في عبدٍ أنه مدبرٌ ثم أوصى بزكاة أو كفارات أيمان فليبدأ المدبرُ،/ قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬1): إذا قال مريضٌ: دبروا عبدي وأعتقوا رقبة عن ظهاري قال: يبدأ بالظهار. وقال عنه أبو زيد: وإذا أوصى أن يُعتق عنه رقبة ولم يُسم واجبةً أو تطوعاً فهي على التطوع حتى يُعلم أنها واجبة، وذكر مالك في سماع أشهب: في يتيم عليه وصي أوصى بوصايا وكان قد أمر بضرب عبدٍ له حتى مات وأوصى عن ذلك بعتق رقبة، فإن بين أنها من ذلك كانت مبدأة على وصاياه، قال أبو محمد: أراه يريد مات من الضرب ولم يتعمد أن يقتله، وقد تقدم أن ما كان للعمد غير مبدأ إذ ليس بواجب. في الحج يوصي به وبوصايا غيره وكيف التبديةُ في ذلك؟ من العتبية (¬2) من سماع عيسى عن ابن القاسم: ومن أوصى بعتق نصف عبد له وبالحج بنصفه وإذا بت عتقاً بعينه يتم عتقُ جميعه وبطل الحج، وإن لم يبته فنصفه حر ونصفه في الحج. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى بالحج وهو صرورة وبعتق بُدئ العتق إن كان بعينه وإن كان تطوعاً على الحج، وهذا أحب إلينا، وقال ابن القاسم: يبدأ العتقُ وإن كان تطوعاً بغير عينه على الحج. وقال أشهب: تبدأ الرقبة بعينها على حج الصرورة، ورواه عن مالك. وإن ام يكن بعينها بدئ الحج إن كان صرورةً وإن لم يكن/ صرورةً بدئ بالوصايا كلها على الحج. ¬
فيمن أوصى بعتق عبده الآبق أو أن يكاتب عبده، كيف التبدية فيه مع الوصايا؟
وروى أشهب عن مالك في الوصية بالعتق والحج والوصايا، فإن كان عتق بعينه بدئ به وكان (العول) في الوصايا والحج، فإن صار للحج ما يُحج به أنفذ وإن نقص بدئ بالحج على الوصايا، وإن لم تكن رقبة بعينها فهي كالوصايا في الحصاص. قال أشهب: إن كان صرورة، وإن لم يكن صرورة بُدئ عليه العتقُ وإن لم يكن بعينه، وكذلك الوصايا. وقال في مجالس البرقي: إن ام يكن صرورة لم يزد الحج على ما وقع له في العول، قال ابن كنانة: يُبدأ العتقُ بعينه على حج الصرورة، وهو مع الوصايا أسوة، فإن لم يبلغ في حصاص الحج ما يحج به لم يزد عليه ويحج به من حيث بلغ ولو من مكة. قال ابن المواز: وهو أحب إلي، وقاله أصبغ لأنه قال كان صرورة أو غير صرورةٍ فهو أسوةٌ مع الوصايا والعتق وغيره، قال ابن المواز يبدأ كل شيء على الحج إلا أن يكون صرورة، وقاله مالك وأصحابه. وقال ابن القاسم في مجالسه مثل قول ابن كنانة. وروى أشهبُ عن مالك وقال به إلا ما ذكرنا من قوله فيما يقع له في الحصاص. وقال ابن القاسم في كتبه ورواه عن مالكٍ: أن عتق التطوع يبدأ على الحج الصرورة. وقال ابن القاسم من رأيه: إن عبداً بعينه أو بغير عينه وكذلك الوصايا عندي مبدأ على حج الصرورة. محمد: وقول ابن القاسم الذي وافق فيه أصحابه أحب إلي أن يُحاص به مع الوصايا والعتق بغير عينه وحج الصرورة/ ويحج بما وقع له من حيث بلغ وإن لم يكن صرورة فالوصايا مبدأةٌ عليه. وقاله أشهب: وانفرد ابنُ وهب فقال: إن كان صرورة بُدئ بالحج على الرقبة بعينها. قال ابن حبيب: وكان ابن القاسم يُبدئ الرقبة بغير عينها على الحج وكان ابن وهب يبدئ الحج عليها. قال ابن حبيب: إن كان صرورة بُدئ الحج وإن كان تطوعاً فهي وهو والوصايا في الثلث شرعٌ سواء.
في الموصي يقدم بعض وصيته قبل بعض، وكيف إن قال بدئوا كذا وبدئوا فلانا
فيمن أوصى بعتق عبده الآبق أو أن يكاتب عبده كيف التبدية فيه مع الوصايا وأوصى بعتق عبدٍ هل يعتق من عبيده؟ قال ابن حبيب قال أصبغ: فيمن أوصى بعتق عبده الآبق أو غائب طالت عيبتُه فلينظر إلى قيمته يوم غاب على أنه آبقٌ إن كان أبق، فإن حمل الثلث تلك القيمة عتق، وإن أوصى بوصايا كانت الوصايا فيما بقي من ثلثه، وإن رجع العبد فهو حر أو مات مات حراً وإن ثبت أنه مات قبل سيده كان كشيء لم يكن ورجع أهل الوصايا إلى ثلث المال كله لا يُحسب فيه الآبق فأخذوا من الورثة ثلث بأيديهم من ذلك وسقط قيمة العبد من المال، وإن ثبت أنه مات بعد موت السيد قبل النظر في الثلث حاص الورثة أهل الوصايا بقيمته وتلوا ميراثه فصار لهم ما وقع في المحاصة بقيمته. قال ابن حبيب قال أصبغ: فيمن أوصى أن يكاتب عبدُه ولرجل بمائة دينار/ يحمل الثلث قيمة العبد ويعطي المائة. قال: يُكاتب العبدُ بما سمى أو بكتابة مثله إن لم يُسم، ثم يقال للورثة إما أعطيتم الموصى له المائة وخذوا الكتابة، وإلا فأسلموا ما بقي من الثلث بعد قيمة المكاتب وسلموا إليه الكتابة فيكون له، فإن ودى فولاؤه للميت، وإن عجز فرقبتُه للموصى له، ولو أوصى بالمائة للمكاتب ولم يحملها الثلثُ خُير الورثة، فإما أمضوا له الكتابة والمائة وإما قطعوا له بالثلث فتكون في رقبته حرية ويأخذ باقي الثلث. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن أوصى بعتق رقابٍ فأراد الوصي أن يعتقهم من رقيق الميت وأبى الورثة إلا أن يُشترى غيرُهم وقالوا لم يرد هؤلاء، قال: إن أعتق منهم رؤوسا وسطاً فمن له أن يشتري مثلهم فذلك له، وإن أراد أن يعتق منهم ممن دونهم فليس ذلك له.
في الموصي يقدمُ بعض وصيته قبل بعض وكيف إن قال بدئوا كذا وبدئوا فلاناً أو فضلوه أو لا تُنقصوه من كراءٍ من المجموعة وغيرها قال ابن القاسم وأشهب قال مالك: وليس ما بدأ ذكره الموصي في وصيته مبدأ، وإنما يبدأ الأوكد فالأوكد وإن تأخر ذكره إلا أن يقول بدئوا كذا فيبدأ وإن كان غيره أوكد منه، وكذلك إن بدأه على مالٍ أوصى به من زكاة تقدمت أو كفارةٍ أو عتقٍ بعينه/ قال ابن القاسم: ولو أوصى لرجل بمال وأوصى بحج وقال: بدئوا ذلك على ما أوصيتُ به من الزكاة لبُدئ لأنه لو قال: علي مائة دينارٍ زكاة فأخرجوا عني نصفها لم يُخرج عنه غير ذلك، ولو قال بدئوا النسمة التي أوصيتُ بعتقها بغير عينها على التي بعينها كان كذلك. ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى أن ثلثه لفلان ولفلانٍ عشرة دنانير ولا تُنقصوا صاحب الثلث شيئاً قال: فالثلث له ولا شيء للآخرين، ولو قال: ثُلثي لفلانٍ، ولفلان عشرةٌ لا يُنقص منها والثلث عشرةٌ فلا يُنقصُ منها ولا شيء للآخر قدم العشرة في اللفظ أو أخرها، وقاله أصبغٌ. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن أوصى لفلانٍ بكذا ولغير واحد وقال: وفضلوا فلاناً، قال يُفضل على أكثرهم وصيةً بقدر ما يرى من كثرة المال وقلته. ومن كتاب ابن المواز وذكر ابن عبدوس لأشهب: فيمن أوصى أن لأحمد عشرةً ولزيدٍ عشرة ولعاصم عشرة وبدئوا أحمد على زيدٍ وسكت عن عاصمٍ فوجدنا الثلث عشرةً فلتُقسم بينهم أثلاثاً، فما صار للذي لم يُبدئه ولا بدأ عليه كان له وما صار لزيدٍ رد إلى أحمد حتى يبلغ ما سمى له، ولو قال يُبدأ أحمد على زيد ويبدأ عاصمٌ على أحمد قال: فلا يكون لزيد شيءٌ حتى يستوفيا قبله، ولا يكون لأحمد ¬
فيمن أعتق عبيدا له عند موته لا يسعهم الثلث أو أعتق بعضهم بعد بعض
شيءٌ حتى يستوفي عاصم. إن كان الثلث عشرة أخذها عاصمٌ وحده، فإن زاد على عشرة أخذ الزائد على عشرة أحمدُ حتى يُحاذي عشرته فيكون ذلك/ لزيد حتى يبلغ عشرته أو ما أصاب منها، ولو قال يبدأ أحمد على زيد وزيدٌ على عاصمٍ وعاصمٌ على أحمد، فلا تبدية لأحد منهم على أحد وكأنه لم يذكر تبدئة ويتحاصون. ومن المجموعة قال المغيرة: ومن قال: عبدي ميمونٌ يخدم زيداً عشر سنين ثم هو حر، وعبدي مبارك حر بتلاً وخدمة زيد مبدأة عليهما جميعاً، ولا يحمل الثلث إلا عبداً واحداً. قال: يُنظر إلى قيمة خدمة ميمون عشر سنين فيُباع ميمونٌ ويُعطي من ذلك لزيد قيمة الخدمة ويُنظر ما بقي من الثلث فيُعجل من قيمة مبارك لأن عتق البتل يبدأ على المؤجل. فلما شرط تبدية الخدمة عجلناها له ثمناً وعجلنا للمبتل ما بقي، وقاله سحنون. قال علي عن مالك: فيمن قال: لفلانٍ كذا مبدأ من ثلثي ولفلان كذا وعبدي فلانٌ حر قال: يأخذ المبدأ ما سمى له ثم يعتق العبد إن بقي من الثلث شيءٌ أخذ منه الموصى الآخر وصيته أو ما وجد منها وإلا فلا شيء له. فيمن أعتق عبيداً له عند موته لا يسعُهُم الثلث أو أعتق بعضهم بعد بعضٍ وكيف إن كان عليه دينٌ؟ وما يجري في ذلك من السهم؟ هذا الباب مستوعب في كتاب العتق. قال ابن القاسم وأشهب وابن وهب في المجموعة عن مالك: ومن أعتق عبيداً له عند موته لا يملك غيرهم فليُقسموا أثلاثاً. قال عنه ابن القاسم وابن وهب: ويجعل الخير مع الشرير، قالوا ثم يسهم بينهم فيعتق من أخرجه السهم.
قال عنه ابن القاسم وأشهب: فإن لم ينقسموا أثلاثاً/ على تساوي القيمة نظر قيمة كل عبدٍ ويُسهم على أسمائهم، فمن خرج اسمُه عتق إن كان كفاف الثلث أو أقل، وإن كان أكثر أعتق منه محمل الثلث، وإن كان أقل أعيد السهم إلى مبلغ الثلث في عبدٍ أو بعض عبدٍ، وإن حلف غيرهم وثلثه يحملهم عتقوا، وإن لم يحملهم فالقرعة على هذا التفسير في عتق محمل ثلث ماله كله منهم، قال ابن القاسم: سواء بتل عتقهم في مرضه أو أوصى به. قال عن مالك: ولو قال أنصاف رقيقي أحرارٌ أو أثلاثهم أو ثلثُ كل رأسٍ فلا قرعة، ويعتق من كل واحد منهم ما قال أو ما حمل ثلثُه بالحصاص، وقال نحوه أشهب. قال ابن وهب عن مالك: ومن أعتق في مرضه رقيقاً في أيامٍ متفرقةٍ ثم مات فلا يبدأ واحد منهم وهم في العتق سواء، وإن أعتقهم جميعاً في مرضه فقال: فلانٌ حر وفلانٌ حر إن مت من مرضي هذا عتقوا في الثلث بالحصص. قال سحنون: بغير سهم، وكذلك لو قال لخمسة أعبد له بأعيانهم هؤلاء أحرارٌ بعد موتي فليعتق من كل واحدٍ ثلثُه، بخلاف قوله رقيقي أحرارٌ منهما بعد موتي فهؤلاء يُسهم بينهم ويدخل في هؤلاء من أفاد من الرقيق ولا يدخل في المسألة الأولى. قال أبو محمد: وهذا الأصل فيه تفسيرٌ غير هذا وقد جرى منه في باب وجه التبدية فيما بتل المريض وفي الأول من العتق تمامه. قال ابن القاسم: فيمن أعتق رقيقه في مرضه أو بعد موته وعليه دينٌ يغترقهم، أقرع بينهم من يُباع للدين ثم أقرع للعتق إلى مبلغ الثلث/ على ما ذكرنا، وإذا خرج للدين لم يوعب الدين أعيد السهمُ حتى يوعب الدين، فيمن خرج في عبدٍ أو نصف عبدٍ. ولا تكون القرعة عند مالكٍ إلا في وصيةٍ، ولو قال: بيعوا رأساً منهم للدين وباقيهم أحرارٌ فليُقرع من يُباع للدين، فإن لم يف
كان الدينُ في بقية ماله سواهم ولو بيع منهم بذلك شيءٌ، لأن فيهم وصيةً، ويُقرع بينهم فيعتق منهم مبلغ جميع ثلثه بعد الدين. قال: ومن كاتب رقيقه في مرضه ولا يسعهم الثلث فليقطع لهم الورثة الثلث إن لم يجيزوا فيُسهم بينهم فيه كالعتق، قال ابن كنانة: إن قال في عبدين له اعتقوهما فإن لم يبلُغ ثلثي أعتقوا منهما محمله بلا قرعةٍ فإن كان ثلثُه مائة وقيمةُ أحدهما مائة والآخر خمسون فليعتق ثلثا كل واحدٍ (¬1). ¬
[الجزء الثالث من الوصايا]
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم يسر الجزء الثالث من كتاب الوصايا [ما تدخل فيه الوصايا من مال الموصي] من كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة، قال مالكٌ، وأصحابه: لا تدخل وصايا الميت في ثلث ما علم من ماله، ولا تدخل في كل ما بطل فيه إقراره، في مرضه لوارث، أو ما أقر في مرضه أنه كان أعتقه، في صحته، أو تصدق به، وأما ما كان يُعلم به؛ من عبد آبقٍ، وجملٍ له شارد، وإن كان يُئس منه، ثم رجع بعد موته، ولو بعد عشرين سنة، من يوم موته أو مرجع حُبسٍ حبسه هو أو أبوه أو أجنبي وجُعل مرجعه إليه، وإن بعد السنين الكثيرة، فإنه تدخل فيه وصاياه؛ لأنه مما عُلم بأصله. وأما إن اشتهر عنده، وفي الناس غرقُ سفينته، وموتُ عبده، ثم ظهر سلامةُ ذلك بعد موته، فروى أشهب عن مالك فيه قولين؛ فقال: لا تدخل فيه الوصايا. وقال: تدخل فيه، وقد يُنعى إليه عبدُه، وهو يرجوه. وكذلك في العتبية (¬1) من سماع أشهب، قال: وتدخل فيما رجع من آبقٍ وشاردٍ. ¬
روى عيسى، عن ابن القاسم، وذُكر في سماع أشهب في الآبق يُنعى له والسفينة يشتهرُ غرقها ثم يأتي ميتا ... (¬1)، مثل ما ذكر ابن المواز؛ قال: تدخل في ذلك الوصايا. وقد يُنعى له العبدُ، وييأس من الشيء ... (3) لا تدخل فيه الوصايا؛ لأنه يئس منه./. وروى عيسى، عن ابن القاسم، وهو في المجموعة: إذا شَهِدَت عنده بينةٌ بذلك؛ من غرق السفينة وموت العبد والفرس أو تلفه فطال زمانه ويئس منه فلا تدخل فيه الوصايا. وإن كان تلفُه بلاغاً ثم مات بقُرب ذلك ولم يشهد عنده بذلك أحد فلتدخل فيه الوصايا. وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم قال: ويدخل في العبد الآبق يرجع بعد موته وإن طال زمانه، ويُئس منه. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا يدخل في مال ورثة عن ولي لم يعلم بموته؛ مثل أن يكون ببلد مسافته شهرٌ، فمات قبله بيومين وشبه ذلك. وقاله ابن القاسم وابن وهب وأشهب. وكذلك ديتُه في قتل العمد يوجد بعد موته. قال ابن القاسم وكذلك لو قال: إن قَبِلتُمُ الدية فوصاياي فيها أو في ثلثها وثلثُها وصية فلا يجوز ذلك، ولا ندخل له فيها وصية؛ لأنها كمالٍ لم يعلم به أيكون أو لا يكون؟ إلا أن يعفو هو عن الديةِ أو يوصي بالعفو عليها، فتدخل فيها وصاياهُ. وكذلك لو أوصى بثلث ماله منهما لدخلت هذه الدية في ذلك. وكذلك في العتبية (¬2) في سماع أصبغ من ابن القاسم من أول مسألة الدية إلى آخرها. ومثلُه في المجموعة وزاد عن ابن القاسم وعلي عن مالكٍ فيمن جُرح جراحاتٍ خطأ، فخاف الموت، فأوصى لرجل بثلث ماله وثلث الدية؛ لأنه قد علم أن الخطأ مالٌ. وقاله أشهب. ¬
/ومن كتاب ابن المواز: وإذا أقر في أمةٍ أنها ولدت منه ولا يعرف ذلك وهو يورث كلالة؛ فإنه يُتهم، ويكون ميراثاً، ولا تدخل فيها الوصايا. وإن كان له ولدٌ فلا يُتهمُ؛ ذكراً كان أو أنثى. ومن المجموعة قال علي، عن مالك: وإذا أوصى بوصايا، وقال: قد كنتُ تصدقت بداري، وقد اجتمع عندي من كرائها خمسون ديناراً. قال: إن لم يكن بذلك بينةٌ فذلك ميراث، ولا تدخل وصاياه في الدار ولا في كرائها. وقال عنه ابن وهب: وإن قال: كنتُ أعطيتُ ابني أو زوجتي عطية. فلم يحزها، وأبت الورثة أن تجيز ذلك. فإن ذلك ميراث، ولا تدخل وصاياه في الدار ولا في كرائها قال عنه ابن وهب: ولو قال: [كنتُ في له الوصية] (¬1). قال ابن كنانة، وعبد الملك: ولو تصدق بصدقة فحيزت، وقد أوصى بالثلث فيُعقبُ الصدقةُ فإذا هي لا تجوز، فرُدت؛ إنه لا شيء لأهل الوصايا فيها. قال عبد الملك: كان عطيةً أو حُبُساً فرُد ولم يُحز فهو كمالٍ يُعلم به أو ظن أنه نافذٌ. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا تصدق بصدقة، فلم تُحز عنه حتى مات فرُدت، فإن كانت عنده فيما يُرى –وفي مذهبه أنها لأهله- لم تدخل فيها الوصايا. وإن كان في حياته قد عمل على إبطالها فيما يُرى، فكان يرهنها، ويسكنُها، ويفعل فيها ما يُرى أنه لا يجهل أن ذلك يبطلها، ولو كان أهلها ممن يجوز لنفسه فتركها، فإن الوصايا تدخل فيها. ومن المجموعة قال ابن وهب وعلي عن مالك: وإذا كان له مالٌ يُعلم/ أصله فتجر له فيه قيم وهو لا يعلمُ، أو غلاتٌ اغتُلت له من شجر له غائبة لا يُعلم مبلغُ ذلك وميراث عُلم ولا يُعلم عدده، فإن الوصايا تدخل في ذلك كله. ¬
ومن المجموعة قال ابن وهب، وعلي، عن مالكٍ قال: وإذا أعطى عطيةً، فلم تُحز حتى مات، وهو يرى أنها تُؤخذ من رأس ماله، فإن الوصايا لا تدخل فيها، وهي ميراث. ومن كتاب ابن المواز قال مالكٌ وابن القاسم وأشهب وأصبغ: وما ثبت من صداق الصحة ببينة فلم يُحز حتى مرض لم تدخل فيه الوصايا ويدخل فيه المُدبر. قال عنه ابن وهب: ولا تدخل وصاياه فيما بطل من عطاياه ولا فيما بطل من إقراره لمن يُتهم عليه، أو غيره. وقال ابن المواز، وقال ابن عبد الحكم، عن مالك، وهو في العتبية (¬1)، من رواية عيسى عن ابن القاسم في المريض يقول: كنتُ أعتقتُ عبدي فلاناً في صحتي أو: كنتُ تصدقت على فلانٍ بكذا أو: جعلتُه في سبيل الله. فإن قال في مرضه: فأنفذوه. أنفذ في ثلثه وبُدئ من العتق بعينه. وإن لم يكن بعينه حوصص به مع الوصايا. وإن لم يقل: فأنفذوه. فهو ناكلٌ ولا تدخل فيه الوصايا. والوصايا في ثلث ما يبقى بعد إخراج ذلك. قال ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب، وقاله ابن عبد الحكم عن مالك. وقد قال أشهب: إن قال: فأنفذوه، بُدئ عن الوصايا مما في السبيل أو من صدقةٍ أو غيرها. قال محمد: وقول مالكٍ وابن القاسم أحب إلي أن يُبدأ من ذلك ما يُبدأ مثله. /قال ابن القاسم في الكتابين: ولو لم يذكر ذلك، فذكر حتى مات فقامت فيه البينة من صدقةٍ وعطيةٍ وحُبسٍ ونحوه. إلا أنه لم يُحز؛ لدخلت فيه الوصايا. وزاد عيسى في روايته وإن ثبت العتق ببينة نفذ من رأس ماله. وأما العطايا حين لم ¬
يذكر حتى مات، وثبتت بالبينة فليُرد وتدخُل فيه الوصايا. وقاله ابن الماجشون. انظر ما معنى قوله قبل هذا؛ فلم حتى مرض فلا تدخُل فيه الوصايا. وقال ها هنا: فلم يذكر حتى مات أنه يدخل فيها الوصايا. وقال في السؤالين: وقد ثبت بالبينة في صحته ولم يحز عنه. فالفرق عندي أنه لما ذكرها، فإنما ذكر ما يصح ذلك لأهلها. وإن لم يقل فأنفذوها صارت كما لم يعلم به لأنه نحا ناحية إخراجها حتى إذا لم يذكرها وكانت بيده، فكأنه تقرر عنده إبطالها، فكانت كما عُلم به من ماله وكان الغالب عليها أنها من تركته. قال ابن المواز: وقد رُوي عن مالك في القائل في مرضه: كنتُ أعتقتُ فلاناً في صحتي، وتصدقت على فلان بكذا أن يُعتق العبدُ من ثلثه وتبطُل الصدقةُ إذ لو ثبتت بالبينة لبطلت ولو قامت بالعتق بينةٌ كان من رأس ماله. قال محمد: وهذه الرواية غلط ويبطلُ ذلك كله. ولو قامتبه بينةٌ كان العتقُ من رأس المال ويبطلُ العطايا ولا تدخل فيها الوصايا ويدخل فيها المُدبرُ وكل شيء لا رجوع له عنه. وقال أحمد بن مُيسر: وقد قال أشهب مثل قول مالكٍ وابن القاسم هذا في الصدقة والحبس إذا أقر في مرضه أنه فعله/ في صحته. وخالفهما في العتق بقوله: في مرضه أنه أبعده في صحته. وقال أشهب: هو نافذٌ لأنه لا يحتاج إلى حيازة وهو يحوز نفسه. وقد ذكرنا هذا في كتاب العتق. وقال مالك، فيمن أوصى أن كل مملوك له حر وقد ورث رقيقاً بالثمن لم يعلم بهم فلا يدخل في ذلك. وقاله ربيعة. وقال ابن المواز: ولو حلف بعتق ما يملك لدخل في حنثه في صحته من لم يعلم بهم من رقيقه. وأما حنثه في مرضه فلا يُعتقُ في ثلثه إلا من علم به. ومن العتبية (¬1)، ابن القاسم عن مالك: وإذا أقر في مرضه بدين لوارث أو غيره مما يبطل فيه إقراره وأوصى بعتق وغيره فلا يدخل العتق في عتق ولا غيره من ¬
فيما بطل أورد من الوصايا هل يدخل فيه ما في الوصايا؟
وصاياه في ذلك. وذلك في ثلث ما بقي من تركته بعد عول الدين لأنه لو قال: أعتقوا عبدي بعد مائة تعطونها (¬1) لأبي لم يعتق إلا فيما بعدها كما قال حاز أو لم يحز (¬2). فيما بطل أو رد من الوصايا هل يدخل فيه ما في الوصايا؟ وفيمن أوصى بثلثه هل يدخل في ذلك بئر الماشية؟ من كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أوصى لرجل بثلثه ولقريب له بمائة دينار وابن كنانة. وإن أوصى لرجلين بعشرة وثلاثة عشرة فردها أحدهما في حياته فإن علم بذلك، فللآخر عشرة، وإن لم يعلم فله خمسة وتورث خمسة. وهذه في المدونة واختلف فيها قول مالك. وإن قال:/ عبدي حر إن شاء. ولفلان عشرة فلم يرد العبد العتق فهو كمال علم به والوصية في جميع المال. وكذلك إن قال: لزيد عشرة إن قبل ولعمرو عشرة. فلم يقبل زيد، فلعمرو العشرة كلها إن حملها الثلث، كأنه كمال يرجوه، ولو قبِل زيد ورد عمرو تحاصا؛ فما صار لعمرو كان ميراثاً. ولو قال: في كل واحد إن قبل فإنهما إن قبلا تحاصا، وإن رد أحدهما فالعشرة للآخر بلا حصاص إن حملها الثلث. وقال مالك، فيمن تصدق على بعض ولده برقيق في صحته، وحازوا ذلك فلما مرض أوصى أن يعطى من بقي من ثلثه مثل ما أخذ الآخرون، وأوصى بوصايا، قال: لا تدخل الوصايا إلا في ثلث ما بقي بعد أن يعمل لهؤلاء البنين ¬
في اجتماع المدبر والوصايا، وكيف يدخل المدبر فيما لم يعلم به الميت ولا تدخل فيه الوصايا؟
ما أوصى لهم به ولا تدخل فيه وصايا من عتق، وغيره. قلت: فمن أين يقول: للبنين ذلك؟ قال: أما أشهب، فقال: من رأس المال، ثم الوصايا في ثلث صاف. وقال ابن القاسم: من ثلثه، ثم يكون ما عُزل من ذلك بين جميع الورثة. قال أشهب، عن مالك فإن أوصى ألا يُباع طعام منزله، وأن يعزل لعياله يأكلونه. قال: لا يدخلُ فيه أهل الوصايا فإنما لهم ثلث ما سواه لأنه نزعه منهم. وإنما الكلام فيه للورثة؛ لأن بعضهم يأكل أكثر من بعض. ومنه ومن العتبية (¬1) من سماع أصبغ قال ابن القاسم فيمن أوصى بثلث ماله لقوم وله بئر ماشيه قال: فلا تدخل في ذلك لأنها لا تباع ولا توهبُ ولا تورث، فكذلك لا يوصى بها ولا شيء لهم في الشرب مع الورثة فإن للورثة الشرب قبل الناس ثم الناس بعدهم/ ولا يدخل معهم هؤلاء. قال أصبغ: ولم يأخذه الورثة بالميراث. في اجتماع المدبر والوصايا وكيف يدخل المدبرُ فيما لم يعلم به الميتُ ولا تدخل في الوصايا؟ وكيف من عليه دينٌ وظهر له مال لم يعلم به؟ ومن أعطته امرأته في مرضه خادماً على أن يعتقها هل تدخل في ماله؟ من كتاب ابن المواز، وهو من قول مالك: وكل ما أقر به في مرضه لوارث أو لمن يتهم عليه فإنه يُعزل من جملة ماله مما علم به ومما لم يعلم فلا يدخل فيه الوصايا ويدخل فيه المدبر في الصحة. وقيل: وصداق المريض. ويبدأ المدبر على صداق المريض على المعروف من قول ابن القاسم ولهو أحب إلي، وقد اختلف قوله فيه. ¬
قال العتبي: إن قوله الثاني: يبدأ الصداق في المرض. قال في كتاب ابن المواز: قلت: فالمدبر والدين لمن يتهم عليه؟ قال: المدبرُ؛ لا في أخرج الدين قبل كل شيء ثم أخرج المدبر من الثلث؛ من كل شيء من الدين ومن غيره. ومنه ومن كتاب ابن عبدوس قال ابن القاسم: ولو أقر بدين في صحته لمن يتهم عليه، وأقر في مرضه لمن لا يتهم عليه، فكلهم مبدؤون. قال: والوصايا في ثلث ما يبقى. وإن كان الإقرار لهم كلهم في المرض بدينهم أجمع؛ فإن فني المال بطلت الوصايا؛ من عتق وزكاةٍ وتدبير في المرض وغيره؛ إلا المدبر في الصحة فإنه يرجع في ثلث دين الدين بينهم فيهم كمال ظهر وثلثاه موروثٌ. قال في رواية أبي في العتبية (¬1):/ فإن بقي بعد إخراج الدين كله شيء، كانت الزكاة والوصايا في ثلثه. ومن كتاب ابن المواز قال: وإن ترك مُدبراً قيمته مائة، وعبداً آخر أوصى بعتقه قيمته مائة، ومائة عيناً، وظهرت له بعد موته مائة لم يعلم بها، فقال أشهب: يخرج المدبرُ من ثلث جميع الأربعمائة يقع من كل مائة خمس وعشرون، وباقي ثلث المائة الطارئة لا يدخل فيه عتق العبد الآخر ولا وصايا الميت الأخر؛ فإنما يبقى للعبد الآخر بقيةُ ثلث المائة التي علم بها الميت، وذلك خمسةٌ وعشرون، فيعتق ربعه فقط. ولو كانت وصايا كانت فيها. قال ابن القاسم، وأصبغُ: بل يبدأ المدبرُ في ثلث المال الذي علم به فإن استغرقه بطل العتق والوصايا، ولم يدخل في الطارئ كانت زكاة أو عتق ظهار أو عتق بتلٍ في المرض أو غيره، وإن بقي من الملك الماضي شيء كان للوصايا والعتق، ويبدأ منه ما يصلح، وإن عجز ثلث الماضي عن المدبر أتم من ثلث الطارئ. ¬
وذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم عن مالك مثل ما ذكر ابن المواز عن ابن القاسم وأصبغ أنه إذا عُزل ما رُد من إقراره في مرضه لمن يُتهم عليه بدئ بالمدبر في الصحة في ثلث ما بقي. فإن لم يف به أتم من ثلث المعزول، فإن عتق في ثلث بقية ماله، وبقي من ذلك الثلث شيءٌ، كانت فيه الوصايا على ما تقدم ذكره من التبدئة/ قال ابن القاسم: والمدبرُ في المرض يدخل فيما لم يعلم به الميت ولا يدخل فيه البتل في المرض. وفي موضع آخر من كتابه قال ابن المواز: ويدخل المدبرُ في ثلث كل شيء، ما لم يعلم به الميت، وما بطل من إقرار الميت. وفي غير ذلك؛ وكذلك يدخل في ذلك مل ما يُئس للميت أن يرجع فيه. ولو كان عليه دين محيط بيع فيه مدبره ثم ظهر له مال لم يعلم به لنقض البيع وأعتقوا في ثلثه. ولو مات وله أموال مأمونة، كانوا أحراراً بموته يوم أوصى يعتقُه بعينه ثم إن هلك المال بعد ذلك لم يردوا، ولو لم يكن له أموالٌ مأمونةٌ إلا أنه واسع جداً فلم يقوموا حتى هلك المال، لم يعتق من ذلك شيء. ولو قوموا وأخرجوا قبل تلفه ثم تلف بعد ذلك لم يردوا. قال ابن حبيب: وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن كانت له أموال مأمونة أن المبتل في المرض تتم حريته مكانه والمال المأمون العقار. وأما الناض فلا وإن كثُر. وقال أشهب، وأصبغ: إن كان الناض كثيراً مأموناً فهو مثل العقار في أمنه. ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم فيمن أوصى بوصايا وله مائة دينار، وعليه مائة دينار ديناً فظهرت له مائة بعد موته، ولم يعلم بها؛ فليقض الدين من المائة التي علم بها وتبطل الوصايا وكذلك في المجموعة، وعن أشهب وزاد: فإن كانت كفاف الدين أو أقل من ذلك فلا وصية ويرجع بما في الدين في الطارئة، وإن كان/ الدين لا يحيط بما علم من ماله، فالوصايا في ثلث ما بقي منه خاصة وكذلك ¬
فيمن أوصى بوصايا وباقي الثلث وقد ذكر باقي الثلث قبل بعض وصاياه أو لم يشترط
لو لم يكن عليه دين، وله مدبرٌ في الصحة، فإن خرج من ثلث ما علم وبقي شيء، دخل فيه الوصايا، وإن استغرقه المدبرُ فلا وصية. وقال أشهب، وهذا مثل ما ذكر ابن المواز عن أشهب. قال ابن القاسم: والدية في العمد كمال لم يعلم به. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن حضره الموت فأعطته امرأته خادماً فأعتقها، وقد طلبها أو لم يطلبها؛ إنه إن أعتقها لم تدخل في ثلثه وهي حرة. ولو لم يعتقها حتى مات لعادت إليها رقيقاً ولم تدخل في ماله. وقاله أصبغ. فيمن أوصى بوصايا وباقي الثلث وقد ذكر باقي الثلث قبل بعض وصاياه أو لم يشترط أو قال: يبدأ فلان، ولم يوص بباقي الثلث من كتاب ابن عبدوس وكتاب ابن المواز، واللفظ لنا؛ قال أشهب فيمن أوصى أن لفلان عشرة دنانير ولفلان ما بقي من ثلثي ولفلان عشرة؛ فإنما لصاحب باقي الثلث ما حصل بعد العشرتين وبعد كل وصية. وقاله مالك. قال ابن المواز: إلا أن يقول: وما بقي بعده لفلان. ويقول: ما بقي لفلان يبدأ. ومن كتاب ابن المواز: فأما إن قال: لفلان عشرة ولفلان ما بقي من ثلثي بعدها ولفلان عشرة؛ فلينظر ما يبقى من ثلثه بعد العشرة الأولى، فيكون كشيء/ مسمى أوصى له فيه فيحاص به صاحب العشرتين فما صار بعد من باقي الثلث أتم منه لصاحب العشرة الأولى عشرته، ويصير الحصاص للأول، ولصاحب باقي الثلث لهما جميعاً بالثلث، ثم يفضل الأول من ذلك بعشرة، وهذا إن كان الثلث أكثر من عشرة، فإن كان عشرة فأقل، فلا حصاص لصاحب باقي الثلث. والثلث بين صاحبي العشرتين؛ نصفان. وإن كان الثلث ثلاثين؛ فلصاحب العشرة الآخرة سبعة ونصف. وللأول مثلها، غير أنه يرجع، فليأخذ تمام عشرة مما بيد صاحب باقي الثلث، فيبقى منه اثنا عشر ونصف.
ولو قال: بدئوا صاحب باقي الثلث على صاحب العشرة الأول أو قال: وما بقي فلفلان مبدأ على الأول أو لم يقل: وما بقي بعده لفلان وإنما قال: وما بقي، فله مبدأ. فإنه يحاص لصاحب العشرتين بالثلث. فما وقع لهما بدئ منها صاحب باقي الثلث، بمثل ما يبقى من الثلث بعد إخراج عشرة منه وسلم ما بقي للأول ويكون للآخر الذي له عشرة مبهمة ما وقع له في الحصاص. وإن كان الثلث هاهنا عشرة لم يكن لصاحب باقي الثلث شيء. والحصاص بين صاحبي العشرتين. قال محمد: وقيل في الوجهتين غير هذا وذكر لي عن أشهب، في القائل: لفلان عشرة، ولفلان ما بقي بعدها أو: بعده، ولفلان عشرة. ولم يذكر تبدية؛ إنه تخرج العشرة الأولى من الثلث. فإن بقي خمسة، تحاص فيها صاحب باقي الثلث وصاحب/ العشرة المبهمة. فما وقع لصاحب الباقي أخذه، وما وقع لصاحب العشرة المبهمة جمعه مع العشرة التي للأول، فاقتسما ذلك نصفين. والأول أحب إلينا وقول أشهب محتملٌ. في المجموعة عن أشهب نحو ما ذكر. قال ابن المواز: وقيل أيضاً فيه: إذا قال لفلان عشرة ولفلان ما بقي من ثلثي مبدأ؛ فهو لفلان عشرة والثلث خمسة عشر؛ إنه يقسم الثلث صاحب العشرتين نصفين، ثم يرجع صاحب الباقي على الأول، فيأخذ منه خمسة. وهذا أحب إلي. قال: ولم يختلفوا في القائل: لفلان عشرة ولفلان عشرة وفلان مبدأ على فلان وسكت عن الثالث؛ كان الثلث عشرة، فليُقسم بينهم أثلاثاً، فما صار للذي لم يبدأ به، ولا بدأ غيره، فهو له، وما صار للذي لم يبدأ، إذاً منه للآخر، مبلغ ما سمى له، وقد تقدمت هذه المسألة، أو شبهها في باب الموصي يقدم بعض وصيته قبل بعض. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أوصى لقوم بوصايا، ولرجل بباقي الثلث ثم قام أياماً ثم أوصى بعتق وبوصايا ولم يغير الأولى، فليبدأ الأولون ¬
فيمن قال لفلان ثلثي ولفلان دنانير سماها فقال من ثلثي أو لم يقل
والآخرون وصاياهم. فإن فضل شيء أخذه صاحب باقي الثلث وإلا فلا شيء له. وإن لم يف ما بعد العتق بوصاياهم تحاصوا فيه وسقط باقي الثلث. قال ابن القاسم: فإن مات أحد العبيد أو استحق فأخذ له قيمة أو لم يقتل أخذ الموصى لهم الوصية؛ لم يدخل ذلك في الوصايا ولا يكون لطالب باقي الثلث /منه شيء؛ كمال ظهر. وقال عنه يحيى بن يحيى: إذا أوصى لرجل بعشرة ولآخر بعشرين ولآخر بباقي الثلث، ثم أوصى بعد أيام بوصايا بمال أو بشيء بعينه من دار أو عبدٍ؛ فليس لصاحب باقي الثلث إلا ما فضل بعد الوصايا الأولى والآخرة مما هو بعينه أو بغير عينه؛ فما فضل كان له. فيمن قال: لفلان ثلثي ولفلان دنانيرُ سماها فقال: من ثلثي أو لم يقل بقية (¬1) الرسم من المجموعة وكتاب ابن المواز واللفظ له، قال ابن القاسم: كان مالك يقول: إذا أوصى فقال: لفلان ولفلان من ثلثي عشرة. إنه يُبدأ بصاحب التسمية، إن قال فيها: من ثلثي. فإن لم يقل من ثلثي تحاصا. ثم رجع مالك، فقال: يتحاصان قال من ثلثي أو لم يقل. وبه قال ابن القاسم. وروى القول الأول أشهب وابن وهب بدءاً بالتسمية أو بالثلث؛ فهو أسوة تبدأ التسمية، إن قال فيها: من ثلثي. وإلا لم تُبدأ ويتحاصان، وكذلك قال ابن الماجشون من رواية ابن حبيب، وكذلك روى أشهب، في العتبية (¬2) عن مالك بدأ بالتسمية أو أخرها إذا قال في التسمية: من ثلثي. أو قال: منه. بعد ذكره الثلث، فهي مبدأه؛ وإلا تحاصا. ¬
وقال أشهب، عن مالك: وإذا قال: إلى فلان ثلثي، ولفلان ديناران، ولفلان ثلاثة. فليبدأ بالدينارين، والثلاثة، ثم يقسم بقية الثلث. قال: وليس لفلان أن يأخذه بنفسه. وهكذا المسألة في كتاب ابن عبدوس، وذكر ابن عبدوس هذه الرواية، عن مالك/ إلا أنه قال: إلى فلان ثلثي، ولفلان ديناران، ولفلان ثلاثة. فيبدأ بالتسمية يأخذ فلان باقي الثلث، بل يسميه في سبيل الخير. قال أشهب: وذلك أنه قال: إلى فلان ثلثي. فيخرج ذلك أن يلي إنفاذه. وأما لو قال: ثلثي لفلان، ولفلان دينار، ولفلان ثلاثة. لتحاصوا إذا لم يقل من ثلثي. وهذا أحب إلي. ولمالك قول أن يبدأ أهل التسمية. قال والقول الآخر إن لم يقل: من ثلثي. تحاصوا. وإن قال، في التسمية: من ثلثي. بدئت. وروى علي، وابن القاسم، عن مالك، في الموصى بثلثه في السبيل، أو لرجل. ولآخر بمائة، ولآخر بكذا. قال: يتحاصون. ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن قال: لفلان كذا، ولفلان كذا من مالي في ثلثي. ولفلان كذا. ثم قال: وعبدي حُر. قال: يبدأ الأول والثاني في الثلث، ثم يعتق العبد فيما بقي منه، بعد ذلك. فإن ضاق الثلث عن وصية الأول والثاني، تحاصا، ولم يبدأ منها الذي قال في وصيته: له من ثلثي. على الذي لم يقل ذلك منهما. ¬
فيمن أوصى بمال وبعبد بعينه يعتق، أو لرجل وبباقي الثلث فمات العبد أو أحد الموصى لهم
فيمن أوصى بمال وبعبد بعينه يعتق أو لرجل وبباقي الثلث فمات العبد أو مات أحد أحد الموصى لهم من العتبية (¬1)، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أوصى لرجل بعشرة، ولآخر بعشرة، وبعبده لرجل أو بعتقه، ولآخر بباقي الثلث. فمات العبد قبل النظر في الثلث فإنه ينظر، فإن كان الثلث بالعبد قدر العبد والعشرتين فلا شيء لصاحب باقي الثلث. وإن كان ثلثه قدر قيمته العبد فقط زال صاحب باقي الثلث ورجع صاحب/ العشرين بأخذ وصيتهما من ثلث ما بقي بعد العبد أو ما حمل منها لأن ما هلك من التركة كما لم يكن، وإنما اعتبرنا قيمته لصاحب باقي الثلث. ولو لم يوص بباقي الثلث، كانت الوصايا في ثلث ما بقي وألغي العبد كأنه لم يكن، ثم يحيا العبد الميت بالذكر، فتضم قيمته إلى ما ترك الميت، ثم يخرج منه ثلث الجميع العبد والوصايا. ومن المجموعة، قال علي وابن وهب وابن القاسم عن مالك: ومن أوصى بعتق عبده ولرجل بباقي ثلثه، فهلك العبد قبل النظر فيه فقال: يقوم وتُضم قيمته إلى باقي المال ثم ينظر ثلث ذلك فبطرح منه قيمةُ العبد. فما بقي فهو كله للموصى له بباقي الثلث. وقاله ابن كنانة. وقال المغيرة: ينظر إلى قيمة العبد صحيحاً فيطرح من ثلث ما بقي من مال الميت سِن العبد. فإن بقي منه شيء، كان لصاحب باقي الثلث. قال علي: ولو أوصى مع ذلك بعشرة لرجل حملت قيمة العبد على بقية المال ثم أزلت من ثلث الجميع قيمة العبد ثم العشرة. فما بقي فلصاحب باقي الثلث. فإن لم يكن فيه بعد العبد عشرة نظر إلى ثلث المال غير العبد، فأعطى منه صاحب العشرة، وكان ما بقي للورثة. ¬
وقال عبد الملك: موت العبد في الوصايا المسماة من رأس المال وفي الذي له باقي الثلث من الثلث. قال علي عن مالك: وإذا أوصى لرجل بمال ولآخر بباقي الثلث. فمات الموصى له بالتسمية قبل موت الموصي، ولم يعلم به فإنما لصاحب باقي الثلث ما يبقى بعد إخراج التسمية/ من الثلث ثم تعود التسمية ميراثاً. قال علي في التي أوصت بعتق أمة لها وبعشرة لفلان وخمسة لفلان وبباقي الثلث لفلان. ثم صحت، فأعتقت الخادمة ومات الموصى لهم بالمال ثم ماتت هي، فلصاحب باقي الثلث ما بقي من قيمة الجارية وبعد الخمسة عشر. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب عن مالك: وإذا أوصت بتدبير أمتها وبوصايا أخر وببقية الثلث لفلان منه كذا ولفلان كذا، ثم كتبت وصيتها بعد ذلك لفلان كذا ولفلان كذا ثم ماتت المدبرة قبلها. قال: ينظر ثلثها، فيخرج منه قيمة المدبرة، فإن أعتق يه فلا شيء لأهل الوصايا. وإن فضل شيء فلأهل التسمية وللذين كتبت لهم في وصيتها؛ الإخوة يتحاصون هم والمبدؤون بالذكر في أول وصيتها يبدؤون على صاحب باقي الثلث. قال ابن المواز: إنما جوابه عندي على غير موت المدبر. فأما لو ماتت المدبرة قبل موته أو بعده، فإنما الثلث ثلث ما بقي بعد المدبرة، ويعطى منه أهل التسمية. فإن بقي بعد ذلك شيء فهو لصاحب باقي الثلث. قال مالك: الموصي بعبده لفلان أو بحريته وبوصايا لقوم للآخر بباقي الثلث فمات العبد قبل سيده أو بعده أو هلك بعض الموصى لهم، قبل الموصي؛ فإن الوصايا في ثلث ما بقي بعد العبد. فإن بقي شيء رجعت، فقومت للعبد وأضفته /إلى المال ثم عرفت الثلث، فبدأت فيه بالعبد، ثم بالوصايا. فإن بقي شيء كان لصاحب باقي الثلث، وإلا فلا شيء له. ولو لم يوص بباقي الثلث كانت الوصايا في ثلث ما بقي بعد العبد فيخرجُ أو ما حمل منها.
فيمن أوصى لرجل بخدمة أو سكنى دار ولآخر بباقي الثلث أو بمال أو دار فضاق الثلث وقد بدأ المخدم
قال ابن القاسم عن مالك: قال: بعيري في السبيل وباقي ثلثي لابن عمي. فيهلك البعيرُ قبل التقويم؛ فإنه يحسب قيمة البعير فيخرج من الثلث، فما بقي من الثلث فلا بن عمه. ومن المجموعة، قال ابن كنانة: إذا أوصى بعتق ثلث عبده وبوصايا وبباقي الثلث فلا يحتاج إلى تقويم العبد في هذا. ومن العتبية (¬1) قال عيسى عن ابن القاسم: إذا أوصى لفلان بعشرة ولفلان بباقي الثلث فمات الموصى له بالعشرة، فإنه يحاص بها؛ مات الموصى له قبل الموصي أو بعده علم بموته أو لم يعلم كما لو أوصى بعبدٍ فمات العبدُ، لحُوصص به صاحب باقي الثلث. وفي آخر الكتاب: في العبد يوصى بشرائه للعتق وبوصايا فيموت ذلك العبد. فيمن أوصى لرجل بخدمة أو سكنى دار ولآخر بباقي الثلث أو بمال أو دار فضاق الثلث وقد بدأ المخدم من كتاب ابن المواز والمجموعة عن أشهب: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده حياته، ولآخر بباقي الثلث، والثلث لا يحمل العبد، فليخير الورثة في أن يجيزوا ذلك، وإلا قطعوا للمخدم بثلث الميت بتلا وتبطل/ الوصية بباقي الثلث، وكذلك لو أوصى بعتق العبد بعد سنة ولآخر بباقي الثلث، فإن لم يجيزوا أعتق محمل الثلث من العبد، فإن لم يوص بباقي الثلث مع ذلك، ولكن قال: لفلان من ثلثي كذا وكذا ديناراً؛ قال في كتاب ابن المواز: أو هذه الدار بعينها أو عبدٌ؛ قال في الكتابين: وبدؤوا المخدم، فليبدإ المخدم إن كان العبد هو الثلث. ثم ¬
باب فيمن أوصى لرجل بجزء من ماله ولآخرين بأجزاء متفقة أو مختلفة أو بمال مسمى
يخير الورثة في إجازة الوصية للآخر، وفي إسلام مرجع العبد؛ أي ذلك شاؤوا. فإن كان العبد أكثر من الثلث خير الورثة في تنفيذ ما أوصى به من الخدمة ويقضون للموصى له ما أوصى له به أو يعطونه (¬1) مرجع ما حمل الثلث من العبد من الخدمة- يريد: في جميعه- وفي أن يقطعوا للعبد للمخدم بالثلث من جميع ما ترك الميت وتسقط وصية الآخر؛ لأن الميت بدأ عليه غيره. ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬2) من رواية عيسى عن ابن القاسم، قال مالك: وإذا قال: عبدي حبس على فلان وإذا انقرض فهو رد على ورثتي وما بقي من ثلثي لفلان والعبد هو الثلث. قال فلا شيء للموصى له بباقي الثلث، حتى يرجع العبد، فيكون لصاحب باقي الثلث. زاد في العتبية (¬3): وكذلك سكنى الدار. وزاد: ولو كان حبس ذلك على وارثه فلم يجزه باقي الورثة فليحبس العبد على جميعهم فإذا انقرض الوارث، فهو رد على الورثة، وليس لصاحب بقية الثلث شيء. باب /فيمن أوصى لرجل بجزء من ماله ولآخرين بأجزاء متفقة أو مختلفة أو بمال مسمى وكيف إن أجاز الورثة لبعضهم؟ من المجموعة عن أشهب وذكر علي عن مالك نحوه فيمن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالنصف فليقسم الثلث بينهما على خمسة إن لم يجز الورثة. قال ابن المواز: وكذلك روى ابن وهب عن مالك. ¬
ومن المجموعة، فإن قيل: إنه قد أوصى لصاحب النصف بسدسٍ لا يجوز؟ قيل له: وقد أوصى لصاحب الثلث بما لا يجوز حين أوصى معه لغيره فإن أجاز الورثة لصاحب النصف وحده أخذ النصف وأخذ الآخر خمس الثلث. وإن أجازوا لصاحب الثلث وحده أخذه، وأخذ الآخر ثلاثة أخماس الثلث. قال أشهب في كتاب ابن المواز: يتحاصان فما أصاب الذي أجازوا له أكملوا له من مواريتهم. قال محمد: وإن لم يجز له إلا بعضهم، نظر إلى خروجها بغير إجازة فما وقع لمن لم يجزه أخذه وينظر إلى خروجها على أنهم أجازوا، فما وقع للمجيز أخذه. وما فضل عن حظهم، فللموصى له. قال ابن القاسم: فإن أوصى لرجل بماله ولآخر بنصفه ولآخر بسدسه ولآخر بمال مُسمى، تحاصوا في الثلث أصحاب الأجزاء مع التسمية. وعليه أدركت الناس. قال سحنون: لأنه قد انتقص كل واحد بما أدخل عليه من صاحبيه. ولو أوصى بماله لرجل ولآخر بعشرة دنانير وماله ستمائة دينار وعليه دين خمسمائة دينار، فمضى، فليحاصا/ في ثلث ما بقي؛ هذا بستمائة، وهذا بعشرة، وليس مجاوزته لجميع المال بالتسمية يحيل الحصاص بالتسمية. قال ابن وهب عن مالك: ومن أوصى لهذا بعشرة ولهذا بعشرين والثلث عشرة بينهما على الثلث والثلثين. قال أشهب: وإن أوصى بثلثه لرجل ثم أوصى بثلثه لآخر فليس برجوع، ويكون بينهما نصفين. ولو أوصى لهذا بثلث عبد آخر كان كذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى لرجل بماله ولآخر بثلثه فالثلث بينهما على أربعة. ولو كان أوصى لرجل بثلثيه ولآخر بثلثه كان الثلث بينهما على ثلاثة. ولو أوصى بماله لهذا ثم أوصى به لهذا؛ كان الثلث بينهما نصفين ولم يعد رجوعاً.
فيمن أوصى لرجل بمال ولآخر بعبد أو دار كيف الفعل في ضيق الثلث؟ وكيف إن أجاز الورثة؟
ومن العتبية (¬1) روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أوصى بثلثه لثلاثة رجال ولآخر بماله كله؛ فالثلث بينهما على اثني عشر سهماً؛ لصاحب الجميع تسعة، وللثلاثة سهم بينهم. فيمن أوصى لرجل بمال ولآخر بعبد أو دار كيف الفعل في ضيق الثلث؟ وكيف إن أجاز الورثة؟ وكيف إن لم يوص إلا بالأعناق ولا يحملها الثلث؟ من المجموعة، قال علي عن مالك فيمن أوصى لرجل بعبد ولآخر بثلث ماله فليتقاويا فإن كان الثلث مثل قيمة العبد فالثلث بينهما شطران؛ فيأخذ هذا في العبد نصفه، والآخر شريك للورثة بالخمس. قال أشهب: ومن قال: إن كان العبد السدس وقد أوصى للآخر بالسدس؛ يكون له سدس الخمسة الأسداس ويكون سدس العبد بينه وبين الآخر لأنه أوصى لهما جميعاً بسدسه/ فقد أخطأ، وإنما يؤخذ في الوصايا بما يرى أن الميت أراده، كما قال عمر: من وهب هبة يرى أنها للثواب ولو قلت هذا، لقلت: إن وصيته بالسدس رجوع في سدس العبد عن الأول- يريد: ولا يكون رجوعاً عن شيء من العبد- قال أشهب: وإن كان العبد هو الثلث، وقد أوصى لآخر بالسدس؛ فالموصى له بالعبد ثلثا الثلث في العبد والآخر شريك للورثة بالسبع وما بقي من العبد وغيره، ولو كان العبد السدس، وقد أوصى بالثلث؛ فلكل واحد ثلثا وصيته على هذا التفسير. قال سحنون: فإن أجاز الورثة، كان العبد للموصى له به والثلث كاملاً للموصى له به ولا يُحمل على أنه أدخل الموصى له بالثلث على صاحب العبد ولا يكون رجوعاً عن العبد أيضاً. ¬
وروى يحيى بن يحيى في العتبية (¬1) عن ابن القاسم قال: إن أجازوا، فليس عليهم تسليمُ العبد مع جميع الثلث، ولكن يسلمون (¬2) العبد وثلث ما بقي، فيُقسم ثلثا العبد بينهما؛ لأنه أوصى لهما به فيأخذ الموصى له بالثلث سدس العبد وثلث ما بقي سوى العبد ويأخذ الآخر بقية العبد. وهو الذي أنكر أشهبُ وابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى لرجل بعبد ولآخر بسدس ماله، وقيمة العبد مائةُ دينارٍ، وترك خمسمائة دينار عيناً. قال: يأخذ الموصى له بالعبد جميع العبد، والآخر مائة دينار. وذكر أصبغُ عن ابن القاسم خلاف هذا؛ وذلك: أن يأخذ الموصى له بالعبد/ خمسة أسداسه، وللآخر سدسُ العبد ويكون سدسُ العبد بينهما. ولم يُعجبنا هذا؛ لأن الوصايا إنما تُؤخذ بمعنى مقاصد الموصي لا باللفظ. وذُكر مثلُ ما تقدم عن أشهب. ومن العتبية (¬3) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن أوصى لرجل بدارٍ ولآخر بعبدٍ ولآخر بحائطٍ، فضاق الثلث، ولم يجز الورثة؛ وقال: يتحاصون في الثلث بقيمة ما سمى لكل واحد، فما وقع لكل واحد أخذه فيما أوصي له به بعينه. ولو أوصى معهم لرجل بمائة دينار، لقطع لهم بالثلث في جميع ماله، ولم يأخذوا وصاياهم فيما سمى لهم خاصةً؛ لأن الوصايا قد حالت ولابد من بيع ذلك أو بعضه لسبب الغير. ومن المجموعة قال ابن القاسم: إذا أوصى لرجل بعبدٍ وهو أكثر من الثلث فلم يُجز الورثة؛ قد اختلف فيه قول مالكٍ؛ فقال: يُجمع له الثلث في العبد. وقال: يكون له الثلث من جميع المال إن لم يُجز الورثة. واختار ابن القاسم أن يُجمع له في العبد، ويكون له الثلث من جميع المال إن لم يُجز الورثة إن كان المال حاضراً. فإن كان له ديون فله الثلث من كل شيء إن لم يُجز الورثة. وكذلك لو أوصى له بشيءٍ غائبٍ، فلا يُقطع له في ذلك الغائب، ولكن في كل شيءٍ. ¬
وكذلك في كتاب ابن المواز، وذكر رواية ابن القاسم وأشهب القولين عن مالك. ومن المجموعة ذُكر في الموصى لهم بوصايا لا تحملُ الحاضر من ماله وله مالٌ غائبٌ فذُكر تخييرُ الورثة وخلعُ الثلث من الغائب/ والحاضر في هذا وشبهه. قال: وقال عبد الملك: وإذا خلع الثلث لهم، فقد اختلف في أحدهم؛ في أعيان ما أوصى لهم به؛ من دارٍ أو عبدٍ أو عرضٍ؛ فقال مالكٌ: يأخذ كل واحد ما أصابه فيما أوصى له فيه بعينه كلهم. وقال غيره: يكونون شركاءَ في جميع الترك. وقال عبد الملك، وابن كنانة. وروى ابن القاسم، وأشهب القولين، عن مالك، واختارا أن يأخذ كل واحد ما أوصى له فيه بعينه. قالوا: كلهم. وإن مات العبد المعتقُ قبل خلع الثلث، بطلت وصية صاحبه. قال أشهب: فذلك قلتُ: يأخذ في الشيء بعينه؛ لأنه كان في ضمانه. قال علي عن مالك فيمن أوصى له بعبد وعشرين ديناراً وله أموالٌ عريضةٌ، فقال الورثة: لا يجب أن نُخلص له العبد. فليس لهم ذلك إلا فيما لا يسعه ثلثُه أو يشكل ذلك الجملة، فيُخيرون بين الإجازة أو القطع بثلث جميع مال الميت. قال ابن وهب، عن مالك: إذا أوصى لفلان بكذا، ولفلان بكذا، حتى جاوز الثلث، فإما أجاز الورثة، أو قطعوا لهم بالثلث. وقاله عنه ابن القاسم: إن لم يكن فيما ترك من العين ما يخرج ذلك من ثلثه خُير الورثة بين الإجازة أو القطع بالثلث. قال عبد الملك: إذا استأثر عليهم بالعين، وأبقى العرض والدين، فلهم الخيار في خلع الثلث. قيل: فقد أجيز للميت أن يأخذ في وصيته ما أراد بقيمته. قال: ليس كاستئثاره بالعين، وقد كانت الوصايا على عهد النبي- عليه السلام- والخلفاء/ بالعروض والعقار فيما يُدعى فيه هذا وأنفذ إذا حمله الثلث بقيمة عدلٍ والعينُ لا يُقومُ فيكون هذا فيه. وبعد هذا بابٌ فيه خلعُ الثلث إذا كان له مالٌ غائبٌ.
ذكر ما يكون فيه خلع الثلث ممن يوصي بعتق أو بجزء من ماله أو بأشياء بأعيانها
وأما إن لم يكن له مال غائبٌ وكان عيناً لا يفي بالوصايا، وعُروضاً تُباعُ، فقد اختُلف فيه، وقد بيناه في باب خلع الثلث؛ بعد هذا. ومما ذكر ابن عبدوسٍ –وأراه لعبد الملك، أو للمغيرة- إذا أوصى لرجل بعبد لا يحمله الثلث؛ فقال الرجل: إنا نؤدي بقية ثمنه إلى الورثة، ويكون لي. وقال الورثة: نحن نعطيك قيمة حقك فيه؛ ويبقى لنا. فليس ذلك للجميع، والعبد يبقى بينهم يتقاوونه ويبيعونه. ذكر ما يكون فيه خلع الثلث ممن يوصي بعتقٍ أو بجزءٍ من ماله أو بأشياء بأعيانها أو بعتقٍ ولا يحمل ثلث ما حضر وله مالٌ غائب أو عروضٌ أو دينٌ من المجموعة ونحوه من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب فيمن أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربعه، ولآخر بسدسه، وله مالٌ حاضرٌ وغائبٌ؛ فإن لم يُجز الورثة، تحاص الموصى لهم، في ثلث الحاضر والغائب – يريد: وليس في هذا خلع الثلث لأنه مما يساوون (¬1) فيه؛ هو والورثة قال أشهب: فأما لو أوصى لهذا بعبد بعينه، ولهذا بفرس بعينه، وهما حاضران؛ فإن خرجا من ثلث ما حضر مضى ذلك، وإلا أنفذ منهما ما يخرج من الحاضر. فإن كان جميع الحاضر ثلاثمائةٍ، والعبد منه، والفرسُ؛ فإن أنفذ نصفُ/ العبد لهذا، ونصفُ الفرس لهذا، وخُير الورثة في نصفهما أن يُنفِذوا ذلك أو يقطعوا للرجلين بثلث الغائب فيتحاصان فيه. قال ابن المواز: وقد قيل: هذا إن حمل ثلثُ الحاضرِ، يأخذانه في الأعيان، ويأخذان ثلث الغائب في كل شيءٍ إذا أبى الورثة. ونحن نستحسن أن يُخير ¬
الورثة؛ فإما أنفذوا الوصية كما أوصى، أو قطعوا لهما بثلث الميت، في حاضرٍ وغائب؛ في كل شيءٍ منه. وقال أشهب: ومن أوصى لرجل بعشرة دنانير، لم يخلف عيناً غيرها وله عروض وسوارٌ، ورقيقٌ ودواب – يريد: حاضرةٌ- قال: تُدفع إليه العشرة وإن كره الورثة سواءٌ أوصى بعشرة بعينها أو قال: عشرةٌ؛ هكذا. ولو لم يخلف من العين إلا خمسةً لأخذها، وبيع له بخمسةٍ. قيل: فيُباع له من ساعته؟ قال: نعم؛ إلا أن يكون ضرراً، فيُؤخر اليومين والثلاثة. ومن العتبية (¬1) روى يحيى بنُ يحيى عن ابن القاسم فيمن أوصى لرجل بعشرة دنانير، ولم يترك إلا مالاً غائباً أو ديوناً فأراد الموصى له تعجلها، وقال الورثة: حتى نتقاضى ونعطيك. فليُخير الورثة؛ فإما عجلوها له أو قطعوا له فيتعاطى لنفسه وينتظر ما غاب. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن أوصى بعدة دنانير مسماة بتلاً لا تخرج مما خرج وله مالٌ غائبٌ فليُخير الورثة؛ فإما عجلوا له ذلك أو قطعوا له بثلث الحاضر والغائب والعرض وغيره. قال أصبغ فيه وفي العتبية (¬2): سواءٌ أوصى بدنانير بعينها أو بغير عينها إذا لم يُخرج/ مما حضر؛ فهو سواءٌ عند أصحابنا، في قول مالك وأصحابه. وأنا أتبعهم فيه، وأرى في الاستحسان؛ إن كانت دنانيرُ بعينها، أوصى بها، ولا يحملها الثلث ويأبى الورثة، فليُعط الثلث من كل شيءٍ – يريد: على أحد قولي مالكٍ- وأخذ ابن القاسم بقوله الآخر أن يأخذ مجمل الثلث، فأرى ذلك إما فعلوا ذلك أو قطعوا له بالثلث من كل شيءٍ. ¬
قال أصبغ: فأما بدنانير غير معينة، فهي جائزة في المال، وكشركه فيه، ويأخذ من كل ما حضر، من ثلثه، ومن ثلث كل ما ينض؛ من تقاض أو بيعٍ حتى يتم ما أوصى له به ولا يكون له ثلث كل شيءٍ. قال ابن المواز: ولا يعجبنا قوله، ولا أعجب أحداً من أصحابنا. والصوابُ قولُ مالكٍ، وابن القاسم، وأشهب. وتفسير قول مالك في الموصى له بمائة، ولم يقل: مُعجلة. على أنها على التعجيل أبداً، حتى يتبين أنها غير ذلك. ولو كان له مالٌ حاضرٌ يباع منه بالمائة، إلا أن ثلث ما حضر لا يفي بها، وله مالٌ غائبٌ، ودينٌ. ولم يحضر ما يمكن بيعه لذلك. يقول أصبغ: يؤخذ من ثلث كل شيء مما حضر، ثم كلما نض شيء أخذ ثلثه إلى مبلغ المائة، لا يعتدل لأن الملي أراد تعجيل المائة، فلم يُنفذ له ذلك، ولا انتزع له من الورثة ثلثه، فصار للورثة أكثر من الثلثين، ولا يجتمع للورثة هذا. وهذا ما أنفذوا وصية الميت على قوله. والآخر حاز من ثلث المائة كله، ما عُلم منه وما لم يُعلم إلى الموصى له. وإن لم تكن لهم حُجةٌ أنفذ عليهم ذلك، وإن كرهوا. وقال ابن القاسم فيمن أوصى بدنانير،/ وترك عروضاً، وليس له مالٌ غائبٌ: إنه لا يخسرها هنا وتُباع عروضه ويُعطى المائة من ثلثها. وإذا أوصى له بعبدٍ بعينه فلا يُعجل له حتى يجتمع المال. وإذا كانت عروض الميت حاضرة يمكن بيعها وفيها ما تُخرج الوصية من ثلثها بدأتُ الوصية، ولم أنتظر البيع. قال ابن المواز: إذا كان ماله عروضاً أو حيواناً أو طعاماً، وذلك حاضرٌ فهو كالعين الحاضر لا تخيير فيه؛ بخلاف الدين والمال الغائب. ولتُعجل وصية الميت إن أوصى بشيءٍ. فإذا ترك مائةً عيناً، وقد أوصى بمائة وباقي التركة عروضٌ وحيوانٌ حاضرٌ فلا يُنتظر بيعُ ذلك وليأخذ الموصى له المائة إن حملها الثلث. قال ابن القاسم: وكذلك إن أوصى لد بدنانير والتركة كلها عروضٌ حاضرةٌ، فليس عليهم خلعُ الثلث، إن لم يصبر حتى تُباع العروض ويُعطى. وكذلك لو
أوصى له بعبدٍ ولم يُعجل له حتى يعرف الورثة بحميل المال بالقيمة. محمدٌ: ليُعرف خُرُجُه من الثلث. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا أوصى بعشرة دنانير بعينها لم يدع عيناً غيرها، وله أموال كثيرة، منها البعيد غيبته والأصل البطر بيعه، والدينُ الميتُ، وإما دفعوا العشرة وإلا قطعوا له بالثلث من الجميع. وقد أعتق النبي – علية السلام- ثلث العبيد الذين أعتق الميت جميعهم، فمنع بعضهم العتق والميت قد أشاعه فيهم (¬1). قال: وعلى هذا جماعة أهل المدينة. واحتج غيره في غير المجموعة بما وافقنا عليه المخالف/ من جناية العبد ما يقل أرشه، فيأبى سيده أن يفديه ويُسلمه فيُسلم كثيراً في قليل إذا أبى أن يفديه. فكذلك على الورثة للميت في إنفاذ وصيته أو إسلام تركته. قال ابن حبيب: قال مالك وابن الماجشون فيمن أوصى لرجل بعشرين ومائة دينار وليس له حاضرٌ إلا مائة دينارٍ، وله مالٌ غائبٌ؛ فإنه يُخير الورثة؛ فأما أعطوه المائة الحاضرة وأتموا له من الغائب باقي وصيته وإلا قطعوا له بثلث جميع التركة من حاضر وغائب. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن لم يترك إلا ثلاثة أدوار، وأوصى بخمسة دنانير لرجل فأبى الورثة أن يعطوها له؛ فلابد أن يعطوه ذلك، ويقطعوا له بثلث الميت؛ ولا يبيع السلطان من دوره بخمسة دنانير؟ قال: لا. وقاله مالكٌ، فيه وفي المال الغائب والعين. وقال عنه عيسى، وذكره عنه ابن المواز، وابن عبدوس، وابن حبيب، عن أصبغ عنه. ¬
فيمن أوصى بعتق أو ترك مدبرأوله مال حاضر لا يخرج من ثلثه وله مال غائب أو دين مؤجل
وإن كان له زرعٌ أخضر أو ثمرة صغيرةٌ، وأوصى بوصايا يضيقُ عنها ثلثُه، وترك رقيقاً، وأوصى بوصايا، فإن كانت الوصايا بمال، فليُبع الرقيق، ولا توقف، ويُعطى لأهل الوصايا ثلث ما نض. فإذا حان (¬1) بيعُ الزرع والثمر، بيع فأخذوا ثلث الثمن، وأما إن كان في الوصايا عتقٌ وأوصى ببعض الرقيق لأحدٍ فلا يُباع من بقية وصيه منهم، ويوقفون. وإذا حل بيع الزرع بيع، ولا يُقسم من المال شيءٌ؛ لا ثلث ولا غيره حتى يُباع الزرع، إلا أن يجيز الورثة ذلك فيقتسمون بقية المال ويبقى لهم الزرع. ولو أوصى بعتق جميع الرقيق لم يُعتق منهم أحدٌ حتى يحل/ بيعُ الزرع فيباع ويُعتق منهم محملُ الثلث. قال العُتبي: وروى مثله أصبغ. قال أصبغ: إلا أن يطول أمرُ الزرع فيكون أول ما بذره، ويتأخر الأشهر الكثيرة، وفي ذلك عنتُ الحيوان، والضرر على العبد، فليُعتق منهم محمل ما حضر، ويُرجأ الزرع، ويلي هذا باب في الوصية بالعتق وله مالٌ غائبٌ. فيمن أوصى بعتقٍ أو ترك مُدبراً وله مالٌ حاضرٌ لا يُخرج من ثلثه وله مالٌ غائبٌ أو دينٌ مُؤجل يُخرج منه، وكيف إن كان عليه دينٌ؟ من كتاب ابن المواز والمجموعة، روى أشهب عن مالكٍ إذا أوصى بعتق عبده وله مالٌ حاضرٌ وغائبٌ ولا يُخرجُ من ثلث الحاضر؛ فإنه يوقف العبد لاجتماع المال فيُقوم إذا اجتمع ويُعتق. وقاله ابن القاسم. ¬
وهذا فيما يُقبض إلى أشهر يسيرة، أو عرض يُباع. وأما ما يبعدُ جداً وتبعُدُ غيبته فليُعجل العتقُ في ثلث ما حضر، ثم إذا قُبض ما بقي أتم فيه. قال ابن المواز: وقال أشهب: بل للعبد أن يُعجل منه عتقُ ثلث الحاضر حتى لو لم يحضر غيره لعُجل عتقُ ثلثه ويوقف باقيه، فكلما حضر شيءٌ من الغائب زيد فيه عتقُ ثلث ذلك حتى يتم أو يوأس من مال الغائب. قال: ولا أرى أن يوقف جميعُ العبد لاجتماع المال، وإن كان قد قاله لي مالكٌ. ومن المجموعة وقال سحنون: إنما يُعجل منه ثلث ما حضر إذا كان في ذلك ضررٌ على الموصي والموصى له فيما يشتد مطلبه ويعسرُ جمعُه فيُعجل/ عتقُ ما حضر. ولم يأخذ بقول أشهب؛ أنه يُعجل منه عتقُ ما حمل ثلث الحاضر ويوقف باقيه، فكلما نض من الغائب شيءٌ زيد فيه عتق. قال سحنون: لو كان هذا، لأخذ الميتُ أكثر من ثلثه؛ لأنه استوفى ثلث الحاضر وصار باقي العبد موقوفاً عن الورثة. وقال عبد الملك: يُستأنى، ويجمعُ ما يقدرُ عليه؛ فأما ما يعسرُ مطلبُه، ويشتد جمعه (¬1)؛ فليُعجل العتق في ثلث ما حضر، ثم ما جاء أخرج فيه ثلثه. قال ابن المواز: إن كان المال الغائب غير بعيدٍ، وكان مجيئه قريباً انتُظر به كما يُنتظر بالميراث. وإن كان بعيداً مثل الأشهر الكثيرة والسنة فأكثر؛ نُفذ ثلث الحاضر وأنفذ الميراث. وكذلك لو يُئس من الغائب، ولو كان مع ذلك وصايا؛ خُير الورثة في إنفاذ الوصايا أو القطع بثلث الحاضر والغائب فأبدئ العتق فيما حضر. وفيما بقي فلأهل الوصايا. وإما إن أوصى بعتقٍ وجميعُ ماله في عروضٍ حاضرةٍ، أو دورٍ حاضرةٍ أو غائبةٍ، والرقيق يُخرجون من ثلث ذلك لو بيع، لعُجل عتقهم. وكذلك روى أشهب، عن مالكٍ إن أوصى بعتقٍ وله دورٌ، فطلب الورثة التأخير حتى تباع الدور فليس لهم ذلك، ويُعجل عتقُ العبد إذا حمله الثلثُ. ¬
قال ابن حبيب: قال أصبغ، فيمن أعتق عبده في وصيته وعليه دينٌ محيط بالعبد وليس له غيره، وله مالٌ غائبٌ يُخرج من ثلثه بعد الدين، وإن كان الدينُ ببلد بعيد مثل مصر من الأندلس بيع العبدُ في الدين. فإذا قدم المال رُد البيعُ، وأُعتق/ في ثلثه أو مما حُمل منه ثلثه بعد الدين. وإن كان قريباً لا يضر الغريم أخر العتقُ حتى يقبض الغريم دينه. قال ابن القاسم في المجموعة: ومن ترك مُدبراً – يريد: ليس له مالٌ حاضرٌ غيره- وله دينٌ مؤجل إلى عشرين سنة ونحوها فإنه لا يوقف وليُبع ذلك من الدين بما يجوز بيعه ويُعتق في ثلثه. فإن كان المديان غائباً بعيداً، مثل مصر من الأندلس، كُتب فيه، ووُكل عليه، وأوقف المُدبر، فإما يقبض إن حل، أو يُباع المؤجل هناك، ممن معه بالبلد، وأما إن يُئس من الدين، أو عُدم الغريمُ، أو طالت الغيبة منه، فليُعتق ثلث ما حضر، ويُرق ما بقي منه. ثم إن جاء شيءٌ من الدين، زيد فيه من ثلثه إن كان بأيدي الورثة. قال غيره: وإن كان باعوه، لرُد حتى يُعتق في ذلك، أو بعضه، ويُعطى المشتري من ذلك الدين ثمن ذلك. وإن لم يُعتق كله، لم يكن له رد ما رُق منه إلى الورثة. وقال المغيرة: الموصى بعتقه، فلا يحمل الثلث عتق نصفه، فيعتقُ الورثة باقيه ويصير حُراً كله، ثم ظهر للميت مالٌ يخرج فيه بعد أن مات العبدُ، فالمال الطارئ للورثة، وليس عليهم أن يجعلوه في رقبة. وإن كان لو كان حاضراً. لعُتق فيه العبد. وقد تقدم في الباب الذي هذا عقيبُه مسألة من هذا، هي آخر ذلك الباب. وفي باب بعد هذا، في الوصية بالغلة شيءٌ من معنى هذا الباب.
فيمن أوصى بخدمة عبده أجلا أو حياة فلان ثم هو لفلان أو راجع إلى ورثته
فيمن أوصى بخدمة عبده أجلاً أو حياة فلانٍ ثم هو لفلان أو راجع إلى ورثته أو قال: هو لفلانٍ بعد سنة أو أوصى أن تُكرى داره من فلانٍ وأوصى بالوصية/ من كتاب ابن المواز، وغيره، قال مالكٌ وأصحابه: ومن أوصى بخدمة عبده، أو سكنى داره، أو غلة حائطه عُمرى، أو أجلاً، ولم يبتل الرقبة. فإن حمل الثلث الرقبة جاز ذلك. وإن لم يحملها خُير الورثة بين الإجازة أو القطع له بثلث الميت كله. قال محمدٌ: لأنا لو وقفنا محمل الثلث منه فقطعنا منه ذلك إلى الورثة؛ فلا وصية الميت نفذت، ولا استوعبنا له ثلثه. وإن أوقفنا أكثر ظلمنا الورثة، فلابد لمن لم يرضوا من خلع الثلث الذي لا يدفع عنه الميت فيكون لأهل الوصايا. وكذلك لو قال: عبدي لفلانٍ، بعد سنة. أو قال: يخدم فلاناً سنةً ثم هو لفلان. وهذا في كل ما يرجع إلى الورثة منه عاقبة نفعٍ. وأما ما يوصي ثابتاً له بعينه فلم يحمله الثلث، فيقطع فيه بعينه بمحمل الثلث إن لم يجيزوا. وهو الذي رجع إليه مالكٌ بعد أن قال: يأخذ الثلث من كل شيءٍ وهذا قد تقدم. وإذا كان في الوصية مع هذه المعينات وصيةً بخدمة عبدٍ أجلاً، أو عمراً أو قال: هو لفلانٍ بعد سنة. ولم يجيزوا، وضاق الثلث، فسلم الورثة الثلث، فليتحاصوا أهل الوصايا، فيضرب أصحابُ المعينات بقيمة الأعيان. فما وقع لهم أخذوه فيها، ويضرب من له خدمةٌ بقيمة الخدمة، ومن له مرجع رقبة بعد سنة بقيمة مرجعها على ضررها فما صار لهما كانا به شريكين للورثة في جميع التركة. وبه قال أشهب، وأصبغ، وابن المواز. وقال ابن القاسم: إذا صار مع الأعيان/ وصايا في غير أعيان من خدمة ونحوها، وخلع الثلث؛ تحاصوا، وشارك الورثة أهل الأعيان وغيرهم في جميع التركة. ولا يأخذ أهل الأعيان في أعيانهم. وأنكره أصبغ. وأما الموصي بغلة حائطه للمساكين فهو كالتمليك لأنه على التأبيد، فهذا يكون
للمساكين مالهم في رقبة الولد، كمن أوصى له بالأعيان. وقد ذكرتُ لك هذا في باب بعد هذا. قال ابن القاسم: ولو مات المُعين من عبد أو دابةٍ قبل خلع الثلث، فكأنه لم يكن، ولا يدخل الموصى له مع من بقي من أهل الوصايا في ثلث ما بقي، ولا أن يموت بعد أن قطع لهم بالثلث، وسُلم إليهم، فضمانُه منهم أجمع كالشركاء. ويتحاصون فيما بقي، وكذلك لو تلف شيءٌ آخر مما أسلم إليهم. وقاله أصبغ. قال محمد: وهذا من قول أصبغ كسرٌ للقول الذي خالف فيه ابن القاسم – يريد: في الدنانير المعينة – وقد تقدم ذكره. قال ابن القاسم: هذا إن كان مع المعينات وصايا مبهمة من عتقٍ ورقابٍ وخدمةٍ. فأما إن كانت كلها معينة، فما مات فمن صاحبه؛ لأنه إنما يُضرب له فيه بعينه في الحصاص. قال ابن القاسم، وأشهب: ولو قال: عبدي يخدُمُ فلاناً سنةٌ ثم هو لفلانٍ، لم يكن فيه تخيير على الورثة؛ لأنه بعينه لا يرجع. فما حمل منه الثلث بُدي فيه صاحب الخدمة. وكذلك إن كان معه وصايا، وإنه يحاصص بقيمة رقبته، فإن وقع له نصفه بُدئ فيه المُخدمُ بخدمة ذلك النصف أجلاً، أو عمراً ثم عاد إلى صاحب/ الرقبة. ولو مرض أو أبق حتى تمت المدة أخذ النصف صاحبُه وتبطُلُ الخدمةُ. قال ابن القاسم في المجموعة: وللورثة نصيبهم منه. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وما وقع لمن أوصى له بمال أو بخدمة فهو شريك للورثة في جميع التركة. وإن أوصى لرجل بخدمة عبده سنةً، ثم برقبته لآخر، وبخدمة عبدٍ آخر لرجل سنةً. وجميع التركة تبلغ ستين ديناراً، وقيمةُ العبدين ثلاثون، ولم يُجز الورثة، فليضرب في الثلث صاحب مرجع الرقبة بقيمة رقبته، فما صار له فيها بُدي عليه فيه صاحب الخدمة بخدمته، ويُحاص الآخر بقيمة الخدمة، فما صار له كان شريكاً به للورثة. وإن أوصى لرجل بخدمة عبده سنةً ولم يحمله الثلث، فقال
الورثة: نحن ندفع ما حمل الثلث منه، يختدمه الموصى له ثلاث سنين، ليستوعب وصيته. فليس ذلك لهم؛ أرأيت لو كان يرجع إلى حريةٍ، أيُؤخرُ؟ وإن أوصى لرجل بخدمة عبده ثم أوصى بعد ذلك لرجلٍ بغلته؛ فالغلة والخدمة سواءٌ، فإن حمله الثلثُ اختدماه، أو استعملاه بالسوية. وإن لم يحمله؛ فإما أجاز الورثة، أو قطعوا لهما بثلث التركة، ولو أوصى بخدمته لرجل كان له أن يستعمله. ومن كتاب ابن عبدوس، قال أشهب: وإذا أوصى أن عبده لفلان بعد سنة، ولا يحمله الثلث، فإما أجاز الورثة وإلا نطقوا له بثلث الميت من كل شيءٍ. قال ابن وهب عن مالك: ومن أوصى أن يخدم عبده فلاناً حياته ولم يترك غيره؛ فإما أجاز الورثة أو قطعوا له بثلث العبد بتلاً. قال ابن الماجشون:/ ومن أوصى لرجل بخدمة عبده حياته، ثم بخدمته من بعده لآخر حياته ولآخر بمائة دينار، ولم يترك غير العبد فليتحاصوا صاحبا الخدمة بالتعمير وصاحبُ المائة بالمائة، فإن كان تعمير العبد أو تعمير المؤخر أقل من تعمير الأول أو مثله فلا حق للثاني إذا كان تعمير العبد أقل من تعمير الأول لم تُبال بعمر الثاني، كان أقل أو أطول. فإنما يتحاص صاحبُ المائة، مع الأول وحده، فيضرب الأول بالأقل من عمره، أو عمر العبد. وإن كان تعمير العبد، أطول من الأول، ويبقى منه ما يدرك الثاني، ضرب الأول بتعميره، والثاني بعده بالأقصى من عُمره وعمر العبد. وإذا كان عمر العبد أطول منهما لم يضرب الثاني إلا ببقية عمره بعد الأول. وإذا قال: ثم هو بعد الخدمة حر، تحاصوا في عمله. وإن قال: يخدم فلاناً حياته عشر سنين، ولفلانٍ مائة دينارٍ. فإن كان عمر العبد مثل عمر الأول فأقل، ضُرب للأول وحده بأقلهما. وإن كان أكثر من الأول ضُرب للأول بعمره وضُرب للثاني بالأقل من عشر السنين ومن بقية عمر العبد بعد الأول. ولو بدأ بصاحب الستين، فإن كان عمرُ العبد أطول منهما، ضُرب ذو الستين بسنيه، والباقي ببقية عمره بعد الستين. وإن كان عُمرُ العبد يأتي على الستين وبعض عمر الثاني،
ضُرب الأول بسنيه، والباقي ببقية عمر العبد. ولو كان عمرُ العبد قدر الستين، فأقل، ضُرب ذو الستين بالأقل منها أو من عُمر العبد وذو المائة بمائة وسقط الثاني. ولو قال: يخدم عبد الله حياته،/ ويخدم خالداً عشرةً من بعد زيدٍ، ولا وصية لزيدٍ فلينظر، فإن كان عمرُ العبد أقل من عمر زيدٍ فلا حق لخالدٍ. وإن كان أكثر من عمر الثلاثة، بباقي عمره بعد الرجلين، وصاحب المائة بمائة. وإن كان عمر العبد تأخر عن عبد الله (¬1) وزيد وبعض عمر خالد لم يضرب خالد إلا بما يبقى من عمره بعد الأولين إلى مبلغ عمر العبد. وإن كان عمرُه أقل من عمر زيدٍ ضرب عبد الله بعمره، والورثة بما بلغ العبدُ من عمر زيدٍ ورُد المائة بهما، وإن كان عمر العبد مثل عمر عبد الله فأقل؛ لم يضرب إلا عبد الله وصاحب المائة. قال أشهب: وإن أوصى؛ أن عبدي يخدم فلاناً سنةً ثم هو لفلان بعد سنتين، فإن حمله الثلث خدم الأول سنةً ثم الورثة سنةً ثم أخذه الآخر. وإن كان العبد قدر ثلثي الميت، فلا أجعل نصفه يخدم هذا سنةً والورثة سنة ثم يأخذه الآخر، فيكون الميت لم يُستوف ثلثه ولا وصية، ولكن يتحاصان في الثلث؛ هذا بقيمة خدمته سنةً، وهذا بقيمة مرجع الرقبة على غررها، فيكونان شركاء للورثة بما أصابهما في جميع التركة. قال ابن القاسم: ومن أخدم عبده رجلاً حياته ثم مرض فأوصى لرجل بمرجعه وبوصايا لغيره وضاق الثلث، فليتحاصا فيه؛ هذا بمرجع الرقبة على غرره، والموصى لهم بوصاياهم ثم هم شركاءُ للورثة في جميع التركة. وقال ابن كنانة: إذا خُلع الثلث نظرت إلى قيمة العبد؛ لأن على مرجعه يُحاص/ به في الثلث، فأخذ قدر مرجعه، فإذا رجع العبد كان من أهل ¬
الوصايا. إن كان ابن كنانة يعني أن قيمة مرجعه ضم، إلى التركة إذا حالت الوصايا، فكذلك يكون مرجعه بين الورثة وأهل الوصايا. وإن أراد أن يُضم إلى التركة ثم يُقرب مرجعه لأهل الوصايا يُحسب عليهم، فليس عليهم ذلك؛ لأن الوصايا حالت وصاروا شركاء للورثة في جميع التركة. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى بخدمة عبده حياته رجلاً، وأوصى بوصايا لغيره، ولم يدع غير العبد، فأجاز الورثة الوصية بالخدمة، فليُبع ثلث العبد، فيُحاص في ثمنه أهل الوصايا، وصاحبُ الخدمة بالتعمير، فما صار له أخذه بتلاً، ثم يستخدم ثلثي العبد حياته، ثم يرجع إلى الورثة. وقاله أصبغ؛ انظر بكم يحاصص، أبالخدمة من كلها؟ أم بثلث الخدمة؟ لأن ثلثي الخدمة حصا له كاملاً. وإن أوصى؛ أن يخدُم عبده فلاناً، ولم يؤقت حياته، ولا أجلاً، وبرقبته لفلانٍ، ولم يقل: من بعده. فقال ابن القاسم: يتحاصان؛ هذا بقيمة خدمته حياته، وهذا بقيمة مرجع رقبته. وقال أشهب: يُبدأ بالمخدم، فيخدمه حياته، ثم تكون رقبتُه للآخر. وإن لم يُخرج، فما خُرج منه على هذا المعنى. قال ابن المواز: وهذا الصواب في أصل مالكٍ. وقد قاله ابن القاسم، فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده حياته ولآخر برقبته وبوصايا؛ أنهما يُحاصان بقيمة الرقبة، ثم يبدأ صاحب الخدمة. قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم، وأشهب: ومن أوصى، أن يُكري دارة من رجلين سنين مُسماة بكذا. فإن حملها/ الثلث: أنفذ ما قال، وإلا خُير الورثة في إنفاذ ذلك، وإلا قطعوا له بثلث جميع تركته بتلاً.
فيمن أوصى في ثلاثة أعبد له برقابهم لرجل، أو أحدهم وخدمة أحدهم لرجل آخر
فيمن أوصى في ثلاثة أعبدٍ له برقابهم لرجلٍ، أو بأحدهم وبخدمة أحدهم لرجل آخر، وبوصايا غير ذلك من كتاب ابن المواز، المجموعة، قال أشهب، فيمن لم يترك إلا ثلاثة أعبدٍ؛ قيمتُهم سواءٌ، فأوصى برقبة أحدهم لرجل، وبخدمة الآخر لرجل حياته. قال: يتحاصان في ثلثهم؛ يضرب المُخدم بقيمة مخدمته أقل العمرين على غررها، غير مضمونة إن مات أحدهما قبل ما جُعل له من التعمير؛ فما صار له كان به شريكاً للورثة. ويُحاص الآخر بقيمة الرقبة، فما صار له أخذه في العبد بعينه. قال: والورثة مخيرون فيما صار لصاحب الخدمة في الحصاص بين أن يكون شريكاً للورثة، ويُحاص الآخر بقيمة الرقبة، فما صار له أخذه في العبد بعينه. قال: والورثة مخيرون فيما صار لصاحب الخدمة في الحصاص لهم، وبين أن يُسلموا إليه العبد؛ يختدمه إلى أجله. وهذا التخيير للورثة إن شاءت بدأت به قبل الحصاص أو بعده. وكذلك لو أوصى مع ذلك بالثلث، والثلث ثلاثون، والعبد الموصى له قيمته ثلاثون، وقيمة الخدمة خمسة عشر؛ فالثلث بينهم على خمسة، والمال كله خمسة عشر جزءاً؛ فلصاحب العبد جزءان، ولصاحب الخدمة جزءٌ، ويُسهم لصاحب العبد بأحدهما في العبد فيصير له خمساه/ ويبقى ثلاثةً عشر جزءاً من التركة في عبدين وثلاثة أخماس عبدٍ؛ للورثة عشرةٌ، ولصاحب الثلث جزءان، ولصاحب الخدمة جزءٌ. وهم في الجميع شركاءُ. ولو أوصى برقابهم لرجل، وبخدمة أحدهم لرجل حياته، فأثلاثهم لصاحب الرقاب؛ يبدأ منهم صاحب الخدمة بخدمة ثلث الذي فيه الخدمة، فإذا مات رجع إلى صاحب الرقاب. ولو حملهم الثلثُ فعجل صاحب الرقاب اثنين منهما، وبُدئ المُخدم بالثلث بخدمة، فإذا مات رجع إلى الآخر. ولو لم يملك غيرهم، فأوصى بثلث كل عبد منهم بتلاً، ولآخر بثلث واحد بعينه بتلاً؛ قال: فلكل واحد ثلاثة أرباع وصيته فيصير للموصى له بثلث كل
فيمن أوصى بخدمة عبده أجلا أو عمري ثم هو حر، أو أوصى مع ذلك بوصايا
عبدٍ والموصى له بثلث العبد ربعُ ذلك العب، ويصير نصفه للورثة مع ثلاثة أرباع الآخرين. ولو أوصى لرجل بثلثهم، ولآخر بخدمة جميع أحدهم- يريد: حياته- فليُحاص الموصى له بالخدمة بقيمة ثلثي خدمة ذلك العبد كله على حدة، وبقيمة ثلث رقبته على حدة، ويُحاص الآخر بقيمة ثلث رقبة الباقين؛ فما وقع له منهما، كان له بتلاً، وما وقع للنُخدم بثُلثي الخدمة، كان به شريكاً للورثة في بقية التركة. وما وقع له بثلث رقبته، بُدئ فيه بالخدمة، فإذا مات رجع ذلك الثلث إلى الموصى له به، فإن شئت حاصصت لصاحب الرقاب بأثلاثهم، فما وقع له من ثلث المخدم بُدئ فيه صاحب الخدمة. ولو أوصى لرجل بخدمة واحدٍ منهم، ولآخر بثلث ماله، كان الجواب سواءً، إن لم يدع غيرهم. قال محمد: وأحب إلي إذا أوصى/ له بالثلث، ولم يذكر العبيد، أن يُحاص هو بالثلث، ثم يُحاصهم هو صاحب الخدمة. قال: ويُخير الورثة في جميع هذه المسائل، وإما أسلموه، وإما أخذوه، وسلموا له الخدمة. فيمن أوصى بخدمة عبده أجلاً أو عُمرى ثم هو حر وأوصى مع ذلك بوصايا أو أوصى بعتق عبده بعد كتابة وأوصى بوصايا من المجموعة قال ابن القاسم في الموصي بخدمة عبده سنةً لرجل ثم هو حُر ولم يترك غيره. وإن لم يُجز الورثة أُعتق ثلثه وزالت الخدمة. وقال أكثر الرواة: قال أشهب: وكنتُ أقولُ: يخدُمُ ثلثه فلاناً سنةً ثم هو حُر إذ كانت الخدمة مُبداةً في عتقه كله، وكذلك في عتق ثلثه، ثم رأيت أن يُبدأ العتقُ على الخدمة، لما حالت وصيةُ الميت. وكان مالكٌ يقول القول الأول، ثم رجع إلى هذا، وقاله ابن كنانة.
وقال أشهب: وإن شاء الورثة أن يجيزوا عتقه كله إلى الأجل، ويكون للمُخدم من خدمته قدرُ محمل الثلث من رقيقه، فذلك لهم. وإذا أوصى أن يُكاتب عبدُه بكذا، وأوصى لرجل بمائة، والعبد هو الثلث، فالكتابة مُبداةٌ كالعتق، ثم نظرنا فلم يبق من الثلث غيرُ مالها، فيُقال للورثة: إما أديتم المائة للموصى له ثمناً ولكم الكتابة، وإما يعجز فيرق لكم، أو يُعتق وولاؤه للميت. وإلا فسلموها لصاحب الميت. ولو أوصى رجلٌ أن يُؤخذ من عبده كذا ويُعتق فلم يحمله الثلث/ فإما أجازوا ذلك، وإلا عتقوا منه ثلث الميت بتلاً. وقاله علي عن مالك. وكذلك روى ابن القاسم وأشهب عن مالكٍ؛ إذا أوصى أن يُكاتب بكذا. وذكر مسألة ابن القاسم عن مالكٍ؛ إذا أوصى بعتق عبده بعد سنة وأوصى بوصايا وقينتُه أكثر من الثلث، فإما أجازوا وإلا عُتق منه بتلاً محمل الثلث وزالت الوصايا. قال سحنون: ولا أعلمُ في هذا اختلافاً بين الرواة. قا أشهب، فيه وفي الموصي؛ أن يُكاتب ولا يحمله الثلث، فإن أجازوا ما قال الميت في العبد من ذلك، قيل لهم: فأنتم مُخيرون أيضاً بين ظان تدفعوا ما أوصى به الميت من مال ويبقى لكم ما بقي في العبد من خدمة أو كتابة. وإلا فأسلموا من الخدمة أو الكتابة إلى الموصى له بالمائة قدر محمل الثلث من رقبته. قال في كتاب ابن المواز: فإن عجز المكاتب كان لهم ذلك. وقال أشهب، في المجموعة: حُر إذا أبق. أما قال في الخدمة أو الكتابة؛ عجل زمنُه عتق محمل الثلث، وبطلت الوصايا. وإن كان العبد أقل من الثلث أعتق إلى الأجل ثم خُير الورثة بين إجازة الوصية بالمائة أو إسلام باقي الثلث مع الخدمة أو الكتابة. وذكر مسألة ابن القاسم في الموصي بعتق عبده بعد خدمةٍ لرجل وبمائة دينار لرجل آخر. والعبدُ هم الثلث؛ فذكر تبدية العتق إلى الأجل، ومحاصة صاحب المائة وصاحب الخدمة في الخدمة.
قال أشهب: وتُقوم الخدمة غير مضمونة، فلا مرجوع فيها بشيءٍ إن مات العبدُ في غدٍ. وكذلك لو أوصى/ أن يُكاتب عبدُه، وأوصى بالكتابة لرجل، ولرجل آخر بمائة دينار، والعبدُ هو الثلث فتُبدأ الكتابة، ثم يتحاص فيها صاحب المائة وصاحب الثلث، فما وقع لصاحب الثلث خُير الورثة، فإن شاؤوا أخذوه ودفعوا إليه مائةً وإلا تركوه، ما وقع لهم. قال ابن القاسم وأشهب: وإن كان العبد أقل من الثلث قُدم العتق ويُحاص صاحب الخدمة بقيمتها وأهل الوصايا بوصاياهم في بقية الثلث وفي الخدمة، فيأخذ أهل الوصايا ما صار لهم في التركة وفي الخدمة، ويأخذ أهل الخدمة ما صار لهم في الخدمة، ولو كان أهل الوصايا أوصى لهم في شيءٍ بعينه أخذوا فيه ما نابهم. قال ابن القاسم: يضرب المُخدم بقيمة الخدمة في الخدمة وفي بقية الثلث، ولا يُجمع له حقه في الخدمة. وإن كان العبد أكثر من الثلث أُعتق منه محمل الثلث، وسقطت الوصايا. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: ولو قال: هو حُر بعد سنة- ولم يوص بخدمته- ولفلان مائة دينار؛ والعبد هو الثلث، أعتق إلى الأجل، ولم يبق من الثلث غير الخدمة، فإما أخذها الورثة وأعطوا للموصى له بالمائة الدينار مائة دينارٍ، وإلا أسلموا إليه الخدمة. وإن لم يحمله الثلث، خُيروا بين إبتال محمل الثلث منه وتبطل الوصية. وإلا أعتقوه إلى الأجل وسلموا خدمة ما حمل الثلث من رقبته إلى صاحب المائة أو يعطونه المائة ويأخذون (¬1) تلك الخدمة. ولو كان مع المائة وصايا، كانوا شُركاء في تلك الحصة من الخدمة إن لم/ يُعطِهم الورثة وصاياهم. وإذا أوصى لرجل بخدمة عبده حياته ثم هو حُر، ولآخر بثلث ماله؛ والعبد قدرُ الثلث، فليُبدأ العتقُ إلى مدتة، وتبقى الخدمة في بقية الثلث يتحاص فيها صاحي الثلث بمبلغه، والمُخدمُ بقيمة الخدمة، فتكون الخدمة أو إجارتُه – إن ¬
كان يُؤاجرُ- بينهما بقدر ذلك. فإن مات العبدُ عن مالٍ قبل المُخدم فماله لأهل الوصايا دون المُخدم ودون الورثة؛ لأن وصية المُخدم في عينٍ قد ذهبت. وإن لم يحمله الثلث، خُيروا بين أن يعتقوه إلى حياة المُخدم ويُسلموا إلى الموصى له قدر خدمة ما يخرج من الثلث من رقبة العبد، فيتحاصان في خدمة ذلك الجزء على ما وصفنا. فإن أبوا، أعتقوا منه بتلاً محمل الثلث، وتبطُلُ الوصايا. وكذلك في الخدمة إلى أجل مُسمىً، وبوصية مائة دينار، فإن كان العبدُ مع عشرة دنانير هو الثلث، أخذ العشرة الموصى له بالمائة، وهي عُشرُ وصيته، فيُعطى أيضاً لصاحب الخدمة عُشر الخدمة، ثم يتحاصان في تسعة أعشارها بقدر ما بقي لكل واحد من وصيته. فإن كانت قيمة الخدمة عشرة دنانير، فقد صار عُشرها للمخدم، ويتحاصان في تسعة أعشارها على أحد عشر جزءاً؛ عشرة أجزاء لصاحب المائة، وجزءٌ لصاحب الخدمة. ولو كانا في الثلث خمسين، أخذها صاحب المائة في نصف وصيته، وأخذ صاحب الخدمة نصفها، ثم يتحاصان في نصفها بما بقي لهما. فإن كان قيمة الخدمة كلها خمسين،/ تحاصا في نصفها على الثلث والثلثين. وإنما تقوم الخدمة على أقل العمرين على غررها أيبلغها أو يبلغ، فلا عهدة في ذلك ولا رجعة. قال أصبغ: فيأخذ صاحب الخدمة فيها، ويُخير الورثة فيما ناب صاحب المائة أن يفدوه منه ببقية المائة، أو يدعوا ما أصابه من الخدمة. قال ابن مُيسر: واختلف إذا انكشف الأمر على خلاف ذلك التفسير؛ قال أشهب: يُؤمر الخدمة. قال ابن مُيسرٍ: يُؤتنف الحصاص مرة أخرى. وقال ابن القاسم: لا يُرد ذلك لحكم مضى. قال أصبغ: ومن أوصى بخدمة نصف عبده لرجل حياته، ثم هو حُر مع نصفه الآخر، فلم يحمل الثلث إلا نصفه، فليُعجل عتقُ نصفه، وتسقط الخدمة؛ لا تبالي أي نصفٍ عجلت. وكذلك لو قال: يخدمُ كله حياته، ثم هو حُر، فلم يُحمل غيرُ نصفه، لعُجل عتق نصفه إذا لم يُجز الورثة.
فيمن أوصى بخدمة عبده لابنه أمدا ثم هوجر وأوصى مع ذلك بوصايا، هل يواجر؟
وكذلك لو أوصى أن يخدم عبده فلاناً حياته ثم نصفه حر، فلم يسع الثلث إلا ثُلثيه (¬1) قال: فنصفه حر إلى الأجل، ويبقى من الثلث سدس رقبته، وخدمةُ محمل الثلث منه، فيُخير الورثة بين أن يدعوا جميع العبد يخدمُ إلى المدة ثم يُعتق نصفه. وإلا قطعوا للمُخدم ببقية الثلث بعد نصف العبد؛ لأن نصفه قد أحاط به العتقُ وهو يختدمه. وبقية الثلث مع تُسع ما يبقى للميت بعد نصف العبد وغيره، وهو قدر سدس قيمة العبد. ومن العتبية (¬2) روى أبو زيدٍ عن ابن القاسم فيمن أوصى بخدمة عبده لرجل سنةً ثم هو حُر، وعبدُه الآخر بعد سنة/ ولم يحملهما (¬3) الثلث؛ قال يتحاصان، ولا يُبدأ أحدُهما. وإن قال: عبدي ميمون يخدمُ فلاناً سنتين ثم هو حُر. ثم قال في العبد بعينه: يخدُمُ فلاناً آخر سنةً. قال يتحاصان في خدمة السنين على الثلث لذي السنة، والثلثين للآخر ولو بدأ بالسنة، ثم هو حُر لتحاصا في السنة ثم أُعتق إليها. فيمن أوصى بخدمة عبده لابنه أمداً ثم هو حُر وأوصى مع ذلك بوصايا هل يُؤاجرُ؟ وكيف إن مات الابنُ قبل الأجل؟ أو كان أجنبياً فمات؟ من كتاب ابن المواز روى ابن وهب عن مالك فيمن أوصى أن يخدُم ابنه عشر سنين ثم هو حر، ولم يترك غيره ولم يُجز الورثة، فإن ثلثه يخدم جميع الورثة عشر سنين- يريد: على المواريث- ثم يُعتق ثلثه. فأبى ذلك ابن القاسم وأشهب. ¬
وإن قال: أمتي تخدم ابني حتي يفطم ثم هي حرة. فأجاز ذلك الورثة، ثم مات الصبي قبل وقت الفطام. قال: للورثة أن يستخدموها؟ قال: لا. قال أشهب، فيه وفي المجموعة: من أخدم عبده أو أمته ابنه أو ذا قرابة أو أجنبياً؛ فإن كان علي وجه الحضانة، والاختلاف فيه إلي الكتاب والدخول والخروج ـ يريد: مسألة أدبه ـ أصبغ: إن لم يجز الورثة، وقالوا: نعتق ثلثه بتلأ، وتبطل. قال أشهب: وقد رجع عنه مالك. فليس له أن يؤجراه إلا في مثل ذلك من الحضانة والاختلاف. محمد: إن وجد له مثل ذلك، وإن كان العبد ممن يصلح للغلة والتجارات فله أن يستعمله فيما شاء مما يقوي عليه ويؤاجره ممن شاء. وإن كان / الموصي له ممن لا يحتاج إلي حضانة، والعبد حاضر أو غائب، فله أن يؤاجره فيما شاء، ويختدمه فيما شاء, ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: وإن أوصي أن يخدم عبده فلانا سنة ثم هو حر ثم مات وفلان غائب، فليؤاجر للغائب، إن خرج من الثلث حتي تتم السنة، فيعتق. وإن قصد به الحضانة والكفالة لم يؤاجر، وليكاتب الرجل. فإن تمت السنة ولم يقدم أعتق كما لو أبق فيها. قال أشهب: توقف الإجارة للغائب، فإن ظهر أنه كان ميتاً يوم أوصي له بطلت وصيته. وإن كان حياً أخذها. وإن لم يدر أحي هو أو ميت؟ أوقف ذلك حتي يأتي عليه ما لا يعيش إلي مثله فيكون لورثة الموصي له، أو يأتي قبل ذلك بغير موته، ولا يعلم مات قبل الموصي، أو بعده، فترد إلي ورثة الموصي، والعبد بتمام السنة حر كان فيها يؤاجر أو لم يؤاجر أو أبق أو مرض. قال أشهب: وإن أوصي بخدمة عبده لابنه أو لأجنبي سنة ثم هو حر، ولا مال له غيره، ولا وارث له غير ابنه، فليعتق ثلث العبد وتسقط الخدمة، وكأنه قال: نصف عبدي يخدم فلانا سنة ثم جمعيه حر ولا مال له غيره ـ يريد: بخلاف لو كان وارثاً غيره ـ فتكون فيه الحصاص.
فاله في كتاب ابن المواز: ومن ترك ابنين، وأوصي أن يخدم عبده أحدهما سنة ثم هو حر، ولم يدع غيره. فإن أجازا، وإلا عجل عتق ثلثه. وإن أجاز المخدم وحده، عجل عتق نصيب الآخر، وهو السدس، واستحق الثلث مكانة. ويخدم الآخر نصف العبد سنة ثم يعتق. قال علي، عن مالك،/ فيمن أوصي بنصف ماله لقوم، وأوصي لآخرين من النصف الباقي؛ لفلان بكذا، ولفلان بكذا، وما يبقي فللورثة. ثم قال: وعبدي فلان يخدم ولدي عشر سنين ثم هو حر؛ قال ذلك نسقاً، فليبدأ بالعتق في الثلث، فما فضل من الثلث فلأهل الوصايا وللولد؛ يتحاصون فيه بقدر وصاياهم، ويتحاصون كذلك في خدمة المعتق إلي أجل، ويضرب الولد في ذلك كله بقيمة الخدمة. قال ابن القاسم: وإن أوصي؛ أن أمته تخدم ابنه حتي يبلغ النكاح، ثم تخير في العتق، فعتق إن شاءت. وأوصي بوصايا، وضاق الثلث، فإنها تخير الساعة، فإن اختارت العتق وحملها الثلث؛ لا زيادة، أو ضاق عنها؛ عتقت إن حملها أو ما حمل منها وسقطت الخدمة والوصايا. وإن كان الثلث أكثر من قيمتها، فإن أهل الوصايا والورثة يتحاصون في بقية الثلث وفي خدمة الجارية أهل الوصايا بوصاياهم، والورثة بقيمة الخدمة إلي مبلغ الولد النكاح. فإذا بلغت ذلك خيرت، فإن اختارت العتق عتقت وسقط باقي الوصايا. وإن اختارت البيع بيعت، فأتم لأهل الوصايا وصاياهم. وما صار للورثة، فإن أجازه له الورثة؛ وإلا فهو بينهم علي المواريث. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصي في عبد له أن يخدم ابنه خمس سنين، وابنته سنتين ونصفاً، وهو بعد خمس سنين حر. فإن يخرج من الثلث كان حرا إلي سنين، ولا تكون علي ما قال، ولكن علي الفرائض.
فيمن أوصى لرجل بغلة داره أو سكناها أو بغلة نخله ولآخر برقاب ذلك وذكر النفقة على النخل
فيمن أوصي لرجل بغلة داره أو سكناها أو بغلة نخله، ولآخر برقاب ذلك وذكر النفقة علي النخل وغيرها من كتاب ابن المواز، وأراه لأشهب: ومن أوصي لرجل بغلة داره، ولآخر بسكناها، ولآخر برقبتها وهي الثلث، فالسكني والغلة سواء، ويبدآن صاحب الغلة وصاحب السكني. فإذا انقرضا رجعت إلي صاحب الرقبة والمسكن، أم يكري وإن لم يحملها الثلث، فما حمل منها عمل فيه هكذا. وإن كانت الثلث فهدمها رجل قبل موت الموصي فعليه ما نقصها؛ يأخذه الموصي، ويورث عنه. وتبقي وصيته فيما بقي منها. ولو هدمها بعد موته أدي ما نقصها فيلي منه ما بلغ؛ كان أكثر مما كانت من الثلث أو أقل، ويكون لكل واحد من هذين أن يعمل، أو يسكن نصفها. فإذا انقرضا صارت إلي صاحب الرقبة. وكذلك في البستان؛ يوصي لهذا بغلته، ولهذا بتمرته، ولآخر برقبته علي هذا. قال: وللمخدم أن يختدم، أو يكري من غيره، كالمكتري، وليس له أن يخرج العبد إلي بلد آخر، إلا أن يعلم الموصي أنه ممن لا مقام له بالبلد. فإني أستحسن له أن يخرج به إلي بلده. قال أشهب: وإن أوصي لرجل بغلة نخله، ولآخر برقابها، ولم يدرك، ولم يحمل، فنفقتها ومؤنتها علي الموصي له بالغلة، كمن حبس علي رجل حائطا حياته، فنفقته علي من له غلته لا علي من حبسه، ولا علي من له المرجع. قال: وإن كانت النخل صغارا لم تدرك، لم يجز هذا، ويرد كأنه بيع بخطر أن عليك نفقتها حتي يدرك. فإن مت أنت قبل ذلك رجعته إلي، فإن صحبت أنت إلي بلوغها فلك غلتها / ما عشت فقد خاطره، وكذلك لو قال: أنفق علي هذا المميز الصغير والطفل الرضيع، علي مثل هذا لم يجز ورد. قال أشهب: وإن أوصي فقال: داري حبس علي فلان، ومرجعها إلي فلان، وعشرة دنانير ـ يريد: وضاق الثلث ـ لم يكن عليهم إلا قطع ما حمل الثلث من تلك الدار، فإن أوصي لغيرهما حاصهما في ذلك، فأما صاحب المرجع
فلا يحاص بالعشرة ـ يريد: إن لم تكن وصية لغيره ـ وقال: لأن الميت استوعب ثلثه، ولم تحل وصيته في غير ما أوصي به. قال ابن المواز: فيه من الحبس عليه حياته، ولا يكون لمن بعده إلا مرجع ذلك، وإنما يحاص بالعشرة لأنه بدئ عليه غيره، فلما لم يبق بعد التبدية ما يوعب وصيته لم يكن له ما بقي؛ لأنه مبدأ عليه ـ إنما أراد: لا يحاص صاحب العشرة ـ إذا لم تكن وصية لغيرهما. ومن ومن المجموعة لأشهب: ومن قال ـ يريد: في وصيته ـ: داري حبس علي امرأتي حياتها، فإذا انقرضت فهي وعشرة دنانير لفلان بتلا. أو قال فهي لفلان بتلا وعشرة دنانير ولم يدع غير الدار فذلك سواء، فإن لم يجز الورثة فليتحاصا في هذا في ثلث، ثم يدخل معها الورثة في تلك السكني، إن شاؤوا، ويحاص لصاحب المرجع أيضا بقيمة عشرة دنانير فقط، علي أن يؤخذ بعد موت المرأة، علي الرجاء والخوف في تعمير المرأة. فما ناب العشرة تعجله الرجل في الدار وما ناب المرأة بدأت فيه، ودخل معها الورثة في سكناه / علي الفرائض. فإذا ماتت رجع ذلك إلي صاحب المرجع، فصار له مع ما نابه للعشرة، ولو أجاز الورثة لبدئت هي عليه بسكني الدار، فإذا ماتت أخذها، ولا يكون له غير الدار؛ لأنها بدئت عليه. قال ابن المواز: وكذلك مسألة أشهب، في التي قبل هذه؛ لإحصاص لصاحب العشرة؛ لأن المرأة بدئت عليه، فلم يوص له بشئ إلا بعدها. وكذلك لو قال: داري حبس عليها فإذا انقرضت، فهي لفلان. ولفلان آخر عشرة دنانير، ولم يحملها الثلث، فإنها تأخذ محمل الثلث منها. فإذا ماتت رجع ذلك، فيحاص فيه صاحب المرجع وصاحب العشرة؛ هذا بقيمة الدار كلها يوم المرجع، وهذا بعشرة دنانير نقدا.
فيمن أوصى للمساكين بغلة خائطة أو داره أو بخدمة عبده هل منه تخيير للورثة؟ وعلى من النفقة؟
وذكر ابن عبدوس هذا المسألة من أولها لأشهب، إلا أنه ذكر عنه إن أجاز الورثة الوصية كلها حاص في الدار الموصي له بعشرة؛ بقيمة مرجعها، فما نابه أخذه في الدار بتلا، وذكر عنه ابن المواز. فيمن أوصي للمساكين بغلة حائطه، أو داره أو بخدمة عبده هل منه تخيير للورثة؟ وعلي من النفقة فيه؟ وهلي يضرب في أعيان ذلك في الحصاص؟ وكيف إن أوصي لهم ببعض الغلة أو بعدة أو سق؟ من كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال أشهب: ومن أوصي بغلة داره أو جنانه للمساكين، أو في السبيل، أو في اليتامي والأرامل، فلا تخيير فيه إن لم يحمله الثلث. ويكون ما حمل منها موقوفا تكون غلته فيما ذكر كالوصية بالرقبة؛ لا مرجع له / إلي الورثة برجاء. ولو كان علي قوم بأعيانهم فلم يسعه الثلث، ولم يجز الورثة، قطع لهم بتلا بثلث التركة، إذ له مرجع إذا هلكوا. ومن كتاب ابن المواز، قال: ولو أوصي للمساكين بعدة أوسق من بستانه، أو بدنانير من غلة داره ـ يريد: كل عام ـ فإن يخير فيه الورثة؛ فإما أجازوا، أو قطعوا بالثلث بتلا، بخلاف وصيته بالجميع لمن لا إقطاع له. ومن كتاب ابن المواز، وهو في المجموعة لأشهب، وابن القاسم: ومن أوصي بظر دابته، أو بخدمة عبده، أو بسكني داره للمساكين، فلينظر من جعل إليه النظر فيه، فإن رأي أن يؤاجر ذلك ويقسمه في المساكين فعل، وإن رأي أن يوقفه؛ فمن احتاج سكن أو ركب أو أخدم؛ فعل، كمن أوصي بعبد للمساكين، فإن رأي ولي النظر فيه بيعه وتفرقه ثمنه فعل، وإن رأي أن يدفعه برمته يصنعون به ما شاؤوا؛ فعل، وإن لم يحمله الثلث، فما حمل منه صنع فيه مثل هذا، ولا يخير الورثة في هذا؛ لأن الميت استوعب ثلثه فقطعه عنهم للأبد ـ يريد: لأنه لما أبده
فيمن أوصى لرجل بولد أمته أو غنمه وبرقبتها لآخر أو لم يوص بالرقبة وأوصى بالولد
للمساكين، فكأنه أوصي لهم بعينه، فلذلك يكون لهم في عينه ما وقع لهم فيه، ولا يكونون شركاء في جميع التركة، بما وقع لهم ـ كما تفعل فيما تجوز فيه وصية الميت. مما فيه مرجع إلي الورثة. قال ابن المواز: وكذلك بغلة حائطه أو بثمرته لرجل عمره، وبرقيته لآخر. فإن خرج من الثلث، أو ما خرج منه في الحصاص، بدئ فيه صاحب الغلة، ثم صار ملكا لصاحب الرقبة. وسقيه وعلاجه وخراجه علي صاحب الغلة ما كان بيده. / وكذلك لرجل بصوف غنمه، أو بلبنها. ولآخر برقابها؛ فنفقتها ومؤنتها علي صاحب الغلة. وما كان عليها من صوف تام يوم يموت الموصي، وما في ضروعها من لبن، وما في بطونها من ولد، وما بعد ذلك إلي مماته، ثم يكون لصاحب الرقبة. ومن أوصي له بخدمة عبد صغير، فنفقته علي الموصي له. فإن كرهه لصغره فليرده ولا يقبله. قال ابن المواز: هذا علي البتل، وأما علي الحبس أو الخدمة فلا يجوز إن صغر جدا كالرضيع وشبهه؛ لا يجوز في هذا إلا البتل، فأما حبسا حياته أو جلا فلا يجوز إن كان صغيرا لا يقوم بنفقته. فيمن أوصي لرجل بولد أمته أو غنمه وبرقبتها لآخر أو لم يوص بالرقبة وأوصي بالولد أو أوصي بتمرة حائطه ولم يؤجل، أو يزرع أو بغلة حائطه أو ثلثها للمساكين أو أوصي برقاب نخل فأثمرت قبل موته من كتاب ابن المواز، وأراه لأشهب: وإذا أوصي بولد أمته لرجل وبرقبتها لآخر، فهو كذلك؛ لهذا ما تلد ما دام حيا، وعليه نفقتها، فإذا مات فرقبة الأمة للموصي له بالرقبة.
قال ابن المواز: وهذا إن لم تكن حاملا يوم أوصي. فإن كانت حاملا يومئذ فليس له إلا حملها ذلك فقط. ومن العتبية، قال أصبغ، عن ابن وهب، فيمن قال: أوصيت لفلان بما ولدت جاريتي هذه أبدا. فإن كانت يوم أوصي حاملا فهو له، وإن لم تكن يومئذ حاملا فلا شئ له. ولو حدث لها بعد ذلك حمل / لم يكن له فيه شئ، ولربها بيعها إن شاء. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصي لرجل بما تدر غنمه، أو بصوفها ولبنها وبرقبتها لآخر، فنفقتها علي صاحب الغلة، وله ما كان عليها من صوف تام يوم مات، وما في ضروعها من لبن، وما في بطونها من ولد، وما تلد بعد ذلك إلي مماته. ثم هي لصاحب الرقاب. ومن المجموعة، قال عبد الملك: وإذا أوصي بما في بطن أمته أو غنمته أو بتمرة نخله، وأوصي مع ذلك بوصايا؛ من حسن وقبح وبعض وتمام وصحة ومرض؛ فإن لم يضع حوصص بعشر قيمة الأمهات, قال: وقال بعض أصحابنا: إن في الأمهات تباع ولا تنتظر، ولا يكون أسوأ حالا ممن يعتق بما في بطنها أن يموت فيباع في دينه. والأول أحب إلي. وقال نحو ذلك في تمرة النخيل؛ ينظر كم نسق لرجل بيعها. وكذلك يحاصص في العبد الآبق يوصي به بقيمته علي غرره، ولا أفتي في حمل الأمة والغنم وصية إلا أن تلد قبل موت الموصي. قال مالك: ومن وهب ما في بطن أمته، منع من بيعها إلا أن يرهقه دين. قال ابن القاسم في الموصي له بزرع لم يبد صلاحه؛ فليستأن به حتي يحل بيعه فيحاص به في المال؛ فما نابه أخذه في الزرع. وإن جيح الزرع بطلت وصيته.
قال أشهب: إو أوصي بما في بطن أمته، فإن حمل الأم الثلث حاملا، وقفت حتي تضع فيأخذه الموصي له، أو تعتق إن أوصي بعتقه. وإن كان معه وصايا، بدئ عليها برقبة المعتق. ومن كتاب ابن المواز، وهو لابن القاسم، فيه، وفي العتبية: ومن أوصي / فقال: لفلان تمرة حائطي؛ لم يزد علي هذا، ولم يذكر أي تمرة، ولاكم من المدة. فإن كان فيها يوم الوصية تمرة لم يكن له غيرها لسنته تلك. وإن لم يكن فيها يومئذ تمرة؛ قال أصبغ: ولا حمل، قال ابن القاسم: فله تمرة ذلك الحائط حياته. قال أصبغ: وكذلك سكني الدار إذا حملها الثلث، يكون وقفا له. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال أشهب: وإن أوصي بتمرة في حائطه، ولم يدع غيره؛ فإن أبرت قومت، وقوم الحائط. وإن خرجت من الثلث جاز، أو ما خرج منها. وإن لم تؤبر، لم يلزمه إيقاف الحائط كله حتي يؤبر أو يجذ، فإما أجازوا وإلا قطعوا بثلث التركة كلها للموصي له. وإن أوصي له بثلث غلة حائطة أبدا، أو سنة؛ فإن حمل الثلث أنفذ ذلك، وإن لم يحمله خير الورثة في إمضاء ذلك أو القطع له بثلث التركة. فأما إن أوصي له بغلة ثلث حائطه فبخلاف الأول؛ هذا جائز لازم للورثة، كما لو أوصي له بغلة ثلث حائطه. وأما قوله: ثلث غلة حائطي، فهذا إيقاف لجميع الحائط. والأول يصلح فيه القسم في وصيته بغلة ثلث الحائط، ولا يصلح في هذا. وللورثة بيع ثلثيهم في الأول بلغة ثلثه، وليس لهم ذلك في هذا ـ يريد: وإن خرج من الثلث. قال سحنون، في المجموعة: إذا أوصي بغلة ثلث حمامه للمساكين، ثم أراد الورثة قسمته فليس ذلك لهم إن كان الحمام يخرج من الثلث، ويبقي موقوفا كله مثل ما لا ينقسم من العبيد والحيوان، / لأن الميت أولي من الورثة بثلثه من الورثة، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة فإما أوقفوه كله وإلا قطعوا بثلث مال الميت للمساكين.
قال عبد الله: وإنما قال هذا سحنون في الحمام؛ لأنه لا ينقسم، فلابد أن يبقي جميعه موقوفا. ولو كان دارا يحملها القسم، لا فترق قوله بثلث غلة داري من قوله: غلة ثلث داري، كما أشهب في الحائط. ومن كتاب ابن المواز؛ وهو لأشهب: وإذا أوصي بتمره التي فيه لرجل، وبغلته فيما يستقبل لآخر حياته. فإن خرج من الثلث فذلك جائز لهما؛ أبرت التمرة أو لم تؤبر، أو طابت. فإن لم يخرج من الثلث، أو لم يترك غيره نظرت؛ فإن طابت التمرة أو أبرت قومت، وقومت الغلة حياة الآخر، فإن كانت قيمتها سواء فلصاحب هذه التمرة الثلث في تلك التمرة بعينها، وللآخر نصف الثلث؛ يكون به شريكا للورثة في جميع التركة. وإن لم تؤبر التمرة كان ثلث التركة بينهما بتلا بقدر قيمة وصاياهما إن لم يجز الورثة. ومن أوصي لرجل ببستان له، فأغل قبل موت الموصي، فلا شئ له من الغلة. كذلك للموصي برقبتها تلد قبل موت الموصي. وإن مات والتمرة مأبورة، فلا شئ له فيها إلا أن يموت قبل إبارها فيكون للموصي له كالبيع. وأما الموصي له بغلة حائطه فهذا له التمرة ما لم تجذ؛ مات الموصي وهي مأبورة أو غير مأبورة. وإذا أوصي للمساكين بعدة أوسق من بستانه فقد تقدم في باب آخر. ومن المجموعة، قال علي، عن مالك: ومن أوصي / بأوسق من غلة حائطه كل سنة لرجل ـ يريد: فأنفذ ذلك ـ فليس للوارث ولا لغرمائه؛ إن لحق الوارث دين ـ بيع الحائط. والموصي له مبدأ. وفي الثالث باب الوصية، بما في بطن أمته.
فيمن أوصى أن لفلان كل سنة كذا من غلة داره أو حائطه أو قال من غلة كل سنة
فيمن أوصي أن لفلان كل سنة كذا من غلة داره أو حائطة أو قال: من غلة كل سنة من كتاب ابن المواز، وهو لمالك من سماع أشهب في العتبية (¬1): ومن أوصي، فقال: لفلان من غلة داري دينار كل سنة، أو ثلاثة أضؤغ أو أكثر، فلم يحمل الثلث داره أو حائطه؛ فليخير الورثة، بين إنفاذ ذلك، أو قطع له بثلث التركة. وإن حملها فأوقفت لذلك، فبارت سنة ثم أغلت، فليؤخذ مما أغلت السنة، ويجبر به لما تقدم. ويحبس أيضا لما يخشي من بوارها، أو نقص غلتها عن الوصية، فيوقف بيد عدل، إلا أن تكون كثيرة جدا فلا يحبس منها إلا بقدر ما أوصي به من قلته وكثرته، وما يخاف في ذلك، ومن الحوائط ما لا يؤمن عليه، ومنها المأمون كأرض خيبر؛ فلا يوقف في مثل هذا شئ. ولو أوصي له بأصوع سماها، وبدنانير كل سنة من غلة حائطه، أو من كراء داره أو أرضه عشر سنين، فلم تغل في هذه السنين، أو أغلت ما قصر عما سمي، ثم أغلت بعد عشر السنين، فلا يستوفي مما أغلت بعد المدة عما نقص من الماضي. وكذلك من سماع أشهب، قال في كتاب ابن المواز: ولو لم يؤقت سنين ومات الموصي له فلا يجبر مما أغلت بعد موته عما مضي من بوار أو نقص. وإذا لم يحملها الثلث في هذا، / خير الورثة كما ذكرنا؛ فإن أجازوا، فالجواب مثل ما ذكرنا، إذا حملهما الثلث. وإن أبوا قطعوا له بثلث التركة. ولو قال: أعطوه من غلة كل سنة دينارا، لم يزد من سنة عن سنة، ولم يوقف شئ لخوف بوار. ومن العتبية (¬2) من سماع أشهب: وإذا أوصي لرجلين؛ لكل واحد بعشرة دنانير من غلة حائطة ـ يريد كل سنة ـ فلما كان عام أول، لم تبلغ غلتها وصيتهما ثم أغلت العام كثيرا؛ قال: يؤخذ منه للعام ولما نقص من العام الأول. ¬
فيمن أوصى لرجل بغلة نخلة أو عبده ولآخر بأوسق من التمرة أو بدرهم من غلة العبد
فيمن أوصي لرجل بغلة نخله أو عبده ولآخر بأوسق من التمرة، أو بدرهم من غلة العبد وكيف إن أوصي مع ذلك بالثلث؟ من كتاب ابن المواز، وهو في المجموعة لأشهب: ومن أوصي لرجل بثلثه، ولآخر بدرهم كل شهر من غلة عبد له لم يدع غيره تحاصا؛ فيضرب صاحب الثلث بثلث قيمة العبد، ويضرب الآخر بتعميره، فما بلغ؛ حسب لكل شهر درهم فما أصابه، وقف له بيد عدل ينفق منه عليه. فإن مات قبل نفاذه، عاد الباقي إلي صاحب الثلث. وإن فني وهو حي رجع علي صاحب الثلث بما يري أنه يفي له من عمره لو حوصص له بذلك أولا. قال عبد الله: قد اختلف في ائتناف الحصاص بعد التعمير إذا ظهر خلاف ما مضي. وقد ذكرناه بعد هذا. وإن أوصي أن يعطي فلان درهما من غلة داره كل شهر، فإن خرجت الدار من الثلث / أنفذ ذلك، وإلا خير الورثة بين إنفاذ ما قال، أو القطع بثلث التركة للموصي له بتلا. وإن أوصي لرجل بخدمة عبده، ولآخر بدرهم من غلة ذلك العبد كل شهر، والعبد هو الثلث؛ فليبدأ صاحب الدرهم بدرهمه علي صاحب الخدمة ـ كمن أوصي بثلثه، ولآخر بماثة من ثلثه، فليبدأ صاحب المائة ـ فإن شاء المخدم أدي كل شهر درهما وأخذ الخدمة. وإلا استؤجر العبد فبدئ بالدرهم من إجازته. وكم أوصي لرجل بتمرة حائطه، ولرجل بعشرة أصؤع من كل سنة. فالأصؤع مبداة كل سنة، وما فضل فللآخر. ولو أصاب أقل من عشرة أصؤع، أخر تمام العشرة من العام المقبل. قال ابن المواز: إنما يؤدي من السنة المقبلة عما عجز في العام الأول إذا أوصي أن يعطي كل سنة، أو في كل سنة عشرة أصؤع من تمرة حائطه. وأما قوله: من تمرة كل سنة فلا يؤدي من عام عما قبله.
فيمن أوصى بتمرة حائطه لنفر أو حبسه عليهم، وكيف إن سمى لعضهم كيلا منه كل عام؟
فيمن أوصي بتمرة حائطه لنفر أو حبسه عليهم وكيف إن سمي لبعضهم كيلاً منه كل عام؟ وكيف إن مات بعضهم أو مات المعطي أو المعطي وقد أبرت التمرة أو طابت؟ من كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن حبس علي ولده، أو علي غيرهم من الأجنبيين حائطا، وسمي لبعضهم ما يعطي من التمرة كل عام كيلا، وأسهم الآخرين، فليبدأ بمن سمي لمن له. فإن فضل شئ فهو للآخرين، إلا أن يعمل فيه عامل فيكون مبدأ بأجره علي أهل التسمية. قال ابن القاسم: / مثل الأجراء والدواب والسقي وشبهه. قال ابن القاسم: وكذلك في غلة الدار يحبسها إن سمي لواحد منهم دينارا من ذلك فهو مبدأ به وإن لم يقل غيره. قال مالك: ومن أوصي في نخل له الخمس أمهات أولاد له؛ فقال: لفلانة من ثمرها عشرة أصؤع كل سنة، ولفلانه خمسة، ولفلانة ثمانية. حتي أتمهن، فكن يأخذن ذلك كذلك، حتي مات أربعة منهن؛ فإن نصيب من مات منهن، لورثة الموصي؛ يحاصون به الباقين، حتي يأخذ كما كانت تأخذ في حياتهن. فإن اخرجت النخل أكثر مما سمي لهن، فقالت الباقية: احبسوا علي ما بقي لأني أخاف ألا تتمر في المستقبل فذلك لها. وكذلك لوكن أحياء فذلك لهن، وليحبس لها منه قدر ما يري. ولو قال للورثة: نحن نضمن مكيله. مالك: فليس عليها أن ترضي بذلك. قال ابن المواز: ولو لم يسم ما لكل واحدة لكان نصيب من مات منهن لمن بقي منهن، وكذلك إذا مات قبل طيب التمرة، فأما بعد أن يحل بيعها، فذلك لورثة من مات منهن بالميراث؛ سمي لكل واحد أو لم يسم. هذا قول مالك وابن القاسم. وإذا مات أحدهم بعد الإبار، فاختلف فيه؛ فقال أشهب: ذلك لورثة من مات
فيمن أوصى بنفقة أو سكنى أو خدمة أو غلة حياة الموصى لهم وكيف إن مات بعضهم؟
من المحبس عليهم. وقال مالك، وابن القاسم: لا شئ لورثة من مات إلا بعد الطيب. قال اشهب فيمن حبس تمر حائطه علي رجل حياته ثم مات وفي النخل تمر مأبور فإنه لورثته. وكذلك لو كانت حبسا عليه حياة صاحبها فمات صاحبها وفيها تمرة مأبورة فهي لمن حبست عليه. قال ابن المواز: / ومن أوصي بتحبيس حائطه، ومات وفيه تمر مأبور فلا شئ للمحبس عليه. وقال: هي بخلاف ما لو أوصي بإبتال أصل الحائط، أو هبته وبيعه. واحتج بالعبد لا يتبعه ماله في هبة رقبته أو إخدامه. قال محمد ليس تحبيس الحائط كتحبيس العبد وخدمته؛ لأن المحبس عليه العبد لم يجعل له سبيل عل ماله، والعبد ينتفع به. والمحبس عليه الحائط له التمرة في المستقبل، وأما ما فيها الآن فليس بتحبيس، فهي كما لو طابت، وكما لو تصدق بالأصول، أو أوصي بها، فإن ما فيها من تمرة مأبورة لا يكون للموصي له، ولمتصدق عليه. وليس ذلك لأنه لم يملك الأصل، وإنما يملك التمرة بطيبها. وفي باب: من أوصي بولد أمته مسائل من التمرة تؤبر أو تطيب، في الوصية بها أو بالأصول؛ وفي ذلك باب مفرد بعد هذا. فيمن أوصي بنفقة أو سكني أو خدمة أوغلة حياة الموصي لهم. وكيف إن مات بعضهم؟ وكيف بالتعمير في ذلك إن زاد أو نقص؟ من العتبية (¬1)، قال سحنون: قال ابن القاسم، في الموصي له من غلة عبد بدنانير كل شهر، أو من غلة حائطه ـ يريد: حيلته ـ: فإن ضمن له الورثة ذلك، وإلا أوقفوا العبد والحائط ـ يريد: والثلث يحمله، أو قد أجازوا ـ قال: ¬
وإن حالت الوصايا، ووقعت المحاصة له بقدر تعميره، / ويكون في العبد علي أقل العمرين. قال عنه أصبغ، وهو في كتاب ابن المواز: وإن أوصي بوصايا، وأوصي لرجل بنفقته حياته من بقية الثلث، ثم مات، فلم ينظر في ذلك، حتي مات الموصي له؛ فليحسب ورثته من بقية الثلث ـ إن بقي شئ ـ مقدار نفقة مثله، فيما عاش بعده. والحساب من يوم مات الموصي، ليس من يوم يجمع المال. وكذلك العبد الذي عليه خدمة وإن لم يخدم من يؤمئذ، كما لو أبق، أو مرض. قال في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: أولم يقل: ينفق عليه مما في ثلثي، ولكن قال ينفق عليه حياته ولم يقل ما بقي. قال في الكتابين: فإذا حوصص له وهو حي بتعميره فأنا به دفع إليه وأوقف له، فإن مات قبل ذلك رجع ما بقي إلي أهل الوصايا يتحاصون فيه، ثم إن بقي منه شئ بعد اتمام وصاياهم فلورثة الموصي، وإن فني ما أصابه وبقي حيا لم يرجع علي أهل الوصايا بشئ ولم يؤتنف له تعمير، وهو كحكم نفذ. وهذا أحب إلي، والقياس أن يؤتنف التعمير فيرجع علي أهل الوصايا كل واحد بما ينوبه، ولا يتبع الملئ بما علي المعدم؛ ولكن لا أراه. وقال أصبغ كله، وإلا قوله: إن مات قبل ينفق ذلك، رجع ما بقي إلي أهل الوصايا؛ عل كل واحد ما ينويه، ولا يتبع الملي بما علي المعدم؛ ولكن لا أراه. وقاله أصبغ. وإن فني وهو حي لم يرجع عليهم. فهذا لا يعتدل وما أصابه فهو مال من ماله، ولا يرجع فيه لأحد. ولا أشك أن ابن القاسم رجع إلي هذا. والقول الآخر في ائتناف التعمير، في فناء / ما أصابه، أو بقائه أو موته، وقد بقي بيده شئ هو قول أشهب. وبقول ابن القاسم أقول. قال عبد الله: قول ابن القاسم مستقيم، وإنما معناه عندي في قوله: ينفق عليه من باقي الثلث. فهذا لا حصاص فيه إن كات وقد بقي منه شئ؛ فهو
لأهل الوصايا، إن فني وهو حي؛ لم يرجع علي أحد بشئ؛ لأنه شئ أوصي له به بقي. وأما المختلف فيه في ائتناف التعمير بموته، أو بفناء ما وقع له، الذي يوصي بوصايا، ويوصي أن ينفق عليه حياته، ولم يقل: فما بقي من ثلثي ينفق عليه منه. فهذا الذي يحاص، وما حصل له كحكم نفذ في قول ابن القاسم. قال ابن حبيب، عن أصبغ، عن ابن القاسم، في الموصي لهم بالنفقة والخدمة أعمارهم فيعمرون، ويحاص لهم أهل الوصايا فتزيد أعمارهم؛ قال: كان يقول: يرجعون إلي محاصة أهل الوصايا ما فيه. ثم رجع، فقال: لا شئ لهم وهو كحكم نفذ وقاله أصبغ. قال ابن عبدوس: قال عبد الملك: ما وقع له في الحصاص بالعتمير فليأخذه يصنع به ما شاء. ولو زاد عمره لم يرجع بشئ. وقاله سحنون؛ لأن الوصايا لما حالت فإنما يأخذ ما وقع له. وكذلك بالسكني، وإن جاوز قيمة السكني. وقاله ابن نافع. وقال بعض أصحابنا: إذا حالت الوصايا، وخلع الثلث، وفيها أعيان لقوم؛ فإنهم لا يأخذون في الأعيان. واختلف فيه قول مالك. قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم: ذكره عنه عيسي في العتبية أن مانابه بالحصاص، في / النفقة بالتعمير، يأخذه بتلا، ثم لمن مات بعد ذلك بيوم لم يرجع عليه الورثة بشئ لأنهم خيروا فاختاروا خلع الثلث. وكذلك سائر أهل الوصايا كحكم نفذ. ولو زاد عمره علي التقدير لم يرجع علي احد بشئ، ولو أنفذ الورثة الوصية علي وجهها لرجعوا بما بقي [فيمن به قيل قياما أحد] (¬1). وكذلك لو حمل الثلث النفقة وبقي من الثلث بقية بقدر ما أوقف، له في هذا نفقة تعميره فهذا إن مات قبلها رد ما بقي، وإن قبلت وهو حي رجع في بقية الثلث بقية عمره، وكذلك في الوصية بالسكني في التعمير إذا خلع الثلث، فلا رجوع له ولا عليه؛ زاد عمره أو نقص. ¬
قال ابن عبدوس وابن المواز عن أشهب والذي في كتاب ابن المواز مختصرا، وإنما كتبت ماق كتاب ابن عبدوس؛ قال اشهب: إذا عمر، فكان في الثلث مبلغ وصاياهم ووصايا عمرهم وفضلت فضلة أخذها الورثة. فإن مات جميع أهل النفقة قبل فراغها، رد الباقي إلي الورثة. وإن فنيت وهم أحياء، رجعوا بدءا في بقية الثلث حتي يفرغوا به. ولو أعدم الورثة لم يرجعوا علي أهل الوصايا إلا بعد فراغ باقي الثلث. ولو وجدوا بعض الورثة مليئا أخذوا منه مما بيده فضلة الثلث، ويرجع علي أهل لاوصايا فحاصوهم ـ يريد يأتنفون حصاصاً بتعمير مؤتنف ـ ويحسب عليهم ما أخذوا أول، وما رجعوا فيه من بقية / الثلث. إنما يحسن الاختلاف، فيما يخلع فيع الثلث، في أن ينقص، أولا ينقص عند ظهور زيادة العمر أو نقصه. فأما والثلث واسع، وقد قدر لهم بعمر، فعدل لهم قدره، وبقيت منه بقية، ثم عاش أكثر مما قدر له، فينبغي أن لا يختلف أن له الرجوع. قال أشهب: فإن وجدوا أهل الوصايا عدما، إلا واحداً منهم، فلا يأخذوا منهم إلا ما يصيبه لمحاصتهم، بخلاف الورثة؛ أولئك لا ميراث لأحد منهم حتي يؤدوا الوصايا كغريم ظهر علي ورثة فهم مع أهل الوصايا كغريم ظهر علي غرماء. قال: وإذا كانوا قد حاصوا موصي له برقبة عبد وموصي له بخدمة عبد سنة، ففيما يبدأ أهل النفقة؛ فلينظر الآن إلي قدر ما بقي من أعمارهم، فينظر ما كان ينبغي أن يحاص لهم به، فينزع من الآخرين ما كان لبعضهم ذلك. فأما صاحب العبد فيؤخذ من العبد حصة ذلك فيباع ويوقف لهم. وأما المخدم سنة فينظر فيه بما مان يعمل فيه لو كان الثلث أول صنف (¬1)، وإنما كان يخير الورثة بين إجازة ذلم أو خلع الثلث للحصاص، فما وقع لهذا المخدم أخذه في جميع التركة لأن وصيته حالت، وصاحب العبد يأخذ غي عين العبد؛ فينظر الآن في هذا المخدم؛ فإن كان قد خدم السنة نظر إلي قيمتها، فاحبس منها ما كا يقع له في حصاصه، فيرد ¬
ما يوقف لهؤلاء، مع ما أخذ من صاحب العبد فإن استوفوا بذلك في بقية أعمارهم وإلا أخذ العبد الراجع إلي الورثة ـ يريد: لأنه بقية الثلث، فيوضع لهم ـ / فإن استغرقوه أيضاً، ائتنفوا حصاصا مع أهل الوصايا، ورجعوا عليهم، ولا يرجعون علي الورثة إذا لم بأيديهم من الثلث شئ. وإن انقضروا، أو بقي من ذلك شئ، رد إلي أهل الوصايا بقدر ما انتقصوا. قال سحنون: إنما ينبغي أن يجمع الثلث كله، ما استخدم المخدم، والعبد الموصي به، والعبد الذي رجع إلي الورثة، بعد الخدمة، وما صار إلي هؤلاء بالنفقة، ثم يتحاصون في ذلك كله؛ هؤلاء بالنفقة الأولي، وهؤلاء بقدر ما يري أنه بقي من أعمارهم، وصاحب الرقبة وصاحب الخدمة بالخدمة. قال في المجموعة: قال ابن نافع: ومن أوصي لرجل بعشرين دينارا، ولآخر بعشرة، ولآخر بدينار كل شهر حياته، فعمر ذو الحياة، فكان عمر ثلاثين شهرا، فلذلك ثلاثون دينارا. فإن كان الثلث أربعين دينارا، أخذ كل واحد ثلثي وصيته، فينفق علي صاحب النفقة ثلثا دينار كل شهر مما اجتمع له بالحصاص، ولا يتم له منه دينار لنقص الوصية. فإن مات وقد بقي من ثلثه شئ رد إلي أهل الوصايا فتحاصوا فيه بقدر ما بقي لهم. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، وهو في العتبية (¬1)، ومن سماع ابن القاسم، فيمن أوصي أن ينفق علي فلان عشر سنين فعزل ذلك له، ثم مات بعد سنة؛ إن الباقي راجع إلي ورثة الموصي، كما لو أوصي له بالنفقة عليه حياته فعزل لذلك مال ثم مات قبل نفاذه. قال: ومن أوصي لرجل بأربعين دينارا ينفق عليه منها كل سنة، ثم مات الموصي له؛ قال: فلورثته الموصي له نفقة السنة التي / عاشوا بعده، ويرد ما بقي إلي ورثة الموصي. ¬
ذكر تقدير التعمير في الموصى له بالنفقة عمره، أو بخدمة أو غيرها، وفي المفقود وشبهه
ومن هذه الكتب، وهو في العتبية (¬1)، من رواية أشهب، وابن نافع، عن مالك، فيمن أوصي لخمسة نفر بنفقتهم حياتهم؛ قال: يعمرون سبعين سبعين، ويجمع ما صار لهم بيد عدل فينفق عليهم منه، فكلما مات منهم أحد رجع علي من بقي من الخمسة. فإن ماتوا كلهم، رجع ما بقي إلي أهل الوصايا إن بقي لهم شئ، فإن استوعبوا، رجع ما بقي إلي الورثة. وإن فرغ المال، وهم أحياء، فلا رجوع لهم بشئ علي أهل الوصايا. قال ابن كنانة والمغيرة: وإن فاء بهم نصف وصاياهم لم يعطوا مما أوقف لهم كل شهر، إلا نفقتهم كاملة، لا نصف نفقة كل شهر، ثم ذكر باقي الجواب كالأول. قال غيرهما، عن مالك: وكذلك في الموصي له بدينار كل شهر فيجمع له فلا يعطي منه كل شهر، إلا دينارا؛ لأن الميت قصد التوسعة عليه. فإن مات وقد بقي منه شئ رجع إليهم، وإن عمر أكثر من ذلك فقد استوفي وصيته. وابن نافع يري أن يعطي من نفقة كل شهر نصف دينار. وكذلك في كتاب ابن المواز. قال في المجموعة: وكذلك روي عنه علي؛ إذا كات وقد بقيت بقية رجعت إلي أهل الوصايا يتحاصون فيها بما بقي لهم. وفي باب: التعمير من معني هذا الباب، وفي باب بعده؛ الوصية بالنفقة، والغلة، وفي موت بعض الموصي لهم بذلك. ذكر تقدير التعمير في الموصي له بالنفقة عمره أو بخدمة أو غيرها وفي المفقود وشبهه / من المجموعة، وكتاب ابن المواز، والعتبية (¬2)، من رواية أشهب، عن مالك؛ ذكر الوصية لنفر أن ينفق عليه أعمارهم؛ قال: يعمرون سبعين سبعين. قال ¬
غيره، عن مالك: يعمر ثمانين، فإن كان ابن ثمانين عمر تسعين، وإن كان ابن تسعين عمر مائة. ويعمر في كل سنة بقدر ما يري من الاجتهاد. قال ابن المواز: والتعمير في المفقود وغيره من السبعين إلي المائة. وقال عبد الله بن عبد الحكم: المائة. قال ابن المواز: المائة كثير. ومن المجموعة/ قال ابن كنانة عن مالك، في أمهات أولاد أوصي أن ينفق عليهن حياتهن، فعمرهن مالك ثمانين، وقد بعث بهن الإمام إليه، وحمل بعضهن علي بعض. ولو كانت واحدة، لعمرها أكثر من ذلك. والصواب في مثل هؤلاء أن يعمرن أكثر ما يظن أنهن يعشن؛ لأنهن إن متن دون ذلك رجع الباقي إلي الورثة. وإن قصر لهن في التعمير فجاوزنه هلكن. والذي يعمر يحسب في تعميره ما مضي من عمره. قال ابن كنانة: إذا كان المال ليس بالواسع أوقف لهن الثلث، فإن كان كثيرا جدا أوقف لهن مالا يشك انه كفايتهن إلي أقصي أعمارهن؛ لأنه إن بقي شئ رجع إلي الورثة. قال ابن القاسم: أحب إلي في التعمير في مثل هذا سبعون (¬1). قال علي، عن مالك: يعمر أعمار أهل زمانه، ويوقف له ما يكفيه في ذلك التعمير، فإن هلك قبل ذلك رجع ما بقي إلي الورثة، وإن سمي له شيئا معلوما كل عام أعطيه. فإن كات رجع باقية إلي الورثة، وإن فرغ ذلك وهو حي فلا شئ له. / ¬
بقية القول في الوصايا بالنفقات والتعمير وتقدير النفقات وذكر بعض الموصى لهم
بقية القول في الوصايا بالنفقات والتعمير وتقدير النفقات وذكر بعض الموصي لهم وفيمن أوصي أن ينفق علي أم ولده ما لم تنكح، وكيف إن؟ (¬1) من كتاب ابن المواز، وهو في المجموعة، من رواية ابن نافع عن مالك، وقال في الموصي لهم بالنفقة ما عاشوا، قال: يفرض لهم الطعام والإدام والماء والحطب والدهن والثياب، ولا أدري ما ثياب الصون ـ يريد: التي تصان لمثل جمعة وغيرها ـ قال عنه ابن عبدوس: روي عنه مثله علي بن زياد. وقال عبد الملك: لا يفرض للموصي بالنفقة الخدمة، ولا يكون ذلك إلا بوصية. وقال أشهب: إذا أوصي أن ينفق عليهم حياتهم، فيعزل لهم ثلث الميت، لا شك، فينفق علي كل إنسان منهم بقدر حاله، وشدة مؤنته، وكثرة عياله. فإن مات أحدهم كان ما أوقف بحاله ينفق علي بقيتهم، ولا يرجع إلي ورثه الموصي حتي لا يبقي منهم احد إلا أن يعلم أن من بقي لا يستوعبون ذلك، فيحبس لهم ما يري أنهم ينفقونه، ويرد إلي الورثة ما بقي، فإن ماتوا وبقي شئ رد إلي الورثة. وإن عاشوا حتي نفذ الثلث فلا شئ لهم إلا أن يكون رد منهم إلي الورثة شئ فيرجع فيه. قال ابن المواز لمالك، فيمن أوصي لفلان بنفقته وكسوته سنين، فدفع إليه نفقتة سنة، فمات قبل تمامها بأشهر، فما كان من خلق ثوب وشبهه فلا يرجع فيه، وما كان من طعام، فإنه يرجع بما بقي منه. ¬
وكذلك في المجموعة، وقال: ومعناه بباقي النفقة قيل: ودفع باقي / كسوته من النفقة؟ قال: لا يرجع به. وكذلك رواه ابن وهب، عن مالك. ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬1)، روي أشهب، عن مالك: ممن أوصي لخمس أمهات أولاد له (¬2)؛ أن يعطين من على أعذق (¬3) من حائطه، في كل سنة ما عين؛ لفلانة خمسة أصؤع (¬4)، ولفلانة عشرة، ولفلانة كذا، حتي أتمهن فأخذن كذلك، ثم مات منهن أربع. قال: يرجع نصيبهن إلي الورثة، دون الباقية؛ لأنه سمي لكل واحدة، ما تأخذ، فلا تزاد. ولو قال: لكل واحدة خمسة أصؤع فبقيت واحدة، ولم يقل: الأعدق إلا خمسة أوسق فليس لها منه إلا حصاصها. ولو أصابت النخل ستين صاعا في حياتهن، فأخذن ما سمي لهن، فلهن إيقاف ما بقي إذا كانت النخل لا تغل ما سمي لهن في المستقبل، فيتم لهن من ذلك، فإن لم يبق منهن إلا واحدة لم يوقف لها ذلك كله، وليوقف لها منه ما يري. وليس لهم أخذ ذلك الفاضل وإن ضمنوا لها إلا برضاها. قال ابن المواز: ولو لم يسم لكل واحدة من الكيل، لكان نصيب من مات لمن بقي منهن. وذلك إذا مات قبل طيب الثمرة، فأما بعد طيبها وحلول بيعها فذلك لورثة من مات منهن بالوجهين؛ إذا سمي لكل واحدة، أو لم يسم. وقاله مالك وابن القاسم. وإن مات بعضهن بعد الإبار (¬5)؛ فاختلف فيه أصحاب مالك؛ فقال أشهب: لورثة من مات ممن حبس عليه. وقال مالك، وابن القاسم: ¬
لا شئ لمن مات إلا بعد طيبه وحلول بيعه. وقال اشهب: سواء حبس حياة المحبس أو حياة المحبس عليه. ومن / المجموعة، قال ابن كنانة، فيمن أوصي لرجل وابنيه بنفقتهم نفقة سماها حياتهم، فطلب الورثة أن يأخذوا الثلث علي أن يضمنوا لهم والنفقة علي أنه إت نقص فعليهم، وإن زاد أو نقص. ولا بأس أن يحمل لهم الورثة بأقل من الثلث، ويتركوا لهم الزيادة، ويكون عليهم إن نقص حقهم من الثلث، أو يزيدوهم؛ لأنهم تركوا لهم الزيادة، ويكون عليهم إن نقص حقهم من الثلث، أو يزيدوهم؛ لأنهم تركوا نقص حقهم وأخذوا بعضه. ولا يحتاج في هذا تعمير لأنه ليس معه وصايا، ولكن يقطع لهم بالثلث. ولو أوصي أن ينفق علي رجل حياته، وأوصي بوصايا، فإن وسعها الثلث لم يحتاجوا إلي تعمير إلا أن يشح الورثة فيريدوا أخذ فضل الثلث فيحتاج إلي التعمير ـ عبد الله: يريد: والثلث كثير ـ يعلم أنه بقي بعمره، ويوقف. ولو ضاق كانت المحاصة والتعمير. ومنه من رواية ابن نافع عن مالك، وهي في سماع أشهب في العتبية (¬1)، ورواها عيسي عن ابن القاسم، في العتبية، فيمن أوصي؛ أن ينفق علي أمهات أولاده، ثلاث سنين، وأوصي بخادم يخدمهن حياتهن، قال فنفقة الخادم وأمهات الأولاد في الثلاث سنين من مال الميت. فإذا انقضت السنون فنفقتها عليهن. قال: ولو قال: أنفقوا عليهن كلهن في كل سنة عشرة، لم يكن للخادم من مال الميت نفقة في ثلاث السنين؛ لنه سمي ما ينفق علي أمهات الأولاد. ونفقة الخادم عليهن ـ يريد: في ثلاث السنين / وغيرها. ولو قال: أنفقوا علي أم ولدي ما اقامت مقيمة علي ابنها ما لم تنكح ما عاشت؛ فمات الابن، فقالت: لا أنكح. قال: لا نفقة لها. ¬
وفي باب آخر من رواية ابن وهب؛ أنه روي أيضا عن مالك أن لها النفقة منها ما عاشت. واختلف قول ابن القاسم فيه؛ فقال بالقولين جميعا. قال ابن أشهب عن مالك: إذا أوصي لأم ولده بالنفقة عليها ما لم تتزوج، فصالحهما الورثة بشئ أعطوها ثم تزوجت، فلا رجوع لهم عليها؛ وإنما يرجعون عليها لو لم يصالحوها. وكذلك روي عيسي عن ابن القاسم؛ لا رجوع لهم والصلح جائز، ولو ماتت بعد يوم أو يمين من الصلح لم يتبع بشئ. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن أوصي أن ينفق علي أم ولده عشرة دنانير كل عام من غلة حائطة فأخذت عاما ثم باع الموصي التمرة في العام لثاني إلي أجل، فإن كان قريباً تربصت، وإن كان بعيداً بيع لها منه حتي تستوفي. قال: ومن أوصي بنفقة أم ولده عشر سنين علي أن تحضن ابناً له؛ فإن كان الولد من غيرها لم يجز، وإن كان منها جاز. قال محمد: هذا من مالك استحسان. وهما عندي سواء، وهي وصية للولد. وكذلك الأحنبية، أو أن يشتري لابنه غلام تخدمه عنه سنين ثم تزوجت، فلينزع منها. ومن أوصي أن ينفق علي امرأته، وله منها ولد، فإن كانت محتاجة وهي تكلفة (¬1) وتخدمه، أنفق عليها من مال الصبي. وإن كانت مليئة، فإن كان إن عزل عنها ضاع في حضانتها وخدمته، وتكلف/ له من يلي ذلك منه، أقر عندها؛ وهي أرفق به وأنفق عليها من ماله. قال عنه ابن عبد الحكم: إن كانت لو تركته لم يحتج إلي أن يؤاجر له من يحضنه ويكفله (¬2) فأنفق عليها ثم علم ذلك فما مضي فلها ولا شئ لها فيما بقي. ¬
فيمن أوصى له بنفقة سنين وعليه دين أو يفلس
فيمن أوصي له بنفقة سنين وعليه دين أو يفلس من العتبية (¬1)، روي عيسي، عن ابن القاسم، فيمن أوصي له بمائة دينار ينفق عليه منها كل سنة كذا وعليه دين، فقال أهل الدين: عمره لنا؛ فأعطنا الفضل فليس ذلك لهم؛ لأن الفضلة ترجع إلي ورثة الموصي. ولو أوصي له بنفقة دينار كل شهر فقالوا: أعطنا ما يفضل من الدينار، عن نفقته، فذلك لهم؛ لأن هذا صار مالاً لهم. وقال عبد الملك، في المجموعة، في الموصي له بالنفقة والخدمة يفلس، فإن سمي له فضلاً بيناً مثل خمسة دنانير في الشهر، فهذه وصية بالنفقة وبعض النفقة. وإن سمي مثل ما بين ضيق النفقة وستعها، فلا شئ فيه للغرماء، وكذلك في فضل المسكن. قال غيره: إذا قالت الغرماء: نخرحك من هذا البيت ونكريه، ونؤاجر العبد في الخدمة، فليس ذلك لهم؛ لأن الموصي إنما أراد يسره. وإن كانت خدمة وسكني لها غلة، وفيها فضل، فالفضل لغرمائه. فيمن أوصي أن يسلف فلانا مائة سنة تم هي لفلان ومن أوصي أن يوضع عن حميل له حمالته، وضاق الثلث/ من كتاب ابن المواز: ومن أوصي أن تدفع مائة دينار إلي فلان يتجر بها سنة، أو: ادفعوا إليه مائة بعد سنة فهو كما قلنا في الخدمة، إن حملها الثلث بعد ذلك. وإن لم يحملها، أو لم يوصي بغيرها؛ خير الورثة؛ فإما أجازوا، أو قطعوا له ¬
بثلث التركة بتلا. وكذلك إن قال: يتجر بها سنة ثم هي لفلان بعد سنتين، فالجواب سواء. فأما لو قال: ثم هي بعد السنة لفلان لم يكن تخييراً، وليس عليهم إلا ما حمل الثلث منها؛ يتجر به فلان سنة. قال مالك: ويكون لها ضامناً، ثم يكون لصاحب المرجع. وكذلك روي عيسي، عن ابن القاسم، في العتبية، في هذه المسألة الآخرة. ورواها عنه أصبغ في كتاب ابن حبيب. قال: ويضمن ما نقص من ذلك. قال، في كتاب ابن المواز: قال مالك: إن أوصي له بمائة يتجر بها سنة، وأوصي بوصايا وضاق الثلث؛ نظر إلي قدر ما يربح في المدة فحاصص بها. وكذلك لو أوصي لآخر بمال. وسواء قال: ادفعوا إليه سلفا سنة أو قال: يتجر بها سنة. فهو لها ضامن. قال محمد: وإنما يحاص الموصي له بمائة بعد سنة بقيمتها؛ بعرض أو طعام لا يؤخذ إلا بعد سنة. فقال: كما يباع من الطعام أو العروض، بمائة دينار علي مثله إلي سنة، فإذا عرف نظر ما قيمته نقداً فحاص به. وقاله ابن القاسم. ومن العتبية، قال ابن القاسم، فيمن أوصي لرجل بمائة بتلا، ولآخر بمائة سلفا؛ فلينظر إلي قيمتها معاينة يحاص بها، فكان له ما وقع له بتلا. ومثله في المجموعة من رواية/ ابن وهب وعلي، عن مالك، قال: ويحاص بما ترك من ربح المائة ومنفعتها. قال عنه علي: إلا أن يكون ذلك أكثر من نصف الثلث فلا يرد، ولا يكون مائة سلفاً أكثر من مائة بتلا. قال ابن القاسم، في العتبية (¬1): ولو أوصي أن يسلف عشرة دنانير لبعض ورثته سنة، وبباقي الثلث لفلان، فكان ثلاثة عشر، فإن لم يجز الورثة انتفعوا بها كلهم سنة، ثم كانت لصاحب باقي الثلث. ¬
وقال أشهب، عن مالك: وإذا أوصي له بخمسين يتجر بها سنة، وله عليه مثلها، فقال له الورثة: أعطناها، ونحن نردها إليك تتجر بها سنة، وإلا أخرناك بها سنة لوصيتك. قال: إن كان عديماً فليس لهم ذلك، وليدفعوا إليه خمسين سنة، ويتبعوا ذمته بدينهم. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصي أن يقضي عن فلان حمالته، وأوصي مع ذلك بوصايا. وضاق الثلث عن ذلك. قال محمد: ما سمعت فيها بشئ إلا ما تكلمنا فيها نحن وأصحابنا. وأحسن ما فيها أن يحاص للحميل بقيمة ما أوصي له مثل أن يتحمل له بمائة دينار، فيقال: كم تسوي تلك المائة علي مثل فلان إلي أجلها؟ وكم يسوي بلا حمالة؟ فما بين ذلك حاصص به أهل الوصايا حتي يصير له ما يصير بعد ذلك. فإن استوفيت المائة رجع ما وقع لها في الحصاص بها فيما انتقض أهل الوصايا. قال محمد: ولم يختلف في هذا. واختلفنا في إذا لم يوجد من المائة إلا يسير أو لم يوجد منها شئ؛ فقال أصحابنا: لا يرجع علي أهل الوصايا بشئ. وقلت أنا: بل يرجع عليهم؛ لأن المائة كانت تلزم الحميل، فقد سقطت، فلا / بد أن يحاص لها بها كلها باقية حتي يصير له ما صار، ويغرم الحميل ما بقي. وهذا بين.
صفحة بيضاء
[الجزء الرابع من الوصايا]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وآله وصحبه كتاب الوصايا الرابع في الوصية في العين والدين من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أوصي لرجل بمائة دينار لا يحملها (¬1) الثلث، فأحصر لافتراق ماله. فإن لم يجز الورثة، قطعوا له بثلث كل شئ ترك. ولو كان إنما أوصي له بعرض لكان له العرض أو ما حمل منه الثلث، ولا يخير الورثة. ولو لم يترك إلا مائة عيناً، ومائة ديناً، فأوصي لرجل بنصف العين، ولآخر بنصف الدين، أو بثلث هذه وبثلث هذه، أو بعدد من هذه، ومن الأخري بعدد (¬2) مثله؛ لا يختلف الجزء والعدد. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: وذكره ابن المواز؛ ولهذا بالمائة العين، وللآخر بالمائة الدين. فلكل واحد ما سمي له من مائتيه إن حملهما الثلث. وإلا فلهذا ثلث مائته، وللآخر ثلث الأخري. فأما إن خلف غير المائتين، ولا يخرج ما سمي من الثلث، فلابد أن يخير الورثة، فيجزوا، أو يسلموا الثلث من كل شئ، فيتحاص فيه صاحب العين بعدد وصيته، والآخر بقيمة وصيته. ¬
ومن المجموعة: وقاله ابن كنانة؛ يحاص في الدين بالتسمية لا بالقيمة؛ أوصي بذلك للغريم، أو أوصي به لغير الغريم، كان الغريم مليئاً أو معدماً. كمن اشتري شقصاً بثمن عال فإنما يأخذه الشفيع بجميع الثمن. وقال عبد الملك: علي قيمة الدين / يحاص؛ كان مالاً أو عرضاً أو طعاماً. قال ابن القاسم، وأشهب: ولو ذكر في المائتين لهذا من العدد في العين، خلاف ما سمي للآخر من الدين، ولم يحمل الثلث ذلك، كان الخيار للورثة. فإن لم يجيزوا، أسلموا ثلثه، فتحاصوا فيه. وحوصص في الدين بقيمته. قال سحنون: وسواء اتفقت وصيتهما أو اختلفت؛ إذا لم يجز الورثة، قطعوا لهما بالثلث فتحاصا فيه؛ في الدين والعين. وروي عيسي في العتبية (¬1) عن ابن القاسم، فيمن له علي رجل اثنا عشر ديناراً وهو عديم، فأوصي له بها، وأوصي لآخر باثني عشر عيناً، ولم يدع غيرها، ولم يجز الورثة، فليتحاصا في ثلث العين والدين. فإن كانت قيمة الاثني عشر ـ الدين ـ أربعة، حاص بأربعة، ولآخر اثنا عشر، فلهذا ربع الثلث، ولهذا ثلاثة أرباعه. فيزول عنه ديناران، ويبقي عليه عشرة. فدينار سقط مما عليه، ودينار فله من العين أخذه منه فيتحاص في الدينار الورثة، والموصي له بالعين، علي أحد عشر جزءاً؛ فلهذا ثلاثة، ولهم ثمانية. وكذلك كل ما يقتضي من الآخر. ومن لمجموعة والعتبية (¬2) من رواية عن ابن القاسم ولو كان له علي ملئ مائة، ومائة علي معدم، وترك مائة لا غير، وأوصي للغريمين؛ لكل واحد بما علي الآخر، ولم يجز الورثة، فليتحاصا في الثلث مما حضر، وفي الدين. قال ابن القاسم في المجموعة: ينظر إلي قيمة التي علي الملئ لو بيعت بالنقد. فإن قيل: ستون. والتي عي المعدم ثلاثون. قلت: الثلث للملئ، وثلثاه للمعدم؛ من عين ودين، فصار للمعسر مما علي الموسر، ثلثا ثلثه. وذلك اثنان ¬
وعشرون دينارا / وتسعا دينار. وللموسر مما علي المعسر، ثلث الثلث؛ أحد عشر وتسع، وليس له أن يقاصه بها؛ لأن عليه ديناً للورثة، فيؤخذ ما كان للمعسر فيضم إلي ما للمعسر بالحصاص، من المائة الناضة، ثم يتحاص في ذلك الورثة والموسر بقدر ما لكل واحد عن المعسر. وكذلك في كل ما يقبضون منه. ولو كانت المائة التي علي الملئ حالة، ضرب في الحصاص للمعسر بعدده نقداً، ويؤخذ من الملئ، فيضم إلي المائة الأخري، ويكون كمن ترك مائتين عيناً ومائة ديناً علي غريم، فأوصي بمائة الدين لرجل، ومائة من العين لآخر، ثم ذلك علي ما مضي من التفسير. ولو أوصي للمعدم بما عليه، ولآخر من العين، وترك مائتين عيناً مع مائة الدين فتقوم؛ فإن لم يجز الورثة، سلموا ثلث العين والدين، فيتحاص هذان، فيضرب الغريم بقيمة مائة نقدراً، وقع له مما عليه سقط عنه، وما صار له من العين أخذ منه وسقط من الدين مثله، ويحاص فيه الورثة، والموصي له الآخر؛ بقدر ما لكل واحد منها، ولا حصاص فيه للغريم. ومن العتبية (¬1) روي عيسي، عن ابن القاسم، فيمن أوصي لرجل بخمسين ديناراً له عليه، وترك مالاً، وجميع الثلث ثلاثون. فقال له الورثة: نقاصك بها فيما عليك. فذلك لهم، إلا أن يكون علي الغريم دين فيخير الورثة؛ فإن أجازوا وصيته لم يكن له غيره. وإن أبوا، أسلموا الثلث مما عليه ومما حضر، ويتحاص فيه الورثة وغرماء الغريم بما لهم عليه. ومن المجموعة، قال ابن القاسم: عمداً، أو خطأ، يعفو عن ديته، ويوصي بوصايا، ولا مال له؛ فليتحاص في ثلث الدية / العاقلة وأهل الوصايا. فإن كان الوصايا نصف الدية، فللعااقلة تسعا الدية، وللموصي لهم تسعها، وللورثة ثلثاها؛ يأخذون ذلك كله وأهل الوصايا في ثلاث سنين. ومن كتاب ابن المواز: وإذا كانت له مائة علي ملئ، ومائة علي معدم، وأوصي لكل واحد بما علي صاحبه. فإن ترك مالا يخرج المائتان من ثلثه فلكل ¬
واحد مائته بعينها. فأما إن كان له مال غيرهما، ولا يخرجان من الثلث، فهنا إن لم يجز الورثة سلموا الثلث يتحاصان فيه. وقول مالك، وابن القاسم وأشهب؛ أنه لا يقوم الدين الموصي به، وإنما يحسب عدده. وأنا أستحسن أنه إن كان الدين قوم يخرج من الثلث قومته بالنقد، قم كان لكل واحد مائته بعينها. وإن لم يخرج، ولم يجز الورثة، قطع الثلث والمحاصة في كل شئ من التركة. ومذهب المغيرة وابن وهب يقوم الدين الموصي به علي كل حال؛ فإن خرج، وإلا كانت المحاصة علي القيم، وساويا بين الوصية بالدين لهما ولغيرهما. وأنا أري أنه مفترق؛ فإن أوصي لغير من هو عليه فإنه يقوم إذا لم يكن معه وصية غيره. وإن أوصي له لمن هو عليه، فإن كان حالا، فلا يقوم، ويحسب عدده في الثلث، فإن كان إلي أجل، قوم، فإن خرج من الثلث، وإلا خلع الثلث من كل شئ. وإذا كان له مائة علي معدم، ومائة علي ملئ، فأوصي لهذا بما علي هذا، ولهذا بما علي هذا الآخر، وبجزء متفق، أو عدد متفق؛ لا يحمله الثلث (¬1). فإن لم يدع غيرهما؛ فلكل واحد ثلث المائة، التي أوصي له بها. وإن لم. يكن له شئ غيرهما، / ولم يخرجا، خلع الثلث، وتحاصا فيه علي القيم. وكذلك إن لم يساو (¬2) بينهما، فيما لهما فيه من ذلك، لتحاصا في خلع الثلث علي القيم. وكذلك إن أوصي بذلك لغيرهما في جميع ما وصفت لك. وقاله ابن القاسم. قال: وإن أوصي بجميع ناضه وله ديون إن قومت بالنقد خرج ما أوصي به من الثلث، وأبي الورثة أن يتخلوا من الناض فذلك لهم. وليس كالدين يوصي به، أو العرض؛ لأن ما نزع من ورثته من ثلثي العين عوضهم به ديناً فقد يعسر جمعه، وقد يجوز بيعه، وما لهم عدته. ¬
قال: ومن أخذ بقول مالك في الدين أنه إنما يحسب عدده فلا يقوم قائماً ذلك، ما لم يوص معه بغيره. وإن أوصي بغيره، وإن أوصي بغيره، فلابد من التقويم في ضيق الثلث للمحاصة. وقاله مالك، وابن القاسم، وإن كان دينه ألفاً وناضه خمسمائة، فأوصي لغريمه بما عليه، فإن كان قيمته أكثر من الثلث ولم يجز الورثة، خلع الثلث من كل شئ، وليس لهم أن يحسبوا وصيته في دينه حين حالت؛ لأنه معسر. ولهم ذلك عليه، في الموسر ـ يريد: إن كان حالاً ـ ولو لم يدع غير الدين، وأوصي لمن هو عليه، كان له ثلثه بلا تقويم. فإن كان له غيره، ولا يخرج من الثلث؛ فإن لم يوص بوصية غيره وهو حال، حسب عليه عدده. ولو أوصي لأجنبي وله مال سواه، فلابد أن يقوم؛ أوصي بغيره، أو لم يوص؛ حل، أو لم يحل. قال: وإنما الذي لا يقوم؛ أن يوصي به لمن عليه، وأوصي لغيره، أو لم يوص. وليس مثل أن يوصي لغيره، ويوصي معه لغيره. وقد قيل: / إذا أوصي معه لغيره فوقع الحصاص قطع للمديان بما قطع له فيما عليه، وكان الآخر شريكا في كل شئ. ولو أن عليه عشرين (¬1) حالة وترك الميت ثلاثين، وأوصي بالدين لمن هو عليه، ولم يوص لغيره، أسقط مما عليه ستة عشر وثلثان، وأوصي بالدين لمن هو عليه، ولم يوص لغيره، أسقط مما عليه ستة عشر وثلثان، واتبع بما بقي. وإن لم يحل فهو كالأجنبي، ويقوم في قول من يقول بالتقويم وإن حل إذا كان عديماً. وأما في الملئ، فلا تقويم إذ حل. وإن كان عديماً فهو كالمؤجل، ولابد أن يقوم. وإذا أوصي الميت لغيره بالثلث، وقيمة الدين خمسة عشر نقداً، فالثلث بينهما نصفان؛ لأن حملة التركة خمسة وأربعون ديناراً، منها خمسة عشر؛ قيمة الدين، وهو الثلث، فسقط عنه نصفه، ويكون الآخر شريكاً للورثة في كل شئ في خلع الثلث، فما نابه من العين أخذه، ويكون الآخر شريكاً للورثة في كل شئ. فإذا حل ما عيه أخذ منه الورثة والموصي له بالثلث ما بقي لهم فتحاصوا فيه. وقد تقدم بيان هذا. ¬
وإن ترك عشرة عينا وعشرة دينا علي ملئ، وعشرة علي معدم، وأوصي لرجل بما علي المعسر، ولآخر بما علي الموسر، ولم يجز الورثة. فليتحاصا في ثلث الدين والعين بعد تقويم الدين علي ما هو عليه، علي أن يقبض في أجله، ويقوم الذي علي الملئ إن لم يحل. وإن حلت أحضرها، وكان كالعين. وقد تقدمت مثل هذه المسألة، وتمام شرحها. ابن المواز: وإنما يؤخذ من المعدم ما وقع له من العين إن كان ما عليه قد حل. وإن لم يحل سلم إليه بغير حميل. ولو أوصي لكل واحد بما عليه وقد حلتا لقطع / لكل واحد بنصف ما عليه، إلا أن يكون ما علي لمعدم لا يرجي فلا تحسب قيمة. ويقطع للآخر بثلثي عشرته. قال: ولو لم تحل العشرتان، فلابد من خلع الثلث، والحصاص في كل شئ، إلا أن يكون لم يدع غيرها، فليقطع لكل واحد بثلث ما عليه إذا اعتدل ما أوصي به في كل عشرة للآخر. وأما إن اختلفت لك، وجميع ما سمي أكثر من الثلث، وهذا يكون فيه؛ يقطع فيه الثلث مشاعاً، ويتحاصان (¬1) بالقيمة. وكذلك لو كانت له سوي العشرتين، أو اعتدلت الوصيتان (¬2) وضاق الثلث. وقال المغيرة وابن وهب: إذا كانت له مائة علي ملئ ومائة علي معدم، وله مائة عين، وأوصي لرجلين بالمائتين الدين. فلتقوم المائتان؛ حتي يعرف كيف يتحاصان. وقال نحوه ابن كنانة وقال: فإن لم يجز الورثة فللموصي لهما ثلث الميت من العين، ومن كل مائة؛ كانا عديمين أو أحدهما، أو مليئيين يتحاصان فيه. وقاله ابن القاسم، وقد تقدم تفسيرها. قلت لمحمد: وقد كنا نعرف من قول مالك إذا أوصي بما علي الملئ للمعدم، وبما علي المعدم للملئ (¬3)، وله مائة ناضة، أن لكل واحد ثلث المائة الموصي له بها، ¬
فيمن أوصى بعتق وله على وارثه دين، أو بمال لرجل عليه دين
ويكون ثلث المائة بينهما نصفين. قال: كنت أقول به، وقال به من أرضي، ثم رأيته لا يعتدل. وإن اعتدل إذا حلتا لم يعتدل إن لم يحلا، أو حل أحدهما؛ لأنك تجعل للمعدم نصيبه من العين، ويقطع له مما عليه، فقد استوفي وصيته ولم يستوف الورثة مالهم. والصواب أن يقطع لهما بثلث كل مائة / يتحاصان في ذلك عن القيم؛ أوصي بذلك لمن هو عليه، أو لأجنبي. قال: ومن أوصي لرجل بعشرة دنانير، وله مائة دينار ديناً ليس له غيرها، فقبض من المائة عشرة. أيخير الورثة؟ قال: لا، لأنه قد عرف أن الذي له دين، فقد أشركه في المائة بعشرة، لم يقل من أولها ولا من آخرها؛ فقد أوصي بعشرها. ولكن لو كان من الميت شئ يدل علي التبرئة وقع التخيير. ولو قبض من المائة ثلاثين، لم يعط هذا منها إلا عشرها. ولو كان الميت قبض منها خمسة عشر، قبل يموت، أو كان عنده قبل موته من غيرها خمسة عشر، خير الورثة بين دفعها أو القطع بالثلث كله. وكذلك لو كانت خمسة خيروا بين دفع الخمسة، ويكون شريكا فيما بقي بالخمسة، أو القطع له بالثلث بتلاً. وإن أوصي بعق عبده، وسائر ماله دين؛ فإن كان ديناً يرتجي قريباً، انتظر بالعبد، وإن بعد اقتضاؤه (¬1)، عتق ثلث العبد مكانه، وأنظر بثلثيه، فكلما اقتضي شيئاً عتق قدر ثلثه. فيمن أوصي بعتق وله علي وارثه دين، أو بمال لرجل عليه دين من كتاب ابن المواز، وعن امرأة تركت زوجها وابنها وتركت مدبرة في الصحة، أو موصي بعتقها؛ قيمتها مائة ولها مائة علي زوجها وهو عديم، فالمال بينهما علي ستة أسهم، فسهمان للأمة؛ وهو الثلث. وللزوج ربع ما بقي؛ وهو واحد. وثلاثة للابن. فأزل سهم الزوج؛ لأن عنده أكثر من حقه، وتبقي خمسة / يقسم عليها ما حضر بين الأمة والابن للابن ثلاثة، وسهمان للأمة، فيعتق خمسا ¬
الأمة. ثم كذلك كل ما قبض من الزوج من ثلثي المائة الباقي عنده. وكان للابن ثلاثة أخماسة، وخمساه يعتق فيه من بقية الأمة حتي يكمل عتق ثلثها، ويكمل للابن مائة وهو الذي له من التركة. ويبقي للزوج ثلث المائة؛ وهو حقه. قال أصبغ، في كتاب ابن حبيب: وإن تركت مع ذلك مائة، عتق أربعة أخماس الأمة؛ لأن الفريضة من ستة؛ سهمان للأمة، وسهم للزوج فأسقطته، وثلاثة للابن. فيقسم ما حضر ـ وهو مائتان ـ بين الأمة والابن علي خمسة. فللأمة خمسا المائتين وهو ثمانون يعتق منها. وللابن المائة الباقية، وعشرون في الأمة، ويسقط عن الزوج مما عليه بمقدار ما كان يرث من المائتين. وذلك ثلث المائة. ثم كلما تقوضي من الزوج مما عليه بمقدار ما كان يرث من المائتين. وذلك ثلث المائة. ثم كلما تقوضي من الزوج شئ مما بقي عليه، عتق من المدبرة خمس ما يقبض منه. فإذا تم عتق الأمة، بقي للزوج خمسون مما عليه، وهو حقه، وصار للولد خمسون ومائة، وهو حقه. ومن كتاب ابن المواز: وإن لم يترك غير المدبرة ـ وقيمتها مائة ـ وعلي الزوج أربعمائة، عجل عتق خمسي المدبرة. لأن ما حضر من التركة – وهو المدبرة – بين الزوج والمدبرة، سهمان لها، وسهم له، لا تبالى قل الدين الذي على الابن أو كثر – يريد: إلا أن يكون عليه أقل من حقه فيحاص فيما حضر بما بقي له. ولو ورثها ابنان وزوج، وعلى أحد الابنيت دين – قل أو كثر – عجل من عتق الأمة / أربعة أتساعدها، لأن الفريضة من اثنى عشر للأمة الثلث، أربعة. وربع 16/ 43وما بقي، للزوج سهمان، ولكل ابن سهمان، فأسقط سهم الابن المديان، تبقي تسعة، أربعة منها للأمة. ولو كان الدين على الزوج، عجلت عتق خمسها. ولو تركت ابنا لها عليه مائة، وزوجا لعتق ثلثا الأمة، ويبقي ثلثها للزوج. وعند الابن حقه، فكل واحد أخذ حقه. ولو كان على الزوج دين، مثل ما لزوجة عليه، فإن مصابته من الأمةم وهو السدس نصفة في دين الأجنبي، ونصفة بين الابن وألمة على خمسة على ما ذكرنا. وروي أبو زيد، عن ابن القاسم، إذا تركت
مدبرة، - قيمتها مائة وخمسون - ولها على الزوج مثلها، وتركت زوجها وأخاها، فإنه يعجل عتق نصف الأمة، لأن لها ثلث بقيتها. وثلث للزوج، وثلث للأخ، فيؤخذ ثلث الزوج فيما عنده من الدين، فيكون بين الأخ وبين الأمة نصفين. ويبقي على الزوج - فاضلا عن حقه - خمسون للأخ وخمسون للمدبرة فيعمل الأخ في سهمة ما شاء، من بيع وغيره، فيعجل بيع ما للمدبرة عليه، بعرض أو غيره، ثم يباع بعين ويعطى للأخ ليعجل عتق ما قابل ذلك منها. قال ابن القاسم: وهذا أحب إلي من أن ينسأ ذلك على الخروج، فيورث عنه، أو يباع، أو يفلس. ولو كان الزوج غائبا بعيد الغيبة لا يعرف حالة، لم يبيع مما عليه شئ إلا أن يكون قريبا يعرف ملاؤه من عدمه شئ، ولا أيسر، حتى حالت قيمة / المدبرة بزيادة أو نقص، ثم أيسر، لم تؤتنف فيها 16/ 43ظ قيمة، والقيمة المتقدمة كحكم نفذ. فلو ماتت الأمة قبل ذلك، فإن ما كان لها على الزوج للابن كله. ولو استوفي من الزوج وقد زادت فيمة الجارية حتى صار قيمة ثلاثة أخماسها، أكثر مما كان لم ينظر إلي ذلك، ولم يعتق منها تمام الثلثين؛ زادت قيمته أو نقصت. ولو يئس مما علي الزوج فباع الابن ثلاثة أخماسها، أيسر الزوج، فليقض من ذلك البيع ولا يمنه الابن ولا الأخ من بيع ما بيده منها، ولو لم يوأس من الزوج بعدم أو موت، ولكن إذا شاء ذلك الابن بدئ ببيع ما للمدبرة علي الزوج ليعجل عتقها منه، ويأخذ الابن منه ثمنه، ثم يطلق يده في بيع ما بقي له فيها، إلا أن يوأس من الزوج بعدم أو موت، فللابن تعجيل بيع جميع ما بيده منها، ثم إن طرأ للزوج مال، نقص من ذلك البيع ما يتم به عتق ثلثيها. ولو لم يكن عتق، وكانت وصية بمال لرجل، أو صدقة، أو حبس، وعلي أحد الورثة دين، فالجواب مثل ما تقدم في العتق سواء، ويحاص ذو الوصية الوارث الذي لا دين عليه فيما حضر. وسواء كانت الوصية بدنانير بعينها، أو بغير عينها، فهو سواء عند مالك وأصحابه، إلا ما ذكر عن أصبغ، في الوصية بالمال، وضيق الثلث أنه إنما يخلع الثلث في الغائب، إذا كانت/ الوصية بمال بغير عينه.
فيمن أوصى بثلثه أو بالعتق هل يباع هاله أو يقوم؟ وكيف إن أوصى بشيء أو بجزء شائع؟
قال محمد: وقول مالك أبين في الصواب، وقد تقدم هذا. وهذا الباب كتب أكثره في كتاب المدبر. ومسألة من أوصي لرجل بمال يتجر به وله عليه دين؛ تقدمت في باب تقدم. ومسألة من أوصي لرجل بمال هو عليه قد تقدمت في باب: الوصية بالعين والدين. فيمن أوصي بثلثه أو بالعتق هل يباع ماله أو يقوم؟ وكيف إن أوصي بشئ أو بجزء شائع؟ وذكر ما يجري فيه القسم في ذلك، أو بين الورثة من العتبية (¬1) روي أشهب عن مالك، فيمن أوصي بثلثه للمساكين، وله أموال ودار ومنزل، فطلب الورثة أن يقوم ذلك عليهم، وخافوا أن يزايدهم في دار أبيهم شركاؤهم. قال: هم كالشركاء، ويقطع للميت بثلث الدار، وثلث المنزل وثلث كل شئ. ولا يقام، وإنما يجبر الشركاء في الربع علي القسم. وروي عيسي عن ابن القاسم مثله في كتاب ابن المواز فيمن أعتق عند الموت، أو ترك مدبرين، فطلب الورثة تقويم التركة، وقال المدبرون وأهل الصوايا: البيع أنفع لنا في الثلث، فذلك لهم. ولو طلب الورثة البيع أيضاً، لكان ذلك لهم؛ من طلب البيع أولي ممن طلب التقويم. وأما الورثة فيما بينهم؛ فمن طلب القسم فيما ينقسم فهو أولي، وإلا فالبيع. وليس لمن طلب المقاواة في ذلك قول إلا باجتماعهم. وكذلك الشركاء. ¬
قال في العتبية: وأما لا ينقسم، فالبيع أولي لمن طلبه إلا أن يقاوي صاحبه، / ويأخذه بما بلغ. وروي عنه أصبغ مثله، وقال به، إلا في المدبرين وأهل الوصايا، فأبوا القيمة، فليس ذلك لهم. والقيمة بالعدل قيمة البيع أنصاف. وليس للوصي أن يبتغي لهم الأسواق، ولا علي الوصي الزيادة الخاصة؛ فالقيمة أعدل بينهم. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: والقيمة في الوصايا والعتق أحب إلي؛ قيمة عدل، وليس علي الوصي والورثة أن يبيعوا في السوق. قال ابن المواز: ما إن كانت وصية فيما لا ينقسم، ولا يتجزأ مع غيره، كالمدبر، أو الوصية بالعتق، أو بعبد، أو بشئ بعينه، فالقيمة أعدل بينهم وبين الورثة. وإن كان ما قال ابن القاسم أقيس، ولكن الضرر في ذلك أكثر منه في البيع. وقد أجاز مالك القيمة. وأما إن أوصي بثلثه، فالقسم أولي من القيمة ومن البيع، ويقسم ما يقسم. وأما ينقسم فالبيع أولي، إلا أن يتراضوا علي المقاواة. قال: وقد قال: ثم ذكر ما ذكرنا من رواية أشهب؛ أول الباب. قال: وقد قال: ثم ذكر ما ذكرنا من رواية أشهب؛ أول الباب. قال: وقد روي ابن وهب، عن مالك، فيمن أوصي لرجل بعبد، أو ثوب، فليخرج ذلك بالقيمة، ولا ينظر إلي ما يعطي به. وروي ابن حبيب، عن أصبغ، في خلع الثلث للمدبر والوصايا؛ أنه أن أحب الورثة تقويم المال كله، وعزل الثلث، قوم ما ينقسم وما لا ينقسم وما لا ينقسم. وإن أبوا إلا أن يبؤوا من الثلث في كل شئ، فما كان ينقسم قسم، ثم بيع الثلث علي حدة، وما كان لا ينقسم بيع. وأما الورثة فيما بينهم، ثم بيع الثلث علي حدة، وما كان لا ينقسم بيع. وأما الورثة فيما بينهم؛ فما اجتمعوا عليه من بيع، او قسم، أو مقاواة؛ فعلوه / وما اختلفوا؛ قسم بينهما ما ينقسم، مع ما لا ينقسم، كالشراء. وإذا حملوا علي البيع، بيع في الأسواق، ولا يجبروا علي المزايدة إلا أن يشاؤوا.
ومن المجموعة، روي ابن وهب، وابن نافع، عن مالك، فيمن أوصي بعتق عبده، أو أوصي به لرجل؛ فليقوم، ولا يوقف للمزايدة. قال عنه ابن وهب: لا ينظر إلي ما يعطي به، وما بقي من ماله فإنما يبقي بالقيمة. وقال ابن كنانة: إذا طلب الموصي له القيمة، وقال الورثة: يصاح عليه فالقيمة أعدل. وإن أوصي بعتق ثلث عبده، وأوصي بوصايا، وباقي الثلث للفقراء، فلا يحتاج إلي تقويم العبد لأن ثلثه يعتق (¬1)؛ قل المال أو كثر. قال علي عنه في الموصي بوصايا فيها عتق رقيق إلي أجل: يقومون يوم موته، فيخرجون من الثلث، ولا يعتفون حتي يتم الأجل. وفي الموصي بثلثه للمساكين، وترك عقاراً ورباعاً؛ فإن كان خيراً للمساكين أن يباع لهم ثلثهم مقالاً، فعل ذلك. وإن كانت القيمة أعدل، فعل لهم ما هو خير لهم. قال عنه ابن القاسم في سماعه، في الرقيق يوصي بعتقهم فيمرض بعضهم؛ قال: يقوم مريضاً، ولا يؤخر حتي يصح خوف أن يموت إذا اجتمع المال. قال مالك في كتاب ابن المواز: إن مرض بعد موت سيده مرضا شديدا فخيف عليه أن يعتق إذا بين أن يخرج من الثلث. ولا يؤخر بعد اجتماع المال، ولا يعجل لمرضه قبل اجتماعه. ومن العتبية (¬2)، روي أشهب، عن مالك، في الموصي بعتق، أيعتق حين يموت الموصي أو حتي يقام؟ قال: أما من لا شك أنه يخرج / من الثلث لكثرة المال، فهو حر بموت الموصي، ويوارث الأحرار من يومئذ. ¬
في الرجل يوصي بوصايا فيتكلف نفقة في اقتضاء ديونه وجمع تركته على من يكون؟
في الرجل يوصي بوصايا فيتكلف نفقة لي اقتضاء ديونه وجمع تركته علي من يكون؟ أو يوصي بعبد أو غيره، فيتكلف في إحضاره نفقة وذكر النفقة عليه، أو علي العبد المخدم. وأين يقوم؟ من العتبية (¬1)، من سماع أشهب، ونحوه في المجموعة، من رواية ابن نافع، عن مالك، وفي كتاب ابن المواز، رواية ابن عبد الحكم، عن مالك، فيمن أوصي لرجل بثلاثين ديناراً، ولآخر بثلث ثلثه، ولآخر بباقي الثلث، والتركة ديون، فأنفق في الإجارة علي تقاضيها عشرة دنانير، فإن كان في الثلث فضل، فالثلث في ذلك الفضل، لا علي الموصي للموصي له. قال سحنون، عن ابن نافع: وإن لم يكن في الثلث فضل، فالثلث في ذلك الفضل، فذلك عليهم في حظوظهم. قال مالك: وإن كان ثلث المال تسعين ديناراً، والمال دين، فاستؤجر علي تقاضيه، فليخرج من أصل المال، ثم يعطي من ثلث ما بقي ثلاثين لصاحب الثلثين، ثم لصاحب ثلث الثلث بعد زوال العشرة من رأس المال. ولصاحب ثلث الثلث ثلث العشرة، علي صاحب الثلثين وصاحب بقية الثلث. وقال ابن نافع: بل يدخل علي جميعهم صاحب الثلثين وغيره. والذي ذكر عن مالك هذا، قوله القديم، حين كان يقول: يبدأ بالتسمية علي الأخري. قال: / وقد كان قال، في الموصي بالثلث، ولآخر بثلث الثلث، ولآخر بعشرة: إنهم يعاولون. ومن كتاب ابن المواز، فيمن أوصي لرجل بشئ، فكان يتكلف فيه مؤنة حتي يحضر. علي من ذلك؟ وعلي من جعل التقويم إن كان؟ قال منه ما هو علي الموصي له، ما هو علي الورثة، ومنه ما هو بينهما. فإذا أوصي له بعبد أو ¬
دابة وذلك غائب، فعلي الموصي له النفقة عليه دون الورثة. وإنما يقوم بالموضع الذي هو فيه، إن كان ذلك أرفع لقيمته، مثل العبد الحراث بموضعه، أو عامل في النخل، أو تاجر لا منظرة له، ثم لا يحل كتمان ذلك من أمره. وقاله مالك، ورواه أشهب عنه، وغيره، وقاله أصبغ. ومن العتبية (¬1)، قال مالك، من رواية أشهب: وإن أوصي له بعبد أبق، أو جمل شارد، فجئ به بجعل، فذلك علي الموصي له به. وكذلك إن أوصي بوسق من نخله بخيبر، فعليه كراء ذلك وطلبه. وكذلك بعبد فب بلد كذا، أو بجمل في صحراء بني فلان، فليخرج إليه الموصي له، أو يؤاجر علي ذلك. ولا شئ علي الورثة، إلا أن يقولوا: نحن نريد تقدم به المدينة؛ نقومه بها. فإن كان ممن له القيمة بموضعه مثل رقيق المال، قوم بموضعه، ولم يجلب، وجلبه علي الموصي له بنفسه. أو يذهب، فيأخذه هناك. وإن لم يكن له هناك قيمة، فشاء الورثة جلبه ليقوم بالمدينة؛ فمؤنة جلبه في مال الميت، ولا شئ علي الموصي له به، وليأخذه بالمدينة. ومن كتاب ابن المواز: ونفقة العبد الموصي به للعتق، أو لرجل. / أو دابة أوصي بها في السبيل، أو لرجل؛ فالنفقة علي ذلك من مال الميت إن كان يحسن ذلك وجه. قال: ونفقة الموصي بخدمتها لرجل حياته، ثم برقبتها لآخر، أو تصدق بها كذلك، فنفقتها علي المخدوم، وما ولدت فهم معها في الخدمة والنفقة. فإذا مات المخدم، أخذهم الذي له مرجع الرقبة. قال أصبغ: وكذلك لو ماتت الأمة، فولدها بمنزلها، فإن أبي أن ينفق عليهم المخدم، وقال: لا حاجة لي فيهم ردوا إلي سيدهم. قال محمد: هذا إذا لم يقبل. فأما إن قبل الوصية، فقد لزمته النفقة عليهم شاء أو أبي. ¬
في مال العبد الموصى به لرجل أو بعتقه أو المدبر أو المعتق إلى أجل
قال أصبغ: وله ألا يقبل، فيردوا إلي سدهم الذي كان أخدمهم حياة المخدم؛ فإذا مات المخدم رجعوا إلي صاحب مرجع الرقبة. قال محمد: وكذلك لو كان ذلك في صحته؛ يرجعون إلي السيد. فإذا مات المخدم أخذهم صاحب المرجع ما لم يفلس السيد أو يمت (¬1)، فلا شئ لصاحب الرقبة. ولو مات السيد هنا، أو فلس، فمرجع الرقبة لمن جعل له المرجع. في مال العبد الموصي به لرجل أو بعتقه أو للمدبر أو المعتق إلي أجل وفيما أفاد بعد الموت، أو قيل موته وهذا الباب قد جري مستوعباً في كتاب العتق. من المجموعة، ابن وهب، عن مالك، في العبد الموصي بعتقه مثل المدبر؛ يقوم بماله في الثلث، فيعتق جميعه أو بعضه، ويقر ماله كله في يده، ولا يحدث فيه شيئاً، إلا ما يأكل ويكتسي بالمعروف. قال ابن كنانة: يقوم بماله. ولو أوصي له سيده بعشرة / دنانير، لم يقوم بها ويبدأ برقبته في الثلث، ثم يكون في العشرة أسوة أهل الوصايا. وإن ضاق الثلث عنه، قوم فيه بغير العشرة. قال فيه، وفي العتبية (¬2)؛ في سماع ابن القاسم: ومن أوصي بعبده لرجل، وللعبد مل، فماله للموصي له برقبته، كالعتق بخلاف الهبة والصدقة. ثم رجع. قال ابن القاسم، فيه، وفي العتبية (¬3)، من رواية عيسي: ولو مات العبد قبل النظر في الثلث فماله للموصي له، يخرج من ثلث ما بقي. ¬
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن وهب، عن مالك، في العبد الموصي به لرجل: لا يتبعه ماله، ولا في الهبة، ولا في الصدقة، ولا في البيع، ولا في الرهن، ولا في شئ، إلا في العتق لجميعه، أو لبعضه، وفي الكتابة، والجنابة. قال ابن القاسم: وفي الوصية. قال محمد: وهو قول مالك وأصحابه إنه لا يتبعه. قال: وهو كالجنان (¬1) تؤبر تمرته قبل الموت. قال في العتبية (¬2)، أشهب، عن مالك، فيمن وهب عبدا لرجل؛ للثواب، أو لغير ثواب، أو تصدق به، أو أوصي به لرجل: فإن ماله لا يتبعه مثل البيع، وأما إن كانت له الكسوة والشئ اليسير، فذلك له. ولأنه من الضرر. قال سحنون: وهذا خير من قول ابن القاسم. قال ابن القاسم، عن مالك، فيمن أوصي بعتق عبيده: إن عبيد عبيده تبع لهم يسترقونهم. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك، فيمن ترك مدبراً، قيمته مائة دينار، وبيد المدبر مائة، وللسيد مائة: إنه يعتق نصفه، ويقر ماله بيده. ولابن القاسم قول في هذا الباب، قد ذكرناه، في كتاب: المدبر. والصحيح ما / قال مالك. قال ابن القاسم: ومن دبر عبدين، في وقت واحد، بكتاب واحد، فمات ولم يدع غيرهما. وقيمة أحدهما بماله ستون، وقيمة الآخر ثلاثون. ويعتق ثلث كل واحد منهما. ¬
قال فيه، وفي العتبية (¬1)، من رواية عيسي، في مريض له عبد، يسوي مائة دينار وبيده مائتا دينار، فأخذ منه سيده في مرضه المائتين وأعتقه، ولا يملك غيره، ثم مات: إن العتق يتم له بخلاف أن لو أوصي بعتقه، أو بثلثه، ولم يأخذ ماله هذا بعتق ثلثه. ويقر المال بيده. قال، في المجموعة: ولو أوصي بعتقه، أو أن تؤخذ منه المائتان، ويعتق، لعتق أيضاً جميعه. يريد: أن المائتين تصيران من تركة الميت حين أمر بنزعهما، ويصير المدبر يحمله الثلث. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ويقوم المدبر والمبتل في المرض بما كان لهما من مال قبل موت السيد، وبما ربحا فيه بعد موته. ولا يقوم معهما ما أفاد بعد موته. وهو لهما. وكذلك ما أفاد الموصي له بالعتق، أو لرجل بعد موت سيده؛ لا يقوم معهما، وهو لهما. وما استحدث السيد من دين، يصير المبتل في المرض. وأخذ ابن عبد الحكم بقول أشهب في المال والثمرة؛ يحدث بعد موت السيد. ابن القاسم: وما كسب الموصي به لرجل بعد موت سيده من خراجه فهو للموصي له به مع رقبته. قال أشهب: وإن خرج بعضه، فماله من خراج، وغيره موقوف بيده. قال أشهب: وليس للورثة انتزاع مال الموصي بعتقه، قبل أن ينفذوه (¬2). إلا أن يوصي / بعتق إلي أجل، فلهم انتزاعه؛ ما لم يقرب الأجل. وبه قال ابن المواز؛ كما كان لسيده. ¬
في الأمة الموصى بعتقها أو المدبرة تلد قبل موت السيد أو بعده
قال ابن عبد الحكم: ليس للورثة انتزاع مال المعتق إلي أجل. قال مالك: وغلة المدبرة لسيدها، كخراجها. قال محمد: يريد وإن لم يقبضه حتي مات أو مرض. قال: ومهرها كمالها. قال: وكذلك العبد يبتل عتقه، أو يقرب أجل الموصي، فليس خراجه كما له، ولا يتبعه خراجه من هذا. قال: والمبتل في المرض يموت مكانه، أو الموصي بعتقه يكوت بعد موت سيده قبل التقويم وله ورثة أحرار، فإن كانت له أموال كثيرة مأمونة ورث الأحرار، وإلا فلا، وإن خرج بعد ذلك من الثلث. وإن مات الموصي به لرجل بعد موت الموصي، فذلك للموصي له. وأما إن لم يكن للسيد مال مأمون، فكل ما ترك من ماله قديم، أو أفاد بعد موت الموصي، ولم يدع مالا مأموناً، وقد أوصي به لرجل أو للعتق، فذلك لورثة سيده، وكانت الوصية فيما بقي من رقبته فقط. ولكن لو جني هو لم ينتظر به التقويم. فإن خرج من الثلث، أتبع بدية الجناية في ذمته وماله إن كان موصي بحريته، وإن كان موصي به لرجل خير فيه؛ أيفديه أو يسلمه؟ وفي الباب الذي يتلو هذا؛ أن العبد المخدم؛ يتبعه ماله. في الأمة الموصي بعتقها أو المدبرة تلد قبل موت السيد أو بعده وولد الموصي ببيعها أو المحلوف بها أو الغنم الموصي بها تلد من المجموعة، ونحوه من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، عن مالك، في ولد الموصي / بعتقها، أو لفلان: إن ما تلد قبل موت سيدها رق لورثته؛ لأن له أن يرجع في وصيته. وما ولدت بعد موته فهو يتبعها في العتق بالحصص، كولد المدبر، ويكونان (¬1)، أو ما خرج من الثلث منها للموصي له. وإن ماتت الأم بعد ¬
موت السيد، قبل يقام في الثلث، فإن ولدها يعتقون في الثلث في المعتقة. وكذلك لو أوصي وهي حامل أنها حرة، وأن ولدها مملوك، فوضعته بعد موته، فليعتق معها، ولا يجوز استثناؤه. فإن وضعته بعد أن وجب لها ذلك بموت سيدها فهم أحرار معها بالحصص. وولد المدبرة قبل موت السيد وبعده بمنزلتها. قال مالك: وما ولدت الموصي بعتقها قبل موت السيد فرقيق. قال محمد: ويعتق في قيمتها وقيمة الولد مع سائر التركة. قال محمد: وولد المدبر من أمته قبل موت سيده وبعده بمنزلته. كذلك المدبرة، وكذلك ولد التي يحلف بحريتها ليفعلن كذا؛ تلد بعد اليمين، وقبل الحنث هو بمنزلتها؛ يعتقون معها بالحصص في الثلث. وإن حلف في أمة ليبيعنها. فولدت بعد اليمين فباعها، فلا حنث عليه، وذلك جائز إن بلغ الولد حد التفرقة. ولو مات قبل بيعها؛ عتقت في الثلث مع ولدها، أو ما حمل منها. ومن المجموعة، قال مالك: ومن أوصي أن تباع أمته ممن أحبت، وكانت حاملاً، فتأخر ذلك حتي وضعت، فولدها معها في الوصية. وإن أوصي في النصرانية؛ أنها حرة؛ إن أسلمت. فغفل عننها بعد موته حتي ولدت، ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت؛ / فإن ولدها يعتق معها. كما لو قال: إن أدت عشرة دنانير، أو: إن رضي أبي. فغفل عن ذلك حتي ولدت، ثم أدت العشرة، ورضي الآن؛ فإن ولدها حر معها، ولا يعجل ببيعها إن أبت العشرة حتي يردد عليها فتأبي. ولها أن ترجع ما لم ينفذ فيها حكم ببيع أو قسم. قال ابن المواز: وإن أوصي أن يحج عنه بثمن جارية فولدت بعد موت الموصي؛ فإن ولدها داخل في الوصية. قال سحنون، فيمن أوصي لرجل بعشر شياه من غنمه، فمات وهي ثلاثون، ثم ولدت بعده، فتمت خمسون: فإن له خمسها. واختلف فيها قول أشهب؛ فقال هذا مرة، وقال أخري: إن له من الأولاد بقدر ما له من الأمهات؛ إن
فيمن أوصى بنخيل أو وهبها أو حبسها فأبرت لو كان فيها تمر قبل ذلك
كانت الأمهات عشرين، أخذ عشرة من الأمهات، ونصف الأولاد؛ حملها الثلث، أو ما حمل منها، وما يصيبها من الولد. ولو ماتت كلها إلا عشرة أخذها كلها إن حملها الثلث. وقال البرقي، عن أشهب، فيمن أوصي لرجل بعشرة من إبله وهي مائة، فولدت مائة أخري. قال: فله عشرها بولادتها. وكذلك الغلة مثل الولد. فيمن أوصي بنخيل أو وهبها أو حبسها فأبرت أو كان فيها تمر قبل ذلك وكيف إن أوصي بغلتها؟ من كتاب محمد، قال: ومن أوصي بجنانه لرجل فمات وقد أتمر النخل؛ فقد اختلف فيه. والذي ثبت عندنا من قول مالك وابن القاسم وأشهب؛ انه إن أبرت النخل، وألقحت التمر قبل موت فذلك لورثته. وإن لم تؤبر حتي مات، فأبر قبل النظر في ذلك / فهي للموصي له. وروياه عن مالك. وأما البياض فتبع للأصل، والأصل تبع للبياض. قال محمد: كالبيع. ومن باع عبده أو وهبه أو أوصي به بماله له أن يشترط. واختلف قول ابن القاسم في الوصية. وقد تقدم هذا. وأما من حبس حائطاً، فالتمرة ـ وإن طابت ـ تبع له، إذا لم يبتل الأصل. وكالعبد المخدم يتبعه ماله. وأما الحائط يوصي به فيتمر بعد موته، فلم يختلف أصحاب مالك أنها مع الرقاب؛ طابت قبل ذلك، أو لم تطب. قال أشهب: وإن لم يحمل الثلث جميع الحائط، فما حمل منه فللموصي له من التمرة بقدر ذلك.
فيما يحدث في التركة قبل إنفاذ الوصايا أو يهلك بعدما أوصى فيه
قيل: أفيقوم في الثلث الثمرة، وإنما أتمر بعد موته؟ قال ابن القاسم: يقول: يقوم قبل ثمره، فإن خرج أخذه الموصي له بثمرته. بخلاف الأمة تلد بعد موته. والأمة بما ولدت بعد الموت. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا أوصي بغلة حائطه لرجل، فما أغل قبل موت الموصي ـ طاب، أو أبر، أو لم يؤبر ـ فذلك للموصي له، بخلاف الموصي بالرقاب. قال سحنون: قوله في الوصية بالرقاب: إن التمرة تقوم مع الأصل. يريد: إن أتمرت بعد الموت، وهو قول أكثر الراواة (¬1). وأما ما أفاد المدبر بعد الموت قبل التقويم من كسب أو خراج، فإنه يقوم معه في الثلث، كماله الذي مات السيد وهو بيده وكذلك ما ربح فيه بعده. وكذلك العبد المبتل في المرض، والموصي بعتقه، وأوصي به لرجل، أو برقاب النخل، مثل ما ذكرنا في المدبر. هذا أعدل أقاويلهم. وقاله عبد الملك، فيما أفاد المدبر بعد الموت. / فيما يحدث في التركة قبل إنقاذ الوصايا، أو يهلك بعد ما أوصي فيه أو ما اشتري من رقبة للعتق أو نحوه، أو يستحق من كتاب محمد، والمجموعة، روي ابن وهب، عن مالك: لا يحسب ما أوصي به الميت إلا بعد القيمة، فما هلك قبل ذلك، مما أوصي فيه بغيره، أو من غيره في تركته، فكأن لم يكن. والوصايا في ثلث ما يبقي، من عتق وغيره. قال محمد: إلا أن يوصي بعتق عبده، أو يقول: إنه لفلان. ويقول: ما بقي من ثلثي، لفلان. فهلك العبد قبل القيمة، فلابد أن يخبر العبد بالقيمة ليعتبر ما بقي من الثلث بعد قيمته. ¬
قال مالك: وإن أوصي في عبد أنه حر، أو لفلان. وأوصي لآخر بثلثه، أو بشئ بعينه. فمات العبد قبل النظر في الثلث، والعبد قدر الثلث، فلترجع الوصايا في الثلث ما بقي. قال، عنه علي، في المجموعة: وإن هلك بعض ماله، عتق العبد في الثلث ما بقي. قال ابن اشرس: وإنما يقوم يوم يحكم بإنقاذ عتقه؛ زاد ذلك أو نقص. قال عنه ابن نافع: وإن ترك مدبراً ومالاً، فقوم ولم ينفذ عتقه، ثم أقاموا زماناً حتي أبق له مكاتب وهلك من التركة ما لا يخرج المدبر من ثلث ما بقي فإنما يعتق في ثلث ما بقي، أو ما حمل منه، ثم إن جاء المكاتب، زيد في عتق المدبر. ورواه ابن القاسم. قالا، عن مالك: إلا أن يدع أموالاً مأمونة، فيكون حراً يوم مات الميت. وكذلك الموصي بعتقه، ويوارث الآخران. قال أشهب: وإن قال: إن مت؛ فأنت حر. فلا يكون حرا بموته حتي يقوم، ويعتق في الثلث. ومن كتاب ابن المواز: ومن ترك مدبرأ ودارا / ـ يخرج المدبر من ثلثه ـ فلم ينظر في أمره حتي انهدمت الدار، فإن الورثة خلوا سبيله؛ علي وجه العتق، فهو حر. وإن كانوا تركوه حتي ينظروا في قيمة الدار فلا يعتق إلا في ثلث ما حصل بعد هدمها. وقال أشهب، فيمن أعتق عبده عند موته ومات عن مال مأمون: فهو بالموت حر، ثم قوم العبد، فإن كان ممن لا يقوم ـ يريد: لبيان أمره ـ قال: مثل أن تكون قيمته عشرة دنانير، والتركة مال مأمون فهو بالموت حر يحد قاذفه. وكذلك لو كان معه وصايا يسيرة.
ومن العتبية (¬1)، وكتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، عن مالك في امرأة وصت؛ أن عندها خمسة وثلاثين درهماً. ولها علي زوجها أربعة أبعرة، فقالت للورثة: إما أن تنفذوا هذه الدراهم في السبيل. أو بعيراً مما علي زوجي، فسألوها عن الدراهم فلم تخبرهم ثم ماتت فلم يجدوها. قال: يخرج عنها بعير مما علي زوجها، ولا ينظر إلي الدراهم. قال ابن القاسم، في كتاب ابن المواز: وكما لو قال: إما أن نعتقوا ميموناً، أو مرزوقاً. فمات أحدهما، فليعتق الباقي في ثلث باقي ماله ولو قال: إما أن تعتقوا عبدي، أو تجعلوا فرسي في السبيل، فهلك أحدهما قبل النظر في وصاياه، فلينفذ الباقي في الثلث، ويسقط الأول من رأس ماله. قال عيسي، عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز، فيمن أوصي برقبة واجبة فاشتريت بعد موته قبل قسم ماله فماتت: فليخرجوا أبدأ من ثلث ما بقي رقبة أخري. وكذلك لو أخرج ثمن العبد، فسقط؛ فأما إن جني جناية، فليخير الورثة، / فإما أسلموه، وأخرجوا من ثلث ما بقي رقبة أخري، أو يفتكونه فيعتقونه (¬2). قال في كتاب ابن المواز: ولهم بدله بغيره. قال، في الكتابين: وكذلك لو هلك الثاني، لعتق أبداً من ثلث ما بقي رقبة أخري ما لم ينفذ عتقه، ويقسم المال. فإن قسم المال، وقد أخرج ثمنه فذهب، فلا شئ علي الورثة؛ إلا أن تكون معه وصايا نفذت، فليؤخذ مما أخذوا ما يبتاع به رقبة؛ لأن العتق مبدأ عليها، إلا أن يكون معه في الوصايا من الواجب ما هو مثله، فيكونان في الثلث سواء. ولو بقي بيد الورثة من بقية الثلث ما فيه ثمن رقبة؛ أخذ ذلك منهم بعد القسم فاشتري به رقبة، ونفذ لأهل الوصايا وصاياهم. ¬
محمد: وقاله أشهب. قال أشهب: وكذلك لو أوصي بحجه، فدفعوا مالا لمن يحج عنه ـ يريد: علي البلاغ ـ فسقط منه في بعض الطريق، فليخرجوا من ثلث ما بقي ما يحج به عنه؛ إما هذا، أو غيره. وكذلك في الرقبة الموصي بعتقها؛ قال أشهب: إلا أن يكون في العتق النسمة بعينها، فتموت. أو الشئ المعين يحج به فيتلف، فلا شئ عليهم. ابن حبيب: قال أصبغ: إذا ابتاع الوصي الرقبة الموصي بعتقها فماتت قبل العتق، أو عزل ثمنها ليشتريها، فتلفت. فإن لم يفرط في إنفاذ عتق المشتري، أو تأخير الشراء بالثمن المعزول لم يضمن، ولا يرجع في الثلث بشئ إن كان قد فرق في أهل الوصايا. ولو كان قد فضل منه فضل، أو كان بحاله؛ فالقياس ألا يرجع فيه بشئ. / ولكني أستحسن أن يشتري من بقيته رقبة ثانية. ولو جنت، أو جني عليها جناية لا تجزي بمثلها في الرقاب بيعت للميت فاشتري بثمنها مع الأرش (¬1) رقبة. وإن لم ينقصها عتقت، وأعين بالأرش في رقبة. وإن جنت، فالجناية فيها كموتها. وإن فرط في عتق المشتراة، حتي ماتت، أو الشراء حتي تلف الثمن، ضمن الثمن. وكذلك الميتة علي ما قلنا فيه إن لم يفرط. ولو أوصي الميت بذلك الورثة فسواء فرطوا أم لا، أو ماتت، أو جني عليها أو جنت، فلابد أن يعفوا من ثلث ما بقي رقبة أخري، لأنه لا ميراث لهم إلا بعد إنقاذ الوصايا، وهم الذين ولوا ذلك. ولو كانت رقبة بعينها فسواء أوصي إلي وصي أو إلي ورثة إذا كات فلا شئ عليهم فرطوا أم لا. وإن جنت والثلث يحملها قسمت علي ما عتق منها وعلي ما رق. وإن جني عليها فالأرش لها وهي حرة. وكذلك سمعت ابن القاسم يقول في ذلك كله. ومن كتاب ابن المواز: وإن جني العبد قبل العتق، فإما أسلموه واشتروا غيره من ثلث ما بقي، أو فدوه فأعتقوه هو وغيره. ¬
محمد: فإن أسلموه فكأنه لم يكن، أو كأنه مات، ويعتقون (¬1) غيره، من ثلث ما بقي. وإن فدوه فمن ثلث ما بقي؛ لا بأكثر منه، كأنهم ابتزوا شراءها. وكذلك إن لم يكن قسم الثلث؛ قال أصبغ: فيرجع في هذا إلي باقي الثلث الأول ـ يريد: إذا كان قد قسم به ـ وقسم للورثة الثلثان (¬2)، فينفذ لهم، ولا يرجع عليهم في ثلثيهم بشئ في موت الرقبة، ولا في إسلامها؛ لأنه صان ضمان / كل قسم من أهله. محمد: وذلك بعد قسمة المال والفراغ منه. وإن جني عليها بعد موت الموصي وقد أوصي بعتقها، فما نقصها فلورثته، بخلاف مالها. ولو زوجها الورثة برضاها بعد موته قبل أن تعتق فالمهر لها، كمالها. وإن كان بغير رضاها فسخ. ومن العتبية (¬3)، روي أبو زيد، عن ابن القاسم، في الموصي له بعبد بعينه، وهو قدر نصف التركة، فقال للورثة: إما نفذتم ذلك لي، أو اقطعوا بثلث الميت. فمات العبد قبل يقطع له بشئ، فلا شئ له إلا أن يكون قضي له بقطع ثلث التركة. فأما بغير حكم، فلا ـ يريد: في أحد قولي مالك؛ الذي يري فيه أنه لا يأخذ ما وقع له الأعيان ـ وخير الورثة. ومن كتاب ابن لمواز، قال مالك: وإن قال: عبدي حر، ولفلان من مالي خمسون ديناراً. ثم مات العبد بعد موت سيده قبل اجتماع المال، فإنه يزول من رأس المال، ويخرج الخمسين من ثلث ما بقي. قال محمد: وإن استوعب الثلث لم ينظر إلي ذلك، وكانت الوصية في ثلث ما بقي؛ مات العبد قبل موت الموصي أو بعده. ¬
في الموصي بعشرة من إبله أو عبيده أو بجزء من ماله فهلك من ذلك شيء قبل إنفاذ الوصية
قال، عن مالك، في المجموعة: ولو أوصي بعتق عبده، ولرجل بثلث ماله. فاستحق العبد بحرية أو ملك، أو مات. فإن الوصية تبطل فيه، وللآخر ثلث ما بقي. وروي نحوه ابن القاسم، وأشهب، عن مالك. وقالا: والعبد قدر الثلث. قال ابن القاسم: فإن أعتق العبد، وسقطت الوصايا التي معه ثم استحق بحرية أو ملك فإن أهل الوصايا يرجعون في ثلث ما أخذ الورثة، وفي ثلث ثمن العبد إن أخذ من بائعه. وقد قال أيضاً: / لا يرجعون علي الورثة بشئ، ويقاضونهم بقية المستحق. ولا شئ لهم في الثمن، وكأنه مال لم يعلم به الميت، ولا يشبه مرجع الحبس لأن الميت علم أن له مرجعاً. في الموصي بعشرة من إبله أو عبيده أو بجزء من ماله فهلك من ذلك شئ قبل إنقاذ الوصية أو استحق أو توالد الحيوان من كتاب محمد، عن مالك، وهو في المجموعة، من رواية ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، عنه، في الموصي بعتق عشرة من عبيده لم يعينهم، وهم خمسون، فليعتق خمسهم بالقيمة بالسهم؛ خرج لذلك عشرة أو أقل أو أكثر. وإن لم يف من خرج بالخمس، أعيد السهم حتي يستوعب خمس قيمتهم. وإن هلك منهم عشرة قبل النظر في ذلك، أخرج بالسهم ربع قيمة الباقين كأن لم يكن غيرهم. وإن لم يبق إلا عشرة، أخرجوا كلهم في ثلث ما بقي. وإن كانت قيمتهم أكثر من قيمة الأربعين، أو خرج منهم؛ قال ابن القاسم، وأشهب: وإن ماتوا كلهم، في ثلث ما بقي. وإن كانت قيمتهم أكثر من قيمة الأربعين، أو خرج منهم؛ قال ابن القاسم، وأشهب: وإن ماتوا كلهم، بطلت الوصية. قال أشهب: وكذلك إن استحقوا. قالا: وإن بقي خمسة عشر، عتق ثلثاهم (¬1) بالسهم من الثلث. ¬
قال، في كتاب ابن المواز: ولو قال: ثلثهم أحرار. أو: ثلثي لفلان. أو: في السبيل ـ يريد: ولم يدع غيرهم ـ فهلكوا إلا عشرة، أو واحداً (¬1)، فإنما ينفذ ثلث ما بقي فيما ذكر. وكذلك لو كان ماله داراً، فأوصي بثلثها، فاستحق ثلثاها، فلينفذ ثلث ما بقي منها. / والموصي له بعشرة من إبله، وهي مائة، فيهلك بعضها ـ كما ذكرنا في العبيد ـ وإنما للموصي له عشر ما يبقي بالسهم وكذلك النخل والأرض والرقيق مثله. وإن أوصي بمقدار (¬2) عشرة أمداء (¬3) من أرضه وهي مختلفة، فليقوم جيدها ووسطها، ورديئها، ثم تجمع القيمة، فيعطي بقدر وصيته في الأرض أمداء. فإذا خرج سهمه في الجيد أخذ منه بقدر ذلك وإن نقص عن عشرة أمدء. وإن وقع في الدون أخذ بقدره وإن جاوز العشرة. وكذلك الوسط، وكذلك إن لم يكن غير أرض واحدة يقوم جيدها ووسطها ودنيئها. قال محمد: وإن استحقت، فلم يبق منها إلا عشرة كانت للموصي له؛ كانت من جيدها أو دنيئها أو وسطها. وكان استحقاق ذلك مشاعاً، وخرج الباقي من الثلث. وإن بقي عشرون، فله نصفها. وفي كتاب: العتق، باب: كيف العمل في القرعة في العتق؟ فيه مسألة: من أوصي برأس من رقيقه لرجل، وهم خمسة لا يملك غيرهم، فمات منهم أربعة، وقول المغيرة في ذلك، وما خالف فيه أصل ما روي ابن القاسم. وفي كتاب: العتق، باب: كيف العمل في القرعة في العتق؟ فيه مسألة: من أوصي برأس من رقيقة لرجل، وهم خمسة لا يملك غيرهم، فمات منهم أربعة، وقول المغيرة في ذلك، وما خالف فيه أصل ما روي ابن القاسم. ¬
فيمن أوصى بشراء عبد بعينه فيعتق وأوصى بوصايا فيهلك العبد أو عتق
فيمن أوصي بشراء عبد بعينه فيعتق وأوصي بوصايا فيهك العبد أو عتق من المجموعة روي علي، عن مالك، فيمن أوصي أن تشتري رقبة بعينها بكذا فعتق. وأوصي بوصايا عالت علي الثلث، ففاقت تلك الرقبة بعتق أو بموت أو غيره، فلا يبدأ الورثة بثمنها علي أهل الوصايا في / الثلث؛ لن وصيته لم تنفذ للعتق فيبدأ، ولكن يحاص الورثة أهل الوصايا بثمنها، فما صار لهم بذلك كان ميراثاً. قال أشهب: ولو كانت قيمته وثلث قيمته، فليس علي الورثة شراؤه بأكثر من الثلث، فإن بيع ذلك، فلا شئ له، ولا للعبد. وذلك للورثة دون أهل الوصايا؛ لأن وصاياهم لم تكن شيئاً لما أوصي به معها من العتق. ألا تري لو مات رجل وعليه دين محيط، وأوصي بالثلث، فترك رب الدين دينه للورثة، أو أقر بقبضة؛ وقد أوصي به الميت ـ يريد: أقر له به ـ فليس للموصي له بالثلث شئ إلا بعد إخراج الدين من رأس ماله. وكذلك هذا؛ لأن الميت قد علم أن العبد يستغرق الثلث، والعبد فهو باق بعد تجوز فيه القيمة، بخلاف أن لو هلك العبد وصار لا قيمة له، ولا فيه. ويصير لأهل الوصايا ثلث مال الميت الأن. فيمن أوصي لرجل بوصية فمات الموصي له قبل الموصي أو بعده أورد ذلك أو رجع الموصي عن وصيته أو بطلت من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، عن مالك، في الموصي له بعشرة، ولهذا بعشرة ـ وثلثة عشرة ـ وأوصي بالثلث لرجل آخر، فمات أحد الموصي لهم قبل موت الموصي؛ قال: فلمالك فيها ثلاثة أقوال؛ قال: فإن لم يعلم بموته، حاص بها، فما وقع له كان لورثة الموصي. وإن علم، فالعشرة، أو الثلث للباقي من
الرجلين. ثم قال: هي للباقي؛ علم بموته أو لم يعلم. ثم قال: يحاص بها؛ علم الورثة، أم لا. وروي ابن القاسم القول الأول، وبه قال ابن القاسم، وابن الماجشون. /. قال ابن عبدوس: ورواه علي، وابن نافع. قال ابن نافع: لأنه إذا علم بموته، فكأنه أقر الوصية لمن بقي من أهل الوصايا. وقاله ابن المواز. قال: وقال أشهب: يحاص بها علم بموته أو لم يعلم. وذكر أصبغ؛ أن ابن القاسم أخذ بهذا. قال ابن حبيب: وبه قال مطرف، وأصبغ. وقال ابن الماجشون: إن علم بموته لم يحاص بها. وإن لم يعلم حوصص بها. وبه قال ابن حبيب. قال ابن المواز: وروي أيضا عن أشهب؛ لا يحاص به، علم به او لا. قال ابن القاسم، وأشهب: وأما إن أوصي له وهو عالم بموته، فإنها لورثته، ويقضي بها دينه. وذكر أيضاً عن أشهب؛ إذا أوصي لرجلين؛ أحدهما ميت وهو عالم بموته، قال: فنصيب الميت منهما لورثته إلا أن يكون ذلك من زكاة فرط فيها فلا يقضي منها دين الموصي له، ولا يورث عنه. ويصرف مصرف الزكاة، وكأنه أوصي بالزكاة لأملياء ـ يريد: وورثته وغرماؤه أملياء. قال ابن المواز: وإن كان ورثة الموصي له فقراء، فلا دين عليهم، فهم أحق بها. قال ابن القاسم، عن مالك: ومن أوصي لفلان بكذا، ولفلان بكذا، ولآخر بباقي الثلث، فمات المسمي لهما، أو أحدهما، وعلم الموصي بموته، أو لم يعلم، فليعزل نصيب المسمي لهما من الثلث، فإن فضل شئ، فهو لصاحب باقي الثلث، وإلا فلا شئ له، ويرجع نصيب الميت إلي ورثة الموصي. قال ابن القاسم: وإن أوصي لامرأته بشئ، فماتت قبله فذلك باطل. وإن قبضت ذلك فليرده.
ومن المجموعة، قال علي، عن مالك: وإن أوصي لرجل بمائة، ولآخر بثلاثمائة، ثم رجع عن الوصية / لأحدهما؛ فليأخذ الآخر وصيته كاملة إن حملها الثلث، ولا يحاص للآخر. قال سحنون: وأجمع الرواة عن مالك أن أحد الموصي لهم، إن لم يقبل الوصية أنه يحاص بها، ويرجع إلي الورثة. قال أشهب: وإن بدا أحدهما فلم يقبل المبدأ، فليعزل نصيبه مبدأ، فيكون للورثة، والوصايا فيما بقي. وإن قال: عبدي ميمون حر ـ إن شاء فلان ـ ولفلان عشرة دنانير. فلم يقبل العبد العتق، فالعشرة كاملة للآخر. وأستحسن في قوله. إن شاء. أنه كمال له يرجوه، فيدخل فيه الوصايا. وكذلك إن قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرة ـ إن قبل ـ فلا يضر أحدهما. وإن قبلها هذا ورد الآخر، تحاصاً، فما صار كان للورثة. وإن قال: في كل واحد إن قبل. فإن قبلا تحاصا، وإن رد أحدهما، فلا حصاص علي القابل. قال أشهب: ولو أوصي بوصايا، وأوصي بجنين في بطن أمه فخرج ميتاً، وضاق الثلث، فللورقة الحصاص بوصية الجنين ويأخذونها. ولو أوصي لوارث، ولم يجيزوا. أو أوصي لرجل علي أن يصلي عنه أو يصوم؛ أو أوصي لحربي؛ فللورثة الحصاص بذلك كله، وأخذ ما وقع. لذلك كان ميراثاً. قال غير واحد، عن مالك: وإذا أوصي لوارث، وأجنبي، فليحاص له، فما نابه أخذه إن أجاز الورثة له، وإن أبوا عاد ميراثاً. قال مالك: وإن أجاز بعضهم للوارث إعطاءه نصيبه من ذلك.
فيمن أوصى لعبد بجزء منه أو بثلث ماله أو بتسمية تجاوز ثلثه
قال عبد الملك: وإن قال: إن لم يجيزوا للوارث فهو في السبيل فلم يقبله، أو مات قبله، فذلك ميراث. وكذلك: فلان يشتري فيعتق لغير أمر لزمه فلم يبعه، فالثمن ميراث. قال سحنون/ بعد الاستيناء والإياس من العبد. قال ابن القاسم: وإن أوصي أن يحج عنه فلان فأبي، فإن لم يكن صرورة، رجع ذلك ميراثاً. وأما الصرورة، فليحج به غيره. قال سحنون غيره؛ وإن كانت تطوعا، فلا يورث ولينفذ لغيره؛ لأن الميت أراد نفع نفسه، بخلاف موصي له بمال فيرده. قال أشهب: وإن قال: أحجوا فلانا حجة. ولم يقل: عني. فليعط ما يكفيه في حجته، وليس له أخذ ذلك، ولا يحج به. وكذلك إن قال: أنكحوا فلاناً بكذا فليس له أخذ ذلك إلا أن ينكح. وأما الموصي برقبة مبهمة، أو بشراء شئ غير معين، فمن أبي ذلك صرفت إلي غيره حتي ينفذ. قال علي عن مالك، في عبد اوصي له بشئ فأبي قبوله؛ فلسيده أن يكرهه علي قبوله. قال غير ابن القاسم: وإذا مات الموصي له بعد موت الموصي، وقبل يعلم بوصيته، فورتته بمثابته في القبول أو الرد. فيمن أوصي لعبد بجزء منه أو بثلث ماله أو بتسمية بحاوز ثلثه وكيف إن كان مع ذلك عتق أو وصية بمال؟ وكيف إن كان للعبد مال؟ من كتاب ابن المواز والعتبية (¬1)، من رواية عبسي، عن ابن القاسم: ومن أوصي لأمته ببعضها، لم يعتق منها إلا ما ذكر، إلا أن يكون لها مال فتتم فيه، ¬
ويعتق باقيها علي نفسها بالقيمة. ولو أوصي لها بثلث ماله، عتقت، وقومت فيه؛ لأن ثلثها تعتق حين ملكته، ويعتق باقيها عليها بالقيمة، فيما صار لها من بقية الثلث. قاله مالك. قال ابن القاسم: / وإن لم يتم عتقها في ذلك، ولها مال قديم؛ فلتعتق فيه، ويؤخذ منها. قال: كما أعتقها مالك في بقية الثلث الموصي لها به، كذلك في مال إن كان لها. قال ابن القاسم: وإن أوصي أن ربع عبده حر، لم يقوم علي العبد باقية لأن سيده هو المعتق. بخلاف أن لو أوصي لعبده بربعه؛ هذا يعتق ربعه، ويقوم باقيه علي نفسه، في ماله. وإن أوصي له بثلث ماله، عتق في الثلث، إن حمله. وإن لم يحمله وللعبد مال؛ استتم منه باقيه، إن حمله، كالشريك يلزمه التقويم إن قصر عنه عتق ما حمل، ورق باقيه للورثة. قال ابن القاسم: يقوم بماله فيعتق إن حمله ثلث سيده الذي أوصي له به. فإن قصر عنه، استتم في مال العبد؛ في قول ابن القاسم، عن مالك. وروي ابن وهب، عن مالك؛ وأوصي ببقية ثلثه، أو بمال مسمي، فهذا لا يعتق غير ثلث العبد، ويأخذ باقي وصيته مالا، ولا يستتم عليه شئ لأنه لم يملك شيئا من رقبته. محمد: وقاله ابن القاسم، وأشهب بخلاف أن لو أوصي لعبده بثلث ماله، أو بثلث العبد ع (¬1). ومن العتبية (¬2)، قال ابن القاسم: وإن أوصي لعبده بثلث ماله، وأوصي بعتق عبد له آخر، وضاق الثلث، فالموصي بعتقه مبدأ؛ لأن السيد أعتقه، والآخر إنما يعتق علي نفسه. ¬
ولو لم يوص إلا بمال لرجل، كان العبد للموصي له بالثلث مبدأ عليه. ولو أوصي لعبد بدنانير مسماة، أو بداية، فله أخذ ذلك، ولا يعتق فيه. قال/ سحنون: هذا إن أوصي له بدنانير أو غيرها؛ أقل من الثلث، فأما إن كانت أكثر من الثلث، فليعتق فيها ويصر (¬1) كالموصي له بالثلث، أو بجزء من ماله، وهو معني قول ابن القاسم عندي. وقال ابن المواز، وأصبغ، كما قال سحنون، في العتبية. قال أصبغ، في كتاب ابن حبيب: وهذا استحسان. والقياس؛ أن يعطي من نفسه ثلثها، ومن كل شئ ثلثه. قال: وهذا في قضية له شئ بعينه، أو بغير عينه، عال فيه علي ثلثه، ولم يجز الورثة. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز: ومن أوصي لعبده بخمسين دينارا، وليس له غيره وثلثه لا يفي بالخمسين، فطلب الورثة بيعه، ويعطونه (¬2) ثلث ثمنه، فقال هو: بل يعتق ثلثي. فالقول قوله، ويعتق ثلثه، إلا أن يعطيه الورثة الخمسين. وقال أشهب: إن أوصي له بشئ بعينه، أو بدنانير قدر ثلثه، فأقل؛ فليس له غيره، ولا يعتق له، وإن جازت الثلث، أخذ منه قدر الثلث، ولا يعتق له إذ لم يوص له في نفسه بشئ. ومن الكتابين، واللفظ للمجموعة، في سياق قول أشهب، قال: وإن أوصي له بسكني داره حياته، أو غلة حائطه، وذلك يخرج من ثلثه، فذلك له، ولا يعتق له، وإن لم يخرج، خير الورثة في إنقاذ ذلك، أو يقطعون له بالثلث، فعتق فيه حينئذ، ويأخذ فضلا إن كان، ويصير كما لو أوصي له بالثلث. قال أشهب: وكان مالك له في مقاسمة الورثة قولان: أحدهما: يكون له ثلث نفسه، وثلث باقي التركة، فيعتق فيه باقية، بعد عتق ثلث نفسه، ويأخذ الورثة ¬
ثلثي القيمة عينا. والقول الآخر: / أن يعتق كله من الثلث، فإن كان هو نصف الثلث، شارك الورثة بخمس ما بقي وهذا أحب إلي. قال في المجموعة: وكذلك هذان القولان، فيمن أوصي لعبده بثلث ماله؛ أنه يعتق ثلث العبد، ويستتم عليه باقية فيما ملك من بقية الثلث وفي ماله (¬1) إن كان له قبل ذلك؛ لأن الورثة شركاؤه في ذلك المال. وإنما فيه الكسوة، والنفقة بالمعروف، ولا يأخذ هو منه لنفسه شيئا دونهم. وقاله مالك، وذكره عنه ابن وهب، وأجازه ابن المواز. ولو لم يدع غير العبد؛ وبيد العبد ألف دينار، كانت له قديما؛ فإنه يعتق ثلثه، ويبقي المال، ولا يقوم فيه. وقال ابن الماشجون في المجموعة؛ قال: لأن العبد إنما يقوم بماله؛ إذا عتق اتبعه ماله. ولا بن وهب قول، في مدبر يسوي مائة، وبيده مائتان، مذكور في: كتاب المدبر. قال عبد الملك، فيمن قال: ثلث عبدي له، وله مائة دينار، وليس له أن يأخذ بالمائة في نفسه عتقا؛ لأنه مال أوصي له به، فيأخذه، ويبقي ثلثاه رقيقا، ويعاول بالمائة أهل الوصايا. وأما إن قال: ثلثي لعبدي. فهذا يعتق جميعه في ثلثه، أو ما حمل منه، وما فضل فله. والعبد في هذا مبدأ علي الوصايا، وما فضل عنه، ولا يبدأ فيه، ويحاص به، وقاله مالك كله، وروي مثله ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك، في وصيته لعبده بثلثه ـ يريد: فما وقع له كان بيده. قالوا: ولو لم تكن وصايا؛ كان له ما بقي من التركة؛ لأنه ليس لأحد أن يأخذ من الورثة بقيمة كرها إلا الميت وحده. وليس للعبد أن يأخذ من الورثة بقية / نفسه بالقيمة للعتق، وإنما له وصيته. ¬
قال ابن القاسم: وإذا أوصي بعتق ثلث عبده، وأوصي له ببقية ثلثه، أو بمال مسمي؛ فالعتق مبدأ، إلا ثلث رقبته، ويكون ما أوصي له بيده، يكون بيده. قال، في كتاب ابن المواز: إذا أوصي لعبده بربع نفسه، وثلث ما بقي من ماله سوي العبد؛ فليعتق ربعه، ولا يستتم عليه باقيه فيما بقي، ولكن يأخذه. وإذا لم يقل: سوي العبد. ولكن قال: وله ثلث ما بقي. فإنه تدخل رقبته في ذلك حتي يعتق كله، أو حمل منه، ثم يقوم ما بقي من العبد في مال إن كان له؛ في قول ابن القاسم، ورواية ابن وهب أحب إلي. قال أشهب: وإذا أوصي لعبده بثلث نفسه، لم يعتق غير ثلث رقبته. وإن كان له مال، بقي موقوفا بيده. ومن العتبية، روي أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن أوصي بثلث ماله لعبده، وأوصي لأجنبي بثلث ماله؛ فإن الثلث بين العبد والأجنبي، فما صار للعبد عتق فيه بقدر نصف الثلث. ومن المجموعة، قال أشهب، في عبد بين رجلين؛ أوصي له أحدهما بثلث ماله؛ فإن ثلثه حر، ويعتق عليه ما بقي منه للميت ومصابه شريكه بالقيمة. فإن بقي من الثلث بقية دفعت إليه، وإن لم يف ثلث الموصي برقبته، فليبدأ فيه بعتق مصابه الموصي. فما بقي من الثلث عتق فيه من مصابه الشريك ما حمل. وكشريك أعتق نصف مصابته، ولا مال له غير حصته في العبد. فاستتمام نصفه عليه أولي من تقويم نصيب شريكه.
في الأمة الموصى لها بجزء من التركة تلد، وكيف إن كان في التركة من يعتق عليها؟
في الأمة الموصي لها بجزء من التركة تلد وكيف إن كان / في التركة من يعتق عليها؟ وفي العبد تحته حرة قد أولدها فأوصي لجميعهم بالثلث من المجموعة، قال معن بن عيسي، عن ابن القاسم، عن مالك، فيمن أوصي بثلث ماله لجاريته فولدت قبل موته، فإن ولدها هؤلاء لا يعتقون معها، وأما ما ولدت بعد موته فيعتقون معها في الثلث إن حملهم، وإلا فبالحصص فيها وفيهم. وإن حملهم وبقيت بقية، كانت لأمهم دونهم. وقال ابن أبي حازم: ما ولد لها قبل موته، وبعد الوصية من ولد، وما كان للميت ممن يعتق عليها، فإنها تبدأ عليهم، حتي تخرج هي حرة في الثلث؛ فما بقي منه، عتق فيه هؤلاء عليها؛ وإن لم يسعها هي الثلث، فلا عتق لأحد من قرابتها. ومن العتبية (¬1)، قال سحنون: إذا أوصي لعبده بثلث ماله، وللعبد ولد معه؛ فليبدأ بالأب في الثلث فيعتق. وما بقي من الثلث، عتق فيه الابن ـ يريد: يعتق علي الأب، لا بالوصية ـ. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: فإن أوصي بثلث ماله لابن عبده، والابن حر، فإن كان كبيراً، وقبل الوصية، عتق عليه أبوه. وإن لم يقبل، عتق ثلث الأب. وإن كان صغيرا، عتق ثلثه فقط، وإن كان الثلث يجاوز فيه الأب. وكذلك في المجموعة، عن ابن القاسم، وأشهب. وروي علي عن مالك، في التي أوصت لابن أمتها بنصف ثلثها، وهو حر صغير: أنه يعتق من الأمة، نصف ثلث الأم، ويكون له نصف ثلث سائر التركة، ولا يضمن نصف ثلث الأم. ¬
قال أشهب، وعلي عن مالك، فيمن أوصي لرجل بثلث ماله، وفي التركة أخ للموصي له، فأراد / الموصي له أن يأخذ الوصية، وسكت عن أخيه لئلا يعتق عليه. قال: الوصية، عتق بملكه عليه كله وأدي للورثة ثلثي قيمته. وقاله أشهب. وله أن يقبل الوصية إلا ثلث أخيه فلا يقبله، ولا يلزمه عتق باقيه، ولكن يعتق ثلثه. ومن كتاب ابن سحنون، قال ربيعة، في عبد له امرأة حرة، وولد منها، فأوصي لجميعهم بالثلث، فليعتق العبد في ذلك؛ لأن ولده ملكوا بعضه، وملك هو من نفسه البعض. قال سحنون: وتطلق عليه امرأته؛ لأنها ملكت بعضه ـ يريد: إن قبلت ـ قال سحنون: إن كان الولد أربعة، قالثلث بينهم أسداساً؛ فللعبد ثلث السدس من نفسه، ولبنيه أربعة أسداس ثلثه؛ يعتق نصيبه ونصيبهم منه، ويبقي للزوجة سدس ثلثه، وينظر إلي ما وقع له ولبنيه من بقية ثلث الميت. فإن وسع بقية ثلث العبد عتق فيه، وإلا فما وسع من ذلك. وإن كان فيه وبنيه من الثلث بقية كانت بينهم علي خمسة أجزاء، وعتق سدس الزوجة فيما للعبد من ذلك. فإن لم يف، عتق الباقي علي بنيه فيما لهم من ذلك إن قبلوا الوصية. قال سحنون: لا يقوم علي العبد باقية من مال، إن كان له غير الوصية ـ يريد سحنون: علي رواية ابن وهب، عن مالك ـ قال سحنون: لأنه ملك بعض نفسه، فكان كعبد شركه في نفسه غيره، فلا يحكم في ماله بغير إذن شريكه.
فيمن أوصى أن يجمع ثلثه في أمة له فتعتق فيه أو وهب له بعض ورثته ميراثه
فيمن أوصي أن يجمع ثلثه في أمة له فتعتق فيه/ أو وهب له بعض ورثته ميراثه، فأوصي أن يجمع ذلك كله في هذه الأمة. من المجموعة، قال المغيرة، فيمن أوصي أن يجمع ثلثه في أمته، فيعتق منها محمل الثلث، وطلب من أحد ورثته، أن يهب له ميراثه منه في جميع تركته ففعل، فأوصي أن يجمع ذلك أيضا في عتق الأمة؛ قال فليعتق منها محمل الثلث، ويعتق منها أيضا نصيب الوارث الذي أعطاه حقه، مقدار نصيبه من الأمة، ولا يحمل في عتقها ما أعطاه وراثه، من بقية تركته؛ لأن الورثة يقولون: ليس علينا أن يؤخذ حقوقنا منها بالقيمة. وقد استوفي الميت ثلثه، وإنما له أن يفعل ذلك بباقي ثلثه فقط. يريد: لأن ذلك حكم في ثلثي المال؛ لأنه قد استوعب ثلثه، فصار كأنه مال للأمة، ويدخل فيه الاختلاف عندي، فيتم عليه علي قول من يري أن يتم عتق في مال؛ إن كان له قديما. فيمن أوصي لعبده بدنانير أو أوصي له بشئ من ثمنه، أو لغيره بمال منه وللعبد بقية نفسه من كتاب ابن المواز: ومن أوصي لعبده بخمسة وعشرين دينارا، فكانت تخرج من الثلث، فإن وجدت الخمسة وعشرون دينارا (¬1) حاضرة، ولم يحتج فيها إلي شئ من ثمن العبد، لم يكن في ذلك عتق، وإن لم يوجد إلا أربعة وعشرون (¬2)، والثلث خمسة وعشرون، فلا يتم الثلث إلا من ثمن العبد؛ رجع ذلك عتقا، فعتق من العبد ثلث جميع الميت. وكذلك لو أوصي لعبده بدرهم أو دينار، / ولم يقل: من ثمنه. وليس له غير العبد؛ فليعتق قدر ذلك من ثمنه إن كان ذلك ديناراً أو ¬
درهماً. فإن كان ذلك قدر عشر رقبته، أو نصف أو ربع العشر، عتق منه بقدره إذا خرج ذلك من الثلث. وكذلك في وصيته بدنانير كثيرة، أو دراهم؛ فإن كان للميت من سوي العبد قيمة عدد ما أوصي به وذلك يخرج من الثلث؛ فلا عتق في هذا، ويأخذ العبد وصيته. وإن لم يكن فيما سوي العبد ما يحمل وصيته، وكانت وصيته تخرج من الثلث، إلا أن العبد أكثر من الثلثين بمقدار ما ـ وإن قل ـ فهذا يرجع في رقبته، فيعتق بها. محمد: لأنه علي نفسه عتق حين ملك بعض بقيته. وإن فضل له من الثلث شئ، عن رقبته، أخذه. وإن خس ثلثه عن عتق جميعها، عتق منه مبلغ الثلث من جميع التركة، أو مبلغ وصيته؛ أولهما. فإن قال الورثة: نحن نعطي العبد ما أوصي له به من عدد الدراهم والدنانير، ولا يعتق منه شئ. فليس ذلك لهم إذ لا نفع في ذلك لهم. وكما لو قالوا: نبيعه، ونعطيه من ثمنه. لأن الوصية صارت فيه، فهم مضارون إن أبوا أن يعتقوا بالوصية، ويصير لهم الولاء. فقد طلبوا ما يضر بهم وبالعبد. ومن العتبية (¬1)، من رواية عيسي، عن ابن القاسم، وقد تقدم في باب: من أوصي لعبده بجزء منه، ومن أوصي لعبده بدنانير أو بدابة فليعط ذلك العبد، ولا يعتق فيه. قال سحنون: هذا إن كان ذلك أقل من ثلثه. وأما إن كان ذلك أكثر من الثلث، فليعتق فيها، ويصير كالموصي له بالثلث، أو بجزء من ماله. وهو معني قول/ ابن القاسم، وقاله أصبغ. قال ابن حبيب: قال أصبغ: هذا استحسان، والقياس أن يعطي من نفسه ثلثها، ومن كل شئ ثلثه؛ قال هذا في وصيته له بشئ بعينه، أو بغير عينه، عال فيه علي الثلث، ولم يجز الورثة. ¬
ومن المجموعة، وكتاب محمد، قال ابن القاسم، فيمن أوصي لأخت له لا ترثه ـ بعشرة دنانير، في عبد الموصي. وأوصي في ذلك العبد بباقي ثمنه له. قال مالك: وإن كان أوصي أن يباع، فيعطي للأخت من ثمنه عشرة، وباقي الثمن للعبد؛ فليفعل ذلك إن حمله الثلث. وإن أوصي أن أن يباع منه بعشرة للأخت، ويكون للعبد بقية نفسه عتقا؛ فلينفذ ذلك، ويباع منه بما ذكر للأخت، ويعتق باقية، إن حمله الثلث. ولو كان للعبد ما يؤدي منه العشرة، أخذ منه، وعتق، ويقوم في ذلك ماله. وذلك يقع للورثة في مريد الولاء، ولم يضر به أحدا، فلا يمنع من ذلك. قال علي عن مالك فيمن أوصي في أمة له أن يعطي ثمنها لابن لها حر، فليس ذلك عتقا، ولتبع، ويدفع للابن ثمنها إن حملها الثلث. ولعله أراد أن ينفعه بالثمن لئلا تعتق عليه. قال ابن القاسم وأشهب فيمن أوصي أن يباع عبده بثلاثين دينارا فيعطي منها فلان عشرة. قالا: فإن بيع بثلاثين فأكثر، فليس له منها إلا عشرة. قال ابن القاسم: فإن بيع بأقل من ثلاثين، وأكثر من عشرين، فإنما له ما زاد علي عشرين، فإن بيع بعشرين فأقل لم يكن له منها شئ. وكذلك روي عيسي عن ابن القاسم في العتبية وروي عنه محمد بن خالد، أن له ثلث ما بيع به العبد إن بيع بأقل من ثلاثين. وقال أشهب: / له عشرة يبدأ بها. ولو لم يبع إلا بعشرة فأقل، فله جميع الثمن. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن قال: بيعوا نصيبي من هذا العبد، فأعطوا منه فلانا عشرة دنانير، وما بقي فللعبد؛ فليبع جميع نصيبه من العبد، فيأخذ فلان منه عشرة دنانير، ويأخذ العبد ما بقي. ولا عتق فيه. ومن العتبية، روي أصبغ عن ابن القاسم، في أختين شقيقتين بينهما عبد، فأوصت إحداهما أن يعطي أختها لأبيها من نصيبها في العبد عشرة دنانير، وباقي
فيمن أوصى بحرية عبده أو أوصى له بثلث ماله وللميت شاهد بذلك هل يحلف معه؟
العبد صدقة علي نفسه. والأخت للأب لا ترثها؛ قال يباع من نصيبها في العبد بعشرة دنانير للأخت، ثم يعتق ما بقي من حصتها، إن حمله الثلث. وقال أصبغ: ولا تعطي بها حصة في العبد، إلا برضا الأخت للأب، فيعطي بما يسوي منه العشرة الآن. ولا يأخذ بقدر ما كان يباع فيه من أجزائها (¬1). قال ابن القاسم: وإن أوصت أن يباع نصيبها من العبد، فيعطي فلان عشرة، وما بقي فللعبد؛ فهاهنا يباع نصيبها كله، فينفذ علي ما قالت. قال أصبغ: ولا عتق فيه لأنها وصية بمال؛ قالت: بيعوا نصيبي أو قالت: نصيبي كله. فذلك سواء. وقد تقدم في باب: من أوصي لعبده بجزء منه، أو بثلث ماله شئ من مسائل الوصية له بمال. فيمن أوصي بحرية عبده أو أوصي له بثلث ماله وللميت شاهد بدين، هل يحلف معه؟ ومن أعتق في مرضه ثلث عبده وباع منه الثلثين بمحاباة من المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أشهب فيمن أوصي لعبده بثلث ماله، وترك دينا بشاهد فإن العبد يحلف مع الشاهد/ ويستحق. ولو أوصي أن عبدي حر، لم يحلف العبد. قال، في كتاب ابن المواز لأنه كتسمية دنانير قدر رقبته، فلا يحلف كما يحلف الموصي له بالثلث، وكذلك الموصي له بدنانير، وقاله ابن وهب وابن دينار. ومن العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أعتق في مرضه ثلث عبد، ولا يملك غيره، ثم باع من العبد ثلثي نفسه بلا محاباة، ثم مات فالبيع نافذ. فإن لم يقبض الثمن حتي مات، إذا دفع ذلك العبد. ¬
فيمن أوصى أن يباع عبده من فلان أو للعتق أو ممن أحب
قال أصبغ: إذا دفع العبد ذلك من غير مال يكون للعبد. قال محمد: لأن ماله صار موقوفاً بيده يعتق بعضه، وكأنه رأي للعبد منفعة في نفسه بحرية بعضه. فإن كان ثمن ثلثي العبد تركة للسيد، وأقر اسم عتق ثلث العبد، وإن أنفق ثمن الثلثين، ولم يوجد، رق من الثلث الذي أعتق ثلثاه، وعتق ثلثه؛ يريد: ويعتق ثلثا المبيع. فيمن أوصي أن يباع عبده من فلان أو للعتق أو ممن أحب أو قال: اشتروا عبد فلان قسمة أو لفلان من كتاب ابن المواز والمجموعة، قال ابن القاسم وأشهب عن مالك، فيمن أوصي أن يباع عبده رقبة أو من فلان أو ممن أحب؛ فإنه يوضع منه ثلث ثمنه، ويجبر الورثة علي ذلك، أو ما حمل الثلث منه، ولا يبدأ علي الوصايا منهم إلا الذي يباع رقبة للعتق، فليبدأ. قال علي، عن مالك، في المجموعة: إذا أوصي أن يباع للعتق فلم يوجد من يشتريه بثمنه، فليوضع عنه ما بينه وبين ثلث ثمنه. قال بعض أصحابنا في موضع آخر: لأنه علم أن الميت / قصد إلي التخفيف من الثمن؛ إن احتيج إلي ذلك، فخفف الثلث الاجتهاد، إذ هو حد بين القليل والكثير. وكذلك إن أوصي أن يشتري عبد لفلان فيعتق، أو لفلان. فقد علم أنه قصد توفير الثمن علي هذا. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وخالف ابن وهب مالكا في القائل: بيعوا عبدي ممن أحب، واشتروا عبد فلان فأعتقوه. قال: يزاد في المشتري، وينقص في المبيع ما بينهما وبين ثلث الميت، لا ثلث الثمن. قال أصبغ: ولو قال: اشتروا عبد فلان بالغا ما بلغ. فإني أستحسن في هذا أن يبلغ ثلث الميت؛ لقول ابن وهب في الوجه الآخر.
وذكر ابن المواز، عن مالك؛ أنه إذا قال: اشتروه بما بلغ؛ أنه لا يزاد علي ثلث ثمنه. قال، في كتاب ابن المواز، في المبيع للعتق، أو ممن أحب؛ فإن لم يجد من يأخذه بوضيعة ثلث ثمنه فليخير الورثة بين بيعه بما يعطون، أو يعتقون ثلث العبد. وأما المبيع لفلان، إن لم يرض بوضعية ثلث الثمن، قيل لهم: إما أن تبيعوه بما يعطي، أو فاقطعوا له بثلث العبد. قال ابن القاسم: ولم يختلف قول مالك في المبيع للعتق فيما ذكرنا. قال ابن المواز: بل اختلف قوله بما هو أصوب، وبه أخذ أكثر أصحابه. يروي عنه أشهب، في المبيع رقبة، أو ممن أحب؛ أنه إن حمله الثلث فإنهم إن لم يجدوا من يأخذه بوضيعة ثلث الثمن واستوفي به، فلم يوجد، فلا شئ عليهم. وإن لم يحمله الثلث، خيروا بين بيعه بوضيعة ثلث ثمنه. وإلا أعتقوا منه مبلغ ثلث الميت كله. هذا في المبيع / رقبة، أو ممن أحب. فإن بدلوه بوضيعة ثلث الثمن فلم يجدوا من يبتاعه، واستوفي فلا شئ عليهم فيه. قال أشهب: وقال أيضا مالك في المبيع للعتق، إن لم يوجد من يشتريه إلا بنصف ثمنه أو بثلثه؛ فإنه يباع بما يعطي به، ويجعل في الثلث. قال: وإنما الذي كنت أقول: إنه إن لم يشتر بوضعية الثلث رجع ميراثا. وإن وجدوا بدي علي الوصايا. وقال أيضا: ما يشبه أن يبدا، وما أدري ما حقيقته؟. قال ابن المواز: فإن أوجدوا من يشتريه بثمنه، أو بأكثر، فليس عليهم وضيعة إلا أن يسمي فيقول: بيعوه من فلان إما لعتق، أو لغير عتق. ولابن القاسم غير هذا؛ قال ابن القاسم: إذا قال: من فلان. فانحل فإن لم يقل: عنه. قال أشهب: إذا قال: بيعوه تسمية ولم يقل: من فلان. فليس عليهم ذكر الوضيعة ولهم بيعه بما يمكنهم إلا أنهم إن لم يجدوا، فليحصوا ما بينهم
وبين ثلث ثمنه؛ لأن الوضيعة في هذا للعبد لا للمشتري. فإن قال: من فلان. لعتق أو غير عتق فعليهم أن يخبروه بالوصية؛ لأنها وصية له. فإن لم يخبروه رجع عليهم بما زاد علي ثلثي الثمن. قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قال: ممن أحب. فهي وصية للعبد، ولهم ألا يخبروا المشتري. وروي أشهب عن مالك مثله، في العتبية (¬1) والمجموعة. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن قال: بيعوها من فلان أو ممن أحبت. فبيعت ممن أحبت وكتم، فلا رجوع له بشئ. وقال أشهب عن مالك. وقال ابن المواز: وإن قال بيعوه. ولم يقل: للعتق، ولا من فلان، ولا ممن أحب؛ فليس بشئ، ولهم / ألا يبيعوه. وكثير مما ذكر ابن المواز، عن مالك، وأشهب، في هذا الباب؛ ذكر مثله عنهما ابن عبدوس. ومن المجموعة، قال ابن كنانة، في الموصي فيه أن يباع ممن أحب؛ فلا يقام للمزايدة، ولكن يجمع له ثلاثة أو أربعة فيقوم، ثم يحط ثلث القيمة. وإن أوصي مع ذلك بوصايا لم يبدأ عليها. ولو أحب العبد أن يشتريه رجلان ـ يريد: هذا أو هذا ـ فليتزايدا فيه، فمن وقع عليه وضع عنه ثلث ذلك الثمن. أراه يريد إن تزايدا علي أن يحط الثلث، وإلا فلا يحط، وقد تطوعا بالزيادة. قال ابن كنانة: ولو قال: بيعوه رقبة، قومه العدول، ثم يحط ثلث القيمة، وبدئ علي الوصايا. قال أشهب، في الذي يباع ممن أحب؛ إن أبي من أحب أن يأخذه بوضيعة الثلث، فله أن ينتقل إلي غيره ممن أحب. ولو طالت (¬2): ما لم يطل ذلك حتي يضر بالورثة. فإن لم يحمله الثلث، أو كان العبد هو المال كله، فليس عليهم أن يبيعوه بوضيعة ثلث ثمنه، ولا بثمنه كله. ولو وجدوا من يشتريه بذلك، ولكنهم ¬
يخيرون بين بيعه، أو يقطعون (¬1) له بثلث الميت، يعتق فيه. فإن لم يجد ممن أحب من يأخذه بثلثي ثمنه، عاد رقيقا وبطلت الوصية. ولو قال: بيعوه من فلان ولم يقل: للعتق. فلم يبيعوه منه بثلثي ثمنه لأنه لا يخرج من الثلث؛ قطعوا لفلان بثلث الميت. ولو بذلوه له بوضيعة ثلث ثمنه فأبي سقطت الوصية. وأما البيع للعتق فهي وصية له ولفلان. فإن لم يحمله الثلث ولم يبيعوه بوضعية ثلث الثمن أعتقوا منه محمل الثلث لأنه يصير عتقا / مبدأ علي وصيته لفلان. وإن أبدلوه له بثلثي الثمن فلم يفعل، فلا شئ له ولا للعبد. قال ابن الماجشون، في المبيع للعتق إن لم يجدوا من يأخذه بوضيعة ثلث ثمنه فإنه يستقر ملكه، فتزول الوصية بحكم حاكم، أو بعلم من العدول. قال سحنون مثل قول أشهب؛ أنه ليس للمريض أن يوصي ببيع عبده ممن يعتقه إن لم يحمله الثلث وإن لم يحاب، إذ لا حكم له في الثلثين. قال أشهب: ولو لم يملك غير عبد أوصي بثلثه لرجل، وأن يباع (¬2) من ثلثه بالقيمة فلا وصية له في الثلثين. قال ابن القاسم: إذا قال: بيعوه ممن أحب ولا يملك غيره، فأحب العبد رجلا بذل فيه ثلثي قيمته فللوثة ألا يبيعوه منه. قال علي، عن مالك: وإن قال: بيعوه رقبة ولا مال له غيره فأبي الورثة بيعه، قيل لهم: إما بعتموه رقبة وإلا فأعتقوا ثلثه. وقال أشهب، في البيع ممن أحب إذا لم يجد من يأخذه بوضيعة الثلث، ممن أحب؛ إن الوصية تبطل. وأنكر قول من قال ـ يعني ابن القاسم ـ: يقال لهم بعد ذلك: بيعوه بما وجدتم وإلا فأعتقوا ثلثه. وقال: لو كان هذا أصلا، (¬3) لكان إن لم يفعلوا أعتقوا منه ثلث الميت. وهذا حكم ما حالت فيه الوصايا. ¬
ومن العتبية (¬1)، قال أشهب، عن مالك، في الذي قال ببيعه ممن أحب، ومعه وصايا يلحقه فيها عول لا يعرف مبلغه، فبيع الآن ممن أحب بمائة ـ وهي قيمته ـ علي أن يحط ثلثه، أو ما يلحقه منه مع العول فلا يجوز؛ لأن ذلك مجهول، إلا أن يبتاعه بثمنه علي أن تكون / الوضيعة للعبد. فما وقع له في العول أخذه العبد، فيكون كماله المستثني؛ إن شاء انتزعه أو تركه؛ فذلك جائز. وقال عيسي، عن ابن القاسم، في المبتاع ممن أحب، إذا ضاق عنه الثلث، رجع إلي معني العتق لأنه عبد معتق ثلثه، فإذا صار إلي العتق بدئ علي الوصايا. وإن لم يدع غيره، وأوصي لرجل بعشرة؛ فإما أن يبيعوه بوضعية الثلث، وأعطوا العشرة لفلان، وإلا ما أعتقوا ثلثه، وبطلت الوصية. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب، عن مالك: إذا أوصي أن تباع رقبة، وأوصي بوصايا، فليوضع ثلث ثمنه، ويبدأ علي الوصايا. وإن قال: يباع ممن أحب، وضع ثلث ثمنه ولم يبدأ. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: إذا خلعوا الثلث، دخل العتق، وبدي في الثلث. قال أشهب: فإن فضل من الثلث، فهي لأهل الوصايا. قال عبد الملك: فإن أجازوا وصية العبد ولم يجزوا الآخرين، مضي عتق العبد كما شرط بغير وضيعة إلا وضيعة تكون من حصة الورثة. قال: وإن قال: بيعوه رقبة. فإن وجدوا من يشتريه بوضيعة ما بين ثمنه عبدا، وثمنه رقبة، واستوفي به طويلا؛ عتق في الثلث، أو ما حمل. وقال ابن القاسم: إن قال: بيعوه ممن أحب؛ فلم يأخذه الذي أحب إلا بنصف قيمته ـ وقيمته ثلاثون ـ وضاق الثلث، فرضي الورثة ببيعه بذلك؛ ¬
فليحاص أهل العبد في ثلثه أهل الوصايا. وهو عشرة، وتكون الخمسة التي وضعها الورثة من أموالهم./ ولو قال: يباع للعتق. والسؤال بحاله، فالثلث هنا مبدأ، ويكون السدس من أموال الورثة. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصي أن يباع عبده ممن أحب، أو من فلان، فأعتقه الورثة فليس لهم ذلك، وليبيعوه بوضعية الثلث. ولو قال: بيعوه مم يعتقه، فشاؤوا كلهم عتقه، فذلك لهم. قال أشهب: وإذا بيع للعتق كما أمر، ثم طرأت وصايا فلا يضره ذلك. ولو قال: يباع ممن أحب أو من فلان، فهذا يحاصه أهل الوصايا. ولو طرأ دين لرد عتقه؛ قال: يباع للعتق، أو ممن أحب. إلا أن يكون الثلث واسعا يحمله بعد الدين. فإن لم يكن كذلك، وقال: يباع ممن أحب، فبيع، فاعتقه المبتاع، فليرجع علي المشتري فيما وضع له، ويمضي عتقه إياه. ولو قال: بيعوه رقبة، أو من فلان يعتقه. ثم طرأ دين، فلا يرجع علي مشتريه، وليرجع في ثلثه، لا في ثلثيه. وقال أصبغ: قال محمد: ولو طرا دين يبقي بعد وفائه ما يخرج من ثلثه، لم يرد منه شئ. ولو لم يبق ما يحمله ثلثه، رق ما عجز عن ذلك، وقوم ما رق منه علي المعتق. وكذلك لو طرأ دين يرق به ثلث العبد لعتق علي المبتاع وقوم عليه. وكذلك لو قال: ثلث عبدي لك، علي أن تعتقه؛ فأعطاه ثمن الثلثين، وأعتق جميعه، ثم طرأ دين علي المبتاع فلا سبيل لغرمائه، إلا علي ثلثي العبد. ولو طرأ عليهما دين قبل العتق رد عتق جميعه، وإن لم يطرأ إلا علي المبتاع فلا تقويم علي البائع. وأحب إلينا أن يرتجع الورثه العبد كله، ويردوا ما أخذ من الثمن، ويبيعوه لمن يعتقه.
فيمن أوصى أن تباع جاريته ممن يرفق بها أو يحبها أو يولدها
وقال ابن حبيب: / قال أصبغ، في الموصي أن يباع ممن أحب، فإن أبي من أحب أن يأخذه بوضيعة الثلث قبل للورثة: بيعوه منه بما طلب، وإلا فأعتقوا ثلثه. ولو كانت أمة، فحملت من المبتاع لم يرد ذلك، كالمدبر، رضيت أم كرهت، وكذلك الموهبة ممن يعتقها تباع فتحمل من المبتاع. قاله ابن القاسم. وقال أشهب: ترد إلي ربها بالثمن. قال أصبغ: ويرجع المبتاع علي الورثة بثلث ثمنها، وبثلثي قيمة عيب كتمان الوصية للذي دخل عليه من ذهاب ثلثي ثمنها. قال ابن حبيب: قال أصبغ، فيمن دبر عبده في مرضه، وقال: إن حمله ثلثي فأعتقوه، وإن عجز منه شئ، فخذوا منه كذا، وكذا. أو قال: خذوا منه شيئا وأعتقوه. إن ذلك لا يلزمهم؛ لأنه ليس له أن يقضي فيما جاوز ثلثه. فيمن أوصي أن تباع جاريته ممن يرفق بها أو يحبها أو يولدها أو أوصي في صغيرة أن تباع ممن أحبت فرضيت الأم بالتفرقة من العتبية (¬1) قال أبو زيد: قال ابن كنانة وابن القاسم، فيمن أوصي أن تباع جاريته ممن يرفق بها، فلتبع ممن يري أنه يرفق بها من غير شرط ولو أبي حتي يوضع عنه ثلث الثمن. ومن المجموعة، قال ابن كنانة: إذا أوصي أن تباع ممن يتخذها أم ولد، أو ممن يحبها، وضعوا له من الثمن. قال: تباع بغير شرط ممن يرجون أنه يتخذها أم ولد، ومن يرفق بها. فإن فعل ذلك، فذلك. وإن لم يفعل، وباعها، فلا شئ عليه. ¬
فيمن أوصى أن يشتري عبد فلان للعتق أو لفلان
ومن العتبية (¬1)، روي / أشهب عن مالك، فيمن أوصي في صبية أن تباع ممن أحبت ولها أم؛ قال: لا يفرق بينها وبين الأم، إلا أن تشاء الأم، ويكون ذلك علي وجه النظر للصبيه فيمن يملكها. قال ابن نافع في المجموعة: لا يفرق بينهما ـ وإن رضيت الأم ـ ولتبع معها، ولا يوضع من ثمنها، كما لا يوضع من ثمن الأمة. فيمن أوصي أن يشتري عبد فلان للعتق أو لفلان وكيف إن أوصي مع ذلك ببيع أحد أو بوصايا من كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أوصي أن يشتري عبد فلان فليشتر، ويزد ربه ثلث الثمن إن لم يرضي، ويبتدأ علي الوصايا، فإن امتنع، استوفي به حتي يطول الزمن ويعتق أو يموت، ثم يرجع ذلك ميراثا. قال ابن القاسم: وانكر قول من قال: يرجع ذلك في رقاب. وقاله أصبغ. قال ابن وهب: يستأني به إلي موته، أو عتقه قيمته وثلث ثمنه، أو ما حمل منه الثلث، وإن قل. قال محمد: وقاله أشهب، عن مالك، وخالفه. وقال: لا يستأني به، إذا أبي ربه البيع. قال عبد الملك في المجموعة: إذا أوصي أن يشتري فيعتق أعطي قيمته، وبأقل. فإن أبي، ردوا إلي القيمة وثلثيها. قال أشهب، في المشتري للعتق، أو لفلان. والثلث يحمل فيمته وثلثها، فليشتروه بذلك وإن كرهوا، فإن لم يبعه ربه أصلا، استبرأ، واستوفي، فإن تمادي علي إبائه فلا شئ عليهم فيه، ولا في ثمنه للعتق ولا لفلان. ¬
وروي ابن وهب عن مالك، في المشتري للعتق، أن يستأني به بقدر ما يري الولي من / الاجتهاد. فإن أبي فليس عليهم شئ. وإن تطوعوا برقبة فحسن. قال أشهب: ولو قال قائل: يعطي الموصي له الثمن، لكان غير الوصية؛ لأنه لو ضاع ببيعه وطلب الموصي له أخذ الثمن لم يكن له ذلك. قال: وإن لم يخرج الثمن لم يكن له، وثلثه من ثلث الميت؛ اشتري بمبلغ الثلث ليس عليهم أكثر منه. كما لو قال: يشتري للعتق، فإن بيع به جبروا عليه، وإن لم يبع به، لم يكن عليهم شئ لربه، ولا للموصي لهم. ومن كتاب ابن المواز: ولو قال: يشتري عبد فلان ولم يقل: للعتق. أو قال: بيعوا عبدي من فلان. فلا استيناء فيه، إذا أبي هذا من البيع، وهذا من الشراء؛ سقطت الوصية. فإما بيعوه للعتق. أو: اشتروه للعتق فيستحسن أن يستأني بالثمن. قاله مالك وابن القاسم وابن وهب. قال مالك: وإن قال: اشتروا بما قام، فأعتقوه من ثلثي. فلا يزاد علي ثمنه. وإن ابي تؤني به، وذكرها ابن عبدوس، عن مالك، ولم يذكر مما قام. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أوصي بعتق رقبة بستة عشر دينارا، فقيل له: جارية فلان. فقال: اشتروها. فاشتروها بعشرين ومات؛ قال: هي من الثلث. قال محمد: يعني لا يعتق غيرها، فإنه معني ما قصد إليه الميت؛ لقول مالك: من الثلث. فجعلها الوصية نفسها ولو لم يحملها محمل الوصية، لكانت من رأس المال، ولكان يشتري غيرها بستة عشر من بقية ثلث تركته. وإن قال: اشتروا عبد فلان، فأعتقوه، وبيعوا عبدي ممن يعتقه، وضاق؛ فليبدأ الذي يباع للعتق، إن كان يخرج / وحده من الثلث، بوضيعه ثلث ثمنه. ويقال للآخر: إما بعته بما قضوا في العبد الاخر؛ إن كان بقية الثلث، وإلا رجع ذلك ميراثا. ولو كان ثم فضل غيره، أضيف إليه؛ ما لم يزد علي ثمن المشترى، أو ثلث ثمنه.
فيمن أوصى أن يكاتب عبده ويعطى فلان من كتابته كذا
وإما إن لم يخرج عبد الميت من ثلثه قهم مخيرون؛ إما باعوه بثلثي ثمنه واشتروا الآخر من ثلثي الثمن بما يخرج منه من ثلث الميت. فإن بيع بذلك، وإلا فلا شئ عليهم. وإن شاؤوا أعتقوا من عندهم مبلغ ثلث الميت كله. ومنه، ومن العتبية (¬1)، روي أشهب، عن مالك، فيمن أوصي أن يشتري عبد بعض ورثته فيعتق؛ قال يزاد في ثلث ثمنه كالأجنبي ولا يتهم وإن علم أن الحكم يوجبه ذلك؛ وإن بلغ ثمنه مائة دينار. محمد: وروي عنه ابن القاسم: لا يزاد في ثمنه شئ. وقاله ابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، وأصحابهم. قال أشهب: ولو كانت الزيادة يسيراً من كثير، لم ترد. وهي وصية لوارث. قال في العتبية (¬2): ولا أخذ بقول مالك في زيادة الثلث للوارث إلا أن نخس قيمة العبد حتي لا يتهم [أن يزيد بمثل ذلك ولاته] (¬3)؛ فإنه يزاد ثلث ثمنه في هذا. وأما إن كان ذا ثمن فلا يزاد، ويتهم. فإن أبي البيع بطلت الوصية. فيمن أوصي أن يكاتب عبده ويعطي فلان من كتابته كدا أو في السبيل وكيف إن أوصي لرجل بألف مما علي مكاتبه وأراد الورثة دفعها إليه، فأبي من ذلك؟ من المجموعة، قال المغيرة: ومن أوصي أن يكاتب عبده بألف فيعطي منها فلان أربعمائة فأبي فلا شئ له في رقبته. وقال ابن نافع: إذا قال / أد إلي فلان مائة وأنت حر. فخرج من الثلث، ثم عجز عنها؛ فإنه يرجع ميراثا وتبطل الوصية. ¬
فيمن أوصى أن تشترى رقبة فتعتق ولم يذكر ثمنها
وقال علي، عن مالك، فيمن أوصت أن تجعل علي خادمتها ثلاثمائة درهم؛ تؤدي كل شهر خمسة دراهم؛ فما أدت فهو في السبيل، فإذا أدت؛ فهي حرة فإن أدت (¬1) صدرا ثم عجزت، قال: تباع ويتصدق بثمنها في السبيل. من العتبية (¬2)، روي أصبغ، عن ابن القاسم، فيمن أوصي لرجل بمائة درهم مما علي مكاتبه؛ فقال الورثة: نحن نعطيك الألف، وتكون جميع الكتابة لنا فأبي قال: لعله يعجز، فتكون لي فليس ذلك له، ويلزمه أخذ الألف إذا أعطوها له. وإن أوصي أن يعتق نصف مكاتبه، ويؤخر عنه النصف؛ فقال بعض الورثة في ثلاث سنين. فقال بعض الورثة: أنا اضمن هذه الثلاث نجوم، وأعتق النصف الباقي فلا خير فيه، فإن نزل، فالعتق ماض، وإن حل نجم وقد أعدم الضامن فلا رجوع علي العبد، ويتبع الضامن، والعبد حر؛ وولاؤه للمعتق الأول. وهذا الباب يستقصي في: كتاب: المكاتب، وذكر الوصية بجزء من الكتابة، أو بمال منها، وغير ذلك، والاختلاف فيه. فيمن أوصي أن تشتري رقبة فتعتق ولم يذكر ثمنها، ولا واجباً أو تطوعاً ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصي بشراء رقبة تعتق عنه، ولم يسم الثمن؛ قد روي ابن القاسم عن مالك أن ذلك يخرج بالاجتهاد بقدر الثلث في قلة المال وكثرته، ويحاص بذلك أهل الوصايا. وقال أشهب: لا ينظر إلي قلة الثلث وكثرته، ولكن / يشتري رقبة وسطا كما قيل في العشرة ولو عجز الثلث عن رقبة وسطا؛ في الواجب وغيره، ويحاص بهذا وهذا استحسان، والقياس أن يحاص بقيمة أدني النسم، كما تجزئ عن المتظاهر، ¬
فيمن أوصى أن يشتري عبد بعينه بكذا فيعتق ولم يبع إلا بزيادة
وقاتل النفس، والأول أحب إلي كما قلت في المتزوجة علي خادم: إنها تكون وسطة. وفي باب بعد هذا؛ ذكر الوصي يشتري رقبة معينة أودنيئة أو بشرط العتق. فيمن أوصي أن يشتري عبد بعينه بكذا فيعتق ولم يبع إلا بزيادة فزادها العبد أو غيره نقدا أو إلي أجل من المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: ومن أوصي أن يعتق عنه عبد بعينه بخمسة عشر دينارا، فأبي ربه بيعه بذلك، فزاده العبد عشرة دنانير ليبيعه ممن يريد عتقه؛ فإن نقده الزيادة فذلك جائز ولا شئ علي الوصي. وأما علي أن يكتب علي العبد دين فلا. ومن كتاب ابن المواز، وهو في العتبية (¬1)، من رواية عيسي، عن ابن القاسم، فيمن أوصي؛ أن اشتروا عبد فلان بستين ديناراً فأعتقوه، وأعطوا العبد عشرين دينارا. فأبي ربه إلا بثمانين؛ فيعطية العبد العشرين الموصي له بها؛ فلا يعجبني أن تكون ي ثمنه؛ إذ لعله أراد أن يكفه بها. ولو أداها العبد من مال بيده؛ لم أر به بأسا. ولو انه أدي العشرين أمضيت ذلك، ولم يكن للعبد رجوع فيها. ومن العتبية (¬2)، والمجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك، ورواه ابن وهب، في المجموعة: ومن أوصي أن يشتري رقبة بثلاثين فتعتق. / فأبي ربها ألا بأربعين؛ فزاد العشرة أخ للعبد حر فبيع، وعتق ولم يعلم الوصي بما زيد، ثم أعلم فأنكر، وقال: لا أرضي إلا أن يشترك في عتقه. ¬
قال ابن القاسم: أري له متكلما. قيل: فماذا تري؟ قال ما تبين لي فيها شئ. قال ابن القاسم: أري لك متكلما قبل: فماذا؟ وبلغني عن إبراهيم وعن مالك؛ أنه كعيب يرجع علي البائع بقدره. قال: ومعناه أن ينظر إلي قيمته بشرط العتق، وقيمته بلا شرط؛ فإن كان بين ذلك الربع أو الخمس رجع بقدر ذلك من الثمن كما لو بيع وعليه دين كتمه. قال ابن القاسم، عن مالك: وإن أوصي بمائة دينار من غلة حائطه في رقبة تعتق عنه، وأوصي بوصايا، ومات بعد مدة غلت فيها (¬1) الرقيق، فلا يؤخذ بذلك رأس، فأراد الوصي أن يزيده من عنده تبرعاً؟ قال: لا يعجبني قبل موارثه، أو من أوصي له من أقاربه، فلم ير به بأسا. قيل: فهل يوجد بأرض الروم بذلك أعجمية؟ قال: ما يعجبني؛ وهذا لم يرده الميت. قال عنه ابن وهب: ولا يعتق بالمائة في عتق رقبة يعتقها غيره. ولكن لو اشتري هو وآخر رقبة بمائتين فتعتق جاز ذلك إذا لم يوجد بالمائة رقبة. ومن المجموعة، قال ابن كنانة فيمن أوصي إذا اجتمع من مالي كذا، وكذا؛ أن تشتري به رقبة فتوقف؛ تسقي الناس الماء. فأراد الوصي أن يجعل ذلك من ماله حتي يجتمع المال. قال لا يفعل. وليخرجه من مال الميت. قال ابن نافع: ومن أوصي بثلثه / في رقبة فلا تكسر الرقبة منه، وليشتره (¬2) كله. ¬
فيمن أوصى برقبة تعتق، هل تشترى بشرط العتق؟ أو يشترى أخوه؟
فيمن أوصي برقبة تعتق هل تشتري بشرط العتق؟ أو يشتري أخوه؟ وكيف إن سمي ثمنا فلم توجد به رقبة؟ وفي الموصي ينقص من التسمية أو يزيد أو يشتري رقبة معيبة أو ذمية من كتاب محمد: ومن أوصي في رقاب؛ أن تشتري، فتعتق؛ فلا تشتري بشرط العتق. فإن فعل ذلك الوصي ذلك؛ فإن كان عن واجب، ولم يصلح، وهو متعد. وإن كان تطوعا، رجوت أن تجزي. وقال أشهب: لا نأمر بالشرط فيها. وقال محمد: يريد: في التطوع، لأنه سمي ثمنا، فتقد. أو لم يسم، فقدر الأثمان من غير الشرط، فنفدت؛ ولم ينقص منه الشرط. قال مالك: وأما الواجب، فلا يشتري بشرط العتق في وصية أو غيرها. ابن حبيب: قال أصبغ: إذا أوصي بعتق رقاب، ولم يقل إنها واجبة عليه أو غير واجبة، فينبغي أن يجتنب فيها من العيب، ما يجتنب في الواجبة خوفا أن تكون واجبة. ولو اشتري الموصي رقبة بشرط العتق، فأعتقها رجوت أن تجزئ في الوصية إذا فاتت بالعتق. وإن كانت لا تجزئ في الواجب. وكذلك إن اشتراها متعمدا بعيب لا تجزئ مثله في الواجب، فإذا فاتت بالعتق، لم يزد، زلا يضمن، وإن اشتري نصرانية، فأعتقها لن تجز، ويضمن الوصي تعمد أو أخطأ أو جهل وظن أنها مسلمة لأن هذه مما لا يتقرب بها في الوصايا بالعتق. ولا آمر بذلك الوصي، ولكن إن فعل مضي، ولم يضمن إلا أن ينص له الميت أنها واجبة فيضمن ما اشتري بالشرط أو بعيب لا يجزئ
مثله؛ تعمد ذلك أو جهله أو أخطأ يضمن الثمن، ويشتري به رقبة أخري، ويمضي عتق الأولي. وولاؤها للميت. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال مالك: وإن أوصي بخمسمائة في رقبة للعتق يوجد بها رقبة بشرط العتق، لا يجد مثلها بغير شرط إلا بتسعمائة. قال: يشتري دونهما بخمسمائة؛ بلا شرط. ورواها عنه أشهب. قال أشهب: وهو الذي أحب، إذا وجدوا. ألا تري أن أوصي بمال في رقبة، فلم يسع أنه يشارك به في رقبة؟ ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، فيمن أوصي أن تعتق عنه رقبة بألف. وثلثه لا يحمل؛ فليشتر (¬1) ما يحمل ثلثه. فإن لم يوجد، شورك به في رقبة. فإن لم يوجد، أعين به في آخر كتابة مكاتب يعتق بها. وقاله مالك، وأشهب. قال أشهب: لا يعجل به إذا لم يوجد به رقبة حتي يبلغ إياسه، فيفعل الباقي فإن عجزوا، لا يعجل حتي يبلغ إياسه؛ فحينئذ يعان به في آخر الكتابة. فإن لم يوجد أعين به مكاتب علي أي حال كان. وكذلك الوصية بالحج لا تبلغ، فليحج به من حيث يبلغ، أو يعان به حاج من حيث أوصي كل ذلك واسع. قال في كتاب ابن المواز: وأحبها أن يحج بها من حيث أوصي. [وقال ابن القاسم: من حيث بلغت] قال أشهب، في الكتابين: وإن أوصي أن يعتق / عنه بماله كله، فلم يجز الورثة؛ فليعتق عنه بالثلث. ولا قول لمن قال: تبطل الوصية. أرأيت لو قال: تعتق عني نسمة بمائة من مالي، ومائة من مال فلان أو: بمائة، وخمر. بطلت الوصية. ولو قال بمائة بعينها؛ فوجد بعضها واديا (كذا)، أو استحق، ورضي البائع. فما بقي أبطل الوصية. ¬
فيمن أوصى لأمته أن تعتق أو تباع للعتق فأبت وكيف إن قال خيروها
ومن المجموعة، قال ابن كنانة: وإن أوصي بشراء رأسين للعتق بمائة؛ كل رأس بخمسين؛ فاشتري الوصي رأسا بثمانين، وأخري بعشرين؛ فلا يجوز مثل هذا التفاوت. ولو كان بينهما مثل الدينارين والثلاثة لجاز. قال مالك: ومن أوصي بشراء رقبة تعتق عنه، فاشتري الوصي أخاه؛ فإن كان تطوعا جاز. وإن كان عن واجب، فغيره أحب إلي. قال ابن القاسم: لأن ثلثه كله ينفذ بعد موته بأمره، فهو كما له كله في حياته؛ لا يجوز إلا ما كان يجوز في حياته. فإن فعل الوصي، ضمن. ولو أوصي أن يشتري أخوه. ولم يقل: فأعتقوه عني. فإنه يعتق. وفي باب في الجزء الأول، روي عيسي، عن ابن القاسم، فيمن أوصي أن يشتري عبد بخمسين فيعتق عنه. فاشتري الوصي رأسين بخمسين فأعتقهما؛ فإنه ينفذ عتقهما، وعلي الوصي ضمان خمسين؛ يشتري بها عبداً؛ فيعتقه عن الميت وهو متعد. فيمن أوصي لأمته أن تعتق أو تباع للعتق فأبت وكيف إن قال خيروها في البيع أو العتق؟ وكيف إن اختارت وجها ثم رجعت؟ من كتاب محمد، ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم، قال مالك، فيمن أوصي أن تباع / جاريته رقبة، فأبت؛ فإن كانت رائعة، فلتبع بغير شرط عتق. وإن كانت من الخدم ثمن ستين رأيت أن تباع بشرط العتق. وروي أبو زيد مثله عن ابن القاسم، وقال: فإن اختارت الرائعة البيع، فللوثة حبسها، أو بيعها، بغير شرط عتق. قال ابن المواز: وإن بيعت بغير شرط عتق، لم يوضع من ثمنها شئ. وإن بيعت بشرط وضع ثلث ثمنها. ¬
قال أشهب في المجموعة في التي أوصي أن تباع؛ فإن أراد بها الضرر مثل أن يعصيه (كذا)، أو الرجاء لمثلها في الملك أفضل، أو تتخذ للولد، وإذا اعتقت لم يتزجها إلا أو باش الناس، فلها أن تأبي. وإن كانت من الوخش، فلتبع للعتق؛ وإن كرهت؛ لأن العتق أرجي لها؛ لأنها في الملك تستخدم وتمتهن. قال سحنون: وقد قيل: لا ينظر إلي قولها علي كل حال للعتق. إلا أن لا يوجد من يشتريها بوضعية الثلث. وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم مثل ما في العتبية (¬1)، وقال أصبغ: وكذلك لو قال لورثته: أعتقوها. فقالت: لا أحب العتق. فهو مثله في القياس، ولكني أستحسن ـ إن حملها الثلث ـ أن تعتق. وإن لم يحملها. أو كان إنما قال: تعتق ثلثها، أو نصفها. فلم يرد ذلك وهي رائعة؛ فالقول قولها. وهذا إذا قال: افعلوا. ولم يقل: هي حرة إذا مت. أو نصفها. فأما إذا قال هذا؛ فلا ينظر إلي قولها، ولتنفذ لها الوصية. وقال أصبع: إذا أوصي أن تخير؛ فإن اختارت العتق أعطيت مبلغة. وإن اختارت البيع بيعت، فخيروها، وكتموها، وكتموها المائة، أو كتموها الوصية كلها، وبيعت. قال: يرد البيع، وتخير، فإن حلمت من المبتاع/ نظر؛ فإن حملها الثلث، وحمل المائة؛ عتقت، وأخذت المائة. وإن لم يحمل غيرها؛ عتقت، وسقطت المائة؛ إلا أن يبقي من الثلث شئ، فيأخذه من المائة. وإن كانت معها وصايا أخذ ما ينوبها في الحصاص بالمائة. وإن لم يحمل رقبتها عتق منها ما حمل الثلث من مال الميت. وعتق باقيها علي المشتري، ويرجع المبتاع في مال الميت بحصة ما عتق من الميت منها في الثمن، ويرجع من قيمة العيب الذي كتموه بقدر ما عتق علي المبتاع منها. وإن أوصي بعتقها، فباعوها، فأولدها المبتاع؛ فإن حملها الثلث؛ فهي حرة بالوصية، ويرجع المبتاع بالثمن. ولا شئ عليه في الولد؛ لأنها حرة. ¬
وإن حمل نصفها؛ عتق ذلك في الثلث، ويرجع بحصته من الثمن، وعتق باقيها علي المبتاع، ويرجع فيها بقيمة ما قابله من العيب. ومن العتبية (¬1) والمجموعة قال ابن القاسم عن مالك في الموصي لها أن تخير في البيع (¬2) والعتق؛ فذلك لها. فإن اختارت البيع، ثم بدا لها في البيع؛ فذلك لها عندي. فإن قالت: بيعوني من فلان. وقالوا: نبيعك في السوق. فذلك لهم، ولا عندي. فإن قالت: بيعوني من فلان. وقالوا: نبيعك في السوق. فذلك لهم، يوضع من ثمنها بشئ؛ فإن اختارت البيع، أو العتق، ثم رجعت عنه؛ فإن كان في إبقاف من الإمام، ولا يحضره عدول ليخيروها وشهدوا بذلك فذلك لها؛ ما لم يوقفها القاضي، أو تشهد بينة له بما اختارت. فإن شهد له عليها عدول، ولم يسألوها ليشهدوا عليها، ولا أوقفوا للاختيار، فهو سواء، ولا رجوع لها. ابن حبيب، عن أصبغ، / عن ابن القاسم؛ في الموصي لها أن تخير في العتق، فلا رجوع لها عنه. وإن اختارت البيع فلها الرجوع إلي العتق؛ ما لم تبع. وقال أصبغ: ليس لها ذلك لأنه حق صار للورثة. وأما إن كان ذلك لغير إيقاف من الإمام، أو تفريع من شهادة، فلها أن ترجع في ذلك. قال عيسي وابن عبدوس: فإن اختارت البيع، فردت بعيب، فأرادت أن ترجع إلي العتق؛ لم يكن لها ذلك. وقال ابن وهب: بل ذلك لها؛ لأن بيعها لم ينفذ بعد. قال مالك: فإن أعتقها بعض الورثة قبل أن تخبر؛ فليس عتقه بشئ، وتباع إن أحبت. وقاله ابن القاسم. ¬
فيمن أوصى بعتق أمته بتلا أو إلى أجل فبيعت، وكيف إن ولدت من المبتاع؟
ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: وإن أعتقها الورثة قبل أن تخير؛ فليس ذلك، وهي علي خيارها. وإن اختارت البيع فلا يوضع من ثمنها شئ. وإن اختارت العتق، ثم رجعت إلي البيع، أو اختارت البيع، ثم رجعت إلي العتق حين لم يوجد من يشتريها إلا بوضيعة؛ فذلك لها ما لم ينفذ فيها ما اختارت أولا، أو يكون توقيف من إمام، أو قاض ـ يريد ـ فلا رجوع لها بعد ذلك. قال أصبغ: ولو كان ذلك منهم بتوقيف غرم، وإشاد علي ذلك، فهو كالقضاء، ثم ليس لها رجوع بعد عن بيع، ولا عتق. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب، في العبد أوصي له أن يعتق، فأبي؛ فليس ذلك له، ويعتق إن حمله الثلث. قال أشهب: بخلاف رد المال يوصي له به؛ إذ له رد العطية، وليس أن يرق نفسه. فيمن أوصي بعتق أمته بتلا أو إلي أجل / فبيعت، وكيف إن ولدت من المبتاع؟ من المجموعة قال أشهب، في من أوصي بعتق أمته فبيعت؛ فالبيع باطل، وهي حرة، ويرد الثمن، فإن ولدت من المبتاع لحق به بغير قيمة عليه؛ لأنها حرة. وإن كان إنما أوصي أن تعتق إلي سنة؛ فليرد البيع. والولد حر أيضا، وتؤخذ القيمة من الأب، فتوقف، وتخدم الورثة منها، حتي تنقضي السنة. فإن بقي من القيمة شئ، رد علي الأب. وإن نفدت قبل السنة لم يرجع عليه بشئ، وإن خرج بعضها من الثلث؛ فما خرج منها عتق وبيع الورثة فيها باطل، والمبتاع مخير فيما بقي منها؛ إن شاء تمسك (¬1) به، وإن شاء رده. هذا في الوصية بعتقها بتلا، فأما إلي أجل، فبيعت قبل السنة والثلث لا يحملها، فالورثة بالخيار؛ وإما أمضوا عتقها إلي سنة، ثم كان سبيلها سبيل ما ¬
في الموصى بعتقها إن حملها الثلث وتزيد قيمتها على الثلث
خرج من الثلث، وإلا بتلوا منها ما حمل الثلث، وردوا مصابته من الثمن، والمبتاع مخير فيما بقي منها إن لم تلد. وإن ولدت فلا رد له، لما بقي منها من الرق، ولكن يلزمه ذلك منها، ولا قيمة عليه في ولده، كمن ابتاع أمة؛ نصفها حر، ولم يعلم، ثم علي؛ فلا رد للنصف الرقيق، وهو عليه بنصف الثمن. وقال ابن القاسم: بل هو عليه بالأقل من نصف الثمن، أو نصف قيمتها؛ علي أن نصفها حر ويعتق النصف علي المشتري الذي ولدت منه. في الموصي بعتقها إن حملها الثلث وتزيد قيمتها علي الثلث من العتبية (¬1) والمجموعة قال ابن القاسم، عن مالك، فيمن أوصي بعتق أمته إن وسعها ثلثه (¬2) /، فضاف عنها؛ فإن بقي منها ماله بال؛ لم يعتق منها شئ. وإن بقي منها اليسير، لم تمنع العتق بذلك. وأري أن تعتق. قال ابن القاسم: وتتبع هي بذلك اليسير. قال سحنون في العتبية: أري أن يكون ذلك رقا باقيا فيها. قال ابن كنانة في المجموعة: إن بقي منها يسير، رق منها بقدره. وإن لم يسع الثلث إلا أقلها، لم يعتق منها شئ؛ لضرر ذلك علي الورثة، ولم يرد الميت ذلك. وكذلك روي ابن وهب عن مالك. فيمن أوصي ببيع داره وعبده من فلان بكذا وأوصي مع ذلك بوصايا أو لم يوص من كتاب محمد: وإن أوصي أن تباع داره أو عبده من فلان بعشرة. فإن خرج الدار، أو العبد من الثلث؛ بيع، وأعطي من ثمنه عشرة، لزيد. وإن لم يحمل ¬
فيمن اشترى عبدا أو وهب له في مرضه على أن يعتقه
ذلك الثلث؛ خير الورثة في إجازة البيع بما قال، أو القطع بالثلث في كل شئ للموصي له. وإن أوصي مع ذلك بعشرة؛ لزيد وإن لم يحمل العبد الثلث؛ خير الورثة في إجازة ذلك، وإلا قطعوا لهما بذلك في كل شئ، فتحاصا فيه؛ هذا بقيمة ما وضع عنه من ثمن العبد، وزيد بعشرة. قال أشهب عن مالك: وكذلك لو أوصي لهذا بالثلث. أو يباع عبده ممن أحب؛ فليحاص المسمي له بما سمي، ويحاص العبد بثلث ثمنه؛ فيباع بوضيعة ما وقع له في الحصاص. وإن كان قد بيع بثلثي ثمنه، قبل أن يحاص له، فأعتقه المشتري؛ أخذ من المشتري العول الذي يصيب العبد؛ لأن مات بالعتق. محمد: وذلك أن المشتري أعتقه. وأما لو أوصي أن يباع / رقبة لبدي. ولكن لو طرأ فيه دين لا وفاء له، لرجع في ثلث المعتق رقبة، لبدي وإن أعتق بقدر ذلك. وأما الثلثان فلا. فيمن اشتري عبدا أو وهب له في مرضه علي أن يعتقه، أو كان عبد ابنه ومن أعتق عبد ابنه في مرضه أو في وصيته من المجموعة قال ابن القاسم: ومن اشتري عبداً في مرضه علي أن يوصي له بالعتق، ففعل؛ فالبيع فاسد. فإن فات بعتق بعضه في الثلث بهذه الوصية؛ رد إلي قيمته يوم تبايعا، وتمضي الوصية للعبد يسع الثلث ثمنه ما يسع، وليس للبائع ارتجاع ما رق منه، بما يصيبه من الثمن. وإن قال مريض لابنه: هو (¬1) عندك؛ علي أن أعتقه عني. ففعل، فأعتقه، فرد ذلك غرماء الأب؛ فليس لهم ذلك. وإنما أعطيه علي أن يعتقه. ¬
ومن العتبية (¬1)، قال عيسي، عن ابن القاسم: من أوصي لرجل بوصية، فوهب أبو الموصي له عبدا للموصي؛ شكرا له، فأعتقه الموصي، ثم مات، والوصية أكثر من الثلث، ولم يجز الورثة؛ فليحص عتق العبد، ويخير الورثة بين إمضاء الوصية، وبين أن يعطوا قيمة الغلام للأب. فإن كانت أكثر من الثلث؛ عتق منه يحمل الثلث، ورق باقيه للورثة. وإن كان العبد قائما بعينه، والثلث أقل مما أوصي به؛ خير الورثة بين إمضاء وصيته، وإلا ردوا العبد؛ إذا لم يعتق. ومن المجموعة، قال ابن وهب وعلي عن مالك؛ فيمن أعتق عبد ابنه الصغير في مرضه، أو أوصي بعتقه؛ قال: إن حمله الثلث عتق، وأخذ من ماله ثمنه. ومن كتاب ابن سحنون سؤال حبيب /: ومن أعطي مريضا رأسأ يعتقه فأعتقه؛ قال: لا يحسب في ثلثه، وهو حر. ولو رده علي المعطي، والمعطي وارثه؛ لم يكن عطية لوارث. ¬
صفحة بيضاء
[الجزء الخامس من الوصايا]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم كتاب الوصايا الخامس فيمن أوصي أن يفرق ثلثه في المساكين أو في سبيل الله كيف يفرق؟ وفيمن يفرق؟ وهلي يعطي منه أقاربه؟ أو أوصي به لغني وفقير كيف يقسم؟ أو أوصي للأرامل؟ ومن المجموعة روي ابن وهب عن مالك فيمن أوصي بثلثه صدقة، ولم يسم شيئا؛ فلتقسم علي أهل الحاجة. قال فيه، وفي كتاب ابن المواز: وإذا قال: يقسم علي المساكين. قال في كتاب ابن المواز: ورقا وحنطة. قال في الكتابين: فليعط المتعففون أحب إلي. وإن أعطي الطوافين فواسع. ولا بأس أن يفضل بعضهم؛ للحاجة والزمانة والذين يعطيهم الورق فلا يعطيهم الحنطة. ومن المجموعة سئل ابن كنانة في الموصي بثلثه للمساكين؛ أيدخل فيه أهل الحاجة من قرابته؟ قال: لا؛ لأن المساكين منهم الذين يتكففون الناس، فهم أولاد أقاربه؛ إلا أن ينص أقاربه أو يقول: في أهل الحاجة. فيدخل فيه أهل الحاجة من أقاربه، إلا أن ينص أقاربه أو يقول: في أهل الحاجة. فيدخل فيه أهل الحاجة من أقاربه، ممن ليس بوارث، ولا موصي له، ولا تضرهم القرابة بل هم أولي أن لا يحرموا.
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف فيمن أوصي بثلثه للمساكين، فلم يقسم حتي صار بعض ورثته مساكين؛ فلم يقسم حتي صار بعض ورثته مساكين؛ فللوصي أن يعطيهم كما يعطي المساكين. ولو كانوا يوم أوصي مساكين، وليس في ميراثهم ما يغنيهم، فليعطوا علي المسكنة. وقال ابن الماجشون/: أما إذا افتقروا قبل قسمة؛ فليعطوا منه. ولو كانوا يوم أوصي مساكين لم يعطوا. وكأنه زواه عنهم؛ لعلمه بفقراهم. وقال أصبغ؛ عن ابن القاسم: لا يعطوا؛ افتقروا بعد الوصية أو كانوا فقراء. قال ابن حبيب بقول ابن الماجشون: قال مطرف وابن الماجشون: ولو كان حبس تجري غلته للمساكين؛ فقال مالك: إن ولده إذا افتقروا؛ يعطون (¬1) منه، كانوا يوم حبس فقراء، أو أغنياء. ولكن لا يعطوا جميع غلة الحبس؛ خيفة أن يندرس شأن الحبس؛ ولكن يبقي منه سهم؛ يجري علي المساكين؛ ليبقي اسم الحبس. ويكتب علي الولد كتاب؛ أنهم إنما أخذوا علي المسكنة، لا علي حق لهم دون المساكين. وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في التي أوصت بثلثها في المساكين، ولها أقارب مساكين؛ قال: فلا يعطوا جميعه وليعطوا منه (¬2)، إلا من كان وارثا. ومن أوصي بسدسه لمعينين، وسدسه الآخر للمساكين، فأعطي سدس المعينين، ثم افتقروا قبل يقسم سدس المساكين؛ فإن كانوا يوم الوصية محاويج (¬3)، فرجعوا إلي تلك الحال، فلا شئ لهم مع المساكين؛ فإن كانوا يوم الوصية أملياء (¬4)، ثم حدثت لهم الآن حاجة؛ فلهم الدخول في سدس المساكين. ¬
ومن المجموعة، قال ابن كنانة: وإن أوصي لأقاربه، وللمساكين بوصية، فلا يعطي من ذلك الغني من أقاربه، ولكن المحاتجين؛ وكأنه إذ جمعهم مع المساكين؛ إنما قصد لذوي الحاجة منهم. قال ابن القاسم: بلغني عن مالك / في الموصي بثلثه في السبيل، والفقراء، واليتامي؛ فليقسم بالاجتهاد؛ لا أثلاثا. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إن قال: ثلثي لقرابتي، وللمساكين. فلا يعطي قرابته نصفه، ولا يعطي أغنياؤهم، ولكن فقراؤهم بالاجتهاد. قال ابن القاسم، وأشهب: وإن قال: ثلثي لفلان، وللمساكين. فلا يعطي النصف، ولكن بالاجتهاد؛ بقدر حاجته، وحاله. قال محمد: ولو مرت فلان قبل يقسم له، فلا شئ للمساكين. قل أشهب: وكذلك لو قال: ثلثي بين بني إخوتي، وبين بني أختي وبين ولدي فلان. فلا يكون بينهم أثلاثا، ولكن قدر الحاجة والعدد. وقاله ابن القاسم. وقال: ليس كالقائل: ثلثي لفلان؛ وفلان. وأحدهما فقير، والآخر غني؛ فالثلث بينهما نصفين. قال أشهب في الكتابين: وإن قال: ثلثي لفلان، ولبني فلان، قال: ففلان كرجل من بني فلان؛ يأخذ كأحدهم. ومن المجموعة، وغيرها قال ابن القاسم عن مالك: إذا أوصي أن يتصدق بثلثه علي المساكين؛ درهما درهما. فأعطاهم نصفا نصفا، فجوزوه؛ قال ابن القاسم: إن كان ذلك لأمر، لزمه من قدر أو غيره؛ يعرف ذلك من حضره؛ فإن زاد الوصي علي ما أوصي به، أو نقص، ضمن. وإن كان ذكره للدرهم علي وجه تفرقته وصيته، حتي تتم، فما زاد الوصي، أو نقص علي وجه النظر، فجائز، ولا يضمن. وذكر المسألة في العتبية (¬1)؛ من سماع ابن القاسم. ¬
وذكر ابن المواز، في السؤال؛ فكثر المساكين، فأعطاهم نصف درهم بين رجلين؛ قال: لا شئ عليه. ومن العتبية (¬1)، وكتاب ابن المواز ابن القاسم / عن مالك فيمن أوصي بصدقة؛ دينار من غلة له؛ في كل سنة؛ في قمح. هل يفرق بمد النبي ـ عليه السلام ـ، أو بمد هشام؟ قال: إن كثر الطعام؛ فبمد هشام. وإن قل؛ فبالمد الأصغر. قال أبو زيد عن ابن القاسم في الموصي لأيتام المعافر وأراملهم بمائة دينار؛ فإن كان الموصي من المعافر، وسكناه بالريف، وكان إذا قدم الفسطاط نزل المعافر؛ فالمائة لأيتام المعافر وأراملها من أهلها، لا لسكانها من غيرهم. وإن كان الموصي ليس من أهل المعافر، لكنه بها ساكن. أو لم يكن يسكن بها؛ فهي لكل من سكن المعافر؛ من يتيم أو أرملة؛ كانوا معافرين، أو غير معافرين. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أوصي بشئ في السبيل؛ فليخرج ذلك في الغزو، ولا يخرج في حج، ولا عمرة. وإن تأخر إبان الغزو. وقال عنه أشهب فيه وفي العتبية (¬2): ولو كات الموصي بالمدينة، فقدم قوم من المصيصة حجاجاً، فقطع بهم؛ فلا يعطوا منه؛ لأنهم أبناء سبيل، وليسوا بسبيل. وليعط المتحملين في الغزو، أو بيعت به إلي هناك. قيل فقد يموت المعطي قبل يصل. قال: ما ذلك عليك. قال مالك: إنما سبيل الله الغزو. وأما ما كان من السواحل لا يخاف فيها من العدو، ولا يتحفظ منهم كثير تحفظ؛ فلا يعطي فيها شئ. وقال أشهب: الإسكندرية، ودمياط، وشبهها من السواحل؛ من مزاجين أهل الشام ومصر؛ الذي يخاف أهلها، ويخاف عليهم؛ فذلك غزو. وإن شاء بعض ورثته الغزو/ وإن كان له بنات وبنت ابن؛ دخلت مع عماتها؛ قال أشهب: لأن الموصي لبني فلان مائة؛ يدخل ولد الولد؛ بخلاف المواريث. ¬
قال ابن القاسم: والقسم بينهم سواء الذكر والأنثي. قال أصبغ: وهذا مما لم يختلف فيه. قال محمد: هذا إن سماهم، أو عزلهم بذات أنفسهم، ولم يرد إبهامهم وقوله: بني فلان. علي الإبهام؛ حتي يعلم أنه أراد ذات أنفسهم؛ فيقسم بالسواء. فأما إذا أبهمهم؛ فهو لمن أتي بعد ذلك. قال: ولو كان لفلان، أو لولده امرأة حامل؛ لدخل ما في بطنها في الوصية مع الولد؛ وإن وضعته بعد موت الموصي. وذلك إن لم يردهم بأسمائهم. قال محمد: فإن قال: لولد فلان. وليس له غير ولد واحد؛ فالثلث كله له. ولو قال: لبني فلان كان له ثلث الثلث؛ لأن أقل البنين ثلاثة. وفي قول أشهب؛ في الواحد؛ فهو مثله؛ لأن أقل الإخوة ثلاثة، إلا أن يكون مستفيضا في أفواه الناس؛ أن الإخوة اثنان (¬1): وليس هذا كالفرائض. ومن العتبية (¬2)؛ روي أبو زيد؛ عن ابن القاسم؛ في الموصي بمائة لبني يزيد، فليدفع إلي من كان من ولد يزيد. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أشهب: وإذا أوصي بثلثه لفخذ، أو لبطن، أو لقبيلة؛ يحصون أو لا يحصون؛ يعرفون أو لا يعرفون. أو قال: لبني فلان، فالثلث بينهم بقدر الحاجة؛ الذكور والإناث؛ بقدر حاجتهم، لا علي عدتهم. ¬
قال ابن المواز: / وقال ابن القاسم؛ فيمن أوصي لبني فلان؛ ولا ولد له، فمات ولم يولد له؛ وقف. وإن لم يعلم؛ فالوصية باطل. وقال أشهب: الوصية باطل؛ علم أنه لا ولد له أو لا يعلم إذا مات الموصي، ولا ولد للموصي له؛ إلا أن يموت، لفلان حمل يومئذ. قال محمد: كل من أوصي لقوم باعيانهم، تعمدهم، وعلم أنه عزاهم وحدهم، وليس بحبس؛ فالقسم بينهم بالسواء. ومن مات منهم بعد موت الموصي، وقبل القسم فحقه لورثته، ولا يدخل معهم من ولد. قاله مالك وأصحابه أجمع، وعليه ثبتوا. قال مالك: إلا الغلة الجارية، أو سكني؛ فيؤثر فيه أهل الحاجة. قال محمد: وذلك إذا قال: لهؤلاء النفر. وهم عشرة؛ فالأمر علي ما قال ابن القاسم، وأصبغ، فأما إن قال: لولد فلان. وإن عرف عدتهم يوم أوصي، فهو علي الإبهام، والقسم علي قدر الحاجة، ولاحظ لمن مات، ولا يحرم من ولد. وروي نحوه أشهب عن مالك، وقال به. ولو قال: ثلثي لفلان وفلان، وأولادهم. لم يقسم إلا علي قدر الحاجة، ولاحق لمن مات، ولا يحرم من ولد. وقاله ابن القاسم؛ فيمن قال: لإخوتي وأولادهم. أو لبني فلان. وقاله أشهب. وهو أحب إلينا. ومن المجموعة، ذكر قول ابن القاسم، وسحنون في المدونة، في ولد فلان، وفي الأخوال وبينهم إذا كانوا عددا معلوما (¬1). وقال ابن المواز: قال مالك في الموصي لأخواله، وأولادهم: إنه لمن أدركه القسم. ---------------- (¬1) في الأصل، كانوا عدد معلوم والصواب ما أثبتناه.
فيمن أوصى لقرابته أو لأهله أو لآله أو لمسكنته أو لرحمه أو ما أشبه ذلك
قال محمد: / ولو قال: لأخوالي أو لإخوتي. لم يكن لأحد سوي من كان حيا منهم يوم أوصي؛ وهم كالمعينين. من مات منهم قبل موت الموصي فلا حق له، ولا لورثته. ومن مات بعده؛ فحقه ثابت ما لم يدخل الولد، فيكون قد أبهم. قال عنه ابن وهب وابن القاسم في قوله بتمرة حائطه لقوم وولدهم؛ فذلك علي من أدرك جذاذه. قال مالك: وكذلك لمسكنة بني فلان؛ فهو يوم القسم. فيمن أوصي لقرابته أو لأهله أو لآله أو لمسكنته أو لرحمه وما أشبه ذلك من كتاب ابن المواز والمجموعة قال مالك فيمن أوصي لأقاربه بمال؛ فليقسم علي الأقرب فالأقرب؛ بالاجتهاد. قال مالك في العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: ولا يدخل في ذلك ولد البنات. وقاله في كتاب ابن المواز. قال عيسي: وينظر فيه علي قدر ما يري، ويترك؛ فربما لم يدع غير ولد البنات، وولد الخالات. قال مالك في كتاب ابن المواز: ولا يدخلون في وصيته لولده، وعقبهم. قال ابن عبدوس: قال ابن كنانة في الموصي لقرابته وله أعمام، وعمات، وأخوال، وخالات، وبنات أخ، وبنات أخوات فليقسم ذلك الإمام بينهم علي الاجتهاد علي قدر مسكنتهم. فإن كان له أعمام، أو إخوة، أو بنو أخ؛ وبنات الأخت؛ من ذلك. وليس فيه قدر، ولكن بالاجتهاد. ¬
قال علي عن مالك: إذا كان له بنو بنين، وإخوة، وبنو إخوة، أو قرابته ما كانت فإنما فيه الاجتهاد، ويفضل أهل / الحاجة منهم، ولا يفضل لقرابته. وهو لجميع أقاربه، ويدخلون فيه من قبل أبيه وأمه، ويعطي فقراء أبناء ورثته وفقراء أبناء من لم يرثه. وهو لمن حضر القسم، ولا شئ لمن غاب. قال ابن القاسم في العتبية (¬1)؛ من رواية عيسي. وذكر عنه ابن المواز نحوه: لا يدخل الخال والخالة، ولا قرابته من الأم؛ إلا أن تكون له قرابة من قبل الرجال. قال عنه عيسي: وهذا آخر قوله: والنساء والرجال فيه من قبل الأب شرع (¬2) سواء. قال عن ابن المواز: ويبدأ بالفقراء، ويعطي بعد ذلك الأغنياء. قال أشهب فيه وفي المجموعة في الموصي لقرابته: إن كل ذي رحم منه؛ من قبل الرجال، والنساء محرما (¬3) أو غير محرم؛ فهو قرابة ولا يفضلوا بالقرب، وأسعدهم به أحوجتهم. وإن كان له أخ، وابن خال؛ وابن الخال أفقرهم، فليس الأقرب أولي، وذو الحاجة يؤثر؛ ولكل فيها حق. ولا يدخل قرابته الوارثون؛ استحساناً وليس بقياس؛ وكأنه أراد غير الوارث، كالموصي للفقراء بمال، ولرجل بمال وهو فقير؛ فلا يعطي مما الفقراء، وكما لا يعطي العامل عليها الفقير سهمين في الزكاة. وكذلك إن لم يقل: لقرابتي. وقال: ذو رحمي. قال ابن عبدوس قال ابن الماجشون: إذا قال علي قرابتي ورحمي. فإنه يدخل فيه الخولة والقرابة، حيث ذهبت، وبنو البنات، وبنات البنات. قال ابن المواز: قال أشهب: ومن أوصي لقرابته، وله قرابة مسلمون، ونصاري؛ فهم في ذلك سواء، ويؤثر الأحوج. ¬
ومن العتبية (¬1) عن أصبغ عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز؛ فيمن أوصي بثلثه / للأقرب، فالأقرب؛ وترك أبويه وجده، وأخاه، وعمه؛ فلتقسم عليهم بقدر حاجتهم إليه، ويفضل الأقرب، فالأقرب. قال محمد: قال مالك: ما لم يكونوا ورثة؛ فإنا نري أنه لم يرد بوصيته ورثته. قال فيه وفي العتبية (¬2): والأخ أقرب من الجد، ثم الجد. قال عنه عيسي: يبدأ بالأخ، فيعطي أكثر من الجد؛ وإن كان الأخ أيسرهما ثم يعطي الجد أكثر من العم؛ وإن كان أيسر منه، ثم يعطي العم ولا يعطي الأخ جميعه. ولو كان الذي أوصي به علي هذا حبس، فالأخ الأول وحده. فإذا هلك صارت لجده، ثم بعده العم. قال في المسألة الأولي: وإن كانوا ثلاثة إخوة مفترقين؛ فالأخ الشقيق أولي، ثم الذي للأب، وإن كان الأقرب موسرا، والأبعد معدما، فليعطي الأقرب علي وجه ما أوصي، ولا يكثر له. وإن كانت وصية علي وجه الحبس؛ فالأخ أولي وحده لا يدخل معه غيره. قال عنه أصبغ في العتبية (¬3): في الموصي لقرابته بمال؛ فليقسم علي الأقرب فالأقرب. ويبدأ بالفقراء، حتي يغنوا منها فإن فضل منها شئ؛ عطف به علي من بقي من أقاربه من الأغنياء. قال لنا أبو بكر ابن محمد: إن قال: علي قرابتي. نظر إلي المال، فإن كان قليلا كان لأهل حرمه دون غيرهم. وإن كثر دخل فيه الخؤولة، وغيرهم. قال ابن كنانة في الموصي لأقاربه، وسماها صدقة، ولم يسم أهل الحاجة، ولا غيرهم؛ فلا يعطي إلا الفقراء خاصة. فإن يذكر صدقة؛ فأغنياء قرابته وفقراؤهم في ذلك سواء. إلا أن يريد الفقراء دون الأغنياء. ¬
قال ابن القاسم، عن مالك / في العتبية (¬1)، والمجموعة، وكتاب ابن المواز: ومن أوصي لأهله؛ فعصبته أهله. وإني لأري لأخواله. قال في المجموعة: ومواليه حقاً، ولكن العصبة أبين. ويجتهد في مثل هذا، ويثبت، ولا يعجل. قال ابن المواز: قال ابن القاسم ومن قال: ال فلان، فهو كقوله: أهل فلان. وهم العصبة، والبنات، والأخوات، والعمات. ولا تدخل فيه الخالات. قل أبو زيد عن ابن القاسم: وإن لم يبق منه إلا الخال، والخالة لم يدخل فيه، وهو لعصبته دونهما (¬2). قال ابن وهب في العتبية (¬3) من رواية أصبغ: إذا أوصي بثلثه علي مسكنته؛ فهم الذين يرجع لهم (¬4) نسبه، ومواليه عتاقه. قال ابن القاسم: ونري في سعه المال أن يؤثر به القرابة؛ الأقرب فالأقرب. ويعطي مواليه من ذلك، ولا يحرمون إذا كانوا مساكين. وينظر الموصي باجهاده؛ ولا يخيب هؤلاء، ولا هؤلاء. وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن حبيب قال: وقال مطرف، وابن الماجشون: إذا أوصي بثلثه لقرابته، أو لرحمة، أو لذوي رحمه، أو لأهله، أو لأهل بيته؛ فإن قولنا ـ وهو قول مالك وأصحابنا ـ: أنه يدخل في ذلك جميع قرابته، ورحمه، وأهله من قبل أبيه وأمه أي ذلك قال: يدخل فيه الأعمام والعمات، والإخوة والأخوات، والأخوال والخالات، وبنوهم الذكور والإناث، وبنو البنات، وبنات البنات، ومن أشبههم من القرابات؛ من كل من لم يرثه؛ ممن حجب، أو ممن ليس بوارث. وذكر أصبغ عن ابن القاسم قال: ليس لقرابته، وذوي رحمه، وأهله من قبل أمه من ذلك شئ، مع قرابته من قبل أبيه، في جميع ذلك، ولا لود البنات؛ / إلا ¬
فيمن أوصى لمواليه
أن لا تكون له قرابة من قبل أبيه؛ فيكون ذلك لجميع قرابته من قبل أمه، ولولد البنات؛ لأنه يري أن إياهم، أراد إذ لم تكن له قرابة من قبل أبيه، فيكون ذلك لجميع قرابته؛ من قبل. وكان من قبل أمه له قرابة قليلة؛ مثل واحد، واثنين. وبقول مطرف وابن الماجشون أقول. ولكن يؤثر الأقرب فالأقرب؛ علي قدر القربي والحاجة. ولكلهم فيها حق. قال ابن الماشجون في موضع آخر من كتاب ابن حبيب: ويقسم بينهم علي الاجتهاد، ويؤثر الأقرب فالأقرب، والأحوج؛ إن اتسع المال. ولابد من عمومهم كلهم؛ فإن ضاق المال؛ سوي بينهم فيه؛ لأنهم كلهم قرابة. ومن المجموعة، والعتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: ومن أوصي بثلثه للفقراء من فخذه. فإن لم يكن فيهم؛ ففي الذين يلونهم. قال مالك: ويبدأ بالذين أوصي لفقرائهم بقدر، ولا يعطي أغنيائهم. ثم إن فضل شئ؛ أعطي مسكنة الأقصين. وذكره أشهب في كتاب ابن المواز. قال موسي بن معاوية عن ابن القاسم: إذا أوصي لفقراء بني عمه، وأقاربه بغلة حائطه، فلم يشهد علي ذلك إلا أغنياء بني عمه؛ قال: لا يجوز شهادتهم إلا في شئ تافه، أعطي مسكنة الأقصين. وذكره أشهب في كتاب ابن المواز. قال موسي بن معاوية عن ابن القاسم: إذا أوصي لفقراء بني عمه، وأقاربه بغلة حائطه، فلم يشهد علي ذلك إلا أعتياء بني عمه؛ قال: لا يجوز شهادتهم إلا في شئ تافه؛ لا يتهمون في مثله، ولعلهم لا يدركون ذلك. وإذا استغني بعض فقرائهم، وافتقر بعض أغنيائهم؛ فإنما لمن كان يوم القسم فقيرا؛ عند كل غلة. وكذلك في تنقل أحوالهم مرة بعد مرة. وقاله مالك. فيمن أوصي لمواليه من المجموعة، وكتاب ابن المواز قال مالك من أوصي بصدقه علي مواليه، وله موال من / قبل أبيه، وموال من قبل قرابة له يتوارثون؛ فليبدأ بالأقرب فالأقرب من مواليه دنية، ويعطي الآخرون منه إن كان في المال سعة، إلا أن يكون في ¬
الأباعد من هو أحوج من الأقارب؛ فيؤثرون عليه. ويبدأ أهل الحاجة؛ أباعد أو غيرهم. قال مالك في سماع ابن القاسم من العتبية (¬1)، وكتاب ابن المواز: وما في ذلك أمر بين غير ما يستدل عليه من كلامه، ويري أنه أراده. قال عيسي وسحنون عن ابن القاسم: إن بين من أعتق بخاصة؛ وإلا فكلهم مواليه. وروي ابن المواز عن ابن القاسم أن مالكا اختلف قوله؛ فقال: يدخل فيه كوالي أبيه. وقال مثل القول الذي ذكرنا. قال ابن المواز: يدخل فيه كل مولي له يوم مات؛ كان هو أعتقهم، أو ورث ذلك من عصبته قريبة أو بعيدة، ويؤثر الأحوج ممن كان، ويقسم بينهم بقدر حاجتهم. قال ابن عبدوس: قال علي عن مالك؛ في قوله: علي موالي: إنه يدخل فيه موالي الموالي، مع الموالي. وقال ابن الماجشون: إن قال علي الموالي عتاقه. فهو لمن أعتق خاصة، لا لموالي مواليه، ولا موالي أبيه، وجده، ولا أولاد من أعتقه الموصي. وإن قال: لموالي. وهم ممن يحاط بهم؛ فكذلك. وإن كانوا كثيرا متفرغين، مجهولين، ولم يقل: عتاقه. دخل فيه موالي الموالي، وأبناؤهم، وأبناؤهم، وموالي أبيه، وأخيه. وروي ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم أنه إن قال ثلثي لموالي. فذلك لمواليه العتاقة، ولموالي مواليه، ولأبنائهم، ولمن جر ولاءهم؛ كان مواليه ممن يحاط بهم، أو متفرعين، حتي يقول: لموالي عتاقه. ¬
وذكر عن ابن الماجشون مثل ما ذكر عنه ابن عبدوس، ورد، وقال: / قال لموالي وقد انقرض مواليه عتاقه، ولهم موال وأولاد؛ فذلك عليهم جميعا؛ كان مواليه العتاقة الذين انقرضوا يحاط بهم، أو متفرعين مجهولين. ومن المجموعة: علي عن مالك: وإن أوصت امرأة لمواليها، ولم تقل: عتاقة. أو تري أنها أرادت شيئا بعينه، ويعلم بذلك أنما أرادت من أعتقت وولد من أعتقت، كمن قال: ولا ولد له أصلي هذا أو عبدي علي ولدي. علمنا أنه أراد من عبد له، ويكون حبسا؛ لأنه أراد مجهوله. ولو قال: وله أولاد عبدي هذا لولدي. كان لهم مالاً يفعلون ما شلؤوا، ولا ينتظر به في (¬1)، ولا نسب. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ عن ابن وهب: إذا قال: ثلثي لموالي. وله انصاف موال، فليعط كل نصف منهم نصف ما يعطي المولي التام؛ إن جعل لكل واحد عشرة، فلهؤلاء خمسة خمسة. قال ابن المواز: ورواها ابن القاسم عن ابن وهب عن مالك. وقال ابن حبيب: إذا كان ليس له إلا أشقاص موالي؛ نصف مولي، وثلث آخر، وربع آخر، ولغيره باقي الولاء؛ فالوصية لهم، وهم فيها سواء. ولو كان له موال، وهم تامون (¬3) وأشقاص موالي؛ فإن أخذ المولي التام دينارا؛ أعطي من له نصف ولائه نصف دينار، ومن له ثلثه دينار. وقاله أصبغ. ومن العتبية (¬4) روي عيسي عن ابن القاسم عن مالك، وذكره ابن المواز عنه في الموصي لمواليه أنه يدخل في امهات أولاده المعتقون بعده، ومدبروه إن خرجوا من الثلث، وفضلت منه فضلة. ¬
فيمن أوصى لجيرانه ما حد الجوار؟ وذكر عيال الجار وحشمه
قال عنه ابن المواز: فأما المعتق / (¬1) ولو كان من فوق اثنان أو واحد، ومن أسفل اثنان أو واحد؛ ومن أسفل اثنان أو واحد؛ قال: قالثلث بيهم علي عدتهم، ولأنه لما قال: موالي [ولا يلزم كل فوقه هذا إلا سلام منفردة. علمنا أراد جمع جميعهم] (¬2). ومن العتبية (¬3)، وكتاب ابن المواز روي أشهب عن مالك في من أوصي بحوائط له علي مواليه، وأولاد أولادهم؛ يأكلون تمرها؛ لكل إنسان منهم أربعون صاعا، أوصي بذلك إلي رجل؛ فأراد وصيه أن يبتاع لهم من ثمر الحائط رقيقا للحائط يعملون فيه؛ ليكون ذلك أعدل فيما بينهم وبين الورثة، فأبي ذلك الموالي؛ فليس ذلك لهم. ولكن لا أري أن يشتري ذلك لهم، في عام واحد، فبقطع بهم. ولكن يشترون؛ بعضهم في ثمرة، وبعضهم في تمرة أخري. ولا يسترون ذلك في مرة واحدة. فيمن أوصي لجيرانه ما حد الجوار؟ وذكر عيال الجار وحشمه من المجموعة قال عبد الملك فيمن أوصي لجيرانه؛ فحد الجوار الذي لا شك فيه؛ ما كان يواجهه، والجوبة (¬4) المستقبل بعضها بعضا؛ يجمعهم الطرق، والمدخل والمرج، وما وزي ذلك مما لصق بالمنزل من ورائه وجنباته. فأما إن تباعد بين العدوتين، حتي يكون بينهما السوق المتسع؛ فإنما الجوار فيما ذكرنا من أحد العدوتين. وقد تكون دارا عظمي ذات مساكن كثيرة، كدار معاوية، وكثير بن الصلت؛ فإذا أوصي أهلها الجيرانه؛ اقتصر به علي أهل الدار. ¬
قال: وإن سكن هذه الدار ربها وهو الموصي؛ فإن أشغل أكثرها، وقد سكن منها معه غيره/ فيها؛ فالوصية لمن كان خارجها، لا لمن فيها. وإن كان إنما سكن أقلها؛ فهو كالمكتري، والوصية لمن في الدار خاصة. ولو أسقاها كلها بالكراء، ثم أوصي لجيرانها؛ فالوصية للخارجين منها؛ من جيرانها. وقال مثله كله سحنون في كتاب ابن المواز. قال عبد الملك: وجوار البادية أوسع من هذا، وأشد تراخيا؛ إذ لم يكن دونه أقرب منه إلي الموضع درب جار، وهو علي أميال، إذا لم يكن دونه جيران، إذا جمعهم الماء في المورد، والمسرح للماشية، وبقدر ما ينزل، ويجتهد فيه. قال ابن سحنون عن أبيه: والجوار في القري أن كل قرية صغيرة، ليس لها إيصال في البناء، والكثرة من الأهل، والحارات فهم جيران. وإن كانت كبيرة كثيرة البنيان، كلقشانة، فهي كالمدينة في الجوار. قال عبد الملك: وإذا أوصي لجيرانه أعطي الجار الذي أسمي المسكن له، ولا يعطي زوجته، ويعطي خدمه إلا أن ينصهم. ويعطي الولد الكبير البائن عنه بنفقته. وأما الجارالمملوك؛ فمن كان يسكن بيتا علي حدة؛ فليعط؛ كان سيده جارا، أو لم يكن. وقال ابن سحنون عن أبيه: يعطي ولده الأصاغر، وأبكار بناته؛ ويدخلون في الاجتهاد. وفي الباب الذي يلي هذا ذكر إن مات بعضهم.
فيمن أوصى لولد فلان فمات بعضهم قبل القسم أو ولد له ولد
فيمن أوصي لولد فلان فمات بعضهم قبل القسم أو ولد له ولد وكيف إن أوصي لمجهولين أو لجيرانه فكان هذا؟ (¬1) / من المجموعة ذكر رواية ابن القاسم في الموصي لولده وولد ولده، أو لمواليه؛ إن ذلك لمن حضر القسم؛ لا يحرم من ولد ولا شئ لمن مات. وكذلك لأخواله، وأولادهم. قال أشهب: إذا أوصي لولد رجل، أو لمواليه؛ وهم عشرة معروفون؛ فمن مات قبل القسم؛ فنصيبه لورثته، ولا شئ لمن ولد؛ بخلاف من أوصي للمساكين، أو السبيل، أو الأرامل، أو بني تميم. وقال مثله عبد الملك، وقال: إذا كانوا معروفين؛ فيحمل أمره علي أنه أراد أعيانهم. وقاله سحنون. ومن العتبية (¬2) وغيرها قال أشهب عن مالك في امرأة أوصيت في مرضها لولد فلان؛ لكل واحد بعشرة فولد له قبل موتها، ومات ولد آخر؛ فلا شئ لمن مات، وأما من ولد موتها؛ فيعطي عشرة، مع من يعطي. وكذلك في كتاب ابن المواز عنه، وقال: أوصت لهم؛ وهي تعرف عدتهم. وقال أشهب: إذا أوصي بثلثه لبني فلان، وهم أربعة؛ يعرف عدتهم، أو لا يعرفها؛ فمات بعضهم قبل موته، وولد آخرون؛ فالثلث لمن بقي وللمولود، ولا شئ لمن مات. ولو سماهم لم يكن للمولود شئ، وردت حصة الميت منهم إلي ورثة الموصي. ¬
فيمن أوصى بثلثه لفلان ولعقبه كيف ينتقع به؟ وفيمن تصدق على ولد ولده
قال ابن المواز: كل من أوصي لقوم بأعينهم، تعمدهم، وعلم أنه عزاهم بأعيانهم، ولم يكن حبسا؛ فالقسم بينهم بالسوية، ولا يحرم من مات، ولا شئ لمن ولد. هذا قول مالك الذي عليه أصحابه أجمع. ومن المجموعة قال عبد الملك: ومن أوصي لجيرانه؛ فهو من المجهول؛ فمن وجدته يوم القسم جارا دخل في ذلك؛ لأنه لم يقصد المعينين. وكلذك لو انتقل بعضهم، أو كلهم، وحدث بعضهم غيرهم، / وبلغ صغير، وبلغت البكر؛ فذلك لمن حضر القسم. وكذلك لو كان ذا جيران قليل، فكثروا. وكذلك إن كانت غلة تقسم؛ فهي لمن حضر القسم في كل غلة. وروي علي عن مالك فيمن أوصي لبني أخوين له؛ اثنان لواحد، وثلاثة لآخر، بثلاثة من دوره، ورقيقة، وبعشرين دينارا؛ ينفق عليهم منها؛ فمات الاثنان، وبقي الثلاثة، فطلبوا ما بقي؛ فإن حظ الميتين من النفقة لورثتهما؛ لأنهم مسمون بأعيانهم. فيمن أوصي بثلثه لفلان ولعقبه كيف ينتفع به؟ وفيمن تصدق علي ولد ولده من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: ومن أوصي بثلثه لفلان وعقبه؛ فليس لفلان أن يأكل من ذلك شيئا، ولا يستهلكه. وله الانتفاع به فيما لا يهملك من التجارة، فيأكل ربحه كله، وعليه ضمانه. ويدخل في ذلك كل من ولد له؛ فإذا انقرض آخر عقبه؛ كان لورثة آخر عقبه بالميراث. وإن كان آخر عقبه امرأة؛ فذلك لها مال من مالها؛ تصنع به ما شاءت. وإن قال: ثلثي لفلان ولفلان وعقبه. فلهما الانتفاع به، من غير استهلاك. وما ولد للذي أوصي لعقبه، دخل معهما في الانتفاع به، فإن مات الذي سمي لعقبه ولا عقب له؛ فالمال يصير بين ورثته، وبين الحي شطرين، ولو كان الذي
فيمن أوصى لولد رجل ولا ولد له، أو لفقراء بني فلان وهم أغنياء، أو لمن مات
مات لم يوصي لعقبه؛ فلا شئ لورثته ما بقي شريكه، أو أحد من عقبة؛ ممن يكون له عقب. فإن لم يبق منهم إلا من لا عقب له؛ صار المال بين ورثة الميت الأول؛ / الذي لم يوص لعقبه، وعقب الذي أوصي لعقبه؛ إذا كان ذلك للعقب، ممن لا عقب له. ولو مات، ولا عقب للموصي لعقبه؛ فالمال بين ورثتهما شطرين. ومن المجموعة ابن نافع عن مالك في المتصدق بصدقة علي ولد ولده في غير وصية، فلم يبق منهم إلا بنت؛ فذكر المسألة بطولها في كتاب الحبس. فيمن أوصي لولد رجل ولا ولد له أو لفقراء بني فلان وهم أغنياء أو لمن قد مات. أو مات الموصي له قبل موت الموصي من المجموعة: قال ابن القاسم في الموصي لولد رجل ولا ولد له؛ فإن علم الموصي أنه لا ولد له، وقف حتي ينظر هل هو يولد له. وإن كان لم يعلم. أنه لا ولد له؛ فالوصية باطل. وقاله أشهب، وقال: كمن أوصي لرجل قد مات، وقد علم بموته؛ فذلك لورثته. وهذا إن جهل أمر الوصية؛ فأما إن علم أنها لزكاة فرط فيها فلا شئ لورثة الميت فيها، ولا لدين عليه. وليتصدق بها في وجه الزكاة، كمن أوصي بزكاته لمن ظنهم فقراء وهم أغنياء. وليس كمن أوصي لرجل، فمات قبل موت الموصي. قال ابن كنانة: إذا مات الموصي له، فعلم الموصي بموته؛ فليشهد أنه رجع. فإن لم يشهد فلا شئ لورثة الموصي. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب في الموصي لولد فلان، فمات الموصي ولا ولد لفلان يوم مات فالوصية باطل، علم الموصي بأنه لا ولد له أو لم يعلم، وإن ولد له بعد ذلك إلا أن يكون كان حمل يوم مات الموصي.
فيمن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه أو أحد ورثته
ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم قيمن أوصي / لبني فلان ولم يوجد لفلان ولد فإنه يرجع ميراثا. قال عنه أبو زيد: إذا أوصي لفقراء بني عمه، فوجدوا أغنياء، فليوقف عليهم، فمن افتقر منهم دفع إليه. فإن لم يفتقر منهم أحد رجعت ميراثا لورثة الموصي. فيمن أوصي بمثل نصيب أحد بنيه أو أحد ورثته من كتاب ابن حبيب قال: ومن قول مالك فيمن أوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه؛ فإن كانوا ثلاثة فله الثلث. أو أربعة فالربع. وإن كان مع البنين غيرهم من الورثة عزلت مورايثهم، وقسمت باقي المال علي البنين، فما أصاب واحداً فمثله للموصي له؛ كان خمس جميع المال، أو سدسه أو ما كان. ثم يجمع أنصباء الورثة مع ما بقي، فيقسم بينهم. وإن قال فلان وارث مع ولدي. أو من عدد ولدي. أو: الحقوه بميراثي. أو: ورثوه في مالي. أو يكون له ابن ابن قد مات أبوه، فيقول: ورثوا ابنه مكان أبيه. ففي هذا كله إن كان البنون ثلاثة فهو كابن رابع معهم. أو له ثلاثة بنين وابنتان (¬2)؛ فيكون كرابع للذكور إن كان ذكر (¬3). وإن كان الموصي له أنثي فهي ثالثة مع الابنتين؛ فتكون وصيته (¬4) تسع المال. وإن كان ذكراً فخمس المال؛ بخلاف قوله: مثل نصيب أحد ولدي. ومن العتبية (¬5) روي عيسي عن ابن القاسم عن مالك فيمن أوصي لرجل بمثل نصيب أحد ورثته، وهم عشرة أولاد ذكور، وإناث. أو ذكور كلهم؛ فله عشر ماله. وقاله أبو الزناد. ¬
وأنكر مالك قول من قال: يكون كولد زائد معهم. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: إن أوصي لرجل/ بمثل سهم أحد ولدي، أو بمثل جزئه، أو كبعض ولدي، أو كأحدهم فهو سواء؛ فهو كوصيته بمثل نصيب أحدهم. قال محمد: ما لم يقل: له سهم من سهام مالي، او جزء من مالي. فهذا لا أعطيه إلا سهم واحد مما انقسمت فريضته عليه علي جميع ورثته من عدد السهام؛ كثر ذلك الجزء، أو قل؛ ما لم يكن أقل من ثلاثة أسهم، فلا أزيد علي الثلث إلا برضا الورثة. قال مالك في الموصي لرجل بمثل نصيب أحد ورثته، وهم رجال، ونساء، وزوجات وأم؛ فلينظر إلي عدد من يرثه؛ فإن كانوا عشرة، فله العشر. وإن قال: مثل نصيب أحد ولدي، أو مثل حظه. أخرج حق من شرك الولد. ثم إن كان الولد أربعة فالمموصي له ربع ما بقي. أو ثلاثة فثلث ما بقي؛ علي هذا. وإن كان واحد أخذ ذلك كله إن حمله الثلث. ثم يرجع الولد، وباقي الورثة إلي ما بقي، فيجمعونه، فيقسمونه علي فرائض الله. قال ابن عبد الحكم: وهو أصح عندنا من قول أهل الفرائض. وكذلك روي عيسي عن ابن القاسم في العتبية (¬1) قال: وإن كان ولده بنات، قسم ماله علي الفرائض، ثم كان له سهم ابنة من بناته، ثم اخلط جميع ما بقي، فقسم باقيه علي الفرائض. ونحوه في كتاب ابن المواز. وقال: إن كان ولده بنات فللبنات الثلثان (¬2). فإن كن أربعة فله ربع الثلثين. أو ثلاثة فثلث الثلثين علي هذا. وفي واحدة نصف المال إن أجاز الورثة، وإلا فالثلث. قال أصبغ: وقاله كله مالك، وابن القاسم، وأشهب. ¬
قال أصبغ: وسواء قال: مثل سهم أحد ولدي. أو مثل / جزئه. أو كبعض ولدي. أو كأحدهم. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن أوصي لرجل بثلثه، ولآخر بمثل نصيب أحد ولده ـ يريد: وهم ثلاثة ـ فالثلث بينهما نصفين. قاله مالك، وكذلك ذكر عنه ابن حبيب. ومن العتبية (¬3) قال عيسي عن ابن القاسم: إذا قال: له سهم كسهم ولدي. وله ولد واحد فإما أعطاه جميع المال، وإلا فالثلث. وقاله سحنون في المجموعة. قال عيسي: وإذا قال من عدد ولدي. فإن كان الموصي له ذكرا (¬4) فله سهم ذكر. وإن كان أنثي فله سهم أنثي. ويخلط مع الولد في العدد؛ فإن كان معهم أهل فرائض أخرجت فرائضهم، ثم أخذ الموصي له، كما وصفنا مما بقي، ثم يقسم كل ما بقي بين جميع الورثة. ولو قال: هو وارث مع ورثتي. فلتعد الحاجة؛ فإن كانوا ثلاثة فهو رابعهم. ثم علي هذا الحساب. ومن المجموعة قال سحنون: وإن قال: لفلان مثل نصيب أحد ورثتي من ثلث مالي. أو قال: له من ثلث مالي مثل نصيب أحد ورثتي. فهو سواء. فإن كان بنوه ثلاثة فله ثلث الثلث. ومنه، ومن العتبية (¬5) عن أبي زيد عن ابن القاسم في الموصي لبنت ابنه من ثلثه بمثل نصيب إحدي بناته (¬6)، وترك بناتاً، وغيره فليعزل الثلث، ثم يقسم ... ------------- (¬3) البيان والتحصيل، 13: 128. (¬4) في الأصل، فإن كان الموصي له ذكر. (¬5) البيان والتحصيل، 13: 334. (¬6) في الأصل، أحد بناته.
الثلثان علي الفرائض، فما صار لإحدي بناته (¬1)؛ فتعطي بنت الابن مثله من الثلث. فإن فضل شئ من الثلث، كان لأهل الفرائض كلهم؛ فتصير (¬2) ابنة الابن مع البنات كأنها منهن. قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن ترك ورثة مختلفين من زوجة، وأم، وإخوة لعلات (¬3)، فقال: لفلان سهم مثل سهم احد ورثتي. زدته علي عددهم، ثم أخذ نصيباً من جملة العدد. ولو قال: مثل سهم أحد ولدي. وهم ذكور وإناث فله سهم من عدد الذكور والإناث. بخلاف قوله: هو وارث مع ولدي. ومن المجموعة قال ابن كنانة: وإن قال: ورثوا فلاناً في مالي مثل سهم واحد من ولدي. فليعط (¬4) من الثلث مثل سهم أحد ولده. فإن كان له ابنان، وابنتان (¬5)، أعطي الربع. وإن قال: ورثوا فلاناً في مالي، فإنه يرث سهماً كسهم وارث من ولده علي وجه الوصية. فإن كان ولده ثلاثة جعل رابعهم وإن كانوا أربعة جعل خامسهم. فأخذ ذلك من الثلث. وإن قال: كسهمان (¬6) وارث. ولم يسم ولداً، ولا غيره؛ فإنه يجعل في ذلك جميع الورثة من زوجة، وغيرها. ¬
فيمن أوصى لرجل بجزء أو بسهم من ماله
وإن عني أن يورثوه مع ورثته، ولم يعن وجه الوصية فإنه لا يقدر أن يزاد في ورثته، وإنما يصح هذا بمعني الوصية. ولا أعلم لمن أوصي بهذا وجهاً غير الوصية. ومنه، ومن العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن أوصي له بمثل نصيب أحد ولده، ولا ولد له، وجعل يطلب الولد ومات ولم يولد له؛ فلا شئ للموصي له. وقد قال مالك فيمن قال: اكتبوا ما بقي من ثلثي لفلان، حتي انظر لمن أوصي. فمات ولم يوصي فلا شئ لصاحب باقي الثلث. ومنه، ومن العتبية (¬1) أشهب عن مالك فيمن أوصي لرجل، بمثل نصيب رجل من ولده وهم خمسة، فهلك بعضهم قبل الموصي؛ فللرجل مثل نصيب أحدهم يوم مات الموصي. ولو ولد له فمات وعددهم / أكثر، فكذلك؛ إنما النظر إلي عددهم يوم موت الموصي. ولو لم يبق إلا واحد، فهذا يرجع إلي الثلث إذا لم يجز الورثة. فيمن أوصي لرجل بجزء أو بسهم من ماله من العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمنأوصي لرجل بجزء من ماله، أو بسهم ن ماله؛ فلينظر من كم تقوم فريضته؟ فإن كانت من ستة فله السدس. وإن كانت من اثني عشر فله نصف السدس. وإن كانت من أربعة وعشرين فسهم منها. وإن كان ورثته ولداً (¬3) فإن كانوا ذكرا (¬4) وأنثي فله الثلث. وإن كانوا ابناً وابنتين (¬5)، فله الربع. وإن كانوا ابنين وابنتين (¬6)، فله السدس. ¬
فإن لم يكن غير ولد واحد فله الثلث. وإن لم يكن له وارث فله السدس لأن ستة أسهم أدني ما تقوم منه الفرائض. ومنه، ومن المجموعة قال أشهب: إن لم يترك إلا ابنته، ومن لا يجوز الميراث، وليس معه غيره ممن لا يعلم عدده؛ فإن له سهما (¬1) من ثمانية؛ لأنه أقل سهم سمي الله لأهل الفرائض. قال ابن القاسم: وإن كان أصل الفريضة ستة، إلا أنها تبلغ بالعول عشرة؛ فله سهم من عشرة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن عبد الحكم: إن أوصي له بجزء من ماله، أو بسهم من سهام ماله فقد اختلف فيه؛ فقيل: له الثمن لأنه أقل سهم ذكر الله تعالي من الفرائض. وقيل: يعطي سهما (¬2) مما تنقسم عليه الفريضة؛ قلت السهام، أو كثرت. وقيل: يعطي سهماً من سهام فريضته إن كانت تنقسم علي ستة، فأقل؛ ما لم يجاوز الثلث، فيرد إلي الثلث إن لم / تجز الورثة. فأما إن انقسمت علي أكثر من ستة، فلا ينقص من السدس؛ لأن ستة أصل ما تقوم منه الفرائض. قال ابن المواز: والذي هو أحب إلي، وعليه جل أصحاب مالك، واختاره ابن عبد الحكم أن له سهماً مما تنقسم عليه فريضته؛ قلت السهام أو كثرت. وقال أشهب: إذا أوصي له بسهم من ماله فله سهم مما تنقسم عليه فريضته، كما قال مالك فيمن أوصي أن يعتق من عبده دينار فلينظر إلي مبلغ قيمته، فيعتق منها دينار يكون جزءاً فيه. وإن لم يكن للموصي بالسهم إلا ولد واحد فللموصي له المال إن أجاز ذلك الولد، وإلا فالثلث؛ كمن أوصي لرجل برأس من رقيقه فلم يدع إلا رأسأ واحداً. أو ماتوا إلا واحداً فهو له إن حمله الثلث. ¬
فيمن أوصى لرجل بباقي ثلثه على أن يوصي بوصايا فمات قبل ذلك
وإن لم يدع غير أخت، أو بنت، ومن لا يحوز المال، ولا يعرف معها من يعرف بعينه، ولا يعرف عدده؛ فإن له الثمن استحساناً، وذلك بعد الإياس من معرفة خبره. ولو زيد علي الثمن من يري من حاجته رأيته حسناً؛ لما بلغني عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعبيدة أنهم أجازوا لمن لا وارث له أن يوصي بماله كله، كأنه أنفذ الثلثين فيما يتبغي أن يفعل فيه بعده. قال أشهب: لأن الثلث له. وإن كان ليس هذا قولنا؛ إلا أني قويت به علي الاستحسان. فيمن أوصي لرجل بباقي ثلثه علي أن يوصي بوصايا فمات قبل ذلك ومن العتبية (¬1)، والمجموعة قال ابن القاسم: قال مالك فيمن قال: اكتبوا ما بقي من ثلثي لفلان فإني أريد أن أوصي غداً فمات / قبل أن يوصي. قال: فلا شئ لفلان. قال ابن القاسم: لأنه لا يدري ألو أوصي له أيبقي له شئ أم لا؟ وقال أشهب في العتبية (¬2): له الثلث كله. وروي عنه محمد بن خالد مثله. وروي أبو زيد عن ابن القاسم أنه لا شئ له. وذكره عن مالك. قال عيسي عن ابن القاسم، فيمن أوصي لرجل بعشرة دنانير، ثم قال: إنما أريد أن أوصي غداً، ولكن اشهدوا أن ما بقي من ثلثي لفلان. ثم مات قبل أن يوصي فلا شئ له. ¬
فيمن أوصى لرجل بمائة ولآخر بمائتين ولفلان مثله ولم يبين مثل أيهما أراد
فيمن أوصي لرجل بمائة ولآخر بمائتين ولفلان مثله ولم يبين مثل أيهما أراد؟ أو قال: شريك معه أو معهم أو قال: وباقي ثلثي لمن فضلته ثلثان وللباقين ثلثه؟ من المجموعة روي ابن وهب، وعلي عن مالك فيمن أوصي لفلان بمائة دينار، ولآخر بمائتين، ثم قال للثالث: ولك مثله. ولا يدري أيهما أراد. قال: لو أعطي نصف ما سمي لكل واحد كان صواباً. وذكره ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن المواز. وقال مالك في كتاب ابن المواز وفي العتبية (¬1) من رواية عيسي عن ابن القاسم عن مالك قال: وإن كانوا ثلاثة أعطي ثلث نصيب كل واحد. فإن ضاق عنهم الثلث حاصص بذلك أهل الوصايا. وقال العتبي عن أصبغ عن ابن القاسم مثله. وإن هذا آخر قوليه وهو في كتاب ابن المواز. قال: وإن قال: لفلان، وفلان خمسمائة. ثم قال: ولفلان مثله. أعطي ثلث خمسمائة. وإن لم يسع الثلث حاصص بذلك. وقاله أصبغ قال في كتاب ابن المواز: وإن قال: لفلان عشرون، ولفلان ثلاثون ولفلان عشرة. حتي / تم خمسمائة دينار، ثم قال: ولفلان مثله. فإن كان عدد الموصي لهم غيره عشرة؛ أعطي عشر جملة ما أوصي لهم. وإن كانوا خمسة، فالخمس. ولو قال: فله مثلهم. ولم يقل: مثله. أعطي مثل جميع وصيته لهم. قال ابن القاسم فيه، وفي العتبية (¬2)، وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ عنه: وإن قال: لفلان مائة، وفلان مائتان (¬3). قيل: ففلان. قال: هو شريك معهما. ¬
فإنه يجمع الثلاثمائة، فتعطي بينهما، ثم يقسم ما بقي علي الرجلين علي الثلث والثلثين. قال ابن المواز: وإن كانوا ثلاثة فهو رابع. وإن كانوا أربعة فهو خامس. وقال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم مثله. وإن هذا آخر قوليه؛ كان يقول: له نصف وصيتهما. قال: وكذلك قوله: ولفلان مثله، أو مثل أحدهما. وفي القول الآخر في قوله: لفلان مثله، أو مثل أحدهما. فإن كان اثنين أعطي مثل نصف وصاياهما من باقي الثلث، لا ما أوصي لهما. وإن كانوا ثلاثة أعطي مثل ثلث وصاياهم من باقي الثلث. قال ابن القاسم في المجموعة: وكذلك إن قال: هو شريك معهم بالسواء. قال العتبي: وقد قال ابن القاسم في موضع آخر: يكون له نصف وصية كل واحد من الرجلين؛ ليس من بقية الثلث، ولكن من وصاياهم. قال ابن القاسم فيمن أوصي لأربعة بوصايا مختلفة بعشرة، وعشرين، وثلاثين، وأربعين. ثم كلم في آخر، فقال: هو شريك معهم. قال: يعطي نصف وصية كل واحد. فإن قال: هو شريك معهم بالسوية. أعطي ربع وصية/ كل واحد. وإن كانوا خمسة فخمسها. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا أوصي لهما بعشرة، ولآخر بعشرين، ولآخر بثلاثين. ثم قال في آخر: أشركوه معه. فكأنه قال: وله مثل نصفه. فإن كانا اثنين (¬1) أعطي ربع وصية كل واحد. وإن كانوا ثلاثة فسدس وصية كل واحد؛ فعلي هذا يحسب. ومن المجموعة عن ابن كنانة فيمن أوصي لقوم بوصايا مختلفة من ثلاثة دنانير إلي عشرة، إلي خمسة عشر، ولآخرين بدينارين دينارين، ثم قال: وما بقي من ثلثي ¬
فيمن أوصى لفلان بمائة ولم يقل دنانير لا دراهم، أو قال خمسة أمداد ولم يفسر
فثلثاه لمن فضلت في وصيتي، والثلث للآخرين. قال: والثلثان ـ يريد: مما بقي ـ لكل من زادت وصيته علي دينارين؛ لأن ذلك أقل ما أوصي به، ثم يقسم الباقي علي عدد من بقي، فيساوي بينهم فيه علي قدر تفاضل وصاياهم. فيمن أوصي لفلان بمائة ولم يقل دنانير ولا دراهم أو قال خمسة أمداد ولم يفسر أو قال بشاة من غنمي ولم يفسر أو قال: بكبش أو ضائنة أو ببقرة وشبه ذلك من كتاب ابن المواز، والمجموعة عن ابن القاسم. ومن العتبية (¬1) رواية أصبغ عنه فيمن أوصي لفلان بمائة، ولم يسم شيئاً، ولا يدري ما أراد؛ فإن كان بلده الغالب فيها الدنانير فله دنانير. وإن كان الغالب الدراهم فله دراهم. وإن كان هذا، وهذا فله الدراهم ـ وهي الأقل ـ حتي يوقن أنه أراد الأكثر، أو يكون لوصيته وجه يستدل به بمثل أن يقول: لفلان مائة دينار، ولفلان عشرة دنانير، ولفلان مائة. ولا يذكر ما هي فله مائة دنانير. وكذلك إن تقدم / ذكر الدراهم فله الدراهم وإن كان بلد دنانير إذا جري للكلام بساط يدل. وقاله أصبغ. والمسألة في كتاب ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم. وقال فيه أصبغ: ولو قال: أعطوه خمسة أمداد. ولم يقل: قمحاً. ولا شعيراً. فليعط (¬2) من القمح لأنه الغالب في الناس. ومن العتبية (¬3) روي يحي بن يحي عن ابن القاسم فيمن قال: أعطوا فلاناً مائة. ولم يذكر ما هي قال: قال مالك: تكون له مائة درهم. ¬
فيمن أوصى بعشرين دينارا صدقة أو لفلان، فكلم أن يزيد فقال زيدا ولم يفسر
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصي له بشاة من ماله؛ فإن كان له غنم فهو شريك بواحد في عددها ضأنها ومعزها، وذكورها وإناثها، وصغارها وكبارها. فإن هلكت كلها؛ فلا شئ له. وإن لم يكن له غنم، فله في ماله قيمة شاة من وسط الغنم إن حملها ثلثه، أو فيها حمل منها. ولو قال: من غنمي. فمات، وليس له غنم فلا شئ له. وإن مات، ولا غنم له إلا شاة صغيرة، أو كبيرة فهي له إن خرجت من ثلثه، أو ما خرج منها. قال أشهب: وإن أوصي له بتيس من غنمه. فلينظر إلي كل ما يقع عليه اسم تيس منها، ولا يقع ذلك في البهم، والإناث؛ فينظر إلي عدد ذلك، فيكون فيها وحدها شريكا (¬1) بواحدة. وأما إن قال: بشاة. يعني من غنمه فالتيوس، والمعز، والضان، والصغير، والكبير يدخل في العدد. ولو قال: كبشاً. لم يدخل في ذلك إلا كبار ذكور الضأن. ولو قال: نعجة. لم تكن إلا في كبار إناث الضأن. فأما إن قال: بقرة من بقري. دخل فيه ذكور البقر وإناثها. وإن قال: ثور. لم يكن إلا في ذكور الكبار. وإن قال: عجل. لم يكن إلا في ذكور / العجول. فإن قال: بقرة من عجولي. كان في الذكور والإناث من العجول. ولو قال: شاة من بهمي. أو ضائنة من خرفاني. لم يدخل في ذلك كبارها. فيمن أوصي بعشرين ديناراً صدقة أو لفلان فكلم أن يزيد فقال: زيداً ولم يفسر ومن قال لفلان عندي دنانير من المجموعة قال ابن كنانة فيمن أوصي بصدقة عشرين ديناراً. فقيل له: زد فإن لك مالاً. فقال: زيدوا، فقال: لو زادوا علي العشرين من ثلثها كان حسناً. ¬
فيمن أوصى بثلثه لثلاثة ثم سمى لكل واحد تسمية مختلفة أو متفقة، أو سمى لاثنين وسكت عن الثالث
قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن أوصي لرجل بوصية، ثم كلم أن يزيده فقال: زيدوه. ثم مات، ولم يسم ما يزاد قال: قد قيل: يزاد مثل ثلث وصيته. ولا أراه، ولكن يزاد بقدر المال، وقدر الوصية بالاجتهاد من الإمام، مع مشورة أهل العلم. قال العتبي عن أبي زيد عن ابن القاسم فيمن أوصي، فقال: لفلان علي دنانير. فقال: يعطي ثلاثة وهو أقل ما تكون الدنانير. فيمن أوصي بثلثه لثلاثة ثم سمي لكل واحد تسمية مختلفة أو متفقة أو سمي لاثنين وسكت عن الثالث من العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن أوصي بثلثه لثلاثة نفر، ثم قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرون (¬2). وسكت عن الثالث. ويعطي للموصي بعشرة عشرة، وللآخر عشرون (¬3)، ثم يقسم ما بقي من الثلث الثلث، وعلي العشرة، والعشرين بالحصص. قال اصبغ في كتاب ابن المواز: يأخذ المسكوت / عنه ثلث الثلث، يقسم ثلثا الثلث بين المسمي لهما علي ثلاثة أجزاء؛ لصاحب العشرة جزء، ولصاحب العشرين جزءان. ومن العتبية (¬4) روي أبو زيد عن القاسم فيمن قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرون، ولفلان ثلاثون. فوجد الثلث مائة؛ قال: يرد الفضل عليهم بقدر ما حصل بيد كل واحد. ولو قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرون. وسكت عن ¬
فيمن أوصى فقال لفلان عشرة دنانير ولفلان وفلان عشرة
الثالث؛ فليضرب للمسكوت عنه في الثلث بالثلث الثلث، ويضرب فيه المسمي لهما؛ كل واحد بما سمي له. وإن قال: ثلثي لعبد الله؛ ومحمد، وأحمد، لعبد الله عشرة، ولمحمد عشرة، ولأحمد عشرة. فالثلث بينهم أثلاثاً. ولو سمي تفاضلاً تحاصوا فيه بقدر التفاضل. قال ابن القاسم: وإن أوصي لواحد بعشرة، ولآخر بعشرين، ولآخر بثلاثين. ثم أوصي لهم بعد ذلك بالثلث؛ فليعطوا التسمية، ثم يقسموا (¬1) ما بقي من الثلث أثلاثاً. وقال أيضاً: بقدر ما بأيديهم. وذكره في المجموعة. فيمن أوصي فقال لفلان عشرة دنانير ولفلان وفلان عشرة أو قال ثلثي لفلان أو لفلان أو قال لفلان وفلان أو فلان من كتاب ابن المواز ـ وأراه لأشهب ـ فيمن أوصي فقال: لفلان عشرة دنانير، ولفلان ولفلان عشرة. قال: فللأول سبعة ونصف، وللثالث سبعة ونصف، وللأوسط خمسة. ولو قال: ثلثي لفلان، أو فلان، أو فلان. فالورثة مخيرون في دفع الثلث إلي من شاؤوا منهم. وإن شاؤوا قسموه بين اثنين منهم، أو بين ثلاثة. أو فضلوا بعضهم علي / بعض؛ إلا أن يأبي أحدهم أن يقبل من ذلك شيئاً فيكون ما دفع إليه، لصاحبيه من شاء الورثة منهما. ولا يرجع إلي الورثة مصابة من أبي منهم. ولو ¬
جامع في الوصية بالمجمول أو بما يشك فيه ويحتمل وجهين
أعطوا الثلث لأحدهم، فلم يقبله؛ لم يرجع ميراثاً. وهو لمن بقي من الثلاثة إلا أن يعرض عليهم أجمع، فيأبوا منه بعد أن عرض علي كل واحد منهم الثلث كله له خاصة، فأباه فليرجع ميراثاً لورثة الموصي. ولو قال: ثلثي لفلان وفلان، أو فلان. فالورثة مخيرون؛ فإن دفعوه للأول فليس له منه إلا نصفه، ونصفه للثاني. إلا أن يشاء الورثة دفعه إلي الثلث؛ لأن قوله يحتمل أن يعني: ثلثي لفلان، وأشركوا معه فلاناً، أو فلاناً. ويحتمل أن يريد: اجمعوا ثلثي لفلان وفلان. أو اجعلواه لفلان. قال: وإن اختار الورثة أن يعطوا الثلث للثاني للثاني لم يكن له منه إلا نصفه، والنصف الآخر للأول لأن الموصي (¬1) لم يجعل الثاني إلا مع الأول. وأخرج الورثة الثالث فذلك لهم. وإن جعلوا الورثة الثلث للثالث لم يكن له منه إلا ثلاثة أرباعه، ويكون الربع للأول لأن أكثر دعوي الأول فيه بالنصف؛ لأنه يقول: أشرك معي أحدكما من أحبه الورثة. فله بذلك مقال. ويقول الثالث: بل جعل ذلك كله لي إن شاء الورثة. فله بذلك مقال، فالنصف له لا دعوي فيه. والنصف الآخر يدعي فيه الأول، والثالث فيقتسماه. جامع في الوصية بالمجمول أو بما يشك فيه ويحتمل وجهين أو بعتق العبد الذي حج معه فلم يعرف أو بحقه عليه وله عنده وجهان (¬2) / ومن العتبية (¬3) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قال في مرضه: لفلان تمرة حائطي، ولا يدري أي تمرة جعل له، أو كم سنة؟ فإن كان في النخل تمرة فهي له، وليس له غيرها. وإن يكن فيها تمرة فله تمر ذلك الحائط حياته. وكذلك في كتاب ابن المواز. ¬
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال: قد تصدقت علي فلان بجاريتي فلانة التي اشتريت من فلان، وابنتها. فطلب الموصي له الجارية وابنتها، فطلب الموصي له الجارية وابنتها، فقال الورثة: إنما نسب الجارية إلي ابنتها في الشراء، ولم يوصي بالولد. فلينظر؛ فإن اشتراها مع ولدها من فلان صدق الورثة، ولم يأخذ إلا الأم، ويجبر هو والورثة علي جمعهما في ملك واحد. وقال عن أشهب: وذكره العتبي عن أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصي لرجل بعشرة، ولآخر بعشرين، ولآخر بالسدس. فإنما له سدس رأس المال لا سدس الثلث. قال ابن المواز: وروي ابن وهب عن مالك أن له سدس الثلث. قال ابن المواز: وروي ابن وهب عن مالك أن له سدس الثلث إن كان قوله هذا بعد وصية، وإن كان بعد إقرار بدين فله سدس جميع المال. قال محمد: بل له سدس جميع المال في المسألتين. ومن العتبية (¬1) قال سحنون عن أشهب فيمن أوصي بعتق العبد الذي حج معه، وقد عرف أنه حج معه عبد إلا أنه لا يعرف، فادعي ذلك عبيده (¬2)؛ قال تبطل الوصية، هم رقيق. قال أصبغ: قال ابن القاسم فيمن قال في وصيته: أعطوا فلاناً ثلث مالي، وخيروه. أتراها وصية؟ قال: نعم. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن قال: ما كان لي عند فلان من حق فهو له، وله عنده دين، / وقراض، ووديعة؛ فإن ذلك كله له. وقاله مالك. وإن قال: ما كان لي علي فلان من حق فهو له، فلا يعدوا الدين، ولا يدخل فيه القراض والوديعة. قال ابن القاسم: قال مالك: ومن قال عند موته: ما كان لي علي قرابتي من حق فهو لهم. فمات، وله عند أحدهم قراض؛ قال: أراه له فيما يحضرني. ¬
فيمن أوصى بعتق خيار رقيقه أو قدمائهم أو قال بعضهم أو بأحد أفراسه الثلاثة لرجل
قال عنه عليَّ فيمن قال لغلامه: أخْدُمِ ابني حتى يستغني، ثم أنت حرٌّ. ما حَدُّ الاستغناء؟ قال: يستغنون عن خدمته بمال يحدث لهم، أو قُوةٍ على ما يصلحهم، وربما كَبُرَ الولد، وليس بغنى عن خدمته، فإذا كان له من المال ما يستغني به عن خدمته، فأرى أن يُعتَقَ. فيمن أوصى بعتث خيار رقيقه أو قُدمائهم أو قال بعضُهم أو بأحد أفراسه الثلاثة لرجل بعينه أو أبهمه ولآخر بخير الباقين ولثالث بالباقي من كتاب ابن عبدوس، وابن المواز، ومن العتبية (¬1) من رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصى بعتق خيار رقيقه فَلْيُعتَقْ أعلاها ثمناً، ثم الذي يليه، ويقاربه في الثمن، حتى يوعَبَ الثلث. قال أصبغ: إلا أن يُرَى أنه أراد الخيار في الدين والصلاح بسبب يدُلّ أو بساط فيُحْمَلُ على ذلك، وإلا فأغلاها ثمناً. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وابن عبدوس: لإإن وسعهم كلَّهم الثلثُ أَعتِقَ منهم المرتفعون (¬2)، ولا يُعتَقُ الوخشُ مثلا ثمن خمسة عشر، هذا إن كانوا متباينين جداً في الثمن، فيُعْرَفُ بذلك أنه أراد المرتفعين منهم. وأما إن تقاربت أثمانُهم / فليُبدَّأ أهلُ الصلاح منهم. فإن قال: أعتِقُوا قُدَماءَ رقيقي. عُتِقَ الأول فالأول، حتى يَنفَدَ الثلث. فإن وسعهم الثلثُ كلّهم نُظِرَ إلى الذي يُظَنُّ أنه أراد في قدم الكسب وحدوثه فيبدأ بالقدماء، ولا شيء للمحدثين. وإن اشتراهم جملة واحدة عُتِقَ ثلثهم بالسهم. وقال أصبغ. ومن العتبية (¬3) روى أبو زيد عن ابن القاسم في الذي يقول: أعتِقوا عبيدي القدماء. وله عبيدٌ منذ عشر سنين، وعبيد منذ خمس سنين، ومنذ ثلاث، ومنذ ¬
سنةٍ، فإن حملهم الثلث عُتقوا كلهم. وإن كان له عبيدٌ منذ أقل من سنة، فليسوا بقدماء. قال: فإن لم يكن له عبيد قبل السنة، وكلهم بعد السنة منذ خمس، وأربعة، وأكثر، وأقل، ولم يَسَعْهُمُ الثث تحاصوا، وعتق منهم مَحمِلُ الثلث. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن قال في مرضه: خيار رقيقي أحرارٌ. فقيل له: ومَن خيارُهم؟ فقال: فلان وفلان وفلان. قال: فلا يُعتَقُ إلا من سَمَّى، ولا عتق لباقيهم. ومن المجموعة قال سحنون: ومَن أوصى أن يُعتَقَ بعضُ عبيده فليُعتَقْ ما لا يُشَكُّ فيه أنه بعضهم، وهو عبد واحدٌ. ولا يكون نصف عبد بعض عبيده. ومن قال: بعض رقيقي أحرار. أو قال: حرٌّ. فأما قوله: حُرٌّ. فهو واحد من اثنين، أو من ثلاثةٍ. فإن قال: أحرار. فهم اثنان من ثلاثة، فأكثر. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له ثلاثة أفراس، أو ثلاثة أعبدٍ فأوصى لرجل بفرس منها، أو عبدٍ ولم يُعَيِّنْه، وقال: وخيروا فلانا بين الباقِيَيْن فيأخذ ما شاء. والثالث لفلان./ فليُعط (¬2) الأول ثلثها، يُعطَى وسطاً منها يكون فيه ثلثها. قال أصبغ: يعني: يُجْمَعُ له ثلث قيمة كل واحد في فريق منها بالسهم. فإن زادت القيمة عليه أتم من غيره ما بقي له، ثم يُخَيَّرُ صاحب الخيار، في خير ما بقي، حتى يُكْمِلَ فرساً، إن كان فيها كَسْرٌ من فرسٍ، ثم يكون للآخر ما بقي، جبيراً كان أو كسيراً. ومثله في المجموعة عن ابن القاسم. ومن المجموعة لأشهب وهو في كتاب ابن المواز: وإذا قال: لفلان ثلثها. أو قال: فرسا منها: لم يُسَمٍّه – وخيروا فلانا بين الباقيَتين، وللثالث ثلثُ قيمتهم، يأخذ بالسهم. فإن جاءه أقل من فرسٍ فليس له غيره، وخُيِّرَ المخيرُ في ¬
الباقيين، فيأخذ أحدَهما، ويأخذ الآخر الباقي، ويأخذ الورثةُ ما فضل من الفرس الأول. وإن وقع سهم صاحب الثلث في اثنين، أخذ ذلك، وأخذ ذو الخيار الفرس الثالث، كما لو وقع له سهمه في واحد، ومات واحدٌ. وإن وقع له فرسٌ ونصف، أخذ ذو الخيار الفرس الباقي، وأخذ الثالث النصفَ. قال ابن المواز: فإن قال: المخير يأخذ نصف هذا الفرس، ونصف الثالث. فقال أصبغ: ذلك له. ولم يُعجبني، وسأنظر فيه إن شاء الله. قال ابن القاسم، في جميع هذه الكتب: فإن سمى للأول فرساً بغينه، فنسي، فله ثلث كل فرس، ثم يأخذ المُخَيَّرُ ثلثي المرتفِعِ، وثلث الوسط، ويُعطَى الموصى له بأدناها ثلثي الدنيء. وثلث الوسط. وقاله سحنون. وفي كتاب ابن المواز قال في سؤاله: إذا عاب / الشهود على الفرس بعينه، أو قالوا: عُميَ علينا بعد أن كانوا يعرفون (¬1)، وحُكم بشهادتهم. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم هذا صواب. وكان يقول: يأخذ صاحب المعين - يريد: إذا جهل - فيُعطى ثلث كل فرس، وللذي له خير الباقين نصف قيمة الرفيع، ونصف قيمة الوسط، وللثالث نصف قيمة الوسط، ونصف قيمة الدون بتحاصون بذلك كلهم. والأول أوضح منه. ولو قال: لفلان خيرها، ولفلان أوسطها، ولفلان أدناها. فهلك أحدُها، فلم يُعلم ما هو خيرها، أو الوسط، أو الدون، فللموصى له بخيرها ثلثا المرتفع من الباقيين. وللموصى له بالأدنى ثلثا أدناهما. ولصاحب الوسط ثلث كل واحد. ¬
فيمن أوصى لرجل بما في بيته أو أوصى له بظرف وفيه طعام أو دراهم
فيمن أوصى لرجل بما في بيته أو أوصى له بظرف وفيه طعام أو دراهم أو تصدق بدار وفيها طوب وخشب لمن يكون؟ من كتاب ابن المواز، والمجموعة، والعتبية (¬1) روى أشهب عن مالك في التي أوصت بجميع ما في بيتها لموالتها، أو قالت: ما في بيتي لها. فقالت الموالاة: تأخذ ثياب ظهرها. وقال الورثة: لم تُردٍ الثيابَ. فقال مالك: مَن يرث؟ قيل: كلالة. قال: وكم ثيابها؟ قيل: أمرٌ يسيرٌ. قال: ما أراها أرادت إلا أن تكون ثيابها لمولاتها. وما ثيابُها من متاع البيت، ولكنها تُورث كلالة. وكان إنما أرادت أن تكف مولاتها ثيابها. قيل فالتي ماتت فيها تدخل في ذلك؟ قال: نعم. وما كان من ثيابها وهنا فلا يدخل في ذلك. ومن هذه الدواوين قال ابن القاسم فيمن قال: ادفعوا / هذا الخيش – قال في المجموعة – المسح الشعر لفلان. فوجدوه مملوءا طعاما فليأخذه بطعامه. ولو قال: أعطوه الخريطة الحمراء – والخريطة مملوءة دنانير فله الخريطة وما فيها. وكذلك إن قال: زقا كذا. فوجد مملوءا عسلا فهو له بما فيه من عسل. ولو كان مملوءا دراهم لم يأخذه إلا فارغا. ومن كتاب التفليس من العتبية (¬2) قال عيسى عبن القاسم: إلا أن يكون قد عرف أن فيه دراهم فهو له – يريد: بما فيه –. ومن العتبي (¬3) ة من الوصايا من سماع عيسى قال ابن القاسم فيمن تصدق بثلث دار له في مرضه، وفيها طوب، وخشب أعده للبناء، فطلب المعطى ثلث ذلك، ومنعه الورثة قال: لا شيء له في الطوب والخشب. وروى عنه أبو زيد فيمن ¬
فيمن له عبيد مسمون باسم واحد أو ثياب بصفة واحدة فيقول عبدي أو ثوبي لفلان
أوصى بثلثه للسبيل، إلا العِرَاضَ. وفي العراضِ خشب. وطوبٌ ملقى أعده للعمارة. فإن كان شيءٌ نقضه منها فلا يُباعَ شيء. وإن كان إنما جاء به لبناء بها فذلك يُباع، ويُخرجُ ثلثه (¬1) فيمن له عبيدٌ مُسَمون (¬2) باسم واحد أو ثيابٌ بصفة واحدة فيقول عبدي أو ثوبي لفلان ولا يُعرف أو يقول أعتقوا واحدا عن ظهاري وفيهم من لا يُجزئ وهذا الباب أكثره من كتاب العتق. ومن المجموعة قال ابن كنانة: وإذا قال عند موته: يزيد حر. واسم كل واحد يزيد، فلم تُثبتُ البينة أيهم هو، فلا يُعتق منهم أحدا حتى تُثبت البينة بعينه. وقال سحنون: إذا كان له عبدان اسم كل واحد ميمون، فقال: ميمون حر، وميمون لميمون. ثم مات، فإن حملهما الثلث أسهم / بينهما، فمن خرج له العتق فله الباقي. وقد قيل: إنما للحر نصف الباقي. وإن لم يحمِلِ الثلث إلا واحدا (¬3) خرج حُرا. ومنه، ومن العتبية (¬4) رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إذا قال في وصيته: ساج (¬5) ي الطراري لفلان. أو: عبدي فلان لفلان. فيوجد له عبيد بذلك الاسم، أو سيجان طرارية، فلينظر إلى عدد العبيد والسيجان، فإن كانوا ¬
فيمن أوصى لفلان بميمون أو مبارك أو بأحد عبديه ولم يسمه
خمسة فله خُمسهم. أو ثلاثة فله ثلثُهم يأخذ ذلك بالسهم. وهو كقوله: عبد من عبيدي لفلان. أو قال: ساجٌ من سيجاني لفلان. وقع له ساجٌ أو ساجان، أو عبد أو عبدان. وأما لو شهدوا عليه في صحته أنه أعتق عبده فلانا (¬1)، أو تصدق به على رجل وله عبيد على ذلك الاسم، ولا يعرفون من أراد فها هنا تسقط شهادتهم إذا أنكر السيد، ولم يُعينوا البينة (¬2) عبدا بعينه. ومن المجموعة قال ابن القاسم، وأشهب – وذكره ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم – فيمن قال: اعتقوا عبدا من عبيدي في ظهار عليه. وله عبيد فلينظر إلى كل من لا يجوز منهم في الرقاب الواجبة، وإلى من تقصر الثلث عن قيمته، فيعزل، وينظر إلى ما يجوز من الرقاب الواجبة ممن قيمته الثلث فأدنى، فيسهم بين هؤلاء، فيعتق من خرج سهمه. قال أشهب: ولا عتق لمن بقي. قال ابن القاسم في المجموعة: فإن لم يكن في الذين يجوزون في الرقاب الواجبة ممن قيمتُه الثلث فأدنى، فإنه تُبتاعُ له رقبة فتُعتَقُ عنه. وقال / سحنون فيمن أوصى أن يُعتَقَ عنه أحدُ عبديه (¬3) عن ظهاره، فلم يُقوَّما حتى صار إلى ما لا يجوز في الظهار، فإنه يُعتَقُ عنه أحدُهما. فيمن أوصى لفلان بميمون أو مباركٍ أو بأحد عبْدَيْه ولم يُسَمِّه أو أوصى له بالعتق على هذا من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون: من قال في وصيته: أعطوا لمحمد عبدي يزيد، أو مباركا (¬4). فليُسهم بينهما بغير قيمة، ويأخذ ما أخرج ¬
السهم، إلا أن يرضى هي والورثة على واحد بغير مساهمة فلهم ذلك. وكذلك لو قال: يزيد أو مبارك لمحمد، والأخر لعبد الله. فعبد الله ومحمد بمثابة الورثة، إن تراضى محمد وعبد الله على أهدهما لمحمد بلا سهم جاز ذلك. وإن تشاحا أسهم لمحمد في أحدهما، والباقي لعبد الله. وهو كمن قال: يزيد حر، أو مبارك. وإنما يُسهم بينهما بغير تقويم فيُعتق من خرج سهمه، كان أقل من نصف قيمتهما أو أكثر، لأنه إذ أسماهما فقد أراد أن يكون كاملا للحرية، أو لفلان. ولا يجوز للورثة أن يجعلوا الحر واحدا منهما بلا سهم، لأن السهم حق لكل واحد منهما. قال ابن الماجشون: وإن قال في وصيته: أعطو لزيد أحد عبدي (¬1). فله نصف قيمتهما بيأخذه بالسهم بلغ ذلك ما بلغ، بعض عبدٍ أو أكثر من عبد. وإن قال: أحد عبدي (¬2) لزيد أو عمرو. فليسهم بين زيد وعمرو فمن خرج سهمه فهو شريك للورثة بنصف قيمتها على ما ذكر. ولو قال: يزيد أو مبارك لزيد أو لعمرو أسهم بين الرجلين (¬3)، فمن خرج اسمه أسهم له في يزيد أو مبارك. ومن خرج أخذه كاملا /. وإن قال: أحد غلامي لمحمد، والآخر لعبد الله. فالعبدان لهما بينهما بالسواء، كما لو جعلهما لهما. ولو قال: يزيد أو مبارك لزيد، والآخر لعمرو. فزيد مبادأ بالسهم، يُسهم له عليهما، فمن خرج له فيه السهم أعطيه، وكان الآخر لعمرو. وإن قال: لزيد غلامي يزيد، أو لعمرو غلامي مبارك. فليس لهما إلا غلام واحددٌ. فإن تراضيا على أحد الغلامين، فوصيتُهما فيه وكان بينهما نصفين. وإن اختلفا أسهِمَ لهما على أحد العبدين فكان بينهما. ¬
فيمن أوصى بخدمة عبده لفلان ولفلان سنه سنة ولم يذكر من يبدأ
ولو قال: لزيد غلامي يزيد، أو غلامي مبارك حر. أسهم بينهما، فإن خرج يزيد كان لزيد. وإن خرج مبارك كان حرا. وليس لزيد، ولا للورثة أن يتراضوا على عتق أحدهما، أو يُعطوا لزيد واحدا بلا سهم لأنه حرية تُرجى لأحدهما. وقال أصبغُ في جميع ما وصفت: الورثة مخيرون، كان شيء واحد أو شيئان (¬1)، أو لا سهم في شيء منه إلا فيما فيه ذِكر حرية، إلا في قوله: لزيد أحد عبدي (¬2). فله نصف قيمتها بالسهم لأنه شَركه فيها. وبقول ابن الماجشون قال ابن حبيب. وفي الباب الذي يلي هذا من معاني هذا الباب. ومن المجموعة قال علي بن مالك فيمن أوصى لرجل برأس من رقيقه، وترك ثلاثة أعبدٍ وقيمة واحدة عشرة، والآخر عشرون، والثالث ثلاثون: فحقه عشرون، فإنه يُسهم له فإن خرج له مَن قيمته ثلاثون فله ثلثاه. وإن خرج ذو العشرين فهو له. وإن خرج ذو العشرة، أخذه، وأعيد السهم، ليأخذ بقيمة حقه. فيمن أوصى بخدمة عبده لفلان ولفلان سنة سنة / ولم يذكر مَن يُبدأ أو: عبدي يخدُمُ أحد بني فلان ولم يُسَمهم أو: يخدم فلانا ولم يؤقت. ثم هو لفلان أو وهب خدمته لرجل من المجموعة قال ابن كنانة فيمن أوصى في عبدين له يخدمان بني فلان وبني فلان سنة سنة، ولا يوهبان، ولا يوهبان، ولم يُسم من يبدأ، قال: ما أرى فيه أفضل من القرعة، فمن خرج له سهم التبدئة بُدى به، ثم الذي يليه. فإذا أخذهما أهل ¬
الميت سنة، رجع إلى الذي كانت له التبدئة أولا، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه كما كان شأنهم أولا. وإن قال: عبدي يخدُمُ رجلاً من هؤلاء الثلاثة نفر ولم يُسمهم، فليُقرع بينهم فمن خرج سهمُه خدمه، ولا شيء للآخر. ولو قال – يريد لورثته –، أنظروا فأخدموا غلامي واحدا من هؤلاء الثلاثة. فذلك للورثة، يُخدمون (¬1) من شاؤوا. قال أشهب: وإذا قال في وصيته: لفلان خدمة عبدي سنة، ولفلان بقيته. فكأنه قال: يخدم فلانا سنة، ثم هو لفلان بتلا. وكالقائل: لفلان ثلثي، ولفلان منه عشرة دنانير. فالعشرة مبدأة. وإن قال: يخدم فلانا (¬2). ولم يقل: حيائه. ولا وقت. وقال: فإذا مات فهو لفلان. فأما في قول من رأى أنه إذا أخدمه عبدا أنه له حيائه وإن لم يَقل حيائه، فإنه يخدمه حياته إن خرج من الثلث، ثم هو للآخر. وإن لم يخرج فما خرج منه فهو على ذلك. وأما في قول من لا يراه له حيائه فإنه يكون له على ما يرى من الاجتهاد أنه أريد به من طول أو قصر، أو أنه يكون له ذلك حتى يسترد ذلك الورثة، بعد الاختدام، والسكنى، فإنهما يتحاصان صاحب / الخدمة بقيمة ما يُرى له منها، وصاحب الرقبة بعد موت المخدم بقيمته على المرجع، فيكون فيه ثلث الميت بينهما على ذلك. والذي أرى أن القائل: عبدي يخدم فلانا. أنه يخدمه حيائه. وإن فعل ذلك. وقال رجل/ اشهدوا أني وهبتُ خدمة عبدي هذا لفلان. ثم مات فلان فلا شيء لورثته من خدمته. ويرجع إلى الورثة. ومن الناس من يقول: إذا رم يؤقت أجلا: ولا حياته فللسيد أن يرجع في خدمته متى شاء. ¬
فيمن أوصى بوصايا وأوصى معها بما لا أمد له من وقيد مسجد وسقط ماء أو نفقة
ولا أرى ذلك. وأراه له حياته. وقال ابن المواز: إذا أوصى أن يخدم فلانا، ولم يؤقت فلم يختلف أصحابُنا أن ذلك حياة المخدم. وهو إن شاء الله قول ابن القاسم، وأشهب. إلا أن ابن القاسم قال فيمن قال: وهبتُ خدمة عبدي هذا لفلان. إن ذلك حياة العبد، حتى يُستدل أنه حياة المخدم. وقال أشهب: بل هو حياة المخدم. فيمن أوصى بوصايا وأوصى معها بما لا أمد له من وقيد مسجد وسقي ماء أو نفقة وشبه ذلك ومن المجمعوعة، وكتاب ابن المواز قال مالك في الموصي بوقيد في مسجد أبدا، وأوصى بوصايا، فليحاص للمسجد بالثلث، قال سحنون: وقاله الرواة. قال عبد الملك: يُضرب للمجهول بالثلث: فينظر ما وقع له يوقف لذلك ما وقع له. ولو وقع في وصيته أصناف من هذا المؤبد المجهول ضُرب للمجهولات كلها بالثلث. ولو لم يوص بغير المجهولات، قسم الثلث على عدد المجهولات. وكذلك إن قال: قِدُوا في المسجد – يعني أبدا – واسقوا رواية كل يوم، وأنفقوا على فلان ما عاش. فإنما يُضرب لهذين مع النفقة بالثلث / يريد: مع أهل الوصايا غيرهم. ومن كتاب ابن المواز وأراه لأشهب ومن أوصى أو يُنفق على فلان درهم في كل شهر، ويُعتق، وحملان في السبيل، وأن يُتَصدق بدرهم كل شهر فليُعَمر صاحب النفقة، ويُحاص له بكل شهر بدرهم مبلغ تعميره. ويُحاص للفرس، وللعبد بقيمة وسطه، ويحاص له بالدرهم كل شهر بالثلث كاملا يُجمع الثلث. وإن قلت: بالمال. كان حسنا. فإن خرج نصف وصاياهم انتفق على الموصى له بدرهم كل شهر نصف درهم كل شهر.
فيمن أوصى أن يعطي فلان دنانير أو وصية أو إقراره أو يؤخذ منه دين ادعاه قبله
وأما الصدقة بدرهم كل شهر، فيتصدق بدرهم كاملا كل شهر لأن تعجيل الصدقة أفضل. وإن لم يصر للعبد والفرس ما يُشترى به ذلك، أعين به فيها. وذكر ابن القرطبي أن أشهب يرى أن يُحاص بما أوصي به مما لا أمد له من وقيد مسجد أو سقي ماء بالمال كله. فيمن أوصى بأن يُعطى فلان دنانير (¬1) أو وصية أو إقراره أو يؤخذ منه دَينٌ ادعاه قبله من العتبية (¬2)، والمجموعة وروى أشهب وابن نافع عن مالك فيمن أوصى: أن أعطوا فلانا مائة درهم، وخذوا منه خمسة دنانيى لي عليه. فأنكر فلان الدين، قال: فإن كان في المائة درهم فضل (¬3) عن الخمسة دنانير أعطي الفضل. وإن كانت الخمسة أكثر أحْلِف في الفضل على المائة. فإن نكل غرم – يريد: الفضلة – قال: ويحلف في هذا، وإن لم تكن بينهما خلطة لا يُنظر في هذا إلى خلطة. وقال سحنون: ومن أوصى لرجل بألف درهم، وقال: وخذوا منه عشرين دينارا دينا لي عليه. فأنكرها، فليُحَاسَب بها في الألف درهم، ويُعطى ما بقي. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: وإن أوصى لرجل بمائة دينار، وبأن تُؤخذ منه مائة درهم. قال: فليُحبس من المائة دينار قدرُ مائة درهم، ويُعطى ما بقي. وإن قال: يؤخذ منه فرسٌ. فليؤخذ قيمة فرس وسط، ويُعطَي المائة. وإن أوصى أن يُعطة مائتي أردب قمح ويُؤخذ قيمة فرس وسط، ويُعطي المائة. وإن أوصى أن يُعطَى مائتي أردبِ قمح ويُؤخذ منه مائة أردب شعير فليُحبَسْ عنه من القمح قدرُ مائة أردب شعير ويعطي ما بقي. ¬
فيمن أوصى لرجل بدنانير فحال جواز الناس في الوزن أو قال يخرج عني درهمان كل يوم فزاد الصرف
قال في كتاب ابن المواز: وكذلك إن قال: خُذوا منه فرسا. لأخذَ منه وسطا من الخيل. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته: لفلان عندي عشرة دنانير، ولي عنده خمسة دنانير. قال: يأخذ فلان من ماله عشرة دنانير، ويُقيم ورثته البينة في الخمسة إذا أنكرها. ولو قال: أعطوه عشرة وصية، ولي عليه خمسة. لم يُعط إلا خمسة. فيمن أوصى لرجل بدنانير فحال جواز الناس في الوزن أو قال يُخرجُ عني درهمان كل يوم من صرف كذا فزاد الصرف من المجموعة قال ابن كنانة فيمن أوصى لرجل بدنانير فحال وزن الناس، فصار يجوز بينهم أنقصُ من ذلك أو أوزن فإنما كان يُعطى ما يجوز بين الناس يوم موت الموصي إن كان الموصي يعلم جواز الناس يومئذ. وإن لم يكن يعلم فإنما للموصي له الوزن الذي كان يعلم به الموصي. وكذلك في المكيال يتغير، وقد أوصى له بكيل. ومن العتبية (¬2) روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصى بصدقة فأمر أن يُخرج منها كل شهر درهمان من صرف اثني عشر بدينار، ثم صار الصرف عشرين بدينار، فليخرج / عنه سدسُ دينار كل شهر ما بلغ. قال أصبغ: وذلك إن نقص عن اثني عشر، فالسدس يُخرَجُ عنه لقوله: درهمين من صرف اثني عشر. ولو لم يَقل: من صرف كذا. أخرجت عنه الدرهمين كل شهر، زاد الصرف أو نقص. ¬
في الوصية لأم الولد وهل يقضي لها بما لها من حلي وثياب؟
في الوصية لأم الولد وهل يٌقضَى لها بما لها من حلي وثياب؟ وكيف إن أوصى لها بالنفقة ما لم تُنكحْ؟ من المجموعة روى ابن وهب، وعليٍّ عن مالك فيمن أوصى لأم ولده بثلثه أن ذلك جائز. قال عنه ابن وهب وابن نافع: وما كان لها من حُلي وثياب مما يُعرف أنه لم يُعطها ذلك في حياته تأليجا (¬1) فهو لها. قال عنه علي: ما أعطاها في صحته، فنافذ لها. ثم بلغني عنه أنه قال: يُنظر إلى ناحيته، ويساره فإن كان ذلك يسيراً في قدر ماله يُعطَى مثله لمثلها فهو نافذ، وما كان على غير ذلك، ويُرى أنه تاليجٌ إليها لم يَجُزْ، ورجع ميراثا. قال عنه ابن وهب: وإن أوصى لها بخمسين ديناراً يُنفَق عليها منها ما عاشت ما أقامت مع ولدها، ولم تُنكَحْ، فمات الوالد، قال: لها النفقة منها ما عاشت. وقال ابن القاسم بهذا مرة، وقال أيضا: لا نفقة لها إن مات الولدُ. وكذلك في باب آخر عن مالك: فلا نفقة لها. قال ابن القاسم: وإن أوصى لها بوصية على أن لا تتزوج (¬2) فذلك نافذ. ثم إن تزوجت نُزغَ منها. قال ابن القاسم عن مالك: وإذا أوصى إلى زوجته على أن لا تتزوج، فتزوجت، فلتُفسَخْ وصيتُها. قال أشهب: وليس هذا مكروها (¬3)، ولا مَنْ بِيع الغرر. ¬
فيمن أوصى بما في بطن أمته لرجل أو للعنق فأعتقها الورثة أو باعوها
ومسألة مالك إذا أوصى لأم ولده على أن لا تُنكح / فصالحها الورثة، ثم تزوجت مكتوبة في الجزء الثاني. فيمن أوصى بما في بطن أمته لرجل أو للعتق فأعتقها الورثة أو باعوها من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: ومن أوصى بما في بطن أمته لرجل، فمات الموصي، والثلث يحمل الأم، فأعتقها الورثة، فعتقهم جائز فيها، وفي الجنين، وتبطل الوصية. قال أشهب: وولاؤها للورثة. ولو أعتق أحدُهم نصيبه منها، قوم عليه باقيها، وولاؤها وولاؤ جنينها له. ولا شيء على معتقها للموصى له بالجنين، إذ لا قيمة له. ولو أوصى به لرجل، أو أوصى بعتقه، والثلث لا يحمل الأم حاملا، فالورثة بالخيار، إن شاؤوا أوقوفها حتى تضع فتُنفذ الوصية في الجنين، وفي القطع للموصى له به بجميع ثلث الميت إلا أن يشاء أن يُقطع له ذلك في الخادم (¬1) نفسها فذلك له. وأرى أن الذي يقطع هذا التخيير عن الورثة أن تُعتَقَ الأمة، فيُعتَقَ جنينُها، وتبطل الوصية. فإن لم يفعلوا حتى قطعوا له بالثلث في جميع التركة، أو في الأمة، ثم أرادوا عِتقها، لم يسقط عنه بعتقهم شيء مما صار له في الثلث، ولا يسقط عنهم فيما يجوز لهم من عتقها إلا ما كان يصير له من الجنين. فإن كان إنما قُطع له بالثلث من كل شيء، فليُقَوَّمْ عليها ثلثها، ويتبعها ولدها بلا قيمة فيه. ولو كان إنما أخذ الثلثَ فيها، ولم يستكملها، فكذلك في عتقهم. ¬
ولو كانت الوصية بعتق الجنين، خُيروا بين إيقاف الأم، أو عتق ما حمل الثلثُ منها بما في بطنها إذا وضعت. وولاءُ ذلك للموصي. / وقال في الجزء الثالث: إن لم يخرج من الثلث، فليس على الورثة حبسُها، ولهم بيعُها، وتبطُلُ الوصية. ولو حبسوها حتى تضع، ولم تكن أبطلت الوصية عنهم عتق جنينها، إن كان يخرج من الثلث. فإن أعتق الأم بعض الورثة، ولم يُردِ الوصية، فهي كلها حرة عليه بالقيمة، وجنينها حر معها عنه لا عن الميت. وإن دَبرها قبل أن تلد، وصارت له، فتدبيرها جائز، وتبطل وصية الميت، قال أشهب: قال مالك: ومن أعتق ما في بطن أمته، ثم مرض، فهلك، فإن الأمة تُباعُ بما في بطنها، إن قام غرماؤه، واحتاج ورثته. وإن تأخر بيعها، حتى تضع كان الولد حرا. ولو أعتق الجنين أو وهبه، ثم باعها قبل أن تضع، فولدها يتبعها. ولو ولدت قبل بيعها، عُتِقَ الولدُ، وصار للموهوب له. قال عبد الملك: إذا أوصي بجنينها لرجل، فولدت قبل أن تُبتاع أو تُقَسم، فهو للمُعطى إن حمله الثلثُ. وكذلك إن أعتقه. ولا يُمنعُوا من بيع الأم من أجله في دَين ولا اقتسام أو حق ذي حق. ولم أعلم أحدا من أصحابنا قاله. وقال ربيعة، ومالك: إذا تصدق بجنينها، ثم أعتقها قبل الوضع، فهي حرة وجنينُها. ولا شيء للمتصدق عليه.
في الوصية والهبة والإقرار للقاتل وقبل الضرب أو بعده
في الوصية والهبة والإقرار للقاتل وقبل الضرب أو بعده وفي الموصى له أو وارث الموصى له أو سيده يقتل الموصي وكيف إن كان الموصى له صبياً أو مجنوناً (¬1)؟ من كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه وهو في العتبية (¬2)، عن ابن القاسم، وأشهب في الموصى له يقتل الموصى له يقتل الموصي: إنه مثل الوارث إن قتله / عمدا، فلا وصية له. وإن قتله خطأ فله وصيتُه في ماله دون ديته، لأن الدية عنه وُدِيَت، وهو يودي فيها. وأما في العمد، فيُتهم على تعجيل الوصية، كما يُتهم الوارث. وإذا أوصى لقاتله بعد أن جرحه وهو يعلم أنه هو الجاني عليه، أو لا يعلم، وكانت له حياة، ثم مات، فالوصية له نافذة عنه، ولكن إن كان عمدا، فإنها من ثلث ماله دون ديته، لأنها لم تجب إلا بعد موته، كما لم يعلم به. وأما في الخطأ فله ذلك في ثلث المال، والدية. ولو جرحه عمداً بعد الوصية، وعلم الميتُ أنه الجارح، وأقر له الوصية، فهي نافذة في ماله دون ديته، وإن لم يعلم أنه الجارح، بطلت في العمد، في المال والدية. وتكون له في الخطأ في المال دون الدية. ومن كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس عن أشهب، ولو أوصى لرجلين، فقتله أحدُهما، فتبطل مُصَابَة القاتل، ومصابة الآخر جائزة، كمن أوصى لوارث وغير وارث. قال في المجموعة: هذا في العمد. وأما في الخطأ فجائزة لهما – يريد: إلا من الدية فلا شيء للقاتل فيها –. قال: ولو أن عشيرة جرحوا رجلاً عمداً، وأحدهم عبده، ثم أوصى بعتقه، وأوصى لغيره من العشيرة بوصية، ثم مات، فالوصية جائزة، ويُبدأ بالعتق، ولا تهمة فيه، لأن الجرج قبل الوصية. ¬
قال ابن المواز: سواء علم أو لم يعلم. ولو كان الجرح بعد الوصية لم يجز في العمد، في عتق، ولا غيره. ويجوز في الخطأ. قال في المجموعة: ويُبدأ العتقُ. وإذا أوصى لرجل، ثم جرحه الموصى له، ثم قتله آخر غيرُه، فالوصية للجارح جائزة، إذا لم يُقْتَل. ولو كان إنما جرحه الثاني أيضا، ثم مات من / الجرحين، لم تَجُزِ الوصية للأول، لأنه قاتل مع غيره، كوارث قتل هو وأجنبي مورثه، فلا ميراث للوارث. قال أشهب في الكتابين: ومن أوصى لمعتوه، فقتله المعتوه بعد الوصية، فالوصية له نافذة، إذ لا تهمة عليه. وكذلك الصبي كما لو قتل الصبي أو المعتوه موروثه. (¬1) والمعتوه أعذرهما. وقد يؤخذ الصبي بفعله. قال: ولو أوصى لمكاتب رجل، فقتله سيد المكاتب، فإن كان المكاتب ضعيفا عن الأداء، وأداء الكتابة أفضل لسيده، بطلت الوصية للتهمة. وإن كان قويا على الأداء، وعجزه أفضل لسيده، لكثرة ثمنه، وقلة ما بقي عليه، فالوصية للمكاتب جائز في الثلث. ولو كان القتل خطأ, جازت من ماله على كل حال واستحسن هاهنا أن يكون من ثلث عقله. وقال في كتاب ابن المواز: ولو أوصى لعبد رجل، أو مدبره، أو معتق له إلى أجل، أو معتق، أو معتق بعضه، فعمد سيده، فقتل الموصي، فذلك كله واء، وتبطل الوصية، إلا أن تكون الوصية بشيء تافه لا يتهم السيد في القتل على مثله فتنفذ. وإن كان له أن ينزعه منه يوما أن يبيعه، فذلك. فإذا كان تافها، فذلك نافذ في العمد والخطأ. وإن كان شيئا له بال بطلت الوصية في العمد وتجوز في الخطأ في ثلث المال. واستحسن أن يكون هاهنا في ثلث العقل. ومن أوصَى لرجل بوصية، فقتله ابن الموصَى له، أو قتله أبوه أو أمه أو زوجته أو عبد أحد هؤلاء، أو أم ولد الموصى له، فالوصية جائزة، كان القتل عمدا أو خطأ. ¬
في المدبر أو أم الولد يقتلان السيد، وفي المعتق يعفو عن قاتله وهو وارث
ولو وهب لرجل في مرضه هبة، فقتله / الموهوب، فالهبة له جائز، كان القتل عمدا أو خطأ. ولو وهب لرجل في مرضه هبة، قبضها أو لم يقبضها، إذا كانت بتلا، عاش، أو مات ولم تكن وصية، لأن قتله أضر به، إذ لو عاش كانت من رأس ماله. وهي الآن من ثلثه. ولو أمر له بدين في مرضه، فقتله، فالدين له ثابت. قال ابن المواز: وكذلك لو كثر الدين، لأنه ليس بقتله ثبت الدين. ولأن أم الولد لو قتلت سيدها عمدا، لعتقت إن عُفي عنها. ولو أمر لوارثه بدين، أو وهب له هبة بتلا، فقتله الوارث، فلا شيء له من ذلك، بخلاف الأجنبي. في المدبر أو أم الولد يقتلان (¬1) السيد وفي المعتق يعفو عن قاتله وهو وارث، أو غير وارث وفي الموصَى له يشهد أن فلانا قتل الموصِي وفي السيد يقتل الأمة وقد زوجها ومن كتاب ابن المواز – وأراه لأشهب –: وإذا قتل المدبر سيده خطأ، فتدبيره بحاله. وإن كان عمدا، بطل تدبيره. فإذا عتق في الخطأ لم يتبع من الدية بشيء، لأنه إنما لزمه ذلك، وهو عبد. وقال ابن القاسم: يتبع بدية سيده في الخطأ. وأم الولد إذا قتلت سيدها عمدا، فلتعتق، لأنه عتق لازم من رأس المال، وتقتل به، إلا أن يُعفى عنها. ولا تتبع بعقل في عمد، ولا خطأ. وقال ابن القاسم في أم الولد بخلاف المدبر عنده. ¬
وقال عبد الملك: تتبع مثل المدبر. وإذا قامت بينة على وارث، أنه قتل موروثه عمدا، فأبراه بن المقتول، فإنه يتهم في إبرائه، لأنه ولده يرى أنه يوجب له ميراثا زال عنه بالقتل، وهو عفو جائز، ولا يقتل به. ولكن لا يرثه بذلك، / ولا يكون مصابه وصية له من ثلثه، لأنه يتهم. ولكن لو لم يبرئه وقال: نصيبه من الميراث هو له وصية. فذلك جائز له، لأنها وصية لغير وارث. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال أشهب: وإذا قامت بينة على وارث بالقتل عمداً فكذبهم بعض الورثة، وصدقهم البعض، فإن ما صار للمكذبين من ميراثهم – يريد من الورثة – فهو للقاتل. وكذلك الموصَى له بوصية، كما لولا يجب بالقتل. ومن عفا عن جارحه, ثم مات من الجرح، فأما في العمد فجائزٌ، لأنه لم يَعْفُ عن مال، وإنما عفا عن قِصَاص. وإن كان خطأ، لم يَجُزْ إلا من ثلثه. قيل: فإن كان القاتل عبداً لغيره، أو حُرّا، وقد عفا عنه في العمد؟ قال: قد اختُلِفَ في العبد، فابن القاسم يرى الحُرَّ، وقد عفا عنه في العمد؟ قال: قد اختُلِفَ في العبد، فابن القاسم يرى الحُرَّ والعبدَ سواءً. وقال أشهب: لا يجوز
في المريض يقر لرجل بمال أختانه له أو دار غصبها له أو بحرية عبد في يديه
عفوُه عن العبد وإن كان عمداً إلا في ثلثه بمنزلة الخطأ، لأن قتل العمد مال، إلا أن يشاء أولياء الحر أن يقتلوا. فإن لم يشاؤُوا القتل، فيصير مالاً، ويُجعَل في الثلث / الأقل من قيمة العبد أو دية المقتول. فإن كان العبد يجاوز الثلث، سقط عنه مَحْمِلُ الثلث، وقيل للسيد: اِفْدِ ما بقي من عبدك بحصة ذلك من الدية أو أسْلِمْهُ. في المريض يُقِرُّ لرجل بمال اختانَهُ له أو دار غصبها له أو بحرية عبد في يديه أو أقر بمال لمَنْ لا يُعرَف أو أقر بقتل عمداً أو خطأ أو أقرَّ لمن يُتهَمُ عليه من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر في وصيته أن فلانا كان أعطاه مائة دينار يتصدق بها فتسلفها، وفلان ليس له وارث يسأل، فإن كان يرث المقر ولد أخرجت من رأس ماله. وإن كان يورث كلالة فإقراره باطل. ولو كان فلان حيا (¬2)، فسئل، فصدقه، فذلك جائز. وإن لم يُصدقه، بطل إقراره. ولو مات فلان وله ورثة فيُسألوا (¬3) كانوا كلالة أو ولدا (¬4). فإن صدقوه، جاز. وإن كذبوه، بطل ذلك. قال مالك: في التافه الذي لا يُتهم عليه – قال ابن القاسم: مثل الخمسة دنانير، والعشرة –. وإذا أقر في مرضه، في عبد أنه إنما كان غصبه نفسه، وهو حر من أصله، فإن كان يورث كلالة بطل قوله، وإن ورثه ولد عتق من رأس ماله. ¬
وكذلك روى عنه أبو زيد. زاد عيسى: وكذلك ما قال مالكٌ فيه: لو قال في أمَتِه: ولدت مني. ولا يُعرف ذلك، ولا ذكره هو قبل ذلك. قال عنه أبو زيد: وإن قال: بيعوا ثوبي هذا، وتصدقوا بثمنه، فإني كنت غصبتُه. وفي ثوب آخر بصدقة ثمنه فإنه ليس لي. ولفلان علي كذا، ولفلان كذا، ولفلان كذا، وإنهم يسكنون ببلد كذا، لقوم لا يُعرفون، ولو طلبوا لأعجزوهم. فإن لم يكن على ما ذكر / بينة غير قوله, بُدِى بالثياب التي ذكر فيُتصدق بثمنها، ثم يتحاص أصحاب الدَّين الذين يُعرفون، والذين لا يُعرفون. ولو كان على كل ما ذكر بينة، تحاص الجميع أهل الثياب وغيرهم. وذكرها في موضوع آخر فقال: إن كان ورثته ولدا (¬1) قُبِلَ قوله في ذلك كله، أوصى بصدقة ذلك عن أهله، ولا يعرفون، أو بإيقافه لهم، فذلك جائز. وإن كان يورَث كلالة، فأوصى أن يوقَفَ ذلك لهم، حتى يأتي له طالب، فذلك جائز من رأس المال. وإن أوصى بأن يُتصدق به عنهم، لم يُقبل قوله، ولم يُخرج من رأس المال، ولا من الثلث، وهذا ناحية قول مالك. وذِكرُ هذه المسألة من أولها في رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب: التفليس. وقال: يُبدأ هذا على الدَّين – يريد: الأشياءَ المعينة التي جُهُلَ أربابُها – قال: إلا أن تقوم بينة بالدفع، فيُبَدأَ. ثم قال: هذا كله واحدٌ. ثم ذكر مثل ما تقدم من قوله، وذكرها في موضع آخر إلى آخر المسألة. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته: هذه الدار لفلان وكلني على حفظها وغلتها، فجحدته إياها فسلموا إليه داره، وغلتها من سنة كذا. وأشهد بذلك ناسا، فإن كان يرثه ولده، أسلمَت إلى ربها – يريد: وغلتها – وإن كان يورث كلالة، وكان المقر له ممن يُتهم عليه بصداقة، أو قرابة لا يرث بها لم يُقبل قوله. وإن كان ممن لا يُتهم عليه من الأباعد قَبِلَ إقرارُه له، كان عليه دَين، أو لم يكن. ولو كان إقراره في قرية قد أكثر عمارَتها أنها لفلان كان استخلفني ¬
عليها، وكذبَّه ولده، فإقراره جائزٌ، ويأخذ القرية مَن أقر له بها، ولا يُتهم أن يُقر عن ولده. / ولو قال: كنتُ قتلتُ فلانا عمداً، أو خطأ فأعطوا ورثَتَه الدية، واعتِقوا عني رقبة. فأما في العمد فإنما فيه القِصاصُ، فما أمر به من المال فيه فإن أراد به وجهَ الكفارة أنفِذَ في ثلثه. وأما الخطأ، فهو إقرار مما تحمله العاقلة، فهو في الثلث، وكذلك العتقُ من الثلث. ولو كان عليه بينة تُحِقُ ذلك كان من الثلث أيضا. وقاله مالك. قلتُ: ولم لا يكون في الخطأ على العاقلة، كما لو كان حيّا؟ قال: لأنه أوصى بها، فكأنه حملها عن العاقلة. ومن سماع ابن القاسم: ومَن أوصى لرجل بدَين، فطلبه الرجل، فلم يوجد، ولم يُعرف قال: يُتصدق به عنه، ويُقال: اللهم هذا عن فلان. وقال مضن كان يُخالِط رجلا، فصار لأحدهما على الآخر فضل، فغاب الذي له الفضل، فلم يُعرف أين ذهب، وجُهِلَ اسمُه قال: يتصدق بذلك عنه، ثم إن جاء غرمَه له. قال ابن القاسم: ويُنظر في إقراره بالدين للوارث، والصديق الملاطف فيُعزَل، وتكون وصاياه في ثلث ما بقي، ويُرَدُ ما عُزِلَ للوارث، فيرجع ميراثا، ويدخل في ثلثه المُدبر. وأما الصديق فإن كان ورثتُه ولدا، وأبوين، أو عصبة قريبة كالإخوة، وليس بينه، وبينهم سبب فإقراره نافذ. وإن كان يرثه أباعِدُ العصبة، أو مَوَال (¬1) فإن ذلك يرجع ميراثا، ويدخل في ثلثه المُدبر دون الوصايا. ومن هذا المعنى بابٌ في آخر الجزء الأول من الوصيا. ¬
في إقرار المريض لزوجته بدين أو مهر أو بأرض في يده في مرضه أو عند سفره أو أقرت له في مرضها بدين
في إقرار المريض لزوجته بدَين أو مهر أو بأرضٍ في يده في مرضه أو عند سفره أو أقرّت له في مرضها بدَين أو / ببراءَة من صداقها وفيه شيءٌ من الإقرار للوارث والوالد والصديق من كتاب ابن المواز قال مالكٌ في مريض أقر لزوجته بمهر - قال في موضع أخر: بدين -: فإذا لم يكن له ولد منها، ولا من غيرها لم يَجُرْ إقراره. قال ابن القاسم: وكذلك إن كان عليه دِين، ولا ولد له، فأقر لبعض ورثته بدَين، أو لصديق ملاطف، فيُتَّهَم. فأما إن كان له ولدٌ، وترك وفاء فلا يُتهم أن يُقر لصديقه، إلا أن تُعلم منه الإساءة لولده. قال ابن وهب عن مالك: إذا أقر لزوجته بدَين. فإن كان يرثه كلالة، أو بنتٌ، لم يَجز إلا أن يذكره في صحته. وإن أقامت شاهدا حلفت وقُضي لها. وإن أقر مع ذلك بدين للناس، وكان ورثتُه بناتِه، لم يَجُز إقراره لزوجته. قال مالك في مريض أقر لزوجته بعروض كثيرة عنده فإن اتُهِمَ لم يَجُز إقراره، وإن لم يُتهم جاز. وإن أقرت هي في مرضها أنها قبضت منه مهرها فإن كان مات قبلها فذلك جائز. وإن كان حيا لم يَجز إلا أن يكون لها ولدٌ من غيره، وكان بيها، وبين زوجها أمر شيء فلا تُتهم هذه. قال في سماع ابن القاسم في العتبية (¬1): أما التي ولدُها كبار، ولعل بينها، وبين زوجها غير الحُسن، فيُصدق، ولا يُتهم. وأما التي لا ولدَ لها ومثلُها يُتهم فلا يجوز. ¬
كما يُتهم في الإقرار الولدُ، والأخُ، والأبُ، والرجل المنقطع إليه. قال سحنون: ويُتهم في إقراره للملاطِفِ إن كان ورثتُه عصبة. وإن أقر لزوجته ببقية من مهرها فإن كان له ولد منها، أو من غيرها، فذلك جائزٌ. ومن العتبية (¬1) روى أشهب / عن مالك، فيمن أقر في مرضه لزجته بثلاثين ديناراً، ثم صَحَّ، فقال: كان ذلك تاليجا إليها. قال: ذلك يلزمه. وقاله سحنون. قال سحنون: ولو قالت في مرضها: قبضتُ من زوجي. ثم مرض هو، فقال: ما قبَضتْ مني شيئا. ثم مات الزوج، أو لم يمتْ، وزعم أن قولها كان محاباة لها، وطلبت هي حقها. قال: يلزمها – إذا صحت – إقرارها. فإن مات الزوج فلورثته أن يلزموها إقرارها. ولو تمادى مرضُها حتى مات الزوج فالإقرار أيضا يلزمها. وروى سحنون عن ابن القاسم في مريض أقر بدَين لمن يُتهم عليه من وارث أو غيره، ثم صح صحه بينة، ثم مرض، فمات إن ذلك الدين مأخوذ من رأس المال. قال ابن حبيب، قال أصبغ في مريض أقر لزوجته بدين، وقد عُرف له بها صبابة ومَيل، وتغلبه على أمره، فلا يجوز إقراره كان له منها ولدٌ، أو لم يكن أو إن له ولد من غيرها، أو لم يكن كان صبّا بولده منها، أو من غيرها إذا كانت هي كما وصفنا. قال ابن القاسم عن مالك: إذا كان له منها ولد صغيرٌ، وله ولد من غيرها، وقد عُرف بانقطاعه إليها، وجفوتِه لولده من غيرها فإقراره لها جائز. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أقر مريضٌ لزوجته بمهرها، ولا ولدَ له منها، وله ولد من غيرها فإنه يُتهم، ولا يجوز. قال ابن المواز: قوله: وله ولد من غيرها. ليس بشيء، والمعروف من قوله ما تقدم، أنه لا يُتهم في الولد وإن كان من غيرها إلا أن يُعرف منه إليها الإقصاء والبغضة، وله إلى زوجته مودة وانقطاع. ¬
في إقرار المريض لوارثه بدين أو لبعض بنيه أو لقريب له غير وارث
ومن العتبية (¬1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم فيمن كتب وصيته / عند سفره إلى حج أو غرسة، وأقر فيها لزوجته، أو وارث له بدَين، وبتل حينئذ صدقة على ابنٍ صغيرٍ قال: ذلك جائز نافذ لأنه صحيح، ولا تهمة في السفر. ومن العتبية (¬2) من سماع أشهب: وإذا أقر المريض في أرض بيده أنها لزوجته، وإنما يرثه ولد منها قال: ذلك أحرى ألا يُتهم، ولكن لا أرى لها سببا إلا أن تأتي بينة على قوله ذلك في صحته، أو على علم بمِلكِها قبل، وقد أوصى لأقارب له، ولم يُشهد على وصيته إلا أقاربهم فإن هذا ضعيف. في إقرار المريض لوارثه بدَين أو لبعض بنيه أو لقريب له غير وارث وفيه شيءٌ من الإقرار للزوجة من كتاب ابن المواز وقال في إقرار المريض لوارثه بالدَّين، فأما للولد أو للإخوة يرثونه (¬3)، فلا يُقبل إلا أن يكون لذلك وجه أو سبب يدل وإن لم يكن قاطعا. وأما للزوجة والذينُ من العصبة والصديق الملاطف، فإن كان في ورثته ولد جاز ولم يُتهم. وإن كان باقي ورثته مثل من أقر له أو أبعدَ فلا يجوز ذلك. قال أشهب: إذا ورثه بناتٌ فإقراره لوارث من عصبته جائز، وكذلك لصديقه الملاطف، ولا أتهمه مع البنات أو الأبوين إلا أن يُعرف منه الإقصاء لولده والبغضة فلا يجوز إقراره للصديق الملاطف، وشبهه. وإن لم يُعرف بيه وبين ولده، أو أبوية شنآن فإقراره للصديق جائز. قال ابن المواز: والأبوان (¬4) عندنا كالولد في رفع التهمة بهما. ¬
وقد قال ابن القاسم: إذا أقر في مرضه لصديق ملاطف فإنه كان يرثه ولده، أو ولدُ ولدٍ، فلذلك جائز إلا أن يكون عليه / دينٌ محيط، أو يكون ورثته عصبته فلا يجوز. وقال مالك في إقراره عند موته بدين لقريب له يُتهَمُ عليه، ولا يرثه، فلا يجوز. وإن لم يُتهم فذلك جائز. قال ابن القاسم فيمن له إلى بعض ولده ميل، وانقطاع، وإلى بعضهم البغضة: فإقراره بالدين لبعضهم باطل، وكذلك الإخوة. وإنما قال مالك هذا في إقراره للزوجة، وله ولد من غيرها ولا يُعرف له منها مودة، وقد أقصى ولده. ولعله له منها ولد صغير فلا يجوز. قال محمد: وعلى هذا أصحابُنا. وقد كان من قول ابن القاسم: إذا كان بنوه كلهم عنده في حال سواء لم يَجُز إقراره بدين لبعضهم في مرضه. وإن كان بعضهم بارا (¬1) به، وبعضهم عاقا له جاز إقراره بالدين للعاق، ولا يجوز للبار. قال أصبغ: هذا حسن، ويصير العاق كأجنبي، وكالزوجة إن كان بها صبا، وكان يورَث كلالة اتُّهم، وإن لم يكن بها صبا، وله ولد منها، أو من غيرها لم يُتهم. وذلك في العتبية من أول المسألة عن ابن القاسم، وأصبغ. قلت لمحمد بن المواز: فقولكم إن كانوا ولدا كلهم، أو إخوة لم يَجز إقراره في المرض لبعضهم، إلا أن يكون لذلك وجه، أو سبب. فما ذلك؟ قال: أن يكون معاديا لم أقر له، ووادا لمن لم يُقر له. أو يكون بعضهم يتقاضاه في صحته، أو يكون وكيلا له في شيء فيقر له بشيء من ذلك السبب ففي مثل هذا رأى مالك أن يحلف الوارث، ويُقضى له بذلك. ¬
قال ابن القاسم عن مالك: إذ أقر لأخت بمائتين. وعشرين دينارا وله إخوة، ولها / بيه أنها كانت تتقاضاه منه في صحته، ولا بينة لها بأصل الحق، قال: تحلف وتأخذ. قال: وإن أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته، فليؤخذ من ماله. فإن لم يدع مالا لم (يكن) للزوج البناءُ حتى يدفع الصداق ثم يرجع هو به على الأب. وروى أشهب عن مالك: وإن أوصى أن لزوجته عليه من صداقها خمسين ديناراً، وخادماً. قال: لا شيء لها إلا أن يكون لها تفريع من بينة، أو كتاب. قال: ولو وُجد في كتبه براءة من ثلاثة دنانير من الخمسين ديناراً فليس بشيء، ولا يغرم ما بقي. قال: والوصية جائزة لمن يُتَم عليه من قريب القرابة، أو صديق مُلاطِف بخلاف الإقرار – يريد: في المرض –. ومَن أقر لابنته بشيء في صحته، فلم تأخُذ حتى مات، فهو لها إلا أن يُقر لها استبشارا. قال ابن حبيب: قال أصبغ في المريض يُقر بدين لقريب القرابة وهو يُرَث كلالة فإقراره جائز ما لم يكن له منه اللطف والخصوصية، كالصديق الملاطف – يريد: فلا يجوز – ولا يُنظر إلى صلاح المقر، ولا إلى طلاحه. ومن كتاب ابن المواز قال أشهبُ عن مالك فيمن طلبه ابن عمه (¬1) مسكنا، قال: هو لامرأتي. وطلبه له ابن عمه الآخر فقال كذلك فقامت عليه بشهادتهما فقال: إنما قلتُه تنحيا منها. فذلك له، ولا يلزمه، وليس هذا على العطية. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن كان له بعير يكريه، وكانت زوجته إذا غايظته تقول: هَلُم بعيري. فتحسبه عنه، ولا يُقر لها به، ثم ترده عليه، وإذا رضيت فعلت ذلك مرارا، ثم / مرض الزوج فأقر أنه لها، فنازعها الورثة. قال: ¬
لا يُنتفعُ بإقراره لها في مرضه. وذلك المنع الذي كانت تمنعه منه إذا أخذته منه لا ينفعها. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإذا أقر لوارث بدَينـ، وأوصى بوصايا فالوصايا في ثلث ما يبقى بعد الدين. وذلك ميراث (¬2) أو أجازه بقية الورثة للوارث. وإذا كان له مُدبر، وبتل عبدا في مرضه، وأقر في شيء من تركته أنه لابنه، فليُعزل ما أٌر له به، وتكون وصاياه في ثلث ما بقي يعاد ذلك، فيورث إلا أن يُجيزه باقي الورثة وهم (¬3) ... الأمور أو يجيزوه قبل موته، وهم نائبون عنه ليسوا بزوجات، ولا من تحت يديه وولايته. وإذا أوصى لوارث فليُبدأ العتق، ثم يُحاصَصُ الوارث بالوصايا، فما صار له، رجع ميراثا إن لم يُجزه الورثة – يريد: ويدخل المدبر في ثلث هذا كله الذي يبطل فيه الإقرار – قال عنه أصبغُ: وإذا أقر عند موته أن هذا لابنه مما ورثه عن أمه. ولا بينة فيه فإن كان يُعرف لها مال وعرضٌ، وكان أمرا بينا (¬4) قُبِلَ قوله. وإلا لم يَجُز. وكذلك ماله في كتاب ابن المواز. وقال: وكان أمرا (¬5) غير مستنكر. قال أصبغ في العتبية (¬6): ومن ترك أمه، وعمه فقامت الأم بدين أقر لها به في صحته، فطلب العم يمينها أنه ليس بتوليج فلا يمين عليها. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في التي أوصت في المرض أن ابنها وجد دينارا، فأعطاه إياها، فأدخلته في خلخالين لها، فقالت: أكفوه لي في ثمنها. فكفيت في ¬
في إقرار المريض لوارثه ولأجنبي بدين أو أقر صحيح بذلك لأجنبي ولم يتهم فيه
غيرهما / قال: يُقسم الخلخالان (¬1) على الفرائض. ولو قالت: ردوا إلى ابني الدينار. لم يُقبل منها إلا ببينة. وعن مسلمة تركت أخا وأختا مسلمين، وأوصت لأمها النصرانية بالثلث، وأقرت لأختها بعشرين ديناراً لم تدع غيرها قال: هي ميراث بين الأخ والأخت، ولا شيء للأم إلا أن يبقى بعد العشرين شيء فلها ثلثه – يريد: مما عملت به –. وفي كتاب الإقرار باب من هذا فيه كثير مما ها هنا. في إقرار المريض لوارثه، ولأجنبي بدين أو أقر صحيح بذلك لأجنبي ولم يُتهم فيه من كتاب ابن المواز: وإذا أقر المريض بدين لوارثه أو لصديق ملاطف، وأقر بدين لأجنبي، فقد اختلف فيه فقال ابن القاسم: إن أٌر لهما معا، إقرارا (¬2) متصلا، أو أقر للوارث، أو للصديق. قيل: فليتحاصا في ضيق ماله، فما صار للوارث شركة فيه الورثة بالميرات. وإن لم يرثه غيره، فذلك له. وإن أقر أولا لأجنبي، ولم يذكر الوارث، ولا الصديق، حتى ثبت إصراره، وأشهد عليه، ثم أقر لوارث لم يجز إقراره، وكان الأجنبي أولى. وقال أشهب: إقراره للأجنبي مع الوارث لا يُقبل، ولا شيء للأجنبي، ولا للوارث إن شركة وارث لأنه إذا صار للوارث شيء، فشركه فيه باقي الورثة، رجع ذلك الوارث على الأجنبي فيقول: بالإقرار أخذتُ أنا، وأنت، ويبدك أثر مما بيدي. فيدخل معه. ثم ما أخذ منه، دخل فيه الوارث، فلا يزال كذلك حتى لا يبقى بيد الأجنبي شيء. ¬
وكذلك اختلفا فيمن أعتق وعليه دَين غير محيط، ثم استحدث دَينا، / فأحاط الدينان بماله، فليُرد العتق كله عند أشهب لأنه لا يباعُ منه للدين الأول شيء إلا دخل فيه صاحب الدين الثاني. وبقوله في المسألتين أقول. وهذه في العتق، واتفقا في الوصية لوارث وأجنبي أنه يُحاصه في ضيق الثلث فما صار له، دخل فيه الورثة، وإن لم يرثه غيره لم يُحاص بشيء. وإذا أقر بدين لأجنبي ولوارث، فأصاب الأجنبي بينة على دينه فهو أحق ولا شيء للوارث إن لم تكن له بينة. وإذا لم تكن لهما بينة تحاصا كان ذو القرابة وارثا أو غير وارث فما صار لذي القرابة فإن كان غير وارث أخذه. وإن كان وارثا شركة فيه باقي الورثة إلا مَن لا يُتهم في إقراره له على ما ذكرنا قبل هذا. وإذا أقر في مرضه لأجنبي بدين، ولوارثه بدين، وأقام أجنبي آخر بينة، فلا شيء للوارث حتى يأخذ الأجنبيان. والأجنبيان إن كان أحدهما ببينة فلا يُبدأ على الآخر. وإذا كان أجنبيا ووارثا (¬1) تحاصا. وإن كان للوارث بينة تحاصا. وإن كان للأجنبي وحده بينة بُدئ على الوارث. وإن كان أجنبيين (¬2) لأحدهما بينة، والآخر أقر له مع الوارث فالأجنبيان مُبديان به إن طلب الوارث أن يدخل فيتحاصا والذي لا بينة له منعه الذي له البينة لأنه إن كان حق صاحب البينة يحيط بالتركة. قال له: لا حق لك بإقرار فيه تهمة، ولي بينة. وإن كان لا يحيط بها، إلا أن مع حق الأجنبي / يحيط بهما فقال صاحب البينة: إنها إن دخلت على الأجنبي الذي ¬
لا بينة له نقصه حقه، فرجع علي، فليس لها أن تدخل عليه لهذا. ولو فعلت أنت ذلك، فرجع علي فيشاء، وإني لو رجعت أنا عليك ما شئت منك ما انتقص علي، إذ لا تأخذ أنت شيئا (¬1)، وأنا الذي لي البينة، لم أستوِ في الأولى بفضل شيء عن الآخر فيها، فيكون للوارث. وقد قال فيها غيري ممن رأى أن الأجنبيين إذا قَسما مال الميت بالسواء، فدخل الوارث على الذي لا بينة معه فقاسمه: إنه يقوم صاحب البينة على الوارث، فقاسمه الذي لا بينة له فيما صار له حاصّهُ فيه الوارث بجميع ما أقر به الميت. والأجنبي المُقر له بنصف ما أقر له به الميت، فما صار منه أيضاً للوارث، أخذه منه الذي له البينة، هكذا حتى لا يبقى بيد الوارث شيء. قال أصبغ، عن ابن القاسم في مريض أقر أن لفلان عنده ثلاثين ديناراً وثلاثين ديناراً من بقية حساب بينة، قال: يُقضى له بستين. وقال أصبغ: ومن العتبية (¬2)، وكتاب ابن المواز فيمن أقر في مرضه لعمته، ولأجنبي بدين فإن كان عند الأجنبي بينة على أصل دَينه فهو أحق. ولو أقر لغير ذي رحم ممن لا يُتهم عليه لدخل مع الأجنبي. قال في كتاب ابن المواز: ولو كان لقرابته الذين لا يرثونه بينة دخل معهم الأجنبي. وإن لم تكن له بينة حاصصهم ويحتفظ الوارث. وإن كان للوارث بينة، دخل معه الأجنبي، والقريب الذي لا يرثه. ولو أقر للأجنبيين فقط ولبعضهم بينة لتحاصوا كلهم. ولا يُتهم فيه. وإنما / يفترق هذا في التفليس، لا في الموت. وإذا أقر صحيح قبل أن يُفلِس أو يمرضَ لأجنبي، ولمن يُتهم عليه من قرابة، وغيرهم تحاصوا. وكذلك لو كان لأجنبي بينة، ولا بينة لذي القرابة، وكذلك لو أقر بهذا كله مريضٌ، ثم صح لتحاصوا .. لا خلاف في هذا. ¬
ومن أحاط به الدَّين، فأٌر في مرضه لأجنبي، فليتحاصوا. وإنما يفترق هذا في التفليس. قال مالك: وإذا قال هذا لفلان، وهذا الشيء لفلان. فإن كان مليا صدق، ولا تحاضوا. وإن كان المُقر له مليا فليحلف. قال ابن القاسم: هذا وهم. وقد قال قبل ذلك: إقراره عند الموت جائز بلا يمين. وبه أقول. قال مالك: وإذا أقر عبد مأذون عند الموت أن لفلان عنده ثلاثين ديناراً بضاعة فإن لم يُتهم جاز، وإن أتُهم في قرابة، أو صداقة، فلا يجوز. وكذلك الحر يُقر لمن يُتهم عليه من ابن أو امرأة منقطعة مطلقة له منها ولد. وقال مالك: في إقرار العبد يلزمُ السيد فيما بيد العبد. قال عنه ابن وهب: ومن أقر عند الموت، لمن بينه وبينه مخالطة فليس للوصي أن يُحلف المقر له، وله ذلك بلا يمين. قال ابن المواز: وكذلك لو لم يكن بيه وبينه مخالطة لأخذ ذلك بلا يمين. قال عنه أشهب: إذا أوصى أن له عند فلان كذا. ولا خلطة بينهما، فيُحلف فلان. فإن نكل، غُرِّم. محمد: خلاف من يدعي على من لا خِلطةَ له معه. قال مالك في المِديان يقول عند الموت: هذا مال فلان القراض، إن ذلك نافذ، فإن لم يُعرف ذلك بعينه، فله الحِصاص. وقال في مصري مرض بمصر فقال: هذا السيف في السبيل فأنفِذوه. فليُنفذ كما / قال. أشهب/ وإذا قال لفلان قِبَلِي وديعةُ مائة دينار في خريطة صفتها كذا؟ فوُجدت تلك الصفة، ليس معها ما يشبهها، فليأخذها. وإن وُجدت تلك الصفة وفيها أقل من العدد، فليس له غيرها. وما نقص كشيء ذهب. ولو لم يُسم
خريطة، ولا صفة، وقال: لفلان عندي مائة دينار بضاعة. فوجدت مائة دينار في خريطة لم يكن أحق بها، وكان أسوة. ولو قال: في خريطة كذا، في منطقة. فوجدت كذلك كان أحق بها. ولو وُجِدَت خريطة عليها بخط الميت: هذه لفلان. وقام شاهدان بخطه فهي للمسمى. وإن لم يُقر الميت بشيء. وقاله أشهب، وقاله ابن القاسم. وقال: وكذلك لو وُجِدَ في دفتره بخطه: لفلان عندي كذا. وشُهِدَ على خطه لقُضيَ بذلك. وقال أصبغ. وقال: هو كالإقرار. وقال مالك يأخذه بلا يمين كالإقرار. قال مالك: وإن كان شاهد على خط المطلوب حلف الطالب. وإن كان شاهدا بالخط، وشاهدا بالإقرار تمت الشهادة، وقضيَ له بلا يمين إذا حلف أنه ما سقط ذلك عنه. وإن شهد شاهدان على معرفة خط الشاهر، حلف معهما الطالب. وأما شاهد واحد على الخط فليس بشيء كشهادة على شهادة. قال محمد: أما شاهدان (¬1) على خط الشاهد فليس بمعمول به. بل لو شهدا أنهما سمعاه يقول ذلك لم يُقبَل نقلُهما حتى يُشهدهما. وإلا فهي شهادة السماع لا تجوز إلا فيما تجوز فيه. ومن التقط لقطة فعرف بها، ثم أنفقها، ثم أقر بها عند الموت فلصاحبها المحاصة / بها. وفي كتاب الإقرار من هذا باب فيه كثير مما ها هنا. ¬
في إقرار الولد عن أبيه بدين بعد موته أو بوصية أو شهد عليه الوارث بعتق أو دين أو وصية
في إقرار الولد على أبيه بدين بعد موته أو بوصية أو شهد عليه الوارث بعتق أو دين أو وصية أو يجيز وصيته بأكثر من ثلثه من كتاب ابن المواز: ومن أوصى بماله كله لغير وارث، وليس له إلا وارث واحد ولد أو غيره مديان فأجاز وصيته، وأبى ذلك غرماؤه فذلك لغرمائه. ولا يجوز منه إلا الثلث. ولو عملوا بإجازته فلم يُنكروا، فلا رد لهم بعد ذلك. قال ابن القاسم، وأشهب، ومحمد. وإن كان منهم مَن يجهل أن له رد ذلك، فله الرد إذا حلف مع معرفة الناس به أن مثله يجهل ذلك. قال أشهب: ولو أقر الوارث المديان أن أباه أوصى لرجل بثلثه، أو بعتق ولا بينة فيه فلم يَجُز إقراره، ولا شهادته، ولا إقراره بعتق في صحة إذا لم يُصدقه غرماؤه. وأما إقراره على أبيه بالدين، فيلزمه بخلاف إقراره عليه بصدقة، أو عِتق كما لو فعل ذلك هو في ماله. وقال ابن القاسم: ذلك كله جائز إقراره على أبيه بدين أو بوصية، وعتق وإن أحاط به الدين إذا أقر قبل قيام غرمائه عليه كإقراره على نفسه، أو على أبيه بدين. محمد: وهذا أصوبُ لأن أشهب يقول: لو أجاز وصية أبيه بأكثر من ثلثه، فلا يقبضه الموصى له حتى يموت الابن. إن ذلك جائز من ثلث الأب، ولم يجعله كصدقته من مال نفسه. قال: وإذا أقر أن شيئا وديعة عن أبيه فذلك لازم كإقراره بدين /. قال أشهب/ وإقرار بدين على أبيه جائز، إذا لم يَقم على الابن غرماؤه، أو يُقر لمن يتهم عليه ممن هو حاضر يقبض ما أقر له به. فإن كان هذا لم يَجز إقراره،
ويصير غرماء نفسه أولى، ثم يتبعه غرماء أبيه بما أخذ غرماء نفسه مما كان يصير لهم بإقراره. قال أشهب: ولو أقر – ولا دَين عليه – أن أباه أوصى بأكثر من ثلثه، وأنه أجازك ذلك، وأشهد بذلك، ثم مات الابن بعد أن يداين، ولم يكن قبض الموصى له وصيته فليُبدأ بوصية أبيه، وإذا عُرف مال أبيه لأنه حق قديم للموصى له في وقت يجوز فيه قول الابن. فإن لم يوجد للأب شيء من ماله, وعلى الابن دَين، فإن الموصى لهم يُحاصون غرماء الابن، في مال الابن. وإن وُجد من مال الأب شيء أخذه الموصى له خاصة فيما عجز عليه، حاص به غرماء الابن لأن الوصية صارت على الابن حين استهلك التركة، قبل إنفاذها. قال محمد: أما فيما بلغ ثلث الأب، فهو كذلك. وأما فيما جاوزه فإن كان مال الأب بيد الابن حتى مات بطل ما زاد على الثلث مما أجاز. وإن كان ذلك بيد غير، نُفذ ذلك للموصى له. وشهادة الوارثين على أنفسهما جائزة، فإن لم يكونا عدلين، لزمهم من الوصية بقدر ما صار إليهما من الميراث. ومن ترك ولدين، وألفي درهم فأقر أحدهما لرجل أن له على الأب ألف درهم، فإن كان عدلا حلف، وأخذها من جميع التركة. وإن نكل، أو لم يكن عدلا، فليأخذ من المقر خمسمائة. ويحلف المنكر، فإن نكل غُرم خمسمائة. وقاله مالك، وابن القاسم. وقال أشهب: له أن يأخذ الألف كلها / من نصيب المقر قال: لأنه لا ميراث لوارث (¬1) يزعم أن على الميت دينا (¬2). قال: وهو بخلاف إقراره بالوصية لأن الموصي له شريك في المال. وأما الدين فلا ميراث إلا بعد نصابه. قال محمد: وقول مالك وابن القاسم أولى، وقد قال: لو شهد بالألف الدين عدلان، بعد أن اقتسما، فأعدم أحدُهما: فليأخذ الألف كلها من الآخر، ¬
ويرجع على أخيه، فيتبعه بنصفها. وخالف بين البينة والإقرار لأن البينة أثبت الألف على الميت، ولا يوجَبُ له فيؤخذ من ماله حيث وُجد، ويصير للأخ العمدة على أخيه. وأما بإقرار الميت، فلم يثبت الدين على الميت، ولا يوجب له بالغرم عمدة على أخيه، فصار إقرار الوارث على نفسه أن عنده زيادة على حقه، ولم يجب عليه أن يغرم عن أخيه ما لا يرجع به عليه. قال: ولو أقر هذا الرجل بألف على أبيهما، وكل واحد يُنكر قول أخيه فإن كان عدلين قُضي لك لطالب بشهادة شاهده، مع يمينه. فإن حلف واحد أخذ الألف من الأخوين، ثم يرجع الناكل على من أقر له بخمسمائة، وأحلِف الأخ الآخر أنه ما يعلم ما شهد به أخوه، ويرا. فإن نكل غرم له خمسمائة. وإن لم يكونا عدلين، كان ما قلنا من اختلاف ابن القاسم وأشهب. وكذلك في نكول من نكل مع العدل. قال: ولو أقر كل واحد بوصية لرجل بالثلث أقر كل واحد لغير الذي أقر له الآخر فلم يختلفا في هذا إن كانا عدلين. وإن كان أحدهما أعدل / فليحلف كل طالب، ويأخذ ذلك من الولدين. وإن نكل واحد فالثلث لمن حلف، ولا شيء للذي أبى اليمين، على الذي شهد له لأنه لم يبق بيده من الثلث شيء بخلاف الدين لأن الدين من رأس المال، والوصية من الثلث، ولم يبق من الثلث شيء بيده. وإن نكلا، أو كان الولدان غير عدلين ودّى كل واحد إلى الذي أقر له ثلث ما في يديه. ولو رجعا بعد الحكم، وأقرا بأن الذي شهد به صاحبه حق بعد أن أخذ كل واحد ما أقر له به صاحبه فإن كل واحد منهما ضامن للذي أنكر وصيته ثلث ما في يديه، لأنه أقر أنه استهلك ذلك عليه. قال: وإذا اقتسم الوارثان، ثم غاب أحدهما، أو أعدم، ثم قامت بينة بوصيته الثلث لرجل، أو أقر له الحاضر فإنما يأخذ ثلث ما بيده، ويتبع الآخر بمثله. ولو ترك مائة حاضرة، ومائة على أحد الوالدين – يريد محمد: وهو عديم أو غائب – وأثبت رجل الوصية له بالثلث: فإن المائة الحاضرة بين الموصى له والولد الآخر
نصفين لأن لكل واحد منهما ثلثها، وثلثُها للذي عليه الدّين فيؤخذ منه، فيكون بين هذين لأن حقهما في مال الميت سواء. ولو أقر الولدُ الحاضر للموصى له، فكان عدلا، وحلف معه كان كما ذكرنا. وإن نكل أو لم يكن الولد عدلا لم يكن له مع المقر في المائة إلا ثلثُها، ولو قامت بينة أنه أوصى له بأقل من الثلث بمائة لا بالثلث، والمال كما ذكرنا فالجواب واحد لأنه يرجع إلى الثلث. ولو أوصى له بأقل من الثلث مثل أن يوصى بمائة، وترك مائة حاضرة، وأربعمائة على إحدى الروايتين فليُحضر الورثة بين أن يُعطوه المائة / الحاضرة، أو يقطعوا له بثلث الحاضر، وثلث الدين، فيكون حينئذ كموصى له بالثلث، فتُقتسم المائة الحاضرة بينهما نصفين لأن حظهما في المال سواء لأن سهام الفريضة سهمان، فرُد عليهما نصفها لصاحب الثلث، فصارت ثلاثة، فأسقط سهم المديان، فيبقى لهذين سهمان لكل واحد منهم. ولو ترك ثلاثة بنين وثلاثمائة فيها مائة على أحد الورثة، ومائتان (¬1) حاضرتان، وقد أوصى بالثلث، فالفريضة من ثلاثة، زد عليها مثل نصفها للثل تكون أربعة ونصفا أضعفها تكون تسعة الثلث ثلاثة ولكل ولد سهمان، فأسقط سهم الولد الذي عليه الدين تبقى سبعة، فللموصى ثلاثة أسباع المائتين الحاضرة، وللولدين لكل واحد سُبعا المائتين. ولو ترك ولدا واحدا، فأقر أن هذه وديعة لفلان عند أبي، ثم قال: ولفلان معه. فإن كان قولا متصلا فهي بينهما، وإن لم يكن متصلا فإن كان عدلا، حلف الآخر، وكانت بينهما، فإن لم يحلف أو كان غير عدل فهي للأول مع يمينه. ولم يضمن المُقر للآخر شيئا لأنه لم يدفع إلى الأول شيئا بعد، ولكن لو دفعها، ثم أقر بعد ذلك أنها لفلان معه، فإنه يضمن للآخر ما أقر أنه له فيها، كان عدلا، أو غير عدل. ¬
ولو شهد شاهدان من الورثة أن أباهما أوصى لفلان بالثلث، ودفعا ذلك إليه، وشهدا أنه إنما كان أوصى به لآخر، وأنهما أخطا، فلا يُصدقان (¬1) على الأول وإن كان عدلين للضمان الذي دخل عليهما، ويضمنان (¬2) للآخر الثلث. ولو لم يكونا دفعا، أجزت شهادتهما للآخر، وأبطلتُها للأول. وإذا أمر الوارث بدين على الميت يغترق التركة / ثم أقر لآخر بمثله. فإن لم يكن عدلا بُدئ بالأول إذ لا يقدر على الرجوع عنه. فكذلك لا يدخل عليه ما ينقصه. وإن كان عدلا، وجاء بعذر بين قبل قوله، وحلف الآخر مع شهادته فإن لم يحلف، كان كما قلنا إن لم يكن عدلا. قال محمد: ويحلف الأول على علمه إذا نكل الآخر. ولو أقر الوارث أولا بوصية خرج من الثلث، أو بعتق، ثم أقر بدين، فإن كان عدلا جازت شهادته ما لم يكن بعد حكم بإقراره الأول، أو كان دفعه هو فلا يُرد ويلزمه الدين فيما ورث وإن أحاط ذلك بجميع ميراثه. ولا تباعة عليه لأنه لم تُنفذ الوصية. ويحلف المُقر له بالدين، ويثبت دينه، وتسقط الوصية. وإن لم يكن عدلا، أو نكل المطلوب لم يُرد عتق، ولا وصية. ثم يأخذ الطالب دينه مما ورث إن بقي له شيء من دَينه، وتسقط الوصية. وإن لم يكن عدلا، أو نكل المطلوب لم يُرد عتقٌ، ولا وصية. ثم يأخذ الطالب دَينه مما ورث فإن بقي له شيء من دَينه لم يُتبع به الوارث ما لم يكن هو الذي أنقذ الوصية فيُتبع بما أنفذ من عتق، أو وصية. وإذا قال: أوصى أبي لفلان بالثلث، ولفلان بدين كلاما مُتصلا فالدين أولى، وتبطل الوصية إن اغترق الدين المال. وكذلك لو أقر بتدبير في الصحة لأنه قول متصل. وإن بدأ بالوصية، ثم قطع، ثم أقر بالدين فإن كان عدلا حلف طالب الدين، وكان له، وتبطل الوصية إلا أن يفضل عن الدين شيء فيكون للآخر ثلثه. فإن لم يحلف، أو كان الولد غير عدل فللموصى له جميع الثلث، وما بقي للدين فإن لم يف ما بقي بالدين لم ¬
يضمن الوارث شيئا. ولو لم يُقر بالدين حتى دفع الثلث إلى الموصى له ضمن ذلك لطالب الدين إن لم يَف الباقي بالوصية بعد الدين، / بعد الوصية بالدين. ولا تِباعة لواحد منهما على الموصى له. ولو أقر فقال: أوصى أبي لفلان بالثلث، وأعتق هذا العبد - وهو الثلث -. فإن كان بكلام متصل فالعتق أولى وإن لم يكن عدلا، وإن كان في كلام غير متصل بُدئ فيه بالوصية فهو مُبدأ، ـ ثم يُعتق العبدُ كله على الوارث. محمد: سواء كان عدلا، أو غير عدل إن كان العبد يحمله الثلث. وليس إٌراره بالعتق، يرد ما ذكر من الوصية بخلاف الدين الذي يحلف معه طالبه، ويستحق. ولو كانا وارثين (¬1) فأقرا هكذا كان مثل الدين تبطل به الوصية. وغن ترك وارثا واحدا، وترك ثلاثة أعبد قيمتهم سواء لم يدع غيرهم فقال: أعتق أبيهذا العبد. وشهد عدلان أنه أعتق عبدا غيره. فإن كذبهما الوارث وقال: لم يعتق إلا هذا. أعتقت العبدين جميعا. وإن لم يكذبهما أعتقت الذي أُبته الشاهدان كله لأنه الثلث، وأعتقت نصف الذي شهد له الوارث لأنه حين لم يكذبهما فكأن أباه أوصى بعتقهما فالثلث بيهما. وإذا أكذبهما فقد أقر أن الحرية لهذا، وحده، فلا يملك من أقر له بحريته. ومن قول أشهب إذا لم يكذب الوارث الشاهدين ولم يشهد على رجوع الميت عتق من شهدا له أنه يعتق من كل واحد منهما ما حمل الثلث، أو يستتم عتق الذي شهد له الشاهدان، أو يضرب فيهما جميعا بالسهم. قال أشهب: والسهم أحب إلي، فيعتق نصف قيمتهما فيم جاءه السهم. فإن وقع للذي شهد له الأجنبيان أعتقه كله وإن كان أكثر من نصف القيمتين لأنه يثبت معه عتق / غيره، ولم أعتق من الذي أقر له الوارث شيئا، إلا أن يبقى من نصف القيمتين شيء، فيجعل فيه لأنه لا وارث مع المقر. وإن وقع السهم ¬
الذي شهد له الوارث أعتقت منه عليه ما لو جازت في شهاجته, وأعتقت الآخر كله بكل حال، والشاهد في هذا من الورثة كشهادة الوارثين إذا اتُّهما ولم تجز شهادتها. وإن شهدا على التكذيب، ولم يكونا عدلين أعتقت الذي شهد له العدلان وثلثي العبد الذي شهد له الوارث - يريد: أو الوارثان -. وقال ابن القاسم: بل يعتقان (¬1) جميعا. قال: وإن شهد أجنبيان أنه أوصى لهذا بالثلث. وشهد وارثان أنه أعتق عبده في مرضه وهو قدر الثلث، فالشهادتان جائزتان (¬2)، ويبدأ بالعتق في عدالة الوارثين ما لم يتهما على حر الولاء في عبد لا يرغب في ولائه، فتبطل شهادتها، ويصير الثلث كله لموصى له به من هذا العبد وغيره. قال محمد: ويعتق أيضا العبد في قول ابن القاسم إذا كان يخرج من الثلث لو لم تنفذ الوصية إن لم يكن مع المقر من ورثه سواهما، لأنهما مقران بأنه حر مبدأ. وإن كان معهما ورثة لم يعتق عليهما بقضاء وإن ثبتا على إقرارهما إلا أن يملكاه، أو يملكه أحدهما. وإلا أمرا أن يجعلا ما يصير لهما من ثمنه في عتق بغير قضية. وكذلك في خدمته يؤمران بترك خدمته في يومهما. وهذا قول مالك وأًحابه في الوارث يقر بالحرية، ومعه ورثة سواه. أشهب: لأنه لا يقوم عليه لأنه على الميت يعتق فلا يجوز عتق عبد بلا تقويم. قال أشهب: لأنه لا يقوم عليه لأنه على الميت يعتق فلا يجوز عتق عبد بلا تقويم. قال أشهب: إلأا قوله: / ويعتق جميع منشهد له الوارثان إن لم يكونا عدلين، أو كان وارث واحد فإن أشهب إنما يرى أن يعتق ثلثا العبد فقط. وإن شهد وارثان أن الميت أوصى لفلان بثلثه، وأنه رجع، فأوصى به لفلان وهما يتهمان في الثاني فإن لم يكن وارث غيرهما جازت شهادتهما للثاني إن كان قولا متصلا. وإن كان معهما ورثة، لم تجز شهادتهما، إلا فيهما يصير لهما من ذلك إن أقاما ¬
على شهادتهما. وإذا شهد الوارث لرجل بوصية ألف درهم بعينها، وهي الثلث، ثم أقر لآخر بعد ذلك بالثلث - محمد: يريد: لمن يتهم عليه - فإنه يقضى للأول بالألف، ولا شيء للثاني. والوصية بعينها، والثث في ذلك سواء. وإن شهد وارثان أنه أوصى بالثلث لوارث, وأجاز الورثة، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لأجنبي فليتحاصا إذ لا يجر الوارثان بها إلى أنفسهما شيئا. فما كان يصيبهما من ذلك فهو للوارث. وما كان يصيب غيرهما من الورثة أخذه. وكذلك لو كان في شهادة الوارثين أنه رجع عن وصيته للأجنبي إلى الوارث، وأنهما وجميع الورثة أجازوا ذلك، فذلك جائز على ما شهدا به لأنهما لم يشهدا لأنفسهما بشيء ع (¬1) هذه المسألة من أولها، ففيها إشكال في (الأم). وإٌرار بعض الورثة بعتق عبد من التركة مستوعب في باب مفرد فيه اختلاف شهادة البنين للعبد بالعتق. وهذا الباب في كتاب الإقرار باب مثله فيهم من معاني هذا الباب، ومن الأقضية لابن سحنون. قال أشهب: وإذا شهد وارثان أن الميت / أعتق عبده هذا وهو يخرج من الثلث فذلك جائز، وهو حر. ولو شهد أجنبيان أنه أعتق عبدا آخر جازت شهادتهما. والذي أعتق أولا أحق إذ ليس له أن يدخل عليه ما ينقصه إلا أن يكون عتقهما وصية، فيسهم بينهما، ويعتق نصف قيمتهما - يريد: في تساوي قيمتها - أو قال: أحدهما حر. وأما لو أعتقهما وقيمتهما مختلفة في مرضه، أو في وصيته لعتق منهما محمل الثلث بالسهم. قال سحنون فيما ذكر أشهب: ليس هذا موضع سهم، وإنما السهم فيمن قال: رقيقي أحرار في مرضه أو في وصيته. فأما إن قال: فلان حر، وفلان حر. حتى سمى عبيدا فإنما يعتق محمل الثلث بالحصص. قال أشهب: وتجوز شهادة الوارثين في عتقه إن لم يتهما في ولايته، ومعهما ورثة غيرهما لا يرثون الولاء. ¬
قال: ولو لم يكن معهما من لا يرث الولاء فشهاتهما جائزة على ما تقدم وإن اتهما في الشهادة فوجه آخر أن يكون العبد الذي لم يشهدا له مرتفعا مرغوبا (¬1) فيه فيتهمان أن يشهدا بما شهدا لينقصاه من عتقه إذا لم يخرجا من الثلث، أو أسهم بينهما، فأصاب السهم من شهدا له رق الآخر، أو عتق منه جزء يسير، وشرك في الثلث. قال: وينظر إذا اتهما بهذا، فردت شهادتهما إلى ما كان يصير للذي شهد له من العتق، فيعتق عليهما. قال أبو محمد: - يريد ولا وارث غيرهما -. قال: وهذا إن لم يحملهما الثث، ولو حملهما الثلث وأقاما على قولهما بينة لعتق منهما الذي شهدا له، وعتق الآخر بشهادة الشاهدين. وإن شهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لرجل، وشهد وارثان أنه أعتق / عبدا بعينه وهو الثلث. فإن اتهما في العبد للرغبة في ولائه، أو لأن بعض ما أوصى به لصاحب الثلث من عيان فيه لم تجز شهاتهما، وأخذ الرجل الثلث. ثم إن قام الوارثان على شهادتهما عتق عليهما ذلك العبد إن لم يكن معهما وارث غيرهما. فإن كان معهما وارث لم يعتق، وليبع (¬2) فما وقع لهما من ثمنه رأيت أن يجعلاه في عتق. ولو اشترياه وأقام أحدهما على شهادتهما لعتق عليهما، أو على من ملكه منهما. ولو شهد الوارثان أنه أوصى بالثلث لزيد، وشهد أجنبيان أنه أوصى به لعمرو، فذلك نافذ، والثلث بينهما، ولا تهمة عليهما في هذا. ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق عبد سالم، وشهد وارثان أنه رجع عن ذلك، أوصى بعتق صالح قال: إن استوت قيمتهما، جازت شهادتهما، وأعتق صالح وحه. إلا أن يتهما في ولاء صالح، أو في استرقاق سالم. ¬
ولو شهد رجلان أنه أوصى بالثلث لزيد، وشهد الوارثان أنه رجع عن ذلك، وأوصى به لعمرو، أو أنه أشركه معه فيه لجازت شهادتهما إلا أن يتهما في الذي شهدا له فتبطل شهادتهما، ثم ل طلب للذي شهدات له عليهما فيما في أيديهما. ولو شهد وارثان أنه أوصى بالثلث لزيد، ثم رجع فأوصى به لعمرو، وهما يتهمان في عمرو، فإن لم يكن له وارث غيرهما، جاز ما شهدا به لعمرو. وإن كان معهما وارث بطلت شهادتهما عن غيرهما من الورثة، ولمهما في أنفسهما ما إن أقاما على شهاتهما فيلزمهما له ما يصير إليهما من ذلك، لا ما صار لغيرهما. ولو شهد أجنبيان أنه / أوصى لزيد بعبده ميمون، وشهد وارثاه أنه رجع عن ذلك، وأوصى لعمرو، وهو ممن لا يتهمان عليه، بمرزوق. فإن تساوت قيمة العبدين، أو كان مرزوق أرفع، فالشهادة جائزة. وإن زادت قيمة ميمون زيادة يتهمان فيها لم تجز الشهادة، وجازت شهادة الأجنبيين. ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق ميمون وقيمته خمسمائة قال/ يتهمان في فضل قيمة سالم، ولكن يعتق سالم، ويشرع العتق فيهما بالحصص، كما لو لم يقل الوارثان: إنه رجع. فيعتق من كل واحد ثلثاه (¬1) أو أسهم بينهما. قال الشيخ: يريد: في قول ثان (¬2) فإن وقع السهم لسالم عتق، وكان ما بقي من الثلث في ميمون، ثم يعتق باقيه عليهما إن ثبتا على شهادتهما لإٌرارهما أنه العتيق. وإن وقع السهم لميمون عُتق، وكان ما بقي من الثلث في سالم. قال أبو محمد: هكذا نص ما في الكتاب، وهو كلان فيه التباس. والذي يظهر لي أنهما لما اتهما وجب أن يعتق جميع سالم إذ قيمته الثلث، ويؤخذان بإقرارهما في ميمون لأنه يحمله الثلث وأن الميت رجع عن غيره. وقد اختلف في المحاصة في هذا الأصل، فعلى أصل من جعل فيه القرعة، كأنه يقرع بينهما فإن وق السهم لسالم عتق، وقد استوعب ثلثا قيمتهما ويؤخذان ¬
باب آخر من اختلاف الشهادة في عتق الوصايا
في ميمون بإقرارهما، وإن وقع السهم في ميمون عتق، وكان تمام قيمتهما في سالم، وذلك نصفه فيستتم عتق سالم لأن الأجنبيين (¬1) شهدا. وهو الثلث، وقد سقط الوارثان بالتهمة. وإذا شهد رجلان / أنه أعتق عبديه هذين في مرضه وقيمتهما سواء، أو مختلفة، ولم يَدَع غيرهما فليعتق من كل واحد ثلثه. وفيها قول آخر هو أحب إلي وهو قول مالك: أن يسهم بينهما، فمن وقع له السهم عتق منه مبلغ ثلثيهما جميعا إن كان ذلك فيه. وإن كمل عتقه وبقي من الثلث شيء كان في الآخر. وأما لو أوصى بكل عبد لرجل لكان لكل واحد ثلث ذلك العبد. بخلاف العتق عند الموت الذي خصته السنة بالسهم. باب آخر من اختلاف الشهادة في عتق الوصايا من كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا شهد رجلان أو رجل أنه قال: إن قتلت فعبدي فلان حر، ثم شهدا هما أو غيرهما أنه قتل، وشهد غيرهما أنه مات موتا قال: ينظر إلى أعدل البيئتين فيقضى بها (¬2). وقال سحنون بل بينة القتل يؤخذ بها. قال أشهب: وكذلك لو شهد أنه أعتقه إن مات من مرضه هذا، أو من سفره هذا، وأنه مات في ذلك المرض أو السفر. وشهد آخران أنه أفاق من المرض، أو قدم من السفر فليؤخذ بأعدلهما. وأما لو شهدا أنه أعتقه إن قُتل قتلا، وإن مات موتا، وشهد آخران أنه قتل قتلا فلا عتق له لأن شاهديه بالعتق أبطلاه عنه برفع القتل كمن شهد أن فلانا أسلف فلانا ألف درهم ثم قبضها منه. ¬
وإن شهد رجلان أنه قال: إن مت من سفري هذا فميمون حر وأنه مات فيه. وشهد آخران أنه قال: إن رجعت من سفري هذا فمت في أهلي فميمون حر، فإنه حر في ثلثه بكل حال. ولو كان / في ذلك موضع للنظر بأي الاشهدين يعتق لقيل بأعدلهما. وإن شهد أنه قال: إن مت في جمادى الآخرة (¬1) ففلان حر. وإن مت في رجب ففلان - لآخر - حر. فشهد رجلان أنه ما ت في جمادى الآخرة، وشاهدان أنه مات في رجب، فليُقض بأعدل البينتين. وإن شهدا أنه قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي حر. قالا: ولا ندري هل مات منه. وقال العبد: منه مات وكذبه الورثة فالقول قول الورثة مع أيمانهم لأن العبد مدع لما يزيل ما ثبت من رقه. ولو أقام بقوله بينة، والورثة بقولهم بينة قضيت بأعدلهما، لأنهما قد تكاذبتا. وإن قال: إن مت من مرضي هذا ففلان حر. وإن برئت منه ففلان - لآخر - حر. فادعى كل عبد ما يوجب عتقه، وقالت الورثة: قد برئ منه. فالقول قولهم (¬2) مع أيمانهم، ولا يتعق إلا من صدقوه. فإن أقام من كذبوه بينة، ولم يقمها الذي صدقوه قضي بالبينة، ثم سألت الورثة فإن ثبتوا على قولهم، وكان العبد الذي (¬3) صدقوه يخرج من ثلث جميع التركة عتق عليهم، إلا أن يكون لم يقر بذلك إلا بعضهم فليبع (¬4) عليهم، ويؤمر المقر أ، يجعل حصته من ثمنه في عتق. ولو اشتراه أحد من المقرين وأقام على قوله عتق عليه. وإن أقام من صدقوه الورثة (¬5) بينة أي برئ، قضي بأعدل البينتين. فإن كانت بينة من كذبوه أعدل أعتق ذلك بالبينة، والآخر بإٌرار الورثة له. وإن كانت بينة من صدقوه أعدل، عتق، وزال العتق عن الآخر. ¬
وقول ابن القاسم: آنه يعتق على من ملكه من الورثة المقرين أقاموا على إقرارهم أو رجعوا /. وكذلك اختلفا في البينة تشهد بعتق عبد، فردت شهادتهما، ثم اشتراه أحدهما. قال سحنون، وإن قامت بينة أنه قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي ميمون حر. وأنه مات منه. وشهد آخران، أنه قال: إن أفقت (¬1) منه فعبدي مرزوق حر. وأنه أفاق منه، ثم مات. فإن كانت البينتان عدلتين (¬2)، وفي العدالة سواء فيقضى لميمون، ويسقط مرزوق. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬3) أنه يعتق نصف ميمون، ونصف مرزوق. قال المغيرة: من شهد أن فلانا أعتق عبده، ثم دار إلأى ملك الشاهد بعد ذلك بابتياعه، لإإن كان الإمام رد شهادته لشيء ظهر من الشاهر سُئل الآن فإن أقام عليها عتق عليه، وإن رجع لم يعتق. وإن لم يرده الإمام إلا لانفراه فالعبد حر والولاء للمشهور عليه. انتهى كتاب الوصايا الخامس يليه كتاب الحُبس الأول ¬
النوادر والزيادات الجزء 12 بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الأول (¬1) ... ¬
كتاب الحبس السنة
من كتاب الحُبُس السُّنَّة (¬1) فى الأحباس والحجة فيها من المجموعة من رواية ابن وهب أنَّ النبيَّ- عليه السلام- قال لعمرَ ابن الخطاب فى الحائط (¬2) الذي أراد صدقةً: حَبَّس أصلَه، وسَبَّلْ تمَرَه (¬3) ويقال: إنه أول ما تُصدَّقَ به في الإسلام. قال ابن حبيب: ويقال له ثمغ (¬4). قال: وقال: محمد بن كعب القَرطِيُّ: قد أوقف النبيُّ - عليه السلام - قبل ذلك سبعَ حوائطَ، أوصى له بها المُخَيْرِقُ (¬5) ¬
لمّا قُتِلَ بأحُدٍ؛ يضعها حيث أراه الله، فحبَّسها؛ وهي أموال بني النَّضير. وذلك لاثنين وثلاثين شهرا من الهجرة. [وصدقة عمَرَ على سبع سنين من الهجرة، قال ابن حبيب:] (¬1) قال محمد بن سعدِ/ بن زرارةُ: وما أعلمُ أحداً من المهاجرين والأنصار من الصحابة إلاّ 16/ 112 وقد أوقف من ماله حبساً. قال فيه وفي المجموعة من رواية ابن وهب وغيره: وقد أوقَف عمرُ وابن عمرَ وعثمانُ وعليُّ بن أبي طالب وطلحةُ والزُّبير وزيدُ بنُ ثابتٍ وعمرو بنُ العاص وعبد الله بنُ زيد وأبو طلحةَ وأبو الدَّحداح (¬2) وغيرُهم. وجعلها عمر للسائل المحروم والضيف وذي (¬3) القربى وفي سبيل الله وابن السبيل. قال مالكُ: المحروم؛ الفقير الذي يُحْرَمُ الرزقَ. ومن كتاب ابن حبيب (¬4)؛ قال ابن مسعود: هو المُحارَفُ (¬5) لا يتهيَّأ له الرَّزقُ. وقال ابن شهاب: هو المتعفَّفُ لا يسأل فيُعطَى، ولا يُعْرَفُ مكانُه. قال مالك: واسم الفقير يجمعهم. قيل لمالك: قال شُرَيْحُ لا حُبُسَ على فرائض الله. قال مالك: تكلّم شريحّ ببلده، ولم يردِ المدينةَ؛ يرى أحباس الصحابة وأزواج النبيَّ - عليه السلامُ - ¬
في كراهية إخراج البنات من الحبس
والتابعين هَلُمَّ جَرَّا. وهذه أوقاف النبيَّ - عليه السلامُ - سبعُ حوائطَ. وينبغي للمرء أن لا (¬1) يتكلّمَ إلاّ بما (¬2) أحاط به خُبراً (¬3). قال ابن عبدوس وغيرُه: معناه: أمرُ المدينة موارَثُ لا يُدَافَعُ، ولا فرقَ بين أن يُحَبَّسَ في سبيل الله؛ ببعض أرضه مسجداً، وببعضها طريقاً للمسلمين، وبعضها يبنيه داراً يجعلها على أهل السبيل. والأحباسُ من ناحية المساجد؛ فإن جاز أن تورَث المساجدُ، جاز ذلك في الأحباس، ولا خلافَ في المساجد. وبقاءُ أحباس السلف دائرةً، دليلُ على منع بيعها وميراثِها، والأحباس والمساجد (¬4) لم يُخْرِجْها مالكُها إلى ملك أحد، وهي باقيةُ على مِلكِه، وأوجبَ سبيل منافعها/ إلى مَنْ حُبَّسَتْ عليه، فلزمه ذلك كما يعقد في العبد الكتابةَ 16/ 113ظ والإجارةَ والإسكانَ (¬5). وأصلُ الملك له؛ فليس للورثة حلُ شيء ممَّا أوجب في المرافق، وإن كان الملك باقياً عليه، كما قال النبيُّ - عليه السلام (¬6) - لعمرَ: حَبَّسْ أصلَه، وسَبَّلْ تمَرَه (¬7). في كراهية إخراج البنات من الحُبس من المجموعة، وهو في غيرها: وقد حبَّس جماعةُ من الصحابة على بنيهم وأعقابهم، ونهتْ عائشةُ عن إخراج البنات من الحُبس، وأغلظتْ فيه، وقالت: ما مثلُ ذلك إلاّ مثلُ ما قال الله - سبحانه - في أهل الكفر: {وَقَاُاوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةُ لِذُكُورنَا وَمُحَرَّمُ عَلَى أَزْوَاجِنَا} (¬8). ¬
وقد همَّ عمر بنُ عبد العزيز بردَّ ذلك. وقال عليُّ بنُ زيادٍ عن مالكٍ: إنه كره أن تُخْرُجُ البناتُ من خُبُسِه إذا تزوَّجنَ. ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (¬1)؛ من سماع ابن القاسم؛ قال مالك: إخراجهن منه؛ من عمل أهل الجاهلية؛ وما أرِيدَ به وجهُ الله؛ لا يكون هكذا. قال في موضع آخرّ: وأكره هذا من العمل. قال عنه ابن القاسم أيضا إذا حبُّس على ولده، فأخرج البنات منه إن تزوُّجن، فالشأن أن يبطلُ ذلك. ورأى ابن القاسم؛ إن فات (¬2) مُضى على ما حَبُّس، وإن كان حيُاً ولم يُحَزْ عنه الحُبُسُ فليردَّه، ويُدْخِلُ البناتِ (¬3) فيه. وإن حِيزَ عنه، أو مات (¬4) مَضَى على شرطه. ولم يُذْكَرْ في كتاب ابن المواز (¬5) إن (¬6) حِيزَ عنه. قال عيسى عن ابن القاسم: أكره ذلك؛ فإن كان المحبَّس حيّاً، فليَفْسَخْه، ويجعلْه مُسْجَلاً، وإن مات؛ لم يُفْسَخْ./هذا لم يروه سحنون عنه، وأنكره. وقال مالك؛ في الذي شرط أن من تزوج من بناته؛ أخرجت، إلا أن تردها رادة؛ قال: أرى أن ينقض ذلك، ويجعله حبسا مسجلاً. [ومن كتاب ابن المواز ¬
في الحبس المؤبد والمرجوع إلى أولى الناس بمحبسه
قال ابن القاسم إذا مات قبل أن يفسخه فلا ينقضه القاضي قال محمد: وإنما يفعل ما قال مالك من فسخ الحبس. وأن يجعله مسجلاً] (¬1) إنما ذلك ما لم يأب عليه من حبس عليهم. فإن أبوا؛ لم يجز له فسخه، ويقر على ما حبس. وإن كان حيا إلا أن يرضوا له برده، وهم كباُر. قال مالكُ: إن لم يخاصم، فليرد الحبس حتى يجعله على الصواب. قال ابن القاسم: وإن خوصم؛ فليقره على حاله. في الحبس المؤيد والمرجوع إلى أولى الناس بمحبسه أو إلى ملكه وملك وارثه أو إلى ملك الآخر من أهل الحبس وما يوجب ذلك من اللفظ أو يدل عليه ومن حبس ولم يجعل لحبسه مخرجا أو قال في السبيل قال ابن عبدوس: فمِنْ (¬2) معنى ما كان يفسره سحنون أن الأحباس على وجوه، فمن حبس حبسا، فوصفه بالتأييد، أو بما يدل (¬3) أن لا مرجع فيه؛ مثل قوله: حُبُسُ لا يباع. أو زاد: ولا يوهب ولا يورث حتى يرث الله الأرض ومَن عليها. أو لم يقل. أو قال: حبس صدقة. فهذا مؤبد عند مالك. فإن كان على غير معينين؛ مثل قوله: على فلان وعقبه. أو قال: وولده فهذا قد أراد النسل، ومن يحدث منهم. فإن انقرضوا رجعتْ إلى أوْلَى الناس بالمحبس حبساً. وإن كانت على ما يتابد على قومٍ مجهولين؛ ليس لهم آخر يعرف؛ كقوله: على المساكين، أو أهل سبيل الله، أو بني تميمٍ، أو بني زهرة. فهذا/مؤبد،113/ 16والأصل موقوف. ¬
وإذا لم يجعل له مخرجا، فقال: حبس صدقة. أو قال: لا يباع. فقد عرفنا أنه أراد التأبيد. وكمن قال: داري حبس (¬1).فينظر الغالب من التحبيس في البلد؛ فإن كان في السبيل جعل ذلك فيه، وربما كان سلاحاً؛ فيعرف أنه أراد بذلك السبيل. قال سحنون: ولم يختلف قول مالك أنه إذا قال: حبس صدقة. أو حبس لا يباع، كان على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ أنها مؤبدة لا ترجع إليه، وترجع إلى أقرب الناس إليه يوم المرجع حبسا؛ إذا انقرض من حبست عليه أولا. قال ابن عبدوس: قال سحنون: وقد استحسن بعض الناس في الأحباس؛ إذا انقرض من حبس عليه وسمي، ولم يجعل عقباه لأحد؛ أنه (¬2) يرجع إلى أولى الناس بالمحبس. وإن (¬3) لم يكن له من بأخذ المرجع حبسا أن يكون في الفقراء. وقال بعضهم: وإذا كان له من يأخذ فيكون للفقراء من أهل المرجع. وهذا كله استحسان. والقياس أن يكون الإمام ولى النظر فيه. ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على رجل وعقبه، أو ولدِه، وولدِ ولدِه، أو قال: على ولدي. ولم يجعلْ لها مرجعاً، وانقرضوا (¬4)؛ إنها ترجع إلى أوْلَى الناس به حُبُساً عليهم. قال؛ عنه ابن وهب: إذا حبس على أهل فلانٍ، فهي حبس عليهم ما بقي منهم أحد؛ لأبنائهم، وأبناء أبنائهم. وإن سمى قوما بأعيانهم؛ فإنها ترجع بعدهم إلى المحبس. فإن قال: حبس صدقة. أو: صدقة حبس على فلان، وفلان. ثم هلك من حبست عليه؛ فهي ترجع/إلى عصبة المحبس حبساً. ¬
قال أشهب: وإذا قال: حبسا عليك، وعلى عقبك. وقال مع ذلك صدقة لا تباع. أو لم يزد-يريد: فلا يرجع ملكا-قال هو وابن القاسم: لأن الحبس كالصدقة. قال عبد الملك: إذا قال في صدقته: حبسا على فلان. ولم يزد؛ فهي عمرى (¬1).وإن قال: صدقتي هذه على فلان، وهي محبسة. فهذه تكون محبسة من بعده؛ ما لم يقلْ عليه. ولو قال ابتداء منه: هي محبسة على فلانٍ يوماً. أو (¬2): هي محبسة كانت أيضا محبسة؛ لأنه قد وكدها بالتحبيس. ولو قال: صدقة محبسة، وفلان يأخذها ما عاش. فإنها محبسة. وإذا قال: هي حبس على فلان وفلان ولدي، وعلى من يحدث لي من ولد. فإذا انقرضوا فهي على فلان، وفلان. فهي حبس؛ لأنها صارت على مجهول من يحدث له. قال: فإذا انقرض المسمون من ولده، قبل أن يحدث له ولد، وهو حي [فلتخرج من يديه وتوقف غلتها؛ وإن مات قبل أن يحدث له ولد صارت للذين سموا] (¬3) بعد انقراض بنيه، وإن حدث له ولد؛ صارت هي وغلتها إليهم، ورجعت ولايتها إليه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن قال: هذه الدار حبسا عليكم (¬4).أو قال: عليك. ولم يقل: صدقة. ولا قال: وعلى أعقابكم (¬5) أو قال أولادكم، وفي الواحد وعقبك أو ولدك. فإن كان حيا، ولم يخرجها مخرجا يعرف بها (¬6) مقصده؛ سألته، وقبلت قوله. قيل: فإن لم يسأل حتى مات يريد وقد حيزت. قال: فمرجعها بعد موت من ذكر إلى ورثة صاحبها. ¬
وقال عبد الملك: يرجع مرجع الأحباس. واختلفت الرواية عن ابن القاسم فيها. والذي في/المجموعة؛ أنها ترجع ملكا له، أو إلى ورثته تراثاً. قال ابن المواز: وإذا سمى قوماً معينين، فوقت حياتهم، أو سنين؛ فليس بحبس، وهي عمرى، ترجع [إلى المحبس أو إلى ورثته] (¬1) تراثا بعد المدة؛ ما لم يذكر العقب، أو الولد. فإذا ذكر ذلك، فقد ذكر من لا يعرف إلا بالصفة، ومجهولين، ولم يذكر وقت، فهذا حبس مؤبد لا يرجع إليه بعد انقراض من حبسه عليه؛ وإن كان حيا. ويرجع إلى أقرب الناس له يوم يرجع. وإذا قال: حبسا على فلان، لم يزد على هذا فكما [ذكرنا إن لم يذكر عقباً] (¬2) له أو لغيره. ولا صدقة، ولا ذكر أيضا أجلا، ولا عمرى؛ فهو (¬3) الذي يرجع فيه مالك، وقال: ما أحب أن يرجع ميراثا. واختلف فيه القول. وأحسن ما فيه أن ينظر إلى مراده. وأسباب مخرج قوله: فيوجه إلى ذلك. قال ابن القاسم: فإن قصد وجه حبسه (¬4)؛ لم يرجع إليه، ورجعت إلى أولى الناس به من عصبته. قال: وإن لم يسم فلانا، ولا أحدا، ولكن قال: داري حبس كانت حبسا أبدا على الفقراء والمساكين؛ إلا أن يكون في موضع جهاد ورباط، فيكون في سبيل الله أبدا. وقاله أشهب. قال مالك: وكذلك لو قال ذلك في وصيته. قيل: فله ولد محتاجون. وأغنياء قال: يعطى المحتاجون منهم مع الفقراء الأجنبيين. قال: والحبس المؤبد ¬
أن يقع على مجهولين. فإن ذكر على معلوم؛ فقال: فلان. قال في المجموعة: أو فلان وفلان. فإن لم يذكر مع ذلك ولدا، ولا عقبا له، ولا (¬1) لغيره، ولا قال: حبسا صدقة. ولا قال: لا يباع. فهذه ترجع إلى ملكه. وإن ذكر شيئا من ذلك، فهذا لا مرجوع فيه. قال مالك: وإن قال: حبس لا يباع، ولا يوهب؛ ما عاش المحبس عليهم. فهذا لا يرجع إليه ملكا، ولكن إلى ورثته (¬2) حبسا. [وكذلك حبس على فلان، وولده. أو قال: على ولد فلان. أو: على ولدي. لكان حبسا] (¬3) على الولد، وولد الولد من الإناث والذكور، وليس لولد الإناث شيء. ولكن هو للإناث من ولده الذكور. ولو قال: حبس على بني فلان. ولم يقل: على ولده. رجعت إليه ملكا، وإلى ورثته تراثاً؛ ما لم يقل: حبسا صدقة. ولو قال: لفلان، وابنه. رجع ذلك بعدهما ملكا لربه، ولوارثه يوم مات. ولو قال: حبسا صدقة على ابني. فليرجع بعده مرجع الأحباس. ولو قال: حبسا على ولدي. فكذلك. يريد ها هنا: وإن لم يقل صدقة. ولو قال: حبسا عليك، وعلى أبنك. فهذا الذي يرجح (¬4) فيه. القول: ويستحسن فيه أن يكون حبسا. وكذلك قوله: عليك، أو قال: على ابنك، أو قال على ابني. بخلاف قوله: عليك، وعلى ولدك [أو قال على ولدك] (¬5) فقط، أو على ولدي. لأن هذا تعقيب. وكذلك: على بني فلان. ¬
قال ابن المواز: قال مالك: وإذا حبس على قوم حياتهم؛ لم يزد على ذلك. فهذا تعمير. قال أشهب: ولو وهب هبة عبداً أو غيره لرجل (¬1)،وقال فيها: لا تباع، ولا توهب. لكانت حبسا عليه، وعلى عقبه، أو عليه وحده حياته؛ إن لم يذكر عقبه، ولا ما يدل أنه أراد ذلك. فإذا/انقرض، رجعت إلى أولى الناس به. قال مالك: ومن حبس على رجل وعقبه، ثم هو لآخر بتلا، ثم انقرض الذي بتلت له، ثم انقرض المحبس عليه، وعقبه، فإنها ترجع ميراثا لورثة الذي بتلت له. قال ابن حبيب: قال مطرف: من حبس على رجل شيئا؛ فسماه حبسا، فهو حبس موقوف. فإن لم يذكر صدقة، ولا عقبا، ولا قال: لا يباع، ولا يورث. لأن الحبس لا يرجع إلا بشرط، فهو موقوف، إلا أن يقول: ما عاش. أو: ما عاشوا. أو: على فلان بعينه. أو قال: فلان وفلان بأعيانهم. ينص بلفظ؛ يقول: بعينه. أو: بأعيانهم. فيكون عمرى؛ يرجع مالاً له ولا يخرجها قوله مع ذلك: صدقة. أو قوله: لا يباع، ولا يورث. أو: تعقبه. إياها إذا قال: ما عاش. أو: عاشوا. أوقال: بعينه. أو: بأعيانهم، لأن هذا اشتراط للمرجع. وقال ابن الماجشون: إذا كانت على إنسانٍ بعينه، فهي عمرى. وإن سماها صدقة؛ ما لم يقل: لا تباع، ولا تورث. أو يعقبها. وقال أصبغ-وذكره عنه ابن القاسم-: إذا سماها حبسا؛ فهي موقوفة. وإن كانت على إنسان بعينه؛ سماها صدقه، أو لم يسمها؛ قال: لاتباع، ولا تورث. أو لم يقل؛ فهو سواء إلا أن يقول: ما عاش. أو: ما عاشوا. أو يقول: بعينه. أو: بأعيانهم. كقول مطرف. وقال ابن كنانة كقول ابن الماجشون. وبه أقول ¬
فيمن حبس في السبيل أو حبسا لم يجعل له مخرجا
[12/ 15] قال مطرف: وإذا قال: حبس على فلان. وقال بلسانه او بعينة. أو لم يقل؛ قال: عل فلان، وفلان؛ فسمى جماعة. ثم قال بلفظه: بأعيانهم. [فهذه لا يكون حبسا. وإن لم يسمهم] (¬1) / بأعيانهم؛ فهي حبس مؤبد، ولا ترجع ملكا. وإن ذكر صدقة. وقال ابن الماجشون: هي عمرى؛ إذا لم يقل: تعقيبا. أو قال: لا يباع. ولو قال: داري حبس، وهى على فلان. فهذه حبس أبدا؛ لأن قوله بعد ذكر الحبس، وهي على فلان أمر مؤتنف. فيمن حبس في السبيل أو حبسا لم يجعل له مخرجا من (¬2) المجموعة؛ قال مالك؛ فيمن حبس في سبيل الله؛ قال: هذا لا يكون إلا في الجهاد. قال أشهب: كل سبيل خير؛ يدخل فيه. قال: والقياس في أي سبيل الخير، وضع جاز والاستحسان أن يجعل في الغزو؛ لأنه جل ما يعني (¬3) به الناس؛ في قولهم: في سبيل الله ذلك. وهو أحب إلي أن يكون في سواحل المسلمين المخوف فيها من العدو. [ولا أحب أن يجعل شيء منها في موضع قلة الخوف، وقلة الحفظ من العدو] (¬4).ابن القاسم عن مالك فيمن قال: داري حبس. ولم يجعل لها مخرجا. قال: يصرف في الفقراء. قيل له: إنها بالإسكندرية. قاليجتهد الإمام فيها، وله في ذلك سعة إن شاء الله. ... ¬
ومن العتبية (¬1)؛ من سماع ابن القاسم: ومن أوصى بحبس داره؛ في ثلثه؛ ولم يجعل لها مخرجا؛ قال: يقسم على ذوي الحاجة. قيل: أفيعطى منها ولده؛ وبعضهم محتاجون؟ قال: يعطى المحتاجون منهم مع غيرهم من أهل الحاجة. قال عيسى؛ عن ابن القاسم: يقسم على المساكين، ويكون حبسا عليهم. قال سحنون: ومن قال: تمر حائطي حبس على فلان. ولا يسمي أجلا؛ فإن كان فيها حينئذ ثمرة قد أبرت؛ فله ثمرة تلك السنة. قال ابن القاسم: ولو أوصى بشراء عبد، يجعل في السبيل. قال: يشترى،/ ويجعل في الرباط خدم الغزاة. قيل: فطعامه؟: قال: يستأجر (¬2) في طعامه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن حبس حبسا على المساكين في حياته، أو في وصيته، ثم مات وافتقر ولده بعد ذلك، فطلبوا الدخول فيها؛ قال: هم أحق بها، ولكن أرى أن يجعل طرفا منها للمساكين؛ لئلا يدرس أصل (¬3) الحبس. ومن المجموعة؛ قال ابن كنانة: ومن حبس دارا في سبيل الله. قال: فلا يسكن (¬4) فيها إلا المجاهدون، والمرابطون، ثم من مات منهم فيها؛ فلا يخرج منها امرأته حتى تتم عدتها. فإذا تمت خرجت هي. ويخرج من ليس بمجاهد، أو مرابط، والصغار من ولد الميت. قال: ومن حبس ناقته (¬5) في سبيل الله، أو جعلها في سبيل الله؛ فلا ينتفع هو بها، ولا بنتاجها إلا في السبيل. وله أن ينتفع هو بلبنها؛ لقيامه عليها ¬
[12/ 17] قيل لابن القاسم؛ في تحبيس الثياب على قوم بأعيانهم، أو المساكين، أو في سبيل الله. قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا. ولا بأس بتحبيس الثياب، والسروج. قال أشهب: ذلك جائز. فإن أبهم الحبس، ولم يشترط فيه شرطا من عدد الناس؛ فإن ما دفع من ثوب أو سرج أو سلاح إلى أحد من معينين أو المساكين، أو من أهل سبيل الله؛ فهو عليه حبس حتى يموت. فإن بقي منه شيء ينتفع به فليعط لغيره. وكذلك لو لم يبهمه، وجعل للبسه عدد أيام، فمضت، فليؤخذ منه، فيدفع إلى غيره حتى لا يبقى منه شيء. وكذلك في دنانير تسلف. قال ابن القاسم، وأشهب: وإن حبس رقيقا في سبيل الله، فهم (¬1) حبس يُستعمَلون/ في السبيل. قال أشهب: فإن فضل من غلتهم شيء فُرَّقَ على فقراء ذلك الثَّغر الذي هم به؛ فإن فضل عنهم جُعِلَ في أقرب الثغور إليهم. وإن لم يَكُنْ في غلتهم فضل عن نفقتهم؛ لم يباعوا ما قام سوادُهم، بما يؤاجرون به أنفسهم، وبما دخل (¬2) عليهم من معونة لهم، أو غيرها. فإن انقطع ذلك كله حتى يُخافَ الهلاكُ عليهم، فليباعوا، وتُقَسَّمُ أثمانهم في سبيل الله إن رُئِيَ ذلك. وإن رُئِيَ أن يُشترَى بها خيل، أو سلاح، أو غيرُه ممَّا يُجتَهَد فيه برأي أهل الاجتهاد. وما ضعُفَ من الدواب (¬3)،حتى لا يكون فيه عُدةُ، ولا قوة؛ بيع، وجُعِلَ في مثله. ولا تباع الثيابُ، ولكن تُلْبَسُ، حتى لا يبقى منها شيء، أو لا يوجد من يلبسها من أهل الغزو؛ فحينئذٍ يُنْظَرُ، فإن كان فيما بقي منها ثمن (¬4) بيعت، ويُجَعلُ ثمنها فيما يُرَى من شأن الغزو؛ على رأي المجتهد، وبقدر الزمان، وحاجة الناس في غزوهم. وهذه المسألة من أولها في كتاب ابن المواز. ... ¬
في الصدقة التي تصرف مصرف الحبس أو مصرف العمرى
في الصدقة التي تُصْرَفُ مصرف الحبس أو مصرف العمرَى وقد ذُكِرَ العقِبُ أو لم يُذْكَرْ وما يكون منها لآخر العَقِبِ مِلكاَ قال ابن عبدوس: وإذا قال صدقة على فلان وعقبه. ولم يَقُلْ: حبساُ. فقال أكثُر أصحابنا: إنها ترجع بعد انقراض العقب مرجع الأحباس. وقال بعضهم: يكون لآخر العقب ملكا مثل المرأة والشيخ الذي لا يعِقبُ، يبيع،/ ويصنع ما شاء. ومن كتاب ابن المواز؛ قال مالك: ومن تصدق بداره على رجل، وولده؛ ما عاشوا، ولم يذكر فيها مرجعا، ولا شرطا؛ فإنها ترجع حبسا على قرابته؛ في فقرائهم؛ يريد بقوله: وولده. فهم غير معينين. وكذلك في المجموعة. وقال في كتاب ابن المواز: وإذا سماها؛ فقال: حبس على فلان وابنه. فلان. فهذه ترجع ملكا؛ ما لم يَقُلْ: حبسا صدقة. أو قال: لا يباع. أو قال: على فلان، وولده. فهذه تُخْرِجُ الأحباس. قال ابن المواز؛ فيمن قال لرجل: داري صدقة عليك، وعلى ولدك ما عشتما. ولم يذكُرْ حبسا؛ فهي إلى صدقة البَتْلِ أقرب. وقد اختلف فيه ابن القاسم، وأشهب؛ فاختلف قوله فيه؛ فقال في قوله: صدقة عليك وعلى عقبك. فإن كان وجه الحبس؛ فهي حبس؛ لا ترجع إلى مَلْكٍ. وقال في قوله: صدقة عليك، وعلى ولدك. فليست حبسا، وهي ملك لهما بتلا؛ إلا أن يُسْتَدَلَ منه على الحبس. [وكذلك قوله: عليك وعلى عقبك. إلا أن يذكر ما يدل على الحبس] (¬1)؛ فيقول: صدقة حبسا. أو قال: لا تباع، ولا تورث. وهذا كله قول ابن القاسم وروايته. ¬
قال محمد: وأقوى ما عندنا من قوله إنه إن أخرجها مخرج الأحباس، وعقبها، فهي بموقف الأحباس؛ إلا أن يقول: صدقة بتلا له، ولأعقابه. فيكون لآخر العقب ملكا. واجتمع على هذا ابن القاسم، وأشهب (¬1) وعبد الملك. ومن المجموعة؛ عن مالك؛ فيمن قال لرجل (¬2): داري صدقة عليك، وعلى ولدك. فهي ميراث للذي تصدق بها عليه، وعلى ولده. ومن كتاب ابن المواز؛ قال/ابن القاسم: إذا قال: صدقة على فلان، وولده؛ ما عاشوا. ولم يذكر له (¬3) مرجعا، ولا شرطا، فانقرضوا؛ فإنها ترجع مرجع الأحباس إلى أوْلى الناس به من الفقراء. وقوله: حبسا عليه، وعلى ولده. أو قال: صدقة عليه، وعلى ولده، وولد ولده. سواء. وقال أشهب؛ عن مالك فيمن تصدق بصدقة على ولده، وولد ولده، فهلكوا إلا ابنة بقيت له؛ فأرادات البيع؛ فذلك لها؛ إذ لا عقب لها. وكذلك قوله: صدقة على ولده، وولد ولده، وأعقابهم؛ صدقة بتلا، ولا تبقى منهم إلا بنت لبعض ولده؛ فلها البيع. وقاله ابن القاسم. قال محمد: لأنه بين إبتالها بالصدقة؛ يعني بالتناسل، فقد أوقفها لآخرهم بتلا (¬4).وقال أيضا عنه أشهب: أما إن لم يَقُلْ: لا تُباعُ. فعسى أن يكون ذلك لآخرهم، ويُنظُر إلى ما قصد الميت أن تكون لهم بتلا، أو أن تكون لهم حبسا. وقال أيضا مالك: ليس ذلك لها، وما أرى هذا أراد إلا الحبس. ¬
وقال ابن عبد الحكم عن مالك في امرأة تصدَّقتْ بحائط على ابنتها حياتها، فحازته الابنة، ثم ماتت الأمُّ. قال: فهو للبنت حبسا حياتها. فإذا ماتت البنت، رجع موروثاً عن الأم، وأخذ ورثة الميت منه مورثها. قال عنه ابن القاسم في الذي (¬5) يقول: داري صدقة على ولدي، وولد ولدي؛ لا يباع، ولا يوهب. فإنها ترجع بعد انقراضهم حبساً على عصبته. وكذلك في المجموعة، ومن الكتابين؛ قال ابن القاسم، وأشهبُ: وإذا قال: هي صدقة/ لك سكني. فليس له إلا سكناها صدقة دون الرقبة. قال محمد: حياته. قال أشهب: وكذلك قوله: أسكنتُكَها، ولَعِقِبكَ. أو: هي لك سكنى، ولعقبك. قال: من بعدِك. أو لم يَقُلْ، فهي ترجع بعد انقراضهم مَلْكاً له، أو لوارثه. قال مالك، وابن القاسم: وكذلك في الدار، والخادم. قالوا: وإنما ترجع لأولى الناس به؛ حبساً؛ إذا ذكر حبساً، ولم يذكرْ سكنى. ومن المجموعة؛ قالا: وكذلك الحُلِيُّ كالدُّور. قال أشهب: وكذلك سائر الأشياء من عبيد وعروض وغيرها. قال ابن القاسم: وإذا أعمرَه داره، أو دابته، أو عبده؛ حياته؛ جاز. وترجع (¬6) بعد موته إلى ورثته. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون؛ عمن قال: داري صدقة على فلان، وولده. أوقال: وعَقِبه. ولم يَقُلْ حبسا. إنها على الحبس. وإذا قال ذلك، وسمى الحبس، أو لم يُسَمَّه؛ إلا أنه قال: وهي لآخرهم بتلا. فإنها بتل --------------- (¬5) في ع وق: في (القائل) الذي. (¬6) في الأصل: (ومرجع) ولعل الصواب ما أثبته نقلا عن النسختين.
لآخر العَقِبِ، [إن كانت ابنة، لأنَّ ولدها ليس من خدم النسب ولا من العقب] (¬1) وتبيع إن شاءت. ولو بقيت ابنتان؛ فطلبتْ واحدة البيع، فلا بيع لها؛ إلا باجتماعهما؛ لأنها إنما هي (¬2) للآخرة منها. وإذا قال: داري صدقة على فلان. ولم يَقُلْ: حبسا. ولم يرده؛ فهذه بتلُ لفلان، حتى يقول: وعَقِبِه. أو: ولده. فيكون ذلك عليهم حبسا،؟ ويكون ملكا لآخر العقب. وإذا بقيت امرأتان، واجتمعتا على البيع، وقسمة الثمن، أو على قسمتها، فذلك لهما. وإن أبقتاها بقيت حتى تموت إحداهما، فيكون للباقية أن تبيع، وتصنع/ ما شاءت. قالا: وهو كله قول مالك. وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز؛ قال: ومن أوصى، فقال: ثلثُ مالي لفلان ولعَقِبه. فإنه ليس للموصى له أن يأكل من ذلك، ولا يستهلك، ولكن ينتفع به بما ينتفع به في المال من التجارة بما لا يستهلكه، وله ريعه كله وحده، وعليه ضمانُه، وما وُلِدَ له من ولد دخل معه فيه. فإذا انقرض آخرُ عَقِبِه؛ كان لورثة آخر عقبه بالميراث. ولو كان آخرهم امرأة؛ كان لها ذلك؛ تصنع به ما شاءت من أكل، وصدقة، وغيرها. مثلُ قوله: داري هذه لفلان، ولعَقِبِه. فليس له أن يستهلكها، ولا يقطع منفعتها عن العقب، وله غلّتُها وسكناها، ولا ضمان عليه فيها. قال محمد: لأنها دار، ولو كانت مالا، أو ما يخاف عليه، لضمن. ولو قال: ثلثي لفلان، ولفلان وعَقِبه بتلا. فلهما أن ينتفعا بها في غير استهلاك، وما وُلِدَ للمذكور وعقبه (¬3)؛ دخل معهما في الانتفاع. فإن مات المذكور عقبه، وليس له عِقبُ، فقد صارت مصابة صاحبه للذي معه في الحبس له (¬4) بتلا مكانه. محمد: ويزول التحبيس، ومصابة الميت يرثه ورثته يوم يموت، وهو ¬
فيمن اشترط في حبسه أن من احتاج من أهل الحبس باع
الشطر لكل واحد منهما. ولو مات الذي لم يجعل حبسا لعِقبِه شيء فلا شيء لورثته ما بقي شريكه، أو أحد من عصبته؛ ممن يُقطَعُ له بعقب. وإن بقي منهم من لا يكون له عقب، كان المال بين الذي لم يَكُنْ جعل لعقبه شيئاً، وبين آخر عقب الذي جُعل لعقبه يأكله، أو يورثه ورثته. وإذا كان ممن لا عقِبَ له، عُجَّلَ قسمه/ بينهما. ومن المجموعة؛ قال عبد الملك: ومن تصدق على ولد له بأعيانهم؛ سماها صدقة، ولم يذكرْ شرطاً (¬1)،ولا بتل حتى مات؛ فليُنظَرْ كيف جرت عليه بين أهلها. فإن دخلها التداول، ومُنِعَتْ من المواريث، وحِيزَتْ على هذا، فهي على التحبيس. وإن دخلها المواريث، ولم يفعلوا فيها الدَّينَ؛ تداولوها معاً في الحبس؛ فهي على ما سُمَّيتْ (¬2)،وتبقى بيد من سُمَّيتْ له مالاً تراثاً. وإذا قال: هي (¬3) صدقة على ولدي؛ وله يومئذ ولدُ، ولم يُسمَّهِمْ؛ فهي عليهم، وعلى من يأتي، وعلى أعقابهم. وهي حبس، ولا بيع فيها. فيمن اشترط في حبسه أنَّ من احتاج من أهل الحبس باع أو قال هي لآخرهم ملكا من المجموعة، والعتبية (¬4)،وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: قال مالك فيمن جعل داره حبسا صدقة؛ [على ولده] (¬5) لا تباع إلا إن يحتاجوا إلى بيعها. فإن احتاجوا إلى البيع، واجتمع ملؤُهُم على البيع باعوا واقتسموا ثمنها، سواء، ذكرهم وأنثاهم. فإن هلكوا إلا واحدا، فأراد بيعها، وقد احتاج إلى ذلك، فذلك له ¬
[12/ 23] قيل له: فإن ثَمَّ امرأة، وهي بنتُ أحد الباقي الذي أراد البيع، فطلبت ميراثها (¬1) من أبيها، قال: ما أرى لها في ذلك حقا (¬2).قال في كتاب ابن المواز: ومن حبس على ولده، وشرط إن احتاجوا باعوا؛ فذلك جائز فيمن احتاج منهم؛ فله بيعُ حظه. وإن باعوا؛ فلا يدخل أحد/ في ثمن ما بيع من ورثة الميت سواهم. فإذا انقرض من حُبَّس عليه إلا واحدا؛ فاحتاج، فباع؛ فالثمن له (كلّه) (¬3)،ليس لورثة أهل الحبس ممن مات منهم معه شيء؛ لأن من انقرض سقط حقُه، وصار لمن بعده. محمد: وإن انقرض قبل أن (¬4) يحتاج؛ فليس لورثته ولا لغيرهم (¬5) فيها شيء، ورجعت كما يرجع غيرها من الأحباس. قال ابن القاسم في العتبية (¬6) في المسألة الأولى: وإن اجتمع ملَؤُهم على بيعها، فإنما يقسموا ثمنها بالسواء؛ الذكَرُ والأنثى؛ لأنها صدقة حازوها، وليس ترجع على المواريث. وقال مالك في الكتب الثلاثة: ولو تصدق على ابنيه بدار حبسا. وكتب في كتاب الصدقة إن شاءا باعا وإن شاءا أمسكا. فأرهقهما دَينُ كثير، فأراد الغرماء بيع الدار. قال: ذلك لهم. قال في كتاب ابن المواز (¬7)،وذكرها في المجموعة لعبد الملك: وإذا قال: داري حبسا على عقبي، وهي للآخر منهم. فإنها تكون للآخر منهم (¬8) بتلا، وهي ... ¬
فيمن حبس على ولده أو على ولده وولد ولده أو على بناته
قبل ذلك محبَّسة. وسواء قال: للآخر. أو: على الآخر. فإن كانت آخرهم امرأة؛ باعت إن شاءت، أو تصدقت، أو صنعت بها ما شاءت. وإن بقي آخرهم رجل يرجى له عَقبُ، أوقفت له (¬1).فإن مات، ولم يُعقَّبْ، ورثها ورثته؛ لأنه ثبت (¬2) أن بموته قد صارت لهم. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال: ولو تصدق هكذا، أو جعلها للآخر منهم، فاجتمعوا على بيعها، القعد منهم، والأطْرفُ فليس ذلك لهم؛ إذ لعلهم ليسوا بالذين هي لهم، إلا أن يكونوا نساء كلهم (¬3) من ولده؛ فذلك لهن؛ لأنَّا نعلم أن إحداهن (¬4) آخرهن؛ / فلم يَعْدُها الرضا بذلك. قال ابن القاسم: وإذا قال لرجلين: عبدي حبس عليكما، وهو للآخر منكما. قال مالك: فذلك جائز، وهو للآخر ملكا. وقاله أشهب. قال: إلا أن يقول: حبس عليكما حياتكما، وهو للآخر منكما. فلا يكون للآخِرِ إلا حبسا عليه حياته. قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يكون قوله: وهو للآخر منكما بعد أن ثبت قوله الأول؛ فلا يكون للآخر إلا حبسا عليه. فيمن حبَّس على ولده أو على ولده وولد ولده أو على بناته أو بنته وولدها من يدخل في ذلك؟ أو على عقبه ومواليه من المجموعة؛ قال مالك: من قال: داري حبس على ولدي. فإن ولد الولد يدخلون مع الآباء ¬
[12/ 25] قال هو وعبد الملك قال مالك (¬1): يقول الله-تبارك وتعالى-: {يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلاَدِكُمْ للِذَّكَرِ مِثْلُ حَظَّ الأُنْثَيَيْنِ} (¬2) فكان ولد الولد كالولد في ذلك في عدم الولد. قال مالك: وإذا حبَّس على ولده وولد ولده؛ لم يدخلْ فيه ولدُ البنات؛ لأنهم من قوم آخرين. وكذك في الصدقات، والأحباس. ولأنهم لم يدخلوا في آية المواريث. قال عبد الملك، وابن كنانة: فكذلك لا يدخلون في صدقة جدهم أبى أمَّهم بهذا الاسم. قال ابن القاسم عن مالك: وحبسه على ولده وولد ولده. أو قال: ولدي وأعقابهم. سواء. والعقب؛ الولد من ذكر، وأنثى. وَوُلْدِ (¬3) ذكور الولد عقبُ آبائهم، وذكورُهم. وليس ولد البنات عقبا؛ ذكرا كان/ أو أنثى. وقاله عبد الملك: إنَّ البنات دُنيا. وبنات البنين من العقب. وقوله: على ولدي. أو: على عقبي. سواء. وكذلك ذكره ابن حبيب؛ عن ابن الماجشون، ومطرَّف. قال مالك (¬4): ويجمَعُ ذلك أن كل ذكر أو أنثى حالت دونه أنثى فليس بعقب. وقاله ابن شهاب. قال مالك (¬5): ومن تصدَّق على بنيه، وبني ينبه؛ فإن بناته، وبنات بنيه يدخلن في ذلك. وإذا تصدق على مواليه، دخل في ذلك موالياته. ومن العتبية (¬6) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس على بنات له حبسا؛ فبنات بنيه الذكور يدخلن مع بناته لصلبه في الحبس. ... ¬
ومن الكتابين قال سحنون: قال ابن القاسم: وإذا (¬1) حبس على ابنته، وعلى ولدها؛ فإنه يدخل في ذلك ذكور ولدها وإناثهم، فإذا ماتوا، كان ذلك لولد الذكور؛ إناثهم وذكورهم، ولا شيء لولد بناتها (¬2)؛ من ذكر أو (¬3) أنثى. قاله مالك. ومن العتبية (¬4) وقال غيره: إنما يكون حبسا على ولد الابنة دنية (¬5) من الذكور والإناث. فإذا ماتوا لم يَكُنْ لولد أولادهم شيء. قال مالك: وإن حبس على مواليه فإن موالي أبيه، وموالي أمه، وموالي الموالي يدخلون معهم [قال عنه ابن وهب، فأبناء الموالي يدخلون مع أبنائهم] (¬6).قال أشهب: ومن أوصى لبنات فلان، وليس له بنت، وله ولد ذكور؛ فالوصية لولد ولده؛ الإناث منهم؛ لأنه لا يقع اسم البنات إلا عليهن؛ يقول الله-سبحانه-: {فإن لُمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُِّمَّهِ الثُّلُثُ} (¬7) ولا خلاف أن ولد/ الولد كالولد في حجبها عن الثلث إلى السدس. ومن العتبية (¬8) من سماع ابن القاسم فيمن حبس على آل فلان حبسا؛ فإنه حبس على أهله لأبنائهم، وأبناء أبنائهم. وإن حبس على قوم بأعيانهم فإنها ترجع بعد انقراضهم على أوْلى الناس الناس بالمحبس حبسا. قال ابن القاسم: آله وأهله سواء؛ وهم العصبة والأخوات، والبنات، والعمات. ولا شيء للخالات. قوله: بأعيانهم. قد تقدم ما ذكرنا فيه من الاختلاف. ¬
وروى ابن وهب عن مالك في المجموعة: إن كانوا بأعيانهم؛ إنها ترجع إلى الذي حبسها. ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم: قال مالك: من حبس على مواليه، ولهم أولاد، وله موالي لبعض أقاربه؛ يرجع إليه ولاؤهم فلا يكون الحبس إلا لمواليه الذين أعتق. وأولادهم يدخلون مع (¬2) آبائهم في الحبس، إلا أن يخصهم بتسمية. وقال مالك، بعد ذلك: إن موالي الأب والابن يدخلون مع مواليهم، ويُبْدَأ بالأقرب فالأقرب من ذوي الحاجة، إلا أن يكون الأباعد أحوج. قال مالك فيمن حبس على رجل، وعلى أهله أوسقا مسماة من حائط، فهلك ولد من ولد ذلك الرجل، ووُلِدَ له آخر؛ فإنه يدخل في تلك الصدقة. وإن حبس على مواليه داره؛ هل لموالي الموالي حق معهم؟ قال: نعم؛ يدخلون فيها معهم. ومن المجموعة (¬3): وقال غيره في الحبس على الموالي: إنه يدخل فيه موالي ولد الولد، والأجداد، والأمَّ، والجدة، والإخوة. ولا يدخل فيه موالي بني الإخوة، والعمومة. ولو أدْخِلَتْ موالي القبيلة./ ويُبْدَأ فيه بالأقرب منهم؛ فيؤثَرُ على الأبعد، ويُجْعَل الفضلُ للذين يلونهم في القُعْدُد، وذلك إذا كانوا كلهم (¬4) من أهل الحاجة، أو استووا في الغنى. وإن كان الأقعد غنيا، أوثِرَ الأبعدُ ¬
باب فيمن حبس على ولده ولا ولد له يومئذ
المحتاجُ عليه. ويُقَسَّمُ على أهل الحاجة منهم بقدر حاجتهم؛ سكنى كان أو غلات. وما حُبَّسَ على قوم بأعيانهم من مسكن أو ثمرة حائط، فلتْقَسَّمْ بينهم بالسواء؛ الغنيُّ والفقير فيه سواء. باب (¬1) فيمن حبس على ولده ولا ولد له يومئذ أو جعل لولد أجنبي حبسا أو وصية ولا ولد للأجنبي وكيف إن جعل في الوجهين مرجع ذلك إلى آخرين؟ من كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة؛ قال مالك: ومن حبس على ولده ولا ولد له فله أن يبيع. فإن ولد له فلا يبيعُ. قال ابن القاسم: ليس له أن يبيع، حتى يُويِْئسَ له من الولد. ولو أجزتُ له أن يبيعَ؛ لأجزت له إن كان (¬2) له وُلْدُ، فماتوا؛ أن يبيع، ولا يُنْتَظَرُ أن يولد له. قال: وإن مات الأب قبل أن يولد له؛ فلا حبس، ويصير ميراثا. قال: ومن حبس على ولده، ثم هي في سبيل الله، فلم يولَدْ له، فله أن يبيع إن شاء. فإن وُلِدَ له فلا سبيل له إلى البيع. قال محمد: وذلك إذا أيس له من الولد. وقال عبد الملك: بل هي حبس. ومن قال: ثلث مالي لبني فلان في وصيته فلم يوجد لبني فلانٍ ولدُ فلا وصية. قلتُ: أفتوقَفُ الوصيةُ حتى يُويئْسَ أن يولد له؟ قال: أما ابن القاسم فقال: إن أوصى وهو يعلم أنه لا ولد له فليوقَفْ ذلك. وإن لم يكُنْ (¬3) يعلم لم يوقَفْ، وتبطل [الوصية. وقال أشهب: إذا مات الموصي قبل أن يكون ولدُ، أو حمل فالوصية باطلةُ] (¬4). ¬
ومن المجموعة: وقال عبد الملك: وإن قال صدقتي هذه/ على ولدي. وليس له يومئذ ولد فهي محبسة، وتخرج من يده وإن لم يَكُنْ سبلها. وتُجْعَلُ بيد ثقة، فما جاء فيها بعد مصلحتها؛ حبس. فإن مات، ولم يَكُنْ له ولد، رجعت هي وغلّتُها، إلى أوْلى الناس به، يوم حبسها [فإن كان أولى الناس به يوم حبسها] (¬1) أخ، يأخذون منها تعمير الأخ؛ من يوم حُبَّسَ إلى يوم مات. ويأخذ ورثة ابن الأخ تعمير ابن الأخ من يوم موت ابن الأخ، إلى يوم موت المحبس ولم يَنْسُلْ؛ لأنَّا لو علمنا يوم حبس أنه لا ينسل، لكنا نعمل هكذا. قال (¬2) وإن جاء ولد، وقد اجتمع منها غلّةُ، فلم يأخذوها حتى انقرضوا، ولم يُعقِبوا هم (¬3) ولا أبوهم، فالغلة لورثتهم؛ لأنهم استحقوا ذلك، فلا (¬4) يكون لأوْلى الناس بالمتصدق إلا ما يكون من غلتها، بعد انقراضهم، إلى انقراض المتصدق. وكذلك قال غيره: من حبس داره على ولده، ولا ولد له؛ إنه ليس له أن يبيع؛ لأنه حبس قد صار على مجهول من يأتي، فصار موقوفاً أبداً، وصار مرجعه لأوْلى الناس بالمحبس، فلهم في ذلك متكلم في إخراجه من يده. فإن حدث له ولد؛ رُدَّ إليه، فكان هو الذي يحوزه لولده، ولا يضره ذلك من مرجعه إليه؛ لأنَّ الحوز فيه قد تمَّ. ¬
فيمن حبس على ولده أو على ولده وولد ولده أو على أجنبي وولده
فيمن حبس على ولده أو على ولده وولد ولده [أو على أجنبي وولده] (¬1) وكيف مدخل ولد الولد مع آبائهم في ذلك؟ وشيء من ذكر الحبس وقسمه بين أهله من المجموعة/ قال ابن القاسم: قال مالك فيمن حبس على ولده، أو قال: على ولدي، وولد ولدي؛ فذلك سواء، ويُبْدَأ بالآباء، فيُؤْثَرون. فإن فضل فضل، كان لولد الولد. قال عبد الملك: كان مالك يؤثر (¬2) الأعليين، ويوسع على الآخرين. وكان المغيرة وغيره يُسَوَّي بينهم، وهو أحبَّ إليَّ. ورورى ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على ولده، وأعقابهم، ولا عقب له يومئذ، فأنفذه في صحته، ثم هلك، وهلك ولده، وبقي بنو بنيه، وبنو بني بنيه؛ فإن استووا في الحال، والحاجة، والمُؤْنَةِ؛ سُوَّيَ بين الأدْنَين وبين غيرهم. ولكن ما دام الصغار لم يبلغوا وينكحوا وتكون لهم المؤنة، فهم مع الآباء؛ يُعطَى الأبُ بقدر ما يمون. ومن كتاب ابن المواز قال في المحبس على ولده، أو قال: ولدي، وولد ولدي. أو حبس كذلك على فلان وولده؛ فقد أصاب (¬3) قول مالك في دخول ولد الولد، مع الأعيان. واختلف فيه ابن القاسم، وأشهب فيه، وفي العتبية (¬4)؛ فروى ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على عقبه، ولعقبه ولد؛ فإن تساوى بينهم، وبين آبائهم فيه؛ إلا أنه يُفضَّلُ ذو العيال بقدر عياله. والذكر والأنثى سواء. وقال عنه فيمن حبس داره على ولده حبسا صدقة، فوُلِدَ لهم أولاد؛ فإنهم مع آبائهم، في حياة الآباء ¬
[12/ 31] وقال عنه فيمن حبس داره، على ولده، وولد ولده: إن الأبناء إنما يسكنون مع الآباء؛ إن وجدوا فضلا، وإلا فالآباء أحقُ. ومن خرج من الآباء لينتقل إلى بلد يوطنها؛ يسكن من يليهم، ثم إن رجع المنتقل، لم يُخْرَجْ له. وهذا الشأن في الأحباس في السُّكنى خاصة. زاد في كتاب ابن المواز: وأما إن خرج لتجارة، أو حاجة؛ فله مسكنُه./ قال ابن المواز: وذهب أشهبُ، إلى أنه إذا قال: على ولدي. فأدخلنا ولد الولد معهم بالتأويل؛ فليُبَدَّى الأعيان إذا استوت الحاُل. وأما إن قال: على ولدي وولد ولدي. فلا يكون الآباء أولى في استواء الحال، كقوله: على ولدي وابني (¬1).وإن اختلفت الحال؛ آثر الأحوج من ولد، أو ولد ولد. وقال ابن القاسم: ذلكسواء، ويبدأ بالأعيان، وللأبناء ما فضل في استواء الحال. وأما إن كانت الحاجة في ولد الولد؛ فُيْؤَثُرون أو يكون الآباء معهم. وقال مثله عبد الملك. محمد: وقول ابن القاسم استحسان. وقد قال مالك: لا يدخل ولد الولد، في (¬2) الفضل. وشأنُ الأحباس أن يُؤْثَرَ أقربُهم ممن حبسها. وكذلك في مرجعها. قال محمد: وقوله: على ولدي. يتعدى إلى ولد الولد. وأمَّا لو قال: على ابني: لم يدخُلْ فيه ولد الابن. ولم أجدْ لقول (¬3) أشهب حجة من قول مالك: إنه إذا سمى ولد الولد لم يُؤْثَرِ الآباء في تساوي الحال. وقال: لعل مالكا يعني ذلك؛ إذا كان فضل وسَعَة. قال محمد: وأما قول ابن القاسم إلا أن تكون الحاجة في ولد الولد؛ فُيؤْثَرُ، ويُعطَى الأب أيضا معه. فيعني-في رايي-لئلا ينقطع نسبه وإن كان عينا. ولو ... ¬
كانت الحاجةُ في الأعيان لم يدخلْ معهم ولد الولد إلا بعد غنى الآباء. فإن اعتدلوا قرب الأعيان. فأما إذا بلغوا حتى يكون الولدُ أَغْنِىَ عن ذلك من ولد الولد؛ أُعطِيَ معهم ولدُ الولد. ونحوُه لابن وهب عن مالكٍ؛ إذا مات واحد من الأعيان؛ دخل ولد الولد فيما فرغ من المساكن. وإن لم يبق من الأعيان إلا واحد؛ لم يُعْطَ جميع الغلة، ولكن ما يكيفه، [ويكون ما بقي لولد الولد] (¬1).قال ابن حبيب قال مطرف، وابن الماجشون/قال مالك، وجميع أصحابنا: إنه يُنْفَقُ على ولد الرجل، وولد ولده من حبسه؛ إذا احتاجوا وإن لم يَكُنْ جعل لهم في ذلك اسما. فإذا استغنوا؛ فلا حق لهم. واستحسن مالك ألا يوعبوها إذا احتاجوا، وأن يكون سهم منها جاريا على الفقراء؛ لئلا يدْرسَ. وقاله ربيعةُ، ويحيى بن سعيد، وقد تقدم في باب قبل هذا؛ في الحبس المبهم؛ لا مخرج له؛ أنه يدخل فيه فقراء ولده، مع الأجنبيين. قال ابن المواز: [قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس حائطا على ابنه وعلى عقبه وبنات بني ابنه، أو قال: وعلى المردودة من بناته فمات عن ولدين، لأحدهما ولد، فقالا: نحن أحق به (¬2)،قال مالك (¬3): فإن لم يكن قال لولد الولد بعد الابنين فأراهم فيه كله. محمد؛ ولو قال لولد الولد بعد الابنين لم يكن لولد الولد في الفضل حقُّ، وهذا خلاف ما تقدم، وهو قول عبد الملك وأشهب؛ وهو القياس. ومنه ومن العتبية (¬4) قال ابن القاسم عن مالك: مَن حبس منزلاً على ابنتيه وقال: وما كانتْ لي من بنتٍ فهي معهما، فأرى بنات ابنه يدخلن مع ابنتيْه في الحبس، وإذا قال: حبس على بناتي، فإذا هلكْن فهي على الذكور من وُلْدي وهو ¬
صحيحُ فابتله لهن ثم هلكن وله يومئذٍ ولدُ وولدُ ولدٍ ذكور، فإن وَلدَ الولدِ يدخل (¬1) مع ذلك. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وليس لولد البنات فيما حُبَّسَ على الولد وولد الولد شيء إلا إن يُسمّوا. قال مالك: ومن حبس على وُلْدِه، الذكر والأنثى سواء، فمن مات منهم فولدُه بمنزلته فمات بعض ولد الميت، وترك ولداً من غيرهم، فليس لولد البنات شيءُ. والبنت عقب، وليس وُلْدُ (¬2) البنات عقباً. ومن المجموعة قال عبد الملك فيمن تصدق على ولده الذين هم أحياء، ثم على أعقابهم فهو كقوله، فإذا انقرضوا فعلى أعقابهم. ولو قال: وأعقابهم دخل العقب مع الأعلى. قال ابن كنانة: فإذا حبس داره على ولده وأعقابهم لا تباع، ثم مات عن ابن فمات الابن عن بنت، وأمُّ وزوجةٍ، فلا شيء للأمَّ والزوجة، وتسكن فيها البنت ومن يعقبها من أم وغيرها. ومن العتبية (¬3) قال عيسى:] (¬4) قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس حبساً على ولده: إن الذكَرَ والأنثى فيه سواء، ولا يكون للذكر مثلُ حظ الأنثيين إلا أن يشترط ذلك. ومن سماع ابن القاسم: ومن حبس حبساً على ذكور ولده؛ لا يُباع، ولا يُوهَبُ، ولايُورَثُ؛ فانقرض ذكور ولده؛ فأراه حبساً على ذكور بنات ولده، وعلى العصبة؛ إلا أن لا يكون لهم فيها سعةُ (¬5).ومنه، ومن المجموعة، ابن القاسم عن مالك: ومن حبس دارا على أربعة نفر من ولده، وشرط أنَّ مَن مات من ولده فولده على مصابته من الحبس. فمات اثنان ¬
جامع القول في قسم الحبس بين أهله في الغلة والسكنى
منهم، وتركا أولاداً، ولا ولد للآخرين، ثم مات أحدُ الباقين، ولا ولد له فإن نصيبه يرجع على جميع ولد أخويْه الميّتَيْن، وأخيه الحيَّ، ويُؤْثَرُ أهلُ الحاجة منهم؛ دون الأغنياء، ولا قَسْمَ فيها. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك إن شرط أنَّ مَن مات منهم، ولم يتركْ ولداً فنصيبه على إخوته. فمات اثنان منهم عن أولاد، ومات ثالث عن غير ولدٍ فإنَّ نصيبه يرجع على الباقي من الولد، وولد الولد، بالاجتهاد، ويُؤْثَرُ فيه الأخوجُ، فالأحوجُ،/ ولا يجري فيه قَسْمُ. قال عيسى في العتبية (¬1): قال ابن القاسم: ومن حبس دارا على ولد، وقال: ولفلانٍ رُبُعها-لأحدهم-. كلاماً نسقاً؛ إنه ليس له منها إلا الربع، ولو حبس عليه حبساً، ثم حبس حبساً آخر على جميع ولده؛ فإنه يدخل معهم فيه. ولا يدخلون معه فيما حُبِسَ عليه. جامع القول في قَسْمِ الحبس بين أهله في الغلة والسكنى وهل يُخْرَجُ أحد لأحدٍ؟ ومَن سافر ثم رجع؟ من المجموعة قال مالكُ فيمن حبس على قومٍ، وأعقابهم؛ فإن ذلك كالصدقة؛ يوصي أن تُفَرَّقَ على المساكين (¬2)؛ فلمن يليها أن يفضَّلَ أهل الحاجة، والمسكنة، ولمؤنة، والعيال، والزمانة. وكذلك غلّةُ الحبس؛ يُفَضَّلُ أهل العيال بقدرهم، والكبير الفقير على الصغير؛ لعِظَمِ مؤنة الكبير. والمرأة الضعيفة تُفَضَّلُ بقدر ما يراه من وليها، ولا يُعْطَى منها الغنيُّ شيئاً. ويُعطىَ المُسددُ بقدر حاله. وإن كان للأغنياء أولاد كبار فقراء؛ وقد بلغوا؛ أعْطُوا بقدر حاجتهم. ومن أوصى ¬
بداره، أو بتمرة حائطه حبساً على ولد رجل، أو ولد ولده، أو على بني فلانٍ يُبْدَّأ بأهل الحاجة منهم في الغلّة والسُّكنى. قال ابن القاسم: وأما الوصايا بمال ناجز؛ يُفَرَّقُ عليهم؛ فإنما يُفَرَّقُ بينهم بالسَّوية. قال سحنون: وغيره وليس وصيته لولد رجل أو أخواله بمال ناجز يُفَرَّقُ عليهم؛ فإنما يُفَرَّقُ بينهم [بالسوية وتقسيمُه بمنزلة وصيته لهم بغلة نخل] (¬1)،تُقَسَّمُ عليهم محَّبسة موقوفة؛ لأنَّ القصد في الحبس مجهول من يأتي. وإذا أوصى لبنيهم أو من لا يُحِاط/ بهم؛ فهذا [وإن كان وصية ناجزةً فقد عُلِم أنه لم يُرد معينين، وإنما هو لمن حضر القسم وعلى الاجتهاد. قال غيره في الأحباس على الموالي، يريد أو الولد. أما إن استوَوْا في الفقر والغنى فليُوثَر الأقربُ، ويُعْطَى الفضلُ لمن يليه، وإن كان الأقعدُ غنياً أوثر الأبعدُ المحتاج، فيُقسمُ على الاجتهاد في الغلّة والسُّكنى] (¬2) وأما ما حُبَّس على قوم بأعيانهم؛ من دار أو من زرع، أو من تمر (¬3) نخل؛ فذلك فيما (¬4) بينهم بالسواء؛ الذكر والأنثى، والغنُّي والفقير بالسوية. ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس على الفقراء، أو في سبيل الله، وابن السبيل، وذي القربى؛ وفي قرابته غنُّي؛ فلا يُعطَى منه، ولكن ذوي الحاجة. قال ابن حبيب: وقول مالكٍ، وأصحابه أن الذكر والأنثى في الحُبس سواء، إلا أن يقع شرطُ. ¬
ومن كتاب ابن المواز قال عبد الملك: لا يُفَضَّل ذو الحاجة على الغني في الحبس؛ إلا بشرط من الذي حبسه؛ لأنه تصدَّق على ولده، وهو يعلم أن منهم الغني، والمحتاج. ومن العتبية (¬1) من رواية عيسى عن ابن القاسم، وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في قسم الحبس بين أهله في الغلة والسكنى؛ ليس على كثرة العدد، والمُبَدَّأ به والمقدَّم (¬2) فيه أهل الحاجة منهم؛ وليس على عددهم، ولكن بقدر كثرة عيال أحدهم؛ إن كانت سكنى، أو عظم مؤنته، وخفتها (¬3) وإذا كانت غلة؛ فبقدر حاجتهم؛ وأعظمُهم فيها حظّاً أشدُّهم/ فاقةً، فما فضل بعد حاجتهم؛ رُدَّ على الأغنياء، فسكن كل واحد؛ على قدر ما له، وكثرة حاجته؛ ليس الأعزب كالمتأهل المعيل. والحاضر أولى بالسكنى من الغائب. والغلة بين الحاضر والغائب سواءً. والمحتاج الغائب أولى فيها من الغني الحاضر؛ وذلك على الاجتهاد. ولا يخرج أحد من مسكنه. ومن خرج (¬4)،فانقطع عن البلد، فأوطن بلداً غيره [وكان الحُبس سكناً، ولم تكن غلةً، فالمقيم أوْلى منه، ثم إن قدم لم يخرجْ له غيُره] (¬5) وإن كان القادمُ أحوج منه، أو كان الذي أقام غنيا، ولو لم يخرج الخارجُ، كان أحقَّ بمسكنه، ولا يخرج لمن هو أحوج منه إنْ لم يَكُنْ في الدار سعةُ. وأما إن خرج لتجارة أو لحاجة، ثم رجع فيها، فهو كالحاضر. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: ومن حبس على ولده، أو غيرهم حائطاً، وسمى لبعضهم ما يُعطَى كل عام من الكيل، ولا يسمي للآخرين؛ فليُبَدَّى ¬
الذين سمى لهم (¬1)،إلا أن يفضَّلَ في ذلك؛ فيكون أولى بحقه. قال ابن القاسم: وكذلك في غلة الدَُور. ومن كتاب ابن المواز: ومعنى قول مالك: إن خرج أحد من الأدنين خروج انتجاح؛ سكن الذين يلونهم، وإنما ذلك إذا لم يَكُنْ سعة وسكن (¬2) من هو أوْلى. فإن رجع المنتجع لم يَخْرُجْ له. قال مالك: هذا الشَّاْنُ في السكنى، وأما فضلة الكراء والغلاب من الثمن وغيره؛ فإن حق من انتجع، أو غاب، لا يسقط. وإنما يسقط عنه السُّكنى؛ إذا لم يكنْ فيه فضل. قال ابن القاسم: وإنما ذلك فيمن حبس على ولده، أو ولد فلان، أو آله [أو آل فلان] (¬3) على قوم بأعيانهم/ مسمين ليس على التعقيب؛ فإن حق من انتجع منهم ثابت. قال ابن القاسم: ذلك في السكنى؛ حاضرُهم، وغائبهم. قال محمد: وغنيهم، وفقيرهم سواء. قال ابن القاسم: وإذا طلب المنتجع أن يُكْري منزله، أو يُقْطَع له بقدر حصته يكريها؛ لم يكن له ذلك إذا كان الحُبُس على غير معينين. قال مالك: وإذا رجع فلا يَخْرُجُ له من مسكنه. ولكن له حقه فيما يفرغ من المساكن إن كان فضل. وأما الغلة فحقه ثابت؛ وإن انتجع. ويُفضَّل في قسم الغلة أهل الحاجة، والعيال بالاجتهاد ممن يلي ذلك. ولو خرج غير منتجع، ثم قدم؛ فْلُيَردَّ إليه منزله، ويخرج له من كان فيه. قال مالك: ولو أراد هذا أن يكري منزله إلى أن يرجع فذلك له؛ إلا أن يكون سفر انقطاع ونقلة فليس له ذلك، ويكون لمن بعده إلا أن يَفْضُلَ عن ¬
سكنى من بعده من الحبس، فيكون له معهم في الفضل حظه، ويُقَسَّمُ ذلك الفضل بينهم بقدر الحاجة، وكثرة العيال. فإن تكافأت (¬1) حاجتهم، أو غناهم؛ قُسَّمَتِ الغلة بينهم على العدد. والأنثى والذكر في ذلك سواء. قال محمد: وكذلك من أوصى لقوم بالثلث؛ فإن الذكر والأنثى سواء. قال مال: وإن تنازعوا في السكنى فأحقهم أحوجهم فيُعطَى ما يكفيه مع عياله، غير مضر بغيره. محمدُ (¬2): يريد: ممن هو مثله؛ فمن سكن على هذا؛ فلا يُخْرَجُ منه. قال مالك: إلا أن يقل عياله حتى يُفَضَّلَ عنه. قال: وليس انقطاعُه من (¬3) البلد، يقطع حقه فيما يفرغ من المساكن،/ ولا من غلة، أو ثمر. إنما ذلك في المساكن التي لا فضل فيها. فإنه إذا سكن من سكن؛ لأنه أحوج، ثم حدث غني الساكن، وقدم المنتجع، فلا يخرج الساكن، ولكن إنْ فضل فضلُ، دخل فيه المنتجع. وإذا كانت المساكنُ من أول الأمر لا تسعهم، وقد استووا في الحال؛ أكْرِيَتْ، واقتسموا الكراء؛ إلا أن يرضى أحدُهم أن يسكن بكراء، فيسكن. قال: فإن هلك بعضُ من سكن؛ لأنه أوْلى، وبقيت امرأته؛ وإن لم يتركْ ولدا من أهل الحبس؛ تُركَتْ لتمام عدتها؛ هي وعياله، ثم أخْرِجُوا. وإن كان من أهل الحبس؛ لم يخرجوا منه، وسكنوا فيه بأمهم على ما سكن أخوهم. وقد قال ابن القاسم عن مالك في الهالك في العدة. وكذلك الساكن في دار في سبيل الله. قال: وإن كان أهله، وولده أهل حاجة، وهم صغار لم يخرجوا. وأنكر قول من قال: إنما حُبِسَتْ في السبيل للرجال دون النساء. ¬
ومنه، ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن تصدق بصدقة نخل أو غلة على ولده، فرأوا أن النساء ليس لهن فيها حق، فقسموه زمانا بين الذكور خاصة، ثم قام النساء. قال: فلهن أن يأخذن فيما يستقبلن، ولا شيء لهن فيما مضى. وقال في كتاب ابن المواز: وقاله ابن القاسم، وقال: لأنهم لم يتعمدوا ولا علموا. ولو كانت غلة؛ لرجعوا بحقوقهم فيما مضى، بخلاف السكنى. وقال أشهب: بل يرجعون على الذكور بأنصبائهم. وروى ابن عبد الحكم/ مثله عن ابن القاسم. قال ابن القاسم؛ في العتبية (¬2): وأراه بمنزلة قول مالك في الورثة يسكنون الدار زمانا، ثم يطرأ له ورثة معهم؛ فلا يرجعوا عليهم في ذلك بكراء. قال سحنون: وأخبرني عليُّ بن زياد؛ عن مالك؛ أن الغيَّابَ يرجعون على الحضور بحصتهم من الكراء؛ علموا بهم أو لم يعلموا. ومَحْمٍلُ الغلة عندي محملُ السكنى. قال مالك: وكانت صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما مضى تُخْرَجُ نفقاتُها منها ثم تقسم على من جاءهم، وعرفوا مكانه، ويُخَصُّ بها قومُ على قدر حاجتهم، ولا يُكْتَبون، ولا يُعَمُّون، حتى ولي بنو هاشم، فصار يُنْفَقُ عليها من مال الله، ثم تُجْمَعُ، فيُعطَى تمرها القبائل؛ يعمونهم بقدر حاجتهم. ومنه، ومن العتبية (¬3) من سماع أشهب قال مالك فيمن حبس حائطاً على المساكين قال في العتبية: فإن لم ينص الميتُ في ذلك شيئا (¬4).قال في الكتابين: فولي النظر فيه الاجتهاد. وإن رأى بيع التمرة، وقسم ذلك ثمنا فعل. وإن رأى خيراً للمساكين قسمه تمرا فعل. فرُبَّ حائط يبعد عن المدينة فيضرُّ ¬
بهم حملُه، وربَّما كان بالناس حاجة إلى الطعام؛ فيكون قسمُه تمرا خيرا لهم. وهذه صدقات عمر يباع تمرُها ويُقَسَّمُ ثمنه. فإنما ذلك على وجه النظر للمساكين. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن حبس دارا على قومه، وعشيرته؛ يسكنها منِ احتاج منهم إليها من أهل بلده. فبدر إليها جماعة منهم؛ فليس ذلك بالبدار، ولكنْ/ ينظر الإمام أحوجهم إليها، وأقربهم قربا من الميت؛ من أهل بلده. فإذا سكن فيها من رآه أقام فيها هو وعقِبُه، ثم إن صار مليّاً، وجاء من هو أحوج منه؛ لم يخرج له هو، ولا ولدُه حتى ينقرضوا، فيأتنف الإمام الاجتهاد فيمن يسكن موضعه. قال عبد الملك: وإذا كان بيده بيت من الصدقة، فمات وله بنون أصاغر، وأكابر؛ فأمَّا من خرج عنه من البنين الأكابر؛ فلا حق لهم في السكنى مع الأصاغر. فإن بلغوا، خرج أولئك إلى صدقة، أو إلى غير صدقة. وقاله سحنون. قال علي عن مالك: وإذا سكن بعض (¬1) أهل الحبس، ولم يجد الباقون مسكنا، ولا صلة لهم بحصته من الكراء، ولا يخرج أحد لأحد. ومن مات أو أنتجع، سُكَنِ مكانُه، وهكذا جرى الأمر، في أوقاف الصحابة. وقال عنه ابن القاسم: ولو خرج أحدهم سفرا لحاجة، فسكن آخر مكانه، ثم قدم، فله إخراجه. ولو خرج خروج ارتحال، ثم رجع؛ لم يخرجْ له أحد. وكذلك لو حبس على ولده وعقبه؛ وبعضهم غيَّبُ في بلدان شتى، وقد أوطنوها؛ فلتُقَسَّمْ بين من حضر، ولا حق للغياب فيها. وإن (¬2) كانوا إنما غابوا في حوائج، أو تجارة؛ فليُقَسَّمْ لهم بحقهم في ذلك. قال غيره: فإن كان الحضور أغنياء، والغُيَّبُ فقراء-يريد ولم يوطنوا موضعهم-فالدار تُوقَفُ للفقراء؛ فإذا رجعوا كانوا أحق بالسكنى. فإن كان فيها ¬
فضل أعْطِيَهُ الأغنياءُ، فإنْ فضل فضل أكْرِيَ به وأوثر به أهل الحاجة. وإن كان الغيَّابُ الفقراء أوطنوا مكانهم فالأغنياء/ أحقُّ بالسُّكنى، ثم لا يخرجون لأحد. قال عبد الملك في الولد يسكنون مع أبيهم فيبلغ بعضهم قال: أما البالغ البائن عن أبيه القويُّ؛ ولا سعة له مع أبيه، فلولي الصدقة أن يسكنه مسكنا؛ وإن لم يتزوجْ. وأما الضعيف عن ذلك، ومن لا ينفرد عن أبيه فلا. وذلك يُصرَفُ إلى اجتهاد من يليها. ومن تزوج منهم من قوي أو ضعيف فقد استحق المسكن. وأمَّا المرأة فلا؛ وإن بلغتْ لأنها في نفقة الأب وكفالته حتى تتزوج، وتخرج. وإذا قال: وللمردودة من بناتي السكنى. فإذا رجعت قُسِمَ لها، ووُسَّعَ ذلك عليها. ولو سمى لها بيتا بعينه ترجع إلأيه كان لها ذلك، وهي أحقُّ به. وهي ما لم ترجع، يسكنه أهل الحبس، ويُكرُونه، ولا يُرْجَعُ فيه بكراء لأنهم من أهل الحبس. ولو كان قد انقرضوا كلهم، إلا هي؛ فتلك يُوقَفُ لها ما كانت متزوجة لأن الذي ترجع إليه الدار بعد انقراضهم أهل المرجع، لا أهل الحبس وقد بقي منهم هذه، ولها أن ترجع؛ فتسكن. قال ابن القاسم عن مالك فيمن تصدق-يريد على ولده وولد ولده-بدار، فسكن رجل منهم في منزل (¬1)،ونساء في منزل، فمات الرجل عن ولدين، فسكنا أحد المنزلين، وأكريا الآخر، فقام فيه النساء؛ فلْيُعْطَ الاثنان ما يكفيهما من السكنى، وما فضل دخل معهما النساء في كرائه، فيقاسمنهما (¬2) ذلك بقدر حقوقهم. ومن العتبية (¬3) من سماع سحنون من ابن القاسم-وقد تقدم نحوه-وقال في قسم الحبس: إذا حبس دارا على بني فلان وهم حضور؛ أوثر/ [بالسكنى أهل الحاجة] (¬4) فإن فضل فضلُ فللأغنياء، ثم إنْ فضل شيء أكْرِيَ وأوثر فيه أهل ¬
الحاجة. وإذا لم يكُنْ في السكنى فضل، فأوثر أهل الحاجة، فسكنوا؛ فإنهم لا يخرجون وإن استغنوا وافتقر الأغنياء. وكان ذلك لمن تناسل من الساكنين على الأحوج فالأحوج منهم. فإن كان بعضهم ببلدٍ أوطنها، قسم لمن حضر، وأوثر الأحوج. فما فضل من شيء أكري، وأوثِرَ فيه ذو الحاجة، ثم لا يخرج أحد لأولئك الغياب إن قدموا. وكذلك من خرج ممن قُسِمَ له، فأوطن بلداً، فسكن غيرهُ منزله، ثم قدم فلا يخرج له. وأما من خرج لحاجة، فلا يُسْكَنُ منزلُه، وهو أحق به إذا رجع. ومن كان خرج لحاجة فليُقْسَمْ له مع الحضور. قال أشهب: فإن كان الغيَّابُ فقراء، والحضور أغنياء، [أوقِفَتْ للفقراء الغياب إلا أن يوطنوا موضعهم، فيكون للأغنياء] (¬1) ثم لا يخرجون إن قدم الغياب. وإن لم يتخذوه وطنا، فهم أحق بالسكنى؛ إن قدموا، أو بالغلة؛ إن كانت غلة، إلا أن يَفضُلَ عن سكناهم، فيعطاه الأغنياء. ثم إن فضل شيء أكرى. وأوثر به أحوجهم. ولو قال الأغنياء في سعة الدار: نحن لا نسكن، ولكن نكري ما يقع لنا أو نُسْكِنه من نسبنا فذلك لهم. وروى عيسى عن ابن القاسم: وإذا تكافاً (¬2) أهل الحبس في الغنى، أو الإقلال [فليجتهد فيها، فإما أن يسكنها] (¬3) أحدهم، أو يكريها، ويقسم الكراء بينهم [قال ومن سبق إلى] (¬4) سكناها منهم، فهو أحقُّ، ولا يخرج لمن بقي (¬5).ومن كتاب ابن المواز: وإذا (¬6) حبس على ولده، أو غيرهم ثمرة نخل أو غيره، وسمى ما يُعطَى لبعضهم كل عام؛ كيلا معلوماً، أو لم يُسَمَّ للباقين؛ / فأهل ¬
التسمية يُبَدَّؤُون إلى مبلغ ما سمى لهم من التمرة، إلا أن يعمل فيها عامل، فيكون أولى بإجارته. قال أشهب عن مالك فيمن حبس على سبعة أولاد سبعة منازل له؛ عليهم وعلى أولادهم من بعدهم، فمات أحدهم، فأعطى ولدُه منزله، فكان يكريه، ويأخذ كراه، ثم خرج إلى بلد؛ فإن كان خروج انقطاع، وسكنى؛ فليُعْطَ ذلك لغيره. فإن لم يُعْطَ لأحدٍ، وأكْرِيَ، فكراه بين أهل الحبس، إلا أن يُخَصَّ به ذو الحاجة منهم. ومن المجموعة قال ابن الماجشون في الحبس على قوم، ثم على أعقابهم، وكان كتاب الصدقة قائماً أو قد تلف، وكان شأنها أن يدخل الولدُ مع أبيه، فأرادوا وهم إخوة أو بنو عم سواء في القُعْدُدِ (¬1) أن يتجاورا، ويشهدوا على أنفسهم بذلك حتى يكون ما صار للواحد منهم بيعا لبنيه. وإن قلوا، ولا يدخل عليهم بنو الآخر وإن كثروا. قال: ذلك جائزُ؛ لازم إذا لم يكُن الأبناء في الأصل يدخلون مع آبائهم؛ سواء بطل كتابهم أو بقي، ولا يكون ذلك إلا على التحري والتعديل (¬2)،وقد تجاور بنو الزبير، وبنو عثمان، وغيرهم، ولا يصلح أن يكون في ذلك زيادة دينار، ولا غيره من الغرر (¬3) حتى يصير بيع الصدقة. وقال عبد الملك: وإذا كان كتاب الحبس حيز وفيه ترتيب أمرها؛ خلاف ما درج عليه فعلُ ولاتها. قال: بل يُعمَلُ على ما في كتابها. ولو تلف كتابها ولا يُعرَفُ ما فيه؛ فليُحمَلْ على ما درج عليه أمر ولاتها، ولعلهم على ما في كتابها عملوا. وقال ابن القاسم عن مالك/ قال: لا يُنَاقَلُ بالحبس، ولا يُحَوَّل. وهو كالبيع وذلك إن يكونا رجلين؛ لكل واحد منهما حبس على حدة؛ فيقول هذا ¬
لهذا: أعطنى حبسك؛ إذ هو أقرب إلي-يكون حبسا على حاله-وخذ أنت حبسي؛ لأنه أقرب إليك-يكون حبسا على حاله-فلا يكوز ذلك. وقال ابن كنانة في الدار الحبس يتفرق أهلها في مساكنها، فطال الزمان، وكثُرَ عيال أحدهم، وضاق به مسكنه. قال آخر من أهل الدار على أن زاده دراهم، ويناقله. قال: لا يعجبني لأنه قد يموت عن قريب، فتذهب زيادته باطلا. وإن كان قد فعله بعض الناس، فلا يعجبني. ومن كتاب ابن سحنون في الأقضية وسأل سحنون شُرَحْبِلَ عن الحبس على قوم، وعلى أعقابهم، وفيه السواد من أصناف الشجر والفاكهة والأرض والمساكن، وفيهم القويُّ (على العمل) (¬1) والضعيف، والطفل فقال: أما السواد الذي يعمل، فيُعطَى معاملة، وتُقَسُّم غلته على شرط الحبس إن كان فيه شرط. وإن لم يَكُنْ؛ قُسَّمَتْ على قدر الاجتهاد، ويُفَضَّلُ الأحوج. وأما المساكن فليسكنوها على قدر حاجتهم إلى السكنى. وكتب إليه: إن منهم القوي على العمل، والضعيف، فقال القوي: إن بها بيتا في قسمها خرب ما بيد الضعيف، فكتب إليه: إن كان الذي يُعْرَفُ من أول الحبس يبقى بيد أهله هم يعلمونه؛ لا يعرفون غير هذا؛ فاعملْ عليه. وإن لم يكُنْ ذلك، فاعمل على ما وصفتُ لك. وإنما يخاف في إعطائها لبعضهم أن يطول الزمان، ويُجهَلَ أهلُها، فيبطُلَ الحبس. وهي بأيدي العاملين لها أشهر لأمرها./ وكتب إلى سلميان: وإذا كان الحبس أصولاً حُبِسَ ثمرها فلا تُقَسَّمُ الأصول، وإنما تُقَسَّم غلّتُها. وقيل: فإن قسموا الأصول على المهايأة (¬2) يعملونها ثم قال بعضهم غُبِنْتُ (¬3).قال: إنما تُقَسَّمُ الغلة كما أعلمتك. ¬
في أهل الحبس وأهل العمرى أو الخدمة يموت بعضهم أو يفقد من عليه الحبس
قال: وإذا كان الحبس على بنيه، وأعقابهم، وبقي ثلاثة إخوة بُلْغٍ، ولأحدهم ولد طفلُ؛ فإنه يدخل الطفل معهم، فيكون بمنزلة أبيه، وكذلك لو كان له عم طفل. قال: وإنما يكون الطفل تبعا لأبيه. إنما ذلك في السكنى. فأما ما يُقَسَّم من الغلات فللطفل نصيبه من كل غلة بخلاف ما يُسكَن. قال: وأما ما يُسكَنُ فالذُّرَّيَّة تكون فيه مع آبائهم في السكنى. في أهل الحبس، وأهل العُمْرَى أو الخدمة يموت بعضُهم أو يفقد من عليه الحبسُ وكيف إن قُسَّمَ بينهم أو أبُهِمَ؟ من كتاب ابن المواز قال مالك، وابن الماجشون، وابن القاسم، وابن وهب، وأشهبُ فيمن حبس داراً، أو حائطا على قوم، فمات بعضهم؛ فإن ما كان للميت من ذلك يرجع على بقية أصحابه. وكذلك في موت آخر، حتى بنقرضوا. وكذلك في جميع الأحباس؛ من غلة، أو سكنى، أو خدمة، أو دنانير محبسة؛ كان مرجع ذلك الحبس إلى صاحب الأصل، أو إلى غيره، أو إلى السبيل، أو إلى الحرية؛ إن كان عبداً، وهذا إذا كان حبسا مشاعا، فأما إن سمى لكل واحد يوما على حدة، أو كيلا مسمى، أو مسكنا معروفا/ لكل واحد من أيام معروفة بعينها، أو سكنا بعينه لكل واحد منهم سماه؛ فهذا من مات منهم، يرجع نصيبُه إلى صاحب الحبس؛ إن جعل مرجع الحبس إليه، أو إلى من جعل مرجعه إليه؛ قاله كله مالك. وقد قال أيضا مالك خلافه إنه إن لم يكن حبسه (¬1) عليهم مشاعا؛ فإن مصابة من مات منهم راجعة إلى صاحب الأصل، حتى يموت جميعهم. وإن لم يسم، وكان حبسه عليهم منهما، فهو على المشاع، حتى يشترط ما لكل واحد. ¬
وكذلك في رواية ابن عبد الحكم عن مالك أنه إذا أوصى لكل واحد بعدة معلومة من حبسه، أو بجزء معلوم أو بكيل مسمى، أو لهذا يوما، ولهذا يوما؛ إن نصيب من مات لا يرجع إلى باقيهم، ولكن إلى من إليه مرجع الأصل. قال محمد: ولا إلى ورثة الميت منهم، إلا أن يموت بعد أن يستحقها مثل طيب التمرة، وحلول الغلة قبل موته، قيرث ورثته حصته (¬1).قال ابن حبيب: قال مطرَّف: قال مالك في الذي يحبس العبد، أو الدار، أو الحائط، على القوم يسميهم بأسمائهم، فيموت بعضهم، (قال) (¬2) فكل ما لا ينقسم من عبد، أو دار فإن نصيب الميت يرجع على أصحابه. وإن كانت الدار قد قسم هو مساكنها بينهم؛ فنصيب الميت راجع إلى رب الدار؛ كانوا يكرون الدار، أو سكنونها إذا جزأها بينهم. فإن لم يُجَزَّئْها بينهم [وجزؤوها هم بينهم] (¬3) فنصيب الميت بين أصحابه. وإن كان/ حائطا يعملونه بأنفسهم؛ فحق الميت لبقيتهم. وإن كان تمرا يأخذونه بغير عمل يعملونه بأنفسهم، فنصيب الميت رد إلى رب الحائط. وقاله أصبغ، وروي مثله عن ابن القاسم. وفي المجموعة نحوه من رواية ابن وهب عن مالك قال: إذا سماهم بأسمائهم؛ فأما ما (لا) يقسمونه من عبد، ودار فنصيب الميت لأصحابه. وأما ما يُقَسَّمُ، ويأخذونه ناجزا، فنصيب الميت يرجع إلى المحبس، أو إلى ورثته. قال سحنون: وكذلك روى عنه جميع الرواة ابن القاسم، وابن وهب، وابن نافع، وعليُّ بن زياد، وأشهب لأن سكناهم الدار هو سكنى واحدة، واختدامهم العبد كذلك. وقاله المغيرة فيما يُقَسَّمُ وفيما لا يُقَسَّمُ. إلا ابن القاسم؛ فإنه أخذ برجوع مالك في هذا بعينه. قال: يرجع على من بقي فيما يُقَسَّمُ، وفيما لا يُقَسَّمُ. ¬
وقال عبد الملك كقول المغيرة: إن الدار يسكنونها، والأمة تخدمهم، فنصيب الهالك للباقين، وليس لأحدهم أن يُكْرَيَ حقه من الأمة (¬1)؛ لأنه ضرر على أصحابه. وما كان من غلة تُقَسَّمُ، ودار تُكرَى، وعبيد مخارجة؛ فإن نصيب من مات منهم يرجع إلى من إليه المرجع. وقاله ابن كنانة. وقال غيره: هذا فيما يُجعَلُ لقوم مسمين. فأما الغلة على غير معينين، مثل بني فلان، أو مواليه. حتى يدخل فيه من يحدث قبل القسم، ويؤثَرُ به الأحوج، ولا يُقَسَّمُ بالسواء. فهذه إن بقي واحد منهم، فهو أحق بجميع الغلة؛ إذ لا منازع له. وقال ابن كنانة فيمن تصدق بأرض له امرأتين وعقبهما/ حبساً، فهلكتْ واحدة، ولا عقب لها؛ فإن نصيبها على الباقية وعقبها، فإن هلكتْ، ولا عقب لها فهي لأولى الناس بالمحبس. [ولو تصدق عليهما بأعيانهما، ولم يذكر عقبا فهاهنا يرجع نصيب الميتة لمن هو أوْلى الناس بالمحبس] (¬2).قال عبد الملك: وإذا تصدق على عقبه، وقال للذكر مثل حظ الأنثيين. فلم يَبْقَ منهم غير امرأة، فلتأخذْ جميعها. قال ابن القاسم عن مالك: إذا حبس على بني فلان، ولم يُسَمَّهم بأعيانهم؛ فإن نصيب من هلك منهم إلى أصحابه. قال عنه ابن وهب، وعليُّ ابن زياد فيمن حبس على نفر سماهم، ثم هي من بعدهم-قال عنه عليُّ-جميعا في السبيل؛ فإن نصيب الهالك رد على باقيهم، ثم هي بعد جميعهم في سبيل الله. قال فيه وفي كتاب ابن المواز ابن القاسم عن مالك فيمن حبس دارا على ورثته، ثم هي في السبيل والمساكين؛ إن نصيب الميت على من بقي حتى ينقرضوا، فيرجع إلى من جعلها له. ¬
قال ابن المواز: وذلك إن حازوا ذلك في صحته. قال (¬1): وكذلك من أسكن قوما حياتهم. ومن الكتابين: وقال مالك في التي تصدقت على ابْنتي ابنتها بصدقة ما عاشتا، فإذا انقرضتا فهي رد على ورثتها، فهلكت إحداهما؛ إن نصيبها على الباقية ما عاشت. وفي باب الحبس على الولد وولد الولد مسألة من هذا المعنى في آخره. ومن المجموعة قال ابن كنانة: ومن عمر أربعة نفر دارا، وقال: فإن انقرضوا رجعت إلى بني فلان، فمات أحدهم؛ فإن نصيبهم إلى أصحابه، حتى يقول: فمن انقرض منهم، فما كان في يديه راجع إلى بني فلان؛ فهذا يأخذ الابن نصيبه. ومنه ومن كتاب ابن المواز/ ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، فيه وفي المجموعة عن ابن وهب، عن مالك فيمن حبس خادماً على أهل بيت لم يُدخِلْ عليهم غيرهم قال في المجموعة: أو على ناس مجتمعين حياتهم؛ قال في الكتابين: فإن من مات؛ فنصيبه على من بقي. ولو كان على رجلين مفترقين؛ قال في كتاب ابن المواز: على قوم مفترقين؛ هذا على حدة، وهذا على حدة قال في الكتابين: فنصيب من مات للذي حبسه. قال محمد: وهذا على ما ذكرنا من التفسير الأول. ولو جعل ذلك على أهل بيت واحد؛ والمجتمعون نصيب كل واحد من ذلك معروف، فلا يرجع نصيب الميت، على بقيَّتهم. ولو حبسه على المفترقين، وجعل ذلك عليهم مشاعاً؛ كان نصيب من مات لبقيتهم. ¬
قال سحنون في العتبية (¬1): وإذا قال: يخدم فلاناً يوما، وفلانا يوما. فهذه قسمة؛ فمن مات منهم، رجع نصيبه إلى صاحب الأصل. ولو لم يَقُلْ هذا، وقال: هو حبس عليهما يخدمهما. فإن من مات منهما يرجع نصيبه إلى صاحبه. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم، عن مالك فيمن حبس حبسا على قوم سماهم بأعيانهم، ثم هي في السبيل بعد انقراضهم؛ فإن نصيب من هلك على باقيهم، حتى ينقرضوا، فيرجع إلى من جعلها، وذلك إن كانت غلة أو جملة مالٍ. قال مالك: وذلك في كل دار لها منازل تُقَسَّمُ عليهم؛ فيكون كل واحد في منزله. ومن مات؛ فمنزله رجع مسكنه إلى ما كان رد إليه صاحب المسكن. فأما كل مسكن يسكن فيه قوم جميعاً؛ / فإذا مات منهم ميت، أضر بهم أن يدخل معهم أحد؛ فإن جميع المسكن لمن بقي منهم. وكذلك الخادم. قال عنه هو وابن وهب: وإن كان تمرة حائط؛ فإن كانوا يعملون فيه بأنفسهم؛ فنصيب الميت لباقيهم يتقوون به على سقي الحائط، أو عصبته فإن كان ثمرُ يُقَسَّمُ عليهم بغير عمل فيه؛ فنصيب الميت إلى رب الحائط، أو عصبته. قال ابن القاسم: ثم رجع مالك عن هذا، وقال: يرجع على من بقي منهم، إلا أن يكون أوصى بعده لكل واحد، أو يوم لهذا، ويوم لهذا فهذا يرجع نصيبه إلى رب الأصل. ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬2) من سماع أشهب، قال مالك فيمن أوصى في غنم له أنها حبس على يتيمين، ولا يرثانه، وجعل ذلك على يدي ابن له كبير، وقال في حبسه: من (¬3) مات منهما فلا حق له. ومن ارتغب فلا حق له. فمات أحدهما، وارتغب الآخر بعد أن صار رجلاً؛ قال: فهي للآخر منهما. ¬
قال في العتبية (¬1): قيل إنه حبسها عليهما لهذا منها قطيع عليه سمتُه، ولهذا قطيع عليه سمتُه؟ قال: فما (¬2) أراها إلا للآخر منهما. قال في الكتابين: وأحرى أنه (¬3) إن لم يرجعْ، ولو وُقِفَتِ الغنم حتى يرجع المرتقب. قيل: قد قال بعض العلماء: يرجع على الوارث. قال لا؛ كيف يرجع، وقد أوصى بها، وحبسها؟ قال في كتاب ابن المواز: وقاله ابن القاسم-يريد لا يرجع على الوارث-ولكنه قال: لا يرجع نصيب الميت على صاحبه، ولكن حصة الغائب تُحبَسُ له حتى يرجع. قال محمد: أظنُّ أن ابن القاسم /إنما قال هذا لقول الميت: ومن مات فلا حق له. قال محمد (¬4) فيمن حبس دارا على نفر من ولده، أو على جميعهم، فإن من سكن منهم مسكنا فهو أحق به ما بقي فيه؛ هو أو أحد من ولده. قال محمد: يريد عياله. وذلك إذا سكنه يوم سكنه على ما يرى أنه أحقُّ به من غيره، وأحوجهم إليه. قال مالك: وإن تنازعوا (¬5) في مسكن خال فأولاهم به أحوجهم إليه في السُّكنى. وأما في الغلة فيُؤْثَرُ أهل (¬6) الحاجة والعيال؛ بقدر رأي من يلي ذلك. محمد: يُؤْتَنَفُ (¬7) في قسم الغلة الاجتهادُ، عن كل قَسْمٍ، في كل سنة؛ لا على القَسْم الأول. وقد يحتاج في قَسْم العام من كان غنيا، أو كثُرَ عياله. ¬
فيمن حبس تمر نخل فيموت بعض أهل الحبس أو يولد منهم مولود بعد الإبار
قال مالك فيمن أوصى في نخلات له بأعيانهن (¬8)،لخمس موليات له، وسمى لكل واحدة منهن آصعا معلومة، فكن يأخذن على ذلك حتى مات منهن (¬9)،أربع، فإن نصيب الميتات يرجع إلى ورثته، فيُحاصُّون به الباقية. قال محمد: وهذا لأنه سمى لكل واحدة كيلا (¬10).ولو لم يُسَمَّ كان نصيبهن للباقية. ومن العتبية (¬11) من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز؛ قال مالك فيمن حُبَّسَتْ عليه دار حياته، ففُقِدَ. فقال في العتبية: يوقَفُ كما يوقف ماله حتى يُستبان أمره. قال في كتاب ابن المواز: توقف غلّتُها إلى حين لا يُجْنَى مثلُه، فيكون ذلك لورثته إلا أن يُعْلَمَ أنه مات قبل ذلك، فيرجع الفضل إلى ربها. قال محمد: أو حيث أرجعه. فيمن حبس تمر نخل فيموت بعض أهل الحبس/ أو يولد منهم مولود بعد الإنار أو يُقَسَّمُ (¬12) الحبس بعد الإبار إذا كانت حبسا صدقة من كتاب ابن المواز قال مالك في الحائط المحبس على قوم؛ قال في المجموعة: بأعيانهم؛ فإن مات واحد منهم، بعد إبار النخل؛ فلا شيء لورثته من التمرة، إلا أن يموت بعد طيبها، فيكون لورثته. رواه ابن وهب، وابن القاسم. وقال ابن القاسم: وقال أشهب: إذا أبر فنصيبه لورثته. -------------- (¬8) في الأصل: (بأعيانهم) والتصويب من ع وق. (¬9) في الأصل: منهم، وهو تصحيف، والإصلاح من ع وق. (¬10) في نسخة ع: (نخيلا). (¬11) انظر البيان والتحصيل، 12: 221. (¬12) في ع وق: (بعد الإبار، أو يقع الحبس بعد الإبار، أو موت المحبس).
قال مالك: وإن ولد منهم بعد الإبار ولد فحقه ثابت، وأما بعد الطياب؛ فلا شيء له في الثمرة، إلا في المستقبل. وكذلك في المجموعة؛ من رواية ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز. وقال أيضا مالك-من رواية ابن القاسم-فيمن حبس حائطاً على قوم بأعيانهم، فكانوا يسقونه (¬1)،ويؤبرون؛ فإن من مات منهم بعد الإبار فلا حق فيه لورثته إلا أن يموت بعد الطياب. قال محمد: وكذلك لو كانت محبسة حياة صاحبها، فمات صاحبها وفيها تمرة. وكذلك لو كان فيها تمرة، يوم حبسها ربها. وكذلك الحبس عليهم حياتهم، أو سنينا معلومة، فلا سيء لورثة من مات قبل طيبه، فذلك لباقيهم، إلا أن تكون تلك التمرة صدقة عليهم بتلا؛ تلك السنة، أو تصدق عليهم بالأصل من غير تحبيس، فيكون لمصابة (¬2) من مات منهم لورثته؛ طابت أو لم تطِبْ. وقاله كله ابن القاسم. وقال ابن القاسم في المجموعة: وكذلك لو حبس على رجل، فمات قبل الطياب؛ فلا شيء لورثته./فإن مات بعد الطياب؛ فهي لورثته. قال سحنون: وقال بعض الرواة: هذا إن كانت حبسا عليهم، وهم يَلُون عملها. ومن كتاب ابن المواز قال: وقسمةُ غلة (¬3) النخل المحبس (¬4)،بين أهل الحبس مثل غلة الدار على قدر الحاجة والمسكنة، وكثرة العيال إلا أن يكون سمى شيئاً. قال ابن القاسم: وإذا مات أحدهم بعد الطياب فهو لورثته. ولو وُلِدَ لأحدهم ولد يعد الإبار، أو قبله كان حقه في التمرة. فإن وُلِد بعد طيبها؛ فلا شيء ¬
له من تمرة العام. ولو كانت التمرة صدقة بتلا عليهم؛ كان نصيب من مات منهم بعد الإبار لورثته. وقاله مالك. رواه ابن القاسم. قال محمد: لأنها صدقة بَتْلاً على قوم بأعيانهم فالأصل لهم. وكذلك في العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم أن من وُلِدَ بعد الإبار حقه قائم في تلك التمرة. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن حبس على ولد فلان، وعلى أعقابهم؛ فإن الغلة تُقَسَّمُ على من كان حيا أو مولودا يوم تُقَسَّمُ التمرة، وليس يوم تُؤَبُر لأن فلاناً (¬2) الذي شرط ولده باق يمكن منه النسلُ وقد ط ولده معلومهم ومجهولهم. وأما لو مات فلان، صار القسم على من حُمِلَ (¬3) من ولده يوم الإبار، وهم لا (¬4) يدخل العقب معهم، حتى ينقرضوا بقوله، ثم قال أصبغ: ومن أعمر شجرا، فمات، وقد أُبَرِتْ فقال بعض العلماء: هي لورثته. وقال آخرون: لا تكون لهم حتى يموت؛ وقد [أزْهَتْ] (¬5).قال ابن حبيب: وذهب ابن الماجشون [إلى الإبَّار،] وبه /أقول. قال أصبغ: ولو كانت أرضا قد حرثها؛ فربُّها مخير إن شاء أعطى لورثته كراء الحرث الأرض، أو [سلمها] إليهم بكرائها تلك السنة. وأما لو مات، وفيها زرع فلورثته الزرع، ولا كراء عليهم. ومن المجموعة، قال ابن كنانة: وإذا كان الحبس على [قبيلة] تجري [عليهم]،فمات منهم ميت بعد طيب التمرة، فكل من مات قبل القسم فلا حق له إلا أن يكون [السلطان أوقفها] بعد الإبار الذي يُقَسَّمُ فيه لموت. قال: أو لعزله ونحو ذلك. وكذلك لو وُلِدَ فيهم ولد قبل القسم لقُسِمَ له إلا أن يُوقَفَ لما ذكرنا. وأما ¬
لو كان ذلك (¬1) على قوم مُسمَّين بأسمائهم فمن أدرك منهم طبيب الثمرة فحقه ثابت. ومن هلك قبل طيبها فلا حق له؛ ويرجع ذلك على بقية أصحابه دائما. هذا في الحبس. وقال أيضا ابن كنانة فيمن تصدق بحائط على قوم، وجعل لقوم فيه شقة منه، فمات بعض أهل الشقة، بعد إبار التمرة فقد وجب حقه فيه ويرثه ورثته كصدقة على معينين بتمرة حائطه، فمات بعضهم، بعد الإبار، فحقه ثابت. وقال أشهب: بالإبار يجب له في الحبس على معينين. ومن أعمر رجلا، فإن (¬2) مات بعد الإبار، فقد وجبت له الثمرة وتورث عنه، كما جعله النبي-عليه السلام-في البيع للبائع بالإبار. ولا أنظر إلى رواية من روى عن مالك غير هذا، وليس (¬3) كل من روى يحفظ اللفظ. ولقد كان يُحكي عنه القول (¬4) / المختلف، والمجلس واحد، فيقول هذا: قال: كذا. ويقول آخر: قال: كذا. وآخر: كذا. ولعله يعاود، فيخبر بغير ما قال جميعهم. وقال ابن القاسم عن مالك فيمن تصدق بتمر نخل على نفر ومنه ما أُبِرَ، ومنه ما لم يُؤَبْر، فمات أحدهم فلا حق له فيها. قال: يريد إذا كانت حبسا صدقة. وقال أيضا مالك في العتبية (¬5) فيمن تصدق على ثلاثة نفر بتمر حائط له لم يؤبْر، فأبروها، ثم مات أحدهم بعد الإبار؛ قال: أراها بينهم كلهم لأنه قد أُبِرَ وسُقِي. وإن كانت حبسا فلا شيء لمن مات قبل الطياب. قال في العتبية (¬6): وأما صدقة غير حبس فهي لورثة الميت، أُبَرتْ أو لم تؤبْر. ¬
فيمن حبس على ولده وشرط أن من تزوج فلا حق له
فيمن حبس على ولده وشرط أن من تزوج فلا حق له وفيمن فُرِضَ له في ديوان فلا حق له أو من ارتقب أو غاب. وجامع الشرط في الحبس والصدقات من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس غلةً على ولده على أ، من فُرِضَ له في ديوان فلا شيء له، ففُرِضَ لهم؛ فلم يأخذوا، أو أخذ من فُرِضَ له مرةً، ثم انقطع. فأما من أخذه مرة؛ فلا شيء له في الغلة، وأما من لم يأخذ، ففرْضه قائم. ومن كتاب ابن المواز قال لي عبد الملك: وإذا قال في حبسه: ومن تزوج من بناتي؛ فلا حق لها ما دامت عند زوج. ولم يَقُلْ إلا أن ترجع. وله ثلاث بناتٍ، فتزوجت واحدة قال: فنصيبها لبقية من معها في الحبس من أختيها. فإن رجعتْ أخذته منهما. وإن تزوجن أوقفت الغلةُ؛ إن لم يكن معهن غيرهن. فإن رجعتْ/ واحدة أخذت جميع ما أوقف، وما يُسْتَقْبَلُ. ثم إن رجعت أخرى فلتُقاسِمْ أختها ما أخذتْ نصفين؛ كأنهما ما تزوجا (¬1).وليس خروجها (¬2) بالتزويج يخرجها من مرفق الحبس؛ لا فيما أوقف، أو فيما يُسْتَقْبَلُ، إذا رجعت؛ إلا أن تموت فيُعلَمَ أنها خرجت منه؛ فلا تعود لمن أوقفه، ثم لا يكون لورثتها شيء مما أوقف لها؛ لأنه قد انكشف بموتها، أنها خرجت من أمر الحبس، فأما إذا رجعت؛ فهي من أهله؛ كأنها لم تتزوَّجْ، وإنما منعها التزويج لقول الميت: لا تأخذ متزوجة. ولذلك أوقفناه واستحسنا أن يكون بيد من معها في الحبس لأن إليهم مرجعه، لو لم يبق إلا واحدة منهم. قال محمد: هذا تفسير مذهب عبد الملك. ¬
قال محمد: ولو شرط أن من تزوج فلا حق لها، ونصيبها رد على أصحابها، أو على أحد سماه إلا أن يردها الرواد؛ فهذه لا يكون لها إذا رجعت إلا في المستقبل. وكذلك لو قال: إلا أن ترجع فتدخل في حبس. فهذه ممن يُسْتأنَفُ لها. قال ابن المواز: أخبرنا أصحاب ابن القاسم عنه عن مالك-وهو في العتبية (¬1) والمجموعة-فيمن حبس دارا على ثلاث بنات له؛ فإذا انقرضن؛ فهي على بني بنيه، وأعقابهم. ومن تزوج من بناته؛ فلا حق لها، ونصيبها رد على أخواتها. فإن ردتها الرواد فهي على نصيبها. فتزوجت واحدة، وانقرض بنو ابنه، وأعقابُهم، قبل بناته، وماتت اثنتان من الثلاث، وبقيت المتزوجة، ولها بنتان؛ لم يدخلْهما (¬2) في الحبس. قال مالك: فليُقَسَّم الحبس علي ابنتيه (¬3) اللتين ليستا في/ الحبس، وعلى المساكين [قال في المجموعة فلتُقسَم الغلةُ على قرابته من بنيه أو غيرهم أو على المساكين] (¬4).قال محمد بن المواز: فإن رجعت المتزوجة رجع ذلك كله إليها. فإن ماتت رجع ما قال مالك في تزويجها، على الابنين الخارجين [من الحُبُس] (¬5) وعلى المساكين. وكذلك قال مالك في المجموعة في موتها: ولو كان حبسه مما لا يرجع مصابَةُ الميت على أصحابه؛ مثل أن يسمي لكل واحدة مسكنا مسمى، أو كيلاً مسمى أو شيئاً من الغلة مسمى، ثم ماتت (¬6) الأختان، وبقيت المتزوجةُ؛ فإنه ¬
يوقف لها الجميع؛ فثلثُه بالحُبُس، والثلثان بالمرجع (¬1).فإن تأيمت؛ فهو لها كله. وإن انقرضتْ، رجع الجميع إلى أولى الناس بالمحبس. قال: ولو كان للمتزوجة أخ وأخت لم يُدخِلْهما في الحبس فلهما ثلثا المرجع؛ وهو الثلثان؛ فثلثا الثلثين لهما يُعجَّلُ لهما، والثلث للمتزوجة، مع ثلثها بالحبس، فيوقف ذلك لها، وهو خمسة أتساع. فإن رجعت كان لها، وإن هلكت كان (¬2) للأخ والأخت للأب بالمرجع، مع ما بأيديهما، ولم يَكُنْ لها وحدها مرجع أختيها؛ لأنها لم تكُنْ شريكتهما في أصل الحبس شركة يعود نصيب الميت للباقي؛ لما ذُكِرَ من قسمته. قال: ولو تزوجن، فأوقفت الغلة ليرجعن فيكون لهن، أو ينقرضن فيصير لأولى الناس بالمحبس. فمات في ذلك الإيقاف أولى الناس به، ثم انقرض البنات بعده، قبل يرجعن قال: يكون للميت حقه، من يوم أوقفت الغلة، إلى أن مات يرثه ورثته، ويرجع ما كان من ذلك إلى أولى الناس بالمحبس، بعد الميت الأول. قاله لي عبد الملك. وكذلك لو قال: ليس للمتزوجة/ حق. لم يَزِدْ على هذا؛ قاله عبد الملك: إن حقها ثابت إن رجعت. قال محمد: وهو عندي كمن قال: ومن غاب فلا حق له. أو قال: ومن ارتقب فلا حق له. وهذه مسألة ذكرتها في باب: موت بعض أهل الحبس موعَبَةً. قال: ومن حبس على بنات له بأعيانهن حياتهن، في صحته، وشرط أن من تزوجت منهن؛ فلا حق لها؛ فتزوجن، أو واحدة منهن، ثم تأيَّمتْ؛ فلا شيء لها في الحبس، وكأنه قال: لها سكنى هذا البيت حياتها ما لم تتزوج، أو أنفقوا عليها ما ¬
لم تتزوج، فقد انقطع ذلك عنها بالتزويج؛ فلا يعود برجوعها. وكذلك لو كان ذلك وصية لغير وارث وليس هذا من باب الحبس بالتعقيب. وكذلك إن أوصى أن يُنْفَقَ على أمهات أولاده، أو سكناهن عمرَهُنَّ؛ ما لم يتزوجن. وفي المجموعة نحو هذه المسألة من أولها عن عبد الملك. وفرق عبد الملك بين قوله في أم ولده إلا أن تتزوج، وبين قوله في بناته إلا أن يتزوَّجْنَ. ذكره ابن حبيب. وقد كتبته قبل هذا: أراه فرق ما بين ما تقدم، وبين هذه قال: حبس عليهن حياتهن؛ فهن بأعيانهن. وقوله أيضا: حياتهن. تعمير؛ فرق بينه وبين الحبس المبهم، فجعل قوله مبهما في التعمير، والتعبير: أن من تزوج؛ فلا حق لها؛ يوجب أن لا شيء لها إن رجعتْ، وكأنه في الحبس المبهم؛ حبس عليهن؛ إلا أن تتزوج منهن واحدة؛ فجعل إلا أن كالاستثناء؛ لا شيء لها إن رجعت في الحبس المبهم. بخلاف قوله: من تزوجتْ فلا حق لها. ومن حبس حبساً وله بنات متزوجات/ لم يدخلن فيه، ولكن قال: من تأيَّمتْ منهن فلها أن تسكن فيه. إذا تأيمت؛ فُسِخَ القسْمُ حتى تدخل معهن، ولا حق لها فيما قبل ذلك. وكذلك إن قال: إن رجعتْ؛ فلها سكنى هذا البيت بعينه. قال: فتكون أحق به، ولا شيء لها سواه، ولا شيء لها فيما قبل ذلك. وكذلك إن رجعتْ؛ ولو شرط أن من تتزوج؛ فلا حق لها. فإن رجعت؛ فلها بيت كذا تسكنه. فليس لها إذا تأيَّمتْ، حق ترجع به فيما مضى في تزويجها. وليست كمن أبهم أمرها، فلم يذكُرْ رجعتها؛ لأنه إذا سكت عن رجعتها، فكأنه حبس حقها عنها إلى أن ترجع، فتأخذه بعينه؛ لأن هذه لم يقطعْ حقها إلا بموتها. والذي شرط أنها إذا رجعت دخلت في الحبس؛ فهذا دخول مستأنف. ولأن الذي صار حظها إليه في تزويجها، ليس هو من الصدقة، ولا هو من حقه، إلا بعد انقراضها. ومن المجموعة قال عبد الملك: إذا قال في حبسه وليس للمتزوجة حق. فلها حقها إذا رجعت ولم يُخْرِجْها من الحبس؛ كأنه قال: ليس لذات زوج حق. ولو
قال: كلما تزوجتْ؛ فلا حق لها. فقد أوجب لها حقا؛ إذا رجعتْ، بقوله: كلما. فهذا وجب لها برجعتها من عند زوج تقدم. قال ابن كنانة: وإذا قال: ليس لذات زوج سكنى. وللدار غلة؛ فلها من الغلة حقها. وإن قال: ليس لها حق. فلا غلّةَ لها، ولا سكنى. وقال ابن كنانة: إذا حبس على ولده، وأعقابهم. فإن تزوجت امرأة؛ فلا حق لها حتى ترجع، فإذا انقرض عقبه، فهي لآل فلان، فانقرض عقبه إلا امرأةً/ متزوجةً؛ قال: توقَفُ الغلة حتى يُنْظَرَ فيها. قال ابن عبدوس: كأنه يرى أنها إذا رجعت أخذت ما أوقف؛ لأن أهل المرجع لا حق لهم، حتى ينقرض أهل الحبس؛ وقد بقيتْ هذه منهم. فلو هلك الزوج؛ كان ما وُقِفَ لأهل المرجع، مع الحبس. وقاله عبد الملك، وسحنون. وقال غيره: لا تُوقَفُ الغلة؛ لأنك إذا أوقفتها، ثم رجعت فأخذتْها؛ كنت أجريت لها الغلة، في حين لم يكُنْ لها في الدار حق. ولكن يُدْفَعُ إلى أهل المرجع؛ فإن تكُنْ هي ممن يستحق أن يأخذ بالولاية؛ أخذتْ مع أهل الولاية. من العتبية (¬1) قال عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على ذكور بنيه وأبنائهم ومن تزوج من البنات فلا حق لها إلا أن تردها رادة، ثم هي حبس على مواليه. فمات البنون، والبنات إلا ابنة واحدة متزوجة؛ قال: لا تُحبَسُ الغلّةُ عليها، وتكون الغلةُ للموالى، حتى ترجع الابنة. ومن العتبية (¬2)،روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن حبس داره على بناته، وشرط أن من تزوجتْ فلا حق لها. فإن ردتها رادة فهي على حقها. فإن مُتْنَ كلهن؛ فهي صدقة على فلان. أو قال: فمرجعها إلي. فتزوجن كلهن؛ فلهن غلتها إلى أن يمتن أو يرجعن. قال: غلّتُها في هذه الفترة للمحبس إن استثنى مرجعها إليه؛ إن كان حيّاً، أو إلى ورثته إن كان ميتاً؛ يأخذونه بمعنى الميراث ¬
، [12/ 60] ويدخل فيه البنات المتزوجات وإن لم يَكُنْ له وارث غيرهن، ليس لها حق آتٍ (¬1).يريد فلهن الثلثان، وما بقي للمساكين. وإن جعلها بعد موته لرجل بعينه؛ فالغلة في الفترة له. ولو أوقفت/ الغلة لتعطيها إذا متن لمن إليه المرجع؛ فحبسُك إياها عنه ظلم. وإن كان لتعطيها لهن إذا رجعن؛ فقد أعطيتهن الغلة في وقت لم يَكُنْ لهن في الدار حق، فأحسن أن يعجل لصاحب المرجع. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن تصدق بتمرة له على المساكين؛ إلا أن يحتاج بعض أمهات أولاده، فيكون ذلك لها حتى تستغني. فإذا استغنت، رجعت إلى المساكين، فطلبت ذلك امرأة من أمهات أولاده، وقالت: لي غلام ابن اثنتي عشرة سنة يخدمني، ويؤنسني، وليس لي غيره هل يُعطى؟ قال مالك: ذلك لها. وإن كانت الصدقة مثل الدينار ونحوه أعطيته كله. قال مالك في امرأة حبست حبسا، وشرطت سكناها معه: فلا رأى أن يُشترَطَ ذلك لأن سكناها فيه يفسده. ومن العتبية (¬2) قال عيسى عن ابن القاسم فيمن قال: داري، أو غلة داري حبس على أمَّيْ ولدي، فمن تزوج منهما فلا حق لها إلا أن تردها رادة. فتزوجت إحداهما؛ قال: فإن حظها يرجع إلى التي لم تتزوَّجْ، ثم إن تأيمت الأخرى رجعت على حقها. ولو قال: هي بينهما، ومن تزوجت فلا حق لها إلا أن تردها رادة. قال: حظ من تزوجت في هذا يرجع إلى ورثته. فإذا تأيمت المتزوَّجةُ، رجعت في (¬3) حقها، فليس بينكما وعليكما سواء لأن قوله: بينكما. قسمة، كما لو قال غلامي يخدم هذه يوما، وهذه يوما. والمسألة بحالها؛ فليرجع حظ [المتزوجة إلى ورثته حتى تتأيم فيعود إليها، ولو قال: عليكما رجع حظ المتزوجة] (¬4) على صاحبتها، حتى ترجع. ... ¬
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا قال: وليس لمتزوجة حق. قال: فإن من تزوج منهن يرجع نصيبه/ على من معه في الحبس كان غلة أو سكنى. فإن تأيَّمتْ؛ رجعت على حقها فيما يُستقبَلُ، ولا شيء لها فيما اغتلوا وهي تحت زوج. وسواء قال: فإن تأيمت فهي راجعة أو لم يَقُلْ. وإن لم يَبْقَ من ولده غيرها، فتزوجت، فها هنا يوقف ما كان من غلةٍ، أو تمرة، أو كراء مسكن. فإن رجعت؛ أخذته. وإن ماتت تحت الزوج؛ كان ذلك لأهل مرجع الحبس؛ وذلك أنها تأخذه بالولاية، وبأنها من ولد المحبس؛ لم يَبْقَ غيرها، فكانت إذا رجعت أحق من أهل المرجع. ولو كان رجل من أهل المرجع عايشها سنين، ثم مات وهو أقرب الناس بالمحبس، ثم خلفه منهم آخر أبعد منه، ثم ماتت تحت الزوج؛ قال ابن الماجشون: فإن ما أوقف من الغلة لورثة الميت إلا بعد ما أوقفتْ من يوم تزوجت، إلى أن مات، وللذي بعده، من يوم الأول إلى أن ماتت. وقال مطرف: بل ذلك للحي الأبعد لأن يوم موتها انقطع منها، وصار لأولى الناس به. وقال أصبغ: لا توقَفُ الغلة، ويأخذها من إليه المرجع، ولا شيء لها فيها وإن رجعت: إلا فيما يُسْتَقْبَلُ. وذكره عن ابن القاسم. وقول ابن الماجشون أحب إلي. وقال ابن الماجشون ومطرف: ولو قال: أم ولدي مع أهل صدقتي ما لم تتزوَّجْ أو أنفقوا عليها ما عاشت ما لم تتزوج. فتزوجت، ثم خَلَتْ من الزوج فلا حق لها في الوصية، ولا في الصدقة. والفرق بينها (¬1)،وبين الابنة أن هذه معينة، ولم يَرِدْ في الابنة امرأة بعينها؛ فلم تَعُدْ إذا رجعت أن تكون من بناته، وهذه امرأة أعطاها شريطة ما لم تتزوج فجعل لها حداً/ يزول عنها بمجاوزته ما جعل لها. وقال أصبغ: هما سواء، ولها أن ترجع على ما كانت إذا تأيمت. ولكن لا يوقَفُ لها شيء وهما عند الزوج، ويكون ذلك لأولى الناس بالمحبس. فإن رجعتا فلهما في المستقبل. وإن ماتتا فهي لأولى الناس بالمحبس يوم تزوجتا، لا يوم ماتتا. ¬
فيمن هو أولى بمرجع الحبس إذا انقرض من حبس عليه
قال ابن المواز: قال مالك في امرأة تصدقت على ولدها بجارية صدقة بتلا على أن لا يبيع، ولا يهب، وعلى أن لها نسلها؛ قال: قد قالت: بتلا. ولم تجعلها كذلك؛ أرأيت لو قالت: بتلا ولي خراجها. ما أراها إلا صدقة ضعيفة. قيل: قد حازها سنين، ثم ماتت. قال: هي ضعيفة. قال مالك: ومن تصدق على أخيه بعبد بتلا على أنه إن مات المعطى قبله رجع إليه العبد. وإن مات معطيه فالعبد لأخيه بتلا؛ قال: فإن مات المعطى أولا فأراه يرجع إلى المعطي، وكأنه أعطاه له حياته. قال محمد: لأن شرطه كان جائزا، على ما أعطى. ولو مات المعطي أولا كان العبد للمعطى من الثلث. وذكرها في المجموعة ابن نافع عن مالك مثله. قال ابن نافع: فإن مات المعطي أولا، والأخ وارث بطل ما صُنِعَ. وإن لم يَكُنْ وارثا جاز من الثلث. وقاله غيره. قال: وسواء حازها، أو لم يَحُزْها. قال مالك: من حبس حُبُساً على أحد، وقال: هي لك حياتي، ثم هي في سبيل الله، أو صدقة. فإن مات كانت من ثلثه. وقد ذكرناها في باب حيازة الأحباس، وقول أشهب فيها. فيمن هو أولى بمرجع الحبس إذا انقرض من حُبَّسَ عليه وذِكْرِ مرجع العُمْرَى أو الصدقة/ من كتاب ابن المواز قال محمد في الحبس إذا انقرض من حُبَّسَ عليه فإنه يرجع إلى أولى الناس بمن حُبَّسَ (¬1) عليه، يوم المرجع حبسا عليهم نساء كن أو رجالا. قال مالك: فكل من كانت منهن، لو كانت رجلا؛ كان عصبة للمحبس، وقرابة أب؛ فهي ممن يدخل في ذلك، ولا يدخل فيه بنو البنات ذكرا كان أو أنثى، ولا بنو الأخوات، ولا زوجة، ولا زوج. ¬
قال ابن القاسم: وإنما يدخل من النساء مثل العمات، والجدات، والأخوات لأم ولأب (أو لأب وحده) (¬1) وبنات الأخ. ولا يدخل الإخوة للأم من ذكر، أو أنثى. وأما الأم؛ فقال ابن القاسم: تدخل في مرجع الحبس. وقال أشهب عن مالك: لا تدخل أمُّه. وقال عبد الملك: لا تدخل أمُّه، ولا أحد من الإناث، إلا من يرثه منهن. قال في المجموعة: كالبنات، وبنات الأبناء، والأخوات. وأما الأمُّ فلا؛ لأنها ليست من جذر النسب. قال في الكتابين: فأما عمة وبنت عم وبنت أخ فلا. وإن كان أخ وأخت؛ فذلك بينهما نصفين لأن الأخت لو انفردت أخذت جميعه. وسواء كان في أصل حبسه للذكر مثل حظ الأنثيين أم لا (¬2)؛ فإن المرجع يتساوى فيه الذكر والأنثى. قال في المجموعة: فإن رجعت إلى أخ ثم مات فترجع إلى أولى الناس بالمتصدق. وكذلك إذا رجعت إلى ابنته، ثم ماتت رجعت إلى أقعد الناس بالمحبس. قال ابن حبيب (¬3) عن ابن القاسم: كل ما رجع من المحبس (¬4) بمعنى الميراث رجع إلى ورثة المحبس، يوم موته. وما كان يرجع حبساً فيرجع لأقرب الناس بالمحبس، يوم المرجع. فإن كانوا بنات، وعصبة فهو بينهم إن كان فيه سعة. وإلا فالبنات أولى من العصبة، وتدخل معهن /الأمُّ، ولا ترجع معهن الزوجة، ولا الجدة للأمَّ، وتدخل معهن الجدة للأب. فإن رجعت إلى إخوة دخل معهم الأخوات. وإن رجعت إلى أعمام دخل معهم العمات. وإن رجعت إلى ابن أخ دخل معهم بنات الأخ. وإن رجعت إلى ابن عم دخلت معهم بنات العم. وإن رجع إلى ولد المولى المنعم دخل معهم بنات المولى المنعم. ¬
قال: وإن كان ثم من سُمَّيت من النساء، وثم عصبة والنساء أقرب؛ قال مالك: فيدخلون كلهم إلا أن لا تكون سعة يُبْدَأ بإناث ذكور ولده، على العصبة، ثم الأقرب، فالأقرب. وإن كان مواليه فهم عصبة يدخلون في المرجع إن لم يَكُنْ ثم عصبة أقرب منهم. وإن لم يكنْ إلا النساء كان كله لهن على قدر الحاجة إلا أن يفضل عنهن. قال أصبغ: لا يعجبني قوله: إلا أن يَفْضُلَ عنهن. فما فضل عن سد خُلّتهن (¬1)،فليُرْجِعْ عليهن الأحباس إذا استووا في الغنى والحاجة لم يُصْرَفْ إلى غيرهم من السبيل. ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم قال: وإذا انقرض من حُبّس عليهم رجع ذلك إلى عصبة المحبس، ويدخل معهم النساء، في السكنى إن كانت سكنى، والغلة إن كانت غلة. قال ابن القاسم: يريد الأخوات، والبنات، والأمهات، والجدات، والعمات. ويُبْدَأ بالأقرب، فالأقرب، ولا تدخل الزوجات. وروى سحنون عن ابن القاسم أنه قال: أيما أهل المرجع إنما ذلك على أولى الناس به ممن يرثه، وليس ممن لا يرثه من عمته، وخالته، ونحوهما. قال أصبغ: وإن لم يكن له إلا بنات أخ، وأخت لأم /؛ فبنات الأخ أحق. ولو لم يكن غير أخيه لأمه لم يرجعْ إليها من المال شيء. ومن المجموعة [قال عبد الملك] (¬3) وإذا انقرض من حُبِسَ عليه (¬4) فلا يرجع ذلك إلى أولى الناس بآخرهم، ولا إلى من يرثه يوم مات؛ لكن إلى أولى الناس به يوم المرجع وإن كان حيا. ولا يرجع إليه هو، فيُدْرَسَ. قال ابن كنانة: ويصير من الرجوع في الصدقة. قال عبد الملك: وأما صدقته على رجل حياته، أو على قوم حياتهم فهذه يرجع إلى ربها ملكا، وإلى ورثته ميراثا. ¬
ومنه ومن العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك في حائط حُبس، لم يَزَلْ منذُ حُبَّس يُجَزَّأ على بنيه للذكر مثل حظ الأنثيين. قال عيسى عن ابن القاسم: بشرط، ثم يموت الرجل؛ فلا تأخذ منه زوجته شيئا. وتموت البنت، فلا يأخذ ولدها منه. ثم لم يبق من أهله إلا امرأة وهي تأخذ الصدقة كلها، ثم ماتت، وتركت أولادا، أو قامت البينة على أنهم لم يزالوا يسمعون أنها صدقة؛ هكذا يجري أمرها. قال مالك: فليس لولد المرأة شيء منها. وليرجع إلى أولى الناس بالمصدق، يوم المرجع؛ حبسا عليهم. قال ابن القاسم: ولو أسكن رجلا حياته؛ رجعت بعده إلى ربها، أو إلى ورثته ملكا. ولو حبس ذلك عليه حياته؛ رجع ذلك إلى أولى الناس بالمحبس، يوم المرجع. قال: ولو اشترط مرجعها إليه فهذه ترجع ميراثا بين من ورثه من ورثته يوم مات. قال عنه عيسى: فكل ما يرجع ميراثا فهو لأولى الناس به يوم موته. فأما ما يرجع حبسا فلأولاهم به يوم يرجع من/ ولد، وعصبة. فإن كانوا بنات، وعصبة، فهو بينهم إن كان فيه سعة. وإلا فالبنات أحق به، وتدخل معهم الأم. فإن لم تكن أم، وكانت جدة، لم تدخل في ذلك. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: ومن أعمر دارا أو خادما، لفلان وعقبه، ما عاشوا، ولم يَقُلْ: مرجعها إلي. ولا ذكر لمرجعها وجها؛ فإنها ترجع إليه، كما لو اشترط. قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن حبس على فقراء بني فلان، فيستغنون؛ قال: يُنَزعُ منهم، ويرجع إلى عصبة المحبس. قيل له: فإن له ابنة واحدة. قال: ليس النساء عصبة، إنما يرجع إلى الرجال. فإن افتقر بعض بني فلان؛ نُزِعَتْ من العصبة، ورُدَّتْ إليهم. وقال أصبغ مثله إلا في قوله في البنت فإنها في ذلك كالعصبة؛ إذ لو كانت رجلا كان عصبة، وأراه كله لها. ¬
ومن سماع ابن القاسم: ومن تصدق بدار على رجل وولده ما عاشوا. ولم يذكر لها مرجعا، فيهلك الرجل وولده فإنها ترجع حبسا على أقارب الذي حبس، وعلى المساكين. وقال سحنون: إن كان ولد المحبس عليه بأعيانهم فليرجع إلى المحبس ملكا، أو إلى ورثته ميراثا. وإن كان قال: حبسا عليك وعلى ولدك ما عاشوا. يريد ولم يعينهم فها هنا يرجع حبسا. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب قال مالك (¬1): وإذا رجع الحبس بعد انقراض أهله، فكان أهل المرجع نساء فهو كله لهن بقدر الحاجة. قال ابن الماجشون في الحبس لا يُفَضَّلُ ذو الحاجة على الغني فيه إلا بشرط لأنه إنما تصدق/ على ولده، وهو يعلم أن منهم الغني والمحتاج. قال محمد: وأحسن ما سمعت في هذا أن يُنظَرَ إلى حبسه أولا؛ فإن كان قصد فيه إلى المسكنة، والحاجة جُعِلَ مرجعُه كذلك. فإن كانوا أغنياء لم يُعطَوْا منها. وإن كان إنما أراد به مع ذلك القرابة، وأثرتهم رجع ذلك عليهم. وأوثر به أهل الحاجة، ولا يُعطَى الأغنياء حتى تسد حاجة ذوي الحاجة منهم. وإن كانوا كلهم أغنياء، جُعِلَ ذلك في أقرب الناس به، والأغنياء إن كانوا فقراء فهم عصبة المحبس. وقاله مالك. قال مالك فيمن تصدق على محتاجي آل فلان حبسا صدقة فإن مرجعها إذا انقرضوا، على أقرب الناس بالمحبس، فالأقرب من محتاجي عقبه إن كانوا أهل حاجة وإلا صُرِفَتْ (¬2) إلى أهل الحاجة من غيرهم؛ لأن أصلها على أهل الحاجة. فإنما حبسها على آل فلان، كان من حقها الأقرب فالأقرب؛ من أهل الحاجة، أو أغنياء. إلا أنه يُؤْثَرُ أهل الحاجة حيث كانوا. وقاله ابن كنانة، وابن القاسم، وكذلك قال ابن كنانة. ¬
وفي المجموعة ومن كتاب ابن المواز قال مالك في مرجع الحبس: يرجع إلى أوْلَى الناس بالمحبس، عصبة كانوا أو ولدا؛ فإنما يرجع على ذوي الحاجة منهم، ولا شيء للأغنياء. وقاله ابن القاسم، ونحوه في المجموعة عن مالك، وزاد: إذا كان فيهم أغنياء، والحبس ذو غلة فليس للأغنياء من الغلة شيء. وإن كان ذا مساكن كان للأغنياء في المسكن بحاجتهم /إليها. قال غيره: فإن أرادوا كلهم السكنى بُدَّى بالفقير. وإن أراد الغني أن (¬1) يستعمله فالفقير أولى بالمسكن، ثم بالغلة، حتى يطلب مثل ذلك من هو مثله (¬2).وكل من تعتدل حاجتهم، إلى السكنى والغلة، يواسى بينهم وإن استووا في الغنى فهم أسوة؛ الذكر والأنثى سواء. وإن كان الغني أقعد، والفقير أطرف؛ فالأحوج أولى إن كان من عصبته. قال ابن القاسم في الكتابين: وإن كانوا (هم) (¬3) كلهم أغنياء فهي لأقرب الناس بهؤلاء الأغنياء من الفقراء. قال محمد بن المواز: فإن لم يكن فيهم فقراء (¬4) رُدَّتْ إليهم. وإن استووا فهي لهم. وأولاهم بها الأقرب فالأقرب. وإن كان عصبته رجالا ونساء؛ فالذكر والأنثى فيه سواء؛ وإن كان في أصل حبسه أن للذكر مثل حظ الأنثيين. ولو كان آخر العقب امرأة فهي أحق بالجميع. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك فيمن حبس غلاما على رجل وعقبه لا يباع، ولا يُوَرثُ. فهلك الرجل، ولم يترك عقبا؛ قال: يُسلَكُ به في سبيل الحبس موقوفا (¬5) لا يباع، ولا يُوهَب، ولا يُوَرث. ومثل هذا إنما كان يُكْتَبُ (¬6) في الدور، وهذا يجعله في الحيوان (¬7). ¬
قال أشهب عن مالك فيمن تصدق بسهم من حائطه على مواليه، وعلى أولادهم فانقرضوا فأحَبُّ إلي أن يكون صدقة تُقَسَّمُ ثمرتُها على المساكين، وأهل الحاجة؛ لا ترجع ميراثا. وقد تقدم في باب قَسْمِ الحبس، وباب الحبس يموت بعض أهله شيء من معاني هذا الباب. تم الجزء الأول من كتاب: الحبس بسم الله الرحمن الرحيم " والصلاة والسلام على سيد المرسلين "
[الجزء الثاني من الحبس السنة]
الجزء الثانى من كتاب الحبس (¬1) فيمن جعل مرجع الحبس إلى نفسه أو قال إلى من شئت أو جعله يرجع إليه في مرضه فجعله على وارثٍ وذكر الرُّقْبى ومن العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم، وذكر ابن حبيب مثله عن مطرف فيمن حبس شيئا من ماله على رجل، واستثنى مرجعه إليه حبسا قال في كتاب ابن حبيب: مما يكون مرجعه إليه أو مما لا يكون مرجعه إليه. قال في العتبية (¬3): فمرض المحبس، فجعل مرجعه لوارث. وقال في كتاب ابن حبيب: فرجع، وهو مريض، أو لم يرجع، فمرض، فجعل مرجعه لوارث؛ قال: لا يجوز ذلك للوارث لا من الثلث، ولا من رأس المال إلا أن يشاء الورثة لأن مالكا. قال: من أخدم عبدا حياته رجلا ثم مرض ربه، فيجعله من بعد مرجعه لآخر بتلا؛ إنه من الثلث. قال ابن حبيب: وكذلك أخبرني أصبغ، عن ابن القاسم، وقال لي أصبغ: فإن كان (¬4) استثنى مرجع رقبة الحبس، ثم رجع وهو مريض؛ بحيث ما صرفه إلى ¬
وارث، أو صدقة، أو في السبيل؛ فهو من الثلث، ويُجْبَرُ الورثة في إمضائه للوارث، أو رده. وهذا الذي تكلم فيه مطرف، وابن القاسم، وإن كان إنما استثناء المرجع ليتولى إنفاذه على جهة السبيل. وبين مرجع الرقبى، وبين ذلك، فرجع في مرضه؛ فأراه من رأس المال؛ فإن سبله على وارث؛ فهو ميراث إلا أن يجيزه له الورثة؛ فيكون من رأس المال./ ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك في الصحيح يقول: داري حبس على فلان ما عاش، ولي أن أجعل مرجعها إلى من شئت كلاما نسقا، فقبضها الرجل، ثم مرض ربها، فجعل مرجعها لآخر؛ قال: فهي من الثلث. قال غيره: ومن أعطى عطاء حياته، ثم مرجعه إلى المعطي أو إلى عقبه من بعده، فهلك المعطي، ثم هلك المعطى فإنها ترجع إلى عقب المعطي، وإلى ورثته على كتاب الله تعالى لأنه شرط مرجعها إليه، إن كان حيا، فليس له أن يُؤْثِرَ بما مرجعه إليه بعض ورثته. وإنه إنما شرط المرجع لعقبه إن هلك قبل أن يرجع، فكأنه أوصى بالمرجع لبعض ورثته. قال عبد الملك فيمن نحل رج نُحْلاً، ثم كتبه المنحول على الناحل، من بعد ما قبضه عُمْرَى النحيل (¬1).قال: هذا فيه طرف من الرُّقْبَى، كأنه جعل ماله بيده. فإذا مات، أخذه رجل. وليس لأحد أن يصحبه ماله، ثم يُمْضَى أمره فيه إلا في ثلثه. ولو أعمره المنحول الناحل عمره، ثم هو من بعده إلى آخر إما ولد المُعمَر، وإما ولد الناحل الأول، فهذا ماض؛ لأن المرجع من قبل المنحول. وكذلك لو نحلها المنحول أجنبيا، وجعل مرجعها إلى الناحل الأول، أو جعلها له من بعد مُعَمَر آخر. قال: نعم؛ هذا صحيح لا تهمة فيه. وفي باب من حبس وشرط أن من تزوج فلا حق له مسألة من هذا (¬2). ¬
فيمن حبس في مرضه على ورثته أو على بعضهم
قال مالك في الحائط بين رجلين؛ فيحبس كل واحد منهما [نصيبه على صاحبه، وعلى عقبه، فقبض كل واحد منهما] (¬1) ما حبس عليه فهذا لا يجوز. وهذا إقرار من الوارث، وهذه الرقبى، وهو كمن حبس على نفسه. ولو حبس على غيرها؛ جاز ذلك؛ إذا أجازه المعطى. وذكر مسألة /الرقبى التي في المدونة (¬2) قال أشهب فيها: وهذه مخاطرة، كأنه جعل لصاحبه مصابته إن مات قبله؛ على أن يأخذ نصيب صاحبه إن بقي بعده. فإذا كان هذا في عقد لم يَجُزْ. فأما من فعل هذا بصاحبه، ففعل به مثله، فهو جائز، ولا تهمة فيه. وقال ابن كنانة: المكروه من الرقبى أن يقول له: أُرْقِبكَ عبدي هذا على أن تُرقْبني منزلك. فيكون العبد والمنزل للباقي بعد صاحبه فهذا قمار، وأما إن قال: منزلي هذا للباقي منا بعد صاحبه. فهذه وصية جائزة وكأنه قال: إن مت فمنزلي هذا لك. ولو أن الذي أرقبه أرقبه هو أيضا عبدا أو منزلا على غير شرط فذلك جائز. فيمن حبس في مرضه على ورثته أو على بعضهم أو عليهم وعلى غيرهم من بينهم أو أجنبي من كتاب ابن المواز قال ابن وهب عن مالك فيمن قال عند موته: داري حبس على ولدي، أو على ورثتي. ولم يُدْخِلْ معهم غيرهم ممن لا يرثه إن ذلك باطل، ويكون ميراثا. وقاله ابن القاسم، وأشهب؛ إذا لم يعقبهما، ولهم أن يتبعوا. ¬
قال أشهب: ويوقَفُ الذي يُحبسُ في المرض على ولده؛ إذا خرجت من الثلث؛ لعله أن يأتي ولد. فإن ماتوا ولم يُولَدْ لهم، وأيس لهم من الولد رجعت ميراثا على القسم الأول. وإذا حبس على جميع ورثته، ولم يُدْخِلُ معهم غيرهم، ولا أدخل من بعدهم فليس بحبس، وليُتْبِعُوا إن شاءوا. قال مالك: وكذلك إن قال: على ولدي لم يدخل معهم غيرهم؛ قال محمد: إذا سماهم، ولم يَقُلْ: ولدي مبهما. وقاله ابن القاسم،/ وأشهب. قالوا: وكذلك إن حبس على بعضهم، دون بعض. فإن أدخل معهم من لا يرث فلا سبيل إلى البيع. فإن لم يَكُنْ أعقب ذلك، وإنما أدخل معهم قوما بأعيانهم، جاز من ذلك ما كان لغير الوارث إن خرج من ثلثه، وبطل ما كان للوارث، وبيع ذلك إن شاء الورثة. قال: وإن كان أعقب وقد أدخل مع ورثته؛ من لا يرث بعد ذلك وأوقف حبسا؛ فما كان لمن لا يرث؛ فهو بينهم خاصة على قدر الحاجة. وما كان لمن يرث، كان بين جميع من يرث؛ فهو على جميع من يرث على فرائض الله-سبحانه-إلا أنه موقوف يدخل معهم فيه سائر الورثة، ما دام من كان حبس عليه من الورثة حيا. فإذا انقرض الورثة أجمع (¬1)،صار مرجع ذلك إلى من معهم في الحبس من غير الورثة. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ عن ابن وهب فيمن أوصى في مرضه أن داري حبس على ولدي، وعلى زوجتي ولم يَدَعْ غيرهما فليُخْرَجْ ثلثها يكون حبسا على الفرائض على من سمى من ورثته ومن لم يُسَمَّ، وتكون الثلثان ميراثا، وقاله أصبغ قال: معنى ذلك أن تكون الغلة-يريد غلة بينهما-على الفرائض، ما دام أعيان الولد. يعني أصبغ. قال: فإذا انقرضوا وانقرضت الزوجة؛ رجع ذلك كله إلى ولد الولد. ويريد ابن وهب في المسألة؛ أن قوله: على ولدي. ينصرف إلى ¬
التعقيب؛ فأما: لو أراد بعينه، وعلى زوجته لبطل ذلك، وكانت موروثة كلها، إذا شاءوا. ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن وهب فيمن/ حبس داره على ولده، وعلى فلان أجنبي (¬2) فليُقَسَّمْ على عددهم أجمع فإن كانوا خمسة؛ فللأخ خمسها، وما بقي فعلى أهل الفرائض. قال أصبغ: مثل إذا كان مع الولد ولد. قال ابن وهب فيمن أعتق أمة، ثم تزوجها، ثم حبس على مواليه؛ قال: هي منهم. فإن كان في الصحة فذلك جائز، وقد حبس ابن عمر على امرأته. وإن كان في وصيته فإنها تأخذ (¬3) الثُّمُن، وتقاسم الموالي، فما صار لها معهم دخل معها فيه سائر الورثة على الفرائض. فإن مات أحد من الورثة فورثته في ذلك بمنزلته، حتى تموت هذه، ويرجع كل ما بيد الورثة من ذلك إلى الموالي. قال أصبغ: جيدة (¬4) صحيحة. وأرى أصبغ يعني أنه إن كان الثلث يحملها، فيُنفَدُ، ولا يأخذ منها الثمن، ولكن يُقَسَّمُ على الموالي بالاجتهاد؛ فما نابها؛ كان لها من الثمن إن كان لها ولد. وإن لم يَكُنْ لها ولد فالربع موقوف (¬5)،وما في ذلك للورثة معها. وما ذكر ابن وهب من أخذها للثمن بدءا فلا أدري معناه إلا إن يَكُنْ من غير الدار، ولها ولد. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: إذا حبس على ورثته عند الموت دارا؛ فلمن شاء منهم، أن يبيع. ولا تجوز وصية لوارث إلا بإذن الورثة. قال ابن كنانة: إلا أن يقول: حبس موقوف، لا يباع، ولا يورث. فيكون حبسا موقوفا عليهم على فرائض الله. ومن مات منهم فنصيبه على ورثته على كتاب الله تعالى حبسا. ¬
قال ابن القاسم: وكذلك قال مالك: إن حبسها على ولده/ لا تباع، ولا توهب. وهي تخرج من الثلث؛ فلتُقَسَّمْ على الفرائض، ويدخل معهم باقي ورثته. قال ابن وهب عن مالك، وقاله ابن كنانة: إذا [حبس على ولده ولم يجعل معهم غيرهم. وقال: لا تُباعُ ولا تورث، وهي كذلك لو قال هي] (¬1).حبس عليهم. ولو حبس عليهم وعلى أعقابهم، أو غير أعقابهم؛ ممن لا يرثه في مرضه جاز، وكانت في الثلث. ولو لم يرثه إلا بنوه، فحبس عليهم دارا على سبيل الميراث لا تباع، ولا توهب، ولا تُمْهَرُ، ولا تُغَيَّرُ لئلا يفسدوه. قال: لا يلزمهم، وليصنعوا (¬2) بها ما شاءوا. قال ابن القاسم عن مالك: ولو قال: على ولدي. للزمهم إيقافه؛ قالابن القاسم: لأن من قال: على ولدي. دخل في ذلك ولد ولده. قال ابن القاسم قال مالك: ومن أوصى بمصحف يقرأ فيه ولده، وذوو قرابته فذلك جائز من الثلث، ويوقف يقرأون فيه هم، والناس. قال ابن كنانة: إن حبسه على ورثته؛ فإن رضوا جعلوه عند رجل منهم يقرأون فيه. وإن أبوا جعلوه ميراثا. ومن العتبية (¬3) قال ابن القاسم: قال مالك فيمن حبس دارا، ولم يجعل لها مخرجا؛ فلتُقَسَّمْ على أهل الحاجة، ولا بأس أن يدخل فيها من كان محتاجا من ولده. ومن المجموعة قال ابن القاسم، وعلي بن زياد: قال مالك فيمن حبس دارا على الصغير من ولده، وعلى عقبه في مرضه لا تباع، ولا توهب؛ فلم يُجِزِ الورثة؛ فإن حملها الثلث قُسَّمَتْ بين ورثته على المواريث. فمن مات منهم؛ فورثته في نصيبه يرثونه موقوفا ما دام الصغير حيا. فإذا مات؛ فهي حبس على عقب ¬
الصغير، دون سائر الورثة. وقاله عبد الملك. وقال: فإن بتلها من بعد الابن لأحد كانت له ملكا. وإن كانت/ حبسا فحبس. قال عبد الملك: وإن أوصى به صدقة لابنه، وبني بنيه فإنه يُجعَلُ معهم كواحد منهم؛ فما أصابه، دخل فيه سائر ورثة الميت ما بقي هذا الابن حيا، ثم إن هلك ابن (¬1) غير الموصى له؛ كان ما بيده يدخل فيه ورثته، ويأخذ منه ابنه بالميراث غير الذي بيده، عن جده بالحبس؛ ما دام عمه حيا. فإذا مات (عمه) (¬2)،لم يأخذ أحد من بني الأبناء بمعنى (¬3) الميراث شيئا، ورجعت على الأبناء حبسا؛ يريد عبد الملك: إن وصيته لواحد من ولده، ولجميع ولد ولده. ومن كتاب ابن المواز، وهو لعبد الملك في المجموعة، قال: وإذا حبس على زوجة له؛ فإذا هلكتْ فهو على ذكور بني (¬4) أب، وجدي. وله زوجة أخر، والذين لهم المرجع ولده، ومن يرثه يوم مات فإنه يُقَسَّمُ على جميع ورثته؛ على فرائض الله. فإذا ماتت الزوجة التي حبس عليها قُسَّمَ على ولده، وولد إخوته، فما أصاب ولده؛ دخلت فيه زوجته الحية، وورثته زوجته الميتة بالميراث؛ ما دام أحد من ورثته حيا ممن كان أدخله في حبسه. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا حبس على وارثه وأعقابهم، ولا عقب له يرثه فليُقَسَّمْ على الفرائض. ثم إن جاء عقب؛ قُسَّمَتْ بينه، وبين الوارث [فما أصاب الوارث] (¬5)؛ دخل فيه جميع الورثة. وكذلك إن زاد عقب ثان، أو مات يُؤتَنَفُ القسم على هذا حتى يهلك الوارث، فتُنزَعَ الصدقة من جميع الورثة وتصير إلى من سمى من غيرهم. ومسألة الحبس في المرض، على الولد، وولد الولد أصلها لمالك. ¬
من رواية ابن القاسم، وابن وهب، وهي في رواية/ عيسى بن دينار، ويحيى ابن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية (¬1)،وفي كتاب ابن المواز، ولسحنون في المجموعة، وفي العتبية (¬2) بتفسير بعضه أزيد من بعض قد ذكرنا جميعه ها هنا من هذه الكتب قالوا في روايتهم عن ابن القاسم: وهو معنى قول مالك: إذا حبس حبسا في مرضه، قال في رواية يحيى منزلاً على ولده وولد ولده. قال في رواية يحيى: فإذا انقرضوا فهي في سبيل الله. وله أم، وزوجة، والثلث يحمله، والوُلدُ ثلاثة، ووُلدُ الولد ثلاثة قُسَّمَ الحبس على ستة أسهم. قال سحنون، وابن المواز: إن كانت خالهم واحدة، وإن اختلفت أحوالهم فعلى قدر الحاجة. قال في رواية عيسى: والذكر والأنثى سواء فما صار لولد الولد، أسلم إليهم، وما صار لولد الأعيان؛ أخذت الأم سدسه، والزوجة ثمنه. قال عيسى: وكذلك إن كان معهم غيرهم من أهل السهام؛ فليأخذوا حقهم فيه. قالوا: ويُقَسَّمُ ما بقي بين أعيان الولد إن كانوا ذكورا؛ فبينهم بالسوية وإن اختلفت حاجتهم؛ لأنهم بالميراث أخذوه. وإن كانوا ذكورا وإناثا؛ فللذكر مثل حظ الأنثيين. قالوا: وكل من هلك من أهل السهام؛ فلا يُنْتَقَضُ لموته قَسْمٍ، ويصير ما بيده لورثته بينهم على المواريث موقوفا؛ ما بقي من أعيان الولد أحد. فإذا انقرضوا؛ رجع جميع ذلك إلى ولد الولد. قالوا: ويُؤْتَنَفُ القَسْمُ بحدوث ولد لأحد من الأعيان، أو لأحد من ولد الولد. ¬
قال ابن المواز: وكذلك يُنْتَقَضُ القسم لموت ولد الولد وأما إذا مات واحد من أعيان الولد / (¬1) فقال في كتاب ابن المواز يُنتَقَضُ القسم بموته، ويُؤْتَنَفُ قسم الحبس. وكذلك في رواية يحيى ابن يحيى؛ عن ابن القاسم. وقال ابن القاسم في رواية عيسى، وفيما ذكر سحنون في المجموعة: إذا مات واحد من ولد الأعيان؛ أنه إنما يُقَسَّمُ ما كان أخذ في القسم أولا، وهو سدس الحبس؛ يُؤخَذُ ما بيده، ويُضَمُ إليه ما خرج منه للأم والزوجة؛ وهو ثلث ما بأيديهما، حتى يكمل السدس، فيُقَسَّمُ هذا السدس على ولد الولد، وهم ثلاثة، وعلى ولدي الأعيان الباقيين، وذلك خمسة أسهم، فيأخذ ولد الولد ثلاثة، وما صار لولدي الأعيان. قال في العتبية (¬2): قُسَّمَ عليهما، وعلى ورثة الهالك على الفرائض؛ تأخذ فيه الأم والزوجة سهامهما. وقال سحنون في المجموعة: فما صار لولدي الأعيان، ضم إليه السدسان اللذان كانا بأيديهما، بعد أن يرد ما بيد الأم والزوجة من ذلك. فيُجمَعُ ذلك كله، ثم يُخَرج منه ثمنه للزوجة، وسدسه للأم، ويُقَسَّمُ الباقي على ثلاثة؛ سهمان لولدي الأعيان الحيين، وسهم لورثة الميت من ولد الأعيان يكون بيد ورثته على الفرائض. قال سحنون: وإنما هذا في الثمار، وشبهها من الغلات؛ يُقَسَّمُ عند كل غلة، على من وجد يومئذ حيا، من ولده لصلبه، وولد ولده، ثم يُجمَعُ حق الولد للصلب، فيُقَسَّمُ على أهل الفرائض. فأما ما يُسْكَنُ من الدور، أو يزرع من الأرضيين؛ فلابد من نقض القسم، في جميع الحبس؛ فيُقَسَّمُ على ما بقي من ولد الأعيان، وولد الولد. فما صار لولد الولد، أخذوه. وما صار للأعيان، دخل فيه/ أهل الفرائض، وكذلك كل ما يحدث من ولد الولد، فهو بمنزلة موت أحد ولد الولد يُعادُ القَسْمُ، ويُؤتنَفُ. ¬
وكذلك إن شرط في حبسه؛ ليس لمتزوجة حق (¬1)؛ إلا أن تردها رادة من موت: أو أطلاق. فهذه عند تزويجها، يُنقَصُ القسم. وإذا رجعت ببعض القسم أيضا، فيُعادُ على الولد، وولد الولد؛ إلا المتزوجة، فما صار لأعيان الولد، دخلت فيه المتزوجة بالميراث، وجميع أهل السهام. فإن ردتها رادة أعيد القسم، فما صار للأعيان، دخل فيه أهل الفرائض. وكذلك من تزوج من بنات الأبناء سقط حقها، وأعيد القسم. وإذا رجعت أعيد القسم أيضا، وكذلك (¬2) كل ما ذُكِرَ في المتزوجة، والمردودة التي فيها الشرط، فقد ذكر مثله يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ولم يذكرْ غلة، ولا سكنى. وكذلك في كتاب ابن المواز قال سحنون: وإن كان الحبس على قوم مُسمَّين من الولد، وولد الولد، موقوفا لا بيع فيه جاز، إذا انقرض ولد الولد، وبقي الولد، فإن كان الحبس شيئا يسكنونه، أو عبدا يخدمهم؛ مما لا يُقَسَّمُ؛ فليدخُلْ فيه جميع الورثة. فإن كان ذلك غلة تُقَسَّمُ، أو خراج عبيد، قُسَّمَ؛ فما ناب الولد؛ دخل فيه جميع الورثة. وما صار لولد الولد؛ فهو لهم. فإن انقرضوا، وبقي الولد، رجع ذلك إليهم فلا تدخل فيه الورثة؛ لأن ذلك إنما رجع إليهم بمعنى الولاية؛ لا بوصية الميت. قال في العتبية (¬3) في رواية عيسى: ويعطى ما صار للولد الميت من ولد الأعيان لورثته على الفرائض؛ تدخل فيه امرأته، وأخته، /وأمه [فيكون بأيديهم] (¬4) ما بقي أحد من ولد الأعيان [فيأخذ ولده فيهم سهم] (¬5) بالميراث عنه، غير السهم الذي أخذه بمعنى الحبس. قالوا كلهم، وكل من مات من ورثة المحبس، من ¬
غير أعيان الولد، أو أحد من ورثة الذي مات من الأعيان، (ممن) يرثه، أو ورثه ورثتهم. قالوا: بسهمه بين من يرثه من جميع ورثته؛ على الفرائض. قال في رواية عيسى: وإن مات واحد من ولد الولد؛ لم يأخذ ورثته سهمه لأنه بمعنى الحبس. ولكن يُقَسَّمُ سهمه على خمسة إن كان أعيان الولد أحياء، فسهمان لولدي الولد يأخذانهما، وما صار لولد الأعيان الثلاثة دخلت فيه الأم والزوجة هما أو ورثتهما؛ إن ماتتا فيكون ذلك، على مواريثهم. وقال سحنون: إن مات ولد الولد، أو أحد منهم؛ فإنما يرجع إلى ولد الأعيان من ذلك، مع ما كان في أيديهم. قال في كتاب ابن عبدوس: تدخل فيه الأم والزوجة، وكل من ورث المحبس؛ لأن ما رجع إلى ولد الأعيان من نصيب ولد الولد؛ إنما يرجع بسبب الوصية، لا بالولاية؛ لأنه على مجهول من يأتي. قال: وهذا قول أكثر الرواة. وقال سحنون في العتبية (¬1): إذا انقرض ولد الولد رجع ما كان [بأيديهم إلى أقرب الناس] (¬2) بالمحبس، وهم ولد الأعيان. ولا تدخل فيه الأم والزوجة لأن وصية الميت قد نُفَّذَتْ أولا، [وارتفعت التهمة].يريد: وإنما رجع هذا إليه بالولاية. قال: [وقد قيل إن ما دار إلى] ولد الأعيان من ولد الولد حتى انقرضوا [وما دار إليهم] من واحد منهم؛ إن /زوجة الميت اللأول، وأمه تدخلان فيه، وهو الذي ذكر عنه ابن عبدوس. وقاله ابن القاسم؛ في رواية عيسى، ويحيى. قال ابن القاسم في العتبية (¬3) من رواية عيسى، وفي كتاب ابن المواز: كل ما ولد لولد الولد، أو لولد الأعيان فإن القسمة تُنتَقَضُ، ويُقَسَّمُ على ولد الولد، وولد الأعيان. وإن كان ولد الولد عشرة، ولم يبق من الأعيان إلا واحد، قُسَّمَ على أحد ¬
عشر. قال في رواية عيسى: ولا تُنتقَضُ لموت من مات من الأعيان ولا من ولد الولد، ولكن يُقَسَّمُ ما كان أصابه خاصة. قال سحنون في العتبية: وإذا انقرض ولد الولد، وصار ما بأيديهم لولد الأعيان، ثم مات واحد منهم فلتأخذ الأم والزوجة ميراثها مما في يديه من السدس الذي أخذ أولا، لا مما صار إليه عن ولد الولد. فما بقي قُسَّمَ بين ولدي الأعيان. وقال أبو محمد: ينبغي أن يكون-والله أعلم- أن ما أخذ أولا، وهو السدس بالميراث، فعند الأم سدسه، وعند الزوجة ثمنه، فلا يرد من عندها لانقراض ولد الولد الذين لهم في ذلك حجة، ولكن يُقَسَّمُ ما بيده من بقية ذلك السدس، على ورثته لأمه [السدس]،وزوجته حقها الربع، [ولبقية] ورثته ما بقي. فإن كان أخواه هذان، فهو لهما [وأما ما بيده عن] ولد الولد، وهو سدس [ثان فهو على سبيل] الأحباس عنده. في رواية العتبي لا شيء لورثته فيه، ويُرَدُّ إلى أولى الناس بالمحبس. [وهما أخوا] هذا الميت بينهما نصفين. قال سحنون: وكذلك إن مات /ولد ثان من الأعيان قال هو، وغيره من جميع من ذكرناه، في هذه الدواوين: وكل من بيده شيء من ذلك بسبيل الميراث؛ فهو إن مات يكون بين ورثته. وكذلك إن مات وارثه صار لمن يرثه. هكذا حتى يموت آخر ميت من ولد الأعيان، فيُؤخذَ كلُ ما بيده، وما بيد كل من بيده من ذلك شيء بمعنى الميراث، ويرجع له حكم الأحباس. فإن كان أحد من ولد الولد حيا، أو أولادهم؛ أخذوه كله، وإلا صار لمن هو أولى الناس بالمحبس حبساً. ومن رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: قد قدمنا كثيرا منها، وذُكِرَ فيها انتقاض القسم بموت من يموت من ولد الأعيان، وبحدوث ولد. وقال في موت واحد من ولد الولد: يرجع حقه على من بقي منهم، ومن أهل الحبس معهم. [فإذا انقرض كل من حُبَّسَتْ عليه رجعتْ إلى ما جعلها من السبيل. ولم يُبَيَّنْ فيه بموته
نقض القَسْمٍ] (¬1) وهو يُحْتَمَلُ. وإنما يختلف عندي نقض القسم، وغير نقضه، في موت أحد من ولد الأعيان. فأما في موت ولد الولد فلا يختلف نقضه، من غير نقضه؛ في قول من يرى أن لا تدخل الزوجة والأم فيما يرجع إلى ولد الأعيان؛ من حظ ولد الولد بموته. وفي رواية يحيى هذه؛ أنه تدخل فيه الأم والزوجة. وذكر يحيى عن ابن القاسم ومثله (¬2) في كتاب ابن المواز: إنما يشترط في (¬3) في كتاب ابن المواز: إنما يشترط في (¬4) ابنة له من ولده، إن تزوجت فلا حق لها إلا أن تردها رادة. إنها إن تزوجت انتقض القسم، ولا يُقَسَّمُ لها في قسم الحبس بشيء، /ولكن ما صار للأعيان منه، دخلت فيه بمعنى الميراث، ثم إذا رجعت انتقض القسم، وقُسِمَ لها قي أصل الحبس، كنصيب الذكر؛ إن كان حالهم سواء، مع ولد الولد؛ على عددهم، فما ناب ولد الأعيان؛ دخلت فيه الأم والزوجة، وقُسَّمَ ما بقي على الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين، ويُنْتَقَضُ القسم أيضا بتزويج واحدة من بنات الولد، ويُنْتَقَضُ برجوعها؛ إذا تأيمت. وما نابها مع ولد الولد، لا يدخل يه عليهم أحد. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس مائة دينار على وارث، ثم على رجل من بعده، والثلث يحملها؛ قال: يُقَسَّمُ بين الورثة على الميراث، فينتفعون بها ما دام المحبس عليه من الورثة حيا (¬5).فإذا مات خَلُصَتْ كلها للأجنبي [الذي حبسها عليه بعد الوارث، فإذا مات رجعت ميراثا هي من ورث الميت المحبس، قال: ولا ترجع حبسا، وإنما] (¬6) ترجع حبسا لو كانت دارا أو عبدا. وقد قال مالك: من حبس مائة دينار على رجل، فنقصت عنده؛ قال: يضمن ما نقصت ويضمنها إن ضاعت عنده. ¬
في الرجوع في الحبس وهل يباع؟ وكيف إن خرب الربع أو تغير حاله؟
قال ابن حبيب قال مطرف قال مالك: ومن حبس على جميع ورثته حبسا عند الموت لم يجعل له مرجعا إلى سواهم فذلك باطل، وذلك موروث. وإن جعل له مرجعا إلى أحد بعد انقراضهم ذلك نافذ. [وذكر أصبغ مثله. وذُكِرَ عن ابن القاسم وابن وهب عن محمد مثله] (¬1) وإذا حبس على ولده؛ فإن لم يُعْرَفْ أنه أراد به الولد-يريد بعينه-دخل فيه ولد الولد، وكان حبسا. ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم /ومن حبس على امرأته حياتها، فلم يُجِزْه الورثة؛ فإنه يرجع ذلك ميراثا إن شاءوا باعوا، أو أمسكوا. قال ابن القاسم: وإن قال: داري حبس على امرأتي ما عاشت، وباقي ثلثي لفلان، والدار هي الثلث. فإن سلم لها الورثة ذلك؛ لم يَكُنْ للموصى له بباقي الثلث شيء، حتى تموت المرأة، فيأخذ هو الدار. وإن لم يرضوا دخلوا معها في الدار بالميراث، يسكنون معها حتى تموت، فترجع إلى الأجنبي. في الرجوع في الحبس وهل يُباعُ؟ وكيف إن خرب الربع أو تغير حاله أو خلق الثوب أو كلب الفرس أو فسد العبد أو قتله رجل؟ وهل يباع الحيوان الحبس؟ وحُبُسُ المشاع هل يباع؟ وحبس المديان وهل يُزادُ في المسجد من الأحباس، أو من دور الناس بالثمن؟ وفيه غير ذلك من غير كتاب قال مالك: لا يباع الحبس وإن خرب، ولا يرجع فيه. وبقاء أحباس السلف دائرة دليل على منع ذلك. ومن كتاب ابن المواز وغيره قال مالك في نخل حُبِسَتْ ثمارها (¬3) فردمتها الرمال. حتى بطلت كراء بيعها، وغُلِبَ عليها، وفي مائها فضل هل تُباعُ؟ قال: لا يباع فضله، وليدعها بحالها وإن غلب عليها الرمال. ¬
وذكر ابن وهب في موطئه أن ربيعة أرخص في بيع ربع دثر وتعطل، أن يباع، ويُعارض به في ربع نحوه، في عمارة تكون حبسا. وقال ابن القاسم عن مالك: لا يباع الحبس من الدور، وغيرها؛ وإن خرجتْ، وصارت عرصة، ولقد/ كان البيع أمثل. قال مالك: ومن باع حبسا فُسِخَ بيعه، إلا أن يغلُبَ على بيعه السلطان، فأدخله في موضع، ودفع إليهم ثمنا، فليشتروا به داراً مكانها، من غير أن يُقْضىَ به عليهم. وكذلك إن باعها، فأدخِلَتْ في المسجد. وقاله ابن القاسم. وقال عبد الملك: يُقْضَى عليه أن يشتري بثمنها مثلها. وإما أن استحق الحبس، أو الصدفة، فأخذ فيه ثمن، فليصنع به المحبس أو المتصدق ما شاء. وقال ابن القاسم، وأشهب: وهو قول مالك. ومن المجموعة، ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز؛ عن دار حبس على قوم، فخربت، فأرادوا بيعها ليشتروا بثمنها دونها، تكون حبسا؛ أن ذلك لا يجوز. وأما الفرس يُكَلَبُ، أو يُخبَتُ؛ فليبع، ويُشتَرَى بثمنه فرس يُحَبَّسُ مكانه (¬2).ومن العتبية (¬3) ابن القاسم: قال مالك في دار حُبَّست على قوم، فباعوها، وأدخلت في المسجد، قال: فليشتر (¬4) بثمنها دارا تكون في صدقة أبيهم. قيل: أيقضى بذلك عليهم؟ قال: لا. وأرى لهم أن يفعلوا. قال سحنون: لم يُجِزْ أصحابنا بيع الحبس بحال، إلا دارا بجوار مسجد احتيج أن تُصافَ إليه ليُوَسَّعَ بها، فأجازوا ذلك، ويُشتَرَى بثمنها دار تكون ¬
حبسا. وقد أدخل في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - دور كانت (¬1) حبسا؛ وكانت تليه. وقال أصبغ في قيم المسجد الجامع: احْتسبَ فيجمع مالاً ليُشتَرَى به عبد يسقي الماء في المسجد الجامع للناس ففعل ذلك، واشتراه، وكان يستقي (¬2) الماء،/ ويخدم فيه، ثم تعاطى، وتخلف، وأبى من الاستقاء، والخدمة. هل للقيم بيعه، وشراء آخر يقوم مقامه؟ قال: ذلك جائز إذا كان ذلك على النظر والاجتهاد (¬3). ومن المجموعة قال مالك في الفرس الحبس، يضعف؛ فلا تبقى فيه قوة للغزو (¬4): فلا بأس ببيعه، ويُجعَلُ ثمنه في آخر. قال ابن القاسم: فإن لم يُبَعْ شورك (به) (¬5) فيه. والثياب تباع إن لم تبق فيها منفعة، بيعت، واشتري بثمنها ما يُنتَفَعُ به. فإن لم يَكُنْ تُصُدَّقَ به في السبيل. قال غيره: لا يباع العبد، والثياب التي الله، كالرباع يباع. ومن كتاب ابن المواز قال: يعني مالكا، وما خرب من الحبس، فأراد صاحبه بيعه والاتخاذ بثمنه ما هو أفضل منه. أو انتقل أهل تلك الناحية، وبطل الموضع، فأراد صاحبه، أو من هو بيده بحبس، أو بحوز، أو ولاية بيعه، والاشتراء بثمنه في موضع عامر؛ يكون حبسا. قال: لا يجوز ذلك في الرباع بحال (¬6)، وإن ذهب به الزمان والقدر. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن تصدق على قوم بعبد صدقة محرمة- يريد حبسا- فكري (¬7) الغلام، أو كثُرَتْ سرقته وإباقه؛ فأرادوا بيعه، والشراء بثمنه من يكون مقامه. قال: لا يجوز ذلك، لو كان هذا بطلت ¬
الأحباس، إلا أن يشترط من حبسه أنه إن كري أو أحدث حدثا، أن يباع، ويُشترَى غيره. وإلا فلا، وكذلك البعير، أو الفرس، أو التيس يحبسه للضراب، يكون حبسا صدقة، فيكبر البعير أو التيس، وينقطع منه الضراب؛ / فلا أرى أن يباعا، إلا أن يكون اشترط ذلك في أصل الحبس. ونحوه عن ابن الماجشون في المجموعة. قال عنه فيها: وإن شرط إن هرم، أو فسد بيع، واشترى غيره؛ فذلك جائز ولا أحسبه يجوز إن لم يشترط. قال ابن الماجشون: ولو حبس إبلا، أو غنما، فأنسلت الذكور من التيوس أكثر نسلها. قال: لا تباع. قال: ولو صارت ضرورة، فكثر ما يُنْفَقُ في رعايتها، ومؤنتها؛ فلا تباع عندي إذا كانت لا تصر بغيرها من الصدقة، وهو كالربع الخرب الذي لو بيع بعضه؛ لأصلح به باقيه. ولكن لا ينبغي أن يباع. وما أعطاه الإمام ثمنه، وأدخله في المسجد الجامع، أو في طريق، أو نحوه من نفع عامة المسلمين؛ فإن ثمنه يُرَدُّ في مثله حبسا. وأما من اشترى دارا فحبسها (¬1)، فاستُحِقَّتْ؛ فإن ما يرجع به من الثمن، يكون له، لا حبس فيه لأنه لم يحبس الثمن، إنما حبس شيئا بعينه، فاستُحِقَّ، ولم يكن الثمن ثمنا للدار إلا بسبب حبسها بعينها، ولو أوجب التحبيس في مال ناض، فأوقفه إلى أن يشتري به أصلا محبسا، فذلك جائز إذا اشترط فيه ذلك، وجعلها بيد غيره. قال: وفيها الزكاة- يريد منها- إذا أتى لها حول. قال: ومن حبس عبدا للمسجد؛ يسقي فيه، أو فرسا في السبيل، فيُقتَلاَن. قال: فليحارب بأثمانهما مثلهما في ذلك الحبس. وقال في مال العبد الحبس: إذا مات يُحبَسُ به في ذلك لأنه خلده، ولم يُحبَّسْه على رجل بعينه. ولو حبسه على رجل حياة العبد،/ فمات العبد لرجع ماله إلى سيده. ¬
قال: ولو أن حبسا أفْسِدَ، أو عبدا محبسا قُتِلَ، فلم يُدرِكْ على من ضمنه إلا شيء تافه؛ فإن يئس من المزيد فيه أجري مجرى الغلة، فيوكل، ويُقَسَّمُ. فإن كان في ذمته رجاء أوقف لما يُرجَى مما يوجد مكانه، فيشترى به حبس. قال ابن كنانة: من حبس حائطا على ولده، ثم هو في سبيل الله، وفي الحائط رقيق حبسهم لعمل الحائط، فتوالدوا، وكثروا حتى لا يحتاج إليهم في عمله، فليس لأهل الحبس بيعهم ليشتروا بثمنهم حائطا آخر مزيدا في الحبس. فليس ذلك لهم، وليخارجوهم، ولا يباع منهم أحد. ومن هرم منهم، حتى لا تكون فيه منفعة، وتكون نفقته على أهل الصدقة. فلو أعتق هذا عن المتصدق، كان حبسا (¬1). وقال: لو اشترى شقصا من عبده، فجعله في الحائط الحبس بسبيل رقيقه، ثم وجد من يعطيه بالشقص عبدا تاما، وهو أعظم غنى (¬2) من الشقص فلا يجوز له ذلك، وهذا من بيع الحبس فلا يباع من رقيق الحائط شيء، بمنزلة ما هرم من مات بعض رقيقه، وهي لا تعمل فيه شيئا فلا يصلح أن تباع، ويشترى بثمنها من يصلح لخدمة الحائط. ومن المجموعة قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن صدقة النبي- عليه السلام- ينزع النخل ويجعل مكانها موزا؟ فكره ذلك، وقال: هو يضر بالنخل. ومنه ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم /فيمن حبس عذقين (¬4) على مسجد، في مصابحه، ومرمته. قال في العتبية: في مصابحه ومرمته والمسجد ودار من دور الأنصار، فانقرض أهل تلك الدار، وسكنها ¬
غيرهم، فقاموا في ذلك، وبقي من الأولين رجل، فكان يأخذ تمرهما أترى أنه أولى به؟ قال: فليس ذلك (له) (¬1) وهما على ما جعلهما ربهما من وقيد المسجد ومرمته. قال ابن كنانة: ولا يُنْقَصُ بنيان الحبس ويبنون فيه حوانيتا للغلة، وهو ذريعة إلى تغيير الحبس. ومن كسر حبسا من أهل الحبس، أو من غيره، فعليه أن يرد البنيان كما كان خوفا أن تُؤْخَذَ منه القيمة فتتحول الدار عما كان حبسها عليه. ولا ينبغي أن تُنْقَضَ مساكنها وإن رضي بذلك أهل الحبس، ولا بأس أن يصلحوها إذا خربت. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حبس قلوصا في سبيل الله، فلم يجد من يخرج به حتى جاءت الصدقة، فتصدق به على أيتام؛ قال: بئسما ما صنع، ويَمْضِي ذلك لهم. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: قال مالك في الفرس المحبس، أو العبد المحبس على المسجد في خدمته، وشبه ذلك؛ إذا قتله رجل تعديا، فيشترى بقيمته مثله، يكون مكانه. ولو أحدث العبد فسادا او إباقا أو خبث الفرس، أو هرم؛ فلا بأس أن يباع ويشترى بثمنه من يكون مقامه. وكذلك الغنم المحبسة؛ يصير فيها تيوس لا قيمة فيها؛ فلا بأس أن تباع ويشترى بثمنها غنم تكون مكانها. قال ابن الماجشون فيه ونحوه/ في المجموعة عنه: ولا بأس أ، يستثني ذلك المحبس في كتاب حبسه في الرقيق أن يباع ما خبث منها وفسد، ويجعل ثمنها في مثلها. ولا أرى أن يستثني ذلك في الدار أن يقول: إن وجدوا ثمنا رغيبا، فلتبع (¬2)، ويتر بثمنها دارا، وكذلك الأصول. ولأنه لا يقع من العدد في بيعه، وتغييره ما ¬
يقع في الرقيق والحيوان؛ فإن استثناه في حبسه، جاز، ومضى. وكذلك إن قال: إن احتاجوا باعوا، أو هي لآخرهم ملكا، ولا بأس باستثناء هذا. قاله مالك. قال ابن حبيب: قال مالك في الدور التي كانت حول مسجد النبي- عليه السلام- محبسة، فلما زيد في المسجد، أدخلت فيه، واشتُرِيَتْ لذلك. قال: فلا بأس بهذا للمسجد ولطريق المسلمين؛ فيوسعوه بذلك فيها، وهو نفع عام للمسلمين، ونفع ذلك أعم من نفع الدار المحبسة. وقاله غير مالك، ممن قبله. قال ابن الماجشون: وكذلك عندي في مثل جوامع الأمصار، فأما مساجد القبائل فلا، وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ. قال لي إبراهيم بن المنذر: أول من زاد في مسجد النبي- عليه السلام- في قبلته، ومن ناحية دار مَرْ وإن عمر. وزاد في المسجد الحرام، فعل ذلك فيهما، وأدخل في ذلك دورا محبسة، وغير محبسة، ودفع أثمانها إلى أهلها، ثم زاد عثمان فيهما قبلة، وفعل كما فعل عمر، فأبوا من أخذ الأثمان، وصاحوا، فأوقفها لهم، وأمر بحبسهم، واحتج بفعل عمر. وأمر الوليد عمر بن عبد العزيز أن يفعل مثل ذلك في مسجد الرسول- عليه السلام- وأعطاهم/ الأثمان في دور محبسة وغيرها، فاشتروا بأثمان المحبسة دورا جُعِلَتْ مكان الأخرى. قال: وأخبرني الحزامي عن الواقدي، عن خالد بن أبي بكر قال: رأيت سالم بن عبد الله يبيع العبد من صدقة عمر، ويشتري به غيره؛ إذا رأى ذلك خيراً للصدقة. وفعله علي بن حسين في صدقة علي. قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن حبس على ولده الصغار، أو الكبار، أو على قوم بأعيانهم، ثم من بعدهم على المساكين، ثم تعدى فيه، فباعه مُغَافَصَةً (¬1) (لهم) (¬2)، أو بعد طول زمان إن البيع منقوض، ويرد الحبس على ما كان، ولا يُنظَرُ ¬
إلى بوئرها (¬1)، ولا في قبضه لأنها بعدهم على المساكين. وإن أعدم، في الثمن أتبع به، بخلاف الصدقة غير المحبسة يتصدق بها على رجل، ثم يبيعها. فإن كان مغافصة للمعطى قبل علمه أو بعد علمه فيما لا يمكنه فيه القبض فإن بيعه مردود. وإن كان بيعه بعد علمه، وإمكانه للقبض، والقيام؛ فالبيع ماض، والثمن للمتصدق عليه. قال ابن حبيب قال مطرف فيمن حبس حبسا على المساكين، فرفع ذلك إلى قاض، فجهل، فباعه، وفرق (¬2) ثمنه على المساكين، ثم رفع إلى غيره، قال: فليُفسَخِ البيع ويُرَدُّ المنزل حبسا، ولا يضمن القاضي الثمن. فإن خطأ الإمام في الأموال هدر، وليُدْفَعِ الثمن إلى المشتري من غلة الحبس. قال: ومن بنى مسجدا في قرية، وصلي فيه نحو عامين، ثم باعه، أو تصدق به على من هدمه، وبناه دارا فليُفْسَخْ ذلك، ويُرَدُّ إلى ما كان من الحبس؛ لأن المسجد لله لا يباع، ولا يُغَيَّرُ وللباني فيه إن شاء هدم (¬3) بناءه/ وإن شاء تركه، واحتسب. فإن احتسب (¬4) أجنبي، فأعطاه قيمته منقوضا ليُبْقِيِه حبسا؛ خُيَّرَ (¬5) الباني على تركه، وأخذ القيمة، إذا كان يصلح أن يُفْرَدَ (¬6) به للمسجد. وإن كان لابد من هدمه لم يجبر، وأما النقض الأول، فيلزم هادمه قيمته قائما، ثم يبنى بتلك القيمة. قال ابن الماجشون: ومن حبس شقصا شائعا من دار، أو حائط، وبعض الشركاء غائب، وطلب من حضر منهم القسم، أو البيع؛ فليَكتُبِ القاضي إلى الغائب؛ ليوكل. وإن بعد، قاسم عليه من حضر، فما وقع للمحبس، كان حبسا، وما كان لا ينقسم، بيع، فما وقع للمحبس اشتري به مثل ذلك يكون حبسا. ¬
قال ابن الماجشون في أرض محبسة لدفن الموتى، فضاقت بأهلها، فملأوها، ويدفنون في غيرها؛ فلا يُدْفَنُ فيها إلا الفاد وبجانبها مسجد ضاق بأهله، فأرادوا أن يوسعوا فيه منها؛ فذلك جائز؛ وذلك حُبُسُ كله، لا بأس أن يُصْرَفَ بعضه في بعض. قال أصبغ عن ابن القاسم في مقبرة عفت: لا بأس أن يبنى فيها مسجد، وكل ما كان لله، فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض. ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: ومن أسكن رجلا، وعقبه ما عاشوا بيتا، وما عمروا فيه؛ فهو لهم. ثم أراد أن يرجع في ذلك، فليس له أن يرجع فيه، وهو لم يأخذ على ذلك عوضا. ومن العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك في بقرات محبسة، يُقَسَّمُ ألبانهن/ في المساكين، فتوالدت؛ قال: ما ولدت من الإناث، فهن كسبيلها، وما ولدت من الذكور، فلضرابها، إلا أن تكثر، فيباع من الذكور ما فضل عن [نزوها] (¬3)، واشتري بالثمن إناث؛ يكون مقامها. وما كبر من الإناث حتى انقطع منها اللبن، فلتُبَعْ كالذكور، [ويرد] ذلك في إناث، تكون معها، وفي علوفتها. قال: ومن حبس دارا في مرضه على قوم، وجعلها بعدهم في سبيل الله، ثم أراد في مرضه أن يُغَيَّرَ ذلك، فذلك له. قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم فيمن حبس فرسا في سبيل الله، فحمل عليه رجلا، فغزا عليه، فجعل الإمام لمن عُقِرَ فرسه أن يعطيه مكانه آخر، فعقر الفرس المحبس تحت الرجل، [فأعطاه] الإمام فرسا قال: أرى أن يكون حبسا كالأول، ولا أعلم إلا أن ابن نافع قال مثله. ¬
قال ابن القاسم: ولو لم يُحَبَّسْه، إلا أنه حمله عليه؛ يغزو عليه، ويُرَدُّه إليه؛ لكان يجب أن يرجع الفرس الذي عوض مكانه إلى ربه، إذا رجع من غزاته. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب، فيمن أوصى بمائة دينار تُنفَقُ في داره التي في سبيل الله، فاستُحِقَّتِ الدار قال: يُرَدُّ جميعها إلى الورثة. قيل: فإن أنفقَتْ، أو بعضها فيها قبل [أن] تستحق. قال: ترجع إلى الورثة أيضا. انظر لعله يريد بما يُؤْخَذُ من المستحق في قيمة البناء. قال سحنون فيمن حبس دارا، وعليه دين قبل الحبس (¬1)، واستحدث دينا بعد الحبس، فقام أهل الدين كلهم؛ قال: قد قيل: يباع/ منها للدين الأول، فما بيع لهم، دخل معهم فيه أهل الدين الآخر، ثم لا يباع منها غير ذلك. وقد قيل: إذا دخل معهم الآخرون، بيع للأولين بقدر ما انتقصوهم، ثم يدخل عليهم الآخرون هكذا أبدا حتى يستوفوا، ويُفَرَّغُ الحبسُ. وكذلك لأصحابنا قولان في العتق، وهذا مثله وقد ذكرنا هذا، ونحوه في المدبر. والقول الآخر قول أشهب، وقد ذكرنا في باب قسمة الحبس بين أهله مناقلة الحبس بالحبس. فيمن حبس حبسا على قوم ثم أراد أن يبتله لهم أو لمن بقي منهم أو عتق عبد من الحبس من العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم: وعنمن حبس أمه حبسا صدقة على أمه وأخته لا تباع ولا توهب، ولا تُورَثُ، وأيهما ماتت؛ فهي على الآخرة منهما. فماتت أخته، فأراد أن يبتلها لأمه تبيع، وتصنع بها ما شاءت. قال: ذلك له بعد أن فكر مليا، كأنه لم يرها كالدور. ¬
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: كأنه رآه من ناحية البر. وإن ذلك لا يجوز في الرباع، ويجوز في الحيوان. قاله في العتبية (¬1). قال ابن القاسم: وليس له أن يفعل ذلك في الدور، إلا أن يكون شرط أن مرجعها إليه، فذلك له (¬2) أن يفعل مثل هذا، أو يجعلها في غيرهما بعدهما. وروى أشهب عن مالك فيمن أعمر أمه عبدين حياتها، إن مات قبلها. وإن ماتت قبله/ فهما عليه رد، ثم حضرته الوفاة قبلها، فأعتق أحدهما؛ فليس ذلك بجائز، إلا أن ترضى أمه بذلك، فيجوز. ولا قول لورثته. وإن لم تُجِزْه؛ فإنه إذا ماتت أمه أعْتِقَ، وكانت تلك البقية في ثلثه. قال أصبغ عن ابن وهب فيمن حبس داره على رجل، وقال: لا تباع، ولا تُوهَب. ثم بدا له أن يبْتُلَها له، وقال: هي عليك صدقة. قال: فهي له، يصنع بها ما شاء. وسواء قال في حبسه: هي حبس عليك حياتك. أو لم يَقُلْ. قال أصبغ: لا أرى ذلك. وهي كالحبس المؤبد بعد موته، وهي حبس أبدا. قال ابن وهب: ولو قال: هي حبس عليك، وعلى عقبك. فليس له أن يَبْتلَها له، لأنه أشرك معه غيره. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة، وقد تقدمت في باب آخر. قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال لرجلين في عبد: هو حبس عليكما، وهو للآخر منكما. فإنه يكون للآخر ملكا. قال أبو محمد: إلا أن يكون ابنا. قال: وهو للآخر منكما. بعد أن ثبت قوله الأول؛ فلا يكون للثاني إلا حبسا. وأكثر معاني هذا الباب مذكور في باب بعد هذا في حبس العبيد، والحيوان. ¬
في شراء مرجع الحبس أو العمرى وشراء المعطي أو المعطى
في شراء مرجع الحبس أو العُمْرَى وشراء المُعطي أو المُعطَى وفيمن أعمر رجلا دارا ثم هي لآخر فهدمها رجل لمن تكون القيمة؟ من العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم: وقال فيمن حبس داره على ولد له، وابن أخ له حياتهما: إنه يجوز للمحبس أن يشتري/ من ابن أخيه مرجع ذلك لأنه عُمْرَى. وقال فيمن اشترى من متاع البيت مثل مهراس، أو طسْتٍ، وغيره، وجعله لزوجته حياتهما تستمتع به. ثم طلقها، وخاف أن تُبَدَّلَه؛ فإن له أن يشتري منها مرجعه، أو تشتريه هي منه. قيل: فإن أبت فلي أن أزنه عليها؟ قال: الوزن يختلف لأنه ينقص. ولكن اكتُبْ صفته، وأشْهِدْ على معرفته، وانفش فيه إن شئت. وقال فيمن حبس على أمه وصيفة حياتها، وحازتها، فمات الابن، وعليه دين، للأم شراء مرجع الوصيفة لتملكها بَتْلاً فلا يجوز هذا ويبقى حتى تموت الأم، فيتحاص فيها الغرماء. قال: ومن حبس داره على أقارب له اثنتي عشرة سنة، ثم مات بعد شهرين، فطلب رجل شراء مرجعها من الورثة؛ فلا يعجبني، قد تنهدم الدار، واثنتا عشرة سنة كثيرة. ولو كانت شيئا يسيرا جاز. قيل: قد يكتري دارا اثنتي عشرة سنة؟ قال: قد يُستأجرُ العبد سنة، ولا يصلح أن يُشْتَرَى مرجعه بعد سنة. قيل: فإن اشتري مرجعها، ولم يُنْفَدْ؟ قال: سواء نُفِدَ أو لم يُنْفَدْ. ¬
قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أسكن رجلا دارا عشر سنين (¬1)، والمرجع إليه؛ فلا يجوز له بيع مرجعها؛ إذ لا يدري كيف ترجع. وأما الأرض المزورعة فلا بأس بذلك، أو سكنى قرية مأمونة فذلك جائز. قال عنه عيسى، وأصبغ فيمن أعمر رجلا دارا، ثم هي لولده من بعده فلا يجوز أن يشتري المعطي مرجعها من المُعْمَر؛ لأنها لولده. وليسوا بأعيانهم، ولا يُعْرَفُ عددهم، ولا يجوز للمعمر أن يشتريها من المعطي ليملك/ أصلها. وأما إن لم يَكُنْ لولده من بعده؛ فلا بأس أن يشتريها. وقاله أصبغ. ومكروه ذلك أنها إجارة مجهولة وغرر إذا كانت لولده من بعده. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال: داري لفلان يسكنها، ولفلان يستغلها، ولفلان رقبتها. فتعدى رجل على بيت من الدار، فهدمها قال: فهذا يغرم قيمة بنيانه ذلك البيت. ولا يكون لصاحب الرقبة حتى يموت صاحب السكنى، وصاحب الغلة، فترجع الدار للثالث، فإن انهدمت الدار، وأراد صاحب السكنى وصاحب الغلة أن بينوا بنوا، ثم لهم السكنى، والغلة، كما كانت، ويكون لهم ما أنفقوا على الذي تصير إليه الرقبة. وإن أبيا من البناء قيل لصاحب مرجع الرقبة: ابْنِ. فإذا بنى، فله أن يستوفي من غلتها قيمة ما في معنى قوله. فإذا استوفى؛ كانت الدار لهذين، حتى يموت، فترجع الدار إلى الذي إليه مرجع الرقبة. ولو مات صاحب الغلة، رجع نصيبه إلى صاحب الرقبة. وكذلك إن كانت في وصية، وهي بدل الثلث؛ فإن نصيب من مات من هذين يرجع إلى صاحب المرجع لأنه بمنزلة ربها. وفي كتاب الصدقة باب في شراء مرجع العمرى. ¬
في الحبس يزاد فيه أو يعمر من غلته وكراء الحبس السنين الكثيرة
في الحبس يُزادُ فيه أو يُعْمَرُ من غلته وكراء الحبس السنين الكثيرة من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في الحائط الحبس يفضل من غلته أيزاد بها فيه؟ قال: لا يُزادُ فيه إلا اليسير/ التافه، أو النخلة تموت، فيُجعَلُ مكانها أخرى. فأما أن يحدث حائطا من النفقة فلا. قال ابن كنانة: فالدار الحبس تخرب أنها تٌصْلَحُ من فضل الكراء. وأعرف في غير المجموعة إذا احتاج الحبس إلى إصلاح لابد منه؛ أنه يبدأ بإصلاحه من كرائه. ومن المجموعة قال ابن كنانة في الدار الحبس لها غلة يجتمع من غلتها مال، وقد أوصى المحبس أن يُصْلَحَ من غلتها ما خرب منها؛ فقيل للقائم بها: أعمرها من الغلة. فطلب أن يُعمِرهَا من ماله، ففعل ذلك، ثم قال: إنما عمرتها من الغلة. قال: إن قال: من الغلة أنفقت. فقد أنفذ الوصية. وإن قال من مالي عمرتها. حلف، ورجع بذلك في الغلة، ولا يُضَرُّ قوله: أعمرتها من مالي. وإن أخذ منه شيء غرمه. قال عبد الملك: ويجوز كراء ولي الصدقة بما يرى من النظر والحظ السنة والسنتين، وما يجوز مثله للوكيل، وأما إيجابا فيطول فلا يجوز لأنه إنما يليها ما دام حيا، وقد يعرض حكمه فيها، بعد الموت. وإن أمكن ذلك في القليل فليس مما دخل فيه مدخل الآخر في الأغلب من الحال. قال: ولا يجوز أن يكريها بنقد لأنه قد يضع في ذلك وهو لا يقسم الكراء عليهم قبل كمال سكنى المكترى لأنه إنما يُقَسَّمُ على من حضر يوم القسم. فمن ولد قبل القسم ثبت حقه. ومن مات قبله، سقط. وإذا قسمه، قبل يجب بالسكنى فقد يموت من أخذ منه قبل أن يجب له، ويُحْرَمُ من جاء قبل الوجوب، ممن يولد بعد القسم. قال: فأما أن/ يُكْرِيَ مرجع الرقبة لآخر بعده؛ فلا يلزَمُ
ما عقد فيه الكراء، من مدة يبقى منها شيء بعد موته، وإن قل. بخلاف ولي الحبس الذي ذكرنا أنه يلزم ما قل من عقده لأن الذي لغيره المرجع، ليس له أن يعقد على غيره، وليس ممن بيده ولاية الصدقة ما بيد الولي الآخر. وهو إنما يُكرِي لنفسه، ليس بولي على غيره فهو يجوز له أن يعقد كراء مثل الأربع سنين والخمس. وقد اكترى مالك منزله عشر سنين هو صدقة على هذا الحال، واستكرى المُعْمَرَ، وغيره عشر سنين؛ فما أبيح له فيه الوجيبة؛ فهو جائز له فيه السلفة، لأنه إنما يتسلف لنفسه. وإنما الحظر فيه بكثرة السنين؛ لطول عمره أو قصره، فيضع في طول المدة، ويؤجر في قصرها لما يرجى ويخاف. فهو إذا مات يرد ما بقي فصار سلفا، ولا يُقصَدُ من الحظر وقرب المدة ما يدخل في طولها. قال ابن وهب عن مالك فيمن أسكن دارا (¬1) حياته، فيريد أن يكريها، وينتقد الكراء؛ قال: لا يرفع (¬2) في المدة، وليكرها قليلا قليلا. قال عبد الملك: فلولي الصدقة أن يُعْمِرَ خراب الصدقة من ماله، ويرجع بذلك في كرائها؛ إذا رأى ذلك نظرا لهم، فيلزمهم، ويرجع به في الغلة. وأما من له السكنى حياته، ثم هي لآخر بعده. فإذا عمر فيها من ماله، ثم مات، فإذا ثبت ما عمر مما يُؤْذَنُ في مثله مما يصلح للإنتفاع به لشيء معروف؛ من خشب أدخله، أو جدار بناه، ونحوه، فيُنظَرُ قيمة ذلك قائما بالإذن له فيه، فصار ممن بنى بشبهة. ومن العتبية (¬3) / قال سحنون فيمن حبس داره على ولده، وولد ولده حبسا صدقة. والوُلْدُ أصاغر، وأكابر، فأكراها (الأب) (¬4) المحبس من رجل خمسين سنة، وقبض الكراء، ثم مات بعد ذلك بسنين؛ قال: أما حبسه على الأكابر البالغين، فباطل حين لم يحوزوا. وأما الأصاغر؛ فإذا أشهد لهم بالحبس، وهو القابض لهم، ثم ¬
عقد فيها هذا الكراء الكثير الذي لا يجوز له. وإنما كان ينبغي له أن يُكْريَ إلى مقدار بلوغهم ونحوه. فحين أكرى هذا الأمد البعيد، فإنه يُفْسَخُ ما بقي منه بعد موته، ويرجع المكتري بما بقي له في مال الأب إن كان له مال. فإن لم يَكُنْ له مال، فهو شيء يُتبَعُ به في الآخرة. قال ابن كنانة: وللرجل أن يُسكِنَ غيره نصيبه؛ وذلك ما دام المعطي حيا من الصدقة؛ ما لم يُغَيَّرْ شيئا مما تصدق به المحبس. فإذا مات المعطي، رجعت (¬1) إلى من ذلك له، من أهل الحبس. وقال فيمن حبس على رجل نخلا، فتصدق من حُبَّسَتْ عليه بتمرها على ابنه، أو على أجنبي؛ لم تَجُزِ الصدقة. وله أن يجنبها، ويُطعِمَ (¬2) بتمرتها من شاء. قال: ولا يغير الحبس عما جُعِلَ فيه إن جُعِلَ في الأقارب، فكذلك. وإن جعل في الأباعد، أو معينين، أو في السبيل، فلا يُصرَفُ إلى غيره. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك فيمن حبس حائطا على مواليه، وأولادهم، وأولاد أولادهم يأكلون تمرها؛ لكل إنسان أربعون صاعا، وأوصى بذلك إلى رجل، فأراد الوصي أن يبتاع لهم من ثمر الحائط/ رقيقا للحائط يعملون فيه ليكون ذلك عدلا بينهم، وبين الورثة. فأبى ذلك الموالى. قال: لا يشتريهم في عام واحد، ولكن يشتري بعضهم من تمرة العام، وبعضهم من ثمرة قابل. وقال مالك فيمن تصدق على مواليه بدار، ثم مرجعها إلى ورثته، فعمر أحد من بقي منهم، فأكراها من بعض ورثته ممن إليه المرجع عشرين سنة. قال: هذا كثير. وهو إذا مات المكري انفسخ. فليكتبوا عليه كتابا، [ويتوثقوا] (¬3). قال مالك: ولا يرفع في كرائها، وليكرها قليلا قليلا. وقاله عبد الملك: مثل السنة، والسنتين. ¬
في بعض أهل الحبس يبني فيه أو يغرس أو يصلح
وذُكِرَ أن مالكا اكترى مثل هذا عشر سنين، [ونحن نخيره]؛ ما لم يقع النقد إلا بمثل سنة، وسنتين، إلا أنه متى ما انقضت مدة. فما كان منه يسيرا، تم ذلك له، وفُسِخَ ما كثر منه. في بعض أهل الحبس بيني فيه أو يغرس أو يصلح من المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك فيمن حبس على الولد، وولد الولد دارا، فبنى أحد الولد فيها بيتا، ثم مات، ولم يَذْكُرْ ذلك؛ فليس لولده أخذ ما بنى. قال في المجموعة: قال ابن القاسم: قل البناء أو كثر إلا أن يقول لورثته: خذوه. فذلك لهم. قال ابن المواز: وأخبرني ابن عبد الحكم عن ابن القاسم، بخلافه أنه قال: ذلك لورثته. ولم ير ما قال مالك. قال: وما كان لأبيهم حيا، فهو لورثته مثله. قال ابن المواز: والأول من قول ابن القاسم/ أعجب إلي أن ذلك لورثته، ما لم تكن [مرمة]. قال مالك فيمن أسكن رجلا دارا له، فأذن له أن يتخذ فيها حُجُراً، فإذا تمت المدة فله النقض إذا أبى أن يعطيه رب المسكن قيمة نقضه. قال ابن القاسم: وذلك فيما له قيمة بعد أن ينقض. ورواه أشهب عن مالك. وقال: خرج طوعا أو أخرجه [ربها] كرها. قال عبد الملك عن مالك سبيل ما ابتناه، أو [أصلح من ستر]، أو زيادة فذلك داخل في الصدقة؛ إذا كان بيده يوم بنيانه. وقال المغيرة: أما الشيء اليسير من سُتُرِ وموازيب، وما لا يعظم قدره فهو للحبس. وأما لمقترح كله؛ فهو له يورث عنه، ويُقضَى منه دينه. وبه قال عبد الملك.
وقال ابن كنانة: من سكن دارا محبسة، فبنى فيها، ثم مات، وصارت سكناها لغير ورثته؛ فليس لمن بنى في الحبس قيمة بناء، ولا عمارة. قال عبد الملك: وإن عمر في غير حيزه الذي هو بيده، وهو من أهل الصدقة، فهو كأجنبي عمره، فحقه فيه ثابت بغير الصدقة. قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على رجل حياته دارا، أو أرضا فبنى فيها مسكنا، أو غرس نخلا، ثم مات. قال: إن أوصى رب الدار، ورثة الباني فذلك. وإلا قلعوا البناء، والنخل، إلا أن يُعطِيَهم قيمة ذلك [مُلقي] (¬1). وكذلك في كتاب ابن المواز. قال ابن القاسم فيمن تصدق على ولد ولده ومن بعدهم، في صحته بحائط، ولابنة له بخمسة أوسق كل عام، وللمساكين/ بمثل ذلك قال: يُبدَأ بالمساكين [والبنت بالتسمية]، فما فضل، فللمحبس عليهم. فإن لم يكن إلا أقل [من عشرة] أوسبق؛ تحاص فيه المساكين والبنت. فإن (بياض)، فلم يبق إلا أرض، ثم عمله بعض الذين حبس عليهم، [وأنفق فيه] حتى أتمر. فللذي أنفق فيه أن يأخذ ما أنفق من غلة الحائط فما فضل أخذ منه المساكين، والابنة. ثم ما فضل عنهما، فهو للولد. قال ابن حبيب: قال مطرف: وقال في المجموعة [قال غيره:] (¬2) في الدار أو القاعة، يحبس على القبيلة فيبني فيها [رجل منهم] الحوانيت، والبيوت، [للغلة]، والسكنى. قال. أما ما بنى للسكنى؛ فهو أولى بما سكن مما يكفيه لا يدخل عليه غيره. وأما ما بنى للغلة، فينبغي أن يقاص بنفسه فيما قبض من الخراج، فيما أنفق. فإذا استوفى؛ فالكراء بعد ذلك لجميع أهل الحبس من حاضر، وغائب. ويُؤْثَرُ فيه أهل الحاجة. فإن فَضُلَ شيء فهو بين الأغنياء. فإن جاء رجل، فأراد أن يدخل مع الذي بنى فيما بنى للغلة، فإنه يغرم للذي بنى نصف ما بقي له من ¬
حقه، ويدخل فيه معه، فيكون نصفه في يديه يقاص نفسه في غلته بما غرم، حتى يستوفي حقه ثم تكون الغلة ممن حُبِسَتْ عليهم. قال في كتاب ابن عبدوس: فإن أراد السكنى؛ قيل له: ادفع إلى الباني ما بقي له من حقه بعد الذي قبض من غلتها له، فهذا وجه الحبس. قال في الكتابين: كانت للقاعة غلة. قيل ذلك أو لم تكن. ومن كتاب ابن المواز وقال في المحبس/ عليه يبني في الحبس، ويرم فيه، ثم يموت، فيصير الحبس لغيره؛ فليس لورثته أخذ ما كان مثل المرمة، والسقف يُبدَّلُ بعضه مثل اللوح والسُّلُم، أو ما يرى أنه أراد به الحبس بإصلاحه وإتمامه، فليس له فيه حق، أوصى به، أو لم يوص به. وأما ماله؛ فمال من البنيان والعمل والمسكن يحدثه، أو الحجرة. وما يرى أنه أراد به الحبس، ولم يُسمَعْ منه في ذلك قول، ولا أوصى بذلك؛ فأراه حقا لورثته، أو يعطيهم الداخل بعده قيمته نقضا. ورواه أصبغ عن ابن القاسم، وأخبرني عنه بخلافه ابن عبد الحكم، وهو أحَبُّ إلي. قال أصبغ: وغيرنا يرى أن لا حق لمن بنى في بعضه. قال محمد: وقد رواه ابن القاسم عن مالك. وقال عبد الملك: ذلك كله حبس، لا شيء لنا فيه. وقال عبد الملك بقول المغيرة إن ما كان من مرمة، وما يُعلَمُ قدره فلا شيء فيه. وما كان من بناء منفرد أو منزل فهو له. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون من بنى في الحبس [من أهله] (¬1)؛ فهو بسبيل الحبس [ولا قيمة له على أحد]، ولا [لورثته بعده] كان قليلا، أو كثيرا. قال أصبغ: أما اليسير مثل المرمة، وشبهها، فهو [كذلك وأما الكبير فله] قيمته منقوضا، ولورثته بعده. وقال ابن حبيب بقول ابن الماجشون. ¬
في حبس العبيد والحيوان والشرط في ذلك وفي الرباع
في حبس العبيد والحيوان والشرط في ذلك وفي الرباع وفي الأحباس والهبات والصدقات من كتاب ابن المواز قال: وكره مالك حبس الحيوان على أن يكون على العقب، بخلاف الرباع إلا [أنه إن وقع أمضاه على] ما شرط /، وإن أراد تغييره إلى ما هو أفضل [للعبد] (¬1) وأقرب إلى [الله تعالى]. قال ابن القاسم عنه فيمن حبس [عبدا] على فلان وعقبه؛ لا يباع، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ، فهلك [ولم يترك] عقبا. قال: يسلك به سبيل [الحر، يوقف] لا يباع، [ولا يُورَث]، وهذا إنما يُكتَبُ في الدور، وهذا كتبه في الجوار (قال) ابن القاسم: أكرهه لأنه ضيق على العبد. وقال مالك فيمن حبس خادما على أمه، وأخته حبسا صدقة لا يباع، وهي على الباقية منهما. فماتت أخته، أله أ، يَبْتِلَها لأمه تبيعها إن شاءت؟ قال: ذلك له كأنه رآه من البر. قال: وهذا في الحيوان، ويجوز في الرباع. قال محمد: وهذا [فيما] قلت لك أنه حوله إلى ما هو أفضل للعبد [وله هو في] بر أمه، وأفضل لأمه. فإذا كان أفضل للثلاثة، فأجيز في الحيوان. قال ابن القاسم: ولو حول الحيوان إلى ما ليس بأفضل مما سُبَّلَ فيه؛ فلا يجوز. قاله مالك. بخلاف الدور لأن [الأمة] تموت، وتمرض. وقال أشهب: الحبس نافد، على ما شُرِطَ في الرقيق والدواب، مثل (¬2) ما شرط فيه ما يُشْتَرَطُ في الرباع فيلزمه ذلك، ويرجع ذلك كما ترجع الدور على الأقرب، فالأقرب من عصبة المحبس، فيُسلَكُ به سبيل الخير أبدا، لا يباع. وفي باب مرجع الحبس مثله من تحبيس العبد. ¬
قال مالك: ومن وهب لابنه، أو لأجنبي عبدا، وشرط أن لا يبيع، ولا يهب فلا يعجبني ذلك، ولا خير فيه، إلا أن يكون المعطى سفيها، أو مُوَلّى عليه، فيُشتَرَطَ ذلك فيه. فإذا رشد، كان/ أحق به. فإن كان على هذا، فجائز، ولا خير أن يكون هذا الشرط باقيا بعد رشده. قال مالك: وإن حمل رجلا على فرس؛ في السبيل، وشرط [أن يَعْلِفَه] (¬1) سنين، ثم هو له بتلا فلا خير فيه. قال محمد: (وكذلك) (¬2) المُهْرُ الصغير، أو العبد الصغير، أو النخل الصغير. ومن حبس على ولده دارا، وشرط عليهم رم ما استرم منها، من أموالهم ما بلغ؛ لم يَجُزْ. قال أشهب فيه سقط الشرط، ويمضي الحبس. قال محمد: وذلك عندنا إذا حيز، وفات بموت المحبس. وأما قبل ذلك، فيُرَدُّ إلا أن يسقط المحبس شرطه. ولو شرط رم ما يسترم منها من أموالهم، بقدر كرائها، جاز ذلك. [قال مالك: وإن أعمره أرضا سنين شرط أن ما عمر فيها فهو له بقيمته نقضا ثم طلب منه ثوابا فليس ذلك له] (¬3) قال مالك: وإن وهبه مسكنا، وشرط إن هو باعه؛ فهو أحق به؛ بالثمن الذي يعطى (¬4) به، فسكنه، ثم مات، فصار لوارثه، قل (كذا) به شرطه. وقال ابن القاسم: لا أحب هذا الشرط. وكره مالك أن يقول الرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه. ولا يدري كم الثمن، حتى يؤقت له وقتا. يريد يسمي الثمن. ¬
في مال العبد المحبس أو المخدم أو المعمر وولده ونفقته
في مال العبد المحبس أو المخدم أو المعمر وولده ونفقته وعقل جرحه ونفسه ومن حبس على عبده (¬1) تمرة حائطه حياته ثم باع العبد هل يُنزَعُ منه؟ من كتاب ابن المواز: ومن حبس عبده على رجل، ولم يشترط ماله، فماله بيده كالمخدم ليس لسيده، ولا للمحبس عليه أخذه. ونفقته على المحبس عليه. وقال مثله في العتبية (¬2) ابن القاسم عن مالك/ في العبد المخدم؛ فماله موقوف بيده، وكذلك ما أفاد. ولا ينزعه السيد ولا المعمر. وهو يأكل منه، ويكتسي بالمعروف، وإن مات ورثه سيده، وله عقله إن قُتِلَ. وكذلك الأمة، وما ولد لها، أو للعبد من أمته [فبمثابتها] (¬3)، في الخدمة. قال: وإن قتله السيد خطأ فلا شيء عليه. وإن قتله عمدا؛ فعليه عقله في السنين التي أعمره. وما [فضل] كان له يستأجر من قيمته من يخدم المعمر. فإذا مات، و [] إلى سيده، أو بقي فضل. قال سحنون: فقد كان يقول يشتري بتلك القيمة عبدا يخدم مكانه، وكذلك في الأمة؛ إن أحبلها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من تصدق بعبد، أو وهبه للثواب، أو لغير ثواب، أو أوصى له به؛ فلا يتبعه ماله في ذلك كله، وإنما يتبعه في العتق. ولو قال العبد المخدم: أنا أعالج في مالي، ونفقتي عليك- يعني المخدم- فذلك له [وكذلك] لو أطاع العبد فالنفقة على محبسه. فذلك له، وإن منعه سيده. قال مالك: نفقة العبد [المخدم] (¬4) على الذي له الخدمة؛ أخدمه في صحته، أو في وصيته، وكذلك نفقة ما ولدت الأمة، في الخدمة. ومن حبس عبدا ¬
على رجل سنة، ثم هو حر. أو لفلان بَتْلاً، فمات قبل السنة؛ فماله للذي حبسه. وكذلك عقله في نفس، أو جرح (¬1). وإن كان أمة؛ لم يَحِلّ وطؤها لواحد منهما. ومن أعمر عبده تمر حائط حياته، ثم باع العبد، ولم يشترط المبتاع ماله؛ فليس لبائعه حبس ذلك عنه، ولا نزعه منه، ولا لمبتاعه، ولا لمن ملكه بعد ذلك./ وله قَبْضُ التمرة، فإذا مات العبد، رجع ما أعمر إلى من أعمره. قال محمد: لا يعجبني إلا أن يكون في وصية من السيد. فأما في الصحة؛ فللسيد أن ينزع ذلك منه متى شاء. ولا فرق بين ما يتصدق عليه بتلا، أو حياته. وكله مال السيد؛ له انتزاعه. فإن باعه؛ كان ما تصدق به عليه، لبائعه. قال أشهب عن مالك: ومن تصدق بحائط قد أبر (¬2) تمره فهو [كبيع الثمرة] (¬3) لرب الحائط. وإن لم تؤبر؛ فهي للمعطى. وإذا أبِرَتْ؛ لم يلزم المُتَصدَّق يمين أنه لم يتصدق بالتمر. في القضاء في الحبس والإقرار فيه وهل يقضى فيه بشاهد ويمين؟ والشهادة على السماع؟ من المجموعة وكتاب ابن المواز قال عبد الملك في قوم أقروا في منزل أنه صدقة من أبيهم، أو من جدهم- يريد عليهم وعلى أعقابهم- وأما الباقون، يريد [من] الورثة، فلم يقروا. قال: يلزم [المقرين] إقرار [هم]- يريد في [نصيبهم]- ويلزم أولادهم؛ لأنهم أقروا فيما صار لهم بالميراث. ويمضي ذلك على شروطه عليهم، وعلى أعقابهم، فيدخل معهم فيه الذين لم يُقِرُّوا، وبنوهم لأنهم ممن وقع الإقرار ¬
لهم. ولو كان ذلك بكتاب أقر به بعضهم، وفيه أن يبدأ بعضهم قبل بعض، وهي الآن بيد غير المقرين. ثم قالوا: [لا يلزمنا إقرار] فيما بيد غيرنا. قال: يلزمهم [إقرارهم] لأنهم أهلها. وقد أقروا بربع الميراث، فيما لهم، وللآخرين المبدئين قبلهم. ومن كتاب/ ابن المواز: وإذا لم يَقُمْ في الحبس إلا شاهد عدل فقال أصحابنا: إذا كان منسلا ومعقبا، فلا يصلح فيه اليمين. وقال لي عبد الملك عن مالك: إذا حلف الجل منهم نفدت الصدقة عليهم، وعلى غائبهم إن قدم (¬1) ومولودهم، إذا ولد في السبيل بعدهم. وروى عنه ابن حبيب قال: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد، مع الشاهد، وتُنفَدُ له، ولأهلها، ولمن يأتي بعدهم (¬2). وقال عنه قال مالك: وإن باد شهودها، فلم تثبت إلا بالسماع؛ حلف أيضا واحد من أهلها مع الذين شهدوا بالسماع بأنهم لم يزالوا يسمعون من العدول (¬3) أنها حبس على بني فلان. ثم يستحق حبسا. قال مالك: وأحب إلي في شهادة السماع كثرة الشهود، ويُسْتَظْهَرُ الأمر بذلك. فإن لم يَكُنْ إلا رجلان جاز ذلك. والشهادة فيه أنهم سمعوا سماعا فاشيا. وروى عيسى عن ابن القاسم قال: إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس. جازت الشهادة، وكانت على المساكين إن لم يُسَمَّ أحدا. قال: ولو شهد رجلان بذلك، وفي السبيل من أسنانهم مائة رجل لا يعلمون ذلك، فلا تجوز شهادتهما، إلا مما يفشوا، أو يكون فيه أكثر من اثنين. وأما إن شهد شيخان قديمان قد باد جيلهما على السماع، في الحبس؛ فشهادتهما جائزة. ¬
قال ابن حبيب: قلت لمطرف: ففي كم من السنين يُقْبَلُ السماع؟ قال: قد تقاصرت الأعمار، وأرى أن/ تجوز في خمس عشرة سنة، ونحوها. [وقال ابن الماجسون وأصبع مثله] (¬1). ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في الحبس الذي يغلب عليه، مثل الحلي والثياب والمال؛ يدعي من هو عليه حبس؛ أنه ضاع منه. قال: لا يُصَدَّق، ويضمن، وهو كالعارية. ومن سماع ابن القاسم: وقال فيمن حبس منزلا على ولده، وكان (¬2) له بنات أربع، فتزوجن، وأخذن أموالهن. وكان على الحبس عمهن، فاتهمنه في الغلة، فأراد بعضهن أن يوكلن وكيلا بحقهن. قال: ينظر. فإن كان حسن النظر؛ لم يَكُنْ لها ذلك. وإن لم يَكُنْ كذلك؛ جعل معه وكيلها (¬3). قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن كان يلي حبسا يقسم غلته بين أهله فقال عند موته: أعطوهن مائة دينار تحلل بها ما كتب إلي لهم (كذا). ومنهم من قد مات أولا، ووسطا، وآخرا وولد آخرون، قال: إن ولى لهم ثلاثة أقسام، فيقسم المال على ثلاثة أجزاء فجزء على أهل القسم الأول حيهم، وميتهم، وكذلك الجزء الثاني، لمن حضر (¬4) القسم الثاني، وإن دخل فيهم من أهل القسم الأول أحد، ويأخذ من ولد بعد القسم الأول. ومن مات من أهل الأول، قبل القسم الثاني؛ فلا شيء لهم في الثالث (¬5)، ويكون الأمر في الثالث على هذا. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون في شقص من حائط، بيع، فشهد الشركاء أنه حبس صدقة، فردت شهادتهم لجرحة، أو غيرها، ثم قاموا فيه بالشفعة؛ فليس لهم، ويلزمهم إقرارهم الأول. وقاله أصبغ ¬
جامع مسائل مختلفة من الأحباس والعمرى والخدمة
[12/ 107] جامع مسائل مختلفة من الأحباس والعمرى، والخدمة من كتاب محمد (¬1) عن مالك: ومن أعطى فرسا في سبيل الله، فمات المعطي قبل أن يخرج، فقال ورثته: نحن نعزو عليه. فليس ذلك لهم، وليأخذه ربه فيُنفِدَه فيما [جعله له] (¬2). وكذلك الدنانير؛ لو أعطاها له، فهلك قبل أن تُخْرَجَ؛ فهي بتلك المُنزَلَةِ. ولو أوصى بفرسه، في سبيل الله، وقال: أعطوه فلانا. فلم يقبله فلان؛ كان حبسا، وأعطي لغيره. وإن لم يكن حبسا؛ رد إلى ورثته. وقال مالك في التي أوصت بمائة دينار، على بنت أخيها حبسا صدقة، تعطى منها في الحج، أو العمرة، ويُنفَقُ عليها إن نفست فطلب زوجها أخذها؛ فهي في سبيل الله. فأرادت الشراء بالمائة دينار جارية، ترجو فيها نماء، وتزيد من عندها، وقالت: اشترطوا علي في المائة، ما اشترطت عمتي. قال: ليس لها ذلك. وقال فيمن جعل دنانير حبسا، إلى أن يشتري بها حائطا؛ يحبس قال: إن أخرجها من يديه، إلى يد غيره، وأشهد على ذلك، فهي نافذة إن مات، وهي بيد غيره. قال مالك: ومن حبس غلاما على ابنه، حتى يستغني، إن حد الاستغناء إلى أن يلي نفسه وماله، يقول الله سبحانه: {وَابْتَلُوا اليَتَامى} الآية (¬3). ومن العتبية (¬4) من سماع محمد بن خالد عن ابن القاسم (¬5) ومن أوصى بداره حبسا على فلان حياته، ولفلان بباقي الثلث، والدار قدر الثلث قال: يكون للمعمر. فإذا مات أخذها صاحب باقي الثلث. وقاله أشهب. ... ¬
قال لي أشهب: وإن كان في الثلث فضل، أخذه الآن صاحب باقي الثلث، ثم كانت له الدار، إذا رجعت. وقال داود بن سعيد: لا شيء له. ومن سماع ابن القاسم: ومن حبس على رجل حبسا، فقال: هو لك حياتي، ثم هو في السبيل، أو صدقة. فإنه إن مات، كانت من ثلثه. قال أصبغ، عن ابن القاسم: ومن قال: عبدي حبس على فلان. فإن مت فهو حر. أو: فهو حبس على آخر، أو صدقة عليه. أو كان فرسا. فقال: إن مت، فهو في السبيل. ثم بقي بعد ذلك في يديه، إلى أن مات. قال: يُعتَقُ في ثلثه، ويخرج الفرس من ثلثه. وقال في الفرس الحبس يكون بيد الرجل في السبيل، فأراد غيره أن ينزيه، فمنعه. قال: فليمنعه؛ لأن ذلك يُضْغِفُه عما جعل فيه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن قال: داري لفلان يسكنها. قال: فله أن يُكرِيَها أو يسكنها. قال عبد الملك بن الحسين؛ عن ابن القاسم؛ فيمن له ولدان، فأسكن أحدهما دارا حياته، فحازها، ثم مات الأب. قال: فله تعجل نصفها بالميراث يبيعه، ويفعل به ما شاء، ويبقى بيده نصفها، حتى يموت، فيرجع إلى أخيه، أو إلى ورثته؛ إن مات. وقاله أصبغ. ومن سماع ابن القاسم، في العبد المخدم عشر سنين، ثم هو حر فوهبه المخدم خدمته، أو يبيعها منه؛ إنه يُعَجَّلُ عتقه. وقال سحنون عن علي بن زياد عن مالك: ليس له أن يقاطعه على الخدمة بمال، إلا بإذن السيد. قال سحنون: ومن تصدق عليك بعبد على أن لا تبيعه، ولا تهبه سنة ثم هو لك بعد السنة بتلا؛ قال: له أن يبيعه الساعة ويصنع به ما شاء. ومن سماع ابن القاسم/ في اتخاذ المساجد على القبور قال: أما في المقبرة الدائرة؛ فلا بأس بذلك.
باب في حيازة الأحباس
ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن حبس حبسا على بنيه، وجعل امرأته تليه، وتقسمه بين بنيها بقدر حاجتهم، فكانت تلي ذلك، ثم ماتت؛ قال: يلي ذلك من ورثتها أهل حسن الرأي منهم. قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس على بنيه الكبار وامرأته، وهو صحيح، وأبقاه في يديه حتى مات، وشرط إن لم يُنَفَّذُوا حبسه؛ فلا وصية لهم فيما أسند إليهم قال: الحبس باطل، وهم أوصياء. باب في حيازة الأحباس قال أبو محمد (¬1) ما ذكرنا في هذا الباب، وما بعده من الأبواب، ونحوه كله ذكر في حيازة الأحباس، وقد اشتمل ما في كتاب الصدقة من أحكام الحيازة فيها، وفي غيرها، على كثير مما في هذا الكتاب (¬2) منها. وفي كتاب ابن المواز جميع هذه المسائل. قال مالك وأصحابه في غير موضع: لا تتم الأحباس والصدقات التي في الصحة، إلا أن تحاز في صحة المحبس والمتصدق، فأما ما كان بمعنى الوصية في صحة، أو مرض، أو ما يُبتَلُ في المرض. فلا يُرَادُ فيه الحيازة، وهو نافذ من الثلث. من المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس حبسا، وكتب في حبسه إنهم حازوا. فلا ينفع في ذلك إقرارهم بالحوز، ولا إقرار المحبس حتى تعاين البينة الحيازة. ومن حبس على رجل، وعقبه فلم يَحُزْه حتى مات المحبس فهي باطل./ إلا أن تكون وصية. ولو حبس فرسه، أو سلاحه في سبيل الله (¬3) فكان بيده، ثم احتاج إلى ثمنه؛ فليس له بيعه. وإن بقي بيده حتى مات؛ فذلك ميراث. ¬
قال عنه ابن وهب: ومن حبس خيلا وسلاحا، ورقيقا في السبيل، ودفعه إلى من يغزو به، فخرج به فغزا وقفل، فرده إليه، فقبضه ثم مات فإن ذلك نافذ لأنه خرج في وجهه. ولو بقي في يده، فكان هو يغزو به، ويقرأ في المصحف، لم يخرجه إلى يد غيره، حتى مات؛ فذلك باطل، ويورث. قال: ومن حبس غلة داره في المساكين، فكانت بيده يقبض كراءها، وينفذه حتى مات فذلك ميراث، وليس كالسلاح وشبهه الذي يخرج عن يده، في وجهه، ويرجع إليه؛ هذا من رأس ماله. ولو خرج في وجهه بعضه، والبعض لم يخرج حتى مات؛ فما خرج، أنفذ وإن عاد إليه. وما لم يخرج فميراث. وقاله أشهب، وذكره عن مالك. قال أشهب: وما كان يرده إليه بعد القفول، فيعلف من عنده الخيل، ويرد السلاح، وينتفع بذلك هو أيضا في حوائجه، وبغير ذلك لإخوانه، ثم يموت؛ قال: ذلك ميراث لأن المحبس إنما حاز لمنافعه. وكذلك في كتاب ابن المواز جميع هذه المسألة. ومن كتاب ابن المواز ذكر من حبس غلة داره في صحته، على المساكين، فكان يلي عليها، حتى مات وهي بيده؛ إنها ميراث. قال: وكذلك لو شرط في حبسه، أنه يلي ذلك. لم يُجِزْه له ابن القاسم، وأشهب. قال ابن عبد الحكم عن مالك (¬1): وإن جعلها بيد غيره، وسلمها إليه يحوزها، أو يجمع/ غلّتَها، ويدفعها إلى الذي حبسها؛ يلي تفريقها، وعلى ذلك حبس؛ أن ذلك جائز. وأبى ذلك ابن القاسم، وأشهب. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حبس دارا، أو سلاحا، أو عبدا؛ في السبيل، فأنفذ ذلك في وجوهه زمانا، ثم أراد أن ينتفع به مع الناس. فإن كان من حاجة فلا بأس. ------------------- (¬1) عبارة (عن مالك) ساقطة في الأصل، والتصويب من ع.
قال ابن القاسم قال مالك: ومن حبس دارا، أو غيرها؛ في السبيل، وجعل رجلا يليها؛ يُكري (¬1) ويرم (¬2)، وينفق في السبيل، ثم أكراها من ذلك الرجل، ونقده الكراء. فكرهه، وقال: أراها ميراثا. قال عنه هو وابن وهب وعلي فيمن حبس الدار، وغيرها على ولده، ثم يكري منهم بكذا يدفعه إليهم، أو يعمل في الحائط مساقاة. فهذا يوهن الصدقة، وهي باطل إن مات. قالوا عنه إلا ابن وهب: ويُكَره أيضا، من باب الرجوع في الصدقة. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال: غلة داري هذه، في المساكين صدقة. ثم مات قبل أن يُخرِجَ؛ فإن كان ذلك في مرضه الذي مات فيه فهي نافذة من ثلثه، أراد البتل، أو الوصية. وإن كان في صحته، وأراد البتل فهي باطل. وإن أراد الوصية فهي في ثلثه. وإن أشكل ذلك فإن كان في مرضه [الذي مات فيه] (¬3) فهي على الوصية. وإن صح حتى يُعلَمَ أنه أراد البتل (¬4)، وإن كان في صحته فهو على البتل، حتى يعلم أنه أراد الوصية بأسباب ما يرى من حضر، وشهد عليه. قال مالك: وكل من حبس في السبيل مثل ما لا غلة له من سلاح، أو خيل، أو مصحف، أو حيوان، أو عروض/ فإذا وجهه في تلك الوجوه، وأعمله فيها فهو نافد. وإن كان في يديه يليه حتى مات فهو من رأس ماله. وإن لم يوجهه في تلك الوجوه فهو باطل. وأما كل حبس له غلة فكان يليه حتى مات، فهو باطل. وقاله ابن القاسم. ولو كان هو يغزو على الفرس، ويرابط، ويرجع به، ولم يخرج من يده حتى مات فذلك ميراث. ¬
قال أشهب: ولو أنفد ذلك لمن يغزو عليه، ثم يرده إليه، فينتفع به هو في حوائجه، [ويعيره] (¬1)، ثم مات وهو بيده، فهو ميراث. قال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن حبس دارا، أو سلاحا، فأنفذه في السبيل زمانا، ثم أراد أن ينتفع به مع الناس. فإن نوى ذلك حين حبسه فلا بأس به. وأما إن كان لم يَغْزُ به غيره يذهب ويرجع فلا يجوز حتى يخرجه [من] يديه، فيجوز. قال ابن القاسم: فإن أخرجه من يديه لذلك زمانا، ثم احتاج إليه بعد ذلك فذلك جائز. قال مالك فيمن حمل رجلا على فرس في سبيل الله، فأقره عنده [ليعلفه] له، ويقوم عليه حتى يحضر الغزو، وأشهد على ذلك، وأمكنه من قبضه [فتركه كذلك] حتى، مات المعطي، قبل أن يقبضه المعطى، فذلك [جائز] نافد إذا أشهد كما ذكرنا. قال محمد: ولا يصلح هذا إلا في مثل الفرس، والسلاح، وما لا غلة له. قال مالك فيمن حبس حبسا، فسكنه زمانا، ثم خرج منه بعد ذلك فلا أراه إلا وقد أفسد حبسه، وهو ميراث. قال ابن القاسم: إن [حيز] (¬2) عنه بعد ذلك، في صحته حتى مات/ فهو نافذ، فإن رجع، فسكن فيه بكراء، بعدما حيز عليه فإن جاء من ذلك أمر بين من الحيازة، فذلك نافذ. قاله مالك. قال محمد: إذ حاز ذلك المُحبَسُ عليه نفسه، أو وكيله، ولم يَكُنْ فيهم صغير، ولا من لم (¬3) يولد بعد. فأما من جعل ذلك، بيد من يحوزه على المتصدق ¬
عليه، حتى يقدم، أو يكبر، أو حتى يولد، أو كان بيده [هو يحوزه، لم يَجُزْ حوزه عليه، ثم يسكن ذلك قبل أن يلي الصغير نفسه. وقال يحوز من] (¬1) ذكرنا ممن حبس عليه، فذلك يبطله. قلت: وكم حد تلك الحيازة؟ قال: السنة أقل ذلك. قاله ابن عبد الحكم عن مالك. وفي حيازة الصدقات والهبات تمام هذا المعنى. ومنه ومن المجموعة: ومن حبس على عبده حبسا (¬2) حياته، ثم هي على فلان فقبضها العبد، وحازها، ثم مات السيد فلا شيء للأجنبي لأن عبده لا يجوز عنه، كما يجوز عنه غيره لأنه إذا حاز عنه الأجنبي لم يقدر أن ينزعها منه، وهو يقدر أن يأخذ ذلك من يد عبده. وكذلك لو قال: هذه حبس على ابني فلان الصغير، وأنا أحوزها له؛ فإذا انقرض فهي على فلان. فيموت الأب قبل أن يبلغ الابن الحوز فذلك يبطل في الأجنبي، ويكون للابن إلى تمام عمره بحيازة الأب له. ومن قال: عبدي حبس عليك سنين، ثم هو لفلان بتلا. فحيازة الأول حيازة للثاني. وإن مات سيده، وهو في الخدمة، لم يضره. وكذلك لو أخدمه سنين، ثم بتله لآخر بعد ذلك، كان المخدم جائزا للمبتول له من رأس المال. وإن/ كان إنما بتله للثاني في مرضه فهو من ثلثه. وإذا أخدمه لرجل حياته، فبعد أن حازه قال ربه في صحته: إن مت، فهو لفلان صدقة، أو للمخدم نفسه صدقة. فإنه يكون ذلك في ثلثه، يُقَوَّمُ مرجعه بعد موت المخدم في الثلث. وقال عبد الملك: إذا أعمره منزلا، فبعد أن أجازه، جعل مرجعه لآخر؛ فلا تكون حيازة الأول حيازة للثاني إن مات ربه أو فلس. وأما لو كان ذلك في مرة، حتى يكون قبض الأول عنه، وعن الآخر، فذلك جائز. ¬
فيمن حبس حبسا فسكن بعضه
قال مالك: وإن حبسها عليك حياتك، ثم هي في السبيل فإنها من رأس ماله إن حزتها عنه. ولو قال: هي حبس عليك حياتي، ثم هي في سبيل الله. فهي من الثلث في السبيل (¬1) وقاله ابن القاسم، وأشهب. وروي عن أشهب: في هذا الأصل غير هذا أنه يجعل ذلك من رأس المال لأنه لا يرجع إليه، ولا إلى ورثته من بعده. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في التي حبست حبسا على ابنتها، وشرطت سكناها معها فذلك يُفْسَدُ الحبس. قال محمد: لأنه لم يحز عنها شيء من ذلك. وقال مالك في التي حبست نصيبا لها من منزل، على أبيها، وأخيها حياتها، ثم هي في السبيل، وهي معهم في المنزل بحالها فهذا ضعيف، وليس بشيء. قيل: فإن رددناه عليها، واشتريناه منها؟ قال: جائز إن كان شراء صحيحا. قال ابن حبيب: وإذا سكن مع البنين من الصغار أو الكبار أمهاتهم، في أحباسهم، وصدقاتهم ذلك لهم/ فوت. وإن كانت أمهاتهم تحت أبيهم بنكاح، أو شراء ما لم يَكُنْ مسكنا يخصه، ويستوطنه (¬2) مع أهله. وكذلك قال لي المدنيون، والمصريون. فيمن حبس حبسا فسكن بعضه من المجموعة قال ابن وهب وابن القاسم قال مالك: قد حبس ابن عمر، وزيد بن ثابت داريهما، فكانا يسكنان فيها منزلا منزلا، فنفذ ما سكنا، وما لم يسكنا. ابن وهب: قال مالك فيمن حبس داره على ولده، واستثنى منها بيتا يسكنه حياته فذلك جائز. وكذلك إن حبس داره؛ فله أن يسكن بيتا منها بلا كراء. ¬
وكذلك الدار ذات منازل يسكن منزلا منها، فإنه يدخل في الدقة. وإن لم تَكُنْ ذات منازل، فسكن أكثرها، فهي كلها ميراث. قال ابن القاسم عن مالك: وحوزه لما وهب لصغار بنيه، أو تصدق به عليهم، أو حبس حوز. ولا يضره أن يسكن منها القليل، وهو يكري لبنيه جلها فذلك حوز فيما سكن وفيما لم يَسكُنْ. وإن سكن جلها بطلت كلها. ولو كانت دورا، فسكن واحدة منها، ليست جل حبسه، وهي خفيفة فيما حبس؛ فالحبس نافذ فيما سكن، وما لم يسكن. وإن كانت جل ذلك، بطل الجميع. وقال ابن كنانة: ومن حبس دارا، أو قرية على مواليه، فانتفع ببعضه حتى مات،/ فلا يدخل في الحبس ما انتفع به منه، والباقي نافذ إن حيز عنه. قال عبد الملك فيه وفي كتاب ابن المواز: وإن جعل من يلي حبسه ويحوزه لصغار بنيه، ويسكن فيه أهله، ثم يسكن المحبس بعضه فذلك البعض يبطل، قل، أو كثر إن مات فيه، أو رهقه دين، وينفذ ما لم يسكن لأنه لما جعل من يحوزها غيره، لم يعذر فيما سكن. بخلاف الذي يحبس على ولده الصغار، ويسكن من ذلك السنين، فيعذر ويجوز كله. ويقول: أردت أن أكون حاضرا لعمارتها، وإكرائها، وغيره. وكذلك ذكر عنه ابن حبيب. قال: وإذا سكن بيتا من صدقة كثيرة متجاورة، وإن لم يجمعها دار بحائط عليها فذلك ماض، كما يمضي في المساكن، القليل من الدار العظيمة ما سكن، وما لم يسكن. وحد القليل من ذلك ما كان أقل من الثلث. وقد سمعت من يستكثر ذلك. وما سكن من صدقة بتلا غير محبسة، فيبطل ما سكن منها من قليل، أو كثير. وأما الحبس فيجوز سكناه فيما قل من ذلك، واحْتُجَّ بفعل الصحابة فيما حبسوا. قال: وقد ينفذ الحبس، وإن سكنه كله، وقد فعله عثمان. قال محمد: لا يعجبني، وأراه كله جائزا إذا حوز ما بقي لأجنبي، وسكن هو القليل فذلك كله نافذ. وكذلك لو سكنها هذا الأجنبي، أو غيره من
الأجنبيين بكراء، أو بغير كراء، أو [وكله] (¬1) بما بقي فلا بأس بذلك، وإنما ذلك في/ التحبيس. قال عبد الملك: وأما صدقة البتل؛ فإن سكن المتصدق بعضها ليحوز ما بقي منها، فإنه يبطل ما سكن منها؛ مما قل أو كثر. وإنما الذي يجوز في التحبيس، أن يسكن منه قليلا جاز. وجاز ما بقي. وإن سكن كثيرا بطل الباقي بيده ما سكن، وما لم يسكن، إلا أن يكون حوز [غيره] ما لم يسكن فقط. ثم ذكر مثل ما حكى عنه ابن عبدوس، في هذا الباب، وجعل سكناه للقليل فيما حبسه على من يلي عليه معدودا بذلك. ويجوز جميعه لأنه ينظر في ذلك، ويتفقده. وإذا لم يل عليهم بطل ما سكن فيه فقط، قل أو كثر، وجاز ما حيز عليه. [قال محمد: لا يعجبني، وأراه كله جائزا إذا حوز ما بقي لأجنبي، وسكن هو القليل فذلك كله نافذ يحوز عنه غيره لأنه إذا حاز عليه الأجنبي لم يقدر أن ينزعها منه، وهو يقدر أن يأخذ ذلك من يد عبده. وكذلك لو قال: هذه حبس على ابني فلان الصغير، وأنا أحوزها له. فإذا انقرض فهي على فلان، فيموت الأب قبل أن يبلغ الابن الحوز فذلك يبطل في الأجنبي، وتكون للابن إلى تمام عمره بحيازة الأب له. ومن قال: عبدي حبس عليك سنين، ثم هو لفلان بتلا. فحيازة الأول حيازة للثاني. وإن مات سيده، وهو في الخدمة لم يضره. وكذلك لو أخدمه سنين، ثم بتله لآخر بعد ذلك كان المخدم حائزا للمبتول له، من رأس المال. وإن كان إنما بتله للثاني في مرضه فهو من ثلثه./ وقال بعض علمائنا] (¬2) إنما نفذت صدقة عثمان، وقد قتل وهو شاغل لها كلها لأن أهلها أقروا الجميع حبسا، وتطاول الزمان بذلك، وتناسخ حوزها بذلك. ولو قيم عند موت شاغل ذلك قائم المتصدقين، لأبطلها. ¬
وقال في المجموعة قال عبد الملك: ومن حبس منزلا ليس له إلا مدخل واحد، وسكن بعضه، قل أو كثر؛ فذلك يبطل جميعه، ولا يُعذَرُ لأنها إذا لم تكن من المساكن التي تُقَسَّمُ، ويصير لكل قسم باب، فهو لا يكون إلا لواحد، فقد أشغله كله المتصدق؛ وإن قل ما سكن فيه. ومن العتبية (¬3) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس دارا أو دورا، فسكن بعضها، أو هو ممن يلي ذلك، ويجوز لصغار بنيه، ونحوه؛ فإن سكن من الدار ذات المنازل والمرافق ما لا خطب له؛ فذلك نافذ كله. وإن كان جلها بطل جميعها. وإن كانت دورا، فسكن واحدة هي كل الدور في القدر بطل جميع الدور. وإن كانت الأقل، جاز فيها، وفي غيرها. وإن كان الوُلْدُ كبارا، وسكن الأب دارا هي جل الدور بطل الحبس فيها، وجاز باقي [الدور إن حازها الأكابر. وإن كانت تافهة، جازت الدور] (¬4) كلها؛ إن حازوا كما ذكرنا؛ وإن لم يحوزوا لم يَجُزْ شيء من الدور أجمع. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: من أسكن ولده، وولد ولده دارا، واستخلف عليها/ ولد الولد كبير؛ ليحوزها لنفسه، ولمن شاء (¬5) معه، ثم أسكن الأب فيها. فإن كان ذلك بيتا منها فجائز. وإن أسكنه جميع الدار، لم يَجُزْ، وهي ميراث. وقاله ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم وأشهب وروياه عن مالك فيمن سكن بعض حبسه فإن سكن القليل، الثلث (¬6) فدون جاز فيما سكن وفيما لم يَسْكُنْ. وإن سكن كثيرا بطل ما سكن وما لم يَسْكُنْ. وسواء عندهما حاز ما بقي هو نفسه، أو حوزه غيره، فحازه عنه. وخالفهما عبد الملك، فقال: إذا كان ----------- (¬3) البيان والتحصيل، 12: 275. (¬4) ما بين معقوفتين ساقط من ع. (¬5) في نسخة ع: (سمى) عوض شاء ولعل هي الأصوب. (¬6) لفظ (الثلث) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع.
في حيازة الأب على من يولى عليه من ولده من صغير أو كبير
حوز غيره ما لم يسكن بطل ما سكن، وجاز ما لم يَسكُنْ مما قد حيز، سواء سكن القليل أو الكثير. وبقية القول في سكنى الرجل بعض صدقته أو حبسه وذلك على وُلْدِه من صغير، أو كبير، أو أجنبيين، ومعهم صغار وُلْدِه في الباب الذي يلي هذا. في حيازة الأب على من يولي عليه من ولده من صغير أو كبير وكيف إن سكن بعض ما حبس عليهم؟ من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس أرضا على ولده، وولد ولده، فكان يزرعها لولده، حتى مات، فذلك جائز، إن كان ولده أصاغر وبلغ يُوَلَّى على مثلهم. وقال ابن كنانة: إذا كان أبوهم كالقيم، يليها لهم فذلك جائز. وإن كان ذلك بكراء، فليُكْر من غيره. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم نحوه قال (¬2) إذا كان يلي عليهم، فحيازته لهم في الحبس،/ والصدقات البتل جائزة. وإن كانوا صغارا كلهم، فأشهد لهم، وقام بأمرهم في كراء إن كان بكراء، أو تمرة تُجْنَى، أو مرمة ما يُسترَمُ، ويُقامُ عليه من ذلك فذلك جائز حتى يبلغ الذكر، ويرشد حاله، ويدخل بالنساء وترضى أحوالهن، فليحوزوا لأنفسهم. فإن لم يفعلوا حتى مات الأب، بطلت الصدقة. وإن كانوا في حال سفة كلهم بعد البلوغ، ودخول النساء، فحوزة لهم حوز، وكذلك المرأة بعد البلوغ، وصلاح الحال، ولا تخرج من الولاية إلا بعد البناء. وأما إن كانوا صغارا، وكبارا، وفي الكبار من يُرْضَى حاله، فلم يحز الكبار لأنفسهم، ولا لغيرهم، حتى مات الأب، وذلك مشاع، لم يُعزَلْ للصغار شيء ¬
يحوزه الأب لهم، فذلك كله باطل. ولو أفرز حظ الصغار، وأشهد لهم على ذلك، فحازه لهم، ولم يَحُزِ الكبار جاز ما حاز للصغار، وبطل ما كان للكبار. ومن تصدق على قريب له صغير أو كبير سفيه، وحاز ذلك عليه، وهو أخ له، أو من ليس بولد فذلك باطل، إلا أن يكون وصيا عليهم، أو يجعل أجنبيا يحوز لهم ذلك، ويدفعه إليه، ويشهد عليه. وليس أحد كالأب، والوصية في حيازته له. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا حبس على ولده الصغار، والكبار حبسا، ووكل من يقوم به؛ فذلك له. فإن بلغوا كلهم، فأرادوا القيام بالحبس فليس لهم ذلك لأنه لم يرض بهم، والوكيل/ يقوم به بحاله. قال محمد: ولو لم يَكُنْ فيهم كبير يوم وكل الوكيل، فلهم إذا كبروا قبض حبسهم. فأما إذا كان فيهم كبير، فهو بمنزلة أن لو كانوا كبارا كلهم يومئذ. قال ابن القاسم: فإن مات الوكيل فليس له أن يوصي به إلى غيره، إلا أن يكون جعل ذلك الأب إليه. وقال أصبغ: وليرجع القيام بذلك (¬1) إلى المحبس، أو إلى وصية. قال: ومن حبس على ولده الصغار، وفيهم كبير، أو كان مع الصغار أجنبي، فحازه الأب كله لجميعهم، حتى مات. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك، أو (¬2) قالاه: إن الحبس يبطل كله، إذا لم يقبض الكبار الحبس. وقال عبد الملك مثل قولهما؛ في الحبس خاصة. وأما في صدقة البتل؛ يحوزها الأب للأصاغر والأكابر، فيجوز عنده حوزه للأصاغر، ويبطل حق الأكابر كانوا ولده، أو أجنبيين. وخالفه ابن القاسم، وأشهب، وقالا: هو مثل ما قال مالك في الحبس. ¬
وكذلك في المجموعة عن عبد الملك، وقاله معه أشهب، وابن كنانة في صدقة البتل. قال أشهب: إذا عرف أن الأب قد حازه للصغار، ومنع نفسه من منافعه قالوا: ولو كان حبسا لبطل. واحتج عبد الملك في الفرق بين الحبس، وصدقة البتل، فقال: لأن الحبس يحوزه بعض أهله لبعض ممن هو صغير، أو كبير، أو من لم يأت بعد، فكان فيه سبيل للحيازة وللجميع لحيازة الكبار له. فلما لم يحوزوا بطل حبسه. والصدقة البتل لا يحوزها إلا الأب/ للصغار، أو من قام مقامه فلا يجوز فيها حوز الكبار لغيرهم، فكان الأب أملك بالحيازة للصغار، وبطل حظ الكبار. ومن حبس على صغار من ولده، ودفعها إلى عبده، أو أم ولده؛ تحوز ذلك لهم؛ قال في المجموعة: أو إلى صغير منهم، فحوزها؛ قال في الكتابين: فليس ذلك بحوز. وكأنه قال: إما أحوزها، ثم حوزها من لا يخرج من مقدرته؛ لو شاء أخذها، فعل؛ فلا هو حازها، ولا حِيزَتْ عنه. قال محمد بن المواز: بل ذلك الحوز جائز. ومن يقوم له غير عبده، ومن هو في مقدرته. قال عبد الملك في المجموعة: ولو حوزها أباه بعد تمام الصدقة، ولم يشترط ذلك، في كتاب صدقته، فهذا لا تبطل به، وحيازة الأب لها أملك إذا لم يجعل ذلك لغيره، على أصلها. وفي كتاب الصدقة شيء من معنى هذا الباب وغيره. قال عبد الملك في المجموعة: وإذا تصدق على صغار ولده بصدقة بتل، وحوزها أجنبيا لهم، وكتب بذلك، وأشهد، ثم لم يَحُزْها الأجنبي، حتى مات الأب، أو فلس فهي باطل لأنه لما ذكر الحوز، لم يكلها إلى حيازته، وجعل حوزها لغيره، فلم يَحُزْها فهي باطل.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا سكن بعض ما حبس أو بتل (¬1) على ولده صغارا، وكبارا (¬2)، حتى مات، فذلك سواء في الحبس، أو الصدقة البتل، وهم صغار أو كبار إن سكن الأب (¬3) قدر الثلث، فأقل جاز الجميع إذا حاز الكبار باقيها. وإن سكن/ جلها، أو أكراها؛ وهم كبار، وهي دار واحدة فإن حاز الكبار باقيها، جاز ما حازوا، وبطل ما سكن حتى مات فيه. وإن كانوا صغارا، بطل كل شيء. وكبار ولده مثل الأجنبيين لا تبالي سكن ما سكن بكراء منهم، أو بشرط بغير كراء، أو سكن فتركوه حتى مات، فهو سواء إن كان يسيرا، وهم كبار، فحازوا ما بقي جاز الجميع. وإن لم يحوزوا ما بقي بطل الجميع، إن مات ولم يحوزوا. وإن كانوا صغارا، وسكن يسيرا جاز الجميع لأنه الحائز عليهم. وإن سكن كثيرا، بطل الجميع. وإن كان بعضهم يولى عليه، وبعضهم لا يولى عليه؛ فهم كالكبار كلهم لأن ذلك شائع. فإن أفرز ما للصغار منهم، جاز نصيبهم، وبطل حظ الكبار؛ إن لم يحوزوا حتى مات. وإن كانوا صغارا كلهم، فكان أبوهم الحائز عليهم، فبلغ أحدهم- يريد ورشد- فلم يحز الجميع، بطل كل شيء- يريد لأن ذلك مشاع- وإن كانت دورا، فسكن واحدة فذلك كالدار الواحدة، إن كانت جل الدور في القدر؛ بطل الجميع. قاله مالك. قال (¬4) محمد: كانوا صغارا، أو كبارا، إلا أن يجوز الكبار ما بقي. قال ابن القاسم: وإن كانت تبعا، جاز الجميع في الصغار، ويجوز للكبار الجميع أيضا إن حازوا ما بقي. وإذا كانت هي الأكثر، فإن حاز الكبار ما بقي جاز لهم ما حازوا فقط. قال مالك: ومن حبس داره على ولده، ثم تكاراها منهم بكراء نفذه لهم فذلك مردود، لا يجوز. ¬
مسائل مختلفة في الحبس
مسائل مختلفة في الحبس/ ومن كتاب ابن سحنون مما أجاب به سحنون شُرَحْبِيلَ بن يحيى: إنك كتبت أن أخوين أتياك في فندق، وذكر أحدهما أن أباه حبسه على ذكور [ولده، وأعقابهم، فإذا انقرضوا، فهو في سبيل الخير، وجاءني بكتاب على ذلك وبينة (¬1) لم تثبت، ثم أتاني بشاهدين شهدا عندي أنهما لم يزالا يسمعان منذ (¬2) سنين؛ أن أباهما حبس هذا الفندق على ولده، وأن أباهما هلك منذ أربعين سنة، وقد عدل هذان الشاهدان. وجاء ولده الآخر بكتاب فيه شهادة فلان وفلان أن وصية أبي خالد الأصبهاني صاحب الفندق، رفعت (¬3) إلى فلان بن فلان، إذ كان قاضيا، وفيها شهود قبلهم، فيها ذكر لحوانيت أنها (¬4) محبسة على المساكين، وليس فيها ذكر الفندق أنه حبس، وكان القاضي يقسم غلة الحوانيت على المساكين، في كل سنة، ويأمر بقسم غلة الفندق على ورثة أبي خالد على فرائض الله تعالى. وكان ابن أبي خالد إذ ذاك بالغا لا يدعي فيه حبسا، ولا يُسمَعُ ذلك منه. ولم تذكر أن هذا يثبت عندك، وذكرت أنه يثبت عندك أن هذين الأخوين، يستغلان هذا الفندق، على النصف لكل واحد منهما، وكان يسكنان على ذلك فالشاهدان اللذان شهدا أنهما لم يزالا يسمعان منذ سنين أن أباهما حبس هذا الفندق على ولده، أبهما (¬5) الشهادة على الحبس، ولم يذكرا أن ولده حازه، ولم يذكرا أنهما أدركا ذلك يحاز. فالحبس دون ورثته إن كان له ورثة غير ولديه/ هذين، وأنهما شهدا بالسماع، وهو في حوز غيرهم، يذكر فيه الحبس، وهذا فيه ضعف. فإن كان قد ثبت ما كان من القاضي الذي [كان] (¬6) قبلك، وكان عدلا، فليُؤْخَذْ به؛ لأنه [يثبت] أنه يحاز بالوراثة، دون الحبس من ضعف شهادة ¬
الحبس الذين لم يقطعوا بالسماع، بما يثبت به الحبس، فذكر أن القاضي قسم الغلة على الورثة، ولم [يذكر عدد] الورثة. فإن كان الورثة غير الولدين، فهو [قوة] أيضا. وإن لم يثبت عندك أمر القاضي، فأمر الشاهدين في السماع على ما قلت لك من الضعف، إلا أ، يشهدا على صحة الحوز، دون باقي الورثة، وذكرت أنهما كانا يغتلان الفندق نصفين، وثبت ذلك عندك فألزم الذي أقر أن ما في يديه حبس على غيره ولا شيء على الآخر. وكتب إليه شجرة في المسجدين أو القصرين المتقاربين من المرابطات، فيضع الناس في هذا وفي هذا السلاح، والأبنية ينتفع بها المرابطون، فيحتاج أهل هذا القصر إلى ما في هذا فينتفع به ويرده إلى حيث أخذه؛ أيجوز ذلك؟ فقال: أهل كل حضر أولى بما جعل فيه إلا أن يكون لهم أمر قد عرفوه أنه إذا جُعِلَ شيء في موضع ارتفق به الموضع الآخر. وكتب إليه شجرة: إنك أمرتني أن أكتب القائمين بمرابط قريش بالجزيرة منافعهم، فأتوني ببينة شهدت عندي بمحضر خصمائهم بني ليث، أنهم يعرفون مرسى قريش يرابط فيه من ولاية العكي إلى اليوم، وإن دواب المرابطين/ ترعى في الفحص الذي دون الوادي الجاري من جبل قريش في جهة الغرب ورأيتهم أكثر أسنانهم لم يدرك العكي. فكتب إليه: أما الشهادة على المرعى فذلك ضعيف. وأرى شهودهم شهدوا على جميع الحوز، والمسجد في الحوز منذ دهر، فأي شيء شئت. المسجد يرابط فيه منذ دهر وهم حضور أهم أباحوا ذلك للمرابطين، أو ما قضيته؟ فأرى الرباط حاز المسجد منذ دهر وهم حضور، والحوز يثبت الحق لمن حازه، إلا أن يقيم المدعي البينة على سبب الحوز، وما يثلمه ويفسخه. وأما من لم يدرك من الشهود زمن العكي في أسنانهم فلا تجز شهادته، إلا أن ينقل عن غيره.
تم الحبس الثاني بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد وآله
كتاب الصدقات والهبات
" بسم الله الرحمن الرحيم " والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه الجزء الأول من كتاب الصدقات والهبات جامع القول في الحيازة في الصدقات والهبات وشبهها وكيف إن مات أحدهما قبل ذلك أو سكنها المُعطِي بكراء أو شبهه بعد أن حيزت (¬1)؟ من كتاب ابن حبيب وغيره روى ابن وهب أن أبا بكر وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس قالوا: لا تجوز صدقة ولا عطية إلا بحوز قبض إلا للصغير من ولد المتصدق؛ فإن أباه يحوز له. قال ابن الماجشون: إلا ما سكن أو لبس حتى مات فيبطل ما تصدق به (¬2) على ابنه الصغير. ومن كتاب ابن المواز: ولا يتم حبس ولا صدقة ولا عمرى ولا/ سكنى ولا غيرها من العطايا والنحل والهبات التي على غير وجه البيع إلا بالحوز البين الذي يُعرَف (¬3)، ويُنظَرُ إليه في صحة المعطى. ولا ينفع قول المعطى ولا إقرار المعطى بالحيازة حتى تُعايَن البينة الحوز بعد العطية. وكذلك الرهن. ¬
وقال عمر بن الخطاب: إذا لم تُحَزِ العطية حتى مات المُعطِي فهي باطل. وقال الصديق لابنته لما مرض: لو كنت حزته لكان لك. ثم قال ابن المواز: فإذا مرض المعطي، أو فُلّسَ قبل الحوز؛ بطل ذلك، إلا أن يصح المريض، فيحاز عنه بعد ذلك، ويُقضَى للمعطى بالقبض، إن منعه. وأما موت المعطى فلا يحق لورثته القيام بطلبها. وأما إذا مات المعطي، قبل الحيازة؛ فالعطية تبطل إلا فيما أعطى لصغار بنيه، أو من يلي عليه؛ ما لم يَكُنْ ذلك عَيْناً. وهذا في الأب، والوصي فقط. ولا يجوز ذلك في أم، ولا جد، ولا أخ، أو غيره إلا أن يكون وصيا. وشيء آخر عذر به (¬1)، مثل الرجل يتصدق بالثوب ونحوه في سفره، ومثل الحاج يشتريه لأهله، فيُشْهِدُ على ذلك، ثم يموت في سفره؛ يُقَسَّمُ من رأس ماله، ولا ينفع أن يذكر ذلك حتى يشهد عليه إشهادا. وشيء آخر [ما كان من الحبس مما لا غلة له مثل سلاح ومصحف، فإذا خرج مرة فيما خلف فيه، ثم رجع إلى يده فهو نافذ، وإن مات وهو بيده فهو من رأس ماله. وشيء آخر أن الذي] (¬2) تحاز عنه الدار التي تصدق بها على قوم، فيحوزونها مثل السنة، أو أكثر، ثم يكتريها المتصدق، فيسكنها، فيموت فيها، فهي نافذة من رأس ماله. فأما على من لم يولد بعد فلا، ولاعلى أصاغر. وإن جاز ذلك هو أو غيره، حتى يكبروا،/ ويحوزه مثل السنة وأكثر، ثم يكتريها. وإن كنا نكره له ذلك من باب الرجوع في الصدقة. قال ابن المواز: وهذا الذي ذكرنا كله قول مالك وأصحابه لا يختلفون فيه. قال: وإذا حاز المعطى وسكن، ثم استضافه المعطي، فأضافه، أو مرض عنده حتى مات، أو اختفى عنده حتى مات فلا يضر ذلك العطية. ¬
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا حاز المتصدق عليه بالدار من أجنبي أو ولد كبير صدقته سنة، أو أكثر، ثم سكنها المتصدق حتى مات فيها، فذلك يختلف. أما مثل أن يمرض، فينقله المعطى إليه، فيدركه الموت فيها، أو كان مسافرا، فنزل به، فأضافه. أو طريدا، فآراه، فيدركه الموت بها فالصدقة تامة، ولو كان ذلك بعد حيازة المعطى بيوم. وما كان على غير هذا المعنى، فسكن فيها حتى مات، فذلك يُبطِلُ الصدقة. ولو تقدمت حيازة المعطى فيها الزمن الطويل، سكنها بأكثر، أو إسكان. قالا: وكذلك لو كتب له بذلك المعطي كتابا فأسكنه إياها حياته، أو أكراها منه مدة، بعد أن حازها المعطى زمانا طويلا ثم سكنها المعطي حتى مات؛ فهي أيضا باطل، كما لو سكن على هذا. وذهب ابن القاسم وأصبغ إلى أنه إذا حازها المعطى سنة ثم سكنها المعطي بكراء، أو منحة، أو بأي وجه؛ فإن ذلك لا يبطلها، وهي نافذة. ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: ومن تصدق على/ ابنتين (¬2) له بتمرة حائطة، ثم طاب، وجذ الناس، ولم يَجُدَّ حتى ماتت إحداهما قال (¬3): فحقها فيها قائم. ومن تصدق على رجل بدار أو حبسها عليه ثم تكاراها منه لم تتم هذه الصدقة، إلا أن يحوزها المعطى، وينقطع بها انقطاعا بينا، ثم يكريها منه، فذلك جائز. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن تصدق على بنيه الصغار بدار، فكان يكريها لهم، فلما بلغوا، قبضوها، وأكروها منه، فمات فيها، فهي جائزة؛ إذا كان ¬
بعد أن حازوها، وانقطعوا بالحيازة، وزال منها. وحد ذلك السنة والسنتان، وشبه ذلك. قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن تصدق على ابنته، وهي ذات زوج بمسكن، فخزن فيه الزوج طعامه (¬1)، وكان في يديه حتى مات الأب: إن ذلك حيازة للابنة وكفعلها. ولأن الأب إنما سلم ذلك إليه ليحوزه لزوجته. وقال أصبغ: لا يكون ذلك حيازة لها إلا بوكالتها. ورواه عن ابن القاسم، وبالأول أخذ ابن حبيب. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم: ومن تصدق على رجل بدار [فدفع مفتاحها إليه وبرئ منها] (¬2) إليه ليحوزها فذلك حيازة (¬3)، وإن لم يسكنها المعطى ولا أسكنها أحدا. قال ابن الماجشون ومطرف: وإذا حاز المعطي بعض الصدقة فله ما حاز منها. ولو تصدق على رجلين بصدقة، فحاز أحدهما بعضها، والآخر غائب، فما حاز منها الحاضر، فهو بينهما. وقاله كله (¬4) أصبغ./ ومن العتبية (¬5) روى [يحيى بن] (¬6) يحيى [عن ابن القاسم فيمن] (¬7) تصدق بدار على رجل، ودفع إليه مفتاحها، وبرئ إليه (¬8) منها ليحوزها فتلك حيازة وإن لم يسكنها هو، ولا أسكنها أحدا- يريد: وهي حاضرة بالبلد-. ¬
في الصدقة لا تجاز حتى يمرض المعطي أو يموت أو يجن أو يفلس
ومن كتاب ابن المواز: والموهوب لغير الثواب، إذا قبض الهبة، بغير علم الواهب، ولا أمره، حتى مات فذلك حوز لأنه لو منعه قُضِيَ عليه بذلك. قال مالك: ومن تصدق على ابن له بنخل فلم يَكُنْ في غلتها فضل عن عمالها، فكان عمال أبيه يعملون فيها، فلا بأس بذلك. قيل: فإن كان الأب يلي البيع، وإليه يُدفَعُ الثمن، وتُكتَبُ منه البراءة. قال: لا يعجبني (¬1) بل يلي الابن البيع. في الصدقة لا تُحازُ حتى يمرض المعطي أو يموت [أو يجن أو يفلس] (¬2) وكيف إن امتنع من دفعها أو أنكر فلم يقض عليه حتى مات؟ وكيف بما تصدق به في مرضه؟ من كتاب ابن المواز قال: وإذا مرض رجل، فعُلِمَ أنه تصدق بشيء في صحته، فقام المعطى الآن بقبضه منه ففيه اختلاف؛ فروى ابن القاسم عن مالك أن قبضه الآن لا يجوز. وإن كان غير وارث. واحتج بأن أبا بكر لم يُعْطِ ذلك عائشة لما مرض. وقال أشهب: يقضى له الآن ثلثها. فإن صح قضي له بباقيها. ولا أرى قول من قال: تجوز كلها من الثلث. ولا قول من أبطل جميعها لأنه لما مرضلا فله الحكم في ثلثه. نقول: ولم يُجِزْه الورثة بعد. قال ابن المواز: [وأظن جوابه يعني به] (¬3) أنه لم يدع غيرها فلذلك قال: ثلثها. قال/ أشهب: وقد ذهب ربيعة إلى أنه إذا لم يَحُزِ المعطى عطيته حتى مات المعطى؛ إن له ثلث العطية. ¬
وقال ابن شهاب، وغيره: هي للمعطى إن حملها الثلث. ولا أقول ما قالاه. قال ابن القاسم: وإذا منع المعطي في صحته المعطى من الحيازة، وخاصمه، فلم يقض عليه حتى مات الواهب. فإذا أوقف الإمام الهبة حتى ينظر في حجتهما فإنه يقضي له بها، كما لو قام في التفليس، في سلعته، فلم يقض له بها حتى مات المفلس. فقال مالك: فالبائع أحق بها. قال أشهب: اما إذا حال القاضي بين الواهب وبينها حتى لا يجوز حكمه فيها فليقض بما ثبت عنده فيها، كما كان يقضي في حياته. وأما إن لم يَكُنِ الواهب منع منها الموهوب له، ولم يطلبها فهي باطل إن مات الواهب. قال ابن المواز: ولا له إيقافها، إلا في البينة القريبة في البلد، مثل الساعة. وأما بنية بعيدة فلا يحال بين ربها وبينها، إلا بشاهد. والهبة في ذلك مثل الصدقة، إلا هبة الثوب. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن تصدق بدار، فطلبه المعطى، فأنكره، فخاصمه، فأقام بينة، فحكم له، فلم يقبضها حتى مات المُعطِي، فليس الحكم حوزا، كما لو كان مقرا حتى مات، فلا يكون إقراره حوزا. وقال مطرف: الحكم حوز، كما يقوم البائع بسلعته في التفليس، ويقيم بينة، فيموت المفلس قبل الحكم أنه يقضى له بها. وقاله أصبغ. وبقول ابن الماجشون أقول لأن المفلس لا يُقبَلُ إقراره لخصمه، وأن بينة المعطى إنما أثبتت إقرار المعطى، وهو لو أقر/ لم يُنْتَفَعْ بإقراره (دون) (¬1) القبض. قال ابن حبيب: إلا أن يكون الحكم بالصدقة [قد تم قبل] موته، ولم يُمْكِنْه القبض، فلا يضره موته. ¬
قال ابن الماجشون (¬1) ومطرف: ولو باع المعطي الصدقة قبل القبض، فلم يقبضها المشتري حتى مات المُعطِي؛ فالبيع حوز. قال أصبغ: ليس البيع حوزا. قالوا كلهم: ولو مات المعطى قبل أن يقبض أو يقبضها المشتري حتى مات المعطي، فالبيع حوز ببيع، وعليه دين فقام غريمه، فحازها، والمُعطَى غائب، فكانت بيده حتى مات المعطي، فذلك حيازة، إن كان دينه محيطا بماله، حازها بسلطان أو بغير سلطان. وإذا لم يقبض المعطى الصدقة، حتى مات المعطي، فقبضها بعد موته، فبناها، وغرسها. فإن ظن أن ذلك بحوزته، ومثله لأهل ذلك، فقد بنى بشبهةٍ وله قيمة ما بنى، أو غرس قائما. وإن كان يعرف أن صدقته باطل، فإنما له قيمته منقوضا، إن أحبوا. إلا أن يكون الكبار حوزوا له الصدقة ثم بنى، فله أنصباؤهم فيها، ويكون [في أنصباء الصغار] على ما ذكرنا. وقاله أصبغ. من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في امرأة تصدقت بعبد، أو دنانير، في صحتها، فلم تُحَزْ عنها حتى ذهب عقلها، فهي باطل كالموت. قال غيره: والمفلس. قال، عنه أصبغ: وإذا مرض المتصدق قبل الحوز فقد بطلت، يريد: إلا أن يصح. قال: ولا تُحازُ في مرضه، ولا يحاص بها أهل الوصايا، ولكن تُعزَلُ من رأس المال، كالإقرار لمن يُتَّهَمُ عليه، وتكون الوصايا في ثلث/ ما بقي. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال غلة داري في المساكين ثم مات ولم تخرج من يده فإن قال ذلك في مرضه فهي في ثلثه إن مات فيه- أراد الوصية أو البتل- وإن كان صحيحا فإن أراد الوصية فهي في ثلثه. وإن أراد البتل فهي باطل، وإن أشكل ذلك فأما في المريض فهو على الوصية. وإن صح حتى يُعلمَ ¬
في الحيازة في هبة الثواب وما يشبه الثواب
أنه أراد البتل. وأ/االصحيح فهي على البتل، حتى يعلم أنه أراد الوصية بأسباب ما يرى من قصد ذلك. ولم أجعل هبة الصدقة، إذا لم تُقْبَضْ، حتى مات في الثلث لأنها كانت من ولم أجعل هبة الصدقة، إذا لم تُقْبَضْ، حتى مات في الثلث لأنها كانت من رأس المال فلا تدخل في الثلث، وهو لم يستثن منها ثلثا، ولا غيره. وقد سبق فيها حوز للوارث بأمر واجب من الصدقة، فصارت كصدقة لم يجزها المعطى حتى باعها المعطي، أو ادان دينا، فردها الغرماء، أو تصدق بها على غيره، فحازها. وفي آخر كتاب الصدقة باب في الصدقة لا تُقْبَضُ، حتى يموت المتصدق، أو يُفَلّسَ، أو يُجَنَّ، أو يستدين دينا لابن حبيب، وهو من معاني هذا الباب. في الحيازة في هبة الثواب وما يشبه الثواب من كتاب محمد بن المواز قال ابن القاسم فيمن تصدق بحصته في قرية على أخت له، وقال: ذلك بما كنت أصبت من مورثها. فلم تَحُزْها الأخت حتى مات قال: ذلك نافذ لها لأنه بمعنى البيع، [ولا يحتاج فيه إلى حيازة، ولا شفعة فيه، لأن الثمن مجهول، وكذلك الهبة للثواب لا تحتاج إلى حيازة: ومن مات من معط أو معطى، فورثته بمثابته بخلاف العطايا] (¬1) والنحل، والأحباس. وكذلك إن قبض الموهوب/ هبة الثواب في حياة الواهب، ثم قام ورثته يطلبون الثواب فذلك لهم ما لم يتقادم ذلك، ويطول فيُتَّهَمُ الناس عليه. وكذلك في العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، وقال: ما لم يطل ذلك حتى [يرى أنه قد تركه، قال: فإذا قبض الموهوب الهبة لغير الثواب بغير علم الواهب ولا أمره حتى] (¬3) مات، فذلك حوز (لأنه لو منعه) (¬4) قضى عليه بذلك. وأما هبة الثواب، فلربها (أن يردها) إن قبضها (بعد إذنه إلا أن يثيبه]. ¬
وجه ما تحاز به الهبة والصدفة في الأرض بجميعها أو بجزء منها
قال ابن القاسم: فإن قال: أنا (أثيبه تُلُوَّمَ له). وقال أشهب: بل له أن يردها، ثم (يُتَلَوَّمُ للموهوب له) في الثواب، وبعد هذا أبواب في هبة الثواب مستوعبة. وجه ما تحاز به الهبة والصدقة في الأرض بجميعها أو بجزء منها ومن له نصيب في ارض فوهبه لرجل هبة فبنى المعطي في الأرض أو وهبه قطعة منها بعينها فبنى فيها أو بنى في جميعها من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون في الأرض يتصدق بها على أجنبي، وهي مما يزرع (ويعتمل) (¬1). فوجه الحيازة فيها أن يشهد فيها، (ويستذكرها ويخرج) إليها، ويعرف ذلك حيازته فيها، ويأخذ كتابا من القاضي إلى الناظر بذلك (البلد) من عامل، أو غيره بما تقرر عنده من صدقته بها. وبعض هذا (يجري من) بعض، و (ما يكرر)، فهو أحب إلينا. وذكر مطرف نحوه، ولم يذكر كتابا من القاضي، وقال: إذا أوقف عليها البينة فذلك جائز، وحدوها، فهو أحسن وأقوى. (وإن) حدها في كتاب الصدقة، ولم يوقف عليها البينة فذلك جائز، (وإن شهد من غير) / تحديد في كتاب فذلك جائز إذا سلمها إليه، ونزل فيها منزلته. وقال أصبغ كقول مطرف ما لم يأت عليها (إبان عملها)، فلم يعملها هذا، ولا هذا فتبطل، إلا أن يُعلَمَ أنه منع منها المعطى، فلا (¬2) يصدق الآخر برد العمل. وفي باب صدقة أحد الزوجين على صاحبه ذكر من وجه ما يحاز به الأرض. ¬
ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: وإنما يكون الإشهاد حيازة فيما لا يُعتَمَلُ كالدين، والشيء المهمل. قال مطرف، وابن الماجشون: وإن تصدق بنصيب له منها، فالحوز فيه الإشهاد، والإذاعة، وتحديد جميع الأرض بمحضر البينة، او تُحَدَّدُ في كتاب الصدقة. ولو لم يَكُنْ إلا الإشهاد، من غير تحديد، فهو يُجْزِى، إذا امتنع منها المُعطي، ونزل المعطى منزلته فيها، وقام مقامه، ودفعه عنها، وعمل فيها مع شركائه، أو وحده، قدر سهمه، أو أقل، أو اكثر، أو لم يَعْمَلْ شيئا، إلا أنه منع المعطى من عملها، ونزل منزلته فذلك حوز. ولو بنى فيها بناء يسكنه، أو غرس غرسا، وهو مقر بالشركة، فهو كالشريك الأول. فإن كان شركاؤه حضورا ينظرونه، فلم يُنكرُوا، فذلك كإذنهم (¬1) في البناء، ويعطوه قيمة البناء قائما، ويكون كأحدهم. يريد: يأخذ منهم بقدر حصصهم. قال: ثم يقتسمون ذلك وحده، كأنهم ورثوه مبنيا، أو مغروسا. وأما إن كانوا غيابا أو صغارا، أو تكلموا حين بنى فإنما تُقَسَّمُ الأرض كأنها براح فإن وقع ذلك للمتصدق مضى لبانيه. وإن وقع في غير سهم المتصدق/ فللذي صار في سهمه غرم قيمته ملقى للباني، أو يأمره بقلعه. وقال أصبغ: لا يعطيه في الوجيهن إلا قيمته ملقى. وكذلك قال ابن القاسم وكالأول. قال ابن حبيب: قال: وبه قال ابن كنانة، وابن نافع والمغيرة، وابن دينار. وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك: أن كل بان، أو غارس في أرض قوم بإذنهم، أو بعلمهم، فلم يمنعوه، فله قيمة ذلك قائما، كالباني بشبهة. قال مطرف: وإذا تصدق الشريك في الأرض بقطعة منها، فلبقية شركائه أن يجعلوا ذلك في حظه منها، ويُتِمُّوا له ما بقي، إن كانت أقل، ويُقَسَّموا سائرها فاتت القطعة أو لم تفت، ولا كلام له. وأما إن كانت أكثر من حقه، فأراد الباقون ¬
أن يأخذوا منه قيمة ما فات ثمنا. فإن لم تَفُتْ، فليس لهم ذلك، وليأخذوا حقهم من الأرض، من المعطي. وإن فاتت، ضمنوا للشريك قيمة الزائد، وإن كره. وإن وجدوه قد فلس (أخذوا) (¬1) قيمة ذلك من المعطى إن أحبوا، وإلا رجعوا بذلك (في الأرض). قالا: وإذا عمر (¬2) المعطى القطعة زمانا طويلا في مثله تنقطع حجة القائم، ثم قام الشركاء، فقال المعطى: لو كان لكم حق لقُمْتُم في طول حيازتي، وعمارتي. فإن كانوا حضوا فلا حق لهم فيه على المعطى، ويسأل المعطي فإن قال: إنما تصدقت به عليه، بعد أن صار لي دونكم. واحتج بهذه الحيازة، حلف، وصُدَّقَ، ولا طلب لهم (¬3) في قيمة ما تصدق به من حقوقهم، ولا في العوض فيما بقي في أيديهم./ وإن أقر أن حقهم فيما أعطى ضمن بشركائه أن يُضَمَّنوه قيمة ذلك دنانير. وإن شاءوا أخذوا عوض ذلك فيما بقي وجعلوا حقه فيما أعطى إن كان كفافا. فإن كان أكثر، أخذوا منه قيمة الزائد، وإن كان أقل فله ما بقي فيما بقي من الأرض شريكا به. وقال مثله أصبغ. وقال مطرف، وابن الماجشون: وإذا قاموا بحدثان الصدقة فقُسَّمَتِ الأرض كلها بالسهم. فإن وقع في سهم المتصدق ما كان أعطى قال مطرف: فذلك ماض للمعطى. فإن وقع في غير العطية، فللمعطى قدر سهم المعطي منها. وقال ابن الماجشون: ليس للمعطى إلا بقدر حق المعطي، من العطية فقط وقع سهم المتصدق في الصدقة، أو في غيرها. وبقول مطرف أقول [إذا وقع في سهم المعطي ما كان أعطى] (¬4) وقاله ابن القاسم وأصبغ. ¬
وأما إن وقع نصيبه في غير الصدقة فقد اتفق مطرف، وابن الماجشون أنه ليس للمعطي من ذلك إلا قدر حظ المعطي من الصدقة. وقال ابن القاسم: لا شيء له فيها. يراه كأنه استحق، وبه. قال أصبغ: وأباه ابن حبيب. قال مطرف وابن الماجشون: وإن أراد الشركاء أن يسوغوا (¬1) للمعطى ما أخذ، ويجعلوه حظ المعطي من الجميع فذلك لهم إن كان حيا، ولا خيار لهم في رده، وهو إنما تصدق به من (سبب) (¬2) حظه، فلزمه كان الشركاء حضورا، أو غُيَّباً، صغارا، أو كباراً. وإن كان المعطي ميتا فليس للشركاء أن يلزموا ذلك ورثته، إلا برضاهم لأنه إن لم يقع ذلك في سهمه بالقسم رجعت الصدقة ميراثا إلا قدر ما ينوبه من الصدقة./ وقاله أصبغ. قالوا (ولو شرط للمعطى أن لك عوضها إن وقعت في سهم (غيري لزمه) ذلك ما كان حيا. فإن مات قبل القسم، لم يلزمه ذلك، (وقاله أصبغ) ولو تصدق بجميع الأرض، فبناها المعطي بمحضر باقي الورثة، وطالت حيازته، وعمارته، وهو يدعيها ملكا له، فليقض له بها، ويسأل المعطي فإن قال: تصدقت بها، وقد صارت لي صدق مع يمينه، وتصير وحجته طول (¬3) حيازة المعطى. وإن أقر لهم بحقهم فيها (ضمن لهم) قيمة أنصبائهم. وإن مات المعطي قبل أن يُعرَف قوله فلا شيء لشركائه في ماله، إذا كانوا حضورا. وإن كانوا غُيَّباً، أو صغارا، قُسَّمِت الأرض. فما صار للمعطي أخذه المعطى ببنائه، وما صار لغيره دفع قيمة ما (فيه من) البناء إلى المعطى قائما لأنه بناء بشبهة. ¬
في هبة المشاع وإعماره ووجه الحيازة فيه
قال: وهو بخلاف بناء المعطي نفسه لأنه بناء فيما يعلمه لغيره، والآخر بناء فيما يضمنه لمعطيه. ولو علم من ذلك ما علم المعطي كان له قيمته نقضا. وقاله أصبغ. قال ابن الماجشون: (وإذا قام) المعطى في غيبة المعطي يطلب حيازة الصدقة (فلا) يسمع القاضي بينته بالصدقة، إلا أن يدفعه عن حيازتها دافع. أما ولد الغائب، أو من هو بسببه، فحينئذ يسمع بينته على الغائب، ويُستَأنى به بقدر مسافة سره. فإن جاء، وإلا حكم عليه، وحوزها للمعطى. ولا يُنتَظُر به بيان هل مات قبل ذلك، أو لم يَمُتْ، ثم إن أقام ورثته بعد ذلك بينة أنه مات قبل ذلك ردت الصدقة ميراثا. وقال مطرف: لا تُسمَعُ بينة على الغائب في الصدقة، ولا يُقضَى عليه حتى يحضر. بخلاف غيرها من الحقوق/ عنده. وقال أصبغ: تسمع فيها (البينة فإذا) حقت، أوقفها، وأوقف غلتها، حتى ينظر (أحي الغائب أم ميت). فإن كان حيا يومئذ، كان ذلك للمعطى. (وإن كان) ميتا، كان لورثته. قال ابن حبيب: وبقول ابن الماجشون أقول. وفي الباب الذي بعد هذا ذكر (هبة) المشاع فيه بقية هذا المعنى. في هبة المشاع وإعماره ووجه الحيازة فيه من عبد أو ربع وكيف إن أعتق باقي العبد؟ وكيف إن عمر المعطى الأرض أو ناحية منها؟ من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: قال مالك: تجوز الهبة، والصدقة بالمشاع، بثلث دار، أو نصفها، أو بنصف عبد، كما يجوز بيع ذلك.
قال ابن المواز: وما أعلم من أنكر هبة المشاع إلا بعض أهل (المشرق) (¬1)، وما لكراهيتهم ذلك وجه ولا حجة. ومن تصدقت (عليه) بنصف عبدك فالحوز فيه أن يخدمه يوما، ويخدُمَك يوما، أو (عشرة) أيام. فإن مت، فهو حوز تام، كان العبد بيد المعطى، أو بيد المعطي. وإن كان عبدا لغلة، وأجراه جميعا، واقتسما الغلة. وأما إن تصدق بشقص له في عبد، فلا يجوز أن يبقى بيد المتصدق منه شيء. ولكن يكون جميعه إما بيد الشريك، أو بيد المعطى أو بأيديهما. قال: وإن أسلم مصابته، وتكارى لمصابه شريكه بطلت صدقته، إلا أ، يخرج عنها. ومن أعمر رجلا نصف عبد/ فحوزه أن يخدم هذا جمعة، وهذا جُمعةً، أو شهرا بشهر. فإن أعتق سيده نصفه الباقي، عتق عليه كله، وأخذ من السيد نصف قيمته (هو) وأجر منه لهذا من يخدمه عمره. فإن هلك العبد قبل ذلك رجع ما بقي من القيمة إلى السيد. وإن هلك المخدم فكذلك. وإن (فنيت) (¬2) القيمة في حياتهما لم يَكُنْ له غير ذلك. ولو قيل: يشترى بالقيمة رقبة تخدم لم أعبه. والأول أحب إلى مالك، وابن القاسم. وقاله أشهب، وابن وهب. ولو أخدمه العبد كله، ثم أعتقه، لم يَجُزْ عتقه. ولو أن الذي أخدم نصفه، أعتق النصف، ولم يَكُنْ معه مال يقوم عليه بقي نصف المخدم في الخدمة، على حاله. فإذا تمت عُتِقَ جميعه. فإن بلغ الأجل، وسيده ميت فإن كان قد كان رفع إلى القاضي بحكم بإنفاد عتقه بفراغ الخدمة كان حرا بتهامها، من رأس ماله. وإن لم يكن رفع ذلك إلى قاض، فالنصف الذي أعتق جزء من رأس ماله، والنصف الآخر رقيق. ¬
قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن تصدق بنصف عبده على رجل، ثم أعتق نصفه بحدثانه أو بغير حدثانه، بعد قبض المعطى نصفه فالصدقة تامة، ويتم عتقه، ويؤدي المعتق نصف قيمته للمعطى نصفه. ولو تقدم العتق فإن رفع في حياته عتق كله، وبطلت الصدقة. وإن مات، أو فلس قبل ذلك تمت الصدقة. وإن كانت حيزت (¬1). وكذلك لو باع نصفه بعد العتق. وقاله ابن كنانة، وابن/ القاسم، وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم: ومن تصدق على رجل بمورثه من قرية مشاعا، فعمل [المعطى فيه وعمر] (¬2) مع الورثة بقدر حظه، حتى مات المعطي ثم اقتسم إخوته، بعد موته، فصار حظه للمعطى، فقال له ورثة المعطي: إنك لم تَحُزْ. قال ابن القاسم، وابن وهب: إن ما عمل حيازة تامة. قال ابن القاسم في امرأة تصدقت على رجل بمورثها، من دار مشاع فبنى في ناحية منها، وسكن فيها بلا مقاسمة، حتى ماتت المرأة: فهذه الصدقة رد، إلا أن يكون شركاؤه صالحوه، يرتفقون هم بناحية، وهو بناحية، فيكون ذلك حيازة. وكذلك روى عنه أصبغ في العتبية. قال أصبغ: إلا الموضع الذي بنى فيه، وحازه فإن حصة المعطي من عرصة ذلك البنيان له، وذلك فيه حيازة. قال ابن المواز: فإن لم يكن بقي للمرأة فيها حق فهي حيازة لأنها خرجت منها (¬3)، وانقطع الذي لها. وإن بقي لها فيها شيء فكما قال ابن القاسم. ¬
قال أصبغ في العتبية (¬1) ورواه أبو زيد عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز- فيمن تصدق بسهم له، في أرض، فعمد المعطى إلى قدر حق المعطي منها فعمره، أو أقل منه بمحضر الباقين، أو في غيبتهم، وهم يستغنون عنها، أو ضعفوا عن عملها قال: لا يكون له إلا نصيبه فيما عمر، وعمل. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إذا تصدق بعض الورثة، بناحية بعينها من الأرض، على رجل قبل/ قسمتهم قال: تُقسَّمُ الأرض كلها. فإن وقع للمتصدق تلك الناحية كانت للمعطى. وإن وقع له غيرها، بطلت الصدقة، وليس عليه أن يعوضه. وإن وقع له بعضها، كان ذلك البعض للمعطى. ولو قال المعطي: أقاسمكم هذه الأرض التي أعطاني بعينها. وهي تحمل القسم دون سائر أرض القرية، وأبى ذلك الورثة قال: ينظر فإن كانت في كرمها أو رداءتها لا تضاف إلى سائر الأرض قُسَّمَتْ وحدها، فيأخذ المعطى منها حصة المعطي. وإن كان يضاف إلى غيرها في القسم، فيما يوجبه الحكم بين الورثة، قُسَّمَ الجميع، وكان ما ذكرنا أولا. وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن تصدق في مرضه، على رجل بجميع دار أو عبد ليس له إلا النصف من ذلك. فإن تصدق به على شريكه فيه فليس للمعطى إلا حصة المعطي. وإن تصدق به على أجنبي فالعبد كله، وجميع الدار للمعطى إن رضي شريكه أن يسلم ذلك بقيمته. ثم رجع ابن القاسم، فقال: لا أرى للشريك، ولا للأجنبي إلا نصيب المتصدق إلا أن يبين، فيقول: اشتروا له نصيب صاحبي. أراه يريد: فيكون كمن قال: اشتروا عبد فلان لفلان. ومن كتاب ابن المواز: ومن تصدق على رجل بفدان من أرضه يختاره، فلم يَختَرْه (¬2) حتى استُحِقَّتْ تلك الأرض بحكم، فأقام بعد الحكم يخاصم، ويأتي ¬
بالشاهد، وبالحجة، وبغير ذلك، فطال الشغب بينهما، فأراد/ المستحق قطع شغبه منه، فصالحه [على نصفها] (¬1)، فطالبه الذي أعطاه الفدان فيُنظرُ فإن كان (يُظن) بربها أن لو بقي يخاصم لم يُدْرِكْ شيئا لضعف (مطلبه فلا) شيء لصاحب الفدان. وإن كان يرجى له لو تمادى (يخاصم) لرجع إليه في الظن، (فلصاحب) الفدان نصف فدانه يأخذه من حيث شاء، فما رجع إليه، إن كان لو خاصم، رجعت إليه لا شك، فيأخذ صاحب الفدان منه فدانه كاملا. وروى أشهب عن مالك فيمن تصدق بسهم من حائطه على مواليه، وأولادهم، وأولاد أولادهم يأكلون ثمرتها، فكانوا يأكلونها حتى مات آخرهم قال: إن لم يجعل لها مرجعا، فلترجع إلى المساكين تكون على يد الورثة، أو غيرهم من (التبعات) (¬2). وبعد هذا باب في هبة المشاع لولده الصغير. وفي كتاب القسم (مسألة) سحنون في أحد الورثة يهب لأخيه (نصيبه) من إحدى دارين، وهما يجمعان في القسم، كيف (يقسمان؟) وماذا يكون للمعطى من ذلك؟ ومن كتاب ابن سحنون من (سؤال) ابن حبيب: عمن تصدق على ابنته بربع حصة له من زيتون (¬3) شائع، وكان هو وابنته يقسمان التمر أقساما كذلك سنين، ثم طلب الأب الرجوع في ذلك، وقال: ما أخذت من التمرة فهو لها. وله أن يرجع في الأصول لأنها صدقة المشاع، وهي غير جائزة إذ لا تتم فيها الحيازة. وأ/امن ليس له إلا حصة من دار، فيتصدق بها على أحد، فقام مقامه فذلك جائز، وحيازة تامة. ثم سئل سحنون/ بعد ذلك عن صدقة المشاع، وباقي ذلك له، فقال: إذا قام عليه المعطى فله أن يقاسمه، ويحوز نصيبه. وإن لم يَقُمْ عليه حتى مات المعطي، بطلت الصدقة. ¬
وجه الحيازة في الصدقة بالشىء الغائب من أرض أو غيرها
وجه الحيازة في الصدقة بالشيء الغائب من أرض أو غيرها أو عبد أبق ومن تصدق بعبد غائب فأعتقه المعطى أو باعه أو وهبه من التبية من سماع ابن القاسم: ومن تصدق على ابنه الحاضر بدار ببلد آخر، فلم يحزها حتى مات الأب فإن كان صغيرا فذلك جائز. وأما في الكبير، فهي باطل وإن لم يُفَرَّطْ في الخروج. وكذلك الأجنبي. وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك. وقال ابن القاسم: وسواء فرط، أو لم يُفَرَّطْ. فأعدناها مرارا على مالك، فثبت على هذا. وقال أشهب: إذا أشهد ولم يُفَرَّطْ في القبض، ولعله قد تهيأ للخروج، أو وكل، فلم يخرج حتى مات الأب، فهي جائزة. وأما إن أمكنته الحيازة، ففرط حتى مات الأب فذلك باطل. قال ابن عبد الحكم: قال مالك فيمن تصدق على ابنه البالغ بدار (في غير بلاده) وأمر من يحوزها له، فمات الأب قبل أن تحاز: إنها جائزة. وقال ابن القاسم: وأشهب فيمن تصدق على رجل معه (بمصر بدار نافذ وأشهد) أنه قد قبض، وحاز فلا ينتفع بذلك إلا بالبينة على الحوز. قال أشهب: إلا أن تكون الدار (بيد) وكيل المعطى، فيكون ذلك قبضا إذا أشهدوا (علنا) (¬1). قال أشهب:/ والأرض التي في الصحراء، إذا وهبها (فحوزها) أن يسلمها إليه، ويخلي بينه وبينها. ¬
قال ابن حبيب: (قال لي مطرف): ومن تصدق على ابن له بضيعة له غائبة (أو رقيق) (¬1)، فلم يقبض حتى مات الأب، فأما الابن الصغير (فذلك جائز)، إذا أشهد (بذلك). وأما الكبير فذلك باطل عاجله موت الأب عن القبض، أو أمهله. فرط، أو لم يفرط. إلا أني أستحسن (¬2)، وليس بالقياس أنه إن خرج ساعة الصدقة، فوصل، وحاز، ثم ظهر أن حيازته، وقعت بعد موت أبيه بأيام إن ذلك يصح له لأنه لم يفرط إلا أن يقبض بعد العلم بموت أبيه فتبطل. ومن أبطلها في الوجه الآخر فلم يُخْطِىْ. والله أعلم. وقال ابن الماجشون: إذا لم يفرط في الخروج، فالصدقة تامة، قبض بعد موت الأب، أو قبله، علم بموته، أو لم يعلم إذا لم يفرط في الخروج، وهو على التفريط حتى يثبت أنه لم يفرط. فإذا ثبت ذلك، تمت الصدقة. وقال ابن كنانة مثله. وأخبرني أصبغ (عن) ابن القاسم بالقولين عن مالك أنها تصح له إذا لم يفرط (في الخروج). ثم رجع إلى أن ذلك باطل، إلا بالقبض. وبه قال أصبغ. فإن قال: مهما أشهد علي فهو على الإبعاد. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن تصدق بعبده الآبق على رجل، فطلبه المعطى واجتهد فلم يجده إلا بعد موت المعطي. قال: هو نافد له لأنه لم يكن بيد المعطي فالإشهاد فيه، وطلب المعطى إياه، كالحوز، كالدين. قال مطرف، وابن الماجشون فيمن تصدق بعبد غائب،/ فأعتقه المعطى، أو وهبه، أو باعه، ثم مات المعطي، قالا: فالعتق، والبيع حوز. قال مطرف: وكذلك الهبة. قال ابن الماجشون: ولا تكون الهبة حوزا لأنها محتاجة إلى حوز، ولا يحتاج العتق، والبيع إلى حوز. وقاله ابن القاسم. ¬
فيمن تصدق على رجل غائب أو بعث إليه بهبة أو هدية
قال أصبغ: وروى ابن وهب، عن مالك مثل قول مطرف، وقال أصبغ: لا يكون حوزا إلا في العتق وحده. وقال ابن حبيب: العتق والبيع حوز. وأما الهبة، فليس بحوز، إلا أن يحدث الثاني فيها عتقا، أو بيعا. ومن كتاب ابن المواز روى ابن وهب عن مالك فيمن تصدق بعبد غائب، فأعتقه الموهوب، أو وهبه، ثم مات المعطي قبل أن يقبض المعطى العبد. فإن أشهد المعطي على فعله، وأعلن فذلك نافذ في العتق والهبة، كما لو أعتقه الواهب في غيبته جاز عتقه وهبته، وإن لم يَبْلُغْ ذلك العبد حتى مات الواهب، وهو مذهب ابن القاسم، ويرى العتق حيازة. قال ابن القاسم: وإن لم يقبضه الموهوب الآخر، حتى مات الواهبان فلا شيء له. وقال أشهب: إذا وهبه الآخر، فمات السيد قبل أن يحوزه فهو له إذا وجده بعد موت السيد، أو الواهب. فيمن تصدق على رجل غائب أو بعث إليه بهبة أو هدية أو سر (¬1) إليه ذلك في سفره فلم يقبض حتى مات أحدهما ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه الكبير الغائب/ البعيد الغيبة بصدقة من عبد أو دار، فمات العبد (¬2) قبل الحيازة فذلك باطل. وهذا أحب ما سمعت إلي. ¬
وكذلك لو كان قريب الغيبة، يمكنه (القبض) (¬1)، فغاب الأب بنفسه، قبل القبض. قال عنه يحيى بن يحيى (ولو تصدق) على ثلاث بنين له أحدهم غائب، فقام الحاضران بالحيازة، فقاسمهما الأب، وحبس ثلث الغائب، فمات قبل أن يقدم قال: فلا شيء له، ولا يدخل على إخوته. ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (¬2) من سماع أشهب قال مالك فيمن تصدق في سفره على امرأته، أو ابنته- وليستا معه- بعبد معه، وأشهد بذلك. والعبد يخدمه، ومات السيد قبل أن يقدم فإن أشهد على الأبعاد، من يعرف المرأة أو الابنة فذلك نافد. وإن أشهد هكذا، من لا يعرفها فلا أدري ما هذا؟! وقال في كتاب ابن المواز: وكذلك ما اشترى في الحج، من هدايا لأهله، أو بعث رجلا بصلة، أو هدية إلى غائب، ثم يموت هو، أو المعطى، قبل أن يصل ذلك. فإذا أشهد في (ذلك) (¬3) في هدايا أهله فذلك نافذ، مات المعطي، أو المعطى. فإن لم (يشهد فمن) مات منها، دفع (¬4) ذلك إلى ورثة الميت. هكذا في كتاب ابن المواز وفي المدونة رجع إلى ورثه المعطي. ونحوه في كتاب ابن المواز في رواية أشهب عن مالك، قال: إذا لم يكن ذلك وصل إليهم، ولا أشهد إشهادا، وإنما كان يذكر ذلك للعدول عند الشراء، أو غيره فهذا من مات منهما، قبل أن يصل ذلك إلى المعطى فلا شيء فيه للمعطى. وكذلك المبعوث إليه لا شيء له، إن مات أحدهما، إذا لم يشهد/ الباعث أشهادا. قال محمد في المبعوث معه في السفر: إن ردها ضمن، ولو حضره خروج فليؤدها (¬5) في البلد فإن خرج بها، ضمن. ¬
قال ابن القاسم عن مالك: وإذا لم يدر المبعوث معه البضاعة، إلى فلان، ثم بعثها إليه، فمات فلان قبل أن تصل إليه فليردها هذا إلى الباعث. قال مالك: ولو أشهد أنها هدية له، ثم طلب الباعث استراجعها من الرسول، قبل أن يخرج فليس ذلك له. وإن كان إنما أرسل به فلا شيء فيه. وإن مات واحد (¬1) منهما قبل أن تصل فهي تُرَدُّ إلى الباعث، إلا أن يشهد فهي للمعطى، وإن لم يخرج بها الرسول. قال محمد: ولو بعث بها مع رجلين، وأشهدهما، فإن قال لهما: اشهدا علي. فهي على الإنفاذ. وقال لي ابن عبد الحكم عن ابن القاسم: إنه إن قال: ادفعا ذلك إلى فلان فإني وهبته ذلك. فهي شهادة، وإن لم يذكر فإني وهبته فليس بشيء. قال لي عنه ابن (¬2) أبي الغمر: وإن شهد الباعث، وهو واحد أنها هدية لفلان قضي بشهادته مع اليمين. قال محمد: أما إذا جاء الموت فهي ترجع إليه إلا أن يشهد إشهادا على الإنفاذ، أو تصل إلى المعطى. قال أشهب عن مالك: ولو شهدا فلا تتم حتى يكون قد أشهدهما إشهادا. وكذلك قال عنه ابن القاسم فيما (¬3) اشترى من هدايا في الحج لأهله فلا تنفع الشهادة فيه، حتى يشهدوا أنه أشهدهم. ولو قالوا سمعناه يقول: هذا لامرأتي وهذا لابنتي فلا ينفع ذلك حتى يقولوا: وأشهدنا على ذلك. وكذلك قال: فيما ¬
فيمن وهب لرجل شيئا له عند آخر وديعة أو رهنا أو عند غاصب
أهداه إلى رجل ومات المهدي. وقامت بينة فذلك ضعيف حتى يشهدهما. وكذلك ما يشتري لبعض أهله في حجته، ثم مات، فإن لم يشهد أو يصل ذلك إلى المعطى فهي ميراث، وقاله ابن القاسم، وأشهب. وما اشترى لنفسه من أضحية أو من هدي فلم يقلد ويشعر (¬1) حتى مات فذلك ميراث إلا أن يكون الهدي واجبا عليه فينفذ من رأس ماله، وما اشترى من ذلك لغيره، فإن أشهد وحيزت وإلا فهي ميراث إلا أن يكون قلد وأشعر فينفذ من رأس ماله عنه أو عن غيره. فيمن وهب لرجل شيئا له عند آخر وديعة أو رهنا أو عند غاصب (¬2) أو عند وكيله أو شيئا أعمره وله مرجع أو دينا على رجل أو ما بيد مبتاع بيعا فاسدا أو وهب ذلك كله لمن هو بيده هل تتم بذلك الحيازة؟ ومن تصدق على حاضر وجعل من يحوز له؟ من العتبية (¬3) قال سحنون عن ابن القاسم: ومن له عند رجل وديعة فقال: اشهدوا أني تصدقت بها على فلان، ولم يأمره بقبضها، ثم مات المتصدق قبل القبض، فإن علم الذي هي بيده. فتلك حيازة، وتتم وإن لم يعلم فذلك باطل لأنه إذا علم صار حائزا للمعطى، ثم ليس للمعطي أخذها، ولو دفعها إلى المعطي بعد علمه ضمنها. قال سحنون فيمن أعطى غلة كرمه لرجل سنين، أو سكنى داره، ثم تصدق بالدار على ابنه/ الصغير فذلك جائز (¬4) وحوز للابن، وأنه يحسن أن يشهد أنه ¬
جعل المعمر لابنه فرضا (¬1). وإن لم يشهد فذلك حوز للابن تام وإن سكتا (¬2). أن لو كان ذلك كله في فور واحد أن يشهد أنه منح السكنى. أو أصله لفلان كذا وكذا سنة ثم الرقبة لفلان وهو أقوى عندي. لأن أصحابنا اختلفوا فيها، فإن لم يكن في فور واحد فذلك جائز نافذ كله. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن أمتع رجلا أرضا حياته، ثم تصدق بها على آخر. فإن كان ذلك في فور واحد أمتع هذا وتُصُدَّقَ على هذا. فهي إذا رجعت للمتصدق عليه، لأنها عطية محوزة بحوز المعمر كالقائل: عبدي يخدم فلانا ثم هو لزيد بتلا. فهي حيازة لزيد حتى لو قُتِلَ العبد كانت قيمته لزيد. وأما إن تقدم الإمتاع ثم من بعد ذلك تصدق بها، فإن رجعت والمعطي حي كانت للمعطى. وإن رجعت وقد مات المعطي أو هو مريض، أو مفلس، فلا شيء للمعطى، وكذلك القول في إبتاله العبد لرجل بعد أن أخدمه لآخر. وقال مطرف: ذلك كله حيازة في الوجهين كان في فور واحد، أو بعد الإخدام والإسكان، ومرجع ذلك كله للمعطى. وقال ابن القاسم وأصبغ مثل قول مطرف. وبالأول أقول. ولو كان أبوه هو الذي أخدم أو أسكن ثم تصدق هذا بالمرجع [بعد موت أبيه وهو عالم بالعطية أو جاهل فذلك سواء] (¬3) فليس بحيازة عند ابن الماجشون، وهو حيازة عند مطرف وابن القاسم وأصبغ. وبه أقول. قال أصبغ في العتبية: ومن تصدق على/ ابنه الصغير بدنانير له عند عبده. وقال/ له: حُزْها لابني وأشهد على ذلك، فذلك نافذ، وإن كان العبد غائبا فأشهد على ذلك ودفع كتاب الدين إليه، أو إلى من يحوز له، فذلك جائز. ¬
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن تصدق على رجل بمائة دينار وكتب إلى وكيله يدفعها إليه، فدفع إليه خمسين ومطله بخمسين حتى مات المعطي فلا شيء له غير ما قبض، لأن وكيله كهو، وكذلك روى ابن حبيب عن مطرف وأصبغ عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز ابن القاسم وإن تصدق بدراهم على حاضر جائز الأمر، وجعلها بيد آخر وعلم المعطى وهو حاضر فلم يقم حتى مات، فإن لم تَنْهَ الحائز عن دفعها إليه إلا بإذنك فهي جائزة له. وإن نهيته فهي باطلة. محمد: وإن اشترطت فقلت للحائز: لا تدفعها إلأيه حتى يموت جازت له من الثلث، وإنما يجوز من هذا ما كان قد حبس عليه، وجعل الأصول بيد رجل. قال ابن القاسم وأشهب: وإذا رهنك ما قد أعاركه، أو أودعه عندك. أو آجره منك وهو بيدك، فقولك قد قبلت حيازة، وإن كنت ببلد آخر والهبة ببلد. وأما لو كان ذلك بيد غيرك بأحد هذه الوجوه فقال أشهب: فذلك نافذ إذا أشهد، مثل ما لو أعمر رجلا حائطا حياته، ثم قال بعد ذلك: ثم هي لفلان بتى، فإن ذلك نافذ عاش الواهب، أو مات. وقال ابن القاسم: إنما ذلك/ إن كانت بيد رجل محبس يريد حياته، أو عارية فيجوز فيكون حوزا للموهوب (¬1) عاش الواهب أو مات، وأما في الإجارة والرهن فلا يكون حوزا إلا أن يشترط أن الإجارة له مع الرقبة فيجوز ذلك ويكون قبضا. محمد: وقول ابن القاسم أصوب، والوديعة عندنا إذا جمع بينهما وأشهد، [كانت جائزة، وإن لم يقبضها الموهوب له حتى مات الواهب] (¬2) وكذلك إن قال له الموهوب: دعها لي بيدك، قال: ولو وهبها للمستودع فلم يَقُلْ قبلت حتى مات الواهب. قال ابن القاسم: فالقياس أن تبطل. وقال أشهب: بل هي جائزة وهي حيازة إلا أن يقول لا أقبل. محمد: وهو أحب إلي. ¬
وكذلك من وهبته هبة فلم يقل قبلت. وقد قبضها (¬1) لينظر رأيه فمات الواهب فهي ماضية إن رضيها، وله ردها. قال محمد: وكذلك من بعث بهبة إلى رجل وأشهد فلم تصل إليه حتى مات الباعث فله أن يقبلها فتكون من رأس ماله، وله ردها. قال ابن القاسم: ولو وهبته ما بيد غاصبك لم تكن حيازة الغاصب له حيازة، وكذلك ما في يدي خليفتك، وكذلك روى ابن حبيب عن أصبغ وعن ابن القاسم. محمد: كما لو قال: قبلتُها، ولي الخيار شهرا فمات الواهب فيه. وقال أشهب: ذلك قبض وحيازة للموهوب. قال محمد: قوله أحسن لأن الغاصب ضامن فهو كدين عليه، فيحوز إذا أشهد عليه. ومن باع عبده بيعا فاسدا ثم وهبه، قال ابن القاسم وأشهب: فإن قام به الموهوب قبل أن يدخله فوت/ قضي له به، وفسخ البيع، وإن فات بحوالة أسواق (¬2)، أو مات البائع فذلك باطل. قال محمد: وإن قام به قبل الفوت فهو أحق به وإن مات الواهب، وإن لم يقم حتى فات فالهبة باطلة، ولو أعتقه البائع كان عتقه كالقبض، فإن لم يكن فات بشيء كان حرا، ويرد البائع الثمن. قاله ابن القاسم، وقال أشهب لا يعتق إلا بعد وقوع الفسخ لأن ضمانه من غيره. قال أشهب: ولو فسخ بيعه بعد عتقه لم يجز العتق إلا أن يأتنف العتق، وقول ابن القاسم أحب إلي. قال ابن وهب عن مالك فيمن تصدق بعبد غائب فأعتقه الموهوب له، أو وهبه ثم مات المعطي قبل أن يقبض العبد، فإن أشهد المعطي على فعله، وأعلن ¬
فذلك نافذ في العتق والهبة، كما لو أعتقه الواهب في غيبته جاز عتقه وهبته (¬1) فإن لم يبلغ العبد ذلك حتى مات الواهب وهو مذهب ابن القاسم [ويرى العتق حيازة. قال ابن القاسم:] (¬2) وإن لم يقبضه الموهوب الآخر حتى مات الواهب فلا شيء له إذا وجده. قال أشهب إذا رضيه الآخر فمات السيد ولم يحزه فهو له إذا وجده بعد موت السيد أو الواهب. وإن وهبت العبد الرهن فليس حوز المرتهن حوزا بخلاف المخدم، إذ ليس للمخدم في رقبته حق، وحق المرتهن في رقبته، إلا أن يقبضه الموهوب قبل أن يحوزه المرتهن فهو أحق به إن كان الواهب مليا، ويعجل له حقه إلا في هبة الثواب فينفذ بكل حال، ويعجل للمرتهن حقه من غير الثواب، وإن كان لغير ثواب والواهب ملي ثم أعْدِمَ فليُتْبَعْ بالدين وتمضي الهبة. ومن وهب لرجل دينا عليه، قال مالك: وقوله قلبت حيازة. وقال أشهب مقوله. وإن لم يعلم به حتى مات الواهب، وأنا أحب أن لو أعلمه. وقد قال مالك في الذي يبعث بثوب، أو دابة صدقة على غائب وأشهد فإنه حوز وإن لم يصل حتى مات أو مات أحدهما. وإن وهبت لرجل دينك على غريم غائب، ودفعت إليه ذُكْرَ الحق، فإن لم يكن له ذكر حق وأشهدت وقبل الموهوب جاز لأن الدين هكذا يُقْبَضُ وليس هو شيئا. بعينه. قاله ابن القاسم، وقاله ابن وهب، وقال مالك كما ذكرنا، وقاله أشهب. قال: لأن الغريم لو حضر لم يكن الحوز عليه بأكثر من هذا. ولو قال: لا أرضى لم يَكُنْ ذلك له. وإذا تصدق وعليه دين محيط، فإن استحدث الدين قبل الحيازة لم تجز الصدقة. وإن استحدثه بعد أن حيزت فهي نافذة. فإن تلف ماله بعد الحيازة لم ¬
تُرَدَّ الهبة. ولو تلف قبل أن تحاز بطلت. وإن لم يُعْلَمْ أقبل الحيازة تلف ماله أم بعد فهي نافذة بالحوز حتى يعلم أنها حيزت بعد تلف المال أو بعد حدوث دين محيط. ابن حبيب عن أصبغ: وإن تصدق عليه بعارية له عند رجل أو دين، فمات المعطي قبل علم المعطى فذلك باطل حتى يعلم المعطى في حياة المعطي ويحال بالدين، ويقبض ذُكْر الحق إن كان له كتاب، ويحيله على العارية ويقبل ذلك. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في امرأة أرفقت زوجها بمنزل لها/ يُحرَثُ ويجنى تمره، ثم تصدقت به على ابن لها أو بنت متزوجة وأشهدت، وأذنت للابن في الحوز، فسأله الأب أن يبقيه بيده ففعل، وأشهد له أنه أعاره ذلك. قال: فتلك حيازة تامة حين أعار ما أعْطِيَ، فذلك كالقبض. وذكرها ابن حبيب عن ابن القاسم، وذكر أن محمد بن بشير كتب بها إليه فذكر مثله سواء. وأن ابن الماجشون، ومطرفا وابن عبد الحكم، وأصبغ قالوا مثله. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا تصدقت امرأة بخادم لها، في ذمة زوجها، على ابنتها، وأشهدت بذلك ثم ماتت الأم قبل أن تقبضها الابنة. قال: فهي لها نافذة. ومن أحال على دين له رجلا تصدق به عليه فذلك نافذ للمعطى.
جامع القول في الحيازة لما وهب لولده الصغير
جامع القول في الحيازة لما وهب لولده الصغير وكيف إن أدخل معه كبيرا أو أجنبيا أو تحبيسا؟ وكيف بما سكن من ذلك أو انتفع به؟ أو جعل من حوز له ثم اشتراه (¬1) من كتاب ابن حبيب: وقضى عثمان وغيره فيمن نحل ابنه الصغير نخلة أن له أن يلي ذلك له ويحوزه. قال مالك: يليه بوجه النظر له والتوفير. وكذلك لمن يولى عليه من بالغ أو بكر. قال ابن الماجشون فيما تصدق به عليه مما يُلبَسُ أو يُسكَنُ، فبقي يلبسه الأب ويسكنه بعد الصدقة فهو باطل، وإن سكن بعضه قل أو كثر حتى مات فيبطل ما سكن خاصة وإن قل، ويتم ما لم يسكن. هذا في صدقة البتل. وأما الحبس فإن قل/ ما سكن منها جاز ما سكن وما لم يسكن، وإن كثر ما سكنه منها بطل ما سكن وجاز ما لم يسكن. فأما غير المسكون والملبوس من كل شيء فالإشهاد عليها والإعلان بها حوز لها، كما جاء عن عثمان- رضي الله عنه- وسواء كانت أرضا فاحترثها، أو أكراها، أو منحها. أو جنانا فأكل ثمرتها، أو أطعمها، أو باعها باسمه أو اسم أبيه ذلك. أو كان عبدا فخارجه لنفسه، أو لولده أو أخدمه. أو كانت دابة فركبها أو حمل عليها، أو غنما فاحتلبها أو أكل نسلها، أو بقرا، فحرث بها أو درس، أو سيفا فتقلده، أو مصحفا فقرأ فيه. أو قوسا فرمى عنها. فهذا كله جائز لا تغير حيازته. والحيازة في ذلك الإشهاد والإشهار. وهذا قول علمائنا. قال: ولو أسكن الدار غيره عمرا، أ, مثل السنة ونحوها فذلك كسكناه هو، وتبطل الصدقة. وإن لم يُعلَمْ كان ذلك بكراء من الأب أو إسكانا فالصدقة جائزة. ولو سكنها الأب على أن ألزم نفسه كراءها لولده لبطت الصدقة. ¬
وأما الحوانيت التي تحاز فالإشهاد بالصدقة فيها حوز لأن الأب إن سكنها بطلت. وأما الأرحى التي تعمل فالإشهاد فيها حوز لابنه الصغير. وإن ولي الأب قبض غلتها باسمه أو اسم ابنه أنفق ذلك أو أتلفه لأبيه، وللابن اتباعه بكل ما قبض له من غلة ما تصدق عليه من دار أو حانوت أو عبد أو أرض أو تمرة، ويأخذ ذلك إلى أن يذكر الأب أنه كان ينفق ذلك عليه، فيحاسب به في نفقته. وقال مطرف/ مثله كله، وقاله كله أصبغ، وذكر مثله عن ابن القاسم وغيره أن الإشهاد يكفي للصغير في ذلك وإن وليه الأب، بالحرث في الأرض، والاستغلال في غيرها إلا ما سكن الأب أو لبس فلا يجزئ فيه الإشهاد حتى يخرج عنه. وأما ما يحرث من أرض أو يُغتَلُّ من ربع من أرحاء أو حانوت أو دار أو عبد، أو بستان، ولو أكل من ثمرها فذلك تام جائز. ومن العتبية (¬1) مما روى عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن حبيب أن محمد بن بشير كتب بها إلى ابن القاسم [فأجابه] (¬2) فيمن تصدق في صحته على ابنه الصغير برقيق ودور وعقار وأرحاء وقرى وأرضين، وفيها أشجار من زيتون، وفاكهة، صدقة بتلة، واشترط من الزيتون أقساطا من زيت كل عام لمسجد معروف أبدا حبسا، وجعل لابنته الصغيرة معه سكنى ما لم تُنْكَحْ، فيزول سكناها، وجعل فيها أيضا لأمهات أولاد له، وموال له من رجال ونساء بالسكنى حياتهم، مع ولده، ومن تزوج من النساء سقط حقها، وجعل لهم المرتفق بما تحت أيديهم من الأرض والشجر والمساكن ما أقاموا للابن بمرمه أرحيته، وعلاج سدها، وجلب ما يحتاج إليه من المطاحن ونحو ذلك. فإن تركوا ذلك فلا مرتفق لهم ولا سكنى. وما كان تحت أيديهم من ذلك فهو على الابن صدقة. ¬
قال ابن القاسم: فتلك الصدقة جائزة على الابن إن مات (¬1) الأب وهو صغير وإن كان ذلك في يدي الأب وهو يليه. وإن كان في الصدقة حوانيت أو/ مساكن أو حمام كان يُكرَى ذلك ولا يعلم باسمه أو باسم الابن يكريه، ولم يُشْهِدْ على ذلك، فتلك الغلة للابن جائزة إذا لم يسكنها الأب، او جلها، وإن سكن اليسير فله ما سكن وما لم يسكن. وأما ما استثنى من أقساط الزيت من الزيتون فلا يفسد صدقته. والأقساط يسيره، وسكناه المنزل من الدار بأكثر من هذا، وهو جائز. وقال مثله مالك فيمن حبس نخلا أو دورا على قوم واستثنى من النخل كيلا من التمر أو شيئا من غلة الدور. وتسمية القوم بأعيانهم آخرين (كذا) فإذا انقرضوا رجع ذلك إلى أهل الحبس أو كان ما استثنى يجريه على الفقراء، أو على مسجد بعينه، أو رجل بعينه إن ذلك كله جائز إذا حازه الذي حبس عليه، أو كان صغيرا يلي ذلك عليه الذي حبس. وكذلك ما جعل للموالي وجعل عليهم من القيام بأمر الأرحاء لولده فهو جائز، وأمر يُعَرف وجهه، وهو مما يقوي صدقة الابن، وحيازتهم لذلك مع حيازة الأب جائزة. وكذلك فيما شرط من سكنى موليات والابنة، وأن يرجع ذلك إلى الابن إن مُتْنَ أو تزوجن، فذلك جائز وقوة لصدقة الابن. كما قال مالك فيمن حبس عليه دارا حياته ثم هي لفلان بتلا إن حيازة المعمر حيازة للذي له المرجع. وقال مالك في صدقته على ابنه الصغير النخل أو الغنم أو المزرعة يأكل منها قال: لا بأس أن يأكل من تمر النخل ويشرب من لبن الغنم ويكتسي من صوفها. ¬
وما تصدق عليه من حيوان أو عروض أو عين، وجعل العين بيد/ غيره وحاز هو العروض والحيوان، ثم احتاج فلا بأس أن يأكل من ذلك. وإذا بلغ الصغير، ورشد فلم يقبض ما تصدق عليه به الأب وحازه له حتى مات الأب، فذلك باطل. قال ابن حبيب: وسألت مطرفا وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ عن ذلك كله فقالوا مثل ما ذكر ابن القاسم من ذلك كله. قال عيسى عن ابن القاسم: وأجاز مالك فيمن تصدق على ابنه الصغير بعيد، وهو معه في بيت، يخدم الأب والابن حتى مات الأب، فذلك نافذ فالعقار والشجر أبين من العبيد (¬1). وبخلاف ما يُسكَنُ، ويلبس. قال مالك: ولو تصدق عليه بالعبد فيقيم بيده ما شاء الله ثم يبيعه بثمن وأشهد بذلك، وبأنه تسلف الثمن فذلك نافذ للابن إن مات الأب. وقال سحنون قال ابن القاسم: وإذا قال غلة حائطي لابني الصغير، ولفلان منه خمسة أوسق. فكان الحائط في يديه يليه، ويخرج منه للأجنبي خمسة أوسق حتى مات الأب فهي صدقة جائزة لهما. ولو قال: غلة حائطي لفلان وللمساكين. وكان في يديه يخرج غلته للمساكين ولفلان حتى مات، فذلك باطل. بخلاف الأول. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أشهد لابنيه الصغيرين وليس له ولد غيرهما برقيق له، وكانت الرقيق في ملكه وضيعته وحرثه وحصاده ورعي غنمه حتى مات. وأوصى بوصايا بأمر الرقيق. وإن بطلت الصدقة هل (¬2) تدخل فيها الوصايا؟ فكتب إليه:/ ليس تكون الصدقات هكذا، إذا لم يُعْرَف حوزة لابنيه، فيما ينظر به لهما، ولم يغير ذلك ولا زالوا من ملكه وعمله ¬
الذي كانا يعملان، لم يُغَيَّرا عن ذلك فالصدقة باطلة، والثلث يُحسَبُ فيهم، وفي جميع ماله. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإن تصدق أو حبس على صغار ولده وجعل من يحوز لهم وأشهد بذلك، وحازها من أقامه ثم مات الأب فيوجد ذلك بيده قد استرده من حيازة الحائز. قالا: يبطل ذلك وإن كان الأب تجوز حيازته له فإنه حين حوزها غيره، فكأنه أبطل حيازته هو، ويعد رجوعها إلى يده رجوعا. قال مطرف: إلا أن يكون أشهد الأب أنه رد حيازتها إليه وقبضها على ذلك، فيجوز ذلك لهم. وقال ابن الماجشون: لا ينفع ذلك إلا أن يكون حدث من الذي كان يحوزها سفها وسوء ولاية فيجوز ذلك إذا أشهد. قال مثله أصبغ، وبه أقول. قال ابن حبيب قال أصبغ فيمن تصدق على ابنه الصغير بدار فلم يخرج منها حتى باعها، ثم لم يقبضها مبتاعها حتى مات الأب فيها، فأرى الصدقة جائزة للولد، والثمن له، لأنه إنما مات في دار ملكها المشتري وسواء باعها لولده باسمه، أو جهل ذلك فلم يُدْرَ لمن باع للولد أو لنفسه فذلك على أنه للابن نظرا له، حتى تشهد البينة أنه باع ذلك لنفسه استرجاعا لصدقته. فإن عُثِرَ على ذلك في حياته رد البيع ورجعت الدار للولد. وإن لم يعثر عليه حتى مات الأب/ فالصدقة باطلة، والبيع نافذ، وسواء مات فيها أو كان المشتري قبضها. وأما لو حرم منها بعد الصدقة ثم باعها، فسواء باعها لنفسه استرجاعا لها أو على غير ذلك فالبيع مردود للولد. وسواء مات الأب، أو لم يَمُتْ، ويرجع المشتري بالثمن على الأب في تركته إن مات. وإن لم يترك شيئا فلا شيء على الابن. ومن المستخرجة (¬1) قال عنه عيسى بن دينار: [قال مالك] (¬2) وإذا تصدق على ولده الصغار بالغلة، فكان يكريها لهم فذلك جائز إذا أشهد. وإن لم يكتب ¬
الكراء بأسمائهم. وأنكر قول من قال: إذا كتب الكراء باسمه لم يجز، وعابه. وكذلك روى عنه أصبغ. [عن ابن القاسم] (¬1). وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في كتاب الشفعة: إذا تصدق على ابنه الصغير بأندر وأشهد بذلك، وأشهده فهو يجوز له إلا أن يكون الأب يعمل فيه لنفسه وبماله كما كان فيبطل ذلك. وقال أشهب: هو كالمسكن لا يتم حوزه له حتى يبرأ منه. وإن درس فيه وانتفع حتى مات فهو باطل. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه بدار فسكن منها طبقا حتى مات، ما حد ما لا تبطل به الصدقة من ذلك؟ قال: إن سكن الثلث فأدنى، فالصدقة ماضية. وإن كان أكثر، فلا صدقة له. ومن كتاب ابن المواز: ومن نحل ابنته البكر دارا وأشهد، ثم سكنها فذلك باطل. قال ابن القاسم عن مالك في العبد يَصَدَّقُ به على ابنه الصغير، ويستخدمه الأب، وربما خدم الابن ذلك/ نافذ. وقاله ابن القاسم. وقال أشهب: لا يجوز إذا كان في خدمة الأب. وذكر نحوه عن مالك. قال أشهب: وكذلك في عطيته له العبد، أو الجارية أو الدابة. وحاز ذلك للابن واستعمله في حوائج الابن، ويستعمله الأب أيضا في حوائجه، ثم يموت على ذلك فذلك باطل، إلا أن يستعمله الأمر اليسير، فيجوز. قال مالك فيمن نحل ابنه الصغير خيلا، ووسمها له وتركها في خيله فلا تنفعه السمة إذا كانت في خيل الأب يركبها حتى يكون لا يركبها، ولا ينتفع بها. قال أبو محمد: والباب الذي بعد هذا فيه فيمن تصدق على ابنه بربع، فسكنه، أو سكن بعضه. وباب بعده فيمن وهب لبنيه وفيهم صغار وكبار. ¬
فيمن حبس أو تصدق على ولده الصغير أو الكبير بربع ثم سكنه
فيمن حبس أو تصدق على ولده الصغير أو الكبير بربع ثم سكنه أو سكن بعضه (¬1) قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإذا حبس أو تصدق على صغار ولده أو على الكبار دارا أو دورا فسكن البعض وحاز الصغار ما بقي، أو حاز الكبار ما بقي. قالا: فأما الصدقة البتل فيبطل ما سكن ويصح ما لم يسكن كان ما سكن قليلا أو كثيرا. كان ما تصدق به دارا أو دورا سكن اكثر ذلك أو أقله. ويجوز ما لم يسكن للصغار، أو للكبار. وأما إن كان حبسا، فإنه إن سكن أيسر ذلك مثل دار من دور ليست بجلها، أو منزلا من منازل دار ذات مساكن،/ وحاز ما في ذلك لمن يلي عليه فذلك نافذ لأنه يُقَدَّرُ بذلك إذ هو وليها لأهلها ويقول: أكون بحضرتها، وبإزاء عمارتها وتدبير أمرها وإسكان أهلها. وأما إن وليها غيره مثل أن يسند ولايتها إلى غيره يحوزها للصغار من بنيه، أو كانت على كبار ولده يحوزون لأنفسهم، فأبطل ما سكن قل، أو كثر، وأجز ما لم يسكن قل أو كثر مما حيز عليه أو حازه هو لمن يليه. وقال ابن القاسم: إن حاز يسيرا جاز ما سكن، وما لم يَسكُنْ في صدقة البتل، وفي الحبس. وإن سكن كثيرا بطل ما سكن، وما لم يسكن في صدقة البتل والحبس. وأما على الكبار فإن سكن كثيرا بطل ما سكن فقط، وجاز ما حيز قل أو كثر، كان ذلك حبسا أو بتلا. وإن سكن يسيرا، فأجز ما سكن وما لم يسكن إذا حازوا ما لم يسكن. قال أصبغ: وأنا أقول: إن كانت دورا فإن ما سكن منها من دار صغُرَتْ، أو كبُرَتْ، فأشغلها أو جلها فهي باطل، ويصح غيرها قل، أو كثر، مما حازه الصغار، أو حازه الكبار لأن كل دار منها تصير حبسا على حدة. وأما دار واحدة ¬
فيمن تصدق على بنيه وفيهم أصاغر وأكابر فلم يحز الأكابر
ذات منازل فإن سكن منها يسيرا جازت كلها. وإن سكن أكثرها بطل ما سكن واستغل، وجاز باقيها إذا حازه أو حيز عنه، ويتفق فيه الصغار، والكبار. وبقول مطرف وعبد الملك أقول. قال أبو محمد: وبعد هذا باب فيمن تصدق على صغار بنيه ثم مات فادعى الأكابر أنه كان يسكن ذلك، أو يحرثه لنفسه./ فيمن تصدق على بنيه وفيهم أصاغر وأكابر فلم يحز الأكابر من العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم: ومن تصدق في صحته على ولده الأصاغر، والأكابر فلم يحز الأكابر، حتى مات الأب فإن نصيب الصغار يجوز، ويبطل نصيب الأكابر. وقال ابن القاسم في المدونة: يبطل حظ الأصاغر والأكابر. وكذلك ذكر عنه ابن حبيب، وذكر سحنون القول الآخر عن ابن نافع وعلي بن زياد عن مالك. وقد جرى في كتاب الأحباس من هذا المعنى كله. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب فيمن وهب لأجنبي ولابن له صغير عبدا وأشهد بذلك فلم بقبض الأجنبي حتى هلك الأب، قال: فهو مثل ما قال مالك فيمن حبس على بنيه وفيهم أكابر وأصاغر فلم يحز الكبير حتى مات الأب إن الجميع يبطل، وقال ابن القاسم وأشهب عن مالك إنه قال: إذا أفرزه من ماله ومنع نفسه من منافعه فنصيب الصغير جائز، ويبطل حظ الكبير والصدقة والحبس سواء. وقال محمد: ليس لمالك في صدقة البتل شيء، ولا يروى عنه إلا في الحبس، وأنا أستحسن قول عبد الملك لأن صدقة البتل حوزها في أصاغر الأب. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إذا تصدق أو حبس على بنيه أصاغر وأكابر. والأكابر مرضيون، فلم يحوزوا لأنفسهم ولم يَحُزْ للأصاغر
فيمن تصدق على بنيه الصغار بدار أو أرض فادعى الأكابر أنه كان يسكن الدار
غير الأب حتى مات قالا: فأما الصدقة البتل فيجوز حوز الأب فيها على الأصاغر لأنه شيء ينقسم، ويبطل نصيب الأكابر إذا لم يحوزوا حتى مات الأب. وأما الحبس فإنه يبطل في حظ الأصاغر والأكابر إذ لا يُقَسَّمُ، ولا يتم حوز الأب للصغار في الحبس إلا فيما كان لهم خالصا لا يشاركهم فيه كبير مرضي. وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: إنه يبطل حظ الأصاغر والأكابر، في صدقة البتل، أو الحبس، إذا كان ذلك على صغار وكبار إذا شارك الأصاغر كبير مرضي، وهو شائع لم يُقسَّمْه بينهم. وقال ابن حبيب: وبقول مطرف./ وابن الماجشون أقول: وروياه عن مالك. ورواه ابن وهب عنه. وقاله المغيرة، وابن دينار، وابن كنانة، وابن نافع، وأشهب. قال ابن حبيب: إلا أن يكون الأب قسم ذلك إما في أصل الصدقة وأصل الحبس أو بعد ذلك وميز حظ الأصاغر، فيبطل حظ الأكابر إن لم يحوزوا، ويصح حظ الأصاغر. وسواء كان ذلك صدقة بتلا، أو حبسا وهذا مجتمع عليه من أصحاب مالك إذا قسم. فيمن تصدق على بنيه الصغار بدار أو أرض فادعى الأكابر بعد موته أنه كان يسكن الدار ويحرث الأرض لنفسه من العتبية قال أصبغ فيمن تصدق بدار أو أرض على بنيه الصغار ثم مات: فادعى الكبار من ولده أنه كان يسكن الدار ويحرث الأرض، يريد لنفسه، وأنكر ذلك الصغار وقالوا: لا علم لنا. قال: أما الأرض فهي حيازة بينة حتى يقيم الكبار بينة أنه كان يحرثها لنفسه دون الصغار، على حسب ما كانت قبل الصدقة، حتى مات. وإن لم يَكُنْ ذلك ببينة فهي للصغار محازة، وهذا أولى
في الحيازة فيما يهب لابنه الصغير مما لا يعرف بعينه
مما (¬1) قيل غير هذا، كما لو طرأ عليه دين، ولا يعلم أقبل الصدقة هو أم بعدها فعلى أهل الدين البينة. وإلا فهي ماضية. وقاله سحنون في موضع آخر. وابن القاسم يقول في المدونة: وعلى الورثة البينة. قال أصبغ: وكذلك الدار إذا لم يسكنها. وإنما تفترق الدار من الأرض، في النحل من الدار، كأنه يمكن معرفة أنه يسكنها، أو لا يسكنها. فإذا عرف أنه لم يكن يسكنها أو عرف أنه تخلى عنها أو لم يشغلها بجسمه وماله فإنها حيازة. وإن لم يُدْرَ أكان يسكنها أم لا، فإن لم يُعْرَفْ أنه سكنها قط ولا ثبت من إشغالها فهي صدقة جائزة. وإن عرف أنه سكنها قبل الصدقة فالبينة على أهل الصدقة بالتخلي عنها، وذلك إن عرف سكناه إياها كلها- يريد أو جلها- قبل الصدقة. في الحيازة فيما يهب لابنه الصغير مما لا يُعْرَفُ بعينه وكيف بما وهبه من دين ثم اقتضاه أو لم يقتضه أو عرضا ثم باعه أو وهبه مالا جعله له بيد غيره ثم تسلفه أو لم يَتَسَلَّفْه من العتبية من سماع ابن القاسم، وعمن حلى صبيا له حليا ثم مات الأب، قال: هو للصبي. دون الورثة. قال: وإذا تصدق عليه بدنانير، وأفرزها وطبع عليها، وبقيت بيده حتى مات فذلك باطل حتى يخرجها عن يده إلى غيره في صحته. وقال ابن القاسم. وإن تصدق على ابنه بمائة دينار، وأفرزها ثم تسلفها الأب قال: فلا شيء فيها للابن إن مات الأب وهي عليه. ¬
قال عيسى عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه الصغير بدنانير وعمل له فيها فمات وهي بيده قال: هي باطل. قيل: فإن أنفذها./ له الورثة ثم رجعوا فيها. قال: اختلف الناس في ذلك، وأنا أرى أن يحلفوا إن كانوا ممن يجهل ذلك. أنهم ما أنفذوا ذلك إلا ظنا أن ذلك يلزمهم، ويرجعون في ذلك. من كتاب ابن المواز عن مالك. وقال ابن حبيب قال مطرف عن مالك فيمن تصدق على ابنه الصغير في صحته بدنانير أو دراهم وصر ذلك في صرة وأشهد بذلك وختمها بحضرة البينة، ورفعها عن نفسه، فتوجد عند موته: إنها نافدة، ختم عليها الشهود، أو لم يختموا. وإن ختموا كان أقوى وأحسن. وقاله ابن الماجشون، وابن نافع والمدنيون. وأباه المصريون ابن القاسم، وغيره. وبه قال أصبغ إنه لا يجوز حتى يخرجها عن يده إلى حيازة غيره. وبالأول أقول. قال ابن المواز قال مالك: هي باطل، وإن طبع عليها الشهود والأب. قال مالك: وتجوز حيازته فيما وهبه لهلا من عرض، أو عبد، أو حلي، أو ثوب إذا أِشهد. وأما الدنانير والدراهم فلا حتى يضعها على يد غيره. ولو وهبه دينا له على رجل فذلك جائز، وإن مات الأب قبل قبضه فهو نافذ. وكذلك لو قبضه ثم مات وهو بيده فذلك نافذ. وإن تصدق عليه بدين باعه فذلك نافد. قال ابن القاسم في العتبية: وإن تسلفه بعد ذلك، فهو نافد، وهي في باب الحيازة. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن تصدق على ابنه/ الصغير بدار، أو عبد، ثم باعه مكانه فإن ذلك في مال الأب في حياته وبعد مماته، بخلاف ما لو تصدق عليه بالعين، ثم لم يجعل من يحوزها، أو يطبع عليها بمحضر بينة، ويبقيها عنده. فإذا فعل في العين هكذا، ثم وجدت [كذلك بعد موته جازت
وروياه عن] (¬1) مالك. وإن لم توجد كذلك بطُلَتْ مثل ما قلنا في الصدقة تُجعَلُ بيد من يحوزها للصغار، ثم يأخذها منه فيموت وهي بيده. وقد ذكرنا غير ما ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم، في العين يطبع عليه. ومن العتبية قال عبد المالك بن الحسن عن ابن وهب فيمن تصدق على ابنه الصغير أو ابنته البكر بكتابة مكاتبة، ثم قبضها الأب فقيم بها وثبتت الصدقة وقبضه للكتابة قال: لا تتم الصدقة، ولم تَكُنْ فيها حيازة بينة. وقال أشهب مثله إلا أ، يضعها على يدي غيره. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن تصدق على ابنه الصغير بمائة دينار، وجعلها له على يد غيره [ثم تسلفها] (¬2) ثم مات فذلك باطل. بخلاف ما لو وهبه دينا ثم قبضه الأب، أو عبدا ثم باعه له، ومات وهو بيده وهذا نافذ. قال ابن القاسم: إن أجاز له الورثة المائة التي أفرزها له يعني بيد غيره، ثم قبضها، ثم رجعوا فإن كان مثلهم يجهل أن ذلك يلزمه حلفوا أنهم ظنوا ذلك، ورجعوا، فلهم الرجوع. وإن تصدق/ عليه بمائة دينار عند عبده؛ فإن كان العبد حاضرا فأمره بحيازة ما عنده لابنه؛ فذلك جائز، وإن كان غائبا فأشهد له، ودفع كتاب الدين إن كان له كتاب إلى من حازه له فذلك جائز. قال ابن المواز: لا يعجبني لأن عبده بيده، وتحت مقدرته. والذي قال ابن المواز مذهب ابن الماجشون. وقد ذكرناه في الأحباس وغيره. ومن أن إلى رجل بمال فقال: أمسكه عندك فإنه لابني الصغير فلان تصدقت به عليه. ثم مات الأب فلا يجوز ذلك إلا بشهادة آخر معه. وليُوقَفِ المال حتى يكبر الغلام فيحلف معه، ويأخذه. كقول مالك في البضاعة يُبعَثُ بها إلى الرجل، فيزعم الرسول أنه أمره بدفعها إلى فلان صدقة عليه. ¬
فيمن تصدق بشيء على أجنبي أو على ولده فلم يجز عليه حتى أحدث بيعا أو صدقة
قال: ولُدْفَعْ صدقة الغلام إلى الورثة بحميل ثقة فإذا كبر، حلف، وأخذه. قال ابن القاسم: وأما إن تصدق عليه بعطائه فليس بشيء حتى يقبض في صحة منه. قال أصبغ: قال ابن وهب: ذلك نافد. ورُوِيَ أن عمر بن عبد العزيز قضى به. وقاله أصبغ، ورأى كتابه كالوعد أن يعينه في نكاحه إن نكح. أو في شراء جارية، أو في دين إذا داين به. وقد روي أن رأي المومن واجب. قال ابن المواز: والذي آخذ به فيمن أشهد على نفسه فذلك لازم ما لم يمت المعطي إلا أن يضمن ذلك في نكاح أو شراء. فيمن تصدق بشيء على أجنبي أو على ولده فلم يُحَزْ عليه حتى أحدث فيه بيعا أو صدقة أو عتقا أو كان دينا فاقتضاه وكيف إن كان الابن صغيراً؟ من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن تصدق بشيء أو وهبه فلم يُحَزْ عنه حتى تصدق به على آخر وحازه الثاني؛ فالأول أولى ويُؤْخَذُ من يد الآخر. قال ابن المواز: وليس هذا بشيء، والحوز أولى. وقد قال هو وأشهب وأصحابهما: وكذلك إن أحدث فيه بيعا فالبيع أولى إذ البيع حوز وإن لم يُقْبَضْ لأنه يضمنه، وتبطل الصدقة، ولا شيء للمتصدق عليه من الثمن. واضطرب ابن القاسم فيه فروى عنه أبو زيد في دار تصدق بها على رجل ثم باعها أن يرد البيع، ويأخذ المعطى عطيته. وكذلك الهبة. قال ابن القاسم: ومن جعل داره في السبيل ثم باعها لم أفسخ البيع. وقال: فكل ما لا أقضي بإخراجه من يده فأحدث فيه بيعا لم أفسخه.
وقال أيضا: إن لم يعلم الأول فهي للأول، ويُفسَخُ البيع الحادث، والصدقة الحادثة. وإن فات فالأول مخير في أخذ الثمن أو القيمة. ولو أحدث فيها عتقا لم يرد علم الأول، أو (¬1) العتق. وكذلك لو كانت أمة، فحملت منه (¬2). وكذلك في العتبية عن ابن القاسم في الحمل والإيلاد من رواية أصبغ، ومحمد بن خالد عنه. قيل له في رواية محمد بن خالد فهل تُؤْخَذُ منه قيمة الأمة إذا حملت منه؟ قال: لعل ذلك أن يكون. قال في كتاب ابن المواز: وأهل العراق يقولون في كل شيء إن للمتصدق أن يرجع ما لم تحز/ عنه وتخرج من يده. وقال ابن القاسم أيضا في رجل تصدق بعبده على رجل، فلم يقبضه حتى باعه المعطي فلا يُرَدُّ البيع. قيل: فيأخذ الثمن المعطى؟ قال: لو قاله قائل ما أخطأ. قاله ابن عبد الحكم: الثمن للبائع لا شك فيه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: اختلف قول ابن القاسم، فيمن وهبه عبدا ثم باعه قبل قبض المعطى. وأحب إلي أنه إن فرط في قبضه مضى البيع ويكون الثمن للمعطى استحسانا، ويمضي البيع لشبهة التفريط، ويأخذ الثمن إذ لا يقطع التفريط حقه. والقياس أن يكون الثمن للمعطي. قال: فأما إن لم يفرط فيه رد البيع. وكذلك إن لم يعلم، أو غافصه بالبيع. قال ابن القاسم: فيمن تصدق على ابنه الصغير بدار أو عبد ثم باعه: فإن الثمن للابن مات الابن أو عاش. ولو أعتق العبد لجاز، وكانت القيمة للابن. قال ابن المواز: وهذا قول مالك وأصحابه في هذا. فيما علمت. وذكر غيره عن ابن وهب خلافه. وهو متكرر في آخر الباب. ¬
قال ابن القاسم: وإن كان الولد كبيرا، وقام في رد البيع بحدثان البيع (¬1) ونحوه فله رده. وإن تقادم فلا يُرَدُّ. قال ابن المواز: إن لم يَحُزْه حتى بيع مضى البيع كالأجنبي. وذكر ابن حبيب عن طرف في الصغير مثل ما تقدم. وقال في الكبير إن كان حاضرا فلم يقم حين علم بالبيع فلا سبيل له إلى رده. وله الثمن على أبيه. فإن مات الأب قبل أن يأخذ منه الثمن فلا شيء له. ولو/ كان غائبا، فقدم في حياته فهو مخير في الثمن، أو في رد البيع. فإن قدم، وقد مات الأب فلا شيء له. وقاله ابن القاسم، وأصبغ. وقال أيضا ابن القاسم في دار بين رجلين تصدق أحدهما بمصابته على ولده، ثم قاسم الأب شريكه فللابن رد القسمة. قال ابن القاسم: وإن حبس على ولده حبسا ممن يحوز عليهم، ثم تعدى فرهنه، ثم مات وهو رهن قال: يبطل الرهن، ويثبت الحبس قال أصبغ: وكذلك البيع. وقد تقدم باب فيه ذكر من تصدق على ولده بدين ثم اقتضاه، أو عرض ثم باعه. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه الكبير بغلام، فلم يقبضه حتى تصدق به الأب على ابن له صغير، فأنكر ذلك الكبير وبقي بيد الأب يحوزه للصغير حتى مات الأب إن الصغير أحق به. قيل: قد أشهد أنه إنما تركه خوفا من سخط أبيه. قال: لا ينفعه، ولو شاء خاصم فيه. وقال أصبغ عنه فيمن تصدق بعبد أو دابة، على رجل فلم يحزه حتى باعه فإن علم بالصدقة فلا شيء له وإن لم يعلم فليأخذ ذلك إن أدركه. وإن فات فله إن شاء الثمن أو القيمة. ¬
قال أصبغ: وكذلك إن تصدق به على غيره [وحاز، فإن علم الأول فلا شيء له، وإن لم يعلم، أو علم، ولم يفرط حتى غافصه المعطي بالصدقة على غيره] (¬1) فالأول أحق إن أدركها قائمة. وإن فاتت، فله القيمة. قال أصبغ: ولو قبلها رجل، فقيمتها للمعطى. ولو كاتبه، أو دبره، أو أعتقه إلى أجل فلا يرد ذلك، ولا شيء للمعطى لا في خدمة المدبر، ولا في كتابة المكاتب، ولا في رقبته، إن عجز. قال ابن القاسم:/ ولو كانت قيمة العبد ألف دينار، وعليه دين ثمانمائة دينار فإن بيع للدين أربعة أخماسه لم يف بالدين. قال: يباع كله، ويُقْضَى الدين. وما بقي فلربه، ولا شيء للمعطى. وكأنه استحق كله. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن تصدق على رجل بعبد ثم أعتقه قبل أن يقبضه المعطى قال: لا عتق له. وإن كانت أمة، فأحبلها المعطي قبل القبض قال ابن وهب: إن كانت عطية جد فعليه القيمة للمعطى، ولو شهد له شاهد على الصدقة وهي قائمة حلف مع شاهده. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لرجل: خذ هذه النفقة، فاجعلها في سبيل الله. فقال الرجل: إن ها هنا امرأة محتاجة. قال: ادفعها إليها؟ قال: إن أوجبها في سبيل الله فلا يعجبني. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن تصدق على ولده الصغير بدين له على رجل ثم قبضه فهو للابن. كالعبد يتصدق به عليه، ثم يبيعه. بخلاف العين يتصدق عليه بها، ثم تبقى بيده. وروي عن ابن القاسم فيمن تصدق على رجل بدين له ثم قبضه من غريمه، فإن علم الغريم أنه تصدق عليه به قبل أن يدفعه ضمنه للمعطى. وإلا رجع المعطى على المعطي بذلك. ¬
فيمن ابتاع لابنه الصغير شيئا من نفسه أو من غيره وأقر أن ذلك بمال له في يديه
ولو تصدق عليه بدنانير له على رجل، ثم قبضها الأب، وبقيت بيده حتى مات كانت ماضية لأنها حيزت مرة حيازة تامة قبل أن يقبضها. وكذلك إن تصدق على ولده، والولد صغير بمائة دينار، وجعلها بيد رجل يحوزها،/ ثم حدث للرجل سفر أو مات فقبضها الأب ومات كانت ماضية لأنها حِيزَتْ مرة. وكالدار يتصدق عليه بها، فيحوزها عليه سنين، ثم يسكنها بكراء، أو غير كراء، فيموت فيها إنها جائزة. وهذه المسألة من أولها التي رواها عيسى ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم [مثله سواء. قال: وسألت عنها ابن الماجشون ومطرفا فقالا فيها مثل قول ابن القاسم] (¬1) إلا في الصدقة إذا حيزت مرة، ثم رجعت إلى المتصدق فإنهما قالا لي: تفسد، وتصير غير محوزة لأن ذلك رجوع فيها، وذلك يفسدها. وبهذا أقول. فيمن ابتاع لابنه الصغير شيئا من نفسه أو من غيره وأقر أن ذلك بمال له في يديه أو بمال الأب أو قدم عنه إجارة في رضاع أو تعليم أو أقر أن له في ذمته مالا أو أقر له برقبة أو ببيع وقبض ثمن ونحوه من كتاب ابن المواز قال: ومن أشهد في عبد أنه اشتراه لابن له صغير ثم مات الأب فذلك نافذ للابن إذا كان قد أشهد بذلك. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن اشترى لابنه الصغير غلاما، وكتب وأشهد أنه إنما اشتراه له (¬2). فليس لورثته إن مات دخول مع الصغير فيه. ¬
وقال أصبغ: وإذا أقر في صحته أنه اشترى هذه الدار بكذا لابنه الصغير بمال الابن، فيما زعم، ولا يعلم للصغير مال بوجه من الوجوه، وأشهد أنه إنما يكريها ويغتلها له. قال أصبغ: هذا توليج، وهي ميراث، لأنه لم يجعلها صدقة بينة فيحوزها/ له بمعنى الصدقة. وجعلها إقرارا، وكأنه كمريض قال: أعتقت عبدي في صحتي ولم يقل أنفذوه. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه الصغير بدنانير وقال لشريكه حزها له. فأشهد الشريك على نفسه أنه حازها، ثم مات الأب، فزعم أنه ردها على الأب وأنها كانت من شركتهما فلا يقبل قوله ويلزمه غرمها. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإذا أشهد أنه باع من ولده هذه الدار بكذا وكذا دينارا، وكانت له في يديه من ميراث له، أو عطية. أو مما يذكر فذلك جائز إذا ذكر لذلك سببا ووجها يجوز للصغير، وللكبير إذا حلف الكبير. وإن لم يعرف ما قال، ولم يذكر للمال سببا يعرف لم يجز ذلك على وجه البيع، ويصير معناه معنى العطية، فيما حيز وفيما لم يحز. قالا: وكذلك لو أشهد أن للابن مائة دينار من سبب كذا، وذلك لا يعرف فذلك لا يجوز إلا أن يذكر سببا يعرف له به مال، فيجوز ذلك للابن مع يمينه. وكذلك إقراره له بدين لا يعرف فلا يجوز. وقاله أصبغ. وقالا: ومن باع من ولده الصغير أو الكبير أو أجنبي داره التي يسكن بالثمن القليل الذي لا يشبه بمثل عشرة دنانير، وهي تسوى مائة دينار ثم تبقى بيده حتى يموت إن ذلك ليس من باب البيع، وهو من باب العطية التي لم تقبض، وهي باطل وترد الدنانير إلى ربها والأجنبي والولد سواء. والأجنبي/ أبعد في التهمة، وكل مردود إلا أن يشبه الثمن، أو يقاربه، أو يسكن فيجوز. وقاله أصبغ. ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك فيمن ولى ابنه حائطا اشتراه منذ زمان بثمن يسير. فإن حازه فهو جائز.
قال عيسى عن ابن القاسم: ولو باع من ابنه الصغير أرضا تسوى مائة دينار بعشرة، ثم لم تزل في يد الأب حتى مات فأزاها ميراثا- يريد: في يديه يسكن أو ينتفع بها لنفسه-. ومن كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك فيمن واجر لابنه الرضيع ظئرا أربع سنين، ثم مات الأب. فإن نفذ الإجارة فذلك للابن. وإن لم ينفذ لم يلزم الأب إلا ما مضى من مدة الرضاع. وما بقي في مال الابن. ولو مات الابن كان ما بقي راجعا إلى الأب أو ورثته. وقاله أشهب. وقال: وهو بمنزلة من أخدمته عبدا حياته وقال فإنك إن مت بقي في خدمته. وإن مات هو رجع إليك، أو إلى ورثتك. قال ابن القاسم: إذا مات الأب، والصبي حي وقد نفذ فما بقي بين ورثة الأب، لا الصبي لو مات قبله كان ما بقي للأب، كما لو قدم نفقة ابنه السنين، ثم مات. ورواه عن مالك وبه قال ابن المواز. قال: لأنه لم يدفعه على العطية، ولكن على أنه يلزمه. ولو كان إنما أعطى ذلك خوفا أن يموت الأب قبله فتبقى له الفضلة وعلم أنه إلى هذا قصد كان كما قال أشهب. وروي عن سحنون فيمن شارط من يعلم ولده الصغير سنة فمات الأب بعد ستة أشهر/ وتمادى المعلم فأتم السنة إن تمام الحق في مال الأب، وهو كمن قال لرجل: بع فلانا سلعتك، والثمن لك علي. فالثمن عليه في حياته ومماته بخلاف العطايا. وأما الظَّئْرُ يؤاجرها له الأب ثم يموت فهو أمر كان يلزم الأب فإنما ودى عن نفسه ما لزمه. فإذا مات الصبي قبل المدة سقط عنه. قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن باع ربعه من بعض ورثته بمائة دينار، ويقبض خمسة دنانير فإن استراب أمرا وخاف أن يكون عمل بمحضر
فيمن وهب لابنه الصغير سهما مشاعا من أرض أو مال أو حيوان أو غيرها
البينة، ويشهد أنه قبض الجميع، وكان المشتري أجنبيا. فكتب إليه: ينظر الحاكم على ما ينبغي نظره فيه، وليكشف ويسأل. والفعل في المرض أضعف، وأما إن صح الأمر ولم يكن الربع معروفا ولا عرفته البينة إلا أنه محدود في كتاب الشراء فلا يجوز البيع إلا أ، يكون في الكتاب إقرار المشتري بالقبض والمعرفة فينظر فيه. وكتب إليه شُرَحْبِيلُ فيمن أقر لابنتين له في حجره بدارين محدودتين، وأشهد بذلك فكتب إليه: هذا الإقرار أحدثه الناس، وهو وليجة، ومحمله عندنا محمل الصدقة إذا كانت الداران معروفتين بملك الأب، يريد: ولا يعرف للابنتين مال. قال: وهو حائز لهما فذلك جائز، إلا فيما سكن هو من ذلك. فيمن وهب لابنه الصغير سهما مشاعا من أرض أو مال أو حيوان أو غيرها أو بعدد مسمى من مال أو غنم أو غيرها أو بغنم معينة فوسمها أو لم يسمها ولم تُعْرَفْ/ من كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب ابن حبيب، قال مالك: ومن تصدق على ابنه بمائة شاة، من غنمه، وبمائة دينار من ماله. ولم يفرز ذلك من غنم أو مال. وأشهد به، والابن صغير. فإن وسم الغنم، وعرفت بأعيانها حتى يشهد على عينها، وإلا فهي باطل. وكذلك الدنانير إن لم تُعَرَّفْ فهي باطل. قال أصبغ في كتاب ابن المواز وابن حبيب وقد كان يقول: إذا ذكر عدة من غنمه، أو خيله، وترك ذلك شريكه فهو جائز، وليس هذا بشيء. قد رجع عنه هو، وأصحابه، فقالوا: لا يجوز حتى يسمها، أو ينسب (¬1) بما تُعرَفُ به أعيانها، فيجوز. ¬
قال ابن حبيب: وأخذ مطرف بقوله الآخر، وأخذ به ابن القاسم، وأصبغ. وأخذ ابن وهب وابن عبد الحكم وابن الماجشون بقوله الأول. وبه قال ربيعة والمغيرة وعبد العزيز، وابن دينار. قال ابن الماجشون: إلا في العين، أو في الملبوس، والمسكون فذلك باطل- يريد: إن سكنه الأب أو لبسه-. وقال ربيعة فيمن تصدق على ابنه الصغير بعشرة من خيله، أو عشرة من إبله، أو [بعبدين من رعاتها] (¬1) وذلك كله غائب. ومات الأب على ذلك، فذلك نافذ، والابن شريك بالتسمية في النماء، والنقص. قال مطرف: وإن تصدق على ابنه الصغير بنصف ماله فلا يجوز حتى يسمى له ما أعطاه بعينه. وإلى هذا رجع مالك في صدقته عليه بعدد من غنمه لم يعينه. وقاله/ أصبغ. قال ابن الماجشون: ذلك جائز على قول مالك الأول، وله نصف جميع ماله إلا في العين وما يسكن وما يلبس. وبه أخذ ابن حبيب. قال ابن الماجشون: ولو تصدق عليه بنصف ما يكسب حتى يموت فهذا باطل كسب أو لم يكسب. ولا يلزم فيه الحنث لمن حلف بذلك وحنث. قال محمد بن المواز قال مالك: وإذا تصدق على ولده الصغير أو يتيم يلي عليه، بمائة من ضأنه لم يقرزها حتى مات إنه جائز، ويكون شريكا- يريد: بتلك التسمية في جملة العدد- قال: وله وعليه ما يكون فيها من نقص أو نماء. قال عنه ابن القاسم أيضا: إنه لا يجوز حتى يفرزها، أو يسمها بأعيانها. قال في الكتابين: وأهل البادية يسمون الإبل والغنم، كما يسم أهل مصر الخيل. قال أصبغ: هذا آخر قوله. ¬
قال ابن القاسم في العتبية: وأما الدنانير فلا تجوز، وإن طبع عليها حتى يدفعها إلى غيره، ويخرجها عن ملكه. وهذا إذا طبع عليها بطابعه. وأما إن طبع عليها بطابع غيره فيجوز. وقد اختلف فيه. وهو في باب متقدم، [وقاله مالك] (¬1). قال عنه أشهب في العتبية: وإذا نحل ولده غنما ووسمها لهم بأسمائهم، ولا بينة لهم إلا الوسم، وأنه ذكر ذلك عند موته فليس ذلك بشيء إذا لم تكن بينة أشهدهم (¬2) عليها في صحته. وكذلك لو نحلهم خيلا، ووسمها باسمهم، وتركها في خيل الأب يركبها، فليس بشيء. قال مالك في كتاب ابن/ المواز: ولو كتب في وصيته: إني كنت نحلت ابني كذا وكذا من الإبل، ومن الغنم كذا وكذا. وترك إبلا وغنما، وأشهد على ذلك في صحته. ولا يشهدون على شيء بعينه فليس ذلك بشيء. قال محمد: ذلك في ظني لأنه عند الموت لو شهدوا أن ذلك بتله في صحته جاز وإن كانت مشاعا، إذا أبتل شيئا بعينه. وقال ابن المواز: وروى أبو زيد عن ابن القاسم قال أبو محمد- ورواه عنه عيسى في العتبية- فيمن تصدق بثلثي ضأنه على ابنه الصغير، والثلث في السبيل، وأشهد بذلك، قم باعها، في صحته، ثم مات؛ قال: قبلت الثمن للولد الصغير يؤخذ من تركته. ولو لم يبعها حتى مات، وهي بيده فإنه يصح ما كان للابن (¬3)، ويورث ما بقي. وخالفه أصبغ، كما ذكرنا. قال عنه أصبغ فيه وفي كتاب ابن المواز: ومن تصدق على ابنه الصغير بنصف غنمه، أو بثلثها. أو نصف عبده، أو داره، وترك باقيها لنفسه، أو جعل نصفها الباقي في السبيل، فكان الأب يحوز ذلك كله حتى مات فما كان للابن، فنافد، ويبطل ما للسبيل. ¬
قال في كتاب ابن المواز: وهو كما لو تصدق به على صغير وعلى كبير معه. وقال أصبغ: أرى أن يبطل [ذلك] (¬1) كله في المسألتين جميعا، ولا شيء للابن ولا للسبيل، لأن ما أبقى لنفسه مشاع فهو كحاله بعد الصدقة، وهو كصدقة عليه بمائة غنمه أو خيله لم يفرزها، ولم يسمها ولم ينسب (¬2) الخيل فذلك باطل. وهذا آخر قول مالك، وبه أخذ/ جميع أصحابه. ومسألتك في الحر مثله. ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب عن مالك: ومن تصدق بثلثي ماله على ولد صغير من ولده، ثم مات الأب، فذلك جائز. ولا يجوز في البالغ (¬3) حتى يحوز لنفسه. ومن العتبية قال أصبغ: ومن تصدق بمبتدر أمدا، أو بمحرث زوج من أرضه، على ابنه الصغير، ولم يسم له موضعا من أرضه، ولم يعتمل الأرض، حتى مات. أو اعتمل بعضها، وبقي قدر الصدقة، أو أقل قال لا يحوز حتى يسمي له ناحيتها بعينها. وإلا فهو مثل ما قلنا عن مالك في عدة من غنمه لم يُفْرِزْها، وأشاروا إلى إبطال ذلك رجع مالك. ومن أخذ بقوله الأول، أجاز مثل ذلك في الأرض. ولا يعجبني. وسواء اعتملت أو بعضها أو لم تُعْتَمَلْ. وما ذكرت من اختلاف الغنم، وخدمة العبيد، واعتمال البقر إذا كانت الصدقة فيهم بعيانهم، وإذا كان ذلك فيه الأمر خفيف، أو الأمر الممزوج مرة للابن، ومرة ينتفع به هذا، ومرة يعطى لهذا، ومرة يعطى لهذا فذلك جائز، وحيازته تامة. ومن كتاب ابن المواز: ومن (¬4) دارا لابنه، فتصدق عليه بنصفها مشاعا وتركها بيد ابنه حتى مات الأب. فإن أشهد له به وكتب وأعلن وإن أكرى ذكره باسمه فذلك جائز. ¬
فيمن تصدق على ابنه الصغير ثم بلغ ولم يحز حتى مات الأب
فيمن تصدق على ابنه الصغير ثم بلغ ولم يحز حتى مات الأب أو تصدق عليه وهو بالغ ولا يعرف بسفه ولا برشد فلم يحز وصفة من لا يولى عليه/ من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن تصدق على ابنه الصغير بصدقة وكتب بها أشهد، وحازها له حتى بلغ، ثم لم يحزها الابن حتى مات الأب فإن كان قد رشد، ومثله يحوز لنفسه فهي باطل. وإن كان بحال سفه فهي نافدة، وينظر الإمام في هذا. وقال عنه أشهب: إذا نحلهم نخيلا وأشهد بها فحازها لهم حتى مات فذلك جائز في الصغير والبكر وإن بلغت، والسفيه البالغ. وأما كبير رشيد فهو باطل. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابن له بحداثة احتلامه، ولا يعرف بسفه ولا بصلاح حال منها أرض، ورقيق، ودور بالبادية وبالحاضرة منها دار أسكن فيها بعض ولده، ومات الأب بعد ذلك بشهرين أو أكثر من ذلك، وذلك بحال، فما كان قبل الصدقة فحيازته عليه جائزة حتى يؤنس منه الرشد. ولكن الدار التي أسكن فيها بعض ولده إن لم يحتى مات فلا يصح ذلك فيها. قال: وحيازته عليه وإن بلغ جائزة حتى يؤنس منه من رشد الحال ما يستوجب بمثله أخذ ماله لو كان له مال. وكذلك ذكر ابن حبيب في أول المسألة، وذكر أن محمد ابن بشير كتب بها إلى ابن القاسم فذكر مثله، وذكر أن مطرفا وابن الماجشون وابن عبد الحكم، وأصبغ قالوا مثله. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية: والمولى عليه لصغره إذا كان بعد بلوغه معروفا بالصلاح في المال وحب الكسب، وحسن النظر، وليس ممن/ يعدل، ولعله ممن يعرف بشرب الخمر والفسق فهذا يوجب له أخذ ماله،
في الحيازة للولد الصغير فيما وهبته الأم أو الأجنبي والأب حي أو ميت
إذا عرف بإصلاح المال وإمساكه، ورب صالح مفسد لماله. وإنما يحجر لحياطة المال. فإذا عرف بتثميره والاكتساب وتفقد ربعه، وعقاره وإصلاحه جهده غير أنه يسرف في الكشوة إلى فوق قدره، ويجاوز في البذل والسخاء، فوق طاقته إما لكثرة من يجمع على طعامه، أو عطايا لا يحملها ماله، ونحوه من السرف قال: هذا ممن يولى عليه. في الحيازة للولد الصغير فيما وهبته الأم أو الأجنبي والأب حي أو ميت وحيازة الجد ومن في حجره يتيم هل يحوز له ما وهبه هو أو غيره؟ من كتاب ابن المواز والعتبية قال ابن القاسم قال مالك في امرأة نحلت ابنا لها صغيرا غلاما لها، وللصبي مال بيد أبيه، أو وصية والغلام معها فإن كان للغاية والخراج فليس ذلك يجوز، حتى يحوزه أب أو وصي. وإن كان لخدمة الصبي ليكون معه وهو مع أمه، فذلك جائز. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب في اليتيم إن لم تكن الأم وصية فلا حيازة لها على الولد. والسلطان يحوز لهم، أو من يوليه. أو تخرجه الأم من يدها إلى يد غيرها، فيتم ذلك لهم. وإن كانت وصية جازت وصيتها عليهم. قالا: ولا تحوز (¬1) الأم ولا غيرها صدقة نفسها على ابن، أو غيره إلا أن تكون وصية من أب أو وصي. وكذلك روى أشهب عن مالك،/ وقال: إذا حازه وليهم جاز تصدقت به الأم، أو أجنبي. ¬
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: حيازة الأم على اليتيم الصغير، حيازة فيما وهبته له، أو وهبه له أجنبي. وكذلك من ولي يتيما على الحسبة من الأجنبي، أو على وجه القرابة من القريب، فحيازته له جائزة، فيما وهبه له هو أو غيره. وإن كان إنما ابتدأ ولايته من يوم الصدقة فذلك باطل. وقاله ابن نافع وأصبغ. وأباه ابن القاسم فيهما إلا أن يكونا وصيين. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب: سئل فيمن تصدق على يتيم له صغير في ح تكون حيازته له حيازة؟ قال: لا تكون حيازته له فيما أعطاه حيازة إلا أب أو وصي أب (¬1)، والأم وإن لم تكن وصية، والأجداد كالأب في عدمه، والجدات كالأم إذا كان في حجر أحد من هؤلاء. فأما غيرهم فلا يجوز إلا أن يبدأ منه إلى رجل يليه للصغير. وقال ابن القاسم: لا تجوز حيازته فيما تصدق به عليه إلا الأب أو الوصي أو وصي الوصي. ولا يجوز له إلا من يزوجه ويباري عنه ويشتري له ويبيع. ولا تجوز حيازة الأم عليه ما وهبت له إلا أن تكون وصية، وكذلك غيرها من سائر القرابات، وذوي الأرحام. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب، في الجد يتصدق على ابن ابنه، وهو صغير برأس، ويوكل من يحوزه عليه، فيكاتبه الوكيل كتابة ناقصة، أو تامة، ثم يبقي الرأس في خدمة الجد، وابن/ الابن معهم، طعامهم واحد، ومنامهم واحد، والرأس يخدمهم حتى مات الجد، فطلبوا ورثته رده، وقال الغلام: قال أبو محمد- يريد ابن أو أبوه: إن الذي وكله بالحوز قد كاتبه، وكان يخدم الغلام. قال: هي حيازة إذا كان إنما ترك العبد في خدمة الجد، لمكان ابن الابن، وخدمته. ولا تضر خدمته للجد أحيانا، وقد أخرجه عن يده إلى هذا الرجل يحوز له. وقد حازه وكاتبه. وإن كانت كتابة لا تحوز فهو إنما رده عن الخدمة للابن لحاجته إليه فهي صدقة ماضية. ¬
في حيازة الأب على البكر المعنسة
وقال أشهب: هو حوز، ولم يكن ينبغي لهذا أن يكاتبه إلا بإذن الأب، إلا أن يتركه الأب له، بعد علمه فالكتابة ماضية. قال أصبغ في امرأة تصدقت بدار على ولدها الصغير، والأب ساكن بها معها. حتى ماتت الأم أو تتصدق بها على ابنها الكبير الثاني، فيكريها من ابنه قبل أن يحوزها، أو يسكنه إياها ثم ماتت قال: الصدقة جائزة إذا أمكنت الأب في صدقة الصغار من الدار، حتى لو شاء أن يخرجها فعل. ولكن أقرها أن تسكن معه. فأما لإن لم يكن قبض معروف ولا إمكان [له، ولا تخل منها إليه، ولا قبض من الكبير وإمكان] (¬1) أن يكون هو الذي يكري من أبيه، فهذا يبطل. وإن لم يكن هذا فهو قبض وحوز، كما لو تصدقت بها على الزوج نفسه، أو أمكنته فسكن كما هو. قال ابن القاسم: فهو حوز لأن عليه أن يسكنها حيث شاء، فقد صارت له وإسكانها وصدقتها/ عليه تفترق من صدقته عليها بالمنزل (¬2) الذي هما فيه فإن كان هو المتصدق فلم يخرجه منها. أو ينحى منها فليست بحيازة (¬3). ومن سماع ابن القاسم في امرأة وهبت لابن لها صغير وابنة صغيرة عشرة دنانير، فتجر لهما بها الأب ثم أراد سفرا. أيكتب لهما بذلك؟ قال: نعم، ويضيف أي شيء كان لهما. في حيازة الأب على البكر المعنسة وفي الأب يهب صغير ويجعل من يحوز ذلك له من كتاب ابن المواز قال مالك في البكر: يحوز لها أبوها، وإن عنست. وقال أيضا: إلا أن تكون عنست، ورضيت. ¬
في الحيازة من الزوجين فيما وهبه أحدهما للآخر
قال ابن عبد الحكم: ما لم تبلغ التعنيس الكثير. فإذا بلغت، وكانت بنت الخمسين أو الستين فهذه تحوز لنفسها وتلي مالها، ولا يزوجها أبوها إلا برضاها. فإن فعل بغير رضاها أجزته ولم أفسخه. وأما إذا لم تحز لنفسها فلا شيء لها. وقاله أصبغ عن ابن القاسم. قال سم عن مالك: تجوز حيازته عليها، وإن رضي حالها وجاوزت الثلاثين. وقال ابن القاسم: ما لم تعنس جدا فتبلغ الستين ونحوها. وإن لم تحز لنفسها فلا شيء لها. ومن تصدق على ابنه الصغير وأشهد أنه دفعها إلى فلان أو فلان يحوزها له، من أخ أو أجنبي فلم يقبضها حتى مات الأب، أو فلس فهي باطل وإن كانت بيد الأب لأنه جعل غيره الحائز ولم يسلمها إليه،/ ولم يبقها على حيازة الآباء لو لم تنسب الحيازة إلى أحد كانت نافدة، ويحوز الأب. ولو حبسها على صغار ولده، ودفع ذلك إلى عبده أو أم ولده يحوزهام ير ابن الماجشون ذلك حوزا لأنها تحت مقدرته فلا هي حيزت عنه ولا أبقى حيازته لهم. وقال ابن المواز: بل هي حيازة تامة، ومن يقوم له غير مملوكيه. وهذا كله قد كتبناه في كتاب الأحباس. في الحيازة من الزوجين فيما وهبه أحدهما للآخر وفيما يهب الرجل لأم ولده أو من وهب لزوجته في مرضه فماتت قبله من كتاب ابن المواز والعتبية قال ابن القاسم عن مالك فيمن تصدق على امرأته بخادمة، وهي معه في بيت، فكانت تخدمها بحال ما كانت فذلك جائز. قال سحنون في العتبية: وكذلك لو رهنها إياها، فهو حوز.
وقال أشهب عن مالك في الكتابين: إذا أشهد لها بهذه الخادمة، فتكون عندها اكانت في خدمتها فهذا إلى الصعف [أقرب] (¬1) ما هو، وما هو بالبين. وكذلك لو وهبت هي له خادمها، فكانت على ذلك، أو متاعا (¬2) في البيت فأقام ذلك على حاله بأيديهما فهي ضعيفة. قال ابن المواز: وقال لي ابن عبد الحكم عن ابن القاسم وأشهب [إن ذلك] (¬3) فيما تواهبا جائز، وهي حيازة. وكذلك متاع البيت، وبه أقول. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وليس كذلك المسكن الذي هما به يتصدق هو/ به عليها، فأقاما فيه حتى مات، فإن ذلك ميراث. ولو قامت عليه في صحته قضي لها. قال أصبغ: يعني أن يسكنها غيره، حتى تحوز هي المنزل. قال ابن القاسم: وأما لو تصدقت هي عليه بالمنزل وهما فيه، فذلك حوز، لأن عليه أن يسكن زوجته فسكناها معه فيه حوز. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية في الصدقة بالمسكن وما فيه فذلك حوز له. ولا يكون حوزا لها إن كان هو المتصدق. وأما بالخادم فهو حوز ممن كانت الصدقة منهما. وقاله مالك في الخادم. وقد تقدم ذكر هذا في باب الحيازة للولد الصغير فيما تهبه الأم. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تصدق على امرأته بمزرعة، في آخر أيام الحرث في صحته، ثم مات ك بنحو شهر، وأشهد لها ببينة وعرفهم بحوزها فلم تحرث فيها حرثا ولا غيره حتى مات. وقالت: لم يمنعني إلا ما فات من الزمن مع ضعف البقر بموضعهم عن القليب في وقته. فإن كان عذرا بينا، مثل أن يفجأ الموت قبل عمل يمكنها من ذلك، أو جني شجر، أو عرق، أو إصلاح عمل ¬
بحضر أو نحوه فالصدقة فيه ماضية لأن الحوز لم يمكنها. وأما ما تركت حوزه لضعف، وشبهه ذلك بلا عذر لها به لأنها، وإن ضعفت تكرى، وتسقى وترفق غيرها. فإن ترك ذلك في أوانه، وقد أمكنه فلا صدقة له، إلا أن يعرف ضعفه عن العمل، أو يتعرض لما ذكره، فلا يجده فالإشهاد يجزيه في الحوز. ولو أقام المعطى احوالا يعرضها/ على الكراء والمساقاة والمغارسة فلم يجد، وهو في ذلك مجتهد فذلك حيازة بالإشهاد تامة. وقال ثله، ما لم ينتفع بها المتصدق، أو يقضي فيها. وقال سحنون فيمن تصدق على زوجته، في مرضه بمائة دينار فقبضتها منه ثم ماتت قبله. فإن حملها عليه فهي حيازة تورث عنها، ويقضى بها دينها. وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تصدق على أم ولده بخادم وابنه مما يكون معها في البيت، فالإشهاد على ذلك حوز، ولا يقدر على حيازته بأكثر من هذا. وأما العبد يخارج، والدار تسكن، والمزرعة والشجر وما هو بائن عنها، يمكنها الحوز فيه فلابد أن يحوزه فيأخذ الخراج من العبد، ويخرج السيد من الدار ويعمر المزرعة، أو يكريها أو يحيي الشجر، ونحو هذا. والحلي والثياب فالقبض فيه اللباس والعارية، ونحوز [مما تصنع المرأة بمتاعها إذا عرف ذلك من صنيعها به] (¬1) وإلا فلا شيء لها. قال أصبغ: والإشهاد حوز إن كان ذلك في يدها، وإن لم يعرف لبس ولا عارية. قال: وسمعت ابن الماجشون يجيز صدقة الرجل على أم ولده برقيقه وحائطه، وإن كثر ثمنه وارتفع قدره، ولا قول للورثة فيه. قال مالك في الكتابين ومن كسا أم ولده، أو حلاها ثم مات فذلك لها إذا كان ذلك يشبهها ويشبه ماله. ولو ادعت متاع البيت كلفت البينة وإن كان من ¬
في المرأة تتصدق بصداقها على زوجها
متاع النساء، بخلاف الجرة. وأما ما كان من اللحاف، والفراش [والحلي] (¬1) والثياب التي على ظهرها فذلك لها. وقال عنه أشهب: وليس للورثة أن يأخذوا/ منها ما في يدها مما وهب لها السيد في حياته. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون فيمن تصدق على أم ولده، في صحته بالأعطيات الكثيرة، وصيرها في يديها، فذلك بقدر ما يشبه يسره فرب من يعطيها الكثير من الحلي والثياب، وبقدر حبه لها أيضا في ذلك، فينفذ ذلك. وأما القليل الوفير يسرف فيما لا يعطيه مثله لها، فهذا نرى أنه تأليج، فيرج منه ما جاوزت عطية مثله لمثلها، ويمضي ما لا يكون من مثله سرفا، وسواء العطية في كرة واحدة أو شيء بعد شيء. وقال أصبغ: إن كانت العطية في مرة فلترد كلها [كزيادة ذات] (¬2) الزوج على ثلثها. وإن كان شيء بعد شيء، مضى ما لا سرف فيه، ورد الآخر الذي رأى أنه تأليج إليها. وقال ابن حبيب بقول مطرف، وابن الماجشون. قال ابن حبيب قال مطرف: ومن تصدق على أم ولده بدار تسكنها حياتها إلا أن يحتاج إلى بيعها فيبيعها، أو يبدو له فيتصدق بها على فلان من ورثته؛ فهذه صدقة ماضية من رأس ماله. ولو ردت هي على المذكور من ورثته كان له ذلك دون باقي الورثة، ولا يكون كوصية لوارث. وقاله كله أصبغ. في المرأة تتصدق بصداقها على زوجها وتدفع إليه كتابها ثم رده عليها وجدد لها به كتابا أو فعلت ذلك في مرضها ثم صحت فرجعت من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في امرأة تصدقت بمهرها على زوجها وأعطته كتابها فقبله، ثم سخط بعد/ أيام فرد عليها الكتاب فقبلته بشهادة بينة فلا شيء لها عليه، بمنزلة عطية منه لم تُقْبَضْ. ¬
في الحيازة فيما يوهب مما في بطن الأمة أو بطون الحيوان
قال: وإن تصدقت عليه بصداقها فقبله ثم منت عليه فجدد لها به كتابا يكون عليه حالا أو إلى موته، فهذا إن لم تقبضه في صحته فهو باطل. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن سأل زوجته في مرضه أن تضع عنه مهرها ففعلت، ثم رجعت بعد صحته أو موته. فليس لها ذلك بخلاف وضع ميراثها. وقاله مالك. في الحيازة فيما يوهب مما في بطن الأمة أو بطون الحيوان أو تمر النخل أو هبة الولد دون الأم والوصية بذلك وشيء من مسائل التفرقة من كتاب ابن المواز قال ابن المواز قال ابن القاسم: إذا وهب رجل لرجل ما في بطن أمته أو في بطون غنمه فإن حاز رقاب الغنم ورقبة الأمة، وسلمها إليه الواهب حتى تضع فتلك حيازة تامة، كالنخل يحوزها وقد وهبه ثمرها قبل بدور صلاحها. وكذلك الزرع واللبن في ضروع، أو صوف الغنم. فإن حازها وحاز الأرض والنخل، وكان يقوم على ذلك ويسقيه فهو قبض. وقاله أشهب في الصوف والبن، والتمرة والزرع. وأما ما في البطون فالهبة جائزة، ولا يتم الحوز إلا بعد أن تضع لا بحوز الأم، لأن العتق فيه ليس بحوز له حتى يخرج. وقد تباع أمه قبل ذلك في الدين يستحدث، بخلاف التمرة والمزرعة ذلك يجوز أن يرهن. ولا يرهن الجنين، وقد يبيع الأصل ويبقى له تمره، أو زرعه/ ولا يكون له الجني. قال محمد: هذا صواب. واتفق ابن القاسم وأشهب أن الموهوب له التمرة والزرع ليس للواهب أن يمنعه من قبض الرقاب والأرض، والسقي على الموهوب له. ولو بقي ذلك بيد الواهب لم يكن حوزا للتمرة والزرع. قال ابن القاسم: ليس له أن يمنعه من قبض الأمهات من أمة أو غنم.
قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن تصدق على رجل بما في بطن أمته، فإن حازها في صحة المعطي فذلك نافذ ولدت بعد موت المعطي أو قبل. وليس للورثة بيعها في دين على الميت ولا إدخالها في القسم. فإذا وضعت كان الولد للمعطى، وتقاووها وولدها حتى تصير عند واحد. وإن لم يحز الأمة حتى مات المعطي بطلت العطية وإن وضعت مكانها. ولو كانت وصية لم تحتج إلى حيازة، ولْتُوقَفْ إن حملها الثلث حتى تضع، فيكون الولد للمعطى، ويتقاوون، كما ذكرنا. ولا يجوز أن يعطوه الورثة قبل أن يضع شيئا على تسليم الجنين لهم. وإن لم يحملها الثلث لم يجبر لى إيقافها إلا أن يشاءوا. فإن أبوا سقطت الوصية لضعفها. قال ابن القاسم: ولو أعتق الورثة الأمة قبل أن تضع كانت حرة، وجنينها حر، وبطلت الوصية. قال أصبغ: ولو أعتق الميت ما في بطنها. والثلث يحملها، وقفت حتى تضع، وإن لم يحملها بطلت الوصية إلا أن يتطوعوا بإبقائها حتى تضع. ولو أعتقها الورثة قبل أن يعرف هل تخرج من الثلث أم لا نظر، فإن حملها الثلث عتقت، وكان ولاؤها لهم،/ وولاء ما في بطنها للميت. وإن لم يحملها الثلث فولاؤها وولاء جنينها لهم. هذا قول أصبغ. وقد قيل: إن لم يحملها الثلث لم تبطل الوصية في جنينها بالعتق، ولا في العطية، ويُخَيَّرُ الورثة بين إيقافها حتى تضع، فتنفد الوصية في جنينها بالوصية أو بالعتق. وإن أبوا وكانت الوصية بعتق الجنين عتق منها ومن جنينها ما حمل الثلث. وإن كانت وصية، قطعوا (¬1) بمبلغ الثلث منها، ومن جنينها. وهذا القول أحب إلي. وبقية القول في الصدقة بالصغير دون أمه أو بأمه دونه، وتفريع مسائله في باب التفرقة في اختصار البيوع. ¬
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ومن تصدق برضيع دون أمه على أحد، فإن كان شملهما واحدا مثل الأب وابنه والرجل وزوجته، والإخوة شملهم واحد ومسكنهم فهو جائز، ولا يكون تفرقة، والرضاع على الأم وإن كره المتصدق، قبل غير أمه أو لم يقبل، (¬1) حيازة للولد وهو عند أمه، عند المتصدق. ولأنه باقي مؤنته على المعطى، فقيامه بشأنه، ومؤنته مع الاجتهاد حيازة وإن كان عند الأم. وإن لم يكن الشمل واحدا والدار واحدة فالصدقة جائزة، ويُؤْمَرُ أن يتقاويا الأم والابن إن أحبا، أو يبيعا بهما من مالك واحد، ويقسم الثمن بينهما على قيمة الأم من قيمة الولد، ولو كان بيعا. أو يقسمه لم يجز كان الشمل واحدا أو مفترقا، بخلاف الهبة والصدقة، ويفسخ البيع والقسم/ إن وقع. قال المغيرة، وابن الماجشون: وكذلك من باع مسلما من نصراني فسخ البيع، وعوقب بائعه ومبتاعه. وقال مالك ومطرف: يباع على النصراني ولا يفسخ البيع الأول. قال مطرف: ويُضْرَبُ المتبايعان. قال أصبغ عن ابن القاسم: أما هبة الصبي فلا يتم فيها الحوز حتى تكون الأم والابن عند المعطى. فإن لم يجتمعا على ذلك جبرا على البيع كان الشمل واحدا أو مفترقا. وإن رضي المعطي بإسلام الأمة مع الولد إلى المعطى، وطالب بأجر الرضاع، حلف أنه ما تصدق بالولد وهو يريد أن ترضعه أمه، وله ذلك إلا أن يشاء المعطى إجارة غيرها، إلا ألا يقبل غيرها، فيلزمه الأجر. وإن كان عديما فليُتْبَعْ به. قال ابن حبيب: والذي أختار في بيع الصغير دون أمه، وبيع العبد المسلم من النصراني، فسخ البيع فيهما. وأما هبة الصغير لمن ليس شملهم واحدا فلا أرى ¬
فيمن تصدق بنخل فيه تمر أو بتمرها خاصة كيف الحوز في ذلك؟
قول ابن القاسم أنه إذا رضي أن يصير مع الأم فذلك جائز لأن يبدأ الفرقة. ولم يجز ذلك مطرف وابن الماجشون ولكن يتقاويان أو يفرقان. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم فيمن تصدق بأمة له على رجل فلم يقبضها حتى ولدت فهي وولدها. قال: وما جني عليها قبل القبض وأخذ له أرش، أو في ولدها إن قتل، فذلك كله للموهوب. وكذلك روى ابن حبيب عن مطرف، وأصبغ عن ابن القاسم. فيمن تصدق بنخل فيها تمر أو بتمرها خاصة كيف الحوز في ذلك؟ / من كتاب ابن المواز: ومن وهب نخلا لرجل وفيها تمر، فإن كان قد أبر فهو للواهب كالبيع، وحوز الموهوب قبض النخل، والسقي في مال الواهب. وكذلك لو استثنى تمرها عشر سنين. فإن أسلم النخل إلى الموهوب يسقيها بماء الواهب فذلك حوز. ولو اشترط عليه ماء الموهوب لم يجز. فأما إن كانت بيد الواهب يسقيها العشر سنين فقد وهبها بعد عشر سنين، فإن بقي إليها لزمه، وإن مات قبل ذلك، أو لحقه دين بطلت. قال أشهب: وليس لك ها هنا قبض الرقاب، كأنه قال: نخلي لك بعد عشر سنين، ولكن لو حوزكها، فكتب أنك تعطيه تمرها عشر سنين كان حوزا، والنخل لك بعد عشر سنين من رأس ماله. ولو قال: بعيري هذا بعد سنة في السبيل. ثم مات قبل السنة فذلك باطل، بخلاف العتق المؤجل وقد يدبر عبده، ولا تدبير في الإبل.
فيمن وهب لرجل أقساطا من زيت نخله، على من العصر؟
قال مالك: ومن قال عبدي لك بعد ثلاث سنين، فليس بعطية حتى (¬1). ولو قال: هو لك عشر سنين، ثم هو لفلان. فهذا نافذ، لأنها عطية حيزت عنه. ومن العتبية من سماع أشهب: ومن تصدق بتمرة حائطه هذه السنة. قال: فليس له بيع بعد ذلك حتى تؤبر التمرة. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إلا أن يجبر (¬2) في دين رهقه، وقد فلس. قال: ولو مات المعطى قبل أن تتمر النخل فلا شيء للمعطى. وقال سحنون: بيعه إياها قبل الإبار لا يجوز. فأما بعد الإبار، فجائز. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب/ عن مالك: ومن تصدق بحائطه وقد أبرت ثمرته فهو كالبيع، والتمر لمعطي الحائط، ولا يمين عليه أنه لم يتصدق بها. وإن لم تُؤَبر فهي للمعطى. قال: والعرية يموت المعري قبل أن تحل فإن أبرت فهي للمعرى، وهو كالحوز لأنه يدخل ويخرج. قال أشهب: ولا يباع وهو كالأرض في الصحراء فحوزها تسليمها إلى المعطى- يريد مع الإشهاد-. قال: وما لم يؤبر حتى مات فهو لورثة المعري. فيمن وهب لرجل أقساطا من زيت نخله على من العصر؟ من كتاب ابن المواز: ومن وهب عشرة أقساط من زيت نخله هذا لرجل فهو جائز، والعصر عليهما بالحصص على ما يخرج. فإن لم يخرج إلا عشرة أقساط فالعصر على المعطى. ¬
الاعتصار في الهبة والنحل
الاعتصار في الهبة والنحل روى عيسى عن ابن القاسم فيمن نحل ابنته نحلة فتزوجها رجل على ذلك، ثم مات أو طلق فقد انقطع الاعتصار في النكاح ولا يعود بنى بها أو لم يبن. وكذلك من نكح من ذكر أو أنثى، أو داين، ثم زال الدين، أو زالت العصمة فلا اعتصار. ولو كانت أمة فوطئها الابن فلا تُعْتَصَرُ بعد ذلك. قال يحيى بن عمر: ولو خلا بها وادعى الوطء لم يثبت الاعتصار. وأما إن مرض الأب أو الابن فلا تُعْتَصرُ في مرض أحدهما. فإن زال المرض فله أن يعتصر، بخلاف النكاح والدين، لأنه لم يعامل عليه في المرض. قال سحنون مثله في الأب. قال: ولا شبه المعتصر المعطى له/ في ذلك. قال أصبغ: إذا امتنع الاعتصار بمرض أحدهما، أو بنكاح الولد أو بدين، ثم زال المرض والدين والنكاح، فلا اعتصار. وإذا زالت العصرة يوما فلا تعود. ولو وهبه، والابن متزوج أو مديان أو مريض فله أن يعتصر في تلك الحال حتى يحول إلى غيره. قال ابن حبيب عن مالك: وإذا امتنعت العصرة ساعة لدين ثم قضي لغيره فلا تعود، ولا يعتصر المريض ولا يعتصر منه. ثم إن صح فلا اعتصار. وقال المغيرة، وابن دينار: إذا صح المعطي أو المعطى، رجعت العصرة كما تطلق يده في ماله، مما كان منه ممنوعا بالمرض. وأفتى مالك أن العصرة لا ترجع بزوال ما امتنعت له إلا في المرض عندهما فإنها ترجع بزواله. وقال مثلهما مطرف. قال: ولا ترجع بزوال الدين، ولا بزوال النكاح [بطلاق] (¬1) واحتج بأن المرض لم يُحْدِثْه الولد والدين، والنكاح بسببه فإنه لا يرجع إليه إلا أن يكون طلب الأب الاعتصار في المرض فمنعه فإنه لا يرجع إليه. ¬
قال ابن حبيب: وبقول مالك أقول. وبه قال أصبغ، وقال ابن القاسم مثل قول المغيرة، وابن دينار ومطرف. قال عيسى في العتبية: وقال ابن القاسم في الابن البائن التاجر، وهو ذو مال ولا يولى عليه، يهبه أبوه، ثم يتزوج ويعلم الناس أنه لم يزوج لتلك الهبة قال: فليُعْتَصَرْ منه إلا أن يأتي من ذلك من زيادة التستر بها ما يعلم أنه أنكح لذلك. فأما أن ينحله عبدا ثمن عشرين دينارا وهو رب ألف دينار/ فليعتصر من هذا إذا تزوج، وكذلك ما يشبه هذا، مما يعلم أنه لم ينكح لذلك. قال سحنون عن ابن القاسم فيمن نحل ابنه الصغير دنانير جعلها له بيد رجل، ثم صاغها حليا، فليس له اعتصار لأنه قد غير عن حاله، كما لو اشترى له جارية ثم أراد اعتصارها. وكذلك روى ابن وهب عن مالك. قال سحنون: ومن وهب لابنه هبة يريد بها الصلة فلا يجوز أن يعتصرها منه كان الابن صغيرا أو كبيرا. والهبة والصلة له كالصدقة. وذلك أن يكون ابنه أو ابنته محتاجين. وقد يكون الابن الصغير يصله لما يخاف عليه من الخصاصة (¬1). وإنما يعتصر هبته وعطيته لابنه إذا كان في حجره أو نائبا عنه وله أموال كثيرة. قال ابن الماجشون: إذا وهب لولده لوجه الله- تبارك وتعالى- أو لطلب الأجر، أو لصلة رحم فلا يعتصر هذا. وإنما يعتصر إذا وهب أو نحل نحلة مرسلة لم يقل صلة رحم ولا لوجه الله ولا لطلب الثواب من الله- سبحانه-، فهذا يعتصر. وقاله أصبغ. وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز قال: ولا اعتصار من يتيم، ولا تعتصر الصدقة، والهبة لليتيم صدقة. وإن احتاج الواهب فلا اعتصار فيه كان جدا أو أما أو غيرهما. وإذا وهبت الأم لولدها الصغار ولهم أب فمات الأب في صغرهم فليس لها الآن اعتصار. ¬
قال ابن القاسم قال مالك: للأب أن يعتصر وإن لم تكن لهم أم وليس للأم أن تعتصر إن لم يكن لهم أب. ولا يعتصر من/ يتيم. ولو وهبت لابنها الصغير، فبلغ الحلم ثم مات أبوه فلها أن تعتصر. فأما إن مات الأب في صغره، ثم كبر فلا تعتصر لأنه إذا انقطع الاعتصار فلا يعود. قال: وتعتصر الأم ما وهبت لابنها الكبير لا أب له، لأنه خرج من حد اليُتْمِ. وكذلك ما وهبت لابنها الصغير وأبوه حي. قال مالك في عطية الأب لابنه أو لابنته ما لم تكن صدقة فله أن يعتصر كان الولد صغيرا أو كبيرا بائنا عنه. ولو لم يعتصر من الصغير حتى كبر وبان، [وللولد أم، أو لا أم له فله] (¬1) الاعتصار ما لم ينكح الابن أو بدا فيه للناس كذلك، وإنما أنكح لغناه، أو لما أعطي. وكذلك يرغب في الابنة فيرفع في صداقها لما وهبها، فيزول الاعتصار. قال ابن القاسم: ثم إن طلقت الابنة قبل البناء فلا يعتصر منها، لأن الاعتصار زال مرة. وذلك إن كانت الهبة كبيرة مما يزاد في الصداق من أجلها. فأما الثوب وشبهه، وهبة (¬2) الأب أو الأم فذلك لهما. قال: وإذا وهباه بعد تزويجه، فله أن يعتصر ما لم يداين الابن أو الهبة، أو يطؤها إن كانت جارية فيفوت الاعتصار وإن لم تكن بكرا، أو لم تحمل، قاله مالك وابن القاسم وأشهب وابن وهب. وقال المخزومي: لا يُفَوَّتُ الوطء الاعتصار. قال ابن حبيب قال ابن دينار: فإذا نكح الولد بعد الهبة، فأما الولد الذكر فلا يقطع نكاحه الاعتصار. وأما الأنثى، فنكاحها يقطع العصرة لأن الذكر دخل فيما مخرجه بيده، ودخلت الأنثى فيما/ مخرجه بيد الزوج. ¬
قال ابن الماجشون بقول مالك، في الوجهين. وإن كثر مال الموهوب وقلت الهبة. قال مطرف: إنما هذا فيما كثر مما يوجب الرغبة في نكاح الموهوب. وقاله أصبغ، وبه أقول. ومن كتاب ابن المواز: وإذا وهبت الأم لولدها اليتامى إلا أنهم مياسير؛ قال أشهب: لها أن تعتصر، كما تعتصر من الكبار. قال مالك: وللأم من الاعتصار ما للأب. واختلف قوله في الجد والجدة فروى عنه ابن وهب أنه لا يعتصر هو، ولا تلزمه النفقة، ويرث معه الإخوة، ولا يكون بيده بضع بنات الابن وروى عنه أشهب أن الجد والجدة يعتصران كالأبوين. وقاله ابن عبد الحكم. وقد قيل: أن ليس لأحد أن يعتصر إلا الأبوان. ولا يعتصر جد ولا ابن. وقاله ربيعة. قال: ولا ثواب للأبوين فيما ليس لهما أن يعتصرا. وما كان اعتصاره فأنابه الابن عنه فليس له فيه اعتصار. وهو كالبيع. وكذلك إن أنابه عنه غيره. قال: وإذا نمت الهبة في يده فلا اعتصار للأب. وإذا نقصت في هبة الأجنبي فقال أشهب: للأجنبي الواهب أخذها بنقصها، كما للموهوب له ردها بزيادتها. قال ابن القاسم: قد وجبت القيمة فلا ترد إلا باجتماعهما. وللأب أن يعتصر في حوالة الأسواق، وذلك في الأجنبي فَوْتُ يوجب القيمة. قال مالك: وللأب أن يعتصر ما وهب للابن من الدنانير إلا أن يحول العين، فيضربه حليا فليس له اعتصار. وليس للأب إذا ادان دينا أن يعتصر،/ ولا لغرمائه ذلك منه. وإن مرض الأب فلا اعتصار له. وإن مرض الابن فلا أدري. ومن نحل ابنه الصغير دنانير وجعلها بيد رجل فللأب أن يعتصرها. وأما الحلي فكالعروض يجوز حوزه له فيها إذا أشهد.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وما أعطى الأب ابنته المتزوجة أو الابن المريض أو المديان فلا يعتصر، كما لو تقدمت العطية هذه الحوادث. قال أصبغ: إذا كانت الحال واحدة كالحال يوم الهبة فله الاعتصار. وبقول ابن الماجشون أقول. قال ابن الماجشون في هبة الأم للولد في حياة الأب إن قبضها الأب فلا تعتصر ما صارت ولايته إلى غيرها. ولو أعطت ابنها الذي ليس في ولاية الأب فلا تعتصره. ويعتصر الأب ما أعطاه لأن أصل العصرة للأب. وما أعطت ابنها الصغير بعد موت أبيه، وهو في ولاية وصي فحاز له العطية فلا تعتصرها، وهو كالأب. ولو كانت الأم تلي الصبي كان لها أن تعتصر، كان له أب له أب أو لم يكن. وقال مطرف عن مالك: لا تعتصر الأم من ولدها ما أعطته في يتمه، ولا ما أعطته قبل موت الأب إذا مات الأب، وتعتصر ما وهبت لكبير يلي نفسه. وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك. وقاله أصبغ، وبه أقول. وقال ابن الماجشون في الأب يهب لابنه الحائز الأمر الملي هبة يسيرة، ثم ادان أو نكح، وليس من أجلها دوين أو زوج لقلتها قال: ذلك يمنع الاعتصار، وهو يُعَدُّ قوي بها. قال مطرف عن مالك: إذا كانت قليلة لا يرى أن من/ أجلها ادان أو زوج لقلتها في كثرة ماله فله أنه يعتصر. وقاله مطرف وأصبغ، وبه أقول. قال مطرف وابن الماجشون: لا يرفع الاعتصار إلا النكاح والدين أو مرض المعطي أو المعطى، ولا يرفعه تغير الهبة بزيادة أو نقص في سوق أو بدن، وبه أقول. وقال أصبغ مثله في تغير السوق. وأما تغير البدن فيقطع العصرة عنه. قال ابن الماجشون: ولو كانت أمة فوطئها الابن لكان للأب أن يعتصرها بعد الوطء. ولكن توقف حتى يستبرى رحمها. فإن استمرت حاملا فلا عصرة له. وبه أقول.
وقال ابن القاسم وأصبغ: لا عصرة بعد الوطء، ويصدق الابن في دعواه الوطء. قال يحيى بن عمر: إذا غاب عليها. تم الأول من الهبات والصدقات بحمد الله ويتلوه في الجزء الذي يليه الجزء الثاني من الهبات والصدقات والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
[الجزء الثاني من الصدقات والهبات]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم/ الجزء الثانى من كتاب الصدقات والهبات (¬1) في الصدقة وما لا يجوز أن يرجع فيه منهما وما يشبه الرجوع فيها من شراء أو غيره وهل يأكل من الثمن؟ وشراء مرجع العمرى؟ [وشبه ذلك] (¬2) من كتاب ابن المواز قال: وكل من تصدق بأصل شيء فبتله وقطع منه ملكه، لم يجز له أن يرجع إليه باختيار من شراء أو غيره. وإن تداولته أملاك ومواريث. قال: وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجوع في الصدقة (¬3). قال غيره: ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر عن شراء فرس، كان تصدق به. قال مالك فيمن تصدق على رجل بصدقة، ثم يبدو له قبل أن تحاز عنه: فإذا أشهد، فليس ذلك له، وإن لم يكن له إلا شاهد حلف معه وأخذ ما لم يمت المعطي. ¬
قال مالك فيمن حمل رجلا على فرس في السبيل فباعه من آخر فأراد بيعه: فلا أحب للأول أن يشتريه، وكذلك الدار والثوب يتصدق به؛ قال: ولا يستعير ما تصدق به، أو أعطاه لرجل في السبيل وإن تصدق بذلك عليه فلا يقبله. قال مالك [فيمن حمل] (¬1) رجلا على فرس لغير السبيل ولا على المسكنة: فلا بأس أن يشتريه. قال مالك في التي جعلت حجاليها في السبيل: فلا ينبغي أن تخرج قيمتها وتحبسهما؛ ولكن تنفذ ما جعلت، وكذلك في العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، قال سحنون: وذلك من معنى الرجوع في الصدقة. قال مالك في الكتابين: ومن حمل على فرس رجلا فلا يستعيره يركبه ولو كان (¬3) أمرا قريبا فلا أحبه وقد ركب ابن عمر ناقة وهبها فصرع عنها فقال: ما كنت لأفعل مثل هذا. قال محمد: وأما إن لم يبتل الأصل، وإنما تصدق بالغلة عمرا أو أجلا فله شراء ذلك. قاله مالك وأصحابه. إلا عبد الملك، واحتج بالنهي عن الرجوع في الصدقة، وأجاز لورثته شراء المرجع. والحجة عليه ما أرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - من راء العرية. قال: ويجوز لصاحب الأصل أن يشتري ما حبس من الغلة حياة رجل، ويجوز لورثته كما جاز شراء العرية. ولو جعل الثمرة، أو الخدمة لرجل عمره، ثم الرقبة لآخر، فلا يجوز لمن كان له/ أصل شراء ذلك، ويجوز لمن له مرجع الأصل ولورثته، ويجوز للذين لهم الغلة والثمرة شراء مرجع الأصل ممن جعل له؛ وقاله كله مالك. قال مالك: ومن أخدمته عبدك سنة، فلك بيع الرقبة منه قبل السنة. قال ابن القاسم: ولا يجوز من غيره، إلا أن يبقى من السنة يسير مثل اليومين وما قرب، وفي الدار الشهور الثلاثة والأربعة. قال أشهب، في الموصى له بغلة (¬4) ¬
- يريد أجلا أو عمرا- أن له شراء مرجع الأصل من الورثة، أو من بعضهم نصيبه، وكأنه أبطل وصيته، وللورثة أن يشتروا منه ما أوصى له به من غلة أو مسكنا أو خدمة، أو يصالحوه عنه، وكأ، هـ أبطل وصيته/، ولبعض الورثة أن يشتري منه حظه من المرجع، ولا يجوز أكثر لأنه ينتزع منه يوما ما. قال محمد: وهو فيه كالأجنبي يشتري ما لا يدري وقته، وكذلك لصاحب الأصل أن يشتري من ورثة المعطى مرجع الأصل، أو من أحدهم مصابته، ولا يشتري بعض الورثة من بعض، وهم كالأجنبي في شراء بعضهم من بعض. قاله مالك فيمن أسكن رجلين دارا حياتهما: فليس لأحدهما شراء ذلك من الآخر، وله أن يكتري منه كأجنبي. قال مالك: وإذا أخدمت رجلا عبدك أجلا أو عمرا، ثم هو حر، أو أسكنته دارك كذلك، ثم هي في السبيل، لم يجز شراؤك لتلك السكنى، أو الخدمة، وإنما تشتري ما مرجعه إليك؛ وكذلك لو كنت العمرى لواحد أو جماعة، تشتري منهم أ, من أحدهم أنت أو وارثك، ولا يشتري بعض ورثتك أكثر من حصته من المرجع، وكذلك لمن له المرجع بصدقة يجوز له ولورثته من شراء ذلك ما يجوز لصاحب الأصل أو لورثته، ولو كان المرجع حبسا على قوم غير مبتل، فليس لهم شراء المرجع ملكا، إلا أن يشتروه ليلحقوه بحبسهما فذلك لهم. وقد قال ابن القاسم فيمن أسكن رجلا بعض داره، وحبس الباقي على آخرين وجعل مرجع السكنى إليهم، فأرادوا شراء سكنى المسكن، فذلك جائز. قال مالك: ومن أسكنته، أو أخدمته، فلا بأس أن (¬1) تبدل له ذلك بغيره إن رضيتما، ما لم تفسد (¬2) عطيته قال: وأما من أعطى فرسه في السبيل، فلا أرى/ أن يبدله. قال أشهب: وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر عن العودة في صدقته. ¬
قال أشهب: قلت لمالك: فقد قلت فيمن أسكن أو أخدم رجلا سنين: إن له أن يكتري ذلك منه أو يبدله، إلا على ما يخاف أن يفسد حبسه، أرأيت إن لزمه ذلك على رجاء الصدقة، أفلا يتكاراه منه؟ قال ابن القاسم: في هذا بعينه لا بأس به في المسكن وغيره. قال محمد: لأن أصله بدله. وكذلك العرايا، فأما ما ابتل، فلا يعود فيه (¬1) قال مالك في الغزاة يعطي أحد منهم رجلا منهم ذهبا صدقة، ثم يترافقون، فيخرج منه نفقته معهم، فليس هذا مما يتقى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في لحم بريرة: " هو لها صدقة، ولنا هدية " (¬2). ومسألة مالك في الذي أمتع زوجته متاع البيت حياتها، ثم اشترى مرجعه، هي مذكورة في باب شراء مرجع الأحباس في كتاب الحبس. ومن العتبية (¬3)، من سماع ابن القاسم: ومن تصدق على ابنه الصغير بعبد وشهد له به، فيقيم العبد بعد ذلك بيده سنين، ثم يبيعه من نفسه على ابنه بثمن يشهد له به، ثم مات الأب، قال: إن صح فما أحراه أن يجوز، ويلزمه. قال عيسى: قال ابن القاسم: ذلك جائز. وقال سحنون مثله. وعمن تصدق على ابنه الصغير بجارية، فتنفره، فتتبعها نفسه، فيشتريها منه، فلا بأس بذلك إذا أشهد على ذلك: قلت: تصدق عليه بها ويشتريها؟ قال: نعم. قال عيسى: قال ابن القاسم: أرخص فيه لمكان الابن من أبيه/ ولو كان أجنبيا، لم يجز أن يشتري منه صدقته. ¬
قال مالك: ومن تصدق على أحد ولديه وهو صغير بعبد، ثم أعتقه الأب، وعوضه أدنى منه أو مثله فإن كان الابن في ولاية أبيه (بعد) فذلك جائز له، وإن ولي نفسه، لم يجز ذلك إلا بإذنه. ومنه ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من تصدق على ابنه الصغير بمائة شاة وكتب له بذلك كتابا، فأقام سنة ثم كتب كتابا آخر تصدق عليه فيه برمك أفضل من الغنم، وتصدق فيه بتلك الغنم على امرأته، ولم يقل إن الغنم عوض من الرمك، قال: ذلك جائز والغنم للزوجة، والرمك للابن. وإذا كان في ولايته أو كان كبيرا فحاز الرمك، فهي له وإن كانت أفضل من الغنم. وقال مالك: وللرجل أن يأكل من لحم غنم تصدق بها على ابنه ويشرب من لبنها، ويكتسي من صوفها إذا رضي ابنه، وكذلك ثمر الحائط. زاد في العتبية: قال ابن القاسم: ولم يره مثل الأجنبي. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك للأم. قال محمد: وهذا في الكبير، وأما ابنه الصغير، فلا يفعل. قاله مالك، وأما الأجنبي، فلا يأكل من ذلك شيئا بثمن ولا غيره، إلا أن يخلط طعامه بطعامه أو نفقته (¬1). ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن تصدق بنخل، فأراد أن يقلعها ويغرس غيرها فليس ذلك له. ¬
فيمن وعد رجلا بشيء أو وضع عنه دينا أو تصدق عليه ثم رجع
فيمن وعد رجلا بشيء أو وضع عنه دينا أو تصدق علوفيمن خرج بشيء ليعطيه/ لسائل فلم يجده ومن أعطى لرجل فرسا يغزو به هل يرجع إليه؟ وفي رجوع الذمي في هبته من كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال لرجل: أنا أقضيك دينارك الذي [لك] (¬1) على فلان ثم بدا له؛ فإن ألزم ذلك نفسه بالإشهاد أو الحول (¬2) أو أمرا فتعد عليه منه (كذا)، فهو له لازم، وأما المقاولة والمراوضة، فليحلف ما أراد إيجابا. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أعطيته فرسا يغزو به، فغزا عليه، ثم مات، فطلبت أخذه فلا تفعل. قيل له: إن ربه يقول إنما أعطيته ليتقوي به في السبيل، ولم أبتله. قال: له ذلك، وهو أعلم بنيته. ومن أعطى فرسا رجلا يغزو به، فمات الرجل قبل أن يخرج، فليس لورثته أن يغزوا به، وليأخذه ربه، فينفذه في الغزو. وكذلك لو أعطاه دنانير فمثل ذلك. قال مالك فيمن وضع عن غريمه بعض حقه: فليس له أن يرجع عن ذلك. قيل له: أهل مكة يقولونه. فأنكره وقال: إنما كانوا يتعلمون من أهل المدينة. وسئل مالك عن امرأة تصدقت على ابني ابن لها بأصل حائط، فكتبت بذلك كتابا، وجعلته بيد ابنها (¬3)، ثم رجعت، فطلبت كتاب الصدقة لتأخذه من الأب، فامتنع، ثم رده عليها، ثم ماتت، قال ذلك يبطل لأنه لم يحزه. يعني الحائط. ¬
[ومن العتبية] (¬1) قال مالك، في السائل يقف في الباب فيؤمر له بالكسرة فيوجد قد ذهب فأرى أن تعطى لغيره، وما هو بالواجب. ومن خرج إلى مسكين بشيء/ فلم يقبله فليعطه لغيره وهو أشد من الأول. قال مالك، فيمن سأل رجلا شيئا إلى غده، فيأتيه به فلا يبده؛ فإن أراد بذلك الله سبحانه، فلينفذ ذلك على غيره، ولو سأله بعض أقاربه صلة فوعده ثم ذهب فلم ينفذ، فأحب إلي أن ينفذه على غيره، وليس عليه بالواجب. ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك في السائل يقف بالباب، فيؤمر له بدرهم فيوجد قد انصرف، فليتصدق به، وكذلك الكسرة. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ فيمن قال اشهدوا أن لفلان في مالي صدقة مائة دينار، ثم بدا له، فذلك يلزمه إن كان في ماله (¬2) محمل لها، ولا دين عليه، وإن حمل بعضها فما حمل منها، فإن لم يكن في ماله محمل شيء منها فهي باطل. وقاله ربيعة. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا وهب ذمي هبة فلم يدفعها حتى بدا له فذلك له، لأنها عطية لم تحز. وقد قال غير واحد من العلماء ممن يؤخذ بقوله إن ذلك لا يقضى به بين المسلمين فيما لم يحز، فكيف بأهل الذمة! قال ابن القاسم: ولو كان أحدهما مسلما، فليقض على المعطي يدفعها إلى المعطى. وكان أشهب يضعف صدقة النصراني، وإن كانت على مسلم إن كان من أهل العنوة إن رجع فيها قبل [أن] (¬3) تحاز عليه، أن ذلك له. وبعد هذا باب فيما يلزم من الموعد مستوعب فيه من هذا المعنى. ¬
فيمن تصدق بعبد على رجل ثم وجد به عيبا أو كان فرسا حبسه
فيمن تصدق بعبد على رجل ثم وجد به عيبا أو كان فرسا حبسه وفيمن أخدمته عبدا أو أعمرته دارا فقتل رجل العبد وهدم الدار والحكم فيما يرجع به في ذلك كله من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن تصدق بعبد اشتراه على رجل ثم ظهر منه على عيب، فرجع للعيب بدنانير، فهي للمشتري دون المعطى. وقاله ابن القاسم وقاله أشهب وابن وهب إن شاء الله. قال محمد: أظنه غلط. وقد قال مالك، فيمن ابتاع فرسا يحمل في السبيل ثم وجد عيبا؛ فإن كان قد مضى وخرج به، قد بدا أن يرجع بقيمة العيب على البائع، فإن كان بيده، فليرد على بائعه، وأحب إلي أن يشتري فرسا مثله يجعله في مكانه (¬1). وإن بعت عبدا وأحلت بثمنه ثم رد عليك بعيب؛ فإن أحلت بدين عليك فله قبضه، ويرجع المبتاع عليك بالثمن، وإن كان صلة منك للمحال، فإن كان قد قبض رجع المبتاع عليك بالثمن دون القابض، وإن لم يقبض فلا يدفع إليه المبتاع شيئا، ويبيعه بالثمن. قال مالك: ومن أعمر رجلا غرفة يسكنها حياته لا يبيع ولا يهب، فتعدى عليها رجل فأخربها، فعليه غرم ما أفسد، يكون لربها، ولا شيء للمعمر غير السكنى، إن شاء سكن فيما بقي منها وإن شاء بنى وسكن. وقاله أصبغ. والاستحسان أن يناله من تلك القيمة ما/ ما يسكن عمره. قال: قال ابن وهب وكذلك العبد المخدم عمره، يقتله رجل، إن قيمته لسيدة، ولا يشتري منه عبدا يخدمه. وأنكر هذا، وكذلك الموصى له بنخلات حياته فيقطعها رجل، يغرم القيمة، فأنكر أن يحبس على المعمر من ذلك ما ¬
ما يلزم من الموعد وما لا يلزم
يكفيه، وقال: أرأيت العبد المخدم (¬1) في أن يفديه، ويبقي على خدمته، وإذا فداه لا يتبع ربه بشيء. وقال أشهب في الغرفة يغرم هادمها ما بين قيمتها صحيحة ومهدومة، فيبني به كله الدار، وإن أتى ذلك على أكثر مما كانت عليه، أو أقل، لم يكن ذلك للموصى له المعمر. ما يلزم من الموعد وما لا يلزم ومن قال لرجل احلف لي على كذا ولك كذا ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أشهب، قال مالك فيمن حلف لغريمه ليوفينه حقه إلى أجل سماه، فلما دنا الأجل وخاف الحنث قال له رجل: لا تخف إني عشية أسلفكه. قال: لا يلزمه. وإن قال: أنا أسلفك، أنا أعيرك، أنا أهب لك. فلا يلزمه، وقد رغب عن مكارم الأخلاق، ولا أدري كيف ذلك فيما بينه وبين الله عز وجل. قال: ومن قال لابن أخيه إن لك عندي مائة دينار أصلك بها في نكاحك، فإن أشهد له بذلك فهي له واجبة في ماله وإن طال زمانها ما لم يمت العم قبل القبض، فتبطل، إلا أن يكون قد ضمنه الزوجة. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وكتاب/ ابن المواز، قال [مالك: وإن سأل رجل رجلا أن يهب له ذهبا، فقال له: أنا أفعل أو أنا فاعل فلا أرى ذلك له لازما] (¬2) ولو سأله في قضاء دين (¬3)، فقال: نعم. ورجال حضور يشهدون، فما أحراه أن يلزمه، وما أحقق إيجابه. قال ابن القاسم: إذا قال نعم أنا أفعل. فلا يلزمه، إلا أن يشهد أنه أوجب ذلك على نفسه، ويقتعد الغريم منه على وعده ¬
وإيجابه، ويشهد بذلك على نفسه فهذا يلزمه. قال: ولو سأله غريمه أن ينظره فقال له: نعم، أنا أنظرك. فهذا عندي واجب عليه. ومن كتاب ابن المواز قال: ومن سأله أخ له عشرة دنانير في معونة ثم هلك المعطي، فإن كان اقتعد الغرماء على موعده فأرى ذلك في رأس ماله، وإلا فلا شيء له. قال مالك: وإذا كلم أن يضع عن غريمه فقال: إذا جاءني (¬1) بحقي اليوم فله عشرة دنانير. فلم يأت بالحق إلا بعد عشرة أيام، فلا تلزمه الوضيعة. ومن قال لرجل: ادفع عني إلى فلان مائة دينار. فوعده بذلك، وأنعم له، فإن ذلك ليس بلازم، إلا أن يقتعد الغرماء منه على موعد، فإنه يلزم. قال محمد: يريد إذا أشهدوا على ذلك. وإذا اشترى عبدا فأراد البائع أن يكتب بينه وبينه كتابا، فقال المشتري: كل مملوك لي حر لو أردت مني ثمنه لوهبته لك. فقال له البائع: فهذا هبة، فخذه أنظرك به سنة. فأخذه على ذلك، فبدا للبائع، وقال: لم أرد هذا، ولا ظننت أنك تأخذه. فليحلف أنه لم يكن منه بمعنى السلف، ولا كان إلا على التجمل والتماس المحمدة، ثم له رد ماله. ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم قال: من قال لرجل احلف لي أنك ما شتمتني/ ولك كذا وكذا هبة مني. فحلف له، قال: تلزمه الهبة. قال سحنون: والذي يلزم من العدة في السلف والعارية أن يقول رجل لرجل: اهدم دارك وأنا أسلفك، أو اخرج إلى الحج، أو اشتر دار كذا. أو تزوج وأنا أسلفك. وشبه هذا مما يدخله فيه بوعده، فهذهالعدة التي تلزم؛ وأما إن قال له: أنا أسلفك، أنا أعطيك لغير شيء ألزمه المأمور نفسه بأمر الأمر، فلا يلزمه. وقال نحوه أصبغ. ¬
قال أصبغ إذا قال إني أريد النكاح فأسلفني مائة دينار إلى أجل كذا. فقال له: أنا أسلفك وانكح، فنكح، فإنه يقضى عليه بالسلف، ولو لم ينكح حتى قال له لما تنكح. فتدبر إلي، ثم نكح قال: لا رجوع له في ذلك، سواء نكح أو لم ينكح، ويلزمه له السلف بالحكم، ويلزمه أن يسلفه إذا شاء النكاح. ولو سألك في عارية دابتك أن يركبها في غد إلى حاجة كذا، فأنعمت له، ثم بدا لك، لم يكن لك ذلك، ويقضى عليك بعاريته. ولو قال لك: أسلفني مائة دينار فإني أريد شراء جارية فلان أو دابة فلان، أو سلفته، فأنعمت له، فليس لك أن يبدو لك، وكذلك لو قال لك: إن غرمائي لزموني بدين علي، وهو كذا وكذا، فأسلفني أقضيهم فأنعمت له، فليس لك رجوع، ويقضى عليك بالسلف. وقال: إنما ألزمته مثل هذا، وإن كان لم يدخله بوعده في أمر، لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: رأي المؤمن واجب (¬1) وقضى به عمر بن عبد العزيز في يوم وعدوا من أعطياتهم،/ ثم نكصوا. قال أصبغ: والعدة التي لا يحكم بها أن يقول لك: أعرني دابتك أو أسلفني كذا لغير سبب ذكره من نكاح، أو سلف، أو قضاء دين، أو حاجة نزلت به، فوعدته بذلك، أو بعارية، فهذا لا يلزمه إذا كانت العدة هكذا، لم يذكر لها سببا من حاجة ذكرها، أو أمر يريد أن يدخل فيه بسبب عدتك، وإن ذكر ذلك لزمك الوعد، نشب فيما أراد أو لم ينشب، إلا أن يترك هو الأمر الذي وعدته من أجله. ولو قال لك أريد غدا جمع أزواج للحرث، فأعرني زوجك تحرث عندي غدا. فأنعمت فذلك يلزمك إذا أخذ في جمع الأزواج غدا، وأجمع على ذلك. ولو سألك غريمك أن تؤخره إلى أجل كذا وكذا ثم بدا لك، فالتأخير يلزمك إذا قلت له: أنا أوخرك أو قد وخرتك. إلا أن قوله: أوخرك عدة تلزمه ¬
ما يلزم من الصدقة في يمين أو غير يمين
وقولك قد وخرتك. شيء واجب عليك. ولو قال لك: أسلفني كذا لأني أتزوج أو أشتري سلعة أو نحو ذلك. ثم بدا لك فإنه يقضى له عليك بالسلف، كان قد ذكر لك الأجل أو لم يذكره، فإن قلت: أنا آخذه منك حالا من ساعته. فليس ذلك لك حتى ينتفع به المتسلف ويمضي لذلك قدر ما يرى أن مثله يتسلف إلى مثل ذلك الأجل، وينظر إلى حال المتسلف إن كان موسرا يقدر على رد ذلك في مثل الأجل القريب، اجتهد في ذلك السلطان بقدر ما يرى من حال الرجلين. ما يلزم من الصدقة في يمين أو غير يمين وما/ يقضى به من ذلك وما يحدث في ماله بعد الحلف من كتاب ابن المواز قال أشهب وابن القاسم فيمن قال: داري في المساكين صدقة. فما كان على وجه اليمين- يريد فحنث- فلا يجبر على إخراجها، كان لرجل بعينه أو للمساكين. قال ابن القاسم: فإن كان على غير يمين أجبر على إخراجها، كانت لرجل معين أو للمساكين. وقال أشهب إنما يجبر في هذا فيما كان بغير يمين، وقد تصدق به لله على رجل بعينه يلي خصومته لا للمساكد: وما لم يجبر فيه، فليخرجه كما أوجب. قاله مالك. قال محمد: لا رخصة له في تركه. قال ابن القاسم، وأشهب، عن مالك، فيمن جعل ماله صدقة. فإنه يؤمر بصدقة ثلثه، لا يحل له تركه، فإن أبى جمع عليه رأيه من غير قضاء عليه، ولا رخصة له في تركه. وقال أشهب: لأنه لم يجعل ذلك لرجل بعينه يلي خصومته. قال ابن القاسم: يقضى عليه في اليمين. وروي عن يحيى بن يحيى عن ابن وهب في العتبية فيمن باع شريكه في عبد بينهما أن فلانة ابنته من أمته، فقال: إن كانت ابنته، فنصيبي منها عليك صدقة. فتحاصها، ثم تبين له أنها ابنته، فرجع عن الصدقة، قال: لا يلزمه هذا ولا في يمين يحنث فيها بالقضاء، ولكن يعظه ويؤثم، فإن أبى لم يقض عليه، وإنما قال مالك:
يقضى عليه بما تصدق عليه في مثل ما يجري بين الناس من معنى الصلة وطلب البر والمكافأة، وأما في يمين أو تكذين لمنازع وشبهه فلا يؤمر كما أعلمتك/. قال محمد بن عبد الحكم: وإن حلف بصدقة ماله بعينه أو بغير عينه على رجل بعينه أو على المساكين أو في سبيل الله، أو حلف حبس داره، أو حملان خيله في سبيل الله، أو بإبله أو بقره، أو داره، نذرا أو غنمه هدايا (¬1) ثم حنث، أقر بذلك، أو قامت عليه بينة، فلا يقضى عليه بشيء من ذلك، إنما تأمره بما ترى، فإن لم يفعل، لم يكره على ذلك. من كتاب ابن المواز وإذا حلف على صدقة ماله فحنث، ثم حلف ثانية فحنث فقال ابن القاسم وأشهب: يخرج الثلث، ثم يخرج ثلث ما بقي. واختلف فيه قول ابن كنانة، فقال هذا، وقال أيضا: يجزيه ثلث واحد. قال محمد: أما إن حلف اليمين الثانية قبل أن يحنث في الأولى، فثلث واحد في حنثه يجزيه، وإن كان حنث، ثم حلف فحنث، فكما قال ابن القاسم وأشهب. قال ابن القاسم: فإن فرط في إخراجه حتى ذهب ماله، فإنه يضمنه، كالزكاة، ولو نما ماله لم يلزمه إخراج ثلث ما نما بعد أن حلف، وإن نقص، فثلثه يوم حنث. وقاله مالك. قال محمد: إنما عليه الأقل إذا كان يمينه ألا يفعل، ثم حنث، فلا يلزمه ما أتلف، أو أكل، أو زاد أو نقص، وإنما عليه ثلث ما معه يوم حنث، لا يحسب عليه ما نقص ولا ما زاد، وعليه الأقل ولا زاد بولاته رقيق أو حيوان، أو غلات تمارا ونحوها، فلا شيء عليه فيه، وما نقص بسببه أو بغير سببه قبل الحنث، لم يضمنه، ويضمن ما بقي منه بعد الحنث مما كان يملك يوم حلف، ولو ضاع/ شيء بقرب حنثه بلا تفريط لم يضمنه أيضا، هذا كله في يمينه ألا يفعل. ¬
وأما يمينه لأفعلن، فيلزمه فيما ملك يوم حلف، وفيما زاد ذلك بنمائه أو ولادة، أو غلة، ويضمن ما تلف منه قبل حنثه، إلا ما تلف بغير يمينه، وقيل: ليس الربح كالولادة والثمرة. [لأن الغاصب له ربح المال ولا يكون له الولد والثمرة] (¬1). ولو كان أرضا فزرعها بشيء أفاده بعد اليمين، لم يلزمه في الزرع شيء. قال: وإن وهب على وجه الصدقة، فقد قيل: يضمن ما تصدق بعد يمينه قبل حنثه، ولو تصدق به بعد اليمين تعمدا للحنث لضمنه، لأنه أخرجهم قبل أن يحنث (¬2). قال محمد: وأحب إلي ألا يضمن في هذا بما تصدق به لأني لو أمكنني رده، لأخرجته ثانية، وكان كحالف بحرية عبده أن يفعل كذا إلى شهر، فيعتقه قبل الشهر، ثم يحنث، فلا شيء عليه. وذكر لي عن ابن القاسم فيمن قال: ميراثي من أبي صدقة عليك إذا مات، أنه لا يلزمه. قال محمد: أما في اليمين، فيؤمر به من غير فضاء، وأما في غير يمين، فيلزمه، كالعتق. قال مالك، فيمن حلف إن كان ما يكسبه أبدا صدقة، فلا شيء عليه، وليفعل خيرا ويتصدق وقيل: ولا صدقة عليه ولا سبيل. قال أصبغ: وإن ضرب أجلا يعيش إلى مثله، لزمه، كالعتق والطلاق. قال ابن القاسم، فمالي لوجه الله. فليتصدق بثلثه، ولا عتق عليه في رقيقه، إلا أن ينويه. وروى أبو زيد عنه، في العتبية إن فعلت كذا، فكل شيء لي لوجه الله. فحنث، أنه لا عتق/ عليه في رقيقه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا حنث بصدقة ماله، وله عين، ورقيق، وقمح، وشعير، فليخرج ثلث ذلك كله، إلا أن ينوي (¬3) العين خاصة، وإلا فليخرج ثلث كل ما يقدر على بيعه. قال أشهب: ويخرج ثلث خدمة المدبرين [وثلث] (¬4) ¬
فيمن تصدق بما له كله وهل يتصدق على بعض ولده دون بعض؟
ما يتأدى من المكاتبين، وثلث خدمة المعتق إلى أجل، وثلث ما يرجع إليه وهو حي من عمرى. وكذلك إن عجز المكاتب، أخرج ثلثه، وما رجع من ذلك كله بعد من له، لم يلزم ورثته فيه شيء. قال ابن القاسم: لا شيء عليه في مدبرته، ويخرج ثلث قيمة [كتابة] (¬1) المكاتبين، وإن عجز المكاتبون، نظر إلى قيمة رقابهم فإن كان أكثر مما أخرج من قيمة كتابتهم، فعليه ثلث الفضل. قال محمد: كل صواب. وقول أشهب أحب إلي، إلا أن يبيع كتابة المكاتبين، فيخرج ثلثها، ولا شيء عليه عند ابن القاسم، في مدبر ولا معتق إلى أجل، إلا أن يؤاجرهم، فيخرج ثلث الإجارة. ومن قال لامرأته: كل جارية أتسررها عليك، فهي عليك صدقة، وإن وطئت جاريتي هذه، فهي عليك صدقة. فاشترى، وتسرر، أنه لا شيء عليه. قاله ابن القاسم. محمد: يريد لا يقضى عليه، وكذلك إن قال لرجل: إن شربت هذا القدح النبيذ، فعبدي عليك صدقة. ففعل، فيؤمر ولا يجبر. وهذا الباب كله في النذور. فيمن تصدق بماله كله وهل يتصدق على/ بعض ولده دون بعض؟ من كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك يجوز للرجل أن يتصدق بماله كله في صحته، وقد فعله الصديق. [رضي الله عنه] (¬2). قال سحنون في العتبية: إذا تصدق بجل ماله، ولم يكن فيما أبقى منه ما يكفيه، [ردت صدقته، فإن كان مما أبقى ما يكفيه] (¬3) لم يرد. وقال محمد بن عبد الحكم، في غير كتاب ابن المواز، وقال غيره من البغداديين: نحن نكره له بذلك، ¬
وليبق على نفسه لأن الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قررا لنا أن الإبقاء على الوارث أولى، فإبقاء المرء على نفسه أكثر وأولى من الإبقاء على الوارث. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: يكره أن ينحل أحد بنيه ماله كله أو جله، مثل أن يفعل ذلك للصغير، ويدع الكبير. قيل له أفيرد؟ فلم يقل في الرد شيئا. قيل له: أفيرد؟ فلم يقل في الرد شيئا. قيل له، في رواية أشهب في الكتابين، عن مالك في الحديث في الذي نحل ابنه عبدا، له فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟. قال: لا. قال: فأرجعه (¬1). قال مالك: إن ذلك فيما أرى أنه لم يكن له مال غيره. قال أشهب فقلت له: فإن لم يكن له مال غيره، أيرد؟ قال مالك: وله أن ينحل بعض ولده بعض ماله، وإنما يكره أن ينحله جل ماله، والابن صغيرا او كبيرا، إلا أن ينحل المقل منهم الشاة أو الدابة، ليس له غيرها. قال/ عنه ابن القاسم، في العتبية فيمن تصدق بماله كله على بعض ولده: لا أراه جائزا. قال ابن القاسم: أكرهه، فإن فعل وجيز عنه، فلا يرد بقضاء. قال: قيل لمالك في الكتابين: ولو تصدق بداره، وهي جل ماله، على بعض ولده. قال: فلا بأس به، وغيره أحسن منه. قال مالك، فيمن ليس له إلا خادم واحدة يتصدق بها على أحد ولديه: فذلك جائز إذا حيز. قال ابن القاسم: ووجه ما روي من إنحال بعض ولده دون بعض، إنما هو- والله أعلم- فيمن نحل بعضهم ماله كله فأما من لم ينحله الجميع، فهو جائز، وقد فعله الصديق، وقاله عمر، وعثمان، رضي الله عنهم، وعمل به الناس. ومن كتاب ابن المواز: لا بأس بذلك، ويذكر عن ابن القاسم، فيمن تصدق بماله كله على بعض ولده، وبين أنه حيف وقرار. ومن كتاب الله رد ذلك ¬
في صدقة البكر وذات الزوج والمولى عليه
في حياته ومماته. قال أصبغ: إذا حيز ذلك جاز على كل وجه، اجتمع أمر الفقهاء والقضاة على هذا، وحرجه بينه وبين الله. قال محمد: صواب. وقد قال ابن القاسم غير هذا أكره أن يعمل به أحد، وإن فعل لم يرد. قال ابن القاسم، عن مالك، في العتبية، في الذي له ولد يبره، فيعطيه العطية دون باقي ولده، قال لا بأس بذلك. في صدقة البكر وذات الزوج والمولى عليه قال الفقيه أبو محمد: وهذا الباب قد ذكرناه في آخر كتاب التفليس، وفيه تمام القول في هذا المعنى، على ما ذكرنا ها هنا منه. من كتاب ابن المواز/ قال مالك وأصحابه في ذات الزوج تتصدق بثلث مالها، أو بعتقه، قال: ذلك نافذ ما لم يكن ذلك لسفه، أو على ضرر. وذكر ابن حبيب أن ابن الماجشون، ومطرفا، وأشهب، رووا عن مالك أنه وإن كان بالثلث فأقل على وجه الضرر منها، والسنة أنه يرده. قال: وقد قال ابن القاسم إنه لا يرد على أي حال كان، وقاله أصبغ. وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنه تبين أنها قصدت الضرر بمقدار الثلث. قال: وكذلك لو تصدقت بثلث ما بقي أيضا بعد أشهر فإن تباعد ذلك، جاز، وإن تقارب، لم يجز، وهي مثل التي تتصدق لغير الضرر. قيل: فكم حد البعد أيكون الشهر؟ قال: لا أحد فيه. قال أصبغ: إلا بقدر ما يرى أنه فرحا (كذا) مستقبلا. قال يحيى بن يحيى وقال غيره ما يتبين أنها تفعله ضررا لا لأجر (¬1). ولا بر فإنه مردود كله. قال سحنون: وأنا أراه جائزا في الثلث إذا كان على وجه الضرر. وقال ابن القاسم: إنه لا يجوز. ¬
ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب، وإنه جائز ولو يعلم أنها أرادت [به] (¬1) الضرر! قال محمد: عن علم إنه على وجه الضرر بالزوج، فله رده، كما لا يجوز من فعل السفيه شيء، كذلك يرد من فعل هذه ما كان ضررا. قال مالك والعبد تحته الحرة، فله منعها من الصدقة والعتق بأكثر من ثلثها، وهو كالحر في هذا، ولعله قد زادها في صداقها لأجل ما يرجو من النفع بجمال مالها، والرفق به، ولعله سيعتق، وسواء كان له منها ولد أو لم/ يكن. وكذلك النصرانية تحت المسلم. وكذلك روى أبو زيد، في العتبية عن ابن القاسم، وخالفه ابن وهب. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا زادت الحرة على ثلثها يسيرا، مثل الدينار والدينارين، يمضي ذلك ولا يرد، وإذا أعتقت ثلث أمة لها، لا تملك غيرها فقال ابن القاسم، عن مالك بعتق ذلك الثلث، ولا يرده الزوج. وروى عنه أشهب، وعبد الملك، أن الزوج إن أجاز عتق ذلك الثلث عتقت جميع الجارية، وإن رد ذلك (¬2)؛ لم يعتق منها شيء. وهو أحب إلينا. قال مالك: وإذا [أعتقت] (¬3) ثلث عبد لها في الصحة، وباعت ثلثه، وبقي باقيه بيدها حتى ماتت، فلا يعتق منه إلا ما أعتقت في صحتها، وسواء في صدقة الزوجة أو عتقها، في حنث يمين أو ابتداء. قال محمد: وأفعالها نافذة حتى ترد، فإن حدث طلاق، أو مات الزوج، فذلك ماض. وقد ذكرنا الاختلاف في هذا في باب في آخر التفليس. قيل لمالك، في امرأة حلفت بعتق رقيقها، أرأيت إن أنكر زوجها؟ قال: ليس ذلك على المفتي. وإذا تصدقت بقدر الثلث على ابنتها، أو أختها وهما مليان، ¬
فذلك جائز، ثم إن أردات بعد ذلك أن تتصدق بقدر ثلثها فإن كان سفها يعرف به قصد الضرر، لم يجز، وإن حضرتها الوفاة فأوصت بالثلث، جاز ذلك أيضا. وإذا أعتق عبد عبده، أو تصدق، فلم يرده السيد، أو لم يعلم به حتى عتق العبد، مضى ذلك، ولو رده السيد قبل العتق، لم يلزمه بعد العتق شيء/، وكذلك الزوجة. قاله أشهب، ورواه عن مالك. وقال ابن القاسم بخلافه. وأما المولى عليه، إن لم يرد عتقه حتى ولي نفسه، فلا عتق له ولا صدقة لأنه لو أجاز وليه عتقه وصدقته لم تجز، بخلاف العبد والزوجة. قال مالك: فكل ما أعتق أو داين (¬1) في سفهه، فلا يلزمه بعد رشده، ولو حبس المولى عليه دارا على أمه حياتها، فأجاز ذلك وليه، لم يجز، ولا يجوز أن يشهد أحد عليه، ومن شهد، فليمح شهادته، فإن أبوا عليه، رفع ذلك إلى الإمام حتى يمحوها أو يجيزها. قال أصبغ، عن ابن وهب، في البكر تبلغ أربعين سنة، ولا يليها أحد، أن أفعالها في مالها تجوز. وروى مثله أشهب، عن مالك. قال محمد: وذلك في التي لا أب لها ولا وصي ولا ولي من سلطان. وقاله ابن القاسم، إن بلغت الخمسين. وقال أصبغ: الأربعين. قال الله سبحانه: {حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سنة} (¬2). ولا يجوز من فعل البكر في مالها إلا في الشيء اليسير، ولها إذا ملكت أمرها أن ترد صنيعها، إلا أن تقيم على تسليمها. قال ابن عبد الحكم، في البكر البالغ عليها ولي: لا يجوز كلما تصنع في مالها، وإن لم يول عليها فجائز (¬3) ما صنعت من بيع وشراء، فأما عتق وصدقة وعطية فلا. وكذلك قال أبو زيد، والحارث، وسحنون: يجوز صنيعها كله ما لم تولى بولاية ولي. ¬
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، في البكر تتصدق على أبويها، ثم تتزوج ويدخل بها، فتقوم في ذلك، فذلك رد، ولها أخذه. قال ابن نافع: ولو/ أقامت بعد البناء سنتين أو أكثر، ثم قامت، وقالت: لم أكن أعلم أنه لا يلزمني. فلها ذلك وتحلف. ومن كتاب ابن المواز قال ابن عبد الحكم: وإذا عنست وبلغت ستين سنة، جاز كلما صنعت، وزالت الولاية عنها، إلا أن تكون سفيهة يولى على مثلها، وإلا ففعلها جائز، ويستحب ألا يزوجها الأب إلا بإذنها (¬1)، فإن لم يفعل، جاز ولم يرد. قال مالك. وللبكر أن ترد [جميع] (¬2) ما صنعت قبل أن تصير إلى زوجها، ولو أجاز الزوج ما تصدقت به قبل أن يبني بها، لم يجز ذلك. ولو ماتت البكر ولم يرد وليها ما صنعت، أو لم يعلم، فلورثتها رد ما أعطت، كما يكون لها لو وليت نفسها ما لم يجزه بعد أن تلي نفسها، أو تركه بما يعلم أنه رضي (¬3) ولو مات العبد الذي عتقت، لم يورث إلا بالرق، ولا يرث هو الأحرار أيضا. وإذا أعتقت ذات الزوج، أو أعتقت أكثر من الثلث، فرد ذلك الزوج، ثم ملك، وذلك بيدها فقال ابن القاسم: ينفذ ذلك عليها بغير قضاء، وبلغني ذلك عن مالك. وقال أصبغ: بل بالقضاء، مثل رد الغرماء عتق المديان، ورد السيد عتق المكاتب أو عتق العبد، ثم يعتق والعبد بيده، فإنه يلزمه عتقه بالقضاء. قال محمد: وهذا غلط من أصبغ، وخلاف لمالك وأصحابه. وقال مالك، في موطئه فيما أعتق المكاتب، فرد السيد، ثم عتق المكاتب والعبد بيده، فلا يلزمه عتقه بقول أصبغ في العبد أبعد، وإنما قال ابن القاسم في ذات/ الزوج وحدها، فألزمها بعد موت الزوج إنفاذ ما كان رد من فعلها ببلاغ ¬
فيمن تصدق بصدقة فلم تحز عنه حتى ادان دينا محيطا
بلغه عن مالك. وقد روى أشهب عنه خلافه فيها، قال أشهب: فكذلك فيما رد من عتق عبده. قال أصبغ: ومن وهب لابنه رجل بكرا، ولابنه المراهق أو البالغ السفيه هبة، فردوها، وقبلها الأب فإن كانت للثواب، فذلك للأب، والوصي مثله، وإن كانت لم تكن للثواب، ولكن على وجه الصلة والأجر، فلا كلام للأب والوصي [مثله] (¬1) في ذلك. قال محمد: ولا لهما رد ذلك، إلا أن يكون لرده وجه. ومن العتبية روى أشهب عن مالك في المولى عليه تصدق على أمه، فأذن وليه بدار له حياتها، ثم مرجعها إليه قال: لا أرى ذلك. قيل: قد كتبنا شهادتنا فيه. قال: سلوهم محوها، فإن أبوا فارفعوا ذلك إلى الإمام حتى ينقضه أو يجيزه، كيف يشهدون على هذا وأ، تم تطلبون العلم وتنظرون فيه؟ قال أصبغ عن ابن القاسم في المرأة تتصدق بمالها كله أو يجعله في السبيل أو في عتق، فذلك سواء ويرد كله. وهو قولهم كلهم. قال غيره: إلا المغيرة فإنه يجيز منه الثلث. قال سحنون: وإذا تصدقت بأكثر من الثلث فلم يعلم الزوج حتى ماتت ثم علم فطلب أن يرده قال: له أن يرده كله. فيمن تصدق بصدقة فلم تحز عنه حتى ادان دينا محيطا أو فلس أو مات أو جن/ قال أبو محمد: وهذا الباب منه باب في التفليس ومنه في كتاب العتق في مثل معناه. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن تصدق، أو وهب شيئا فلم يحز عنه حتى ادان ما أحاط بماله وبالصدقة فالدين أولى (¬2)، والعطية باطل، والصدقة بيوم تُقْبَضُ لا بيوم تتصدق بها، والفلس (¬3) كالموت والمرض. ¬
الشرط في الهبة والصدقة، وشروط تجوز أو لا تجوز
قال أصبغ: الصدقة أولى من الدين المستحدث بعدها، وإن لم تقبض، والصدقة بيوم يتصدق بها لا بيوم تقبض ما دام حيا إذ لو قيم عليه أخذت منه ما لم يمرض أو يموت، وليس ذلك مثل حدوث التفليس عندي، وهو كالعتق إذا أعتق وله مال لم يضر ذلك ما يحدث من الدين. قال ابن حبيب: لا يشبه العتق لأن العتق قبض، والصدقة لم تقبض حتى حدث الدين. قال أصبغ، عن ابن القاسم، في المرأة تصدقت بصدقة، فلم تقبض منها حتى ذهب عقلها فذلك كالموت وتبطل الصدقة. الشرط في الهبة والصدقة شروط تجوز أو لا تجوز من كتاب ابن المواز عن مالك ومثله في سماع عيسى عن ابن القاسم عن مالك، قال مالك: من وهب هبة لرجل، قال في العتبية: أ, تصدق عليه، قال في الكتابين: على ألا يبيع ولا يهب، لم يجز ذلك. قال في كتاب ابن المواز: ولا على ابنه، إلا لصغر،/ أو سفه، فلا يجوز إلى البلوغ والرشد، ثم يأخذه، وأما على أن اشترط عليه بعد البلوغ والرشد، فلا خير في هذا، وكرهه ابن عمر، وربيعة. قال في العتبية: لا تجوز الهبة والصدقة على هذا ويقال له: إما أبتلتها وإلا فخذها إلا في الصغير والسفيه، يشترط ذلك عليه إلى البلوغ والرشد، فذلك جائز. قال ابن القاسم: وأكره أن تقع الهبة والصدقة على هذا، فإن وقعت مضت ولم ترد، وهو على شرطه. قال سحنون: هو حبس. قال في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا ترك ذلك خير المعطي؛ فإما بتله له بلا شرط إن كان جائز الأمر، وإلا رده. وقال أشهب: من حبس عليه وعلى عقبه فإذا انقرضوا، رجعت حبسا على أقرب الناس بالمعطي يوم المرجع.
ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم، فيمن تصدق بشيء على رجل، ويقول: إن أردت بيعه، فأنا أحق به. قال: ليست هذه الصدقة بشيء. وقال ابن وهب، عن مالك، إنه جائز لأنه ليس ببيع. وروى أشهب، عن مالك، فيمن تصدق على رجل بعبده بتلا، على أنك إن مت فالعبد إلى رد، وإن مت أنا فهو لك بتلا، فمات المعطى أولا، فإن العبد يرجع إلى المعطي. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن أعطى أخاه منزلا، وشرط أنك إن مت فهو رد إلي، وإن مت قبلك، فهي لك ماضية، فحاز أو لم يحز، ثم مات المعطي أولا؛ قال: ذلك مثل الوصية، تكون للمعطى من الثلث لأنه/ جعلها له نافذة إن مات المعطي أولا قبله وعجل له قبضها، وهي وصية، حيزت أو لم تحز. قال أصبغ: وليس للمعطى أن يبيعها، أو يحولها عن حالها، فإن مات المعطى اولا، رجعت إلى المعطي، كالعمرى، وهي كالوصية تكون من الثلث. قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم مثل رواية يحيى عنه. قال: وهو قول مالك، او ما يشبهه. قال ابن القاسم، فيمن قال لابنه: إن ضمنت عني الخمسين الدينار التي لفلان علي، فداري صدقة عليك. قال: لا صدقة له، وللابن أن يرجع عن الضمان. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لزوجها: إن حملتنى إلى أهلي فمهري عليك صدقة. وكانت مريضة، فوضعته عنه على هذا، ثم بدا له أن يحملها فخرجت هي من غير إذنه فصارت إلى أهلها؛ فإن خرجت مبادرة لتقطع ما جعلت لزوجها فلا شيء عليه. وأما إن بدا لها وأبى أن يسير بها وعرف ذلك، رجعت عليه بما وضعت عنه. قال أبو محمد: يريد إن كانت بينة أن على هذا ضمن.
ومن تصدق على رجل بجارية، على أن يتخذها أم ولد، فلا يحل له وطؤها على هذا، فإن فعل وحملت، فهي له أم ولد، ولا قيمة عليه لأنه قد اتخذها كما شرط، وليس كالتخيير في القيمة لأنه لم يعط الرقبة، والمتصدق قد أعطى رقبتها، وإن لم تحمل فهي للواطىء (¬1) ولا ترد الصدقة لأنه على الوطء وطلب الولد أعطيها، وقد طلب الولد بالوطء، ولا قيمة عليه، حملت أو لم تحمل./ وعمن قال لابنه: أصلح نفسك، وتعلم القرآن، ولك قريتي فلانة. فيصلح نفسه، ويتعلم القرآن، ثم يموت الأب، وهو لم يبلغ الحوز، فليس ذلك بنافذ، إلا أن يكون حقق ذلك بأستها، ويشهد قوما أنه إن قرأ القرآن فقد تصدق عليه بعبده، فذلك جائز إن كان صغيرا في ولاء أبيه، ويكون حوزا له. ومن سماع أشهب من مالك فيمن تصدقت برقيق لها على ابنتها بكتاب وأشهدت عليه قوما على أن لا يردوها ما كانت حية قال: لا تنفع هذه الشهادة ولا يشهد بها. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تصدق بعبد على رجلين إن قبلاه فقبله أحدهما وأبى الآخر فللذي قبل منهما ما قبل. قال ابن حبيب قال مطرف وأصبغ فيمن تصدق على بنات أخيه بميراثه من أمهن، على أن لا يصدق ذلك أبوهن امرأة يتزوجها، فأصدق ذلك الأب امرأة، فإنه يمنع، ويرد ذلك إليهن بالشرط. قال مطرف، وابن الماجشون: ومن أخدم عبده رجلا عشر سنين ثم هو له بتلا، أو أخدمه، ثم قال ذلك بعد ذلك، فذلك سواء، وقد صار له فيصنه به الآن ما شاء. وقال أصبغ: إذا جمع له ذلك معا فهو كالحبس عليه إلى الأجل. قال مطرف وابن الماجشون: وإن وهبك إياه على أن لا يخرج من ملكك عشر سنين، ثم هو لك بعد ذلك بتلا؛ فإن كان لذلك وجه أن يكون المعطي ¬
فيمن وهب في مرضه لرجل مريض هبة ثم وهبها للواهب فقبضها
سفيها فأراد إبقاءه عليه، أو يكون سقيما فأراد إبقاءه لخدمته، أو فقيرا فأراد إبقاءه عنده/ لعلته، فذلك جائز، وإن لم يكن لشيء من هذا، ولكن قال: أردت أن تراهنني عليه، أو بخدمة ما أعطيته، او تسكن فيما وهبته. فأرى أيضا أن يجوز ذلك كله على ما قال، ولا أرى أن يباع لغرماء المعطي قبل الأجل، ويكونون أحق منه بخراج العبد، وغلة المسكن إلى تمام الأجل. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: ومن تصدق على ابنه الكبير بصدقة على أن قطع بها ميراثه منه، فإن شرط ذلك في أصل الصدقة، فالصدقة باطل، وإن استثنى ذلك بعد يوم أو يومين، فالصدقة ماضية، والشرط باطل، واختلفا (¬1) في الولد إن كان صغيرا فقال ابن الماجشون: الصدقة ماضية، كان الشرط في أصل الصدقة أو بعدها. وقال مطرف: إن كان في أصلها، أو تفريقا في اليوم واليومين، فالشرط باطل. وقال أصبغ: إن قال: لها الشرط، فهي باطل، وإن كان بعدها بقرب أو ببعد، فهي ماضية والشرط باطل. وبه أقول. قال مطرف، فيمن أعطى امرأته النصرانية داره التي هو بها على أن تسلم فتسلم: أنه بمنزلة البيع، لا يحتاج إلى حيازة، ويجزيها الإشهاد، وإن مات في الدار، بخلاف العطية. وقال أصبغ: هو كالعطية، ولا يتم إلا بالحيازة. وبالأول أقول. فيمن وهب في مرضه لرجل مريض هبة ثم وهبها للواهب فقبضها ولا مال لهما غيرها ثم ماتا ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المريض يهب لرجل/ مريض هبة لا مال غيرها ثم وهبها الموهوب للواهب في مرضه ولا مال له غيرها، قال: يجعل المال من تسعة أسهم يثلثها ثلاثة للموهوب له أولا، فيرجع من هذه الثلاثة سهم للواهب، فيصير بيد ورثة الأول سبعة، وبيد ورثة الثاني اثنان. ¬
فيما يتعاوض به الزوجان
قال أبو محمد: هذا الذي ذكر عيسى عن ابن القاسم، وهي مسألة دور، ولم يجعل فيها دورا. وقال ابن عبدوس، في كتاب الدور له: إن التسعة (¬1) أسهم يكون منها ثلثها؛ ثلاثة لورثة الواهب الثاني، ثم يقوم منها سهم وثلث ماله، فاعلم أن هذا السهم دائر لأنك إن أعطيته لورثة الأول، قام عليهم ورثة الثاني في ثلثه، كالطارئ، ولأن هبة البتل تدخل فيما علم به الواهب وفيما لم يعلم، ويقوم عليهم ورثة الأول في ثلث ثلاثة، فيدور هكذا بينهم حتى يتقطع، فلما كان هذا هكذا وجب أن يسقط السهم الدائر، ويقسم ذلك السهم بين الورثتين على ما استقر بأيديهم، فيصير المال بينهم على ثمانية، ستة لورثة الواهب الأول، واثنين لورثة الواهب الثاني. فيما يتعارض به الزوجان ومن تصدق على ابن رجل على أن يتصدق عليه الأب من العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تصدق على زوجته، فعوضته وضع صداقها عنه، أو تضع عنه الصداق أولا، فيتصدق عليها بمنزل له، فيموت بعد (¬2) حيازة/ المرأة، قال: لا يجزى في الصدقات ثواب، وهي ماضية لمن تصدقت عليه إذا حيزت، ولا ثواب فيها، والتي أثابته وضع الصداق على صدقته، فالصداق عنه موضوع، ولا حق لها فيما أعطاها إلا بالحيازة. وإذا بدأت (¬3) هي بوضع الصداق، فالصداق عنه موضوع، ولا شيء لها فيما أعطاها، إلا بالحيازة. قال: وأما إذا وهبها هبة، فأثابته بوضع الصداق، فالهبة لها وإن لم يقبضها حتى مات، إذا كانت الهبة للثواب، يعرف ذلك من أمرهما. وكذلك لو ابتدأته بوضع الصداق، فأثابها بمنزل أعطاها، فلم تقبضه حتى مات، فهو لها إذا عرف أن وضعها للصداق للثواب بشرط اشترطته، فالمنزل لها ¬
وإن لم تحزه، وإن لم يشترط في الصداق ثوابا فلا ثواب لها فيه، فإن أثيبت فلم تحزه فلا شيء لها، ووضع الصداق مخالف لما يهب من غيره إذا طلبت عليه ثوابا بعد موته. وروى عيسى بن دينار، عن ابن القاسم، في امرأة تركت زوجها وابنيها منه وأباها فقال أبوها للزوج: إن تصدقت على ولدها منك بنصيبك مما تركت في صداقها وحيلها ومتاع وغيره، فميراثي منها عليه صدقة. فرضي الزوج، وتصدق على الولد بميراثه منها، وأشهدا، ثم مات الأب. والجد، والمتاع والحلي وجميع ما تركت في يدي الزوج، والصداق عليه كما هو، قال: أما المتاع، والحلي، وما تركت غير المهر، فهو لهما/ لأن الأب حاز لهما صدقته وصدقة الجد لأنهما صغيران، وأما الصداق، فلا شيء لهما فيه بالصدقة لأن من مصابة جدهما ولا أبيهما، لأن الجد إنما يصدق على أن يتصدق أبوهما، فلما لم يجعل الأب نصيبه من الصداق لهما بيد غيره، فكأنه ما تصدق بشيء، ولو كان الصداق الذي عليه عرضا موصوفا، فهو كذلك لا يتم بغير تحويز، كما لو تصدق عليهما بعبد موصوف يكون عليه، لم يجز، ولو كان ذلك له في ذمة غيره، كان جائزا. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن لك عليه عشرة، فقلت: إن تصدقت على ابنك بعشرة، فالعشرة التي لي عليك صدقة عليه. وأشهد الأب أنه قد تصدق على الابن بعشرة دنانير، ثم مات الأب والابن صغير، ولم يحز ماله غيره، فذلك باطل، فترجع أنت في تركة الأب بعشرتك.
في هبة الكتابة أو نجم منها
في هبة الكتابة أو نجم منها أو وهب مدبرا أو أم ولد أو وهب عبدا واستثنى بعض خدمته أو وهبه لمن يعتق عليه أو تصدق على العبد بخدمته وهبة أمه للوطء قال أبو محمد: وهذا الباب قد افترق في غير كتاب من كتب العتق والمدبر والمكاتب وغيرها. ومن العتبية من سماع أصبغ قال ابن القاسم فيمن وهب لرجل نصف مكاتبه، فعجز، فله نصف رقبته، وكذلك بجزء معلوم، فبحسابه، ولو قال: بنجم منهم. فإن كانت خمسة أنجم، فله خمس كل نجم،/ وله في العجز خمس رقبته، ولو كان نجما بعينه، لم يكن له غيره، فإن عجز، فلا شيء له في رقبته، إلا أن يزعم الواهب غير ذلك. قال عنه يحيى بن يحيى ومن قال لعبده: خدمتك عليك صدقة ما عشت أنت. فهو عتق بتلا، وأما حياة السيد، فليس له من خدمته إلا حياة السيد، وكذلك بخراجك أو بعملك. وإن تصدقت على رجل بابنه، فلم يقبل، فهو حر، ولك ولاؤه. وروى عنه عيسى فيمن تصدق بمدبره على رجل، فحازه، ثم مات السيد، ولم يدع غيره، فليعتق ثلثه، وثلثاه للمعطي دون الورثة، كما لو أخدمه أجنبيا سنين فحازه، ومات السيد قبل الأجل، ولم يدع غيره، فليعتق ثلثه، وثلثاه يخدم الأجنبي باقي المدة. ولو تصدق على ابن له صغير في حجره ولم يدع غيره، فليعتق ثلثه، وثلثاه بينه وبين الورثة رقيقا، وفارق الأجنبي والابن الكبير بحوزهما لأنفسهما، والصغير الأب يحوز له، وليس حوزه للصغير في المدبر حوزا ولا له إخراجه من يده، فكأنه في يده لم يخرج عنه، وإن علم بمكروه ذلك في حياة المعطي، رد وكان مدبرا بحاله، وإن قبضه وباعه، ثم مات السيد ولم يدع غيره، رد، وعتق ثلثه، وكان ثلثاه
للأجنبي، وإن حمله الثلث، عتق كله، ورجع المشتري بالثمن على بائعه، فإن كان عديما أتبعه به دينا. ومن تصدق بأم ولده على ابنها منه، لم يجز، ولا يعتق، ولا يحرم عليه، وقد ثبت لها، وإلا فلا يزول./ ومن وهب لعبده العامل في السوق الجارية، فجائز إن كانت هبة مستقيمة، فأما أن يقول: إن بدا لي نزعتها منه. فلا يصلح، ولكن هبة لأنه يقصد بذلك مسرته وإعتاقه. قال عنه أصبغ، فيمن تصدق على رجل بعبده، وشرط عليه خدمة يومين من كل جمعة، فمات المعطي، فليست هذه بصدقة، وللورثة أن يمضوا ذلك أو يردوه كما كان لوليهم. وفي سماع أبي زيد: وقال ابن كنانة، فيمن تصدق على رجل بخادم، واستثنى خدمة خمسة أيام من كل شهر، فذلك جائز، وله ما استثنى. قال ابن القاسم: إن كانت حبسا، فلا بأس بما استثنى، وإن كانت رقبة بتلا، فلا خير أن يستثني منها خدمة أيام. ومن كتاب ابن المواز وعن عبد بين رجلين وهبه أحدهما جارية، فيلد منه، فالأمة وولدها بين الشريكين. قال ابن حبيب: قال مطرف: ولو قال: عبدي هذا لك بعد عشر سنين خدمتك [ولا ينزع من يد المعطي إلى عشر سنين وكذلك داري لك بعد عشر سنين حبسا] (¬1). فإن مات قبل تمامها، بطلت العطية والحوز، وليس له أن يبيع ذلك، ولا أن يهبه ولا يغيره عن حاله، إلا في دين محيط به، استحدثه أو كان قديما، فيباع ذلك فيه. قال: ولو أعتقه المعطى قبل الأجل، لم يكن له ذلك قبضا، ولكن إن أفضى إليه بعد الأجل، عتق عليه، وإن فلس الواهب قبل ذلك، بيع في دينه، وإن مات، ورث عنه. ¬
فيمن تصدق بمال إلى مدة أو قال عشت أو مت
قال ابن الماجشون: وإن قال: عبدي يخدم فلانا حياته/. فجني على العبد، فأرشه للواهب، ولو قال: حياة العبد كان تمليكا، وكان إرثه للموهوب، وميراثه إن مات. وساوى بينهما ابن القاسم، وقال: إرثه وميراثه للمعطي. وقولي على قول ابن الماجنون. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال عبدي عليك صدقة. واستثنى من خدمته خمسة أيام من كل شهر، قال ابن كنانة؛ ذلك جائز نافذ. قال ابن القاسم: أما في الصدقة البتل فلا يجوز؛ وأما في الحبس، فجائز. قال ابن القاسم: وإن تصدق في صحته على ابنه الصغير بجنان (¬1) وقرى وما فيها من أنواع الشجر؛ من زيتون وغيره صدقة بتلا، واستثنى أقساط زيت المسجد له كل عام، فهو جائز، وإن وليه الأب ما دام الابن صغيرا. قال محمد: أجازه لعلة ما استثنى من الزيتون. وقد ذكرنا، في باب آخر. فيمن تصدق بمال إلى مدة أو قال عشت أو مت من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لزوجته: عشرون دينارا من مالي عليك صدقة إلى عشر سنين، إلا أن تموتي قبلها فلا شيء لك. فذلك كما قال إن بقي الزوج إلى الأجل، وإن مات قله فلا شيء لها، وإن حل والزوج مريض ومات من مرضه، فلا شيء لها في ثلث ولا غيره، وليس كمن تصدق في المرض، لأن أصل هذا في الصحة. وذكر ابن/ حبيب، عن أصبغ، عن ابن القاسم مثله. وذكر ابن حبيب، عن مطرف مثله. وروى عيسى عن ابن القاسم وابن حبيب عن مطرف قالا: ولو قال صحيح: ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان عشت أو مت. أو قال: هي ¬
صدقة عليه إلى عشر سنين. أو قال: عبدي فلان على مثل ذلك. فأما القائل في الصدقة: عشت أو مت. فهي له في حياته إن قام عليه، وإن مات الواهب قبل أن يوعده به، فهي في ثلثه، وإن مات المعطي فورثته بمثابته، وكذلك في العبد مثل المال. وأما القائل بعد عشر سنين فلا شيء له، فإن أتت العشر سنين والمعطي يومئذ حي، أخذ المعطى عطيته، وإن مات المعطي فورثته بمثابته، وإن مات المعطى قبل الأجل فلا شيء للمعطي ولا لورثته. قال في كتاب ابن حبيب: عاجلا ولا إلى العشر سنين، لا في ثلث ولا في رأس مال. قالا: وإن استحدث المعطي دينا قبل الأجل بطلت الصدقة، وإن كانت شيئا بعينه، بيعت هذه الصدقة في دينه إن كانت شيئا بعينه، وبطلت الصدقة، ولو أراد المعطي بيعها من غير دين، لحقه منع من ذلك. قال مطرف: وإن كانت جارية، لم يطأها. قال ابن حبيب وقال لي أصبغ، عن ابن القاسم مثل قول مطرف في ذلك. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن قال: ثلث مالي على فلان صدقة، عشت/ أو مت. قالا: إن قام عليه في صحته، أخذ ثلث ماله، وإن لم يقم عليه حتى مات المعطي، فله ثلث ماله يوم الصدقة من ثلث ماله يوم يموت، ويحاص بذلك أهل الوصايا، ولو قام عليه في حياته، فأنكره، فخاصمه (¬1) حتى مات المعطي، ثم قضي له بها، قالا: فله ثلث ما له من رأس المال، ولا يضره موته، ولو قال الورثة: قد أفاد أموالا بعد الصدقة. وسموا ذلك، وكذبهم المعطى. قال ابن الماجشون: البينة على المعطى لأنه المدعي لما يأخذه، وقد كان الميت مطلق اليد بعبد وسعيد (كذا). وقال مطرف: البينة على الورثة أنه أفاد ما يذكرون لأنه قد ثبت صدقة ثلثه مطلقا، فمن طلب أن يزيل منه شيئا فعليه ¬
فيمن وهب ميراثه لرجل وهو كذا فيوجد أكثر
البينة، كمن باع جميع ما في منزله، والمشتري عرف ذلك، فلما أراد قبضه، زعم البائع في بعضه أنه أفاده بعد البيع، فعليه البينة، وكالمرأة تدعي بعد موت زوجها بعض ما في بيته أو داره، أنها أفادته بعد موته بمالها، وقبل القسم، فعليها البينة، قرب أو بعد، ما لم يبعد جدا لأن الدار داره، فهذا أقوى. قالا: ولو كان له مدبرون ومعتقون إلى أجل أو بتلا، لا يعرف فعل ذلك فيهم قبل الصدقة أو بعدها، فالبينة على من يريد إدخالهم في المال لأن العتق حوز، كمن فلس وله مدبرون ومعتقون، فلا سبيل للغرماء إليهم حتى يقيموا البينة لأنه أحدث ذلك فيهم بعد أن أحاط به/ الدين. وقاله كله أصبغ، وقال فيما اختلف فيه قول مطرف وابن الماجشون، بقول مطرف، وبه أقول. فيمن وهب ميراثه لرجل وهو كذا فيوجذ أكثر ويهبه ولا يدري كم هذا ويهبه قبل موت الموروث من العتبية قال أصبغ في الرجل يتصدق بميراثه على رجل، يقول: تصدقت عليك بميراثي. أو قال: بجميع ميراثي، وهو كذا [كذا] (¬1) من البقر والرمك، والرقيق، والعروض، والدور إلا الأرض البيضاء. وفي التركة جنان لم يذكرها، وغير ذلك، هل يكون له قابض؟ وما لم ينص إلا ما استثنى، قال أرى له كل شيء إلا ما (¬2) استثنى إذا كان يعرفه، والجنان، أو عرفه داخل في الصدقة، إلا أن يكون الأرض الذي استثنى هي الجنان، كذلك تسمى عندهم، فيكون له بما استثنى. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن تصدق على رجل بما يرث من أبيه إذا مات، قال: لا يجوز ذلك، ولا أقضي به عليه، وهو لا يدري ما هو، أيقل أم يكثر؟ فلا أدري ما هذا. وكذلك روى ابن حبيب، عن أصبغ، عن ابن القاسم. ¬
فيمن وهب لعبده هبة ثم استحق العبد وقد عتق أو لم يعتق
ومن العتبية روى عنه أصبغ فيمن تصدق على رجل بما ورث عن أبيه وأشهد له، وقبل ذلك منه، ثم بدا للمعطي وقال: كنت لا أدري ما أرث نصفا أو ربعا، ولا عدد الدنانير والرقيق، ومبلغ الأرض والشجر، فلما يتبين لي مبلغه استكثرته وكنت أظنه (¬1) /، أقل من ذلك. قال: إن [كان] (¬2) تبين ما قال أنه لم يكن يعرف بسر أبيه ولا وفره، لغيبة كانت عنه حلف ما ظن ذلك، فالقول قوله، وإن كان عارفا بأبيه وبسره، جاز ذلك عليه، وإن لم يعلم قدر ذلك ومبلغه. قال أبو محمد: وأعرف لابن القاسم في غير موضع أن هبة المجهول جائزة. وقال محمد بن عبد الحكم: تجوز هبة المجهول، وإن ظهر له أنها كثير بعد ذلك. وفي باب الإقرار والدعوى مسألة من هذا المعنى. ومن كتاب ابن المواز: ومن وهب لرجل مورثه، ولا يدري كم هو من مال الميت ربعه أ, ثلثه؟ قال أشهب: فذلك جائز إن كان لغير الثواب، وإنما يكره المجهول في البيع. فيمن وهب لعبده هبة ثم استحق العبد وقد عتق أو لم يعتق وهل يرجع فيما وهبه أو ينتزعه منه أو عليه؟ من كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون، فيمن وهب لعبده هبة، ثم استحق بحرية أو ملك، فله أخذ ما أعطاه، إلا ما كان أعمره أو حبس عليه، فليس له رد ذلك، وذلك يصحبه حيث ما كان، ولا يستثنيه في عتق ولا بيع، ولا لمن اشتراه أخذ ولا قبض، ولو بقي عنده بيده، فلا يرجع فيه، ولا ينزع منه أصل العمرى أو الحبس، ولكن ما حصل بيده من غلة ذلك، فله انتزاعه. قاله كله مالك والمغيرة وغيرهما. ¬
فيمن تصدق بأرض ولها بئر أو عين لم يذكرها أو بيت لم يذكر له طريقا
قال مطرف وابن الماجشون: وإن أعتقه فأتبعه ما وهبه كماله/، ثم استحق بحرية أو ملك، فلا يرجع فيما كان أعطاه. قاله ابن الماجشون، ولو أعتقه قبل العطية، ثم أعطاه عطية، ثم استحق بحرية أو ملك فإن له أخذ ما أعطاه لأنه يقول: ظننته يكون مولى لي، ولم أكن أعطي لغيري رقبته أو ولاءه. وبه أقول. وقال مطرف وأصبغ: ليس له أخذ ذلك. فيمن تصدق بأرض ولها بئر أو عين لم يذكرها أو ببيت من دار ولم يذكر له طريقا ولا مرفقا ومن العتبية من سماع أصبغ ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن تصدق بنصف أرض له مشاعا على رجل، ولها بئر أو عين، وقال: لم يدخل في الصدقة، فلذلك من الماء بقدر تلك الحصة من الأرض، وإن تصدق عليه بناحية من الأرض والبئر في الناحية الأخرى منها، حلف المتصدق وقبل قوله، وإن تصدق بجميع الأرض فالماء داخل في الصدقة، وأما إن كان الماء في غير الأرض، حلف المتصدق، وصدق أيضا، كان الماء يأيتها أو لا يأتيها. قال أصبغ في العتبية: هذا إذا تصدق بناحية والماء في ناحية أخرى فهذا إن كان للمتصدق عليه ما يسوقه إليها أو يعتمله وأما إن لم يكن له معتمل، ولا يحيا أبدا إلا بمائها، رأيت الشرب لها في الماء حتى يستثني في صدقته أنه لا ماء لها، وكذلك من تصدق بأرض، ويقول: نويت لا يدخل الماء في الصدقة. فإن كان يقدر المعطى على سقيها بوجه ماء من غير ماء المتصدق، فالمعطي متصدق، وإن كان لا يقدر على ذلك بوجه/ من الوجوه، فلا يصدق المعطي، ويجعل لها نصيبها من الماء ما يصلحها بالقضاء (¬1). ¬
وذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، أنه إن كان الماء في داخل الأرض الذي تصدق بها، فالسقي للمعطى مع الأرض، إلا أن بئر عين الصدقة، أنه لم يتصدق به، وإن كان السقي خارجا من الأرض، فالمعطي مصدق أنه إنما تصدق بالأرض دون السقي. وقاله ابن القاسم. وقال أصبغ: سواء عندي كان فيها [أو خارجا منها، فالمعطي مصدق مع يمينه، أنه تصدق بها وحدها بلا سقي، وذلك إن كان للأرض] (¬1) عين بمصرف أو معتمل بوجه من الوجوه، إما فيها أو خارجا عنها، وإن لم يكن لها وجه يرجى لها منه السقي، فإنه يجب للمعطى الأرض والسقي. قال ابن حبيب وبالأول أقول لأنه إذا كان الماء فيها، فهو كبناء فيها أو غيره. ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى أرضا ونصفها شائع، فادعى البائع مثل هذا وقال: بعته على أن يسقيها بما عنده. وكذبه المبتاع، فإن كان الماء في الأرض، فالمبتاع مصدق، كان له ماء أو لم يكن، وإن لم يكن الماء فيها، وإنما يأتيها الشرب من غيرها، فهو أيضا للمشتري، إلا أن يرى لدعوى البائع وجه، مثل أن يكون للمبتاع أرض بينها، لها ما يضمها إليها، ومثلها يحتفر فيه الآبار، وما يستدل به على قوله، وكان شراء مشاعا، فليحلفا ويتفاسخا، وما كان على غير ذلك، فالماء للمشتري وإن كان الماء في غيرها، تحالفا وتفاسخا. وإن تصدق عليه ببيت من داره لم يسم له مرفقا (¬2)، فليس له منعه من مدخل ومخرج ومرفق/ ببئر ومرحاض وإن لم يُسَمَّه في الصدقة، وليس له أن يقول له: افْتَحْ بابا حيث شئت. وكذلك في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، قال: وإن تصدق عليه بثلث دار له، وفيها طوب وخشب، فطلب المعطى ثلثه، ومنعه الورثة، فليس له في الطوب والخشب شيء. ¬
فيمن تصدق على رجل بأحد عبدين له فاختلفا فيه أو بأمة واختلفا في ذكر ولدها
فيمن تصدق على رجل بأحد عبدين له فاختلفا فيه أو بأمة واختلفا في ذكر ولدها أو بغلة منزل ثم قال جهلت مبلغه وقال المعطى بل علمت وكيف إن كان ذلك مجاعلة أو إجارة؟ من العتبية روى أصبغ عن ابن وهب فيمن له بغلان فتصدق بأحدهما على ابنه، ثم مات، فادعى الابن أفْرَهَهُما، وقامت له بينة أن أباه أشهدهما أنه تصدق عليه بأحدهما، لا يدرون أيهما هو، وقال باقي الورثة هو الأدنى، قال: فله نصف الفاره ونصف الدني (¬1). قال أصبغ: تبطل الصدقة ولا تكون شهادة في الحكم إلا أن يأخذ ما أقرت به الورثة. قال أصبغ، في امرأة تصدقت على زوجها بجارية، وكتبت: إني تصدقت عليك بالجارية التي اشتريتها من فلان وولدها. فاختلفا في الولد؛ فقالت: لم يدخل الولد في الصدقة وإنما قولي: ولدها مصروف إلى الشراء. وقال هو: بل هو مضاف إلى الصدقة، والجارية وولدها في البيت الذي فيه امرأته. قال: فإن اشترتها مع ولدها، فهي مصدقة، وتأخذ الأم وحدها/، ولا يفرق بينها وبين الولد. وروي عن يحيى بن يحيى عن ابن وهب عن امرأة وكلت رجلا يخاصم لها في منزل غُصِبَتْه فخاصم لها حتى قضي لها به، وسكنت فيه سنة هي والوكيل معها، ثم سألها أن يتصدق عليه بثلث ما قضي لها به من ذلك، ففعلت، ثم قامت تدعي أنها جهلت ما تصدقت به، وأقامت شاهدا أنه كان يقال عندها الذي سمى لها من الصدقة، ويزعم أنه حقير، وادعى هو أنها تصدقت عليه بذلك الثلث بعد معرفتها بذلك وبالفدادين وطولها وعرضها، وما في ذلك من الشجر أو الحجر، أو غير ذلك من منافعه، وأنه سكن معها في ذلك سنين، ثم تصدقت عليه بعد ذلك بالثلث وهي حائزة الأمر. ¬
قال: يلزمها بما ثبت عليها أنها تصدقت بذلك بعد معرفتها بما تصدقت به، فأما إن كانت تُعْرَفُ بالجهالة بذلك المنزل فخدعت فيه، وثبت لها أنه قال ذلك لها وحقره، وهي بذلك غير عالمة بما قضي لها به، فالصدقة على هذا غير جائزة. قال: ولا أجيز الجعل على الخصومة، فإن وقع، فله أجر مثله في شخوصه، قضي له أو لم يقض له. قال ابن القاسم: الصدقة جائزة، ويحلف المعطي ما كان ما تصدقت به عليه مقاطعة قبل الخصومة (¬1)، ولا علي المجاعلة فيها، وما هو إلا شيء طاعت به لما قضي لها على يديه مكافأة له، جازت الصدقة لما ثبت عليها من علمها بما أعطته، وعن معرفة له وبحدوده، ونحن نرى أنه من سأل رجلا أن يقوم له بالخصومة (¬2) على أن يكاتبه/ عليها، فلا يصلح، فإن نزل وقام له بالخصومة كان له أجر مثله، وإن أعطاه دارا وعبدا مكافأة له، مقابل ذلك (¬3) جاز ذلك، ولا يرجع فيما طاع له به من المكافأة فإذا كانت عطيته ذلك على غير مقاطعة في أصل الجعل، فذلك جائز، كانت عطية أو صدقة، وإن جاعلته على ثلث المنزل في ابتداء الخصوم، لم يجز، وله أجر مثله، ولم يجز ملك الجعل في الخصومة على أنه إن ظفر، أخذ، وإن لم يظفر، فلا شيء له، فإن عمل على هذا، فله أجر مثله وتجوز الإجارة في ذلك مشاهرة إذا عرف وجه الشخوص في ذلك مما لا يكاد يختلف، ويكون معروف القدر، خفيف الخطب. ¬
في التداعي في الحيازة في الهبات والدعوى في الدين
في التداعي في الحيازة في الهبات والدعوى في الدين هل هو قبل الهبة أو بعدها قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن تصدق على ولده الصغار بدار، أو أرض، أو جنان، أو غير ذلك، وأشهد بذلك، ثم مات، فادعى باقي الورثة أن الأب لم يجز ذلك لولده الصغار، فعليهم البينة بالصدقة، بأنهم حازوها في صحته. وقاله أصبغ. وقال أصبغ: وذلك إذا خلا من الدار من سكناها بنفسه أو بحشمه وعياله ومتاعه، وعرف ذلك، فإن جهل ذلك، وأشكل أن يكون كان يسكنها، فهي على غير السكنى، إلا أن يعرف قبل الصدقة بسكناها، فعلى الصغار البينة أنه خلا من سكناها وإشغالها./ قال مطرف وأصبغ: وإذا كانت الصدقة بيد المعطى بعد موت المعطي، وقال: كنت أحوزها في حياته. وقال الورثة: بل إنما حازها بعد مماته. فهي نافذة، والبينة على الورثة. وكذلك الرهن يوجد بيد المرتهن بعد الموت والتفليس، هذا إذا ثبت الصدقة والارتهان ببينة، فالحائز مصدق أن حيازته متقدمة. وقال ابن الماجشون: على الحائز البينة في الصدقة والرهن، أنه حاز في حياة الذي حوزه، وقبل تفليسه. وبه أقول. وفي باب الصدقة على الغائب بالشيء الغائب، وبالدين مسألة من وهب وعليه دين حدث قبل الهبة، أو بعد الهبة وقبل الحيازة، أو لم يدر واختلفوا. قال ابن القاسم: وإن تصدق على صغير وحاز له ثم ادان، وجهل أيهما قبل فالدين أولا إلا أن يعلم أن الصدقة قبل. وقاله مالك في حبسه عليهم ثم مات وعليه دين لا يدري متى كان. وقاله ابن القاسم. وقال سحنون في العتبية: البينة على أهل الدين، والأولاد أولى بالحبس. وقال مثله أصبغ، وقال سواء كانوا كبارا أو صغار، إذا حازه الكبار، والأب، فهو حائز للصغار. وقال ذلك ابن القاسم في الكبار، إذا حازوا فأما الصغار، فالبينة عليهم
جامع القول في الأقضية في الصدقات والحيازات
أن الحبس قبل الدين. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثل قول سحنون إن البينة على أهل الدين، كان الولد صغارا أو كبارا، إلا أن يقيم الغرماء بينة أن دينهم قبل أن يكون دينهم/ مؤرخا، فإن مالكا وأصحابه- إلا المغيرة- يقولون إن المؤرخ أولى، وعلى أهل الصدقة البينة من كبير وصغير أنها قبل الدين. وكان المغيرة يساوي بين المؤرخ وغيره، ولا يرى الدين المؤرخ أولا حتى يعلم أنه قبل الصدقة. وقال به أصبغ. وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم، كما في العتبية، وأخذ هو بقول مطرف وابن الماجشون. جامع القول في الأقضية في الصدقات والحيازات من كتاب ابن المواز: ومن حاز أرضا تعرف بأبيه يزرعها سنين، ثم هلك الأب، فقام باقي البنين فيها، فلا حجة له بالحيازة، وقد يدبر المرء أمر أبيه (¬1)، ولو كان أجنبيا، كان أقوى إن طالب الحيازة. قال أصبغ: كل ما بأيدي من في حجره من بنيه (¬2)، فلا يقبل دعواهم فيه إلا ببينة إذا عرف أن أصل الملك لأبيهم، ولا يعرف لهم مال. قال مالك في العتبية، وفي كتاب ابن المواز فيمن شهد عليه أنه حلف بعتق رقيقه، وحنث، وأقامت امرأته بينة أنه أعطاها الرقيق في حقها، ولم تؤرخ البينتان (¬3)، فالمرأة أولى بهم، إلا أن تشهد بينة أن حنثه قبل بيعهم منها. قال ابن القاسم: وذلك إذا حاز لهم، وإن لم تكن حازتهم، فالعتق أولى، إلا أن تقيم هي بينة وقاله أصبغ. ¬
وإن أقام بعض ولد الميت بينة بأن أباه تصدق عليه بهذا العبد، وحازه في صحته، وأقام الباقون بينة أن أباهم لم يزل العبد في يديه حتى/ مات، فإن حازه الابن المعطى، فهو أحق به إن تكافأت (¬1) البينتان في العدالة. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه الصغير برقيق ثم مات فتركها الورثة بيد المعطى ثمانية عشر سنة (¬2)، ثم يطلبون ميراثهم فيها ويقولن: سكتنا إرفاقا بك. فإذا ادعيت أنها صدقة عليك، فأقم البينة. فيقول: تركتموني حتى ماتت البينة أو نسيت، وترككم إياي تسليما. وقد كان يعتق ويبيع وهم عالمون ولا يدعون. قال: إن أقام بينة على أصل الصدقة قضي له مع قبضه للرقيق بعد الأب وتركهم له ولا بينة عليه بالتحويز، وإن لم تكن له بينة واحتج بحيازته ذلك بعد أبيه فلا شيء له إلا مورثه منها، إلا أن يكون كان يعتق منها ويتصدق ويبيع، فعل ذلك في أكثر الرقيق، وباقي الورثة حضور عالمون، فلا حجة لهم، وباقيها تبع لما أحدث هذا فيه، وإن كان إنما أعتق رأسا من عدد رقيق، أو تصدق بيسير من كثير، فلا يوجب ذلك له الصدقة لا فيما بقي ولا فيما حدث فيه ما أحدث، ويقوم عليه ما أعتق، ويؤدي حصة شركائه في ذلك، وفي ثمن ما باع. وروى عنه أصبغ في أحد الورثة يدعي صدقة من أبيه، ويأتي بشاهد فأوقفها القاضي زمانا ليأتي بأجر، فلم يأته، فأمر بقسمه فقسم، وفي ذلك أرضون، ومنازل، ورقيق، ووقع البيع بعتق بعض الرقيق، وولدت الأمة، وغرست الأرض، ثم أقام شاهدا آخر كان صغيرا/ فبلغ، أو غائبا فقدم، وقضي له. فأما ما أعتق، فاستولد من الأمة، فلا يرد، ويتبع بالثمن الورثة، وما لم يحدث فيه هذا، فله أخذه بعد أن يدفع الثمن إلى مبتاعه، فيرجع هو به على الورثة. ¬
فأما الأرض، فلا يأخذها حتى يدفع هو إلى مبتاعها الثمن وما أنفق فيها، فيرجع هو بالثمن على الورثة، ولا يأخذ الأرض من مشتريها حتى يدفع إليه الثمن، وما أنفق فيرجع بالثمن على الورثة. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وابن وهب في أخوين كتب أحدهما وصيته وهو صحيح عند سفره أو الغزو، وكتب فيها وقد تصدق على أخيه فلان بحصته بالميراث عن أبيهما من دار أبيه وجنانها وبئرها صدقة منه بتلا أمضاها له حتى مات، وأمر أن كل ما كان في يديه في غير ذلك من مال عين (¬1) وعرض ورقيق وحيوان ورباع ومنازل وأراض وأرحية وأشجار وغير ذلك مما في داخل المدينة أو خارج عنها، وفي أرض الأندلس وغيرها من البلدان، فذلك بينه وبين أخيه نصفين، ثم ادعى أن ذلك كان منه على جهة الوصية، وأنه راجع فيه، وقال أخوة: بل أقر لي بما لزمه. وقد كانا فيما يعرف من ظاهر الأمر شريكين، ثم تجاحدا. قالا: أما ما تصدق به عله من ميراثه في الدار التي ورث عن أبيه وجنانها وبئرها، فهو لأخيه لأنه بتله له، وأما ما أقر له به من الشركة في غير ذلك، فذلك يلزمه وذلك بينهما، لا رجوع له عنه، وليس بوصية. وقال سحنون، فيمن تصدق/ وهو مريض مرضا طويلا يخرج فيه ويتصرف في حوائجه، أقام ذلك سنين، فتصدق فيه على أخيه بنصف ماله، وقبض الأخ الصدقة، وحازها، ثم مات المعطي بعد سنين، فقام وارث المعطي على الأخ، فقال: ليس يجوز لك من ذلك إلا الثلث، وقد سألت الفقهاء فقالوا هذا. فرد إليه الأخ ما زاد على الثلث، ثم سأل فقيل له: الصدقة جائزة لك. قال سحنون: ومن يعلم أنك جهلت (¬2) هذا ما أدى لك فيما رددت حقا، فقال عندي البينة أنه قال لي: سألت الفقهاء فقالوا: لا يجب لك إلا الثلث. قال: إن وجدت البينة بهذا، فلك أن تسترد ما أخذ منك (¬3). ¬
باب جامع لمعاني مختلفة من مسائل الهبات والصدقات
قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، في رجل أقر لبني ابنه الكبير بدين سماه، وذكر أنه أعطاهم به رقيقا وربعا سماه، وخرج عاريا ولم يرجع، فإن كان الرقيق الذي أعطاهم بالدين قد رضيهم والد الصبيان وحازهم عن الجد، فذلك نافذ، وإن لم يكن فيهم أو قبلهم ولم يحزهم وبقوا بيد الجد [فلا شيء لهم في الرقيق، والدين لهم ثابت على الجد] (¬1)، وذلك إن كان معروفا قد سماه في إقراره وأما إن قال لهم: علي دين. ولم يسمهم، وأعطيتهم به كذا. فالأمر ضعيف. باب جامع لمعاني مختلفة من مسائل الهبات والصدقات من العتبية روى أشهب عن مالك فيمن يتصدق على مواليه وأولادهم بدار (¬2)، فإذا انقرضوا فهي لولدي، فانقرضوا إلا واحد،/ فعمد فأكرى الدار من واحد ممن ورثه المعطي ممن له المرجع عشرين سنة، فقام باقيهم فقالوا: نخاف أن يموت المولى في هذه السنين، فتقوم علينا بطول حيازتك. قال مالك: لو مات المولى، انفسخ الكراء باقي المدة، ولقد اكترى السنين قبل المولى شاب، ويخافون من طول عمره وطول حيازة هذا، قال: فليكتبوا بينهم كتابا ويتوثقوا فيه. ومن سماع ابن القاسم وعن مريض استوهب زوجتيه ميراثهما منه فوهبتاه له ثم مات، قال: يرجع ذلك لزوجتيه، ولا يكون لباقي ورثته، وأكره أ، يفعل مثل هذا يستوهب زوجته ميراثها. وعن امرأة تصدقت على ابن ابنها بسدس دار ورثته عن أبيها، فأشهد ابنها أني لا أجيز ذلك، وإنما سكتت مخافة سخطها، وقام ابن الابن فقاسم عمه المنزل، وأخذ منه فصلا حاز عنده، ولم تزل المرأة ساكنة في المنزل حتى ماتت، ¬
وصدقتها هذه في جميع ما تركت أو جله، قال: أرى ذلك جائزا، قد قاسم عمه وتحاوزه، وأخذ فصلا صار عنده، وهذا كالإذن. قيل: إنه أشهد أن تركه الكلام لئلا يسخطها. قال: لا ينفعه. قيل: قد ماتت في الدار. قال: أليس قد قاسم وحاوز، فذلك نافذ. وقال في التي تصدقت بمهرها على أبي زوجها في المرض إن ذلك جائز في ثلثها، ولا يعد تأليجا إلى الأب. قال: ومن نحل ولده عند موته شيئا، فتزوج به الابن ودخل، أو زوجه إياها الأب وأصدق ذلك عنه، ثم مات، قال:/ أرى ذلك ميراثا، وتتبع المرأة زوجها بصداقها. ومن سماع ابن القاسم: ومن قال كذا وكذا من مالي صدقة على بني فلان، مثل بني زهرة (¬1). ومنهم الغائب والحاضر، ومن يعرف ومن لا يعرف، قال: يقسم بين من كان منهم معروفا، من حاضر وغائب، فإن جاء أحد منهم بعد ذلك، لم يكن عرف مكانه، رد عليه الآخرون بقدر حصته. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: ومن أعمر امرأته جارية، فأعتقتها عند موتها والزوج حاضر ساكت، لم يجز عتقها بغير إذنه، ولا يضره سكوته إذا أنكر بعد موتها. وقاله أصبغ. وذكره عن يحيى ابن سعيد. قال مطرف، فيمن بينه وبين رجل عبدا، والشيء يتصدق بجميعه على رجل، أو يوضي له به، فأمضى الشريك ذلك ليأخذ القيمة من المعطي، فذلك له. قال أصبغ: ذلك له في الوصية، وليس له في الصدقة في الحياة. قال ابن حبيب: وذلك سواء. ومن كتاب ابن المواز: ومن له على رجل غائب دينار وخمسة دراهم، فأجر رجلا في تقاضيه بالخمسة دراهم، وقال له: فإذا قبضت ذلك فتصدق بالدينار. فلما قدم كلمة، فدفع إليه بلا مؤنة ولا خصومة، قال: يتصدق بالدينار، ويرسل الخمسة دراهم إلى ربها. ¬
ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى مالا فسئل الله له، فقال: تصدقت به على ابن فلان. ثم مات الأب، قال: لا شيء للابن بهذا، وليس بقاطع. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عمن طلب بكراء منزل من رجل، فقال: هو لابنتي حتى (¬1) أشاورها ثم مات،/ فقامت فيه الابنة بذلك، قال: لا ينفعها إلا أن تكون حازت ذلك، ويكون لها على الصدقة والحيازة بينة. قيل: فلو كانت صغيرة في حجره؟ قال: ليس هذا بشيء، قد يعتذر بهذا لمن يريد منعه، ولا يكون لها شيء إلا بشهود على الصدقة وحوز من الكبير. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن كان لهم حبس (¬2)، وكان معهم أخوات لهم بكوخ فيه التراب حتى كثر، فأرادوا أن يجعلوه طوبا فيبيعوه، فلا بأس بذلك، ولو أبرأ القاضي حتى يأذن لهم. قال مالك: ومن تصدق بنخل، فأراد أن يقلعها ويغرس غيرها، فليس ذلك له. ¬
جامع القول في الهبة للثواب وعوضها وما يفيتها وشيء من ذكر الاعتصار
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب هبة الثواب جامع القول في الهبة للثواب وعوضها وما يفيتها وشيء من ذكر الاعتصار من كتاب ابن المواز قال مالك: المجتمع عليه عندنا في هبة الثواب تتغير (¬1) عند الموهوب بزيادة أو نقص، فقد لزمته قيمتها يوم قبضها. وقال مرة أخرى: يوم وهبها. قال محمد: يوم قبضها أصوب؛ لأنه كان يخير في قبضها، وإذا أراد ردها وقد زادت عنده في يديها، وأبى الواهب إلا القيمة، فقال ابن القاسم: ذلك للواهب إلا أن يجتمعا على ردها. وهو قول مالك. محمد: بعد معرفتهما بما لزمه من القيمة. رجع محمد فقال: جائز إذا رضيا بردها وإن لم يعرفا القيمة لأنها هبة مؤتنفة، إلا أن يوجبها له على قيمتها، فلا يجوز. قال/ أشهب للموهوب ردها في الزيادة، وإنما معنى قول مالك عندي أنه ليس ذلك للموهوب في النقص، ولا للواهب في الزيادة. ورواه ابن وهب، عن مالك، وأخذ به ابن عبد الحكم، ثم رجع فقال: ليس ذلك إلا باجتماعهما، زادت أو نقصت، وحوالة الأسواق فوت عند ابن القاسم وأشهب، يزيادة أو نقص، إلا أن ذلك عند أشهب كحوالة البدن، وإن للموهوب ردها في زيادة السوق، وابن القاسم لا يرى ذلك إلا أن يجتمعا. ¬
قال: وتباع عليه فيما لزمه من القيمة، وإن فلس فربها أحق بها, كالبيع, زادت أو نقصت, إلا أن يعطوه الغرماء قيمتها او يسلمها إذا فاتت ويحاص بالقيمة. قال ابن القاسم: والفوت فيها كالفوت فى البيع الفاسد فى العروض والحيوان والرباع. محمد: إلا أن للأب اعتصار [الهبة من ابنه] (¬1) فى حوالة سوق, فإنما يعنى فى اعتصار الاب؛ فأما الاجنبى, فما علمت أنه اختلف فيه قوله, ولا قول مالك, ولا أنه فوت, وإذا باعها الموهوب, ثم ردها قبل تغير السوق والبدن, فهو فوت, ولا رد له, ولا لربها أخذها فى التفليس, وبائعها الثانى أحق بها, وولادتها فوت. وقاله أشهب, قال: لأنها وإن زادت بالولد فقد نقصتها الولادة, وكذلك الثوب يصبغ, والوطء يفيت اعتصار الاب الاجنبى, وإن لم تنقص ولا زادت, وليس ذلك فى العيوب ولا فى التفليس فوت. وإذا غرس/ الموهوب الارض, بنى الدار, فله عند أشهب ردها لأنها زيادة وقال ابن القاسم: ليس ذلك له لأنه قد لزمه قيمتها. محمد: وببه أقول لألنه لما وجبت له الزيادة فقال: أنا راضى بترك الزيادة وارد, كان كبائع لما وجب له على ما أحب المشترى أو كره. قاله ابن الحكم وابن وهب, عن مالك, فى الحرث فى الارض فوت. قال ابن وهب: ومن وهب لعبد رجل ماذون له هبة للثواب, فقبلها, ثم أخذها منه السيد, فذلك فوت يوجب عليه القيمة على السيد أانها للثواب أو لم يعلم, وهو مأذون له قبولها للثواب. قال أشهب: وإن لم يكن مأذونا لم يجز قبولها, إلا أن ياخذها السيد هو عالم انها للثواب, فيكون كالإن فى ذلك, وتلزم العبد القيمة فى ماله, وإن لم يعللم السيد, ولم يكن وطىء إن كاانت اامته أو نقصت, فالسيد مخير فى أداء قيمتها من ماله يوم الهبة, وإن شاء ردها, وإن وطىء أو انقصت, لزمت العبد قيمتها فى ماله ¬
[12/ 241] ومن وهب دار الثواب, فباع الموهوب نصفها, فذكر قول ابن القاسم, ثم قال: وقد قيل يلزمه قيمتها كلها. فإن كانت عرصة لا يضمن ما بقى منها, فعليه قيمة ما باع ويرد ما بقى. قال محمد: وقول ابن القاسم أحب الى إن شاء, فعلى هذا فى الدار, وإن شاء لزمه قييمة الجميع, إلا ان يكون ما باع منها مما لا ضرر فيه. وإن وهب عبدين للثواب, فباع الموهوب أحدهما فإن كان/ للبيع وجهها لزمته قيمتها, وإن لم يكن الوجه, أخذه الواتهب الباقى وأتبعه بقيمة الاخر يوم قبضه, وليس قيمة صاحبه. وقال اشهب: يرد الباقى كاان أرفع او أدنىم إذ له ردهما, فات ااحدهما بأى وجه من الفوت. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: من وهب ولا يشترط أانه يهبها للثواب, لم يجز, وكأنه بائع لها بقيمتها, ولكن إن وهب وسكت عن ذكر الثواب, ثم قام يطلب الثواب, فهذا الذى جاء فيه قول عمر رضى الله عنه. قال أصبغ: ذلك جائز فى الوجهين وبحالاول اقول. قال محمد: وقول أصبغ هو قول ابن القاسم فى المدونه, وهو أولى لأن هبة الثواب كالبيع, وقد جاءت الر خصة من السلف, رضى الله عنهم, فى ترك تسمية عوضها, وهما وإن لم يشترطا الثواب, فقد تعارفا أنه المقصود فيها, والعرف كالشرط. قال اببن حبيب: قال مطرف فى هبه الثواب إذا أثابه قبل فوتها القيمة او أكثر, فالواهب مخير فى قبول ذلك أو ردها على ظاهر حديث عمر, فهو على هبته إن لم يرض منها, إلا أن يفوت بموت أو وطء, وإن لمتحمل وشبه ذلك, ولا يفيتها زيادة السوق ولا نقصة ولا زيادة بدن ولا نقصه. وقلال ابن الماجشون: إذا أثابه القيمة, فلا حجة له, وإن لم تفت. وهو معنى حديث عمر, فقوله: ما لم يرض منها. فجعل رضاه بيد الموهوب, فإذا أثابه القيمة, فلا حجة له. وكذلك قال ابن القاسم, ورأى ان النماء والنقص فيها فوت. قال أصبغ: وهو فوت فيها فى الاعختصار, وليس اختلاف الاسواق فوتا فيهما
[12/ 442] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن وهب عبدين أو ثوبين للثواب, فقبضهما الموهوب, ثم زاد السوق حتى صار احدهما يسوى مثل قيمتهما يوم الهبه, فعوه به, فلا يلزم الواهب قبولله, إلا أن يشاء قال مالك: وإذا تغيرت الهبه بنماء أو نقصان بيد الموهوب, لزمه الثواب وإن طال مكثها. قال ابن القاسم: [إلا أن يريد فيأبى ان يثيبه فلا يلزمه الثواب فى زيادتها إن أبى, وقاله مالك وللواهب أخذها إن شاء. ثم قال ابن القاسم] (¬1) إلا أن يزيد, فيأبى أن يثيبه, فلا يلزمه الثواب فى زيادتها إن ابى. وقاله مالك, وللواهب أخذها إن شاء. ثم قال ابن القاسم: النماء والنقص فوت, ويجبر الموهوب له على الثواب. قال أصبغ: إن هبة عبدين للثواب, فأراد الموهوب أن يحبس أحدهما, ويودى قيمته فيرد الاخر وأبى الواهب, فإن ذلك للموهوب. قال ابن القاسم فى رواية عيسى وأصبغ: وإذا كانت الهبة جارية, فوطئها الموهوب، فهو فوت يوجب تعجيل القيمة, فإن فلس, فللواهب أخذها, إلا ان يعطيه الغرماء قيمتها يوم الهبة. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإذا غاب الموهوب عللى الجارية الموهوبة للثواب, فقد لزمه الثواب, وطئها أو لم يطأها, تغيرت أو لم تتغير. وقاله ابن عبد الحكم, وأصبغ. ومن العتبية روى أشهب عن مالك فى اللواهب يطلب الثواب, فيدعى الموهوب أنه أثابه، فإنه إن لم يأت ببنية انه أثابه, حلف الواهب وأخذ وأخذ الثواب, كان على أصل الهبة بنية أو لم/ يكن, كالثمن فى البيع, قيل: فقام بعد أربعة أشهر فى الثواب. قال: يقضى له به إذا حلف الواهب عند المنبر أنه ما أثابه (¬2) ... ¬
ذكر من لا ثواب بينهم من الأقارب والزوجين وغيرهم
وروى ابن القاسم عن مالك: ومن عوض من هبة الثواب (¬1) عوضا, ثم قام بعد ذلك يقول: ليس هذا ثوابا لهبتى. قحال: لهذا وجوه. أما إن قيل له: هذا ثوابه هبته؛ فأخذته فلا شىء له وأما إن بعت إلييه بذهب أو غيرها, فلا يكون فيها يكون فيها قدر الثواب, ثم يطلب ويقول: للم توفنى واستأمنت بك, وظننت أنك تبعت بالشىء بعد الشىء فذلك له. ومن كتاب ابن الموااز: وإغن جنبى العبد الموهوب، فقال ابن القاسم: هو فوت يوجب القيمة. قال أشهب: إغن كاان خطأ ففداه مكانه قبل ان يفوت بشىء فليس بفوت, وإن كان عمدا, فقد فات, ووجبت القيمة. قال ابن القاسم وأشهب: إذا أعتق العبد أو قلد البدنة أو أشعرها وهو عديم, فللواهب رد ذلك, إلا أن يكون يوم فعل ذلم ملييا, أو فلس بعد ذلك, فلا شىء له. وإذحا مات الموهوب, ولم يدع غير الهبة, قال: لم تفت, فربها أولى بها, إلا أن يثيبه الغرماء, وإن قالت قبل الموت, فالواهب أثبتوه بالقيمة, إلا ان يكون لم يخرج من يديه بعد, وهو فلورثته طلب الثواب. قال مالك: إلا أن ييكون ذلك مما تقادم وطال, ويتهم الناس فى مثله. قال محمد: يريد فطلبوا الثواب, إلا بعد طول الزمان والسنين الطثييةه قال مالك وأصحابة: ولا يأخذ/ فلى الثواب إلا ما كان يجوز ذلك أن تبيعها بمثلة الى أجل. ذكر من لا ثواب بينهم من الاقارب والزوجين وغيرهم والتداعى فى دفع الثواب من كتاب ابن المواز قال: ومن وهب ولا يدرى هل أراد الثواب وادعى أن ذلك للثواب, فلينظر الى ناحية المعطى والمعطى؛ فإن كان فقير وهبك لملىء, فله ¬
في الموهوب هل له قبض الهبة؟ وهل للواهب منعه منها؟
الثواب, أما الملى يكسو المحتاج ثوبا أو يهبه دابة وغيرها مما يرى أنه أراد صلته, فلا شىء له ولا اعتصار, وكذلك أحد الزوجين, وذو الرحمة لرحمه, إلا أان ياتى من ذلك أمر بيين يعلم أنه طلب استفزازا. قال أشهب: لا ثزاب على فقير وهبه فقير أو غنى لانه ممن يرى ان ذللك لغير ثواب؛ وأما يوهب فعليه الثواب وهبة غنى او فقير لم يرد به عونا ولا حاجة ولاداة إلا ما وهب ذو سلطان لغنى, ولا ثواب له إذ لا يعلم ذلك من السلاطين, وربما كانت الهبة لا ثواب فى مثلها, مثل العين. قالله مالك, وابن القاسم, وأشهب. ولا يقبل فيه دعواه أنه للثواب. قال محمد: إلا أن يشترطه. قال ابن القاسم: فذلك له عرضا أو طعاما. قال محمد: ولا يعجببنا, وهى هبة غير جائزة, وليرد المثل فيها, وكذلك فى الفضة, والذهب غير مسكوك. وقاله أشهب. ومن العتبية روى عيسى عنابن القاسم, فى الزوجة تتصدق علحى الزوج بمهرها أو غيره من مالها, ثم تدعى أنها تصدقت للثواب فأنكر الزوج فإنه يحلف أنها ما شرطت عليه مثوبة, ولا قبلها على الثواب,/ ويبرأ ومن سماع ابن القاسم, قال عن مالك, فى الموهوب يفلس قبل أن يثيب, فلربها أخذها, كالبييع, إلا أنها تقوم يوم وهبها. قال ابن سحنون: يريد إذا أراد الغرماء حسبها ودفع القيمة. فى المواهب هل للواهب منعه منها؟ وفى إحداث الحوادث فيها يرجع فيها؟ من كتاب ابن المواز قال: ليس للواهب منع الموهوب من قبض الهبة, ولا من بيعها, وليمنعه من صداقتها والعتق, وكذلك المشترى إلا أن يكون مليا. وإن وهبة فى مرضه فليس للورثة منع الموهوب من قبضها. وإن كانت لا تخرج
الثلث, ولو قبضها وأراد بيعها قبل أن يثبت, فلهم منعه إن كان عديما, إلا أن يخرج من الثلث فيكون له أن يبيع وأما فى العتق فلا, وأما إن وهبها, فجائز إن قبضت, كما لو باعها؛ وأما مكاتبها, فيكشف عن ذلك: فإن كان على معنى التجارة والفضل, جاز, ويكون الواهب أحق بالكتابة من غرمائة إن فلس فإن اخترت أحدهما فهى على كتابتها, فإن ماتت ورثتها وإن بقت فولاؤها للموهوب وإن عجزت فهى له رقيق, وإن لم تكن على كتابة معنى التجارة, واستدل أنه أراد معنى العتق بخفتك ما لا يكاتب به مثلها ولا يقرب منه, فلترد كتاتبته, وتكون أنت على هبتك إن لم تثب منها, ولا يقبضها الموهوب إلا بإذن الواهب. محمد: ولا للواهب أن يمنعه من قبضها, وإذا كانت هبة لغير ثواب, فله قبضها بغير إذنه, ويكون ذلك حيازة تامة, ولو/ قبضها وهى هبة للثواب بغير إذن الواهب, فأشسهب يرى له أن يرتجعها حتى يثيبه, وليس للواهب أن يبدو له. وقال ابن القاسم: ليس له أن يرتجعها, وليتلوم له بما لا يضر فيه بأحدهما, فإن أثابه ولا ردها. محمد: وهذا أحب الى, وإن كنت لا أجيز للموهوب أخذها بغير إنه, فلا أرى للواهب منعه منها, وله طلبه بثوابها, ولو جحد الواهب أن يكون وهبه, فأقام عليه شاهدا, فليحلف ويقضى له بها, فإن لم يحلف, حلف المعطى, فإن نكل أدى. قال محمد: وليس له أان يبدو له وإن لم تخرج من يديه, وإذا أعطى القيمة, فليس له أن يقول آخذ رضاى. وهو من معنى قول عمر فهو على هبته. ما لم يرض منه. قال مالك: إما ثواب وإما مثلها وإما ردها
ما تجوز هبته للثواب وما يجوز من العوض فيها وما لا ثواب فيه من الهبات
[12/ 446] ما تجوز هبة الثواب وما يجوز من العوض فيها وما لا ثواب فيه من الهبات من كتاب ابن المواز قال: وإذا وهبته عبدا أو دابة (¬1) , فأراد أن يعوضك عبدا أو عرضا مثل القيمة أو أكثر, فليس له ذلك إلا برضاك, فاتت الهبة أو لم تفت, ولا يثبتك الا قيمة من الدنانير وهذا الى قال ابن المواز: هو قول اشهب. قال سحنون: لا أقول به. وكل ما أثابه ككا فيه القيمة لزمه. ومن كتاب ابن الموااز قال: فإن رضى بقبول غير العين نظر؛ فإن فاتت الهبة, جاز قبوله مما يجوز إن تسلم الهبة فيه, وإن لم تفت جاز قبول ما يجوز أن تباع الهبة به بدءا به, فإن أبى قيل له: إما أثبجته بالعين, وإلا رددت/ الهبة. فإن أثابه القيمة, فلا حجة للواهب فى رد الهبة. قال مالك: ولا تجوز هبة العبد الابق والبعير الشارد للثواب, ولا جنين فى البطن, ولا مالم يبد صلاحه من ثمر أو حب, إلا أن يكون لغير ثواب. ومن هبته دارا, فعوضك دينا له على رجل, أو خدمة عبد سنين, أو سكنى دار سنين, فإن فاتت الهبة, فلا يجوز الا فى الدين, فيجوز, حل أاو لم يحل. محمد: يريد لانه حواله, فيريد إذا مما تقوم به الهبة فى الاستهلاك من دنانير أو دراهم. وأما الكراء والخدمة فدين فى دين وإن كانت الهبة لم تتغير, فلا بأس بكل ما ذكرنا. وأجاز أشهب العوض بالدين مثل قول ابن القاسم, وأجازه فى السكنى والخدمة, وروى عن مالك أنه أجا از أن يكرى دارا بدين لك على رجل, وأما بدين لك علجى ربها فلا يجوز. وأجازه أشهب. قال: لأنه قد قبض الدار, فلا يدخله الدين بالدين, ولم يأخذ به ابن المواز. قال: ولا يعوضمك عرضا له فى ذمة رجل ان فاتت الهبة لأنه دين فى دين. وقاله ابن القاسم, وأشهب ... ¬
[12/ 247] قال: ولم ير مالك فى العين من الدنانير والدراهم ثوبا. وقال: ما علمته عمل الناس. قال محمد: لأن للعين الاثمان المرجعة بالقيمة اليها, فكأنها بيعت (¬1) بما لا يعرف من أصناف العروض. قال ابن القاسم: وكذلك الدنانير والسبحائك, وكذلك الاثواب من ذهب أو فضة غير مسكوك, فإن اشترط فى ذلك الثواب, فهى غير مردودة. قال عيسى عن ابن القاسم فى العتبية: لا ثواب فى الصفائح والنقررة والحلى المكسر. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: ولا يثاب غير العين إلا عن تراض. وأجاز مالك هبة الحلى المصوغ للثواب والعروض علية يقام عروضا أو الذهب ورقا وعن الورق ذهبا (¬2) قال محمد: لا يجوز هذا بحال. وقال مالك أيضا: لا ثواب فى الدنانير والدراهم, إلا أن يكون لذلك وجه (¬3). وهو فى المختصر. وقال المختصر. وقال أيضا: من [وهب] (¬4) دنانير فله اعتصارها ما لم تحل عن حالها. قال محمد: وما علمنا فى هبة الدنانير اعتصارا الا فى الاب ما لم تحل عن حالها ولعل ذاك الذى اريد بالمسألة (¬5) فأما غير الاب, فلا اعتصار فيها ولا ثواب. قال أشهب: ولو وهب على ذلك, كان مردودا, ولا يقضى فى عوض الهبة إلا بالعين أو ييتراضيا على أمر جائز وإن (¬6) كانت طعاما فقام برد مثله فى المكيل والموزون؛ وأما الجزاف فالقيمة من العين. قال أشهب: وإن وهب على أن ... ¬
فيمن وجد عيبا في هبة الثواب أو عوضها أو استحق ذلك
يثاب عروضا, لم يجز لأنه استوجب ما لا يدرى أى عرض هو احيوان أم طعام أو غيره (¬1). قال ابن القاسم: وليس فى الصفائح والحلى المكسور والنقر ثواب. وقاله أصبغ. فأما المصوغ, ففيه الثواب, قال: ومن وهب قمحا أو شعيرا ففيه الثواب؛ واما مالا ثواب فيه منه، فمثل الفاكهة والرطب يهدى للقادم (¬2). قال مالك: فإن قام يطلب فيه/ ثوابا فلا يعطاه، وقاله أشهب, وابن القاسم؛ قالا: ولو قال: إنما أهديته لك إذ قدمت لتكسونى فلا شىء له, ولا له أخذه وإن كان قائما. وذكر أبو بكر بن محمد, أن بعض أصحابنا يرى له أخذه إن لم يفته. فيمن وجد عيبا فى هبة الثواب أو عوضها أو استحق ذلك. وهل فى ذلك عهدة أبو براءة؟ وغير ذلك من معانى الهبات قال محمد بن المواز: وليس لافى هبة الثواب عهدة السنة (¬3) ولا اشترط البراءة, وهو الثواب أخف إذا كان بعد فوت الهبة. وقد قال عبد الملك: لا تكون هبة الثواب بشرط أهبك على الثواب, فلو شدد على أخذ الشرط, لم يحل لأن للمشترى فيها غير سهم, فيصير كبائع سلعته بالقيمة. وقال: من وجد عيبا فى هبة أو عوض فله لانها كالبيع, إذ أرى أانه أريد بها الثواب, وإن استحقت الهبة, رجع فى العوض فأخذه, فإن ماات بحوالة سوق, أو بدن اخذ قيمته, إلا ان يكون عينا أو طعاما مما يكال أو يوزن, فيرجع بمثله. قاله ابن القاسم, وأشهب: وكذلك فى العيب يجده بالهبة فيردها. قال: وإذا كان ¬
العيب بالهبة لم يفت, ردها بحوالة سوق, أو نقص فى بدنها من سقم, أو زادت, وكذلك عن استحقت وقد تغيرت بمثل ذلك, فليرد ويرجع فى عوضه بما ذكرنا فى فوته وغير فوته والثواب/ كالثمن والهبة كالسلعة المبيعة فلا يفيته ردها الا عيب مفسد, فلا يردها حنيئذ إلا وما نقصها وأما لو وجد بالعوض عيبا فله رده, والا يفيته (¬1) لما ذكرنا من حوالة سوق وشبهه ويأخذ الهبة, إلا أن تفوت ها هنا بحوالة سوق, فليس له إلا قيمتها. قال ابن القاسم إلا أن يكون فى العوض البمعيب مثل قيمة الهبة, فلا يرد, أو يكون أقل, فتتم له القيمة, فلا يرد. وقال اشهب: لة رده بما ترد الهبه, ويرد الشىء المعيب (¬2) لأنه يرى انه لا يقبل فى عوضة الا العين, ولأن أخذه بالعوض شراء له بالقيمة التى وجبت له. محمد: وهذا أحب الى. قال أصبغ فى العتبية: إن كانت امة, فوطئها, ثم ظهر على عيب بها فله ردها, كالبيع فإن تمسك بها لايؤدى القيمة فإنما يؤدى قيمتها سليمة من العيب لأنها لم تفت, كالبيع وإما إن فاتت عنده: فإن كان قد أدى قيمتها, لزمته وقد انقطع حيازة (¬3) فى ردها وإن كان العوض عينا, فاستحق, او وجد به عيبا والهبة لم تفت فليرجع بمثل العين لانه كثمن باع به, ولو كان العوض طعاما يوزن أو يكال أو جزافا فاستحق أو رددته بعيب فللك أخذ هبتك فإن فاتت قيمتها وإذا فاتت قبل العوض فلا تبحالى كان العوض عينا أو غيره فليرجع بقيمة الهبة, ولو كان أعطاه أولا من العيين أكثر من القيمة,/ لم يلزمه الان إلا القييمة. قال ذلك كله ابن القاسم, وأشهب. ¬
ولو أعطاك أولا من العين أقل من القيمة، فاستحق، أو وجدت به عيبا، فلا ترجع إلا بمثله، كان ما أعطاك أولا من القيمة بعد فوت الهبة أو قبل، ولو كان أعطاك عرضا، رجعت بقيمة الهبة إن فاتت. قال مالك: ومن نكح بتفويض، فأعطاها قبل البناء عرضا أو عينا مثل صداق المثل، ثم استحق ما أخذت، أو وجدت به عيبا، فلترجع عليه بمثل العين (¬1)، وبقيمة العرض الذي أخذت وفي رق الهبة في هذا، وإن كان ما أعطاها بعد أن بنى بها، رجعت ها هنا بصداق المثل. وإذا وهبت له أمة للثواب فوطئها، ثم وجد بها عيبا، فليس له أن يثيبه قيمتها معيبة، ولكن إما قيمتها صحيحة أو يردها، كالبيع لأنه لزمته القيمة بالوطء وإن لم تكن بكرا، إلا أن يردها بالعيب، سواء كان أثابه أو لم يثبه، ولو كان فوتها بموت أو بما لا يقدر على ردها، لم يلزمه إلا قيمتها معينة؛ وأما لو فاتت بحوالة سوق، أو بالوطء فليس له ذلك، إلا أن يردها، أو يؤدي قيمتها صحيحة. ولو لم تفت بشيء من ذلك حتى ظهر على العيب؛ فإن كان الواهب علم بالعيب، فليس له إلا قيمتها معيبة، وكأنهما بالعيب عالمان، وإن لم يعلما حتى فاتت بحوالة بدن، وإلا ردها بالعيب، ولو أثابه ثم فاتت بما لا يقدر على ردها،/ ثم ظهر على العيب، فقد صار العوض كالثمن وينظر؛ فإن نقصها العيب، ردها من قيمتها يوم الهبة، رجع بربع العوض، كان العوض أقل من قيمتها أو أكثر، فيأخذ ذلك إن كان عينا، وإن كان عرضا فربع قيمته، وإن كان طعاما يكال أو يوزن، فبربع ذلك كيلا أو وزنا في صفته. وإن لم تفت بشيء، أو فاتت بما يقدر معه على ردها، فلا رجوع له في ثوابه، قل أو كثر، إلا أن يشاء أن يردها بالعيب، فذلك له. قال مالك: ومن أثاب من -------------- (¬1) في الأصل: يمثل القيمة. وهو تصحيف.
الصدقة , ثم قال: ظننته يلزمنى. ومثلُة يجهل ذلك , فلة أخذُ ما أعطى إن وجدخ , وما فات فلا شيء , ويقبل قول المتصّدق إنه إنما أعطى ليكافيء. قال ابن القاسم: ولو كان دنانير , فقال: أنفقتها. أو ذهبت فهو مصدق مع يمينة ويبرأ , وإن كان مثله لا يجهل ذلك , فليس لة أخذة وغن كان قائما. وأما أشهب , فذهب الى أنه لا شيئ له من العوض وإن كان قائما. أخبرية عنة ابن عبد الحكم , وبلغنى عنه أنة قال: الا يقول: هذا ثواب صدقتك. فلة أن يرجع إن كان جاهلا. ومن وهبك هبة , فأثابة عنك رجل عرضا , فإن كان يرى انة أراد منها (نيل) (¬1) الثواب , رجع عليك بقيمة العرض. يريد محمد: ان كان مثل قيمة الهبة فأقل , وقد كانت الهبة قد فاتت. قال ابن القاسم: ولو أثاب عنك عينا , لم يكن فيه ثواب , إلا أن يدفعة على السلف قضاء عنك , فلة إتباعك به. يريد: بأقل قال أشهب:/ إذا أثابه عنك قبل بعد تغير الهبة , فهو قضاء عنك , وعليك يرجع. قال محمد: فإن أثاب عنك قبل تغير الهبة ويعطى لهذا الأقل من قيمتها أو مما أثابة. قال ابن القاسم: وإن وهبت امرأة صداقها كلة للزوج ثم طلقها قبل البناء فلا رجوع لاحدهما على الآخر بشيء ولو دفع اليها صداقها وهو مائة دينار , فإن وهبت تلك المائة لاجنبى , ثم طلقها قبل البناء لردت علية نصفها , ورجعت بنصفها على الموهوب لأنها وهبت ما لم يتم لها ملكه. ومن وهب لرجلين عبدا فأثابة أحدهما بعبد , ثم قال: إنما أثبت عنى وعن صاحبى. فأنكر الواهب ,وطلب المثيب أن يرجع بنصف العبد , فليس ذلك له. ----------------- (¬1) ... ساقط من الاصل
في الأفضل من الصدقة والحج والعتق وغيره
فى الأفضل من الصدقة والحج والعتق وغيرة وفى قبول الصدقة وتركها فى ذلك أفضلوأخذ الصدقة من السلطان من كتاب ابن المواز قيل لمحمد: أدى ذلك أفضل العتق أم الصدقة؟ قال: ذلك على قدر شدة الزمان ورخائة. وقال أشهب عن مالك: قيل له: إن لى عبداً بينى وبين يتيم لى صغير , أفاعتقة , أو أتصدق بة على اليتيم وعلى أخية , ولا مال لهما؟ قال: أبينك وبينة قرابة (¬2)؟ قال: هما أبناء عمى. قال: فتصدق به عليهما أحب إلىً ما لو أعتق ضاع. قال: فإنى أكلفة. قال: قد/ لا تعيش له. إن مت كان فى كفاية قال: تصدق به عليهما أحب إلى. من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك , قال: الحج أحب إلى من الغزو , إلا أن يكون خوف (¬3) قيل: فأحج أو الصدقة؟ قال: الحج. إلا أن تكون سنة مجاعة. قيل: فالصدقة , أو العتق؟ قال الصدقة قيل: فاطعام الطعام , أو الصدقة بالدراهم؟ قال: كل حسن. ولم يفضل أحدهما. قال مالك فى كتاب المواز: كان طاوس يصنع الطعام, ويدعو هؤلاء المساكين أصحاب الصفة, فيقال له: لو صنعت طعاما دون هذا. فيقول: أنتم لا تكادون تجدونه. وكان يجعل للعجائز الدهن, فيأمر بهن فيمشطن قال مالك فى كتاب ابن المواز: كان طاوس يصنع الطعام, ويدعو هؤلاء المساكين أصحاب الصفة, فيقال له: لو صنعت طعاما دون هذا. فيقول: أنتم لا تكادون تجدونه. وكان يجعل للعجائز الدهن, فيأمر بهن فيشمطن ويدهن. ومن العتبية من سماع ابن القاسم, وعن الجل يوصى له بالشيئ, أيدعة أم يأخذة؟ قال: يتركة أفضل له أن كان عنده غناء, إلا أن يخشى الهلاك وهو محتاج, فلا بأس به. --------- (¬2) عبارة الأصل مصحفة: أينفعه وصفها قرابه (¬3) فى الأصل: أن يكون وهب. وهو تصحيف
قال مالك: وكان رجال ببلدنا من أهل الفضاء والعبادة يردون العطية يعطونها, حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه, يقول: ترى أن له عنها غناء. قال مالك: ولما قدم ربيعة على أبى العباس أمر له بجائزة, فلم يقبلها, فأمر له بألف درهم يشترى بها جارية, فلم يقبلها, قيل: فمن يحمل على فرس في السبيل, أو أعطى دنانير, أفلا يقبل, إلا على وجة الحاجة؟ قال: أما من الوالى فلا بأس. قال ابن القاسم: يريد الخليفة, وأما الناس بعضهم من بعض, فإنى أكره ذلك. قال مالك: ومن انتقل الى/ ساحل البحروفيها دار السبيل, قال: إن استغنى عنها, فليسكن غيرها, وإن سكنها, لم نربه بأسا, وما جعل فى السبيل من العلف والطعام, فلا يأخذ منه الاغنياء, ولكن أهل الحاجة منهم؛ وأما ما جعل من الماء فى المسجد, فليشرب منه الاغنياء لأنه إنما جعل للعطاش. مالك: ولا بأس أن يعطى من الزكاة من له المسكن الخادم, إلا أن تكون كثيرة الثمن فيه فضل. قال مالك: وأكرة لهؤالا الذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا الى الحج والغزو فيسألوا. قال مالكفي الحائط يحسبه على المساكين, أيقسم بينهم تمرا, أو يباع فيقسم الثمن؟ قال: إنلم يسم المحبس شيئا, فلينظر أى ذلك أفضل فليفعل, ربما كانت الحاجة إلى الطعام فيكون خيرا لهم من الثمن, وربما يبعد الحائط من المدينة, فيضر بهم حمله. من العتبية من سماع ابن القاسم, قيل إن أبا ضمرة, وابن أبى حازم جعل عندهما السلطان صدقة فجراها فوجدا مدبرة, أترى أن يخرجا منها فى مدبرة يعتقانها؟ قال: نعم. ومن التعبية من سماع ابن القاسم وعن من يلى صدقة نفسة, وهو يعلم أهلبيت أيتاما صغارا لا يعمل من غيرهم من الحاجة ما يعلم منهم, هل يجرى عليهم منها ما يكفيهم؟ قال: لا, ليس ذلك من عمل الناس, يجرى الصدقة على أحد.
جامع في إخراج الصدقة والاجتهاد في إخراجها
جامع في إخراج الصدقة والاجتهاد فى إخراجهامن كتاب أبو المواز, ومن العتبية من سماع ابن القاسم, قال مالك فى الذى نذرإن شفاه الله صدقة, وله أقارب وموالى/ فقراء, قال: يعطيهم, ويقل لهم ويكثر لغيرهم, وأخاف أن يحمد ويستتر, فان الستر أحب الى. وكذا صلاته النافلة فى بيتة أفضل منه فى جماعة, وهو أعلم بصحة نيتة فى ذلك. ومن كتاب ابن المواز, وعن من لة ابن محتاج كبير, أيعطة من مال أوصى به الفقراء؟ فإن كان يناله معروف ابنة ونفقتة, فلا يفعل, وإن كان لا يناله, فليعطة, ولا أحب لاحد أن يأخذ من الصدقة, كانت وصية أو غيرها, ولا من الزكاه, أو التطوع, أو غيره إن كان مستغنيا عنها, وقد جاءت الرخصة فيما كان عن غير مسألة. قال النبى صلى الله علية وسلم لعمر. وقال لحكيم بن حزام: خير لاحدكم ألايأخذ من أحدا شيئا. في المال يخرج في غزو او حج أو عمرة فيفضل منه أو يموت الغازى أو يقدم وبيده منه شيء وهل ينفق منه قبل أن يخرج؟ والنفس بيعية؟ من التبعية من سماع ابن القاسم: ومن اعطى سوارين فى سبيل الله, فله بيعها قبل أن يخرج ليتقوى بثمنها فى السبيل, قال: نعم, وكدنانيز أعطيها, فليتكارى منها, ولايخلف منها نفقة لاهلة, ولا يشترى فى الحرب إلا ما ينفع فى الغزو, ولا يشترى لامراتة وبناتة منها شيئا. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: ومن اعطى منها فى السبيل. قال ابن القاسم: وهو أحب الى./ وذكر فى موضع آخر ابن القاسم, قال مالك: أما فى الحج, فيردة الى أهلة إلا أن يكون استؤجر فلهما فضل؛ وأما فى الغزو, فيعطى الفضلة لاهل سبيل الله
قبل, ولا يردها. قال: لعلة لايجد صاحبها, وأحب إلى أن يعيطها فى سبيل الله لغيرة. قال مالك فى العتبية فيمن أعطى رجلا فرسا, فقال لة: تقو به فى سبيل الله , فيغزو علية. ثم يموت, فيطلبة ربة, ويقول: أنا لم أبتلة, وإنما قلت: تقو به فى سبيل الله. قال: ذلك له, اعلم بنيتة. وقال فى الكاتبين فى الذى يعطى ذهبا فى سبيل الله ينفق منة على اهلة, ولا فى غزوة, إلا فيما يكون للغزو. ومن أعطى نفقتة, فقال لة: تقو به فى السبيل فيشترى من ذلك القمح والزيت والخل, وكل ما ينتفع به فى السبيل, لا يشترى به الدجاج ونحوة, وما فضل فرقة فى السبيل, أو ردة الى ربه. قال مالك: وان حمل على فرس فى السبيل, فلا ينتفع بثمنة في غيرالسبيل, الا ان يقال له: افعل فيه ما أردت. والذهب كذللك, اذا قيل له: اصنع بها ما شئت هى لك. فهذا اذا بلغ به فى غزوه, صنع فى ماله, وأما ان قال له ذلك الوصى, فلا يحوز ما قال له الوصى, أن يفرقة فى غير السبيل, إلا أن يوصى إلية بمثل هذا. ومن الكتابين محمد: قال مالك: إذا أعطى شيئا يقسمة فى السبيل, فليقسمة كما أعطى, فإن لم يجده, فليردة ومن أعطى فرسافى السبيل, فللهبيعةاذا أراد ان يكترى بثمنة أو يشترى به في غيرة فى السبيل, ولا بيعة فى غير رباط. قيل: فقول ابن عمر: إذا بلغت وادى القرى, فشأنك به؟ قال: محمله عندنا أن يكترى بثمنة في السبيل, يشترى زادا. قال مالك فيمن حمل علىفرس في سبيل الله, فأراد بيعه, فإن ابتل له, فإنة إن أقام عنده إقامة يستعملة فيها, يقول: ينتهى ويبلغ علية فى العمل. فذلك له؛ فأما الشيء اليسير فلا, وليس يعطى أحد على مثل هذا. فيقول ابن
عمر: اذا بلغت وادى القرى, فشأنك به. قال: يريد (إنارة ولعبرة ومعتمله) (¬4). قال ماك: ومن حمل على فرس فى سبيل الله, ولم يذكر مغزى بعينه, فليجعل حيث يرى أنه أنكى للعدو (¬5) المصيص نحوها ومن قال لرجل اجعل هذه النفقة فى سبيل الله. فقيل له: ها هنا امراة محتاجة. فقال: أعطوها إياها. فإن كان أوجبتها فى السبيل, فما يعجبنى. قيل لماك فى النبل يعطى فى السبيل: هل لمن أن يرمى به فى الاغراض, أو يصيد به؟ قال: نعم, إذا اعطيتة لينتفع به, ما لم يكن على وجة اللعب, فإنى أكرهه. ومن جمع بله كفن, فأتى من كفنة, وبقيت الدراهم, فلترد على من أعطاها, ولا يأخذها ورثة الميت, ولا فى دينه, ولو تركة أربابة لورثة الميت كاان أحب إلى (¬6)؛ وكذلك ما فضل عن ما أعين (¬7) به المكاتب, فما بقى منه رد إلى أهلة إن عرفوا, وإلا تصدق به. قال ابن القاسم, كأنة غنما على فكاك رقبته. قال مالك: ولا كان يعان به مكاتب آخر في مكاتبته, إلا أن يشاء أهل إن عرفوا. وكذلك لو كانما اجتمع لا يعتق به, لردالى/ من أعطاه, ولا يعاون به فى رقبة أخرى بإذن أهله. --------------- (¬4) ما بين معقوفتين ساقط من ع. (¬5) فى الاصل: إن كما تتدوا. وهو تصحيف. (¬6) فى الاصل: كان الفت إلى. وهو تصحيف. (¬7) فى الاصل: على ما لأعتق. وهو تصحيف.
باب فيه ذكر شراء كسور السؤال
باب فيه ذكر شراء كسور السؤال وفى الزبل يجتمع فى أرض حبس هل يعمل به طوب؟ من العتبية قال ابن القاسم: لا بأس أن يشترى الرجل كسور السؤال منهم. وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم فى بريرة: هو لها صدقةولنا هدية (¬8) ومن سماع ابن القاسم, وعن قوم لهم خربة صدقة عليهم, فرمى الناس فيها زبلا, فأرادوا ضربة طوبا وبيعة ليعمروا به تلك الارض, قال: ذلك لهم, وأحب إلى أن لو رفعوا ذلك إلى القاضى (حتى يأذن فيه) (¬9). تم الكتاب بحمد الله وعونه وبتمامه تمت رزمةالأقضية ويتلوه من رزمة العبيد الاول
صفحة بيضاء
كتاب العتق
بسم الله الرحمن والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبة كتاب العتق الأول ما يلزم من صرييح العتق ومكنيه وما يلزم من الالفاظ ومن النذور واليمين قال أبو محمد عبد الله بن أبى زيد: قال سبحانة فى الاسارى: {فإما منا بعد وإما فداء} (¬10). والمن: العتق. قال: {وإذا تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه} (¬11). يريد العتق؛ قال: {فكاتبوهم} (¬12). وألزم من عقد على نفسه نذرا أن يفى به, بقوله: {أفوا بالعقود} (¬13)؛ والعتق من ذلكو كان فى يمين أو فى غير يمين, ولم يختلف إلا كفارة اليمين بالعتق/ أو بالطلاق. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمنقال: على عتق رقيقى فعليه أن يفى بنذرة, ولا أقضى به. قال أشهب: لا أفعل. قضى علية, وإن قال: انا أفعل. ترك وذلك, وإن مات قبل, لم يعتقوا علية فى الله ولا غيره. قال مالك: ومن قال لعبده لاعتقنك إن قدمت من سفرى. فهو موعد, فأرى أن يعتقه. قال محمد: لا يقضى عليه.
قال عبد الله: يعنى ولو أراد النذر لسلامتة وقدرتة من سفره لزمة (¬14) أن يعتق بالفتا, في قولابن القاسم, وبالقضاء عن امتنع فى قول أشه. وأما إن قال: أنت حر إن قدمت من سفرى. فهذا يعتق بالقضاء فى قوليهما (¬15) قال مالك: ولو قال لزوجتة: إن قدمت من سفرى لأطلقنك فلا شيء عليه, وليس كالعتق الذى هو لله, وصريح العتق ان تقول كلاما مبتدأ (¬16): أنت حر. أو عتيق. أو أعتقتك. أو حررتك. أبينت عتقتك. او بتله. وشبةه ذلك, ويلزم ذلك فى يمين أو غير يمين. من كتاب ابن مواز: ومن قال لأمتة انت خلية, أو برية, أو بتة, أو اعتدى, أو اشترىنفسك. فانماتعتق عليه إن أراد العتق. قال سحنون فى كتاب ابنه فإن قال لعبده قد تصدقت عليك بخراجك أو بغلتك أو بخدمتك ما عشت أنا. فليس له منه إلا حياة السيد, ولا يكون حرا. قال ابن المواز قال ابن القاسم: فإن قال لها كلى واشربى (¬17). ينوى العتق, فهى حرة, وقال أشهب: قوله لها:/ كلى واشربى. وادخلى الدار, ليس بعتق إن ظن أن العتق أن هذا اللفظ بعينه حرية, وكذلك لو ظن أتن دخولة الدار طلاق لامراتة أو تقبيلها, فلا شيء علية إن فعل ذلك, وغن أراد أى إذا قلت لك ذلك فأنت به حر. فهو حر. وقال سحنون: إذا قال قد تصدمت عليك بخراجك أو بعملك. فهو حر مكانه. قال ابن المواز عن ابن القاسم: هو حر. وقاله أصبغ. قال: وكذلك بخدمتك. ----------- (¬14) هذة عبارة ع وهى صحيحة. وصحفت فى الاصل هكذا: ولقد زاد سلامتة وفرق فيما لزمه. (¬15) فى الاصل: فى فواتهما. وهو تصحيف (¬16) كذا فى ع وهو الصواب. وفى الاصل: يقول معا لهم مبينا (¬17) صحف فى الاصل: كلى واشربى
قال ابن القاسم: وإن قال: تصدقت عليك بخراجك, وأنت من بعدى حر. فهو كأم الوالد. وذكره فى كتاب ابن سحنون, عن مالك. وفى الجزء الثانى, فيتصدق على عبدة بخدمة أو بخراجة, فيه هذا كلة وزيادة فية. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لعبدة كلام مبتدأ: لا سبيل لى عليك (ولا ملك لى عليك) (¬18) فهو حر, وإن تقدم كلام يدل على شيء أرادة, فذلك له. قال أشهب: مثل أن يعيطيه, أو يغالبه فيجاوبه بهذا, فلا شيء عليه. قال أشهب عم مالك: ومن قال لأمته أنت على كظهر أمى. يريد العتق, قال: هو ظهار, وليسبعتق. قال: ومن قال لعشار فى أمته هى حره. فلا شيء عليه وإن قامت عليه بينه إذا عللم انه دفع عن نفسه بذلك ظلما. ومن قال لعبده: أنت حر أو عبد أو قال والحر أحدكما حر فلا شيء عليه, وقد صدق. ومن سئل فى بيع جارية فقال هى حرة, قد حملت منى. وقال لم أرد ابنا لها وعليه بينة؛ فإن كان ممن يظن أنها حره بالحمل منة فلا شيء عليه, وإن كان عالما/ أخذ بما سمع منه. قال أضبغ: يدين, كان عالما أو جاهلا, ولا رجوع له على أن تكون أم ولد. قال ابن المواز: عن لم يرد تعجيل حريتها, فلا شيء عليه. قال مالك. قال عبد الله: يريد الحرية. وقد أصبغ: ومن بشر أن أمته ولدت غلاما فقال: هو حر, أو أمه. فإذا هى جارية, يلزمةعتقها, إلا أن يريد ما وصفت لك. ومن التبعية روى عيسى عن ابن القاسم, وذكره ابن المواز فيمن سئل عن أم ولده فقال: ما هى إلا حرة. فلا شيء عليه إن لم يرد العتق. --------------------- (¬18) ساقط من ص.
قال في كتاب ابن المواز: ومن قال لعبده ستعلم الحر. ولم يرد العتق, فلا شيئ عليه. وكذلك إن قال: ياحر أو عتيق. ولم يرد العتق, فلا شىء عليه, وإن لم يكن ذلك اسمه. قال: وغن شتم عبد حرا, فاستأذى عليه إلى سيده, فقال حر مثلك. قال: أراه حرا. ومن العتبية: أو قيل له أمملوك هو؟ قال: لا. أو قيل له: ألك هو؟ قال: ما هو لى. فلا شىء عليه فى ذلك كله, كمن قيل له الكامرأه؟ او قيل هذة امراتك؟ فقال: لا. فلا شىء عليه إن لم يرد طلاقا. قال عيسى: ويحلف فيه وفى العتق. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية أبى زيد عن ابن القاسم: وإ ن قيل له: ما اسمك؟ فقال: هو حر؟ وليس باسمة, فلا شيء عليه, وهو كاذب ولا يمين عليه. قال أبو بكر بن اللباد: وقد غير هذا./ ومن كتاب النواز: ومن قال لامته انت حرة. ولامرأته أنت طالق. وقال نويت الكذب (لم ينفعه ذلك) (¬19) , وذلك يلزمه فيهما. قال عبد الله: يريد بخلاف قوله: كنت طلقتها او عتقتها وهو كاذب. قال أشهبفى قوله: انت حرة: يريد الكذب, فإن لم تكن عليو بينه وقال: إنما أردت اخبرها أنى أعتقتها كذبامنى, واردت الكذب. فلا شىءعليه. وكذلك لو قال لامرأتة: إن تسرت عليك فأنت طالق؛ ونوى الحمل؛ فإن كان على لفظه بينة لم تنفعه بينته, وأحنث بالوطء قال عبد الله: يريد إلا ان يكون شرط لها ذلك فى العقد, فلا تنفعه نيته فى الفتيا ولا فى القضاء. ------------ (¬19) ساقط من ص
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لغلامه فى الغضب يا حر فى عصيانة, فلا شيء عليه. ومن قال لرجل: أعنى بعبدك اليوم. فقال: هو اليوم حر. وهو يوم بطالته وأراد به حر من العملفي يوم, حلف ولا شىء عليه. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: من قال لعبده انت حر شهرا. وقال لم أرد عنقا, وغنما اردت ان أمهله. قال: لا ينوىويعتق. ولو قال: أنت حر من هذا العمل. فله نيتة, ولا شيء عليه. قال ابن سنحون, عن أبيه: وإن قال: قد وهبتك نفسك اليوم. قال: فهو حر. ومن العتبية قال أصبغ عن أشهب: وإن قال اعمل هذا اليوم, وأنت حر. قال: فهو حر أبدا. يريد أن يعمل. ومن كتاب/ ابن المواز: وإن قالأنت حر اليوم من هذا العمل. والقول قوله إن نوى أن يعتقة من ذلك العمل , ويحلف, ثم له أن يستعمله إياه فى ذلك اليوم, وإن قال: أعمل هذا اليوم, وأنت حر. فهو حر أبدا إذا عمله. قال أشهب فى العتبية. وروى عبد الملك بن الحسن فى العتبية, عن ابن القاسم فيمن قال في مرضة لورثته: اجعلوا عبدى فلا بينى وبين النار. فمات, قال: هو حر. يريد من ثلثه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن لعبده إن جئتنى بكذا فأنا أعتقتك. فإن حلف ما أراد عتقا, وما أراد إلا لينظر فيه, فلا شيء عليه. قال ابن سحنون, عن أبيه, فيمن قال لرجل ساوم فى عبد له. قال: إن عبدك يزعم نه حر. فقال: إن زعم ذلك فهو ماض. فسئل العبد فقال: أنا حر. فقال السيد: إنما وثقت به, ظننته يقول الحق. فلاحرية للعبد. كقول مالك, فيمن رضى بشهادة رجل , فيشهد عليه, ثم رجع, فقال محمد: وكان الغلام ينسب الى صلاح وحسن حال.
فيمن دعا ناصحا فأجابه مرزوق فقال أنت حر
وسأله حبيب عمن اشترى عبدا صغيرا, فقيل له (ماتصنع) بهذا؟ فقال هذا ولد حر. فقيل له: ما أردت؟ فقال: ما كانت لى نيه فى شيء. قال: هو حر. قال ممد بن عبد الحكم, فيمن قالت له جاريته يوم عيد الى قابل يكون بمكة, عن شا الله. فقاللها: او إلى قابل تكوين حرة, إن شاء الله. قال: لا شىء عليه. وفى آخر أبواب العتق باب فى تمليكه العبد لنفسة, ومن وهب لعبده خدمته, أو عمله, أو اخراجه, فيه من معنى هذا الباب. فيمن دعا ناصحا فأجابة مرزوق فقال أنت حر أو أراد طلاقا أو عتقا فغلظ بغير ذلك وم كتاب ابن المواز: ومن دعا عبده ناصحا ,فأجابة مرزوق, فقال أنت حر. يظنه ناصحا قال ابن القاسم يعتق ناصح في الفتيا, والقضاء, ولا فى الفتيا. وقال أصبغ: يعتقان جميعا فى الفتيا والقضاء, كمن اوقع الطلاق على حدى امرأتيه, ويظنها الاخرى, فيطلقان جميعا. قال ابن سنحون: وقيل. لا يعتق واحد منهما. قال أشهب: وإذا أراد ان يقول لامرأته أنت طالق. فغلظ, فقال انت شاة, أو خنزير. فلا شيء عليه حتى ينوى بلفظة ذلك الطلاق. قال عبد الله: يريدوكذلك العتق. قال أبو محمد: يريد: لانة لا يطلق بنيتة دون لفظ حتى يريد بالفظ ما نوى.
جامع تمليك العبد في العتق
جامع تمليك العبد فى العتق أو تمليكه أجنبيا أو قال لة اعمل كذا وأنت حر فأبى منم كتاب ابن المواز: ومن ملك عبده فى العتق فقال أنا ادخل الدار, أو أسافر أو آكل أو أشرب. وقال: أردت العتق. قال: لا يصدق, ببخلاف السيد ينوى العتق بذلك. وقيل: العبد مصدق فى قوله: أنا أدخل الدار, أو أخرج,/ أو أسافر. أو أذهب, والاول أصوب, وقال ابن القاسم, وعبد الملك. قاللهما: فإن قال: فإن لم تصدقونى فأنا الان, أختار العتق. وقالت المرأة ذلك فى الطلاق وذلك كله فى المجلس فليس ذلك لهما. وجوابهما بغير المعنى تركا ولما جعل لهماغ, وبخلاف السكوت الذى يرتقب فيه الجواب. وقال أشهب: لهما ذلك, ما دام فى , وقولهما الاول كالسكوت, ولا شيء لهما بعد التفرق. وقد قالمالك, فى المخيرة تختارواحدة: ان ذلك ليس بها, أن تختار ثلاثا, وإلا فلا شىء لها. قال ابن القاسم: وإن قال العبد: قد اخترت نفسى. فهو حر إن نوى الحرية بذلك, وإن قال: لم أرد الحرية. فلا حرية له وقال أشهب: بل هو حر, كما تكون المرأةالمطلقةبه طالقا. قال ابن القاسم: فإن قال قد اخترت أمرى, أو قبلت أمرى. ونوى العتق, فذلك له, وغن لم ينوه, قيل له ذلك بيدك عن شئات فاعتق نفسك, أو دع. ومن ملك عتق أمته رجلا, فقال لها الرجل: اذهبى. ينوى الحرية, فهى حرة, ويصدق , وإن نوى غير ذلك, وإن قال: اذهبى وادخلى الدار, أو بيتك. فقد
فيمن قال لعبديه أنما حران إن شئتما أو إن فعلما كذا فيشاء أو يفعل ذلك أحدهما
علمنا ما أراد (¬1) ولا شىء عليه, والاول أقوى منه, والمملكة (¬2) إن قالت أنا أدخل بيتى. ثم تأتى فتقول: أردت الطلا. فلا يقبل منها. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال لعبده اعمل كذا وكذا فأنت حر. يريد ذلك فى العبد, قال سحنون: يعنى لم يقبل, وردة على شسيده, ثم (بدا) (¬3) له., فقال (أنا أفعله, قال: فذلك له) (¬4) / فيمن قال لعبديه أنتما إن شئتما أو إن فعلتما كذا فيشاء أو يفعل ذلك أحدهما او قال ذلك لزوجتيه فى الطلاق ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لعبديه انتما حران إن شئتما. فشاء ذلك أحدُهما, أو قال في الطلاق لزوجتيه, فقد في هذا الأصل قول ابن القاسم؛ فقال: يعتق الذى شاء ةحده, وتطلق التى شاءت وحدها. وكذلك روى عيسى, عن ابن القاسم, في العتبية. وقاله أصبغُ. قال ابن الموازوقال ابن القاسم أيضا (لاحرية) (¬5) لهما, ولا طلاقحتى يشاءا جميعا. وكذلك قوله: إن دخلتماهذه الدار, فأنما حران. فلا يعتق الداخلُ ولا غيره, حتى يدخلا جميعا. وقاله مالكّ. وروى عن ابن القاسمفي زوجتيه إن قال: دخلتماهذه الدار, فأنتما طالقتان: فدخلتهاإحدهما, أنهما تطلقان. وكذلك قوله: إن أكلتما هذا الرغيف. فأكلته إحداهما. قال أشهب, في قوله انتما حران عن شئتما. أو في الطلاق لزوجتيه: إن من شاء يعتق وحده, وتطلق وحدها. وكذلك في التمليك ¬
فيمن قال عبدي أو رقيقي أو مماليكي أحرار
[12/ 267] قال أشهب: وإن قال: إن دخلتما الدار, فأنتما حران إن لم أضربكما كذا وكذا. فدخلتها أحدهما, فلا يضرب إلا الداخل, فإن لم يضربه, عتقاجميعا. (وإن دخا أيضا الثانى, ولم يضبه عتقا. قال محمد: وإن لم يذكر) (¬1) ضربا, فلا يعتق إلا الداخل وحده. وكذلكغن كلمتا زيدا. فإن الذى كلمه حر دون الآخر. وكذلك: إن أهديتماإلى كل/ واحد منكما فرق بز, فأنتما حران, فأهداه أحدهما. فإنه يعتق وحده. وبعد هذا باب في الحالف إن فعل كذا, ففلان حر وفلان. وباب في أبواب العتق بالسهم, فيمن قال: من يشترى بغلام, فهو حر. فيمن قال عبدى أو رقيقى أو مالكى أحرار زما شاكل ذلك وهل يدخل في ذلك عبيد عبيده؟ من العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال كل مملوك لي ذكر حر. يريد بذلك الرجال, قال: فهو على ما أراد. قال ابن سحنون, عن أبيه: ومن قال: مماليكى أحرار. ولا نيه له, فانة يعتق ذكور رقيقه دون إناثهم. وروى عنه العتبى مثله. قال ابن سحنون: ثم رجع, فقال: يعتق الذكور وإلاناث. قال: ولو قال: رقيقى أحرار. عتق ذكورهم وإناثهم. قال: ولو قال: عبيدى أحرار. لم يعتق إلا الذكوردون إلاناث. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبيه عبيده دون عبيد عبيده, ولو حلف بطلاق امراته: يملك عبداّ وبجاريته, عبدان الحنث يلزمه. قال سحنون, في كتاب ابنه: وإن قالعبيدى أحرار. وله إماء حوامل, فإنهيعتق ما أتين به من غلام لأقل به من ستة أشهر. يريد من يوم قوله, وذلك إن لم يكن الحمل ظاهرا, أو لم يكن الزوج مرسلا عليهما, وإن كان مرسلا أو كان الحمل ظاهرا/ أعتق ما أتين به لخمس سنين. ... ¬
فيمن عم بالعتق أو خص فيما ملك أو فيما يملك
قال ابن المواز: قال مالك: ومن حلف بحرية رقيقة فحنث, وله مرجع رقبة عبد أخدمه أبوه, حر متى ما رجع إليه. فيمن عم بالعتق أو خص فيما ملك او فيما يملك بعد ذلك فى يمين أو غير يمين من كتاب ابن الموازقال مالك: ومن قال كل مملوك أملكه ظغلى ثلاث سنين فهو حر إن كلمت فلانا. أو بدأ بقول: إن كلمت فهو سوا, يلزمه فيما يستقبل ملكه من يوم اليمين إلى تمام الأجل. قال محمد: إلا فيمن كان يملك قبل ذلك. وإن قال: إن كلمت فلانا ثلاثين سنة, فكل مملوك أملكه حر. فإن قال: أبدأ. فلا شىء عليه. قال ابن القاسم: قال محمد: لأن قوله: أبدأ. يدل أنه أراد المستقبل, ولو لم يقل: أبدا. لزمه فيما عنده دون ما يستقبل ملكه, ولو قال: يوم أكمله, فكل مملوكاملكه من الصقالبه أبدا حر. لزمه في المستقبل, فيما يملك منهم من يوم حلف لانه خص جنسا, ولا شىء عليه فيمن كان عنده منهم يوم حلف لقوله: أبدا. إلا أن يقول: نويتهم. فيلزمه في الوجهين, وإن لم يقل: أبدا. فيلزمه في الوجهين, ولو قال: أردت في المستقبل. فلا شيء عليه, إلا أن تكون عليه بينة. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة, فهو حر. فورث رقيقا, والرجل ليس بالكبير, فنما ورث فهو حر, ولا/ يعتق عليه أنصباء أصحابه, ولكن ما ورث فقط, إلا ان تكون له نيه؛ إنما أراد فى الاشتراء, أو الهبه , أو الصدقة خاصة, ولم يرد الميراث, فيدين, ويحلف. قال أشهب فيمن قال: كل مملوك أملكة فى شهر رجب, فهو حر. فورث نصف عبد, فحنث, أنه يعتق عليه ما ورث, وليقوم عليه باقية لنه إنما عتق عليه بالحلف لا بالميراث. وبه قال سحنون فى كتاب ابنه.
وروى يحيى, عن ابن القاسم فيمن قال: أةول عبد أبتاعه, فهو حر. فابتاع رقيقا في صفقة: إنهم أحرار كلهم, وكما لو ابتاع نصف عبد, لعتق عليه, وقوم باقيه عليه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن قال: أول عبد أملكه فهو حر. فورث خمسة أعبد, أنهم يعتقون عليه. قال يحيى بن يحيى, عن ابن القاسم وذكره عن ابن سحنون, فيمن قال: كل عبد أبتاعه إلى سنه فهو حر, فاشترى فيها كتابه مكاتب, أنه إن عجز قبل مضيها, حنث؛ فأما إن عجز بعد انقضائها, فقال فى العتبية: فإنة يعتق عليه أيضا لأن أصل اشترائهفي السنة. وقال ابن سحنون, عن أبيه: إن لم يعجز حتى مضت السنة, ولم يعتق بعد مضيها. قال وقال ابن القاسم: إن قال كل مملوك أملكه على ثلاثين سنة, فهو حر فاشترى مكاتبا, أنه لا يعتق. كذلك لو أن أخا ورث أخاه وهو مكاتب, لم يعتق لأنه إنما ورث ماله. قال سحنون: ثم رجع عن الاخ ,/ فقال: يعتق. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لأمته أو لامرأته كل جاريه أشتريها عليك أو معك في حياتك, فهي حرة. وإن قال لامراته كل جاريه أتسرر بها بعد موتك ابدا, فهى حرة. لزمه وكذلك من قال: كل جارية أشتريها, فأطؤها, حرة. لزمه لأنه بقاء ما يملك ممن لا يطأ, بخلاف قوله: كل جاريه أتسررها عليك. فأعطيها الوالد, فهى حرة. فحملت منه جارية اشتراها, أنه لا شىء عليه, إلا أن يكون أعطاها الولد, ولم يعجبنا هذا , وإذا حملت منه, فمن اعطاها الولد. قال ابن سحنون في كتابة: قلت روى عن ابن القاسم, فيمن قال: كل امرأه أنكحها أطأها, فهى طالق. انه لا شىء عليه. ولو كل جارية أشتريها اطأها حرة, أنه يلزمة لأنه ممن لا يطأ, مثل اخوات الرضاعة وشبههن لا يلزمه فيهن يمين
فيمن قال في عبده إن بعتك فأنت حر
[12/ 270] ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم, وذكره ابن المواز, فيمن باع جارية, وحلف بحريه كل ذكر يشتريه بثمنها, فاشترى به أمه حاملا, فوضعت ذكرا, فليتعق الذكر فقط, ولو حمت به بعد شراء, لم يعتق. وقاله أصبغ. ومن كثير من معانى هذا الباب فى كتاب الطلاق, في باب الطلاق قبل الملك. فيمن فالعبده إن بعتك فأنت حر أو قال إن ملكك فلان إن عاوض به في عبد حلف أن لايبيعه ومن حلف بحريه عبده لا يبيعه قال ابن سحنون عن ابيه: أخبرنى ابن نافع عن عبد العزيز بن أبى سلمه أنه كان يقول فيمن قال قال لعبده: إن بعتك فأنت حر. فباعه أنه لا شيء عليه. وهذا قول أهل العراق. قال سحنون: وقول ملك أولى لأن ما يفعله البائع من بيع سابق لما يفعله المشترى, فهو حر, فتمام البيع إذا رضى المشترى بالشراء, فالبيع قبل الشراء, وكما أجمعوا فى الموصى بعتقعبده, أنة يعتق عليه بعد موته, وإن كان الميت غنما أوصى أن يعتق بعد خروجة من ملكه, فكذلك حيا. قال ابن حبيب , فاحتج ابن شبرمة بالوصية. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا قال بعتك فأنت حرة فباعها, فاولدها المشترى, فإنها حرة على البائع, يرد الثمن على المشترى, ويقاصيهفيه بقيمة الةلد. وقاله أصبغ
[12/ 271] قال محمد: لا ثمن على المبتاع فى الولد لأن البائع حنث فيها, وهى حامل, فصارت حرة بحملها, فلا طلب لهفى يد الولد, تجب فيه القيمه لو كان إنما عتق على أبيه بعد خروجة حيا مستهلا. ومن قال لعبده إن بعتك فأنت حر بعد أن أبيعك بسنة. لزمه ذلك إذا باعه أن يرد بيعه, ويعتق عليه إلى سنه. وقالابن حبيب فى مثله, عن مطرف: ولو كان امه, فوطئهاالمشترى قبل رد بيعها, فحملت,/ فليرد البيع بكل حال, ولا شىء عليه من قيمه الولد, وتعتق على سيدها على سنة, كما لو باع معتقة إلى سنة , فأولدها المبتاع فهى ترد (¬1) من كتاب ابن المواز: وحلف بحرية عبده إن ملكه فلان أبدا, فكلمه فلان؛ فإن كان ببيع منه أو من وكيله, حنث, وإن ابتاعه بعد أن باعه البائع من غيره, فلا حنث عليه, ولو كانت يمينه فيه بحريه غيره, لكان حانثا متى ما ملكه. قال ابن القاسم: إلا أن ينوى ألا يكمله من قبل. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن حلف بحرية عبده إن باعه بيعا فاسدا, فلا أراه حانثا, ولو باعه على أنه والمبتاع بالخيار ثلاثا, فلا حنث حتى ينقطع الخيار. وكذلك روى عيسى, عن ابن القاسم, فى الخيار. وفى كتاب ابن المواز مثله, إلا انه فى البيع الفاسد, أنه يحنث. فى كتاب إلايمان كثير من معانى فى هذا الباب. قال سحنونفى كتاب ابنه وفى المجموعة: وإن قال لأمته أنت حرة عن اكلت لك ثمنا. ولا نية له, فباعها, فيفسخ بيعة وهى حرة, ويرد الثمن على المبتاع إن كانت عى يمينة بينة, أكل الثمن أو يأكله, فإن لم يكن غير قوله, فلا يأكل ثمنها, ولا يحكم على المبتاع بفسخ البيع بقوله ... ¬
[12/ 272] ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حلف بحرية عبده إن باعة, وكان حلف المبتاع على حريته عن شاءاشتراه, فلا تبالى من بدأ باليمين, فإنه يعتق/ على البائع ومنه ومن العتبية رواية أبى زيد عن القاسم: وإن قال: إن بعته فهو حر. وقال: إن ابتعت عبد فلان فهو حر. فاشتراه بالعبد الآخر, أنهما يعتقان عليه جميعا. قال ابن المواز: عليه قيمه العبد الذى ابتاع. ورواه يحيى بن يحيى, عن ابن القاسم, فيمن قال: ميمون حر إن بعته. وقال آخر: امرأته طالق لأشترينه. فباعة منه, فإنهما يحنثان جميعا, فالبائع يحنث بالبيع, والمبتاع يحنث إذلم يتم له البيع. قال فى كتاب ابن المواز وإن قال: إن بعت ميمونا, فهو حر. ثم حلف بحرية آخر ليبيعن ميمونا, فباع ميمونا, فليعتق عليه المبيع, ويرق لآخر لأنه قد باع البيع الذى علم أن مرجعة إلى حرية, فقد بر حين بلغ ذلك, كمن حلف ليبتعن فلانا الحر, فباعة فقد بر, ويرد بيعه. ومن كتاب ابن المواز: ولكن بدأ فقال: كل مملوك لي إن لم أبع مرزوقا. ثم قال: مرزوق حر إن بعته فباعه, فليرد ويعتق عليه, وهو سائر رقيقة لأنه ها هنا حلف أولا على البيع النافذ. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: ومن قال لأمته أنت حرة لابيعنك. ثم دبرها, قال: فهى حرة حين دبرها إن لم يقدر به على البيع, كما قال مالك فى الذى قال: أنت حرة لابيعنك. فاذا هى قد حملت منه, أنها حرة الساعة. وكذلك لو أعتقها إلى رجل. قال أصبغ: وإن قالت امرأة لزوجها: إن بعت أمتى فاعطيتك من ثمنها درهما. فهى حرة فباعتها ثم أعطيتة (¬1) , قال: لا حنث عليها لانها أعطيته وهى في ملك غيرها. قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن حلف بحريه عبد أن لا بيعة ... ¬
فيمن حلف بحرية ما يملك غيره
, [12/ 273] فباعة/ واملك الثمن, فليرد البيع, ويخرج حرا, ويتبعه المبتاع بالثمن دينا لأنه وقعت حريتة وعبدة له وفاء وهو الثمن, ثم هلك ما يده, قال سحنون, فيمن قال لعبدة: إن بعتك فأنت حر. ثم باعه قال: يفسخ البيع, ويعتق ويكون ماله للبائع لأن بالبيع وجب العتق, وصار البائع أولى بالمال من العبد. قال ابن حبيب: ومن أعطى فى عبد تسعه وأربعين, فحلف ألا اشتراه بخمسين, وحلف ربه لا باعه إلا بخمسين, فتبرع رجل فقال المشترى: أنا أزيده دينارا صلة منى لك, وأشتيه لك بخمسين. ففعل. وأعطاه تسعة وأربعين, فهذا يعتق على المشترى لنه اشتراه بخمسين وقبل الدينار من معطيه, ولو قال هذا الرجل للبائع: أعطه إبياه بتسعة وأربعين وأنا أزيدك دينارا. ففعل, عتق هذا على البائع. وقاله أشهب, وأصبغ. فيمن حلف بحرية ما يملك غيرة أو ألزم نفسه فيه يمينا على أنه حر إن بيع منه أو قال إن فعلت كذا فانت حر ثم ابتاعة ثم فعل ذلك من العتبية وكتاب ابن حبيب قال مالك: ومن قال عبد فلان حر من مالى. فهو باطل, ولا شىء عليه. ومن العتبية قال عيسى قال ابن القاسم: وإن قال اشهدوا أن غلام فلان لى بخمسين دينارا, وهو حر عن صاحبه. قال مالك: وكذلك لو قال رجل تبعنى غلامك بخمسين دينارا, وهو حر فرضى/ , فهو يلزمه. ابن المواز: وإن قال: اشهدوا أن غلام فلان من مالى او مال فلان. فقال فلان: رضيت. وسلمه اليهبقيمته, فلا يلزمه بهذا عتق , لوقوع الحرية من غير مالك. وقاله ابن القاسم وأشهب
[12/ 274] قال ابن المواز: ولكن لما قال لصاحبه سلمته بقيمته عاد هذا فقال: هو حر. لكان هذا كعقد بيع فاسد, فيه إفاته العتق, ويكون حرا, وعليه قيمته. وقال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن قال: غلام فلان حر من مالى بكذا. فرضى فلان, فيلزم مع القائل عتقة. لو قال: بعنى عبدك بقيمته, وهو حر أو قال: هو حر من مالى بقيمتة فرضى بذلك صاحبة, لزمه عتقة ويصحح بالقيمه كبيع فاسد فات. وقاله ابن الحكم, وأصبغ. قال ابن القاسم: ولو قال هو حر فى مالى بخمسين دينارا. فقال سيده: قد رضيتز فهو حر, ولا خيار (للمبتاع كمن اشترى عبدا بايجاب العتق فهو حر ولا خيار) (¬1) له. ومن كتابابن المواز ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم, فى ثلاثة شركاء فى عبد أعتق الاول وهو معسر ثم قال الثانى: نصيبى ونصيب صاحبى حران, فرضى صاحبة, وقال المشترى: قد رضيت أيضا. ثم قال بدا لى أنه لا يلزمه, إلا أن يقول نصيبه حر ونصيب صاحبى لى بخمسين دينارا. فرضى صاحبه بذلك, فليزم ذلك المعتق, كمن قال فى عبد غيرة: هو من مالى. فلا يلزمه إلا على هذا المعنى, وإن رضى به حتى يقول: غلام فلان (لى) (¬2) بخمسين دينارا إن رضى به, وهو حر. فرضى به. فلا رجوع لهذا, وقد لزمه, كذلك/ لو لم يذكر عتقا. وذكرعتقا. وذكر مثله 0 فى كتاب ابن سحنون) (¬3) عن ابن القاسم ولم يذكر: إن رضى به قال عيسى عن ابن القاسم: اما إن أعتق الشريك الثانى نصيبة ونصبت الثالث, فأنة يقوم عليه وإن لم يسم ثمنا لأن بعض العلماء - يعنى ابن نافع - قد رأى أن يقومعلى الثانى وأن لم يعتقه ... ¬
[12/ 275] ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإن بعتنى عبدك بعشرين دينارا, فهو حر. فقال البائع: هو لك. فهو كقوله: إن أعطيتة (¬1). وذلك يلزمه. قال ابن المواز: ومن قال لرجل: إن أعطيتنى غلامك بخمسين دينارا. فهو لك حر. إن اشتريه فلا حرية عليه, أعطاه بذلك أو أبى؛ لأنه حلف بحرية عبد غيره, وإن قال: عن أعطيته بكذا. فهو (حر فهذا) (¬2) يلزمه إن أسلمه إليه. قال عيسى فى العتبية عن ابن القاسم: ومن قال لرجل فى علام له: هو حر إن لم آخذهبخمسة عشر إن أعطيتنى إياه, فإنه إن شاء أخذه, وإن شاء تركه. وإذا قال: تبعنى غلامك على أنه حر. فقال: نعم. قال: قد بدا لى. فذلك لازم. وإن قال فى غلام يساومه: هو حر إن بعتنيه بعشرة دنانير, إن لم آخذه منك. فباعة منه بها قال: أحب إلى أن يشتريه وينقده, ثم يستقله. وقال فيمن دفع إليهرأس لبيعه, فأعطاه عطاء, فقال: هو (حر) (¬3) من مالى إن بعته بهذا. ثم باعه- يعنى به- فلا شىء عليه ولو قال: أستعين برجل في شراء رأس, فساوم به, فقيل له: بكذا. فقال: هو حر من مالى إن أخذه بهذا. ثم أخذه بذلك والمشترى له واقف, فلا شىء عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لامته ليست فى/ ملكه, أو امرأة ليست فى عصمته: إن وطئتك, فأنت حرة (فى الأمة) (¬4) وطالق في الحرة. فلا شىء عليه عند ابن القاسم عن وطىّ بعد ملك ونكاح حتى ينوى إن ملتك فى الامة, وتزوجكفى الحرة ... ¬
فيمن حلف في عبد باعه إن ملكه
[12/ 275] وقال أشهب: وجه يمينه على ذلك وإن لم يذكره لا على حرام إلا أن يكون نوى وطء الحرام فلا شىء عليه إذا حلف وإلا لزمه ويصير موليا فى الزوجة من يوم نكحها. قال: إن ضربتها, فهى طالق أو حرة. فلا شىء عليه إن تزوج أو اشترى إلا أن يكون على خطبة أو سوم فى الامه أو يكون نوى إن اشترايتها, وفي الحرة إن تزوجهتها وهو استحسان وهو أغلب من القياس. قال: ومن باع عبدا فقيم فيه بعيب فحلف البائع بحريته إن كان به عيب, فنظر؛ فاذا هو به, فلا شىء عليه؛ لأنه فى ملك غيره, وقيل: إلا أن يريد: ألا يرد عليه بالعيب فيعتق. وقاله أصبغ. وليس بصلوب لأن من أعتق عبدا فيه عيب, للمبتاع به الرد, لم يعتق عليه إن رجع إليه, ويلزم فيه عتق المشترى. ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن قال لغلام أبيه يوم أملكه, فأنت حر. فورثه عن أبيه, فإن قال وهو سفيه, لم يلزمه, وإن كان حليما, لزمه, وإن قال: أنت حر فى مالى ولم يقل: يوم أملكك, فلا شىء عليه, وهو كأجنبى قال لعبد غيره: يوم أملكك, فأنت حر. فإن ملكه عتق عليه. وإن قال (هو حر فى مالى لم يلزمه, عتق وإن قال) (¬1) سيده: أنا أبيعه (ومسألة من حلف لاباع عبده غلا بخمسين حلف. وحلف آخر لا اشتراه بخمسين, فتبرع أجنبى بزيادة دينار لايرجع به مكتوبة فى كتاب الايمان والنذور. (¬2) فيمن حلف فى عبد باعه إن ملكه أو حلف فى عبد لبيعينه فبيع ثم رد بعيب/ أو حلف لاباعه فرهنه من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن باع عبده ثم حلف يحريته إن ملكه أبدا, فرد عليه بعيب, فإنه ينحث, فإن أرضاه من العيب, لم يعتق عليه ... ¬
في العتق إلى أجل أو إلى موت رجل أو دابة
[12/ 277] وكذلك إن حلف بحرية عبده ليبيعنه, ثم باعه, ثم وجد به عيبا, أو حلف بحريته أن لا يبعه, فباعه, ثم تزوج, ثم قيم فيه بعيب, فإن أرضاه البائع, لم ينحث, وإن حلف لاباع عبده, فرهنه, فباعه عليه إلامام, فلا يحنث. قال أصبغ: إلا أن يرهنه بما يفترق قيمته, وإن كان فضل كبير فلا شىء عليه وإن لم يعده حتى بيع. وهذا الباب مذكور فى كتاب الأيمان بأسره. فى العتق إلى أجل أو الى موت رجل أو دابه وكيف لإن قتلها العبد أو أوصى بعتق أمته؟ إلى سبعين سنه ومن دبر عبده إلى أجل من العتبية من سماع ابن القاسم: من ملك وسئل عن ما لأوصى به محمد بن سليمان فى جواريه, أنهن أحرار بعد سبعين سنة, فقال: لايجوز هذا, ون رأى إلامام بيعهن, فعل وإن رأى أن يعتقن عتقهن معجلا. وقاله ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: إن كان أجلا يجاوز أعمارهن, بعن, وكأنه أعتقهن بعد موتهن, وإن كان أجلا يبلغنه, وقفن إلى الأجل. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن أعتق أمه إلى أجل لا يبلغه عمرها, فذلك باطل, ويصنع بها ما أحب؛ من بيع, أو طء, وغيره, وإن كان يبلغه عمرها, ولا تبلغه عمره,/ فهى كالمدبرة, إنما تعتيق فى ثلثه, وإن كان يبلغهعمرهاوعمره, فتلك معتقه إلىأجل تخرج من راس ماله. وهذا المعنى قاله مالك في مسألة محمد بن سليمان, قال: ومن أعتق جارية رائعة إلى عشر سنين, وذلك يضر بها, فذلك نافذ.
ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة: ومن قال إذا انسلخ ذو الحجة فأنت حر. فلما انسلخ قال: أردت من السنة المقبلة. وقال: فهو حر بانسلاخ أقرب شهور ذى الحجة. ولو قال له: إذا مضت ثلاث, فأنت حر, فلا يجوز له بيعه, وهو أجل يقر به, إن شاء الله تعالى أو يبعده, وإن باعه, رد بيعه, كقوله: إذا انسلخ رمضان, فأنت حر. فليس له بيعه. ومن العتبية من سماع أصبغ قالابن القاسم: ومن قال لعبده اعمل على هذه الدابة, فإذا ماتت, الدابة قبل السيد, فهو حر, وإن مات السيد قبل الدابة, فهو من الثلث, كمن قال: اخدم فلانا ما عشت أنا, فإذا مات فلان قبلي, فأنت حر, فإن مت قبل فلان, فأنت حر إلى موته. وإن ماات السيد قبل, فهو حر من الثلث. قال أصبغ: ليس كما قال وليس بنظير, والنظير صواب في ذاته؛ لان ذلك استثناء, فيه بعضه ببعض, فله ثنياه, والاول أعتق إلى أجل, ولا فرق بين عتق إلى موت إنسان, أو إلى موت دابة, فهو حر من رأس ماله, عاش السيدأو مات. وفى كتاب/ محمد نحو ماها هنا عن أصبغ. وقال في أول المسألة: هذا معتق (¬1) إلى أجل. قال ابن القاسم, في الكتابين وللورثة بيع الدابة بومضع لا يغاب عليها, ولو قتل العبد الدابة خطأ, عجل له العتق, وإن قتلها عمدا, خدم إلى مقدار يرى أن تعمر الدابة إليه. وقاله أصبغ. وكذلك إن بيعت وغاب عليها. قال في كتلاب (محمد) (¬2) ولو قتلها أجنبى عمدا أو خطأ, عتق مكانه. ومن العتبيةروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لعبده: أنت حر بعد موت دابتى. فليس له بيعه لأنه مرتهن بيمين, فإن هلك السيد, فإن العبد يوقف حتى تموت الدابة, ولا يبيعها الورثة ¬
فيمن قال لعبده أنت حر قبل موتي بشهر
[12/ 279] ومنه ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإن قال أنت حربعد موت حمارى. فعمل الغلام على الحمار, وعنف عليه, وحمله فوق طاقته حتى مات الحمار, قال: يعتق مكانه. وكذلك لو قتله قتلا, كأم الولد تقتل سيدهاعمدا, فيعفى عنها, وليس كالمدبر يقتل سيده عمدا لأنه فى الثلث, ويتسلط عليه الدين. قال: ليس على العبد قيمه الحمار فى قولى. وقال ابن القاسم: يلزمة قيمته كمدبر أو معتق إلى أجل جنى على سيده. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: ومن قال لعبده أنت مدبر إلى سنة, فهو حر إلى سنة. فيمن قال لعبده أنت حر قبل موتى بشهر أو قال قبل موتك بسنة أو قال بعد موتى بسنة أو أعتق أم ولده إلى أجل/ من كتاب ابن سحنون قيل لسحنون: هو لرجل أن أعتق عبده قبل موته بشهر؟ وكيف إن فعل؟ قال: اختلف فيه أصحابنا فقيل: يوقف له خراج شهر, فكلما زاد عليه يوم اطلق للسيد مثله من الموقوف. هكذا حتى يموت, فإن وافق الشهر مرضهالذى مات فيه, كان من الثلث, وإن وافق صحته كان من رأس المال (إن صادف الأجل صحته). وذكر عيسى فى العتبية عن ابن القاسم نحوه, وأنه من رأس المال الذى إن صادف الأجل صحته, وقال: إن كان السيد مليا, لم توقف له خدمته, وإن كاان عديما وقفت خدمته شهرا, كما قال سحنون. قال ابن القاسم: وإن حل الأجل وهو مريض, لحقهالدين, ولكن له فى خدمته. وقال ابن المواز: قال ابن القاسم مرة: ويدفع إلى السيد الأول هكذا, فان مات العبد, أخذ السيد ما وقف. وقال مرة: لو قال قائل: يعجل عتقه. لم يبعد, أنا أراه إن غفل عنه حتى مات السيد, فهو من رأس ماله, لايلحقه دين استحدثته بعد قوله
[12/ 280] وقال أشهب فيه وفى العتبية وكتاب ابن سحنون: لا يعتق إلا من الثلث, وله أن يطأ إن كانت أمه. وأخبرنا (¬1) أبو بكر ابن الباد عن يحيى بن عمر عن البرقى أن اشهب قال فيمن قال أنت حر قبل موتى بسنة. غنه لا شىء عليه. وقال مرة: هو مدبر يعتق من الثلث. قال ابن المواز: قال أشهب: وذكره العتبى عن أصبغ عن أشهب فيمن قال: أنت حر قبل بخمس سنين. فلا حرية له أصلا./ قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: فإن قال له أنت حر بعد موتى بشهر فهى (¬2) وصيه, وله أن يرجع عنها إن شاء, وهى من الثلث, وغن قال: حر قبل موتى بشهر أو بيوم أو بسنة. قال: إن كان السيد مليا (¬3) أسلم بخدمته إذا مات, نظر؛ فإن كان حل الأجل والسيد صحيح, كان من رأس ماله, فيرجع يكرى خدمته بعد الأجل فى رأس مال الشسيد, إن حل وهو مريض, فهو من ثلثه, ولا رجوع له بخدمته. وإن كان السيد غير ملىء خورج العبد, وأوقف خراجة؛ فإذا مضت السنة ومضى من السنة الثانية شهر أعطى السيد خراج شهر من السنة الاولى, وكذلك كلما مضى من السنة الثانية شهر, أخذ مثله من الاولى, وهكذا فيما قرب من الأجل أو بعد. وقاله أصبغ, عن ابن القاسم. وبه قال ابن حبيب. قال أصبغ: احب إلى أن يكون من رأس المال. ومن كتاب ابن المواز ذكره ابن حبيب عن الماجشون فيمن اعتق أم ولده على أجل, أنه يعجل عتقها. وروى يحيى بن يحيى, عن ابن القاسم, فيمن أوصى: إن مت قبل ستة أشهر, وولدت هى بعد موته ولدا قبل ستة أشهر, وقالت ... ¬
فيمن قال لعبده أنت حر إذا قدمت بلد كذا
هو من زنا ثم قالت هو من سيدى. وقام لها شاهدان عدلان باقراه بالوطء, قال الولد لاحق به, وهى حرة من رأس ماله, ولا يضر إقرارها بالفاحشة. وفى كتاب المدبر من معانى هذا الباب. ومن كتاب ابن حبيب/ قال ابن الماجشون: ومن قال فى عبده هو على حبس ما عشت فّا مت فهو حر, أنه بمنزلة الموصى بعتقه, وليس كالمدبر, وله بيعه. قال محمد بن عبد الحكم: ومن قال عبدى حر أمس. وسكت, لزمه العتق وهذا إقرار منه بعتقه. فيمن قال لعبده أنت حر إذا قدمت بلد كذا أو دخلت معى إلى مكة أو ذهبت إلى بلد كذا فإذا بلغتها فأنت حر أو أنت حر إن قدم أبى أو إلى الصدر أو ّذا علمت هذا الثوب من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لعبده: إذا قدمت الاسكندرية فانت حر. ثم بدا ألا يخرج, قال: يعتق إلى مثل القدر الذى يبلغ فيه ولو قال: سر معى إليها وأنت حر. فمثل ذلك إلا يكون أن يكون قال: إن أنا خرجت. فلا شىء عليه. وفى كتاب ابن سحنون نحوه فى الخروج إلى مكة, وزاد في أولها فقال: فإن خرج السيد, فمات فى الطريق فليؤاجر العبد إلى مكة, ثم هو حر ولو كان عبدا يراد منه الصحبة, ليس إلاجازة , فهو حر,, ولا يؤاجر. وقال سحنون فيمن قال لعبده أخرج إلى الحج وأنت حر, وإن بلغت معى إلى الحج فأنت حر. فليس له بيعه خرج أو لم يخرج, وهو معتق إلى أجل من
فيمن قال لأمته أنت حرة إذا حضت أو إذا حملت أو وضعت
رأس المال وإن مات قبل أن يخرج نظر؛ فإن كان من عبيد الخدمة, خدم الورثه مقدار خدمة الحج؛ وذلك إلى مقدار مسيره ورجوعه إلى منزله, وإن يكن من عبيد الخدمة, حرا إذا مات الرجل. وقال المغيرة فيمن قال/ لعبدهوهما متوجهان إلى مكة: إذا دخلنها فأنت حر. فلما بلغا من الظهران, أراد بيعه, فليبعه عن شاء ما لم يدخل مكة ولو أعتقه ألى اجل, لم يكن له بيعه قلبه ويعتق بحلوله. ومن كتاب ابن المواز وهى لاشهب فى العتبية من رواية أصبغ: وإن سأل سيده أن يخرج إلى إفريقية فأذن له, وقال: إذا بلغتها فأنت حر. فهو معتق إلى أجل, وليس له منعه من الخروج إليها. قال فى كتاب ابن المواز: إلا أن يبدو للعبد. قال فى الكتابين: وإن مات السيد قبل أن يصل إليها, أو مرض والعبد فى الطريق, فالعبد من رأس المال. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لأمته أنت حرة عند الصدر. فهو عتق إلى أجل فلا يطأ ولا يلحقها دين, وإن قال أمته أنت حرة إن قدم أبى. فكان ملك يصرح بإجازة بيعها, ويمرض فى بيع التى يقول فيها إذا قدم أبى. ثم جعلها سواء وقال: هى كالحرة؛ يقول فأما أنت طالق ّا قدم أبى: أن له أن يطأ قال أشهب: وإذا قال له اعمل لي هذا الثوب, وأنت حر. فهو حر أبدا فيمن قال لأمته حرة إذا حضت أو إذا حملت أو وضعت من العتبية عن ابن القاسم فيمن قال لأمتة إذا حملت فأنت حرة. قال: إن كانت حاملا, فهى حرة, وإن لم يتبين ذلك, وقفت, وحيل بينه بينها, وأوقف خراجها, فإن تبين حملها, عتقت, وأعطيت ما أوقف من خراجها, وإن حاضت
لم تكن/ حاملا, فله بيعها. وذكر ابن سحنون, عن سحنون, فى القائل لزوجته وهى حامل: إذا حملت فأنت طالق, أنها لا تطلق بهذا الحمل, إلا بحمل مؤتنف (¬1) وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن لأمته إذا حملت فأنت حرة. قال: يطأها فى كل طهر مرة. قيل: فلم لا يتمادى فى الوطء؟ قال: قال مالك جل النساء (¬2) على الحمل, إلا الشاذة (¬3). ومن كتاب ابن المواز فى القائل لأمته إذا حضت فأنت حرة. فهى عند ابن القاسم كالاجل؛ يمنع من بيعها ووطئها, وهى من رأس ماله. وقال أشهب: له أن يطأ, وليس بأجل, وإن حاضت فى مرضه, فهى من الثلث, وإن صح ولا دين عليه, عتقت. وكذلك عنده من أعتق (¬4) إلى أجل يكون أو لا يكون, فجعله كاليمين وكقوله: إن دخلت الدار فانت حرة. واختلفا فى قوله للحامل: إذا وضعت فأنت حرة؛ وللزوجة: فأنت طالق. وقال ابن الحكم بقول أشهب. رواه عن مالك. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فى التى قالت لأمتها: إن ولدت غلاما فأنت حرة, شكرالله. فولدت غلاماميتا. قال: تعتق. وقال عنهعيسى فيمنقال لأمته: كل أمة أتسررها عليك حرة. فوطىء خادما اله, قال: هى حرة. قال ابن كنانة: لا يعتق إلا فى مثل هذا, إلا أن تحمل. قال مالك: ومن قال لأمرأته: كل جارية أتخذها أم ولد, فأمرها بيدك. قال: يطؤها فى كل طهر مرة. وهذا الباب منه كثير فى كتاب الطلاق, وزيادة فى هذا المعنى ¬
أبواب عتق الشريك
أبواب عتق الشريك فيمن أعتق شقصا له من عبد أو أعتق جميعه فى عدمه أو ملائه روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اعتق شركا له فى عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فاعطى شركاؤه حصصهم, وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق (¬1). فقيل: إن قوله عليه السلام دليل أنه إنما يعتق باقيه بالتقويم من السلطان, لا قبل ذلك. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا أعتق أحد الشريكين, فللآخر ان يعتق او يقوم. قال أشهب عن مالك: ولو أقام شهرا أو خمسة اشهر ساكتا, له أن يعتق, بخلاف ما لو رضى بالتقويم ثم قال: فليس له ذلك. قال ابن القاسم وقال الكوفيون: إذا أعتق الثانى فلا عتق له, ولابد من التقويم على الأول. ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: إذا أعتق الثانى جاز ذلك, والولاء بينهما ولو قال: أنا علىشريكى إذ هو ملىء. ثم بدا له أن يعتق, فليس ذلك له. قال ابن حبيب: قال مالك: لايقوم على الأول حتى يعرض على شريكه أن يعتق, فإن اعتق, فذلك له, وإن أبى, قوم على الأول, وإن رجع بعد إبائه قبل التقويم على الأول, فذلك له ما لم يقوم. وقالهابن الماجشون ... ¬
[12/ 285] ورواه ابن القاسم وابن وهب/ عن مالك: سواء أعتق بإذن شريكه, أو بعد إذنه, فلابد ان يقوم أو يعتق, وكذلك لو قال العبد: لا حاجة لى بعتق ما بقى منى. لم يلفت إليه. ورواه المصريون عنه. قال ابن حبيب قال ابن القاسم عن مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين العبد كلة لزم ذلك شريكه إن كان المعتق مليا. قال ابن القاسم: ليس للثانى عتق حصته, وإنما فيه القيمه يوم اعتق فى هذا خاصة, ليس يوم ينظر فيه, بخلاف المعتق بحصته فقط. هذا القيمة فيه يوم الحكم؛ إذا لو مات العبد قبل التقويم, لم يلزم المعتق بحصته قيمته. وقال مطرف وابن الماجشون: إذا أعتق الأول جميعه, ى فللثانى عتق حصته, وغن كان الأول مليا. كما لةو أعتق الأول شقصه فقط, ولا حد على الثانى ن وطىء الأمة قبل التقويم, وليعاقب ولا يلزم معتق الجميع القيمة, إلا بتقويم الامام, والقيمة فيه يوم الحكم, وإن مات العبد قبل الحكم, فهو منهما. وقاله ابن الحكم, وأشهب, وأصبغ. وأخذ ابن حبيب بقول ابن القاسم, إلا فى الحد فإنه درأه. ومن كتاب ابن سحنون قالسحنون: وعلى قول ملك انه إن أعتق جميعه عن طهارة, أنه يجزيه. وأكثر الرواه على خلاف قوله, ويرون ان للشريك أن يعتق, أو يقوم. وقاله أشهب. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا كان المعتق لشقصه عديما, فشاء شريكه التقويم عليه وابتاعه, فذلك له لأنه ضرر التأخير على/ الذى لم يعتق. وفى المدونةخلاف هذا عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون عن مالك: وإن كان المعتق عديما, لم يستسع العبد, إلا ان يتطوع سيده بذلك, فذلك له, ولا يعرف الاستعاء ببلدنا, ولا عمل به عندنا, وليعتق منه ما عتق, كما قال النبى علية السلام, وكذلك لو عرض العبد ان يعطى ماله, ويعتقبه, لم يكن ذلكله, وكذلك ما استفاذ من ذى قبل. رواه المصريون عن مالك
في صفة إعسار المعتق أي لا يقوم عليه
[12/ 286] ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: ومن أعتق وهو عديم سقصه من جارية للوطء, فلا حجة له إن طلبت إبطال ذلك, ولا لشركائه. فى صفة إعسار المعتق الذى لا يقوم عليه وكيف إن أيسر قبل القيام عليه أو تردد حاله بالعسر واليسر ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وحد ما يقدر به المعتق من الفلس, أن لا يكون له مال ضاهر, ويسأل جيرانه ومن يعرفه؛ فإن لم يعملوا له مالا, وأحلف, ولا يسجن. قاله مالك. وقاله أصحابنا جميعا, إلافى اليمين, ولا يستحلف عندهم. قال سحنون: وإن وجد عنده بعض القيمة, عتق منه بقدر ذلك, مالم يكن ما فيها يسيرا لا تنزع مثله من المفلس لغرمائه؛ من الثوب له, أو الفضل لقوله والشىء الخفيف. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: يباع فى ذلك داره, وشوار بيته, وكسوته من/ فضول الثياب, ويترك كسوة ظهره, وعيشة الايام. قال أشهب: إنما يترك لهما يواريه لصلاته. (قال عبد الملك: لا يترك له الثواب والشىء الخفيف, وما لا يباع على المفلس قال فيه) (¬1). وفى كتاب ابن سحنون: وإن كان له بعير شارد أو عبد آبق, أو تمرة من صدقة لم تطلب؛ فإن كان قريبا. أنتظر, وإن كان بعيدا لم ينتظر. قال سحنون: وهو قول أصحابنا. قال ابن القاسم: وإن كان له مدبرون, أو معتقون إلى أجل, فلا حمكم للقيمة فى مثل هذا لعبده, وأما ديون له؛ فإن كانت على أملياء حضور, وكان ... ¬
أمرها قريبا, فهو مال, ويقوم على المعتق, ويتبع فى ذمته, وإن كان منسية وأهلها غيب, فليس عليه أن يخرج عبده بالدين, ولا يخرج إلا بما هو حاضر يجوز بيعه. ومن كتاب ابن المواز: ومعتق الشقص إن كان له مال غائب, انتظر ومنع (¬1) شريكه من البيع, ويتلوم له تلوم لا ضر فيه, وإن غاب المتمسك, أو قوم على المعتق ولم ينتظر مخافة الحوادثى المال, قال عنه أشهب: إلا إن بعدت غيبته. قال ابن حبيب قال مطرف (عن مالك: إذا أعتق فى عسره, فرفع فلم يقوم عليه إلامام, ثم يسر فلا يقوم عليه, وإن أيسر قبل أن يرفع أمرهوينظر فيهعتق عليه إلا أن يكون إعدامه بيناعند الناس كلهم, فلا تقويم, إلا أن يكون العبد غائبا. قال مطرف (¬2): وإن اعتق وهوموسر ثم أعسر ثم أيسر, قوم عليه, إلا أن يكون قيم عليه فى حين ما أعسر, فلم يقض عليه بشىء بلا تقويمعليه حين ايسر, وإن لم يكن قيم عليه, ولم يكن إعدامهبين قوم عليه. قالهابن الماجشون, وابن عبد الحكم, وابن القاسم, وأشهب, وأصبغ. وقال ابن نافع: إن بتله إلى حالهيوم التقويم عليه, فإن له مال, قوم عليه,/ وإن كان يوم العتق معسرا, أو اختلفت أحواله من عسر. وبه قال ابن حبيب. والأول أحب إلينا. قال مطرف: إذا أعتق نصيبه وهو معسر أو موسر, ثم اعسر, فقيم عليه, فلم يقوم عليه لعسره الآن ثم أيسر فاشتراه, فلا عتق له, ويرق له إذا اشتراه فى حين لا يلزمه فيه التقويم. وقاله ابن الماجشون, وابن القاسم, وأصبغ. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: فإن أعتق وهو موسر, فقال شريكه: انا أضمنه, ولا أعتق. فلما قام عليه, وجدهعديما, فإن العبد عتيق على الأول لأنه ضمنه فى وقت له أن يضمنه فيه, كمن أعتق وعليه دين عنده به وفاء (¬3). وقال ¬
في العبدين بين الجماعة يعتق واحد منهم بعد واحد
ابن القاسم: أن يرجع إلى نصف العبد, قيل لسحنون: فلو حكم عليه بالقيمة فى يسره, ولم يعتق عليه (ثم اراد الشريكعتق حصته, قال: هذا لايكون. غنما يكون العبد حرا بالتقويم. من العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك فى عبد بين رجلين, قال احدهما للعبد: قد وهبتك نصيبى منك, فإنه يعتق ويقوم عليه) (¬1) حصه شريكه, كما لو قال لعبد يملك جمعيه: وهبتك نفسك. لكان عتقا. وقاله سحنون. فى العبد بين الجماعة يعتق واحد منهم بعد واحد او يعتق اثنان فى كلمة كيف إن اختلفت انصباؤهم أو كان احدهم عديما؟ ومن كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك فى عبد لرجل نصفة, ولآخر ثلثله, ولآخر سدسه, أعتق صاحب الثلث والسدس, قال عبد الله: يريد معا, فأنهما يقوم عليهما (¬2) باقيه بقدر ما لكل واحد, كالشفعة فى اختلاف الانصباء./ قال المغيره: يقوم باقيه بينهما نصفين. وكان يقول بالأول, ثم رجع, وأجمعوا أن من عجز منهما عن بعض ذلك, وأنه يتم على الآخر. قال سحنونفى كتاب ابنه: إن القول الاول قول مالك والمغيره, وقول ابن القاسم, وأشهب. وقولى, وما عجز عنه أحدهما, تم على الآخر. وقال الاخرون بالقول الثانى. قال سحنون: وهو قول عبد الملك وهو كسلعة بينهم. كذلك, فيتقاوموها, فأسلم صاحب الثلث إلى صاحبه, فنصيبه بينهما نصفين. وخالفه سحنون, قال: ¬
نصيف. قال سحنون: وهى روايه غير معروفة. وروى ذلك عن المغيرة أيضا. وذكر ابن حبيب, عن مطرف, عن مالك مثل رواية ابن المواز الأولى. وبه قال ابن حبيب, وذك عن عبد الملك مثل ما ذكر عنه سحنون. وذكرأن عبد الملك يقول: كان احدهماعديما, لم يقوم على الثانى منهما, غلا ماكان يلزمة لو كان فلس. قال سحنون: ولو كان بينهم أثلاثا فأعتق اثنان جميعا حصتها فى كلمة لزمها التقويم, فإن كان احدهما موسورا, والأخر معسرا؛ فقال أكثر أصحابنا, مالك والمغيرة وابن القاسم وأشهب: يقوم على الموسر جميع باقيه. ورواه ابن حبيب عن مطرف عن مالك وزاد: ولو شاء الشريك المتمسك فى يسرها التقويم على أحدهما, لم يكن له ذلك, وإن رضى به من أراد ان يقوم عليه ولو جاز له ذلك, جاز له بيعه/ من أجنبى على أن يعتقه. قال سحنون وقال آخرون من أصحابنا: لا يلزم الموسر من العبد فى القيمه إلا ما كان يلزمه فى ملك صاحبه لأنهما ابتدءا (¬1) الفساد معا. قال سحنون, وهو قول عبد الملك. وذكره ابن حبيب عنه أيضا. وبالاول أخذ ابن حبيب قال: وبه قال جميع المصريين. قال سحنون وابن حبيب وقال جميع أصحابنا, مالك وغيره. قال سحنون واليث قالا: فكلهم قال ابن نافع: إذا أعتق أحد الشريكين يقيم عليه, فلم يوجد لهقال: ثم أعتق الثانى, فلا قيمة على الثانىوإن كان مليا. وقال ابن نافع: يقوم على الثانى إن كان مليا. وأعاب ذلك ابن سحنون. وقال ابن حبيب: واحتج ابن نافع فقال: أرأيت عن اراد المتمسك ألا يقوم ويرضى بالضرر وأبى العبد , أليس ذلك للعبد؟ ¬
فيمن أعتق عبدا في مرضه فلم يحمله الثلث
فيمن أعتق عبدا في رضه فلم يحمله الثلث فأجاز بعض ورثته أو أعتق حصته مما رق منه ومن ورث شقصا من أبيه ثم ابتاع شقصا أو وهب له من كتاب ابن المواز عن مالك ورواه ابن حبيب عن مطرف عن مالك قال: ومن أعتق في مرضه عبدا يحمله الثلث فأجاز بعض الورثة حصته فلا يقوم عليه الولاء للميت. ومن أعتق من ورثته سهمه, فما رق منه, لم يقوم, له ولاء تلك الحصه. قال أشهب: وكذلك من ورث شقصا من أبيه فلا يتم عليه ثم ابتاع مما رزق منه سهما أو وهب له أعتق عليه ما ايتاع,/ أو وهب له فقط ولم يتم عليه, وهو فيه كغيره. فيمن أعتق شقصا له من عبيد فى مره أو أعتق شقصا فلم يقوم عليه حتى أعتق عبدا غيره من كتاب ابن المواز واببن سحنون وابن حبيب قالأشهب: زاد ابن حبيب ومطرف وابن الماجشون: من أعتق نصيبه من عبيد فى كلمة, وله فى كل عبد شريك, وقيمة حصصهم ألفان, وليس معه إلا ألف, أنه يعتق من نصيب كل واحد مصابته, وإن اعتق أولا نصيبه من واحد, ثم أعتق من الآخر, ثم من الآخر, حتى أتمهم فالاول أحق بماله فى التقويم, فما فضل الثانى, هكذا حتى يبلغ منه ما بلغ الأول فالأول, ويبطل عتق أحدهم في تمام عتق من سبقه إلى العتق ممن بقى فيه رق من أولهم, وإن يفت, انتقلت إلى بيع من يليه من المتأخرين, فإن أتمت عتق من ذكرنا من بقيه الأولين, وبقى من هذا شىء, جعل فى تمام عتق من يلى من تم عتقه من الولين, فإن لم يبق فيمن يباع إلا من بيع بعضه وفاء بعتق من يليه, بعت منه بقدر ذللك, وأعتقت ما بقى. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وكذلك المدبرون؛ واحد بعد واحد بموت السيد وعليه دين, فيباع الآخر للدين, ويعتق الأول للتدبير
فيمن أعتق شقصا من عبده
[12/ 291] قال سحنون فى كتاب ابنه فى المسالة الاولى: لا أقول هذا, ورأى إن لم يكن له مال غير الاشقاص, فلا أرد عتقه فى الثانى للتقويم فى الأول؛ لأنه لا يجب فى الول قيمة إلا باقيام عليه. وروى يحيى بن يحيى فى العتبية/ عن ابن القاسم فيمن أعتق شقصا له فى عبد, فلم يقوم عليه باقيه لغيبة شريكه (¬1) حتى أعتق عبدا لا شريك مهه فيه, ولا مال له غيره, أنه لا يرد عتقه لتقوم الشقص لأن القيمه عليه ليست فيه كالدين, وإذا لو كان ذا مال, فلم يقوم عليه حتى داين الناس, فقاموا عليه, فلا يحاصصهم العبد, لو أحدث بعد عتق الشقص صدقة أو هبة, فذلك ماض لا يرد لتقويم الشقص, لو حدث تدبيرا لبيع المدبر لتقوم الشقص, إلا ان يكون فيه فضل, فيباع منه بقدر القيمة. فيمن أعتق شقصا من عبده أو من عبد له فيه شرك فلم يقم عليه حتى مرض أو مات أو فقد أو فلس من كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك فيمن أعتق بعض عبده, فلم يتم عليه حتى مات, أنه لا يتم عليه باقيه. قال سحنون فى كتاب ابنه هذا قول أصحابنا ولو مات مكانه أو فلس. ومنه, ومن كتاب ابن المواز والعتبية روى أشهب عن مالك فيمن أعتق شقصا له في عبد في صحته, فلم يقوم عليه باقية حتى مات, أنه إن مات بحدثان ذلك, قوم عليه. قال فى العتبية: فيعتق كله من رأس ماله. قال أشهب فى كتاب ابن المواز: وهو خلاف معتق بعض عبده, ذلك لا يتم باقيه, وإن مات بحدثان وهذا حق لشريكه قد ثبت, ولم يفرط. قال: فإن طال ذلك, لم يقوم فى ثلث, ولا رأس مال ... ¬
[12/ 292] قال سحنون فى كتاب ابنه: وأنا أقول لا يقوم عليه. وروى ابن حبيب, عن مطرف, عن/ مالك, مثل روايه أشهب وشبهها بالتمع بالعمرة إلى الحج, ويموت ولم يهد, فإن لم يفرط أهدى عنه من رأس ماله. وقاله ابن الماجشون, وابن عبد الحكم, وأصبغ. قال مطرف: إذا غافصه الموت عند العتق, ولم يفرط, قوم في رأس ماله. قال ابن المواز: قال ابن القاسم وروى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن أعتق بعض عبده أو نصيبه من عبد له فيه شريك فى حصته, فإن علم بذلك فى مرضه قوم عليه باقيه في ثلثه. قال سحنون فى كتاب ابنه وقال أشهب وقال آخرون: إذا كان المرض الذى يمنع فيه من ماله, وإلا يحكم عليه حتى يصح أو يموت, فلا إلا ماله عتق في الصحة. وبه قال سحنون. وكذلك إن مات المعتق, أو فلس, وقد قال ابن عباس: لا يقوم ميت ولا يقوم عليه ميت. قال سحنون: اجمعوا على انه مات قبل أن يتم عليه عتق عبده أنه لا يتم عليه بعد موته. قال ابن المواز: قال أصبلغ: إذا أعتق فى صحته شقصا من عبد بينه وبين شريكه فلم يقوم عليه حاتى مرض, انه يحكم بالتقويم الآن, ويوقف الآن حتى يعتق منه ما حمل اغلثلث من تلك القيمة التى كانت فى المرض, أو يصح, فتلزمه تلك القيمة, وإن مات, فذلك مبدأ على جميع وصاياه, وليتوقف أبدا حتى يموت فيعتق ما بقى في ثلثه أو يصح فيكون من رأس ماله, إلا أن يعتق الشريك. وروى ابن حبيب عن مطرف عن مالك (مثل قول أصبغ هذا, وروى مطرف عن مالك) (¬1) أنه إن كان العبد له جميعه, فأعتق بعضه فى صحته, ثم مات فإن غافصه/ الموت, وعتق باقيه, وغلا لم يعتق منه ما عتق, إلا إن ... ¬
قام عليه وهو مريض, فإنه إن صح عتق عليه كله, وغن مات عتق النصف الثانى فى ثلثه. وخالفه ابن الماجشون, وقال: إن قيم عليه فى مرضه, فلا تقوم عليه إن مات. ومن العتبية روى يحيى, عن ابن القاسم, أنه إن لم يقم عليه حتى مات, فلا يقوم, وكذلك فى المثل, فأما من ابتاع من يعتق عليه فهو حر بالشراء. قال ابن المواز: وروى أشهب عن مالك أن المعتق للشقص إن فقد بحدثان العتق, فليقوم عليه نصيب شريكه فى ماله الحاضر, وإن تباعد, لم يقوم عليه. وقال ابن المواز: ويتلوم فى المفقود يختبر فيه حاله, فغن عمى خبره مكن المتمسك من حصته لبيع أو غيره, ثم إن جاء المفقود (¬1) أو علمت حياته وله مال حاضر, نقض البيع, وقوم عليه. وقال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إن قيم بحدثان فقده وكان بحدثان عتقه, قوم عليه إن طال فقده قبل أن ينظر فيه لم يقوم عليه إذا لعله ميت. ثم ذكر نحو ابن المواز من التلوم. قال: وقاله ابن عبد الحكم وأشهب وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: ولو فقد العبد أو كان غائبا يعلم مكانه, لم يقوم إلا بحضرته لأن النقد فى الغائب لا يجوز بشرط ولأن العتق قبض والتقويم لا يكون إلا بالنقد ولا يجوز النقد فى الغائب. قال ابن القاسم: ولو أعتق نصف عبده ثم فقد لم يتم عليه ويوقف إلى انقضاء تعميره, فيورث عنه/ ما أرق منه. وقال ابن المواز بقول أشهب, انه إن كان بقرب العتق, قوم عليه, وإن طاله قبل ذلك, صنع شريكه بنصيبه ما شاء بعد التلوم. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أعتق بعض عبده أو شقصا له من عبد له فيه شرك فلم يتم عليه عتقه حتى فلس, فلا يتم عليه ما بقى كما لو مات ¬
في المريض يعتق شقصا له من عبد
[12/ 294] في المريض يعتق شقصا له من عبد أو يوصى بذلك او يوصى بالتقويم من كتاب ابن المواز قال يريد مالكا: ومن اعتق شقصا له من عبد فى مرضه؛ قوم باقيه فى ثلثه. وقال ابن حبيب: لا ورواه مطرف عن مالك وقال: وسواء عثر عليه فى ذلك قبل يموت أو بعد. وقال ابن الماجشون: ولا يقوم عليه في مرضه حتى يموت, او يصح, فإن صح, قوم عليه في ماله. وإن مات عتق ما عتق فى ثلثه ولم يقوم نصيب صاحبه, وإن حمله الثلث؛ لأن التقويم لا يلزم إلا فى عقد يفضى إلى حرية بأجره, او إلى أجل قريب لا يرده دين, وهذا قد يرده الدين, وهو من الثلث, إلا أن تكون له اموال مأمونة, فيقوم عليه , ويعجل له العتق مكانه قبل أن يموت. وبه قال ابن حبيب. قال ابن سحنون عن ابيه عن ابن القاسم قال: يوقف وإن مات قوم عليه فى ثلثه أو ما حمل منه ورق ما بقى إلا ان تكون له اموال مأمونة, فيقوم عليه ويعجل له العتق مكانه/ قبل أن يموت. وبه قال ابن حبيب. قال ابن سحنون عن ابيه عن ابن القاسم قال: يوقف, وإن مات قوم عليه فى ثلثه وما حمل منه, ورق ما بقى, إلا أن تكون له أموال مأمونة, فيقوم فيها. قال وقال آخرون: إن شاء السيد التقويم, ويقبض الثمن, ويكون العبد عبدا بيد المريض؛ وإنت مات عتق فى ثلثه أو ما حمل منه وكان ما بقى رقيقا وإن شاء يقوم عليه, وتمسك, ولكن لا بيعه من غيره؛ لأن بيعه من غير حصر لا يدرى كم القيمة التى وجبت؛ فإن مات عتق فى ثلث المعتق. قلت: فإن أراد عتقه؟ قال: ذلك له إن شاء ومتى شاء, ما لم يقوم ويعتق ويكون شريكا له فى الولاء. ولو اعتقه المريض كله فى مرضه, وأشهد بذلك, فالشريك مخير أيضا
[12/ 295] قال مالك فيه وفى كتاب ابن المواز وابن حبيب: وإن أوصى بعتق شقص له من عبد, غنه لا يعتق عليه نصيب شريكه. قال سحنون: وهو قول جميع أصحابنا, وقول مالك فى الموطأ. ومن العتبية روى أشهب عن مالك ورواه عيسى عن ابن القاسم وهو فى كتاب ابن سحنون, وذكره ابن حبيب عن مطف عن مالك فيمن أوصى فى عبد بينه وبين رجل ام مصابته منه حر , وأن يعتق عليه نصيب شريكه فأبى شريكه, قال: يخير, ويقوم عليه فى ثلثه. قال سحنون: ورأيت فيه رواية لأبن وهب عن مالك وهى/ لا اعرفها أنه إذا أوصى ان يستتم من ثلثه فأبى شريكه البيع, فإنه يعتق منه ما يملك فقط وباقى الثلث للورثة, وهذا وهم. قال سحنون وللمتمسك أن يعتق نصيبه ولا يقوم. وقاله ابن حبيب, عن ابن الماجشون. قال: وقال مطرف عن مالك, أنه ليس لشريكه أن يعتق ويلزمه التقويم كما لو أعتق الشريك جميعه. وقال ابن حبيب بقول ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم ان من اوصى بعتق شقص ف يقوم باقيه فى ثلثه إلا أن يوصى بالتقويم فيقوم ويعتق, شاء شريكه أو أبى. وقاله أصبغ, ولو كان ذلك فى مكاتب لم يكن له ينقل عن شريكه الولاء, وغن رضى به الشريك. وقاله أصبغ حتى يعجز أةو يرق فيعتق ثلث عبده وأن يعطى باقى ثلث ماله فإنه لا يعتق منه فلا ثلثه ويأخذ يقيه وصيته مالا ولا يعتق فيه, بخلاف إن لو أوصى له بثلث ماله, هذا يعتق فيه. وقد تقدم القول فيمن اعتق شقصا فلم يقوم باقيه عليه حتى مرض او مات فى باب قبل هذا
في الشريكين في العبد يعتق أحدهما إلى أجل
[12/ 296] في الشريكين فى العبد أحدهما إلى أجل أو يعانقه إلى أجل ثم بيتل أحدهما أو يختلف أجلاهما أو يعتق الثانى على أجل والأول بتلا/ قال ابن سحنون عن أبيه: واختلف فيمن أعتق من نصيبه من عبد إلى أجل وهو ملىء وتمسك الآخر؛ فقال مالك والمغيرة وابن القاسم: يقوم عليه باقيه الآن ويعتق إلى أجل. وبه أقول. وقال أصبغ فى العتبية عن ابن القاسم إلا ان يعتق شريكه نصيبه إلى الأجل. قال سحنون وقال آخرون. قال ابن سحنون وعبد الملك: إن شاء المتمسك قوم عليه الساعة وكان جميعة إلى سنة, وإن شاء تماسك ثم ليس له بيعه قبل السنة إلا من شريكه, فإذا تمت السنة قوم عليه بقيمته يوم قوم إن كان مليا يومئذ بالقيمة وإلا فيما هوملىء به منها لم يكن تافها. قال عبد الملك: ولو شاء التقويم عليه يوم العتق فألفاه معدما فلا يكون ذلك قاطعا للتقويم عليه عند السنة إن كان يومئذ مليا, مبيحا للشريك بيع حصته من غيه قبل تمامها. وفى المغيرة وسحنون: إن عدمه اليوم قاطع للتقويم عليه بعد عن أيسر ومبيح للشريك بيع حصته. وروى عيسى بن دينار عن ابن أبى حسان عن مطرف عن مالك انه لا يقوم على المعتق إلى عند الأجل وإلا فإنه لا يشأ شريكه ان يطلب شراء حصته شريكه فيأبى عليه إلا أعتقه إلى أربعين سنة فاقطتطعه دونه. قال ابن القاسم: ولو قاله قائل لم اعبه, وفيه متكلم
[12/ 297] قال سحمون فى العتبية/ إذا أعتق أحدهما نصيبه, ولا مال له غيره, فالعتق في نصيبه ماض, بخلاف من دبر نصيبه ولا مال له, ولشريكه ان يشتريه إن شاء, وليس ذلك لغيره, فإن اشتراه منه, كان معتقا كله إلى الأجل. قال ابن حبيب قال مالك: إن كان المعتق معسرا, فلا تقويم عليه, ويبيع هذا نصيبه إن شاء, وغن كان مليا؛ فقال مالك له أن يقوم الآن, وله تأخير التقويم إلى الأجل. قال أصبغ: ولا بيع حصته قبل الاجل. وقاله ابن الماجشون. وروى أصبغ, عن أشهب, وابن القاسم, مثل روايه سحنون, عن مالك, والمغيرة, وقالا: إلا أن يطول الأجل فى الوجهين لم أعبه. وروى عيسى عن ابن القاسم إذا أعتق حصته إلى سنة ثم أعتق الآخربتلا, أن بعض العلماء يقول: تقوم خدمته سنة, فتوخذ من الذى ابتل, فترفع إلى المخدم, ويعتقكله الآن. وأخذ به ابن القاسم, ثم رجع, فقال: يبقى على حاله يعتق نصفه الآن, ونصفه إلى سنة, ولا يؤخذ من هذا قيمة خدمته, وولاؤه لغيره, ولو بتل احدهما, ثم أعتق الآخر على سنه, يقال له: إما ان يعتق الآن, وإلا قومناه على الذى بتل. قال ابن سحنون عن ابيه: واختلفوا إن اعتق واحد حصته/ بتلا ثم اعتق الثانى حصته بعده لى أجل فذكر قو ابن القاسم فى المدونة وذكر أن أشهب وابن نافع روياه عن مالك. وقال المغيرة: يعتق العبد بتلا عليهما لأن الثانى ترك التقويم, واستثنى من الرق ما ليس له وهذا فى ملاء الأول وغن كان معدما فنصيب الثانى حر إلى أجله, وإن كان مليا ببعض حصة الثانى, فليعتق عليهما الآن. قال سحنون: إلا قوله: إذا كان الأول مليا تبعض قيمة النصيب فإنه لا يعتق عليه بقدر ما بقى فى يديه ويعتق على باقيعه إلى الأجل
[12/ 298] قال ابن حبيب: وقول ابن نافع وابن الماجشون مثل قول المغيرة. وقال مطرف كقول ابن القاسم. وبه أقول. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: إذا أعتقنا معا إلى أجل أو واحد بعد واحد إلى أجل واحد ثم بتل أحدهما فلا تقويم عليه لأنه وضع الخدمة. وكذلك روى ابن حبيب عن مطرف وقال: ون مات العبد قبل السنة, فماله للذى بقيت له فيه الخدمة. ومن كتاب ابن المواز: وإن أعتق الأول إلى أجل ثم بتل الثانى لم يقوم عليه ولكن عليه قيمة خدمة نصيب الأول إلى سنة, ويبتل جميعه. قال ابن سحنون عن ابيه قال: اجتمع أصحابنا على ان نصيب الثانى حر بتلا ونصيب الول حر إى سنة لأن الثانى زاده خيرا. وبه قال مطرف فى كتاب ابن حبيب قال ابن حبيب: وروى أصبغ عن أشهب/ أنه يقال للأول المعتق إلى أجل: أتعجل عتق نصيبه كما فعل الثانى وإلا قومنا عليه الخدمة إلى أاجل وأعتقنا جميعه بتلا والولاء بينهما. قال: وقال ابن القاسم وابن الماجشون: يبقى بحاله كما صنعا ولا تقويم فى الخدمة إذ لم يزده لا خيا, قال مطرف: فإن مات العبد قبل الأجل فميراثه لمن اه خدمته. قال ابن سحنون عن أبيه: ولو أعتق الأول حصته إلى سنه ثم أعتق الثانى بعده إلى ستة أشهر فلا تقويم فيه ويكون كما اعتقه. قال سحنون: ولو أعتق الثانى إلى سنتين فليس له ذلك وغما أعتق إلى سنة وإلا قوم على المعتق إلى سنة وكان إليها حرا كله. قال ابن حبيب عن مطرف: هو بمنزلة ما لو أعتق الأول معجلا والثانى إلى سنة. وقد فسرناه
في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما إلى أجل ويدبر الآخر
[12/ 299] ومن كتاب ابن المواز: وإن أعتق واحد إلى سنة ثم اعتق الثانى بعده إلى موت فلان فإنه إن مات قبل السنة, عتق نصيب الثانى ولا تقويم عليه وإن حلت السنة قبل موت فلان عتقت مصابته وقوم عليه نصيب الثانى, إن كان الأول صحيحا فمن رأس ماله وإن كان مريضا قوم فى ثلثه نصيب الآخر؛ وأما نصيبه فمن رأس ماله وإن مات قبل السنة عتقت مصابته فقط عند السنة من رأس ماله. قال أصبغ: وإن اعتق أحدهما نصيبه ألى موت أبيه ثم أعتق الثانى نصيبه لى موت أبى نفسه؛ فإن مات أبو الأول أولا قوم عليه نصيب/ الثانى وإن مات أبو الثانى أولا لم يقوم عليه شىء. وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية إذا أعتق كل واحد مصابته إلى موت رجل سماه كل واحد سمى رجلا فليخدمهما العبد على حاله وإن مات الذى سماه المعتق الول اولا عتق نصيبه وقيل لشريكه: إما ان اعتق الساعة, وإلا قوم على الأول وإن مات الذى سماه المتق الآخر أولا عتق نصيبه فقط ولم يقوم عليه نصيب صاحبه. فى العبد بين الرجلين يعتق احدهما إلى أجل ويدبر الآخر أو يعتق كل واحد إلى موت صاحبه أو يدبران معا من العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: ولو اعتق إلى عشر سنين ودبرعتق نصيبه بتلا فذلك له
[12/ 300] قال فى كتاب ابن المواز: وإن كان بين رجل وبين زوجتهعبد فأعتق هو نصيبه منه إلى موتها ثم أعتقت هى نصيبها منه إلى موت/ الزوج؛ فإن مات الزوج أولا عتق نصيب المرأة من رأس مالها كانت الآن مريضة او أحاط بها الدين إلا فى دين عليها قبل قولها هذا ويبقى نصيب الزوج يختدمه ورثته مع زوجته هذه إلى موتها فيعتق من رأسماله. وإن ماتت المرأة أولا عتقت مصابة الزوج وقوم عليه نصيب الميتة لأنه ابتدأ العتق. وروى أبو زيد عن ابن القاسم (فى العتبية مثله ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم) (¬1) وإذا قال كل واحد من الشريكين: نصيبى حر إلى موتك. قال: لا أدرى ما هذا. قلت: فلا قيمة فيه. قالا: لا, ويكون على ما جعلا. قال أصبغ: ويترك إلى موتها فمن مات أولا فنصب الحر حر مكانه ونصيب الميت حر لا بموت الحى ولا تقويم على الحى ونصيب الميت إذ لم يبد فسادا. قال أصبغ: وهما من رأس المال وكما لو اعتق الأول لإلى سنة ثم أعتق الثانى إلى ستة أشهر فلا تقويم عليه؛ إذ لم يزدة إلا خيرا ومن كتاب ابن الموا ز منه من الاول, ومنه ومن الخامس, قال: ابن القاسم: ولو قالا معا: أنت حر إلى موت اولنا موتا. فنصب أولهما موتا من ثلثه ونصيب الحى من رأس ماله مكانه. قال محمد: فإن عجز ثلث الميت هعن نصيبه استتم على الحى إلا أن يكونا إنما قالا (ذلك) (¬2) واحدا بعد واحد, فغن مات اولهما قولا فلم بف (¬3) واحدا بعد واحد, فإن مات اولهما قولا فلم بف (¬4) ثلثه بنصيبه استتم على الول الحى بقيته. قال فى الخامس: وكذك لو قال احدهما: مصابتى حر إلى موت صاحبى وقال الآخر مثل ذلك؛ فإن مات مبتدى القول لم يعتق ما عجز عن ثلثه على ... ¬
فيمن أعتق عبده إلى أجل ثم أعتق بعضه بتلا
احى وغن مات أولا الذى لم يبتدى/ بالقول, فإن ما عجز عن ثلثه من نصيبه يقوم على الثانى الحى. قال أبو محمد رحمه الله: فيها نظر, كيف هذا وهو عتق على أجل, فما معنى يعتق فى الثلث إلا أن يقول كل واحد إذا مت أنا فنصيبى حر إلى موت صاحبى والمسألة التى ذكرنا عن عيسى وابى زيد عن ابن القاسم تبين لك هذا, والمسأله التى ذكر ابن المواز فى الزوجين أيضا صحيحة تبين هذا , وكذلك مسالة قبلها؛ إذا أعتق احدهما إلى سنة ثم اعتق الثانى إلى موت فلان. وفى المدبر باب من هذا المعنى إذا دبر أحدهما وأعتق الاخر. ومن كتاب ابن المواز: ولو دبراه معا لم يكن فيه تقويم بموت احدهما ولو دبراه على أن نصيب اولهما موتا يخدم الثانى إلى موته لم يجز؛ فإن نزل لم ابط العتق وأبطلت الخدمة ورددت نصيب اولهما موتا إلى ورثته حيا بموت الثانى, فيعتق جميع العبد من ثلثهما ولو جعلاه إلى موت آخرهما موتا فهو جائز من الثلث. فيمن اعتق عبده إلى أجل ثم اعتق بعضه بتلا او وضع عنه بعض الخدمه او جميعا من كتاب ابن المواز والعتبية قال ابن القاسم فيمن اعتق عبده على أجل ثم أعتق بعضه بتلا. وقال فى العتبية بعد مضى عض الجل فإنه يعتق جميعه بتلا. قال ابن سحنون عن ابيه فيمن قال لعبده: اخدمنى سنة وانت حر. ثم وضع نصف الخدمة فليسأل؛ فإن أراد وضع ستة أشهر بعد ذلك وإن أراد هى لك ملك حتى تشركنى فى الخدمة فهو حر جميعه (¬1) بتلا/ وكذلك قال ابن المواز. وإن قال: لم ارد شيئا احلف بالله ما أراد ان يهب له نصف الخدمة ثم يختدمه نصف السنة ولو قال: وهبتك من السنة خمسة اشهر. جاز ولم يلزمه غيرها ¬
في أحد الشريكين يخدم حصته رجلا ثم يعتق الآخر أو يعتق المخدم
[12/ 302] قال ابن حبيب قال أصبغ: سواء اعتق نصفه بعد ذلك أو وضع نصف خدنمته فلا يعتق منه, ولا نصفه ولا جميعه إلى الجل لنه ليس يعتق وهو وضع خدمة. وخالفه ابن حبيب فى إعتاقه نصفه ورآه بعد ذلك حرا كله (¬1) فى أحد الشريكين يخدم حصته رجلا ثم يعتق الاخر المخدم وفى احد المخدمين يضع الخدمة ومرجع العبد إلى عتق من كتاب ابن حبيب قال مطرف فى العبد بين رجلين أخدم احدهما نصيبه سنة ثم عتق الآخر نصيبه فإنه يقوم العبد عى المعتق وتبطل خدمة المخدم, كما لو قتل العبد او مات عن ماللبطلت خدمة المخدم. قال: وإن اعتق المخدم مفسه نصيبه إلى الأجل فلا تقويم لصاحبه عليه إلى الأجل فيقوم حينئذ عليه وحدودة وشهادته (حدود) (¬2) عبد إلا أن يخاف على مال المعتق القوى فتؤخذ منه القيمة, وتوقف إلى سنة كقول مالك فى عبد بين رجلين يعتق أحدهما إلى الأجل أنه لا يقوم عليه حتى يحل الأجل. وقد روى مطرف عن مالك فى باب آخر أن شريكه مخير فى ملائه عن شاء قوم على شريكه الان او يتماسك بنصيبه على الجل فيقوم حينئذ قال مطرف/ ولو اعتق ذلك المخدم عتقا معجلا او لم يسم تعجيلا فهو على التعجيل ويقوم عليه نصيب صاحبه, ويعتق صاحبة ويستأجر نصف قيمته من لو اخدم نصفه ثماعتق النصف الثانى فغنه يعتق كله ويغرم نصف القيمة يؤاجر منها من يخدم المخدم إلى الجل. وكذلك لو أعتق النصف المخدم, وهو له كله لعتق كله. قال ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون كله ... ¬
[12/ 303] وروى أصبغ عن أشهب وابن القاسم مثله إلا فى وجهين: إذا أعتق المخدم منها نصيبه إلى الأجل, قالا: فإنه تقوم عليه نصيب صاحبه الساعة فيستخدمه لنفسه على الأجل, فذا حلت السنة عتق كله ميتا كان او مريضا او مفلسا, إلا ان أشهب قال: إذا حل الأجل والمعتق مريض أو اغترف الدين ماله عتق النصف الأول من رأس المال, ولم يقوم النصف المقوم إلا بعد خروج الدين او فى الثلث أن كان مريضا أو مات من مرضة ذلك وإن مات قبل السنة لم يعتق من النصف المقوم ولا كثيرا. والوجه الآخر ان ابن القاسم يقول: إذا أخدم احدهما رجلا سنة ثم اعتق شريكه نصيبه بتلا قوم عليه كله بتلا وعتق واستوجر من نصف قيمة المخدم من يخدمه على الأجل. وقول اشهب وابن الماجشون قول مطرف. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: إذا أخدم احدهما نصيبه سنة ثم خدمة (¬1) عبد على السنة, ولا تؤخذ منه إلا القيمة, فتوقف إذا كانت له اموال مأمونة وإذا خيف على ماله القوى اوقفت القيمة, ولو كان إنما أعتق شريكه نصيبه فلا يقوم عليه حتى تأتى السنة, فغن خيف على ما يده اوقفت القيمة, فإذا حل الأجل قوم عليه - يريد: بقيمته يوم يقوم عليه الآن - ويؤخذ من السيد نصف قيمته, فيستأجر منها للمخدم من يخدمه, فإن أهللك العبد وقد بقى من المال شىء رجع ما بقى إلى السيد أيضا, وذلك إذا كانت الخدمة على حياة المخدم, وإن فنى المال قبل موته فلا شىء على السيد. وقال سحنون: إذا اخدم نصف عبده رجلا فقبضه الرجل ثم اعتقه سيده بعد أيام فإنه يغرم للمخدم قيمة ما بقى له. ومن كتاب ابن المواز: ومن أخدم نصف عبده عمرا اةو اجلا ثم أعتق ما فيه, اتم عليه عتقه وأغرم نصف القيمة فيخدم منها المخدم ياقى المدة, فغن فنيت ... ¬
قبل المدة فلا شى عليه, وإن فضل منها شىءفللسيد. قال: وإن مات العبد او قتل قبل المدة تعجل المخدم نصف ما بقى من نصف القيمة, وانقطعت عند الخدمة. قال عبد الله: وقوله نصف ما بقى. أراه غلطا وقع فى الكتاب ويقول: يأخذ ذلك السيد, كما روى عيسى ينبغى أن يكون/ويأخذ ما بقى من نصف القيمة. لا المخدم, وإن كان عمدا فهو كما قلنا إذا اعتق نصفه, وإذا كان بين رجلين فأخدم أحدهما نصيبه ثم أعتق الآخر, فاختلف فيه ابن القاسم وأشهب, واختلف فيه قول أشهب واستحب ابن المواز قولا مثل قول مطرف الذى ذكره ابن حبيب ورواه أشهب, عن كان له كله فأخدم نصفه ثم أعتق باقيه أنه يؤخذ منه الاقل من نصف قيمة الخدمة او الرقبة فتدفع إلى المخدم. واختار ابن القاسم قول مطرف وقال: إلا أن يكون عديما فلا يعتق إلا ما أعتق. لا وقال: وهو قول مالك. انظر ما معنى قوله إن كان عديما. كأنه يعنى إن كان مليا بقيمة إلاجازة ويعتق. ومن قولنا أن من واجر عبده ثم اعتقه (أن إلاجازة اولى حتى يتم, قال أشهب: ولو واجر نصف عبده ثم أعتق) (¬1) نصفه, فإن كان عديما لم يعتق ما واجر منه حتى تتم إلاجازة, فتتم عليه إلا أن يرضى المستأجر أن يبيعه باإلاجازة دينا وإذا أخدم عبده رجلين حياتهما ثم هو حر, فأعتق أحدهما او وهب للعبد حصته (فليس) بعتق ويكون نصيب هذا من الخدمة للعبد وشريكه على حصته. فإذا مات العبد المعتق رجعت مصابته من الخدمة للسيد (مابقى صاحبه, فإذا مات عتق العبد ولو مات الذى لم يعتق أولا, رجعت مصابته من الخدمة للسيد) (¬2) حتى يموت المعتق فيعتق العبد, هذا إذا قسم الخدمة بينهما رب العبد, ¬
فيمن مات وقد أخدم أمته لأم ولده أو لغيرها حياتها
فإن أتمها ولم يقسمها, فإن حصة المعتق من المخدمين للعبد, فإذا ماات المعتق رجع جميع إلى الحى فيختدمه كله حتى يموت ثم يعتق العبد. وإن مات أولا الذى لم يعتق العبد مكانه إن كانت الخدمة غير مقسومة وإن كانت مقسومة كانت خدمة العبد للعبد حتى يموت احدهما فيرجع نصيبه إلى السيد حتى يموت الثانى فيعتق العبد. وفى كتاب الخدمة, ذكر من أوصى بخدمة عبده لولده فدخل معه باقى الورثة ثم تركوا نصيبهم للعبد. وفيه من أخدم رجلين فوضع أحدهما الخدمة. فيمن مات وقد أخدم أمته لام ولده أو لغيرها حيائها فترك ولدين فتصدق أحدهما على المخدم بمرجع حقه فى الامة فأعتق المخدم ذلك النصيب من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم وذكرها عنه ابن المواز فيمن حبس أمته على أم ولده تخدمها حياتها ثم مات عن ولدين فتصدق احدهما على أم الولد بحقه فى مرجع الأمة فأعتقت أم الولد ذلك النصيب بتلا, فلتعلق كللها مكانها وعللى أم الولد نصف القيمة الأولى وتوقف لخوف عدمها, فإن ماتت الأمة قبلها رجع ذلك إليها, وإن ماتت هى قبل الأمة أخذ ذلك الولد الذى بقى له حق المرجع منها. قال عيسى/ وإن لم يكن لأم الولد مال عتق منها نصفها, وزيؤاجر النصف الآخر, وكلما اجتمع من إجازتها شىء له بال عتق منها ذلك, وحبس ذلك الخراج؛ وإذ ليس لها فيها غير الخدمة وقد تركتها بالعتق, فإذا ماتت الخادم قبل (أم الولد رجع الخراج الموقف إلى أم الولد وإن ماتت ام الولد قبل) (¬1) ذلك, فذلك الخراج للولد المتمسك بالرق, فإن من الأمة شىء لم يعتق كان له أيضا. ¬
وقال ابن المواز: لا أرى إيقاف القيمة, بل ينظر كم يسوى مرجعها على أقل العمرين؛ عمر الأمة وأم الولد على الرجاء والخوف, فتعجل لهذا الابن ولا تبالى إن ماتت الأمة قبل وقت مرجعها لأنها على الغرر قومت, وإيقاف قيمتها ظلم, وكيف تقوم أيضا الأمة الآن وقد يحدث فيها عيب قبل موت أم الولد! وقد روى أيضا عن ابن القاسم أنه إنما ينظر قيمة مرجعها بعد موت أم الولد على الغرر, وإن لو جاز ذلك فيتوقف نصف تلك القيمة لأم الولد, لإن ماتت والأمة باقية دفع ذلك إلى الولد المتمسك وإن ماتت الأمة أولا رد ذلك إلى أم الولد ما اوقف. قال ابن المواز: وهذا أبعد من الاول, وأحب إلينا تعجيل نصف هذه القيمة للابن لأنها إن قومت إلى وقت مرجعها على أن يعجل ذلك الثمن, لم تسو نصف قيمتها وإن وقف الثمن لم تسو الربع, أبين لك ضرر إلايقاف. وذكر هذه المسالة ابن المواز في الجزى الأول وفي الخامس فزاد في معناها فقال: من أخدم عبده رجلا حياته, ثم مات السيد عن ولدين, فوهب/ احدهما مصابته من الرقبة للمخدم بتلا فأعتق المخدم ذلك النصيب الآن بتلا فذكر أن ابن القاسم قال: يغرم المخدم نصف قيمة مرجع الرقبة فيوقف, نحو ما تقدم من رواية عيسى, ولم يذكر تعجيل عتق جميع العبد كما ذكر عيسى وهو الذى يعنى ثم ذكر ابن المواز ما اعاب من إيقاف القيمة, ةوزاد فقال: يقول المتمسك ان تقوموا نصيبى على التعجيل فجعلوه لي فإن (¬1) تقويمكم ذلك على النقد يقل ثم لا أتعجلها (¬2) فلم أنتفع بما نقص على من القيمة ولا تقوموه على التأخير فتكثر القيمة. يريد: ولا يمكن ذلك إذا لا يعلم أمر التأخير ثم إن إيقافها (¬3) غرر ¬
في العبد بين مسلم وذمي أو بين نصرانيين أو مسلمين
[12/ 307] في العبد بين مسلم وذمى أو بين نصرايين أو مسلمين والعبد مسلم او كافر أو بين حر وعبد يعتق أحدهما حصته وأعتق العبد شقصه بإذن سيده أو بغير إذنه او يعتق عبد بإذن احد سيديه من كتاب ابن المواز قال في العبد النصرانى بين مسلمين: فمن اعتق منهما, قوم عليه, وكذلك مسلم بين نصرانيين, فاما نصرانى بين نصرانيين, فلا تقويم فيه. قال ابن حبييب: ومثل هذا عن مالك. قال ابن المواز: إلا ان يرضوا بحكمنا (¬1). قال: وغن كان نصرانى بين مسلم ونصرانى فأعتق المسلم حصته فليقوم عليه, وإن أعتق النصرانى فلا تقويم عليه/ عند ابن القاسم, كما لو أن له جميعه لم يتم عليه. وقاله (¬2) أشهب فى كتاب محمد. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يقوم على من أعتق منهما. وبه قال ابن المواز وابن حبيب. ومن كتاب ابن المواز قال في عبد بين حر وعبد: فإن أعتق الحر حصته قوم عليه, وإن اعتق العبد فلا عتق له إلا ان يكون بإذن سيده فيقوم على سيده, كان للعبد مال أو لم يكن, وكذلك عن كان بغير إذنه ثم أجازه. قال سحنون فى كتاب ابنه: وإذا كان بإذنه يرجع (¬3) السيد فى جميع ماله, وبيعت فيه رقبه العبد وغير ذلك, وغن كان بغير إذنه لم يعتق اصلا. ولو قال السيد (¬4): قوموه على العبد فيما بيده. لم يقوم عليه. ... ¬
في مقاطعة أحد الشريكين العبد على مال أو يعتقه ويستثني ماله
وروى أصبغ عن ابن القاسم فى العتبية نحو هذا الذى قال سحنون. وروى عنه عيسى في عبد بين رجلين أذن له احدهما في عتق عبده, فإن العتق يرد ويجوز إلا بإذنهما ولا يقوم على إلاذن حظه الآخر. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك نحوه. قال أصبغ عن ابن القايم فى العتبية: وإن لم يعلم الشريك الذى لم يأذن له بالعتق حتى أعتقاه جميعا, فولاء العبد الأسفل للأعلى ولو كان بإذنهما لكان ولاؤه لهما. قال عيسى: ولو حلف اغحدهما بعتق عبد من عبيد (¬1) عندهما أو أعتقه لقوم عليه حظ شريكه, ثم عن شاء شريكه اخذ نمنه نصف القيمة وإن شاء اغرمه القييمة/ كلها وأقرت بيد العبد إذن ينزع ماله إلا باجتماعهما. فى مقاطعة احد الشريكين العبد على مال أو يعتقه ويستثنى ماله ومن أعتق بعض عبده ثم كاتبه. من كتاب ابن المواز وعن العبد بين رجلين يعتقه احدهما على مال يعطيه, فغن كان على وجه العتق رد ما أخذ منه وعتق عليه, وإن كان بمعنى الكتابة رجع رقيقا واقتسما المال. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف عن مالك مثله؛ قالا: وهو على العتاقةحتى يظهر أنه على الكتابة. وقاله أصبغ فى كتاب محمد إذا أشكل. قال ابن المواز: وأبين من هذا أن يكون رغب فيما أخذ منه لكثرته ولعله قال ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون: وإن قوم على المعتق قوم بماله, وكان ما أخذ من العبد في إعتاقه له دون صاحبهولا يرده إلى العبد لأنه أعطاه إياه ¬
طوعا وبه أعتق إلا أان يكون معسرا (¬1) ليس ممن يقوم عليه نصيبصاحبه لعسره (¬2) فيرد إلى العبد ما أخذ منه ويبيقى بيده. وقد اختلف فيه قول ابن القاسم: فمرة قال: عن أراد وجه العتاقة رد مال العبد إليه كما لو استثناه, ومرة قال: يرجع ذلك بينه وبين شريكه ولا يرد إلى العبد لأنه اعطاه طوعا. وبه قال أصبغ. وبقول ابن الماجشون أخذ ابن حبيب. وقال ابن المواز وأشهب عن مالك قاطعه/ بغير إذن الآخر, رد عليه. قال اشهب: وإن أعتق احدهما شقصه واستثنى ماله فليس له ذلك وليرد إلى العبد وكذلك لو أعتق الآخر بعده واستثنى ماله عتق عليهما ورد المال إلى العبد. قاله مالك. وقاله سحنون فى كتاب ابنه ومطرف وابن الماجشون سواء كان الول معسرا أو موسرا. ومن العتبية روى أشهب عن مالك إذا أعتق أحدهما واستثنى ماله, فليرد إلى العبد ويقوم عليه بماله. ومن كتاب ابن المواز والعتبية لابن القاسم عن مالك فى عبد نصفه حر, فيعتق المتمسك نصفه ويستثنى ماله, فالمال رد إلى العبد حر. قال محمد: ولو كان معنى الكتابة جاز ذلك له. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإن أعتق احد الشريكين نصيبه من العبد ثم اعطى العبد للآخر مالا على ان يعتق باقيه؛ فإن كان الأول مليا فالعبد حر. يعنى عليهما - وما أعطى العبد لأنه يقوم على الأول بماله وإن كاان الأول معسرا, فما اعطى السيد للثانى مما بقى له وكأنه قاطعه به أو كاتبه عليه وإن كان إنما استثناه حين اعتقه كان مردودا إلى العبد. وقاله ابن نافع وابن القاسم ¬
فيمن أعتق بعض عبده فلم يستتم عليه حتى كاتبه أو قاطعه
[12/ 310] فيمن أعتق بعض عبده فلم يستتم عليه حتى كاتبه او قاطعه وفيمن وهب لعبده بعضه ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أعتق نصف عبده/ فلم يستتم عتقهحتى أعطاه العبد مالا على تمام عتقه (بماله وإن كان الأول معسرا, فما أعطى العبد للثانى سائغ له وكأنه قاطعه) (¬2) لم يعلم بذلك فقام فيه بعد موت السيد او فلسه فله الرجوع بما دفع إليه فى تركه وإن أفلس رجع مع الغرماء وإن كان مليا له ذلك واتبعه فى عدمه. قال ابن القاسم فى المرأة بتت نصف امتها, وكاتبت نصفها ثم علم بذلك بعد موتها, فالكتابة ماضيه وإن علم بذلك فى مرضها عتق جميعها فى الثلث, فغن خرجت سقطت الكتابة وإن لم تخرج - يريد: النصف الذى كاتبت - عتق منها ويكون ما بقى على الكتابة. قال ابن حبيب قال مطرف (عن مالك) (¬3) فيمن وهب (لعبده نصفه. قال أراه حراه كله. قال مطرف لأنه حين وهب له نصففه فقد عتق عليه) (¬4) كله وولاؤه له وكذلك لو أخذ منه مالا على عتق نصفه او على بيع نصفه من نفسه فالعتق ماض (¬5) في جميعه ولو اخذ منه شيئا على تدبير (نصفه) (¬6) كان مدبرا كله, ولو كاتب نصفه لم يجز ولا يعتق منه شىء وله ما أخذ. وقاله كله ابن الماجشون واصبغ عن ابن القاسم ... ¬
فيمن أعتق شقصا له في عبد فلم يقوم عليه حتى باع شريكه
[12/ 311] فيمن اعتق شقصا له فى عبد فلم يقوم عليه حتى باع شريكه شقصه او نكح به أو وهبه ومن أعتق نصف عبده ثم احدث فى باقيه ما ذكرناوكيف إن أحدث المبتاع فيه عتقا؟ من كتاب ابن المواز روى ابن القاسم عن مالك وأشهب وابن وهب عن مالك وقالوا به إذا اعتق أحدهما ثم باع الآخر, رد بيعه التقويم على المعتق. قالابن حبيب: رواه المصريون والمدنيون/ من أصحاب مالك عنه. قال مطرف وابن الماجشون وقال ابن المواز قال أشهب: إلا أن يكون عديما الآن, مكشوف العدم, فينفذ البيع قالوا: إلا أشهب, ثم إن أيسر لم يرد البيع, وإن كان يظن عدمه بغير يقين فإنه متى ما علم ملاؤه رد البيع إذا كان له مال, ويقوم عليه ويعتق إلا ان يكون رفع (إلى إلامام فأبطل ذلك عنه. قال جميعهم: فإن باع فى ملائه) (¬1) المعتق فلم يرد البيع حتى اعسر فلا يرد إلى تقويم. قالا ابن المواز وقال أشهب: ولو لم يرد حتى اعسر المعتق ثم ايسر إلا ان يكونعدمه الذى كان ليس بمكشف, ولا رفع إلى إلامام, فهذا يرد بيعه ويقوم بقيمته الآن. قال محمد: لا يعجبنى قوله فى إجازة البيع, وإذا أعدم المعتق بعد البيع لن المبتاع اشترى نصفا وجب فيه التقويم مكانه اعطاه عينا أو عرضا فى قيمة مجهولة إذا اشترى, وهو يعلم بوجوب القيمة فيه. قال: وإن دخل العبد عيبا ونقص فى سوق أو بدن او زيادة فى مال أو له ولد من أمته لزمه قيمة النصف من يوم قبضه, وكان للمشترى تقويم نصفه على المعتق الآن عن اتصل بسيده ويقوم بماله وبولد إن حدث. ولو فات بموت أوعتق, لزم المبتااع نصف قيمته يوم قبضه؛ وإن لم يكن المبتاع علم بعتق نصفه لبيع صحيح, وهذا عيب له الرد به إلا أن يفوت بعيب ... ¬
مفسده, فإما رده مع ما نقصه وقوم على المعتق, وإما حبسه وأخذ قيمة العبد وقومه على المعتق. وإن/ فات ذلك بعد عدم المعتق فإن لم يكن اشتراه على أنه يقوم فلا حجة له إلا ان يقول: لم أعلم ان نصفه حر. فله الرد. قال: ولو تزوج الماتمسك بنصيبه, فقال اشهب: يقوم المعتق نصف قيمته ويعتق وتستوفى المرأة من تلك القيمة قيمته يوم اصدقها. محمد: فإن لم يف لها بذلك أتبعت الزوج بالباقى, وذلك إن لم يعلم أن فيه تقويما ولم يفت عندها بعيب مفسد, وإن كانت تعلم ان فيه تقويما يملاْ معتقه فليفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده, ولها صداق المثل ويقوم على المعتق ويأخذ الزوج القيمة إلا أن يفوت عندها بموت أو عتق, فعليها قيمته يوم قبضته ولها صداق المثل يتردان ولها إن أعتقه نصف ولاء العبد, وإن مات بيدها فلها جميع ما ترك وعليها قيمة يوم قبضته ولو فات بعيب مفسد أو حوالة سوق غرمت للزوج نصف قيمته يوم قبضته واخذت من المعتق قيمة ذلك يوم الحكم. وإن لم يعلم بعتق الشريك لم يفسخ النكاح, وإن لم يبن بها ويرده وتأخذ نصفقيمته يوم نكحت إن كان المعتق مليا, وإن كان عديما لم ترده. قال ابو محمد: يريد: إذا لم تعلم أن فيهالتقويم وقد علمت ان نصفه حر وأما لو لم تعلم أن نصفه حر كان لها الرد. وقد تقدم نحو هذا. قال: ولو تزوجت به على علم ردته فى عدم الزوج ويسره إلا أن تموت, وإذا لم تعلم بعتقه لم تفته حواله سوق. يريد: لصح البيع فيه ولها رده. وإن دخله عيب عندها ردت/ ما نقصه وقوم للزوج على المعتق او حسبته ورجعت بقيمة عيبه وقوم لها على المعتق, ولو أعدم المعتق يوم علمت ان فيه التقويم فلا حجة لها, كعيب ذهب قبل علمها به. ومن كتاب ابن سحنون عن ابيه قال بعض أصحابنا فيمن اعتق نصف عبده, فلم يتم عليه حتى باع النصف اخر فاعتقه المبتاع ثم علم بالبيع يرد
ويعتق باقيه على بائعه, فإن استحدث دينا فلابد من فسخ بيعه ويعود كما كان ويباع ما رد لأهل الدين, وإن كان مشتريه قد نقد الثمن كان أولى إذا بيع بمثل ما اخذ منه البائع ويكون مافضل لغرمائه, فغن لم يكن بدين غير الثمن الذى نقد فلا يعتق النصيب حتى يعطى المشترى ما نقد ويباع فى ذلك النصف إن لم يكن غيره, فيقضى منه الثمن أخذه سيده, وإنما يباع منه للثمن خاصة فيباع مناقصة, فيقال: كم تشترون منه بعشرة؟ فيقول واحد: أنا أخذ نصف العبد بها. ثم يقول آخر: إنما آخذ بها ثلثى النصف. ويقول ثالث: أنا آخذ نصف النصف بها. حتى يقف ثم يعتق ما فضل منه مع النصف الاول ولا عتق للمشترى, كان المعتق الاول مليا أو معدما. قال سحنون: ولو كان إنما أعتق الأول شقصا له فيه, لنقض بيع لشريكه لشقصه قبل التقويم, وقبل ان يعلم أعندة مال أم لا؟ فغذا رجع كما كان للبائع ان يعتق عن كان مليا بما كان قبض من الثمن أو كأن لم يكن قبض شيئا, فغن لم يعتق/ وليس عند المعتق الأول ما يقوم عليه فيه هذا النصف ويعتق فقد منه ما عتق, ثم للمتمسك استئناف البيع فى نصفه فلا حجة لاحدهما فى تميم البيع الأول. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أعتق أحد الشركين نصيبه فى العبد ثم وهب الآخر نصيبه لرجل فلابد من التقويم وليحلف الواهب ما وهب لتكون له القيمة, ثم هو أحق بها وإن لم يحلف فهى لموهوب, فإن وهب عبدا فأستحق فللواهب الثمن على بائعه بلا يمين. قال ابن حبيبعن مطرف وابن الماجشون: وإذا أعتق نصف عبده ثم تصدق (بنصفه) (¬1) على آخر فليقوم على على المعتق ويلزمه نصف قيمته للمتصدق عليه, فغن مات المعتق او قبل يستتم عليه عتقه, فالمتصدق عليه أولى بنصفه (يسترقه وسواء تصدق عليه بنصفه) (¬2) قبل عتق النصف أو بعده, فالقيمة تلزمه فى الرجلين لأنه قد أن يكون شريكا معه ¬
في أمة بين شريكين أعتق أحدهما نصفها صم باع الآخر نصفها أو جميعها
[12/ 314] ومن العتبية وكتاب ابن سحنون قال ابن القاسم فيمن قال فى كلام واحد: نصف عبدى صدقة على فلان, ونصفه حر. فالصدقة ثابتة ويقوم عليه إن كان مليا, وإن بدأ بالعتق فهو حر كله. ثم قال: ذلك سواء وهو حر كله. قال سحنون فى كمتاب ابنه: وهذا أشبه بمذاهبه. قال أصبغ فى العتبية القول الول وليس ماذكر بحجة, إنما تكون حجة إذا تصدق ثم لم يعتق إلا بعد حين يمكنه قبضها فيه فصير ترك المعطى/ أن يجوز صدقته بعد علمه بها حتى يعتق بعد حين حجة, فإما أن يتصدق ثم يعتق كلام واحد فى مقامه, فليس له وليس نصف القيمة كالشريك. فى امة بين شريكين أعتق أحدهما نصفهما ثم باع الآخر نصفها أو جميعها فأولدها المبتاع أو كان عبدا بينهما باع احدهما جميعه فاعتقه المبتاع ومنابتاع عبدا فأعتقه ثم ظهر ان نصفه حر من كتاب ابن المواز: ومن اعتق نصيبه من أمة ثم باع المتمسك نصفها أو جميعها فاحبلها المبتاع, فليعتق نصفها عليه والولاء بينهما فيرجع بنصف الثمن إن اشتراها كلها وبنصف قيمة العيب فى النصف الاخر, على أن نصفها حر. قال فى باب آخر: عليه الأقل من نصف قيمتها بالعيب أو نصف الثمن, وكذلك لو لم يولدها ولكن اعتقها, فذلك نافذ ويرجع بما ذكرنا وكذلك فى فوتها بالموت, ولو لم تفت إلا بحواله سوق وقد فسد البيع (¬1) لعله بسبب التقويم, فعليه القيمة يوم قبضها على أن نصفها حر ثم يقةوم على المعتق بقيمتها الآن ... ¬
[12/ 315] ومنه ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا أولدها المبتاع, وقد باع الشريك جميعها أو نصفها إنها تعتق على المبتاع ساعتئذ (¬1) وتصير حرة ينظر؛ فإن باعها على أنها أمة كلها قومت على أن نصففها حر ونصفها رقيق/ فكان لبائعها قيمة ذلك النصف الرقيق مالم يزد على (نصف) (¬2) الثمن فلا يكون له إلا نصف الثمن ثم يرجع المشترى عليه بما بقى, وإنما إذ لا نفع له فيها. وقاله أصبغ. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله. وقال فى العتبية: ولو لم يبع إلا النصف الذى له وكتمه الحرية فأحبلها فتقوم على الرق كلها, فيعلم نصف ذلك ثم يقوم نصفها معيبا, فما نقصة رجع بقدر ذلك جزاءا من الثمن وذلك كله يرجع إلى شىء (¬3) واحد. وقال (مثل قول ابن القاسم هذا) (¬4) مطرف وابن الماجشون من روايه ابن حبيب: ولو باعها على أن نصفها حر, فالثمن كله للبائع ويعتق على الوطىء. وقاله أصبغ عن ابن القاسم. وروى أبو زيد عن ابن القاسم قال: الذى حملت منه بالثمن على من اشترى منه, ويرجع المتمسك على الذى أحبلها بنصف الثمن فقط. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فى أمة بين رجلين باع أحدهما جميعها فاعتها المبتاع ثنم قام شريكه, فالمبتاع شريك له فيه يختير المستحق بين أخذ نصف الثمن من المبتاع (¬5) أو نصف الثمن من المعتق. ويمضى عتقه على المبتاع فى الوجهيين, وإن شاء أن يعتق نصفه الذى استحق فذلك له, وإن أراد ان يأخذ نصف الثمن اةو نصف القيمة فوجد البائع عديما والنمبتاع مليا فليس له ان يأخذ من الملى الذى يكون له عليه, ويتبع الآخر بباقى نصف الثمن إن كان ... ¬
في الأمة بين الرجلين يجحد أحدهما الآخر نصيبه
نصف الثمن أكثر وإنما/ له الخيار فى أيهما شاء وإن كانا معدمين اتبع أيهما شاء, وإن شاء أخذ نصف عبده ولا عتق إلا للنصف الآخر. قال ابن حبيب: وهذا غلط فى قوله: يتبع ايهما شاء فى عدمها. فلا يتبع المشترى فى عدمه إلا برضاه كشريك عديم يعتق. قال ابن القاسم: وليس كمن اعتق عبداوعليه دين وبيده وفاء منه, فهذا لا يرد عتقه إن قاموا فى عسره وإن شاء المستحق أخذ نصف (القيمة من المشترى, فأيما له نصف) (¬1) قيمته يوم الحكم بخلاف احد الشريكين يعتق جميع العبد هذا إنما يقوم عليه يوم العتق لعلمه بما تعدى فيه وجهل المبتاع. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبدا فاعتقه ثم ظهر أن نصفه جحر, فإن لم يعلم بذلك البائع رد نصف الثمن إلى المبتاع ومضى على المبتاع عتق ما رق منه وولاء كل نصف لمعتقه. قال ابو محمد: ينبغى ان يرجع عليه فى النصف الذى نقد فيه عتق المبتاع بقيمة العيب أنه معتق بعضة وليس يشيه عيبا قد ذهب لأن هذا وقت العتق يعتق نصفا معيبا. وقوله: وإن كان البائع لم يعلم. لا أدرى ما معناه, وله قيمة العيب, علم البائع أو لم يعلم. وفى اول الباب وفى الباب الذى قبله دليل على ما قلت لك. فى الامة بين الرجلين يجحد أحدهما الاخر نصيبه منها حتى ولدت فباع الحاجد الولد أو أعتقه والامة تلد بعد ان اعتق الشريك بعضها. قال ابن حبيب: قال أصبغ فى أمة بين شريكين جحدأحدهما الآخر نصيبهفيها ثم ولدت أولادا فباع بعضهم وأعتق ثم ثبت حق الشريك: فله فيما باع اما نصيبه بعينه أو ثمنه, وله أن يقوم عليه فيما أعتق إن كان اليوم مليا. ¬
فيمن وهب لعبده نصفه أو أخذ منه مالا على ذلك
قال مطرف وابن القاسم وأشهب عن مالك فيمن أعتق شركا له فى أمة, فلم تقوم عليه حتى ولدت انها تقوم عليه بولدها بقيمتهم كلهم يوم الحكم ويعتقون. فيمن وهب لعبده نصفه أو اخذ منه مالا على ذلكأو على تدبير/ قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك فيمن وهب لعبده نصفه, قال: أراه حا كله. قال مطرف: لأنه لما وهبه نصفه فقد عليه وولاؤه له, وكذلك لو أخذ منه مالا على عتق نصفه أو على بيع نصفه من نفسه, فالعتق ماض فى جميعه ولو أخذ منه شيئا على تدبير نصفه, كان مدبرا كله ولو كاتب نصفه لميجز ولم يعتق منه شىء وله ما أخذ. وقاله كله ابن الماجشون. وقاله أصبغ عن ابن القاسم. فيمن ملك شقصا ممن عليه بميراث أو هبة أو وصيه من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن ورث شقصا من أبيه, عتق ذلك الشقص ولا يقوم عليه, ثم إن وهبه بعض الورثة شقصا منه فقبله لم يستتم عليه ايضا وعتق ذلك الشقص فقط/ مع ورث منه. قال ابن حبيب: قال مالك: وكذلك لو اشترى منه شقصا - قال عبد الله: يريد: بعد الذى ورث -لم يستتم عليه. قال ابن المواز: قال مالك: ومن وهب له شقص من أبيه فقبله, فليستتم عليع وإن لم يقبله عتق الشقص وحده. قال ابن القاسم: والولاء فى ذلك كله للابن. وقاله أصبغ فى الوصية قال: ولا يعتق إلا ان يقبله فى الشقص او فى الجميع. قال محمد: ولا فرق بينهما والصدقة أكثر
[12/ 318] وقال ابن القاسم فى الولاء للابن قبل الوصية أو لم يقبلها. وقاله اشهب وابن دينار فى الوصية بجمعيه, فأما ببعضه أو يوصى بجميعه فيحمل الثلث بعضه, فإن قبله أتم عليه, وله أن لا يقبله فيبقى رقيقا كله. قال ابن حبيب: قال مطرف: فإن لم يقبل ماوهب له منه أو اوصى له به أو تصدق به عليه عتق ذلك الشقص على المواهب (أو المتصدق أو الموصى وولاؤه للمعطى ولو قبله قوم عليه) (¬1) ولاؤه للمعطى. وقال ابن الماجشون: عن قبله فى ذلك كله او لم يقبله فلاتقويم عليه, ويعتق ذلك الشقص منه قبله أو لميقبله, وولاؤه للموهوب له كأنه عنه أعتق وذلك إن قبله بعد ان سبق فيه العتق. وقال هو ومطرف فى الميراث مثل ما ذكرنا عن غيرهما. قال ابن حبيب: وذكر عن ابن القاسم مثل قول مطرف وذكر عن اصبغ فى الوصية مثل قول ابن الماجشون. وقال فى الهبة: إن قبله عليه باقيه وله الولاء, وإن لم يقبله لم يعتق منه شىء. قال ابن حبيب: من ورث مع أخيه لأبيه شقصا من مكاتب هو واخوه لآمه فنصيبه يوضع عنه, فإن عجز عتق (عليه) (¬2) نصفه ولا يقوم عليه نصف أخيه, ولو أوصى له نصفه خير المكاتب بين أن يعجز فيقوم باقيه علىأخيه او يتمادى ويحط عنه حصة اخيه (¬3) فإن ودى فلا ولاء لأخيه فيه وإن عجز فقوم على اخيه فالولاء لأخيه, وليس كالمكاتب بين اثنين يعتق أحدهما نصيبه ثم يعجز لنه وضع مال لا يقوم بذلك بعد العجز. وقال؟ أصبغ عن ابن الاقسم مثله. وقاله ابن الماجشون إلا فى الموصى له بنصف المكاتب فإنه لا يرى عليه فيه تقويما إن عجز قبله الاخ أو لم يقبله. ... ¬
فيمن حلف بعتق شقص له في عبد فباع شقصه
فيمن حلف بعتق شقص له فى عبدفباع شقصه واشترى شقص شريكهمن العتبية وكتاب ابن المواز قال أصبغ فى عبد بين اثنين, حلف احدهما بعتق نصيبه إن كلم فلانا فباع نصيبه من اجنبى واشترى نصيب صاحبه ثم كلمه قال: لا يعتق عليه ولو بادله بالشراء منه. قال ابن حبيب (عن ابن القاسم مثله قال ابن حبيب) (¬1) وقال أصبغ: إن باع شقصه بشقص شيكه ثم دخل الدار أنه لا يحث /. وعابه ابن حبيب واحتج بمسالة ابن القاسم فى الراهن يكترى نصيب شريكه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اشترى نصيب شريكه أوورثه أو وهب له, ثم دخل الدار وعتق عليه النصف الاول باليمين, ولا يعتق ما ابتاع أو ورث او وهب لعه إلا بالحكم. قال ابن القاسم: ولو كان عبدين فحلف بعتق نصيبه منهما كانا كالعبد الواحد غلا أن يقاسمه حتى يصير له أحدهما فلا يكون يمينه إلا فى العبد الذى يأتيه منهما. ومن المجموعة قال أشهب: وإن بدل ريكه مصابته منهما ثم حنث, فالمبادلة واقع ولو بادل مصابته من أحدهما (¬2) ثم حنث عتق عليه النصف الذى كان له بالحنث, والنصف الآخر بالقضاء ولا شىء عليه فيما صار على شريكه من العبد الاخر. ولو بادله نصف مصابته من أحدهما بنصف مصابة شريكه من الآخر, فصار له فى واحد ثلاثه أرباع, وفى الآخر ربعه ثم حنث يعتق من الذى صار له ¬
في عبد بين رجلين شهد أحدهما أن شريكه أعتق نصيبه منه
ثلاثة أرباعه نصفه بالحنث ونصفه بالقضاء ويعتق من الذى بقى له (فيه) (¬1) ربعه بالحنث وباقيه بالقضاء ولو كانت يمينه (¬2) بعتق شقص له فى عبد فلم يحنث حتى باع شقصه. قال عبد الله: يريد شريكه واشترى شقص شريكه, فإن حنث مضى بيعه فى الشقص المبيع ولم ينتقض البيع. فى عبد بين رجلين شهد أحدهما أن شريكه/ أعتق نصيب منهوكيف إن حلف كل واحد منهما بحريته على تكذيب صاحبه من كتاب ابن المواز قال أشهب: وإذا شهد كل واحد من الشريكين أن شريكه فى العبد أعتق حصته منه, لم يعتق على واحد منهما. ومنهما وخالف ابن القاسم قال: وما اختلف على من لقيته من العلماء فى ذلك. قال ابن القاسم: وإن شهد رجلان أن شريكهما فيه أعتق نصيبه, فإن كان المعتق مليا لم تجز الشهادة وإن كان معدما قضى عليه بعتق نصيبه, وبلغنى عن مالك أنه لم يجز الشهادة (والذى) (¬3) قلت لك أحب إلى. وقاله أصبغ. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم إن شهد أحد الشريكين على الآخر بالعتق فينبغى لشاهد عتق نصيبه ولا اقضى عليه, والولاء للمشهود عليه ولو كان عديما فلا شاهد عى الشاهد. قال عبد الله: وينبغى لو أعتق (الشاهد) (¬4) نصيبه بإذن صاحبه لقوم عليه نصيب صاحبه قالابن حبيب: وروى أصبغ عن ابن القاسم قال: وإذا شهد كل واحد منهما على صاحبه بعتق نيبه وهما مليان لم يبع لهما ملكه على ناحية الورع ¬
, [12/ 321] وإن كان معسرين فلا شىء عليهما, وإن كان أحدهما معسرا فلا شىء على المسر ولا ينبغى للمعسر أن يسترق نصيبه. قال: ولو ملكه كله الموسر بعد لم يعتق عليه إلا الشقص الذى كان يملكه المعسر, وإن ملكه كله عتق عليه كله وولاؤه للموسر. وقال أصبغ: يعتق نصف الموسر الذى ملكه المعسر بالقضاء كمن/ شهد بعتق عبد ثم اشتراه, وأما نصيبه هو فلا يعتق بالحكم ولمن يؤمر بعتقه على التحرج. وقال ابن الماجشون وأشهب: لا عتق عليه فيه, لا يجبر ولا يسجن. قال ابن حبيب: هو القياس وقول ابن القاسم استحسان وهو أحب إلينا. ومن كتاب ابن المواز: وإذا حلف أحد الشريكين فى العبد بحريته, لقد دخل المسجد امس وحلف الآخر بحريته أنه ما دخله؛ فإن أقر انهما حلفا على غير علم أعتق عليهما, وإن قالا عن علم فكل واحد يدعى القيمة على صاحبه, فليحلف كل واحد منهما, والله حسيبه, وقد قيل: إن كانا موسرين عتق عليهما. وقيل لكل واحد: صاحبك جحدك القيمة. وإن كان احدهما عديما عتقت مصابته, وصاحبه جحده القيمة وهذا خطأ, ولا تجب القيمة إلا بالحكم جحد أو اقر. قال: ولو أن المتمتع بالعمرة إلى الحج نحر هديا وله مال على رجل جحده إياه لسقط عنه الهدى. وفى كتاب الأيمان من هذا باب مستوعب
في العبد المعتق بعضه كيف يقوم ومتى وأين يقوم؟
[12/ 322] فى العبد المعتق كيف يقوم ومتى يقوم وأين يقوم وهل يقوم بماله؟ وما حدث له م ولد؟ وكيف إن كان قد تقدم فيه عطاء؟ من كتاب ابن المواز قال: ويقوم العبد إذا عتق بعضه بقدر ما يسوى فى مخبرته وصنعته وبماله وبما حدث له بعد العتق من ولد. قال ابن حبيب: قال ابن وعهب عن مالك: وإن كان الشريك غزا بباقى عتق الشقصثم قدم, فإنما يقوم عليه بقيمته يوم التقويم. قال ابن حبيب وابن المواز: قال مالك فى العبد/ الزراع: إن قوم بالفسطاط, كان أقل لقيمته فليقوم بموضعه ولا يخلب لإلى الفسطاط, ويذكر له ما كان له من مخبره. يريد فى قيمته. وكذلك فى العتبية من سماع ابن القاسم. وقالب فى كتاب ابن المواز: ومن أعتق شقصا له من عبد فلم يقوم عليه حتى افاد العبد مالا أو له ولد من امته او كانت (له) (¬1) أمة فولدت فليقوم بماله وولده, ولا منكر لك. وكذلك (إن دخله) (¬2) عيب فإنما عليه قيمته يوم الحكم. ورواه ابن القاسم وابن وهب وأشهب عن مالك. قال ابن سحنون عن ابيه: يقوم بماله كولد المغرور. قالابن حبيب: قال أشهب عن مالك: وإنما يقوم يوم الحكم. وقاله ابن القاسم؛ زادت قيمته او نقصت بقيمة عبد لا عتق فيه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم سئل عن جارية تقولها شريكان بينهما , فبلغاهما أضعاف الثمن فعمد احدهما فعتقهما قال: نزلت فى المدينة فى جارية بين رجل وزوجته, فطلبها شرابها فابت, فزاد فيها حتى بلغت ستمائة دينارا, ثم شاور المخزومى واستغلالهلا, فقال: اعتق حظك منها فلا يلزمك إلا القيمة. ففعل ... ¬
فرفع إلى ابن عمر أن يأمر بإعادة الشراء عليها, فإن زاد على ستمائة وإلا فالزموها له بستمائة فاستحسن ذلك مالك, وكان مالك يقول: دمر المسكين. وقد قال مالك فيمن اعطى برأس له فى السوق ثمنا قبله رجل بحدثان ذلك, قال يلزمه الأكثر من قيمته أو أعطى به./ وقال أبو بكر بن محمد قال سحنون: لا يضمن إلا القيمة. قال المواز: قال أشهب فى ولى أيتام أعتق عبدا لهم وفيه لأمهم الربع: فعتقه جائز ويغرم لهم قيمته. قال محمد: إن كانت قيمة يوم عتقه عشرة ويوم القيام ائة, غرم للايتام قيمة حصتهم من عشرة, وغرم للمرأة قيمة حظها على مائة. قال مالك وفى العتبية وكتاب ابن حبيب: وغن قال المعتق للشقص: هو مارق أو آبق وشريكى يعلم ذلك. فإن أنكر شريكه, لم يحلف له وقوم سليما بريا إلا ان تقوم بينه. قال أشهب: وإن أقام شاهدا أحلف معه؛ فإن نكل حلف الآخر ما عمله سارقا ولا آبقا, وإن لم يكن عدلا لم يحلف معه, وحلف المتمسك على العلم. قال محمد: لا يوجب عليه غير العدل يمينا. وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون مثل قول أشهب. قال: وقاله ابن الحكم. وقال ابن القاسم. وروى أصبغ انه يقوم سليما لا عيب فيه ولا يحلف له بدعوة إلا ان يقيم شاهدا. ثم رجع فقال: بل يحلف له. قال أصبغ: وبه أخذ. قال ابن حبيب: والقول الآخر أحب إلى. قال مطكرف وابن الماجشون: وغذا قال المعتق لشريكه: لا يقوم على وأنا اعطيك عبدا أصلالحك به وأعتق نصيبك من العبد. أن ذلك جائز عن علما قيمته, ولا يجوز إن جهلاها للخطر كمن صالح عن ميراث مجهول وجب له أو
في العبد بين الرجلين أو بعضه حر كيف الحكم في خدمته
شفيع اخذ شفعته/ قبل عمله بالثمن. قال ابن حبيب: وقال بعضهم: الصلح جائز وكأنه باع نصف عبد بعبد قال: ولا يشبه الاجنبى. قال ابن حبيب: وبالاول اقول. وقاله أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ. وغنما فرقوا بين المعتق والاجنبى إذا باعه من المعتق بدنانير نقدا فهو منه جائز, فأما بدنانير إلى أجل اوبعرض نقدا او إلى أجل فلا يجوز ذلك حتى يعلما مبلغ قيمته. قال عبد الله, يريد ابن حبيب فى العرض النقد, لا بعرض إلى اجل. فى العبد بين الرجلين او بعضه حركيف الحكم فى خدمته وماله وأدبه والسفر بهوميراثه وغير ذلك من أحكامه؟ وعبد الخدمة كيف تقسم خدمته؟ من كتاب ابن المواز وابن حبيب قال مالك فى العبد بين الرجلين أنه لا يضربه احدهما بغير إذن شريكه, إلا فى ضرب ادب او ضرب لا يعاب فى مثله. قال فى كتاب ابن حبيب: لا بعيب فى مثله. قالا: قاله ابن القاسم. قال مالك فى جميع هذة الكتب: وأما العبد بعضه حر فلا يضربه إلا السلطان. قال ابن حبيب: قال مطرف فى عبد بين رجلين: إذا لم يتفقا على ضربه فلا يضربه إلا إلامام, وإن حلف أحدهما بحريته لا يضربنه الحالف؛ فإن كان الحالف حلف على مثل سوط او سوطين ومت يجوز له, فيحكم له إلامام بضربه وبإحناث صاحبه إذا/ كان قد استوجب ذلك, ويقوم
على الحانث نصيب إلا ان يقول نويت (¬1) إلا أن يحكم عليه السلطان فلا يحنث. وغن حلف الأول على ضرب تعد وما لا يجوز فهو الحنث, والمقوم عليه ولا يبالى باليمين منهما. قال: فإن بادر (¬2) الحالف على الضرب, فضربه قبل الرفع (¬3) إلى السلطان حنث الآخر, وقوم عليه. قال: ولو ضربه الحالف ضربا صار به إلى المثلة التى يعتق عليه بها عتق عليهما على الضارب بالمثلة وعلى الآخر بالحنث. قال: ولا ارى أن عتق المثلة يسبق عتق (¬4) الحنث, وكما لو حلف واحد أن أضربه, وحلف له الآخر ان لا تضربه انت فضربه, فلزمها الحنث. وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال ابن الماجشون في عبد نصفه حر يزنى او يأبق فيريد سيده ضربه, فقاغل: أما حد الزنى فالسلطان يقيمه؛ وأما إلاباق فلسيده أن يودبه ويضربه ويجردد. وقال فى كتاب ابن المواز: وإذا كان عبد بين رجلين فلا يأخذ أحدهما منه شيئا إلا بإذن شريكه وكذلك لا يقتسماه حتى يجتمعا, فإذن أذن له فأخذ منه حصته وأبقى الآخر حصته فذلك جائز لأنه هبة او مقاسمة ثم إن يباعاه قيمته بينهما نصفين وغن استثنى ماله فهو بينهما نصفين. قال أصبغ لن ما ترك الشريك صار مالا للعبد لو شاء الذى تركه ان ينتزعه لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما. وفي الجزء الأول من البيوع من كتاب/ ابن المواز عن أشهب خلاف هذا. قال: وإذا قال أحدهما: أنا آخذ من ماله كذا, فخذ أنت مثله. فذلك لمن أبى حتى يجتمعا جميعا ¬
[12/ 326] قال: وإن كان خراجفليس لاحدهما أن يقول: تخارج انت شهرا وأنا شهرا, لأن ذلك يختلف وليقتسما خراج كل شهر بخلاف عبد الخدمة ولو اخدم عبده رجلين هذا يوما وهذا يوما, فواجره أحدهما فى يومه ولم يجد الآخر من يؤاجره منه فى يومه أو وجر دون ذلك فلا رجوع عليه. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ولا يجوز لاحدهما ان يبيع نصيبه منه ويستثنى من ماله فماله موقوف بيده والبيع ماض وإن اختلفا؛ فقال المبتاع: ابتعته بماله. وقال البائع: ما بعته إلا بغير مال. فإنه يفسخ البيع ولا يجوز ان يشتريه أحد على ان يكون فى ماله بمنزلة بائعة, ويقر بيد العبد. قال سحنون فى العتبية: لا يجوز بيع الشريك نصيبه إلا على أن يستثنى المبتاع ماله. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا أذن احدهما للآخر فى أخذ حصته من ماله فأخذها وأبقى الآخر بيد العبد حصته, فذلك جائز عن كان معنى الهبة, وإن كان على جهة المقاسمة لم يجز, إلا أن يأخذ كل واحد منهما ما صار له, وأما أن يبقيه بيد العبد فلا. قالا: فإن مات العبد ذلك فميراثه بينهما بالسواء. وقاله ابن القاسم قالا: واقتسام/ خدمته وخدمة المعتق بعضه على ما يراه الناظر مما فيه المرفق وةإزالة الضرر, فإن كان من عبيد الخدمة والبصر لايراد إلا ذلك فاقتسام خدمته يوما بيوم او جمعة بجمعة أةو شهر بشهر جائز. وكذلك فقى كتاب ابن المواز قال: فأما شهران فكثير وللسيد أن يؤاجر شهرا ويعمل شهرا وهو لنفسه شهرا. قال ابن حبيب: قال مالك فى عبد بين رجلين يخدمته هذا يوما وهذا يوما فواجره أحدهما فى يومه بإجازة عظيمة, وآجره الاخر في يومه بإجازة يسيرة أو لا يجد من يواجره منه فلا رجوع له على صاحبه, وأما لو واجره أحدهما شهرا ثم قال للآخر واجره أنت شهرا (فليس ذلك له وما واجره به فبينهما. يريد: ولم يقتسما خدمته. قال: ولا يجوز فى عبد الخراج ان يقول أحدهما للآخر: خذ انت
خراج شهرا) (¬1) ولي أنا خراج شهر. ولم يجز لآن هذا قد تفاضل, ولكن يقتسما كلما اغتل. قيل لمالك في كتاب ابن المواز والعتبية: فللمعتق ثلث حصته من كل يوم؟ قال: لا, ولكن من شهر ثلثه ومن كل ثلاثة أشهر شهر. قال عنه ابن القاسم فى العتبية: وليصطلحا على الايام. قال ابن المواز: وإن اختلفا من يبدأ فليستهما. قال أشهب فى كتاب ابن سحنون: وأحب إلى أن يبدأ المعتق, فإن شح المتماسك استهما. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإن كان العبد تاجرا ذا صنعة وقيام بالأمور, فلا تقسم خدمته يوما بيوم, وهذا فيه من الضرر, ولكن شهرا بشهر وجمعة بجمعة. كذلك الأمة التى شأنها/ الخدمة أو الغزل (¬2) ونحوه كالعبد فى اقتسام خدمته, وأما امة شأنها الرقم وشهبه من عمل مرتفع فهى كالعبد البديل فى اقتسام خدمته وسواء عى عبد بين رجلين او معتق نصفه, فاما عبد الخراج فلا خير في قسم خراجه يوما بيوم إذ لا خطر فيه. قاله مالك وغيره. قال ابن المواز: لا يجوز فى يوم ولا غيره. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أشهب قال مالك فى التى نصفها حر يستعمل فى خصوم أو مرض او بأبق, فلا يحاسب فى ذلك بالخدمة (وليؤتنف) (¬3) بينهما. قال فى كتاب ابن سحنون: وإن بدأ صاحب الرق أو العبد ثم مرض فى أيام الآخر, فقال مالك وأصحابنا: لا يرجع احدهما على الآخر بشىء. قال ¬
أشهب: كما لو استهما, والاباق كالمرض فى ذلك. فى كتاب ابن حبيب عن مالك وغيره. قال مطرف وابن الماجشون: وكذلك عبد بين رجلين اقتسما خدمته بالقرعة أو بدأ (أحدهما) (¬1) صاحبه, ثم ابق في أيام الآخر أو مرض في أيام الأول فمصيبته تلك الايام ممن هى له, ولا يدخل على الآخر في أيامه وأما ما مرض فيه أو أبق قبل القسمة فذلك منها جميعا يبديان القسم فيما بعد ذلك. وكذلك المعتق بعضه لا يحاص بأيام إباقه أو مرضه. قال مالك: هو إذا يجعله رقيقا كله, ولكن يستقل الخدمة بينه/ وبينه من يوم يرجع. قال أشهب عن مالك في امة خصمت في عتق ثلثها شهرا ثم مرضت شهرين قالا: لا تحاسب بذلك إن ثبت لها حرية ثلثها واتؤتنف خدمتها. قيل: امن كل ثلاثة أيام يوما؟ قال: لا, ولكن من كل شهر عشرة أيام, ومن كل ثلاثة اشهر شهرا. ومن كتاب ابن المواز: ومن له الرق إن أراد السفر بالمعتق, فإن كان قريبا فذلك له, وأما في العبيد قال مالك: فليكتب له قاضى كتابا إن خاف أن يباع أو يظلم. وكذلك فى العتبية من سماع ابن القاسم من مالك قال سحنون: قال ابن القاسم: وإنما ألزمه لأن الحرية تبع للرق. قال مالك فى كتاب ابن المواز: ويشهد له فى ذلك الكتاب من أهل البلد الذى يخرج إليه وهذا عن كان سيده مأمونا أو إن لم يكن مأمونا منع من الخروج به. وقاله مرة وقال: ما أراه بالبين. قال ابن حبيب: روى فيه ابن كنانة عن مالك قال: لا يكون له ذلك حتى يكون السيد مأمونا, والعيد مستعربا. وبه أخذ ابن كنانة. وروى عنه ابن القاسم: إن كان العبد مستعربا فذلك للسيد, مأمونا كان أو غير مأمون, وإن بعد المكان ¬
كتب له القاضى كتابا. وبه أخذ ابن القاسم. وروى عنه أشهب: إن كان السيد مأمونا خرج به مستعربا كان العبد أو غير مستعرب. قال أشهب فى الكتابين: ويأخذ. يعنى ان ذلك ليس للمأمون ولا غير المامون./ قال عنه ابن حبيب: مستعربا كان العبد او أعجميا. قالا عنه: فلا يخرج به إلا برضى العبد لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك. قال ابن سحنون عن ابيه أن أشهب يخالف مالكا وقال: لا يسافر بغير إذن المتمسك, ولا يسافر هو به إلا برضاه. وبذلك قال ابن حبيب إذا أراد سيده السفر به, فأما لو (¬1) أراد الانتقال به إلى قرية يسكنها فإن كانت من الحواضر فذلك له وإن كره العبد, وعلى السيد كراؤه (¬2) ونفقته وأجرته فى أيامه حتى يبلغ به ويستقر (¬3) قراره, ويمكنه العمل والكسب, وذلك إن كان السيد مأمونا, كان العبد مستعربا أو غير مستعرب, وإن رأى القاضى ان يستظهر له كتابا إلى قاضى البلد الذى رحل إليه يعلمه بما فيه من الحرية فلعله إن أراد الرحيل إلى قرية من القرى ليس فى مثلها عمل للعبد ولا مكسب, فهو مثل السفر عندى. قال مالك فى كتاب ابن المواز وابن حبيب: وإن قضى له بالخروج به إلى سفر فنفقته كلها على السيد حتى يقدم به. ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون عن أبيه: وليس للمعتق بعضه فى قولنا أن يسافر إلا بإذن سيده, ولا يتزوج إلا باجماعتهما, وله أن ياكل مما فى يديه ويكتيى بالمعروف, وليس له أن يأخذ من مال نفسه شيئا إلا برضى من له فيه الرق إلا اكله وكسوته بالمعروف. وروى ابن القاسم عن مالك فى العتبية ولا لمن فيه ان يأخذ من ماله شيئا, وإن احتاج إليه/ وإن مرض العبد فعلى من له فيه الرق أن ينفق عليه بقدر ما له فيه [12/ 330] ¬
قال نافع عن مالك فى كتاب ابن سحنون وفى العتبية: وله أن يتجر في أيامه التى له. قيل: أن يتجر بماله الموقوف فى يديه فى التجارة المأمونة؟ قال: نعم, ويطحن, ويعمل ما شاء فى أيامه. قال ابن المواز: وإذا مات, فالمتمسك بالرق أحق بماله وأحكامه أحكام العبيد. ومن العتبية روى يحسيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أحد الشريكين, يعتق نصيبه من العبد وهو عديم, ثم يولد للعبد ولد من أمته, فيعتق الشريك الآخر حصته من الولد, ثم يموت الولد عن مال, ولم يعتق أبوه, قال: ولاؤه وماله بين الشريكين. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك, فى نصفه حر, ونصفه بين رجلين؛ أذن له من له فيه الرق, فأعتق عبدا, ثم مات ذلك العبد عن مال, فماله بين السيدين دون العبد الذى نصفه حر. وكذلك لو ولد, فكان بمنزلته, ولو أذن له من يملك نصفه أن يعتق ولده هذا, فأعتقه, ثم مات الولد عن مال, فهو بين الموليين دون أبيه, وكذلك الولاء. وقد خولففى ذلك فيما ذكر. قال: وإذا اعتق باقيه, رجع إليه ولاء ما أعتق بإذن سيده؛ لأنه لم يكتن يقدر أن ينزع ماله, فلذلك يرجع إليه الولاء
[الجزء الثاني من العتق]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثانى من كتاب العتق فى العتق باسهم وما يجوز ذلك فيه وما يجوز فيهمن كتاب ابن سحنون: لم يختلف العلماء أن النبى عليه السلام أعتق بالسهم؛ ولذلك أصل فى كتاب الله سبحانه لقوله تعالى: (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم (¬1) وقال فى يونس (فكان من المدحضين (¬2) وروى عمران بن الحصين أن النبى علية السلام, أسهم بين السته الأعبد الذين أعتقهم رجل عند موته, ولا مال له غيرهم فأعتق ثلثهم (¬3) ثم حكم بذلك بالمدينة. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت. (فقيل بتلهم وقيل فيهم). فنحن نستعمل (القرعة) فيما جاء فيه (الخبر من العتق من العتق في) المرض او الوصيه (بهم) في مسألة يعتقهم بضيق (ثلثه) عنهم. وكذلك فى المجهولين من جمله رقيق إذا كان فى مرضه أو وصيته, ولا يسهم بين المدبرين فى الصحة لأنا لا نعدو ما جاء فيه الخبر من القرعة فى عتق المرض إذ كانت رخصة لا يقاس عليها كما ... ¬
لا يقاس على المسح على الخفين. وقاله المغيرة لا يقاس على العتق (¬1) بالسهم وييعمل به فيما جاء, فأما فى عتق فى الصحة فلا. وقال بعض اصحابنا عن مالك انه يكون السهم فيمن أعتق فى صحته رأسا (¬2) من رقيقة, فللم يثبته حتى مات وهم أربعة (¬3) يعتق منهم بالسهم. قيل: يكون الاخيار لورثته فى عتق احدهم كما كان له. قال ابن القاسم عن مالك: لا يعتق بالسهم غلا فيمن أعتق فى وصيته رقيقا له, لا يحملهم الثلث (¬4) فهو كمن اعتق عند موته رقيقا لا يمك غيرهم. وفى ذلك كله القرعة (¬5). قال ابن كنانة: ولو قال اعتقوا عبدى هذين. ولا يسعهما/ ثلثه فليقرع بينهما فمن خرج عتق, فإن بقى شىء من الثلث جعل فى الآخر. ولو قال اعتقوهما فى ثلثى أو ما حمل ثلثى منهما. فلا قرعة فى هذا ويعتق منهما بالحصص محمل الثلث. وقال ابن القاسم ذلك سواء وفيه القرعة. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم. قال سحنون: يعرف عندنا إذا سمى وإن لم يسموإذا سمى فقال ميمون ومرزوق حران, فليتحاصا فى ضيق الثلث. وإن قال عبداى حران أو غلمانى احرار. أقرع بينهم. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: والوجه الذى تكون فيه القرعةأن يقول فى وصيته: رقيقى احرار. لم يدع أو بتلهم فى مرضه ثم مات. أو قال ثلثهم حر. او عبد منهم حر. أو رأس منهم. ولم يسمه ففى هذة الوجوه يكون السهم. وكذلك إذا أعتقتهم فى مرضه أو فى وصيته وثلثه لا يسمعهم ¬
[12/ 333] قال: وقال أصبغ وأبو زيد والحارث فى المبتلين فى الارض فليعتقمن كل واحد بغير سهم وأنما السهم فى الوصية, فإن كان عليه دين أسهم أيهم يباع للدين ثم أسهم للعتق, وأما المدبرون ففى الصحة والمرض سواء ثم إذ ادبرهم فى كلمة واحدة ولهم المحاصه. قال ابن القاسم: والعتق البتل يختلف فيالصحة والمرض فيسهم فى الذى في المرض لأنه كالوصية. ومن كتاب ابن حبيب وذكر مثله عن مطرف وابن الماجشون غنه إذا بتلهم في مرضه او بتل بعضهم فيه أو أوصى بعتقهم/ أو بعتق بعضهم, ثم مات ولم يحملهم الثلث قليقرع بينهم, كان له مال سوااهم او لم يكن سهامهم بأسمائهم أو قال: رقيقى كلهم أو ثلثهم. فإنه سواء يسهم كما جاء الخبر. وقال لى أصبغ عن ابن القاسم مثله. وقال لي عن أشهب: اما إذا بتلهم فى مرضه, ولا مال له غيرهم أو له مال مال غيرهم يخرج من ثلثه نصفهم أعتقت اتنصافهم كالمدبرين, وإنما جاءت السنة عن النبى عليه السلام فيمن أعتق في وصيته, وليسوا بمبتولين ولا مدبرين. وبه قال أصبغ. وقاله ابن حبيب. وقال: قال ابن نافع: إن كان له مال سواهم, لم يقرع بينهم وعتق منهم بالحصاص, وإن لم يكن له سواهم أو كاان له مال نافذ أقرع بينهم. قال ابن أو موصى بعتقهم, كانت الوصية فى عبيد بأعيانهم أو مسمين, أو في جمله رقيقالميت سواء او في جزء منهم كان له مال غيرهم او لم يكن, فهو سواء إذا صار الثلث اسهم بينهم, ولا يكون هذا فيمن أعتق ودبر عند موته, ولا فيمن أعتق وكاتب بعتقهم كما جاء الأثر, فاما غيرهم فالعتق يجرى فيهم كلهم
[12/ 334] ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال المريض عبدى حر وفلان وفلان. حتى اتمهم, وفهؤلاء يتحاصون فى الثلث بلا سهم. قال أشهب: وقد قيل يقرع/ بينهم. وكذلك ذكر ابن حبيب ومطرف. قال ابن الماجشون: وإذا اعتقهم عند موته, فسواء سماهم او قال رقيقى احرار. فإنه يقربع بينهم. وكذلك إذاأوصى به. يريد: ولم يدع غيرهم, وضاق الثلث. ومن كتاب ابن المواز ومثله من كتاب ابن سحنون: وإذا أوصى أن يعتق رأس من رقيقه وهم عشرة, فقال اشهب: لو قيل: يعتق من كل رأس عشرة لجاز وأحب إلى ان يعتق عشر قيمتهم (بالسهم خرج لذلك رأس, أو بعض رأس وغن خرج رأس وبقى فى عشرة قيمتهم أعيد السهم حتى) (¬1) يعتق مابقى. محمد: وهذا قول مالك وأصحابه ابن القاسم وغيره. قال أشهب: ولو اوصى بذلك عن رقبةلزمته عن ظهار او قتل خطأ, فليس كالاول, إذ يقع لذلك بعض رأس فى السهم ولم يرد ذلك, ولكن استحسن فى هذا أن ينظر إلى كل من يجوز فى الرقاب الواجبة منهم, فأسهم بينهم؛ فمن خرج له السهم منهم, فأسهم بينهم؛ فمن خرج له السهم منهم عتق كله ولا عتق لمن بقى. ولو قال: رأس من رقيقى حر. وهم عشرة فيفترق المرض من الصحة, فأما الصحيح فيختار منهم واحدا فيعتقه, وإن مات قبل أن يفعل فورثته بمثابة فى اختيار أحدهم ويكون من رأس ماله. وإما إن قال: ثلث رقيقى أحرار. فهذا فى المرض والصحة, يقرع بينهم فيعتق ثلثهم ولو قال: ثلثهم احرار. فيقترق الصحة من المرض فالصحيح عليه أن يعتق ثلث كل رأس منهم ويستتم عليه ما بقى من كل رأس. وإن قاله فى المرض في وصيته, عتق من كل رأس منهم ثلثه. وكذلك قوله: أنصافهم. فنصف ... ¬
كل رأس بلا سهم. ولو قيل أنصافهم أو أثلاثهم فى المرض. ثم مات, استتم عليه باقيه/ باقيهم فى ثلثه إن حملهم, وإن عاش أتموا من رأس ماله. ومن كتاب ابن سحنون: وقال المغيرة: ومن قال فى وصيته: أحد عبيدى حر. وهم خمسة اعتق خمس كل واحد. ولو قال لورثته: اعتقوا واحدا منهم. حر. وهم خمسة أعتق خمسة كل واحد. ولو قال لورثته: اعتقوا واحدا منهم. فللورثة ان يعتقوا واحدا من شاءوا, لأنه فوض ذلك إليهم. قال: وإنما القرعة فيمن اعتق عبيده ولا مال له غيرهم, فيتبع فيه الحديث وليس هذا مما يقاس عليه. قال سحنون: ضارع المغيرة قول اهل العراق فى هذا. وروى ابن حبيب عن مطرف عن مالك فيمن قال عند موته: أس من رقيقى أو أحد عبيدى حر. وهم ثلاثة, فأعرق بينهم فخرج احدهم, زهم اكثر من ثلث قيمتهم فإنه يعتق كله عن حمله ثلثه. وأخذ به مطرف وقال: هو قول ابن ابى حازم. قال ابن حبيب: وأصحاب مالك كلهم على خلاف هذا. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب فيمن اوصىبعتق عبديه, وقيمتها سواء أو مختلفة ولا يملك غيرهما, فلو اعتق من كل واحد ثلثه لم يكن به بأس وأحب إلى. قول مالك أن يسهم بينهما فيعتق من خرج إن جمله الثلث أو ما حمل منه, وإن قصر عن الثلث اتم من الآخر. محمد: وهذا قول مالك وأصحابه اجمع. قال أشهب: ولو اوصى بأحدهما لرجل وبالاخر لغيره وليس له غيرهما ولكل واحد ثلث الذى اوصى له بعينه, وهو كالعتق إلا ان العتق واحد بالسهم إذا قال فى وصيته: هما حران. وإن قال: فلان حر وفلان حر, فليعتق من كل واحد من الحصص وروى عيشسى عن ابن القاسم فيمن قال في وصيته فى عبدين: نصفهما حر. او قال/ أحدهما. أنه سواء ويعتق نصف قيمتهما بالسهم. ولو قال: أعتوقهما فى ثلثى أو أعتقوا ما حمل الثلث منها. فهو سواء ويسهم, فيبدأ من خرج بسهمه
في العتق في الصحة هل يكون فيه السهم؟
[12/ 336] ومن مات عن ثلاثة أعبد يشهد رجلان أنه اعتق فى وصيته اثنين منهما يعرفانهما, ولم يحمل الثلث إلا واحدا فليقرع بينهما, فيعتق من اخرجه السهم أو ما حمله الثلث منه فلو قال أحد الورثة فى العبد الثالث: قد اوصى أن يعتق هذا ثم ملكه. يريد ملكه الورث وقد أقر ان الميت أعتقه بعينه, فليسهم على تسميتهم بثلاثتهم, فإن اخرج سهمه عتق إن حمله الثلث او ما حمله, وإن لم يخرج له السهم فلا يعتق. روى عنه يحيى بن يحيى فى المريض يكاتب رقيقه والثلث يضيق عنهم, ولم تجز الورثة فإنه يعتق من كل واحد ثلثه ولا يقرع بينهم, ولكن إذا قطع لهم الورثة بالثلث أسهم بينهم فيه كالموصى لهم بالعتق. وفى الوصايا باب فى السهم بالوصية بالعتق. وفى آخر الثاثث من الوصايا باب فيه معنى من هذا. فى العتق فى الصحة هل يكون فيه السهم ومن قال: نصف عبيدى أو أنصافهم حر او احدهم وذلك فى صحته من كتايب ابن سحنون وغيره قال مالك وابن القاسم وغيره: لا يسهم فى عتق الصحة, وإنما السهم فى العتق المريض او فيما أبتل او ما اوصى به الرجل. وقال بعض اصحابنا عن مالك انه/ يكون السهم فيمن أعتق رأسا من رقيقه فى صحته لم يعينه, فلم ينظر فيه حتى مات. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك ومما يكون فيه السهم فى الصحة ان يعتق نصف رقيقه او جزءا يسميه, فغن ذلك فى الصحة او فى المرض او فى وصيه سواء فى أقامة السهم فيعتق من خرج إلى مبلغ قيمة الحر الذى سمى, فإن فضل من قيمة نصفهم او الجزء الذى سماه فضله حتى يقع ذلك بالسهم ثانية فى بعض آخر, فإن كان ذلك فى وصية رق ما بقى منه, وإن كان فى صحته استتم عتق ما بقى منه عليه
[12/ 337] قال ابن حبيب عن اصبغ فى صحيح قال: ثلث رقيقى احرار انه لا ينوى, ويعتقون كلهم ولا يسهم بينهم. قال ابن المواز: وأما إن قال: انصاف رقيقى. او أثلاثهم. فلا يسهم فى ذلك فى الصحة ولا فى الوصية ولكن يعتق منهم الجزء الذى سمى من كل رأس عن حمل ذلك الثلث فى الوصيه, فأما فى الصحة, فيعتق ذلك ويستتم باقيهم عليه. قال سحنوتن فى كتاب ابنه: وإن قال لعبدين لده فى صحته: نصفكما حر. قيل له: أعتق ايهما شئت. وإن قال: انصافكما حران. عتق نصفاهما حين تكلم بالقضاء, وأتم عليه نما بقى منهما. وإن قال: نصف رقيقى احرار. وهما اثنان او أربعة, فليحلغ فى قةلى انه ما أراد واحدا بعينه ثم يختار من يدعتق إلى مبلغ نصف قيمتهم ولا يمين عليه عند ابن عبدوس. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن قال لأربعة اعبد له أحدكم حر. عتق ربع قيمتهم بالسهم, فإن قال لاثنين منهما بعد ذلك ليس أحدكما (الذى) (¬1) أردت بالعتق./ ثم مات, قال: فلا يعتق إلا ثلث قيمتهم بالسهم ويكون الاثنان اللذان (¬2) قال إنما فى مقام عند واحد فى جميع قيمتهما قيمة واحدة, وفى الضرب بالسهم عنهما حتى حتى كأنهما عبد واحد, فإن خرج السهم لهما وقيمتهما الثلث اقرع بينهما فعتق ممن خرج السهم لهما مثل نصف قيمتهما, مثل ما لو لم يقل إلا لهما: احدكما حر ورد نصف قيمتها إلى ذنيك المشكوك فيهما أقل من الثلث كان للآخرين تمام الثلث مع نصف هذه القيمة. وفلاى الباب الأول من أبواب القرعة شىء من ذكر عتق الصحة ... ¬
ذكر العمل في القرعة وكيف إن سمى جزءا أو عددا
[12/ 338] ذكر العمل فى القرعة وكيف عن سمى جزءا أو عددا أو قال اثلاث رقيقى او أنصافهم؟ وكيف بما هلك قبلالقسم فى ذلك؟ قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فى تفسير القرعة: إذا اعتق موته رقيقه, فساهمهم أو قال: رقيقى حرار. او أوصى بعتقهم, ولا يحملهم الثلث, فإن لم يدع غيرهم, فإن انقسموا على ثلاثة أجزاء متعداة جزيئتهم كذلك, واكتب ثلاث بطائق, تكتب فى بطاقة اسماء جزء من العبيد, وفى الثانى أسماء جزء ثان, وفى الثالثة اسماء الثالث وتلف كل بطاقة فى طين وتحضير ذلك العدول وتعطى لمن يدخلها فى كمة من ضغير أو كبير,/ ثم تخرج واحدة فتفق فيعتق من/ فيها. ومنه ومن كتاب ابن المواز: فإن لم ينقسموا على ثلاثة بقيمة متعدلة, كتب اسم كل واحد فى بطاقة. قال ابن المواز: بعد ان يعرف قيمة كل واحد ويكتب قيمته أيضا فيه مع اسمه قلا: ويعمل بها ما ذكرنا, فمن خرج سهمه, عتق عن حمله الثلث وإلا فماحمل منه. قال ابن المواز: وإن لم يعرف اعيد السهم حتى ينتهى على مبلغ ثلث قيمتهم, فيعتق فيه ما عت وإن كان تمامه بعض عبد رق باقيه. وكذلك قال سحنون فى كتاب ابنه ولم يذكر لف البطايق فى طين, ولا ذكر إن كان ينقسموا على ثلاثة اجزاء جزوا زكذلك. والعمل على ما ذكرناه؛ وكذلك يعنى إن شاء الله. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا أوصى ان يعتق جزء منهم ثلثهم او ربعهم او سدسهم أو سمى عددا, فقال: عشرة من رقيقى. وهم ستون. او قال: وثلاثة. من عدد, فاجعل العدد جزاءا من الجملة فإن انقسموا على ذلك جزيتهم, فكان كل جزء منهم ويكتب علجى احد الاسهم أنه حر, فمن خرج له ذلك المكتوب من الاجزاء فالحرية فيهم فإن لم ينقسموا على الاجزاء الذى سمى الميت, جزيتهم على
قدر ما أقدر من الاجزاء كان أقل مما سمى او أكثر, فمن خرج له منهم سهم الحرية كانت فيهم, فإن كانوا نصف الرقيق وقد أوصى بعتق ربعهم (¬1) فالحرية فى النصف الذى خرج, فغن انقسموا على نصفين, فإن خرج واحد, فلم يف وكان اثنان أعتقت من الثانى ما بقى, وإن كانوا ثلاثة اعدت السهم (¬2) حتى يكمل ما بقى, وإن لم ينقسموا إلا على أقل من الجزء الذى سمى الميت اعتقت جميع الجزء الذى أخرجه السهم/ ثم اعددت بالسهم ليتم ما بقى من جزء ثانى على ما ذكرناه. وهذا عن وقع فى اكثر فى اثنين, فأما إن وقع فى واحد او بعض واحد فقد انقطعت الاجزاء ويسهم على كل واحد بقيمته. قال: وإذا سمى عددا اجعل ذلك جزءا من الجميع. وكذلك إن هللك بعضهم جعل العدد جزءا ممن بقى حتى لا يبقى من العدد إلا مثل ما سمى فأقل, فيعتقون عن حملهم الثلث أو ما حمل الثلث منهم. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: سواء سمى جزءا أو عددا فإنما يعتق ممن بقى جزءا ما كان يعتق من الجميع مثل ان يوصى بعتق خمسة, وهم ثلاثون فيهلكون إلا خمسة, فإنما يعتق سدس الخمسة. وقاله ابن كنانة. وقال مطرف مثل قول ابن القاسم: إنه يعتق الخمسة. قالا: إن حملهم الثلث, وإن ترك مالا غيرهم استكمل من ثلثه جميع ما سمى من العدد. قال مطرف: وإن هللك منهم عشرة قبل ذلك, جعلت التسمية جزءا فيمن بقى, فإن بقى عشرون عتق ربعهم. وقال ابن الماجشون وابن كنانة: يعتق سدس من بقى أبدا. وقال سحنون فى كتاب ابنه ان المغيرة يقول: إذا أوصى برأس من رقيقةلرجل وهم خمسة لا يملك غيرهم, فمات منهم أربعة وبقى واحدا, وأنه يأخذ خمس ¬
الخمسة من ثلث هذا الواحد إن حمله الثلث, فإن لم يحمله وللميت ثلث يحمل ذللك, وكان العبد الباقى خمس الخمسة أخذه, وإن كان خمس الخمسة أكثر منه لم يكن له غيره, وإن كان أكثر لم يعط منه إلا خمس الخمسة. وكذلك إن كان له ثلاثة أعبد فأعتق منهم واحد, ومات اثنان/ فإن كان الباقى كثل ثلث الثلاثة (عتق إن الثلث, وإن كان أكثر لم يعتق منه إلا مبلغ ثلث الثلاثة) (¬1). قال مثله ابن كنانة. والذى قال أصحابنا, مالك وغيره: فإن من مات كأن لم يكن, وإنما يعمل على يوم النظر فى الثلث. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال: أنصاف رقيقى او أثلاثهم حر. يريد فى وصية. عتق من كل واحد منهم بالمحاصة, ومن مات منهم عتق ما ذكر من أنصاف او أثلاث ممن إن حمل ذلك الثلث أو ما حمل منه. قال سحنون فى كتاب ابنه: إن أوصى بعتق انصافهم عتق (نصف) (¬2) كل واحد. ولو قال: نصفهم. عتق نصفهم بالسهم. وكذلك عن قال: رأس منهم وهم ثلاثة عتق ثلثهم. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون فيمن قال: أثلا رقيقى. أو انصافهم. او نصف كل رأس. او ثلث كل رأس حر. عتق من كل رأس ما ذكرنا إن حمله الثلث. ولو قال: رقيقى. أو ربعهم. أقرع بينهم. وإن مات واحد منهم قبل (ذلك) (¬3) عمل فى باقيهم كما كان يعمل قبل ذلك. وإن قال: خمسة منهم. وهم ثلاثون عتق سدسهم بالسهم, وقع لذلك رأس أو خمسة أو اكثر أو أقل. وكذلك إن خرج بعضهم فأعيد السهم, فكان تمام ذلك بعض رأس. وكذذلك فيما سمى من العدد على هذا. قال ابن القاسم: إن ترك مالا غيرهم, استكمل عتق جميع ما سمى فى ثلث ماله حتى يتم ما سمى فى وصيته ¬
ذكر القرعة فيمن عليه دين وقد أعتق عبيده وفيهم فضل
[12/ 341] قال ابن حبيب: فإن لم ينظر فى العدد حتى هلك بعضهم قال مطرف: فتصير التسمية التى سمى فيمن بقى منهم, فإن بقى عشرون عتق ربعهم. قال ابن الماجشون: بل يعتق سدسهم كما/ كان يعتق أولا. وقاله ابن كنانة. وقال ابن القاسم كقول مطرف, فإن لم يبق إلا خمسة عتقوا فى قول ابن القاسم ومطرف فى الثلث وفى قول ابن الماجشون وابن كنانة, يعتق سدس من بقى ولو بقى واحد. قال سحنون وقال المغيرة: وإن أوصى أن فلانا حر بعد شهر وفىن حر بعد شهرين, وفلان حر بعد ثلاثة أشهر. قال: يتحاصون إن ضاق الثحلث فيعتق من كل واحد ما حمل الثلث إلى آجالهم. وأجازة سحنون وقال: ليس ها هنا سهم لأنه سهامهم بأعينهم. ومن كتاب ابن المواز وإن قال: فلان حر وفلان حر وفلان حر على أن يؤدى إلى ورثتى مائة دينار. فأداها, فيتحاصان وقد قيل: يعتق واحد بالسهم فى الثحلث. يريد محمد: نصف قيمتهم. ذكر القعة عليه دين وقد اعتق عبيده وفيهم فضل وكيف يقرع للدين وللعتق؟ وكيف إن كان له مدبرون ومكاتبون مبتلون؟ ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم فييمن قال فى مرضه: بيعوا رأسا من رقيقى فاقبضوا به دينى وباقيهم أحرار. ولا مال له غيرهم, فليسهم بينهم أيهم يباع, فمن خرج بيع للدين, ثم أسهم فى بقيتهم للعتق منهم من خرج إلى مبلغ الثلث, وإن لم يف الخارج أعيد السهم إلى تمام ثلثه. قال أصبغ: مثل أن يكون دينه ثلاثين, ورقيقه خمسة قيمتهم خمسون ومائة, فيخرج السهم للدين عبدا قيمته ثلاثون فيباع للدين, والباقى عشرون ومائة ثلثها أربعون فيسهم للعتق إلى/ مبلغ أربعين, خرج لذلك عبد أو بعض عبد أو عبد وبعض آخر
[12/ 342] قال ابن القاسم: وإن خرج للدين عبد (أو بعض عبد) (¬1) لا يفى له, فبقية دينه فى بقية ماله من العبيد وغيرهم. قال أصبغ: إذا كان له غيرهم ويتم به الدين أتم منه ثم يعتق فى ثلث ما بقى او حمل الثلث منهم بالسهم, ولابد ان يخص للبيع فى الدين أحدهم ليس على أنه مبلغ الدين, ولكن عن كانوا ثلاثة فثلث القيمة وهو رأس من عددهم كما ذكر وإن كاان ما اخرج السهم لذلك لا يفى, فالباقى الدين فى بقى ماله من العبيد وغيرهم, ينظر مبلغ الدين فيعتق من العبيد قدر ثلث ذللك كله بالسهم وإن لم يقل: فبيعوا رأسا منهم لدينى وأعتقهم جميعا ولم يدع غيرهم, اسهم بينهم فيمن يباع للدين؛ بيع فييه رأس أو رأسان ثم يسهم العتق فى ثلث ما بقى, وأن كان له غيرهم قضى منه دينه ثم عتق جميع العبيد فى ثلث ماله او ما حمل منه الثلث بالسهم. قال أصبغ: فإن قصرما سوى العبيد من ماله عن دينه, أسهم بينهم فيمن يباع منهم لتمام الدين ثم أسهم للعتق. ومن كتاب ابن سحمون فيمن له عشرة أعبد قد دبرهم فى صحته, وعشرة قد بتل فى مرضه, وعشرة اوصى بعتقهم قيمة كل عبد عشرة, فذلك ثلثمائة دينار. يريد ولا مال له غيرهم وعليه دين مائة دينار, فإنه يباع للدين من الموصى (¬2) بعتقهم, او كان له الرجوع فيهم ولفو كان الدين مائتين لبيع من المبتلين ايضا فى المرض وإن كان الدين أقل من مائتين بيع الموصى/ بعتقهم أولا, ثم أقرع بينهم فيمن يباع للدين من المبتلين, فيقضى, ثم يبدا المدبرون فيعتقون فى الثلث إن كان حملهم وإلا تحاصوا فيه بلا قرعة, فإن حملها وبقيت فضله, عتق فيها ممن بقى من المبتلين فى المرض بالقرعة, فمن خرج سهمه عتق إلى مبلغ باقى الثلث ... ¬
[12/ 243] وإن كان الدين محيطا بانصاف المبتلين وليس فى الثلث ما يحمل المدبرين أو يحملهم ولا فضل فيه فليتبع الورثة من أجنوا من المبتلين بلا قرعة, وإن كان الثلث حمل المدبرين والمبتلين, وتبقى منه بقيه يحمل بعض الموصى بعتقهم فليباع منهم بالقرعة للدين, ثم يقرع بين من بقى منهم للعتق فى بقية الثلث, فغن كان لا فضل فى الثلث على المدبرين والمبتلين او تقصر عنهم فليتبعوا من شاءوا من الموصى بعتقهم, وإن كان الدين يغترق الموصى بعتقهم والمبتلين وبعض المدبرين فلا يقرع بين المدبرين فيمن يباع للدين, ولكن يباعه من كل واحد منهم بالحصص ثم له من عتق الحصة, وإنما جاء السهم فيمن اعتق عند موته وإن (كان صحيحا) (¬1) أعتق عبيده ثم قيم عليه بدين قديم فانما يباع منهم بالحصص للدين وإنما السهم فى العتق فى الوصية أو فى المرض, فيباع للدين بالقرعة ثم يعتق ممن بقى بالقرعة. ولو أقرع للدين فخرج من ثلثه (¬2) أكثر من الدين بيع منه للدين, ثم ادخل ما بقى فى السهم للعتق مع بقى وغن خرج من لم يف بالدين أقرع لباقيه, فإن خرج من يفضل عن الدين بيع منه للدين وأدخل ما بقى فى القرعة للعتق مع من بقى منهم, فغن خرج/ بقية هذا العبد اعتق فى الثلث, وإن كان كفافة رق من بقى منهم, وإن لم يف السهم للعتق فى باقى الثلث حتى بستةعب دفع لذلك عبد او بعض عبد ... ¬
فيمن قال في مرضه أو في وصيته أحد عبيدي أو رأس منهم حر
[12/ 344] فيمن قال فى مرضه أو فى وصيته احد عبيدى أو رأس منهم حر او قال أعتقوا فلانا أو فلانا أو قال فلان وفلان من كتاب ابن سحنون قال سحنون: قال اصحابنا فيمن قال فى وصيته فى عبدين له: أحدهما حر. فإن كادن له مال يخرج نصف قيمتها من ثلث (ماله كله) (¬1) , أسهم بينهما وأعتق من خرج كله إن كانت قيمتهما سواء, ورق الآخر إن كانت قيمته اكثر من قيمة صاحبه عتق منه مبلغ نصف قيمتهما, ورق ما بقى مع الآخر, وإن كانت قيمته أقل من الآخر عتق كله من الآخر تمام نصف مع الاخر, وإن كانت قيمته أقل من الآخر عتق كله وعتق من الآخر تمام نصف قيمتهما, وإن لم يدع غيرهما وقيمتهما سواء أعتق من الذى خرج له السهم ثلثاه, وإن كادن قيمته أربعين وقيمة صاحبه عشرون عتق نصفه, وإن كان السهم لصاحب العشرين عتق كله ورق الآخر, وإن كان قيمة ذى السهم وذلك عشرة دنانير تمام الثلث. هذا قول مالك وأصحابنا إلا المغيرة. قالوا: فإن غفل عن السهم حتى مات الرقيق إلا واحدا فليعتق الذى بقى حمله الثلث, ولو كان الرقيق خمسين فهلكوا إلا خمسة عشر (¬2) أعتق عشر من بقى بالسهم, خرج لذلك واحد او بعض واحد او اقل او واحد وبعض وآخر ومن/ كتاب ابن المواز فيمن أعتق عند موته رأسا من رقيقه ولم يسمه, وهم عشرة, فليعتق عشر قيمتهم بالسهم خرج بذلك رأس أو بعض اكثر من ذلك, وإن مات قبل ذلك أعتق خمس الخمسة الباقين. وكذلك من اوصى لرجل ببعير من أبله, فإنه به فى العدد شريك ويقسم ذلك بالسهم ... ¬
[12/ 345] قال حبيب قال ابن الماجشون: وسواء قال احد عبيدى حر. أو رأس منهم. او عتق أحدهم او رأسا منهم, فإنهم إن كانوا ثلاثة فليعتق ثلثهم بالسهم. قال حبيب عن ابن الماجشون: ومن قال عند موته لعبيديه أحدكما حر. فليعتق نصف قيمتهما بالسهم, وإن قال: يريد ان سالما حر فليعتق جميع احدهما بالسهم إن خرج له, لأن ما سمى ها هنا معرفة, وفى الاولى نكرة. وكذلك من قال: أسهموا بين عبيدى, فمن خرج سهمه فاعتقوه. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن مات عن ثلاثة اعبد, فشهد شاهدان انه أعتق منهما اثنين منهم فى وصيته يعرفانهما, ولم يسع الثلث (¬1) إلا واحدا, قال: يسهم بينهما, فمن خرج سهمه عتق أو ما حمل الثلث منه. قيل: فإن قال احد ورثته للعبد الثالث: قد أوصى ان يعتق هذا, ثم هلك فإنه يسهم بينهم, فغن خرج سهمه عتق او ما حمل الثلث منه, وإن لم يخرج فلا عتق له ويجبر على ذلك. قال أبو محمد: هذة المسأله من قوله فغن قال ورثته على آخرها فيها نظر. وفى الباب الاول كثير من مسائل هذا الباب. ومن قوله: أحد عبيدى حر أو نصفهم. وقد قال ذلك فى مرضه او وصيته أو فى صحتة. قال ابن سحنون عن/ ابيه: ومن قال عند موته: رقيقى حر او أحرار, وله عبدان او ثلاثة (قال حر عتق واحد بالسهم, وإن قال احرار فهم اثنان من ثلاثة) (¬2) او اثنان مما زاد على الثلاثة ... ¬
فيمن قال في صحته أحد عبيدي حر
, [12/ 346] فيمن قال فى صحته احد عبيدى حر أو ذكر الاسم وأسماؤهم سواء وكيف إن لم يسأل من اراد حتى مرض أو مات؟ او قال ذلك فى مرضه من كتاب ابن سحنون فيمن قال فى صحته لعبديه: أحدكما حر أنه يسأل ويقبل قوله فيمن قال: انا أردته. قال ابن القاسم: بغير يمين وأنا لقول إنه يحلف. وقال أشهب إنه يحلف, فإن نكل عتقا عليه جميعا؛ هذا بإقراره له, وهذا بنكوله. وإن قال: نويت ولا أدرى من نويت عتقا جميعا. وإن قال: لم أنو شيئا. حلف واختار عتق أيهما شاء, فإن مرض ذلك سئل؛ فإن قال: هذا نويت قبل منه, وإن قال: لم أنو أحدا فليختر واحدا, فإن مات قبل فلورثته من الخيار ما كان له يختاروا واحدا, فيعتق من رأس المال, كان أكثر من نصف قيمتها أو أقل هذا ولو قاله فى المرض ثم مات عتق نصف قيمتها بالسهم. وروى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم فى القائل لعبديه إن أحدكما حر. وقجال: هذا أردت هذا. فذلك له إلا أن تزيد قيمتة الاخر فيكون الفضل فى ثلثه. قال سحنون: وقال غير ابن القاسم: بل يكون من رأس ماله وإن زادت قيمته. قال سحنون: فإن قال فى صحته: لم أنو أحدا بعينه. فله أن يختار ويعتق يختار ويحلف فى قولى. قال ابن المواز: فإن لم يختر حتى/ مرض فلله أن يختار ويكون من يختار حرا من رأس المال, وكذلك ما يختار ورثته بعده إن ماات ولم يختر كان أكثر من نصف قيمتها أو أقل. قال سحنون: فإن لم يختر حتى مات أحدهما او مرض السيد, وعلى قوله فى الصحة بينه, فيسأل إن قال: أردت الميت. حلف وإلا عتق الحى, وإن قال:
أردت الحى. عتق فى رأس ماله بعد يمينه ولو أقر بهذا فى مرضه أنهكان منه فى صحته ولا بينه فيه, فإنه لا يعتق هذا فى ثلث ولا غيره ولو قيد بابنية فقال فى مرضه: ما أردت أحدا بعينة فليعتق الحى فى رأس ماله وفيه تنازع, وهذا أصح. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى فيمن قال: أحد عبيدى حر, فمات قبل اختسيار احدهم ان ورثته من الخيار ما كان له. قال ابن المواز: وكذلك روى عنه ابو زيد وهو احب إلى. وقاله أشهب وأصبغ. قال ابن حبيب عن أصبغ: وإلى رجع ابن القاسم, وهو القياس. روى العتبى عن محمد ابن خالد عن ابن القاسم مثله. وقال سحنون: بلغى عن مالك انه قال: يعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة وإن كانوا أربعة فربعهم. قال سحنون: أقول بقول ابن القاسم أن للورثة ان يختاروا إن اجتمعوا وإن اختفلوا بقول مالك. وذكر لسحنون أن عيسى روى عن ابن القاسم مثل قول مالك الذى بلغه. قال ابن المواز عن ابن القاسم: إن اختلفوا أعتقت الادنى. وروى عيسى عن ابن القاسم فى القائل فى صحته: إن شفى الله مريضى أو قدم ابى فرأس من رقيقى حر, فيعتق او يقدم أبوه فإنة يؤمر أن يوقع العتق على من يشاء, فإن لم يفعل حتى مات جرى العتق/ فى جميعهم , جزء من عددهم إن كانوا ثلاثة فأثلاثهم, أراد: يختر بربعهم فإن باعهم. قال ابن حبيب عن أصبغ: وإن قال أيهما شاء, فيعتقه فإن مات قبل ذلك فلورثته من الخيار ما كان له. ولو قال ذلك عند موته ثم مات أسهم بينهما فيعتق من خرج له السهم, كانت قيمة اكثر من نصف قيمتها او أقل وليس مثل قوله: أحد عبيدى حر. هذا يعتق نصف قيمتهما بالسهم. قال ابن المواز: من قال لعبده ولحر: احدكما حر, فلا شىء عليه
فيمن قال لعبدين له أحدكما حر
[12/ 348] قال ابن سحنون عن أبيه فيمن له عبدان اسمهما يزيد, فقال فى مرضه: يزيد جر ثم مات ولم يسال فليعتق منهما بالسهم مبلغ نصف قيمتهما إن حمل ذلك الثلث, فإن كانت قيمة واحد عشر وآخر خمسة عشر فتصف قيمتها اثنا عشر ونصف وإن خرج من قيمة خمسة عشر عتق منه خمسة أسداسه, وإن خرج من قيمة عشرة عتق كله, ومن الآخر سدسه وإن لم يكن له غيرهما, وقيمةواحد عشرة وآخر عشرون, فإن خرج الادنى عتق وحده وإن خرج الآخر عتق نصفه. قال: وإن كانوا ثلاثة وقيمتهم سواء عتق من خرج له السهم فى ثلث قيمتهم, وإن كانوا أربعة فربع قيمتهم كان له مال غيرهم او لم يكن, وإن كانواغ ثلاثة قيمة واحد عشر وآخر ثلاثون, فخرج السهم لذى العشرين فلا يعتق غيره, وإن خرج لذى الثلاثين عتق ثلثثاه وإن خرج ذو العشرة عتق وأعيد السهم ليعتق تمام عشرين, وهى ثلث قيمتهم فى أحد الباقين, فإن كانوا اربعة فالعمل على ربع قيمتهم ففيهما يعتق من خرج على ما ذكرنا من اختلاف/ القيم واتفاقيتهما, فإن اتسع ماله قال المغيرة: وإذا قال عند موته: يزيد حر. وله غلامان اسم كل واحد يزيد فليعتق نصف كل واحد إن حمل ذلك الثلث. وإن اتسع ماله, وإلا فبقدر ما حمل منهما. (قال سحنون: فنازع المغيرة فى هذا قول العراقيين وزال عن قومنا) (¬1). فيمن قال لعبدين له احدكما حر ثم قال لأحدهما ولثاث احدكما حروذلك فى صحته او مرضه من كتاب ابن سحنون عن أبيه ومن كتاب ابن المواز ومن كتاب ابن حبيب عن اصبغ وذكر نحوه ابن الماجشون فيمن له ثلاثة اعبد: ميمون ومبارك ... ¬
وزيد, فقال فى صحته لميمون ومبارك: أحدكما حر. ثم قال لميمون وزيد: احدكما حر. فإنه يختار عتق الذى وقجع له القول مرتين وهو ميمون رق الباقيان, وإن أرقه عتق الباقيان وكذلك إن مات هذا العبد قبل ان يختار عتق الاول والثالث لنه كان قرينا لكل واحد منهما, فامتنع الخيار بموته, فأما إن اختار مبارك او زيد, فلابد له من عتق أحد الباقين قال سحنون: ولو مات السيد قبل أن يختار فقال ابن القاسم: فالخيار لورثته لأنه من عتق الصحة لا قرعة فيه. وقال غيرة: إذا قال لعبديه فى الصحة: احدكما حر. ثم مات قبل الخيار, أنه يقرع بينهما فعلى هذا يقرع بين الثلاثة, فإن يخرج ميمون عتق ورق الباقيان وإن خرج على أحد هذين أقرع بين الآخر وميمون, فيمن خرج عتق, والعتق فى ذلك من رأس المال ولو كان هذا منه فى المرض, ثم مات ولم يدع غيرهم وقيمتهم سواء اقرع بينهم, فإن خرج ميمون عتق فى ثلث قيمتهم لأنه ثلث الميت, ورق الباقيان لتمام/ ثلث قيمتهم, وهم تمام الثلث. كذلك من خرج أولا منهم عتق ورق الباقيان, لأنه عتق فى نصف قيمته وقيمة من قارنه. وكذلك فى هذا يساوى الثلث وميمون, فيفارق لكل واحد منهما, ولو أن له مالا سواهم. يخرج اولا مبارك لعتق, ثم إن بقى من ثلث الميت, اقرع بين ميمون وزيد, فمن خرج سهمه اعتق فى نصفه قيمتها إن حمل ذلك ثلثه, وإن لم يدع غيرهم, وقيمتهم مختلفة, فقيمة ميمون خمسون, ومبارك مائة وخمسون, وزيد مائة, فثلث قيمتهم مائة, فيقرع بينهم, فإن خرج ميمون عتق وبقى من الثلث خمسون, ثم نظر إلجى نصف قيمة ميمون ومبارك, فذلك مائة, خرج منها ميمون خمسين, وإلى نصف قيمته وقيمة زيد, فأصبحنا خمسة وسبعين, خرج منها ميمون بخمسين فيه, ضرب مبارك وزيد فى الخمسين التى هى باقى الثلث بما بقى لكل واحد منهما من تمام نصف قيمته وقيمة ميمون المقارن لكل واحد منهما بالباقى لمبارك من نصف قيمتها خمسون, والباقى لزيد خمسة وعشرون من نصف القيمة, فتصير
الخمسون بقية الثلث بينهما, لمبارك لثاها لزيد, فليعتق من مبارك تسعه, ومن زيد سدسه. ولو كان له مال واسع يخرج من ثلثه ميمون, وتمام نصف قيمة كل واحد مع ميمون, وإذا لم يدع غيرهم, وخرج السهم اولا لزيد, وقيمتهم هكذا مختلفة, لعتق ثلاثة ارباعه لأنه قرين لميمون, ونصف قيمتهما/ خمسة وسبعون (¬1) , ثم يعاد السهم بين ميمون, ومبارك, فإن خرج ميمون, عتق منه تمام الثلث, وهو خمسة وعشرون, وذلك نصفه, ويرق نصفه, زيد ومبارك كله, فإن كان الثلث يحملهم, عتق ميمون فى نصف قيمته مع نصف قيمة مبارك, وإذا لم يدع غيرهم, وخرج السهم لمبارك, عتق منه تمام الثلث, خمسة وعشرون, وذلك سدسه ولو حملهم الثلث فخرج, السهم ها هنا لمبارك, عتق منه ثلثاه وهو نصف قيمته وقيمة ميمون. وهذه المسالة ذكرها ابن حبيب عن ابن الماجشون وقال فى سؤاله, ثلاثة أعبد يزيد ومبارك وميمون فقال: ليزيد ومبارك: احدكما حر. ثم قال لمبارك وميمون: احدكما حر. ثم مات, فإنه يقرع بين يزيد ومبارك فى نصف قيمتهما, فإن خرج يزيد وقيمته مثل نصف قيمتهما, عتق, وإن كان أكثر, عتق منه مبلغ ذلك, وإن كان أقل, عتق ما بقى من نصف قيمتهما فى مبارك, ثم اسهم فى مبارك وميمون. فإن خرج سهم مبارك, عتق منه فيما رق منه نصف قيمته, وقيمة ميمون. يريد نصف قيمتهما كاملة, فإن تم بذلك عتقه كله, وكان ذلك تمام نصف قيمتهما رق ميمون, وإن لم يوعبه عتق منه مبلغ نصف قيمتها مع ما عتق منه اولا, وإن استوعب عتقه وبقيت فضله جعله فى ميمون. ¬
ولو خرج فى هذا سهم ميمون أولا, عتق منه نصف قيمة مبارك, فإن كان كفافا, لم يعتق من مبارك إلا ما عتق, وإن نقص عن نصف/ قيمتهما, عتق تمام النصف فى مبارك, وإن فات قيمة ميمون, لم يعتق إلا مبلغ نصف قيمتهما. ولو خرج سهم مبارك اولا قبل يزيد فى القرعة معه, عتق منه قدر نصف قيمته, وقيمة يزيد, فإن كان كفافا (رق يزيد وكررت القرعة بين مبارك وميمون, فإن خرج سهم مبارك أيضا وقيمته كفافا) (¬1) لنصف قيمته وقيمة ميمون, رق ميمون, كما رق يزيد, وإن كانت قيمته أقل من نصف قيمتهما, اعتقت تمام نصف قيمتها فى ميمون , وإن خرج سهم ميمون قبل مبارك, وكان قيمة النصف من قيمتها, عتق كله مبلغ قيمتهما فقط, وتبدئة القرعة هاهنا ليست بتبدئة فى العتق, ولكن اعتبارهم فى الثلث بالسواء إن حملهم, وإلا حوصص بينهم بقدر ما أصاب كل اواحد منهم. وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن سحنون قال الملك فيمن قال فى صحته: فلان حر. ثم يقول له ولآخر: انتما حران, أو: فلان. فقال أيضا: هما حران او فلان لثلث, فالأول عتيق, لأنه أفرده ثم جمعه مع آخر بالشك فيغيره لا فيه, ثم صار للثانى من العتق ما للأول لأنه ضمه إليه فى قوله الثانى بقوله: انتما حران أو فلان. فصار بذلك ايضا حرا كالاول, وصاغر خياره فى الثالث. فإن قال: أردت عتقه, وإن قال: لم أرده حلف, ولو قال هذا فى المرض كان على البتل, فغن حمل الثلاثة ثلثه, عتقوا كلهم, وإن لم يحملهم, عتق الاولان ورق الثالث ¬
فيمن قال لعبديه أحدكما حر ولم يعين حتى دخل معهما ثالث فلم يعرف
[12/ 352] فيمن قال لعبديه أحدكما حر ولم يعين حتى دخل معهما ثالث فلم يعرف أو اختلط عبد لك بعبيد بعينه ثم نسيه أو اعتق أحدهم وأبى أن يختار/ من كتاب ابن المواز: ومن قال لعبديه: احدكما حر. فلم يعين حتى دخل معهما عبد ثالث فلم يعرف, فليميز منها اثنين فيعتقهما, وإن كان لغيره فأحب إلى أن يبدأبالقسم, فيكون لصاحبه ثلثهم بالسهم, ثم يعتق العبدان الباقيان لنى اخاف ان يكون وقع لصاحب الواحد احد اللذين وجب فى أحدهما العتق, فإن وقع لصاحب الواحد اكثر من واحد, اعطى قيمة الفضل. من كتاب ابن سحنون: ومن له خمسة اعبد سود, فقال: أحدهم حر. فدخل فيهم عبيد لغيره, فلم يعرف قبل ان يختار, قال: يختار من الستة واحدا فيعتقه, ثم يصير لصاحب سدس قيمة الذى اعتق, ويكون شريكا له فى الخمسة بسدسهم قلت: فقد يختار الداخل الذى لم يكن له فى العتق حظ. قال: خلطهم اوجب الشركة فى الجميع, فصار حظ العتق فى الجميع, له الخيار, لو ان من اختلط عبده فى عبيد غيره, فاعتق أحدهم, فهو كشريك اعتق احدهم, فيختارواحدا فيعتقه ويضمن لشريكه مصابته منه, وكادن يقول: يقال لهما: اخرجا العبد الداخل. فغن جهلاه, عتق العبيد كلهم, وغرم المعتق لشريكه حصة عبيده. قال: وإذا دخل بينهم فجهل, ثم زعم ربه انه اعتقه قبل ذلك, غنه يقال لرب العبيد كلهم: أخرج عبد هذا. فإن لم يعرفه, عتقوا عليه كلهم, ولو كان إنما اعتقه بعد إخلاطه, لقتل له أيضا: أخرجه من عبدك, وغلا عتقوا عليك
[12/ 353] ومن كتاب ابن المواز, قال ابن القاسم: وإن قال فى ثلاثة اعبد: قد اعتقت واحدا/ منهم. فسئل من هو؟ فقال: ما اسميه اخذ بذلك, فإن ابى سجن حتى يعتقاحدهم أو يموت, فيعتق ثلث كل واحد, ويوقف خراجهم حتى يعتق أحدهم او يموت. وإن شهد علييه بهذا وهو منكر, فإن لم يقر حتى يختار أحدهم إن لم ينو تبين واحد منهم, وإلا سجن حتى يفعل, وإن كان بعد موته, عتق من كل واحد جزء يريد بقدر عدتهم (روى عن ابن القاسم أن الخيار لورثته, وقاله أشهب أبو زيد عن ابن القاسم) (¬1) وهو أحب إلى. قال محمد: وإذا سجن وامتنع واصر اعتق السلطان عليه أدناهم, وكذلك ورثته إن كان فيهم صغار, ولو كانوا كبار فاختلف, فإن لم يكن للصغار وصى فالسلطان. قال ابن سحنون, عن أبيه, قال: فإن سئل فقال: لا أعرف من اردت. فقيل له: اعتق أيهما شئت. فأبى, فليعتقهما عليه السلطان. قال ابن المواز: وإذا اختلط عبد لك بعبيد لرجل فلم يعرف, فغن اخرج صاحبهم منهم عبدا فقال هو هذا. فإن أنكره صاحبه فليس على الآخر غير اليمين, فإن قال: لا أعرفه فليس له غيره. قال أشهب: يحلف صاحب العبيد. قال ابن المواز: لا يمين عليه, إلا أن ينكر صاحب العبد انه عبده, فها هنا يحلف صاحب العبيد, فإن نكل صدق صاحب العبد فيما يدعى مع يمينه, فإنه نكل فليس له غيره. وإن أعتق صاحب العبد عبده قبحل أن يعرف , فإنه يقسم الرقيق على جزء عدتهم عن كانوا تسعة وهو عاشرهم, فله عشرهم, فيقسمون. قال: فإن وقع له ... ¬
فيما قامت عليه بينة أنه أعتق أحد عبيده ولو يعينه وهو منكر
أقل من عبد ااتم عليه, وإن صار له (واحد عتق, وإن صار له) (¬1) عبد وبعض ىخر عتقا عليه, وغرم لصاحبه الفضل./ ولو أعتقه أن يختلط عتقوا كلهم, إلا أن يكون على الميت دين بحيط بقيمة عبده ولا مال له, فلا يعتق منهم, ويكون الجواب مثل الأول. قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن حنث فى عبد من عبيده فى صحته او فى مرض مات فيه, ثم اختلط عليه, فأما فى الصحة فيعتق جميعهم, واما فى المرض فيعتق من كل واحد منهم ثلثه عن كانوا ثلاثة أن كانوا ثلاثة, وإن كانوا خمسة, فخمس كل واحد, وإن كان حنثه فى نوق أو شاة, فاختلط بغيره, فإن كانوا عشرة تصدق بعشرة قيمتهم. وكذلك اكثر أو أقل على سواء. قال ابن المواز: ومن أعتق فى مرضه عبدا بعينه من عبدين, فلم يعرف مات فليعتق نصفهما بالسهم. فيمن قامت عليه بينة أنه اعتق أحد عبيده ولم يعينه وهو منكر او كان ذلك فى يمين حنث فيها وكيف إن قالوا أعتق واحدة ثم تزوجها ولم يسمها؟ قل ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: ومن قامت عليه بينة انه أعتق أحد عبديه, وهو منكر, إنه يقضى عليه بعتقهما جميعا, كما لو شهد بذلك انه طلق إحدى امرأتيه. قال: ولسنا نأخذ بهذا, وهو مخير فى عتق أيهما شاء, بخلاف الطلاق, إذا اقر أو أنكر ¬
[12/ 355] قال أشهب, وأصبغ: ومن قال: امرأتى فلانة او فلانة طالق عن فعلت كذا. فحنث, لإنهما تطلقان عليه. ولو قال: عبدى فلان أو فلان حر. فحنث فليختر احدهما فيعتقه لانه يعتق بعض عبد, ولا يطلق بعض امرأة. قال/ ابن المةواز: ليس قوله فى المرأتين: هذه طالق او هذه. كقوله إحداهما طالق. وله أن يختار إحداهما فيطلقها. فى قوله: هذه أو هذه. لأنه أفصح بالاختيار. قال ابن المواز: وإن شهدت عليه بينة انه طلق إحدى امراتيه, او أعتق أحد عبديه, ولا يعلم (¬1) من هو منهما, قال فى كتاب الشهادات: نسيا أيهم هو, قال فلا شهادة, او أراد يكونان بذلك لعد موت السيد فى العتق, من كل واحد نصفه, ولو كانوا ثلاثة, فمن كل واحد ثلثه. قد أصبغ: هذا خطأ, والشهادة ساقطة, وكذلك فى حياته إن أنكر. وقاله ابن المواز. وذكر أصبغ, عن ابن القاسم فى موضع ىخر من كتاب ابن المواز مثل هذا القول الذى لأصبغ, قال: وإلى هذا (رجع. قال أصبغ: ولو كانت الشهادة أنه تصدق بأحدما على رجل. فالشهدة باطلة, وإن قيم بها فى صحته, وإلى كان بعد الموت كان الرجل شريكا للورثة. قال أصبغ: الصدقة وغيرها سواء وذلك باطل) (¬2) فى الحياة والموت. قال ابن حبيب عن أصبغ: ولو قال الشهود: سمعناه يقول فى صحته: أحد عبيدى حر. او كان فى يمين حنث بها, وقالوا: لا يدرى ما اراد. فالشهادة جائزة, ويقال له: اختر واحدةفاعتقه, جحد او أقر. وكذلك يختار ورثته من بعده. وكذلك لو قالوا: سمعناه يقول يزيد حر وله عبدان يسميان كذلك, فإن لم ينو واحدة بعينه فليوقع العتق على منم شاء متنهما, غلا ان يقول الشهود: قد كنا ... ¬
نعلم اى يزيد هو, فنسيناه فلا شهادة لهم, ويحلف السيد بالله لما اعتق واحدا منهما. قال ابن المواز, عن ابن القاسم:/ ولو شهدوا انه اعتق جارية من رقيقه, وتزوجها ولم يسمها لهم حتى مات, فادعت كل جارية أنها هى, فإن عرفت عدتهن يوم أشهد بذلك, عتق منهن جزء بقدرعدتهن فإن كن عشرة, فعشر كل واحدة, ولو قلت لهن فى واحدة, لم تصدق, وفيهن يرفع ما ينالهن من ضرر عتق شقص من كل واحدة منهن وكذلك ذكر عنه ابن حبيب والعتبى من رواية عيسى, وزاد: ولو مات بعضهن لم يعتق من البواقى إلا ما كان يعتق منهن مجتمعين (كذا) فإن كن عشرة فعشر ما بقى منهن بعد الموت, ولو كان إنما باع خمسة وأبقى خمسة, رجع العتق فيمن بقى فيعتق خمس الخمسة الباقى. قال أصبغ: ثم رجع ابن القاسم, فقال: يختار ورثته من شاؤا (ولا ميراث فى النكاح) (¬1). قال ابن المواز وابن حبييب عن أصبغ فيما ذكر اصبغ عن ابن القاسم فى هذه المسألة: قال أصبغ: ليس بصواب, ولا يعتق منهن شىء, لا يختار الورثة, ولا بغير ذلك, بخلاف من اعتق من عبيده, وكأن هذه نفسها التى تزوجها كالتى نسيها الشهود. قال ابن القاسم: ولا ميراث لواحدة منهن. قال أصبغ: وهو كمن قال فى عبديه, احدهما ولدى, ولم يسمه, أنه يبطل العتق والنسب فى القياس, والاستحسان إنفاذ العتق, وأن العتق, وأن العتق جزء منهم على عدتهم, ثم يعتق من كل واحد منهم, ولا سهم ها هنا ولا تخيير ¬
فيمن قال لعبديه: أحدكما حر فلم يختر حتى مات أحدهما أو استحق بحرية
[12/ 357] فيمن قال لعبديه: احدكما حر فلم يحتر حتى مات أحدهم او استحق بحرية وكيف إن قتل أحدهما او أجنبى عليه أو جنى؟ قال ابن المواز فيمن قال لعبديه فى صحته: أحدكما حر. فلم يحتر الورثة حتى مات احدهما, فإنه يقتل قاتله, حرا كان او عبدا, وإن كان خطأ, فديه الخطإ على عاقلة الحر القاتل. وكذلك لو قتل أحدهما, فللباقى حكم الاحرار مكانه, وإذا لم يختر حتى جنىأحدهما فله الاختياؤ, فإن اختار الجاانى فليس له ذلك, إلا ان يحمل عنه الجناية, وغن اختار الآخر, فله فداء الجانى او اسلامه, وإن مات الجانى قبل الخيار, فالباقى حر بغير عتق مؤتنف, وتوارث الاحرار مكانه. وكذلك لو مات لم يجن, عتق الجانى مكانه واتبع بالجناية لأنه نفذ فيه عتق كان معقودا قبل الجناية, كالمدبر يجنى ثم مات سيده والثلث يجمله. قال سحنون فى كتاب ابنه: إذا قال أحدكما حر. فلم يختر حتى مات أحدهما او استحق بحرية, فغن الباقى حر لا سبيل عليه. وقال فى موضع آخر من كتابه: وإن مات أحدهما ومرض السيد وعليه بذلك بينه, فغنه يسأل, فإن قال: اردت الميت, حلف, ولا عتق الحى, وإن قال: أردت الحى. عتق من رأس ماله بعد يمينه. وقد تقدم هذا وإذا لم يختر احدهما قتلا جميعا, فعلى القاتل قيمة/ عبد ودية حر, ولو قتل واحد, كان الذى بقى حرا, ولو قعت يد أحدهما ومات الآخر, فعلى قاطع يده ديه حر لأنه لما مات صاحبه صار هذا حرا, ولا تقطع يد الجانى وإن تعمد
فيمن قال إن لم أفعل كذا فعبدي فلان أو فلان حر فمات ولم يفعل
[12/ 358] قال محمد: ثم رأيته بعد ذلك نحا إلى أنهما قبل الاختيار لهما حكم العبيد, فغن ماتا, لم يتوارثا بالحرية, وإن قتلا عبدين, ولا يعتق احد منهما قبل اختياره. وقال محمد بن عبد الحكم وأشهب فيمن قال: احد عبيدى حر. فاستحق واحد انه حر الاصل. او قال مدبر أحدهما, أنه لا شىء عليه فى الباقى وفى باب كيف العمل فى القرعة فى العتق مسألة من أعتق احد عبيده, وهم ثلاثة, فمات اثنان منهم, والخلاف فى ذلك. فيمن قال: عن لم أفعل كذا فعبدى فلان او فلان حر فمات ولم يفعل او قال إن فعلت ففعل فى مرضه أو صحته أو قال ذلك فى غير يمين أو قاله فى وجتيه فى الطلاق أو فى عبد زوجته من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن قال فى صحته: إن لم أفعل كذا فعبدى فلان أو فلان حر فماات قبل يفعل, فالمعتق أحدهما كله بالسهم من الثلث ولا ينظر إلى نصف قيمتها وقال أشهب: يعتق نصف قيمتها بالسهم. وقال أصبغ بقول ابن القاسم. كما لو قال: اعتقوه عن ظهارى. فهذا لا يعتق من جاءه السهم إلا بأجمعه, وإن كان القياس قول (أشهب) (¬1). قال محمد: ولو كان يمينه: إن فعلت ففعل فى صحته, أعتق/ أيهما شاء, فإن فى مرضه, أعتق احدهما بالسهم, وذلك بعد موته, بخلاف من قال أحدكما حر. فى الصحة, ثم مرض او مات لأن هذا قد وجب العتق لأحدهما من ناحية اليمين, وكمن قال: عن لم أعتقك فصاحبك حر ... ¬
فيمن قال من بشرني من عبيدي بكذا فهو حر فبشره ثلاثة
[12/ 359] وكمن قال لزجتيه: أنت طالق, او أنت. فليطلق من شاء منهما. فأما قوله: إحداكما طالق طلقتا جميعا, وليس له أن يطلق من شاء منهما, إلا أن يكون بينه أنه أراد واحدة بعينها. ولو قال: غلامى حر. او امراتى طالق. فهو مخير إما يطلق, أو يعتق, فإن مرض فهو على خياره, فإن أعتق فمن ثلث, وإن طلق, فهى ترثه. والقائل فى صحته لعبديه احدكما حر, قد وجب العتق لأحداهما فى الصحة ولو قال لأمته: إن لم أعتقك فغلامى حر فهو كمن قال: أنت حرة, او أنت حر او أنت طالق, أو أنت حرة لأمته, فلا يلحقه بعد الموت طلاق, وتلحقه الحرية, ويردة الدين. ومن قال لأمته: إن لم أعتقك, فعبدى حر. وقجال لعبده: إن لم أعتقك, فامتى حرة. فهو كمن قال حرة, او أنت للغلام. وروى أبو زيد عن ابن القاسم, فى العتبية وكتاب ابن المواز, فليس فيمن قال فى صحته: إن لم أفعل كذا, فعبدى ميمون حر أو مرزوق حر. فلم يفعل حتى صحته: عن لم أفعل كذا, فعبدى ميمون حر, او مرزوق حر. فلم يفعل حتى مات, أنه يسهم بينهما, فيعتق من أخرجه السهم كله إن حمله الثلث, قلت قيمته أو كثرت. وقاله ابن المواز. وقال اشهب: وقيل يعتق نصف قيمتهما بالسهم. فيمن قال من بشرنى من عبيدى بكذا فهو حر/ فبشره ثلاثه او قال أول عبد اشتريه حر أو قال اقصركم عمرا حر ومن كتاب ابن المواز: ومن قال بشرنى من عبيدى بغلام, فهو حر. فبشره ثلاثة واحد بعد واحد, فلا يعتق إلا الأول, ولو بشروه معا. عتقوا كلهم وروى العتبى وابن سحنون, عن سحنون, عن ابن القاسم, قال ذلك فبشره الثلاثة فى مرة, فاحب إلى ان يقرع بينهم, فيعتق واحد بالسهم منهم. ثم
رجع فقال: يختار واحدا منهم فيعتقه, فإن مات فلورثته الخيار, ويكون من اختاروا من رأس ماله. ولو قال مريض: أول من يقدم من فلان وفلان وفلان الغياب, فهو وصى. فقدموا الثلاثة معا, فينبغى للسلطان أن يختار منهم واحدا عدلا لذلك. وروى عنه يحيى بن يحيى, فيمن قال أول عبد اشتريه حر. فابتاع ثلاثة فى صفقة, فيعتق جميعهم, كما لو اشترى شقصا, لعتق عليه, وقوم عليه يباقيه. قال ابن سحنون, عن أبيه فى هذا, قال: قد قيل: يعتق منهم احدهم بالسهم وقيل: يختار واحدا منهم فيعتقه. وكذلك لو قال من بشرنى بقدوم فلان. فبشره ثلاثة معا. وأما القائل: اول امراة أتزوجها طالق. فتزوج أربعة فى عقد واحد, فإنهن يطلقن كلهن لأن الخيار جرى فى الملك, فيشترى على ان الخيار, ويبيع بالخيار, ولا خيار فى النكاح. قال سحنون, فيمن قال: اقصركما عمرا حر. فليوقف عليه أكثرهم غلة إن كان أكبرهم سنا/ فإن يمت ذو الغلة الكثيرة, فهو لورثته, وغن كان غيره الميت اخذ الورثة من هذه الغلة الميت. ثم رجع وقال: يوقف عليه اكثرهم غلة, كان أكبرهم سنا أو لم يكن. وكذلك لو قال: أطولكم عمرا حر. فليوقف عليه اكثرهم غلة ثم يكون للباقى بعدهم لأنه أطولهم عمرا, فإن لحق السيد دين, لم يبع منهم شىء لأن واحدا حر, ويقضى للغرماء بالغلة التى توقف حتى يتبين من يعتق أو من يرق, فيباع لهم من رق. قال أبو محمد: يريد فإن كان الباقى من غلته اقل, كاان له من الغلة الموقوفة مثل ما أخذ له منه من الغلة, وكان باقى الموقوف للسيد
فيمن قال يزيد حر ويزيد ليزيد
[12/ 361] ومن غير كتحاب اببن سحنون, عن ابن القاسم, فيمن قال لعبده: انت حر قبل موتك بسنة. أن ذلك ليس بشىء ولا عتق له. وبالله التوفيق. فيمن قال يزيد وله عبيد اسم كل واحد يزيد او قال يزيد حر وله مائة دينار فى صحته أو مرضه قال ابن سحنون عن ابيه فيمن قال عند موته, وله عبداان اسم كل واحد يزيد: ليزيد حر, ويزيد. قال: إن حملهم الثلث اسهم بينهم, فمن خرج له السهم, عتق وكان الباقى له, فإن لم يحتمل إلا واحدا. خرج بالسهم. قال: وإذا كان ثلث قيمة كل واحد ثلاثون دينارا, وترك مائة, وعشرين عينا, فالعتق يجرى فى نصف قيمتها من الثلث, وباقى الثلث فى وصيته, فيقرع بينهما, فمن خرج/ له السهم منهما عتق, وكان الباقى له لأن الثلث يحمله. ولو يدع غيرهما والثلث لا يحمل نصف قيمتهما, فمن خرج له السهم منهما, عتق ثلثاه, وهو مبلغ ثلث الميت. وإن كانت قيمة واحد عشرة, وآخر خمسون, فخرج ذو العشرة, فإنه يعتق, خمساه, وبطل غير ذلك. ولو ترك معهما ستين دينارا, صار الثلث, فيعتق قيمتهما, ثلاثون, فإن خرج صاحب الخمسين عتق ثلاثة اخماسه, وبقى من الثلث عشرة, وهى تسع ما بقى, فيكون شريكا للورثة فى باقي الآخر بقدر التسع من جميع باقى المال بعد عتق ما عتق. وفى قول بعض اصاحبنا يقطع له بباقى الثلث فى بقية نفسه, وفى الآخر, وفى المال, على القول الأول, فما صار من نفسه بهذا عتق عليه, وما صار له من الآخر فيرق له, ولا يقوم عليه باقى نفسه فيما ملك من الآخر, فى قول
, [12/ 362] وقول المغيرة وقول مالك, فى روايه ابن وهب. وفى قول ابن القاسم, يقوم باقيه فيما صار له من العين. ولو كان عشرين ومائة, فهما يخرجان من الثلث, ولا يكون فى العتق إلا نصف قيمتهما, وإن خرج المقوم بعشرة عتق, من الثانى خمسة باقى نصف القيمة, ويكون باقيه للذى عتق كله لخروجه من الثلث. وقيل: عن ما رق بينه وبين المعتق جميعه رقيقا له, وجزآن يعتقان عليه, يريد لأن خمسيه يعتقان, والآخر يعتق كله/ خمسة اجزاء كاملة, وكذلك له خنمسة أسباع ما رق. ولو كانوا ثلاثة قيمة كل واحد عشرة, أقرع بينهم, فمن خرج له السهم عتق, فإن لم يدع غيرهم, بطلت بالعطية, فإن ترك مالا يخرجون من ثلثه, كان لمن عتق نصف العبدين الباقيين, وإن كانت قيمة واحد عشرة, وآخر عشرين, وآخر ثلاثين, لم يدع غيرهم, فثلث المال عشرون, وهو ثلث قيمتهم التى للمعتق, فإن خرج للمقوم بعشرة أعتق وأعيد السهم ليعتق فى العشرة الباقية من الباقين, وتبطل العطية. وإن ترك ستين, صار الثلث أربعين, والعتق فى ثلثهم ثلث قيمتهم وهو عشرون, فإن خرج السهم لذى عشرة عتق, وأعيد السهم, فإن خرج لصاحب العشرين, عتق نصفه, وكان باقيه مع الثالث بين المعتق جميعه وبين الورثة نصفين لأن باقى الثلث عشرون, يكون بها على ثلاثة, الثلثان للمعتق جميعه يرق كله له, والثلث للمعتق نصفه ما صار له من نفسه خاصة. وقد اختلف فيه, هل يستتم عليه باقى نفسه فيما ملك من الثلث؟ ولو وقع السهم لل1ى قيمته عشرون, عتق جميعه, وصار نصف الباقيين, فإن اخرج السهم للذى قيمته عشرون, عتق جميعه, وصار له نصف الباقيين لذى الثلاثين, عتق ثلثاه, وصار له فى باقيه وفى صاحبيه نصف ذلك فى نصف السبع
[12/ 363] ولو ترك أربعة وقيمته سواء عشرة (¬1) , ولم يدع غيرهم, فالعتق/ فى ربع قيمتهم, فمن خرج له السهم عتق, ويبقى من الثلث ثلاثة وثلث, فيكون المعتق شريكا للورثة بقدر ثلاثة وثلث فيما رق منهم. ولو ترك ثمانين, صارالثلث أربعين, وربع قيمتهم عشرة, فمن خرج سهمه عتق, وكان له ثلث الثلاثة الباقين, فليعد جميع الوصية لاحتمال الثلث لهما, ولو كانت قيمة واحد عشرة, وآخر عشرون, وآخر ثلاثون, وآخر ستون, فالثلث أربعون, وربع قيمتهم ثلاثون. يريد ولم يدع غيرهم, فإن خرج السهم لذى العشرة, عتق, وأعيد السهم ليعتق باقى قيمتهم وهو عشرون, فيقع لعبد, أو لبعض عبد, ويبقى من الثلث عشرة تنفذ فى القضية, ويكون المعتق الأول شريكا بها للورثة فى بقية العبيد, ولا يشاركه من أعتق بعده من عبد او بعض عبد. وفى القول الآخر, يشارك الأول فى ذلك بقدر ما عتق بنصفين, وإن عتق ثلثا الباقى, فعلى خمسة, وإن عتق ثلثه, فعلى اربعة, وإن وقع السهم أولا لذى العشرين عتق, ويعتق بالعشرة الباقية قال محمد: وذلك من ربع قيمتهم من باقيهم بالسهم, ويكون الخارج اولا شريكا للورثة بالعشرة الباقية من الثلث فيما رق من العبيد, وذلك جزء من سبعة أجزاء, وإن وقع السهم أولا لصاحب السنين, عتق نصفه, وشارك الورثة فى نفسه, وفى باقى العبيد بالتسع, ويعتق ما وقع له فى نفسه. ولو ترك مع ذلك مائتين وأربعين, وخرج للعتق ربع قيمة العبيد فى المقوم بعشرة, والمقوم بعشرين, فإنه يصير/ للخارج أولا نصف الباقين لأن الوصية كلها حملدها الثل, وإن وقع أولا على ذى العشرين, فيعتق, ثم ذى الثلاثين, فيعتق فإن المعتق أولا يكون شريكا للورثة فى بقية العبيد, وهى ثلاثة أعبد إلا ثلث, فيكون له ثلث أثمان العبيد الثلاثة إلا ثلث ... ¬
[12/ 364] قال محمد: وذلك ثلث العبد, وعشر الثلث, وربع عشر الثلث, ولو كان السهم فى الضرب الثانى على المقوم ستين, عتق سدسه, ويكون للمعتق أةلا فيما رق منه ستة من سبعة عشر, ولو وقع السهم أولا على (المقوم بثلاثين عتق, وكان له الثلاثة اعبد الباقية. وإن وقع أولا على ذى العشرين فيعتق ثم على ذى الثلاثين فيعتق ثلثه فإن المعتق أولا شريك للورثة فى بقية , وهى ثلاثة أعبد إلا ثلث فيكون له ثلاثة أمان العبيد الثلاثة, إلا ثلث, وإن وقع أولا على) (¬1) ذى الستين, عتق نصفه, ويكون له السبعان فيمن بقى, كمن قال: لفلان رأس من رقيقى. وله ثلاثة أروس ونصف, فما صار له فى نفسه عتق, وما صار فى غيره رق له. وقد ذكرنا لالاختلاف هل يتم عليه عتق باقيه فيما ملك بالعطية؟ قال سحنون: ولو كانوا خمسة, قيمة واحد عشرة, وآخر عشرون, وثالث ثلاثون, ورابجع أربعون, وخامس خمسون, فيسهم بينهم, فخمس قيمتهم ثلاثون فيها العتق, والثلث خمسون, فيسهم بينهم, فإن خرج من قيمة عشرة عتق, وأعيد السهم, وإن خرج العشرين, عتق وتم خمس القيمة, وكان للأول ثلث العبيد الثلاثة الباقيين إن حمل ذلك الثل, فإن لم يدع غيرهم, فبقية الثلث لا تحمل الرقيق. ليكون المعتق. اولا شريكا لورثة ببقية الثلث وذلك عشرون, وذلك سدس ما بقى منهم, وإن خرج أولا ذو العشرين, ثم بعده ذو الثلاثين, فيعتق الأول وثلث الثانى, ويكون للأول فيمن بقى سدس ذلك أنه باقى الثلث /, ولو كان ما يخرج من ثلثه جميع الرقيق, كان له فيمن بقى ثلاثة اجزاء من أحد عشر جزءا, وللورثة ثمانية. وإن خرج أولا ذو الثلاثين, عتق وشارك الورثة فيمن بقى بالسدس لضيق الثل, وإن وسعهم الثلث, كان شريكا بالربع, ويعتق ما ملك من نفسه, وكذلك إن خرج ذو الاربعين أو الخمسين, لعتق منه مبلغ ثلاثين, ويكون شريكا بالسدس, إلا أن يحملهم الثلث, فيكون شريكا بالربع ... ¬
فيمن قال في مرضه وله أعبد تتفق أسماؤهم: يزيد حر ويزيد ليزيد
[12/ 365] قال ابن المواز: وإن قال فى وصيته: يالم حر. وله مائة, وله عبدان يسميان سالم, فليسهم بينهما, فمن خرج, عتق, وأخذ المائة إن حمل ذلك الثل. ولو قال ذلك فى صحته ثم مات, قبل يسأل اعتقنا نصف كل واحد منهما. هذا قول ابن القاسم, ولم يكن لهما من لهما من المائة شىء لأن كل عطية فى الصحة لم تقبض فباطل. فيمن قال فى مرضه وله أعبد تتفق اسماؤها وفيهم مدبر مدبر فقال يزيد حر ويزيد ليزيد قال ابن سحنون عن ابيه فيمن له أعبد تتفق أسماؤهم, وفيهم مدبر, فقال فى مرضه: يزيد حر ويزيد ليزيد. وهم خمسىة, وأقلهم قيمة عشرة, ثم تزيد قيمة الباقيين عشرة إلى خمسين, وقيمة المدبر ثلاثون, ولا مال له غيرهم, فخمس قيمتهم ثلاثون للعتق, والثلث خمسون, فيسهم بينهم, فإن خرج صاحب العشرة يكر عليه المدبر, ولا يعطى بالوصية شىء, لأنه لم يعتق بالسهم, ولكن بتبدية التدبير, ويعتق الذى خرج له السهم فى خمسى/ قيمتهم, ويبقى من القيمة عشرون, ولم يبق من الثلث لغلا عشرة, فيسهم بين من بقى, فيعتق منه بعشرة, وتبطل الوصية. ولو خرج اولا ذو العشرين بذى المدبر, عتق هذا وتم الثلث, وتبطل الوصية, ولو وقع السهم للمدبر, عتق فى خمس قيمتهم, فيوفاها, وصار كانه اوصى له بعبد من الاربعة, فله ربعهم لو حمله الثلث, ولكن لم يبق من الثلث إلا عشرون, وهو سدس الباقين, فله سدسهم. ولو خرج أةلا ذو الأربعين, بدينا المدبر, وأعتقنا من هذا خمسة لأنه باقى الثلث. ولو ترك مالا فجرج العبد من ثلثه, فوقع السهم لذى العشرة, بدينا المدبر ويعتق هذا أةو يعاد السهم فيمن خرج عشرين تمام خمس قيمتهم, فإن
خرج ذو العشرين عتق كله, بصير الأول كأنه أوصى إليه بعبد من عبدين ومدبر, فيكون له ثلثهم فى العبدين القن فيحسب المدبر فى المال, فإن كان يعتق كما اوصى له بعتق عبد من عبيده فإنه يدخل المدبر فى القيمة ويحسب للعتق ثلث قيمتهم, وإن كان المدبر لا يرق. ولو خرج فى المساله الأولى السهم ذو العشرين, والثلث يحملهم بدينا المدبر وعتق هذا فى خمس القيمة وأعيد السهم ليتم خمس قيمتهم عشرة, فغن خرج الأربعين عتق ربعه, وكان الأول فى عبد الأربع ربعا وثلثنا عشر الربع. قال أبو محمد: يريد الربع منهم المدبر له, منهم أربعة اجزاء من خمسة عشر, وذلك أربعة اخماس الثل. قال ابن سحنون: فيأخذ ذلك فى الرقيق منهم, وهو المقوم بخمسين/ والمقوم بعشرة, وثلاثة أرباع المقوم بأربعين, فيصير له من هؤلاء الثلاثة إلا ربع ثلثهم, وثلثا عشر الثلث. قال أبو محمد: وذلك اثنان وثلاثون من سبعين بعد زوال المدبر منهم, وإذا كان المدبر فيهم, وكان عشرون ومائة واثنان وثلاثون من سبعين, بعد زوال المدبر منهم, وإذا كان المدبر فيهم, كان ذلك عشرون ومائة واثنان وثلاثون, منها ربعها وثلثا عشر الربع, وذلك أخماس الثلث كما ذكرنا. قال: ةوهو كمن أوصى لرجل بعبد من عبيده, وله أربعة أعبد إلا ربع أحدهم مدبر. يريد وقيمتهم- كما ذكرنا - خمسون وثلاثون وعشرة وثلاثون من المقوم بأربعين, فذلك عشرون ومائة. قال: وإن وقع السهم أولا للمدبر الذى قيمته ثلاثون, عتق فى خمس قسمتهم, ويرق الاربعة الباقون, وكان له ربعهم, ولو وقع للمقوم بأربعين, بدينا المدبر, وعتق من هذا فى خمس قيمتهم ثلاثة أرباعه للمقوم, ثم يكون له عبد من أربعة أعبد وربع, ادخلنا المدبر فيهم, فإن كان لا يكون (كذا) لأن المدبر لم يعتق فى هذا بالسهم, فصير المعتق ثلاثة أرباعه أربعة أجزاء سبعة عشر من أربعة اعبد
ورببع إلا أنه يأخذ فى ثلاثة أعبد وربع, فيكون له منهم تسعتهم, وأربعة اخماس التسع, وأربعة أجزاء من اجزاء الدينار الذى هو سبعة عشر جزءا وللورثة ما بقى, فما صار له فى نفسه عتق. وغن خرج السهم اولا للمقوم بخمسين, بدينا المدبر فى الثلث, واعتقنا من هذا/ خمس قيمتهم ثلاثين أخماسه, ثم يكون له فى نفسه وفى الثلاثة الارقاء تسعة أعشار ثلث ذلك, وسته اجزاء الدينار, اثنين وعشرين جزءا, قيمتهم- يريد الرقيق- تسعون دينارا, وهو كمن قال: رأس من رقيقى لفلان. وهم أربعة أرؤس وخمسا راس, فله من ذلك الجزء فى القن, فيأخذ فى نفسه وفى الثلاثة الارقاء ربع ذلك, وربع الخمسين. قال سحنون: وذهب أشهب إلى قوله لا أقول فيمن قال لمدبروقن: أحدكما حر عند موته, أنه يبدأ بالمدبر فى الثلث, فإن فضل شىء, عتق الاخر فيه, ولم يكن عليه محاصة فى عتقه ما يدخل عليه فى وصياته من تجديد عتق المدبر, كعبدين, قال: احدهما حر. فلم يسهم بينهما, فاستحق احدهما بحرية, أن الآخر يعتق فى الثلث, وكذلك عن مات أحدهما. وقال أشهب: ولو كانوا ثلاثة احدهم مدبر فى الصحة, فقال فى وصيته: احدهم حر. إن المدبر مبدأ فى الثلث, فإن بقى شىء منه أسهم بين الاثنين فى نصف قيمتهما, فمن خرج عتق, وإن وفى بنصف قيمتهما أو ما خرج منه فيها, فإن جاوزت قيمته نصف قيم\تهما, عتق فى الثانى ذلك إن حمل الثلث أو ما حمل من بقية نصف القيمة. قال سحنون: لا أقول به, وقولى على ما تقدم من قول ابن القاسم لأن قوله: احدكم حر. لعل الميت/ أراد المدبر. قال اشهب: وإن قال لفلان عبد من عبيدى. وهم الخمسة احدهم مدبر فى الصحة, انه يبدأ بالذى فى الثلث, يكون للرجل ربع الباقين لا خمسهم, ولو كان المدبر رابعا, كان له ثلث الباقين, أو كان ثالثا, فله نصف الباقين
فيمن قال في صحته لمدبر وعبد أحدكما حر
[12/ 368] فيمن قال فى صحته لمدبر وعبد احدكما حر من كتاب ابن سحنون, عن ابيه: ومن قال فى صحته لمدبر وعبد (له) (¬1) أحدكما حر سئل, فإن قال: اردت هذا. حلف فى قولى, وصدق, وعتق, وإن قال: لم أرد واحدا بعينه, فليتر من شاء منهما فيعتقه, فإن مات قبل ان يسأل, نظر فإن حمل الثلث المدبر, عقد الآخر من رأس المال. كمن قال ذلك لعبدين, فاستحق احدهما بحرية, فإنما يعتق المدبر ما ترك سوى القن, ولا حجة للمدبر إذا حمله الثلث, فإن لم يحمله, عتق ما حمل, وخير الورثة بين أن يعتقوا ما بقى من المدبر, او عتق جميع القن, كما كان لوليهم, فإن اختاروا باقى المدبر, رق القن, وإن اختاروا القن. عتق وعلم انه الذى كان له العتق فى الصحة. ولو قال لمدبر وعبدين فى الصحة: أحدكم حر. ثم مات ولم يذكر كا أراد, فإن حمل المدبر الثثل, عتق وخير الورثة, فى عتق احد العبدين, وإن لم يحمله, عتق ما حمل, وخيروا فى عتق باقيه. أو احد العبدين رآه أيعتق المدبر فى ثلث نفسه, وفى ثلث أرفع العبدين عن لم يدع غيرهم, ولا يعتق فى الأدنى, فإن اختاروا ادنى العبدي, فلا حجة للمدبر, وإن اعتقوا/ الرفيع, فهم متطوعون فى الفضل. فيمن قال في مرضه أو وصيته لمدبر وعبد أحدكما حر أو قال استهموا بينهما ف'عتقوا من خرج أو قال لعبديه: أحدكما حر فظهر ان احدكما معتق من كتاب ابن المواز, وذكر نحوه ابن حبيب عن ابن الماجشون, ونحو ذلك روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته او وصيته, فى عبد له مدبر فى صحته: أحدكما حر, فليسهم على نصف قيمتها, فإن خرج المدبر عتق وإن ... ¬
بقى من نصف قيمتهما شىء جعل فى الاخر إن حملهالثلث, فإن خرج القن بدى بالمدبر, ثم عتق القن عن حمله الثلث إلا أن تكون قيمته أكثر من نصف قيمتهما فيعتق منه قدر نصف قيمتعهما فى بقية الثلث, وإن كان المدبر قدر الثلث عتق كله وبطلت الوصية. قال ابن المواز: وأما أشهب فلم ير حصاصا ولا سهما وقال: يبدأ المدبر فى الثلث, فإن فضل منه شىء عتق فى الآخر وجعله كمن قال فى مرضه لعبديه: أحدكما حر. فلم يسهم بينهما حتى استحق أحدهما انه حر الاصل او معتق فإن الباقى حر من الثلث بعد طرح الجزء من رأس ماله. وكذلك لو قال ذلك فى وصيته, فللم يقع السهم مات أحدهم. قال محمد: لا يشبه هذين مسألة العبدين أحدهما مدبر فيوصى بعتق أحدهما لأن يظهر حريته كالموت فتبقى الوصيه لباقى وحده. وقد جعل أشهب للقن مع المدبر/ نصيبه من العتق فى بقية الثلث بعد عتق المدبر. والذى قال غيره, وأرواه قول ابن القاسم وأصحابه فى المدبر والقن, أنه إن كان الثلث يسعه عن العبدين, أسهم بينهما, فإن خرج المدبر عتق, فغن كان أقل من نصف قيمتهما, عتق من الباقى تمام نصف قيمتهما, وإن وقع للعبد, والثلث يحملهما, عتق من العبد نصف قيمتهما, ورق باقيه إن بقى شىء, ويعتق جميع المدبر, وإن كان العبد نصف القيمتيين, عتق كله السهم والمدبر بالتدبير, ولو كان الثلث لا يسع إلا المدبر, زال السهم, وعتق المدبر وحده, فإن زاد الثلث على قيمته زيادة لا يخرج منها الاخر, فلابد من السهم, وأن خرج للعبد بدىء المدبر, ثم عتق من الاخر باقى الثلث, وإن جاء للمدبر, وكان أقل من نصف القيمين, عتق المدبر, وعتق من القن بقية نصف القيمتين إن حمل ذلك باقى الثلث وكذلك ذكر سحنون, عن ابن القاسم. وذكر عن أشهب مثل ما ذك ابن المواز. وأخذ سحنون بقول ابن القاسم.
قال سحنون: فإن لم يدع غيرهما, وقيمة المدبر عشرة, والقن ثلاثون فليسهم بينهما, فإن خرج المدبر, عتق وعتق من الآخر تمام الثلث, وإن خرج القن, بذى المدبر فى القن ما بقى. قال ابن المواز وسحنون: وكذلك لو كانوا ثلاثة أحدهم مدبر, فقال عند موته: أحدهم حر. فالعتق فى واحد منهم بالسهم فى ثلث قيمتهم, ولابد من عتق المدبر, فإن خرج المدبر وقيمته مثل ثلث قيمتهم/ فاكثر, لم يعتق من غيره شىء, وإن كان أقل من ثلثهم, اعيد السهم بين الباقين, فيعتق فيمن خرج تمام ثلث الثلاثة عن حمل ذلك الثل, فإن خرج أولا غير المدبر, والثلث يحمله مع المدبر, عتق المدبر, وعتق الذى خرج له السهم كله, غلا أن تكون قيمته اكثر من ثلث قيمة الثلاثة, فلا يزاد, ويعتق منه مبلغ ثلاث الثلاثة, فيرق ما بقى, وغن كان أقل منهما, اعدت السهم بين المدبر وبين القن الباقى, وغن كان فى الثلث فضل, فإن خرج المدبر, رق الباقى, وإن خرج الآخر, عتق منه بقية فل ثلثه, فيخرج جميعا إن رسم ذلك ثلث الميت مع المدبر. وفى قول أشهب, يبدأ بالمدبر, فإن فضل من الثلث شىء أسهم فيه بين الباقين, فمن خرج منه, فإن بقى من نصف قيمتهما شىء, جعل فى الباقى إن حمل ذلك بقية الثلث. قال سحنون: وإن كان قيمة المدبر عشرة, وواحد من العبدين عشرين, والثانى ثلاثين, وترك الاربعين دينارا, أسهم بينهم فى الثلث قيمتهم, فإن خرج المدبر, عتق واعيد السهم, يعتق تمام ثلث قيمتهم من لابقين, وهو عشرة, فإن خرج ذو العشرين, عتق نصفه, ولو خرج ذو الثلاثين, فثلثه, وغن خرج اولا للمقوم بعشرين, بدى المدبر وعتق كله, ورق الباقى لتمام ثلث القيمة, ولو خرج أولا ذو الثلاثين, عتق المدبر, وعتق من هذا بقية الثلث بعد المدبر.
قال أبو محمد: إنما يعنى أنه يعتق منه/ ثلث قيمتهم. كذلك تقدم لابن المواز وغيره, فإن لم يترك غيرهم, لا يخرج المدبر أولا يعتق, فليسهم ليعتق ممن خرج العشرة الباقية من ثلث قيمتهم فقط. قال ابن المواز: وأما إن قال: أسهمى ما بين مدبى وعبيدى, فأيهما خرج, فاعتقوه. وذلك عند موته, لم ينظر الى نصف قيمتها, ولكن إن حملهم الثلث, اسهم بينهما, فإن خرج المدبر, بطلت الوصية فى العبد, كان أقل قيمة او أكثر, وغن خرج غير المدبر, بديت المدبر, ثم أعتقت, خرج القن فى بقية الثلث او ما حمل منه. وذكر مثله ابن سحنون, عن ان كنانة, وابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز, ورواه اصبغ عن ابن الاقسم, فى العتبية (¬1) وذكره ابن حبيب, عن ابن الماجشون, فى هذه المسألة, انه إن كان الافضل فى لاثلث عن قيمة المدبر, لم يعتق غيره, ولا ينظر ها هنا إلى فضل عن بقى من نصف قيمتهما, وإن خرج القن, بدى بالمدبر, وأعتق القن كله عن حمله ما بقى من الثلث أو ما حمل منه. قال ابن المواز: وقاله أصبغ, غلا انه قال: يعتق منه مبلغ نصف القيمتين, لا أزيد. قال ابن المواز: وهذا غلط, وهذا كمن قال فى عبدين مختلفى القيمة: من جاءهالسهم منهما, فاعتقوه. فلا يعتق إلا من خرج, قلت قيمته اوكثرت, إن حمله الثلث. قال فى كتاب ابن حبيب: ولو قال عند موته: أحد عبدى حر. ثم مات, فشهد شاهدان على واحد منهما, أمه اعتقه فى الصحة, فيقاسمه كما قلنا/ فى عبد ومدبر, قال عند موته: احدهما حر. انه يسهم بينما, فإن خرج المشهود له بعتق الصحة, قيمته نصفقيمتهما او أكثر, لم يعتق غيره, عن كان أقل, عتق, وعتق من الآخر تمام نصف القيمة او ما حمل مابقى من الثلث, وإن خرج ¬
فيمن قال لمكاتب وعبد أحدكما حر
الذى لم يشهد, وقيمته مثل نصف قيمتهما فأقل عتقا جميعا, ولم يكن للوصايا إلا ما بقى من الثلث بعد نصف قيمهما, وعتق الآخر كله. قال ابن الماجشون هذا فى شهادتهما فى عتق السيد, فأما لو شهد انه حر من غيره فى يد الميت من غير سبب الميت, ولا علم بحريته, فليعتق الآخر كله بغير قرعة إن حملهالثلث, زادت قيمة على نصف قيمتهما, او نقصت كما لو مات, لأعتق الباقى, بخلاف الذى كان عتقه بسب الميت لأن الميدت قد علم بحريته, فهو كما قال: أسهموا بين عبيدى وفلان لرجل آخر. وذلك إن جازت شهادة الشاهدين, وكان لهما عذر فى تركهما القيام بها فى حياة السيد, أو جزء من أصله, أنه لا يعتق الآخر إلا أن يصبه السهم. وقول ابن الماجشون أحب إلى, وقاله من رضى وبالله التوفيق. فيمن قال لماكتب وعبد: أحدكما حر قال ابن سحنون عن أبيه فى الصحيح يقول لمكاتبه وعبده: احدكما حر. إنه يسأل, فإن قال: اردت هذا. عتق بعد يمينه فى قولى,/ وغيرى لا يحلفه, وإن قال: لم أرد واحدا بعينه. أعتق من شاء وحلف. فإن غفل عن هذا حتى مرض, فمن قال أراده عتق من رأس المال, وإن لم يعين, فمن اختار, عتق من رأس المال, فإن لم يكن هذا حتى مات, خير ورثته, ولو لم يسأل السيد حتى أدى المكاتب لسئل, فإن قال: لم أعين. عتق القن كما قلنا فى القائل ذلك لعبديه فيستحق أحدهما بحرية أو بموت, فالباقى عتيق, ولو قال: أردت القن. عتق, ولو مات السيد قبل يسأل عتق لاقن, كما لو مات المكاتب أو استحق فا رأوه مثله. وكذلك لو لم يسأل فى العبدين حتى مرض وقد استحق احدهما بحرية وقال: لم أرد تعينا. أنه يعتق الباقى من رأس ماله
فيمن قال لأم ولد ولأمته إحداكما حرة
[12/ 373] ولو قجال هذا للمكاتب وللعبد فى المرض, ثم مات, نظر إلى قيمة العبد, فإن قيل: عشرة. فإلى مال الكتابة. وقيل: إلى الأقل من قيمتهما أو من قيمة الرقبة. فإن قيل: ثلاثون. فنصف الجميع عشرون, والثلث يحملها, اقرع بينهما فيها, فإن خرج العبد, عت, وعتق من المكاتب ثلثه, ويحط عنه من كل نجم ثلثه, وغن خرج المكاتب, عتق ثلثاه, ورق الباقى, وحط عن الماكتب ثلثا كل نجم, ولو لم يدع غيرهما, كان العتق فى ثلث ذلك ثلاثة عشر وثلثاه, فإن خرج العبد, عتق, وعتق من المكاتب باقى الثلث, وحط بقدره فى موضع آخر, وغن خرج المكاتب, عتق منه بمقدار الثلث/, وحط عنه بقدر ذلك, ورق القن, وإن كانت قيمته ثلاثين, وقيمة المكاتب عشرة, فعلى ما ذكرنا إن كان له مال يخرجان منه, كان السهم على نصف قيمتهما, وإن لم يدع غيرهما, فعلى ثلث قيمتهما, فإن وقع للقن, عتق منه مبلغ الثلث, وإن وقع للمكاتب, عتق. قال ها هنا: ورق القن. وأرواه غلط فى الكتاب, وعلى أصله أن يعتق من القن بقية الثلث ثلاثة وثلث, فإن ترك معهما ستين دينارا, فخرج العبد فعتق, عتق من المكاتب تمام نصف قيمتهما عشرة, وحط بقدرهما, وإن وقع للمكاتب, عتق ثلثاه, وهو نصف قيمتهما وحط بقدر ذلك. فيمن قال لأم ولأمته إحداكما حرة او لمعتق إلى أجل ولعبد قال ابن سحنون عن أبيه فى القائل لأم ولده وأمته إحداكما حرة في صحته مثل ما تقدم في المكاتب ما لم يمت السيد, فإذا مات في هذا, عتقت أم الولد, وعتقت الأمة من رأس ماله لأنه عتق في الصحة, كعبديين قال ذلك لهما, فاستحق أحدهما بحرية. وابن القاسم يقول فى القائل لعبديه فى صحته احدكما حر لا يحلف فيمن قال: أردت. فإن مرض ذلك, سئل, وصدق فيمن نوى فى رأسه ماله
[12/ 374] قال: إلا أن تزيد قيمته على قيمة الآخر, فتعجل الزيادة فى الثلث. وقال غيره, وأنا أقوله, إن جميعه من رأس المال. ولو قال هذا لأم ولده ولأمته فى مرضه, ثم مات, عتقت ام الولد من رأس المال, وتعتق الأخرى من الثلث أو ما حمل منها. ولو قال:/ اقرعوا بينهما, فمن خرج, فأعتقوه. فإنه يقرع بينهما, فإن خرجت ام الولد, رقت الأمة, وإن خرجت الأمة, عتقت في الثلث, وأم الولد من رأس المال, وإن لم يسأل حتى مات, فلورثته ما كان له منالخيار فى عتق واحدة من رأس المال. ولو قال هذا في مرضه, ثم مات, نظر على نصف القيمة العب, فإن قيل: عشرون. فإلى خدمة المؤجل, فقيل عشرة. فصار قيمتهما جميعا ستين, فيسهم بينهما فى نصف قيمتهما, فإن خرج القن, عتق منه ثلاثة أرباعه إن كان له مال يخرج نصف قيمتهما فى ثلثه, وإن لم يدع غيرهما, لم يعتق إلا نصفه, هو ثلث الميت, إن وقع السهم للمعتق إلى أجل, عتق, وسقطت عنه الخدمة, كان له مال لأنه خارج من الثلث, وإن لم يكن له غيرهما, لم يعتق من القن شىء وإن كان له مال يخرج منه نصف قيمتهما, عتق المعتق إلى أجل بالسهم الذى وقع عليه, وعتق من القن تمام نصف قيمتهما, وهو عشرة, وهو ربعه. ولو قال هذا في صحته, فلم يسأل حتى حل أجل المعتق, فعتق, فليسأل من أراد؟ فإن أراده, كان حر, ورد عليه قيمة الخدمة والغلة من يوم قال ذلك, وإن قال: أردت الآخر. حلف وعتق فى رأس ماله, وإن قال: لم أرد أحدا عتق القن, ومضى عتق المعتق إلى الأجل لنه لما عتق المؤجل, سقط الخيار فيه بحلول الأجل, فصار كموته أو استحقاقه بحرية.
فيمن قال لموصى بعتقه أو لمبتل في المرض أحدكما حر
فيمن قال لموصى بعتقه أو لمبتل فى المرض ولعبد آخر أحدكما حر/ (قال ابن سحنون) (¬1) وإذا قال صحيح لعبدين له قد اوصى بعتق أحدهما: أحدكما حر. فليسأل من أراد؟ ويحلف فى قولى, وينفذ عتق من أراد فى رأس المال, فإن كان الذى لا وصية فيه بقيت الوصية فى الآخر, وإن لم يرد تعيينا, اختار من شاء, فإن مات ولم يسأل, فإن كان الموصى بعتقه فخرج من ثلثه عتق الآخر من رأس ماله, كما لو استحق بحرية, وإنما يعتق فى الثلث نفسه وبقية مال سيده سوى العبد الذى لا وصية فيه, فإن لم يحمله الثلث, عتق منه ما حمل الثل, وخير الورثة فى عتق باقيه او عتق الاخر, فإن اختاروا عتق باقى الموصى بعتقه, رق الاخر, وغن عتق من رأس ماله. ولو قال هذا فى مرضه, ولم يتبين حتى مات, نظر إلى نصف قيمتهما, فإن كانت قيمة الموصى بعتقه عشرة, والآخر ثلاثون, وترك ستين دينارا, فليسهم بينهما, فإن خرج الموصى بعتقه عتق, فى الآخر باقى نصف قيمتهما, وهو عشرة, وذلك ثلاثة, ولا يعتق منه باقى الثلث, وغن خرج القن, عتق ثلثاه وهو نصف قيمتهما, ثم يقوم الموصى بالعتق فيما بقى من الثلث, وهو ثلاثة عشر دينارا وثلث, فيعتق جميعة فيها, وهو عشرة, ولو كانت قيمته ثلاثين وقيمة القن عشرة, وخرج السهم للموصى بعتقه, عتق كله, لأن القن استغرق أكثر من نصف قيمتهما إذا أخطأه السهم, ولو خرج السهم للقن, عتق جميعه, كان باقى الثلث وهو ثلاثة وعشرون وثلث للموصى بعتقه, فعتق كله, من جميعه, وإن لم يترك غيرهما, وقيمة القن/ ثلاثون, والآخر عشرة فنصف قيمتهما عشرون, وثلث الميت ثلاثة عشر وثلث, ورق باقيه مع جميع الموصى بعتقه, وإن وقع الموصى, عتق جميعه, وعتق من الاخر باقى الثلث ثلاثة وثلث ¬
فيمن قال لعبد موصى به لرجل ولآخر أحدكما حر
[12/ 376] ولو كان موضع الموصى بعتقه مبتل فى المرض, فقال لهما: أحدكما حر فى مرضه. قيمته المبتل عشرة, وقيمة القن ثلاثون, ترك ستين دينارا, فيسهم بينهما, فإن خرج المبتل عتق كله, وقد بقى من نصف قيمتهما عشرة, ويعتق من القن الذى لا عتق فيه هذه العشرة, لا مبلغ الثلث, وغن خرج السهم للقن بدى االمبتل فى الثلث فيعتق, ثم يعتق من القن مبلغ الثلث, وذلك ثلاثة وعشرون وثلث, وكأن النميت قال له: انت حر بعد المبتل. قال ابن القاسم: لا يعتق منه إلا عشرون, وذلك نصف قيمتهما, وهو الذى كان يعتق منه لو أصابه السهم, ولو كانت قيمة المبتل ثلاثي, والقن عشرة, فخرج المبتل المعتق من الثلث لأن الثلث له, ولا يعتق من القن شىء لأن المبتل (استغرق نصف قيمتهما. وإن أصاب السهم القن بدى بالمتبل, وعتق من) (¬1) القن باقى الثلث ثلاثة دنانيروثلث, وحكم المبتل, وقيل له: أيهما أردت؟ بعينه. فلا يعتق غير المبتل. فيمن قال لعبد موصى به لرجل ولآخر احدكما حر قال ابن سحنون عن ابيه فيمن أوصى بعبد لرجل, ثم قال ولعبد له آخر: احدكما حر. فليسأل متن أراد من أراد؟ ويصدق مع يمينه, فإن أراد الموصى به, عتق, وبطلبت الوصية, وإن أراد الاخر, عتق, وبطلت الوصية, وغن أراد الآخر, عتق, وبقيت الوصية فى الآخر, وغن لم يرد احدا, فله ان يختار, فيعتق من شاء, فإن مات قبل ذذلك,/ فلورثته الخيار, فإن اعتقوا الموصى له بعتقه, فهو من رأس المال, وغن اعتقوا الآخر فذلك وتبقى الوصية للآخر. ولو قال فى مرضه ثم مات, نظر إلى نصف قيمتها, وأسهم بينهم, فيعتق من خرج فى نصف قيمتها لإن حملها الثلث, مثل ان يكون قيمة كل واحد ... ¬
فيمن قال في صحته وفي مرضه لأمة له ولأم ولد ومكاتبة إحداكن حرة
ثلاثين, وترك ثلاثين. فإن خرج السهم للموصىله, بطلت الوصية وعتق فإن خرج الآخر, عتق, وبطلبت الوصية فى الآخر لتبدية العتق, ولو كان العين عشرين ومائة, وخرج السهم فى الموصى به, بطلبت الوصية, وإن خرج فى الآخر, عتق واخذ الموصى له وصية لأن فى بقية الثلث وفاء به ولو كان الناض ما ذكرنا, وقيمة احدهم عشرون, والموصى به أربعون, فوقع له السهم, عتق ثلاثة أرباعه, وكان الموصى له ربعه9, ورق الباقى, وإن كان قيمة الموصى به عشرين فوقع له السهم, عتق وزالت الوصية, وعتق من الآخر تمام نصف قيمتهما, وذلك أربعه. فيمن قال فى صحته وفى مرضه لأمه له وأم ولد ومكائبة ومدبرة ومعتقة إلى اجل: أحدكن حرة قال ابن سحنون, عن أبيه, فيمن له أم ولد ومكاتبة, ومدبرة, ومعتقه إلى اجل, وأمه, فقال فى صحته: إحداكن حرة أو: رأس منكن فليسأل, ويعتق من قال بعد يمينه, فإن لم يرد تعيينا, حلف واختار إحداهن فعتق, وإن لم يسأل حتى مرض, فيسأل, فإن قال: لم أرد شيئا. ثم مات, فعتقت أم الولد من رأس ماله, ثم حل اجل المؤجلة, فأدت المكاتبة, وعتقت المدبرة فى ثلثه أن الأمة تعتق فى رأس ماله كالقائل فى صحته فى خمسة أعبد: احدكم حر ثم مات فاستحق أربعة منهم بحرية. ولو مات/ فى المسألة الأولى قبل يسأل فعتقت أم الولد والمدبرة فى الثلث, فليختر الورثة فى المكاتبة والمعتقة إلى الأجل وفى المة فى عتق إحداهن يكون من رأس المال, فإن لم يسع الثلث المدبرة سقطالعتق من غيرها وإنما يعتق المدبر فى ثلث بقيتها, وفى ثلث من يبقى بعد ام الولد فى ثلثه واحد منهن, اقلهن قيمة وهى
المجهولة التى تعتق من رأس ماله, فجعلناها اقلهن قيمة وتعتق المدبرة فيمن سوى من ذكرنا من أقلهن قيمة, كما قلنا فى القن والمدبر يقال لهما فهذا فى الصحة ان المدبر يعتق فى الثلث لا فى ثلث العبد الذى قارنه لأنه إذا حمل المدبر الثلث وعتق, وصار القن جزاءا من رأس المال كما سمى كمن قال ذلك العبدين, فاستحق بحرية, ولو قال هذا فى المرض ثم مات عتقت ام الولد من رأس المال ثم نظر إلى قيمة الأمة والمدبرة والأقل من قيمة المكاتبة أو الكتابة وإلى قيمة خدمة المعتقة إلى أجل فينظر إلى ربع القيمة فيقرع بينهن فيها, فإن تساوت القيم فكانت قيمتهن عشرة عشرة وخرجت المدبرة فهى تعتق, ويسقط العتق عن باقيهن لتمام ربع قيمتهن فيها, وإن وقععلى المكاتبة, عتقت وسقطت عنها الكتابة. وكذلك فى المؤجلة والأمة. وإن لم يكن له غيرهن, فخرجت المدبرة بالسهم, فعتقت فى ربع القيمة, وسقط العتق عمن بقى, ولو وقع على المكاتبة, بدينا المدبرة فى الثلث, ونظرنا/ وكذلك إن وقع على الأمة, لم يعتق منها غير الثلاثة وثلث الباقية بعد المدبرة. وفى قول أشهب, يبدأ بالمدبرة من غير سهم, فإن أوعبت الثلث, زالالعتق عن غيرهما, وإن بقى من الثلث شىء, كان السهم فيمن بقى, فيعتق ثلث قيمتهم إن حمله الثلث أو ما حمل منه, وإن اتسع الثلث لم يخرج إلا ثلث قيمتهن بالسهم وأصحابنا على خلافة. قال سحنون: وكذلك لو كان أسماؤهن واحدة, سعيدة سعيدة كلهن, فقال: سعيدة حرة فى صحته, فلم يسأل من أراد حتى أدت المكاتبة, وتم اجل المؤجلة, ثم قال: أردت المكاتبة. فليرد ما أخذ منها من يوم قال ذلك, وكذلك لو قال: أردت المؤجلة. فليرد عليها ما اغتل منها من يوم قال ذلك. وأما إن قال: أردت أم الولد, اغو المدبرة والأمة. فليعتق من قال, ويحلف فى ذلك كله, فى قوله, وإن لم يسأل حتى مات, خير الورثة فى أن يعتقوا واحدة من
فيمن أوصى بعتق أحد عبديه ثم ثبت أنه أعتق أحدهما
بعد أم الولد فى رأس المال, وإن خرجت المدبرة من الثلث, فلا تمييز فيها, وغن بقى منها رق, خيروا فيما بقى منها مع بقيتهن. ولو قال هذا المرض, ثم مات عتقت أم الولد من رأس المال, ونظر إلى قيمة المدبرة والأمة, وخدمة المؤجلة, والأقل من قيمة المكاتبة إما عليها, فيقرع بينهن فى ربع ذلك كله, على ما تقدم شرحه. فيمن اوصى بعتق احد عبديه ثم ثبت أنه اعتق أحدهما بعينه فى صحته/ قال ابن حبيب عن اصبغ عن القاسم فيمن أوصى أن أحد عبدى حر, ثم قامت بينه انه كان اعتق واحدا منهما فى صحته سموه, فليسهم بينهما, فإن خرج المشهود له, وقيمته نصف قيمتهما, عتق معه ما يبدأ عليه بدىء, وعتق هو من باقى الثلث, فإن لم يحمله, فاستتم باقيه من رأس ماله, فإن كان معه من الوصايا من هو مثله تحاصا, فإن لم يحمل, عتق من رأس المال. وكذلك لو نافت قيمته على الثلث او على ما صار له بعد بدى قبله, وعلى نما نابه فى الحصاص, لعتق باقيه من رأس المال, فإن كانت قيمته اقل من نصف قيمتهما إلا أنه كفاف الثلث, فلا شىء لصاحبه, فإن بقى من الثلث شىء, عتق صاحبه تمام نصف قيمتهما إن حمل ذلك باقى الثلث أو ما حمل منه, وإن خرج لصاحبه رأس المال, وإن كانت قيمته أقل من نصف قيمتهما, وفى الثلث فضل, عتق صاحبه المشهود له تمام نصف قيمتهما, وعتق باقيه من رأس المال, وإن كانت قيمته أكثر من نصف قيمتهما, لم يعتق منه فى الثلث, ولم يحاصص إلا بقدر نصف قيمتهما, ورق ما بقى
مسائل من وسائل السهم
[12/ 380] مسائل من وسائل السهم قال ابن سحنون قال ابن كنامة فيمن قال عند موته: ضعوا عن مكاتبى خمسين دينارا واشتروا من مالى عبدا بخمسين فأعتقوه. لم يحمل ذلك الثلث, فلا يبدأ احدهما, هو كمن أعتق عبدين لا مال له غيرهما, فيقرع بينهما, فذللك هذا, فإن خرج المكاتب وقيمة ما عليه مثل/ الخمسين, عتق, وإن لم يف بالخمسين, نظر قدرها من الكتابة, فيحط عنه من كل نجم بقدره, ولو سمى من اول النجوم أو من آخرها كان كما سمى, وإن فضل شىء من الخمسين وعتق المكاتب جعل ما بقى فى رقبة تعتق بها أو يشارك به فى رقبة أو ما يشارك به فى عتقها أو ما يتم به عتقها, اما فى قطاعه أو من شركة فيها او نسبة ذل, وإن خرج السهم للآخر, اعتقت عنه رقبة بخمسين, وإن بقى من ثلثه شىء جعل فيما أوصى به للمكاتب, وإنما قلت: يقرع بينهما لأن ما وضع عن المكاتب يعجل له عتق ذلك إذا عجز فصار كعتق ناجز. وقال ابن القاسم: يبدأ بالمكاتب لأنه يكون فيه عتقا ناجزا إذا عجز, فيصير كمن أعتق فى مرضه عبدا بعينه أو بعضه, وأوصى برقبة بغير عينها, فابدأ المعينة, فينظر إلى عدة ما على المكاتب فإن ساوى الخمسين عتق, وإلا عتق منه ما بلغ ذلك, وحط عنه من كل نجم بقدره. قال فيمن له أربعة أعبد, فقال فى وصيته: احدهم حر والثانى يخدم فلانا حياته, ثم هو لفلان, والثلث يخدم فلانا حياته ثم هو حر والرابع لفلان, ثم مات قبل ان يبين, فإن كانت قيمتهم سواء والثلث يحملهم اقرع بينهم للعتق, فمن خرج عتق بتلا ثم أقرع بينهم فيمن يخدم فلانا ثم هو حر, فمن خرج خدم المدة ثم صار حرا, ومن خرج سهمه يخدم فلانا ثم هو لفلان فعل به, ومن خرج لفلان بتلا كان له بتلا, وإن ضاق الثلث فأجاز الورثة فهو كما ذكرنا, وإن لم يجيزوا خلفوا الثلث وبدى العتق البتل ثم بعده الذى يخدم فلانا ثم هو حر, فإن حملها الثلث وإلا بدى الذى/ لا خدمة فيه, فإن كانت قيمتهم مختلفة وهم يخرجون من الثلث قوموا وعتق بالسهم ربع قيمتهم وقع
فيمن قال قدماء رقيقي أحرار عند موته
لذلك عبد أو أقل (أو أكثر) (¬1) , وربع قيمتهم للذى يعتق بعد خدمة فلان بالقرعة وقع لذلك عبد أو اقل أو أمكثر والربع لموصى له للخدمة, وكذلك لو كانوا عشرة لكان عشر قيمتهم للمعتق بتلا وعشرها للمعتق بعد خدمة, والعشر للموصى له برقبته بعد الخدمة والعشر للموصى له برقبته بتلا. فيمن قال قدماء رقيقى أحرار عند موته (قال ابن سحنون قال سحنون: قال ابن القاسم) (¬2) فيمن قال عند موته: قدماء رقيقى أحرار. (فمعنى قدمائهم فى الملك) (¬3) قلت: إن له عشرين رأسا اشتراهم ملكا واحدا. فقال يعتقون إن حملهم الثلث. قال: وإن كان قدماؤهم متفرقين زاحدا بعد واحد, وبين ذلك مثل السنه أو الآشهر أيوخذ الاول فالأول؟ قال: لا بل كلهم إن حملهم الثلث لأن القدم قد لزمهم, فإن لم يحملهم أقرع بينهم. قال سحنون: ولو قال: كل عبد لى قديم حر أنه ينظر من تقادم ملكه له فيعتق, وإنما فى ذلك اجتهاد السلطان. قيل له: قال أهل العراق: يعتق عليه من ملكه منذ سنة. فأنكر ذلك وقال: أرايت إن كانوا كلهم إنما ملكهم منذ سنة أيعتقون؟ قيل له: فإن ملك (عبيده) (¬4) ملكا واحدا؟ قال: يعتقون وإنما ينظر فى هذا إلى تقادم, ليس من خدمة عشر سنين كمن خدمه اقل من ذلك ¬
فيمن قال لجوار له كلما وطئت واحدة منكن فواحدة حرة
[12/ 382] فيمن قال لجوار (¬1) له كلما وطئت واحدة منكن فواحدة حرة/ من كتاب العتق لابن سحنون عن أبيه: ومن قال لأربع جوار له: كلما وطئت واحدة منكن فولحدة حرة, فوطى واحدة قال: هو مخير فى الثلاث يعتق منهن من شاء, فإن لم يختر حتى وطى ثانية فالاثنتان اللتان (¬2) لم يطأ حرتان وهذا (إذا) (¬3) أراد بقوله: فواحدة حرة, يعنى (ممن لم أطا) (¬4) , فإن لم يرد هذا فلا يجوز له وطء واحدة من الاربع إذا لعلها حرة بموت الثلاث ولكن وطى (واحدة قيل له اختر واحدة للعتق الموطأة أو غيرها فإن لم يففعل حتى وطى) (¬5) ثانية قيل له (¬6) اختر اثنتين للعتق. فإن ثالثة قيل له: اختر فأعتقهن. فإن وطى الأربعة عتقن كلهن عليه. تم (كتاب العتق الثانى) (¬7) بحمد الله وعونه ... ¬
[الجزء الثالث من العتق]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثالث (¬1) من كتاب العتق فيما يعتق على الرجل بالقرابة إذا ملكة من كتاب ابن سحنون (¬2) قال مالك: يعتق على الرجل من أقاربه (إذا ملكهم) (¬3) الأب ولأم والجدود والجدات من الآباء والأمهات (وأم أبى الأب) (¬4) ومن فوقهم من الجدود والجدات (يعتق البنون والبنات وأبناؤهم وإن بعدوا) (¬5). قال عنه أشهب فيه وفى العتبية (¬6): يعتق عليه ولد البنات. قال ابن المواز: ولإخوة والأخوات للأبوين أو لأحدهما. قال ابن سحنون: قال أبو سلمة بعبد الرحمن: يعتق عليه ذوو رحمة, وهم السبعة الذين ذكرهم الله تعالى فى كتابه. وقاله الليث وابن وهب. قال ابن حبيب عن اصبغ: ولا يعتق عليه اخوه المولود فى الشرك بالقضاء, ولكن يستجيب له عتقه وكذلك ولده من الزنى. ¬
ومن كتاب/ ابن المواز قال مالك: ولا يعتق عليه احد ممن يحرم عليه بالرضاع (وله ان يتزوج بهم امرأه) (¬1) إن شاء. وقال أيضا: ما اعلم حراما والعتق أحب إلى. قال ابن القاسم: لا بأس ببيعهم. قال أشهب عن مالك: ولا تشترى على الملى أبوه ليعتق عليه (¬2) قال مالك: ومن ابتاع ممن يعتق عليه فهو حر بتمام الشراء قبل الحكم. قال مالك: ومن ابضع فى شراء أخ له فهو بتمام الشراء حر (وإن كان غائبا عنه. وقاله ابن الاقسم وأشهب. قال أشهب فى الاخ: ولو كان فى وصية لم يكن بالشراء حرا) (¬3) حتى يعتق عن الميت, ولو اشتراه فى مرضه وحمله الثلث وعتق, وورث. قال ابن حبيب: واختلف قول ابن القاسم فيمن اشترى أباه بالخيار ثلاثة ايا, وهو يعرف او لا يعرف, فقال له: رده ولا يعتق عليه حتى يتم البيع, وينقطع الخيار فيعتق, وإن لم يرفع الى السلطان. وهذا احسن قوليه. وبه قال أصبغ, وقال مطرف وابن الماجشون: وإذا اشتراه بيعا حراما, لم يفسخ, وقد عتق عليه ساعةاشتراه كما لو ابتدأ عتق عبد ابتاعه بيعا فاسدا, فهو فوت (رقية) (¬4) وفيه القيمة. وقاله ابن القاسسم وأصبغ. قال ابن سحنون عن ابن الماجشون: ومن اشترى اباه على عهدة الاسلام فهو حر بعقد الشراء ولا عهدة فيه, وكذلك من أصدق امراته أباها على العهدة انه حر إذا قبلته وكذلك لو كان مكان الأب عبد (¬5) حلف بعتقه إن ابتاعه, فابتاعه على العهدة يعتق ولم تكن فيه عهدة. ¬
فيمن ملك أباه أو شقصا منه بميراث أو هبة أو وصية
ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن اشترى اباه او أخاه فحسبه للبائع للثمن/ فهلك بيده فهو حر بالعقد فى خراجه وميراثه وأحكامه وضمانه من الولد. ومن كتاب ابن المواز: ومن ملك شقصا من أبيه عتق وقوم عليه باقيه إلا أن يجره إليه ميراث فلا يعتق غير ما ورث منه, ثم اشترى بعض ما بقى لم يعتق عليه غر ما اشتى. قال سحنون فى كتاب ابنه: قاله مالك وأصحابه. وكذلك إن وهب شقصا بعد ورث شقصا منه. وقال ابن النافع: (إذا قبل منه شيئا مما بقى) (¬2) منه قوم عليه باقية. قال سحنون: لست أعلم من يقوله غيره. فيمن ملك أباه أو شقصا منه بميراث أول هبة او وصية من كتاب ابن المواز, وهو من قال مالك, قال: ومن ملك من أبيه شقصا بميراث لم يعتق عليه غير ما ورث منه, ثم إن اشترى بعض ما بقى منه لم يعتق عليه غير ما اشترى منه. قال سحنون فى كتاب ابنه قال مالك وأصحابه: وكذللك لو وهب له منه شقص بعد أن ورث شقصا منه إلا ابن نافع فإنه قال: إذا قبل شيئا مما بقى منه, قوم عليه باقيه. ولا أعلم من يقوله غيره. ومن العتبية (¬3) روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن وهب له أبوه او تصدق به عليه او أوصىبه فهو حر, قبله او رده, يبدأ على الوصايا والولاء للأبن ولو كان ذلك ببعضه, فإن قبله أتم عليه وإن لم يقبله عتق منه ذلك الجزء ويبدأ ذلك على الوصايا فى الوصية, والولاء للابن فى ذلك (كله) (¬4). وقاله ابن ¬
القاسمفى الولاء. وقال أيضا: إن قبله فالولاء له/ وإن لم يقبله فالولاء للأب وهو أحب إلى. ومن كتاب ابن المواز وقال مالك فيمن وهب له أبوه, فإن قبله عتق عليه. قال ابن القاسم: يعتق عليه قبله أو رده. وكذلك فى الصدقة والوصية. وبلغنى ذلك عن مالك وفى الشقص منه عن قبله عتق وأتم عليه, وإن رده عتق الشقص فقط. قاله مالك. قال ابن القاسم: والولاء فى ذلك كله للابن. وقاله أصبغ, قال فى الوصية: ولا يعتق فى الصدقة إلا ان يقبله فى الشقص أو فى الجميع. قال ابن المواز: لا فرق بينهما والصداقة آكد قال ابن القاسم فى الولاء: هو للابن إن قبل الوصية, وإن لم يقبل فالولاء للموصى. ثم رجع فقال: ؤلاءه للابن, قبله أو لم يقبله. وقاله أشهب, وابن دينار, فى الوصية بجميعه, فأما ببعضه أو يوصى له بجميعه فيحمل الثلث بعضه فلا, فإن من قبله أتم عليه وله ألا يقبله, فيبقى رقيقا كله. ومن أوصى له بثلث ماله, وقد ترك من يعتق على المصى له, (فإن قبله) (¬1) عتق عليه. (قال ابن سحنون) (¬2) عن أبيه فيمن أوصى له بثلاثين دينارا فقبل الموصى له الوصية فلم تحمل الوصية العتق, فخلع له الورثة الثلث, عن لم يجيزوا وفى التركة من يعتق عليه, قال: يقوم عليه ما بقى من أبيه, ويعتق عليه. لا أعذره. قال عبد الملك قال المغيرة فيمن وهب له أبوهوعليه دين محيط, فملك أباه بالميراث, إن الدين أملك به, وإن ملكه بصدقة أو هبة لغير ثواب, فالعتق اولى به. وخالفه أشهب/ فى الميراث, فقال: العتقة أولى به. قال ابن المواز مثله, كما يعتق ذلك فيما يرث الصبى منه أو يوهب له وإن ورث أخوان مكاتبا (هو اخو ¬
فيمن اشترى أباه وهو عديم أو سفيه أو مريض
أحدهما لأمه) (¬1) فإنه يوضع عنه مصابة اخيه, فإن ودى ما بقى, عتق, فإن عجز, عتق نصيب الأخ, ولو أوصى لهما به فقبلاه, سقط عنه حصة اخيه, ثم خير فى التمادى, أو تعجيز نفسه (يقوم على اخيه) (¬2) فى مرضه, وإن كان عدييما, فليس له تعجيز نفسسه إلا بأمر بين فيمن اشترى أباه وهو عديم او سفيه أو مري ض وفى العامل يشترى أبا رب المال وفى النصرانى يشترى أباه المسلم من كتاب ابن المواز (قال مالك ومن ابتاع أباه بثلاثين دينارا) (¬3) فلم, يجد إلاعشرة فليرد البيع ولا يعتق منه بقدرها. قال ابن المواز ووجدت لابن القاسم أن يباع منه ببقية الثمن, ويعتق باقيه. قال ابن القاسم: وإن اشتراه فى مرضه بأكثر من ثلثه منه ببقية الثمن, ويعتق باقيه. قال ابن القاسم: وإن اشتراه فى مرضه بأكثر من ثلثه وهو ثمنه فرضى البائع أن يجيز منه الثلث, فليس له ذلك, وليرد إلا أن يسعه الثلث. قال مابن القاسم: ولو ابتاع أباه بثلاثين, فنقد عشرة ثم مات, فإن كان له مال عتق, وإلا بيع منه بباقى الثمن, وعتق ما بقى, وإذا اشترى السفيه او المولى عليه أباه, لم يعتق علبيه, وفسخ البيع, او بيع عليه إن كان فيه فضل. قال محمد: ولو وهب له, او أوصى له به, أو ورثه, عتق عليه, والمقارض إذا اشترى أبا رب المال لم يخطر عليه ذلك/ ولا غيره عتق على رب المال, فإن تعمد شراءه وهو يعرفه عتق على العامل وغرم ثمنه لرب المال, وكان ذلك أقل من قيمته أو أكثر لأنه تعدى له على تلف الثمن (¬4) ولا يغرم الفضل عن كان فييه فضل, والولاء للإبن ¬
في العبد ومن فيه بقية رق يملك ذا قرابة له أو لسيده
[12/ 388] وقال أشهب فى نصرانى اشترى أباه (¬1) المسلم, إنه يعتق عليه ولو كان الأب نصرانيا لم يعتق عليه. فى العبد ومن فيه بقيه رق يملك ذا قرابة له أو لسيده من كتاب ابن المواز: وإذا قال ملك العبد اباه فلا يبيعه إلا بإذن سيده (¬2) كأم ولده, وكذللك المدبر, والمعتق إلى أجل ما لم يمرض سيد المدبر, او يقرب اجل المؤجل, فلا يجوز إذن السيد له, إلا فى موضع له انتزاعه منه, قال أشهب: وليس لواحد منهم شراء ذلك إلا بإذن السيد, وكذلك أم الولد والمعتق بعضه. قال محمد: اما المعتق بعضه يشترى ذلك بإذن سيده فلا يبيعه, أذن له السيدأو لم يأذن. قال مالك: لا يشترى عبد أباه بإذن سيده ولا يبيعه, أذن له السيد أو لم يأذن. قال مالك: لا يشترى عبد أباه بإذن سيده ثم لا يبيعه إلا المكاتب, فإنه إن كان بإذنه دخل فى كتابه. قال ابن القاسم: وذلك فى الأبوين والولد ولا يدخل الأخت والأخ وغن أذن فيهما. وقال أصبغ: القياس ان يدخلا قال أشهب, (عن مالك: وإذا خافت/ المكاتبة العجز فلا يبيع ولدها الذى ولدت فى الكتابة إلا بإذن السيد. قال عبد الله: هكذا وقع كتابى, والمعروف لمالك ألا يبيع ما ولد (لها) (¬3) فى الكتابة, إلا ان تعجز هى فيسبعه السيد إن شاء ... ¬
في العبد يوصي له سيده بثلث تركته
[12/ 389] قال أشهب (¬1): وكذلك المكاتب فى بيع ولده من أمته ويقبل: لا يبيع أم ولده ولا خوف العجز, كان فى أول الحمل أو بعده. قال محمد: وإن لم يإذن سيده. وأما الأخ والأب فلا يبيعه- وإن ظهر عجزه- إلا بإذن سيده. قال مالك: وإذا اشترى العبد أبا سيده عتق عليه. محمد: إن كان مأذونا. وقاله مالك. وهو أحب إلى من قول أشهب. قال أشهب: لا يشترى العبد أبا سيده إلا بإذنه, فإن اشتراه بإذنه لم يعتق عليه, وبقى لعبده حتى يصير للسيد بموت العبد او ببيعه, وليس له ها هنا بيعه بماله, وإن اعتقه اتبعه ولد سيده رقيقا له. قال أصبغ قول ابن القاسم احب إلى انهم يعتقون, اشتراهم العبد عالما أو جاهلا. قاله مالك. (قاله ابن القاسم) (¬2) وإن كان على العبد ين محيط, عتقوا, وغرم سيده الثمن, إلا أن يكون غير مأذون, فيرد شرؤاه, ولا يعتقوا قال ابن القاسم: اما المكاتب فله ملك ابوى سيده وبعضها ووطء الم. وقاله سحنون, فىكتاب ابنه. قالابن المواز: وقال ابن القاسم: وقد قال بعض الناس هذا فى العبيد, وليس بشىء. قال: فإن عجز المكاتب, عتق من بيده ممن يعتق على سيده. (وقاله اصبغ) (¬3)./ فى العبد يوصى له سيده بثلث تركته او له ولزوجته الحرة ولبنيه منها من كتاب ابن سحنون عن أبيه وعن عبد له امرأة حرة وله منها أربعة اولاد احرار, فاوصى سيده بثلث ماله لجميعهم للعبد وللزوجة وبنيها منه, قال: تطلق عليه امرأته لأنها ملكت منه سدس ثلثه ... ¬
[12/ 390] (قال عبد الله) (¬1): يريد سحنون, وغن قبلت (قال) (¬2): فإن كان ولده منها أربعة فالثلث بين الولد والأبوين أسداسا فللعبد سدس الثلث من نفسه ولبنيه أربعة أسداس ثلثه يعتق نصيبه منه ونصيبهم, ويبقى سدس ثلثه لزوجته وينظر إلى ما يقع له ولبنيه من بقية الثلث, فإن وسع بقية العبد عتق فيه وإلا فما وسع من ذلك, وإن كان فيه وفاء عتق فى سهمه وسهم بنيه ويبقى سدس الثلث منه للمرأة, فإن بقى للعبد ولبنيه من الثلث بقية كانت بينهم على خمسة أجزاء وعتق سدس الزوجة فيما للعبد من قية الثث, فإن لم يف عتق باقيه على بنيه فيما لهم من ذلك وغيره إن قبلوا الوصية. قال سحنون: ولا يقوم على العبد باقيسه فى مال, عن كان له غير الوصية, يريد على رواية ابن وب عن مالك. قال سحنون: لأنه لما ملك بعض نفسه, كان كعبد شركه فى نفسه غيره, فلا يحكم فى ماله إلا بإذن شريكه قال عبد الله: وهذه مسالة أصلها لربيعة, فزاد فيها سحنون تمامها, وينبغى/ على قول مالك, إن لم يقبل الولد لهم فى رقبة أبيهم وقبلوا الوصية فى بقية الثلث ان يعتق عليهم ما وقع له (من ثلث أبيهم) (¬3) , ولا يستتم عليهم. وعلى قول أشهب, لا تعتق حصتهم من رقبه, إلا ان يقبولها, فيتم عليهم باقيه. قال ابن سحنون عن ابيه: فإن لم يكن له إلا العبد, فخمسة أسداس ثلثه حر على نفسه, وعلى بنيه, (وسدس المرأة رق لها) (¬4) , ويقوم على بنيه عن كان للمرأة مال لنهم قبلوا الوصية. قال ابن سحنون: ويقوم عليهم أيضا ثلث الأب (¬5) للورثصة مع سدس المرأة إن كان لهم مال ... ¬
[12/ 391] قال سحنون: ومن أوصى لعبد بثلث ماله, ولعبدولد- يعنى رق لسيده- قال: فلأب أولى بالثلث يعتق فيه, فإن بقى منه شىء, دخل فيه الابن فى العتق ما بلغ الثلث. من ولده عنه هذا الأندلسيون فقرأته عليه, قال: الذى يبين لى, لا يعتق عليهم من ولده إلا ما صار لهم منهم فى الوصية ويأخذ ما بقى مالا. ومن كتاب القرعة لسحنون وقال عبد الملك فيمن أوصى لعبده بثلث تركته, فإنه يعتق ثلثه فى نفسه, ويستتم عليه عتقه فيما أوصى له (به من بقية ماله, ويبدأ على الوصايا إلى تمام رقبته, وما فضل يقاول له به, ولو وصى له) (¬1) بثلث نفسه وبمائة دينار, لم تبدإ المائة, ولا يعتق باقيه فيها, ويحاص بها أهل الوصايا. وقاله مالك. قال المغيرة, سحنون: ليس للعبد فى الوجهين فى التبدية إلا ثلث نفسه,/ وهو (¬2) فيما سوى ذلك من بقية الثلث أو من المائة الوصية يحاص بها. وقال ابن القاسم, فيمن أوصى لعبده بثيلث ماله, (والاجنبى بثلث ماله) , انهما يتحاصان, فما صار للعبد, عتق فيه, وما صار للاجنبى, اخذه, ولم أبد العبد لأنه عتق على نفسه لما ملك بعض نفسه, فقوم عليه ما بقى فيما صار له من الثلث, او فى مال عن كان له ... ¬
فيمن أعان في شراء ابنه أو أوصى له بثمنه
[12/ 392] فيمن أعان فى شراء ابنه (¬1) أو أوصى له به (بثمنه) (¬2) ومن ابتاع اخاه موكلا فجحده الآمر ومن اشترى زوجة أبيه او زوج امه وهل يزوج ابنته لمكاتبه؟ وفى الأمة بعضها حر فيبيع باقيها هل يكون الزوج اولى به؟ من العتبية (¬3) عن ابن القاسم فيمن قالرجل: اشتر (¬4) ابنتى وأنا أعينك فيها بمائة دينار, فاشتراه لمال (كثير) (¬5) أو بمثل المائة, قال: فإن (كان) (¬6) اشتراها على أن يعينه بذلك على شرط حبسها للوطء او للاتخاذ, فإن فرجها يحرم عليه بذلك, ويلزمه رد المائة إن اخذها, وإن كان ذلك بغير شرط ولا عدة يفسد بها عليه المسيس فلا باس أن يأخذ منه المائة على ذلك. فإن كان ذلك من الأب بمعنى العون له والصلة لضعفه عن ثمنها فهى له, ولا يلزمهردها, ثم إن شاء بيعها معجلا, فقام الأب عليه فقاال: رجوت حبسك غياها بما أعطتيتك. نظر فى ذلك فإن رأى أن مثله إنما يعين مثل المشترىلهذا/ فهو كالشريك ويرد المائة إلى الأب ويجتنب االمسيس حتى يردها وإن كان مثله لا يعين المبتاع إلا بمعنى الصلة والمعروف, حلت له وجاز له ان يبيع أو يحبس. ومن العتبية (¬7) قال أصبغ: ومن اوصى له بثمن أبيه, يقول: بيعوا ابنه واعطوه ثمنه. فلا يعتق بهذا عليه وإن قبل. قال ابن المواز: ومن اوصى فى امة له أن يعطى ثمنها لابن لها حر, فليس ذلك بملك ولا عتق, وهى وصية بمال. ومن ... ¬
جامع من يعتق بالمثلة
أتى إلى سيد أخيه برسالة اخ له ثالث, امره أن يشتريه, ففعل, ثم أنكر ذلك المرسل, فإنه يعتق على الرسول, والولاء للمرسل. قالمحمد: ومن اشترى زوج أمه, أو امرأة ابيه, فسخ النكاح عند ابن القاسم, ولا يفسخ عند أشهب. قال ابن القاسم: ومن زوج ابنته لمكاتبه او ابنه لمكاتبته, فلا بأس به وقد استثقله مالك قال: فإن مات اللسيد فسخ النكاح والكتابة قائمة. قال أصبغ: لا أحب هذا النكاح, فإن وقع لم افسخه. ومن العتبية (¬1) ابن القاسم عن مالك ومن كتاب ابن القاسم عن مالك ومن كتاب ابن المواز فى حر له امرأة, ثلثها حر وباقيها رقيق, وولدها منه كذلك, فأراد المولى بيعها, فطلب الزوج أخذهما, فذلك له لأن فيه منفعة الابن (فليباعا منه) (¬2). روى ابن حبيب, عن مطرف, عن مالك, فى امة تحت حر, له منها أولاد, وهى حامل, فبيعت مع والدها, أن الزوج أحق بهم إن شاء بما بلغوا. وقاله اصبغ جامع من يعتق بالمثلة وهل يعتق قبل الحكم عليه؟ ومن مثل بعبد غيره وفى العبد يعمى هل يعتق؟ ومن مثل بامرأته وفى الممثول به هل يتبعه ماله؟ من كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك فيمن عمد لقطع أنملة عبده (¬3) أو اطرف أذنه او أرنبته او قلع سنه او قطع بعض جسده, عتق عليه وعوقب. قال أشهب: ويسبحن ¬
[12/ 394] قال: وما تعمد من كى, كان على وجه العذاب, لم يعتق إلا أن ينشر ويتفاحش. قال ابن سحنون, عن أبيه: ليس شىء من الجراح التى تعود لميتها مثله, وإنما المثلة ما أبان من الاعضاء كاليد والرجل والاصبع. قال سحنون: وإن ضرب رأس عبده, فنزل الماء فى عينه, فليس بمثلة يعتق بها. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون, عن مالك, فى لحق الرأس والحية: ليس بمثلة فى عبد ولا أمة, إلا العبد التاجر النبيل الوجية اللاحق بالأحرار فى هيئته, فحلق سيده لحيته, فهى مثلة. وكذلك المة الفارهة الرفيعة البالغة يحلق السيد رأسها. قال ابن المواز قال ابن وهب: من حلق لحية عبده, أو راس جاريته, أدب عن كان على الغضب, وإن كان لقروح وغيره, فلا شىء عليه. أو خرم أنف عبده, أو قلع ضرسه أو سنه, أو قطع ظفره, أو شرف أذنه, أو وسم وجهه عمدا, عتق عليه. وقاله ابن القاسم. قال اصبغ: لا أراه فى السن الواحدة, ولا الضرس, إلا فى جل الأسنان, أو جل الأضراس. قال ابن حبيب: وبالأول أقول. قال أصبغ, فيمن وسم وجه عبده, او جبهته,/ (فيكتب فيه: ابق انه يعتق عليه) (¬1). وقاله ابن وهب, وأشهب. قال اصبغ: فأما لو فعل ذلك به فى ذراعيه, وفى باطن جسمه, لم يعتق عليه, بخلاف الوجه. ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم عن مالك: ومن ضرب عبده بسوط فى امر عيب عليه, ففقا عينه, قال: لا يعتق عليه. قال ابن القاسم: وإنما يعتق ما كان على وجه العمد, لا فى الخطأ. وروى عبد المللك بن الحسن, عن ابن وهب, فى العبد يعزف بالاباق, يرشم (¬3) سيده فى جبهته: عبد فلان. قال: يعتق عليه ... ¬
قال: ولو سمه بمداد وإبرة, كما يفعل الناس, لعتق عليه. وقال أشهب: لا يعتق عليه. وقال ابن المواز: ولا يعتق بالعض فى الجسد, لكن يباع. قال مالك, فى امرأة عضت لحم جاريتها, وأثرت بذلك أثرا شديدا, فأمر ان اتباع. قال أشهب: ولو بنيتها فى عضها, لم يعتق ما لم تقطع (¬1) بذلك شيئا من جسدها, ويبين منه. قال اشهب: ولو كاان ممن يرى ان ذلك منه فلتة, لم يبع عليه (وإن لم تكن فلته, بيع عليه) (¬2). قال ابن المواز قال مالك: ومن مثل بعبده, فلا يعتق (عليه) (¬3) إلا بعد يعلم به, فهو حرمن رأس المال. وقال ابن عبد الحكم: المثلة المشهورة لا يشك فيها, بها حر بغيرقضية (¬4) , وأما مثلة يشك فيها, فلا يعتق إلا بحكم كأجل (الإيلاء البين من وقت اليمين, وأما ما يدخل عليه بنسب (¬5) , فيمن يوم المرافعة. قال ابن المواز: أحب إلى ألا بعتق إلا بحكم) (¬6) , أو بإنقاذ السيد. قال مالك, ابن القاسم, وابن عبد الحكم, وفى بعض الحديث/: << من مثل بعبده, فأعتقوه>> (¬7). ولم يقل: فهو حر. وهو كمن اعتق بعض عبده, او شقصا له منه, فلا يعتق باقيه إلا بحكم وذكر البرقى عن أشهب مثل قول ابن القاسم فى المثلة, أنه إن مات العبد قبل الحكم بعتقه, ورثه السيد دون أحرار ورثته ¬
[12/ 396] قال محمد: أما من اشترى من يعتق عليه, فهو حر بالشراء بغير حكم ومن العتبية (¬1) روى سحنون عن ابن القاسم فيمن قطع يد عبده, فمات السيد قبل يحكم عليه, فلا يعتق علبى ورثته, وإن رفع امره إلى الإمام قبل موت السيد عتق عليه, إلا أن يكون عليه دين محيط بماله, قال ابن سحنون, (عن أبيه: إنما يعتق بالمثلة يوم القيام بذلك, فأما السيد قبل ذلك أو مات فلا عتق له. ومن العتبية (¬2) وكتاب ابن سحنون) (¬3) قال سحنون: وإذا فقا عين عبده أو عين إمرأته, فقال العبد وامرأة: فعل متعمدا. قال السيد والزوج: بل كنت مؤدبا فأخطات فالقول قول العبدوالمرأة, بخلاف الطبيب يتجاوز ويقول أخطات ويدعى المفعول به العمد لأنه مأذون له فى الفعل والأول ظهر عدوانه (¬4) قال فى العتبية (¬5) ثم رجع فقال: القول الزوج والسيد حتى يظهر العداء. ومن العتبية (¬6) قال سحنون: قال مالك فيمن مثل بامراته أنها تطلق عليه, كما لو باعها لأنه لا يؤمن على عينها. وروى أصبغ, عن ابن القاسم, فيمن قطع يدا أو يدين من عبد فاره صناع انه يضمن قيمته ويعتق عليه. قال ابن القاسم: قال مالك فى العبد يعمى غنه لا يعتق وأنكر ما ذكر (¬7) فى ذلك قال ابن المواز قال أشهب/ ومن مثل بعبده فعتق عليه ان ماله يتبعه والولاء للسيد. وكذلك قال ابن سحنون عن ابيه سحنون ... ¬
فيمن ضرب عبده ضربا لا يجوز
[12/ 397] فيمن ضرب عبده ضربا لا يجوز له أو حلف ليفعلن ذلك او سماع حلف ليعلمن له عملا شاقا ومن العتبية (¬1) من سماع أبى زيد من ابن القاسم وكتاب ابن المواز: ومن حلف ليضربنه مائتى (¬2) سوط, أو ثلاثمائة, ففعل, فانكهه, فإنه لا يعتق عليه بذلك, إلا أن يبلغ منه ما يكون مثله شديدة, مثل ذهاب لحمه وربما تآكل لحمه لذلك, بقى جلد على عظم, فما بلغ مما يرى أنه مثله بينه, فليعتق عليه, ومثل قطع الأصبع. قال ابن المواز: قال أصبغ: ومثل أن يحدودب ويبلغ به من ضربه الزمامنة الظاهرة والباطنة. قال ابن القاسم فى الكتابين: ويعاقب, عتق عليه أو لم يعتق ولو علم به الإمام قبل الضرب, عجل حنثه. قال أصبغ فى الجلد المشرف, فيه فيه مثله. قال محمد: ولا فى العض. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إن حلف ليضربنه مائة سوط, فقد أساء, ويترك وإياه, فإن ضربه, بر. قال ابن الماجشون, فى باب آخر فى يمينه ليضربنها مائة سوط, فحملت منه, فليمنعه السلطان من ضربها وهى حامل, وإن ضربها, بر فى يمينه, وأثم عند ربه, وغن مات قبل ضربه, عتق فى ثلثه, وإن حلف على أكثر من مائة مما فيه التعدى والمشقة (¬3) , فليعجل الإمام عتقه, فإن ضربه قبل ذلك الضرب, لم يعتق, وليبيع عليه, إلا أن يلحقه من ذلك أمر فظيع شنيع (¬4) فيكون قد أشرف على الهلاك, قال:/ أصبغ:/ قال أصبغ: أرى المائة مما يخاف منه العصب, والتعدى, وليعجل عتقه. قال ابن حبيب: بالأول أقول ... ¬
في الرجل يمثل بعبد عبده
[12/ 398] قال ابن المواز قال مالك فيمن ضرب عبده لعذاب أو لأدب (فمات) (¬1) , فليعتق رقبة, ويؤدب. قال ابن المواز, عن ابن القاسم: ومن قيد عبده, وحلف بحريته إن نزع قيده حتى يحفر له بئرا طولها كذا, فلينظر السلطان فإن كان ما لا يقدر عليه, عجل عتقه. فى الرجل يمثل بعبد عبده او بعبد من يلى عليه أو بمكاتبه أو بعبد مكاتبه من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن مثل بعبد لعبده, أو لام ولده, عتق لامرأته (¬2) لم يعتق عليه, وغرم مانقصه, إلا مثله مفسده, فإنه يعتق, ويؤدى القيمة, كعبد أجنبى (¬3). (قال ابن حبيب قال أصبغ فيمن مثل بمكاتبه انه لا يغرم له شيئا فى قطعه, وإن زاد أرش ذلك على كتابته) (¬4) ولكن يعتق بالمثلة, ويسقط الكتابة وخالف ما قال ابن القاسم فى أخذه من السيد الفضلة. قال ابن حبيب: قال مالك: ومن مثل بعبيد ابنه (¬5) الصغير عتقوا عليه, كما لو بتلهم, إذا كانله مال ... ¬
في الذمي يمثل بعبده أو ذات الزوج أو السفيه أو المريض
[12/ 399] أو من أحاط به الدين أو العبد يمثل بعبده وهل يتبع من يعتق منهم ماله؟ من كتاب ابن المواز من العتبية (¬1) من سماع اشهب: قالمالك فى الروم ينزلون بعض ارض السلام, فيخصى بعضهم بعد نزولهم عبده فلا يعتق عليه إذ لم يعاهدوا على ذلك (¬2) قال ابن القاسم: ولا يعتق على الذمى إن مثل إلا ان يمثل به بعد ان يسلم العبد. قال ابن سحنون عن أبيه: اختلف ابن القاسم فيه فقال أشهب: عن كان ذميا عتق عليه عبده النصرانى بالمثلة, وإن كان معاهدا حربيا لم يعتق عليه, مثل من ينزل عندنا منهم. وقال ابن القاسم: لا يعتق عليه فى الوجهين إلا أن يمثل به بعد إسلام العبد. وقاله سحنون فى العتبية (¬3) قال ابن المواز عن أصبغ: قال ابن القاسم فى السفيه يمثل بعبده أنه يعتق عليه ولا يتبعه ماله. وقال أشهب وابن وهب: يعتق. قال ابن المواز: ثم رجع ابن القاسم فقال: لا يعتق. وكذللك روى عنه يحيى بن يحيى فى العتبية (¬4) وقال: انظر من يجوز إعتاقه, فإنه يعتق عليه إذا مثل, ومن لا يجوز إعتاقه فلا يعتق عليه بالمثلة. وذكر ابن حبيب مثله. وقال العتبى قال ابن وهب: إذا مثل السفيه بعبده عتق عليه, ولم يتبعه ماله. وروى ابن المواز عنه أن ماله يتبعه. قال: وأظنه قول أشهب فى المال لأنه روى عن ... ¬
ذكر أبواب عتق من عليه دين أو عليه ولاية
مالك فى سفيه اعتق ام ولده أنها حرة ويتبعها مالها. وقال ابن القاسم: هى حرة ولا يتبعها مالها إلا التافه. وقاله أصبغ قال: فعبده أحرى أن لا يتبعه ماله عند من أعتقه عليه والقياس ألا يعتق فى المثلة, ومن قال: يعتق عليه لم اعب عليه قوله. وقال أشهب. وإذا مثل بعبده/ من أحاط الدين بماله عتق عليه لنها جناية حدها العتق. وكذلك العبد يمثل بعبده وولاؤه للسيد الأعلى ولا يرجع إلى العبد إن عتق يوما ما. قال وقد قيل: لا يعتق بالمثلة على المديان ولا على العبد والسفينة. وإليه رجع ابن القاسم فى السفيه. قال ابن حبيب: اختلف ابن القاسم واشهب فى ذات الزوج والسفيه والعبد والنصرانى, والمفلس يمثلون بعبديهم فقال ابن القاسم: هو كابتدائهم العتق. وبه قال أصبغ. قال اشهب: أرى ان يعتق عليهم. وبه أقول. وقال ابن وهب فى العتبية فى ذات الزوج تمثل بعبدها أنه يعتق رضى الزوج او كره. قال سحنون: لا يعتق إذا كان اكثر من الثلث مالها. ورواه عن ابن القاسم فى المريض يمثل بعبده فى ثلثه, وإن صح ففى رأس ماله, وقال عنه فى المديان يمثل بعبده, غنه لا يعتق عليه. ذكر أبواب عتق من عليه دين أو عليه ولاية وفى عتق من أحاط الدين به وحنثه بالعتق وصدقه وكيف إن علم غروماؤه فلم يقوموا؟ من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن تصدق وقد احاط الدين بماله فإن ذلك يرد وإن طال الزمان إلا أن يئس فى حلال ذلك فلا يرد, وإن عدم بعد ذلك قبل قيام الغرماء, وأما فى العتق فأستحسن ان يرد بعد طول الزمان إذا لم يقم
الغرماء/ حتى وارث الحرار وجرت له وعليه حدودهم, وجازت شهادته. قال ابن القاسم: وذلك عن طال أحدهما مما يجرى فيه مجارى الأحرار فيما ذكرنا قال أصبغ: وذلك فى التطاول الذى لو أتت على السيد فيه أوقات افاد فيها وفاء الدين, ينزل امر الغرماء على أنهم قد علموا بطول الزمان, فلا يصدقوا أنهم لم يعلموا لطول الحرية ولو استوثق بشهادة قاطعه أنه لم يزل عديما متصل العدم مع غبية الغرماء وعلى غير عملهم, وببموضع يوقن بذلك فيه لرد عتقه ولو ولد له سبعون ولدا. قال ابن عبد الحكم: إن قاموا بعد الثلاث سنين والأربع وهم فى البلد وقالوا: لم نعلم. فذلك لهم كانوا رجالا او نساءا حتى تقوم بينة انهم عملوا وأما فة اكثر من أربع سنين, فلا يقبل منهم. وإن قال الغريم: علمت بعتقه إلا انى لم أعلم أن عليه من الدين ما يغترق ما ظه له من المال وله ربع (¬1) ظاهر لم يصدق والعتق ماض (¬2). وإن علم بعضهم بال-عتق ولم يعلم بعضهم نفذ من عتقه (قدر حصة من علم ممن لم يعلم) (¬3) بالحصص- يريد: ويرد حصة من لم يعلم. قلت لابن عبد الحكم: فإن أعتق غريمى, فعلمنا بعتقه, فلم انكره لماله من ظاهر الملاء ولم أعلم أن عليه من الدين ما يحيط بذلك ولى بينية بعذرى هذا. قال: لا ينفعك, والعتق نافذ لا يرد لدينك منه حاصه بشىء. ومن حلف بحرية عبده لغريمه ليدفعن إليه حقه يوم (¬4) كذا, فحنث ولا يملك غيره, فللغريم رد عتقه./ قال اصبغ: وقال ابن وهب: (لا يرده إلا أن يكون لغيره عليه دين فيرد لهما يدخلان فيه. قال ابن وهب: وهذا استحسان) (¬5). قال ¬
فيمن أعتق عبيده وعليه دين يغترق بعضهم
أصبغ: بل يرد كلله له وحده او معه غريم غيره, وليس استحلافه له رضا بعتقه. وكذلك فى العتبية (¬1) من سماع عيسى من ابن القاسم. وإذا اعتق رقيقه والدين محيط به, لم يكن له ولا لغرمائه (¬2) رد عتقهم دون الإمام, فإن فعل أو فعلوا, رد السلطان بيعهم وأعتقهم. قال: وينظر السلطان فى عتقه فإن أعتق مليا او أعتق فى عدمة ثم حدث له مال بقى بدينه ثم اعدم الآن, فيمن أعتق عبيده وعليه دين يغترق بعضهم من كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬3) من التفليس من سماع أصبغ وسحنون من ابن القاسم: ومن أعتق رقيقا وعليه دين يحيط ببعضهم, ثم لم يعلم الغرماء حتى ادان ما يحيط ببقيتهم ثم قاموا حين علموا, فقال ابن القاسم: لا يباع منهم إلا بقدر دين الأولين ثم يدخل معهم فيه الآخرون. وقال اشهب فى العتبية (¬4) وقال بعض الناس: يباع جميعهم حتى يستوفى الأولون والآخرون لأنه إذا دخل الاخرون مع الأولين لم يتم دين الأولين الذين كانوا قبل العتق, فكلما بيع لتمام دين الأولين دخل فيه الآخرون, فلا يزال ذلك حتى لا يبقى للأولين حق ولا للآخرين. قال محمد: وقول ابن القاسم اصوب لحجة العبيد انه وجب لهم عتق/ ما ناف على الدين الأول. وقاله أصبغ. ذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ ¬
[12/ 403] قال محمد قال أصبغ: وقول أشهب إغراق فى القياس والإغراق (¬1) فيه كالتقصير عنه ويباع منهم إلا مرة واحدة للأولين, ويدخل فيه الآخرون. قال فى العتبية (¬2): وذكرته لابن القاسم فعرفه ولم يره ورآه ظلما - يريد للعبيد. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن دبر عبده دين يحيط بنصفه, ثم اداان بعد التدبير مثل نصف قيمته, فإنه يباع منه بقدر الدين الاول, فيأخأذه الاولون ولا يدخل فيه الاخرون, ولا يباع لهم شىء وقد بقى لهم ما يباع بعد موت السيد. قال: ومن أعتق عبده وعليه دين يغترق نصفه فى قيمة ذلك يوم العقد, لم ينظر إلى ما زاد او نقص من القيمة, وتنفذ تلك الحصة, فلا يرد ويباع للدين من جميعهم بالحصص. قال أشهب: إذا قام الغرباء فى رد عتقه لعبده بيع منه بقدر دينهم ما بلغ ورق ما بقى, وإن أحاط به ذلك فى البيع وقد سوى العبد مائة, فإذا بيع منه على أن بعضه حر لم يبلغ منه شىء ويوقف إلى محل الدين فيباع كله أو يباع منه ما بقى به. قال أشهب: وإن كاان فيه الآن فضل, بيع منه للدين قبل محله/ ويعتق ما بقى. وروى عن مالك نحوه, هو وابن القاسم وابن وهب. وفى كلام اشهب ذكر الأجل. وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية (¬3) فيمن اعتق عبده وعليه دين, وغن بيع كلله كان أكثر من الدين, وإن بيع بعضه لم يكن فيه قضاء, الدين لنقض ثمنه بدخول الحرية, قال: يباع كله ويجعل ما بقى بعد الدين فى حرية, وقد سمعت عن ... ¬
مالك ان ليس ذلك عليه بواجب أن يجعل ذلك فى رقبة ولكنى أستحسنه. قال سحنون: اراه كمن عبده فى مرضه, ثم مات ولا مال له غيره, زعليه دين فانا إن بعت للدين جزاءا منه لم يبع إلا بدون قيمته, ولكن أرى إن كان ما عليه عشرين, والعبد قيمته مائة إن بيع كله, فإنه لم يوقف فيقال: من يشترى منه بالعشرين. فيقول واحد: أنا آخذ ربعه بها. ويقول آخر: أنا آخذ خمسه بها. هكذا يناقص حتى يقف على شىء لا ينقص منه, فهذا أعدل وهو قول حسن لبعض اصحاب مالك. وقال ابن حبيب عن اصبغ فيمن عليه تسعمائة, اعتق جارية قيمتها الف, وإن بيع منها الدين لم يكن فى تبعيضها وفاء له وإن بيعت كلها بيعت بأكثر منه. قال: تباع كلها ويصنع بما بقى من ثمنها بعد قضاء الدين ما شاء ولا يؤمر ان يجعله فى عتق, ولو وجد من يبتاع منها (¬1) بتسعمائة وإن أكثر من تسعة أعشارها, لبيع وعتقت الفضلة. قال/ ولو تأخر بيعها حتى حال سوقها, فلا يسوى الآن تسعمائة, فإنما يباع منها اليوم قدر ما كان يوفى منها الدين لو بيعت يومئذ غير كاملة ويعتق منها اليوم ما كان يعتق منها يومئذ, وتبقى بقيه الدين فى ذمة الغريم, ولو حال سوقها بارتفاع حتى يكون نصفها يوفى تسعمائة لم يبع منها جزء للدين لم يبلغ ذلك من طالدين دينارا, وهما إن بيع من كل واحد منهما على الرق, كان فى ثمن أحدهمااكثر من الدين, قال: يقرع بينهما أيهما يباع للدين, فمن خرج سهمه بيع للدين فقضى منه, فإن بقى من
ثمنه شىء دفع الى سيده يصنع به ما شاء, ليس عليه أن يعتق به رقبة إلا أن يتطوع, فإن فعل حسن. وكذلك من مات عن مدبر قيمته مائة دينار, وعليه من الدين عشرون دينارا, وهو عن بيع منه جزء للدين, لم يبلغ ذلك الدين فليبع (¬1) كله, فيقضى الدين من ثمنه ويدفع ما بقى للورثة, وليس عليهم فيه عتق إلا أن يتطوعوا. ومن كتاب البن المواز/ قال مالك: ويباع من العبيد الذين أعتق المديان بقدر الدين, عن كان لا يغترقهم يباع منهم بالحصص للدين, كعبد قيمته ثلاثون, وقيمة آخر عشرون فيباع من صاحب الثلاثين بثلاثة اخماس الدين, ومن الاخر بخمسى الدين ويعتق ما بقى. وروى يحيى بن يحيى نحوه عنابن القاسم فى العتبية (¬2) قال ابن المواز: قال ابن الحكم: فإن تساووا فى القيمة, فبيع بنصف الدين نصف أحدهما ثم رغب راغب فى الآخر, فاعطى بنصفه اكثر من نصف الدين بأربعة دنانير فليبيع (¬3) منه بنصف الدين وزيادة ديارين فيرد هذين الدينارين على المشترى شقص بقدر ما يعتق ما يعتق من اعبد, فيصير قد بيع من كل واحد نصفه إلا دينارين وعتق نصفه وديناران. قال محمد: وإن نقصت قيمة الثانى بتغير دخله فى بدنه أو غيره لم يبع منه غلا نصفه وهو الذى وجب بيعه قبل أن يدخله النقص. قال مالك: وإذا كان يوم عتقه يملك ما بقى بنصف دينه, أو افادجه بعد العتق ثم ذهب الآن, عمل على أن لا يرد من العتق بمقدار ذلك الملك (¬4) الذى ذهب ¬
في المديان يعتق فلا يرد عتقه
قال محمد: ولو كان أفاد بع تلف هذا المال ما بقى بنصف دينه أيضا, فلم يقم الغرماء حتى ذهب, لم يرد من المعتق شىء. وقاله كله ابن القاسم. قال ابن القاسم: ومن أعتق عبدين معا, وعليه دين مثل نصف قيمتهما, فلم يبع ذلك حتى مات/ أحدهما, فلا يباع من الثانى غلا ما كان يباع منه لو لم يمت الآخر. وكذلك لو اعور أحدهما ثم لا باع من الذى اعور إلا ما كان يباع منه قبل العور. ولو كان أعتق واحدا بقى الآخر وجب البيع إن وفى بالدين, فإن مات الاول بيع الآخر إى أن يفى بعضه بالدين, فيعتق باقيه, وإن مات الاخر فالاول حر إلا أن يكون لم يكن الآخر يوم عتق الول يفى بالدين فليبع (¬1) مجن كالاول بقدر تمام الدين على قيمة الآخر ويعتق ما بقى. فى المديان يعتق فلا يرد عتقه حتى يفيد مالا يفى بدينه او ببعضه وكيف يباع منهم فى هذاأو فى الوصية بالعتق؟ قال ابن سحنون عن ابيه عن ابن القاسم وأشهب عن مالك فى المديان إذا اعتق, فقام غرماؤه, فرد السلطان عتقه, فلم يزل العبد بيده حتى افاد مالا, وإنه يعتق وليس رد السلطان برد حتى يباع ما لم يقسم المال بين الغرماء او لم يفت ذلك وكان قريبا. قال لى ابن نافع: لا أعرف هذه الرواية, والذى لم أزل اعرفه أن رد السلطان رد العتق وإن لم يتبعه فى الدين, ولا يعتق بعد ذلك وإن افاد مالا. قال سحنون وأشهب على هذه الرواية التى انكرها ابن نافع. ¬
قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن اعتق عبدا عن ظهار أو غيره, ثم استحق بحرية أو مالك فرجع بالثمن ثم فلس,/ قال: غرماؤه أولى به من أن ينفذه فى العتق الذى عليه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية فى المديان يقول: يخدم عبدى فلانا سنة هو لفلان. قال: للغرماء رده, لا يعدو عليه حتى تنقضى الخدمة ويجب لفلان بتلا ثم الغرماء رده او إجازته له. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا رد السلطاان عتق رقيقه واوقفهم, فليس له الوطء وله خدمة, فإن افاد مثل دينه نفذ عتقهم وإن أفاد مثل بعضه, فإن كان عتقه إياهم فى كلمة (واحدة) (¬1) بيع منهم لما بقى بالحصاص, وغن كان وحدا بعد واحد بيع الآخر فالآخر وأعتق من بقى, كمن اعتق وله وفاء ببعض دينه إلا ان الول يجعل فجائدته لأولهم عتقا ثم من يليه حتى يقرع ويباع وهذا يباع الآخر فالآخر. وإذا كان عتقه إياهم فى كلمة, وكما إذا بعنا منهم الحصص يقع للبيع أكثر العبد حتى لا يفى حصة البيع منه بما يقع عليه من الدين إلا ان يباع جميعه, فها هنا يقرع بينهم للبيع حتى يخلص العتق لمن بقى واحدا او أكثر ولا حجة لمن يباع منهم لأن البيع وجب فى جميعهم. قاله أشهب. ولم يقله ابن القاسم. وإذا وجب بيع الآخر, فالآخر, فكان يفى بالدين ثم حال فى سوق او بدن عند البيع فلا يباع غيره ولا ينظر الى ما يعترضه, غنما ينظر إلى قيمته يوم عتق الآول, فإن وفت بالدين لم يبع/ من الأول شىء ويباع من الثانى نقصت الآن قيمته او لم تنقص. قال محمد: وإذا كانت قيمة الآخر يوم عتق الأول لا تفى بالدين, ثم زادت بعد العتق ثم نقصت يوم الحكم بعد عتق الأول, وإنما يحيب للغريم أوفر قيمة كان بها مليا وغن نقصت الآن. وقاله ابن القاسم وأشهب ------------- (¬1) (واحدة) ساقطة من النسخ الأخرى مثبته من الاصل.
في الدين يلحقه بعد عتق بحنث
[12/ 408] ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال: وإن اوصى بعتق جميعهم, وعليه دين لا يحيط برقابهم ولا مال غيرهم, فإنه يقرع بينهم للدين, ثم يقرع للعتق فيعتق ثلث ما يبقى, فإن انقسموا اثلاثا فسبيل ذلك ولا أقرع بينهم الاول حتى يتم الثلث فى العتق ولو كانوا مدبرين فى كلمة واحدة بيع من كل واحد للدين بالحصص وعتق من كل واحد ثلث ما بقى ولا سهم ها هنا, ولو دبر واحدا بيع للدين الآخر فالاخر او عتق للتدبير الول فالأول. قال والموصى لهم بالتدبير والمدبون فى الصحة فى هذا الوجه سواء. ومن هذا الجزء الأول فى أبواب القرعة. فى الدين يلحقه عد عتق بحنث او غيره يسبب عنده او رد بعيب أو بفساد بيع وقد اعلم من كتاب ابن الموااز قال- يعنى ابن القاسم: ومن حلف بحرية عبده إن باعه, فباعه وقبض الثمن, ثم أتلفه, فإنه ينفذ عتقه, ويتبع بالثمن لأن عتقه وقع وعنده وفاء بدينه بالثمن الذى قبض. وكذلك روى أصبغ, عن ابن القاسم, فى كتاب ابن حبيب,/ وعيسى عنه فى العتبية (¬2). قال ابن المواز وعن ابن القاسم ومن باع سللعة وقبض الثمن ثم اعتق عبدا ثم استحقت السلعة, فلا يرد العتق لأن يحق بعد العتق. محمد: إلا ان يكون أتلف الثمن أو أنفقه قبل العتق فليرد العتق لأن السلعة لم تكن له ملك, ولو كان له بالثمن رجوع على أحد, لم يرد عتقه حتى يؤيس من الثمن, ولو أعتقه والثمن بيده, لم يرد عتقه وإن هلك الثمن. لو كان غنما قام المبتاع فى السلعة بعيب وقدهلك الثمن فلا شىء للبائع, ولم ينقض من عتق العبد إلا قدر قييمة العبد, طلب ... ¬
ردها أو طلب قيمة العبد فى فوتها, ولا يكون ذلك أيضا بإقرار البائع, ولكن بالبنية. ولو بيع عليه عبده, ثم أفاد مالا, ثم ذهب المال, ثم اقر أنه كان يعلم به عيبا كتمه, فلا يصدق (إلا فى ملائه, إلا أن يشاء الغرماء. قال: ويتبع بقيمة العيب. قال: ويتبع بقيمة العيب. قال: وبيع المفاس بيع براء مما لا يعلم, فلا يصدق) انه علم عيبا فكتمه بعد نفاذ البيع إلا ببينة, إلا ان يصدقه الغرماء, فيرد بيعه, ويعتق وإن كان السيد الان عديما لأنه كان أفاد بعد التفليس وفاء الدين, ثم أعدم الان, فيرد الغرماء الثمن ولو قامت بينة, فعلم البائع بالعيب, كان كذلك, وغن لم يكن أفاد فيما بين بيعه والقيام عليه مالا, فليرد, ولا يعتق, وليبع (¬3) له ثانية (¬4) , ويتبع بما بقى, وإن كان أفاده وذهب, عتق بعد ده ولم يبع. قال أشهب: وإن لم تقم بنية ولا إقرار الغرماء بالعيب ولا البائع, إلا أن المشترى يقول: باعنى وهو عالم بالعيب. وقد ثبت أنه افاد مالا بعد البيع وتلف, فليخرج العبد حرا ويتبع المبتاع ذمة بائعه بالثمن. قال محمد: ولم يعمد منا هذا, والبائع يقول: كيف أبيع ولم أقر. وٌرار المبتاع عن نفسه لا يلزمنى. قال أشهب: لا يبيع اإمام رقيق المفلس على بيع العهدة, فإن فعل, جاز, وللمبتاع الرد بالعيب, ثم يباع ثانية, إلا ان يفيد بعد البيع مالا وتلف, فيعتقون. قال اشهب: وإذا وجب الرد بالعيب للمبتاع, فليس لله ان يختار الرد لأنه ولابد من ردهم حتى يعتقوا, ومن ابتاع عبدا فاسدا, وقيمته اكثر من الثمن - يريد: وليس له غيره- قال أشهب: يرد منه قدر الثمن فقط لأن القيمة إن كانت اكثر, فلم يلزمه إلا بعد العتق, ولكن يتبع بالزائد. وقاله ابن القاسم --------------- (¬3) فى الاصل: (وليبتاع) بالألف والصواب حذفه. (¬4) فى ب: (وليبع لهم باقيه)
في المديان يباع عليه من حنث فيه بعتق
[12/ 410] قال محمد: وهذا رجوع من أشهب إلى أصل ابن القاسم, فى غريم قبل العتق, وغريم بعد العتق فى دخول الآخر فجى ثمن ما رد الأول. قال: وإذا باع الإماملا رقيقه الذى أعتق فى دينه, ثم أفاد مالا فإن كان بحدثان البيع وقبل يقسم ثمنهم, رد البيع, وعتقوا, وإن قسم الثمن وطال الأمر, لم يرد. فى المديان يباع علييه من حنث فيه بعتق ثم يرجع إليه بشراء او بهبة أو ميراث والمديان يرث أباه أو يوهب له من ال-عتبية روى عيسى عن ابن القاسم فى المديان يقول: إن دخلت الدار فعبدى حر. فحنث, فرد الغرماء عتقه, وبيععليه, ثم ابتاعه بعد ذلك, او تصدق به عليه, ان اليمين تعود عليه, ويحنث ما لم يرجع إليه بميراث, ولو كان إنما اعتقه أولا عتق بتلا بغير يمين, فرد, وأعتقه, فبيع ثم ابتاعه, لم يلزمه عتقه, وكان له استرقاقه. وقال فى المدونة: وإذا أعتق او حنث بعتق وهو مديان, فرد الغرماء عتقه, وبيع العبد لغرمائه, ثم ايسره فاشتراه, فهو له رق. ولا شىء عليه, ةأما من عليه يمين بعتق عبده إن كلم فلانا, فبيع فى التفليس, ثم أيسر فاشتراه, فابن القاسم يرى أن يعود عليه اليمين. وقال غيره: لا يعود عليه لارتفاع التهمة ببيع السلطان. وفى الثانى من الأيمان باب مفرد لهذا. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فى مفلس ورث أباه, أو وهب له فأما الميراث, فلا يعتق عليه إن كان الدين محيطا به, وأما الصدقة والهبة فإنه يعتق ولا قول لأهل الدين فيه, لأنه لم يوهب له ليأخذه أهل الدين. قال ابن المواز: وقال أشهب بخلافه فى الميراث, ان العتق اولى به. وفى باب من يعتق بالقرابة شىء من هذا الباب
في المريض المديان يوهب له عبد على أن يعتقه
[12/ 411] فى المريض المديان يوهب له عبد على أن يعتقه أةو يوصى بعتقه ففعل وكيف إن اوصى بعتق عبيده أو بتلهم ودبنه محيط فترك الغرماء دينهم أو اجازوا؟ من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن عليه دين محيط,/ يسأل قريبا له أو أجنبيا أن يهبه عبدا ليعتقه, ففعل, فقام غرماؤه, فلا يرد عتقه لأنه على ذلك اعطيته. قال عيسى: وهو من رأس المال- يريد من غير ثلثه - وروى عنه يحيى بن يحيى, فى ذى قرابة فع إلى مريض نصف عبد ليعتقه, قال: عن كان ليوصى بعتقه, عتق ذلك النصف, ولم يلحقه دين, ويبقى النصف الباقى رقيقا لربه, وإن اعطاه النصف ليبتله, فبتله, عتق النصف من غير ثلثه, ولم يلحقه دين, وعتق النصف الآخر فى ثلثه بالتقويم للمعطى إن لم يكن دين, وإن كان دين, فلا يقوم عليه, ومبلغ ماله يعتق من النصف الآخر, وإن لم يكن له شىء لم يعتق منه غير النصف الذى أعطى. قال ابن المواز قال اشهب: وإن بتل عتقا فى مرضه, او بعد موته, فأجاز ذلك غرماؤه, فلا يجوز على الورثة من ذلك إلا قدرك ثلث الميت بالسهم. قال ابن القاسم: وإذالم يدع الميت مالا, وله مدبر, وعليه دين محيط, فترك الغرماء دينهم, فلا يعتق إلا ثلثه, يرق ثلثاه للورثة. فى العبد يعتقه مبتاعه ثم ينكر اشتراءه من العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن باع عبدا, فاعتقه المبتاع, فطلب منه البائع الثمن, فأنكر أن يكون ابتاعه, وقال: استأجرته والبائع يعلم ... ¬
في عتق الصغير والسفيه الكبير والبكر
بالعتق. فإن كان المبتاع مليا, فهو حر, وإن لم يكن له مال ولا فضل فيه/ عن الدين, فليأخذه, وإن كان فيه فضل, عتقت الفضلة. (بعد أن تباع منه بقدر دينه إذا لم يكن على عتقه بينه) (¬1) فى عتق الصغير والسفيه الكبير والبكر ومن يولى عليه بولاية او رق وأيمانهم بالعتق أو بغيره وهل يلزمهم ذلك بعد زوال الولاية وقد رد أو لم يرد؟ وكيف إن كان نصرانيا فأسلم؟ من العتبية (¬2) من سماع أشهب ومن كتاب ابن المواز عن مالك, قال مالك فى سفيه لا يولى عليه, ان عتقه جائز إن عتقه جائز إن عتقإا كان يلى ماله. قال مالك فىسفيه لا يولى عليه, أن عتقه جائز إن عتق إذا كان يلى ماله. قال فى كتاب ابن المواز: يلى نفسه. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إلا البين السفه الذى يحجز على مثله, ولا يجوز أمره. وروى زياد شبطون, عن مالك فى كتاب أخر (¬3) , ان البين السفه فى افساد ماله, أفعاله جائزة حتى يحجز عليه. وهو قول أصحاب مالك, إلا ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يجوز عتق المولى عليه وإن اجازه وليه. وروى مثله عيسى عن ابن القاسم فى العتبية (¬4) وقال: وله رده إذا رشد كالصبى. قال ابن المواز: وإذا لم يرد وليه عتقه حتى ولى نفسه, والعبد فى يده, لم يلزمه فيه عتق, وإن كان زال عن يده, فلما ولى نفسه تركه وأمضى عتقه, فذلك يلزمة إذا أمضى بعد رشده ¬
[12/ 413] وروى أشهب عن مالك فى العتبية (¬1) فى المولى عليه يعتق, ثم يلى نفسه, قال: لا يلزمه العتق, إلا قبل. قيل: أفترى أن يفعل؟ قال: أما الصغير يعتق فى صغره. فلا , أما /الكبير, فعسى. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: لا يلزمه العتق وغن رشد. قحال أشهب: قيل المالك فى المولى عليه المحتلم الذى لا يهتم بسفه. ايجوز عتقه؟ قال: ر. وروى عن مالك, فى الذى احتلم وحسن حاله, ولا يعرف منه إلا خير يعتق, أن ذلك غير جائز, غى بامر الإمام, ولو أجزت له ذلك, اجت له عتق عسره, ولكن هذا امر الإمام. وقد ذكرنا فى كتاب التفليس, فى باب السفيه, ام للوصى فى قولنا أن يرشده دون الإمام إذا تبين رشده وظهر. قال ابن المواز: قال اشهب عن مالك: وإن حل فلم يحنث حتى ولى نفسه, فالحنث يلزمه, وإن حنث قبل ولاية نفسه, لم يلزمه, واما إن حل فى صغره, ثم حنث بعد ان احتلم وولى نفسه, فإن ذلك لا يلزمه. وقال عنه ابن القاسم: إذا حنث السفيه بعد ولاية نفسه, فذلك لا يلزمه. وكذلك روى فى العتبية (¬2) محمد بن خالد, عن ابنالقاسم, عن مالك. وقال ابن المواز: إنما هذا فى الصغير, فأما السفيه, فيلزمه حنثه بعد ولايه نفسه, إلا أن يكون حنث قبل الولاية, فرد ذلك وليه, فلا يلزمه, ولو لم يرده حتى ولى نفسه, للزمه. قال مالك: ولا أراه سلم من الماثم. قال ابن المواز: يريد فى السفيه البلغ, ورواية أشهب احب الى إذا حنث قبل يلى نفسه, أو لا شىء عليه بعد ولاية نفسه ... ¬
[12/ 414] وروى عنه ابن وهب ف فتى حلف فى الولاية بعتق, فحنث, قال: لا شىئ/ عليه, ولو اجتنب ذلك كان احب الى. وروى مثله ابن القاسم, انه إن حنث وقد ولى نفسده, فلا شىء عليه وقال أشهب فى بالغ يولى عليه, حلف بعتق او صدقة, فحنث بعد الولاية, أنه يلزمه. ومن حنث منهم فى الولاية, فرده, لم يلزمه ذلك لعد الولاية. قال محمد: وكذلك لو لم يرده حتى ولى نفسه, فلا يلزمه, بخلاف العبد لأن العبد لو اجاز سيده عتقه, جاز, والمولى عليه لا يجوز عتقه, وإن أجازة وليه, وإذا لم يرد السيد عتق العبد حتى عتق, انفذ ذلك. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: ولا يجوز تدبير المولى عليه. قال ابن المواز: وتجوز وصيته بعتق عبده إن لم يتبعه وليه حتى ماات. قال: وإن لم يرد وليه تدبيره حتى ولى نفسه, فذلك باطل, كما قال مالك فى عتقه. قال مالك فى بكر بنت أربعين سنة دبرت امتها, وقد كان أبوها اوصى بولده إلى رجل وسماهم, إلا هى لم يسلمها, وقال فى آخر وصيته. وفلان يلى على ولدى كلهم واموالهم. فاوقف الإمام مالها لينظر فيه, فاعتقت أامه لها, قال مالك: لا يجوز عتقها لأنها فى الولاية. قال: والبكر إن حلفت بصدقة مالها عن تزوجت فلانا, فزوجه إياها أبوها, قال مالك: لا شىء عليها, والنكاح ثابت, ومن العتبية (¬1) قال أصبغ فى سفيهابتاعى جارية بغير امر وليه فاعتقها, إن عتقه باطل, ولو وطئها فأحبلها, كانت له ام ولد, ولم يلزم السفيه ن الثمن شىء/ وقال عيسى بن دينار: يرد الجارية على البائع, ويرد البائع الثمن على السفيه, يكون الولد ولده, ولا شىء عليه من قيمة الولد. ولو اسلف رجل لسفيه مالا, (وابتاغع منه شيئا) (¬2) , فابتاع به السفيه امة, فحملت منه, فهى له أم ولد, وليس للمبتاع أخذها منه, ليرد عليه الشىء الذى ابتاع منه المال ... ¬
[12/ 415] قال ابن المواز: وأجمع مالك وأصحابه, ان عتق السفيه لأم ولده, أنه جائز, واختلفوا فى مالها فقال ابن القاسم: لا يتبعها منه إلا التافه. وقاله أصبغ. وروى يحيى بن يحيى, عن ابن القاسم, ان العتق جائز, ولا يتبعها مالها. وقاله ابن وهب. قال سحنون: كان تافها او غير تافه. ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز, أشهب عن مالك قال: يتبعها مالها عن لم يستثنيه, كزوجة يطلقها, فلها كل ما امرها. وروى ابن سحنون عن ابيه عن المغيرة وابن نافع, أن عتق السفيه أم ولده ولا يجوز, بخلاف طلاقه. قال سحنون: وقول مالك واصحابنا, انه جائز. قال مالك فى كتاب ابن المواز: فمالى صدقة. فلا شىء عليه إن احتلم ومن العتبية (¬2) أشهب عن مالك (أن الصغير لا يلزمه طلاقه ولا عتاقه إن كبر) (¬3). قال محمد بن خالد عن ابن القاسم فى الصبى والعبد والنصرانى يحلفون الآن, ثم يحنثون بعد زوال ذلك من احتلام وعتق واسلام, أنه لا شىء عليهم, والعبد أشدهم فيه لنه إذا اعتق عبده, فلم يعلم سيده حتى اعتقه, ان ذلك يلزمه. قال ابن المواز/ فى السفيه يعتق عبده, فرد ذلك الولى, ثم يرشد, انه يبقى رقيقا بيده, وكذلك ما رد السيد من عتق عبده ومكاتبه, ثم عتقوا, بخلاف ما يرد من عتق المديان ثم يفيد مالا قبل بيعه, او بقرب بيعه. وقاله ابن القاسم وال: وكذلك الزوجة تعتق, على الثلث, ثم تزول والعبد بيدها, انها تسترقه. وقال ابن القاسم ييعتق عليها, بخلاف السفيه والعبد, أما إن حلفوا بالعتق فلم يحنثوا حتى ملكوا أنفسهم, فذلك يلزمهم ... ¬
في الأب يأذن لابنه السفيه في بيع رقيق أبيه فيفعل
[12/ 416] وقال ابن حبيب: قال الماجشون فى العبد يحنث بعتق رقيقه, فصمت سيده, (وقد علم أن العبد لا يلزمه عتقهم, بصمات سيده وعلمه) (¬1) وفى كتاب المدبر باب فى تدبير المولى على والعبد وذات الزوج. فى الأب لابنه السفيه فى بيع رقيق أبيه فيفعل من العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بحرية رقيقه حلف بحرية رقيقه ألا يحدث فى رقيقه بيعا ولا صدقة إلا أبيه, فإذن فى رقيقهمن عتق أو حدث, فأمر جائز فيه, والابن سفيه, فخرج الابن من عند ابيه, فباع من رقيق ابيه عشرة أرؤس بأربعمائة دينارا, أو أربعين دينارا, واقتضى الثمن, قال: البيع جائز على الاب, إلا فى بيع لا يشبه أن يباع بمثله لهضم الثمن, والسفيه فى هذا وغيره سواء, مالم يأت منه محاباه بينه. فى المدبر والموصى بعتقه أحدهما عبده (بعد موت السيد) قبل النظر فى الثلث من العتبية (¬3) روىم عيسى عن ابن القاسم فى المدبر والموصى بعتقه, يعتق أحدهما عبدا له قبل التقويم فى مال سيده (بعد موته) (¬4) , قال: عن كانت للسيد أموال مأمونة, فذلك نافذ (¬5) وإن ماتا أو ماات من أعتقا, وارثوا الأحرار, وإن لم ... ¬
في العبد المغصوب يشتري نفسه من سيده
يكن مال مأمون, فلا عتق لهما, ولا لمن عتقا, إلا بعد التقويم فى الثلث, فإن خرجا, مضى عتق من أعتقا, والولاء لهما فى العبد المغضوب يشترى نفسه من سيده شراء بغير علم الغاضب (¬1) قال ابن حبيب عن أصببغ فى عبد بيد غاضب, أعتقه الغاضب أو لم يعتقه, فأتى العبد الى سيده سرا, فأعطاه مالا على أن يعتقه, ففعل, وأشهدالسيد أنه إنما فعل ذلك لامتناعه منه, (وهو عند من لا ينتصف منه) (¬2) فإن كان العبد هو المقهور على ذلك, ولم يمتنع بنفسه, ولا هو المستجير بالغاضب (فعتقه لازم, وإن كان العبد هو الممتنع من سيده المستجير بالغاضب) (¬3) لم يلزمه العتق, وينفعه إشهاده. فى عتق ذات الزوج ويمينها بالعتق وهذا باب قد ذكرنا فى آخر كتاب التفعيل بابا فيه أكثر معانى هذا الباب من كتاب ابن حبيب وغيره, وآثرنا ذكر ذلك ها هنا لما فيه من ذكر العتق. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: إذا كان ما أعتقت ذات الزوج أكثر من الثلث بالدينار والدنارين, أنفذ كله, وإن كره الزوج, وإن كثر, رد جميعه, إلا أن يجيزه الزوج. (قال (¬4) أشهب: هى فيما جاوز الثلث كالمولى علية فى الحكم. قال مالك: وكذلك ما أعطت, أو أعتقت على وجه البر. قال: لو أعتقت أقل من الثلث على ¬
المغاضبة للزوج, جاز عليه, ثم إن تقصدقت بعد ذلك بشىء, جاز وكان فى ثلثها أيضا, ما لم يكن فعلا متتابعا يعرف أنها أرادت له الضرر. قال ابن المواز: وليس هذه مثل المرة الاولى فى الضرر, ولها أن توصى بعد ذلك بالثلث. ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى امرأة لها ثلاثة أرؤس أعتقت منهم رأسا, ثم أعتقت ثانيا بعد زمن, ثم الثالث بعد زمن, والقيم مختلفة, وليس لهالا غيرهم, فغن كان الاول قدر ثلث قيمتهم فأقل جاز عتقه, ثم ينظر فإن قرب عتقها للثانى بما يعرف به الضرر, بطل عتق الثانى, وغن بعد حتى لا يتهم بالضرر. قال فى كتاب ابن حبيب: مثل الشهور. قال ابن القاسم: فإن كانت قيمته قدر الثلث منه ومن الثانى جاز, وأما الثالث, فلا يعتق بحال لأنها اعتقته ولا تملك غيره, كان الأول من الثلث, لم يجز عتقه, ونظر فإن كان الثانى أكثر من قيمة الثلث, لم يجز ايضا, وغن كان قيمة الثانى بعد إبطال عتق الأول قدر ثلث قيمة الثلاثة أقل, جاز. قال عنه عيسى: إن أعتقت اليوم واحدا وفى غذ الثانى, وبع الغد الثالث, أو بعد يومين, فإن/ كان الأول الثحلث, جاز لوحده, وبطل عتق الآخرين, وإن كان أكثر من الثلث, بطل عتقهم كلهم. قال ابن المواز: وإن أعتقت ثلث امة لا تملك غيرها, ذلك جائز فى رواية ابن القاسم عن مالك, وإن كره الزوج. وكذلك فى العبد, ولا يستتم عليها باقيه إذا كره الزوج (¬2). قال ابن سحنون عن أبيه مثله, قال ابن المواز: قال أشهب وابن الماجشون وروياه عن مالك, إنه إن أجازه الزوج, عتقت كلها على المرأة, وغن كرهت المرأة, وغن رده, لم يعتق منها شىء ¬
[12/ 419] قال ابن سحنون عن أشهب: وكذلك لو أعتقت مصابتها من عبد بينها وبين أجنبى, لم يعتق منه شىء. ومن العتبية (¬1) قال سحنون: وعتق ذات الزوج جائز حتى يرده الزوج, ولكنه موقوف لا تجوز شهادته. قال أشهب عن مالك فى الكتابين فى رجل أعطى لجارية املارأته مالا عظيما, فخاف ان تبيعها, فقالت: هى حرة إن بعتها الى عشر سنين. ففسدت الأمة, وحنثت, قال: فليس لها مخرج إلا أن يعتقها أو يهبها لمن لا يريد منه ثوابا. قيل: فإنها ندمجت, فأرادت بيعها, هل يرد زوجها هبتها وهى لا تملك غيرها؟ قال: لا والله. قال ابن المواز: قال مالك فى التى حلففت بعتق له رقيق لها لا تملك غيرهم, فحنثت, قال: قد أعتقتهم. قيل: فإن رد الزوج ذلك؟ قال: ليس ذلك على المعنى. ومن العتبية (¬2) أشهب عن مالك: وإن حلفت بعتق رقيقها إن خرجت من المنزل, هم نصف مالها, وحلف زوجها/ بالحرية إن لم يجز, حتى قال ببيعها رقيقها بالسوق, لا يرجع إليهم, ولا يبيعهم من أهلهم. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إذا حلفت بالعتق لتفعلن أو ألاتفعل كذا, فخافت الحنث, يريد رد يمينها, اترده قبل الحنث؟ قال: بل بعد الحنث لأن الحافة إن فعلت على برؤ الحالفة لتفعلن, لا تحنث إلا بالموت, فتكون كالوصية, إلا أن يؤجل, فله رد يمينها بعد الأجل, ولا حجة عليه لسكوته الأول, وإن شهد الزوج قبل الأجل, أنه قد رد, فمضى الأجل, حنث, فسكت الزوج, اكتفى بالشهادة. قال يحيى: ذلك يجزيه, الرد الأولى رد لعتقها ... ¬
[12/ 420] قال ابن القاسم: وللزوج رد عتق زوجته إغن جاوزت الثلث, ابتدأت العتق أو حنث بيمين. قيل: فإن قالت له: إن وصيتنى الليلة, او إن ضربت أنت أمتى الليلة, فرقيتى أحرار. قال عبد الله: لم يذكر لها يحيى عنه جوابا, وتبين لى فى الوطء أن له رد العتق إن وطئها وأما ضرب المة فلا رد له. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلفت بالعتق لا تزوجت فلانا, ثم تزوجته, فقد لزمها العتق, وليس للزوج رده وإن علم بيمينها قبل عقد النكاح, وليست كالبكر قال محمد: لن عقد نكاحه لم يثكن قبل حنثها. ومن العتبية (¬1) روى عيسى ابن القاسم أنه إن لم يعلم بينهما, فله رده, وهو كالإذن لها. قال ابن المواز: وروى ابن القاسم, عن مالك فى التى دبرت ثلث جاريتها أنها تكون مدبرة. وقاله قاسم. قال أصبغ: يريد وإن كره الزوج. ومن كتاب بن سحنون, فى ذات الزوج تعتق الى أجل, فإن كانوا ثلثها فأدنى جاز, وإن جاوزت الثلث, نظر عند محل الأجل فإن كانوا ثلثها, عتقوا, وإلا بطل جميعهم, ولو كان لها على زوجها غلام, فحنث فى عتقه, لزمها حريتجه إذا قبضته, وخرج من الشلث. وكذلك من سلف فى عبيد, ثم قال: كل مملوك لى حر. انهم يعتقون عليه. قال ابن المواز: قال أشهب, فى الزوجة بحرية رقيقها, وهم فوق الثلث, ثم تزوجت, فحنث بعد ذلك أن الزوج رد ذلك. قال ابن سحنون, عن ابن القاسم, فى زوجة المولى عليه تعتق ما فوق الثلث فيجيزه له, ان ذلك لا يجوز, ولوليه رد ذلك. وفى الباب فى كتاب التفليس عتق زوجة العبد وكثير من هذا الباب ... ¬
في عتق النصراني وطلاقه وهل يرجع إليه قبل أن يسلم أو بعد إسلامه؟
[12/ 421] ومن كتاب ابن المواز: وإذا رد الزوج عتق زوجته حين جاوز الثلث, ثم تأيمت وذلك بيدها, فقال ابن القاسم: يلزمها عتقه. وقال أشهب: لا شىء عليها. وكذلك الصدقة وإن بقيت الصدقة بعينها بيدها, وهى فوق الثلث. ورواه عن مالك فيهما. قال أشهب: كالعبد يرد سيده عتقه وصدقته قبل يعتق ثم يعتق, وذلك بيده, فلا شىء عليه فيه. (قال ابن سحنون): قال ابن القاسم فى الزوج يرد عتق زوجته أو الغرماء يردون عتق المفلس, (أو يقال عتق السفيه, فإن طلقت) الزوجة, أو مات عناه, عتق عليها بغير قضاء. وقال أشهب عن مالك: لا يعتق عليها. قال مالك: وإن أفاد المديان مالا قبل يباع عليه, عتق عليه, وأما إن صح السفيه, فلا يعتق عليه. قال ابن القاسم: كأننى رأيته يعجبه عتقه. قال سحنون: والذى فى سماعه أصح, أنه لا ينفذ عتقه/. وقرأت عليه لأصبغ, وإن حلفت بعتق عبدها إن تزوجت فلانا, فباعته وتزوجت فلانا, ثم رد عليها بعيب, فإن رد عليها قبل التزويج حنثت, وإن رد بعد التزويج وكانت قد دلست حنثت, للزوج رد ذلك إن لم تملك غيره. فأجازه سحنون, ثم رجع فقال: لا تحنث إذا رد بعد التزويج, دلست أو لم تدلس. وفى كتاب المديان باب فى تدبير ذات الزوج, وفى كتاب التفليس باب فى أفعالها. فى عتق النصرانى وطلاقه وهل يرجع فيه قبل أن يسلم أو بعد إسلامه؟ من العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى نصرانى اعتق عبده, ثم أراد بيعه, فليس للإمام منعه منه, فإن أسلم العبد قبل أن يرجع فى عتقه, فإن ... ¬
في العبد يعتق بعد أن استؤجر أو أعير أو أخدم أو رهن
كان العبد قد بان عنه حتى صار حاله حال الاحرار, فلا رجوع له بغعد إسلامه, وإن كان يستخدمه بحاله التى كان عليها حتى أسلم, فله الرجوع فيه, كما لو طلق زوجته, ثم اسلم, (فله حبسها بعد الطلاق إذا لم تبين منه, وإن كان يوم طلقها انقطعت منه, وبانت, ثم أسلمت, فليس له أن يرتجعها إليه, ولايمكن من ذلك) (¬1) وقال فى نصرانى دبر عبده أسلم (العبد, فليس للسيد نقضه, وإنما له أن يرجع فيه ما لم يسلم العبد, وفرق بين المعتق والمدبر أن الجمعتق يبين بنفسه) (¬2) , فلما بقى بيده وفى خدمته, لم يبن عنه لم يرده, (إسلامه قوه) (¬3) , والمدبرلا يبين عنه بنفسه لانه لم يجب له عتق ناجز فيفرط فى استعجاله/ فنفذ تدبيرة, وهو لم يبين الرجوع فى تدبيره قبل اسلامه. فى العبد يعتق بعد أن استؤجر أو عير أو أخدم أو رهن وذكر ولده وكيف إن اعتقه من له الخدمة؟ من كتاب ابن المواز: ومن اجر عبده سنه, ثم أعتقه قبل محلها فالاجازة اولى به, وهو فى حدود كالعبد, حتى يتم فينفذ عتقه من رأس ماله, لا يرده دين يحدث, وغن ترك له المستأجر الخدمة, وأوصى عليه حياته. وذكر مثله ابن حبيب عن مطرف عن مالك فى المؤاجر والمخدم ¬
[12/ 423] من كتاب ابن المواز, والعتبية (¬1) من رواية عيسى, عن ابن القاسم, قال مالك: وما ولد للعبد الميتأجر من أمته بعد العتق, ممن لا تنظر به السنة, قال فى رواية عيسى: ساعة يولد. قال فى كتاب ابن المواز: وكذلك ولد الامة المستأجرة. قال: وينظر فيه فإن قال المستأجر: انا أضع الخدمة على أن يرد على السيد. فأبى السيد, فليحلف اامه لم يرد بذلك إلا ابطال ذلك عنه. محمد: إن نكل غرم, ونفد العتق إذا رضى المستأجر. قال أشهب عن مالك: وإن أبى المستأجر, سئل السيد, فإن قال: أردت تعجيل عتقه ساعة نطقت به, وأرد الإجازة, فالأجازة من يومئذ للعبد تدفع إليه, وإن قال: أردت عتقه بعد الأجل. فحلف, وبقيت الإجازة له, قبضها أو لم بقبضها. وقاله سحنون. قال ابن المواز: قال مالك: والمعتق بعد خدمة رجل, والسيد حى, أو فى وصيته, إن ترك المخدم/ خدمته للعبد, عجل عتقه, فصار عتقه لذلك بيد المخدم. قال أشهب: وإن واجر نف عبده, ثم اعتق نصفة, وهو عديم, فلا يعتق نصف الإجازة حتى يتم, إلا أن يشاء المستاجر أن يبيع سيده بلإجازة, فذلك له, ويعتق كلة مكانه. وكذلك لو أخدم نصففة يوم عتق نصفه, وهو ملىء عتق كله, وغرم الاقل من نصف قيمته, أو نصف قيمة الخدمة. ومن رهن عبده ثم أعتقه, فإن كان مليا عجل الدين وعجل عتقه. قال مالك: وإن لم يكن ملايا من سواه, وفى ثمنه فضله عن الدين, بيع منه بقدره, وعتق ما بقى يصنع به ما شاء. قال أشهب: إن لم يكن فضل لم يتبع حتى يحلالحق, فيباع حيئذ بقدر الحق إن وجد, ويعتق باقيه, وإن وجد, بيع كله, وقضى الدين, وما بقى صنع به السيد ما شاء, فإن أبى السيد لم يكن للسيد وفاء, فان دفع العبد من ماله الدين, عجل عتقه, ولم يرجع به على سيده ... ¬
فيمن وهب عبده لرجل ثم أعتقه الواهب
قال: ومن أعار عبده لمن رهنه, ثم أعتقه قبل أجل الدين وهو ملىء, فإنه يعتق الان, ويغرم الان من قيمته, أو الدين معجلا, ثم لا يرجع بذلك على المستعير حتى يحل الدين. وقيل: هو كالعبد يعتقه بعد الجناية, يحلف ما أعتقه ليحمل ذلك عنه, ويبقى رهنا الى أجل الدين, مليا كاان ربه أو معدما, فإن استوفى المرتهن حقه, عتق, وإن بيع فى الدين, رق وأتبع ربه المستعير بما ودى عنع, وإن وفى نصفه بالدين, عتق نصفه. قال أشهب: قال مالك العبد المستأجر أو المخدم أو المحبس حياة الرجل يعتقه من له الخدمة, فلا يعتق له إذا لا يملك الرقبة, وله الخدمة/ كما هى (قال أشهب) (¬1): ولو أخدمه إياه حياه العبد, كان كالتمليك, وجاز عتقه للعبد. (قيل لمالك, فيمن حبس عليه عبد ما عاش العبد, فقال: وكيف يحبسة عليهحياه العبد؟ إذا فعل ذلك أعطاه إياه أبدا) (¬2) فيمن وهب عبده لرجل ثم أعتقه الواهب أو هبه (وهو) (¬3) مريض لابنه فأعتقه الابن وفى عتق العبد المبيع فى عهدة الثث قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم عن مالك فيمن تصدق بعبد على رجل, ثم اعتقه من ساعته, او بعد تفريط المعطى فى قبضه, فهو سواء, العتق أولى به ولا شىء للمعطى على المتصدق. قلت لاصبغ: ولم يتم ذلك, ولو مات العبد لكان مال للمتصدق عليه, وقيمته إن قتل, لاولو حنث بعتق رقيقة, عتق عليه, ولا يعتق فيما حنث به المتصدق؟ قال: لان جميع العراقيين يرون أن الصدقة لا تتم إلا بالقبض, وأنه يرجع فيها المتصدق قبل القب. فرأى مالك هذا فى العتق خاصة لحرمته. قال أصبغ: ما لم يكن غافصه ¬
[12/ 425] قال أصبغ: وكذلك لو دبره او عتقه إلى أجل, أو كاتبه, فهو كالعتيق. قلت: فلم لا جعلت للمتصدق عليه خدمة المؤجر, والمؤجل, كتابة المكاتب, وما يرق من المدبر فى ضيق الثلث؟ قال: لأنه غير ما أعطى, فلما رد عقد العتق, رد ما راء ذلك. وقد قيل ما قلت ولا أقوله, وكذلك عندى لو تصدق فيه المدبر والمؤجل لأبطلت ذلك , ولم اجعل له مرجع ذلك. قال عبد الله:/ وتمام هذا فى كتاب المدبر. قال ابن حبيبب قال أصبغ فيمن تصدق على رجل بعبده, فلم يقبضه حتى أعتقه, فإن غاصفه (¬1) بالعتق, فالعتق باطل, وكذلك إتن غاصفه بالبيع, سقط البيع, فإن لم يغاصفه, مضى البيع, وكان الثمن للمتصدق عليه استحسانا (¬2) , والقياس لا شىء له لما يطلب الصدقه, وتم البيع. قال ابن حبيب: قال ابن دينار فى مريض وهب لابنه عبدا, فأعتقه الابن ثم مات الأب ولم يجيز الورثة فإن كان الابن مليا, عتق, ولزمته قيمته, إلا قدر ميراثه منه, فإن لم يكن له مال, فنصيبه منه حر فقط. قال ابن القاسم: لا يعتق منه الا نصيبه, مليا كان أو معدما وقال أصبغ: إنما يعتق نصيبه منه استحسانا (¬3) لأنه أعتقه قبل يجب له فيه مالك. وقاله ابن حبيب. ولم يختلفوا انه إذا اعتقه بعد الموات, انه كعتقه لشقص له فى عبد. قال ابن سحنونعن أبيه فيمن اشترى عبدا بعهده الاسلام, ثم حنث فيه بعتقه, أو يعتق رقيقه فى عهدة الثلاث, فهو حر, وهو كالرضى طرح العهدة, ولو كان الحانث البائع أوقف عتقه, فإن رجع الية فيه لعهيب حدث أو لغيره, عتق, ولو كان ما ذكرنا فى المواضعة, فمن أعتق منهما, فعتقه موقوف إذ ليس لواحد منهما طرح المواضعة ... ¬
في عتق الرجل عبد ابنه أو عبد من يلي عليه
[12/ 426] قال عبد الله: يريد فى قول سحنون. وقد اختلف فيه قوله. وقال غيره: له تعجيل قبضها إذا لم يكن البائع مقرا بالوطء. وهذا مستوعب فى كتاب الاستبراء. فى عتق الرجل عبد من/ يلى عليه أو شقصا منه وتزوجيه به وصدقته إياه أو إحلاله أمته ثم أعتقها من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أعتق الأب عبد ابنه (فأما ابنه الصغير) (¬1) , ومن يلى عليه, فذللك جائز, وعليه قيمته فى ماله, وذلك إذا أعتقه عن نفسه, وإذا كان الولد يلى نفسه, لم يجز عتقه. وقاله ابن القاسم. وإن كان بينهم, ولا مال له, رد ذلك, فإن طال لم يرد. قال ابن القاسم: وكذلك لو حلف الأب بعتقهم, فحنث, أو ابتدأ عتقهم إذا كان مليا. وقال أشهب. وقال عن مالك: إن حنث بعتقهم أنه لشديد وما أشبه أن يعتق عليه. قال ابن القاسم: والابن الكبير السفيه كالصغير, فيما ذكرنا. قال أشهب: والوصى كالاب فى ذلك كله, إن كان له مال بقى بقيمة العبد, فإن لم يف بجميعه, لم يعتق مبلغ ما معهما من قيمة لأن ذلك ضرر على الصبى, فيرق كله, وإنما جاز إذا كانا مليين لأنهما يليان البيع على الصبى, ويجوز ان يبعاه ممن يعتقه, وكذلك إن أعتقه (ومن يليه عن نفسه) (¬2) قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا أعتق الاب نصف عبد ابنه الصغير, عتق كله إن كاان مليا, وإلا لم يعتق منه شىء, ولو كان مليا فلم يرفع الى الإمام حتى أعدم, لم يعتق منه إلا نصفه, يتبعه الولد بقيمة ذلك دينا, ويرق ما بقى, ولو أعتق ... ¬
جميعه وهو عديم, لم يجز عتقه, إلا أن يطول الزمان, وتقوم له الاحكام الاحرار, فينفذ ويتبع بقيمته. ومن كتاب ابن المواز قال اشهب عن مالك: وإن أعتق ولى الأيتام عبدا لأمهم ربعه (¬1) , وباقيه لهم, جاز عتقه, وغرم قيمته لها ولهم./ قال محمد: إن كانت قيمته يوم العتق عشرة, وقيمة يوم قيام الأم مائة, ودى قيمته من حظ الايتام (على عشرة, وودى للام على حساب مائة يوم قيامها. وفى العتبية (¬2) فى سماع أشهب قال: إن أعتق الوصى نصيب الأيتام) (¬3) فأعتقت الأم نصيبها, وقيمة العبد يوم أكثر من قيمتها يوم أعتق, قال: فإن رد عتقه, قوم على الأم. يريد بقيمة اليزم وإن لم يرد غرم الوصى قيمته. قال عبد الله (¬4) – يريد نصيب الأيتاام-. قال ابن المواز قال اشهب قال مالك: وعتق الأم مملوك ابنها جائز, إذا كان لها مال. محمد: وكانت وصيه. قال مالك فى امرأة وهبت عبدها لابن لها صغير, وأشهدت به ثم اعتقته, فإن وهبته بشرطك أنها تعتقه, فذلك جائز, وإن لم يكن ذلك نظر فإن كانت تليه وهى مليه بقيمته, عتق, غرمت له قيمه, وإن لم يكن معها وفاء لم يكن معها وفاء, رد جميعه, ومن أوصى بعتق عبد لابنه الصغير, (جاز إن كان فى ثلثه مثل قيمته, وإلا رد. قال سحنون عن أبيه: وإن أعتق عبد ابنه الصغير) (¬5) عند موته وهو ملى, أعطى الابن ثمنه. يريد: من ثلثه (¬6). قال: لأنه بيع, وبيعه عليه جائز ¬
[12/ 428] ومن كتاب ابن الموازقال أشهب: وإذا أعتق الأب أو أوصى (عبد الصبى عن الصبى بطل عتقه وبقى رقيقا, ولو كاغتبه الأب أو الموصى) (¬1) أو اعتقه على مال ليس بيده, أو بيده اليسير منه, أو دفعه عنه دافع, جاز ذلك على وجه النظر. قال مالك: وما تصدق به الرجل ما مال ولده لم يجز ذلك, كان الأب مليا أو معدما, ويرد ذلك/ وإن طال كان شيئا له بال. ابن القاسم. وإن كان تافها, جاز وغرمه الأب للابن. قال ابن القاسم: من قوله: إن كان تافها. لم أسمعه منه, الذى أعرف من قولله فيما يجوز من فعل الاب فيما يليه من مال الولد الذى بينه أن يجوز عتقه عنه فى ملائه, ويجوز بيعه وشرؤاه له على وجه النظر فى ملائة وعدمه, ولا تجوز صدقته فى ملائة ولا عدمه. وأما ما يزوج به, فهو جائز فى ملائة وعدمه, دخل أو لم يدخل. قال اصبغ: قال مالك, وابن القاسم, قال: بلغ الصبى وذلك بحاله بيد الزوجة, والأب عديم, لم يكن له أخذه, وإنما يتبع الابن أباه بقيمة العبد يوم اصدقها إياه. قيل لملك: فإن حلف بحرية ولده الصغير, ألا بيعيهم بكذا, فهل للجد أن يبيعهم؟ قال: فالحلف أسفيه هو؟ لا. قال: فلا يفعل, فإن فعل, كان للأب ردهم, فإن أبوا ألا يلى هو البيع, ولم يرد أن لا يباعوا, فلا شىء عليه. ومن حلف بحريه عبده, فتصدق به على ابنه, ثم حنث, فهو حر, وعليه قيمته للأبن إذا جاز صدقته عليه حيازة بينه, فإن كاان الابن كبيرا, فإن حازه الكلبير, فالعتق باطل, وإن لم يحزه, فعتقه نافذ, لا شىء للابن. قال محمد: قوله فى الصغير حيازة بينه. فإنه يجر به الاشهاد إذا لم يكن فىشغل ألا يؤخذ منه وحده على ما كان قبل أن يتصدق به. ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة فيمن أعطى ابنه الصغير عبدا ثم أعتقه والابن صغير, فإن لم يشهد/ أنه اعتصره, فاللابن. قيمته, وإلا فلا, ولأنه يعتصر ... ¬
العطية والنحل, لو كان صدقة فعلى الأب قيمته, ولو أعتقه فى مرضه وهو عطية فاللابن قيمته, اعتصره أو لم يعتصره, إذا لا يعتصر فى المرض ولا يعتق من ثلثه, فإن لم يحمله, كان ما ناف على الثلث لورثته, إذا اعتق عبد ابنه الصغير, أو باعه, أو نكح له, فاللابن ثمنه. يريد فيما باع, والقيمة فيهما سواء. قال: فإن انفق عليه الاب بعد ذلك, ومات ولم يمرض ولم يوص بشىء, حوسب الابن بالنفقة فى قيمة العبد, فإن كاان له فضل أخذه, وإن كان عليه, لم يتبع به قال: ولو أعتقه فى مرضه, ولا مال له, بطل العتق, وإن كان فى صحته, ولا مال له, وقيم بحداثه ذلك, لم يتم عتقه. إلا أن يتعصره إن كان عطية يقول: اعتصره وأنفذ عتقه. فذلك له, وإن لم يقم عليه حتى طال ذلك, وثبت له حرمه العتق, وحالت احوال الأب حتى لا يدرأ ما كان يوم عتقه من عدم أو ملاء, لم يرد عتقه, وكانت قيمته للابن فى ذمة الاب. قال سحنون: بهذا كله أقول. قال سحنون, فيمن عوتب فى شىء فعله, فتصدق على ابنتين له برقيقه, وإحدهما بالغ, وحاز ذلك لهما, ثم حلف بالعتق ما فعل ما فعل ذلك, ثم أراد شراؤهم من بناته فإن كان حين حلف إنما قال: رقيقى أحرار إن كان كذا وكذا. وقد تصدق صدقة صحيحة, فلا حنث عليه, وله أان ياخذهم بأفضل القيمة إن شاء, وأما إن سمى الرقيق بأسمائهم, أو أرادهم بقبله, فقال: هم أحرار/ إن كان كذا. خفت أن يعتقوا إن كان له مال, ويضمن لوالده قيمتهم, وإن لم يكن له مال, فلا شىء عليه. وقال المغيرة فيمن حلف بحرية (¬1) غلام ابنه, أنه يعتق فى ملائه, وإلا فلا يلزمه, فإن رفع ذلك إلى الإمام, فرد عتقه لعدمه, ثم أفاد مالا, فلا شىء عليه, ولو أفاده قبل إلى الامام, عتق عليه فيه. قال عبسى عن ابن القاسم فى امرأة أحلت لوالدها امتهلا, ثم أعتقها فإن كان بعد أن أوطئها الابن, فلا عتق له, وإن كان لم يطأها, ولا حازها, فعتقها جائز, ¬
فيمن أعتق في مرضه عبد أم ولده أو مدبره
وإن حازها أو وطئها, فلا عتق لها لأنه ضمنها, ولزمته القيمة, وإن لم يقبضها فضمانها منها. قال عيسى: عتقها جائز, إلا أن تحمل. فيمن أعتق فى مرضه عبد أم ولده أو مدبرة أو قال فى مرضه لعبده أعتق عبدك وأنت حر من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن اعتق موته عبد مدبره, أو أم ولده, فإن كان تخرج قيكته من ثلثه, فذلك نافذ ملا يرد. قلت: ولم وهو لا ينتزع مالها الان؟ قال: هو كعتقه (العبد) (¬2) ابنه فى مرضه, أنه يعتق فى ثلثه, وهذان أقوى لانه ينتزعه فى صحته. وقد قال عامةاهل المشرق, والنخعى, وغيرهما إنه لا يتبعهماأموالهما إذا خرجا حرين, والابن لا يأخذ ماله إلا بعوض. قال ابن سحنون عن ابيه: لا يجوز عتقه عند موته لعبيدها,/ وكذلك إن أوصى بعتقهم لأنه لا ينزع حيئذ مالهما. فإن قيل: فليعطوا أثمانهم من ثلثه. قيل: هذا غلط أن الميت لم يرد هذا, بل أراد الانتزاع, ولو أراد ما قلت وبينه, لم يجز أنه بيع عليهم كالانتزاع, ليس كتعقه عبد ابنه الصغير فى مرضه. ولو قال مريض لعبده أعتق عبدك عنى وانت حر ولسيد مال, فهو انتزاع, ويعتقان فى الثلث إن حمل, ويتحاصان فيه إن لم يحمل. كعتق عبدين. وإن قال: أعطنى عبدك فلانا, وأنت حر. فهو انتزاع, لإن حملها الثلث, مضى ذلك وإلا بدى بالعتق على العطية ¬
فيمن ولده بمنزلته من الأحرار ومن الإماء والعبيد
[12/ 431] فيمن ولده من الاحرار ومن الإماء والعبيد ومن فيه معنى من الحرية أو وصية بها أو عتق على مال أو خدمة من كتاب ابن المواز مما ذكر من قول مالك قال: وكل ولد فهو بمنزلة أمه, إن النكاح (ثم يريد أو زنى) (¬1) كانت امة رقيقا أو فيها بقية رق, او عقد فيها عتق, أو كانت حرة, كاان زوجها حرا أو عبدا وفيه رق. قال أصبغ: يخرج الحر من رحم الأمة, ولا يخرج العبد من رحم الحرة. قال مالك: وكل حمللا يملك السيد, فهو بمنزلة ابيه, كاان حرا أو عبدا, أو فيه بقية رق. قال مالك: وولد الموصى بعتققهم إن ولدته بعد الموت, عتق معهمافى ثلث أو ما حمل منه ومنها, حملت به بعد الوصية أو قبل, وأما لو ولدته قبل الموت بساعة فهو رقيق, كذلك الموصى بعتنقه من أمته,/ إن ولدته قبل الموت, رق, ولم تكن به أم ولد, إن ولدته بعد موت السيد لسته أشهر فأكثر, فهى به أم ولد, هو حر ما لم تكن بينه الحمل فى حياه السيد. ومن دبر أمته, فولدها فإن كان يومئذ حملا ظاهرا, فهو بمنزلتها. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: علم بحملها أو لم يعلم قال ابن الماجشون: إذا كاتبها وهى حامل, أو دبرها, أو عتقها الى أجل, أو اخدمها, أو رهنا, فولدها بمنزلتها فى ذلك كاه. قال مالك فى كلامه, فذكر هؤلاء, وقال: أو معتق بعضها, أم ولد مملوكة. قال ابو محمد: انظر, هذا يدل على أنه إن زوج أمته لمدبرة, أن ولدها منه رقيق. قوله: ام ولد أو مملوكة, يريد وولدها من غير سيده ... ¬
[12/ 432] من كتاب ابن المواز: ومن دبر عبده فولده الذى تحمل منه أنمته بعد التدبير بمنزلته, لا تقدم ولا فى بطنها, كولد العبد يعتق, وبخلاف الامة تعتق حاملا. ومن أعتق عبده او مدبرة ولم يستثن ماله, وله امه حاملحملت بعد تدبير المدبر, فاللولد للسيد, ولد العبد رق, وولد المدبر مدبر, والأمة تبع للعبد, وإن أعتقها العبد بعد أن عتق, فلها حكم الأمة حتى تضع فى الموارثة (¬1) والحدود وغيرها, وإن مات, فهى من رأس ماله, لا يردهادين مستحدث, ولا تكون به أم ولد إن لم يعتقها, إلا أن يهب له السيد حملها, فأما إن اعتقه فلا. وكذلك فى العتبية عن ابن القاسم. قال: ولا تباع فى دينه حتى تضع. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اشترط المكاتب فى كتابه حمل أمته فهى به أم ولد عند ابن القاسم. كذلك من شرط فى التدبير, او هبة للمدبر, فهى به أم ولد قال ابن القاسم: وولد العبد المخدم- قال عبد الله- يريد من أمته - بمنزلته يخدم مع أبيه, وكذلك ولد المخدمة لفلان حياته, ثم هى لفلان, ولدها بمنزلتهافى الخدمة والرق, عاششت الام او ماتت. قال: ربيعه ومن أعتق أمته, واستثنى ما فى بطنها لم ينفعه وهو حر معها, ولو استثنى الجنين لم تعتق هى معه, قال:- يريد ابن القاسم- وولده المعتق بعضه - يريد اامته- بمنزلته, فان مات الاب وأمه حامل به, فولده لمنزله أبيه, (وتكون أمه رقا له) (¬2) مع مال أبيه. ومن واجر عبده سنين, ثم أعتقه, فلا يتم عتقه حتى يتم الأجل, وما ولد له من أمته بعد العتق, تعجل عتقه ساعة يولد بخلاف الخدمة, والمرهونه وولد أم ... ¬
الولد عن عتقت هى, او ماتت, باقون الى موت السيد, له عتقهم وانتزاع أموالهم ما لم يمرض, ولا يرثون أمهم. قال ابن القاسم: ولا تتعب اام ولده فى الخدمة, رفيعه كاانت أو دنية, قال أصبغ: إلا أن الدنية تتبذل فى الخدمة الخفية ما لا تبتذل الرفيعه. ومن أوصى: إن سلمت جاريتى, فهى حرة. ففعل عنها حتى حملت, وولدت, ثم أسلمت, فإنها تعتق بولدها, كمن قال: إن أعطتكم كذا, فهى حرة. فولدت قبل ذلك. قال أصبغ: يدخل حمل الموصى له بعتق, تلده بعد موته فى الوصية, فكيف التى تحمل بعد موته, قال ابن القاسم: وإن أوصى أن جاريته حرة إن رضىلا أبوه, فمات الأب غائب, فتلد, ثم يرضى الأب, فإن ولدها معها, وكل مشيئة/ أو خيار أو شرط فى عتق أمى جعل إليها بعد الموت أو إلى غيرها فيها فولدها بمتزلتنا إذا ولدتهم بعد موت سيدها, وإن تمادت حتى بيعت, أو قسمت, فلا قول لها بعد ذلك لأن الحكم قد نفذ فيها. قال أصبغ: أو توقيف بالشهادة, أو بوجه إنفاذ من السلطان وغيره ومن وصى أو ورثه بحد أو إشهاد, فهو كالحكم, ولا رجوع لها. ومن العتبيه (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال لأمته: ائتينى بمائة دينار وأنت حرة, فله قبل أن تأتى بالمائة, ثم تأتى بها, قال: تعتق هى, ويرق ولدها, وليس له رجوع, ولا يبيعها, إلا بعد تلوم الإمام, أو طول الزماان, ولم أرها كالمكاتبة بما تلد إذ لو مات السيد قبل تأتى بالمائة, لم يلزم الورثة عتقها إن جاءتهم بالمائة إذ لم يوص بذلك, وكما لو جرحت جرحا, فلم يقم المجروح حتى ولدت, فلا يسلم ولدها ¬
الحكم في ولد من فيه يمين بحرية من الإماء
[12/ 434] قال: ولو قال لها: إن جئتنى مائة الى سنة فأنت حرة. فولدت قبل السنة, فلا يدخل ولدها فىةى ذلك إن جاءت بالمائة, وليس للحر بيعها حتى تممضى السنة, ويتلوم السلطان. كذلك لو أعتقها فى وصية وهى حامل, فولدت قبل موته, فولدها رقيق, إلا أن تلده بعد موته. وقاله مالك. وروى عبد مالملك بن الحسن عن ابن القاسم فيمن قال لعبده: متى ما جئتنى بمائة فأنت حر. أنه ملا يبيعه حتى يتلوم له السلطان او يعجزه, فإن مات السيد قبل ذلك, فإنه يلزم ورثته مثل ما لزمه, فيرفعونه الى الإمام حتى يتلوم له أو يعجزه./ الحكم فى ولد من فيه يمين بحرية من افماء (من كتاب ابن المواز) (¬1) من قال: إن فعلت كذا, فأمتى حرة. وهى حامل, او تحمل بعد يمينه فتلد, فروى ابن القاسم, عن مالك, أن ولدهما يعتقون إن حنث, ثم رجع عنه ابن القاسم. قال أصبغ (¬2): وأراه وهما من روايته, ولا عتق للولد إذا لم يكن على حنث, غير هذا خطأ, وقد كان له بيعها. قال: وإن كانت يمينه: إن لم أفعل, أو لأفعلهن. هذا على حنث, ما تلد (عنده (¬3) بمنزلتها. قاله مالك وابن القاسم. قالا: ولو حلف ألا يفعل كذا, لم يكن ما تلد) (¬4) بعد اليمين بمنزلتها, سواء ضرب فى ذلك كااه أجلا, أو لم يضرب. قال عبد الله (¬5): وفى باب الحالف بالعتق إن فعلت, أو لأفعلن ذكر اختلاف قول مالك, وابن القاسم, فى هذا من رواية عيسى, عن ابن القاسم ... ¬
[12/ 435] ومن سماع ابن القاسم فى العتبية فى الحالف إن فعلت كذا فأمتى حررة. ففعله بعد أن ولدت, إنه أحب الى أن يدخل ولدها معها, وما هو بالبين. قال عنه عيسى, فى الحالف ليفعان, ان ما تلد مرتهن معها باليمين فإن باعها وبقى ولدها بعد البيع فإن أعتقها الساعة, أو لم ولدت منه, قال: إن كانت يمينه الى أجل رد العتق وأوقفت الى الاجل ليبرأ ويحنث, وإن كانت الى غير أجل, فلا يرد عتقه لأنها إنما تعتق فى المثلث, ولعل الدين يردها وقد جاءها ما هو أقوى. وإن إتخذت (¬1) أم ولد, واليمين الى أجل, وفات الاجل وهى بيد المبتاع , فإنها تعتق, ويرد الثمن (ويقاص بقيمة ولدها) (¬2) , فإن كانت قيمة الولد أكثر من الثمن, لم يرجع البائع على المشترى بشىء, وإن كانت اقل, لاد البائع عليه باقى الثمن, فإن مات السيد قبل الاجل, (كانت ام ولد من اشتراها لانه مات على بر, ولم يحنث فيها, وإن أعتقت, ردت,/ واوقفت, فإن مات السيد قبل الاجل) (¬3) جاز عتقها, وإن مضى الاجل ولم يبر, عتقت على البائع, ورد الثمن الى المشترى, وإن بر, جاز عتق من أعتقها (¬4) قال ابن كنانه: يعتق بما فى يديه من ولدها, وما باع منهم فليس عليه فى ذلك حنث. قال عيسى: إذا باعهم قبل الحنث, فاعتقهم المشترى, فعتقهم جائز, ولا يرد البيع, كان ذلك الى أجل أو الى غير أجل. وقال أصبغ عن ابن القاسم: ولو حلف بعتقها ليبيعها, فيلد أولاد, ثم يموت السيد, أنها تعتق, وولدها فى الثلث بالسوية, كالمدبرة تلد. قال عنه أبو زيد: فإن مات قبل بيعيها عتق ولدها وإن فرط فى بيعها, ثم بجاعها, فقد بر فى ولدها ... ¬
جامع القول في عتق الجنين وحكمه
[12/ 436] ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا حلف بحريتها, لفعلن كذا الى اجل, فمضى الأجل ولم يفعل, فإنه يعتق معها ما كانحت به الاحلام يوم حلف, وإن مات قبل, رقت وولدها. محمد: ولو كانت يمينه ليضربنها, أو ليبيعها الى أجل, فماتت قبله, فلا عتق لوالدها, وللو كانت يمينه بعتقها فى غيرهاا, كان لوالدها من العتق ما كان لها ان حل الأجل, ولم يبر, وإن عجل عتقها ويمينه فيها أو فى غيرها, بقى يمينه فى ولدها, فيرقوا ببره أو يعتقوا بحنثه, وإذا حلف ليضربنها, لم يضرب أجلا, فماتت فليعتق ما ولدت ببعد اليمين حين موتها. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن حلف بحرية جاريته, ليجلدنها مائة جلدة. فنسى , فباعها وولدت من المشترى قال: يفسخ البيع وتعتق على بائعها, وولدها لمشتريها ولا يميين عليه فيهم, ويرجع بجمييع الثمن على البائع. جامع القول فى عتق الجيين وحكمة وحكم امه قبل الوضع وبعده من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال فى صحته لأمته: ما فى بطنك حرا (¬1) فلا بيعيها فى صحته, ولا فى مرضه, (إلا أن يقام عليه بدين) (¬2) وإما إن مات وشاء الورثةبيعها من غير حاجة, فذلك لهم. قال ابن القاسم: والناس كلهم على الخلاف مالك فى هذا, ويقولون: لا تباع. وقال الليث: تباع, ويستثنى ما فى بطنها حرا, وقال لى سعيد: عن استثناءه خير من رقه, قال أصببغ: وأنا اتبع مالكا, وابن القاسم فيها, احب الى أن لو تربصوا بها, إلا فى الدين المحيط والولادة البعيده ممايضر بهم فى القسمة ... ¬
[12/ 437] ومن كتاب ابن حبيب قال ابن القاسل ما فى بطنك حر. ولا يعلم يومئذ ان بها حملا أم لا, فما ولدت لأقصى حمل النساء, فإنه يعتق. قال أصبغ: ثم رجع ابن القاسم, فقال: لا يعتق إلا ما ولدت لأقل من سته اشهر من يوم قال لها ذلك, إذا لم يكن حمل ظاهرا. كمن مات وأمه رجل فجاءت بولد, فإنها ترث ما تأتى به, لأقل من ستة اشهر. (وبه قال أصبغ) (¬1). وقال: كمن كوتب/ وله امة يطوها, فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر, فلا يدخل فى الكتابة إلا ما وضعته لسته اشهر فأكثر. وقاله ابن الماجشون, وشهبه بالعبد يعتق (¬2) وله امة, فلا يدرى انه حامل ام لا, فما وضعته لأقل من سته أشهر من يوم العتق, رق السيد, وما كان لستة أشهر فأكثره, فحر. قال: ولو كانت بينية الحمل يوم قال لها ذلك, لعتق ما تضع الى اقصى حمل النسساء. وقاله ابن القاسم. قال ابن المواز قال أشهب: وإن قال فى صحته: ما فى بطنك حر. ثم مات, فوضعته لاكثر من سته أشهر, فلا يجوز ان يسترقوه, ولا يدرون لعلها كانت به حاملا (¬3) وللورثة بيعها. قحال عبد الله: يريد قبل ان تضع. قال أشهب: من غير دين, ما لم يكن على وجه الوصيدة, فلا تباع إن حملها الثلث. وفى باب من قال كل ولد تلينه حر زيادة فى (المعنى) (¬4) قال ابن حبيب: قال أصببغ فى صحيح قال لأمته الحامل: ما فى بطنك حر, أو إذا وضعت, فهو حر. فوضعته وهو مريض أو ميت, فهو حر من رأس ماله ... ¬
, [12/ 438] فإن قال فى مرضه, فهو فى ثلثه. ثم رجع, فقال: يعتق من الثلث. وإن قاله فى صحته. وقاله أصبغ. وبالأول قال ابن حبيب. قال ابن المواز: قال ابن القاسم وإن قال الصحيح: ما فى بطنك حر. ثم استدان دينا, ثم وضعته فى مرضه, أو بعد موته, فهو حر لأنه عتق قبل الدين, ولو قام رب الدين فى الصحة, او فى المرض, أو بعد موته قبل الوضع, لبيعت له, ورق الولد. قال اشهب: إن دينوه (¬1) حين عملهم بوضعه, بيع لهم لأن عتق الجنين ليس بعتق, استدان قبل الحرية بالوضع /. قالا: ولا يبيعها السيد إلا فى دين يرقهه, ولو باعها لغير دين رد البيع, إلا ان يفوت بعتق قالا: وللورثة بيعها بعد موته عن احتاجوا أو شاؤوا لانها صارت لعتق من أعتق الجنين, فإن لم تبع حتى وضعت, كان حرا من رأس المال قال اصبغ: هو مذهب أصحاب مالك. وكذللك إذاقال فى الصحيح: ما فى بطنك حر. ثم مات قبل أن تضع, إذا وضعته من رأس ماله. وإن قال: إذا وضعت, فانت حرة. فليس بشىء وليس الحمل: بأجل. قال ابن المواز: يريد إذا مات قبل ان تضع وإن وضعت بيد الورثة. وإذا قال: ما فى بطنك حر فى صحته, ثم باعها فذلك مردود, فإن لم يرد حتى اعتقها المبتاع قبل الوضع, فذلك ماض, وله ولاؤهما, ولو أعتقهما بعد الوضع, كان ولاء الم له, وولاء الولد للبائع, فيرجع عليه بقييمة العيب, أن لو كانت تباع مستثنااه الولد, ولو باعها من زوجها وهى حامل, من غير دين رهقه, كان ذلك جائزا للزوج. قال محمد: لأن ذلك أثبت لعتق الجنين, وتصير هى به أام ولد, ويبطل عتق السيد, ويرث أبداه إن خرج حيا. ... ¬
في الجنين يوصى به للعتق
وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم فى الذى أعتق ما فى بطنها فى صحته نحو ما ذكر ابن المواز, قال: ولا يبيعها, وإن ابطأ حملها على أقصى حمل النساء, وغن بيعت, رد البيع, وإن ولدت, فالولد حر, ويرد معها إلا ان تفوت, فيغرم فيمتها يوم قبضها على ان جنينها مستثنى. قال: ولا يباع إلا فى الدين, وإن كان مستتحدثا, ويرق بذلك الولد, وكذلك فى دين كان قديما عنده يوم أعتق الجنين وفاء به أو لم يكن, إذا طولب به قبل الوضع, فإن قيم عليه بعد الوضع, فالولد حر, وتباع وحدهما, فإن لم تف بالدين, نظر فإن كان يوم اعتق الجنين لا وفاء له بدينه, بي-ع الولد فى تمام الدين, وإن كان له به يؤمئذ وفاء, لم يبع, وكادن حرا. قجال ابن القاسم: وإن مات السيد قبل أن تضع, فللورثة بيعها إما فى ديينها واحتاجوا الى بيعها, أو قسمها, ولا يجبرون على انتظار الوضع, فغن وضعته قبل البيع, فهو حر. قال اصبغ: ونحن نستحسن أن ييجبروا الورثة على تاخير بيعها, او قسمها, ويستحسن أيضا إذا رهقه دين, ان تباخع. وهو قول سعد بدن عبد الله المعافرى. وقال لآن أخطى فى العتق, أحب إلى من ان أخطى فى البيع. فى الجين يوصى به العتق او لرجل وفى الجنين يوهب أو يتصدق به كيف إن اعتقه الموهوب لو أعتق الام مالكها؟ وكيف ابن المواز: ومن أوصى بعق ما فى بطن امته, فلم يحملها الثلث, فليحير الورثة, فإما أجازوا ذلك, او أعتقوا من الامة ما حمل الثلث. وكذلك لو أوصى بالجبين لرجل, وضاق الثلث عنها, فإن اجازوا (ذلك) (¬1) , وإلا قطعوا له (¬2) بثلث الميت, إلا ان يشاء الموصى له أن يأخذ ذللك فى الامة./ 440/ ولو أوصى بعتق جنينها, وهى تخرج من الثلث, (أعتق الورثة الأمة, فتعتق الامة (¬3) / أولى, ولة ولاء الولد. قال أشهب: عتق الورثة اولى) (¬4) وولاء الولد والأمة لهم (¬5) وروى عن ابن القاسم: إذا أوصى بما فى بطنها لرجل, ثم مات, فأعتق الورثة الأم, أن عتقه جائز بما فى بطنها, ولا شىء للموصى له. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: وكذلك لو تصدق بها رجل, وبما فى بطنها على آخر, فاعتقها من صارت له الرقبة, أنها بذلك حرة, وما فى بطنها. وقال فى بعض مجالسة أن المعتق يغرم للآخر قيمة الولد, يخرج حيا (¬6) , وإن خرج ميتا, فلا شىء له. وقال أيضا: لا عتق له, وعتقها باطل حتى تضع. قال محمد: وهذا احب الى لأنها لم تجب له إلا بعد الوضع. وكذلك لا عتق لصاحب الولد فيه حتى يخرج, ولا تباع الأمة فى دين صاحب الرقبة, اعتق الجنين صاحبه أو لم يعتقه, وليس كسيدها الأول, وليس الجنين بمال لمن أعطيه, ولو رهق ربها دين قبل ذلك, بطل عتققه, وبيع فى الدين. وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون مثل قوله ابن القاسم الآخر, ان لا يعتق حتى تضع الجنين لأنه حق لغيره, لايعتق بعتقها, كالخدمة بعتقها السيد, فلا تعتق حتى تتم الخدمة, ولا يلحقها دين مستحدث, وكعبد أعتق وعنده امة حامل منه, فأعتقها العبد, فعتققها موقوف حتى فيأخذ السيد الولد, وتعتق الأمة على العبد, ولهن كلهن حكم الرق حتى يضعن فى الجناية منهن او عليهن, وإنما يجبر السيد إذا جنين فى خدمتهن, كالمعتقه إلى اجل. وقاله كله أصبغ. وفى باب مال العبد من هذا ¬
ولو أوصى بعتق جنينها, وهى تخرج من الثلث, (أعتق الورثة الأمة, فتعتق الامة (¬3) / أولى, ولة ولاء الولد. قال أشهب: عتق الورثة اولى) (¬4) وولاء الولد والأمة لهم (¬5) وروى عن ابن القاسم: إذا أوصى بما فى بطنها لرجل, ثم مات, فأعتق الورثة الأم, أن عتقه جائز بما فى بطنها, ولا شىء للموصى له. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: وكذلك لو تصدق بها رجل, وبما فى بطنها على آخر, فاعتقها من صارت له الرقبة, أنها بذلك حرة, وما فى بطنها. وقال فى بعض مجالسة أن المعتق يغرم للآخر قيمة الولد, يخرج حيا (¬6) , وإن خرج ميتا, فلا شىء له. وقال أيضا: لا عتق له, وعتقها باطل حتى تضع. قال محمد: وهذا احب الى لأنها لم تجب له إلا بعد الوضع. وكذلك لا عتق لصاحب الولد فيه حتى يخرج, ولا تباع الأمة فى دين صاحب الرقبة, اعتق الجنين صاحبه أو لم يعتقه, وليس كسيدها الأول, وليس الجنين بمال لمن أعطيه, ولو رهق ربها دين قبل ذلك, بطل عتققه, وبيع فى الدين. وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون مثل قوله ابن القاسم الآخر, ان لا يعتق حتى تضع الجنين لأنه حق لغيره, لايعتق بعتقها, كالخدمة بعتقها السيد, فلا تعتق حتى تتم الخدمة, ولا يلحقها دين مستحدث, وكعبد أعتق وعنده امة حامل منه, فأعتقها العبد, فعتققها موقوف حتى فيأخذ السيد الولد, وتعتق الأمة على العبد, ولهن كلهن حكم الرق حتى يضعن فى الجناية منهن او عليهن, وإنما يجبر السيد إذا جنين فى خدمتهن, كالمعتقه إلى اجل. وقاله كله أصبغ. وفى باب مال العبد من هذا ــــــــــــ (¬3) فى مالاصل: (فعتق الميدت) (¬4) ما بين معقوفتين ساقط من ص. (¬5) (وولاء الولد والام لهم) (¬6) فى ب: (يوم يخرج جنينا).
[12/ 441] ومن كتاب ابن المواز: ولو جنت (¬1) فافتداها صاحب الرقبة, فليس لصاحب الجنين شىء, وإن اسلمها رققت مع جنينها, للمجروح, وكان الجنين قد لصاحب الجنين شىء, وإن اسلمها رقت مع صاحب جنينها, للمجروح, وكان الجنين قد أعتقه صاحبه أم لا, ولو اعتقها صاحبها, ثم جنت, أتعبت بالارش. وقاله (كله) (¬2) أصبغ. قال ابن القاسم: فإذا تصدق بالامة على رجل, وبجنينها على آخر, ففلس صاحب الرقبة, بيعت بما فى بطنها, وإن فلس صاحب الجنين, لم يبع حتى تضع. قال محمد, لا تباع فى دين صاحب الرقبة حتى تضع لأنها يؤمئذ تجب له, كما لو استثنى خدمتها سنة. ومن كتاب ابن المواز (وابن حبيب) (¬3) قال مالك من رواية أشهب: قال ابن حبيب: وقال ربيعة, وقاله ابن القاسم فيمن تصدق بما فى بطن امته على رجل, ثم أعتقها, قال فى كتاب ابن المواز: أو باعها, فذلك نافذ, والولد تبع لها. قال بان حبيب: قال ابن مالقاسم: إذا وهب الجنين, أو تصدق به على رجل, او أوصى له به, ثم وهبها لرجل آخربعد ذلك, أو باعها منه, أو مات, فورثها ورثته, فاعتقوا, أو أعتقها احد ممن صارت إليه بذلك, أن عتقهم كلهم جائز, وتسقط العطية. وقال اصبغ: بل أردى عتق الموهوب باطلا لأنه لو فلس وقد وهب ما فى بطنها لرجل, لم يبع حتى تلد, وأما فى الوصية, فإن حمل المة الثلث, أوقفت حتى تلد (¬4) ولم يكن للورثة فييها عتق لأن فيها حقا (¬5) لغيرهم, وإن لم يحملها الثلث, (جاز عتقهم) (¬6) ... ¬
في الأمة بين الرجلين يعتق أحدهما جنينها
قال ابن حبيب: فإن لم كيبعها, وتأخرت ولادتها حتى مات الواهب, فلا شىء للموهوب له لأنها عطية لم تقبض, وإن ولدته قبل/ قسمة الورثة للام, إلا ان يكون قد قبض الموهوب الأم (¬1) فى حياة الواهب بحوز العطية فذلك حوز للجنين (¬2) فى الامة بين الرجلين يعتق احدهما جنينها وكيف إن أعتق الآخر نصيبها منها؟ وذكر دية الجنين فيها أو الموصى بجنينها لرجل؟ أو أعتق والعبد الموهوب يقتل من كتاب ابن المواز قال القاسم, فى أمة بين رجلين فأعتقح احدهما جنينها, فجلا عتق له حتى يخرج, ولو ضرب رجل بطنها فخرج حيا متسهلا, فديته دية عبد للشريك الذى لم يعتق كلها, كعبد بينهما أعتق احدهما نصيبه فيه, وقتل قبل التقويم. ولو اعتق احدهما جنينها, ثم أعتق الآخر نصيبة منها, فيعتقه اولى. قال: والغرة فى جنين الموصى بجنينها لرجل, تكون لذلك الرجل. لو أعتق الرجل الجنين قبل خروجه, لم يرث أباه الحر, عقله للرجل. ولو صرخ, ثم مات, كان عقله لابيه الحر, ولاحرار ورثته. قال ابن القاسم, وأشهب, فيمن وهب عبد لرجل, فلم يقبضه حتى قتل, فقيمته للموهوب ¬
فيمن قال لأمته كل ولد تلدينه حر
[12/ 443] فيمن قال لامته: كل ولد تلدينه حر (أو قال اول بطن او اول ولد تلدينه حر) (¬1) وإن قال ما فى بطنك حر ولا حمل بها او لا يعلم او أوصى به قال ابن حبيب قال ربيعة فيمن قال لأمته ما ولدت من ولد فهو حر. فإن ولدت وهى له, فعسى أن يعتق, وإن يعتق, وإن باعها, أو مات, انقطع/ ما كان لها, وكان كل ما تلد رقيقا. ولو قال لها: رحمك حر. كانت حرة. وكذللك ذكر عنه ابن المواز. قال ابن حبيب: قال اصببغ: إن كان محمل ذلك على الولد, أن ما يخرج من رحمها حر, فلا حرية لها, فإن أراد الرحم, فهى حرة. وقال ابن القاسم عن مالك فى القائل: ما ولدت حر, وأول ولد تلدينه حر او ما فى بطنك حر. وهى غير حامل, فقد استثقل مالك بيعها. وأجاز ابن القاسم بيعها) (¬2) ما لم تحمل, فإن حملت, لم كتبغ, إلا أن يرهقه دين. وقال عن أصبغ, فيمن قال: متى ما ولدت ولدا يكون خماسيا, فأنت حرة. فولدت ولدا قبل تبلغ الوقت الذى ذكر, ثم ولدت آخر مبلغ ذلك الوقت, هل تعتق بالشرط؟ قال: نعم أنه لم يرد به أول ولد, وكذلك لو كانت الحرية فىالولد. قال فى كتاب ابن المواز فى القائل: كل واد تليدنه حر. فله بيعها ما لم تحمل. ولو قال: ما فى بطنك حر فلم يبيعها حتى حملت, فله بيعها, ولا عتق عليه. قال: لم تدرك أكان بها ذللك يوم القول, او حدث؟ لم يعتق إلا ان تضعه لأقل من سيته أشهر من يوم القول, ولو كان حملا بينا, كان حرا, وإن لم تضعه الى خمس سنين ... ¬
[12/ 444] وقال أشهب: إن كانت مسترابة منذ قال ذلك حتى وضعت, مثل أن تتأخر حيضنها (¬1) , أو شىء يجده, فولدها حر إن وضعته بعد أربع سنين, أنه فى شك منه, وإن كانت تحيض منذ قال ذللك بغير ريبه, فاستحسن أن لا يعتق, وما هو بالقياس, فإن العتق ليكون بالشك, وما يأخذ أحد وصية ولا ميراثا بالشك. ولو أوصى بما فى بطن امته لرجل/ فإن وضعته لأقل من ستة أشهر, كان له وإن كان لكثر. لم يكن له بالشك. وقاله ابن القاسم؟ ولو كان حملا ظاهرا كان له, وإن وضعته بعد سسنين. وإن قال: اول بطن تليدنه, وأنت حرة. فكل فى بطنهاحر. قال مالك: وإن قال: إن جئت بغلام فهو حر. فوضعت غلامين فالاول حر وحده. وقد قيل فى القائل: إن ولدت غلاما, فهو حر. فوضعت جارية, ثم غلاما فى بطن, فقد لزمه ما قال, تاخر الغلام أو تقدم. فإن وضعت غلامين أولهما ميت, فالحى هو الحر, بخلاف قوله: أول ولد تلدينه حر وغن عاشا جميعا. وإن قال: إن ولدت غلاما فهو حر. فالاول حر, فإن اشكل الأول, عتقا جميعا, وشهادة النساء فى هذا جائزة. وإن قال: أول ولد تضيعنه, فهو حر. فوضعت سقطا, ثم آخر تاما, فالحى رقيق, والعتق وقع على السقط (¬2) وكذلك ذكر ابجن حبيب, عن ابن القاسم, وأصبغ. وقال فى سؤاله: فكان الول ميتا. قال أبن حبيب: قال أشهب: العتق للحى, وقد استحسنه من ارضى ومن كتاب ابن المواز: فإن وضعت ولدين فالأول حر, فإن لم يعرف الأول, فالقياس ان قد عتق من كل واحد نصفه, ويتم عتقه بالسنه. فيعتقان جميعا. قال ابن القاسم, وأصبغ: إن قال: عن ولدت غلاما, فأنت حرة. فولدت غلاما ميتا, أنها تعتق. قال ابن القاسم: وإن كان على وجه الشكر ... ¬
[12/ 445] وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم فى قوله: أول تليدنه حر. نحو ما ذكر غيره, ان الأول حر, كانا غلامين أو جاريتين أو غلاما/ وجارية. وقاله مالك, وابن شهاب. وإن لم يعرف الأول فهما حران بالشك. وكذلك إن قال: إن ولدت غلاما. فولدت غلامين, وجهل الأول, لم يكن مالك يرى عليهما قيمة أحدهما. قال ابن حبيب: وغن قال: أول ولد تليدنه حر إن كاان غلاما. فولدت توأما (¬1) غلاما وجارية, فإن خرج الغلام أولا, فهو حر, والجارية رقيق, وإن خرج آخرا, فلا عتق لواحد منهما, وإن لم يدر أولهما, فالغلام حر بالشك, الجارية رقيق, وإن ولدت غلامين فالاول حر, فإن لم يدر, فهما حران. وإن قال: أول غلام تليدنه, فهو حر. فمتى ما ولدت غلاما, أولا كاان أو آخرا, فى أول بطن أو بعد بطون, فهو حر, فإن قال: عن ولدت غلاما, فهو حر. فولدت غلاما وجارية, فالغلام حر, كان أولا أوآخرا, وإن كانا غلامين فالأول حر, فإن لم يعرف, فهما حران بالشك. وقاله كله أصبغ. وإن قال: إن كان فى بطنك غلام, فهو حر, (وإن كانت جارية, فهى حرة. فولدت غلاما وجارية, فهما حران, فإن ولدت غلاما وجاريتين, أو جارية وغلامين, فهم احرار, ولا يخير فى شىء من ذلك. وكذللك إن قال: إن كان فى بطنك غلام, فهو حر) (¬2) , فأتت بغلاميين, أو قال: جارية. فأتت بجاريتين, فجميعا يعتقان, بخلاف قوله: إن ولدت غلاما أو: اول ولد تليدنيه حر. فتلد ولدين, فهذا لا يعتق إلا الاول, فإن لم يعرف, عتقا (جميعا) (¬3) بالشك. وقاله كله أصبغ ... ¬
فيمن زوج عبده أمته على أن ما تلد حر
قال أصبغ: وإن قال ما فى بطنك حر (أو أول) (¬1) بطن تضعينه حر. فما وضعت فى ذلك, (أو) (¬2) فى اول بطن من غلام أو جارية, أو توأم, فأحرار. وقاله مالك (¬3) ,/ وابن شهاب. وكذلك فى كتاب ابن المواز, فى قوله: اول بطن. قال فى كتاب ابن حبيب. وإن قال: إن ولدت جارية, فأنت حرة. فولدت جارية, فالأم حرة, والجارية رقيق, وإن ولدت جاريتين, (فالأم حرة, والجارية الثانية حرة) (¬4) , والاولى رقيق, وإن لم تعرف الأولى, فهما حرتان بالشك, وإن وضجعت غما وجارية فإن كان الغلام أولا, فالودان رق (¬5) , والأم حرة, وإن كان الغلام آخرا, فهو وأمه حران, والجارية رقيق, وإن جهل الاول, عتقت الأم (والولد الذكر) (¬6) ورقت الجارية. وإن قال: إذا وضعت ما فى بطنك, فانت حرة. فوضعت ولد, وبقى فى بطنها ولدا آخر, فلا عتق لها حتى تضع كل ما بقى, فغن ماتت قبل وضدع الثانى, فإنها تورث بالرق, وكل من ولدت فى هذا البطن, فهم رقيق. فيمن زوج عبده أمته على أن ما تلد حر أو باع أمته على ذلك أو لعبده أن يتسرر على ذلك (ومما روى عن) (¬7) ابن سحنون, عن أبيه: ومن زوج عبده امته على أم ما تلد منه حر, فالنكاح فاسد, وما ولدت فحر, وما ولدت بعد موت (¬8) السيد قبل ¬
قسم الميراث, فهو حر من راس المال إن كان مات وهى به حامل, فأما ما حملت به بجعد موته, فرقيق لمن صارت له الأمة, ولم يكن سيدها يمنع من بيعها فى دين ولا مغيرجه, كذلك ورثته (ألا تراهم, يدخولنها) (¬1) فى قسمهم, فيبطلون بذلك عتق ما فى بطنها, احتاجوا/ الى ذلك أو استغنوا عنه؟ قال سحنون: اما إن لم يحتاجوا, فلا أحب لهم أن يفعلوا, فإن فعلوا, نفذ ذلك, كذلك السيد نفسه, قال: وللسيد بيعها ما لم يجهل, فيكره له ذلك, فإن باعها وهى حامل, مضى بيعه. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع أمته على أن ما ولدت عند المبتاع من غيره, فهو حر (لم يجز) (¬2) فإن وضعت بعد أن حبسها (¬3) , فالولد حر, ويرد الى قيمتها بغير شرط, وله البيع قبل أن تلد إن لم تحمل, وولاء الولد المعتقللمبتاع, ثم رجع, فقال: إن ولدت, لزمته بقيمتها بعد الولادة, أو قبل الولادة, إذا فاتت قبل الولادة بحواله سوق أو غيره, يسقط كالشرط فيما يستقبل فى عتق كالولد إن حبسها. ومن العتبية (¬4) من سماع ابن القاسم: ومن أذن لعبده أن يتسرر على أن ما تلد منه حر, فاشترى العبد جارية سرا عن سيده, فاولدها, فحملت, فأبى العبد عتقه إلا أن يعلم ان السيد إنما اراد الاستصلاح عبده, وأن لا يغيب عنه الى الارض بعيده. وفى باب من حلف ليفعلن مسائل من عتق الجنين ¬
[12/ 448] صفحة بيضاء
[الجزء الرابع من العتق]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الرابع من كتاب العتق فى مال العبد ومن فيه بقيه رق ومن للسيد أن ينتزع ماله أو يزوجه وميراث من مات منهم من مخدم او مؤجل وأرش جراحة ودية نفسه/ من كتاب ابن المواز قال مالك: وللرجل أن ينتزع مال معتقه الى اجل مال لم يقرب الاجل, مثل الشهر ونحوه, وإن كانت أمة, فله أن يزوجها الى حد ما يكون له انتزاع مالها, (ولو مرض السيد قبل قرب الأجل, فليس له انتزاع مالها) (¬1) ولا ورثته بعده, (ولا لهم إنكاحها, ولما زال عن السيد ذلك لم يكن لمن بعده) (¬2) وذكر ابن حبيب نحوه عن ابن الماجشون, وأنه ليس لورثته. (وإن تباعد الأجل - نزع ماله. قال مطرف (عن مالك) (¬3) , أن السيد أن ينتزع ماله ما لم يقرب الاجل, وكذلك لورثته لعده) ما لم يقرب أجل العتق) (¬4) ¬
قال: وإنما يمنع المريض من أخذ مال مدبره, وأم ولده لأنهما يعتقان بموته, فذلك كقرب لأجل فى المعتق إلى أجل. وبه قال ابن عبد الحكم, وأصبغ, قالا: هول قول أصحابنا. قال أصبغ, فى المعتق إلى أن ينتزع ماله قبل الأج ل بشهر, والشهر كثير فى غير شىء, منه الحالف لينتقلن (¬1) , انه يقيم شهرا إذا انتقل, لا يخرج الزكاه قبل الحلول بشهر, وقد يجرح (¬2) قبل الأجل بشهر, فيأخذ السيدات والسيد عقله, ولو تقارب بالأيام (¬3) كان العبد. ومن كتاب اببن المواز قال أشهب: ومن احاط به الدين, فليس له أخذ مال أم ولده أو مدبره لغرمائه, وله اخذ ذلك لينفقه على عياله فى حوائجه. ومن قال لبده: اخدم فلانا سنة, ثم أنت لفلان. فمات العبد فى السنة، فماله لسيد الأول, كما لو مرجعه على حرية/، وذلك أروش (¬4) جراحاته. واختلف قول مالك فى القتل (¬5) فى الخدمة، وهذا أحب إلينا. قال مالك: ومن حبس عبدا له على رجل, فليس له ولا للرجل انتزاع (ماله لأنه قوة له، وكذلك ما افاده، فن مات او قتل قبل اجل الخدمة، فماله وديته لسيده. فقال مالك: وما كان للعبد المخدم من خادم (¬6) فهى مثله يخدمان ما عاش المعمر. وماله بيده لا ينزع، ولو قتله سيده خطأ، فلا شىء ليه, ويرم فى العمد قيمته، فيخدم هذا به بقيه المده، فما بقى منه لسيده. قال: وللرجل ان ينتزع ام ولد مدبره ومعتقه على أجل، ما لم تحمل/ فيصير لولدها ما لأبيه، فإذا وضعت، فله انتزاعها، فإذا انتزعها، ثم ردها إليه قببل عتقه ¬
, [12/ 451] عادت أم ولد كما كانت فإن مات المدبر، فهى وماله، للسيد، وولده مدبر. وكذلك أم ولد المعتق إلى أجل، بخلاف أم ولد المكاتب يموت ويترك معها ولدا، فيعتق بعتقه لأن سيده لا يرثه مع الولد، وإن عتق المدبر فى حياه سيده، فأم ولده ام ولد له. قال ماللك: والموصى بعتقه يقوم بماله فى الثلث، ويبقى بيده، ضاق الثلث أو اتسع، وللمعتق بعضه أن يتجر بماله فى أيامه، ويطحن، وحمل على رأسه إن شاء، ولا يحدث فى المال الذى بيده إلا ما ياكل ويكتسى، وغن اعتق السيد ياقيه، فليس له (أن يستثنى) من ماله شيئا. قال ابن حبييب قال أصببغ فى العبد المخدم: ليس له أن يعتق لا بإذنهما جميعا، كان مرجعه إلى السيد أو إلى عتق، فإن أذنا، فالولاء للسيد الذى كانت له الرقبة./ ومن كتاب ابن المواز: ومن اوصى بخدمة عبده امدا، ثم هو حر، وأوصى بوصايا، والعبد هو الثلث، فتحاصوا فى الثلث، فمات العبد، فى المدة، وترك مالا، فحظ الخدمة ساقط لزوال العين التى فيها وصيته، ويخير الورثة فإما اتموا لأهل الوصايا وصاياهم، وأخذوا المال، وإلا اسلموا إليهم (المال) (¬1). قال ابن حبيب: قال مطرف، فيمن أعتق عبدا عند موته، فأجاز الورثة عتقه، وهم ولد ذكور وإناث، ثم مات المعتق عن مال فإن كان حمله، فاجاز عتقه ذكورهم وإناثهم، فولاؤه أيضا للعصبة، وإن اجاز بعضهم دون بعض، فميراثه كله للذين تمسكوا ببقيته بقدر مورايثهم، مثل أن يعتق نصفه بالوصية والتجويز (¬2) , وبقى لوارث لم يجوز ربعه، ولآخر سدسه، ولآخر نصف سدسه, ... ¬
جامع القول في مال العبد يباع أو يوهب أو يوصى به أو يعتق
فلصاحب الربع نصف ميراثه، ولصاحب السدس ثلث ميراثه/ ولصاحب نصف السدس من جميع السدس من ميراثه لأنه بالرق يورث، وذلك سته أسهم، ورقبته اثنا (¬1) عشر سهما، وليس على من أجاز تقويم فى باقيه إذا كان عتق الميت معروفا بينه فإن أعتق جميع الولد ما بقى من العبد، ثم مات العبد، فللولد الهالك الذكور من ميراثه بمقدار ما حمل الثلث منه، ولهم كلهم من ذكر وأنثى ما بقى بقدر حظوظهم فيما اعتقوا منه، وإن كان بعضهم أعتق، وبعضهم جوز /، فؤلاء من أجاز لذكور ولد الميت دون الإناث، وليس للذى جوز من ولاء إلا نصيبه بميراثه للولاء, وأما الأنثى، فليس لها قدر ما أعتقت. وقال مثله ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ جامع القول فى مال العبد يباع أو يوهب أو يوصى به او يعتق وذكر الاستثناء فيه وفى بين الشريكين من كتاب ابن المواز وقال مالك: مال العبد فى البيع والهبة والصدقة لسيده، إلا أن يشترط لمن صار إليه. واختلف قوله فى العبد الموصى به لرجل فقال: ماله لسيده، كالبيع. ثم قال: للموصى له، كالعتق. واختلف فيه قول ابن مالقاسم. قال ابن القاسم وأشهب وابن وهب وأصبغ, أن ماله لورثته الميت. قال مالك: ومن اعتق عبيده، ولهم عبيد، فهم تبع لهم رقيق. قال ابن القاسم: ومن وهب عبده لعبد لذلك العبد، كان له رق (¬2)، وإن كانت أمة فله وطؤها. وكذلك قال أصب عن ابن القاسم، فى العتبية (¬3) ¬
[12/ 453] قال فى كتاب اببن المواز: وإذا أسلم العبد فى جناية عمدا او خطأ، فماله تبع له، فاما إن قتل، فماله لسيده، وإذا أسلم عبد النصرانى، فلم يبع بملته حتى مات العبد، فإن يرث ماله. وكذلك لو أعتقه واستثنى ماله, فذللك له، وإذا ارتد عبد/ المسلم، فمات فى ردته أو قتلل، فماله لسيده. قال مالك: ومن دبر عبده، واستثنى ماله بعد موته، فذلك له، قال ابن القاسم: يريد بعد موت السيد، فيعتق فيما يؤحذ منه، وكذلك إن قال: غلامى حر إذا مت، وخذوا منه ماله. او قال فى مرضه: هو مدبر، وخذوا منه ماله. ومن كتاب ابن حبييب قال مطرف وابن الماجشون: يتبع العبد ماله إذا اعتقه سيده، او دبره، او حنث فيه، أو مثل به. وقاله مالك وابن القاسم وأصبغ. قال عيسى فى العتبية (¬1) عن اببن القاسم وأشهب عن مالك مثله. (قال اببن سحنون عن أبيه): ومن اعتق عبده ونيته ان يستثنى ماله فنسى او استثناه فى نفسه فلم يحرك به لسانه، قال: هو حر، ويتبعه ماله حتى يحرك به لسانه. قال ابن المواز: قال أشهب فى الممثول به: إذ أعتق على سيده، اتبعه ماله. وقاله ابن سحنون عن ابيه. قال ابن حبيب قال أصبغ: له استثناء ماله عندما مثل به، او بعد المثله قبل أن يحكم عليه بعتقه، (¬2) قبل أن يشرف على الحكم، فذلك له، واما عند الحكم فلا، ولنه قبل الحكم يورث بالرق، ويدركه الفلس والدين ولا يعتق إلا بحكم. وقاله ابن الماجشون لأن له حكم الرق حتى يعتق ولأنه إنما يعتق بالاجتهاد، ومن الناس من لا يرى عتققه بذلك. ومن العتبية (¬3) قال سحنون: قال لى أشهب فيمن أعتق عبده واستثنى نصف ماله, فعتقه جائز، وله ما شرط من المال/. وعن عبد بين رجلين أعتق ... ¬
أحدهما نصيبه منه، وهو ملىء، واشترط ماله، فالعتق جائز، ويقوم عليه- يريد بماله- ولا شىء له فى المال إذ لم يكن يجوز له اخذ شىء منه. وكذلك لو اشترط نصف ماله. قال قال محمد بن خالد عن ابن القاسم فى العبد يعتق فيتبعه ماله، وله جارية حامل: قال مالك: فولدها للسيد. قال ابن القاسم: فإن اعتقها بعد أن عتق، لم يتم عتقها حتى تضع، ولا تباع عليه فى الدين إذا أعتقها فى حين جواز عتقه، وهى كعتقه إلى اجل. وفى كتب البيوع ذكر بيع العبد واستثناء نصف ماله، والاختلاف فيه. ومن كتاب ابن المواز (¬1) قال مالك: والموصى ببعتقه، يقوم بماله فى الثلث، ويبقى بيده، ضاق الثلث أو اتسع. ولا أحد الشريكين (¬2) فى العبد عن باع نصيبه أو عتقه، ان يستثنى من ماله، فإن فعل، فهو له تبع، واستثناؤه باطل. قال سحنون فى كتاب آخر: ولا يجوز البيع فى نصيبه إلا (على) (¬3) أن يكون المال للمبتاع لأنه ليس لأحدهما ان ينتزع من ماله شيئا دون الآخر. قال ابن سحنون عن ابيه: ومن باع نصف عبده واستثنى جميع ماله، إن كان ينتزعه منه ولا يبقيه فى يده، فذلك جائز، وإن كان على ان يبقيه فى يديه، لم يجز ذللك. قال ابن حبيب قال مالك فى العبد الموصى به لرجل: فماله لورثة السيد دون الرجل، إلا الكسورة أو الشىء اليسير، وكذلك من تصدق بعبد فى صحته، فماله لسيده، إلا الكسورة أو الشىء اليسير. ومن أذن/ لعبده فى انكاح، فالمهر فى ذمة العبد، لا يدخل فيه خراجه، ولا ما فضل منه بيده ¬
في حال أم الولد وما أوصى لها به السيد
[12/ 455] وفى كتاب المدبر باب فى مال المدبر فى حياه سيده، او بعد موته، فيه زيادة فى حكم مال المدبر. وفى ابواب عتق الشريك باب فى العبد بين الرجلين، او بعضه، كيف العمل فى خدمته وماله فيه معنى هذا الباب. فى حال ام الولد وما أوصى لها به السيد وما فى بيدها من كتاب ابن المواز قال مالك فى ام الولد لها حلى وشورة، فاوصى سيدها: إن قامت على ولدى فدعوا ذللك لله، فإن تزوجت، فخذوه. (فليس ينزع ذلك فى مرضه) (¬1)، ولا بعد موته، كالمدبر، وكل ما أعطاها فى صحته (وكتسبته عنده) (¬2)، فإذا مرض، فلا ينزعه، وهو لها من رأس مالله، وما اوصى لها به. وأعطاها فى مرضه، فهو ثلثه، وإذا مات ولها حلى ومتاع، فهو لها ما لم يكن شىء مستنكر. قال مالك: وهى احق بثيابها إذا كانت تستمتع بها، وإن تكن لها بينة على عطية لها وما وهبها او حلاها به ثم فلس، فلا شىء عليه للغرماء، ولا يوخذ مال ام الولد فى حياتها، ولا تتبع هى بشىء، اعتقها أو مات عنها. فى مال العبد يستحق بحرية أو مالك او ثبت أن سيده كان قد اعتقه وذكر غللته وخراجه وما كسبه قبل ذلك/ وهذا البابب مكرر قد كتبناه فى الاستحقاق. من المجموعة والعتبية (¬3) من رواية عيسى قال ابن القاسم فى العبد يستحق بحرية ان ما تقدم مما اخذه منه سيده من كتابة او غلة او خدمة وخراج لا يرجع ... ¬
فيمن أعتق عبده أو مدبره على مال ألزمه إياه أو خدمة
عليه بشىء مما أخذه منه، واما ما كان انتزاع له من مال، فليرده إليه، كان اشتراه به أو أفتد عنده من فضل خراجه وعمله، او كان قد وهب له، فيرد عليه ما قبض من أرش جراحاته وقطع يده لأنه لم يكن يضمنه لو مات عنده، ثم ظهر أنه حر، لرجع على بائعه بالثمن. فإن قيل: فكذلك ترد كتابته وغلته. قيل له: الفرق بين ذلك ان يشترى العبد ليقتنيه لا لينتزع ماله. ومن غير المجموعة قال المغيرة: يرد عليه ما اغتل منه. وكذلك يرى إن كانت أمة فاسحتقت بحرية، انها ترجع عليه بصداق المثل إذا وطئها، وابن القاسم لا يرى عليه) صداقا. قال سحنون: ومن قامت عليه بينة أنه أعتق عبده منذ مدة فاببن القاسم لا يرى أن يرد عليه ما اغتله منه، أو كاتبه به. غيره من رواة مالك يرون انه يرجع بذلك. قال عيسى عن ابن القاسم فى العتبية فى الذى يستحق بحرية أن كل ما وهبب له المبتاع، فله انتزاعه منه، وكذللك ما أفاد من مال استتجره به سيده لنفسه، وأما إن قال: اتجر به لنفسك. فلا ينزع منه الفضل، وينزع منه رأس المال. فيمن أعتق عبده او مدبره على مال ألزمه إياه (أو خدمة) (¬1) أو قال على ان تصحبنى او تعمل لى كذا أو على أن يعتق عبدك أو على تسلم من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لعبده: انت حر وعليك ألف دينار. فلم يرض العبد, فذلك يرض العبد, فذلك عليه, وإن كره قال مالك, وابن القاسم وذكر ¬
عن ابن المسيب، أنه قال: هوحر، ولا شىء عليه، وهو أحب إلى ابن القاسم. قال أصبغ: لم آخذ بهذا أصلا، وليس بشىء، ولم يختلف فيه قول مالك وأصحابه، واهل المدينة. وقال ابن شهاب: وكأنه باعه نفسه وهو كاره, فذلك لازم، كمايزوجه كرها قال محمد: وكما له ان يلزمه ذلك بغير حرية، (فلم يزده إلا خيرا) (¬1). قال عبد الملك: إذ وكل عبده، لزمته الوكاله، وإن لم يقبل. قال مالك: وإذا اعتقه على أن عليه خمسين دينارا، أنه حر ويتبعه بذلك، ولا يحاص به غرماؤه، ولو قال: انت حر على ان تؤدى إلى كذا. لم يعتق هذا يؤدى إليك، ويقبل ذلك العبد، بخلاف قوله: انت حر وعليك. قال محمد: فالأول من ناحية الكتابة لا يعتق إلا بالأداء. قال ابن القاسم: وله ان لا يقبل. قال ابن القاسم: ومن عجل عتق مدبره على عشرة دنانير يعطيها له إلى شهر, ففلس المدبر بعد موت السيد وقبل الشهر، فالغرماء أولى من السيد بماله. ومن قال لمدبره: اعتقتك على ان تفارقنى، (فإن فارقتنى، فعليك/ خمسون (¬2) دينار. قال: فعليه خمسون ديناراظن وهو حر. قال محمد: ولو قال: انت حر على ان لا يفارقنى) (¬3) كان حرا، وشرطه باطل. قال ابن القاسم: وغن قال: أنت حر، واحمل هذا العمود. فهو حر، ولا شىء عليه، (وإن قدرعلى حمله وكذلك إن قال: انت حر، وادمنى سنة. فهو حر، ولا شىء عليه،) (¬4)، إلا ان يقول: أنت حر على ان تدمنى سنة. ولم يجعل الحرية قبل الخدمة، فذلك عليه ¬
قال ابن القاسم: ومن قال لعبده: إن جئتنى بخمسين دينارا إلى أجل كذا. أو لم يسم أجلا، اعتقتك. فأتاه بها، فليحلف ما أراد إيجاب العتق ولا نواه، وانه أراد إن شاء فعل بغير إيجاب، ولا شىء عليه. وقال اصببغ: بل ذلك لازم له، وقوله: وانا اعتقك. كقوله: وأنا قد اعتقك. وكذلك قوله لزوجته: إن جئتنى بكذا، فانا اطلقك. فتاتيه به، أن ذلك يلزمه. قال مالك فى الطلاق. والعتق عندى مثله. وإن لم يؤجل اجلا، أجله السلطان عنه. وهو قول مالك، وابن القاسم. قال ابن القاسم: قوله: عن جئتنى بكذا. او إذا جئتنى. او متى جئتنى بكذا. فانت حر. فهو لازم مثل قولله على ان عليك، ولا يبيعه ولا يهبه حتى يوقفه السلطان (¬1) فيتلوم له، ولا يعجزه حتى يرفع إليه، إلا أن يكون قد مضى له ما لو رفع إليه اولا لم يؤجله اكثر من ذلك، فلا يطمع له بشىء. قال: كذلك يلزم ذلك ورثته. قال مالك: ما لزم العبد مما عتق به فى قطاعه ونحوها، فلا يحاص غرماؤه بذلك. ومن قال لعبده: إن جئتنى ببمائة، فانت حر. فتحمل بها رجل،/ وعجل عتقه، فهى حالة لازمة، تمت ببها الحرية، ببخلاف حمالة الكتابة, ويرجع الرجل على العبد بما يؤدى. وقال أصبغ: عن تحمل عنه بأمره، رجع عليه. ومن العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لعبده: إن جئتنى بدينار كل سشهر حتى أموت، فانت حر. قال: هو حرمن ثلثه. قلت: أيبيعه؟ قال: ما احب له بيعه، إلا أن يرهقه دين، فيبيعه. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن اعتق عبده عل ان يعطيه كسبه ما عاش، او على ان يخدمه ما عاش، قال: يكون حرا بقيمة خدمته على تعميره. قال ابن الماجشون: وإن قال لعبده: إن جئتنى بمائة دينار لى سنة، فانت حر ¬
واشهد بذلك. ثم أراد بيعه، فذلك له لأنه لم يكاتبه، ولم يقاطعه، ولم يقاطعه، وليس هذا من شروط المسلمين، إلا انه إن قام بيده إلى السنة، وجاءه بالمائة غتق، وإن أراد بيعه قبل ذلك، لم يمنع. وقال عنه فى ورقة اخرى: كان العبد قبل ذلك، له بيعه حتى تأتى السنة وبعدها بيسير، فاما إن لم يكن قبل ذلك منه، فله ان يبيعه إن شاء. وقال ابن الماجشون: ولو قال لعبده: انت حر بما لك على على. فأبى العبد من ذلك، انه لا يكون حرا إلا ان يكون السيد انتزاع ذلك، ثم اعتقه. قال ابن حبيب: أحب إلى ان يكون حرا، وليس للعبد أن يأبى ذلك. وقال ابن الماجشون: من قال لعبده: انت حر على أن عليك خمسين دينارا، وأو أنت حر وعليك خمسون دينارا. فن قبل ذلك العبد، عتق مكانه وكاان ذلك/ عليه فى الوجهين، فإن كره، لم يلزمه ذلك، وبقى رقيقا لأنه له أن يعتقه على أان شغل ذمته، إلا برضاه، ألا ترى انه لو كاتبه على ما ليس عنده، فأبى ذللك، فلا تلزمه الكتابة. وقال أصبغ: إذ قال: على ان عليك. لم يعتق تى يأتى بالمال، إلا أن يقول السيبد: اردت عتقه معجلا. فيكون على ما أراد. وإن قال: انت حر وأنت حر وعليك. فعتقه جائز ويبيع بها. من العتبية (¬1) قال يحيىك بن يحيى، عن ابن القاسم: إذا قال: نت حر على ان عليك خمسين دينرا. إن العبد مخير إن شاء أن يتبع بها، ويجعل عتقه. وإن كره ان يكون غريما، فلا عتاقه له. وإن قال: أنت حر على أن تعطى خمسين دينارا. فإن شاء عجلها وعتق، وإلا فلا عتاقة له ¬
في العبد يعطي مالا لرجل على أن يشتريه من سيده لنفسه أو لرجل
ومن سماع اببن القاسم قال: من قاطع عبده, فنه إن جاءه إلى الأجل وشبهه، وإلا وخر الشهر ونحوه، فإن جاء به، وإلا فلا قطاعة له. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال فى مرضه لعبده: أعتق عبدك عنى، وانت حر. فيعتق العبد عبده، قال: هذا انتزاع من السيد ويعتقان جميعا فى ثلثه، فإن لم يحملها تحاصا، وليس فى هذا قرعة لأنه سماها، وليس للعبد أن يأبى ما قال السيد. ولو قال: أعط عبدك فلانا، وانت حر. فهو انتزاع ن حملهما الثلث أنفذا، وإلا بدى بالعتق علحى العطية لفلان. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن قال لأمته: أنت حرة على أن تسلمى. فأبت/ فلا عتق له، كقوله: إن شئت. فلا تشاء، وليس كقوله: انت حرة على أن تنكحى فلانا. ثم تأبى أن العتق ماض فى هذه. فى العبد يعطى مالا لرجل على أن يشتريه من سيده لنفسه أولغيره؟ من كتاب ابن المواز قال مالك فى العبد يقول لرجل: اشترنى لنفسى من سيدى بهذا المال. فيفعل، فلا عتق له، ويبقى العبد والمال لسيده، ولا شىء على السيد فى غلتله وخدمته، ولو أنه استثنى مالله، كان حرا، وولاؤه لسيده، ولو لم يقل: لنفسى. ولكن دفع إليه المال ليشتريه، ويعتقه، ففعل، ولم يسثن ماله، ولكن اشترحاه لنفسه، فأعتقه فالمال لسيده، وعلى المامور الثمن ثانية. وذكر ابن حبيب مثله عن النخعى، قال: والعتق ماض، اخبره به المغيرة، عن الثورى، عن حماد، عن إبراهيم. قال مالك: فإن لم يكن له مال، بيع العبد عليه فى الثمن، إلا أن شاء سيده أن يأخذه ببالثمن إذا كان لا يسواه، ولو كان المشترى لم يعتق (العبد) (¬1) فليؤد ثمنه (¬2) إن كاان له مال، وقد لزمه البيع، وإن لم يكن له مال، بيع عليه ... ¬
[12/ 461] ومن كتاب ابن المواز قال مالك فى الذى اشتراه واعتقه، فإن كان عديما بيع العبد فى ذلك، أو حمل منه، ويعتق باقيه، فإن لم يف به جميعه، اتبع ببقية الثمن، وإن علم بذللك قببل عتقه، غرم الثمن أيضا، فإن لم يكن عنده مال فى العبد/ وفاء. قال اببن القاسم: وهو عبد حتى يعتقه المشترى، والولاء له، ويغرم الثمن إن كان مليا، وإلا بيع منه بقدره, وعتق ما بقى، ول استثنى ماله، لم يكن للبائع غير ما أخذ. قال محمد: وهو على أنه اشتراه لنفسه حتى يعلم غيره ذلك، فإن تداعيا هو والعبد، فقال العبد: إنما دفعت لك الثمن لتشترينى لنفسى. وقال هو: بل على أان أشتريك لنفسى. قال أصبغ: فالقول قوبل المشترى، استثنى ماله أو لم يستثنه، حتى يعلم ما قال العبد لأن الظاهر شراء هذا، وولاؤه له، والعبد يدعى الثمن. ولو قال السيد (¬1): من مال عبدى دفعت. وصدقة العبد, وكذببة المبتاع، قالقول قول المبتاع، ويحلف، استثنى ماله أو لم يستثنه، ولكن لا يحلف إذا استثنى ماله، ويحلف إن لم يستثنه، قإن نكل، حلف البائع واستحق، عرفت بينهما مخالطة او لم تعرف (¬2). وكذلك فى العتبية (¬3) عن أصبغ من قوله: فإن تداعيا إلى هذا الموضع. وقال عيسى، عن ابن القاسم: إذا دفع إليه، وقال له: يسترنى لنفسك. فاشتراه، ولم يستثن ماله، فالثمن لسيده، ويرجع عليه بثمن أخر. ولو قال له: اشترنى لنفسك. فاشتراه لنفس العبد، فاستثنى ماله، فهو حر، وولاؤه للبائع، ولا يرجع عليه ولا على المشترى بشىء. قال عنه أصبغ: ولا ينظر فى هذا أعتقه المششترى بعد الشراء أو لم يعتقه، ليس له فى هذا عتق ... ¬
[12/ 462] قال عنه عيسى: ولو: اشترنى. ولم يقل: لنفسى. فاشتراه لنفسه لا للسيد, واستثنى ماله,/ قال:/ هو عبد له, ةولا يرجع عليه البائع بشىء, فإن أعتقه, فولاؤه ها هنا للمشترى ولو لم يستثن ماله, او قال له: اشترنى انفسى. رجع العبد إلى سيده بماله. قال ابن القاسم: ولو لم يستثن ماله, فأعتقه المبتاع. قال مالك: يغرم له ثمنا آخر, وولاؤه للمبتاع, فإن لم يكن له مال, بيع فيه العبد, كان بيع يفى بالثمن بيع ذلك منه, وعتق ما بقى, فإن لم يف جميع ثمنه بذللك, اتبع بما بقى. وفى كتاب ابن حبيب روى أصبغ عن ابن القاسسم نحو ما تقدم فقال: إذا دفع العبد إليه مالا, فقال له: اشترنى انفسك. ففعل واستثنى ماله, فهو له, ولا شىء عليه, وإن لم يستثن ماله, ودى ثمنه ثانية, وإن قال: اشترنى لنفسى. فاشتراه انفس العبد, واستثنى ماله, فهو حر, ولا شىء للبائع عليه, ولا على المبتاع, والولاء للبائع, وإن لم يستثنى ماله, بقى العبد ماله لسيده, وإن لم يقل: لنفسى. فاشتراه واستثنى ماله, فهو له رق, ولار شىء عليه, وإن اعتقه, فولاؤه له, وغن لم يستثن ماله, ولم يعتقه, ودى ثمنه ثانية للبائع, وإن لم يكن له مال, رد بيع العبد فى ذلك, وللو كاان أعتقه لبيع العبد فى الثمن, فإن فضل شىء منه عتق, وقاله مالك. قال ابن حبيب عن أصبغ, فى عبد قال لسيده: بعنى بمائة دينار. وقاله مالك. قال ابن حبيب, عن أصبغ, فى عبد قال لسيده: بعنى بمائة دينار. ولم يقل: من نفسى. فباعه, وقبض المائة/, وقال العبد: فلان أعطانى المائة لأشترى له نفسى من سيدى, وقد أعتقنى فلان. ولا يعلم ذلك إلا بقوله, وفلان غائب, ثم قدم وقدم مات العبد أو لم يمت, فصدقة, وقال: إن كان جوابا للكلام فى المجلس, أو قريبا منه, فنعم يصدق, ويكون مطولاه وراثه, وإن تباعد الأمر من بعد تمام الشراء, ثم قال ذلك, لم يقبل منه, وكاان ولاؤه لسيده, إلا أن يقيم الآخر بينه. ولو قال: بعنى نفسى بمائة. ففعل, ثم قال هذا, فإن كان مثله لا يملك ذلك الثمن, فهو كالأول, وإن كان مثله يملك ذلك, فالقول قول السيد, والبيع والعتق ماض, وولاؤه لسيده
باب فيمن أعطى لرجل مالا على أن يعتق عبده ففعل ثم استحق العبد
قال ابن شهاب (¬1) وعمر بن عبد العزيز: إذا اشترى نفسه من سيده, فله ولاؤه. قال ابن شهاب: ولو شرط ان ولائى لغيرك, فالشرط باطل, وولاؤه لسيده. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال لعبد رجل: خذ منى مائة دينار, فاشتر به نفسك من مولاك. فاشترى نفسه من سيده, وعتق فإن كاانت للآمر بينه, أنه وكله, بطل عتقه, وأاخذ الموكل المال قال: وليس أن يجيز فعله ويأخذ العبد, ولا السيد أن يجيز. قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسدا فإنه حر ولا شىء عليه, إلا أن يكون ثمنا حرما لا يحل ملكه, مثل الخمر والخنزيز, فعليه قيمة رقبته. قال أصبغ: هذا عن كادن جعله دينا, فأما لو كان قبضه, لمضى عتقه, ولم يرد. باب/ فيمن أعطى لرجل مالا على أن يعتق عبده ففعل ثم استحق العبد من العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسسم فيمن قال لرجل: أعتق عبدك هذا, ولدك مائة درهم. ففعل, ثم استحق العبد, أنه حر من اصله, وأنه عبد, فإن استحق عبدا, رجع صاحب المائة بالمائة على المعتق. فيمن باع عبده من نفسه بمائة نقدا ةمائة ثوب لى اجل من العتبية روى عيسى, عن ابن القاسم, فيمن باع عبده من نفسه بمائة دينار نقدا, وبمائة ثوب موصوفه إلى أجل, فالعبد حر الآن كان, للعبد مال أو لم ... ¬
في العبد يشتري نفسه من سيده شراء فاسدا
يكن لآنه يعلم حين باعه نفسه أنه مستعجل عتقه, وكمن باع عبده مائة دينار مؤجلة, فأعتقه المبتاع بعلم البائع, فلم يقم حتى حلت المائة, فوجده عديما. فى العبد يشترى نفسه من سيده شراء فاسدا أو يعتاقه على شىء يأخذه منه فيستحق ذلك الشىء من كتاب ابن المواز: وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شرحاء فحاسدا, فليس عليه إلا ما دفع وهو حر. قال محمد: إلا أن يدفع خمرا أو خنازير, فإن على العبد قيمتة لسيده, وقال أحمد بن ميسر: إن أعتقه على خمر فى يديه, فهو حر, (ويعتق) (¬1) / وتكسر عليه, وإن كان بيعه (¬2) به فهو بيع فأسد, وعليه قيمة رقبته. قال اشهب: وإن اشترى نفسه ببعير شارد. أو بعبد آبق, فليس للسيد إلا اتباعهما (¬3). قال ابن القاسم, وإن اشترى نفسه بجارية, فاصيب بها عيب, فردت, فليتبع بقيمتها, وقد نفذت الحرية. وإلى هذا رجع ابن القاسم. (وقاله مالك) (¬4) فى قطاعة المكاتب بما لم يجز فيه أحدا. ومن قاطع عبده على عبد بعينه, فاستحق, فلا شىء عليه, وهو حر, وهو كالانتزاع, وإن كان موصوفا, رجع عليه بمثله. قحال محمد: رجع ابن القاسم) (¬5) , فقال: إن قاطع (¬6) عبده على جارية بعينها, فوجدها عبدا, استردها, ويتبعه بقيمتها. وقاله اشهب, وإنما لا يتبعه فيما أعتقه واستثنااه بعينه, على المبايعة والمكاتبة (¬7) ¬
فيمن وهب لعبده خدمته أو خراجه أو عمله
وفى ابواب عتق الشريك ذكر فى العبد يبيع منه نصفه وشىء بقرب من معنى هذا الباب. فيمن وهب لعبده خدمته او خراجه أو عمله او وهب للمدبر ظاو المعتق الى اجل نصف خدمته فى المدبر يشترى خدمته من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن قال لعبده قد وهبت لك خدمتك ااو وضعت عنك خدمتك فهو حر مكانه, ولو كادن له فيه شقص لعتق, وقوم عليه باقيه. قال مالك فيه, وفى العتبية (¬1) (من سماع ابن القاسم: وإن قال: قد/ وضعت عنك خدمتك. قال فى العتبية) (¬2) تصدقت عليك بخدمتك. قال فى الكتابين: وانت حر بعد موتى. فهو كأم الولد. قال فى كتاب ابن المواز: إلا أنه يعتق من ثلثه بعد موته. قال محمد: لأن هذا قد بين أنه لا يعتق إلا بعد موته, زاد العتبية (¬3): وإن قال: تصدقت عليك بخراجك. فإنه يستخدمه ولا يضر به. ومن العتبية (¬4) قال ابن القاسم: وإن قال: تصدقت بعملك. فهو حر مكانهز قال سحنون: الخارج والخدمة والعمل عندى سواء, فإذا قال: تصدقت عليك بعملك, أو قال: بخراجك أو بخدمتك. فإن أراد ما عاش العبد, فهو حر الساعة, وغن أراد ما عاش السيد, فليس له منه إلا حياة السيد, ولا يكون حرا. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اشترى المدبر خدمة نفسه, فهو حر مكانه. وإن قال لمعتق إلى سنة: قد وضعت عنك خدمتك. فإن أراد نصف ¬
في العبد أو المكاتب يعتق عبده
السنة, فذلك جائز, وإن أراد نصف ما يملكة منه, ويشاركة فجى الخدمة يوما بيوم فهو حر مكاانه فإن قال: لم أرد شيئا حلف أنه ما أراد أن يهبة نصف الخدمة, ثم يختدمه نصف السنة, ولو قال: قد وهبتك من السنة خمسة أشهر. كان جائزا, ولو يلزمه غيرها. فى العبد أو المكاتب يعتق عبده على مال يأخذه من رجل من كتاب ابن المواز: ومن دفع الى عبدك أو مكاتبك مالا على أن يعتق عبده عن صاحب المال, فإن كان العبد مأذونا, فذلك ماض, وإن خفف عليه من القيمة, فعلى المشترى غرم ما خفف عنه, فإن كان عديما فليبع منه بقدر ذلك, إلا أن يشاء السيد أن يتبع المبتاع بذلك, فذلك له, ويتم عتق العبد, وإن كان غير مأذون, فأنت مخير إما أخذت البيع بمحاب0اته, أو ردته ويمضى العتق وليس لك إمضاؤه, وطلب المحاباه, فإن رددته, أخذته عن شئت, أو تركته (بيد العبد) (¬1) ولو أعطى ذلك المأذون أو المكاتب على ان يعتقه, ولم يقل: عنى. فإن لم يحابه, فذلك نافذ, ولا كلام لك, فإن حاباه, فليس إلا أن تجيز ذلك أو ترد بيعه, وينقض عتقه, والولاءم فيه فى العبد وفى المكاتب إن عتق رجع إليه ولاؤه ¬
أبواب التداعى فى العتق والبتات
(أبواب التداعى فى العتق والبتات) (¬1) باب (¬2) فى العبد يدعى الحرية كيف إن أقام شاهدا؟ والتداعى فى الحنث فى ليمين بالحعتق أو بالطلاق من كتاب ابن المواز قال مالك فى الامة تدعى الحرية, وتذكر بينه بعيده, فلا ينظر إلى قولها, إلا أن تأتى ببينة, أو تأتى بأمر يشبة وجه الحق, وتاتى بجميل ثقة فذللك لها. وكذلك العبد. قال أشهب: وإن قام شاهدا وداعى شاهدا آخر غائبا غيبة بعيدة, فلا يقبل منه فأمكن من سيده. وسمعت مالكا يرى أن يحبس, ويوكل من يأتى بشهاده أو بشاهديه إن لم يقل شاهدا/ وقال مالك, فى الجارية أحب إبى إن أقامت شاهدا, يحال بينهما وبين سيدها وتوقف ويضرب لها أجلا مثل الشهريين, فإن كانوا مأمونا أمر البكف عنها فقط. قال أصبغ: وإن كانت من الوخش (¬3) , [فهى كالعبد يحمل] (¬4) تطلب منافعتها, واما المرتفعة (¬5) فتوكل (¬6) من يايتها بذلك, ويقيم لها السلطان محتسبا (¬7) ... ¬
قال أصبغ (¬1) فى العبد يدعى العتق بعد موت سيده. قال: فلا يحلف له الورثة وإن ادعى عملتهم (¬2). قال أصبغ: ولا ييحلف وإن أقام شاهدا. قال محمد: اما فى الشاهد [فليحلف الورثة إن كانوا هم بلغ حضور يمكنهم علم ذلك, وإن كان بعضهم صغيرا أو غائبا لم يزل ممن لا علم عنده بعتقه. فلا يمين له علحى احد منهم, لا من كان يرى أن مثله يعلم ذلك ولا غيرهم (¬3) لأنه لو اقر واحد من الورثة بذلك, لم يعتق شىء منه إلا أن يشهد عدلان (¬4) , فيعتق] (¬5). ومن أوصى بشراء رقبته تعتق عنه, وشهد له بذلك رجل وامرأتان, ولم يجز فى ذلك إلا رجلان. قيل: أتراه ماللا (¬6) إذ ليست برقبة مبدأة؟ قال: لا, رأيت إن قال أنكحوا فلانا بخمسين؟ فروجع فيه فسكت. قيل لابن القاسم: أرأيت إن ادعى عبد أن سيده أعتقه عند موته, وأن الوارث عالم بذلك؟ قال لا يمين له عليه. قال أصبغ: ولا بشهادة واحد. قال محمد: لأن الشاهد لم يشهد علفى فعل الوارث, فيحلف فيه. وقال أشهب مثل قول ابن القاسم, وإذا شهد شاهد للمكاتب (¬7) على أداء النجم (¬8) الذى يعتق بده, حلف, وقضى له, كدين عليه./ قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لعبده: انت حر عن لم أضربك إلى شهر. فجاء العبد بعد الهر يقول: لم يضربنى وقال السيد: قد فعلت. فالسيد مصدق. وكذلك المرأة فى يمين الطلاق والزوج مصدق, ولو قامت (¬9) قبل يجعرف هل ادعى شيئا, كان العبد حرا من الثلث, وترثة المرأة ¬
في اختلاف البينات في العتق
[12/ 469] قال محمد: إن قامت (¬1) قبل الأجل, فلا عتق له, وإن قامت بعد الاجل فالعبد حر من رأس المال, وإلا أن يكون قد مرض الشهر. فى اختلاف البينات فى العتق من كتاب ابن المواز, بعد شىء تقدم لابن القاسم: وإذا شهد لعبد أن سيده الميت دبره, وشهد آخر أنه أوصى بعتققه, جازت شهادتهما, ولم تجب تبدية المدبر. وإن شهد واحد أن بتله فى صحتحه, وشهد آخر أنه بتله فى مرضه جاز, وعتق فى الثلث. ومن العتبية (¬2) من رواية أصبغ عن ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز: ومن مات فشهدت بينه فى عبيد له أنه حنث بحريتهم فى يمين, وأقامت امرأته بينه أنه اعطاها إياهم فى صداقها, ولم يؤرخوا [الوقتين, فالمرأة أحق بهم إن كانوا فى يدها, وإن لم تحزهم, فالعتق أولى بهم, إلا ان تةقت بينه المرأة] أنهاأخذتهم قبل ذلك. وقال لها أصبغ. ومن كتاب ابن الموااز: وإن شهد رجلان انه أوصى بعتقه, ولم تؤرخ البنتان, فاحب إلى أن يعتق, تكافؤوا فى العدالة أو لم يتكافؤوا. ثم رجع فقال: يعتق نصفه, ونصفة للمشهود له. قال أصبغ: أحب قولجه الأول./ قال محمد بن الحكم: وإذا شهد رجل على رجل, أنه قال: عبدى ميمون مدبر, وشهد آخر, انه قال: أحد عبيدى مدبر. ولم يسم واحدا, وهو بنكر الشهادتتين, فإنه يحلف لميمون ما دبر, وكذلك يحلف أنه ما قال الذى شه به الذى اجمل العبيد, ولا يكون لأحد منهم تدبير لا لميمون ولا لغيره فإنه نكل عن اليمين, كان ميمون مدبرا. وقيل له: لحلف فيمن بقى أنك ما أردت بقولك:
أحد عبيدى مدبر واحد بعينه, ثم لك الخيار أن تختار, فغن نكل وقال: لا أحلف أنى لم أدبر واحدا بعنه, نصفناه على اليمين. على كل واحد بعينه، فمن حلف أنه لم يرده بعينه فمن حلف أنه لم يرده بعينه رق، ومن نكل عنه، كان مدبرا، وإن حلف على كل واحد بعينه ما أراده، لم يكن له ذلك لأن نكله عن اليمين الأولى قد ثبت عليه، حتى كانه قال: أحد عبيدى مدبر. ثم قال له: اختر واحدا منهم يكون مدبرا، كما لو شهد عليه شاهدان انه قال: احد عبيدى حر. هو منكر حلف، فلا ينفعه، وقد وجب علية القول، وإذا كان قد حلف أنه لم يحلف، فذلك منه، ثم قوله: أنه ما أراد واحدا بعينه. ويختار من شاء، فيعتقه. ومذهب أشهب، فيمن قال: احد عبيدى حر. فاستحق واحدا، أنه حر الاصل. أو قال: مدبر قد دبر أحدهم انة لا شىء عليه فى الباقيين، وليس هذا مثل ميمون الذى ثبت علية التدبير بنكوله وهو ينكر أن يكون مدبرا. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن القاسم فيمبن وصى: إن مت فغلامى فلان حر، وإن صححت، فغلامى فلان حر. لعبد آخر. فمات، قفام احدهما ببنية أنه مات. وقد صح، وأقام آخر بنية أنه ميت فى مرضه، فليعتق من كل واحد نصف لن العتق ثبت لكل واحد منهما غير معروف أى التبين أعدل، فيقضى بقولهما. قال أصيغ: بل الشهادة شهادة الصحة، وهو المثببت له الوصية إذا قطعوا الشهادة بصحته فهذا العلم اغلب، كما لو شهد أنه اوصى فى مرضه بوصايا، فقال بعضهم: صحيح العقل. وقال بعضهم: غامر العقل. فبنبته الصحة الولى لأنهم، علما ما لم يعلم الاخرون ¬
فيمن أعتق عبده بعد أن باعه وجحد البيع
[12/ 471] فيمن أعتق عبده بعد ان باعه وجحد البيع وكف إن شهد بذلك شاهد؟ وكيف إن أعتقه المبتاع ثم جحد الشراء وذكر اليمين والنكول فى هذا وشبهه قال ابن حبيب قال أصببغ عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبدا فلم يدفع الثمن حتى أعتقه البائع، جحد البيع، فالعبد حر، ولا يمين على البائع إذ لا يقبل إقراره فى رد العتق، فإن أقام المبتاع شاهدا، حلف معه، وثبت له ملكه، فإن نكل حلف البائع، فإن حلف برى من الثمن، وإن نكل، رد العتق ومالك المشترى [العبد] (¬1) قال أصبغ، وذلك [إذا شهد الشاهد ان البع كان قبل العتق أما إن لم يعرف فالعتق أولى لأنه] (¬2) حوز، ولا يحلف البائع، ولا يضر العبد إقراره. قال أصبغ: وإن ثبت السلطة بينهما، فهى كالشاهد، يحلف له، فإن نكل، بطل العتق بعد يمين المشترى، لقد اشتراه، ولو اقر البائع بدءا من غير أن يحلفه حاكم، لم يجز اقراره، وإن كانت بينهما خلطة، وإن كان يحلف له، لأنهما تهمة وقعت/, والأولى على جهة الحكم. [قال عبد الله] (¬3) فى الموطأ: مساللة من أعتق ثم قيم عليه بدين قديم، فنكل عن اليمين، أو قام بذلك شاهد، فذكر نحو ما قال أصببغ ها هنا، وقد قيل: لا يرد العتق ببنكوله، كما لا يرد بإقراره. وذكر ابن مزين، عن ابن القاسم، فى مسألة مالك، انه لا يرد العتق بنكوله ولا بإقراره. ومن كتاب ابن المواز لأشهب وهو فى العتبية (¬4) لاببن القاسم من رواية أصبغ فيمن باع عبدا من رجل فأعتقه المبتاع بحضره الباع، ثم جحد المبتاع الشراء ... ¬
في أحد الورثة يقر أو يشهد أن الميت أعتق عبده هذا
، [12/ 472] والبائع مقر، فإنه كان مليا على البائع بالقضاء، وإن كان عديما ولا فضل فيه فللبائع أن سرقه. فى احد الورثة [يقر أو] (¬1) يشهد أن المت أعتق عبده هذا ومع من شهد وراث غيره او وارث معه وكيف ن قال أعتق هذا لا بل هذا؟ أو قال هذا اخى لابل هذا من العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم عن مالك فيمن جعل ولده الكبير وصيا على الأصاغر. وهم ذكور وإناث، وأشهده مع اجنبى على عتق عبيد لله، فشهاداته جائزة إن لم يتهم على جر الولاء. قال أشهب: ومن أوصى لعبده بوصيه، وأشهد عليه ابنيه, وله ورثة غيرهما، فشهادتهما جائزة، ولا يكون ذللك فى رقبته. من كتاب ابن الماوز: وإذا أقر احد البنين ان أباه أعتق هذا العبد، فلا يعتق لأنه اقر على غيره، ولا قويم فيه. قال محمد: يقال له: تورع عن خدمته، وإن بيع فاجعل نصببك من ثمنه/ فى رقبه، وإن ملكته كله، عتق عليك بالقضاء. ولو قال: قد أجزت عتق مصابتى. [عتقت مصابته، ولو يقوم عليه. ورواه اصبغ عن اببن القاسم، فى ورثة قيل لهم: قد اعتق أبوكم هذا العبد. فقال احدهم: وقد اجزت مصابتى] (¬3). انه يعتق، ولا يقوم عليه ما بقى، بخلاف من ابتدأ عتقا. ومن العتبية (¬4) عن عيسى عن ابن القاسم. وذكر مثله ابن حبيب عن اصبغ عنه، قال أن احد الورثة إذا شهد ان الميت أعتق هذا العبد، أن ذلك لا جوز، ولا ... ¬
عتق منه شىء، لا يكون انه ملكه يوما او بعضه، عتق عليه منه ما مالك منه، ولم يز له ملكه. قال مالك: قال اببن القاسم: فأما إن صار إليه فيه مال او عرض، فليؤمر ان يجله فى رقبة، او يعين به فيها أو فى قطاعه مكاتب\، ثم إن ملكه عتق عليه إن حمله الثلث، أو ماحمل منه اثلث. قال فى رواية ابن حبيب: ما حمل منه الثلث يوم مات الميت، يعتق عليه بالقضاء. رجع عن شهادته او اقام عليها. وقاله مطرف، عن مالك. قال عيسى عن ابن القاسم وابن حبيب عن أصبغ: ولو كان قال: أعتقه. فى صحته، لم يجز له مللك شىء منه أبدا. ولو قال: أعتقه. فى مرضه, ومعه من الموصى أو غيره مما يكون غير المبدأ عليه، او ما شاركه ويبدآن على باقيهما, فإنما يعتق عليه إذا ملكه ما كان يحصل من له العتق فى تبديته معليه، او مساواه، وكذلك ببمقدار ذلك من ثمنه إن صار له من ثمنه يوم ان يجعله/ فى رقبةظن وهذا فيمن لا ولايه عليه من الورثة. وكذبلك لو وردت شهادة وراثين فى عتق عبد بظنه او غيرهما، لكان عليهما فيما يصير لهما فى رقبته، او مثل ذلك، ومثل أن يكون معهما بنات, والعبد يرغب فى ولاية، او كان دينا وله أولاد يرغب فى ولائهم من إمرأة حرة. وإذا شهد ورارث فى عبد بعضه حر، ان الميت اوصى بعتق باقيه، فليعتق منه نصيب الشاهد فقط لأنه لم يدخل فساد لأن بعضه حر، بخلاف الذى كله رقيق. وكذللك فى كتابب ابن المواز، ويحلف الباقون على عملهم. وقال: ولأن المعتق بعضه لو أعتق بعض الشركاء نصيببه فيه، ولم يقوم عليه باقيه. قال فىك العتبية: إلا انه عن كان مع مالوارث الشاهد فيه من لا يرث الولاء، والعبد ممن يتهم فى ولاية، فشهد بذلك ولد أو ولدان للميت، فلا يجوز شهادتهما عن كان بعضه حرا، وكل ومن ردت شهادته بمثل هذا فى عتق عبد
، [12/ 474] فملك منه شيئا، فإنما يعتق عليه ما ملك منه فقط [ولا يقوم عليه نصيب] (¬1) , من له فيه شرك وما عتق منه، فهذا الوجه للميت، ولم يرثه عنه، وإذا كان وراث واحد هو الشاهد بالعتق، او وارثان، لم يرثه غيرهما، فجميع العبد حر، كان من شهد بذلك عدلا او مسخوطا إذا كا غير مولى عليه، وكل ما ذكرنا من أول المسألة فمن ترد شهادته، ثم مالك الرقبة او بعضها او عوضا عنها، فغنه يجبر على عتق ما صار ليه من الرقبة بالقضاء حيب ما أوجبت شهادته لو جازت، ويؤمر فيما صار اليه فين من عوض أن يجعله فى رقبه، ولا يجبر./ [(¬2) فى وارث أخبره من لم يثق بخبره ان ابانه اعتق عبدا له فاجاز عتق حصته أيتم عليه ويكون كمبتدىء عتق ثلثه؟ قال لا يعتق إلا لأن يكون هو المبتديء كذلك. ومن كتاب مابن المواز وإذا شهد وارث [عدل] (¬3) أن الميت اوصى بعتق عبده فلا والثلث يحمله، فإن كان فى الورثه صغير او سفيه أو من لا يلزمه يمين لم يكن على بقية الاكابر يمين، إذ لا عتق العبد بنكولهم ولا يعتق ايضا بإقرارهم غير عدل. وقال للمقر عن صدقت فلا تحدمه وكذلك الشاهد منهم وإن أخذ فى حصته ثمنا أمر أن يجعله فى رقبته (¬4) بغير قضاء، إلا ان يملك هو رقبته، فيعتق عليه بالقضاء ولو ملك بعض مصابته شركائه، لم يعتق منه شىء. قال: ولا يعتق مصايبته منه، وغن كان من العبيد الذى لا ينقصه عتق ببعضه ... ¬
[12/ 475] قال ابن الاقسم فيه وفى العتبية (¬1) م رواية عيسى: ولو تررك وراثا واحدا لا ورث له غيره وثلاثة أعبد فقال: أعتق بى هذا العبد. ثم قال: لا بل هذا. ثم قال: لا بل هذا للعبد الثالث، فليعتقوا كلهم إن كانت قيمتهم سواء, ولم يدع سواهم، فإن اختلفت قيمتهم، عتق من كل واحد جميع ثلث المت، وثلث جميع قيمة الثلاثة. [قال أبو محمد] (¬2) كذا فى الام، وأراه هو ثلث جميع قيمة الثلاثة إذا لم يدع يرهم. قال ابن المواز: هذا قول ابن الاقسم، إلا ما بنيت أنا منه، وذكر اببن حبيب، عن اصبغ مثله عن اببن القاسم وعيسى عنه فى العتبية (¬3)، مثله [فإن] تساوت قيمتهم ولم يدع يرهم، عتقوا، وإن إختلفت عتق من قيمته مثلتساوت قيمتهم ولم يدع غيرهم وعتقوا وإن ااختلفت عتق من قيمته مثل ثلث قيمتهم. ومن كتب ابن المواز قال مالكواشهب: يعتق من الول ثلث قيمتهم أجمع ومن الثانى ثلث قيمة لاثنين، وثلث ما بقى من الاول لإن كان بقى منه شىء ويعتق من الثالث ما رق من صاحبيه إن رق منهما شىء. ومن يترك إلا ولدا واحدام وعبدين وألف دينار, فقال الابن فى احد العبدين: هذا اخى ثم قال بعد ذلك: بل هو هذا العبد أخى. قال اشهب: فالمقر لله أولا، وله خمسمائة ونصف العبد الآخر، ولا يعتق منه شىء لأن معه فيه شريا (¬4) وراثا، ولكن قد أقر ايضا لهذا الاخر بما أقر به للاول، بانه اتلف عليه نصف العبد الاول وخمسمائة دينار فيغرم له ذلك. قال أشهب: فيدفعه الى هذا العبد كون بيده. قال ابن المواز: وأحب إلى أن يوقف ذلك بيد ثقة غيرك وغيرهما ... ¬
في بينة شهدت أن الميت أعتق هذا العبد وشهد ولده أنه أعتق عبدا آخر
قال أشهب: فإن ملكته كله عتق عليك، ودفع إليه ما اوقف له، وغن بعتماه, امرت ان تجعل نصيبك من ثمنه فى رقببه بغير قضاء، وإن ختدمناه فلا تخدمه انت فى يامك ويبقى ما وقف بيد الامين حتى يعتق فيأخذه أو موت فيكون بنك وبن أخيك الأول. وفى الكتاب الأول شهادة الشريك على شريكة أنه أعتق حصته او حلف بعتقها. فى بينه شهدت أن الميت أعتق هذا العبد وشهد ولده أنه اعتق عبدا اخر من العتبية (¬5) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ترك ابنين وعبدين، قيمة احدهما ألفان، وقيمة الآخر ألف، فأقام ذو الالفين بنية أن الميت اعتقه، وشهد للآخر ولدا سيده أنه هو المعتق دون صاحببه، فليبدأ من شهد له الاجنبيان، فعتق فى الثلث، ثم يعتقد الابنين العبد الذى شهدا له إذا حمل الثلث العبدين إذ كان قولهما تكذيبا للأجنبيين ولو شهد الاجنبيان، أنه اعتق هذا فى مجلس، وشهد الولدان أنه أعتق فى مجلس آخر وقالا: لا علم لنا بما شهد به هذان (¬6). فالشهادتان جائزتان (¬7)، ويسهم بينهما إذا كان/ من شهد له الولدان لا يتهماان فى جر ولائه لديانه (كذا) فمن خر سهمه عتق منه محمل الثلث، وإن اتهما فى جر ولائه، لم تجز شهادتهما، وذلك إن شهدا أنه أعتق بعد الموت، ون كان أعق احدهما بتلا والآخر بعد الموت، فالمبتل مبدأ، قبل صاحببه كان او بعده، وإن كانا جميعا بيين بدى الأول فالأول. والله الموفق للصواب.
في أحد البنين يقول أعتق أبي هذا العبد، وقال الآخر بل هذا
فى أحد البنين يقول اعتق ابى هذا العبد وقال لآخر بل هذا او قال عبدا انسيته او قال أحدهم حرا وقال نصف عبد ذكرره او قال هذا نصفه وقال الآخر ثلثه أو قال هذا فى الصحة وقال الآخر فى المرض قال ابن سحنون عن ابيه فيمن له ثلاثة بنين، وثلاثة أعبد، فقال احدهم: أشهد انه قال: ميمون حر. وشهد آخر انه قال: أحدهم حر. فقال بعض اصحابنا: الشهادة باطلة. وقال بعضهم: يقرع بينهم فن خرج ميمون، فقد اجتمع على عتقه رجلان, فيعتق، ون خرج غيره, لم عتق أحد منهم إلا أن يملك احدهم على عقه رجلان، فيعتق، وغن خرج غيره، لم يعتق أحد منهم إلا ان يملك احدهم العبد الذى اقر انه حر, فيعتق عليه عن حمله الثلث، فإن وقع لكل واحد غير العبد الذى أقر أنهجر، أمر أن يخرج بقدر نصيه منه فى رقبه. من كتاب ابن المواز: فإن ترك ولدين وعبدين، فقال أحدهما اعتق أبى هذا، وقال الآخر بل هذا، أو قال أحدهما حر. فليسهم بينهما, فإن خرج الذى سماه/ الآخر عتق ثلثاه إن اتفقت قيمتهما، وإن اختلفت، عتق منه ثلث قيمتهما وإن جاء السهم لم يعتق، كان بمنزلة الذى شهد كل واحد على عبد معتق. وقد فسررت لك ذلك. من العتبية (¬8) روى عيسى عن ابن القاسم فى ميت شهد أحد بنيه أن أباه أعتق هذا العبد, وشهد الأخر أنه قال: رأس من رقيقى حر. وله ثلاثه أرؤس, وماله [كثر، أو لا مال له] (¬9) غيرهم، فلا شهادة لهما، ويؤمر الذى شهد للعبد ببعينبه أن لا يستخدم حصته منه وإن بيع، وأن يجعل حصته منه فى رقبه، فإن ملكه كله، عتق عليه، عتق عليه. يرد ها هنا بالقضاء إن حمله الثلث
[12/ 478] قال: ويؤمر الذى يشهد بعتق رأس منهم فىك ثلث قيمة الثلاثة أرؤس بمثل ذلك ولو كان ورثته ابنا (¬1) واببنبه، فقالا: أعتق أبونا (¬2) هذا العبد. أو قال ذلك الابن وقالت البنت: بل هذا. فإن اجتمعا على عبد، عتق فى الثلث أاو ما حمل منه، او لم يرثه غيرهما، وإن اختلفا فه، عتق على كل واحد من أقر إذا ملك جميعه الثلث، أو ماحمل منه. ولو كان ببنون الثلاثة، فقال اثنان: أعتق هذا. وقال الثال: بل هذا. فليعتق الذى شهد له الاثنان, ولا يعتق الآخر, إلا ان يملكه من شهد له، فيعتق عليه منه محمل الثلث، وإن ملك بعضه، عتق عليه ذلك البعض عن حمله الثلث، ولم يقوم عليه نصيب إخوته، ون لم يصير له فيه إلا مال، أمر أن يجعله فى رقبة، فإن لم يحمل، ففى قطاعه مكاتب. قال عيسى: وهذا عن/ كان مكذببا لإخوته، وأما إن صدقهما، فلا يعتق عليه إن ملكه، إلا ما يحمل الثلث منه مع العبد الآخر. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ولو كانا ولدين (¬3) فقال أحدهما: أعتق أببى هذا العبد. وقال الآخر: اعتق عبدا سماه وأنسيتبه. قال: يعتق العبد الذى سماه احدهما من الثلث عليهما، ولا تسترق الذى نسيه بالشك، يؤمران بذلك ولا يقضى به عليهما، ثم يقتسمان باقى العبيد فما صار للذى أتت الشهادة، رق لله، وما صار للشاك، امر أن يحتاط بالبراءة من جميعهم لأنه لا يدرى من الحر منهم. فإن للم يدع إلا عبدين، فليعتق من الذى قطع له الأخ الشهادة مبلغ الثلث من العبدين فيه، فإن كان ثلثاه رق ثلثه بينهما. ويطيب للذي خصه مالك [نصف باقيه] (¬4) ويكون العبد الاخرر بينهما، ويطلب للقاطع [للشهادة] (¬5) ملك ... ¬
نصفه ويقال للشاك: يخرج من ملكه ما نابك من محمل الثلث منه إذا لا يدرى لعل العتق فيه، فإن كان ثلث الميت قدر ثلثى هذا العبد، طاب له مللك سدسه، ويعتق عليه، ويطيب لأخيه ملك نصففه، وانما يؤمران بذلك بغير قضاء. وذكر فى كتاب ابن المواز، عن ابن القاسم نحوه أن يعتق ثلثا المعين (¬1)، وإن لم يدع غيرهما، وقيمتهما سواء، ولا يعتق من الاخر شىء ويقال للشاك: اجعل نصيبك من ثمن الآخر. [قال أبو محمد] (¬2) يرد إن بيع فى رقببه [يعتقها] (¬3). قال محمد: وإنما أعتق ابن القاسم ثلثى المعين (¬4) حين لم ينكر الاخر قول كتاب آخر، عن أشهب مثل ما ها هنا، إلا انه قال: يتقاومان (¬5) البباقى فإن صار للذى نص العبد الآخر، لم يعتق عليه من هذا شىء، فإن صار للشاك، لم يامره أن يملك ثلثيه إذا قال يكون فيه العتق، ويقضى بذلك عليه، وثلثه ما لم يرجع قببلب يقضى عليه، فيقول: ذكرت أنه الذى قال اخى. ومن كتاب اببن المواز: ومن تررك ولدين وعبيدا، الرقق بنهما ن قسمت، فمن صار إليه العبد الذى أقر ببه، عتق منه محمل الثلث بالحكم، ون لم يصر له إلا الذى قال أخوه، امر كل واحدا منهما ان يعتق من العبد الذى صار له من العبدين بقدر ما كان يصير له من الآخر عن كان العبد يخرج من الثلث. ون قال: اجعل قدر ذلك فى غيره. فذلك من قيمة هذا الذى فى يديه، ولا قضى بذللك عليه، فيعتق بذلك رقبة، او يشارك له فيها، فإن لم يجد، اعان له ¬
النقصان. قال: فإن حملت من المبتاع، لم يبر بضربها، ويلزمه الحنث، وهي حرة لفوتها بالحمل إن كانت علي يمينه بينه، أو صدقة المشتري، ويرجع المشتري بجميع الثمن، ولا حاسب بقيمة الولد وقاله مالك. قال أشهب: فإن لم يصدقه المشتري، ولا قامت، فهي له أم ولد، وينتظر البائع بالثمن تصدق المبتاع فإن أبر من ذلك جعل ثمنها في رقبة يعتقها. وكذلك ذكر ابن سحنون عن أبيه، قال ابن المواز: قال ابن القاسم: حملها فوت، وهي أم ولد للمبتاع، صدقه في يمينه، أو قامت به بينه ولا تعتق، كالمسألة الأولي. وقال غيره، وبه أقول: إنها كالمدبرة تحمل من مشتريها، فتمضى أم ولد له. قال ابن حبيب: إذا باعها، فهي حرة، حملت آو لم تحمل. قال مالك. ومن العتيبه روي اصبغ عن ابن القاسم/ إن حملت من المبتاع، فإنها تعتق، ويرد إليه الثمن، ويكون له الولد (¬1) بغير قيمة. قال اصبغ: لا أرى ذلك، بل هي أم ولد للمشترى، كالمدبرة تباع فتفوت بحمل. والمجموعة قال ابن الماجشون، فىمينه على قاء الدين: عن ضرب أجلا فباع لمة قبله، وقضى الدين قبل الأجل مضى البع. قال المغيره: وإذا باع وحل الجل، ولو يقض، حنث، وعتق الرأس عن كان له ما يقضى منه دينه، وإلا بيع منه الاجل ولم يقض، حنث، وعتق الرأس عن كان له ما يقضى منه دينه، وإلا بيع منه بمقداره، عتق ما بقى. وذكر أصبغ، عن ابن القاسم، فى العتبية (¬2)، أنه إن باعها قبل الجل ووفى الحق، فلا حنث عليه، ويمضى البيع. زمن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ولو كاتببها، ثم ضربها لبر. وقال اشهب: لا يبر. قال مالك: ولا تنقض كتابتها، ولكن يوقف ماتؤدى، فإن عتقت بالاداء، تم فيها الحنث، وصارت حرة، واخذت كل ما ادت، وغن عجزت، ضربها ن شاء فيبر ¬
[12/ 481] مكاتببا يعتق ببه، فإن لميجد وتأتى وطال ذلك، اعطاه لمكاتب خفيف عليه العجز او من يرى له العتق/ فإن لم يجده، أعطاه لمكاتب ما كان. وقال البرقى، عن أشهب: او لم يدع غير العبدين، فن لم يحملها القسم، بقى وما هما، فإن صار لكل واحد العبد الذى لم قر ببه، أمر ان يخرج ثلث قيمته الذى صار له، فليجمع فى رقبه بغير قضاء، وغن صار له العبد الذى أقر له، عتق عليه ثلثه بالقضاء، يريد: وقيمتهما سواء. ومن كتاب اببن المواز، وروى مثله ابو زيد عن ابن القاسم فيمن ترك سالما وممونا، فشهد عدلان انه اعتق ميمونا فى صحته، قال اببنه: بل إنما أعتق سالما قال ابو محمد: يريد فى وصيته، نظرت الى قيمة ميمون، وغلى ثلث تركته، وغن كان سالما يحمله الثلث مع قمة العبد الآخر، فسالم حر، ويخرج ميمون بالشهادة، فإن لم يحمل سالما الثل، عتق محمل الثلث منه، وخرج العبد الآخر حرا. ولو ترك ولدين وعبدا يحمله ثلثه، فقال احدهما: أعتق ابى نصفه. وقال الاخر: بل اعتق جميعه. فإنه يعتق على القائل جميعه نصيبه منه، وهو نصفه، وعلى الذى قال: أعتق نصفه مصابته منه، وذلك ربعه، ويرق له ربعه (¬1) [ون كانا عبدين]، فقال احدهما: اعتقهما ابى. وقال آخر: إنما اعتق هذا بعينه، والثلث يحملهما، وذلك العتق فى مرضه، فليعتق الذى اجتمعنا على عتقه، ولا عتق لللآخر. محمد: وإن لم يدع غيرهما، وقيمتها سواء، أعتق من الذى اجتمعا عله نصفه، فثلثه بينهما، وسدسه يعتق على الذى أفرده بالشهادة، وذلك بالقضاء. ولو شهد حدهما ان أبباه اعتق نصف احدهما بعينه فى صحته، ثم شهد هو وأخوه ان الأب أعتق الخر كله فى وصيته، وقيمتها سواء، ولا مال له يررهما، فليعتق من ... ¬
الذى اجتمعا على نصفه عليهما، ونصف سدسه [على الذى لم يشهد] (¬1) فى الصحة بشىء. ولو قالا: اعتق هذا فى وصيته. وقال احدهما: وقد كان اعتق هذا الآخر فى صحته. فإنه يعتق/ ثل عبد الوصيه بينهما، ويعتق سدسه علبى الذى لم يشهد فى صحته بشىئ ولا يعتق من عبد الصحة شىء لأن الشاهد فى عتق الصحة يقول: لم يدع الميت غير الوصية، فثلثه حر، ولكل واحد منا ثلثه، والاخر يقول: بل ثلثاه حر لأن التركة عبدان، فلى سدس هذا، ونصف الآخر. قال محمد: يقال للمقرر بعبد الصحة: ن تمسكت منه بشىء رجعت عن قولك، ولزمك ان تعتق من عبد الوصية سدسه، ويبقى لك سدسه كما بقى لأخيك، ولإلا قف عناخذ مصاببتك من عبد الصحة او تجعل ما يصير لك من ثمنه فى عتق غيرره، وإلا جبرت على عتق السدس من عبد الوصية. قال أحدهما: أعتق أبى هذا. وقال الآخر: بل هذا او قال: أحدهما حر. فسهم بنهما فإن خرج المسمى، عتق ثلثاه، وإن اتفقا فى القيمة لأنهما اجتمعا عليه، وإن اختلفت القيمة، عتق منه ثلث قيمتها جميعا، وإن خرج الآخر، كان كما لو عين كل واحد منها وقد تقدم هذا. وإن شهد احدهما أن أحدهما أن شهد أحدهما أن أباه أعتقهما فى وصية واحدا بعد واحد، وقال الآخر: بل قال: أحدهما حر، ولم يعنيه. فليقرع بينهما، فمن جاءه السهم عتق نصفه لأنه فى قول الذى أبهم العتق ثلثاه وحده، وفى قول الذى قال: أعتققها يعتق ثلثه وثلث الآخر، فثلث تلذى أصابه السهم معتقفى قولهما، ويعتق سدسه على الذى شهد بالسهم وحده، ولا يعتق من الآخر شىء لأنه لم يشهد له لا وارث واحد ¬
فيمن شهد بعتق فردت شهادته ثم اشتراه أو ملكه أو بعضه
[12/ 483] فيمن شهد بعتق فردت شهادته ثم اشتراه أو ملكه او بعضه وكيف ن مات العبد بعد ذلك؟ من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن ردت شهادته بعتق عبد ثم اشتراه؛ قال فى كتاب ابن حبيب: أو ملكه باى وجه ملكه، فإنه يعتق عليه. يريد بالقضاء وقال اشهب وعبد الملك: إن قالشهد بباطل. حلف واسترقه، وإن نكل عتق عليه، وكذلك عن قال: بالحق شهدت، ولكنها قد ردت والولاء للمشهود عليه بعتققه المقضى له بولائة ان يمنعه من ذلك. قال فى الكتابين: وما بقى، فللمشهود عليه بالعتق ن كان حيا فإن كان ميتا فجميع ما ترك المولى لعصبية المشهود عليه بعتقه، ولا يخذ الشترى من هذا المال الذى ودى لأن ذللك الثمن فى ذمه وليهم، وهذا مال ليس من تركته، وأنما هو ميراث لهم بالولاء بالمروث، قال اببن المواز: قال اشهب: وكذلك لو اشتراه من غيرر المشهود عليه ببعتقه، ثم مات، لأخذ من تركته أقل المنين، ودفع ما بقى للمشهود عليه. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: إذا ردت شهادلته فيه، ثم اشترى ببعضه فليعتق عليه ما اشترى منه، ولا يقوم عليه باقيه. ومن كتاب اببن حبيب قال ابن القاسم: ومن أخبر عن رجل ان اعتق عبده ثم اشتراه منه، قال: إن كان خبره بمعنى أنه علم/ ذلك منه أو سمعته، اعتقه ليس بخبر غيرره عنه رأيت أن يعتق عليه ورواه عسى، عن ابن القاسم، فى العتبة (¬1) ... ¬
في الرجلين يشهدان بعتق عبد فيعتق ثم رجعا عن شهادتهما
فى الرجلن شهدان بعتق عبد فيعتق ثم رجعا عن شهادتهما وفيمن شهد قلانا أعتق عبده او تصدق به على فلان أو اقر له بدين ثم مات فلان فكان الشاهد وارثه ومن أقر أن ولده أعتقت عبدها! من كتابب ابن المواز قال اببن القاسم: وإذا شهد رلان بعتق عبد فحكم بعتقه، ثم رعها عن شهادتهما، غرما لربه قمته يوم الحكم، ولا يوم الشهادة، ولا اليوم وإن رجع واحد غرم له نصف قيمته، وإن كانوا أربعه، فرجع اثنان، لم يغرما شيئا ثم إن رجع آخر وغرم الثلاثة أرباع قيمته قال محمد: هذا غلط بل عليهم نصف قيمته. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن شهد على رجل أنه عتق عبدا له، أو شهد عليه أنه تصدق به على رجل بصدقة أو [بأن الرجل عليه دين] (¬1) ثم مات المشهود عليه فورثه الشاهد/ فاكذب نفسه أنه لا شىء عليه لأنه لم يشهد بشىء ولم يقر بشىء بملكه. قال اببن القاسم: يلزم الشاهد ذلك كله، وذلك أحب إلينا. ومن العتبية قال عبد الملك ببن الحسن عن ابن القاسم فيمن قال: اشهدوا أن لم ولدى اعتقت رقيقا، او حنثت فيهم بالعتق وهى تجحد فإن كان السيد صحيحا فهو انتزاع وهو أحرار، وإن كان مريضا، لم يقبل منه. أراه يرد/ فى الصحيح أنه أنفذ ذلك ¬
أبواب الايمان بالعتق
أبواب الايمان بالعتق فمن قال لعبده إن فعلت كذا فانت حر وهو لا يرد أن يفعله ففعله ليحنثه او قال إن لم تفعل فلم يفعل أو كان شئا لا يقدر عليه او دخل عبده دار الحرب فقال له اخرج فإنت حر يرد استخراجه فخرج من العتبيه (¬1) روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن أرل الى عبده: إن لم تت إذا فأنت حر. وكان السيد استعجاله , فتأخر العبد بع ن علم ليحنثه، فلا عتق له. وقاله مالك فى الذى قال لعبده فى غريم له: إن فارقته فأنت حر. ففارقه أنه لا عتق له. وذكر مالك أضا عن عمر بن عبد العزيز, وربيعه: ون كان الرسول لم يبلغ العبد فلا حرة له ايضا. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل: قل لغلامى يلقانى بموضع كذا فإن لم يفعل فهو حر. فتوانى الغلام وأبى [أن ييبه] وقال: لا حنث عليه. كذلك ذكرها عنه ابن المواز، وقال فى سؤاله: فنسنى الرسول، أو لم يفعل, قال: لا شىء عليه. قال عنه أبو زيد فى العتبية (¬2) فى مسألة الغريم: قد كان مالك لم يره عتقا، ثم رجع وقال لى: امحه، ورأراه حرا. وكذلك إن قال له: انت حر إن دخلت الدار. فدخلها. وذكر عن ابن سحنون، عن ابيه، ما روى عن عمر ببن عبد العزيز، من رواية اببن وهب عنه وعن ريبعه، ويحيى ببن سعيد، ثم ذكر رواية لابن وهب، عن عمر ببن عبد العزيز، أنه يحنثه. ... ¬
فيمن حلف بالعتق إن فعلت كذا أو لأفعلن
قال: وهذة الرواية أولى والى هذا رجع مالك ولا أعرض القول الاول وقد كره مالك بعد ذلك أن يعمل به وذكر اببن المواز القولين عن مالك وما روى عن عمر بن عبد العزيز وربيعه انه لا شىء عليه. قال ابن حبيب: رجع مالك فى مسألة الغريم وشبه ذللك الى انه حانث ويعتق عليه ةاختلفت فيه قضيتان من عمر بن العزيز وقال مطرف واببن الماجشون وجميع اصحابب مالك على ما رجع الية وعليه مدار الفتيا بالمدينه ومن العتبية (¬1) أبو زيد عن اببن القاسم فيمن قال لعبده وقد قيده: انت حر إن أنزعت هذا القيد حتى تحفرر لى مرحضا قال ينظر السلطان فإن كان شىء لا يقدرر رجل ان يحفره رأيت ان يعتق ويخلى عنه ومن سماع اببن القاسم فيمن لحق غلامة ببلد الغير فقال: اخررج الى وأنت حر [فخرج] فقال السيد: أردت استخراجه. فإن كان السيد أشهد أنه أراد ذلك ليستخررجة فلا شىء عليه وغن لم يشهد فهو حر (¬2) فيمن حلف بعتق إن فعلت كذا أو لأفعلن او إن كان كذا أو قد ضرب أجلا أو لم يضرب وهل يبيع [او يهب] (¬3)؟ وهل يبر ببفعلله بعد البيع أو الكتابة؟ وكثير من هذا الباب فى كتاب الايمان قال ماللك وأصحابه إن الحالف إن فعلت أو لا فعلت على بر لله أن يبيع ويصنع ما شاء والحالف ليفعلن أو لم فعل فهذا على حنث وليس له الى البيع سبيل ¬
ورى أشهب عن مالك وهو فى العتبية (¬1) وكتابب ابن المواز فى التى وجب لها على رجل طلب فحلفت بالحرية ن عفت إلا أن يدعه السلطان قال: ليس له فى هذا أن تبع رقيقها ويعفو عنه السلطان قال أشهب: لأنه من معنى: لآفعلن عنى لأبطالك فهى على حنث لأن قولها: لا عفوت مخرجة: لا تركته ولا طالببته بخلاف القائل أن ضربتك هذا على بر قال اببن حبيب: قال لى اسماعيل ابن أبى أويس، عن كنانه، فيمن حلف ببعتق امته لفعلن كذا فلا أحب له وطئها عن لم يضرب أجلا حتى يفعلة وذلك مما يخشى ان يقع عليه فيه الحنث وهو حى كيمينه ليضربن عبده ولينحرن بعيره ذ قد يموت العبد والبعير الحالف حى فنحث فاما ما لا يحنث فيه إلا قال اببن حبيب: فمن أخذ بهذا لم اعبه وأما أصبغ فقال: ذلك كله سواء قال ابن القاسم عن ابن عن مالك فى العتبية (¬2): ومن حلف بالعتق: لأفعلن كذا وله شرك فى عشرة أرؤس فقاسم شريكه, فوقع له رأس منها فاليمين فيه وتمم هذه فى آخر الباب وغن حلف بعتق أمته ليبعيها فلا يطؤها ولا يهيبها حتىيبيعها قال عيسى عن ابن القاسم: وكل من حلف بالحرية ليفعلن كذا ولم يضرب أجلا فلا يطأ ولا يبيع ولا يهيب ولا يتصدق ولا يضربه حتى يفعلوما ولد لامة فى ذلك فى اليمين وأما لو ضرب الا اجلا فل أن يطأ [إما الأم وإما الببنت ولا يبيع واحده منهما ولا يهب ولا يتصدق حتى الاجل فإن بر وإلا] (¬3) كانت البنت وأمها حرتين (¬4). ¬
قال ابن حبيب عن ابن الماشون/ عن مالك: وغن مات هو قبل تمام الال لم ينحث بعد الموت لأنه على دبر بالاجل، ولو لم يضرب أجلا عتقت فى الثلث لأنه كان على حنث. قال عيسى عن ابن القاسم: وأما الحالف: عن فعلت فله البيع والوطء والتصرف، فن حنث وعنده الأم، عتقت واختلف قول مالك فيما يولد لها بعد اليمين فقال: يدخل فى اليمين. وقال: لا يدخل واستحب آخر قوله أن [يعتق على بر] (¬5) واستحسنه ابن القاسم، ولم يعب القول الأول. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثل ذلك كله من أول المسالة. وذكر رواة أصبغ عن ابن القاسم عن مالك, وان ولد المحلوف فيها: ن فلت انهم يدخلون فى اليمين وانكر هذا أصبغ وقال: وهم من روايته وقال: لا يدخل الولد معها لأنه هلى بر وإتنمايدخل إذا حلف: ليفعلن وذكر اختلاف قول ابن القاسم فى ذلك أيضا وذكر ابن المواز عن أصبغ أنه قال: أرى رواية ابن القاسم هذه وهما ولا عتق للولد ذا لم يكن الحالف على حنث والى هذا رجع ابن القاسم وقد كان يقول: له بيعها وهذا مستوعب فى باب من ولد بمنزلته. ومن العتبية (¬6) روى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بعتق جارية ليتوزجن على امرأته الى سنة فماتت المرأة قبل السنة ولم يتزوج انه لا شىء عليه لأنه على بر كمن حلف ليقضن فلانا حقه الى أجل، فمت قبله وقال اشهب، عن الك فيمن حلف بالعتق ليقيدن عبده، ولا دخل المدينة سنة، فقيده ونحاه عن المدينة، ومات قبل السنة قال مالك: أخاف ان يكون
ورثته بمنزله. قال ابن كنانه: قد مات على بر وصار لغيره فليس على ورثته ان فعلوا حتى تحل السنة. وقال له الك: فالحالف ليضربنه فات ولم يفعل، قال له ابن كنانه: هذا ات على حنث، ولا يتبع ضرب ورثته. قال له مالك: أرأيت ن اوصى بضربه، فقال له فما قلت فى هذا قال: ما قلت شيئا بعد. قال اشهب: القول ما قال ابن كنانة. قال ابن حبيب قال ابن الاشون: ومن حلف بحريتة أمته ليضربنها مائة سوط، فلم ضربها حتى حملت منه، فليس له ضربها وهى حامل ولمنعه لسلطان عن ذلك ويعتقها عليه، فإن ضربها قبل ان تضع بر فى يمينه ثم عند ربه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حلف ببحرية أمته ليفعلن كذا فباعها قبل يفعل، فليرد البع وتبقى بيده، ولا يضرب له للفعل أجلا وتبقى بيده ينتفع بغير الوطء فما أن يبر أو يموت قبل ذلك فعتق ن ثلثه. قال فى كتاب محمد والعتبية (¬1) ابن القاسم عن مالك فيمن حف بحرية عبده ليعطين فلاناحقه، لا يملك غيره فلا بيعه قال فى كتاب محمد: وليرد إن فعل حتى يقيضه فن قضاه قبل يرد البيع فلا يرد. قال عسى عن ابن القاسم: قال مالك فى الحالف بعتقها ليصربنها فباعها ونسى يمينه، فحملت من المبتا وقامت بيمينه بنية تتق على البائع ويرد الثمن. قال ابن القاسم وبن وهب: وإن لم تحمل ردت الى بائعها، فيبر بضربها ومن كتاب اببن المواز: وإن حلف ليضربنها فباعها قبل الضرب نسى يمينه أو لم ينس فلم يرد البيع حتى ضربها، فقال أشهب: قد بر وإن نقضها ضربه، غرم ¬
قال سحنون فى كتاب ابنه [وإن الحكم] إيقاف ذلك المال: قال أصببغ: فى كتاب ابن المواز: ولا ينفعه ما ضرببها فى الكاببة. قال اشهب: ولو كان ضربنه لا يجوز له، عجل عليه الحنث. قال سحنون، فى المجموة: فإن مات السيد ولم تؤد الكتابة، وله مال حمل ثلث المة، عتقت فيه، وسقط عنها باقى الكتابة، وكان وقف رد عليها، وإن كان دين محطيط، مضت على الكتابة، وكان للغرماء النوم فإن أدت تم عتقها وإن عجزت كانت وما أخذ منها فى دين سيدها. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فمن حلف فى جارته بحرتها ليتخذها أم ولد فباها، قال: يرد البيع وتبقى فى ملكه حتى يبر او يموت فعتق فى ثلثه. وقاله مالك فى كل من حلف بعتق رقيقه ليفعلن فإن فلس قبل أن يبر ويمينه قبل الدين وبعده قال ابن القاسم: يباع بدين كان فيه قبل يمينه أو بعده، بخلاف المدبرين لأنه بقدر ان يبر فى غير المدبرين وليس له أن يبرأ فى المدبرين. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن حلف بحرية عبده إن لم يضربه بكتابه قال: يتمادى فإن عجزضربه وإن ودى عتق ورد عليه ما أخذ منه ولا يبر بما صرببه فى الكتابة ومن كتاب ابن المواز: وإذا كانت يمينه بالحرية، ليفعلن وله شرك فى عبيد فله المقاسمة قبل الحنث [يالسواء] (¬2) ويكون اليمين فيمن أخذ فإن أخذ أقل وأخذ فضلا او تركه لم يز ورد كمن حلف ن فعل كذا بحرية عبد فباعه ثم ورثه مع الورثة فإخذه بميراثه فلا شىء عليه إلا أن يكون فيه اكثر من حظه وأدى فيه ثمنا أو يترركه له الورثه فتلزمه اليمين يه ¬
فيمن حلف بالعتق ليفعلن فلان كذا أو إن فعل كذا
قال محمد: وغن حلف قببل يقاسمها فليقسم له حقه منهم. ولا عتق عليه إلا ما اببه بالقسم وإن نابه بعض عبد قوم باقيه بالحنث قال ابن القاسم فى المدونه: إذا حنث بعتق رقيبقه ولة أشقاص فى عبيد فليعتق ذلك ويقوم عليه باقيهم فانظر معنى قول ابن المواز وهو خلاف لهذا او فرق بين ان يكون له شريك واحد فى عبيد او شريك فى كل عبد. فيمن حلف بالعتق ليفعلن فلان كذا أو إن فعل كذا أو إن قدم أبى او للحامل ن وضعت فالولد حر من كتاب ابن المواز قال: ومن حلف على غيره إن فعل كذا فلا يتلوم فى ذلك، وإن حلف عليه، ليفعلن ففى التلوم فإن مات فى التلوم فابن القاسم يحنثه وأشهب لا يحنثه، ويراه كموته فى أل ضربه الحالف. قال محمد: وكانه وقت ليمينه وقتا لأن السلطان إنما يضرب له ما يرى أنه أراد بيمينه من التاخير ولو لم ضرب له السلطان لكان حانثا إذا بلغه وانتهى اليه ومن قال: إن قدم أبى (¬1) فأنت حر. فهو على بر وله الوطء فى الامة. قال أشهب: عن كان للغائب مثل والده ومن يعلم انه نجا به ناحية الشكر فلا يبيعه وينتظر فإن لم يات فله البيع وإن لم يضر ذلك ببه فليبع متى شاء وقاله مالك. وكذلك قوله فى الحامل إذا وضعت فهو حر على وه الشكر فلا يبعها حتى تضع ةوكذلك ن قال: إن ولدت ذكرا قاله ابن القاسم قال أصببغ: فإن لم يكن بها حمل، فله أن يبع ومن العتبية (¬2) قال ابن القاسم عن مالك فى الحالف بعتق عبده إن ولد له ولد ذكر من حمل امرأته فليس له بيع عبده ولا هبته فإن ولدت ذكرا عتق ¬
فيمن حلف بالحرية إن فعل كذا فباع رقيقه ثم عادوا إلى ملكه
العبد. قال ابن القاسم عن مالك فى التى سألت زوجها ليخبرها كلاما فأبى, فحلفت ببعتق من تلك إن لم يخبرها إن كلمت سرا فيؤامر نفسه فاخبرهما بعد يوم قال: أرى ان تكلمه لأنها كانت على بر ولا حنث عليها. وروى بو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لأخيه: إن لم تصنع لنا فاريتى حره فأقام شهرا يماطله ثم صنع له قال: أخاف وراه قد حنث قال لنا أبو بكر بن محمد: لا عتق عليه لأنه لم يضرب أجلا فاوزه وأنما يعنى أبو بكر إذا لم ينو الاستعجال فأرى ابن القاسم إنما خاف عليه أن يكون نوى الاستعجال فذلك أحنثه فيمن حلف بالحرية إن فعل كذا فباع رقيقه ثم عادوا الى ملكه أو ردوا اليه بعيب أو بفساد بيع وكيف إن هبهم لولده أو لاجنبى ثم فعل؟ وفيما يرد ذات الزو والسفيه ثم يرشد أو تزول العصمة من كتاب ابن المواز: ومن حلف بعتق رقيقه أن لا يفعل كذا فباعهم ثم فعل ثم اشتراهم فلا حنث إلا أن يفعل بعد الشراء أو بعد رجوعهم اليه الى وجه رجعوا اليه أو باليراث إلا ن يكون ثل قعل ينقضى ولا ينكر مثل يمينه لا ذبح الكبش ولا خاط الثوب ولا قضى الحق ولا زو فلانا فباعهم ثم فعل هذا ثم اشتراهم فقد زالت يمينه. وكذلك لو ضرب لفعله أجلا فمضى كقوله: لا كلمتك شهرا فباعهم فلما مضى الشهر اشتراهم وكذلك يرى هذا فى اخلع فى الزوجة والمحلوف بطلاقتهم ثم يتزوجها فيما لا يتكرر وفيما/ فيه الاجل. ومن العتبية (¬1) قال أصب عن ابن القاسم فى الحالف فى امة بحريتها إن وطئها فباعها ث اشتراها وقال: فاليمين تعود عليه. ¬
ومن كتاب ابن الواز قال: وبيع السلطان عليه فى الفلس لا يزيل اليمين عنه إن ابتاعهم لا أن بيعهم بعد الحنث فتكون قضية برد العتق وله شراؤه قاله الك واصحابه إلا أشهب فنه رأى بيع السلطان قبل الحنث وبعد الحنث مزيلا لليمين رافعا للتهة, ثم نقض ذللك فقال فى المولى عليه البالغ: يحنث بعتق عبده ثم يرد ذللك وصية فيبقى بيده حتى يلى نفسه أنه يسترقه قال: ولو كان إنما فيه عتق بيمين فإن فيه تلزمه وكذلك ذات الزوج بحنث فيرده لأنه جاوز ثلثها ثم تزول عصمته إنها تسترقه ولو كانت لها فى يمين للزمها إذا لم تكن حنث الىى الآن. قال ابن القاسم: إذا بقى بيدها من كان رد الزوج بيمينها بحريتهم فإنه ينفذ عتقها بعد زوال عصمته. قال محمد: ولو باعهم الحالف ثم مات المبتاع والحالف وارثه مع غيره فاشتراهم فى مساومة أو مزايدة ثم حوسب فى سائر تركته فكانوا كفاف حصته قال مالك: فلا يمين عليه فيه وذلك كالمقاسمة وكذلك لو نقد ثمنهم من عنده ثم فعل ما كان حلف فيه فلا يحنث إلا أن يكون فيهم فضل. وكره مالك للحالف يعتق رقيقه ان يهببهم أو يتصدق ببهم لأنبى أو لقرابة به قال ابن القاسم ولو صح ذلك وكان كبيع بالاسواق وخيرت رجوت أن لا شىء عليه وكذلك البيع منهم. قال فإن لم يكن بيع على صحته أو يتغابن فى مثله (¬1) فهو يحنث قال مالك فى امرأة لها شرك فى خادم مع ابنه لها يرة فحلفت بحريتها ان لا تفعل شيئا فوهبت لاببنتها نصف نصيبها ثم فعلت فإنها تحنث. قال محمد: أراه من ناحية من وهب ثم أعتق قببل الحيازة فأما الام تتق عبد ولدها الصغير فبخلاف الاب الذى يبيع على ولده الصير [يشترى ¬
منهم] (¬1) قال الك فيمن حلف بعتق رقيقه إن فعل كذا: فلا ينفعه ن وهبهم لولده الذى فى ولايته ولا يبيعهم منه من أهله ولا يهبهم له ولكن يبع من غيرهم: بيع لأمر السنة فيه. قال: وأما الحالف إن عفا فلان، فلا ينفعه بيعه لأنه من باب لافعلن معناه لاستاذين عليهلأخذن حقى منه فهو على حنث وقاله أشهب. قال أشهب فيمن حلف بالعتق إن أو لا فعل، فتصدق برقيقه على ابنبه، ثم فعل فن حيز على ذلك للابن حيازة بينة فعليه قيمتهم للابن قال محمد: هذا فى ابنه الصير [فأما] (¬2) الكبير البائن فلا يحنث ن حازهم الابن له ومن العتبية (¬3) قال أبو زيد عن ابن القسم فى الحالفة بعتق امتها إن تزوجت فلانا فباعت الامة ثم تزوجت الرجل، ثم ردت الامة عليها بعيب فإنها تحنث وإن ردت الى المشترى قيمة العيب حنثت وإن رضيها المبتاع بالعيب [لم تنحث] ومن سماع ابن القاسم: ومن حلف بعتق رقيقه لا وطىء فلانه منهم فوهب غيرها من رقيقة لولده ثم وطىء تلك التى حلف فيها قال: ما أحب إلا أن يبيعهم فى السوق وما أرى ما فعل له مخرا قيل أفتراهم أحرار؟ فوقف سحنون وقال: ليس ببمخرج له إن كان الابن صغيرا فإنه يحنث فى الكبير قال اصبغ: وقاله ابن القاسم: قال سحنون: سواء اازهم الاب لولده الصغير أو جعل من يجوزها له فهو يحنث وقال ابو زيد عن اببن القاسم إن تصدق بهم على ولده وأمهم صدقه صحيحة تحاز عنه فأرو أن يكون خففا فإن كان شيئا يليه فهو حانث ¬
[12/ 495] قال عيسى وسحنون: إن تصدق بهم على كبار ولده لم يحنث واما الصغار فيحنث ولى حيازتها لهم او جعلى من يوز ذلك لهم. ومن سماع اشهب قال مالك فين جاء ليشفع زوته فحلف لاجلدنها (¬1) مائة جلده ولابيعك منها (¬2) فلدلتها فحلف الزوج انها حرة من ماله إن دخلت على امرأته شهرا فحلفت هى بحريتها إن كلمته شهرا فهل إن وهبتهم لوالدها تزول يمينها؟ قال: لا نفعل وشهر قريب فتكلف عن كلامة الى ذلك. قال يحيى بن يحيى ع ابن القاسم فيمن حلف بحريةباعها فتصدق ببها على ابنه له فى حرة ثم يبيعها له فى مصالحها قال: إن بيعها حنث وعتقت عليه وغرم القيمة لابنته. ومن كتاب ابن المواز فى التى حلفت بعتق جاريتها فباعتها ثم تزوجت [ثم اشترتها، أنها حانثة وروى عن ابن القاسم: قد استثقل [مالك ما يشبة، ولم يعبنى ان يشتريها، ولا بأس به عندى. قال محمد: وإنما استثقل] (¬3) شراءها قبل البناء، فأما بعد البناء فلا بأس به. وقال مالك، فى الحالف بذلك ان لا يشارك فلانا، فباعها ثم شاركها فى يشتريها وهو شريكه قال ابن حبيب: قال ابن القاسم فيمن حلف بحرية شقص له فى عبد ن دخل الدار فباع شقصه من ير شريكه ثم اشترى شقص ريكة ثم دخل فلا ينحث ... ¬
فيمن حلف ألا يبيع أمته أو ليبيعنها
[12/ 496] قال أصب فى كتاب ابن المواز: وإن باع شقصه من شركه ثم اشترى شقص شريكه لحنث وقال ابن حبيب قال أصبغ: لا يحنث وهو كما باه من غير شرك قال ابن حبيب إنه يحنث فين حلف أن يبيع أمته أو لبيعها وكف ن باعها فاسدا او خيار أو حاملا أو رجعت اليه بعيب او بإقاله أو غضبت فأخذ قيمتها؟ من كتاب ابن الواز قال مالك: ومن حلف لبيعن أمته فباعها فردت بحمل فلبعها ثانية وليس بيعه الاولى بشىء ولو أعطى قيمة العيب لم يحنث ومن حلف فى امة ليبيعها الى شهر فباعها بل الشهر بيعا صحيحا م اشتراها قببل الشهر وهى بيده فلا شىء عليه ولو ردت عله بعيب فلم يت بيعه وقيل: إن كان علما بالعيب فاليمين عليه. ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن اببن القاسم فيمن حلف بحرية عبده لاباعه فباعه بيعا فاسدا او حراما على سلف من احدها او ما يشبه ذلك، فذلك بيع يعتق به، ولو قال: إن لم أبعك فرد عليه بذلك، كانت اليمين عليه باقية حتى يبيعه ثانية وذكر عنه عيسى ثله فىالقائل: أنت حر إن ببعتك فباعه بيعا حراما أنه حر بذلك. قال: وإن حلف بحريته ان يبيعه الى الشهر فباعه قببل الشهر بيعا فاسدا فمضى لبشهر ث رد عليه او مات أو باعه ثم رد علم عيب قال: إن رد عليه بعيب بعد الاجل فقد حنث، علم بالعيب أو لم يعلم وكمن حلف ليبيعن أمته فوجدها حاملا أنها تعتق وأما البيع الفاسد فإن فات الاجل وهو بحالة لم يتغير ... ¬
ولا نقص حتى بقيته أن يرد فنه يرد ويعتق وعليه فن فات قبل الاجل فلا شىء عليه، وقد ضمنها المببتاع قبل الاجل وذكر ابن حبيب مثله عن اصبغ عن ابن القاسم. قال أصبغ/: أما إن وجد عيبا فلا أقول إنه يحنث رده له أو لم يرده لأنه ن شاء تمسك به وقال فى كتاب ابن المواز فى العيب عن لم يعلم به فلا حنث عليه إن مضى الشهر فن لم يمض فليببعها ثانية قال: فإن دلس بالغيب بمالها فردت عله بعد شهر فقد حنث. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن اببن القاسم فيمن حلف فى عبده ن اباعه فهو حر فباعه فلا يحنث حتى نقطع الخيار وإذا حلف لئن وجد بامته الثمن أو اكثر اليوم لبعها فأمر الرسول ببيعها وبيع الاخرى معها صغيرة فبعث الرسول يشاورة فقال لمن جاءه: قل لا يشترط الخيار فى الصغيبرة فاخطأ المامور فقال، للوكيل: اشترط الخيار فى الكبيرة قال: هو الحانث قال عيسى: يرد إذا مضى اليوم والخيار قائم. ولو اشترط الوكيل الخيار ولم يامره بذلك، ثم أعلمه فامره بانفاذ البيع فرجع الوكيل فبلم يجد المبتاع حتى مضى اليوم فإن اشهد الوكيل أن أنقد البيع فىلا حنث على الرجل وغن لم يكن أشهد حين لم يجده فقد حنث إن مضى اليوم ومن حلف بحرية عبده ان لا ينقصه من مائة دنار فباعه الى سنة فلا يحنث إذا لم يتم تاخيره حين حلف يرد لم ينو بالمائة نقدا ولا كان بساط يدل على ذلك ومن سماع ابن القاسم: ومن حلف لا يببع عبده فباعه وشرط الخيار فليس ببيع حتى يمضيه وقاله أصبغ على وجهها وقال لها تفسير روى أبو زيد عن ابن القاسم فين ابتاع امة فى المواضعه حتى حلف بعتقها ليقضن فلانا حقه ثم ظهر بها حمل من غير البائع فله ردها بالحمل واخذ الثمن ولا عتق عليه. ¬
ومن سماع ابن القاسم: ومن حلف بحرية عبده إن باعه فوهببه لقريب له قال: إن أراد ان لا يفارقة فقد فارقه كأنه يرى أنه قد حنث إن أراد أن لا يفارقه فقد فارقه كأنه يرى أنه قد حنث إن أراد ذلك وروى أشهب عن مالك فى التى قالت فى أمة لها: هى حرة إن ببعتها عشر سنين قال: لا رج لها من ذلك أن تتقها أو تهبها لغير ثواب وأما أن تهبها لببعض أهلها فنى أكره ذلك وقال اببن نافع: أكره الهبة خفيفة الدلسة وقال عيسى عن ابن القاسم، فيمن حلف بحرية عبده ن باعه فغضبه منه غاضب فنقض عنه فاراد قيمته فإن كان نقصانه بأمر ن الله فقد حنث لانه كان مخيرا على الاضب فى أخذه معيبا ولا شىء عليه او تركه وأخذ قيمته فاختاره لأخذ القيمة كالبيع ولو اصابه غيره فأخذ له أو شاء لم يأخذ فأسلمة \كان حانثا إذا رضى بالقيامة من غاضبة ولو أنه أخذ مع أخذ الغاضب فى خررجة او اتبع الجارح بما جنى عليه لبم يكن عليه شىء قال ابن القاسم فى كتاب آخر فيمن حلف لا يبيع سلعته فغضبت منه فنقضت فإن كان نقصانا يرا فأخذ قيمتها فقد/ حنث وإن كان نقصانا كثيرا مثل الثلث فأكثر فأخذ لها ثمنا فلا شى عليه. وإن فاتت فأخذ مثلها او قيمتها فلا يحنث. ومن كتاب اببن المواز: ومن حلف بحرية عبده لا باعه إلا بعشرن دنارا فبباعة بذلك ثم أقال منه فلا يبع الا ببعشرن دينارا ولو حدث به عند المبتاع عيب وظهر على أخذ قيمته العيب الحادث عنده وإن رده المبتاع ورد معه قيمة العيب الحادث فلا يبيعه البائع بأقل من عشرين مع ما أخذ للعيب فينحث, ولكن يبيع بما يكون مع أخذ من قيمة العيب تمام عشرين عن كان ما أخذ فى العيب عدلا زيادة فيه, فلا يحنث, غلا ان يبيع بأقل من هذا
جامع مسائل مختلفة في الأيمان بالعتق
[12/ 499] قال ابن حبيب قال ابن المااجشون فيمن حلف بحرية جارية لبيعها إلا ان تكون حاملا, وقد كاان أصابها فلا يجوز للها أن يطااها إذ قد يكون ذلك مانعا لبيعيها فإن فعل، ثم أتت بولد لآقل من ستة اشهر من مصابة الثانى، سقطت عنه يمينه وإن وضعته لستة أشهر فأكثر من مصابة الثانى عتقت عليه للشك الذى يلفزمه فيها إذا لعل الحمل من المصاب الثانى فلا تملك بالشك وفى كتاب الايماان من معانى هذا الباب. جامع مسائل مختلفة فلا الأيمان بالعتق هذا الباب وغير شىء مما قبله من الايمان/ بالعتق. قد ذكرنا فى كتاب الايمان كثيرا من ذلك. من كتاب ابن المواز: ومن حلف لغريمة بالعتق ليقضية حقه, لم يبر بقضاء بعضه وزلو حلف الغريم لئن قضتنى لأفعلن كذا- يريد شكرا فقضاه بعضه, لم يلزمه الفعل حتى يقيضه جميعه ولو حلف المطلوب لئن اقتضيتنى لاضربنك فاقتضى بعض الحق, لزمة ليمين لأنه يعلم أنه قصد ترك حقه فيعمل على مقاصيد الناس فى أيمانهم وإن قال: لئن اقتضى لاقبلن رأسك، أاو لاتححفنك. لأنه كان يعرض عليه حقه فيأبى, فهذا لا يلزمه أان يتحفه حتى يقتضية حقه كله لأن قصده أان يأخذ منه كله فللايماان وجوه يحمل عليها اهلها. ومن العتبية (¬1) أشهب عن مالك: ومن حلف بالعتق لا أكرى أرضه طمن فلان الغلام فوجد وكيله قد أكراها منه, فأبى ان يمضى ذلك فهل يخرجه أن يكريها من أخيهظ قال: أما رجل يريد ان يدخله فيها فلا, أو يكون أخوه شريكا له فى المال، ولكن خاصموه حتى يقضى عليه. ومن قال: ورقيقى أحرار إن قدم فلم أقضيك حقك. فقدم فله يوم وليلة فى ذلك إن لم يقضية فيها حنث فيها ولو قال: إن قدم أبى ولم أقك حقك. فإن لم ... ¬
يقضيه قبل يقدم أبوه, حنث ولو قال: إن قدم أبى ولم أقضك حقك. فلا تحنث بقدوم ويكف عن [الوطء] * امراته إن حلف بالطلاق ويكون موليا ومن كتاب ابن المواز قال مالكك ومن حلف/ بحرية [عبده] ليقضن فلانا [حقهٍ] لأجل سماه فباع منه حقه عبدا غير قبل مالاجل فذلك يخرجه من يمينه إن كان ممن يباع ولو أحاله بالحق لم ينفعه قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن قال لأمته: إن أعتقك فى حياتى أو بعد موتى، فأنت حرة. فاعتقها الى أجل، قال هى حرة ساعتئذ. قال: فإن دبرها. قال: التدبير عيف، ولايعجل لها عتق ومن العتبية* ومن وقف على سبيل، فحلف بالعتق إن شرب منه قطره حتى ينصرف، فدفعه إنسانسة فشك أن يكون دخل بطنه [منه] * شىء قال: هو أعلم إن كان دخل بطنه منه شىء أم لا. قال عيسى: قال ابن القاسم فيمن حلف فى غلام كان أبق له, فوجده هو حر إن بعته إلى ثلاثة أيام. فأعطاه فيه* عطاء قال: هو لك بعد ثلاثة أيام قال: قد حنث, والغم حر. وكذلك روى عنه أصبغ إن قال: هو حر إن باعه اليوم ولا غدا. فطلبه رجل باربعه دنانير فقال: قد اوجبت لك بعد غد أنه قد نث وهذا بيع. قيل: فهل البيع ماض؟ قال: لا. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف بحرية عبده إن باعه, ثم نسى فقال: من جاءنى بعشرة فهو له. فإن جاءه أحد بعشره حنث فإن لم ياته أحد وجدت أن لا شىء عليه ومن قال بغير يمين: من جاءنى بعشرة فعبدى هذا له لزمه ذلك إن جاءة احد فيما قرب، مثل الشهر والشهرين. وقال محمد: بل مثل الشهر
فدون كما لو باع عبده على خيار شهر للبائع فقد كرهه مالك. وروى عن ابن وهب أجازه الشهر ولو باعه بيعا فاسدا فهو حر. ومن حلف بعتق مكاتبه إن وضع له فاقتضى بعض كتابته, ثم وضع له, فهو حر, ويرد ما قاطعه به دون ما اقتضى, كالحلف بالاطلاق إن صالحها ففعل فليرد ما أخذ فى الصلح قاله مالك. ومن حلف بحرية رقيقه إن فعل كذا ففعله, وكان أبوه قد أخدم عبدا مرجعه اليه فهو حر متى رجع اليه. ومن كتاب ابن سحنون وكتب شجرة الى سحنون, فى أمه بين أختين فحلفت واحده لآخذنها (¬1) ولأختهاخ فيها شرك ولا تبيع من اختها نصيبها ولا ممن يبيع منها برحرية الجارية وحلفت الأخرى بحريتها لا باعتها* حياتها, فأرادت الولى البع من اختها فأبت أختها فكتب اليه: وأما التىم حلفت لا تبيع من أختها ولا ممن * تبيع منها فإن أرادت ممن يبيع منها الذين هم من ناحية الاخت او ممن يظن أنه يريدها لآختها فلتبعها فى السوق بيعا صحيحا ثم المشترى إن أراد البيع قيل للحافة لا بعتها إن* أردت طائعة فالسلطان يجبرك على ان البيع مع صاحبتك, [وإن لم تنوى طائعه ولا مكهره فإنه يجبرك وتحنثيين، إلا اان تأخذى نصيب شريكتك بمالا تعطى فما تحنثين] * او تبقيا على الشركة فإن أرادت اولى أن لا تصل الى الاخت على كل وجه ممن يظن أنه يبيعها منها أو من غيرها, فهذا شديد وأخاف علايها الحنث. وساله حبيب عن رجل قال: غلامى حر إن لم يكن القران مخلوقا قال: فغلامه حر ¬
[12/ 502] ومن العتبية* روى أصبغ وسحنون عن ابن القاسم فيمن قال لعبده: إن قضيت عنى لغريمى دينه على فأنت حر. فتصدق الطالب بالدين على العبد؟ فقال: هو حر ولو تصدق به على السيد. فإن قيل: فعلى أداؤه الى السيد وإن لم يفعل , فليؤده* الى الغريم ولا يعتق بأدائة. ومن سماع ابن القاسم: ومن قاطع مكاتبه ثم قال له: لم ترض امراتى فقال رجل- عللى اللعب -: انا أشهد أنها اجازت فقال: مل مملوك له حر لئن * شهدت بذلك لاكسوتن المكاتب ثوبين [فقال ما اشهد وكنت لا عبا قال لا شىء عليه ولكن يتورع ويعطيه ثوبين] * إن كاان أمرهما يسيرا. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بعتق وأو طلاق بفلانة عيب كذا، مما لا يراه إلا النساء وهى حرة أو أمة فأنكرتا* ذللك أو أمكنت الحرة امرأة من نفسها فنظرتها فقالت: ليس بها ذلك قال: لا يحنث ويدين ولا ينظر اليها النساء. ومن طلب أن يحلف له غريمة بحرية عبد له, فقال: هو لزوجتى فقال احلف بحرته لتوافينى * يوم كذا. فحلف بذلك وحنث فقام الغلام بذللك أو قامت الزوجة تدعيه ولا يعرف لها إلا بهذا الاقرار فإن كان ييعرف بملك السيد فهوو حر, وإن عرف بها فهو لها ولا ييعتق. قال: وإن كان إنما يعرف فى يديه وفى خدمته واليه ينسب ولا يشهدون على اصل ملك له بشراءك ولا بميراث؟ قال: قد يستخدم عبد زوجته وهو لها بذلك الإقرار ولا حنث عليه. قال: ولو لم يحنث
, [12/ 503] قالت المرأة بهذا الاقرار فقال: إنما قلته معتذرا وهو لى. قال: تحلف المرأة ويكون لها إذا جهل أصله وكان فى خدمته. وروى عيسى عن ابن القاسم فى امرأة لها/ امة رائعه مدبرة فحلفت بعتقها لا باعنها ولا زوجتها فقال الامة للسلطان: لا أصبر عن الرجال قال: لا أرى أن تحنث إلا لن يعلم أنها أرادت بذلك ضررا فتمنع فإن نوت لا أبيعها طائعه. فباعها كالإماام لم تحنث وإن تكن لها نية فلا تباع عليه. وروى يحيى بن يحيى فيمن حلف بعتق عبده, لا عتق عبدا له آخر فأوصى بعتقه أو دبره فى صحته او فى مرضه فلا يحنث وإن كاتبه انتظر به فإن عجز لم يحنث فإن أدى حنث فى العبد الآخر. ومن المجموعة قال سحنون فيمن حلف لا أعتقت امراته أمتها ولا باعتها ممن يعتقها فدبرتها، قال: هو من يحنث لأن من حلف ألا يفعل شيئا فمعناه أن لا يقرب شئا منه فهو يحنث بما فعل من ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن باع أهبا فمطله المبتاع بالثمن, ثم قال له: أتحب الاقالة؟ قال: نعم فاردها فردها فقال البائع: على عتق رقبه إن كان لى أتن احلفك عند منبر النبى أنك لم تحظها [إلا حلفتك] قحال: له ان يحلفه إن التقاه [قال الفقيه أبو محمد عبد الله بن أبى زيد] وتركت مسائل من الايمان من العتق قد ذكرناها فى كتاب الايمان فهى مكررة
جامع في عتق الرقاب الواجبة
[12/ 504] ومن كتاب ابن سحنون من مسائل شجرة, فى أمة بين أختين, حلفت واحدة بحريتها لا خدمت أختى وحلفت الاخرى لا ببعت نصيبى منها وأبت الاخرى أن تبيع نصيببها من هذه فكتب اليه: عن كانتا ممن يلزمهما اليمين, فقالحافة على الخدمة إذا قضى عليها تقسيم الخدمة بينها وبين اختها فخدمتها حنثت فإن عزمت على البيع قبل ذلك قيل للحالفة ألا تبيع اشترى مصابة اختك بما بلغتك أنت أحق بذلك فإن أبت أمر الحاكم بالبيع فاذا بيعت حنثت الحخالفة على البيع ونقض البيع وقومها الحاكم عليها إلا أن تكون نوت أن لا ابيع طائعة راضية. يريد فلا شى عليها. قال ابن سحنون: قال المغيرة فيمن قال: إن فعلت كذا فكل مملوك لى حر. فلما احتضر أوصى بذلك الامر أن يفعل هل الوصية بفعله كما لو فعله فى مرضه؟ قال: إن مات حنث فى رقيقه فى الثلث وإن صح فلا شىء عليه, ويمينه بالطلاق بخلاف العتق لأنه من طلق فى المرض ورثته وإذا حنث به, فإنما يقع بعد وفاته وقد هلك عنها زوجها وهو يوصى بعتق عبدعه, ولا يوصى بطلاق امرأته بعد موته, فأعجب هذا سحنون. جامع فى عتق الرقاب الواجبة وما يجرى منها وفى الرقاب الموصى بها ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: لا يجزى فى الرقاب الواجبة الاجذم, والابرص والاشل والاقطع, والاخرس, والاعمى, والمجنون المطبق, ولا الذى يجن مره بعد اخرى, ولا مفلوج يابس الشق ولا مقطوع الاصبع ولا/ الاجدع المصطلم فأما الخفيف والقرحة الخفيفة, وقطع الانملة وذهاب ضرس وضرستين فإنه والامر الخفيف, ولا يجزى الخصى ويجزى الاعور وغيره احب الينا.
وروى عيسى عن ابن القاسم, فى العتبية * لا يجزى الخصبى فى الواجب ولا أشل ولا أصم, ويجوز الاعرج الخفيف. وقال أشهب, عن مالك, فى الخصى والاعرج: يجزيان فى الواجب. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: لا يعجبنى عتق الاصم فى الكفارة. وقال ابن القاسم: لا يجزى. وقال اشهب: يجزى الأصم, والاعرج والخصى ولا يجوز فى الواجب وهو من المسلمين قال أشهب: وتجوز إمامته وشهادته. وقال عبد المالك بن الماجشون: لا يجوز الاعور. وأجازه مالك والمصريون من أصحابه ولا يجوز مقطوع الاصبعين من يد او رجل ويجوز مقطوع الاصبع وقال عبد الملك: ولا يجوز مقطوع الاذنين فأما الجدع فى الاذنين فيجوز ولا يجوز الاخرس, والاجذم, والابرص, إلا المرض الخفيف. قال: وزيجوز ععتق المريض إلا الذى ينازع. قال ابن القاسم: والذى ذهب جل أسنانه لا يجزى, وإن ذهب أقلها فإنه يجزى. قال مالك: وإن الرضيع فى كمفارة لضعيف. قييل: فالنذر. قال:/ أحب الىولا أحرمة والفطيم يجزى وغيره أبين منه. وقال ابن القاسم, وأشهب, وابن وهب: يجزى الصغير. قال اصبغ: ومن اعتق عن ظهارة صغيرا ثم إذ كبر أبكم وأعمى او مقعدا فإنه يجزية. قال محمد: كما قال ابن القاسم، أنه لا رد بذلك على بائعه لأنه شىء يحدث, إلا ان يكون ثم من ثم ييعلم أنه من أصل الولادة, فيضمن, لا شك فيه. وكذلك ذكر ابن حبيب, عن أصبغ, وقال: ويجوز شرؤاه قبل أان يتكلم
ويعقل إلا أن تكون بلادنا عمها الفساد, فيزع رجل فى الخاصه نفسه من غير ان يحمل الناس على ذلك. قلا عنه: ولايجزى فى العتق من الزكاه إلا ما يجزى فى الرقاب الواجبة. قال عنه ابن حبيب: وإن فعل أعاد. قال ابن حبيب: لا بأسأن يعتق عن زكاته عميا, أو عرجا أاو مقعدا وإنما المعنى فى قوله [فى ارقاب] * فكاكها. وقد قال مطرف, عن مالك: لا بأس أن يعطى من زكاته للمكاتب ما يتم به عتقه او فى قطاعه نمدبر يعتق به, وهما لا يعتقان فى الرقاب الواجبة. وأجاز مالك عتق ولد الزنى فى الرقاب الواجبة. قال ربيعه: إنى لأجد شأنه فى الإسلام تاما. قال زيد ابن اسلم: هو خير الثلاثة لم يعمل سواء, [ولا تزر وازرة أخرى] * قال ابن المواز قال أصبغ: فإن اعتق مكاتبا اشتراه فلا يجزيه فى قول مالك الاول الذى قال: يرد عتقه، وينقض البيع وفة قوله الآخر: يجزيية جعل عتقه فوتا ولم يرده قال ابن المواز*: هذا أحب الى كالمدبر يعتق عن الظهار وقاله ابن القاسم فى المكاتب يجزية عن ظهارة إن اشتراه ولو أبدى له كان حسنا من غير ايجاب وأما عتقه لمكاتبه أو مدبرة فلا يجزئه لظهارة وقال أشهب: وإن اشترحاه فلا يجزيه فى مدبر ولا مكاتب. قال ابن القاسم: من ابتاع مدبرا كتمه البائع تدبيره فأعتقه عن واجب انه يجزئه قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: لا يجزىء فى الرقاب الواجبة مدبر ولا مكاتب ولا ولد ولا معتق الى أجل ولا معتق بعضه ولا ممثول به ولا ممن يعتق يعتق بالقرابة, ولا الابن إلا أن يجده بعد العتق سليما ويعلم أنه كان يوم أعتقه صحيحا فأما إن كان يومئذ عليلا ثم صح أو كان صحيحا ثم اعتل لم
يجزه حتى يكون صحيحا ويجده صحيحا. قاله أصبغ وروى اكثره عن ابن القاسم. قال ابن القاسم: ويجوز فى عتق الواجب الصغير والاعجمى المومن وليتجنب الامراض المفسده للبدن, مثل الشلل لليد, والجنون, والجذاام, والبرص, والفالج, وشبه ذلك من الامراض المفسدة للجسد. قال أصبغ: ولا يعتق فى رقبة مرتهنا* بيمين ولا يجزيه إن فعل. قال فى كتاب ابن المواز: ومن قال: إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهارى. فيجوز أن يعتقه عن ظهاره ويستثنى ماله وإن جعل ذلك دينا عليه بعد عتقه ولم يجزه عن ظهارة. ومتن العتبية من سماع ابن القاسم: ولا ييجزى فى الكفارات من يغت فى الشهر مرة. قال عنه اشهب: ييجوز الاعرج والخصى, ولا احب المقعد ولا الاعمى وأحب الى ألا يعتق ولد الزنى فى الواجب قال: ولا يشترى رقبه بشرط وأما الموصى بعتققه فليس من ذلك إلا أان يرضى بواجب ولا يجزئه أن يشترى فى الواجب من إفادته من يعتق عليه فيعتقه, إلا من لا يعتق عليه من أقاربه. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: وإن أعتق من يجبر على للاسلام قبل يسلم عن ظهارة أجزاه وقال اشهب: لا يجزئه حتى يجيب الية وينحو نحوه ومن عرف القبلة أحب إلينا. قال محمد: وهذا احسن وهو معنى قول مالك فى الاعجمى من قصر النفقه ييعنى من أسلم أحب إلينا, من صلى وعرف القبلة وعرف الله سبحانه وتعالى وأما قبل أن يسلم, فلا يجوز لان النبى لم يأمرك رب السوداء حتى اقرت بالايمان, وعرفته * وأجاز ابن القاسم عتق الصغير أبواه كافران, إذا كان يريد إدخاله فى الاسلام
[12/ 508] ومن ابتاع امة, فأعتقها عن واجب, ثم ظهر بها حمل فهى تجزئة ويرجع بقيمة عيب الحمل, إلا أن يكون حملها من البائع ومن ابتاع زوجته, فأعتقها عن واجب, فإن لم تكن حاملا أجزأته, وإن كانت حاملا منه لم تجزئة لانها صارت بالشراء أم ولد. وقال اشهب: لا تكون به أم ولد وتجئة إن كانت بينه الحمل وإن شك فيها, انتظر فإن وضعته لاقل من ستة أشهر من يوم الشراء, فهى تجزئة, وإن كانت لأكثر, فلا تجزئة لانها بعد الشراء حملت له. قال محمد: والأول أحب إلينا, وهو قول مالك اصحابه انها ام ولد إذا اشتراها وهى حامل. قال ابن القاسم: شك فى حملها اولا يشك, فلا يجزىء فى الكفارة. قال بان القاسم وأشهب عن مالك: وما رجع به من قيمة عيب فى رقبة واجبة اعتقها, والعتق مما يجزى واجبة أعتقها والعتق مما يجزى فليجعل ذلك فانه لم تبلغ اعان به من يتم عتقه فإن كان تطوعا, صنع به ما شاء قال أشهب: قوله فى الواجبة: ييجعله فى رقبه, فغن لم تبلغ أعان به من يتم عتققه, فإن كاان تطوعا صنع به ماشاء قال أشهب: وغن كان عيبا لايجزى به صنع بقيمة العييب ما شاء لان عليه البدل, فإن اشترى به رقبة أجزاته ولا احب أن يستفضل منه وليس بواجب. محمد: وهو مستحب وإن كان عيبا لا يجزى به صنع به ما شاء. قال أشهب: قوله فى الواجبة: يجعله فى رقبة ليس بواجب محمد: وهو مستحب وإن كاان عيبا لا يجزى به صنع بقيمة العيب ما شاء, لأن عليه البدل، فإن اشترى به رقبه أجزأته ولا أحب أن يستفضل منه وليس يضيق أن فعل. وفى كتاب ابن حبيب من أوصى أن يعتق من رقيقه عن ظهارة وإنما فيهم صنف معيب ولا يجزى فى الظهار وصنف قيمة كل واحد أكثر من الثلث وقد نقلها الى كتاب الظهار وقال ابن سحنون عن ابيه فمن أمره رجلان كل واحد منهما أن يعتق رقبه عن ظهاره فاشترى رقيقتين فأعتقهما ولم يسم لكل واحد رقبه بعينها فلا يجزيهما ويضمن المأمور والولاء له وكذلك من امرأته يشترى رقبه بمائة يعتقها عنك فاشتراها بعشرة فأعتقها عنك فلم ترض فالولاء لله. ومن أوصى برقبة عن واجب وغيره فأخرج ثمنها فضاع قبل الشراء فليشتر ثانية من ثلث ما بقى إلا ان يكون قد قسم المال بدءا فأخذ الورثة وأهل الوصايا الثلث. قال ابن القاسم: فليرجع على أهل الوصايا فيأخذه منهم ثمن الرقبة لانها مبدأه عليهم إلا أن تكون معها رقبه
جامع القول فى عتق التطوع والنذور
واجبة, فيتحاصان, ولو كان بقى من الثل أخذه الورثه لم يؤخذ منهم. وقال أشهب: إذا مات الرأس قبل يعتق, أو سقطت نفقه أمير الحج فعليه مثل ذاك أيضا ما بقى من ذلك الثلث شىء. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال فى وصيته: على رقبة واجبة. ولم يقل: عن ظهارى ولا غيره. فهى مبدأ. جامع القول فى عتق التطوع والنذور ومن أوصى لعبد بجزء من ثمنه قال ابن حبيب قال زياد عن مالك: افضل الرقاب فى التطوع أغلاهم ثمنا [وأنفسها عند اهلها وإن كان نصرانيا. وقال اصبغ إذا كان مسلمين فأغلاها ثمنا] * اولى وإن كان الاخر أفضل حالا وإن كانت واحدة كافرة, فعتق المسلمة أولى وإن كانت [الأخرى] * أكثر ثمنا. وقد قال ابن القاسم, فيمن اوصى أن يعتق خيار رقيقه, فليعتق أغلالهم حتى يتم الثلث, فإن وسعهم الثلث, عتق المرتفعون منهم وترك الوخش وإن كانوا متباينين وأما المتقاربون فيبدأ بأهل الصلاح وإن قال: رقيقى أحرار بدى الأول الأول، فإن حملهم الثلث كلهم, نظر أصبغ باسناد ذكره الى ابن عباس فى عبدين أحدهما لعبد* فأيهم يعتق قال: أغلالهما ثمنا بدينار. ومن العتبية * روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن نذر رقبة من ولد اسماعيل, وقال مالك: يعتق رقبة من أقرب الرقاب الى ولد اسماعيل
[12/ 510] وروى ابن حبيب عن ابن المغيرة عن مسرع عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن مغفل قال: كان على عائشة نذر رقبة من ولد اسماعيل فقدمسبى خولان، فلم يامرها بالعتق منه، وقدم سبنى من بلقيس فأمرها أن تبتاع منه فتعتق. وقال مالك: ولا بأس بعتق اليهودى، النصرانى والمجوسى ومن كتاب اببن المواز قال مالك: ومن أوصى بمائة درهم فى رقبه فطالت عليه، ثم مات وقد غلت الرقيق، فلم توجد بذلك فأراد الموصى أن يزيده من عنده بطيبب نفس، فلا ينببغى ذلك قيل: فقريب له وارثأو أوصى له؟ قال: لا بأس به. قيل: فشترطها بأرض الروم أعجمية؟ قال: لا لم يرد الميت هذا، [قيل] (¬1)، [فيعين بها من عتق رقبه؟ قال: لا إنما يكون شريكا بها فى الرقبه ويعتقانها (¬2) ومن أوصى، فقال: أعطوا لعبدى من ثمنه كذا. فليس يعتق قال ابن القاسم: وإن بيعوا من هذا (¬3) العبد واعطوا فلانا عشرة دنانر وما بقى للعبد فيباع نصيبه كله ويأخذ فلان عشرة وما بقى فللعبد قال أصبغ: ولا عتق فيه. قال محمد ببن الحكم فيمن قال: لله على عتق رقبة فأعتق رقبه عن ظهارة أيجزئه؟ قال: لا يعتق اخرى عن نذره ولو قال: على عتق ميمون عبده فأعتقه عن ظهارة فنه يجزئه ولا شىء عليه ... ¬
فيمن أعتق عن غيره بأمره أو بغير أمره
[12/ 511] فيمن أعتق عن غيرة بأمره أو فى وصية ميت (¬1) فى وااجب أو غيره [وفى شرائط العتق] (¬2) من كتاب ابن الموازقال ابن القاسم: من أعتق عن رجل عما لزمه عن واجب بغيرر أمره أجزأه، كمن اعتق عن ميت. وكذلك إن أطعم عنه وكسا. وكذلك لو سأله أن يكفر عنه بعتق أاو غيره، من غير عوض أعطاه ففعل أجزأه وإن عتق عنه على شىء أعطاه لم يجزئه فى الرقبة الواجبة بشرط العتق وقاله كله مالك. وقال أشهب: لا يجزئه فى الحى بأمره ولا بغير أمره بخلاف الميت إذ لا يقدر فى الميت على غير ذلك. محمد: أحب إلى قال مالك: ولو اشترى الوصى الرقبة الواجبة بشرط العتق ضمن لم يجزى وإن كان تطوعا فإن كان الثمن هو مبلغ وصيته لم يضمن وكذلك إن كانت منقوطة ولو اشترى فى الواجب من يعتق عللى الميت فى حياته أجزأ ولو أوصى الميت بشراء بعينه فى الواجبة لم يجزئه. محمد: وإذا لم يوص به ببعينه اجزأه لأنه لم يملكه, ولا يعتق الشراء حتى يؤتنف عتقه وإن كان عتقه أحب الينا فى الواجب قاله. وأما التطوع فلا بأس به. فقال أشهب: وإن اشترى فى التطوع نصراتيا فهو ضامن، علم به أو لم يعلم ومن أمرته بشراء رقبه بثمن سميته ويعتقها ففعل وزاد فى الثمن فإن زاد يسسرا كالدينار أقل منه، اجزأه، ولا غرم عليه. ققال محمد: عليك غرم بيسير ... ¬
فيمن ابتاع عبدا على شرط العتق في واجب أو تطوع
الزيادة وغن كثرت لم يجزيك إسقاطها او وديتها لأنه عتق نفذ/ بغير ما أمر ببه والولاء لك ولا شىء عليك. فيمن ابتاع عبدا على شرط العتق فى واجب او تطوع من كتاب ابن المواز: ومن اشترى عبدا على أن يعتقه عن واجب أو تطوع، فإنه يعتق عليه إن كره ثم رجع فقال: لا يعتق عليه إلا أن يشتريه على إيجاب العتق. وقاله ابن القاسم. محمد: والإيجاب أنه حر لا الحرية عن الواجب إذ اشتراه على شرط العتق. وقال ابن الحكم عن مالك: وله بدله وأن يستقيل منه إذا كان غير إيجاب وللبائع أن يقول: غما أت تعتق او ترد إلا أن يترك البائع شرطة بذلك له، ويبقى رقيقا ولو حدث به عيب، بقرب البع بأيام يسيرة (¬1) فإن شاء البائع أخذه بعيبه وإن شاء ترك شررطة وإن مضى مثل الشهر، فعلى المبتاع قيمته يوم البيع بلا شرط إن زادت على الثمن إذ لم يكن علم البائع بترك العتق. قال أصببغ: وذلك فى فوت بعيب مفسد وما تفاحش من نقص وزيادة فأما تغير بدن او سوق بالامر القريب فالمشترى على خياره قال محمد: قولله فى الزيادة المتباينة فى بدن أو سوق لا يعجبنى والمشترى على خياره. قال ابن القاسم: وغن حدث به عيب مفسد او مات بقرب البيع وحداتثه، فلا شىء على المبتاع، فن كان لمثل الشهر فعليه قيمته ولو لم يدخله عيب حتى مضى أكثر من سنه، ثم اعتقه لرجع البائع بتمام ثمنه إلا أن يكون البائع عالما يترك العتق فى هذه المدة فلا شىء له، ولا يلزم المبتاع ان يعتقه ¬
[12/ 513] قال: وإن اعتقه بعد طول الزمان عن ظهاره، اجأه كعبد لا شررط فيه، ولزمته قيمته بغير شرط. وكذلك تجب قيمته فى فوته بعيب بعد الشهر، فإذا وجببت فيه القيمة، أجزأه عن ظهاره، إلا فى عيب لا يجزئه. قلت: فكون الطول الذى ذا أعتقه بعبده، غرم بقية الثمن، مثل السنة. قال عيسى: والسنة ونصف، والسنتان أبين، فذا مات المشترى، فورثته بمنزلته، إن طال زمانه عنده أو عندهم ابن أبى حازم وابن دينار، والمغيرة: البائع بالخيار إن شاء أمضاه فعتق منه ما عتق، وغن شاء أخذ غلامه كله.
في الوصي يبتاع عبدا ليعتقه في وصية الميت
فى الوصى يبتاع عبدا ليعتقه فى الوصية الميت او رجل عن نفسه فلم يبعه البائع بذلك حتى زاده العبد من ماله أو مما أوصى له به المت او ضمن له ولا يعلم الموصى بذلك أو كان يعلمه (¬1) من كتاب ابن المواز قال مالك فى وصى سام فى أمة ليعتقها عن مت أوصى ذى ذلك بخمسة عشر دينارا، فأبى البائع فزادته الامة عشرة بعلم الوصى، فإن كان نقدا فلا بأس به، وأما إن كتب عليها [فلا] (¬2) فإن لم يعلم المشترى وقد اشترها على العتق، سقط عنها ذلك، وذلك الولاء للمشترى يريد للميت، وإن كان إنما أعطاه أخ له [حر] (¬3) عشرة دنانير، لم يعلم الوصى وقد اعتقها فلله فى ذلك مقال، قيل: ففما ترى؟ قال: ما تبين لى بعد قال ابن القاسم: وقد أخبرت عن مالك وابن هزمر أنهما جعلاه كعيب يرجع به فى الثمن، كدين يظهر على العبد أو ان له ولدا. ولو أوصى ان يشترى عبد فلان بستين ويعطى العبد عشرين، فامتنع البائع إلا بثامين، فزاده العبد العشرين (¬4) الوصية قال ابن القاسم: لا يعجبنى لأنه لم يرد ان تكون فى ثمنه فإن فعل رجوت أن يكون جائزا. قال محمد: بل ذلك جائز لأنه قد ملكلها بالوصية فيصرفها حيث شاء وهذا أحق ما صرفها فيه ومن العتبية (¬5) من سماع ابن القاسم: ومن أعطى فى عبد خمسين دينارا ليعتقه فأبى البائع إلا بستين فقال له العبد: اكتب على هذه العشرة فى كل شهر دينار وبعنى بخمسين دينارا، فرضى البائع ذلك بعلم المشترى وأعتقه هذا الشرط، فإن ولاؤه للمشترى دون البائع ¬
فيمن أقر في مرضه في موال له كاتبهم أنه حنث بعتقهم
[12/ 515] فيمن أقر فى مرضه فى موال له كاتبه أنه قد كان حنث بعتقهم فى صحته او أقر أنه أعتق امته فى صحته أو قال زوجها أو قال كنت حنثت بعتق رقيقى من العتبية (¬1) من سماع عيسى من اببن القاسم وذكره عنه ابن حبيب فى مريض قالب لموال له كان كتاببهم فقال: قد كنت فى صحتى حنثت فيكم بالعتق قبل أن اكاتبكم فخذوا ما اخذت منكم وقد كان أخذ منهم إبلا ورقيقا وغنما وقد تناجت وعليه ديون قال: يؤدى دينه، وينتظر الى ثلث ما بقى فإن حمل ذللك ما أخذ منهم أو ما حمل منه يريد فذلك لهم- وما أقر أنه قد كان حنث فيهم، فذللك باطل ويقال لهم: أدوا ما بقى عليكم من الكتابة فن أدوا عتقوا وإلا رقوا وزاد ابن حبيب فى روايته: إلا ان يقول فانفذوا ذلك لهم فيعتقوا فى الثل [فإن فضل عنهم من الثلث شىء فيه مالهم الذى أخذ منهم] (¬2) وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال فى مرضه: كنت أعتقت فلانه فى الصحة وتزوجت او سمى صداقا قال: لا عتق لها، لا فى ثلث ولا فى رأس مال، ولا صداق ولا ميراث وهى رقيق قاله مالك فى المريض يقر بعتق عبد فى صحته أنه لا يعتق فى ثلث ولا غيره ولو أوصى بوصايا ولم يدخل ذلك العبد فى ذلك. قال: ومن بتل عتق أمته فى مرضه وثلثه واسع مامون ثم تزوجها ومسهافهى حرة، ولها الصداق فى الثلث كالاجنبية لأنها ثبت حريتها بالمال المأمون ولا ... ¬
ترثه لأنه نكاح المريض وأما إن بتل معها غيرها حتى يخشى ضيق الثلث أو كان الثلث ضيقا فلا عتق لها غلا بنظر السلطان بعد الموت واللنكاح مفسوخ، ولا صداق لها ولا غيره لأن النكاح وقع ولا يدرى احرة تكون او رقيقا؟ ومن المجموعة من كتاب الوصايا قال على عن مالك: إذا أعتقها فى مرضه، ثم تزوجها بمهر وببنى بها فيه فهى حرة فى ثلثه ولا صداق لها فى ثلثه وقال على، وأشهب: لها المهر المسمى فى ثلثه بعد رقبتها. قال اشهب: إلا ان يزيد على صداق المثل، فيرد إلى صداق المثل، فإن لم يسلم لها فلها صداق المثل، ون لم يبين بها، فلا شىء. قال أشهب وكذلك (¬1) لو فعل هذا, وليس له مال غيرها، ثم كسب مالا يخرج من ثلثه فإن لم يخرج/ من الثلث فلا مهر له بنى بها أو لم يبن لانها أمته، ولو صح لفسخ نكاحها، وتكون حرة، ولها المهر المسمى إن بنى بها. وطرح (كذا) ابن عبدوس [من] كلام اشهب [من اول المسألة، لها المهر من بقية الثلث، وقال ولو اغتصبها أو جنى عليها، لم يلزمه شىء لأنها أمته، وهو يأخذ أرش ما جنى غيره عليها، ولو حملت، كانت ام ولد، تعتق من رأس ماله، فيكف يكون هذا نكاحا (¬2) قال أشهب: ولو أعتق أمته فى مرضه، ولا مال له غيرها، او له مال بمقدار ما تخرج من ثلثه، ثم استدان منها مائة درهم فانفقتها، ثم تزوجها فى مرضه، ثم مات فالنكاح باطل، ولها المائة درهم، ولا صداق لها ولا ميراث، بنى بهاأو لم يبين لأنها لا تعتق كلها لأنه يباع منها لقضاء مائة درهم ودينها فى كدين الاجنبى ¬
[12/ 517] الاجنبى (¬1) لأن مرجعها الى أبطال ولا تكون المائة له كدين على السيد يرد العبد، كأنما أخذها من عبده ثلثاه حر، وثلثه رقيق. ومن العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم فيمن قال عند موته: كنت حلفت بعتق رقيقى لاتصدقن بمائة دينار، وقد فعلت، ويمينى فى كتاب عندى فوجدوا الكتاب وليس فيه أنه قد أنفذ وكذببه الرقيق، قال: هو/ مصدق، ولا يكون دينار فاعطوها لها من ثلثى، فإن نقص خفت الحنث فقالوا: نحن نتمها من ميراثنا وقال العبيد: قد حنث قال: لا حنث عليه. قلت: فلو قال ذلك لورثته وعليه بذلك بينة، وقال لهم: ليس معى اليوم عين، فما ترون؟ فقاموا: نحن نتمها له، ولا يدخل علينا حنث. فبعت الى الرجل، فكتب عليهم بذلك كتاببا، ثم مات، فقال العبيد: قد حنث فإن كانت المائة هبة وثلثه يحملها فذلك له مخرج، وإن كانت المائة هبة وثلثه يحملها، فذلك له مخرج، وغن كانت دينا فقضاها، فقد بر، قضاها من رأس ماله، أو من مال غيره وإن ضمنها عنه وارث أو غيره، فقد حنث. ومنه: إن حلف على قضاء الحق الى أجل، فللما حل اجله ببها على رجل فإن مضى الاجل قبل يدفع اليه المحال عليه حنث. ولو قال: قد كنت حلفت لاتصدقن بمائتى دينارفأخرجوهاعنى فإن حملها ثلثه فقد بر لأن ثلثه له كماله فى حياته ولا قول للرقيق وليس كمن قال: حنثت فى صحتى لأن ذللك رد الامر الى رأس المال. ومن كتاب ابن سحنون فيمن اقر فى مرضه انه قد كان دبر عبده فى صحته فذلك ماض ويبدأ الاول فالاول، وليس كمن قال فى مرضه أعتقت عبدى فى صحتى. لان هذا صرفه الى رأس المال والمدبر إنما صرفه الى الثلث ... ¬
فيمن أوصى أن مسلمي رقيقي أحرار فمات فادعوا كلهم الإسلام
[12/ 518] ومن كتاب أحمد ببن ميسر قال: وإذا قال مريض: كنت أعتقت عبدى فى صحتى. أو أقر أنه كان تصدق على فلان بصدقة، أو حبس عليه داره/ فى صحته، فقال مالك، وابن القاسم: ذلك باطل إلا أن يقول: أنفذوه. فيكون من الثل مبدأ- يريد العتق- وقال أشهب مثله فى الصدقة والحبس- يريد أن ذلك بيطل، وخالفه فى العتق، فقال: هو نافذ لأنه لا يحتاج الى حيازة لأن العبد يحوز نفسه ولأنه لو ققامت له بينه لم تحتج الى حيازة، ولو قامت فالحبس والصدقة بينة لم ذلك إذا لم يختر ذلك فى صحته ومن حجة مالك وابن القاسم، أنه أجاز العمل على الصحة من رأس المال، ولا يدخل احكام راس المال على إمكان الثلث حتى يأتنف فيه الوصية فيمن أوصى مسلمى رقيقى أحرار فمات فادعوا كلهم الاسلام ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن قال ع موته: إن مسلمى رقيقى أحرار ثم مات، فادعى جميع رقيقه الإسلام. قال بنوه: كانوا أنصارى يؤمئذ. قال أشهب: فالبنية على الورثة [أنهم نصارى. ولو قال: نصارى رقيقى احرار. فادعوا انهم نصارى, وقال الورثة: هم مسلمون] (¬1) فالبنية على الورثة. قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا أوصى أن كل عبد مسلم لله حر, فإنه ينظرر الى من كان منهم مسلما يوم أوصى، لا يوم مات. قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك. وذكره ابن وهب، عن ابن اشهب ونافع مولى اببن عمر. قال أصبغ: فإن اختلفوا من كان يؤمئذ ملما، فمن عرف بنصرانية طرفه عين، فعليه البينه انه كان يؤمذ قد اسلم ومن أشكل منهم فلم يعرف فهم على الاسلام، كما سموا به حتى يثبت عليهم غير ذلك ... ¬
جامع مسائل من العتق مختلفة
[12/ 519] قال ابن حبيب: وبلغنى عن أصبغ، قال: تعدى الوصية لكل من مسلما يوم مات, لا يوم أوصى، وما رأه إلا نسى. قال ابن القاسم: فإن قال: إن مت, فكل عبد مسلم لى حر. وليس له يؤمئذ عبد مسلم, ثم اشترى مسلمين ونصارى، فأسلم بعض النصارى ممن كان عند قوم أوصى، ثم اشترى مسلمين ونصارى فأسلم بعض النصارى ممن كان عند قوم أوصى، وممن اشترى فإنهم يدخلون فى الوصية لانه لم يرد عبيدا بأعيانهم إنما أراد من عنده مسلم يوم يموت. جامع مسائل من العتق مختلفة من العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم، قال مالك: منع أبو بكر بلالا أن يخرج الى الجهاد، فقال له: إن كنت أعتقتنى لنفسك فاحبسنى، وإن كنت أعتقتنى لله فخل سبيلى فخلاه. قال مالك فيمن باع غلامه ممن يعتقه، وشرط (¬2) أن لا يفارقه الغلام حتى يموت، فالشرط باطل، ويذهب حيث شاء. وعن عبد أوصى ميت بعتقه، فمرض العبد مرضا شديدا، فإنه يعتق إذا اجتمع المال، ولا يؤخر لمرضه. وإذا أوصى بشراء عبد بعينه, أو بغير عينه, فيعتق فيشترى على بيع البراءة ليجعل عتقه، ولا يشترى بعهدة الثلث. وعن العبد يعتق فى وصية سيده، وهو ذو صنعه، وهو بموضعه أرفع قيمة، وإن جلب الى الفسطاط وذكر عمله لم يبلغ ما بلغ بموضعه، قال: فليقوم فى موضعه الذى كان فيه. قال مالك: وإذا كان دميم النظرة وله مخبرة، فعلى ورثته ان يثبتوا ذلك عند القيمة. ومن العتبية (¬3) روى أصبغ عن ابن/ القاسم فيمن أراد شراء عبد ليعتقه رقبة عليه، فباعه رجل مدبره، ولو يخبره أنه مدبر، فأعتقه فإنه يجزئه. وروى عنه ... ¬
ابو زيد فيمن أعتق ام ولده أن أسلمت له حانه ولدها الصغير منها, قال: يرد اليجها وليس كالحرة يصالحها على تسليم الولد اليه، فذلك جائز، ولا يرجع اليه. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شر حبيل الى سحنون، فى رجل أوصى بعتق أمته وهى حاضرة ساكتة تسمع لا تدعى حرية فشهدت بذلك بنية وقالوا ولا نعلمها, ثم قالت بعد موته أنا حرة قال: لا يضرها سكوتها. تم الجزء السابع عشر بحمد الله وعونه ويتلوه إن شا الله فى الثامن عشر كتاب المدبر وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم (¬1) تم الجزء الثانى عشر من كتاب النوادر والزيادات ويتلوه الجزء الثالث عشر أوله كتاب المدبر ¬
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني 310 - 386 تحقيق الأستاذ محمد عبد العزيز الدباغ محافظ خزانة القرويين بفاس المجلد الثالث عشر
كتاب المدبر
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المُدبَّر ذكر أحكام المدبر، ومنع بيعِه وغير ذلك من أحكامه، وكيف إن بيع ميراثُ المكاتب وفات بعتق أوغيره؟ ... من كتاب ابن سحنون قال: ولما أجمع المسلمون على انتقال اسم المدبر، وجب انتقال حُكمه كما انتقل اسم المكاتب وحكمه، فإن قيل ذلك كتسميتهم إياه موصى بعتقه، قيل: هذا صفة لفعل السيد، وقولهم مدبر اسم لعين العبد، ولما أجموا أنه يرجع في الموصى بعتقه بالقول وكان التدبير لا يرجع فيه القول عند من خالفنا، وإنما قال قوم له بيعه وهبته افترقا وحديث جابر يدل أنه بيع في دين، لأن النبي عليه السلام دعا به، فقال: من يشتره؟ فلما بطل [أن يلي] (¬1) بيعه لغير معنى لم يبق إلا أنه تبع وليه لتنفيذ ما لزم، واحتمل بيعه في دين بعد الموت أو في الحياة لدين قبل التدبير. وتأول قوم إنما باع عليه الصلاة والسلام خدمته للغرماء، وذلك محتمل. وروي أنه لم يكن له مال غيره فمات، فقال النبي عليه السلام من يشتريه؟ واختلف فيه عن جابر، وروي أنه أعتق رجل عبده، وروي دبره، قال محمد: ولا يحتمل أن يلي بيعه عليه السلام على سيده إلا لمعنى يليه من له الحكم بين الناس، فلم يكن ذلك إلا لتنفيذ ما لزم والله أعلم. ¬
وقد قضى عمر رضي الله عنه بإبطال بيعه في ملإ/ خير القرون، فما أنكروا، وهذا كالإجماع، وهو حجتنا في [منع] (¬1) بيع أم الولد، وقال مالك: أنه الأمر المجتمع عليه عندهم، إنه لايبيعه ولا يحوله عما أوجب فيه، وأنه في ثلثه بعد موته بعد دينه، ولا يجوز أن يكون من رأس ماله وقد استبقا خدمته إلى مماته. قال مالك: ولا يجوز أيضا له بيع خدمة المدبر لأنه خطر لا يدري مبلغ حياة السيد ولا حياة المدبر. قال مالك: وإذا أعطي المدبر سيده مالا على تعجيل عتقه أو أعطاه أجنبي على ذلك مالا جاز، وليس ببيع لرقبته ولا لخدمته، وإنما هو على تعجيل عتق، والولاء لسيده. قال سحنون: كما جاز مثله في أم الولد ولا بيع فيها ليس ببيع خدمة ولا رقبة، [وإلا جاز] (¬2) في خلع الزوجة منها ومن أجنبي، وهو ليس له بيع منافعه منها. قلت: وكيف توطأ. وفيها من تأكيد العتق ما ذكرت،؟ قال: أم الولد آكد حالا منها، وهي توطأ، ولم يجز وطء المكاتبة لأنها بالأداء تعتق، والوطء يؤول إل إبطال تعجيل عتقها بالحمل، فلما كان يصل به إلى إرقاقها منع لما لزمه لها من شرط العتق بالأداء، وهو أيضا مانع من السعي والكسب الذي به تعتق، والوطء في المدبرة مزيدا في تأكيد حالها. ولو كانت المكاتبة قد أيس منها الحمل لم يطأها لأنه منع للسعي في وقته. قال: ومنع من وطئ المعتقة إلى أجل لأنه يصل بذلك إلى منع ما جعل لها من تعجيل العتق بالحمل، فيصير مظنة له في حياته. قال سحنون: وقد تأكد منع بيع المدبر عند السلف/من الصحابة والتابعين، وقد جعله الشعبي ومسروق من رأس المال، وأهل العراق لا يرون بيعه بعد الموت في الدين، ولكن يعتق ويسعى في قيمته، قيل فما ذكر عن عائشة أنها باعت مدبرة لها سحرتها، وأمرت أن تباع من أشر أهل بيت في العرب؟ قال: لا حجة في هذا لأن الحادث الذي فعلت من السحر يوجب قلتها فكيف ¬
ببيعها (¬1)؟، ولا نجد عن أحد من السلف بيعه لغير حادث، ولا يفتى بمثل هذا ما تأكدوا واستوطئ من منع بيعه في صدر الأمة، وذكر في العتبية (¬2) عن ابن القاسم هذه الرواية عن عائشة. قال في كتاب ابن المواز [وابن سحنون]: وقد طلب عمر رد المدبرة التي باعتها عائشة فلم يجدها، فجعل ثمنها في مكانها، يريد في أمة، مدبرة. وكذلك روى ابن حبيب عن ربيعة أن عمر أخذ الثمن منها فاشترى به جارية فجعلها مكانها مدبرة. ... ومن كتاب ابن المواز قال مالك في المدبرة: إذا فسدت بالزنى وكثرة الإباق فلا تباع، وإن رضيت، وإن كانت ببدل غيرها ولتؤدب على ذنوبها، ومن باع مدبرة [جاهلا أو عارفا] (¬3) أو ناسيا رد بيعه ما لم يفت بموت أو عتق، فإن رد بيعه والبائع عديم اتبع بثمنه، وإن حدث به عيب مفسد عند المبتاع رد ولزم المبتاع قدر ما نقصه العيب المفسد، ولا يلزمه تغير الأسواق، وإن مات أو عتق مضى بيعه، ولا يرجع المبتاع بشيئ. قال مالك: وأهل مكة وغيرهم يرون بيعه في الدين في حياة سيده. قال مالك: فإذا فات بعتق فلا شيئ على البائع، [وإن مات] (¬4) نظر ما زاد من/ثمنه على قيمته على أنه مدبر على الرجاء والخوف فيجعله في عبد يدبره، فإن لم يبلغ أعان به في عتق. قال ابن القاسم: وأما إن جهل خبره فلا يدري أمات أو عتق أو غير ذلك، جعل ثمنه كله في مدبر مكانه بخلاف الموت. وقال أصبغ: وهو استحسان، والقياس عندي إذا استقصى أمره فأيس منه فهو كالميت، كما تعتد امرأة المفقود عدة الميت دون الحي. ... قال محمد: وهذا غلط، وقد طلب عمر رد المدبرة فلم يجدها فأخذ الثمن فجعله في مكانها، [قال وإذا لم يعلم] (¬5) ببيع المدبر حتى مات سيده، فإن كان ¬
عليه دين محيط لم يرد ومضي، وإن كان لا دين عليه رد، فإن لم يدع غير ثمنه عتق ثلثه، وللمبتاع رد الثلثين له، والعتق فيه، إلا أن يكون علم يوم الشراء أنه مدبر ولا جحة له. ... قال ابن سحنون: قيل لسحنون فقد قال مالك فيمن دبر شقصا له من عبد، قال يقاويه فيه شريكه وهذا بيع، قال: قد قال مالك إنه يقوم عليه، فعلى هذا القول يناظرك، وقال غيره كذلك، واختلف قوله إن بيع فعتق، قد قال [في أحد قوليه] (¬1): إنه يرد عتقه بكل حال. ... من كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬2) رواية أبي زيد عن ابن القاسم قال: وإذا باع الورثة المدبر بعد موت السيد بعرض فليرد، ويعتق في الثلث إن حمله، ويأخذ المبتاع عرضه إلا أن يتغير في سوق أو بدن فيأخذ قيمته، وإن رق بعض المدبر لضيق الثلث فشاء التماسك بما رق منه فذلك له. ... قال في العتبية (¬3): وإن كان الثمن غنما فتوالدت فهو فوت يوجب القيمة فيها، قال في الكتابين: ولو مات المدبر بيد هذا/المشتري، قال في كتاب محمد: إذا أعتقه فإن كان للسيد أموال مأمونة رد الورثة قيمة العرض في موته، لأن المدبر تمت حريته بموت السيد، وإن لم يكن له مال مأمون فإن مات المدبر، قال في كتاب محمد فإن كان بحدثان بيعه قبل النظر في مال الميت فهو من المبتاع، وينفذ بيعه، قال في الكتابين فإن مات بعد زمان من اشترائه وقد عرف إنه كان يخرج من ثلثه فمصيبته من الورثة، فيأخذ المشتري قيمة عرضه، وإن خرج بعضه في الثلث [رجع بقدر ما كان يخرج منه في الثلث] (¬4) ومصيبة ما رق منه من المشتري. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: كان مالك يقول في المدبر يبيعه سيده فيعتق إن يرد عتقه ويعود مدبرا، ثم قال يمضي وإن كتمه ذلك، ولا ¬
يرد إن فات بالعتق أو بالموت، فإن فات بالعتق فالثمن للبائع سائغ حلال، فإن مات المدبر حبس قيمته مدبرا على الغرر، وجعل ما فضل في رقبتة يدبرها، فإن لم يبلغ شارك به في رقبة، فإن لم يجد أعان بها من عجز عن ثمن أو من عجز عن بقية عليه يعتق بها، فإن لم يجد أعطاها مكاتبا يستعين بها في كتابته، ونحو ذلك لأصبغ في العتبية (¬1)، ونحوه في كتاب ابن حبيب عن مطرف عن مالك، ومنه ومن كتاب ابن المواز فإن باع مدبرة فاتت بحمل من المشتري فهو كالعتق، وكذلك لو كانت بين رجلين فوطئها أحدهما فحملت فعليه نصف قيمتها أمة وتكون له أم ولد. ومن العتبية (¬2) قال سحنون: ومن باع مدبرته فزوجها المشتري من عبده فأولدها العبد/جارية ثم أعتق المشتري الأمة، قال يمضي عتقها ويرق ولدها للمبتاع، وقاله ابن نافع. قال سحنون: من باع مدبره على أنه عبد فمات بيد المبتاع، فلينظر إلى ما بين قيمته عبدا وقيمته مدبرا فيجعله في رقبة، ولا يقضي عليه بذلك. وروي عن سحنون في موضع أخر أنه يرد ما بين القيمتين إلى المشتري، قال في العتبية (¬3)، فإن غاب المدبر فجهل أمره وموقعه، ولا يدري أحي هو أم ميت؟ قال يعمر المدبر فإن قدم قبل ذلك نظر فيه، وإن جاء عليه مالا يعيش إلى مثله صنع فيه ما ذكرنا في الميت، وقال أصبغ: يجعل ثمنه كله في مدبر إذا جهل خبره بخلاف إن عتق أو مات، وذكر إن هذا استحسان في الذي جهل خبره، وأن القياس أنه كالموت، وكذلك ذكر عنه محمد وقد ذكرنا رد محمد لذلك عليه. قال أصبغ عن ابن القاسم في مكاتب اشترى مدبرة فأحبلها، قال يوقف عنها فإن عتق فهي له أم ولد، وإن عجز ردت وولدها مدبرين لسيدها وليوقف الثمن قبل ذلك، إلا أن يكون البائع مليا. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: ومن باع رقبة مكاتبه فأعتقه المشتري مضي عتقه. قال أشهب فإن كان بعلم المكاتب ورضاه فهو كالعجز وولاؤه للمشتري، وإن لم يعلم فالولاء ¬
في المدبر يقع في المغانم أو يشترى من العدو، ومن أحلت مدبرتها لزوجها
للبائع. وقال عبد الملك: ينقص عتقه فيرجع مكاتبا على حاله، وقال ابن القاسم: عتقه ماض والولاء للمشتري، وإن مات بيده قبل أن يعتقه فهو منه، والثمن سائغ للبائع كله بخلاف موت المدبر بعد أن باعه,/ وكذلك ذكر ابن حبيب عن مطرف قال مطرف: ولا يباع المكاتب وإن رضي المكاتب لأن الولاء ثابت لسيده، ومحمل شراء عائشة لبريرة (¬1) أنها عجزت، وقاله سحنون وغيره. ومن كتاب ابن المواز، ومن ابتاع مدبرا ولا يعلم وقد أخبر البائع أنه يريد عتقه عن ظهاره فباعه منه ولم يخبره أنه مدبر فأعتقه عن ظهاره، قال اختلف في عتق المدبر عن رقبة واجبة واجبة إذا اشتراه، فقال ابن القاسم يجزئه ولا يرجع بشيء، وقال أشهب: لا يجزئه وينفذ عتقه ولا شيء على البائع، قال ومن باع مدبرا أو مكاتبا من رجل على أن يعتقه رد ما لم يفت بعتق، فإن عتق نفذ والولاء للبائع لشرط العتق، وفي أمهات الأولأد باب في بيع أم الولد إن بيعت فيه من هذا المعنى. في المدبر يقع في المغانم، أو يشتري من العدو، ومن أحلت مدبرتها لزوجها قال: ... وهذا الباب أكثره في الثاني من الجهاد من كتاب ابن المواز، وإذا أبق مدبر إلى العدو، أو أسروه، فوقع في سهمان رجل فسيده مخير أن يؤدي إليه الثمن الذي أخذه به وإلا فليختدمه فيه هذا، فإن أوفى عاد إلى سيده، وإن مات سيده قبل ذلك فإن خرج من ثلثه عتق واتبعه ببقية الثمن عند ابن القاسم، وكذلك إن حمل بعضه أتبعه بحصته فأعتق منه ورق له باقيه، وقال عبد الملك وهذا فيمن/ اشتري من أيدي العدو، وأما من وقع في المقاسم فلا تتبع حصته ماعتق منه بشيء كالحر يقع في المقاسم لا يتبع بشيء، وإن باعه العدو تبع. قال محمد: والقول ما قال عبد الملك. ¬
في المدبر يهب سيده رقبته أو يهب خدمته مدة معلومة ثم هو حر، وكيف إن مات بعد ذلك وعليه دين أو لا دين عليه؟
وكذلك في المكاتب والمعتق إلى أجل لا يتبع إلا بما يتبع به الحر ولا يملك منه إلا ما كان فيه من رق في المدبر يهب سيده رقبته أو يهب خدمته مدة معلومة ثم هو حر، وكيف إن مات بعد ذلك وعليه دين أولا دين عليه ومن كتاب ابن المواز: ومن وهب رقبة مدبره لرجل فحازه الموهوب ثم مات السيد ولم يدع مالا غيره فإنه يعتق ثلثه فيرق ثلثاه للموهوب له أو ما رق منه، وذكر ابن حبيب مثل ذلك عن ابن القاسم، وذكر أصبغ مثله في العتبية (¬1) عن أشهب. وقال ابن حبيب عن ابن القاسم، وكذلك لو تصدق به على ابن كبير حائز الأمر فحازه في حياة أبيه في صحته، وإنه كما لو أخدمه إياه أو لأجنبي ولم يدع غيره يعتق ثلثه، وللمخدم ثلثا خدمته حتى تنقضي المدة، ولو كان الإبن الذي تصدق به عيه صغيرا عتق ثلثه ورق ثلثاه لجميع الورثة، والفرق أن الصغير لا تكون حيازة الأب له حيازة في مثل هذا لأنه فعل في المدبر من هذا ما لا يجوز وما لا ينبغي أنه لو كان على اجنبي أن يمكن من حيازته فلذلك/ صار الأب للصغير في [مثل] (¬2) هذا غير حائز ولأنه لو تصدق على ابنه الكبير فحاز الصدقة ثم قام غرماؤه فقالوا الدين قبل الصدقة أن على الغرماء البينة، ولو كان على ابنه الصغير كان الدين بها حتى يعلم [أنها قبل الدين قاله مالك وقال أصبغ إذا شهد حيازته ذلك ذلك لهم فهم كالأكابر هم أحق بها حتى يعلم أنها] (¬3) كانت بعد الدين، وقاله مطرف وابن الماجشون. قال ابن القاسم: وإذا علم بمكروه ما فعل في حياته من صدقته بالمدبر على أجنبي أو ولد فليرد ذلك، وإن قبض قال أصبغ ¬
يرد ذلك ولا يبقى له فيه خدمة، ولا خدمة ما عسى أن يرق منه بعد الموت، أصبغ وكذلك لو وهب رقبة المكاتب أو المعتق إلى أجل لرد إذا أعتق عليه في حياة المتصدق [ولا شيء له (¬1) في كتابة ولا خدمة، وقد قيل أن المتصدق عليه أولى بذلك كله، يريد بما رق منه بعد الموت، ولست أقوله لأنه ليس الذي قصد المتصدق، وإن رددناه لوجه رددناه أجمع، وإن أجرته كانت عطية لما بعد الموت على غير وصية] (¬2). قال أصبغ: فإن لم يعثر على هذا حتى مات السيد فليعتق في ثلثة، فإن لم يسع فما رق منه لورثته دون المعطي إذ لا يجوز أن يعتق بعضه في ثلث سيده وباقيه لغير ورثته، وكذلك لو كان باعه فلا خيار للمشتري أن يتمسك بما رق منه بحصته من الثمن، وقال ابن القاسم إن المتصدق عليه والمبتاع أولى بما رق منه، والقول الأول الذي اخترت قول المغيرة وابن الماجشون/ ومطرف. قال أصبغ: ولو كان الميت المتصدق عليه وقد أوصى بعتقه، فلا عتق له ولا وصية له فيه، إن خرج من ثلثه وليرد مدبرا إلى سيده، ولو أعتقه في صحته لم يجز ذلك أيضا ورد بخلاف أن لو ابتاعه فأعتقه، او أوصى بعتقه، فعتق، في ثلثه أو بعضه، فهذا يمضي ويرد ما رق منه إلى البائع وهذا قد ضمنه بالشراء، وللناس في بيعه اختلاف، ولم يقل مالك فيما علمت في الصدقة إن أعتقه المتصدق أنه يجوز عتقه، وقاله في عتق المبتاع. ومن كتاب ابن المواز قال محمد: وإذا وهب مدبره ثم مات السيد وعليه دين استحدثه بعد الهبة فهو رق للموهوب إن أحاط به الدين، أو مات رق منه إن لم يحط به، ولو كان عليه أيضا دين قبل الهبة كان اهل ذلك الدين أولى به يباع له. وقال أشهب: لو كان الدين القديم درهما والدين الذي بعد الهبة يغترقه، لا يبع كله بسبب الدين القديم. قال محمد: والذي آخذ به أن لا يباع منه إلا قدر الدين القديم وحده. وقاله ابن القاسم وأصبغ: يريد محمد أن قول ابن القاسم يباع منه بقدر الدين القديم ويدخل معهم فيه الآخرون، ثم لا يباع منه شيء. قال واجر مدبره سنة وقبض إجارته ثم مات بالقرب، يريد قبل أن ¬
يختدمه شيئا، ولم يدع غير رقبته، فقال ابن القاسم: إن كان ما أخذ في إجارته يحيط برقبته/ لم يبع منه شيء واختدمه المستأجر السنة ثم عتق ثلثه ورق ثلثاه، وإن كانت الإجارة لا تحيط برقبته بيع منه بثلثيها فيدفع إلى المستأجر ويختدم ثلثيه المستأجر، فإن فضل منه أكثر من ثلثيه. بعدما بيع منه عتق ما فضل على ثلثي رقبته وخدم ثلثاه سنة، وإذا تمت عتق منه تمام ثلث ما بقي منه بعد الذي كان بيع منه، ورق ما بقي منه، قال محمد: وأحب إلينا أن لا يباع منه شيء لو كانت الإجارة دينارا وأخذوا ثمنه واسعا حتى يتم السنة فيعتق ثلثه، ولأنك لا تبيع منه شيئا لدين الإجارة إلا كان في باقية له حجة بدين الإجارة، ألا ترى أن ترى أن من أخدم مدبره رجلا سنينا وحازه في صحة السيد ثم مات السيد فإن حمله الثلث بطلت الخدمة وعتق، وإن لم يدع غيره عتق ثلثه وسقط ثلثا الخدمة، واختدم ثلثة، وإن كان عليه دين قل أو كثر فالخدمة أولى به حتى تتم المدة لأنه لا يرق منه شيء للبيع إلا كانت الخدمة التي هي قبل الدين أملك به، ولا يعتق منه شيء بعد مقدار الدين، إلا قال أهل الدين لا عتق له، أو سيده دين ولو عجلت عتق شيء منه ولم أبع منه للدين ولعله لا تأتيه تمام الخدمة حتى تتغير القيمة إلى ما دون ذلك. قال محمد بن المواز: وإنما أراد ابن القاسم أن يبيع منه رجاء أن يعجل عتق شيء منه، والذي رق من العبد أكثر مما عجل له من العتق والصواب/ أن لا يباع منه شيء قلت الإجارة أو كثرت، ومن كتاب ابن سحنون والعتبية (¬1) وكتاب ابن حبيب ذكروا هذه المسألة فيذكرها ابن حبيب عمن رضي من أهل العلم، وذكرها العتبي عن سحنون بعينه، وقال ابن سحنون: قال سحنون قال بعض أصحابنا وأنا أقوله وكل ما في هذه الكتب منها معنى واحد واللفظ لكتاب ابن سحنون قال: إذا واجر مدبرة سنة بتسعة دنانير وقبضها فأتلفها ومات مكاتبه قبل أن يختدم ولم يدع غير المدبر وقيمته سبعة وعشرون دينارا، فإنه يقسم ما على السيد من دين الإجارة على ما يعتق من المدبر وما يرد منه، فيقع على ثلثه من ذلك ثلاثة دنانير، فيباع منه بثلاثة ويعتق منه باقي ثلثه وهو ستة دنانير ويختدم ¬
ثلثاه منه، فإذا تمت أتم له ثلث السيد وهو ثمانية، فيعتق منه الآن ديناران تمام ثلثه بعد الدين، ولو كان عليه مع ذلك ثلاثة دنانير دنانير دينا لأجنبي بيع من ثلثه لدين الأجنبي ولثلث دين الإجارة ما دام يبقى من ثلثه بعد ذلك بقية، ثم يعتق تلك البقية الآن على ما ذكرنا، فأما إن كان دين الأجنبي مع ثلث الإجارة يستوعب ثلث قيمته فإنه لا يباع منه شيء ويبقى كله يختدم، فإذا تمت السنة بيع منه للدين وعتق ثلث ما بقي، وكذلك إن كان ثلث الإجارة مثل ثلث قيمته فأكثر ولا دين عليه غيره فإنه لا يباع منه/ شيء ويواجر. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لمدبره في صحته اخدم فلانا سنة وأنت حر ثم مات السيد قبلها فإن حمله ثلثه عتق وزالت الخدمة، وإن حمل بعضه عتق ذلك البعض وخدم ما لم يخرج منه باقي السنة ثم يخرج حرا كله، وكذلك إن يدع غيره فعجل ثلثه ويخدم ثلثاه في تمام المدة، ثم حر كله، قال ابن القاسم وهذا إذا أجاز الخدمة في الصحة، فإن لم يجزها حتى مرض السيد ومات فلا تبدئة له ويختدم الورثة ما لم يحمل الثلث منه بقية المدة، ثم يكون حرا من رأس المال، وإن مات السيد وعليه دين محيط استحدث وقد جرت الخدمة في الصحة اختدم جمعية باقي المدة، ثم كان حرا، وكذلك لو أن الدين المستحدث غير محيط، او كان دينارا واحدا أو أقل منه، يريد ولا ثلث له يخرج منه، قال وإن لم يجزه المخدم والغرماء أحق بخدمته بقية المدة، ثم هو حر، وإن استوعبوا دينهم من الخدمة قبل المدة عتق ثلثه، واختدم الورثة ثلثيه بقية المدة، ثم صار حرا كله، قال ومن أخدم مدبره رجلا سنينا أو حياة ثم هو حر، أو جعل مرجعه إليه وقد حازه المخدم في صحة سيده وله مدبر آخر ثم مات ولم يحملهما الثلث فالمخدم الذي مرجعه إلى حرية يعتق من رأس المال بعد الخدمة، ولكن تقوم خدمته حياة الرجل أو بقية السنين إن كانت سنينا مع رغبة الآخر، فما خرج منهما عجل عتقه فيهما وما رق من المختدم/ خدم بقية المدة ثم صار حرا كله، وما رق من الآخر فهو للورثة رقيق، ولا يرق من المختدم شيء لأنه يعتق إلى أجل، فأما الذي وهب خدمة مدبره عمرا أو أجلا ثم مرجعه إليه وخير في الصحة، أو وهب رقبته لرجل وحازه في الصحة ثم مات، فإن حمله الثلث عتق
فيمن أخدم عبده ثم دبرها أو كاتب عبده ثم دبره، أو دبره ثم كاتبه، أو قاطعه على مال، أو أعتقه الى أجل أو قبل موته بشهر أو بعده، أو قبل موت العبد بشهر وشبه ذلك
وسقطت الهبة والخدمة، لأن حكم التدبير سبق، وإن لم يحمله عتق محمله ولا يختدم تلك الصحة، واختدم المخدم باقيه إلى المدة ثم صار للورثة، وأما الموهوب فيسترق الموهوب بقيته ولو كان على السيد دين استحدثه بعد أن وهب رقبته، فالموهوب أحق برقبته من الغرماء ومن الورثة. فيمن أخدم عبده ثم دبره، أو كاتب عبده ثم دبره، أو دبره ثم كاتبه، أو قاطعه على مال، أو أعتقه إلى أجل أو قبل موته بشهر أو بعده، أو قبل موت العبد بشهر وشبه ذلك ... من كتاب ابن المواز، ومن أخدم عبده رجلا حياته ثم دبره فإن جعله حرا بعد الخدمة فلا يرجع إلى ثلث سيده، وهو معتق إلى أجل، ويعتق بتمام الخدمة لأنها قبل التدبير، وإن جعل مرجعه إليه مدبرا، أو إلى ورثته قوم في الثلث مرجعه على الرجاء والخوف فيحاصه بذلك إن كان معه مدبر غيره، يريد محمد، ويعتق مقدار ذلك منه بعد وفاء الخدمة. ومن قال لمدبر متى ما جئتني أو إن جئتني بثلاثين/ دينارا فأنت حر فمات السيد ولا مال وقيمته مائة، فيحط عنه عشرة، ويؤدي عشرين فإن عجز عنها رق ثلثاه وإذا اشتهر المدبر خدمة رقبته فهو حر مكانه، وفي العتبية (¬1) قول عن مالك أنه لا يلزم ورثته عتقه. ومن العتبية (¬2): أصبغ عن ابن القاسم في مدبر عجل له سيده العتق على أن يعطيه عشرة دنانير إلى شهر، ثم مات السيد وترك مالا هل يعتق فيه وتسقط العشرة؟ قال لا، وهي له لازمة، فإن فلس السيد فلا يحاص بها السيد غرماءه، وهم مبدؤون عليه، وقاله أصبغ لأنه قد انتفع بتعجيل الحرية ولو طرفة عين وكذلك في كتاب ابن المواز، وفي أبواب العتق باب من أعتق عبده أو مدبره على مال، أو قاطعه فيه من هذا المعنى. قال ابن القاسم في العتبية (¬3): من دبر عبده ثم كاتبه ثم مات فإنما يجعل ¬
في المدبر يكاتب ثم يموت السيد وعليه دين يغترق الرقبة أو بعضها أو بعض الكتابة
في الثلث قيمة رقبته، ولو كاتبه أولا ثم دبره جعل في الثلث الأقل من قيمة الكتابة أو قيمة الرقبة، وفي المكاتب باب في القول في هذا. في المدبر يكاتب ثم يموت السيد وعليه دين يغترق الرقبة أو بعضها أو بعض الكتابة ... ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس أن يدبر عبده، ثم يعتقه إلى أجل، أو يعتقه إلى اجل ثم يدبره، فإن مات سيده قبل الأجل في الوجهين، جعل في الثلث قيمة خدمته باقي الأجل. ... وقيل إن كان التدبير أولا قومت رقبته، وليس بشيء لأنه لم يكن يملك غير خدمته، ولو كان عليه دين لم يرده، ولم يكن للغرماء غير خدمته، وأما المدبر المكاتب فقد/ قيل إن تم تدبيره ثم كاتبه قومت في الثلث رقبته فما رق منه فهو مكاتب، ومن قال لأحد مدبريه أنت حر إلى سنتين فمات بعد سنة فإنه يحاص المدبر الآخر بتلك السنة فما يرق، من ذلك خدم ورثته بقية السنة ثم عتق كله، ولو كان على السيد دين يغترق الرق المدبر، واجر الغرماء بقية السنة في الآخر وخدم حرا، وإنما يكون في الثلث بقية المدة أوجب فيه الخدمة حياة المخدوم، أو أجلا بعد تدبيره أو قبل، وكذلك لو أوجب ذلك فيهما جميعا، ومن قال أنت حر بعد موتي بشهر، فهو من الثلث، وإن قال قبل موتي بشهر، فقال ابن القاسم: لو قال قائل يعجل عتقه لم يبعد، ولو عجل عنه حتى مات فهو من رأس المال لا يلحقه دين مستحدث، وقال أيضا يخارج ولا يعطي خراج شهر حتى يدخل الثاني، وقال أشهب: لا يعتق إلا من الثلث، ويطؤها إن كانت أمة، ولو قال أنت حر قبل موتك أيها العبد بخمس سنين، فلا شيء عليه ولا حرية للعبد، وهذا مكرر مستوعب في باب العتق إلى أجل. ومن العتبية (¬1) قال عبد الملك بن الحسن، قال ابن القاسم، ومن قال لعبده اخدم ورثتي سنة ثم بعد سنة تأتي ¬
ذكر ما بوجب التدبير من اللفظ وفيمن قال لعبده أنت مدبر، وقال إن مت أو لم يقل، أو قال أنت حر بعد موتي، وكيف إن قال أنت مدبر عن ابني
بوصيف، ثم أنت حر، فيأتي بالوصيف بعد السنة بشهر أو بنصف شهر أو أكثر، من ذلك قال يعتق، ومن أوصى عند موته فقال لغلامي من كل سنة شهر، قال يعتق منه جزءا من إثني عشر جزءا. ذكر ما يوجب التدبير من اللفظ /وفيمن قال لعبده أنت مدبر، وقال إن مت أو لم يقل، أو أنت حر بعد موتي، وكيف إن قال أنت مدبر عن ابني ... من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم في الصحيح يقول لعبده أنت حر بعد موتي، فإن لم يرد به وصية فهو تدبير. ... [قال أصبغ: إن مات فهو تدبير،] (¬1) والحي يسأل ويصدق أنه أراد الوصية مع يمينه، وتم قول لأشهب به المدونة ومن المجموعة قال ابن القاسم، قال مالك، في صحيح قال لعبده أنت حر يوم أموت، يسأل فإن أراد الوصية صدق، وإن أراد التدبير صدق، وقال عنه ابن وهب كل ما أعتق الرجل بعد موته في صحة أو مرض فهي وصية ما لم يدبر، فإذا قال أعتقته عن دبر فهو مدبر، قال عنه علي إذا قال في صحته أو مرضه هو حر متى مت، فإن استيقن أنه أراد ان لا يغير ما عقد له حتى يموت فهو تدبير. قال عنه ابن نافع، فيمن كتب كتابا لجاريته فكتب أنها مدبرة تعتق بعد موتي إن لم أحدث فيها حدثا، قال هذه وصية له الرجوع فيها لقوله إلا إن أحدثا. ومن العتبية (¬2) قال يحيي بن يحيي عن ابن القاسم فيمن قال غلامي حر متى ما مت لا يغير عن حاله، هذا في مرض أو صحة فهو تدبير، وليس له بيعه ولا الرجوع فيه، ولا يصدق أنه أراد الوصية في هذا. قال عنه أصبغ في مريض قال إن مت من مرضي هذا فعبدي مدبر، قال ¬
هي وصية وليس بتدبير إن مات من مرضه./ وإن عاش فهي وصية يرجع فيها إن شاء، إلا أن يكون أراد به التدبير مثل أن يقصد عند الوصية التدبير ويخطى وجه الكتاب والوصية، يظن أن ذلك هو التدبير. ... قال أصبغ: فهو تدبير أو ترى البينة انه مراده فيما يرون ويقطعون أو يوقف قبل موته فيقول أردت التدبير فيصدق، وقاله ابن القاسم. ... ومن كتاب ابن المواز قلت كيف التدبير في المرض؟ قال بمثل القول في الصحة يقول أنت مدبر، [أو يقول أنت حر عن دبر مني] (¬1) أو يقول أنت حر متى ما مت، أو إن مت، ولا مرجع لي فيك، وشبه هذا وقاله أشهب أفرد ذلك بكتاب، أو جعله مع ذكر وصاياه. ومن قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فعبدي فلان حر او مدبر، قال ابن القاسم فهو تدبير لازم لا رجوع فيه. ... وقال أصبغ: هذا إن أراد وجه التدبير [فيما يرى أنه أراد ذلك إذا مات، كالذي يريد التدبير] (¬2) ولا يعرفه فيقول إذا موت فعلامي مدبر بمعنى أن يعتق بالتدبير، فهذا لا رد فيه، وأما إن أراد عن مات فهو مدبر على غيره من ورثته أو غيرهم، فهذا له أن يرجع فيه، والقول في ذلك قوله فيما يدعي منه، وإلا عمل بما يستدل به. ... قال ابن القاسم، ولو قال مريض غلامي حر وهو مريض لم يزد على هذا ثم رجع في مرضه أو بعد أن صح، فقال إنما أردت بعد موتي ولم أبتله، إنه مصدق، وقال أصبغ إلا أن/ يرى أنه أراد البتل، ويقطع بذلك الشهود فيما رأوا من معناه، ولم يروا للوصية وجها. ... ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وابن كنانة: إذا قال إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر فليس له رده إذا جعله مدبرا بعد موته، قال سحنون، قال لي ابن القاسم في القائل أنت حر بعد موتي إن كلمت فلانا فكلمه، فإنه ¬
يلزمه عتقه بعد الموت، قال سحنون، ومن حلف بالتدبير فحنث لزمه التدبير. قال ابن المواز، قال ابن القاسم، فيمن قال في مرضه غلامي هذا مدبر على أبي لزمه ولا يرجع فيه، إن كان منه على البتل لا على الوصية، ويخدم الأب وورثته حياة الإبن. [والولاء للإبن وإن كانت أمة لم يطأها الأب ولا الإبن] (¬1). ... وروي عنه أبو زيد، فيمن قال أنت مدبر على ابني أنه مدبر على نفسه، ولا يعتق إلا بموته من الثلث، وأما بموت الأب فلا، إلا أن يقول أنت مدبر عن ابني، أو أنت مدبر من أبي فينفذ ذلك عن أبيه. محمد وذلك عندنا سواء قال عن أبي أو على أبي، وهو يعتق إلى أجل، إلى حياة أبيه، (والولاء) لأبيه، وإن كان أبوه ميتا فهو حر مكانه، والولاء لأبيه، وهذا مذكور في الولاء. ... ومن سماع ابن القاسم، ومن قال غلامي حر عن أبي في وصيته في مرضه فذلك جائز، ولا رجوع له لأنه أعتقه إلى أجل. ... قال ابن القاسم، ولا يطؤها الإبن إن كانت أمه ولا الأب. قال أبو زيد عن ابن القاسم، وإن قال مريض جاريتي مدبرة عن ولدي إن مت، ثم صح فلا شيء عليه، ولا تكون مدبرة عن/ ولده، ولو لم يستثن ولم يقل من مرضي فهي مدبرة وإن صح، وإن قال رجل لعبده أنت مدبر عن إبني فسواء كان الأب حيا أو ميتا فلا يعتق إلا بعد موت الأبن المدبر، لا بعد موت الأب، إلا أن يقول لعبده أنت حر عن دبر من أبي، فإن كان الأب ميتا كان حرا الساعة، وإن كان حيا فإنما يعتق إذا مات أبوه وولاؤه للأب. قال ابن حبيب، قال أصبغ فيمن دبر عبده عن رجل في صحته فهو حر إلى موت الذي دبر عنه لا يلحقه دين واحد منهما وولاؤه للأجنبي، ولو قال له هبه لي على أن أدبره ففعل فهو مدبر عن الموهوب، ويلحقه دينه، وله حكم مدبريه. ... ومن المجموعة ابن القاسم، عن مالك، ومن قال أنت حر بعد موتي بخمس سنين، فالسنين تحسب من يوم مات، وله أن يغير ذلك قال ابن حبيب، قال ابن ¬
فيمن باع عبدا من رجل على أن يدبره أو يعتقه، أو أمة على أن يتخذها أم ولد، أو أخذ مالا على أن يدبر عبده
الماجشون، ومن قال في عبده هو علي حبس ما عشت، فإذا مت فهو حر، أنه بمنزلة المدبر الموصي بعتقه وليس كالمدبر وله بيعه. فيمن باع عبدا من رجل على أن يدبره او يعتقه، أو أمة على أن يتخذها أم ولد، أو أخذ مالا على ان يدبر عبده ... من كتاب ابن المواز، قال مالك، لا يأخذ أحد من أحد مالا في عبده على أن يدبره، فإن نزل مضى وعليه قيمته يوم قبضه إن باعه على الإنجاب. قال محمد، وهذا غلط، وجواب مالك عن قوله عليه القيمه إنما هو على من/ باع غلامه من رجل على أن يدبره فدبره فأما إن باعه على الإيجاب فهو بعقد البيع مدبر وفيه القيمة، وأما إن باعه على يدبره فهذا إن فات بالتدبير فلا يرد وفيه القيمة، وقاله أصبغ، وقال إن أدرك الذي على غير الإيجاب رد، وإن فات بعتق أو موت أو تغير سوق أو بدن، رجع ببقية ثمنه، قال محمد، وأما مسألة مالك من أخذ من رجل مالا على أن يدبر عبده فدبره، فليرد ما أخذ ويلزمه التدبير، وكذلك من أخذ مالا على أن [يتخذ أمته أم ولد ففعل فليرد ما أخذ وأما لو باعها على أن] (¬1) يدبرها أو يتخذها المبتاع ففعل، فليغرم المبتاع ما وضع له بهذا الشرط. قال أشهب فيمن يعطي لرجل مالا على أن يدبر عبده أو يعتقه إلى أجل، فإن ترك ذلك مضى، ويتبع السيد الرجل بما ألزمه نفسه، يريد من المال. وقال ابن القاسم، لا يجوز هذا. قال محمد وينفذ التدبير والعتق إلى أجل، ولا شيء على الرجل، ولا يعجبني قول أشهب، وكذلك في الكتابة، وإنما يجوز أن يأخذ مالا على تعجيل مكاتبه، أو مدبره، أو معتقه إلى أجل. ... قال: ومن باع من رجل عبدا على أن يعتقه، أو يتصدق به، فهو جائز، فإن فعل وإلا فالبائع مخير أن يترك الشرط أو يرد العبد ما لم يكن على الإيجاب، ¬
في تدبر المولي عليه وذات الزوج والنصراني يدبره عبده المسلم أو يسلم وهو مدبر، وفي العبد ومن فيه بقية رق يدبر أمته بإذن السيد أو بغير إذن، وهل يطؤها أحدهما
والإيجاب أن يقول أبيعه منك على أنه حر، لا يقول على أن يعتقه، وهذا المعنى له باب في أبواب العتق مفرد مستوعب. في تدبير المولى عليه وذات الزوج /والنصراني يدبر عبده المسلم أو يسلم وهو مدبر، وفي العبد، ومن فيه بقية رق، يدبر أمته بإذن السيد أو بغير إذن، وهل يطؤها أحدهما ... من العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن القاسم في المولى عليه يدبر عبده لا يلزمه ذلك ولا بعد رشده اتسع ماله أو لم يتسع، وهو كما قال مالك في عتقه. ومن سماع ابن القاسم، وعن ذات الزوج تدبر ثلث جاريتها، قال يلزمها وأراه يريد التدبير كله، قال ابن القاسم، تدبر عليها كلها، وقد قال مالك إذا دبرت أمتها وليس لها غيرها فذلك جائز، ولا قول للزوج لأنه لا يخرج من يدها شيء بخلاف عتقها، وهذا كالوصية في هذا المعنى. وقال سحنون، لا يجوز ذلك إلا بإذن زوجها، وقاله مطرف وابن الماجشون أنه لا يجوز، وكذلك في كتاب سحنون عن عبد الملك وسحنون. قال ابن حبيب، قال ابن القاسم في المدبر والموصى بعتقه بعتق عبده بعد موت السيد قبل أن يقوم في الثلث، فإن كان للسيد مال مأمون فهو ومن أعتق حران يرثان ويورثان، وإن لم يكن له مال مأمون فلا عتق لهما حتى يقوما في الثلث، فإن خرجا عتق من أعتقا ولهما الولاء. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ عن ابن القاسم، في مكاتب دبر عبده فعلم السيد فلم ينكر ذلك حتى عجز، قال لا تدبير له إلا أن يكون أمره بتدبيره، وليس سكوته/ بشيء وإن علم. وروى عيسى عن ابن القاسم، فيمن أذن لعبده في تدبير أمة للعبد، يفعل فلا يمسها السيد ولا العبد، وهي معتقة إلى أجل وهي من رأس المال لا يلحقها دين وولاؤها ¬
للسيد، وإن عتق العبد، وقاله سحنون، ولو وطئها العبد فحملت فتوقف هي وولدها حتى يموت العبد فتعتق، ولو وطئها السيد فحملت لحق به الولد ولا يقربها وهي تعتق إما بموت العبد أو بموت السيد بموت أولهما، ولو قيل يعجل عتقها حين حملت لكان قولا. ... قال عيسى بل تعتق الساعة، قاله عنه يحيى بن يحيى، وليس للرجل وطء مدبرة لمدبره، أو لأم ولده، أو لمعتقة إلى أجل، وهن كالمعتقات إلى أجل إذ يعتقن بموت من دبرهن، قال، وليس لهؤلاء التدبير إلا بإذن السيد [وولاء ذلك للسيد] (¬1) إذا أذن، قال، ولو أذن لمدبرة أو لأم ولده أو يدبر أمة تكون حرة بموت الذي دبرها، وبموت السيد، فهذه يحل له وطؤها كمدبرته. قال ابن حبيب عن أصبغ في مكاتب دبر أمته بإذن سيده فليس له وطؤها إلا أن يؤدي جميع الكتابة، إذ قد يعجز فترجع الأمة إلى سيدها معتقة إلى أجل. ... قال مطرف في النصراني يسلم عبده ثم يدبره، أنه يعتق عليه لأنه أحدث ما منعناه به من بيعه، ولو كاتبه قبل إسلامه، فأما المكاتب فتباع/ كتابته والمبر يؤاجر عليه [وقال مثله ابن الماجشون] (¬2) وساوى ابن القاسم بين إسلامه قبل التدبير وبعده أنه يؤاجر عليه وفي المكائب مسألة من هذا. ¬
فيمن دبر شقصا له من عبد أو بعض عبد له أو دبر جميع عبد له أو بعضه، والمدبر بين رجلين يعتق أحدهما نصيبه
فيمن دبر شقصا له من عبد، أو بعض عبد له أو دبر جميع عبد له أو بعضه، والمدبر بين رجلين يعتق أحدهما نصيبه ... من كتاب ابن المواز، قال مالك في عبد بين رجلين دبر أحدهما حصته يتقاويانه (¬1)، فيكون رقيقا كله أو مدبرا كله، وقال أيضا إن شاء الآخر قوم عليه وإن شاء قاواه وقال أيضا: إن شاء ترك نصفه مدبرا، وكذلك لو دبر بإذن شريكه بقي نصفه مدبرا ولا حجة للعبد في تقويم، وذكر ابن حبيب عن مطرف [في كتاب عتق العبدين الشريكين] (¬2) أنه إن شاء قاوى أو قوم أو تماسك، وقاله أصبغ، قال مطرف سواء كان المدبر مليا أو معدما. قال ابن المواز وروى أشهب عن مالك إذا دبر حصته بإذن الشريك أو بغير إذنه أنه ليس للمتمسك الرضا بذلك ولابد من المقاواة، وحكى [مثل] هذا القول ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون [في كتاب العتق الأول] (¬3) قالا، لأنه حق للعبد وأخذ به ابن حبيب، وحالف ابن القاسم. قال ابن المواز عن أشهب، فإن كان الذي دبرعديما تقاويا، فإن وقع عليه بيع من نصيب صاحبه، وقال ابن القاسم لا مقاواة فيه. ومن العتبية (¬4) قال سحنون، إذا دبر أحدهما ولا مال له فقد اختلفوا فيه، وقولي أن تدبيره باطل إن لم يرض شريكه لأن المدبر/ لو قال أقاويه قيل له فإن وقع عليك لم تجد ما تغرم، وليس كمن أعتق نصيبه ولا مال له، هذا يعتق عليه ما أعتق لأن هذا ينتهي إلى عتق ناجز والآخر لا يدري هل ينتهي إلى ذلك مع عاجل الضرر به، قال إن أعتق نصيبه إلى أجل ولا مال له غيره فعتقه لنصيبه ثابت بخلاف التدبير فإن شاء ان يشتريه للشريك فذلك له، ولا يجوز شراؤه لغيره، فإن اشتراه الشريك كان معتقا كله إلى الأجل الذي أعتق نصفه إليه. قال ابن حبيب عن ¬
مطرف وابن الماجشون في عبد بين ثلاثة دبر أحدهم ثم أعتق الثاني ولا مال له فليتفاو (¬1) المتسك والمدبر، ولو كان العتق أولا لم تكن مقاواة، إذ لو أعتق الثاني بعد عتق المعسر لم يلزمه تقويم، ولو كان المعتق مليا قوم عليه نصيب من دبر، ومن تماسك، تقدم العتق أو تأخر وتقوم قيمة عبد، وكذلك تقوم أم الولد والمعتق إلى أجل في جراحهما، قاله مالك، قالا وكذلك في الشريكين إذا كان المعتق مليا ثم كاتب شريكه لقوم عليه عبدا وعتق ولو كان معمرا ثم دبر الثاني أو كاتب فذلك جائز نافذ، وإن أعتق [أحدهما إلى الأجل] (¬2) ودبر الآخر بعده أو قبله ترك بحاله، فإن مات الذي دبر أولا عتق نصيبه في ثلث فما عجز قوم على الآخر إذا حل الأجل، [وإن لم يحل الأجل] (¬3) قبل موت الذي دبر قوم على المعتق (¬4) نصيب المدبر إلا أن يشاء [أن يعتق قال مالك ولو أعتق واحدا/ ثم دبر آخر قوم على الأول إلا أن يشاء] (¬5) الثاني أن يبتل عتقه. قال ابن المواز قال أشهب: وإن دبر مديان عبده بيع عليه منه بقدر الدين ثم قاوى فيه المشتري، وقال ابن القاسم لا مقاواة فيه، ولو كاتبه أحدهما لبطل ذلك ورد رقيقا، وكذلك لو وداه رقيقا ولا مقاواة في ذلك والمال بينهما. قال ابن القاسم في المتمسك يريد المقاواة والذي دبر معسر أن يبيعه إن وقع عليه [فذلك له، ولو قاواه، ولا يعلم بعدمه ثم علم بعد أن وقع عليه] (¬6) فله فسخ المقاواة قال أصبغ لا يفسخ ويباع منه كله قدر ما عليه وما بقي كان مدبرا، كمن دبر وعليه دين، وهذا القياس، وأما الاستحسان فلا يباع له إلا قدر ما باع، قال محمد: ولو رأيت ما قال لرأيت ألا يباع إلا ما باع صاحبه فإن عجز أتبع به وهو أحب إلى. قال ابن حبيب عن مطرف، وتفسير المقاواة إذا حكم بها أن تقام قيمة عدل فيقال للذي لم يدبر أتزيد على هذه القيمة او تسلمه ¬
بها إلى المدبر؟ فإن زاد قيل للذي دبر أتزيد أو تسلمه هكذا حتى يصير إلى أحدهما؟ [وقاله مطرف وأصبغ] (¬1). قال ابن سحنون عن أبيه، وإذا شاء المتمسك أن يلزم الذي دبر بالقيمة وقوم عليه فإنه يصير جميعه مدبرا بالتقويم دون ائتناف حكم ثان، وقال ابن الماجشون: لا يكون النصف المقوم مدبرا إلا بحكم جديد، وخالفه سحنون، وقال قد اجتمعنا في العتق/ أنه بالتقويم حر ولا فرق بين ذلك، واعتل عبد الملك أنه لو دبر نصف عبده فلا يكون نصفه الآخر مدبرا إلا بحكم. قال سحنون لو لزم بهذا ما قال لزم فيما أجمعنا عليه من العتق في عتق بعض عبده أو شقص له في عبد. قال سحنون، فإذا مات الذي لم يدبر فشاء ورثته مقاواة المدبر فذلك لهم إلا أن يكون الميت علم بتدبير صاحبه السنين وما يرى أنه تارك له قيام لا مقاواة للورثة بخلاف العتق. وقال عبد الملك وسحنون في عبد بين ثلاثة دبر أحدهم وتماسك اثنان وطلبا المقاواة فليتقاووا، فإن صار للمدبر مضى مدبرا، وإن صار لمدين أو لأحدهما مضى رقيقا إن صار للمدبر، أو لأحد المتمسكين تقاوياه أيضا، فإن صار حق المدبر للمتمسك رق كله، وإن صار للمدبر مضى مدبرا، قيل فهل للمتمسك الذي صار مع المدبر فيه أن يلزمه للمدبر بالقيمة ولا يقاويه؟ قال ليس له ذلك إذا وقعت المقاواة زال التقويم، قال: وإذا دبر اثنان وتماسك واحد وطلبا المقاواة منه فليقاوهما (¬2)، فإن صار للمتمسك كله رق وإن صار للمدبر مضى مدبرا، وإن صار لأحدهما وللمتمسك ثبت بيد الذي أسلمه منهما ما أصاب صاحبه المدبر من نصيبه ومضى للذي تماسك بالرق ما أصابه، ثم عادوا كلهم للمقاواة ما دام أحدهما يسلم ويأخذ أحدهما مع التمسك لأن المدبرين/ لا تقويم بينهما لو انفردا فلا يبيع أحدهما من صاحبه، وإنما المقاواة لسبب المتمسك. قال محمد بن سحنون، فإذا وقع نصيب أحد المدبرين لصاحبه وللمتمسك وهو ثلث العبد سدسا لكل واحث ثلث للمتمسك السدس الذي صار إليه ورجع السدس الذي صار للمدبر إلى يد صاحبه ثم عادوا إلى التقويم ¬
فإن وقع ذلك السدس عليهما رجع نصفه إليه وبقي نصفه للمتمسك هكذا أبدا حتى يصير مدبرا كله أو رقيقا كله قال ثم إن تقاووا فصار نصيب المدبر الذي له الثلث للمدبر معه وللمتمسك فاقتسما ذلك الثلث نصفين فيصير للمتمسك بالرق ثلثا رقبة ثلثا له أولا ونصف الثلث عن الأول وهذا السدس الآن ويرجع السدس الذي صار إلى المدبر إلى صاحبه المدبر معه إذ لا مقاواة فيبقى بيد هذا سدس وبيد هذا سدس، وإن صار لهم النصف الذي صار للمتمسك بالرق يريد في المقاواة الثانية مضى عليها ذلك النصف نصفين فيصير منه مدبرا على صاحب الثلث الذي لم يسلم نصيبه أولا ربع العبد وثلثه وهو نصف ونصف سدس، وباقية وهو نصف إلا نصف سدس مدبرا على الذي كان أسلم أولا، قيل فهل للمتمسك بعد المقاواة أخذ حق من أسلم إليه حقه أن يدبر ما صار بيده؟ قال نعم كشريكين دبر أحدهما ثم دبر الآخر فذلك له، قال ولو دبرا/ جميعا أو دبر واحد ثم دبر الآخر ثم مات واحد منهما وعليه دين محيط فلا تقويم ها هنا ولامقاواة. قال سحنون، وإذا دبر أحد الشريكين وهو مفلس فطلب صاحبه المقاواة، فقال بعض أصحابنا تدبيره باطل فإن غفل عن الخصومة حتى مات المدبر عتق نصيبه في ثلثه أو ما حمل منه، وإن رده الدين [رق، قال ابن الماجشون، وللمتمسك أن يأتي من المقاواة مع هذا المفلس ليس لأنه يقول إن وقع عليه لم أستوف (¬1) منه، قال ولا يبقى نصيب المدبر (¬2) مدبرا للضرورة] (¬3) وقد بطلت المقاواة [فصوب قول عبد الملك] (¬4)، وقال لأشهب فيها قول لا يصح، قال وليس للمتمسك أن يلزمه إياه وهو مفلس على أن يبيعه، كما ليس له ذلك في العتق، [وذكر ابن المواز أن له ذلك في العتق] (¬5)، قال ابن سحنون، وروي عن أشهب قال إن دبره وهو معسر تقاوياه فإن وقع على المدبر أعيدت المقاواة أبدا حتى يقع ¬
على المتمسك أو يصير إلى درهم أو أقل مما يكون عند المدبر ما يؤدي في نصيب صاحبه. ... قال سحنون: وإذا دبر أحدهما فغفل عنه حتى مات فلا مقاواة ولا تقويم لموت الذي دبر كما لو أعتق. [ومن دبر نصف عبد بيني وبينه ثم أعتقت أنا بعده بتلا] (¬1) فإنه يقوم على المعتق ويسقط ولاء التدبير لضعفه، ولو أعتق الثاني إلى (سنة) فإنه يقوم ويعتق على المعتق إلى سنة، وقاله عبد الملك. قال عبد الملك وإن لم يوجد له مال بقي مدبرا، [فإن حل الأجل وله/ مال كان كمن أعتق يومئذ نصف عبد نصفه مدبر قوم قيمة السنة وعتق، وإن مات قبل ذلك عتق في ثلث المدبر حصته فإن لم يكن له ثلث فالقيمة لورثته إذا حلت السنة، ولو يمت وحلت السنة ولا مال للمعتق بقي نصف هذا مدبرا] (¬2). قال سحنون لا أقول هذا ولكن يقوم على المعتق إلى أجل، فإن لم يكن له مال يومئذ لم يقوم عليه فيما يفيد بعد ذلك ولا يتعقب بعد ذلك. ... ومن كتاب ابن المواز قال أشهب وإذا دبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر إلى أجل فإنه يعتق على الذي اعتق إلى أجل. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون وغيره من كبار أصحابنا في عبد بين رجلين دبر أحدهما نصيبه ثم أعتق الآخر بتلا فإنه يقوم على المبتل نصيب الذي دبر لضعف التدبير، قال ولو أعتق أحدهما ثم دبر الثاني فإنه يعتق نصيب المدبر عليه لأنه لم يكن له إلا أن يعتق ناجزا او يقوم فلما ترك التقويم لزمه إنجاز العتق، وهذا قول المغيرة وعبد الملك، قال ولو تداعيا فقال المدبر أنا دبرت أولا، وقال المعتق بل أنا الأول فالمعتق مدعى عليه وعلى صاحبه البينة، وعلى المعتق اليمين فإن نكل حلف المدبر لقد دبر أولا ووجبت له القيمة على المعتق، فإن أبي أن يحلف فلا شيء له ويعتق عليه نصيبه، ولو كانا ببلدين، ولا علم عند احدهما يدعيه ولا بينة للأول قال فلا شيء للمدبر على ¬
الآخر ويعتق على المدبر/ حصته كنكوله عن اليمين. قال محمد بن سحنون وهذا على مذهب المغيرة وعبد الملك وسحنون، وأما على مذهب مالك وابن القاسم فإن على المعتق القيمة للمدبر لأنه إن كان العتق أولا فالتدبير عنده بعده يبطل، ويقوم عليه وإن كان التدبير أولا قوم على المعتق بعده، فعلى المعتق القيمة بكل حال عرف ذلك أو جهل. ... ومن العتبية (¬1) روى أشهب عن مالك في عبد بينك وبين يتيم في عيالك له ربعه ولك ثلاثة أرباعه فأردت أنت تدبيره فلا ينبغي لك ذلك أن تعمله بنفسك حتى يأتي السلطان فيكون هو ينظر قيمته، فأما أن تعامل أنت بنفسك لليتيم فلا. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن له عبد فدبر نصفه وكاتب نصفه فإن علم به قبل الموت كان مدبرا كله وإن لم يعلم به حتى مات السيد عتق نصفه في ثلثه ومضى نصفه على الكتابة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم ومن تصدق على ابن له صغير بنصف عبده ثم دبر نصفه ثم أعطى ما دبر منه لزوجته في مهرها، فإن كان مليا دبر عليه كله وللابن عليه نصف قيمته، وإن كان عديما فنصفه مدبر ونصفه لابنه حتى يكبر الابن فيقاويه، أو يموت الأب فيعتق نصفه المدبر في ثلثه، قال مالك في مدبر بين رجلين أعتق أحدهما حصته فقال لا يقوم عليه نصيبه ثم رجع فقال يقوم عليه ويعتق كله. قال أصبغ قيمة عبد، وبه أخذ ابن القاسم. ¬
في المدبر لا يخرج من ثك ما حضر، وللميت مال غائب، أو دبر على أجنبي، أو على الوارث وكيف إن بيع ما رق منه ثم حضر مال؟ وكيف إن أبق المدبر؟
/في المدبر لا يخرج من ثلث ما حضر، وللميت مال غائب، أو دبر على أجنبي، أو على الوارث وكيف إن بيع ما رق منه ثم حضر مال، وكيف إن أبق المدبر من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات عن مدبره وله دين مؤجل إلى عشر سنين ونحوها، فليبع الدين بما يجوز بيعه حتى يعتق المدبر من ثلثه أو حمل الثلث منه، وإن غاب المديان ببلد نائية كتب إليه وأوقف المدبر حتى يقبض الدين أو يباع هناك إن أقر به الغريم وكان حاضرا بالبلد، وإن يئس من الدين لعدم الغريم، أو لغيبة بعيدة لا يرجى فليعتق محمل ما حضر من ماله ويرق باقيه، ثم إن أيس الغريم وقدم الغائب فقبض منه المال، فإن كان المدبر بيد الورثة عتق في ثلث ما أخذ من الدين، وإن خرج من أيديهم ببيع أو هبة أو صدقة [فما يقبض من الدين] (¬2) فللورثة ولا شيء فيه للمدبر. قال عيسى: يعتق ذلك منه حيث كان وليس للمشتري أن يرد ما بقي في يديه، والذي قال عيسى هو المعروف عن مالك وأصحابه في كل ديوان ذكرناه. قال سحنون وهو قول أصحابنا، وذكر ابن حبيب المسألة كلها عن أصبغ عن ابن القاسم مثل ما ذكروا، وقال أصبغ مثل ما قال عيسى، وقاله ابن حبيب، قال ابن حبيب، قال أصبغ، فيمن مات عن مدبر وعليه دين محيط فبيع فيه ثم طرأ للسيد مال، فإن حمله ثلثه بعد رد ثمنه وعتق عن الميت كان/ المشتري أعتقه أو لم يعتقه، وإن لم يحمل إلا بعضه عتق ما حمل منه ونظر، فإن كان المبتاع لم يعتقه خير بين رد ما بقي منه أو التمسك به بحصته من الثمن، وإن كان قد كان أعتقه عتق منه عن الميت فحمل ثلثه، ومضى عتق المبتاع لباقيه ورد عليه من الثمن بقدر ما عتق منه ¬
عن الميت، ومن قيمة العبد الذي دخله من العتق بعدما فوت بالعتق. يقال ما قيمته على أنه لم يعتق منه شيء،؟ وما قيمته على أن كذا وكذا منه بالعتق؟ فينظر ما بين القيمتين فيقضي على ما عتق منه على الميت، وعلى ما عتق منه على المبتاع [فيرجع في القيمة بقدر ما عتق منه لأنه قد أخذ ثمن ما عتق منه عن الميت وكذلك لو باعه السيد في صحته ثم مات فأعتقه المبتاع] (¬1) بعد موته، وفي ثلث البائع له محمل (¬2) له أو لبعضه لبعض ذلك على ما فسرنا (¬3)، بخلاف عتق المشتري إياه في حياة البائع، وهذا يمضي عتقه، لأنه لم يكن أصابه من عتق البائع شيء بعد. ومن كتاب ابن المواز. قال مالك، وإذا بيع المدبر لدين محيط [ثم ظهر مال نقص البيع ورد إلى العتق] [قال ابن المواز] (¬4). [قال أصبغ عن ابن القاسم، ومن دبر] (¬5) عبده فأبق العبد ومات السيد فأوصى بوصايا، قال يوقف من الثلث قدر قيمته حتى ينظر فيه، فإن مات في إباقه رددت ما أوقفت لأهل الوصايا إن بقي لهم شيء. قيل وإلى متى؟ قال يعمر فيوقفه إلى ما يعيش إلى مثله. قال أصبغ: جيد، وذكر ابن حبيب عن أصبغ/ قال ينظر إلى قيمته يوم غاب على أنه أبق فإن حمله عتق، وكان حرا، إن أدركه العتق وباقي تمام المسألة قد كتبتها في الوصايا. قال العتبي عن سحنون في امرأة تركت زوجها وأخاها ومدبرة قيمتها خمسون دينارا [لم تدع غيرها، ولها على الزوج مائة وخمسون دينارا] (¬6) وهو عديم، قال يعتق ثلث المدبرة، وللأخ ثلثها، [وللزوج ثلثها] (¬7) فيوخذ منه ذلك الثلث فيكون بين الأخ والمدبرة فيعتق بذلك من المدبرة [نصفها، ونصفها يصير للأخ، والذي ذكر ¬
سحنون] (¬1) قال، فإن باع الأخ نصفه ثم أفاد الزوج مالا فليرد حتى تعتق جميع المدبرة، أو بقدر ما أفاد بعد ذلك أتم منه حتى يتم عتقها، قال وإذا لم يتبين حين باعها أن على الزوج دينا فليس بعيب، وإذا أفاد شيئا فعتق فيه بعضها فليس للمبتاع رد ما بقي بيده منها، ورواها موسى بن معاوية عن ابن القاسم فذكر مثله، قال فيكون للأخ بيع حصته من الدين على الزوج ويباع ما يصيب المدبرة من ذلك الذي على الزوج، قال ليعجل عتق ما يصح من ذلك في المدبرة، ولا يؤخر لأن الزوج قد يموت فيورث أو يدخله المواريث ويفلس فأحب إلى بيعه ولا يستأنى به إلا أن يكون الزوج بموضع بعيد لا يعرف ملؤه من عدمه فلا يباع حتى يكون قريبا يعرف ملؤه من عدمه، وذكر ابن المواز عن أبي زيد عن ابن القاسم مثله وقال/ قيمتها خمسون ومائة ولنا على الزوج خمسون ومائة، ثم ذكر نحوه فيما استحب من تعجيل بيع ما يقع للمدبرة من الدين ليتعجل به ما يتعجل من العتق، وباقي وجوه المسألة. قال ابن المواز، ولو لم يبع شيء مما على الزوج حتى زادت قيمة الأمة أو نقصت، وأيسر الزوج فلا يؤتنف فيها قيمة ولا على قيمتها، أو لا يعمل كلهم بعد، وكذلك لو كانت قيمتها يوم الموت مائة والدين مائة فلا يعجل من عتقها إلا بخمسين، وإن كان لها ثلث الميت كله لأحضر المال، ثم لا يؤتنف فيها قيمة بعد ذلك، زادت قيمتها أو نقصت، وذكرها ابن سحنون عن أبيه إلا أنه قال قيمة المدبرة خمسون ولها على زوجها مائة، وما أصاب الزوج من المدبرة يؤخذ منه فيكون بين الأخ وبين المدبرة فنصيب المدبرة نصفها حر ونصفها للأخ، ثم للأخ بيع نصيبه، فإذا أفاد الزوج مالاً نقض البيع حتى يعتق في ذلك، هذا قول أصحابنا، قيل وقد صارت التركة فيما بين المدبرة والأخ والزوج، للمدبرة ثلثها خمسون وللزوج مما عليه خمسون، وللأخ خمسون فاتفق نصيب المدبرة والأخ فلذلك أخذا ما وقع للزوج من المدبرة وهو ثلثها فصار بينهما سدس يعتق وسدس للأخ فيرق لها نصفها فكلما طرأ للزوج ¬
مال أخذاه منه فكان ما يأخذان (¬1) بينهما نصفين إلى حقهما وهو خمسون للأخ وخمسون/ في المدبرة، ويبقى له هو خمسون مما عليه، وذكر سحنون مثل ما ذكر موسى عن ابن القاسم في بيع الأخ نصيبه وإنه ليس بعيب إن لم يتبين، وأنه إن عتق شيء منه بما يطرأ لم يرد المبتاع ما بقي منه. قال سحنون ها هنا إلا أنه يبقى له من صفقته إلا يسيرا بمنزلة السلم لم يستحق بعضها لأنه ليس فيما باع وطء للشركة، وإنما له الحجة بأن يستحق أكثر ما اشترى، قال فإن كان ما على الزوج خمسون ومائة فحق المدبرة جميع رقبتها خمسون وللزوج خمسة وسبعون [وللأخ خمسة وسبعون] فيعتق ثلث المدبرة، ويصير للأخ ثلثها وللزوج ثلثها فيؤخذ منه ذلك الثلث فيقسم بين المدبرة والأخ على ما بقي لهما، فيبقى للمدبرة ثلاثة وثلاثون (¬2) وثلث، وللأخ ثمانية وخمسون (¬3) وثلث، وذلك أحد عشر جزءا، للمدبرة أربعة أجزاء، وللاخ سبعة، تم ما طرأ للزوج من شيء قسماه كذلك حتى يتم ما لهما قبله. قال ولو كان هذا الدين على الجنبي كان بخلاف ذلك، هذا يكون ثلث المدبرة حرا وثلثها للزوج وثلثها للأخ، فإذا قبض من الأجنبي شيء عتق في ثلثه ما بقي من المدبرة إلى تمام عتقها، وذكر هذه المسألة ابن عبدوس عن المغيرة، وسحنون بمثل ما تقدم عن ابن القاسم وعنه، وقال سحنون أرى أن يباع الدين ولا توقف الوصية له لأنه على معسر ولكن إذا خرج منه شيء عتق منها بحسابه. ومن كتاب ابن المواز قال وإذا تركت زوجها وابنها ومدبرة، ولم تدع غيرها، وقيمتها خمسون، ولها على الزوج مائة وهو عديم، فالفريضة من أربعة يحمل عليها نصفها للمدبرة وهو ثلث الجميع، فجميع التركة ستة أسهم، للمدبرة سهمان، وللإبن ثلاثة، وللزوج واحد، فأسقط سهم الزوج إذ عنده أكثر من حقه، وأقسم ما حضر من التركة وهي المدبرة على خمسة، فللمدبرة سهمان وهما خمسا المدبرة يعتق ذلك منها وثلاثة أخماسها رقيق، وكذلك لو كان على الزوج ¬
أربعمائة أو أكثر، [وقيمة المدبرة مائة تعتق خمساها الآن لأن للمدبرة أن تخلص بالثلث لنفسها، فيسقط نصيب الزوج بلا حصاص له، والحصاص بين المدبرة والإبن، ولو أن الدين على الإبن أربعمائة أو أكثر] (¬1) أو أقل فإنه يسقط سهام الإبن بذلك [يريد إذا كان عليه أكثر من حظه] (¬2) ويبقى للزوج سهم وللمدبرة سهمان فيعتق منها ثلثاها وثلثها للزوج، فإذا كان الدين على الزوج عتق خمساها، وإن كان على الإبن عتق ثلثاها قل الدين أو كثر. ولو كان مع الزوج ابنان والدين على أحدهما قليل أو كثير لعتق منها أربعة أتساعها، لأن الثلث للمدبرة أربعة، يبقى ثمانية، [للمدبرة فيها أربعة] (¬3)، وللزوج سهمان، ولكل ابن ثلاثة فأسقط سهم الإبن المديان ثلاثة من اثني عشر، فبقي تسعة أسهم وهي المدبرة للمدبرة منها أربعة، وللزوج سهمان، وللإبن ثلاثة في رقبة المدبرة/ ولو كان الدين مائة على الإبن ولم يدع ابنا غيره وقيمة الأمة مائة فليعتق ثلثاها وهو جميع ثلث التركة وللزوج ثلثها وهو حقه من التركة، والذي عند الإبن هو كفاف حقه. قال ابن سحنون عن أبيه عن أبي زيد الأنصاري عن المغيرة في امرأة تركت مدبرة قيمتها مائة، وتركت أخاها وزوجها، ولها على الزوج عشرون (¬4) دينارا، فله ثلث وللأخ ثلث المدبرة،] (¬5) ويباع له من حق الزوج منها سبعة إلا ثلثا (¬6)، [ثم للأخ ما بقي] (¬7) منها مع العشرين التي عليه، يريد وله فيها خمسها عشرون دينارا. قال سحنون فيمن ترك زوجته وابنه وله مائة دينار على زوجته وهي عديمة وأوصى بعتق ¬
فيمن دبر عبيدا بعضهم قبل بعض وكيف يبدؤون في الثلث، وكيف إن كان عليه دين أو أوصى بوصايا، والحكم في ولد المدبرة وذكر التفرقة
عبد له لم يدع غيره قيمته مائة دينار، فالعبد يستوهب الثلث مما حضر وغاب، والفريضة من ثمانية، ويزاد عليها نصفها أربعة، فذلك اثنا عشر (¬1)، فأربعة للعبد، وسهم للزوجة، وسبعة أسهم للإبن، فللمرأة مما حضر وغاب سبعة عشر إلا ثلثا (¬2) يخصم عنها مما عليها ويبقى عليها ثمانية وثمانون وثلث لهما، فسهام الإبن مع سهام العبد أحد عشر سهما، فيقسم ما حضر وما غاب بينهما على ذلك، فللعبد أربعة أسهم من نصيبه من أحد عشر يعتق فيه، وذلك ستة وثلاثون دينارا، أو أربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من دينار، وللإبن باقية، وذلك ثلاثة/ وستون، وسبعة أجزاء من أجزاء الدينار من أحد عشر جزءا من الدينار وكل ما قبض من الزوجة قسماه هكذا فما أصاب أربعة أجزاء فالعبد يعتق فيه، وما أصاب سبعة أجزاء فللإبن. فيمن دبر عبيدا بعضهم قبل بعض وكيف يبدؤون في الثلث، وكيف إن كان عليه دين أو أوصى بوصايا، والحكم في ولد المدبرة وذكر التفرقة قال ابن حبيب قال مطرف، وابن الماجشون، المدبرون في الصحة أو في المرض إنما يبدأ الأول منهم فالأول، إلا أن يدبرهم في كلمة واحدة فيتحاصون في الثلث بلا سهم. قال ابن سحنون عن أبيه قال ابن القاسم، وإذا دبر في مرضه وبتل عتق عبده في كلمة او كلام متصل تحاصا في الثلث، وإن كان عبيدا بدئ بالأول. قلت كتبت وصيته فيبدأ بأحدهما ثم قام لشغل ثم عاد فكتب الآخر قال يبدأ الأول، وقال في مريض قال قد كنت دبرت فلانا في صحتي ثم دبر أخرى في مرضه، قال ذلك ماض يعتق عليه الأول فالأول ولا يبطل الذي أقر أنه في الصحة لأنه أصرفه إلى الثلث، بخلاف ما أقر أنه أعتق لأنه أصرف إلى رأس المال. قال ابن ¬
المواز قال ابن وهب قال المخزومي فيمن دبر ثم أغمي عليه ثم أفاق فدبر آخر فهذا غرر ويتحاصان. قال ابن القاسم وأشهب، وإن دبر وبتل في المرض واحدا بعد واحد بدئ الأول فالأول. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: المدبر في الصحة مبدأ/ على كل وصية من عتق واجب أو زكاة، أو إبتال في المرض أو غيره. قال وعلى صداق المريض، وقد اختلف فيه، قال ويدخل فيما علم به الميت من تركته وفيما لم يعلم، وفي كل ما يبطل من إقرار بدن لوارث. قال ابن القاسم: وكذلك المدبر في المرض يدخل فيما لم يعلم به الميت وإذا كان عليه دين محيط فبيع المدبر ثم طرأ للميت مال يعتق فيه فإنه يرد بيع المدبر ويعتق، أو حمل الثلث منه. قال مالك: ولا يدخل المبتل في المرض فيما لم يعلم به ولا زكاة يوصى بها ولا غير ذلك إلا المدبر في الصحة، قال: وإذا ترك ما بقي بدين عليه ويعتق المدبر فيما بقي فتلف ذلك قبل النظر فيه لم يعتق وبيع في الدين، ولو نظر فيه وقوم فأعتق ثم تلف ما بقي قبل قضاء الدين لم يرد عتقه، وكذلك لو ترك أموالا مأمونة ولم ينظر فيه ولم يعتق حتى هلك المال المأمون [فقد صار حرا بموت الميت ولا يرد، وإن هلك المال المأمون] (¬1). قال ابن القاسم: وإذا اجتمع ما يدخل في الطارئ وما لا يدخل فيه فليبدأ بالمدبر في ثلث الحاضر، فإن لم يف أتم من الطارئ، وإن خرج منه وفضل بدئ بما يبدأ من الوصايا بعده. وقال عبد الملك يعتق المدبر في الحالين بالحصص فما بقي من ثلث الحاضر دخل في أهل الوصايا، وما فضل من الطارئ فللورثة، وقول ابن القاسم أحب إلي، وذكر في كتاب الوصايا عن أشهب مثل ما ذكر ها هنا عبد الملك، وذكر في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم/ مثل ما ذكر عنه ابن المواز في المال يقر به في المرض لمن يتهم عليه وله مدبر ووصايا ¬
ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال ابن القاسم، من دبر رقيقا له في صحة أو مرض فدبر بعضهم قبل بعض، وعليه دين فليبع (¬2) للدين الآخر، فالآخر فإذا قضي الدين أعتق الأول فالأول إلى تمام ثلث ما بقي. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن دبر في صحته وبتل في مرضه ودبر فيه، وأوصى بعتق وتزوج في مرضه، ودخل وأوصى بزكاة، فليبدأ في الثلث بصداق المريض، ثم التدبير في الصحة، ثم الزكاة، ثم المبتل في المرض والمدبر فيه جميعا، إلا أن يكون أحدهما قبل الآخر، فيبدأ بمن فعل فيه أولا [في المرض إنما يبدأ الأول فالأول إلا أن يدبرهم في كلمة واحدة فيتحاصون في الثلث بلا سهم. قال ابن سحنون عن أبيه قال ابن القاسم وإذا دبر في مرضه وبتل عتق عبده في كلمة أو كلام متصل تحاصا في الثلث. وإن كان مبدأ بدئ بالأول قلت كتب وصيته] (¬3) ثم الموصي بعتقه، وإن كانوا مدبرين في الصحة بدئ بالأول فالأول منهم. قال موسى عن ابن القاسم، وإذا كان له مدبر في صحته فلما مرض قال كنت أعتقت فلانا في صحتي، فإن المدبر يعتق في ثلثه وفي ثلث الذي أقر له بالعتق في صحته، ولا يعتق ذلك العبد إلا ببينة، أو يقول في المرض أعتقوه فإنه يعتق في الثلث بعد المدبر، قال أبو زيد عن ابن القاسم، في مريض قال دبروا عبدي فلانا، وأعتقوا عني رقبة عن ظهاري، قال يبدأ في الثلث بعتق الظهار في هذا، قال ابن سحنون عن أبيه المدبرة تقر من نفسها أنها حرة فتتزوج ويولد لها ثم مات السيد ولم/ يعلم فإن حملها الثلث فهي حرة ولا قيمة في ولدها [على الأب] (¬4)، وإن ضاق فكان يحمل نصفها مع نصف الولد عتق نصفها وأتبع ورثة الميت الأب بنصف قيمة الولد. ومن العتبية (¬5) وكتاب ابن سحنون قال سحنون في مدبرة ولدت أولادا في تدبيرها فأبق الأولاد ومات السيد وعليه دين يحيط برقبة الأم ولم يدع غيرها، فلتبع (¬6) للدين ولا ينتظر ¬
أولادها، فإن رجع الأولاد نظر إلى الدين، فإن كان محيطا بأثلاثهم وثلث الأم بيع من كل واحد ثلثه ويعتق ثلث ما بقي منهم ومن الأم، ويخير المبتاع في التمسك بما بقي من الأم أو رده، فيعتق من الأم ومن الولد من كل واحد تسعاه ويرق سبعة أتساعه، ومن كتاب ابن سحنون قال ومن دبر عبد وللعبد أمة، فما وضعت لستة أشهر فأكثر فهو مدبر مع أبيه، وما كان لأقل فهو رقيق، وما أتت المدبرة من ولد فيما طال أو قصر بعد التدبير فهو بمنزلتها، قال [وما روي عن زيد بن ثابت] (¬1) أنه اجاز بيع ولد المدبرة فالثالث عنه أنه أعتق ولد المدبرة، وقاله علي وعثمان [وابن عمر] (¬2) وجابر وابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وعدد من التابعين. قال ابن حبيب قال مالك، ومن دبر أمة حاملا فولدها بمنزلتها علم بحملها أو لم يعلم ومن باع حاملا فولدها للمبتاع وإن يشترطه، ولا يحل للبائع أن يستثنيه. قال وقال أصبغ، في مدبرة لها ولد ولدته قبل التدبير ثم استحدث دين محيط هل يباع الولد وهو صغير ويفرق من أمه، قال لا يباع/ ويوقف إلى حد التفرقة فيباع حينئذ أو يموت السيد فيباع مع أمه، وكذلك لو كان الصغير هو المدبر دونها، وكذلك النصراني يدبر عبدا صغيرا دون أمة فأسلمت الأم فلا تباع هي للتفرقة ولا الولد للتدبير، ويوقفان ويخرجان من حرزه وتؤاجر له الأمة. قال ابن حبيب: وهو أحسن ما سمعت، وقبل هذا ذكر مدبر النصراني يسلم. ومن كتاب ابن المواز، ومن دبر أمته على أن ما تلد رقيق مضى التدبير وولدها مدبر. ¬
في القول في مال المدبر في حياة سيده وبعد مماته، وهل يقوم به؟، ومن دبر عبده واشترط ماله بعد الموت وغير ذلك من ذكر ماله
في القول في مال المدبر في حياة سيده، وبعد مماته، وهل يقوم به؟، ومن دبر عبده واشترط ماله بعد الموت وغير ذلك من ذكر ماله من العتبية (¬1) قال عيسى بن دينار، حدثني ابن وهب عن ربيعة والليث ويحيى بن سعيد، قالوا:- من مات عن مدبر جمع هو وماله إلى مال الميت، فإن خرج المدبر بماله في ثلث ذلك عتق، وكان [ماله في يديه وإن كان الثلث لحمل رقبته وبعض ماله عتق وكان] (¬2) له [ما حمل] (¬3) من ماله مع رقبته، وإن لم يدع غير المدبر وماله، وقيمته رقبته مائة، وله ثمانمائة عتق المدبر، وكان له مائتا دينار من ماله، فهكذا يحسب، وكذلك يضم ماله إلى ما ترك الميت، قال: وكذلك من أوصى بعتق عبد وللعبد مال فهكذا يصنع فيه، وهذا رأي ابن وهب وبه نأخذ. قال ابن القاسم عن مالك في غير هذا الكتاب إن حمله الثلث بماله عتق، فإن لم يحمله بماله عتق منه محمل الثلث وأقر ماله في يديه. قال سحنون عن ابن القاسم: إذا كانت/ قيمة المدبر مائة دينار، وماله مائة دينار، وترك سيده مائة دينار، فإنه يعتق نصفه ويقر ماله بيده، لأن قيمته بماله مائتان ولا ينزع منه شيئ، هذا قول مالك. ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬4)، أصبغ عن ابن القاسم، فيمن دبر عبده في صحته واستثنى ماله، قال ذلك جائز وقاله مالك، قال أصبغ يعني يستثنيه بعد موت نفسه إذا عتق. قال في العتبية: ليس استثناء انتزاع عند التدبير، وبعد ذلك يكون له، استثناه او لم يسثنيه، وذلك يقر في يديه مع ما يفيد، وذلك بعد الموت مستثنى. قال ابن القاسم في الكتابين: فإذا مات السيد قوم في الثلث بغير ماله، ¬
في جناية المدبر والجناية عليه
وأخذ ما بيده فحسب من مال السيد يقوم المدبر فيهما، وقال أصبغ. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك في المدبر له مال أنه يقوم به في الثلث كعضو من أعضائه ويتبعه إن خرج، [وإن خرج بعضه أقر جمعيه بيده] (¬1) فإذا كانت قيمته في نفسه مائة ومعه مائتان ولم يدع غيره فإنه لا يعتق إلا ثلثه، [ويقر ماله بيده] (¬2) ولا يؤخذ منه المائتان فيعتق جميعه، ولو كان معه مائة وللسيد مائة عتق نصفه وأقرت المائة بيده، وكذلك العبد الموصى بعتقه له مال على هذا التفسير، وقاله ابن القاسم عن مالك، وقاله أصبغ، وخالف ذلك ابن وهب فذكر عنه مثل ما ذكر عيسى بن دينار (عمر) (¬3)، روى ذلك ابن وهب وذكر مثل ما تقدم من رواية عيسى [إلى آخر ذلك] (¬4). [/ قال ابن حبيب: وانفرد بهذا ابن وهب عن مالك وأصحابه وقد تقدم في العتق باب في مال العبد ومن فيه بقية رق مما يشاكل هذا الباب] (¬5). في جناية المدبر والجناية عليه [وهذا الباب مكرر في الجنايات] (¬6) قال في كتاب ابن المواز، وإذا قتل المدبر سيده عمدا لم يعتق في ثلث مال، ولا دية، يباع ولا يتبع بشيء، وفي الخطإ يعتق في ثلث المال دون الدية. قال أصبغ: فإن خرج من الثلث أتبع بالدية، وإن خرج بعضه فعليه من الدية بقدر ما عتق منه يتبع به. وفي العتبية (¬7) عن ابن القاسم من رواية عيسى نحوه. وقال في العمد يقتل به، فإن استحيوه فهو رقيق لهم، وفي الخطإ إن خرج في ثلث المال خاصة أتبع بالدية، ¬
ولا يكون على العاقلة. وقال عنه عيسى في مدبرة حامل جرحت رجلا، فإذا وضعت خير سيدها فإما فداها أو أسلمها بغير ولدها فتخدم في الجرح فإن وفته رجعت إلى السيد مدبرة وإن لم توفه حتى مات وخرجت في الثلث هي وولدها أتبعت ببقية الأرش، وإن ضاق الثلث عتق منها ومن ولدها بالحصص، ويتبع ما عتق منها بحصة ذلك، وخير الورثة في فداء ما رق منها، أو إسلامه- يريد ولا دين على السيد، قال: وإن كان السيد دين بيع منها ومن ولدها بقدر الدين/ وبيع منها خاصة بقدر دية الجرح وعتق منها ومن ولدها ثلث ما بقي منها، ويصير لولدها في ذلك من العتق أكثر مما لها، وصارت هي أكثر منه رقا وأقل عتقا للجناية، وربما رقت كلها وعتق بعض الولد لهذا إذا كان ما يباع منها للدين والجناية يغترقها ويتساوى البيع منها ومن ولدها للدين خاصة سواء ثم يباع منها هي للجناية، فإن أحاطت باقيها رقت، وإن لم تف بالجناية، فالجناية أولى بها من الدين، وإن كانت تحيط برقبتها فالجناية أولى بها ويرجع أهل الدين إلى أولادها فيباع لهم منهم بالحصص، ويعتق ثلث ما بقي وترق الأمة إلا أن يفديها الورثة فتكون رقيقا لهم، أو يسلموها للمجروح رقا، وإن كان الدين يحيط بولدها وزيادة، والجناية تحيط بها [فأهل الجناية أحق بها] (¬1)، إلا أن يزيد عليهم أهل الدين فيكونوا أولى بها، ويقاصوا بتلك الزيادة في دينهم بعد أداء الجناية، قال: وتصير مصيبتها إن ماتت منهم، فإن باعوها بربح فلهم، وإنما تقبل منهم زيادة لها بال فأما الدرهم والدرهمان (¬2) فلا، وإنما يباع لهذا أولا للجرح ثم للدين بعد ذلك، يريد، إن بقي منها ما يعتق. تم كتاب المدبر بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ¬
كتاب الخدمة
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الخدمة (¬1) /في العبد المخدم عمرا أو أجلا ومرجعه إلى حريته بعد موت سيده أو موت غيره وما يكون من ذلك من الثلث من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم في المخدم إذا كان عتقه إلى موت سيده فهو من الثلث، وإن كان ممن لا يرجع إلى سيده، ولا إلى ورثته أبدا، وقال أشهب؛ إذا كان خرج من يده في صحته وكان لا يرجع إليه ولا ورثته فهو من رأس المال، وإن كان عتقه إلى سيده واجتمعا، على أنه إذا كان عتقه إلى موت [غير] السيد من مخدم أو غيره أنه من رأس المال، وقاله مالك وأصحابه، وإن قال إخدم فلانا حياتي فإذا مت فأنت حر. قال ابن القاسم وابن كنانة، هو من الثلث، وقال أشهب من رأس المال. وإن قال إخدم فلانا حياته فإذا مت أنا فأنت حر فلم يختلفا أنه من الثلث، قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على رجل حبسا فقال هو لك حياتي ثم هو في سبيل الله، أو صدقة إنه من الثلث، [فإن ابن عبد الملك قاله عن ابن القاسم وأشهب] (¬2) قال محمد: [إن قاله أشهب فلم يثبت عنه] (¬3)، ومن قال إخدم فلانا حياتي فإذا مات فلان فأنت ¬
حر، فهذا من رأس المال لم يختلف، وهو معتق إلى أجل، فإذا مات السيد أولا [رجع إلى خدمة ورثة/ سيده] (¬1) بقية حياة فلان ويقضي من هذه الخدمة دينه، فإذا مات فلان فهو حر، قال: ولو مات فلان أولا عتق العبد مكانه. ومن كتاب ابن المواز قال، وإن قال إخدم فلانا حياة فلان وأنت حر فهو من رأس المال لأنه معتق إلى أجل، ويختدمه المخدم وورثته وورثة ورثته حتى يموت من يعتق إلى موته. وإن قال إخدم عبد الله حياة زيد، فإذا مات سعيد فأنت حر فهو من رأس المال، فإن مات زيد قبل سعيد رجع العبد يخدم سيده أو ورثته إلى موت سعيد، فإن لم يمت زيد اختدمه عبد الله وورثته إن مات حتى يموت، إما زيد أو سعيد فيعتق بموت سعيد، ويرجع بموت زيد إلى خدمة سيده أو ورثته إلى موت سعيد. وإن قال إخدم فلانا حياته وأنت حر، وإن مت أنا فأنت حر، فقال أشهب: هو من رأس المال، وعلى قول ابن القاسم، إن مات الأجنبي أولا كان حرا من رأس المال كان السيد يومئذ مريضا أو مديانا، وإن مات السيد أولا عتق في ثلثه فما عجز عنه فرق خدم ما رق منه الأجنبي حتى يموت، ثم يعتق من رأس المال، وإن كان على الميت دين محيط حتى لا يكون له ثلث، خدم الأجنبي إلى موته ثم عتق من رأس المال، وإنما يجعل في ثلث سيده خدمته حياة المخدم على الرجاء والخوف، لأنه لم يبق فيه رق عند الخدمة، وهذا/ الذي ذكره ابن المواز على قول ابن القاسم ذكره ابن سحنون عن أشهب وسحنون. ومن كتاب ابن المواز، وإن قال إخدم فلانا حياته وانت حر إلا أن أموت أنا فأنت حر، فهذا عند أشهب إن مات الأجنبي أولا ولم يستحدث السيد ديناً من يوم قال ذلك، عتق من رأس المال، وإن لحقه دين فالدين أولى به ولا يعتق، وإن مات السيد أولاً عتق في ثلثه، فإن عجز رق باقيه لورثته لقوله إلا أن أموت، فقد استثنى كقوله إخدم فلاناً حياته يريد وأنت حر إلا أن أموت، فإن مات فلان ¬
عتق من رأس ماله، ويرده الدين المستحدث، وإن مات السيد قبله رق للسيد ويورث عنه. وكذلك إن قال أنت حر إذا غابت الشمس [إلا أن يدخل الدار زيد] (¬1) فالرق يلحقه إذا دخلها قبل [المغيب] (¬2)، وقد أبقى للرق موضعا فلذلك يلحقه الرق ويرجع إلى الثلث. ولو قال أنت حر إلى سنة إلا أن أموت قبلها فأنت حر، فإن حلت السنة ولا دين عليه عتق الأجل كقوله أنت حر إلى سنة إن بقيت أنا إليها، فإنت مت قبلها فأنت حر، فإذا قال إلا فهو استثناء يلحق به الدين، وهذا كله في كتاب ابن سحنون عن أشهب، وقاله سحنون. وفي العتبية (¬3) فيمن قال أنت حر إلى سنة إلا أن أموت قبلها فأنت حر حين أموت أن ابن القاسم يقول يعتق من ثلثه فإن لم يسعه استخدم/ باقيه إلى السنة ثم عتق، وهو كما قال مالك فيمن قال أنت حر لأولنا موتا لنفسه، ولرجل آخر، فمات السيد فيعتق في ثلثه، قال ابن القاسم فإن لم يسعه فما بقي منه استخدم إلى موت الآخر ثم عتق، وقال مالك: تقوم رقبته في الثلث، وقال أشهب: بل إنما تقوم خدمته لأنه ليس فيه إلا الخدمة، والمسألة من أولها في العتبية (¬4) إما لأصبغ عن أشهب أو لعيسى عن ابن القاسم فيها إشكال، وهي في كتاب العتق. وكل ما ذكر ابن المواز من هذه المسائل بهذا الباب، وقد ذكره في كتاب ابن سحنون عن أشهب وسحنون. ومن كتاب ابن المواز، فإن قال إخدم فلانا حياته فإذا مات فأنت حر وإن مت أنا فأنت حر فهذا من رأس المال عند أشهب، وقد تقدم ذكر قول ابن القاسم فيه، فهو بخلاف قوله إلا أنه استثناء. قال في كتاب ابن سحنون، فإذا لم يستثن [فإنما شدد العتق] (¬5) وزاده خيراً بمنزله من قال أنت حر إلى سنة، وإن قدم أبي فأنت حر [قال في الكتابين قال ¬
أنت حر إلى سنة وإن قدم أبي فأنت حر] (¬1)، فإنما زاده خيرا فهو معتق إلى أجل من رأس المال، إن حلت السنة وهو مريض أو ميت أو مديان، وأما إن قدم أبوه قبل السنة، فإن قدم والسيد غير مريض ولا مديان عتق مكانه، وإن قدم والسيد مريض عتق من ثلثه، فإن رق منه شيء انتظر بما رق منه تمام السنة ثم عتق، وإن قدم والسيد ميت لم يعتق بموته، وإن خرج من ثلثه ويرتقب السنة ثم هو حر من رأس المال،/ وإن قدم السيد مديان بدين محيط لم يعتق إلا أن يشاء ذلك الغرماء، وإلا فليؤاجر لهم إن لم تكن أبتله في خدمة أحد، فإن استوفوا ديونهم من الإجارة قبل السنة عتق إن سيده حيا، وإن لم يستوفوا حتى تمت السنة عتق مكانه كان السيد مريضا أو ذا دين محيط. وما استحدث من دين قبل السنة في الإجارة فإنه يحاص به مع الدين ويؤاجر لهم العبد. قال ابن سحنون: وإذا قدم أبوه وهو مريض، يعتق في المثلث، فإنما يجعل في المثلث قيمة خدمته سنة، فإن خرج عتق أو بمقدار ما خرج منها، قال كتاب ابن المواز، وهذا بخلاف قوله أنت حر إلى سنة إلا أن يقدم أبي، لأن هذا استثناء بغير شرط العتق إلى السنة بموت الأب. قال سحنون: أما قوله أنت حر إلى سنة إلا أن يقدم أبي، فأنت حر فلم يعجبني قوله فيه، وكأنه لم يره استثناء ورآه تأكيدا، وأما قوله إلا أن أموت أنا فرآه استثناء. قال أشهب: وقوله إخدم فلانا سنة وأنت حر وإن مت أنا فأنت حر، أو قال فإن مت فهو سواء قوله، فإن، وإن، وإذا فذلك سواء. ومن كتاب ابن المواز، وإن قال اخدم فلانا سنة وأنت حر [فمات فلان قبل السنة] (¬2) فليخدم ورثته، وإن مات العبد قبل السنة وترك مالاً فماله لسيده أو لورثته، وإن قال اخدم فلانا حياته [فأينا مات] (¬3) فأنت حر، فهذا إن مات السيد أولا عتق في قول أشهب من رأس المال لا يرده دين ولا غيره،/ وإن مات فلان أولاً كان حراً مكانه لا يرده شيء، وكذلك قوله حياتي أنا فإن مات فأنت حر، وعند ابن ¬
القاسم أو مات السيد أولا عتق في ثلثه إلا ما رق منه، في هذه المسألة يخدم ورثة سيده، فإذا مات فلان خرج حرا لا يرده شيء، لأنه أجل، وفي المسألة الأولى يخدم ما رق منه فلانا ثم يعتق بموته، وإن قال اخدم فلانا حياته فإذا مت أنا [وهو] (¬1) فأنت حر، فلم يختلف مالك وأصحابه أنه من الثلث، كما لو قال أخدم فلانا حياته فإذا مت أنا فأنت حر إلى موت فلان أو قال فإن مات فلان فأنت حر إلى موتي فخدمته إن حازه فلان في صحة سيده من رأس المال وعتقه من الثلث، فإن مات السيد أولا وخرج من الثلث تمت له الحرية، إلى موت فلان، فإن لم يحمله ورق منه شيء كان ما رق منه للورثة الآن لا ينتظر به موت فلان، وأحب إلي أن يخير الورثة بين أن يعتقوه كله لموت فلان، أو يبتلوه، الآن لأن محمل الثلث منه، وإن لم يكن حازه فلان حتى مات سيده او مرض بطلت الخدمة، فإن حمله الثلث عتق، وإن لم يحمله خير الورثة بين إنفاذ قول الميت أو إبتال محمل الثلث منه. وإن قال اخدم فلانا سنة فإذا مت أنا وهو فأنت حر فهو كذلك، الخدمة من رأس المال إن حيزت (¬2)، والرقبة كالتدبير من الثلث، فإن تمت السنة رجع فخدم سيده يخدمه حتى يموت فيعتق/ من ثلثه وما رق منه. وإن مات السيد قبل السنة وهو بيد ورثة المخدم عتق في الثلث وبطلت الخدمة بقية السنة وإن رق بعضه خدمهم ذلك البعض بقية السنة ثم يرجع فيخدم ورثة سيده بقية حياة فلان ثم هو حر، قال ابن القاسم، وإن قال اخدم فلانا سنة فإذا مت أنا فأنت حر فمات السيد قبل السنة والثلث يحمله فإنه يعتق وتزول الخدمة، وإن رق منه شيء خدم ما رق منه فلانا تمام السنة، ثم عاد رقا إلى الورثة، فإذا قال اخدم فلانا وأنت حر لأولنا موتا، فروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه من الثلث ولم يعجبنا. وأصل ابن القاسم، أنه إن مات المخدم أولا والسيد صحيح عتق من رأس المال، وإن مات السيد أولاً عتق من ثلثه، وما عجز عنه رق، ولا يعتق إلى موت ¬
فيمن أخدم عبده رجلين ثم هو حر فمات أحدهما ونحوه، وكيف إن اشترى أحدهما خدمة الآخر أو وضع حصته من الخدمة أو أعتق بحصته؟
المخدم. ولو قال أنت حر لآخرنا موتا لم يختلف فيه أصحاب مالك أنه من الثلث، وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في هذا. قال ابن حبيب عن مطرف فيمن أعمر عبده رجلا حياته وقال إن مت قبلي رجع إلي فإن مت أنا فهو لك ملك، قال هذا من الثلث إن مات سيده، وقاله أصبغ، وذكره عن ابن شهاب. وفي أبواب عتق الشريك في باب الشريكين يختلف عتقهما مسألة الشريكين يعتق/ كل واحد منهما إلى موت أولهما موتا أو إلى موت آخرهما. وفي باب يليه مسألة العبد المخدم يهب لبعض من له المرجع حقه للمخدم فيعتقه المخدم. فيمن أخدم عبده رجلين ثم هو حر فمات أحدهما ونحوه، وكيف إن إشترى أحدهما خدمة الآخر أو وضع حصته من الخدمة أو أعتق بحصته؟ ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) عن ابن القاسم عن مالك رواية غير يحيي، ومن أخدم عبده رجلين أجلا مسمى ثم هو حر، قال في ذلك لهذا يوم ولهذا يوم أو لم يقل، فإنه إن مات أحدهما قبل الآخر فنصيبه من الخدمة لورثته، [ولو ماتا كان نصيب كل واحد لورثته] (¬2) بقية السنة، وأما إن أخدمهما إياه حياتهما ثم هو حر فيفرق؛ فإن قسم الخدمة أو أبهمها، [فإن أبهمها] (¬3) فمات أحدهما رجعت خدمة العبد كله للباقي منهما، قال في العتبية (¬4) ولا يعتق العبد حتى يموت الباقي، قال في الكتابين فإن قسمها فقال لهذا يوم ولهذا يوم ولهذا يوم فمات أحدهما، فإن نصيبه يرجع إلى سيد العبد [أو إلى ورثته إن مات، فيكون لهم إلى موت الآخر، فإذا مات عتق العبد] (¬5) حينئذ، قال ابن سحنون عن أبيه قال بعض أصحابنا فيمن ¬
أخدم عبده رجلين سنة ثم هو حر، فوضع أحدهما نصيبه من الخدمة للعبد أو وهبه له أنه يعتق ويقوم عليه نصف خدمته لصاحبه، وما يعجبني وأرى أن يعتق نصفه ويبقى نصفه إلى الأجل يخدم/ نفسه يوما والشريك يوما، وليس مثل ما لو وهبه خدمته حياتهما فيدع احدهما نصيبه لأن هذا لو مات أحدهما لم يكن لورثته شيء [وفي خدمة السنة] (¬1) يكون لورثته إن مات نصيبه من باقيها. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فإذا أخدم عبده رجلين ما عاشا ثم هو حر ثم إن أخدمهما تصدق بالخدمة على العبد لم يجعل عتق شيء منه، وليخدم العبد نفسه نصف الخدمة والمخدم الآخر نصفها، فإن ترك له الآخر نصفها عتق كله مكانه يعني إن كان أبهم الخدمة، قاله ابن المواز، ولو مات أحدهما فرجع نصيبه من الخدمة إلى السيد يريد ها هنا، وقد قسم الخدمة بينهما، قاله محمد، ثم ترك الشريك الآخر الخدمة للعبد فلا يعتق حتى يموت المخدم الذي ترك نصيبه لأن السيد قد ورث خدمة الميت منهما فكأنه حي بعد. وصفا نصف الخدمة للعبد حتى يموت الثاني. ومن كتاب ابن المواز: ومن حبس عبده على رجلين حياتهما ثم هو حر جاز لأحدهما شراء خدمته، فإن قسمها فقال لهذا شهر ولهذا شهر أو أقل أو أكثر لم يجز شراء أحدهما للخدمة لأن مرجعها للسيد، وليس لأحدهما عتق مكاتبه، فإن أعتق أو وهب الخدمة للعبد، قال في العتبية: أو تصدق بها عليه فليس يعتق، ويكون نصيب هذا من الخدمة للعبد، وشريكه على حصته من الخدمة، فإذا مات الذي أعتق أو وهب الخدمة رجعت مصابته [من الخدمة] (¬2) إلى السيد [ما بقي صاحبه، فإذا مات عتق/ العبد، ولو مات أولا الذي لم يعتق رجعت مصابته من الخدمة إلى السيد] (¬3) حتى يموت المعتق فيعتق العبد، ولو أبهم الخدمة لهما ولم يقسمهما، فأعتق أحدهما حصته فحصته من الخدمة للعبد، فإذا مات المعتق رجع جميع العبد إلى الحي يختدمه كله حتى يوفى عتق العبد، وإن مات أولا الذي ¬
في المخدم يضع خدمته للعبد أو يبيعها من سيد من هذا المعنى أو في بيع الرقبة من المخدم، وفي بيع الشريك نصيبه، وقد خدم شريكه حصته أو وهبها وغير ذلك من مسائل الخدمة
لم يعتق عتق العبد مكانه، ولو اعتقا اوسقطا عنه الخدمة، فإن كانت الخدمة مقسومة كانت الخدمة للعبد حتى يموت أحدهما فيرجع نصيبه إلى السيد حتى يموت الثاني فيعتق العبد حينئذ، وإن كانت الخدمة مشاعة عجل عتق العبد بعتقهما إياه أو [وهبهما له] (¬1) الخدمة، ومن معاني هذا الباب في الذي يليه. في المخدم يضع خدمته للعبد أو يبيعها من سيده من هذا المعنى أو في بيع الرقبة من المخدم، وفي بيع الشريك نصيبه، وقد خدم شريكه حصته أو وهبها وغير ذلك من مسائل الخدمة ومن كتاب ابن المواز، ومن أخدم عبده حياته أو أجلا ثم هو حر ثم وضع له المخدم خدمته فإنه يعتق مكانه، ولو باعها من العبد كان جائزا ويعتق ولا يجوز بيعها من سيده ولا من غيره ولو كان مرجعه إلى سيده لا إلى حرية جاز لسيده ولورثته بعده شراء خدمته. قال ابن وهب عن مالك، فيمن حبس عبده على رجل عشر سنين ثم هو حر فترك الرجل الخدمة للعبد فإنه/ حر مكانه، وقاله ابن القاسم، وأشهب، قالا: وكذلك لو جعل له خدمته حياته. وكذلك لو باعها منه، قال ابن القاسم، قال مالك: وليس لسيده فيه عتق وعتقه بيد المخدم، ولو لم يجعل مرجعه إلى حرية كان عتق المخدم فيه باطلا، وكان على خدمته أخدمه أجلا أو عمراً، إلا أن يخدمه حياة العبد فيجوز فيه عتق المخدم، وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في ذلك كله، وقال وإن كان مرجعه إلى سيده أو إلى غيره ولم يرجعه (¬2) إلى حرية فوضع المخدم عن العبد خدمته فلا يرجع إلى خدمة سيده ولا من له مرجع الرقبة. ¬
ومن العتبية (¬1) من سماع أشهب قال مالك، ومن أوصى لولده بخدمة عبد له حتى يستغني عنه فدخل معه باقي الورثة حين لم يجيزوا ثم وضع الولد للعبد الخدمة، قال فباقي الورثة على حقوقهم من الخدمة، وروة ابن القاسم عن مالك، فيمن أخدم عبده رجلا سنة ثم هو حر فلا بأس أن يشتري [العبد] (¬2) من المخدم خدمته. ومن سماع عيسى عن ابن القاسم قال ابن القاسم، ومن أخدمك عبداً حياتك فلك أنت أن تعطيه لقريب لك أو غيره يختدمه على مثل ذلك، وكذلك سكني الدار، وغير ذلك، قال ابن القاسم عن مالك في عبد لرجلين أخدم أحدهما نصيبه رجلا، فللآخر بيع نصيبه إن شاء ولا يبيع الآخر معه، وكذلك إن آجره، له أن يؤاجره بغير إذن شريكه، وكذلك الدار./ ومن سماع ابن القاسم: ومن أخدم عبده رجلا سنة فقبضه فلا بأس أن يبيعه ربه منه قبل السنة. ومن كتاب ابن المواز وذكر أصبغ عن أشهب في العتبية، وذكر محمد أشهب في خلال ذلك. وقال في عبد بين رجلين أخدم أحدهما مصابته رجلا إن ذلك جائز ما أقره الشريك ولم يطلب البيع، فإن طلب ذلك كلف البيع معه وبطلت الخدمة أخدم بعلم شريكه أو بغير علمه، ويباع كله ولا شيء للمخدوم فيه. وكذلك إرهانه حصته منه جائز ما لم يقم شريكه بالبيع فيباع كله. قال أشهب: وإن بيع بعين عجل الدين، وإن بيع بعرض أوقفت مصابة الراهن ليحل الحق، وكذلك لو آجر مصابته كان جائزا، فإذا قام صاحبه بالبيع فذلك له، وتنتقض الإجارة، زاد في العتبية ولو أجاز الإجارة أولا ثم قام بالبيع فذلك له، ثم كان ما ذكرنا، قال أصبغ والبيع ها هنا كالموت كما لو قتل بطلت الخدمة والعقل لسيده. قال أشهب وله انتقاد الإجارة إذا آجر حصته. قال أصبغ لا أحب نقدها بشرط للمقرر في قيام الآخر بالبيع فتصير إجارة وسلف يرد ما بقي. ¬
وفي أبواب عتق الشريك [من هذا] (¬1) باب في الشريك يخدم حصته ثم يعتق هو أو شريكه، وفي المخدم يهبه الشريك حصته فيعتقها، وفي العبد يعتق بعد أن يؤاجر أو يخدم. /ومن كتاب ابن سحنون فيمن قال لعبده اخدم فلانا سنة ثم أنت حر ثم وضع عنه نصف الخدمة، فليسأل فإن أراد إني تركت له خدمة ستة أشهر، لأن عتقه إلى سنة يبعد فهو ذلك، وإن أراد أنها لك ملك تشاركني في الخدمة ويصير لك ملكا كان حرا كله مكانه، كمن وهب لعبده نصف خدمته أو خدمته، ولو قال اخدم فلانا سنة أنت حر فقال المخدم قد وهبته نصف الخدمة لتعتق كله وقام مقام السيد. قال مالك فيمن قال لعبده اخدم فلانا سنة وأنت حر فوضع عنه فلان الخدمة فإنه يعتق، وقال عبد العزيز لا يعتق لحجة السيد، وأن يعجل عليه فيزول ميراثه عنه، وليس للمخدم من عتقه شيء. قلت لسحنون: لم قلت في المعتق إلى سنة يضع عنه السيد نصف الخدمة أنه يعتق عليه وإن أعتق نصف المكاتب لم يعتق وكان وضع مال؟، قال: هو مفترق ولا أقول فيه شيئاً. قال ابن سحنون: وإن العتق إلى أجل إنما يملك منه الخدمة، فقام ذلك مقام الرقبة، وإنه يسلم ذلك في الجناية في المكاتب كتابته، والمكاتب لا يعتق حتى يؤدي، والمؤجل قد يعتق بغير الخدمة إذا مرض أو أبق عتق بذهاب السنة، قال: ومن أوصى في عبد له أن نصفه يخدم فلانا سنة ثم هو حر ونصفه حر بعد موتى، والثلث يحمل، فذلك جائز، فإذا مات عتق نصفه وبقي نصفه يخدم بقية الأجل،/ لأن من أعتق بعد موته نصف عبده لم يتم عليه، وإن وسعه الثلث، وإذا لم يحمله الثلث في مسألة الخدمة عتق محمل الثلث منه بتلا، ولو قال نصفه حر الساعة بتلا، ونصفه حر بعد سنة يخدم فيها فلانا، فإن حمله الثلث سقطت الوصية بالخدمة لأنه لما بتل نصفه لزمه تمامه في ثلثه، ولو قال نصفه حر بعد سنة ثم هو حر وإن لم يحمله عتق منه محمل الثلث، وإن حمل الثلث ذلك النصف ¬
فيمن أخدم عبده، أو أوصى بذلك ولم يؤجل، أو قال اخدمني وأنت حر ولم يؤجل، أو قال اخدم فلانا حتى يبلغ ابنه أو قال حتى يستغني أو ينكح أو قال بحصته ثم هو حر، أو أجل أجلا فمات الصبي قبله
فقط، وكانت وصايا خير الورثة، فإن أجازوا، ولا يحاص المخدم وأهل الوصايا في تلك الخدمة، فإذا تمت السنة عتق نصفه، وإذا أوصى لأبن له غيره ولأجنبي خدمة عبده سنة ثم هو حر والثلث يحمله، قال ذلك نافذ، ويخدمهما سنة ثم هو، حر وإن لم يحمله عتق منه ما حمل الثلث وسقطت الخدمة، يريد وما كان للأبن فالمورثة أن يشاركوه فيه. فيمن أخدم عبده، أوصى بذلك ولم يؤجل، أو قال إخدمني وأنت حر ولم يؤجل، أو قال إخدم فلانا حتى يبلغ أبنه، أو قال حتى يستغني أو [ينكح] أو قال بحصته ثم هو حر، أو أجل أجلاً (¬1) فمات الصبي قبله من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم، ومن وهب خدمة عبده لرجل ولم يوقت (¬2) [فأما] (¬3) في الوصية فله خدمة العبد حياة العبد حياة المخدم لأنه أوصى له بخدمته ولم يتركها لورثته، وأما في الصحة فأسلمه وأصدقه، فإن مات لم يبين فلا شيء للمخدم فيه. قال أصبغ له خدمته حياة المخدم. قال محمد قول ابن القاسم أحب إلى أن لا يسيء له بخلاف من قال لرجل وهبت لك خدمة عبدي أو أخدمتك عبدي، ومسألتك إنما قال أخدم فلانا. ومن قال لعبده أخدمني وأنت حر أو أنت حر على أن تخدمني فإن ذكر نية وإلا فإن خدمه طرفة عين فهو حر. وقال أصبغ له خدمته حياته كالمدبر حتى ينوي غير ذلك أو يرى له سبب. وأما قوله إن خدمتني فإذا خدمه ساعة فهو حر. قال محمد وهذا إن كان على وجه اليمين فله ما أراد، وإن قال عبدي يخدم فلانا حتى يبلغ أشده، فالأشد الحلم فإذا مات المخدم قبل ذلك خدم ورثته قدر ذلك. قال ابن القاسم يقال سبعة ¬
عشر. محمد وإن قال يؤنس منه الرشد فحتى يؤنس منه الرشد، وإلى وقت يستحق قبض مال إن كان له مال. قال ابن القاسم وغن مات قبل ذلك اجتهد في ذلك بقدر ما يرى. وإن قال حتى يستغني؟ قال مالك فحتى يلي نفسه وأخذ ماله. محمد وأحب إلينا حتى يحتلم. قال أصبغ إذا اوصى أن يحضن ولده ثم هو حر ولم يوقت وهو رضيع أو فطيم أو أثغر فذلك سواء. وحد الحضانة البلوغ إلا أن يسمي شيئا، ولو قال أرضعيه وأنت حرة فهذا يبين أنه قولان. قال محمد وكذلك قوله أحضنيه وهو رضيع فأما بعد الفطام فإلى الحلم حتى يلي نفسه. قال مالك وإن قال في حياته أو وصيته أرضعيه حولين وأنت حرة فمات قبلهما فأما إن كانت خادم الخدمة والامتهان فلا تعتق إلا بعد حولين ويرث بقية تلك الخدمة ورثة السيد دون وثة الصبي، وأما التي ليست للخدمة ولا تستقي ولا تطحن فذلك يعتق بموت الصبي. قال ابن القاسم: فيمن قال لأمته أرضعي أبني حولين وأنت حرة فمات الصبي قبلهما فلتخدم ورثة الصبي بقية المدة إلا أن تكون ممن أريد بها الحضانة ولها مال فتعتق بموته. قال ابن القاسم والتي من جواري الخدم تخدم ورثة الأب. قال محمد يعني إن كانت وصية من الأب وأما إن كان ذلك في صحته فلتخدم ورثة الصبي قال فيه وفي كتاب ابن حبيب روى ابن وهب عن مالك فيمن قال أرضعي أبني حتى تفطميه وأنت حرة فمات قبل الفطام فلتخدم الورثة قال محمد ورثة الصبي إن كانت من جواري الخدمة حتى تتم السنون من مولد الصبي. وفي كتاب ابن حبيب إلى تمام حولين من يوم مولدة ثم هي حرة] (¬1) / فمات الصبي قبل ذلك أنها حرة، محمد، وهذه ممن لا خدمة فيها وممن أريد منها الحضانة. قال مالك، ومن قال جاريتي تخدم فلانا أجلا مسمى ثم هي حرة، فمات المخدم قبل الأجل فلتخدم ورثة المخدم بقية الأجل. قال مالك، ومن أخدم عبده عشر سنين ثم مات المخدم قبلها، فأما الشيخ الزمن والعجوز فيخدمهما بحقهما عليه فلا شيء لورثتهما، وكذلك لو مات العبد وترك مالاً فلا يستأجر منه من يخدم المخدم وذلك لسيده. قال محمد, أما المال فهو كذلك، وأما ¬
في موت المخدم قبل الأجل فالذي يعرف من قول مالك أنه يخدم ورثته باقي الأجل، ولكنه استحسن هذا في دى الزمانة. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال في مرضه جاريتي فلانة تخدم إبنتي حتى تنكح ثم هي حرة، فأجاز لها الورثة ذلك، ثم تمرض البنت بعد مبلغ النكاح حتى لا ينكحها أحد وقد عنست، قال إن قال حتى تنكح فلا عتق لها حتى تنكح مرضت أو لم تمرض، وإن عنست إلا إن ترد هي الأزواج وتأبى النكاح فتعتق حينئذ، وإن تزوجت عتقت الأمة عند العقد، لا ينتظر بها البناء، وإن ماتت الإبنة قبل مبلغ النكاح خدمت الورثة إلى مقدار النكاح ثم عتقت، وإن لم تخرج الأمة من الثلث خير الورثة، فإن اختاروا فيسأل ما وصفت لك، وإن أبوا عتق منها مبلع الثلث بتلا ورق ما بقي وسقطت الخدمة فيما رق منها وعتق، وأما إن قال تخدم إبنتي حتى تبلغ النكاح ثم هي حرة، فهذه إذا بلغت النكاح وأمكن منها عتقت الأمة حينئذ، قيل فحد ذلك أن تحيض، قال أو بعد ذلك/ بقليل على ما يرى فيه ويجتهد بما لا ضرر فيه وقد تحيض الجارية وتقيم سنة وسنتين ولا يظهر ذلك منها ومن كتاب ابن حبيب وروى ابن وهب عن يونس عن ربيعة، فيمن قال لعبده إذا تزوج إبني فأنت حر فبلغ الصبي دون مال فتسرى وأتى النكاح؟ قال العبد حر، وليس غرض الأب أن ينكح إنما قصد أن يبلغ أشده وأن ينتفع بالعبد قبل ذلك وقاله مطرف وابن الماجشون، وقاله أصبغ عن ابن القاسم. قال ابن وهب عن مالك, ومن قال جاريتي تخدم فلانا عشر سنين ثم هي حرة فمات فلان قبل المدة، إن بقية الخدمة لورثته، ولو قال تحضن فلانا إلى أجل مسمى ثم هي حرة فمات الصبي المحضن فإنها تعتق، وليس لورثة الصبي اختدامها إذا أراد بها ناحية الأدب والولاية. وقال ابن وهب عن مالك، وإن قال لعبده ابن لي هذه الدار وأنت حر فعمل فيها ثم مرض مرضا لا يقدر معه أن ¬
في الحكم في المخدمة في نفقتها ومالها وولدها وديتها وميراثها وكيف إن أبقت؟ وفي المؤاجرة، وكيف إن اشترط إن أبقت فلا عتق لكم؟
يبني، فله أن يأتي بغيره يبني مكانه ولا يمنعه السيد إن جاء بمن يعمل نحو عمله ثم يعتق. ومن العتبية (¬1) ومن سماع ابن القاسم ومن أوصى في أمته أن تخدم إبنته حتى تبلغ النكاح (¬2) ثم تخير فإن إختارت العتق والثلث ضيق بدئ بها فيعتق ما حمل الثلث منها وسقطت الوصايا [والخدمة، وإن كان الثلث يحملها ويبقى منها ما لا يفي بالوصايا، فإن الوارث وأهل الوصايا يتحاصون في الخدمة إلى الأجل، وفيما بقي من الثلث الآن بقيمة الخدمة إلى بلوغه النكاح وأهل] (¬3) / الوصايا [يتحاصون في الخدمة إلى الأجل] (¬4) بوصاياهم، فما صار للوارث فللباقين من الورثة أن يمضوه، أو يدخلوا معه فيه على المواريث، فإذا تم الأجل خيرت في العتق, فإن اختارته عتقت وإلا بيعت، وأتم لأهل الوصايا وصاياهم. في الحكم في المخدمة في نفقتها ومالها وولدها وديتها وميراثها وكيف إن أبقت؟ وفي المؤاجرة، وكيف إن اشترط إن أبقت فلا عتق لك؟ من كتاب ابن المواز قال مالك, وولد المخدمة عمراً أو أجلاً بمنزلتها ومعها. قال في العتبية من سماع ابن القاسم وكذلك ما ولد للعبد المخدم من أمته فيخدم المخدم معهما، وما حدث لهما من مال فليس للمخدم انتزاعه، فإن ماتا فهو للسيد. ابن القاسم قال مالك، ومن أخدم عبده سنين فليس له انتزاع ماله. وروى عيسى عن ابن القاسم ان له ان ينتزعه ما لم يقرب الأجل، وأنكر سحنون رواية عيسى هذه. قال ابن المواز قال مالك، ومن أخدم عبده رجلا سنينا ثم هو حر، فليس له انتزاع شيء من ماله لأنه [قد] (¬5) ينفق منه على نفسه [ويكتسي ¬
ويبقى على نفسه] (¬1) , وليس كالمعتق إلى أجل، ذلك له انتزاع ماله وهو ينفق عليه، قال في كتاب ابن المواز، ومن أخدم عبده عمراً أو أجلاً فنفقته على المخدم كان مرجعها إلى الحرية أو إلى غير السيد لخدمة، أو ملك، قال ابن عبد الحكم، وعليه زكاة الفطر عنه. قال مالك: ومن أخدم أخته أمة حياتها فنفقتها على الأخت، وقاله ابن/ القاسم، [قال] (¬2) ونفقة المستأجرة على سيدها إلا أن تشترط، قال وولد المستأجرة لا حق فيه للمستاجر، ولو ولدته بعد أن أعتقها ربها عجل [لها] (¬3) عتق الولد وتربص بها هي [حتى تنقضي مدة الإجارة]. قال مالك: والمخدم مرجعه إلى حرية إن أبق في المدة لم يتبع بشيء وعتق بمحلها. وكذلك العبد نصفه حر لا يتبع بخدمة إباقة. قال ابن سحنون عن أبيه في الذي نصفه حر إن بدأ الذي له الرق بالخدمة في قسمة الخدمة، أو بدأها العبد فلا يرجع واحد على الآخر بما وقع في أيامه من مرض أو إباق، قاله مالك وأصحابنا. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون فيه وفي العبد بين الشريكين كذلك إذا اقتسمها الخدمة، وما لم يقتسمها فذلك منها، وهذا مذكور في الأول من العتق. ومن العتبية (¬4) قال ابن القاسم عن مالك في العبد المخدم يقتل خطأ أو عمداً، فإن عقله لسيده، وإن قتله السيد خطأ فلا شيء عليه، وإن فعله عمداً فعليه قيمته يختدم منها إلى تمام المدة فما بقي فلسيده. قال عيسى توقف القيمة للمعمر يستأجر منها من يخدمه، فإن مات وبقي منها شيء فهو لسيده، وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وزاد فإن فرغت القيمة [قبل المدة] (¬5) فلا شيء على السيد. قال سحنون وكان يقول ابن القاسم يشتري منها عبداً يخدمه. وكذلك لو كانت أمة فأحبلها. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ومن أخدم ¬
في المخدمة يطؤها أو يتزوجها أو من له مرجعها، وكيف إن حملت؟
عبده رجلاً سنيناً [ثم هو لفلان صدقة،/ فقتل العبد أو مات في الخدمة، فعقله وماله لمن له مرجع الرقبة، كما لو قتله أجنبي، وتسقط الخدمة. وروى أصبغ عن أشهب فيمن أخدم رجلا عبده سنة (¬1) ثم هو لفلان بتلا، فمات العبد في السنة وترك مالاً، قال هو لسيده. قال أصبغ يعني المخدم لأنه مات قبل يجب لفلان ولا يجب له إلا بعد السنة وهو لم يبلغها، وقد اختلف قول مالك في المبتل بعد الخدمة وهذا أحب إلينا. قال عيسى عن ابن القاسم: ومن أخدم عبده رجلا عشر سنين ثم هو حر على أنه إن أبق فلا عتق له، أو قال ماغبت فيه أو أبقت فعليك قضاؤه، قال ابن القاسم: يلزمه قضاء ما أبق ويكون حراً. قال عيسى عن ابن القاسم، ومن أخدم عبده رجلا أمداً ثم هو حر فليس للعبد أن يعتق عبده في الخدمة إلا برضا السيد والمخدم جميعا ثم يكون الولاء فيما أعتق لسيده، ولا يرجع إلى العبد بعد الأجل، ولأنه لو رضي المخدم بأن يأخذ السيد ماله لم يكن للعبد فيه حجة إلا أن يتقارب الأجل. في الخدمة يطؤها المخدم أو يتزوجها أو من له مرجعها، وكيف إن حملت؟ من كتاب ابن المواز والعتبية (¬2) رواية عيسى عن ابن القاسم، ومن أخدم أمته في صحته إبناً له كبيراً حياته ثم هي لابن له آخر، قال في العتبية (¬3) تصدق بخدمتها عليه حياته ثم هي لابنه/ الآخر، بتلا (¬4)، قال في الكتابين ثم وطئها الأول ¬
فحملت فالولد به لاحق ولا يحد للشبهة، وعليه قيمة مرجعها يعجل له، وتكون أم ولد، محمد وهذا صواب. قال في العتبية (¬1) تقوم على الرجاء والخوف قيمتها على ذلك يوم يرجع. قال في الكتابين وقد قال مالك فيمن أخدم عبده رجلا حياته أو أجلاً أنه لا يتزوجها المخدم كمن له فيها شريك، ولو أحبلها من جعل له مرجعها غرم قيمتها كاملة، فيؤاجر منها من يخدم المخدم حياته، فإن عجزت فلا شيء له غيرها، وإن مات المخدم وبقي منها رد ذلك على الواطئ. وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون: إن وطئها الولد الذي له الخدمة في الخدمة فأولدها لم يحد ولحق به وعليه قيمة الولد الذي جعلت له الرقبة وإن وطئها من جعل له مرجعها وهي عند المخدم غرم قيمتها [فيشتري منها] (¬2) رقبة تخدم، فإذا مات رجعت إلى الآخر، وباقي القول في وطء المخدم في أمهات الأولاد. قال محمد بن خالد في العتبية (¬3) عن ابن القاسم، ولو وطئها المخدم وهو متعمد عارف غير جاهل لم يحد للشبهة كوطء الشريك. وفي كتاب ابن المواز قال ابن وهب، ومن أخدم أمته رجلا سنة فوطئها المخدم، فإن كان عالما حد وإن عذر بالجهل عوقب وقومت عليه، فإن وطئها ربها فحملت بقيت تخدم تمام السنة، قيل أتخدم أم ولده؟ قال أرأيت إن أعتقها،؟ قال محمد/ وأحب إلي أن يغرم قيمتها فيؤاجر منها من تخدم بقية السنة فما فضل رد إليه، وما غر فلا شيء عليه. ¬
فيمن أوصى بخدمة عبده ثم يعتق أو لا يعتق، وأوصى بوصايا
فيمن أوصى بخدمة عبده ثم يعتق أو لا يعتق، وأوصى بوصايا وهذا الباب مكرر في الوصايا. ومن كتاب ابن المواز، ومن أوصى بخدمة عبده عشر سنين وهو حر ولآخر بعشرة دنانير، والعبد هو الثلث فإذا بدينا العتق لم يبق إلا الخدمة، فيتحاص فيها صاحب العشرة وصاحب الخدمة بقيمتها على غروها أن [لا تباعه] (¬1) عليه إن مات العبد قبلها، فإن كانت قيمتها عشرة فالخدمة بينهما نصفين، فإن مات العبد بعد سنة وترك خمسة دنانير فإن الموصى له بالدنانير أحق بها، والآخر كانت وصيته في عين قائمة وقد ذهبت وبقي لصاحب الدنانير بقية الثلث، وهذه بقية الثلث إلا أنه يقال له صار إليك من وصيتك نصفها، وكنت حاصصت بجميع وصيتك، وإنما لك الحصاص بنصفها وقد انكشف، أن الخدمة الموصى بها سنة وقد أخذ الموصى له بها نصفها كما [لو] (¬2) أخد الموصى له بالعشرة نصف وصيته، فالنصف الآخر من الخدمة الذي اختدمه الموصى له بالمال يرجع عليه فيه صاحب الخدمة يحاصه فيه، وبقي لكل واحد نصف نصيبه، فيتحاصان في نصف الخدمة السنة الذي حاز عند صاحب الدنانير، فإن سويت خدمة السنة خمسة/ فنصفها اثنان (¬3) ونصف فهو بينهما أثلاثا، لصاحب الخدمة ثلث دينار لا سدس يرجع به على صاحب الدنانير، وقد استوفى هو ثلثيها، ولو كان العبد وخمسة دنانير هو الثلث، ولم يمت العبد فليأخذ الخمسة الموصى له بالمال، ويأخذ صاحب الخدمة أيضا نصف الخدمة، كما أخذ الآخر نصف وصيته، ويتحاصان (¬4) في نصف الخدمة هذا بقيمة نصفها والآخر بخمسة دنانير، وإن كان العبد (¬5) أكثر من الثلث خير الورثة فإن أجازوا عتقه إلى أجله، يحاص هذان ¬
من الخدمة قدر محمل الثلث من رقبته، هذا بعشرة معجلة، وهذا بقيمة خدمته إلى أجلها، فإن لم يجيزوا عتق محمل الثلث منه، وبطلت الوصايا. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر يخدمه عبده حياته ثم هو حر، والعبد قدر الثلث فيدبر بعتقه إلى المدة ولم يبق إلا الخدمة يتحاصان فيها، فيقال ما قيمة العبد حين خرج من الثلث فقيل مائة قلنا فهذا الثلث الموصى بها لهذا، ويقال ما قيمة العبد حين خرج من الثلث فقيل مائة قلنا فهذا الثلث الموصى بها لهذا، ويقال ما قيمة خدمته حياة فلان، فيقال خمسون ديناراً فيصير لصاحب المائة ثلثا الخدمة، ولصاحب الخدمة ثلثها إلى الأجل، ثم يعتق، وإن كان الثلث هو العبد وخمسون دينارا فقد صارت الوصايا مائتين فيحاص صاحب الثلث بمائة وخمسين وصاحب الخدمة بخمسين، وليس تم إلا خمسون عينا (¬1) وخمسون في خدمة، وذلك مائة فثلاثة/ أرباعها لصاحب الثلث، وربعها لصاحب الخدمة، يأخذ ذلك كل واحد فيما أوصى له به، فيأخذ الخمسين العين صاحب الثلث يبقى له خمسة وعشرون، ولصاحب الخدمة خمسة وعشرون (¬2)، فتصير الخدمة بينهما نصفين، وفي رواية موسى عنه، إذا كان العبد دون الثلث ويبقى من الثلث فضله لا تفي بالوصايا فليحاصوا في الخدمة وفيما فضل من الثلث حتى يكون للموصى لهم من فاضل الثلث ومن الخدمة بقدر ذلك، وللذين أوصى لهم بالخدمة من الخدمة ومن فاضل الثلث بقدر ما يصيبه من قيمة الخدمة. ومن سماع عيسى قال ولو أوصى لرجل بخدمة عبد إلى أجل ثم هو حر، وبعبد آخر كذلك لآخر ثم هو حر فلم يسعهما الثلث، فإن الخدمة تسقط، ويعتقان بالسهام. قال أصبغ عن ابن القاسم وإن أوصى لرجل بخدمة عبده حياته، وأوصى بوصايا ولم يخلف غير العبد، فأجاز الورثة وصيته بالخدمة فلتقوم خدمة العبد على غررها، فيحاص بذلك أصحاب الثلث في ثمن ثلث، رقبة العبد، فما وقع للمخدم في ذلك فأخذه لنفسه يصنع به ما شاء، ثم يختدم ثلثي العبد حياته ثم يرجع إلى الورثة، وقاله أصبغ. ولو أوصى فقال عبدي يخدم فلانا ¬
سنة ثم هو حر، وعبدي الآخر يخدم فلانا الآخر شهراً ثم هو حر، بدئ بصاحب الشهر لقربه. ولو قال فلان يخدم سنتين ثم هو حر، وفلان يخدم عشر سنين ثم هو حر، وفلان يخدم عشرين ثم/ هو حر تحاصوا وإن تباعد ما بين ذلك، وإذا قلت الخدمتان بدى بالأقرب وإن افترق ما بينهما. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أخدم رجلا عبده إلى أجل ثم أوصى بعد ذلك لرجل بثلث ماله ولآخر بذلك العبد- يريد وضاق الثلث-، فليضرب الموصى له بالعبد بقيمة العبد على مرجوعه مع صاحب الثلث، [فما أصابه] كان له في جميع ثلث الميت إذا حالت الوصية وقطع لهم بالثلث. قال أصبغ تفسيره أن يكون مبلغ الثلث إذا أضيفت قيمة العبد إلى التركة بعد رجوعه ثلاثين، وقيمة العبد على مرجعه عشرة، فالثلث بينهم على أربعة، وإذا رجع العبد كان ثلثه أيضا بينهما أرباعاً، لأن ثلثه باقي الثلث وثلثاه للورثة. وروى موسى عن ابن القاسم، فيمن أوصى أن تخدم أمته ابنه حياته، ثم تكاتب بعشرين دينارا، قال فإن حملها الثلث خدمت الابن إن أجاز الورثة ذلك له، وإلا شاركوه في الخدمة، ومن مات منهم فورثته أيضا بمثابته حتى يموت الإبن ويكاتب بعشرين، فإن أدت كان ذلك بين ورثة الميت على الفرائض، فإن عجزت استرقوها. وإن لم يحملها الثلث خير الورثة فإن أجازوا [تأجيرها] (¬1) للخدمة خدمت، ثم لهم أن يدخلوا معه في الخدمة، أو يجيزوها له ثم كوتبت بعد ذلك، وإلا عتقوا محمل الثلث فيها بتلا، أو يعجلوا لها الكتابة بما قال الميت، قال الميت، قال فإن أبى أحدهم كان كما لو أبوا كلهم، وإن واحد منهم الكتابة للموصى له بالخدمة، أو/ غيره، أعتقوا منها محمل الثلث. ¬
في جناية العبد المخدم على المخدم أو غيره
في جناية العبد المخدم على المخدم أو غيره من كتاب ابن المواز، قال: والمعتقة بعد خدمة فلان أجلا إن جرحت المخدم فليخدمها بجرحه، فإن وفته عادت إلى خدمة الوصية، وإن تم الأجل ولم تف بالجرح عتقت، وأتبعت بما بقي، وكذلك إن جنت على عبد له وقول مالك في مدبر جنى على سيده خطأً. وروى عيسى ابن القاسم، فيمن قال لعبده (¬1) أخدم فلانا عشر سنين ثم فلانا بعده عشر سنين، [ثم أنت حر فجنى على رجل في خدمة الأول، قال يخير الأول فإن فداه اختدمه باقي العشر سنين] (¬2) ثم يأخذه الثاني بلا غرم شيء فيختدمه عشر سنين، فإن أبى المخدم الأول أن يفتديه أسلمه إلى المجني عليه فاختدمه وقاصه بالخدمة في الدية فإن وفى قبل العشر سنين رجع إلى المخدم فخدمه باقيها، وإن إنقضت في الأرش (¬3) ولم تتم قيل للمخدم الآخر افتده ببقية الجرح، فإن فداه إختدمه، وإن أبى إختدمه المجروح، فإن أدى بقية الجرح قبل عشر سنين رجع فخدم المخدم الآخر باقيها، ولو إنقضت العشر سنين الآخرة قبل تمام دية الجرح عتق وأتبع بما بقي من ديته ديناً. وفي رواية سحنون عنه إن فداه الأول بالدية ثم اختدمه بها وتمت السنون، قيل للثاني أد (¬4) إلى الأول جميع ما ودى اختدمته سنينك/ فقط ثم يخرج حرا، وليس له أن يختدمه سنينه وسني الأول فإن أبى فليسلمه إلى المجروح يختدمه سنينها، فإن كان فيها وفي، وإلا أتبع العبد بما بقي من جنايته دينا وعتق بعد السنين. تم كتاب الخدمة بحمد الله ¬
صفحة بيضاء
كتاب المكاتب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه كتاب المكاتب في التخصيص على الكتابة، وهل يكره عليها العبد؟ والوضيعة منها، وذكر كتابة الصغير ومن لا حرفة له من كتاب ابن حبيب وغيره في قول الله سبحانه {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرا} (¬1) قال ابن عباس: إن علمت أنه يقضيك، قال مجاهد: الخير المال، وقال عطاء: أراه المال وتلا: {إِن تَرَكَ خَيْراً} (¬2)، وقال طاوس: مالا وأمانة، وقال سعيد بن جبير: مالاً، وقاله زيد بن أسلم، والضحاك وأبو رزين، [وعبد الكريم] (¬3) وروي في حديث مقطوع للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حرفة ولا ترسلوهم، كلا على الناس، وعن ابن عمر نحوه، وقال النخعي صدقا ووفاء. وقال كثير من السلف إن شاء كاتبه وإن شاء لم يفعل، وكذلك في الوضيعة من الكتابة، وإن ذلك كله من الترغيب، وقال الله سبحانه: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} ... إلى قوله: {وَإِمَائِكُمْ} (¬4). وروى بعض البغداديين عن مالك أن للسيد إكراه عبده على الكتابة، كما يعتقه عند مالك على أن يبيعه بمال. قالوا كما/. ¬
ينكحه مكرها ويؤاجره ويعتقه وهو لا ضرر عليه في ذلك، وإنما يؤدي ما فضل عن نفقته، فإن قيل يضر بالعبد لزوال النفقة عن سيده، قيل لا ضرر فيه إذ لا يصلح مكاتبة من لا خير فيه، والخير المال، ومن لا حرفة فيه، فإن قيل هو من الجماعة، ولا يكون إلا من اثنين، قيل وتكون من واحد قال الله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ} (¬1)، فإن قيل هذا فيه دليل منه، قيل والأدلة في المكاتب دالة على ذلك، وابن القاسم يرى أن لا يكاتب عبده إلا برضاه. قال ابن الجهم، وأما الوضيعة من آخر الكتابة، فأكثر أصحابه يأمرون بذلك من غير قضاء ولا جبر، ولو كانت ولاية المكاتب محدودة، ومن كتاب ابن المواز وأجاز ابن القاسم كتابة الصغير، وقال أشهب: يفسخ إلا أن يموت أو يكون له ما يؤدي فيؤخذ ويعتق، وكذلك الأمة غير ذات الصنعة، وكذلك روى الدمياطي (¬2) عن أشهب فيمن كاتب ابن عشر سنين قال لا يجوز ذلك، وأجاز مالك أن يكاتب العبد بحرفة له، قال ابن القاسم: ولو كان بين الناس جازت كتابته، وقال مالك في قول الله سبحانه: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرا} (¬3) كمال القوة على الأداء، وفي باب التعجيز شيء من كتابة الصغير (¬4)، وإذا ألزم عبديه الكتابة على كذا وفي نجم كذا كتابة واحد فرضي أحدهما ولم يرض الآخر فذلك يلزمه عند ابن القاسم ويرجع بما ودى (¬5) عنه، وكذلك إن كان أحدهما/ غائبا، وقاله أصبغ على الإستحسان والإتباع للعلماء. وكذلك عندي لو لم يرض مثل العبد الواحد ألزمه سيده الكتابة ونجمها عليه، فذلك يلزمه على ما أحب أو كره، ولا حجة له فيها إلا بعجز ظاهر. قال محمد: وأخبرني البرقي عن أشهب أنه قال، لا يكاتب الرجل عبده ¬
في المكاتب يشترط عليه مع المال ضحايا (وأسفار) وخدمة ثم يؤدي قبل ذلك، والمكاتب يختدم فيما عليه بشرط وبغير شرط، أو شرط أن لا يعتق حتى يخدم
إلا برضاه، وإن كان بغير رضاه لم يلزمه، وكذلك سمعت عبد الملك يقول مثل ذلك. في المكاتب يشترط عليه [مع المال] (¬1) ضحايا (وأسفار) وخدمة ثم يؤدي قبل ذلك، والمكاتب يختدم فيما عليه بشرط وبغير شرط أو شرط أن لا يعتق حتى يخدم من كتاب ابن المواز، قال مالك، وإذا اشترط السيد على المكاتب أسفارا وضحايا، فودى الكتابة فإنه إن ودى الضحايا وعجلها سقطت الأسفار، وكذلك كل ما تبقى من عمل يديه أو خدمة تشترط ولا يؤدي لذلك عوضا، كما أن من أتبل عبده لا يجعل عليه خدمة يشترطها، وذلك ساقط لا يلزمه ولا عوضا منه. وروي عن أشهب إذا قاطعه على مال وأسفار، فليعط مكان الأسفار عينا ويتم عتقه، قال محمد: ليس هذا بشيء، وقد رجع عنه مالك وجميع أصحابه على أنه لا يلزمه عوضا. قال محمد: وإنما يلزمه ذلك ذلك ما دامت الكتابة، قال محمد: إلا من جعل عتق عبده (¬2) بعد قضاء الخدمة/ والأسفار فيلزمه ذلك ولا يعتق حتى تنقضي أو يجعل قيمة ذلك، وقال أحمد بن ميسر القياس رواية أشهب، وذكر في العتبية (¬3) رواية أشهب عن مالك إذا عجل الكتابة، نكل ما بقي من خدمة وأسفار فساقط، وما كان من الضحايا والرقيق والكسوة فليغرم قيمة ذلك معجلا ويعتق. ومن كتاب ابن المواز، وروى ابن وهب وأشهب عنه، فيمن قال لعبده ابن لي هذه الدار وأنت حر فمرض فأراد أن يأتي بمن يعمل ذلك فذلك له، وإن أبى السيد، قال أحمد هذا في العمل المفهوم كالبناء ونحوه، وأما في الخدمة فلا إلا برضى السيد، لأنه معتق إلى أجل. قال مالك: فإذا ودى المكاتب الكتابة وبقيت الضحايا، فإن عجل قيمتها عتق، وإن كره السيد وليس قيمتها [إلى ¬
محلها لكن قيمتها (¬1) على أنها حلت. قال [ابن حبيب عن] (¬2) أصبغ في قول مالك: إن عجل الكتابة سقطت الخدمة المشترطة. قال أصبغ إلا أن يقول أعتقك على خمسين دينارا إلى خمس سنين [يؤدي إلى كل سنة عشرة على أن تخدمني إلى تمام الخمس سنين، على أنك إن أديت جميع النجوم قبل الخمس سنين لم يعتق حتى تنقضي فذلك يلزمه والشرط فيه جائز. وكذلك لو قال أنت حر إلى خمس سنين] (¬3) إن أعطيتني خمسين دينارا أو على أن تعطينيها إن شاء قال إلى الخمس سنين أو إلى دونها أو حالة، فهذا أيضا يلزمه تمام الخدمة إلى آخر الأجل، وإن عجل المال فإن انقضت الخمس سنين ولم يؤد المال فلا عتق له. وكذلك إن متى ما أعطيتني خمسين دينارا فأنت حر بعد خمس/ سنين وليتلوم له الإمام في الوجهين بعد الجل. قال أصبغ: وأصله أنه إن جعل عتقه بعد أمد يسميه فلا يعتق قبله وإن عجل المال، وأما إن جعل عتقه بعد الغرم، وإنما جعل الأمد للخدمة فهذا إن عجل المال عتق وسقطت الخدمة كمبتل شرط خدمته، وكغريم عجل ماعليه. قال أصبغ: [عن ابن القاسم] (¬4) وإن كاتبه على مال على أن يختدمه ويقاصه فيه وقد نجمه عليه ويستوفي الكتابة في الخدمة قبل انقضاء النجوم، فهذا يعتق، قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا كاتبه وشرط عليه أن يختدمه أربعة أيام [كل جمعه] (¬5) حتى يؤدي كتابته ثم لا خدمة عليه، ويشترط جزره كل أضحى وفطر ما عاش المكاتب، قال لا أحب الكتابة على هذا، فإن وقعت فهي جائزة، قال فإن ودى كتابته قبل محلها أو بعد سقطت الخدمة ويعمر المكاتب وينظر إلى قيمة الجزر في تعميره، فإن ودى ذلك عجل عتقه، وإن يكن له مال لم يعتق حتى يؤدي قيمة ذلك. وقاله مالك قال ابن ¬
في القائل لعبده إن جئتني بكذا فأنت حر، أو يوصي بذلك، هل هو كالكتابة؟ وفيما يحدث بعد ذلك من ولد
القاسم يؤدي قيمة [الجزر حالة ساعتئذ لا] (¬1) إلى أجلها، وقال ابن القاسم: وإن كاتب أمته بكذا وكذا واشترط خدمتها ما دامت في الكتابة على أن لها يوما أو أياماً من كل جمعة تخدم فيها نفسها فزوجها رجلا حراً ثم إفتضها السيد قبل البناء، فالنكاح ثابت ويعاقب السيد إن لم يعذر بجهل وإن جهل لم يعاقب ولم يغرم لما نقص الإفتضاض [إن طاوعته] (¬2) وتخرج من يديه فتؤاجر له من مأمون/ أو يستعملها عنده ما شاء حتى يؤدي أو يعجز أو يبني بها الزوج، ولا يبني بها حتى يستبرئ من ذلك، قال أصبغ: ويعاقب بكل حال. في القائل لعبده إن جئتني بكذا فأنت حر، أو يوصي بذلك، هل هو كالكتابة؟ وفيما يحدث بعد ذلك [من ولد] (¬3) من العتبية (¬4)، روى محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن قال لأمته [إن جئتني بكذا فأنت حرة] (¬5) وقبلت ذلك ثم ولدت قبل أن تأتي بالمائة، قال لا يعتق ولدها معها في هذا، وليس له بيعها حتى تعطي المائة، فتعتق أو لا تعطي إلى السنة فترق. وفيمن أوصى أن ودت أمته ثلاثين ديناراً فأعتقوها، ثم مات فغفل عن ذلك حتى ولدت ثم أعطتهم الثلاثين ديناراً فلا تعتق إلا هي دون ما ولدت، وقاله مالك، وفي كتاب باب من هذا المعنى. ¬
جامع الشروط المكروهة أو الجائزة في الكتابة، والخيار في الكتابة، وفيمن أعتق أمة على أن تنكحه
جامع الشروط المكروهة أو الجائزة في الكتابة، والخيار في الكتابة، وفيمن أعتق أمة على أن تنكحه من العتبية (¬1) من سماع أشهب وكتاب ابن المواز، قال مالك، ومن كاتب عبده وشرط عليه استرقاق ما حدث له من ولد، فسخت الكتابة إلا أن يرضى السيد بترك الشرط. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وكذا إن شرط على الأمة الحامل أن ما في بطنك رقيق فسخت الكتابة لو لم يبق منها إلا درهم (¬2)، ألا أن يسقط السيد شرطه، وإن لم ينظر فيه حتى أدت فهي حرة، وما في بطنها [حر] كمعتق الحامل يستثني الجنين/ وكذلك العبد إن أدى قبل إبطال الشرط فإن ولده من أمته أحرار معه، [وذلك كمن دبر أمته] (¬3) شرط أن ما تلد رقيق، فالتدبير ماض وولدها مدبر، وذكر ابن حبيب عن أصبغ عن أشهب مثله، قال أصبغ: ولا آخذ به، بل الكتابة جائزة والشرط في الولد ساقط، والكتابة فوت كما هي فوت في الاختلاف بين السيد والمكاتب (¬4) في مبلغها. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن كاتب أمته واستثنى جنينها فالكتابة جائزة والشرط باطل كالعتق، وقاله أصبغ، قال محمد: وإن ودى من الكتابة نجما واحد مضت وبطل الشرط، وإن لم يؤد فإن ترك السيد شرطه وإلا بطلت الكتابة، وكذلك في ولد المكاتب، قال أصبغ فيه [في العتبية] (¬5) قال ابن القاسم: وإن شرط ألا يخرج من خدمته حتى يؤدي فلا تفسخ بذلك الكتابة والشرط لازم قال في العتبية (¬6): وإنما هو رجل قال إن أدبت إلى عشرة دنانير في كل سنة مع خدمتك إياي فيها فأنت حر ¬
فهو جائز وغيره أحسن منه، قال في الكتابين: وقد أجاز مالك شرط الأسفار، قال: وما كان بعد الكتابة من خدمة فإنها تسقط، قال أصبغ: لا يعجبني إلزامه الخدمة وذلك ساقط، والكتابة جائزة كالشرط أن يطأها أو يسترق ولدها أو ولد المكاتب، وكذلك الخدمة [إلا خدمة] (¬1) غير موقوفة (¬2) لسفر وما أشبهه حتى يعتق، قال أحمد بن ميسر ليس الخدمة كولد لأنه يختدمها، يريد/ بالشرط وليس له استثناء ولدها، قال محمد: قول أصبغ أحب إلينا أن الشرط بالخدمة اليسيرة المعروفة، والسفر اليسير ما لم يكن يأتيه لبعد الكتابة، وقاله مالك، وذكر ابن حبيب عن أصبغ أنه قال تمضي الكتابة ويسقط الشرط، وحكى عن ابن الماجشون أن تمضي الكتابة ويبطل من شرط الخدمة [ما لا يجوز] (¬3) لأنهم إنما يكاتبون ليسعوا، ولكن يجوز له من شرطه الخدمة ما كان يجوز له بدءا أن يشترطه وما جرى عليه أمر المسلمين مثل اليوم [واليومين] (¬4) من الجمعة، والأيام من الشهر مثل الثلاثة أو الأربعة. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أعتق عبده على أن لا يفارقه وأنه إن فارقه فعليه خمسون دينارا، [أعتقه على هذا، قال هو حر وعليه خمسون دينارا ويبطل قوله لا تفارقني، وكأنه أعتقه] (¬5) على [أن يدفع إليه خمسين دينارا ومن كتاب ابن المواز ومن شرط (¬6) على مكاتبته] (¬7) أن يطأها، فإن ترك السيد شرطه مضت الكتابة وإلا فسخت. وقال ابن القاسم: الكتابة لازمة والشرط باطل./ قال محمد إن أدت بعضها أو طال زمانها مضت وفسخ الشرطة، وإن لم تؤد شيئا، فقول أشهب ¬
حسن. قالا ولو شرط المكاتب على سيده أن كل ولد تلد زوجته- وهي أمة لسيده- أنه معه في الكتابة فذلك لازم ما دامت في ملكة، فإن باعها او وهبها فلا يدخل ما تلد بعد ذلك يريد باعها ولا حمل بها، قال ولو كاتب السيد زوجته على خدمته فشرط المكاتب في ولدها- يريد ما تلد بعد كتابته- أو كانوا مع أمهم في كتابتها ولا يشترطهم الأب، وإن لم يستثن لإبطال شرطه حتى ولدت فسخ شرطه فيما لم يولد بعد, وما ولد قبل إبطال الشرط-[يريد] (¬1) بعد كتابة الأم- فذلك الولد مع كتابة الأب والأم يعتق مع أولهما عتقا، ويسعى معهما معونة لهما، ويرث من مات من أبويه قبل العتق فإذا عتق مع أولهما عتقا لم يبق له مع الثاني سعاية ولا موارثة، وما ولدت بعد إسقاط الشرط ففي كتابة أمهم. قال أشهب: وإن كان أمة للعبد أو أم ولد وكاتبه عليه وعليها أو اشترطهما معه في الكتابة فقد حرمت عليه، وهو انتزاع من السيد وهي مكاتبة. ومن كاتب أمته وشرط الخيار شهرا أو يوما، فذلك جائز، فإن ولدت في أيام الخيار، والخيار للسيد، قال ابن القاسم فولدها [بمنزلتها] (¬2) معها [كالبيع وإن كان الخيار معها فولدها معها] (¬3) وإن كرهت، وقال أشهب لا يكون ولدها بمنزلتها في بيع ولا كتابة، قال محمد: وعملها وعمل/ ولدها في الخيار لسيدها، وأما ما وهب لها أو اغتلته من ماله فليس لسيدها وهو لها، وأما في البيع فذلك كله للبائع، قال أحمد: قول ابن القاسم في الولد في البيع استحسان، والكتابة آكد. قال مالك: ومن أعتق أمته على ان تنكحه أو تنكح فلانا تم العتق ولم يلزمها [الشرط، ولو أعطاه فلان على ذلك مالا، فالمال له ولا يلزمها] (¬4) نكاح وهي حرة. محمد، إلا أن يتبين أنه زاد على قيمتها بسبب النكاح فيرده ما زاد واستحسنه أصبغ فيما أعلم. ¬
في الكتابة على غرر أو مجهول أو على عبد فلان أو على شيء لم يوصف، أو على أن يأتي فأبق، أو يقوم على غنم أو بقر فإذا صارت كذا فهو حر، أو على أن يغرس نخلا
في الكتابة على غرر أو مجهول، أو على عبد فلان، أو على شيء لم يوصف، أو على أن يأتي فأبق، أو يقوم على غنم أو بقر فإذا صارت كذا فهو حر، أو على أن يغرس نخلا من كتاب ابن المواز، قال أشهب: من كاتب عبده على عبد آبق أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو دين على غائب لا يعلم حاله، لم أفسخ الكتابة وإن كنت أكره ما فعلا، لإجازة غير واحد الربا بين العبد وبين سيده، ولا يعتق حتى يقبض السيد ما شرط، ولو كاتبه على أن يدي إليه منه الآن عتق مكانه، وإن لم يقدر السيد على ذلك أبدا. وروى أبو زيد في العتبية (¬1) عن ابن القاسم فيمن كاتب عبده على أن يأتيه بعبده الآبق (¬2) أو ببعيره الشارد، أن الكتابة جائزة وعليه أن يأتي بالعبد أو البعير، فإن لم يأت به وأيس/ منه فقد عجز، ومن كتاب ابن المواز، قال، وأجاز ابن القاسم الكتابة على فلان، ولم يجزه أشهب، وقال تفسخ الكتابة إلا أن يشتريه (¬3) قبل الفسخ. محمد، فإن لم يشتره (¬4) ودى قيمته ولا يفسخ ذلك، قال ابن ميسر، لا يتم شيء إلا بعبد فلان. قال ابن القاسم، وإن كاتبه على لؤلؤ ولم يصفه (¬5) لم يجز لأنه يبعد ولا يحاط بصفته، قال محمد، لا يفسخ ويكون من أوسط الذي يشبه ما بينهما. ¬
ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز، قال، ومن كاتب عبده على أن أعطاه عشر بقرات [على] (¬2) أنها إذا صارت خمسين (¬3) فأنت حر، [قال في العتبية (¬4) هذه كتابتك، فرضي العبد (¬5) بذلك] (¬6)، فليست بكتابة، ولا أرى ذلك يفسخ لحرمة العتق، وكمن قال إن بلغت بقري كذا فعبدي حر وليس له بيع بقرة، قال في العتبية (¬7) ولا يفسخ ما جعل له إلا أن يرهقه دين. قال أحمد بن ميسر، ليس له بيع الذكور ويحصى عددها وكذلك الإناث التي تقطع ولادتها، ولا يفسخ ما جعل له إذا رهقه دين. وقال أصبغ في الكتابين هي كتابة جائزة، ويجوز في الكتابة من الغرر أكثر من هذا ولا يفسخ يتبين عجزه بأمر بين. قال أحمد بن ميسر، ليست بكتابة ولا حيلة للعبد في إتمامها، وإنما قال إذا بلغت خمسين فأنت حر. ومن العتبية (¬8) روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن دفع إلى عبده مائة شاه على أن يعمل فيها، فإذا بلغت ثلثمائة فهو حر،/ فمات السيد فأراد الورثة أخذ الغنم منه وأبى العبد، فإن شاؤوا أن يعتقوه ويأخذوا الغنم، فذلك لهم وإلا بقيت الغنم في يديه حتى يعلم أنه لا يكون فيما بقي منها ثلثمائة شاه. وروى عنه يحيى بن يحيى نحو هذا السؤال، قال فمات السيد قبل أن تبلغ العدد الذي جعل حريته ببلوغها إليه وهي غنم أو بقر، قال لا حرية له وللورثة بيعها أو قسمها إن شاؤوا، ولو صارت إلى تلك العدة قبل قسمها أو قبل أن ¬
في الرهن في الكتابة والحمالة فيها
يخرجوها من يد العبد، ما عتق بذلك لأنه كمن قال إن بلغت غنمي ألفا وأنا حي، فأنت حر، فلما مات لم يلزمهم ذلك. قال مالك في سماع أشهب، وكاتب سلمان أهله على مائة [ودية يجبيها] (¬1) لهم، وقال له النبي عليه السلام إذا غرستها فاذنى، فدعا له حين غرسها فلم تمت منها واحدة. في الرهن في الكتابة والحمالة فيها من كتاب ابن المواز، قال وإنما يجوز الرهن بالكتابة إن كان للمكاتب وإن كان لغيره لم تجز الكتابة، كحمالة غيره لها، وليخير السيد بين أن يمضيها بلا رهن وإلا فسخت. محمد، إلا أن تحل الكتابة فلا تفسخ، ويفسخ الرهن، ولا تجوز بالحمالة إذ ليس من سنتها أن تكون في الذمم (¬2) يريد إنما هي في الوجه، قال وضمان أحد المكاتبين عن الآخر بخلاف الأجنبي، لأنه إنما ضمن ملكه عن ملكه، وكذلك لو كاتب كل واحد [على حدة] (¬3)، جاز أن يضمن أحدهما عن الآخر، ولكن لا يبيع/ كتابة أحدهما ولا بعضها، ولا يعتقه إلا بإذن الآخر، ولا بأس أن يتحمل عبده بما على مكاتبه، وهذا في باب آخر مكرر، وفي باب القطاعة شيء من الحمالة والحوالة، قال: وإذا أخذ من مكاتبه رهنا يغاب عليه فضاع، وقيمته مثل الكتابة يكون دنانير وهي دنانير وهو كفافها فذلك قصاص ويعتق مكانه، لأني لو أغرمته القيمة لم يأخذها المكاتب إلا أن يأتي برهن ثقة فيأخذها ويبقي على كتابته، وإن لم يأت برهن تعجل ذلك السيد من أول النجوم إن لم يف بالكتابة، وإن كان فيه فضل عتق وأخذ الفضل من سيده. قال ابن القاسم، وإن فلس سيده وكان الرهن في أصل الكتابة فهو انتزاع، كما لو كاتبه ¬
في كتابة المدبر والمعتق إلى أجل، وكيف إن مات السيد وعليه دين؟ ومن دبر مكاتبه، وفي النصراني يكاتب أم ولده، وفي المكاتب يدبر أمته بإذن سيده
على أن سلفه ولا يحاص به الغرماء. قال محمد، بل يحاص به لأنه وإن اشترطه فلم يشترطه لنفسه، بل هو مال المكاتب، كما أنه لو شرط أنه سلف، فما نابه في الحصاص فليس للسيد أن يتعجله لنفسه ولا لغرمائه، ويكون رهنا، قال وإن كان في غير أصل الكتابة عند محل نجم، فليحاص به ويقاص به فيما حل منها. قال محمد، [ويأخذه الغرماء قصاصا بما حل منها] (¬1)، ويباع لهم باقي الكتابة. في كتابة المدبر والمعتق إلى أجل، وكيف إن مات السيد وعليه دين؟ ومن دبر مكاتبه، وفي النصراني يكاتب أم ولده، وفي المكاتب يدبر أمته بإذن سيده / من كتاب ابن المواز، ومن كاتب مدبرة، فذلك جائز، فإن حمله الثلث عتق، وزالت الكتابة، وإن حمل بعضه حط عنه بقدر ما عتق ويسعى فيما بقي، فإن كان سيده دين يحيط بالرقبة والكتابة أو بالرقبة وحدها ثبتت الكتابة وسقط التدبير، وبيعت الكتابة في الدين، فإن كان في بعضها وفاء بيع ذلك منه وعتق ثلث ما يبقى ويحط عنه منها بقدره- يريد قدر ثلث- ما لم يبع من كتابته، قال: وإن كان الدين يحيط بالكتابة وفي رقبته عنه فضل، فقد قيل لابد من تعجيزه حتى يعتق منه ثلث ما يبقى بعدما يباع للدين، وقال ابن القاسم، يبقىعلى الكتابة ويؤدي لأهل الدين نجوما، فإن ودى عتق كله، وإن عجز قضى منه الدين وعتق ثلث ما بقي، وقاله أصبغ. ومن العتبية (¬2) روى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن كاتب عبده ثم بره، فليجعل في الثلث الأقل من قيمة رقبته أو قيمة كتابته، ولو دبره ثم كاتبه كان في الثلث قيمة الرقبة. ومن كتاب ابن المواز، فإن كان معتقا إلى أجل ثم فلس، أو مات وعليه دين يحيط برقبته فلا تباع كتابة هذا وليؤدها (¬3) إلى الغرماء على النجوم، فإن وفى الدين ¬
في سفر المكاتب وتزويجه وإعتاقه عبده بغير إذن سيده، وهل يزوج عبده أو أمته؟، وهل يزوج الرجل مكاتبته أو يتزوجها، أو يعتق عبد مكاتبه؟
ببعضها ودى ما بقي إلى الورثة، وإن أدى جميع الكتابة قبل الأجل أخرج حرا مكانه وقضى الدين أو بقي منه، وإن لم يؤد حتى حل الأجل عتق وسقط عنه ما بقي منها، قال محمد، لا يباع من / هذا شيء، ولا من كتابته قل الدين أو كثر، وإن عتق بالأداء أو بمحل الأجل لم يتبع بشيء من دين سيده إن بقي منه شيء، قال أحمد، وذلك إذا كان عتقه إلى أجل قبل الدين. محمد، وإن كان بعد الدين فالدين أولى به، وإذا كان عتقه إلى أجل قبل الدين. محمد، وإن كان بعد الدين فالدين أولى به، وإذا كاتب النصراني أم ولده فذلك لها، فإن أسلمت عتقت وسقطت الكتابة، ولو أسلم معها بقيت له أم ولد وسقطت الكتابة. وقال ابن حبيب: قال أصبغ في مكاتب دبر أمته بإذن سيدها فلا ينبغي له وطؤها قبل الأداء، لأني أخاف أن يعجز فيرجع إلى السيد كالمعتقة إلى أجل وهو موت العبد وتصير حينئذ للسيد، فإن أدى المكاتب كانت مدبرة له يجوز له وطؤها وتعتق في ثلثه. في سفر المكاتب وتزويجه وإعتاقه عبده بغير إذن سيده، وهل يزوج عبده أو أمته؟، وهل يزوج الرجل مكاتبته أو يتزوجها، أو يعتق عبد مكاتبه؟ في العتبية (¬1) من سماع أشهب قال مالك، استأذن سعيد بن المسيب مكاتب له في سفر فلم يأذن له، فتجمل للخروج وأخبر سعيد بذلك فقال موعده يوم القيامة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، ولا يتزوج المكاتب بغير إذن سيده، وله ان يزوج عبده وأمته. قال أشهب: لا يزوج عبده إلا بإذن سيده، وأما إماؤه فإن خفف بذلك عن نفسه ثقلا وأدخل مرفقا يرى أن ذلك أفضل له جاز ذلك له بغير إذن سيده،/ وقال ابن القاسم: ذلك جائز في عبيده وإمائه، وبلغني عن مالك إذا كان على وجه النظر لنفسه ورجاء الفضل [فأما أن يرق ¬
في تعجيز المكاتب وأدائه والتلوم له ومن أعتق مكاتبه إلى أجل
نفسه رجاء الفضل] فلا يجوز ذلك، قاله مالك إلا بإذن مواليه، وإن تزوجت مكاتبة بغير إذن مولاها فأجاز ذلك لم يجز حتى يفسخ، وأما المكاتب فإذا أجازه السيد جاز ولا فسخ وترك لها قدر ما تستحل به ولا تتبعه به إن عتق إلا إن يغرها. قال احمد: إذا رده السيد لم تتبعه [غرها أو لم يغرها] (¬1) قال أشهب: إن كان معه في الكتابة غيره فليس للسيد إجازة نكاحه إلا بإجازة من معه إلا أن يكون مواصفة فيفسخ بكل حال ويترك لها ثلاثة دراهم لدخولها بها، ولا يتبع إن عتق بما بقي لأن ذلك يقضي عنه حين رد عليه، وهذا أحب إلينا. قال ابن القاسم وما رد السيد من عتقه وصدقته فلا يلزمه إن عتق، وإن بقي ذلك بعينه بيده، ولا يتزوج الرجل مكاتبته وإن رضيت، ولا يزوجها لغيره إلا برضاها. ومن العتبية (¬2) قال سحنون قال ابن القاسم، وإذا أعتق السيد أمة مكاتبه ثم عجز المكاتب وهي بيده، فإنها تعتق، وللمكاتب بيعها قبل العجز، خاف العجز أو لم يخف، ولا يعتق على السيد حتى يعجز المكاتب وهي بيده، وإن فيها القول ولكن هذا أحسن. في تعجيز المكاتب، وأدائه والتلوم له ومن أعتق مكاتبه إلى أجل ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬3) رواية موسى بن معاوية عن ابن القاسم/ قال: وليس للمكاتب تعجيز نفسه وله مال ظاهر. ¬
قال في كتاب محمد، وإن كان صانعا ولا مال له، فله ذلك، ابن القاسم فإن أظهر أموالا بعد ذلك لم يرد وكان رقيقا. قال في العتبية (¬1) عن مالك، وإن كان ماله صامتا لا يعرف وعجز نفسه فذلك له. قال ابن القاسم دون السلطان. قال سحنون: لا يجوز التعجيز إلا عند السلطان. قال ابن حبيب قال ابن كنانة وابن نافع، وإذا عجز نفسه وكره الكتابة وأشهد بذلك رد مملوكا وإن كان له مال، وقول مالك أحب إلي. ومن كتاب محمد قال: وله تعجيز نفسه قبل محل نجومه إلا أن يكون معه ولد فلا تعجيز له ويؤخذ بالسعي عليهم صاغراً ولو تبين منه لدد رأيت عقوبته، وإن كان له مال ظاهر فلا تعجيز له، ويؤخذ ماله ويعطى لسيده شاء أو أبى- يريد بعد محله- ويعتق هو وولده. ومن قاطع عبده على مال إلى أجل على أنه إن لم يأت به في الأجل، فلا عتق له، فليؤخر بعد ذلك شهراً أو نحوه، فإن جاء به وإلا فلا قطاعة له. ومن العتبية (¬2) وبعضهم حميل ببعض، فأبق أحدهم وعجز الإثنان الباقيان، ثم قدم الآبق ومعه قوة على الأداء والسلطان الذي عجزهم قائم فالقادم على مكاتبته إن وداها عتق الذين عجزوا من شركائه بما أدى عنهم ويرجع عليهم، وقال المغيرة: وإن كانوا من ذوي رحمه من والد وولد أو غيره ورجع عليهم فالدين نقتضيه عنهم. ومن/ كتاب ابن المواز والمكاتب بين الرجلين فغاب أحدهما فليس للحاضر تعجيزه بتأخير نجومه حتى ينظر السلطان فيه، قال سحنون في العتبية (¬3): إذا وطئ السيد مكاتبته [فحملت فلها تعجيز نفسها وإن كان لها مال ظاهر، ومن سماع أبي زيد قال ابن القاسم: ومن أعتق مكاتبه] (¬4) إلى عشر سنين خير المكاتب بين أن يسقط الكتابة ويبقى معتقا إلى الأجل أو يبقى على كتابته. قال ابن حبيب عن أصبغ في الصغير يكاتب وتنجم عليه كتابته فتنقضي نجومه قبل بلوغه أنه لا ينتظر به البلوغ ويتلوم له ثم يعجز إن لم يأت ¬
في اجتماع العبيد في كتابة واحدة، وذكر حمالتهم وتراجعهم في الأداء بعضهم على بعض وسعيهم، وفي بيع بعضهم ومكاتبة العبد مع أمته
بشيء، فإن لم تكن كتابته منجمة، فأراد السيد تعجيزه قبل بلوغه فليس له ذلك، وللإمام تأخيره إلي بلوغه السعي ثم ينجمه عليه إذا بلغ بقدر مايري وذلك لأنه كاتبه وهو يعلم أنه لا قوة له ولا سعاية حتي يبلغ، وهذا إستحسان، والقياس أن له تعجيزه قبل بلوغه، وكذلك من كاتب عبده كتابة مبهمة غير منجمة، فلينجمها عليه السلطان بقدر ما يرى من فوته [وأدائه] (¬1). في اجتماع العبيد في كتابة واحدة، وذكر حمالتهم وتراجعهم في الأداء بعضهم على بعض، وسعيهم، وفي بيع بعضهم ومكاتبة العبد مع أمته ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بأس أن يكاتب الرجل عبيدا له في كتابة واحدة، لأنه إنما يحمل له ملكه بملكه، / وكذلك له أن يكاتب كل واحد منهما في كتابة ويتحمل بعضهم ببعض، ولكن لا يتبع واحداً منهما ولا بعض كتابة ولا يعتقه بغير إذن صاحبه، وإسقاط ضمانه، إنما يعني محمد أن ذلك في عقد واحد، ويلزم على ما قال إن ودى واحد قبل الآخر لم يعتق حتى يؤدى في الآخر، قال ولا بأس أن يتحمل عبد له بمكاتب له، ويضمن عنه الكتابة، بخلاف الأجنبي، وتجوز كتابة رجلين لعبد بينهما، فأما عبدان (¬2) بين رجلين، أو ثلاثة أعبد بين ثلاثة، فقد اختلف في جمعهم في كتابة فلم يجزه أشهب، قال لأن كل عبد تحمل لغير سيده بحصة لغير سيده في عبد فهي كتابة منتقضة إلا أن يسقطوا حالة بعضهم عن بعض فيجوز، وعلى كل واحد بقدر ما يلزمه من الكتابة يوم عقدت، قال أحمد بن ميسر، ليس كما احتج لأن لكل واحد (ثلث) كل عبد، فإنما يقبض كل واحد عن ثلثه ثلث الكتابة، فلم يقبض أحدهم عن غير ملكه شيئا قال، ومن كاتب عبديه لم يجز له بيع أحدهما ولا بعضهما- يريد في هذا ¬
على قول أشهب- قال ولا نصف أحدهما لأن ذلك النصف المبيع يصير متحملا عمن لا يملك سيده، وله بيعها من رجل واحد لا من رجلين، لأن كل واحد من الرجلين تصير له حمالة بكتابه على من لا يملكه، وإن أسقطت الحمالة عنهم لم يجز لأنه يعجزهم ويضعفهم،/ قال محمد: أما بيعهما من رجلين أو من رجل نصف كتابتهما جميعا فجائز، ولو ورثهما ورثة جاز لكل واحد بيع نصيبه منهما وهبته، وقد أجاز ابن القاسم وأشهب بيع بعض المكاتب او نجما بغير عينه، وأكره لمن اشتراهما او للورثة قسمهما [وأن يأخذ هذا مكاتبا وهذا مكاتبا] (¬1) ولهما قسمة ما عليها. وقد روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية (¬2) أن الورثة لا يجوز لهم اقتسام ما على المكاتب بخلاف الديون. ومن كتاب ابن المواز، وإذا كاتب الرجلان عبديهما كتابة واحدة لنقدت ذلك ولم أنقضه، ومن له في عبيد في كتابة واحدة فليس له أخذ أحدهم بجميع ما على أصحابه إذا كانوا يقدرون على الأداء ويجدون إلا أن لا يقدر أحدهم بجميع ما على أصحابه إذا كانوا يقدرون على الأداء ويجدون إلا أن لا يقدر أحدهم، أو يتغيب ويعييه طلبه فله الأخذ من غيره، ولمن ودى أن يرجع على أصحابه إن كانوا أجنبيين. محمد، بعد العتق، وأما وعليهم بقية فالنجوم أولاً، ولو أخذ ذلك منهم لأخذه السيد عنهم وعنه، قال مالك. ومن ودى من المكاتبين رجع على أصحابه بقدر ما يقع على كل واحد من الكتابة يوم العقد بقدر قوته يومئذ وجرائه (¬3) قال ابن القاسم وجدته، قال ابن الماجشون بحصته على العدد، قال وكذلك إن استحق واحد وهم أربعة سقط عنهم ربع الكتابة، قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون أنه إنما يرجع عليهم/ على قدر قيمتهم يوم عتقوا، ليس يوم كوتبوا، وقال أشهب: بل على قيمتهم يوم كوتبوا، وابن القاسم يقول على قدر قوتهم على ¬
الكتابة، وقال أصبغ: على قدر قيمتهم يوم كوتبوا وحالهم [يوم عتقوا لو كانت هي حالهم يوم] (¬1) كوتبوا، وأخذ ابن حبيب [بقول مطرف، وابن الماجشون، والذي ذكر ابن حبيب] (¬2) عن ابن الماجشون خلاف ما ذكر عنه ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز، قيل لأشهب فإن كان فيهم صغير فبلع السعي؟ قيل يؤدوا، قال: فعليه بقدر ما يطيق يوم وقعت الكتابة على حاله. قال محمد، على حاله يوم الحكم أو لو كان هكذا يوم الكتابة بالغاً. قال أصبغ: عليه بقدر طاقته يوم بلغ السعي أن لو كان بهذا الحال يوم الكتابة، قال في باب آخر، وإذا كان فيهم عند عقد (¬3) الكتابة من لا سعاية له أو صغير فلا شيء عليه، قال ابن القاسم، إلا أن يبلغ فينظر إلى حالته اليوم أن لو كان كذلك يوم وقعت الكتابة، قال: وإذا عجل أحدهم الأداء وعتقوا رجع على أصحابه على النجوم، (ويحاص) بذلك غرماؤه، بخلاف السيد فيما يطالب من ذلك، ومن قطاعة، ومما عتق له العبد من ذلك، قال في باب آخر، وإن ودى عن أصحابه فعتقوا رجع عليهم معجلا- يريد محمد ودى عنهم على النجوم- ولم يعجلها، وأما قبل عتقهم فإنما ودى عنهم ليفر عنهم للسعاية فلا يشغلهم باتباعهم عن الكتابة، إلا أن يكون على ذلك أدى/ عنهم بشيء رجاه قريباً أو لشيء أبطأ عنهم، وإذا ودى عنهم ما لم يعتقوا به لم يبدأ على الكتابة، وإذا الكتابة اولى منه. وروي عن مالك أنه لا يتبع إخواته وذوي رحمه، وقال إذا كان بينهم رحم يتوارثون فلا تراجع بينهم، وروي عنه أنه قال: أما الولد والإخوة فلا يتراجعون، قال ابن القاسم: والذي يصح عندي أنه لا يرجع على من يعتق عليه إذا ملكه، وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم، وقال أشهب: لا يرجع على ذي رحم، وإن كان لا يعتق عليه ولا يرثه، ولا يرجع على زوجته، وقال ابن القاسم عن مالك في الزوجة، قال ابن القاسم: وهو إستحسان وليس بالقوي، وقال أصبغ قال ابن حبيب عن أصبغ في ثلاثة إخوة مجتمعين، أخ لأبوين ¬
في العبد بين الشركاء يكاتبه أحدهم ثم يقاطعه ومن كاتب عبده وعليه وعلى أم ولده
وأخ لأم وأخ لأب كوتبوا كتابة واحدة، فأدى أحدهم جميع الكتابة، قال إن أداها الذي لأب وأم لم يرجع عليهما بشيء، ومن أداها من الآخرين لم يرجع على هذا بشيء ورجع على صاحبه، فإن أداها الأخ لأم رجع على الأخ لأب ولم يرجع على الأخ للأب [والأم، فإن أداها الأخ للأب رجع على الأخ للأم، ولم يرجع على الأخ للأب والأم] (¬1) بشيء، وهذه المسألة التي ذكرها ابن حبيب لا تكاد تصح على هذه العبارة، وكيف يكون أحد شقيقاً لأب، وقال أصبغ في أخوين في كتابة ولد لأحدهما ولد ثم مات فأدى العم الكتابة أنه يرجع على ابن أخيه، بخلاف أن لو أدى من مال أخيه، وقاله، وقاله مطرف،/ وابن الماجشون عن مالك. في العبد بين الشركاء يكاتبه أحدهم ثم يقاطعه [ومن كاتب عبده وعليه وعلى أم ولده] (¬2) من العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم، وعن عبد بين ثلاثة إخوة يكاتبه إثنان بإذن الثالث ثم قاطعه اللذان كاتباه بإذن المتمسك [بالرق] (¬4) وعتق نصيبهما ثم مات المتمسك وله ورثة فخدمهم في نصيب، وليهم سنيناً (¬5)، ثم قام العبد فطلب أن يقوم على اللذين قاطعاه، قال مالك: العبد رقيق كله ولا تنفعه (¬6) تلك الكتابة والقطاعة بإذن الشريك، وليردا ما أخذ منه فيكون بينهما وبين ورثة الميت. ومن كتاب ابن المواز، قال: ومن كاتب عبده عليه وعلى أم ولده في كتابة (¬7) واحدة أو مفترقين فهو جائز وتحرم عليه، وكتابتهما في عقد واحد انتزاع ¬
فيمن يدخل في الكتابة بالولادة أو الشراء، وفي موت المكاتب، وفي ميراث المكاتب، وفي موت أحد المكاتبين، وفي أم الولد يموت عنها وتخاف العجز وكيف إن باعها حاملا؟
من السيد، فلا تحل للمكاتب إلا بنكاح وولاؤها للسيد، فإن مات المكاتب بيعت وحدها لأنها في عقد الكتابة، فإن ترك وأعتقت فيه وأتبعها ولدها أو السيد إن لم يكن ولدها أدى عنها، وهذا كله رواية أصبغ عن ابن القاسم. فيمن يدخل في الكتابة بالولادة أو الشراء, وفي موت المكاتب، وفي ميراث المكاتب، وفي موت أحد المكاتبين، وفي أم الولد يموت عنها [وتخاف العجز] (¬1) وكيف إن باعها حاملاً؟ من العتبية (¬2) من سماع أشهب قال مالك، في المكاتب يشتري/ أخاه هل يدخل في كتابته؟، قال ما سمعت ذلك، قيل فالوالد والولد إذا اشتراهم معه أيدخلون معه؟ , قال برأسه (¬3) نعم. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن كاتب أمته وبها حمل لم يعلم به، أنه داخل في الكتابة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، وإذا اشترى المكاتب ابنه بإذن السيد دخل في كتابته، قال ابن القاسم وكذلك في الأبوين والولد، ولا يدخل الأخ والأخت وإن أذن فيهما، قال أصبغ، والقياس أن يدخلا، وقال ابن نافع، في غير كتاب محمد أنه لا يدخل في الكتابة ممن يشتري إلا الولد كان بإذن السيد أو بغير إذنه، لأن له أن يستخدمه، ومن كتاب ابن المواز، وإذا حدث للمكاتب ولد فلها ان تستسعيهم إذا بلغوا السعي، ولها أن تؤاجرهم وتقوى بذلك. ومن كتاب العتق، قال أشهب عن مالك وإذا خافت المكاتبة العجز لم يبع ولدها الذي ولدته في الكتابة إلا بإذن السيد، قال أشهب، وكذلك المكاتب في ¬
بيع ولده من أمته، قال محمد: والأب والأخ لا يبيعه وإن ظهر عجزه إلا بإذن سيده، قال ابن حبيب عن ابن الماجشون في مكاتب، كاتب على نفسه وعلى إبنة له فعجز عن بعض نجومه فاستأذن سيده في بيعها فإذن له، قال لا يجوز ذلك إن لم يكن السلطان عجزه قيل فإن وقع ذلك، وفاتت بجهل يشتريها؟ / قال لا ترد لأنها لا ترجع إلى أحسن من ذلك، قال وإن بقي في يد أبيها فضل عما ودى من ثمنها من الكتابة فهو له سائغ كما لو قتلت. من كتاب ابن المواز، قال: وإذا مات المكاتب عن أم ولد ولا ولد له في الكتابة منها أو من غيرها لم تعتق وإن ترك أضعاف الكتابة، ولا تسعى إلا أن يكون في الكتابة ولد، فلا ترد حينئذ إلا بموتهم أو بعجزهم قبل الأداء فترق، وإذا كان معه أب في الكتابة فترك أم ولد لا ولد معها، فقال ابن القاسم، هي رقيق للأب وإن ترك وفاءه بالكتابة، وقال أشهب: إن ترك وفاءه عتقت مع الأب والأخ وإن لم يدع وفاء رقت ولا تعتق في سعيهما بعد ذلك، ولا تسعى هي إلا مع الولد. ومن العتبية (¬1)، قال عيسى عن ابن القاسم، فيمن كاتب عبدين له فمات أحدهما وترك أم ولد وولداً منها، قال إن لم يكن للعبد الباقي [مال ولها ولد ولم يقو على شيء وقفت هي وولدها، فإن أدى العبد الباقي] (¬2) جميع الكتابة عتق وأتبعهم بما أدى عنهم مما كان يصيبهم من الكتابة، فإن عجزوا رجعوا رقيقا كلهم. وروى عنه سحنون في مكاتب مات عن أم ولد ولد منها أو من غيرها وترك مالا عتقوا به، قال لا يرجعون عليها بشيء، وكذلك لو لم يترك مالاً فسعوا (¬3) فعتقت بأدائهم كانوا ولدها أو غير ولدها. قال سحنون في مكاتب مات وترك عليه من الكتابة مائة دينار، وترك ثلاث أمهات أولاد له، من كل واحدة ولد، قيمة كل/ واحدة منهن مائة، فتشاح البنون ¬
أيتهن يباع من كل واحدة بثلث المائة، وإن إختلفت قيمتهن قضيت عليهن بقدر قيمتهن. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ، وإذا خاف المكاتب العجز فباع أم ولده وهي حامل منه فولدت عند المشتري، فإن كان المكاتب بحالة لم يعتق ولم يعجز [رد بيعها لتعتق بعتقه أو يعجز فيبيعها دون ولدها، قال: وإن كان قد عتق بأدائه أو عجز] (¬1) فرد رقيقا مضى بيع الأمة بقيمتها على أن جنينها مستثنى ورد الجنين فكان بحال أبيه من عتق أو رق، وإن لم يعثر على [ذلك حتى أعتقها] (¬2) المبتاع وولدها، فسواء عجز الأب أو أدى أو كان على كتابته، فإن العتق في الأمة ماض، وعليه قيمتها على أن جنينها مستثنى، ويرد عتق الولد، ويكون سبيل أبيه من عتق أو رق أو كتابة، وليس كمكاتب بيع فأعتقه المبتاع، لأنه ولي بيعه غير من له ملكه. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، إذا مات المكاتب [وترك مالا لم يدفع إلا إلى الولد] (¬3) إن كان مأمونا، وإلا تعجله السيد وحسبه في أول نجومهم. وقال أشهب: الولد وغيرهم سواء إن لم يكن فيما ترك وفاء دفع إلى المأمون من ولد أو غيرهم، فإن لم يكونوا أمناء دفع إلى ثقة يؤديهما على النجوم، وليس كالدين الثابت يحل بموته، وإذا مات أحد المكاتبين وترك ولداً فأدى عن الباقين رجع الولد عليه بنصف ما ادى من مال الأب، [إن كانت الكتابة بينهما/ نصفين، يكون الولد مكان الأب] (¬4)، ولا يوضع عن الباقين لموت أحدهم شيء (¬5)، قال عبد الملك: فإن استحق أحدهم وضع عنهم قدر حصته، قال عبد الملك: على العدد. ¬
قال، واختلف فيمن يرث المكاتب (¬1) ممن معه في الكتابة، فقيل لا يرثه ممن معه إلا من يعتق على الحر بالملك، فأما عم أو ابن أخ فلا، والسيد أحق منهم، قاله عبد الملك، وقاله ابن القاسم [مرة] (¬2) ثم قال هو وابن عبد الحكم وأصبغ وأشهب، يرثه ممن معه، ممن يوارث الحر من عم وغيره من نساء أو رجال، وأما امرأته، فآخر قول مالك أنها لا ترثه وتعتق فيما ترك ولا يتبع بشيء إستحساناً، وقاله أشهب وابن القاسم، وكذلك ذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنها لا ترثه ولا يرثها وروياه عن مالك [وأنه لا يرجع أحدهما عن الآخر بما أدى عنه مما عتقا به من الكتابة. قال ابن المواز، قال عبد الملك عن مالك] (¬3)، وإذا هلك المكاتب عن مكاتب وترك الأعلى ولدا في الكتابة وولدا أحراراً (¬4) الذين في الكتابة وأدوا أن ولاء المكاتب لهم دون ولده الأحرار، وجعله مالك كالمال، وقاله أشهب قال: إن أدى مكاتب المكاتب وعتق ثم مات الأعلى فولاء مكاتبه لولده الذين في الكتابة دون احرار ولده، ولو أدى الأعلى في حياته كان ولاء مكاتبه لجميع ولده. وقال عبد الملك: إذا لم يعتق الأعلى قبل موته لم يكن لولده الذين في الكتابة ولا للأحرار منهم، ولا مكاتبه بعد موته أو في حياته لأنه لم يثبت لسيده ولاؤه، وليس هذا كماله، قال محمد: ولا يعجبنا قول عبد الملك، ولو كان هذا لم يكن له ولاء أم ولده لمن معه في الكتابة من [ولده، وإن قاد أصله في هذا خالف مالكاً وبقية أصحابه، بل ولاؤهما لمن معه في الكتابة] (¬5) من ولد منها أو من غيرها. ¬
قيل فإن ماتت ولسيدها ولد أحرار فتركت مالا، قال: إن كان ولدها الذين معها ومات أبوهما مكاتبا وهم ولدها ورثوها بالرحم، وإن كانوا من غيرها لم يرثوها، وما تركت لعصبة سيدها الذين كانوا معها في كتابته، وإن لم يكونوا معها في الكتابة فلبيت المال. [قال مالك، وإذا أوصى المكاتب أن يدفع إلى سيده بقية كتابته وأرسل بها إليه،] (¬1) قال: إن وصل إليه ذلك قبل موت المكاتب عتق وورثه ورثته الأحرار مع الذين في الكتابة، وإن لم يصل إلى سيده في حياة المكاتب لم يعتق. ومن العتبية (¬2) قال سحنون عن ابن القاسم، في مكاتب كاتب عبداً فعتق الأسفل ثم مات عن مال وللمكاتب الأول أولاد أحرار من حرة، أو كانوا معه، عجل السيد عتقهم، أنهم لا يرثونه. قيل: فإن مات الأول عن مال؟ قال يؤدي الذين معه في الكتابة، بقية الكتابة، وتكون بقية المال بينهم دون الأحرار. قال ابن حبيب قال أصبغ في مكاتب خاف العجز فباع أم ولده حاملا فإنها ترد إليه وولدها ما دام/ مكاتباً فإن عتق الأداء او عجز فرق مضى بيع الأمة بقيمتها على أن جنينها مستثنى، ورد الولد فكان بحال أبيه في عتقه ورقة، ولو لم يعثر على هذا حتى أعتق المشتري الأمة وولدها وقد عجز المكاتب أو عتق، قال: يمضي عتق الأمة في الوجهين ويكون فيها قيمتها على أن جنينها مستثنى، ويرد عتق الولد، ورد إلى حكم أبيه في العتق والرق، وإن كان أبوه مكاتباً كما هو بقي معه، وهذا بخلاف من باع مكاتباً فعتق لأن هذا باعه غير سيده. ¬
في المكاتبين في كتابة واحدة يعتق بعضهم، أو يحنث فيه بعتق، أو كاتب عبدا مع مدبره، أو يستحق أحدهم
في المكاتبين في كتابة واحدة، يعتق بعضهم، أو يحنث فيه بعتق، أو كاتب عبداً مع مدبره، أو يستحق أحدهم من كتاب ابن المواز، قال قال مالك، وإذا أعتق السيد أحد المكاتبين لم يجز ذلك إلا أن يجيزه الباقون ويكونوا أقوياء على السعاية، فيجوز ويحط عنهم حصته. محمد، وقد يكون موضع آخر (¬1) لا يجوز فيه إذنهم إذا كانوا قد أشرفوا على العجز لولا هذا الذي أعتقه السيد لقوته على السعي، أو لكثرة ماله، وقد يكونون قد تقارب عتقهم. قال مالك: وإذا ولد ولد من أمته ثم أعتق السيد الأب، لم يجز إن كان فيه قوة للسعي، وإن كان فانيا جاز ورق ولده إن لم يبلغوا السعي، إلا أن يكون له مال يؤدي عنهم إلى بلوغ السعي فليؤدوا ذلك، ويبقوا إلى بلوغ السعي، [قال ابن القاسم: ويأخذه السيد/ حالاً، ثم رجع فقال: بل على النجوم] (¬2) [إلا أن يكون فيه وفاء يتعجله، قاله مالك، محمد مثل الموت، فإن لم يكن فيه وفاء ترك بيد الولد يقوى به، فإن لم يكن مأموناً وصنع له زيادات على النجوم] (¬3)، وقاله أشهب في الموت، وقال ابن القاسم: يتعجله السيد في الموت إن لم يؤمن الولد. قال ابن القاسم وأشهب، وإذا أعتق السيد منهم من به زمانه لا يرجى أو [شيخا] (¬4)، فإن أوصى بذلك عتق ولم يوضع عن الباقين شيء، ولو عتق بالأداء رجعوا عليه بحصته يوم العقد، ولو قال السيد لهذا الشيخ الفاني أو لهذا الصبي أنتما حران إن عجزتما عتقا الآن، إذ لا نفع في انتظارهما، ولا يحط عن الباقين شيء، وقاله مالك، ومن كاتب عبدين ثم حنث في أحدهما بيمين متقدمة فلا يعجل عتقه، وهو كابتدائه، فإن عجز عتق بالعتق الأول، ومن كاتب عبده ومدبره في كتابة واحدة لم يجز عند أشهب، وينقض، وأجازه ابن القاسم، فإن مات السيد وخرج من الثلث عتق ¬
فيمن أعتق بعض مكاتبه، أو شقصا له فيه في حياته أو في وصيته، أو وضع عنه من كتابته أو أعتقه في وصية
وحط عن الآخر حصته، وإن خرج بعضه سقط من الكتابة بقدر ما عتق منه, وسعيا فيما بقي جميعاً، ثم يرجع المدبر على صاحبه بما أدى عنه مما لم يكن يلزمه. محمد، وقول ابن القاسم هذا صواب، قال ابن حبيب: وأخذ أصبغ بقول ابن القاسم، وقال قيل لأصبغ في الكتابين في كتابة واحدة إذا أعتق أحدهم فلم يجز الباقون ذلك فسعى معهم وأدى بعض الكتابة ثم عجزوا أيرجع على/ السيد بما أدى [إليه بعد العتق؟ قال وهو كالغلة، ولو ودى معهم حتى عتقوا لم يرجع على السيد بما أدى إليه] بعد عتقه (¬1) مما كان ينوبه، إلا أن يكون له فضل فيرجع به على أصحابه، ولو مات أحدهم لم يوضع عنهم شيء ولو استحق بملك أو بحرية من أصله أو بعتق، قاله، وقد علم السيد بذلك أو لم يعلم، قال: يوضع عنهم حصته في هذا كله، وقد ذكرنا موت احدهم في باب قبل هذا وبعد هذا [باب في المكاتب يؤدي ثم يستحق بملك أو بحرية أو يستحق ما أدى] (¬2). فيمن أعتق بعض مكاتبه، أو شقصاً له فيه في حياته أو في وصيته، أو وضع عنه من كتابته أو أعتقه في وصيةٍ من كتاب ابن المواز، ومن أعتق شقصا من مكاتب له أو بينه وبين آخر فليس يعتق، فإن عجز فإنما هو وضع مال، وإن أعتق ذلك عند الموت، أو أوصى بذلك، أو وضع له من كتابته فذلك عتاقه لأنه ينفذ من ثلثه. قال ابن حبيب في عتق أحد الشريكين من المكاتب نصيبه حمل محمل وضع المال لأنه انعقد لشريكه عند عتق حمل محمل وضع المال ولا ينقل عنه ما عقد من معاني الولاء بالتقديم، وقال ابن سحنون عن أبيه: أخبرني بعض أصحابنا عن مالك أنه قال فيمن أعتق نصف مكاتبه إنه وضيعه إلا أن يريد العتق ويعدله فهو حر كله. ¬
ومن كتاب ابن المواز، ومن قال لعبده نصفك حر إن كلمت فلانا، فكاتبه، ثم كلم فلانا فليوضع عنه نصف ما بقي/ من الكتابة يوم حنث [،فإن عجز رق كله ولا يلزمه حنثه,] (¬1) أشهب كمن أعتق نصف مكاتبه، وكذلك لو حنث أحد الشريكين بعد أن كاتبه مع آخر ثم حنث لكان عتقا له إن عجز، ولا يعجل عتقه، قال ابن القاسم، وأما في نصف العبد فلا يكون عتقا لأنه إنما يملك منه يومئذ مالا، ولو كان في وصية لكان نافذاً في الثلث، إن كان للعبد فهو عتق، وإن كان لأجنبي فهو له من رقبته، يريد إن عجز، ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، وقال في المريض يضع عن مكاتبه ثلث ما عليه ثم عجز المكاتب، قال قد عتق ثلثه، وإذا وضع عنه جميع ما عليه عند موته ومعه ولد جعل في الثلث الأقل من الكتابة أو من قيمة رقابهم أجمع. وعن المكاتب على نجوم على أن يدفع في أول نجم كذا والثاني كذا لدون ذلك، والثالث والرابع دونهما، وأوصى له سيده وقد تداركت عليه أربعة (¬3) نجوم غير الأول، إن أدى هذه الأربعة (¬4) نحوم فليحط عنه من باقي الكتابة خمسون دينارا (¬5) , فطلب المكاتب أن يقاص بها في الأربعة نجوم (¬6) فليس له ذلك، ولتقسم الخمسون (¬7) على ما حل وعلى ما لم يحل فيوضع عنه فيها من كل نجم بقدره. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن وضع عن مكاتبه نجماً من نجومه عند الموت بغير عينه، قال فإن كانت النجوم/ ثلاثة وضع عنه من كل نجم ثلثه، وإن ¬
كانت أربعة فربعه، فإن أدى عتق، وإن عجز وكانت النجوم ثلاثة عتق ثلثه، أو كانت عشرة فليعتق عشره. قال مالك في كتاب ابن المواز: إذا أوصى بوضع نجم من نجومه فعجز، قال إن كان في وصية فهو عتق. من العتبية (¬1) روى أبو زيد عن ابن القاسم في مكاتب عليه ثلاثة أنجم في كل نجم مائة فأوصى له بوضع النجم الأول، نظر إلى قيمته لو بيع في قرب محله، فإن كانت قيمته خمسين (¬2)، والثاني ثلاثون، والثالث عشرون (¬3) علمت أن الوصية له بنصف رقبته، [فيجعل في الثلث الأقل من نصف قيمة رقبته] (¬4) أو قيمة ذلك النجم، وكذلك في وصيته بالنجم الآخر أو الأوسط على هذا، وإن لم يدع غيره خير الورثة بين أن يضعوا عنه ذلك النجم الأول الذي أوصى له بعينه ويعتقوا منه [ما كان نصيبه من قيمة رقبته، وذلك نصفها، فإن عجز رق لهم نصفه، وبين أن يعتقوا منه] (¬5) ثلثه، ويوضع عنه من كل نجم ثلثه، فإن عجز عتق ثلثه ورق لهم ثلثاه، وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في المسألة من أولها، وقال إلا أن يكون ذلك النجم أكثر من ثلث مال الميت، [وقيمة ما قابله من الرقبة أيضا أكثر من ثلث مال] (¬6)، فإذا كان أكثر من ثلث، خير الورثة بين أن يعتقوا ذلك السهم (¬7) من الرقبة، ويحط ذلك النجم بعينه ويسعى فيما بقي، فإن أبوا/ نظر إلى الأقل من قيمة النجم أو قيمة ما يقابله من الرقبة، فيعتق في الثلث ¬
ويوضع عنه من كل نجم بقدر ما عتق منه، وكذلك لو أوصى له بكتابته فإنما يجعل في الثلث الأقل، وذكر من تفسير المسألة ما ذكر أبو زيد. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا أوصى لمكاتبه بالنجم الأول وعليه عشرة أنجم قوم هذا النجم كم هو من سائر نجومه؟ فإن فاق الربع عتق ربعه ووضع عنه ذلك النجم. وقال أشهب، فإن لم يدع غيره ولم يسع ذلك النجم الثلث عتق منه محمله منه، ووضع عنه منه بقدر ما يحمل منه خاصة الثلث، فإذا عجز كان منه حراً بقدر ذلك، قال: ولا يخير الورثة، وقال ابن القاسم: يخير الورثة إن لم يحمل النجم، فذكر مثل ما ذكر أبو زيد، قال محمد: بل يوضع من النجم بعينه محمل الثلث، فإن عجز عتق قدر ذلك بالقيمة يقوم النجم الأول وهو قائم بالنقد، فإن كان خمسين (¬1)، وقيمة سائر النجوم خمسون سقط ثلثا ذلك النجم بعينه، وعتق الثلث الرقبة إن عجز، وقيل إذا عرفت قيمة المائة الأولى سعى، فإن عجز عتق قدرها، وإن تمادى وضعت عنه المائة الأخرى، فإذا لم يبق غيرها عتق، ولا تعجل له وضيعة، وليس هذا بشيء، وقول مالك صواب، ولا حجة للورثة أن يقولوا يبدأ العبد علينا، ويتأخر قبضنا لأن لهم بيع بقية الكتابة نقداً. قال ابن القاسم فيمن أوصى بعتق مكاتبه جعل في الثلث الأقل من [قيمة رقبة عبد/ مكاتب في أدائه وجرائه أو قيمة كتابته، وقال أشهب:] (¬2) الأقل من قيمة رقبته، أو عدد مال الكتابة، أو ما بقي منها، قال مالك: إن أوصى له بما عليه أو ببعضه فليقوم ولده معه الذين حدثوا في الكتابة، ويجعل الأقل من ذلك أو من قيمة الكتابة، وقال إذا أعتق أحد الشريكين في المكاتب نصيبه منه، أو وضع عنه حصته من الكتابة، ثم مات المكاتب وعليه دين، فغرماؤه مبدؤون، ثم يأخذ المتمسك ما بقي له من كتابته، ثم ما بقي فبينهما نصفين (¬3). [13/ 92] ¬
فيمن وهب لرجل مكاتبه أو بعضه أو كتابته أو بعضها، أو نجما منها في حياته أو في وصيته
قال ابن الحبيب، قال ربيعه، في عبد بين ثلاثة فأعتق واحد، وكاتب الثاني، وتماسك الثالث، ثم مات العبد بميراثه بين الذي كاتب والذي تمسك، ويرد الذي كاتب ما قبض فيكون بينهما. فيمن وهب لرجل مكاتبه أو بعضه أو كتابته أو بعضها، أو نجماً منها في حياته أو في وصيته من العتبية (¬1) روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم، فيمن أعطى رجلا في صحته كتابة مكاتبه فعجز العبد، قال مالك: هو الذي وهب له كتابته كما لو ابتاعه، وكذلك ذكر ابن المواز عن مالك، فيمن وهب لرجل نصف كتابة مكاتبه أو كلها، ثم عجز، كان له بقدر ذلك من رقبته ملكا مثل البيع، وقال أشهب وأصبغ، بخلاف عتق جزء منه، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬2)، أنه إن عجز كانت رقبته لسيده المعطى، [قال أبو بكر بن محمد، وروى فيها عن أشهب مثل رواية أبي زيد./ قال في كتاب] (¬3) ابن المواز: فأما هبة النجم بعينه لرجل في صحته فلا يكون له من رقبته شيء إن عجز، وكأنه هبة مال ذلك النجم بعينه، وروى ابو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬4)، فيمن وهب لرجل نجما من نجوم مكاتبه ثم عجز العبد، قال، يكون له في رقبته حصة بقدر النجم الذي وهبه. ومن كتاب ابن المواز، قال: فإن وهبه نجماً مبهماً (¬5) لم يسمه فهو به شريك في سائر نجومه، قال أشهب، وكذلك بيعه نجماً لم يعينه فهو جائز لأنه يرجع إلى جزء من عدد نجومه، وأما لو أوصى لرجل أو للمكاتب بنجم بعينه كان ¬
ذلك عتقاً في المكاتب وتمليكا للرجل بقدر ذلك النجم، وكأنهما دخلا مدخل الورثة، قال، وإن قال في صحته لمكاتبه ثلثك حر وثلثك لفلان، ثم مات المكاتب وترك مالاً فليأخذ منه كل واحد منهما ما بقي له، ثم يكون ثلثا ما بقي لسيده الذي أعتق ثلثه ميراثاً له، والثلث للموهوب له ميراثاً، وإن عجز فثلث رقبته للموهوب، وثلثاها للسيد، [ولو قال ذلك في مرضه ثم مات المكاتب فثلثه حر، وثلث لورثته، وثلث لفلان،] (¬1) وميراثه بينه وبين الورثة نصفين، وروى عيسى عن ابن القاسم، فيمن أوصى بربع مكاتبه لرجل [ويعتق] (¬2) ربعه ثم هلك العبد عن مال (¬3)، أن الموصى له بربع الكتابة والورثة يستوفون ما بقي لكل واحد منهم، ويقتسمون ما بقي بينهم أثلاثاً، للورثة الثلثان، وللموصى له الثلث، لأنه إنما ورث بالرق، قال وإن عجز فربعه حر ونصفه/ للورثة، وربعه للموصى له، قال ابن القاسم عن مالك، وإن أوصى بكتابة مكاتبه لرجل وهي ألف، وقيمة الرقبة مائة، وترك مائتين عيناً، أن الكتابة تقوم، فإن حملها الثلث نفذت، وإلا خير الورثة في إجازة ذلك، والقطع له بثلث الميت، وهذه الرواية التي ذكر محمد خلاف ما في المدونة. قال في كتاب محمد: وإذا كاتب عبده في مرضه بألف، وأوصى بها لرجل، وقيمة الرقبة مائة، والثلث يحمل الرقبة، ولا يحمل الكتابة، فالكتابة جائزة، وإن كانت الكتابة إذا قومت بالنقد لا يحملها الثلث بعد طرح قيمة الرقبة من مال الميت خير الورثة بين دفع الكتابة إلى الموصى له، أو القطع له بثلث الميت، وقال أشهب: الكتابة نافذة للموصى له بخروج الرقبة من الثلث، وإنما ينظر إلى أقلها، وقاله ابن القاسم والوصية (¬4) بها للمكاتب نفسه لأنه عتق ولم يجعله كالأجنبي، ورواه عن مالك، وقول ابن القاسم جيد وفيه نظر. ¬
قال أشهب، ولو أوصى مع ذلك بوصايا أخر، أسلمت الكتابة لأهل الوصايا يتحاصون فيها يقدر وصاياهم، فإن عجز رق لهم بقدر ذلك، وإن مات قبل الأداء ورثوه، قال مالك، وإن كانت الرقبة لا يحملها الثلث، خير الورثة بين إمضاء الكتابة، ودفعها لأهل الوصايا يتحاصون فيها، وإلا أعتقوا من رقبته محمل الثلث، وسقطت الوصايا، قال: ولو أوصى بأول نجوم مكاتبه/ لرجل، والثلث يحمله، فله قبضه، ويعرف قيمته من بقية النجوم فيكون له بقدر ذلك من رقبته إن عجز وإذا توفرت قيمة أول نجم ليعجله، وقلت النجوم المتأخرة، فعلى قدر ذلك يكون بينهم، ولا ينظر إلى ما يؤول من قبض ما تأخر، فيكون [أوفر إذا قبض، ولأنه قد يأخذ الموصى له أكثر النجم الموصى له به، وقيمته تفي ما أخذ منه ثلث الكتابة، ثم يعجز] (¬1) فيكون له ثلث العبد، وثلثاه للورثة، ولا يحسب عليه ما قبض، كما لا يحسب عليهم لو قبضوا أكثر النجوم، ثم عجز فقد أخذوا أكثر من الثلثين في العدد، وذلك كعبيد ثلاثة مكاتبين قيمتهم سواء، أوصى بأحدهم لرجل فعجز بعد أن قبض أكثر نجومه، وعجز الآخران ولم يؤديا شيئاً، فلا يقال إن الموصى له صار له أكثر من الثلث، لأنه أمر نفد بالقيمة، وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون في المكاتب على عشرة أنجم فتنادى منه سيده تسعة ثم يوصى بالنجم الباقي لرجل فينفذ له، ثم يعجز المكاتب أو يموت أن جميع العبد يرق له، وكأنه أوصى له بجميع الكتابة، إذا كان ما بقي عليه به يعتق ولا شرك لأحد معه فيه، وله جميع تركه المكاتب، وكما لو أوصى به للمكاتب صار حراً. قال في كتاب ابن المواز، وإذا مات المكاتب الموصى فيه بالنجم الأول، وقيمة هذا النجم نصف الكتابة، وذلك يخرج من الثلث ولم يؤد شيئا، فليأخذ الموصى له مما ترك نجمه لا أزيد منه، ويأخذ الورثة بقية نجومهم لأنها حلت،/ ويقسم ما بقي بينهم وبين الموصى له نصفين، ولو لم يدع ما بقي بالكتابة تحاصوا بقدر مال الكتابة، لا على قيمتها، لأنها قد حلت بالموت بخلاف العجز فيما يملك من الرقبة. ¬
ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن القاسم، وإذا أوصى لرجل بنجم من نجوم مكاتبه، فقالت الورثة نحن ندفع إليك نجماً، وقال هو لا أرضى ولعله أن يعجز فيكون لي فيه حق، قال إن لم يحل النجم فذلك له، وإن حل فذلك للورثة. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، فيمن أوصى لرجل بألف درهم مما على مكاتبه فتعجلها له الورثة فأبى وقال لعله يعجز فيصير لي من رقبته بحصته، فللورثة تعجيلها كما لو عجلها المكاتب يجبر على أخذها. قال فإن أوصى بالنجم الأول لرجل وبالثاني لآخر، وخرج المكاتب من الثلث، ثم عجز، فلصاحب الأول من رقبته بقدر قبض قيمة نجمه على الثاني، وللثاني بقدر قيمة نجمه، ولو قبض الأول نجمه ثم عجز قبل قبض الثاني، فرقبة المكاتب بينهما، وللأول ما اقتضى لا يرجع عليه الثاني فيه بشيء، ولو كان ثم نجم ثالث يبقى للورثة فقبض صاحبا النجم نجميهما ثم عجز، فالعبد بينهما وبين الورثة على قدر قيمة النجم الأول والثاني والثالث، ولا يرجع الورثة عليهما بشيء. وذكر عن ابن القاسم فيها في بعض مجالسه أنها إن ردا إلى المكاتب ما أخذا رجعا فيه بأنصبائهما، وإن لم يردا فنصيبهما منه للورثة. / والصواب ما تقدم، وهو قول أشهب. وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية (¬2)، فيما إذا أوصى بالنجم الأول لرجل وبالثاني لآخر وبالثالث لآخر، فقبض الأولان، وعجز الثالث، أن العبد يرجع بينهم، ولا يرجع الآخر عليهما بشيء، وروي عنه أيضا أنهما يجبران في أن يردا ما أخذا إلى العبد، فإن أبيا رجع ما كان نصيبهما من العبد إلى ورثة الميت الموصى. ¬
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون، إذا أوصى لرجل بالنجم الآخر من عشرة أنجم قبل أن يتأدى منه من الكتابة شيئا، ً فتقاضى الورثة التسعة أنجم وسلموا المكاتب للموصى له ليأخذ نجمه فعجز عنه، فما هنا تكون رقبته بينه وبين الورثة بقدر قيمة نجمه من قيمة سائر النجوم، لأنهم لو كانوا له فيه شركاء وهذا بخلاف لو كان السيد قد تأدى التسعة أنجم ثم أوصى بالنجم الآخر، هذا إن عجز رق له العبد كله، وقد ذكرناها قبل هذا، قال وإن مات في السؤال الأول المكاتب عن مال وعليه من ذلك النجم بقية، فقال ابن الماجشون في هذا، يبدأ صاحب النجم بما بقي له ثم يكون باقي ماله بينه وبين الورثة على قدر قيمة أنجمهم ونجمه، وقال مطرف: لا يبدأ بشيء، ويكون ما ترك بينه وبينهم بقدر ما يكون لهم من رقبته إن عجز، وبه قال ابن حبيب. ومن كتاب محمد، وقال في مكاتب عليه عشرة أنجم أوصى بالنجم الأول لرجل وقيمته نصف/ الكتابة فاقتضاه ثم عجز، فله نصف رقبته، وللورثة نصفها، قال أحمد ولا يرد مما اقتضى شيئا. وقال أشهب عن مالك في مكاتب أدى كتابته إلا نجمين وهما مائة، فأوصى السيد لرجل بنجم منها أو قال مائة مما عليه، فهذا إن عجز فله نصفه، وإن مات أخذ هو والورثة ما كان عليه، وقسموا ما بقي نصفين، ولو أدى ما عليه كله ثم مات كان ما ترك لعصبة سيده. قال أشهب: وإن لم يحمله الثلث وترك خمسين دينارا مع رقبة المكاتب وقيمة باقي الكتابة (¬1) [مائتا دينار، وقيمة رقبته] (¬2) مائة وخمسون (¬3) ديناراً، فالأول يجعل في الثلث للموصى له فيصير له ثلثا المائة ستة وستون وثلثان، فيكون بهذا الموصى له أربعة أتباع المكاتب إن عجز، وكذلك له في الأداء من كل نجم أربعة أتساعه، ولو أوصى له بنجم منهما بعينه وقيمتيهما سواء، فله ثمانية أتساع ذلك النجم، وإن كان قيمة نجم الوصية مائة، والنجم الآخر خمسين، فله من ذلك النجم ثلثاه، فإذا عجز فله أربعة أتساع رقبته. ¬
في بيع المكاتب أو الكتابة أو بعضها، وفي ميراث المكاتب بعد ذلك، وفي المكاتب يقع في المقاسم
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في مكاتب بين رجلين أوصى أحدهما في مرضه بثلث النصف الذي له لأجنبي، والثلث الآخر حر، ثم هلك ومات المكاتب عن مال، فإنه يورث على خمسة أسهم فيكون لشريكه ثلاثة أخماس، وللورثة خمس، وللموصى له خمس بعد استيفاء ما لهم من الكتابة. / وإن كان هذا في الصحة ثم هلك المكاتب عن مال، فللذي لم يعتق ثلاثة أسهم من ستة [ولشريكه سهمان] (¬1)، وللذي تصدق عليه بسدس العبد سهم من ستة، وذلك بعد أن يستوفي من ماله بقية الكتابة. في بيع المكاتب، أو الكتابة، أو بعضها، وفي ميراث المكاتب بعد ذلك، وفي المكاتب يقع في المقاسم من العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، وكتاب ابن المواز، قال: وكره مالك أن يبيع أحد الشريكين في المكاتب حصته دون شريكه، قال محمد، قال عبد الملك: أما من المكاتب فلا يجوز إلا برضى شريكه، وأما من غيره فجائز، وإن كره الشريك، وقد كره ربيعه بيع كتابة المكاتب ورآها خطراً، قال غيره، وقال بذلك عبد العزيز بن ابي سلمة، قال محمد، قال أصبغ، وليس عليه العمل. قال محمد يكره بيع أحد الشريكين في المكاتب حصته من المكاتب لأنه كالقطاعة، وجائز من غيره. قال سحنون عن ابن القاسم في العتبية (¬3)، قال مالك: لا يجوز لأحد الشريكين في المكاتب بيع نصيبه وإن أذن شريكه [في الإنتفاخ] (¬4) إلا أن يبيعاه ¬
جميعاً، قال ابن القاسم: وكذلك أمر المكاتب لا يشتري نصيبه أحد الشريكين فيه إلا أن يشتري جميعه، وأجاز ابن القاسم وأشهب، بيع نصف المكاتب، أو جزء منه، أو نجم بغير عينه، وقاله أصبغ، قالوا وبيع نجم (¬1) بغير عينه يرجع إلى جزء من المكاتب/ فلذلك جاز، ولا يكون المكاتب أولى بما بيع منه وإن أذن (¬2) شريكه، لأنه لا يرجع إلى جزء وقاله سحنون في العتبية (¬3)، وأصبغ قالا وإنما لا يجوز بيع نجم بعينه، وأما إن اشترى نجما منهما من عشرة أنجم فهو جائز، وكأنه اشترى عشر الكتابة، فإن عجز فله عشر العبد. ومن سماع أشهب وابن نافع، قال مالك: وإذا بيعت كتابة المكاتب فالمكاتب أحق بها إذا كان يعتق بذلك، فأما ما لا يعتق به فلا يكون أحق به. قال عيسى عن ابن القاسم، ومن باع مكاتبه رد البيع إلا أن يعتقه المبتاع فيمضي. وكذلك إن مات عنده ضمنه، ولا يرجع على البائع بشيء ولا على البائع أن يخرج شيئاً من الثمن (¬4) فيجعله في رقبة، بخلاف المدبر يبيعه ثم يفوت بموت. ومن سماع عيسى، قال ابن القاسم، في المكاتب يقع في المقاسم ثم أبى سيده، قال يقال للمكاتب ود (¬5) ما اشتراك به هذا، وقم بنجومك، فإن فعل ذلك، وإن ألقى بيده، وعجز نفسه قيل لسيده إن شئت فافده [وهو عبد لك لا كتابة فيه] (¬6)، وإلا فأسلمه كان رقيقا للذي في يديه كالجناية. قال ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم، قال مالك فيمن اشترى كتابة المكاتب ثم مات المكاتب، قال ميراثه له لأنه لو عجز لا سترقه، وكذلك في الهبة والصدقة يرثه إن مات، وإن كان ما ترك أكثر من الكتابة فهو له. ¬
فيمن اشترى كتابة ولده، أو أوصي له بذلك، أو بثمن ابنه، وفي المكاتب يشتري من يعتق عليه أو على سيده
/فيمن اشترى كتابة ولده، أو أوصي له بذلك، أو بثمن ابنه، وفي المكاتب يشتري من يعتق عليه أو على سيده من العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن اشترى ما على مكاتب ممن يعتق عليه لو ملكه، قال فذلك موضوع عنه، قيل ولم؟ [وهو] (¬2) لم يملك منه رقا وهو لو أدى لكان ولاؤه لعاقد الكتابة، قال: وإن كان ذلك لأنه إن عجز صار له رقيقاً. وكذلك إن ورثه وضعت [عنه] (¬3) كتابته وفي كتاب العتق من هذا مستوعب. قال أصبغ: ومن أوصى لرجل بثمن ابنه، يقول بيعوا ابنه وأعطوه ثمنه فلا يعتق بهذا عليه وإن قبله، والوصية له جائزة كالأجنبي، ولو أوصى له بكتابة مكاتبه وهو ابنه، فهذا إن قبل ذلك عتق عليه ومن العتبية (¬4) قال سحنون في مكاتب اشترى ابنته وهي امرأة سيده، قال يفسخ النكاح والضداق للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، وإن اشترى ابن مولاه، قال سحنون يكون رقيقا بيد المكاتب. قال عيسى عن ابن القاسم، إذا اشترى من يعتق على سيده، قال له ملكه ويبيع ويطأ ويصنع بهم ما شاء، وكذلك لو أنها أم سيده أو أخته لأنه ليس لسيده انتزاع ماله، وقد قال بعض الناس إن العبد يملك من يعتق على سيده، ولا يعتق ويطؤها إن كانت أمة حتى ينتزعها السيد لأنه ملك للعبد، وإن كان هذا لا يقوله/ مالك. قال ابن القاسم: ثم إن عجز المكاتب وهم عنده عتقوا. ¬
فيمن كاتب عبده في مرضه أو أوصى أن يكاتب أو يعتق بعضه ويكاتب بعضه، أو أقر بكتابة مكاتب، أو أوصى أن يعتق عبده بعد قبض مال أو حضانة
فيمن كاتب عبده في مرضه، أو أوصى أن يكاتب، أو يعتق بعضه ويكاتب بعضه، أو بكتابة مكاتب (¬1) أو أوصى أن يعتق عبده بعد قبض مال أو حضانة ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، ومن كاتب عبده في مرضه وقبض الكتابة فذلك نافذ إن حمله الثلث وهو بيع، وقال أشهب، ليس كالبيع إذ لا يجوز ذلك وإن عالاه حتى تحمل رقبته الثلث، ولا يعجل عتقه إلا أن يكون له مال مأمون، وإلا لم يعتق حتى يموت السيد ويحمله الثلث، وإن لم يحمله خير الورثة في عتقه أو يردوا إليه ما قبضه منه السيد، [ويعتقوا] (¬2) منه محمل الثلث بتلا، ويبقى ماله بيده، قال والمكاتب في الصحة يقر سيده في مرضه بقبض الكتابة منه. قال ابن القاسم: إن حمله الثلث جاز وعتق اتهم أو لم يتهم، [ولو كانت الكتابة في المرض] (¬3) لم يعجل عتقه إلا في المال المأمون، وإن لم يسعه الثلث في الكتابة في الصحة وللسيد ولد لم يتهم، ويجوز قوله، وإن لم يكن له ولد لم يصدق إلا ببينة، وقال أشهب إن لم يتهم السيد بانقطاع من المكاتب جاز قوله. قال ابن القاسم، وإن كاتبه في المرض ولا يحمله الثلث خير الورثة بين إجازة ذلك أو عتق ما حمل الثلث منه بتلا. وفي/ باب قبل هذا، إذا كاتبه في المرض وأوصى بكتابه. ومن العتبية (¬4) من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز، قال، مالك في المرأة أعتقت نصف عبد لها عند موتها، وقال العتبية (¬5)، بعد موتها وأوصت أن يكاتب نصفه الآخر، قال فليكاتب على قدر قوته وجرائه. ¬
ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن أوصى أن يكاتب عبده، فأصيبت يد العبد أو رجله فأي قيمة يكاتب؟ فإنما ينظر إلى قيمته يوم يكاتب لا يوم مات السيد ولا يوم أوصى، وكذلك او أوصى بعتقه، وقال سحنون فيمن أوصى أن يكاتب عبده ويعطى فلان عشرة دنانير، ولم يترك غير العبد، قيل للورثة إن أحزتم ما أوصى به الميت مضى ذلك، وإن قالوا نجيز الكتابة ولا نجيز الوصية بالعشرة، قيل لهم فكاتبوه وليس لكم من كتابته إلا ثلثان (¬2) فإن دفعتم إلى هذا العشرة ويبقى لكم ثلث الكتابة، وإلا سلموا ثلث الكتابة للموصى له. قال أصبغ، ومن أوصى أن يكاتب نصف عبده، قيل للورثة إما كاتبتم جميعه لتنفذ وصية الميت [وإلا فاعتقوا] (¬3) من نصف العبد مبلغ ثلث الميت. ومن أوصى بخدمة أمته لابن له حياته فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا، فإن حملها الثلث وقفت للخدمة، وللورثة أن يدخلوا مع الابن في الخدمة على الفرائض، أو يجيزوا له وصيته، فإذا مات كوتبت بعشرين، وكانت/ العشرون (¬4) بين ورثته، وإن عجزت فهي بينهم رقيق على الفرائض. قال أصبغ: ولاؤها إن أدت للميت وعصبته، وإن لم يحملها الثلث خير الورثة بين أن يجيزوا ذلك، فإن أجازوا فهو كما لو حملها الثلث كما ذكرنا، وتكون موقوفة على الابن في خدمتها إلى الأجل، وإن لم يجيزوا قاسموه الخدمة، وإذا كوتبت فكذلك أيضاً. قال أصبغ، وإن لم يجيزوا فليعجلوا لها الكتابة الساعة، وتسقط الخدمة، فإن أبوا فليعتقوا منها محمل الثلث بتلاً، ويسقط ما سوى ذلك. ومن سماع عيسى عن ابن القاسم، وعن امرأة قالت عند موتها لأمة ربي ولدي هذا وودي ثلاثين دينارا وانت حرة، ثم ماتت والولد صغير، ثم هلك الولد ولها ولد ¬
فيمن وطيء مكاتبته فحملت، أو مكاتبة لأبيه أو لمكاتبه، أو أمة لمكاتبه، أو أم ولد له، وهل يطأ المكاتب أم ولد أدخلت معه في الكتابة؟
آخر، قال إن أدت الثلاثين فهي حرة لأنها أرادت بالتربية إن عاش إلى بلوغه. ومن أوصى أن يؤخذ من عبده ثلاثون (¬1) ديناراً ثم هو حر، أتنجم عليه؟ قال: لا، وتؤدى معجلة إلا أن يوصى أن تنجم. وفي كتاب الخدمة من هذا المعنى، قاله ابن حبيب، قال مطرف وابن الماجشون، وإذا أوصى أن يكاتب عبده، فإن حمله الثلث كوتب كتابه مثله ونجمت عليه نجوم مثلها، وإن لم يحمله خير الورثة بين كتابته بكتابة مثله، أو أعتق ما حمل الثلث منه، ولو قال كاتبوه بمائة دينار لكوتب بها، كانت كتابة/ مثله أو أقل أو أكثر، وتنجم عليه بقدر قوته وسعيه ومن كتاب ابن سحنون قال، وكتب إليه شجرة، فيمن أوصى أن يؤخذ من كل عبد من عبيده كذا وكذا، ويعتق وهم تجار، وأقاموا بذلك بينه ولم تثبت، وللميت طفل لم يوص به إلى أحد فهل للحاكم أخذ المال من العبيد على وجه النظر للطفل وعتقهم؟ فكتب إليه إن رأى أن ذلك نظر لليتيم. فليفعل، فإن فعلت فلم يأتوا بالمال [تلومت لهم تلوماً بيناً، فإن عجزوا رجعوا في الرق] (¬2) فيمن وطئ مكاتبته فحملت، أو مكاتبة لأبيه (¬3)، أو لمكاتبه، أو أمة لمكاتبه، أو أم ولد له، وهل يطأ المكاتب أم ولد أدخلت معه في الكتابة؟ ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، ومن وطئ مكاتبته فحملت ومعها في الكتابة غيرها، فليس لها تعجيز نفسها إلا برضى من معها، قال محمد: وهم بالغون أقوياء فيحط عنهم حصتها، وتصير أم ولد يطؤها، قال سحنون في العتبية (¬4)، ولها أن تعجز نفسها إذا لم يكن معها أحد، وإن كان لها المال الكثير، ¬
وإن اختارت عليه المضي على كتابتها فنفقة حملها على سيدها، كالمبتوتة الحامل، وروى ابن حبيب عن أصبغ أنها لا نفقة لها عليه. وقال ابن حبيب كقول سحنون، وذكر سحنون في كتاب ابنه جوابه هذا كله عن بعض أصحاب مالك. ومن كتاب ابن المواز/ قال: إذا كاتب المكاتب أمته بإذن السيد ثم وطئها المكاتب، فلا خيار لها في التعجيز، فإن أدت خرجت مع ولدها، وإن ودى هو قبلها فولده أحرار معه، ولها التعجيز، ولو مات في الكتابة قبل خروجها وترك وفاء بكتابته خرجت حرة هي وولدها، ولو قوي الولد قبل عتقها سعى مع أقربهما عتقا فعتق بعتقه، ولو كان معه ما يؤدي عن أبويه أخذ من ماله ما يؤدي عنهما وعتقا، وإن ماتت أولاً وتركت مالاً وتركت مالاً أخذ من مالها ما بقي وعتق ولدها، وورث ما بقي، وإن لم يكن فيه وفاء فللولد أخذه والسعاية فيه، وكذلك لو لم يدع شيئا فإن أدوا عتقوا، وإن عجزوا وكانوا في كتابة أبيهم. قال ابن القاسم، وإن وطئ أمة مكاتبه فحملت لزمته قيمتها يعتق فيها المكاتب ويتبع سيده بفضل إن بقي، وهي له أم ولد، قال محمد: وهذا ظلم للمكاتب بتعجيل كتابته، بل يأخذ قيمتها ويؤدي النجوم على حالها، فإن لم يكن للسيد شيء بيعت عليه كتابة مكاتبه هذا في ذلك. قال أحمد ويكون أولى بما بيع من ذلك. وقال سحنون في كتاب ابنه مثل ما قال ابن المواز، وزاد وإن كان في ثمن الكتابة قدر نصف ما على السيد أخذه المكاتب، وبقي نصف الأمة للمكاتب رقيقاً (¬1) ونصفها بحساب أم ولد لسيده، وأتبع سيده بنصف قيمة الولد. وقال أشهب: إن لم يكن للسيد ما يؤدي وكان في الكتابة أو في قيمة/ المكاتب، وفاء بقيمتها، أعتق بذلك استحساناً، فإن لم يف بقيمتها بقيت أمة للمكاتب، وأتبع سيده بقيمة ولده، قال محمد: وهذا أيضا لا يعجبني، والصواب ما قلت لك. ¬
قال: ومن العتبية (¬1) روى سحنون عن ابن القاسم، فيمن وطئ أم ولد مكاتبه فحملت منه، قال: تحال بين المكاتب وبين وطئها حتى ينظر ما يصير إليه، فإن ودى عتق وكانت أم ولده، وإن عجز كانت أم ولد للسيد، فإن خاف العجز غرم سيده قيمتها يوم تؤخذ، ويعتق المكاتب فيها، فإن فضل شيء كان له، قال ولا يأخذ المكاتب قيمة الولد، وقال وهو في العبد على خلاف هذا. وفي كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم قال: إذا وضعت فعلى السيد قيمة ولده للمكاتب [يقاصص به في كتابته ويعتق وتبقى الأمة أم ولد للمكاتب] (¬2)، وإن لم يكن فيه وفاء قوصص بها ويسعى فيما بقي، فإن ودى فهي أم ولد له، وإن عجز كان عبدا وكانت الأمة أم ولد لسيده وتحرم على العبد. ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬3) من سماع عيسى عن ابن القاسم، فيمن وطئ مكاتبه فحملت، قال في العتبية (¬4) يدار عنه الحد ويلحق به الولد. وقال في الكتابين: تخير الأمة فإن اختارت البقاء على الكتابة غرم قيمتها، قال في العتبية (¬5): يوم وطئها، وقال في كتاب محمد: قيمة أمة [فتوقف خيفة أن يعدم عند العجز] (¬6)، قال في كتاب محمد، ويكون ولده حرا مكانه، قال في الكتابين، فإن أدت عتقت وأخذ [الواطئ] (¬7) القيمة التي وقفت، وإن عجزت كانت القيمة/ لسيدها المكاتب، وكانت أم ولد للواطئ، قال في العتبية (¬8)، ولم يكن عليه في ولده شيء. ¬
قال ابن القاسم في كتاب محمد، وكذلك يأخذ قيمتها إن ماتت قبل الأداء، وقال في العتبية (¬1)، إن ماتت قبل الأداء أخذ من القيمة الموقوفة قيمة الولد فدفع إلى المكاتب، ورجع باقي قيمتها إلى الواطئ، قال في الكتابين، وإن عجزت نفسها قومت عليه أم ولد، وغرم قيمتها للمكاتب نقداً، وليس للسيد أن يحاسب بها المكاتب إلا أن يشاء المكاتب، وقال أصبغ في كتاب محمد، إن ماتت قبل العجز رجعت القيمة إلى السيد الواطئ، لأن الحمل لم يضر، وقد ماتت في كتابتها من غير حمل. وقال في إيقاف القيمة، إذا اختارت المضي على الكتابة أنه صواب، القياس في قيمتها أن تكون يوم تعجز بولدها كأنه يومئذ أحبلها، وأحب إلى أن تقوم يومئذ طرفاً بلا ولد، لأن الولد ليس بمال لأحدهما، ثم رجع فقال: القياس أن تمضي القيمة التي أوقفت، أو تقوم يوم العجز، وولدها كأنها لم تضعه. قال محمد جواب أصبغ فيها غلفه وجيره (¬2) ولا أعجبنا جوابه، ولا الجواب الأول، والجواب عندنا، إن اختارت العجز صارت لمحملها أم ولد، وغرم القيمة، وإن تمادت لم يغرم الواطى إلا أن يشاء حتى تعجز فتكون له أم ولد ويغرم القيمة يوم الوطء أو يؤدي ما بقي عليها من الكتابة، أى ذلك شاء فذلك له، ولا يتبعها بشيء/ منه، وإن أدت خرجت حرة ولا شيء عليه، ولم يكن الحمل نقصا ولا زيادة، وإن ماتت في نجومها فلا شيء على واطئها، ولا معنى لإيقاف القيمة ولا منفعة، وقد لا تجيب عليه، وضرر ذلك من نفعه، وكان ينبغي أن يوقف ما تءدي هي، لأنك إنما توقف قيمتها يوم أحبلها، فإذا عجزت فقد كانت من يوم الوطء أم ولد، قال فإن عجزت وغرم القيمة لم يرد المكاتب ما تأدى منها بعد الوطء، وهو كالغلة قبل الإستحقاق، وكمن أعتق أمه أو كاتبها ثم استحقت بحرية أو بملك فلا يرد من كانت بيده شيئا من ذلك الأمر يوم ينظر الحاكم فيها ويوقفها ¬
فتوقف الغلة إلى وقت الحكم، قال: ولم أغرمه قيمة ولده لأن مرجعها إلى الحرية بالأداء، وتكون أم ولد بالعجز، بخلاف من أولد أمة ثم استحقت أنها مكاتبة فمرجعها هي إلى رق، فيؤدي قيمة ولدها إلى السيد يحسبه من آخر كتابتها، وقال ابن سحنون، ليس لها في قول سحنون أن تعجز نفسها إن كان لها مال ظاهر ولتتماد، فإن أدت عتقت ولا شيء على السيد، من قيمته ويعتق الأم فإن عجزت قومت على السيد فكانت أم ولد، وإن لم يكن لها مال ظاهر، أو كان لها في مذهب ابن القاسم وأشهب مال، فهي بالخيار، فإن اختارت المضي على الكابة وأدى السيد قيمة الولد فأوقفت، فإن أدت رجعت القيمة إلى السيد، وإن عجزت غرم السيد قيمتها ولم يلزمه للولد قيمة، يريد يرجع إليه ما أوقف فيحاسب/ به في قيمتها، قال فإن عجزت نفسها أدى السيد قيمتها معجلة للمكاتب وكانت له أم ولده. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن وطئ مكاتبة ابنه فحملت، أنها تخير بين أن تقوم عليه فتكون أم ولد له وتبطل الكتابة، وبين أن تسعى في كتابتها على حالها، فإن أدت عتقت، وإن عجزت قومت عليه. وقال سحنون: لا خيار لها، لأن هذا من نقل الولاء، وليس لها نقل ولا لها إلا بعجز بين (¬2)، وقال فإن عجزت فالابن يخير إن شاء قومها على أبيه، والمعروف لأصحابنا أنه لابد أن يقومها عليه لأنها أم ولد له. قال عيسى عن ابن القاسم، فإن اختارت البقاء على الكتابة، أوقفنا القيمة من الأب، [فإن أدت رجعت القيمة] (¬3) إليه، وإن عجزت أخذها الابن، وصارت أم ولد للأب، وإنما توقف القيمة لخوف عدمه، قال فإن عجزت وقد دخلها نقص بجناية جان من ذهاب جارحة أخذ لذلك أرشاً، فإن كان في عقلها ما تعتق فيه ¬
في قطاعة المكاتب، وما يجوز في الكتابة من معاوضة وحوالة وحمالة وشيء من ذكر التداعي في القطاعة أو في مال الكتابة
عتقت وردت القيمة إلى الواطئ، وإن لم يكن فيه ما تعتق به سعت فيما بقي، فإن أدت عتقت، وإن عجزت قوصص واطئها من قيمتها بما أخذ من ثمن جسدها، قال: وإن أصابها ذلك بأمر من الله ثم عجزت أخذ الابن القيمة كلها، ولا يحط شيء، قال ابن حبيب قال ابن الماجشون، في عبد كاتب على أم ولده، أنه يحرم عليه وطؤها لأنه كان السيد انتزعها ويرجع/ كل واحد منهما بما يؤدي على صاحبه، ولو مات عتقت فيما ترك، وإن لم يترك ولدا في كتابته أو ترك ويتبعها السيد أو الوالد كان بما عتق به من ماله إلا أن يكون ولدها، وإن عجز رقت للسيد ولم تكن أم ولد للعبد ولا أمة له، وإن كانت أم ولد لم يكاتب عليها، فمات ولدت في الكتابة منه فهي به أم ولد، وتعتق معهم فيما يترك الأب إن مات، ولا يبيعوها، وإن لم تكن أمهم لأن أباهم لم يكن يبيعها، وإن لم يدع المكاتب مالا سعت عليهم إن كانت مأمونة، كانوا منها أو من غيرها. في قطاعة المكاتب، وما يجوز في الكتابة من معارضة، وحوالة، وحمالة، وشيء من ذكر التداعي في القطاعة، أو في مال الكتابة من كتاب ابن المواز، قال: ولا بأس بقطاعة المكاتب، ويعجل عتقه بشيء تعجله أو يؤجره مخالفا لما عليه أو من جنسه أكثر منه أو أقل إلى أبعد من أجله، أو أقرب كان طعاماً أو غيره، وكذلك من اشترى كتابة المكاتب فهو كالسيد في جميع ذلك. وقال في العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم، أن لمن اشترى كتابة المكاتب مقاطعته لسيده، قال في كتاب محمد: وما وضع به فلا يحاصص به السيد غرماء المكاتب في فلس ولا موت. ¬
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر: لا يقاطع المكاتب إلا بعرض. قال ابن القاسم/ ولم يأخذ بذلك الناس. قال مالك في مكاتب قوطع له بشيء نجم عليه وعجل عتقه فمات قبل ذلك، فأقام نحو عشرين سنة ثم قام السيد يطلب ذلك من ولده، قال: أليس كان يبايع الناس ويشتري؟ قيل: نعم، قال: فلا بأس بذلك، وفي كتاب آخر فلا شيء عليه، وهو الصحيح، وإذا أحال المكاتب سيده على غريم له عليه دين، فإن حلت الكتابة جاز وعتق المكاتب، وإن لم تحل الكتابة لم يجز الحول، وأجازه أشهب حلت أو لم تحل، ويبدأ بذلك المكاتب أخذه السيد أو أدى، محمد، وهذا أبين القولين، وأظن ابن القاسم إنما كره من الحوالة بما لم يحل من الكتابة فيما لا يتعجل عتقه، فأما بما قد حل منها فجائز، قال: وإنما لا يجوز الضمان ولا الحول بها ولا الأخذ عليها إلا بتعجيل العتق، قال محمد صواب كله إلا في الحول على حول للمكاتب برضى السيد فهو جائز، وإن كان بعض النجوم وقد برئ المكاتب من ذلك. قال ابن القاسم: وإن أحاله مكاتبه الأعلى على مكاتب له لم يجز الأعلى إن ثبت عتق الأعلى، فإن عجز المكاتب مكاتبه رق للسيد، قال مالك في وصيف قد بلغ السعي ولم يحتلم كاتب عنه أبوه الحر وضمن ذلك يؤديه عن ابنه من ماله على النجوم، فلا خير فيه، أرأيت إن عجز الأب أو مات الابن أيذهب مع دفع الأب؟ فلا خير فيه، قال محمد: ولو كان على تعجيل عتق الابن لزم ذلك الأب على النجوم. قال مالك، ومن قال لرجل أفسخ كتابة أمتك وأضمنها لك/ على أن تزوجنيها، ففعل وزوجها إياه وولدت بنتاً، ثم مات الزوج فلا ترث، وهي وابنتها للسيد رقيق. قال ابن القاسم: يعني أنه لم يجز الحمالة وهي أمة ولا يؤخذ ذلك من تركته. محمد لأنه لم يكن يحكم به عينه في ذاته، إلا أنه لو ودى ذلك حتى يعتق
في قطاعة المكاتب بين الشركاء
به ويفوت لجاز ذلك ويرجع عليها المؤدى، ويرجع عليه بصداق مثلها يوم عقد النكاح، فمن كان له فضل أخذه. قال ابن حبيب، قال أصبغ فيمن قاطع عبده على مائة، وقال هي حالة، وقال العبد إلى أجل فالسيد مصدق مع يمينه، ولو كاتبه على مائة فقال حالة وقال العبد منجمة صدق العبد مع يمينه، وذكر ابن القاسم في المدونة في المكاتب يدعي أنه كوتب بمائة وقال السيد بمائتين، أن القول قول المكاتب إن كان قوله يشبه، لأن الكتابة فوت، قال محمد بن عبد الحكم: قد اختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب، يريد أن أشهب يرى القول قول السيد، قال محمد: والحجة له أنه يقول أنت مملوكي فلا تخرج إلى الكتابة إلا بما أقر لك به، وذلك كالبيع يختلفان فيه فالقول قول البائع والمبتاع مخير، والحجة لابن القاسم في قوله أن القول قول المكاتب أن الكتابة قد وجبت وهي فوت، فالسيد يدعي فضلا، والعبد ينكر، فالبينة على المدعي، وعلى المنكر اليمين. قال ابن المواز في كتاب الإقرار، أحسن ما سمعت في ذلك أن القول قول المكاتب، وتصير فوتاً (¬1) كمن ابتاع/ عبدا فكاتبه ثم اختلفا في الثمن، فالمبتاع يصدق ويخرجان من حكم المتبايعين إلى المتداعيين فلا يلزم المبتاع إلا ما أقر به. في قطاعة المكاتب بين الشركاء قال: والمكاتب بين الرجلين لا بأس أن يقاطعه أحدهما بإذن شريكه من جميع حصته على شيء أو من بعضها ويبقى بعضاً، ثم اقتضى الآخر مثل ذلك فأكثر ثم عجز، فالعبد بينهما ولا رجوع لأحدهما على الآخر، وإن اقتضى أقل (¬2) خير المقاطع بين رد الفضل حتى يستويا، ويبقى العبد بينهما، فإن أبى فالعبد كله ¬
للذي لم يقاطع، ولو مات المكاتب فلا يخير المقاطع، وللمتماسك أخذ جميع ما بقي له من الكتابة مما حل أو لم يحل، وما فضل فبينهما، وليس كعبد نصفه حر، وإن ترك أقل من مال المتمسك فليس له غيره، ولا يرجع على المقاطع بشيء قال: وإن قاطع بإذن شريكه على غير العين ثم عجز، فإن كان حيواناً أو عرضا نظر إلى قيمته نقدا يوم قبضه ثم رد فضلا إن كان عنده إن شاء حصته من العبد، وإن كان شيئاً له مثل من مكيل أو موزون رد مثله، ورد الآخر كل ما قبض فكان بينهما نصفين، قال: ولو مات وقد بقي للمقاطع عليه بعض ما قاطعه عليه وقد ناصفه على عين تحاصا فيما ترك هذا بما بقي له مما قاطع عليه، والآخر/ بجميع نصيبه، وكان ربيعه يكره أن يقاطع بإذن شريكه ويقول إن فعل ثم مات العبد فميراثه للذي لم يقاطع، قال أصبغ ليس عليه العمل، والعمل على قول ابن المسيب. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في مكاتب بين ثلاث فقاطع أحدهم بإذن صاحبيه وتمسك الثاني، ووضع الثالث، ثم عجز العبد، فإن رد الذي قاطع نصف ما قاطع به إلى المتماسك، كان العبد بين الثلاثة بالسواء، وإن أبي كان العبد بين المتماسك وبين الذي وضع نصفين. ومن كتاب ابن المواز، وقال مالك في مكاتب بين رجلين قاطعه أحدهما على نصف نصيبه على مائة وجميع الكتابة ثمانمائة فأبقى الربع الآخر مكاتبا بإذن شريكه، فذلك جائز، فإن عجز [فليؤد المقاطع نصف ما فضل] (¬1) صاحبه به بقي له ربع العبد وللمتمسك ثلاثة أرباعه، ولو قبض منه المتمسك مثل ما أخذ المقاطع في القطاعة أولاً، وذلك مائة، كان المقاطع أيضا بالخيار في عجزه إن شاء سلم إلى المتماسك ما أخذ ورجع فكان له نصف العبد، شاء المتماسك أو أبى، وإن شاء أخذ منه ثلث المائة وسلم ربع العبد وكان له ثلاثة أرباعه، وللمقاطع ربعه، وكذلك إن قبض المتمسك مائتين فللمقاطع أخذ ثلثها، وإن كره، ويصير ¬
في إنظار أحد الشريكين وتبدية أحدهما بالأداء، أو سلعة له، وهل يقتسمان عليه؟
للمقاطع ربع العبد فقط، فإن شاء أخذ منه خمسين وكان العبد بينهما نصفين. محمد: معناه أن المقاطع لم يقبض/ غير ما قاطع عليه، وكان حقه أن يأخذ الثلث من كل ما يقتضي لأن له ربع المكاتب مكاتباً، وللآخر نصفه، فإن شاء أخذ ذلك، ثم له أن يختار المتماسك بما قبض، ولا يكون له غير ربع العبد، ثم إن شاء أن يكون له نصف العبد رد فضلا عبده إن كان فضلا، قال: وإن قاطع أحد الشريكين جميع حصته بغير إذن شريكه، فإن قبض المتمسك مثل ما قبض هو، فلا حجة للمتمسك في عجزه ولا في موته، وإن لم يدع شيئاً، وكذلك إن بقي له وقد ترك المكاتب ما يأخذ هذا منه تمام ما أخذ المقاطع، لا اختلاف في هذا عن ابن القاسم وأشهب، واختلف إذا عجز ولم يقبض المتمسك إلا أقل من الآخر، لاختلاف قول مالك فيه، فقال ابن القاسم الخيار للمتماسك إن شاء رجع بنصف الفضل على الآخر أو تماسك بالعبد كله، وقال أشهب له الرجوع بنصف الفضل، فإن اختار التمسك بالعبد رجع الخيار للمقاطع. محمد، ويصير كأنه قاطع بإذنه أو قام به فوصى، ورواه عن مالك، وعليه من أرضي من أصحابه. في إنظار أحد الشريكين، وتبدية أحدهما بالأداء، أو سلعة له، وهل يقتسمان (¬1) عليه؟ من كتاب ابن المواز، قال في المكاتب بين الرجلين إذا اقتضى أحدهما وأنظر الآخر المكاتب، ثم عجز العبد أو مات ولا شيء له، فإنظاره كوضيعة، ولا يرجع على المقتضي./ وإنما يرجع عليه إذا أسلفه وذلك أن يستأذن الشريك شريكه في الإقتضاء، وبه فيأذن له، ولو أن المكاتب هو الذي سأل الشريك أن يدفع إلى شريكه ما جاء به، فهو إنظار للمكاتب لا سلف للشريك، ولا يرجع على الشريك في عجزه إذا لم يمض إلا بقدر حقه مما حل. ¬
قال محمد، وأما لو حل عليه نجم فلم يجد إلا نصفه، فسأل أحدهما الآخر أن يؤثره به على أن يأخذ حقه هو في النجم الباقي، ففعل، فهذا سلف منه لشريكه يرجع به عليه إن عجز قبل أن يستوفي إلا أن يطلب إليه أن يؤثره به، وينظر هو المكاتب فرضي بهذا الشرط، فذلك إنظار للمكاتب إذا لم يكن فيما جاء به زيادة على حق أحدهما، وقد قال عبد الملك: إذا جاء بالنجم كله فأخذه أحدهما فهو سلف من الشريك لشريكه، فإذا لم يأت إلا بالنصف فهو إنظار للمكاتب، محمد، يريد إذا رضي بذلك الشريك، قال: ولو كان نجمها عشرة فأتى بسبعة فدفعها إلى أحدهما، قال: ديناران سلف من الشريك لشريكه والثلاثة الباقية إنظار من الشريك [للمكاتب إذا لم يحضر إلا بنصف ما حل، فإن حضر بزيادة فأخذ ذلك الشريك] (¬1) بإذن الآخر واشترط فيه إنظار المكاتب لم يلزمه ذلك في الزيادة من مصابه الذي لم يقبض، وكأنه أحال بها القابض لشريكه فيما لم يحل، فإن لم يدفع ذلك للمكاتب رجع/ الشريك على شريكه وإنما الإنظار فيما قد حل لا فيما لم يحل. [قال: ولو سأل أحدهما المكاتب قبل محل شيء] (¬2) أن يؤجره بحصته من الكتابة كلها حتى يتم اقتضاء الآخر، فذلك لازم لا رجعة له فيه، خلاف ما أحضره المكاتب، لأنه بإحضار وجب لهما، فإن كان جميع ما حل من الكتابة فهو سلف من الشريك لا يجوز فيه اشتراط أنه نظره منه للمكاتب، قال أحمد، يريد فيما حل. فإن لم يأتي بجميعه فما بقي منه إن اشترط أنه نظرة فهو كما شرط، وسواء اشترط ذلك على الذي لم يأخذ، أو يشترطه القابض. فمن رضي منهما أن يكون من حقه أخر به المكاتب فذلك له، قال: وإن سأل شريكه فيما لم يحل أن يؤخره به حتى يقبض جميع حقه في الكتابة على أن تكون نظرة للمكاتب، فإن كان على أن يدفع المكاتب نصف كل نجم لا زيادة فجائز وهو إنظار ¬
للمكاتب لا رجعة فيه على شريكه، وإن كانت المنة من المكاتب ففعل ذلك الشريك ولم يشترط ما ذكرنا من شروط الشريك فهو إنظار للمكاتب، وتمام ذلك من الشرط إذا كان بمسك الشريك، فإن لم يكن فذلك منه سلف يرجع به على شريكه، وإن كان على أن يدفع جميع النجوم الذي حل إلى الشريك فهو سلف من الشريك لشريكه يرجع به عليه، ولا يجوز فيه الحول ومنه ومن العتبية (¬1) رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم،/ قال، وإذا حل نجم فأخذه أحدهما بإذن الآخر فيأخذ الآخر النجم الثاني فهو سلف من الشريك يرجع به عليه في العجز والموت. قال في كتاب محمد، إلا أن يعجز أو يموت قبل محل النجم الثاني فليس له أخذه به حتى يحل النجم الثاني، قال محمد، ولو حل الثاني قبل عجزه فتعذر على المكاتب وانتظر لما يرجى له كان على الشريك أن يجعل لشريكه سلفه ثم يتبعا المكاتب جميعا بالنجم الثاني، قال لشريكه اقض ما قدمتك به ونتبع أنا وأنت المكاتب قال ليس له قبله شيء إلا أن يعجز المكاتب. ومن كتاب ابن المواز قال محمد، وإذا عجل المكاتب نصف الكتابة كلها قبل محلها فسأل أحدهما الآخر أن يأخذ ذلك، ويأخذ هو على النجوم، ثم عجز وقد دفع إلى الآخر بعضا أو لم يدفع، فله الرجوع على المقتضي بما فضله، ولا يجوز ما شرط عليه، وأجاز فيه ابن القاسم وعبد الملك بما لم يعجبني، جعله ابن القاسم كالقطاعة وخير القابض، وقال عبد الملك، إن عجز قبل أن يحل عليه النجوم فليرجع على شريكه بفضل ما لم يحل منها وهو سلف من الشريك، وإن عجز وقد حل شيء منها فإنه يمضي للقابض نصيبه مما حل، ويخرج ما فضل عنده مما لم يحل، فيكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد. قال ابن القاسم، ولو جاء بنصف النجوم بعد محل نجم أو أكثر، فقال الشريك دعني آخذ هذا النجم الذي قد حل وخذ أنت النجم/ المستقبل ففعل ¬
ثم عجز لرجع على شريكه على ما أحب أو كره، وكان العبد بينهما، وهذا سلف منه لصاحبه، والأول لم يكن لأحدهما فيه حق فصار كالقطاعة، قال محمد، بل هو سلف للشريك لأنه لما عجل ما عليه لزمه ذلك لهما، وقد قال مالك في مدبر كوتب فسلف منه السيد نجوما قبل محلها، ثم مات وخرج من الثلث فليس له استرجاع ما عجل سيده، وقاله أشهب. قال أشهب: إلا أن يسلفه سلفا لا على الاقتضاء، فيكون له أن يرجع فيما أسلفه إن مات السيد قبل محله. محمد، وكذلك مسألتك لما عجل ذلك كان ذلك لهما. ولو قال أردت بذلك تعجيلا لأحدهما، فليس له ذلك إلا بإذن شريكه، فإن أذن فهو سلف من الشريك لشريكه لا إنظار للمكاتب، قال محمد، والصواب من ذلك أن ليس لأحدهما أخذ شيء دون صاحبه بغير إذنه فيما حل وفيما لم يحل، فإذا أخذ شيئا بإذن شريكه ليرجع به فيما لم يحل، فإذا أخذ فليس بدين فائت تتم فيه الحق له، فلا يبين منه المتعجل، ولو قال المكاتب فيما جاء به مما لم يحل أنا أسلفه أحد سيدي، لم يكن له ذلك إلا بإذن الشريك، فإذا أذن له رجع به عليه في عجزه وموته، محمد وأما قول ابن القاسم في تعجيل أحدهما نصف الكتابة بإذن الآخر أنه كالقطاعة فليس كذلك لأن القطاعة متأخرة بينه وبين المكاتب ولم يرض به الشريك إلا لرجاء نفع يفي عنه السعاية في توفير نجومه بهضم نجوم/ صاحبه، وإنما الخيار له في العجز دون الموت حين لم يتم للعبد بالعتق الذي وضع له من أجله من حقه فرجع التخيير له حين عاد العبد رقيقا. وقال عبد الملك لا يجوز لهما اقتسام ما على المكاتب كما يجوز في دين الأجنبي حتى يدخل فيما اقتضى منه صاحبه، وكذلك العبد في كسبه لا يقتسماه ولا يعامل فيه أحدهما دون الأخر، وكذلك روي عن ابن القاسم في العتبية (¬1) أنه لا يجوز لهما اقتسام ما على المكاتب، كما قال مالك أنه لا يبيع ¬
في المكاتب يؤدي ثم يستحق بملك أو بحرية، ومن جحد عبده العتق ثم استغل أو وطيء
أحدهما نصيبه من الكتابة دون صاحبه إلا أن يبيعا جميعا، فلا تجوز القسمة إلا فيما يجوز بيعه. وفي موضع آخر من كتاب محمد أن قسمة ما على المكاتب والمكاتبين جائزة، ولا يجوز أن يأخذ أحدهما أحد المكاتبين والآخر الآخر، قال وإن كاتبا عبدا على أن يبدأ أحدهما بالنجم الأول أبداً لم يجز ولا أن [يبدئه ببعضه، وتفسخ الكتابة لأنه لم يرض بالكتابة إلا بجعل يريده لا يدري ما] (¬1) يتم به، قال أشهب يفسخ إلا أن يرضي الشريك بترك ما شرط، وقال ابن القاسم تتم الكتابة ويبطل الشرط. قال محمد إن لم يكن قبض منها شيئا كما قال أشهب، وإن اقتضى منها صدرا فإنها تنفذ ويبطل الشرط، ولو قاله أحدهما لصاحبه بعد العجز عنه جاز ورجع عليه في العجز والموت. في العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، إذا أنظر أحدهما وأقتضي الآخر ثم مات المكاتب وقد اقتضى الذي لم ينظر بعض حقه، فليقسما ما ترك على قدر ما/ بقي لكل واحد منهما كمال المفلس. في المكاتب يؤدي ثم يستحق بملك أو بحرية، ومن جحد عبده العتق ثم استغل أو وطئ قال ابن حبيب قال أصبغ فإذا عتق المكاتب بالأداء ثم أقام بينه أنه حر من أصله أو بحنث من سيده، فأما الحر من أصله فليرجع على سيده بما ودى من كتابة، أو غلة أو مال انتزعه أو أرش جرح أو كراء إكراه أو مقاطعة، ما عدا كراء خدمته إياه فقط، وأما إن كانت حرية بحنث والسيد يجحد فلا يرد شيئا من ذلك، قال: وأخبرني أصبغ عن ابن القاسم إذا عتق بالأداء ثم ثبت أنه حر من أصله أو أن سيده أعتقه، قبل أن يكاتبه والسيد جاحد، وكيف بما قبض منه من ¬
خراج وغلة ومال أعطيه؟ قال: قال مالك، ذلك سواء ولا يرجع بشيء منه وذلك كخدمته إياه وعمله له. قال أصبغ: هذا في جحود السيد، ولو كان مقرا لرد كل ما أخد في عتقه أو في غير عتقه إلا ما استخدمه. وقال ابن الماجشون: إن كان جاحدا رد إليه كل ما أخذ منه في العتق، وإن كان مقرا رد ما أخذ كله في العتق وغيره، وفي اختدامه إياه لأنه مقر أنه اختدم حرا، ولو كانت امة فوطئها بعد عتقه إياها ثم قامت بعتقه بينه وهو يجحد فلا شيء عليه، وكذلك لو كان عبدا فجرحه أو قذفه، ولو كان مقرا لزمه الحد في قذفه، والقصاص في جرحه، والحد في الوطء، وصداق المثل/ قاله كله ابن الماجشون، وكل ما وقع من ذلك بينه وبين أجنبي مما له أو عليه من حد أو جرح فله في ذلك حكم الحر كان سيده مقرا بعتقه أو جاحدا، قال أصبغ: وقال مثله كله ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز قال، ومن كاتب عبده بخمسمائة دينار فودى مائتين، ثم استحق نصفه بحرية، فالعبد في نصفه الباقي مخير، إن شاء مضى على كتابته فيكون عليه خمسون (¬1) ومائة، فيقسم ذلك على النجوم، فإذا وداها خرج حراً، وإن شاء الله كان نصفه رقيقا، إذ لا يكاتب نصف عبد نصفه حر إلا برضاه، قال احمد: لا خيار له إلا بعجز بين، وإن كان قويا فليعجز نفسه، وإذا استحق رجل نصفه بملك ثم أراد إمضاء الكتابة فذلك له، وليس له مما قبض الأول شيئا، وإنما له نصف ما بقي من الكتابة من يوم استحقه، وإن أحب رد الكتابة فذلك له ولا شيء له فيما قبض الأول، ولو لم يستحق بملك ولا بحرية حتى قبض السيد جميع الكتابة، لم يكن عليه رد شيء منها، إلا أن يكون إنما أخذ ذلك ممن كان في يديه، وكذلك كل غلة وخدمة لا يرجع بها، استحق كله أو بعضه، وفي باب من وطئ مكاتبته من هذا شيء. ¬
فيمن ودى كتابته أو بعضها أو قطاعة ثم استحق ما دفع
فيمن ودى كتابته أو بعضها أو قطاعة ثم استحق ما دفع قال ابن حبيب، قال أصبغ، قال ابن القاسم، ومن كاتب عبده على عبد موصوف أو قاطعه عليه وهو مكاتب/ أو قن (¬1) ثم استحق أو وجد به عيبا فرده فليرجع مثله ولا يرد عتق المكاتب أو العبد، ولو كان بعينه رجع بقيمته ولم يرد العتق. واختلف قول ابن القاسم في مقاطعته لعبد عنده فقال يرجع عليه بقيمته كقوله في المكاتب، وقال لا يرجع عليه بشيء ويجعله كالانتزاع ويمضي حرا، وبهذا قال أصبغ، وسواء قال أعتقتك عليه أو بعتك نفسك به، أو انتزاعه منه واعتقه، وهو بخلاف المكاتب، وقاله ابن حبيب. في العتبية (¬2) روى أشهب عن مالك في مكاتب قاطع سيده في بقية كتابته بعبد قبضه منه فاستحق مسروقا فليرجع بقيمة ما أخذ منه ما كان، وقال في المكاتب يقاطع سيده على شيء استرفعه أو ثياب أستودعها، ثم يعترف ذلك ربه فيأخذه، أيعتق المكاتب هكذا بالباطل؟ لا يؤخذ الحق بالباطل. قال ابن المواز: واختلف قول ابن القاسم فيمن قاطع عبده على عبد فاستحق، قال لا شيء عليه كالانتزاع، وإن كان موصوفا رجع بمثله، ثم رجع فقال لو كان عبدا بعينه فوجد به عيبا لرده ورجع بقيمته، وقاله أشهب، وإنما لا يرجع فيما أعتقه، واستثناه لا على المبايعة والمكايسة. وفي كتاب العتق باب من وهب لعبده خدمته أو باعه من نفسه بيعا فاسدا، أو بشيء فاستحق، أو وجد به عيباً. ¬
في جناية المكاتب وجناية سيده عليه ووطئه لمكاتبته غصبا وهذا الباب موعب في كتاب الجنايات بما فيه الكفاية
في جناية المكاتب وجناية سيده / ووطئه لمكاتبته غصبا وهذا الباب موعب في كتاب الجنايات بما فيه الكفاية في العتبية (¬1) روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم، في ثلاثة عبيد في كتابة واحدة جنى أحدهم جناية، فيقول له أد جنايتك، فإن لم يقو قيل لمن بقي أدوا الجناية وقوموا بنجومكم وإلا عجزتم، فإن لم يقوموا عجزوا ورق الاثنان، ثم يخير السيد فإما فدى الجاني أو سلمه، فإن أدوا عنه الجناية رجع بها عليه من وداها بعد العتق، وإن كان ممن يعتق عليه بخلاف الكتابة. ومن كتاب ابن المواز ومن شج مكاتبه موضحة فإنه يضع عنه نصف عشر قيمته لو وقف يباع ويحسب له في آخر كتابته، وإن قتل السيد مكاتبا لمكاتبه فليغرم لو قيمته معجلا، فإن كان عديما بيعت كتابة الأعلى في ذلك، ويبقى مكاتبا كتابة كما هو، فإن لم يفي بذلك أتبعه بما بقي دينا، وإذا وطئ المكاتب مكاتبته غصبا، فقال أشهب، إن كانت ثيبا فلا شيء عليه لأنه لا ينقصها، وعليه في البكر ما نقصها يحبسه في آخر كتابته، وقال ابن القاسم عليه ما نقصها ولم يذكر بكرا ولا ثيبا، وكذلك أمته وامة عبده، قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في مكاتب قتل مدبرا خطأ، فإن ودى قيمته بقي على كتابته، وإلا عجز وخير سيده فإما فداه بقيمة المدبر وبقي له رقاً، أو أسلمه لسيد المدبر فيكون له رقا، ولو قتل مدبر مكاتبا خطأ، خير سيده فإما فداه بقيمة المكاتب،/ ويبقى له مدبرا وإلا أسلم خدمته فاختدمه سيد المكاتب في قيمته، فإن مات سيده عتق في ثلثه وأتبعه سيد المكاتب بما بقي له من قيمة المكاتب، وإن حمل بعضه أتبع ذلك البعض بحصته مما بقي، وخير الورثة، فإما أسلموا أو يفدوه رقا، ¬
في ردة المكاتب، وفي نصراني كاتب عبده على خمر ثم أسلم أحدهما
[وإذا كان للمدبر مال يؤدي به فقبضه سيد المكاتب ثم ما بقي من قيمته يكون فيه العمل على ما وصفت، وقاله كله مطرف وابن الماجشون] (¬1). في ردة المكاتب، وفي نصراني كاتب عبده على خمر ثم أسلم أحدهما من كتاب ابن المواز، وإذا ارتد المكاتب فقتل ومعه في الكتابة ولد وأم ولد، فإن كان ما ترك لا وفاء فيه دفع إلى ولده إن كانوا أمناء، وقد بلغوا فيقوون به على السعي، وتسعى معهم أم ولد أبيهم، فإن لم يكن الولد أمناء وأم ولد أبيهم أمينه دفع إليها المال وسعت، فإذا استوفى الكتابة عتقوا وعتقت، كانت أمهم أو غير أمهم، ولو ترك وفاء بالكتابة وفضلا كان جميع ذلك للسيد، وهم وأم ولده أحرار، ولا يرث ولده [من ذلك شيئا لاختلاف الدينين، ولا يرجع عليهم السيد بشيء مما عتقوا به من مال الأب] (¬2)، ويرجع على الأجنبي، قال أحمد، لأن سيده ورثة بالرق ولم يرثه الولد لردة، ولم يتبع بمن عتق لأنه يعتق عليه بالسنة، قال ابن حبيب قال أصبغ، في مكاتب النصراني تسلم أم ولده وقد ولدت/ منه بعد الكتابة، قال توقف، فإن عتق عتقت بإسلامها، أو تعجز فتباع عليه، وما لم يعتق فله إن خاف العجز بيعها إن شاء ذلك المكاتب، وإن لم يطلب بقيت موقوفة. في العتبية (¬3) قال سحنون في النصراني يكاتب عبده النصراني بمائة قسط من خمر ثم يسلم المكاتب بعد أن ودى نصف الخمر، قال على المكاتب نصف قيمة الخمر بعينه عبدا، ويكون عليه نصف كتابة مثله في قوته على السعاية. وكذلك لو كان كما أسلم السيد، فالجواب سواء، وذكر ابن حبيب مثله عن ابن القاسم، إلا أنه قال يكون عليه نصف ما في كتابه مثله، فإن لم يف نصف الخمر والخنازير طالبه بنصف كتابة مثله إن ثلث فثلث او ربع فربع. ¬
مسائل مختلفة من المكاتب
مسائل مختلفة من المكاتب في العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال مالك في الذين يرون الاستسعاء خطأ يقولون كيف تصنعون بالصبي وبالجارية لا يقويان على العمل؟ قال مالك: ومن كوتب على دراهم نجمت عليه، فجاء بها عدداً ولم يشترط عليه كيلا ولا عددا، وطلب أهله كيلاً، قال إذا اعطاهم دراهم وازنة عددا فليس لهم إلا ذلك قال مالك في قوم يقتسمون الصدقة أنه لا بأس أن يعطوا منها مكاتبا ما يعتق به، وغيره أحب إلى، قال مالك كان الناس قد تسرعوا المغيرة بن زياد، يعني مولى ابن عباس في كتابته ففضل له مال كثير فرده إلى من أعطاه بالحصص وكتب/ أسماءهم عنده فكان يدعو لهم حتى مات. قال مالك في مكاتب كان يبيع لسيده في ماله، وكان رجل دفع إلى سيده سلعة يبيعها له فزعم المكاتب أنه قد باعها وحاسب سيده ثمنها وقبضه منه، قال لا يلزم المكاتب شيئا من ثمنها. تم كتاب المكاتب بحمد الله وعونه وتوفيقه ¬
كتاب أمهات الأولاد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه كتاب أمهات الأولاد في الحجة في منع بيع أمهات الأولاد ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون، [قد قام] (¬1) من اجتماع الصحابة بالمدينة في منع بيع أمهات الأولاد ما لا يسع خلافه، وقضى به عمر (¬2) بعد المشورة، ورأى علي في ذلك، وحكم عثمان بمثله، واتصل ذلك وتأكد عند العلماء في كل قرن، وما ذكر أن عليا [رضي الله عنه] رجع عن ذلك، فلم يثبت، ولو ثبت لكان رأيه مع عمر وعثمان [رضي الله عنهما]، في المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم [أولى وهو] (¬3) أثبت في الرواية وقد روى حسين بن عبد الله عن ابن عباس، أن [النبي عليه السلام] قال: «في أم إبراهيم أعتقها ولدها» (¬4). وفي كتاب غير ابن سحنون، روى حسين/ عن عكرمة عن ابن عباس، أن [النبي عليه السلام] قال: «أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة إذا مات». وفي رواية أخرى: «فهي معتقة عن دبر» (¬5). ¬
وفي حديث مالك عن الخدري، في غزوة بني المصطلق «قال أصبنا سيبا، واشتدت علينا العزبة وأوحببنا العزل (¬1)، فسألنا النبي عليه السلام عن العزل» (¬2). وفي حديث آخر: «وقالوا إنا نحب الأثمان». فدل هذا أن الثمن يبطل مع الولد عندهم، وفيما دل عليه الحديث، ولا نعرف أنه جرى ببيعهن حكم إمام. وعلى ذلك علماء الأمصار في القرن الثاني، والثالث، ولم يختلف أحد أنها إذا حملت لا يجوز بيعها، فلا يتغير ذلك بالوضع، وقد خالطها من أمر الحرية بالذي استقر في بطنها (¬3)، ومما فيها ما غير أحكام الرق فيها، فإن قيل فلم لا يبطل الوطء فيها؟ قيل: لم يختلف في الوطء، ولم يجب أن يبطل لأنه هو السبب الذي أنزلها المنزلة التي ذكرنا، وكذلك أيضا ذكر سحنون في هذا. قال سحنون، ولما كشف عن أمرهن عبد الملك، أخبره ابن شهاب، أن ابن المسيب قال إن النبي عليه السلام قال: «لا يبعن في دين، ولا يعتقن من ثلث» (¬4). وفيه غضب سعيد على الزهري حين حدثه حديث (¬5) عبد الملك. وقال مالك، إنما حدثه أن ابن المسيب قال إن عمر أعتقهن. قال سحنون، ولو كان ما ذكر عن جابر من بيعهن في عهد النبي عليه السلام، ما تظاهر الخليفتان والمهاجرون والأنصار على خلاف ذلك/ ولم يكن يخفي على جملتهم سيما بعد التشاور والاجتماع. ¬
ما تكون به الأمة أم ولد، وهل يتم حرمتها بعد موت السيد قبل أن تضع؟ وفيمن أقر بالوطء ثم جاءت بولد أو شك في الاستبراء؟ وذكر العزل عن الحرة، وكيف إن قال كنت أعزل وقد استبرأت؟
ما تكون به الأمة أم ولد، وهل يتم حرمتها بعد الموت السيد قبل أن تضع؟ وفيمن أقر بالوطء ثم جاءت بولد أو شك في الاستبراء؟ وذكر العزل عن الحرة، وكيف إن قال كنت أعزل وقد استبرأت؟ من كتاب ابن سحنون، قال ابن وهب، وقال ابن حبيب، قال مطرف، قالا عن مالك، تكون الأمة أم ولد بكل ما أسقطت، إذا علم أنه مخلوق وفيه تجب الغرة. قال ابن القاسم، وإن لم يبن شيء من خلقه، إذا أيقن النساء (¬1) أنه ولد مضغة كان أم علقة، أو دما (¬2). وقال أشهب، إذا طرحت دما مجتمعا أو غير مجتمع، فلا تكون به أم ولد، قال: وإذا صار علقة خرج من حد النطفة والدم المجتمع. قال سحنون، قال أصحابنا أجمع (¬3)، إذا أقر بوطء أمة، لزمه ما أتت به من ولد إلى أقصى حمل النساء، إلا أن يدعي الاستبراء بحيضة واحدة [لم يمسها بعد ذلك، فلا يلزمه إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من استبرائه، فيلزمه] (¬4)، فإن كان لأكثر لم يلزمه. قلت له: روى عبد الملك عن مالك، أنه إذا قال: استبرأت بثلاث حيض، حلف وبرئ وإليه رجع المغيرة بعد إن كان قال لا يبرأ منه إلى خمس سنين. وقال عبد العزيز، يبرأ منه بحيضة. قال سحنون، الذي ثبت عندنا عن مالك، حيضة، ولا يمين عليه، ولا أعرف ما ذكر عن المغيرة، ¬
وكذلك أنكر ابن المواز ما انفرد به عبد الملك/ من اليمين، وقال أشهب، في كتبه (¬1) لا يمين عليه في دعواه الاستبراء ولا على أنه لم يقر بأن الولد ولده، ولو لم يدع إقراره، ولكن ادعت [أنه ابنه لم يستحلف في شيء من ذلك كان الولد حيا أو ميتا أو سقطاً (¬2). قال ابن الماجشون، قال مالك، في أقصى] (¬3) حمل النساء أربع. وروي عنه، أنه لم يوقت، وقال تقضي ما تحمل له النساء. وقال المغيرة خمس سنين. وقال سحنون، ولا خلاف بين أصحابه أنه إن لم يدع استبراء، لأن الولد يلزمه إلى أقصى حمل النساء. ومن العتبية (¬4)، قال موسى عن ابن القاسم، فيمن أقر أنه كان يطأ جاريته ويعزل، فإن الولد يلزمه إن لم يدع استبراء. ولو قال كنت أطؤها ولا أنزل لم يلزمه الولد. قال في كتاب ابن المواز، إن قال كنت أطأ بين الفخدين [أو في الدبر فأنزل]، لزمه الولد، ولم يلتعن في الحرة. ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن عباس: «لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا يستأذن الأمة»، وقال ابن مسعود، وابن المسيب، وربيعة، وإن كانت زوجته أمة فلا يعزل عنها إلا بإذن أهلها. قال سحنون في العتبية (¬5)، فيمن قال جاريتي حامل مني، ثم مات فقالت أنا حامل (¬6)، فلتستبرأ إن كانت حاملا. ¬
قيل فإن جاءت بولد بعد أن استبرئت؟، قال: إن جاءت به بعد موت سيدها بخمس سنين، لزمه، فإن تزوجت فإن ما تأتي به لستة أشهر من يومئذ فهو للزوج، وما كان لأقل فهو للسيد. ومن كتاب ابن سحنون وغيره، قال مالك، فيمن يطأ الجارية ثم يرسلها إلى السوق في حوائجه،/ فلا بأس بذلك، والمرأة الحرة تخرج لحاجتها، وذكر ابن حبيب أن ابن عمر كان إذا وطئ أمة جعلها عند صفية بنت أبي عبيد حتى يظهر بها حمل او حيض. ومن كتاب ابن المواز، ويقبل قول الرجل يقول في أمته إذا جاءت بولد أن يقول لم أطأها، أو قد وطئت واستبرأت، فيصدق بغير يمين، وكذلك دعواها العتق، وكذلك التخيير (¬1) والطلاق، لا يمين في ذلك حتى يقوم شاهد عدل فيحلف. قال مالك، فإن نكل لزمه العتق والطلاق، ثم رجع فقال، يحبس أو يحلف إلا أن يطول، وطوله سنة، وإن لم ينكر الوطء، وأنكر الولد، لأنه قال وجدت معها [رجلا] (¬2)، وصدقته أو يثبت الزنى ببينة (¬3)، فلا ينفي [الولد بذلك، وإن كان يعزل عنها حتى يدعي الاستبراء، ولو أقرت بالوطء وقال] (¬4) لها لم تلدي هذا الولد، فقال مالك، هذا لا يخفى على الجيران، وقال مرة أخرى، هي مصدقة، وقال في موضع آخر هو به لاحق وإن لم يكن معها ولد وقالت أسقطت أو ولدت، قال مالك، لا تصدق إلا بامرأتين عدلتين على الولادة، وأما بواحدة فلا يلزمه إلا يمين عند أشهب. ¬
وإن أنكر الوطء فشهد عليه رجل واحد لزمته اليمين. ومن غير كتاب ابن المواز، وإنما يلزمه اليمين إذا قامت امرأتان على الولادة وشاهد على إقراره بالوطء [لو امرأة على الولادة ورجلان على إقراره] (¬1)، فلا يجب اليمين، وقد قيل يلزمه أيضا اليمين. قال ابن حبيب عن ابن/ الماجشون ومطرف عن مالك، فيمن أراد أن يري ولده إلى القافة، أو أوصى بذلك [بعض ولده] (¬2)، فقال ألحقوه بكم كان ولدي لأني تشككت فيه، قال مالك، [ليس ذلك له] (¬3) ولو قالت القافة هو منه لم ينقطع نسبه (حتى يدعي استبراء) (¬4)، وهذا لا دعوى له في ذلك، لأنه حين تعرض به القافة قد شك في استبرائه أن لا يكون استبراء حسنا، وقاله أصبغ. في العتبية (¬5)، أشهب عن مالك، وذكره ابن حبيب عن مطرف عن مالك، فيمن مات عن أمة حامل منه، فإن كان حملا بينا، فقد تمت حرمتها (¬6) في الشهادة والموارثة، والقصاص، والحدود لها وعليها، قيل قد يكبر بطنها وتقول النساء إنها حامل، ثم ينفش، قال إذا ظهر واستوفي تمت حرمتها (¬7) قبل أن تضع، وقيل عن المغيرة، توقف احكامها، وتمام هذا في باب الإقرار بالولد. قال ابن حبيب، وذهب الليث بن سعد إلى أن من وطئ أمته وهي حامل من غيره، أن يعتق عليه ما في بطنها، وقضى به عبد الملك بن مروان. وروي عن عمر أنه قال لرجل لو اعترفت بذلك لجعلتك نكالاً. ¬
في الأمة الحامل تلد إن ملكها زوجها، وهو ولد السيد أو أجنبي، أو بعد أن أعتق سيدها الذى أحبلها، هل تكون به أم ولد؟
وقال مالك، يعاقب إلا أن يعذر بجهل، ولا يعتق عليه ما في بطنها بحكم، قاله يحيى بن سعيد، وروى للنبي عليه السلام كيف يستخدمه وهو يغدو في سمعه وبصره (¬1). وقال عبد الله بن عمرو بن العاص، ليعتقه وليوص (¬2) له من ماله. قال ابن حبيب، أحب إلى أن يعتقه من غير قضاء، وكذلك سمعت. قال ابن المواز، قال ابن/ القاسم، وليس للرجل في أم ولده الرفيعة أو الدنية أن يتعبها (¬3) في الخدمة، وتبتذل الدنية في الحوائج الخفيفة ما لم تبتذل فيه الرفيعة. في الأمة الحامل تلد إن ملكها زوجها، وهو ولد السيد، أو أجنبي، أو بعد أن أعتق سيدها، الذي أحبلها، هل تكون به أم ولد؟ ومن كتاب ابن المواز، ومن اشترى زوجته بعد أن أعتق السيد ما في بطنها، فشراؤه جائز، وتكون بما تضع أم ولد، لأنه عتق عليه بالشراء، ولم يكن نصيبه عتق السيد، إذ لا يتم عتقه إلا بالوضع، ولأنها تباع به في فلسه، ويبيعها ورثته قبل الوضع إن شاؤوا، وإن لم يكن عليه دين والثلث يحملها. ولو ضربها رجل فألقته ميتاً، فإنما فيه حنين أمة، ولو كان ذلك بعد أن اشتراها الزوج كان فيه ما في جنين الحرة، وولاؤه إن استهل لأبيه، ولا ينظر في ذلك كله إلى عتق السيد، إلا أنه لا يشتريها حتى بعد عتق السيد جنينها من قبل أن يرهقه دين، ويرد إن فعل. ومن تزوج أمة والده، فمات الأب فورثها وهي حامل، فإن كان حملاً ظاهراً، أو لم يكن حملاً ظاهرا، إلا أنها وضعته لأقل من ستة أشهر، لم تكن به أم ¬
ما تكون به الأمة أم ولد من وطء الشبة من إحلال، أو غلط أو تأويل أو مخدمة أو غير ذلك، وما لا تكون به أم ولد مما ليس بشبهة
ولد، [لأنه عتق على جده في بطنها، وإن وضعته بعد تمام ستة أشهر فهي به أم ولد]، إلا أن يقول لم أطأها بعد موته، فلا تكون به أم ولد، وهو به لاحق، وهو مصدق بغير يمين، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن عبد الملك،/ وقال، لو أقرأ بمصابها في وقت يكون وضعها لأقل من ستة أشهر، لم تكن به أم ولد، وإن كانت لستة أشهر فأكثر فهي به أم ولد. قال في كتاب ابن المواز، وكذلك لو وضعته بعد سنة من يوم موته، وقال لم أطأها إلا منذ خمسة أشهر، لم تكن به أم ولد، ومن أنكر وطء النكاح لاعن، ولا يمين في وطء الملك. وإذا أعتق عبد وأمته حامل، لم تكن به أم ولد، لأن ما في بطنها لسيده، ثم إن أعتق السيد ما في بطنها، لم تكن به أم ولد، وأما لو تصدق به على ابنه، فملكه قبل الوضع، فإنه كمن ملك زوجته قبل أن تضع، وتكون به أم ولد. ما تكون به الأمة أم ولد من وطء الشبهة من إحلال، أو غلط أو تأويل، [أو مخدمة] (¬1)، أو غير ذلك، وما لا تكون به أم ولد مما ليس بشبهة من كتاب ابن المواز، وكتاب ابن سحنون، ومن زوج أمته لرجل، وقال له هي ابنتي، فولدت من الزوج، فالولد حر، ولا حد عليه، وعليه قيمة الولد، يوم الحكم، وإن شاء تماسك بنكاحها، وإن شاء نزل عنها، وعليه ربع دينار صداقا، ويرجع بما بقي، وإن تماسك بها لم يرجع بشيء، ثم يصير (ما تلد له) (¬2) من الآن رقيقا (¬3). ¬
وأما لو زوجه ابنته، فأدخل عليه أمته على أنها ابنته، فهذه تكون له أم ولد بما تلد، وعليه قيمتها يوم الوطء، حملت أم لم تحمل، ولا قيمة عليه في الولد بمنزلة من أحل أمته لرجل وتبقى ابنته زوجة له، ولو علم الواطئ أن التي أدخل عليه غير/ زوجته، ثم وطئها، فهو سواء، ولا حد عليه. ومن الكتابين، وهو لعبد الملك، والمبضع معه في شراء جارية مسماة بعينها معروفة، فاشتراها للآمر ببينة، ثم ابتاعها من نفسه لنفسه، وأشهد بذلك، بربح أو بغير ربح، ثم وطئها، فهو زان، ويحد، وولده رقيق كوطء المودع. قال في كتاب ابن سحنون، ولا يمضي بالقيمة ولا بالثمن، إلا أن يشاء ربها أن يجيز ما فعل، فيلزمه ذلك، ولا يلحق به الولد، أمضى له البيع او لم يمضه. قال ابن المواز، قال عبد الملك، ولو تعدى في شرائه بأمر يكون عليه الآمر مخيراً، ثم اشتراها من نفسه ببينة، لدرأت عنه الحد، وكانت له أم ولد، لأنها في ضمانه. وفي كتاب ابن سحنون، ولو كانت جارية موصوفة، فاشترى تلك الصفة، هل هي كالتي بعينها؟ قال: الدراية أولى إذا لم تكن مسماة بعينها. قال في كتاب ابن المواز، قال أشهب، وإذا اشترى المأمور الأمة للآمر ببينة، أو بغير بينة، ثم وطئها فحملت، فهو زان، وعليه للآمر القيمة، وولدها رقيق، قال ولو بعث بجارية له إلى الآمر فظنها الآمر له فوطئها فحملت، ثم قدم بأخرى فقال هذه لك، قال، فالأولى للآمر أم ولد، وعليه الأقل من ثمنها، أو الثمن الذي أمره به. ومن كتاب ابن سحنون، ومن أحل لرجل وطء أمته، فقال، قد أعرتكها تطؤها ولي عظم رقبتها (¬1)، فوطئها فحملت، فهي بذلك أم ولد، وتلزمه بالقيمة يوم ¬
وطئ، ولا ترجع إلى/ ربها، [كان الواطئ مليا أو معدماً. ويتبعه في عدمه، ولا تعرض الأمة، فإن وطئت بذلك لم يرجع إلى ربها] (¬1)، قال سحنون، ولا يرد إليه مثلها، «وإنما على الواطئ قيمتها ملياً كان أو معدوماً» قال ابن المواز، ولو بيعت في القيمة فلا يأخذها فيها. قال سحنون، قال المغيرة، ومن وطئ مدبرة امرأته بإذنها، والمرأة مقرة بالإذن حتى ماتت، قال، إن خرجت من بيتها عتقت، ولا أنتظر بها أن تكون أم ولد بوطء فاسد، وعلى الزوج قيمة ولده، يورث عنها، ويقتضي به. وفيها وإن كان على الميتة دين، ترق فيه المدبرة، قومت عليه، وصارت له أم ولد، وإن لم يكن له مال بيعت للغرماء، وغرم الزوج قيمة ولده يوم يولد. وإن خرج بعضها في الثلث، قوم عليه ما رق منها، ويكون عليه بين قيمة ولده بقدر ما عتق منها، وقال سحنون، لا أرى هذا، ولتقوم على الزوج، وتكون له أم ولد، مليا، كان أو معدما، ولا يعتق في ثلث المرأة. ومن كتاب ابن المواز، ومن مات وعليه دين محيط، فوطئ ولد الميت أمة من التركة، فحملت، فعليه قيمتها، وهي له أم ولد، ولا حد عليه، فإن كان عديما، فإن لم يعلم بدين الأب، أتبع بالقيمة، وإن علم ووطئ مبادرة، بيعت وحدها في عدمه، وأتبع بقيمة الولد، ولو كان مليا ووطئ مبادرة عالما (¬2)، لم يحد، وودى القيمة والموصى له، بالأمة إن وطئها قبل موت الموصي، وله مال مأمون، ثم مات فأخذها الموصى له، فلا عذر بهذا، وهو زان، ولا يلحق به الولد، ولو وطئها بعد موته وعلى الميت دين محبط، فهي شبهة، ولا يحد، وعليه قيمتها فقط في ملائه، وولده لاحق، ولا قيمة عليه فيه، وهي له أم ولد، وإن/ كان عديما وبيعت بعد ان تضع، ويتبع بقيمة الولد، وهو حر، ثم إن أيسر فاشتراها لم تكن له أم ولد، ومسألة الموصى له ¬
بالأمة في كتاب ابن سحنون، مثل ما ها هنا، وزاد، فإن وطئها بعد الموت، ثم قومت عليه في الثلث (فهي) له أم ولد. ومن كتاب ابن المواز، ومن اشترى أمة من رجل وهو يعلم أنها ليست له، أو مغتصبة، فهو زان، وولدها رقيق، ولو تزوجها وقالت له إني حرة، وهو يعلم أنها أمة، لم يحد وولده رقيق لاحقون (¬1) بأبيهم، لا يحكم فيهم بقيمة ويفسخ النكاح، وذلك إذا قامت بينة أنه أقر قبل النكاح أنه يعلم أنها أمة، فإقراره بعد أن أحبلها، لا يرق ولدها وهو حر، وعيه قيمته، قال أشهب، ولا يضمن من مات منهم، وليس على المليء من الأولاد شيء في عدم الأب في إقراره، لا يؤخذ به غيره. ومن أصدق امرأته أمته، ثم وطئها، فإن كان بعد البناء، فهو زان يحد- يريد يرجم- وولده رقيق، ولا شبهة له، وإن كان قبل البناء، فقيل هو كالشريك، عليه نصف القيمة، وهي له أم ولد، ولا يحد، ولا قيمة عليه في الولد. قال أشهب، وقيل هو زان- يريد وإن كان قبل البناء- ويحد، وولده رقيق للمرأة، ثم إن طلقت لم ينفعه، وعليه الحد، ويرجع إليه نصفها ونصف الولد، قال ولا يعتق عليه نصف الولد الباقي إلا أن يحب. قال أشهب، وله أن يتزوج هذه الأمة قبل أن يدخل/ بامرأته، أو بعد، وقاله عبد الملك، والأول قول ابن القاسم، وبه أخذ سحنون. وقال ابن سحنون عبن أبيه، فيما تكون به الأمة أم ولد من وطء المخدم، قال: كل ما درأت فيه الحد من ذلك عنه، كانت له به أم ولد، وذلك فيما يكثر من الخدمة، مثل التعمير أو سنين كثيرة، نحو ذلك، فها هنا يدرأ عنه الحد، ويلحق به الولد، وتكون به أم ولد، إلا أن يكون عديما، فيكون لربها، ولا تكون به أم ولد، ويلحق بأبيه، ولو ابتاعها بعد يسره لم تكن به أم ولد. ¬
في أم ولد المكاتب والمدبر والمعتق إلى أجل والمعتق بعضه والعبد، ومن وطيء أم ولد مكاتبه أو مكاتبته أو مدبره فحملت
قال، وإن وطئها في الخدمة القليلة، مثل شهر، والنصف شهر، فلا شبهة له بهذا، ويحد، ولا تكون به أم ولد، ولا يلحق الولد. ولو أحبلها الذي أخدمها، رجعت إليه أم ولد، أخدمها عمراً أو أجلاً، سنيناً أو سنة أو شهرا، وعليه أن يأتي بمن يخدم مكانها عند ابن القاسم، وروى غيره، يؤخذ منه القيمة، فيؤاجر منها، فإذا مات المخدم وبقي شيء رجع إلى الواطئ. وقال عبد الملك، يغرم قيمة الخدمة على الأقل من عمر الأمة، أو من مدة الخدمة من عمر أو أجل، وفي كتاب الخدمة باب من هذا. في أم ولد المكاتب والمدبر، والمعتق إلى أجل والمعتق بعضه، والعبد [ومن وطئ أم ولد مكاتبه أو مكاتبته أو مدبره فحملت] (¬1) من كتاب ابن المواز، قال محمد وأحب إلي في ولد المكاتب،/ والمدبر إن عتق (¬2) وهي في ملكه، أن تكون به أم ولد، وإن لم يكن لها الآن ولد، كان ما تقدم لها، سقطاً أو ولد، وذكر ابن سحنون عن أبيه مثل ذلك في المكاتب، ولم ير ذلك في المدبر، قال، وقاله كبار أصحابنا، قال، لأن للسيد انتزاع أم ولد المدبر، عند مالك، إن لم تكن حاملا- يريد من المدبر- وليس له ذلك في المكاتب، وليس للمكاتب بيعها وإن أذن السيد، [حتى يخاف العجز، والمدبر يبيعها بإذن السيد. واختلف قوله في أم ولد العبد المأذون، فقال، له أن يبيعها، وقال، لا يبيعها إلا بإذن السيد] (¬3). ¬
قال ابن حبيب، قال أصبغ، له بيعها بغير إذن السيد، وكذلك روى أشهب عن مالك، وقال ابن القاسم، لا يبيعها إلا بإذن سيده. في العتبية (¬1)، أصبغ عن ابن القاسم، في أم ولد العبد وهي حامل منه، فلا تباع لغرمائه حتى تضع، لأن ما في بطنها لسيده، وهو لا يستثنى. والعبد إن لم يكن عليه دين وأذن له السيد في بيعها وهي حامل، فله بيعها، وقاله أصبغ، وقال، إن أذن له السيد إذنا مبهما وهو يعلم بالحمل، أو لا يعلم، فهو إذن، وهو جائز. ومن كتاب ابن المواز، وللسيد انتزاع [أم ولد] (¬2) مدبرة، أو المعتق إلى أجل، ما لم تكن حاملاً، أو يكون السيد مريضا في المدبر، أو بقرب الأجل في المعتق، (ولو انتزعها ثم ردها إليهما رجعت) (¬3) على ما كانت بما تقدم./ قال، وتكون ام ولد بما تضع لأكثر من ستة أشهر [من يوم عقد التدبير أو الكتابة، أو عتق الأجل، وإن كان لأقل من ستة أشهر] (¬4) لم تكن به أم ولد، ولا يتبعها الولد في شيء من ذلك. قال في باب أخر، وإن ملك المكاتب ما في بطن أمته الحامل منه في الكتابة، كانت به أم ولد. وقال أشهب، وعبد الملك، لا تكون أم ولد بما حملت به بعد عقد التدبير [وعقد الكتابة] (¬5)، وعتق الأجل، وإن ولدته بعد تمام الحرية في الأب، إلا أن للولد حكم الأب، وإن شك في الحمل متى كان، فإنه عندهما يراعي وضعها لأقل من ستة أشهر من تمام عتق الأب، فلا تكون به أم ولد، [قالا لأن ما في بطنها لم يملكه الأب، وقد جرى لغيره فيه حرية، فلا تكون أم ولده] (¬6)، بما جرت لغيره فيه حرية. ¬
قال محمد، وإنه للقياس، وربما غلب الاستحسان في بعض العلم، وقول مالك، وابن القاسم، أحب إلي، لأن كل ولد تلده الأمة من سيدها، فله حكم أبيه، وما ولدته من غير سيدها، فهو بمنزلتها. وذكر ابن سحنون كلام عبد الملك هذا لسحنون في ولد المدبر والمعتق إلى أجل، تلد أمته منه بعد عتقه لأقل من ستة أشهر من يوم تمام عتقه، أنها لا تكون له أم ولد، فأجاز ذلك سحنون. قال في كتاب ابن المواز،/ وإذا مات المدبر وأمته حامل منه رقت، وكان ولده مدبرا، ولو عجل السيد عتق مدبره، فإن أم ولده له أم ولد، ثم إن مات عتقت، ويكون ما في بطنها مدبرا لا يعتق إلا في موت سيده من ثلثه، وكذلك في المعتق إلى أجل- يريد لا يعتق ولده حتى الأجل- ولو مات السيد مدبرا [حي] (¬1)، عتق مع ولده، ومع ما في بطن أم (ولده بالحصص، فإن خرجوا بقيت أم ولد المدبر أم ولد) [له، وإن عتق بعضهم بقيت له رقيقا يبيعها إن شاء، فإن أولدها بعد ذلك، لم تكن له أم ولد لأن بعضه رقيق، ولو عتق باقيه وهي حامل منه لم تكن به أم ولد، بخلاف المعتق إلى أجل، يعتق وهي حامل منه فتكون به أم ولد، بخلاف المعتق إلى أجل، يعتق وهي حامل منه فتكون به أم ولد، ولو مات قبل الأجل رقت، وكان ولدها معتقا إلى أجل، وكذلك إن مات المدبر في حياة السيد، وله أم ولد، رقت دون ولدها. وأما أم] (¬2) ولد المكاتب، إن مات، فبخلاف ذلك، هذه تعتق فيما ترك، إن ترك ولدا فتعتق معه فيما ترك، وفيما يسعون (¬3) هم وهي، واختلف فيه إن ترك أخاه أو أباه معه في كتابته، فابن القاسم يرقها وأشهب يعتقها معهما فيما ترك، لا في سعايتهما، ولو أن المدبر لم يخرج هو وولده من الثلث، فأعتق الورثة باقيها، فأم ولده رقيق، فإن مات عتقت على ابنها. وقال عبد الملك، في العبد أو المدبر، أو المعتق إلى أجل، أو ابن أم ولد/ من أجنبي دبر امته بإذن سيده، ثم أحبلها السيد، فإنها حرة حين يتبين حملها، لأن ¬
في أم ولد الذمي أو مكاتبه أو ولد أم ولده يسلم أحدهما، وهل له بيع أم ولده وهما نصرانيان،؟ وفي أم ولد المرتد، وفي جناية أم ولده ومدبره ومكاتبه
إذن السيد بتدبيرها كالانتزاع، فصارت كمعتقة إلى أجل، لا تحل للسيد ولا للعبد، ثم صارت أم ولد للسيد، لا يحل له وطؤها فعتقت. [ومسائل السيد يطأ مكاتبته أو مكاتبه، أو أم ولد مكاتبه، فتحمل، موعبة في كتاب المكاتب من كتاب ابن المواز، وقال ربيعة، ومن أعتق أمته وهي حامل، واستثنى ما في بطنها عبدا له، فليس له ذلك، وشرطه باطل، وولدها حر، ولو كان إنما أعتق ما في بطنها، جاز ذلك، وكان حرا وحده. قال أصبغ، يخرج الحر من رحم لابن، ولا يخرج مملوك من رحم حرة. قال، وولد المعتق بعضه من أمته بمنزلته، فإن مات ورث سيده ماله، وأم ولده، ويكون له رقيقا، وإن كانت حاملا ثم مات، ويكون ولده على شركته نصفه حر، ولا يرث أباه للرق. قال مالك، وكذلك أم ولد المدبر، يموت المدبر وهي حامل منه، فإن ولده إذا وضعته مدبرة يعتق في ثلث سيده، وتكون أمه رقيقا للسيد، يبيع ويصنع بها ما شاء (¬1). في أم ولد الذمي، أو مكاتبه، أو ولد أم ولده، يسلم أحدهما، وهل له بيع أم ولده وهما نصرانيان،؟ وفي أم ولد (المرتد) (¬2)، وفي جناية أم ولده ومدبره، ومكاتبه من كتاب ابن المواز،/وإذا أسلمت أم ولد الذمي، فعرض عليه أن يسلم فإبى، فلتعتق عليه بالحكم، وهو قول مالك وأصحابه، وابن القاسم، ولو تراخى (¬3) النظر في ذلك، لم تعتق إلا بحكم، وهي مما اختلف فيه، ¬
ولو أسلم هو وحده، بقيت له أم ولد بما تقدم، وإن لم تلد بعد إسلامه حتى مات فهي حرة من رأس ماله، وإن لم تسلم، فله بيعها، وإن مات، فأراد ورثته بيعها، فقال ابن وهب، إن تحاكموا إلينا منعناهم من ذلك، فإن أبوا هم، وأرادت هي حكمنا، فليس لها ذلك، فإن رضوا بحكمنا، ثم بدا لهم فليس ذلك لهم. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون، عن المغيرة، إذا مات، فاستأذنت حاكم المسلمين، سن بها سنة أم ولد المسلمين (¬1)، وكذلك يقول إن حنث بطلاق امرأته، أو حرية غلامه، فرفعت المرأة والغلام ذلك إلى حاكم المسلمين، فلتطلق عليه ويعتق. قال سحنون، وهذا خلاف مالك وأصحابه، وما علمنا من يقوله منهم غيره في ذلك كله. قال مالك، إذا أسلمت أم ولد النصراني عتقت، ثم قال: توقف حتى يموت أو يسلم، ثم رجع إلى أن تعتق، وإن عقل عنها حتى أسلم بعد طول زمان، فهو أولى بها، ما لم يحكم فيها السلطان بالعتق، قال مالك، وإذا أبى أن يسلم عتقت، لأنه لا يقدر يبيعها، وإن بقيت تريد النفقة، وسأله ابن كنانة لعلى بن زياد، عنها، فأمره، أن يكتب إليه بهذا، وقال، إذا كان إسلامها [عن غير غضب ومشاورة. قال ابن نافع تعتق كان إسلامها عن غضب أو غيره] (¬2) عن غضب أو غيره، وقاله،/ مالك، وقاله سحنون، قال ابن القاسم، ولا يعتق ولد أم الولد إذا أسلموا، إلا إلى موت سيدهم، كباراً كانوا أو صغاراً، أو لا يكون ولدها الصغار مسلمين بإسلامها، ولا يعتق منهم بالإسلام إلا الأم. ¬
قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون، إذا أسلمت أم ولده، فإن أنفق عليها، وقفت له على يدي مسلم، ولم تعتق، فإن مات عتقت، وإن أسلم كانت له أم ولده. وقال ابن الحكم، توقف حتى تحيض حيضة، فإن أسلم فبها، وإلا عتقت، وابن القاسم يقبل عتقها. وقال ابن حبيب، قال أصبغ في مكاتب النصراني تسلم أم ولده، فليوقف حتى يعجز فيباع أو يعتق، إلا أن يخاف العجز، فليبعها إن طلب ذلك، وما لم يطلبه فهي موقوفة عنه. في العتبية (¬1)، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في النصراني يبيع أم ولده النصرانية للمسلم، أيشتريها؟ قال، ذلك جائز إن كان من دينهم استجازة بيع أم الولد، قلت، فإن باعها من نصراني فأسلمت؟ قال، قد رقت لمبتاعها، إذا كان إسلامها بعد البيع. ومن كتاب ابن المواز، وإذا أسلم مكاتبه بيعت كتابته من مسلم، ثم إن ودى فأسلم سيده، رجع إليه ولاؤه، وكذلك المدبر، إلا أن يكون إنما كاتبه أو دبره بعد إسلام العبد، فلا يرجع إليه ولاؤه ولا إلى ولده. وأم ولد المرتد إذا تاب (¬2)، فقال أشهب قد عتقت بالردة، فلا ترجع إليه، كما طلقت بذلك زوجته وقال ابن القاسم، تحرم عليه في الردة، ولا تعتق، فإن تاب رجعت إليه أم ولد، وإن قتل عتقت، وإذا جنت (¬3) أم ولد الذمي خير بين إسلامها أمة أو فدائها فإن أسلمت رقت للمجروح مسلما كان أو كافراً./ ولو أسلمت بعد أن جنت عرض على سيدها الإسلام، فإن أسلم فداها بالأقل، مليا ¬
في الإقرار بالولد لا يعرف له نسب، أو يولد في ملكه أو بعد بيعه أو بيع أمه، أو أقر في صحته أو في مرضه، أو أقر في أمة أنها ولدت منه ومعها ولد، لا ولد معها وذكر اللقيط
كان أو معدماً، ولا تتبع هي بشيء، [في عدمه] (¬1) وإن كانت ملية لا في عمد ولا خطا، [وإن لم يسلم عتقت واتبعت بالجناية، وكذلك لو جنت بعد أن أسلمت (¬2)، ولو جنى مدبر الذمي، ثم أسلم المدبر، فإن لم يفده، أسلمت خدمته كمدبر المسلم، فيؤاجر من مسلم، ويقاص في جنايته، فإن مات سيده عتق من ثلثه. في الإقرار بالولد لا يعرف له نسب، أو يولد في ملكه، أو بعد بيعه، أو بيع أمه، [أو أقر في صحته أو في مرضه] (¬3)، أو أقر في أمة أنها ولدت منه ومعها ولد، ولا ولد معها، وذكر اللقيط [من كتاب المواريث لابن سحنون، قال ابن القاسم] (¬4)، من استلحق ولدا ولم يعرف أنه ملك أمه أو تزوجها، فإن لم يتبين كذبه، ولم يكن للولد نسب معروف لحق به، وقال مالك، وابن القاسم أيضا. وقال أيضا لا يلحق به حتى يكون أصل الحمل عنده، فأما إن كان في ملك غيره فلا يلحق به، إلا أن يكون تزوجها ثم اشتراها حاملاً، وكذلك سمعت غيره أنه لا يلحق به، إلا أن يكون ملك أمة وولد عنده، أو عند من ابتاعها منه، ولم يجره نسب، أو كانت زوجته، وجاء بما تلحق فيه الأنساب، وبهذا أقول. ومن الأقضية من سؤال شجرة، فيمن أعطى زوجته في نقدها أمة، فتداولتها الملاك (¬5)، ثم ولدت عند آخرهم ببلد آخر، وقالت هو من سيدي الأول، ثم كبر ¬
الولد فاشتراه/ الأول واستحلفه، ثم مات الأب، فنازعه أخو [الميت] (¬1) الميراث، فكتب إليه إن ثبت أن الأمة التي، دفع لامرأته ولدته لمثل ما يلحق به النسب من يوم أخذتها (¬2)، مثل خمس سنين فأقل، فهو به لاحق إن لم يجره نسب معروف، وإن لم يثبت هذا فليس بشيء. قال ابن المواز، قال أشهب، واللقيط إذا ادعاه ملتقطه، أو غيره قبل قوله. وقال ابن القاسم، إذا ادعاه ملتقطه لم يصدق إلا ببينة أو يأتي بما يعذر به، ورواه عن مالك. ومن كتاب ابن سحنون لأشهب، أنه إن ادعاه غير ملتقطه، لحق به إلا أن يتقدم فيه حكم باستلحاق (¬3) قضى فيه، وكذلك لو استلحقه ولم يصفه، أو وصفه، أو قال هو ابني من زوجتي هذه، أو من أمتي هذه، والزوجة بذلك مقرة، والأمة (فهو ابنهما جميعاً) (¬4). [ومن كتاب ابن المواز] (¬5)، قال أشهب، ومن ادعى ولدا لا يعرف له نسب، لحق به، ولا ينظر إلى إنكاره وإن كان بالغا. وإن قال الأب أعتقني فلان، وقال الابن بل أعتقتك فلان، فالأب مصدق وإن لم يأت ببينة، وولاء الولد لمن قال الأب، كان ذلك في صحة أو مرض. ومن بيده صغير ادعى أنه عبده، فهو مصدق، فإن ادعى آخر أنه ولده لحق به، وكان عبداً لهذا، وإنما لا يلحق بمدعيه إذا تبين كذبه، مثل أن يعرف أن أمه لم يملكها، ولا تزوجها، أو هي من بلد لم يدخلها، فلا يصدق إلا ببينة، فإن قالت البينة/ أنه ابنه، لم يزيدوا على هذا لحق به. ¬
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، ومن بيده أمة لها ولد، وعليه دين محيط، فادعى الولد، فهو مصدق فيه وفي أمه، بخلاف المبيعة، ولو لم يكن معها ولد، لم يصدق مع الدين المحيط، قال، وإن كان مريضا لم يصدق، وإن كان مليا ولا دين عليه، إلا أن يرثه ولد منها أو من غيرها، فيصدق، وقال، ولو مات ولدها عند مبتاعها منه، وترك مالا كثيرا، فإن ترك الولد ابنا، صدق البائع، وردت إليه مع ابن ابنه، وورث معه المال، ورد الثمن. وقال أشهب، وإن لم يعلم أنه ملكها قط، فادعى أنه ملكها، وباعها بالمغرب بعدما ولدت منه، وكذبه السيد فيها، فلا يصدق المدعي، إلا أن يعلم أنه دخل المغرب، وقد جيء بها من المغرب، فيصدق ويلحق به الولد، ويرد الثمن. ومن ملك عبدا لا يعرف إلا بملكه، فأقر في مرضه أنه حر في الأصل، صدق وإن كان له ولد، [وإن كان يرثه ثلاثة لم يصدق، لا من ثلث ولا غيره] (¬1)، ولو قال [عند موته] (¬2)، السقط الذي كان أسقطت [هذه الأمة هو مني فهو مصدق، إذا عرف أنها كانت أسقطت] (¬3)، وإن كان عليه دين. قال ابن القاسم، ومن باع أولاد أمته، ثم قال هم ولدي منها في صحته أو في مرضه (¬4)، وعليه دين محيط، فهم لاحقون به، وهي أم ولد، ويتبعه المشتري بالثمن في عدمه، ولا شيء على الأولاد منه (¬5) / في ملائهم، سواء كان ذلك عند موته أو عند تفليسه، إذا لم يدع استبراء بعد وطئه، وكذلك روى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم، وقال: قال لي ابن دينار: قضى بهذا بالمدينة بعد ست عشرة ¬
سنة (¬1) من بيعه، وهذا بخلاف العادة (¬2) في اتباع الولد بقيمتهم في عدم الأب، وقاله ابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز، ومن باع عبداً، أو أقر في مرضه أنه ابنه من أمة في ملكه، لم يكن أقر بمصابها، ولا عرف منها [له] حضانة، قال عبد الملك، فإن مات فإنه يلحق به نسبه، وينقض بيعه، وتباع الأمة، ولا يلحق بها الولد، ولو صح من مرضه، لنفذ لها إقراره، وصارت أم ولد، إلا أن يكون عليه دين محيط، فيكون كمن قال في الأمة ليس معها ولد، قد كانت ولدت مني، ودينه محيط، فلا يصدق، [إذا كان العبد ليس بمعلوم قبل الدين، ولو باعها بالولد، ثم ادعاه فإن كان مليا صدق فيها وفيه، قال] (¬3) ابن القاسم، إلا أن يتهم فيها بصبابة (¬4)، قال محمد، لا تهمة في هذا، إذا كان الولد معها، وإن كان معدماً فقد اختلف فيه قول مالك، فروى أشهب عنه أنه يصدق فيه وفيها، ويرد أو يتبع بالثمن دينا، وقاله أشهب، وابن عبد الحكم، وأصغى إليه ابن القاسم مرة. / وروى أيضا أشهب عن مالك، أنه لا يصدق فيها، ويصدق في ولدها، ويرد بحصته من الثمن، وبه قال ابن القاسم، وعبد المالك، إلا أن تقوم بينة أنه أقر قبل ببيعها بالمسيس، فترد مع الولد في عدمه، وتتبع بالثمن، وقاله ابن القاسم، وأصبغ، وكذلك ابن حبيب عن عبد الملك، وقال، ولو كان الولد حملا، ثم وضعته، حسب بقيمته يوم وضعته، وإن كان بيع معها بقيمته يوم البيع، وذلك في الوجهين بقدر ما ينوبه من الثمن، وكذلك في عدمه، ولو لم يكن معها ولد، أو كان معها، ثم مات، ثم أقر أنها ولدت منه فهو مصدق، إلا أن يتهم فيها بصبابة (¬5)، أو يكون عديما، فلا يصدق، وهذا كله إن لم يعرف مسيسه إياها إلا ¬
بإقراره اليوم، فأما إن قيد إقراره بذلك قبل بيعها فإنه مصدق في ملائه وعدمه، كان معها ولد أو لم يكن، رفيعة هي أم رضيعة، ولو ادعت ذلك دونه لصدقت- يعني إن عرف أنها ولدت- وكان عبدا لمن هو بيده، وكذلك لو قالوا هو ابنه تزوج أمة وهي عبدة (¬1)، أو قالوا تزوجها على أنها حرة ولا يعملون حريتها، فليلحق به، ويغرم قيمته لمن هو بيده، إلا أن يشهدوا أنها حرة، فلا قيمة عليه. وقال ابن المواز، قال ابن القاسم، في ملائه لا يرد إليه إلا الولد إن اتهم فيها، ولا ترد هي إليه، حتى يسلم من الخصلتين، من العدم والصبابة/ فيها، وقال أصبغ، ولا يتهم في ملائه فيها، وسواء باعها به، أو ولد عند المبتاع، لما يولد لمثله. قال مالك، فإن أعتق المبتاع الأم وحدها لم يصدق فيها. قال ابن القاسم، ويصدق في الولد وحده، وكذلك إن أعتق الولد وحده لم يصدق البائع فيه [وصدق في الأم إن كانت دنيئة لا يتهم فيها، وإن أعتقها لم يصدق البائع فيها] (¬2) قال أصبغ، ثم رجع ابن القاسم في الولد فقال، يقبل قوله فيه وحده، ويثبت نسبه إذا أعتقها جميعاً، وثبت عتق الأم وولاؤها للمبتاع، ويرجع بالثمن على البائع فيأخذه. وقال أشهب، يقبل قوله فيها ويبطل عتقها، وكذلك لو أعتق أحدهما، ويردهما ويأخذ الثمن. قال محمد، وبهذا أقول، لأني إن صدقته في الولد صدقته في الأم، إلا أن تكون لا ولد معها فلا يصدق فيها، إلا أن تكون دنية لا يتهم فيها، وهو مليء ولم يعتقها المبتاع. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون، [إذا أعتقهما فالولد لاحق، عتق أو لم يعتق في الملاء والعدم، ويمضي عتق الأم] (¬3) إذا أعتقت في ملائه وعدمه، وإن لم ¬
يكن له بها صبابة، فلا يرد، عتقها، إلا أن يأتي إقرار متقدم قبل البيع، فيرد كام ولد بيعت، وقاله أصبغ. قال ابن المواز، قال، ولو باعها مع ولدين فأعتقهما المبتاع، ثم ادعى البائع احدهما، فإن كان أكبرهما، فسخ البيع والعتق، ولحق به الكبير، وكان الصغير ابن أم ولد، إن ادعى البائع الاستبراء، وإن استلحق/ الصغير وحده، فإن كان الكبير يقع له أكثر من نصف الثمن، لزمه بحصته من الثمن، ورد ما بقي مع الصغير وأمه، وإن كانت قيمة الكبير أقل من نصف الثمن، انتفض البيع كله- يريد إن شاء المبتاع- وإلا فله أن يؤدي حصة الكبير من الثمن، قال، وعليه في الكبير الذي فات، قيمته يوم بيع ما بلغت لانتفاض البيع، ولو باعها فولدت عند المبتاع بنتا لما يشبه، ثم ولدت [البنت] (¬1) ابنا، فبيع الابن، وعتق، ثم استلحق بائع الأم الكبرى (¬2) البنت، فإنه مصدق، ويرد بيع البنت، وكذلك لو كان ابن ابن، ويرجعون إلى البائع الأول، ويلحق به النسب، وقد عتق ابن البنت على حدة، وقاله أشهب. قال ابن القاسم، وإن ابتاعها حاملا ومات الولد، ولم يعتق، ثم استلحقه البائع، فليرد جميع الثمن، والمصيبة منه، وكذلك لو ماتت الأم وحدها، ودى جميع الثمن، وأخذ الولد. وإذا مات الولد وحده، ولم يدع ولدا، لم يصدق في الأم، إذا لا ولد معها، إلا أن يصدقه المبتاع. قال ابن القاسم، [أو يكون لا يتهم في مثلها] (¬3) لدناءتها وإذا وضعت عند المبتاع ثم دبرها أو كاتبها، ثم ادعى البائع الولد، فليرده ويرد الأم، وينتقض التدبير والكتابة، وإن لم يكن معها ولد لم يصدق، فإن صدقه المبتاع رجع عليها بجميع الثمن، وانتقض تدبيرها، فأما إن كوتبت فلا ترد كتابتها إن أنكرت هي، وليرد جميع الثمن إلى المبتاع، ويفسخ بيعها، وترد إلى البائع، ولا تفسخ/ كتابتها إلا ¬
برضاها، كما لو أحبلها سيدها ولا يعجل عتقها، ولكن لابد لها أن تصدقه، فتبطل الكتابة أو تكذبه، فتبقى مكاتبة تعتق بالأداء، وترجع بالعجز أم ولد. وإذا ولدت الأمة المعتقة عند البائع، لما تلد لمثله النساء من أربع سنين، فادعاه البائع، صدق في يسره ووجود الولد، قال ابن القاسم، ما لم يتبين كذبه أو يدعيه المشتري، فالمشتري أحق به. في العتبية (¬1)، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن باع أمة حاملا، ثم أقر أن الحمل منه، فإن انهم فيها بصبابة لحق به، وودى قيمته يوم أقر به، ولا ترد إليه الأمة، وإن كان عديما لحق به، واتبع بقيمته، وإن لم يتهم فيها بصبابة، ولا بما صلحت في يديها وفرهت (¬2) وهو ملئ، فلترد إليه، ويرد الثمن ولا قيمة عليه في الولد، وإن كان غير [متهم وهو عديم لحق به، واتبع بقيمته يوم أقر به، ولا ترد الأمة إليه، ولو أعتقها] (¬3) المبتاع مع ولدها والبائع ملئ، لم يرد عتقها، والولاء للمبتاع، ويلحق الولد بالبائع، ويوارثه، ويرد الثمن لإقراره بأنه ثمن أم ولد، ويقال للمبتاع إن شئت فخذه أو لا تأخذه. ومن كتاب ابن سحنون، قال عبد الملك، في الأمة بين الرجلين [إذا حملت، فقال أحدهما: الولد مني، وقال الآخر أم ابنتي، فإن لم تكن في الأم شبهة، سقط من قال إنها ابنتي، ويغرم المقر بحملها نصف قيمتها للآخر، وإن كان في الأم شبهة] (¬4)، وقد ولدت عندهما، فألحقها بالمقر بها، وأعط [الآخر شطر قيمتها/ إن لم تكن أمها حية وتكون الأم بينهما فإن كانت أمها حية] (¬5) وهي بينهما، فأعط الذي لم يدع البنت نصف قيمة الأم، أم البنت، واجعلها بنتا لمدعيها، وإن لم تكن ثم أم ولد (¬6) وقد ماتت، فأعط شريكه في البنت نصف قيمتها وتكون بنتا ¬
لمدعيها، وألحق ولدها بمدعيه، وعليه عقد مثلها ومن ابتاع أمة فأولدها، ثم قامت بينة أن البائع كان أقر قبل بيعها أنها ولدت منه، قال ترد إلى الأول أم ولد، ويأخذ من المبتاع قيمة ولده مرسلة. وكذلك لو ماتت بيده، لرجع المبتاع بالثمن على البائع، وودى له قيمة الولد، فيتقاصان ويترادان [الفضل، ولو لم يثبت هذا حتى مات البائع، قضي بحريتها من يوم موته] (¬1)، وإن أصابها المبتاع بعد موته لزمه لها صداق المثل. قال سحنون، هذا قول المغيرة في المهر، وابن القاسم لا يرى عليه مهراً، قال سحنون، ويرجع بالثمن في مال الميت، ولها حكم الحرية من يوم مات، في قول مالك والمغيرة، وقد اختلف عن المغيرة مثل المشكوك في حملها بعد موت السيد واطئها فيقذف (¬2)، أو يموت لها ولد حر، فيوقف أمرها، فإن صح الحمل، ووضعت، فلها حكم الحرة في ذلك من يوم مات. وروى ابن القاسم وغيره عن مالك، أن لها حكم الحرة من يوم يتبين الحمل، وإن لم تضع، وهذا في باب قبل هذا. قال سحنون، وإن بيعت من عبد مأذون، فأولدها، ثم ثبت إقرار بائعها الحر قبل البيع (أنها أم ولده) (¬3)، فلترد له/ أم ولد، ويرد معها ولد العبد، فيكون بمنزلتها، ولا يوطأ شيء من بناتها بملك اليمين، لأنهن معتقات إلى أجل، وإنما يوطأن بالنكاح. وقال سحنون، في جوابه لشجرة، في جارية بيد رجل لا ولد معها، فادعت أن رجلا يقال له عبد الله كان قد ملكها، وأقر حينئذ أنها ولدت منه ولدا ثم مات، قال في سؤاله، وقد كان عبد الله أصدقها لزوجة له فماتت، ثم تزوج امرأة ¬
في الأمة يطؤها السيد أو مبتاعها منه، وهي ذات زوج، أو في عدة منه فتأتي بولد وفي الولد يدعيه السيد والزوج أو الأب والابن
أخرى، فباعتها امرأته الثانية وهو يعلم، فكتب إليه إن أقامت شاهدين عدلين أنهما يعرفانها ملكا لعبد الله، حتى ولدت منه، ولم يعلم الشاهدان بما فعل من إعطائه إياها لزوجته ولا ببيعها إياها، ولا رأياها تسترق، فارددها إلى عبد الله أم ولد أقر بذلك أو جحده، وإنما يراعى إقراره إن كان ممن يتهم لو أقر بذلك الآن، وهذا مقر قبل البيع والتزويج بها، ولو كذبت الجارية ذلك كله لم يضرها، وإن علمت البينة أنه تزوج بها وأنها بيعت، فهذا يبطل شهادتهم، وقد جرى في كتاب الاستلحاق أكثر ما في هذا الباب. في الأمة يطؤها السيد، أو مبتاعها منه، وهي ذات زوج، أو في عدة منه فتأتي بولد، وفي الولد يدعيه السيد والزوج، أو الأب والابن ومن كتاب ابن المواز، ومن وطئ أمته وهي زوجة لعبده، فإن كان السيد معزولا عنها قدر ما فيه استبراء، قال أصبغ، / ذلك حيضة (¬1) أو قدرها، وأتت به لستة أشهر من يوم وطئ السيد، فهو لاحق به إن لم يدع استبراء بعد وطئه، وهي له به أم ولد، وتبقى في عصمة الزوج، فإذا مات السيد عتقت، ولها أن تختار نفسها، وقاله مالك. قال محمد، وكذلك وطؤه لأمة (¬2) عبده، إلا أن هذا من السيد انتزاع لها. ومن العتبية (¬3)، روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن ابتاع أمة ذات زوج، أو معتدة من زوج من وفاة أو طلاق، والمشتري لا يعلم فوطئها، وقد حاضت في عدتها حيضة، فالولد لاحق بالمبتاع، وهي به أم ولد إذا وضعته لستة أشهر فأكثر، غير أنها لا تحل له أبدا لأنه وطئ في عدة. وقد قيل يعجل عتقها، وقد قيل ¬
يستخدمها بالمعروف حتى يموت، فتعتق من رأس المال، ويرجع المبتاع على البائع بقيمة عيب ما كتمه، ولو كانت ذات زوج فوطئها، فإن كان الزوج غائبا أو معزولا عنها قدر ما فيه براءة رحمها، فالولد لاحق بالمبتاع، ويرد إلى زوجها إذا وضعت، وتكون أم ولد للمبتاع، فإن طلقها زوجها أو مات عنها، رجعت إليه، وحل له وطؤها، وإن مات عتقت من رأس ماله، كان زوجها حيا او ميتا، أو طلقها، سبيلها سبيل أم ولد، ويرجع المشتري على البائع بقيمة عيب ما كتمه من الزوج، وإن لم يكن الزوج غائبا ولا معزولا، فالولد للزوج، وترد الأمة على بائعها بعيب ما كتمه من غير غرم عليه/ لوطئها، وإن وطئها في ذلك وهي حامل من زوجها أو من غيره، أو ليست بحامل، فهو يردها بعيب ما كتمه. ومن كتاب ابن المواز، ومن زوج أمته أو أم ولده، فأتت بولد لستة أشهر من النكاح، فادعاه السيد، وأنكره الزوج، فلا ينفيه (الزوج) (¬1) إلا بلعان إذا بنى بها ولم يغب عنها، فإن التعن، لحق بالسيد، وكانت له أم ولد، وتبقى في عصمة الزوج، ولو كان الزوج غائبا أو معزولا عنها بما فيه إن قال كنت أغشاها من موضع لا يعلم، لم يصدق إلا ببينة، فيكون أحق به من السيد، ولو قال السيد الولد مني وقد كنت زوجتها لرجل غائب، فالولد لاحق بالسيد، ولا ينفعه إن أنكره بعد ذلك، ولو قدم الغائب فأقر به لم يلحقه إلا أن تقوم [بينة على النكاح، فيلحق به دون السيد. وكذلك من استلحق ابن أمة لرجل، لحق به، ثم إن جاء رجل فأقام بينة أنه ابنه لحق به. محمد، ما لم يطأها السيد] (¬2) في غيبته عنها حتى حاضت، وإذا ولدت الأمة ولدا فادعاه أبو السيد، فإنه يلحق به ويقوم عليه، وتكون له أم ولد، كذبه الابن أو صدقه، إلا أن يدعيه الابن فهو أحق به، ولو أخذ منه الابن ¬
في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل، أو لا تحمل
قيمتها، ثم استحقت، رد الابن ما أخذ، وأخذها مستحقها، وقيمة ولدها من الأب يوم يستحقهم. في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل، أو لا تحمل / ذكر ابن حبيب الرواية عن عثمان، وابن المسيب، وربيعة، وأبي الزناد، في الشريك في الأمة يطؤها، أنه لا يحد، ويعاقب، وتقوم (¬1) عليه الجارية. من كتاب ابن المواز، قال محمد، أصل مالك أن كل وطء يدرأ فيه الحد في أمة غيره، فإنها تكون به أم ولد، وتقوم عليه وإن تحمل من وطئه، فالشريك مخير في التقويم يوم الوطء، في ملإ الواطئ وعدمه، وإن شاء تماسك بنصيبه، وإن حملت فلابد من القيمة، شاء أو أبى قيمتها يوم الوطء، وإن شاء يوم حملت، الشريك مخير، ولا يؤجر حتى تضع، قال، ولو ماتت حاملا أو غير حامل قبل النظر فيها، فضمانها من الواطئ، قاله مالك، وتكون له أم ولد إن كان مليا، ولا يحد، وليجلد عقوبة، ولا قيمة عليه في الولد، قال محمد، إن كان وطئ مرة واحدة، فالقيمة يوم الحمل، وإن كان مراراً، فإن شاء لزمه القيمة يوم الحمل، وإن شاء يوم الوطء، وإن كان عديما وقد حملت، فلا تقوم عليه، إلا أن يشاء الشريك أن يقوم عليه ويتبعه، [فذلك له، فيلزم [ذلك] الواطئ، ولا قيمة عليه في الولد، وإن تماسك] (¬2) بنصيبه، فاختلف قول ابن القاسم، هل يتبعه بما نقصها، وأحب إلينا أن له أن يتبعه، وقاله مالك، وإذا لم ¬
تقوم عليه، [فنصيب الواطئ بحساب أم ولد، لا يعجل عتقه عسى أن يملك باقيها، واختلف فيه قول ابن القاسم، فقال، يعجل عتقه، وقال، لا يعجل، / وهو احب إلينا، وقاله أصبغ] (¬1)، ولا نفع لها في تعجيله (¬2)، بل الضرر فيه، ويبقى نصفها رقيقا للآخر، ويتبعه بنصف قيمة الولد يوم وضعته، وإن لم تضعه، وخرت حتى تضعه، ثم تقوم حينئذ [ثم إن مات الواطئ فنصيبه حينئذ حر، (من رأس ماله، ولو أعتق المتمسك نصيبه لعتق على الواطئ نصيبه حينئذ) ولو أيسر الواطئ فاشترى نصفها، لم يكن] (¬3) بحساب أم ولد [إلا نصفه الأول] (¬4) إذا كان عدمه بينا، ونظر فيه السلطان حتى بولدها الآن ثانية، فتصير كلها أم ولد، وإلى هذا رجع مالك، بعد أن قال أنها تكون كلها له أم ولد في عدمه، ويتبع بنصف قيمتها دينا، وكان قاله ابن القاسم، ثم رجع عنه إلى القول الآخر. قال ابن سحنون، قال سحنون، وقال المغيرة، وإذا بقي نصف الأمة في يد الشريك، في عدم الوطئ، ثم أيسر الواطئ فاشتراه، صار له النصف المشتري، مثل نصفه بحساب أم ولد بالشراء، وأباه سحنون، وقال، هذا لا يقوله أصحابنا حتى يولدها ثانية. قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون، ومطرف، إذا حملت والواطئ ملي، فلابد من التقويم، وليس للذي لم يطأ خيار، فإن كان الواطئ عديما، فالشريك مخير إن شاء قوم عليه فأتبعه، وإلا باع عليه ذلك النصف- يريد بعد الوضع- فيما لزمه، وإلا تماسك بنصيبه، [بخلاف العتق، لأن الواطئ جنى على ملكه وملك غيره، وفي العتق لم يجن إلا على ملكه، ولو ماتت قبل التقويم ضمنها، ولا يضمنها في العتق إلا بالحكم، قالا، ولا قيمة له على الواطئ في الولد، تماسك ¬
بنصيبه] (¬1) أو قومه عليه، قالا، وإن تماسك، بقي نصفها بحساب أم ولد،/ فإن عاد فوطئها ثانية، عتق نصفه لقطع الذريعة إلى باطل، ولا يقوم عليه نصيب شريكه، وإن أيسر، إذ ليس بابتداء عتق، وهو كوضع خدمة من عتق تقدم، ولو أعتق المتمسك نصيبه عتق على الآخر نصيبه، لزوال ما كان يرجى له من ملكها. وفي كتاب ابن سحنون، إن تمسك أتبعه بنصف قيمة الولد، وعتق على الواطئ نصيبه، وهذا خلاف ما ذكر ابن حبيب عن عبد الملك (¬2) ومطرف، قال ابن حبيب (¬3)، وقال مثلهما أصبغ وقال، وأنا أخالف ابن القاسم في اتباعه بنصف قيمة الولد في تمسكه، وعدم الواطئ. قال ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، ولو وطئ المعتقة إلى أجل، لاعتقناها عليه، كما قلنا في الشريك الواطئ (¬4) يعاود وطأها، وقد تمسك شريكه، أو لا سبيل إلى البيع عليه، ولا إلى منعه بغير العتق، ولو وطئ المعتق بعضها ولم تحمل، قدرنا على منعه ببيع نصيبه عليه، وقال أصبغ في ذلك كله لا تعتق عليه (¬5)، ويمنع بالأدب، ويحال بينه وبينها، إلا أن تحمل المعتقة إلى اجل، فتعتق عليه، وقال ابن حبيب، لا تعتق عليه في أول ذلك، ويؤدب، إلا أن يعود، ويتبين استحقاقه، فيعتق عليه نصيبه. ومن كتاب ابن سحنون، وابن المواز، وإذا أحبل الأمة والد (¬6) احد الشريكين (¬7)، فهو كالشريك نفسه في اليسر والعسر، غير أن الابن يتبع أباه بقيمة مصابته أيضا مع ما يتبعه به الشريك إن كان معدما، قال ابن المواز، يتبعه ¬
في الأمة بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه فيها، ثم تحمل من الآخر أو من مبتاع منه، أو تدعي ولدا أو تحمل منه وبعضها حر
بنصف قيمة الولد ونصف نقص/ الولادة (¬1)، ثم إن أيسر هذا المحبل، فاشترى نصف الآخر، لم تكن له أم ولد إلا بحمل آخر. [قال سحنون، فإن أعتق المتمسك نصفه أعتق على الأب النصف الآخر. في العتبية] (¬2)، قال سحنون، في الأمة بين الشريكين يولدها أحدهما، ثم قال الآخر قد كنت أعتقتها قبل ذلك، قال، تعتق عليهما ولا شيء على الواطئ، ويلحق به النسب، ويؤدب إن لم يعذر بجهل، قال يحيى بن عمر، وإن كذبه الواطئ وهو ملي، فهي له أم ولد ويغرم نصف قيمتها لشريكه يوم الوطء وإن كان عديما فهي حرة الساعة، صدقه الآخر أو كذبه. في الأمة بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه فيها، ثم تحمل من الآخر، أو من مبتاع منه، أو تدعى ولدا أو تحمل منه وبعضها حر من كتاب ابن المواز، وعن أمة بين رجلين، أعتق أحدهما نصيبه منها، فلم تقوم عليه حتى أحبلها الآخر قال أشهب، تقوم على الأول (¬3)، ويلحق الولد بالثاني، ولا يحد، ويغرم نصف قيمة ما نقصها الواطئ إن غصبها. قال محمد، وهذا الذي (¬4) قال ابن القاسم هو الصواب أن تعتق عليهما من ساعة حملت، وعليه لها نصف ما نقصها إن أكرهها، ¬
قال ابن حبيب عن ابن القاسم، ولا يحد، ويعاقب، كان للأول مال، أو لم يكن، وإن لم تحمل، قومتها على المعتق بالعيب الذي دخلها بالوطء، وعتق عليه جميعا، قال في كتاب ابن المواز،/ إذا حملت، عتقت عليهما، ويلحق الولد بأبيه، ولا يلزمه فيه قيمة، وولاؤه لأبيه، ولا يكون معتق نصفها فيه شيء، وقد غلط في هذا بعض أئمتنا- يعني ابن القاسم- وروي عنه أن له نصف ولائه، فقلت لمن رواه، فلو كانت لواحد فأعتقها ثم ولدت بتزويج، أللمعتق في ولاء ولدها شيء ولم يمسه له رق؟ فقال: لا، ورجع عما روى، وهذا القول في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم، قال سحنون، بلغني أن ابن القاسم يقول، ولاء الولد بينه وبين معتق النصف، وقال غيره النسب أولى به. ومن كتاب ابن المواز، وإذا ولدت الأمة بين الشريكين، فأعتق أحدهما نصيبه منها، ثم ادعى الآخر الولد، قال ابن القاسم، يبطل عتق المعتق، وتقوم على الواطئ، فيغرم [نصف] (¬1) قيمتها يوم وطئ، ويلحق به الولد، فإن كان عديما اتبع بنصف قيمة الولد. قال محمد، إنما يتبع بنصف قيمة الولد إذا أعتق حصته بعد الوضع، فأما وهي حامل، فلا قيمة له في الولد. وقال ابن حبيب عن أصبغ، اختلف قول ابن القاسم فيها، والذي نأخذ به أن يكون الولد به لاحقاً (¬2) فلا قيمة عليه فيه ولا فيها، [لأنه ثبت ولاء] (¬3) النصف لمعتقه، فلا ينتقل بإقرار هذا، ونصفها عتق على الآخر، وولاؤها بينهما، قال ابن القاسم فيه، وفي كتاب ابن المواز، ولو أعتق أحدهما نصيبه بعد أن حملت من الآخر، فإن كان الواطئ مليا قومت عليه. وبطل عتق صاحبه، وإن كان عديماً ¬
جاز/ عتق المعتق، وكذلك لو أقر أنه كان أعتق نصيبه منها قبل (أن) تحمل من الواطئ. قال ابن المواز عن ابن القاسم، في التي أعتق أحدهما بعد أن حملت من الآخر، والواطئ عديم، أن جميعها تعتق، والولاء بينهما، وولاء الابن لأبيه، وعليه نصال قيمته للآخر إن استهل، قال أصبغ، إلا أن يعتق الثاني بعد علمه بالحمل، فلا يجب له في الولد قيمته، وهذا رضى منه بتركها، وإن لم يعلم، فله قيمته وقت يستهل بأخذهما أو يتبع الأب بها في عدمه، ولو ضرب رجل بطنها قبل عتق الثاني فطرحته ميتا (فلأبيه غرة حر) (¬1) ويأخذ منه الآخر نصف قيمة الأمة، وإن كان عديما وقد أخذ الغرة وأتلفها، أتبعه بنصف عشر قيمة الأم بسبب الجنين، إلا أن يكون ذلك أكثر مما أخذ في الغرة، فلا يزاد، ولو لم يأخذ الأب في الغرة شيئاً لعدم الجاني أو هروبه، لم يكن للشريك عليه بذلك شيء. قال محمد، جيدة، إلا قوله إن عتقه بعد علمه بالحمل رضي بترك القيمة، فلا يعجبني، ولكن يحلف ما أردت، عتق ما لزم عتقه غيري، ولا إسقاط ما لزمه فيه، يعني الولد. قيل لأصبغ، والمعتق نصفها إن أحبلها المتمسك، فأعتقها عليه، أو تحمل فيعتقها عليه- يريد نصيبه هل عليه لها ما نقصها؟ , قال, قال ابن القاسم، إن طاعت، فلا شيء لها، ولا حد عليها [للرق الذي فيها] (¬2)، وعليها الأدب، وإن أكرهها ودى إليها نصف ما نقصها، كالذي يأخذ في مهرها يكون بيدها كمالها، وأما الجناية عليها فنصفه لها، والنصف/ لسيدها، قال ابن القاسم، ولو أعتق أحدهما جميعا، ثم وطئها الآخر، يدرا عنه الحد إن كان المعتق لا مال له، وإن كان مليا وتعذر بالجهل فكذلك، وإن كان عالما بما يلزمه، حد إن كان المعتق مليا، ولا يلحق به الولد، وولاؤه للمعتق، وعلى المعتق للواطئ نصف قيمة الأمة يوم العتق، فلم يجعل للثاني أن يعتق بعد عتق الأول، [وخالفه أصبغ، وقال لا يحد ¬
في الأمة بين الشريكين تلد من يطء أحدهما، ثم يولدها الآخر، وكيف إن كان؟
بكل حال، وللآخر أن يعتق بعد الأول جميعها، ولو مات الأول] (¬1) قبل التقويم، لم يلزم ذلك تركه (¬2)، وكذلك قال ابن عبد الحكم وأشهب، ومطرف، وابن الماجشون، وقاله سحنون. وقال جميع أصحابه يخالفونه (¬3). وقال ابن حبيب: بقول ابن القاسم، إلا في الحد، فيسقطه للشبهة. قال ابن المواز، قال ابن القاسم، وإذا أعتق نصيبه من أمة، ثم باع المتمسك نصفها أو جميعها، فحملت من المبتاع، عتق نصفها على المبتاع، والولاء بينهما، ويرجع بنصف الثمن إن اشتراها كلها، وبنصف قيمة العيب في النصف الآخر، على أن نصفها حر، وقال في الجزء الثالث [يكون] (¬4) عليه الأقل من نصف قيمتها بالعيب، [أو نصف الثمن، ولو كان عالما بما فيها من سبب التقويم فسد البيع، وعليه نصف قيمتها بالعيب] (¬5)، ويسترجع ما بقي، وكذلك لو لم تفت إلا بحوالة أسواق، وفسد البيع [لعلمه] (¬6) بسبب التقويم، فعليه القيمة يوم قبضها/ على أن نصفها حر، ثم يقوم هو على المعتق قيمتها الآن. في الأمة بين الشريكين تلد من وطء أحدهما، ثم يولدها الآخر، وكيف إن كان؟ ومن كتاب ابن المواز، [قال ابن القاسم] (¬7)، في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما، فتحمل ثم تضع في عدمه، فلزمه، نصف قيمة الولد يوم وضعته، ¬
ونصف ما نقصها بحساب أم ولد، فوطئها الثاني (¬1) فأحبلها، فإنها تعتق مكانها حين حملت، ولا يتبع الثاني في الولد بشيء (¬2)، وإن كان مليا والحكم على الأول كما هو، وقد قيل إن لم ينظر في أمر الثاني حتى وضعت، كان على الثاني نصف قيمة الولد، وإن كان عديما، محمد، وهذا غلط، والصواب ما قال ابن القاسم، لا يتبع الثاني في الولد بشيء بكل حال، وقيل إن لم يفرغ من الحكم في الأول (¬3) في عدمه حتى أحبلها الثاني، ونظر فيه قبل أن تضع أو بعد، أنه لا شيء على الأول من قيمة الولد [في عدمه] (¬4)، ولا ما نقصها، وتكون الأمة حرة، ولا شيء على الثاني أيضا في الولد، وقال عبد الملك، إذا حكم على الأول ثم أحبلها الثاني، كان عليه قيمة الولد على أنه ولد أم الولد على الرجاء والخوف، فلم يعجبنا هذا لأنها بثبوت النطفة في رحمها حبلاً حرة، فلم يجب في الولد يوم الوضع للأول شيء، ولو أحبلها بعد أن أعتق الآخر نصفه منها، صارت حرة ساعة الحمل، والولد لاحق بالنسب، ولا قيمة ولد لعدم هذا. قال ابن المواز (¬5)، والذي آخذ به من ذلك إذا لم ينظر في أمره/ الأول الذي أولدها حتى أولدها الثاني، عتقت عليهما، ولا شيء على الأول ولا على غيره من قيمة ولد ولا غيره، ولا يكشف الأول عن عسر ولا يسر، لأن الأول يقول قوموا علي مصابة صاحبي يوم وطئت حتى لا يلزمني للولد قيمة، فلا يقدر على ذلك لفوتها بحمل الثاني، فتكون حرة منهما، ولا قيمة ولد على واحد منهما، وغير هذا لا يعجبني. ومن كتاب ابن سحنون، ومن العتبية (¬6)، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم إذا ولدت من الأول ثم وطئها الثاني فأولدها، لم يحد، ولحق به ولده ونكل، وعلى الأول قيمتها وهي له أم ولد. ¬
قال سحنون في كتاب ابنه، ولا شيء عليه من قيمة الولد، وعلى الثاني للأول نصف قيمة الولد، على أنه ولد أم ولد يقاص بذلك الأول فيما لزمه من [نصف قيمة] (¬1) الأمة يوم وطئها. قال ابن القاسم في العتبية (¬2)، وينكل والثاني أشد نكالا، فإن لم يكن للأول مال لم تقوم على واحد منهما، وتعتق عليهما، [والولد لاحق، والنكال عليهما] (¬3)، قال سحنون في كتاب ابنه، إن كان الأول عديما عتقت عليهما، وللثاني على الأول نصف قيمة الولد على أنه رقيق، ولا شيء على الثاني [أيضا للأول] (¬4) من قيمة ولده، وقد بلغني أنه قال، على الثاني أيضا للأول نصف قيمة ولده على أنه ولد أم ولد. قال سحنون في العتبية (¬5)، وفي كتاب ابنه، ولو كان فيها شريك ثالث لهما، فإن كان الأول مليا غرم لشريكه ثلثي قيمتها يوم الوطء، وآخذ من الثاني قيمة ولده/ [ولد أم ولد، وفيها قول آخر وهذا أعدل. قال في كتاب ابنه، وإن كان الأول عديما عتق نصيبه ونصيب الثاني، وعلى الأول ثلثا قيمة ولده] (¬6) عبداً لشريكه، وعلى الثاني [ثلث قيمة] (¬7) ولده للثالث الذي لم يطأ، ويبقى ثلثها للثالث رقيقا، فإن شاء هذا الثالث أن يتماسك فعل، وإن شاء أن يضمن الأول ثلث قيمة الأمة في ملائه أو في عدمه [ويتبعه] (¬8) فذلك ¬
له، فإن فعل عتق ثلثا الأمة على الأول، وأما نصيب الثاني فإنه يعتق على الثاني بالولد، وليس للثالث أن يقوم على الثاني في عدم الأول، إذا لم يبد فساد (¬1)، أو إذا ضمن الثالث الأول نصيبه من الأمة، كان على الثاني ثلث قيمة ولده للأول ولد أم ولد، وإن لم يضمنه نصيبه من الأمة، فعلى الأول ثلثا قيمة ولده رقيقا للثاني وللثالث، وعلى الثاني ثلث قيمته للثالث. قال ابن سحنون، وروي عنه أن الثالث إن ضمن الأول ثلث الأمة، فعلى الثاني للأول ثلثا قيمة ولده ولد أم ولد، [وإذا لم يضمنه فعلى الثاني ثلث قيمة ولده للأول ولد أم ولد] (¬2)، وثلث قيمته للثالث رقيقا. وذهب سحنون، ان يلزم الثاني من قيمة ولده للأول شيء، لأن نصيب الأول عتق عليه، فكيف يلزم فيما هو عتيق قيمة ولد. قال سحنون في كتاب ابنه، في العتبية (¬3)، ولو أن الثالث أيضا وطئها بعد ذلك فأولدها، قال في العتبية (¬4)، ولم يعلم كل واحد بما صنع من قبله، قال فقد وطئها الأول (¬5) وهي له أم ولد، وعليه لشريكيه/ ثلثا قيمتها يوم وطئ، وعلى كل واحد من الشريكين [للأول] (¬6) قيمة ولده ولد أم ولد، فيتقاص هو وهما فيما لكل فريق على الآخر، ويترادان (¬7) الفضل، وإن كان الأول عديما عتق نصيبه، وعليه ثلث قيمة ولده [رقا] (¬8) لشريكيه، وعلى الثاني في ولده ثلث قيمته رقا للثالث، ولا شيء عليه للأول، لأن نصيبه من الأمة يوم وطئ الثالث (¬9) حر ويعتق نصيب الثاني أيضا، والثالث ولا شيء على الثالث في قيمة ولده للاولين. ¬
في المدبرة أو المكاتبة أو المعتقة إلى أجل بين الشريكين تلد من وطء أحدهما، وكيف أن ولدت من الآخر أيضا؟
ومن العتبية (¬1)، قال ابن الماجشون، في أمة بين رجلين ولدت ولدين في بطنين أو في بطن، فادعى كل واحد ولدا منهما، فمن استلحق الولد الأكبر لحق به، وكان عليه [نصف] (¬2) قيمة الأمة لشريكه، [وله على شريكه] (¬3) الواطئ بعده قيمة ولده، ويترادان الفضل، هذا على قول عبد الملك، قال وإن كانا في بطن دعي إليهما القافة، ولا يلحقاهما (¬4) إلا برجل واحد، ولو ألحقا بكل واحد من الأشراك (¬5) لم يقبل ذلك، ويكونا كولد واحد، قالت القافة اشتركا فيه فلا يقبل ذلك حتى يلحق بواحد. قال في كتاب آخر، ويدفع إلى غيرهما أبدا حتى يلحقا بواحد، وهذه المسألة من أولها في كتاب ابن سحنون. في المدبرة أو المكاتبة أو المعتقة إلى أجل بين الشريكين تلد من وطء أحدهما، وكيف إن ولدت من الآخر أيضا؟ ومن كتاب ابن سحنون، ولو أن مدبرة بين ثلاثة ووطئها/ واحد بعد واحد، فأولدها كل واحد منهم ولدا، فإن كان الأول مليا فعليه لشريكيه ثلثا قيمتها أمة، وتكون أم ولد له، ويرجع على شريكيه على كل واحد بقيمة ولده أم ولد، ويترادان الفضل إن كان مليا، وإن كان عديما عتق عليه نصيبه وغرم لشريكيه ثلثا قيمة ولده ولد مدبره على الرجاء أن يعتق أو يرق، ويعتق على الثاني نصيبه، وعليه للثالث ثلث قيمة ولده، ويعتق نصيب الثالث، ولا شيء عليه في ولده لهما. ¬
قال محمد، وعلى ما بلغني عنه في الأمة أن على الثاني ثلث قيمة ولده للأول، [وعلى الثالث] (¬1) للأول والثاني ثلثا قيمة ولده، ولو كان الثالث لم يطأ قومت على الأول في ملائه، وتكون له أم ولد، ويغرم ثلثي قيمتها لشريكيه، وعلى الثاني قيمة ولد أم ولد، وإن كان عديما عتق نصيبه، وللثالث [إن شاء] (¬2) أن يقوم عليه ويتبعه، فإن فعل عتق ثلثاها على الأول، وكان للأول على الثاني ثلث قيمة ولده ولد مدبرة من سبب هذا الثلث الذي قد قوم عليه للثالث، ويرجع الثاني على الأول بثلث قيمة ولده ولد مدبرة، ويعتق أيضا نصيب الثاني منها، وإن تمسك الثالث بنصيبه فليس له تقويم على الثاني، وله على الأول ثلث قيمة ولده، وعلى الثاني كذلك، ويكون للثاني على الأول ثلث قيمة ولده، وليس للأول على الثاني من قيمة ولده شيء، لأن نصيبه فيها عتق قبل أن يطأ الثاني. قال محمد، واختلف قوله في ولد الأمة في رجوع/ الثاني على الأول بثلث قيمة الولد، والمدبرة مثل الأمة. قال سحنون، وهذا على قول كثير من أصحابنا. واختلفوا في مدبرة بين رجلين حملت من أحدهما، فقال المغيرة يلحق به الولد، ويغرم نصف قيمة الولد لشريكه، ويبقى نصفها مدبرا، ونصفها بحساب أم ولد، فإن مات المدبر وله ثلث تخرج فيه، عتق نصف الشريك فيه، ويصير له ولاؤه وإن يدع شيئا وعليه دين محيط بماله، قومت حينئذ على واطئها، وحل له وطؤها من يومئذ، وإن مات الواطئ أولا عتق نصيبه، وبقي نصيب الآخر مدبرا، وقال عبد الملك، على الواطئ لشريكه نصف قيمتها يوم وطئ وانقطع الأمر فيها، وهذا قول مالك وجميع الرواة. قال عبد الملك، فإن كان عديما كان نصفها مدبرا ونصفها بمعنى أم ولد إلا أن يشاء الذي لم يطأ أن يقوم على الواطئ، ويتبعه فذلك له، وتصير أم ولد للواطئ. ¬
قال غيره، فإن أبى فله على الواطئ [نصف] (¬1) قيمة الولد يوم تضعه، ثم إن أفاد مالا لم تلزمه قيمة في الأم، وإن مات الواطئ عتق سهمه فقط، وإن مات الآخر أولا فارق سهمه الدين، فاشتراه الواطئ ثم مات قبل أن تلد منه ثانية، كان ذلك النصف موروثا، والنصف العديم حرا، قال عبد الملك، وإن حنث والواطئ ملي، فعليه الأقل من قيمة الجرح أو من قيمتها أجمع، فإن كان الجرح أقل أداه وأدى لشريكه ما بين نصف قيمتها ونصف/ قيمة الجرح من الفضل، لأن ما يجب له من القيمة قيمة الرق، وهي بذلك أم ولد لهذا لملائه، فلزمه فيها الأقل، وقد صارت مرتهنة بجنايتها، فلا تسلم القيمة كلها للذي لم يطأ. قال أبو محمد، وهذا الذي كتبت بعبارتي عما فهمت من قول عبد الملك، وهو يقرب من معناه عندي وإن غيرت لفظا، والله أعلم، وصوب سحنون كلام عبد الملك وقال، في معتقة إلى أجل بين ثلاثة وطئوها متفاوتين كل واحد يولدها ولا يعلم بصنيع من قبله، قال، تعتق عليهم كلهم، وإذ لا سبيل إلى وطئها، وإن كان الأول مليا ولو لم يولدها غير واحد لم تقوم عليه، وعليه، لصاحبيه ثلثا قيمة ولده ولد معتقة إلى أجل، أولا ترى لو عجل أحدهما عتقها لم تقوم عليه، إلا في قول لعبد الرحمن، يعجل عليه قيمة الخدمة لشريكيه، ويعجل عتقها؟ قال، وأرى أن تعتق عليهم في ملائهم وعدمهم، وعلى الأول لشريكيه ثلثا قيمة ولده على أنه معتق إلى أجل، وعلى الثاني للثالث ثلث قيمة ولده كذلك، ولا شيء على الثالث، ولا شيء للأول. وقال كثير من أصحابنا فيمن وطئ معتقة إلى أجل فأولدها، أنه يعجل عتقها عليه [إذا زالت خدمتها بالولادة] (¬2)، والوطء بعتق الأجل. قال سحنون، وكذلك من أذن لمدبره في تدبير أمته فأولدها السيد، فإنها تعتق لأنها معتقة إلى أجل أولدها السيد، قال في المعتقة إلى أجل، وإن بقي الثالث ¬
فلم يطأها، عتق نصيب الواطئين، وللثالث/ على كل واحد ثلث قيمته، وللثاني على الأول ثلث قيمة ولده. ويبقى نصيب الثالث بيده معتقا إلى أجل، وقد قيل لا شيء على الثاني للأول، لأنه وطى نصيبه وهو حر. ولو كاتب مكاتبة بين ثلاثة وطئوها كما ذكرنا، فأتت من كل واحد بولد وهو لا يعلم ما فعل من قبله، فعلى مذهب ابن القاسم وأشهب، إن كان الأول مليا، خيرت في أن تعجز نفسها وتقوم على الأول، وبين أن تتمادى، فإن قومت عليه، [غرم ثلثي قيمتها أمة لشريكيه، وصارت له أم ولد، وغرم له كل واحد منهما قيمة ولده] (¬1) ولد أم ولد ويترادون، ولا شيء عليه هو في ولده، وإن تمادت فإذا أدت عتقت، وإن كان الأول عديما عتقت عليهم كلهم. قال سحنون، هذا قول ابن القاسم وأشهب، وأنا أرى إن كان لها مال ظاهر والأول مليء، فليس لها تعجيز نفسها ولتتماد (¬2) مكاتبة. قال ابن القاسم، وإذا وطئ مكاتبة بينه وبين شريكيه، فاختارت التمادي، أخذت نصف قيمتها من الواطئ فوقفت، فإن أدت ردت القيمة إليه، وإن عجزت بقيت له أم ولد، وأخذ الآخر القيمة. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، إن اختارت المقام على الكتابة أخذ من الواطئ نصف قيمة الكتابة، فإن وقفت، فأدت، عتقت، ورددنا إلى الواطئ ما أوقفنا، وإن عجزت، أخذ الذي لم يطأ تلك القيمة، وصارت أم ولد للواطئ، وأعجب ذلك أصبغ إلا قوله/ نصف قيمة الكتابة. [وروي أيضا عن ابن القاسم، أنها إن تمادت على الكتابة، أخذ من الواطئ نصف قيمة الكتابة] (¬3)، فيتعجله شريكه، لأن إيقافه ضرر وغرر، فإن أدت فالولاء لهما، وإن كان عديماً تركت، فإن أدت عتقت، وإن عجزت باع المتمسك ¬
في الأمة تأتي بولد من وطء الشريكين ومن وطء المتبايعين
مصابته وأتبع الواطئ بنصف ما نقصها مع نصف قيمة الولد، قال محمد، حسن إلا قوله، يعجل للشريك نصف قيمة الكتابة، فهذا غلط، لأن مالكا لم يجز بيع ما على المكاتب إلا بخلافه، ولا تقع القيمة من السلطان بغير الذهب والورق، والصواب ألا يحكم على الواطئ إلا بعد العجز، وأن لا يوقف شيء إذا كانت قائمة بنجومها، فإن عجزت فهي للواطئ أم ولد في يسره، وإن كان عديما- يريد يوم العجز- تمسك صاحبه بنصيبه منها رقيقا. ومن كتاب ابن المواز، قال والمدبرة إذا أحبلها أحد الشريكين قومت عليه، وصارت له أم ولد، وكذلك من ابتاع مدبرة فأولدها فهي له أم ولد، ويتم البيع، وإن كانت مكاتبة خيرت بين أن تفسخ كتابتها وتكون أم ولد، أو تبق تؤدي إلى مشتريها باقي الكتابة ثم تعتق وولاؤها للبائع. فإن عجزت فولاؤها للمبتاع، وإن اشترى مكاتب مدبرة فأولدها، فإنه يوقف عنها، ويوقف الثمن، فإن أدى بقيت له أم ولد، (وإن عجز) (¬1)، رد البيع ورجعت مدبرة، وولدها مدبر، ويرد الثمن على العبد، إلا أن يكون البائع مليا فلا يوقف الثمن، وتوقف الجارية. في الأمة تأتي بولد من وطء الشريكين ومن وطء المتبايعين قال ابن حبيب، قال مطرف وابن الماجشون، قال مالك، في الأمة بين الشريكين يطآنها في طهر واحد أو كانا متبايعين، فليعاقبا بقدر اجتهاد الإمام، ويعزلها عنهما بيد امرأة، قالا، أو بيد عدل حتى تحيض، فيبيعها عليهما، أو يتقاوياها حتى يملكها أحدهما، ولا يتركها بينهما، أو تلد فيدعى لولده القافة، فمن ألحقوه به كان ولده وهي به أم ولد، وكذلك قال ابن الحكم وأصبغ عن ابن ¬
القاسم، وكذلك روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال ابن الماجشون، فإن ماتت وهي حامل فهي منهما إن كانا شريكين، وإن ماتت وبقي الولد، فمن ادعاه منهما فهو ابن له، وتكون منه مصيبة الأمة. قال سحنون في كتاب ابنه، وقد ألحق عمر الولد بالقافة، وذكر هو وابن حبيب حديث مالك، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يليط (¬1) أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر قائفا، فقال اشتركا فيه إلى أخر الحديث، وقول عمر وال أيهما شئت. قال ابن حبيب وكذلك قال ابن القاسم، ورواه عن مالك، في الأمة تأتي بولد من الشريكين، فتقول القافة اشتركا فيه فليوال (¬2) أيهما شاء إذا بلغ، وقاله أصبغ، وقال مطرف: بل يقال للقافة ألحقوه بأفصحهم/ به شبها، ولا يترك وموالاة من أحب، وقاله ابن نافع وابن الماجشون. قال ابن حبيب، قال مالك، ويجزي القائف الواحد إن كان عدلا ولم يوجد غيره، وقد أجازه عمر، قال مالك، ومن أسلم اليوم فاستلاط ولدا بزنى في شركه، فهو مثل حكم عمر فيمن أسلم من الجاهلية، وقال ابن الماجشون، لا يؤخذ بقولهم فيما كان من ولادة الجاهلية والنصرانية، [وروى مثله أشهب عن مالك، وروي عنه أنه لا يجزي إلا قائفان (¬3)، لأن الناس قد دخلوا. ورواية مطرف أحب إلي في قبولهم في أولاد الجاهلية والنصرانية] (¬4) ورواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك، وقاله ابن نافع، وأجمعوا كلهم أن القائف الواحد يجزي في ذلك، وفي الأمة المشتركة والمتبعة إذا كان عدلا بصيرا إلا ما روى أشهب. ¬
ومن العتبية (¬1)، روى أصبغ عن ابن القاسم وابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، وعن أصبغ عن ابن القاسم، فيمن باع أمة قد وطئها ولم يستبرئها فوطئها المبتاع في ذلك الطهر، فأوقفت، قال ابن حبيب، فإن حاضت أخذها المبتاع، وإن ظهر بها عيب ردها إلى البائع، وإن ماتت فهي من البائع، وفي الكتابين، فإن ظهر بها حمل ثم ماتت قبل أن تضعه، فمصيبتها من البائع. قال في العتبية (¬2)، طاولها الحمل أو لم يطل، ويأخذ المبتاع ماله، ويعاقب إن لم يعذر بجهل. [قال في كتاب ابن حبيب، ولو أقر المشتري بوطئها والبائع منكر للوطء/ فأوقفها السلطان فماتت قبل أن يتبين أو بعد أن تبين ولم يمض للحمل ستة أشهر، فالمصيبة من البائع أقر بوطئها أو أنكر، حتى إذا مضى لحملها ستة أشهر، فقد لحقت المشتري، ولدت أم لم تلد، ماتت أو عاشت، مات ولدها أو عاش، ولا ينظر إليه القافة إذا لم يقر البائع بوطئها في ذلك الطهر، وإذا وطئها البائع، والمبتاع في طهر فماتت قبل أن يتبين الحمل، أو بعد أن تبين، فهي من البائع، بخلاف الأمة بين الشريكين يطؤها في طهر ثم تموت وبعد بيان الحمل أو قبل، فهذه مصيبتها منهما] (¬3)، قالوا في الكتابين، كان سقطا أو تاما، حيا أو ميتا، وهو ولد له، وهي أم ولد له، فإن وضعته لستة أشهر من وطء المبتاع، قال في العتبية (¬4)، أو مقدار نقصانها بالأهلة فصاعدا، تقارب الوطئان في ذلك أو لم يتقاربا، أو وطئ هذا اليوم وهذا غدا، والولد سقطا أو تاما ميتا (¬5)، فهي من المبتاع، والولد ولده، وهي له أم ولده، ولا قافة في الأموات ¬
[13/ 165] وقال سحنون، إن مات بعد أن وضعته حيا، دعي له القافة. قال في الكتابين، وإن وضعته لستة أشهر من وطء المبتاع والولد حي، دعي له القافة، فمن ألحق به لحق، وكانت له أم ولد. وقال سحنون في كتاب ابنه، في وطء الشريكين أو المتابعين، فظهر بها حمل ثم تموت قبل/ الوضع، فضمانها منهما، ماتت قبل ستة أشهر من وطء الثاني أو بعد، إلا أنه إنما يضمن المشتري في البيع الأكثر من نصف قيمتها يوم وطئها، أو نصف الثمن، ولو أسقطت قبل تمام ستة أشهر أو بعد، فهي تعتق عليهما في الوجهين، ويضمن المشتري الأكثر كما ذكرنا، ولو وضعته حيا بعد ستة أشهر من وطء الثاني، ثم مات قبل أن يدعى له القافة، قال، يدعى له القافة ميتا، إذ لا يغير الموت شخصه، فإن مات عتقت الأمة عليهما، وغرم المشتري الأكثر كما ذكرنا. قال فيه، وهو في كتاب ابن حبيب عن ابن الماجشون، ولو لم يمت الولد، ومات أحد الأبوين قبل نظر القافة، قال، ينظروه مع الباقي، فإن ألحقوه به ألحق به، قال سحنون، فإن كان مشتريا، فعليه الأكثر كما ذكرنا، قال ابن حبيب عن ابن الماجشون، فإن لم يلحقوه به، لم يلحق به ولا بالميت، إذ لو كان حيا فلعل القافة تنفيه عنه وتقول ليس بابن لواحد منهما، قال، وواقف الأمة بحال أم ولد، فإذا مات الباقي عتقت، وخالفه ابن حبيب، وقال يلحق بالميت إذا برئ منه الحق، لأن الميت أقر بالوطء، فلولا وطء الثاني لحق به من غير قافة، قال ابن حبيب، وتعتق الأمة بموت الأول على أنها أم ولده، وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن سحنون، وإن قالت القافة بعد موت أحدهما، للحي فيه شريك، فإن له من الحي نصف الأبوة، ويرث نصف ميراثه إن مات قبل أن/ يبلغ الولد، فيواليه، فإن بلغ وهذا الأب حي فوالاه، كان ابنه وكان له ميراث هذا الأب إن مات كله، ولا يرث من الميت الأول شيئا، لأن القافة لا يلحق بأب ميت، قال، والأمة، فهذا تعتق عليهما ويكون نصفها على المبتاع كما وصفنا، وإن
مات الأبوان قبل أن يلحقه القافة بأحدهما، لم يرثهما وعتقت الأمة عليهما وعتق الولد. ومن العتبية (¬1) قال سحنون، وإذا قالت القافة ليس لواحد منهما، دعي لهما أيضا آخرون، فإن قالوا ليس لواحد منهما، دعي أبدا غيرهما، لأن القافة إنما دعيت لتلحق لا لتنفي، قال سحنون في كتاب ابنه، وكذلك إن كان أحد الشريكين الواطئين للأمة عبداً أو نصرانيا، دعي له القافة، فمن ألحقوه به كان ابنا له، قال أشهب، وإن ألحقوه بالنصراني والأمة مسلمة عتقت عليه. قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية (¬2)، في وطء الشريكين أو المتبايعين إذا قالت القافة في الولد اشتركا فيه عتقت عليهما مكانها، ولا يحل لأحد منهما وطؤها بملك اليمين، ويرجأ الولد فإذا بلغ والى من شاء منهما فألحق به. قال سحنون، وقال غير ابن القاسم، لا يوالي أحداً منهما، وميراثه إن مات لهما، قال فيه وفي كتاب ابن سحنون، وفي كتاب ابن حبيب عن ابن الماجشون، فإن مات قبل أن يبلغ، قال ابن حبيب، وقد وهب له مال، أنه يرثه الأبوان، [قال ابن الماجشون، لا أقول إنهما أبواه، ولكن هما كرجلين تنازعا مالا/ فيقسم بينهما، وتعتق الأمة عليهما] (¬3). قال في العتبية (¬4)، فإن مات الأبوان قبل بلوغه، وقف له قدر ميراثه منهما حتى يبلغ، فيوالي من شاء فيرثه وينتسب إليه، ويرد ما وقف للآخر, ¬
قال ابن حبيب عن ابن الماجشون، قال يبقى لا أبا له وتعتق الأمة عليهما، قلت، ولم ورثتهما منه ولم تورثه منهما؟ قال إنما قسمت تركته بينهما لأنه كمال ادعاه رجلان، فلم أجد بدا من ذلك، وهذا لا يكون في موتهما، وقال أصبغ، يرث من كل واحد نصف ميراث ولد، قال ابن حبيب، وهذا توريث بالشك، وبقول ابن الماجشون أقول. قال ابن القاسم في العتبية (¬1)، فلو مات أحدهما، فإنه يوقف للصبي ميراثه منه حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء، فإن والى الميت ورثه، وإن والى الحي رد ما وقف له، وإن مات الصبي بعد موت أحدهما وميراثه من الأول موقوف، قال، فميراث الصبي للأب الباقي، وليس للأب الميت ولا لورثته شيء، ويرد ما أوقف للصبي من ميراث الأول إلى ورثته، ولو أدخلت الأب الباقي فيما يورث عن الأول لأدخلت ورثة الأول في ميراث الصبي، وهذا لا يكون، بل ميراث الصبي للأب الباقي كله، وقاله محمد بن عبد الحكم. وقال سحنون، إن الباقي يرث نصف ما ترك الصبي ونصف ما ورث الصبي من الأول، والذي يصح للصبي من الأول نصف ما وقف له، وإن كان للأول عصبة ورثوا مع الباقي من الأبوين ما ترك الصبي، قال/ سحنون، وإذا أوقف له ميراثه من الأول، ثم مات الثاني، وبقي الصبي، فوقف له ميراثه منه، ثم مات الصبي قبل أن يوالي، فإن نصف ميراثه يقتسمونه على التراضي, وقال ابن القاسم في العتبية (¬2) من رواية أصبغ، إذا مات الصبي بعد موت الأبوين وقبل أن يبلغ، فليرد ما كان أوقف له من ميراثهما إلى ورثتهما دونه، ولا يرث هو منهما شيئا، وميراث الصبي يكون لمن يرث الصبي من الأبوين جميعا لأقعد الناس (¬3) منهما نصف لكل فريق منهما على قدر قعددهم بالصبي. ¬
قيل لعيسى بن دينار، فمن ينفق على هذا الصبي إلى أن يبلغ حد الموالاة؟ قال، الشريكان، فإن بلغ فوالى أحدهما فلا يرجع عليه الذي لم يواله بشيء مما أنفق، وقال أصبغ، أما المشتري فالنفقة عليه حت يبلغ، فإن والاه فذلك، وإن والى البائع رجع عليه بالنفقة، وقال محمد بن عبد الحكم، ينفق عليه الشريكان، فإذا مات أحدهما أنفق على الصبي مما أنفق له من ميراثه، منه نصف نفقته، ونصفها على الحي منهما، وقال أصبغ، لا ينفق عليه منه، لأنه إنما يأخذ بعد الموالاة، وقاله أبو زيد. وإذا مات أحدهما فأوقف له ميراثه منه فبلغ فقال لا أوالي واحدا منهما. قال سحنون، قال لي ابن القاسم، إنه إذا بلغ، فليس له موالاة أحدهما، ويبقى ابنا، لهما يرثانه إن مات، قال ابن القاسم، وإن مات/ الصبي قبلهما، ورثاه جميعا، قال سحنون، وإذا مات قبل الموالاة وقف ميراثه منهما، فإذا بلغ أخذ ميراث من يوالي منهما، ورد الآخر، فإن والاهما أخذ النصف من كل واحد، وأخذ عصبة كل واحد النصف، وهو كابن تام في حجب الكلالة به، وبقية القول في حجبه وتوريثه مع سائر الورثة في كتاب المواريث. قال سحنون، ولو مات الصبي وترك ولدا قبل أن يوالي أحد الأبوين وهما حيان، بعد، فلولده (¬1) أن يوالي من شاء من الجدين، ولو ترك ولدين فليواليا جميعاً، واحد من الجدين، ولا يوالي هذا جدا وهذا جدا، كما لم يكن ذلك لأبيهما أن يواليهما جميعاً، ومن قول ابن القاسم، لو وضعت من بطنها توأما فليواليا من أحباء، ولكل واحد من الوالدين أن يوالي من شاء من الأبوين. ¬
في الأمة بين الحر والعبد يطآنها في طهر، أو أحدهما، فتأتي بولد
قال سحنون، وإذا وضعت ولدين في بطن، فقالت القافة هذا ابن هذا، وهذا ابن هذا، قال فإن كان الأول مليا قومت عليه وهي له أم ولد، ويغرم نصف قيمتها يوم حملت، ويرجع على الثاني بقيمة ولده ولد أم ولد، فإن كان الأول عندها رجع على الثاني بنصف قيمة ولده، ولا يرجع هو على الثاني بشيء، وقد قال يرجع عليه، وقال إنه قد قيل، قال، وتعتق الأمة عليهما. ومن كتاب ابن سحنون في الأقضية وهو لأشهب، وعن أمة بين رجلين أتت بولد، فادعاه أحدهما في مرضه، فهو به لاحق، وعليه نصف قيمتها من رأس ماله،/ وتعتق إن مات من رأس المال. في الأمة بين الحر والعبد يطآنها في طهر، أو أحدهما، فتأتي بولد من كتاب ابن سحنون، قال والأمة بين الحر والعبد يطؤها العبد فتحمل، فهي جناية، فإما فداه سيده بنصف قيمتها، أو أسلمه بماله، وهي لا تعتق، لأن واطئها عبد. قال سحنون في العتبية (¬1)، ولو وطئها في طهر فحملت، دعي للولد القافة، فإن ألحق بالعبد، فالحر مخير، إن شاء ضمن العبد قيمة نصيبه يوم وطئها، وإن شاء تماسك به، لأنها لا تخرج من رق إلى عتق، ويكون له نصف الولد رقيقا، فإن أحب الشريك أن يقومها عليه وهو معسر، بيع جميعها في نصف قيمتها يوم وطئها، ليس يوم أولدها، فيغرم قيمتها يوم الوطء في الوجهين، كان له مال أو لم يكن، وليس هو في القيمة إذا كان معسرا كالحر، قال، ولا يباع الولد معها إن لم يف ما بيعت به بنصف قيمتها، وتتبع به في ذمته، ليس جناية في رقبته. قال يحيى بن عمر، قال ابن عبد الحكم، ويقع في قلبي أنها جناية، قال سحنون، فإن ألحقته القافة بهما عتق الصبي على الحر، لأنه عتق نصف ابنه، ¬
ويقوم عليه نصيب العبد منه، ويقوم عليه أيضا نصيب العبد من الأمة، فيصير نصفها رقيقا ونصفها بحساب أم ولد، حتى يولدها مرة أخرى إذا ملك النصف الباقي، فتصير كلها أم ولد له، وإذا/ بلغ الصبي، والى أيهما شاء، فيكون ابنا له، ولا تتغير حريته، قال أصبغ، إذا قالت القافة اشتركا فيه، فنصيب الحر من الأمة عتيق، ونصف العبد مقام أم ولد يوقف بيده لا يطؤها، ويباع في دينه، ويبيعها بإذن سيده، فإن كبر الصبي ووالى الحر لحق به، وغرم نصف قيمته لسيد العبد، وإن والى العبد لحق به، وبقي نصفه حرا ونصفه رقيقا، ولا يقوم على الحر. ومن كتاب ابن سحنون لأشهب، وإذا كانت أمة بين حر وعبد مكاتب، فولدت، فادعيا الولد جميعا، فالولد يدعى له القافة، فمن ألحقوه به كان عليه نصف القيمة للآخر، وليس للحر في هذا تصدر على المكاتب لحرمة الحرية. قال أصبغ، وإذا كان أحدهما مسلما والآخر كافرا، فألحقت القافة الولد بالمسلم لحق به، وكانت الأمة أم ولد له، وغرم نصف قيمة الأمة للكافر، وإن ألحقته القافة بالكافر لحق به، وكان ولده على دينه يوارثه وينسب إليه، وكانت أم ولد له وغرم نصف قيمتها للمسلم، فإن كانت كافرة أقرت عنده أم ولد له، وإن كانت مسلمة عتقت عليه، وإن قالت القافة قد اشتركا فيه، فالأمة أم ولد معتقة منهما، والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء، فإن والى المسلم فهو ولده، وإن والى الكافر لم يترك على دينه، وإن مات الكافر قبل بلوغ الصبي، وقف له قدر ميراثه منه، فإن والاه/ أخذه، وإن والى الآخر انتسب إليه، وإن ماتا وقف ميراثه منهما، فأيهما والى أخذ ميراثه، وجبر على الإسلام بكل حال، وهو استحسان ليس بقياس، فإن مات الصبي بعد موتهما رد ما وقف من أموالهما إلى ورثتهما، ثم إن ترك مالا ورثه أو وهب له كان نصفه لعصبة أبيه المسلم بعد فرض ذوي الفرض، والنصف الآخر لعصبة أبيه الكافر المسلمين، وإن لم يكن لأبيه الكافر ورثة مسلمون، فذلك لبيت المال، قال، ولو أنهم ثلاثة، مسلم وعبد، ونصراني، فحملت الأمة مسلمة، فقالت القافة قد اشتركوا فيه، فإنها تعتق على المسلم والنصراني، ويقوم عليهما نصيب العبد، ولو كانت الأمة نصرانية، عتق جميعها على
في الأب يطأ أمة الولد أو مدبرته، أو أم ولده، فتحمل أو لا تحمل، وكيف إن كان أحدهما عبدا، أو الابن يطأ أمة من في كتابته فتحمل، ويدعي أخوه أنه من أبيه
الحر المسلم، وقوم عليه نصيب العبد والنصراني، فإن قالت القافة ليس هو لواحد منهم، رفع أبدا إلى غيرهما، فإن قالوا مثلهم رفع أبدا إلى آخرين، فإذا تمادى الإشكال، واتفقت القافة، فإن كان الآباء مقرين بالوطء في طهر، فليوال (¬1) أيهما شاء، وتكون أمة تبعا له إذا وضعته لستة أشهر فأكثر من وطء آخرهما، ادعوه أو لم يدعوه. وكذلك إن ادعاه أحدهما وأنكر الآخر، فلينظر إلى منكره، ويكشف عن وطئه، فإن كان فيما وصف من وطئه ما يمكن فيه الإنزال، كانا مشتركين فيه، وإن لم يكن في صفة وطئه ما يمكن ذلك فيه، وكان يدعى/ الخلسة بالعزل من الوطء الذي أقر به، فإني استحسن أن أجعله للآخر، والقياس أن يكونا سواء، إذ لعله غلب، والوكاء ينفلت (¬2)، وربما كان الاستحسان أولى من القياس. في الأب يطأ أمة الولد أو مدبرته، أو أم ولده، فتحمل أو لا تحمل، وكيف إن كان أحدهما عبدا، أو الابن يطأ أمة من في كتابته فتحمل، ويدعى أخوة أنه من أبيه من كتاب ابن المواز، قال، ومن وطئ أمة ولده لم يحد ولحق به وهي به أم ولد، وعليه قيمتها حملت أو لم تحمل ثم يحل له وطؤها قال سحنون، بعد الاستبراء، فإن كان الابن وطئها قبل ذلك حرمت عليهما جميعا، وعتقت على الأب إن حملت منه، قال عبد الملك وابن عبد الحكم، وإن أراد الابن حبسها فله ذلك، كان الأب مليا أو عديما، وذلك إن كان الابن مأمونا، بخلاف من أحل أمته لرجل فلم تحمل، قال ابن سحنون عن أبيه قال، تقوم على الأب وإن لم تحمل والابن صغيرا أو كبير، والأب عديم أو ملي، قاله أصحابنا عبد الرحمن وغيره. ¬
قال في كتاب الأقضية لابن سحنون وهو لأشهب، في الأمة لرجل تلد فادعى أبوه ولدها، فكذبه الابن، فإن ادعاه الابن لأبيه لم يقبل منه، وإن ادعاه لنفسه فهو ابنه، ويضمن قيمة الأمة، إلا أن يدعيه الابن فيكون أحقهما به. ومن كتاب ابن المواز قال، وإن وطئ أمة والده، حد، ولم يلحق به الولد، ولم تلزمه/ القيمة كالأجنبي، ولا تحرم على الأب، قال، وإذا وطئ أب أمة ابن ابنه، أو ابن ابنته، أو سرق ماله، فابن القاسم يراه كالأب في رفع الحد، وقال سحنون وأشهب، يحد فيهما كالأجنبي، وهو لا يلزمه النفقة له، قال، ولا يجوز نكاح الأب أمة الإبن، فإن فعل فلم يرد حتى مات الإبن فورثها، فهي له أم ولد، وإن كانت بينة الحمل، لأن قيمتها لزمته يوم الوطء وإن لم تحمل، وذلك أني لا أجيز نكاحه، ولم تبق في ملك الابن فيعتق ما في بطنها على الأخ، وقد لزمت الأب يوم الوطء، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬1)، أنها تلزم الأب بقيمتها يوم الوطء قال ابن المواز، ولا يجيز نكاح الأب إياها من أصحابنا إلا ابن عبد الحكم، فقال أكرهه، ولو نزل لم أفسحه، فأراها عنده لا تكون أم ولد، لأن ما في بطنها عتق على أخيه قبل موته. ومن العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن استلحق عند موته ابن أمة بينه وبين بنين له صغار، قال، يلحق به، وتؤخذ قيمة حصة بينه منها من ماله، فإن لم يكن له مال فهي حرة، وهي مصيبته دخلت عليهم. ومن كتاب ابن المواز، وكتاب ابن سحنون ذكره عن ابن الماجشون في الحر يطأ أمة ابنه العبد فتحمل، قال عليه قيمتها، ولا يحد، وهي به أم ولد، [وإن كان عديما] (¬3) بقيت رقا للابن، وأتبعه بقيمة الولد يوم وضعه، فإن عتق الابن ¬
وهي حامل بعد النظر فيها، بقي الأمر على ما/ ذكرنا، ثم إن أيسر الأب فاشتراها، كانت له أمة يبيعها إن شاء، وإن عتق الابن قبل النظر فيها، كانت له أم ولد، وأتبعه بقيمتها فقط في عدمه، وروى سحنون عن ابن القاسم في كتاب ابنه، أنه يضمن قيمتها حملت أو لم تحمل، ولا يكون لسيد العبد خيار، فإن كان مليا أعطى سيد العبد قيمة الجارية، وإن كان معسرا أتبعه بقيمتها دينا إن حملت، وبيعت إن لم تحمل، قال ابن المواز، وإن كان هو المملوك لم تكن به أم ولد، لأنه عبد، ولا يتبع بقيمتها لأنه ليس من معنى الغصب ولا الجراح فلا حد عليه، ولو قال الابن يسلمها إليه ويتبعه بقيمتها (إذ حرمها علي) (¬1)، لم يجز ذلك، لأن ما في بطنها عتق على أخية، ولو أسلمها إليه بلا ثمن لم تكن له أم ولد، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن ابن الماجشون. ومن الكتابين، وروي عن ابن القاسم، أنه كالجناية، وقيمة الجارية في رقبة العبد، والجارية للأب العبد، فإن شاء سيد العبد فداه بقيمة الجارية، وقال في كتاب ابن المواز، ويأخذ سيده الأمة، وقال في كتاب ابن سحنون، وتكون الجارية للعبد، والعبد للسيد. قال في الكتابين، فإن أسلمه كان حرا على أبيه. قال في كتاب ابن سحنون، وتتبعه الجارية وتكون أم ولد له إن كانت حاملا، لأنها مال من ماله، والولد لسيد العبد أسلمه أو فداه، وليس للابن خيار في أن يقول اعطوني الجارية، وإن ماتت الجارية قبل أن يخير السيد، فنصيبها من العبد يكون في/ رقبته، قال ابن المواز، فلم يعجبنا هذا، وأي جناية هي إلا ما حرمها على الابن، ولا قيمة للوطء، كما لو رجع شاهدا للطلاق بعد الحكم، لم يغرما شيئا، ولو كانت بكرا فافتضها لم يلزمه شيء، كما لا يلزم الأجنبي لأنها طاوعته. وفي كتاب ابن سحنون عن المغيرة، في العبد يطأ أمة أبيه الحر فتحمل، أنه إن كان غير مأذون في التجارة، فالجارية لأبيه، والولد يلحق بالعبد ويعتق على ¬
أبيه (¬1)، ويدار عنه الحد، وإن كان مأذونا له في التجارة قومت عليه قيمة عدل، ثم أخذ ذلك من ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال [بقي في ذمته، وولدها لسيد الأب، لأنه ليس من مال العبد. قال سحنون، وقيل إن العبد إن لم يكن له مال] (¬2)، بيعت الجارية لأبيه، ويعتق الولد على أبيه. ومن كتاب العتق لابن سحنون، ومن وطئ مدبرة أبيه فحملت منه، ضمن قيمتها للابن، وتكون أم ولد للابن، قيمتها أم لا تدبير فيها، وإن لم تحمل، فليغرم القيمة. فتوقف، فإن مات الابن وخرجت من ثلثه، رجعت القيمة إلى الأب، وإن لحقه دين يرقها، كانت للأب بالقيمة الأولى. ومن العتبية (¬3)، قال سحنون عن ابن الماجشون، فيمن وطئ أمة ابنه، ثم وطئها الابن بعد ذلك، قال، تسقط القيمة عن الأب بمصاب الابن، وتباع على الابن فيعطى ثمنها ما بلغ أقل من القيمة أو أكثر. قال أصبغ، لا يعجبني، ولتقوم على كل حال، ويأخذ قيمتها يوم وطئها إن اختلفت القيم، وتباع على الواطئ/ حين تحمل، ثم يتحاسبان على ذلك، فمن كان له فضل أخذه، ومن كان عليه نقص وداه. قال ابن الماجشون، ولو وطئها في طهر فأتت بولد، دعي له القافة، فإن ألحقته بالابن عتقت عليه الجارية، وكان الولد ولده، وقاله أصبغ، قال ابن الماجشون، فإن ألحقت الأول فكان هوالابن، لزم الأب قيمتها له لأنه أفسدها، وإن كان هو الأب، فالولد ولده، والأمة منه بالقيمة، وإن ألحقته بالثاني فكان هو الابن، تحاسبا بالقيمتين، ولو كان هو الأب، غرم قيمتها للابن ¬
في الأمة أو من فيها بقية رق تستحق وقد ولدت من مشتر أو زوج، والقضاء في ولدها
بكل حال بما أفسدها، وقال سحنون، في الميت يترك ولدين وجارية، [فتلد لستة أشهر فأكثر، فادعاه أحد الولدين لنفسه، ولو ادعاه الآخر لأبيهما، فإن كان السيد يطؤها، لحق به ولدها، ولا يصدق الأخ، وإن لم يكن يطؤها، لحق بهذا الأخ مدعيه] (¬1)، وغرم نصف قيمتها لأخيه وإن شك في وطء الأب، قالقول قول مدعي الولد، وعليه نصف القيمة. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم، في العبد يطأ أم ولد ابنه الحر، أو أمة له بكرا فيفتضها، قال لا حد عليه، وتكون قيمة أم الولد في رقبته، فإما فداه سيده أو أسلمه، وتعتق أم الولد على الابن، لأنها حرمت عليه، ولا يتهم أن يكون، يريد أن يكون عبدا لابنه، كما لو قطع لها عضوا لكان ذلك في رقبته، وكذلك وطؤه للبكر إذا نقصها ذلك، فإن ذلك في رقبته،/ ولو كانت ثيبا لم تلزم رقبته شيئا. قال محمد بن عبد الحكم، في نصراني وطئ أم ولد لابنه النصراني ثم أسلما، فإنها تعتق على الابن حين حرمت عليه، ولا قيمة له على أبيه، لأن الابن لو وطئها بعد وطء أبيه لم أمنعه في نصرانيتهما، فلما أسلما لم ألزم أباه قيمتها، وهي حرة، ولو كانت أمة فأسلما وهي حامل، قال، يعتق ما في بطنها على أخيه، ولا تقوم على الأب، وهي أمة للابن في الأمة، أو من فيها بقية رق تستحق وقد ولدت من مشتر أو زوج، والقضاء في ولدها قال ابن المواز في كتاب الغصب، في اختلاف قول مالك، في الأمة تستحق وقد ولدت من المشتري، قال وأجمع ابن القاسم وأشهب، أنه يأخذها وقيمة ولدها. ¬
قال أشهب، وعليه جماعة الناس، وهو قول مالك الأول، وقد قال يأخذ قيمتها فقط، ورجع إلى أن يأخذ قيمتها وقيمة ولدها، قال: وأم الولد والمعتقة إلى أجل إذا استحقت من يد مشتر، فلا يفيتهما عتق المشتري، ولا إيلاده إياهما، ويأخذهما المستحق مع قيمة الولد، لم يختلف في ذلك قولهم، وفي المعتق نصفها عليه نصف قيمة الولد، قال: وإذا تزوج مكاتب أو مدبر أو معتق إلى أجل، أو معتق بعضه، أو عبد أمة على أنها حرة، غره منها أحد، فليأخذها سيدها ويأخذ ولدها رقيقا. ومن كتاب ابن المواز، ومن تزوج/ أمة فاستحقت، فقال الزوج تزوجتها على أنها حرة، وقال المستحق بل تزوجتها على أنها أمة، فالزوج مصدق، إلا أن يقيم بينة، قال ويأخذها مستحقها، وعلى الأب قيمة ولدها اليوم، فإن لم يكن له مال، فذلك في مال الولد، ثم لا يرجع به الولد على الأب، وإن ألقى الأب ميتا، فالقيمة في تركته، ويحاص به غرماءه، وما عجز ففي مال الولد، وكذلك لو ابتاعها من السوق، ثم استحقت، ولا شيء فيمن مات من الولد، ولا فيمن قتل فاقتص له، أو هرب قاتله، فأما إن أخذ لهم ديته، فقال أشهب، هو كالموت، ولا شيء للمستحق فيما أخذ منهم، كما لو ترك مالا. وقال ابن القاسم، له الأقل مما أخذ فيهم، أو من قيمتهم يوم قتلوا، ولو ضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا، فأخذ قيمة الأب غرة. قال ابن القاسم، فللمستحق في ذلك الأقل مما أخذ الأب، أو من عشر قيمة أمهم. وقال أشهب، لا شيء من ذلك للمسحق، وكذلك لو قطعت يد الولد، فأخذ لها دية، فقال أشهب لا شيء من ذلك للمستحق، وله قيمة الولد أقطع فقط، (وقال ابن القاسم) (¬1)، له ذلك مع الأقل مما أخذ الأب في اليد أو ما بين قيمته صحيحا يوم القطع، وقيمته أقطع. ¬
قال محمد، قول أشهب صواب، قال: وإذا كانت قيمته لو كان عبدا أكثر من ألف، فليس لمستحقه على قطع يده الفضل، لأنه/ إنما قطع يد أخر، ولو قتل الولد، فأخذ له دية، فللمستحق الأقل من ذلك أو من قيمته، وقال أشهب، لا شيء له من ذلك. قال في كتاب ابن سحنون، والدية للأب، ولا شيء عليه من قيمتهم، قال، ولو كان للولد ولد فقضي لهم بالدية، ولا شيء على الأب من القيمة، وكذلك لو ضرب رجل بطنها، فألقت جنينا ميتا، فأخذ الأب فيه عشر قيمة الأم، فلا شيء عليه من قيمة الجنين لمستحقها على الأب، لا في ماله ولا في تركته. قال في كتاب محمد، وإن استحقت أنها أم ولد، فليأخذها ربها وله قيمة ولد أم ولد، على أنهم أحرار بموت السيد، إن بقوا إلى ذلك، قال، ولو مات المستحق قبل الحكم بالقيمة في الولد، فلا شيء على الأب، وإن كانت مكاتبة، فقد اختلف في قيمة ولدها، وأحب إلي أن يتعجل قيمتهم ويحسبه من آخر الكتابة، ما لم يكن أكثر مما بقي من الكتابة فلا يراد، لأنها تصير حرة، كما لو ودت قبل الحكم بالقيمة في الولد، ما كان الأب شيء. وقال ابن القاسم، توقف القيمة، فإن أدت رجعت القيمة إلى الأب، وإن عجزت أخذها السيد، فيقال لابن القاسم، إن الولد لما كان ذا جلاء في الكتابة، فالكتابة أحق بقيمته، كما لو قتل، وكما لو عتق وفيه رجاء السعاية، يحط عنها حصته إن رضيت بعتقه، قال ولو كانت مدبرة لغرم قيمة الولد رقيقا، كمدبر بيع وفات بالعتق، ولو كانت معتقة إلى أجل غرم قيمتها ولدها، على أنه حر إلى الأجل، قال، وأما أم الولد/ والمعتقة إلى أجل، فلم يختلف قولهم أنه يأخذهما مع قيمة الولد، وإن كان معتق نصفها أخذ نصف قيمة الولد، قال محمد، والقائل في الولد قيمتهم يوم ولد- يعني قول المغيرة قد أخطأ- ولو كان ذلك لكان عليه، وإن مات الولد وهو، فليس بغاصب فيضمنهم، وإنما حكم عثمان بأمثالهم، فكانت القيمة بدلا من المثل.
فيمن ادعى في أمة أنه ابتاعها أو تزوجها والسيد منكر أو مقر بغير الوجه الذي ادعاه من نكاح أو بيع أو ابتياع وقد ولدت، أو يبتاعها الزوج ثم يختلفان في الولد متي ولدته
ومن العتبية (¬1)، قال سحنون، فيمن ابتاع جارية فأولدها، ثم استحقها ربها فدفعها إليه، ثم اشتراها منه بعد ذلك، فإن كان دفعها إليه بقضية قاض، ثم اشتراها فلا تكون بذلك الولد أم ولد حتى يولدها في المستقبل، وإن كان دفعها إليه صلحا بغير قضية، ثم اشتراها، (فإنها بالولد الأول أم ولد له) (¬2)، وهذا الباب في النكاح مستوعب، ومنه في كتاب الاستحقاق. فيمن ادعى في أمة أنه ابتاعها أو تزوجها، والسيد منكر أو مقر بغير الوجه الذي ادعاه من النكاح أو بيع أو ابتياع، وقد ولدت، أو يبتاعها الزوج ثم يختلفان في الولد متى ولدته من كتاب ابن المواز، ومن ادعى في أمة رجل أنه زوجه إياها، وأن ولدها منه، وأنكر السيد، ولم يدع الولد، قال ابن القاسم، فلا يلحق به إلا أن يشتريه، ولو أعتقه السيد لم يلحق به، لما ثبت من ولاية له. وقال أشهب، يلحق باقيه رق أو عتق، فإن عتق ورث أباه، وولاؤه لسيده، وإنما لا يلحق/ بمن ادعاه من حازه نسب، أو من يتبين فيه كذبه، ومن بيده أمة قد أولدها وقال زوجنيها سيدها، وقال ربها بل بعتها منك بكذا، فقد أقر السيد بحرية ولدها بغير قيمة وبأنها معتقة إلى موت الواطئ، ويقال للواطئ لا يحل لك، لإقرار سيدها أنها معتقة إلى موتك، وأنه ملكك بقية رقها وذلك يفسخ النكاح الذي ادعيت ولو قلت في الثمن الذي قبضه منك أنك دفعته إليه بغير ذلك، كان لك أخذه منه بعد يمينك، وإن أنكر قبض الثمن، حلفت أنت له، وبرئت أنت، فإن نكل حلف هو وأخذ الثمن، فإن نكل فلا شيء له، وليس لك وطؤها ¬
بنكوله ولا بنكولك، ولا إن رجع سيده فأقر بالنكاح وكذب نفسه في البيع، ولا إن رجعت أنت إلى قوله، وقد قال بعض الناس، إذا رجع الواطئ إلى قول السيد، فإنه يقول قد حلت لي، فمن حجتها أن تقول قد أقر من ملكني أني معتقة إلى أجل موت الواطئ، وأوجب له في بقيته رقي، فصار أملك بعتقي منه، فإذا أقر أني أم ولد له وقد انعقد لي بقول السيد العتق إلى أجل، فقد وجب لي تعجيل العتق، إذ لا يصل بي إلى الوطء، قال محمد، فالقول ما قلت وهي حرة مكانها حين صدق الواطئ السيد، وولاؤها [وولاء ولدها] (¬1) للذي أولدها، فإن ماتت ولا ولد لها، والذي أولدها حي، فإنه يوفي من تركتها الثمن إلى البائع، وكذلك إلى ورثته إن كان الواطئ حيا، وإن كان قد مات قبلها، فالميراث كله/ لورثته لا يأخذ منه السيد ولا ورثته شيئا، ولو قامت لهم البينة العدل بالبيع، لأن ذلك في ذمة وليهم وهذا مال ورثوه أولا كان له فليس من تركته، قال محمد، ولو ماتت والواطئ حي ولها ولد، فما تركت للولد لا يأخذ منه البائع شيئا ولا الواطئ، كان قد صدق السيد أو لم يصدقه، قال محمد، إلا أن يموت في الإيقاف قبل تصديق الواطئ لسيدها، وقيل يرجع إلى قوله فلا يرثه الولد ها هنا، وذلك للواطئ بعد أن يؤدي منه الثمن، قيل فقبل أن يتم لها العتق على من نفقتها؟ قال أحسن ما سمعت أنها على الواطئ، لأنه يملك عتقها والنفقة تلزمه، كانت زوجة أو أم ولد. وقد روي عن ابن القاسم في هذه المسألة، أن ينظر إلى حال الواطئ، فإن كان مثله يجد الطول ولا ينكح الإماء، فالسيد مصدق، وإن كان ينكح مثله الإماء ولا يشبه أن يشتري مثله مثلها، فهو مصدق، وقال محمد، والأول أصوب ولا ينظر في هذا إلى ما يشبه، كما لو اعترف أمة بيد رجل ولدت منه، وادعى ربها أنه باعها منه، لم يصدق إلا ببينة، أو قال من هي بيده اشتريتها منك فأنكره ربها، فربها مصدق، ولا ينظر في هذا إلى الأشبه، وأكثر الناس لا يعلم تحريم الإماء. ¬
وروى أصبغ عن ابن القاسم، أنه ادعى ربها البيع والواطئ النكاح، أو ادعى الواطئ البيع وربها النكاح، فمن ادعى البيع فلا قول له/ إلا ببينة، لأنه يدعي إما ثمنا يأخذه، وإما مثمونا يأخذه، وله الثمن، وأعجب ذلك أصبغ، وقال أشهب، إن ادعى ربها البيع فالزوج مصدق وولده حر لاحق النسب. ومن كتاب أحمد بن ميسر، وإن قال ربها زوجتكها، وقال الآخر بعتها مني، قال: لا يثبت النكاح إلا ببينة، ولا البيع إلا بإقرار السيد، فإن أنكر حلف وبرئ، وإن نكل حلف مدعي الشراء واستحق، وإن نكل فلا شيء له، وإن ادعى ربها البيع منه، وقال هو زوجنيها، فإن لم تحمل فلا نكاح ولا بيع، وإن حملت فقد أقر ربها أنه أم ولد فلا سبيل له إليها وتوقفت، فإن أقر الواطئ بالبيع فهي له أم ولد يطؤها بملك اليمين، وإن لم تقر فهي موقوفة حتى يموت الواطئ فتعتق، أو تموت هي في حياته عن مال، فيأخذ منه السيد ثمنها الذي ادعى. ومن كتاب ابن سحنون، ومن العتبية، قال ابن سحنون، فيمن قال لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه الذي بعتك (¬1)، فقال بعتنيها ولكنك أودعتنيها فعدوت عليها فأولدتها، قال فرب الجارية مدع عليه مالا، ومقر أنها أم ولده، والمقر له ينفي ذلك وينفي الولد بإقراره بالزنى، فعليه الحد إن ثبت على إقراره، وأما ربها فقد أقر أنها أم ولد لهذا بأمر جائز وهو حق لها، فتكون له أم ولد وتبقى موقوفة لا يصل إليها. من أولدها، إلا أن يقر بما قال ربها، وأما ولدها فأحرار بكل حال، لإقرار ربها بذلك، فإن ماتت الجارية في الإيقاف فتركت مالا، قال في كتاب ابنه، / أو قتلت فأخذ فيها قيمة، فلربها المدعي لبيعها أن يأخذ من تركتها أو من قيمتها الثمن الذي ادعى، وما فضل فموقوف، فإن أقر الذي أولدها بالشراء والإيلاد، أخذ ذلك، وإن تمادى على إنكاره أوقف باقي المال أبدا، وإن تمادى على أنه عدا عليها حد، قال سحنون في كتاب ابنه في العتبية، ولو قال الذي هي يديه اشتريتها منك، وقال ربها زوجتكها ولم أبعها منك، وقد أولدها، فربها مصدق مع يمينه، فإن ¬
حلف كانت هي والولد رقيقا له، ويلحق نسبهم بالأب، لأن الذي أولدها مقر بها لربها ومدع للشراء، ولو قال ربها بعتها منك، وقال الذي هي بيده زوجتنيها، فربها في هذا مقر أنها أم ولد للواطئ، وأن ولدها أحرار لاحقون بأبيهم، فلا سبيل له عليهم ولا عليهم، وهو يدعي ثمنا فليس له ذلك إلا ببينة، وتوقف الجارية حتى تموت، فإن ماتت عن مال أو قتلت فأخذ في قيمتها مال أخذ منه ربها الثمن الذي ادعى، وما بقي فموقوف، فإن أقر الذي كانت في يديه بالشراء أخذ بقية المال، ولا أوقف أبدا، قال، ونفقتها في الإيقاف على نفسها، ولا ينفق عليها مدعي النكاح، لأني حلت بينه وبينها. قال في العتبية، أصبغ مثله، قيل لأصبغ، فإن مات مدعي التزويج قبلها، قال فالأمة حرة لإقرار السيد أنها أم ولد للميت، ولو ماتت الأمة بعد ذلك عن مال لم يكن للسيد في مالها ثمن ولا غيره، لأنها ماتت وهي حرة، ويرث/ مالها ورثة الذي أقر السيد أنه باعها منه. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه، وقد ولدت منه، فيقول إنما زوجتنيها ولم أشترها، قال إن كان مثله لا يتزوج الإماء لشرفه وماله لم يصدق، وكان عليه ثمنها، وإن كان مثله يتزوج الإماء فالقول قوله- يريد مع يمينه- وقيل للآخر أنت مقر للآخر أنت مقر أنه إنما لك قبله ثمن جحدكه، وأنها أم ولد، فليس لك أخذها، وتبقى بيد مولدها يطؤها ويضع فيها ما يشاء، وإن لم تلد فليحلف ويفسخ النكاح، ويأخذها ربها. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم فيه، إذا قال بعتها مني، وقال ربها زوجتكها، فربها مصدق، وقاله أصبغ عن ابن القاسم، يتحالفان ويتفاسخان، ولا تكون زوجة ولا أم ولد، ويأخذها سيدها، لأن المشتري ينفي النكاح فهو كالمطلق ويدع ملكها بلا بينة، فأما الولد في قول ربها بعتها منك، أحرار تبع لأبيهم، لا قيمة عليه فيهم، وأما في قوله زوجتكها، يكون الولد له رقا.
فيمن باع أم ولده، وكيف إن أعتقت أو ولدت ومن حلف ألا يطأها هل تعتق عليه؟
وقال ابن حبيب عن أصبغ، في الأمة بيد رجل فدى ولدها ويقول قد ابتعتها من سيدها، وقال سيدها بل زوجتكها، قال يحلف ربها بالله ما باعها منه ويأخذها وولدها، ولو قال سيدها بعتها منك بكرا وقال الآخر بل زوجتنيها، قال: يحلف الذي هي عنده بالله لما ابتاعها منه، ويبرأ من الثمن، ثم يوقف عنه ولا يترك/ عنده وهو منكر لرقها، والولد حر، ولا ترد إلى سيدها، لإقراره أنها أم ولد للآخر. قيل فإن أقره ولدها بالشراء أدى الثمن ورجعت إليه أم ولد بحالها، وقال إذا ماتت قبل موت مولدها أو بعده مثل ما ذكر سحنون وابن المواز في أخذ الثمن من تركتها إن ماتت قبله، وإن ماتت بعده كان ما تركت لمن يرث الولاء عن مولدها، وينظر السلطان في نفقتها في الإيقاف، فإن لم يجد لها ولم تقو هي أن تنفق على نفسها، قيل للذي أولدها إما أنفقت عليها، وإلا فاعتقتها ثم لا رجوع لك فيها. ومن كتاب ابن حبيب (¬1) قال مطرف وابن الماجشون، فيمن تزوج أمة قوم ثم اشتراها وقد ولد له منها ولد، فاختلفا فيهم، فقال البائع ولدوا في النكاح، وقال الزوج بل ولدوا بعد أن اشتريتها، والولد صغار أو كبار، فلينظر في ذلك، فإن رأى أنهم للنكاح صدق البائع، وإن رأى أنهم لبعد الشراء صدق الزوج، وإن أشكل ذلك وجهل وقت الشراء فالولد أحرار صغارا كانوا أو كبارا، ولا قول للزوج ولا للبائع في ذلك، ولو أقر الزوج أنهم ولدوا قبل الشراء لم يصدق إلا ببينة، وقال أصبغ مثله. فيمن باع أم ولده، وكيف إن أعتقت أو ولدت، ومن حلف ألا يطأها هل تعتق عليه؟ قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك، فيمن باع أم ولده فأعتقها المبتاع، فلينقض عتقه وترد إلى سيدها، لأنه قد ثبت لها أمر قوي بالولد، ولو ماتت عند المبتاع فمصيبتها من البائع./ ولو مات المشتري فذهب ولم يقدر عليه، فليتبعه ¬
أبدا حتى يرد عليه الثمن، فإن قدر عليه وقد ماتت بيد المبتاع، فليرد الثمن إليه بكل حال، ولا يتبعه بشيء، وإن لم يكن عند البائع شيء، وإن لم يكن عند البائع شيء فالثمن عليه دين (¬1)، ماتت أو لم تمت، مات البائع قبلها أو بعدها أو لم يمت، أفلس أو لم يفلس، ولو أولدها المبتاع فالولد بالمبتاع لاحق، ولا قيمة فيه عليه، لأن البائع أباحه فرجها، وإنما له قيمة الولد لو بيعت عليه بغير طوعه، قال أبو محمد، قوله في ولد الزوج فيه نظر، قال أصبغ فيمن باع أم ولده ولم ترد حتى باعها المبتاع، فليرد فيها كل بيع وعتق، ويرد الثمن، ومن باع أم ولده على أنها حرة بشرط مشروط لم يرد، وولاؤها لسيدها، ويسوغ له الثمن، كما لو أخذ مالاً على أن يعتقها، ولو باعها على أن يعتقها المبتاع وليس على أنها حرة ساعتئذ، فهذه ترد ما لم تفت بالعتق فتمضي والولاء لبائعها، ويسوغ له الثمن، لأن المبتاع علم أنها أم ولد وشرط فيها العتق، فكأنه فكاك، ولو لم يعلم أنها أم ولد لرجع بالثمن. قال أصبغ، ومن قال لأم ولده، إن وطئتك فأنت حرة، لم تعتق عليه، لأنه بقي فيها تلذذه بغير الوطء، وبقي له فيها وطأة واحدة حلال، ولو كان يملك أختها، لم يحل له وطء أختها حتى يحرم فرج هذه بغير هذه اليمين، وقد قال جل الناس إلا مالكاً، في أم الولد إذا حرم فرجها حل له استخدامها إلى موته، ولو قال لهذه أنت حرة إلى سنة على أن خدمتك لي/ إلى سنة لعتقت الآن، ولا تبالي استثنى خدمتها أو لم يستثنها، ولو باع المكاتب حين خاف العجز أم ولده وهي حامل، قال ابن حبيب قال أصبغ، في المكاتب يخاف العجز فيبيع أم ولده وهي حامل منه، فولدت عند المبتاع، فإن كان المكاتب بحاله لم يعجز ولا عتق، فلترد حتى تعتق بعتقه، أو تعجز فيبيعها دون الولد، وإن عتق أو عجز فرق، مضى بيع [الأمة بقيمتها على أن ¬
جامع القول في ولد أم الولد
جنينها مستثنى، ورد الولد فكان كاتبه يعتق بعتقه] (¬1)، أو يعجز فيرق لسيده، فإن لم يرد حتى أعتق المشتري الأمة وولدها، والمكاتب بحاله أو قد عجز، أو ودى (¬2) فذلك سواء، يمضي العتق في الأم، وترد إلى قيمتها على أن جنينها مستثنى، ويرد عتق الولد، فإن كان أبوه قد عتق، عتق بعتقه، وولاؤه لسيده، وإن كان قد عجز كان الولد معه رقيقا، وإن كان بحاله لم يعجز رد وكان معه يعتق بعتقه أو يرق برقه. جامع القول في ولد أم الولد من كتاب ابن سحنون قال مالك: كان ربيعة يقول في ولد أم الولد من زوج أنهم أحرار في حياة سيد أمهم، ويقول لم يؤذن له في إنكاحها، إنما له منها الاستمتاع، قال مالك، وأحب إلي ألا يعتقوا حتى تعتق أمهم، وأكره له أن يزوجها، ولا أراه، وإنما له فيها المتعة، وربما كان له منها الولد الكبير فيريد بذلك مساءته ومن ومن العتبية روى أشهب عن مالك، فيمن زوج أم ولده لعبده فتلد منه/ جارية، فيهب تلك الجارية لولده، فله وطؤها كما له نكاح ابنة امرأة أبيه من غيره، ثم رجع مالك عن هذا في رواية ابن القاسم، وقيل له في رواية أشهب أليس ولدها بمنزلة أمه كالمعتق إلى أجل، فكيف يهبها؟ فسكت، قال أشهب، ليس في ذلك شك أن كل من فيها طرف حرية فلا يطئها السيد أحداً برق، ولكن بنكاح ورواه ابن القاسم عن مالك، أنه لا يهب ابنة أم ولده لأحد ولا يطؤها أحد إلا بنكاح، وكذلك بنات المدبرة. وقال في كتاب ابن المواز، ولا يهب أم ولده لمن يطؤها، لأنها معتقة إلى أجل، ولا يهب مدبرته ولا أم ولده ولا معتقة إلى أجل، وله أن يزوجهن، وله أن يزوج بنت أم ولده لابنه، محمد إن لم يشرب ولد أم الولد من لبن سيد أمها مثل أن ينقطع لبن السيد منها قبل أن تلد من غيره. ¬
مسائل مختلفة من أمهات الأولاد
مسائل مختلفة من أمهات الأولاد من كتاب ابن المواز، ومن شرط لزوجته إن تسرر عليها فهي طالق، فلما مرض أقر بابن أمة له، فإنه يلحق به، وترثه الزوجة، قال ابن القاسم، ترث الثمن، ومن وطى بنت امرأته وهي أمة له أو لولده فحملت فإنها تعتق مكانها ويغرم الابن مكانها، ويغرم الابن قيمتها إن كانت له، ومن أولد أمته ثم علم أن أباه من الرضاعة وطئها، فإنها تعتق مكانها، ويغرم الابن قيمتها إن كانت له على سيدها، ومن حلف بحرية أم ولده إن وطئها لم تعتق عليه حتى يطأها. / في أم الولد يموت السيد وبيدها حلي أو ثبات وفرش، هل تكون لها؟ وكيف بما أوصى لها به من ذلك؟ من العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم، وعن أم الولد لها حلي ومتاع أتراه لها؟، قال نعم، إلا الأمر المستنكر، وكذلك ما كان لها من ثياب إذا عرف أنها كانت تلبسها وتستمتع بها في حياة السيد فهي لها، وإن لم تكن لها بينة على أصل عطية. وعن أم ولد لها حلي وثياب فهلك سيدها، أترى ذلك لها؟ قال نعم. قال عنه أشهب، وإن ادعت متاع البيت، فأرى أن تكلف البينة أن ذلك لها، وإن كان ذلك من متاع النساء بخلاف الحرة، قال، وما أعطاها سيدها من حلي وثياب فذلك لها إذا مات، قيل، فما كان من متاع البيت دنيء؟ قال، أما الفراش [والحلي واللحاف التي على ظهرها فذلك لها. قال وما بيدها من متاع وهبه لها السيد] (¬2) فليس لهم أخذه. ¬
قال عنه ابن القاسم في أم ولد لها حلي وكسوة، وأوصى سيدها عند موته إن هي قامت على ولده فدعوا لها ما كان لها، وإن لم تقم فتزوجت فخذوا ما كان في يديها من كسوة وحلي، قال مالك، ليس ذلك لها حين مات، وليس له في مرضه أن ينزع منها ما كان أعطاها، وكذلك المدبرة. تم كتاب أمهات الأولاد بحمد الله وعونه
كتاب الاستلحاق والإقرار بالنسب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه كتاب الاستلحاق والإقرار بالنسب (¬1) جامع القول في الاستلحاق والإقرار بالولد وغيره ومن أقر بأخ هل يرثه؟ أو قال فلان وارثي هل يرثه (¬2)؟ ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون، ما علمت بين الناس إختلافا أن إقرار الرجل بولد لا يجوز بذكر ولا بأنثى من ذكور الولد، ولا من إناثهم، ولا يثبت نسبه مع وارث معروف أو ذي قرابة معروف، قال ولا يثبت نسبه وإن لم يكن له وارث معروف، [أو ذو قرابة معروف] (¬3) ولا يجوز إقراره بأحد من القرابة من الإخوة والأخوات والأجداد والجدات، ولا بالأعمام وبنيهم، ولا بأحد من ذوي الأرحام، وإنما يستلحق الولد خاصة فيلحق به قال مالك، إذا لم يكن له نسب معروف ولا تبين كذب الأب، لحق به وإن لم يعرف أنه ملك أمة أو تزوجها [وقاله ابن القاسم وقال أيضا ابن القاسم لا يلحق به حتى يعرف أن أمه قد كان ملكها أو تزوجها] (¬4)، أو باعها وهي حامل ثم استلحقه وشبه ذلك، وهذا قد تقدم في كتاب أم الولد. ¬
قال أصبغ فيه وفي العتبية (¬1)، يجوز استلحاقه لولد الصلب خاصة في صحته أو في مرضه/ كان له ولد غيره أو لم يكن. وإذا كان له أخ معروف أو ابن أخ معروف، فأقر لأحد أنه أخوه أيضا، أو قال ابن عمي، أو وارثي، [فإقرار باطل، وميراثه للوارث المعروف، فإن لم يكن له أحد من وارث معروف، ولا مولى غير هذا الذي أقر له في صحته أو في مرضه فإنه يجوز إقراره، ويستوجب ميراثه، وسواء قال أخي أو عمي أو ابن عمي، أو قال وارثي] (¬2) أو مولاى فإنه يرثه من باب إقراره له، ولا يثبت له النسب بذلك إلا أن يأتي وارث معروف بالبينة فيكون أحق بالميراث، وقال سحنون مثله، إلا في قوله إن لم يكن له وارث معروف فاختلف قوله فيه، فقال كقول أصبغ، ثم قال لا ميراث له لأن المسلمين يرثونه فذلك كالوارث المعروف. قال سحنون (¬3): وإنما اختلف أصحابنا وأهل العراق في مثل هذا لاختلافهم في الأصل، لأنهم قالوا إذا لم يكن له وارث معروف كان له أن يوصي بماله كله لمن أحب، فبذلك جوزوا إقراره (¬4) بمن ذكرنا من القرابة، وأصحابنا لا يجيزون له أن يوصي إلا بالثلث وإن لم يكن له وارث. قال أصبغ فيه في العتبية، لو أقر بأن هذا الرجل وارثه وله ورثة معروفون فلم يمت المقر حتى مات ورثته المعروفون، فإن ميراثه لهذا الذي كان أقر له أنه وارثه، وكأنه أقر له ولا وارث له، قال أحمد بن ميسر، وإذا شهدت بينة أنهم لم يزالوا يسمعون فلانا يذكر/ أن فلانا ابن عمه أو مولاه، قال أم ابن القاسم فيقول، هو شاهد إن لم يكن للمال طالب معروف غيره، أخذه مع يمينه بعد الثاني، وإن كان للمال طالب غيره أثبت من هذا كان أولى بالميراث ولا يثبت للأول ها هنا ولاء. ¬
وقال أشهب، ليس له ولاؤه ولا ميراث إذ لا يستحق ميراثا إلا من استحق النسب، وبعد هذا باب في الإقرار بغير الولد من القرابات فيه بقية هذا المعنى. ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم، وعمن قال لغلامه هذا ابني والغلام معروف أنه سندي (¬2)، والرجل فارسي هل يصير حرا؟ قال مالك: ما ادعى من ذلك مما يستيقن الناس أنه ليس بولده لم يلحق به، قال سحنون لا يكون حرا. وروى عيسى عن ابن القاسم في مسلم دخل دار الحرب فأقام بها سنين ثم خرج ومعه ذرية فيقول هم أولادي، فإقراره جائز. قال ابن القاسم عن مالك في سماعه، ومن أقر أن هذا أخوه ولا يعرف له نسب معروف، أنه إن مات ورثه. قال أبو محمد: يريد إن لم يكن له وارث معروف. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في امرأة أوصت أن فلانا الهالك أبوها [وأنه كان يقر بها في صحته أنها ابنته] (¬3)، ولا تعلم البينة أن أمها كانت له ملكاً ولا زوجة له، وهم جيران له، والميت حسن الحال، أو ممن يتهم، قال ينظر إلى حال المقر، فإن رأوا أنه أقر بها من حلال فنسبها ثابت، وإن لم تعرف أمها في ملكه بملك أو نكاح/ إلا أن يتبين كذبه بأمر بين فلا يصدق، أو يقر بها على سبب فسق فلا تلحق به، كان المقر صالحا أو غير صالح. قال أصبغ، ولا يستلحق أحد إلا ولد الصلب، وأما ولد الولد فلا يجوز استلحاقه إن كان له وارث معروف وهو كالأخ وغيره، ولأنه لو كان ابنه حيا فأنكر أن يكون هذا ابنه لم يكن للجد قول وأبوه ينكره. قال أصبغ قال ابن القاسم وأشهب، فيمن أقر في مرضه أن فلانة زوجته، وأن الولد الذي معها ولده، فيلحقه أن المرأة ترثه، قال ابن القاسم، فإن لم يكن ¬
معها ولد لم ترثه إلا أن تقيم على أصل النكاح بينة أو سماعا من العدول بأنها امرأته. قال أصبغ: ومن أقر بأخ ثم أقر بعد زمان بولاية لرجل، أو أقر بالولاء ثم بالأخ، أو ثبت الولاء ببينة بعد إقراره بالأخ، قال: البينة أولى كان هو الأول أو الثاني. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، ومن له عبد فأقر أنه ابنه وليس له نسب معروف فإنه يلحق به ويرثه، وإن لم يكن له مال غيره لم يلزم الابن شيء. يتبع به، وكذلك لو كان عليه دين محيط به للحق به ويثبت نسبه ولا يتبع بشيء. وكذلك إن قال هو ابني من هذه الأمة وقد ولدته عندي في صحته أو في مرضه فهو به لاحق، وأمه أم ولد تعتق بموت السيد، كان عليه دين محيط أو لم يكن. من كتاب ابن سحنون وهو لأشهب، ومن استلحق أخا في بلد الإسلام لم يوارثه، ولا يستلحق إلا الأب أو الجد، / قال أبو محمد، قوله في الجد ليس بقول ابن القاسم وسحنون. وقال سحنون: ما أعلم فيه اختلافا إن كان له وارث غيره معروف. قال أشهب، ومن له ابن فمات وبيده صبي فقال الجد هو ابن ابني فلا يصدق على نسبه، لأن ابنه قد كان في يديه فلم يدعه فكأنه نفاه فلا يلحق به بقول الجد، هذا إن كان مع الابن وارث غيره، ولكن لا ينبغي للجد أن يأكل من ثمنه شيئا إن صدق، وإن لم يكن معه وارث غيره عتق ويكون له ميراث الابن وللأب ميراثه، ولكن لا يثبت بذلك نسب الابن. قال سحنون في العتبية (¬1) في صبي ادعاه مسلم ونصراني فقال المسلم هو عبدي، وقال النصراني هو ولدي، قال: يقوم على النصراني في النصف الذي يدعيه المسلم ويعتق عليه. وفي كتاب الإقرار باب في الاستلحاق، ¬
وفي كتاب ابن ميسر، من ابتاع أمة معها ولد فقال هو ابني، فإن قال بنكاح لحق به [ولا تكن هي به أم ولد] (¬1)، [وإن قال بملك لحق به وكانت به أم ولد] (¬2)، وإن قال بزنى لم يلحق به ولا تكن هي به أم ولد، وإن لم يرجع عن إقراره حد، ولو كان ملكه لها معروفا (¬3) لم يزل عنه ملكها لحق به وهو كاذب في قوله من زنى، وإن قدمت امرأة ببلد ومعها ولد فادعاها رجلان (¬4) كل واحد يقول هي زوجتي وهو ولد، فمن أنكرته منهما فلا يلحق به الولد، وأما إضافتها الولد إلى أحدهما ولم يتقدم/ لأحدهما عليها ملك فقد أقرت له بالنكاح، ما لم يسبق إقرارها بالنكاح لغيره فتكون هى له زوجة، والولد له إن ادعاه، وإن لم يدعه وادعاه غيره وأقرت له، وأقرت أنه كان بينهما نكاح قبل ذلك، وأقر المضاف إليه بالولد فهو به لاحق، ولا أفرق بينهما وبين من قد ثبت نكاحه. ومن أقر أن ولد فلانة أمة ولده هو ابنه، فإنه يلحق به إن لم يكن له ابن معروف قبل ذلك، ويغرم قيمة الأمة لولده في ملائه ويتبع به في عدمه، [وعليه الأدب إن لم يعذر بالجهالة، وهي أم ولد له] (¬5)، وإن كان الولد ولد في غير ملك الابن فأمه أمة والولد عتيق على أخيه. ومن أقر بولد أمة عبده فهو به لاحق إذا ولدته وهي في ملك عبده، ولم يكن العبد ينسبه إلى نفسه، وهي به أم ولد، وإن كانت ولدته وهي في غير ملك عبده فالولد لاحق بالسيد فهو حر، والأمة أمة لعبده، وإن تركها السيد على حالها. وكذلك أمة مدبره، وأما أمة المكاتب فإن ام يجز الولد المكاتب ولا غيره لحق بالسيد وأدى قيمة أمه للمكاتب، وكانت به أم ولد. ¬
فيما يستلحق من الولد بعد بيعه، أو بيع الأم، وفي الأمة لها زوج، فيستلحق السيد ولدها، وفي الولد يستحلق بعد اللعان
وإن ولد في غير ملك المكاتبة انتظر بالمكاتب، فإن عجز لحق الولد بالسيد وله أخذ الأمة، وإن عتق المكاتب فإن صدق المكاتب سيده لحق به في قول ابن القاسم. ولو استلحق رجل ولد أمة والده، فإن كان استلحق الولد بما يجوز به الاستلحاق وصدقه الأب على ذلك عتق على الجد،/ ولم تكن هي به أم ولد، وإن لم يصدقه لم يلحق به إلا أن يملكه يوما ما، وإن استلحقه بما لا يجوز به الاستلحاق لم يلحق به وعليه الحد إن ثبت على قوله، وليس كالأب يستلحق ولد أمة ولده لأنه يدرأ عنه الحد بوطئه إياها، وأما لو استلحق الجد ولد أمة ابنه، فقد اختلف فيه، فقيل هو كالأب في الحرمة في درء الحد، وقيل ليس ذلك إلا في الأب خاصة. فيما يستلحق (¬1) من الولد بعد بيعه، أو بيع الأم، وفي الأمة لها زوج، فيستلحق السيد ولدها، وفي الولد يستلحق بعد اللعان. من كتاب ابن سحنون عن أبيه وهو لأشهب، وعمن استلحق ولد أمة باعها فولدت لأقل من ستة أشهر من يوم البيع وقد أعتق المبتاع الأم؟ قال يلحق به، ويبطل عتق المبتاع، وترجع إليه ويرد الثمن، ولو استلحق الولد بعد أن مات لم يصدق، فإن صدقه المشتري، إن كان أحدث في الأمة عتقا أو تدبيرا أو كتابة أو إيلادا، فلا ترد إليه. قال: وإن لم يحدث فيها شيئا وصدقه، ردها وأخذ الثمن، ولو لم يصدقه ولم يكذبه رجع عليه بالثمن وأخذه، وإن كذبه لم يرجع عليه بشيء. ¬
وأستحسن إن صدقه وهي حية قد أعتقها أن يرجع عليه بالثمن، وتقر على حالها من عتق أو تدبير أو غيره، وإن صدقه وقد كاتبها، فلتسأل هي فإن أقرت به انتقضت الكتابة وعادت إليه أم ولد، ورد الثمن، وإن كذبته سعت في/ الكتابة، فإن ودتها أعتقت ورجع المبتاع بالثمن وما أدت من الكتابة لها وهي حرة، وهذا استحسان ليس بقياس، ولو ابتاعها حاملا فوضعت لأقل من ستة أشهر بنتا ثم ولدت ابنتها ابنا فاستلحق البائع البنت بعد أن أعتق المشتري البنت، قال يصدق ويبطل عتق المشتري ويرد الأمة إلى سيدها، ورد جميع الثمن، ويصير الابن حرا بحرية أمه التي ألحقها بابنها كما لو ولد عندك عبد ثم ولد له ولد فبعت أنت الولد بعتق ثم استلحقت أنت أباه، فإنه يلحق بك، ويبطل بيع الابن وعتقه، ويرد الثمن، وكذلك لو لم يبع إلا فأعتق ثم استلحقه للحق به وبطل عتق المبتاع [ورد وأخذ ثمنه إن كان لدعواه وجه من ملك أو شبه ذلك، ولو لم يدعه حتى مات عند المبتاع] (¬1) فإن لم يكن له ولد لم يصدق بدعواه إياه إن كان أعتقه الذي كان بيده أو مات عبدا فترك مالا هو أكثر مما يرد من ثمنه ويتهم أن يدعيه لبعض هذا. ولو ولدت أمة ولدين في بطن فباعها مع أحدهما وأمسك الآخر، وأعتق المبتاع ثم ادعى البائع الولدين أو أحدهما فالنسب لاحق وترد الأم أم ولد، ويبطل عتقها ويأخذ الثمن، ولو كانا في بطنين فادعى الباقي في يديه لحق به وردت الأم إليه أم ولد، وإن كان الذي باع ولم يدعه ولد أولا نفذ فيه البيع ورجع المبتاع بما يصيب الأم من ثمن، ¬
وإن كان الذي باع هو ولد بعد المستلحق فهو ولد أم ولد، /ويرد فيه البيع مع أمه، وإن كان استلحق المبيع رد مع أمه، ويرد البائع الثمن ويصير الولد الثاني ولد أمه ولد يعتق بموت السيد، ومن له أمة فولدت ولدا فقال السيد هو من زوجها والزوج حر أو عبد، فصدقه الزوج أو كذبه أو لم يقر ولم ينكره، أو كان غائبا، أو كان الزوج معروفا ثم استلحقه السيد، فإن كان الزوج حاضرا في حين الحمل فادعاه لحق به دون السيد، ولا دعوى للسيد فيه قبل إقرار الزوج أو بعد، وإن أنكره الزوج لاعن ثم لحق بالسيد، ولو كان الزوج غائبا عنها بقدر ما يعلم أن الولد لا يكون له للحين الذي حضر فيه، ألحق بالسيد إن ادعاه، ولا يكون للزوج، وإن ادعاه وقال قد كنت أغشاها سرا من غيبتي، فلا ينفعه إلا أن تقيم بينة على ذلك، وإن لم يذعه السيد أصلا وادعاه الزوج وكان غائبا غيبة لا يكون الولد منه، ولم يزعم أنه غشيها من موضع غيبته، فلا يلحق به إن أقرت له بذلك امرأته، وإن ادعته امرأته لم ينفه إلا بلعان. ومن أقر في أمة عبده أنه زوجها زوجا غائبا فجاءت بولد وهو حي لم يمت بعد فولد لستة أشهر فادعاه السيد فالولد يلحق به، فإذا قدم الزوج فإن أنكر الولد أو جحد النكاح ثم لحوقه بالسيد، [وإن ادعاه الزوج وثبت نكاحا كان الولد ولده دون السيد،] (¬1) قال: وإذا ولدت أمة الرجل ولدا فادعاه والد سيدها أنه منه وأكذبه/ السيد والأمة، فالأب مصدق ويلحق به، وتصير الأمة له أم ولد، ويضمن القيمة يوم أصابها كان الولد صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، إلا أن يدعيه ابنه فيلحق به دون الأب. قال: وإذا تزوج رجل أمة ولده برضاه أو بغير رضاه وهو صغير أو كبير فولدت منه ولدا وأقر به، فالولد به لاحق، ونكاحه يفسخ، كان برأى الولد، أو لم ¬
يزوجه هو، لأن نكاحه لها لا يصلح، وتكون الأمة به أم ولد وأجعله كأنه وطئها بغير نكاح، ولو أجزت نكاحه ألحقت به الولد، ولم أجعلها له أم ولد. قال ابن حبيب قال أصبغ، فيمن باع أمة ومعها ولد، أو هي حامل، أو حائل فولدت عند المبتاع، ثم يستلحق البائع الولد، فأحسن ما فيه عندي أنه إن كان معها ولد قبل قوله فيها، كانت رائعة أو غير رائعة، كان يملك ثمنها أو لا يملكه، فأما إن لم يكن معها ولد فانظر، فإن [كانت رائعة يتهم فيها بصيانته لم يصدق كان مليا أو معدما وإن] (¬1) كانت دنية صدق إلا أن يكون معسرا بثمنها، وأما إن أعتقها مبتاعها قبل إقرار البائع بالولد فعتقها ماض ولا يصدق فيها، كانت رائعة أو دنية، كان معها ولد أو لم يكن. وأما الولد فإقراره فيه جائز كان مليا أو عديما، كان قد أعتقه أولا، ونسبه لولي من عتق المبتاع، ولا يرد عتق الأم، ويقبض الثمن عليه وعليها إن كان معها في البيع، أو كانت حاملا يومئذ، فما أصاب الولد رجع به المبتاع، قلت فكيف تقوم إن كانت حاملا في البيع؟ قال بقيمة/ الأم يوم وضعته، قلت فلم لا كان قيمته يوم أقر به،؟ قال: ليس كالمستحقة لأن ولد تلك لو مات لم يلزم أباه قيمة، وهذه لو مات لزم أباه حصته من الثمن. قال ابن الماجشون: إن كان قد شهد عليه وسمع منه قبل بيعها إقراره بمسيسها فإنه يرد في عدمه وملائه اتهم فيها أو لم يتهم. كان معها ولد، أو لم يكن كانت قد أعتقت أو لم تعتق كأم ولد بيعت، وإن لم يكن سمع منه الإقرار بوطئها قبل البيع. فانظر، فإن كان لا ولد معها (¬2) وهي دنية وهو (¬3) ملي بثمنها قبل قوله، وإن كانت رائعة يتهم فيها لم يصدق في ملائه ولا في عدمه، وإن كان معه ولد قبل قوله كانت رائعة أو دنية، وإن كان عديما قبل قوله في الولد بحصته من الثمن، ولا ¬
يقبل قوله فيها رائعة كانت أو غير رائعة، ولو أعتقها المبتاع وولدها قبل الاستلحاق فولاء الولد لمعتقه ويلحق بأبيه ويوارثه ويرد حصته من الثمن، فإذا إنقطعت قرابة أبيه ورثه معتقه بالولاء، وأما الأمة فلا ترد إليه بعد العتق إلا أن تقوم بينة أنه أقر بمسيسها قبل أن يبيعها. ومن العتبية (¬1) قال سحنون فيمن باع أمة وابنها وقد ولدته عنده فأقام بيد المشتري ثم ادعاه البائع أنه ابنه، قال: إن كان إذ ولده عنده لم يكن له نسب معروف فليلحق به ويفسخ البيع وتكون به أم ولد، قال: ولو أقام في يديه حتى ولد له ولد في يد المشتري/ ثم جني عليه جناية خطأ، فمات، فادعاه البائع فالقول قوله إن كان له ولد لأنه يلحق بالنسب ولا يتهم أن يكون إنما اغتزى جر المال إلى نفسه (¬2)، كمل لو لاعن امرأته فنفى ولدها ثم ولد للولد ولد، ثم قتل ابن الملاعنة خطأ، ثم استلحقه الأب أنه يلحق به [ويثبت له الميراث ولا يتهم، وإنما يتهم لو لم يترك ولدا فتصير التهمة بينة. قال ابن حبيب، قال مطرف وابن الماجشون، فيمن باع (عبده صحه) (¬3) الجواري عند المشتري ويولد له أولاد ثم يستلحقه البائع أنه يلحق به] (¬4) هو، وكل ولد له يصير جدا لهم، ويرجع إلى البائع بجميع ما عنده من مال، ويرد البائع الثمن، ولا قيمة عليه في ولد العبد، وكذلك لو مات العبد ثم استلحقه فإنه يلحق به ولد العبد ويأخذ ماله ويغرم الثمن. ولو كان إنما زوجه المشتري أمته أو أمة غيره لم يأخذ البائع الولد وإنما يأخذ العبد وماله، إلا أن ولده ينسبون إليه هم وأبوهم، وقاله أصبغ. ¬
وقال سحنون في ابن الملاعنة يملك ويترك ابنة وعصبة ثم يستلحق الأب ولده الميت، قال تلحق الابنة لجدها، ويرجع الجد على العصبة بالنصف الذي أخذوا. وقال في ولد الملاعنة ينفي فيولد له ولد ثم يولد لولد الولد ابنة يستلحقها الجد أن استلحقها جائز إذا عرف نسب من استلحق لأن استلحاقه لولد ولده استلحاق لابنه فيرث بذلك ولا الموالى. ومن كتاب ابن سحنون، وهو/ لأشهب، من زوج أمته من عبد فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم النكاح (¬1) لم يلحق به، وإن كان لستة أشهر فأكثر فهو للزوج، ولا ينفعه إلا لمكان يدعي قبله استبراء، فإن ادعاه المولى لم يجز دعواه إلا أن ينفيه الزوج بلعان، وإذا لم يلحق بالسيد وألحق بالزوج فلا عتق للولد بدعوى السيد إياه لأنه قد أكذب وصار ابن غيره. ولو ولدت لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها لم يلحق بالزوج، وإن ادعاه المولى لحق به وصارت أم ولد وفسد النكاح لتزويج الزوج أيضا إياها وهي حامل من العبد، ومن تزوج امرأة على خادم فولدت الخادم فادعى الزوج ولدها وكذبته المرأة فهو مصدق إذا ملكها [منذ ستة أشهر فأكثر إلى أن وضعت وعليه قيمتها يوم أصدقها إياها، وإن ملكها منذ أقل من ستة أشهر لم يصدق ولم يلحق به. ولو طلق الزوجة [قبل البناء] (¬2) وقبل قبضها للخادم، فإن وضعت لستة] (¬3) أشهر من يوم ملكها (¬4)، فإن نسب الولد يلحق به، وهي له أم ولد [وعليه نصف قيمة الخادم للزوجة يوم أصدقها إياها، ولا يضمن نصف قيمة الولد لأنها كانت أم ولد له] (¬5) قبل أن يصدقها إياها ¬
فيمن أقر في أولاد أمته أن أحدهم ولده، أو أقر بأحدهم بعينه عند بينة ونسيته البينة أو اختلط ولد أمة وحرة
ولو أقر أنه وصى للأمة بعد أن أصدقها لها ووضعت لستة أشهر من يوم أصدقها إياها، فإن بنى بها فعليه الحد ولا يلحق به الولد، [ولا تكون له أم ولد، وإن لم يبن بالزوجة لحق به الولد] (¬1) ولا قيمة عليه فيه، وعليه نصف قيمة الأمة كما ذكرنا. /فيمن أقر في أولاد أمته أن احدهم ولدُ، أو أقر بأحدهم بعينه عند بينة ونسيتهُ البينة أو اختلط ولد أمة وحرة من العتبية (¬2) قال سحنون فيمن قال في ثلاثة أولاد من أمته أحدهم ولدي، قال: الصغير منهم حر على كل حال لأنه إن كان المستلحق الكبير فالأوسط والصغير حران، [بحرية أمهم وإن كان الأوسط فالصغير حر أيضا] (¬3)، وإن كان الصغير فالكبير والأوسط عبدان. [وذكر عن المغيرة أنه يعتق الأصغر ويعتق ثلثا الأوسط ويعتق ثلث الأكبر، لأنه إن كان أراد الأكبر فكلهم أحرار، وإن أراد الأوسط فهو والأصغر حران، وإن أراد الأصغر فهو حر وحده، فالأصغر لا تجده في هذه الأحوال إلا حرا، والأوسط يناله العتق في حالين ويرق في حال فيعتق ثلثاه والأكبر يناله العتق في حال ويرق في حالين فيعتق ثلثه، وقال ابن عبد الحكم: يعتقون كلهم بالشك] (¬4). قال ابن المواز: إذا قالت الأم هم من سيدي فأقر السيد بالصغير منهم، وقال في الأول والأوسط لم تلدهما أنت فالقول قوله، وإن أقر بالأوسط وقال في الأول ¬
هو عبد لي ولده غيرك أو ولدته أنت قبل أن تلدي مني فالقول قوله وهي مصدقة في الآخر أنه منه (¬1)، ويلحق به نسبه، إلا أن يدعي استبراء [فيه وإن أقر بالأول فقد لزمه الثاني والثالث إلا أن يدعي استبراء] (¬2) [فيهما أو في أحدهما، فالقول قوله ولا يلحق به، يريد ويكون ابن أم ولد هو بمنزلتها يعتق بعتقها. قال أحمد بن ميسر، إذا أقر بأحدهم/ ولم يسمه، أو أقرت الأم بهم أجمعين فإن الآخر حر لاحق به لأن الفراش قد صح وما أتت به أم الولد فلاحق بالسيد إلا أن ينكره ويدعي استبراء، ففي مسألتك إن لم يكن له ولد غيرهم عتق الأول والثاني على أحدهما ولم يرثا، أولا وورثهما بالشك، ولو قالت: الأول ولده دون هذين فإن الثالث يعتق ولا يرث لأنه ابن أم ولد، وأما الأول والثاني فلا أدري ما أقول فيهما وأرى أن يعتقا إن لم يكن للميت وارث، لأنه إن كان الأول ولده وحده فأخواه حران، وكذلك إن كان الأوسط، وأرى أن يوقف الميراث حتى يصح أو يتراضى الإخوة بقسمته بينهم، أو يعرف أنه لواحد فيدفع إليه. قال أحمد: وبيان هذه المسألة أنه لو أقر بالأول ولم يعرف له بالآخرين إن كان أنهما عتيقان ويرثوه كلهم، وإن كان إقراره بالثاني دون الأول فالأول عبد والثاني والثالث ولداه يرثانه، وإن كان إقراره للثالث فالأول والثاني عبدان ويعتقان على أخيهما إن لم يكن للميت وارث غيره، وإن كان له وارث غيره عتق منهما نصيبه. وإذا كان له أمة لها ثلاثة أولاد فأقر بالأول وأنكر من بعده والأمة تدعي أن جميعهم ولده، فإن الثاني والثالث يلزمانه (¬3) إلا أن ينكرهما ويدعي الاستبراء فلا يلحقاه، ويكونا كولد أم ولد تلده من غيره بعد أن صارت أم ولد يعتق بعتقها، ¬
ولو لم يقر إلا بالثاني فإن الأول رقيق والثالث/ [كولد أم ولد إذا أنكر وادعى الاستبراء وإن لم يقر إلا بالثالث لحق به، ويكون الأول والثاني عبدين، فإن مات ولم يدع وارثا غير ولده هذا عتق عليه أخواه لأمه هذان. وقال سحنون فيمن أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه وأن ابنتها فلانة ابنتي وللأمة ابنتان غير] (¬1) التي أقر بها فمات ونسيت البينة والورثة اسمها، قال إذا أقر بذلك الورثة فهن كلهن أحرار ولهن الميراث ميراث واحدة من البنات يقسم بينهن، ولا يلحقه نسب واحدة منهن، قال: وإن لم يقر بذلك الورثة ونسيت البينة اسمها، قال فلا تعتق واحدة منهن. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ولدت امرأة رجل غلاما وولدت أمته غلاما وماتت المرأة والأمة، فقال الرجل أحدهما ابني وأعرفه، قال يدعي لهما القافة فمن ألحقوه به منهما لحق به، وألحق الآخر بالآخر. وقال في كتاب أمهات الأولاد في حرة وأمة لهما ولد ثان في بيت، فماتت الأمة وادعت الحرة أحد الولدين، قال: دعواها جائزة ويلحق الولد الثاني بالأب، وإن ماتت الحرة والأمة عتق الولدان، ولم يلحق نسب واحد منهما. ومن كتاب الأقضية وهو لأشهب، ومن نزل على رجل وله أم ولد حامل فولدت هي وولدت امرأة الضيف في ليلة صبيين فلم تعرف كل واحدة منهما ولدها، أو ادعى كل واحد أحدهما ونفي الآخر، قال يدعى لهما القافة. / [ومن الثاني من المواريث لابن سحنون فيمن ولدت امرأته جارية وأمته جارية فاشكل عليهم ولد الحرة من ولد الأمة، ومات الرجل ولم يدع العصبة يستدل به القافة على ولد الميت. قال ليس في مثل هذا قافة، ولا تكون المواريث بالشك. ¬
ومن كتاب محمد بن ميسر] (¬1) قال ومن حلف لزوجته لئن ولدت المرة جارية لأغيبن عنك غيبة طويلة فولدت وهو في سفر صبية فبعثت بها خادمها في جوف الليل لتطرحها على باب قوم ففعلت، فقدم زوجها فوافى الخادم راجعة فأنكر خروجها حينئذ فسألها وحقق عليها فأخبرته فردها لتأتي بالصبية فوجدت صبيتين فأشكل على الأم أيتهما هي منها، قال، قال ابن القاسم: لا تلحق به واحدة منهما، وبه قال ابن المواز، قال سحنون يدعى لهما القافة، وبه أقول، وهو يشبه حديث محرز القائف. وقال عبد الملك وسحنون في كتاب الأقضية لابن سحنون: لا يلحق القافة الولد إلا بأب حي، فأما إن مات الأب فلا قول للقافة في ذلك من جهة قرابته، قال: وذلك أنه إذا كان له ولد آخر فألحقوه بالأب الميت بما رأوا في ابنه هذا من الشبه به فقد يكون قد زنى هذا بأمة أبيه فلا يلحق أبدا إلا بالأب نفسه. وأما الميت قد أقر بأن أحدهما لا رق عليه، فإن كين إقراره في المرض فلا حرية لأحدهما ويصير كمن لم يرد بالعتق الثاني/ فلا يعتق في رأس المال على الورثة، وإن ثبت إقراره في صحته ولم يبين حتى مات فيعتق أحدهما بالسلم في رأس ماله ولا يلحق نسبه، وقاله سحنون. قال أحمد بن ميسر، فيمن له زوجة حامل وأم ولد حامل فوضعتا في ليلة ابنا وبنتا فلم يعلم لمن الابن منهما، وكل واحدة منهما تدعيه، قال فنسبهما جميعا فيه ثابت يرثانه ويرثهما، فأما أم الولد فإن ماتت عن غير ولد ذكر ورث منهما الابن النصف بالولاء وأوقفت الباقي، فإن ماتت البنت ورث هو الباقي إن لم يكن لها وارث سواه، قال أحمد بعد موت سيدها، وأما الحرة فإنه يعزل من مورثها ميراث بنت إن لم يكن ثم ورثة سواها (¬2)، وإن [كان] (¬3) يعلم أن القافة يلحقون الأبناء بالأمهات، فقد قال سحنون أنهم يلحقون كل واحدة ¬
بولدها، قال أحمد، [لا أرى أن يكون للعصبة شيء، وأن يوقف ما بقي من الميراث حتى يتبين لمن هو منهم] (¬1) بعد أن يدفع لكل من له فرضه ممن لا يحجبهم الولد الذكر، فيأخذ فرضه على أن لها ولدا ذكرا. وقال سحنون فيمن أودع رجلا صبية وغاب، ثم قدم بعد وفاته فأقام بينة أن الميت أقر أن لفلان عنده وصيفة وديعة، وهاتان الجاريتان ابنتاي، فأشهد أن واحدة من هؤلاء الثلاث لفلان والباقيتين ابنتاه، ولا يعلم أيتهن منهن، قال: لا تجوز شهادتهن ولا شيء للمدعى، وهذه مذكورة في الشهادات. ومن كتاب ابن سحنون في الأقضية وهو لأشهب، فيمن له عبدان فقال: أحدهما ابني/ ثم مات ولم يبين، قال: أستحسن أن يدعى لهما القافة إن بقي من قرابته ما يلحق به نسبه، فإن انقطع ذلك من جميع قرابته حتى لا يقدر على ذلك، فلا يثبت نسب واحد منهما وليسهم بينهما، فأيهما خرج سهمه عتق منه نصف قيمته ورق ما بقي، [ورق صاحبه كله، فإن وقع السهم على الذي هو أقل من نصف قيمتهما عتق كله وعتق من الآخر ما بقي من نصف قيمتهما ورق ما بقي] (¬2) منه، وذكر أحمد بن ميسر قول سحنون هذا عنه، وقال ابن القاسم يعتق أحدهما بالسهم ولا يرث ولو تراضيا، ولم يكن وارث غيرهما بأن يعتقا ويقسما المال بينهما لم أمنعها لأن أحدهما ثابت النسب، قال أحمد: وقول سحنون أحب إلي. ومن العتبية (¬3) قال سحنون في الرجل له زوجة وولد، فتدعي المرأة أن الغلام ولدها من زوج غيره، ويزعم هو أن الغلام ابنه من امرأة أخرى، قال: أرى أن يلحق الغلام بالزوج ولا يقبل قول المرأة. ¬
فيمن شهد عليه شاهد أنه أقر أنه أولد جاريته هذه هذا الولد، وشهد آخر بإقراره أنه أولدها ولدا آخر غيره بعده
فيمن شهد عليه شاهد أنه أقر أنه أولد جاريته هذه هذا الولد، وشهد آخر بإقراره أنه أولدها ولدا آخر غيره بعده قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم، ومن شهد عليه شاهد أنه أقر أنه أولد أمته هذه هذا الولد، وشهد آخر أنه أقر أنه أولدها هذا الآخر لولد أصغر من الأول، وشهد ثالث أنه أقر أنه أولدها ثالثا بعينه أصغر من الاثنين، قال في كتاب/ ابن المواز: وقد مات السيد، قالا فقد أجمعوا على إقراره أنها أم ولد، ولكن لم يجتمع شاهدان على إقراره أنها أم ولد إلا من يوم أقر بالحمل الثاني، فصارت بشهادتهما من يومئذ أم ولد، وإن اختلفا في الولد وصار الولد الثاني كابن أم ولد ولدته فوجب أن يلحق بسيدها، وكذلك الثالث، يريد وإن لم يقم له شاهد، لأنه ابن أم ولد لم يعلم من السيد، أنه أنكره وادعى الاستبراء، قال ابن الحكم (¬1): ولو شهد شاهد أنه أقر أنها ولدت منه ولدا [آخر بغير عينه ولا يعرف الأول منهما، فها هنا لا يلحق به واحد منهما، وتكون أم ولد لاجتماعهما على إقراره أنها أم ولد، ولو عرفنا الصغير ألحقناه به، ولو شهد غيرهما أن هذا الصغير لحق به، وإن شهد شاهد أنه أقر أنها ولدت منه ولدا] (¬2) في محرم سنة إحدى ومائتين، [وشهد آخر أنها ولدت منه في محرم سنة أخرى] (¬3) يريد ولم يعلم الناس- لكان يلحق به كل ولد تلده بعد إقراره عند الشاهد الثاني. ولو كان عشرة أولاد فهم ولده أنكرهم أو أقر بهم، ماتوا أو عاشوا، وإذا أنكر الولد كان كمن له أم ولد أنكر حملها [يريد وإن علم الولد أنه ابنه يلحق به هو وكل ولد بعده- يريد فيما أنكر من الولد من ولده] (¬4) إن لم يدع استبراء، ولو ¬
فيمن استلحق ولدا ثم أنكره
ادعى الاستبراء لم يلحق به إذا ولدته لستة أشهر فاكثر من استبرائه، ولو شهد شاهد أنه أقر في المحرم من سنة كذا بأنها ولدت/ منه هذا الولد بعينه، [وشهد آخر أنه أقر عنده في رمضان من هذه السنة أنها ولدت هذا الولد بعينه] (¬1) فهو لاحق به وهي به أم ولد، ولا يضر اختلاف إقراره، وكذلك لو قال الشاهد ولدته في المحرم لا قبل ذلك، وقال الشاهد الآخر ولدته في رمضان من هذه السنة لا قبل ذلك، لم يضر ذلك لأنه اختلاف من قوله لا من الشهود، وقد حصل عليه لأنه ولد من أمته، وكما لو أقر عند أحدهما أنه أعاره دابته في رمضان، وقال الآخر أقر عندي أنه أعارها له في ذي القعدة من تلك السنة وجبت له الدابة بشهادتهما، ولو شهد شاهدان أنه قطع أذنها في شوال من تلك السنة لم يقض له بما نقصها إلا بيمينه مع الشاهد بالعارية في رمضان لأنه لم يصح له ملكها في رمضان إلا بشاهد واحد فلذلك لم يقض له بالنقص إلا بعد يمينه، فإن نكل حلف المشتري وبرئ من قطع أذنها، ولو شهد شاهد على إقراره أنه أولد أمته هذه هذا الولد، وشهد آخر أنه أقر أنه أولدها هذا الولد لولد آخر، وشهدت امرأتان أن هذه الأمة ولدت الولدين يوما، لا يلحق به الولدان جميعا لأنه إذا لحق به نسب واحد من التوأم بإقراره لزمه الآخر، وإذا أقر في ولدين أنهما توأم، وأقر بأحدهما وأنكر الآخر لم ينفعه ولحق به. فيمن استلحق ولداً ثم أنكره ومن العتبية (¬2) روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم، فيمن استلحق/ ولدا ثم أنكره، ثم مات الولد عن مال، فلا يأخذه المستلحق، قال يوقف ذلك المال فإن مات هذا المستلحق صار هذا مالا لورثته وقضي به دينه، وإن قام عليه غرماؤه وهو حي أخذوا ذلك المال في ديونهم. ¬
في توارث المتحملين من أهل الكفر وغير المتحملين ممن أسلم، وأهل العتق هل يتوارثون؟
في توارث المتحملين من أهل الكفر وغير المتحملين ممن أسلم، وأهل العتق هل يتوارثون (¬1)؟ من العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، قال مالك في المحمول بملك ويدع مولاه وقرابة يلقونه إلى أب جاهلي فلا يرثه قرابته، ولو كان من أهل قرية افتتحت عنوة فسكنها المسلمون فليتوارثه هؤلاء بقرابتهم بالنسب، ويحجبون المولى، بخلاف المحمولين يدعون القرابة. والنسب وأما الذين لم يزولوا وسكن معهم المسلمون فليتوارثوا بالقرابة. قال: ولو أسلم أهل الحصن، أو جماعة لهم عدد فتحملوا إلينا، رأيت أن يتوارثوا بأنسابهم. قال ابن القاسم: فأما النفر مثل تسعة وثمانية فلا يتوارثون. قال سحنون: ولا أرى العشرين عددا يتوارثون. وقال ابن القاسم أنهم عدد يتوارثون. وروى عنه عيسى في جماعة حربيين يسلمون فيستلحقون أولادا من زنى، فإن كانوا أحرارا ولم يدعهم أحد بفراش أنهم ولده ويلحق بهم الولد، وقد لاط (¬3) عمر بن الخطاب من ولد في الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام إلا أن يدعيه معهم سيد لأمة، أو زوج الحرة، لأن النبي عليه السلام قال: «الولد للفراش» (¬4) / ففراش الزوج والسيد أحق به، ¬
في توأم المتحملة وتوأم الزانية والملاعنة والمغتصبة
قال: ومن ادعى من النصارى الذين أسلموا أولادا من زنى فليلاطوا بهم لأنهم يستحلون الزنى في دينهم، ومن استلحق منهم ولد أمة مسلم أو نصراني فليلحق به، فإن عتق يوما كان ولده وورثه. ومن كتاب ابن سحنون وهو لأشهب، عن امرأة سبيت ومعها صبي، فأعتقها وكبر الصبي ثم مات فلا يوارثه ادعت أنه ابنها أو قالت هو لغيري وأنا ظئر له، وإذا سبي رجل وصبي فأعتقا فادعاه ابنا لم يتوارثا له بذلك، ودعوى الصبي من ابن أو أب أو أخ أو أم سواء، جاء ذلك عن عمر مجملا أنه لا يلحق نسب إلا من ولد في الإسلام. قال عيسى عن ابن القاسم في مسلم دخل دار الحرب فأقام سنين ثم قدم بذرية فقال هم ولدي فهم لاحقون به ويوارثونه وقد تقدم هذا. وروى يحيى عن ابن القاسم في أهل العنوة قال يتوارثون مثل أهل الصلح وقاله أشهب قال: ويعتبر في ذلك بأهل مصر وأهل الشام قد غلبوا عنوة أيام عمر بن الخطاب فصاروا يتوارثون إلى اليوم، وإنما حالهم حال الأحرار من أهل الذمة، غير أنهم نظرا للعامة ولمن يجيء من الذرية يأخذ منهم خراجه. في توأم المتحملة وتوأم الزانية والملاعنة والمغتصبة من العتبية (¬1) قال ابن القاسم عن مالك، عن الحامل من زنى،/ في أرض الإسلام تلد توأما (¬2)، فإنهما يتوارثان [من قبل الأم، وأما المسيبة تلد توأمين فإنهما يتوارثان] (¬3) من قبل الأب والأم، قيل: فإن لم يدر أمن زوج ذلك أم من غير زوج؟ قال هو من زوج إذا كان في شرك، وقد ألاط (¬4) عمر ما كان في الشرك وهو زنى- يريد بالقافة- قال وتوأم الملاعنة يتوارثان من قبل الأب والأم. ¬
في الإقرار بالنسب أو بالقرابة أو بالزوجية
وقال المغيرة وابن دينار في كتاب المواريث الثاني لابن سحنون، أن توأم المسيبة والملاعنة يتوارثون من قبل الأم لا من قبل الأب. روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية (¬1) قال: سمعت من أثق به يقول عن مالك، قال يتوارث توأم المغتصبة من قبل الأب والأم. قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: فسألت أنا مالكا عن ذلك فوقف، وأبى أن يجيبني، وقال أحمد ابن نصر هذا خطأ ولا يتوارثان من قبل الأب لأنه زنى. في الإقرار بالنسب، أو بالقرابة، أو بالزوجية قال ابن ميسر: ويثبت النسب بشهادة عدلين يشهدان أن فلانا، ابن فلان، فإن كان يطلب ميراثه فلابد أن يقولا لا نعلم له وارثا غيره، أو يذكروا من يرثه معه، ويقولوا لا نعلم لهم ورثة غيرهم، وإن أقر رجل بولد لحق به إذا لم يتبين كذبه، وليس للولد نسب معروف، وإن كان مديانا أحاط به الدين، ولم أعلم في هذا اختلافا، وكذلك إن كان مريضا صدقه الولد أو كذبه. وإذا استلحق من هو/ مثله في السن أو يقاربه فقد تبين كذبه، أو من ولد في الهند أو من بلد العدو، والأب لم يدخلها ونحوه، وإن أقر وارث بأخ للميت أو ابن أخ أو عم وابن عم أو جد، أو ابن ابن، فإن كان أقر بذلك في الصحة وبيده فضل يورث، فيلزمه الإقرار في خاصته ودفع إليه فضل ما بيده، ولا يثبت النسب بذلك، وإن أقر بمثل هذا وهو مريض فإن اتهم لأن ورثته كلالة لم يقبل منه إلا ببينة. ¬
وإن قال فلان ابن عمي فهو عند ابن القاسم كالشاهد، ويدفع إليه المال بعد الإستثناء (¬1) بالمال، فإن لم يأت إليه طالب دفع إليه مع يمينه ويرث مواليه إن لم يكن له من يستحق ذلك غيره، ولا يستحق بذلك النسب ولا الولاء. وإن أقرت امرأة بولد في حجرها أنه من زوجها لحق به ما لم يتبين كذبها، وأما إقرار الزوج بزوجته أو الزوجة بزوجها فيقبل (¬2) إن كانا طارئين وإلا لم يقبل ذلك إلا ببينة أو سماع فاش، وكذلك الأب والأخوات والأعمام والعمات إذا كانوا غرباء، وأقاموا على إقرارهم بالنسب الزمن الطويل حتى يقدم من بلدهم من لا ينكر ذلك، فإنهم يصدقون (¬3) على ما ادعوا من النسب، [وإقرار المولى قد انتقل] (¬4) بالولاء لرجل فإن كان هو المعتق نفسه جاز إقراره كما يلزمه إقراره [بالرق] (¬5) إذا لم يعرف له حرية ولا ولاء، وأما قوله قد أعتق أبي فليس بشيء، صدقه الآخر أو كذبه لأنه مقر على غيره لا يقبل/ لا في نفسه ولا فيما يجر من ولاء ولده، وإذا لم يكن لولده أحد أعتقهم. ومن ترك بحي من أحياء العرب فيقيم فيهم زمانا ويزعم أنه منهم ولا يعرف ذلك إلا بقوله ثم يلزمهم دية، قال يلزمه أن يدخل معهم في الأداء بإقراره، فأما أن يستوجب ذلك نسبا معهم فلا. قال: وكل مقر ومدع فإني أقبل (¬6) إقراره على نفسه، ولا أقبل دعواه لها إلا أن يطول الزمان على نسبه، وأتي من يعرفه فلا ينكر ذلك النسب عليه فيعلم بذلك صحة نسبه، وفي الباب الأول شيء من معاني هذا الباب. ¬
فيمن أقر بأخ في صحته هل يوارثه؟
فيمن أقر بأخ في صحته هل يوارثه؟ ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون، وكذلك في كتاب ابن ميسر وغيره، في الرجل المعتق يقر بأخ في صحته يقول هذا أخي ولدنا في الإسلام وفرقنا البيع في الصغر، وصدقه الآخر، فيقيمان على ذلك مدة ثم يموت المقر ولا وارث له غير الأخ الذي أقر به، [ومولاه، فإن ميراثه لمولاه ولا يرثه الأخ الذي أقر به] (¬1) ولا يلحق نسب باستلحاق أحد إلا الأب في ابنه فإنه يلحق به كان ذلك في صحة الأب أو في مرضه، ولا يجوز استلحاق الجد لابن ابنه إنما يقر على غيره إلا أن يصدقه الابن ويكون حيا، فيكون الابن هو الذي استلحق ولده وذلك جائز. وأما إقرار المقر أن فلانا مولاه يلزمه في صحته ومرضه. قال ابن حبيب، وقاله كله أصبغ، وقال إلا أن يموت المقر وليس له/ وارث غير هذا الذي أقر الميت أنه أخوه فيأخذ ميراثه إذا لم يدفع عنه دافع، وهذا إذا كان أمرهما مجهولا، فأما إن كانا يعرفانه بغير القرابة فلا يرثه بذلك، أقر له في صحته أو في مرضه. قال أحمد بن ميسر، يلزمه إقراره بالولاء إلا إن هلك ولا وارث له غيره فيحلف ويستحق الميراث، عند عبد الرحمن بن القاسم، وقال أشهب، لا يرث إلا من استحق بالولاء (¬2). ¬
فيمن ترك ولدا أو ترك أولادا لإمائه فقال ولده هذا أخي لا بل هذا أخي لا بل هذا، أو قال ذلك في أجنبين
فيمن ترك ولدا، أو ترك أولادا لإمائه فقال ولده هذا أخي لا بل هذا أخي لا بل هذا، أو قال ذلك في أجنبيين من العتبية (¬1) قال سحنون، فيمن ترك ولدا واحداً فيقول لثلاثة من أولاد خدم أبيه هذا أخي لا بل أخي [لا بل هذا] (¬2) وأمهاتهم شتى فالأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين ونصف المال فلا يبطل حق هذا فيهما بإقرار هذا لهما وليس بعتق فيضمن (¬3) له قيمة، ولا تجوز شهادة واحد في العتق، ولو كانوا لأم واحدة وأقر لأكبرهم، قال يكون حرا وتكون أمه وأخواه أحرارا، وما بقي من المال فبينه وبين أخيه، لأن إقراره بالأول إقرار أن الأم أم ولد، وولداها (¬4) بمنزلتها، ولا ميراث لهما، ولا يلحق واحد منهما بالنسب، ولو أقر لأصغرهم/ فإنه يكون حراً وأمه حرة، ويكون له نصف الباقيين فيعتق عليه نصيبه منهما، ويعتق على المستلحق باقييهما لأنه نسب بما دخلهما من العتق. ولو أقر لأجنبيين ليسوا بولد خدم أبيه، قال هذا أخي لا بل هذا لا بل هذا، قال فللأول نصف ما ورث عن أبيه، وللثاني نصف النصف الباقي في يديه وهو الربع، وللثالث نصف الربع الذي بقي في يديه. قال سحنون: وقال فيها بعض أصحابنا أنه يغرم للثاني مثل ما صار للأول، ويغرم للثالث مثل ما صار أيضا للأول، لأنه أتلف على كل واحد منهما مورثه. ¬
إلحاق النسب والقافة
إلحاق النسب والقافة ومن العتبية (¬1) روى أشهب عن مالك أيؤخذ بقول القافة اليوم كما جاء في الحديث؟ قال أما فيما يلحق من الولد فنعم، وأما بغايا الجاهلية فلا، ولا يؤخذ بقول قائف واحد لكن اثنين، وقال ابن القاسم: يؤخذ بقول قائف واحد إن كان عدلا، من رواية محمد بن خالد. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: وإنما القافة في أولاد الإماء، فإذا حملت من وطء السيدين وأحدهما مسلم أو عبد أو بائع ومشتر فمن ألحقوه القافة به لحق به، فإن قالوا اشتركا فيه فليوال الولد إذا كبر أيهما شاء، وكذلك قال عمر يوالي من شاء منهما. قال سحنون، وقال غير ابن القاسم، إذا بلغ يبقى ابنا لهما، ولا يوالي واحدا منهما، قال ابن القاسم: فإن والى لما كبر النصراني لحق به، ولا يكون إلا مسلما، وهذا الباب/ مستوعب في كتاب أمهات الأولاد في الأمة تأتي بولد من وطء الشريكين ووطء المتباعين. في الدعوى في النسب والقرابة [والزوجية] (¬2)، وبماذا يثبت ذلك؟ من العتبية (¬3) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال: إذا كان للميت وارث معروف النسب، فأتى من يدعي أنه ولد الميت أو زوجة له أو غير ذلك من القرابة وقام شاهد، فلا يثبت له [ذلك بشاهد ويمين، وإن أقر به الوارث المعروف أعطاه ما يلزمه بإقراره، ولا يثبت له] (¬4) بذلك نسب، ولا للمرأة نكاح، ولو لم ¬
في إقرار بعض الورثة بوارث، أو يقر أن الميت أقر بوارث له
يكن للميت وارث معروف لقضيت له بالشاهد واليمين بالمال بوجه الميراث، ثم لا يثبت له بذلك نسب ولا لزوجه نكاح. قال عبد الله: وقول أشهب انه لا يستحق المال حتى يثبت النسب بما يثبت به الأنساب. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ولو كان لميت بنت أو ابنتان لكان لهذا الذي فضل عن النصف وعن الثلثين بشاهده ويمينه ولا يثبت له بذلك النسب. ولو جاءت امرأة بشاهد أنها زوجة الميت وله وارث معروف بالبينة، فإنه يقضي لها مع يمينها بالميراث ولا يثبت نكاح ولا لولدها- إن كانت حاملا- نسب، ولو أقام شاهدا أنه مولى فلان حكم له بالمال مع يمينه ولا يستوجب بذلك الولاء- يريد [إن لم يكن له وارث معروف] (¬1) ولا يثبت [له ولا الموالى،/ من مواليه أحد أقام هذا شاهدا على] (¬2) ما ادعى من الولاء وحلف واستحق ميراثه ولا يجزئه ما تقدم من يمينه مع الشاهد على الميراث الأول. وروى عيسى عن ابن القاسم في الميراث يقسم ثم يقيم رجل البينة أنه ولد الميت، فينظر ما حقه أن لو كان معهم، فيتبع كل واحد بما في يديه من ذلك، يتبع المعدم في عدمه ولا يتبع المليء إلا بما عليه، كما لو ورثه أمه واخوه ثم قدم أخ آخر فإنه يتبع الأم بالسدس ملية كانت أو معدمة، والأخ بالربع في ملائه وعدمه. في إقرار بعض الورثة بوارث، أو يقر أن الميت أقر بوارث له وهذا الباب هو من معنى الفرائض، وقد ذكرنا منه ها هنا مسائل يقرب معناها من معنى هذا الكتاب مما يتعلق بالاستلحاق، فمن ذلك من كتاب ابن المواز: ¬
وقال فيمن ترك أخاه وأمه فأقرت الأم بأخ آخر للميت [أتخرج نصف ما في يديها] (¬1) وهو السدس،؟ فقال مالك في موطئه وعليه الجماعة من أصحابه أن المستلحق يأخذ ذلك السدس، وروى عنه ابن القاسم وابن وهب، وقاله ابن القاسم وأصبغ أن ذلك السدس بين المستلحق والأخ الآخر. قال أصبغ لأنه يقول ما ينوب الأم فأنا أحق به (¬2) إذ لا وارث معي ويقول المستلحق، هو لي فيقسم بينهما. قال ابن المواز: والأول قولنا، وهو قول مالك وجميع أصحابه. وذكر سحنون في العتبية (¬3) هذا القول الذي/ أنكره ابن المواز وذكره أصبغ عن ابن القاسم وروايته هو وابن وهب ذلك عن مالك. وقال سحنون يأخذ المقر به نصف السدس ويوقف نصفه حتى يقر به الأخ الآخر فيقاسمه ما في يديه، وقد أخطأ من قال يعطى نصف السدس للمنكر. [وقال أحمد بن ميسر وغيره هذا خطأ، والذي عليه أصحابنا أن يأخذ المقر له جميع السدس ولا شيء للمنكر] (¬4). ومن كتاب ابن المواز، وإن ترك ابنا وبنتا فأقرب البنت بأخ لها فلتعطه خمس (¬5) ما بيدها. وكذلك يجري هذا في جميع الإقرار [يدفع المقر ما زاد بيده على نصيبه في الإقرار] (¬6) فيأخذه المقر له وكل من نفع بإقراره. ¬
ومنه ومن العتبية (¬1) قال أصبغ عن ابن القاسم، فيمن ترك زوجة فأقرت الزوجة أن الميت قد استلحق فلانا ابنا، فإن كان له ولد غيره فلا شيء عليه ولا عليها، لأنها أقرت على غيرها، ولأن الثمن لها على كل حال، فإن ورث الميت غير الولد وقد أخذت هي الربع ثم أقرت بهذا فلترد الثمن، قال ابن المواز: فليأخذه الذي أقرت له، وعلى القول الآخر يكون بينه وبين الورثة نصفين على ما ذكرنا عن ابن القاسم وأصبغ. وفي الكتابين قال أصبغ وهو خلاف قول أهل الفرائض. قال ابن المواز: بل لا يكون ذلك إلا للمقر له كما قال مالك في موطئه. ومن العتبية (¬2) روى عيسى/ عن ابن القاسم، [فيمن ترك ابنه وعصبة فأقرت البنت بأخ لها، قال مالك: تعطيه ثلث ما في يديها. قال ابن القاسم] (¬3) ولو كن ثلاث بنات فأقررن بابن للميت فليعطينه ما زاد بأيديهن [على ثلاث أخماس المال- يريد وذلك عشر ما بأيديهن] (¬4). قال ابن القاسم: ولو كن أربعة لم يعطينه شيئا- يريد لأن السدس بيد كل واحدة، وكذلك يجب لها مع هذا الأخ لو ثبت. قال في كتاب ابن المواز: ولو أقرت واحدة (¬5) من الأربع بنات بهذا الأخ لم يكن عليها شيء وطلبه على العصبة، ولو ترك ابنتين وعصبة فأقرتا به فلتعطه كل واحدة ربع ما بيدها، وإن أقرت به واحدة أعطته ربع ما بيدها، ولو أقرتا به وكانت عدلتين حلف، عند ابن القاسم، وأخذ تمام النصف من العصبة. ¬
ومن ترك أختا فأقرت أن أخاها كان أقر أن فلانا ابنه، فلتدفع إليه جميع ما بيدها. ومن كتاب ابن المواز، وإذا تركت زوجها وأمها وأختا لأم فأقرت الأخت لأم بابنة للميتة، فلتعطها وللعصبة جميع ما بيدها وهي في الإقرار من اثنى عشر، وفي عشر، وفي الإنكار من ستة، والستة داخله في الاثنى عشر، فقد أقرت للبنت بستة أسهم وللعصبة بسهم، فتقسم السهمان الذي بيدها على سبعة أسهم، وعلى القول الآخر (¬1) / الذي أنكرتاه، يرجع الزوج والأم على البنت والعصبة فيأخذان (¬2) منهما سهما من السهمين يقتسمان (¬3) على خمسة أسهم، ثلاثة للزوج وسهمان للأم. ولو أقرت بأخ لأم أو أب، أو شقيق لم تعطه شيئا، لأن ما بيدها هو ميراثها مع الأخ لو صح. ومن العتبية (¬4) روى محمد بن خالد عن ابن القاسم، في امرأة مات زوجها فأقرت أنها كانت أحلت له أمتها فأولدها هذا الولد، قال تعتق هي وولدها عليها- يريد والولاء للميت- قال ولا قيمة لها في تركته بقولها- يريد وقد ورثه غير ذلك الولد- قال ويمنعها الولد من الربع. وعن أخوين شهدا لآخر أنه أخوهما، قال: يثبت نسبه بشهادتهما. قال ابن القاسم فيمن ترك أربع بنات فأقرت أحداهن بأخ وأخت لها، فإنه ينظر ما زاد عندها (¬5) على ما يجب لها في الأقرار، فتعطيه لهما بينهماعلى فرائض الله سبحانه- يريد تعطيهما (¬6) سُبُعُ ما بيدها- قال ابن كنانة: بل ذلك ¬
في إقرار أحد الورثة بوارث، وفي الفريضة عول، أو تكون على الإقرار عائلة
للأخت دون الأخ يريد لأنها لو أقرت بأخ فقط لم يضرها، قال ابن كنانة: والأخ حقه بيد العصبة، قال ولو كان معها ألخ معروف النسب فأقرت بأخ وأخت لكان ما ترده من ذلك بين الأخ والأخت المستلحقين- يريد لأن البنات لما ثبت معهن نسب أخ خرجن من أهل التسمية. ومن كتاب ابن المواز، ومن ترك أربع بنات وجداً (¬1)، فأقرت واحدة بابن للميت/ فلتعطه سدس ما بيدها، لأن الفريضة في الإنكار من ستة، للجد الثلث، وأصلها في الإقرار من ستة للجد السدس، ويقسم الباقي على ستة، فلا يقسم فاضرب ستة في ستة تبلغ ستة وثلاثين يخرج في الإقرار والإنكار. في إقرار أحد الورثة بوارث، وفي الفريضة عول، أو تكون على الإقرار عائلة من العتبية (¬2) من رواية سحنون عن ابن القاسم، في امرأة هلكت عن زوجها وأمها وأختها، فادعت الأخت أخا وصدقها الزوج، قال تقسم على الإقرار والإنكار فما زادت في الإنكار أخرجته، يضرب فيه هذا الأخ بسهمه، والزوج بما انتقص في العول. قال أبو محمد، والفريضة في الإنكار من ثمانية العول بثلثها، فللزوج ثلاثة وللأم سهمان وللأخت ثلاثة، وهي في الإقرار من ثمانية عشر، للزوج النصف تسعة، وللأم السدس ثلاثة، والباقي ستة بين الأخ والأخت، أربعة للأخ وسهمان للأخت، فاضرب ثمانية عشر في النصف الثمانية لأنها توافقها في نصفها، فبلغت اثنين وسبعين (¬3) فللزوج في الإنكار ثلاثة مضروبة في تسعة، فذلك سبعة وعشرون، وله في الإقرار تسعة مضروبة في أربعة، ستة وثلاثون فانتقص ¬
تسعة، والأم منكرة وبيدها الثلث بالعول وهو الربع فهو أكثر لها/ من السدس، وللأخ في الإقرار أربعة مضروبة في أربعة، ستة عشر سهما، وللأخت في الإقرار سهمان في أربعة فذلك ثمانية، ولها في الإنكار ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين، فإنما لها منها ثمانية، فيرد تسعة عشر يضرب فيها الزوج بتسعة والأخ بستة عشر. ومن كتاب ابن المواز، وهي في كتاب ابن سحنون، وإن تركت زوجها وأمها وأختها وجدها، فأقرت الأخت بأخ، فذكر فيها ابن المواز وفيما بعدها الجواب بحساب فيه طول، وكذلك ذكره غيره، ونحن نأتي بمعناه على اختصار الحساب من حساب أهل الفرائض، فتعول هي في الإنكار من ستة: عالت بثلاثة ثم ضربت في ثلاثة فبلغت سبعة وعشرين (¬1)، وأصلها في الإقرار من ستة ثم ضربت في ثلاثة (¬2) بلغت ثمانية عشر، فثمانية عشر توافق عدد الإنكار في التسع، فاضرب سبعة وعشرين في تسع الثمانية عشر تبلغ أربعة وخمسين أيهما ضربت في تسع الآخر ليخرج في الإقرار والإنكار، فللزوج في الإنكار ثمانية عشر، وللأم اثنى عشر (¬3) وللجد ستة عشر، وللأخت ثمانية، وإنما لها سهم من ثمانية عشر في الإقرار مضروب في ثلاثة، فذلك ثلاثة يفضل بيدها خمسة فتردها فيضرب فيها الأخ والزوج، فوجدنا في الإقرار للأخ ستة أسهم من أربعة وخمسين، وبيد الزوج في الإنكار ثمانية عشر من أربعة وخمسين وله/، في الإقرار سبعة وعشرون وهو النصف (¬4) بلا عول فبقي له تسعة، وللأخ ستة، فيقتسمان الخمسة المأخوذة من الأخت على خمسة، للزوج ثلاثة وللأخ [سهمان (¬5) فيصير الباقي بعد ذلك في الإقرار للزوج ستة وللأخ] (¬6) أربعة، وذلك عشرة وهي عند الجد والأم، فلو أقرا ¬
بالأخ لرد الجد سبعة والأم ثلاثة. ومن ترك زوجته وأمه وثلاث أخوات مفترقات، فأقرت الشقيقة بأخ، فالفريضة في الإنكار من خمسة عشر بعولها، وهي في الإقرار من ستة وثلاثين، وهي توافق الخمسة عشر في الثلث، فاضرب أحدهما في ثلث الآخر (¬1) تبلغ مائة وثمانين (¬2) فللشقيقة في الإنكار ستة من خمسة عشر مضروبة في اثني عشر، فذلك اثنان وسبعون، ولها في الإقرارخمسة من ستة وثلاثين مضروبة في خمسة، فذلك خمسة وعشرون، الفاضل بيدها سبعة وأربعون فيخرج منها إلى الأخ الذي أقرت له وإلى من نفعت بإقرارها، فللأخ الذي أقرت به خمسون سهما في الإقرار، وقد نفعت الأم بستة أسهم، وكذلك نفعت الأخت للأم بستة أسهم لأن لكل واحدة منهما في الإنكار اثنان من خمسة عشر مضروبة في اثني عشر فذلك أربعة وعشرون (¬3)، ولكل واحدة (¬4) منهما في الإقرار ستة وثلاثين مضروبة في خمسة، فذلك ثلاثون سهما، الباقي لكل واحد منهما (¬5) ستة/ ونفعت (¬6) الزوجة بتسعة لأنها كان لها [ثلاثة] (¬7) من خمسة عشر في الإنكار مضروبة في اثني عشر فذلك ستة وثلاثون، وفي الإقرار لها الربع بلا عول تسعة من ستة وثلاثين مضروبة في خمسة (¬8) تبلغ خمسة وأربعين (¬9) الباقي لها تسعة، فيتحاص في السبعة وأربعين المأخوذة من الأخت والأخ والأم والزوجة والأخت لأم، فيقسم بينهم على أحد وسبعين جزءا بقدر ما بقي، لكل واحد منهم على ما ذكرناه. وإن تركت زوجها وأمها وأختا شقيقة وأختا لأم، فأقرت الشقيقة بأخ شقيق، فالفريضة في الإنكار من ثمانية بعولها، وفي الإقرار من ثمانية عشر، والثمانية عشر ¬
في إقرار بعض الورثة بوارث في المناسخة، وبعد موت بعض الورثة
توافق الثمانية في النصف، فاضرب أحدهما في نصف الأخرى تبلغ اثنين وسبعين، فبيد الأخت في الإنكار سبعة وعشرون لأن لها ثلاثة من ثمانية مضروبة في تسعة، ولها في الإقرار [واحد] (¬1) من ثمانية عشر سهما مضروبا في أربعة، فذلك أربعة، الفاضل بيدها ثلاثة وعشرون فهي للأخ، ولمن نفعت بإقرارها، فقد أقرت للأخ بثمانية ونفعت الزوج بتسعة، [لأن له في الإقرار ستة وثلاثين، وفي الإنكار سبعة وعشرين] (¬2) ونفعت الأم بثلاثة، والأخت للأم بثلاثة، لأن لكل واحدة في الإنكار تسعة وفي الإقرار اثني عشر فيبقى لكل واحدة ثلاثة فيأخذ كل واحد ممن ذكرنا من هذه الثلاثة وعشرين/ ما ذكرنا أنها نفعته به، وإن تركت زوجها وأمها وأختا لأم فاستوعبوا المال فأقرت الأخت بابنه للميت فلترد ما بيدها يتحاص فيه الابنة بستة أسهم من اثني عشر، والعصبة بسهم من اثني عشر، وإن أقرت بأخ لأم أو لأب أو شقيق فلا شيء لها، لأن لها مع كل واحد من هؤلاء السدس. في إقرار بعض الورثة بوارث في المناسخة، وبعد (¬3) موت بعض الورثة ومن كتاب ابن المواز، وهو في العتبية (¬4) لأصبغ، فيمن ترك زوجته وهي حامل، وترك أخوين شقيقين فولدت ولدا فقالت الزوجة وأحد الأخوين قد (استهل) صارخا، وقال الآخر لم (يستهل) فالفريضة على أنه لم يستهل من ثمانية أسهم، للزوجة الربع وللأخوين ستة لكل واحد ثلاثة. وإذا استهل كانت الفريضة من أربعة وعشرين، فالثمانية داخله فيها وهي تخرج (¬5) في الإقرار والإنكار، فهي في الإنكار للزوجة الربع ستة ولكل أخ تسعة ¬
وعلى الإقرار للزوجة الثمن ثلاثة وللولد أحد وعشرون مات عنها فلأمه ثلثها سبعة ولكل عم سبعة وبيد العم المقر سبعة (¬1)، فيؤخذ منه سهمان (¬2) فيعطيان (¬3) للأم ويبقى لهما سهمان (¬4) عند العم الآخر. قال ابن المواز: ولو كان الولد أثنى لم يدفع العم المقر إلى الأم إلا نصف سهم مما في يديه، لأن للزوجة في الإنكار الربع ستة ولكل أخ تسعة، وعلى الإقرار للزوجة الثمن ثلاثة/ وللبنت اثنا عشر (¬5)، ولكل أخ أربعة ونصف، فللأم من ابنتها الثلث أربعة، ولكل عم من عميها أربعة فصار للمقر ثمانية ونصف وبيده تسعة، فيرد نصف سهم للزوجة ويبقى لها نصف سهم عند الأخر. وجواب هذه المسألة في الكتابين بغير هذا اللفظ فذكرنا معناه بحساب مختصر. ومن كتاب أحمد بن ميسر، ومن مات عن ولدين شقيقين، ثم مات أحدهما فترك ابنته وأخاه، ثم أقر الحي بأخ آخر شقيق فالفريضة تصح في الإقرار والإنكار من اثني عشر، بيد كل أخ ستة، مات عنها أحدهما، فصار لابنته ثلاثة ولأخيه ثلاثة وهو ربع جميع المال وبيده النصف، فصار له ثلاثة أرباع المال (¬6)، وفي الإقرار يصير لكل أخ أربعة، فمات واحد عن أربعة فلابنته النصف اثنان، ولكل أخ سهم فيصير بيد الأخرين خمسة، خمسة وهذا المقر بيده تسعة فيدفع إلى أخيه أربعة ويبقى له سهم بيد بنت أخيه، فإن أقرت دفعت إليه، وإن كان إنما أقر بأخ لأب كان له في الإقرار أربعة، فيرث من أخيه الشقيق سهمين ولا يرث معه الأخ للأب ¬
فيصير بيده ستة وبيده الآن في الإنكار تسعة، فيعطي الفاضل (¬1) وهو ثلاثة للأخ للأب، ويبقى للأخ للأب سهم بيد بنت أخيه، إن أقرت أخذه منها. ومن ترك ابنين أمها واحدة ثم هلك أحدهما وترك بنتا ثم أقر الثاني (¬2) بزوجة لأبيه (¬3) غير أمه، وبأخ له شقيق فللمقر في الإنكار النصف اثنا عشر (¬4) من أربعة/ وعشرين، ولأخيه اثنا عشر مات عنها، فلابنته النصف، والنصف لأخيه، فصار بيده ثمانية عشر في الإقرار، وأما في الإنكار فله تسعة إلا ربعا لأن للزوجة الثمن ثلاثة ولكل ابن سبعة، فمات واحد، فلابنته نصفها ثلاثة ونصف، وثلاثة ونصف من إخوته، فأصبنا بيده ثمانية عشر، له منها تسعة إلا ربعا (¬5)، الفاضل تسعة وربع، فيدفعها إلى الزوجه، ولابنه، يأخذ أخوه سبعة، وهي موروثة من أبيه، ويبقى له اثنان (¬6) إلا ربعا موروثة من أخيه عند بنت أخيه، وتأخذ الزوجة اثنين وربعا، ويبقى لها عند بنت الأخ ثلاثة أرباع سهم، فإن أقرت دفعت ذلك إليهما. ومن مات عن ولدين فورثاه وقسما ماله، فاستهلك أحدهما نصف ما ورثه منه، ثم مات وترك ابنته وأخاه، فأقر الأخ بأخ ثالث، فالفريضة تخرج في الإقرار، والإنكار من اثنى عشر، يأخذ كل واحد ستة أسهم، استهلك منها المنكر ثلاثة، ثم مات وترك ابنته وأخاه، فلما أقر هذا الأخ الآن بأخ، قيل له، إنما كان لك في الإقرار أربعة، وبيدك ستة، فادفع سهمين إلى من أقررت له، وأنت مقر أن أخاك المنكر الميت متعد (¬7) في حبس، سهمين، أحدهما للذي أقررت أنت له، فهو لهما ¬
في الوارث يقر بوارث من وجه، ويقر به وارث غيره من وجه آخر، فيصدق أحدهما أو يدعي غير الوجه الذى أقر له به المقر
ضامن، وكان ينبغي أن يؤديا من هذه الثلاثة أسهم الذي ترك، ويبقى سهم يورث عنه، لك نصفه، ولابنته نصفه، وتراك قد أخذت من ابنته سهما ونصفا، وهو نصف الثلاثة التي ترك، وأنت مقر أن عليه/ فيها سهمين دينا (¬1)، فإنما لك ما ترث منه بعد قضاء الدين، فيصح لك نصف سهم، فادفع سهما لمن أقررت له، ويبقى النصف سهم، ويبقى له سهم عند الابنة إن أقرت، دفعته إليه. قال أبو محمد كتبت هذه المسألة على غير [هذا] (¬2) اللفظ الذي في كتاب ابن ميسر، وكتبتها على تفسير ليس في الكتاب، وإنما ذكر ما دل على هذا. في الوارث يقر بوارث من وجه، ويقر به وارث غيره من وجه آخر، فيصدق أحدهما أو يدعي غير الوجه الذي أقر له به المقر من كتاب ابن ميسر، ومن ترك أخا لأب وأخا لأم، فأقر الذي للأب بأخ لأب، وقال الذي للأم فيه بل هو أخ لأم، فصدق أحدهما وكذب الآخر، أو كذبهما وقال، أنا أخ شقيق، فالفرضة في الإنكار من سبعة، للأخ لأم سهم السدس، وما بقي للذي للأب، فلم يقر له الذي للأم إلا فيما بيد غيره، لا فيما بيده، فلم ينفعه بشيء، ويعطيه الذي للأب نصف ما في يديه، فإن قال أنا شقيق، قيل له إن أقمت بينة وإلا فليس لك إلا ما أقر به الذي للأب، ولو أقر الذي للأب أن الأخ الطارئ لأم (¬3) لم ينتفع الطارئ بذلك لأنه إنما أقر على غيره. ولو ترك ابنا واحد فأقر بأم للميت، فقالت هي بل أنا زوجة للميت، فقد أقر لها بالسدس، فقالت هي ليس لي إلا الثمن، فلا يجبر على أخذ الزائد عليه، ¬
ولا يأخذه منه الحاكم، / لأنها تقر أنه له، ولا يثبت بهذا أنها أم، ولا زوجة للميت، ويلزمها بقولها العدة والإحداد، وأن لا تتزوج إلا بعد انقضاء عدتها، فإن نزعت عن قولها وقالت أنا أم، رجعت فأخذت منه القيراط الرابع، وسقط عنها العدة والإحداد، وهذا ما لم يرجع المقر عن إقراره قبل رجوعها، فلا يكون لها أن تأخذ منه ما بقي. وإن أقر أولا أنها زوجة، وقالت هي أنا أم الميت، فلا تأخذ منه إلا الثمن الذي أقر به ويحلف لها. ولو أقر رجل لرجل أن قد مات فترك ألف درهم، وأنت أخي لأبي فقال المقر، بل أنا ابن الميت، ولست أنا بابن له، فإن كان المال بيد المقر، فليس عليه للآخر إلا نصفه، وإن كان بيد أجنبي لم يأخذه واحد منهما إلا ببينة، فإن أثبت المقر نسبه دفع النصف لمن أقر له، وإن أثبت المقر به نسبه وحده أخذ جميع المال، ولو كان المال بيد المقر به كان له وحده. وإن قال رجل لرجل أنا زوج هذه الميتة، وأنت ابنها، وأنكر الابن أن يكون زوجها، فإن كانت ولادة الابن (¬1) معروفة لم يعد أن يكون بملك أو نكاح، فإن كان بملك يمين فلا شيء للابن معه، ولكن قد أقر الأب أنه بنكاح، فأعطى للأب حظ الزوج وما بقي للابن، فإن كان المال ليس في أيديهما، ولا يعرف ولادته منها، فلا يستحقه أحدهما إلا ببينة، وإن استحقه أحدهما فهو استحقاق لصاحبه. وإن لم يقل الأب أنه ولده، وقال أنه ربيبه، لم أقبل قول واحد منهما، فهو استحقاق لصاحبه، لأن يكون المال في يد الابن وينازعه/ عليه الآخر، فيكون ذلك لمن هو بيده، ولو كان في يد الزوج وأقر أن الآخر ابنها من غيره، فليسلم المال إليه، ولا يثبت له معه مورث إلا ببينة، ولو قالت امرأة أنا زوجة هذا الميت وهذا ابنه مني، أو قالت من غيري، والابن ينكرها ويقول، أنا ولده، فإن كانت معروفة أنها زوجته فلها الميراث، ¬
وكذلك الابن إن كان معروفا فأما بالدعوى فلا، وإن كانت معروفة ولا يعرف لها منه ولادة فلا يقبل قولها، وإن لم تكن ولادة الابن معروفة والمال في يديه، فإن أقر أنها أم له دفع إليها ما أقر لها به، وأقبل اجتماعهما إذا صح أنها زوجة لأبيه، وإن لم يقر أنها زوجة لأبيه وكان المال في يديها أو في يده، لم أقبل دعواه أنه ابنها، ونزعت المال من يدها ولم أعطها منه شيئا، والابن إن كان غير معروف لم أنزع المال من يده، وإن كان بيد غيره لم أعطه منه شيئا. قال أحمد، وإن ترك ابنته وأخته، فأقرت البنت في امرأة أنها ابنة معها، وقالت الأخت بل هي أخت معي، فإنها تسأل، فمن صدقت منهما كانت معها، وإن كانت ممن لا يسأل لصغر، أو بكم، أو جهلت الأمر، فإن البنت قد أقرت لها بثلث ما في يديها، والأخت بنصف ما في يدها، فأعلى حالها أن تكون بنتا فتأخذ من البنت ثلث ما في يدها وهو السدس بينهما واختلف فيما بقي، فقال ابن المواز يؤخذ السهمان الباقيان فيقضي على الثلاثة بقدر حظوظهم (¬1) / وقيل لا يؤخذ من البنت والأخت إلا بقدر ما يقران به إلى تمام الثلث، ويترك ما بقي بيد كل واحد منهما، وهذا معنى ما أجبنا عليه. قال أيوب البصري في كتابه، قال محمد بن الحسن وأصحاب أبي حنيفة، يؤخذ الثلث من يدي البنت والأخت على قدر ما بأيديهما، وبيد البنت السدس سهمان (¬2) وبيد الأخت الربع ثلاثة، وذلك خمسة، فيؤخذ الثلث منهما على خمسة، من البنت خمساه، ومن الأخت ثلاثة أخماسه، فيجعلونها من ثلاثين سهما (¬3) بيد واحدة خمسة عشر، فيأخذ من البنت خمسي الثلث أربعة وبقي بيدها سهم، ويأخذ من الأخت ثلاثة أخماس الثلث وهو ستة، فيتم لها الثلث، ويبقى بيد الأخت تسعة، فلها منها على قولها سبعة ونصف، فيبقى بيدها سهم ¬
في أحدم الورثة يقر بوارث، ويقر بوارث آخر
ونصف لا تدعيه يبقى موقوفا، (ويبقى) (¬1) بيد البنت سهم موقوف، فإذا كبرت المقر بها فقالت أنا بنت ردت البنت الصحيحة على الأخت السهم البقي بيدها، وإن صدقت الأخت ردت الأخت على البنت ما كان بيدها موقوفا وهو سهم ونصف، وردت المقر بها على البنت سهمين [ونصفها] (¬2) فيبقى بيدها الربع، وبيد الأخت القديمة الربع، ويكمل بيد البنت النصف، وهذا قول عامة الناس إلا بعض البصريين، قالوا يأخذ من البنت السدس، ومن الأخت الربع، وذلك الثلث ونصف السدس، فإذا كبرت فصدقت واحدة، ردت على الآخر فضل ما بيدها، ولو قالت البنت: هي أخت أن تعطيها السدس لأنها إذا كانت بنتا (¬3) لم يبق للأخت غير الثلث في أحد الورثة يقر بوارث، ويقر بوارث آخر من كتاب ابن الميسر، وقد كتبتها على ما أعرف من حساب أهل الفرائض، في امرأة هلكت فتركت زوجها وأمها، وثلاث أخوات، مفتريات، فأقر الزوج (¬4) بابنه للميتة، وأقرت الأخت الشقيقة بأخ شقيق، فأصل الفريضة من ستة، عالت بنصفها فصارت من تسعة للزوج ثلاثة من تسعة وهو النصف من أصل الفريضة، وللأم السدس سهم، وللأخت للأم السدس سهم، وللشقيقة النصف ثلاثة، وللتي للأب السدس سهم تمام الثلثين، فعلى حساب إقرار الشقيقة بأخ شقيق يصير من ثمانية عشر ويسقط العول فيصير للزوج النصف تسعة، وللأم السدس ثلاثة، وللأخت للأم ثلاثة، يبقى ثلاثة بين الشقيق والشقيقة [للذكر مثل حظ الأنثيين] (¬5)، وتسقط التي للأب. ¬
وإذا كانت على إقرار [الزوج] (¬1) بينة (¬2) دون إقرار الأخت، كانت الفريضة من اثني عشر، للزوج الربع ثلاثة، وللبنت النصف ستة، وللأم السدس اثنان، يبقى سهم للشقيقة، وتسقط الأخرى، فأصبنا التسعة، تدخل في الثمانية عشر، فيجري أكثر العددين، والثمانية عشر توافق/ الاثني عشر في السدس، فاضرب ثمانية عشر في اثنين سدس الاثنين عشر، فذلك ستة وثلاثون، فاقسمها على الإنكار، للزوج من التسعة ثلاثة مضروبة في أربعة، لأنا أضعفنا التسعة، ثم أضعفنا الثمانية عشر، فصار للزوج اثنا عشر (¬3)، وكذلك صار للشقيقة، وكان للأم سهم فيضرب في أربعة فصار لها أربعة، مثلها للأخت للأم، ومثلها للأخت للأب، ثم أقسمها على إقرار الزوج بالبنت، فللزوج الربع تسعة الفاضل بيده ثلاثة تدفعها إلى البنت، وإلى من نفع بإقراره، وقد نفع الأم أيضا، لأنه يقول للبنت ثمانية عشر وهو النصف، وللأم السدس ستة، وإنما بيدها أربعة فنفعها بسهمين، والبنت ثمانية عشر، [فتقسم الثلاثة التي يأخذان] (¬4) منه على عشرة، للأم عشرها وذلك خمس سهم ونصف خمس، وتسعة أعشارها للبنت، وذلك سهمان وثلاثة أخماس سهم ونصف خمس سهم، ثم اقسمها على اقرار الشقيقة خاصة، فصار لها على إقرارها بأخ سهمان، لأن الزوج يأخذ النصف ثمانية عشر، وللأم السدس ستة وللأخت للأم ستة، تبقى ستة، فللشقيق أربعة، ولها سهمان، وبيدها اثنا عشر (¬5) على الإنكار، فتسلم عشرة إلى من نفعت بإقرارها، وقد نفعت الزوج بستة أسهم، ونفعت الأم بسهمين، والأخت للأم بسهمين، والشقيق بأربعة أسهم، فيقتسمون العشر على أربعة عشر سهما، فيصير للزوج ثلاثة/ أسباعها، وللشقيق سبعاها، ولكل واحدة من الأم والأخت سبعها، فما صار للزوج من هذه سلمه إلى البنت التي أقر بها، يقسمها مع الأم، كما قسمت الثلاثة أسهم، ¬
ويبقى بيده التسعة أسهم المذكورة. [إلا ما زاد عند الأم على السدس فيدعه للبنت] (¬1). قيل فلو أنكرت الأم ما أقرت به الأخت، وما أقر به الزوج،؟ قال أما إنكارها للأخ الذي قالت ابنتها، فليس عليها قبول ذلك، لأنها تنفي عن نفسها ولدا، وأما ما أقر به الزوج فقد يكون لابنتها ولد يعلم به، فليوقف هذا في بيت المال، فإن أقرت به يوما أخذ به، لأنها في رجوعها إلى دعواه لا تلحق بنفسها شيئا لوارثها، وما أقرت الأخت لأمها موقوف بيد الأخت ولا رجوع للأم إليه (¬2). [ورأيت في كتاب نسب إلى ابن ميسر ذكر المسألة فبلغ منها إلى أن جعلها من ستة وثلاثين. قال فنظرنا (¬3) الأخت الشقيقة وبيدها الثلث اثنا عشر (¬4)، فلها على إقرارها سهمان فيسلم عشرة أسهم لمن نفعت بإقرارها، فنفعت الزوج بستة، والأم بسهمين والأخت للأم بسهمين والشقيق بأربعة، ولكل نصيب من أنصابهم فيضرب بثلاثة، والأم بسهم، والأخت بسهم، والأخ بسهمين فذلك سبعة، فللأخ من العشرة سبعاها (¬5)، وذلك ثلاثة إلا سبعا (¬6)، وللأم سهم وثلاثة أسباع، وكذلك الأخت للأم، وللزوج أربعة وسبعا (¬7) سهم فصار بيد الزوج على الإنكار ستة عشر سهما وسبعا سهم فأقر الزوج أنه إنما له من ذلك تسعة أسهم الباقي بيده سبعة أسهم وسبعا سهم فأقر أنه للهالكة (¬8)، لها ثمانية عشر، وأقر للأم بتمام السدس وهو أربعة أسباع سهم لأنه صار بيدها مما أخذت في الإنكار، ومما أخذت من الأخت خمسة أسهم وثلاثة أسباع سهم فيحتاج إلى أن يقسم السبعة ¬
أسهم وسبعي سهم التي فضلت عند الزوج على مائة وثلاثين سهما، فما أصاب أربعة فللأم وما أصاب مائة وستة وعشرين للابنة (¬1) فأصاب الأم بقية عشر حبة وستة أجزاء إلا سبع جزء من حبة، وأضيفت البنت سبعة أسهم وثلاث حبات وتسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من حبة. قلت فلم لا يرد الزوج على الأخت للأب والأم وقد أقر لها بنصف السدس كما ردت الأخت؟ قال لأن الأخت قد كان بيدها أكثر مما أقر لها به فأعطته لمن أنكره الزوج، والزوج أخذ من الأخت فاعلم أن غيرها أحق به منها فدفعته إليه. قال أبو محمد وقد يحسب على غير هذا فنقول إن الأخت كان بيدها اثنا عشر (¬2) فأقرت بأخ فإنما على إقرارها سهمان (¬3) فيؤخذ من يدها عشرة فتقسم على سبعة فللزوج ثلاثة أسباعها وذلك أربعة أسهم وسبعان وللأم سبعها: سهم وثلاثة أسباع سهم وكذلك للأخت للأم، وللأخ سبعا العشرة، وذلك اثنان وستة أسباع سهم فللزوج على إقراره تسعة فيرد ما بقي بيده وذلك سبعة أسهم وسبعا سهم يدفعها إلى من انتفع بإقراره تسعة فيرد ما بقي بيده وذلك سبعة أسهم وسبعا سهم يدفعها إلى من انتفع بإقراره وقد انتفعت البنت بنصف جميع الفريضة [ثمانية عشر والأم بتمام السدس وذلك أربعة أسباع سهم ومطلبها لكل مطلب منهما نصف] (¬4) فيقسم ما يدفع الزوج على تسعة أسهم وسبعي سهم، وإن بدأنا بإقرار الزوج بالثلث قلنا له في الإقرار تسعة وفي الإنكار اثنا عشر (¬5) فيدفع ثلاثة إلى الأم والبنت تقتسمان ذلك (¬6) على عشرة، للبنت تسعة وللأم تمام السدس: سهمان (¬7) ثم يرجع إلى إقرارها بستة أسهم، والأخت بسهمين والأخ بأربعة، فإن قلنا إن الأم أيضا ¬
فيمن ترك ولدين، فأقر أحدهما بأخوين، فصدقه أخوه بأحدهما
قد انتقصت سهمين؟
فيمن أقر بوارث معه ثم أقر بآخر بعد أن دفع إلى الأول مورثه أو قبل
قد انتقضت سهمين؟ فإنه يقول لها الزوج والأخ المقر به أنت قد قبضت ثلاثة أعشار سهم- يريد الزوج أولا- فلا يضرب لسهمين، وإنما يبقى لك سهم وسبعة أعشار سهم، كان للأم أن تقول للأخ المقر به والأخت للأم ليس لكما أن تحاسباني بذلك لأنكما منكران لإقرار الزوج، وإنما انتفعت أنا بموضع تنكرانه (¬1)، فللأم في ذلك مقال، وليس لها أن تقول مثل هذا للزوج لأن الزوج مقر بذلك وقد نابها ستة أسهم كاملة في إقرار الأخت وقد قلنا إنه إذا أصاب الأم سهم وثلاثة أسباع سهم من العشرة الفاضلة على يد الأخت مضمونه إلى يدها من المحاصة الأولى، أربعة أسهم وثلاثة عشر سهما فاجتمع لها خمسة أسهم وثلاثة أسباع منها وثلاثة أعشار سهم فخرج هذا الكسر من سبعين فيصير للأم خمسة أسهم صحاح وأحد وخمسون جزءا وأحد وهو سبعون جزءا للأخت للأم خمسة أسهم وثلاثة أسباع سهم، ويبقى في يد الزوج في هذه المحاصة أربعة أسهم وسبعا سهم يدفعها لمن انتفع بإقراره على ما كنا قسمنا الثلاثة التي دفع الزوج، وكنا قسمناها على عشرة فيكون للأم عشرها، ويبدو للأم خمسة أسهم: وأحد وخمسون جزء سهم، هو سبعون جزءا فيصير عندها بهذا ستة أسهم وهو السدس ويبقى بيدها سبع وعشر سبع سهم يجوز إليها (¬2). فيمن ترك ولدين، فأقر أحدهما بأخوين، فصدقه أخوه بأحدهما من كتاب ابن ميسر، وإن ترك ولدين فأقر أحدهما باخوين فصدقه أخوه الثابت النسب في أحدهما، والمقر لهما كل واحد منهما ينكر صاحبه، فالفريضة في الإنكار من سهمين، وفي الإقرار من أربعة، وعلى الإقرار من أحدهما من ثلاثة، فاثنان داخلة في أربعة، فضربنا أربعة في ثلاثة، فذلك اثنا عشر (¬3)، ففي يد كل ¬
في أحد الولدين يقر بأخ بعد أن قاسم أخاه والتركة عين أو عرض
واحد من الأولين ستة، فالمقر منهما بثالث قد أقر في يده بسهمين لأخيه فيدفعهما إليه، والمقر بالأخوين مقر أنه ليس له إلا ثلاثة، ويسلم إليهما ثلاثة، ثم ينظر، فإن كان أقر لهما قبل تصديق أخيه (¬1)، قسما الثلاثة بينهما نصفين، وإن كان إقراره بعد/ إقرار أخيه، فقد زعم أن لأخيه الذي اجتمعا على الإقرار به ثلاثة أسهم، أخذ منهما سهمين من الآخر، وزعم أن لأخيه الذي أقر به هو وحده ثلاثة، لم يأخذ منها شيئا، فيضربان في الثلاثة أسهم التي سلمها هذا إليها بأربعة أسهم، للمجتمع عليه رُبُعُها، وللآخر ثلاثة أرباعها، فهكذا يكون إذا كان المقران غير عدلين، ولو كان كل واحد من المقر بهما مقرا بصاحبه، فإنا ننظر إلى ما يصير لكل واحد منهما على إقرار الجميع، فمن كان بيده فضل رده على صاحبه، وليس في هذه المسألة ما يترادان. فيمن أقر بوارث معه ثم أقر بآخر بعد أن دفع إلى الأول مورثه أو قبل من كتاب ابن ميسر، وإذا أقر الوارث بوارث ثم بآخر، فإن كان دفع إلى الأول ما أقر له به ضمن للثاني ما يصيبه على إقراره به، وإن لم يكن دفع إليه شيئا (¬2) لم يضمن، ويدفع إليه فضل ما في يديه بعد الأول، إلا أن يكون دفع إلى الأول بقضاء قاض، وهو لا يعلم موضع الثاني، فيكون كأنه لم يدفع إليه، وأما إن علم به فأخفاه (¬3)، فهو متعد على الثاني، ثم رجع أحمد، فقال، يضمن للثاني بدفعه للأول، علم بالثاني أو لم يعلم، والقول الأول قول أشهب، ومن هلك عن ابن واحد فأقر الابن بابن آخر، فدفع إليه أو لم يدفع، ثم أقر بثان فإنه يدفع إلى الأول/ نصف ما في يديه، ويدفع إلى الثاني ثلث ما في يديه، فإن كان دفع إلى الأول بحكم بعد إقراره بالثاني، فلا شيء عليه إلا ثلث ما في يديه، ¬
فيمن ترك ولدين، فأقر أحدهما بأخ، ثم مات المقر، أو المقر به، أو كانوا ثلاثة
وأما إن دفع إليه بغير حكم ثم أقر بالثاني أو أقر أنه كان عالما به فسكت عن ذكره حتى حكم للأول، فإنه ضامن للثاني ما أتلف، وكذلك قال أشهب في الإقرار بعد الإقرار بالوصية، ولو لم يدفع إلى الأول والثاني حتى أقر بثالث، فإن لم يدفع فلا ضمان عليه، وقد ثبت الإقرار للأول، فإن فضل بيده شيء عما أقر به للأول دفعه للثاني، فإن بقي بيده بعد ذلك فضل دفعه إلى الثالث، وإن لم يبق فضل عن حقه عما أخذه الأول، لم يكن عليه شيء، وإن كان قد إلى الأول ما أقر له به، ثم أقر للثاني والثالث، فهو ضامن لما يصيب الثاني، [فإن كان فيه فضل عن حق الثاني] (¬1)، دفع الفضل إلى الثالث، وإلا لم يلزمه للثالث شيء [لأن ما يضمنه للثاني] (¬2) لا يأخذه إلا بحكم، فيكون كما لو أخذ الأول بحكم لم يضمن الدافع، ولو دفع إلى الأول بحكم وإلى الثاني بغير حكم، ثم أقر بالثالث، فما دفعه إلى الأول، فقد برأ من ضمانه، وما دفعه إلى الثاني مما يقر أنه للثالث ضمنه له. في أحد الولدين يقر بأخ بعد أن قاسم أخاه والتركة عين أو عرض /ومن كتاب ابن ميسر، ومن هلك وترك ولدين فأقر أحدهما بولد للميت، والتركة عين، فقد بينا ذلك، فإن كانت التركة عبدا أو أمة، فاقتسما فأخذ المقر العبد وأخذ الآخر الأمة، ثم أقر بأخ، فلما أقر هذا بأخ فقد أقر له بثلث العبد، وثلث الأمة، وقد كان للمقر نصف كل واحد منهما في الإنكار، فأقر له في كل نصف وجب له بثلث ذلك النصف وهو سدس العبد، فلما باع نصفه في الأمة بنصف أخيه في العبد، ضمن لأخيه سدس قيمة الأمة، وأما ثلث العبد فواجب له، لأن سدسه كان بيده، وسدس آخر عاوض فيه أخاه، فابتاع ما لا يحل له، كمن اشترى شيئا ثم أقر أنه لآخر، فليسلمه إليه، فقد وجب له ثلث العبد بكل ¬
في الورثة يقرون بوارث فيقول المقر به عندي نصيبي
حال، وهو مخير في سدس الأمة أن يأخذ منه نصف قيمته، أو يأخذ فيه سدس العبد الذي باعه، فيصير له نصف العبد، وللمقر نصفه هذا الذي ذكره أحمد بن ميسر. وقال أيوب البصري (¬1)، إن قول أهل المدينة أنه يعطيه ثلث العبد الذي صار له، ويضمن له قيمة سدس الأمة، لأنه باع ذلك بسدس من العبد وهو مقر أنه لأخيه، وهذا الذي قال أيوب هو الصواب، وليس فيه يخير الذي أقر له به من العبد اشتراء نصفه بسدس الأمة، بالذي كان بيد أخيه من العبد الذي كان بيده. قال أيوب ولو أقر/ بأخ وأخت له لأعطاهما ثلاثة أسباع العبد، [ويضمن لهما ثلاثة أسباع نصف الأمة، وقال ابن ميسر، على أصله له ثلاثة أسباع العبد،] وهو مخير في تضمينه قيمة ثلاثة أسباع العبد، [ويضمن لهما ثلاثة أسباع نصف الأمة، وقال ابن ميسر، على أصله له ثلاثة أسباع العبد،] (¬2) وهو مخير في تضمينه قيمة ثلاثة أسباع نصف الأمة، أو يأخذ من العبد سبعا ونصفا مع ثلاثة أسباعه، فيصير له منه أربعة أسباع ونصف (¬3). فيمن ترك ولدين، فأقر أحدهما بأخ، ثم مات المقر، أو المقر به، أو كانوا ثلاثة من العتبية (¬4)، قال سحنون، فيمن أقر بالرجل مات أخي وترك ألف دينار وهو أخوك، قال يقاسمه الألف، ولو ترك ولدين فأقر أحدهما بأخ له، قال يعطيه ما وقع في سهمه- يريد يعطيه ثلث ما في يده-، قيل مات المقر له؟ قال يرثانه المقر له والمنكر له. قال يحيى بن عمر، يأخذ المقر له من تركته بدءا مثل ما كان أعطاه، ثم يكون ما بقي بينهما، لأن المنكر جحده إياه. قال سحنون، ولو مات المقر لم يرثه ¬
إلا أخوه المعروف النسب، إلا أن يموت ولا يموت ولا وارث له غير هذا (المقر له) (¬1) فإنه يرثه. قال أحمد ابن ميسر، في الذي هلك عن ولدين، فأقر أحدهما بأخ فأعطاه ثلث ما في يده، ثم مات المقر، فلا يرثه المقر به لأن نسبه لم يثبت، ولو مات المقر به ولا وارث له غير ورثة أبيه، فيأخذ المقر (¬2) من تركته ما دفع إليه، ولا حجة/ عليه في هذا، وأما إن كان يرثه أحد من غير ورثة الأب، فلا يأخذ المقر من تركته شيئا لا ما أعطاه ولا غيره. في الورثة يقرون بوارث فيقول المقر به عندي نصيبي من كتاب ابن ميسر، وكتاب أيوب البصري واللفظ له، إذا قسم الورثة التركة، ثم طرأ وارث فأقروا به، فقال عندي مورثي، (فإنه يضع ما عنده إلى ما قسموا) (¬3)، فإن كان نصيب كل واحد منهم في كل حال واحدا، فلا تراجع بينهم، وإن كان يصير لبعضهم أكثر فليتراجعوا، فلو مات رجل وترك أبويه وابنتيه، فأخذ أبواه الثلث، وابنتاه الثلثين، ثم أقر جميعهم ببنت، فقالت عندي نصيبي، قال فريضته في الإنكار من ستة، وفي الإقرار من ثمانية عشر على تصحيحها، وللأبوين الثلث: ستة، وللبنات الثلاث الثلثان أربعة لكل بنت، فأسقط سهام الطارئة أربعة فتبقى أربعة عشر، فالأربعة التي أسقطتها هي مثل سبعي الأربعة عشر فأردت أن أزيد على فريضة الإنكار [وهي ستة مثل] (¬4) سُبُعها، كما أسقطت من هذه ولا سبع لها، فاضرب ستة في سبعة تبلغ اثنين وأربعين، ثم احمل عليها سبعيها اثني عشر تبلغ أربعة وخمسين، فللأبوين سدسها ثمانية عشر، وللبنات الثلثان ستة وثلاثون لكل واحدة اثنا عشر (¬5) وأسقط/ سهم الطارئة تبقى اثنان وأربعون، فقد ¬
علمت أن الأبوين إنما أخذا ثلث اثنين وأربعين، وذلك أربعة عشر، وإنما لها ثمانية عشر ثلث أربعة وخمسين، فبقي لهما بيد الابنتين أربعة من اثنين وأربعين، سهمان بيد كل واحدة منهما، وذلك إن ترك الميت خمسة آلاف وأربعمائة درهم، رجع الأبوان على الابنتين بأربعمائة بينهما، ويصير الذي في يد الطارئة ألفا ومائتين (¬1). قال أيوب البصري الفرضي، [ولو كانت الطارئة ملية والابنتان معدمتان (¬2) والتركة] (¬3) ما ذكرنا، فقد علمت أن تصحيح الفريضة من ثمانية عشر، للأبوين ستة، ولكل بنت أربعة، فضمت الأربعة التي للطارئة مع الستة للأبوين، فذلك عشرة، فيقسم ما بأيديهم على عشرة، فنظرت إلى ما بيد الطارئة فإذا هو ألف ومائتان (¬4) وقد أخذ الأبوان ألفا وأربعمائة، فاجمع ذلك فيصير ألفين وستمائة، فاقسم ذلك على عشرة، للبنت خمسة، وللأبوين ثلاثة أخماسه، والخمسان ألف وأربعون، والثلاثة أخماسها ألف وخمسمائة وستون، فالذي يأخذ الأبوان من الطارئة الملية مائة وستون، ثم إن طرأ للإبنتين المعدمتين شيء اقتسموه أيضا على عشرة، ثلاثة أخماسها للأبوين، وخمساه للبنت الطارئة، هكذا حتى يستوفوا جميع أنصبائهم، ولو كان إنما قالت الطارئة معي نصف نصيبي/ عملت على معنى ما تقدم، فلها من الثمانية عشر سهما أصل الفريضة أربعة، فاترك (¬5) منها سهمين، الباقي ستة عشر، فالسهمان منها ثمانية، فزد على فريضة الإنكار مثل ثمنها، ثم اعمل على ما وصفنا، فمن كان له فضل أخذه ممن كان أخذ أكثر من نصيبه على ما تقدم. قال ابن ميسر، وفيه أخصر من هذا، أن الفريضة من ثمانية عشر فأزل منها نصيب الطارئة أربعة، الباقي في أربعة عشر، يقسم عليها ما بأيدي المقرين عليهم على سبعة للأبوين ثلاثة أسباع، وأربعة أسباع بين الابنتين المعروفتين، فإن ¬
كانت التركة ثمانية عشرة دينارا، وجب لكل بنت خمسة وسبع وبيدها ستة، فترد كل واحدة منهما على الأبوين ستة أسباع سهم، فعلى هذا تقسم التركة، قلت أو كثرت، وإن كانت البنتان عديمتين، والطارئة ملية، وهم متقارون بالطارئة، فقد قيل يرجع عليها الأبوان- يريد على ما ذكرنا من كتاب أيوب- قال أحمد، وقيل لا يرجع عليها لأنها أخذت حقها، وبهذا نقول، لأنا نقول في الوارث يطرأ على وارثين، وأحدهما عديم، أنه إنما يأخذ من المليء ما فضل من حقه، والقول الأول لأشهب، وقاله ابن القاسم في غريم يطرأ على غرماء وأحدهما عديم، وأما إن طرأ غريم على ورثة، فهذا يأخذ جميع ما بيد المليء إلى مبلغ حقه، وهذا في كتاب التفليس مشروح، وفي كتاب التفليس من هذا المعنى/ مسألة لابن المواز، إذا ترك ابنا وزوجة فاقتسما ثم طرأت زوجة أخرى فقالت عندي حقي، ومن كتاب ابن ميسر قال، ولو أن أحد الإبنتين منكرة للطارئة لم يرجع عليهما الأبوان بشيء، ويرجعان على المقرة بسهمين، فيصير لهما ستة عشر سهما. قيل فهل ترجع المنكرة على الطارئة بشيء؟ قال إن أقرت أنها قبضت من التركة شيئا أخذته منها فقسمته على المواريث، وما فضل رد إليها، لأنها مدعية النسب ولم يشهد لها من تجوز شهادته، ويأخذ أيضا فضل ما بيد من أقر لها، كما لو ترك ولدين وترك مائتي دينار، فأقر أحدهما بأخ لأنه طارىء، فقال الطارئ حقي في يدي فعلمنا أن ذلك مائة دينار، فأخذناها منه فأضفناها إلى المائتين، فقسمنا الجميع بين الطارئة النسب، فأصاب المقر خمسين ومائة، يرد منها خمسين على الذي أقر به. وفي كتاب التفليس من هذا المعنى مسألة تم كتاب الإستلحاق
كتاب الولاء
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه كتاب الولاء ذكر الولاء فيما أعتق الرجل عن نفسه، أو عن غيره، أو دبر عن غيره، أو أعتق مدبره أو مكاتبه عن نفسه، أو عن غيره، وفي عتق السائبة ومن الزكاة قال أبو محمد، ومن كتاب ابن سحنون، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:/ «إنما الولاء لمن أعتق» (¬1) يعني من أعتق عن نفسه، كما قلنا في قوله: «كل ذي مال أحق بماله» معناه ما لم يحدث فيه، تحبيسا على غيره، وأجمعوا أن الوصي يعتق عن الميت ما وصى به، وأن الولاء للميت، وكما تعتق أم ولده بعد موته، وليس بمعتق يومئذ وولاؤها له. قال سحنون، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بشراء بريرة (¬2) وبشرط الولاء للبائع ليبين رد ذلك إذ لا يحل الحكم من القلوب محل القول، وكما قال: «إني لأنسى أو أنسى لأسن» (¬3) يريد أن الفعل يحل من قلوبهم محل التعليم (¬4)، وأنكر قول من قال اشترطي لهم بمعنى عليهم، وقال ما علمت من قاله. ¬
قال والسائبة التي نزل النهي عنها (¬1) هي من الأنعام لا عتق العبد سائبة، لأنهم أجمعوا أن من أعتق سائبة أن عتقه ماض، ولو كان في النهي لرد كما يرد ما في سيب من الأنعام، وقد سيب جماعة من الصحابة سوائب، فكان ميراثهم للمسلمين، قال مالك في كتاب ابن المواز، إذا اشترى العبد نفسه من سيده، قال في كتاب ابن حبيب أو دبر من اشتراه، فولاؤه لسيده، قال فيه وفي كتاب ابن المواز، [فإن شرط على أن يوالي من شاء، لم يكن له ذلك، والسنة أن الولاء لمن أعتق. قال في كتاب ابن المواز]، ومن اعتق عبده بشرط أن ولاءه لفلان، فذلك باطل والولاء لمعتقه، حتى يقول أنت حر عن فلان فيكون الولاء لفلان، وإن قال انت حر عن فلان وولاؤك لي، فولاؤه لفلان دونه. قال مالك:/ وأحب إلي للذي يريد أن يعتق عبدا عن أبيه أن يهبه لأبيه ثم يعتقه الأب نفسه (¬2). قال ابن سحنون عن أبيه، وقولنا أن من أعتق عبده عن رجل فولاؤه للرجل، وإن كره، قال: وإذا أجاز الوارث عتق الميت في مرضه أو بعد وفاته فيما جاوز الثلث، أن الولاء للميت. ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬3)، من رواية عيسى، ومن أعتق مدبره عن فلان فالولاء لسيده. ¬
قال عن عيسى، ولا أحب ابتداء ذلك، قيل فالمكاتب مثله؟ قال أشبهه به، وكذلك لو باعه ممن يعتقه فالولاء للسيد، قال عنه أصبغ وهو في الكتابين، وإن باع المدبر من غير شرط فأعتقه مبتاعه، فولاؤها لمبتاعه. قال في كتاب ابن المواز، ولو باع أم ولده ممن يعتقها أو أعتقها عن فلان فولاؤها لسيدها. قال أصبغ في غيركتاب محمد، الولاء للبائع والعتق ماض ويبقى له الثمن، كما لو أعطى مالاً على عتقها. وروي عن سحنون أن العتق باطل، وترد إلى ربها أم ولد، وروى ابن الماجشون، أنها حرة والولاء للبائع ويرد الثمن. وفي كتاب ابن المواز قال مالك، وقد ترك الناس عتق السوائب، فإن فعله أحد فالولاء للمسلمين. قال ابن القاسم، روى عمر بن عبد العزيز أن ولاءه لمعتقه. قال سحنون في كتاب ابنه، وقاله ابن نافع. قال ابن حبيب قاله ابن نافع وابن الماجشون، قلا ولا يجوز أن يعتق سائبة، قال/ وإن جهل فولاؤه للمسلمين، قال سحنون، وليس هذا قول أصحابنا. قال ابن حبيب: وقد قال ما قال مالك، عمر، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم، وكثير من صاحب وتابع. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، والأمر عندنا على أن ولاءه للمسلمين، وقال مالك في الموطأ أنه الأمر المجتمع عليه عندنا. قال سحنون، وقال ابن شهاب، يوالي من شاء، فإن مات ولم يوال أحداً (¬1) فولاؤه للمسلمين. ¬
قال في العتبية (¬1)، ابن القاسم من رواية أصبغ، وأكره عتق السائبة لأنه كهبة الولاء (¬2). قال أصبغ وسحنون، لا تعجبنا كراهيته ذلك، وهو جائز (كما يعتق عن غيره من ولد، وغيره) (¬3)، ولا كراهية فيه، قال ابن القاسم في العتبية (¬4)، من رواية أصبغ، وهو في كتاب ابن المواز، وإذا قال أنت سائبة- يريد العتق- فهو حر وإن لم يسم الحرية، وقال في العتبية (¬5)، أو يقول اذهب فأنت حر سائبة، وقال أصبغ، لا يعجبني قوله حتى يريد العتق، ولفظ التسييب لفظ الحرية وإن لم يردها، إلا أن يكون لقوله سبب غير الحرية. قال مالك في العتبية (¬6) من سماع ابن القاسم، وإذا وجد الذين يقسمون الخمس، وقال في كتاب ابن المواز، وإذا وجد الذين يقسمون الزكاة، قال في الكتابين الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير، يعتقها أهلها على أن ولاءها للبائعين، فأحب إلي أن يغلوا في ثمنها ويكون ولاؤها للمسلمين ¬
في جر الولاء ولد العبد من نكاح حرة
، [13/ 241] قال مالك في/ كتاب محمد، ومن أعتق عن زكاته فالولاء للمسلمين. [قال مالك في كتاب ابن حبيب، وإذا أعتق رجل من زكاته عن نفسه، أن ولاءه للمسلمين] (¬1)، كمن أعتق عن غيره واشترط الولاء لنفسه. ومن كتاب ابن المواز، [قال مالك] (¬2)، وولاء ما أعتق من الكفارة له. قال ابن سحنون عن أبيه، في المرأة تقول لمولى زوجها اعتق عبدك عني على كذا، أني أختار قول أشهب أن النكاح لا يفسد. قال في كتاب ابن المواز، وإذا ابتاع المقارض بالمال عبدا فكاتبه، فلرب المال رد عتقه، فإن أجاز فولاؤه له، وإن كان فيه فضل فللعامل من الولاء بقدر ذلك، ولو لم يجز رب المال لم يعتق من العبد شيء على العامل، وإن كان فيه فضل كعبد بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه. في جر الولاء في ولد العبد من نكاح حرة قال ابن سحنون عن أبيه، وقامت السنة عن الصحابة والتابعين وتابعيهم، أن ولد المرأة الحرة المعتقة، ولاؤه موالي أمه ما كان أبوه عبدا، فإذا عتق جره إلى مواليه وورثه وعملوا عنه، وإن كانت عربية فولاؤه للمسلمين حتى يعتق أبوه. محمد، قال ابن القاسم، ومن قال وهو مريض، عبدي هذا مدبر عن أبي، لزمه ولا يرجع فيه إن كان منه على البتل لا على الوصية، وهو يخدم الأب، فإذا مات خدم الورثة حياة الابن، والولاء للابن، فإن كانت/ أمة لم يطأها الأب ولا الابن. وروى عنه أبو زيد، فيمن قال أنت مدبر على أبي، أنه مدبر عن نفسه، ولا يعتق إلا بموته من الثلث، فأما بموت الأب فلا، إلا أن يقول أنت مدبر عن أبي، أو أنت حر عن دبر من أبي، فينفذ ذلك عن أبيه، قال مالك، وذلك عندنا سواء ¬
قال على أبي أو عن أبي، وهو معتق إلى أجل إلى حياة أبيه، والولاء لأبيه، وإن كان أبوه ميتا فهو حر مكانه، والولاء لابنه. قال مالك في كتاب محمد، في ولد الحرة من زوجها [العبد] (¬1) أنه حر ترثه أمه وإخواته لأمه، وما بقي لبيت المال إن كانت عربية، أو كانت قد أسلمت، وإن كانت مولاة إرثه (¬2) إلى مواليها ورثوا عنه فاضل (¬3) المال، فإن عتق رجع ولاؤهم إلى معتقه، ولو كان ذلك قبل عتق العبد بساعة. قال مالك في العتبية (¬4) من رواية ابن وهب، وقع في سماعه أشهب، وكذلك لو كان العبد مريضا مرضا شديدا فأعتقه غدوة، ومات العبد عشية، وإن أعتقه عند موته إذا نال العتق وهو حي. قال في كتاب ابن المواز، وإن بقي في الرق حتى أعتق سيد أبيه أباه، لجر ولاؤه ولد ولده إلى معتق الجد ما كان الأب عبداً، مات أو عاش، يرثهم ويعقل عنهم هو وقومه، ما لم يعتق الأب، وروى مثله يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وزاد، وكذلك يجر الجد إذا عتق ولاء من ولد لابنه العبد قبل عتقه. قال فيه من رواية عيسى/ وفي كتاب ابن المواز، ولا يجر الجد ولا من ولد بعد موته إلا أن يموت الجد وهي حامل، فيجر، ولا حملها إذا حملت به قبل وفاة الجد. قال ابن سحنون، قال ابن الماجشون، وإذا كان الأب والجد عبدين، وأبو الجد حرا جر ولاء الولد إلى مواليه، ما لم يعتق الجد فيصير ولاؤه لمواليه، (ما لم يعتق الأب فيرجع ولاؤه إلى موالي الأب، ولا يجر أحد الولاء من الأقارب [إلا الولد وأبناؤه من الذكور. ¬
قال في كتاب ابن المواز، وهذا ما كان الأب] (¬1) عبداً، فإذا عتق رجع ولاؤه إلى مواليه] (¬2)، ولا ينقل أحد الولاء من القرابات غير الأب، قال، وإنما الذي لا يجر ولاءه أب ولا جد، ولد مسه رق، مثل أن تكون به حاملا وهي أمه، فتعتق قبل أن تضع، ولا يجر ولاءه أب ولا جد. ومن كتاب أيوب بن سليمان الفارضي (¬3)، وإذا كان رجل حر (¬4) لم يعتق وله أبوان، الأب مملوك، والأم حرة معتقة، وللأم أبوان حران معتقان، وللأب أبوان [حران] (¬5) معتقان، فولاؤه لموالي جده أبي أبيه، ولو أن أبويه حران لم يعتقا، ولأبيه أبوان أبواه مملوك وأمه معتقة، ولأمه أبوان أبوها مملوك وأمها حرة معتقة، فإن ولاءه لموالي أم أبيه، ولو أن رجلا حرا لم يعتق، وأبوه حر، لم يعتق، وأم الولد حرة معتقة، وأم الأب حرة معتقة [وأبو الأب مملوك] (¬6)، فولاء الولد لموالي أم الأب. ولو أن لهذا الحر الذي لم يعتق أبوين أبوه حر لم يعتق وأمه حرة معتقة، وللجد أبي الأب أبوان أبوه مملوك وأمه حرة معتقة، فولاء الولد لموالي أم الجد، دون موالي أم الأب، ودون موالي أم الولد. ولو أن له أبوين الأب مملوك/ والأم حرة [لم تعتق، وللأم أبوان حران لم يعتقا، ولأبي الأم أبوان، أبوه مملوك وأمه حرة] (¬7) معتقة، ولأم الأم أبوان حران معتقان فالولاء لموالي أم أبي الأم، لأنهم موالي الأم. ¬
وكذلك لو كانت المسألة على حالها إلا أن أبا الأم عربي، فليس لواحد من هؤلاء من الولاء شيء. ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬1)، من سماع أشهب، قال مالك، ولو أن ابن العبد من الحرة اشترى أباه، فيعتق عليه، كان ولاء أبيه له لجره إلى موالي أمه. قيل لمالك في العتبية، إن ناسا شكوا في ذلك، وقالوا نراه كالسائبة، فأنكر ذلك. قال سحنون في كتاب ابنه، وهذا قول جميع أصحابنا، إلا ابن دينار فإنه قال هو كالسائبة، وولاؤه للمسلمين. ومن كتاب ابن المواز، ومن أعتق أمته الحامل من عبد لرجل، ثم ولدته وولدت آخر بعده فمعتقها، يرث الولدين مع أمها ما لم يعتق الأب، فإن عتق الأب جر ولاء الولد الذي ولدته بعد العتق، وبقي ولاء الآخر لمعتق الأم. ومن تزوج مدبرة فمات السيد وقد ولدت قبل موته، أو هي به حامل يوم موته، فولاؤهم للميت إذا عتقوا في الثلث، وإن كان زوجها عبدا ثم عتق لم يجر ولاؤهم إلى معتقه إلا أن تحمل به بعد موت سيدها، وقاله أصبغ. قال ابن سحنون عن ابن الماجشون، في السيد يعتق ما في بطن أمته الحامل من زوج عبد لغيره، ثم عتق، ثم وضعت بعد عتقه، فولاء الولد لسيده المعتق، ولو أعتق أمه بعد عتقه للجنين، ثم عتق الأب قبل أن تضع، فولاء الولد/ لسيد الأمة، لا يجره معتق الأب، وذلك إن ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم عتق ¬
الأم، وإن كانت لستة أشهر فأكثر- يريد فليست بظاهرة الحمل- والزوج مرسل عليها، فإن الأب يجر ولاؤه إلى معتقه. ومن كتاب ابن المواز قال، وإن ادعى معتق الأب أنها حملت بالأول بعد أن عتقت، وقال معتقها: بل كانت حاملا يوم العتق، فمعتق الأب مصدق وولاؤها له، إلا أن تكون بينه الحمل يوم عتقت، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم عتقت، ولا ينظر إلى قول الأب والأم، وقال أشهب، لأن الظاهر أنها ولدت وهي حرة، والشك في أن تكون حاملا يوم العتق، محمد، ولأن أحقها بالولاء الأب لأنه يجره، فلا يزول عنه بشك (¬1). قال مالك، ولا يكف زوجها عن وطئها إذا عتقت لاختيار الحمل. قال ابن كنانة في العتبية (¬2) في رجل أعتق ابن أمته من رجل عربي أنه ينسب إلى أبيه وعشيرته، ولا يرثه الذي أعتقه، وقاله سحنون. قال أبو بكر، وقاله مالك، يعني مسألة كتاب التدليس. وروى عيسى عن ابن القاسم، في الأمة بعضها حر، فيطؤها من له فيها الرق فحملت، أن ولاء الولد بينهما، وذكر ابن المواز عن ابن القاسم، وقال والصواب غير هذا، وولاؤه لأبيه، والنسب أملك به، وعلى الأب عتق، وبالحمل عتقت الأم، وكل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا فولاؤه لأبيه، ولو أعتق المتمسك ثم تزوجها رجل، فولاء ولده لمواليه دون مواليها. وروى عنه عيسى/ في عربي تزوج أمة فأولدها ولداً، فتزوج الولد حرة، فإن ولدها منه حر ينتسب إلى جدة (¬3) ويعقل عنه قومه. ¬
ذكر الولاء فيما أعتق المدبر وأم الولد والمكاتب والعبد بين الرجلين، والمكاتب في مكاتب عبده
ذكر الولاء فيما أعتق المدبر وأم الولد، والمكاتب، والعبد بين الرجلين، والمكاتب في مكاتب عبده من كتاب ابن المواز، وذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، قالوا، كل من للرجل أن ينتزع ماله من أرقائه (¬1)، فولاء ما أعتق الأجل، أو يمرض السيد في المدبر أو أم الولد، فإن ولاء ما أعتقوا حينئذ بإذن سيدهم يرجع إليهم إذا أعتقوا، وهؤلاء كلهم إذا أعتقوا، وهؤلاء كلهم إذا أعتقوا بغير إذنه فلم يعلم حتى عتقوا، فلا يرجع إلى سيدهم، ولاء ذلك إلا أن يكون استثناء مال من يجوز استثناء مال من يجوز استثناؤه منهم حين أعتقه، فهذا يكون ما أعتق بغير إذنه رقا لسيده، باستثناء ماله، وقاله كله أصبغ عن ابن القاسم، وكله أيضاً في العتبية (¬2) عن ابن القاسم. قال في كتاب ابن المواز، وإذا علم السيد بعتق العبد فلم يجز ولم يرد حتى عتق العبد، فولاؤه للعبد. وقال أصبغ، وما أعتق المدبر وأم الولد في مرض السيد بإذنه، فالولاء لهما وإن صح السيد، لأنه وقت ليس له نزع مالهما، وأما ولاء من أعتق المكاتب قبل أن يعجز، إذا عجز فالولاء لسيده ثم لا يرجع إليه إن عتق. قال عبد الله بن عبد الحكم/ اختلف في ولاء ما أعتق المدبر وأم الولد في مرض السيد، وأحب إلي أن يكون للسيد، وإن مات من مرضه لا يرجع إليهما وإن عتقا، لأنه كان له أخذ مالهما بسبب صحته إن صح، وكذلك المعتق بعضه، وقال أشهب في المعتق بعضه، يعتق بإذن السيد، وقال ابن القاسم الولاء للعبد إن عتق، ¬
قال محمد، ولم يعجبنا قول أصبغ ولا قول أشهب، ولا غيره في ذلك كله، وهو خلاف قول مالك وابن القاسم، أن من لا ينتزع ماله فولاء ما أعتق بإذن السيد راجع إليه إن عتق، وما روي غير هذا فغلط عليه وهو لأشهب، والمدبر وأم الولد لا ينتزع مالهما في مرضه، فإن انتزعه ثم مات فذلك رد، وإن عاش بقي له, وكذلك عتقهما بإذنه موقوف، فإن مات كان ممن ليس له انتزاع مالهما، فالولاء لهما وإن صح، علمنا أنه ممن له أن ينتزع مالهما فصار له الولاء ثم لا يرجع إليهما وإن عتقا. وكذلك المكاتب الذي لم يختلف فيه، يعتق بإذنه ثم يعجز ثم يعتق بكتابة أخرى أو غيرها، ولا يرجع إليه الولاء. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) من رواية عيسى، في عبد بين رجلين أعتق عبدا له بإذن أحدهما، ولم يعلم الآخر حتى أعتقاه، أن ولاء ذلك العبد له دون سيديه ما بقي أحد من عصبته الأحرار، لأنه لم يكن لأحدهما أخذ شيء من ماله دون صاحبه. قال ابن القاسم في العتبية (¬2)، وإن أعتق المعتق نصفه عبدا بإذن من له فيه الرق، فولاء ما أعتق/ بينه وبين معتق النصف، نصفين، فإذا أعتق العبد الذي نصفه حر يوما رجع إليه ولاء ما كان أعتق، وإن أعتق بغير إذنه كان له رد عتقه. وقال في سماع يحيى بن يحيى، أن ولاء ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بإذن للذي له فيه الرق للذي تمسك بالرق خالصا، وهو أحق بميراث مواليه من الشريك المعتق. وروى عنه عيسى في عبد قال لعبده يوم أعتق فأنت حر بعتق، والعبد في ملكه، أو قال اخدمني عشر سنين وأنت حر، فعتق، أن هذا العتق يلزمه وولاؤهما ¬
له إذا صنع ذلك بغير إذن السيد، بمنزلة ما لو أعتق فلم يعلم السيد بعتقه حتى عتق، فأما لو فعل ذلك بإذن السيد فولاؤهما لسيده، وإن لم يعتقا إلا بعد عتق العبد الذي جعل لهما ذلك، وقال ابن نافع، الولاء في جميع هذا كله للسيد، قال ابن القاسم، ولو كانت جارية يفعل ذلك فيها بإذن سيده، فأما التي أعتقها إلى أجل فلا يطؤها هو ولا سيده، وأما التي قال لها يوم أعتق فأنت حرة، فهو يطأ ويبيع [إن شاء] (¬1) وروى عيسى عن ابن القاسم، أن ما أعتق المدبر والموصى بعتقه بعد موت السيد وقبل التقويم في الثلث، ثم قوما فخرجا من الثلث، أن الولاء لهما. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم، ومن أخدم عبده سنينا ثم هو حر، فأعتق العبد عبدا بإذن سيده، فليس ذلك [له] (¬2) إلا باجتماعهما، فإن اجتمعا فولاؤه لسيده لا يرجع إلى العبد إن عتق، قال وإذا لم يعجز المكاتب وقد أعتق/ عبدا بإذن سيده، ثم مات ذلك العبد فميراثه لسيد المكاتب دون أحرار ورثة المكاتب، ولو مات المعتق وقد بيع المكاتب لورثة بائع المكاتب، ولو لم يمت حتى ودى المكاتب لمشتريه، فولاء المعتق وميراثه للمكاتب الذي عتق، وولاء المكاتب لبائعه، ولو عجز رق لمبتاعه، وكان ولاء من أعتق لبائعه. قال ابن القاسم، وإن كاتب المكاتب مكاتبا، فبيع الأعلى فيؤدي من الأسفل حتى عتق، ثم عجز الأعلى، فولاء الأسفل [لمشتري كتابة الأعلى إذا عجز الأعلى ثم ودى الأسفل،] (¬3) [قال محمد، والذي نقول به أن ولاءه للبائع كتابة الأعلى، والذي قال محمد قول ابن القاسم في المدونة. ¬
قال، ولو لم تبع كتابته ولكن تؤدى من الأسفل حتى عتق ثم مات الأعلى، أو أدى الأسفل] (¬1) بعد موته إلى ولده في الكتابة معه، فولاؤه لولد الأعلى الذي في كتابته دون أحرار ولده، ولو لم يترك في الكتابة ولدا لم يكن ولاؤه لأحرار ولده، وذلك لسيد سيده كماله. وقال عبد الملك، ولا يكون ولاؤه لولد الأعلى الذين في كتابته وإن عتقوا، وذلك لسيد سيده، لأن سيده مات قبل يثبت له الولاء (¬2)، وأنكر هذا محمد في موضع آخر، وقال هذا خلاف مالك وأصحابه. ولو لم يعلم السيد عتق المكاتب لعبده حتى مات المعتق عن مال، فإن أجاز السيد عتقه، ورثه سيد المكاتب، إلا أن يكون للمعتق ورثة أحرار فلا يرثه المكاتب ولا ولده ممن معه في الكتابة أو ليس في الكتابة، وإنما جازت/ إجازة سيد المكاتب لعتق ما أعتق بعد عتق المعتق، كعبد عتق ثم استحق بعد أن مات له من يرثه من الأحرار، فإن رد عتقه لم يرثه، وإن أجاز بيعه وعتقه ورث، وإن لم يمت المعتق حتى ودى الأعلى ولم يكن علم به سيده ولا أذن له، نفذ كل ما أعتق [في كتابته، ولو كان السيد رده ثم عتق المكاتب وذلك بيده فلا يعتق عليه، وكذلك صدقته، وكذلك ما رد من عتق] (¬3) أم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل ثم عتقوا فلا يلزمهم فيه شيء وإن كان بأيديهم، وقاله ابن القاسم وأشهب. واختلفا في رد الزوج عتق زوجته وصدقتها، ثم ملكت نفسها وذلك بيدها، فقال أشهب ورواه عن مالك، أن ذلك لا يلزمها كالمكاتب، وقال ابن القاسم ورواه عن مالك، أن أحب إلي أن ينفذ ذلك. ¬
في ميراث الولاء
في ميراث الولاء من كتاب ابن المواز، قال مالك، وإذا كاتب ثلاثة عبدا فودى وعتق، ثم مات اثنان منهم عن أولاد، ثم مات المكاتب حرا، فثلث ميراثه للحي، ولولد كل واحد من الميتين الثلث، وكذلك لو مات مكاتبا، ولو كان الذي كاتبه أبا الثلاثة كان ميراثه بعد عتقه للحي من الثلاثة دون ولد من مات، ولو مات قبل أدائه ورثه ولد الميتين مع الحي أثلاثا، ولو ودى ومات ثم مات له مولى، كان الحي أحق بميراثه من ولد الميتين، ولو مات الثالث وترك ولدا واحدا (وكان لأحد أخويه ولدان) (¬1) وللآخر خمسة، ثم مات المكاتب بعد أن عتق ورثته، بنوهم على عددهم/ على ثمانية أسهم، لأنهم عن جدهم ورثوه لا عن آبائهم (¬2). ولو مات في كتابته ورث الخمسة الثلث، والاثنان الثلث، والواحد الثلث، وهذا ميراث بالرق ليس بالولاء، ولو كان إنما كاتبه الثلاثة، فالثلث لولد كل واحد، ورثوه بعد عتقه أو وهو مكاتب، كانوا إخوة أو أبعدين. ولو مات أحدهم عن غير ولد، فنصيبه لأولى الناس به من عصبة من ولد شركائه أو غيرهم. قال ابن المواز، ولا يورث أحد بالولاء حتى لا تكون عصبة، ولا ذو رحم- يعني ذا رحم من العصبة- (¬3). قال ابن سحنون عن أبيه، ومولى النعمة أولى من ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة، وإنما معنى ما جاء عن بعض الصحابة أنهم ورثوا ذوي الأرحام دون ¬
الموالي يعنون (¬1) من العصبة ليس ممن ليس من أهل الفرائض ولاؤهم عصبة، وقد أجمعوا على توريث الموالي منفردين، ولم يجمعوا على توريث ذوي الأرحام منفردين، فإذا أجمعوا، فالذين أجمعوا على توريثه منفردا أولى، وإنما ورثت العصبة دون الموالي لأنهم أقرب إلى الميت، كما أني أورث الأقرب من العصبة. قال ابن المواز، فالابن أحق الناس بولاء موالي أبيه ثم الأب ثم الأخ وابن الأخ، وهما أولى من الجد، كان أخا شقيقا أو ابن أخ شقيق أو لأب، وإن كان لأم فلا حظ له في الولاء، والجد أولى من العم، قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، ونحوه في كتاب ابن المواز وغيره، والأخ الشقيق أولى بالولاء من الأخ لأب، والأخ لأب أولى به من ابن أخ شقيق، وابن/ أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب، وابن أخ لأب أولى من ابن أخ شقيق، ومن كتاب ابن المواز، وإذا كان عصبة وأخ لأم من عصبة- يريد وقد استووا-، فقال مالك، وابن القاسم، هو كأحدهم (¬2)، وقال أشهب: هو أحق منهم بالرحم كالمعتق يموت عن أخ شقيق وأخ لأب، فيكون الشقيق أحق بولاء مواليه، وكذلك عم شقيق، وعم لأب. وإن ماتت امرأة عن ولد ذكر من غير قومها فورث مولى أعتقه، ثم مات الابن فترك عمه وخاله، فالولاء لخاله دون عمه، لأن الخال عصبة أمه. قال أشهب: وما ورث ابنها الولاء إلا رجعا، قال وولد ولدها كولدها. ومن كتاب ابن سحنون قال أصبغ وسحنون، في قاتل وارثه عمدا وللمقتول موال أنه لا يرث من مواليه شيئا، كما لم يرث من ماله للتهمة (¬3). ¬
في جر البنات ولاء من عتق، وهل يرثن الولاء؟
في جر البنات ولاء من عتق، وهل يرثن الولاء؟ قال سحنون في كتاب ابنه، أجمع العلماء على أنه لا يرث النساء من الولاء إلا من أعتقن أو جره من أعتقن إليهن بولاء أو عتق. ومن كتاب ابن المواز، وأكثره في كتاب ابن سحنون وهو لابن الماجشون وأصل المسألة لمالك، في ابن وابنة اشتريا أباهما فعتق عليهما ثم أعتق الأب عبدا، فمات الأب ثم مات مولاه فميراث الأب بينهما على الثلث والثلثين وميراث المولى للابن وحده، وكذلك لو كانت البنت هي معتقة الأب كله، لأنه إنما يورث بالولاء إذا عدم الميراث بالنسب، فولد الرجل (¬1) يرث مواليه (¬2) دون من/ أعتق أباه، ولو كان موضع الأخت أجنبيا أعتق نصيبه، لكان ميراث موالى الأب (¬3) للابن دون الأجنبي الذي شاركه في عتق أبيه (¬4)، ولو أن الابن (¬5) والابنة اللذين (¬6) أعتقا أباهما مات الابن أولا فورثه أبوه، ثم مات الأب أو كان موضع البنت أجنبيا أعتق نصيبه وترك الأب موالي، فأما الابنة فترث من أبيها النصف بالرحم ونصف النصف الباقي بالولاء، [والباقي لأخيها الميت] (¬7)، ولها في ولائه نصف ذلك الربع، فصار لها سبعة أثمان المال (¬8)، والثمن لموالي أم أخيها، ولها من موالي أبيها النصف، والنصف الذي لأخيها لها فيه النصف فقط. ¬
وأما الأجنبي فإن لم يدع الأب وارثا غيره فله [ثلاثة] (¬1) أرباع ما ترك، وكذلك من مات بعد من مواليه، قال: وإن هلك الابن أولا وترك بنتا وهلكت ابنة الأب وتركت ابنا ذكرا، ثم هلك الأب عن مال وموالى، فلبنت ابنه النصف بالرحم فقط، ولابن البنت ثلاثة أرباع النصف الباقي، والثمن الباقي لأم أخيها، لأن ابن البنت ورث ما لأمه من الولاء، ولها نصف ولاء الأب، والنصف لأخيها، فجر إليها الأب نصف ولاء أخيها، فورث ابنها نصف نصيبه أيضا. قال مالك في كتاب ابن المواز وابن سحنون، في أختين اشترتا أباهما ثم مات فهو بالشراء حر بغير حكم، ولهما منه الثلثان بالرحم، والثلث الباقي بالولاء. قال في الكتابين/ وهو لأشهب عن مالك في كتاب ابن سحنون وللمغيرة في الكتابين، وفي كتاب ابن حبيب لأصبغ وابن الماجشون في العتبية (¬2) لابن وهب قالوا، ثم إن ماتت إحداهما أو ميراث لها غير أختها، فلها منها النصف بالرحم ونصف النصف بالولاء فقط بما جر إليها الأب، والربع لموالي أم أخيها، وفي رواية ابن حبيب عن ابن القاسم أنها تأخذ سبعة أثمان ما تركت النصف بالرحم، والربع بشركة الولاء، والثمن بجر الولاء إليها. قال ابن الماجشون: وهذا غلط وليس في هذا جر. قال في كتاب ابن المواز، فإن ماتت الثانية ولا وارث لها فنصف ميراثها لموالي أمها، والنصف لموالي أم أختها، فإن كانت الأم واحدة فكله لموالي أمها، قالوا في هذه الكتب كلها، ولو ماتت إحداهما أولا ثم مات الأب وترك الثانية، فلها سبعة أثمان (ميراثه). فالنصف لها بالرحم ولها نصف ما بقي، لأن لها نصف ولاء ما أعتقت نصفه، ونصف الربع الباقي جره إليها أبوها من أختها، ويبقى الثمن لموالي أم الأب. ¬
قال ابن وهب في العتبية (¬1)، فإن كانت الاثنتان أعتقهما رجل ثم اشترتا أباهما فعتق عليهما، ثم مات إحدهما، ثم مات الأب، فللباقية النصف من أبيها بالرحم، ولها نصف النصف الباقي بالولاء وذلك ثلاثة أرباع، وما بقي فلمولاهما الذي أعتقهما. / قال ابن القاسم في في كتاب ابن المواز، ولو مات الأب أولا ثم ماتت واحدة، فلها النصف منها فقط، والنصف للذي أعتقهما، قال محمد، صواب لأن الأجنبي أعتق الميتة فلا حر فيها. قال ابن وهب، ولو أن إحدهما هي التي اشترت أباهما وليستا بمعتقتين وهما حرتان وأمهما حرة، فمات الأب، فإنهما يرثان الثلثين بالنسب، وما بقي للتي أعتقته بالولاء، قيل له فتوفيت الآن بعد التي لم تشتره، وبقيت التي كانت اشترته، قال، فلها كل شيء بالرحم والولاء. ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون قال، ولو أن الأب اشتري مع إحدى ابنتيه اللتين أعتقتاه، ابنا له آخر، فماتت [الأخرى] (¬2) التي لم تشتر الأخ، ثم مات الأب فورثه الابن والبنت، بالرحم، ثم مات الابن فللباقية جميع ميراثه إلا نصف ثمنه، يكون لموالي أم الأخت الميتة أولا، لأن للباقية النصف عن الأخ بالرحم، ثم نصف النصف لأنها اعتقت نصفه، ويبقى الربع، فلها نصفه، لأنه ولد من أعتقت نصفه، ويبقى الثمن لأختها الميتة بالولاء الذي لها من أبيها، فلهذه الحية نصفه لأنها ابنة من أعتقت نصفه ونصفه لموالي الميتة (¬3)، قال: ولو أن لهذه الباقية أختا (¬4) أخرى لم تكن اشترت معها شيئا فماتت، فللباقية عنها سبعة أثمان ما تركت، لأن لها النصف بالرحم، ونصف النصف ¬
بالولاء، لأنها بنت من أعتقت/ نصفه والنصف الباقي جره إليها أبوها عن أختها الهالكة، والثمن الباقي لموالي أم الميتة. قال في كتاب ابن سحنون، ابن نافع عن مالك، في عبد له ولد من امرأة حرة معتقة، ثم اشترى الابن وجل أجنبي أباه فأعتقاه، ثم مات الأب فورثه الابن وحده، ثم مات الابن فنصف ميراثه للذي أعتق نصف أبيه، والنصف الباقي لموالي أمه. قال سحنون، عن عبد الملك، في امرأة وأبوها أعتقا عبدا، ثم مات الأب- يريد ثم مات العبد- قال فلها نصف الولاء بالعتق، ولا شيء لها في النصف الآخر، لأنها لا ترث من الولاء إلا ما أعتقت. ومن كتاب ابن المواز، في ثلاث بنات اشترين (¬1) أباهن ثم ماتت واحدة فورثها أبوها، ثم مات الأب، فللابنتين جميع ما ترك الأب إلا سهما واحداً (¬2) من سبعة وعشرين سهما، يكون هذا السهم لموالي أختها الهالكة قبل أبيها (¬3)، لأن لها بالرحم الثلثين (¬4) ثمانية عشر سهماً، فتبقى تسعة تورث، لهما ثلثاها ستة، وثلاثة لأختها الميتة، ولهما من ولائها الثلثان سهمان، ويبقى سهم لموالي أمها، ولو مات الأب أولا ثم ماتت واحدة فلها ثمانية أتساع ما تركته، ولهما الثلثان بالرحم، وثلثا الثلث الباقي بالولاء، وثلث الثلث بينهم (¬5) لموالي أمها. ومن كتاب أيوب البصري ذكر هذه/ المسألة وقال لو مات ابنتان منهن أولا، ثم مات الأب، فللباقية نصف ميراثه بالنسب، ولها ثلث ما بقي بالولاء، ولكل واحدة من الميتتين ثلث ثلث موروثا عنهما، فاجعل النصف الموروث بالولاء سبعة وعشرين، فللحية ثلاثة، تسعة، وتبقى ثمانية عشر للميتتين، وذلك ثلث ¬
جميع المال يورث عنهما بالولاء، فللحية ثلث، ولاء كل واحدة، فتأخذ من كل تسعة للميتتين ثلاثة، ولكل ميتة من نصيب أختها الميتة ثلاثة، ولموالي أم كل واحدة ثلاثة، فالثلاثة التي أخذت كل ميتة عن أختها لهذه الحية، من كل ثلاثة سهم، وسهم لموالي أمها، [فسهم] (¬1) من كل ثلاثة هو الدائر (¬2)، فيسقط هذان السهمان، ويقسم كل ما ورث بالولاء عن هاتين البنتين على ما استقر بيد ورثتهما بالولاء، فقد علمت أن ما ورث عنهما بالولاء ثلث المال، استقر منه بيد الحية ثمانية، وبيد [موالي] (¬3) كل ميتة أربعة، [وسقط السهمان الدائران،] (¬4) وإن شئت الاختصار فقد علمت أن ما ورث عنهما ربع صحيح، فربع ما بيد الحية بالميراث عن الميتتين بالولاء سهمان، وربع ما بيد أم كل واحدة من الميتتين واحد، فذلك كله أربعة، وقد علمت أن ما ورث عنهما هو ثلث المال، فقد عاد المال كله اثنى عشر، للحية عشرة أسهم، ولموالي كل ميتة سهم، فإن كانت أمهما واحدة عادت الفريضة من ستة للحية خمسة ولموالي أم الميتتين سهم. قال ابن المواز،/ وإن مات الأب بعد موت واحدة، ثم ماتت الثانية وتركت أختها، فالفريضة من ثمانية عشر، فلها النصف بالرحم تسعة، ولها ثلث ما بقي بالولاء ثلاثة، وثلاثة لأختها الميتة، فلهذه ثلث ذلك بالولاء سهم، وسهمان لموالي أمها، وثلاثة أسهم لموالي أم الميتة، ولأن الحية قد أخذت من تركتها كل ما يجب لها بالولاء، وليس لها في هذه الثلاثة أسهم [الأخرى] (¬5) شيء، ثم ماتت الثالثة، فكل ما تركت لموالي أمهاتهن أثلاثا، وقال، في أختين اشترت إحداهما أمها، ثم ماتت الأم فلهما منها الثلثان بالرحم، والتي اشترتها الثلث [الباقي] (¬6) بالولاء، ولو اشترتاها جميعا كان بينهما. ¬
في ولاء النصراني يعتقه المسلم، وميراثه وميراث الذمي الحر لا وارث له
في ولاء النصراني يعتقه المسلم، وميراثه وميراث الذمي الحر لا وارث له من كتاب ابن المواز، وقال في مسلم يعتق نصرانيا، قال مالك، فله ولاؤه ولا يرثه لاختلاف الدينين، قال وقد مات مولى لعمر بن عبد العزيز [نصراني فجعل ماله في بيت المال، قيل: أفأوقفه أو أمضاه للمسلمين،؟ قال: أمضاه للمسلمين. قال ابن سحنون، وروي عن عمر بن عبد العزيز] (¬1)، وربيعة، والليث، أنهم كانوا يقولون، يرثه معتقه كما يرثه بالرق. وقال ابن المواز، وابن سحنون، واختلف قول مالك، إن ترك ورثة نصارى، روى عنه أشهب، أنه لا يرثه أحد من ورثته، وميراثه للمسلمين. قال ابن المواز، وروى عنه أيضا أنه يرثه ولده الذي على دينه/ قال ابن سحنون، وقال أشهب في كتاب ابن المواز، وإن لم يكن له إخوة أو غيرهم لم يرثوه، ولو ورثتهم لورثت أهل دينه، وإنما ورثت ولده، لأنه يجر ولاءهم إلى معتقة. قال ابن المواز، وروى عنه أيضا أنه يرثه ولده الذي على دينه/ قال ابن سحنون، وقاله أشهب في كتاب ابن المواز، وإن لم يكن له إلا إخوة أو غيرهم لم يرثوه، ولو ورثتهم لورثت أهل دينه، وإنما ورثت ولده، لأنه يجر ولاءهم إلى معتقة. قال ابن المواز، وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: أما ولده ووالده فيرثانه. وروى عنه ابن القاسم أيضا، أنه يرثه أخوه قال ابن القاسم في الكتابين وأرى أن يرثه كل من يرث الرجل من قرابته، فإن لم يكن له وارث فبيت المال. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ في كتاب ابن المواز وجرائره في بيت المال. ومن العتبية (¬2)، قال المخزومي، لا يرثه مولاه أبدا، وإنما ميراثه لولده، فإن لم يكونوا فإخوته، فإن لم يكونوا فبنو عمه، فإن لم يكن له أحد من الناس، فمن أخذ ¬
في نصراني عبد لمسلم أعتق مسلما ثم عتق ثم مات المسلم المعتوق
ميراثه من النصارى لم يعرض له فيه، لأنهم لا يكلفون في أصل دينهم البينة، ولو كلفوا لها لم يأتوا إلا بمثلهم، فمن أخذه، وقال هكذا مواريثنا أعطية (¬1)، فإن أسلموه ولم يطلبه منهم طالب أوقفناه في بيت المال معزولا لا يكون فيئا حتى يرثه الله (أو يأتي) (¬2) له طالب. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، ومن مات ممن لم يعتق من أحرارهم ولا وارث له فميراثه لأهل دينه من أهل خراجه، وقال ابن القاسم، بل في بيت المال إن لم يدع عصبة، قال: وإذا كان للمسلم المعتق للنصراني ولد نصران (¬3) أو عصبة نصارى هل يرثون هذا النصراني؟، قال: إنما قال مالك، في النصراني يعتق نصرانيا فيموت المعتوق مسلما وللسيد/ ولد مسلمون، أنهم يرثونه، قلت، فلم لا كان هذا مثله (¬4)، ومن كتاب ابن حبيب، قال أصبغ عن ابن القاسم، في نصراني مات وله أخ نصراني مولى لمسلم، وأخ نصراني ليس بمولى، أن الميراث بينهما، وقاله أصبغ، وقال ابن كنانة، ميراثه لأخيه الذي ليس بمولى، وقاله ابن حبيب. في نصراني عبد لمسلم أعتق مسلما ثم عتق ثم مات المسلم المعتوق من كتاب ابن المواز، وقال في نصراني عبد لمسلم فأعتق النصراني عبدا مسلما ولم يعلم سيده حتى عتق، ثم مات المسلم الذي كان أعتق العبد في رقه، قال يرثه السيد الأعلى المسلم لأن له ولاءه أذن في عتقه أو لم يأذن، إلا أنه إن كان ¬
في النصراني العربي يعتق نصرانيا ثم يسلم ثم يجني
بإذنه فولاؤه له وحده، وإن لم يكن علم ولا أذن فالولاء لعبده، وإن مات ولا عصبة له رجع إلى سيده، رجع محمد عن هذا وقال، لا يكون لمولاه الولاء، ولو جعلته لمولاه لجعلته لولده المسلم قبل مولاه، ولأنه لم يتم للعبد المسلم عتق النصراني إلا بعد أن عتق النصراني، ولو مات المسلم بعد عتق النصراني [له لورثه النصراني] (¬1) لأن عتقه لم يكن بعتق حتى يعتق سيده، إلا أن يستثنيه السيد الأعلى، أو يستثني ماله، [ولو أن نصرانيا لمسلم فكاتب النصراني عبدا مسلما فودى الأسفل، [فعتق (¬2) ثم عتق النصراني، لم يكن له] (¬3) ولاء الأسفل، ولا يجره إلى سيده ولا إلى ولده المسلمين. /في النصراني العربي يعتق نصرانيا ثم يسلم، ثم يجني من كتاب ابن الواز، وإذا أعتق نصراني من العرب من بني تغلب [وغيرهم] (¬4) نصرانيا أو يهوديا، فأسلم المعتوق وحده، ثم جنى فجريرته على بني تغلب من المسلمين، قال أشهب كما يرثه عصبة سيده المسلمون، وإن لم يبق إلا عشيرته إذا عرف أقعدهم (¬5) بالسيد، ولو كان السيد الذمي ليس من العرب، لم يكن على قومه ولا على عصبته المسلمين من جرائر هذا المعتوق المسلم شيء، ولا على سيده وإن أسلم، وذلك على بيت المال، كما تكون جرائر سيده إذا أسلم، بخلاف العربي، ولو أن العربي النصراني أعتق العبد بعد إسلام العبد لم يكن على قومه من جرائر العبد شيء، ¬
في ولاء النصراني ينقض العهد ثم يسبي مرة ثانية، ولمن ولاء من أعتق أو ولد له قبل ذلك أو بعده؟
ولو أسلم نصراني ثم عتق نصرانيا، فجرائره على بيت المال ليس على سيده ولا على قومه من ذلك شيء، كان معتقة عربا أو مولى، إذا كان مسلما حين أعتق لأن ميراث المعتق لبيت المال، وتسقط عنه الجزية لحرمة مولاه، ولا يرثه أيضا أهل الجزية لخروجه عنهم، وديته إن قتل لبيت المال. في ولاء النصراني ينقض العهد، ثم يسبى مرة ثانية ولمن ولاء من أعتق أو ولد له قبل ذلك أو بعده؟ من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، في نصراني أعتقه مسلم ثم هرب إلى بلد الحرب وحارب فسبي، فإنه يرق، فإن عتق فولاؤه للثاني، وولاء ما يولد له أو يعتق من ذي قبل، وولاء ما/ تقدم له من ولد أو عتق فلمعتقه الأول. وقال أشهب، لاتبطل حريته الأولى، وهو حر كما كان، وولاؤه للأول، (وولاء كل من جر من ولد أو عتق) (¬1)، قال محمد، وقول ابن القاسم أحب إلى، وقيل لابن القاسم لم ذلك وقد قلت في التي قدمت بأمان فأسلمت فصار ولاؤها للمسلمين، ثم يسبى أبوها فيعتق، أنه يجر ولاءها؟ قال، لأن هذه (لم يملك ولاءها أحد منذ عتق) (¬2). رجع محمد، فاختار قول أشهب، قال وقد ثبت ولاؤه للمسلم الذي أعتقه أولا، فلا ينتقل عنه كالنسب. وأما لو أعتق نصراني نصرانيا، ثم هرب المعتوق محاربا، فهذا يرق لمن أسره، ويكون ولاؤه من يعتقه الآن، ولو أسلم سيده قبل الظفر بهذا العبد المحارب، ثم غنم (¬3) لرد إلى حريته ويصير (¬4) للأول ولاؤه. ¬
قال مالك، في الذمي يسبيه أهل الحرب، ثم يسيبه منهم المسلمون، فليرد إلى حريته، قال ابن القاسم، إلا أن يهرب ناقضا للعهد محاربا من غير ظلم، فهذا يباع، ولو كان عن ظلم لرد إلى ذمته، وقال أشهب، بل يرد إلى حريته (¬1) وإن نقض أو حارب بغير ظلم ولا خوف. وإن أعتق الذمي نصرانيا، ثم أسلم المعتق، ثم هرب السيد إلى دار الحرب من غير ظلم وحارب فأسر فعتق، فإنه يجر إلى معتقه ولاء ما تقدم له من عتق أو ولد. وكذلك المرأة الحربية القادمة من أرض الحرب، فأعتقت عبدا قبل إسلامها أو بعد، فولاؤها وولاء ما أعتقت للمسلمين، ثم لو أسر أبوها فعتق يجر ولاءها وولاء ما أعتقت [إلى معتقه، ولو سبيت هي/ أولا فعتقت، لبقي ولاؤها وولاء من أعتقت] (¬2) لمعتقها، ولا ينتقل إلى من أعتق أباها بعد ذلك، وهذا إذا ثبت نسبها منه، حتى لو عتق جدها ولم يعتق أبوها لجر ولاءها إلى معتقة. وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان فأعتق نصرانيا، ثم هرب ونقض ذمته، فأسر ثم عتق، لجر إلى معتقه الآن ولاء من كان أعتق وولاء من كان ولد له من ذمته، ولو سبي الحربي أولا فأعتقه رجل لكان له ولاء من أعتق أولا [لا يجره إلى معتقه آخرا، ويكون ولاؤه وحده للذي أعتقه آخرا- يريد وولاءُ ما يستأنف من عتق أو ولد من حرة. قال: ومن مات ممن كان أعتق أولا] (¬3) فميراثه لمعتقه اولاً، كان هو الآن عبدا أو عتق، ¬
قال، ولو كان رجل ذمي أو داخل إلينا بأمان لم يمسه قط رق، فنقض (¬1) وحارب واسترق، فإن من مات ممن قد كان أعتق قبل نقضه للعهد، فميراثه لبيت المال ما دام هذا رقيقا، فإذا عتق جر ولاء من بقي له من ولد أو مولى عتيق إلى معتقه الآن، ولا شيء له فيما مضى من ميراث مواليه مما صار في بيت المال يثبت (¬2) الميراث بينهما، وكذلك قال ابن القاسم، وإذا أعتق ذمي عبدا نصرانيا، ثم نقض الذمي العهد وحارب فأسر، وأسلم مولاه فاشترى سيده فأعتقه ثم أسلم بعد أن أعتقه مولاه، فولاء كل واحد منهما لصاحبه، قال محمد، فميراث الميت منهما أولا للباقي، وميراث الباقي للمسلمين، وقال أشهب، بل يرجع الأول حرا ويرد إلى ذمته وله ولاء مواليه،/ ولو قلت أنه يسترق لقلت لا يرجع إليه ولاء من كان أعتق أولا كما لم ترجع إليه حرية نفسه (¬3)، وكان يكون ولاؤه لهذا الذي كان عبداً له، ولا ولاء له هو عليه، ويكون ولاء هذا وكل ولد تقدم له للمسلمين. قال محمد، أما من لم يقل أنه يرد إلى حريته (¬4)، فإنه يجر إلى معتقه الآن ولاء ما تقدم له من عتق أو ولد من حرة [إن لم يمس رقبته أولا، رق] (¬5) وأما إن مسه أولا رق فعتق منه، فهذا لا يجر ما تقدم له من ولاء عتق أو ولد إلى من أعتقه آخرا. ¬
في الحربي يعتق عبده، أو يسلم أحدهما ثم يقدم أحدهما أو يسبى
في الحربي يعتق عبده، أو يسلم أحدهما ثم يقدم أحدهما أو يسبى من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وإذا أعتق الحربي عبده، فهو بذلك حر حتى لو خرج العبد إلينا وجاء بعده مولاه فأسلم، أن له ولاءه إذا ثبت عتقه إياه ببينة من أسارى مسلمين، أو بأهل حصن يسلمون (¬1)، وقال أشهب، ليس عتقه بعتق [ولاء، ولا ولاء له فيه بعتقه إياه بدار الحرب والسيد ليس بمسلم] (¬2)، وإنما أعتق هذا العبد خروجه إلينا، ولو مات عندنا ما بعثنا بما ترك إلى مولاه الذي أعتقه. قال محمد، صواب، لأن عتق النصراني باطل إلا أن يسلم أحدهما، فلما خرج إلينا فعتق لخروجه وحده. قال مالك، في الحربي يدخل إلينا بأمان فيموت، فليبعث بماله إلى ورثته. قال محمد، واختلف أيضا ابن القاسم وأشهب، فيمن أسلم من عبيد الحربيين/ بأيديهم، فقال ابن القاسم، لا حرية له بذلك إلا أن يخرج قبل سيده فيكون حرا بخروجه، ثم إن جاء سيده وأسلم فلا ملك له عليه ولا ولاء، ولو جاء سيده قبله كافرا أو مسلما كان له رق، وكذلك لو قدم معه، ويؤمر ببيعه من مسلم إن لم يسلم، وذلك أنه إذا خرج قبل سيده فقد غنم نفسه، كما لو غنمه غيره، قال، ولو أسلم سيده قبل خروج العبد الذي أسلم، لبقي ملكه عليه، وإن خرج العبد قبله، وجعله أشهب بإسلامه حرا وإن لم يخرج إلينا. قال ابن القاسم، لو كان ذلك ما كان ولاء بلال لأبي بكر رضي الله عنه، وقد أعتقه إسلامه؟ قال محمد، فاضطرب أشهب إلى أن قال لم يكن ولاؤه لأبي بكر، قال أشهب، ولو أسلم سيده بعده بساعة ما كان له ولاؤه حتى يسلم معه ¬
أو قبله، قال محمد، وقول ابن القاسم أحسن أن بخروج العبد إلينا يكون حرا، خرج وهو مسلم أو كافر ثم أسلم، ثم جاء سيده مسلما، لا ولاء له عليه، ولو ثبت كافرا حتى جاء سيده فولاؤه له، قال مالك فيه وفي العتبية (¬1)، بلغني أن بلالا طلب أن يخرج إلى الشام في الجهاد فمنعه أبو بكر، فقال له بلال، إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فخلي سبيلي، فقال له: قد خليت سبيلك. قال ابن المواز، وأجمع ابن القاسم وأشهب، أنا إذا دخلنا دار الحرب وقد أسلم العبد وحده أنه بذلك حر. قال ابن القاسم، وذلك استحسان، ورأيت ذلك كخروجهم إلينا./ قالا ولو ارتد العبد بعد أن أسلم، فغنمناه مرتد [فإنه] يستتاب، فإن ثاب وإلا قتل. قالا، ولو جاء حربي بأمان فابتاع عبيدا نصارى فخرج بهم فأسلموا بدار الحرب ثم غنمناهم [لكانوا أحرارا. ولو اشترى هذا الحربي عبيدا مسلمين سرا فخرج بهم ثم غنمناهم] (¬2)، فقال ابن القاسم، هم رقيق لمن غنمهم ولمن اشتراهم من الحربي، وقال أشهب هم أحرار وكما لو أسلم عبد الحربي كان حرا بإسلامه، وولاؤهم للمسلمين لا يرجع إليه (¬3) وإن أسلم، ولا يملكهم من غنمهم. ومن ابتاعهم من الحربي أتبعهم كما يتبع الحر بالثمن. قال ابن القاسم وأشهب، ولو سباهم الحربي كانوا رقا لمن اشتراهم منه، ولو وقعوا في سهم رجل من المغنم، فلسيدهم أخذهم بالثمن، ولو وهبوا لرجل أخذهم سيدهم بلا غرم. ¬
قال أشهب، وإن أسلم عليهم الحربي كانوا له رقا، من أسلم على شيء من أموال المسلمين، فهو له محمد، إلا أن يسلم على حر. ولو أعتقهم وهو حربي فعتقه فيهم باطل إلا أن يسلم الحربي بعد ذلك، أوقبل يخرج العبد إلينا، أو يسلموا فيكونوا أحرارا، وولاؤهم للحربي الذي أسلم، ولا يكون لصاحبهم عليهم سبيل أبدا. محمد، صواب، إلا قوله ولاؤهم له، قال محمد، فإنه إنما أعتقهم قبل أن يسلم وهم مسلمون فولاؤهم للمسلمين. قال محمد، ومن اشتراهم من الحربي الذي أسرهم فأعتقهم فابن القاسم (¬1) / ينفذ العتق، ولا يرى لصاحبهم إليهم سبيل، وكذلك لو كانت أمة فأولدها ولم يعلم. وكذلك لو باعهم نفذ البيع، ولا سبيل إليهم، وقاله أصبغ. ولو كان مدبرا فأعتقه مبتاعه نفذ أيضا عتقه، فأما إن كانت أم ولد أو معتق إلى أجل فذلك رد، إلا أن يجيز السيد ذلك، فيكون ولاؤهما لسيدهما، وأما أشهب فقال، في العتبية (¬2)، إذا أعتقتهم من صاروا له في سهمه من الغنيمة، أو بسبي من العدو، فليرد ذلك، وسيدهم أحق بهم، كما لو وهبوا له فأعتقهم لكان ربهم أحق بهم بالثمن في الوجهين، وينقض العتق كما ينقض إذا أعتقهم من وهبوا له بغير عوض، ويأخذهم ربهم بغير شيء، وإن تركهم السيد جاز فيهم العتق وولاؤهم لمعتقهم في الغنيمة خاصة، لأنه لما أجاز عتقه فكأنه أعتقهم [عنه] (¬3)، وكما لو باعهم لنقض سيدهم البيع إن شاء، فرد العتق أشد من رد البيع. ¬
فيمن ارتد ثم تاب، وقد كان أعتق أو عقد عتقا من تدبير ونحوه وفي العبد يرتد
فيمن ارتد ثم تاب، وقد كان أعتق، أو عقد عتقا من تدبير ونحوه، وفي العبد يرتد من كتاب ابن المواز، ومن ارتد بعد أن كان أعتق مسلما أو كافرا ثم تاب، فالولاء راجع إليه، وإن قتل فذلك لولده وعصبته، لأنه ممن كان له ولاؤه يوم أعتقه تاما، وكذلك إن كان له مدبر أو مكاتب، أو أم ولد، أو معتق إلى أجل،/ وقد مات أو قتل إلا أن بقية الكتابة والخدمة إلى الأجل (لبيت) المال دون ورثته لأنه بقية (ماله) (¬1) إلا أن مدبره من الثلث يعتق، وولاؤهم لعصبته المسلمين. قال ابن القاسم، هذا قول مالك، وقال أشهب، بل ولاؤهم للمسلمين دون مسلمي ولده وعصبته، كان العبيد مسلمين أو كفارا، وقال محمد بقول ابن القاسم، أقول، وهو أصل قول مالك. ولو مات له بعد الردة ابن مسلم ثم عاد إلى الإسلام، فقال ابن القاسم، لا يرثه، وقال أشهب، يرثه إذا رجع، وقال محمد، لا يرثه. وإذا ارتد عبد لمسلم فقتل، فماله لسيده، وليس هذا بميراث، وهو كملكه، وكذلك عبد العبد يموت فماله للعبد الباقي. فيمن أعتقه رجل وأعتق أباه رجل آخر كيف يكتب ولاؤه؟ أو الرجل يعتقه الرجلان، ومن لا يعرف له نسب، أو نصراني أسلم كيف يكتب نسبه؟ وولاء من أسلم على يديك من كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، ومن أعتقه رجل وأعتق أباه رجل آخر، فليكتب فلان ابن فلان. قيل فإن المولى يقول أخاف أن ¬
ينقطع ولائي، قال: فليكتب فلان ابن فلان، ولابد أن يذكر مولى فلان، فيجمع ذكر النسب والمولى. قال عنه أشهب، ومن أعتقه رجل وامرأة، فليكتب مولى فلان وفلانة. قال/ عنه ابن القاسم، فالرجل المعتق الذي لا يعرف أبوه، يكتب فلان ابن فلان، قال، إنهم ليفعلون ذلك، قيل، فإن مولاه قال إني أخاف أن تندرس ولايتي إن لم يذكره، قال، إن عرف ظلم ذلك منع. وعن النصراني يسلم فيكتب فلان ابن فلان، قال، إني لأكره ذلك. وقوم يعتقون فيكتبون كذلك ويكذبون، ولا أحب ذلك. قيل، فنصراني يكون اسمه جريج فيسمى باسم أهل الإسلام، قال، لابأس بذلك. قال عنه أشهب، في نصراني أسلم اسمه إسحاق، وأبوه نصراني، فيقال له من أنت، فيقول إسحاق بن عبد الله، قال، تركه أحب إلي. ومن العتبية (¬1) قال عنه ابن القاسم، في امرأة يموت مولى لها، وله ابن وأخ إن ابنها أحق بالصلاة عليها، قال ابن عبد الحكم، فإن أراد الابن أن يقدم أجنبيا فالأخ أحق. وفي كتاب ابن المواز، قال مالك، وإذا مات قيسي ولا يعرف له من قيس من يوارثه بنسب معروف، فلا يوارثه إلا وارث معروف. قال أشهب، وليتصدق بذلك على الفقراء، بخلاف الفيء بعد التربص إن رجي علم ذلك، ولا يرثه عامة قي (¬2) لأن له منهم وارثا بعينه. ¬
في الكافر يسلم بعض ولده بعد موته، ومن أسلم ثم مات عن أولاد صغار ولدوا في نصرانيته، وآخرون بعد إسلامه
في الكافر يسلم بعض ولده بعد موته، ومن أسلم ثم مات عن أولاد صغار ولدوا في نصرانيته، وآخرون بعد إسلامه من العتبية (¬1) قال سحنون عن ابن القاسم في مجوسي مات [(¬2) ثم أسلم ولده قبل أن يقسم ماله (¬3)، أو كان نصرانيا فأسلم ولده أو بعضهم (¬4) أعلى قسم الكفر يقتسمون أم على قسم الإسلام؟ قال بل علي قسم الكفار، وإنما يقسم على قسم الإسلام أن لو كان الأب مجوسيا ليس بذي ذمة فأما إن كان مجوسيا من أهل الذمة فالقول فيه مثل ما قلنا في أهل الكتاب. وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن أسلم ثم مات عن ولد صغار ولدوا في نصرانيته وولد ولدوا بعد إسلامه أن ماله يوقف فإذا بلغ ولده الصغار، فإن أسلموا ورثوا وإن لم يسلموا فالميراث لولده المسلمين. في ميراث أهل الملتين بالرق، والنصراني يسلم عبده، ومن له فيه بقية رق ثم يموت ذلك العبد، أو يموت له عبد وميراث المجوس من كتاب ابن المواز قال: ويرث المسلم عبده النصراني والمجوسي بالرق، وكذلك مدبره يسلم أو أم ولده ثم يموتان (¬5)، ولو أعتقهما بعد أن أسلمت ثم ماتت لورثها ولده المسلمون إن كان لأنه كان يرجع ولاؤها إليه إن أسلم، وكذلك مدبره ومكاتبه لعقده ذلك في نصرانيتها. ¬
في ولد المنبوذ والنفقة عليه
وفي باب المرتد [يتوب] (¬1) وقد كان أعتق عبيدا ذكر ميراث العبد المرتد بالرق، وميراث العبد لعبده. من العتبية (¬2) عن مجوسي تزوج ابنته فولد منها ولدين، ثم مات أحد الولدين؟ قال فللأم السدس لأن الميت ترك أمه وهي أخته وترك أخاه فهي تقاص نفسها (¬3) بنفسها فكأنه ترك أخا وأختا فحملا الأم عن الثلث. في ولد المنبوذ والنفقة عليه من كتاب ابن المواز، قال مالك ولو علم أن عمر قال في المنبوذ ما ذكر، ما خولف. قال وإذا ادعى اللقيط ملتقطه فلا قول له عند ابن القاسم إلا ببينة أو يأتي بما يعذر به (¬4). وذكره عن مالك. وقال أشهب يقبل قول من ادعى ملتقطه أو غيره إلا أن يتبين كذبه. وإن ادعت امراة أنه ابنها لم يقبل منها عند ابن القاسم، وإن جاءت بما يشبه من العذر وقال أشهب يقبل قولها، وإن قالت من زنى حتى يعلم كذبها. قال محمد وأحسن ما بلغني إن كان الزوج حاضرا صدقته ولا ينفيها إلا بلعان. وإن قدما من بلد لم تصدق هي إلا أن يقر بالزوجية فيكون كالحاضر فإن أنكر لم يلحق به وتحد المرأة. قال مالك: ومن التقط منبوذا لزمته نفقته حتى يبلغ ويستغني وليس له أن يطرحه فإن استلحقه أحد ببينة أو غيرها، قال ابن القاسم فليرجع عليه بما أنفق إن تعمد طرحه إن كان يومئذ مليا، وإن تعمد طرحه غيره فلا شيء على الأب وقال أشهب لا شيء على] (¬5) / الأب بكل حال، لأن هذا ¬
في التداعي في الولاء والإقرار فيه، وإقرار الوارث بعتق وغير ذلك من ذكر الولاء
أنفق حسبة، وكذلك من أنفق على يتامى يرى أنهم لا مال لهم ثم يتبين لهم مال، فلا يتبعهم لأنه أنفق حسبة. وقالا جميعا في المنفق على ولد رجل غائب، أنه إن كان يومئذ مليا رجع عليه، قال أشهب، إلا أن ينفق وهو يرى أن أباهم لا مال له، فلا يرجع عليه وإن ظفر أنه كان يومئذ مليا، قال، ولابد للذي أنفق والأب الغائب مليا أن يحلف ما أنفق احتسابا، وإلا فلا شيء له، وأقوى له أن يشهد حين أنفق أنه ينفق ليرجع. فإذا التقط المنبوذ عبد ونصراني فهو حر، وولاؤه للمسلمين، وإن كان عليه زي النصارى إلا أن يلتقط في مدائن الشرك فهو مشرك، وإن كان في قرى أهل الذمة وليس فيها مسلم إلا الاثنين والثلاثة ونحو ذلك، فهذا إن التقطه نصراني فهو نصراني، وإن التقطه مسلم في قرى أهل الشرك، وإن كان في كنيسة فما أجعله حراً. قال محمد، يريد إن كان في أرض الإسلام وحكمهم. في التداعي في الولاء والإقرار فيه، وإقرار الوارث بعتق وغير ذلك من ذكر الولاء من كتاب ابن المواز، قال مالك، فيمن مات ولا وارث له فأقام رجل شاهدا (¬1) أنه مولاه أعتقه، فلا يثبت بذلك الولاء، ولكن يستأتي بالمال، فإن لم يأت من يستحقه حلف هذا ودفع إليه، وقد (قضي) (¬2) بذلك ببلدنا، وقال أشهب، لا شيء له حتى يثبت ذلك/ الولاء بشاهدين، وإن شهد في الولاء شاهدان على السماع، فروى ابن القاسم عن مالك، أنه يقضى للطالب بالمال بعد الثاني، ولا يثبت الولاء بذلك، وروى عنه أشهب أنه يثبت بذلك الولاء ولكن لا يجعل، فلعل أحد يأتي بأولى من ذلك. ¬
ومن مات عن ابنتين فأقرت واحدة لرجل أنه مولى أبيها ثم ماتت، ولا وارث لها، فقال ابن القاسم، إنه يحلف ويرثها، قال محمد، واليمين في هذا ضعيف (¬1)، ولو أقرتا لحلف معهما وأخذ المال في حياتهما ثلث تركة أبيهما في قول ابن القاسم، وخالفه أشهب. ومن قال فلان أعتقني وفلانا، فأقاما عليه شاهدا فلا يمين، ولا ينتفع (إلا بشاهدين) (¬2)، قال ابن القاسم، وإذا شهد ولدان للميت أن أباهما أعتق هذا العبد، وترك بناتا، فإن كان رفيعا يرغب في ولائه لم تجز الشهادة، ولا يعتق حظهما إلا أن يملكا العبد فيعتق كله عليهما، وإن كان وغدا جازت الشهادة، قال محمد، وأحب إلي أن يقبلا في الرفع، وليس الولاء بشيء يوجب التهمة، ولو كان كذلك لكان الميت إذا أوصى بعتق هذا العبد المبتل كان متهما أن يخص الذكور بولائه، (فينقض) (¬3) وصيته، وهذا لم يختلف فيه مالك وأصحابه، أن وصيته جائزة. قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون، ومن اشترى عبدا فأعتقه ثم قال بعد ذلك اشتريته لفلان بمائة وأعتقته عنه، قال، الولاء للمعتق ولا ينتقل عنه وعليه اليمين إن طلبه به، إلا أن يكون إقراره متصلا بالعتق./ قال ابن حبيب، عن ابن الماجشون، فيمن أقر أن ولاءه لفلان، وله ولد أصاغر وأكابر، فأنكر ذلك الأكابر، فإن ولاء المقر وولاء ولده الأصاغر للرجل الذي أقر له الأب، وليس له ولاء ولد المقر الأكابر. ومن العتبية (¬4) قال أصبغ عن ابن القاسم، فيمن قامت عليه بينة أنه كان يقر أنه مولى لبني تميم أو بني زهرة وشبه ذلك، فلا يكون لأحد من هؤلاء من ¬
فيمن مات عن زجة حامل هل يقسم ميراثه قبل أن تضع؟ أو ميت ببلد بعيد هل يقسم ورثته ميراثه؟ والمتوارثون لا يدرى أولهم موتا؟
ولائه شيء حتى يتبين لمن هو من تلك القبيلة ممن يعرف بعينه، قال أصبغ، يسمى القوم بأعيانهم، أو بنو الأب بعينه غير الأب الجامع. فيمن مات عن زوجة حامل، هل يقسم ميراثه قبل أن تضع؟ أو ميت ببلد بعيد، هل يقسم ورثته ميراثه؟ والمتوارثين لا يدرى أولهما موتا؟ من العتبية (¬1) روى أشهب عن مالك، في الميت يدع زوجته حاملا، فلا يعجل لها من الميراث شيء حتى تضع، قال عنه ابن أشرس، ولا يأخذ ولده [شيئا] (¬2) حتى تضع، وكذلك أبواه لا يعجل لها شيء حتى تضع، ولا لها أن تقول اعزلوا ميراث الحمل على أنه ذكر، قال أشهب عن مالك، فيمن مات بالمدينة من أهل مصر، أيقسم ورثته ماله بمصر، أو حتى ينظر هل تزوج بالمدينة، قال: إن شك في أمره لم يقسم تراثه حتى يعلم ذلك، فإن استوثق بأمره قسم ماله بين ورثته. قال ابن القاسم، قتل يوم الجمل، طلحة وابنه محمد فخوصم في ميراثه فلم يورث أحدهما من الأخر، وأصلحت بينهم عائشة. قال عيسى عن ابن القاسم/ إذا ماتت امرأة وولدها في ساعة، فإن شهد في ذلك نساء، حلف أبو الصبي وورثه مع شهادة النساء أن الأم ماتت قبله ويستحقون ميراثه من أمه، لأنه مال، ورواها أصبغ قال، وكذلك شهادتهن في ذكر وأنثى. ¬
فيمن مات له ولد بعد أن أنفذت مقاتله
فيمن مات له ولد بعد أن أنفذت مقاتله وروى العتبي (¬1) عن سحنون عن ابن القاسم، عن رجل شُقت جوفه وأمعاؤه، أو ذبح وهو كذلك حتى مات له ولد أيرثه؟ قال، نعم يرثه إلا المذبوح فإنه لا يرثه، وأما المشقوق الجوف، ففي عمر بن الخطاب في ذلك حجة، قيل، فإن قتله رجل في ذلك الحال، أيقتل به؟ قال: لا. تم كتاب الولاء ¬
صفحة بيضاء
كتاب الجنايات
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الجزء الأول من كتاب الجنايات (¬1) /في القصاص بين العبيد في النفسوالجراح وهل بينهم وبين الحر قصاص، وذكر جناتهم على الأحرار والعبيد قال أبو محمد من كتاب ابن المواز، قال مالك وعبد العزيز، القصاص بين العبيد في النفس والجراح في العمد، فإن استحياه سيد المقتول، فالخيار لسيد القاتل في فدائه وإسلامه، وإن طلب في الجرح ما نقص عبده، وأبى القصاص، فذلك له إلا أن يسلم إليه الجارح. قال مالك، ولا قود بين حر وعبد في الجراح، جرح العبد أو جرح، وأما النفس فيقتل العبد بالحر إن شاء ذلك الأولياء، ولا يقتل به الحر. وقال عبد العزيز، يقاد للحر من العبد في الجراح إذا رضي الحر، ولا يقاد للعبد فيها وإن رضي الحر، وأبى هذا مالك في الجراح، وقول مالك قول ابن شهاب، وروى عمرو بن شعيب (¬2) أن حرا قتل عبدا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به صلى الله عليه وسلم أن يجلد مائة وألا تقبل له شهادة (¬3). ¬
قال ابن سحنون عن أبيه عن أشهب، في عبد قطع يد حر ويد عبد عمدا، فليقطع بالعبد، ويخير سيده في فدائه من الحر بخمسمائة دينار وإسلامه، ولو عفا (¬1) سيد العبد على الأرش خير بين فدائه منها بما نقص العبد، ودية اليد أو إسلامه إليهما، فيكون بينهما بقدر دية اليد، وما نقص العبد المجني عليه. وقال أصحابنا،/ عبد الرحمن وغيره، وإذا قتل العبد حرا وعبدا عمداً، قتل بهما إن اختار ذلك ولي الحر وسيد العبد، وإن أبقياه وطلبا الأرش، خير سيده في أن يفديه بدية الحر وقيمة العبد، أو يسلمه فيكون بينهما بقدر القيمة والدية، وإن اختلفا فمن طلب القتل فذلك له ويبطل حق الآخر، وليس كما قلنا في قطع اليد، لأنه ليس بين الحر والعبد قصاص في الجراح، فإذا قطع للعبد بقى جرح الحر في يده قائما في رقبته. قال ابن سحنون عن أبيه، لم يختلف العلماء في القصاص بين العبيد في النفس، قال مالك وإذا استحيا سيد المقتول القاتل، فلسيده فداه أو يسلمه، فإن أسلمه لم يكن لسيد المقتول قتله. قال ابن سحنون، ومن منع من القصاص بين العبيد في الجراح خصم بإجماعهم على أن ذلك بينهم في النفس، وإن كانوا أموالا وعلى اختلاف قيمتهم. قال ابن شهاب، إذا قتل عبد عبداً خطأ والقاتل أعلى قيمة، فليس لسيد المقتول إذا وجد قيمة عبده غير ذلك، وإن كان المقتول أغلى فأسلم إليه القاتل، فلا حجة له. قيل لسحنون، فلم تركت ما قاله السبعة من فعهائنا؟ - يعني أهل المدينةـ، لا قصاص بين العبيد في الجراح، وقاله العراقيون، قال سحنون، لما روينا عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب وسالم، ولما ذكرنا من الاستدلال، قيل له، قال بعض الناس بهذا إلا أنه ¬
قال، فإن طلب السيد قيمة/ المقتول، كان ذلك في رقبة القاتل يبيعه سيده فيها، قال ليس له أن يبسط يده فيه ببيع حتى يفديه، قال: وقال جميع أصحابنا في عشرة أعبد لعشرة رجال قتلوا عبدا لرجل، فإن شاء قتلهم، وإن شاء أخذ قيمة عبده، فكان على كل واحد عشر قيمته، إما ودى ذلك سيده أو أسلمه فيه، ولرب المقتول قتل من شاء منهم ويعفو عمن شاء على اخذ حصته من القيمة على الأعشار لا ينظر إلى تفاوت قيمتهم، وكذلك في كتاب ابن المواز. قال ابن القاسم، ولو كانت قيمة أحدهم ألف دينار، فلسيده فداه بعشرة دنانير التي هي عشر قيمة المقتول. قال سحنون، ولا أعلم بين العلماء اختلافا أن لو ماتوا قبل قيام سيد المقتول، أنه لا طلب له على ساداتهم، قال أبو محمد، يريد إلا أن يترك مالا. قال: وإن قتل حر وعبد عبداً، عوقب الحر ولم يفد منه، وودى نصف قيمة العبد، ولسيد المقتول قتل العبد القاتل أو يستحييه (¬1)، ويكون له في رقبته نصف قيمة عبده، ويفديه بذلك سيده أو يسلمه إليه. ومن كتاب ابن المواز، قال ربيعة، وإذا فقأ عبدان عين عبد، أنه يفقأ عينهما، قال هو ويحيى بن سعيد، تقتل مائة عبد بعبد إذا اجتمعوا على قتله، فإن استحياهم سيده، فليس له إلا قيمته. قال مالك، وإنما ينظر إلى قيمة الجرح بعد البرء، فإن كان بعبد والجاني حر أو كان بحر والجاني عبد أو إذا جنى حر على عبد، فينظر إلى ما نقص يوم البرء/ أن لو كان هكذا يوم الجناية لا يوم البرء مع الأب- يريد في العمد- ولو برئ على شين فلا شيء فيه غير الأدب في الحر والعبد، وإذ لا قصاص بين حر وعبد، وإن جنى عبد على حر، نظر إلى دبة ذلك بعد البرء في العمد والخطإ، فيكون في رقبة العبد إلا أن يفدي بذلك، وفي العمد الأدب، وإن برئ الحر على ¬
في العبد يجني على الحر فيفدى ثم يبرأ ما جرحه إلى أكثر منه أو يموت الحر
غير شين فلا شيء فيه إلا الأدب، وإن برئ على شين فذلك في رقبة العبد، وإن كان المجرم عبدا والجاني حرا، فذلك الشين في ماله- يريد في غير الموضحة وشبهها. في العبد يجني على الحر فيفدى ثم يبرأ ما جرحه إلى أكثر منه أو يموت الحر من كتاب ابن المواز، وهو في كتاب ابن سحنون لأشهب، وفي المجموعة لابن القاسم وأشهب، وإذا جرح حرا عبد فبرئ على شين ففدى العبد سيده، ثم انتفض الجرح فمات منه، فليقسم ولأنه لو مات منه إن طلبوا إتمام الدية في الخطإ أو القصاص، فإن استحيوه في العمد بعد القسامة عاد كالخطإ، إما أسلمه سيده وارتجع ما دفع أولا وإما فداه بالدية ويحسب له ما كان دفع، وإذا أسلمه وطلب ما دفع، والمقتول مديان، فليس لغرمائه الدخول معه في العبد حتى يوفوه من ثمنه إن لم يكن ثم مال غير ما كان دفع أولا في الجرح، وليس لأولياء المقتول أن يلزموك أيها السيد بتمام الدية على ما كنت وديت في الجرح، ولكن/ لهم أن يتمسكوا بما وديت في الجرح، ويدعوا لك العبد إذا كان ما وديت مثل دية النفس فأقل، إلا أنه إن كان مثل الدية لم يكن لك عليهم قسامة لأنه خطأ، وعندهم مثل الدية إلا أن يكون عمدا، ويطلبوا القصاص، قال، ولو وديت في الجراحة أكثر من الدية ثم انتفض جرحه فمات وقد نقد العبد عندك أو جنى او هو بحاله، فأردت أن ترجع بالنائف على دية النفس، فأما أشهب فقال لك ذلك إذا استحيوه في العمد وأقروا أن ميتهم مات منها، أو أقسموا على ذلك ثم استحيوه بعد ذلك، وليس لك أن تسلم أنت عبدك وتأخذ كل ما كنت دفعت إلا أن تريدوا قتله، فلك أخذ جميع ما كنت دفعت من مال المقتول، وبعد هذا باب في العبد يجني فيفي ثم يجني ثم تنتقض جراحات الأول، وقال أيضا أشهب فيمن قطع يدي رجل ورجليه وفقأ عينيه خطأ ثم مات، أن لولاته أن يحلفوا أن صاحبهم ما علموه مات من هذه الجناية يمينا واحدة، ثم لهم ثلاث ديات على عاقلة الجاني، [فإن نكلوا حلف عاقلة
الجاني، والجاني معهم لمات منها، وودى دية واحدة، قال أصبغ] (¬1)، على عاقلة الجاني ثلاث ديات، بلا قسامة ولا يمين، وإن كان عمدا فلولاته القصاص من الجراح، وإن شاؤوا القتل فليس لهم ذلك إلا القسامة أنه مات منها./ ومنه من المجموعة قال أشهب، وإذا جرح عبدك حرا جراحات تبلغ دية ونصفا (¬2) ففديته بذلك، ثم انتقضت الجراح فمات، فإن أقسم ولاته لمات منها، وقتلوا العبد، ردوا ما أخذوا، وإن أبوا ذلك وتمسكوا بما أخذوا، ولم يدعوا أنه مات منها في العمد ولا في الخطأ، فقمت عليهم بما زاد على الدية، لأنها نفس، فلهم أن يحلفوا يمينا واحدة ما علموه مات من ذلك، ويتمسكوا بالجميع، فإن أبوا، فلك أن تقسم قسامة [واحدة] (¬3) لمات منها. قال في كتاب ابن سحنون والمجموعة، فإنه يحلف لمات منها، ويأخذ الزائد على الدية، فإن نكل لم يأخذ شيئا، وبقي الأمر على ما كان. قال في كتاب ابن المواز، إذا أقسم لمات منها فإنه يأخذ الخمسمائة الزائدة أو يسلم العبد ويأخذ الألف وخمسمائة، قال في موضع آخر، إلا أن يشاء أولياء القتيل أن يتمسكوا بالدية ويردوا الفضل، فذلك لهم، ولعل العبد قد نقص أو جنى جناية أخرى، فلا يكون لك إسلامه إن ردوا عليك الفضل، فإن لم تحلف أنت فلا شيء لك مما كان دفعت، ويبدأ باليمين أولياء المقتول يحلفون يميناً واحدة ما علموه مات من تلك [الجراحات] (¬4) فإن نكلوا حلفت أنت قسامة أنه مات منها، وأخذت الفضل إلا أن يقر الأولياء أنه مات منها ثم استحيوه، أو نكلوا فليردوا الفضل بلا يمين، قال أشهب، فيمن منقلة (¬5) فذهب فيها/ سمعه ¬
في العبد أو من فيه بقية رق يجرح عمدا ثم يموت مكانه أو بعد أن عاش أياما، أو يتنامى الجرح إلى أكثر منه، أو جرحه رجلان ثم مات، وكيف إن أقام بالجرح أو بالقتل شاهدا أو شاهدين؟
وبصره، ثم مات من فوره، فلأوليائه على عاقلة القاتل دية السمع والبصر والمنقلة، قال أصبغ هذه أصوب من التي قبلها. قال أشهب في كتاب ابن سحنون، وإذا أسلمت عبدك إلى الحر في جرحه إياه ثم ترامى جرحه إلى أكثر منه أو إلى النفس، فأما ما دون النفس، فلا شيء عليك لا في العمد ولا في الخطإ، لا قود بين العبد والحر في الجرح، ولا لك أن ترجع فيه، وتؤدي جميع الجرح وما ترامي إليه، ولو جرح آخر بعد إسلامك، فالذي أسلمته إليه مخير بين فدائه أو إسلامه، وكذلك لو ترامت جراحه الأولى إلى النفس إذا كانت خطأ، وإن كان عمدا، فلولاته أن يقسموا ويقتلوه، فإن لم يقسموا أو أقسموا ثم استحيوه عاد الأمر على ما ذكرنا في الخطإ. ومن العتبية (¬1)، روى يحيى عن ابن القاسم، في مدبر جرح عبدا، ثم نزي (¬2) في جرحه فمات بعد أن عتق المدبر، أن سيد العبد يحلف يمينا واحدة لمات منه، ويرجع بقيمته على المدبر في ذمته، لأنه لا قسامة في العبد، ولو لم يعتق المدبر في الثلث، لأسلم سيده خدمته أو فداها ... في العبد أو من فيه بقية رق يجرح عمدا ثم يموت مكانه أو بعد أن عاش أياما، أو يتنامى الجرح إلى أكثر منه، أو جرحه رجلان ثم مات، وكيف إن أقام بالجرح أو بالقتل شاهدا أو شاهدين / قال ابن سحنون عن أبيه عن أبي زيد الأنصاري عن المغيرة، وذكر مثله عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬3)، في عبد شج عبدا موضحه أو منقلة، وثبت الجرح بشاهدين، قال في رواية عيسى، إن مات من فوره فله قيمته بلا يمين، قالا، ¬
وإن عاش ثم نزي فيه فمات، فليحلف سيده يمينا واحدة لمات منها، وتصير قيمته في رقبة العبد الجارح، فيفديه سيده أو يسلمه، قال المغيرة، وإن شاء اقتصر على طلب الشبحة دون النفس، ولا يحلف فيفديه بها السيد أو يسلمه، وإن طلب يمين سيد الجارح أن العبد لم يمت من الشجة فذلك له، وإن حلف برئ إلا من الشجة، وإن نكل أسلم عبده أو فداه بقيمة العبد الميت، ولو أقر العبد إن منها مات، فلسيد الميت قتله، فإن استحياه كان لسيده افتداؤه أو إسلامه، وإذا أقام شاهدا أن حرا أوضح عبدا، حلف معه سيد العبد دون العبد، واستحق أرش ذلك، فإن نكل حلف الحر وبرئ، فإن نكل ودى الأرش فبرئ، ثم قال سحنون في المجلس قال المغيرة، إذا شهد شاهد على عبد أنه قطع يد عبد آخر، فإن طلب سيده القصاص حلف العبد، واقتص له، وإن أراد السيد العقل حلف السيد وأخذه، وقال مالك، يحلف السيد في الوجهين، وكذلك روى عنه ابن القاسم، إذا أقام شاهدا في جرم عبده عمدا أو خطاً، أن السيد يحلف ... وروى ابن وهب عنه مثله في الخطإ ... / وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية (¬1)، مثل قول المغيرة، قال ابن القاسم في رواية عيسى، وإذا أقام شاهدين على ما أصاب له عبده من موضحة أو منقلة، فعاش أياما ثم مات، فأبى أن يحلف أنه مات منها فله على عاقلة الجاني قيمة الجرح بلا يمين، ولا يستحق فيه العبد إلا باليمين، قال بعض الناس بغير يمين ولا أداء ذلك، وكذلك في جرح النصراني يبرأ فيه فيموت، فليحلف ولاته يمينا واحدة، ويستحقون ديته، وإلا فليس له إلا عقل الجرح، قاله مالك، وقال: ولو أقام شاهدا على قتل العبد أو النصراني وقيمة العبد، وإن كان يرث النصراني جماعة، ويملك العبد جماعة، فلابد من يمين كل واحد منهم مع الشاهد، وكذلك مع شهادة شاهدين على الجرح وقد عاش بعده، وإذا شهد شاهد على أن عبدا جرح عبدا ¬
فبرئ فيها فمات ولم يشهد على القتل فليحلف سيد الميت يمينا واحدة لمات منه، ويستحق العبد ولا يقتله. قال أبو محمد، أراه يريد يحلف لقد ضربه، ولمن ضربه مات، ولو قام شهيدان بالضرب لم يحلف وحلف ومات منه. قال ابن حبيب عن أصبغ نحو ما ذكر عيسى عن ابن القاسم، في العبد يقوم شاهد أو شاهدان على أنه جرحه الحر ثم يموت العبد، وقال إذا أقام بالجرح شاهدين (¬1)، ولم يمت مكانه فأبى السيد اليمين أنه مات منه/ فله ما نقصه في غير الجراح الأربعة، وإن كان من أحد الجراح الأربعة، فله بقدر ذلك من دية الحر في قيمة العبد، وإن كان ضرباً بلا جرح فلا شيء فيه إلا العقوبة من الإمام، وإن قام شاهد على الجرح، ومات مكانه حلف أنه جرحه وأخذ قيمته، فإن أرنت ثم مات، فليس له أن يحلف أنه مات منه، ويأخذ قيمة العبد، ولكن يحلف أنه جرحه، ويأخذ قيمة الجرح كما لا يجب في الحر في مثل هذا قسامة، وإن كان ضربا بلا جرح فلا يمين فيه، قال ويلزم الجاني ضرب مائة، ويسجن سنة في الموضع الذي للسيد أن يحلف فيه ويأخذ قيمة العبد، حلف السيد أو نكل، وقاله ابن القاسم وابن الماجشون. قال ابن حبيب قال أصبغ، ومن ضرب عبدا فمات قعصا (¬2)، فإن ثبت ذلك بشاهدين فلربه قيمته بلا يمين، ويضرب القاتل مائة ويسجن سنة، وإن لم يمت قعصا، ومات بعد أن أرنت، حلف السيد يمينا واحدة أن من ضربه أو من جرحه مات وأخذ قيمته، وضرب القاتل وسجن كما ذكرنا، فإن نكل السيد فلا شيء له، ولم يحلف الضارب أنه لم يمت من ضربه، وعليه الضرب والسجن كما ذكرنا. ¬
وإنما ترجع اليمين على المدعى عليه إذا شهد شاهد على القتل، أو على قول القتيل، فنكل الولاة عن القسامة، فها هنا ترجع الأيمان على المدعى عليه، لأن القتل لم يثبت، فأما إذا ثبت الضرب ببينة أو بقول القتيل فعاش ثم مات فنكل/ الأولياء عن القسامة فلا ترجع ها هنا الأيمان على المدعى عليه، لأنه لا يقال له احلف أنه ما مات من ضربك، وفي الأول إنما يقال له احلف إنك لم تقتله. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون، وإن قتل عبد ذمي عبد فلان الحر عمدا، فليسجن حتى يستبرأ أمره ثم يحلف يمينا واحدة، ويبرأ، لأن العبد مدع (¬1) لغيره. ولو قال صبي قتلني فلان لسجن حتى يستبرأ أمره، ثم يحلف هذا خمسين يمينا أنه بريء من دمه، ولا يقسم على قول الصبي. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، ومن أقام شاهدا أن حرا أو عبدا قتل عبده، حلف يمينا واحدة واستحق قيمته، ولا يستحق دمه إلا بشاهدين، وليس فيه قسامة في عمد ولا خطإ. قال مالك، وإذا شج عبد عبداً فتنامى إلى أعظم منه، فإن شاء سيده أخذ ذلك كله، وإن طلب القود فإنما يستقيد بمثل الجرح الأول بغير تنام، كالحر، فإن تنامى إلى مثل ذلك أو أكثر فلا شيء له ولا عليه، وإن قصر عنه بعقل ما بينهما في رقبته، إن شاء سيده أسلمه كله بذلك أو فداه بدية الزيادة، وهذا في تنامي الجرح إلى أكثر منه، مثل أن يجرح ملطاء (¬2) فتصير موضحة (¬3) أو منقلة، أو شجة موضحة، فيترامى إلى منقلة أو مأمومة (¬4)، فيقتص من الجرح الأول، وينظر ¬
إلى أرش ما تنامى إليه كاملا، فيطرح منه دية الجرح المقتص منه إن لم يتنام (¬1) في القصاص إلى مثل ذلك، وإن تنامى المقتص منه إلى دون ذلك، كان ما بقي/ محسوبا له في رقبة الجارح، فأما إن تنامى إلى غيره، مثل أن يجرحه في رأسه فيذهب منها عينه أو يده، فإنه إذا اقتص فمن الشجة، ثم يكون في رقبة الجارح دية العين أو اليد، أو يفديه سيده بدية ذلك كله أو يسلمه. ومن العتبية (¬2) قال سحنون في عبد جرحه رجل موضحة وآخر منقلة، أو قطع يده فمات ولم يدر من أيهما مات، فسيده مخير إن شاء أخذ من الأول قيمته تامه، ويرجع الأول على الثاني فيأخذ منه ما نقص جرحه من قيمة العبد، لأنه غرم قيمته تامة، وإن شاء سيده أخذ من الثاني بالجرح الأول، ويأخذ من الأول ما نقص من جرحه. قال أبو محمد، أراه يريد بعد يمينه فيما ادعى أنه مات منه. قال العتبي (¬3)، قال أصبغ، وإن جرح رجلان عبداً موضحتين عمدا، وثبت ذلك ببينة، فإن عرف الضارب الأول حلف يمينا واحدة أن من ضربه مات، وأخذ منه قيمة العبد، ثم يرجع الضارب الأول على الثاني بنصف عشر قيمته للموضحة، وإن شاء حلف على الثاني، وأخذ منه قيمته مغضوبا، ويأخذ من الأول قيمة الموضحة، وإن جرحاه في فور ولم يدر الأول، فعلى كل واحد نصف قيمته بعد يمين كل واحد أنه ما يعلم الأول. قال مالك في عبد ضربه قوم أحرار أو جرحوه فمرض من ذلك فمات أن سيده يحلف لمن ضربهم، فإن نكلوا ضمنوا قيمته. ¬
في الجارح أو المجروح يعتق بعد الجرح ثم يموت المجروح أو يتنامى جرحه أو يصح
قال سحنون، في الرجل/ يقتل، فيقول دمي عند عبد فلان قتلني عمداً، فنكل ولاته عن القسامة، فإن كانوا ادعوا العمد فليحلف العبد خمسين يمينا ويبرأ، ولا يحلف السيد، فإن قال الأولياء نحن نحلف السيد أنه لم يمت من ضربه، ويدع القتل ويأخذ الدية، حلف السيد خمسين يمينا، فإن نكل قيل له افتك عبدك أو ادفعه. في الجارح أو المجروح يعتق بعد الجرح، ثم يموت المجروح أو يتنامى جرحه أو يصح من كتاب ابن المواز، قال مالك، وإذا أعتق [المجروح] (¬1) بعد الجرح، فإنه ينتظر به (¬2) حتى يصح، فإن برئ الجرح ولم يتنام (¬3) إلى غيره أو نقص، فللسيد مبلغ ذلك من دية عبد، إلا أن يجب القود، وإن تنامى الجرح بعد العتق (¬4) إلى أكثر منه، فالزيادة للعبد، على أن الزيادة من دية حر، فأما إن جرحه وهو عبد، ثم تنامى ذلك بعد العتق إلى زوال جارحة أخرى مثل فقء (¬5) عينه، فالشجة الأولى للسيد إن شاء اقتص منه، أو أخذ أرشها، وفي العين دية عين حر خمسمائة دينار للعبد المعتق في رقبة الجارح إن كان عبدا، وإن كان حرا ففي ماله، فأما تنامي باضعه إلى منقلة بعد العتق، فإن في الباضعة قدر ما نقصت من عبد، يكون ذلك للسيد، وإن شاء استقاد، فإن لم يستقد طرح أرش الباضعة من عبد من عقل منقلة حر، وما بقي أخذه العبد المعتق، وأما إن ذهبت من ذلك العين كما ذكرنا، فلا يحط من دية العين شيء/ بسبب الجرح الأول، ولو عتق الجارح مع هذا قبل تنامي الجرح، فأراد سيد المجروح القود، وأخذ عقل التنامي، فذلك له، وليس عتق الجارح يحمل من ذلك شيئا، ويحلف سيده ما أعتقه ليحمل عنه ما ¬
لزمه من ذلك، فإن لم يحلف تم له العتق، وغرم السيد كل شيء، وإن حلف رد رقيقا وطلب سيد المجروح دية ما وجب له قبل عتقه، وطلب المجروح تنامي جرحه بعد عتقه، فإن أسلم سيد الجارح عبده بما جنى كان بين السيد وبين العبد المجروح، فإن كانت موضحة تنامت بعد العتق إلى منقلة، فله نصف عشر قيمته عبدا يوم جرحه، وللمعتق ثلثا (¬1)، عقل منقلة حر، فيضربان في العبد بقدر ذلك، ولو تنامت في هذه المسألة إلى زوال عينه، فأسلم الجارح سيده، ضرب فيه لسيده بنصف عشر قيمة عبده، وضرب المجروح المجروح بدية عين حر، وإن سيد الجارح فداه بعد أن حلف ما أراد بعتقه حمل جنايته، لعتق عليه، وكذلك لو أبى اليمين كان عليه أن يسلم إلى سيد المجروح المعتق نصف عشر قيمة رقبته عبدا يوم الجرح ويسلم إلى المجروح دية عين حر، وإن كانت منقلة فثلثى قيمة منقلة، وإن تنامى جرح العبد بعد أن عتق إلى أن مات، فها هنا يسقط الجرح، ويدخل في النفس، وليس للسيد قصاص الجرح ولا أرشه، لأنه يقال في هذا عمد القتل بالضربة، ولا يقال تعمد ذهاب العين بالموضحة،/ وقد اختلف فيه، فقال ابن القاسم، فيه دية حر يرثها ورثته بعد أن يقسموا لمات منها، وبلغه ذلك عن مالك، ويكون ذلك في رقبة الجارح إن كان عبداً، فيفدى بها أو يسلم، وفي مال الحر إن كان حرا، وليس على العاقلة منه شيء في عمده ولا في خطئه، وإنما ترك فيه القتل لعظيم القتل، ولما فيه من الشبهة، وبه أقول، وقال أشهب وابن عبد الحكم بخلافه، فقالا في العبد أو النصراني يجرحان بعتق العبد، ويسلم النصراني وينزيان في الجرح، فيموتان، فإنما الحكم فيهما يوم الجرح لا يوم الموت، فالدية دية نصراني وقيمة عبدٍ. وقال عبد الملك وأصبغ بقول ابن القاسم، وقال أصبغ القياس قول أشهب ولا أقوله، وهو قول [عراقي، قال ابن القاسم، ولو أنفذ جارح العبد مقاتله ثم عتق ثم مات فإنه يوارث بالحرية، وكذلك] (¬2) ينبغي أن تكون ديته دية حر، وفي كتاب ¬
في جنايات العبيد ودياتهم والجناية عليهم، ومن أمر رجلا بقتل عبده، ومن أخصى عبد رجل
الديات باب في المعنى، وفي آخر هذا الكتاب باب في الأمة تلد من السيد بعد الجناية. في جنايات العبيد ودياتهم، والجناية عليهم، ومن أمر رجلا بقتل عبده، ومن أخصى عبد رجل قال مالك، جراحات العبد كلها إنما فيها ما نقصها، إلا في مأمومته ومنقلته وموضحته وجائفته، ففيهن من قيمته يوم جرح، بقدر جرحهن (¬1) من دية الحر، وفيما سوى ذلك ما نقصه،/ ولا يقام حتى يبرأ، فينظر ما قيمته يوم الجرح صحيحاً؟ أو ما قيمته أن لو كان به يومئذ هذا الجرح؟ [= يريد نازيا] (¬2) فما نقص كان له، وإن جاوز دية الحر، وكذلك الأمة، وفي جنينها نصف عشر قيمتها. قال أشهب عن مالك، وإذا جرح عبداً بما يفسده كفقء (¬3) عينه أو قطع يديه لزمته قيمته وعتق عليه قال أشهب، [وكذلك] (¬4) اليد والرجل جميعا، وليس للسيد في هذا إلا أن يسلمه، ولابد من عتقه على جارحه، وأما جرح لا يفسده فليس لربه إلزامه قيمة جميعه إذا أبى، ولا على سيده ذلك إن طلب ذلك الجارح، وبهذا قال أبو الزناد، أنه إن قطعت يده أن قيمته تلزمه ويعتق عليه ويعاقب. أشهب، ولقد قال مالك، إذا قطعت يده أو فقئت عينه عمدا، أن لربه إن شاء أخذ ما نقصه، وإن شاء ضمنه قيمته صحيحا ثم يعتق عليه، أخبرنيه عنه ابن كنانة، ولا أقول به، وهو يرد قول الذي قال، وإن فقئت عيناه أو قطعت يداه ليس فيه إلا ما نقص، وأما إن كان في قطع يد واحدة وقد أذهب أكثر منافعه فقد لزمته قيمته كلها، وإذا بقي فيه بعض المنافع، فأرى أن يحمل فيه على المتعدي فيكون سيده بالخيار على ما قال مالك، وهو استحسان، والقياس ما أخبرتك. ¬
قال أشهب وابن وهب عن مالك، أنه إن كان في جائفته ومأمومته، ومنقلته وموضحته عقل بعد البرء، لم يزد فيهن على عقل الجرح. ابن عبد الحكم عن ابن القاسم وأشهب، أنه يزاد بقدر/ الشين، قال محمد: وأظن هذا غلط عن أشهب، لأن قوله في كتبه وما ذكرنا عنه أصح، أنه لا يزاد في ذلك ما روي عن النبي عليه السلام في دية الموضحة في الحر (¬1)، وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ أن يزاد للشين، والرأس عندهم من الوجه (¬2)، وإذا برئ جرح العبد وعاد لهيئته فلا شيء عليه غير الأدب، إلا في الأربع جراح التي ذكرنا (¬3)، وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم [عن مالك، قال إذا كسرت رجلا العبد ويداه، ثم صح كسره فلا شيء على الباغي، وإن أصاب كسره نقص أو عيب فعليه بقدر ذلك النقص، ولم ير مالك أجر] (¬4) الطبيب في جراح العبد إذا برئ، وضعفه، قال مالك، وقوم يقولون ذلك، ويقولون وطعامه، ولم ير ذلك شيئا. قال ابن القاسم، وإذا جرح العبد وقيمته مائة، ثم مات وقيمته أقل من مائة، أو قيمته ألف، فليس فيه إلا قيمته يوم جرح، وهو يوم ضمنه، قالوا ولو قطعت يده بعد جناية الأول عليه، أو فقئت عينه، أو ضربت عنقه، فأما إن ضرب عنقه آخر، فعليه قيمته (¬5) يومئذ على انه مجروح، ويأخذ السيد من الأول قيمة جرحه ما لم يكن أولا قد أنفد مقاتله، فتكون عليه قيمته، ولا يكون على ضارب عنقه إلا الأدب، وأما إن لم يكن جرحها مبلغا المقتل، فإن السيد إن شاء حلف عليهما [لمات منهما، وإن شاء على أحدهما إن كان جرح كل واحد معروفا، فإن حلف عليهما] (¬6) فله أن يضمنها/ قيمته، وتكون نصف قيمته على الثاني منقوصة- يريد ويغرم الأول أيضا نصف ما نقصه جرحه بالجرح الأول- فإن شاء حلف على الجارح الأول لمن جرحه ¬
مات، وأخذ منه قيمته إلا ما نقصه جرح الثاني، فيحسب ذلك على السيد يتبع به السيد الجاني الثاني، وإن شاء حلف لمن جرح الثاني مات، وأخذ منه قيمته مجروحا، وأخذ من الأول ما نقصه جرحه يوم جرحه، وقد قال بعض من قال انه يأخذ من الأول قيمته صحيحا لا يحاصه بشيء، ويرجع الأول على الثاني بما يلزم الثاني من دية جرحه، ولا أقول به، ولكن يحسب الأول ذلك على السيد كما ذكرنا. قال محمد بن عبد الحكم، إذا جرح رجل عبدا قيمته مائة دينار فمرض العبد، فلم يزل ينقصه المرض كل يوم حتى مات، ولم يبرأ الجرح حتى مات، وقيمته عشرة دنانير، فعلى جارحه قيمته مائة دينار، ولو زاد قيمته فصار يسوى أكثر من مائة، لم يكن إلا قيمته يوم جرحه، ولو قطع أصبعه أو يده ثم أقام أياماً لم يبرأ، فجنى عليه رجل آخر بجرح أو قطع يد فإنه يحكم على القاطع الأول بما نقص العبد القطع الأول، ويغرم الثاني ما نقصه القطع الثاني، ثم ينظر إلى ما بقي من قيمته بعد ذلك، فيغرمانه جميعا لا أبالي كان الجرحان جميعا سواء، أو أحدهما أعظم من الآخر، مثل أن تكون قيمته أولا مائة فنقصه الجرح الأول عشرة، ونقص الثاني عشرين، فصار يسوى سبعين، ثم مات من الجرحين فليغرم الأول عشرة،/ والثاني عشرين، ويغرمان جميعا سبعين دينارا بينهما بالسواء، لأنه تلف من جرحتهما، ولو قطع الأول يده فنقص من قيمته خمسين دينارا، ثم زادت قيمته فصار يسوى مائتي دينار، ثم جنى عليه جان جناية نقصت منه مائة دينار، ثم مات من الجرحين، فليغرم الأول خمسين دينارا (¬1) لما نقص من جرحه، ويغرم الثاني مائة دينار لما ينقص جرحه من العبد، ثم ينظر إلى ما بقي من العبد، وهو بعد يسوى مائة دينار جناية فلم يمت حتى صار يسوي عشرة دنانير فصار يسوى مائتي دينار، فليس عليه إلا قيمته يوم جنى عليه، فيقول الجاني إنما بقي من العبد [مما بقي من بعد جناية الأول خمسون دينارا، وقد ذهب منها خمسة وعشرون] (¬2) ¬
لجناية الثاني، فعلى الأول نصف ما بقي بعد الجرحين من قيمته يوم الجرح الأول، فيغرم اثني عشر دينارا ونصفاً (¬1)، فيصير كل ما يغرم اثنين وستين دينارا ونصفا (¬2)، وعلى الثاني مائة وخمسون دينارا. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم، قال مالك، في العبد يخصى، فإن نقصه ذلك، فلربه ما بين القيمتين كجراحه، وإن زاد فيه ذلك فلينظر إلى ما ينقص الخصي من مثله من أوسط صنفه، فيغرمه، وذلك أن ينظر إلى ما نقص الذي زيد فاجعله جزءا من ثمنه إن كان عشرا، فله عشرة على هذا النحو وروى أصبغ في العتبية (¬4)،/ عن ابن القاسم، فيمن قطع يداً واحدة من عبد فاره صناع (¬5)، فإنه يضمن قيمته لربه ويعتق عليه. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون، إن قطع يد عبد [نساج أو صانع] (¬6) بيده ضمن قيمته أجمع، ويأخذه، وإن كان على غير ذلك فإنما عليه ما بين القيمتين، وكذلك البغل الفاره، والحمار الفاره الذي هو مطية يقطع أذنه أو ذنبه، فعلى قاطعه جميع ثمنه، وإن كان ممن يحمل عليه الأحمال فعليه ما نقصه، ورأيت لسحنون، فيمن أخصى عبدا لرجل فزاده الخصاء قال، ينظر إلى عبد دنئ وعبد ممن ينقص مثله الخصاء، قال، ينظر إلى عبد دنيء وعبد ممن ينقص مثله الخصاء، فيقال ما ينقصه الخصاء أن لو أخصي فيقال خمسة، غرم الجاني قيمة العبد الذي جنى عليه- أراه يريد إن تمسك به ربه ولم يرد تضمينه- وقال ابن عبدوس، إذا لم ينقصه الخصاء فلا غرم على الجاني، إلا أن الإمام يزيد في ذلك على قدر ما يرى. ¬
في العبد ومن فيه بقية رق يقتل رجلا عمدا فعفي عنه على استرقاقه
[والذي قال سحنون، نحوه في رواية علي بن زيد عن مالك، وفي سماع ابن القاسم] (¬1)، ومن كتاب ابن حبيب وقال أصبغ، ومن أمر رجلا بقتل عبده ففعل، لزمه ثمنه لحرمة الدم، كما يلزمه دية الحر إذا قتله بإذن وليه فعفي عنه، ويلزم الآمر والمأمور ضرب مائة، وسجن سنة، وعتق رقبة- يريد على كل واحد. في العبد ومن فيه بقية رق، يقتل رجلا عمدا، فعفي عنه على استرقاقه من المجموعة/ قال مالك، في العبد القاتل عمدا، يعفى عنه على استرقاقه، أن الخيار يرجع إلى سيده في أن يسلمه أو يفديه. وكذلك المكاتب إلا أن يؤدي الدية، فيبقى على كتابته، قال ابن القاسم، ولو عفوا عن أم الولد والمدبر على استرقاقهما لم يسترقا (¬2)، وإن رضي السيد، أن لا يسلم رقابهما، ولهما في المدبرة أخذ خدمتها إلا أن يفديها السيد، ولو عفوا في أم الولد على أن يأخذوا قيمتها من السيد، فأبي، فله ذلك، وليس لهم إلا القتل، وقاله مالك في الحر إذا أبى أداء الدية، واختلف فيه قول مالك في موضع آخر، وقال أشهب، تلزمه الدية في ماله، قال سحنون، أم الولد بخلاف الحر، وعلى السيد الأقل من قيمتها أو أرش الجناية، وقال غيره إذا استحياها الولي في الحر، أو سيد العبد، في قتل العمد على أن يأخذ العقل، رجعت إلى السيد، لأنه إنما يفديها حين لا يجوز له إسلامها، فأما وقد أسلمها للقتل، فليس عليه غير ذلك، وليس العفو عنها يوجب عليه ما لا يلزمه، قال ابن وهب عن مالك في القاتل عمدا يسلم فيؤخذ رضي بأخذ العقل، أنه ليس للأولياء قتله بعد ذلك. ¬
في العبد يجني أو يستهلك مالا وجنايته فيما يؤتمن عليه، وجنايته على ولده أو والديه
في العبد يجني أو يستهلك مالا وجنايته فيما يؤتمن عليه، وجنايته على ولده أو والديه / من المجموعة، روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك، قال كل ما جنى العبد على أحد من جرح أحدثه أو حرسة احترسها، أو تمر معلق أخذه أو أفسده، أو سرقة لا قطع فيها، أو وطئ امرأة غصبا فلزمه ما نقصها، في الأمة وفي الحرة صداق مثلها، فذلك في رقبته قل أو كثر، فإن شاء سيده فداه بها أو أسلمه، ومثله في كتاب ابن المواز، وقد اختلف في العبد ففي ذمته، لأن أصله أمانة. من غير كتاب ابن المواز، وقد اختلف في العبد يؤتمن فيتعدى فيما أؤتمن عليه، [فقيل هذا في ذمته وقيل في رقبته. قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون، كل عدي كان من العبد فيما أؤتمن عليه] (¬1)، من وديعه أو بضاعة، أو ما استؤجر على عمله، أو في عارية أو كراء، أو ما صار بيده بإذن أهله، فذلك في ذمته إلا في وجه واحد [إلا أن يتعمد] (¬2) فساد ذلك الشيء من تعمد قطع الثوب وعقر البعير وشبهه، فهذا في رقبته، فإما إن يبع ذلك الشيء ويأكله أو يأكله إن كان طعاما فذلك في ذمته، [وقال أصبغ لم يكن ابن القاسم وأصحابننا يميزون بين ذلك، وكانوا يجعلون ذلك كله في ذمته، قال وكل ما لزم العبد في رقبته] (¬3) لزم مثله اليتيم في ماله وذمته، وما لا يلزم العبد إلا في ذمته فلا يلزم اليتيم في ماله ولا في ذمته، وقاله/ ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم في عبد قال لرجل بعثني سيدي يسألك ألف دينار (¬4)، سلفا، فدفعها إليه ببينة، فأتلفها، وأنكر السيد أنها في رقبته ¬
إن لم يكن للعبد مال، وليس هذا بشيء، وقوله الآخر أنها في ذمته، وقول أصحابه أصوب. وقال أصبغ، هذه جناية، ولا فرق بين الخديعة والجناية، وذلك في رقبته. وروى سحنون في العتبية (¬1) عن أشهب، قال هذه خناية، وذلك في رقبته، ادعى أن ذلك تلف أو دفعه إلى سيده والسيد منكر، وذكر مثله عن أشهب ابن القاسم إلا أن يقر السيد، وذكر أن مالكا قال في الذي آجر عبدا بإذن سيده ليؤدي له بعيرا إلى منهل، فنحره وقال خفت عليه الموت، قال مالك، ومن يعلم هذا؟ أراه في رقبته. وكذلك في سماع أبي زيد عن ابن القاسم عن مالك فيه إذا آجره على أن يعلفه فباعه أو نحره، وأكل منه، قيل: أليس أصله أمانة؟ قال: هو كما لو آجره على رعاية غنم فذبحها، أو على حراسة حائط فجره، أو على أن يحمل له شيئا إلى بيته فسرق من البيت ثوبا، ولم يره كالصباغ يقول ذهب المتاع. قال ابن القاسم، في المأذون إذا أحبل أمة بينه وبين رجل، فذلك في رقبته، إما فداه سيده بنصف قيمتها أو أسلمه بمالها. قال عيسى عن ابن القاسم، إذا وطئ/ العبد أم ولد ابنه الحر، درئ عنه الحد، وقيمتها في رقبته قيمة أمة، لأنه حرمها على الابن، وتعتق، فإن لم يفده سيده وأسلمه عتق على الابن، فإن قيل إنه يتهم أن يرجع على الابن فيعتق؟ قيل ليس كذلك، وهو لو قطع لها جارحة، أو لأمة ابنه، أو سرق من ماله لكان في رقبته، فذلك ما حرمه عليه، قال ابن القاسم، وإن وطئ أمة للابن، فأما البكر فذلك في رقبته إن نقصها الافتضاض، فإن لم تكن بكرا فلا يكون في رقبته من ذلك شيء. وقد قال في غير العتبية، أنه قد حرمها عليه، فله أن يحبسها، ويكون ما نقص البكر في رقبته، ثم لا تحل له أو يلزمه قيمتها، ويكون ذلك في رقبتها (¬2). ¬
في إقرار العبيد ومن فيه بقية رق بالجنايات
ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في عبد قتل أباه الحر عمدا، فليسلم إلى أولياء أبيه وهم إخوة العبد، فيستحيونه، فإنه لا يعتق عليهم، ولكن يباع فيعطون ثمنه، ولو كان القتل خطأ فأسلم إليهم [يعتق عليهم ولا يرث في الوجهين، ولو جرح أباه الحر عمدا أو خطأ فأسلم إليه] (¬2) لعتق عليهم. قال عنه سحنون، ولو فعل العبد بابنه العبد (¬3) كما فعل المدلجي (¬4)، كان مرتهنا بالجناية، فإن أسلم بيع ودفع ثمنه إلى ورثة الابن، ولو قتله خطأ، فأسلم إليه بالجناية يعتق عليه. في إقرار العبيد ومن فيه بقية رق بالجنايات من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم عن مالك، أنه قال في عبد أقر على نفسه بالقتل، قال فللأولياء قتله بإقراره،/ فإن استحيوه، بطل إقراره، ولا شيء لمن أقر له، قال، وإقراره بجرح الحر باطل، لأنه لا قود بينه وبينه، وكذلك لو أقر بجرح عبد عمدا، فإن لسيده القصاص، فإن ترك القصاص، فلا شيء له، قال محمد، إلا أن يكون مع إقراره سبب بذلك، كما قال مالك في عبد كان راكبا على دابة فأصاب صبيا بموضحة، فأتى والصبي متعلق به، والعبد مقر وليس عنده بينة، قال أما ما يكون قريبا هكذا أو يأتي وهو متعلق به فأرى ذلك لهم، وأما إذا لم يكن معه الصبي فيأتي فيقر له، فليس بشيء، وقاله ابن القاسم، وقال أشهب في إقراره بالقتل إذا أتي بما يعرف مثل أن يكون هناك قدري يتبعه، فذلك لازم ويحلف ولي القتيل، فأما إن لم يكن [إلا قوله فلا قول له، قيل أظهر عينه فقال قتلته وما هو ¬
ذا، قال لا يقبل منه إلا أن يكون] (¬1) معه، ويرى يتبعه ونحوه، أو قام شاهد حلف سيد المقتول معه واحدة، لأنه الآن مال، قال ابن القاسم، في عبد قتل حرا فلم يعلم سيده حتى أعتقه ثم أقر بذلك العبد، فإن كان خطأ لم يقبل منه، لأنه يرق نفسه، وقيل وإذا جنى على عبد بموضحة فأقام أياما ثم مات، فاعترف عبد أنه جرحه، فليكشف عن ذلك، ولا يكون لسيده أن يحلف إلا أن يأتي بشبهة، فإن أتى بشاهد حلف، وصار له، فإن نكل ورد اليمين على سيد المقر، فما أظن ذلك له. قال أشهب وإذا أقرالحر أنه شج/ عبدا وأقام أياما ثم مات [فعليه قيمته] (¬2) وليس على سيده يمين لمن ضربه مات، لأنه مقر بضربه. قال محمد، وأحب إلي ألا يكون له شيء حتى لمن ضربه مات. ومن كتاب ابن شعبان، وأعرفها في غيره من كتب أصحابنا في المدبر يقر بجناية تكون في خدمته، فلا يقبل إقراره، ثم مات السيد بعد ذلك بمدة ولم يدع غيره، فإنه يعتق ثلثه، ولا يتبع بثلث الجناية كلها، لأنه يقول لو قبل إقراره اختدمت في تلك الجناية، وقد منعكم السيد خدمته، فلا تلزمني حصة ما كان يسقط بها عني، فإنه ينظر إلى قيمة ثلث الخدمة، فإن كانت مثل ربع الجناية، فالباقي ثلاثة أرباعها، فعلى الثلث العتيق ربع الجناية، ولو حمل الثلث جميعه لأتبع بثلاثة أرباع الجناية. قال ابن المواز، قال ابن القاسم، ويقبل إقرار المكاتب بالدين، ولا يقبل في الجناية، قال أشهب، في الجناية، إن للسيد أن يبطل عنه ذلك قبل عتقه، فإن عتق قبل أن يبطله لزم ذلك المكاتب يلزمه الأقل من قيمته أو من دية ذلك الجرح، ولو كان قد أبطله السيد سقط ذلك عنه، إلا أن يقر به بعد عتقه، فيلزمه ¬
في العهد ومن فيه بقية رق يجنى وله مال، وكيف إن مات عن مال وهو عبد أو مكاتب أو أم ولد أو مدبر، أو من فيه بقية رق؟
وقال ابن القاسم، إقراره باطل قبل عتقه [وبعد عتقه] (¬1)، قال محمد، وهذا الصواب، لأن جنايته برقبته، فإما فداه سيده أو أسلمه، هذا أصل مالك وأصحابه. قال أحمد، قول أشهب أصح، بخلاف العبد/ يقر بالجناية بعد عتقه، لأن جناية العبد في رقبته، وجناية المكاتب في ماله إن كان يؤديها، وإن لم يرض سيده، ولا تكون على سيده إلا بعد عجزه، ومن العتبية (¬2)، روى أشهب وابن نافع عن مالك، وإذا اعترف عبد بقتل- يريد خطأ- فليس على سيده شيء ولا يمين، قال، وإن أقام سيد المقتول شاهدا حلف معه، قيل فإن نكل أيحلف سيد المقر؟ قال، ما أرى ذلك. في العبد ومن بقية رق يجنى وله مال، وكيف إن مات عن مال وهو عبد أو مكاتب أو أم ولد أو مدبر، أو من فيه بقية رق؟ من العتبية (¬3) قال أصبغ، اختلف قول ابن القاسم، في العبد يسلم للقتل فاستحيي وله مال، فقال مرة لا يكون ماله تبعا، لأنه للقتل أسلم كما لو قتل. ومرة قال يتبعه ماله إن استحيي، والأول أحب إلي، ثم رجع أصبع فقال بل يسلم بماله لأنه ما عفى عنه صار بمنزلة الخطإ، وسواء قتل حرا أو عبدا، أو كان جرحا أو نفساً. وقال أشهب يؤخذ ماله في العمد والخطأ إلا أن يستقاد منه فيقتل. من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب عن مالك، إن مال العبد الجاني معه في الجناية، وكذلك ما أفاد بعدها أو كسب، قال أشهب كما يكون في مال الحر ¬
إلى ثلث الدية فيكون ما زاد على عاقلته، وهو لا يسترق، والعبد/ يسترق، ففي رقبته وماله. قال سحنون، قال غيره إن كان ماله عينا لم يجبر سيده، ووديت من ماله إن حملها، وأما إن لم يحملها أو عروضا أو عينا غائبا، فيجبر سيده، وقال مالك، وإن كان مديانا فدينه أولى بماله. قال أشهب ويكون في رقبته لأنه كمن لا مال له، لأن المال مال غرمائه، ألا ترى أن عتق المديان، وصدقته إن كان لها بال، لا يجوز لأنه كأنه أنفذ مال غيره. قال المغيرة، لأنه إنما أسلم إلى المجروح ما كان يتسلط عليه السيد منه، فهو لم يكن ينزع مال عبده المديان، ولم تكن الجناية كالبيع الذي يبقى ماله لبائعه، لأنه لا عمدة فيه ولا تبرأ من عيب، ولا رد به، ولم يكن يدعي بيعا- يريد- أخذ به عوضاً-. قال ابن نافع عن مالك، وإن أسلمه للقتل في قتل العمد بلا مال فاستحياه، وأخذه فرجع الخيار إلى سيده فأسلمه، فقال فلو أسلمه في الخطأ أليس بمال؟ قيل أفتراه مثله؟ قال ما هو بالبين، وقال عبد الملك، وإذا استحياه فله أخد ماله، وإن قتله فلا شيء له في المال، لأنه لم يملكه بالقتل عظم رقبته، وكأنه قتله وملك سيده عليه، فإنما أسلم إليهم للقتل كما يسلم الحر، ألا تراه لو استحياه كان لسيده أن يفديه بالدية، فلو كان قد ملكه إياه ما كان له فداه، وقال بعض كبار أصحاب مالك، إن مات الجاني- يريد بغير قتل- وله مال/ فماله بدل منه، إما أن يفديه سيده أو يسلم ماله كله عينه وعرضه غائبه وحاضره، ولو كان معتقاً بعد خدمة مؤجلة، قيل للمخدم افد ماله أو أسلمه. قال عبد الملك، وإن كانت أم ولد وتركت عينا، ودى منه الأرش، فإن لم يف به لم يكن له غيره، وإن كان عرضا خير السيد في فدائه او إسلامه،
قال ابن القاسم، لا شيء للمجروح في مالها لأنها عنده لو كانت حية إنما تقوم بغير مالها. وقال ابن نافع عن مالك، وإن أسلم المدبر بجنايته يخدم فيها، فمات عن مال، فليأخذ المجروح منه ما بقي له من عقل جرحه، وما بقي فللسيد، قال، والمكاتب الجاني إن مات عن مال يخير سيده في أداء الجناية وأخذه او تركه لهم، وإن كان مديانا، فما فضل بعد الدين يعمل فيه كذلك. قال ابن المواز قال أشهب في أم الولد أنها تقوم بغير مالها، وروي عن البرقي أنه قال: قال مالك لا يقوم بمالها. ومن كتاب ابن المواز، وإذا استحق قتل العبد في قتل عمد ببينة أو بقسامة وله مال، فإن قتل فماله لسيده، ولم يختلف في هذا، قال فإن عفى عنه فقد قال ابن القاسم مرة إن أسلمه سيده فعليه أن يسلمه بماله لأنه لم يستحق في القتل إلا رقبته، قال وكذلك إذا جرح، ثم رجع ابن القاسم فقال يسلم بماله استحساناً، وقال أصبغ، يسلم ماله، وعليه جماعة من/ الناس، والقتل وغير القتل فيه سواء، والجرح أقوى وهو سواء، لأن القتل العمد إذا عُفي عنه كان كقتل الخطأ، وهو لو جرح عبدا لاقتص منه بلا مال إن شاء رب المجروح، فإن اختار إسلامه أسلمه بماله، وهذا كله قول عبد الملك. قال أشهب كل جان فماله في جنايته إلا الحر. قال ابن وهب عن مالك، العبد يسلم بماله. ومن كتاب ابن حبيب ذكر أصبغ، اختلاف ابن القاسم في العبد يسلم للقتل، فمرة قال لا يتبعه ماله وإن استحيي، ومرة قال إن استحيي فماله تبع له، وبالأول قال أصبغ، قال ابن الماجشون إن قتل بقي ماله لسيده، وإن استحيي فماله تبع إن أسلمه سيده، وله أن يفديه بدية الميت، وإن أسلمه لم يكن له التمسك بماله، ولا حجة له بإسلامه للقتل، وبه قال ابن حبيب، قال ابن
الماجشون، وإذا جنى العبد جناية تلزم رقبته وماله، ثم أخذ السيد بعض ماله قبل الحكم في أمره، لم يخير في إسلامه، فإنه إن أسلمه فليرد ما كان أخذ منه، وقاله أصبغ، قال مالك، وإذا جنى العبد وله مال وعليه دين، فالمجروح أولى برقبته، والغرماء أولى بماله، قال عنه أشهب، إلا أن تكون رقبته أقل من دية جنايته، فيحاص المجروح ببقية دية جرحه غرماء العبد في ماله. وقال ابن القاسم وأشهب، ليس للمجروح مع الغرماء في ماله حق، وأما الحر يجرح فغرماؤه والمجروح يتحاصون في ماله. قال أشهب عن مالك، في العبد يجني فيسلمه سيده ولا مال له/ يعلم، ثم طهر له مال، وطلب المجروح أخذه، فسيده مخير، إن شاء دفع دية الجرح وأخذ عبده وماله، إلا أن يرضىالمجروح بحبسه بلا مال، وإن شاء أسلم إليه المال مع رقبته، وقال أشهب، فإن أراد السيد أخذ عبده ودفع الجناية، فذلك له، إلا أن يرضى المجروح أن يحبسه بلا مال، وقال ابن القاسم، ليس له ذلك إلا أن يرضى، وما ظهر له فهو للذي أسلم إليه، قال محمد: قول مالك وأشهب أصوب، وأما المدبر يعتق نصفه من الثلث وله مال، فإنه يؤخذ من مال الجنايات. قال محمد وذلك فيما جنى قبل يعتق، لأن كل مدبر يجنى فيبدأ بماله في جنايته، فإن لم يقم به حتى مات السيد، فجرح حرا أو بعضه، أخذ ذلك من ماله، فأما ما جنى بعد أن عتق بعضه، فكالمعتق بعضه يجني، فما فضل من كسبه بعد عيشه وكسوته، فيؤخذ منه عما يصير على حرية المعتق، وإن استوعب ذلك كل ما يبقى بيده، فإن فضل منه شيء بعد قضاء نصف الجناية، أوقف بيده. قال أشهب، وعند مالك في المجموعة، إذا جنى المدبر وله مال، فلتؤد الجناية من ماله، شاء السيد أو أبى، وليس للسيد أن يسلمه بماله ولا ينزع ماله، وتسلم خدمته، ولكن إن عجز عن ذلك ماله، خير السيد في فدائه أو إسلام خدمته في ذلك، قال ابن القاسم، في المعتق نصفه حر، أن سيده مخير في نصفه، وإن كان
في العبد ومن فيه بقية رق يجنى ثم يعتق أو يتقدم العتق جناية
للعبد مال أخذ منه عما يلحق النصف العتيق،/ وكذلك المدبر يجنى، فيموت السيد ولا يحمل الثلث إلا نصفه، فإن كان بيده مال، ودى منه عن حصه ما عتق منه، وأوقف الفضل بيده، وإن قصر أتبع في حصة الحرية من كسبه فيما يفضل عن عيشه وكسوته، كالدين، وأما ما رق منه فهو رق لهم، وعليهم نفقة ما رق لهم منه، قال غيره، هذا فيما أفاد المدبر في مرض السيد أو بعد موته، فأما ما أفاد في صحته قبل يجني أو بعد، فهو لأهل الجناية حتى يستوفوا منه جنايتهم، وقال ابن عبدوس، قال بعض كبار أصحابنا، في العبد المخدم أجلا ثم هو حر، فجنى وله مال، أنه لا يؤخذ ماله في الجناية، وليخبر المخدم إما أسلمت خدمته أو فديتها بالأرش، وأما أم الولد فلا يؤخذ عقل جرحها من مالها، وإن لم يكن للسيد مال إلا أن يأخذه السيد، فإن أبى انتزاعه لم يؤخذ منها في الجناية، وتوبع السيد فيها بالأقل، قال أشهب هي بخلاف المدبر، لأن جنايتها على السيد، قال هو وابن القاسم إلا أن تكون قيمتها بغير مالها أقل، فلا يلزمه إلا ذلك، وقاله مالك، وقال المغيرة وعبد الملك تقوم بمالها كما لو كانت تسلم، لأسلمت به، فالقيمة بدلا من الإسلام، قال غيره في ولد المقرور إذا غرم أبوه قيمته، فإنما يقوم بغير ماله، وقد اختلف فيه. في العبد ومن فيه بقية رق يجني ثم يعتق، أو يتقدم العتق جناية / من كتاب ابن المواز قال مالك، وإذا جرح العبد رجلا ثم أعتقه السيد، فإن أراد حمل الجناية عنه لزمه، وإن قال لم أرد حملها أو قال ظننت أن عتقي يسقطها، أو قال لم أعلم بالجناية، فليحلف على ذلك، ويرد عتقه، فيخير سيده، فإن فداه كان حرا وله إسلامه، فإن كان للعبد مال يؤدى منه أو يرجو معونة من أحد، تلوم له بقدر ما يرجو، ولا يكثر له التلوم، فإن لم يوجد له ذلك رد رقيقا، قال ابن القاسم، إلا أن يكون في رقبته فضل عن دية الجرح، فيباع منه بقدره
ويعتق ما بقي، قال محمد، وإن كان للسيد مال يعتق فيه ما بقي عتق العبد كله، وودى السيد دية الجرح، وذلك إن كان في قيمته فضل على الجرح. من المجموعة قال المغيرة، إذا أعتقه عالما بالجناية فهو لها ضامن، كما لو أولد الأمة، قال ابن القاسم، وإن جرح رجلين فعلم السيد بأحدهما فأعتقه رضي بحمل الجناية التي علم، ثم قال قام الثاني، فإن كانت الجنايتان (¬1) سواء، فعليه أن يعطي الثاني إما أرش جرحه أو نصف قيمة العبد، إن كان أكثر من ذلك، ويأخذ ما بقي، لأنه فدا منه جميعه، ويظهر انه إنما يستحق نصفه وهو لا يقدر أن يسلم إليه نصفه بما أحدث فيه من العتق فلزمه عتق جميعه، وذكرها ابن عبدوس فقال/ عن بعض أصحابنا، إلا أنه قال، إذا قام صاحب الجناية الآخر أحلف السيد بالله ما علم بها، فإن حلف مضى نصفه حرا ورق نصفه، وخير في ذلك النصف فيفتكه أو يسلمه، فإن أسلمه وكان له مال عتق عليه بالسنة، وأعطى للمجروح نصف قيمته، وإن فداه عتق عليه كله وإن لم يكن له مال وأسلمه، [صار نصفه حرا ونصفه رقيقا] (¬2)، إذا كان له مال يحمل جرح الذي رضي بحمله، وإن لم يكن له غيره، وليس فيه فضل عن جرحيهما، بيع لهما بقدر جرحيهما، وعتق ما بقي. ومن كتاب ابن المواز، وقال لي ابن عبد الحكم، في الذي أعتقه وقد جنى، فحلف ما أراد حمل جنايته، وخير فيه ففداه، أنه يبقى عبدا له، وهو عبد إن أسلمه، فعجبت من قوله، ثم أخبرت بمثله عن أشهب. وقال في مدبر قتل عبدا لرجل عمدا، فأعتقه سيده، قال فلسيد العبد قتل المدبر، قال وميراثه لورثته الأحرار، لأنه قتل وهو حر، فإن عفي عنه حلف سيده ما أراد حمل الجناية عنه، أو يقول ظننت أن عتقي له يحمل عنه الجناية ويحلف، ¬
في العبد يجني فيفديه سيده ثم يجني، ثم ينتقض جرح الأول، أو لا يفديه حتى جنى فأسلمه، أو جنى على رجلين، أو على عبد لرجلين أو عبدين
فإنه يرد عتقه، فإن كان له مال وديت منه الجناية، وإن لم يكن له مال أو عجز ماله عن تمامها، خير سيده، فإما فداه، أو أسلم خدمته، فإن استوفى من خدمته في حياة السيد خرج حرا، ولم يضره دين مستحدث، وإن مات سيده قبل ذلك عتق في الثلث، ونال عتق الصحة، وأتبع بما بقي، وهو كعبد/ جنى فأعتقه ربه، وحلف أنه لم يرد حمل ذلك، ثم فداه، فإنه يعتق، وكذلك لو نكل عن اليمين العتق، وإن لم يفده وصار ملكا لغيره رق. وإذا جنى عبد فأسلمه سيده أو فداه، ثم تثبت البينة أنه أعتقه قبل يجني، فإن كان أسلمه، فسواء أقر أو جحد فهو حر، ويستقاد منه، وإن كان أفتداه، افترق إقراره وإنكاره، فإن قال لم أكن علمت ولا ذكرت حتى فديته، فليس للمجروح غير القود، وإن طلب ذلك سيد العبد وكان له عذر بين في دفعه، ويرد إلى السيد ما أخذ منه، وإن جحد السيد، فالمجروح بالخيار، إن شاء قام بما أخذ، وإن شاء رد ما أخذ، واستقاد. وفي باب الأمة توهب لرجل وما في بطنها لآخر، من مسائل هذا الباب. ومن العتبية (¬1) قال سحنون، في رجل شهد لعبد أن مولاه أعتقه، ثم إن العبد ضرب الشاهد ففقأ عينه، قال لا شيء للمجني عليه في العبد، والعبد لسيده، وفي باب جناية أم الولد، وباب جناية المدبر ذكر عتق السيد إياهما بعد الجناية. في العبد يجني، فيفديه سيده، ثم يجني، ثم ينتقض جرح الأول، أو لا يفديه حتى جنى فأسلمه، أو جنى على رجلين، أو على عبد لرجلين أو عبدين من كتاب ابن المواز، وهي في كتاب ابن سحنون والمجموعة،/ وإذا جرح عبدك رجلا، ففديته بأقل من دية النفس، ثم جرح آخر، فلم تسلمه حتى انتقض ¬
جرح الأول فمات، أو ترامى إلى أكثر منه، فأما في الخطأ فهو سواء، فلولاة الأول الخيار، إما تمسكوا ولا يتبعونك في عبدك بشيء، فذلك لهم، ثم تخير أنت في عبدك في الجرح الثاني فقط، أن تفديه أو تسلمه كله، فأما لو أتبعوك أولياء الأول بما ترامى إليه جرح وليهم، على أن ينقضوا الجرح (¬1)، الأول، فإنه يدخل معهم المجروح الآخر (¬2) في رقبته، ويردون ما أخذوا من السيد، ويكون العبد بينهم بقدر جناية كل واحد منهما، ويسلمه إلى أولياء الأول وأولياء الثاني فيكون بينهما على قدر جرحيهما ما ترامى ذلك إليه، يتحاصان في العبد، وترجع أنت بما كنت فديته أولا، وإن شئت فديته منهما بدية الجنايتين، وتحسب على الأول بما دفعت إليه، وإن شئت فديته منهما بدية من الأخر بدية جرحه، وأسلم إلى الأول من العبد قدر ما كان يقع له من الأخر لو أسلمته إليهما، وتأخذ منه ما كان أخذ منك، وإن شئت فديت من الأول بقدر ما يصير له من العبد تحسب عليه فيه ما أعطيته، وتسلم إلى الآخر ما كان يقع له من العبد مع الأول، وسواء ترامى جرح الأول إلى النفس أو إلى جرح أعظم منه، فإن شاء المجروح الأول المتمسك بما بيده ويدع زيادة/ الجرح، فذلك له، وتخير أنت في إسلامه إلى الآخر، وإن أراد أن يرد ويطلب ما تنامى إليه الجرح ويدخل مع الثاني، فذلك له، وليس أحدهما أحق من صاحبه، وهذا في الخطأ والعمد من الجراح، لأنه ليس بين حر وعبد قصاص فيهما، إلا أن يترامى في العبد إلى النفس، فللأولياء أن يقسموا ويقتلوا، ويبطل حق الثاني، ولا يكون له شيء لا على السيد ولا عليهم، ويرجع سيد القاتل بما كان فداه به إن قتلوه، وإن استحيوه فهو على ما ذكرنا في الخطإ. وقال أشهب في كتاب ابن سحنون، وإذا فديته بدية الجرح ثم جرح رجلا آخر، وانتفض جرح الأول فمات، فإن كان خطأ حلفت أولياءه يمينا يمينا (¬3) ما علموه مات منها، وكان لهم ما أخذ منك وليهم، ثم تخير في فداء عبدك من الثاني ¬
بدية جرحه، أو تسلمه إليه، وكذلك إذا لم يحلف ولاة الأول، إلا أنهم إن لم يحلفوا حلفت على ما علمت، ورجعت عليهم بالفضل عن دية المقتول. وقال أشهب في المجموعة، إذا كنت فديته بأكثر من الدية حلف، ورثة الميت يمينا يمينا ما علموه مات من الجناية (¬1)، فإن نكلوا حلفت أنت على ما علمت، ورجعت بفضل الدية عليهم، [وتخير في الثاني في إسلامه العبد إليه] (¬2)، أو افتدائه، ولو كنت أسلمت/ العبد إلى الأول ثم انتفض جرحه فمات، أو ترامى إلى أكثر منه في العمد والخطأ، فليس عليك أكثر من إسلامه، ولا لك في الخطأ أن ترجع في العبد، وتؤدي جميع جراحه وما ترامت إليه، فإن كان العبد قد جرح آخر، فذلك على من صار إليه، يخير في إسلامه أو فدائه، ولكن إن مات في العمد من جراح الأول، فلولاته أن يقسموا ويقتلوا العبد، فإن لم يقسموا واستحيوه فهو مثل ما قلنا في الخطأ. من كتاب ابن المواز، وإذا جرح عبد رجلين جرحين مختلفين فأسلمه سيده، فهو بينهم بقدر جرحيهما، وكذلك لو قتل حرا وعبدا فأسلمه، فهو بين ورثة الحر وبين سيد العبد بقدر قيمة العبد [من دية الحر، فإن فداه بدية الحر وقيمة العبد] (¬3)، وإن شاء أسلمه إلى أحدهما، فينظر، فإن كانت قيمة العبد مائتي دينار، فذلك سدس الجميع، فإن شاء فدى خمسة أسداسه من ورثة الحر بألف دينار، وأسلم سدسه إلى سيد العبد أو يفدي من ورثة العبد قدر منابته من العبد بما يقع لذلك من الدية، على أن خمسة أسداس العبد [دفعت بألف دينار، وكذلك جرحه لرجلين بقسم العبد] (¬4) على قيمة الجرحين، ثم له أن يفدي بدية أى جرح شاء، ويكون (¬5) له من العبد بقدره، قال مالك، ولكن لو جرح العبد ¬
عبداً/ خطأ، ثم قتل آخر عمدا، فإن قتل لم يكن لسيد المجروح شيء (¬1) لا على من استقاد ولا على غيره. وإن استحياه دخلا فيه بقدر الجنايتين مثل ما قلنا في الخطأ، قال مالك، وإن شج جماعة فقام أحدهم فأسلم إليه، فللباقين الدخول معه فيه من قديم أو حديث، ولا شيء على سيده إلا أن يفتكه، ثم يجرح فيوتنف الأمر على سيده أن يفديه أو يسلمه أو يفتك من بعضهم، وإن أسلمه ثم يجرح ثانية، خير من أسلم إليه، وكذلك إن أسلم بعضه ثم جنى، فإنه يخير من له فيه شرك، بخلاف المدبر تسلم خدمته ثم يجني. ومن كتاب ابن المواز، وكتاب ابن سحنون لأشهب، وإن جرح عبدك عبدين لرجل موضحة موضحة (¬2) فليس لك أن تفدي نصفه بأرش أحد الموضحتين، وتسلم نصفه بالآخر، كما لو جرح سيدها جرحين، فإما فداه كله أو أسلمه كله، بخلاف أن لو جرح رجلين، وليس العبد أيضا لرجلين، فيكون لمن شاء فداء نصفه. قال، وإذا جنى عبد لرجل واحد على رجل في بدنه أو ماله أو في عبيده فليس لسيده أن يبعضه على المجني عليه، وإذا جنى عبدك على عبد لرجلين موضحة، فلك فداء نصفه من أحدهما بنصف دية الموضحة، وتسلم نصفه للآخر. وإذا قتل عبدك حرا وارثه واحد فليس لك فداء بعضه، لكن فداء جميعه، ولو كان له ورثة/ فلك فداء نصيب من شئت منهم بقدر ما يصير له من العبد، وليس لك أن تفدي من أحد الورثة بعض مصابته، ولكن كلها، ولو جنى عبدك ¬
على رجلين أو رجلين أو على عبدين لرجلين موضحتين، فلك أن تفدي من أحدهما، وتسلم إلى الآخر، فيكون لك من العبد بقدر ما فديت، مثل أن تكون قيمة أحدهما مائة دينار، والآخر مائتين فموضحة هذا خمسة، وهذا عشرة، فالعبد بينهما أثلاثا، فإن أسلمه إليهما كان بينهما أثلاثا، وإن فداه من صاحب الخمسة، وأسلم إلى صاحب العشرة صار له ثلثا العبد (¬1)، ولربه ثلثه، وإن أسلم إلى صاحب الخمسة صار له ثلثه، ويصير لسيده إذا فداه من الآخر ثلثاه. ومن كتا ابن المواز، وإذا قتل عبدك قتيلا بعد قتيل خطأ، وقطع يد رجلين فلكل ولي قتيل منهم ثلث العبد، ولكل مقطوع يده سدس العبد، فمن شاء سيده فدى منه ما يصير له منه، وكذلك لو كان بين كل جنايتين سنة أو أكثر، فذلك سواء، وكذلك لو اجتمع على عبد جنايات من جراحات، وإن كانت قتلا (¬2) وغصب امرأة نفسها أو مالاً أو خلسة أو حراسة جبل، أو تمرا معلقا أفسده، أو جذه أو سرقه من غير حرز، فذلك كله في رقبته يخير سيده، فإما أسلمه في ذلك أو فداه، أو فدى بعضه من بعضهم بما يقع له منه في الحصاص، فإن أسلمه تحاصوا فيه بقدر ما لكل واحد،/ وفي أول الكتاب مسائل العبد يجني على الحر فيفدي ثم ينتقض الجرح فيموت الأول. ومن المجموعة، وقال بعض أصحابنا في العبد يجرح جماعة، فأسلم إلى أحدهم، ثم قام الآخرون، فإنهم يدخلون مع الأول بمقدار عقل جراحهم إلا أن يشاء السيد أن يعطيهم ذلك، ويكون له من العبد بقدر ما كان يصير لهم منه، فذلك له، ولو دخل هؤلاء مع الول في رقبته لم يكن لهم عليه فيما اختدمه قبل قيامهم شيء، إلا أن يكون كان عالما بهم، فليرجعوا عليه بقدر نصيبه من الخدمة. قال غيره، وإذا جنى على رجلين، فأسلمه السيد إلى أحدهما، وهو بالآخر عالم، فهلك بيد الأول، فالسيد ضامن لجرح الثاني، لأنه متعد (¬3) في إسلامه ¬
لواحد، وكان عليه أن يرفع ذلك إلى السلطان، وقال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية (¬1)، إذا أسلمه إلى واحد ولم يعلم بالآخر، ثم قام، فله الدخول مع الأول، وليس للسيد أن يفتك منه نصيبه من العبد، لأن العبد لو مات قبل قيامه لبطل جرحه، إلا أن يكون السيد أسلمه عالماً بالثاني، فيكون ضامنا للثاني جرحه. ومن المجموعة، ابن نافع عن مالك، في عبد جرح عبدا خطاً، وقتل عبدا أخر عمداً، فإن قتل فلا شيء للمجروح على سيده ولا على المستقيد، ولا له أن يمنعه من قتله كالحر، قال غيره في عبد جرح عبدا موضحة عمدا ثم جرح حراً موضحة/ عمداً، أو عبداً موضحة خطاً، فاقتص رب المجروح عمدا، فإن السيد يخير في الجرح الآخر (¬2) فيفديه أو يسلمه، ولو مات من القصاص بطل حق من بقي. قال أشهب، ولم يختلف في العبد يفدى ثم يجني، أن يخير سيده في فدائه، قال هو وابن القاسم، وعبد الملك، في المدير يجني فسلم خدمته، ثم يجني، أنه لا يخير سيده ولا من أسلم إليه، وليدخل مع الأول من ذي قبل في خدمته، لأنه لم يسلم رقبته، قال عبد الملك، وكذلك لو جنى قبل يسلم إلى الأول فأسلم إليهما، قال مالك، ولو مات عن مال تحاصا فيه بما بقي لكل واحد، قال أشهب، ولأن الأول لم يجز خدمة المدبر، وإنما جاز منها ما اختدم، ولو وهب للمدبر مال أو وجده، ويجوز له أخذه، لودى منه باقي الجناية، ورجع إلى سيده، وليس للمجروح أو العبد أن يأبيا ذلك، ولا يأباه السيد، وذكر ما يكون من أم الولد من جناية مذكور في باب جنايتهما، وكذلك ما يكون من جناية المكاتب جناية بعد جناية في بابه. ¬
في العبد أو العبدين يقتلان جلا، فيعفو أحد الأولياء، أو يعفو الولي عن بعض الدية، أو يوصي بالعفو، أو يفدي من أحد الوليين حصته
في العبد أو العبدين يقتلان رجلا، فيعفو أحد الأولياء، أو يعفو الولي عن بعض الدية، أو يوصي بالعفو، أو يفدي من أحد الوليين حصته من كتاب ابن المواز، ولو أن عبدين لك قتلا رجلا خطاً، ورثه وارثان يرثانه (¬1) بالسواء، وقيمة العبدين مختلفة، قال مالك، ولك أن تفدي من شئت منهما، أرفعهما أو أدناهما إن/ كان بينهما تفاوت بنصف الدية، وإن شئت فديت نصف كل عبد من أحد الوارثين بنصف الدية، ولك أن تفدي من أحدهما نصفه بربع الدية، وأسلمت نصفه للآخر، وأسلمت الآخر بينهما، وإن شئت فديت أحدهما كله منهما بنصف الدية، ونصف الآخر من أحدهما بربعهما، وليس لك أن تفدي من أحدهما بعض مصابته من أحد العبدين، ولا بعض مصابته من العبدين، إلا مصابته كلها من هذا العبد أو منهما، وكذلك لو قتل عبدك رجلا له وليان، فلك فداء نصفه من أحدهما، وليس لك فداء نصفه من كليهما، [ولو قتل رجلين وليهما واحد فليس لك أن تفدي إلا جميعه بالديتين] (¬2) ولو قتل قتيلين فعفا أولياء أحدهما على الدية، فلأولياء الآخر القتل، ثم لا يكون لأولياء العافي على الدية شيء (¬3) ولو عفا بعض أولياء كل واحد فلا سبيل إلى القتل، وكان كالخطأ في الإسلام والفداء، ولو عفا من كل فرقة بعضهم على غير شيء فمصابة من عفا على ذكرنا، ويخير فيما بقي، فإن شاء فدى ما بقي من العبد بجميع حق من لم يعف، وإن شاء أسلم إليهم من العبد قدر ما كان يكون لهم مع أصحابهم، وإذا قتل عبد رجلا له ولي واحد فوضع نصف حقه، فهو كعبد عند رجل رهنا في حق، فوضع نصف حقه أو قبض نصفه، فليس لربه أخذ نصف العبد، ¬
ولو أن الحق لرجلين والعبد رهن لهما، فوضع أحدهما للغريم حقه أو قضاه إياه، فله أخذ نصف عبده، ويبقى للآخر نصفه رهناً. قال/ أشهب، وإذا قتل عبدك رجلا خطاً، فأوصى أن يعفى عنه ويرد إليك، ولا مال له، ولم يجز الورثة، فقال إن شئت فديت جميعه بثلثي الدية لأن ثلثها لك بالوصية، وإلا أسلمت جميع العبد بثلثي الدية (¬1)، كما لو جرح حرا جرحا ديته مائة دينار، فوضع عنك نصفها، فأنت مخير أن يقتل جميعه بالخمسين أو تسلم جميعه بالخمسين، بمنزلة الرهن يضع المرتهن بعض حقه فهو رهن بما بقي، قال وخالف أصبغ أشهب، في وصية المقتول بالعفو فقال، ليس للورثة إلا ثلثا العبد بثلثي دية، إن شاء أسلم سيده ثلثيه، أو افتك ثلثيه بثلثي الدية، وثلث العبد لسيده بالوصية أسلم أو فدى بخلاف المجروح، وقوله في المجروح كالرهن كما قال. قال محمد، وقول أصبغ جيد لأنه لو تمسك الورثة بجميع العبد بثلثي الدية ولعله لا تسوى، لم ينفذ للميت من وصيته شيء، ولأنه لو أوصى المقتول بالعبد لأجنبي ولا شيء له غيره، لكان له ثلثه بثلث الدية إن فدى منه كذلك فهو له، وإلا فله ثلث الرقبة، وكذلك سيده، قال أصبغ، وقال أشهب مثله في وصيته به لأجنبي، وزاد أن له أن يفتك من الموصى له ثلثه بثلث الدية، أو يسلمه إليه، ومن افتك من الورثة ثلثيه بثلثي الدية، فلا يدخل الموصى له عليهم في ذلك وله أن يفتك من بعض الورثة بقدر نصيبه، وأسلم نصيب باقيهم، وإن شاء افتك من بعض الموصى لهم إن كانوا/ غير واحد، وأسلم إلى بعضهم، قال أصبغ، صواب كله. محمد، فهذا كوصيته بالعفو عن قاتله. ¬
في العهد ومن فيه بقية رق يجني على رجلين، فسلم إلى أحدهما أو يفدى، ثم قام الآخر أو لم يقم حتى جنى على ثالث
في العبد ومن فيه بقية رق يجني على رجلين، فسلم إلى أحدهما أو يفدى، ثم قام الآخر أو لم يقم حتى جنى على ثالث من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، قال مالك، وإذا جرح عبد جماعة معا أو متفاوتين، وبين ذلك [سنة] (¬1) أو أكثر، فهو بينهم بقدر قيم جراحاتهم، ولو أسلم إلى أحدهم لقيامه، كان حق من لم يقم في رقبته هكذا، ولا شيء على السيد إلا أن يفتكه ثم يجني، فيؤتنف فيه التخيير أو فيما فدى منه، وإن كان قد أسلم بعضه، خير من أسلم إليه في ذلك البعض. ومن كتاب ابن حبيب والعتبية (¬2)، قال أصبغ عن ابن القاسم، إذا جنى على رجلين فأسلمه السيد إلى أحدهما، ولم يعلم بالآخر، فجنى عبده ثم قام الذي لم يعلم به، فإنه يكون له من العبد بقدر جرحه، ثم يخير هو والمسلم إليه أن يفدياه أو يسلمه إلى الثالث، أو يسلم أحدهما ويفدي الآخر، ولا شيء للسيد الأول من ذلك. قال ابن المواز وسحنون في كتاب ابنه، إسلامه العبد الأول إسلام لنصفه إليه، إذ هو الذي كان يجب للقائم فيه، فيقال للذي أسلم إليه أولا إنما كان يجب لك نصفه فأسلم نصفك هذا إلى الثالث أو افده، فإن أسلم نفسه إلى الثالث قيل للثالث قد صار إليك/ نصف جرحك وبقي لك نصفه، وبقي للذي لم يعلم به ولم يقم جرح كامل ودية جراحاتهم سواء، قال سحنون، فيقال للسيد في النصف الآخر إما فديته بجميع أرش الثاني وبنصف أرش الثالث وإلا فأسلمه إليهما، قال في الكتابين، فيكون النصف الباقي من العبد بين الثاني والثالث على ثلاثة، للثالث ثلث ذلك النصف وهو ثلث العبد، ويصير ثلث العبد للثالث، لأنه ¬
أسلم إليه الأول نصفه، وأخذ ثلث النصف الآخر وهو السدس، وذكرها سحنون كلها عن عبد الملك. قال أصبغ في العتبية (¬1)، وكتاب ابن حبيب، قال ابن القاسم، ولو لم يجرح ثالثا حتى قام الثاني- يريد بعد أن أسلمه إلى الأول- فإن له منه بقدر جرحه، ثم ليس للسيد أن يفتك منه نصيبه، إذ لو مات العبد قبل يقوم بكل جرحه، لأن السيد لمن يعلم به، ولو علم به فأسلمه إلى القائم دونه فمات بيده ضمن للسيد الذي لم يقم جرحه، قال أصبغ، وقاله ابن نافع وبه أقول وهو لعبد الملك في المجموعة. ومن كتاب ابن المواز، وليس للسيد أن يفدي من الأول ما حصل له منه كمشتريه يستحق نصفه من يده، فلا يكون للبائع خيار في رد ما بقي منه، بل الخيار للمبتل لولاء ما قال به من الجناية المحدثة، وأما النصف الذي استحقه الثاني فلم يقع/ فيه إسلام ولا فداء حتى جنى، فإن شاء فدى هذا النصف بجميع دية جرح الثاني ونصف دية جرح الثالث، وإن شاء فدى ثلثي هذا النصف من الثاني وهو ثلث العبد بدية جرحه كله، وأسلم ثلث النصف إلى الثالث بنصف، قال، ولو أن السيد إنما كان فداه كله من الأول ولم يعلم بالثاني، ثم جنى على ثالث، فللسيد أن يرجع على الأول بنصف ما دفع إليه، ولو لم يفد بالجناية الثالثة لكان له رد ما يجب له منه مع الثاني، وخدمته جميع ما دفع إليه، ولكن إن فات رد ما يصير له منه بالجناية الثانية، ثم يكون المجني عليه الأول إذا رد نصف ما قبض مخير في رد ما بقي وطلب ما يصير له من العبد وهو نصفه أو قيمته، أو مات وقد فات بالجناية الثالثة فله أن يأخذ قيمة ذلك النصف وما بيده، ويرد ما بقي، لأنه يقول لو لم أكن رضيت بإسلام ما يصير لي من العبد حتى قبضت جميع جنايتي، فإذا رجعت إلى نصفها فلي التمسك بما صح لي من العبد آخذه، فإن فات فلي قيمته يوم فداه السيد لأنه شراء، وأتمسك بنصف ما قبضت، فله الأكثر ¬
في العهد يجني على رجلين فيفديه السيد من أحدهما، ثم أعتقه أو باعه، ثم جرح ثالثا، ثم قام الثاني، وكيف إن باعه قبل أن يجني على الثاني ثم جنى؟
من الوجهين، ثم للسيد أن يفدي هذا النصف من الثالث، لأنه صار الثالث وحده أحق به بنصف جرحه، فإما أسلمه إليه السيد أو فداه بنصف جرحه، وللسيد أيضا في النصف الذي كان يصير للثاني أن يفديه منهما، تعطى للثاني جميع جنايته، وللثالث نصف جنايته، وإن شاء فدى من أحدهما/ ما يصير له من هذا النصف بماله فيه، وإن شاء أسلمه إليهما فكان للثاني ثلثاه، وللثالث ثلثه وهو السدس مضافا إلى النصف الذي أسلم إليه، فيصير له ثلثا العبد، وللثاني ثلثه. ومن العتبية (¬1) روى أصبغ عن ابن القاسم، في مدبر جرح رجلين ففداه السيد من أحدهما ولم يعلم بالآخر ولا علم بذلك صاحبه، ثم مات السيد ولم يدع غيره، فعتق ثلثه، ثم قام الآخر، فإنه يأخذ من الورثة نصف ما أخذ الأول، ويخير الورثة في إسلام ثلثيه إلى المجروحين أو افتدائه بما يجب لكل واحد، فإن أسلم الثلثين إليهما تحاصا في ذلك، فضرب فيه الأول بنصف جرحه، والذي قام الآن بجرحه كله، ويتبعان الثلث العتيق منه يتبعه الذي لم يأخذ شيئا بثلث دية جرحه، والآخر بسدس دية جرحه. ومن كتاب ابن المواز، وإذا قتل عبد رجلين أحدهما عمدا والآخر خطاً، فإنه إن قتل بالعمد فلا شيء لصاحب الخطأ، والقتل يأتي على الجميع، وإن استحيوه كان بينهما نصفين. في العبد يجني على رجلين فيفديه السيد من أحدهما، ثم أعتقه أو باعه، ثم جرح ثالثا، ثم قام الثاني، وكيف إن باعه قبل أن يجني على الثاني ثم جنى؟ من كتاب ابن المواز، وإذا جنى عبد لرجل على رجلين، ففداه من الأول ولم يعلم بالثاني، فأعتقه ثم جرح ثالثا (¬2)، ثم قام/ الثاني والثالث، وجراحاتهم واحدة، ¬
فإن كان السيد مليا، فالقصاص بينه وبين الثالث، لأنه جرحه، وهو حر بملأ السيد، ثم يرجع على الأول بما دفع له، فيترك له منه نصف قيمة العبد يوم فداه، أو نصف دية الجرح الأول يوم برئ، ويأخذ منه ما سوى ذلك، ثم يكون على السيد الثاني نصف قيمة العبد يوم دفع إليه ويوم يقع له الحكم فيه، على أن في رقبته جرحا (¬1) للثالث يقتص منه إن كان عمدا، لأنه لو اقتص منه قبل قيام الثاني، لم يكن له إلا نصف قيمته مقطوعا (¬2)، لأنه يومئذ استحق نصفه، ولو مات قبل ذلك وقبل المعتق، ما كان للثاني فيه شيء ولو كان جرح الثالث (¬3) خطأ مما لا تحمله العاقلة، كان للثاني نصف قيمته على أن عليه دين دية هذا الجرح، ولو كان تحمله العاقلة لزمه نصف قيمته صحيحا لا شيء عليه يوم يحكم له فيه، إلا أن يرضى أن يدفع إليه دية جرحه، قال، وإن كان حين افتكه من الأول ولم يعلم بالثاني، أعتقه ثم علم بالثاني ولم يجرح ثالثا، فإن كان جرحهما سواء، فللثاني على السيدنصف قيمته يوم الحكم ما بلغ إن كان مليا، إلا أن يرضى بدفع دية جرحه إليه، ولا يمين عليه إن رضي بدية الجرح، وإذا لم يدفع إلا نصف قيمة العبد، حلف ما أعتقه رضي بحمل جنايته على الثاني، أو يحلف أنه ما علم يوم أعتقه، ثم يدفع نصف العبد يوم يحكم/ عليه، فإن نكل غرم دية الجرح الثاني، قال، وإن لم يقم الثاني حتى فداه من الأول وأعتقه، فلا طلب للثاني على السيد، لأنه حقه يوم يحكم فيه، ويأخذ السيد من الأول مما دفع إليه ما كان يستحقه الثاني معه، وكذلك لو كانت أمة فجنت فحملت من السيد وماتت قبل قيام المجروح، فلا شيء له إلا أن يكون علم السيد بالجناية يوم الوطء، فيحلف ما كان ذلك رضى بحمل الجناية، فإن نكل غرم، قال، وإذا فداه من الأول ولم يعلم بالثاني ثم أعتقه، ثم جرح ثالثا، والسيد عديم وعليه دين، فرجع على الأول بما ذكرنا، لم يكن الثاني والثالث أحق به، ولكن الغرماء أولى به، ويرد ¬
من عتق العبد ما كان يستحقه الثاني مع الأول، [وينفذ عتق الأول] (¬1)، وتكون مصابة الثاني بينه وبين الثالث أثلاثا، للثالث ثلثه وللثاني ثلثاه (¬2) على ما ذكرناه، ويتبع الثالث العبد في نصفه العتيق بنصف دية جرحه، قال، ولو أنه فداه من الأول ولم يعلم بالثاني حتى باعه، فجنى عند المبتاع على ثالث، فليرد السيد ثلث الثمن على المبتاع، لأنه يستحقه الثاني من العبد بجرحه، إن كانت الجراحات سواء، وإن كانت مختلفة نظر ما كان يصير للثاني مع الثالث الآن من رقبة العبد، فبمقداره يرجع المبتاع على البائع السيد، ويرجع السيد على الأول فيما دفع إليه فيأخذ منه ما زاد على نصف قيمته،/ ولا يغرم السيد للمبتاع إلا ثلث ثمنه، لأن الثالث قد استحق ثلثيه عن المبتاع، وليس على البائع منه شيء، لأن الثالث يستحق مصابة الأول وهو نصفه، ويدخل أيضا مع الثاني فيما كان يصير للثاني مع الأول، يضرب فيه باقي جرحه، والثاني بجرحه كله، فما استحق منه الثاني بحصته من الثمن، يرجع المبتاع على البائع، ثم يخير المبتاع بعد المعرفة بذلك في إسلام العبد إلى الثالث والثاني، فيكون بينهم، للثالث ثلثاه وللثاني ثلثله إن تساوت الجراح، وبقدر ذلك يرجع المبتاع على البائع، فإن اختلفت الجراح فبقدر ذلك، ثم إن شاء المبتاع فداه منهما بجناية كل واحد، أو يفدي من أحدهما ما يصير له، ويسلم إلى الآخر ما وقع له منه، ويرجع المشتري على البائع بقدر ما صار للثالث منه، إن كانت جنايته عند البائع عمدا. ومن العتبية (¬3) روى أصبغ عن ابن القاسم، في عبد جرح رجلا خطاً فباعه ربه قبل يقام به، ثم جرح آخر خطاً عند المبتاع، ثم قام، فيقال للبائع إن أعطيت الأول دية جرحه ثم البيع، ولا حجة للمبتاع بسبب عيب، لأن الجرح خطأ، ثم يخير المبتاع في إسلام العبد إلى الثاني كله أو فداه، فإن أراد البائع الأول أن يعطي الأول دية جرحه، قيل له فتسلم إليه الثمن كله، فإن شاء أخذه بدية ¬
جرحه ويتم البيع، ثم يكون ما ذكرنا، فإن أبى قيل للمشتري إن شئت فافده من/ الآخر، ويبقى العبد لك وخذ الثمن كله من البائع، وأسلم العبد إلى المجني عليه الأول، وإلا فافتك منهما جميعا بدية جرحيهما، أو يصير العبد والثمن كله لك، فإن أبى المشتري، من هذا كله نظر إلى قيمة العبد صحيحاً وقيمته وقد جنى عند المشتري، فما بقي رجع على البائع من الثمن بقدر ذلك، لأن المبتاع كان ضامنا لما جنى عنده (¬1)، ثم يصير العبد بين المجني عليهما جميعا يقتسمانه، يضرب فيه المجني عليه أولا عند البائع بقيمته صحيحا لا جناية فيه، ويضرب فيه الثاني بقيمته على أن فيه الجرح الأول- يريد وجرحاهما سواء-. ومن كتاب ابن المواز، وإذا جنى عبد فباعه السيد، ثم جنى عند المبتاع على آخر مثل جرح الأول، فليس للمبتاع على البائع إلا نصف الثمن ونصف قيمة العبد، إن كانت الجناية عمدا، إلا أن يدفع البائع الأول دية جرحه، فيتم البيع ويتبعه المبتاع حينئذ بالعيب كله، إلا أن يقتل البائع المبتاع في نصف العبد، ويدفع نصف قيمة العيب، فليس للمبتاع حجة. قال، وإذا دفع البائع إلى المشتري ثمن ما استحقه المجروح الأول من رقبة العبد، فالمبتاع مخير في إسلام العبد إلى المجروحين أو يفديه منهما أو من أحدهما بقدر ما يقع له منه بجميع دية جرحه، فإن فداه كله، فليس له رده على بائعه، ويأخذ منه بقية الثمن إلا أن يكون ما جنى عند البائع عمداً فله أن يرد/ نصف العبد فقط ويأخذ بقية الثمن، لأن نصفه الذي كان يصير منه للمجني عليه الأول قد أسلمه البائع له، ورد على المشتري به نصف ثمن العبد، فافتداه المشتري من المجني عليه الأول، ومنه أخذه، وعليه عهدته لا من البائع، وإن كان الجرح الأول خطاً لم يكن للمبتاع حجة في رد ولا قيمة عيب، وإن كان الأول عمدا والثاني الذي أحدثه (¬2) عند المشتري عمدا، فله رد هذا النصف بلا قيمة عيب عليه، لأنه كان عند البائع، فقال كذلك، وليس للبائع أن يقول لا أقبل إلا جميع ¬
العبد، ولأنه لم يبع منه إلا نصفه، وأسلم للمجني عليه نصفه حين رده على المشتري به نصف الثمن، فصار نصف المجروح الأول للمبتاع من قبل المجروح لا من قبل بائعه، وكذلك إنما حجة المشتري على البائع في نصف العبد فقط، لأنه لم يبع منه غيره، وكأنه اشترى العبد من رجلين. قال، وللمبتاع أن يرد على البائع النصف الذي فداه من المجروح الآخر بعيبه الأول، فإنه قد [فداه بعد علمه بعيبه] (¬1) الأول، قال، ذلك له لأنه لم يحدث في النصف الذي يرده عوضا (¬2) للبيع ولا غير ذلك مما يكون منه رضاء به، وقد كان ممنوعا من رده قبل افتداء نصفه الآخر، وقد كان مرتهنا بجنايته حتى افتداه، ولو أعتقه المبتاع قبل علمه بالجرح الذي كان عند البائع وقتل بجرح عنده، فإن الجرح الأول في رقبته أولى من العتق، فإن شاء البائع دفع إلى المجني عليه الأول دية جرحه كله فيتم العتق، وإن شاء رد نصف الثمن على المبتاع إذا/ كان الجرحان سواء، فإذا دفع جناية الأول، صار جرح الثاني جرح حر، وإن اختار رد نصف ثمنه على المشتري، فإن كان المشتري موسرا، فقد نفذ أيضا عتق العبد كله، ولزم المشتري للمجروح الأول لأقل من نصف قيمة العبد أو دية جرحه، ولا شيء للمجروح الآخر على المشتري، وإنما حقه على جارحه فليتبعه، وإن كان عمدا اقتص منه، ثم يكون للمبتاع [على البائع] (¬3)، جميع قيمة عيب جناية العبد في العمد، إن اختار دفع جناية الأول إليه، وأما إن رد المشتري نصف الثمن، فليس عليه إلا نصف قيمة العيب، وإن كان المبتاع عديما وعليه دين أحدثه بعد شرائه وبعد عتقه، فإنه إن اختار البائع دفع جناية الأول، فقد تم عتق الجناية، وصارت جنايته على الثاني جناية حر، وإن لم يختر ذلك، فإن الأول يرجع في رقبة العبد، ويحاصه فيه المجروح الثاني، لأن جناية الأول في رقبته قبل العتق، ولا يرق منه شيء بجناية الثاني لأنها بعد العتق، فعتق نصفه تام، ويرق نصفه للأول، ويدخل معه الثاني ¬
في الأمة تجني ثم تباع فتلد من المبتاع، ثم يعلم بذلك أو يدعي ربها أنه باعه من رجال، وقال الرجل بل زوجتنيها
فيكون بينهما نصفين، ويتبعان جميعا العبد في نصفه العتيق بجناية الثاني، وما رجع به المبتاع على البائع من نصف الثمن ومن قيمة نصف العيب، فهو لغرمائه هو أحق من عتق رقبته، ولو لم يكن عليه دين كان ذلك في عتق بعينه، وتم له عتقه الأول، وكان المجني عليه الأول أحق به، ويتبع الثاني العبد بجنايته كلها،/ وقد كان أشهب يرقه كله بالمحاصة، وأبي ذلك ابن القاسم، وهو قول مالك في الدين، وهو أحب إلينا، ولما للعبد فيه من الحق والحجة. في الأمة تجني ثم تباع فتلد من المبتاع، ثم يعلم بذلك أو يدعي ربها أنه باعها من رجل، وقال الرجل بل زوجتنيها من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم، في الأمة تقتل رجلا أو تجرحه، ثم باعها السيد وهو يعلم أو لا يعلم، فأولدها المبتاع، ثم قيم ذلك، فإن كان القتل عمدا فللأولياء قتلها، فإن قتلوها نظر، فإن كان في قيمة ولدها مثل الثمن أو أكثر منه فلا شيء للمشتري على البائع، ولا للبائع على المشتري شيء في الفضل، وإن كانت قيمة الولد أقل من الثمن رجع المبتاع بما نقص على البائع، وإن استحيوها خيروا بين أخذ الثمن الذي بيعت به من البائع، أو أخذ قيمتها يوم الحكم من المبتاع، فإن أخذوا الثمن من البائع فلا شيء لهم على المبتاع، وإن أخذوا القيمة من المبتاع، رجع المبتاع على البائع بالثمن كله، كان ما غرم من القيمة أكثر منه أو أقل، كالاستحقاق، ولا ينظر إلى قيمتها للبائع إذا استحييت، ولا يوضع عنه من الثمن لذلك شيء، قال: وإن شاء البائع أن يؤدي دية الحر ألف دينار، ويبقى له الثمن كله، فذلك له، قال، وإن كان البائع عديما والثمن أكثر من القيمة، فطلبوا أخذ القيمة من المبتاع، وطلب البائع ما في الثمن، فليس/ لهم ذلك، وإما أخذوا القيمة ولا ¬
طلب لهم على البائع، فإما طالبوا البائع بالثمن ولا شيء لهم على المبتاع، وإن فاتت القيمة على الثمن، وإما أخذوا القيمة من المبتاع ولا شيء لهم على البائع، وإن كان الثمن أكثر من القيمة، والثمن كله للمبتاع يأخذه إذا ودى القيمة، إلا أن يرضى البائع بأداء الدية، ويبقى له الثمن، فذلك له، ثم لا طلب للمشتري ولا لأهل الجناية في الثمن، وإذا كان القتل (¬1) خطاً أو كانت جنايتها جرحا، وهو مما فيه العقل، كان ذلك عمداً أو خطاً فهو سواء، فإن ودى البائع جنايتها مضى البيع، قال عنه أصبغ، فإن أبى ودى الثمن وأخذ المجني عليه، إلا أن تكون القيمة لها أكثر، فليرجع على المبتاع ببقية القيمة، لأنه كان له أن يأخذ من المبتاع جميع القيمة. قال أصبغ، فإن أخذ بقية الثمن من المبتاع، رجع المبتاع على البائع بقيمة العيب فقط، إن لم يكن المشتري علم به، وهو ما بين قيمتها جانية وقيمتها غير جانية، ويرجع بقدره من الثمن، إلا أن يكون قيمة العيب أقل، فليس على البائع غيره مع الثمن الذي أخذ منه، فإن وجد المجني عليه البائع عديما أخذ القيمة من المبتاع كلها، ورجع المبتاع بالثمن على البائع وبما بين القيمتين على ما فسرنا، والقيمة التي تؤخذ من المشتري قيمتها يوم قام المجني عليه، وليس يوم جنت (¬2) ولا يوم الشراء، ولا يوم الحمل، إذ لو ماتت قبل ذلك/ لم يلزم المبتاع، ولو ماتت بيد البائع ولم يبع لم يلزمه شيء من الجناية. ومن كتاب ابن المواز قال، وإذا جنت الأمة فباعها سيدها ولم يعلم، فأولدها المبتاع، فإن ودى البائع دية الجناية بعد البيع، ولا شيء للمشتري إلا أن يكون الجرح عمدا فهو عيب، فيرجع بقيمة العيب، وإن كان خطأ فليس بعيب، فإن لم يؤدي البائع قيمة الجناية، فعلى المشتري فداء أم ولده بالأقل، ثم يرجع ¬
على البائع بالثمن إلا ما يقع على المشتري من قيمة الولد، [فإن مالكاً قال ينقص الثمن عليهما] (¬1)، كأنه اشتراهما في صفقة، فما وقع على الأم من الثمن رجع به على البائع، أو يعطي البائع دية الجناية وقيمة العيب إن كان عمداً. ومن العتبية (¬2)، وكتاب ابن سحنون، سئل سحنون عن أمة جنت ثم باعها ربها، وهو عالم بالجناية، من رجل، فأولدها وهو ينكر الشراء ويقول زوجتنيها، قال، يحلف للبائع ما باعها- يريد حمل الجناية- فإن حلف قيل له لا يزيل الجناية من رقبتها ما ادعيت من البيع، وقد أنكر المبتاع، فأنت مخير، إما أن تفكها وأنت على خصومتك وإلا فأسلمها برقبتها، وإن نكل غرم الأرش وهو على خصومته، وإن كان عديما، كانت الأمة لصاحب الجناية، ولا يزول بدعواه ما لزم رقبتها، وليس مما يفدي، وهو يقر أن البيع لا يتسلط عليها إذ هي أم ولد، ولو جنت عند الثاني، قيل للسيد إن شئت فافتد أو أسلم، وليس في الولد جناية،/ وقال بعض أصحابنا أن الولد أحرار. ومن كتاب ابن سحنون ذكر مسألة الأمة تجني ثم تباع، فيولدها المبتاع، فإن كان البائع عالما بالجناية حلف ما باعها وهو يريد حمل الجناية، فإن نكل وداها وتم البيع، وإن حلف قيل له افدها ويتم البيع، وإلا أسلمها، فإن أسلمها نقض البيع وأخذها المجني عليه إن كانت الجناية خطأ، ورجع المبتاع على البائع بالثمن، إلا أن يكون عند المشتري من ولدها شيء، فيقاصه بقيمتها، فإن زادت قيمة الولد على الثمن، فلا يرجع البائع بذلك، ولو رضي المبتاع أن يعطي أرش الجناية، فذلك له، ويرجع على البائع بالأقل من ذلك أو من الثمن، فذلك له، ويقاصه بقيمة ولده كما ذكرنا. قال سحنون، وقد رأيت أن البائع إذا حلف وأسلمها، أن المبتاع يؤدي لأقل من قيمتها أو من الأرش، ولا يرد إلى رق، ويرجع على البائع بالأقل مما ودى أو ¬
الثمن، ويقاصه فيه بقيمة الولد إن كان ولدا، وإذا كان القتل عمداً فقتلت بطل البيع، ورجع المبتاع على البائع بالثمن، وقاصه فيه بالولد. وقال أيضا سحنون، إذا حلف وأسلمها والجناية خطأ، وطلب أهل الجناية أخذها، وطلب المشتري أن يفديها ففدى، اختلف في ذلك أصحابنا، فقال بعضهم، ليس له ذلك، ورأيت أنا أن ذلك له على ما ذكرنا، ويرجع بالأقل مما ودى أو الثمن، ويقاص فيه بقيمة الولد، وذكر ابن حبيب عن أصبغ مسألة الأمة تجني ثم يبيعها عالما/ أو غير عالم، فتلد من المبتاع، ثم قيم بالجناية، فإن كان قتل عمدا فلهم قتلها، وإن استحيوها صار العمد والخطأ سواء كان قتل أو جرح، فيبدأ بالبائع، فإن شاء ودى العقل وله الثمن، ولا شيء للمبتاع، إلا أن تكون الجناية عمدا ولم يبرأ منه، فيرجع عليه بما بين القيمتين، وهي أم ولد للمبتاع، وإن أبى البائع فداها، أسلم الثمن، ويكون كإسلامها، فإن يشأ أهل الجناية أخذوه مكانها، وإلا أخذوا قيمتها اليوم من المبتاع، لقوتها بالولادة (¬1)، وإن أخذوا الثمن، فلا شيء لهم على المبتاع من الولد ولا من غيره، ولا المشتري على البائع، لخروج الثمن كله من يديه، وإن أخذوا قيمتها من المبتاع، وتركوا له الثمن، فلا رجوع له بسبب من العيب في العمد على البائع، لأن جميع الثمن قد أخذ منه، ولو كان البائع عديما فأخذت القيمة من المبتاع فله الرجوع على البائع بالأقل مما أخذ منه أو من الثمن، فإن كانت القيمة أقل رجع أيضا عليه بقيمة العيب، لأن الثمن بقيت له منه بقية، فالبيع بيعه كما هو، يرجع بما بين القيمتين حتى يحيط بفضل الثمن الذي بقي في يد البائع، فإن زاد، فذلك عليه، لأن البيع يتبعه بعد، ولأن القيمة لو كانت أقل، لم يؤخذ منه غير الأقل، فكما يكون له الفضل، يكون عليه الدرك، وإن كانت المأخوذة من المبتاع أكثر من الثمن، رجع بالثمن كله على البائع، ولم يكن عليه له قيمة عيب ها هنا، وليس في الولد في شيء من هذا محاسبة، وإن رجع بالثمن في ¬
في العبد أو من فيه بقية رق يجني على سيد أو على أحد سيديه أو عليهما، وكيف إن جنى على أجنبي مع ذلك، أو ادعى السيد أنه جرحه ثم مات
الاستحياء في/ العمد أو الخطأ، لأن ذلك إنما يقع على ذمتها، والولد لغو، ولو جعلت فيه المحاسبة لجعلها بالغة ما بلغت، فيصير البائع في بعض الأحوال غير غارم، بل رابحا. وقال ابن القاسم، يحاسب بالولد إن كان كفافاً أو دون، فإن كانت قيمة الولد أكثر لم يرجع البائع بشيء، وهذا منكسر على ما بينا، وكما لو ولدت من غير السيد، مثل أن يزوجها المشتري فتلد عنده، ثم يستحق فيها ما استحق من هذا، فلا يدخل ولدها في الجناية، ولم يحاسب فيه بشيء، وكأن للمبتاع، عفوا، إن ولد عنده أو للبائع إن ولد عنده، قال وهذا قول مالك، قال: وإذال كان البائع مليا فأسلم الثمن، واختار أهل الجناية الثمن، والجناية عمدا، فعليهم يرجع المبتاع بقيمة العيب، لأنهم كأنهم البائعون بتجويزهم البيع وأخذهم الثمن. في العبد أو من فيه بقية رق يجني على سيد أو على أحد سيديه، أو عليهما، وكيف إن جنى على أجنبي مع ذلك، أو ادعى السيد أنه جرحه ثم مات من العتبية (¬1)، روى عيسى عن ابن القاسم، في عبد بين رجلين شج أحدهما موضحة، فإنه يقال للآخر افد نصفك بنصف الجناية أو أسلمه، وإن جنى على أحدهما وعلى أجنبي موضحتين أو منقلتين أو جائفتين، فإنه يصير للأجنبي ثلاثة أرباع العبد، وللسيد ربعه، قال عيسى، ولو جرح أحد سيده موضحة والآخر منقلة، فإنه يقال للمجروح موضحة إن شئت فافتك/ نصفه بخمسين ديناراً وإلا فأسلمه، ولهذا تفسير، قال ابن سحنون عن سحنون وأصبغ، في العبد بين رجلين نصفين، يشج كل واحد منهما موضحة موضحة، فإنهما ساقطتان، ¬
والعبد بينهما، ولو شج أحدهما موضحة، قيل للآخر افد نصفك بنصف الجناية أو أسلمه، وإن شج أحدهما موضحة والآخر منقلة، فإنه يسقط من دية المنقلة خمسون أرش الموضحة، فتبقى مائة من المنقلة نصفها على كل نصف، فيقال للمشجوج موضحة افد نصفك بخمسين أو أسلمه، وإن شج أحدهما وأجنبيا موضحة موضحة، فيقال للذي لم يشج افد نصفك بنصف عقل موضحة لهذا ونصف عقل موضحة وسلم للآخر، ثم يقال للمشجوج إن نصيبك عليه من كل موضحة نصفها، فيسقط ما وقع على نصيبك من موضحتك، وبقي نصف موضحة الأجنبي على نصيبك، فإما فديته أو أسلمته، فإن افتديا جميعا صار العبد بينهما كما كان، وإن أسلم الأول وافتدى هذا فله من العبد ثلاثة أرباعه، وللأجنبي ربعه: وإن أسلم هذا مع إسلام الأول كان للأجنبي ثلاثة أرباعه وللسيد المشجوج ربعه. ومن كتاب ابن المواز، وقال في عبد بين رجلين قتل رجلا ثم قتل أحد سيديه، فليخير ورثة المقتول في فداء نصفهم بنصف دية الأجنبي، أو يسلموا مصابتهم [كلها إلى الأجنبي وحده، وبهم/ افتدى، ولا حجة لهم أن يطلبوا من مصابتهم] (¬1) أن يشتركوا فيها مع الأجنبي بقتل صاحبهم، لأنه ماله قبله، ويبقى للأجنبي نصف ديته في نصيب السيد الباقي، ويبقى لورثة السيد المقتول في نصف السيد الباقي نصف الدية، لأن نصف ديته سقطت باشتراك نفسه مع نصف صاحبه في فتله، وإن شاء الباقي أسلم نصفه، فكأن بقي العبد بينهما لورثة الأجنبي ثلاثة أرباعه، ولورثة السيد المقتول ربعه، وإن شاء فدى نصيبه وهو النصف من كل فريق بما يصير لهم، وهو ربع العبد بنصف دية كاملة. ومن كتاب ابن المواز أيضا، ومن قال قتلني عبدي أو مدبري أو مكاتبي، أو معتقي إلى أجل، ثم مات، فإنه إن أقسم ولاة السيد قتلوا من كان ممن ¬
ذكرت، فإن عفوا بطل عتق المدبر حمله الثلث أو لم يحمله، إلا أن يشاء الورثة عتقه، ولا يتبعوه من الدية بشيء، وأما المكاتب فاختلف فيه، فقال ابن القاسم، لا يتبع إلا بالكتابة إن استحيوه، إلا ان يتراضوا، وقال عبد الملك، بل يكون على المكاتب كجناية على أجنبي إما ودى الدية معجلة وإلا عجز. قال محمد، وأما العتق إلى أجل، فيحتسب الورثة بخدمته إلى الجل، ثم يخرج حرا، ويتبع بما بقي،، بخلاف المدبر، لأنه بموت سيده يعتق، فأبطل عتقه بما أحدث، كما لا يرث القاتل لما أحدث من القتل الذي هو سبب الميراث، وأما المعتق إلى أجل فخدمته قائمة تكون فيها الجناية، ويتبع بما بقي./ وذهب عبد الملك إلى أنه لا يحسب على الورثة خدمته، وأما ام الولد، فإن قتلته خطً فلا شيء عليها، وتقتل به في العمد فإن استحييت، لم تتبع بشيء [كا لعبد، وكذلك المكاتب، والمعتق بعضه يستحيي فلا يتبع بشيء] (¬1)، إلا أن يتراضوا على شيء، فيكون في نصفه الحر. قال سحنون في العتبية (¬2)، في أم الولد إذا قتلت سيدها خطاً، عتقت في رأس ماله، واتبعت بالدية ديناً، وليس على عاقلها منها شيء، ولا قتل به في العمد إلا أن يصطلحوا على شيء. قال ابن حبيب قال أصبغ، فإن عفى عنها في العمد كانت حرة لا تسترق، بخلاف المدبر. وإن قتلته خطاً، قال ابن القاسم، تعتق ولا تتبع هي ولا عاقلتها بشيء، وأنا أرى أن تتبع بالدية وتكون في مالها، وهي في الخطأ تشبه عندي المدبر بقتله خطاً، وفرق ابن القاسم فيه بينهما، قال لأن المدبر في جنايته على غير السيد تكون عليه، ولا يؤخذ من السيد، وجناية أم الولد يؤخذ من السيد الأقل. قال ابن نافع، إنما للورثة عليها في الخطأ قيمتها التي كانت تكون على السيد في جنايتها على غيره. قال ابن حبيب: وقول أصبغ أحب إلي، ¬
في العبد بين الرجلين يجني عليه أحدهما عمدا والآخر بعده أو قبله خطأ
قال ابن المواز، قيل لعبد الملك، فقد نالت أم الولد بقتلها منفعة، فقال، ليست كالمدبر لأنه من الثلث وهذه من رأس المال بأمر ثبت لها في الصحة لا يتغير، وقد يعتقها المولى عليه فيمضي ذلك لما ثبت لها، ولم يبق فيها غير المتعة، إلا أنه قال أنها تتبع بدية السيد، وأباه ابن القاسم. / في العبد بين الرجلين يجني عليه أحدهما عمداً والآخر بعده أو قبله خطاً من العتبية (¬1)، قيل لسحنون، في العبد بين الرجلين يفقأ أحدهما عينه عمداً ثم فقأ الآخر عينه الأخرى خطاً، وكان العمد بعد الخطأ، ولا تعلم البينة أيهما أولا الخطأ أم العمدُ؟ [ولا أيهما الأول] (¬2)، والسيدان منكران، أو أقر كل واحد بالخطأ ونسب العمد إلى شريكه، فإن سقطت المسألة وسقطت شهادة الشهود- يريد بهذا التناكر- ولم تتم الشهادة. قال سحنون، ولكن إن اعترف واحد منهما أنه هو الذي فقأ عينه أولا عمدا، ثم الآخر بعده خطاً، فلينظر ما قيمته يوم فقأ الثاني،؟ فيقال عشرون، وما قيمته بعد جنايته؟ فيقال عشرة، فيرجع الأول على الثاني بخمسة، ثم ينظر قيمته يوم القيام بالحكم، فإن كان عشرة ضمن الأول نصفها للثاني، وعتق على الأول بالمثلة، لأنه في المثلة إنما يعتق يوم الحكم لا يوم المثلة،- يريد في قوله، وقد قيل يوم المثلة- قال ابن القاسم، ويغرم الأول لصاحبه نصف قيمة ما نقصته جناية العبد، وإن كان الأول هو الفاقئ خطأ، غرم الأول للثاني نصف ما نقصه يوم ينظر إلى قيمته يوم يقام به، فيعتق على المتعمد، [فيغرم نصف ذلك لشريكه، ويعتق على ¬
في العبد يجني ثم يأبق أو يأسره العدو ثم يقع في المقاسم، وفي أم الولد تقع في المقاسم مرة بعد مرة قبل أن تفدى
المتعمد] (¬1)، قال، فإن جحد المتعمد ولم يعرف وحلفا، غرم الجاني الأول نصف ما نقصه للثاني يوم جنى عليه، وغرم الآخر لصاحبه (¬2) نصف ما نقصه يوم جنى عليه. /في العبد يجني ثم يأبق أو يأسره العدو، ثم يقع في المقاسم، وفي أم الولد تقع في المقاسم مرة بعد مرة قبل أن تفدي من العتبية (¬3)، روى عيسى عن ابن القاسم في العبد يجني ثم يأبق، فطلب المجروح أن يسلم إليه الآبق يكون له من الآن أو يفديه، فلا خير في ذلك- يريد وإن رضيا- وبلغني أن مالكاً قاله. قال سحنون في العبد يجني وعليه دين وهو مأذون، فيأسره العدو، ويقع في سهمان رجل، فلسيده أن يفتكه بالأكثر من الأرش أو مما صار به لهذا في سهمه، فإذا كان الأرش عشرين وصار لهذا بعشرة، ودى عشرة لصاحب الأرش، ولصاحب السهم عشرة وإن كان صار لهذا بعشرين، والأرش عشرة، فليأخذ العشرين صاحب السهمان، ولا شيء لصاحب الجناية، وذكر عنه ابن عبدوس نحوه، وقال وللسيد أن يفديه ممن صار به في السهمان أو يسلمه، فإن أسلمه، فلصاحب الجناية أن يفتكه بما صار به في السهمان أو يسلمه، وتبطل الجناية، وإذا فداه السيد فداه بالأكثر من الجناية وما وقع به في المقاسم، فإن فضل من ذلك شيء عما وقع به، كان للمجني عليه، وإلا فلا شيء له، وبدأنا صاحب السهم لأنه أحدث ملكاً، ولو جنى بعد إن صار في السهم، خير السيد في إسلامه أو فدائه، فإن افتكه افتكه بالأكثر، فإن كان ما في السهم أكثر أخذ منه ¬
صاحب الجناية أرشه، وما فضل فلصاحب/ السهم، وإن كان كفافاً أو كانت الجناية أكثر، فلا شيء له، وإن لم يفتكه خير صاحب السهم في فدائه بفضل جرحه أو إسلامه، ولو جنى ثم صار في السهمان ثم جنى، فإن بعضهم لا يرجع على بعض، والآخر منهم مبدأ. قال سحنون في العتبية، وكذلك أم الولد تسبى فتعنم وتصير في سهم [رجل بمائتين ثم سبيت ثانية وتصير في سهم رجل آخر بمائة ثم سبيت فصارت في سهم] (¬1) آخر بخمسين، ثم قام السيد، فهو أولى بالخيار يأخذها بأكثر ذلك وهو مائتان يأخذ منها التي هي بيده خمسين، لأنه أحدثهم ملكا، ثم الذي يليه مائة، ثم للأول ما بقي، وإن كانت صارت للأول بخمسين وللثاني بمائة، وللثالث بمائتين، فالمئتان يأخذهما الثالث، ويسقط حق صاحبيه، وكذلك لو كان في موضع أم الولد عبد، فهو كما قلنا في أم الولد. قال سحنون في المجموعة، في عبد جنى ثم سبي، فوقع في سهم رجل بعشرين، ففداه بها السيد ولم يعلم بالجناية، وقيمة الجناية ثلاثون (¬2) ثم قام المجني عليه، فيقال للسيد إن شئت فأعط المجروح عشرة تمام الثلاثين، وإن شئت فأسلم إليه العبد وخدمته العشرين التي فديته بها من السبي، فإن أبى المجروح فلا شيء له، قال ابن عبدوس سألت سحنون عن أم ولد وقعت في المغنم في سهم رجل ثم جنت، قال، يؤدي سيدها ما صارت به في السهم، فيأخذ من ذلك المجني عليه الأقل من قيمته أو من الأرش، وما فضل فلصاحب السهم، وإن لم يفضل شيء فلا شيء له، وإن صارت به/ في السهم أقل مما ذكرنا من الأقل من الأرش والقيمة، فإن على السيد المجني عليه تمام الأقل من الأرش والقيمة، ولا شيء لصاحب السهم، ولا للذي صارت في سهمه، وتصير الجناية مصيبة دخلت عليه، كما لو سبيت ثانية فصارت لآخر بأكثر مما صارت به للأول، أنه لا شيء ¬
في العبد بين الرجلين يجني أو كان لواحد فجنى على رجلين
للأول، وأما لو كانت جنت قبل السبي ثم صارت في سهم رجل، فإن على السيد الأقل من قيمتها أو الأرش، فيأخذ منه صاحب السهم ما صار له به، وما فضل للمجني عليه، وإن لم يفضل شيء فلا شيء [له، وإن كان ذلك أقل ما صارت به في السهم فعلى السيد تمام ما صارت به في السهم ولا شيء عليه] (¬1) للمجني عليه. في العبد بين الرجلين يجني أو كان لواحد فجنى على رجلين قال ابن حبيب قال أصبغ، قال ابن القاسم، في عبد بين رجلين يجني على رجل، فلكل واحد من سيديه أن يفتك نصيبه دون صاحبه بنصف العقل، ولو كان لواحد لم يكن له أن يفتك نصفه بنصف الجناية، ولم يكن له إلا افتكاك جميعهما، أو يدع، وإذا كان لواحد فجنى على رجلين، فله أن يفتك نصيب من شاء منهما، وقد جرى معنى هذا الباب في أبواب تقدمت ... في العبد بين الرجلين يجرحه عبد لهما أو لأحدهما، أو يجرح عبدا بين أحدهما ورجل آخر من العتبية (¬2) من رواية عيسى وأصبغ عن ابن القاسم، وكتاب ابن المواز قال، وإذا جرح عبدك عبدا بينك/ وبين آخر، فإنه يقال لك إما أسلمته كله إلى شريكك وإلا فافده بنصف العقل، قال محمد، وليس لك فيما خرج من نصيبك شيء، لأن مالك جرح مالك، قال في كتاب محمد، وكذلك لو جرح عبد بينكما عبدا لك خالصا، فلشريكك أن يسلم مصابته من الجاني بنصف قيمة عبدك، وإن شاء فدى ذلك بنصف قيمة عبدك، لأن نصفك ونصفه قتلا عبدك. ¬
قال ابن سحنون قلت لسحنون، فعبد الرجل يجني على عبد بينه وبين آخر، فإنه يقال لرب العبد ادفع إلى شريكك في المجروح نصف قيمة الجرح، أو أسلم إليه جميع عبدك، قال هذا على أصله الذي خرج فيه عن مذهبنا في قوله، في عبد يجرح رجلين ففداه من أحدهما، أنه إما أعطى الآخر أرش جرحه، أو أسلم إليه جميع العبد، وهذا قولنا، ولو جرح عبد بينهما عبدا لأحدهما، فيخير الذي لا حق له في المجروح بين فداء نصيبه من العبد بنصف قيمة الجرح، أو إسلام نصيبه من العبد، ولم يختلف في هذا أصحابنا. ومن كتاب ابن المواز، وإن جرح بينكما عبدا بينكما، كان الجارح بينكما بحاله، إلا تختلفا (¬1)، فيقول أحدكما أسلم مصابتي، ويريد الاخر أن يفتدي، فعلى الذي فدى ربع قيمة المقتول، أو ربع دية/ الجرح إن كان جرح، لأنه يقول نصفك ونصفي جرحا نصفك، ويقال للذي لم يفد أسلم نصيبك كله بربع مصابة صاحبك، أو بما يقع عليهما من الجناية، فيكون جميع الجارح للذي فداه، وإنما دفع فيه ربع قيمة المجروح والمجروح بينهما على حاله. قال ابن سحنون عن أبيه، وقال أصحابنا أجمع إلا عبد الملك، يكون على الذي فدى ربع قيمة الجرح، ويبقى بيده نصفه الذي له من نصف العبد، وقد أسلم إليه صاحبه مصابته وهو ربع العبد، فيصير للذي فدى ثلاثة أرباع العبد، وللذي أسلم ربعه، وقال عبد الملك، يكون جميع العبد للذي فدى. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬2) من رواية عيسى عن ابن القاسم، وإذا جرح عبد بينكما عبدا بينك وبين أجنبي، قال في العتبية (¬3)، فإنه يقال للذي معه نصف الجارح افد نصفك منهما بنصف الجرح، أو أسلمه إليهما، ولك أن تفتك من أحدهما قدر نصيبه، وتسلم إلى الآخر، وأما أنت فنصفك فيه قد جرح ¬
من العبد نصفك الآخر، فذلك باطل لأن مالك جرح مالك، وقد جرح نصفك فيه نصف شريكك في الآخر فإن شئت فافتكه منه بنصف دية الجرح أو أسلمه إليه، وقال في كتاب ابن المواز، أنه يبدأ بك كما لو جرحك وجرح أجنبيا، لبدئ بك، فإما أن تسلم نصفك من الجارح لشريكك في المجروح، [/ (¬1) أو افد به بنصف قيمة الجرح، ثم يقال لشريكك في الجارح إما أن تسلم نصفه فيه فيكون بينك وبين الأجنبي، أو يفديه بينكما لأنه بقي لصاحب نصف المجروح نصف حقه واستوفى نصفه بما أسلمت إليه من نصف الجارح، وأنت كذلك، لأن نصف حقك سقط، وبأن مالك جرح مالك، فإذا أسلم شريكك في الجارح نصفه إليك وإلى شريكك في الجارح صار لك في الجارح ربعه بما أسلم إليك، وللآخر ثلاثة أرباعه فما أسلمت أنت إليه وشريكك في الجارح، وأما المجروح فبينكما نصفين بماله، وهذا كعبد لك قتل عبدا لك وعبدا لأجنبي، فلا يكون لك بسبب عبدك المقتول محاصة في القاتل ويأخذه الأجنبي كله إلا أن يفديه بقيمة عبده. وقال أشهب: يبدأ بالذي ليس له في المجروح. وذلك يرجع إلى معنى واحد. ولو أن عبدا لك وعبدا لغيرك فعليك إسلام عبدك كله ينصف عبد الأجنبي يطلب نصف قيمة عبدك المقتول من عبد الأجنبي، ولو أن عبدين بينك وبين رجل جرحا عبدا بينك وبين ثالث فإنه يقال لشريكك في الجارحين أسلم مصابك في العبد إلى صاحبي المجروح، وافتك منهما بنصف قيمة الجرح، أو افتك ممن شئت منهما، ثم يقال لك وأنت الذي لك نصيب في الجارحين وفي المجروح، إما سلمت نصيبك في الجارحين إلى شريكك في المجروح أو افتديت ذلك بنصف قيمة الجرح، ولا يحاصه بشيء مما بقي لك أنت فيه من الجرح، وكذلك لو جنى عبدك على عبد بيني وبين آخر، فإنه يقال لي أسلم عبدك كله لصاحبك بنصف الجناية، وإما أن تفديه كله بنصف الجناية. ¬
في عبدين قتلا رجلا أو جرحاه ثم قتل أحدهما صاحبه
في عبدين قتلا رجلا أو جرحاه ثم قتل أحدهما صاحبه من كتاب ابن المواز: وقال في عبدين قتلا رجلا أو جرحاه ثم قتل أحدهما صاحبه، فليس على صاحب الباقي إلا إسلامه فإن كان سيدهما واحداً كان الباقي لورثة المقتول خاصة، وإن لم يكونوا لواحد كان هذا الذي أسلمه سيده بين ورثة الحر المقتول وبين سيد العبد المقتول بالحصص. يحاص ورثة الحر بالدية والسيد بقيمة عبده، لم يخير سيد العبد المقتول فيما صار من العبد الباقي فإن شاء أسلم ذلك بعينه إلى ورثة الحر المقتول وكان العبد لهم كله، وإن شاء فدا ذلك بنصف الدية وإن أحب سيد العبد الباقي أن يفتكه بدية الحر وقيمة العبد ويكون سيد العبد المقتول فيما يأخذ من قيمة عبده مخيرا أن يسلمها لورثة الحر او يدفع منها نصف دية الحر ويحبس ما بقي إن كان فيها ولو كان العبدان له فأراد فداء الباقي منهما فدية الحر وحده، وإن شاء فبنصف دية الحر وقيمة العبد ما بلغت قال. ولو قال سيدهما أنا أسلم هذا الباقي وافتك المقتول] / ثم أرجع بقيمته مع أولياء الحر في رقبة هذا العبد الباقي الذي أسلمته، فأحاص فيه بقيمة العبد المقتول، فليس ذلك له، لأنهما عبداه قتل أحدهما الآخر، ولو كان كل عبد منهما لرجل، فقال رب الباقي أنا أفديه من أيهما شئت، وأسلم إلى الآخر ما يصير له منه، فذلك له، فإن فداه من سيد المقتول، فبقيمة العبد المقتول يوم قتله، ويكون له من عبده بقدر قيمة العبد المقتول من نصف دية الحر، وكذلك إن فداه بنصف دية الحر، وأسلم لرب العبد كان بينهما لسيده فيه بقدر دية الحر، ولرب العبد المقتول بقدر قيمة عبده، ثم يخير رب العبد المقتول فيما صار له منه أن يسلمه أو يفديه بنصف دية الحر [وأسلم لرب للعبد كان بينهما لسيده فيه بقدر دية الحر ولرب العبد المقتول بقدر قيمة عبده، ثم يخير رب العبد المقتول فيما صار له منه أن يسلم أو يفديه بنصف دية الحر] وهذه المسألة من أولها في كتاب ابن سحنون عن أبيه مثل ما ها هنا، وها هنا أتم معنى وأزيد، وقال في عبدي قتل
عبداً لأخي ثم عمد لأخي (¬1)، فقتل عبدي، فإنه يقال لك ارض أخاك، واطلب قاتل عبدك، فإن لم ترض أخاك، كان لأخيك على قاتل عبدك، مثل الذي كان له، ومثل الذي كان له على عبدك من القتل أو الاستيفاء، فإن استيحاه أخوك، فربه مخير، إما فداه أو أسلمه إليه، فإن أسلمه، كان لأخيك كله عبدا. قال محمد، وإن فداه فبقيمة عبدك أنت، لأنه هو الذي قتله هذا، فيكون ذلك لأخيك، قل أو كثر، لأنك قد سلمت إليه ما كان لك على قاتل عبدك، وإلا إن أخاك يقول لو علمت ما يرجع إلى إلا قيمة عبدي لقتلت، وإنما استحييت على/ قيمة عبد أخي، فإن أصبتها وإلا رجعت إلى القتل، ولو أن عبدين لكل رجل عبد، جرح كل واحد منهما الآخر موضحة، فإن [تساوت] (¬2) قيمها، فهذا بهذا، ولا تخير بينهما ولا إسلام، وإن اختلفت، قيل لصاحب الوضع إما أن يفتكه بما فضلت موضحة الرفيع أو يسلمه، وكذلك ذكر ابن سحنون عن أبيه عن ابن القاسم. قال محمد بن المواز، أحب إلي أن يخير رب الجارح الأول أن يسلمه أو يفديه، فغن أسلمه، فالعبدان لرب الجارح الآخر بلا غرم، ولا شيء لرب الجارح الأول، لأن عبده إنما جرح بعد أن صار مرتهنا بجرح الأول، فصار ما يحدث له وفيه مرتهن يسلم في ذلك بما له من دية جرح ومال، وليس للجارح الآخر أن يبطل ذلك عن سيده، ولا ان يقتص لنفسه، قال وإن فدى عبده الجارح الأول، وطلب جرح عبده، قيل لرب الجارح الآخر، افداه أو أسلمه. قال ابن المواز، وأظن ابن القاسم أجاب على أنه لا يحرم من شج منهما أولا، كالمصطدمين، وقد قال في العبدين المصطدمين إن ماتا فهذا بهذا، ساوت القيمة القيمة أو اختلف، إلا أن يكون لهما أموال، فيكون كالجارح حينئذ (¬3)، ¬
في عبد وحر حفرا بئرا فانهارت فقتلتهما
قال ابن المواز، وذلك إذا لم يكن قتل أحدهما قبل صاحبه، ولا أنظر إلى أرفعهما قيمة، إنما انظر إلى مال أقلهما قيمة، إن صار له مال، وكذلك في كتاب ابن سحنون في المصطدمين، وقال، ولا أنظر إلى اختلاف بينهما في الموت. في عبد وحر حفرا بئر فانهارت فقتلتهما / من المجموعة، قال بعض أصحابنا، وإذا كان عبد وحر في بئر يحفرانها، فانهارت، فقتلتهما، فنصف قيمة العبد مثل نصف دية الحر أو أقل، فلا تباعد بينهما إلا نصف دية الحر في رقبة العبد الذاهب، إلا أن يكون له مال فتستوفى زيادة نصف دية الحر من مال العبد، وإن كان نصف قيمة العبد أكثر من نصف دية الحر، فإن ما زاد على نصف دية الحر في مال الحر، وكذلك الحر مع أم ولد أو مع مدبر، مثل ما ذكرنا في الحر والعبد، إن نافت نصف قيمتها على نصف دية الحر أخذ، ذلك من مال الحر، وإن كان مثلها فأدنى فلا رجوع عليه. في العبد يجرح عبداً أو حراً، ثم يقتله المجروحُ أو يقطع له عضواً من المجموعة وكتاب ابن سحنون، قال سحنون، في عبد قطع يد عبد لرجل خطأً، ثم إن المقطوعة يده قتل العبد القاطع خطأً، فليخير سيد القاتل في افتكاك عبده بدية الجناية، أو يسلمه، فإن افتكه بقيمة المقتول أخذ من تلك القيمة ما نقص، قطع اليد من قيمة القاتل، إلا أن يجاوز قيمة المقتول، فليس عليه أكثر من ذلك، وإن أسلمه ولم يفتده، وقف موقف العبد المقتول، فإما فداه من أسلم إليه بما نقص القطع أو أسلم إليه. ومن المجموعة قال غيره، وإذا قتل عبد عبداً عمداً، ثم عدا حر فقتل القاتل عمداً أو خطأً، فهو سواء، ويقال لسيد المقتول الآخر ارض سيد العبد/ الذي
في العبد أو من فيه بقية رق يجني ثم يجني عليه المجني عليه أو غيره، وكيف إن جنى هو بعد ذلك؟
قتله عبدك، وخذ قيمة عبدك، فإن لم ترضه، فقيمة [العبد المقتول آخراً] (¬1) لسيد المقتول [أولاً وليس لسيد] (¬2) العبد الذي قتله الحر أن يقول لسيد العبد المقتول أولاً أنا أؤدي إليك قيمة عبدك وآخذ قيمة عبدي، وإذا كان قتل العبد الأول خطأً وقتل الحر الآن عمداً أو خطأً، فسيد الآخر مخير في أن يغرم للأول قيمة عبده، ويكون له قيمة عبده على الحر القاتل، وبين أن يسلم إلى سيد المقتول الأول قيمة عبده ويبرأ. وإذا قتل الأول خطأً فعدا عبد آخر فقتل عبد هذا القاتل عمداً، فسيد المقتول عمدا مخير، فإن شاء غرم قيمة العبد المقتول الأول خطأً، وأخذ قاتل عبده فقتله أو استحياه، وإن شاء أسلمه فأخذه سيد المقتول خطأً فقتله أو استحياه إن شاء. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ، في العبد يجرح عبد الرجل، ثم يجرح المجروح الجارح، فلينظر إلى أرش جرحيهما ثم يتقاصان، فإن كان لأحدهما فضل، كان ذلك في رقبة الذي في جنايته الدرك، ثم خير سيده في إسلامه أو افتكاكه، ولو أن عبداً قطع أصبع حر ثم فقأ عينه، فقد فقد علمت أن دية الأصبع مائة دينار، فإن نقص العبد ففي عينه خمسون ديناراً، فالخمسون (¬3) الزائدة في رقبة العبد، يسلم بها، أو يفدي، وإن زاد نقص العين على المائة كان ذلك على الحر. في العبد أو من فيه بقية رق يجني، ثم يجني عليه المجني عليه أو غيره، وكيف إن جنى هو بعد ذلك؟ من المجموعة قال أشهب،/ إذا جرح عبدك حراً، ثم جرحه ذلك الحر أو غيره من عبد أو حر، فأنت مخير في أن يفديه بدية جرح الحر، ويرجع على ¬
جارحه بما نقصه الجرح، أو يسلمه إلى المجني عليه مع ما وجب لك في أرش جرحه، وقاله غيره من كبار أصحابنا. قال أشهب، ولو جرح عبدك رجلين واحداً بعد واحد، ثم جرحه الآخر، فإن أسلمته إليهما، فأسلم معه ما نقصه جرح الآخر فكان بينهما، وإن فديته فلك أرش جرحه بينك وبين من أسلمته إليه نصفين. وأما لو جنى على العبد، ثم جنى عليه، فأسلمه إليهما، فإن ما نقص العبد يرجع به السيد على جارحه فيكون بينه وبين الأول نصفين، وأنكر هذا سحنون وابن المواز في هذا بعد هذا، وذكر ابن عبدوس، أن بعض كبار أصحابنا قال، أنه إذا أسلمه إليهما، أسلم ما أخذ في أرش جرحه، فاخذه الأول في جرحه، فإن لم يف، تحاص هو والآخر في العبد الأول بما بقي له، والثاني بجميع جرحه، وبه أخذ سحنون، وهذا قد ذكرته بعد هذا من كتاب ابن سحنون بتمام ما بقي من شرحه. ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز، قال أصبغ عن ابن القاسم، في العبد يجرح رجلا فلم يقض عليه حتى جرح العبد، وأخذ السيد عقل جرحه، ثم قيم به، فإن شاء سيده فداه بدية الجرح أو يسلمه مع ما أخذ في جرحه، ولو أنه هو جرح آخر بعد ذلك، ثم قاما، فالسيد مخير، أن يفديه بأرش جرحيهما، وإلا أسلمه إليهما مع ما أخذ في جرحه/ الأول خاصة، ويقتسمان العبد بينهما على قدر جرحيهما، لا يحسب على الأول ما أخذ من قيمة جرح العبد، لأن الثاني إنما جرحه عبد مقطوع قد وجب جرحه للأول، ثم رجع ابن القاسم فقال، يتحاصان في رقبته وفي نمو جرحه، لأن قيمة جرحه كبعضه، والحكم إنما وقع الآن. وقال أشهب، إذا أسلمه كان بينهما، وكانت دية الجرح نصفها للأول ونصفها للسيد، قال لأنه جرح الأول صحيحا [فله نصفه صحيحا] (¬2)، وجرح الثاني مقطوعا أو مفقوءا، فله نصفه كذلك، وبقي نصف الجرح لا يستحقه أحد ¬
منهما، فكان للسيد، قال محمد، لا يعجبنا ما قال ابن القاسم، ولا قول أشهب، وقد أعطى أشهب للسيد من العبد ما ليس له، وأحسن ما فيه ما قال عبد الملك وأصبغ، أن جميع دية الجرح للأول كله، وينظر كم هو من العبد حر (¬1)، فإن كان قدر ثلث رقبته، فقد صار للأول ثلث حقه، ثم يضرب في العبد على حاله الآن بثلثي دية جرحه، والثاني بدية جرحه، وكذلك ذكر العتبي عن أصبغ. قال محمد، ويكون القياس في ذلك أن يكون سيد العبد في قيمة جرح العبد بالخيار، إذا عدلت مع قيمته، ولكن الإستحسان ألا يكون للسيد فيها خيار، ويكون للمجني عليه الأول وحده ما لم يفده منه السيد، وهذا كعبدين جرحا رجلا ثم قتل أحدهما، ثم عدا الثاني على آخر فجرحه، فإن قيمة المقتول منهما للمجروح الأول، ويحاص في الثاني بما بقي له، فكذلك ما قطع/ من العبد قبل جنايته على الثاني أرشه للأول وحده، ويحاص بما بقي له المجني عليه بعد ذلك، قلت فقد أدخلت الثاني فيما جنى على العبد الأول بمرفق، وتقع إذ لولا ذلك ما كان للثاني إلا نصف العبد مجروحا، فلما صار الجرح للأول قل نصيبه في الرقبة، وكثر نصيب الثاني فانتفع بذلك، قال لا حجة لك بهذا، لأنه لو كان مكان يده التي قطعت عنه خرج معه الأول، ثم جرح أحدهما رجلا آخر، لكان قد انتفع المجروح الثاني بالعبد الذي لم يجرحه، لأن المجروح الأول يصير حقه على العبدين، فيقل حقه في العبد الذي جرح. قال محمد، ولكن لو وجد قاطع يد العبد عديما، أو ذهبت بأمر من الله، لكان جرح الأول كله فيما بقي من العبد، ويتحاص فيه الأول والثاني كل واحد بجرحه كله، وليس كذلك العبدان (¬2) ها هنا يجرحان رجلا، ثم يموت أحدهما، ثم يجرح الباقي رجلا آخر، فإن المجروح الأول لا يحاص الثاني إلا بنصف جرحه، والفرق في ذلك أن العبد الباقي لو لم يجرح أحداً غير الأول، لم يكن للأول فيه إلا ¬
نصف جرحه، لأنهما عبدان جرحاه، واليد إذا لم يصر، للأول من ديتها شيء لم يحسب عليها شيء. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون في مسألة العبد يجني، ثم يُجني عليه، ثم يجني قبل قيام الأول، وقد أخذ السيد في الجناية عليه أرشا، فإنه يدفع إلى الأول، فإن كان فيه/ كفاف جرحه ففدي أخذ حقه، وإن كان فيه فضل أخذه السيد، ثم يخير السيد في فداء العبد الثاني أو إسلامه، وإن كان ليس فيها، أخذ من جرح العبد، وقام الجرح الأول، نظر كم هو من قيمة جرح الأول؟، فإن كان النصف أخذه، وبقي له نصف جرحه، فإما أسلم السيد العبد إليه وإلى الثاني فيحاصان (¬1) فيه، هذا بما بقي له، والثاني بأرش جرحه كله، وإلا فداه منها، ولو أن الجاني على العبد عبد (¬2) ففداه سيده، فعلى ما ذكرنا، ولو أسلمه، خير السيد في إسلامه العبدين أو فداهما بأرش الرجلين، أو يسلم إليهما العبدين، فإن أسلمهما إلى الرجلين وجرحاهما موضحة موضحة (¬3)، نظر إلى قيمة العبد الجارح الأول فإن قيل خمسون، قيل وما قيمة العبد الثاني؟، فإن قيل خمسة وعشرون (¬4)، [دفع] (¬5) إلى المجروح الأول، فكان مستوفيا لنصف أرشه، ويحاص في العبد الآخر بما بقي له، ويحاص الثاني بجميع جرحه، [قال سحنون، وهذا خير من قول أشهب، وقول أشهب غلط في هذا الأصل] (¬6). ومن كتاب ابن المواز، قال، في مدبر جرح حرا ثم جرحه آخر، [ثم جرح هو آخر] (¬7)، أن دية جرح المدبر للسيد، ولو كان إنما أصيب المدبر بعد أن ¬
جرحهما، لم يقل للسيد أسلم منه شيئا، إذ لا يقدر أن يسلم رقبته، وكذلك لو جرح بعد أن أسلمه، قال كتاب ابن المواز، وذكره سحنون في كتاب ابنه لأشهب، قال، ولو/ جرح عبد لك رجلا حرا ثم جرحه ذلك الرجل، فأنت مخير، إن شئت أن تسلمه إليه مجروحا فعلت، ثم لا شيء له عليك، ولا لك عليه، لأن حقه قد كان وجب في رقبة العبد، وإن شئت فديته بدية جرح الحر، ثم لابد أن يغرم الحر ما جنى على عبدك. قال محمد بن المواز، بل ينظر إلى جناية الحر على العبد إن فداه السيد، فإن كانت أكثر من دية الجرح العبد للحر، تقاصا، وغرم الحر الفضل وإن كره، وذلك أن يقوم العبد بعد برئه كم يسوى بادئا هكذا يوم الجناية، على أنه ليس في رقبته جناية الحر، إلا أن تكون عمدا، فهو عيب يقوم به، فإما على أن في رقبته جناية، فلا لأن السيد قد فداه منها، وننظر قيمته غير مجروح يومئذ، فإن كان ما نقص من قيمته على هذا أكثر من دية جنايته على الحر تقاصا، فأخذ السيد من الحر ما فضل له، وإن كان للحر فضل، فالسيد مخير في ثلاثة أوجه: إما فداه كله بذلك الفضل، وإن شاء أسلمه كله، وإن شاء قال أجعل ما نقص عبدي بجنايتك إن نقصته نصفه فذلك بنصف جنايتك، وافتده الآن بنصف جنايتك الباقية، فذلك للسيد، لأنه لو مات العبد، فقد سقط نصف حقه، كعبدين لك قطعا يد حر ثم قتل الحر أحدهما، فسيده مخير إن شاء حاسب الحر بقيمة عبده المقتول يقاصه، وإن شاء حسبه عليه بنصف دية يده، قال أشهب في كتاب ابن سحنون في أول المسألة، وذلك كعبد لك جرح حرا ثم عدا حر آخر أو عبد فجنى على عبدك، فإنك إن فديت عبدك/ كان لك أجر ما نقصه من الجراح الجارح له، وإن كان عبدا سلمه إليك سيده أو فداه بما نقص عبدك، وإن أسلمت عبدك للمجروح أسلمت إليه معه وما وجب لك على جارح عبدك، مثل أرش الجرح الذي جرحه عبدك أو أكثر، فأدفع من ذلك إلى الحر أرشه، ولك
ما فضل، ويسقط التخيير، وإنما يكون التخيير إذا كان ما يأخذ في أرش عبدك أقل من أرش الحر، ويقع التخيير أيضا إذا كان الجارح لعبد عبدا، فأسلمه سيده إليك، ويقع التخيير أيضا إن أخذت من الحر الجاني على عبدك عوضا فيما نقصه. ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون عن أشهب، ولو برئ الحر بجرح العبد، ثم جرحه العبد، فلربه دية جرح عبده، أسلمه أو فداه، لأنه وجب ذلك لسيده قبل يصير في رقبته جناية، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬1)، وقال، ثم إن شاء فداه أو أسلمه إليه، وكذلك في المجموعة عن أشهب قال، وكذلك لو جرحه العبد وجرح حرا آخر أو عبداً، فللسيد ما نقص عبده، ويخير في العبد في فدائه أو إسلامه إليهما. ومن كتا ابن المواز وهو في غيره لأشهب قال، ولو برئ العبد فجرح الحر، ثم جرحه الحر، ثم جرح العبد حراً آخر مثل جرح الأول، فإنه يحط عن المجروح الأول ما جنى هو على العبد، لأن الثاني قد شاركه في بقية العبد، فينظر ما بقي/ للأول من دية ما جنى عليه، ثم يخير السيد، فإما أسلمه إليهما، فينظر ما نقص العبد بجناية الحر الأول عليه، وإن كان ثلثه، فذلك بثلث ما جنى عليه العبد، فبقي للحر ثلثا جناية العبد عليه، وليس له أن يحسب عليه الجناية ما بلغت، لأنه وصى بإسلام العبد كله، فإن شاء سيده أسلمه إليهما، فكان بينهما أخماسا للأول خمساه، وللثاني ثلاثة أخماسه، وإن شاء فداه ممن شاء منهما، فيفدي من الثاني ثلاثة أخماسه بدية جرحه كله، ويسلم للأول خمسيه، أويفتدي خمسيه من الأول بثلثي دية جرحه، لأنه صار له ما أتلف من العبد بثلث جنايته، أو يفديه منهما على ما وذكرها ابن سحنون في كتابه فأدرج الجواب فيها لأشهب على أصله الذي تقدم ذكره، وقد أجابه ابن المواز وسحنون، وقال سحنون مثل ما تقدم له من أصله، أنه ينظر إلى ما جنى الحر الأول على ¬
في الأمة الحامل تجني ثم جنت على ثان بعد الوضع
العبد، فإن كان فيما لزمه من ذلك مثل قيمة ما جرحه العبد ففدى، أخذ حقه، وإن كان فيه فضل أخذه السيد، ثم يخير السيد في إسلام العبد ناقصا إلى الثاني أو افتدائه، ولا يدخل الثاني في شيء مما أخذ في جرح العبد، لأنه إنما جرح الثاني وهو عبد مقطوع، قال، وإن كان فيما لزم الحر الأول للعبد قدر ما جنى عليه العبد، خير السيد بين إسلامه إليه/ وإلى الثاني، فكان بينهما بالحصص للأول ثلثه، وللثاني ثلثاه (¬1)، وإن شاء فداه منهما، قال سحنون، والأصل الذي أقوله في العبد يجني عليه، أنه إن كان فيما جني عليه مثل جناية العبد فأكثر، فلا تخيير ها هنا، ويأخذ من ذلك المجني عليه دية جرحه، وما بقي للسيد، وإن كان ما أخذ فيه أقل من حق المجني عليه، كان التخيير، فإما أسلمه مع ما أخذ فيه وإلا فداه، وقد قال المغيرة ما يدل عليه في أمة جنت ثم ولدت، سلمها بولدها أو يفديهما، ولو جنت على ثان بعد أن ولدت ثم قاما، قال تقوم الجارية وولدها، فينظر ما الولد من ذلك؟ فتقسم الجناية عليهما، فما صاب الولد منها أخذه المجني عليه بذلك، ثم ينظر ما يبقى له، فيحاص به الثاني في الأمة وحدها، فما وقع له منها، كان به شريكا للثاني، وقال إذا جنت الأمة ثم جني عليها، فأخذ له السيد عقلا ثم قام المجني عليه، فإنه يسلمها إليه السيد مع ما أخذ فيها أو يفديها، ولو جرحت ثانيا قبل ذلك، فليسلمها إليه ما أخذ فيها، ثم يكون الأمر على ما ذكرت لك، وقال أشهب وابن القاسم، لا يكون الولد معها في الجناية، لأن المجني عليه إنما يستحق الجناية يوم قيامه، وقد قام بعد أن زايلها الولد، وهي لو ماتت قبل قيامه بطل حقه. في الأمة الحامل تجني ثم جنت على ثان بعد الوضع / قال سحنون، وإذا جنت الأمة على رجل وهي حامل أو قبل أن تحمل، ثم جنت على ثان بعد الوضع، ثم قاما، فعلى قول ابن القاسم وأشهب، تسلم ¬
وحدها دون ولدها فيكون بينهما نصفين، وعلى قول المغيرة، يقوم الولد والأم، فإن كان الولد النصف، خير السيد، فإن أسلمها، فالولد للأول في نصف جنايته، ويحاص هو والثاني في الأم، هذا بنصف جنايته، والثاني بجميع جنايته، فإن شاء افتكها بذلك، وإن قال أنا أفتك الابن وحده بقدره من أرش جناية الأول، فليس له إلا أن يفتك الابن مع ثلث الأم بأرش الأول، لأن ذلك هو المرتهن بجناية الأول، قال عبد الملك، إن فداها منهما فلا كلام لهما، وإن فداها من أول أسلمها وحدها إلى الثاني، وإن فداها من الثاني أسلمها بولدها إلى الأول، وإن أسلمها إليهما كان الأمر على ما ذكرنا من قول المغيرة، من أخذ الأول الولد بحصته، والتحاص في الأم مع الثاني، كما تقدم، ومن كتاب ابن المواز، قال وإن جرح العبد حرين موضحة موضحة، ثم جرحه أحدهما، فإنه جرحه بعد أن صار حقهما في العبد سواء، فتصير الجناية على العبد بينهما مع رقبته، فإن شاء السيد أسلمه إليهما فكان بينهما، ورجع الذي لم يجن على العبد أنا أحسب على جارحه ما نقص من العبد،/ يجعل جزء من جرحه، ثم لا يحاصصني (¬1) إلا بما بقي، فليس له ذلك في نصفه، لأنه كعبد غيره جنى عليه، فلابد من دية ذلك ما بلغت، وإن شاء السيد فداه منهما أو من أحدهما، وله أن يفدي نصفه من الذي لم يجن على العبد بدية جرحه كله، ويسلم للثاني نصفه، ويأخذ منه السيد نصف ما نقص من العبد من جنايته على العبد التي كانت تصير للثاني ما بلغت، وإن فداه من الجاني، وأسلم للذي لم يجن، كان للذي لم يجن نصفه، ونصف ما جنى على العبد ما بلغت، وللسيد النصف على الجاني، ثم السيد مخير، إن شاء قاص الجاني وترادا الفضل، فإذا فداه وقعت المقاصة، فإن شاء هذا حبس ما هو من العبد الحر (¬2)، فيسقط بقدر ذلك الجزء من ¬
دية جرحه، فإن نقصه جرحه للعبد ثلث قيمته، دفع إليه السيد خمسة أسداس دية جنايته، لأن السدس الآخر يصير للمجروح الآخر يأخذ منه فيه نصف ما نقص من العبد، إلا أن يفدي السيد أيضا من الذي لم يجن على العبد بدية جنايته كلها، فيكون للسيد ما يصير له من العبد ومن قيمة جرح العبد كله، قال، وإن جرح العبد حرا ثم جرحه الحر، ثم جرح العبد حرا آخر، ثم جرحه هذا الحر الجاني بمثل جرح الأول أو خلافه/ فليحسب على الأول ما جنى على العبد، فيسقط بقدر ذلك من دية جناية العبد عليه، فإذا عرفت ما بقي له من دية جنايته بقدر ذلك، فيضرب به مع الثاني في رقبة العبد، وفيما لزم الثاني من جنايته على العبد، لأن على الثاني أن يخرج قيمة جنايته على العبد، لأنه جرحه وليس له كله، قد كان له فيه شريك يوم جنى عليه، فمن فدى السيد منهما، دخل السيد مع الثاني مدخل من فدى منه إن فدى من الأول، وإن شاء قاصه بقيمة دية جناية كل واحد ما بلغت، فيتراد الفضل، وإن شاء السيد نظر ما نقص العبد بجنايته الأول عليه، فإن كان ثلاثة صار هذا مستوفيا لثلث دية جرحه، لأنه قد صار إليه ثلث العبد، ويدفع إليه ثلثي جنايته، ويضرب السيد مع الثاني ثلثي جناية الأول في رقبة العبد، وفي قيمة ما لزم الثاني من جنايته على العبد، وللثاني من ذلك قيمة دية جناية العبد عليه كلها. وكذلك إن تقاص الأول مع السيد، فلا يكون السيد مع الثاني [في رقبة العبد وفي قيمة جناية الثاني] (¬1)، إلا ما كان يكون للأول فيه مع الثاني بعد أن يخرج من دية الأول ما لزم من جنايته على العبد على الآخر، وإن سلم للأول وفدى من الثاني، فليس عليه أن يسلم إليه، إلا أن تكون دية جناية العبد أكثر من جنايته على العبد، فيسلم حينئذ بهذا الفضل من العبد قدر ما تكون له مع صاحبه/ الأول على ما ذكرنا. ¬
في العبد أو المدبر ومن فيه بقية رق يجني، ثم يقتله سيده
قال وإن كان الحر قد جرح العبد أولاً ثم جرحه العبد، ثم جرح العبد حرا آخر فجرحه، ثم جرحه العبد، فهذا إن أسلمه السيد إليهما أو فداه، فلابد أن يكون للسيد على الأول دية ما جنى على عبده بكل حال، ويكون جرم الثاني على العبد للمجروح الأول كله وحده، ويحسب ذلك عليه فيطرح من حقه، ويحاصه في رقبة العبد بما بقي، وإن شاء أن يفديه من الأول، فليدفع إلى الأول ما يفضل من دية جناية العبد عليه، على قيمة جنايته هو على العبد، فإن كان له فضل لم يكن له في العبد شيء ولا على السيد، وإن كان عليه فضل غرمه، ثم يكون للسيد على الثاني دية جناية الثاني على العمد ما بلغت يوم جنى عليه، ثم إن شاء السيد أسلم الثاني من العبد قدر ما يصير له مع الأول، ويؤخذ منه ما جنى على العبد، ثم يدخل للسيد مع الثاني مدخل الأول، وإن أراد أن يفدي من الثاني، نظر كم يصير له من رقبة العبد مع الأول، أو أسلم إليهما، فيفدي ذلك السيد بدية ما جنى العبد على الثاني، دية جنايته كلها على الثاني، ولابد أن يلزم الثاني دية ما جنى هو على العبد، لأنه جنى عليه قبل أن يجني العبد عليه، فصار ما وجب للثاني للأول على إن لم يفد منه السيد، وإن فدى منه فذلك للسيد، فلابد للثاني أن يغرم ذلك، فدى منه أو أسلم إليه. في العبد أو المدبر، ومن فيه بقية رق / يجني، ثم يقتله سيده من كتاب ابن المواز، قال في العبد أو المدبر يجني ثم يقتله (¬1) سيده خطأً أو عمداً، فعليه قيمته الآن يفديها بدية الجناية، ولو قتله أجنبي فإن كان خطأً فعليه قيمته، إلا أن يفديها السيد بدية الجناية، وإن كان عمداً فإن شاء سيده دفع قيمة الجناية، وكان الأمر إليه فيمن قتل عبده، وإن شاء ترك فكان القضاء فيه لأولياء المقتول الأول، إن شاؤوا قتلوا أو استحيوا، وكذلك الحر يقتل الحر عمدا فيقتله آخر عمدا أو خطأً، أن ديته لأولياء المقتول عمداً، ولو كان على عبده دين ¬
في العبد ومن فيه بقية رق يقتل رجلا له وليان أو رجلان لكل واحد أولياء
فقتله عمداً، فلا شيء عليه لأهل ديته، إذ لم يكن لهم في رقبته شيء، ولو قتله أجنبي عمداً أو خطأً، فقيمته لسيده، ولا شيء لأهل ديته عبدا كان أو مدبرا أو مكاتبا، أو أم ولد. وإذا جنى على العبد ثم أعتقه بعدما علم، فدية الجرح للسيد، وكذلك إن وهبه بعدما جرح، فدية جرحه لسيده. في العبد ومن فيه بقية رق يقتل رجلا له وليان، أو رجلان لكل واحد أولياء قال ابن سحنون عن أبيه، قال ابن القاسم وأشهب، وإذا قتل العبد رجلا له وليان عمداً، فلهما القتل أو العفو على رقه، ثم لسيده بعد ذلك فداه بالدية أو إسلامه، وله أن يفديه من أحدهما، وكذلك له في الخطأ، وقد كان ابن القاسم قال، هو غير هذا، وهذا أصح./ قال ابن حبيب قال أصبغ قال ابن القاسم، ولو جنى على رجلين وليهما واحد، فليس لسيده أن يفتكه إلا منهما، وأنا أرى له أن يفتدي من أحدهما ويسلم للآخر، [كالوليين، وإذا كانت الجناية على اثنين، فسواء كان وليهما واحد أو اثنين، له أن يفتك بأحد القتيلين ويسلم بالآخر، أو يسلم بهما جميعا] (¬1)، وبه قال ابن حبيب. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب، وإن كانت أم ولد، فعفا أحدهما فليفدها من الآخر بالأقل من نصف قيمتها أو نصف الأرش، وليس له أن يقول إنما لكم القتل، كما لو كان القاتل حرا فعفا أحد الأولياء، أنه يخير على إعطاء نصيب الآخر من الدية، قالا، ولو قتل عبد قتيلين عمدا فعفا (¬2) أولياء أحدهما، فلأولياء الآخر القتل، [فإن استحيوه فلسيده أن يسلمه أو يفديه. قال أشهب، وكما لو كان حرا، كان لأولياء الآخر القتل] (¬3)، ولو أراد بعض أولياء كل قتيل العفو على استرقاقه، بطل القتل، وإما فداه السيد أو أسلمه. ¬
ولو كان عفو من عفا من أولياء كل واحد على غير استرقاقه، فإن ما كان يصير لكل عاف من العبد يصير للسيد. قال ابن سحنون، وقلت له قال عبد الملك، وإذا جرح العبد رجلين جرحين متساويين، ففداه ربه من أحدهما، وأراد إسلامه نصفه إلى الآخر، وأبى الآخر إلا أن يعطيه الآرش أو يسلم إليه جميعه، قال، فذلك للآخر على/ سيده، قال سحنون، قد زال عن مذهبنا في هذا، ولا يسلم إليه إلا نصفه، وكذلك في كتاب ابن المواز مثل قول سحنون، ولم يذكر القول لا عن عبد الملك ولا عن غيره، قال، ولو جرح الثاني بعد أن فداه من الأول، لم يكن له بد من إسلام جميعه أو فداه، ولو جنى على رجلين، ففداه من أحدهما ولم يعلم بالآخر، فله أن يرجع فيأخذ ما دفع إليه، ويسلم العبد إليهما وقال سحنون في العبد يقتل قتيلين خطأً لكل واحد منهما وليان، فله أن يسلمه إليهم أو يفديه منهم، أو يفتدي من أولياء أحدهما نصفه بالدية ويسلم من الآخر من نصفه، أو يفدي من أحد هذين ومن أحد هذين ربُعا ربُعا بالدية بينهما، فيصير له نصفه، ولكل واحد من الباقين ربعه، أو يفدي من واحد من أولياء أحدهما ربعه بنصف الدية، ويسلم إلى الباقين ثلاثة أرباعه، [أو يفدي من ثلاثة ثلاثة أرباعه] (¬1) بدية ونصف، ويسلم إلى الباقي رُبُعُه، وإن كان عمداً فاجتمعوا على القتل، فذلك لهم، فإن استحيوا كان فيه ما ذكرنا في الخطأ، وإن طلب أولياء أحدهما الاسترقاق أو بعضه، وأولياء الآخر القتل فلهم، القتل، ولو طلب واحد من أولياء كل قتيل الاسترقاق، فلا سبيل إلى القتل، ويكون الأمر مثل ما قلنا في الخطأ، وإن كان عفوا على غير شيء، فنصيب العافين للسيد وهو نصف العبد. وإن كانوا ثلاثة/ أرباعه، ويخير السيد في نصيب من لم يعف فيفديه أو يسلمه، يفدي نصفه من الاثنين بالدية، وثلاثة أرباعه بدية ونصف. ¬
في الأمة تجني ثم تسبى ثم تغنم فتقع في المقاسم
في الأمة تجني ثم تُسبى، ثم تُعْنَمُ فتقعُ في المقاسم وإذا جنت الأمة فلم تفد (¬1) حتى سبيت، ثم غنمت، فصارت في سهم رجل، ثم قام السيد وولي الجناية، فللسيد أن يفديها أو يسلمها، فإن اختار أن يفديها فليغرم السيد الأكثر من الأرش أو ما وقعت به في السهم، فإن كان الأرش أكثر وداه، فأخذ منه صاحب السهم ثمنها، وما بقي فللمجني عليه وإن كان ثمنها في السهم أكثر، وداه ولا شيء للمجني عليه، وإن أسلمها السيد فالمجني عليه مخير أن يفديها بثمن السهمان او يسلمها للذي صارت في سهمه، ولو فداها السيد من صاحب السهم بعشرين ولم يعلم بالجناية، وقيمة الجناية ثلاثون، ثم قام المجني عليه، فالسيد مخير، إن شاء ودى للمجني عليه تمام الثلاثين، وإلا قيل له فأسلمها إليه إن دفع إليك العشرين التي وديت، ولو لم يجن إلا عند الذي صارت في سهمه، فالسيد مخير أن يسلمها أو يفتكها، فإن افتكها فعليه الأكثر من الأرش أو ما وقعت به في السهم، فإن كان الثمن أكثر أخذ منه المجني عليه أرشه، وصاحب السهم ما بقي، وإن كان الأرش أكثر، وداه للمجني عليه، ولا شيء لصاحب السهم،/ وكذلك إن تساويا، فإن أسلمها، خير صاحب السهم فيفديها أو يسلمها، ولو جنت ثم صارت في السهمان، ثم جنت لم يدخل بعضهم على بعض. [والآخر منهم مبدأ] (¬2). تم الجزء الأول من كتاب الجنايات بحمد الله وعفوه، ويتلوه في الجزء الذي يليه إن شاء الله الثاني من الجنايات ¬
صفحة بيضاء
[الجزء الثاني من الجنايات]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الجزء الثاني من كتاب الجنايات (¬1) في جناية العبد المخدم والمؤاجر، وكيف إن جنى عليه سيده من كتاب ابن المواز، قال أصبغ: اختلف قول مالك، في العبد المخدم، يجني، ومرجعه إلى سيده، فقال: يبدأ بالمخدم، فيخير (¬2)، فإن فداه خدمه باقي الجل، ثم أن شاء سيده أخذه، ودفع إليه ما فداه، وإلا أسلمه إليه رقاً. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: فإن أسلمه المخدم، خير لسيده؛ فإما أسلمه فرق للمجروح بتلا، وإما فداه، فبقي لسيده رقاً. قال أصبغ في كتاب ابن المواز: ثم رجع مالك إلى أن يبدأ سيده؛ فإما فداه، فبقي على خدمته، أو أسلمه فخير المخدم، فإن فداه، لم يكن لسيده أخذه بعد الأجل، حتى يدفع إليه ما فداه به هو أو ورثته (¬3) إن مات. ورواه أشهب، وروى القول الأول، وقال: أنا أرى أن يقوم مرجع رقبته، فإن قيل عشرة، فيقوم خدمته، فإن قيل عشرة، صارا فيه كالشريكين؛ فإما فدياه جميعا نصفين، فكان على حاله، وإن أسلماه رق مكانه لأجل الجناية، وإن شاء ¬
أحدهما (¬1) فدى ماله فيه، أو أسلمه، فإن فداه أحدهما بنصف الدية، وأسلم الآخر، فإن فدى (¬2) صاحب الخدمة، لم يكن [لسيده عليه مرجع، وإن أسلم صاحب الخدمة، لم يكن لسيده عليه غير بقية الخدمة، وإن أسلمه صاحب الرقبة، كان] (¬3) للمجني عليه بعد الخدمة. قال أصبغ: وروايته عن مالك أحب إلى، وهو الذي قاله ابن القاسم، وفي رواية ابن وهب: يبدأ المخدم. قال ابن المواز: وأحب إلينا أن يبدأ السيد، وهو الذي رجع إليه مالك، وقاله ابن القاسم، وأصبغ، وهو: لو قيل: كانت له قيمته، وإذا كان مرجعه إلى حرية، فهو كالعتق إلى أجل يخير المخدم، فإن فداه اختدمه، فإذا تم الأجل، خرج حرا، ولم يتبع (¬4) بشيء، لا هو، ولا سيده، وإن شاء أسلم خدمته (فاختدمه المجروح) (¬5)، وحسبت/ قيمة الخدمة (أو أجرها) (¬6)، واستوفي ذلك من جنايته، وما فضل اتبعه به، وإن استوفى، وبقي شيء من الأجل، عاد إلى سيده. وقال ابن حبيب عن عبد الملك نحوه، إلا في قوله: فأسلمه، فاختدمه المجروح، فيتم الأجل، ولم يف فإنه قال: يعتق ويتبعه بما بقي في ذمته. ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ: قال ابن القاسم: وإذا كان مرجعه إلى رجل آخر [ملكا دية] (¬7) المخدم، كالذي مرجعه إلى حرية، فإن فداه، اختدمه باقي ¬
الأجل، ثم أسلمه إلى من له مرجع الرقبة، (وما فداه به لا يكون له عليه شيء) (¬1). وكذلك روى عيسى عنه في العتبية (¬2). قال في كتاب ابن المواز: وخالفه أصبغ، وقال: ما أراه إلا وقع رجع عن هذا!، وليس كمن مرجعه إلى حرية، بل كمن مرجعه إلى السيد، وخير من له المرجع أولاً، والمخدم في هذا؛ في فدائه، لا يأخذه من له المرجع إلا بدفع ما فداه به، كأنه إنما أحيا بالفداء خدمته، كما أحيا الراهن رهنه فما افتكه به ثابت في رقبته مبدأ، قبل دين المرتهن، وقبل صاحب البتل، والذي مرجعه إلى حرية، كمعتق إلى أجل، إن فداه سيده، لم يتبعه بشيء. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلى؛ لأن صاحب المرجع لم تصر له رقبته (¬3) بعد، فلو مات لم يرثه، ولو قتل (لم يأخذ قيمته) (¬4). وإن أخدمته رجلا سنة، ثم هو لآخر يخدمه سنة، ثم هو لفلان بتلا، أو ثم هو حر فجنى عند الأول، فقال ابن القاسم: يبدأ الأول، فإن فداه خدمه باقي أجله، ثم لا شيء له على المخدم الثاني، [ولا على من المرجع إليه وإن أسلمه خير المخدم الثاني] (¬5) مثل الأول إن فداه اختدمه بقية خدمة الأول، وجميع خدمته، ثم أسلمه إلى صاحب المرجع، ولا شيء عليه، وإن أسلمه للثاني (¬6) أيضاً ومرجعه إلى حرية، اختدمه المجروح وحسب ذلك في جرحه، فإن وفي، أو بقيت من خدمة الأول بقية، رجع إليه يخدمها، ثم خدم الثاني سنة. ¬
قال: إن لم تف الخدمة الأولى بالأرش، اختدمه السنة الثانية، [فإن استوعبت وبقيت بقية، اختدمه الثاني/، ولا يتبعه الأول فيه] (¬1)، وإن لم تف خدمة السنة الثانية بما بقي له، فهو حر، ويتبعه بما بقي له من الأرش، إن بقي شيء، وإن كان مرجعه لثالث بتلا قيل لثالث يوم: أسلمه المخدومان، إن فديته كان لك بتلا، وإن أسلمته كان للمجروح بتلا. وقد قيل: إذا فداه المخدوم الثاني، وأسلمه الأول، ولم يختدمه الثاني إلا سنة فقط، ثم رجع إلى ما أرجعه إليه سيده. قال محمد بعد هذا الفصل: ومن قول ابن القاسم: إن فداه أحد المخدمين، وأسلمه الآخر، اختدمه الذي فداه الخدمتين جميعاً، ثم رجع إلى صاحب البتل بلا غرم. محمد: ومذهب أصبغ، إن كان مرجعه إلى رجل أن يبدأ من له مرجع الرقبة، كسيده، فإن فدا بقي في خدمة الرجلين إلى تمامها، ثم أخذه، وإن أسلمه، خير المخدمان (¬2)، فإن أسلماه، كان للمجروح بتلا، وإن افتدياه اختدماه، ثم لم يأخذه من له الرقبة، حتى يعطيهما ما فدياه به. ومن كتاب ابن سحنون، وذكر مثله ابن حبيب لابن الماجشون، في الذي أخدم عبده سنة [ثم آخر سنة] (¬3)، ثم هو حر، فجنى: أنه يخير الأول، فإن فداه بالأرش اختدمه فيه، ووقف المجروح، فإن استوفاه، وبقيت في المدة بقية، اختدمه في باقيها، ثم سلمه إلى الثاني بغير غرم، وإن تمت المدة قبل تمام الأرش، قيل للثاني: ادفع إليه باقي الأرش، واختدمه فيه مدتك، فإن استوفيت قبلها، اختدمت باقيها بالعطية، وعتق العبد، وإن تمت سنتك قبل أن تستوفي كان ما بقي لك في ¬
ذمة العبد، وعتق، فإن أبى الثاني أن يدفع للأول ما بقي له، قيل للأول: اختدمه في مدة الثاني، فإذا استوفيت، فادفعه إلى الثاني يختدمه ما بقي، ويعتق، وإن لم يستوف الأول حتى تمت خدمة الثاني عتق، وأتبعه الأول بما بقي له ولو أن الأول/ أبى أن يفتكه، فليسلمه إلى المجروح يختدمه في جرحه، فإن استوفى، وبقي من مدة الأول شيء، عاد إليه، فاختدمه ما بقي، ثم خدم الثاني وعتق، فإن تمت مدة الأول عند المجروح، ولم يستوف، قيل للثاني: إن شئت فأعطه ما بقي له من أرشه، وقف موقفه في الخدمة، فإن استوفيت وبقي من مدتك شيء، خدمك فيها، وعتق. قال في كتاب ابن حبيب: وإن تمت المدة قبل أن يستوفي، عتق، وأتبعه بما بقي. قال في الكتابين: وإن أبيت أن تعطيه ما بقي له، اختدمه المجروح في مدتك، فإذا تم ما بقي له، وقد بقي شيء من مدتك، عاد إليك يخدمك فيها، وإن تمت ولم يستوف، عتق، وأتبعه المجروح بما بقي له. وقال ابن القاسم: إذا فداه الأول اختدمه سنة، ثم أخذه الثاني بلا غرم، فاختدمه سنة [ثم هو حر وإن أبى الأول أسلمه إلى المجروح فاختدمه سنة] (¬1) في الأرش، فإن استوفى قبل تمامها، رجع إلى الأول يخدمه باقيها، فإن تمت ولم يستوف، قيل للثاني: افده، واختدمه مدتك، فإن أبى، خدم المجروح فيما بقي له، فإن استوفى قبل [مدة الثاني رجع إلى الثاني فخدمه باقيها وعتق، وإن تمت ولم يستوف عتق واتبعه] (¬2) بما بقي. ومن كتاب محمد، مالك: وإن جنى على العبد المخدم، ومرجعه إلى حرية، فإن أرش جرحه للذي كان له رقبته أولا، وكذلك قيمته إن قتل، وميراثه إن مات. قال ابن القاسم: وإن جعل مرجعه لرجل بتلا، بعد خدمة سنة لآخر، فمات العبد قبلها أو قتل، فمرة قال مالك: ميراثه وقيمته إن قتل للأول. ومرة ¬
قال: لصاحب المرجع. وأخذ ابن القاسم بأن ذلك للأول. وقاله أصبغ؛ لأن مرجعه إلى حرية. وقاله أشهب. وكذلك أرش جرحه في قولهم. قال مالك في الموصى بخدمته لرجل سنة، ثم هو لفلان بتلا إن قيمته إن قتل في السنة لمن له المرجع، وقال أصبغ: لم يصر بعد لصاحب المرجع، ولا يثبت له فيه حق إلا بعد الخدمة، وإن جعلت حيازته حيازة لمن له المرجع في الهبة. وقال أشهب: تكون قيمته مقام رقبته يشتري منها من يخدم مكانه بقية السنة،/ ثم يصير لمن له المرجع، وإن كان مرجعه إلى سيده، كانت قيمته لسيده؛ لأن رقبته له بعد، وهو لو أحدث دينا لبيع في دينه، وكان أولى بمن له المرجع، لأنه لم يجزه بعد السنة قبل موت سيده أو فلسه. قال محمد: أما إذا كان مرجعه إلى سيده أو بتل لرجل عبده بعد سنة، فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه، وإنما اختلفوا إذا أخدمه رجلا سنة، ثم قال: هو لفلان بتلا فقيل في السنة، واختلف فيه قول مالك، واختلف فيه قول ابن القاسم، وأشهب، واختلف فيه قول أشهب؛ فقال ابن القاسم وأصبغ: ذلك للسيد الأول. وقال أشهب: قد خرج عن ملك ربه وحيازته المخدم حيازة للمبتل له، ولا يضره الدين المحدث، ولا موت سيده، فيختدمه من قيمته تمام السنة، وما بقي فلصاحب البتل. قال أصبغ: ولا يتم لصاحب البتل شيء، والمخدم حائز لنفسه، وإنما تكون حيازة للمبتل إذا بقيت الحيازة حتى يأتي وقت الإبتال، وقد قال أيضاً أشهب ما قلت؛ أن قيمته للأول، وقاله ابن وهب. ومن أخدم رجلا عبده أجلا أو حياته، ثم قتله السيد، فإن كان خطأً، فلا شيء عليه، وعليه في العمد غرم قيمته، توقف بيد عدل، فيؤاجر منها، فيخدم بقية الأجل أو العمر، فما بقي (¬1)، فللسيد، وما عجز، فلا شيء عليه. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، وقال: إن قتله أجنبي، فقيمته لسيده. ¬
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: يشترى منها من يخدمه، والإجارة عندي أبين. وهو نحو قول مالك. ومن قول ابن القاسم- فيما أعلم-: ولو اشترى عبداً لجاز. قال أصبغ: كل ذلك حسن، ولا حجة للسيد، ولا للمخدم، والقياس أن يؤاجر له، كان يرجع إلى حرية أو إلى سيده، ومن اخدم أمته أمداً (¬1)، ثم هي حرة، فجرحته، فليخدمها بالجناية، فإن استوفى رجعت، تخدم المخدم، وإن انقطعت الخدمة ولم يستوف، أتبعها بما بقي، وكذلك إن جنت على عبده؛ كقول مالك في مدبر/ جنى على سيده، ولكن المدبر يتبع بعد العتق بما بقي: إن حمله الثلث أو بقدر ما حمل منه يتبع تلك الحصة بما بقي عليها، وتسقط حصة ما رق، وإن كان له مال، أخذ منه، وإلا فما كان من الأيام يبقى له فيما فضل من عيشه، اتبع في ذلك الفضل، وإلا فعيشه أولى. ابن حبيب، قال ابن الماجشون: ولو أخدمه رجلا سنة، ثم لآخر سنة، ثم يرجع إلى سيده، فجنى عند الأول، خير الأول في فدائه، أو إسلامه، فإن أسلمه خير الثاني، فإن أسلمه خير سيده، فإن أسلمه صار للمجروح رقاً، لا خدمة فيه، ولا مرجع، وإن فداه سيده كان لا خدمة فيه، وإن فداه المخدم الثاني كانت له خدمته إلى مدته، ولا يقاصه فيها مما فداه بشيء، وقيل لسيده: إن شئت فافده منه بما فداه به، وإلا فأسلمه إليه عبداً له. وإن فداه المخدم الأول، فله جميع خدمته إلى مدتها، ثم قيل للثاني: إن شئت أخذه بخدمتك، فأعطه ما فداه به، واختدمه، ثم لا يأخذه سيده إلا أن يعطيك ما وديت. وإن أسلمته إلى الأول، قيل لسيده: أعطه (¬2) ما أدى، وخذه قنا (¬3) لا خدمة فيه (أو أسلمه رقا إلى الأول) (¬4). ¬
ومن كتاب ابن سحنون، وعن العبد يؤاجره سيده، ثم يعتقه في الإجارة، ثم يجني؛ سئل السيد، فإن قال: أعتقته لأحرز (¬1) الإجارة، وأخلصه من الرق، حلف، وكانت له الإجارة، وخير، فإن افتكه كانت له (¬2) الإجارة، وعتق بعد وفائها، ولا يتبعه بما فداه به، وإن أسلمه خير المستأجر في أن يفتك أو يسلم، فإن افتك خدمه بالإجارة، وإن أسلمه المستأجر عتق، وكانت الجناية في ذمته، ويرجع المستأجر بالإجارة، أو ما بقي منها [على المؤاجر، وإن نكل سيده عن اليمين، كانت الإجارة للعبد- يريد ما بقي منها-] (¬3) ولم يخير السيد في شيء؛ لأنه لم يبق له فيه رق [ولا تصح له إن افتك، ولكن يخير المستأجر فإن افتكه خدمه] (¬4) بالإجارة، فيعتق بتمامها، واتبعه بما افتكه به، والإجارة للعبد، فإن أسلمه كان حرا مكانه، واتبعه أهل الجناية بدية جنايتهم، ورجع عليه المستأجر بالإجارة، أو ما بقي عليه منها. ومن العتبية (¬5)، قال عيسى عن ابن القاسم في العبد يخدمه سيده رجلا سنة، ثم هو لفلان بتلا، فجرح العبد رجلاً في الخدمة أو يجرح، فقد اختلف قول مالك؛ فقال: ذلك للأول. وقال: هو لصاحب المرجع. وأرى أن دية جرحه (¬6) وقتله لسيده الأول. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العبد يؤاجره سيده، ثم يعتقه، فيخرج العبد رجلاً، أو تكون أمته (¬7)، فتلد بعدما عتقت، وقبل ما تجني، فأما (¬8) ¬
في جناية العبد الرهن والجناية عليه، وفي جناية العبد المبيع في أيام الخيار في العهدة
العبد، فيخير سيده؛ إما أن يفديه، ولا غرم عليه بجميع ما أخذ من إجارته، ويكون عتيقا بعد السنة، فإن لم يفده خير المستأجر، فإن شاء فداه، واختدمه بقية الإجارة، وعتق بتمامها، وإن شاء فسخ، الإجارة، وحاسب سيده بما مضى منها، وقبض ما بقي، وعتق مكانه، وذلك أن المستأجر إن شاء فسخ الإجارة، ويعجل عتق العبد ورد السيد ما بقي من الإجارة، ويتبع العبد بعقل جنايته. قلت: وإذا فداه السيد هل يتبعه بما غرم عنه من عقل الجناية؟ فلم يأت يحيى فيها بجواب. وقد ذكرنا قول سحنون في الأول (¬1) أنه لا يتبعه إذا اراد بالعتق إحراز الإجارة مع العتق. ومن كتاب ابن حبيب، قال أصبغ فيمن أخدم عبده عشر سنين، فجني على العبد في الأجل، فإن كانت الجناية تنقص خدمته، استعان المخدم من أرش الجناية بما يتم به الخدمة حتى يتم الأجل، أو ينفد الأرش، فإن كان ذلك لا ينقص من خدمته مثل الموضحة وشبهها فالعقل للسيد. في جناية العبد الرهن، والجناية عليه،/ وفي جناية العبد المبيع في أيام الخيار، في العهدة من كتاب ابن المواز، وإذا جنى العبد الرهن، فإن فداه ربه، بقي رهنا، وإن أسلمه خير المرتهن في ثلاثة أوجه؛ إما أن يسلمه إلى الجاني، ويتبع الراهن بديته، وإما أن يفديه بدية الجاني فقط، فيكون العبد وماله رهنا بما فداه به، إن لم يكن سيده انتزعه قبل ذلك، وهو بالدين الأول رهن بغير ماله، إن لم يكن اشترطه في أول الرهن. قال ابن القاسم: لا يباع حتى يحل الدين، فإن لم يفده بالدين والأرش، بيع، فبدى بالأرش، وما بقي كان في الدين، وإن فضل شيء بعد الأرش والدين ¬
كان لسيده. قال مالك: فإن عجز ثمن رقبته وماله عما فداه به، لم يكن على سيده من ذلك شيء، ولا على غيره. والوجه الثالث أن المرتهن إن ابى هذين الوجهين، فله أن يأخذه لنفسه ملكا بزيادة على الجناية ما كانت. قلت: أو كثُرت فيسقط مثلها من دينه، ويتبع السيد بما بقي من الدين بعد إسقاط ما ذكرنا من الزيادة، وليس لسيده أن يأبى ذلك؛ لأنه كان أسلمه بأقل، فهو مضار بإبائه. قال ابن عبد الحكم: واختلف قول مالك في ماله إن لم يكن مشترطاً في أصل الرهن، هل يكون بالأرش رهنا مع الرقبة،؟ فقال مرة: يكون رهنا. وقال أيضا: لا يكون رهناً. وبهذا أخذ ابن القاسم، وابن عبد الحكم. محمد: وهذا عندنا إذا كان السيد انتزع ماله قبل ذلك، وأما إن لم يكن انتزعه قبل ذلك، قول مالك، ومن يرضى من أصحابه، أن ماله ورقبته فيما فداه به. قال: وأما إن لم يفده السيد، ولا أسلمه، ولكن قال للمرتهن: افده؛ ففداه، فقال ابن القاسم، وأشهب: فذلك يكون دينا على الراهن. قال أشهب: ولا يكون العبد،/ لم يلزم السيد شيء من ذلك إلا الدين القديم، وكما لو كان وديعه عنده، أو بإجازة ففداه بغير أمره، ثم مات العبد، لم يلزم السيد من ذلك شيء، ولو قال: أحدهما أولاً لسيده قد فديته، فإما أن يلزم ذلك نفسه، وإلا فأسلمه إلى بذلك. قال: فليس ذلك له، ولكن يباع العبد، فيؤخذ من ثمنه ذلك بدءاً، وما بقي لسيده، فإن كان مرهوناً، كان ما فضل للمرتهن من دينه، وإن لم يف ثمنه بالأرش، لم يتبع السيد بشيء مما فداه به، إلا بالدين؛ لأنه فداه بغير أمره. قال: ولو فداه أحدهما أولا، فلم يفده السيد حتى جنى على آخر، فهو رهن بالجنايتين، فإن كانتا سواء، فإن شاء سلم نصفه للمجني عليه آخرا، وإلا فداه بجنايته، ويكون النصف الآخر مرهونا بالدين والجناية، والقول فيه حسبما تقدم من القول في العبد الرهن، يجني.
قال: وإذا أسلمه السيد، ففداه المرتهن، بدية الجناية، أو فداه بأكثر منها ليأخذه ملكاً، ثم جنى. قال: إن فداه بزيادة ليأخذه، فهو قد ملكه، فليفده إن شاء، أو يسلمه، [ويتبع السيد بديته] (¬1)، إلا ما أسقط عنه الزيادة، وأما إن فداه بالأرش فقط بعد أن أسلمه سيده، فإنه يخير سيده أيضا في هذه الجناية الثانية بين فدائه، أو إسلامه كله، فإن فداه بقي رهنا بحاله، وإذا بيع، فقد قيل، يأخذه مرتهنه من ثمنه ما افتداه السيد بالجرح الآخر يأخذه في دينه؛ لأن الجناية الآخرة أولى برقبته من الجرح الأول، والجرح الأول من المرتهن، فيأخذ ذلك المرتهن، فيستوفي [منه دية] (¬2) الجناية الآخرة. فما فضل أخذ منه الجناية الأولى، فما فضل أخذ منه المرتهن في دينه الأول، ولو عجز ذلك عن الجناية الآخرة، لم يتبعه المرتهن بها، وأتبعه ببقية الدين الأول. وقد قال أشهب: إذا بيع أخذ المرتهن ما كان له فيه من الرهن؛ لأن الجرح الآخر أولى به من الأول، وإن فضل فضل، كان فيما فداه به من الجرح/ الأول، ثم [إن كان فضل، فللسيد. قال محمد: وأحب إلي أن يكون الجرح الثاني أولى به من الرهن، فما بقي، ففي الأول، وما] (¬3) بقي، ففي الثاني. قال أشهب: فإن أسلمه سيده في الجرح الثاني، خير المرتهن بين أن يزيد على الجناية الآخرة، أو يأخذه ملكا، وتسقط الزيادة من الدين بشيء مما فداه من الجنايتين، وإلا فداه من الجناية الآخرة لا يزيد شيئا، ولا يبقى رهناً بالجنايتين والدين، فإذا بيع استوفى منه ما أدى في الجنايتين، ثم بقي في الدين، وإن فضل (¬4) شيء فلسيده. قال محمد: ومحمل قول مالك عندنا في مال العبد الجاني الرهن، إن لم ينزعه سيده قبل الجناية، أن ماله رهن فيما فدي به [دون الدين فإن بقي بيع بماله فإن ¬
استوفي منه ما فداه به] (¬1)، ثم لا يكون بجميع ما بقي أولى في الدين من الغرماء، ولكن يقسم ما بقي على قيمة العبد بماله، وقيمته بغير مال، فإن زاد ماله في القيمة الثلث، قسم ما بقي على ثلاثة؛ فثلثاه (¬2) للمرتهن، وثلث يحاص فيه مع غرمائه بما بقي له. قال: ولو قال المرتهن: خذوا من مال العبد دية الجناية، ودعوه رهنا بيدي. فليس له ذلك إلا بإذن السيد، وللسيد إسلامه بماله، وإن كان فيه أضعاف الأرش، إلا أن يشاء المرتهن أن يفديه بزيادة، [أو بالمثل، أو يسلمه، فيكون على ما ذكرنا أولا. وفداه بالأرش بغير زيادة] (¬3) كان بماله في ذلك رهناً. [قال أشهب: ويكون مال العبد بيده، ينفق منه، ويكتسي بالمعروف. قال ابن القاسم: ولو جرح العبد، وأخذ فيه أرش، كان رهنا] (¬4) معه، وهو كبعضه، لا يجعل له من دينه. وقال في العبد المبيع بالخيار يجني في أيام الخيار: فليختر البائع، فإن فداه فالمبتاع بالخيار في العمد والخطأ، وإن أسلمه، فالمشتري مخير؛ إن شاه فداه، ودفع للبائع باقي الثمن، وإن كان الخيار للبائع ففداه، والجرح خطأ، فله أن يمضي البيع ويلزم المشتري، [ولو كان عمداً، فليس له ذلك إلا برضى المشتري] (¬5)؛ لأنه عيب حدث في أيام الخيار، وإن أسلمه، فلا مقال للمشتري، ويصير إسلامه نقضا/ (¬6) [لبيعه كما لو وهبه أو باعه، وإن كان العبد هو المجروح والخيار للمشتري أو في أيام العهدة أو الأمة في المواضعة فإن شاء المبتاع أخذه مجروحاً بالثمن كله والأرش للبائع وإن شاء رده إلا أن يعلم به إلا أن يبدأ جرحه على غير علم فيلزمه ويكون أرش جرحه للبائع إن كان من الجراح ¬
العبد يجني فيوصي سيده بفدائه وعتقه
الأربعة التي يرتفع فيها القصاص، وكذلك روى عيسى في العتبية عن ابن القاسم في الجناية عليه وفي الثلاث أو ذهاب ماله وقال وإن كان هو الجاني فإن افتكه البائع فالمبتاع على بيعه إلا أن تكون الجناية عمداً فيصير مخيراً في رده أو قبوله، وإن أسلمه فالمشتري مخير أن يفديه أو يسلمه فإن فداه بدية الجرح وذلك أقل من الثمن ودى بقية الثمن إلى البائع وإن كان مثله فأكثر ولا شيء عليه للبائع. العبد يجني فيوصي سيده بفدائه وعتقه (¬1) من كتاب ابن المواز: وإذا جنى الموصى بعتقه بعد موت السيد، فهو كالمدبر إن ترك الموصي مالاً مأموناً فهو كالخر فيما يلزمه من قود ودية على العاقلة، أو في ماله، وإن لم يكن له مال مأمون فهو كالعبد، فإن خرج من الثلث اتبع بالجناية وإن نافت على الثلث، فإن جنى قبل الموت، فترق من المدبر، فهذا يسلمه السيد إن شاء عبداً أو يفديه ويبقى على الوصية إن لم يرجع عنها، والمدبر يسلم خدمته وإن لم يسلم الموصي بعتقه حتى مات السيد فقال أشهب لورثته ما كان له أن يسلموه رقا، بعد أن يحلفوا ما علمنا أنه أقره تحملا للجناية، فإن نكلوا أخرجوا من الدية من رأس المال وأعتقوا العبد من ثلث ما بقي. وقال ابن القاسم إن شاء أسلموه عبداً للمجروح، وإن شاء فدوه، فكان على الوصية، فعلى قول ابن القاسم يسقط العبد من التركة، فإن فدوه بثلث ما بقي فأقل، عتق، وإن كان بأكثر عتق منه محمل الثلث. قال محمد كأنه استحق وكأنه حين أقره كموصى يعتقه مكانه عبدا آخر يشتري بثلث ما بقي من ماله بعد العبد إذا استحق بالجناية. قلت فلو أوصى بشراء عبد بعينه فيعتق واشتروه فجنا قبل العتق؟ قال هو مثل ما ذكرنا في هذا العبد بعينه، وفي المدبر يجني ولو كان عبدا بغير عينه فهو بخلاف ذلك. قال محمد وهذا بمنزلة لو مات بعد الشراء قبل يعتق فهو كمال الثلث ينقص فإن شاؤوا اشتروا غيره (¬2) من ثلث ما بقي فكان ¬
كالشراء ويعتق. ولو أوصى بعتقه بعد سنة فجنى بعد موته، فيخير الورثة في فداه خدمته على أن لا يتبعوه بما بقي [أو إسلامها فيختدمه من المجني عليه في ذلك ويتبعه بما بقي. قال محمد وأما الجناية على المدبر والمعتق إلى أجل والموصى بعتقه بعد أجل، فبخلاف جنايتهم والجناية عليهم للسيد أو لورثته لا يكون كأموالهم وهو ثمن الرقبة، وليس مثل ما كسب أو وهب له بعد موت السيد هذا. ولورثته انتزاع ما لهما ما لم يقرب الأجل. ومن أوصى بعتقه إلى شهر فجنى بعد السيد قبل النظر في النظر في الثلث، والثلث لا يحمله خير الورثة فإما أنفذوا الوصية وتكون الجناية في خدمته ويتبعه المجني عليه بما بقي] (¬1) إلا أن يفدوا الورثة] (¬2) خدمته بالأرش، على أن لا يتبعوه بعد العتق بشيء، فذلك لهم، وإلا عجل (¬3) عتق ما حمل الثلث منه، واتبع ما بقي (¬4) منه قدر ما يقع عليه من الجناية، ويخير الورثة في فداء ما رق منه، أو إسلامه. قال: وأما المعتق بتلا في المرض، يجني فيه، فقد اختلف فيه؛ فمرة قال ابن القاسم، وقاله أشهب: هو كالمدبر؛ يجني في المرض، وقد دبره في المرض أو في الصحة؛ إما فداه سيده، أو أسلم خدمته إلى موت سيده. ومرة قال ابن القاسم: ليس له أن يسلمه. محمد: وأحب إلي أن ليس له أن يسلمه (¬5)، وهو بخلاف المدبر الذي استثنى خدمته، والمبتل لا خدمة فيه، إلا أنه يخدمه العبد، حتى ينفذ عتقه، إلا من له مال مأمون [وقال أشهب لا يعتق وإن كان للسيد مال مأمون] (¬6) حتى يموت، فاختلف أيضا فيه قول أشهب. ¬
ومن كتاب أمهات الأولاد لابن سحنون، وقال المغيرة في عبد جنى موضحة، وأوصى سيده؛ يفدى ثم يعتق: فإن كانت قيمته مثل دية الموضحة خمسين، فعلى الورثة شراؤه من رأس المال، ثم يعتق في ثلاثة أو ما حمل منه، وإن كانت قيمته ثلاثين، أدوا عنه عقل الموضحة كما أوصى، وتكون عشرون وصية للمجروح، استتماما لحق العبد (¬1)، ففداؤه في الثلث، ويعتق الزائد على العشرين فيما بقي من الثلث؛ لأنها من الوصايا، وكأن العشرين اشترى بها العبد، فأعتقه؛ لأنه مرتهن بثلاثين. ومن العتبية (¬2)، وقال فيمن حلف بحرية عبده؛ ليضربنه ضربا يجوز له، فجنى قبل الضرب جناية خطأً خير، في إسلامه أو فدائه، وإن أسلمه، رد وعتق عليه كالبيع، [ويرجع المجروح على سيده بالأقل من قيمة العبد، أو قيمة الجناية] (¬3). وقال ابن سحنون عن أبيه: (إن افتكه ضربه) (¬4)، وخرج عن يمينه، وإن أسلمه قيل للمجني عليه: اختدمه بقدر جنايتك، فإذا استوفيت، رجع العبد إلى سيده؛ فضربه، وخرج من يمينه. قال ابن عبدوس: قال بعض أصحابنا:/ فإن أسلم خدمته، ثم ضربه سيده وهو في الخدمة سقطت الخدمة، فأسلمه رقا، أو فداه، وليس عليه أن يسلمه رقبته (¬5) قبل أن يضربه، وإن مات السيد قبل ضربه، وهو في الخدمة، فإن حمله ثلثه، عتق فيه، أو ما حمل منه، واتبع بما بقي من الجناية، وخير الورثة في فداه ما رق منه أو إسلامه. ¬
ومن كتاب ابن المواز: وإذا جنى المعتق إلى أجل، فهو كالمدبر، فإن شاء سيده فدى خدمته، ولا يتبعه بشيء أو يسلمها فيخدم فيما لزمه، أو يؤاجر فيها (¬1)، فإن وفى رجع إلى سيده، وإن تم الأجل ولم يف أتبع بما بقي [وعتق؛ كان سيده حيا أو ميتا، ولو جنى في الخدمة على آخر بعد إسلامه، دخل الثاني فيما بقي من الخدمة] (¬2) بما يجب له، والأول بما بقي له. وإذا جنى المعتق نصفه، فلم يختلف قول مالك وأصحابه؛ أنه يخير سيده أن يفدي نصفه بنصف دية الجناية، أو يسلمه، ويتبع العبد بنصف الجناية في ماله، أو يتبع به إن لم يوجد له شيء. وإذا جنى عليه، فاختلف فيه قول مالك؛ فقال: أرش ذلك بينه وبين سيده. قال أشهب: ثم رجع؛ فقال: جميعه لسيده. وبه أقول استحساناً. وروى القولين ابن القاسم، وأخذ هو، وابن وهب بأنه بينهما. محمد: وهو القياس أن له مثل ما عليه. قال أشهب: وهو القياس، وأستحسن أنه للسيد؛ لأنه بعد عبد في أحكامه، ألا ترى لو قتل كانت قيمته لسيده، وكذلك ما قطع منه، وأما إذا جنى، فهو المخدم (¬3) لها، فلذلك لم أحمل على سيده من حصة الحرية شيئاً، ولا أعري العبد من ذلك، وهو المعتدي، وتصير ذريعة إلى تجرؤ العبد على الجنايات. قال محمد: وهو قول حسن لا يعيبه./ ومن قول العلماء، ولكن أقيس القولين ما ذكرت لك، وهو قول ابن القاسم، وابن وهب، والمغيرة وابن دينار، وابن الماجشون. وذكر ابن حبيب أن مظرفا روى عن مالك ثلاثة أقوال؛ فذكر القولين اللذين ذكر ابن المواز، والقول الثالث أن يكون ما يجب فيه موقوفا بيده مع ماله ¬
في جنادة العبد المغصوب والجناية عليه
[وآخر أقواله أن يكون بينهما، فما صار للعبد بقي بيده موقوفا مع ماله] (¬1). وبه أقول، وقاله ابن الماجشون، والمغيرة، وابن دينار. في جناية العبد المغصوب والجناية عليه وهذا الباب أكثر مسائله مستقصاة (¬2) في كتاب الغصب، من كتاب ابن المواز، وذكرنا منه هنا شيئا من العتبية (¬3). روى العتبي عن سحنون، فيمن غصب عبداً، وعند الغاصب جارية وديعه لربه، فجنى العبد عند الغاصب، فقتل رجلا خطأً، ثم قتل تلك الجارية، ثم قام أهل الجنايتين، فلرب العبد أن يضمن الغاصب قيمته فارغا بلا جناية، ثم يخير فيه الغاصب إن كانت قيمة الجنايتين سواء ألفاً ألفا، فإن شاء أسلمه [وإن شاء فداه] (¬4)، وإن شاء فدى نصفه من إحدى الجنايتين بألف. ولو جنى العبد على رجل خطأً، ثم جنت تلك الجارية على العبد خطأً، [قال] (¬5)، فإن أخذ رب العبد قيمته من الغاصب [فارغا] (¬6)، بلا جناية، فإنه يقال لرب الجارية: أسلم جاريتك بما نقص العبد، أو أفتك، فإن أفتك- هكذا: في الكتاب، وهو غلط، وإنما هو: فإن أسلم- قال: فيقال للغاصب: قد صار إليك العبد والجارية، وهما مرتهنان بجناية الحر، فإن شئت، فأسلمهما إلى أوليائه، وإلا فافتكهما بدية الحر، فإن أفتك رب الجارية الجارية بما نقص العبد، وقيمة نقصه ألف دينار، قيل للذي له العبد: ادفع الدية إلى أولياء الجناية، فتصير/ كأنك افتككت العبد بالدية، فإن كان ما نقص العبد أقل من ألف دينار، قيل لرب العبد: إن شئت فافتك العبد بالدية، وإن شئت [فأسلم العبد، وأرشه، في الجناية] (¬7). ¬
جامع القول في جناية أم الولد والجناية عليها
جامع القول في جناية أم الولد، والجناية عليها من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: كل ما جنت أم الولد، أو غصبت، أو كل ما لزم رقبتها (¬1)، فعلى سيدها- عاش أو مات- الأقل من ذلك، أو من قيمتها يوم الحكم، ويحاص بذلك غرماءه في الفلس والموت. مالك: ويقوم بغير مالها. [وقال المغيرة، وعبد الملك: تقوم بمالها، وإن جنت وسيدها مريض، فلم ينظر في ذلك حتى مات، فذلك في ماله، دون أم الولد] (¬2)، [قال مالك] (¬3)، وإن جنت فأعتقها في صحته، وهو عديم] (¬4)، اتبع به دونها- يريد بالأقل- كان لها مال أو لم يكن؛ لأن قيمتها تلزمه، وإن كره، وذلك بدل من إسلامها؛ لأنها ليست بحرة؛ فيلزمها ما يلزم الحرة، ولا خدمة فيها فتسلم. ومن المجموعة، قال سحنون: إذا عتقت أم الولد بعد أن جنت، وهو عالم بالجناية، أو جاهل بها، فإن كان غير عالم، فهي حرة، والجناية في قيمتها، وإن كان عالما، فالأقل من الأرش أو من قيمتها يتبع به سيدها، وهي حرة، وليس له أن يزيل عن نفسه (¬5)، ما كان يلزمه بالعتق، [ولو ماتت بعد العتق لزمه الأقل لأنه حقا لزمه حين أعتقها] (¬6)، ولو أعتقها قبل أن يعلم (¬7)، ثم ماتت، لم يلزمه شيء، لأنه لم يتعمد (¬8) إتلاف ما كانت به مرهونة، وهي كالعبد يعتقه بعد الجناية، فإن كان عالما خير على أداء (¬9) الأرش في قول المغيرة، ومن قال بقول ابن القاسم في العبد، فإن السيد إن أعتقها وهو عالم، حلف؛ ما أعتقها يريد حمل الجناية، فإن حلف كانت في ذمتها. ¬
قال: وإن جنى عليها فلم يأخذ السيد ذلك حتى مات، فقال مالك مرة: ذلك لورثته مثل العبد يعتق بعد أن/ وجبت له جناية أنها لسيده، ثم قال: هو لأم الولد. لما تقدم فيها من حرمة العتق، وكذلك ذكر ابن القاسم عن مالك في العتبية (¬1)، قال: واستحسن مالك هذا القول الذي رجع إليه، ونحن نستحسنه. قال في كتاب ابن المواز: وقوله الأول هو القياس، ونحن نستحسن ما رجع إليه، وكذلك لو أعتقها قبل تؤخذ دية الجناية، كانت لها. وقال أشهب: بل ذلك للسيد. ومن المجموعة قال سحنون: وقال غيره (¬2): إذا جنت أم الولد على رجل، فلم يقم حتى مات السيد، فذلك عليها. وقاله عبد الملك، وروى مثله ابن القاسم عن مالك، وقال غيره: إن قوم جرحها على السيد، ثم مات ولا مال له، فلا شيء عليها؛ لأن ذلك قد ثبت في حياته (¬3). وقال سحنون: يحكم على سيدها، وإن كان عديما مثل ولد المغرور، يموت بعد الحكم فيه. ومن كتاب ابن المواز [قال ابن القاسم] (¬4): قال مالك: وأما العبد يعتقه بعد أن جنى عليه، وهو يعلم بالجناية، أو يهبه، فذلك للسيد، وإن لم يستثنه، قال: ولو جنت فلم يقم (¬5) حتى جنت [ثم جنت] (¬6)، فليس عليه إلا قيمة واحدة يتحاصون فيها، وللسيد أن يعطي بعضهم دية جرحه، وبعضهم ما كان يصير له من قيمتها. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة عن أشهب وهو في كتاب ابن سحنون: ولو جنت على رجلين، فعلم السيد بأحدهما فأعطاه دية جرحه [أو قيمتها، ثم ¬
قام الثاني فعلى سيدها أن يعطيه إن شاء دية جرحه] (¬1)، بقدر ما كان يصير له مع الأول في قيمتها لو تحاصا اليوم، ويرجع السيد على الأول، ولا يكون له مما كان أخذ إلا قدر ما كان يصير له قيمتها، [يوم قام أولاً، أو تحاصا] (¬2) يومئذ، مثل أن يخرج الأول والثاني موضحة موضحة، فيدفع إلى الأول أرش جرحه/ ولم يعلم بالثاني، ثم قام الثاني، [وقيمة الأمة الآن] (¬3) أقل من الموضحتين، فليدفع للثاني نصف قيمتها اليوم، ويرجع السيد، فيقول للأول: [إنما أعطيتك دية جرحك] (¬4)، وأنا أظن أن ليس معك شريك، فله ذلك، ويدفع له مما قبض (¬5) قدر نصف قيمتها يوم كان قام إلا أن يكون نصف قيمتها يوم قام أكثر مما كان قبض، فإنما له الأقل من دية جرحه، أو من نصف قيمتها يوم قيامه، فإن اختلفت الجراح، فكذلك له الأقل من أرش جرحه (¬6)، أو مما كان يصير له من قيمتها مع صاحبه لو قام يوم قام الأول، وإنما يتبع الثاني بما يجب له السيد، إلا أن [يشاء] (¬7) أن يتبع الأول فيما بيده، بما كان يجب لسيدها أن يرجع عليه؛ لأنه غريم غريمه، ثم يرجع على السيد بما بقي له، إن كان يبقى له شيء، ولو لم يعلم بالثاني، حتى جرحت ثالثا، وقد كان غرم للأول قيمتها يوم قام الباقيان، فللسيد أن يرجع على الأول، فيأخذ منه نصف تلك القيمة، إن ساوى جرحه جرح الثاني، وعليه الثالث نصف قيمتها اليوم إن كان ذلك أقل من نصف دية جرحه؛ لأنها جنت على الثاني، وقد فديت من الأول، وتم الأمر فيه، وإنما كان يستحق منها الأول نصفها؛ فذلك النصف منها، الذي كان فداه من الأول لا يدخل فيه ثانية، [وبقي نصفها ¬
الذي كان ينبغي للثاني وحده] (¬1)، حين لم يكن له شريك غير الأول، ولم يقع فيه فدي ولا غيره، حتى دخل فيه الثالث ببقية جرحه، فيخرج السيد قيمة نصفها هذا الذي كان للثاني، فيدخل فيه الثاني بدية جرحه [كله، والثالث بنصف جرحه لأنه استوفى نصف جرحه] (¬2) في النصف الذي كان فداء من الأول، فيصير للثاني ثلثا هذا النصف الآخر، وللثالث نصفه، فيصير للثالث ثلثا قيمة أم الولد، وللثاني ثلثها، وإن شاء السيد دفع إلى من شاء منهما دية جرحه، وحسن ما ذكرنا أنه يصير له/ من القيمة، وذلك أن على السيد إذا فدا أم ولده بقيمتها، [ثم جنت أن يستأنف فداءها بقيمتها، هكذا أبداً، ولم يفدها بكل جناية تجتمع عليها يشترك أهلها في قيمتها] (¬3)، وكذلك إن فدا بعضها حتى خرجت، فإن يأتنف الفداء في الجرح المحدث، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا أدى قيمتها فكل جرح حدث منها بعد ذلك، فلا شيء عليه فيها، ويدخلون في القيمة الأولى كلهم، إلا أن تكون قيمتها قد زادت، وهذا فاسد؛ أن يأخذ سيدها ما جنى عليها، ويؤدي غيره جناياتها، وزعم أن ما أدى من قيمتها أولا، كإسلامها، ليس بسوي؛ لأن الأمة إذا أسلمها لم يبق له فيها نفع، وهذه منافعها قائمة، [وما أعطى يكون فدى به عبده] (¬4). وذكر سحنون في العتبية (¬5) مسألة أم الولد تجني على رجلين، ففدى من أحدهما، ثم تجني على الثالث، مثل ما ذكر ابن المواز، ولكن كلام سحنون أقيس (¬6)، وهذه المسألة كتب بها إلى طرابلس. ¬
ومن المجموعة أيضاً، قال سحنون، في أم الولد تجني على رجلين، موضحة موضحة، فقام أحدهما، فأسلم السيد إليه قيمتها، ولم يعلم بالآخر، وكانت قيمتها يومئذ مثل أرش الموضحة سواء، فلم يقم الثاني حتى خرجت ثالثا أيضا موضحة، ثم قام هو والثاني: فإنه يرجع السيد على الأول بخمسة وعشرين؛ لأنه إنما كان له يوم قام نصف الجناية، ثم ينظر قيمتها اليوم، فإن كانت ستين دينارا، قيل للثالث: قد جنى عليك نصفها المفتك وهو فارغ، ونصفها الآخر وهو مرتهن بجناية الثاني، فنصف موضحتك في النصف الفارغ، فيفتكه منه السيد بخمسة وعشرين؛ لأن نصف جنايتها أقل من نصفها الآن، والنصف الثاني بينك وبين الثاني على ما بقي؛ لك وله فلك ثلثه، وهو عشرة، وله ثلثاه، وهو/ عشرون؛ يريد: لأن هذا بقي له نصف جرحه، وهذا له جرحه كله، والجرحان سواء، فصار على الثلث والثلثين. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا جنت جناية بعد جناية، فلم يقم عليها حتى قيم، فإنما تفدى بالأقل من ديات ذلك، ومن قيمتها يوم قيامها، ولو كان يعطى المجني عليه قيمتها يوم جنت، لكان يكون لكل واحد من هذين الأقل من أرشه، ونصف قيمتها يوم جنت. وما علمت من قال ذلك إلا المغيرة، وابن القاسم، فأما ابن القاسم، [فرجع، وأما المغيرة] (¬1) فراجعته، حتى خيل إلي أنه رجع، لشدة انكساره (¬2). ومن كتاب محمد، والمجموعة: وإذا ماتت أم الولد بعد الجناية، فلا طلب على سيدها، وهي لو اعورت بعد الجناية، لم يود إلا قيمتها عوراء وما تقدم من هذه المسائل فهو لأشهب في المجموعة، قال في المجموعة: وقاله ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، وقال أشهب في كتاب ابن المواز، ومن ذلك ما روي عن عمر، وعثمان، في ولد الأمة القارة أن على الزوج أمثال الولد، وروى أسنانهم، فدل أن ذلك على ما هم به يوم الحكم، وذلك يرجع إلى القيمة، وقد كان خالفني ¬
المغيرة، وابن القاسم؛ فقالا في أم الولد: إنما عليه قيمتها يوم جنت. فرجع ابن القاسم، وتمادى المغيرة (¬1) فيما علمت- حتى قال في الأمة القارة: للحر أن عليه قيمة ولده يوم ولدوا، وإن ماتوا بعد ذلك. وهو خلاف أهل الحجاز من العلماء. ومن العتبية (¬2) روى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في أم ولد النصراني، تسلم، فتجني قبل أن تعتق عليه: أنها تتبع بجنايتها، دون سيدها. وكذلك روى عنه يحيى ابن يحيى، وزاد، فقال: لا ينبغي أن تعتق عليه، ويؤدي الجناية عنها؛ لأن عتقها أمر ثابت لازم. قال ابن حبيب: قال أصبغ في أم ولد النصراني، تجني، قال: له أن يسلمها كالأمة، أو يفديها. لابد له من ذلك./ فإن أسلمت قبل الحكم، قال: فكذلك يقال له: إفدها، وتعتق عليك، وإلا فأسلمها؛ لأنها كانت مرتهنة بها قبل إسلامها. فإن أسلمها وفي ثمنها فضل عن جنايتها، بيع منها لذلك، وعتق ما بقي، وإن كان كفافاً، أو كانت الجناية أكثر، أسلمت في الجناية، وكذلك إن كان رهنها (¬3) في حق عليه، ثم أسلمت، فإنه إن كان له مال عتقت، وكان حق المرتهن في مال النصراني، وإن لم يكن له مال، بيع منها لوفاء الدين، وعتق ما بقي، وإلا بيعت كلها. قال: ولو أسلمت، ثم جنت قبل الحكم بعتقها، فإنها تكون حرة، وعلى السيد الأقل من جنايتها أو قيمتها، كأم ولد المسلم؛ لأنه لم يكن يقدر على بيعها، ولا على إسلامها، ولأنها لو ماتت قبل الحكم عليه بعتقها، لورثها بالرق، ولو قتلت أخذ قيمتها قيمة أمة، وإن أسلم كان أحق بها، وإن جني عليها، فجنايتها جناية أمة، وأرش ذلك في القياس لسيدها، وإن لم يسلم، ¬
والاستحسان (¬1) أن يكون لها إن لم يسلم سيدها وقتها. ذلك إن مات بعد أن جنت. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم [في العتبية] (¬2) في أم الولد إذا جنت، ثم ظهر أنها أخت السيد من الرضاعة، قبل القيام عليه بالجناية، وقبل أن تعتق عليه، فعلى السيد إخراج قيمتها، ولا يتبعها بذلك؛ لأنه قد لزمه فداها. وإنما تعتق عليه للحرية التي ثبتت لها حرم عليه الوطء، ولم يكن له في غيره، فلهذا عتقت عليه، ولو قال قائل: إنها لا تعتق. لم يقل إنه ترك سنة مضت، ولا أثرا مجتمعاً عليه. وقال سحنون: (الجناية عليها، تبع لها مثل أم الولد) (¬3) النصراني. يريد إذا أسلمت. وقال في كتاب ابنه: تتبع بالأقل. وذكر ابن سحنون لسحنون، أن أبا زيد روى عن ابن القاسم، في أم الولد تجني على رجلين، فيعلم السيد أحدهما، فيعطيه قيمتها، إذ هي أقل من جرحه، (ثم تجرح ثالثا) (¬4). وجراحهم سواء، ثم قام الثاني والثالث: أنه/ يرتجع نصف ما أعطى للأول، وليعط هذين- إن شاء- دية جرحهما كاملا. (وقال: هذا خطأً وأبو زيد؛ لا يقوم لهذه المسألة) (¬5)، وإنما يؤدي قيمتها الآن، إن كان ذلك أقل من جرح الثاني، ومن نصف جرح الثالث، فتكون هذه القيمة بينهما على الثلث للثالث، والثلثين للثاني؛ لأن الثالث جني عليه أيضا نصف فارغ، وهو النصف الذي فدا السيد ¬
من الأول [ونصف شريكه فيه الثاني] (¬1)، ويأخذ الثالث أيضا من سيدها الأقل، من نصف قيمتها الآن، أو من نصف دية جرحه على ما ذكر سحنون قبل هذا، وابن المواز. وذكر ابن عبدوس أن أشهب قال: يقال للسيد: إنما عليك لهذين (¬2) الآخرين الأقل من قيمة أم الولد الساعة أو من دية جرحهما جميعا. فأنكر سحنون هذا، ثم ذكر شرحها، فذكر المسألة التي كتب بها إلى طرابلس، التي قدمنا ذكرها. ومن العتبية (¬3)، ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا جنت أمة رجل، فأولدها السيد بعد الجناية، فقيل: إن لم يعلم الجناية، فهي كأم الولد، وعليه الأقل في عدمه وملائه وإن وطئها عالما، فعليه دية الجناية ما بلغت. محمد: فأحب إلي إن كان عالما بها، وهو ملي، أن يحلف: ما كان ذلك منه رضى، بحمل الجناية، إن كانت الجناية أكثر، وودى قيمتها، وإن نكل أدى قيمة الجناية، وإن كان عديماً (¬4)، ثم وطئ بعد العلم على المبادرة، فلا تكون أم ولد، وله أن يسلمها دون الولد، ولا يتبع بشيء من قيمة ولدها؛ لأن ولدها لو كان عبدا لم يتبع بشيء من جنايتها. ومسألة الأمة تجني، فباعها، ولم يعلم، فأولدها المبتاع. في باب مفرد قبل هذا. ¬
قال: وإن جنت أم ولد، فوطئها الأب، فحملت، فعلى سيدها الأقل من قيمتها يوم الحكم أو الأرش، على أبيه يوم وطئ، وتكون حرة مكانها، ولو وطئ أمة ولده، فحملت، ثم جنت، فعليه قيمتها يوم الوطء للابن، وعليه للمجني عليه الأقل من قيمتها يوم الحكم، أو من الأرش. محمد: وذلك إذا أحبلها قبل الجناية، فجنت، وهي حامل، فعليه قيمتها للابن، ثم عليه ما على من جنت أم ولد، فأما إن جنت قبل الوطء، ثم وطئها، فإنما عليه قيمة واحدة؛ لأنه إنما أفات ما صار للمجني عليه، أو لابنه، إلا أن يفديها الابن، فإن فداها فهو أولى بقيمتها التي يؤدي الأب قيمتها يوم وطئ، وإن أسلمها الابن، فعلى الأب للمجني عليه الأقل من قيمتها يوم الحكم، أو دية الجناية، وليس عليه للابن شيء؛ لأنه قد أسلمها بدية ما جنت عنده، إلا أني أحلف الأب للمجني عليه، إن كانت دية الجناية أكثر مما يدفع إليه من قيمة رقبتها، يوم يريد أن يدفع أنه ما كان وطؤه إياها رضى بحمل جنايتها، فإن نكل غرمها ما بلغت. ومن كتاب ابن حبيب (¬1)، قال ابن الماجشون: ومن قول المغيرة في أم الولد تجني، فلا يحكم على سيدها، حتى تجني على آخر: أن عليه الجنايتين، فكذلك جنايات كثيرة؛ لأنه لا ينتظر بها إسلام، ولا افتكاك. ويرى في أم القارة قيمتهم، يوم ولدوا. قال ابن الماجشون: ونحن على قول مالك في الوجهين. قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا جنت أم الولد على رجل جناية، أو جنايات، أو على واحد بعد واحد، فإنما عليه. وإن كثرت قيمتها يوم الحكم. قاله مالك، وقال المغيرة: إنما عليه قيمتها يوم جنت، فإن ماتت قبل الحكم، فذلك عليه. ويقول: إن جنت جناية بعد جناية، على واحد أو جماعة، فإن عليها تلك الأروش كلها، وإن جاوز قيمتها أضعافها، فلا يجزئه إخراج قيمتها رفي هذا، وإنما ذلك إذا كانت جناية واحدة، على رجل واحد. وبقول مالك نقول. وقالا: ¬
إن مات السيد، قبل يقام في جنايتها، فذلك في ماله،/ [وإن لم يكنله شيء] (¬1)، فليس عليها هي شيء من ذلك في مالها، ولا يؤخذ في ذلك من مالها في حياة السيد، إلا أن يشاء هو، فإذا جني عليها هي، فلم يأخذ ذلك السيد، حتى مات، فذلك لها دون ورثته. قاله ابن القاسم، وابن عبد الحكم. ابن سحنون: قال سحنون في أم الولد، إذا صارت في سهم رجل من المغنم، فلم يقم ربها حتى جنت، ففي قول مالك: يؤدي سيدها (ما وقعت به لا الأقل) (¬2)، فيأخذ منه المجني عليه الأقل من قيمتها، أو من أرش الجناية، وما بقي للذي صارت في سهمه، وإن كان ما يجب في جنايتها من الأقل أكثر مما بقي للذي صارت في سهمه، وإن كان ما يجب في جنايتها من الأقل أكثر مما صارت به في المقاسم، فليتم سيدها تمام الأقل للمجني عليه، ولا شيء لمن وقعت في سهمه. ألا ترى لو وقعت ثانية في سهم آخر، بأكثر مما وقعت [بالأول، أن سيدها ودى لهذا الآخر الأكثر، ويأخذها، ولا شيء للأول؟] (¬3) ومذهب المغيرة يرى أن ما عليه للذي صارت في سهمه، الأقل من قيمتها، أو ما وقعت به في سهم هذا، فعلى هذا القول، يغرم الأقل من قيمتها، أو ما وقعت به في السهمان، [يأخذ من ذلك المجني عليه الأقل من قيمتها] (¬4)، ومن أرش جنايته، وصاحب السهمان ما بقي، وإن لم يكن فيه، فعلى السيد أن يتم للمجني عليه تمام الأقل من الجناية، أو القيمة، ولا شيء لصاحب السهمان، وإن كان إنما جنت قبل أن تسبى، فليغرم السيد الأقل من قيمتها، أو من الجناية، ويأخذ منه الذي صارت في [سهمه وقعت به في السهم وللمجني عليه ما بقي فإن كان ما وقعت له في السهم] (¬5) أكثر أداه للسيد، ولا شيء [للمجني] عليه، وفي قول المغيرة: يغرم ¬
في الأمة بين الرجلين، يطؤها أحدهما فتحمل ثم تجني، أو مثل بعبده فلم يقم عليه العبد حتى جنى
الأقل؛ فيأخذ صاحب السهمان منه الأقل من قيمتها، أو مما وقعت (¬1) به، فإن لم يف به، أتمه سيدها، ولا شيء للمجني عليه. في الأمة بين الرجلين، يطؤها أحدهما فتحمل، ثم تجني، أو مثل بعبده، فلم يقم عليه العبد حتى جنى/ من كتاب ابن سحنون، في أمة بين رجلين، وطئها أحدهما، ولا مال له، ثم جنت، فنصف الواطئ، بحساب (¬2) أم الولد، ويقال للآخر: افد، أو أسلم، فإن فدى، كان له نصف قيمتها على الواطئ يتبعه بها، ويباع فيه هذا النصف المفتك، وإن أسلمه كان للمجني عليه مثل ذلك، يتبعه بمثل ذلك، وتباع له فيه، إلا أن يشاء السيد إن افتدى، أو المجني عليه إن أسلم الأمة، أن يتمسك بهذا النصف رقا (¬3)، ولا يتبع الواطئ بشيء، إلا أن للشريك اتباع الواطئ بنصف قيمة الولد، ويعتق على الواطئ نصفه ويتبع المجني عليه ذلك النصف بالأقل من نصف [الجناية أو نصف قيمة الرقبة، وكذلك من مثل بعبده فلم يقم عليه العبد حتى جنى فإن يعتق ويتبع بالجناية كانت أقل من] (¬4) قيمته أو أكثر، وليس فيه فدى، ولا إسلام؛ إذ لا يفتكه لرق، وليس ما أحدث يزيل عتق ما وجب له من العتق، ولكنه إنما يعتق بالمثلة يوم الحكم بذلك، وكذلك نصف الواطئ، إنما يعتق عليه يوم الحكم. وكذلك أم الولد تجني، ثم يعلم أنها أخت السيد من الرضاعة، فإنها تعتق وتتبع هي بالأقل، ولا يكلف السيد فيها فداء، إذ لا نفع له فيها، ولا تطل جناية مسلم. ¬
وكذلك أم الولد، لا يعلم جنايتها حتى يموت سيدها، فإنها تتبع بالأقل، ولا يكون على عاقلتها؛ لأن جنايتها قبل عتقها وتمام حرمتها، وقد قيل غير هذا، وبهذا أقول. وإذا أحبل (¬1) الأمة أحد الشريكين، وهو ملي، ثم جنت، قيل للذي لم يطأها: افد نصفك، أو تمسك. [فإن تمسك، أو افتدى] (¬2)، رجع من صار له ذلك النصف منه، أو المجني عليه على الواطئ [في ملائه بنصف القيمة، يوم وطئ، وتصير له أم ولد، ورجع المجني عليه على الواطئ] (¬3) بالأقل من نصف الأرش، أو من نصف قيمتها. وكذلك إن وطئ، ولم تحمل، ثم قام ولي الجناية والشريك؛ فالشريك مخير أن يسلم، أو يفتك. فإن افتك، فهو مخير أن يضمن الواطئ نصف/ قيمتها، أو يتماسك، وإن أسلمها فليس للمجني عليه خيار؛ لأنها بهذا (¬4) الوطء جنت عليه، وقد ضمنها بوطء التعدى، ولم يزل بذلك ملك شريكه، فصار المقدم بالتخيير قبل المجني عليه. ولو جنى عبد عند الغاصب، لكان سيده مبدأ قبله بالتخيير، وإن ضمنه الغاصب، فإما فداه سيده أو أسلمه، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته، ثم الغاصب أن يفديه، أو يسلمه. في جناية المدبر، والجناية عليه من كتاب ابن المواز: وإذا جنى المدبر؛ فإما فدى سيده خدمته، ولا يتبعه بشيء، وإما أسلمه، فاختدمه المجروح بأرشه، فإن وفي عاد إلى سيده، وإن ¬
مات السيد قبل ذلك، وثلثه يحمله، عتق واتبع بما بقي، وإن حمل نصفه، اتبع ما عتق منه بنصف ما بقي، وخير الورثة فيما رق منه؛ في افتدائه، بحصته أو إسلامه رقا، وإنما خيروا فيه [وقد كان أسلمه السيد لأنه إنما أسلم خدمته، فلما صار بعضه رقا خيروا فيه] (¬1) فإن قيل (¬2)، فإذا استوفى الجريح ديته من خدمته، لم كان (¬3) ما بقي للسيد من خدمته دونه؟ ولو مات المدبر لم يضمن له سيده ما بقي. فكما لا يضمن، فلم كان أحق بفضل الخدمة؟ قلت: لو كنت أجعل للمجروح غير الخدمة، لكان ما قلت. ولكن جعلت له تضمين المدبر، واتباعه بما بقي له، مع ما يضمن الوارث من ذلك فيما رق منه. قال: وإذا كان على السيد من الدين ولو درهم، لم يعتق حتى لا يبقى عليه شيء من الدين، ولا من الجناية، وإذا كان الدين، ودية الجناية قد أحاطا برقبته، وهما أكثر من قيمته، أو لا فضل في قيمته عنهما، لم يبع منهما شيء، وكان المجروح أولى برقبته ملكا؛ كان الدين أكثر من الجناية أو أقل، فقد أبطل الدين التدبير، وصارت الجناية أملك به من الدين، إلا أن يفديه الغرماء من المجروح بدية الجرح، أو بزيادة، فإن فدوه بدية الجرح فقط، بيع لهم./ وإن عجز ثمنه عما فدوه به، لم يكن لهم غيره، ويبقى دينهم بحاله، وإن كان فيه فضل عما فدوه به، حسب الفضل عليهم في دينهم (¬4)، وإن باعوه بمثل الأرش والدين، وفضل، استوفوا الأرش والدين، وما بقي لورثة الميت. قال محمد: وهذا في العبد، وأما المدبر؛ فيعتق منه ثلث الفضل، ويرق ثلثاه. قال: وإن أحب الغرماء أن يفدوا المدبر بدية الجناية وزيادة، يحطونها (¬5) من ¬
ديتهم، على أن يكون العبد لهم بعضه وزيادته، فذلك لهم. وإن أحب الورثة أن يفدوه [بدية الجناية، على أن يباع في دين أيهم فقط؛ فما فضل عتق ثلثه، ورق ثلثاه، ولا يحسب لهم شيء مما فدوه] (¬1) به، فذلك لهم، ولأن الورثة في هذا كالميت. ولو كان فيه فضل عن الجناية، فالدين لم يكن فيه يخير، ويبيع منه الدين والجناية، وفدي بالجناية ثم الدين، وما فضل منه عتق ثلثه، ولو لم يكن دين، لم يبع منه للجناية شيء، وعتق ثلثه إن لم يدع غيره، واتبع بثلث الجناية، ورق ثلثاه للورثة، وخيروا في فدائه أو إسلامه، وكذلك يعتق، محمل الثلث منه إن ترك غيره، ويرق ما بقي، ويتبع حصة ما عتق منه بحصته، ويخير الورثة فيما رق منه. ولا يباع مدبر بعد موت سيده؛ بجنايته، ولكن بسبب الدين، وإن قل، فإن كان فيه عن الدين فضل بيع لها، عتق ثلث الفضل، وإن لم يكن رق، وصارت الجناية أملك به إلا أن يريد أهل الدين على ما ذكرنا، [قال] ولو أسقط الغرماء دينهم عن الميت، كان كمن لا دين عليه، ويعتق ثلث المدبر، أو ما حمل الثلث منه، ويتبع من الجناية بقدر ما عتق منه، ويخير الورثة فيما رق منه. قال ابن القاسم، وأشهب، وبه أقول. وقيل: إن المجني عليه أحق برقبته؛ لأن ذلك وجب له بعد موت السيد، فلا يلزمه (¬2) إسقاط الدين. والأول أحب إلي. كذلك قال فيمن أعتق في مرضه،/ أو بعد موته رقبته (¬3)، وعليه دين محيط، ثم ترك أهل الدين دينهم: أنه لا يجوز على الورثة إلا عتق ثلثهم، كمن مات، ولا دين عليه، فإذا كان عليه دين محيط، فبيع المدبر فيه، ثم طرأ له مال، فخرج من ثلثه المدبر؛ أنه يرد البيع، ويعتق فيه، ولو ترك مالا فخرج فيه، فلم يعتق حتى ¬
هلك المال، فإنه لا يعتق إلا ثلثه، ولو كان قد قوم، وأعتق في الثلث، لم يضره شيء. قال فيه، وهو في المجموعة لابن القاسم: وإذا جنى المدبر، وأسلم، فخدم المجني عليه، ثم جنى، فإن الآخر يدخل مع الأول، في خدمته من الآن؛ الأول بما بقي له، وهذا بدية جنايته كلها، ولا يخير الأول (¬1) في فدائه؛ لأنه لم تسلم إليه رقبته، إذ لو وهب للمدبر مال، لأدى منه الجناية، ورجع المدبر إلى سيده. قال في المجموعة: ولا يخير من أسلم إليه، ولكن من يدخل معه، وإذا مات السيد، وهو بيد المخدم حين (¬2) يختدمانه، وترك مالا، يخرج المدبر من ثلثه، وثلث بقيته عتق، واتبعه كل واحد من هذين بما بقي، وإن خرج نصفه، اتبع كل واحد نصف ما بقي له، وخير الورثة في فداء نصفه، أو إسلامه رقا. ولهم أن يفدوا من أحدهما، ويسلموا للآخر، ولكل واحد من الورثة فداء حصته، أو إسلامها. وما ولدت المدبرة بعد أن جنت، وقد أسلمت للمجني عليه، أو لم تسلم، فلا يدخل ولدها في ذلك، وإن بلغوا الخدمة وهم مدبرون، وليس بإسلام ملك، ولو شاء السيد متى أحب أن يعطيه ما بقي له من الأرش، ويرتجع مدبرته، كان ذلك له. وفي آخر كتاب المدبر باب في جناية المدبرة الحامل بأتم مما ها هنا. وإذا ولدت المدبرة، ثم جنت هي، ثم مات السيد، وعليه دين، فينظر إلى الجناية، فتجعل في المدبرة وحدها، فإن أحاطت بنصفها، جعل الدين على نصفها الآخر، وعلى جميع ولدها، وبيع منه ومنها بقدر ما وقع عليه الدين منه ومنها، ويعتق ثلث ما رق منه ومنها. وبعد ذلك قال ابن القاسم: ولو أحاط الجرح بالأم أو أكثر لأسلمت/ وحدها للمجروح. قال محمد: [يريد] (¬3). وكان دينه في ولدها وحدهم. ¬
ومن ومن العتبية (¬1)، قال مالك: وإذا جنى المدبر الصغير الذي لا عمل عنده، لم يسلم حتى يبلغ الخدمة، فإن مات قبل ذلك سقط حق المجني عليه، وكذلك المدبرة، لا عمل عندها ولا صنعة. قيل لمالك في سماع أشهب: فلم ترجأً المدبرة الكبيرة، لا عمل عندها؟ قال: قد يموت سيدها، أو تصيب مالاً، أو يكون شيء. ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان للمدبر مال، لم تسلم خدمته، ولا يوقف ماله، فإن بقي بيده شيء من ماله، أقر فيه، إلا أن ينزعه سيده، وإن لم يف ماله بالأرش اختدمه فيما بقي، أو فدي به، ثم إن جنى ثانيا، وقد أسلم، تحاصا في خدمته، الأول بما بقي (¬2) له تمام ما فضل من مال أو خدمة، والثاني بجراحته كلها وحدها، ولو لم يسلم ماله إلى الأول، ولا نظر في ذلك حتى جنى لدخلا في ماله، فإن لم يف بجنايته (¬3)، كانا في خدمته بقدر ما تبقى لهما إن أسلمه سيده، وإذا أسلمت خدمة المدبر إلى المجروحين حتى يختدماه، فجني عليه، فابن القاسم يرى ذلك للسيد، ولا يعجبنا، وأراه للمجروحين في بقية جرحيهما، فإن فضل من ذلك (¬4) شيء، فهو للسيد [مع] (¬5) مرجع المدبر، وإذا جرح المدبر سيده، فليختدمه في العمد والخطأ ويقاصه بذلك، لو قتله عمدا لم يعتق، ورق للورثة [إن عفوا عنه، ولو جرح سيده ثم انتزع ماله فليحسب في جرحه إن لم يكن على المدبر دين فإن وفى بجرحه رجع كما] (¬6) كان في خدمة التدبير، وإن لم يف اختدمه فيما بقي، فإن وفى خدمة بالتدبير، فإن لم يف حتى مات سيده، فإن خرج من ثلثه عتق، وأتبعه الورثة بما بقي لهم. ¬
وإذا قتل المدبر سيده خطأ، عتق في ثلث ماله دون ثلث الدية، وأخذ منه الدية، أو اتبع بها دينا أو بما عجز ماله عنها، وإن لم يخرج من ثلث ماله، عتق منه ما حمل منه ثلث المال، دون ما بقي واتبعه بحصته ما عتق منه، من الدية، إلا أن يكون مال، فيؤخذ منه مكانه ما لزمه من ذلك، وكذلك في العتبية (¬1) رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا خرج المدبر من الثلث. ومن قول أصبغ: إذا خرج/ بعضه نحو ما ذكر، وقال: ولا يدخل فيما يؤخذ منه؛ من الحصة، العتيقة من الدية. قال ابن القاسم: وإن قتله عمداً، قُتل به، فإن استحيي بطل تدبيره، وإذا جنى المدبر، وأخذت الجناية من مال المدبر، فإن لم يكن له مال، فإن وفى بها خرج حرا، وإن لم يف اختدمه المجروح، فيما بقي، ولا يضره ما استحدثه سيده من الدين بعد ذلك، ومتى وفى عاد إلى سيده في جنايته خرج حرا مكانه، وإن يرجع حتى مات سيده، لم يخرج إلا من الثلث، فيرد ما استحدثه سيده من الدين؛ لأن أحكام التدبير عليه، ولم يتم له حرمة العتق في حياة سيده، وتكون الجناية أولى به من الدين، إلا أن يكون فيه فضل عن الجناية والدين فيعتق ثلثها. قال: ولو نكل السيد عن اليمين أنه لم يرد حمل الجناية، لزمته الجناية في ماله، وعجل عتق المدبر. وإن لم يكن للسيد مال لم يحلف، ولابد من إسلام المدبر؛ يخدم في الجناية، وكان كما ذكرنا إذا حلف، إن وفى في حياة السيد، خرج حرا، وإن مات سيده قبل ذلك، رجع إلى أحكام الثلث. قال سحنون في المجموعة: وإنما لم يخير الورثة فيما رق منه؛ لأن سيده أعتقه، وتبرأ من رقه، وأسلم الخدمة التي كانت فيه، فلم يكن لهم فيه خيار، كما لم يكن للميت. قال: وإن لم يرد حتى مات سيده، وله مال، يحمله ثلثه، عتق واتبع ما بقي. ¬
وإن كان عليه، دين يغترق المدبر، استحدثه السيد بعد عتقه، قال سحنون: فإنه يعتق ثلثه، ويتبع ثلث بما بقي من الجناية، ونظر إلى ما بقي منه، فإن لم يكن فيه فضل عن الجناية-[يريد على ثلثه من بقية الجناية- رق ثلثاه] (¬1)، للمجني عليه، وإن كان في ثلثه (¬2) فضل، ولم يجد من يعينه، فيؤدي عنه ما وقع على ثلثيه من الجناية، ويعتق، فليبع من ثلثيه بقدر ما لزمها/ مما بقي من الجناية، وعتق ما بقي. قال سحنون: وإنما أعتقت ثلثيه، وعلى السيد دين يغترقه استحدثه؛ لأن الذي رد من أجله عتقه هو الجناية قبل العتق، فلا حجة لأهل الدين، لأنه قد أعتق قبل دينهم، ويقال لأهل الجناية: قد كان يعتق ثلثه، لو لم يكن قد أعتقه، فلا يضره ما أحدث له من العتق. ومن كتاب ابن المواز، وقال في المدبر يجرح امرأته الحرة، ثم مات سيده، وعليه دين محيط، ولا مال له غيره: فإن كان في رقبته فضل عن الدين والجراح، بيع منه للجرح والدين، وعتق ثلث ما فضل، ورق باقيه للورثة، ولا يفسخ النكاح، فإن اغترق الدين والجرح والرقبة، فالجرح أولى به، إلا أن يريد أهل الدين أن يدفعوا الفضل للمرأة، فذلك لهم. (فإن لم يفعلوا) (¬3)، أسلم العبد إليهم، وحرم عليها؛ لأنها ملكته، ولو افتداه أهل الدين الأرش ثبت نكاحها، وكان عبداً يباع لغرماء سيده. [ومن العتبية (¬4)، روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في عبد مدبر، جنى، وأسلم سيده] (¬5) خدمته، ثم بدا له أن يفديه بديه الجناية، أو بما بقي منها فذلك ¬
في جناية المدبر والجناية عليه
له، كإسلام العبد؛ لأنه لم يسلم الرقبة إلى المجروح، وإنما أسلم الخدمة، وهي كمال يأخذه شيئا بعد شيء، فإذا وجده نقداً، فلا حجة له. ومن العتبية (¬1)، روى أشهب عن مالك، في المدبر يسلم خدمته في جناية، فيموت المدبر قبل استيفاء المجروح حقه، ويترك مالا: فإنه يأخذ المجروح من ماله ما بقي له، وما فضل دفع إلى سيده] (¬2). في جناية المُكاتب، والجناية عليه من كتاب ابن المواز، قال مالك: إذا جنى المكاتب، فلم يقم المجروح حتى أدى الكتابة، وعتق، فإنه إن أدى الآن الأرش، وإلا نقص كتابته، وعتقه، ثم خير سيده بين أن يفديه رقيقا، أو يسلمه رقيقا، ويرد معه ما اقتضى منه/ من يوم الجناية. قال أشهب: وكذلك عجزه عن قضاء [دين، فإنه تنتقض بذلك كتابته، ويتبع به في ذمته. قال محمد: ليس عجزه عن قضاء] (¬3) دينه، كعجزه عن أداء دية ما جنى؛ لأنه يجوز له أن يكاتب عبده، وعليه دين، ولا يكاتبه وفي عتقه جناية، وإن قلت؛ لأنها في الرقبة، والدين في الذمة لا يأخذه من جراحه وكسبه ودية ما يجنى عليه، وهذا كله يؤخذ فيما يجني، وله أن يؤدي من مثل هذا كتابته، ولا حجة لأهل دينه. وقاله ابن القاسم، عن مالك، إذا أوفى الكتابة، ثم قام غرماؤه فلا حجة لهم، إلا أن يعلم أن ذلك من أموالهم، ويجوز إقراره بالدين؛ لأنه كالمأذون، ولا يجوز إقراره بالجناية. قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا جنى أحد المكاتبين في كتابة، فإن لم يؤد هو أو أحد ممن معه الأرش، وإلا عجزوا أو أسلم الجاني وحده، أو فدى. قال ¬
أشهب: وكذلك في عجز أحدهما عن دين عليه، قالا: وإن أدى عنه الجناية، وهو أحق، لم يرجع عليه بشيء كالكتابة يؤديها. قال أشهب: وكذلك لا يرجع على كل من بينه وبينه رحم- بخلاف ابن القاسم (¬1) وإن لم يتوارثا بها. قال محمد: بل يرجع على كل من لا يعتق عليه بالملك. وقاله ابن القاسم، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وإذا لم يؤد المكاتب جنايته حتى جنى ثانية، أو أكثر، وإن تباعد ما بين كل جناية، فقد عجز به، ولكن إن قال: ما عندي الآن، فأنا أؤدي إلى أيام. فلا يعجزه إلا السلطان؛ فيقول له: إن أديت من يومها، وشبهه، وإلا فأنت رقيق. ثم يخير سيده كالعبد. قال أشهب في المجموعة: ولا يضرب له السلطان من الأجل فيما عليه من الجناية، إلا قدر يوم ونحوه، فإن أدى، وإلا رق. وقال نحوه عبد الملك؛ قال: ولا يكون له من الأجل (والنفس) (¬2) في ذلك ما يكون له من نجومه من فسحه التلوم. قال أشهب: ولو طلب المجني عليه أولياء القتيل في عمد أو خطأ أن يسلم/ إليهم المكاتب مكاتبا (¬3) كما هو، أو فداه، أو طلب ذلك السيد، فلا يكون ذلك إلا برضى من الفريقين. ومن كتاب ابن المواز: وإذا جنت مكاتبة ولها ولد حدثوا في الكتابة، أو كاتبت عليهم، أو كانوا أجنبيين، فإن أدوها حالة، وإلا عجزوا، ولو ماتت هي سقطت الجناية عليهم، ولم يلزمهم أداؤها، ولدتهم (¬4) بعد الجناية أو قبل، أو كاتبت عليهم، أو كانوا أجنبيين، ولا على السيد إلا أن يدع الجاني مالاً، فللمجني عليه أخذ الجناية منه، وهو أولى به ممن معه في كتابة، ومن السيد، فإن لم تف بها، لم ¬
يكن له غيره، وكذلك لو قتل الجاني، فما أخذ فيه، فللمجني عليه فيه أرشه، إلا أن يفدي عن ذلك منه السيد أو المكاتبون معه؛ لأن ذلك محسوب على السيد في آخر كتابتهم. وإذا جنى المكاتب على مكاتب لسيد، معه في كتابة واحدة، فإن أدياها، وإلا عجزوا، ومن وداها منهما، عتقا بذلك، كانت عمدا أو خطأ، ولو أداها الجارح كلها، فإنه يرجع عليه المجروح بقدر ما دخل له من هذه الدية في الكتابة كاملا. قلت: وإن كان خطأً؟ قال: نعم، سواء كانوا إخوة، أو أقارب، أو أجنبيين؛ لأنه إن لم يرجع على الجاني بذلك، وهو المؤدي، كان قد رجع إليه بعض ما أدى من الدية. قال: ولو اداها المجروح كلها عن الجارح، عتقا بذلك (¬1)، وهذا إن كان خطأً، فإنه يرجع على من لا يعتق عليه بالمال إذا كان هو الجارح، فيأخذه بالأمرين بدية الجناية، وبما يقع عليه من الكتابة، وإن كان [ممن يعتق عليه فلا يرجع عليه إلا بالخيانة وحدها إن كانت خطأ، وإن كانت عمداً فذلك سواء عليه بالدية والكتابة وإن كان] (¬2) وارثا، [أديا له ويقولون] (¬3) التهمة أن يتعمد جرحه لتعجيل العتق بماله. محمد في كتاب المكاتب: وهذا غلط لا ينبغي أن يعتق بذلك الجاني، إذا جرحه عمدا، ولا يتعجل بجناية عمد عتقه بمال المجروح، وهو متهم في ذلك، [فإن كان أحد ممن معه مليئا] (¬4) فلابد من عجزه، ونص جملة كتابتهم عليهم، بقدر كل واحد، فيرق الجاني وحده، وتكون رقبته للمجروح يأخذه السيد، ويحسب/ قيمته له ولأصحابه، في آخر كتابتهم، أو قيمة الجناية، فإن وفي ذلك ¬
بما بقي عليهم، خرجوا أحرار، واتبع المجروح من عتق معه بحصة ما عتق من ذلك، وإن لم يكن ممن يعتق عليه، فإن كان في قيمة الجارح فضل عن باقي الكتابة، فذلك الفضل للمجروح. [قال: وإن كانت قيمة الجاني أقل من الأرش، قيل للمجروح] (¬1) ومن معه: أدوا بقيمة الأرش. فإن عجزوا عن ذلك، رقوا، وإن أدوه معجلاً، حسب ذلك لهم مع قيمة رقبة الجاني في آخر كتابتهم؛ لأنهم حُملاءُ بعضهم ببعض، وأما لو قتله عمداً، ولم يجرحه، وقد ترك مالاً، فلا يعتق القاتل فيه، وإن كان ذا قرابة، ويقال له: إن عفا السيد عن قتله (ود دية المقتول) (¬2)، وإلا عجزت، [فإن أداها وفيها وفاء بالكتابة] (¬3)، عتق بها، ثم اتبع ثانية بما عتق به منها، يغرمه ثانية. قال ابن القاسم، وعبد الملك: يتبع بما يصيبه من أداء ذلك في الكتابة. وقال أشهب: يتبعه بالجميع، وإن قتله خطأً، عتق القاتل في تركة المقتول، إن لم يكن في ديته وفاء، كان أجنبيا أو قربت القرابة؛ لأنه خطأً، إلا أنه يتبع الأجنبي بما أدى أولا من ماله، ومن دية الجناية، ولا يتبع القريب إلا بما أدى من الدية. قال: وإن كان للمقتول مال، والقاتل ملي، فإنما يؤدي الكتابة من الدية وحدها. هذا أحب إلي، وقد اختلف فيه. قال ابن القاسم،: يغرم القاتل قيمته، وإن وفت، عتق بها القاتل، ثم اتبع ثانيه بما كان يصيبه منها، وإن لم يكن فيها وفاء، تمت الكتابة من مال المقتول، وعتق بذلك القاتل، واتبعه السيد بحصته، مما يصيبه من القيمة، وبما أدى عنه من مال المقتول. محمد: وذلك في الأجنبي، فأما من يعتق عليه، فلا يتبع إلا بما بقي من الدية. وقال عبد الملك: لا تؤدى الكتابة إلا منها؛ من قيمته، ومن ماله ¬
بالحصص، ثم يكون ما بقي من قيمة رقبته لسيده، وما بقي من المال للأخ ثم يرجع السيد عليه بما دفع إليه مما دخل عليه من تلك القيمة عن الكتابة. ولا يعجبنا هذا؛ لأنه قد صيره للسيد مع الأخ في الخطأ ميراثا فيما ترك/ للمقتول من ماله، بعد أن استوعب السيد [القيمة وفيها وفاء بالكتابة وأكثر، ألا تراه قد وفى الدية ببعض ماله حين يفي من الدية بقدر ما دفع من ماله فأخذ السيد] (¬1) ما بقي من الدية، وإنما ذلك من ماله؛ ليس من الدية، فأحرم الأخ ميراثه؛ مال أخيه، وصيره لسيده، بغير حق، ولو كان هذا، لكان المكاتب إذا قتله أجنبي (¬2)، وترك مالاً، وعليه دين محيط، أن تكون الكتابة في قيمته، وفيما ترك من ماله، ثم لا يكون لأهل الدين إلا ما بقي من ماله، وليس كذلك، وإنما صار السيد أولى بقيمته من أخيه؛ لأنها ثمن رقبته، ورقبته مال للسيد دونه، إلا أنه لابد أن يحسبها من كتابته؛ لأنه لا يرثه وعليه دين، فالكتابة أولى بقيمة رقبته من الورثة. قال: إن كان معها أخ ثالث في الكتابة، والقتل خطأً، فإن ما فضل عن القيمة من الكتابة لهذا الأخ، وله ما يرجع به على القاتل، بما يصير له من القيمة التي دفعت عنها في الكتابة، يكون أولى بذلك من السيد؛ لأن السيد تعجل من قيمة المقتول وفاء كتابته؛ لأنه ثمن رقبة عبده، فإن كان فيها فضل، فالفضل وما يرجع به على القاتل منها لهذا الأخ، وأما ما ترك المقتول من سوى القيمة، فبين الأخوين شطرين ميراثا؛ لأن القتل خطأً، فيرث من المال دون الدية، فإن لم يكن في القيمة وهاء الكتابة، تعجلها السيد، فإن كان للمقتول مال، أخذ منه السيد باقي الكتابة، ثم كان ما بقي بينهما؛ لأن القتل خطأً، ويستوفي الأخ الذي لم يقتل، من نصيب الأخ، من هذا المال قدر ما وقع على القاتل من القيمة التي أخذها السيد، فيقاصه بذلك، فيما يصير له من مال المقتول، فإن بقي له شيء أخذه. ¬
وإن كان القتل عمداً، وليس فيما غرم القاتل من الدية وفاء للمكاتبة، وترك المقتول مالاً فليستوف (¬1) منه السيد ما بقي على المقتول والأخ الذي لم يقتل من الكتابة، ويؤدي القاتل من عنده ما بقي عليه من الكتابة، [حتى يصير غارما] (¬2)، ويعتقوا، ويرجع الأخ الحي (¬3) على أخيه القاتل بما حسب له من القيمة التي غرمها، فيما عليه من الكتابة، حتى يصير غارما للدية كلها؛ لا ينتفع منها بشيء، وإن لم يكن معها أخ ثالث. والقتل عمداً وترك/ المقتول مالاً أكثر من الكتابة، فهو كله للسيد، ولا يؤدي عن القاتل منه؛ لا دية ولا كتابة. قال أشهب: ولو قتله خطأً، كان ما ترك للمقتول يؤدي منه للسيد الدية، فيعتق بها القاتل، ثم يرجع عليه السيد بذلك ثانية، ولو كان أجنبيا رجع عليه بالدية والكتابة. ولو جرح أحد المكاتبين الآخر خطأ، وهم ثلاثة إخوة، في كتابة، فإنه يقال لهم: أدوا الجناية. فإن أدوها، وكان فيها وفاء، عتقوا بها، فإن أداها الجاني وحده، رجع عليه المجروح أيضا بعد عتقه بثلث الدية؛ لأنه الذي عتق به، وإذا أدوا كلهم الدية، كان للمجني عليه على الجاني الدية كلها، يتبعه بعد العتق بها، وإن لم يكن للجارح مال، أخذت من ماله شيئا أو أبي، لأنه حميل عنه، والجناية خطأ. قال أشهب في المكاتب يجني عبده: فللمكاتب فداؤه أو إسلامه، ما لم يحاب (¬4)، فيرد ذلك عليه السيد. وإذا جنى مكاتب المكاتب، فإن أدى الجناية، بقي على كتابته، ولا سبيل [عليه، وإن كانت أضعاف قيمته، وإن عجز عن ذلك، رق، وخير المكاتب الأعلى في] (¬5) فدائه وإسلامه. ¬
في الأمة توهب لرجل وما في بطنها الآخر فتجني، والأمة تجني فلم تتبع حتى ولدت
وقال أشهب في المكاتبة تلد، فيقتل السيد ولدها، فليؤد قيمته، فيعتق فيها الأم، فإن لم تف بالكتابة، تعجلها السيد من أجرها، فإن كان فيها فضل، [فلابنها كله، وإن كانت ابنة فنصفه وللسيد نصفه وهذا في الخطإ، وأما العمد لم يرث السيد منه شيئا، وكان ما فضل لأولى الناس بالسيد، وكذلك لو كاتبهما معا. ولو كانا أجنبيين فقتل السيد أحدهما عمدا فإنه يعتق الثاني (¬1) في قيمته ويكون ما فضل عن قيمته ومن ماله، وما يرجع به عن صاحبه لأولى الناس بالسيد لو كان السيد ميتا، ولو قتله خطأ كان ذلك كله للسيد] (¬2) قال: وإذا قتل السيد مكاتبا لمكتبه أو لأمته أو لأم ولده وفي قيمتها وفاء بيعت عليه فيه [كتابة ومكاتبه هذا] (¬3)، ويدفع إليه الثمن، وهو في ملك غيره. وإن شج مكاتبه موضحة، وضع عنه نصف عشر قيمته، لو بيع، فيحسب من آخر كتابته. وإن وطئ مكاتبة غصبا/ وهي ثيب، فلا شيء عليه، وعليه في البكر ما نقصها يحسب في كتابتها. وقال ابن القاسم: عليه ما نقصها. ولم يذكر بكرا، ولا ثيباً. وكذلك الأمة؛ له نصفها، أو أمة لغيره. في الأمة؛ توهب لرجل، وما في بطنها الآخر، فتجني، والأمة؛ تجني، فلم تتبع حتى ولدت من كتاب ابن المواز، ومن العتبية (¬4)، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، ومن وهب أمة حاملا لرجل، وما في بطنها لآخر، فجنت، خير من له الأمر، فإن أسلمها، فهي وما في بطنها للمجروح، فإن فداها بالجناية، فتكون بحالها، ويكون ¬
ما في بطنها لمن وهبت له. قال في كتاب محمد: وإن تأخر النظر فيها حتى تضع، فالولد لصاحبه، ولا تلحقه الجناية، ويخير صاحب الأم؛ فإما فداها، أو أسلمها وحدها. قال في العتبية (¬1): وإن أسلمها صاحب الرقبة، وهي حامل، فقال صاحب الولد: أنا أفتكها. قال عيسى: ذلك له. قال ابن القاسم في العتبية (¬2): ولو لم تجن الأمة، ولحق من له رقبتها دين، لم تبع في دينه، حتى تضع. قال: ولو أعتقت هي خاصة، ثم جنت قبل أن تضع، فالجناية دين عليها، ويأخذ صاحب الجنين [جنينه، إذا وضعته، وليس لصاحب الجرح فيه شيء. قال في كتاب ابن المواز: ولو أعتق صاحب الجنين جنينه] (¬3) قبل جرحها فإنها تكون على ما وصفت لك إذا لم يعتقه، ولو كان إنما أعتق صاحب الأمة الأمة، فقد اختلف فيه، وأحب إلي أن يتم عتقه، إلا بعد الوضع. قال أشهب عن مالك: وكل أمةٍ جنت، فلم تبع حتى ولدت أولادا، فلا يلحق ولدها شيء من جنايتها، بخلاف ولد المدبرة، ولكن كالموصى بعتقها تلد قبل موت السيد، فلا يدخل ولدها في الوصية، فإن مات سيدها قبل أن تلد لحق ولدها الوصية. وفي باب: العبد يجني، ثم يجني عليه، من مسائل الأمة؛ تجني، فلم تتبع (¬4) حتى ولدت. ومن كتاب ابن المواز: ومن وهب ما في بطن أمته؛ لرجل، فضرب/ رجل بطنها، فألقت جنينها ميتا، فديته للموهوب له، وكذلك لو كان قد وهبها لآخر فالغرة، لمن له الجنين (¬5). ¬
والموصى له بالجنين إذا أعتقه بعد موت الموصي، ثم ضربت الأم، فألقته ميتا، ففيه ما في جنين الأمة، يرثها الموهوب، دون والده الحر. قاله ابن القاسم؛ قال: ولو خرج حياً، فاستهل، كانت ديته لأبيه، أو من يرثه من الأحرار، ولو أعتقت الأم قبل أن تضع، بطل عتق الموهوب، وكان حرا بعتق الأم. وقد اختلف في الجنين يعتقه الموهوب، ولم يعتق الأم، ثم ضربت، فألقته، فاستهل، ثم مات، فقال أشهب: فيه قيمته مملوكا؛ لأنه مات بما أصيب به في حال الرق، فذلك لسيده، إذ لا يمسه العتق إلا بالوضع، كالمعتق إلى اجل يجرح قبل الأجل، ويموت بعده من الجرح، ففيه قيمته عبداً، يوم أصابه، ويكون لسيده. وكذلك العبد، يجرح، ثم يعتق، ثم يموت من الجرح، فقيمته يوم جرح، ويكون ذلك لسيده. وقال ابن القاسم: إذا أعتق الجنين قبل الضرب، ثم خرج مستهلا، ففيه عقل؛ الحر يرثه ورثته الأحرار. قال أصبغ: قال ابن القاسم، في أمة بين رجلين، أعتق أحدهما ما في بطنها: فلا عتق له حتى يخرج فيقوم عليه، ولو أصيب، فخرج مستهلا، ففيه دية عبد؛ إذ لا يعتق إلا بعد التقويم. محمد: وليس كمن له الجنين كله، فأعتقه. قال ابن القاسم: ولو أعتق أحدهما الجنين، وأعتق الآخر نصيبه من الأم، فعتق الأم لازم، ولا عتق لصاحب الجنين. محمد: ومن ترك زوجة حاملا، وأخا، وعبدا، فضرب العبد بطنها، فألقت جنيناً ميتاً، فالعبد لها ربعه، وللأخ ثلاثة أرباعه، فقد صار الآن بينهما بالميراث، بسبب الجنين، على الثلث للأم، والثلثين للعم (¬1)، على أنهما أسلماه؛ لأنهما إما أن يسلماه، فيرجع إليهما على هذا أو يفتكاه، فتخرج في في الربع من الغرة والعم ثلاثة أرباعها، ثم يرثا الجميع على الثلث والثلثين، فيرجع العم ما أخرج إلا ¬
مسائل مختلفة من الجنايات والتعدي وذكر الجناية على الحيوان
قيراطين من أربعة/ وعشرين، يصير منه إلى الأم ربعها الذي أخرجت، فيرجع الجواب كله [إلى تخيير العم] (¬1)؛ إما أن يفدي من الأم (¬2) هذين القيراطين، وهو نصف سدسه إلى الزوجة، فيثبت لها ثلاثة أرباعه، أو يسلمه إليها، فيصير لها ثلثاه، ولا يقال للمرأة شيء؛ لأن مصابتها راجعة إليها أسلمتها، أو فدتها، وإنما ثبت لها فيه قيراطان (¬3) زائدة على ربعها. ولو استهل الجنين، ثم مات، فإنه يصير للزوجة عشرة قراريط [من العبد، وللأخ أربعة عشر قيراطاً؛ لأن لها عن الزوج من العبد الثمن؛ ثلاثة قراريط] (¬4)، لما استهل الولد، وبقيت أحد وعشرون قيراطا، مورثة عن الولد، للأم ثلثها؛ سبعة، وأربعة عشر للعم. مسائل مختلفة من الجنايات والتعدي وذكر الجناية على الحيوان من العتبية (¬5)، روى أشهب عن مالك، في عبد لأيتام، شج رجلا ثلاث مواضح (¬6)، وملطاتين (¬7)، فوجب عليه بذلك مائة وخمسون دينارا، فأرادها الوصي- يريد من ماله- وأخذ العبد لنفسه، قال بئس ولي الأيتام هذا فليرجع ذلك إلى السلطان، فينظر فيه. ¬
قال أصبغ: ومن أمر رجلا بقتل عبده، فقتله، فعلى القاتل قيمته. وقال سحنون: لا قيمة للسيد؛ لأنه عرض ماله للتلف، وعلى سيده وجيع الأدب (¬1)، ويضرب القاتل مائة، ويسجن سنة- يريد ويعتق رقبة-. ومن سماع ابن القاسم: ومن قتل كلبا معلما، أو كلب ماشية، أو حرث، فعليه قيمته. قال سحنون: وله أكل ثمنه، ويحج به إن شاء. قال أصبغ: لا يجوز بيع كلب، وإن احتاج صاحبه إلى أكل ثمنه. وقال ابن نافع: إنما الحديث في المنهي عن أكل ثمنه؛ هو الكلب العقور، المنهي عن اتخاذه. ورواه مالك مستحلا (¬2). قال مالك فيمن دخل مضيقا بأرض العدو، ورمحه بيده، فأصاب به فرسا، غير متعمد: فلا شيء عليه. ولم يره مثل الإنسان. قال ابن القاسم: إن أصاب/ به إنساناً، فعليه، وإن أصاب به دابة في الحضر، فعليه. قال سحنون: يضمن في الحضر، والسفر. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، فيمن كسر بقرة رجل، أو شاته، فخاف ربها عليها الموت، فذبحها: فأما الكسر المعطب، يوجب قيمتها، فذبح صاحبها رضى، بحسبها، ولا غرم على الجاني، قل أو كثُر. وذلك أن ربها كان مخيرا بين تضمينها بجميع القيمة، ويدعها، أو يأخذها وحدها، ولا شيء له. وإن كان ما أصابها به غير معطب، فله ما نقصها على الجاني، ذبحها أو تركها. قيل لسحنون فيمن أخذ مائة دينار قراضا، فابتاع بها عبدا، فجنى، وقيمته مائة، فأسلمه رب المال: هل للعامل أن يفتكه؛ لما يرجو من فضل؟ فإن فعل، ¬
فهل ينفرد بالفضل؟ قال: له أن يفتكه إذا رجا ذلك، ويدخل مع رب المال في الفضل، وإن بيع بنقص، فالخسارة على العامل. والمرتهن قد يفديه. وإن كان فيه فضل، قضي به الدين. قيل فيمن باع عبدا بدين، فجنى عند المبتاع، فلم يقم فيه حتى حل الدين، وفلس المشتري: من أحق بالعبد؟ قال: البائع إلا أن يكون فيه فضل عن الثمن، والأرش، فيطلب الغرماء الفضل، فذلك لهم، فيباع للجناية، والثمن وما بقي للغرماء، ما يحط عن دين المفلس، فإن أبى الغرماء أخذه، قيل للبائع: إن شئت أن تأخذه بالعيب الذي حدث فيه، بعد ان تدفع أرش الجناية، فافعل. فإن أبى دفع للجرح إلا أن تزيد قيمته على الأرش، فيقال للغرماء: اضمنوا الأرش، وبيعوه، وخذوا ما بقي في دينكم. وإذا فداه الغرماء بالأرش، فمات في أيديهم، لم يرجعوا على المفلس من ذلك بشيء؛ لأنهم متطوعون فيه، وأما الثمن الذي دفعوه عنه إلى البائع، فلهم الرجوع به على المفلس؛ لأنه دين عليه، ولم تكن الجناية ديناً عليه، وهي في رقبة العبد. ولو رهنه المشتري، ثم فلس، لكان بائعه أولى به إلا أن يكون/ فيه فضل عما رهن فيه، وعن الثمن، فضلب الغرماء ذلك، فإنه يباع منه للبائع وللمرتهن، فما فضل، أخذه الغرماء، فإن أبوا، قيل للبائع: إن شئت فرد ما رهن فيه، وخذه، وإلا فاتركه، واضرب بينك مع الغرماء. ويباع العبد، فيأخذ المرتهن دينه، وما فضل فللغرماء، ومن فداه هنا من المرتهن، كان البائع أو الغرماء فليرجع على المفلس بما فداه، بخلاف ما فدوه به من الأرش؛ لأن هذا دين في ذمته، والأرش في رقبة العبد. ومن كتاب ابن حبيب، روى عن عبد الله بن عبيد، قال: دخل علينا عبد لأبان بن عثمان، فسرق متاعا، فأدركناه، فكابرنا، فربطناه، فأصبح ميتا، فطلب منا أبان عنه، فعرفنا سرقته، فجعل علينا قيمته؛ على أنه مقطوع اليد في السرقة.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أرسل رجلان كلابا لهما على ظبي مستأنس لرجل، فقتلاه، أو أرسل أحدهما كلبا، وأرسل الآخر ثلاثة، فقتله الأربعة. فأرى غرم الظبي على الرجلين؛ نصفين، كما لو رماه أحدهما بسهم، والآخر بثلاثة أسهم، فمات كان الغرم عليهما نصفين. وكذلك لو كانت الكلاب بينهما؛ لأحدهما ثلثها، والآخر الثلثان، غرما قيمة الظبي شطرين. وكذلك لو أرسل رجل كلبا، ورجل آخر كلبين على صيد، فأخذته الثلاثة، كان الصيد بينهما نصفين. قال محمد: والحائط المائل إذا كان بين قوم على أنصباء مختلفة، فأعذر إليهم السلطان في هدمه، فلم يهدموه حتى سقط على شيء، فكسره، كان ضمان ذلك عليهم بالسواء على الأنصباء. تم كتاب الجنايات
كتاب الجراح
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجراح الأول (¬1) القول في ديات الأعضاء، وديات الجراح، وأسمائها، وصفاتها، وذكر ما فيه الاجتهاد منها، ومن الكسر،/ والضرب، والحلق (¬2) من المجموعة، وكتاب ابن المواز مثله، إلا ما نسب إلى سحنون. قال ابن القاسم، وابن وهب: قال مالك: الآمر عندنا في الجراح على ما في الكتاب الذي كتبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى نجران (¬3). قال سحنون: واجتمع العلماء على ما فيه؛ أن في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف، إذا أوعي (¬4) جدعا، مائة من الإبل، وفي العين خمسون من الإبل، وفي اليد خمسون من الإبل، وفي الرجل خمسون من الإبل، وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل. ¬
وفي المأمومة (¬1) ثلث النفس، وفي الجائفة (¬2) ثلث النفس، وفي المنقلة (¬3) خمس عشرة فريضة، وفي الموضحة (¬4) خمس من الإبل وفي السن خمس من الإبل. قال مالك: وأجمع الناس على أن في اللسان الدية، وفي الذكر الدية، وفي كل فرد من هذه الدية كاملة. [وأخف ذلك الحاجبان، وثديا الرجل. قال عنه ابن وهب: وبعض ذلك أبين من بعض؛ ليس ثديا الرجل كثدي المرأة، ولا الجاجبان كالعينين. قال مالك: بلغني أن في ثدي المرأة الدية كاملة] (¬5)، وفي الأنثيين الدية كاملة. قال مالك: وفي كل زوج من الإنسان الدية كاملة. قال أشهب: في إليتيها الدية كاملة، وهما أعظم ضررا من ثدييها؛ فإن ما يبقى منهما بعد الثديين أكثر نفعا وجمالا مما يبقى بعد الإليتين. وأما إليتا الرجل؛ ففيهما حكومة، على قدر ما شانه، وأضر به، وليس كالمرأة فيهما، كما يفارقها في الثديين. قال ماللك: في الحاجبين، وثديي الرجل حكومة. ومن المجموعة، قال أشهب والمغيرة: والحاجبان من الرجل والمرأة سواء؛ فيهما حكومة. وقال أشهب: كأشفار العينين، واللحية، والشاربين. قال مالك: ليس في الحاجبين- وإن لم ينبتا- إلا الاجتهاد. قال ابن القاسم: وكذلك إليتا المرأة. ¬
قالوا عن مالك: في العقل الدية [وقد جاءت الدية] (¬1)، فيما هو أيسر منه. قال أشهب: وروي ذلك عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه فيه مائة من الإبل، وعن عمر، وغيره. [قال على/، عن مالك] (¬2): لم أزل اسمع أن في الضرب [الدية إن انقطع] (¬3) وما نقص منه، فبحسابه. وقاله المغيرة. قالوا: قال مالك: وفي الصلب الدية، إذا أقعد عن القيام، فإن برئ على انحناء، ففيه قدر ذلك. ابن القاسم: كأصل اليد. قالوا عن مالك: وفي الأذنين الدية، إذا ذهب السمع؛ اصطلمتا (¬4) أو بقيتا، وكذلك العين؛ يذهب نظرها، [وتبقى قائمة] (¬5)، ففيهما نصف الدية. قال أصحاب مالك عنه: إن الأمر المجتمع عليه عندنا؛ أنه ليس فيما دون الموضحة من شجاج الخطإ (¬6) عقل مسمى، وإنما انتهى النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الموضحة فيما له عقل، وليس أجر الطبيب بأمر معمول به (¬7) قال عنه ابن نافع (سئل) (¬8) عمن كسرت فخذه، ثم انجبرت مستوية: أله ما أنفق في العلاج؟ قال: (ما) علمته (¬9) من أمر الناس، أرأيت إن برئ على شين، أيأخذ ما شأنه. وما أنفق؟ قال: لا يكون قضاء مختلف في شيء واحد، وإنما فيه ما شأنه. ¬
ابن القاسم، وأشهب، عنه: وليس في الباضعة (¬1)، والدامية، والسمحاق (¬2)، والملطاة (¬3) شيء، إذا كانت خطأً، وبرئ إلا إن برئ على شين، ففيه حكومة. قال أشهب: يقوم ذلك أهل المعرفة، بقدر شينه وضروره. ومن كتاب آخر ذكر ذلك فيه عن بعض أصحاب مالك، في تفسير الحكومة؛ أن يقوم المجروح على أنه عبد صحيح، ويقوم وبه ذلك الشين، فما نقص، فمثله من ديته. ومثله في كتاب الأبهري. قال ابن حبيب، في أسماء الجراح في الوجه والرأس: وهي عشرة؛ أولها الدامية؛ تدمي الجلد بحدس (¬4) أو حرش (¬5)، ثم الجارضة؛ تجرض الجلد؛ أي تشقه، [وهي السمحاق، وهي تشق الجلد، كأنه تكشطه] (¬6) عن اللحوم، ثم الباضعة؛ تقطع اللحم بعد الجلد؛ أي تشقه، ثم المتلاحمة وهي التي أخذت من اللحم، فقطعت في غير موضع، ثم الملطاة (¬7)، بينهما وبين العظم صفاق رقيق. قال غيره: وهي السمحاق، وكل جلدة رقيقة؛ فهي سمحاق، وهو مشتق من السحاب الرقيق. ابن حبيب. ثم الموضحة؛ وهي التي توضح عن العظم، ثم الهاشمة؛ تهشم العظم،/ ثم المنقلة؛ التي تطير فراش العظم مع الدواء، أو هشمته، وإن لم يطر، أو صدعته (¬8)، وبينه وبين الدماغ صفاق صحيح، ثم المأمومة؛ وهي ما أفضى إلى الدماغ. ¬
وقال ابن المواز: الملطاة؛ هي السمحاق، وهي التي لا تقطع الجلد، وهي تهشم اللحم، وتنتف الشعر، وتدمي، ولا تقطع من الجلد شيئاً [والدامية تدمي ولا تقطع شيئا من الجلد] (¬1)، ولا تهشم من اللحم (¬2) شيئا ولا تبينه، والباضعة؛ التي تبضع في الرأس، ولا تبلغ العظم. جراح ومن المجموعة- وأكثر في كتاب ابن المواز- قال مالك: وقد وقت قوم في هذه الجراح؛ التي دون الموضحة توقيتا من الدية، والذي يجتمع عليه (¬3) أنه ليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد. قال مالك: وذلك التوقيت لا أصل له، وأول من كتب به معاوية، ثم طرحه عمر بن عبد العزيز حين ولى. ومن كتاب آخر: وقد أنكر مالك ما روى عنه؛ أنه حدث به عن عمر وعثمان في الملطاء، وقال: ما تحدثت بهذا قط. قال في المختصر: ولو جرى أهل بلد على عقل مسمى فيما دون الموضحة، لرأيت أن يبطل ذلك الإمام، ولا يحكم به. قال ابن عبدوس: قال المغيرة: ليس في الصدر إذا أوهن إلا الاجتهاد. قال علي [بن زياد] (¬4)، عن مالك، فيمن ضرب رجلا، ففتقه، فوقعت مصارينه في أنثييه: فإنما في ذلك حكومة. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال ابن القاسم [وأشهب] (¬5)، في حلق الرأس خطأً إذا لم ينبت: ليس فيه إلا الاجتهاد. وكذلك في اللحية، والشاربين، والأشعار، وما ينبت من ذلك: فلا شيء فيه، وليس في عمده قصاص، وفيه الأدب. ¬
وذكر أبو الفرج البغدادي في كتابه، عن ابن الماجشون: أن في الشواة (¬1)؛ وهي جلدة الرأس، الدية، وكذلك في الصدر إذا هدم، ولم يرجع إلى ما كان عليه. قال فيه وفي كتاب الأبهري: إذا ضرب الأنف، فأذهب شمه، والأنف قائم: أن فيه الدية كاملة. [وقاله أبو الفرج، وقال ابن نافع، عن مالك: أنه لا دية فيه] (¬2) حتى يستأصل الأنف من أصله. يقول: لا تكمل فيه الدية إلا بهذا، وهذا شاذ. قال أبو الفرج: وخالف ابن الماجشون مالكا، فقال في الذكر والأنثيين [الدية وكذلك] (¬3)، إذا قطع أحدهما قبل الآخر: أن الثاني/ فيه حكومة. وقال أبو بكر الأبهري: إن قول مالك اختلف فيه؛ فقال مرة: هذا [إذا] (¬4) كان في قطع واحد أو قطعين. وكذلك قال ابن حبيب، وقد ذكرناه في باب دية الذكر. ومن المجموعة، وأكثره من كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب، عن مالك: وليس في شفر العين، وحاجبها [إلا] (¬5) الاجتهاد، إلا أن ينقص نظر العين، وكذلك في الأشفار، والجفون، وليس في أشراف الأذنين إلا الاجتهاد إذا أبقى السمع. قال ابن نافع عنه: وإن أعيدتا، فنبتتا، فلا شيء فيها. قال عنه ابن القاسم: وإنما في كسر الضلع، والترقوة الاجتهاد، وكل ما كسر من عظام الجسد، فبرئ، وعاد لهيئته، فلا شيء فيه. وإن نقص أو برئ على عثل (¬6) فإن كان شيء جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم- توقيت دية، ففيه منها بحساب ذلك- يريد ما نقص- قال أشهب وعنه وليس في هذا حكومة، ليسن إن كان في اليد والرجل، لكن بقدر ما نقص من ديتها برئت على شين، أو غير شين. ¬
وكذلك العين يخرج حاجبها، فيبرأ على شين، وقد نقص نظرها (¬1)، فإنما فيه بقدر ما نقص من نظر العين، من ديتها، إلا أن يوضح الحاجب (¬2)، فتكون فيه دية الموضحة، مع ما نقص من العين. وجراح الجسد كلها غير الرأس؛ إنما فيها في الخطأ الاجتهاد، إلا الجائفة، ففيها ثلث الدية. قالوا عن مالك: وليس في النافذة في عضو من الجسد إلا الاجتهاد. قال عنه ابن وهب: وليس في الظفر؛ يقلع (¬3) إلا الحكومة، إذا لم ينبت. قال عنه على: أو خرج مشققا، لا يزال. قال عنه ابن القاسم: وإن عاد لهيئته، فلا شيء فيه. قال عنه [ابن القاسم] (¬4)، وابن وهب: ومن ضرب رجلا، حتى أحدث، فليس فيه إلا الأدب، وأنكر ما روي فيه. وفي كتاب القصاص، باب ما فيه القصاص، باب ما فيه القصاص، وما لا قصاص فيه، من الجراح، وغيرها؛ فيه بقية من هذا المعنى. ¬
في دية الأنف والأذنين والعينين ودية العقل تؤخذ، ثم تعود
في دية الأنف والأذنين [والعينين] (¬1)، ودية العقل تؤخذ، ثم تعود/ من المجموعة، قال أشهب: روي للنبي- صلى الله عليه وسلم- في الأنف، يقطع مارنه؛ قضى فيه بالدية كاملة (¬2) وروي ذلك عن علي، (ابن أبي طالب) (¬3)، وغيره، [وروي ذلك عن الشيخة السبعة. ومنه، ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب، وغيره] (¬4)، عن مالك: والذي فيه الدية من الأنف، أن يقطع المارن، دون العظم، ولو استؤصل من العظم، فإنما فيه الدية فقط. قال أشهب: المارن هي الأرنبة، وهي الروثة (¬5) وذكرنا في الباب الأول، من رواية شاذة، عن مالك، أن الدية في استئصال العظم. قال مالك في الكتابين: وإذا قطع بعضه، فإنما يقاس من المارن كالحشفة. ومن كتاب محمد: وإذا خرم أنفه، فإن خرم العظم، وسلخ المارن، ففيه حكومة، إن برئ على عثم (¬6) أو شين، فإن خرم ما دون العظم، فذلك الخرم كالقطع، له من الدية بحساب ذلك ما ذهب من مارنه، بعد البرء. وإن برئ على غير شين، فلا شيء فيه، في الخطأ. وفي العمد القود. قال مالك فيه، وفي المختصر: وليس في أشراف الأذنين إلا حكومة، إلا أن يذهب السمع بذلك، ففي ذلك دية واحدة، وأما قطعهما أو سماخيهما (¬7)، فحكومة. وذكر بعض البغداديين أن قول مالك اختلف فيها؛ فروى مرة أن في أشرافهما الدية. وقال: بل حكومة حتى يذهب السمع. ¬
قال ابن المواز: وإن قطع من أشرافهما ما أذهب ببعض السمع، وإن قل، فليس فيهما (¬1) إلا بقدر ما أذهب من السمع، وليس فيما اصطلم منهما شيء. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، عن مالك، في العتبية (¬2)، في هذا السؤال: إنما له بقدر ما نقص من سمعه، ومن عقل ما نقص من الأذن الاجتهاد. قيل: فإن ذهب السمع كله، واصطلمتا؟ قال: ففي ذلك دية واحدة. فقيل: عقلهما، وعقل السمع، لم يتم؟ قيل: كأنما تجعل عليه الاجتهاد، فيما جاوز ما ذهب من السمع؟ / فلم يذكر جوابا. قال: وقد روي أن أبا بكر الصديق قضى في أشراف الأذنين بالإجتهاد؛ خمس عشرة فريضة. ومن كتاب ابن المواز، قد رأى عمر بن عبد العزيز، وأبو الزناد فيهما الدية، وذكره أبو الزناد عن غير واحد من العلماء، وذلك لما في ظاهر حديث ابن حزم (¬3): وفي الأذن خمسون. محمد: ولا حجة في ذلك؛ لأنه قال فيه، وفي العين، وإنما يعني النظر. وفي اليد، وإنما يعني الأصابع. وذكر ابن شهاب، للنبي- صلى الله عليه وسلم- أنه إنما أريد بذكر الأذنين السمع، وهو معروف من كلام العرب: أذنت لك؛ أي: اسمتعت لك. قال مالك في هذا الكتاب: وفي العين؛ يذهب جميع بصرها، الدية. وفي جميع نظر العين الدية؛ ألف دينار، سواء اخسفت (¬4)، أو نزرت. أشهب: ولا يزاد لذلك شيء. ¬
باب في دية اللسان، والشفتين، والأسنان
وقال أشهب في كتاب ابن المواز: وهو في العتبية (¬1)، من رواية أصبغ: ومن ضرب، فذهب عقله. قال: يستأني به سنة. قيل: فإن أخذ العقل بعد تمام السنة، ثم رجع إليه عقله؟. قال: هو حكم قد مضى. محمد: يريد لا يرد [شيئا] (¬2). [باب] (¬3) في دية اللسان، والشفتين، والأسنان من المجموعة، [وغيرها] (¬4)، (قال ابن وهب) (¬5)، عن مالك: وإذا قطع من اللسان ما منع الكلام، ففيه الدية كاملة، وإن منع بعضه، ففيه بقدر ما منع من كلامه. ابن المواز: وإنما الدية فيه، بقدر نقص [الكلام لا بقدر نقص] (¬6) اللسان، [وشيء آخر، أن بعض الحروف لا حظ للسان فيها؛ مثل الميم، والحاء، ونحوها، ومراعاة الكلام أشبه] (¬7). ابن القاسم، وأشهب، في المجموعة: لا ينظر إلى عدة الحروف؛ لأن بعضها أثقل من بعض، ولكن بالاجتهاد. أشهب: بقدر ما يرسخ في القلب من نقصان ذلك. ابن حبيب: قال مجاهد: تجزا (¬8) الدية على عدد حروف المعجم، ثمانية وعشرين/ حرفا، فما نقص من هذه الحروف، عقل بحسابه. ابن حبيب: وقال في مثله جماعة من العلماء، ممن سألته، وقاله أصبغ. ابن حبيب: والحرف؛ الثقيل والخفيف سواء. ¬
ومن العتبية (¬1)، قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: إنما نقدر نقصان الكلام. والعقل باجتهاد الناظر على ما يفهم عند الاختبار، ويقع في نفسه، أنه ذهب نصف كلامه، أو ثلثه. فإن شكوا، فقالوا: هو الربع، أو الثلث، أعطي الثلث حملا على الظالم. وكذلك في العقل إن قالوا: يفيق أكثر (¬2) نهاره ثلثيه، أو ثلاثة أرباعه، أو نحوه، أعطي [بقدر ما رأوه فإن شكوا احتيط فيه] (¬3)، على الجاني كما ذكرنا [وقال بعض الناس على الأحرف في الباء والتاء وهو، أحب ما سمعت إلي] (¬4). ابن القاسم، وأشهب في المجموعة: وإن قطع منه ما لا يمنع الكلام، ففيه الاجتهاد، بقدر شينه. محمد: وجاءت السنة بأن في الشفتين الدية (¬5)؛ في كل واحدة نصفها. وقاله مالك، وجميع أصحابه، فيما علمنا، ولم يأخذ مالك بقول ابن المسيب؛ أن في السفلى ثلثي الدية. قال في المجموعة: ولم يبلغني من فرق بينهما غيره، وأراه وهما عنه، ولو ثبت عنه لما كان فيه حجة، لكثرة من يخالفه. والحجة فيه أنه إن قال: السفى أحمل للطعام، واللعاب. فإن في العليا من الجمال أكثر من ذلك. وقد تختلف يسرى اليدين واليمين في المنافع، وتتفقا (¬6)، في الدية. وفي [بعض] (¬7) الحديث عنه- صلى الله عليه وسلم-: «وفي الشفتين الدية» (¬8). ولم يخالف بينهما، وقضى به عمر بن عبد العزيز، وقاله عدد كثير من التابعين. ¬
ومن الكتابين، قال ابن القاسم، وأشهب، وغيرهما، عن مالك: أن العقل في الأسنان في مقدم الفم، والأضراس سواء؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «وفي السن خمس من الإبل، والضرس سن» (¬1). وقال في كتاب ابن المواز، قال ابن عباس: كما دية الأصابع سواء. أشهب: وكما كانت الثنية والرباعية والناب سواء، وإن كان قد/ اختلف في ذلك؛ فروي عن ابنه عمر (¬2): وفي الضرس جمل، وروي عن معاوية: وفي الأضراس خمسة أبعرة. ابن المسيب: والدية تزيد في قضاء معاوية، وتنقص في قضاء عمر. ولو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين، فيتم عقل الفم الدية كملا. واستحسن هذا عمر بن عبد العزيز. قال ابن مزين الأضراس عشرون، الأسنان اثنا عشر؛ أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب. وغير ابن مزين يقول: الأضراس ستة عشر، ويزيد في الأسنان؛ أربع نواجد (¬3)، وهي التي تلي الأنياب، وتتصل بالأضراس. جراح2 ومن الكتابين، قال أشهب: وقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «وفي السن خمس من الإبل» (¬4) أمر كاف، ولو افترق السن من الضرس لبينة النبي- صلى الله عليه وسلم-. قال أشهب: وإذا طرحت السن من سنخها (¬5)، ففيها ديتها كاملة، وكذلك إن كسرت من أصل ما أشرف منها، ولا يحط لما بقي من السنخ، مما كسر شيء، كبقية الذكر حد الحشفة. وإذا ضربت، فاسودت، تم عقلها. قيل لابن القاسم: فإن احمرت، أو اخضرت، أو اصفرت؟ قال: إن كان كالسواد [تم عقلها] (¬6)، ¬
[وإلا فله، فبحسابه] (¬1) وقال أشهب: [الخضرة إلى السواد أقرب، ثم الحمرة] (¬2)، ثم الصفرة، وفي ذلك بقدر ما ذهب من بياضها [إلى ما بقي منها، من سوادها] (¬3). وقال ابن القاسم في العتبية (¬4) نحو قول أشهب. قالا: وإن أصيبت السن التي اسودت بعد ذلك، ففيها ديتها [كاملة] (¬5). قال أشهب: وقد قال عمر، وعلي، وابن المسيب، وعدد من [الصحابة] (¬6)، والتابعين: إنها إذا اسودت، تم عقلها. ولم يبلغني عن أحد من العلماء خلافه. قال أشهب، في كتاب ابن المواز: وفيها إذا طرحت بعد سوادها بعض الاختلاف. قال ابن شهاب، وأبو الزناد: فيها حكومة كالعين القائمة. محمد: العين [القائمة] (¬7) لم يبق فيها من منافعها شيء، والسن/ السوداء، بقيت قوتها، وأكثر منافعها. قال مالك: وإذا ضربت، فتحركت، فإن كان اضطرابا شديدا، تم عقلها، وإن كان خفيفا، عقل لها بقدره، وينتظر بالشديدة الاضطراب سنة. [قال أشهب: فإن اشتد اضطرابها بعد السنة، فهي كالمسودة (¬8)، تم عقلها، ثم إن طرحها بعد ذلك، السنة، على غير ذلك، ففيها حكومة، بقدر ما ذهب من قوتها، إلى ما بقي، ثم إن أصيبت بعد ذلك، ففيها ما بقي بعد تمام ديتها، وإن ضربت، فاسودت، أو اسود بعضها، أو اضطرابت بعد ذلك اضطرابا شديداً، ففيها ديتها لا يزاد عليها، ولا يكون ذلك أشد من طرحها، ولو اسود نصفها، ولم يشتد اضطرابها، كان له الأكثر مما وجب فيها من قوتها، واسودادها، مثل أن يسود نصفها، ويذهب ثلث قوتها، فله ¬
في دية اليدين، والرجلين، والأصابع، والأنامل
نصف ديتها، وكذلك إن ذهب من القوة النصف، واسود ثلثها، وكذلك إن اسودت كلها، وذهب نصف قوتها، فله ديتها كاملة. ابن نافع في المجموعة: وإن ضربت فسلم منها، فله بقدر ما سلم منها؛ من ديتها] (¬1). وقال أشهب في الكتابين: وإنما يحسب ما ذهب منها مما بقي، مما أشرف منها، لا من سنخها، فإن اسود مع ذلك باقيها، أو اضطرابا شديدا تم عقلها، وإذا انكسر في ذلك نصفها، فاسود نصف ما بقي منها، أو اضطربت، فذهب منها نصف قوته، فله نصف عقلها، فيما انكسر، والربع فيما اسود، واضطراب، فذلك ثلاثة أرباع ديتها. ومن كتاب ابن المواز، قال إذا ضرب (¬2) الفم، فطرح جميع ما فيه؛ من سن، وضرس، فله في كل واحدة خمسة أبعرة. وقاله أصبغ. وقال أشهب: وإن كسير بعض السن، واسود ما بقي منها، أو اشتد اضطرابه، تم عقلها. في دية اليدين، والرجلين، والأصابع، والأنامل/ (¬3) [من المجموعة، وكتاب محمد] (¬4)، قال غير واحد عن مالك: وإذا قطعت أصابع الكف، تم عقلها: خمسمائة دينار كما لو قطعت من المرفق أو المنكب. قال عنه ابن وهب، وابن القاسم: وكذلك لو قطعت رجله من الورك، ففيها خمسمائة دينار، وإنما عليه من العقل مثل ما على من قطع الأصابع [من أصلها. قال أشهب كما تستكمل دية الذكر بقطع الحشفة ولذلك تستكمل دية اليد أو الرجل بقطع الأصابع] (¬5): وإذا قطع كفه (¬6) وأشل ساعده، فدية واحدة، وإذا قطع ¬
أصبعين، مما يليهما من الكف، فعليهما خمسا دية اليد. أشهب: (إلا أن ينقص بذلك [شيء من بقية قوة] (¬1) اليد والأصابع،) فيزداد (¬2) مع ذلك دية ما نقص منها من ثلاثة أخماسها. ابن القاسم، وابن نافع، وفي المجموعة: قال مالك في اليد تصاب، فيدخلها نقص: فينظر ما ذهب منها، ومن جمالها، فيعطى بقدر ذلك من العقل. قال مالك في الكتابين: وإذا شلت اليد، أو الرجل، فقد تم عقلها، وكذلك شلل الأصابع؛ يتم به عقلها. قال أشهب: وذلك إذا تم شلل اليد تم له عقله، حتى تذهب قوتها، وحركتها من المنكب، أو المرفق، أو الكف، أو الأصابع كلها، وإن لم يذهب ذلك كله، فبقدر ما ذهب منها. قال ابن القاسم: ومن قطعت كفه، وليس فيها إلا أصبع واحدة، فله دية الأصابع. وأحب إلي أن يكون له في باقي الكف حكومة. ولم أسمعه. وقال أشهب، وسحنون، في المجموعة: لا شيء له في الكف. وقاله ابن القاسم، في الأصبعين. وقاله المغيرة. ومن قطعت كفه عمدا، وليس فيه إلا ثلاث (¬3) أصابع، وقد أخذ في الأصبعين عقلا، أو قودا، فله عقل ثلاث أصابع، ولا حكومة له. وقال عبد الملك: له مع عقلها حكومة، إلا أن يكون أربع أصابع، فلا يزاد على ديتها، لأنه يقاد له من كف إلا أصبعا (¬4)، ولا يقاد من كف إلا أصبعان. وذكر في كتاب ابن المواز مثل ما تقدم. ¬
قال: وكذلك لو قطعت من المنكب، (وفيها أصبع) (¬1)، لم يكن له غير دية الأصبع./ وذكر قول ابن القاسم، في الأصبعين. قال: وقال أصبغ: هو حسن، وليس بواجب، (ولا نرى فيه الحكومة) (¬2) مع دية الأصبع. وقال أشهب، عن مالك، في كف؛ قطعت منها أصبع، ثم قطعت: فيها دية أربع أصابع. فأما لو نقصت مثل الأنملة. ولم يأخذ لها عقلا، كانت له دية اليد كاملة. قال ابن القاسم، وأشهب: فأما الأصبع، فيحسب له به أخذ له أرشا، أو لم يأخذ، فأما الأنملة، فإن كان أخذ لها عقلا، حُوسب بها، في الخطأ، وإن كانت بمرض أو شبه، لم يحاسب بها [قال أشهب وأما أنملتان فيحاسب بها في الخطإ قال ابن المواز. وأنملة الإبهام في هذا كغيرها ولا يحاسب بها] (¬3)، وقد ذكر عن ابن شهاب في كف ناقصة أصبعا، أو أصبعين؛ أن فيها دية كاملة. وإن كنا لا نقوله، فهو راد لقول من يرى في الكف؛ تنقص أنملة: أنه لا قود فيها، وأنه ليس فيها في الخطأ إلا دية ما بقي. ومن الكتابين، ومن العتبية (¬4)؛ رواية يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن خلقت يده؛ وفيها أربع أصابع، فأصيب منها أصبع: أن فيها عشراً من الإبل، وفي جميعها أربعون. وكذلك إن لم يكن فيها إلا ثلاث أصابع، أو أصبعان، فتقطع يده، فإنما له دية ما بقي. وقال عنه أيضا يحيى؛ وهو في المجموعة؛ فيمن بيده أصبع سادسة. قال: إن كانت قوية، ففيها عشر من الإبل، فإن قطعت عمداً؛ فلا قصاص فيها؛ إذ لا نظير لها، وفيها الدية، وإن كانت ضعيفة؛ ففيها حكومة، ثم إن قطعت اليد، لم ينقص من ديتها شيء، وإن قطعت، وفيها الزائد، لم يزد على دية اليد شيء، إذا كانت الزائدة ضعيفة، وإن كانت قوية؛ ففيها ستون (¬5). ¬
ومن المجموعة، وكتاب محمد: ولم يختلف عن مالك؛ أن في كل أنملة ثلاثة وثلاثين ديناراً، وثلثا، وهي من الإبل ثلاث وثلث. وفي الإبهام أنملتان، فإذا قطعت (¬1) ففيها عشر من الإبل (¬2)، وفي قطع كل واحدة عشر من الإبل؛ لأنهما إذا ذهبتا، فقد ذهبت المنفعة، وإبهام الرجل مثلها. قال مالك: وما سمعت فيها بشيء. وهو رأيي. ثم قطعت الأنملة الثالثة من الإبهام، أو الرابعة من غيرها من الأصابع/ بعد الأصبعين، ففيها حكومة. وقال أشهب: ولو لزم في بقية الإبهام الذي في الكف دية، لزم في سائر الأصابع أن يكون له في مثل ذلك دية أنملة رابعة، وهذا خلاف الأمة، وإن لم تقله ناقض، فدل هذا أن الأصبع ما أشرف منه، كما أن دية السن فيما أشرف منها. وفي الحديث: «في الأصبع عشر» (¬3). ولم يقل: في الأناملد. قال ابن سحنون: وروى ابن كنانة عن مالك: أن في الإبهام ثلاث (¬4) أنامل. قال مالك: في كل أنملة ثلث دية الأصبع. وإليه رجع مالك. قال سحنون: وأخذ أصحابه بقوله الأول. قال ابن سحنون عن أبيه: ومن قطع يد رجل؛ فيها ست أصابع (¬5)، فإن كان عمداً، فله القصاص بلا زيادة دية، وإن كان خطأً، فله الدية؛ خمسمائة دينار، ومن الإبل خمسون بعيرا. قال سحنون (¬6): وقد قيل: له نصف الدية، وفي الزيادة حكومة. وكذلك أصبعان زائدتان أو أكثر؛ ففي ذلك حكومة عنده. وقد روى عيسى عن ابن القاسم: إن كانت قوية قوة سائر أصابعه، ففيها دية أصبع، إن قطعت. وإن قطعت اليد، ففيها ستمائة دينار. وقال ابن المواز عن ¬
ابن القاسم: إن قطعت اليد، فلا يزاد على دية اليد شيء، وإن قطعت الزائدة مع أصبع آخر، ففيهما دية أصبع، وإن قطعت الزائدة وحدها، ففيها حكومة. ثم قال ابن القاسم: إلا أن تكون هذه الزائدة كقوة سائر الأصابع، ففيها عقل تام. قال ابن سحنون: قلت لسحنون: قال الشافعي فيمن له في يمنى يديه كفان أو يدان منفصلتان. قال سحنون: ما سمعت أن من مضى يتكلم في هذا، وما أحب أن أتكلم فيه بشيء، وأكثر ما تكلموا في أصبع زائدة، أو سن زائدة، ولم أر الأصبع تكون إلا مقلقلة زائدة، ولا تكون كسائر الأصابع. قال ابن سحنون: والقياس على قوله في الكفين؛ أن يكون الحكم للتي تبطش، وفيها القوة، وهي التي تكون في مخرج الساعد؛ ففيها/ القود في العمد، والدية في الخطأ، وفي الزائدة عليها حكومة، إذا لم ينقص قطعها من الكف الأخرى شيئا، فإن نقص منها شيئا، فله في الدية بقدر نقصانها، وإن كان يبطش بهما جميعا، إلا أن إحداهما خارجة من المفصل، وهي أقواهما؛ فلها الحكم في القصاص والدية، وفي الأخرى حكومة، وكذلك إن تساويا في البطش والقوة، إلا أن إحداهما مستقيمة على المفصل، فالحكم لها، فإن قيل: فإن كانت استقامتها على المفصل معاً، وهما في البطش والقوة سواء. فإني أخاف أن يكون هذا محالاً، فإن وقع ذلك فهما (¬1) بموقف كف واحدة، وفيهما جميعا دية يد واحدة، [وفي إحداهما دية نصف يد] (¬2)، ولا قصاص في واحدة منهما، على انفرادها، وإن قطعتا جميعا، ففيهما القصاص، وفي قياس قول ابن القاسم، أن يجعل في كل كف منهما دية [الكف] (¬3) كاملة، ويلزمه أن يجعل فيهما ألف دينار، وفي إحداهما خمسمائة. وسحنون لا يرى في الأصبع الزائدة إلا حكومة وإن قطعت مفردة، إلا أن ينقص ذلك من قوة باقي الكف، فتكون فيه بقدرة (¬4). وإن قطعت مع الكف، ¬
في دية الذكر والأنثيين، والإليتين والثديين، والشفرين
ففي الجميع خمسمائة دينار. وقال بعض الناس في الكف ذات اليدين، إن قطعت واحدة: فلا تبلغ دية كف، [ولكن حكومة مجاوزة نصف كف] (¬1). وإن قطعتا معا ففيهما دية كف؛ لا يزاد عليها. في دية الذكر والأنثيين، والإليتين، والتديين، والشفرين من كتاب ابن المواز، قال أشهب: روى ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الذكر، الدية كاملة، إذا قطع» (¬2). وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «في الذكر الدية إذا قطعت الحشفة». وقاله علي بن أبي طالب، وغيره وكثير من الصحابة والتابعين. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، وغيره، عن مالك: وإذا قطع بعض الحشفة، فمن الحشفة يقاس، فما نقص [منها] (¬3)، فبحسابه، لا من الذكر، كما لو قطعت أنملة، [فبحسابها من الأصابع] (¬4) وفي الذكر الدية؛ قطع/ من أصله، أو من الحشفة فقط، كما أن الأصابع [تفي بدية اليد، ولو قطعت من المنكب فديتها واحدة ثم إن قطع] (¬5) باقي الذكر بعد الحشفة، ففيه حكومة، مثل ما يبقى من اليد بعد الأصابع. قال: وفي الأثنيين الدية، فإن قطعتا مع الذكر في ضربة واحدة، ففي ذلك ديتان، وكذلك إن تفاوت القطع؛ كان قطع الذكر قبل الأنثيين، أو بعده. ¬
[وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون] (¬1) أنه إن قطع الذكر أولاً، أو آخراً؛ ففي الذي قطع بعد، حكومة، بخلاف قول ابن القاسم (¬2): إن في ذلك ديتين؛ تفاوت القطع أو كان معاً. وقال أهل العراق: إن قطع الذكر قبل أو بعد، ففيهما حكومة. فإن قطع الجميع معا، فإن بدأ من أسفل، ففيهما ديتان، وإن بدأ من فوق الذكر، فدية وحكومة. وأخذ ابن حبيب بأنهما إن قطعتا قبل الذكر (¬3)، فلا دية فيهما، وفي الذكر الدية؛ قطع قبلهما أو بعدهما. وإن قطع الجميع في ضربة واحدة (¬4)، ففي ذلك ديتان؛ كان القطع من فوق، أو من أسفل. ابن حبيب: وقيل: إن في اليسرى من البيضتين الدية كاملة، [وفي السفلى من البيضتين ثلثا الدية] (¬5). وهو قول شاذ. ابن حبيب: روى ابن وهب أن عطاء قال في ذكر الذي لا يأتي النساء الدية كاملة، وكذلك في ذكر الشيخ الكبير الذي ضعف عن النساء. وقاله مطرف، وابن الماجشون، عن مالك. وبعد هذا باب في ذكر الخصي، والعنين، ولسان الأخرس، وشبهه. ابن حبيب: روى ابن وهب أن عمر بن الخطاب قضى في شفري المراة الدية كاملة، إذا سُلبا، حتى يبدو العظم. وقاله مطرف، وابن الماجشون [في شفريها، وفي إليتيها] (¬6)، وإن ذلك أعظم مصيبة عليها من ذهاب ثدييها، أو عينها، ¬
ويديها. وقال ابن القاسم، وابن وهب: في إليتي المرأة حكومة. وقال أشهب: فيهما الدية كاملة. ومن المجموعة، وكتاب محمد، قال ابن القاسم: في إليتي المرأة الدية، كثدييها، بخلاف إليتي الرجل. وقد ذكرناه في الباب الأول. ومن المجموعة/ قال ابن القاسم، في حلمتي المرأة؛ يقطعهما؛ فإن أبطل مخرج اللبن، ففيهما الدية. قال أشهب: إن كان ذلك أذهب سدادهما لمصدرها، ومالها لولدها، ففيهما الدية، وإن كان على غير ذلك، ففيهما بقدر شينهما وضررهما. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: حد ما يوجب الدية فيهما، ذهاب الحلمتين، والصغيرة [والكبيرة فيه سواء، وليس يطمع في ثدي الصغيرة] (¬1) بنبات، فتؤخر. وذكر مثله عن ابن شهاب (¬2)، وابن وهب، وقاله أشهب، في الصغيرة، في كتاب ابن المواز والمجموعة. قال في المدونة، عن ابن القاسم إن رجي لها نبات، استؤني بها لسن الصغير [وروى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم أن يستأني بها لسن الصغير] (¬3). قال أصبغ: يعني إن لم يتبين بطلانها، فإن تبين بطلانها، [فهي كالكبيرة في قوله. قال ابن المواز قال ابن القاسم إن استوفى أن قد أبطلها] (¬4) فلها الدية، وإن شك، أوقف العقل، واستوني بها حتى تكبر، فإن برئت قبل الكبر، على قطع الحلمتين، فلا يدرى أتُمسكُ اللبن، أم أعطيت من الدية قدر ذلك القطع، وحبس ما أمسك منها، فإن أمسك اللبن بعد الكبر (¬5)، ردت ما أخذت على الجاني، وإن لم يمسك اللبن، أخذت ما بقي من الدية. ¬
دية الموضحة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة، وسائر شجاج الرأس، وفي الجراح، والكسر يبرأ ويعود لهيئته أو على شين
دية الموضحة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة، وسائر شجاج الرأس، وفي الجراح، والكسر يبرأ ويعود لهيئته أو على شين وقد ذكرنا في الباب الأول أسماء شجاج الرأس، وما في ذلك من دية وحكومة، ذكرا مجملاً. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم، وغيره، عن مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، أن الموضحة، والمنقلة والمأمومة، لا تكون إلا في الرأس، [والوجه خاصة ولا تكون المأمومة إلا في الرأس] وما يصل إلى الدماغ، ولو بمدخل إبرة إذا خرق. وقال أشهب: إنما الموضحة، والمأمومة، والمنقلة، في الرأس، وتكون في الوجه، فيما لو نقب منه وصل إلى الدماغ (¬1)، وليس الأنف، واللحي الأسفل من ذلك. قال أشهب: ولو ضربه، فأطار أنفه، ثم نقبت الضربة إلى دماغه، ففي ذلك دية وثلث، وكذلك لو وصل النقب إلى العظم؛ أعني عظم الوجه الذي تحت الأنف، فنقله ففيه دية منقلة ولو أوضحه ولم ينقله، كان فيه دية موضحة. ابن/ المواز: وإنما معنى قول مالك؛ ما كان من جرح في الأنف نفسه، لم يصل إلى ما ذكرنا (¬2). قال: وما أوضح من العظم، وإن قل، فهو موضحة، [وكذلك ما تطاير عن العظم، وإن قل، فهو منقلة، إذا تيقن أنه من الفراش] (¬3). قال ابن وهب عن ¬
مالك: والموضحة في الرأس والوجه من اللحي الأعلى وما فوقه، وليس في الأنف واللحي الأسفل موضحة، وفيه الاجتهاد. ابن القاسم: في الخد الموضحة، وما أوضح منه من اللحي الأسفل، وسائر الجسد، فلا موضحة فيه، ولا منقلة، ولا مأمومة. وفيه الاجتهاد، إذ برئ على شين، [وكذلك قال فيه أشهب. وفي عظم الأنف قال ابن القاسم وإذا برئت موضحة الوجه على شين] (¬1) زيد في عقلها بقدره. ولم يأخذ مالك بقول سليمان بن يسار: يزاد في موضحة الوجه ما بينهما وبين نصف عقلها. مالك: وما سمعت أن غيره قاله، وإنما يزاد فيها عندي، بقدر شينها، بالإجتهاد. وفي المجموعة، وقاله ابن نافع؛ قال ابن وهب عن مالك: لا يزاد فيها شيء إلا أن يكون شيئا منكراً، فيزاد في ذلك. وقال أشهب: لا يزاد في شينها شيء؛ لأن فيها دية مؤقتة. ومن كتاب ابن المواز، قيل: فإذا برئت موضحة الرأس أو الوجه، على شين، فقد اختلف فيها عن مالك؛ فقال: يزاد فيها لشينها بالاجتهاد بقدر الشين. وذكر قول بن يسار. وقال مالك (¬2): يزاد فيها للشين؛ زاد قليلا أو كثيراً، وبه أخذ ابن القاسم. وقال أشهب، عن مالك في الزيادة، في شينهما: ما سمعت في ذلك إلا ما قال سليمان. قال أشهب: وكذلك أرى ألا يزاد فيها، على ما جاء عن النبي_ صلى الله عليه وسلم- وإن شانت (¬3)، وربما كانت قدر إبرة، فتكون فيها ديتها، وتكون شبرا، وفيها تلك الدية، وكذلك لا يزاد في شينها شيء، ولم يفرق تابعو المدينة بين موضحة الرأس والوجه في الدية. وقاله عمر بن عبد العزيز، وغيره. ¬
قال: وإذا برئت، وعادت لهيئتها هذه الأربع جراح الموضحة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة، ففيها ديتها، [وكذلك لو شج ثانية في الموضع نفسه؛ لكان فيها ديتها ايضا] (¬1). وأما ما لم يأت فيه توقيت من الجراح،/ فإنما فيه بقدر شينه، إن برئ على شين، وإلا فلا شيء فيه، وكذلك ما كسر من يد أو رجل، فبرئ، وعاد لهيئته فلا شيء فيه. قال مالك: [وإذا كان فيه برء على عثل] (¬2)، فإن كان [مما فيه توقيت من السنة ففيه بقدر ذلك من ديته وما لم يأت] (¬3) فيه توقيت، ففيه الاجتهاد. قيل لأشهب: روي عن عمر، أنه قضى في رجل كسرت رجله؛ بفريضتين. وقضى به عمر بن عبد العزيز، وقاله في اليد. قال محمد: إنه حكومة؛ لأنه روي عنه أيضا في اليد والرجل؛ تكسر؛ مائتا درهم. فكأنه اجتهد على حسب النازلة، وتفاوت الكسر. وروي عنه أيضا: إذا كسرت، ثم انجبرت على ما كانت، فليس فيها إلا عطاء الجابر. وهو قول عطاء، ومجاهد، والسبعة من فقهاء التابعين (¬4). قاله عنهم أبو الرناد، وقال عنهم: إن برئت الرجل أو اليد، على شين، ففيه الاجتهاد، وكذلك الشجاج التي دون الموضحة، وجراح الجسد التي لا توقيت فيها، تُبرأ على غير شين، ففيها عندهم أجر المداوي. قال مالك: وإن ضرب رجلا عمدا، فشجه؛ بها موضحة، ومأمومة عمداً؛ قال: يقتص منه الموضحة وتعقل العاقلة دية المأمومة بعد البرء، وليس بين الجاثفة، والموضحة فصل عقل، والهاشمة؛ أن ينكسر العظم، ولا يخرج منه شيء، ولو خرج منه، كانت منقلة. ¬
ومن المجموعة، قال ابن القاسم: وكل ناحية من الرأس سواء؛ في الموضحة وأكبر منها (¬1)، وحد ذلك منتهى الجمجمة، فإن أصاب أسفل منها، فهو من العنق؛ لا موضحة فيه. قال أشهب: كل ما لو نقب منه وصل إلى الدماغ؛ فهو من الرأس. ومنه ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب، وغيره، عن مالك، في الجائفة، إذا نفذت ففيها ثلثا الدية، دية جائفتين. قال ابن القاسم، في المجموعة: وهو أحب قولي مالك إلي. قال في كتاب ابن المواز، وهو لأشهب في المجموعة: ولكن لو انخرق ما بينهما، ما كان فيها إلا دية جائفة واحدة، كالموضحة؛ تعظم، فكشفت من قرنه إلى قرنه، وإن كان ذلك من ضربات، إلا أنه في فور واحد. وكذلك المأمومة والمنقلة، ولو لم ينخرق الجلد، حتى يتصل ذلك، وإن كانت ضربة واحدة، واحدة، حتى تصير تلك الضربة مواضح،/ فإن كان ما بين ذلك ورم، أو جرح لا يبلغ العظم، أو صارت الضربة [مناقل، وما بين] (¬2) موائم (¬3)، وما بينها مثل ذلك، ولم ينخرق ذلك، فله دية تلك المواضح، والمناقل والموائم. قال أشهب: وقد قضى الصديق رضي الله عنه في جائفة نافذة، من الجانب الآخر (¬4)، بدية جائفتين، بعد البرء. وقاله مالك في العمد والخطأ، وإن كان روي عنه غير هذا. قال ابن القاسم، وأشهب، في الكتابين بقول مالك: [الذي فيه] أن فيها جائفتين. محمد: وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وفي الباب الأول من ذكر جراح الرأس ما ذكرنا فيه، من مجمل القول، وجرى في باب تنامي الجراح، [ذكر المواضح، والموائم، وفيه] (¬5) بقية القول في الموضحة، والمنقلة، والمأمومة. ¬
في دية العقل، ودية الصلب، وما تنامى من ذلك إلى غيره
ابن حبيب: قال مجاهد: من أصيب بمأمومة؛ فأخبلت (¬1) الشق، أو كان إذا سمع الرعد، غشي عليه؛ ففيها الدية كاملة. في دية العقل، ودية الصلب، وما تنامى من ذلك إلى غيره من كتاب ابن المواز: ومن ضرب، فذهب عقله، ففيه الدية كاملة، وروي ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم (¬2)، وقاله عمر بن الخطاب، وغيره [وقال أشهب] (¬3). قال مجاهد: وفي المأمومة ثلث الدية [فإذا خبلت شقة ففيها الدية كاملة] (¬4)، وإن أذهبت عقله؛ ففيها الدية كاملة. محمد: ويكون ذلك على العاقلة، وإن كان عمدا؛ إذ لا قصاص فيه. قال أشهب: أما في تخبيل الشق، فإن أمات شقه؛ ففيه الدية كاملة؛ لأن ذلك أذهب يده، ورجله، وليس فيما حمل من بقية الشق شيء؛ لا حكومة، ولا غيرها، سوى اليد، والرجل، وإن دخل في ذلك السمع فصم؛ ففيه الدية أيضا كاملة، وكذلك البصر إن عمي، ففيه أيضا دية كاملة، وإن ذهب مع ذلك قوة ذكره؛ حتى يذهب منه أمر النساء؛ ففيه أيضا دية أخرى. وقد جرى في الباب الأول والثاني مسائل من دية العقل. ومن كتاب محمد، والمجموعة: وجرى منه في الباب الأول. قال مالك: في الصلب الدية. قال عنه ابن وهب، فإن برئ، وفيه انحناء أعطي (¬5) بقدر ذلك. قال ابن القاسم، وأشهب، في المجموعة: ومعناه في كتاب/ محمد: إنما تكون ¬
فيمن أصيب بجرح عمدا، أو خطأ، فتنامى إلى ما هو أكثر منه، أو تنامى إلى النفس بعد قود أو عفو أو قبل ذلك، وفي تنامي جرح المستقاد منه
الدية في الصلب، إذا أقعده، فلم يقدر على القيام. قال أشهب: وما نقص من قيامه، فبقدر ذلك (¬1). قال ابن القاسم: وإن مشى على شين أو حدب، ففيه الاجتهاد، بقدر ذلك من الدية؛ مما ذهب من قيامه. قال أشهب، في كتاب ابن المواز: فإن كسر الصلب، فأقعد ثم برئ، وعاد لهيئته، فلو رأيت فيه القصاص، لوجب عليه القصاص، ولكنه لا قصاص فيه؛ لأنه متلف [فهو كالخطإ] (¬2)، فإن برئ، وعاد لهيئته، فلا دية عليه، ولا قصاص إلا الأربع الجراح التي ذكرنا؛ في الرأس؛ فإن فيهن ديتهن، وإن برئن. وجرى في الباب الثاني ذكر دية العقل؛ تؤخذ، ثم يعود عقله. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وفي الصلب ثلاث وثلاثون [فقارة، فإذا كان في الصلب الدية؛ ففي كل فقارة ثلاثة] (¬3) من الإبل. فقال: إنما الدية في الصلب، إذا انكسر، فلم يقدر على الجلوس. وإذا نقص جلوسه؛ فبقدر ذلك من الدية. وإن عاد لهيئته؛ فلا شيء فيه غير الأدب في العمد. فيمن أصيب بجرح عمداً، أو خطأً، فتنامى إلى ما هو أكثر منه، أو تنامى إلى النفس بعد قود أو عفو أو قبل ذلك، وفي تنامي جرح المستقاد منه من المجموعة: ابن وهب، وعلي، في جراح العمد، ينتشر، وتعظم الجراح، فليس عليه قود، إلا مثل ما أصاب، وليس عليه فيما انتشر قود، [إلا العقل] (¬4)، ¬
إلا أن ينتهي إلى النفس فيقتل فيه بقسامة. قال ابن الماجشون: والفرق بين التنامي إلى النفس [وما يزيد من الجراح] (¬1) إلى غضوان النفس، لا بعض فيها للقود. والجرح فيه للقود بعض، فليجعل الجديد موضع جعله الأول. ومن العتبية (¬2)، روى عيسى عن ابن القاسم فيمن جرح رجلاً عمداً، فأحد حتى برئ، فاقتص من صاحبه، ثم انفجر جرح الأول، فمات. قال: يقسم أولياؤه: لمات منه. ثم يقتلون جارحه. وإن كان قد اقتص، فلا يكون له من الجروح شيء. ومن العتبية (¬3) قال/ ابن القاسم، وأشهب: ومن قطع يد رجل عمدا أو خطأً، فعفا عنه، ثم مات من القطع، فإن عفا عن الجرح، لا عن النفس؛ ففيه القود من النفس؛ في العمد، والدية في الخطأ، وذلك بالقسامة. قال أشهب: ولو قال في عفوه: عفوت عن الجرح، وعن كل ما ترامى إليه. فذلك لازم، ولا قود فيه ولا دية [إذ أخرجت الدية من ثلثه]. قال علي عن مالك: إذا شجه في حاجبه عمداً فانتشرت (¬4)، فأذهبت عينه؛ فإنه يقاد منه بالشجة، وتعقل بالعين. قال ابن القاسم، وابن وهب، وغيره عن مالك: وإذا اصاب أنملته عمدا، فأذهب أصبعا أو أصبعين، أو شلت يده، ثم برئ فإنه يقاد منه بالأنملة، ثم يتربص به، فإن تنامى ذلك إلى ما بلغ الأول فأكثر، برئ الجاني، وإن نقص عن ذلك، عقل له ما بقي، فإنه لأمر مختلف فيه، وهذا أحب ما فيه إلي. ومن كتاب ابن المواز: والفرق بين تنامي الجرح إلى النفس، فيقتل به، ولا يقتص فيما يتنامى إلى غير النفس، وذلك أنه إذا بلغ النفس، اقتص من النفس، ¬
وسقط كل جرح، ويعود نفساً، وكذلك قصاص النفس، تسقط كل جرح عليه لغيره. ولو قطعت يداه ورجلاه (¬1) ثم ترامي ذلك، فمات. لم يكن لهم عليه دية الجوارح، حتى يقسموا: أنه مات من جراحه. فيأخذوا ديتين. فإن نكلوا حلف القاتل وولاته خمسين يمينا: أنه مات منها. ولو مات مكانه، كانت نفسا، وسقطت الجراح، فيقتص بالعقل في العمد، وتكون الدية على العاقلة في الخطأ. وفي الباب بعد هذا ذكر التنامي في العبد، يجرح ثم يموت من ذلك، وقد أعتق. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا اوضحه عمدا؛ فأذهب سمعه وبصره، فإنه يقاد له من الموضحة، فإن بلغت (¬2) إلى مثل ذلك، فلا شيء له، وإن لم يذهب سمعه ولا عقله ولا بصره، كانت دية العقل والسمع والبصر في مال الجاني. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب: يكون/ له دية السمع، والعقل على العاقلة، وكذلك لو تنامت إلى ذهاب يد أو رجل. قلت لمحمد: فقد قلت عن ابن القاسم، وأشهب: إنه إن قطع له أصبعا، فشلت يده؛ أنه يقطع له أصبع، فإن شلت يده، وإلا كانت له دية في اليد؛ في مال الجاني. قال: أما ابن القاسم، وعبد الملك، وأصبغ؛ فيجعلون ما ترامى إليه العمد، ما بقي من ذلك، بعد القصاص؛ لأن العمد جره. وقال أشهب: إذا ترامى جرح إلى مزيد؛ فيه نفسه، مثل أن لو كان خطأ، لم يكن فيه دية جرحين، ولكن يكون فيه دية جرح واحد، وهو الأكثر. وهذا يكون ما تنامى إليه في ماله، وأما إن تنامى ذلك إلى جارحة أخرى، فذلك التنامي على عاقلته، وجعله كالعمد الذي لا يقدر على القصاص منه، وهو في الجاني قائم. ¬
قال محمد: وأحب إلي أن يكون في ماله؛ لأن العمد جره. ولو كان على غيره، لكان إذا ترامى إلى النفس، كان ذلك على العاقلة، وهذا لا يقوله أحد، ولابد فيه من القصاص- يريد بقسامة-[لأن أصله عمد] (¬1). وقاله أشهب، وأصحاب مالك؛ في جرح العمد في اليد؛ تنامى إلى شلل اليد إن تنامى ذلك في ماله، ولكن يفدى له من اليد، فإن شل ساعده برئ، وإلا كان للأول، بقدر ما زاد شلله على الثاني. وأما أنا؛ فليس له إلا دية جميع اليد بعد البرء، كما لو قطعها كلها. ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا شجه مأمومة، فتنامى ذلك إلى ذهاب سمعه، وعقله، وبصره، وغير ذلك، ولو كان ما تنامى إليه عشر ديات؛ فله دية ذلك كله، ما بقيت النفس، فإن زهقت النفس، فليس له إلا دية النفس. قال المغيرة: إذا ذهب بالمأمومة عقله، فله الدية في العقل، وثلث الدية بالمأمومة، وكذلك إن سقط شقة منها، كان له عقل ما أصاب من يده، ورجله، سوى عقل المأمومة. قال أشهب: إذا أصاب يده؛ من الكف عمدا، ثم يبست يده من ذلك؛ فليفد من كفه، فإن يبست أيضا، فذلك بذلك، وإن لم تيبس،/ فله بقدر الشين الذي أصابه. قال ابن القاسم: وإذا قطعت يده، فأخذ عقلها، أو صالح منها، ثم تآكلت إلى العضد، فلا شيء له إلا ما أخذ؛ لأنه قد أخذ ما وجب له، أو صالح. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية (¬2). قال ابن القاسم، عن مالك، في الكتابين: وإذا شجه موضحة عمدا، ثم صارت منقلة عند العلاج، فإنه يقتص من موضحته بعد البرء، ويعقل ما بين ¬
موضحة ومنقلة؛ فإنه يخاف أن يكون العلاج هشم منها شيئا، ولو علمت أنها منقلة من أولها، لم يكن فيها إلا ما في المنقلة. وكذلك الملطاة والباضعة، والدامية خطأ ينتشر، ويستغور حتى تصير موضحة، ففيها ما في الموضحة. وقاله المغيرة، وعبد الملك، في ترامي موضحة العمد، إلى منقلة، وذلك عشر الدية، وكذلك إن ترامت إلى ذهاب سمعه، أو عينه، أو شلت يده، فله عقل التنامي كله. قال المغيرة، وعبد الملك، في تنامي الموضحة إلى منقلة، أو مأمومة: فذلك يفترق من تناميها، إلى ذهاب العين، ونحوها؛ لأن تلك الشجاج، بعضها من بعض، فكأنه شجة أكبر من شجه، فيدفع عقل الصغرى إلى الكبرى- يريد في الخطأ- وإن أقيد بالصغرى في العمد، عقل ما بينهما، وأما العين، وغيرها؛ تذهب لذلك، فيؤخذ عقلها تاما، والجرح الأول إن كان عمدا، قيد منه، وإن كان خطأ، كان له عقله على حدثه. قال المغيرة، في كتاب ابن سحنون: إذا جرحه منقلة عمدا، فأذهبت عينه، فليحلف؛ أن عينه منها ذهبت قبل المنقلة، ويكون له عقل المنقلة والعين؛ في ماله. وما عجز ماله عنه من ذلك، حملته العاقلة؛ قل أو كثر. قال ابن القاسم، وغيره في كتاب ابن المواز، عن مالك: إن تنامت الموضحة الخطأ، إلى المنقلة، وإن أصيبت من ذلك عين (¬1)، فليعقل الموضحة، وعقل العين. ومن المجموعة، قال عنه ابن وهب: وإنما يكون منقلة؛ من شق يكون في العظم، فإذا أصابه الدواء، خرج العظم، فصارت منقلة. ¬
قال عنه أشهب، وابن نافع/ فيه، وفي العتبية (¬1) [فإذا جرحه ملطاة عمداً، فلا يقاد له إلا من ملطاة، فإن صارت موضحة، عقلت له الموضحة] (¬2)، قيل أتعقل له الموضحة كلها، أو ما بين الملطاة، وموضحة؟ فوقف. قال ابن نافع وعبد الملك، في المجموعة يعقل له الموضحة كلها، إذ ليس دونها عقل. ومن المجموعة قال ابن الماجشون أيضا: ينظر ما يكون في الملطاة خطأ، فيعطى ما بين ذلك، وبين عقل الموضحة. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، في الملطاة عمداً، تصير موضحة: أنه يقاد منها ملطاة، فإن صارت موضحة، عقل له ما بينهما، وإن كانت خطأً، ففيها العقل كله. قال سحنون: في كتاب ابنه مثل هذا، وأنكر قول ابن نافع في العمد؛ إذ قال: يقاد له من الملطاة، فإن صارت موضحة، عقل له عقل موضحة (¬3) كاملة. قال سحنون: بل له ما بينهما، كقول مالك، في حافر البئر على الجعل؛ يحفر بعضه، ثم يتركه، ثم يستأجر ربه آخر على تمامه: إن للأول من جعله الأول، بقدر ما حفر أولاً. وكذلك الملطاة، إن برئت على شين، بعد أن تؤخر سنة، فيقال: ما قدر ذلك الشين؟ فإن قيل: عشرة. رجع عليه بأربعين؛ أربعة أخماس الدية الموضحة. وقاله ابن سحنون على اختلاف من قوله فيه. ومن المجموعة، قال أشهب: وإن أصابه بهاشمة عمداً، [فإن بدا لمنقلة الهشم] (¬4)، فليستأن به (¬5)، فإن برئ، وقد تنقل العظم، فهي منقلة، لا قود فيها، ¬
وفيها ديتها؛ عمداً كانت أو خطأً. وإن لم ينتقل العظم، فهي موضحة، إنما عقلها في الخطأ، وله القود في العمد. قال سحنون: وإذا كان أولها هشم معروف، فلا قود فيها. قال أشهب: وإن استقيد منه بهشم لقوده، مثل ما هشم الأول، أو أكثر، فذلك بذلك. وإن لم يصبه في القود هشم، فلا شيء للمستقيد، إذ لا فصل عندنا بين الموضحة، والهاشمة في العقل إذا لم ينتقل العظم، وكل ما كان في هذا من جراح الجسد، أو اللحي الأسفل، فلا يبالي؛ [انتهى إلى المنقلة أو لم ينته] (¬1). فإن برئ، وعاد لهيئته، فلا شيء فيه، وإن كان عمدا فيما يستقاد/ منه، أقيد، ترامى إلى أكثر من الأول أو إلى مثله، وإن برئ على عثم، ولم يبر المستقاد منه على عثم مثله، فعلى المستقاد منه قدر الشين، وإن كان مما لا يستقاد في عمده، وبرئ المجروح الأول، بلا شين، فلا عقل فيه، ولا قود، وفي كتاب ابن المواز مثل معناه من أول المسألة، وزاد، فقال: وكذلك لو قطع [أذنه أو قطع] (¬2) سنة. [فاستقاد منه ثم إن المستقاد منه رد أذنه أو سنة] (¬3)، فنبتت، ولم يفعل ذلك الأول، فإن له رد ذلك (¬4) على المستقادرمنه في ماله. ومن كتاب ابن المواز: وقال في موضحة عمدا لا هشم فيها، تنقلت على الدواء، واختلف قول مالك فيها؛ فقال مرة: يقاد منه (¬5)، فإن تنقلت، أو زادت (¬6) برئ، وإلا فله ما بين موضحة، ومنقلة؛ عشر الدية. قال مالك: وإنما يقاد من الجرح الأول، لا تناميه، إلا أن يتنامى إلى النفس، فيقاد للنفس بقسامة، ولا قسامة في الجراح. ¬
محمد: وهو قول مالك وأصحابه: إنه لا يستقاد من التنامي. قال عنه أشهب: إن تنامى المستقاد منه، إلى [مثل] (¬1) ما تنامى الأول فأكثر، فذلك بذلك، وإن نقص عنه عقل له ما بين ذلك، ولو مات المستقاد منه، فلا شيء على المستقيد. قال ابن القاسم: وكذلك لو اقتص منه تعديا بلا سلطان، لم يلزمه غير الأدب. محمد: والقول الآخر لمالك، في موضحة العمد، تصير منقلة: إن القود يرتفع، ويأخذ عقل منقلة. قال: لأني أخاف أنها كانت منقلة من الأول؛ لأن الدواء لا ينقل العظم، أو لأن الضربة هشمت العظم أولاً، وإلى هذا رجع مالك، وهو أحي إلي، وهي خلاف غيرها من الجراح، وقد اخترتك بقول أشهب، وعبد الملك. وذكر في العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم، اختلاف قول مالك فيها. قال ابن القاسم: ولم يزل مالك يقول: لا قصاص له، وله عقل المنقلة. وقال سحنون. يقاد له من موضحة، ويعقل له ما بين موضحة، ومنقلة. قال: وهو قول ابن القاسم. قال سحنون: وقولي أن كل جرح تفرغ بعضه في بعض مثل ملطاة تصير موضحة، أو موضحة تعود منقلة، أو منقلة تصير مأمومة- يريد في الخطأ- فليحكم فيه بما ترامى إليه، فإن أفرغت إلى غير ذلك؛ من ذهاب عين، أو شلل يد، حكم له/ بحكم الجرحين. قال ابن المواز: وقال مالك في الملطاة، والباضعة، والدامية- يريد الخطأ- ستغور، فتعود موضحة (¬3)، ففيها عقل موضحة. وكذلك موضحة تصير منقلة، فإن فيها عقل المنقلة، وهو الأكثر. ولو ذهبت منها عينه، أخذ العقلين [جميعا] (¬4)، وإذا قطع يده، وأشل ساعده (¬5)، فإن كان خطأً، فليس له إلا دية [اليد] (¬6) بعد ¬
في تنامي الجاح، في العبد، والنصراني، وكيف إن أعتق هذا، وأسلم هذا، بعد التنامي إلى جرح أو نفس
البرء، كما لو قطعها كلها. وأما في العمد، فليقتص من الكف، فإن شل ساعده (¬1)، وإلا كان للأول بقدر ما زاد منه على الثاني (¬2). في تنامي الجراح، في العبد، والنصراني، وكيف إن أعتق هذا، وأسلم هذا، بعد التنامي إلى جرح أو نفس (¬3) من كتاب ابن المواز، وكثير منه من كتاب ابن سحنون: قال: وإن شج عبد عبداً، فتنامى الجرح إلى أكثر منه، فهذا كالحر، إن شاء سيده القود منه، أقيد منه، فإن تنامى إلى مثل ذلك، وإلا كان ما بينهما في رقبة [العبد] (¬4)، مثل أن يكون ملطاة، فيصير موضحة، أو منقلة، أو مأمومة، فيكون له عقل ما زاد على الملطاة، من حر قيمته. إما فداه سيده، أو أسلمه (¬5)، وكذلك الجائفة. وكذلك لو شجه موضحة، فصارت منقلة، أو مأمومة؛ اقتص له من الموضحة. قال سحنون: فإن لم يرد سيده، أخذ نصف عشر قيمته. [قال ابن المواز: ثم كان له ما بقي في رقبته على هذا؛ لأن له في المأمومة ثلث قيمته، إلا ما استوفاه سيده، في الموضحة، فيزول من ثلث قيمته نصف عشر قيمته،] (¬6) ولو تنامى إلى جرح آخر، مثل أن يذهب من الشجة عينه، أقيد من الجشة، فإن ذهبت عين المستقاد منه، وإلا كان له عقل العين كلها في رقبته، فإما فداه أو أسلمه، ولو عتق المجروح بعد الجرح، وقبل التنامي، فلا تكون دية، ولا قصاص، إلا بعد البرء، فيكون للسيد ما بلغ جرحه إلى أن عتق، ويكون ما يتنامى بعد ذلك بحساب دية حر؛ يكون للعبد المعتق. ¬
وكذلك قال سحنون في العتبية (¬1). قال في كتاب ابن المواز: وإذا تنامت الشجة بعد العتق؛ إلى ذهاب العين، فإن للسيد القصاص من الشجة. فإن شاء طلب ما نقص من قيمته عبداً. وللعبد/ المعتق في العين، دية عين حر؛ في مال الجاني، إن كان حراً، وفي رقبته إن كان عبداً، دية العين كاملة، بخلاف الجرح يتنامى إلى غير جرح ثان، مثل أن يجرحه باضعة، فيتنامى بعد العتق (¬2) إلى منقلة. كان ما ينقصه الباضعة، للسيد إن لم يستقد منه، ويسقط من دية منقلة حر، ويأخذ المعتق ما بقي؛ بخلاف العين واليد، فأما لو أعتق الجارح قبل التنامي، لم يتغير الحكم، ويقتص منه (¬3) سيد المجروح، إن شاء، [ويأخذ عقل التنامي ويحلف سيده أنه ما أعتقه ليحمل عنه شيئا، ثم يرد عبداً فيقتص منه] (¬4) ثم يخير سيده؛ في فدائه بالتنامي، أو يسلمه به، فإن فداه، عتق، وإن أسلمه، عتق. وإن لم يحلف خرج العبد حرا، وغرم سيده التنامي، أو يسلمه، ويقتص منه سيد المجروح، إن شاء، وهو [حر] (¬5)، ولو حلف، وأسلم العبد بالجرح والتنامي، وكان التنامي بعد عتق المجروح أيضا؛ فإنه يكون العبد المسلم بين العبد المعتق، وبين سيده. فإن كان جرحه [بعد عتق المجروح أيضا فإنه يكون العبد المسلم بين المجروح المعتق وبين سيده وإن كان جرحه] (¬6) موضحة، فتنامى بعد العتق إلى منقلة؛ فللسيد في [العبد] (¬7) المسلم نصف [عشر] (¬8) قيمة المجروح؛ عبداً. وللمجروح المعتق ثلثا منقلة حر، فيضربان (¬9) في العبد بقدر ذلك، وإن كان ¬
بينهما. ولو تنامت هذه الموضحة إلى زوال عينيه (¬1)؛ لضرب في الجارح سيد المجروح نصف عشر قيمة العبد، ويضرب فيه الجريح المعتق بدية عين حر. قال: ولو نكل سيد الجارح؛ ففداه؛ فعتق عليه؛ فإنه يسلم سيد الجارح إلى سيد المجروح نصف عشر قيمة رقبته عبداً، أو يسلم إلى المجروح [المعتق] (¬2) عقل عين حر، وفي المنقلة ثلثي عقل منقلة، ولو تنامى إلى نفسه، فليس لسيده ها هنا من الجرح شيء؛ لأن الجارح صار قاتلا خطأً، بضربة العمد، وسقط القود حين لم يقف الجرح جرحا. قال: و [لو] (¬3) إن عبدا معتقا إلى أجل، جرح، فحل الأجل، فصار حرا، ثم مات من الجرح، فليس على جارحه قود في جرح، ولا دية جرح، جرحه حر، أو عبد، ولا لسيده دية جرح، ولا قصاص له؛ لأن الجرح سقط، وصار قتلا، ويصير فيه دية حر مسلم، من مال قاتل. وكذلك النصراني؛ يجرح، ثم يسلم، ثم يموت؛ فإن ديته لورثته الأحرار المسلمين؛ دية حر، [إلا أن يكون قاتل العبد عبداً، فيقتل به؛] (¬4) بالقسامة. وكذلك إن مات النصراني؛ من جرحه، وهو/ مسلم وجارحه؛ [نصراني] (¬5) فإنه يقتل به بالقسامة، وإذا ترامى جرحه، إلى ذهاب [عينه] (¬6) بجرحه، فلا يقال: إنه تعمد ذهاب عينه. وإن ترامى إلى النفس، فقد قتله، ولولا أنه قتله، لم يقتل به. قال ابن المواز: سمعت ابن عبد الملك، يقول هذا ونحوه. قال أصبغ، عن ابن القاسم، في العبد، يجرح، فيعتقه سيده (¬7)، ثم يموت من جرحه: إن ورثته ¬
يقسمون، ويستحقون ديته في مال الجارح. وبلغني أن ابن القاسم: يمين واحدة (¬1). قال ابن القاسم: وقال بعض الناس: إن فيه عقل عبد. وهو قول بعض العراقيين. قال أصبغ- وهو قول أشهب-: فيه دية عبد، وجرح عبد. وهو القياس، ولا أقوله. وقال [ابن القاسم] (¬2) وابن عبد الحكم، في العبد، والنصراني؛ يجرحان، ثم يعتق هذا، ويسلم هذا، (ثم يتنامى الجرحان؛) (¬3). فيموتان. فإن الحكم؛ فيه يوم جرح، لا يوم يموت؛ فجرحه جرح عبد وجرح نصراني. وذهب ابن القاسم؛ أن عقله عقل حر مسلم، وترثه ورثته، الأحرار، ولا تجب ديته إلا بقسامة ورثته الأحرار، لمات منها، ولهم الدية في ماله؛ ألف دينار؛ في العمد. والخطأ لا شيء فيه على العاقلة. وقاله عبد الملك، وأصبغ. قال ابن القاسم: ولم أقتله في العمد (¬4) لعظم القتل، وما دخله من الشبهة. ولو قال قائل: فيه دية عبد، لوجد مطعنا، ولا أرى في عمده وخطئه، إلا الدية بقسامة، لأنه قد عاش. ابن القاسم: ولو كان قد أنفذ الجارح مقاتلة، ثم أعتقه [سيده] (¬5)، ثم مات. قال: هو سواء، وفيه دية حر، ويورث بالحرية. وقال أشهب، في مسلم جرح نصرانيا، ثم أسلم، ثم ترامى جرحه، فمات: إن ديته دية نصراني، في مال الجارح يأخذها أولياء النصراني. ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه؛ قال ابن القاسم، فيمن قطع يد عبد، ثم عتق، ثم مات؛ فلا قود فيه، وفيه دية حر بقسامة؛ في مال الجاني حالة. وقال ¬
أشهب: فيه قيمة عبد؛ لمعتقه. ابن القاسم: وكذلك النصراني؛ يسلم بعد أن جرح، ثم يموت؛ من ذلك؛ ففيه دية حر، يصاب، بجرح، ثم يحل الأجل، ثم يموت؛ فإنما فيه/ قيمته يوم جرح لسيده، عند أشهب. ومن ضرب بطن أمة؛ قد أعتق ما في بطنها؛ فألقته ميتا؛ ففيه عقل جنين الأمة في قول جميع أصحابنا. وإن استهل؛ ففيه دية حر بقسامة [عند ابن القاسم] (¬1). ولا قود فيه، وإن تعمد الضرب. وقال أشهب: بل فيه قيمة [عبد] (¬2)؛ لمعتقه. وأما العبد شجه عبد، أو حر؛ موضحة، ثم يعتقه، ثم يموت منها، ففيه دية حر بقسامة. قلت لسحنون: قال بعض الناس- يعني الشافعي-: تكون لسيده دية حر؛ في مال الجاني، [ويغرم للجاني دية نفس] (¬3)؛ في ماله، يأخذ منها السيد دية الجرح؛ إن كان قطع اليد أخذ في ذلك نصف قيمة العبد، يوم جني عليه، ما بلغت. وما بقي، لورثته. وإن كان نصف قيمته أكثر من دية، أخذ السيد جميع الدية، وبطل ما زاد؛ لأنه مات حرا، فليس فيه أكثر من دية، أخذ السيد جميع الدية، وبطل ما زاد؛ لأنه مات حرا، فليس فيه أكثر من دية حر. وكذلك في غير اليد، من الجراح. قال سحنون: السنة تدل على خطأ هذا؛ لأن الناس لا يختلفون، أن كل جرح تنامى إلى النفس، أن الأمر يرجع إلى النفس، ويبطل الجرح، ولا يكون في النفس دية جرح ونفس. وكذلك أجمعوا في قطع اليد (¬4)، ويموت منه؛ أنه يبطل حكم اليد، ويصير القصاص في النفس؛ فيلزمه أن يوجب القصاص في اليد؛ في العمد، أو الدية في الخطأ، ويوجب دية النفس بعد ذلك. وقد ناقض في إسقاطه ما زاد على دية النفس، في قيمة يد العبد، عنده إن كان قيمة نصفه يوم القطع ألفين (¬5)، فلم أسقط بقية القيمة، إن كان حكم اليد قائما؟ فليستوعب ديتها، وإلا ناقض. ¬
قلت: تقول في حر أوضح عبدا خطأً، ثم عتق، ثم ذهبت منها عينه: إن أرش الموضحة لسيده، وله هو دية عين حر. قال: هذا جرح أفرغ إلى جرح، ولو أفضت الجراح إلى النفس، بطلت الجراح في إجماعنا. [ولا يزاد في الحر تفرغ موضحته عمدا إلى زوال العين، وإن استقيد من الموضحة] (¬1) فإن تنامت إلى العين، وإلا عقلت العين. قال: ولو نكل ولاة الدم (¬2) في المعتق، عن القسامة، لم يكن لهم عقل اليد، وذلك لسيده. وذكر ابن سحنون عن أبيه، في عبد شج عبدا، موضحة عمدا، ثم عتق المجروح، أو كان معتقا إلى أجل، ثم تنامت إلى منقلة. مثل ما ذكر ابن المواز/ في أول الباب؛ أن لسيده أخذ أرش الموضحة؛ نصف عشر قيمته، إن لم يرد القود، ويكون ما زادت موضحة عبد إلى منقلة حر، ومأمومته للمجروح، وأما إن ذهبت منها عينه، فبخلاف ذلك وهذا للمعتق دية عين عبد كاملة، في رقبة الجاني، ولو شاء السيد القود من الموضحة، فله ذلك، ثم إن تنامى ذلك، إلى ما تنامى الأول، فلا شيء للمعتق، وإن يتنام، كان للأول ما ذكرنا. وإن لم يرد القود، فالجاني مرتهن بنصف قيمة المجني عليه؛ في الموضحة، ودية عين حر، فإن أسلمه سيده، تحاصا فيه؛ المعتق، وسيده؛ بقدر ذلك، ولو أعتق الجارح، فذكر مثل ذكر ابن المواز سواء. قال ابن سحنون: ولو كانت الموضحة خطأ، تنامت بعد عتق المجروح، إلى منقلة، أو مأمومة، كان على أصله؛ لا شيء لسيد المجروح، وتبطل الموضحة، ويصير للمعتق عقل منقلة، أو مأمومة، إن كانت. وأما إن تنامت إلى عين، فها هنا للسيد نصف عشر قيمته، وله هو دية عين حر، ويصير الجارح بذلك رهناً. ¬
فيمن أصاب بجراح؛ في ضربة واحدة؛ من يد، أو أيد
وفي الجزء الثاني، وهو كتاب القصاص، باب في النصراني والعبد؛ يجني جرحا، أو قتلاً، ثم يسلم، أو يعتق بعد ذلك؛ فيه بقية معاني هذا الباب، وفيه ما تكرر فيها. فيمن أصيب بجراح؛ في ضربة واحدة؛ من يد، أو أيد من المجموعة، قال ابن وهب، عن مالك: المجتمع عليه عندنا؛ أن في النفس دية واحدة، وإن تفرقت في جسده الجراح، بيد واحدة أصابته، أو أيد متفرقة، مثل أن يشج مأمومة، وتقطع يده ورجله؛ ففي ذلك دية وثلث. قال في موضع آخر: فإن مات من ذلك، بطلت الجراح، وصارت نفساً. قال سحنون، في كتاب ابنه: ولم يختلف؛ أن الجراح إذا آلت إلى النفس (¬1)، أن الجراح تبطل، ويكون فيه القود (¬2) بقسامة، إن كان عمداً، وإن كان خطأً، كان الدية. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: ومن أصيب في أطرافه بأكثر من دية؛ فذلك له إن أصيب يداه، ورجلاه، وعيناه، فله ثلاث ديات، ثم إن أصيبت نفسه؛ فله ديتها. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا شج منقلة؛ فذهب منها بصره،/ ومات من فوره؛ فلأوليائه دية البصر، مع دية المنقلة، على عاقلة الجاني. قال أصبغ: صواب. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: ومن أصيب بجائفتين، أو مأمومتين، ومثقلتين؛ فإنه يعقل كل ذلك له، وإن أوضح في وجهه ورأسه [موضح] (¬3)؛ فله عقل ذلك كله؛ كل موضحة خمسون ديناراً، وإن أوضحه ¬
في إيقاف الحكم في الجراح إلى تناهيها، في العمد، والخطأ، وذكر ما يوقف ديته من سن الصبي وشبهه
من قرنه إلى قدمه، فإنما له عقل موضحة واحدة. قال أشهب: إن كان ذلك في ضربة واحدة، أو ضربات متواليات، فأما إن ضرب ضربة، فأوضحه موضحتين؛ بينهما فرجة، ثم بدا له، فضربه ضربة خرقت ما بينهما، فله عقل ثلاث مواضح. قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا ضربه واحدة عمدا؛ فشجه موضحة، ومأمومة، اقتص من الموضحة، وتعقل العاقلة المأمومة. قال أشهب، في رجل أنصاري قطع يد رجل خطأً، ثم قطع رجله رجل من سليم خطأً، فمات المجني عليه: إن على عاقلة القاطعين دية بغير قسامة. ومن كتاب ابن سحنون روى أصبغ، عن ابن القاسم، في رجل قطع يدي رجل، ورجليه، وأنثييه، ثم يموت بعد أيام؛ أن ورثته ليس لهم إلا دية واحدة، ولا يأخذون ما فوقها بالشك. وقال أصبغ: بل لهم ثلاث ديات. واختار سحنون قول أصبغ. وذكره ابن المواز؛ إن قال أولياؤه: لم يمت من هذا. وقال الضارب: من ذلك مات. فليحلف ولاة الميت: [أنه ما مات من جراحه ويكون لهم ثلاث ديات فإن نكلوا حلف الضارب] (¬1) انه من هذه الجنايات مات؛ خمسين يميناً. قال ابن القاسم، وأشهب: ولو مات مكانه، سقطت الجراح، وكانت نفساً؛ إن كانت خطأً، فدية النفس على العاقلة. وإن كانت عمدا، اقتص منه بالقتل فقط. في إيقاف [الحكم في] (¬2) الجراح إلى تناهيها، في العمد، والخطأ، وذكر ما يوقف ديته من سن الصبي وشبهه من المجموعة، روى ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك، قال: الأمر المجتمع عليه عندنا؛ أنه يقاد من كسر اليد، والرجل، وأنه لا يعقل في الخطأ، ولا يقاد في العمد؛ الجراح، حتى يبرأ المجروح، فيستقيد، ثم إن تنامى جرح المستقاد منه إلى النفس، أو إلى أكثر/ منه؛ فلا شيء على الأول، ولو برئ، وشل الأول، أو برئ ¬
جرحه على عثم، فلا قود في ذلك، ويعقل له بقدر ذلك الشين، [قال عنه في مال الجاني دون العاقلة ويتبع به في عدمه وكذلك] (¬1) جراح الجسد. قال أشهب: إنما لا يقاد من الجراح حتى تبرأ؛ لأنها قد تفرغ إلى النفس، فلا يؤخذ بقصاص جرح، ونفس. وإن كان جرح يقاد منه (¬2)، فلا يجمع عليه دية جرح، وقود نفس. وإن كان خطأ، فقد يعود نفساً، أو يصير إلى تحمله العاقلة، وكان بما يكون في ماله. فأما كل جرح تحمل العاقلة أوله، كالجائفة، أو مأمومة، أو مواضح؛ تبلغ الثلث (¬3)؛ فقد لزم العاقلة الثلث الآن، وله تعجيل ما حل منها. وما تنامى إلى زيادة، فله ما تنامى. ولم ير ابن القاسم أن يعجل له شيء؛ إذ قد يجب على العاقلة دية النفس، بقسامة. قال ابن القاسم: وكذلك مقطوع الحشفة، لو قال: لي الدية بكل حال، فلم تؤخرونني (¬4)؟ لم يكن بد من تأخير ذلك، ولعل ذلك يؤول إلى زوال جارحة أخرى. وقال أشهب في هذا أيضاً: لولا ما مضى من فعل السلف؛ أن لا قود ولا دية، حتى يبرأ الجرح. وبلغني ذلك عن الصديق، لكان هذا يؤخر، ولا أدري لعل هذا أصل، ولا ينبغي خلافة، ولعل من يتوقف في هذا؛ أن قد ينبت الحشفة. وقد قال مالك: إن اللسان ينبت؛ فلا تعجل فيه بالدية. قال أشهب: [ولا أفرض عليهم الدية حتى تبرأ الحشفة فإن بقيت سنة ولم تبرأ فلتفرض] (¬5). عليهم في ثلاث سنين متبدأ (¬6)، ولا يحسب ما تقدم. وذكر ابن المواز من اختلاف ابن القاسم، وأشهب مثل ما ذكر ابن عبدوس [وأخذ ابن القاسم] (¬7) بقول أشهب، وذكر عن أشهب، في الحشفة مثل ما تقدم ذكره. ¬
ومن كتاب ابن المواز، قيل: أينتظر بالجرح قبل أن يحكم فيه بدية أو قصاص، إلى البرء، وإن جاوز السنة أو يحكم عند مضي السنة، وإن لم يبرأ؟ قال: فذكر الوجهين عن مالك. قال عنه ابن القاسم، وابن وهب، في السن تصفر، والعين تدمع، واليد تكسر، والشجة أو الكسر كله، أو الظفر: يؤخر ذلك سنة، فإن انتهى إلى ما يعرف، عقل. وذكر هذا ابن عبدوس من رواية ابن وهب، وذكره من رواية ابن القاسم: فإن أصابها في السنة ذهاب البصر، أو اسودت السن، أو شلت اليد؛ فقد تم عقلها. وقال المغيرة تؤخر الجراح في العمد، والخطأ، فإن قال أهل المعرفة: قد برئ، فليقتص/ في العمد، ويعقل في الخطأ. ولم أسمع لذلك توقيتا يؤقته أهل العلم. ومن كتاب ابن المواز: [ويتأخر السنة بأحد. أشهب] (¬1). قال: وينتظر بالعين تبيض إلى تنامى أمرها، وأن يستقر مقرها، فيعقل ما ذهب منها، وإن كان قبل السنة. وليس مرور السنة انتظاراً، وذلك في الخطأ. قال أشهب: فإذا مضت السنة، والجرح بحاله، عقل مكانه ثم إن برئ، فله ما أخذ وإن ترامى إلى أكثر من ذلك، طالبه بما زاد، والظالم أولى بالحمل. قال ابن القاسم، وأشهب، في الكتابين: والعين تضرب؛ فيسيل دمها. فإن تمت سنة، وهي كذلك، ولم ينقص من نظر العين شيء؛ ففيها حكومة. ابن المواز: أما مثل العين تدمع، والجراح التي يكون مثل هذا حالها، فقد ثبتت على ذلك، [وبرئ؛ فهذه تعقل عند السنة. وأما غير ذلك،] (¬2) من جميع الجراح، فلا عقل ولا قصاص فيها، إلا بعد البرء. وإنما معنى قول مالك عندي: يستأني سنة؛ أنه عندي لا يأتي سنة [إلا وقد انتهى] (¬3)؛ لأنه قال مع ذكر السنة: فإن انتهى إلى ما يعرف عقل. وقال محمد: لا يعقل جرح، ولا يقتص منه، إلا بعد ¬
البرء. وروي ذلك عن أبي بكر الصديق. وكذلك روى ابن وهب، عن مالك: يستأنى بالموضحة؛ حتى يعرف ما تصير إليه. قال عنه ابن عبد الحكم: ينتظر بمثل هذا ونحوه. وكذلك قال عنه ابن القاسم: ينتظر به البرء، وبعد السنة. وقاله ابن عبد الحكم. وذكر ابن المواز، في المأمومة، والجائفة، وما بلغ ثلث الدية؛ من مواضح الخطإ، خلاف ابن القاسم، وأشهب؛ في تعجيل ثلث الدية، كما ذكرنا، وأخذ بقول أشهب؛ لأنه إما أن يكون على العاقلة ثلث الدية، أو أكثر من ذلك، لابد منه، أو من النفس. فأما العمد من الجراح أو الخطإ، فلا يحكم فيه بعقل ما بلغ ثلث الدية، ولا أقل، ولا أكثر. ولا قصاص في عمد، إلا بعد البرء، والتناهي؛ لأن [ما بلغ الدية من ذلك] (¬1) الخطإ، إن رجع، لم يكن في ذلك شيء، وإن برئ على أقل من الثلث، لم يلزم العاقلة؛ ولعل ما كان أقل من الثلث، منه [يؤدي إلى أكبر من الثلث فلا يلزم الجارح إلا ما يلزم جميع العاقلة، وكذلك العمد من جميع الجراحات لو اقتص منه] (¬2) قبل برئه، أو عقل منه ما لا/ قصاص فيه؛ لعله يخرج إلى النفس؛ فلا يكون فيه عقل، ولا قصاص [من جرح]. ومن المجموعة، قال ابن القاسم: ينتظر بالجرح سنة؛ حتى يعلم ما يصير إليه، ويستأنى بالموضحة، إذا لم تبرأ. قال ابن نافع، عن مالك: سمعت في العين، والظفر؛ فيطمع بهما أن يؤخرا سنة. قال ابن نافع: وإن مضت سنة، والعين منخسفة، لم تبرأ، فلينظر حتى تبرأ، ولا قود ولا دية، إلا بعد البرء، وإذا استؤني بمن جرح موضحة، فسقط عليه جدار؛ فمات. فله عقل موضحة. قال ابن القاسم، في الأصبع يقطع، أو ما هو دون الثلث: فليوقف عقله، فإن برئ؛ أخذه. وإن تنامى إلى أكثر (¬3) من الثلث، رد إلى الجارح، وحملته ¬
العاقلة، وكان الجارح كرجل منهم، فأما ما تحمله العاقلة، يستأنى به، ولا يوقف له عقل؛ لأن العاقلة أمر مأمون، وأما الجارح، فقد يذهب ماله. وكذلك في سن الصبي يقلع، قبل يثغر [وكذلك في العتبية (¬1) عن سماع ابن القاسم ومن المجموعة قال أصحاب مالك عنه وذكر وفي العتبية (¬2) أصبغ عن ابن القاسم في سن الصبي لم يثغر] (¬3) تطرح خطأً. قال: يوقف جميع عقلها، فإن نبتت، رد ذلك إليه، وإن لم تعد كان ذلك للصبي، وإن مات قبل أن تنبت، كان ذلك لورثة الصبي. قال في العتبية (¬4)، والمجموعة: وإن يئس من نباتها، أخذه الصبي، وإن لم ينبت قدرها، أخذ من ديتها بقدر ما نقصت. قال ابن القاسم: وإن نبت بعضها، ثم مات، دفع إلى ورثته عقلها، وكل من ذكره فنحوه لأشهب في المجموعة. وقال فيها ابن القاسم وأشهب، وهو لمالك في العتبية (¬5): وإن نزعت عمدا، وضع العقل، ولا يعجل بالقود، فإن نبتت (¬6)، فلا عقل، ولا قود، وإن لم تعد؛ اقتص منه، وإن عادت أصغر من قدرها؛ أعطي عقل ما نقصت. قال ابن القاسم: وفي قياس قول مالك؛ إن الصبي، ولم تعد؛ اقتص منه، ولا عقل فيها. قال سحنون مثله في المجموعة (¬7) وزاد (¬8): وإن مات الرجل، ولم ينبت السن، فقد ذهب ما فيه القصاص. قال سحنون: لا أرى أن يوقف عقل السن ¬
في الجراح، يؤخذ عقلها ثم تبرأ، وفيمن طرحت سنه، أو أذنه، فردها، فنبتت للجاني أو المجني عليه، في العمد أو الخطأ، ونبت اللسان
كلها؛ لأن السن قد يكون فيها النقص، ولا يمنع ذلك من القصاص، مثل الأصبع من اليد، ولكن يوقف من عقل السن ما إذا نقصت السن إليه لم يقتص له. قبل: كم ذلك؟ قال: هو/ معروف كالعين يضعف نظرها (¬1)، واليد يدخلها النقص اليسير. قال أشهب: فإن كان الصبي حين قلعت سنة، قد أثغر، وتنبت أسنانه، فله تعجيل العقل؛ في الخطإ، والقود؛ في العمد. وكل ما ذكرنا من مسائل سن الصبي؛ ففي كتاب ابن المواز مثله، إلا ما نسب إلى سحنون؛ فمن كتاب ابن حبيب. قال ابن الماجشون، عن مالك: وأنا أقوله؛ إنه ينتظر بالعقل سنة؛ لأنه وإن صح جرحه، وظهر عثله (¬2)، فقد يرجى نقصان ذلك العثل (¬3)، ولكن ما استقر عليه بعد السنة، حكم به، وليس العقل كغيره من الجراح؛ ينتظر برؤها. فإذا برئت، حكم فيها بالقود أو العقل، وإن قبل السنة. وقاله أصبغ؛ قال: وإن جاءت السنة، ولم يبرأ حكم فيها بالقود، ولم يؤخر، فإن ترامى ذلك إلى عضو آخر، أو موت؛ اؤتنف فيه الحكم، كما لو انتقص بعد البرء. في الجراح، يؤخذ عقلها [ثم تبرأ] (¬4)، وفيمن طرحت سنه، أو أذنه، فردها، فنبتت للجاني أو المجني عليه، في العمد أو الخطإ، ونبت اللسان من المجموعة، وكتاب محمد: ومن ضربت عينه (¬5)؛ فانصبت، أو نزل فيها الماء؛ فأخذ ديتها، ثم برئت بعد ذلك. فقال ابن القاسم: يرد ما أخذ. وقال ¬
أشهب: لا يرد شيئا، إذا كان قد استؤني بها، وبلغت حقيقتها. [ولعله يقضيه مجتهد] (¬1). قال ابن المواز: إن كان يقضيه قاض، وبعد الاستيفاء والاستقصاء، فلا ير:، وإن عادت قبل القضاء، فلا شيء له. ومنه، ومن العتبية (¬2)، قال أشهب،: عن مالك: وإن طرحت سن الكبير خطأ، فأخذ ديتها، ثم ردها؛ فثبتت، إنه لا يرد شيئا. محمد، وقاله ابن القاسم، لكن السن عنده بخلاف غيرها؛ لأنه يرى فيها ديتها، وإن نبتت قبل أن يأخذ. وقال أشهب: هي كغيرها من الجراح؛ لا شيء له، وكذلك لو ردها؛ فثبتت، إلا أن يكون ذلك قبل أن يأخذ لها عقلا؛ فلا شيء له، إلا في دية العمد، فله القصاص. ومن العتبية (¬3) قال يحيى، عن ابن القاسم: ومن قلع أذن رجل، ثم ردها، فثبتت (¬4) [فإن عادت لهيئتها فلا عقل له فيها وإن كان في ثبوتها ضعف فله بحساب ما يرى من نقص قوتها. قيل له فالسن تطرح ثم يردها صاحبها فتنبت؟] (¬5). قال: يغرم عقلها تاما. والفرق/ بينهما؛ أن الأذن إذا ردت، استمسكت، وعادت لهيئتها، وجرى فيها الدم، [والسن لا يجري فيها دمها] (¬6) [ولا تعود] (¬7) كما كانت؛ وإنما تراد للجمال. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أشهب [عن مالك] (¬8)، فيمن طرح سن رجل عمداً، أو قطع أذنه، فردها؛ فلم تثبت، فاقتص من الجاني، فردها ¬
الجاني؛ فثبتت. قال: فللمجروح عقل أذنه [وسنه] (¬1). قال أشهب، في كتاب محمد: ولو ردهما المستقاد منه، فثبتتا [فذاك ولو لم يثبتا] (¬2)؛ فلا شيء له، ولو كان أخذه من قبل ذلك، فلا يرده. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك؛ فيمن قطعت أصبعه، فقيل ذهب ثلاثة أرباعها، فعقل له، ثم برئت، فلم يذهب منها إلا الربع؛ فقال: أخطؤوا في العقل؛ وليرد نصف عقل الأصبع. محمد: وإنما هذا في الخطأ، وأما في العمد، فله القصاص، على القياس الأول. وكذلك الأذن؛ تقطع عمداً، ثم يعيدها؛ فثبتت؛ فله القصاص. قاله ابن القاسم، وأشهب، وهو أصل قول مالك فيما فيه القود. قال أشهب: وإن كان خطأ، فلا شيء له، إلا أن يثبت بعد أخذه ما في ذلك من دية، فلا يكون عليه رده. ومن المجموعة، قال مالك، والمغيرة، وابن القاسم، وأشهب: إن له في السن أن يستقيد في العمد، وإن كان قد ردها؛ فثبتت. قال ابن القاسم [وأشهب] (¬3): وكذلك الأذن. قال أشهب: ويمكنان مما فعل الأول، فإن نبت له ذلك، وإلا فلا شيء له، وهو جريح الحق. قال المغيرة، وأشهب: وليس له في الخطأ عقل، إذا رد أذنه؛ فثبتت. قال أشهب: وكذلك السن، إلا أن يرجعا على شين، فله قدر الشين. قال ابن القاسم: والذي بلغني عن مالك، في السن؛ لا أدري أفي العمد؛ فيقتص منه أم في الخطإ؟ قال أشهب [والمغيرة] (¬4) لا شيء له في جراح الخطإ، [إذا ردت فثبتت قال أشهب لا شيء له في جراح الخطإ] (¬5) إذا برئت على غير شين، إلا في الجائفة، والمأمومة، والمنقلة، والموضحة. ¬
وقال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك؛ في الصلب يكسر، ثم يعود لهيئته؛ فلا شيء له، [قال عبد الملك؛] (¬1) في كل جرح خطإ، فأما في كل عمد بقدر/ على القصاص، ففيه القصاص، وإن كان خطأ. قال اشهب: والصلب: وإن انكسر، فالدية في ماله، أو بقدر ما ذهب من قيامه-[وقال عبد الملك: الصدر مثله، إذا عاد لهيئته، فلا شيء فيه] (¬2)، إلا إن برئ على شين، ففيه حكومة. قال ابن القاسم، عن مالك؛ في قطع اليمين يجرح يمين رجل: إنه لا قصاص في عمده، ولا دية في خطئه- يريد: إذا برئ على غير شين-. ومن كتاب محمد، قال أشهب، في الحشفة؛ تقطع، ثم تنبت: فلا شيء فيها. محمد: وكذلك كل كسر، وقطع، وكذلك الجراح، إلا جراح الرأس الأربعة؛ المنقلة؛ والموضحة، والمأمومة، والجائفة. قال أشهب: وكل جرح عمد، وإن برئ، فلابد من القود منه، وإن لم يبرإ المستقاد منه، وقد برئ الأول؛ فلا شيء عليه (¬3). وإن برئ الآخر، ولم يبرإ الأول، أو كان [برؤه] (¬4) دون الثاني؛ فله عقل ما بين ذلك، وما برئ من جراح في الخطأ؛ فلا شيء فيه، إلا في الجراح الأربعة؛ برئت على شين، أو على غير شين، وما لا يستقاد منها، فالعمد فيه والخطأ سواء، إلا أن المتعمد يؤدب. ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قطع اللسان، فنبت، وعاد لهيئته؛ ففي عمده القصاص، وفي خطئه العقل، إذ لا يجري فيه الدم، ويجري في الأذن. وقاله ابن القاسم. وقد تقدم هذا، عن ابن القاسم مكررا. ¬
في لسان الأخرس، وذكر الخصي، واليد الشلاء، والعين القائمة؛ تصاب، والعضو فيه الضعف؛ يصاب عمدا، أو خطأ، أو كان فيه نقص أخذ له عقلا أو لا ثم يقطع باقيه، أو يتجاوز إلى ما فيه حكومة
في لسان الأخرس، وذكرالخصي، واليد الشلاء، والعين القائمة؛ تصاب، والعضو فيه الضعف؛ يصاب عمداً، أو خطأً، أو كان فيه نقص أخذ [له] (¬1) عقلا أم لا ثم يقطع باقيه، يتجاوز إلى ما فيه حكومة (¬2) من كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال أصحاب مالك عنه: إن الأمر المجتمع عليه عندهم، أن ليس في العين القائمة؛ إذا فقئت بعد ذهاب بصرها، ولا في اليد الشلاء تقطع، إلا الاجتهاد. وكذلك الأصابع؛ إذا تم شللها، ثم قطعت، وكذلك حكم الخصي/ ولسان الأخرس. قال مالك، في المجموعة: وذكر عسيب؛ قطعت حشفته. فأما مقطوع الأنثيين فقط؛ ففي ذكره الدية كاملة. محمد: قال ابن القاسم، وأشهب: وليس في مثل هذا كله قصاص ما ذهبت منافعه. قال مالك: وكذلك الرجل العرجاء؛ ولم يبق بعد منفعة في الرجل. وأما إذا كان ما نال العضو، قد أزال منافعه بجناية وخطأ؛ فأخذ له دية، فليس فيه إن أصيب بعد ذلك إلا الاجتهاد. وقال أشهب، في المجموعة، وكذلك إن كان ما أصابه بأمر من الله- سبحانه-. قال في الكتابين: إلا السن تسود ثم تصاب؛ ففيها عقلها الآن تاما؛ لأن منافعها قائمة. قال أشهب: وكذلك الأعمى؛ تخسف عينه، ففي ذلك الاجتهاد بقدر الشين، [كأن عمي بجناية، أو ولد به] (¬3). قال أشهب، في المجموعة: وكذلك ليس فيما بقي بعد قطع الحشفة، أو المارن، أو الأصابع؛ من يد، أو رجل، إلا الاجتهاد. ولو بقي من الحشفة، أو ¬
المارن بقية، أو من الأصابع؛ من المنكب، أو بقية الرجل؛ من الورك، فهذا يكون له بحساب ما أخذ أولا إن أخذ أولا النصف، فله الآن النصف، وكذلك فيما بقي من شلل اليد، إن قطعت، ففيما بقي منها؛ من ديتها، على ما كان أخذ، ولا يكون فيه الأكثر من الشين، أو مما من الدية، كما أن في الشين؛ في الرأس، ما يجاوز عقل موضحة، فإن كان غير موضحة، لم يزد فيها على ما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم (¬1)، ولو برئت الملطاة، والباضعة؛ على شين أكثر من عقل الموضحة لكان له أخذه. وذكر نحوه كله، في كتاب محمد. قال في الكتابين: قال ابن وهب، عن مالك، في الذراع يقطع (¬2)، بعد ذهاب الكف: ففيه الاجتهاد. قال ابن القاسم: وكذلك في الكف تقطع، بعد ذهاب الأصابع. مالك، في كتاب محمد: وليس استرخاء اللسان، أو الذكر؛ من الكبر، أو ضعف العين، أو الرجل، بمنزلة الجناية عليها، أو أمر ينزل من السماء؛ لأن ما كان من الكبر، ثم أصيب العضو منه، فإن فيه دية كاملة، وما أصابه من جناية جان، أو [من أمر] (¬3) نزل به، أو مرض، أو سقوط، أو غيره، ثم أصيب بعد ذلك،/ فهذا إنما له ما بقي من الدية. ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في عين الكبير؛ تصاب وفيها ضعف، أو العين يصيبها شيء؛ فينقص نظرها، ولم يأخذ لها عقلا، فعلى من أصابه بعد ذلك العقل كاملا. قال ابن المسيب، السن؛ إذا اسودت، تم عقلها، ثم إن أصيبت؛ بعد ففيها أيضا عقلها تاما. قال مالك: ولو أخذ لنقصان العين عقلا، فهو أشكل، قال والعين، وغيرها إذا أخذ فيما أصيب منه عقل، ثم أصيب ما بقي، فإنما له بحساب ما بقي. ¬
قال: وما كان من خلقة خلقها الله، ثم ينتقص منها شيء، مثل استرخاء البصر، أو العين الرمدة تضعف من ذلك. [أو اليد، أو الرجل، او السمع؛ يكون فيها ضعف]؛ من كبر أو علة، وهو مع ذلك يسمع، فذلك كله، وفيه ضعف، ففيه كله إن أصيب، عقله كاملا، وأما إن أصيب به فأخذ له عقلا، ثم أصيب، فله ما بقي من العقل. محمد: وأحسن ما في ذلك عندنا؛ وهو وجه قول مالك، ومذهب ابن القاسم، وأشهب، وإن كان فيه من قول أشهب اختلاف؛ أن العين إذا أصيبت خطأً، وكان أصابها قبل ذلك شيء نقص بصرها. فإن كان أخذ لذلك عقلا، حوسب به، قل أو كثر، وأما من ضعف البصر، فلا يحط له شيء، إلا أن ينقص جزءا معلوما. وإن قل، ثم لا يلزم [إلا ما بقي وإن كان عمدا اقتص منه ولم يحاسب وإن كان ذلك من الجاني أمر السماء ليس هو من جناية ولا ضربة لم يحاسب بما كان] (¬1) من ضعف البصر، أو الشين اليسير، وفيها عقلها تاما. وقد قال مالك يحاسب في الكف، بما ذهب منها، في الخطأ، وإن قل وإن لم يأخذ لذلك عقلا، أكمل له عقل اليد. وإن كان أصبعا، حوسب به، وإن كان أمرا من السماء. ومن كتاب ابن سحنون: وفرق ابن الماجشون بين الكف؛ يقطع منها أصبع خطأ، ثم تقطع بعد ذلك خطأ. فقال: إنما له بحساب ما بقي، إلا أن يكون أولا قطعت لقرحة. أو لأمر لا عقل فيه، فإن فيها الآن عقلها تاما. قال ابن القاسم، فيمن أصيبت عينه، أو يده خطأ، فضعفت فأخذ له عقلا، وهو يبصر بالعين، ويبطش باليد، ثم أصيبتا عمدا، ففيهما القصاص. والقصاص والدية؛/ يختلفان؛ فأما الكف يقطع بعضها عمدا، أو خطأً، فإنما له بحساب ما بقي؛ قل أو كثر. ¬
قال ابن وهب، عن مالك، في سن الشيخ الكبير، تحرك، ففيها العقل تاما، فأما لو أصابها رجل فتحركت شديدا، فله بحساب ما نقص [ثم إن أصيبت فله بحساب ما نقص منها (¬1) قال ابن القاسم، وأشهب، في السن المأكولة، ذهب بعضها؛ تصاب، [فله بحساب ما بقي] (¬2). قال ابن القاسم: أصيبت عمدا، أو خطأً. قال أشهب: [إلا إن أكل منها ما له، بال ففيها ديتها كاملة] (¬3)، [كاليد؛ تنقص أنملة. ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب: ومن أصابه في رجله أمر من عرق، فضرب؛ فتعرج. له أو يد] (¬4)، فله بحساب ما بقي منها، كما لو أصابه بمثل ذلك أحد، ومن ساوى بين ما يصيبه من أمر الله، وبين ما يصيبه من الكبر، فقد غلط؛ لأن كل جارحه [لابد أن تضعف] (¬5) من الكبر. فأما ما يصيبه، فقد يكون وقد لا يكون. وكذلك ما أصابه من نفخ دابة، ثم يصاب ما بقي من رجله، أو يده، أو عينه؛ فله بحساب ما بقي. وكذلك اللسان. ولو ضرب يده رجل؛ فأشل أكثرهم، ثم ضربه آخر فقطعها، وكان باقي ديتها [أقل من قدر شينها] (¬6)، فإنما له باقي الدية. محمد: وإن شجه الحاجب، فبرئ على عثم؛ ففيه حكومة، وإن سلمت العين. وأما إن نقص ذلك من بصره، وإن قل، إلا أن يوضح الحاجب؛ ففيه دية موضحة، مع دية نقصان البصر. ومن العتبية (¬7)، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن مالك، فيمن ¬
أصيبت أذنه، فذهب بعض سمعه، فله من عقل السمع، بقدر ما نقص، وله مما نقص من الأذن الاجتهاد. [فأما إن ذهب من السمع، فيأخذ فيما زاد على ما قابل السمع حكومة، ما تقدم من أصله، لا شيء له من الحكومة، إذا كان حدا من الدية] (¬1). [وأما لو ذهب السمع واصطلمت الأذن فليس له في ذلك إلا دية السمع فقط] (¬2). ومن كتاب ابن المواز: لا شيء فيما قطع من الأذن، إذا أخذ لنقص السمع عقلا. وقد تقدمت في باب دية السمع والبصر زيادة فيها. ومن كتاب ابن حبيب، قال أصبغ، في العين تصاب عمداً، وقد نقص بصرها،/ قبل ذلك بجناية عمدا أو خطأ، اخذ لذلك عقلا، أو لم يأخذ، إن فيها القصاص، كما لو نقصت؛ لكبر، أو لأمر من السماء، وكالكف تنقص أصبعاً بجناية عمداً أو خطأ. ولو فقئت هذه العين خطأ، لم يكن فيها إلا بقدر ما بقي منها، أصيبت اولا عمدا، أو خطأً. ولو فقئت هذه العين [خطأ لم يكن فيها إلا بقدر ما بقي منها أصيبت أولاً] (¬3) عمداً أو خطأً، ففيها ديتها كاملة (¬4). وأما اليد تصاب خطأ، وهي ناقصة أصبعاً، فلا يبالي كان بجناية جان، أو خلقة، أو بمرض، فإنما فيها بقدر ما بقي منها، وقاله ابن القاسم. وقال ابن الماجشون مثل قوله، في ذلك كله، إلا في اليد، فإنه قال: إنما يقص منها مثل ما يقص من البصر، فيأخذ دية كاملة، إذا لم يأخذ لما تقدم دية، ولا قصاصاً، أو ¬
في عين الأعور، وباقي البصر
كان خلقه، أو لأمر من الله، فله ديتها كاملة، وإما إن اقتص من الأصبع، وأخذ له عقلا، أو صالح فيه، وعفا عنه، فله بحساب ما بقي. قاله مالك، وأصحابنا. وكذلك في كتاب ابن سحنون، عن ابن الماجشون: والذي ينتهي إليه نقص اليد في هذا؛ نقص أصبع واحد، فإذا نقصت أصبعا [كف القاطع، أو المقطوع، فبينهما القصاص، وأما إن زاد على أصبع] (¬1) كف الجارح، أو المجروح؛ فلا قصاص. والعقل في مال الجارح؛ لأنه لا يقاد ناقص بتام، ولا تام بناق، من النقصان، وقاله [أصبغ] (¬2). وقال، في الأصبعين: المستقيد مخير. قال أصبغ: وإذا قطع تام الكف كف رجل ناقصة أصبعين؛ [فعقل له ثلاثة أصابع. فإن بقية الكف مختلف فيه، والذي أخذ به أنه لم يبق منه إلا أصبع أوأصبعان] (¬3)، فله بقية الكف حكومة، مع عقل الأصبع، والأصبعين، وإن بقي ثلاث، فلا شيء له في الكف. وبقية القول في القصاص، من الناقص بالتام؛ في باب مفرد؛ في الجزء الثاني، وهو كتاب القصاص./ في عين الأعور، وباقي البصر (¬4) من المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أصحاب مالك، في عين الأعور الصحيحة تفقأ خطأ، ففيها الدية كاملة ألف دينار. وقال سحنون، في كتاب ابنه: لم يختلف في هذا أصحابنا. قال في المجموعة، عن مالك: وكذلك لو كان أخذ في الأولى ديتها. ومن كتاب ابن المواز قال: وقاله مالك، وأصحابه. وعبد العزيز قال: وقضى به عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس. وقاله ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير. قال ابن شهاب: وبه مضت السنة، وحكم ¬
به عمر بن عبد العزيز. وقال سليمان بن حبيب: أخذ في الأول دية، وأصابها ذلك بأمر من الله. قال أشهب، في الكتابين: وقال العراقيون: فيها نصف الدية، كإحدى اليدين. وهذا غير مشنة؛ لأنه ينظر بالعين ما لا ينظر بالإثنين، ولا يمكن ذلك في اليد، والرجل. قال: فأما السمع، فليسأل عنه. فإن يسمع بالأذن ما يسمع بالإثنين، فهو كالعين، وإلا فكاليد والرجل. وإذا أصيب من كل عين نصف بصرها، ثم أصيب باقيها؛ في ضربة؛ فإنما له خمسمائة دينار؛ لأن ذلك قائم مقام جميع بصره، كما فيها- لو كانت صحيحة- ألف دينار. ولو ضرب صحيح ضربة؛ أذهبت نصف إحدى عينيه، فأخذ ديتها، ثم أصيب بنصف الصحيحة، فله قلعها ثلث الدية؛ لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه ولو كان أصيب ببقية المصابة فقط، فليس فيها إلا تمام ديتها؛ مائتان وخمسون ديناراً. ولو ضربه ضربة أذهبت باقيها، وجميع الصحيحة، فله ألف دينار؛ لأنه باقي بصره. قال ابن القاسم، وسحنون: وهذا غير مختلف فيه، بين أصحاب مالك. قال أشهب: ولو أصيبت الصحيحة وحدها؛ ففيها ثلثا الدية؛ لأن ذلك ثلثا بصره، ولو لم يبق غير نصف المصابة، فأصيب باقيها، ففيها خمسمائة دينار، وذلك بخلاف ما لو أصيب ذلك منها صحيحة قائمة. قال/ ابن المواز، وسحنون: قال غير أشهب: قال ابن المواز، هو، وابن القاسم، وعبد الملك: ليس في هذا مما يصاب من الصحيحة، إذا بقي من الأولى شيء، إلا حساب خمسمائة، وذهبت كلها في ضربة، وبعضها بعد بعض، ما دام في الأخرى نظر، كانت الأولى، أو الآخرة، فإذا لم يبق في الواحدة نظر؛ فما ذهب من الثانية؛ فعلى حساب ألف دينار. قال ابن سحنون: وبه أخذ سحنون. قال عبد الملك: ولو بنى على القياس، حتى يجعل في الأخرى ثلث الأخرى، يخرج ذلك إلى خلاف الحق. قال سحنون، في المجموعة: وناقض هذا أشهب؛
فقال هو، وأصحابنا: إذا أصيب ببقية عينه، التي أصيب نصفها، والأخرى صحيحة، إن له تمام ديتها؛ مائتين وخمسين (¬1)، ويلزمه أن يجعل فيها [ثلث] (¬2) جميع الدية، كما حكم في الصحيحة بثلثي الدية. وأحسن ذلك، أن يكون له في الصحيحة- إن أصيبت- خمسمائة دينار؛ نصف دية عين الأعور. قال ابن المواز: وقد قيل لأشهب: فإن ذهب من الصحيحة نصفها؛ فأعطيته ثلث الألف، ثم أصيب باقي بصره؟ قال: له خمسمائة، إن أصيب في مرتين؛ ففي الأولى مائتان وخمسون، وفي الثانية نصف دية عين العور. وقال عبد الملك: قال مالك: وإن أصيب النصفان الباقيان من كل عين؛ في ضربة؛ ففيهما ألف دينار؛ كعين واحدة؛ ففقئت. وإن كان في ضربتين، ففي الأولى، بحساب خمسمائة، وفي الأخرى، بحساب ألف، وكذلك إن بقي من كل عين أقل من النصف، فإن ذهبا؛ في ضربة، فكأنه ذهب ذلك من عين اعور، وإن كان ربع جميع البصر، فهو كنصف عين الأعور، وإن ذهب باقي إحداهما، قبل باقي الأخرى، ففي الأولى بحساب خمسمائة، وفي الآخرة بحساب ألف. قال سحنون، في كتابه: روى أصبغ عن ابن القاسم، فيمن أصيب بنصف عينه، ثم فقئ باقيها مع الصحيحة؛ أن ليس له إلا ثلاثة أرباع الدية. قال عيسى: إلا أن ينقصها ذلك بأمر من قبل الله؛ [فله فيهما ألف دينار. قال أصبغ: ثم/ رجع ابن القاسم في الغد، وقال: فيها ألف دينار؛ لأنه بصره كله. قال أشهب: قال سحنون: هذا قول أصحابنا، والأول خطأً. وما علمت من يقوله؛ من أصحابنا. قال سحنون: ومن فقأ لرجل عينا، ونصف عين؛ في ضربة] (¬3)؛ فله ثلاثة أرباع الدية. ثم إن أصيب بالنصف الباقي؛ ففيه خمسمائة دينار. ولو ذهب ¬
فيمن يضرب، فيدعي ذهاب بصره، أو سمعه، أو بعض ذلك، أو يقول ذهب مني الجماع
نصف عين الأعور، أو ثلثها عمداً، أو خطأً، أو جزء منها؛ فله حصة ذلك من ألف دينار. فيمن يضرب، فيدعي ذهاب بصره، أو سمعه، أو بعض ذلك، أو يقول ذهب مني الجماعُ من المجموعة، قال ابن القاسم، وابن وهب، وغيره: قال مالك- ونحوه في كتاب ابن المواز-، فيمن يضرب، فيقول: ذهب مني سمعي، أو بصري، أو من بصري كذا، وكذا: إنه يقاس له في البصر، بأن يمسك له رجل بيضة، أو غيرها، ثم يباعد عنه، فإن أبصرها، يزيد تباعداً عنها، إلى منتهى بصره. قال: ويبدل عليه الأماكن. قال: وكذلك في السمع؛ يباعد عنه، ويصاح به. قال: فإذا قال: سمعت. فحول له إلى ناحية أخرى. فإن اتفق قوله في قياس النواحي، أو يقارب صدق [وأخذ قوله] (¬1)، وأخذ بقدر ما نقص من سمعه وبصره، بعد يمينه على ما ادعى، والظالم أحق بالحمل عليه. ولم يذكر ابن وهب عنه اليمين (¬2). قال أشهب: ويحسب له ذلك على قدر نظر رجل، وسط مثله ينظر، منتهى نظر ذلك الرجل، وسمعه، ثم يقاس ما نقص من ذلك المضروب ثلثا، أو ربعا، أو نصفا، أو ما كان. [ويحسن تحويل المواضع] (¬3)، ويضرب به في السمع، ويغتفل، ويصاح به حتى يعلم قدر ذلك، بعد أن يحلف. قال مالك: فإن اختلف قوله، ولم يتفق، فلا شيء له. قال أشهب، وابن القاسم: فإن قال: ذهب جميع نظري أو سمعي؛ إنه يصدق، [مع يمينه] (¬4). قال أشهب: وإن كانت عينه قائمة، وفيها بياض. قال: ذهب نظرها أو ذهب ¬
نظره؛ من عينيه جميعا، [فإنه يغتفل] (¬1) ويشار إلى عينيه/ جميعا، أو إلى العين التي يقول: قد ذهبت، فإن لم يستدل على كذبه، حلف، وأخذ ما يدعي. وكذلك من ضرب في رأسه، فيدعي الصمم في أذنيه، أو في إحداهما، [فليغتفل في الصياح به] (¬2)، فإن لم يظهر كذبه، حلف، وصدق. وقال مالك: نحوه ويحلف ما وجد صمما إلا من هذه الضربة. وكذلك من كتاب ابن المواز. وروى ابن القاسم، وأشهب، عن مالك- وهو في العتبية (¬3) من سماع أشهب- فيمن ضرب في عينه الواحدة، فادعى أنه نقص ضوؤها؛ أنه تغلق عينه الصحيحة، وينصب له البيضة، أو الشيء، في مكان، ويبتعد حتى ينتهي إلى مبلغ نظره، ثم يحول إلى موضع آخر؛ يختبر بذلك. فإن اتفق قوله، أعقلت المصابة، ونظر بالصحيحة، وبدلت الأماكن عليه، فإن اتفق قوله، نظر كم نقصت عن الصحيحة، [فعقلت له ويحلف] (¬4). قال أشهب، وابن نافع، وإن اختلف قوله: لم يصدق. قال مالك: والسمع كذلك. قال أشهب، في الكتابين: ولا يبالي بأي عين بدأت. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا اختلف قوله [بأمر بين] (¬5)، لم يكن له شيء، فإن اتفق، حلف، وصدق. وكذلك السمع. قال أصبغ: وهذا قول مالك، وأصحابه. قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك في دعوى ذهاب جميع بصره، أو سمعه، أو شمه، فليختبر من الإشارة، في البصر، أو الصوت في السمع، ويغتفل مرة بعد أخرى، فإن لم يقدر فيه في الإختبار (¬6) حقيقة، أو أشكل أمرة، صدق [وحلف] (¬7). وقال مالك نحوه. ¬
في دية المرأة ومعاقلتها الرجل فيما دون النفس إلى ثلث الدية
قال أشهب: وروى ما ذكرنا من اختبار ذلك بالبيضة، في النظر، عن علي بن أبي طالب. وقاله عطاء، وابن شهاب. ابن حبيب، عن أصبغ: وإن ضرب، فادعى أن جماع النساء ذهب منه، فإن استطيع اختبار ذلك، اختبر، وإلا حلف، وأخذ الدية، فإن رجع إليه جماعه، بقرب ذلك أو ببعد، رد ما أخذ، وكذلك كل ما لا يقدر أن يعرف بالبينة، مثل دعواه لذهاب الكلام، أو ذهاب السمع، والجارحة قائمة، فليختبر، ويحلف، ويأخذ الدية. ثم إن رجع إليه، رد ما أخذ، وإن بعد. وقاله ابن القاسم./ في دية المرأة، ومعاقلتها الرجل فيما دون النفس إلى ثلث الدية قال أبو بكر بن الجهم: [البغدادي] (¬1): لم يختلف في أن دية المرأة في النفس؛ نصف دية الرجل، وإنها على النصف في الميراث، والشهادة. والإجماع في حمالة الدية حتى ينزل إلى الثلث؛ ففيه الإختلاف، [فقال السبعة من فقهاء التابعين:] (¬2) إنها مثل دية الرجل، في الجراح إلى ثلث ديته، فيرجع [حينئذ] (¬3) إلى عقلها. وما روى مخالفنا عن عمر، وعلي، فإسناد ضعيف. و [روي] (¬4) لنا عنهما خلافه؛ [وروي عن عروة البارقي] (¬5)، عن عمر (¬6) [أنهما سواء] (¬7) في السن، والموضحة، وروى عنه شريح إلى ثلث الدية. وقاله عمر بن عبد العزيز، والزهري، وعروة، وغيرهم، وروى محمد بن علي، عن علي، عن علي فيما بلغ من الجراح ¬
أربعين، فعلى نصف دية الرجل. قال أشهب، في كتابه: وروي عن علي؛ أنها تساويه إلى ثلث عقلها. قال أبو بكر ابن الجهم: لم يختلف عن ابن عباس، وزيد بن ثابت؛ أنها مثل الرجل إلى ثلث ديته. وروي عن ابن مسعود؛ أنها في السن، والموضحة سواء، فلم يجد مخالفنا، عن صاحب، أنها على النصف منه، فيما قل أو كثر؛ لأن عمر، وعليا؛ اختلف عنهما في ضعف روايتهم عنهما؛ فلا حجة لهم من قول السلف، وقد أجمعوا على الثلث، ولم يصح عن صاحب؛ أنها على النصف في كل قليل؛ فكلهم أجمعوا على تساويها فيما قل، فاجتهدنا في حده في الثلث. قال غيره: ودلت السنة على تساوي الذكر، والأنثى في القليل من الدية؛ من ذلك دية الجنين، سواء فيه بين الذكر، والأنثى، والجناية في الأصل على الجاني، حتى يقوم دليل في انتقالها عنه، إلى العاقلة، ولم نجد دليلا فيما دون الثلث، وهو الحد بين القليل، والكثير، ولم يختلفوا، فيما بلغ الثلث- يريد في معاقلة المرأة، وفيما تحمله العاقلة. قال ابن الجهم: وقد قال- صلى الله عليه وسلم- «في أصبع مما هنا لك عشرة من الإبل» (¬1) [فظاهره؛ يتناول الذكر والأنثى] (¬2)، فإن قيل: فهلا قلته في أربع أصابع؟ / قلت: لإجماعهم فيها. ولا تقس القليل على الكثير؛ لمخالفته له، كما جمعنا بين الأخذ بالنهي عن بيع ما ليس عندك، وأجازوا السلم بالإجماع. [ويحتمل] (¬3) قول ابن المسيب. هو السنة. أي أنه مستنبط من هذا، ويحتمل أن يكون سنة البلد (¬4)؛ فإنه متظاهر في التابعين؛ قال ابن هرمز (¬5) أخذنا بذلك عن الفقهاء. ¬
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال مالك: ودية الحرة المسلمة على النصف من دية الحر المسلم؛ في الإبل، والذهب، الورق؛ [وفي النفس] (¬1) والأنف، والعين، واليد، والرجل، وما عظم من الجراح. وأما ما صغر منها؛ فديتها فيه على مثل دية الرجل، إلى أن يبلغ ما فيه مثل ثلث دية الرجل، فأكثر فيرجع إلى نصف ديته. قال ابن هرمز: وهذا مما أخذناه عن الفقهاء، ولم نقله برأينا. ومن كتاب ابن المواز، قيل لأشهب: فهلا قلت ذلك فيمن تنخفض ديته عن المرأة؛ مثل الذمي، والمجوسي؟ قال: لإجماع الفقهاء من الصحابة، والتابعين على ذلك خاصة، ومن خالفنا، فيها لا نجد سلفا، أنهم جعلوها على النصف في كل شيء. وذكر نحو ما ذكر ابن الجهم؛ من قول الصحابة، والتابعين. وزاد، فقال: وما روي عن ابن عباس، وزيد؛ أنها أقل من ثلث [دية الرجل. قول أكثر العلماء. قال مالك: وهي فيما لم يبلغ] (¬2) ثلث الدية، وأكثر. يرجع في ذلك إلى عقلها، وفيما دون ذلك؛ كدية الرجل. قال مالك: فإن قطع لها أصبع؛ ففيه عشر من الإبل. وكذلك في ثان، وثالث،؛ من يد أو رجل. وكذلك إن قطع ثلاث من كف؛ فثلاثون من الإبل، ثم إن قطع لها الأصبعان الباقيان؛ من تلك اليد، في مرة، أو مرتين؛ ففي كل أصبع خمس من الإبل. قاله أشهب؛ أنه يضم ما قطع من اليد، إلى ما تقدم من قطعها، ولا يضم حكم يد إلى ما قد قطع قبل ذلك من يد أخرى. قال مالك: وإن قطع ثلاثة أصابع، ونصف أنملة؛ فله أحد وثلاثون بعيرا، وثلثا بعير. ولو كان لها ثلاث أصابع، وأنملة، كان لها بحساب ديتها. وإن قطع له أربع أصابع؛ من يد؛ ففيها عشرون بعيراً، ثم إن قطع الخامس؛ ففيه خمسة ¬
أبعرة، ولا يحسب عليها في يد، أو رجل ما تقدم/ من قطع أخرى، ويؤتنف الحكم، في الأخرى. ومن كتاب ابن المواز، قال: إذا قطع لها أربع أصابع، فردتها إلى عقل نفسها، أذلك من كف واحدة، أو من كفين، أوفي ضربة، أو ضربات. قال: إن كان من ضربة واحدة، فلم يختلف فيه؛ كانت من كف، أو من كفين؛ أنها ترجع إلى عقلها في الأربع، وفي ثلاثة، وأنملة، فاكثر. وكذلك في ضرب مفترق، وإن كان في فور واحد، [ومقام واحد]، وضارب واحد، أو من رجال؛ فهو كضرب واحد. وإنما الإختلاف في قطع بع قطع، فخالف عبد العزيز مالكا فيه. ورأى الأصابع؛ إن كانت من كف واحد، كالأسنان، والمواضح؛ لو أوضحت عشر مواضح؛ بعد أخرى، لكان لها في كل موضحة مثل ما للرجل، ما لم يكن في ضربة واحدة، أو فور واحد، بضرب واحد؛ مواضح تبلغ ثلث دية الرجل، فأكثر، فيرجع. وكذلك أسنانها، وكذلك أصابع كفها إن قطع بعد قطع اؤتنف فيه. الأمر عنده، وإن كان من كف واحدة؛ كالمواضح، والمناقل. وقاله ابن وهب، وعبد الملك، إلا أن عبد الملك أخبرني، عن أبيه، أنه قال: إن قطع لها أربع أصابع؛ في ضربة، فأخذت فيها حساب عقلها، ثم قطعت الخامسة؛ ففيها خمس فرائض. وقال عبد الملك: فيها عشر. وهو أقيس، لقول أبيه. وقال عبد الملك: فيها اختلاف. وهو أحب إلى قول ابن المواز، وهو خلاف مالك، وأصحابه؛ يقولون: فيه خمسة؛ كان قطع الأربع مجمعا، أو مفترقاً. وعبد العزيز يقول: فيه خمس؛ إن قطع الأربع؛ في ضربة. ويخالف في ضربة بعد ضربة، فيرى حينئذ في الخامس عشرة. وهذا كله خلاف مالك، وأصحابه، ويحسبون ما تقدم من الضرب، وإن كان من غير ضرب، فيضم بعضه إلى بعض؛ في اليد الواحدة. فإذا بلغ ثلاثة وأنملة، فأكثر، كان ما قطع بعد ذلك من
تلك اليد يرجع فيها إلى عقلها، ولا يحسب فيه من أخرى، إلا أن يقطع منها، وكذلك في أصابع الرجلين، ولو قطع لها من كف ثلاثة أصابع، لها من الكف الأخرى ثلاثة، كان لها فيها مثل ما للرجل، ثم إن قطع [من هذه أنملة، ومن الأخرى نصف/ أنملة، كانت الأنملة على ديتها، وفي نصف الأنملة على دية الرجل؛ كان قطع] (¬1) الأنملة والنصف؛ في ضربة، أو ضربتين؛ من رجل، أو رجلين، وإنما ذلك في الأنملة بعد البرء. ولو مات ما بقي منها، كان كزوال الأنملة؛ فلها فيها كعقلها. وكذلك فيما بقي من كل كف. ولو أصيبت في ضربة، بأصبعين من كل كف، وهذا لا يختلف أنها ترجع في ذلك إلى عقل نفسها. وكذلك لو ضربت، ويدها على رأسها؛ فقطع لها [أصبعان] (¬2)، وشجت مأمومة أو منقلة، كانت في ذلك كله راجعة إلى عقل نفسها، فإذا ضربت ضربة، [أزالت من كل كف أصبعين ثم ضربت بعد ذلك ضربة] (¬3) أزالت ثلاث أصابع؛ أصبعين من هذه، وأصبعا من هذه؛ ففي الأصبعين مثل عقلها، وفي الأصبع كعقل الرجل. وهذا كله من أوله قول ابن القاسم، وأشهب، وذكره ابن القاسم، عن مالك، وإنما ذلك في الخطأ، وإن كان من كف واحدة. قال ابن القاسم فيه، وفي العتبية (¬4)؛ من رواية سحنون: لو قطع لها ثلاثة أصابع، من كف عمدا، فاقتص لها، ثم قطع لها الأصبعان الباقيان خطأً؛ كان فيهما عشرون من الإبل؛ كما لو أصاب الثلاث أمر من السماء. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: وإن قطع لها ثلاثة أصابع، من يد؛ فأخذت ثلاثين بعيراً، ثم قطع من الأخرى أصبع، أو أصبعان؛ في مرة أو ¬
مرتين، ففيهما عشرة عشرة. ولو قطع لها أصبعان، من كل يد؛ في كل مرة (¬1) فأخذت عشرين بعيرا، ثم قطع لها من كل كف أصبع؛ في مرة، أو مرتين؛ ففيهما عشرة عشرة. وقاله أصبغ، وأشهب. قال ابن القاسم: ولو قطع من هذه ثلاثة، ومن هذه واحدة؛ في مرة، فأخذت عشرين، ثم إن قطع رابع الثلاثة، ومن الأخرى أصبع، أو اثنان؛ ففي رابع الثلاثة خمسة، وفي الأصبع، أو الإثنين؛ من الأخرى عشر عشر؛ افترق الضرب أو اجتمع، ما لم يكن في ضربة أربع أصابع. وكذلك في الرجلين. ومنه، ومن كتاب ابن المواز نحوه. قال ابن القاسم: وأما أسنانها، فلها فيما تصاب به من سن بعد سن خطأً، كدية الرجل، إلى أن تبلغ ثلث ديته، فإذا بلغتها، رجعت إلى عقلها/، [فيما بلغ منها] (¬2) بعد ذلك؛ كان ذلك في مرة أو مرات. قاله أشهب: في كل شيء له دية، وكذلك سمعها، وبصرها، ويحسب عليها ما تقدم من الجناية، في ذلك [العضو] (¬3). قال ابن المواز: قد اختلف قول ابن القاسم؛ في الأسنان، فجعلها كالأصابع، بحساب ما تقدم إلى ثلث الدية. قال أصبغ. وقوله الأول: لها في كل سن خمس، ولا يحاسب بما تقدم، وإن أتى ذلك على جميع الأسنان، ما لم يكن في ضربة واحدة، بخلاف الأصابع. قال أصبغ: ولا أرى ابن القاسم، إلا ارتكن إليه، وهو أحب إلى. قال ابن المواز: والأسنان عندي كالرأس، يصاب فيه بمواضح، ومناقل، فلا يجمع عليها إلا ما كان في ضربة، ما لم يكن من شيء واحد له دية، فيحسب منه ما ذهب، كالأرنبة، والسمع، والبصر. وأما المواضح، والمناقل، فلا يضم منه شيء إلى ما قبله. ¬
في دية أهل الكتاب، والمجوس، والمرتد
ومنه، ومنالمجموعة، قال ابن القاسم: وإن ضربها؛ منقلة، ثم منقلة؛ فلها في كل واحدة مثل ما للرجل ما لم يكن في فور واحد، وكذلك لو كان في المنقلة الثانية بموضع الأولى، بعد برئها، بخلاف اليد والرجل؛ لأن ذلك عضو واحد؛ يتبعض جرحه، ولا يكون بعض منقلة، ولا بعض موضحة. قال: ولو أصابها في ضربة؛ بمناقل أو بمواضح؛ تبلغ ثلث دية الرجل، رجعت إلى عقلها. وهو قول مالك. قال أشهب: وإن كان ضربا بعد ضرب؛ في فور واحد، فهو مثله؛ كالسارق ينقل من الحرز قليلا قليلا، فإن كان في فور واحد، وقد أجمع على أخذ ما في البيت، فجعله ينقله قليلا قليلا؛ إما لضعفه، أو لئلا يقطع. فهي سرقة واحدة فليقطع، وإن كان سرقة [بدت له] (¬1) بعد سرقة؛ فلكل سرقة حكمها. ومن كتاب ابن المواز: وما كان من الجراح ضربا بعد ضرب؛ في فور واحد، فهو كضربة واحدة. قاله أشهب. واختلف فيه قول مالك، وعبد العزيز؛ فقال مالك: هو كضربة واحدة. قاله أشهب: قال مالك: إلا أن يريد ضربة واحدة، ثم يبدو له، فضرب أخرى. قال عبد العزيز: ما كان في ضربة واحدة، فبلغ ثلث دية الرجل، فلها فيه مثل عقلها، وما كان يفترق، فلا يضم بعضه إلى بعض./ قال أشهب: وقول مالك أحب إلي؛ كالسارق، واصل سرقته، ثم ذكر كما تقدم في المجموعة. في دية أهل الكتاب، والمجوس، والمرتد (¬2) من كتاب محمد، روى ابن وهب عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «عقل الكافر نصف عقل المؤمن» (¬3). وقضى به عمر بن ¬
عبد العزيز، وقضى به السبعة من فقهاء التابعين؛ أن دية الكتابي على النصف من دية المسلم. واجتمع على ذلك أهل العلم. وإن دية نسائهم على؛ النصف من دية المسلم. واجتمع على ذلك أهل العلم. وإن دية نسائهم على؛ النصف من دية رجالهم. قال مالك، في المجموعة: وهذا أحسن ما سمعت. قال في كتاب ابن المواز ما أعرف في نصف الدية فيهم إلا قضاء عمر بن عبد العزيز، وكان إمام هذا، وأنا أتبعه. ومن كتاب ابن المواز، قال: ودية المجوسي ثمانمائة درهم، ودية نسائهم أربعمائة درهم. وروى ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة، والتابعين. وعلى أهل الذهب، في الرجل ستة وستون دينارا، وثلثا دينار. والمرأة نصف ذلك. وذلك صرف اثني عشر درهما بدينار. وكذلك صرف الدينار. قال أشهب: وجراحاتهم على حسب دياتهم. قال ابن المواز: فإن كانوا أهل إبل، فدية الرجل منهم ستة أبعرة، وثلثا بعير؛ على أسنان المخمسة؛ في الخطإ بعير وثلث؛ من كل صنف. وفي المرأة ذلك. وتجرى الديات أيضاً في أهل الذمة، على أهل الإبل إبلا، وعلى أهل الذهب ذهبا وعلى أهل الورق ورقا، وعاقلتهم. قال ابن المواز: وما جرحت المرأة منهم؛ فما يكون أقل من ثلث دية الرجل منهم، فذلك على حساب دية الرجل، فإذا بلغ ذلك ثلث ديته، رجعت إلى ديتها. قال سحنون: في كتاب ابنه؛ في دية المجسو، إذا كانوا أهل إبل، مثل ما ذكر ابن المواز. قال: في الخطأ سبعة أبعرة إلا ثلث بعير، وثلث من كل صنف؛ من أسنان المخمسة، ياقي البعير. وأما الثلث؛ فإن شاء اشترى له ثلث بعير، وإن شاء جاء ببعير؛ فكانا شريكين. قال: وهكذا حساب دية أعضائهم؛ صغر ذلك، أو كبر. ومن/ المجموعة، ذكر ابن القاسم، وأشهب، نحو ما تقدم؛ من طبقها على أهل الذهب، والورق، وذكر نحو ما تقدم؛ من دية النساء، ودية المجوس؛ عن مالك، وجراح أهل كل ملة؛ على جراح المسلمين، من دياتهم؛ من
ما يجب في الجنين من الغرة
موضحة، ومأمومة، ومنقلة، وغيرها. وذكر نحوه عن مالك، وابن القاسم؛ في المجوس، ونسائهم، وجراحاتهم. وقاله أشهب. ومعاملة نسائهم في الجراح كرجالهم، مثل المسلمين. وكذلك أهل الكتابين. ومن كتاب ابن سحنون، روي عن أشهب، وسحنون؛ أن عقل المرتد عقل المجوسي؛ في العمد، والخطأ؛ في نفسه وجراحه؛ رجع إلى الإسلام، أو ظل على ردته. وذكره ابن القاسم، وأصبغ. وروى سحنون، عن أشهب؛ قال عقله عقل الدين الذي ارتد إليه. وبقية القول في هذا، في الجزء الثاني؛ في باب النصراني، يقتل مسلما، أو كافرا؛ في القصاص؛ في باب القود بين الكافر والمسلم، من معنى هذا الباب. ما يجب في الجنين من الغرة (¬1) من كتاب ابن المواز؛ قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ضارب أم الجنين بغرة: عبد، أو وليدة (¬2)، وذلك إذا ألقت جنيناً ميتاً (¬3)، أو ما يعرف أنه ولد، وإن لم يكن مخلقا. وقيمة هذه الغرة، على أهل الذهب؛ خمسون دينارا، وعلى أهل الورق؛ ستمائة درهم، وعلى أهل الإبل خمس فرائض؛ بنت مخاض (¬4)، وبنت لبون (¬5)، وابن لبون ذكر (¬6)، وحقه (¬7)، وجذعة (¬8). وقاله ربيعة، ولم يبلغنا عن مالك؛ في الإبل شيء ووقف عنه ابن القاسم، وقال: لا إبل فيها، وإن كان من ¬
في صفة الجنين الذي تجب فيه الغرة وكيف إن استهل، والضربة عمدا أو خطأ، وميراث الغرة
أهل الإبل. وقال أصحابه بالإبل. قال أصبغ: ولا أحسب إلا وقد قال ابن القاسم أيضا بالإبل. وروى عنه أبو زيد؛ أنه قاله، وأما حجته أن الحديث: ليس فيه إبل، وهم أهل إبل؛ فهذا نكر عليه؛ لأنه قد خرج إلى الورق، على أهل الورق، وإلى الذهب على أهل الذهب. وقال أشهب: لا يؤخذ منه أهل البادية فيها إلا الإبل، ولا يؤخذ من أهل الذهب إبل، ولا ورق، ولا من أهل الورق/ إبل ولا ذهب. وقد قوم عمر الغرة عشر الدية للأم الحرة. قال مالك، المجموعة: والغرة عبد أو وليدة، وهي من الحمران أحب إلي من السودان، إلا أن يغلوا، فمن أوسط السودان، والقيمة مضت في الغرة حسنة، وليست كالسنة المجتمع عليها، فإذا بذل غرة قيمتها خمسون دينارا، أو ستمائة درهم، قبلت منه، وإن كانت أقل، لم تؤخذ، إلا أن يشاء أهلها. قال ابن القاسم: لا يؤخذ من أهل الإبل، ألا غرة، أو ما ذكر من قيمتها. وفي باب جنين الأمة ذكر ما يجب في جنين [الكوافر] (¬1). في صفة الجنين الذي [تجب] (¬2)، فيه الغرة وكيف إن استهل، والضربة عمداً أو خطأً، وميراث الغرة من كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة، قال مالك: وإذا ضربت الحامل؛ فألقت الجنين؛ مضغة. قال في المجموعة: أو علقة، لم يتبين من خلقه عين، ولا أصبع، ولا غير ذلك، فإن عرف النساء أنه ولد؛ ففيه الغرة، وتنقضي به العدة، وتكون الأمة به أم ولد. قال ابن شهاب: تبين خلقه أو لم يتبين، وإن كانوا ثلاثة؛ في بطن؛ ففي كل واحد غرة. ¬
قال في المجموعة: كان جارية، أو غلاما. قال أشهب: بأي حال عرف، والنساء تعرفه، ما لم ينته خلقه إلى ما لا يجهله أحد. قال في كتاب محمد: كان الضرب عمدا، أو خطأً. قال ابن وهب، عن مالك: منازل الجنين؛ يكون مضغة، ثم عظاما ثم فيه الروح. قال مالك: ولم أسمع خلافا؛ أنه لا تكون فيه الغرة حتى يزايل أمه، ويسقط من بطنها ميتا. قال عنه ابن وهب: فإن ماتت، ولم يبن عنها؛ فلا شيء فيه. وإن خرج منها، ولم يستهل صارخاً، ففيه الغرة. ومن العتبية (¬1) روى أشهب، عن مالك؛ أن الاستهلال؛ الصياح، فإذا صاح؛ فله حكم الحي؛ في الصلاة عليه، وفي ديته، وميراثه، وليس العطاس استهلالا. قال ابن أبي سلمة، في غير العتبية وابن وهب: إن العطاس استهلال. قال ابن وهب:/ وكذلك الرضاع. وهذا مستوعب في كتاب الجنائز. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم؛ وإذا قام على الضرب رجل عدل، وعلى الاستهلال أمرأتان؛ لم يجب القسامة، وكذلك لو شهد رجل على رجل، ثم مات؛ لم تجب فيه القسامة، فإن صح حلف مع شاهده واقتص. ومن المجموعة، ابن القاسم: وإن ماتت؛ من الضربة، ثم خرج جنينها بعد موتها [ميتا لم يكن فيه غرة ولم أسمعه من مالك والدية في الأم وعليه كفارة واحدة] (¬2). وقال ابن نافع، عن مالك: وإن ألقت جنينين ففيهما غرتان، وإن استهلا؛ ففيهما ديتان [قال عنه ابن القاسم وإن استهل ومات والضربة خطأ ففيه الدية على العاقلة] (¬3) قال ابن القاسم؛ بقسامة ولو ماتت بآخر في بطنها، قبل موت الخارج، أو بعد؛ ففي الخارج الدية بقسامة، وإن كان ميتا؛ ففيه الغرة، وفيها هي مع ما في بطنها دية أخرى والكفارة. ¬
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: إذا استهل، ثم مات؛ ففيه الدية بقسامة. قال ابن القاسم: كمن ضرب، ثم عاش. قال أشهب: إن كان حين استهل، مات مكانه؛ فلا قسامة فيه. وإن كان أقام، ثم مات، ففيه، القسامة؛ في العمد، والخطأ، وفيه الكفارة، ولا قود فيه؛ في العمد. وعمده كالخطأ؛ لأن موته بضرب غيره، وديته في العمد والخطأ على العاقلة. وإن ضرب بطن أمة؛ عمدا أو خطأ، أو غير بطنها؛ لأن إصابة الولد خطأً، والعمد لأمه. قال ابن القاسم في عمده القود، بقسامة. وكذلك عنه، في المجموعة؛ أنه إذا تعمد الأجنبي ضرب البطن، أو الظهر، أو موضعا يرى أنه أصيب به؛ ففيه القود بقسامة، إذا استهل. فأما إن ضرب رأسها، أو يدها، أو رجلها؛ فطرحت دماء، ثم ألقت الجنين؛ ففيه الدية بقسامة. قال ابن القاسم: دية الجنين؛ في ماله؛ لأن موته عن سبب ضرب عمد، وكذلك المغلظة، وكما يوضح الرجل عمدا، فيتنامى إلى ذهاب عينه؛ فمذهب ابن القاسم، أن دية العين تكون في ماله، وقد تقدم قول أشهب في هذا. قال مالك: ودية الجنين يخرج ميتا، [في ماله] (¬1)، دون العاقلة. ابن حبيب: قال أصبغ: إذا ضربها البطن عمدا، حتى/ يرى أنه أراد أن يسقط ولدها؛ فماتت هي، وولدها بعد أن استهل، فليقسم ولاتها، وولاة الجنين: أن من ضربه ماتت (¬2). ويقتل بها [وإن عمد لضربها في غير البطن فليقسم ولاتها] (¬3)،وولاة الجنين: لمن ضربه مات. ولهم ديته على العاقلة. وإن كانت الضربة خطأً، أقسم ولاتها على الضربة، وولاة الجنين؛ فكان على العاقلة ديتان. وإنما هذا إذا شهد على الضرب، وأما بقولها؛ فلا يقتل إلا في نفسها ¬
وحدها. تجب القسامة في العمد؛ فيقتل بها، وفي الخطأ تكون الدية على العاقلة. ولا تكون في الجنين دية، ولا قود، ولا قسامة، عاشت أو ماتت؛ لأنها؛ شاهدة لابنها. قال سحنون، في كتاب ابنه: إن قول ابن القاسم؛ في الأدب: تغلظ عليه دية ولده: إذا تعمد ضرب بطن امرأته؛ فألقت جنينا، فاستهل، ثم مات؛ لأن ذلك يقاد منه؛ في الأجني، [وقال غيره لا يقاد منه في الأجنبي] (¬1) فعلى هذا لا يغلظ فيه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا خرج الجنين حيا، فلم يستهل حتى قتله رجل؛ فلا قود فيه. وفيه الغرة، وعلى عاقلته الدية. وقال غيره: فيه الدية كاملة، ولا قود فيه؛ يقول: والدية في ماله. قال أشهب: [ولا يعجبني هذا] (¬2) ولو لزم هذا، لزم مثله في المضروب في البطن يخرج حيا فيموت ولا يستهل. وإن كان قد قاله كثير من أكابر العلماء. ولو ضربها؛ فماتت، وبقي الولد يركض في بطنها حتى مات، [فليس عليه إلا دية واحدة] (¬3). قال مالك: ولم أسمع خلافه؛ لأنه لا غرة فيه، حتى يزايل بطنها. قلت: فإن زايلها ميتا، أو حيا، ثم مات؟ قال: فأحب ما سمعت إلي؛ أن فيه الغرة، مع دية الأم، تحمله كله العاقلة، وكفارة واحدة. وفي العمد يقتل، ويؤخذ ماله في الغرة. قال أشهب: لأنه لو استهل، وقد خرج بعد موتها. كان على الجاني ديتان، وكفارتان. ¬
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز، ونسبه فيهما إلى ابن القاسم، وأشهب: وإذا خرج حيا، ومات قبلها أو بعدها بعد استهلاله؛ فآخرهما موتا، يرث/ أولهما موتا. فإن لم يستهل، فهي ترث نصيبها منه ماتت قبله أو بعده، إذ لا بعد حياته حياة. وإذا ألقته ميتا، بعد أن مات أبوه، عن امرأة أخرى؛ ولدت بعده، فإن ما ولدت يرث في تلك الغرة التي لأخيه. وإن ضربت؛ فألقت جنينا ميتا، وآخر مستهلا، ثم مات؛ ففي الميت غرة، وفي الآخر دية كاملة، وهو يرث في غرة أخيه؛ خرج قبل أخيه أو بعده. قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان الأب الضارب؛ فلا يرث في الغرة التي لزمته، ولا يحجب عنها وارثا. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: قال ابن شهاب: الغرة موروثة على كتاب الله تعالى. وقال ربيعة هي للأم خاصة؛ لأنه ثمن له، وهو عضو من أعضائها. وقال ابن هرمز: هي للأبوين خاصة؛ على الثلث والثلثين، فإن لم يكن إلا أحدهما؛ فجميعها له. وقال هذا مالك مرة. وقال به [عبد العزيز بن أبي سلمة] (¬1)، والمغيرة. ورجع مالك إلى قول ابن شهاب. وقاله ابن أبي حازم، والدراوردي. ابن حبيب. وبه أخذ أصحاب مالك، وابن القاسم، وأشهب، وابن وهب. وهي روايتهم عن مالك، وبه قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. ومن العتبية (¬2) من سماع أشهب: وعن امرأة ضربت، فألقت جنينين، فإن لم يستهلا؛ ففيهما غرتان. وإن استهلا ففيهما ديتان. وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في العبد يضرب بطن سيدته؛ فألقت جنينا ميتا، ولها زوج؛ أنها مخيرة بين أن تفدي العبد من الزوج بثلثي دية الجنين، أو تسلم إليه العبد كاملا ولا تسلم بثلثيه، كما لو جنى على سيده وعلى أجنبي، فإن لم يفده بدية الأجنبي، أسلمه كله. وفي باب جنين الأمة شيء من ذكر ميراث الغرة. ¬
في جنين الأمة، وأم الولد، والذمية، وكيف إن استهل، وجنين البهيمة
في جنين الأمة، وأم الولد، والذمية، وكيف إن استهل، وجنين البهيمة من كتاب ابن المواز، قال مالك: في جنين الأمة عشر قيمة أمة. وقاله الحسن، وأبو/ الزناد. فإن استهل صارخا؛ ففيه قيمته. قال ابن عبدوس: قال ابن نافع، عن مالك أنافت على الغرة أو نقصت. قال أصبغ، عن ابن وهب، من كتاب ابن المواز: في جنين الأمة ما نقص من قيمتها. وقول مالك أحب إلينا. وهو قول ربيعة، ويحيى بن سعيد. وقاله ابن القاسم، وأشهب. قال أبو زيد، عن ابن القاسم، في العتبية (¬1): إن ألقته ميتا؛ ففيه عشر قيمة أمة. وإن استهل صارخا؛ ففيه قيمته على الرجاء والخوف. قال مالك في المجموعة: لا يبالي كان أبوه حرا، أو عبدا. وقاله ابن القاسم، وأشهب؛ لأنه تبع لأمة. قال مالك فيها، وفي كتاب ابن المواز: وفي جنين اليهودية، والنصرانية. قال في المجموعة: وفي المجوسية، عشر دية أمه، إلا أن تكون أمة كتابية حاملا؛ من سيدها، ففيها ما في المجوسية، عشر دية أمه، إلا أن تكون أمة كتابية حاملا؛ من سيدها، ففيها ما في جنين الحرة. وكذلك إن كانت كتابية حرة، تحت مسلم حر؛ ففي جنينها ما في جنين الحرة المسلمة؛ لأنه لو مات أبوه لورثه، إن ولد بعده حيا. قال في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو كان زوجها عبدا مسلما؛ ففيه ما في جنين الحرة المسلمة، ولو قيل ففيه الدية كلها. وقال أشهب: فيه عشر دية أمه. وقول ابن القاسم أحب إلينا؛ لأن الجنين حر مسلم. وقد قال أشهب: يرث الغرة أمه، وإخوته، دون الأب. قال محمد: وهذا غلط، ولا ترث أمه الدية، ولا أحد من أهل الذمة شيئا؛ لأن الغرة، على فرائض الله تورث. وإن لم يكن له وارث مسلم، فبيت المال. ¬
ومن العتبية (¬1)، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم؛ إذا ضرب مسلم بطن نصرانية؛ فألقت جنينها، فاستهل؛ فلا قسمة في أهل الذمة، ولا تجب دماؤهم إلا بالبينات. ومن المجموعة، روى ابن القاسم، وابن نافع، عن مالك؛ في جنين أم الولد؛ من سيدها؛ أنه مثل جنين الحرة. وقاله أشهب؛ لأنه حر. قال عبد الملك: لا يضره رق أمه، ولا دينها، [ولا أنه يرجع] (¬2). ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم، عن مالك/، في جنين النصرانية؛ من المسلم، أو جنين، أم الولد؛ إذا استهل؛ ففيه الدية كاملة. قال مالك: وإذا أسلمت أمة النصراني، وفي بطنها جنين؛ ففيه ما في جنين النصرانية؛ وهو نصف غرة. والذكر والأنثى سواء. وقاله أشهب في المجموعة. ابن القاسم: ولو استهل ثم مات، حلف وارثوه يمينا واحدة: أنه مات من ذلك، وأخذوا ديته. وإن أسلمت مجوسية تحت مجوسي ففي جنينها ما في جنين المجوسي؛ أربعون درهما. ومن كتاب محمد: وجنين امرأة الذمي فيه نصف غرة جنين المسلم. فإن استهل، ثم مات؛ ففيه دية نصراني على قاتله. وعليه كفارة. قال ابن القاسم: يمين واحدة. وقال أشهب: أما في قول مالك؛ الذي لا يرى في أهل الذمة قسامة ففيه دية بلا قسامة ولا يمين. وأما من رأى في أهل الذمة القسامة ومنهم عبد العزيز؛ فإنه يقسم عصبته، لمن ضرب أمة مات. ومن حجته؛ أن يقول: إعطاؤهم ذلك بقسامة، أحوط للمعطى، ولحرمته جعلت عليهم القسامة، لا لحرمتهم. وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «أيحلف لكم يهود، في البراءة مما ادعى عليهم» (¬3)؟! ¬
في صفة دية الخطأ، والدية المغلظة، ودية العمد إذا قبلت، وذكر ما فيه التغليظ، وذكر شبه العمد، وأسنان الإبل في ذلك كله، وأسنان الإبل في الجراح، وتغليظ دية الجرح، وما يتصل بذلك
والعبد لا قسامة فيه، وإن كان قاتلا لم يثبت عليه الدم إلا بقسامة. وأخذ أشهب بقول عبد العزيز: والعبد كسلعة؛ فيه القيمة. والذمي فيه الدية، ولا شيء على طارح جنين الأمة؛ يكون ملكا؛ لأنه عبده. قال ابن المواز في ضارب البهيمة: إذا طرحت ولدها؛ فإنما عليه ما نقص من قيمتها. وذكره ابن وهب، عن ابن شهاب، وأبي الزناد. وقال ربيعة: يجتهد فيه الإمام. في صفة دية الخطأ، [والدية] المغلظة، [ودية] العمد [إذا قبلت]، وذكر ما فيه التغليظ، وذكر شبه العمد، وأسنان الإبل في ذلك كله، وأسنان الإبل في الجراح، وتغليظ دية الجرح، وما يتصل بذلك (¬1) من المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز: وقد كتب النبي- صلى الله عليه وسلم-/؛ «أن النفس مائة من الإبل» (¬2). وهذا أصل الدية. قال ابن القاسم، وغيره: قال مالك: وقوم عمد دية الخطأ على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم. فلا تغير هذه القيمة، ولا يؤخذ فيها بقر، ولا خيل، ولا غنم. ولا يؤخذ إلا من ثلاثة أشياء؛ الإبل، والذهب، والورق. على هذا العمل. ولا يؤخذ من أهل الإبل ذهب، ولا ورق ولا من أهل الذهب ورق ولا إبل، ولا من أهل الورق ذهب ولا إبل. وأهل الشام ومصر أهل ذهب، وأهل العراق أهل ورق. ابن حبيب: وكذلك أهل الأندلس. قال مالك: وأهل البادية، والعمود [قال أشهب] (¬3)، وأهل الحجاز؛ أهل إبل. وأهل مكة منهم. وأهل المدينة أهل ذهب. [قال ابن حبيب أما مكة والمدينة والشام ومصر فأهل ذهب] (¬4) وأهل الإبل الأعراب، وأهل الصحاري. ¬
قال أصبغ، عن أشهب في العتبية (¬1) أهل مكة والمدينة أهل ذهب. قال أصبغ: هم اليوم أهل ذهب. ومن المجموعة، قال عبد الملك، عن مالك: وما روي من أحاديث مما يذكر فيها غير هذه الثلاثة أشياء، فمضطربة، ولم يصحبها العمل. والناس أهل عمود أو قرى. والغالب على أهل العمود، فيما مضي الإبل، وعلى أهل القرى الذهب والورق. ومن كتاب محمد، والمجموعة: وربما زاد بعضها على بعض. قال مالك: ودية الخطأ مخمسة؛ عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون ذكر، وعشرون حقه، وعشرون جذعة. قال ابن المواز: ورواه ابن وهب، عن ابن مسعود، وابن عمرو بن العاص، وعدد كثير من الصحابة، والتابعين. قال سليمان بن يسار: ما أصيب من الجراح خطأً، فعلى حساب المخمسة. وقالوا: في دية العمد إذا قتلت. وقاله مالك، والليث، وعبد العزيز بن أبي سلمة: أنها أربعة أسنان؛ وهي إناث كلها؛ وهي خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. قال ابن نافع، في المجموعة: إذا قبلت في العمد دية مبهمة، وهي أربعة أسنان، كما ذكرنا، بذلك مضت السنة، فأما/ إن اصطلحوا على شيء بعينه، فهو ماض على ما تراضوا به. ومن كتاب ابن المواز، قال: فإن اصطلحوا في العمد على شيء، لزم ما تراضوا عليه، على ما سموا، فإن وقع الصلح على دية مبهمة، أو عفا بعض الأولياء، فرجع الأمر إلى الدية، فالدية في ذلك كدية الخطأ، إلا أن العاقلة لا تحمل منها شيئا، وهي في مال الجاني منجمة في ثلاث سنين. وإنما يفرق دية الخطأ من دية العمد؛ أن العاقلة لا تحملها. وأما الأسنان، فكما ذكرنا. ¬
ومن المجموعة، قال مالك: وإذا قبلت دية العمد، لم تنجم، وكانت في مال الجاني حالة. وقال ابن نافع، في العتبية (¬1): دية العمد إذا قبلت، فهي أربعة أسنان. قيل في ثلاث سنين. قال يؤديها كما قال الله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (¬2). وكذلك في كتاب ابن المواز، عن مالك؛ أنها حالة. ومن المجموعة، الموازية، قال مالك: والدية المغلطة- قال أشهب: وهي شبه العمد- التي لا تكون إلا في مثل فعل المدلجي بابنه؛ ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها، ما بين ثنية إلى بازل عامها. وروي مثله عن عمر، وأبي موسى، وزيد بن ثابت. وذكره ابن شهاب، عن النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ أن في شبه العمد مغلظة (¬3)؛ على هذه الأسنان. قال ابن المواز: ولا تبالي في الخلفات إذا كانت بوازل، أو ثنايا إذا كانت حوامل. ولا نبالي من أي الأسنان؛ كانت ما لم تكن كبيرة جدا. وأحب إلينا من الثنايا إلى بازل عامها. وقاله أشهب. قال: والحقة كمطروقة العجل. ومن المجموعة، قال مالك: ودية الخطأ تجري في جراح الخطأ على أسنانها المخمسة. قال ابن الماجشون: وكذلك في اليد، وفي الأصبع، وفي الأنملة؛ ثلاثة أبعرة، وثلث مخمسة، وثلثا بعير من كل صنف، ويكون به شريكا. وقال في كتاب ابن المواز مثله، وزاد في العمد؛ إن قبل الدية خمسة أسداس كل سن؛ من دية العمد المربعة؛ يكون به شريكا. قال محمد: وإن كانت ¬
موضحة، فإن له بعيرا وربعا من كل صنف منها ولو/ كانت خطأ، أخذ بعيرا من كل سن من المخمسة. قال أصبغ عن مالك، في الأنملة تقطع خطأً: أحب إلي أن يؤتى بدية الأصبع؛ عشرة أبعرة على أسنانها، فيكون فيها شريكاً بالثلث، يجبر على ذلك شاء أو أبي. وأنكر هذا سحنون، في كتاب ابنه، وقال: لا يلزمه إلا أن يأتي بخمس، فيكون المجني عليه شريكا فيها بثلثها. وإن كانت أنملتين؛ أي سبع فرائض، إلا أنملة منها خمس صحيحة، وثلث من كل فريضة، أو يأتي بفريضة؛ شاركه بثلثها، أو يشتري ذلك منها. ومن العتبية (¬1) والمجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: وله في التغليظ، في العين، واليد، خمس عشرة حقة، وخمس عشرة جذعة، وعشرون خلفة، وإن أخذ ذلك من أهل الذهب، نظر إلى فضل نصف الأسنان المغلظة، على نصف دية الخطأ، فزيد من الذهب، بقدر ذلك. قال في المجموعة، قال غيره، وقاله سحنون: وإذا كانت جراح لا قصاص في عمدها؛ فلا تغليظ فيها، مثل الجائفة، والمنقلة، والمأمومة؛ فلا تغليظ فيها، كما لا قود فيهن في العمد. قال سحنون في العتبية (¬2) مثله سواء. قال ابن القاسم، في العتبية (¬3): لا تغليظ في النفس، والجراح، إلا بين الأم، والأب، والجدود، والأبناء. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب، وابن الماجشون، عن مالك: إن الأم كالأب سواء في ذلك. وقيل عن مالك: إن الجد كالأب في ذلك. قال عبد الملك: الجدود والجدات، كالأبوين في ذلك، وكما لا أقتلهم في ذلك، فإني أغلظ الدية عليهم. ¬
قال ابن القاسم: وليس الأخ والعم وسائر القرابات مثل ذلك، إلا أن يكون جرى على وجه الأدب من القرابة، فيكون كالمعلم، وذي الصنعة، ما لم يتعمده بسلاح وشبه. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: التغليظ في الأدب، وأبي الأب، والأم، وأم الأم. وتوقف عن أبي الأم، وعن أم الأب، وأما عبد/ الملك؛ فجمع الجدود والجدات، وقال: هم مثل الأبوين في التغليظ. وقال أشهب: أما أم الأب فكالأم، وأما أبو الأم فأجنبي. وذكر مثل ما ذكر في القرابة. قال ابن سحنون، عن أبيه: واتفقوا أنها تغلظ في الجد، والجدة، واختلفوا في الجد والجدة من قبل الأم. قال ابن القاسم: هما كالأم. وبه قال سحنون. وقال أشهب هما كالأجنبيين. ومن المجموعة: والتغليظ في النفس والجراح عند مالك، وإن كان ذكر عنه غير ذلك. فالثابت عنه، وما عليه أصحابه؛ أن فيها التغليظ، إذا كان مثل ما فعل المدلجي فيها؛ صغر منها أو عظم، إلا أن يكون عمدا لا شك فيه. قال ابن القاسم: مثل أن يضجعه أو يربطه؛ للقتل، أو يشق بطنه، أو يدخل أصبعه في عينه عمداً؛ ليفقأ عينه، فليقص منه بالقتل، والجرح. وإن كان منه الخطأ؛ مثل ما هو من غيره خطأ، فلا تغليظ فيه، وإنما التغليظ في غير هذين الوجهين مما هو من غيره عمد، ومن الأب يشك فيه فينزل منه كالخطأ. قال: والتغليظ عند ابن القاسم، وأشهب، وأصحابهما، كبر من الجراح، أو صغر. وقد روي عن ابن القاسم؛ قال: فيما بلغ ثلث النفس، فأكثر. وأخبرني عنه أبو زيد؛ قال ما بلغ ثلث الدية؛ فعلى العاقلة مغلظة، وما كان دون الثلث؛ ففي مال الأب والجد مغلظا، وكذلك في الجد للأم. وهذا غلط من أبي زيد. وهو قول أشهب. ومن العتبية؛ من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز، وابن عبدوس، قال مالك: وإذا لزم أهل الذهب دية مغلظة، نظر ما قيمة دية الخطأ
المخمسة؛ من الإبل، فإن قيل: ستمائة دينار. قيل: وما قيمة المغلظة من الإبل، وهي ثلاث أسنان (¬1)؟ فإن قيل: ثمانمائة. كان له من الذهب دية وثلث، وكذلك على أهل الورق، وكذلك لو زادت مثلها؛ فله دينار من ذهب، أو ورق. قال سحنون في كتاب ابنه: أن قد أجمع أصحابنا على أنه ينظر ما زادت المخمسة؛ كم هو منها جزء؛/ [ولا يقال كم هو جزء] (¬2) من المغلطة؟ ابن حبيب: قال ابن القاسم: تعتبر المغلظة، على أهل الذهب؛ بقيمة المغلظة إبلا، وقيمة دية الخطأ إبلا، فمات زادت المغلظة، زيد من الذهب بقدر ذلك. فإن كان البلد لا إبل فيه كالأندلس، نظر إلى قيمة الإبل في أقرب البلدان من الأندلس، مثل إفريقية وما يشبهها. ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: وتغلظ الدية في المجوس، في مثل فعل المدلجي. وأذكر قول عبد الملك: أنها لا تغلظ. قال: وهي في الخطأ؛ على أهل الإبل سبع فرائض، إلا ثلث بعير، وثلث من كل صنف من الخمسة الأسنان، وفي التغليظ ثلاثة أسنان، فقس التغليظ بين هذين، في أهل الذهب. وفي أهل الذهب والورق؛ في النفس والجراح، كما تقدم ذكره. وقد ذكرنا اختلاف قول مالك، في التغليظ على أهل الذهب والورق؛ فقال: لا تغلظ بينهم. وقال: تغلظ. ويعتبر ذلك بالمخمسة، والمثلثة، وذكر عنه بعض البغداديين قولا ثالثا: أنه ينظر إلى قيمة أسنان المغلظة، من الذهب والورق؛ فيؤدى، ولا ينظر إلى أسنان دية الخطأ، وينبغي أن يكون في هذا القول ما لم ينقص من ألف دينار؛ في الذهب، فلا ينقص. قال ابن المواز: وأما دية العمد، فما رأيت من زاد فيها على دية الخطأ؛ على أهل الذهب، والورق، ألف دينار، وإما اثنا عشر ألف درهم، ولا يعرف شبه الخطأ إلا في المغلظة إلا أشهب؛ فإنه قال: تغلظ دية العمد على أهل الذهب ¬
والورق؛ ينظر ما بين قيمتها، وفيه دية الخطأ، من الإبل، فيزاد مثله في العين. وكذلك روى يحيى بن يحيى، عن أشهب، أن دية العمد تغلظ في الذهب والورق؛ فيزاد ما زادت قيمة المربعة على المخمسة. وكذلك يغلظ عقل الجراح العمد، على ما زادت قيمتها في الخطأ، إلا أن يصطلحوا على أمر جائز. محمد: ولم يره ابن القاسم. قال ابن عبد الحكيم: وقد كان لمالك بعض الوقوف، في التغليظ على أهل الذهب، في مثل صنع المدلجي، ثم رجع، فقال: تغلظ في النفس والجراح. وكان لا يغلظ في الجراح./ وقال عبد الملك، في المجموعة: لم يختلف أصحابنا، في التغليظ، في أهل الذهب والورق؛ لأن العلة إنما هي قتل النفس، بما يشبه العمد، وهي من الأجنبي عمد، فدرئ عن الأب فيه القتل، وغلظت فيه الدية؛ لبعد قصده القتل، إلا فيما لا يشك فيه، أنه قاصد له؛ كالذبح، ونحوه. وقال كثير من الناس: لا يقتل بهذا أيضاً. ومن كتاب محمد: ولم يذكر عن مالك، في حمل دية المغلظة شيئا. وابن القاسم يراها في مال الأب. وقال أشهب، وعبد الملك، وابن عبد الحكم: هي على العاقلة [ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز (¬1) قال سحنون في كتاب ابنه: وأجمع أصحابنا، أنها حالة، وإن اختلفوا في أخذها من العاقلة، أو مال الأب [قال ابن حبيب] (¬2). وقال مطرف: وهي على الأب حالة، إلا أن لا يكون له مال، فتكون على العاقلة حالة ليلا يطل الدم، كقول مالك في المأمومة والجائفة: وإن لم يكن له مال، فهي على العاقلة. يريد؛ في أحد قوليه. ¬
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وابن الماجشون: [وتكون دية التغليظ حالة كما فعل عمر قال ابن القاسم] (¬1) هي في مال الأب؛ لا تحمله العاقلة؛ لأنه عمد من غير الأب، ولا يرث منها شيئا، ولا من ماله. وقاله أشهب في الميراث. قال: لأنه كالعمد، وقد قال قوم: لا يرث قاتل الخطأ من المال، ولا من الدية شيئا، فكيف بهذا؟ [وقد قال غيرنا لا يقتله لتهمته إياه] (¬2) فهو بالعمد أشبه. قال عبد الملك، وأشهب: إلا أنها على العاقلة، إذا لم يجعل ذلك من الأب عمدا؛ يدل على ذلك قول عمر، لسراقة: أعدد لي على قديد (¬3) عشرين، ومائة بعير. وهو ليس بالأب، ولكنه سيد القوم. قال المغيرة: وبعد ذلك من الأب كاف، جاوز به حده، فكأنه كالمخطئ. قال ابن المواز: وعبد الملك يراها على العاقلة حالة، واحتج بقول عمر لسراقة، فاختار منها مائة بعير؛ من الأسنان المذكورة. وقولهم: القسم. أحب إلينا. وذكر ابن حبيب عن عبد الملك، ما ذكر ابن المواز. وغيره قال: ومن تغليظها؛ تعجيلها. قال أصبغ: آخر قولي ابن القاسم: أن تكون معجلة على الأب، في ملائه، [أو عدمه وكان يقول على العاقلة منجمة وبه قال أصبغ، وقال ابن حبيب بقول مطرف أن ذلك على الأب في ملائه] (¬4) وإن كان عديماً؛ فعلى العاقلة، حالة. وقد ذكرنا/ قول سحنون: إن أصحابنا أجمعين، يقولون: معجلة. فمنهم من قال: على الأب. ومنهم من قال: على العاقلة. قال سحنون، العتبية (¬5)، عن ابن القاسم: إنها في مال الأب حالة، ودية العمد إذا قبلت حالة. قال ابن المواز: وقد ابن القاسم، وأشهب، وعبد ¬
الملك: لا يرث من ماله، ولا من ديته شيئا، بخلاف الخطأ. فهذا يدل أن العقل في ماله. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا حكم الحاكم بين أهل الذمة، في التغليظ، حكم بحكم الإسلام. ومن كتاب ابن المواز، قال عبد الملك: وإذا أقر الأب أنه قتل ابنه عمدا، مثل صنع المدلجي، فلا يلزم العاقلة بإقراره شيء وذلك في ماله، ولا يطل دمه. ومن كتاب ابن سحنون؛ في إقرار الأب بقتل ابنه، فلا يغلظ فيه الدية، في ماله، بإجماعهم. قاله عبد الملك، وغيره. ومن كتاب ابن المواز، قال عبد الملك: وإذا وقعت دية المجوسي مغلظة، ففيها سبع فرائض إلا ثلثا؛ حقتان، وجذعتان، وثلاث خلفات إلا ثلثا. ثم ذكر تغليظ دياتهم، في الذهب، والورق. وإذا رضي أهل الكتابين بحكمنا، حكمنا بينهم في المغلظة، في النفس، والجراح، كحكمنا. وأما المجوس، فلا يغلظ عليهم. قاله مالك، والمغيرة. قال عبد الملك: لأن دية الكتابي مشتقة من دية، ودية المجوسي ليست بدية، وإنما هي كالثمن مسمى، لم تؤخذ من دية. وأنكر سحنون قول عبد الملك في المجوسي. وقال: أصحابنا يرون أن تغلظ عليهم، إذا حكم، بينهم، ولأن علة التغليظ سقوط القود. ولم أر قوله شيئا من السماعات. قال سحنون: قال ابن القاسم: وإذا قام شاهد على الأب، بمثل صنع المدلجي، أو شهود، إلا أنه حمل، وعاش، ثم مات، ففيه القسامة على من يرثه [سوى] (¬1) ابنه، واستحق بذلك الدية المغلظة. قال أشهب: وفيه القسامة. وإن قال: دمي عند أبي خطأً. قال سحنون، في كتاب ابنه؛ في مسألة ابن القاسم؛ فيمن قال: ذبحني أبي، أو بقر بطني: أنه يقسم، أنه يقسم، مع قوله، ويقتل الأب./ قال سحنون: يقبل قوله ¬
من هو في إعداد الموتى، إلا أن يكون ذبحه، وبقيت أوداجه، ولم يجهز عليه. قال: وإن لم يفسر الابن كيف كان القتل، غلظت الدية في مال الأب. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: وإذا ألقت المرأة ولدها في بئر أو مرحاض، فإن كان مهلكا مثل بئر ذات ماء كثير لا ينجو من مثلها، أو مرحاض لا ينجو من مثله، فإن قتلت به، رأيته صواباً، وإن كان غير ذلك لم تقتل به. قال ابن القاسم، عن مالك، في المجموعة في بقية المسألة: إن ألقته في بحر، أو بئر كثيرة الماء، وشبهه؛ [فهي أهل أن تقتل وإن كان مثل بئر الماشية] (¬1) فلا تقتل. وذكر عن مالك فيما تغلظ فيه الدية؛ في النفس والجراح، مثل ما ذكر ابن المواز. ومن العتبية (¬2)، رواها أشهب عن مالك، وقاله أصبغ، وقال: هذه متعمدة للقتل كالذبح. وقال ابن القاسم: إن كانت مثل البئر اليابسة التي لا يبعد أن يؤخذ منها (¬3)، وشبه ذلك، فلا تقتل، إلا أن تكون مهواة، لا تدرك ولا تنزل؛ فلتقتل، وإن كانت يابسة. وقال ابن القاسم، في عبد تزوج حرة؛ فصار له منها ولد ابن عشر سنين، وهو بالقلزم، فركب به يريد الحجاز، ولم يعلم أمه، فغرق المركب، وهلك الغلام، ونجا أبوه، فقامت أمه تريد أخذ العبد فيما صنع بابنه. قال مالك: فلا شيء لها عليه. وقد جرى في باب القصاص؛ بين القرابة، في الجزء الثاني، ذكر ما يقاد فيه من الأب، وما تغلظ فيه الدية، وقد تكرر معنى ما ذكرنا في هذ الباب، وفي صفة العمد والخطأ، شيء من ذكر شبه العمد، مما يشبه بعض ما في هذا الباب. ¬
[الجزء الثاني من الجراح]
بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثاني من أحكام الدماء/ [وهو كتاب القصاص من النوادر] (¬1)، ذكر العاقلة، وكيف تحمل دية الخطأ؟ وكيف توظف عليهم؟ وهل تحمل العمد والإقرار؟ من كتاب ابن المواز، روى ابن وهب أن ابن عباس، وغيره؛ من الصحابة، والتابعين، قالوا: إن العاقلة لا تحمل عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا. وبهذا قال مالك؛ إلا أنه في الإعتراف ربما جعله كشاهد على العاقلة يوجب القسامة. وأما في الجراح فلا، إذ لا قسامة فيها. ومن كتاب آخر: إن حمل العاقلة الدية أمر قديم، كان في الجاهلية، فأقره النبي- صلى الله عليه وسلم-. والعاقلة: عشيرة الرجل وقومه، فإن حملوا ذلك بغير أقداح، وإلا ضم إليهم أقرب القبائل إليهم حتى يرتفقوا. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وقعت على أهل إبل، فرضت على جميعهم، ولا يقدحون حتى يشترك البقر في البعير. وأنكر قول الشافعي: لا يزاد فيها على نصف دينار، ولا ينقص من ربع دينار. وقال: ما أعلم أحداً من أصحابنا وقت في ذلك توقيتاً. ¬
ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز: ولم يحد مالك كم يؤخذ من كل رجل، وليس المكثر كالمقل. ومنهم من لا يؤخذ منه شيء لإقلاله. قال ابن القاسم، عن مالك: قد كان يؤخذ منهم عمن معهم في ديوان يؤخذ في العطاء، من كل مائة درهم، درهم ونصف. قال مالك: والمجتمع عليه عندنا، أنها على أحرار الرجال البالغين. ولا عقل على النساء، والصبيان. قال ابن القاسم: ولا على مديان. قال ابن الماجشون: ولا على معدم. قال ابن وهب،/ عن مالك، في الكتابين: ليس في أموال العاقلة حد إذا بلغته لزمتهم، وإذا قصروا عنه لم تلزمهم. وليس هذا عند أحد علمته. إنما يجعل على كل رجل، مقدار ما يحمل، وإذا لم يكن ديوان، فإنما يجعل على فخد الجاني إن كان فيهم محمل لذلك، وإلا؛ ضم إليهم أقرب القبائل إليهم، فإن لم يحملوا ضم أيضا أقرب القبائل إليهم هكذا أبدا حتى يحملوا إذا كانوا أهل بلد واحد؛ مثل مصر، والشام، ولا يعقل مصري مع شامي، ولا شامي مع مصري. وإذا كان في القوم سعة لم يضم إليهم غيرهم، وقد فعل الناس في العقل، يطلبون فيه، فيعطى كل أحد بقدره، وأكره أن يبعث (¬1) فيه السلطان من يأخذه، فيدخل فيه فساد كبير. قال سحنون، في كتاب ابنه: ويضم عقل أهل إفريقية بعضهم إلى بعض من طرابلس إلى طيبة. ومن كتاب ابن المواز، وبعضه من المجموعة: مالك: ويؤدي معهم الجاني، وعلى الموسر بقدره، والمقتر بقدره، ومنهم من لا يؤخذ منه شيء؛ لإقلاله، وأنه ليس بشيء. وقاله أشهب. قال عبد الملك: وإنما تجب على من كان من العاقلة يوم يقسم عليهم الدية، وتوظف حيا بالغا؛ ليس يوم مات، ولا يوم جرح، ولا يوم يثبت الدم، ولكن يوم ¬
تفرق؛ فيجعل على الملئ بقدره، وعلى المقتر بقدره، ثم لا يزول عمن مات بعد ذلك، أو أعدم، ولا يدخل فيها بعد ذلك من يبلغ من صغير، ويقدم من غائب أو منقطع، ولا يزاد على من أيسر منهم. وقال أصبغ: من مات منهم؛ ممن جعل عليه بقدره، قبل أن يحل؛ فلا يكون ذلك في ماله، ويرجع ذلك على بقية العاقلة. قال: ولا يزاد في التوظيف على بني عمه، دينه أكثر مما يجعل على/ باقي العاقلة، ولكن ذلك سواء، على قدر المال والوجد. قال أصبغ: ولا يدخل مع العاقلة صبي، ولا مجنون. وأما السفيه فيؤخذ من ماله بقدره، من قدرهم. قال ابن القاسم، وابن نافع: ويعقل السفيه البالغ مع العاقلة. ابن نافع: ولو كان نصرانيا سفيها لا يلي مثله ماله، وضعت عنه الجزية. ومن العتبية (¬1)، قال أصبغ، عن ابن القاسم: يعقل السفيه، مع العاقلة، ويعقل معهم موالي القاتل. يريد من أسفل. قال سحنون في كتاب ابنه: لا يعقل المولى الأسفل مع العاقلة. وروى أصبغ عن ابن القاسم أنه يعقل معهم. قال سحنون: وإذا جنى الرجل، وهو وقرابته معتقون، حمل العقل على قرابته إن حملوا، فإن لم يحملوا، حملها موالي الجاني. قال سحنون: في كتاب ابنه: ومن استحق بملك بعد توظيفها، رجع ما كان عليه على بقية العاقلة. ومن المجموعة، ومنه ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإذا وضعت وفرض على الرجل بقدره، فمات قبل الأداء فذلك في ماله. وقال عبد الملك: وهي على من حضر الحكم فيها؛ من حر بالغ، وحاضر حين الحكم، فإن كان كما بلغ أو قدم- يريد يوم الحكم- بتوظيفها؛ لا يوم ثبت الدم. وقد تقدم ذلك. قال: ولا ينظر إلى من كان غائبا حينئذ؛ غيبة انقطاع، بخلاف من خرج لحج، أو لحاجة. فإذا وضعت، ثم بلغ صبي، أو أعتق عبد، أو قدم منقطع الغيبة بعد الحكم فيه، لم يلزمهم شيء، ثم لا سقط عن من مات، أو أعدم بعد ذلك.، ¬
وقال أصبغ، في الميت: يرجع ما عليه، على بقيتهم. ومن العتبية (¬1)، روى يحيى بن يحيى/ عن ابن القاسم، قال: في عاقلة الرجل، من أهل المدينة، يقع عليهم العقل، قبل أن يقسم عليهم، أو يرتحل إليهم رجال منهم، من مصر. فلا ينظر إلى من قدم أو ظعن، أو إلى من مات، ونحوه قبل أن يوظف عليهم. وإنما ذلك على من حصل يوم يوظف عليهم، لا يوم الحكم- يريد يوم الحكم بتوظيفها، لا يوم ثبت الدم- قال: إذ ليس بدين لازم، إلا من ظعن فرارا من الدية، فإنه يلحقه حكمها، حيث كان حيا، إذا قسمت على من حضر، لزمتهم، ثم لا يزول عن منتقل، ولا يلزم من قدم. والغرماء مبدون على طالب الدية. ولا يحاص بها الغرماء. قال عنه سحنون: ومن مات بعد أن وظفت، كانت في ماله، كدين ثابت، ومن كان منهم مديانا فلا شيء عليه. قال سحنون: إذا رتبت صارت كدين ثابت يحاص بها. وقال يحيى، عن ابن القاسم، فيمن مات منهم بعد التوظيف: لم يكن في ماله، ولا على ورثته، ورجعت على بقية العاقلة. فأنكر هذا سحنون، وقال إذا قسمت، صارت كدين ثابت. وعبد الملك يقول له: إنها لا تكون كدين ثابت حتى تفرق على من تقطع عليه، فتلحق بالذمم في الموت، والفلس، ولا يؤتنف فيها حكم، لعدم يحدث من ملاء، أو يسار معدم، أو قدوم غائب، أو عتق عبد، أو احتلام صبي؛ لا يدخل فيها من لم يكن دخل، ولا يزول من دخل. قال ابن حبيب: وإنما يوظف على قدر المال والسعة والاحتمال. وليست على الصبي والمجنون، ولا على المرأة. وهي على السفيه المولى عليه بقدر ملائه يوم القسم، لا يوم القتل. ¬
قال يحيى، عن ابن القاسم: وأعدل ذلك؛ أن تجعل على أهل الغني منهم،/ ولا يؤخذ ذلك إلى الجزء الذي يقتضى في عام قابل. ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن الماجشون: ومن أسلم من البربر ولم يسبوا، فإنهم يتعاقلون كالعرب. فأما من سبي، وعتق، فعقله على مواليه. وقاله مطرف، وابن كنانة، وابن القاسم، وأصبغ. قال ابن المواز: قال مالك: ومن أسلم، ولا قوم له، فالمسلمون يعقلون عنه، ويرثون عقله. ومن العتبية (¬1)، روى عيسى، عن ابن القاسم، في الذي يقتل باطرابلس خطأً، وبعض عاقلة القاتل بها، وبعضهم بإفريقية، وهم كثير، والذين بأطرابلس نفراً يسير. قال يضم بعضهم إلى بعض. ومن العتبية، قيل لمالك: ربما لم يكن في القرية إلا رجل واحد؟ قال: يضم بعض ذلك إلى بعض. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال مالك: ويدخل الجاني مع العاقلة في القوم، كرجل منهم. قال عنه أشهب: وتؤخذ العاقلة بالدية، وإن كرهها، وكره أن يبعث فيهم رسولاً؛ يجبى إلى ذلك؛ لما يخشى من الفساد في ذلك. قال أشهب: ولكن بعدهم على العاقلة وتكره العاقلة، على أداء ذلك إليهم. ومن المجموعة، قال مالك: ومصر، والشام، أجناد قد جندت، فكل جند عليهم جرائرهم، دون من سواهم؛ لا يعقل أهل مصر مع أهل الشام. ومنه ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا يعقل أهل البدو مع أهل الحضر. وإذا انقطع بدوي، فسكن قرية من أمهات القرى، ضم عقله إلى قومه، من أهل القرى. قال، في كتاب ابن المواز: وإن لم يكن هناك من قومه، ععد يحمل ذلك، ضم إليهم ¬
من أهل القرى أقرب الناس بقبيلتهم. وكذلك القروي يوطن البادية؛ أهل العمود، فليعقل معهم. قال- يعني مالكا- في كتاب ابن عبدوس: وكذلك/ الشامي يوطن مصر، فإن لم يكن من قومه بمصر، من يحمل ذلك لقلتهم، أو ليس منهم بها أحد، فليضم إليه أقرب القبائل من قومه حتى يقووا على العقل. ولا يعقل بدوي مع أهل القرى. ولا يجتمع في دية عن أشهب، وعبد الملك، في الجاني، في عاقلته أهل إبل، وأهل ذهب؛ أن الأقل في ذلك يتبع للأكثر، ولو كان ذلك متناصفا حمل كل فريق من ذلك ما هو أهله. ورواه ابن وهب، عن مالك. وهو خلاف مذهب ابن القاسم. وقال أشهب: أهل القرى، وأهل باديتهم يحملون جميعا العقل، عن الجاني إذا كان شاميا. وأرى أن لا يكلف البادي منهم الدنانير، ويقبل منه الإبل؛ بقيمتها دنانير. ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال- يعني مالكا-: وإذا جنى مصري، فلم يقم عليه حتى أوطن العراق، فجنايته على أهل مصر. قال ابن المواز: وقال عبد الملك غير هذا؛ زعم أنه لا يراعى المنتقل، وإنما ينظر إلى قومه، فإن كانوا أهل بادية فعليهم الإبل، وإن كان الجاني من أهل القرى. وإن كان بعضهم بادية، وبعضهم في القرى وهم متناصفون، أو يقرب بعضهم من بعض؛ فعلى البادين ما يصير عليهم إبلا، وعلى أهل القرى ما يصير عليهم عينا. وإن كان احد الصنفين فقيرا لا مال له، فيجعل الأقل تبعا للأكثر. وإن كان أهل العمود الأكثر، كانت الدية إبلا؛ يؤدي معهم منها أهل القرى ما عليهم إبلا. وإن كان أهل القرى أكثر، فالدية عين، يؤدي بدوي مع قروي. قال عنه ابن القاسم: إذا كانت قبيلة الجاني بادية، وقراراً (¬1)، لم يحمل أهل البادية، مع أهل القرار. وقال أيضا مالك: لا يحمل البدو جناية/ أهل الحضر، ولا أهل الحضر جناية أهل البدو. ¬
ومن الكتابين، قال بكير بن عبد الله: وإذا قتل أعرابي قرويا فديته مائة بعير. وإن قتل قروي أعرابيا فديته ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم، يريد على الغالب من أموالهم. قال: وقال مالك: وأعجب هذا سحنونا، وقال: إذا كان طائفة من عاقلته، بالبدو، وطائفة، بالقرى. فلا يجمع في دية صنفان، ولكن إن كان الجاني من أهل العمود؛ فالدية كلها إبل. وإن كان من أهل القرى؛ فالدية ذهب أو ورق. ويضم إليه أقرب القبائل إليه، إن لم يكن في موضعه محمل لذلك. ومن كتاب ابن المواز، قال: واضطراب قول أشهب في ذلك؛ فقال: إذا اجتمعت البادية، والقرار، من بلد واحد؛ أخرج أهل البادية ما يلزمهم إبلا وإن كان الجارح ليس منهم. ويخرج أهل القرار حصتهم عينا وإن كان الجارح ليس منهم. وإنما تؤخذ الإبل من البدوي، بقيمتها إلا أن يشاء البدوي ذلك. وإنما لا يحمل القروي مع البدوي إذا كانت بادية غير بلد الجاني، أو حضر غير حضري. فأما إذا اجتمع ذلك كله في بلد الجاني فهو عليهم، كما ذكرنا. وقال به ابن عبد الحكم. وقال أصبغ بقول ابن القاسم. وروى أصبغ، عن أشهب، في الدية تقع عن قتل بالفسطاط؛ أيدخل في ذلك قبيل القاتل من جميع عمل مصر؟ قال: لا. بل من ثوى بالفسطاط منهم. فإن لم يكن لها من يحمل ضم إليهم أقرب القبائل ممن بالفسطاط خاصة. قال أصبغ: وقال في كتبه غير هذا. وهذا أحب إلينا. وهو قول قاله ابن القاسم؛ أن لا يعقل حضر مصر مع بدوها، ولا بدوها مع حضرها. ولا أهل مدينة مع بدوها؛ لأنهم أهل إبل، وأصل المدينة أهل ذهب. قيل: فأهل الأجواف/ مثل بليس، وشبههم؟ قال: هم أهل حضر؛ من أهل ذهب. قال مالك: أهل البدو، وأهل الحضر؛ لا يعقل بعضهم مع بعض. قال أصبغ: يعني وإن كانوا أهل مصر واحد. قال أصبغ: وكذلك أهل القرى، والكور؛ لهم الحضارة، بمنزلة بدوها. والكورة العظيمة؛ عندي حضارة وحدها،
إن كان فيها من يحمل ذلك. وإن كان أهل ديوان، والعقل على تلك العرافة التي تأخذ معهم، وإن كانوا من غير قبيلته. وقال أشهب: وإن كان منهم من ليس في الديوان؛ لا يدخلون مع من في الديوان، وإن كانوا كلهم من أهل الفسطاط. قال: وإن لم يكن في أهل الديوان منهم من يحمل ذلك، لم يدخل معهم الخارجون من أهل الديوان، وليضم إليهم من أهل الديوان، أقرب القبائل إليهم. وقاله أصبغ. وقال أشهب: وهذا في ديوان عطاء، ودينار. وأما إذا انقطعت، فإنما ذلك على قومه؛ أهل ديوان، أو منقطعين. وقاله مالك، في كتاب ابن المواز، والعتبية (¬1)؛ من رواية أشهب؛ إذا كان العطاء قائما قائما دائما، فليعقل معه من معه، في الديوان؛ من قومه، أو غير قومه؛ إذا كان فيهم محمل. ويؤخذ منهم؛ من كل مائة درهم ونصف. قيل: أفيعينهم من قومه من ليس معه في الديوان؟ قال: ما يفعلون ذلك. وإني لأرى ذلك. قال محمد: وليس ذلك عليهم. ومن المجموعة، ذكرعن مالك نحوه؛ من تعاقل أهل الديوان، بعقل مع غير قومه. قال: وقد فعل ذلك. قال: وقد تأخر العطاء، وقل الديوان، حتى ضاعت العقول. وإن اضطروا إلى من ليس معهم في الديوان، من قومهم، أعانوهم. وقاله أشهب؛ إذا در العطاء، وأما إن كانت منقطعة فليحمل عنه قومه؛ كانوا في ديوان، أو منقطعين،/ وقد تعاقل الناس قبل الديوان. وقال أشهب: وإذا جنى الساكن بمصر، وليس بها من قومه أحد، حمل جنايته أقرب القبائل إليه ممن بمصر، أو البلد الذي أوطنها، إن كان في عددهم محمل، وإلا ضم إليهم، أيضا، أقرب القبائل إليهم. وقال ابن القاسم مثله كله. ¬
ذكر قول الله تعالى فيمن قتل من كافر معاهد أو مؤمن لم يهاجر، ومن قتل الآن بين الصفين، من كافر بارز غير القاتل
قال ابن حبيب: قال أصبغ: معاقلة أهل الحاضرة وما حولها من القرى والبادية معاقلة واحدة، إلا أن تكون باديتها أهل انتجاع، وبدو، فتكون معاقلتهم بينهم الإبل، ولا تضم إليهم الحاضرة، وإن قربوا. ولا يجتمع في دية إبل، ومال. وأما من لم يكن أهل إبل، وإن بعدوا من الحاضرة، وإذا كانوا مصر واحد، مثل القرى، وأشباهها؛ فهي معاقلة واحدة. وقاله ابن القاسم. ومن المجموعة، قال عبد الملك في عشرة رجال، قتلوا رجلا خطأ، ومن قبائلهم أهل عمود، فلتقسم الدية على قبائلهم أعشارا، فأخرج أهل القرى منهم، ما يخرج أهل القرار، وعلى أهل العمود ما يخرج أهل العمود. ومن كتاب ابن المواز، المجموعة، قال ابن القاسم: قال مالك: عقل الموالى تلزمه العاقلة؛ أهل ديوان، أو منقطعين. والولاء نسب ثابت. قال: ولا يعقل ابن المرأة عنها، ولا زوجها، ولا إخوتها لأمها، إن لم يكونوا من قبيلتها. وميراثها لهم، وميراث مواليها لولدها، وعقلهم على قبيلتها، وهي السنة منذ زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم. قال ابن وهب: وقضى به النبي- عليه السلام (¬1). ذكر قول الله- تعالى، فيمن قتل من كافر معاهد، أو مؤمن، لم يهاجر، ومن قتل الآن من الصفين، من كافر بارز غير القاتل/ ومن كتاب العتبي، وكتاب ابن المواز، وغيره، قال مالك، في قول الله- سبحانه: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} (¬2): ولم يذكر دية؛ فهو من أسلم، ولم يهاجر من مكة؛ فلا دية له؛ لقول الله- ¬
فيمن يعقل عن الذمي جرائره، وتأجيل ديته، وجناية الحربي المستأمن
تعالى- {مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ} (¬1)، وأما قوله: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (¬2)، فهذا في هدنة النبي- عليه السلام-؛ أنه من أصاب منهم ممن أسلم، ولم يهاجر ففيه الدية؛ إلى أهله الكفار الذين كانوا بين أظهرهم. ألا ترى رد إليهم أبا جندل، بعد أن أسلم؟! فلذلك. قال ابن المواز: قال ابن القاسم، في علج دعا إلى المبارزة، بين الصفين؛ فبرز إليه مسلم، ثم رماه آخر؛ لم يبارزه؛ فقتله: فإن ديته على الذي رماه؛ لأنه تأول فأخطأ. وليعتق رقبة. وقال أشهب: لا بأس أن يعينه، ولا دية عليه. فيمن يعقل عن الذمي جرائره، وتأجيل ديته، وجناية الحربي المستأمن من كتاب ابن المواز، قال- يعني مالكاً-: وعاقلة النصراني، واليهودي، والمجوسي؛ هم الذين يؤدون معه الجزية؛ أهل إقليمه الذين يجمعه، وإياهم أداء الجزية. فإن لم تحملهم؛ ضم إليهم أقرب القرى منهم؛ من كورهم كلها، حتى يتبعوا. وإن كانوا أهل صلح، فالدية على أهل ذلك الصلح، وهي مؤجلة عليهم، كتأجيلها على عواقل المسلمين؛ كانت إبلا أو عينا؛ ثلثها في سنة، وثلثاها في سنتين. قال أشهب في العتبية، من رواية البرقي إبراهيم بن أبي العاص، عنه، في الحربي؛ يدخل إلينا بأمان، فيقتل مسلما خطأ؛ قال: يحبس، ويرسل إلى أهل موضعه، وكورته التي هو منها، فيخبرونهم/ بما صنع، وما يلزمهم في حكمنا. فإن ودوا عنه، وإلا لم يلزمه إلا ما كان يؤديه معهم. وروى عنه سحنون؛ أن الدية في ¬
مالك الجاني، وليس على أهل بلده فيها شيء. وروى أبو زيد عن ابن القاسم، قال: ديته على أهل دينه الحربيين. ومنه، ومن المجموعة رواية ابن نافع، وأشهب، عن مالك: وما جنى النصراني على مسلم، من قتل أو جرح؛ تحمله العاقلة، فإنه يحمله أهل جزيته، وهم أهل كورته؛ الذين خراجه معهم، وهم الذين إذا جرح نصرانيا؛ وداو عنه. ومن المجموعة قال أشهب: عاقلتهم أهل قراهم؛ الذين يجاورونهم، ويؤدون معهم الجزية، إن حمل ذلك أهل قريته، وإلا جعل على أهل الكورة؛ التي هو منها. وقال عبد الملك: أهل إقليمه ومجرى جزيته. قال المغيرة: إن كانوا أهل صلح، فعليهم وإن اختلفت قبائلهم، وإن كانوا أهل جزية، فوجدت لهم معقلة يتعاقلون عليها، ويحملها بعضهم دون بعض، فأحملهم عليها، وإن لم يجد لهم ذلك، فحمل الجاني عقل ما جنى، في ماله. قاله ابن القاسم، وأشهب: يحمل جنايته بعضهم على بعض؛ عواقلهم، ما بلغ الثلث. ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن سحنون، عن أبيه: ويعقل عن الذمي أهل إقليمه؛ من أهل جزيته؛ على كل رجل بقدره، وينجم في ثلاث سنين، والنصف في سنتين، فإذا لزم رجلا منهم في ذلك خمسمائة درهم في دية، ودى ثلثها في كل سنة، ولا شيء على الفقير، ولا النساء، والصبيان، ولا يؤخذ من أحد شيء، حتى يتم سنة من يوم الفرض. وإذا ألزمهم بمدينة قيروان إفريقية، دخل فيها من بإفريقية؛ من اليهود الذين يحملون معهم الجراح، ويحمل في ذلك الجراح بعضهم عن بعض، فكل من كان حمل معه الجراح، فكان جراحهم يؤخذون به، فهم يعقلون عنه. فإن لم يكن فيمن يحمل معه/ الجراح قوة على أداء العقل، أسلفهم الإمام من بيت المال، ولا يقد حدا.
في تأجيل الدية على العاقلة، وتأجيل دية ما دون النفس
في تأجيل الدية على العاقلة، وتأجيل دية ما دون النفس من كتاب ابن المواز، روى ابن وهب، أن عمر وصف الدية على العاقلة في ثلاث سنين، وثلثيها في سنتين، ونصفها كذلك، وثلثها في سنة. وبذلك أخذ مالك. وقال: نصفها في سنتين؛ لما جاء؛ أن الدية في ثلاث سنين أو أربعة، والثلاث أحب إلي. وبه أخذ أصحابه إلا أشهب؛ فإنه استحسن في النصف أن يؤخذ الثلث إذا مضت سنة، والسدس الباقي، في السنة الثانية. قال مالك: ولا ينجم أقل من ثلثها، وينجم الثلث سنة. قال ابن المواز: ثم يؤخذ كله عند انقضائها، ويؤخذ ثلاثة أرباعها في ثلاث سنين. وكذلك قال ابن القاسم، في المدونة إلا أنه قال: في خمسة أسداسها، يجتهد الإمام في السدس الباقي. قال ابن المواز: إذا جاوزت الثلثين بأمر بين؛ فهي كالكاملة، إلا أن يجاوز ذلك باليسير؛ فهي كلا شيء. قال أشهب، في المجموعة: إذا جاوز الثلثين بما له بال، فالقطع في ثلاث سنين؛ في كل سنة ثلاثة، وإن لم يكن لما زاد بال فالقطع في سنتين، وأستحسن أن ما زاد على الثلاث في السنة الثانية، وإن كان ثلثها، وزيادة يسيرة، ففي سنة، فإن كان للزيادة بال؛ ففي سنتين؛ يؤخذ في السنة الأولى الثلث، وفي الثانية ما بقي. وهذا الذي قال أشهب كله، ذكر مثله ابن سحنون، عن أبيه. وفي كتاب ابن حبيب، عن أصبغ، ومن كتاب ابن المواز: وإذا نجمت الدية، في ثلاث سنين، فلا يتعجل منهم شيء، فإذا تمت سنة أخذ ثلثها. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن أصبغ، وزاد فيمن مات قبل السنة؛ ممن وضعت عليه، لم يكن ذلك في ماله، ورجع ذلك على بقية العاقلة. وفي باب ذكر العاقلة، قول عبد الملك في هذا؛/ أنه في مال من مات.
فيما تحمله العاقلة من جراح الخطإ، وهل تحمل من جراح العمد شيئا؟ وهل تحمل دية الكافر؟ وجناية الصبي والمجنون والسكران وشبهه والعبيد
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا لزمت الدية عواقل عشرة رجال، لزم قبيل كل رجل عشرها، في ثلاث سنين. وكذلك لو لزم رجلين، أو أكثر ثلث الدية، على عواقلهم، قسم ذلك عليهم، وأحلوا به سنة. وكذلك لو وجبت على عدد دية كتابي، أو مجوسي، لحملت عاقلة كل واحد منها، ما عليه في ثلاث سنين؛ كان القاتل مسلما أو غيره. قال أصبغ: فإذا انقضت سنة من يوم الحكم، أخذ منهم ثلثها. ومن المجموعة قال أشهب: تقطع الدية في ثلاث سنين؛ كانت إبلا، أو عينا. وثلثها في سنة، وثلثاها في سنتين، ونصفها في سنتين. وقال: يجتهد فيه. وبالحولين أخذ ابن القاسم. وتنجم دية المسلمة أو دية الكافر أو الكافرة، على العاقلة في ثلاث سنين ... فيما تحمله العاقلة من جراح الخطإ، وهل تحمل من جراح العمد شيئا؟ وهل تحمل دية الكافر؟ وجناية الصبي، والمجنون، والسكران، وشبهه، والعبيد من كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة، قال مالك: والأمر المجتمع عليه عندنا؛ أن لا تحمل العاقلة من جراح الخطأ إلا قدر ثلث الدية فأكثر، وما كان دون الثلث، ففي ماله حالا، فإن لم يكن له مال اتبع به. وكذلك المرأة والصبي. [قال ابن شهاب: فبعد السنة، أن لا يحمل من العمد] (¬1) إلا ما تطيب به نفسا، قال أشهب: وعلى هذا جميع العلماء، إلا من خالف من أهل العراق. قال ربيعة: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل إلا الثلث فصاعدا. وقد عاقد النبي- عليه السلام- بين قريش، والأنصار، فجعل العقل ينتهي إلى ثلث الدية (¬2). ¬
وقضى به عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز. وقاله ابن المسيب، وسليمان، وعروة، وكثير من التابعين. قال مالك: ولا تحمل العاقلة دية العمد؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (¬1)، وأما من الجراح، فأما كل جرح لا يقدر على القود منه لخوفه، وهو قائم من الجاني، فالعاقلة تحمل ديته إن بلغ ثلث الدية. قال ابن المواز: وقد قال مالك، في الجائفة، والمأمومة، والمنقلة؛ عمداً، قولين؛ فقال: يبدأ بمال الجاني، فإن عجز فعلى العاقلة. ثم رجع، فقال: بل كله على العاقلة. وكذلك كل ما لا يستفاد منه لخوفه فبلغ الثلث. وعلى هذا أصحابه أجمعون. قال: وما أصاب من لم يبلغ من صبي أو صبية من المسلمين؛ فالعاقلة تحمله، وتحمل ما أصاب المجنون في حال جنونه، وجناية المعتوه. فذلك كله في العمد والخطأ سواء؛ في النفس وفيما بلغ ثلث الدية من الجراح، وما جنى المجنون في إفاقته، فهو مأخوذ به، لا يختلف في ذلك، وما كان في حال جنونه فهو كجناية المعتوه الذي لا يفيق. وأما السكران، والسفيه؛ فعليهم؛ القود؛ في القتل، والجراح. وإن جن القاتل استؤني به، فإن أفاق قتل، وإن أيس منه؛ فالدية في ماله. وأما جناية النائم، فكا لخطأ فيما تحمله العاقلة. قال أشهب: وما قيل عن عثمان، فيمن جلس إلى أعمى، فأصابه بشيء: أنه هدر غير معمول به. ولعل عثمان لم يقله. ولم يصح، بل عليه القود في العمد، وتحمل عاقلته الخطأ؛ من مبلغ ثلث الدية، فأكثر. ¬
قال أشهب: ولا تحمل العاقلة ما جنى العبيد، ولا من فيه بقية من رق من أم ولد، أو مدبر، أو غيره. ولا تحمل ما جنى حر على عبد، ولا عبد على حر. ومن فيه بقية رق، كالعبد في ذلك. وإنما تحمل ما جنى الحر على الحر. وذهب بعض الناس أنها تحمل ما جنى الحر على العبد، إن بلغ نفسه ثلث قيمته، أو كثرت في ثلاث سنين، ولكن لا يبلغ به دية الحر. وأما ما كان/ دون قيمته؛ من حر، فلا تحمله العاقلة. وهذا خطأ من القول لا سلف له. ومن المجموعة، والعتبية (¬1)، روى أشهب، عن مالك، في العاقلة تحمل ثلث الدية، فأكثر، فقال: إنما ينظر إلى ثلث دية المجني عليه، فتحمله العاقلة، ومن أصيب بجرح يبلغ ثلث ديته، وهو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو امرأة من أحد منهم، أو كانت مسلمة. فعاقلة الجاني تحمل ذلك في سنة. ولو جنى مجوسي، أو مجوسية على مسلم؛ ما يبلغ ثلث دية الجاني، حمل ذلك عنهم أهل معاقلهم؛ وهم الذين يؤدون معهم الجراح؛ فحمل ذلك رجالهم دون النساء والصبيان، والمماليك. ولو ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلم، فألقت جنينا ميتا؛ حملته عاقلة الضارب. وفي سماع أشهب، من العتبية (¬2)، قال ابن كنانة لمالك: الذي عرفنا من قولك؛ أن العاقلة تحمل دية المجروح؛ كان الجاني أو المجني عليه، رجلا أو امرأة. وقد حمل عنك في امرأة أصابت رجلا بجرح قدر ثلث ديتها؛ أن عاقتها تحمله. قال: كذب من قال هذا على، وحمل قولي، على غير وجهه. وقال ابن الماجشون: إنما يراعى ثلث دية المجروح. ¬
ومن العتبية (¬1) روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم؛ أنه إنما ينظر إلى ثلث دية المجروح؛ كان رجلا أو امرأة. فإذا بلغ ذلك، حملته عاقلة الجاني. قال: فإن جنى مسلم على يهودي، أو نصراني، أو مجوسي؛ لم تحمله عاقلة المسلم، بلغ ثلث دية هذا الكافر، أو أكثر، وإن بلغ النفس؛ لأنهم عندنا كالعبيد، إلا أن السنة مضت بدياتهم. وروي عنه في موضع آخر؛ أن عاقلة المسلم تحمله إذا بلغ ثلث دية المجني عليه. ومن المجموعة، قال مالك، في النصراني؛ يقتله المسلم خطأ: إن عاقلته تحمل ديته في رأي. وهو أمر لم يكن ببلدنا، وأرى أن يسأل عن ذلك البلدان الذين هذا بين أظهرهم عما مضى في/ ذلك. وقاله المغيرة، وأشهب، وعبد الملك؛ تحمله العاقلة. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب: وإن جنى مسلم، على نصرانية، قدر ثلث ديتها، فذلك على عاقلته إن كان خطأ، وكذلك إن جنى مسلم على مجوسية جريحا يحمل ثلث ديتها فذلك على عاقلته. وإذا قطعت امرأة لرجل أصبعين، أو جرحا يكون قدر ثلث ديتها، حملته عاقلتها. واختلف في هذا قول مالك. وهذا أحب إلينا. وقاله ابن القاسم، وأشهب. وقال عبد الملك: لا تحمل العاقلة إلا ما بلغ قدر ثلث دية الرجل. يكون الجاني من كان، والمجني عليه من كان. ولقد قيل له: والمرأة يقطع كفها، وفي ذلك أقل من ثلث دية الرجل؟ فقال: إنما ذلك بعد أن بلغت دية الرجل، ثم بعد، رجعت، فذلك على العاقلة. وإذا جنت مجوسية على مسلم أو مسلمة، أو كانت موضحة. واختلف فيه؛ فقال ابن القاسم: تحمل ذلك عاقلة المجوسية، أو المجوسي. وقال أشهب: لا تحمله؛ لأن ذلك لم يبلغ ثلث دية المجني عليه، ولو ¬
كانت هذه الموضحة بالجاني، لم تبلغ ثلث ديته، فإذا كانت لا تبلغ ثلث دية الجاني ولا المجني عليه لو كان ذلك به، فلا تحمله العاقلة. ومنه، ومن المجموعة، قال مالك، في الرجل يصيب امرأة، بقدر ثلث ديتها، فتحمله عاقلته، مثل أن يقطع لها أصبعين؛ لأن لها في ذلك أكثر من ثلث ديتها، في النفس، وكذلك في جائفتها، وكذلك إن أصابت امرأة امرأة، فإن أصابت امرأة رجلا بقدر ثلث ديتها، حملته عاقلتها؛ قال مالك: والأول أبين، وإن كانت الجناية قدر ثلث دية الجاني، أو ثلث دية المجني عليه، حملته العاقلة. قال يحيى بن عمرو: وهو قول أشهب. ومن كتاب ابن المواز: وإن رمى رجل بحجر أو غيره؛ فشج ناساً شتى؛ كل واحد منهم موضحة، أو ملطاة، أو شجاجا مختلفة، إلا أن جميعها يبلغ ثلث الدية فقط، فإن العاقلة تحمل ذلك، وذلك بمنزلة/ رجل واحد يصيب ذلك في فور واحد. ومنه، ومن المجموعة، قال مالك: ومن شج رجلا ثلاث منقلات؛ في ضربة، أو موضحة ومأمومة؛ في ضربة؛ فالعاقلة تحمل ذلك. وكذلك إن كان عن الضرب مواضح تبلغ ثلث الدية. قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك لو أوضحه؛ فأذهب مع ذلك سمعه وبصره، أو سمعه؛ وعقله؛ فعلى العاقلة ديتان، وعقل موضحه. ولو شجه ثلاث منقلات؛ في ثلاث ضربات. فإن كان متتابعاً؛ لم يقلع عنه، فهو كضربة واحدة، وإن كان مفترقا؛ لم تحمله العاقلة. قال مالك: وإن قتل عشرة رجال رجلا خطأ؛ فعلى قبيلة كل رجل عشر الدية في ثلاث سنين، ولو جنوا قدر ثلث الدية حملته عواقلهم في سنة. قال ابن القاسم: وإن جنى أحرار وعبيد ما فيه دية الخطأ، فإن كان ما على الأحرار مثل ثلث الدية، حملته عواقلهم، وإن كان دون ذلك، ففي أموالهم.
في العاقلة تؤدي شيئا تظن أنه يلزمها وهو غير لازم لها والولي يضمن عن صبي ما ظن أنه يلزمه
قال ابن عبدوس: وقال سحنون: تحمله عواقلهم، وإن نقص عن الثلث- يريد: نقص عن الثلث منابة الأحرار خاصة- وفي الجميع ثلث الدية، فأكثر. ورواها؛ قال سحنون وابن القاسم، عن مالك. وقال: وما لزم العبيد؛ ففداهم السيد؛ فهو منجم عليه كالعاقلة. وبعد هذا باب فيما تحمله العاقلة، من جراح العمد التي لا قصاص فيها. وفي باب الرجلين يقتلان الرجل؛ أحدهما عمدا، والآخر خطأً، شيء من ذكر ما تحمله العاقلة، وكذلك، في باب تنامي الجراح. وبعد هذا باب؛ في جناية الصبي، والمجنون. في العاقلة؛ تؤدي شيئا؛ تظن أنه يلزمها، وهو غير لازم لها والولي؛ يضمن عن صبي، ما ظن أنه يلزمه من كتاب ابن المواز، قال: وإذا حملت العاقلة شيئا؛ ظنت أنه يلزمها؛ ثم رجعوا؛ فلهم الرجوع، ما لم يطل الأمر بعد الدفع السنين الكثيرة،/ التي يرى فيها أن قد علموا ذلك. قال ابن وهب؛ عن مالك، في صبي؛ رمى صبيا بحجر، فبرئ من جرحه، فمات، فضمن عم القاتل الدية، ثم رفع إلى الإمام؛ فضمن العاقلة الدية، وودوا بخمسين، ثم أرادوا طلب العم بما ضمن. قال: ليس لهم ذلك، إذا كانوا قد رضوا. قال مالك: في العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم-: إذا كانوا قد رضوا، واقتضوا (¬2). قال ابن المواز: ولو لم يرضوا؛ نظر في العم، فإن ضمن وهو يعلم أن ¬
ذكر ما تحمله العاقلة من العمد الذى لا قصاص فيه، وهل تحمل العاقلة جناية المرء على نفسه؟ أو إقراره بالقتل خطأ، وذكر ما لا قصاص فيه من العمد وقد تقدم في باب ذكر العاقلة أنها لا تحمل عمدا ولا اعترافا ولا صلحا ولا عبدا
ذلك على العاقلة لزمه ذلك. وإن ظن أنه لا يلزمهم، وأنه على ابن أخيه، لم يلزمه شيء، وهو إنما يلزمه ما ضمن، حتى يعرف أنه عمل على أن ذلك عنده كان لازما، لابن أخيه، أو له. فإما إذ قد رد ذلك على العاقلة، فقد نقد عليهم. ذكر ما تحمله العاقلة، من العمد الذي لا قصاص فيه، وهل تحمل العاقلة جناية المرء على نفسه؟ أو إقراره بالقتل خطأً؟ وذكر ما لا قصاص فيه من العمد. وقد تقدم في باب ذكر العاقلة؛ أنها لا تحمل عمداً، ولا اعترافاً، ولا صُلحاً، ولا عبداً ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال مالك: المجتمع عليه عندنا؛ أن من قبلت منه دية العمد في نفس أو جراح؛ أنه في ماله وذمته دون العاقلة، إلا أن يتطوعوا؛ لقول الله سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ... الآية (¬1). ومن قطع يمين رجل عمدا، ولا يمين له؛ فدية ذلك في ماله وحاله. ويؤدب. قال ابن المواز: ومن قول مالك؛ أن العاقلة لا تحمل من الجراح، إلا كل جرح، يمنعها من القصاص منه، أنه متلف؛ كالجائفة، والمأمومة، والمنقلة، وكسر الفخذ والصلب والضلع، وقطع الحلقوم. قال عبد الملك: ما بلغ من ذلك ثلث الدية. قال ابن المواز: بخلاف/ من جنى على عين، أو يد، وليست هي منه باقية، ولقد روي عن مالك، في المأمومة، والجائفة عمدا؛ أن يبدأ بمال الجاني فيها، فما عجز، فعلى العاقلة. م قال: ما ارى بأسا أن يكون على العاقلة. قيل: والجاني ملئ؟ قال: ما أرى من أمر بين. ¬
قال عنه أشهب: ما سمعت فيه سنة ماضية. وما يكون إلا على العاقلة، والجاني كرجل منهم. وإلى هذا رجع مالك، وثبت، وأجمع عليه أصحابه. قال ابن عبدوس: إلا المغيرة؛ فأخذ بقوله الأول. قال في الكتابين: وعاب (¬1) ابن الماجشون قوله الأول؛ أنه إن لم يكن للجاني مال؛ فذلك على العاقلة. فقال: لو لزمه شيء، لم يخرجه منه عدمه، ولما امتنع فيه القصاص، لزم العاقلة، كما جعل عمد الصبي عليهم حين امتنع فيه القصاص. قال مالك: والمجتمع عليه عندنا؛ أنه لا قود في الجائفة، والمأمومة، والمنقلة. قيل: فما روي عن ابن الزبير؛ أنه أقاد من منقلة؟ قال: لم يمض عليه الأمر، ولم أرهم يأخذون به. قال ابن المواز: وروى ابن وهب، أن النبي- عليه السلام- دفع القود في المأمومة، والجائفة، والمنقلة (¬2). قال ابن شهاب: مضت السنة بذلك. وقاله أبو بكر، وعمر؛ في كل ما لا يقدر على القود منه. قال مالك: واللسان إن كان متلفا، لم يقد منه، وإن لم يكن متلفا أقيد منه. وليس في الصلب والفخذ قود. قال ابن القاسم: ولا في الضلع. وذلك مما تحمله العاقلة. وليس في البصر أو السمع يصيب بعضه قود. ومن المجموعة، قال أشهب: ويفرق بين المأمومة والجائفة، وبين اليد المفقودة من الجاني؛ أن اليد لو كانت باقية أقيد منها وهذه باقية، والقود مرتفع، ولو أصيب الجاني، في رأسه في ذلك الموضع بمثل ذلك، لم يبطل دية المأمومة. ولو أصيبت يده؛ بأمر من الله- يريد: بعد جنايته- بطل القود والدية. ¬
قال أشهب: ومثله المسلم يقتل الذمي، أو يقطع يده عمدا أن العاقلة تحمله. وكذلك/ عمد الصبي والمجنون. وقال ابن القاسم: لا تحمل العاقلة من جنايته على النصراني، إلا جائفته ومأمومته، وقد أجمع الناس أن العاقلة لا تحمل العمد، ولم يكن عند مالك حمل العاقلة المأمومة والجائفة، كالسنة القائمة، ولكنه استحسنه. ولو أوضح رجلا؛ فترامى ذلك إلى ذهاب عين أو غيرها؛ اقتص من الموضحة، فإن لم يترام إلى مثل ذلك؛ عقل له ما بقي في مال الجاني. قال سحنون: إلا يترامى إلى ما لو افتدى فعله، كان على العاقلة؛ لأنه متلف، فيكون ذلك عليها. قال مالك، فيمن أقر بقتل الخطأ، ولا بينة على ذلك: فإن لم يتهم على غنى ولده، وهو ثقة لا يخاف أن يكون أرشي، فالدية على العاقلة بقسامة في ثلاث سنين. قال ابن القاسم: فإن لم تقسم ولاته، فلا شيء على المقر، في ماله. وقاله أشهب. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، في المقر؛ أنه قتل فلانا خطأً: إنه يضمن الدية في ماله؛ إذ لا تحمل العاقلة اعترافا، ولا عمداً، ولا عبداً، ولا صلحا. ولا يطل الدم. وقاله أصبغ؛ قالا: وذلك إن مات بعصا، فأما إن أربت، فلابد من القسامة في الخطأ، والعمد. وذكر قول ابن القاسم. ومن المجموعة، قال مالك: ولا تحمل العاقلة ما جنى المرء على نفسه؛ من عمد أو خطأ؛ لقول الله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً} (¬1)، ولم يذكر قتله نفسه. ¬
في كفارة القتل، وفيم إذا تجب، وذكر ما يحمل محمل الخطأ في الكفارة
قال ابن القاسم: وإن أقر رجلان أنهما قتلا فلانا خطأً أو عمداً، وفلان معنا، فليقسم ولاتُه خطأً، إن كانا عدلين، ولا يقتلان في العمد؛ لأنهما مجرحان، وقولهما في الخطأ لوث بينة، وليس لهم أن يقسموا على المقرين خاصة. ويأخذا ثلثي الدية، لكن على البينة يقسمون. قال أشهب: وأما اعترافه بالجراح الخطأ، فلا تلزم العاقلة؛ إذ لا قسامة فيها. قال سحنون في موضع آخر: اختلف عن مالك في الإقرار/ بالخطأ؛ فقيل عنه: على العاقلة بقسامة. وقيل عنه: على المقر في ماله. وقال ابن دينار: ليس عليه إلا ما يلزمه مع العاقلة. وفي باب ضمان الطبيب، شيء من ذكر ما تحمله العاقلة من العمد. وفي باب القصاص بين العبد والحر، والمسلم والكافر شيء من ذلك. وفي باب صفة العمد والخطأ، في القتل والجراح؛ في الجزء الثاني. وفي باب ما أصاب الكلب العقور ونحوه. وأبواب بعده من هذا الكتاب شيء من ذكر ما تحمله العاقلة. في كفارة القتل، وفيماذا تجب، وذكر ما يحمل محمل الخطأ في الكفارة من المجموعة، وكتاب ابن المواز، بمعنى واحد قال ابن القاسم، وابن وهب، وغيره، عن مالك: ذكر الله- سبحانه- الكفارة في قتل الحر خطأ، فقال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، إلى قوله: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} (¬1). وأنا أستحسن في العبد الكفارة. ¬
قال في كتاب ابن المواز: قتله عمداً او خطأً. وقال في الكتابين: وكذلك الذمي كالعبد. واستحب في جنينها الكفارة. قال أشهب: هي في العبد أوجب من الذمي؛ لأن الله ذكر الدية، والكفارة في نفس مؤمنة. والعبد مؤمن، وقيمته ديته. ولا أحب تركها في الذمي؛ لأن فيه دية، والله سبحانه قرنها مع الدية. قال مالك: ومن ضرب عبده؛ بمعنى الأدب، فمات، فليكفر. وكذلك في أجيره النصراني. قال مالك: في جماعة قتلوا رجلا خطأً: فعلى كل واحد منهم كفارة. وقال عنه ابن القاسم، فيمن ضرب بطن امرأة؛ فألقت جنيناً ميتاً: أحب إلي أن يكفر. قال ابن المواز: وقاله عنه أشهب: لا كفارة عليه. ولم يرها عليه أشهب، وقال: ليست بنفس، وكأنها جرحها جرحاً. ولو استهل كانت فيه كفارة. وروى أشهب، عن مالك؛ أن كفارة على من قتل جنينا/ في بطن أمه؛ فألقته ميتاً. قال عنه ابن نافع في الكتابين، ورواه أشهب في العتبية (¬1)، فيمن قلع لمولى له صغير، قد أثغر، سنا بقي له تتحرك؛ قال في العتبية: فقال له: أنزعها لك؟ فقال: نعم. فنزعها له بخيط. قال في هذه الكتب: فأقام ثلاثا، ثم مات، وقد كان في رجله قرحة. فأمره أن يكفر. وقال: ما أدري؛ هل ذلك عليك؟ فإن كان عليك، فقد وديته، وإلا أجرت. وعن التي تشرب الدواء؛ فسقط؛ قال مالك: ما أرى بأسا، إذا كان دواء يشبه السلامة. ¬
وقد يركب الرجل الدابة؛ فتصرعه. وقد كوى النبي- عليه السلام- أسعد ابن زرارة، فمات (¬1). وقال في التي أسقت ولدها دواء؛ فشرق] (¬2) فمات، فما الكفارة بواجبة عليها، فإن فعلت، فهو خير (¬3). وكذلك الطبيب يسقى رجلا دواء؛ فيموت. فإن كفر، فحسن، إن كانا مليين. وليس بواجب. قال عنه أشهب: لا كفارة في هذين، ولا دية. ومن العتبية (¬4)، روى أشهب؛ عن مالك؛ في امرأة توجر (¬5) ولدها أو تسعطه (¬6): فلا عقل عليها فيه، ولا على العاقلة، ولا كفارة. وكذلك الطبيب؛ يداوي رجلاً؛ يموت؛ فلا دية على عاقلته. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قيل لمالك: فقاتل العمد؛ يعفى عنه. أيُكفر؟ قال: إن فعل فهو خير له. ومن كتاب ابن المواز، وعن السيد يؤدب عبده أو أمته؛ فتموت؛ فليكفر أحب إلي. قال محمد: وكذلك المعلم يؤدب الصبي، أو الزوج زوجته. وعن المرأة؛ نامت على ولدها؛ فأصبح ميتا؛ فخافت أن تكون قتلته. قال تكفر. فقيل: فالدية على عاقلتها؟ قال: ومن يعلم أنها قتلته. زاد في كتاب ابن عبدوس: فإن تبين به حمرة؛ فديته على عاقلتها. ¬
في جناية الصبي والمجنون والنائم والسفيه والسكران، وجرح العجماء
[وكذلك في العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم، قال أشهب، فيمن أعطى صبيا دابة فمسكها؛ فقتلته: فعلى عاقلته الدية، ولا كفارة عليه. ولست أرى الكفارة إلا فيما خرج عن/ يده؛ من عمد أو خطأ. فأما بئر يحفرها، حيث لا يجوز له، أو يربط دابة بموضع لا يجوز له؛ فيموت بذلك واحد؛ فالدية على العاقلة، ولا كفارة في هذا. ومن أمره رجل؛ أن يضرب عبده، فضرب به أو أعانه على ضربه؛ فمات، فلا ضمان عليه، وليكفره. وقال مالك، في غلام محتلم أحدثت أخته، فجنى، فقتلها؛ فسأل مالكا، وقال: قد عفا عني، وكنت جاهلاً. قال: تكفر بعتق، أو صيام شهرين متتابعين، وتكثر الإستغفار، وتتقرب إلى الله- سبحانه- بما قدرت عليه من الخير. وقال له: أما الصوم، فهو عليك ههنا شديد؛ فأخره إلى بلادك. فقال: لي عبد ببلدي. أفأعتقه الآن؟ فقال له: وما يدريك ما حاله؟ قال: إن لم يكن حيا؛ أعتقت غيره. قال: أصبت. في جناية الصبي، والمجنون، والنائم، والسفيه والسكران، وجرح العجماء ومن كتاب ابن المواز روى أن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، جعلوا عمد الصبي كالخطأ. قال أشهب: وبذلك مضت السنة، وبذلك قال العلماء، إلا ما كان دون الثلث؛ ففي ماله. وفي ذمته، إن لم يكن له مال. وبه حكم عمر بن عبد العزيز برأي الفقهاء. وقاله مالك. وكذلك المجنون؛ كان ذلك؛ لسيف أو غيره. ¬
وعمدهُمُا كالخطأ. قال أشهب: ومثله في المجموعة، عن ابن القاسم، عن مالك، في كتاب ابن حبيب، ورواية عن علي، في المجنون. ومن كتاب ابن المواز، قال: وإن كان رجل يفيق (¬1)، في رأس الهلال، فما أصاب في خبلة، فعلى عاقلته؛ فيما كان الثلث، فأكثر. وما أصاب في إفاقته؛ من عمد؛ أقيد منه. وما جنى غلام لم يحتلم، أو صبية لم تخص؛ من عمد؛ فهو الخطأ، وما كان بعد الحيض والإحتلام، أقيد منهما وإن كانا في ولاء. قال ابن المواز: عمد الصغير كالخطأ. وإنما الصغير الذي يعرف ما يعمل،/ وله قصد. وأما الرضيع، فلا شيء فيما أفسد، وكسر. قال ابن القاسم: وفي الرضيع، يفسد شيئا، أو يكسره؛ لؤلؤا، أو غيره، أو يرميه في بئر وشبهه؛ إنه لا شيء عليه، ولا يتبع بشيء. قيل: فقأ عين رجل؟ فوقف، ثم قال: تكلم الناس في هذا. وما كسر عندي أبين. قال: ويؤدب الصبي، إذا كان يعقل ما صنع. وإذا رُجئ من أدب المعتوه أن يكف، ولئلا يجعله عادة، فليؤدب. وإذا كان صبي يحبو أو صغير، فجنى؛ فليس عليه عقل ولا غيره، كالبهيمة. ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (¬2)، قال ابن القاسم: وما أفسد الصبي، أو كسر من قارورة أو استهلك لؤلؤة، ففي ما له إن كان ابن سنة فصاعداً قد جنى. ¬
قال في العتبية (¬1) فأكثر ينتهي إذا زجر، وأما ابن ستة أشهر ونحوها لا يزدجر إن زجر، فلا شيء عليه. وقال في المجنون أو المعتوه لو وقف على [إنسان] (¬2) فخرقة ثيابه أو كسر له شيئا، فلا عرم عليه. قال أشهب، قضى غلي في مجنون قتل رجلا؛ أن ذلك على عاقلته. ومن المجموعة ذكر نحو ما تقدم كله عن مالك، وابن القاسم وقال: قال ابن القاسم: وما جنى المجنون في إقامته من حد فلم يقم به حتى زال عقله، فليسلم إلى ولاة المقتول، وأما لو ارتد ثم تجنن فلا اقتله حتى يصح، لأني أدرأ حداً بالشيهة، ولا أفعل مثله في حقوق الناس. وقال ابن القاسم: القتل والجراح والحدود سواء لا تقام عليه حتى يفيق، فإن أيس منه، كان العقل في ماله متى أفاد مالا. قال ابن نافع، عن مالك، وهو في العتبية (¬3)، من رواية أصبغ؛ في المجنون يكسر شيئا في السوق، أو يفسده: إنه يتبع به في ماله مثل جرحه. قيل: فالصبي يسرق الشيء، فيستهلكه؟ قال: أشبه ذلك أن يتبع/ به، وما هو بالبين، ومن الأمور ما لا يتبين. أيضا وكذلك ما كان دون الثلث من جراحاته. وأما الصغير المملوك، فذلك في رقبته، وهذا مثله، وليس بالبين. قال ابن نافع: هو لا شك دين عليه. قال عنه ابن القاسم: ما أفسد الصغير، ففي ماله، وذمته؛ يتبع به. وقال أشهب: فيه وفي المجنون والمولى عليه. ¬
ومثله في العتبية (¬1)، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، قال ابن القاسم، وأشهب: وما أصاب النائم في نومه؛ من جرح بلغ الثلث فعلى عاقلته. قال أشهب: ودون الثلث ففي ماله، كالمجنون، والصبي؛ لايعقل. وروى مالك؛ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «جرح العجماء جبار» (¬2)، وفي الحديث غير ذلك. وبه أخذ مالك. ومن العتبية (¬3)، روى عيسى، عن ابن القاسم؛ وكل شيء يلزم العبد في رقبته من غير النفس والجراح فهو في مال الصبي، والسفيه، وفي ذمتهما إن لم يكن لهما مال. ويقطع المولى عليه في السرقة. وكل ما أصاب المجنون المطبق، والصبي الذي لا يعقل؛ ابن سنة ونصف ونحوها؛ من فساد في أموال الناس، فهو هدر لا يتبع به. ومثل أن يشعل المجنون ناراً في بيت، أو يهدم بنيانا، أو يكسر آنيه. أو الصبي يكسر لؤلؤة، أو يلقي جوهرا في النار؛ فذلك هدر. وما أصابا من قتل، أو جرح؛ يبلغ ثلث الدية، فأكثر؛ حماله عواقلهما. وما كان دون الثلث، يتبعان به، في المال وفي الذمة. وأما الكبير المولى عليه؛ فيقاد منه في العمد في النفس والجراح، وأما الخطأ؛ فعلى العاقلة، إلا ما نقص عن الثلث ففي ماله. قال ابن القاسم: ويقاد من السكران. قال أشهب: بخلاف المجنون. وفي باب السائق، والقائد شيء. وفي باب آخر من جناية العجماء، وهي الدابة/. ¬
فيما يحدث عن فعل الطبيب والخاتن والبيطار ومتولي القصاص والأدب والمعلم وشبه، ومن عنف في وطء امرأته فأفاضها أو قتلها أو كسرها، ومن أذهب عذرة امرأته بضربة
فيما يحدث؛ عن فعل الطبيب، والخاتن، والبيطار، ومتولي القصاص، والأدب، والمعلم وشبهه، ومن عنف في وطء امرأته؛ فأفاضها، أو قتلها، أو كسرها، ومن أذهب عذرة امرأته بضربة ومن المجموعة، قال ابن القاسم: لا ضمان على الطبيب، والحجام، والختان، والبيطار؛ إن مات أحد مما صنعوا به، إن لم يخالفوا. قال مالك: ومعلم الكتاب، أو الصنعة؛ إن ضرب صبيا ما يعلم أنه من الأدب؛ بعصا، أو أدبه، فجاوز به الأدب؛ ضمن ما أصاب من ذلك. وكذلك الطبيب؛ يعالج إنساناً، فيوتى على يديه، فإن لم يكن له بذلك علم، أو دخل فيه جرأة، وظلما، وإن مثله لا يعمل مثل هذا، ولا يعرفه، فليستاد عليه، وليقدم إليهم الإمام في قطع العروق وشبه ذلك؛ أن لا يتقدم أحد منهم، على مثل هذا إلا بإذنه، وينهوا عن الأشياء المخوفة التي يبقى منها الهلاك ولا يتقدموا فيها إلا بإذن الإمام، وأما المعروف بالعلاج؛ فلا شيء عليه. قال ابن نافع، عن مالك: ولينذرهم ويقول: من داوى رجلا؛ فمات؛ فعليه ديته، وأرى ذلك عليهم إذا أنذروا، مثل أن يسقي صحيحا؛ فيموت مكانه؛ فهذا سم. أو يقطع عرقاً؛ فلا يزال يسيل دمه حتى يموت. فأما من يعالج؛ فمنهم من يعيش، ومنهم من يموت؛ فليس من ذلك. وقد أسقى رجل جارية بها بهق (¬1) شيئا؛ فماتت من ساعتها، فهل هذا إلا سم؟ ولا يضمنون قبل التقدم إليها. ومن العتبية (¬2) قال عيسى: من غر من نفسه، لم يغرم. ودية ذلك على عاقلته. ¬
قال أشهب، عن مالك، فيمن سقاه طبيب دواء؛ فمات، وقد سقى أمة قبله؛ فماتت: أيضمن؟ قال: لا. ولكن لو تقدم إليهم في ذلك، وضمنوا؛ كان حسنا. ويقال لهم:/ أي طبيب سقى أحداً، أو بطة (¬1)؛ فمات؛ فعليه ضمان. وروى أصبغ، عن ابن القاسم؛ في طبيب مسلم أو نصراني؛ سقى مسلما دواء؛ فمات؛ فلا شيء عليه، إلا أن يقر أنه سقاه سما؛ أراد به قتله. قال ابن حبيب: روى عن علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه- في البياطرة والحجامين والمتطببين؛ أن من تقدم منهم على صبي أو مملوك؛ بغير إذن وليه، فقد ضمن. ومن المجموعة قال مالك؛ في الحجام يقطع حشفة صغير، أو كبير، أو يؤمر بقطع يد قصاصا، فيقطع غيرها، أو زاد في القصاص: فهو من الخطأ؛ على عاقلته، إلا دون الثلث؛ ففي ماله. عمل ذلك بأجر، أو بغير أجر. وإن أمره عبد؛ أن يختنه، أو يحجمه، أو يقطع عرقه، فهو يضمن ما أصاب العبد من ذلك؛ إن فعله بغير إذن سيده. علم أنه عبد أو لم يعلم. وكذلك لو بعثه إلى سفر؛ بغير إذن سيده، فعطب، ثم استحق. قال عنه على وابن وهب: ومن ضرب عبده فعجز عنه؛ فأمر غيره؛ فضر به؛ فمات. لم يضمن، وليكفر. قال عنه ابن وهب؛ فيمن دخل ببكر إلى الصغر، فعنف في وطئها، فلم يقم إلا يسيرا، حتى ماتت. فإن علم أنها ماتت؛ من ذلك؛ فعليه الدية، وليجلد أهلها (¬2)، وليكفر. قال عبد الملك: إن كان فيها محمل للوطء؛ فلا شيء عليه. وإن كان مثلها لا يحمل ذلك؛ فعليه العقل كالحجام، والبيطار. وهو كالخطأ. ¬
قال سحنون: إنما تجلدهم؛ على قول من يرى أن إقراره بالخطأ؛ في ماله. قال عبد الملك: ولو اغتصبها، فلو علم أنها لم تمت من الوطء؛ لم يلزمه إلا ما يلزم المغتصب، الذي لم يمت من فعله. ولكن لعل ذلك؛ من غصبه إياها، وهو متعد عليها؛ فعليه العقل، وذلك كالخطأ. قال: ومن أسلم في كبره، فأمره رجل أن يختتن، ولم يرد هو ذلك. فاختتن؛ فمات؛ فمات؛ فلا شيء على الآمر،/ ولا على الخاتن، إذا لم يخطئ؛ لأنه فعل ما يلزم. قال ابن المواز، عن ابن القاسم، فيمن وطئ امرأته؛ فأفاضها. فهو كجرح، وحكومته في ماله. فإن بلغ الثلث، فعلى عاقلته. ولو فعله بأجنبية، كان في ماله، وإن جاوز الثلث، مع صداق المثل، والحد. ومنه، ومن العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم: ومن دفع امرأة؛ فأذهب عذرتها؛ فعليه قدر ما شأنها، في ماله، كالجراح. قال في العتبية (¬2): وكذلك لو صنع ذلك بها، بأصبعه، أو صنعته امرأة، أو غلام. قال ابن القاسم: ومن أذهب عذرة زوجته؛ بأصبعه، ثم طلقها؛ فعليه قدر ما شانها، مع نصف الصداق، وينظر ما شانها عند الأزواج؛ في حالها، وجمالها. قال أصبغ: فإن فعلته بها امرأة؛ بأصبعها؛ فعليها ذلك. وقال في صبيان؛ أمسكوا جارية لصبي؛ حتى افتضها؛ فعليه، وعليهم قدر ما شانها. وعليه الأدب- يريد وعليهم- وإن كانت ثيبا، فلا شيء لها، وعليها الغسل واجب، وعلى الصبي، وليس ببين في الصبي. قال أبو محمد: لعله يريد: عليها الغسل، إن كانت كبيرة؛ فأنزلت، فإن لم تنزل؛ فذكر الصبي كالأصبع، إلا أن يستحب لها ذلك. ¬
فيما أصاب الكلب العقور، والجمل الصؤول، والحائط المائل، والإبل العوادي على الزرع، وما أفسدت المواشي
قال ابن حبيب: روي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أتي في رجل؛ أبرك امرأته، فدسرها دسرا (¬1)، فألقاها على وجهها، فبدرت (¬2) ثنيتاها. فقال: هي مطيته يرتحلها كيف شاء. فيما أصاب الكلب العقور، والجمل الصؤول، والحائط المائل، والإبل العوادي على الزرع، وما أفسدت المواشي ومن قول مالك، وأصحابه: إن ما روي (أن جرح العجماء جبار) (¬3)، إذا جنت، من غير تعد. من مالكها، في ذلك. ومن المجموعة، ونحوه في كتا ابن المواز، من قال ابن القاسم، وما ذكر عن أشهب، في الكتابين، ولفظ المجموعة أتم./ قال ابن القاسم: وأخبرت عن مالك؛ في الحائط المائل المخوف، إن أشهد على ربه، ضمن ما عطب به. قال ابن القاسم: وإن لم يشهدوا عليه، لم يضمن. وقاله أشهب؛ إن بلغ من شدة الميل، والتغرير به، فلم يهدمه، وقد أمكنه هدمه، ضمن ما أصاب به؛ أشهد عليه، أو لم يشهد؛ لأن ترك الإشهاد لا يزيل لازما، ولا يوجب عليه غير واجب، كإيقاف دابته بموضع لا يجوز له. ولكن إن تقدم إليه السلطان، في هدمه، وإيقاف دابته؛ باجتهاد منه، فهذا يضمن ما كان عن ذلك، وليس نهي الناس يوجب عليه أمراً. قال ابن القاسم: وليس إشهاده، على من الدار بيده برهن أو كراء، بنافع، إن كان ربها حاضرا. وإن غاب، رفع إلى الإمام. ¬
وقال أشهب: لا شيء على ربها، ولا على من هي بيده؛ بكراء أو رهن، إذا لم يكن مخوفاً بحضرة ربها، ثم غاب. فإن كان هذا؛ فهو ضامن دون من هي بأيديهم، ولو أمرهم السلطان بالهدم، والبناء، فلا شيء عليهم. قال محمد بن عبد الحكم: وينبغي للقاضي، إذا كان الحائط مخوفا، أن لا يهمل أصحابه، إن حضروا، حتى يهدم على السكان، فإن لم يحضروا، أمر بهدمه، وأنفق في ذلك، من بعضه، إن لم يجد لهم مالا. فإن كان لصبي؛ في ولاية أب، أو وصي؛ فإليهما يتقدم السلطان، فإن لم يفعل من قدم ذلك إليه، حتى يسقط؛ فما أفسدوا، أو قتل؛ كان ذلك في ماله؛ من أب، أو وصي، دون مال الصبي؛ إذا أمكنهما الهدم فتركاه. ومن الكتابين، روى ابن وهب، عن مالك، فيمن اقتنى كلبا في داره؛ لماشية، وعقر أحدا، وهو يعلم أنه يعقر الناس؛ ضمن ذلك. وقال عنه ابن القاسم، بلاغاً: إنه إن تقدم إليه؛ ضمن. قال ابن القاسم: يعني: إن اتخده بموضع لا يجوز له اتخاذه؛ فإنه يضمن. وإن اتخذه بموضع يجوز له؛ لم يضمن، إلا أن يتقدم إليه. ومن العتبية،/ روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب؛ في البادية الصؤؤل، تعدو على الصبي المملوك، فتقتله، وهي مربوطة، أو أفلتت من رباطها، وقد كان أعذر إليه جيرانه فيها، أو السلطان، قبل ذلك؛ قال: لا يضمن حتى يقدم إليه السلطان بعد المعرفة بالصؤل أو العقر، فلم يحبسها، أو يضربها، فعقرت؛ فهذا يضمن؛ في قول مالك؛ دون الثلث؛ في ماله. وإن كان الثلث فأكثر؛ فعلى العاقلة. هذا في الحر، فأما في العبد؛ ففي ماله جميعه. وقال أشهب: لا يضمن رب الدابة على كل حال؛ تقدم إليه السلطان، أو اشتكاه (¬1) جيرانه. ¬
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إلا أن يكون مما له اتخاذه، في داره، مثل كلب يصيد به لا لحراسة داره؛ فلا يضمن من عقر؛ دخل بإذن، أو بغير إذن، إلا أن يكون ربه علم أنه يعقر، فيضمن. قال محمد: أصل هذا إن اتخذه فيما لا يجوز له، أو لحراسة الناس. ضمن. وكذلك إن كان بموضع يجوز له، إلا أنه قد عرف، أنه يعقر، وإنما اتخذه لمن يسرق. فأما إن اتخذه؛ لما لا يجوز له اتخاذه، وفي موضع يجوز له، فلا يضمن. قال ابن وهب، عن مالك: إن اقتناه في داره؛ للماشية، ضمن إذا علم أنه يعقر. قال محمد: لأنه للناس اتخذه؛ لأن الماشية في النهار، لا يخاف عليها، إلا من الناس. ولو اتخذه لغيرهم. وحيث أذن الرسول- عليه السلام- باتخاذه (¬1)، لم يضمن، حتى يتقدم إليه، وهو قول أشهب. ومن الباب الثاني، من هذا مسألة من هذا المعنى. قال مالك: إذا تقدم إلى رب الكلب الضاوي، والبعير، والدابة؛ ضمن ما أفسدوا بعد ذلك؛ ليلاً أو نهاراً. قال مالك، في الجمل الصؤول؛ صال على رجل؛ فخافه؛ فقتله: إنه هدر، إذا ثبت أنه صال عليه. فإن لم تقم بينة، ضمن الجمل. قال عنه علي: إذا تقدم إلى ربه؛ ضمن فيه، وفي الكلب؛ عقرا في دار أهلهما، أو غير دارهم. قال ابن القاسم: وكل ما ضمنه بسبب/ الكلب العقور، والجمل الصؤول؛ فهو في ماله، حتى يبلغ الثلث، فيكون على العاقلة. وإن لم يشهد على ¬
قتله إلا شاهد واحد، حلف ورثة الميت يمينا واحدة، وأخذوا الدية. ولا قسامة فيما أصابت العجماء، إلا مع قول الميت، ولا بشهادة شاهد. وكذلك، في كتاب ابن المواز، في ذلك كله، وكذلك في الثور العقور، والكلب، والجمل الصؤول، وغيره من العجماء، إذا عرف بالعدي على الناس، فليقدم إلى رب ذلك، فما عقر بعد التقدم، ضمنه في ماله، إلا ما بلغ الثلث؛ فعلى العاقلة. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في ذلك كله من أوله. إلا أنه قال: يحلفوا (¬1) يمينا واحدة، ويأخذوا ذلك من ماله؛ كان ذلك، الدية كاملة أو أقل. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: إذا كانت الإبل تعدو على الزرع؛ قد عرفت بذلك، فلتبع (¬2) بغير موضع زرع. وما أفسدت المواشي والدواب، بالليل ضمنه أربابها؛ من زرع أو حوائط، وإن لم يحل معه، يقوم على الرجاء، والخوف، فيقوم ذلك. وإن كان أكثر من قيمة الماشية، كان على ذلك حارس، أو لا حارس له، أو عليه حظيرة (¬3)، أو لا تحظير عليه. وما أفسدت بالنهار، لم يضمنه، ولو وطئت على رجل إنسان بالليل؛ فقطعتها، لم يضمن ربها. وإنما الغرم في الزرع، والحوائط، والجرون (¬4) كلها. ¬
ومنه ومن المجموعة، قال مالك: ومن اتخذ كلبا عقورا في حائطه أو حوزه؛ فمن دخل ثار عليه؛ فعقره. فقال ربه: اتخذته لإحراز مالي. فلا ينفعه ذلك، ويضمن. وقاله أشهب، فيمن احتفر في داره، أو أرضه؛ لغير ضرر بأحد؛ لكن لينتفع؛ فلا يضمن من أصيب به. ولو اتخذه؛ ولو اتخذه؛ ليسقط فيه سارق أو طارق. فإنه يضمن من أصيب به، من سارق أو طارق، وغيره. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: وما أصاب الكلب العقور، والفرس الصؤول، والجدار المائل قبل تقدم السلطان؛/ فهو هدر. وأما بعد تقدمه؛ فما تبين فيه التفريط، في تأخير قتل الكلب، وتنحية الفرس، وهدم الجدار؛ فذلك عليه. وينبغي للسلطان أن يعجل قتل الكلب، وليس تقدمة الجيران في هذا بشيء. وأما الضواري، فبخلاف هذا إذا عرف ضرارها، وتبين له وللجيران؛ فهو ضامن؛ قدم إليه السلطان، أو لم يقدم. قال أصبغ، عن ابن القاسم: قال ابن القاسم: وذلك في الكلب؛ باتخاذه بموضع يجوز له. فأما لو اتخذه في داره، وحيث لا يجوز له، وهو يعلم أنه عقور؛ فيدخل الصبي، والجار، فيعقره؛ فهو ضامن، وإن لم يتقدم إليه. قال ابن القاسم: وإشهاد الجيران عليه؛ في الجدار، والفرس، والكلب العقور، [بحيث له أن يتخذه] (¬1)، كتقدمة السلطان. قال ابن حبيب: وبه أقول، إن كانوا بموضع؛ لا سلطان فيه. ¬
فيمن حفر حيث لا يجوز له أو أوقف دابة أو رش فناء أو نصب سيفا أو أخرج ظلة أو ميزابا حيث لا يجوز له وما هلك بذلك هل تضمنه العاقلة؟
فيمن حفر حيث لا يجوز له، أو أوقف دابة أو رش فناء، أو نصب سيفاً، أو أخرج ظلة، أو ميزاباً حيث لا يجوز له. وما هلك بذلك. هل تضمنه العاقلة؟ من المجموعة، وهو في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وغيره، عن مالك؛ في حافر البئر، على الطريق، أو يربط فيها دابة، مما لا يحق له: فهو ضامن لما أصيب؛ من ذلك بجرح أو غيره؛ في ماله. إلا ما بلغ الثلث؛ فعلى العاقلة، لا يضمن فيما كان، عما يجوز له صنيعه؛ من بئر للمطر، ودابة ينزل عليها؛ للحاجة، فتقف بالطريق. قال ابن القاسم: ومرحاض يحفره إلى جانب حائطه، ونحو هذا. قال، في كتاب ابن المواز: وكذلك ما يخرجه من ظلة، أو عسكر، أو ميزاب، فسقط؛ فيعطب به أحد؛ فهو هدر. قال مالك: وكذلك إن أوقف دابة بباب المسجد أو باب الحمام،/ وباب الأمير، أو السوق، وموضع يجوز له؛ للحاجة؛ فلا يضمن ما أصابت. وقال أشهب، في حافر البئر، والمرحاض: هذا إن لم يضر بالطريق، فلا يضمن؛ لقول النبي- عليه السلام-: «البئر جبار» (¬1). فأما إن احتفر بئراً لمطر، أو مرحاضاً، بقرب جداره، وذلك مضر بالطريق، فإنه يضمن ما أصيب فيهما. قال أشهب: يجوز للرجل إيقاف دابته، في طريق المسلمين، ينزل عنها؛ للحاجة، ونحوه. أو يقف عليها، ولا يضمن ما أصابت بفم أو برجل، أو بذنب، ¬
مثل أن ينزل عنها، ويدخل المسجد، أو دار رجل. فأما إن جعله لها مربطاً، ضمن ما أصابت، وهو نحو قول ابن القاسم. قال أشهب: وليس على الناس، إذا نزلوا؛ لحوائجهم أن يردها، ثم يؤتي بها عند ركوبها. وليس يحرج إن وقف عليها. وهذا يخالف سعة الإسلام، ويسره. وقال أشهب: ومن حفر بئر ماشية، بقرب بئر ماشية لرجل، بغير إذنه؛ فعطب بها رجل؛ فلا يضمن؛ لأنه يجوز له أن يحفر، كما جاز للأول، وإن قرب منها، إذا كان لا يدري؛ أيضره بها البئر الأول، أم لا؟ فأما إن علم أنه مضر بها، قيل له: اردم. فإن أصيب أحد بعد أن قيل له: اردم. ضمن. ومن الكتابين أيضا، قال ابن القاسم، عن مالك: وما أشرع من ظلة، أو ميزاب، أو عسكر، فلا يضمن ما عطب به، وكذلك لو سقط جناح، فعطب به أحد. ومن المجموعة: وأنكر مالك قول أهل العراق: إنه يضمن في هذا. قال ابن القاسم: وإن بناه في أسفل الطريق؛ مما يضر بالناس؛ منع منه. ومن الكتابين، قال ابن القاسم: قال مالك، فيمن حفر بئرا، أو سرباً للماء أو للريح؛ مما يعمل مثله في أرضه، أو داره؛ فيعطب فيه أحد؛ يضمنه. وإن حفر في داره، أو جعل فيها حباله ونحوها؛ ليلتف بها سارق؛ ضمن. قال ابن القاسم: يضمن السارق، وغيره. وقاله ابن/ وهب، عن مالك؛ قال: وإن حفره، أو جعل الحبالة للسباع، فيقع فيه سارق، فهلك، فلا يضمن إذا كان ذلك مما له أن يجعله في حائطه. وقال عنه أيضا ابن وهب، فيمن حدد قصبا أو عيداناً، فجعلها عند الباب، أو النقرة؛ لتدخل في [رجل الداخل في] (¬1) حائطه من سارق، وغيره: أنه ضامن ما أصيب فيه. ¬
قال أشهب، فيمن احتفر في داره، أو أرضه؛ لغير ضرر بأحد، لكن لينتفع؛ فلا يضمن ما أصيب به، فأما إن احتفره؛ ليسقط فيه إما سارق، أو طاق، أو عدو؛ فإنه يضمن من أصيب به من هؤلاء، وغيرهم؛ لأنه تعد. وكذلك من جعل على حائطه شركاً، أو تحت عتبته مساميرا؛ ليصيب بها من دخل، فهذا ضامن ما أصيب بذلك. وكذلك من رش فناء يريد بذلك أن يزلق من يمر به من إنسان، أو دابة، فهذا يضمن ما انكسر فيه أو عطب. ولو رشه تبردا، وتنظيفا، أو لا يريد إلا خيراً، لم يضمن ما عطب فيه. وكذلك إن ربط كلبا بداره؛ لعقر من يدخل، ضمن. وإن كان ربطه للصيد فعقر من دخل لم يضمن. ولو ارتبطه في غنمه؛ ليذهب عنها السباع، لم يضمن من عقر من سارق، وغيره. وإن ربطه؛ لكي إن أرادها أحد، عدا عليه. فهذا يضمن. ومن المجموعة، قال ابن القاسم: ومن وضع سيفا في طريق أو غيرها؛ يريد به قتل رجل، فعطب به ذلك الرجل؛ إنه يقتل به، وإن عطب به غيره، فالديةعلى عاقلة الجاعل. قال ابن القاسم، وأشهب: وإن حفر في دار رجل بغير إذنه، فعطب بها إنسان، فالحافر ضامن. قال أشهب: لأنه بغير إذن رب الدار. فإن علم، فأجاره له؛ لم يضمن هو، ولا رب الدار، إذا احتفرها لنفسه. فأما إذا كانت بينة، وبين ربها صداقة، أو كان مما عليها، فرأى ذلك، ولم يؤمر، فلا يضمن؛ لا هو، ولا ربها. ورب الدار مخير أن يعطي الحافر ما أنفق، إن تطوع رب الدار. وإلا فهي/ له بلا غرم، وليس للحافر ردها، إلا أن يكون له فيها نقص، له فيه منفعة؛ من آجر وخشب، وغيره. فإما أعطاه ربها قيمة النقض منقوضا، أو أمره بفعله.
في ضمان القائد والسائق والراكب وما أصاب الدابة وحدها
ومن كتاب ابن المواز: وكل ما ضمنه الرجل، في حفر ما لا يجوز له؛ قال مالك: فذلك في ماله، إلى بلوغ ثلث الدية؛ فيصير على عاقلته. قال ابن المواز: وأما ما ضمن من عبد، أو دابة، أو غير الديات؛ ففي ماله. وفي باب (الكلب العقور) ما اختلف فيه، في هذا، الأصل. قال مالك: ومن احتفر حمالات للسباع، فعطب به إنسان، فلا شيء عليه إذا كان ذلك في ملكه، أو فيما يجوز له أن يصنعه فيه. قال ابن المواز: ما لم يتخذه لمن يسرق. قال ابن القاسم: فإن اتخذها؛ لسارق، ثم بدا له، فتحول من تلك الدار، فليردها. كأنه يقول: إن لم يفعل، ضمن. ثم قال: يضمن إن لم يفعل. وقاله أصبغ. ومن العتبية (¬1) روى محمد بن خلف، عن ابن القاسم؛ في رجل يعمل السكر، فجعل حول قدره التي يطبخ فيها قصبا يستره به من الناس، فقام صبي خلف القصب، ولم يعلم به، وهو يطبخ، ففارق القدر؛ فأصاب ذلك الصبي؛ فمات؟ قال: لا شيء عليه. في ضمان القائد والسائق والراكب، وما أصابت الدابة وحدها من المجموعة قال ابن وهب، عن مالك: وما وطئت بيد أو رجل، أو أصابت بيدها أو بفمها، وعليها راكب، فإن كان الراكب يحركها، أو يشيلها، أو يضربها؛ فترمح؛ فهو ضامن. وما كان من قبلها خاصة؛ فهدر. ¬
ومنه، ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وغيره: قال مالك: القائد والسائق والراكب، كلهم ضامن لما أصابت الدابة بيد أو رجل. قال أشهب، في كتاب ابن المواز: وإن اجتمعوا في ذلك، كان على كل واحد ثلث الدية. يريد أن الراكب شركهم في فعل بها، كان عنه فعلها. قال في الكتابين: إلا أن ترمح/ من غير فعل أحد، وقد فعله عمر؛ في مجرى الفرس. قال ابن القاسم: والفرس مثل الدابة، إذا كدمت من شيء، فعله بها الراكب؛ ضمن. وما أوطئت بيد أو رجل؛ يضمنه. وقال في المجموعة: وقال أشهب مثله، في السائق والقائد والراكب. قال ابن القاسم وأشهب: وإن اجتمع سائق، وراكب، وقائد؛ فما وطئت عليه الدابة، لم يلزم الراكب وضمنه القائد والسائق. قال أشهب: في الكتابين: وما بعجت أو كدمت، من غير رمح من أحد منهم؛ فأحراهم بالضمان السائق، إن كان سوقه يدعوها؛ لأنه خلفها؛ تخافه ساعة تخويفه إياها، فهي تداري، ذلك وتخافه؛ فما أصابت في حين سوقه، فهو ضامن إن ساقها بزجر، أو ضرب تخس. وكذلك الراكب، لو استحثها برجله، فكدمت، أو ضربت، ضمن الراكب. وكذلك القائد لو نهرها بمقودها، أو صاح عليها، ففعلت هذا؛ لضمن. وإن كان اجتمع فعلهم في ذلك، أشركوا في الضمان، قال: ولو فعل بها أحدهم ما ذكرنا، فرفعت رجلها؛ لضربه، ففعل بها الآخران ما وصفنا مما
يضمن به، فضربت. قال: هم في الضمان شركاء، ولعلها لولا ما أحدث الآخران لردت رجلها. فقد زاداها هيجا. وقال، في كتاب ابن المواز: وقلت: فإن كان الراكب صغيرا، لا يضبطن مثله ولا يحرك، أو نائما، أو مريضا، فوطئت الدابة؟ قال: ذلك عليه، إلا أن يكون لها سائق أو قائد، فيبرأ الراكب، ويكون ذلك على القائد والسائق. قال مالك: وأما المرتد فإنه كالمقدم ضامن، إلا فيما يشبه من المؤخر؛ حركها أو ضربها/، فيكون عليهما. قال ابن القاسم: أو يأتي من سبب المؤخر ما لا يقدر المقدم على دفع شيء منه، فيلزم المؤخر وحده؛ مثل أن يضربها، وهذا لا يعلم، فترمح؛ فتضرب رجلا؛ فتقتله؛ فذلك على عاقلة المؤخر. قال، في المجموعة لأنه يعلم أن المقدم لا يعيثها شيئا، ولا يشد لها لجاما، ولا يحركها برجل، ولا غير ذلك فيكون شريكا فيما فعل. وذلك يكون على الاجتهاد فيما نرى عند مالك. قال أشهب، في كتاب ابن المواز: فأما إن رمحت من غير فعل واحد منهما، فلا شيء على واحد منهما. وقاله مالك. قال ابن القاسم، في المجموعة: إذا صنع بها الرديف شيئا، من غير علم المقدم، فهو الضامن، إذا صنع بها الرديف شيئا، من غير علم المقدم، فهو الضامن، إذا علم أن المقدم، لا يقدر على حضها. وقاله أشهب. قال في الكتابين: وإن كان الصبي مقدما والرجل رديفا؛ فما وطئت؛ على الصبي إن ضبط الركوب، إلا أن يكون الرديف صنع بها ما أهاجها؛ فذلك عليهما. وقال أشهب: إن كان الصبي مما لا قبض له، ولا بسط، وإنما هو بين يدي الرجل يمسكه كالمتاع، فذلك على الرجل دون الصبي.
قالا: وما كدمت، أو بعجت، ولم يكن من تهيج أحد، فذلك هدر، ولا شيء على المقدم، وإن كان اللجام بيده، وقد تكدم وهو غافل، إلا أن يكون لتهيج منه، فيضمن أو منهما، فيضمناه. ومن الكتابين، قال ابن القاسم، وأشهب، في قائد القطار: يضمن ما وطئ عليه بعير من أول القطار أو آخره. قال أشهب: لأنه أوطأه؛ بقوده، وقد يضمن أعذر منه من يرمي طائراً؛ فيصيبه؛ فيخر على إنسان؛ فيقتله؛ فيضمنه. يريد على عاقلته. قال مالك: ولا يضمن الراكب ما كدمت الدابة، أو ضربت بيد أو رجل، إلا ن يحثها أو يحركها. وكذلك/ السائق، والقائد. بخلاف ما أوطأت. وقاله كله أشهب. قال أشهب، في كتاب ابن المواز: ومن نزل عن دابته، فوقعت في الطريق فلا يضمن ما أصابت بوطء، أو نفخ، أو كدم، أو ذنب؛ لأن ذلك لا يجوز له، وله أن يقف عليها في الطريق لحاجته، أو ينزل ويوقفها، ثم لا يضمن، وإذا جمحت دابة براكبها، فعلم الناس أنه مغلوب، فتصدم، إنسانا، فذلك على عاقلة الراكب؛ صبيا كان أو غيره، ما بلغ الثلث، فأكثر، وما نقص من الثلث، ففي ماله، ولو كسرت ما على دابة، أو ما يحمل إنسان، ففي مال راكبها. محمد: ما بلغ، وقد ضمن عمر مجري الفرس، فهو أحرى، ولا يصدم إلا مغلوبا. ومن الكتابين، قال أشهب: ومن نخس دابة؛ فوثبت على رجل، فقتلته، فإن كانت هملا أو مساقة، أو مركوبة، أو مقودة، فنخسها رجل، فضربت أو كدمت رجلا بيد أو رجل، أو سقطت عليه؛ فقتلته، أو أعيبه، فلا يضمن إلا الناخس، وما بلغ الثلث، فعلى عاقلته. ولو لم ينخسها أحد، فضربت بيد أو رجل أو كدمت؛ لم يضمن ذلك ضامن، ولا قائد، إلا أن يفعل بها ما أهاجها لذلك، فيضمن. وقاله كله ربيعة. وقاله ابن مسعود؛ في ضمان الناخس.
قال المغيرة: ومن نخس دابة فطرحت راكبها، فقتلته، فديتها على عاقلة الناخس. وكذلك ما أصابت برجلها، وما دون الثلث، ففي ماله. قال أشهب: ومن ركب دابة فطارت من تحت يدها حصاة، ففقأت عين رجل، فلا شيء. قال ابن المواز: هذا إن طارت من تحت الحافر بحفرة وقع الحافر من غير أن تدفعها بحافرها، فأما لو دفعتها بحافرها؛ فضربت بها حتى اندفعت، فطارت بضربها إياها؛ ففي ذلك الدية. قال: ومن قاد دابة عليها سرج، أو متاع، فوقع السرج، أو المتاع على إنسان. قال يضمن قائدها. ومن الكتابين قال مالك، في حامل عدلين على جمل فسار به،/ فانقطع الحبل، فوقع أحد العدلين على رجل فقتله، والقائد أجير، والحمل لغيره، فإن كان حرا، فعليه، وما بلغ الثلث، فعلى عاقلته. وإن كان عبدا، ففي رقبته، ولا شيء على رب الدابة. قال أشهب في كتاب ابن المواز: وذلك إن كان قائدها حمل المتاع عليها، وإن كان غيره حمله، فذلك على حامله، إلا أن يكون من قوده ما يطرح المتاع في جوفه، فيكون ذلك عليه. وكذلك لو كان قطار، فسقط ذلك من على آخرها، أو من وسطها على أحد، أو وطئ البعير عليه، فعطب، فالقائد ضامن. ومن الكتابين، قال ابن القاسم، في قائد الدابة تمر به جارية، فصاح لها: إياك، فوطئتها الدابة، فقطعت أنملتها: فهو ضامن لما أصابت. أتحملها، وتقول إياك؟! قال ابن القاسم: ومن انقلبت دابته، فنادى رجلا ليحبسها له، فذهب ليحبسها، فضربته فقتلته، فهو جبار.
[قال ابن المواز: إلا أن يكون المأمور عبدا لغيره، أو حر صغير، فإن دية الحر على عاقلته، وقيمة العبد في ماله]. ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: وما أصاب الفلو (¬1)، وهو يتبع أمه، رمحا، أو وطيا، فهو هدر، وليس على راكب أمه شيء، ولا شيء على السائق، والقائد. وقاله أصبغ، عن ابن القاسم،. قال ابن المواز: ولم يرض أن يتعرض لمسكها حتى صدمته، فقتلته، فإن أفلتت من يد رجل، فديته على عاقلة الرجل. وإن أفلتت من مذودها (¬2) فذلك هدر. وقد أفتى أصبغ، في رجل أخرج دابته؛ ليمرغها، فجذبت الرسن من يده، وشردت، فصدمت رجلا فقتلته، فعلى عاقلة ربها الدية، كما لو كان راكبها، فغلبته، فصدمت، فقتلت. ومن المجموعة، قال ابن نافع، عن مالك، في صبي جمح به فرس، وعلم الناس أنه مغلوب، لا يقدر على حبسه: إن ما أصاب غرم عليه. قال/ ابن نافع: فيما دون الثلث، وما بلغ الثلث، فعلى العاقلة. قال عنه ابن القاسم: يضمن من جمحت به الدابة، ما وطئت. قال أشهب: وقد ضمن عمر مجري الفرس، ما صدم، وقد وطئ، وهو مغلوب، وبإجرائه إياه ضمن. وليس له من العذر فيه مثل ما أصابت السفينة، ولا يجد من السفينة بداً من سيرها، وإلا لم يبلغ أبداً، والفرس لو تقدم في حبسه لقدر على ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك الفرس، في رأسه اعتراض بحمل، فيصدم. فراكبه ضامن. ¬
قال وجمح الفرس من سبب فارسه، ومما فعله به، إلا أن ينفر من شيء مر به، لا من سبب فارسه فلا يضمن، ويكون ذلك على من فعل به ما أهاجه. والسفينة لا يذعرها أحد، والريح، غالبة عليها، فافترقا. قال ابن القاسم في المار بحمله، فخرق ثوبا على حبل قصار أنه ضامن دون القصار؛ لأنه عرف أنه من غير فعله. وكذلك من كسر قلالا في الطريق من المارين ضامن لها، أو كسرها على دابة، أو قتلها في جوازه، لضمن لذلك. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن شهاب، فيمن جاء فحمل متاعا على دابة، فنظرت إليه دابة رجل، فنفرت براكبها، فطرحته، فقتلته؛ قال: يضمن من نفرها ما أصابه، إن كان خطأ، فالدية على عاقلته، وفي عمده القود. وقال ربيعة، فيمن رقد على قارعة الطريق، فنفرت منه دابة براكبها، وهو نائم: فهو ضامن، وإن كان على غير الطريق لم يضمن، إلا أن يتحرك. قال ابن المواز: وجدت لبعض أصحابنا؛ أنه هدر، لا شيء عليه. وإن كان في الطريق، إلا أن ينفر من تحركه، فيلزم عاقلته. ولو تعمد تنفيرها، فعليه القصاص. كان ابن نافع: سئل مالك عن رجلين؛ مرادي، وخولاني؛ اصطدما، وهما على فرسين، فوطئ فرس الخولاني على رجل صبي، فقطع أصبعه، فقضي بالعقل على مراد، وخولان. أذلك صواب؟ قال: نعم. ومن العتبية (¬1)، من سماع ابن/ القاسم: وعن حمل سقط من دابة على جارية؟ قال: يضمن الحمال، إن كان حراً. وإن كان عبداً فذلك في رقبته. قال عيسى، عن ابن القاسم، في الذباب يقع على الدابة، فتنفخ إنسانا. قال لا يضمن راكبها ذلك. ¬
في الفارسين أو السفينتين أو الحالمين يصطدمان فيهلكان، أو حر وعبد وفي حافري البئر يقع عليهما فيهلكان، أو يأخذ الأعلى بيد الأسفل، فيقعان جميعا
ومن المجموعة، قال المغيرة في فرسين عدا (¬1) أحدهما رجلا في ذلك، فإن كان عليها راكبان، وكان الذي أصابا به صدورهما مما يلي الراكب ضبطه، والذي إذا صنعه الراكب كف ذلك، وحملها على ما لا يعلم، فصارت تصيب شيئا بصدرها، فهو ضامن، وهو من خطإ الراكب، لا من الدابة، وإن كان الذي أصابا، ما لا حيلة للراكب فيه، وما يرتفع عنه، ولا يعد منه، وذلك مؤخر الدابة قضت برجلها ما لم يتبدعه الراكب، ولا حيلة له فيه، فذلك جبار. وإن لم يكن عليها راكب، فذلك جبار. وجرى في باب من استعمل صغيرا، أو كبيراً، مسألة من أعطى لصغير أو عبد دابة، او سلاحا، فعطب به، أو أوطأ الدابة أحداً، فأصابه. وفي باب اصطدام الفارسين، ذكر إذا اصطدما، فأصابا أصبع صبي. في الفارسين، أو السفينتين، أو الحاملين يصطدمان، فيهلكان. أو حر وعبد. وفي حافري البئر يقع عليهما فيهلكان، أو يأخذ الأعلى بيد الأسفل، فيقعان جميعا من كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك، في السفينتين، تصطدمتان، فتغرق إحداهما بما فيها، فلا شيء في ذلك، على أحد؛ لأن الريح يغلبهم، إلا أن يعلم أنهم لو أرادوا النواتية صرفها، قدروا، فيضمنوا، وإلا فلا شيء عليهم. ابن القاسم: ولو قدروا على حبسها، إلا أن في ذلك هلاكهم، فلم يفعلوا، فليضمن عواقلهم دياتهم، ويضمنوا الأموال، في أموالهم. ولكن لو غلبت الريح، ففعلوا. ¬
قال في المجموعة: ولم يروهم/ بمظلمة الليل، ولو رأوهم فقدروا على صرفها، لم يكن عليهم شيء. قالفي كتاب ابن المواز: قال أشهب: وإن عرف أن ذلك في غلبهم، ولم يغلبهم؛ من خرق كان منهم، فلا شيء عليهم. وإن لم يعلم ذلك، فذلك على عواقلهم. ومن الكتابين، وقال اصطدام الفارسين؛ يهلكان وفرساهما، فعلى عاقلة كل واحد دية الآخر، وقيمة فرسه في ماله. قاله ابن القاسم، وأشهب. قال أشهب: وقال بعض العراقيين: على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر، لإشراكه في نفسه، ولو لزم هذا لزم إذا عاش أحدهما، لم يلزم عاقلته إلا نصف دية الآخر، ولكان الذي يهوى في البئر قاتلا لنفسه مع حافرها، ولكان الواطئ على الحسك، وقد نصبها رجل فيما لا يملك، ولا يجوز له قاتلا لنفسه، مع ناصبها. وقد روي عن علي ابن أبي طالب، وغيره من صاحب وتابع، مثل ما ذكرنا. قال في كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن اصطدم حر وعبد، فماتا فقيمة العبد، في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد، ويتقاصان. وإن زاد ثمن العبد على الدية، فلسيده الزيادة، في مال الحر، وإن كانت دية الحر أكثر، لم يلزم السيد من ذلك شيء. قال محمد: إلا أن يكون للعبد مال، فالفضل في ماله. ومن العتبية (¬1)، قال أصبغ، في اصطدام الحر والعبد: فقيمة العبد، في مال الحر؛ يأخذ السيد، ويقال له: افتك قيمته بدية الحر، أو أسلمها فإن أسلمها فإن أسلمها؛ فليس لولاة الحر غيرها. وإن فداها، بجميع الدية، ونحو هذا في باب بعد هذا. ¬
في السفينة تربط إلى السفينة ومن تعلق برجل في بئر أو فيما يخاف فخلاه، أو قطع الحبل، وفيمن يسقط من يده شيء أو يقع رجل على شيء فيهلك، أو يدفع أحد، فيؤتى عليه أو على من وقع عليه وشبه هذا
ومن المجموعة، ومن كتاب ابن المواز، وإذا اصطدم رجلان أو راكبان، فوطئ أحدهما على صبي، فقطع أصبعه، فهما له ضامنان. ومن المجموعة: وقال أشهب في حافري البئر، يهوي عليهما، فمات أحدهما، فعاقلة الباقي تضمن نصف ديته، والنصف الآخر هدر؛ لأن المقتول شريك في قتل نفسه، ولا تعقل العاقلة/ قاتل نفسه، وإن ماتا فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الآخر؛ لشركة كل واحد منهما في قتل نفسه. وذكر عن ابن القاسم، في حامل الجرتين، كما في المدونة. وقال ابن القاسم وغيره، عن مالك، فيمن ارتقى في البئر، فأدركه آخر في أثره، فجبذه، فخرا، فهلكا، فعلى عاقلة الأسفل الدية. في السفينة تربط إلى السفينة. ومن تعلق برجل في بئر أو فيما يخاف فخلاه، أو قطع الحبل، وفيمن يسقط من يده شيء، أو يقع رجل على شيء فيهلك، أو يدفع أحد، فيؤتى عليه أو على من وقع عليه وشبه هذا من المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، والعتبية (¬1)، روى ابن القاسم عن مالك، في مراكب ثلاثة أصابها ريح، فربط أحدهما مركبه إلى صخرة، ثم ربط إليها أصحاب الثاني، ثم حط أهل الثالث قلعه؛ ليربطوا مركبهم إلى أحد المركبين، فأبى أهلها، وخافوا الغرق، ثم احتسب صاحب أحدهما، فربطه له، فجره المركب الثالث، حتى كادوا أن يغرقوا، فلما خافوا، سرحوا المركب الثالث فهلك بما عليه، فلا شيء على الذين سرحوه؛ لأنهم خافوا الهلاك. ومن الكتابين، ونحوه في العتبية (¬2)، من رواية أبي زيد، عن ابن القاسم، فيمن طلب غريقا، فلما أخذه خشي الموت على نفسه، فسرحه، فلا شيء عليه. ¬
قال ابن المواز: قال مالك: هذا يشبه مسألة السفينة؛ لأنه إنما أراد نجاته من خوف قد نزل، وليس كمن ابتدأ نزول بئر أو بحر، بسبب مسكه. قال فيه، وفي المجموعة: وقد قال ابن القاسم: ولو ذهب يعلمه العوم، فلما خاف على نفسه الموت سرحه، فمات، فهو ضامن لديته. قال ابن المواز: ثم روي عنه في بعض مجالسه خلافه، فيما يشبه، فلم يعجبنا. قال فيمن تردى في بئر، فصاح برجل؛ يدلي له حبلا، فدلاه له، ورفعه، فلما خاف على نفسه، وأعجزه، خلاه، فمات:/ إن ذلك عليه ضامن، وهذه في المجموعة. قال ابن المواز: في هذه شيء، وهي عندي تشبه مسألة السفينة؛ لأن أصله كان على الخوف، فرجا السلامة، فلم يتم، ولم يكن أصله على السلامة. ومن هوى في بئر، فأمر رجلا يدلي له حبلا، ففعل، فجر، فلما خشي على نفسه سرحه، فهو ضامن. ومن العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم، وفي كتاب ابن المواز، وابن عبدوس، قال مالك، فيمن دلى رجلا بحبل في بئر؛ ليطلب حماما، فتدلى فيه، وربط حبلا آخر في خشبة، وانقطع حبل الخشبة، فجر الأعلى هابطا، فخاف أن يذهب معه، فخلى من يده الحبل- يريد: فهلك الأسفل-: فإن عليه الدية بخلاف السفينة. ومن كتاب ابن المواز؛ ومن نزل بئرا، ثم نزل في إثره آخر، فجبذ الأسفل الأعلى، فخرا، فماتا. فعلى عاقلة الجابذ دية الأعلى. ¬
ومن الكتابين، قال ابن وهب، عن مالك، فيمن أمسك لرجل حبلاً يتعلق به في البئر، فإن انقطع، فلا شيء عليه، وإن انفلت من يد المعين له، فسقط، فمات، فهو ضامن. ومن كتاب ابن حبيب، روى عنه ابن المسيب، في خمسة فرسهم أسد، فتعلق الذي يلي الأسد بالثاني، وتعلق الثاني بالثالث، والثالث بالرابع، والرابع بالخامس؛ فقضى علي ابن أبي طالب؛ أن الأول فرسه الأسد، وإن الأول عليه دية الثاني، وعلى الثاني دية الثالث دية الرابع، وعلى الرابع دية الخامس. قال ابن حبيب: يريد: على العواقل. ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: ومن سقط من يده شي على وديعة عنده، فتنكسر؛ إنه ضامن لها، ولو سقطت الوديعة من يده، فانكسرت، لم يضمنها. قال أشهب: وإن سقط ابنك من يدك، فهلك، لم يلزمك شيء. ولو سقط شيء من يدك على ابنك، أو على ابن غيرك، فقتله؛ إن ديته على عاقلتك. وإن ناله أقل من الثلث، ففي مالك. قلا: ومن سقط من دابته على/ رجل، فمات، فديته على عاقلة الساقط قال أشهب: وهو من الخطأ. وقد قضى شريح في غلام سقط على غلام، فانشج الأسفل وأنكر الأعلى؛ أن يضمن الأعلى شجة الأسفل. قال ابن المواز: وهو قول أصحابنا. ومن المجموعة، قال ربيعة: إذا سقط عليه، فأصابته سنة، فشجه، فعليه دية الشجة.
قال أشهب: وهذا مثل الذي خر على الآخر. ولكن لو أصيب الخار، وسلم الأسفل، كان ذلك هدرا، ولا شيء على الأسفل. قال ربيعة، في كتاب ابن المواز: فأصابت سنة رأسه، فشجه موضحة، وانكسرت سن الساقط؛ فعلى الساقط دية الموضحة، وعلى المشجوج دية السن. قال ابن المواز: وهذا خلاف قول أصحابنا: بل السن هدر، ودية الموضحة على الساقط. وروي عن علي بن أبي طالب. ومن كتاب ابن حبيب، قال: قال إبراهيم النخعي، في غلامين كانا يلعبان، فوقع هذا على هذا، فشج أحدهما، وانكسرت ثنية الآخر؛ فقال: الأعلى ضامن للأسفل، ولا شيء على الأسفل للأعلى. ومن كتاب ابن المواز: ومن دفع رجلا، فوقع على آخر، فقتله؛ فعلى الدافع العقل دون المدفوع. ومن مر بجزار، وهو يكسر لحما، فزحمه آخر، فطرحه، فوقعت يده تحت فأس الجزار، فطرح أصابعه؛ فقد قيل: إن ذلك على طارحه. وقيل: بل على عاقلة الجزار، وترجع به عاقلته على عاقلة الطارح. ومن الكتابين، قال ابن وهب، عن مالك، في بصير نادي أعمى، فوقع البصير في بئر، ووقع عليه الأعمى، فمات البصير: إن ديته على عاقلة الأعمى. وروي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
في المرمى بحجر فاتقاها فرجعت فأصابت أحدا، وفيمن كدم يد رجل فنثرها فوقع سن الكادم، ومن عبث بسقاء فسقطت عليه قلة على كتف السقاء، ومن طلب رجلا بسيف فعثر الرجل فمات
في المرمي بحجر، فاتقاها، فرجعت، فأصابت أحداً وفيمن كدم يد رجل فنثرها، فوقع سن الكادم، ومن عبث بسقاء، فسقطت عليه قلة، على كتف السقاء ومن طلب رجلا بسيف، فعثر الرجل، فمات/ من المجموعة، روى على ابن زياد، عن مالك، فيمن رمى رجلا بحجر، فاتقاها بيده، فرجع الحجر، فأصاب رجلا، فعلى الذي ردها العقل، وهو من الخطأ. وقال ابن القاسم: إن رده، حتى أوقعه على رجل، فديته على المرمي دون الرامي. وإن كان إنما اتقى على نفسه، ولم يرد الحجر بشيء، ففعله على الرامي. وكذلك روى يحيى، في العتبية (¬1)، عن ابن القاسم سواء، وقال: فإن دفع الحجر بشيء حتى أوقعه على غيره، فذلك على المرمي. وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم هذا. وقال أصبغ: بل ذلك على الرامي، دون المرمي، وإن دفع الرمية، إذ لا تبقى الرمية، إلا بدفعها. وكما لو طلبه بسيف، فهرب منه، فوقع على صبي، فقتله، أو على شيء فكسره؛ فذلك على طالبه، وهو من الخطأ، إلا أن يعثر المطلوب نفسه، فيموت؛ فيكون فيه القود. وكذلك دافع الحجر عن نفسه بشيء، بيده، أو رجع الحجر عنه لشأنه، فأصاب رجلا غير المرمي، فذلك من الخطأ، وهو على الرامي. وإن أصاب المرمي، فهو من العمد، إلا أن يكون الحجر، قد كان في مقره، وانكسر حده قبل، فرده، فيكون على المرمي. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، فيمن طلب رجلا بسيف، فعثر المطلوب، فمات قبل أن يدركه الطالب: إن على الطالب العقل. وقاله أصبغ. ¬
فيمن استعمل كبيرا أو صغيرا أو حرا أو عبدا فعطب أو عطب بسببه أحد
وروى عيسى في العتبية (¬1)، عن ابن القاسم مثله، وروى غيره عن المخزومي مثله. قال ابن حبيب: قال مكحول، في قوم رموا المنجنيق، فرجع على أحدهما، فقتله: إن عليهم الدية، ويحط عنهم قدر نصيبهم منها، ويعتق كل واحد رقبة. ومن المجموعة، قال على، فيمن عض يد رجل، فجبذ المعضوض يده من فمه، فنزع أسنانه؛ فروى ابن وهب في هذا، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه أهدر أسنانه (¬2). وذكر ابن المواز وغيره، عن أصحاب مالك؛ أن دية أسنانه على المعضوض. وذكر ابن المواز/ حديث ابن وهب هذا؛ قال: وقاله يحيى بن سعيد، وذكر أن أبا بكر الصديق قضى به. قال يحيى بن عمر: وبهذا الحديث أقول لا بما روي عن مالك، وغيره من أصحابه؛ أن الجابذ يضمن. والحديث لم يروه مالك، ولو ثبت عنده لم يخالفه. ومن المجموعة قال ابن القاسم، في صبي عبث بسقاء، على عنقه قلة، حتى سقطت القلة على الصبي، فمات، فلا شيء على السقاء. ولو سقط على غير الصبي، فقتله، فديته على عاقلة الصبي. فيمن استعمل كبيرا أو صغيرا، أو حراً أو عبداً، فعطب أو عطب بسببه أحد من المجموعة، وفي كتاب ابن المواز نحوه، قال ابن وهب، عن مالك: إن المر الذي عليه الفقهاء، أن من استعان صغيراً أو عبداً في شيء له؛ قال: فهو ¬
ضامن لما أصابهما، إذا كان ذلك بغير إذن، كمن يأمر صبيا صغيراً، أن ينزل في بئر، أو يرقى نخلة، فيهلك فيه، فالآمر ضامن. ولو استعان كبيرا حرا عاقلا، فأعانه، فلا شيء عليه إلا أن يستغفل أو يستجهل، أو يقرب له فيما لا يعلم منه ما يعلم من قربه إليه. ومن المجموعة وقال غيره عن مالك، في استعان عبدا، في نزول بئر أو صعود نخلة، وهما صغيران أو كبيران، أو كبير وصغير: قال: ذلك كله سواء؛ هذا من الخطأ، وهو مثل الحر، وذلك في رقبة العبد. قال ابن وهب، وعلي عن مالك؛ في العبد يستأجر، فلا يضمن من استأجره، وإن قال ربه: لم آمره أن يؤاجر نفسه، إلا أن يستأجره في عمل مخوف، يزيده على إجارته أضعافاً؛ لمعنى الغرر، من ذلك البئر ذات الحمأة (¬1) والهدم تحت الجدران، فهذا يضمن إن واجره، بغير إذن ربه. قال سحنون: هذا أحسن من رواية ابن القاسم، إلا أن يكون سيده، قد حجر عليه، أن يؤاجر نفسه، وأبان ذلك، وأشهد عليه. قال عنه ابن وهب: ومن استعمل عبدا، عملا/ شديداً، فيه غرر بغير إذن أهله، فعمله، فأصيب فيه؛ يضمنه. وإن كان قد أذن له في الإجارة؛ لأن هذا غير ما أذن (¬2) له [لما] (¬3)، فيه من الغرر البين. قال: ولمن خرج به في سفر بغير إذن ربه، فهو ضامن. ومن كتاب ابن المواز، من رواية ابن وهب، مثل هذا. قال عبد الملك: إذا استعمله ما لا يعمل مثله، فهو ضامن، وليس طوع العبد يدرأ به عمن استعمله شيئا. وإن كان مما يعمل، وكان بغير إذن ربه، لم يضمن. ¬
وقال ابن القاسم، عن مالك: ومن استعان عبداً بغير إذن ربه، فيما له بال: ولمثله إجارة؛ فهو ضامن لما أصابه. وإن سلم، فلسيده إجارته. هذا أحسن ما سمعت. ومن استعان كبيراً حرا فأصيب فلا شيء عليه. ومن الكتابين، قال أشهب: وضمان ما أصاب الصبي والعبد؛ فيما استعينا فيه بإجارة، بغير إذن أهلهما من؛ ركوب دابة، ونزول في بئر، ورمى نخلة، وهدم حائط، وشبهه من المخوفات أمر قديم اجتمع عليه أكثر العلماء. قال عمر بن عبد العزيز: وإن استعانهما بغير إجارة فيما أذن لهما فيه، بالإجارة، فهو ضامن. قال أشهب: لأن ذلك تعد إن لم يؤذن لهما، في العمل، بغير أجر. وهذا كله في كتاب ابن المواز. قال ابن القاسم، في الإبن يستأجره رجل في عمل، أو تبليغ كتاب، فيعطب، ولم يعلم مستأجره. بإباقه فإنه يضمنه. وقاله مالك، في الكتاب. وقال أشهب: لا يضمن إن لم يعلم بإباقه وإنما يضمن من استعمل عبدا أو مولى عليه عملا مخوفا، ولم يعلم بالرق أو بالولاء. قال ابن نافع، عن مالك، في أجير في إبل في السفر أخذ/ يسقى من غدير، فقال له رب الإبل: خض الغدير إلى موضع كذا وكذا منه، فاستق. فأبى، فعزم عليه، فخاضها لذلك، فوقع، فآنكسرت ثناياه. فلا يضمن الآمر، ولو شاء لم يعطه.
وفي باب: (القائد والسائق) ذكر من انقلبت دابته، فأمر من يأخذها، فأصابته. ومن المجموعة، ومن العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم: ومن دفع دابته أو سلاحه إلى صبي يمسكه، فعطب به، فديته على عاقلته. وقال مالك، فيمن أعطى دابته لصبي ابن اثنتي عشرة سنة، أو ثلاث عشرة سنة؛ يستقيها، فعطب، أو كان ابن أخيه: إن ديته على عاقلته، ويكفر. وإن كان كبيرا فلا شيء عليه. وأما العبد، فيضمنه؛ صغيرا كان أو كبيراً. ومن كتاب ابن المواز، ذكر مثله، في الصبي الحر، في إمسال الدابة. قال: وما كان دون الثلث، ففي ماله. قال: وأما السلاح، فإن كان مثله يمسك ذلك السلاح، ويقوى عليه، ويعرف ما يضره في إمساكه، وما ينفعه، لم يضمن. وإن كان على غير ذلك ضمن. كما لو صبيا أن يناوله حجراً، لا يثقل على مثله، فذهب ليناوله إياه، فسقط على أصبعه، فعطبه فلا يضمن هذا. ولو أمره أن يحمل له حجراً، لا يثقل على مثله، فذهب ليناوله إياه، فسقط على أصبعه، فعطبه فلا يضمن هذا. ولو أمره أن يحمل له حجرا، يثقل على مثله، [فيناله ذلك منه] (¬2)، لضمن؛ لأنه خطر. وكذلك إمساكه الدابة- يريد: هو خطر. والعبد الكبير كالحر الصغير؛ إن أعطاه دابة يركبها في مثل الإجارة (¬3)، أو يسقيها، فيهلك بذلك، فهو ضامن لقيمة العبد، في ماله وذمته؛ صغيراً كان أو كبيراً، قل ذلك أو كثر، إن كان بغير إذن ربه. ¬
وكذلك إن فعل ذلك بالحر الصغير، بغير إذن أبيه، فديته على عاقلته، ودون الثلث، في ماله وذمته. هذا كله قول مالك، وأصحابه. وكذلك في العتبية (¬1)، من سماع ابن القاسم، وقاله أيضا في صبي ابن اثني عشر عاما، أو ابن أخيه، أو يتيم عنده، فأمره بركوب دابة رجل أو رقي نخلة، فعطب. ومن كتاب/ ابن المواز: ولو أوطئا الدابة رجلا، في إمساكهما إياها، وركوبهما عليها، فقتلت رجلا، فذلك على عاقلة الصبي، وفي رقبة العبد. قلت: أفترجع العاقلة وسيد العبد، بما وديا على المستعين بهما؟ قال: أما ابن القاسم،؛ فقال: لا يرجعا بشيء. قال: وإنما يضمن هو ما أصيب به العبد أو الصبي الحر، في أنفسهما، على ما ذكرنا. قال: وبلغني ذلك عن مالك. قال ابن القاسم: كما لو بعث العبد فيما لم يؤذن له فيه، أو الحر الصغير، فركبا في الطريق دابة بغير إذن، فوطئا رجلا، فقتلته؛ أكان يضمنه الباعث؟ وكذلك ذكر عنه ابن عبدوس. قال ابن المواز، وقال أشهب: في المسألة الأولى، ترجع عاقلة الصبي بما ودوا، على عاقلة الذي حمله على الدابة. ويرجع عليه أيضا بما أخذ من مال الصبي- يريد: دون الثلث- ويخير سيد العبد؛ في فداه، أو إسلامه. فإن أسلمه، رجع على مستعينه بالأقل من قيمته، يوم أسلمه، ومن عقل الجناية- يريد: فإن فداه رجع بما فداه به-. قال أشهب: وإن شاء المجني عليه أن يتبع المستعين، بما كان يرجع به عليه الصبي، وسيد العبد، فعل. ¬
قال ابن المواز: وقول أشهب أحب إلى. وقاله من أرضاه (¬1) لأن المستعين كما ضمن العبد والصبي، كذلك يضمن ما جر ذلك؛ من ذهاب مال الصبي، ومال عاقلته، وما ودى ذلك إلى هلال العبد، وما انتهى ذلك إليه. وما احتج به ابن القاسم؛ لو أرسلهما، فركبا دابة بغير أمره، وأوطآ بها أحداً، لم يضمن فواضح (¬2). ويشبه المسألة الأولى؛ لأن هذا فعل حادث؛ لم يأمره به الباعث، وليس أصله غصبا؛ فيضمن جناياته، ولو أنه لو نزل عن الدابة التي ركبها، وركب غيرها برأيه، فسقط، فمات، لم يضمنه. ولو كان غصباً ضمنه، وكذلك لو نزل عن النخلة التي أمره بطلوعها، ثم طلع أخرى برأيه، فهلك؛ لم يضمنه، لو سقط من التي أمره بها، لضمنه. وكذلك إن سقط منها، أو الدابة التي أمره بركوبها/ على أحد، فقتلته، لضمنه عاقلة المستعين. وبقول أشهب أخذ أصبغ، وقال: إن قول ابن القاسم، إنما بلغه عن مالك. قال أشهب: وأخبرت عن ابن شهاب، فيمن أمر عبد عبده؛ أن يدخل البئر، فيسقي، ففعل، فخر فيه على عبد آخر، فماتا، أو مات أحدهما؛ أنه ضامن. وعن ربيعة، فيمن حمل عبداً- بغير إذن سيده- أو صبيا- بغير إذن أبيه- على فرس؛ أن عليه ما أصابت الدابة، وعليه ضمان العبد، والصبي. فإن استأذنهما، فلا شيء عليه، وذلك على أبي الصبي، وسيد العبد. فهذا يرد ما قال صاحبنا، وذكر أنه بلغه، عن مالك. وما علمت أحدا، كان أشد استقصاء لقول مالك، ولا استخباراً عنه في حياته، وبعد وفاته مني؛ فما علمت ما بلغه عن مالك. ¬
قال ابن المواز: ويشبه قول ربيعة قول ابن القاسم؛ فيمن كان له ولد يجري الخيل، فسأله رجل أن يجري له فرسه، فإذن له، فوقع عنه، فمات؟ قال: فلا شيء على الذي حمله، إلا عتق رقبة. وأرى أن الأب، كالعفو عن ديته، وأما غير الأب، فلا يجزئ إذنه؛ مثل اليتيم للرجل، أو ابن أخيه. فذلك على عاقلته، فلا ينفعه إذنه. وكذلك هذه المسألة، عن ابن القاسم، في العتبية (¬1)، من رواية أبي زيد. وفي المجموعة، ومن كتاب ابن المواز: وإن استعنت صبيا؛ يجري لك فرساً، فصدم رجلا، فقتله، فدية الصبي على عاقلتك. وأولياء المصدوم بالخيار؛ إن شاؤوا أخذوا ديته من عاقلتك، ثم لا طلب لعاقلتك على عاقلة الصبي، وإن شاؤوا أخذوها من عاقلة الصبي، ثم يرجع بها عاقلة الصبي، على عاقلتك، مع عقل الصبي، فذلك ديتان. ولو كان موضع الصبي عبدا، كان عليك غرم قيمته مرتين؛ لأن سيده يضمنك قيمته. فإن كانت مثل الجناية، لم يلزم السيد غيرها، فيؤديها، ثم يرجع بها عليك ثانية؛ لأنك أتلفتها عليه؛ بتعديك. وإن كان فيها فضل عن الجناية، لم يرجع عليك إلا بما/ ودي منها. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، فيمن حمل عبداً على فرس، بغير إذن سيده، فوطئ على أحد، فقتله أو جرحه، فذلك في رقبته، يسلمه سيده، أو يفتديه. ثم لا يرجع على حامله شيء؛ افتك أو أسلمه. ولو اصطدم هذا العبد، وحر؛ فماتا، فعلى الذي حمل العبد على الفرس غرم قيمته لسيده، وبطل المصدوم. إن زادت الدية على قيمة العبد؛ لأن دية الحر في قيمه العبد، وقيمة العبد في مال الحر، فلا شيء على السيد من زيادة الدية على قيمة عبده، وإن ناف عليها ثمن العبد، كان الفضل في مال الحر، ويكون ذلك لحامل العبد على الجناية؛ لأنه غرم قيمته كلها لسيده. ¬
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (¬1)، قال مالك، في عبد له امرأة حرة، وله منها ولد ابن عشر سنين، فحمله في البحر، بغير إذن أمه، فغرق؛ فمات، ونجا الأب، فقامت عليه الأم؛ فلا شيء لها عليه، في حمل ابنه في البحر. وهذه المسألة مكررة، قد تقدمت في باب آخر. في القود بين الرجال والنساء، والعبيد والإماء، وبين الكافر والمسلم، والعبد والحر، وبين أهل الكفر. والحكم بين أهل الذمة. من المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أصحاب مالك: إن أحسن ما سمع في تأويل قول الله- سبحانه-: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} (¬2)، أن القصاص بين الحرتين، كما هو بين الحرين، وكذلك بين الأمتين، والعبدين فإن الأمر عندهم أن القصاص بين الرجل والمرأة الحرين، في النفس والجراح، وبين العبد والأمة كذلك؛ لقول الله- سبحانه-: {أن النفس بالنفس} إلى قوله: {والجرح قصاص} (¬3). قال أشهب: فيقتص من الرجل للمرأة، في النفس وجميع الأعضاء، والجراح التي فيها القصاص، وكذلك منها له، وما علمت من خالف ذلك إلا بعض العراقيين؛ فرأوه في النفس، وأبوه في الجراح بين الرجل والمرأة. ولا فرق بينهما. وقد قال/ الله- سبحانه-: {والجروح قصاص}، كما قال: {النفس بالنفس}. وعليه مضى صدر السلف، وحكم به عمر، وغيره من الصحابة، وحكم به عمر بن عبد العزيز، وقاله فقهاء تابعي أهل المدينة. ¬
قال أبو الزناد: هو قول كل من أدركت، من التابعين. وقاله ابن شهاب وعطاء، وربيعة، وعمرو بن دينار، ومن يكثر عدده، ومالك، وعبد العزيز، فيمن اتبعهما. قال ابن المواز: وكذلك لو اجتمع رجال على قتل امرأة، أو صبي، أو صبية؛ لقتلوا. وعلى قطع يد أو فقء عين؛ إنهم يقطعون، وكذلك تقطع يد الرجل؛ بيد المرأة، وكذلك ما قل أو كثر من الجراح. قال مالك، في الكتابين: ولا يقاد من المرأة الحامل؛ في النفس، حتى تضع. قال ابن المواز: وكذلك القصاص- يريد: في الجراح المخوفة-. قال ابن المواز: وإن قتلت؛ ففي قتل قاتلها، ولا شيء في جنينها. قال، في الكتابين: والسنة؛ أن يقتص من عبده لعبده؛ في النفس والجراح، ولكن لا يلي ذلك إلا السلطان، وبعد ثبات البينة عنده بذلك. ومن كتاب ابن المواز وإذا لزم المرأة قصاص، في نفس أو جرح، فلزوجها وطؤها، وإن كانت حاملا. ولو أنها أمة له لزمها قصاص، لم يطأها؛ لأنها مرتهنة بجناية، حتى يفديها. وقاله أشهب. ومن المجموعة قال ابن وهب، عن مالك: لا يقاد عبد من حر، ولا أمة من حرة. وليس بين الحر المسلم، وبين عبد أو كافر في الجراح قود. وقد ذكرنا مذهب عبد العزيز؛ أنه إن شاء الحر أن يقتص من العبد في الجراح؛ أن ذلك له. وقال مالك: ليس له ذلك، إلا في النفس. وقال: هذا من الضرر. وقاله أشهب. قال مالك: وهي السنة. قال مالك: وليس بين العبد المسلم، والذمي قود. قال سحنون: لا في نفس، ولا جرح؛ لأن في هذا حرية، وفي هذا إسلام.
وقال ابن وهب: ومن قتل عبده، فليكفر، وعليه العقوبة؛ من الإمام. ومن الكتابين، قال مالك: ويقتل العبد بالحر المسلم، ولا يقتل به الحر. ولا قصاص بينهما فيما دون/ النفس. قال غيره في كتاب آخر: ولم يختلفوا؛ أن من قتل عبده لا يقتل به، وفيه دليل على أنه لا يقتل حر بعبده. ومن المجموعة، قال علي، عن مالك: لا يحكم بين أهل الذمة إلا فيما فيه الفساد؛ من القتل، والجراح، والسرقة، ونحو ذلك، وأما غير ذلك، فليردوا إلى أحكامهم؛ ويقتل اليهودي بالنصراني، ويقتل بهما المجوسي، ويقتلان به. ومن العتبية (¬1) روى عيسى، عن ابن القاسم؛ وإذا تحاكم النصرانيان بقتل أحدهما ولي الآخر، وقال القاتل: ليس في ديننا قود. لم يقبل منه، وقيل: إن شهد عليه ذو عدل. قال عيسى: يسلم إلى أولياء النصراني، فإما قتلوه، وإما عفوا. ويضربه الإمام مائة، ويحبسه سنة. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال مالك وأصحابه: لا يقاد كافر من مسلم؛ في نفس، ولا جرح، وإذا قتل كافر مسلما عمداً، قتل به، وإن جرحه، فلا قود بينهما. وقاله أشهب، وعبد الملك. ومن كتاب ابن المواز، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لا يقتل مؤمن بكافر (¬2) ولا ذو عبد؛ في عبده، والمؤمنون تتكافأ دماؤهم». وقال ابن القاسم: ويحكم بين النصارى في جراحهم كلها، وإن كرهوا؛ في القتل وغيره؛ عمده، وخطئه وفي الغصب، والسرقة، وإنما لا يحكم بينهم؛ في الطلاق والمواريث، ويحكم بينهم في مبايعتهم، إلا في الربا- يريد في تحاكمهم ¬
إلينا- وأما في الرهون، وضمان الصناع؛ فيما بينهم، فيحكم بينهم بحكم الإسلام. وفي كتاب ابن المواز: قال إذا قتل مسلم ذميا عمداً، أو خطأ، فإن الخطأ على عاقلته، لم يختلف فيه، واختلف في العمد؛ فقال أشهب: ذلك على العاقلة. وقال ابن القاسم، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ:/ ذلك في ماله. وبه نقول. وجعله أشهب كالعمد الذي لا قود فيه، كالجائفة، وعمد الصبي والمجنون، وكذلك عنده من قتل نصرانياً، او جرحه. قال ابن المواز: لو كان هذا، لجعلت جرح الذمي إياه عمداً، على العاقلة. ولو لم يعلم بقتل المسلم النصراني، إلا شاهد واحد، ففيه قولان؛ فالذي أخذ به أشهب، وابن عبد الحكم؛ أن المشهود عليه يحلف خمسين يمينا، ويبرأ من الدية، ويضرب مائة، ويحبس عاماً. وأخذ ابن القاسم، وأصبغ، وعبد الملك بقوله الذي قال: يحلف ورثة النصراني يميناً واحدة، على كل واحد منهم؛ لأنه مال لا قصاص فيه، ويأخذون ديته، ويضرب القاتل مائة، ويحبس عاما. وإن فقأ نصراني عين مسلم، أو قطع يده، فطلب المسلم القصاص، ورضي به؛ قال مالك: يجتهد السلطان في ذلك، ولا أراه كالعبد؛ لأن العبد يؤخذ في ذلك أحياناً رقيقاً. وكذلك في العتبية (¬1)، من سماع أشهب: إنه توقف فيه. وقال ابن نافع: المسلم مخير؛ إن شاء استقاد، وإن شاء أخذ العقل. ومن كتاب ابن المواز: وقال أيضا مالك: ليس له إلا الدية، في الجراح بينه، وبين الكافر، والعبد. ¬
قال مالك وإذا جرح الذمي أو العبد مسلما؛ عمداً، فبرئ بغير شين، فليس فيه غير الأدب. وإن برئ على شين من جرح العبد، فهو في رقبته. محمد: قال ابن القاسم: وإذا قتل الذمي عبداً مسلما، فقد اختلف فيه، وأحب إلى أن يقتل به. وكذلك روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في العتبية (¬1). قال سحنون: إنما عليه قيمته، وهو كسلعة. وروى عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم؛ قال: يقتل به. قال أشهب: قال: وإن قال سيده: لا أريد قتله، وآخذ قيمة عبدي. فذلك له. ومن كتاب ابن المواز: واختلف فيه قول ابن القاسم؛ فقال: يضرب،/ ولا يقتل. وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: وليس لسيده أن يعفو عن الدية، وهو كالحر يقتل الحر، فليس فيه إلا القتل، أو يصطلحان على شيء. قال أصبغ: لا عفو فيه، إن كان على حد الحرابة، والغيلة، وإلا ففيه العفو، والصلح جائز، ويصير كالنصراني، يقتل الحر المسلم؛ على العداوة، والثائرة، فلأوليائه العفو على الدية، أو القتل. قال ابن المواز: وأحب إلينا أن يخير سيد العبد؛ فإن شاء قتل النصراني، وإن شاء أخذ منه قيمة عبده؛ لأنه ماله، أتلفه عليه. وقاله أصبغ. قال: وإذا قتل العبد المسلم ذميا عبداً، لم يقتل به. وكذلك ذكر يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، وقال: يخير سيده؛ في أن يفتكه بديته، أو يسلمه؛ فيباع على أوليائه. وإذا قتله الذمي، قتل به. ¬
وقال غيره: لا يقتل به، ويغرم قيمته، ويضرب. ومن كتاب محمد بن المواز: وإذا جرح مسلم ذميا؛ مأمومة، أو جائفة، عمدا، فلم يختلف فيه أصحاب مالك؛ أنه على عاقلة المسلم. ولو أن عبداً مسلما، ونصرانياً حراً، قطعا يد حر مسلم، فلا قود بينهم، وعلى النصراني نصف دية اليد في ماله وعلى العبد نصف ديتها، في رقبته، يسلمه سيده في ذلك أو يفديه. ولو كان معهم مسلم حر، لقطعت يده، ويكون على الذمي ثلث الدية، في ماله، وثلثها في رقبة العبد. ولو أن نصرانيا، جرح، فأقام أياما، ثم مات، حلف ورثته يمينا واحدة: لمات من جرحه، أو من ضربه؛ إن كان ضربه، ويستحق ديته. قال ابن القاسم: وكذلك إن نزى (¬1) العبد في جرحه، فمات، أو قام على الجرح شاهد، فيحلف سيده يمينا واحدة، ويأخذ قيمته. فاما القصاص إن قتله عمداً فلا يقتص. وقاله ابن عبد الحكم؛ إن أثقل مرضه، حتى مات، حلف يميناً واحدة، وأخذ قيمته. والنصراني مثله./ وقال ابن القاسم، في نصرانية اجتمع عليها عبدان؛ أحدهما مسلم، والآخر نصراني، فضرباها ضربا شديدا، فعاشت خمس ليال، ثم ماتت، وقامت بذلك بينه؛ فليحلف وليها يمينا واحدة، بالله في كنيسته: لماتت من ضربها، ويستحق رقبتهما، ولسيد أن يفديها، أو أحدهما. قلت: وكيف يحلف عليهما، ولا يقسم في العمد إلا على واحد؟ قال ابن المواز: لأنه ليس مما فيه القسامة، فهو كالخطأ. وقال: قال ابن القاسم في الخطأ، وشبهه؛ من قتل العبد والنصراني: إنه إنما يحلف على جماعتهم، وإنما الذي لا يحلف إلا على واحد، لو كان فيه قتل. ¬
في النصراني يقتل مسلما أو كافرا ثم يسلم، أو كان عبدا فعتق وانتقل الجارح أو المجروح، من دين إلى دين أو إلى ردة، أو من ردة إلى الإسلام، أو من حرية إلى رق، أو من رق إلى حرية، أو من عهد إلى نكث، وكيف إن نما ذلك إلى النفس؟ وذكر القسامة في ذلك
ومدبر النصراني، وأم ولده، كعبده؛ له إسلامهما في الجراح. وهذا المدبر إذا أسلم قبل أن يخرج، أو بعد أن جرح، فهو سواء؛ يخير السيد؛ فإن شاء فداه، بدية الجرح، ثم يؤاجر له من مسلم. وإن شاء أسلمه إلى المجروح يخدمه. فإن استوفاه (¬1) في حياة سيده، فيؤاجر من مسلم. وإن مات السيد قبل وفاء الجرح، عتق في الثلث، وأتبع بما بقي. وإن جرح بعضه، أتبع بحصة ما عتق منه، ويخير الورثة، فيما رق منه. وكذلك أم ولده؛ تسلم قبل الجرح، أو بعد، توقف السيد؛ فإن أسلم، فهو أحق بها، ولزمه فيها الأقل. وإن لم يسلم، أعتقت، وأتبعت بالجناية. ولو جنت بعد أن أوقف سيدها، فإما أن يسلم، كانت جنايتها جناية حرة مسلمة. ولو أن عبداً مسلما جرح نصرانيا أو يهوديا، خير سيده في فدائه. وإذا دخل حربي بأمان، فقتل مسلما خطأً، فديته على أهل دينه، من الحربيين. قيل: فأحكامنا لا تجري عليهم؟! قال: ليس ذلك إلا عليهم. وقال، فيمن طلب علجاً، فلما أدركه، أشار عليه بالسيف، فقال العلج: لا إله إلا الله. ثم قتله، فديته على عاقلة قاتله./ في النصراني، يقتل مسلماً، أوكافراً، ثم يسلم، أو كان عبدا، فعتق، وانتقل الجارح أو المجروح، من دين إلى دين، أو إلى ردة، أو من ردة إلى الإسلام، أو من حرية إلى رق، أو من رق إلى حرية، أو من عهد إلى نكث، وكيف إن نما ذلك إلى النفس؟ وذكر القسامة في ذلك وهذا الباب قد جرى كثير منه، في الجزء الأول، في باب تنامي الجراح، في العبد والنصراني. ¬
قال عيسى بن دينار، في العتبية (¬1)، عن ابن القاسم، في نصراني؛ يقتل نصرانيا عمدا، ثم أسلم- يريد: القاتل-. وقاله المغيرة، في المحموعة. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وهو عنه في المجموعة، في نصراني قتل نصرانيا عمداً، ولا ولي له إلا المسلمون (¬2)، ثم يسلم؛ قال: العفو عنه أحب إلي، إذا صار أمره إلى الإمام؛ لأن حرمته الآن أعلم من المقتول. ولو كان للمقتول أولياء، كان القود لهم. ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن القاسم، في النصراني؛ يسلم بعد أن جرح، ثم يموت: إن فيه دية حر مسلم؛ في مال الجاني حالة. وقال أشهب: إنما عليه دية نصراني؛ لأني إنما أنظر إلى الضربة (¬3)، في وقتها، لا إلى الموت، ألا ترى لو قطع مسلم يد مسلم، ثم ارتد المقطوعة يده، فمات على ردته، أو قتل؛ أن القصاص قد ثبت على الجاني، فتقطع يده بيده، وليس لورثته أن يقسموا على الجاني، فيقتلوه؛ لأن الموت كان وهو مرتد؟ ولو أسلم الحربي، في يد سيده المسلم، ثم مات عبدا، فلا قصاص له على الذمي الجارح له في النفس؛ لأنه مات عبداً، ولورثته القصاص في يده. ولو كان الجارح له مسلما، فعليه دية يد نصراني، ثم تكون تلك الدية على ما ذكرنا من الإختلاف فيها. قال: ولو عتق بعد إسلامه، فورثته بالخيار؛ إن أحبوا، اقتصوا من النصراني، فقطعوا يده،/ وإن شاؤوا القصاص في النفس، أقسموا: لمات من جرحه. ثم قتلوه؛ في غير قول ابن القاسم. ¬
وإن كان الجاني على المستأمن مسلماً، فقطع يده، فورثه المستأمن- في قول غير ابن القاسم- بالخيار؛ إن شاؤوا، فلهم دية نصراني، وإن شاؤوا، أقسموا: لمات من الجرح. وكان لهم ديته؛ دية مسلم. ويقوله ابن القاسم أيضاً، إلا أنه يقول: إن اقتسموا أخذوا ديته؛ دية مسلم، في مال الجاني، وإن نكلوا، فليس لهم أخذ دية اليد؛ لأنها كانت وجبت للمسلمين فيئاً. وإنما لم يكن للمسلمين من دية يده شيء؛ في قوله: إن أقسم ورثته؛ لأنه يقول في العبد تقطع يده، ثم يعتق بعد ذلك: إن دية اليد للمعتق؛ لأنها ثبتت له قبل العتق، فإن برئ من جرحه، فمات؛ أقسم أولياء العبد المعتق، وأخذوا ديته، من الإبل. ولو أن المسلم أوضح المعاهد، ثم نقض العهد، ثم غنمناه، فأعتقه من صار في سهمه، ثم ترامت الموضحة إلى ذهاب عينه، أو إلى منقلة، فهذا عند ابن القاسم تكون موضحته موضحة عبد فيئا للمسلمين. وما تنامت إليه المنقلة للعبد المعتق. وإن ذهبت عينه، اخذ دية العين كاملة؛ دية حر. وغير ابن القاسم لا يرى هذا. قال سحنون، وقال أشهب، من غير رواية سحنون، في نصراني حر، قتل عبداً مسلماً: أن يقتل به. ولو قتل العبد النصراني نصرانيا، ثم أسلم القاتل: إنه يقتل ولا ينفعه إسلامه في القود. قال: ولو جنى مسلم جناية تلزمه في ماله، ثم ارتد، ولحق بأرض الحرب، فقتل، أو مات، أو فقد؛ فالجناية في ماله، ولا يغنم في ماله الذي بأرضنا شيء، حتى يؤخذ ذلك منه. وإذا جنى مسلم على ذمي نصراني، فتمجس الذمي، ثم نزى فيها، فمات، فعلى الجاني دية نصراني؛ في قول أشهب. وفي قول ابن القاسم، دية مجوسي.
ولو جنى عليه نصراني، فلورثة المجوسي القود منه؛ لأنهم كلهم أهل ذمة. وأما مسلم/ جرح مسلما، فارتد المجروح، ثم نزي فيه، فمات؛ فاجتمع الناس على أنه لا يقاد منه؛ لأنه صار إلى ما حل فيه دمه، والذمي لم يصر إلى ما يبيح دمه. ولو جنى مسلم، على مجوسي، ثم تهود المجوسي، ثم نزي جرحه، فمات؛ فاجتمع الناس على أنه لا يقاد منه؛ لأنه صار إلى ما حل فيه دمه، والذمي لم يصر إلى ما يبيح دمه. ولو جنى مسلم، على مجوسي، ثم تهود المجوسي، ثم نزي جرحه، فمات؛ ففي قول أشهب على المسلم فيه دية مجوسي، وفي قول ابن القاسم، وعبد الملك؛ دية يهودي. قال سحنون: وإذا قطع نصراني يد نصراني، ثم تهود الجاني، فبرئ المجروح، فمات، وأقسم ولاته: لمات منه. فإنه تفرض ديته على أهل الدين الذي ارتد إليه، ولا ينبغي أن تفرض دية جرح أو يد، قبل البرء، وذلك خطأً، ومردود إن فعل. قال: وإذا شجه مأمومة خطأ، وسألني النصراني؛ أن أفرض ديتها على عاقلة النصراني، فذلك له، وأجعل له ذلك، ثم إن مات المجروح من جرحه، حلف ورثته: لمات منها، وحملت العاقلة باقي الدية. هذا قول أشهب؛ في المسلم، وفي النصراني، وبه أقول، وابن القاسم لا يرى ذلك له، حتى ينظر ما تؤول إليه. وأنا أرى أن يعجل له. وكذلك كل جرح تحمله العاقلة. وكذلك في قطع الحشفة خطأً، وأما الموضحة، فلا إلا مواضح، أو مناقل خطأً؛ تبلغ ثلث الدية، على قوم النصراني؛ على هذا القول. ثم نزى في ذلك. فمات فحلف ورثته: لمات منه، وقد ارتد الجاني، إلى اليهودية، فرض ثلثا الدية على أهل الدين الذي ارتد إليه، وثلث الثلث الأول على النصارى. وأما في قول ابن القاسم؛ فجميع الدية على اليهود؛ لأنه لا يفرض في المأمومة وشبهها على العاقلة، إلا بعد التناهي. قلت لسحنون: قال بعض الناس: إذا جنى نصراني على مسلم، أو ذمي موضحة، ثم أسلم الجاني، ومات المجني عليه، فليضمن عاقلة الجاني في النصارى
أرش الموضحة، ويضمن الجاني في ماله، ما زاد على أرشها، ولا يضمن النصارى، ما زادت جنايته وهو مسلم، وكذلك/ لو أسلم هو، وعاقلته، لم يلزمهم إلا ما لزمه وهو على دينهم. قال: هذا خطأً، لأن ما لزم عاقلة النصراني، إذا حكم به ثبت بثبوت الدين؛ لا يدخل فيه من عتق، أو أيسر من عدم. وما حدث له من جناية بعد إسلامه، أو تولد على الجناية الأولى، فيؤتنف فيه النظر، يوم الحكم، فيلزم عاقلته من المسلمين، ولو لم تفرض الدية في جنايته على النصارى، وتترتب حتى أسلم، لم يلزمهم، ولزمت عاقلته من المسلمين، يوم النظر فيها. وقد كان قال: هي على النصارى كأم الولد لا ينظر في جنايتها، حتى يموت السيد فقال ابن القاسم: هي على السيد. ثم اختار سحنون؛ أن لا شيء على السيد، وذلك عليها. ولو لم ينظر في جناية المسلم، حتى ارتد، فإنه يستتاب، فإن تاب (¬1): حملتها عاقلته، وإن قتل، فذلك في ماله؛ في قول سحنون، وقال: لأنه لو جنى على مسلم، في ردته، ثم تاب، أخذ في عمده بما يؤخذ به المسلم، وأما في الخطأ؛ ففي قولي: ذلك في ماله؛ لأنه يوم جنى، لا علاقة له. وابن القاسم يرى عاقلته من يرثه فيرى أن تحمل ذلك عاقلته في هذا وإن كان نصرانيا؛ حكم فيه كالحكم بين مسلم ونصراني. وإن قتل، فالقتل يأتي على ذلك كله إلا الفدية. قال ابن سحنون: وقال سحنون بقول ابن القاسم. وهي رواية عيسى، عنه؛ أنه إن جنى في ردته؛ قتلا خطأً، فذلك في ثلث المال، إن قتل على ردته، وإن أسلم، فعلى عاقلته. ¬
قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإن جنى عليه، في ردته، ففعل ذلك، إن قتل لبيت المال، والعمد فيه كالخطأ؛ لا قود فيه، ولو كان الجارح نصرانيا؛ لأن المرتد لا دين له يقر عليه، فمات عليه. وروى المصريون، عن ابن القاسم، في المرتد يعدو عليه رجل، فيقتله؛ قال: على عاقلته/ الدية، والعقوبة الشديدة. وإن قتل هو رجلا خطأً، فديته على المسلمين. قالوا: فإن كان عمداً، وله ها هنا مال، وهرب إلى أرض الحرب، فلا شيء لولاة المقتول في ماله. قلت: قال بعض الناس- يعني الشافعي- في المرتد، رمى بسهم، فأصاب به رجلاً خطأً، ولم يقع فيه السهم حتى أسلم المرتد: إن هذا في ماله؛ لا تحمله العاقلة؛ لأن الرمية خرجت، ولا عاقلة له. وقال: أصاب في أنه لا عاقلة للمرتد. إلا أني إنما أنظر إلى الجناية، في وقت تفرض على العاقلة، وهذه لم يحكم فيها حتى أسلم، وله الآن عاقلة، فذلك عليهم، كالخطأ. وقد قال أصحابنا؛ ابن القاسم، وغيره: إن جنى خطأً، ثم أسلم، وله الآن عاقلة، فذلك، عليهم كالخطأ؛ أن عاقلته تحمل ذلك وكذلك هذا عندهم أجمعين. قال سحنون: وفي قوله الأول؛ هي في ماله على أن ينظر إلى الجناية، يوم وقعت، لا يوم الحكم. وذلك كقول الشافعي. ألا ترى أن سحنوناً يقول، في عبد رمى رجلاً بسهم، فأعتق قبل وصول سهمه: إن الجناية في رقبته؛ لأنه عبد يوم الرمية؟. فجعل الحكم بخروج الرمية، لا بوقوع السهم؛ في هذا القول. وقال في مسلم رمى مرتداً، فلم يصل إليه السهم حتى أسلم، ثم وصل إليه؛ فقتله، أو جرحه؛ فلا قصاص على الرامي؛ لأنه يرميه في وقت لا قود فيه، ولا عقل.
في قول ابن القاسم؛ إن مات؛ الدية حالة في ماله، وإن لم يمت، فدية الجرح في ماله حلال؛ لأنه جرح، وهو مرتد، ثم نزى (¬1) من جرحه، فمات بعد أن أسلم: إن ولاته يقسمون؛ لمات منه. وتكون ديته في ماله. ألا تراه لو رمى صيدا، وهو حلال، فلم تصل إليه الرمية، حتى أحرم، ثم وصلت إليه، وقتلته؛ أن عليه جزاءه. قال ابن سحنون: هذا قول جماعة من العلماء، واختلفوا في دية هذا المرتد؛ فمن أصحابنا من قال: ديته دية من على الدين الذي ارتد إليه. وقال/ ابن القاسم: ديته دية مسلم. وبه قال سحنون، وكذلك لو كان المرمي نصرانيا، فأسلم قبل وصول الرمية إليه؛ إنه لا قصاص فيه، وفيه دية مسلم؛ في قول ابن القاسم. وفي جرحه؛ إن لم يمت دية جرح مسلم. وفي قول أشهب؛ ديته دية نصراني. وينبغي على قوله إن لو كان مرتدا، فأسلم قبل وقوع الرمية؛ أن لا قود فيه، ولا دية؛ لأنه يوم الرمية مباح الدم. وقد قاله سحنون، في عبد رمى رجلا، ثم أعتق قبل وصول رميته؛ أن جنايته جناية عبده. وقال أصحابنا أجمع، في مسلم قطع يد نصراني، ثم أسلم، ثم مات: إنه لا قود على المسلم. فإن شاء أولياؤه، أخذوا دية يده؛ دية يد نصراني، فعلوا، وإن أحبوا أقسموا، ولهم دية مسلم؛ في مال الجاني حالة؛ في قول ابن القاسم، وقول سحنون. وقال أشهب: دية نصراني؛ لأني أنظر إلى وقت الضربة. وإن كانت الجناية خطأَ، ولم يقسم ورثته، فلهم دية نصراني على عاقلة الجاني. وإذا أقسموا، فلهم دية يد نصراني، على عاقلة، في ثلاث سنين. وفي قول ابن القاسم، وسحنون؛ دية مسلم على عاقلته. ¬
قال سحنون: وإن قطع رجل يد عبد، ثم أعتقه، ثم برئ في القطع، فمات؛ إنه لا شيء على القاطع منه؛ لأنه صار مباح الدم، يوم مات. وفي قوله: الأول إن عليه لسيده ما نقصته الجناية، يوم القطع. وروي عن سحنون، عن أشهب؛ أن عقل المرتد، عقل المجوسي؛ في العمد والخطأ؛ في نفسه أو جراحه. رجع إلى الإسلام، أو قتل على ردته، وذكر مثله عن ابن القاسم، وأصبغ، وروى سحنون، عن أشهب، قال: عقله عقل الدين الذي ارتد إليه. ففي مذهب أشهب، الذي رواه عنه سحنون؛ على الجاني قيمة العبد؛ عبداً لمعتقه، يوم الجناية. وفي قول ابن القاسم؛/ ليست [له] (¬1) قرابة يرثونه، فيحلفون؛ لاستحقاق ديته حرا، دية الدين الذي ارتد إليه، فلما لم يكن له من يرثه، بطلت اليمين، ثم رجعت اليمين على القاتل، ما مات من القطع، ثم يغرم ما نقصه القطع لسيده. ولو عاد إلى الإسلام، ثم مات من الجرح، فليحلف ورثته، في قولي، وقول ابن القاسم؛ لما مات من الجرح، ثم تكون دية حر مسلم، في مال الجاني. وفي قول أشهب؛ تكون قيمته عبداً، يوم الجناية، لمعتقه. وفي باب بعد هذا؛ في المعاهد يخرج؛ شيء من ذكر أمر ردة المجروح. ومن المجموعة، قال ابن نافع، وعبد الملك، في عبد جرح عبداً، ثم أعتق: إن لسيد المجروح القود، إذا كان الجرح في الرق. قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن جرح حر مسلم عبداً أو نصرانياً، ثم عتق هذا، أو أسلم هذا، ثم نزى في جرحه، فمات فلا قود فيه، وجميع الدية لورثته؛ لأنه إنما هو مقتول يوم مات. قال عبد الملك ومن جرح مسلما عمداً، ثم تنصر المجروح، فلا دية في هذا، ولا قود، وكأنه قتله في كفر، ويؤدب. ¬
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وقاله لي أصبغ، عن ابن القاسم، في مسلم جرح نصرانيا، أو عبداً، ثم يسلم النصراني، أو يعتق العبد، ثم يموت: إن الدية كاملة على الجارح، في ماله. ومن العتبية (¬1)، روى سحنون، عن ابن القاسم، فيمن جرح نصرانيا، أو عبداً، ثم عتق العبد، وأسلم النصراني، ثم قالا بعد ذلك: دمنا عند فلان. فإن كان للذي أسلم أولياء مسلمون، أو للعبد المعتق أولياء أحرار؛ من ولد أو موالى، أقسموا، وأخذوا الدية؛ ألف دينار؛ لورثته الذين أقسموا، وهي في مال الجاني. وإما لو لم يسلم، ثم قال: قتلني فلان. ثم مات، فلا شيء فيه؛ لا بيمين، ولا بقسامة، إلا أن يقوم شاهد- يريد: على الجرح- فليحلف أولياؤه يميناً واحدة، ويأخذوا الدية، وهذا خلاف لقول/ له هناك، قبل ذلك. وقال، فيمن قال: قتلت فلانا خطأ: إنه لوث (¬2). فإن شهد على إقراره رجل أنه أقر، أقسم مع شاهده هذا، ثم رجع، فقال: بل حتى يقوم على إقراره شاهدان. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في عبد جرح، فأعتقه سيده، وهو مجروح، ثم نزي فيه، فيموت؛ قال مالك: فعقله عقل الحر؛ كان عمداً أو خطأً. وذلك بقسامة، ولا يقبل منه في العمد الشبهة التي فيه، ولو قال قائل: ديته دية عبد، كان له مطعن. فلذلك رأيت في العمد والخطأ الدية. قال: ولو أنفذ الجارح مقاتلة، ثم أعتق، فإن هو يورث بالحرية، قسموا؛ أنفذ مقاتله أم لا. وفيه الدية كاملة. ¬
في العبد يجرح ثم يعتق ثم يجرح ثم يموت بعد ذلك، والجرحان خطأ أو عمدا أو أحدهما
قال أشهب، في كتاب ابن سحنون: قال ابن الماجشون، في عبد شج موضحة، فترامت إلى منقلة، بعد عتقه: إنه يكون لسيده نصف عشر قيمته، ويكون في التنامي (¬1) ما بين منقلة حر إلى موضحته. قال ابن سحنون: معناه عندي؛ أن يكون الجارح عبدا، فأما إن كان حرا، فليس في ذلك كله إلا منقلة حر؛ لأن ذلك من الحر، في العبد، كالخطأ. وذلك في الخطأ راجع إلى ما قلنا. وبقية هذا الباب، في الجزء الأول. في العبد يجرح، ثم يعتق، ثم يجرح، ثم يموت بعد ذلك، والجرحان خطأً، أو عمداً، أو أحدهما من كتاب ابن سحنون، قال سحنون: وإذا قطع رجل يد عبد خطأ، ثم عتق، ثم قطع آخر رجله ثم نزي؛ فمات من الجرحين؛ ففي قول ابن القاسم؛ يقسم ورثته؛ لمات من الجرحين جميعاً، ثم يأخذون دية حر من الرجلين؛ النصف من عاقلة كل واحد منهما في ثلاث سنين. وإن أبوا القسامة، أخذوا من الثاني نصف الدية في ثلاث سنين. ومن الأول ما نقصه الجرح يوم الجناية. وهو عبد هذا، كان أولياؤه أعتقوع. فأما إن كان له ورثة، كان/ ما نقصته الجناية لسيده، وإن كانت الجناية الأولى عمداً والثانية خطأً قيل لورثته: إن شئتم، فأقسموا على الجاني الأول، والثاني، وخذوا من الأول نصف دية حر في ماله حالة، ومن عقل عاقلة الثاني نصف دية حر في سنتين. وإن شاؤوا أقسموا؛ لمات من الجرح الثاني، وأخذوا جميع الدية من عاقلته، ومن الأول ما نقص الجرح من العبد، يوم الجراحة. ¬
فإن لم يكن له ورثة، أخذ جميع قيمة الجرح السيد. قال: وإن كان جرحه الأول خطأً، وهو عبد، وجرحه الثاني عمداً، بعد أن عتق، فإن أقسموا على الأول، أخذوا دية حر من ماله حالة، واقتصوا من جرح الثاني، وإن لم يقسموا إلا على الثاني، فلهم قتله (¬1)، ويأخذون من الأول ما نقصه الجرح، من مال، إن كان ولاته من أعتقه. وإن كان له ورثة، فأرش الجرح للسيد. قلت: أليس هذا مثل ما أنكرت على الشافعي، من الحكم، في نفس، بقتل، وأرش؟ قال: لا؛ [لأن هذين جانبان، وذلك جان] (¬2) واحد.، فلو قال: قطع رجل يد رجل واحد عمدا، ثم قتله آخر، لكان القصاص في اليد من هذا، وفي النفس من هذا. ولا يكون هذا في جان واحد. قال: ولو كان في المسألة الأولى الجانبان عمداً، فلهم أن يقسموا؛ لمات من الجرح الأول، ويأخذوا من ماله دية حر، ويقتسموا من جرح الثاني. وإن أقسموا على الثاني، قتلوه، ولهم ما نقص جرح الأول، إن كان ولاته عتقوه، وإلا فأرش ما نقصه؛ لسيده. قال سحنون: ولو قطع رجل يد عبد، ثم عتق، فقطع آخر رجله، ثم آخر، يده الأخرى، ثم نزي في ذلك كله، فمات، فإن كانت جنايتهم خطأً، أقسم ولاته؛ لمات منها كلها، وأخذوا من عاقلة كل جان من الجانيين، بعد الأول نصف الدية، وعلى الأول ما نقصه يوم الجناية، للسيد. وإن كانت الجنايتان (¬3) بعد العتق عمداً، فلهم أن يقسموا على أحدهما، ويقتلوه، ويقتصوا من الآخر/ جرحه. وعلى الأول ما نقصته جنايته عبداً (¬4)، ثم يوم جنى يأخذه السيد. ¬
في العاهد الحربي يجرح ثم ينكث ثم يؤمن أو يسبى، ثم ينزى في جرحه فيموت، وقد جرحه مسلم أو ذمي
وإن شاء ولاته، إما ورثته، أو معتقوه، أن يقسموا؛ لمات من جناية الأول، فعلوا، وأخذوا من ماله دية حر حالة، ويقتصوا من الثاني والثالث. وإن كانت الأولى والثانية خطأ، والثالثة عمداً، وأولياؤه عصبة، فلهم أن يقسموا على الثالث، ويقتلونه. ولهم على عاقلة الثاني نصف دية الحر؛ في سنتين. وللسيد على الأول ما نقصه، وإن شاء عصبته أقسموا؛ لمات من جرح الأول والاني، وكان لهم على عاقلتهما الدية؛ نصفها على كل عاقلة، في ثلاث سنين، ويقتصون من الثالث، فذلك لهم. وإن كانت الثلاث الجنايات (¬1) عمداً، فإن شاؤوا أقسموا؛ لمات من جناية الأول، الذي جنى عليه، في رقه، وأخذوا من ماله دية حر حالة، واقتصوا من الجانيين عليه، بعد حريته، وإن شاؤوا أقسموا على أحد الجانيين؛ في حريته، فقتلوه، واقتصوا من الآخر، وكان لمعتقه على الأول ما نقصه، وإن أبى ورثته أن يقسموا على أحد، فلهم القصاص من الجانيين، بعد حريته، وللسيد في الجناية الأولى؛ في الرق ما نقصه. وفي الباب الذي قبل هذا، ذكر قول ابن القاسم، وأشهب، واختلافهما في مثل هذا المعنى، واختيار سحنون. في المعاهد الحربي؛ يجرح، ثم ينكث، ثم يؤمن أو يسبى، ثم ينزى في جرحه فيموت، وقد جرحه مسلم أو ذمي من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وإذا قطع الذمي يد معاهد، أو جرحه، في دار الإسلام، ثم لحق المجروح بأرض الحرب، ناقضا للعهد، فنزي في جرحه، فمات، فلورثته القصاص من الجرح، وليس لهم القتل، بأيمانهم، ولو أنه رجع، ¬
وأعطاه الإمام أيضاً عهداً، ثم نزي في جرحه، فمات، فلا قود على الجاني في القتل، وليس لهم أن يحلفوا، ويقتلوه؛ لأن وليهم ساقط الدم؛ بنقضه/ العهد، ولا يعود برجوعه، كما لو مات في نكثه، لم يكن فيه قود، ولورثته إن شاؤوا القصاص من الجاني، في اليد والجراح، واما في القتل، فلا. قال في موضع آخر، من الكتاب: وإن حلفوا؛ لمات من الجراح، فلهم ديته، على الجاني؛ في ماله؛ دية ذمي تامة. وفي قول أشهب؛ يقتل الجاني- يريد: بأيمانهم-. قال: لأنه إنما ينظر إلى يوم موته، وفي موضع آخر من الكتاب، قال: وفي قول أشهب؛ يقتل الجاني؛ لأن الجناية كانت في وقت بينهما فيه، فكان في النفس بينهما أيضا. قال سحنون: ألا ترى أن قطع مسلم يد مسلم، ثم ارتد المقطوع، ثم رجع إلى الإسلام، ثم مات؟؛ فغير أشهب يرى أن لورثته قطع يد الجاني، وليس لهم القسامة؛ لمات من ذلك، ويقتلونه ولهم أن يقسموا؛ لمات من ذلك، ويأخذوا الدية، وفي القول الآخر؛ لهم أن يقسموا، ويقتلوا، وإن اصطلحوا على الدية، فهي دية مسلم، لأن الضربة إنما تراعى في وقتها. قال ابن سحنون: والدية ها هنا دية مسلم؛ في قول عبد الرحمن، وعبد الملك، وسحنون؛ لأنهم قالوا: لو قطع مسلم يد نصراني، ثم أسلم، فنزي في جرحه، فمات؛ إن لورثة النصراني الذي أسلم، إن كانوا مسلمين، أن يقسموا؛ لمات من جرحه، ويأخذوا ديته؛ دية مسلم. قال: ولو أن مسلما أو حربياً، جرح معاهداً، ثم لحق المجروح ببلد الحرب، ثم سباه المسلمون، ثم مات، فلا قود فيه على الذمي الجاني عليه؛ في النفس، ويقتص منه في الجرح، وتكون دية يده نصف دية نصراني؛ فيئا للمسلمين؛ في قول عبد الرحمن، وقال غيره: تكون دية يده لورثته. قال: ولو أسلم بعد ما صار في يدي من صار إليه، ثم مات عبداً، فلا قصاص له على الذمي؛ في النفس؛ لأنه مات عبدا، ولورثته القصاص من يده.
فيمن أعتق أحد عبديه أو أوصى ميت بعتقهما؛ ما حكمهما في الجراح والقتل والميراث قبل إنفاذ الحرية؟
فيمن أعتق أحد عبديه، أو أوصى ميت بعتقهما؛ ما حكمهما في الجراح، والقتل، والميراث قبل إنفاذ الحرية؟ / من العتبية (¬1)، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال وهو صحيح: أحد عبدي حر. فقتلهما أو أحدهما رجل، قبل أن يسأل السيد؛ من أراد؟ فقال السيد الآن: كنت أردت المقتول. قال: لا يصدق في الدية، وليس له فيه إلا قيمته عبداً، ويصدق؛ أنه الحر، والباقي الرقيق. قال سحنون: ويحلف. وإن قال: أردت الباقي. حلف، وعتق من رأس ماله. ولو مرض، فقال: لم أكن أردت واحداً منهما بعينه. ففيه تنازع، وأولى أن يعتق الباقي من أرس المال. قال عيسى، عن ابن القاسم: إن قال: لم أنو واحداً بعينه. عتق الباقي، وكان له في المقتول قيمة عبده. ولو كانت زوجتين، طلقت الباقية. ولو قال: أردت الميتة، فله إمساك الباقية. ولو قتل العبدين رجل، أو رجلان، فقال السيد: قد كنت أعتقت أحدهما، لم يكن له إلا قيمتهما؛ عبدين. ولو قال: لم أكن أعتقت واحداً. فكذلك، ولهما حكم العبيد، بعد قوله: أحدكما حر. وكذلك لو قال ذلك في وصيته، ومات، فلهما حكم العبيد إن قتلا، حتى ينفذ في الثلث أحدهما. ¬
فيمن قتل من لزمه القمل من مرتد أو زنديق أو قطع يد سارق ونحوه والمرتد يقتل مسلما أو نصرانيا أو يجرحه ومن قتله الخوا رج
ولو قال: مات أحدهما، أو قتل. عتق الباقي في الثلث. وفي أبواب العتق بالسهم من معاني هذا الباب، وفي الوصايا. فيمن قتل من لزمه القتل؛ من مرتد، أو زنديق، أو قطع يد سارق، ونحوه. والمرتد يقتل مسلما، أو نصرانياً أو يجرحه، ومن قتله الخوارج من العتبية (¬1)، قال سحنون، فيمن قتل مرتدا عمدا: فلا دية عليه، ولا قتل؛ قتله مسلم أو نصراني. وكان عبد العزيز لا يرى استتابة المرتد، ويقتله، ويذكره عن معاذ. قال: ويؤدب القاتل؛ بما افتات على الإمام. وقال أبو إسحاق البرقي، عن ابن القاسم، وأشهب: عقل المرتد في العمد والخطأ؛ عقل مجوسي؛ في النفس والجراح؛ رجع إلى الإسلام/، أو قتل. وقاله أصبغ، وأنكر هذا سحنون، وذكر عن أشهب؛ أن عقله عقل الدين الذي ارتد إليه. وقد تقدم هذا في باب آخر، في الجزء الأول. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن قتل زنديقا، فلا عقل عليه، ولا قصاص، ولا دية. وكذلك من قطع سارقا، لزمه القطع، ويؤدب. وذلك أنه حق لابد أن يقام؛ لا تخيير فيه، ولا عفو. ولو قطع السارق خطأً، ففيه العقل. قال ابن المواز: كل من أقام حداً، وجب لله- تعالى- فلا شيء فيه إلا الأدب؛ لما افتات على الإمام. وأما ما كان للعباد، وربما سقط بعفو أو غيره، فيأخذه من ليس له الحق بولاية، فلا يبطل ذلك حق ذي الحق. وإن أخذه من له الحق، بغير إذن السلطان، جاز له. وعليه الأدب. ¬
ومن قتل مرتداً عمداً، فقال ابن القاسم: إن تنصر، فعلى عاقلة العاقل دية نصراني. وإن تمجس، فدية مجوسي؛ في مال الجاني، مع الأدب. ولو أن المرتد قتل مسلما خطأ، فالدية عنه في بيت المسلمين؛ لأن المسلمين يرثونه، وإن قتله عمدا، وهرب إلى بلد الحرب، وترك مالاً، فليس شيء للولاة في ماله. قال ابن القاسم: ولو جرح المرتد نصرانيا أو قتله، اقتص منه بالقتل أو الجراح. وإن جرح مسلماً؛ لم يقتص منه، وإن قتل مسلماً، قتل به، وإذا جرح المرتد أو قتل، ثم رجع إلى الإسلام، فانظر؛ فإن كان قتل نصرانيا، لم يقتل به، وإن قتل حرا مسلما أو جرحه، [اقتص] منه بالقتل أو الجرح إذا أسلم. قال مالك: وليس على من قتل من الخوارج أحداً؛ على تأويل القرآن قصاص، وأما إن أخذوا مالاً، أخذ منهم. تم الجزء الثاني من أحكام الدماء وبه انتهى الجزء الثالث عشر من كتاب النوادر والزيادات يليه الجزء الرابع عشر وأوله كتاب القصاص: الثالث من أحكام الدماء
بسم الله الرحمن الرحيم خاتمة أجزاء كتاب النوادر والزيادات ... نحمد الله تعالى على أن يسر اخراج هذا الجزء الرابع عشر، الخير من كتاب النوادر والزيادات لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيروانى، فتم بذلك- أول مره- نشر هذا الكتاب الذي مضي على تأليفه زهاء مائه وألف عام. إذا كان كتاب النوادر والزيادات يعد بحق من أهم أمهات الفقه المالكي، والسجل الأمين الجامع لما أنتجه فقهاء المالكيه المجتهدون طوال ثلاثه قرون في المشرق والمغرب عموماً، وفي بلاد الأندلس وإفريقيه خصوصاً، مما تحتوي عليه مدونه سحنون، فإن مزيه النوادر الكبرى وأهميتها العظمى تتجلى في حفاظها على نصوص كثيرة من مصنفات مالكيه ألفت قبلها وضاعت جمله أو بقي منها نُتفٌ تكفل بالكشف عنها ودراستها دراسه أوليه الستشرق الألمانى ميكلوش موراني في كتابه دراسات في مصادر الفقه المالكي.
لقد بدأ التفكير في نشر كتاب النوادر من طرف دار الغرب الإسلامي ببيروت منذ نحو عشرين سنة، فجُمعت في القاهرة صُور مخطوطات الكتاب وخرومه من جميع الجهات، وهي على العموم ناقصة او ملفقة أو عبارة عن قطع صغيرة من ابواب مختلفة، ولكنها مع ذلك تغطَي مجتمعةً نصٌ كتاب النوادر كاملاً. وتتميز من بينها مخطوطة إستنبول المجَزأة إلى عشرين جزءاً بتسلسل نصها من بداية الكتاب إلى قرب نهايته (اثناء كتاب القسامه) - على ما فيها من تصحيف كثير وطمس وفقد لوحات- لم يضع منها سوى الجزء العشرين الأخير في التتجزئه. ووُجد له بديل في الجزء الخامس من مخطوطة الصادقية بالمكتبه الوطنية بتونس, الاٌ أنه كثير التصحيف تتخله بياضات في أسفل معظم الصفحات. وكان مما يشغل البال أيضاً أن معظم النصوص التي وقع العثور عليها تتعلق بالعبادات, حيث تتكرر نسخ الطهاره والصلاة والصيام والحج الخ فتنيف على خمس نسخ, لكن يقل العدد في كتب المعاملات حتى لاتوجد احياناً ولونسخة واحدة للمقابلة كما هو الشأن في كتب الوصايا بالجزء الحادى عشر, ومع ذلك شُرع في تحقيق كتاب النوادر في مصر, عبد الفتاح محمد الحلو. ولما كلفتُ بمتابعة عملية التحقيق عملت اولاً على إغناء النسخ التي جاءتني من القاهره بصور مخطوطات اخرى لكتاب النوادر محفوظه فى الخزائن المغربية أشرت اليها في مقدمة الجزء الثالث, ثم حرصت على توزيع
الأجزاء السليمة نسبيٌاً بيني وبين الزملاء الذين قبلوا التعاون معي لتسير عملية تحقيق الكتاب قَدُماً. وتركت الجزء الأخير علّني اعثر على نصوص خطية اخرى تساعد على المقابلة وملء الفراغات, وقد اقتنعت بعدم جدوى إخراج هذا الجزء مبتوراً مهلهلاً على نحو ما هو عليه في مخطوطة تونس. ولحسن الحظ وقفت على مخطوطة جيّد في مخطوط جيّد في الخزنة العامة بالرباط يشتمل على كتب الدماء ويتوقف مبتورا أثناء كتاب الأشربة, زمخطوط آخر عتيق في خزنة القروين يستمر إلى نهايه الكتاب, لكنه ينقصه كتاب القطع في السرقة. واكتمل الحظ بمخطوطة القيروان المشتملة على هذا الكتاب الناقص وهي عتيقة ربما يرجع تاريخ نسخها الى عصر المؤلف, لكن الرطوبه عاثت فيها فساداً, فلم يعد بالإمكان قراءتها الاّ تحت أضواء كاشفة وعدسيات مكبرة قوية. وأخيراً ها هو الجزء الرابع عشر يصدر منسجماً مع الأجزاء الأ خرى, ليكتمل به كتاب النوادر والزيادات على ما غي المدونة من غيرها من الأ مهات الذي طالما تشوّف اليه الفقهاء والمهتمون بالتراث الإ سلامي. واللهُ ولىّ التوفيق. سلا في 12 ذي الحجة عام 1419/ 30 مارس 1999 محمد حجي
[الجزء الثالث من الجراح]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد خاتم النبين كتاب الدماء الثالث في القصاص من الناقص بالتامّ ومن التامّ بالناقص وبين الكبير والصغير والمبتلى والسليم من المجموعة, ونحوُه في كتاب ابن الموًاز, قال ابن القاسم واشهب: ومَنْ قتل رجلاً به عيوبٌ او نقصٌ من الجوارح أو به ذجامٌ أو غيره فإنه يُقتلُ به, وهي النفس بالنفس. قال أشهب: ولو ذهب ما أمكن ذهابُه من جميع أعضائه لم يمنعْ ذلك من القصاص. وروى ابنُ وهب عن مالك في الكبير يجرح صغيراً أن لأوليائه القوَدَ منه إن أحبُّوا, ٍٍ [وإن أحبُّوا] (¬1) أخذوا العقل. قال ابن المواز: واذا عفى عن قاتل: أو جارح على أن يغرم العقل فأبى إلاّ القصاص فله ذلك في الجراح؛ لم يختلف فية أصحاب مالك. وقال ابنُ وهب: لم أسمع في الجراح أنَّ المجنىَّ عليه مخيرٌ إلاَّ في الأعور يفقأ الصحيح عينَه, أو هو عينَ الصحيحِ, أو العبيد يجرحُ بعضهم بعضاً, أو الكبير يجرحُ الصغيرَ, فإنَّ أولياء الصغير بالخيار في القصاص وأ خذ العقل. وأما القاتلُ فمُختلُفٌ فيه. ¬
وهذا في باب مفرد هذا. ... ومن المجموعه قال المغيرة: في عين الكبير تضعيفُ ثم يصابُ عمداً ففيها القوَدُ. وأما كلُّ ما نقصها من جُدريّ أو كوكب أو قرحة أو رمية أوغيرها, أخذ فيها صاحبها عقلاً أو لم يأخذْ, ثم أصيبتْ عمداً فلا قَوَدَ فيها, وعليه في العقل بحساب ما أصاب منها. ... وقال عبدُ الملك: تأويلُه فيما يُعرف أنَّ ذلك إذا كان نقصاً فاحشاً كبيراً. ... ومن كتاب ابن سحنون: وفرَّق أشهبُ بين ما يُصيب العينَ بعلة عارضة وبين ما تصيرُ إليه من ضعفٍ لِكِبَرٍ (¬1) فقال في هذه فيها ديةٌ (¬2) كاملةٌ, وفي الأولى له من البَصَر, كما لو جنى عليه جانٍ ولم يؤخذ منه شيء, وقال المغيرةُ مثلَه. ... قال ابن الماجشون: تأويلُ قول المغيرة هذا في النقص الفاحش. وأما في النقص اليسير فله القصاصُ على كل حال. ... وفي الجزء الأول ذكر الديه في العضو الناقص. ... وقال ابن القاسم يف الذي الذي تصابُ عينه أو يده خطأ, فضعفت فأخَذَ لذلك عقلاً وهوينظر بالعين ويبطش باليد, ثم أصيبت: إنَّ فيها القصاصَ. وهذا في المدوَّنة. قال مالك في المجموعة, وهو في العتبية (¬3) من سماع أشهب: ومن قطه يد رجل وبيد القاطع عيب أو نقص أو شلل أو عتل وفيها استماع, فلهذا القود بها. وإن لم يكن فيها استماع فليس له ذلك وإن رضي به مثل العين القائمة. ¬
وكذلك [ذكر] (¬1) في كتاب ابن المزاز: إن كان بها شل بيَّنٌ أو نقص وهو ينتفع بها ورضى أن يستفيد منها, فذلك له: لأنها تُقطعُ في السرقة. ... ومن المجموعة (¬2) قال ابن القاسم وأشهب في أشَلَّ اليد والأصبع يقطعها صحيح: إنه لا قصاص فيها, وكذلك إن شل بعضها, إذ لا يقدر أن يقاد له (¬3) [بها بقدر] (¬4) ما بقي منها بالاجتهاد. ... قال ابن القاسم عن مالك: وذلك في مال الجاني, يريد: وإن تم شللها شَيْنَاً ففيها حكومة. ... قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن كان الجاني أشَلَّ اليد فقطع كفاً سليمة خُير المجنيُّ عليه: فإن شاء قطَع الشلاء بيده, وإن شاء تَركَها وأخذ العقلَ. ... وقال في كتاب أسد: ليس له إلا العقلُ. زكذلك ذكر ابنُ المواز عن مالك وابن القاسم وأشهب في الكتابين: إن كان شللاً يابساً أو كبيراً أذهب أكثر منافع يده. وأما في الخفيف فله أن ِيقتصَّ. ... وكذلك إن فقأ عينَ رجل, وعينُ الفاقىء ناقصةَ النظر وهو ينظرُ بها, وبها بياضٌ أولا بياضَ بها, فله أن يقتص منها, فإن ذهبت أو ذهب أكثرها فلا قصاصَ له فيها. ¬
وكذلك مقطوعُ الكفّ اليمنى يَقَطعُ يمينَ رجل من المرفق, فليس له قطعُ يمين الجاني التي لاكفَّ فيها, وإنما له الدية عند أشهب, كمَنْ رضي بالقود من العين القائمة. ... قال ابن المواز وقال ابن القاسم: له قطعُ يمين الجاني التي لاكفَّ فيها من المرفق, ولا شيء له, فإن شاء أخذدية اليد خمسمائة دينار. وكذلك له قطعُها من المرفق [إن كان قطع يمين الرجلِ من المرفق] (¬1). ... ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن قطع لرجل خمس أصابع, منها أصبعان شلاَّوان, فليقتص من ثلاث أصابع, وله في الأصبعين حكومة. وإن قطع له الكف من أصله فلا قصاص له, وله ثلاثة أخماس دية اليد, وفي الأ صبعين حكومة. ... ومن كتاب ابن المواز, وقد مضي في الجزء الأول, قال مالك في أقطع اليمين يقطعُ يمين رجل فَعَقْلُهَا في ماله. وكذلك الرَّجلُ والعين, ولا تحملُهُ العاقلةُ, بخلاف المأمومة والجائفة, لأن تلك باقية والقصاص مرتفع؛ ولو كانت هذه باقية لم يكن إلا القصاص. ولو أصيت هذه بأمر الله سبحانه بعد الجناية سقط القصاص والدية. ولو الجاني بعد الجناية بمأمومة أو جائفة في مثل الموضع من المجروح لمْ تسقط الدية. واذا قطع صحيح كفا فيها ثلاثةُ أصابع فلا قصاص, وله ثلاثةُ أخماس دية الصحيح؛ لم يختلف في هذا مالك وأصحابة. وإن كانت تنقص أصبعاً واحداً فقول مالك وابن القاسم أنه يُقتصُّ له من هذا الصحيح, كانت الإبهامَ أو غيرها, أخذ لها عقلا أو قصاصاً أوغيره, وإنما أجيز له ذلك رحباً (¬2) وليس بقياس. ¬
وقال أشهب: لا قصاص له, وله أربعة أخماس دية الكف؛ ذهبت الأصبع بأمر الله تعالى أو أخَذَ لها عقلاً , واختلف فيها قوله, ولكن الثابث عندنا من قول أشهب وروايته أن ليس إلا القصاص. وقال أشهب في قوله الأخر إن الأصبع كالأصبعين في رفع القصاص, كان أخذ للأنمله عقلاً أو لم يأخذ. ولو قُطعت كفه خطاً كان له ديتُها كلها أيضاً إذا كان لم يأخذ للأنملة دية, وإن كان أخذ للأنملة عقلاً حوسب بها, ةإلا لم ينقص من دية اليد شىء. قال: وأنملتانِ مثل أصبع لذهاب أكثر. ... ومن المجموعة قال ابن الماجشون: حدُّ ما لا يرفع اقصاص في اليد والَّرجال من النقص أصبعٌ واحد؛ هذا أقصاه. وزاد المغيرة على ذلك, وقول مالك أحوط. قال ابن القاسم: سواء كانت الإبهام أو غيرها. وقال ابن الماجشون: إن كانت الإبهام فلا قصاص, لأن الإبهام كأنها أزيد من أصبع. قال سحنون في كتاب ابنه: وما علمتُ من فرَّق بين الإبهام وغيرها غيره. ... زمن المجموعه قال ابن القاسم: وكذلك إن كان نقص الأصبع خلقةً علي ما ذكرنا. ... وقال ابن الماجشون في ناقص الأصبع يقطع يداً صحيحة فالقوَدُ منه وله سواء مثل الصحيح, وما زاد فلا قواد له ولا منه, ويصير ديةً. ... وكذلك روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك في مقطوع الأصبع تُقطع يدُه تلك فله بها القصاص من صحيح. ... قال ابن القاسم وعبد الملك: كان أخذ للأصبع ٍٍٍ [عقلا] (¬1) أو لم يأخذ. ¬
قال بن الماجشون في الكتابين: وكذلك لو كانت يد الجاني ناقصة اصبعاً. أخذ لها عقلاً, فله بها القصاص من صحيحة. ولا عقل للمقتص منه للأصبع. ولو قطعت من يد رجل أصبعٌ خطأ أو عمداً فلم ينظر فيه حتى قطع رجل كفّه تلك فاقتص له بها بكف, فله في أصبعه القصاص أو العقل لأنه حق وجب له قبل أن تقطع كفه بها القصاص من صحيحة، ولا عقل للمقتص منه للأصبع. ولو قطعت من يد رجل أصبع خطأ أو عمداً فلم ينظر فيه حتى قطع رجل كفه تلك فاقتص له بها بكفه. وكذلك لو كان المقطوع الأصبع هو قطع كفاً صحيحة قبل انينظر في أصبعه, فله القصاص في أصبعه في أصبعه في العمد, والعقل في الخطأ, إلا أن تقطع أصبعه بعد قطعه لكف الرجل, فيكون أولى بقصاص نفسه. ... قال في المجموعه: وكذلك لو قطع منها ما يمنع القصاص, يريد بعد أن جنى هو, فلك أيها المستفيد قطع ما بقى منها. وما ذهب منها بمرض فمثله, وما ذهب بجناية جانٍ فلك طلب ذلك الحق, إلا أن يرضيك صاحب اليد ويطلب قصاصه, وإن شاء ترك وكان لك أن تقطع ما كان له هو أن يقطع. ويقطع بقية كفه. ... ومن العتبية (¬1) روى بن يحيى عن ابن القاسم قال: إذا كان الجاني هو الناقص أصبعاً فإنما للمجنى عليه القود بلا غرم على الجانى؛ وإن نقصت أكثر من أصبع فالمنى عليه مخبر في أن يستفيد بغير غرم يأخذه, وإلا ترك القود وأخذ العقل تاما. قال ابن المواز: قال ذلك مالك وابن القاسم مرة. ... وقد قال مالك أيضاً: وإن كان اجاني ناقصاً أصبعين فالمجني عليه مخبر؛ إن شاء أخذ جميع الدية يده في ماله, وإن شاء قطع يده بالثلاثة أصابع, وأخذ منه دية الأصبعين. ¬
وقال مالك أيضاً: إن كان الجان] مقطوع الأصبع فإنه يقطع يده ويغرم له دية الأصبع الخامسة. وقد قال ابن القاسم في الأصبع: إنه مخير: إما استفاد بغير دية الأصبع, وإلا أخذ عقل يده بلا قصاص. وفي الجزء الأول في باب [قطع] (¬1) لسان الأخرس, وذكر الخصي من هذا المعنى كثير. وروى عيسى عن بن القاسم في الجاني الناقص أصبعين أنه تقطع كفه تلك ويغرم عقل أصبعين. ولو أن مقطوع الأصبعين قطع أصبع رجل الخمس من مثل تلك الكف قطعت تلك الأصابع الثصلاث الباقية له, وعقل له أصبعين. وإذا قطعت كفه تلك الناقصة فليس له إلا العقل ولا قود فيها. ... قال ابن المواز وابن عبدوس عن ابن الماجشون: ليس في الأصبع الواحد الناقص من الجاني خيار, وليس للمجني عليهإلاالقصاص, وإن كان أكثر من أصبع فليس له أن يستفيد لأنه من وجوه التعذيب, وقال أشهب في كتاب ابن المواز. ... قال ابن الماجشون: إلاَّ أن يقطع رجل أصبعيه بعد أن قطع كف رجل, فإنه يقطع باقي يده قصاص, إلا أن يرضيه قاطعه. ... قال ابن الماجشون في المجموعه: خير الجاني الأول, فإن شاء أدي دية الأصبعين اللتين قطعتا له وأمكن من باقي كفه للقصاص, ثم استفاد من قاطع أصبعه. وإنه شاء سلم القصاص فيهما إلى الذي قطع هو يده. ¬
قال ابن المواز قال ابن أصبغ قال أشهب في مقطوع الأ نملة من أصبعه يقطع أنملتين من أصبع رجل مثلها؛ قال: يعقل له الأنملتين. قال ابن المواز: يريد ولا قصاص له. وقال عنه غير أصبغ: يعقل له الأنملة العليا, ويقتص منه من الوسطى. قال ابن القاسم في أقطع اليمن يجرح يمين رجل [عمداً] (¬1) فلينتظر بها, فإن رجعت بحالها فلا شيء عليه غير الأدب, ولو كان مما فيه قصاص لا قتص له. ومن كتاب ابن سحنون قال ابن الماجشون في مقطوع ثلاثة أصابع قطع رجل بقية كفه عمداً: إنه لا قواد لها, قد صارت إلى الحكومة لرفع القصاص, ولا تنقص الحكومة في ذلك من ثلاثة أخماس دية اليد. وإذا بلغت مثل أخماس دية اليد فأكثر, فذلك له. أخماس دية اليد. وإذا بلغت مثل ثلاثة أخماس دية اليد فأكثر, فذلكله. فأنكر هذا سحنون وقال: ما علمت من قاله غيره. قال سحنون: ويقول أشهب أقول انه لا حكومة في الكف ما دام فيها شيء له ديةٌ أصبع فما فوقها. قال فإذا بقيت الكف وحدها ففيها حكومة, ولابما كانت من الدية أصبع فما فوقها. قال فإذا بقيت الكفوحدها ففيها حكومة, وربما كانت أكثر من الدية الأصابع على قدر الشين. ¬
في القصاص من عين الأعور وله، وهل يقتص من اليمنى باليسرى؟
في القصاص مِن عين الأعور وله وهل يُقتصُّ من اليمنى باليسرى؟ من عين أو يد من أحدهما بالأخرى وفي دية عين الأعور من كتاب ابن سحنون (¬1) عن أبيه, ونحوُه في كتاب ابن المواز قال: أجمع أصحابنا أن في غين الأعور الديةَ كاملةً: مائة من الإبل, وأجمع أصحابنا أن في عين الأعور الديةَ كاملهً: مائة من الإبل, وأجمعوا في أعور العاين اليمنى يفقأ عين رجل اليمنى أنه لاقصاص له, وإنما له ديته: خمسون من الإبل. واختلف الناس إذا فقأ عيناً مثلُها باقية للأعور, فقال ابن القاسم وعبد الملك وأكثرُ أصحابنا: إن الجنيَّ عليه مخيرأن يقتصَّ فيفقأ العين الباقية للأعور, أو يأخذ منه ألف دينار دية العين التي ترك له, وإلى هذا رجع مالك, وكان يقول: إن شاء أقتص وإلا فله دية عينه خمسمائة دينار. قال أشهب: وقول مالك الذي رجع إليه قول [يحيى] (¬2) بن شهاب ويحيى بن سعيد, وبلغني عن عمر وعثمان. قال: وكان لمالك قول إما أن يستفيد وإلا فلا شيء لهُ, وبه نأخذ إلا أن يكون ما قيل غير هذا سنة فيتبع. وهذا كله في كتاب ابن المواز. قال: وبقول ابن القاسم أخذ أصبغ. قال: وإليه رجع ابن القاسم (¬3) وروى ذلك عيسى عن ابن القاسم في ¬
العتيبية (¬1) , وذكر اختلاف قول مالك (¬2) فيه, وما أخذ به ابن القاسم مثل ما تقدم. وذكر أن ابن القاسم قال أيضاً: ليس له إلا القصاص إلا أن يصطلحا على شيء. ثم رجع فأخذ بقول مالك الآخر كما ذكرنا. ... قال ابن عبدوس: وهذا الذي أخذ به ابن القاسم قول المغيره, وتكون الدية في مال الجاني. قال ابن القاسم في المجموعة: ولو اصطلحا على دية مبهمة فإنما له عقل عينه خمسمائة دينار. قال ابن حبيب: إن قول مالك الأول أن الصحيح مخير في أن يقتص أو يأخذ من الأعور ألف دينار, وليس للأعور أن يأبى ذلك. وقال به مطرفٌ وابن الماجشون؛ قالا ثم رجع مالك فقال: ليس للصحيح إلا القود أو أن يصطلحا على ما أحبَّا. ... قال أصبغ: واختلف فيه قول ابن القاسم. ونحن نأخذ بقول مالك الأول أصبغ: واختلف فيه قول ابن القاسم. ونحن نأخذ بقول مالك الأول, وهو قول ابن شهاب. ... ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة قال ابن المسيب وغيره عن مالك في عين الأعور تصابُعمداً, قال في المجموعة: أصابها صحيح, فالأعور مخيرإن شاء القود, وإن شاء أخذ دية عينه ألف دينار. قالهُ ابن المسيب وغيره من فقهاء تابعي أهل المدينة. ... قال ابن المواز هذا قولُ مالك وجميع أصحابه لم يحختلفوا. وكذالك ذكر سحنون في كتاب ابنه وذكر أبو بكر الأ بهري رواية شاذة أن مالكاً اختلف قوله فقال هذا, وقال ليس إلا القود. ¬
قال ابن المواز قال أشهب وابن القاسم: كان الجاني صحيح العينين أو صحيح العين التي مثلها للأعور. [فأما إن كانت التيلأأعور] (¬1) مثلها مفقوده فعليه ألف دينار. ... قال أشهب في المجموعة: وإن فقأ أعور عين أعور ومثلها باقية للفاقىء, فأما في الخطأ فله الدية كاملة, وإن كان عمداً فإني أستحسن أن يخير المجني علي: إن شاء القصاص وأخذ الدية عينه ألف دينار, وليس للجانى أن يأبى ذلك [عليه] (¬2) فيختار العمى. والقياس أن ليس له إلا القصاص, واسحسنت ما ذكرت لقول واحد من العلماء: إن كل مجروح مخير في القود أو الدية. ... قال عبد الملك في هذا الكتب: وإذا فقأ صحيح عين امرأء عوراء فلها القود إن شاءت بمثلها, وإن شاءت اخذت دية عينها خمسمائة دينار. ... ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا فقأ الأعور من صحيح عيناً, فأن كان خطأ فسواء فقأ عينه العوراء أو الصحية , ليس عليه إلا خمسمائة ديناره, وان فقأ مثل إلى هي باقية للأعور, فالمفقوءة عينه مخير: إن شاء اقتص وإن شاء أخذ ألف دينار. ... ولا يقتص من اليسرى باليمنى, ولا اليمنى باليسرى, من عين ولا يد ولا رجل. ورواه ابن القاسم واشهب وعبد الملك عن مالك. ... قال مالك: وهو كأقطع كأقطع اليمين يقطع يمين رجل فإنما فيه الدية. قال ابن القاسم: ولم يختلف قول مالك في اليد والرجل, ففيه دليل على أن العين كذلك. ¬
قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا فقأ أعور اليمين أعور اليسار عمداً فلا قصاص له, وإنما له ألف دينار. ... وقال عبد الملك في امرأة عوراء فقأت عين رجل صحيح مثلها باقية لها فله إن شاء فقء عينها أو يأخذ منها خمسمائة دينار ثمن عينة. ... ولو فقأ أعور عين امرأة صحيحة؛ التي مثلها باقية له, فلها أن تفقأ عينه أو يأخذ منه ألف دينار دية ما تركت له. ... قال سحنون في كتاب ابنه: هذا على رواية ابن القاسم عن مالك, وأما على لرواية الأخرى فلها أن يستفيد وإلا أخذت دية عينها مائتين وخمسين, وهو قوله الأول, وما رأيت من ذهب إليه من أصحابنا. ... قال ابن المواز: روى أشهب عن ابن القاسم وسالم في الأعور يفقأ عين رجل جميعاً فقالا: يفقأ عينه بعينه جميعاً ولا شيء عليه غير ذلك. قال ابن سحنون عن ابيه عنهما قالا: وإن شاء أخذ دية عين الأعور, أو دية عينيه, فذلك له. قال ابن المواز قال اشهب: والصواب أن يفقأ عينه الباقية, ويغرم دية العين الأخرى. وقال هذا عطاء وربيعة. ... قال أشهب: ولو قلت بقول من يرى أن يقء اليمنى باليسرى, قال في كتاب ابن سحنون وهو ربيعة لقلت بقول ابن القاسم وسالم؛ لأن قوتهما صار في عين الأعور كما لو فقأ لجماعة أعينهم اليمنى ومثلها باقية له, ولكن لا أراه كذلك. وكذلك في هذا الرجل. ... وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬1) قياس على قول مالك الآ الذي رجع اليه ابن القاسم في أعور فقأ عيني صحيح جميعاً, فإن كان في فور واحد, فالصحيح المجني عليه مخير: إن شاء فقأ عينه بعينيه التي ¬
مثلها له, وأخذ منه في الأخرى خمسمائة دينار, وإن شاء ترك عينه وأخذ منه ألفاً وخمسمائة. وكذلك روى ابن المواز قال: وهذا قول مالك وأصحابه. قال مالك في المجموعة في أعور فقأ عيني صحيح عمداً: إن له أن يفقأ عين الأعور ويأخذ منه دية عينه الأخرى خمسمائة دينار. قال أشهب: هذا إن كان في ضربة واحد أو فور واحد. ... قال أشهب: وهو كمن فقأ عينين لرجلين؛ لهذا يمنى ولذه يسرى. فلوأخذ [أحد] (¬1) منها القود والآ خر الدية. قال ابن القاسم في العتبية (¬2) من رواية عيسى: وإن فقأ هما في غير فور واحد في وقتين, فعلى قول مالك الذي رجع إليه: أن ينظر, فإن بدأ بفقء التى مثلها باقية له وهي اليمنى فهو مخير في القصاص بعينه, أو يترك وأخذ منه دية عينه ألف ديبار. قال في موضع آخر من الكتاب: ويأخذ ألفاً ثانيةً في عينه الأ خرى؛ لأنها صارت عين أعور. ... قال: وإن بدأ بفقء اليسرى لم يكن له فيها إلا خمسمائة دينار, الصحيح يفقأ عين الأعور, أو الأعور يفقأ عين صحيح. ... قال أشهب في كتاب ابن المواز إن بدأ بالتي هي مثل عينه العوراء, فإنما له فيها خمسمائة دينار, وهو في الأخرى مخير: إن شاء القود أو يأخذ منه ألف دينار. وإن بدأ بالتي مثلها باقية له خير. ثم ذكر مثل ما ذكر عيسى عن ابن القاسم. ... وقال اشهب في المجموعة: إن بدأ بالتي هي مثل عينه العوراء فله فيها نصف الدية, وله في الأخرى القود. فإن بدأ بمثل عينه الصحيحة فله بها القود, وله بالأخرى ألف دينار. ¬
قال أشهب في كتاب ابن المواز: وإن كان الفقء خطأ وهو في غير قور واحد, ففيهما ألف دينار وخمسمائة دينار على عاقلة الفاقي, لا نبالي بأيهما بدأ. ... ومن المجموعة قال علي عن مالك فيمن فقئت عينه فأخذ عقلها, ثم فقئت الأخرى عمداً فهو مخير في القود أو أخذ ألف دينار. ... وقال أشهب في أععى فقأ عيني صحيح في فور واحد, فإنما عليه ألف دينار, وإن كان في غير فور واحد فله في ماله ألف دينار وخمسمائة دينار. ... قال ابن القاسم في العتبية (¬1) من رواية عيسى: وإذا فقأ صحيح العينين [عيني] (¬2) رجل جميعاً, فإن كان في فور واحد فليس له إلا القود بلا تخيير. وإن كان واحدةً بعد واحدة فليس له في الأولى إلا القصاص غير تخيير, وهو في الأخرى مخير إما اقتص وإلا اخذ ديتها ألف دينار, وليس له إلا أن يفقهمأهما ولا شي له, أو يفقأ الأولى ويأخذ ألف دينار. ... ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا فقأ رجل عين ونصف عين من رجل , وه باقٍ بصره, ففيه الدية ألف دينار. وإن شاء استفاد من العين التي مثل عينه, وأخذ فيما بقي لث الدية. ... ¬
ويأخذُ في الأخرى ما بقي من عقلها. ولو كان ما أصابهما من السماء فله فيهما ألف دينار. ... وإن فقأهما مرة بعد مرة فبدأ بالناقصة فليقتص منه في العمد إن نقصت يسيراً، وإن كان كثيراً فلا قصاص فيه، وله بقدر ما بقي منها. وأما في الخطإ فله ما بقي من عقلها، فبما قل وأكثر. وإن أصابهما أمرٌ من السماء ففيها القصاص في العمد أو جميع عقلها في الخطأ؛ نقصت قليلاً أو كثيراً. ثم إن أصيبت الأخرى كان سبيلها سبيل عين الأعور في العمد والخطأ. ... وإن أصيبت الصحيحة أولاً، ففيها ما في الصحيحة، ثم إن أصيبت الناقصة بعدها عمداً إقتص إن شاء، قل نقصها أو كثر، وإن شاء أخذ عقل ما بقي منها، على حساب ألف دينار. ... قال سحنزن في كتاب ابنه: ولا تقطع يد أعسر بيمين آخر، ولا يمنى بيسرى. وأنكر قول ربيعة في ذلك. [وفي باب لسان الأخرس في الجزء لأول شئ من هذا وفي باب قبل هذا] (¬1) ¬
في صفة العمد والخطإ في القتل والجراح وما لا قصاص فيه في العمد وشبه العمد
في صفة العمد والخطأ في القتل والجراح وما لا قصاص فيه في العمد وذكر شبه العمد في المجموعة وغيرها روى ابن القاسم وغيره عن مالك أن شبه العمد باطل، إنما هو عمدٌ أو خطأ. فالخطأ أن يصيب الرجل آخر بشئ لم يُرِدْهُ ولم يعمد له. والعمد أن يعمد لرجل فيضربه حتى يموت، أو يضربه في تاره ثم يموت بعد ذلك؛ ففيه القَودُ بقسامة. ... قال ابن الموّاز: إنما أراد مالك بهذا أن يخبرك ما فيه العمد بالقتل البيِّن من غير البَيّنِ. ... قال عنه ابن وهب: العمد إنما هو ان يعمد القتل فيما يرى الناس فيكون عن ذلك الهلاك. فأما ما كان على اللعب فليس بعمد. ... وفي كتاب ابن المواز قال مالك: من قتل العمد أن يعمد للقتل أو الضرب الذي فيه هلاك المضروب فيما يرى الناس. ... قال ابن المواز: إنما قال هذا [القول من قال لا يكون قتل العمد إلا بحديدة. قال مالك] (¬1) في الكتابين: والمجتمع عليه عندنا أن من عمد لضرب رجلٍ بعَصاً أو رَمَاهُ بحجرٍ أو غيرها فمات من ذلك، فهو عَمْدٌ وفيه القِصَاصُ. ... قال عنه ابن القاسم: وكذلك لو طرحه في نهر وهو يدري (¬2) أنه لا يُحسنُ العوم على وجه العداوة والقتال، فإنه يقتل به. وإن كان على غير ذلك ففيه ألدية. ¬
قال مالك: والعمد في كل ما تعمد له الرجل من ضربه أو وكزه أو لطمه أو رميه ببندقية أو بحجر أو بقضيب أو بعصا أو بغير ذلك فمات، فالقود في ذلك. ... قال أشهب: ولم يختلف أهل الحجاز في هذا؛ لأنه عمده بالضرب، وقد يترامى إلى غيرها، وقد يقصد إلى القتل بغير الحديد، ويكون أوخى منه. ... قال: وإذا قال الضارب لم أرُدِ القتل بأي ضرب كان لم يصدق، ولا يعرف ما في القلوب إلا بما ظهر من الأعمال، ولو علمنا أنه كان يحب أن لا يموت ما أزلنا عنه القود لتعمد الضرب ... قال ابن المواز: [أرأيت] (¬1) لو رمى يريد رأسه أو بعض جسده فأصاب عينيه، ألا يقتص من عينيه؟ أو ضرب عينه لا يريد فقأها، فأصابها، أليس يُقادُ منها؟ وليس بين النفس والجرح فرق. ... قال أشهب: وقد أقاد النبي- عليه الصلاة والسلام- من التي ضربت أخرى بمسطح فقتلتها (¬2). ... قال: وكل ما عمد ضربه به على اللعب برميه أو وكزه أو ضربه بسوط أو إصطراعاً فلا قود فيه، ولا يتهم بما يتهم به المغاضب لظهور الملاعبة منهما. ولو كان على وجه القتال كان فيه القود. ... قال ابن المواز وقال أبو الزناد: ومن عمد لضرب رجل بعصاً، أو بحجر أو عظم لاعباً معه من غير قتال ولا ثائرة، أو دافعه وضاربه بسوط أو لكزه لاعباً معه، فلا قود في ذلك فيما بلغنا، وفيه ألدية مغلطة. ¬
قال اشهب: بل دية الخطأ مخمسة غير مغلطة. وذكر ابن حبيب أن ابن شهاب وربيعة يقولان كقول أبي الزناد في تغليظ ألدية في هذا إن كان على اللعب. وقال به ابن وهب. وأما مالك وباقي أصحابه وعبد العزيز فلا يرون تغليظ ألدية إلا في صنع المدلجى. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: ومما فيه القود ما يكون من عداوة وثائرة. قال عنه ابن القاسم: ومن العمد ما لا قود فيه كالمتصارعين والمتراميين، أو يأخذ برجله على اللعب فيسقط فيموت، فهذا من الخطأ. قال ابن المواز: ومن قتل رجل عمداً يظنه غيره ممن لو قتله لم يكن فيه قصاص، فهو من الخطأ لا قصاص فيه، وقد مضى مثل ذلك في مسلم قتله المسلمون بعهد النبي صلى الله عليه وسلم فظنوه من المشركين، فوداه- عليه السلام- ولم يقد به. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون في قوم خرجوا إلى النزهة فيلعبون، ويجذب بعضهم بعضاً فيُدْفَعُ أحدهم فيموت، أو تنكسر [يده] (¬1)،فهذا من الخطأ وفيه العقل. وكذلك لو تماقلوا في بحر أو نهر فمات بعضهم فهو من الخطأ وفيه ألدية، إلا أن يتعمد من ذلك تعمداً أن يمييت المفعول به ذلك فإن فيه القود؛ بأن يغطس الفاعل حتى يموت. ولو كانوا ستة نفر فشهد إثنان أن الثلاثة قتلوه، وشهد الثلاثة ان الإثنين قتلاه لم تَجُزْ شهادتُهم، وديته في أموالهم إن شَهِدُوا على العمد [بقتله] (¬2). وإن شهدوا على أن ذلك على اللعب فالدية على عواقِلِهم. ¬
وقد مضى في الجزء الأول ما روى ابن القاسم واشهب عن مالك فيمن قلع لصبي يُثْغرُ بخيط سناً تحركت، فأقام ثلاثة أيام ثم مات؛ فقال له: كفر، وما أدري هل ذلك واجبٌ عليك، فإن لم يكن فقد احتطت. ومسألة من سقى لقوم سويقاً فمات بعضهم، في كتاب المحاربين. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد: إن شبه العمد إن كان أصله ثائرةً وغضباً ففيه القود. وإن كان بعصاً أو وكزةأو لطمة فأرجو أن لا يكون عليه في هذا بينه وبين الله تعالى إثم قاتل النفس. وأما إن كان على اللعب ففيه ألدية مغلظة، [وهو شبه العمد الذي لا قصاص فيه عندنا. وبه قال ابن وهب، وأما مالك وباقى أصحابه وعبد العزيز فلا يرون تغليظ ألدية إلا في صنع المدلجي، ويرون في ذلك كله القود. قال عبد الله: يعني ابن حبيب فيما كان على ثائرة، هذا المعروف من قول مالك. قال ابن حبيب: وقال العراقيون: لا قود فيه؛ كان على ثائرة أو غيرها؛ يعنون في مثل العصا واللطمة والوكزة ما لم يكن ضرباً بحديد أو سلاح. قال ابن حبيب: وفاعل ذلك على العمد يقاد منه، وإن لم يردفي نفسه القتل ويحكم عليه بالظاهر ويسلم من إسم العمد بينه وبين الله] (¬1). ويعاقب متعمد القتل. ومن المجموعة والعتيِِبَة قال مالك في قوم عدوا على رجل [فقتلوه] (¬2) وأخذ إثنان بيديه وإثنان برجليه وآخر يخنقه بعمامة وآخر. ¬
يضربه حتى مات، فأُخِذَ أحدهم فأقر وقال: كنا نصطرع لاعبين في مرضع غليظ فصرعته ثم تعاصبنا وتحامينا فصرعته في موضع كثير الحجارة، فلم أً ُلصقه إلى الأرض حتى غُشي عليه، فقُمتُ عنه وقد مات. ... فقال: ما أرى قَتْلَه واجباً. قيل: فهل يؤخذ من أولياء الهاربين خُمسُ ديات بدلت عليهم؟ قال: لا بأس بذلك. قال ابن المواز فيمن أشار على رجل بالسيف فمات مكانه، وكانت بينهما عداوة: فإن تمادى بالإشارة عليه وهو يهرب منه فطلبه حتى مات فعليه القصاص، فأما إن كانت إشارته فقط فمات، فإنما فيه ألدية على العاقلة. وقد قال ابن القاسم فيمن طلب رجلاً بالسيف ليضربه به فهرب منه، فما زال يجري حتى سقط فمات، فليُقسم ولاتهُ لَمَاتَ خوفاً منه ويقتلونه. قال ابن القاسم: ولو أشار عليه بالسيف فقط فمات، وكانت بينهما عداوةٌ، قال: هذا من الخطأ. ... وقال ابن عمر (¬1) فيمن سلّ على امرأة أو صبي سيفاً ليفزعه فمات، ففيه دية الخطأ ... قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن طلب رجلاً بسيفه فعثر المطلوب قبل أن يدرك فمات؛ قال: فيه القصاص. وقاله المغيرة وابن القاسم وأصبغ، وذكرالليث عن ابن سيدة (¬2) فيمن رمى حدأة فخرّت على صبي فقتلته فالدية على عاقلة الرامي. قال ابن حبيب [رُوي] (¬3) عن الحسن البصري في رجل قائم على بئر فاستسقاه رجل عطش فأبى عليه فمات، فضَمّنه عمرُ ديتَه. ¬
في القود بغير الحديد ممن قتل به
وقال قتادة فيمن رمي من عند قوم، قال ذلك عليهم. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: ولو طرح على رجل حيةً مسمومةً على وجه [غير] (¬1) اللعب، مثل هؤلاء الحواة الذين يعرفون من الحيات المسمومة والأفاعي التى لا يُلَبثُ من لدغته فيموت " فليُقتلْ راميها، ولا يُقبل قوله إنه على اللعب. وإنما معنى اللعب مثل ما يفعل الشباب (¬2) بعضُهم ببعض؛ يطرح على الآخر الحية الصغيرة التي لا تعرف بمثل هذا فيُقتل، فهذا مشكلّ ويُجعل كالخطأ، فأمّامن يعرف ما هي ويتعمدُ طرحها فإنه يُقتلُ، فهذا مُشكلّ ويُجعلُ كالخطأ، فأمّا من يعرف ما هي ويتعمد طرحها فإنه يُقتلُ، ولا يقبل منه أنه لم يرد قتله، كما لا يقبل ذلك من الضارب بالعصا وساقي السِّكران فيكون عنه الموت. وتجب القسامة مع الشاهد على طارح الحية على آخر. في القود بغير الحديد ممن قتل به ومن قتل رجلاً بقطع يديه ورجليه أو بغير ذلك من الفعل ما الحكم فيه؟ ومن المجموعة قيل لمالكٍ: هل يقاد بالحجر أو بالعصا؟ قال: يقتُل بمثل ما قَتل. ... وكذلك في العُتْبية من رواية أشهب عن مالك قال: وسمعت أنه ¬
يُقتلُ بالعصا. قيل: فله أن يقتله بها؟ قال: نعم. وإن كان ضربه ضربةً واحدة يجهز عليه فيها، لا يكون شيئاً مختلفاً يقطع عليه الضرب، فأمّا إن ضربه ضربات فلا. قال عنه ابن وهب في المجموعة: يُقتلُ بالعصا، وإن لم يَمُتْ من ضربة كرر عليه الضرب بها حتى يموت، ولا يطول عليه. ... قال أشهب: يُنظر من أول، فإن خيف أن لا يموت من مثل ما ضرب به فليُقتل بالسيف. ... قال: فإن رُجيَ ذلك فضُربَ بالعصا ضربتين كما ضرب فلم يمُتْ، فإن رأى أنه إن زيد عليه مثل الضربة والضربتين زيد عليه بها حتى يموت. [وقال ابن القاسم: يُضربُ بالعصا أبداً حتى يموت] (¬1).قال مالك: يقتلُ بالعصا ولم يذكر عدداً. ... وقال أشهب في الحجر مثله يُجهزُ بالقتل إنه يُقتل به، فإن كان أيضاً ضربه بحجر فمات منها فلا يستقاد منه، إذ لعلّه يُضرب بمثله مائةً فلا يموت. وكذلك في العصا غير المرجى. ... قال ابن القاسم: فإن قتله خنقاً قُتل به خنقاً. قال أشهب: ذلك إذا خنقه حتى يموت، فأما إن أخذ بحلقة فخنقه خنقةً فأتى على يديه فيها فمات قُتل بالسيف. ... قال ابن القاسم: فإن غَرقه غَرّقْته، وكذلك ذكر عنه عبد الملك بن الحسن [في العتبية (¬2).قيل لابن القاسم في رواية عبد الملك بن الحسن] (¬3) في الذى يُغرق فيهلك، أيُقتل بمثل ذلك؟ قال نعم [قيل] (¬4).فإن قتله بالسُّم أهو مثله؟ قال: نعم. ¬
قال عبد الله: يعني يُوجبُ بذلك القَودَ بغير السّم. ومن المجموعة قال أشهب وعبد الملك في الذي يغرِّق: إنه يُغرَّق. قال ابن القاسم وأشهب: وإن كتفه وطرحه في نهر فغرق، صُنع به مثل ذلك. قال أشهب فإن كان ممن إذا كُتِف لم يغرق وحمله الماء، ثُقَّلً بشئ يُرسَّبُه في القعر حتى يموت. ... قال عبد الملك فيه وفي كتاب ابن المواز: ولا يُقتل بالنبل ولا بالرمي بالحجارة من قَتل بذلك، لأنه لا يأتي على ترتيب القتل وتحقيقه، فهو من التعذيب ولا يُقتل بالنار لأنه من التعذيب. ويُقتل بالعصا وبالخنق وبالحجر الذي يشرخُ. ... قال: ولو طرحه من فوق جدار أوجبل أو على سيف أو رمح أو غيره صُرِفَ القودُ فيه إلى السيف، لأن ذلك قد يُخطئ قتله فيصير تعذيباً. ... قال ابن القاسم: وإذا قطع يديه ثم رجليه ثم ضرب عنُقه فالقتل يأتي على ذلك كلِّه. ... قال ابن وهب عن مالكفيمن جرح رجلاً ثم قتله: فإن كان مثَّل به في تلك الجراح؛ فعسى به أن تقتص منه تلك الجراح ثم يُقتل. وإن كان إنما جرح جرحاً أو جرحين ثم قتله، فلا أرى القتل إلا كافياً من ذلك. وقال نحوه أشهب: إن كان على وجه المُثلة أستُقيد منه على ذلك وإن كان على وجه القتل، فالقتل يأتي على ذلك. ... وفي كتاب ابن المواز: إن جرحه ثم قتله في غير فَور واحد فالقتل يأتى على ذلك. وكذلك إن فعل ذلك في فور واحد ولم يقصد المثلة [والتعذيب فالقتل يأتي عليه ما لم يكن خطأ، كما فعله برجلين. قال وإن تعمّد المثلة] (¬1) مع القتل اقتص منه بمثل ما مثّل به ثم قُتل. قاله ربيعة ¬
ومالك وأشهب وابن وهب، وأباه ابن القاسم وأنكر وقال: القتل يأتى على ذلك. وقال: ومثلتُه بواحد كمُثلتِه بجماعة ثم يقتل آخراً (¬1). فالقتل يأتى على ذلك. ... وقال أصبغ بقول أشهب، وقال: وذلك إذا كانت المثلةُ فاحشةً معذِّبةً مثلها يقتل، كقطع الأيدي والأرجل، وليس الواحد والجماعة في هذا سواء، لأنه إن مثّل بقوم ثم قتل أحداً فإن القتل يأتي على ذلك كله. ... وقال ابن المواز: إن مثّل به ولم يرد قتله ثم قتله، فالقتل يأتي على ذلك كله. فإن مثّل به يريد قتله بالمثلة فإنه يُقتل بمثل تلك المثلة، ما لم يكن الأمر اليسير، ما لم يكن إنما أراد قتله فمثّل به في الضرب. فالقتل أيضاً يأتي على ذلك كله. وذكر عن ربيعة مثله. ... ومن المجموعة قال أشهب: إذا كان على وجه القتال قطع يديه ورجليه فمات من ذلك مكانه ضٌربَت عنقُه، لأنه فعل ذلك به لعله لا يقتُله، ولا بُدَ من قتله. ... ومن كتاب ابن المواز: ومن جنى على رجلٍ فقطع يديه ورجليه وفقأ عينيه ثم مات. فإن كان عمداً فأولياؤه بالخيار: إن شاءوا اقتَصُّوا من الجراح فذلك لهم، وإن شاءوا أن يقتلوا فليس ذلك لهم إلا بقسامة. فإن أقسَموا لم يكن لهم بالجراح قصاص ثم يقتلوا. ¬
في القصاص بين القرابة والزوجين
في القصاص بين القرابة والزوجين من المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: من عمد إلى امرأته بفقء عين أو بقطع يد أو بغيرها متعمداً، قيد منه. وأما إن ضربها بسوطٍ أو حبل فأصابها من ذلك ذهاب عين أو غيرها، ففيه العقل ولا قَودَ فيه. ... ويُقتل الأخ بأخيه إن قتله على عداوة، وقد قتل أحد بني آدم أخاه عمداً. ... وأما ما جرى على الأدب فإنما فيه العقل؛ مثل المعلم والصانع، أو القرابة يُؤدبون، ما لم يُتعمد بسلاح أو شبهه. ... قال مالك في التي فجرت فقال لها ابنها لأُ خبِرنّ أبي فقتلته إنها تقتل به. وفي التي فجرت فّرمت ولدها في بئر ونحوها، مثل ما ذكرنا في باب المغلّظة. ... قال: وما كان من فعل الأب بابنه كفعل المُدجليّ (¬1)، مثل أن يضربه بعصاً أو رمية بحجر أو يحذفه بسيف أو بسكين فيقتله فلا يُقتل به. وفيه الدية المغلّطة. وهو من الأجنبي عمد يُقتل به. ولا يقتلُ الأب إلا بأمر بيّن من قصد القتل (¬2)، مثل أن يذبحه أو يشقّ جوفه وشبه هذا. والجراح تجري مجرى هذا فيما يُقتص منه وما لا يُقتص منه وتُغلظ فيه الدية أن يكون ما رميه به يكون منه جرح أو قطع فلا قود فيه وفيه التغليظ. حتى إن أخذ سكيناً فقطع بها يده أو أذنه، أو يضجعه فيدخل أصبعه في عينه فيفقؤها فهذا يُقاد منه. 2 - النوادر والزيادات 14 ¬
ذكر ما يكون فيه القصاص من الجراح وكسر العظام
وقد ذكرنا هذا كله في باب المغلطة في الجزء الأول. ومن كتاب ابن سحنون رُوي عن ابن القاسم في العبد يقتل ابنه مثل ما فعل المدلجي؛ يُسلمه سيده إلى ورثة ابنه أنه لا يعتق عليهم ويُباع ويُعطون ثمنه. ولو جرح أباه فأسلم إليه لعتق عليه. ولو كان قتله لبنه خطأ عتق عليه إذا أُسلم إلى ورثة ابنه إذا كانوا ممن يعتق عليهم، بخلاف المغلّطة. وقال سحنون: ذلك كله [عمد] (¬1) ويعتق على ورثة ابنه بكل حال. ومن كتاب ابن حبيب روي أن رجلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لطم امرأته، فشكت ذلك إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله- سبحانه- {الرّجالُ قَوّامُون على النساء .. } الآية (¬2). قال الثوري: يُقتص للزوج منها في الجراح وشبهها. ولا يقتَص لها منه في الأدب. ذِكْرُ ما يكون فيه القِصاصُ من الجراح وكسرِ العظامِ وما لا يكون فيه قِصاصٌ ... من المجموعة وكتاب ابن المّواز قال أصحاب مالك عنه: قال الله- سُبحانه- {والجروح قِصاصٌ} (¬3). ... ففي كلّ عمد القصاص، ما يستطاع منه القَودُ مِما لا يكون مُتلفاً. قال: والقَودُ في الموضحة وما دونها. وقاله أشهب. ¬
ومن المجموعة قال المغيرة أيضاً: أرى القصاص في جُرح إلا ما اجتمع عليه العلماء أن لا قصاص فيه، كالمأمومة والمنقِّلة والجائفة وكسر الفخذ. قال ابن المَوّاز: اجتمع العلماء على ذلك إلا ربيعة فإنه كان يرى في كل شئ القَود. وأقاد ابن الزبير في المنقِّلة. وقد قال الصديق: لا قود فيها. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عبدوس قال المغيرة: ولا قَودَ في كسر الُّصلب وفيه جميع الدية. ومن الكتابين قالابن القاسم: وإن ضربه فأشل يده أو رجله قال مالك: ففيها القود يضربه كما ضربه، فإن شُلّت وإلا فعقلها في مال الضارب. قال أشهب: إن كانت ضربةً تجرح فليُجرح الضارب مثله، فإن شُلّت يده وإلا فالعقل في ماله. فأما لو ضربه على رأسه فأذهب يده فلا قَود فيه، وعليه ديةُ اليد في ماله. وقالا في اليد تُقطع من المنكب والرِّجل من الوَرك ففيهما القِصاص. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن ضرب رجلاً فاتّقاه بيده فكسرها إنه يُقادذيل كشف الظنون منه. قال عنه عليٌ: وإن كسر يده أو رجله فبرئت بغير عيب فله القَود. قال مالك في الكتابَين إن الأمر المجتمع عليه أن في كسر اليد والرجل القصاص. قال أشهب: رما علمتُ مَن قال لا يُقاد في كسر العظام إلا أهلَ العراق؛ قالوا إذ لا يستوي الكسران، وهذا يفسد لأنه ربّما اختلف القَودُ
في الجراح لتجاوز من الحديد، أو بغلبة حقيقة تحديد ذلك وما قد يترامى إليه أحد الجرحين. ومن كتاب ابن المواز قال: ويُقاد من كسر الأنف. وقد أقاد عليٌ ابن أبي طالب- رحمه الله- من كسر الأنف. وأقاد عمرُ بن عبد العزيز من كسر العظام مما ليس بمُتلف، فإنه لا يُقاد منه ولا من جائفة ولا مأمومة. وقاله ابن شهاب وربيعة وكثير من العلماء. وقاله مالك والليث. وقال: في التُّرقُوة والضِّلع القصاصُ. قيل أيسقُط القود في شئ من كسر العظام؟ قال: أما مثل عظام الصدر فلا أرى فيه القصاصَ. قال أشهب: لا قصاص فيه لأنه متلفٌ. ... وقال ابن القاسم: يُسأل عنه أهل المعرفة وعن الضِّلع، فإن كانا غير مخوفين اقتُص فيهما. ... قال أشهب قال مالك: وفي أحد قصبتي اليد القصاصُ إن أستُطيع ذلك. وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: فيه القصاص. قال أشهب في الكتابين: وكذلك إن كُسرتا جميعاً. قال ابن المواز: واجتمعا أنه لا قصاص في عظام العنق والفخذ والصّلب وشبه ذلك من المتالف في العظام، وفيه العقل بقدر الشَّين، إلا الصلب ففيه الدية ولا شئ في شينه، أو يكون قج انحنى وهو في ذلك يقوم ففيه الدية بحساب ذلك. ... وفي كسر اليد حكومة بقدر الشّيْن، وقد يبلغ أكثر من الدية، إلا أن يكون قد أشَل رجله، فلا يقدر أن يمس بها الأرض فله دية الرجل كاملة، أو يشلّه بما يُنقص مشيه، فله من ديتها بقدر ما نقص منها. ... واختلف قول مالك في الظفر فقال: إن كانم يُستطاع منه القصاصُ اقتص منه. رُوي عنه أن فيه الإجتهاد. وهي رواية ابن وهب عنه في المجموعة. ...
قال ابن القاسم وأشهب: وإن قطع يده من نصف الساعد ففيه القصاص. قال أشهب: وليس ذلك بمتلف. ... قال ابن القاسم عم مالك في الظٌُّفر: فيه القصاص إن استطيع القود منه. قال ابن المواز: اختلف فيه قول مالك. وهذا أحبُّ إلينا. قال ابن عبدوس قال سحنون: ينبغي أن يكون الظّفر كسن الصبي الذي لم يُثغر لأنه ينبتُ. ... ومن المجموعة، ونحوُه في كتاب ابم المواز قال ابن القاسم وغير واحد عن مالك: لاقود في منقلة. قال عنه ابن نافع: ولا أرى ما صنع ابن الزبير ولم يمض عليه الأمر. وكل شئ كان مفسداً لا يُرى كيف يأتى أثره فلا أ ُحب القود منه. ... قال عنه ابن القاسم في هامشة الجسد القود إلا ماهو مخوف كالفخذ وشبهه. قال ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب، قالا: ويُقاد من موضحة الجسد ومنقلته. ... قال ابن القاسم في الكتابين: ولا قود في هامشة الرأس لأنها لا بُد تعود منقلة. وقال أشهب: فيها القصاص إلا أن تنتقل فتصير منقلة لا قود فيها. قال ابن المواز: يريد يستقاد منها موضحة إن لم تنتقل بالأولى، أو برئت على الهشم. فإن هشم منه مثل الأولى فهو حقه. وإن تنامت بالثاني إلى مأمومة أو إلى نفسٍ فهو قبيل الحق. وإن برئت موضحة فلم يصبه هشم لم يكن له شئ؛ لأنه ليس عندنا فصل عقل بين الموضحة والهاشمة. قال ابن المواز: صواب إن كان بدأ الجرح موضحة ثم تهمشت. فأما لو كانت الضربة هشمته لم يكن فيه قود. ... ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك بلاغاً: القود في اللسان إن كان يُقدر على القود منه ولا يُخاف. وأما إن كان متلفاً فلا يقاد منه.
ومنه، ومن العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك فيمن عض لسان رجل فقطع منه ما منعه الكلام شهرين ثم تكلم وقد نقص كلامه، قال: أحب إلي أن لا قود فيه لأني أن يذهب من كلامه أكثر من ذلك أو جميع الكلام. وليَحلف المجنِيُّ عليه على ماذهب من كلامه بعد التجربة له في ذلك. قال أشهب: اجتمع العلماء على أن لا قود من مخوف. واللسان عندي من ذلك، ولا أرى فيه قوداً. وقاله مالك. ... قال أشهب في المجموعة وكتاب ابن المواز: والأنثيان إن قطعتا أو أخرجتا إخراجاً ففيها القود، وأما في رضّهما فلا، وذلك متلف. وإن قطعتهما فعلت به خير ما فعل. ... قال مالك: وإذا ضربه أو نخسه في العين فذهب بصرها، والعين قائمة، فإن أستطيع القود منه أ ُقيد، وإلا عقل له. وإن فقأها فقئت عينه. ... قال ابن القاسم: والبياض عندي مثل القائم العين إن قُدر فيه على القود، وإلا فالعقل. وقال أشهب: إن خسفها (¬2) فله القودُ. وأما البياض فلا يُقاد منه. قال ابن المواز وقد قال ابن القاسم وأشهب: لا قود في البياض. ... ومن كتاب ابن المواز قيل: فهل يستقاد من الضارب بمثل العقل الذي بمثله ذهبت عين هذا؟ قال أشهب وإلا عُقل له قال: إن كان منه ما يكون فيه القودُ كشجة الموضحة ونحوها. وإن كان ذلك بعصا ونحوها فتعم (¬3) وقاله مالك وابن القاسم وأشهب. وإن كان أذهب عينه إلا أنها ¬
ذكر ما لا قود فيه من اللطمة والضرب وحلق الشعر ونتفه
منسوخة من شيء لا قود فيه كاللطمة أو الضربة بعصاً منغير أن يُدمى فإن انخسفت عينه أُقيد له من عينه فقط (¬1)، وإن لم تنخسف فليس له فيها إلا عقلها. قال ابن القاسم: وكذلك لو كان إنما شجه مأمومة أو منقَّلة فليس فيه قود، وفيه عقل العين. قال ابن القاسم في ماله, لأنه ليس من الصريح الذي لاق ود فيه، وهو فيه مرةً القود, ومرةً لاق ود في. ألا ترى قول مالك: إن كان يُستطاع القودُ منه فينزل الماء في عينيه وإلا عُقل ذلك. ... ومن المجموعة قال عبد الملك: لا قود في العين إلا أن تُصاب كلها وإن أصيبت كلها فقِئَت, لأنه إن أصيبت بعضها, قل أو كثر, فلا قود فيه. لأنه لا يوقف به على حدِّ. ... قال: والسمع لا قود فيه لا في كله ولا في بعضه, وإذا لا يُقدر عليه, وإنما فيه العقل؛ إما كلُّه أو بحساب ما ذهب منه. ذكر ما لا قود فيه من اللطمة والضرب وحلق الشعر ونتفه وشبه ذلك ... من كتاب ابن المواز والمجموعة قال مال: لا قود في اللطمة, وفيها العقوبة. قال ابن حبيب: وقد روى عن طارق بن شهاب (¬2) وغيره القود. قال النخعي: يُقاد من الضرب بالسوط. ... ومن المجموعة قال سحنون: وروي عن مالك في الضربة بالسوط أنه لا قود فيها، وفيها الأدب. وكذلك قال أشهب: لا قود في اللطمة وفي الضربة بالسوط أو العصا أو بشيئ من الأشياء إذا لم يكن جرحاً, لأنه لا ¬
يُعرف حد تلك الضربة، وهو من الناس مختلف, ليس ذلك من القويِّ كما هو (¬1) من الضعيف، وقد تتفق القوة ولا يُدرى مبلغ ذلك، ولكن العقوبة أولى. ... قال ابن المقفع عن مالك اللطمة: إن ذلك مختلف في الناس، ليس ذو الفضل والمروءة والشرف كالدنيء الأمر والضعيف (¬2) الخطب، والصبي والخادم، ولا قالوي كالضعيف. وأما هؤلاء السودان والصبيان؛ يتلاطمون كل ساعتين فذلك خفيف. ... قال المغيرة في الرجل ينتف لحية الرجل أو شاربه أو رأسه أو بعض ذلك عمداً فلا قود فيه. وفيه الإجتهاد من العقوبة والسجن لإختلاف عظم اللحى. ولو نتف جميع اللحية أو الشارب فأقدته منه لكان ذلك شبه الصواب، أن تكون لحية بلحية أو شارب بشارب. فأما نتف بعض ذلك فليس فيه إلا ما يرى الإمام من العقوبة والسجن. ... قال ابن المواز قال مالك: إن كان حلق الرأس واللحية والحاجبين خطأ، ففي ذلك حكومة إن لم ينبت ذلك، واختلف ابن القاسم وأشهب في عمدها، فلم ير فيه ابن القاسم إلا الأدب بلا قصاص. وقال أشهب في ذلك القصاص وفي الشارب وأشفار العين. ... قال أشهب: فإن ثبت للثاني ولم يثبت للأول، فعليه قدر شين ذلك وضرره. وأعرف لأصبغ فيما أحسب (¬3) أن القصاص فيه بالوزن، وعاب ذلك غيره، لاختلاف اللحى بالصغر والكبر. ¬
قال مالك فيمن ضرب رجلا حتي أحدث تحته، قال: يعاقب بقدر ما يري الإمام. قبل: فيما روي (¬1) أنه قضي فيه بالثلث؟ قال: ليس ذلك بشئ (¬2) ¬
فيمن يستقيد للمجروح والمقتول
فيمن يستقيد للمجروح والمقتول وكيف يستقاد من الجراح؟ (¬1) في المجموعة وكتاب ابن المواز قال أصحاب مالك فيمن جدع أنف رجل أو وفقأ عينه أو كسر يده فلا [يترك] (¬2) يستقيد لنفسه، وليدع له أهل العلم بالقصاص، فيقاد بحساب ما نقص من ذلك. قال عنه ابن القاسم: وأجره علي الذي يقتص له. وقاله أشهب. وقال مالك في العتبية من رواية ابن القاسم [وذلك كالدين. قال ابن القاسم] (¬3): لأنه يوكل من يطلب ديته ويقبض، فيكون جعله علي الطالب. قال في المجموعة [وكتاب ابن المواز] (¬4): ويدعي له أرفق من يقدر عليه من أهل البصر، فيقتص بأرفق ما يقدر عليه. قال مالك: وأحب إليه أن يولي افمام علي الجراح رجلين عدلين [ممن] (¬5) يبصران ذلك ويقيمانه. قال في المجموعة: وإن كان أحدهما أفضل من الآخر، ولو لم يجد إلا رجلاً واحدا فأري ذلك مجزيا عنه، إن كان عدلاً. ¬
ومن الكتابين قال أشهب: فإن كانت موضحة شرط في رأسه مثلها. وإن كانت سناً طرحت من أصلها، نزعت من الجاني (¬1) بالكلبتين أو بأرفق الذي يقدر عليه، وإن كسر أشرافها أو بعضها سحل بمقدار ذلك منها، إن كان النصف أو ما كان، وإن كان شرفها فذلك له. قيل لمالك في كتاب ابن المواز: أيجعل الموسي بيد المجروح ثم يشد الطبيب علي يده حتي يبلغ ذلك؟ قال لا أعرف هذا. قال ابن القاسم: وأما في القتل فسمعت عن مالك أنه يدفع القاتل إلي الأولياء. وأن النفس خلاف الجراح؛ إذ ليس علي أحد يحسن القصاص فيها، وقد يتعدي. وقال أشهب في الكتابين: لا يمكن ولي القتيل أن يقتل بيده خوفاً أن يتعدي فيقطع عليه ويضربه في غير المقاتل. وإنما يقال: يدفع إليهم القاتل، يريد أن لهم قتله وليس أن يلوه بأيديهم (¬2). ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: أخبرني ابن الدراوردي عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز قضي في رجل من جهينة كسر ذراعي رجل، فدعا عمر طبيباً فكسر ذراعيه (¬3) علي صلاية (¬4). قال أبو زيد عن ابن القاسم، وهو في المجموعة عنه، في الطبيب يخطئ في القصاص فيزيد، فهو علي عاقلة الطبيب. وإن اقتص في الموضحة أقل من حقه فلا يرجع فيقتص له حتي يتم حقه لأنه قد اجتهد له. وكذلك الأصبع يخطئ فيه بأنملة، فلا يعذب مرتين. ¬
قال ابن المواز: اختلف فيه قول ابن القاسم إذا قصر، فروي عنه أصبغ أنه قال: إن علم بحضرة ذلك. قبل يبرأ أو ينبت اللحم أتم ذلك عليه (¬1)، وإن فات (¬2) فلا شئ له في تمام ذلك ولا في ديته. وكذلك روي أصبغ عنه العتبية (¬3). قال أصبغ في الكتابين: ليس هكذا ولكن إن كان الذي قصر يسيراً جدا فلا يقاد وإن كان في موضعه. قال في العتبية: قبل البرء أو بعده. قال في الكتابين: وإن كان شيئا كثيرا او متفاوتا أو متفاحشاً، فإن كان بفور أتم عليه (¬4) وإن كان قد برد وأخذ الدواء فلا يرجع إليه وسواء برئ (¬5) أو لم يبرأ. وأخاف أن يكون عذابا [وتلفاً] (¬6). وليجعل الباقي عقلا، كان هو ولي القصاص أو من جعله [السلطان. قال في كتاب ابن المواز: وإن كان لا ينبغي أن يقتص إلا مع جعله] (¬7) الإمام. وفي كتاب ابن المواز قيل لابن القاسم: فالاصبع يقطع منها دون ما قطع، أيتم له؟ قال: لا. [قيل] (¬8) أفيعقل له ما بقي؟ قال: أدري ولعله لو قاله قائل ما أبعد. قال أصبغ: لا شك أنه يعقل له ما بقي ويكون ذلك في مال القاطع، وخلاف هذا جور [قال ابن المواز] (¬9) لم يختلف قول ابن ¬
القاسم أن الزيادة علي الذي تولي القصاص بيده إن بلغ ثلث الدية فعلي العاقلة. وإن كان أقل ففي ماله. رواه أبو زيد عن ابن القاسم. ولم يكن يري له في النقصان رجعة ولا دية ولا شيئا إلا أن يكون بقرب ذلك وحرارته وقبل نبات اللحم، فإذا مات قرب ذلك فلا دية فيه ولا يرجع فيه بقصاص. ومن المجموعة والعتبية (¬1) روي أشهب وابن نافع عن مالك في طبيب استقاد من أصبع فقاس أصبع المقطوع فأخذ قياس ذلك فقطعه من أصبع القاطع فنقص من أصبع المستقاد منه أكثر مما نقص من أصبع المستقيد، قال: أخطأ، وإنما ينظر، فإن كان إنما قطع من أنملة المجروح ثلثها أو وربعها فيقطع من أنملة ها الثلث أو الربع، فيكون القطع في طولها وقصرها. ومن الكتابين قال أشهب: وكذلك إن أوضحه في رأسه فأخذ ما بين قرنيه، وهي لا تبلغ من الجارح إلا قدر نصف رأسه، وإنما يتظر إلي قدر ما أخذت منه بين قرنيه، فإن اخذت نصف رأسه أخذ نصف رأس الآخر، وإن أخذت ما بين قرني هذا أخذ ما بين قرني الآخر، ولا ينظر إلي عظم رأس هذا وصغره، ولا إلي طول الأصبع من قصرها. قال ابن المواز: واختلف قول ابن القاسم في هذا، وهو عندنا كما قال أشهب، وقول ابن القاسم قديماً أنه يقاس الشق حتي يؤخذ في رأس الجارح بطول الشق وإن استوعب رأسه المستقاد منه ولم يف بالقياس فليس عليه غير ذلك. وكذلك الجبهة والذراع يؤخذ بطول ذلك. ما لم يضق عنه العضو فلا يزاد من غيره. ولا يعدي الرأس إلي الجبهة، ولا الذراع إلي العضد، ثم لا قود فيه ولا دية. قاله ابن عبدوس، وقال مثله عبد الملك. ¬
وقال: فإن كان ذراع المستقاد منه أطول من ذراع المستقيد وقد أوعب الجرح ذراع الأول، فليؤخذ من ذراع الثاني بقدر قيسه، من أي شقي ذراعه شاء، من نحو الكف [أو نحو] (¬1) العضد، لأن كلا قد وضع فيه الحديد من الآخر [قال ابن المواز قال أصبغ] (¬2): وليس قول ابن القاسم في هذا بشئ، وقد خالفه أصحابه والعلماء قبله. والصواب قول أشهب، وقد مر تفسيره. قال ابن المواز: ولا أعلم إلا وقد رجع ابن القاسم عن ذلك في كتبه، وبقول أشهب يقول. وقاله مالك في الأصابع، وقاله عبد الملك؛ إنه إنما ذلك علي المفاصل، لا ينظر إلي قصر ذلك من طوله. ومن المجموعة قال أشهب: وإذا جرحه موضحة وعليه بينة، لا يدري كم طولها، فقد ثبت له (¬3) موضحة؛ وليس في العمد إلا القود، فليوقف الشهود علي أقل موضحة. وإن وقفوا عنده ولم تجاوزه، حلف المشهود عليه علي ما فوق ذلك وأقيد منه بذلك. وإن لم يحلف حلف الآخر، علي ما ادعاه واستقاد (¬4). وقاله سحنون فيمن جرح رجلا عمدا ولم يؤخذ قياس الجرح حتي برئ، فليدع الجارج فيصف قدر ضربته وأين بلغت ويحلف علي ذلك، ويقتص منه علي ما أقر به. وإن لم يصف [ولم يحلف] (¬5) وأبي. حلف المجروح علي صفة ذلك (¬6) ويقتص له. فإن أبي نظر الإمام إلي ما لا شك فيه فاقتص بقدر ذلك. ¬
وروي محمد بن خالد (¬1) عن ابن القاسم عن ابن القاسم في المجروح [عمدا] (¬2) يكتب قياس جرحه حتي يبرأ، فذهب الكتاب ولا تثبت البينة طوله وغوره، وقد أصابه من ذلك عيب أو شلل، فلتستفسر البينة عن معرفة ذلك الجرح إلي ما لا يشكرون فيه. فإن ثبتوا علي أمر (¬3) اقتص منه [علي ذلك] (¬4). فإن أصابه عيب أو شلل كالأول [كان قصاصاً] (¬5)، وإلا عقل له العيب والشلل. قيل له أفتقبل شهادة الذي عقل الطول والغور والجرح (¬6) وإن لم يعرفه غيره؟ قال: نعم مع يمينه. ومن الواضحة (¬7) قال بان الماجشون: ومن قطعت يده من المرفق فأراد أن يقتص من الكف أو من الأصابع أو يقطع منها أصبعا واحدة من تلك اليد أو من الأخري، أو يجذع أنفه (¬8) فليس ذلك له وإن رضي المقتص منه، لأن الله يقول: (والجروح قصاص) (¬9) ولو جاز هذا، جاز أن يقول له ولده اقتص مني أو بعض من يتطوع له بذلك من أوليائه، وهم بذلك كلهم راضون، ولا يجوز ذلك. وقاله مطرف وأصبغ. وقد كتبنا باباً في خطأ الإمام والحكام في الدماء في آخر الثالث من الجراح. ¬
في الجارح والقاتل يجنى عليه أو يجنى
في الجارح والقاتل يحبني عليه أو يجني وفي القاتل يقتله الولي أو أجنبي أو يقطع أعضاءه قبل القتل وفي المجروح يجرح الجارح من كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة قال ابن وهب وابن القاسم وغيره عن مالك في قاتل العمد يقتله أجنبي عمداَ ليس من أوليائه، فقد صار دم الأجنبي لأولياء القتل الأول، فإن شاءوا قتلوه، إلا أن يرضيهم (¬1) أولياء القتيل الثاني، الذي كان قتيلا، ثم يكون لهم القصاص من الأجنبي، أو يعفون. فإن لم يرضوهم فالأولياء الأول قتل الأجنبي أو العفو عنه. قال مالك في قاتل العمد يموت أو يقتله أحد، وفي فاقئ العين عمداً تذهب عينه بأمر من الله أو يمون أو يفقأ مثل عينه تلك احد، فإنه لا طلب علي الجاني ـ يريد الأول ـ بدية أو غيرها، ولا في ماله إن مات. وقاله أشهب. وكذلك من [في] (¬2) يمينه قصاص فسرق، فالقطع في السرقة أولي به. فإن قطع فيها أو في غيرها فلا شئ للأول. ومن الكتابين قال مالك في قاتل العمد يقتل، إن كان الذي قتله ولي الدم ومن له العفو أو القتل، فلا شئ عليه غير العقوبة إذ فعل ذلك بغير إذن الإمام. ¬
قال ابن المواز: إذا أقام الولي شاهداً علي القاتل وليه ثم لم يقسم (¬1) حتي عدا عليه فقتله قبل القسامة فإنه يقتل به، وليس له أن يقسم بعد قتله، لأنه يدرأ بذلك عن نفسه القتل، إلا أن يأتي بشاهد آخر ـ يريد فلا يقتل .. قال [مالك] (¬2) في الكتابين وكذلك لو اقتص رجل من قاطع يده عمداً قبل البرء بغير إذن الإمام، لم يلزمه غلا الأدب، وقد أخطأ فيما اجترأ عليه. وفي ذلك ذريعة إلي الفساد. قال في كتاب ابن المواز: ولو مات المستقاد منه من القطع (¬3) لم يلزم المستقيد غير الأدب. وقال المغيرة، في المجموعة وكتاب ابن سحنون: بل علي عاقلة المستقيد دية النفس، ويعاقب المستقيد. ولو مات المستقيد بعد أن آخذ القود لنفسه قبل أن يبرأ (¬4) فإنه يقتل المستقاد منه للمستقيد بقسامة أهله لمات من ذلك. ويؤدي عاقلة المستقيد لنفسه دية المستقاد منه، وكأنه قطع يده خطأ. وقال غيره، في المجموعة (¬5): إن وثب المجروح فقتل قاطعه (¬6) عمداً قتل به، ولا شئ للمجروح في قطع يده لأن ماله فيه القصاص قد ذهب. وقال أشهب وابن القاسم في ولي القتيل عمداً إذا قطع يد القاتل عمداً قطعت له يده، ثم له أن يقتل القاتل. ¬
وقال ابن القاسم فيمن قطع أيدي أربعة نفر اليمين اليمين، ثم عفا رجل منهم، فلمن بقي أن يقطع يمينه. وإن هذا رجل منهم فقطع يمينه فلا شئ لمن بقي. ولو قطع أصابعه الخمس فقطع هو بيده من الكوع، فإنه يؤمر الذي قطعت كفه كلها أن يقطع الكف بعد الأصابع، حتي يعتدل قصاصها. ولو قطع صحيح يد أشل عمداً ثم قطع الأشل يد الصحيح، [يريد] (¬1) واليد واحدة، فللصحيح فضل الدية بعد الحكومة في يد الأشل [فإن كان الأشل البادئ ثم قطع الصحيح يد الأشل] (¬2) رجع عليه بما بين حكومة يد شلاء ودية صحيحة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا حكم الإمام بقتل القاتل فضربه المحكوم له ضربتين، قطع بالأولي يده وقتله بالثانية؛ فإن لم يتعمد ذلك فلا شئ عليه من أدب ولا غيره. وإن تعمد ذلك فالأدب فقط. قال ابن حبيب [قال أصبغ] (¬3) عن ابن القاسم في القاتل عمدا يدفع إلي أولياء المقتول ليقتلوه، فقطع واحد منهم يده وآخر رجله ثم قتلوه، قال: لا يقاد منهم، لأن النفس كانت لهم، وليعاقبهم الإمام علي ذلك. قال ابن الماجشون: وإذا قام ابن المقتول فقتل قاتل أبيه قبل أن تزكي البينة، فإنه إن جرحت البينة قتل الابن به، وإن عدلوا أدب الابن بما افتات علي الإمام. ¬
ومن كتاب ابن المواز، وهو في المجموعة لابن القاسم وأشهب: وإذا مات القاتل في السجن بطل الدم بموته، ولو كان خطأ لم تبطل (¬1) الدية بموته، لأنها علي العاقلة، ولم يكن عليه حبس. قال: وإن قتل هو أحداً خطأ أو جرح، أو جرح هو أو قتل. فأما ما جني عليه من عمد أو خطأ من جرح أو قتل. فاما ما جني عليه من عمد أو خطأ من جرح أو قتل فليؤخذ له ذلك مثل غيره، ويكون ذلك إليه في الجراح في خطئها وعمدها؛ يأخذ العقل في الخطأ ويقتص في العمد إن شاء. وليس لولاة المقتول من ذلك شئ، وإنما لهم نفسه، وكذلك لو حكم الإمام بقتله فالحقوق في هذا واجبة له، وعليه حبسها قبل حكمه ما دام حيا. قال أشهب في المجموعة وإن ضرب بالسيف فلم تبلغ الضربة منه إلا جرحا ثم عدا عليه إنسان فقطع يده ثم كر عليه الولي بضربته الأولي علي مقاتله، فلا يكون له علي قاطع يده غير العقوبة، وهي كيد ميت. قال ابن المواز: فأما جراحاته هو علي غيره فيفترق عمدها وخطؤها إن استقيد منه، فأما الخطأ فهي ثابته عليه وإن قتل، ما كان دون الثلث ففي ماله، وما بلغ الثلث فعلي عاقلته، وأما العمد فيسقط إذا استقيد منه، فإن عفي عنه فللمجروح قصاص جرحه. واختلف قول مالك إذا قتل هو خطأ. فروي عنه ابن عبد الحكم أن لا شئ لأولياء المقتول عمدا كما لو مات، والذي روي [عنه ابن القاسم] (¬2) وغيره من أصحابه: أن الدية لأولياء المقتول عمداً. قال محمد: وهو أحب إلي، وعليه جماعة أصحابه، وكذلك في المجموعة ولم يذكروا رواية ابن عبد الحكم. ¬
قال عنه ابن القاسم في الكتابين فيمن قطع يد رجل عمداً، ثم [تقطع] يد القاطع تلك خطأ: فدية اليد للمقطوع الأول. قال ابن المواز قال ابن عبد الحكم غير هذا. وهذا أحب إلينا. ول قطعت يده عمداً فالقصاص والعفو للمقطوع الأول. قال أشهب: إلا أن يرضي القاطع الأول المقطوعة يده أولاً [من يده] (¬1) فيكون له القصاص [أو العفو] (¬2) وإلا فالقصاص للمقطوعة يده أولا، وكذلك، في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون [قال مالك] (¬3) إن أرضي القاطع [الأول] (¬4) المقطوعة يده أولاً كان أولي بقاطعه [قال] (¬5). وتفسيره عندنا أن يرضيه بدون عقل يده. وإن أتم له عقل يده وقد اختلفا لزمه ذلك (¬6) وإن لم يتم له عقل يده ولم يتراضيا بأقل منه فللمقطوع الأول أن يقطع يد قاطع قاطعه، أو يعفو علي ما أحبا. وقال مطرف: سواء أتم له عقل يده أو لم يتم له ذلك؛ هو أولي بقطع يده ـ يريد قاطع قاطعه ـ إلا أن يرضي بغير ذلك مما يعطيه قاطع يده. وقاله أصبغ (¬7). ¬
[قال ابن حبيب] (¬1) قال ابن الماجشون: وإن قطعت يده من الكف، ثم قطعت يد القاطع (¬2) من المرفق، فليس للمقطوع من الكف أن يقطع [قاطع] (¬3) قاطعة من المرفق ولا من الكف، وإن رضي له هذا بذلك. ولكن للأول عقل الكف علي قاطعه، كما لو أتي عليه عطب من السماء. وقاله مطرف وأصبغ. ومن كتاب ابن سحنون قال مالك في القاطح بأمر من الله سبحانه، إنه يسقط القود ولادية له. قال سحنون: وقال غيره من أصحابه إن للمجني عليه دية يده. قال سحنون: فبقول مالك أقول. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ولو قطعت يد الأول من المرفق ويد قاطعه من الكف فله قطع ما بقي من يد قاطعه، ويأخذ من قاطع قاطعه من الكف، ثم يرجع إلي قاطعه (¬4) فيأخذ منه عقل ذراعه الباقية ولا يقطعها فيتبعض عليه القطع. وقال مطرف: بل له عقل يده علي قاطعها جين اختلف القطعان، ثم يكون لقاطعه أن يقتص بكفه من قاطعه أو يراضيه. ابن حبيب: وبهذا آخذ، وهو استحسان، وقول ابن الماجشون القياس، وقول أصبغ غلط. قال ابن الماجشون: ولو شلت يد الذي قطع الأول من الموفق بضرب رجل، فالأول أن يقتص من [اليد] (¬5) التي شلت ويرجع هو أيضا علي الذي أشلها ـ يريد كاملة ـ وإنما لا يقتص من اليد الشلاء إذا كانت شلاء يوم وجب (¬6) القصاص. ¬
وقال مطرف: لا قصاص في الشلاء شلت قبل وجوب القصاص (¬1) أو بعد، ولكن للأول العقل، وللثاني القصاص ممن أشل يده بضربة مثل ضربته (¬2) فإن أشل يده وإلا كان له العقل. وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن قطع يد رجل من المنكب [ثم عدا رجل علي الجاني فقطع يده من الكف، فالمجني عليه الأول بالخيار: إن شاء قطع كف قاطع قاطعه، وإن شاء قطع من المنكب بقية يد قاطعه] (¬3) وقد قال عبد الملك في باب القصاص من الناقص بالتام خلاف هذا؛ إن له أن يقطع كف المتعدي وبقية يد قاطعه إلا أن يرضيه قاطعه فيبقي القصاص له. وكذلك ذكر ابن سحنون في قاطع الكف تقطع بعض أصابعه. وقد تقدم هذا. وقل سحنون فيمن فقأ عين رجل عمداً ثم يقتل الفاقئ خطأ، فللذي فقئت عينه نصف تلك [الدية] (¬4) وإن قتل عمداً فإن قتل قاتله بطل حق المجني عليه، وإن صولح علي الدية دخل فيها المجني عليه، فأخذ من ذلك عقل عينه. ومن كتاب ابن المواز ذكر مثل قول سحنون عن نفسه، وروي أنه لا شئ للمفقوءة عينه في عمد ولا خطأ، لأن الدية المأخوذة في النفس لا في العين. فأما في العمد فالقتل يأتي علي جميع ما جني. وفي باب الصبي والغائب يكونان من الأولياء ذكر القاتل يقتله أحد الأولياء والولي الآخر غائب، أو صغير بغير إذن الغائب ولا ولي الصغير. ¬
فيمن اجتمع عليه قتل وجراح
ومن العتبية (¬1) روي أشهب عن مالك في رجلين جرح كل واحد منهما صاحبه جرحاً سواء في جسده أو موضحة موضحة أو غيرها، ثم يطلبان القصاص أو أحدهما، فلا قصاص بينهما ولا دية. وقد استوفي الثاني جرحه بيده. وكذلك لو فقأ هذا عين هذا (¬2) وفقأ الآخر منه تلك العين، لم يكن بينهما قصاص ولا دية. ومسألة من عض أصبع رجل فجبذ المعضوض يده فقلع سن العاض في باب آخر؛ أن مالكاً يري أن قلع السن من الخطأ، وعليه عقله، وابن وهب لا يري في السن (¬3) شيئاً لحديث رواه (¬4). فيمن اجتمع عليه قتل، وجراح أو جرحان أحدهما أكبر من الآخر أو قطع يد وسرقة أو قطع يد وقطع يد من موضع آخر من المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن جرح رجلاً ثم قتل آخر عمداً: إنه إذا قتل فالقتل يأتي علي ذلك كله وعلي كل جرح عمد. قال أشهب: كانت الجراح والقتل في رجل أو رجال؛ مثل أن يجرح رجلاً جراحات ثم يقتله أو يقتل غيره أو يقتل رجلاً ثم يجرح آخر جراحات. فإن طولب بالقتل فلا قود في الجراحات وإن عفي عن دمه أقيد منه في الجراح. ¬
قال عنه ابن وهب: ولو قتل رجلاً عمداً ثم أصاب آخر خطأ (¬1) بقتل أو جراح [أو كان الخطأ أولاً ثم قتل أحداً أو جرحه عمداً] (¬2) إن الخطأ واجب علي عاقلته، ويقاد منه ما أصاب عمداً من جرح أو نفس. ولو أصيب هو أيضاً خطأ لعقل له بما أصيب به. قال ابن القاسم وأشهب: وإن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمداً فدية الخطأ علي العاقلة ويقتل به. ومن قطع أصابع يمين رجل ثم قطع له بقية [كفه] (¬3) فإنما له أن يقطع كفه فقط. ولو قطع أنملة من سبابة رجل ثم قطع لآخر السبابة فإنما لهما قطع سبابته ولو قطع أصابع يمين رجل ثم قطع يمين آخر من الكوع قطعت يمينه لهما من الكوع. فإن قطع يمين هذا من الكوع، ويمين آخر من المرفق لقطع لهما من المرفق. ولو قام به [صاحب الكف فقطعه، ثم قام به] (¬4) لكان قطعه من المرفق. قال أشهب: كما لو قطع كف رجل (¬5) ثم قطع من كف القاطع أصبعان؛ إن للأول القود في بقية اليد. وقاله عبد الملك. قال غيره: ولو قطع يد رجل من الكوع وقطع من آخر ذراعاً بغير كف، ثم قاما ليقطعاه من المرفق فليس لهما ذلك، لأن صاحب الذراع لم يكن له القصاص يوم جرحه، وإنما له حكومة. قال ولان يد الجاني قائمة بعد، ولصاحب الكف القصاص من الكوع، ولو كان إنما جني علي صاحب الذراع بعد أن اقتص منه صاحب الكف لكان له أن يقتص من ذراعه. وكذلك لو قطع لرجل أصبعين، ثم قطع لآخر كفالين فيها إلا ثلاث أصابع، فليس لصاحب الكف إلا ثلاثة أخماس [دية] (¬6) اليد، ولصاحب الأصبعين ¬
القصاص. ولو جني علي الكف بعد أن اقتص منه بالأصبعين كان لصاحب الكف القصاص. إذا كانت الأصابع التي قطع منه نظير الأصابع الباقية للجاني. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن قطع يد رجل من المنكب ويد آخر من الكف، فقام به صاحب المنكب فقطعه، ثم قام الآخر فلا شئ له، والقطع الأول يأتي علي ذلك. ولو قام به صاحب الكف [أولاً] (¬1) فقطعه ولم يعلم بصاحب المنكب، ثم قام صاحب المنكب كان له أن يقطع ما بقي من المنكب، وقال أصبغ مثله، وكان أحب إلي أن لا يقطع [العذابه وقطع أرابه] (¬2) مرتين، وأن يعقل له ما بقي، إلا ما يشاءهذا ان يمكن من بقيته (¬3) ويأبي العقل فذلك له. ومن كتاب ابن سحنون: [عن أبيه] (¬4) فيمن قطع يد رجل من المنكب وقطع يد آخر من المرفق وسرق فإن يده تقطع من المنكب لذلك كله. ثم رجع عن ذلك وقال: أقطع يده (¬5) من الكوع للسرقة ثم أقطعه للباقين. قال سحنون: وإذا قطع كفاً لرجل وقطع لآخر ذراعاً بغير كف إنه يقطع مرتين، يقطع كفه ثم ذراعه. وكذلك لو قطع عضد آخر [بغير] (¬6) ذراع لقطع ثلاث مرات. وإن عفا المقطوع الكف (¬7) وجب للباقين حكومة. فإن عفا المقطوع ذراعه خاصة سقط قصاص المقطوع [العضد ولم يسقط ¬
قصاص المقطوع (¬1) الكف، فإن عفا المقطوع العضد لم يسقط قصاص الباقين. ومن كتاب ابن المواز وأراه لأصبغ: ومن قطع أيدي جماعة اليمين (¬2)، ثم قطعت يمينه خطأ، فديتها تؤخذ من القاطع وتكون لجماعة من قطعت يمينهم أولاً [بينهم] (¬3) بالسواء، فإن اقتسموها ثم قدم آخر كان قطعه ولم يعلم به فليدخل معهم بنصيبه. ولو قطعت يده عمداً ثم قام يقطع قاطعه كان أولي. ولو قطعه أحد المقطوعين كان قصاصاً لهم (¬4)، ولا شئ للياقين من دية ولا قصاص. ويؤدب المقتص دون الإمام. قال ابن المواز: ليس هذا مثل ولدي المقتول (¬5) يقتص أحدهما قبل علم الآخر فيلزمه غرم حصة اخيه من الدية؛ لأنه يقول كنت أصالح أو أعفو [علي دية] (¬6). ¬
في الرجل يقتل الرجلين أو يقطع أيديهما أو يجرحهما
في الرجل يقتل الرجلين أو يقطع أديهما أو يجرحهما أو الجماعة وفي الجماعة يقتلون الرجل أو يجرحونه من كتاب ابن المواز (¬1) عن مالك. ومن المجموعة من رواية ابن القاسم وابن وهب وعلي عن مالك ومنهم من يزيد السن، فيمن فقأ أعين جماعة اليمين، أو قطع يمين رجل ثم أيمان جماعة، فليس لهم إلا فقء عين اليمين أو قطع يمينه. وكذلك الرجل كما لو قتل جماعة ولا دية في ذلك. ولو قام أحدهم تمكن من القصاص ثم لا شئ للباقين إن قاموا. كالقتل والحدود، وقاله ابن القاسم وأشهب. قال ابن عبدوس: وكذلك قال ابن عبد الحكم (¬2): قال ابن المواز: وكذلك لو قطع يسار جماعة كان قطع يساره لمن قام منهم مزيلاً لحق الباقين، فإن لم يعرف بالباقين حين القصاص ثم قاموا ببينة أو بإقراره فلا شئ لهم من قصاص ولا دية. ولو عفوا إلا واحداً [فقام] (¬3) كان له القطع. ولو أصيبت يده بأمر من الله تعالي لم يكن لهم عليه شئ، كما لو قتل جماعة فاقتص أحدهم أو مات فلا شئ لمن بقي. ولو عفوا كلهم إلا واحداً كان له أن يقتله. وكذلك جميع الجراح. وكذلك لو قطع أنف (¬4) مائة رجل أو ذكراً أو عضواً (¬5) من جماعتهم، فزال ذلك العضو بقصاص من احدهم أو بأمر من الله تعالي، فإنه يزيل حق من بقي. وكذلك الحدود إن حد لواحد في قذف كان لكل من قذفه. ¬
ولو تعدي واحد ممن قطع يده (¬1) أو غيرها فقطع له ذلك العضو من غير مرافعة ما كان عليه غير العقوبة؛ إذ فعله بغير إذن الإمام، ويكون ذلك لكل من كان له في ذلك العضو قصاص. قل ابن المواز قلت لأصبغ: فلو ضربه واحد من المقذوفين؟ قال ما سمعت فيها شيئا، وأري إن كان صح [ذلك] (¬2) وأحضر إليه جماعة وحده علي ما يصلح من الحد وأعلمهم أن ذلك لقذفه إياه، فأراه جائزاً ومزيلاً لحق الباقين، ومخرجاً له إن شهد، ويؤدب هذا الضارب بما افتات علي الإمام. ومسألة من قطع أيدي جماعة ثم قطعت يده خطأ في الباب الذي قبل هذا. قال ابن القاسم فيمن قتل رجلين (¬3) صم صالح أولياء أحدهما علي مال وعفوا عنه، فلأولياء الآخر القود إن شاءوا، فإن استقاد بطل صلح الآخرين، وردوا المال. قال مالك في الكتابين: والمجتمع عليه عندنا أنه يقتل الرجلان الحران وأكثر من ذلك بالرجل الحر، والنساء بالمرأة والإماء والعبيد كذلك في قتل العمد، وإذا ضربه الجماعة (¬4) ثم مات تحت أيديهم قتلوا به، وإن مات بعد ذلك ففيه القسامة. ولا تكون القسامة إلا علي واحد منهم. قال علي [بن زياد] (¬5) عن مالك: وكذلك لو ضربوه، هذا بسيف وهذا بعصاً، وتمادواً علي ¬
ذلك حتي مات قتلوا به، إلا أن يعلم أن ضرب أحدهم قتله. وكذلك روي عنه ابن القاسم. [قال ابن القاسم] (¬1): وإن اجتمع جماعة علي قتل امرأة أو صبي فإنهم يقتلون. قال مالك: وإن اجتمعوا علي قطع يده أوفقئ عينه فهو كالقتل يقتص من جميعهم في قطع أيديهم أو فقء أعينهم. وقاله أشهب، واحتج بقول عمر في اجتماع الجماعة علي القتل. وهو قول غير واحد (¬2) من التابعين، وقاله ربيعة ومالك وابن أبي سلمة [والليث] (¬3) في النفس والجراح. قال أشهب: وفرق بعض العراقيين فقال به في النفس دون الجراح، والنفس أولي بالزراية (¬4)؛ لعظم (¬5) حرمتها علي الجراح، فقد ناقضوا، وقد تقطع جماعة تعاونوا علي السرقة. ومن كتاب ابن المواز ذكر مثل ما تقدم عن مالك وغيره، وعن أشهب في حجته وقال: لو اجتمع جماعة علي رجل يضربونه، فقطع واحدً يده وفقأ آخر عينه وجدع آخر أنفه وقتله آخر (¬6). فإن اجتمعوا علي قتله فليقتلوا به كلهم إن مات مكانه، وإن كان جرح بعضهم أنكي (¬7) من جرح بعض فلا قصاص له في الجرح ما لم يعمد. والمثلة مع القتل بمنزلة مالو أمسكوه لمن يقتله وهم عالمون بقتله، فليقتل الممسكون والقاتل. وإن لم يريدوا قتله اقتص من كل واحد بجرحه وقتل قاتله. قال أصبغ: إلا أن ¬
يجتمعوا لتلك الجراح ويتعاونوا عليها فليقتص منهم فيها من المتولي والممسك إذا علم الممسك أن ذلك أريد به. ثم عاد الكلام إلي أوله فقال: وذلك إذا عرف جرح كل واحد، وأما إن انكشفوا عنه فلم يعرف جرح كل واحد قتلوا به كلهم إن مات مكانه، وإن لم يمت مكانه ففيه القسامة، ولا يقتل إلا واحد، ويضرب الباقون مائة مائة، ويحسبون سنة، ولم يقتص جرحه، ولا يكون فيه دية. وإن لم يمت قيل له: اذكر من تعلم أنه جرحك ما تقول من الجراح واحلف عليه واقتص منه. وروي ابن وهب عن مالك فيمن اجتمع عليه نفر فضربوه ثم زالوا عنه وبه موضحة، وقامت بينة أنهم فعلوا ذلك ولا يدري من شجه، فالعقل عليهم كلهم. قال بن القاسم: بعد يمينه أنه ما يعلم من شجه، فإذا حلف حلفوا أنهم ما شجوه، فإن نكلوا كلهم أو حلفوا كلهم كان العقل عليهم. وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم فالعقل علي الناكلين. قال ابن القاسم: وليس له أن يقول فلان جرحني مثل ما يقول فلان قتلني. إلا قوماً قد شهد (¬1) عليهم بالقتال بينهم، فينكشفون وقد جرح أحدهم (¬2) فيدعي المجروح أن أحداً منهم جرحه، إنه يحلف ويقتص. وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال مالك والمغيرة: وإن تفرقوا عنه وبه أربع مواضح، فليحلف علي من يزعم (¬3) منهم أنه شجه ويستقيد، [وكذلك] (¬4) إن قال إن واحداً منهم شجه إياها كلها، وإن لم يحلف علي أحد منهم فله عقل الشجاج علي جماعتهم. ¬
قال المغيرة: إذا قال ما أدري أيهم شجني، فليحلف كل رجل منهم أنه ما شجه، ثم الشجاج بينهم ولا قود عليهم. قال مالك: وإذا كانت دون موضحة مما فيه القصاص فليحلف علي من شاء ويستقيد، وإن لم يحلف بطل ذلك كله. وإنما يحلف إذا شهدت بينة أنهم شرعوا فيه ولم يثبتوا من شجه. فإن لم يحلف عقلوا له عقل الموضحة. قال ابن الماجشون، في المجموعة وكتاب ابن حبيب: إذا شهدوا أن رجلين ضربه كل واحد منهما ضربة واحدة لم يضربه غيرها، ثم وجد به موضحة ومنقلة، فإن مات فولاته مخيرون في القسامة علي أيهما ساءوا يقتلونه، ويضرب الأخر مائة ويسجن سنة. وإن لم يمت سئل من جرحه الموضحة ومن جرحه المنقلة. قال في الواضحة (¬1): فإن أثبت (¬2) ذلك قبل قوله مع يمينه. قال في الكتابين: فإن لم يثبت حلف ما أدري وسئلا، فإن ادعي كل واحد منهما الموضحة ونفي المنقلة حلفا وقيل له: خذ من أيهما شئت الموضحة يريد قواداً، وخذ من الآخر نصف عقل المنقلة، يريد إن كان شئ لا يعقل فليس للمجروح إلا أن يثبت (¬3) من جرحه ويستقيد، فإن لم يحلف حلف الجارح وبرئ. ومن كتاب ابن المواز قال ابن وهب عن مالك في القوم يقتتلون فتقع بينهم جراح، فليحلفوا علي من ادعوا ويقتصوا منه. قال أصبغ: ونزلت فحكم ابن القاسم فيها بهذا. ويقبل في مثل هذا دعواه ويحلف، إلا أن يستدل أن هذا الجرح كان به قديماً. وأما ما أشكل فإن المجروح يحلف ¬
ويقتص. وإنما ذلك له إذا شهد رجلان علي قتالهم. وأما شاهد واحد فلا يجوز ولا يحلف المجروح علي الشاهد الواحد علي القتال، وليحلف المدعي عليه ويبرأ. قال ابن القاسم وعبد الملك في النفر يجتمعون علي ضرب رجل ثم ينكشفون وبه جرح أو قطع يد، فإن حلف المجروح علي أحدهم أنه جرحه اقتص منه وحده. وإن انكشفوا وقدمات قتلوا به. وإن لم يثبت من جرحه فلابد أن يحلف ما عرفه ثم له دية جرحه علي جميعهم. قال ابن المواز: وإنما يمينه لأنه متهم أن يفر من القصاص إلي الدية. قال ابن القاسم: فإن نكل حلفوا كلهم ويرثوا. وقد قال مالك: إذا افترقوا عنه وبه موضحة لا يدري من شجه، إن العقل علي جميعهم. قال ابن القاسم بعد يمينه أنه ما يعلم من شجه، إلا أن يكونوا إنما اجتمعوا عليه للموضحة، ولما أمسكوه وتولي بعضهم شجه أو قطع يده فليقتص (¬1) منهم بذلك الجرح. وإذا اجتمع نفر علي قطع يد رجل قطعوا بذلك كلهم، وله القصاص من بعضهم وصلح بعضهم أو العفو عنه بمنزلة القتل. قال مالك في النفر يضربون الرجل حتي يموت تحت أيديهم فيقتلون به. ولأوليائه قتل بعض وصلح بعضهم علي مال إذا ثبت القتل ببينة ومات مكانه. فأما إن كان القتل بقسامة فلا يقسمون إلا علي واحد غير الممسك وغير الناظور. وعلي هذا الأمر في الرجال والنساء والعبيد والإماء. وإذا كان الممسك والناظور يعلم أن الضاربين يريدون قتله قتل معهم إن كان ذلك ببينة أو بإقرار. وإن أمسكه أو نظر لهم (¬2) وهو يظن أنهم ¬
يضربون من غير قتل لم يقتل الممسك ولا الناظور، ويعاقبان أشد العقوبة. وإذا كان فيما القسامة فلا يقسمان علي الممسك ولا علي الناظور. وإن أنهم أرادوا القتل وقد ولي القتل غيره فلا يقتل بالقسامة إلا واحد، كما لو قتله نفر فقال فلان منهم (¬1) أنفد مقاتلي (¬2) وهو مما فيه قسامة، فلا يقسم إلا عليه، ثم ليس علي من بقي جلد ولا سجن، إلا أن يقر الناظر أو الممسك أنه علم أنه يقتل فإنه يقتل بغير قسامة، ويقسمون علي آخر ممن بقي ويقتلونه، ويضرب من بقي مائة ويحبس سنة. ولو أمسكه وهو يعلم أنه يريد قتله ففقأ عينه، او أمسكه لفقء العين فقتله. فأما إذا فقئت عينه فليقتص منهما جميعاً في العين، وأما إن أمسكه للفقء فلا شئ علي الممسك، ويقتل متولي قتله، وعلي الممسك جلد مائة وحبس سنة. في القتيل يجتمع في قتله كبير وصغير أو حر وعبد أو أب وأجنبي أو عامد ومخطئ أو رجل ودابة أو سقطة وما جري في ذلك من القسامة من كتاب ابن حبيب عن ابن الماجشون، وما ذكر عنه عن ابن عبدوس (¬3) قال ابن الماجشون: وإذا اجتمع في [قتل] (¬4) القتيل كبير وصغير ¬
أو حر وعبد أو ضربتان عمداً وخطأ (¬1) أو أب وأجنبي، قال في كتاب ابن عبدوس يحذفانه (¬2) بسيف فيقتلانه. قال في كتاب ابن عبدوس أو يضربه رجل ثم تبعجه دابته أو يتردي من حائط فيموت قصعاً ويثبت ذلك بالبينة، [قال] (¬3) فإن الديات تنقسم ودم العمد لا ينقسم. فكل من شرك في قتل مجهز في معترك فهو كقاتله وحده. وإذا كان القتل عليهم لقتلهم إياه فكذلك إن سقط عن أحدهم القتل إما لحرمة الأبوة (¬4) أو لأن الأولياء استحيوا العبيد ليسترقوهم، أو لصغر بعضهم، أو لأن أحدهم ضربه خطأ، فإن العقل علي من عليه العقل منهم علي عدد قوم هو أحدهم، ثم يقتل من بقي ممن شرك الأب أو الصبي أو المخطئ، أو شركه العبد. والذي شركه بعج دابة أو غرق أو ترد أو هدم، ويكون ما شركه من هذا هدراً، والقود علي من ذكرنا بلا قسامة إذا مات مكانه. إلا من شركة التردي أو غرق أو بعج دابة فإنه يستظهر علي المعتمد بالقسامة أن من جرحه مات، سواء مات قصعاً أو أرتث (¬5)، وأري ما شركه من هذا شبه الحياة بعد الجرح العمد أو الضرب العمد، والمجروح يمرض ثم يموت (¬6) فلأوليائه أن يقسموا. قال: وأما إن إرتث وحمل أو كان ما ثبت من قبل القعص بشاهد فلا بد من القسامة، فإذا كانت القسامة لم تكن إلا علي واحد، وإذا كانت علي من شركه الأب قيل: فإن أقسم علي الأب كانت الدية عليه مغلظة، وإن أقسم علي من شركه الصغير او المخطئ [قيل وإن أقسم علي الصغير أو ¬
علي الكبير المخطئ] (¬1) فالدية علي عاقلته، كانت ضربة الصغير عمداً أو خطأ، ويضرب الكبير مائة ويحبس سنة. وإن أقسموا علي العبد فإن شاءوا قتلوه أو استحيوه وضرب الحر وسجن. وإن أقسم علي من شركته الدابة أو التردي وشبهه قتل. وإن لم يقسموا عليه ضرب وسجن. وإن كان ما اشترك (¬2) فيه هو لا جراحات يعرف منها جرح كل واحد بالبينة، وهي مما فيه القصاص أو العقل، فمن ارتجت عنه القسامة منهم كان عليه في جرحه القصاص (¬3) أو العقل إن كان مما لا يقتص منه. ومن ارتجت عنه القسامة ضرب وسجن كما ذكرنا. وإن لم تكن ثبتت الجراحات إلا بشاهد أو بقول القتيل لم يجب لها عقل ولن يجب فيها قصاص. قال: وإن كان ما صح، اشترك فيه القتل من هؤلاء لم يكن في فور واحد ولكن متفرقاً فانظر، فإن عاش بعد ضرب الآخر ثم مات فالأمر علي ما تقدم ذكره في فور واحد. وإن كان الآخر أقصعه ولم يرتث بعده فهو قاتله يقتل به في العمد إن كان ممن يقتل به، وإن كان خطأ وجبت فيه الدية بلا قسامة. فإن كان الذي أقصعه آخراً ترد أو دابة أو شبهه فديته هدر، إلا أنه يقتص من جرح الأول في العمد، ويعقل في الخطأ، وليس لهم أن يقسموا علي الجارح الأول في هذا، وإنما لهم أن يقسموا أن لو ارتث في الثاني، فيقسموا علي أيهما شاءوا. ¬
وأما مجروح صحيح ناله هدم أو غرق أو بعجته دابة فيموت فلا يقتل جارحه، وليس فيه دية النفس، لكن يحكم في الجرح بقصاص في العمد أو عقل في الخطأ، [إلا أن يفذ الأول مقاتله فالحكم علي الأول بالقصاص في النفس في العمد أو لدية في الخطأ] (¬1) قال ابن حبيب: وقال بذلك كله أصبغ واستحسنه. قال: واضطرب فيه ابن القاسم فيما يشترك فيه العامد والمخطئ، فقال مرة يخير الأولياء أن يقسموا علي من شاءوا منها، مات قصعاً أو مرتثاً. واستحسن هذا أصبغ؛ ومرة قال: إنما يقسمون علي أن من ضربهما مات ثم تكون عليهما الدية، نصفها في مال المتعمد، ونصفها علي عاقلة المخطئ. وكذلك لو مات قصعاً ولم يعش، وقد ثبت جرحهما ببينة؛ قال: فلا يقتل المتعمد إذا شركه المخطئ؛ ومرة قال في الذي شركه الصغير مثل قولنا، ومرة قال: إن كانت ضربة الصغير عمداً قتل الكبير (¬2) وعليهما الدية. وأما إن شركه بعج دابة أو غرق ونحوه، فمرة قال: يقسمون علي المتعمد وجعله كحياة المجروح أو كمرضه مثل قولنا؛ ومرة قال: علي المتعمد نصف الدية في ماله بلا قسامة، ويضرب مائة ويحبس سنة. ولم يختلف قوله إذا مرض بعد الضرب أو الجرح أن فيه القسامة. وبقول ابن الماجشون أقول، وقد قاله ابن القاسم، وهو أحد قوليه. ومن كتاب ابن المواز [قال أشهب] (¬3) في الرجل يجرحه رجل جرحين، ويجرحه آخر جرحاً فمات من ذلك. فإن كانت جراحهم عمداً أقسم ولاته ¬
علي أيهم شاءوا وقتلوا، ولا يقتلون بالقسامة غير واحد. وإن كانت خطأ أقسم الورثة عليهما ثم أخذوا الدية من عاقلتهما ثم أخذوا الدية من عاقلتهما: النصق من كل عاقلة. وإن كان جرح أحدهما عمداًُ والآخر خطأ، أقسموا علي أيهم شاءوا، فإن أقسموا علي المتعمد قتلوه وأخذوا دية جرح الخطأ. قال محمد: وذلك إذا عرفت جناية الخطإ من جنابة العمد. قال أشهب: فإن أقسموا علي المخطئ فلهم الدية كاملة علي عاقلته، واقتصوا من جرح العمد، إلا أن يكون جرحاً لا قصاص في مثله فيؤخذ من الجاني ديته. وقال ابن القاسم: إن مات مكانه قتل المتعمد وكان علي المخطئ نصف الدية، يريد علي قتله. قال محمد: هذا إن لم يكن جرح الخطإ معروفاً بعينه. فإن عاش ثم مات فتكون القسامة. فإن أقسموا علي المتعمد قتلوه، ولا شئ لهم علي المخطئ. وإن اقسموا علي المخطئ فلهم الدية علي عاقلته، وبرئ الآخر. قال ابن المواز: ويضرب مائة ويحبس سنة. قال مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة: وإذا قتله صغير وكبير عمداً، قتل الكبير وعلي عاقلة الصغير نصف الدية، لأن عمده كالخطأ. وكذلك حر وعبد قتلا عبداً عمداً قتل العبد وعلي الحر نصف قيمته. ولو قتلا حراً قتلا به. قال محمد (¬1) قال ابن وهب: وإذا قتلا حراً عمداً، فإن استحيوا العبد خير سيده في أن يسلمه أو يفديه بنصف [الدية (¬2)] قال: وإن شاءوا أخذوا من الحر نصف الدية فذلك لهم. ولو قتلا الحر خطأ فنصف ديته علي عاقلة الحر (¬3) ونصفها في رقبة العبد ويخير سيده. ¬
قال ابن القاسم في الكتابين في كبير وصغير قتلا حراً، فإن كان ذلك من الصغير خطأ ومن الكبير عمداً فعليهما الدية، ولا يقتل الكبير إذ لا يدري من أيهما مات. وقال أشهب: يقتل الكبير. قال ابن المواز: وهو أخب إلي، لأن عمد الصغير كالخطأ. قال أشهب: ومن فرق بين عمد الصبي وخطئه فقد أخطأ، وحجته أنه لا يدري من أيهما مات، وكذلك في عمد الصبي لا يدري من أيهما مات، وهو يري عمده كالخطأ. قال ابن المواز [قال مالك] (¬1) وإذا جرح [كبير] (¬2) صغيراً فلأهله القود ولهم العقل إن شاءوا. ومن المجموعة قال أشهب: ولو أن قوماً في قتال العدو ضربوا خطأ رجلاً مسلماً؛ فمنهم من ظنه من العدو (¬3) ومنهم من ضربه ضربة لعداوة فمات، فليقتل به المتعمد، وعلي الآخرين ما يصيبهم من الدية. ومن كتاب ابن المواز: وإذا اجتمع في قتل رجل رجال كبار وصبيان ونساء، وهو مما يستحق بقسامة إما بشاهد علي القتل (¬4) أو يقول الميت، فلأوليائه أن يقسموا إما علي رجل أو امرأة ويقتلوا، لا يقتلون بالقسامة إلا واحداً، ولهم علي الصبيان بقدرما يصيبهم من الدية علي عددهم أجمعين، إن كان الصبيان خمسة والرجال والنساء عشرة فثلث الدية علي عواقل الصبيان بينهم أخماساً (¬5) ¬
قال ابن المواز: لو استحسنت هذا المذهب لو لرأيت أن يقسموا علي واحد من الكبار رجل أو امرأة فيقتلوه، ثم يقسموا [ثانية علي الصغار كلهم، ولهم بقدر (¬1) ما يقع عليهم من الدية علي عواقلهم (¬2)] كما قال أشهب، والأمر الذي عليه أصحاب مالك أن لا يقتلوا إن أرادوا القتل إلا واحداً رجلاً أو إمرأة. وعلي كل من بقي من رجل أو امرأة جلد مائة وحبس سنة. وإن قالوا: نقسم علي الصغار أقسموا عليهم ولهم الدية كلها علي عواقلهم، ولو لم يكن ذلك بقاسمة قتل جميع الكبار. [وعلي عواقل الصغار ما يخصهم من الدية] (¬3) وإن كانوا خمسة، والكبار عشرة؛ فثلث علي عواقلهم في ثلاث سنين (¬4). وإذا قتل صغار وكبار رجلا ببينة أو مع الكبار أبو المقتول فليقتل الكبار الأجنبيون (¬5) وعلي عاقلة الصغار حصتهم من الدية علي عددهم وإن قل في ثلاث سنين، وإن كان معهم أب فعليه [في ماله] (¬6) حصته من الدية مغلظة، وقيل: علي عاقلته وإن قل ذلك. قال ابن المواز: بل يكون ما يقع علي الصغير في ماله ثالث هو أو ثان، وإنما [يكون ما] (¬7) يقع عليه. وإن كان عاشراً علي عاقلته إذا كان القتل كله خطأ من قبل الكبار، أو كان جرحاً واحداً. ¬
ومنه ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال مالك: إذا وقعت دية الخطأ علي عبيد وأحرار، فإن وقع علي الأحرار- قال في كتاب ابن المواز- أقل من الثلث فذلك في أموالهم وإن كان حراً واحداً. وإن وقع عليهم الثلث فأكثر فذلك علي عواقلهم. قال سحنون: في ثلاث سنين؛ وعلي العبيد ما بقي في رقابهم علي عددهم لا علي قيمتهم، فيفديهم السادة أو يسلمونهم، وقد اختلف عن مالك فيما إذا وقع علي الأحرار أقل من ثلث الدية فقال: تكون في اموالهم، وقال ابن القاسم عن مالك: تكون علي العاقلة (¬2) في ثلاث سنين، وبه قال سحنون. [قال] (¬3) في العتبية (¬4) قال ابن القاسم عن مالك: وإن وقع علي العبيد ثلث الدية ففداهم ساداتهم أدوا ذلك في ثلاث سنين. قال ابن القاسم: وإن وقع علي الأحرار ثلث الدية وهم ثلاثة، فعلي عاقلة كل حر تسع الدية في ثلاث سنين. وكذلك لو وقع عليهم أقل من ثلث الدية كان علي عاقلته في ثلاث سنين؛ وبقية الدية علي العبيد ويفديهم بها السادة في ثلاث سنين أو يسلمونهم بها، أو يفدي بعضهم ويسلم بعضهم. وإذا فدوهم به فذلك مفسوم علي عددهم لا علي قيمتهم. وهذا مذكور في الجزء الأول، وه كتاب الديات. قال يحي بن عمر: هذا كله قول أشهب إن لزم الأحرار أقل من الثلث فعلي عواقلهم، والذي روي ابن القاسم عن مالك أن هذا في أموالهم حالاً إذا كان أقل من الثلث وذكر ابن المواز هذه الراوية؛ وقد ذكرنا اختلاف قول مالك في ذلك. ¬
ومن المجموعة قال عبد الملك في رجل وصبي قتلا حراً عمداً، أو حر وعبد قتلا [عبدا] (¬1) عمداً، أو أب وأجنبي [قتلا ابن أحدهما] (¬2) يحذفانه بسيف فيقتلانه، أو عدد أكثر من ذلك؛ فينظر إلي عددهم. فما ناب الأب (¬3) وإن قل فهو علي عاقلته من دية مغلظة، ولو كان خطأ لتفرق علي المعاقل. وإن كان أقل من الثلث فيكون ما أصاب الصبي علي عاقلته وإن قل. ويخير السيد فيما أصاب عبده وإن قل. ومن العتبية (¬4) من سماع ابن القاسم، وهي مسألة مذكور نحوها (¬5) في باب الخطأ، وهي مسألة الحسبة، قال مالك في الأب يقتل ابنه مع رجلين خطأ، فعاش أياماً ثم مات وترك أمه وعصبته وأختين، فليحلف ورثته خمسين يميناً لمات من ذلك، ثم يكون علي عاقلة الأب الثلث، وعلي عاقلة كل من الرجلين الثلث؛ فللأم السدس من الدية كلها، وللعصبة والأختين ما علي عاقلة الأب بعد سدس الأم وبعد أن يحلفوا. وللأب ثلثا الدية التي علي عاقلة الرجلين بعد مورث الأم، بعد أن يحلف الأب لمات من ذلك. وإذا لم يأت أهل الميراث جميلة فحلف أهل الثلث الأختان والعصبة خمسين يميناً [فأخذوا، ثم جاء الأب فليحلف خمسين يميناً] (¬6) أيضاً، فتكون سهام الدية ستة وثلاثين سهماً؛ للأم [سدس الثلثين الذين يأخذهما الأب (¬7)، وذلك أربعة أسهم، ولها] (¬8) سدس الثلث الذي يأخذه الأختان والعصبة، وذلك سهمان؛ فذلك ستة أسهم، وللأختين ثلثا الثلث ثمانية، وللعصبة ما بقي وهو سهمان، وللأب عشرون سهماً. ¬
في قطع يد المسلم يجتمع عليه حر وعبد أو مسلم ونصراني
ولو ولي الأب وحده قتله لم يرث من ديته شيئاً ولو قتلوه عمداً قتلوا به، ويقتل الأب إن كان ظهر تعمد بمثل الذبح وشق البطن. فأما بالرمية والضربة فلا، ويقاد من غيره في مثل ذلك. وفي أبواب القسامة إذا ضربه رجل ثم بعجته دابة ثم مات. في قطع يد المسلم يجتمع عليه حر وعبد أو مسلم ونصراني أو مسلمون أحرار بعضهم خطأ وبعضهم عمداً من المجموعة (¬1)، وأراه لعبد الملك (¬2)، قال في حر وثلاثة أعبد مسلمين قطعوا يد [رجل] (¬3) حر مسلم خطأ، قال فثلاثة أرباع عقل اليد في رقاب العبيد، وربع [الدية] (¬4) في مال الحر. ولو كان حران وعبد فثلثا الدية علي عاقلة الحرين، وثلثها في رقبة العبد. ولو قطعوها (¬5) عمداً قطع الحران، وثلث ديتها في رقبة العبد. ولو قطعها مسلم ونصراني خطأ فديتها علي عاقلتهما نصفين. ولو كان عمداً قطعت يد المسلم (¬6)، وكان نصف عقلها في مال النصراني مع الأدب. ولو قطعه أربعة مسلمون، ثلاثة عمداً وواحد خطأ، قطعت أيدي الثلاثة، وعلي المخطئ ربع ديتها في ماله. ¬
في الرجل ينفذ مقاتله رجل ثم يجهز عليه آخر
كما قال ابن القاسم في امرأة قطع لها رجل ثلاثة أصابع من كف، ثم قطع لها آخر الأصبعين الباقيين خطأ، فإن كان الأول خطأ لم يكن لها في الآخرين إلا خمسة خمسة، وإن كان الأول عمداً فلها في الآخرين عشرة عشرة. في الرجل ينفذ مقاتله رجل ثم يجهز عليه آخر أو يجرحه رجل ويقتله آخر من العتبية (¬1) من رواية سحنون ويحي بن يحي عن ابن القاسم قال في رجل شق بطن رجل عمداً أو جرحه ما بلغ به مقاتله، ثم أتي آخر فأجهز عليه، فإنه يستقاد من الأول الذي بلغ المقاتل، ويؤدب الثاني ولا يقتل ويبالغ في عقوبته، وقد أتي عظيماً. وإن كان المجروح قد أكل وشرب. قال عنه سحنون: ويقتل الأول بلا قسامة. وروي عنه أبو زيد أنه يقتل الذي أجهز عليه وإن كان لا يحي من ذلك. ويعاقب الأول. وروي ابن المواز، عن أبي زيد [عن ابن القاسم وابن وهب مثل ما ذكر العتبي عن أبي زيد] (¬2) عن ابن القاسم قال: وقال أشهب يقتل الأول. وعلي الذي ضرب عنقه وجيع الأدب. وبه قال ابن المواز. قال أشهب: ولا قسامة فيه إن خرق أمعاءه أو دق عنقه وإن تكلم وأكل وشرب. ومن المجموعة قال أشهب فيمن ذبح رجلاً فقطع حلقومه، ثم بقيت فيه الحياة، ثم جاء آخر فقطع أو داجه وحز رأسه فإنما القود علي الأول، لأنه صيره إلي مالا حياة بعده. وعلي الثاني الأدب. وكذلك لو شق الأول ¬
فيما يقع بين الفئتين تقتلان من قتل أو جرح
حشوته أو دق رقبته حتي قطع نخاعه، ثم أجهز عليه الآخر؛ فالقتل علي الأول. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في قوم وقعوا علي رجل (¬1) علي عداوة فضربه أحدهم بعصاً ولكزه آخر وضرب آخر عنقه فإني أقتل الضارب عنقه وحده. وكذلك لو قطع أحدهم [يده وآخر] (¬2) رجله [وضرب] (¬3) الآخر عنقه فإني أقتل القاتل وأقطع القاطعين. فيما يقع بين الفئتين تقتتلان (¬4) من قتل أو جرح وما في ذلك من معني القسامة وفي القوم يتماقلون فيموت أحدهم من كتاب ابن المواز والمجموعة روي ابن القاسم وابن وهب وغيرهما عن مالك، ونحوه في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون في القوم يقتتلون، [يريد] (¬5) من أهل العصبية والثائرة فيفترقون (¬6) عن قتيل أو جريح، أن عقل ذلك علي الفئة التي نازعته ونازعت أصحابه (¬7)، فتضمن كل فرقة ما أصابت من الفرقة الأخري. قال ابن المواز: في أموالهم. وقاله مالك. قال: وإن كان القتيل من غير القبيل الذين نازعوهم، أو الجريح من ¬
غير الفريقين، قال ابن المواز قال ابن القاسم: وكذلك إذا لم يعرف من أي الفريقين هو. قال مالك في الكتابين: وذلك إذا لم يثبت دية عمد آخر (¬1) بعينه. قال مالك في كتاب ابن المواز: فإن عرف من أصابه منهم بالبيينة اقتص من جرحه. وإن كان بشاهد واحد حلف مع شاهده واقتص من جارحه. وإن لم تكن بينة علي رجل بعينه فلا قصاص وفيه العقل، يريد علي جماعتهم، لأن الجراح لا يقتص منها ممكن كان في معركة إلا بشاهدين أو شاهد ويمين. وفي باب الرجل يقتل الرجلين (¬2) من رواية ابن وهب عن مالك في القوم يقتتلون فتقع بينهم جراحات أن يحلفوا (¬3) علي من ادعوا [ذلك عليه ثم] (¬4) يستقيدوا إذا ثبتت ثائرتهم بشاهادين. قال مالك في الكتابين: ولا قسامة فيمن قتل بين الصفين ولا قود وإنما فيه الدية من بعضهم [لبعض] (¬5) قال أشهب: وهذا إذا لم يثبت دمه عند أحد بعينه، ولم يكن من إحياء دمه (¬6)، غير أنه قتل بين الصفين لا يدري من قتله. قال ابن القاسم في العتبية (¬7)، من رواية عيسي، وفي المجموعة: وإنما معني قول مالك لا قسامة فيمن قتل بين الصفين إذا لم يدع الميت دمه عند أحد منهم (¬8) ولا قام بذلك شاهد. ونحوه في كتاب ابن المواز عنه. وكذلك في كتاب ابن حبيب عن أصبغ عنه وعن مطرف وابن الماجشون. ¬
[قال ابن القاسم] (¬1) وأشهب في المجموعة ومطرف [وعبد الملك] (¬2) وأصبغ في كتاب ابن حبيب: فأما إن قال دمي عند فلان (¬3) وشهد بذلك شاهد علي القتل ففيه القسامة. قال أشهب: لكون أنه من الصفين لا يزيد دعواه [إلا قوة. ولو كان ذلك فيمن لم ينازعه كانت فيه القسامة. قال ابن المواز: وقد رجع ابن القاسم بعد أن قال لا قسامة فيمن قتل بين الصفين] (¬4) لا بدعوي الميت ولا بقول شاهد. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم هذا خطأ، وإنما تأويل قول مالك علي تأويل [قول] (¬5) ابن القاسم فيمن ذكرنا قبل هذا. وهو قال أشهب وابن عبد الحكم: وليس لعصبته أن يقولوا نقسم علي واحد من هذه الطائفة ونقتله من غير شاهد ولا قول الميت. وكذلك ذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون (¬6). قال ابن المواز: ولو شهد شاهد (¬7) أن فلاناً وفلاناً حتي سمي منهم من لا يتبين فيه كذب الشاهد ثم ذكر العدد (¬8) أو ادعي ذلك الميت قيل لعصبته: أقسموا علي واحد من المسمين واقتلوه. وروي سحنون عن ابن القاسم في العتبية (¬9) فيمن قتل بين الصفين وشهد علي قتله رجل أو دعوي الميت فلا قسامة فيه، قال ابن المواز: ولو شهد علي جرحه رجل ثم مات من ذلك بعده بأيام ففيه القسامة. ¬
قال مالك في كتاب ابن المواز: ومن كان بينه وبين غيره قتال وأتي وبه أثر الضرب والجرح فزعم أن فلاناً وفلاناً قاتلاه وأنه أثر فيهما أثراً سماه وأنهما جرحاه ثم مات قال: يسبحنان حتي يمتحن أمرهما، وأحب ما فيه إلي الاصطلاح. قال ابن القاسم: ولا قسامة في مثل هذا، وإنما القسامة فيمن قال قتلني فلان. فأما إن قال قاتلت فلاناً وفلاناً قسامة فيه كقتيل الصفين. قال ابن المواز: قول ابن القاسم هذا ليس بقول مالك. وإنما قاله ابن القاسم لما قال مالك لا قسامة فيمن قتل بين الصفين. وإنما ذلك إذا لم يثبت [ذلك عند أحد] (¬1) بشاهد ولا بقول الميت (¬2). ثم ذكر مثل ما تقدم ذكره من قول ابن القاسم وأشهب. قال [ابو زيد عن] (¬3) ابن القاسم: ليس لأحد أن يقول فلان جرحني ويحلف ويقتص. بخلاف القتل، إلا ما كان من قتال فيكشف (¬4) وبأحدهم جرح، فيدعي أن أحدهم جرحه، فليحلف ويقتص منه. وقاله عبد الملك في غير القتال في قوم ضربوا رجلاً فانكشفوا عنه وبه جرح، فإنه يحلف علي من ادعي أنه جرحه ويقتص منه إذا شهد علي اجتماعهم عليه، قاتلهم أو لم يقاتلهم. قال: وإنما يريد ابن القاسم أن يدعي [مجروح] (¬5) جرح فيدعي أن أحدهم جرحه، فليحلف ويقتص منه. وقاله عبد الملك في غير القتال في قوم ضربوا رجلاً فانكشفوا عنه وبه جرح، فإنه يحلف علي من ادعي أنه جرحه ويقتص منه إذا شهد علي اجتماعهم عليه، قاتلهم أو لم يقاتلهم. قال: وإنما يريد ابن القاسم أن يدعي [مجروح] (¬6) علي أحد لم يشهد عليه بمنازعته إياه ولا بضربه، ولا بتسبب من ذلك فلا يكون له في ذلك ما يكون في القتل. ¬
قال ابن القاسم، في العتبية (¬1) فإن كان القتيل بين الصفين بين قوم قاتلوا علي التأويل فليس علي قاتليه (¬2) قتل ولا دية وأن عرفوا بخلاف غيرهم. قال سحنون في قوم وقعت بينهم منازعة فدخل رجل يحجز بينهم فأصيب بجرح أو قتل فلا يد ري من فعل ذلك به، فديته علي عواقلهم. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك: وإذا افترقت الفئتان (¬3) وبينهما قتيلان، وبأحدهما جرح أو جراح، ففيهم عقل النفس وليس في جراحهم شئ (¬4). قال عنه علي في المجموعة في قوم مشوا إلي قوم في منازلهم بالسلاح فقاتلوهم فقتل بينهم وجرح: إن كل فرقة تضمن ما أصيب من الأخري، ولا يطل دم الزاحفين، قال لأن المزحوف إليهم لو شاءوا لم يقاتلوهم واستأذنوا (¬5) السلطان. قال غيره في غير المجموعة: هذا إن كان حجز السلطان يمكنهم (¬6)، فأما إن عاجلوهم ناشدوهم الله، فإن أبوا فالسيف، ونحوه في المدونة. قال علي عن مالك في قوم تراموا فجرح رجل منهم فشهدوا علي رجل منهم أنه جرحه: إنه لا شهادة لهم لأنهم يدفعون عن أنفسهم، وعليهم العقل. ¬
قال ابن القاسم في العتبية (¬1) من رواية عيسي، وفي المجموعة عنه في الطائفين يفترقان عن جرحي وقتلي، فيقول رجل من إحدي الطائفتين: أنا قتلته والقتيل من غير طائفته، فولاة المقتول بالخيار: إما أن يقتلوه بإقراره أو يتركوه، ثم تلزمهم الدية (¬2). وذكر ابن حبيب مثله عن مطرف وابن الماجشون، غير أن في روايته عنهما: إن شاءوا تركوه وألزموه ديته (¬3) لأنه متهم بإقراره في طرح الدية التي وجبت عليه وعلي طائفته. [قال أبو محمد فقوله ألزموه غلط، لقوله في احتجاجه عليه وعلي طائفته] (¬4)، وأراه من غلط الناقل. ومن المجموعة (¬5) روي أصبغ عن ابن القاسم في القبيلتين (¬6) تأتي كل واحدة تدعي علي الأخري جراحات (¬7) وتنكر دعوي الأخري، وأقروا بأصل الثائرة؛ فأري أن كل طائفة ضامنة لجراح الأخري (¬8). فإن لم يتقاراً بالثاائرة، فإن قامت بينة عليها حلفت كل طائفة علي من ادعت عليه واستقادت منه. وإن لم تعرف [كل واحدة] (¬9) من الجارح تحالفوا علي الجراحات أنها (¬10) كانت من الفئة الأخري ويضمن بعضهم جراحات بعض، فإن لم تأت بينة بأصل الثائرة ولا تقاروا (¬11) بها، لم يقد بعضهم علي بعض بالدعوي. فإن قال أحد الرجلين جرحني صاحبي هذا ثلاث جراحات، فأقر الجارح باثنين حلف ¬
المجروح علي الثالثة واستقاد منها ثلاثتها (¬1)، وذلك أنه أقر أنه قاتله وجرحه. و [قال] (¬2) ابن حبيب: وليس بين أهل الفتن قود فيما نال (¬3) بعضهم من بعضهم علي التأويل، ولا تباعة بمال (¬4) إلا فيما كان قائماً بعينه لم يفت. فأما بين أهل الثائرة والعصبية فبينهم القود والبتاعة في الأموال. و [قال] (¬5) ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف في قوم تماقلوا، فغرق [أحدهم فمات فشهد] (¬6) بعضهم علي الباقين أنهم مقلوه حتي مات، وشهد الشهود عليهم أن الشهود فعلوا ذلك به، إن [الدية] (¬7) علي جميعهم في أموالهم، فلزمهم بمعني الإقرار أن غرقه جاء من قبلهم لا بمعني الشهادة، كانوا عدولا أو غير عدول؛ فعلوا ذلك في شهادتهم خطأ أو عمدا، وهذا في الكبار، ولو كانوا سقط ذلك إذ لا إقرار (¬8) لهم. قاله أصبغ. ¬
في القتيل يوجد في محلة قوم أو يفترق الناس بمنى أو غيرها
في القتيل يوجد في محلة قوم أو يفترق الناس بمني أو غيرها عن قتيل ومن نزل عند امرأة فمات عندها من المجموعة قال ابن القاسم وغيره عن مالك: إن الأمر عندهم في القتيل يوجد في محلة قوم في قرية أو غيرها أنه لا يؤخذ به أقرب الناس إليه دارا أو مكانا (¬1)، ولو أخذ بذلك لم يشأ رجل أن يلطخ قوما بذلك إلا فعل. قال ابن القاسم وأشهب: وليس ذلك من اللطخ الذي يوجب القسامة أو القود أو الدية. قال ابن القاسم: وإن وجد قتيل في أرض المسلمين وقالوا إنهم لا يدرون من قتله. فدمه يطل، كما قال مالك فيمن يوجد في المحلة. قال ابن القاسم: ولا يكون في بيت المال. وقاله أشهب. قال ولعله قتل عمدا وليس في العمد دية وإن كان خطأ فهو علي عاقلة قاتله. قال المغيرة في الرجل يوجد قتيلا إلي جانب منازل قوم [هم] (¬2) أعداؤه، فيدعي [ولاته] (¬3) أن فلانا وفلانا قتلاه، قال: لا أري علي من وجد قتيلا قرب داره شيئا، إلا أن يستبرأ علي قدر ما تكون الظنة. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن مات من زحام أو غيره أو وجد في مني حين يفيض الناس من عرفة أو وقع في مني من زحام الناس؛ فلا شئ فيه من دية أو غيرها ولا قسامة فيه. ¬
فيمن أمر رجلا بقتل رجل فأطاعه
ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في رجل نزل عند امرأة فمات. فجاء وليه فاتهمها وقال: اتهمناها به من وجه لا أقدر أبثه. قال: يكشف أمرها، فإن كانت غير متهمة فلا تحبس ويخلي سبيلها. فيمن أمر رجلا بقتل رجل فأطاعه أو أمسك رجلا لمن قتله أو أمر رجلا بذلك أو أمر عبده بشئ من ذلك من المجموعة قال ابن القاسم وغيره عن مالك: ومن أمر رجلا بقتل رجل ففعل فإنه يقتل (¬1) القاتل دون الآمر. ولو أمسكه رجل حتي ضربه فمات مكانه، فإن أمسكه وهو يري أنه يريد قتله قتلا به جميعا. وإن ظن أنه يريد ضربه كضرب الناس، قتل القاتل (¬2) وبولغ في عقوبة الممسك وسجن ولم يقتل. وإذا أمر السيد عبده أو العامل الظالم (¬3) بعض أعوانه بقتل رجل (¬4) ظلما فإنه يقتل الآمر والمأمور. وأما الأب يأمر ابنه أو المعلم يأمر بعض صبيانه أو الصانع (¬5) يأمر متعلمية [فيتقل] (¬6) فإن كان المأمور محتلما قتل، ولا قتل علي الآمر ولا ¬
دية علي عاقلة الصبي (¬1)، وعليه العقوبة. وإن لم يحتلم قتل الآمر، وعلي عاقلة الصبي نصف الدية. وإن كثر الصبيان فالدية علي عواقلهم وإن قل ما يجب عليهم. وكل ما ذكرنا فنحوه في كتاب ابن المواز والواضحة (¬2) عن ابن القاسم. قال ابن حبيب قال أصبغ: كان ابن وهب يقول فيمن أمر عبده الأعجمي بقتل رجل فقتله فعلي سيده وحده القتل، وعلي عبده جلد مائة وسجن سنة. وإن أمر به الفصيح فالقتل علي العبد وحده، ويجلد سيده مائة ويحبس سنة. قال أصبغ: هذا استحسان، وقولنا أنهما يقتلان جميعاً العبد والسيد، كان فصيحاً أو أعجمياً. وقال ابن القاسم: ولو أمر بذلك ابنه الصغير فقتله قتل الأب دون الابن إن لم يحتلم، ويعاقب إن كان مثله قد بلغ أن يعاقب. وقاله أشهب. وقال ابن نافع: لا يقتل الأب ولا سيد العبد ويوجع عقوبة، ويقتل العبد، وعلي عاقلة الصبي الدية. ويقول ابن القاسم أقول. ومن كتاب ابن المواز: ومن أمر رجلاً بقتل رجل فقتله، قال: ليس العبد كالحر، كأنه يري إن كان المأمور حراً قتل به وحده. وقاله ابن وهب. وقال ابن المواز وأشهب: يقتل القاتل ويضرب الآمر ويحبس سنة. قال ابن القاسم: ومن أمر عبد غيره بقتل رجل فقتله قتل العبد وحده. قال (¬3): ومن أعطي صبياً سكيناً فقال اقتل فلاناً فقتله؛ فإن كان الصبي ابن الآمر أو غلامه قتل الآمر، وإن كان غير ابنه لم يقتل وضرب ¬
ضرباً شديداً وأطيل سجنه. وكان علي عاقلة الصبي الدية. وقال أصبغ: إن كان الصبي ابنه وقد بلغ مبلغ العقل، ومثله ينهي عما ينهي عنه مثل اليافع (¬1) والمراهق فلا قتل علي أبيه. وهو في ذلك مثل غير ولده لو أمر (¬2). وفي العتبية وكتاب ابن الحبيب [عن أصبغ] (¬3) مثل ذلك. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلي ووجدت لأصبغ [كأنه] (¬4) وقف عن هذا الجواب وقال بقول ابن القاسم، ولكن إن كان الابن محتلماً فهو كالأجنبي. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن كان الابن مراهقاً لم يقتل [الآمر] (¬5) ويبالغ في عقوبته. وقيل يضرب مائة ويحبس سنة، والدية علي عاقلة الصبي ويؤدب أدباً صالحاً بقدر احتماله. وإن لم يبلغ الصبي هذا الحد قتل الآمر، وعلي عاقلة الصبي نصف الدية. وقال ابن القاسم: علي عاقلته نصف الدية. وكان يقول: علي عاقلة الصبي جميع الدية، ولا يعجبني، [قال أبو محمد] (¬6) ولا يؤدب. قال أصبغ في كتاب ابن المواز والعتبية في الصبي الذي أمره أبوه وهو مراهق: إن أباه وغيره سواء. والدية علي عاقلة الصبي. قال في كتاب ابن المواز: ويضرب الآمر مائة ويحبس سنة، ويضرب الغلام ضربا صالحاً بقدر احتماله. قال أصبغ، في الكتابين: وذلك إن كان الآمر ليس بحاضر، إنما أرسله لهذا. فأما أن يحضر ويامر بالقتل وهو يشلي ذلك إما بإمساك أو إشلاء بأمر بين، فهو قاتل حينئذ ويقتل أبناً كان أو غيره، كما لو اجتمع أجنبيان علي قتل رجل قصداً له، وأحدهما يباشر القتل والضرب بيده ¬
في المقتول يعفو عن دمه أو عن ديته
وألاخر يقول: اقتل اقتل، قتلا جميعاً. ونزلت ومشايخنا متوافرون، فراوا أن يقتل بقوله اقتل علي هذه الصفة. في المقتول يعفو عن دمه أو عن ديته وفيمن أذن لرجل أن يقتله أو يقطع يده أو يد غيره وفيمن عفا عن جرحه ثم نزي فيه فمات من المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم وابن وهب وغيرهما عن مالك في المقتول يعفو عن قاتله عمداً في وصيته، فذلك له دون أوليائه. قال عنه ابن نافع: إلا في قتل الغيلة. قال في كتاب ابن المواز: يجوز عفو المقتول عن دمه العمد، وإن كره ذلك ولده. وكذلك لا قول لغرمائه وإن أحاط الذين بماله. قالوا عن مالك: وأما عفو المقتول عن دمه خطأ فهو كمال يجوز ذلك في ثلثه إذا أوصي به إن كان له مال يخرج منه، وإلا جاز منه الثلث وحاص به أهل الوصايا. قال ابن المواز وقاله عبد العزيز في موضع آخر. وإن أوصي بثلثه والقتل خطأ، دخلت الوصايا في ديته. وقاله أشهب. وكذلك إن أوصي بثلثه قبل أن يضرب، إلا أن يضرب، فتختلس نفسه ولا يعرف له بعد الضرب حياة فلا تدخل الوصايا في ديته، لأنه لم يعلم بها ولو عاش بعد الضرب. قال في موضع آخر: إلا أن يعفو هو علي الدية فتدخل بها الوصايا. ومن كتاب ابن المواز أيضاً قال أشهب في المقتول خطأ يوصي بثلثه منها فإنه يدخل في ذلك ثلث ديته. وإن أوصي بديته جاز إن حملها
الثلث (¬1) من الدية وغيرها. وإن أوصي بشئ من ماله فذلك في ثلث ماله وديته. وإن أوصي بوصايا وعفا عن ديته وليس له إلا ديته، وإن أوصي بوصايا وعفا عن ديته وليس له إلا ديته، وجب الحصاص في ثلث ديته وحصاص العاقلة لجميع الدية، فما أصاب أهل الوصايا أخذوه في ثلاث سنين من العاقلة، وأخذ الورثة ثلثيها كذلك. ومن العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قتل عمداً فأوصي أن تقبل الدية وأوصي بوصايا فذلك جائز، ووصاياه في ديته وماله. ولو أوصي بالدية لقوم ولا مال له غيرها فليس لهم إلا ثلثها. وروي أبو زيد، عن ابن القاسم فيمن قال: ليتني أجد من يقتلني. فقال له رجل فأشهد لي أنك وهبت لي دمك وعفوت عني وأنا أقتلك. فأشهد له فقتله. فهذا اختلف فيه أصحابنا، وأحسن ما رأيت أن بقتل به، لأنه عفا هن شئ قبل أن يجب له، وإنما وجب لأوليائه، بخلاف عفوه عنه بعد أن علم أنه قتله. لو أذن له بقطع يده ففعل لم يكن له عليه شئ. وقال عبد الملك بن الحسن عمن أخبره عن ابن القاسم وأشهب فيمن خرجت له ريشة في كفه فقيل له: اقطع يدك من المفصل. قال إن كان أمراً مخوفاً يخاف عليه منه الموت [إن قطعه] (¬3) فلا يفعل (¬4). وإن كان أمراً لا يخاف منه ذلك فلا بأس به. ومن المجموعة قال مالك: ومن قال لرجل اقطع يدي أو يد عبدي أو افقأ أعيننا، عوقب المأمور إن فعل ولا غرم عليه في الحر ولا في العبد. ¬
قال ابن حبيب قال أصبغ: من أمر رجلاً يقتل عبده ففعل؛ فإنه يغرم قيمته لحرمة القتل، كما يلزمه دية الحر إذا قتله بإذن وليه فعفا عنه. ويلزم الآمر والمأمور ضرب مائة وحبس سنة. قال أشهب فيمن قال دمي عند فلان فاقتلوا ولا تقبلوا منه دية. فأراد الورثة أخذ الدية منه فليس لهم ذلك. فإن أقسموا ثم عفا بعضهم لم يجز عفوه، وإن نكل بعضهم فلا قسامة فيه حتي يقسموا جميعاً. قال علي عن مالك فيمن أنكح عبده حرة علي أن لا تباعة لها فيما شجها به إن شجها، فلا يجوز ذلك، ولها طلب حقها. قال ابن حبيب قال أصبغ فيمن قتل عمداً فوكل رجلاً فوض إليه أمر دمه وأقامه فيه مقام نفسه، فعفا عن الدم وأبي الأولياء، أو عفوا وأبي الوكيل. فإن ثبت الدم ببينة فالأمر للوكيل في العفو والقصاص (¬1). وإن استحق بقسامة فللأولياء القود أو العفو. ولو قال عند موته: لا تعفوا عن قاتلي فأراد الأولياء أو يعفوا، فإن كان الدم ببينة فلا عفو لهم، وإن استحق بقسامة فالعفو لهم. ومن كتاب ابن المواز: وإذا عفا المجروح عن جرحه العمد ثم نزي فيه فمات، فلولاته أن يقسموا ويقتلوا، لأنه لم يعف عن النفس. قال أشهب: إلا أن يقول قد عفوت عن الجرح وعما يتنامي (¬2) إليه فيكون عفواً عن النفس. ولو صالحه من موضحة عل مال ثم نزي فيها فمات، فلولاته أن يقسموا في العمد ويقتلوا، وفي الخطأ يأخذون الدية من العاقلة، ويردون ما أخذ وليهم في الصلح. ¬
في المقتول يعفو عن بعض قاتله أو جارحه أو عن نصف جرحه وشئ من ذكر عفو الولي عن الدم أو بعض الأولياء وكيف إن كان فيهم صغار؟ والتداعي في العفو من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب فيمن ولي قتله جماعة فعفا عن أحدهم بغير شئ أو علي الدية (¬1) فذلك جائز، ولأوليائه قتل باقيهم. قال علي عن مالك: وليس به ذلك في الجراح إذا جرحوه جميعاً. وليس له [ولا] (¬2) لأوليائه العفو عن بعض والقصاص من بعض؛ وذلك أنه لا يدري من جرحه منهم. ولكن عليهم عقل الجرح بالحصص، أراه يريد سرعوا إليه بالضرب ثم افترقوا عنه وقد جرح ولا يدري من جرحه منهم. قال ابن القاسم في المدونة: وإذا قطع جماعة يد رجل أو جرحوه عمداً فله صلح أحدهم والعفو عمن شاء والقصاص ممن شاء (¬3) وكذلك في النفس. ومن كتاب ابن المواز: والمقتول عمداً يقتله جماعة فيعفو عن أحدهم فذلك جائز، ولولاته قتل من بقي ما لم يكن ذلك بقسامة قال ¬
مالك (¬1): ولأوليائه قتل من شاءوا أو العفو عمن شاءوا (¬2). ومن عفا عنه المقتول فلا سبيل إليه. وإن كان ذلك بقسامة أقسم ولاته علي واحد وقتلوه (¬3) وكذلك للورثة أن يصالحوا أحداُ علي أن يحدوا عنه القسامة. قال أشهب: إذا كان ذلك بعد موت القتيل، وأما قبل موته فلا يجوز من الورثة. قال: وإن أرضي واحد منهم واحداً من أولياء المقتول بالدية أو بأقل منها أو بأكثر؛ مثل أن يعفو عنه ففعل فذلك جائز، وله ما أخذ لا يدخل معه فيه أحد من ورثة المقتول، ولا لهم علي المعفي (¬4) عنه سبيل في قسامة (¬5) ولادية ولا شئ. ويقسم جماعتهم علي واحد ممن بقي ويقتلونه (¬6) إن شاءوا. ولو عفا المجووح عن جرحه العمد ثم نزي فيه فمات. فالأوليائه أن يقسموا ويقتلوا لأنه لم يعف عن النفس. قال أشهب: إلا أن يقول عفوت عن الجرح وعما تنامي إليه فيكون عفواً عن النفس. فلو صالحه في موضحة علي مال، ثم نزي فيها فمات. فلأوليائه أن يقسموا في العمد، ثم يقتلوا أو يأخذوا في الخطأ الدية من العائلة، ويردون ما أخذ وليهم في الصلح (¬7). ¬
ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال أشهب: وإذا قتل رجل وله وليان فعفا أحدهما، وعليه دين محيط، فعفوه جائز، ثم أن عفا الآخر لم يجز عفوه إلا فيما فضل عن دينه. ولأنه صار للثاني بعفو الأول ما وجب له (¬1). قال علي عن مالك في خمسة إخوة في ولاء، قتل أحدهم وفيهم المحتلم ومن لم يحتلم، فأرادوا القتل أو العفو وخالفهم الوصي: إن الأمر للوصي. وقاله عبد الملك، أن المولي عليه لا يجوز عفوه عن الدم. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ليس للمرأة المولي عليها عفو عن جراحها، كان خطأ أو عمداً. قال: وإذا ادعي القاتل أن ولي الدم قد عفا عنه فأنكر، فله أن يحلفه ويبرأ بيمينه. فإن نكل رد اليمين علي القاتل، فإن حلف برئ، وإن ادعي ببينة غائبة تلوم له الإمام. قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولا يمين علي ولي الدم، لأن اليمين لا تكون في استحقاق الدم إلا خمسين يميناً، وهذا يريد أن يوجب عليه قسامة مع البينة أو مع قسامة أخري قد كانت. ولو قال القاتل: تحلف لي يميناً واحدة لم يكن ذلك له. أرأيت إن استحلفه فلما قدم ليقتل، قال قد عفا عني استحلفه (¬2). ومن المجموعة قال مالك فيمن له ابن يجري الخيل، فسأله رجل أن يجري له فرساً، فأذن له فوقع [من الفرس] (¬3) فمات، فليس علي الذي حمله إلا الكفارة، ولا دية عليه [لأنه] من الخطأ، وكأنه عفا دية ابنه بالإذن لأن الدية له وحده. ¬
في الجاني يطلب منه دية العمد في نفس أو جرح فيأبى
قال مالك: ومن وجب له دم عمد فعفا عنه فليس علي القاتل بعد ذلك شئ يؤديه إلا أن يشترط ذلك عليه. فإن عفا أحد الأولياء عن العمد، وهم ثلاثة, وأخذ الباقيان نصيبهما من الدية، ثم طلب العافي (¬1) الدية وقال: لم أرد ترك الدية قال مالك: إذا استدل علي قوله بأمر يعرف صدقة فذلك له بعد يمينه ما عفا إلا لأخذ الدية. وبعد هذا باب في عفو اجتماع الأولياء (¬2) في الدم وفي عفو بعضهم، فيه بقية القول في عفو الأولياء. في الجاني يطلب منه دية العمد في نفس أو جرح فيأبي من المجموعة روي ابن القاسم وأشهب عن مالك في قاتل العمد يطلب منه الأولياء الدية فيأبي إلا أن يقتلوه، قال: فليس لهم إلا القصاص إلا أن يعفو بعض الأولياء فيضمن من لم يعف نصيبه من الدية. قال ابن القاسم: إذ لا يتبعض الدم ويصير كعمد المأمومة. قال مالك: وكذلك جراح العمد إن طلب المجروح الدية فليس له القصاص إذا أبي الجارح. قال ابن المواز: هذا قول مالك في الجراح وقول أصحابه ابن القاسم وأشهب وابن وهب. قال أشهب: وأما قاتل العمد تطلب منه الدية فليس له أن يأبي ذلك، ويجبر علي الدية إن كان ملياً؛ لأنه في قتل نفسه (¬3) وإبقاء ماله ¬
لغيره مضار [وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه جعل] (¬1) للأولياء إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية، وقاله ابن المسيب. قال في كتاب ابن المواز وإذا قال المقتول نفسه قد عفوت [عنه] (¬2) علي الدية إن ذلك جائز ولازم (¬3) للقاتل. وكذلك لو عفا أولياؤه عن الدم لزم ذلك القاتل فحينئذ يصير مالاً فيكون دية يقضي منها دين الميت. وأما إذا لم يشترط المقتول دية ولا أولياؤه (¬4) فلا حجة للغرباء لأنه ليس بمال. وقاله ربيعة وغيره من التابعين. وذكر ابن حبيب روي ابن القاسم (¬5) عن مالك في عفو الأولياء عن القاتل علي الدية فيأبي [القاتل] أن ذلك له، وقاله أصبغ. وروي مطرف وابن الماجشون أن ذلك له. وقاله أصبغ. وروي مطرف وابن الماجشون أن ذلك يلزمه واجتج بنحو حجة أشهب التي ذكر ابن المواز، قال ابن حبيب: وقاله عبد العزيز. ولم يقل مالك هذا في شئ من الجراح ولا في عضو من الأعضاء. قال مطرف عن مالك: وإذا عفا عنه ولاة الدم ولم يذكروا دية ثم قالوا إنما عفونا علي الدية، فإن كان ذلك بحضرة ما عفوا فذلك لهم، وإن كان ذلك قد طال فلا شئ لهم، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. وفي المجموعة والعتبية (¬6) قال سحنون: وإذا عفا مجروح عن نصف جرحه، فإن أمكن القصاص من نصفه (¬7) اقتص منه. وإن كان إذا ¬
ساقط نصفه لم يكن في باقيه قصاص فالجارح (¬1) مخير إما أن يجيز ذلك ويؤدي نصف عقل الجرح، وإلا قيل للمجروح (¬2) إما أن تقتص وإما أن تعفو. وقال أشهب: يخير علي أن يعقل له نصفه. قال ابن المواز في القاتل العمد أو الجارح يعفي عنه في الدية فيأبي إلا القصاص، فله ذلك في الجرح ولم يختلف (¬3) فيه أصحاب مالك. قال ابن وهب لم أسمع في الجراح أن المجني عليه مخير إلا في الصحيح [يفقأ عين الأعور أو الأعور يفقأ عين الصحيح] (¬4) أو العبيد يجرح بعضهم بعضاً، أو الكبير يجرح الصغير، فإن أولياء الصغير بالخيار في القصاص أو أخذ العقل. قال ابن وهب: وكذلك القتل بين الأحرار عندي إذا عفي عن القاتل بالدية فليس له أن يأبي ذلك. قال أشهب: وقاله ابن المسيب بن سعيد وربيعة وعبد العزيز ويحي بن فرقد. وما علمت من قال فيه بقول مالك إلا أبو الزناد (¬5). قال ربيعة في القاتل عمداً بعيب (¬6) وله مال كبير؛ فإن كان القاتل يعلم حياته أخذت الدية من ماله إن شاء ورثة المقتول، إلا أن يموت القاتل قبل أخذ الدية من ماله، فلا شئ لورثة المقتول من عقل ولادية. ¬
في القاتل يتوب فيقيد من نفسه
في القاتل يتوب فيقيد من نفسه من العتبية روي عيسي عن ابن القاسم فيمن كتب إليه الوالي (¬1) في قتل رجل ثم تاب فعرض نفسه علي الأولياء فقالوا: نخشي إن قتلناك عقوبة الوالي. فعرض عليهم الدية فأبوا. قال: أحب إلي أن يؤدي ديته إليهم وأن يعتق الرقاب، وأن يبكي ويقترب إلي الله بالدعاء والرغبة إليه، ويلحق بهذه الثغور ويحج ويكثر من العمل الصالح ما استطاع. فإن لم تقبل منه الدية فليتعلق ويصنع هذا ويمكن من نفسه ويتصدق، ويكثر الحج والغزو. وإن قدر أن يلحق بالثغور يكون بها أبداً حتي يموت فليفعل، وما الدية عندي بالقوي. في اجتماع الولاة في الدم ومن أولي منهم بالعفو والقيام وفي عفو بعض الأولياء أو نكوله من كتاب ابن المواز قلت: من الأولياء الذين إذا عفا أحدهم عن الدم العمد لزم من بقي؟ قال أنا بنوه الذكور أو إخوته إن لم يكن بنون، فمن عفا منهم جاز علي من بقي ولا سبيل إلي القتل. ولم يختلف في هذا مالك وأصحابه. وأما من هو أبعد من العصبة [مثل] (¬2) الأعمام والعصبة من موال أو قرابة، فاختلف فيه قول مالك وقول أصحابه، فروي أشهب عن ¬
مالك: إن لم يكن له ولد ولا إخوة، وله عصبة لا يرثه غيرهم، والدم بقسامة فنكل بعضهم فليقسم من بقي ويجعلوا مكان الناكل رجلاً من العشيرة، وإلا ردت الأيمان علي من بقي، ولا يكون لمن عفي عنه عفو في غير الولد والإخوة. وكذلك في عفو أحدهم بعد القسامة لم يجز. وكان من قام منهم بالدم أولي، كان بقسامة أو بغير قسامة (¬1). وكذلك بنو الإخوة في قول أشهب وروايته (لهم) مقام سائر العصبة إذا استووا، فمن قام بالدم فهو أحق. وروي عنه ابن وهب: إن عفا عنه بعض بني عمه بعد القسامة جاز ذلك علي من بقي منهم، إن كانوا في القعدد سواء، ولمن بقي نصيبهم من الدية وإن كره القاتل. وقال عنه ابن القاسم [مثله فيهم وفي الموالي، وكذلك في نكول بعضهم عن القسامة، وبهذا نأخذ وبه قال ابن القاسم] (¬2) وعبد الملك وأصبغ. قال مالك: وأما الذي لا يجوز فيه العفو إلا بجماعتهم فأن يكون في العصبة رجال ونساء، والنساء أقرب. فأما إن استووا مثل البنين والبنات أو الإخوة والأخوات فلا كلام للإناث مع الذكور. وأما البنات مع الإخوة فمختلف فيه. قال أشهب: عفو أحد الإخوة يجوز علي البنات وعلي باقي الإخوة جعلهم كالبنين، ولم يجعل لأحد من العصبة مثل هذا إلا بإجتماع غير البنين والإخوة. وقال ابن القاسم: لا يجوز عفو الإخوة (¬3) كلهم مع البنات إلا بالبنات. ولا عفو للبنات إلا بالإخوة. وقول ابن القاسم أحب إلينا. وكذلك ¬
روي هو وابن وهب وغيره عن مالك في القتل يثبت بالبينة وللميت بنات وعصبة من إخوة وغيرهم، قال: وإن لم يثبت بشاهدين وهو موضع قسامة فللعصبة والموالي أن يقسموا ويستحقوا الدم، ولا عفو للنساء معهم؛ لأن الدم بأيمانهم وجب. ولو عفوا بعد وجوب الدم بأيمانهم وأراد النساء القتل فذلك لهن. وقال عبد الملك في البنات والإخوة والأخوات الشقائق والعصبة، فيقسم الولاة دونهن ويحق الدم فلا عفو لهن [دون العصبة] (¬1) وعفوهن قبل القسامة أضعف؛ لأن الدم بغيرهن يحق. وكذلك الأخوات الشقائق مع الإخوة للأي. قال محمد: فأما بنات مع أعمام أو مع غيرهم من العصبة فمجتمع فيه من قول مالك وأصحابه، يريد وقد ثبت القتل ببينة، أنه لا عفو لهن إلا بهم، ولا عفو للعصبة إلا بهن. ومن قام للقتل فهو أحق. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلي. وقد اجتمع مالك وأصحابه أن البنين أولي من الأب، ولا قول للأب معهم في عفو ولا قيام. وأن الأب أولي من الإخوة في العفو والقيام، فكيف يستوي البنون والإخوة فيما ذكر أشهب؟. واختلف ابن القاسم وأشهب فب البنات مع الأب فقال أشهب: الأب أولي بالعفو أو القتل، وقال ابن القاسم لا عفو إلا باجتماع منه ومنهن. قال ابن القاسم: وكذلك هن مع الجد والإخوة وغيرهم إلا مع ذكور البنين. وبقول ابن القاسم أخذ أصبغ. وذكر ابن عبدوس عن ابن القاسم مثله. قال قال مالك وابن القاسم: وأحق الأولياء بدم العمد ذكور الولد، لا حق معهم لأب ولا جد. وإن لم يكن غير أب وأم فالأب أولي بالدم أو ¬
العفو (¬1). وأما أب وإخوة أو أخوات فلا حق لهم مع الأب في عفو ولا قيام (¬2). ولا مع السلطان. وقال في الرابع من كتاب الجراح في ابن الملاعنة يقتل ببينة إن لأمه القتل، كانت عربية أو مولاة، ولا يجوز عفوها مع السلطان، لأن عصبة أبنها (¬3) إن كانت عربية ـ المسلمون، والسلطان مكانهم. وإن كانت مولاة فعصبته مواليها، ولا يجوز أيضاً عفوها وإن كانت [عربية] (¬4) فالسلطان إن شاء القتل فهو أولي من الأم ومن البنت، وإن عفا فللأم والبنت القتل. ومن قام بالدم أولي. قال أشهب: وكذلك العفو كله في العمد (¬5) ومن قام بالقود في كل أحد فهو أولي، إلا الولد الذكور أو الإخوة فإن لم يكن دونهم [ولد] (¬6) فمن عفا فهو أولي. ¬
قال ابن المواز: الأب بعد الولد [الذكر] (¬1) أولي من جميع من ترك الميت من إخوة وأم وغيرهم، ولا اختلاف فيه. فأما مع البنات؛ فمختلف فيه (¬2)؛ فأشهب يراه أولي في العفو والقتل. ولم يجز ابن القاسم عفوه إلا قيام (¬3). قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وكثير منه في رواية عيسي عن ابن القاسم: وأما الأم فلها القيام بالدم مع الإخوة فمن دونهم. والأب أولي منها (¬4) ولا عفو لها مع البنات ولا مع العصبة، ولا لهم إلا باجتماع منها ومنهم. وقاله مالك. ولا تسقط الأم إلا مع الأب ومع الولد الذكور فقط. قال ابن حبيب وقال ابن الماجشون: وليس للأم من الولاية في دم العمد شئ في عفو ولا قيام (¬5). إلا أن يصير ذلك مالاً فترث منه لأنها ليست من ولاته ولا من قومه. وقال مطرف قال مالك: إنها أولي من العصبة. ومن كتاب ابن المواز: وكذلك لا عفو للأخوات مع الجد، ولا يسقطهن إلا الجد ومن هو أقرب منه. فأما مع من هو أبعد منه ومن الإخوة، فلهن القيام بالدم معه. وأما مع الجد فالجد أولي منهن في العفو والقيام؛ لأنه أخ مع الإخوة، ولا كلام للأخوات مع الذكور من الإخوة. فمن ها هنا كان الجد أولي، ولأن الجد عفوه مع الإخوة جائز لأنه كأخ معهم، فكيف مع الأخوات؟ ¬
وأما مع باقي العصبة الأعمام وبنوهم ومن هو أبعد وكالموالي فلا عفو للأخوات إلا بهم ولا لهم إلا بهن (¬1) وكذلك البنات والأم مع العصبة لا عفو لهن إلا باجتماع العصبة معهن، إلا أن يحزن الميراث فلا يكون للعصبة فيه حق. وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في الجد والإخوة والأخوات نحو ما ذكرناها هنا عن ابن القاسم. [قال] (¬2) وأما الجد والبنات فكالأب معهن، لا عفو له إلا بهن ولا لهن إلا به. وأما البنون معه فهم أولي منه. ومن كتاب ابن المواز قال في موضع آخر من كتابه: وأما الجد والإخوة فمختلف فيه؛ فابن لقاسم يراه كالأخ في العفو يجوز (¬3) عفوه علي الإخوة، ويجوز عفو بعض الإخوة عليه. وقاله أصبغ. وأما الجد والأخوات فلا قول لهن معه في عفو ولا قيام عند ابن القاسم كالأخ معهن. وقال أشهب: لا قول للجد مع الإخوة، وهم أولي منه بالعفو والقيام؛ لأنهم أقعد، وهو معهم كأخ لأب؛ هو يقسم معهم ولا نظر له مع الشقيق في عفو ولا قيام. وكذلك الجد مع ابن الأخ فابن الأخ وابن ابن الأخ أولي. وابن القاسم يري الجد أولي من الأخ. وذكر في المجموعة قول ابن القاسم وقول أشهب هذا في الجد مع الأخ أو مع الأخوات ولم يذكر ابن الأخ. ¬
ومن كتاب بن المواز: وروي عن ابن القاسم (¬1) في بعض مجالسه أن الأخ أولي من الجد بالعفو، وأنه مع الأخوات لا يجوز عفوه إلا بهن ولا عفوهن إلا به. قال ابن المواز: وأكثر هذا غلط (¬2) ممن أخبرني به وهذا قول أشهب. قال: وبنو الإخوة، يريد في أنفسهم، في قول أشهب وروايته [كالعصبة لا عفو إلا باجتماعهم وإن استووا. وقول ابن القاسم وروايته] (¬3) أن من عفا منهم فهو أولي إذا استووا. ورواه ابن وهب وقاله أصبغ. ومن كتاب ابن المواز [قال] (¬4) وأما البنات مع الأخوات فقال ابن القاسم قولاً غيره أحب إلي، إن البنات أولي بالعفو والقيام، فإن اختلف البنات نظر السلطان، وكذلك في ابنة واحدة فلا قيام للعصبة؛ لأن الميراث في الدم أحرز دون العصبة، وقد ثبت الدم ببينة فلم يستحق بقسامة. [قال: و] (¬5) لو استحق بقسامة العصبة لم يجر العفو إلا باجتماع منهم ومن الابنة، وكذا ذكر ابن القاسم في المجموعة. وقال أيضاً عنه في بنت وأخت: فإن مات مكانه فالبنت أحق بالعفو أو القتل. وإن عاش بعد ذلك وأكل وشرب ثم مات فلا تقسم النساء ويقسم العصبة. فإن أقسموا وعفت البنت فلا عفو لها دونهم، ولا عفو لهم دونها، [ولا عفو] (¬6) إلا باجتماع منها ومنهم أو منها ومن بعضهم. ¬
وقال في العتبية (¬1) من رواية عيسي في بنات وعصبة: لو عفت واحدة من العصبة جاز ذلك عن من بقي وبطل القتل. قال ابن المواز: ويقول أشهب أقول في بنت وأخت إنه إن مات مكانه فمن قام بالدم من البنت أو الأخت فذلك له؛ لأن الأخت ها هنا عصبة، ولو كان مكان الأخت عصبة لم يكن للبنت عفو إلا معهم (¬2) لأنهم وإن استحق الدم بقسامة العصبة؛ لأنه عاش فهو سواء، فليقسم العصبة ثم تكون الأخت والبنت أولي بالقتل أو العفو. فمن طلب القتل منهما فهو أولي. وكذلك لو لم يترك إلا بنتاً (¬3) وعصبة، أحدهم أقعدهم؛ فأقسم الأقعد معهم أو أقسم اثنان من الجميع ثم كان أقربهم من الميت مع البنت أحق بالعفو أو القيام (¬4). وقال ابن وهب [العفو والقيام للبنت أو للبنت والأخت دون العصبة وقال ابن وهب] (¬5) عن مالك إن كان له بنات وعصبة أو بغير قسامة. قال ابن المواز: لأن للبنات مع الصعبة حقاً (¬6) ولو كان مع البنات أخوات فالأمر للبنات وللأخوات دون العصبة. قال عبد المالك: وكذلك أخوات شقائق وإخوة (¬7) لأب، فلا يكون العفو إلا باجتماع منهم. وقال أيضاً ابن القاسم في بعض مجالسه: إن البنات والأخوات إذا اجتمعن فلا قول للعصبة معهن في عفو ولا قيام إن كان القتل ببينة، وإن ¬
كان بقسامة فلا حق للنساء فيه من بنات ولا أخوات. وهو للعصبة. وهذا القول ذكر [مثله ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف وذكر] (¬1) نحوه ابن عبدوس عن مالك. [وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنهما قالا: إذا كان العصبة مع بنات [فقط، أو مع أخوات فقط، أو مع بنات] (¬2) وأخوات؛ فإن ثبت الدم ببينة فالبنات وحدهن أو الأخوات وحدهن أو البنات والأخوات جميعاً إذا اجتمعن أحق بالعفو أو القيام بالدم من العصبة، وإن ثبت الدم بقسامة فمن طلب القود من الفريقين فهو أحق ممن تركه، وإن عفا البنات والأخوات وطلب العصبة القود فذلك للعصة، وإن عفا العصبة وطلبت البنات والأخوات القود فهن أحق به] (¬3). قال ابن المواز: ولأشهب أيضاً قول في بعض جوابه أن ذلك للبنات مع العصبة، لا عفو إلا باجتماعهم، ثم لا قول للأخوات معهم في عفو ولا قيام، كان الدم ببينة أو بقسامة، ولولا قرب البنات من الميت ما دخلن مع العصبة. [قال محمد: نزع أشهب أن جعل القيام بالدم لمن كان أولي بوراثة، ولا الموالي، وأقرب بالعصبة] (¬4) لولا اتباعه في بعض ذلك مالكاً علي الاستحسان. ألا تراه يجعل ابن الأخ أولي بالدم من الجد وإن كانت قسامة، وإنه لوجه القياس. وإن الاستحسان في كثير [من العلم] (¬5) أملك. وقد ذكرت لك قول أشهب الآخر قبل هذا أن الأخت والبنت أحق من الصعبة، ولا عفو للبنت إلا بالأخت. قاله مالك وقاله أصبغ وقال: إن ذلك لهن دون العصبة، كان بقسامة أو بغير قسامة. ¬
ولا أري قول ابن القاسم في إخراجه إياهن فيما كان بقسامة. وأما أخوات وعصبة فإن كان بقسامة فلا حق للأخوات، وإن كان ببينة فالأخوات مع الصعبة، لا عفو إلا باجتماعهم. ومن المجموعة قال مالك: والبنت يجوز عفوها مع ولاة الدم، ولا يجوز عفو الولاة دونها هذه رواية ابن وهب [عنه] (¬1) وروي عنه ابن القاسم لا عفو لها إلا بهم ولا لهم إلا بها. وقد تقدم فيما حكي ابن المواز من رواية ابن وهب أيضاً مثل هذا، وما حكي من قول ابن وهب خلافة (¬2). ومن المجموعة عن ابن القاسم [قال: ولا تجري الجدة للأب أو للأم مجري الأم في عفو ولا قيام قال مالك: إلا] (¬3) في أم وعصبة: إن صولحوا العصبة فللأم أن تقتل. قال عنه ابن وهب في أم وأخ وإبن عن إنه لا عفو للأم دونهما. ومن كتاب ابن المواز عن ابن القاسم في أم وأخوات وعصبة، فلا حق للأخوات معهم في العفو، وذلك للأم والعصبة. فإن افتقت الأم والعصبة علي العفو جاز ذلك علي الأخوات. قال في المجموعة: وإن عفا العصبة والأخوات فللأم القتل. وقال في كتاب ابن المواز: وإن اختلف الأم والعصبة بطل العفو. قال: وأما الأم والبنات والعصبة، فإن عفا البنات والعصبة جاز علي الأم، وإن عفت الأم والعصبة لم يجز علي البنات؛ لأن الأم أقرب من الأخوات، والبنات أقرب من لأم. ¬
قال ابن المواز: والأم عند أشهب أضعف من سميت. وقال أيضاً أشهب في ولد الملاعبة: إنه لا عفو لبناته ولا للموالي دون أمه، ولا عفو إلا باجتماعهم. وقال في موضع آخر ما ذكرنا [قيل هذا] (¬1). وقال أشهب: لا أمر للأم مع البنات ولا مع العصبة ولا مع غيرهم من الورثة، ولا للأخوات مع البنات. ولا من العصبة إن لم تكن بنات في عفو ولا قيام. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك: وإذا ثبت القتل ببينة وللمقتول بنون وبنات، فعفو البنين جائز علي البنات، ثم لا شئ للبنات من الدية فإن عفا أحد البنين وجب لمن بقي من ذكر أو أنثي حظه من الدية علي الفرائض، وكذلك الزوجة، ويسقط حق العافي وحده. وإن عفا الرجال كلهم علي الدية دخل فيها البنات والزوجات. وكذلك إن وجب القتل بقسامة. قال ابن المواز في كتاب الإقرار: وإذا كان ولد المقتول [عمداً] (¬2) ذكوراً وإناثاً، فعفا جميع الذكور علي غير الدية، فذلك جائز ولا حق للبنات في الدية، وكذلك الأخوات مع الأخوة لا حق لهن في دية إلا أن يبقي (¬3) واحد من الذكور [لم يعف] (¬4) عن الدم، كن بنات مع بنين أو أخوات مع إخوة، يأخذون ذلك من القاتل في ثلاث سنين ويسقط حظ من عفا وحده عن القاتل. وهذا كله قول ابن القاسم وأشهب. ¬
وذكر أشهب عن مالك مرة أنه قال: ‘ن عفا الذكور فإن لأخواتهم خظهن من الدية. ولم يقل ذلك أشهب ولا ابن القاسم. وقالا ما ذكرا عنه (¬1) أولا. وعلي هذا جماعة من أدركنا، من أصحاب مالك وهو أصله في موطئه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا استوي الأولياء في القعدد رجال ونساء وهذا لا يكون إلا في بنين وبنات أو أخوة وأخوات. فإن اجتمع عفو الرجال علي الدية دخل فيها النساء؛ وكانت علي المواريث، وإن عفوا علي غير دية (¬2) فلا شئ للنساء، وإن عفا بعض الرجال علي غير شئ فلمن بقي من ذكر أو أنثي حظه من الدية. قال ابن القاسم: مثل أخوين وأخت؛ فيعفو الأخ فلمن بقي ثلاثة أخماس الدية لا نصفها. محمد: لأنها إذا صارت دية صارت موروثة علي الفرائض، وإن عفا الأخوان فلا شئ للأخت ولا للزوج إن كان ثم زوج. وكذلك في البنين. ولو تركت زوجاً وآخرين فعفا أحدهما فللزوج نصف الدية، وللأخ الاخر ربعها يتبعان به القاتل، فإن كان عفا الأخ أيضاً فلا شئ للزوج، استحق الدم ببينة أو بقسامة. وإنما يسقط حق النساء بعفو من معهن من الرجال في درجة إذا عفوا في فور واحد. وأما لو عفا أحد الأخوين ثم [بلغ] (¬3) الآخر فعفا، فلا يضر ذلك من معها من أخت أو زوجة، لأنه مال وجب بعفو الأول. ولو كان الثاني عليه دين لم يجز عفوه بعد الأول. وإذا رجع الأول فقال: ما عفوت إلا علي أخذ الدية فاختلف فيه قول مالك، فقال: يحلف ما أراد ترك الدية ويأخذ حقه منها. [ثم رجع فقال لا شئ ¬
له، إى أن يري لما قال وجهاً فذلك له. وبه قال ابن القاسم. وقال أيضاً ابن القاسم في بعض مجالسه: ليس عفوه عن الدم عفواً علي الدية، إلا أن يري لذلك وجه، مع العفو، [وإلا فله] (¬1) عليه الدية] (¬2). ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإذا كان أولياء الدم إخوة كبيرين مع صغير (¬3) أقسم الكبيران مع ولي الصغير، ومن نكل منهم بطل الدم ولادية فيه [وإن بقيي] (¬4) بعد الناكل كبيران فصاعداً. وأما أشهب فلا يجعل من عفا أولي (¬5) إلا في البنين مع الإخوة. ويقول أيضاً: إذا نكل أحدهم لم تسقط الدية بنكول أحدهم وإن كانوا بنين أو إخوة (¬6) ويصير عنده كعفو أحدهم بعد القسامة. وقد قال أيضاً: عفوه بعد القسامة وقبلها سواء. وكذلك نكوله أنه يقسم من بقي ولهم حظهم من الدية. وقال: سمعته من مالك مراراً لا أحصيها. قال ابن المواز: يسقط الدم والدية بنكول أحدهم وهو قول مالك، في الموطأ، وقاله أصحابه أجمع. قال ابن عبد الحكم: وهو أصح الروايتين عن مالك، وهو أحب إلي، وهو قول أصحابه ابن القاسم وعبد الملك وأصحابه أصبغ وغيره. وإنما تكون الدية لمن بقي عند مالك؛ إذا أقسموا كلهم، فعفا بعضهم بعد القسامة. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف عن مالك: إذ عفا بعض الأولياء في درجة بعد أن ثبت الدم بقسامة أو ببينة بشئ أخذه العافي، أو بغير شئ يسقط الدم ويأخذ من لم يعف حظه من الدية من مال القاتل. وإن عفا ¬
قبل القسامة وهو ممن له العفو، فإن بقي ممن له العفو اثنان (¬1) فأكثر مثله في الدرجة، فلهم أن يقسموا ويأخذوا حظهم من الدية، فإن لم يبق إلا واحد فلا قسامة له، ولا يقسم فيه النساء. وقال ابن الماجشون في الأول من القسامة لابن حبيب: وإذا عفا أحد الأولياء بعد ثبوت الدم فقد قاله لي مالك إنه يرجع إلي الدية ويسقط منها حظ العافي. ولا أقوله، وأقول: إنه لا دية فيه لمن لم يعف، عفا العافي بعد ثبوت الدم أو قبله، إلا أن يعفو علي شرط شئ يأخذه قل أو كثر، فإن لمن لم يعف (¬2) أن يرجع علي حظه في الدية إن ثبت الدم. وإن لم يكن ثبت (¬3) فلهم الدية إذا أقسم علي الدم من لم يعف. قال ابن حبيب: وبرواية مطرف عن مالك [أقول] (¬4)، وبها قال أصبغ ورواه ابن وهب وغيره عن عمر بن الخطاب. قال مطرف وابن الماجشون: وإذا عفا بعض الولاة أو نكل عن القسامة، فإنما يبطل الدم إذا كان العافي أقرب ممن لم يعف أو كانوا في درجة. فأما إن كان من بقي أقرب فلمن بقي القسامة والقتل، ولهم أن يستعينوا في القسامة بمن هو أبعد منه. وقاله أصبغ. قال ابن حبيب في الكتاب الثاني من القسامة: ومن قتل [عمدا] (¬5) وله ابنان وابنة فأقسم الابنان واستحقا الدم ثم عفا أحدهما، فللباقي مع أخته ثلاثة أخماس الدية في مال القاتل، فإن لم يكن له مال اتبع بذلك ديناً. ثم لا يجوز عفو أخته بعد عفوه وإن كان عليه دين محيط] (¬6) ويجوز ¬
عفو لعافي وإن كان عليه دين محيط. ثم ذكر ابن الماجشون من العفو عن حظه أو عن حظ الجميع علي أكثر الدية أو أقل نحوما في كتاب ابن المواز، وقد ذكرناه. ومن المجموعة قال مالك: إذا كان للمقتول موال فعفا بعضهم فإن استووا في القعدد فلا سبيل إلي القتل. قال ابن القاسم وأشهب والمغيرة: وإذا كان الرجال والنساء في درجة، كبنين وبنات وأخوات، فلا حق للنساء (¬1) مع الرجال في عفو ولا قيام، فإن اختلفت أرحامهم كبنات مع إخوة أو أخوات وبني العم فالقول قول من قام بالقتل من الرجال والنساء. قال المغيرة: ثبت القتل ببينة أو قسامة. قال هو وابن القاسم: وإن عفا بعض البنات وبعض العصبة أو بعض الأخوات وبعض العصبة فلا يقتل، ويقضي لمن بقي بالدية. وإن قال بعض البنات نقتل وقال بعضهن نعفو، نظر قول العصبة، فإن قالوا العفو تم العفو، وإن قتلوا فذلك لهم. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: لا يجوز العفو إلا باجتماع من البنات والعصبة (¬2)؛ فالقائم بالدم أولي. قال ابن المواز: لأن العفو عنده لا يجوز من أحد إذا اختلفوا إلا في الإخوة والبنين فقط. وقول عبد الملك وأصبغ علي رأي ابن المواز (¬3). ومن كتاب ابن حبيب (¬4) قال مطرف وابن الماجشون عن مالك في المقتول عمداً وله عصبة وموال فطلبوا أن يقسموا وطلب النساء أن ¬
يعفون (¬1)، فذلك للولاة دونهن (¬2) إن استحق الدم بقسامة، وإن (¬3) طلب النساء القتل فذلك لهن. ولو ثبت الدم ببينة كان النساء من بنات وأخوات أولي بالعفو والقيام من العصبة. ومن المجموعة قال أشهب في أخوات شقائق وإخوة لأب: إنه لا قود للإخوة للأب ولا كلام لهم في عفو ولا قيام وإن أقسموا معهم، وإن لم يقسموا معهم والشقائق اثنتان فصاعداً أقسموا واستحقوا الدم. قال ابن القاسم: ومن أسلم من أهل الذمة أو رجل لا يعرف وله عصبة فقتل عمداً وله بنات، فلهن أن يقتلن، فإن عفا بعضهن وطلب باقيهن القتل نظر الإمام بالاجتهاد؛ لأن ولاءه للمسلمين. قال ابن المواز عن ابن القاسم: فإن عفون كلهن فذلك لهن. قال أشهب: إذا اختلفن فمن قام بالدم كان أولي كما لو كان مع عصبة. فلو اجتمعن علي العفو فليس ذلك لهن إلا بالسلطان، كما لو كن مع عصبة فليس ذلك لهن إلا بالعصبة. هذا إن كان القتل ببينة، فأما ما كان بقسامة فلا قسامة فيه، ولكن ترد القسامة علي القاتل ويضرب مائة ويحبس سنة. قال ابن القاسم: وإن قتل عمداً وله أم وبنات فقط، فإن كان القتل ببينة فالعفو والقيام لأمه وبناته. وإن كان بقسامة يطل دمه. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وليس للإخوة للأم في الدم نصيب. قال: ولا عفو لزوج ولا زوجة. والعفو والقيام للعصبة. محمد: إلا أن تؤخذ فيه دية فيدخل فيها جميع الورثة. ¬
في الصبي يكون ولي الدم أو أحد الأولياء
قال أشهب: وإن جعل المقتول دمه إلي رجلين فليس لأحدهما عفو إلا مع الآخر. وكذلك إن قال فوضت دمي إلي فلان فهو له. قال: فأمره إليه إن شاء قتل وإن شاء عفا علي شئ. وإن عفا علي دية فهي لورثة المقتول. وإن كان الدم بقسامة فالقسامة للعصبة، والعفو والقتل إلي هذا كما هو. وإن نكل واحد من عصبته فلا سبيل إلي القتل إن كانوا في درجة. ومن العتبية (¬1) روي يحي بن يحي عن ابن القاسم فيمن قتل رجلين عمداً وثبت القتل فعفا أحد أولياء القتيلين عنه علي الدية، وقام أولياء الآخر بالقتل فذلك لهم، فإن قتلوا بطل صلح أولياء الآخر. [ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن قتل رجلاً خطأ ولا عصبة له، وله بنت وأخت، فلتقسما وتأخذا الدية. وإن قتل عمداً لم يجب القتل إلا ببينة] (¬2). في الصبي يكون ولي الدم أو أحد الأولياء أو يكون للصبي دم أو جرح هل يصالح عنه في ذلك؟ من المجموعة ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب عن مالك في المقتول عمداً وله ولد صغار، فإن كان له أب أو وصي فله القتل أو العفو علي الدية، لا يجوز علي غير الدية. وإذا كان وصي، فهو أولي من الأب، ولا يرتقب بلوغ الصبي. قال أشهب: فإن لم يكن وصي نظر السلطان وجعل من يلي عليهم يتظر في ذلك لهم، ولا يعفو إلا بمال ¬
يأخذه وإن كان أقل من الدية علي وجه النظر مالا يتهم فيه بمحاباة لقلته لأنه بيع وأحق البيع بالتجاوز. قال سحنون في المجموعة نقض أشهب أصله في هذا، لأنه يري إذا طلب منه الدية في [دم] (¬1) العمد فليس له أن يأبي ذلك. فكيف يحط من الدية وقد كان للصبي أن يأخذه بها لو كان بالغاً. قال ابن القاسم وأشهب: وللوصي أن يقتص للصبي من جراح العمد، وهو أولي بذلك من أوليائه. قال مالك: وإن قتل ابن أباه وله ولد صغير فلوصية (¬2) القتل. قالا: وإن قتل اليتيم فأولياؤه أحق بدمه من وصية، وهو حق لهم. قال أشهب: كما زالت ولايته عن تركته. قال أصبغ: إلا أن يكون أولياء الصبي الذين هو أحق بدمه إخوته وهو ولاية هذا الوصي فهو أولي في العفو والقود. قال: وإن كان هذا المقتول المولي عليه له ولد صغير، فوضي الأب أولي من عمومة الصبي بالدم. ولو قتل الأخ أخاه عمداً وللمقتول ابن غلام وأب، واستحقوا دمه بقسامة منهما أو ببينة، فأبي الأب أن يقتل ولده، وأبي الابن إلا أن يقتل عمه. فذلك للابن؛ إن شاء قتل أو عفا. ومن الكتابين قال ابن القاسم وأشهب: وللوصي أن يصالح في جرح الصغير بشئ يأخذه علي وجه النظر. ولا يعفو علي غير شئ. قال مالك وابن القاسم: وليس للأب أن يعفو عن جرح الصغير علي أقل من الأرش إلا أن يتحمله في ماله. [قال ابن القاسم: ويكون مليا يعرف ¬
ملاؤه، وإلا لم يجز عفوه. قال ابن القاسم: والوصي كذلك. ولا يعفو أب أو وصي أو من يلي علي الصبي علي أقل من الدية إلا أن يتحمل ذلك في ماله ويكون مليا] (¬1). قال ابن القاسم وأشهب: وذلك فيما ثبت من جراح الصبي. وأما ما لم يثبت فللأب والوصي الصلح فيه بوضيعة بخلاف ما قد يثبت. ولو بذل دية الجرح أو أكثر فأبي الوصي إلا القود، فإن كان من النظر أخذ المال أكرهه السلطان علي ذلك. قال أشهب: وكيف إن كان الصبي فقيراً [يريد] (¬2) فذلك أحري. ومن الكتابين: وإن صالح له أب أو وصي علي أقل من دية الجرح، قال أشهب فذلك جائز علي النظر في العمد، إذ ليس بمال. وأما في الخطأ فإن كان ذلك مما تحمله العاقلة في سنة أو سنتين أو ثلاث، يريد ليس مما يجتهد فيه، فهذا يجوز أن يتعجل من العاقلة ما يجوز تعجيله للصبي وفيه له نظر وإن لم يكن فيه مبلغ الدية إذا خيف من تضيع ذلك في اتباعهم (¬3) به، يريد: علي ما يجوز من عروض معجلة له. [قال] (¬4) وإن كانت العاقلة علي غير ذلك وبقاؤه (¬5) عليهم كاملاً مؤجلاً أحظي (¬6) للصبي لم يجز الصلح. وكذلك أن كان مما يلزم (¬7) الجارح في ماله، ويقدر علي أخذه منه فلا يجوز أيضاً. وإن كان معدماً وخيف إن لم يصالح يوتي عليه (¬8) فالصلح جائز ويتعجله. ¬
وقال ابن القاسم (¬1) العمد والخطأ سواء لا يجوز فيه الصلح علي أقل من الأرش، كبيع سلعة بدون القيمة إلا علي وجه النظر، في عدم الجارح فيما يلزمه في ماله. ومن العتبية (¬2) روي [عيسي] (¬3) عن ابن القاسم قال: وإذا لم يكن للمقتول إلا ولد صغار ليس له غيرهم، ولا وصي لهم، فليقم الإمام لهم وصياً، فإن رأي لهم القتل قتل، وإن رأي لهم أخذ الدية أخذ ولا يأخذ أقل منها في ملاء القاتل. ويجوز صلحه في عدمه علي ما يراه (¬4) منها علي وجه النظر. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وللأب أو الوصي أن يصالح في جرح الصبي علي أقل من الدية إن كان عمداً. وابن القاسم لا يجيز ذلك إلا بوجه النظر، وأشهب يجيزه في العمد بكل حال ما لم يكن محاباة للجارح أو القاتل؛ مثل أن يتهم في ذلك لعلة ما يأخذ. قال أشهب: فإذا جاز صلحه في العمد علي الدية علي النظر جاز علي أقل منها علي النظر، إذ لا دية في العمد، وأخذ المالي [فيه] (¬5) أحظي له من القصاص إذا كان فيه ما يقيم [أمره] (¬6) ويسد خلته، وهو كبيع سلعة، فذلك فيها جائز ما لم يظهر محاباة. واتفق ابن القاسم وأشهب في عبد الصبي يقتله عبد أن أخذ قيمته أولي من القصاص. وإذا قام بجرح الصبي شاهد حلف الجارح. وإن نكل أدي دية الجرح. ¬
في أولياء الدم يكون فيهم صغير أو غائب أو مجنون
قال ابن المواز: أما في العمد فيحبس إذا نكل، فإن حلف أخر حتي يكبر الصبي فيحلف ويقتص، ولا يوقف شئ. وفي باب اجتماع الولاة في الدم وعفو بعضهم شئ من معني هذا الباب. في أولياء الدم يكون فيهم صغير أو غائب أو مجنون وكيف إن لم يكن غير ابن صغير وعصبة وكيف إن عفا الجائز الأمر من الأولياء علي مال أو علي غير مال؟ من المجموعة وكتاب ابن المواز، وربما زاد أحدهم الشئ. روي ابن وهب وأشهب عن مالك في المقتول له بنون صغار وعصبة؛ فللعصبة القتل ولا ينتظر بلوغ الصغار. قال عنه ابن وهب: ولهم العفو، ولا يعفون إلا علي الدية وتكون لجميع ورثته. ويدخل فيه زوجته وأخته لأمه وجميع الورثة. قال عنه أشهب: وينظر للصغار وليهم في القتل (¬1) أو العفو، يريد علي مال، ولوليه أن يقيم إن أصاب غيره من العصبة يقسم معه. وإن لم يكن في قربه، ثم يكون لهذا الذي هو أولي بالصبي القتل أو العفو علي الدية. فإن لم يجد من يحلف معه حلف هو خمساً وعشرين يميناً، وحبس القاتل حتي يكبر الصبي فيحلف خمسا وعشرين يميناً أخري ويقتل. وإن ¬
كان وليه وصياً (¬1) أجنبياً لم يحلف في القسامة إلا العصبة. ثم للوصي النظر في القود أو العفو، يريد علي مال. قال ابن المواز: فإن لم يكن له وصي فالأقرب ثم الأقرب من العصبة. قال ابن حبيب قال ابن القاسم عن مالك: إذا كان له ولد صغار وعصبة، فإن ثبت القتل ببينة فالأولياء القتل أو العفو علي الدية كاملة قبل أن يكبر الولد. وإن كان بالقسامة فلهم القسامة ويقتلون أو يعفون علي الدية. فإن نكلوا حبس القاتل حتي يبلغ الصبية، فيقسمون ثم يقتلون أو يأخذون الدية. قال ابن حبيب: وأحب إلي إذا كان الدم ببينة ألا يعفو العصبة وإن أخذوا الدية. ولكن يحبس القاتل حتي يكبر الصبية، فإن كان بقسامتهم فلهم العفو عن الدية. وأحب إلي أن يكون بإذن السلطان. وإن أرادوا القتل الآن فذلك لهم. وقاله ابن دينار وابن كنانة وابن أبي حازم وغيرهم، ثم رجع الكلام إلي ما في المجموعة وكتاب ابن المواز علي ما تقدم. قال مالك: والابن أولي بالدم. فإن كان صغيراً فالأب يقتل أو يعفو علي الدية، فإن لم يكن إلا الجد فذلك له، وليس الجد للأم من ذلك بسبيل. وإن كان في بنيه كبار فذلك لهم. وإن لم يكن إلا عصبة فذلك إليهم، ولا ينتظر الصغار. فإن لم يكونوا فالسلطان ينظر لهم أو يولي عليهم بذلك فيكون كالوصي، ثم لا يصالح إن رأي الصلح إلا علي الدية في ملاء القاتل، فإن لم يكن ملياً فله الصلح علي دونها، ولو صالح في ملائه علي دونها لم يجز، وطولب القاتل، ولا يرجع القاتل علي الخليفة بشئ. قال محمد قال أصبغ ولا سبيل إلي القتل. قال ابن القاسم: ولا يجوز صلحه بغير شئ. ¬
قال أشهب: وإن كان له بنون صغار وكبار، فأقسم الكبار [وله وصي] (¬1) فلا يقتلوا إلا برأي الوصي [وإذا عفا الأوصياء علي الدية جاز ودخل فيها الكبار] (¬2) وإذا عفوا علي غير شئ لم تجز وكان للكبار القتل. وإن عفا الأكابر نظر الوصي، فإن رأي أن يأخذ لهم صلحا فعل. قال ابن المواز: إن كانوا معهم في درجة جاز عفو من عفا منهم، يريد وكان لمن بقي حظه من الدية. قال: وإن طلبوا القتل نظر معهم أولياء الصغار، ومن عفا منهم علي الدية دخل فيها الباقون. وأما العصبة عند أشهب، غير الولد والإخوة، فمن قام بالدم منهم فهو أولي من كبير أو ولي صغير. ولا عفو إلا لجميعهم، ولا يعفو أولياء الأصاغر مع الأكابر إلا بنصيبهم من الدية، وإلا فلهم القتل. ومن المجموعة قال علي [بن زياد] (¬3) عن مالك: الوصي أولي بالنظر في القتل، أو العفو بالدية من الأولياء. وقاله أشهب. قال سحنون: ومذهب عبد الملك أن ينتظر (¬4) الصغير من الولد حتي يكبر. ولا أقول به (¬5) ولكن إن كان قد قارب البلوغ وراهق فلينتظر بلوغه، وإن كان لا يبلغ مثله إلي سنين فللكبير القتل. ومن الكتابين واللفظ للمجموعة (¬6) قال: قال ابن القاسم عن مالك: وإن غاب بعض الأولياء وقام من حضر بالقتل فلا يعجل، ويحبس القاتل حتي يكتب (¬7) إلي الغائب. فإن اتفقوا علي القتل قتل. ومن عفا لزم ¬
عفو، وكان لمن بقي حظه من الدية. وقال أشهب مثله؛ إذا كان أولياؤه من عفا منهم كان أولي فلينتظر الغائب، فإن عفا واحد ممن حضر تم العفو ثم لا ينتظر الغائب، وإن كان من قام منهم بالدم كان أولي فلمن حضر أن يقتل، فإن عفوا لم يتم العفو وحبس القاتل حتي يكاتب الغائب فيعفو أو يقتل. قال ابن القاسم وليس الصغير كالغائب، لأنه يكاتب، والصغير يطول انتظار بلوغه، فتطل الدماء، إلا أن يكون بعيد الغيبة فيكون لمن حضر القتل. قال سحنون: هذا فيمن بعد جداً كالأسير بأرض الحرب وشبهه. فأما من غاب (¬1) من إفريقية إلي العراق فليس من ذلك. وكذلك الصبي إذا قارب البلوغ فلينتظر. ومن العتبية (¬2) ن سماع يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب: وسألته عن غيبة بعض الأولياء فقال: إن كان من غاب ممن له العفو أو ممن لو نكل في القسامة ردت [القسامة] (¬3) علي المدعي عليهم فالينتظر أبداً، وإن اقسم من حضر ممن هو في درجة كانوا اثنين أو أكثر، وإنما يؤمر من حضر ممن هو في درجته أن يقسموا، [إذ] (¬4) قد ينكلون فترد الأيمان ويبطل الدم. وإن أقسموا كان في ذلك حياطة لئلاً يموت هؤلاء ويقدم الغائب فلا يجد من يقسم معه، ولكن يقسم من حضر ويحبس القاتل وينتظر الغائب فيحلف أو ينكل. وإن كان من حضر هو الأقعد والذي غاب ممن لو عفا أو نكل لم يبطل الدم؛ حلف الحاضرون وقتلوا. وإن كان الحاضر واحداً وله القعدد ضم إليه من يحلف معه وإن بعد وكان له أن يقتل، كان من يحلف معه مثل الغائب. ¬
في البعد أو أبعد منه، مثل أن يكون الأقعد ابناً والغائب أخاً (¬1). وحضر أخ أو ابن عم، فحلف أو نكل الأخ، وحلف ابن العم أو مولي فذلك يوجب القتل ولا ينتظر الأخ الغائب. ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم (¬2) وينتظر المبرسم والمغمي عليه لأنه مرض، قال أشهب: إلا أن يكون من قام بالدم كان أولي فلا ينتظر، ولمن بقي القتل. وإن كان المغمي عليه والمبرسم أو الغائب أولي وحده انتظر. وكذلك إن كان من عفا كان أولي والصغير يقوم مقامه وليه، وهو لا يتناول عليهم من قرب. وهو استحسان، والقياس أنه واحد. قال ابن القاسم: ولا ينتظر مجنون مطبق، ويلزم من ينتظر بلوغ الصغير (¬3) أنه إن بلغ مطبقاً أن ينتظر به (¬4). وقال أشهب في المطبق الذي لا إفاقة [له] (¬5)، فلينتظر الإمام له أن كان من عفا كان أولي، فيولي ذلك (¬6) رجلاً ينظر له ويصالح عنه إن شاء بمال يأخذه. فإن عفا بغير شئ لم يجز وكان للصحيح القتل، وإن عفا الصحيح فللمجنون حظه من الدية، وإن كان من قام بالدم كان أولي، فللصحيح (¬7) أن يقتل بأمر السلطان ولا يقيم للمجنون أحداً، لأن من قام بالقتل كان أولي. ¬
وليي القتيل يقتل أحدهما القاتل والآخر صغير أو غائب
ومن كتاب ابن المواز، وأراه لابن القاسم: وإذا كان (¬1) أولياء الدم صغيراً وكبيراً لم ينتظر بلوغ الصغير ولا يقسم وصيه، ولكن يقسم الكبير مع رجل من العشيرة، ويكون للكبير أن يقتل مع وصي الصغير. وإن كانوا إخوة كبيرين مع صغير، أقسم الكبيران ثم قتلوا مع ولي الصغير. وفي باب اجتماع الأولياء من معني هذا الباب. في وليي القتيل يقتل أحدهما القاتل والآخر صغير أو كبير غائب أو حاضر من العتبية (¬2) روي أصبغ عن ابن القاسم في المقتول له وليان، فقام أحدهما فقتل القاتل؛ [قال: لا قتل عليه] (¬3) ويغرم لصاحبه، [يريد] (¬4) نصف الدية، لأنه أبطل حقه الذي كان له يعفو عنه ويصالح ويأخذه. وقاله أصبغ. ومن كتاب محمد: وإذا كان أحد الابنين غائباً أو صغيراً عليه ولي، فعدا أخوه فقتل القاتل بغير حكم ولا رضي من معه وهو ممن لا قسامة فيه، فإنما عليه الأدب فيما افتات علي الإمام، ويغرم لأخيه حظه من الدية لأنه أتلفه عليه. وقاله أصبغ. قال ابن المواز: وكذلك لو قتله هو أو قتله أجنبي خطأ، فعلي عاقلة قاتله الدية لمن كان له دمه. ¬
في الولد يستلحق بحكم أو يعتق بعد وجوب الدم
في الولد يستلحق بحكم أو يعتق بعد وجوب الدم وفي ولي الدم يموت هل لورثته ما كان له؟ وكيف إن كان للقاتل ورثة؟ وفي القاتل يكون من الأولياء والابن هل يقتل أباه إن كان ولي الدم؟ من المجموعة (¬1) قال عبد الملك: وإذا قتل رجل وله ابن عبد فعتق بعد القتل، فلا مدخل له في الدم ولا في الميراث، ولكن يستعين به الأولياء كما يستعان بالعصبة. وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف. إلا أن مطرفاً قال لا يستعان به ولم يره (¬2) كالعصبة. قال عبد الملك في المجموعة: ولو ألحق بأبيه بعد القتل بحكم لدخل في الولاية والميراث وكان ولياً مع أمثاله. ولو كان ابنان قد أقسما قبل لحوقه لأقسم هو بعد لحوقه بقدر ما لو أن كان لا حقاً (¬3) يوم أقسما، إلا أن يكون أمثاله خمسين قد أقسموا فيستغني عنه. ولو كان الذين أقسموا بني عم ثم لحق ابن لسقطت قسامتهم وصار حقه وحده، وتؤتنف القسامة. وكما لو لحق به ولدان فلهما القسامة. ولو كانا قائمين لكان لهما ذلك (¬4)، إلا أن يستعينا بغيرهما. قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: وإذا مات وارث [هذا] (¬5) المقتول الذي له القيام، فورثته مقامه في العفو والقتل. قال أشهب: يقوم ¬
مقام هذا الميت من ورثته من له القيام بدمه لو كان هو مقتولاً، وإن ورث هذا الولي (¬1) رجال ونساء؛ فلا عفو للنساء إن كن بنات إلا مع العصبة، ولا عفو للعصبة إلا بهن. وكذلك العصبة والأخوات إن كان أحد ورثته المقتول بنت الميت أو رجلا من عصبته، فإن القود قائم حتي يجتمع كل من له في دم المقتول نظر علي العفو (¬2). قال ابن القاسم وأشهب: وإن كان للمقتول عمداً بنون وبنات، فماتت بنت له وتركت بنين ذكوراً فلا شئ لهم في العفو عن الدم ولا القيام إذ لم يكن ذلك لأمهم. ولكن يكون لهم ما كان (¬3) لها إن عفا بعض بني المقتول دخل هؤلاء فيما وجب لأمهم من الدية (¬4). قال ابن القاسم: ولو مات رجل من ولاة الدم (¬5) وورثته رجال ونساء؛ فللنساء من القتل والعفو ما للذكور؛ لأنهم ورثوا الدم عمن له أن يعفو أو يقتل. وقال أشهب: أمر الدم لبني الميت الوارث دون بناته، فإن عفوا جاز عفوهم، كما إذا عفا أعمالهم. ومن كتاب ابن المواز: وإذا ترك المقتول [عمداً] (¬6) بالبينة أماً وبنتاً وعصبة أو ابن عم، فماتت الأم أو البنت أو أحد من العصبة أو الموالي، فورثته [في] (¬7) بناته إلا الزوج والزوجية، ومن قام بالدم كان أولي. [وإن] (¬8) ¬
اختلف ورثة هذا الميت ومن بقي من أولياء المقتول فلا عفو إلا باجتماعهم. قال: وورثته الميت، وإن كان من غير عصبة المقتول ومن غير ورثته فهو بمنزلة الميت منهم. وإذا وجبت قسامة في دية الخطأ ثم مات، [يريد] (¬1) أحد أوليائه، فلورثته ما كان له يدخلون كلهم مدخله. وكذلك غرماؤه لأنهم أولي بماله من ورثته، فهم يقسمون ويستحقون. ولو أقسم الورثة ولم يعلموا بالغرماء لأجزأهم، لأنه بقي علي الغرماء اليمين باستحقاق الورثة الدية، أن يحلفوا ما قبضوا شيئاً من دينهم، فمن نكل عن ذلك بقي حقه للورثة، أن يحلفوا ما قبضوا شيئاً من دينهم، فمن نكل عن ذلك بقي حقه للورثة، وإنما يحلف الغرماء إذا كان دينهم يحيط بذلك، فيدخلون مدخل غريمهم الميت (¬2) مع من بقي من ولاة المقتول. ثم إن طرأ غريم بعد ذلك لم يعرف حلف مثل ما كان يحلف لو حضر. وقال مالك: وإذا قال لمقتول، وقد ضرب، فلان ضربني وقتلني وله أن أولياء، فرضي الأولياء، يريد عفواً، فللأم (¬3) القيام بالدم، فإن ماتت فلورثتها مثل ذلك إلا أن يثبتوا الصلح مع الأولياء. ومن الكتابين، ونسبه في المجموعة إلي أن ابن القاسم وأشهب: وإذا مات واحد من أولياء المقتول، قال في المجموعة من ولد المقتول، والقاتل وارثه، بطل القصاص؛ لأنه ملك من دمه حصة، فهو كالعفو، وعليه لمن بقي من أصحابه حظه من الدية؛ شاء أو أبي، وذلك إن كان من الأولياء الذين إذا عفا أحدهم جاز علي الباقين. قال أشهب: وأما إن كان الميت من الأولياء الذين من قام منهم بالدم ¬
كان أولي، فلمن بقي أن يقتلوا إلا أن يجتمع أولياء المقتول علي العفو فيجوز. قال في كتاب ابن المواز: ولو كان الأولياء ممن يجوز عفو أحدهم علي الباقين فمات أحدهم فورثه القاتل مع عصبة، والقاتل امرأة، إما بنت هذا الولي أو أمه قال: فهذا لا عفو فيه حتي يجتمع فيه ملؤهم علي العفو (¬1). قال: فإن مات أحد بني المقتول عن بنين وبنات ليس القاتل منهم، فلا أمر لبناته في دم جدهن، وذلك لبنيه مع بقية ولد المقتول الذكور. فإن عفا أحدهم لزم ذلك من بقي، يريد ولمن بقي حظه من الدية. قال: فإن مات أحد بني المقتول وكان وارثه ابن القاتل؛ لأنه كان أعتق ابن المقتول الميت، فإنه يسقط الدم، ولمن بقي من ورثة المقتول سوي الميت حظه من الدية، ولمن بقي من ورثة لولي الميت من النساء حظهن من الدية، ولمن بقي من ورثة لولي الميت من النساء حظهن من الدية، ويسقط حظ ابن القاتل (¬2) منهم. قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا كان ولي الدم ابن القاتل فكره له مالك أن يقتص من أبيه، وقد كره له أن يحلفه فكيف يقتله. قال أشهب: ليس له قتله، وفي ذلك الدية. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب فيمن قتل زوجته وابنها ابنه: فليس له قتل أبيه، وأري له الدية علي عاقلته. وقد قال أكثر العلماء: لا يقتل الأب بابنه. [فليس قتله] (¬3) وإن عمد قتله، وإنما يطلب دمه من هو أبعد من ابنه (¬4) فكيف حتي يلي الابن قتل أبيه بنفسه. ¬
في الصلح في الدماء وعفو الأولياء أو بعضهم على مال
في الصلح في الدماء وعفو الأولياء أو بعضهم علي مال وكيف إن صالح في جرح ثم تنامي إلي النفس وقد تقدم من عفو بعض الأولياء علي مال باب وفي باب آخر الصلح عن الصغير. من كتاب ابن المواز قال: ويجوز الصلح في دم العمد علي ما اصطلحوا عليه من شئ، معجلاً أو مؤخراً، نفساً او جرحاً فيه قصاص، كائناً ما كان الجاني، من أهل ذهب فصولح علي ذهب أو غيره، نقداً أو إلي أجل، [أو من أهل ورق فصولح علي ذهب أو غيره، نقداً أو إلي أجل أو من أهل إبل فصولح علي أقل منها نقداً أو إلي أجل، أو علي غيرها نقداً أو إلي أجل] (¬1) فهو كله جاءز لأنه دم وليس بمال، ولو لم يجب صلحه إلا علي ديتين أو ثلاث فذلك له جائز. ولو عفا علي الدية مبهماً بغير نسمية شئ ففي ذلك الدية في مال القاتل لازمة له. قال ابن المواز: وإنما يتقي (¬2) مثل هذا في الخطأ لأنه دين ثابت، فيدخله ما يدخل الدين من الصلح منه علي ما يحل ويحرم. وإذا كان من أهل الإبل فصالحة علي أكثر من مائة بعير علي أسنان الإبل (¬3) سواء نقداً؛ أو كان من أهل الذهب فصالحه علي أكثر من ألف دينار نقداً، أو كان من أهل الذهب فصالحه علي أكثر من ألف دينار نقداً، فهو جائز في العرض، وأجزته [أيضاً في الإبل] (¬4) ولم أجزه في البيع، لأنه في البيع [ليس] (¬5) له أن يعجلها قبل المحل، ولهذا تعجيل ما أعطي. ¬
قال أشهب: وإن بدا للعاقلة وقالوا غلطنا فذلك لهم، لأنهم لا يحملهم علي هذا إلا الغلط [أو الهبة فيحلفون إن ادعوا الغلط] (¬1) فيما يشبه أن يغلطوا فيه. قال: ولا يجوز [شئ من] (¬2) الصلح في شئ من الجراح قبل البرء. وبعد هذا لابن حبيب عن ابن الماجشون نحو ما ذكر ابن المواز إلا في بعضه، وقد تكرر بعضه أيضاً. ومن العتبية (¬3) روي عيسي عن ابن القاسم في المجروح أيصالح عن الجرح وعن الموت إن كان؟ قال: لا يجوز الصلح علي وضع الميت (¬4)، ولكن يصالحون علي شئ معلوم ولا يدفع إليه شئ، فإن برئ فله ما صالح عليه، وإن مات ففيه القسامة والدية إن كان خطأ [بعد أن يقسموا] (¬5) أو القتل إن كان عمداً. ومن الواضحة (¬6) قال أصبغ: كل من جرح فصالح جارحه في الخطأ والعمد أو فيما فيه القصاص من العمد وما لا قصاص فيه مما فيه العقل من الجراح الأربعة وغيرها فالصلح جائز فيه وفيما ترامي إليه إلا النفس، فإن ترامي إلي النفس خير الورثة في التمسك بما أخذوه، أو يردوه ويقسموا فيقتلوا في العمد إن شاءوا ويأخذوا الدية في الخطأ. وإن صالح عليه وعلي ما جر إليه من نفس أو غيرها بشرط في أصل الصلح (¬7) فذلك جائز في العمد، إن كان مما فيه القصاص وإن ترامي إلي النفس، فإن كان مما لا قصاص فيه وإنما فيه الحكومة في شينه بقدر برئه ¬
فهو كالخطأ، ولا يجوز فيه الصلح ولا في جراح الخطإ علي هذا الشرط، وإنما الصواب فيه إذا كان الجرح مما فيه عقل مسمي، أو مما [أيضاً] فيه قدر الشين بعد البرء أن يقع الصلح عليه بعينه، وعلي ما ظهر من حقه فيه، إن كان فيه عقل مسمي فعلي عقله، لا يعدو ذلك بشرط (¬1) ما ترامي إليه من نفس فدونها. وأما ما ليس فيه إلا الشين بعد البرء فإنما يجوز فيه الصلح بعد برئه (¬2) علي ما أحب. قال: فإن وقع ذلك قبل البرء واشترط ما جر إليه في حياته فسخ أيضاً في حياته ويرد إلي حقه فيه بعد برئه، ويفسخ أيضاً بعد موته وللورثه أن يقسموا ويستحقوا الدية في مال الجارح؛ لأنه عمد سقط فيه القود، لشبهة العفو برضاه بالصلح. وإن وقع ذلك في الخطأ وشرط ما جر إليه فسخ في حياته ويرد إلي حقه في الجرح، وإن مات فسخ ثم ليس للورثه خيار إنما لهم أن يقسموا ويأخذوا الدية. قال: وسمعت هذا من ابن القاسم. قال ابن حبيب (¬3) وقال ابن القاسم وأشهب وابن وهب في قوم رموا بقتل فهربوا فأحرق أخو القتيل منازلهم وأفسد أموالهم ثم هلك فصالح ولد القتيل القبيلة بمال علي طرح الدم عنهم وقطع الخصومة بينهم ثم قاموا علي الأخ بما فعل بهم: إن الصلح ماض قاطع لما جر إليه الدم من تلف أموالهم وخراب ديارهم؛ لأن الصلح في هذا لا يكون إلا علي قطع جراء ما يطالبون به جرار الدم. وقال أصبغ: هذا فيما أفسد الابن ومن والاه، فذلك قائم عليه لا يدخل في الصلح حتي يشترط. قال ابن حبيب مثله، إلا ¬
أن يشارك إلا بن عمه في الفساد وكان معه فيه فالصلح قاطع لذلك كله لأنها تباعة واحدة. وإن كان أمر العم والابن متبايناً لم يدخل بعضه في بعض. قال أشهب وابن وهب في نفر رموا بدم فقال أحدهم للأولياء: خذوا مني كذا وكذا ولا تقسموا علي فرضوا، فإن كان في حياة القتيل فهم بالخيار، إن شاءوا تمادوا علي ذلك فأقسموا علي من بقي، وإلا ردوا ذلك عليه وأقسموا كذلك عليه. وإن صالحوا بعد مات القتيل فالصلح ماض ويقسمون علي غيره، ويضرب المصالح مائة ويحبس سنة. وقاله أصبغ. قال أصبغ في القاتل يصالح علي الرحلة من بلد القتيل ولا يساكنهم فذلك جائز، ويحكم عليه أن لا يساكنهم أبداً ويرحل عنهم. وقال النبي صلي الله عليه وسلم، لوحشي: غيب وجهك عني (¬1). ومن العتبية (¬2) روي أبو زيد عن القاسم في المجروح يترامي جرحه فمات واستحق وليه الدم، فصالح القاتل علي أن يخرج من البلد فإن وجده فيها قتله، فخرج ثم وجده في البلد؛ قال: أري أن يقتل به. ومن كتاب ابن حبيب: إن شرطوا أنه إن لم يفعل أو فعل عاد فجاورهم فلهم الدية، وإن كان الدم قد ثبت حين الصلح فذلك جائز في القود والدية، فإن لم يثبت الدم لم يجز إلا أن يقولوا: إن لم يفعل أو فعل ثم عاد فنحن علي حجتنا في الدم، وكذلك الجراحات مثله (¬3). قال ابن الماجشون: ويجوز الصلح من دم العمد ومن جراح العمد علي دنانير أو دراهم أو عروض نقداً أو إلي أجل، كان الجاني من أهل الذهب أو من أهل الورق أو من أهل الإبل. ¬
ابن حبيب قال ابن الماجشون: وأما في الخطأ فلا يجوز أن يصالح العاقلة علي أكثر من الدية عدداً (¬1) في أسنان دية الخطأ [نقداً. وهذا بين الغلط في أمر الدية، ولا يجوز أن يصالحوا بأسنان هي دون أسنان دية الخطأ] (¬2). أو دون بعضها وهي من أسنان دية الخطأ نقداً؛ لأنه ضع وتعجل. فإن كان إلي أجل (¬3) فهو الكالي بالكالي، وإن كان علي ذهب أو ورق أكثر من الدية، يريد أو مثلها أو أقل والدية إبل، فجائز. ولا يجوز إلي أجل، وهو دين في دين. وإن كان من أهل الذهب فصالحوا علي أكثر من ألف دينار، أو من أهل الورق فصالحوا علي أكثر من اثني عشر ألف درهم، فليردوا إلي قدر الدية؛ لأن هذا من الغلط. وإن كانوا أهل ذهب فلا يصالحوا علي ورق. أو أهل ورق فلا يصالحوا علي ذهب (¬4) نقداً ولا إلي أجل الدية، وهو صرف مإحر ودين بدين في التأخير. ولو كانت الجناية عمداً جاز صلح الجاني علي ذهب أو ورق [أو إبل] (¬5) أو عرض، مثل الدية أو أكثر منها، إلي أجل أو نقداً، لأنه لم يجب لهم شئ غيره صالحوا عليه. وقاله ابن القاسم ومطرف وابن عبد الحكم وأشهب وأصبغ. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز [وهو] (¬6) وأشهب في أخوين وأخت للقتيل عمداً، يصالح أحد الأخوين عن حصته بأكثر من خمسي الدية، فليرجع أخوه وأخته علي القاتل بثلاثة أخماسها، فيضم إلي ما أخذ ¬
هو ثم يقسم الجميع علي الفرائض، وهذا في المدونة عن أشهب. وابن نافع لا يري أن يدخل بعضهم علي بعض فيما صالح به لنفسه، كعبد بينهم أو عرض. قال أشهب: ولو صالح من حصته علي أقل من حقه، فليس له غيره. وإن صالح به علي جميع الدم فله خمساه ويرد ما بقي، ولأخيه وأخته ثلاثة أخماس الدية أحب القاتل أو كره. وإن صالح من حظه علي أكثر علي أكثر من الدية فهو بين جميعهم علي الفرائض، يريد ما يأخذ الأخ والأخت من نصيبهما من الدية. قال أشهب: وإذا عفا جميع البنين عن جميع الدم علي الدية أو أقل منها أو أكثر، فللأم والزوجة والبنات حظهن بالميراث من ذلك. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا كان للمقتول زوجة وابن عم فعفوه جائز عليها، فإن عفا عن جميع الدم بنصف الدية فللزوجة ربع ذلك، ويرجع علي القاتل بربع نصف الدية. وإن ترك أخوين فصالح أحدهما من حظه علي خمسمائة، ثم صالح الآخر [من حظه] (¬1) علي ألف فأكثر، فلا يدخل معه الأول في الزيادة، ويرد الزيادة إلي القاتل إن كان مثله يجهل لك. وإن كان عالماً فللآخر جميع ما صالح عليه. قال ابن القاسم: ولو كان أحدهما غائباً ووجب الدم بقسامة، فصولح الحاضر علي أن [لا] (¬2) يقسم، ثم قدم الغائب وقام بالدم فليس له أن يقسم وقد سقط الدم، ولا يرجع علي القاتل بشئ ولا علي أخيه. قال ابن المواز: لأن الدم لم يثبت، فيدخل الغائب فيما صالح به الحاضر. ¬
وإذا ترك المقتول ابنين وبنتاً، والدم بالبينة، فصالح أحدهما عن نفسه علي أكثر من حقه، وصالح الاخر بعده علي أكثر من حقه، فصلح الأول جائز ويشاركه الباقون في الزيادة، وصلح الثاني جائز ولا يدخل الباقون في الزيادة؛ لأنها إما يعلم قول القاتل (¬1) مع يمينه، إلا أن يعرف بغير ذلك (¬2)، ويقضي للأخت بخمس الدية، وتشارك الأول خاصة في الزيادة. وإن كان له ثلاثة من الأولاد فصالح [الأول] (¬3) علي حظه من الدية، وصالح الثاني علي ديتين، والثالث علي ثلاث ديات، فليس للأول علي الثاني ولا علي الثالث شئ وعلي الأول (¬4) أن يدخل ثلثي الدية فتكون بينه وبينهما أثلاثاً (¬5)، يريد ولا يدخل أيضاً الثاني علي الثالث ولا الثالث علي الثاني بشئ. قال: ولو صالح الأول بعرض ولم يصالح الباقيان بشئ، فله منه بقدر حصته من الدية، يريد ما قابل ذلك من قيمة العرض، وما فضل فهو وأخواه (¬6) في ذلك سواء. ولو ألفي (¬7) القاتل عديماً لرجع من بقي منهم في جميع ما أخذ الأول، وكان بين الورثة علي الفرائض، ثم يتبع القاتل بمصابه من بقي، فكلما أخذوا منه شيئاً كان بينهم أثلاثاً. وذكر ابن المواز مسألة ابن القاسم في العبد يقتل رجلا له وليان، فعفا أحدهما علي أن أخذ جميع العبد أن السيد إن دفع للآخر نصف الدية تم فعله، وإن أبي خير العافي بين أن يكون العبد بينهما أو يرده ويكونا ¬
علي أمرهما في القتل أو العفو. وذكر قوله الاخر. ثم قال ابن المواز: وما وجدت لجوابه الأول حجة في فرقه بين الحر وبينه ولا أصلا (¬1). ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن اتهم بقتل فصالح أولياء القتيل علي مائتي فريضة، مائة (¬2) إلي انسلاخ صقر يأتيه بها مجتمعة، ومائة منجمة يف ثلاث سنين، فطلب دفع المائة الأولي [رسلاً يتبع بعضها بعضاً فلاي ينسلخ] (¬3) الأجل حتي يأخذوها. قال: لا بأس أن يأخذوها رسلاً كما ذكر وأراه علي الأولياء (¬4). قيل إنه لما ذكر السنين الثلاث طلب الأولياء ثلث المائة الثانية في أول السنة، ولم يكن شرط في أولها ولا آخرها. قال: فليعطوا ذلك في وسط السنة. ومن العتبية (¬5) من سماع ابن القاسم فيمن صالح علي دم عمد علي أن يعطي كل سنة كذا وكذا من الإبل، وشرط أن يعطيها جملة؛ فقال الذي عليه الإبل يؤديها (¬6) رسلاً يتلو بعضها بعضاً. وقال الآخر: لا أخذها إلا جملة، قال: له يوديها (¬7) رسلاً قيل: فإن شرط عليه في سنة ولم يذكر في أي شهر من السنة يأخذها. قال يؤديها في وسط السنة. روي يحي ابن يحي عن ابن القاسم في المجروح يصالح من جرح العمد، ثم يترامي فيموت، فيقول أولياؤه إنما صالحكم علي الجرح. فلهم أن يقسموا ويقتلوا إذا ثبت الجرح ببينة أو بإقرار (¬8). ¬
في ميراث الدية
في ميراث الدية من كتاب ابن المواز قال مالك: دية العمد إذا قبلت موروثة علي كتاب الله تعالي، ويرث فيها النساء وغيرهن، وإن لم يحزن ما بقي فذلك لمن يرثه من العصبة (¬1). قال مالك: وإن قتله وارثه عمداً فلا يرث ماله ولا من ديته ولا يحجب وارثاً، وإن قتله خطأ لم يرث من الدية ولا يحجب فيها وارثاً، ويرث من المال ويحجب فيه. وقد اختلف في ماله. وإنما يحجب الحاجب حيث يرث، وأما حيث لا يرث فلا يحجب ويصير كالعبد والكافر. وقاله ابن وهب وابن القاسم وأشهب. قال أشهب: وكذلك الأب لا يرث من دية ابنه في الخطأ (¬2)، [وكذلك الابن] (¬3) ويرث الأب القاتل ابنه خطأ من ماله إن كان صريح الخطأ، فإن كان ليس بصريح الخطإ لم يرث من ماله ولا من ديته. [وإذا اقتل بمثل ما فعل المدلجي لم يرث من ماله ولا من ديته] (¬4) وقد هم عمر بقتله وأعطي الدية إلي أخي المقتول. وقال النبي صلي الله عليه وسلم: لا يرث القاتل (¬5)؛ فهو متهم في العمد، ولا يتهم في الخطأ في المال. قال غيره: لم يختلف أنه لا يرث من الدية، وقد روي منع القاتل من الميراث عن عمر وابن المسيب وعن عطاء وغيره. قال مالك: الأمر عندنا أن قاتل العمد لا يرث من الدية. [ولا من المال، وقاتل الخطأ لا يرث من الدية] (¬6)، واختلف في توريثه من المال، وأحب إلي أن يرث من ماله لارتفاع التهمة فيه. وقاله عبد العزيز (¬7) , ¬
[الجزء الرابع من الجراح]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي محمد خاتم النبيين الجزء الرابع من أحكام الدماء من النوادر وهو كتاب القسامة سنة القسامة وأصلها وما يوجبها وتبدئة المدعي فيها [قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد] (¬1) ومن المجموعة وكتاب ابن المواز روي أصحاب مالك (¬2) عنه، قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا وما اجتمعت عليه الأمة في القديم والحديث أن يبدأ المدعون للدم في القسامة، وكذلك فعل النبي- صلي الله عليه وسلم - في الحارثيين (¬3) فإن حلفوا استحقوا الدم. وفرق بين ذلك وبين سائر الحقوق؛ أنها تقدر في غير الدم أن تستثبت البينات، والدم إنما يرتصد به (¬4) الخلوات، ورواه ابن وهب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن النبي- صلي الله عليه وسلم- بدأ المدعين في العمد والخطأ خمسين يميناً. قال أشهب: والقسامة سنة لا رأي فيها، وكانت في الجاهلية فأقرها النبي- صلي الله عليه وسلم- في الإسلام. [قال غيره] (¬5): وكذلك قال ابن شهاب لعمر بن عبد العزيز. قال عبد الملك: لم يعرض النبي-صلي الله ¬
عليه وسلم-علي الحارثين ما يمنعهم منه لو أجابوا، فلما نكلوا عرض الأيمان علي خصمائهم. ولم يعمل بذلك الأئمة قديماً علي بعدها في النفس وخروجها عن سائر الأحكام إلا وذلك عندهم واجب بأمر لا معدل عنه، مع قول أئمتنا إنها السنة، يؤثرونه عمن يأثره [عن من] (¬1) قبلهم. قال مالك: وما ذكر الله سبحانه من شأن البقرة التي ضرب القتيل بلحمها فحي فأخبر بمن قتله (¬2) دليل أنه يقسم مع قول الميت. فإن قيل إن ذلك آية. قيل: إنما الآية حياته. فإذا صار حياً لم يكن كلامه آية (¬3) وقد قبل قوله فيه. وسن النبي صلي الله عليه وسلم الأيمان في القسامة. قال ابن المواز: قإن قيل: قد يدعي ذلك علي عدوه [قيل] (¬4) فالعداوة تزيد في الظنة واللطخ. ومما يقويه قليه (¬5) مع الأيمان. قال غيره: وفرق الله سبحانه بين حكم الدماء وغيرها تعظيماً للدماء، فجعل الدية علي من لم يجن. وغيرنا يحكم بالدية مع القسامة بالقتل، يوجد في المحلة، فأخرجوا ذلك عن سائر الحقوق، فهي مع قول الميت أو مع الشاهد العدل اولي. قال بعض أصحابنا: ولم يدع النبي صلي الله عليه وسلم الحارثيين إلي الأيمان حتي ادعوا علي اليهود القتل، وكان بينهم يومئذ وبين اليهود عداوة ظاهرة وأمر قوي به دعواهم. ¬
ذكر ما يوجب القسامة من قول الميت أو الشهادة على القتل أو الضرب
قال مالك: والمجتمع عليه عندنا وما أدركت الناس عليه أن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما بقول الميت دمي عند فلان، أو بلوث من بينة علي القتل وإن لم تكن قاطعة. واختلف قوله في اللوث فقال هو الشاهد العدل، وهو أكثر قوله وأصحابه. وقال: الشاهد وإن لم يكن عدلاً، ويوجبها إن ثبت الضرب ببينة ثم يعيش بعد ذلك ثم يموت، وعلي الضرب شاهدان. واختلف في شاهد علي قول الميت. قال ابن المواز قال ابن عبد الحكم: ويوجبها ما يدل علي القتل (¬1) بأمر بين، مثل أن يري متلطخاً (¬2) بدم جاء من مكان فيه القتيل ليس معه غيره وشبه هذا. وفي الجزء الثاني وهو كتاب القصاص باب فيه ذكر القتيل يوجد في المحلة. ذكر ما يوجب القسامة من قول الميت أو الشهادة علي القتل أو علي الضرب وذكر اللوث من البينة علي القتل من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أصحاب مالك عنه: ولا تجب القسامة إلا بأحد أمرين: إلا بقول الميت دمي عند فلان، أو بلوث بينة علي القتل وإن لم تكن قاطعة. قالوا عنه: واللوث الشاهد العدل. قال ¬
عنه ابن القاسم في المجموعة: الذي يري أنه حضر الأمر. قال عنه ابن ناقع: ولا يحلف مع شاهده المسخوط ولا النساء (¬1) ولا العبيد ولا الصبيان. قال ابن الموز: وأحب إلي أن يكون اللوث الشاهد العدل. وأخذ به ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم. قال أشهب قال مالك-فيما بلغني-: اللوث شاهد عدل أو امرأتان عدلتان (¬2) ثم روي أشهب عنه فيه وفي العتبية (¬3) أنه الشاهد وإن لم يكن عدلاً، وكذلك المرأة. وقال مرة في غير العدل أرجو وقال وليس شهادة العبد بلوث. قال ابن المواز (¬4): وذهب أشهب أنه يقسم مع غير العدل ومع المرأة. وأما شهادة العبد والصبي والذمي فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه أنه ليس بلوث. قال أشهب: ودعوي الميت أقوي في التهمة من شهادة المسخوط. قال ابن عبد الحكم: ولا شهادة للنساء في قتل عمد ولا يكون (¬5) لطخاً. قال ابن المواز: يريد في امرأة واحدة، وأما امرأتان فيقسم مع شهادتهما إن كانتا عدلتين ويقتل بذلك، قاله ابن القاسم. وقال ابن عبد الحكم: ويوجب القسامة يدل (¬6) علي قتل القاتل بأمر بين (¬7) مثل ان يراه يجره ميتاً، أو يري خارجاً متلطخاً (¬8) بالدم من ¬
منزل يوجد فيه القتيل وليس معه غيره، فمثل هذا يوجب القسامة. ومثل أن يعدو عليه في سوق عامر فيقتله فيشهد بذلك من حضر، يريد وإن لم يعرفوا إن تظاهر ذلك كاللوث تكون معه القسامة. وقاله من أرضي. قال ابن حبيبي: وروي (¬1) ابن وهب عن ربيعة ويحي بن سعيد أن شهادة الموأة لطخ يوجب القسامة. قالا: وكذلك شهادة النساء والعبيد والصبيان واليهود والنصاري والمجوس إذا حضروا قتلاً فجأة، أو الضرب أو الجرح فذلك يوجب القسامة. وروي ابن وهب عن مالك أن شهادة النساء لوث، ومثل أن يري المتهم بحذاء المقتول وقربه ولم يروه حين أصابه. [ومن رواية ابن المواز عن ابن عبد الحكم يجره ميتاً] (¬2). ومن المجموعة قال ربيعة: يقسم بشهادة الصبي والذمي. وقال: وهذا لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: ومن اللوث الذي تكون به القسامة اللفيف من السواد والنساء والصبيان يحضرون ذلك، ومثل الرجلين أو النفر غير عدول. وعلي اللوث الشاهد العدل. ومن روي عنه أن اللوث الشاهد العدل فقد وهم (¬3)، وإنما يسأل هل الشاهد العدل لوث؟ فيقول نعم. واللوث ما أخبرتك، وقد حكم به عندنا. واللوث: الأمر المنتشر. وقال ابن الماجشون وأصبغ مثل قول مطرف. وقال مطرف: ومن ادعي علي رجل أنه شجه أو ضربه ضرباً زعم أنه خاف منه علي نفسه وقد عرفت العداوة بينهما. قال: لا أري (¬4) أن يحبس بقوله إلا أن يأتي بلطخ بين وشبهة قوية، أو يكون المدعي بحال ¬
يخاف منه الموت، وقد يحرص الرجل علي معرة عدوة بالسجن بأن يجرح نفسه. وقاله ابن الماجشون وأصبغ. قال ابن المواز: وإن شهد عدل أنه قتله غيلة لم يقسم مع شهادته، ولا نقبل هاهنا إلا شاهدين. ورأيت ليحي بن عمر أنه يقسم معه. قال ابن المواز: وإنما يقسم مع شهادة الواحد علي معاينة القتل بعد أن يثبت معاينة جسد القتيل، فيشهد علي موته ويجهل قاتله، كما عرف موت عبد الله بن سهل (¬1). وكذلك لو شهد رجل وامرأتان علي قتله ولم يعرف موته فلا قسامة فيه إلا أنه يحبس المشهود عليه ولا يعجل بتخليته، فعسي أن يأتي بشاهد آخر ويثبت موت الميت. قال أبو محمد: يريد برجلين. قال ابن الماجشون، في موضع آخر: لأن القتل (¬2) يفوت، والحبس لا يفوت. قال ابن حبيب عن مطرف وابن لماجشون مثله؛ أنا إذا شهد واحد عدل أن فلاناً قتل فلاناً قتل معترك ونحن نسير معه، فمات قصعاً فدفناه، فلا قسامة في هذا لأن موته لم يثبت إلا بشاهد، وإنما القسامة مع الشاهد فيمن ثبت موته. [ولو أقسموا ولم يثت موته] (¬3) إلا بشاهد فكيف يحكم في زوجته وأم ولده ومدبره أيحلفون؟ أم لا ينفذ لهم بحكم الموت؟ وقال أصبغ: ينبغي أن لا يعجل السلطان فيه بالقسامة حتي يكشف ويبحث، فلعل شيئاً أثبت من هذا، فإذا بلغ أقصي الاستيناء قضي بالقسامة مع الشاهد وبموته بذلك، وتعتد زوجته وأم ولده [وتنكح] (¬4). وقد قيل يقتل قاتله بالقسامة ولا يحكم بالتمويت في زوجته ورقيقه، وهذا ضعيف، وقال ابن حبيب بقول أصبغ. ¬
ومن المجموعة قال عبد الملك: وتجب القسامة بقول الميت بشهود عليه، مات مكانه أو ارتث منه، وبشهادين علي الضرب، إذا ارتث من مكانه، [ويشاهد علي الضرب يوجد في مكانه ميتاً أو ارتث منه] (¬1) ويشاهد علي قول الميت بقوله: ضربني فلان. يحلفون له بشاهد، كما يجئ الضرب بشاهد. قال ابن المواز في العتبية: لا يقسم مع شاهد علي قول الميت؛ لأن الميت كشاهد، ولا يثبت قوله إلا بشاهدين، فيقسم حينئذ. قال فيه وفي كتاب ابن المواز قال أشهب: إن قال فلان قتلني أو قال جرحني أو ضربني أو شهد (¬2) بذلك علي الفعل شاهد ففيه القسامة. وقال ابن القاسم: إن صح قول الميت في ذلك بشاهدين ففيه القسامة. فأما شاهد علي الجرح فليس فيه قسامة. ويحلف أولياؤه يميناً واحداً ثم لهم دية الجرح. وقال أشهب: إنما لا يقسم إذا لم يكن موت، فأما إن مات فقد صارت نفساً [فيقسم] (¬3) مع قول الميت دمي عند فلان أو قال: هو بي (¬4) وكذلك إن قال فلان قتلني أو قال: جرحني أو أصابني أو ضربني أو شهد علي ذلك الفعل شاهد واحد، ففي ذلك كله القسامة. قال ابن المواز: وأما إن لم يشهد علي قول الميت إن فلاناً قتله. إلا شاهد فقد اختلف فيه قول مالك. وقال عبد الملك يقسم مع شهادته (¬5)، وقال غيره: لا يجوز علي [قول] الميت إلا بشاهدين، وبه أخذ ابن عبد الحكم أنه لا يقسم إلا بشاهدين علي قول الميت، أو مع شاهد علي الجرح وقد مات. وبه قال ابن المواز. ¬
وقال: إنما تكون القسامة حيث يكون اليمين مع الشاهد، وأنزل بعض العلماء الميت كشاهد، ولذلك لا يكون شاهداً علي قوله. وروي يحي بن يحي عن ابن القاسم في العتبية أنه لا يقسم مع شاهد علي الجرح. قال سحنون اختلف الرواة في ذلك، فقيل: يقسم معه وقيل لا يقسم قال أصبغ: ولا يلزمه بهذه الشهادة حبس (¬1). قال ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: ولو ثبت بشاهدين أنه شق جوفه أو أنفذ مقاتله وتكلم بع ذلك وأكل وشرب فلا قسامة في هذا. قال ابن المواز وابن عبدوس قال ابن القاسم وأشهب: إذا قال المقتول دمي عند فلان وله مع شاهد علي القتل لم يكن بد من القسامة علي سنتها. قال أشهب: ولو لم يقل فلان قتلني ولكن قال جرحني. فليقسم ولاته أنه جرحه ولمن جرحه مات وكذلك يقسمون لو قام [شاهد أنه جرحه ولم يقل قتله. قال ابن القاسم: وإذا رمي بدمه أورع] (¬2) أهل البلد أقسم مع قوله. قال أشهب: وهو لم قام عليه شاهد بدرهم فجحده لأخذ منه مع يمين الطالب، وذلك ليساوي في الحكم بين الناس، كما قضي عثمان (¬3) لامرأة عبد الرحمن بالميراث وهو ممن لا يتهم في طلاقها في المرض. لكن ليستوي الحكم ويساوي فيه بين المتهم وغيره. ¬
في المسخوط أو المرأة أو الصبي أو العبد أو النصراني يقول دمي عند فلان
في المسخوط أو المرأة أو الصبي أو العبد أو النصراني يقول دمي عند فلان أو يدعي علي أحدهم قتل أو جرح من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: إذا قال الميت دمي عند فلان، وهو مسخوط أو غير مسخوط، أقسم مع قوله ولا يتهم، لأوليائه أن يقسموا في العمد والخطأ وإن كانوا مسخوطين. قال ابن المواز: ومن لم يقبل قول المقتول حتي يكون عدلاً فقد أخطأ. ويلزمه أن لا يقسم مع قول المرأة. وإنما جعله العلماء لطخاً لا شهادة. قال ابن القاسم في الكتابين: وكذلك المرأة تقول دمي عند فلان. فليقسم مع قولها. وقد يحلف المسخوط مع شاهده في الحقوق. والمرأة يقسم مع دعواها ولا يقسم مع شهادتها. وكذلك لأشهب في المجموعة. قال ابن القاسم في الكتابين: وإذا قال الصبي المقتول فلان الصبي قتلني وقام علي قوله بينة، وأقر القاتل فلا يقسم علي قوله، ولا يقبل إقرار الحي؛ لأن الصبي لا يحلف مع شاهده، فلا يقبل فيه إلا عدلان علي معاينة القتل. قال أشهب: وقول كل واحد علي نفسه أوجب من دعواه علي غيره. فإذا لم يقبل إقرار الصبي علي نفسه أو جرح فدعواه في ذلك علي غيره أبعد. وروي ابن القاسم وأشهب عن مالك: لا يقسم مع قول الصبي. قال ابن حبيب قال مطرف ورواه عن مالك: أن لا يقسم مع قول الصبي. [إلا أن يكون قد راهق وأبصر وعرف فيقسم علي قوله. وقاله ابن الماجشون وأصبغ قال ابن المواز قال بعض العلماء: يقسم مع قول الصبي (¬1) وأباه مالك وأصحابه وقولهم أصوب. ¬
قال ابن سحنون: قد اختلف فيه، فقيل يقسم مع قوله، ويلزم قائل ذلك أن يقوله في النصراني. قال ابن المواز: وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة إلي أن لأهل الذمة القسامة، وأباه مالك وإن تحاكموا إلينا. قال ابن القاسم عن مالك: إذا قال نصراني دمي عند فلان. لم يقسم مع قوله، ولا يقسم النصاري (¬1). قال ابن المواز: لا يقبل قول ذمي علي ذمي ولا علي غيره ولا عبد علي عبد ولا علي غيره. ولا صبي علي صبي ولا علي كبير. كما ليس لواحد منهم قسامة. قال أشهب في المجموعة: سنة القسامة كانت في حر مسلم، ولا يقسم في دم عبد وإن كان مسلماً، ولا في دم [غير] (¬2) مسلم وإن كان حراً. قال ابن المواز: وإن قال العبد دمي عند فلان الحر فلا يحلف سيده ليستحق دمه، واستحسن أن يحلف المدعي عليه إن كان حراً قال أشهب: يحلف خمسين يميناً ويبرأ ويضرب مائة ويحبس سنة. وإن نكل حلف سيد العبد يميناً واحدة واستحق قيمة عبده مع ضرب مائة وسجن عام. وحجته أنه ممن يوجب القسامة بين الأحرار. ولو أن حراً ادعاه علي العبد، كانت فيه القسامة. وإنما تركت في هذا لأنه عبد ولا قسامة في عبد. ورواه أشهب عن مالك. وقال ابن القاسم: يحلف المدعي عليه يميناً واحدة ولا قيمة عليه ولا ضرب ولا سجن. فإن نكل غرم القيمة وضرب مائة وسجن سنة. وقال ابن الماجشون: لا يحلف فيه (¬3) الحر خمسين يميناً في عمد ولا خطإ ولكن يميناً واحدة وإن عرفت بينه وبينه عداوة بعد أن يسجن ويكشف ¬
عن أمره. فإن أبي أن يحلف ضرب أدباً، وليس يضرب مائة ويحبس سنة إلا من ملكت إشاطة دمه بقسامة أو غيرها. وقد قال بعض الناس: إذا قام بقتل العبد شاهد وجب فيه ضرب مائة وسجن سنة، لأن ذلك يوجب بين الأحرار قسامة. قال ابن المواز: وروي أشهب عن ابن كنانة عن مالك في عبد ضرب فأقام أياماً فادعي علي حر انه ضربه مع آخرين، وشهد شاهد أنه رآه مع العبد في بلد والعبد مجروح؛ فقال مالك: يحلف الحر خمسين يميناً ما قتله ولا شرك في دمه، ثم يجلد ويسخن عاماً. قال ابن المواز: ولو قام شاهد علي الحر أنه قتل العبد حلف سيده يميناً واحدة وأخذ قيمته من المدعي عليه، لم يختلف في هذا ابن القاسم وأشهب. ويحبس سنة ويضرب مائة، ولا يقال للعبد إن لم يمت احلف [واقتص من الجرح، ولا للسيد احلف] (¬1) واستقد، إن مات العبد وقاتله عبد. قال أصبغ: وإن كان إنما نزي في جرحه فمات فإنه يحلف السيد يمينين، يميناً مع الشاهد علي الجرح، ويميناً لمات منه. قاله ابن القاسم [قال ابن القاسم] (¬2) فإن نكل السيد لم يحلف سيد الجارح، إلا أن يحلف بالله ما علم عبداً كان عليه جلد مائة وحبس سنة. قال ابن القاسم في المجموعة وهو لمالك في كتاب ابن المواز: وإذا جرح النصراني أو العبد المسلم ثم أسلم هذا وعتق هذا وقال كل واحد منهما دمي عند فلان، فإن كان للنصراني أولياء مسلمون أو للعبد أولياء أحرار أقسموا مع قوله واستحقوا الدية في مال الجاني. ¬
ومن أقام شاهداً أن عبده قتل عمداً أو خطأ حلف يميناً واحدة (¬1) وأخذ قيمته. فإن كان القاتل عبداً فإما فداه سيده أو ودي القيمة، فإن أسلمه لم يقتل إذ لا يقتل بشهادة واحد. ولا قسامة في العبيد في عمد ولا خطإ. قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولا يقبل ها هنا غير العدل، وإن كنت أقبله في الأحرار مع القسامة. قال ابن المواز: ولو قام شاهد بأن مسلماً قتل نصرانياً عمداً فاختلف قول مالك فيه، فالذي قال به أشهب وابن عبد الحكم أن يحلف المشهود عليه خمسين يميناً. قال أشهب: ويضرب مائة ويحبس سنة. [حلف أو نكل. والذي قال به ابن القاسم وعبد الملك أن يحلف ورثة الدم يميناً واحدة علي كل واحد منهم ويأخذ ديته ويضرب مائة ويحبس سنة] (¬2) قال ابن المواز: وهذا أحب إلي إن كان القتل بشاهد عدل. فأما بقول النصراني أو العبد إن فلاناً قتلني، فأحب إلي أن يحلف المدعي عليه خمسين يميناً ويبرأ. ولا يجلد ولا يحبس بقول النصراني. ولو جرح النصراني بشاهد فنزي فيه فمات؛ فقال ابن عبد الحكم: يحلف ولاته يميناً واحدة ويستحقون الدية لأنه لا قسامة لهم، ولا يستقيم أن يحلف أنه مات من لجرح؛ فلم أجد بداً من أن احلفهم، أحب إلي من أن أعطيهم بلا يمين ولا قسامة في النصراني. قال ابن حبيب: كان ابن القاسم قد قال في النصراني يقول دمي عند فلان إن ولاته يحلفون خمسين يميناً ويستحقون الدية وذكره عن مالك، وأنكر ذلك مطرف وابن الماجشون ولم يعرفاه لمالك ولا لأحد من علمائهم. قال: وإنما قال [لي مالك] (¬3) إن قام شاهد واحد علي قتله حلف ولاته يميناً ¬
واحدة وأخذوا الدية من مال القاتل في العمد، وعلي [عاقلة] (¬1) القاتل في الخطأ [الدية] (¬2) وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. وقال ابن نافع: لا تحمل العاقلة دية النصراني لأنها تستحق بشاهد ويمين، ولا تحمل العاقلة وما يستحق بيمين واحدة. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: إن العاقلة تحمل ذلك لأنها دية، ولكن لا تستحق إلا بخمسين يميناً. وإنما قيل: لا يقسم النصاري، معناه علي قول صاحبهم، فأما مع شاهد فليقسموا. وقاله أشهب وبه أقول. ومن الكتابين قال ابن القاسم: وإذا رمي المقتول بدمه أورع أهل البلد أقسم مع قوله. وإن رمي حر عبداُ أو ذمياً أقسم ولاته وقتلوا في العمد، فإن استحقوا العبد خير سيده بتسليمه أو يفديه بالدية. قال ابن المواز: ولا يقسم ها هنا إلا العصبة، ويسقط الدم بنكول أحدهم، ولا تقسم فيه النساء. وإن أقسم عصبته في العمد ثم عفوا علي الدية كانت الدية لورثة المقتول دونهم بلا قسامة ولا يمين عليهم، كان ذلك في ذمي أو عبد أو حر أو مسلم في العمد، كان بدعوي الميت أو بشاهد علي القتل. فإن ادعي ذلك الحر قبل الذمي أو العبد خطأ، أقسم ورثته وخير سيد العبد في غرم الدية أو إسلامه، وقيل لأهل حزب الذمي: احملوا العقل. قال ابن المواز: وإذا قال كبير رجل أو امرأة قتلني فلان الصبي عمداً، فليقسم ورثته مع قوله، كما يقسمون في الخطأ علي قدر مواريثهم من الرجال والنساء والإخوة للأم؛ كل واحد علي قدر مورثه. ولا يقسم العصبة إلا من يرث منهم ومن نكل أو عفا حلف من بقي خمسين يميناً، وأخذوا حظهم من الدية من العاقلة. ¬
باب فيمن قال دمي عند فلان خطأ، أو قال عمدا
باب (¬1) فيمن قال دمي عند فلان خطأ أو قال عمداً أو ادعي ورثته خلاف قوله أو اختلفوا أو أقر القاتل بخلاف دعواه من كتاب ابن المواز قال: واختلف قول مالك في (¬2) قول الميت في القسامة في الخطأ، فروي عنه أصحابه إلا ابن وهب أنه يقسم مع قوله في العمد والخطأ. وقال عنه ابن وهب إنه لا يقسم مع قوله في الخطإ إلا بلوث من شهادة. قال ابن المواز: ولم يثبت عندنا هذه الرواية إلا في قوله: أنا قتلت فلاناً خطأ. فأما في قوله قتلني فلان خطأ أو عمداً فما علمنا فيه اختلافاً من قول مالك وأصحابه كلهم. وهو قول أهل العلم. قال عيسي عن ابن القاسم في العتبية: أخبرني من أثق به أن قول مالك قديماً؛ أن لا يقسم مع قول الميت في الخطأ، قيم رجع فقال يقسم مع قوله. ومن كتاب ابن المواز: وإن قال دمي عند فلان خطأ أو قال عمداً أو ادعي ورثته خلافه فلا قسامة لهم ولادية ولا دم، ولا لهم إن رجعوا إلي قول الميت شئ. وهذا قول أشهب في المجموعة. وقال ابن القاسم في المجموعة: إذا ادعوا خلافه فليس لهم أن يقسموا إلا علي قوله، ولم أسمعه من مالك. ¬
قال ابن القاسم في الكتابين: وإن قال دمي عند فلان ولم يقل عمداً ولا خطأ. فإن قال ولاته كلهم عمداً أو خطأ أقسموا [علي ذلك] (¬1) واستحقوا ما ادعوا. وقال ابن المواز قال مالك: إذا لم يفسر فاجتمعت الأولياء علي الخطأ أقسموا وكانت الدية علي العاقلة. قال ابن القاسم: وان اجتمعوا علي العمد فوقف عنه وقال: أحب إلي أن لا يقسموا إلا علي الخطأ. قال مالك في كتاب ابن المواز: فإن افترقوا فقال بعضهم عمداً وقال بعضهم خطأ. فليحلف مدعو الخطأ خمسين يميناً ولهم من الدية قدر حظهم. ثم إن طلب ذلك مدعو العمد أن يحلفوا فذلك لهم ولهم حظهم من الدية. قال: ولم وقد عرضت عليهم الأيمان فأبوها؟ قال لم تعرض عليهم ولا حلفوا. قال أشهب في كتاب الإقرار لابن المواز: لا يكون ذلك لهم وكأنهم نكلوا عن اليمين. قال محمد: وأما ما روي عن مالك أنه رجع مدعو العمد إلي دية الخطأ فذلك لهم فليس كذلك؛ لأنهم قد برؤوا العاقلة بادعائهم العمد، فلا يستحقون الدية إلا باجتماع القائمين بالدم مع القسامة. وقال ابن القاسم ي المجموعة: إذا اختلفوا حلفوا كلهم وكان لهم دية الخطأ بينهم أجمعين (¬2) قال مالك في الكتابين: فإن نكل مدعو الخطأ قال في المجموعة: وقالوا لا علم لنا بطل دعوي مدعي العمد [وإن نكل مدعو العمد] (¬3) حلف مدعو الخطأ وأخذوا حظهم من الدية. قال ابن المواز: لأنه لا يقسم في العمد وقد بقي من ولاة المقتول أحد يابي (¬4)، وفي الخطإ يقسم بعض مع نكول بعض وغيبته. ¬
قال ابن القاسم في الكتابين: وإن قال بعضهم خطأ وقال الباقون علم لنا، حلف مدعو الخطأ واخذوا نصيبهم من الدية. فإن حلفوا ثم شاء الآخرون أن يحلفوا بعد نكولهم فليس لهم ذلك. وقاله أشهب في هذا الوجه في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، في الكتابين: وإن قال بعضهم: عمداً. وقال الباقون لا علم لنا ولا نحلف. فإن دمه يطل. قال أشهب في المجموعة: إذا لم يفسر الميت عمداً من خطإ، فإن ظهر من حال القتيل ما يدل علي عمد أو خطإ أقسموا علي ذلك، إلا أن يوجد [قد] (¬1) قطع بالجراحات في رأسه وجسده فتكون القسامة فيه علي العمد. قال أشهب في الكتابين: فإن لم يكن في حاله ما يدل علي شئ واجتمع جميع ولاته من عصبته ومن يرثه علي الخطأ أقسم ورثته وحقت لهم الدية علي العاقلة. ومن نكل سقطت مصابته فقط. وإن اجتمعوا علي العمد أقسم ولاة الدم خاصة وقتلوا. قال في المجموعة: فإن نكل بعضهم وهو ممن لا عفو له (¬2) فليسقم الباقون ويقتلوا. فإن عفا بعضهم بالدية فهي بينهم ميراثاً علي الفرائض. وإن نكل من نكل ممن له العفو فليقسم الباقون، ويستحقوا الدية في مال القاتل وتكون بين الورثة، وتسقط حصة الناكل إن كان وارثاً. قال في الكتابين: فإن اختلفوا فقال العصبة الذين لهم الدم إنه عمد، وقال الورثة خطأ، قال في المجموعة: وليس من عصبته أحد يرثه. قال، في الكتابين: فدمه هدر، ولا قسامة فيه ولا قود ولا دية؛ لأنه إن كان عمداً فذلك للعصبة ولم يثبت ذلك لهم الميت. وإن كان خطأ فالدية علي العاقلة ولم يدعه الميت. وعلي المدعي عليه القتل القسامة ما قتله عمداً (¬3) ليحرز ماله. ولا قسامة عليه في الخطأ. ¬
قال في المجموعة: وإن كان من العصبة وارث مع الورثة فقال مع الورثة إنه خطأ. فقد صار هذا الدم في العمد والخطأ دية، إلا أنه إن كان عمداً فإن بقية دية المقتول بعد نصيب مدعي الخطأ من عصبته في مال القاتل، وإن كان خطأ فعلي العاقلة، فأري دمه هدراً إلا ما يصيب القاتل من الدية خاصة. فليؤخذ ويقسم علي ورثة المقتول، ثم يرد نصيب الوارث من العصبة علي القاتل؛ لأني أتهمه بأن يكون نكل عن القسامة علي العمد أنه أراد العفو، إلا أن يقسم علي قتل الخطإ فيكون له هذا الذي رد دية علي القاتل. قال ابن المواز: إذا ادعي العصبة من الرجال العمد كلهم لن ينظر إلي قول ورثته من النساء، قالوا خطأ أو عمداً، وأقسم العصبة وقتلوا لأنه لا عفو للنساء مع الرجال. وإن قال العصبة كلهم خطأ وقال النساء عمداً. كانت دية، وحلف العصبة خمسين يميناً وأخذوا حظهم من الدية من العاقلة. وروي عن مالك في هذا إن رجع مدعو العمد فحلفوا علي الخطأ (¬1) أخذوا حظوظهم [أيضاً] (¬2) من الدية. ولعل هذا لم يقله مالك؛ لأن من قال عمداً فقد أبرأ العاقلة ولا شئ له في مال القاتل، إذ لا يثبت قبله الدم إلا بقسامة جميعهم علي العمد إلا أن ينكل واحد، فهذا أصل مالك وأصل ابن القاسم وأشهب وأصحابهما. ومن المجموعة والعتبية (¬3) قال سحنون عن أشهب: إذا لم يفسر الميت وله ورثة أربعة رجال في القعدد سواء، فقال رجلان خطأ وقال الآخران عمداً، أقسموا كلهم وأخذ مدعو الخطإ نصف الدية من العاقلة والآخرون نصفها في ماله. ¬
قال في العتبية (¬1): وكذلك إن قال اثنان هو عمد. وقال الآخران لا علم لنا. حلف مدعو العمد ولهم نصف الدية في ماله. قال ونكولهم عن الأيمان قبل وجوب الدم كعفوهم (¬2) عنه لو وجب؛ فلمن بقي حظه من الدية. قال أشهب من رواية سحنون في الكتابين: وإن قال دمي عند فلان ولم يقل عمداً ولا خطأ. أو شهد بذلك شاهد ولم يقل عمداً ولا خطأ، وللميت بنات وعصبة، فقال البنات عمداً وقال العصبة خطأ [فلا سبيل إلي الدم ولكن يقسم البنات والعصبة] (¬3) فيكون للعصبة ثلث الدية علي العاقلة، وللبنات ثلثاها في مال الجاني. قيل فهن يقلن إنما لنا دم، قال لما لم يكن لهن سبيل إلي الدم كان كدم عفي عن بعضه. ومن العتبية (¬4) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قال قتلني فلان خطأ وقال القاتل قتلته عمداً. فالورثة إن شاءوا قتلوه بإقراره. وإن كانت حيلة (¬5)، أقسموا علي ذلك وقتلوه. قال أبو بكر قال [يحي] (¬6) علي العمد ويقتلوا؛ لأنه يدرا عن نفسه (¬7) ما وجب عليه ويقر علي العاقلة بما لا يلزمهم. وقال ابن كنانة فيمن ادعي أن رجلاً سقاه سماً وأشهد رجلاً علي قوله وقال إن مت فمنه أموت. قال: لا يقسم في مثل هذا إلا في الضرب المشهود عليه، أو بآثار بينة من أثر الجراح أو الضرب. وبعد هذا باب في القسامة في قتل الخطأ. ¬
باب في المقتول يرمي رجلا ثم يبرئه ويرمي غيره
باب (¬1) في المقتول يرمي رجلاً ثم يبرئه ويرمي غيره أو يقول ما أعرفه ثم يدعي معرفته أو يسمي رجلاً فيوجد بذلك الاسم رجلان ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم فيمن ضرب فقال: بي فلان وفلان، ثم سئل وخوف فقال بي] (¬2) فلان وفلان غير الأولين ولا يذكر براءة الأولين، فليس لورثته علي الأولين والآخرين سبيل؛ لأنه كذب بقوله الآخر قوله الأول، وكأنه برأ الأولين، فتسقط القسامة عن لأولين والآخرين. قال في العتبية (¬3) رواية يحي بن يحي: لجهالته ووهمه ثم لا يقسم علي دم مثل هذا [إلا] (¬4) بلوث من بينة. قال سحنون في المجموعة وهو كمن رمي به آخر وبرأ الأول، فتسقط القسامة عن الأول والآخر. قال سحنون: وإم قال دمي عند فلان وفلان ثم برأ أحدهما فقد أبطل قوله في الآخر. ومن العتبية (¬5) قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن سئل من جرحك؟ فيقول: ما أعرفه [فيقول] (¬6) غلبني السكر وظلام الليل. ثم سئل بعد يوم أو يومين فقال فلان جرحني، قال لا يقبل منه. وقد نزلت وأفتي فيها بهذا. ¬
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإذا قال المجروح فلان قتلني ثم أبرأه ورمي غيره إنه يؤخذ بقوله الآخر. وإن رجع إلي انطاف (¬1) الأول قبل قوله أيضاً. وإن رمي نفراً ثم برأ بعضهم وأقام علي إنطاف بعض فالقول أيضاً قوله. وإن سئل من بك؟ فقال لا أعرف من بي؛ كنت سكران. أو في ظلمة الليل. ثم سمي بعد ذلك إن القول قوله. وإذا لم يقبل قوله في الآخر فلا يقبل في الأول، وأقيم مقام المتهم لم يقم علي دعواه أصلا. ولم ير أصبغ بقوله قسامة لا علي من برأ ولا علي من أنطف ولا علي من سمي بعد قوله لا أدري. وهو قول ابن القاسم وأشهب. إلا أن أصبغ قال: إن رمي رجلاً، ثم رمي غيره معه بعد ذلك إنه إن قال: بي فلان، ليس بي غيره. فلا سبيل علي من رمي بعده. وإن لم يقل: ليس بي غيره، فلولاته أن يقسموا علي أيهما شاءوا، ويضرب الآخر مائة ويحبس سنة. ومن العتبية (¬2) قال أصبغ فيمن قال: إن مت من جراحي هذه ففلان غلام فلان بي. فيوجد له غلام بذلك الاسم يوم دعواه، ثم يدعي السيد انه كان له من يسمي بذلك فماتوا أو باعهم، قال: لا ينظر إلي قول السيد، ولكن يقع ذلك علي ذلك الغلام الذي يعرف سببه، فإن عرف السبب أنه كان له يوم الجرح غلامان بذلك الايم كف عنه حتي يثبت علي أحدهما. وكذلك في الحقوق وغيرها يقع ذلك علي المنسوب المعروف به في موضعه وفي صفته إذا لم يكن في الحارة أو في البلد غيره، فإن أشكل ترك حتي يعرف. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن ادعي أن قوماً ضربوه فحبسهم الإمام بقوله، ثم إنه برأ بعضهم قال: فإنه يطق من برأه. ¬
في المرأة الحامل تضرب فتقول دمي عند فلان ثم تلقي جنينا
في المرأة الحامل تضرب فتقول دمي عند فلان ثم تلقي جنيناً حياً أو ميتاً من المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب في امرأة ضربت فألقت جنيناً ميتاً وقالت دمي عند فلان؛ ففي المرأة القسامة، شئ في الجنين إلا ببينة لأنه كجرح ولا قسامة فيه. ولو قام شاهد عدل بأن هذا أصاب الجنين لم يكن يحلف فيه قسامة حتي يستهل. ولكن من يرث الغرة (¬1) كل واحد منهم يميناً أنه قتله، ويستحقون الغرة في مال الضارب. وإن قالت دمي عند فلان أو قالت فلان ضربني فخرج جنينها حياً فاستهل، ففي الأم القسامة ولا قسامة في الولد لأن المضروب غيره. قال ابن القاسم في المجموعة: مات قبل أن يستهل أو بعد وإن كانت مريضة. قال في كتاب ابن المواز: لأنها تجر بشاهدتها إلي نفسها أو إلي زوجها إن كان أباه أو إلي إخوته إن كانوا ولدها، لأنها لو قالت فلان قتلني وقتل فلاناً معي لم يكن في فلان قسامة. ولو قالت، وهي حية: قتل فلان ابني فلا قسامة فيه مع قولها. ومنه ومن العتبية (¬2) [روي] (¬3) سحنون عن ابن القاسم فيمن قال قتلني فلان وقتل فلاناً معي، قبل قوله في نفسه وغيره، وأقسم علي قوله في غيره إن كان عدلاً (¬4). ولو قال ابني معي لم يقبل قوله في ابنه. ¬
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب لو قالت امرأة دمي ودم فلان (¬1) عند فلان عمداً أو خطأ فالقسامة في ذلك فيهما في العمد والخطأ، ويقسم ولاة القائلة في دمها بقولها، ويقسم ولاة الآخر بشهادتها. وكذلك لو لم يشهد الآخر فالقسامة تجب مع شهادتها، لأنها لوث. محمد: يريد ما لم تكن شهدت لمن يرثها، لأنها شاهدة ها هنا بخلاف قولها في دم نفسها. قال محمد: هذا قول أشهب ومن يري شهادة المرأة توجب القسامة. وخالفه ابن القاسم واين عبد الحكم وأصبغ، ولم يوجبوها إلا بشهادة عدل علي القتل أو علي قول الميت. وقد اختلف قول مالك في الشاهد علي قول الميت واختلف فيه أحصابه، وهذا مذكور بعد هذا. ومن العتبية (¬2) روي يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب في المرأة تقول دمي عند فلان. ثم تطرح جنيناً ميتاً، يريد وتموت هي، فإن قالت: عمداً قتل بالقسامة (¬3). ولو ثبتت عليه الضربة عمداً أو خطأ بالبينة، ففي الخطأ عقلها علي عاقلته بالقسامة لماتت من ضربه، ويحلف ورثته الجنين يميناً واحداً، ويزيد كل واحد منهم لمات من ضربه إياها، ثم يأخذون من ماله الغرة، فإن طرحته حياً ثم مات ففيه أيضاً القسامة وفي أمه وعقلاهما تامان علي عاقلة الضارب. وإن قامت البينة أنه ضربها عمداً فألقته ميتاً ثم ماتت، فليقسم أولياؤها ويقتلوا، ويحلف ورثة الجنين يميناً. [واحداً] (¬4) ويأخذوا الغرة. وإن استهل ثم مات والضرب عمد في بعض جسدها ففيه القسامة وتكون ديته في ماله. وأما إن تعمد بطنها حتي ¬
المقتول يقول دمي عند أبي
يري أنه عمد الجنين قتل القاتل به وبها القسامة (¬1)، فإن شاءوا عفوا كلهم، ولا يضر أولياء الجنين عفو أولياء المرأة، ولا يضر أولياءها عفو أولياء الجنين. ولكل طائفة القتل إلا أن يعفو من أولياء كل واحد من له العفو فلا سبيل إلي القتل. في المقتول يقول دمي عند أبي من العتبية (¬2) من رواية يحي بن يحي عن ابن القاسم قال ابن القاسم: من قال دمي عند أبي. أقسم علي قوله في الخطأ وكانت الدية علي العاقلة. وإن كان عمداً ولم يفسر أقسم علي قوله ولم يقد منه، وكانت الدية علي الأب مغلظة في ماله. قال: ولو قال أضجعني أبي فذبحني أو بقر بطني فإنه يقسم مع قوله ويقتل الأب إن شاء الأولياء أو يعفوا. قال أشهب لا يقتل في العمد والد ولا والدة بالقسامة، وأري ذلك مالاً. وقد رأي أهل العلم أن يقتل عشرة بواحد ولم يروا أن يقتلوا بالقسامة عشرة. ¬
في المضروب يفيق ثم يقيم أياما ثم يموت
في المضروب يفيق ثم يقيم أياماً ثم يموت أو يموت في غمرته والقسامة في ذلك من المجموعة قال ابن القاسم: إذا قام شاهدان بالقتل لم تكن قسامة. قال أشهب: وذلك إذا قالا قتله قصعاً (¬1)، فأما إن شهدا أنه ضربه وأنه مات من ذلك الضرب فهذا كالغموس (¬2)، وأدني أمرهما أن يكونا لطخاً فتكون مع قولهما القسامة. [قال ابن القاسم وأشهب: فإن شهد شاهد أنه ضربه حتي قتله ففيه القسامة ولهم القود في العمد والدية في الخطأ. قالا: فأما إن شهد رجلان أنه ضربه فأجافه وعاش وتكلم وأكل وشرب ولم يسأل حتي مات ففيه القسامة. أشهب] (¬3) يحلفون لهو ضربه ولمن ضربه مات. [وكذلك في قول القتيل ضربني وإن لم يقل قتلني ثم عاش أياماً ثم مات] (¬4). قال أبو محمد: قوله أجافه يريد جائفة يمكن معها الحياة، ولو قالا شق جوفه لم تكن قسامة. قال ابن القاسم: وإذا ضربه برجله البطن فاقام أياماً فزعم أنه يجد منها أمراً شديداً علي فؤاده. قال: فليخوف بالله، فإن أصر وقال مازلت منذ ركضني بشر، وما قتلني إلا الركضة، أقسم مع قوله واسحقوا دمه إذا كان مضجعاً (¬5) من يوم ركضه، وكذلك إن لم يضجع (¬6) ورأي ضرر ذلك ومشقته حتي مات. ¬
من العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم قال: ومن ضرب الرأس فأقام مغموراً لا يفيق، وقامت بينة علي ضربه ثم مات، قال: إذا لم يفق فلا قسامة، وإنما القسامة فيمن أفاق أو طعم، أو فتح عينيه وتكلم وما أشبه ذلك. وقال ابن حبيب قال أصبغ: خلابه أهله أو لم يخلوا لا قسامة فيه إذا لم يفق. ومن المجموعة قال أشهب وقاله علي عن مالك: ليس في الجراح قسامة إلا أن يموت منها. قال أشهب وإن مات تحت الضرب أو بقي مغموراً لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتي مات فلا قسامة فيه، وإن أكل أو شرب أو فتح عينيه وتكلم وشبه ذلك فلا بد من القسامة في العمد والخطأ. وكذلك إن أقام يومين يتكلم ولم يأكل ولم يشرب. وكذلك إن قطع فخذه فعاش يومه وأكل وشرب ومات آخر النهار. وأما إن شقت حشوته وأكل وشرب وعاش أياماً فإنه يقتل قاتله بغير قسامة إذا أنفذت مقاتله. وما أري من بلغ هذا يعيش ما ذكرت. وكذلك لو انقطع نخاع رقبته لأنه لو أجهز عليه أحد لم يقتل به. وقاله ابن القاسم. قال ابن المواز قال ابن القاسم قال مالك: إذا شهد عدلان علي ضرب رجل فحمل فأقام ثم مات ففيه القسامة، لأنه لا يؤمن أن يكون من أمر عرض له أو غيره، إلا أن يكون لم يزل من ذلك مغموراً لا يفيق ولا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم حتي مات فهذا لا قسامة فيه. وإنما القسامة فيمن أفاق أو طعم أو تكلم أو فتح عينيه وشبه ذلك. وقاله أشهب. وإن مكث ليلة أو ليلتين إذا كان في غمرته تلك. قال أشهب: ولو تكلم وإن لم يأكل ولا شرب فقد خرج من غمرته، ولا يستحق دمه في قود أو دية إلا بقسامة. قال محمد: إلا أن تكون جراحه أنفذت مقاتله. ¬
قال ابن القاسم: وإن قطع فخذه فعاش يوماً أكل فيه أو شرب ثم مات ففيه القسامة. وإن شق بطنه وتكلم وأكل وعاش يومين، فإن كان أنفذت مقاتله مثل عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- فلا قسامة فيه. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: إذا شهد علي الضرب شاهدان فعاش المضروب [يوماً] (¬1) ثم مات ففيه القسامة لمات من ضربه. وإن قام بالضرب شاهد حلفوا بالله الذي لا اله الا هو لفلان قتله. قال أصبغ (¬2): وإن شهد أنه خنقه حتي مات. أو غرقه فمات ففيه القسامة ويقتل بمثل ذلك. ومن العتبية (¬3) قال سحنون قال ابن القاسم: ومن ضربه قوم فأقام أياماً ثم مات، فقال القوم من ضربنا مات فلا يقبل قولهم وهم كذبة (¬4). ومن سماع ابن القاسم عمن كان ببينه وبين رجل قتال فأتي (¬5) وبه أثر ضرب أو جرح (¬6)، فقال فلان وفلان قاتلاني وعملا بي هذا، وقد أثرت منهما في مواضع ذكرها (¬7). قال يسجنان حتي يكشف أمرهما. والصلح في مثل هذا أحب إلينا، وأما القصاص فلا أعلمه. ¬
فيمن جرح ثم ضربته دابة أو وقع من فوق جدار
فيمن جرح ثم ضربته دابة أو وقع من فوق جدار ثم مات والقسامة في ذلك من العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن جرح ثم ضربته دابة فمات فلا يدري من أي ذلك مات، قال: نصف الدية علي عاقلة الجارح. قيل: أبقسامة؟ قال: فكيف يقسم في نصف دية؟ وقال ابن القاسم في المجموعة: إن فيه القسامة. وقال في العتبية في كتاب الصلح إذا جرح ثم مرض فمات ففيه القسامة. قال: ومن شنج موضحة فتراخي برؤه حتي سقط عليه جدار فقتله أو قتل إن له عقل الموضحة. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن جرحه رجل ثم ضربته دابة أو وقع من فوق جدار فأصابته جراح أخري ثم مات، فلا يدري من أي ذلك مات فلهم أن يقسموا لمات من جرح الجارح، وهو كمرض المجروح بعد الجرح. قال ابن المواز: ولو كان إنما طرحه إنسان من أعلي ظهر البيت أقسموا علي أيهم شاءوا علي الجارح أو الطارح وقتلوه، وضرب الآخر مائة وسجن عاماً. ومن المجموعة قال مالك: إذا مرض المجروح فمات فليقسموا لمات من ضربه في الخطأ والعمد. ¬
فيمن أطعم رجلا طعاما أو سقاه ماء فعرض له مكانه ما أكربه فقال من ذلك أموت
فيمن أطعم رجلاً طعاماً أو سقاه ماء (¬1) فعرض له مكانه ما أكربه فقال من ذلك أموت وفي الذي يرمي بحجر أو بعصاً أو قال فلان ركضني أو ضربني أو وكزني وهل في ذلك كله القسامة؟ وقد تقدم في باب المضروب يفيق ثم يقيم أياماً قول ابن القاسم فيمن ضرب برجله البطن فأقام أياماً وزعم أنه يجد ألما شديداً، أنه يخوف بالله، فإن تمادي أقسم علي قوله. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن قربت إليه امرأته طعاماً فأكله، فلما [أكله] (¬2) تقياً مكانه أمعاءه، فلما أيقن بالموت من ساعته أشهد أن به امرأته وخالتها فلانة ثم مات مكانه، فأقرت امرأته أن ذلك الطعام إنما أتتها به وخالتها فلانة ثم مات مكانه، فأقرت امرأته أن ذلك الطعام إنما أتتها به خالتها هذه. قال: ففي ذلك القسامة للذي عاجله عند أكله، وهذا كالجرح (¬3) عندنا، وقوله [بي] (¬4) امرأتي وخالتها يكفي وإن لم يقل أموت. كما يكتفي بذلك في الجرح وضربه بالسيف والعصي. وقد يكتفي بقوله فلان قتلني وإن لم يكن به أثر جرح ولا ضرب ولا وصف ضرباً ولا غيره فذلك يوجب القسامة وإن لم يصف ضرباً ولا غيره. قاله مالك ورواه ابن وهب وقاله جميع أصحابه في العمد والخطأ ¬
يقسم ولاته لفلان ضربه ومن ضربه مات إن [سمي ضرباً، أو فلان قتله] (¬1) إن سمي قتلاً، ولا يحتاج إلي كشف كيف قتله أو كيف ضربه. وإن شهد أنه خنقه حتي مات أو أغرقه فمات ففيه القسامة ويقتل بمثل ذلك. وقد روي أشهب وابن القاسم (¬2) وابن وهب عن مالك في قوم اطعموا قوماً سويقاً فيه سيكران (¬3) [فسكروا] فأخذوا دنانير معهم ثم ماتوا. قال: فليقتلوا كالمحاربين. ولو قالوا لم نرد (¬4) قتلهم لم يصدقوا كما لا يصدق الضارب بالعصا. وقد قتل النبي-صلي الله عليه وسلم- اليهودية التي سعت له الشاة فمات منها ابن معزوز (¬5). قال مالك: ويقتل من سقي السم. قال أصبغ: وكذلك [في] (¬6) القسامة. وقا أيضاً مالك في الذي يرمي بالحجر أو بالعصا أو يلكز: إن فيه القسامة والقود في العمد، ولم يستبن أثرث العصا أو اللكزة أو جرحت أو لم تجرح. والغالب أن هذين لا تجر حان والرمية قد تكز ولا تجرح، والركضة قد توهن من داخل الجوف ولا تجرح. فإذا قال: فلان قتلني أو [قال] (¬7) ضربني أو وكزني أو ركضني أو رماني أو لطمني، فله ما تقلد وكانت القسامة، كان ذلك بحضرة القتيل أو بغير حضرته. وكل ما كان فيه من ذلك كله القسامة بشاهد أو لوث علي هذا كله [ففيه القسامة بقول الميت، وقد تكون القسامة بالشاهد علي هذا] (¬8) وإن لم يكن أثر فذلك علي قوله. ¬
وكذلك لو قال سقاني فلان سماً، والسم أشد وأدهي (¬1) قتلا، وهو أعلم بمبلغ ذلك (¬2) وأثبت من معرفته بملبلغ الجرح منه. فإذا ثبت قول الذي تقيا أمعاءه بشاهدين فليقسم ولاته على إحدي المرأتين، ولا ينفع المرأة قولها خالتي أتتني به. وتضرب الأخري مائة وتحبس سنة. وكذلك الذي يقول فلان سقاني سماً. ولا يبالي تقيأ منه أو لم يتقيأ، ففيه القسامة. ولا يقاد من ساقي السم بالسم، بخلاف العصا أو الخنق. وكذلك لا يقاد من حرق النار بالنار؛ ألا تراه لا يقاتل العدو بها؟ وكذلك لو شهد شاهد أن فلاناً سقاه سماً كانت القسامة في ذلك مع شهادته، وكذلك بدعوي الميت. وإن شهد أنه حنقه حتي مات أو غرقه، فمات ففيه القسامة ويقتل بمثل ذلك. [ومن العتبية (¬3) من سماع عيسي بن دينار قال: وسئل ابن كنانة عن رجل ادعي أن رجلاً سقاه سماً وأشهد رجالاً وقال لهم إن فلاناً سقاني سماً وهو في جوفي، فإن مت منه فدمي عنده، هل يكون في ذلك قسامة؟ قال لا تكون القسامة في مثل هذا إلا في الضرب المشهود عليه، أو بالآثار البينة من الجراحة وأثر الضرب] (¬4) ¬
جامع القول في القاسمة في الخطإ
جامع القول في القسامة في الخطأ من المجموعة قال مالك: المجتمع عليه عندنا أن المبدئين بالأيمان في الخطأ الذين يدعون الدية. قال ابن القاسم: ويقسمون مع الشاهد. قال أشهب: وإن قال دمي عند فلان قتلني خطأ فلولاته أن يقسموا ويأخذوا الدية (¬1) من العاقلة. وهو أمر مجتمع عليه عند أهل المدينة، لأن القتل أوجب حرمة في المال، فكما يقسمون بقوله في العمد يقسمون في الخطأ. وقال عبد الملك يؤخذ في الخطأ بقول الميت وبشهادة النساء، وبالشاهد علي القتل فيمن مات مكانه أو ارتث يجري مجري قسامة العمد، إلا أن النساء يشهدون فيها، ولا يشهدون إلا فيمن علم الناس موته. وأما من لم يعلم أنه مات بالبينة فلا شهادة لهن فيه ولا لشاهد واحد ولا لرجل وامرأتين ولا يقسم معه. وهذا ونحوه قد ذكره ابن المواز. قال ابن المواز: اختلف قول مالك في القسامة علي قول الميت في الخطأ، وقد ذكرت هذا في باب سنة القسامة وما يوجبها. قال عيسي بن دينار في العتبية. أخبرني من أثق به أن أقول مالك قديماً لا يقسم في الخطأ بقول الميت. ثم رجع فقال يقسم مع قوله. قال في كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة: ويبدأ ولاة المقتول في القسامة في الخطأ مثل العمد؛ لأنه دم قال: ولو اتهم في الخطأ أنه يريد غني ولده لأتهم في العمد أن يريد قتل عدوه (¬2) وقاله. ¬
مالك. وقال: إن السنة عندهم أن يبدأ مدعو الدم بالأيمان، في العمد والخطإ، والقسامة في الخطأ من قسامة الدم. قال: ويحلف فيه الرجال والنساء بقدر مواريثهم. وما جاء فيه كسر في يمين جبرت علي من عليه أكثر تلك اليمين. ثم الدية علي عاقلة القاتل مؤجلة. وإن كان ممن لا عاقلة له مثل من دخل في الإسلام هو وأبوه أو جده، وابن الملاعنة، فالدية في ذلك علي بيت المال. وإذا نكل جميع ولاته حلف المدعي عليه خمسين يميناًُ، فإن نكلوا غرموا: وإن كانوا جماعة مدعي عليهم في قتل الخطأ لم يقسموا (¬1) إلا علي جماعتهم [قال] (¬2) وليس للأولياء أن يقسموا علي أحدهم بخلاف العمد ثم الدية علي قبائلهم قلوا أو كثروا، مؤجل ما علي كل قبيلة (¬3) في ثلاث سنين وإن قل، ولو أقل من عشر الدية. قال: ويقسم علي قول المسخوط من بلغ الحلم من الرجال والمحيض (¬4) من النساء. قال أشهب في العمد والخطأ، ما لم يكن صغيراً أو عبداً أو ذمياً. ويقسم أولياؤه وإن كانوا مسخوطين إذا كانوا بالغين مسلمين أحراراً. ولو قصد بدعواه أعدل الناس أو شرهم، في العمد والخطأ ادعوا علي ذمي أو علي عبد أو صبي أو مجنون ذكر وأنثي، فيستحق بذلك الدم والدية في الخطأ بالقسامة. ومن المجموعة قال مالك: ويحلف في الخطأ جميع الورثة من رجال ونساء بقدو مواريثهم، واليمين التي فيها كسر تجبر علي من عليه أكثرها. قال عبد الملك: لا ينظر إلي كثرة ما عليه من الأيمان، ولكن إلي ما عليه من كثرة تلك اليمين، فإن كان رجل وأخته، فاليمين المنكسرة علي المرأة ¬
لأن عليه أكثرها. وكذلك قال ابن القاسم إن كان علي واحد منهم النصف وعلي آخر الثلث وآخر السدس، جبرت علي صاحب النصف. قال ابن القاسم: وإن كان جد وإخوة حلف الجد ثلث الأيمان، وحلف الإخوة ما بقي. قال أشهب: إن كان [في] (¬1) الإخوة اثنان فأكثر، فعليهم ثلاثة وثلاثون يميناً، وتجبر اليمين المنكسرة [علي الجد. وإن كان مع الجد أخ وأخت حلف الأخ نصف الثلاثة والثلاثين يميناً، وكل واحد ربعها (¬2)، وتجبر اليمين المكسورة] (¬3) علي الأخ خاصة. وفي باب أيمان القسامة من هذا المعني. قال ابن حبيب: وإذا حلف النساء في الخطإ وأخذن نصيبهن من الدية وبقي العصبة وهم أكثر من خمسين، فإن بقي نضف الدية أحلف منهم خمسة وعشرون يميناً يميناً (¬4)، وكذلك علي قدرما بقي لهم، وقاله أشهب. قال ابن القاسم: وإنما يحلف بعضهم عن بعض في العمد، وأما في الخطأ فلا بد أن يحلفوا كلهم وإن كانوا مائة. ومن المجموعة قال مالك: وإذا لم يرثه إلا النساء حلفن وأخذن الدية. وإن لم يدع غير رجل واحد فإنه يحلف وحده ويأخذها بخلاف العمد. وإن ترك بنتاً وعصبة، فإن جاءت وحدها حلفت خمسين يميناً وأخذت نصف الدية وإن جاءت مع العصبة حلفت خمسة وعشرين يميناً وأخذت النصف، وحلف العصبة خمسة وعشرين. ¬
قال مالك: فإن نكل العصبة فلابد أن تتم هي خمسين يميناً وتأخذ النصف. وإن قام بعض الورثة والباقون غياب أو صغار، فلا [بد] (¬1) أن يحلف من قام خمسين يميناً من رجل أو امرأة ويأخذ حصته (¬2) من الدية، ثم من جاء من غائب أو صغير حلف [من الأيمان ما يصير عليه] (¬3) ويأخذ حصته من الدية. ومن نكل بطل حقه منها. قال عبد الملك: ولو حضر قوم من العصبة وبقي بعضهم، فليحلف هؤلاء جميع الأيمان بينهم ويأخذوا قدر حصتهم من الدية، ثم من جاء فإنما يحلف بقدر ما يقع عليه منها بميراثه ثم يأخذ نصيبه من الدية. ولو حلف من استوعب الميراث من ولد أو عصبة ثم جاء آخر في درجتهم، فليحلف بقدر ما يلزمه لو حضر ويأخذ حقه منهم، كغريم قدم علي غرماء بعدما أخذوا ديته. [بالقسامة بقدر حقوقهم] (¬4)، فإنه يحلف بقدر مالو حضر معهم ثم يرجع علي كل رجل منهم. وإذا وجبت القسامة في الخطأ لرجل فمات، فإن لورثته من ذلك ما كان له يرثونه عنه، يحلفون الأيمان التي عليه. وإذا أقسم الورثة ولم يعلموا بالغرماء، ثم قدم الغرماء ولهم دين محيط، أجزأهم أيمان الورثة؛ لأنه قد بقي للورثة عليه أن يحلفوا ما قبضوا من دينهم (¬5) شيئاً. ولو لم يحلف الورثة وقام غرماء المقتول والدين محيط، فلهم أن يقسموا ويأخذوا الدية بعد أن يحلفوا ما سقط من دينهم (¬6) شئ. ولو كان الورثة إنما يحلفون عنهم بعد ما لم يبق عليهم يمين أنهم ما قبضوا دينهم، ولا بقيت عليهم حجة ¬
ولا سبب للورثة ما جاز أن يحلف الورثة عنهم؛ لأنه لا يحمل أحد عن أحد يميناً في مال وكأنه قام له شاهد بمال أخذه [بيمين] (¬1) غيره. قال ابن القاسم: إذا وهب القتيل ديته في الخطأ لرجل فذلك للرجل، يحلف في الدم دون الورثة، يريد والثلث يحمل [أو] (¬2) إذا أجاز الورثة، وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن نافع وأصبغ نحوه في قسامة الغرماء في الدين المحيط. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة وفي العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن حمل خشبة مع رجلين أعاناه فيها، فمشي ابن له صغير معهم، فلما ألقوها وقعت عليه، فلم يلبث إلا يسيراً حتي مات، ولم يشهد بذلك إلا رجلان رأيا (¬3) الصبي يمشي في ظلها حتي تواري عنهما فسمعا الوقعة وصاح الصبي، فأتياه فوجداه في حجر أبيه حتي مات عن قرب، فإذا مات في غمرته لم يتكلم فالدية علي عواقلهم، وعلي كل رجل منهم عتق رقبة، وإذا عاش شيئاً من النهار [ثم مات] (¬4) وقامت علي ذلك بينة، وترك أمه وأختيه وأباه وعصبته، فليحلف ورثته خمسين يميناً لمات من ذلك. وتلزم الدية عواقلهم أثلاثاً. وللأم سدس جميعها، ويحلف الأختان والعصبة ويأخذون بقية الثلث الذي علي عاقلة الأب. ويحلف الأب لمات من ذلك ويأخذ بقية الثلثين من عاقلة الرجلين. وإذا لم يأتوا كلهم فحلفت الأختان والعصبة خمسين يميناً، ثم جاء الأب بعد ذلك فإنه يحلف خمسين يميناً، وتقسم الدية علي ستة وثلاثين سهما؛ فالأم السدس ستة، وللأب عشرون، وللأختين ثلثا الثلث (¬5) ثمانية وسهمان للعصبة. ¬
قال ابن القاسم: ويحلف الأب لمات من فعل الرجلين (¬1). وتحلف الأختان والعصبة لمات من صنيع الأب. وتحلف الأم لمات من صنيعهم أجمع. وذكر هذه المسألة ابن المواز عن مالك سواء، وذكر قول ابن القاسم وتفسيره وزاد: قال مالك وإذا كانت في ذلك قسامة كانت الأيمان في ذلك علي كل واحد بقدر ميراثه، وإذا كان في الأيمان كسر جبرت اليمن علي من عليه أكثرها. قال محمد: تحلف الأم ثمانية أيمان؛ لأنه وقع سدس الأيمان ثمانية وثلث، تجبر اليمن علي غيرها، أراد (¬2) أكثر اليمين ويحلف الأب ثمانية وعشرين يميناً، ويحلف الصعبة والأختان أربعة عشر يميناً؛ تحلف واحدة من الأختين خمسة أيمان؛ لأن عليها خمسة أيمان إلا ثلثاً، فجبرت عليها. وعلي العصبة أربعة أيمان تفرق عليهم. فإن نكلوا عنها فلا حق لهم. وكذلك لو كانوا خمسة أو أكثر، حلف أربعة منهم أربعة أيمان وأجزأهم. قال مالك: إذا لم يأتوا أجمعون، وجاء أهل الثلث العصبة والأختان فليحلفوا خمسين يميناً، لأنه لا تستحق الدية (¬3) حتي يستحق الدم ولا يستحق بأقل من ذلك. ولو نكل أصحاب الثلث لم يضر نكولهم أصحاب الثلثين وحلفوا خمسين يميناً، فإذا لم يأتوا جملة استأنف كل فريق منهم خمسين يميناً علي حدة. قال مالك: ثم يأخذون من عاقلة الأب، وإن جاء بعد الأب حلف أيضاً خمسين يميناً ثم يكون فرضها من ستة وثلاثين سهماً، علي كل عاقلة ثلث ذلك، فللأم السدس من الجميع ستة، فلها وللأب علي ¬
في القسامة في الجماعة يقتلون الرجل عمدا أو خطأ
عاقلة الرجلين أربعة وعشرون، لها أربعة، وللأب عشرون. ولها مع الأختبين والعصبة علي عاقلة الأب اثنا عشر، سهمان للأم وعشرة للأختين والصعبة. ولو قتلوه عمداً قتلوا به، إذا تعد الأب قتله وقصد إليه. وأما مثل الرمية والضربة فلا يقاد منه الأب، وهو بخلاف الأجنبيين في هذا. وبعد هذا باب في الإقرار بقتل الخطأ. في القسامة في الجماعة يقتلون الرجل عمداً أو خطأ وقد عاش بعد الضرب أو لم يعش من المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم وعلي قال مالك: وإذا ضرب النفر الرجل حتي يموت تحت أيديهم قتلوا به جميعاً. فأما إن مات بعد ضربهم ففيه القسامة، ولا يقسم إلا علي واحد منهم. ولم يعلم بقسامة قط كانت إلا علي واحد. قال في كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يقسمون إلا علي جميعهم ثم يقتلون واحداً. قال ابن عبدوس قال عبد الملك: لأنه لابد أن يكون قتله قد انصرف إلي من جهلناه (¬1) منهم؛ إما واحداً أو أكثر منه [فاليقين واحد منهم] (¬2) والشك في أكثر منه. فلذلك يقسمون علي واحد يقصدونه إذ لا يطل دمه في سنة القسامة. ومن الكتابين قال ابن القاسم عن مالك: وإذا أقسموا علي واحد قالوا في القسامة لمات من ضربه، ولا يقولوا من ضربهم. وكذلك ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم عن مالك. ¬
ومن المجموعة قال أشهب: إن شاءوا أقسموا علي واحد منهم أو علي اثنين أو أكثر أو علي جميعهم، ثم لا يقتلون إلا واحداً ممن ادخلوه في قسامتهم؛ كان ذلك بقول الميت قتلني فلان وفلان وفلان. أو قال ضربوني. أو كان بشهادة شاهد علي القتل (¬1) ومات مكانه. أو بشاهدين ثم عاش أياماً. وإذا كانت الدعوي علي رجال ونساء وصبيان فأقسموا أنهم قتلوه جميعاً، فلا يقتلوا من البالغين إلا واحداً، إما رجل أو امرأة. وعلي عواقل الصبيان حصتهم من الدية. فإن كان الرجال والنساء عشرين والصبيان خمسة، فعلي عواقلهم خمس الدية؛ [خمس الخمس] (¬2) علي كل عاقلة صبي منهم؛ لأنه من أصل دية كاملة. قال ابن القاسم عن مالك: إذا كان عمداً أقسموا علي واحد من الجماعة (¬3) وقتلوه، كان ذلك بدعوي الميت أو بلوث بينة علي القتل (¬4) أو بيئة علي الضرب ثم عاش أياماً. وأما في الخطأ فليقسموا عليهم أجمعين وتفرق الدية علي عواقلهم في ثلاث سنين. قال ابن القاسم: وإذا عاش بعد ضرب الجماعة في الخطأ فليس لهم أن يقسموا علي واحد لمن ضربه مات، بخلاف العمد، لأنه يقول الضرب منا واحد، فلا تخصوا عاقلتي بالدية فينتفع بهذا، ولا منفعة له في العمد لأنهم لو أقسموا علي جماعتهم كان لهم قتله منهم فلا نفع له في ذلك. قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن رمي بدمه نفراً فأخذ واحد منهم فسجن وتغيب من بقي، فأراد الأولياء بقاءه حتي يجدوا من غاب فيختاروا ¬
من يقسمون عليه، وقال المسجون إما أقسمتم علي أو أطلقتموني فذلك له (¬1) [ولكن يستأني به بقدر ما يطلبون ويرجي الظفر بهم] (¬2) ويتلوم لهم في ذلك. فإن تم التلوم ولم يوجدوا قيل للولاة: أقسموا علي هذا واقتلوه، ثم ليس لكم علي من وجد من الباقين إلا ضرب مائة وسجن سنة. [فإن نكلوا حلف المسجون] (¬3) خمسين يميناً، وإن نكل سجن حتي يحلف. قال: وإن شاءوا صالحوا المسجون علي مال، ثم لهم القسامة علي من شاءوا من الباقين ويسجن المصالح سنة بعد أن يضرب مائة. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب في ثلاثة نفر احتملوا صخرة أو خشبة فضربوا بها رأس رجل، قال في كتاب ابن المواز: فألقوها عليه، قال في الكتابين: فمات بعد أن عاش أياما؛ فليس لهم أن يقسموا ويقتلوهم، ولا يقسموا إلا علي واحد. قال أشهب: كما لو أجافه كل واحد بجائفة سواء. [وقال إن فلاناً منهم أنفذ مقاتلي فليس للأولياء أن يقسموا إلا عليه. قال في كتاب ابن المواز: ليس علي الباقين ضرب ولا سجن، وهذا قول مالك، وقاله لي مالك وابن عبد الحكم وأصبغ. ومن المجموعة والعتبية (¬4) رواية يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب قال ابن القاسم فيمن به جراح وآثار من شرب فيقول: بي فلان وفلان وفلان] (¬5). من الكتابين قال مالك: وإذا قال ضربني فلان وفلان وفلان وينص مل ما فعله به كل واحد منهم فقال: فلان طعنني بالرمح وفلان أوضحني ¬
وفعل فلان بي كذا من خنق أو ركض أو جرح. قال: فإن سمي من بلغ مقاتله أو بلغ منه ما يموت منه فلا يقسم إلا عليه. وإن لم ينسب إلي أحد مبلغ مقاتله وإنما وصف صنيعهم وقد قال: الخنق أشد ذلك علي او الركض أو لم يقل، فلينظر، فإن وجد أحدهم بلغ إنفاذ المقاتل دون أصحابه لم يقسموا إلا عليه. وإن وجدوا مقاتله قد أنفذها رجلان أو أكثر، أقسموا علي واحد؛ من شاءوا ممن بلغ لك الفعل منه. وليس لهم أن يقسموا علي غيرهم ممن لم يبلغ جرحه مبلغ هؤلاء. وإن كانت كلها مجهزة أو كلها غير موهنة أقسموا علي واحد من جماعتهم من شاءوا منهم وقتلوه. قال في المجموعة: وإذا قال: أقسموا علي فلان فليس لهم أن يقسموا علي غيره، كما كان لهم اختيار من يقسمون عليه. فالميت أولي بذلك لعلمه بأشد ذلك عليه، وإن كان ذلك في الخطأ فالذي يقع في القلب أن لا يقبل منه وليقسموا علي جميعهم، ثم ينظر إلي حصة من عافاه، فإن حمل ثلثة (¬1) ما يقع عليهم سقط عنهم. ولو قال: لا تقسموا علي احد. كان لهم أن يقسموا [إلا] (¬2) إن حمل ثلثه الدية جاز ذلك. ولو لم يقل شيئاً فليس لهم أن يقسموا علي واحد في الخطأ وهم لا يدرون من ضرب من مات. وروي يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب مثل ما ذكر في العمد. وقال فيه: إن قال دمي خطأ عند فلان وفلان وفلان، ولا تقسموا إلا علي فلان دونهم. فإن كان ثلثه يحمل ما يصير علي من نهاهم أن يقسموا عليه فليس لورثته أن يقسموا إلا علي من أمر، ويلزم عاقلته بقدر ما كان يصير عليهم من الدية لو أقسموا عليهم وإن قل. ولا شئ علي الآخر من الدية. وإن لم يسع ذلك الثلث خير الورثة: فإن شاؤوا أقسموا علي الذي ¬
أمر به وحده، وتجوز وصيته ويزول عن الباقين حصتهم من الدية. وإن أبوا أقسموا عليهم، ويحاص الموصي لهم. أن لا يقسموا عليهم في الثلث ثم يوضع عن كل واحد من الدية بقدر ما نابه من الثلث، وكان ما بقي علي عواقلهم، ويثبت علي الذي أمر أن يقسم عليه ما ينوبه من الدية، أقسموا عليه وحد أو عليهم كلهم. ولو قالت الورثة [لا تقسموا] (¬1) إلا علي جميعهم فذلك لهم؛ ضاق الثلث أو اتسع. ثم يسقط عن الموصي لهم ما يجب عليهم من الدية. ومن المجموعة قال مالك: ومن جرحه رجلان [عمداً] (¬2) فمات فلأوليائه أن يقسموا علي من أحبوا. وأما في الخطأ فيقسمون علي جميع الضاربين وتفرق الدية علي عواقلهم. قال فيه وفي العتبية (¬3) من رواية يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب: وإن جرحه واحد خطأ وآخر عمداً وقامت البينة بذلك ومات المجروح؛ فإن شاؤوا (¬4) الأولياء أقسموا علي جارح العمد فقتلوه، وأخذوا من الآخر عقل الجرح؛ وإن شاءوا أقسموا علي الخطأ وأخذوا الدية من عاقلته واستقادوا من جرح العمد. وليس لهم أن يقسموا عليهما ليتسقيدوا من جرح العمد ويأخذوا الدية من عاقلة الآخر في الخطأ، ولكن علي ما فسرت لك. وإن لم يثبت الجراحات (¬5) ببينة وإنما هو قول الميت فهو كما ذكرنا في قيام البينة علي الجراح. ¬
ولأبي زيد رواية عن ابن القاسم ذكرها ابن المواز، وقد ذكرناها في باب قبل هذا في الجماعة يجرحون رجلاً، فهناك قول أشهب. وروي أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬1) قال: إن مات مكانه في ضارب العمد وضارب الخطأ، قتل به المتعمد، وعلي المخطئ نصف الدية إن عفي عن الضارب عمداً. وإذا عفي عن الضارب عمداً ضرب مائة وسجن عاماً. وإن عاش المضروب بعد ضربهما ثم [مات] (¬2) أقسم ولاته علي أيهم شاءوا فإن أقسموا علي المتعمد قتلوه ولا شئ علي الآخر. وإن أقسموا علي المخطئ كانت الدية عليه كاملة، يريد علي عاقلته، وبرئ الآخر، إلا أن يعلم أن أحدهم ضربه ضربة لا يموت من مثلها. فإن كان كذلك فلا شئ عليه. ومن المجموعة قال سحنون [في] (¬3) البينة تخالف قول الميت، إن اختاروا أن يقسموا علي أحدهم بقول الميت بطل الجرح الآخر؛ كان العمد أالخطا؛ لأنه لا يستحق بقول الميت إلا بقسامة، ولا قسامة في الجرح. قال ابن القاسم: وإن ضربه أحدهما خطأ ثم ضربه الآخر عمداً فمات مكانه فليقتل المتعمد، وعلي عاقلة الآخر نصف الدية. قال عبد الملك: ولا تبطل القسامة بطول الأمد إذا انتقض الجرح في الطول، إذا قامت البينة إنه انتقض، فلولاه المقتول ما كان لهم يوم الضرب، وذلك أن يحلفوا لمن ضربه مات. ومن المجموعة عن ابن القاسم، وهو في العتبية من رواية يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب: وإذا أقسموا علي واحد من الجماعة ثم ¬
أرادوا تركه (¬1) وأن يقسموا علي غيره منهم، وزعموا أن جرحه كان أشد علي الميت (¬2) وأنه شبه عليهم، وإلا فليس [ذلك] (¬3) لهم في الثاني، وأما في الأول فينظر (¬4)، فرن كان تركهم الأول علي أن الآخر صاحبه وأبرأ الأول، فلا سبيل لهم أيضاً إلي قتل الأول، وإن كان انتقالهم إلي الثاني غضباً عليه وندماً في تركهم له ولم يبرئوا الأول، فلهم قتل الأول بقسامتهم. ومن قال قتلني فلان وأناس معه. فيقتل لذي سمي بالقسامة. وقوله: وأناس معه؛ فإن أثبتتهم البينة أنهم ضربوه مع الذي سمي؛ فليقسموا علي واحد أيهم شاءوا من الجماعة. ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: وإذا قال ضربني فلان وفلان وفلان. ولم يقل قتلوني. ثم قال بعد يومين أو ثلاثة: فلان فلان أجهزا علي. فسمي بعض من كان سمي أو سمي غيرهم، وقال ليس لي [في] (¬5) قتل من بقي شئ. فلأوليائه أن يقسموا علي أحدهما ويقتلوه إن شاءوا، ويجلد الآخر منهما مائة ويحبس سنة، ولا شئ علي باقي الجماعة. ولو كان قال أولا في الجماعة قتلوني ولم يقل ضربوني ثم أوجب ذلك علي اثنين؛ فإن كانا من غير الجماعة الأولين سقط قوله (¬6)، في يرجع فيشهد علي آخر فلا يقبل. وأما إن كانا من الجماعة الأولي فذلك له لأن القسامة إنما تكون علي واحد منهم، فيقسم بقوله علي أحدهما. ¬
في القسامة تجب على الجماعة فيقر أحدهم بالقتل أو جميعهم
في القسامة تجب علي الجماعة فيقر أحدهم بالقتل أو جميعهم أو يقر من ليس منهم أو يقر واحد أنه قتله عمداً وآخر أنه قتله خطأ من المجموعة قال المغيرة في قوم وجبت عليهم القسامة فاستودي أحدهم فليقتلوه (¬1) ويقسموا علي واحد ممن بقي فيقتلوه (¬2) ويقسموا علي واحد ممن بقي فيقتلوه. وإن بقي واحد أقسموا عليه إن شاءوا وقتلوه. وذكر ابن المواز مثله عن مالك أن المقر إن ثبت علي قوله فلهم قتله والقسامة علي واحد ممن بقي وقتله، ويضرب من بقي مائة ويسجن سنة. ولو رجع المستودي قبل منه، وكذلك إن كان المقر ليس منهم. وقال ابن القاسم، في الكتابين في قوم وجب لهم دم رجل بقسامة فقدم للقتل، وأرادوا قتله فأقر غيره أنه قتله، فإن شاءوا قتلوا المقر بإقراره، وإن شاءوا قتلوا الأول بالقسامة. ولا يقتلون إلا واحداً منهما. وكذلك روي عيسي عن ابن القاسم في العتبية (¬3) وقال ربيعة: يقتل هذا بالقسامة وهذا بالإقرار. ولا أقول به لأنه إنما قتله واحد. قال ابن المواز قال مالك وابن عبد الحكم وأصبغ: إذا وجب في قوم القسامة وأتي غيرهم فأقر بالقتل فليقتل المقر ويقسم علي واحد من هؤلاء ويقتل. وقال ابن القاسم: لا يقتل إلا واحد إما المقر أحد هؤلاء بالقسامة (¬4) وإن قتل المقر فقال ابن القاسم مرة يقتل بقسامة، وقال مرة بغير قسامة. وأنكر أصبغ وابن المواز قوله بقسامة. وروي عنه أبو زيد في العتبية: يقتلون من شاءوا منهم بقسامة. ¬
قال في كتاب ابن المواز: ولو أقر الذي ليس منهم بعد أن أقسموا علي واحد من هؤلاء فلا يقتل إلا واحد إما المقر وإما الذي أقسموا عليه. ومن العتبية (¬1) رواية يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب [وهو في المجموعة عنه] (¬2) وإذا جرح النفر رجلاً فمات فتجب عليهم القسامة فأقروا كلهم بقتله، قال فلا يقتلوا منهم أحداً حتي يقسموا علي واحد أيهم أحبوا فيقتلوه، وليس لهم قتل واحد منهم بالقسامة وباقيهم بالإقرار. وكذلك لو لم يقر منهم إلا واحد منهم بالقسامة وباقيهم بالإقرار. وكذلك لو لم يقر منهم إلا واحد فقال أنا قتلته. فلا يقتلوه حتي يقسموا عليه، وليس لهم أن يقسموا علي غيره ويقتلوا المقر بإقراره، ولكن يقسمون علي واحد كما لو لم يقر واحد منهم. وروي عيسي عن ابن القاسم فيمن قتل فادعي دمه قبل رجل، فصالحه ورثته علي مال، ثم أقر غيره أنه قتله، فإن شاء ولاته تمسكوا بصلحهم، وإن شاءوا قتلوا الآخر وردوا ما أخذوا في الصلح. قال: والصلح بعد أن تجب لهم القسامة أو قبل جائز. ثم هم مخيرون إذا أقر غيره فإن قتلوا المقر قتلوه بغير قسامة. ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة في رجلين أقر أحدهم أنه قتل فلاناً عمداً، وأقر الآخر أنه قتله خطأ: إن أولياء القتيل إن شاءوا قتلوا المقر بالعمد وسقط العقل عن المخطئ. وإن شاءوا أخذوا العقل من مال المقر بالخطأ وسقط القود عن الآخر، وعليه ضرب مائة وتغريب عام. وعلي الآخر الكفارة. ¬
في إقرار القاتل بقتل الخطإ أو بقتل العمد
في إقرار القاتل بقتل الخطأ أو بقتل العمد وكيف إن رجع وقد قامت عليه بينة؟ وهل في ذلك قسامة؟ ومن المجموعة قال أشهب، ونحوه لابن القاسم، وإذا شهد شاهد أو شاهدان علي إقرار [القاتل] (¬1) أنه قتل فلاناً خطأ لم يجب ذلك عليه شيئاً ولا علي العاقلة إذا أنكر الشهادة، لأنه كشاهد علي العاقلة نقل عنه، وهو مع ذلك من أضعف الشهداء. فإن ثبت علي قوله ففي ذلك القسامة، ويجب علي العاقلة الدية. وإن لم يعرف له إنكار وقد شهد علي قوله رجلان وجبت القسامة. [قال أبو محمد] (¬2): لعله يريد وليس بحاضر فيسأل. وكذلك قال أشهب ينبغي أن يسأل. قال وأما لو شهد علي القتل الخطأ شاهد، وشاهد علي إقراره، كانت القسامة مع الشاهد علي القتل خاصة، لا مع الشاهد علي الإقرار. وقال ابن القاسم: بخلاف شاهد علي إقرار رجل بدين. هذا يقر علي نفسه. ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة: ومن أقر بلا محنة أنه قتل فلاناً عمد، وشهد علي إقراره شهود، فحبس ليقتل فرجع وقال أقررت خوفاً من الضرب؛ إنه يقتل ولا يقبل رجوعه إلا أن يأتي بأمر معروف. وإن شهد شاهد علي إقراره بقتل العمد وهو يجحد، فقال ابن ¬
القاسم لا يكون إلا شاهدان (¬1). وقال أشهب (¬2) يقسم الولاة مع الشاهد علي إقراره ويقتلونه. قال ابن القاسم وأشهب في المقر طائعاً بالقتل عمداً ثم يقول كنت كاذباً إنه لا يقتل منه [ويقتل] (¬3) وإنما لا يقام (¬4) علي من رجع ما كان من حد هو لله. فأما حقوق العباد فتؤخذ لهم (¬5). وأما المقر أنه قتل فلاناً خطأ فيقبل رجوعه، لأنه كشاهد رجع، ولا ينظر إلي من شهد علي إقراره. وقال ابن وهب عن مالك: لا تحمل ذلك العاقلة إلا أن يكون مع قوله شئ يشده. وقال عنه ابن القاسم: إن كان الذي أقر أنه قتله ممن يتهم علي غني ولده مثل الأخ والصديق لم يصدق. وإن كان من الأباعد لا يتهم فيه والمقر ثقة مأمون لا يخاف أن يكون أرشي فليقسم الولاة علي قوله، وتكون الدية علي عاقتله مؤجله، وقاله ابن القاسم وأشهب. محمد بن المواز: وهذا أحب إلي، وإن كان عبد الملك قد قال لي الدية كلها في مال القاتل لا قدر ما يلزمه مع العاقلة، ورواه عن مالك، وقال ابن القاسم الدية علي العاقلة بقسامة، والمقر كرجل منهم في الغرم. فإن لم يقسموا فلا شئ لهم [ولا] (¬6) في مال المقر. وقال أشهب: وكذلك لو كان اعترافه لمن يتهم عليه. وقد قال رجل لعمر بن عبد العزيز إن امرأتي تحولت علي ابني فقتلته، فأبي أن يجعل له عقلاً وأبطله وقال إذا مات ابن أحدهم قال: تحولت عليه امرأتي، ولم يوجب فيه علي أحد شيئاً. ¬
وقد قيل: لا تحمل العاقلة عمداً ولا اعترافاً ولا عبداً، وتكون دية هذا القتيل علي المقر في ماله، لأنه لا يطل الدم عمن أقر به. ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة: إذا أقر أنه قتل فلاناً خطأ فعقله في ماله. ولو قام شهد بقتل الخطأ مع ذلك أقسموا ولاته مع الشاهد، فإن نكلوا حلف من ولاة المعترف خمسون رجلاً ما قتله المعترف وسقط الدية عنهم وعنه، وقد أخرجه الشاهد من أن يلزمه الاعتراف شيئاً. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: ومن أقر أنه قتل فلاناً خطأ أو عمداً ثم رجع عن إقراره وشهد علي إقراره شاهد؛ فأما في العمد فيقسم معه، وأما في الخطأ فلا، لاختلاف الناس في القسامة علي إقراره. [ولو ثبت عليه أو قام بإقراره شاهدان. ولو شهد شاهد علي إقراره] (¬1) بالعمد وشاهد علي معاينة القتل لكان قد تمت الشهادة ووجب القتل. وقاله [لي] (¬2) ابن القاسم. ولو كان هذا (¬3) في الخطأ أقسموا مع شاهد المعاينة. وقال ابن المواز قال ابن القاسم: ومن أقر أنه قتل ابنه خطأ فلا يقبل منه ولا قسامة فيه. وإن أقر أنه قتله عمداً عمد لقتله أو عمد لضربه (¬4) لزمه إقراره. فأما تعمده للقتل [تفسه فيقتل به، وأما تعمده الضرب فمات من ذلك فتلزمه الدية مغلظة في ماله. وإن أقر أنه قتل نفسه] (¬5) خطأ أو عمداً فلا دية فيه وهو هدر وإن قامت علي ذلك بينة. قال مالك: وعلي ذلك الناس عندنا أن العاقلة لا تقعل من أصاب نفسه عمداً، أو خطأ. ¬
العمل في أيمان القسامة وكيف الحلف فيها
العمل في أيمان القسامة وكيف الحلف فيها؟ من المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن نافع عن مالك: ويجلب (¬1) من بأعراص المدينة إليها القسامة. فإن كانت مدينة عليه الصلاة والسلام- حلفوا عند المنبر بعد الصلاة. قال عنه ابن وهب: يحلف في القسامة والدماء واللعان، فأما بمدينة النبي – عليه السلام – فعند المنبر، وأما في غيرها من المدائن، ففي جامعها يحلفون قياماً. قال في كتاب ابن المواز: في أشنع ساعات النهار دبر الصلاة وعلي رؤس الناس، يحلفون بالله الذي لا اله الا هو لهوضربه ولمن ضربه مات ولا يزاد الرحمن الرحيم عالم الغيب والشهادة. قال ابن القاسم وأشهب في العتبية (¬2) مثل، ولا يقول الطالب المدرك. قال ابن المواز: وروي ابن القاسم عن مالك قال: يقول في القسامة أقسم بالله الذي لا إله إلا هو – فقط- لهو ضربه ولمن ضربه مات. قال ابن القاسم: إن كان قد ضربه ثم عاش. قال أبو محمد: وأعرف في كتاب آخر أن المغيرة يزيد: الرحمن الرحيم. ولم يره مالك. من كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة، قال أشهب: فإن قال والذي لا إله إلا هو لهو ضربه ولمن ضربه مات. قال مالك: ولا يؤخذوا بأن يقولوا عالم الغيب والشهادة. وهذه أيمان الأعراب. قال أشهب: وإن قالوا لهو قتله ولم يذكروا الضرب وإن كان مضروباً فذلك جائز. وقال عبد الملك: يحلف والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة لقد مات من الضرب الذي شهد عليه فلان وفلان أن فلاناً ضربه ¬
[ضربة] (¬1) إياه يردده هكذا. قال أشهب قال مالك: لم يستحلف بهذا في القسامة إلا قريباً. ولا أري ذلك، وهي من أيمان الأعراب. قال: ويحلف في القسامة علي البت لا عل العلم، وقاله ابن القاسم في المجموعة والعتبية (¬2) رواية يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب. قال أشهب في المجموعة وغيرها: يحلف الصغير يكبر مع شاهد بدين لأبيه الميت علي البت، ولو لم يجز علي البت لم يجز علي العلم؛ لأنه إذا لم يعلم لم يجز أن يقول: علمي. ولكن يحلف في القسامة ومع الشاهد كما جاءت السنة، ويسلم لذلك. قال ابن المسيب: يحلف غير مستثن ولا متلجلج: أقسم بالله الذي أحيي وأمات أن قاتلنا الذي ندعي عليه قتل صاحبنا فلاناً لصدق صاحبنا. ويدفع إليهم. فإن عثر علي أن القسامة باطلة بشهادة عادلة لم يقتل به إلا من قتله. ويحلف من كان غائباً بأرض أخري، كما عرضها البني –عليه السلام- علي من لم يحضر القتل. ويحلف الأعمي وقاله كله ابن القاسم وقاله مالك. قال سحنون في المجموعة: لأن العلم قد ينال بالمعاينة والسماع والخبر. كما أن الصغير إذا أخبره شاهدان بتركة أبيه جاز له تصديقهم، ثم يدعي ذلك فيسمع منه ويقضي له. فكما يستبيح بالخبر يحلف بالخبر مع شاهده ولو لم يجزم (¬3) لم يسع الحاكم قبول دعوته أو يمينه. ولو نكل لم ينبغ (¬4) للحاكم علي هذا [أن] (¬5) يحلف له المدعي عليه، ولكن العلم يدرك بغير وجه. ¬
في عدد من يحلف في القسامة
وأما القسامة فقد قامت السنة أن النبي – عليه السلام – عرض الأيمان علي من لم يحضر بما ثبت من لطخهم. قال مالك: ويجلب من بأعراص المدينة إليها في القسامة (¬1)، وبمكة (¬2) وبيت المقدس إليها، وإن كان عن عشرة أميال. ولا يجلب إلي غيرها من البلدان إلا من مثل عشرة أميال ونحوها. في عدد من يحلف في القسامة وقسمة الأيمان فيها في العمد والخطأ قال مالك في المجموعة وكتاب ابن المواز: المجتمع عليه عندنا أنه لا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعداً، تردد عليها الأيمان إلي تمام خمسين [يميناً] (¬3). قال ابن القاسم: كأنه من ناحية الشهادة، إذ لا يقتل بأقل من شهادتين. قال أشهب: وقد جعل الله لكل شهادة رجل في الزنا، رجلاً يميناً من الزوج في لعانه. قال عبد الملك: ألا تري أنه لا يحلف النساء في العمد إذ لا يشهدن فيه. وإنما عرضها النبي – عليه السلام – علي جماعة. والجماعة اثنان فصاعداً، لقول الله عز وجل: (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) (¬4). قال علي قال مالك: والأيمان فيما سواه في المدعين علي عددهم. قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: يحلف من الولاة خمسون رجلاً، كل ¬
رجل يمين. فإن لم يكونوا خمسين ردت عليهم الأيمان. قال المغيرة وأشهب وعبد الملك: فإن كانوا أكثر من خمسين، وهم في القعدد سواء، قال في كتاب ابن المواز: مثل الإخوة أو غيرهم قالوا: فليس عليهم أن يحلف منهم إلا خمسون رجلاً، وليس لهم أن يحلف اثنان منهم خمسين [يميناً] (¬1). قال: لأن من لم يقسم منهم ممن فوق الخمسين لم يدع ذلك نكولاً. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإن أبوأ إلا أن يحلف منهم رجلان خمسين يميناً لم يجزئهم، وهو كالنكول حين لم خمسين يميناً من كل رجل يمين، ثم من بقي لا يعد ناكلاً لتمام الأمر. فإن نكل بعض الخمسين الذين في يد الإمام للأيمان، وطاع من لم يكن في يده منهم بأن يقسم مكان الآبي فليس لهم ذلك. ويصير الآبي في هذا عن اليمين كالعافي إذا استووا. قال المغيرة: وإن حلف الخمسون ثم قال الباقون الذين لم يحلفوا بعد أن استحق الدم نحن نعفو، فذلك لهم، ولمن لم يعفوا نصيبهم من الدية (¬2). ومن كتاب بن المواز: وإذا كان الأولياء في العمد مثل الإخوة أو الولد أو غيرهم في القعدد سواء، أكثر من خمسين وأقل؛ هل يحلف بعضهم؟ قال: ذهب ابن القاسم إلي أن يمين رجلين منهم خمسين يميناً بينهما سواء يجوز [وينوب] (¬3) عمن بقي، ولا يحلف أقل من رجلين. ثم القتل إلي جميعهم والعفو لمن حلف ومن لم يحلف. قال أشهب: إن كانوا أكثر من خمسين حلف منهم خمسون. وإن كانوا أربعين حلف كل واحد منهم يميناً يميناً، وقيل لهم يأتي منكم عشرة يحلفون عشرة أيمان أخر. وكذلك إن كانوا [ثلاثين رجلاً. أو ما هو أكثر من ¬
خمسة وعشرين. فأما إن كانوا] (¬1) خمسة وعشرين فليحلفوا يمينين [يمين] (¬2) وإن كانوا أقل، حلف كل واحد منهم يمينين يمينين (¬3)، ثم يحلف منهم ما بقي من الخمسين يميناً يميناً (¬4). وإن كانوا خمسة عشر حلف كل واحد ثلاثة أيمان، وتبقي خمسة أيمان يحلفها منهم خمسة نفر يميناً يميناً. وقال ابن القاسم في هذا كله يجزئ يمين رجلين (¬5) منهم، الخمسين بينهما نصفين، إن تطاوعوا (¬6) بذلك، ولم يكن ذلك ممن [لم] (¬7) يحلف نكولاً عن اليمين. فإن أبي أحد منهم وقوفاً عنها سقط الدم بذلك. محمد: وقول ابن القاسم صواب، وذلك أن أيمان القسامة يجزئ يمين بعضهم عن بعض. ولو لم يجزئ ذلك لم يقل أشهب إن كانوا ثلاثين يحلفون يميناً يميناً ثم يحلف عشرون منهم عشرين يميناً. ولو كانوا عنده مائة في القعدد سواء أجزأ يمين خمسين منهم. وكما يجزئ يمين الأكابر دون الأصاغر. بل جعل لمن لم يكن له في الدم حق أن يحلف عمن له الحق من صغير أو كبير (¬8). وأما إذا تشاح الأولياء ولم يرض أن يحمل بعضهم عن بعض فلا بد مما قال أشهب ويقول به ابن القاسم. قال أشهب: ولو بدأ البعض من طاع باليمين، وهو خمسون أو كانوا أكثر من خمسين فطاع خمسون منهم، ثم بدا لبعضهم فتنحي وأدخل غيره، فلا سبيل إلي الدم ولا إلي القسامة. والآبي كالعافي. قال محمد: صواب؛ إذا علم من واحد منهم امتناع عن اليمين [فأما إن لم يكن من أحدهم ¬
امتناع] (¬1) فجائز أن يحمل بعضهم عن بعض في العمد [إن كانوا اثنين فصاعداً] (¬2). قال ابن القاسم: يجوز في العمد أن يحلف اثنان منهم وإن كثروا وتساووا. وإن كان القتل خطأ لم يجزئ أن يحلف إلا جماعتهم، لأنه مال يرثونه. قال مالك: وإن كان ولد المقتول صغاراً فإنه يقسم ولي الصغير إن كان (¬3) من عشيرته إن كان معه غيره، ويحلف وإن كان الولي أولي من الذي انضم معه في القسامة، ثم يكون القتل إلي الولي أولي ممن ضم معه في القسامة، وإن شاء أخذ الدية. قال أشهب عن مالك: وإن لم يجد من يحلف معه من عشيرته حلف ولي الصغير وحده خمسة وعشرين يميناً، ثم يكون القتل للصغير خاصة. قال محمد (¬4) وذلك إذا كان ولي الصغير أبعد منه. فأما لو كان أخاه (¬5) لكان القتل لهما أو العفو إذا حلف الصغير بعد كبره. قال مالك: وإن كان ولي الصغير أجنبياً لم يحلف إلا عصبته والوصي (¬6) القائم بأمر الدم. قال: وإذا كان جد وإخوة قال ابن القاسم: يحلف الجد معهم بقدر ميراثه (¬7) في العمد والخطأ، يريد إذا تشاحوا. وقال أشهب: هذا في الخطأ. ¬
يحلف ثلث الأيمان سبعة عشر يميناً، يجبر عليه اليمين لأن عليه أكثر تلك اليمين. فأما في العمد فأيمان العصبة فيه علي القعدد. ولو حلف الجد معهم لم يكن القتل والعفو إلا إلي الإخوة. وقال ابن القاسم: هو كأحدهم [يجوز عفوه كما] (¬1) يجوز عفو أحدهم. وقاله أصبغ. قال أشهب في الكتابين: وإذا كان في الخطإ جد وثلاثون أخا، حلف الجد سبعة عشر يميناً، وحلف الإخوة ثلاثين يميناً، ثم يحلف ثلاثة من الإخوة الثلاثة أيمان الباقية. ولو كان مع الجد عشرون أخاً وعشر أخوات، يحلف الإخوة أربعة أخماس الثلاثة والثلاثين يميناً الباقية، وذلك ستة وعشرون يميناً، ويبقي خمس يمين يجبر علي الأخوات إذ أصابهن أكثرها، فيحلفن سبعة أيمان، وإنما أصابهن ستة أيمان، وثلاثة أخماس يمين، فجبرت عليهم يحلفها سبع نسوة منهن، ويستوجبن كلهن ميراثهن، لأن من لم تحلف منهن غير ناكل. وكذلك الذكور (¬2) إذا حلفوا يميناً يميناً حلف ستة منهم الستة أيمان الباقية وأجزأهم. قال محمد: ومذهب ابن القاسم في هذا الأصل أحب إلي أنه لا يجبر اليمين علي بعضهم دون بعض في الخطأ إلا في اليمين الواحدة، وإنما تجبر الأيمان علي من عليه أكثرها علي ما قال أشهب في العمد الذي يحلف بعضهم عن بعض. وليس [ذلك] (¬3) في الخطأ، لأنه لا يحمل أحد عن أحد في الخطأ يميناً لأنه مال لهم. فلو كان لجماعة دين بشاهد واحد، لم يكن بد من اليمين علي كل واحد (¬4). وكذلك في الميراث [تفاضلوا في الميراث أو] (¬5) استووا، فإذا فضلت أيمان في الخطأ يسيرة أو كثيرة فلابد أن يحلفها الباقون، إن كانت أقل من عدتهم حلفوا يميناً يميناً. ¬
وقال في مسألة أشهب في الجد والإخوة والأخوات: إذا حلف الجد سبعة عشر يميناً، فيلحلف الرجال والنساء كل واحد يمينين [يمينين] (¬1) كما لو كانوا مائة أخ مع الجد، فحلف الجد سبعة عشر، فلا بد من يمين يمين علي الإخوة. ومن نكل منهم فلا شئ له، ويأخذ من حلف حصته من الدية إذا حلف منهم خمسون رجلاً خمسين يميناً، أو حلفها بعضهم قضي لمن حلف، ولم يأخذ من لم يحلف حتي يحلف قدر نصيبه من الدية. ولو أبوا اليمين إلا الجد فلابد أن يحلف خمسين يميناً ويأخذ ثلث الميراث؛ لأنه لا يستحق شئ من الدية حتي تتم أيمان القسامة. وكذلك لو كانت امرأة وقامت وحدها لحلفت الخمسين يميناً كلها وأخذت نصيبها، قم إن قام غيرها لم يحلف إلا بقدر نصيبه من الميراث. ولو أن الإخوة الناكلين بدا لهم أن يحلفوا بعد يمين الجد فليس ذلك لهم. وذلك لمن كان منهم غائباً فقدم أو من لم يعرض عليه يمين من الحضور حتي حلف الجد الخمسين، فليحلفوا قدر نصيبهم من الأيمان ويأخذوا حظهم من الدية. وقاله مالك في البنين والبنات في الخطأ. أو بنت وابن، إذا أتت البنت أولاً حلفت خمسين يميناً، ثم من جاء بعدها فإنما يحلف بقدر نصيبه لو حضروا كلهم أولاً. وكذلك لو بدأ الذكور أو أحدهم. وكذلك إخوة وأخوات، وأب وبنات وعصبة. قال: فلو حلفت الأختان ثلثي الأيمان والصعبة ثلثها وأخذوا الدية. ثم قدمت أخت ثالتة [فإن] (¬2) حلفت اثني عشر يميناً أخذت ثلث الثلثين من أخنيها. وإن نكلت رجع نصيبها إلي العاقلة بعد يمين العاقلة علي علمهم. فإن نكلوا دفع ذلك إلي القادمة بلا يمين. ¬
قيل لمالك: فالمرأة الواحدة تأتي أولاً؟ قال: تحلف جميع الأيمان في الخطأ، وما هو من الأمر القديم. قال محمد: هذا قول مالك وأصحابه ما علمت فيه بينهم اختلافاً. قال ابن القاسم: فإذا ثدمت واحدة، يريد: بنت أو أخت، فحلفت خمسين يميناً وأخذت نصف الدية، ثم قدمت لها أخت [أخري] (¬1)، قال تحلف سبعة عشر يميناً وتأخذ سدس الدية من أختها وسدسها من العاقلة. محمد: وكذلك قال مالك في الغائب يقدم والصغير يكبر بعد أن حلف غيره جميع الأيمان وأخذ حصته؛ فليحلف هذا بقدر حصته من الأيمان ويأخذ ميراثه من الدية. ومن العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم: وإذا أتت امرأة فأقسمت خمسين يميناً فأخذت قدر حصتها من الميراث، ثم تندم، وردت ما أخذت علي الذي أقسمت عليه. ثم جاءت أخت لها فلها أن تحلف بقدر نصيبها في الميراث، ولا تحلف خمسين يميناً، لأن يمين الأولي حكم لا ينقض لرجوعها، كما لو حلفتا خمسين يميناً أخذتا ثلثي الدية ثم نزعت إحداهما لم تكلف الباقية أن تتم خمسين يمناً. ومن كتاب ابن المواز: ولو حلف أحد كبيرين ونكل الآخر، وثم صغير فلبغ، حلف بقدر نصيبه وأخذه. وأما في دم العمد فيحلف الأكابر ويقتلون. ولو كان ثم كبير غائب لم يعجل حتي ينظر الغائب أيعفو أم يقتل؟ وكذلك لو كان الدم ببينة بغير قسامة. وكذلك لو كانوا حضوراً كلهم فتطوع باليمين اثنان عن الباقين، فليخير الباقون فإن كان منهم من يأبي اليمين أو ينكل فهو كالعفو، ويبطل الدم. ¬
ولو كانوا كباراً وصغاراً في العمد، فعفا الكبار أو أحدهم أو نكل جاز إن كانوا مع الصغار في درجة، وصارت دية في مال القاتل شاء أو أبي. فإن كان عديماً اتبع بها ديناً، وذلك إذا كان النكول بعد استحقاق الدم بالقسامة أو بالبينة. وإذا عفا الكبار وهو عصبة، فالصغار أحق بالدم منهم، وإن عفوا علي دية جاز علي الصغار، وإلا فلا. فإن كان للصغير وصي فهو أولي بذلك من عصبته، وهم أحق بالقسامة، والوصي يقوم بالقتل أو يعفو علي الدية. قال: وإذا كان أولي الأولياء بدمه رجلان، والدم خطأ، فليحلفا خمسين يميناً، وليس لهما الاستعانة فيها بغيرهما ممن هو أبعد من العصبة والعشيرة. ولهم ذلك في العمد، ولا يحلف فيه النساء، ولا يحلف أقل من اثنين من الرجال، ويبدأ بيمين الأقرب فالأقرب، ويحلفون بقدر عددهم مع عدد المعينين. [فإن حلف الذين هم أحق بالدم من بنين أو إخوة أكثر من المعينين] (¬1) يريد حلف الأقربون أكثر من عدد أنفسهم، فذلك جائز. فأما إن حلف المعينون أكثر مما عليهم في العدد مع عدد الأقربين لم يجز ذلك. قال: وإذا كان ولاة الدم في العمد رجلين فحلف واحد منهما [ماعليه] (¬2) خمسة وعشرين يميناً، ثم وجد الآخر من يعينه في أيمانه فذلك [له] (¬3) علي ما ينبغي من التفسير؛ وذلك أنه إن وجد أربعة وعشرين، يعينونه يميناً يميناً، يجزئه أن يحلف هو معهم يميناً واحدة؛ لأني أجعل المعونة كأنها (¬4) للأخوين، فوقع اثنا عشر من المعونة للأول الحالف، فصار ¬
كأنه حلف أكثر مما عليه، وبقي لهذا معونة باثني عشر يميناً، فلابد أن يحلف معهم ثلاثة عشر يميناً. [وكذلك لو وجد هؤلاء المعينين له خاصة قبل يمين أخيه لم تكن المعونة إلا لهما. ويحلف كل واحد منهما ثلاثة عشر يميناً] (¬1) مع هؤلاء. محمد: وهذا قول عبد الملك، وهو جيد. قال ابن القاسم: وإذا لم يكن غير وليين في الدم [العمد] (¬2) لم يجز أن يحلف أحدهما أكثر من صاحبه. وإنما يجوز ذلك، إن كانوا أكثر من اثنين، فتحمل الأيمان (¬3) علي غيرهم. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا كان بعض ولاة المقتول أعمي فإنه يقسم معهم، وهو تام الشهادة إذا كان عدلاً عند العلماء من الصحابة وتابعيهم؛ وقد نقل عن أمهات المؤنين من وراء حجاب، وكما يجوز له وطء زوجته فكذلك يشهد (¬4). ¬
فيمن يستعان به في أيمان القسامة من العصبة أو العشيرة
فيمن يستعان به في أيمان القسامة من العصبة أو العشيرة في الولي الواحد (¬1) أو يستعين في بعض الأولياء من كتاب ابن المواز قال: وإذا لم يكن إلا ولي واحد في دم العمد فلينظر من يحلف معه وإن كان أبعد منه من عشيرته. قال ابن القاسم في المجموعة: ممن يلتقي معه في أب معروف (¬2)، فيحلف كل واحد منهم خمساً وعشرين (¬3) يميناً. وله إذا وجد جماعة أن يستعين بهم إن شاء كلهم أو بعضهم حتي يتم الخمسين يميناً، إما يمين يمين (¬4) أو يقسم بينهم [يمين] (¬5) ويساوونه في الأيمان ولا يحلف كل واحد منهم أكثر منه (¬6)، وله أن يحلف هو أكثر من كل واحد منهم، يريد ما لم يحلف أكثر من خمسة وعشرين. قال مالك: وإن كانا وليين والقعدد سواء، فلهما أن يستعينا بمن هو أبعد منهما، ثم يكون القتل لهما أو العفو. ثم إن بدا لمن طاع من العشيرة باليمين لم يبطل ذلك الدم وردت الأيمان علي القاتل فليحلف خمسين يميناً، ويأتي هو من عشريته بمن يحلف عنه الخمسين يميناً، ثم يضرب مائة ويحبس سنة. وإن كان ولي واحد ولم يجد من يحلف معه، قال: يحلف المدعي عليه كما ذكرنا ويضرب ويسجن. ¬
ومن المجموعة، ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم وغيره قال مالك: والقسامة إلي عصبة المقتول قال ابن القاسم: فإن ترك ابناً وهو عربي وله عشيرة فليقسم مع الابن من قرابته من هو معروف يلتقي معه إلي جد يوارثه به. فأما من هو من عشيرته بغير نسب معروف فلا يقسم، كان للمقتول ولد او لم يكن. وقال عبد الملك: ويستعين الولي في عصبته، يريد في العمد، بمن شاء إلي منتهي خمسين رجلا. ولو حلف [أحد] (¬1) الوليين فلأحدهما أن يستعين بمن شاء من عصبته فإن أعان أحد هذا الحالف ولا يريد حتي حلف هو وهم نصف أيمان القسامة، قال: فإنه ينظر أيمان من أعانه بقسمه بين الوليين ويزاد علي الذي حلف منهما علي ما حلف حتي يستكمل شطر ما بقي بعد أيمان المعينين، ويحلف الآخر الشطر الباقي بعد أيمان المعينين. ولو أن الحالف أولا حلف وحده عن أناس ممن يعينه أو رأي أن يحلف بغير معين فحلف، ثم وجد الآخر من يعينه فذلك جائز له، إلي أن يكمل هو وهم خمسة وعشرين يميناً. فإن للمعينين (¬2) أن يحلفوا يميناً يميناً (¬3) والأولياء أكثر من ذلك. وأما أن يحلف كل واحد من المعينين أكثر مما يصيب كل واحد من الأولياء فليس لهم ذلك. وإذا استعان ولي الدم بمن يحلف معه لم يحلف معه أكثر من خمسة وعشرين يميناً، ولا يبدأ بالمستعان بهم، ولكن يبدأ بولي الدم. ¬
في ابن الملاعنة والعفو عنه ومن لا ولاة له ولا عصبة
في ابن الملاعنة والعفو عنه ومن لا ولاة له ولا عصبة وذكر القسامة في الحنين يستهل ومن كتاب ابن المواز، ونحوه في المجموعة، قال ابن القاسم في ابن الملاعنة يقول دمي عند فلان، فإن كانت أمه معتقه أو أعتق أبوها أو جدها أقسم مواليها في العمد. قول أشهب وعصبتها. وأما في الخطأ فليقسم ورثته بقدر مواريثهم من رجال ونساء، ويستكمل من حضر منهم خمسين يميناً وإن كانت من العرب فلا قسامة فيه في العمد. محمد: لأن العرب خولته، ولا ولاية للخولة. وكلك من ولا ولاة ولا موالي، لأن ماله لبيت المال. قال ابن القاسم: ولو وقام بالقتل شاهدان كان لأمه القتل أو العفو، كانت من العرب أو مولاة، وخالفه أشهب في عفو الأم. وقال أشهب: إذا كانت أمه من العرب فلا قسامة فيه في عمد ولا خطأ، إذ لا عصبة له تعرف، كشاهد قام علي حبس دار حياة رجل. فلو كانت علي رجل بعينه حلف معه، وإن كانت علي السبيل أو المساكين لم يحلف معه. وكذلك في الوصايا للمساكين أو في السبيل يقوم به شاهد [ولو كانوا معينين لحلفوا معه، وكذلك في القسامة لا تكون في العمد إلا بأيمان عصبة تعرف] (¬1). وأما في الخطأ فيكون بقدر مواريثهم في الدية. وذهب أشهب إلي أنه لا عفو لأمه في العمد والخطأ إذا ثبت القتل بشاهدين، ولها القتل في العمد كانت عربية [أو مولاة. ولا يجوز عفوها لأنها إن كانت عربية] (¬2) فالمسلون ولاته يعلقون عنه، والسلطان ينظر لهم. ومن قام بالدم [منهم أو ¬
منها] (¬1) فهو أحق. [وإن كانت مولاة فلمواليها أن يعفوا. ومن قام بالدم منهم أو منها فهوو أحق] (¬2) وكذلك لو كانت له بنت مع ذلك والقتل بشاهدين، فمن قام بالدم فهو أحق وإن كانت عربية، والسلطان يقوم مقام موالي الأم لو كانت مولاة. وكذلك المنبوذ والمعتق سامة (كذا). ومن أسلم علي يد رجل فهو مثل ما ذكرنا في ابن الملاعنة وفي القسامة بقوله أو بشاهد علي القتل في العمد وفي الخطأ أنه يقسم وارثوه بقدر مواريثهم. قال: ولو أن ابن الملاعنة وأمه مولاة أو عربية وقد عقل عنه عصبة أمه أو مواليها في المولاة، المسلمون في العربية، ثم استلحقه أبوه، ثم قال دمي عند فلان [فإنه] (¬3) يمضي ما تقدم فيه، ويقسم الآن أبوه وعصبة أبيه في العمد، ويقسم في الخطأ وهو ومن يريد. وكذلك من ولدت أمته ولم يقر بوطئها وقال إنه من زني فباعه وأعتقه المبتاع وعقل عنه قوم مولاه، ثم استلحقه بائعه أنه يلحق به، ولا يرد ما مضي من أحكامه في تلك المعاقلة ويأتنف معاقلة [قبيلة] (¬4) أبيه من الآن. قال ابن المواز: ولا قسامة في الجنين إذا يستهل، لا اختلاف في هذا. وإن استهل فأشهب يقول: إن مات مكانه ساعة استهل لم يلبث فلا قسامة فيه، وفيه دية الخطأ بكل حال (¬5)، ضربت أمه عمداً أو خطأ، لأن موته بضرب أمه. وقال ابن القاسم عن مالك: إذا استهل ففيه القسامة قال ابن القاسم: لأنه لم يمت ساعة أصيب قد بقي حتي جرح واستهل بخلاف ¬
من أصيب في المقاتل، قال: ففيه القسامة إذا استهل، ويقتل الضارب في العمد بالقسامة، وأما في الخطأ فالدية علي عاقلته. ومن العتبية (¬1) من سماع يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب: وسألته عن المنبوذ ومن لا وارث [له] (¬2) إلا جماعة المسلمين، مثل مسألة أهل الكتاب ويتهم أحدهم بقتل (¬3) عمداً أو خطأ فلا يشهد علي عاقلته إلا رجل واحد. قال: لا يستحق دم مثل هذا إلا بشاهدين، لا يستحق بقسامة. وإذا كان للمقتول عمداً عاقلة وليس له وارث ولا عصبة فلا تقسم عليه عاقلة الجاني (¬4)، ولا قسامة إلا بوارثة نسب ثابت أو ولاء، ولا يقسم من القبيلة (¬5)، إلا من التقي معه إلي نسب ثابت ببينة، ولا المولي [الأسفل. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن التقط] (¬6) لقيطا فقتل بعد أن صار رجلا، فرمي بدمه رجلا (¬7) فلا يقسم فيه ملتقطه، ولكن ترد الأيمان علي المدعي عليه فيحلف خمسين يميناً. فإن حلف ضرب مائة وسجن سنة، وإن نكل سجن أبداً حتي يحلف أو يموت. وكذلك (¬8) من قتل من العرب أو من المسلمين ولا عصبة له فلا يستحق دمه بقسامة، ولكن ترد الأيمان كما ذكرنا. وقاله ابن القاسم وابن نافع وابن عبد الحكم وأصبغ. ¬
في نكول بعض ولاة الدم عن القسامة في العمد والخطإ
في نكول بعض ولاة الدم عن القسامة في العمد والخطأ وفي رد أيمان القسامة علي المدعي عليه وهل يحلف معه أحد من ولاته كما يفعل المدعون؟ وفي نكول المدعي عليه أو العاقلة من كتاب ابن المواز، ومثله في المجموعة والعتبية (¬1) قال ابن القاسم في المجموعة وابن وهب عن مالك: وإذا نكل ولاة الدم عن القسامة ثم طلبوا أن يقسموا فليس [ذلك] (¬2) لهم إذا كان نكولاً بيناً. ومن نكل عن اليمين فقد أبطل حقه. قال ابن وهب عن مالك: إلا أن يكون لهم عذر بين ظاهر في تركها. [قال سحنون في العتبية: مثل أن يزعموا أن علي الميت ديناً وأوصي بوصايا] (¬3) وكذلك لو نكلوا وردت الأيمان علي المدعي عليهم فنكلوا لم [يكن] (¬4) للمدعين أن يرجعوا فيحلفوا. ومن المجموعة قال مالك: وإذا نكل بعض ولاة الدم في العمد حلف من بقي منهم، إلا أن ينكل بعض من له العفو فلا سبيل إلي الدم، وترد الأيمان حينئذ علي المدعي عليهم. [وكذلك في نكول جميع المدعين فترد علي المدعي عليهم (¬5)] يحلف منهم خمسون رجلاً. وقال ابن القاسم في المجموعة لا يحلف فيهم المتهم فإن لم يكن فيهم خمسون ردت عليهم الأيمان فإن نكلوا ولم يوجد غير المتهم لم يبرأ حتي يحلف هو خمسين يميناً [ويبرأ] (¬6). ¬
قال في كتاب ابن المواز: ويضرب مائة ويحبس سنة. قال عبد الملك: لأنه مدعي عليه، فلذلك يحلف وحده. وأما المدعون فإنه لا يقوم دم العمد بأقل من يمين رجلين. قال ابن القاسم: ولأنه أقيم مقام الشهادة. قال مالك: فإن اتهم بالعمد جماعة (¬1) فلابد من يمين كل واحد منهم خمسين يمينا، [كثروا أو قلوا. قال في كتاب ابن المواز عن مالك، ومثله لعبد الملك: لأن كل واحد في نفسه يحلف إذ لعله الذي كان يقسم عليه، فإذا حلف كل واحد خمسين يمينا] (¬2) برئ إلا من الضرب والسجن، ومن لم يحلف منهم سجن حتي يحلف. قال عبد الملك في المجموعة وكتاب ابن المواز وابن حبيب: ولكل واحد منهم أن يستعين في الخمسين يميناً التي يحلف من عصبته بمن شاء ما بينه وبين أن يكون علي كل رجل منهم يمين فذلك له. قال ابن المواز: وقاله ربيعة ومالك. قال عبد الملك في الكتابين: وإن كانوا كلهم من بطن واحدة فذلك أيضا لهم، ولكن لا ينقص كل رجل منهم من خمسين يميناً. قال: وإذا كانوا مفرقتين فلا يستعين أحد بغير عصبته، ولو كانوا من فخذ (¬3) واحد استعان فأخذ تسعة وأربعين منهم فحلفوا معه. فلمن حلف بعده من المتهمين أن يستعين بهم أنفسهم أيضا للأيمان معه، وبالمتهم نفسه الذي يحلف عنه. وكذلك مع الثالث إن كان المتهمون ثلاثة، وليس لهم أن يجمعوهم في مرة فيقولوا ما قتله فلان ولا فلان ولا فلان، وليحلف الثلاثة ثلاثة أيمان. قال: ولابد من تكريرهم الأيمان مع كل واحد منهم. ¬
ومن كتاب ابن حبيب قال مالك: وإذا نكل بعض ولاة الدم حلف من بقي إن كانوا اثنين فصاعداً أو كانوا أقعد من الناكلين، فإن كانوا مثلهم في القعدد أو أقعد منهم ممن يجوز عفوه فلا سبيل إلي الدم، وترد الأيمان علي المدعي عليه إن كان واحداً وعليهم إن كانوا جماعة، حتي يحلف كل واحد منهم خمسين يميناً، ومن نكل حبس حتي يحلف. قال مطرف: ولا يكون للمدعي عليهم، واحداً كانوا أو جماعة، أن يستعينوا بمن يحلف معهم كما يفعل ولاة المقتول، لأنهم إنما يبرئون أنفسهم، ورواه عن مالك. وقال ابن الماشجون: لهم أن يستعينوا بولاتهم وعصبتهم وعشريتهم كما ذلك لولاة المقتول، وقاله ربيعة ويحي بن سعيد والمغيرة وغيرهم، وبه قال أصبغ. وقال ابن حبيب برواية مطرف عن مالك. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم، ورواه هو وابن وهب عن مالك قال: إذا ردت الأيمان علي أولياء القاتل في العمد لنكول أولياء الدم أو لأنه لم يوجد من يحلف إلا واحد، فإنه إن حلف أولياء القاتل خمسون منهم خمسين يميناً، وإن لم يكن إلا اثنان منهم فحلفوا الخمسين يميناً دون القاتل، برئ المدعي عليه ولا يحلف معهم ولا يجبرون علي الأيمان عنه إلا أن يتطوعوا. فإن قالوا نحلف بعضها ويحلف هو البعض فليس ذلك لهم، ولابد أن يحلفها [من ولاته رجلان فأكثر دونهم، فإن لم يوجد إلا رجل لم يجز أن يحلف (¬1)] غير المدعي عليه لأنه لا يبرئه إذا حلف إلا خمسون يميناً، فليحلفها وحده. قال مالك: فإن نكل حبس أبداً حتي يحلف. وقال عبد الملك: يحلف فيها هو ومن استعان به من [غير] (¬2) عصبته يحلفون هو وهم سواء، وله هو أن يحلف أكثر منهم، وإن لم يجد حلف هو ¬
وحده الخمسين يميناً. قال محمد: قول ابن القاسم أشبه بقول مالك في موطنه. قال سحنون وفي العتبية (¬1) عن ابن القاسم: وإذا نكل مدعو العمد عن القسامة ردت الأيمان علي أولياء القاتل، فإن حلف منهم خمسون رجلا خمسين يميناً برئ هو، ولا يحلف هو معهم ولا يجبرون علي الأيمان معه (¬2) إلا أن يتطوعوا، فإن لم يجدوا إلا أقل من خمسين [رجلا] (¬3) حلفوا خمسين تردد عليهم عن طاعوا بذلك، وليس عليهم (¬4) أن يجعلوا القاتل أن يحلف بعضها، فإما (¬5) حلفوها كلها وإلا حلفها المدعي عليه وحده كلها، فإن أبي سجن حتي يحلف. ولا يحلف عنه اقل من رجلين. قال ابن المواز: وإذا وجبت القسامة بقول الميت أو بشاهد علي القتل فردت الأيمان علي المدعي عليه فليحلف هو أو ولاته، فإنه إن نكل هاهنا المدعي عليه حبس حتي يحلف، وإن أقر قتل. هذا قول مالك وأصحابه. فأما إن كانت القسامة وقد ضرب ثم عاش أياماً فإن ابن القاسم وعبد الملك قالا: يحلف ما من ضربي مات، وإن نكل سجن حتي يحلف، وإن حلف سجن سنة وضرب مائة؛ وإن نكل سجن حتي يحلف، وإن حلف سجن سنة وضرب مائة؛ وإن نكل وأقر وقال من ضربي مات لم أقتله، ولابد أن يحلف. وقال أشهب وعبد الملك (¬6) وأصبغ: لا يحلف في هذا وهو غموس، وهذا أحب إلي، بخلاف المدعين، لأن المدعين وإن دعوا إلي اليمين فيما لم يحضروا فإن نكولهم يبطل الدم (¬7) ويوجب لهم رد اليمين ¬
علي المدعي عليهم (¬1)، [فكيف يحلف المدعي عليهم] (¬2) يميناً إذا نكلوا أو أقروا لم يؤخذوا بشئ. وأما لو كانت القسامة بقول الميت أو بشاهد علي القتل (¬3) [فردت اليمين علي القاتل] (¬4) فقد اتفقوا أن هذا إن نكل سجن أبداً حتي يحلف، ولا يحكم عليه بنكوله بقصاص ولادية، وعلي هذا ثبت مالك. وإنما اختلف أصحابه في النكول في الطلاق أو العتاق، إلا أن ابن القاسم قال (¬5): إلا أن يكون للضرب جرح معروف فيقتص منه، مع ضرب مائة وحبس سنة إذا حلف الجارح خمسين يميناً أنه ما قتله وما من ضربه مات. قال ابن المواز: هذا قول (¬6) ابن القاسم ولا نقول به. ولا يحلف الجارح أو الضارب أنه ما مات من ضربه، لأنه لو أقر بذلك ما قتل [بإقراره، لم يختلف في هذا مالك وأصحابه] (¬7). وأما قوله يقتص من الجرح فغير صواب لأنه لا يقتص في الجرح إلا بيمين المجروح، فأما بيمين ورثته فليس ذلك إلا في القسامة فقط، وليس ذلك لهم في الجرح إلا بشاهدين عليه ثم ينزي فيه فيموت، فهذا الذي يقتص منه الجرح إذا نكلوا. وقد ذكر ابن القاسم فيه قولا عن مالك لم يصح عند غيره (¬8). قال: إذا ردت اليمين علي المدعي عليهم في العمد فنكلوا فالعقل عليهم في مال الجارح خاصة، ثم يقتص منه الجرح سوي العقل (¬9). ¬
وروي عنه ابن القاسم أيضاً وابن وهب أنه إن حلف ضرب مائة وسجن سنة، وإن نكل حبس حتي يحلف، ولادية فيه، فهذا الصواب. وقال ابن القاسم فيمن ضربه قوم فأقام أياماً ثم مات فيقولون إن من ضربهم مات. قال: لا يصدقون، هذا غيب وهم كذبة. ولو شهد بذلك أحد لم يقتل بذلك، وإنما يقتل منهم من يقتل بالقسامة بالسنة. ولو قال ذلك واحد منهم لم يقتل بذلك، ولا يقتل أحد منهم إلا بالقسامة علي واحد، إن شاؤوا المقر أو غيره، ويضرب من بقي مائة ويحبس سنة من مقر وغيره، قال مالك. قال أصبغ: هذا في قوله من ضربي مات فلا يصدق، فأما إن قال أنا قتلته ضربت مقاتله فإنه يقتل به، ويقسمون علي واحد [ممن بقي ويقتلونه إن شاؤوا، وقاله مالك وابن عبد الحكم وأصبغ. فإن لم يقسموا علي أحدهم] (¬1) ردت القسامة علي الضاربين فحلف كل واحد منهم خمسين يميناً، ثم يضرب مائة ويسجن سنة، فإن نكلوا حبسوا حتي يحلفوا. وهذا قول ابن القاسم (¬2) وروايته. وأما أشهب فإنما يري رد الأيمان علي المدعي عليهم القتل بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد علي القتل. وأما قوله ضربني [أو شهد علي الضرب أو الجرح فلا يرد فيه يمين عنده] (¬3) ولو نكل عن يمينه أنه مات من ضربه أو أقر أنه من ضربه مات ما قتلته بذلك ولا سجنته، ولكن أجلده مائة مكانه وأحبسه سنة وأطلق سبيله، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. ¬
قال أشهب ويلغني عن ربيعة انه قال: إذا ردت الأيمان في العمد فنكلوا ففيه الدية، وإن كان خطأ ففيه نصف الدية، وقد جعل [عمر] (¬1) علي السعديين نصف الدية حين نكلوا عن القسامة أن صاحبهم [ما] (¬2) مات فيها. قال أشهب: وإنما ذكرت هذا وإن كان غير معمول به في نصف الدية لكنه قوة في أن العاقلة تغرم (¬3) إذا نكلت. قال أصبغ: وإذا نكل ولاة الدم والقاتل عبد فليحلف سيده يميناً واحدة علي علمه، فإن نكل لزمه أن يفتكه. هذا في قول الميت قتلني فلان أو بشاهد علي القتل، وقيل يحلف العبد خمسين يميناً ويضرب مائة ولا يحبس، لأنه لو أقر لقتل (¬4) ولو كانت القسامة في هذا لأنه عاش بعد الضرب [ثم مات] (¬5) فنكلوا فلا ترد اليمين في هذا علي العبد ولا علي سيده، ولكن يضرب مائة ويترك. فإن كان ثم جرح معروف بشاهدين ونكل ولاة الدم عن القسامة فدية الجرح في رقبة العبد. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا [كان] (¬6) لم يجد الولي [الواحد] (¬7) من يحلف معه ردت الأيمان علي المدعي عليه، فإن نكل حبس حتي يحلف ولا يقتل. وكذلك في الجرح في العمد يقوم به شاهد وأبي أن يحلف معه، فليحلف الجارح، فإن نكل سجن حتي يحلف، وقاله عبد الملك (¬8) في القتل. ¬
وقال: ولو قال حين ردت عليه اليمين من ضربي مات وأنا قتلته، فإن كان شهد شاهد بالضرب ومات في المعترك، ووجده العدول (¬1) ميتاً، [في المعترك] (¬2)، فليقتل بإقراره، ويقتل به لأنه لم شهد شاهد آخر مع الأول قتل به بلا قسامة. وأما إن عاش بعد الضرب فلا يقبل قوله من ضربي مات، كما لا يشهد علي مثل هذا شاهد، وإن كنت أرد عليه أيمان القسامة التي وجبت للأولياء في البينة فلا أقبل قوله فيما لا أقبله من البينة لو شهدوا به انه من ضربه مات. وروي عن مالك إذا نكل الأولياء عن القسامة في العمد وردوها علي الجارح والجرح عمد ومات بعده؛ أنه يحلف الجارح خمسين يميناً أنه ما مات من جرحه ثم يقتص منه في الجرح، وإن كان خطأ فعقله في ماله ما لم يبلغ ثلث الدية فيكون علي العاقلة معه. وهذا الذي ذكره ابن المواز وعابه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان القتل خطأ فنكل ولاة الدم عن القسامة فإنها ترد علي عاقلة المدعي عليه القتل، فإن نكلوا لزمتهم الدية في قول ابن القاسم وأشهب وأصحابهما. وقال عبد الملك: لا ترد القسامة في الخطإ علي أحد لأنها لا ترد علي معروفين ولا علي من حق عليهم، لأن الدية إنما تجب يوم تفرض. وقول ابن القاسم وأشهب أحب إلي. وكما يطلبون ليغرموا فكذلك يطلبون ليحلفوا، فإن نكلوا قضيت عليهم بالدية. وروي ابن وهب عن مالك [أنها] (¬3) ترد علي المدعي عليه القتل، فإن نكل لم يلزم عاقلته شئ بنكوله. قال محمد: وهي راوية تستحيل لأنه لا ترد القسامة في الخطأ علي المدعي عليه، وقاله مالك لأنه لا يلزم العاقلة بنكوله شئ فيما اظن، ولأنه كواحد من العاقلة لو أقر عليهم فهو ¬
كشاهد، وإنما ترد علي من يلزمه الغرم لو استحق الدم. ومن نكل من العاقلة غرم قدر ما يصيبه مع العاقلة، ومن حلف برئ. وذكر ابن عبدوس قول عبد الملك ورواية ابن وهب هذه عن مالك. ومن العتبية (¬1) قال سحنون عن ابن القاسم: إذا قال قتلني فلان خطأ ونكل ولاته فردت الأيمان علي المدعي عليهم فعلي من ترد أعلي العاقلة أم علي المدعي عليهم؟ قال بل علي المدعي عليهم الدم وعلي عواقلهم، قال: فليحلف منهم خمسون رجلاً، فإن أبوا (¬2) إلا عشرة [منهم حلفوا، قال: مالك لا يبري العاقلة إلا اليمين لو كانوا عشرة آلاف] (¬3)، فمن حلف منهم سقط عنه بقدر ما يصيبه، ومن لم يحلف أدي ما يقع عليه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: إذا نكل بعض ولاة الدم في العمد عن القسامة وطلب الباقون أن يقسموا، فإن كان نكل بعض من له العفو قبل القسامة فهو كعفو. قال ابن عبد الحكم: فلا يكون في ذلك دم ولا دية، بخلاف إذا نكل بعضهم بعد قسامة جماعتهم. وهذا قول أصحاب مالك إلا أشهب فإنه قال في مالك ما لا أحصي (¬4) وما اختلف قوله علي أنه يسقط القتل ويحلف الباقون ويكون لهم حظهم من الدية. قال ابن المواز: والذي أنكر أشهب هذا قول مالك في موطئه إن الأيمان لا ترد علي من لم ينكل من ولاة الدم. قال ابن عبد الحكم: ويسقط الدم والدية. قال مالك: وترد الأيمان علي المدعي عليهم يحلف منهم خمسون رجلاً، فإن لم يكن فيهم ردت عليهم، فإن لم يوجد غير المدعي عليه القتل ¬
حلف وحده خمسين يميناً إن لم يجد من عصبته من يحلف معه، ويضرب مائة ويحبس سنة. قال مالك: وهذا في نكول من نكل من ولاة الدم قب القسامة، فأما من نكل منهم بعد أن أقسم جماعتهم، فلمن لم ينكل حظه من الدية. فهذا قول مالك وأصحابه المدنيين والبصريين إلا اشهب. فإنه ساوي بين نكولهم قبل أن يقسموا أو بعد، وجعل لمن بقي حظه من الدية إذا كلفوا خمسين يميناً، ورواه عن مالك. قال ابن المواز: ولم يختلفوا أن نكول من نكل منهم قبل القسامة وعفوه سواء، وأما بعد القسامة من جميعهم فقد فرق ابن القاسم بين عفوه ونكول له فقال: وإن كذب أحدهم نفسه بعد استحقاقهم الدم بالقسامة فهو كما لو نكل قبل القسامة ولا سبيل إلي القتل. قال محمد: وهذا إغراق، وأراه إنما أراد سقوط الدم ينكوله، فأما الدية فلا لأن ثبت لاخوته بالقسامة، ولكن يسقط الدم ويصير دية تورث. وفي سماع أشهب في العتبية في عفو بعض الأولياء قال: يكون للباقين حظهم من الدية قبل القسامة، قال: بالقسامة وغيرها ولا سبيل إلي القتل، وكذلك في نكول أحدهم عن القسامة. قال سحنون وقال ابن نافع: إذا نكل الناكل علي وجه الورع والمخرج (¬1) حلف من بقي وقتلوا، وإن كان علي وجه العفو والترك حلف من بقي وكانت له الدية، وهذا الذي أري. وروي ابن القاسم عن مالك قال فلان وفلان ضرباني وفلان منهم قتلني فحبس القاتل فصالح عصبة المقتول علي ثلثي الدية، وأبت أم القتيل (¬2) إلا بالقيام فذلك لها ولورثتها إن ماتت. ¬
ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا ادعي بعض ولاة الدم أنه قتل خطأ وقال بعضهم لا علم لنا عن قتله، فحلف مدعو الخطأ وأخذوا حظهم من الدية، ثم طلب الذين قالوا لا علم لنا أن يحلفوا ويأخذوا حظهم من الدية فليس ذلك لهم بعد النكول، وهو قال مالك في الدم والحقوق. ومن العتبية روي يحي بن يحي عن ابن القاسم قال: إذا قام لهم شاهد بقتل وليهم فنكلوا عن القسامة فردت علي القاتل فحلف وبرئ، ثم وجد المدعون شاهداً آخر فإنه لا حق لهم، وكذلك طالب الدين يجد شاهداً آخر بعد نكوله ويمين المطلوب فلا شئ له (¬1). قال أبو محمد: قوله في المديان يعني علي قول ابن القاسم، والمدعي عالم بشهادة الآخر، ولو لم يكن يعلم به كان له أن يحلف مع الثاني، وكذلك في قول أشهب وإن علم بشاهده. قال سحنون وعيسي عن ابن القاسم: وإذا نكل المدعي عليهم في الخطأ غرموا الدية، والقاتل كرجل منهم ولا يستحلف هو. قال عنه عيسي: فإذا نكل أحد ولاة الدم في القسامة في الخطأ فهو حق لزم عاقلة المدعي عليهم فلا يبرئهم إلا اليمين ولو كانوا عشرة آلاف، فمن حلف منهم سقط عنه بقدر ما يصيبه، ومن نكل غرم ما يقع عليه (¬2). ¬
في شهادة الصبيان في الجراح
في شهادة الصبيان في الجراح وما يجري في ذلك من ذكر القسامة وغيرها من كتاب ابن المواز قال: شهادة الصبيان بينهم في الجنايات جائزة سنة معمول بها بالمدينة إن لم يتفرقوا ولو يدخل بينهم رجل حتي شهد بعضهم لبعض فيجوز. وإنما ذلك في الذكور منهم الأحرار، وأما الإناث والعبيد فلا يجوز وإن كان ذكل بينهم، وقاله علي وابن الزبير (¬1) وغيرهما وكثير من التابعين، وما بلغنا (¬2) من خالف ذلك إلا ابن عباس. وإذا وجد بينهم رجل أو معهم لم تجز شهادتهم، وكذلك إن افترقوا، إلا أن يشهد علي شهادتهم قبل التفرق عدلان ولم يختلفوا عليها. فإن أقيد ذلك بهذا (¬3) لم يضر رجوعهم، وإذا اختلفوا عند حضور الرجلين للشهادة علي شهادتهم واختلفوا عند السلطان. فقال بعضهم هذا جرحه، وقال بعضهم بل هذا، فهي كلها باطل. وأما إن شهدوا علي القتل فاختلف فيه، فأجازه أشهب ما لم يكن بقسامة، فإنه لا يجز القسامة (¬4) بشهادة الصبيان. وقال ابن القاسم (¬5): إنما تجوز شهادتهم فيما دون النفس، وقاله أصبغ. وإذا شهد صبيان أن صبياً شج صبياً فنزي فيه فمات، فقال ابن القاسم لا قسامة فيه. قال محمد: ولهم دية الشجة علي عاقلة الجاني إن بلغت الثلث. قال: ولو مات مكانه [كانت الدية كاملة] (¬6) علي عاقلته. ¬
قاله ابن القاسم. قال: [ولو كان] (¬1) شهادة صبي علي قتله فلا قسامة فيه. قال ابن القاسم: وإن شهد صبيان علي كبير أنه شج صغيراً لم يجز. محمد: لأنهم شهدوا علي غيرهم لبعضهم. وقال أشهب: لا يجوز صبي لكبير (¬2) أنه شجه [أو جرحه] (¬3) ولا علي كبير لصغير أنه جرحه، وإنما يجوز بينهم ليبين [وإذا شهد كبير علي كبير أنه شج صبياً فإن الحكم بذلك يؤخر] (¬4) إلي بلوغ الصغير فيحلف ويستحق حقه ولا يوقف (¬5) له شئ إلي بلوغه، إلا أن ينكل الكبير عن اليمين فيغرم دية الجرح. قال مالك في صبيان في مكتب شرب أحدهم في بوقال (¬6)، فضرب صبي البوقال بيده فكسر سن الشارب، فشهد الصبيان قبل افتراقهم عند المعلم بذلك. فإن كان المكسورة (¬7) سنه فعلقها علي الصبي في ماله ويتبع به. ثم قال كالغد (كذا) نحن نجيز شهادة الصبيان بينهم إن كانوا أحراراً. قيل: فإن كانوا أبناء خمس عشرة سنة اقتتلوا بالسيوف. قال: لا قود بينهم حتي يحتلموا، قال عنه ابن القاسم: وتحيض الجارية. قال ابن وهب قال عطاء في العبد يصاب بين العبيد أو الراعي بين الرعاة فلا تقبل شهادتهم بعضهم علي بعض، وتكون ديته عليهم جميعاً. ولو أن ثلاثة صبيان شهد واحد علي صاحبه أنه جرح الثالث فلا تجوز شهادة واحد، إذ لا يمين فيه للصبي. ¬
في القصاص من الجراح العمد بالشاهد واليمين
فإن قلت يحلف إذا كبر. قلت يصير كبير يحلف مع شهادة صبي، ولكن يبتدئ الشهادة الآن إن كان عدلا إن لم تكن ردت قبل ذلك، وإن كان الشاهدان من الصبيان ذكوراً أحراراً جاز ذلك علي الإناث والذكور. قال ابن القاسم: وإن شهد كبير علي أن كبيراً قتل صغيراً ففيه القسامة، وأما صبي قتل كبيراً بشهادة صبيين فجائز إن لم يعش حتي يعلمهم، وتلزم الدية عاقلة الجاني. وأما علي جرح كبير جرحه صبي فلا يجوز وإن لم يفترقوا. قال مالك: وإن شهد كبير أن صبياً كسر يمين (¬1) كبير فإنه يحلف المجروح معه. أشهب: وإن شهد به لصغير علي كبير أنه جرحه فجائز، وليحلف الجارح الكبير ويترك. وشهادة الصبيان مذكورة في كتاب الشهادات. في القصاص من الجراح العمد بالشاهد واليمين وذكر الشاهد في جرح الخطأ والدعوي في ذلك قال ابن المواز: ويقضي بالقصاص في الجراح بالشاهد واليمين في صغيرها وعظيمها في العمد والخطأ، ولا شك في الخطأ. وقال ابن عبد الحكم: لا أري ذلك في العمد إلا في اليسير من الجراح. وقد روي عن مالك [أنه يقتص بذلك رواية مبهمة لم تذكر ما صغر أو كبر. وروي عن مالك] (¬2) أن ذلك فيما لا خوف فيه من موضحة (¬3) ¬
ودامية (¬1) وجراح الجسد. وأما اليد والعين وشبه ذلك فلا يقتص فيه إلا بشاهدين، وهذا قول عبد الملك. قال ابن عبد الحكم: وهذه الرواية من قوليه أحب إلي، لأن الشاهد مع اليمين في الأموال، وإنما تتبعه فيما قل من الجراح استحساناً وإذا لم يختلف فيه [قوله] (¬2). قال محمد: وروي ابن القاسم وأشهب عنه أنه قال: يقضي بذلك فيما عظم أو صغر منها من قطع اليد وغيرها يحلف يميناً واحدة ويقتص. قال ابن القاسم: فإن نكل حلف القاطع وبرئ، فإن نكل حبس حتي يحلف، وقيل يقطع. قال مالك: وإن كان الشاهد غير عدل حلف المطلوب، وليس كالقسامة، وما قال أحد غير هذا إلا بعض من لا يؤخذ (¬3) بقوله. قال: ولا قسامة في الجراح. وقال أشهب: إذا تعلق به وبه جرح، فقال أنت جرحتني فله عليه اليمين، وإن كان من أهل التهم أدب. والذي في العتبية (¬4) من سماع أشهب عن مالك: وإذا تنازعا ثم أتي أحدهما بأصبعه مجروحة تدمي يزعم أن صاحبه عضها، قال يحلف له، وإن كان من أهل التهم أدب. قال في الكتابين وقال ابن القاسم فيمن ادعي أن فلاناً جرحه فلا يستحلف (¬5) في جرح ادعاه عليه أو ضرب إلا أن يكون مشهوراً بذلك ¬
فليحلف، فإن نكل سجن حتي يحلف، وقاله أصبغ. فإن طال حبسه ولم يحلف عوقب وأطلق إلا أن يكون متمرداً فيخلد في السجن، وقاله أصبغ. وفي العتبية (¬1): إلا أن يكون مبرزاً في ذلك. قال أصبغ (¬2): المبرز المتردد في الشئ المصر فيه بالخبث. ومن كتاب ابن المواز: ولا يكون له إذا قال (¬3) فلان جرحني أن يحلف ويقتص، بخلاف النفس، إلا أن يكون مثل قتال ظاهر ينظر إلي اثنين يتنازعان ويتسابان ثم يفترقان، فيدعي أحدهما علي صاحبه العداء والجرح أو نتف اللحية، وأتت بينة حضروا ذلك من أوله وليس بالمدعي شئ ثم افترقا عن ما ذكرت، فليقتص له مما فيه القصاص، ويؤخذ العقل مما فيه عقل. وأما نتف اللحية والرأس فإنما فيه الأدب. قال ابن القاسم عن مالك في قوله في القصاص من الجراح بشاهد ويمين إنه لأمر ما سمعت فيه بشئ ممن مضي، ولكن استحساناً. فإن نكل حلف [الجارح] (¬4) وربرئ، فإن نكل سجن حتي يحلف، وكان يقول [يقتص منه، ثم رجع. وقال ابن القاسم في الخطإ إذا ردت اليمين علي جراح العمد كالمأمومة (¬5) يقتص بالشاهد واليمين، وبشاهد وامرأتين، وبامرأتين، وبامرأتين ويمين. وكذلك بين العبيد (¬6) يحلف العبد المجروح مع الشاهد ويقتص، فإن نكل ¬
حلف سيده واقتص، فإن نكل حلف العبد الجارح وبرئ، فإن نكل فلسيد المجروح القصاص منه. فإن قال أنا آخذ ما نقص عندي بنكول الجارح حلف سيد الجارح أن ما شهد به الشاهد علي عبده باطل، وإن نكل أدي دية الجرح أو أسلم فيها العبد. وأما إن كان قتلاً فلابد من يمين [العبد] (¬1) القاتل لأنه لعله يقر فيقتل، فإن نكل حلف سيده. ومن العتبية (¬2) قال ابن القاسم [في سماعه] (¬3): إذا قام له شاهد بجرح خطأ حلف معه واستحق ديته إن كان له دية، وإن نكل حلف الجارح وبرئ، فإن نكل غرم ديته. قال سحنون روي عيسي إن كان أقل من الثلث، وإن كان الثلث فأكثر فلا شئ عليه ولا يمين. قال سحنون: لأن الدية علي غيره. قال أصبغ: وإذا شهد له شاهد أنه شجه موضحة، يريد خطأ، وشهد آخر أنها منقلة (¬4) فإن لم يفت بالبرء ولا زيادة ولا نقصان نظرها غيرهما من أهل العدل، وإن فات ذلك فإن شاء حلف وله دية منقلة، وإلا فله عقل الموضحة بلا يمين. وقال سحنون فيمن فقأ عين امرأته أو عبده وادعي أن ذلك عن أدبه لهما وأنه خطأ، وقال العبد والمرأة: بل تعمد، فالقول قول المرأة والعبد لظهور العداء، قيل أليس له أدبهما؟ وإلا كان كالطبيب. قال: قد عرف أمر الطبيب أنه غير تعدي، وهذا لم يظهر لنا غير التعدي. ثم رجع فقال لا شئ علي السيد ولا علي الزوج، وهما مصدقان حتي يظهر تعديهما. ¬
باب في الدعوى والتهم في الجراح والقتل والإقرار
قال سحنون: وإذا ادعى المفقوءة عينة ان الفاقىء فقاها خطأ، وقال الجانى بل عمدا، (فإن صدقة الجانى) (¬1) ما لزم العاقلة شىء لأنها لا تحمل اعترافا بدية. باب فى الدعوى والتهم فى الجراح والقتل والإقرار من العتبية قال مالك فى المدعى (علية) (¬2) القتل أو الجرح (يقر) (¬3) بغير محنة (ثم يرجع، قال: لا يقبل رجوعة. وقال فيمن اتهم بقتل فأقر بغير محنة) (¬4) أو شهد على إقرارة رجلان وحبس، فلما أخرج ليقتل رجع وقال إنما أقررت خوفا من الضرب (¬5). وقال مالك: فلا يقبل رجوعة ويقتل، إلا أن يذكر أمرا بينا. والمدعى علية القتل بلا بينة إن كان ممن يتهم بذلك ويظن بة أطيل سجنة. وقال مالك فى سماع ابن القاسم من العتبية (¬6) وكتاب ابن المواز فى امرأة نزل عندها رجل فمات (فجأة) (¬7) فاتهمت بة، وقال ولية أتهمها بة من وجة لا أثبتة، فليكشف عنها، فإن لم تكن متهمة فلا تحبس ولا تهدد. قال ابن القاسم: وغن كانت متهمة أطيل سجنها فلعل بينة تقوم ¬
عليها بشىء. فغن كان ذلك ولو يوجد (شىء) (¬1) أحلفت خمسين يمينا وأطلقت. ولم ير مالك مع البينة تهمة يؤخذ بها (¬2)، ولكن يطال سجن المتهم لعلة توجد علية بينة. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن وجد معة سيف فإن كان من أهل الطهارة والبراءة والصلاح رأيت أن يحلف. ومنة ومن العتبية رواية أبى زيد، قال ابن القاسم فيمن اتهم بقتل رجل عمدا فسجن فأقر أنة قتلة خطأ. قال مالك: يطال سجنة لعلة يوتى علية بلطخ، فإن لم يؤت (¬3) بشىء أقسم خمسين يمينا وخلى. وقال (فى) العتبية (¬4): ولو أنة أتى أولا بشاهد (¬5) وهو ممن لا يتهم أن يريد غنى ولدة أقسم ولاة المقتول مع قولة إنى قتلت فلانا خطأ واستحقت الدية. ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم فيمن ادعى علية قتل رجل عمدا، فإن كان من أهل الريب والتهم سجن، ويؤجل المدعى شهرا ليأتى بالبينة؛ وإن كان غير متهم فلا يحبس بقولة إلا أمرا قريبا اليومين والثلاثة (¬6). وروى يحيى بن يحيى عن ابن وهب فيمن قامت علية البينة بقتل رجل أو لوث يوجب القسامة أو يرمية المقتول بدمة، فيقيم المتهم بينة ¬
في الذي تقوم عليه البينة بالقتل
عدولا أنة كان يوم مقتل القتيل ببلد بعيد لا يبلغ من قتلة من ليلتة (¬1). قال: أما إذا رماة المقتول أو قام علية لوث فإن ذلك يدرأ عنة القسامة. قال يحيى: ولم يجب فى الذى تقوم علية البينة بالقتل ومعاينة الضرب. فى الذى تقوم علية البينة بالقتل (¬2) قال مالك فى العتبية من رواية أشهب فى جارية كانت ترعى غنما وقد أولع بها غلاميتبعها ويراودها فافتقدت هى وشاة من الغنم فى يوم واحد ثم وجدت مقتولة فأخذ العبد واتهمة سيدها، فقال (لة) (¬3) رب العبد: احكم فية بما شئت، فقال: حكمى أن تغربة عنى فرضى بذلك، وزعم سيدة (¬4) أنة لم يكن علم (¬5) ثم أخبرة القوم الذين أخذوا العبد أنهم وجدوا جلد الشاة معة وقدحا كان للجارية، فطلب سيدها أن يقوم امرأة صلحا قاطعا. قال مالك: ما أرى من صلح إنما قلت لة غرب عبدك عنى. فقال لة: إن كتب (¬6) بينى وبينة كتاب أنا اصطلحنا فى التهمة بالجارية المقتولة على أن يبيعة ويغربة فباعة، قال: هذا صلح تام. قلت: لك القيام بهذا الذي ظهر لك وترفعه إلي السلطان فيري فيه رأيه. ¬
في عقوبة القاتل أو الجارح
في عقوبة القاتل أو الجارح من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أصحاب مالك عنه: وإذا عفي عن قاتل العمد لزمه جلد مائة وحبس سنة، وجب الدم ببينة أو بقسامة، قال مالك: ولا يقتل من الجماعة بالقسامة إلا واحد منهم (قاله أشهب وقاله عبد الملك. قال لأن الأولياء قد ملكوا إثباطة (كذا) دم كل واحد منهم) (¬1) بالقسامة، ويعد إبراؤهم من القسامة عليهم كالعفو عن دم وجب. قال عبد الملك: وليس لأحد عن هذا عفو ولا للسلطان، وهو سنة ماضية وحق لله. قال غيره من (محققي) (¬2) أصحابنا: لأن لله سبحانة وتعالى في عقوبة القاتل حقا، وللوالي سلطان. فإذا عفا الولي بقي حق الله في ذلك، ولما بقي في ذلك من التباهي ولقد أحطنا علما أن لله في ذلك حقا وأن (للولي) عليه سبيلا بما يستدل عليه فوجدنا الله قد قرن ذكر عقوبة القاتل والزاني فقال: (ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) (¬3). فلما عفا عن القاتل من له العفو بقيت لله فيه عقوبة جعلناها كعقوبة الزانى البكر: جلد مائة وسجن سنة، والله أعلم. وقد روي فيه حديث للنبي فيمن قتل عبده (¬4) وروي ذلك عن أبي بكر وعن على بن أبي طالب رضي الله عنهما. ¬
قال ابن عبد الملك: وما حق منه بقسامة أو بغيرها سواء وما حق منه على امرأة حرة أو أمة أو على عبد فذلك سواء. وما وقع فيه العفو قبل القسامة وقبل أن يحق ذوو الحق في الدم بحقه (¬1) فليكشف ذلك الحاكم، فمن كان يحق عليه الدم لو أقسموا أو بالحق الثابت فيه ففيه جلد مائة وسجن سنة، وما كان لا يوجب دما لا بقسامه ولا بما فوقها فلا جلد فيه ولا سجن. وإذا عفا عن الدم ذوو القسامة فلا يخرجهم من الجلد وسجن عام أن يقسموا كما يخرجهم ذلك من الدم إذا ردت عليهم الأيمان. قال ابن عبد الملك: ويعيد ما دام الطاخ الدم الذي يسجن فيه، فإذا لزمه جلد مائة يوجه ما يحق عليه الحكم أرسل عنه الحديد، يريد وسجن سنة. قال ابن القاسم وأشهب: ومن اعترف بالقتل فعفي عنه لزمه جلد مائة وحبس سنة. قال أشهب: حدود (¬2) الله كلها من تاب منها أو اعترف لم تزل (عنه) توبته ما عليه من السبيل من حد أو عقوبة، إلا المحارب وحده يتوب قبل المقدرة. وقد أقام الرسول صلي الله عليه وسلم (الرجم) (¬3) على المعترف (¬4) ومن كتاب ابن المواز قال محمد: وإذا نكل ولاة الدم كلهم عن القسامة وقد وجبت لهم، فعلي المدعي عليه سجن سنة وجلد مائة، لأن إشاطة دمه (¬5) قد ملكت لو أقسموا لم يختلف فيه أصحاب مالك إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: إذا نكلوا فلا جلد ولا سجن على المدعي عليه، ¬
ويحلف كل واحد ممن ادعي عليه القتل خمسين يمينا ويسلم من الضرب والسجن، وإن لم يحلف حبس أبدا حتي يحلف. (قال) (¬1): ولو حبسوا قبل القسامة انتظار لقسامة أو لقيقم البينة ثم قتل واحد منهم بالقسامة، فإن يضرب من بقي مائة ويسجن سنة مؤتنفة بعد ما تقدم من السجن، وخالفة أصحابة فقالوا: كل من حقت عليه القسامة فنكل عنها وعفي عنه لزمه السجن سنة وجلد مائة. وقاله مالك وابن القاسم وأشهب وعبد الملك وأصبغ. وقال أصبغ: ليس على عبد (¬2) أنه قتل حرا أو عبدا قتل بذلك، فإن عفي عنه جلد مائة وسجن سنة، وبطل اقراره عن سيده. وقال أصبغ: ليس على عبد (¬3) ولا على أمة حبس سنة، وعليهما جلد مائة، وسواء أسلموا أو فدوا. وعبد الملك لايري على قاتل العبد جلد مائة ولا سجن سنة، قتله عبد أو امرأة (¬4) إذا كان بشاهد واحد. قال: ولا أقول بما قال بعض الناس إنه يقع منه بالشاهد ما يوجب القسامة في الحر إذ لم يقتل، جلد مائة وحبس سنة، كان الرجل المقتول حرا أو عبدا أو ذميا أو مجوسيا أو مجوسية، وهو قول مالك، وقاله أصبغ. قال ابن القاسم وأشهب وأصبغ: ولو قتل السيد عبده لزمه جلد مائة وحبس سنة. قال ابن القاسم: وقد اختلف فيه. وإذا كان المقتول ذميا حرا أو عبدا قتله عبد ذمي أو مسلم أو حر فلم يقتل، فإنه يجلد مائة ويحبس ¬
سنة. ولا شك أن ذلك على الذمي يقتل مسلما حرا أو عبدا فيعفي عنه. وأما إذا قتل ذميا وإن كان عبا فإنى استحسن ذلك فيه. وقال أشهب: وأري في اللطخ ضرب مائة وحبس سنة. قال أصبغ: والنصرانى إذا قتل أحدا فعفي عنه فليجلد مائة ويسجن سنة. (محمد: وإذا قتلت أم الولد سيدها فعفي عنها فعليها جلد مائة وحبس سنة) (¬1) وإن قتلت غير سيدها فتجلد مائة ولا تحبس. ومن العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن حبس للقتل ثم عفي عنه بعد ثبوت القتل ببينة أو بقسامة، فإنه يجلد مائة ويئنتف به سجن سنة من يوم جلد لا يحسب ما مضي. قال ابو زسد: وإذا نكل الأوليا عن القسامة ورودها على أولياء القاتل فحلفوا وبرؤوا صاحبهم فلا بد من جلد مائة وحبس سنة. ومنه ومن كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم وأشهب فيمن قتل ذميا أو عبدا له أو لغيره الذمي أو لمسلم فعليه جلد مائة وحبس سنة. قال اشهب: والعبد إذا قتل عبدا أو حرا فسقط عند القتل، فليجلد مائة ويسجن عاما. والذمي أو الذمية إذا قتل حرا أو عبدا أو ذميا أو ذمية أو مسلما أو مسلمة جلد مائة وسجن سنة. قال أشهب: وذلك واسع أن يكون الجلد ثم السجن أو السجن ثم الجلد. وكذلك في كتاب ابن المواز. قال أشهب: ومن استقيد منه فلا يعاقب شئ. قال ابن القاسم: وأما في قتل الخطأ فلا عقوبة فيه ولا سجن. قال ¬
مالك: وكل من لزمه القصاص في الجراح فإنه يعاقب بالإجتهاد، وكذلك لو جرح منقلة وما لا قود فيه. قال ابن حبيب (قال) (¬1) مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: وكل من قتل لفا عمدا ذكرا أو أنثي حرا أو مملوكا له أو لغيره مسلما أو كافرا كتابيا أو مجوسيا فإنه يجلد مائة ويسجن سنة ويعتق رقبة. وكل قاتل عفي عنه فإنه يضرب مائة ويسجن سنة وإن كان عبدا أو ذميا. وقاله مالك. وقال ابن الماجشون: إنما هذا فيمن قتل حرا مسلما، فأما غير المسلم فإنما يجب فيه الأدب المؤلم، وقاله ابن حبيب. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك في النفر يرمون بالدم فتجب في ذلك القسامة فيقسم على واحد منهم ويقتل وإن على من بقي سجن سنة وضرب مائة وكذلك لو لم يقسم على واحد منهم وعفي عنهم لكان مثل ذلك على جميعهم. ولو وقعت التهمة على أحد ولم يتحقق ما يجب به قسامة ولا قتل، فلا يوجب ذلك ضربا ولا سجنا سنة (¬2) ولكن يطال سجنة (السنين الكثيرة ن ولقد كان الرجل يحبس في الدم واللطخ والتهمة فيطال حبسه حتي يتمنى به أهله أن لو مات لطول سجنه) (¬3) قال ابن حبيب قال مالك: وإن قام شاهد أن عبد فلان قتل عبد رجل فحلف وحق القتل ففدي، فعليه ضرب مائة وسجن سنة (¬4) فليضرب مائة وحبسه. قال مطرف: ومذهب المغيرة أنه ليس على العبيد حبس، وإنما عليهم ¬
فيمن وجد مع امرأته رجلا فقتله
جلد مائة. قال ابن الماجشون في العبد المسلم كقول مالك، وقال في النصراني إنما عليه الأدب المؤلم. وفي باب ما يوجب القسامة شئ من ذكر عقوبة القاتل وفي غيره من الأبواب. فيمن وجد مع امراته رجلا فقتله ومن تطلع في دار رجل ففقأ عينه من كتاب ابن المواز ومن وجد في بيته (قتيل) (¬1) فاعترف صاحبه البيت أنه قتله، وذكر أنه وجده مع امرأته يطؤها، أو جاء هو قبل أن يظهر أمره فأخبره بذلك، فإن لم يأت بأربعة شهداء قتل إلا أن يظهر عذره مثل أن يري بثقب البيت أو يتسور فيقتله صاحب البيت وقال وجدته مع امرأتى فلا قود فيه وفيه الدية. قيل لمحمد: فلو كان ذلك فاشيا قد كثر فيه الذكر وانتشر (الخبر، ولعله قد تقدم اليه قيل ذلك واستاذي عليه ثم وجده في بيته فقتله) (¬2) فقال: لا أظنه ينفعه ذلك، لخوفي أن يكون خدعه حتي أدخله بيته. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا أتي (¬3) الرجل بالرجل وأشهد عليه امرأته (¬4) أو جاريته ثم قتله بعد ذلك لم يكن عليه شئ وكذلك لو شهد عليه وهو غائب وعلم أن المشهود عليه علم ذلك ثم وجد ¬
في داره مقتولا. وذكر عن ابن القاسم (نحوه وقال: فقتل الرجل وقتل المرأة بعينه، وذكر ابن القاسم) نحو هذا القول عن يحي بن سعد (وربيعة) (¬1) ومن كتاب ابن المواز قال ابن وهب عن مالك (سئل) (¬2) عن الحديث الذي جاء: من تطلع في بيت رجل (بغير إذنه) (¬3) ففقأ عينه بحصاة لم يكن عليه جناح (¬4). قال الله (أعلم) (¬5) بهذا الحديث قيل أن يعقل أم يقاد؟ قال كنت أقيد منه. ولو أن رجلا دخل بيته بغير إذنه لكان في هذا بيان (كذا) إذا تعمد قتله. وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب فيمن قتل رجلا في بيته ثم قال إنه أراد قتلي أو أخذ مالى فدفعته عن نفسي فقتلته أنه يقتل به. وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب فيمن قتل رجلا في بيته ثم قال إنه أراد قتلي أو أخذ مالى فدفعته عن نفسي فقتلته أنه يقتل به. (ومن كتاب الإكراه للابن سحنون ذكر عن إبراهيم النخعي في الرجل يوجد قتيلا في دار رجل فيقول: كاثرنى على مالى فقتلته، فإنه ينظر فإن كان المقتول داعراً متهما بالشر طل دمه، ولزم القاتل الدية فيه. وإن كان غير متهم قتل به. قال سحنون: وقال أصحابنا المغيرة وغيره إن كان القاتل قد أشهر أذي المقتول له وأشهد على ذلك والمقتول متهم بما ذكر عنه داعر فلا قود فيه ولا دية) (¬6) ¬
فيمن قتل في الحرم، وهل يقاد من القاتل في الحرم؟
فيمن قتل في الحرم وهل يقاد من القاتل في الحرم؟ من المجموعة قال ابن وهب عن مالك فيمن قتل في الحرم أن قاتلة يقتل في الحرم، ولو قتله في الحل فأخذ في الحرم لقتل في الحرم، ولا يخرج إلي الحل، ولا يؤخذ لاحلاله إن كان محرما، وتقام الحدود كلها في الحرم وغيره ولا تؤخر، فعسي أن يفلت أو تصيبه مصيبة الموت. وروي أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬1) في القاتل يوجد بمكة فيقوم أولياؤه، قال: يقتل في الحرم، والحرم أحق أن تقام فيه حدود الله ولا ينتظر به أن يفرغ من حجة. فيمن دفع عن نفسه أو دفع عما ظلم فيه وقتل رجلا من كتاب ابن المواز: أول من إتخذ المقصورة مروان حين طعنه اليمانى فأخذه واستشار في قتله فلم ير له قتله، فتركة واتخذ المقصورة من طيب فيها تشابيك (¬2) قال عبد الملك (¬3): لا قصاص (علي) (¬4) من قتل أحدا على تأويل القرآن مثل الخوارج، فأما ما أخذوا من مال فإنه يؤخذ منهم (إذا وجد معهم) (¬5) ¬
في خطإ الإمام والحكام في الدماء
قال ابن حبيب عن ابن الماجشون يرفعة إلي عمر في رجل هربت منه امرأته إلي قومها فذهب في طلبها برجلين، فقام أبوها إليهم بيده عمود فأخذه منه أحدهما فضربه به فكسر يده، وأخذ الزوج منه امرأته، فلم يقده منه عمر وقضي له بدية اليد. قال عبد الملك: لم ير فيه قصاصا لأنه إنما كفه عن عدائه بضربه إياه، وليس على جهة العمد الذي فيه القصاص، وهو حسن من القول. في خطأ الإمام والحكام في الدماء والبينة تشهد بقتل رجل ثم قدم حيا بعد القصاص قال ابن حبيب قال أصبغ: روي ابن وهب عن يحيي بن سعيد قال: كل من ولي الحكم بين المسلمين من أمير أو قاض (¬1) أو صاحب شرطة مسلط اليد، فكل ما كان من عقوبتهم من موت وكان عن حد من حدود الله (¬2) أو أدب بحق فذلك هدر، وأما ما أتى من ظلم بين مشهور متعمد (¬3) فعلية القود في عمده والعقل في خطئة. قال أصبغ: وهو قولنا وجماعة علمائنا أن ما يأتى على يديه في حد أقامه أو قصاص وأدب وغيره، مثل إجازته لشهادة نصرانى أو عبد أو مسخوط أوشبهة وهو لم يعلم حتى نفذ القصاص والحد ثم ظهر له فلا شئ عليه، وذلك أنه مجتهد ولم يتعمد ظلما، ولا كان منه خطأ، (فأما ما أخطأ) (¬4) فيه من الحكم فاقتص ممن لا قصاص عليه في نفس أو جارحة ¬
أو قطع في سرقة لا قطع فيها، فإن عقل ذلك عليه ويحمل محمل الخطأ، يكون في ماله أقل من الثلث، وما كان الثلث فأكثر فعلي عاقلته. كالطبيب والخاتن والمعلم. وإن تعمد أحدا بقتل أو قطع أو جرح بغير حق ولا شبه فيخطئ بها إلا تعمد الظلم فعليه القود. وما أخطأ به في المال وقد اجتهد فلا شئ عليه، بخلاف خطئة في الدم وما دونه، وما تعمد من إتلاف مال بلا حق ولا شبهة فذلك في ماله، يأخذ به المظلوم من يشاء منه ومن المحكوم له به. ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أمر القاضي بقطع يمين رجل (لسرقة) (¬1) فقطعت شماله، فإن كان القاطع (¬2) من أهل الجهالة مضي ذلك ولم يقطع غيرها وقال ابن الماجشون: عليه القطع في يمينه، وعلى الوالي عقل يساره. (قيل: وإذا كان قطع ذلك وهو عالم به؟ قال: لا يزيل ذلك الحكم عن موضوعه. قيل: فلو قطعت يساره) (¬3) ثم سرق؟ قال: تقطع منه رجله اليسري، ولا قصاص على القاطع (أو الآمر بقطعة لو لم يجزه) (¬4) قال سحنون: لست أدري ما قال، وأري قطع اليسار مجزئا عن السارق، سواء كان خطأ أو عمدا إلا أنه يؤدب (¬5) إن قطع عمدا. وأن سرق مرة أخري قطعت رجله اليمنى وليس على الحاكم أو على القاطع دية. ¬
في القاتل يدخل في جماعة فلا يعرف
ومن العتبية (¬1) روي أصبغ وابن القاسم فيمن أقام شاهدين على رجل أنه قتل ابنه، فأسلم إليه فقتله الأب، ثم جاء ابنه حيا، فعلي الشاهدين الدية دون الأب. وقال أصبغ، والخطأ من الشاهدين كالرجوع، فإن تعمدا (¬2) فذلك في أموالهما، وإن شبه عليهما فعلي العاقلة. قال ابن القاسم: ولو كان إنما صولح الأب على مال لرد الأب المال، لأنه إنما شهد له شهد له بدم، فليرد المال، فإن لم يكن له مال اتبع ولا شئ على الشاهدين (¬3) وقاله أصبغ، في القاتل يدخل في جماعة فلا يعرف من العتبية (¬4) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قتل رجلا في وسط الناس فهرب وطولب حتى اقتحم بيتا فيه رجلان فلا يعرف من الثلاثة. قال: يحلف كل واحد من الثلاثة خمسين يمينا ويغرمون الدية بلا قسامة من الأولياء. ومن نكل من الثلاثة كان العقل علة من نكل. وقال سحنون: لا شئ عليهم، وشهادة البينة أنهم رأوه دخل فيهم ولا يعرفونة بعينة باطل. ¬
مسائل من الجنايات روي عيسي بن دينار عن ابن القاسم في العتبية (¬1) في عبد قتل حراً فأسلم إلي أوليائه فاستحيوه أيباع عليهم؟ (¬2) قال: لا إلا أن يخاف أن يقتلوه بعج أن عفوا عنه. روي أشهب عن مالك فيمن قتل عبدا أكثر حر أنه إنما يغرم قيمته رقيقا كله. ومن قتل مطاتبا غرم قيمته مطابتا بما عليه من الكتابة وليس قيمته عبدا عليه كذا (¬3). وروي أصبغ عن ابن القاسم فيمن أقر أنه ضرب (¬4) عبدا أو رماه فلما مات قال لم يمت من ضربي، وقال سيده من ضربك مات أو من رميك، فليحملف ربه أنه من ضربك أو من رميك مات، ويأخذ منه قيمته، وكذلك لو ثبت أنه ضربه أو رماه والله أعلم. تم الجزء الرابع من أحكام الدماء وهو آخرها والحمد لله. ¬
كتاب الحدود في الزني
بسم الله الرحمن وصلي الله علي محمد خاتم النبيين كتاب الحدود في الزني في حد الزني وذكر الإحصان والرجم فيه وصفة الرجم والجلد (¬1) من كتاب ابن حبيب قال الثورى كانت الثيب في أول الإسلام إذا زنت حبست في البيت حتي تموت، لقوله الله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم - إلي قوله تعالى - أو يجعل الله لهن سبيلا) (¬2). قال الرسول صلي الله عليه وسلم قد جعل الله لهن سبيلا، والسبيل الرجم (¬3). وقال في البكرين (¬4) (واللذان يأتيانها منكم فآذونهما) (¬5) فكانوا (¬6) يؤذونهما بالقول حتي نزل الحد بقوله عز وجل (والزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) (¬7). ومن كتاب آخر. ونحوه في كتاب ابن المواز: وإنما رجم رسول الله اليهوديين بما أظهر عليهما في التوراة (¬8). وقالوا وهذا قبل نزول ¬
الحدود (¬1) (ثم نزل) (¬2) في الثيب والبكر (ماذكرنا عن سفيان، ثم نسخ ذلك بما ذكرنا في البكر والثيب) (¬3) وقال في كتاب ابن المواز: حكم رسول الله في الثيب والثيبة بالرجم، وجلد البكر ونفاه (¬4) وهو تغريب عام، وقال لأنيس: أغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها (¬5)، فلم يذكر صلي الله عليه وسلم جلداً، ولا جلد على الثيب، ولا يعاقب بعقوبتين، ولم يجعل الله سبحانه على المحارب عقوبتين، فإذا عوقب بالقتل لم يضم معه قطع ولا غيره، وهو أعلي العقوبات. والرجم ليس بسنة ولكن فريضة من الله على الثيب والثيبة. قال عمر: الرجم في كتاب الله حق. قال بعض البغدادين من أصحابنا قال الله تعالى (ويدرا عنها العذاب) (¬6) وهي ذات الزوج المحصنة، ولم يذكر ما ذلك العذاب، فبين النبي أنه الرجم في الثيب. (من كتاب ابن المواز) (¬7) قال: ولا يكون الزوجان محصنين إلا (بنكاح صحيح ويكون فيه وطء صحيح قاله مالك، ولاي كونان محصنين إلا) (¬8) بمسيس معلوم. وإن اختلفا في إرخاء الستر لم يكونا ولا واحد منهما محصنين لا من أقر ولا من أنكر. وقاله ابن القاسم في الإحصان ¬
(قال) (¬1) لأنه إن كان الرجل هو المقر بالوطء فيقول إذا أخذ في زني بعد أن طلقها إنما أردت أن أوجب الرجعة وأبرأ من المهر وألزمها العدة، وتقول هي أردت أن ألزمه بدعواى المهر ونحوه. وأما قول مالك في أن ذلك لا يحلها فأنا أري أن تصدق هي في (دعوي) (¬2) الإحلال. قال محمد: ولو اختلفنا في الوطء بعد وقوع الزنا (¬3) لم يقبل قول الزانى منهما، ورجم وإن لم يبن بها إلا ليلة ثم فارقها. وأما إن اختلفا قبل الزنا فلايكون المقر منهما محصنا وإن أقام معها الزمن الطويل (¬4) ولو عشرين سنة، قاله ابن القاسم وعبد الملك، فارقها أو لم يفارقها كما لو قالت بعد الإقامة الطويلة معه لم يصبنى وطلبت أجل العنين وصدقها فذلك لها، ولا حاجة لها بطول الإقامة معه لو أقرت قبل بناء معروف وقد مات أنه أصابها في أهلها وقد أقر هو بمثل ذلك. فإن عرف أنه كان يبيت عندها في أهلها ويأتيها صدقت وإلا لم يحلها ذلك ولا يلزمها الإحصان. قال محمد: إلا أن تثبت على إقرارها بعد الزني. قال ابن القاسم وأما أن ترجع بذلك إلي زوجها الأول فلا يكون ذلك إلا بدخول يعرف. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إذا شهد عليه أربعة بالزني وله امرأة وهو مقر بمسيسها ولا ولد له منها ولا يوجد أحد يشهد عليه بإقراره بالمسيس قبل ذلك أيرجم؟ قال: إن أقر بالبناء بها أو كان يعرف ¬
أنه بنى بها فعليه الرجم ولا يسأل عن شئ إذا لم يعرف منه قبل ذلك إنكار المسيس فأما إن لم يكن مقرا بالبناء ولا عرف أنه بني فحدده حد البكر ولإن أقر بالمسيس. قال مالك: والإحصان: إحصان عفاف في الإسلام بالحرية، وإحصان نكاح. وقوله الله تعالى: (يرمون المحصنات ثم لم يأتوا) (¬1) فهذا إحصان في الحرائر المسلمات، فمن قذفهن من مسلم أو ذمي ذكر أو أنثي جلد ثمانين جلدة، وعلى العبد أربعين (¬2) ذكرا أو أنثي مسلما أو ذميا. ولا يحصن إلا وطء صحيح. قال مالك فيه: إذا وطئها في نكاح صحيح وهي حائط أو صائمة أو محرمة أو قد ظاهر منها فلا يحلها ولا يحصنها (¬3) وقاله المصريون من أصحابة وهي روايتهم عنه، وقاله أصبغ. وقال المغيرة وابن دينار إن ذلك يحصن ولا يحل وروياه عن مالك قال ابن الماجشون: وهو يحل ويحصن. قال ربيعة في أختين توء متين أصابتا (¬4) الفاحشة، واحدة بكر وأخري ذات زوج هما سواء في إيجاب الحد أو رفعه، ليس الزوج لهذه يوجب عليها ذلك ما لم تنبت شعرا أو تحض (¬5). والخصي إن كان له عسيب يحصنها، لأن الإحصان ليس بالماء (¬6) إنما هو مجاوزة الختان الختان (¬7) فإذا جاوز عيبه ختانها أحصنها. وكذلك ¬
لو قطعت حشفته وانثياه، وذلك أيضا يحلها، وفي ذلك الغسل. فأما المجبوب فلا يحل ولا يحصن ولا حد فيه، والمقطوع الحشفة الحر إن زني رجم وإن لم ينزل إن كان محصنا. قال محمد: وإذا تأيمت المرأة بعد إحصانها أو الرجل أو كانا على نكاحهما. فقد وجب عليهما الإحصان. وكل ما ذكرنا هاهنا من الإحصان فهو في كتاب النكاح وأكثر منه، وتركت باقي هذا الباب لأنه في كتاب النكاح قال مالك: ولا يحفر للمرجوم وما سمعت عن أحد ممن مضي يحد فيه أن يحفر له أو لا يحفر له، وأري أن لا يحفر له. وقوله: فرأيت الرجل يحني على المرأة (¬1) دليل أنه لا يحفر له ولا يربط واحد منهما. قال أشهب: وإن حفر له فأحب غلي أن تخلي يداه (¬2) ويحسن عندي أن لا يحفر له ولا يربط. قال: وقد أقامت الأئمة الحدود فلم يعلم أن أحدا منهم تولي ذلك بنفسه ولا ألزم ذلك البينة، وإنما يأمر بالحد كما يأمر بغيره، فيرمي بالحجارة التى يرمي بمثلها، فأما بالصخور العظام فلا يستطاع الرمي بتلك، ولا يرفع عنه حتي يموت. وكذلك المرأة. وبعد هذا باب في (صفقة) (¬3) ضرب الحدود كلها. ¬
في النفي وعلى من يجب
في النفي وعلى من يجب من كتاب ابن المواز قال: إذا حد البكر الزانى فلينف من بلده إلي بلد غيره ويحبس سنة بموضع ينفي إليه، وليس على النساء نفي ولا على العبيد لقول النبي – صلي الله عليه وسلم – لا تنفي المرأة إلا مع ذي محرم منها (¬1)، والعبد يدخل على سيده الضرر. فصارت عقوبة على سيده. قال غيره: ولا قرار للعبد، وإنما ينفي ذو القرار. قال محمد: وقد قال النبي في الأمة إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم قال في الثالثة أو الرابعة فبيعوها (¬2) ولم يذكر نفيا. وما روي عن عمر من نفي العبد فقد روي ما دل على خلافة أن عبد الله بن عياش (¬3) أمره عمر ان يجلد ولائد الإمارة في الزنى خمسين خمسين. قال مالك: ولم أمسع منه بنفي. قال: وينفي من مصر إلي الحجاز إلي مثل منف (¬4) وما والاها، ومن المدينة إلي فدك وخيبر، ذكره مالك أنه كان ينفي عندهم كذلك، وذكر أن عمر نفي إلي البصرة، ونفي عمر بن عبد العزيز من مصر إلي منف. قال ابن القاسم: وأسوان أيضا، ودونها منفي أيضا إذا حبس فيها. ويكتب إلي والى ذلك البلد أن يقبضه ويسجنه عنده ويحسب (¬5) السنة من يوم يصير في السجن. ¬
في الشهادات في الزني وما يتم به واختلاف البينة فيه
قال ابن حبيب عن مطرف: ويؤرخ يوم سجنه. قال في كتاب ابن المواز: وكراؤه في سيره عليه في ماله في الزانى والمحارب، فإن لم يكن له مال ففي مال المسلمين. وقاله أصبغ. قال: وإنما ينفي المخنثون إلي الموضع القريب ولا يحبسون ويخلون اليوم بعد الأيام للمسألة والمعاش. قال مالك: وسمعت أن النبي صلي الله عليه وسلم نفي المخنثين وأن نفيهم حسن. قال ابن حبيب: كان في عهد النبي مخنثان فنفاهما إلي غير جبل بالمدينة. في الشهادات في الزني وما يتم به واختلاف البينة فيه وكيف إن أتوا معترفين من كتاب ابن المواز: ولا يجب حد الزني إلا بأحد هذه الوجوه، إما بإقرار لا رجوع بعده حتي يحد، أو بأربعة شهداء عدول على الرؤية، أو يظهر حمل بامرأة غير طارئة لا يعرف لها نكاح ولا ملك. هذا قول مالك وأصحابة. قال عيسي في العتبية (¬1) عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم أيضا: لا يتم الشهادة في الزني حتي يشهد أربعة في موضع واحد في يوم واحد وساعة واحدة على صفة واحدة. قال مالك في كتاب ابن المواز: وحتي يقولوا كالمرود في المكحلة في البكر والثيب، فإن نفوا فهو كالنكال (¬2) على المشهود ¬
عليه. محمد (¬1) وذلك إن لم يكن في شهادتهم أنه زني ولا ذكروا زني وإنما شهدوا على ما وصفوا. (من كتاب ابن المواز) (¬2) قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬3): لو شهد رجلان وقالا معنا رجلان آخران، فأري أن يحدا وروي ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشوف قال: إذا شهد بالزني أربعة جازت شهادتهم وإن كانوا هم القائمين بذلك وجاءوا مجتمعين أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضهم من بعض. وروي أصبغ عن ابن القاسم في العتبية (¬4) في أربعة شهدوا على رجل بالزني فتعلقوا به وأتوا به السلطان وشهدوا عليه فلا تجوز شهادتهم عليه وأراهم قذفة. وروي يحيي بن يحيي عن ابن القاسم خلاف هذا ومثل قول أشهب. ومن كتاب ابن المواز عن أشهب فيمن قذف رجلا بالزني وقال أنا أقيم عليه أربعة فأتي بواحد وقال (¬5) وهذا آخر في المسجد، وآخر في القيسارية، وآخر في السوق، فذكر أمكنة فريبة (¬6) وأتي بهم من ساعته فلا ينبغي للإمام أن ينتظر به حتي يحده هو ومن شهد معه إذا لم تكن شهادتهم متواترة. وأما إذا تمت الشهادة قبل إسقاطها بجهل من الإمام فهي جائزة، ويحد المشهود عليه، ولكن (لا) (¬7) ينبغي للإمام ندبا أن ينتظر به حتى يجده ومن شهد معه ولو جاء اليوم بشاهدين أو يواجد فلو يجد ¬
حتى أتى بآخر (¬1) بعد ذلك وبآخر حتى أتم (¬2) أربعة مفترقين فإنها تقبل ويحد الزانى قال محمد: وإن جاء رجل إلي الإمام على وجه الشهادة فقال: أشهد على فلان أنه زني فليجد إلا أن يأتى بأربعة سواه (فإن ذكر أربعةم سواه) (¬3) حضورا أو قريبة غيبتهم ترك ويوثق منه وكلف (¬4) أن يبعث فيهم. وإن ادعي بينة بعيدة (¬5) حد، تم إن جاء يهم سقط عنه جرحة القدف (¬6). وروي عيسي عن ابن القاسم في شاهدين شهدا على رجل أنهما رأياه مع امرأة تحت لحاف أو رأيا رجليها على عنقة أو ما هو دون الزني لم يكن عليهما شئ، لأنهما لم يقذفا، ويعاقب الرجل والمرأة. ولو قالا رأيناه يزني بها كالمرود في المكحلة جلدا الحد ثمانين وروي عيسي في العتبية (¬7): أن شهادة ابن الملاعنة تجوز في الزنا، ولا تجوز فيه شهادة ولد الزنا. وإذا اختلفت البينة فقال أحدهم زني بها في غرفة وبعضهم في سفل، أو قال بعضهم منكبة وقال بعضهم مستقلية، أو قال البعض ليلاً وبعضهم نهاراً، أو يوم كذا وآخرون يوم كذا، واختلوا في الساعات بطلت الشهادة ويحدن للقذف. ¬
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون في الشهود يتفقون في صفة الزني والرؤية ويختلفون في الأيام والمواطن فهذا لا يبطل الشهادة. وانظر فإذا اختلفوا فيما ليس على الإمام أن يسألهم عنه وتتم الشهادة مع السكوت عنه فلا يضرهم اختلافهم فيه مع ذكرهم. وقال أصبغه عن ابن القاسم عن مالك: إن الشهادة بهذا ساقطة في الزنى والسرقة، وجائزة في الخمر والقذف. وروي عيسي عن ابن القاسم في العتبية (¬1) وهو في كتاب في أربعة شهدوا على رجل بالزنى، فقال اثنان منهم اغتصبها، وقال اثنان طاوعته، قال يحد الشهود ولا يحد الرجل لاختلاف الشهادة. قال في العتبية (¬2): فإن أقر حد وإن أنكر جلدوا. وقال في كتاب محمد: ولا يكون على الرجل والمرأة حد ولا أدب. قال: وكذلك إن قال اثنان نشهد أنه زنى بها، وقال اثنان نشهد أنه غلبها على نفسها ولم يقذفاها هى فالحد عليهم أربعتهم لأن اثنين قاذفان لها، وسقطت شهادة الآخرين. قال في العتبية (¬3) من رواية أبي زيد في أربعة شهدوا أنه زني بامرأة فأخذ الرجل فهربت المراة، فقال اثنان منهم رأيناه يزني بفلانة التى هربت، وقال الآخران: زني بامرأة لا ندري أهي فلانة أو غيرها ولا يعرفانها، فليحد الأربعة وهم فذفة للمرأة. انظر قوله (في) (¬4) المرأة، وأصله أنه لا يحد في القذف لغائب وهم إذا لم يحدوت كيف يستخرجون. ¬
انظر مسألة الذي أخذ يزنى بإمراة فهربت، فقال هى زوجتى في باب الإفرار بالزنى، ومسألة شهادة شاهدين على اغتصاب الذمي في باب الاستكراه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد أربعة فقال اثنان على الوطء واثنان على الخلوة والنفس العالى والملاصقة (حد اللذان ذكرا الرؤية، وعوقب الرجل والمرأة بالشهادة على الخلوة والنفس) (¬1) قال أشهب: بمائة جلدة ونحوها. وإن وصف ثلاثة الزنى وقال الرابع لم أره في الفرج حد الأربعة إن شهد الرابع معهم أنه زنى وإن لم يقل زنى وإنما قال رأيته على بطنها وشبهه فلا شئ عليه. وقال في المدونة ويعاقب. وفي كتاب القذف باب في اختلاف البينة في القذف. وإذا شهد أربعة بالزنا ثم غابوا قبل أن يسألوا غيبة بعيدة أو ماتوا نفدت الشهادة وحد. فأما إن أمكن الإمام مسألتهم أو مسألة واحد منهم فلا يقيم الحد حتى يسأله، فإن كان (¬2) في ذلك ما يبطل الحد ابطله، وحد الشهود كلهم حد القذف، وإن كان في سرقة لم يعاقب (¬3) وا ولا أدبوا، وإن كان في الزنى (أكثر من) أربعة (فغاب أربعة) (¬4) لم يسأل من بقي منهم وإن أمكنه مسألته، لأنه لو رجع لم يزل الحد بذلك، ولو رجع من سوي الأربعة بعد إقامة الحد لم يغرموا شيئا. وقال ابن القاسم: يحدون ثم رجع إلي هذا. وقد اختلف فيه أيضا قول اشهب فيما أحسب. وأحب إلي أن لا يحد الخامس ولا يغرم حتى يرجع واحد من الأربعة، فيغرم هو ومن رجع قبله ربع الدية ¬
وإذا رفع رجل إلي الإمام شهادته أنه رأي فلانا يشرب خمراً أو يسرق فرد الوالى شهادته لم يكن عليه عقوبة إن طالبه المشهود عليه. وهذا بخلاف أن لو شهد عليه بالزني. وإن كان للسرقة من يطلبها حلف معه وأخذها، وإن لم يكن طالب ولا شهد بها للإنسان فلا عقوبة عليه إن كان عدلا، وإن لم يكن عدلاً عوقب إن لم يأت بمخرج قال أشهب: إن كانت شهادته على وجه المشاتمة عوقب إلا أن يقيم شاهدين سواه، فإن ادعي بينة بعيدة لم يهمل وأوجع أدبا، وإن كانت قريبة أوقف هو والمشهود عليه وقيل به ابعث إلي من يشهد مهك، فإن أقامهم لزم الحد من شهدوا عليه. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن شهد عليه رجلان أنه طلق امرأته أو أعتق جاريته ثم رأياه (¬1) يطؤها إنه لا شهادة لهما ولا حد عليهما، إذا لو جازت شهادتهما على الطلاق أو العتق لزمهما الحد، والحد لو حد يجرحمها (¬2) فسقطت الشهادة كلها. وكذلك من ورث {أخاه} (¬3) وفي تركته عبدان فأعتقهما، ثم شهد العبدان على ولد ولدته أمة للميت بأن الميت أقر بوطئها وأنه ولده، لم تجز شهادتهما، لأن ذلك برقهما، شهادة العبدين لا تجوز. وأما لو قال شاهدا الطلاق {والعتق} (¬4) إن رأيناه على بطنها في شهادة واحدة فهاهنا يقضي بالطلاق والعتق، وتجب عليه العقوبة، لأنهما لو فرقا شهادتهما ها هنا جازت، وفي الأول لا تجوز ولو فرقا ذلك، وقاله أصبغ ¬
في الشهادة على الشهادة في الزنى
في الشهادة على الشهادة في الزني والشهادة على الحكم فيه وعلى الإقرار به قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: لا تجوز الشهادة على الشهادة في الزني إلا على شهادة كل واحد من الأربعة أربعة، ولا يجوز أربعة على أربعة وإن كانوا كلهم قد سمعوا من الأربعة، إلا ستة عشر شاهداً. قال مطرف: وهكذا سمعت مالكا يقول. قال مالك: وإن حضر ثلاثة على الرؤية وغاب الرابع أو مات فلا تقوم شهادته إلا بأربعة ينقلون عنه، وإن احتاج الإمام إلي تعديلهم فلا يقبل إلا أربعة يعدلون كل رجل منهم (¬1) وكل شئ من شهادة الزني لا من رؤية ولا من نقل ولا من تعديل فلابد من اربعة أربعة (¬2). قال ابن الماجشون وجميع أصحابنا ابن القاسم وغيره: تجوز شهادة أربعة على أربعة في الزني إذا كانوا كلهم سمعوا من الأربعة، فإن تفرقوا جاز اثنان على كل واحد منهم حتي يصيروا ثمانية على اربعة، ويجوز في تعديلهم ما يجوز في تعديل غيرهم: اثنان على كل واحد، وأربعة عليهم أجمعين. وابن القاسم في غير كتاب ابن حبيب يقول: يزكيهم كلهم اثنان. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: إن شهد واحد على رؤية (¬3) نفسه وثلاثة على شهادة ثلاثة فذلك تام، ولا يجب الحد حتي يكون عدد الشهود ¬
عند الحاكم أربعة ثم يجدد (¬1) عدد الشهود على الرؤية أربعة. وكذلك لو شهد اثنان على شهادة اثنين، واثنان على شهادة {اثنين، واثنان على شهادة} (¬2) ثلاثة، واثنان على شهادة واحد، فتكون قد تمت {الشهادة} (¬3) أيضا من كلات الفريقين. وكذلك اثنان على الرؤية، واثنان على شهادة اثنين، وأما واحد على رؤية نفسه، واثنان على شهادة ثلاثة لم تجز الشهادة ويحد الشاهد على لارؤية للقذف. وأما الشاهدان على الشهادة فإن لم يكت في شهادتهما أنه زان، وإنها قالا (¬4) أشهدونا على شهادتهم أن فلانا زان رأيناه وفلان معنا، لم يحد الناقلان عنهم ... ، وإن قدم الثلاثة حدوا إلا أن يثبتوا على شهادتهم حين قدموا ويشهدوا بها، فيحد المشهود عليه. قال محمد: ذلك إذا تأخر ضرب الشاهد الأول حتي قدم هؤلاء وكذلك إن لم يقدم منهم غير واحد فشهد. هذا كله قول ابن القاسم، وهو قول أشهب في كتبه، وقاله أصبغ. وقال في {باب} (¬5) القاذف يقيم شاهدين أن فلانا الوالي حد المقذوف في الزني بشهادة أربعة فلا ينفعة ذلك حتي يقيم أربعة على حد الوالي {له} (¬6) في الزني. وإن لم يقولوا حده بشهادة أربعة إن كان الإمام عدلا فيبرأ بهذا، وإلا حد هو والشاهدان. هذا قول مالك وأصحابه، وذكر ابن ¬
في الرجوع عن الشهادة في الزنى
حبيب عن مالك نحوه إلا في حد الشاهدين فقال عنه لا يحدان لأنهما لم يشهدا على رؤية، وإنما شهدا على فعل غيرهما. وهذا مع زيادة فيه في كتاب القذف في باب التداعي في القذف، {والقاذف} (¬1) يقيم البينة بما يبرئة. وقال في كتاب ابن المواز: ويجوز في الشهادة (¬2) على كتاب قاض إلي قاض في الزني بشاهدين إذا ثبت الزني عند الأول بأربعة، ويحضر المكتوب إليه أربعة عدولاً لإقامة الحد عليه. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: وإذا شهد رجلان على إقرار رجل بالزني وهو يجحد فهو كرجوعة فلا شئ عليه، كانوا اثنين أو أربعة ولا حد على الشاهدين وإن {لم} (¬3) إن يكونا عدلين. في الرجوع عن الشهادة في الزنى وكيف إن وجد أحدهم عبداً أو مسخوطاً أو زوجاً أو وجد المرجوم مجبوباً (¬4) من العتبية (¬5) من رواية أبي زيد عن ابن القاسم في خمسة شهدوا على رجل بالزني ثم رجع واحد، فلا شئ على الراجع حتي يرجع واحد من الأربعة، فيحد الراجعان (¬6). وقال ابن المواز عن ابن القاسم: على الراجع ¬
الحد وإن بقي بعده أربعة. وقد اختلف عنه فيه، واختلف فيه عن أشهب، وأحب إلي أن لا يحد ولا يغرم شيئا، لأن الحد قد أثبته أربعة غيره. قال ابن القاسم في الكتابين: ثم إن رجع واحد من الأربعة بعد رجم الزانى ضرب الراجعان الحد وغرما ربع الدية. قال محمد: وإن كثر عددهم، وإنما الغرم على لاراجع من الأربعة وعلى من رجع قلبه وإن كثروا. ولو رجع بعد الرابع آخر لزم كل من رجع نصف الدية مع الحد. وكذلك في ثالث {حتى} (¬1) لا يبقي غير واحد، فعلي كل من رجع ثلاثة أرباع الدية بينهم بالسوية. وإن رجع الباقي تمت الدية على الجميع وحدوا كلهم. قال أشهب: وكل من قذفة ممن رجع عن شهادته فعليه الحد، وإن قذفه غيرهم لم يحد، لأن الحد وجب بحكم. وقال في العتبية (¬2) أبو زيد عن ابن القاسم: وإذا أتي قاذف رجل بأربعة شهدوا على رجل بالنزي ضرب المقذوف وبرئ القاذف (¬3)، فإن نزع واحد من الأربعة ضرب النازع دون القاذف، وكذلك إن رجعوا كلهم حدوا دون قذف. ومن كتاب ابن المواز: وإذا رجم المشهود عليه ثم رجعت البينة فلا قتل عرى من رجعوا وقاله أصبغ عن ابن القاسم. وكذلك إن تعمدوا عليه الشهادة في قصاص أو قطع لم يقتص (¬4) منهم وعليهم الغرم فيما فيه الدية، وقاله أصبغ (¬5). ¬
وروي ابن حبيب عن ابن الماجشون: أنهم إن رجعوا في الزني باشتباه أو شك فلا غرم عليهم حتي يقروا بتعمد الزور فيغرموا الدية في أموالهم مع الحد. ومن كتاب ابن المواز: وإذا رجم ثم وجد أحد الشهود عبداً أو نصرانيا أو أعمى (¬1) أو ولد زوجاً، حد الشهود كلهم حد القذف والأعمي وولد الزني والنصراني ثمانين، والعبد أربعين والزوج ثمانين، إلا أن يلاعن، ودية المرجوم على عاقلة الإمام / وقال ابم القاسم وأشهب، وذكر عن ابن القاسم أنه قال: إلا أن يكون من بقي من الأربعة قد علموا أن رابعهم {عبد} (¬2) فتكون الدية في أموالهم. قال ابن القاسم: وإن كان أحدهم زوجاً وقد رجمت فليلاعن الزوج فإن أبي حد، ولم يحد الثلاثة لا عن أو لم يلاعن، وله الميراث نكل أو لاعن. وروي ابن حبيب عن أصبغ أن الزوج إن لاعن بعد الرجم سقط الحد عن الشهود، وإن لم يلتعن حد هو وهم. قال محمد ابن القاسم: ولاشئ على الزوج من ديتها، ولا على عاقلة الإمام، ولا على عاقلة الشهود، وليس بخطإ صراح ٍ (¬3) وهو مما يختلف فيه، وبخلاف شهادة العبد النصراني، وقاله كله أصبغ واعجبه إلا الميراث فوقف عنه، لأن فيه تهمة القتل العمد وشبهه. وقال مالك: وإن وجد أحدهم مسخوطا قال ابن حبيب عن أصبغ: أو منبوذا، فلا حد عليهم بعد الحكم، ولا دية على عاقلة الإمام ولا على غيرهم، وإن كان قبل الحكم حد جميع الشهود. ¬
في الإقرار بالزنى وكيف إن رجع؟
قال ابن المواز (¬1) قال اشهب: وإن وجد المرجوم مجبوبا فديته على عاقلة الإمام ولا حد عليهم، وعليهم وجميع الأدب وطول السجن، إلا أن يقولوا رايناه يزنى قبل جبابه (¬2) فتمضي شهادتهم، ولا حد على الشهود بكل حال وإن لم يقولوا قبل جبابه. في الإقرار بالزني وكيف إن رجع؟ والإقرار بالإحصان وفي المقر بقتل أو بجرح ثم ينزع من كتاب ابن المواز: {قال} (¬3) ومن أقر بالزني بغير خوف ولا محنة ثم نزع، إن ذكر للإقراره وجهاً وسبباً (¬4)، {فلم} (¬5) يختلف فيه أصحاب مالك أنه يقبل رجوعه. وأما إن لم يكن لذلك وجه إلا على التوبة والإقرار فاختلف فيه، فروي عن مالك أنه لا يقبل منه إلا بأمر يعذر به، وقال {به} (¬6) أشهب وعبد الملك، وقال ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم: يقبل وإن لم يأت بعذر. وروي ابن وهب عن مالك أنه يقال مالم يكن لأحد فيه تباعة. قال ابن القاسم: وكذلك كل مقر بشئ هو لله فليؤخذ به ما لم يرجع عنه فإنه يقال، وكل من اعترف بشئ للناس ثم نزع لم يصدق وأخذ بذلك. وكذلك في السرقة يغرم السرقة ولا يقطع لرجوعه. وقد اختلف في اتباعه بها في عدمه. ¬
وقال أشهب وعبد الملك كما ذكرنا: يقبل منه إن جاء بعذر، وإلا لن يقبل منه. واحتج ابن عبد الحكم في إقالته بقول النبي في ماعز لما هرب: هلا تركتموه (¬1). قال محمد: وبه نأخذ يقبل منه وإن لم يكن عذر. وكذلك لو رجع عن إقراره بشرب خمر. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون مثل ما ذكر عنه محمد: إنه لا يقال إلا أن يورك (¬2)، قال مثل أن يقول إنما أردت أني أصبت امرأتى حائضاً أو جارتى وهي أختي من الرضاعة فظننت ذلك زني، وإن لم يورك فلا يقال وقال مطرف عن مالك: يقبل منه ورك أو لم يورك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ قالا: فهو قول جميع أصحابنا وبه أخذ ابن حبيب. قال ابن الماجشون: ومن أقر أنه وطئ جارية امرأته ثم قال كذبت فإن لم يورك ولم يزد على قوله كذبت فإنه يحد، ولو ورك فقال لم أرد الزني وإنما أردت أني وطئتها بعد أن وهبتها لى لم يحد وأقيل، ويؤدب لتركه الإشهاد ويسقط عنه الحد، ٍلأنه لم يقر أنه وطئ بزني، وإنما وطئ {بتلك الهبة} (¬3) التى زعم. ولو أخذ معها يطوؤها فادعي الهبة حد إن لم يقم بينة على ما قال، فأما إن لم يؤخذ معها وإنما هو مقر فكما ذكرنا من الأدب فقط. قال ابن المواز {قال ابن القاسم} (¬4) ولو نزع بعد أن جلد أكثر الحد لأقيل وإن لم يورك بعذر. وقال أشهب وعبد الملك لا يقال إلا أن يورك فيقال ما لم يضرب أكثر الحد فليتم عليه، وإن ورك. وقال ربيعة: يقال فيما ليس لأحد فيه تباعه إلا أنه ليس كمن اعترف أربع مرات ثم ¬
نزع. قال مالك: ما اعرف هذا أن الإمام يعرض عن المعترف حتي يعترف أربع مرات قال مالك في المتهم بالقتل يقر بلا محنة ويشهد على إقراره فيسجن، فلما أخرج للقود نزع وقال أقررت خوفا من الضرب {فإنه} (¬1) يقتل إلا أن يأتى بأمر يعرف (¬2). قال محمد: لأنه حق للناس، ولو عفي عنه لم يكن عليه جلد مائة وسجن سنة. وإذا قال رجل ضربنى فلان وفلان ثم مات، فأقر رجل منهم أو من غيرهم أنه قتله، أنه يقتل بلا قسامة إن أقام على قوله، ثم يقسم الأولياء على أحد الباقين من شاءوا منهم فيقتولنه، ويضرب من بقي مائة ويحبس سنة. قال مالك: وإن رجع المقر قبل رجوعة قال أشهب: ومن أقر بقتل عمد ثم رجع يقبل وليقتل وإن لم يشهد على قوله إلا رجل، وقيل لا يقتل إلا بشاهدين على إقراره. قال ابن شهاب فيمن اعترف بعد أن جلد الحد إنه لا يحد. قال محمد: وذلك إذا اعترف بالزني الذي حد فيه أو بزني قبله، فأما بزني بعد أن حد فليقم عليه إن بقي على إقراره. قال مالك: ويسأل الإمام الزانى هل هو بكر ويقبل قوله إنه بكر، إلا أن تقوم بينة أنه ثيب. ولا تجوز شهادة رجل وامرأتين على الإحصان، وقيل لا يسأله حتي يكشف عنه، فإن وجد من ذلك علما وإلا سأله وقبل قوله بلا يمين، وهذا أحب إلينا. ¬
وإذا قالت المشهود عليها بزني أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قصاص إنى حامل فلا يعجل عليها الإمام حتي يتبين أمرها، فإن كانت حاولاً تركت حتي تضع فيقام عليها إن وجدوا لأبنها مالاً يسترضع به، ولا تؤخر حتي تستقل من نفاسها. قال محمد: هذا في الرجم أو القتل إن كان لولدها مال يسترضع به أو كان له من يرضعه. قال ابن القاسم واشهب: ومن أقر أنه زنى بفلان فإن سمي من لا تعرف فليس عليه إلا حد الزني إن أقام على إقراره، ولا يحد للقذف، وإن نزع لم يقم عليه بشئ. وإن سمي امرأة تعرف فأنكرت حد لها، ويحد للزني {بجلد} (¬1) أو برجم إن لم يرجع بعد جلد الفرية. وإن قالت غصبنى وكان من ذلك أمر يعرف به صدقها قبل منها. وفي كتاب السرقة باب في الإقرار بالحدود بوعيد أو بغير وعيد فيه كثير من معانى هذا الباب، وفي باب الاستكراه شئ من إقرار العبد وغيره من معانى الإقرار. ¬
فيمن أقر أنه وطىء فلانة بنكاح أو ملك ولا بينة له
فيمن أقر أنه وطئ (¬1) فلانة بنكاح أو {ملك ولا} (¬2) بينة له أو أخذ مع امرأة فقال هي زوجي أو أمتي أو وطئ أمة وقال باعها ربها مني أو وهبها لي أو كان ذلك في أمة زوجته ومن شهد عليه أنه طلق امرأته وهو منكر ثم وطئها قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن قال عند قوم وطئت فلانه بنكاح أو قال البارحة أو اشتريت أمة فلان فوطئتها، قال: لا يكلف بينة بالنكاح ولا بالشراء ولا يحد، لأنه لم يؤخذ مع امرأة (¬3) يطؤها فيقول هذه زوجتي، فهذا الذي يكلف البينة إن لم يكن طارئا ولا أقر بزنى صريح، وقاله علماؤنا. وقد غلط فيها بعض من يشار إليه، وقال مثله مطرف وأصبغ. قال ابن الماجشون: ولو شهدت عليه بينة أنهم رأوا فرجه في فرج امرأة غابت عنا لا ندري من هي، فقال هو كانت زوجتي وقد طلقتها أو كانت أمتي وقد باعها وهو معروف أنه غير ذي زوجي ولا جارية، فهو مصدق ولا يكلف بينة. ولو أخذته معها كلفته البينة إن لم يكن طارئا لأنه قد قصد في امرأة معلومة دعوي نكاح (¬4) أو ملك وهي تعترف بغير ذلك، فيحد حتي يقيم بينة بما قال. والأول ادعي ذلك في مجهولة. قال. ولو لم يدع ذلك وقال كذب الشهود لحد، وقاله مطرف وأصبغ. ¬
قال مالك: ومن وجد يطأ امرأة بذلك وأقر بذلك وادعي الزوجية فليحدا وإن أحصنا بغير هذا النكاح رجما. قال ابن القاسم: وجد في بيت أو طريق إلا أن تقوم بينة بالنكاح، ولا تقبل فيه شهادة أخيها أو أبيها، أو يكون (¬1) أمر قد سمع وعرف فلان يحدان، ولكن لا يثبتان على ذلك حتي ياتنفا نكاحا جديدا بعد الاستيراء. قال أشهب في امرأة أقرت أنه زنت مع هذا الرجل وقال هو تزوجتها وأقر بالوطء ولا بينة {له} (¬2) قال: لا يحد هو الزني، وتحد هي للزني ولا تحد للقذف. قال: وهي بخلاف من أخذ مع امرأة ثم ادعي النكاح لأنه قد أخذ وهو يدفع عن نفسه، فلا يصدق. قال ابن القاسم: هما سواء ويحدان. قال أشهب: وكذلك إن وطئ جارية رجل وقال اشتريتها والسيد منكر وقد أخذت معه فعليه الحد إذا لم يعرف بحوز لها، ولا يلحق به ولدها، ويحلف السيد ويأخذها وما ولدت، فإن نكل عن اليمين حلف الواطئ وكانت له أم ولد بإقراره، وأما الولد فلا يحلق به، لأنه قد حد في وطء جاء منه هذا الولد، وليس له أن يسترق الولد ولا يسترق امه للإقراره أنه ولده (¬3) وأنهم أحرار. قال أبو محمد: يريد لا يسترقها فيبيعها ولكن تكون أم ولد. قال: وحررناهما بظاهر الحكم ولم يسقط عنه الحد بنكول سيدها عن اليمين، لأنه لو صدقه (¬4) لم يزل الحد عنهما، ولكن تصير له الأمة وولدها بالنكول ولا يسقط الحد عنهما بشاهد مع إقرار السيد بالبيع، ولو كان ¬
شاهد وامرأتان استحسنت درء الحد لأنه قد جاء بما يوجب التمليك من الشهادة، وليس بالقياس، وخالفة ابن القاسم وقال: إذا نكل السيد عن اليمين حلف الواطئ وصارت له وسقط الحد. وقول ابن القاسم أحب إلي، والاستحسان في مثل هذا أحب إلي من القياس. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن ادعي جارية عند رجل ويقول اشتريتها {من رجل} (¬2) بسوق المسلمين، وأقام المدي البينة، ويقر الذي هي في يديه بوطئها على أنها له ولا بينة له بالشراء. قال: يدرأ عنه الحد الحد. ولو قال اشتريتها منك ولا بينة له، قال: يدرأ عنه الحد إذا كان ممن لا يتهم. قال يحيي بن عمر: هذا خلاف ما في كتبهم، ولا يعجبني. {ومن كتاب ابن سحنون مسألة الرجل يشهد عليه شاهدان أنه طلق امرأته، يريد طلاقا بائنا، وهو يجحد وقد أقر بوطئها بعد تاريخ الطلاق، أن الطلاق يلزمه ولا حد عليه. ولو كان الوطء بشهادتهما أبطلت شهادتهما في الطلاق والوطء. ولو كانوا أربعة من المسلمين لزمة الطلاق والحد. قاله سحنون، وذكر أن على بن زياد روي عن مالك في أربعة شهدوا على رجل أنه طلق امرأته البته وأنهم رأوه بعد ذلك يطؤها، أنه يفرق بينهما، ولا حد عليه. قال سحنون: وأصحابنا يابون هذه الرواية. وهذه موعوبة في كتاب الشهادات} (¬3). ومن كتاب ابن حبيب: وقد قال مالك فيمن أعتق عبده لا مال له غيره، فجاءه رجل يدعي علي السيد بدين، فأقام رجلاً وامرأتين أو رجلا وحلف معه، فإن الدين يثبت ويرد العتق. ولو لم يكن إلا دعواه وبينهما خلطة ونكل السيد عن اليمين وحلف طالب الحق لثبت حقه ورد العتق. ¬
ومن ذلك أن يدعى على زوج أمتة انة ابتاعها منة بكذا ويقيم شاهدا وامرأتين فيقضى بذلك وينفسخ النكاح والنساء لا يقبلن فى الطلاق. ومنة أن يقذف رجلا ثم يقيم شاهدا وامرأتين أنة عبد فيسقط الحد وقد تجوز شهادة امرأتين على الاستهلال فتثبت الموارثة بغير يمين. قال ابن المواز: ولو كان حائزا للجارية التى ادعى شراءها وأقر بوطئها لم يحد وإن لم يقم شاهدا، ويحلف السيد ما باعها ويأخذها وقيمة ولدها، وقالة أشهب. وقال: قد جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت: وطىء زوجى جاريتى، فسألة فاعترف وقال باعتها منى، فقال عمر! أقم البينة وإلا رجمتك، فاعترفت زوجتة بالبيع فتركة، فهذا بذلك فيمن وطىء امرأة وادعى الشراء أن السيد إن أقر زال الحد، وإن حلف حد الواطىء. وقال ابن وهب عن مالك: لا حد للزوج فى ذلك. وفى غير حديث مالك (¬1) أنها لما اعترفت حدها. انظر ما معنى ذلك. وكيف يكون قاذفة وهو مقر بالوطء بالشراء وقد صدقتة. وكان مالك يقول: لاحد عليها لأنها غيرى لا تدرى ما تقول. وفى حديث مالك عن عمر أن الزوج ادعى أنها وهبتها لة، فقال لة أقم البينة وإلا رجمتك، فاعترفت فتركة. وادعت امرأة ذلك على زوجها عند على بن أبى طالب – رضى اللة عنة – فقال لها: إن صدقت رجمناة، وإن كذبت جلدناك، فقالت: غيرى غيرى. وقال على: من أتى جارية امرأتة رجمتة. قال مالك: وإن اعترف رجم إن كان محصنا، وولدة رفيق لها. وذكر ابن حبيب من هذة الأحاديث مثل ما ذكر ابن المواز. ¬
وذكر عن القاسم بن محمد فى امرأة أعطت لزوجها خادما تخدمة فى سفرة، فقيل لة إن حكمك فيها جائز، فقومها (¬1) ثم زاد على ما أعطى وأخذها لنفسة، وأشهد بالثمن فى ذمتة لزوجتة ثم وطئها، فرفعت المرأة ذلك إلى عمر، فاعترف الزوج بما صنع، فشاور فية ثم خرج يوما فجلدة مائة، فكان إذا رأى عمر نكس رأسة، فقال لة عمر يوما: إنا لم نالك من أنفسنا خيرا (¬2). ورفع إلى عمر امرأة اتخذت غلامها، فأرارد عمر رجمها فقالت: قرأت كتاب اللة (أو ما ملكت أيمانكم) (¬3) فقال تأولت كتاب اللة على غير تأويلة وتركها، وقال: أنت حرام بعدة على كل مسلم، وجز رأس الغلام وغربة. وقالت امرأة لأبى بكر: إن غلامى أطوع لى من عنز (¬4) وأنا أريد أن أعتقة وأتزوجة، فقال لها أبو بكر: اذهبى إلى عمر فإن رضى تابعناة، فذهبت فذكرت ذلك لعمر فضربها حتى أسرع بولها (¬5)، ثم قال: لا تزال العرب عربا ما منعت نساءها. ¬
فيمن أكره حرة أو أمة على الوطء أو صغيرة وهو حر أو عبد
فيمن أكرة حرة أو أمة على الوطء أو صغيرة أو ذمية وهو حر أو عبد أو ذمى أو صبى وكيف إن طاوعتة؟ قال ابن حبيب: روى عن على بن أبى طالب وغيرة فيمن استكرة امرأة أنة يحد ولها صداق مثلها، وقال مالك فى موطئة: إنة الأمر المجتمع علية عندنا. ومن كتاب ابن المواز قال – يعنى مالكا – إنة إذا أكرها يحد وعلية صداق المثل إن كانت (امرأة) (¬1) حرة مسلمة أو ذمية أو صغيرة افتضها، وإن كانت أمة فما نقصها وطؤة فى البكر والثيب، ولا تحد هى ويحد هو بالرجم إن كان حرا محصنا، والجلد فى البكر والتغريب. وإن كان عبدا جلد خمسين ولا يغرب، وما لزمة من صداق الحرة ونقص الأمة ففى رقبتة. ويقبل إقرار العبد فية إن كان بفور ما فعل وهى متعلقة بة تدمى، فأما بعد بعد من فعلة فلا يقبل قولة فيما يلحق برقبتة، وما كان جسدة أقيم من حد ونحوة، وإن كان ذميا قتل لنقض العهد، وهذا فى محصنة مسلمة، وقالة الليث. وإن طاوعتة حدث ونكل هو. قال (أصبغ) (¬2): والنكال فى هذا مثل ضعفى الحد وأكثر. قال ابن وهب فى كتاب آخر: يجلد جلدا يموت من مثلة. ¬
قال ابن المواز: وقد قتل أبو عبيدة ذميا استكرة مسلمة. قال ابن المواز: وإن استكرة أمة مسلمة لم يقتل، كما لو قتلها لم أقتلة، وفية اختلاف، فهذا أحب إلى لما جاء: لا يقتل حر بعبد (¬1) (قال مالك) (¬2) وعلية فى الأمة ما نقصها فى البكر والثيب. قال سحنون فى العتبية (¬3) عن ابن القاسم: إذا اغتصب النصرانى حرة مسلمة فوطئها قتل، ولا يجزى فية شهادة رجلين، ولكن أربعة، كما يشهد فى الزنا وفى صفتة، لأن بالوطء يجب القتل، ولا يثبت الوطء إلا بأربعة. وكان يقول يجزى فية شهادة رجلين، ثم رجع إلى هذا، وبة قال سحنون: إذا شهد علية أربعة قتل. وقال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: وإن طاوعتة ضربت الحد وضرب النصرانى ضربا يموت منة. وإن اغتصبها صلب. ومن كتاب ابن المواز قال ربيعة فى العبد يستكرة الحرة قال: يحد ويباع بغير أرضها، وفعلة عمر بن عبد العزيز ودفع ثمنة إليها، وفعلة عبد الملك بن مروان. قال أبو محمد: أراة أسلم إليها فى الصداق فيبيع لها بغير أرضها لتبتعد عنها معرتة (¬4)، وغن فداة فاستحسن ربيعة أن يباع بغير أرضها. (قال ابن المواز) (¬5): وأما الصبى يفتض صبية صغيرة بذكرة أو بأصبعة ففية فى قولنا الاجتهاد بقدر رأى الإمام مع أهل المعرفة، وحكم ¬
فية عبد الملك بأريعين دينارا، وحكم (¬1) فية عياض بن عبد اللة قاضى عمر ابن عبد العزيز على مصر بخمسين دينارا بعد فوض عمر إلية فية الاجتهاد. وقال أبو زيد بن أبى الغمر عن ابن القاسم فيمن افتض بكرا (بأصبعة) (¬2) وهى صغيرة أو كبيرة إنها كالجائفة وفى ذلك ثلث ديتها، وقيل ما نقص من مهر مثلها. قال محمد: وأحسن ما سمعت فية أن ينظر إلى قدرما عابها (¬3) ذلك عند الأزواج، مثل أن يكون مهر مثلها بكرا مائة، ومهر مثلها ثيبا خمسون، فيؤدى ما نقص ذلك. ومن العتبية (¬4) قال سحنون عن أشهب فى الصبية تمكن من نفسها رجلا فيطؤها، فإن كان مثلها يخدع فعلية الصداق، وإن كان مثلها لا يخدع فلا صداق لها وإن لم تحض. (وقال أشهب أيضا) (¬5): وإذا مكنتة الأمة العذراء من نفسها فافتضها فلا غرم علية وتحد، وقالة المغيرة فى الأمة، وقال ابن القاسم فى المدونة: علية ما نقص من ثمنها. قال ابن حبيب عن أصبغ فى صبيان (¬6) أمسكوا جارية لصبى حتى افتضها إن علية وعليهم (قدر) (¬7) ما شأنها ذلك وعابها عند الأزواج فى جمالها وقدرها، لأنة جرح وليس بوطء فيكون لها صداق (المثل) (¬8) ويؤدب هو والصبيان الذين معة. وكذلك يؤدب كل صبى عقل وراهق فى كل تعد. ¬
في المرأة يظهر بها حمل فتدعي الإكراه
فى المرأة يظهر بها حمل فتدعى الإكراة وفى غير الحامل تتعلق برجل تدعى أنة وطئها وهى تدمى أو لا تدمى وكيف إن قامت بينة أنة احتملها فخلا بها أو لم تقم من كتاب ابن المواز: وإذا ظهر بامرأة حمل ولا زوج لها فقالت استكرهت فلا تصدق وعليها الحد. وكذلك إن قالت تزوجت إلا أن تقوم بينة بالنكاح أو على الاستكراة، أو جاءت تدمى إن كانت بكرا، أو استغاثت حتى أتيت وهى على ذلك، وشبة هذا من الأمر البين مما تبلغ فية فضيحة نفسها، وإلا فعليها الحد. وإذا جاءت مستغيثة تدمى أو ثيب لا تدمى وقد بلغت فضيحة عنها الحد بهذة الشبهة وتنجو بذلك من حد الزنى إن ظهر بها حمل. وبنظر فى الرجل. قال مالك: فإن كان ممن (¬1) يشار إلية بذلك نظر فية، وإن كان ممن لا يشار إلية بة، فقال ابن القاسم وابن وهب، حدث حد القذف، كانت تدمى أولا تدمى، ولا حد عليها (للزنى) (¬2) وقالة مالك قيل فقول مالك فى المتهم ينظر فية، هل يحد ويغرم الصداق؟ قال: لا يحد عندة ولكن يؤدب أدبا وجيعا، كانت تدمى أولا تدمى، وقد اختلف فى الصداق فأوجب لها علية عبد الملك (وأشهب) (¬3) صداق المثل بعد يمينها، ولم ير علية ابن القاسم صداقا وإن كان من أهل الدعارة، إلا أن ¬
يشهد رجلان أنه احتملها واختفي بها، فتأتي وتدعي ذلك وتبلغ فضيحة نفسها، فيجب لها الصداق إذا حلفت، ويوجع هو أدبا. ولا حد عليها. وهذا قول مالك. قيل: فإن نظرها النساء فألفيت بكراً؟ قال: أما أشهب فلم ير لها شيئاً. {قال أصبغ} (¬1) وقد قيل بل ذلك لها، ولا يقبل قول النساء في ذلك. روي أشهب وعبد الملك في التي تأتي مستغيثة ولم يشهد لها أحد أنه احتلمها وخلا بها، ولكن جاءت متعلقة به وفضحت نفسها وهي ثيب، أو كانت بكراً فجاءات تدمي، فإن الرجل يؤدب ويغرم الصداق. قال أشهب: بعد يمينها. قال عبد الملك: وإن كان ثقة فلا يلزمه صداق ولا أدب، ولا تحد هي لما رمته. وذكر فيه ابن حبيب عن ابن الماجشون مثل ما ذكر ابن المواز. وروي عن مالك في التي تأتي متعلقة تدمي أو ثيب لا تدمي أن لها الصداق بلا يمين. قال ابن وهب: وإن رمت بذلك رجلا صالحاً حدث لقذفه كانت تدمي أو لا تدمي، ولا تحد حد الزني للشبهة، إلا أن تدعي هذا بعد أن ظهر بها الحمل فتحد للزنا والقذف، وقاله كله أصبغ، إلا أن قوله إنها تحد في التي تدمي وقد رمت به رجلاً صالحا، وإني لا أحدها له، وقاله عبد الملك. وقال مالك وابن القاسم وابن وهب إنها تحد له. قال ابن وهب: وإن رمت المتهم وهي بكر تدمي لم تحد له وعواقب، سواء كان معها أو لم يكن، بحضرة ذلك أو بغير حضرته. وقال ربيعة: إن ادعت ذلك على رجل بغير شبهة من خلوة أو نظرة ولا استغاثة عندما غلبت فإنها تحد للقذف ولا يدفع ذلك عنها حد الزني إن ¬
استمرت حاملاً، لأنها تتهم أن تفعل ذلك مما اشفقت منه. وقال نحوه يحيي ابن سعيد إنها إنما تصدق إذا ظهر لها علامة تعذر بها في استغاثتها فيوجد معها ونحوه ذلك. قال: ويعاقب هو. قال: وإن لم يكن شئ من ذلك حدت هي لقذفة. ومن كتاب ابن حبيب ذكر عن ابن الماجشون مثل ما ذكر عنه ابن المواز في المتعلقة به تدمي أو لا تدمي ولا بينة على خلوته بها، وزاد ابن حبيب عنه فقال: وسواء كانت سفيهة أو حليمة إذا ادعت على سفيه أو من لا يعرف بسفه ولا حلم، فعليه الأدب على الإجتهاد، ولها عليه صداق المثل بما بلغت من فضيحة نفسها. وإن ادعته قبل من لا يظن به ذلك فلا صداق لها ولا حد عليها ولا أدب عليها ولا عتاب. وإن ادعت ذلك أمة قبل سفه فعليه الأدب ولا عفو لها، لأن الأمة إنما تدعي العفو لسيدها، والحرة لنفسها. وإذا ادعته على حليم فلا حد عليها، وقاله كله مالك. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم في شاهدين شهدا على ثلاثة نفر أنهم غضبوا امرأة فذهبوا {بها} (¬2) إلي الصحراء فقالت وطئوني كلهم، فإنها تحلف وتأخذ من كل واحد صداق مثلها، ولا حد عليهم ولا عليها ولو جاءت امرأة تدعي أن فلاناً وهو من أهل الفسق اغتصبها لم يجب لها صداق ولو كان أشر من عبد الله الأزرق في زمانة، إلا أن تقوم بينة على أخذه غياها، كأنه يقول: فتحلف وتأخذ الصداق، وإلا فلا شئ لها. قال ابن القاسم: وينظر الإمام فإن رآه أهلاً للعقوبة عاقبة. قال أصبغ قلت للابن القاسم: أيجب الصداق للمغتصبة بشهادة رجلين؟ قال: لا، إلا بأربعة مما يوجب الحد وإلا كانا قاذفين يحدان، ¬
في المرأة تدعي على رجل أنه راودها فرمته بحجر فشجته
يعنى أصبع أنهما قطعا عليها بالوطء. قال سحنون عن ابن القاسم إذا قالا رأيناه أدخلها منزله غصباً فغاب عليها فقالت أصابنى فلها الصداق مع يمينها، ولا يحد هو إن أنكر. وفي كتاب اللعان شئ من ذكر المرأة يظهر بها حمل فتقول غصبت على نفسي (¬1). في المرأة تدعي على رجل أنه راودها فرمته بحجر فشجته وفيمن وجد مع امرأة في بيت وهما يتهمان. ومن سماع ابن القاسم من العتبية (¬2) ذكر مالك عن يحي بن سعيد أن امرأة خرجت إلي بعض الحرار، فعرض لها رجل من أصحاب الحمر فأرادها على نفسها وكشفها فامتنعت ورمته بحجر فشجته وصاحت فذهب وأتت إلي مروان بن الحكم فجمع أحاب الحمر فعرضهم عليها حتي عرفته بشجته فلم يدعه حتي أغرمه لها ألف درهم بما كشف منها. قال مالك: وليس هذا مما يؤخذ به، وكان مروان شديدا في مثل هذا، ربما يوتي بمن عن قبل امرأة فيقلع ثنيته. قال ابو زيد عن ابن القاسم: ومن وجد مع امرأة في بيت وهما متهمان فليضربا ضربا وجميعا، قيل بثيابهما؟ قال بل على مثل ما يضرب الحدود. ومثله في كتاب ابن المواز وقال بشهادة رجلين فليؤدبا بقدر ما يري الإمام {منش شنعة أمرهما. وقاله فيمن وجدمع امرأة في لحاف} ¬
فيمن وجد مع امرأته رجلا فقتله، وفيمن باع امرأته أو زوجها لرجل
إنهما (¬1) قيل بدون الحد، قال بقدر ما يري الإمام} (¬2) وربما يجوز به الحد وروي عن على بن أبي طالب أنه يجلد في مثل هذا كل واحد مائة جلدة وروي عن عمر دون المائة. فيمن وجد مع امرأة رجلا فقتله وفيمن باع امرأة أو زوجها لرجل من كتاب ابن المواز: ونحوه في العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم قد ذكرناه في باب التداعي في القذف، قيل ما معنى قول على بن أبي طالب رضي الله عنه إن لم يأت بأربعة فليقتض منه، يريد فيمن وجد مع امرأته رجلا يقتله، أذلك في البكر والثيب؟ قال لا أدري، لم أسمع فيه شيئا، وإنما أريد بهذا نجاة القاتل. قال ابن القاسم وذلك عندي في البكر والثيب إن أقام أربعة أنه وطئها لم يتقص منه لواحد منهما، وهو معني قول على، إلا أنه إن كان بكراً فعلي عاقتله دية الخطأ للشبهة فيه، ولما جاء الإختلاف فيه. {قال} (¬4) ورجع ابن كنانة إلي أن قال فيه دية الخطا في البكر، وثبت المغيرة عليه وإن كان بكراً إذا جاء بأربعة. قلت له: ولا تراه من الحرابة واللصوصية؟ قال وإن قد أهدر عمر ابن الخطاب غير دم. وقال ابن عبد الحكم لا شئ عليه وإن كان بكراً إذا كان قد أكثر منه الشيكة وكان يذكر أذاه. ¬
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ولو قاتله فكسر رجله أو جرحة فذلك جبار. وأما إن قتله قتل به إلا أن يأتي بأربعة أنهم عاينوا فرجه في فرجها فلا قود عليه، ويؤدب كما يؤدب من قتل من وجب عليه القتل دون الإمام. ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن جاع وباع امرأته من رجل وأقرت له بذلك فوطئها، قال رأيت عن مالك أنهما يعذران بالجوع، وتكون طلقة بائنة من الزوج حين أوطأها غيره، فيرجع عليه المبتاع بالثمن. وقيل فإن لم يكن عن جوع؟ قال فحري أن تحد هي وينكل الزوج ولكن أدرأ الحد أحب إل جاء من درء الحد بالشبه. وقد قال ملك في الذي سرق من جوع لا قطع عليه. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم مثل ما ذكر عيسي عنه في العتبية في الذي يبيع امرأته. قال وقال أصبغ وأنا أخالفه وأوجب الحد عليها ولا تعذر بجوع ولا غيره، وهي كحره بيعت حتي وطئت فلا شبهة في هذا. وقد بانت منه بثلاث. وطئها المشتري أو لم يطأها، كالموهوبة، واشهد إذا كان عزم بيع من زوجها. وكذلك لو زوجها عازما على ذلك، وطئها الناكح أو لم يطاها ويدرأ الحد في النكاح شبهة، لأنها بانت من زوجها بالنكاح، وقع نكاحها وبينونتها من زوجها معاً، ولا شبهة لها بالبيع، ويرجع الزوج الثاني عليها بما أصدقها إلا ربع دينار إذا لم يكن علم أن الذي زوجها هو زوج لها. وأما لو علم لم يكن له شئ وعوقب ولم يحد للشبهة. ولو حددته لحددتها، ولو قاله قائل ما أخطأ. ويرجع مبتاعها بجميع الثمن على الزوج، وإن شاء على المرأة، ولا يترك لها منه ربع دينار ولا غيره. ولو كان عالما لحد ورجع بالثمن كله ¬
فيمن زنى بنائمة أو ميتة أو مجنونة أو صغيرة
قال لنا أبو بكر بن محمد وقال ابن وهب إن ذلك لا يكون طلاقا ولكن إن طاوعته على البيع وأقرت أن مشتريها أصابها طائعة رجمت، فإن قالت استكرهت فلا حد عليها. وقال ابن القاسم يكون بيعة طلاقاً وقال وهي طلقة بائنة. وقال أشهب لا يكون بيعة طلاقاً، وقال أصبغ هو الطلاق ثلاثاً، وقال سحنون عن ابن نافع: تكون طلقة بائنة، قيل لسحنون غاب عليها المبتاع أو لم يغب؟ قال نعم. قال سحنون قال ابن نافع عن مالك وزاد شبطون عن مالك: انتفض النكاح بينهما بواحدة بائنة، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب أنها طلقة بائنة، يريد لأنه كوطء الملك، فهو كالإكراه البين. فيمن زني بنائمة أو ميته أو مجنونة أو صغيرة أو بهيمة أو حربية وفي زني أهل الذمة وغير ذلك ومن غير كتاب قال النبي عليه السلام رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتي يستيقظ وعن المجنون حتي يفيق وعن الصبي حتي يحتلم (¬1) ومن كتاب ابن الموزا ومن زني بميته أو نائمة أو مجنونة في حال جنونها أو ببهيمة أو صغيرة حد، أما فيالبهية فيعاقب، وعليه للنائمة والمجنون صداق المثل، ولا صداق عليه في الميتة، وقاله أشهب. محمد كما لو قطع لها عضواً لم يلزمه أرش، ولا صداق عليه في الصغيرة إذا ¬
طاوعته، ولو لزمه لها الصداق للزمه لك في الأمة والبكر إذا طاوعتاه قال والنائمة كالمكرهة، وكذلك المجنون وإن طاوعته إلا أن توتي في إفاقتها فإنها تحد، يريد ولا صداق لها. وما روي عن عمر: لو وجدت من أتي بهيمة لقتلته، فقاله على التغليظ، كما لو قال عمر لو تقدمت بقول في نكاح الستر والمتعة لرجمت. ومن كتاب ابن حبيب أصبغ عن ابن القاسم من زنا بميته حد. ولو حلف أن يطأ امرأته فلم يطأها إلا ميته أنه حانث. قيل فإن كان نوي وإن كانت ميته (¬1) ويمينه بالحرية، قال يحنث ولا تنفعه نيته. ومن كتاب ابن المواز: ومن دخل دار الحرب بأمان فزني بحربية أقر بذلك أو شهد به أربعة عدول، ابن القاسم يري عليه الحد، وكذلك فيما وطئ من الغنم وله فيه نصيب. وقال أشهب لا يحد. ولو زني بذمية رجم إن كان ثيبا، وترد هي إلي أهل دينها. وفي باب الاستكراه ذكر زني النصراني بمسلمة طوعا أو كرهاً. وإذا طلب أهل الذمة إقامة الرجم فيما بينهم على من زني منهم فإن كان ذلك في دينهم فذلك لهم. قال أشهب كانوا أهل صلح أو عنوة إلا من كان منهم رقيقا لمسلم من عبد أو أمة لم يكن لهم ذلك فيمن ملكنا منهم لا رجم ولاجلد ولا قتل. ¬
ذكر ما يجب على المتفاعلين ومن فعل ذلك بامرأة حراما
ذكر ما يجب على المتفاعلين ومن فعل ذلك بأمره حراماً وذكر تفاعل المرأتين ومن كتاب ابن المواز قال مالك قال النبي عليه السلام اقتلوا الفاعل والمفعول به (¬1) وفي حديث غيره: ارجموا. قال مالك ولم نزل نسمع من العلماء أن المتفاعلين من الرجال يرجمان إذا كانا بالغين أحصنا أو لم يحصنا، وقال ابن شهاب. ومن فعله بصبي لم يعاقب الصبي ويرجم الكبير، والشهادة فيه كالشهادة في الزني. قال ربيعة ومالك: الرجم فيهما هي العقوبة التى أنزل الله بقوم لوط. قال ابن حبيب: وكتب أبو بكر الصديق أن يحرقهم بالنار ففعل وفعل كذلك ابن الزبير في زمانه، وهشام بن عبد الملك في زمانه، والقشير بالعراق. ومن أخد بهذا فلم يخطئ، الرجم هو الذي جاء عن النبي. ابن شهاب ومالك عليه العمل. ومن كتاب ابن المواز: ومن وطئ امرأة أجنبية في دبرها حراماً حدا جميعا، ومن أحصن منهما رجم، ومن كان بكرا جلد ويغرب الرجل، وإن اغتصبت فلها المهر ولا حد عليها. ومن العتبة (¬2) وروى عيسي عن ابن القاسم في المرأة تساحق المرأة فتقران أو تشهد عليهما بينة فليس في عقوبتها حد، وذلك على اجتهاد الإمام وعلى ما يري من شنعة ذلك وخبثهما. ¬
فيمن وطئ من لا يحل له وطؤها بملك يمينه أو بنكاح
ومن غير العتبية (¬1) قال ابن شهاب: سمعت رجالاً من أهل العلم يقولوان إنهما تجلدان مائة مائة. وقال أصبغ عن ابن القاسم مثل رواية عيسي، وقاله أصبغ، إلا أنه قال: تجلدان خمسين خمسين ونحوهما وعليهما الغسل إن أنزلتا، وقاله ابن وهب. قال سعيد بن حسان وسألته امرأة في رقعة عن الغسل فيه، فرمي بها غليها وقال: تغتسل غسلها الله بالقطران. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن شهد عليه أربعة أنه وطئ امرأة في دربها، قال إن جاوزا الختان الشرج فعليهما ما على الزانيين، في الإحصان الرجم وعلى البكر الجلد (¬2) فيمن وطئ من لا يحل له وطؤها بملك يمينه أو بنكاح من قرابة أو غيرها أو وطئ ما ملك بشبهه ومن أحل جاريته لرجل فوطئها ومن وطئ أمة ابنه وشبه ذلك أو وطئ أمته وهي زوجة عبدة أو زني بذات محرم قال ابن حبيب: حدثني ابن المغيرة عن الثورى عن إبراهيم قال: كان ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فلأن يخطئ حاكم من الحكام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة (¬3). إذا رأيتم للمسلم مخرجا فادرؤا عنه. وفي الحديث: إن الحدود تدرأ بالشبهات (¬4) ¬
ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم وكل من وطئ بملك يمينه من يحرم عليه بالرضاع من أم أو أبنة أو أخت أو ما كان فلا حد عليه وإن علم أنهن (حرام عليه لأنهن) (¬2) لا يعتقن عليه بالملك وله بيعهن وهبتهن، فإن حملن منه لحق به الولد (¬3) وعتقن عليه معجلا إذ لم يبق له فيهن منفعه ولا متعة. وكذلك في وطئة بالملك لم يحرم عليه بالنسب ولا يعتقن بالملك من العمة والخالة وبنت الأخت وغيرها مثل الأول في رفع الحد وفي العتق إذا حملن، إلا أنه إن أتي منهن أحداً عالماً بالتحريم عوقب نكالاً وبعن عليه إن لم يحملن. وأما من وطئ بالملك من يحرم عليه بالنسب ممن يعتق عليه إذا ملكه، مثل الأم والبنت والأخت والجدة وشبهها عامداً عالماً بالتحريم، فإنه يحد ولا يلتحق به الولد إلا أن يعذر بالجهل فيدرأ عنه الحد ويلحق به الولد ويعتق عليه. وإنما لم يحد فيمن لا يعتق عليه لشبهة الملك، ولا يجتمع حد وملك. وكذلك من يحرم بالرضاع. ومن طلق امرأتة {واحدة} (¬4) فانقضت عدتها ثم وطئها، فإن عذر بالجهالة لم يحد، وكذلك هي. ومن أقر منهما أنه لم يجهل تحريم ذلك حد. وإن عذرت هي بالجهل فلها الصداق في ماله. وإن كان عالمين حدا جميعا ولا صداق لها. وذكر ابن حبيب مثله عن أصبغ عن ابن القاسم. ¬
ومن كتاب ابن المواز: وقال مالك في متزوج الخامسة أو اخته من الرضاعة والأخت على الأخت ووطئ عالماً بالتحريم رجم إن كان محصناً وإن عذر بالجهل لم يحد، وقاله ابن شهاب. {مالك} (¬1): وكذلك إن وطئ مجوسية بنكاح عالماً بالتحريم حد. قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأة على عمتها أو خالتها أو نكاح متعة وهو عالم بالتحريم عوقب ولم يحد. ومن حددته في هذا بوطء النكاح، فإن وطئ ذلك بالملك لم يحد إذا كان ممن لا يعتق عليه وإن كان عالماً بتحريمه. وذكر نحو ما ذكرنا {عن عيسي} (¬2) عن ابن القاسم، وقاله أصبغ. وكذلك إن وطئ مجوسية بالملك عالماً بالتحريم فلا يحد. وقال ابن القاسم: وإذا تزوجت المسلمة نصرانياً فأولدها إنه يلحق {به} (¬3). قال محمد: ويكون على دين أبيه إذا عذرت بالجهالة. وإذا وطئ المطلقة ثلاثاَ في العدة أو أم الولد يعتقها ثم يطؤها قبل حيضة، قال ابن القاسم: إن عذر فيها بالجهل لم يحد، وعذره أشهب في المطلقة ولم يعذره في أم الولد وألزمه الحد. قالاً: ولا صداق عليه قال مالك وابن القاسم: ومن زني بذات محرم فهو كالأجنبي يرجم المحصن ويجلد البكر وينفي. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن كان بكراً فالحد مع أدب الشديد لما انتهك من المحرم. قال ابن حبيب قال أصبغ فيمن نكح نكاح متعة أو امرأة على أختها أو على عمتها أو خالتها أو امرأة في عدتها عالماً بالتحريم أو جاهلاً فلا يحد ويوجع عقوبة، والعالم عقوبة من الجاهل به، ويلحق فيه الولد. ¬
وكذلك كل ما درى فيه الحد، وكذلك ناكح امرأته المبتوتة لا يحد كان عالماً أو جاهلاً فيها. وأما إن كانت مطلقة ثلاثا فإن كان عالماً حد لأنه لم يحتلف فيه، وإن كان جاهلاً لم يحد، وهذا استحسان، والقياس فيه أن يحد. ولا يعذر كذلك ناكح الخامسة أو أخته من نسب أو رضاع وغيرها من ذوات محارمه، يحد العالم بتحريمه {دون الجاهل} (¬1) ويدرأ عن الجاهل الأغتم (¬2) وشبهه يري أن مثله لا يعلم تحريم هذا. وروي على بن زياد في كتابه عن مالك فيمن نكح في العدة ووطئ فيها عالماً بالتحريم أنه يحد. وقال ابن القاسم: لا يحد ويؤدب. وفي كتاب ابن المواز: من وطئ أمة اشتراها وهي حرة ولم يعلم لم يحد، وإن علم ثم وطئ حد. قال المغيرة في كتاب آخر: إذا لم يعلم فلها صداق المثل (¬3)، وقال ابن القاسم لا صداق لها. قال ابن القاسم: وإن اشترى {أمة} (¬4) من نفسها أو من غير مالكها وهو يعلم فوطئها، فإن علم أن بيع الرجل لها خيانة وسرقة أو تعديا أو بيعها نفسها على وجهة الإباق فليحد. وإن اشتراها من الرجل يري أنه نظر لربها فتلك شبهة تدفع عنه الحد. قال أشهب: ولا ينجو من العقوبة، لأن الجار والصديق قد يبيع الشئ على صديقة نظراً له. ومن تزوج أمة من نفسها فقالت أن حرة ووكلت من زوجها والزوج يعلم أنها كاذبة متعدية لم يحدا وعوقبا. وكذلك في الحرة، ويلحق الولد في ذلك بالأب، وهو رقيق لسيد الأمة لا قيمة فيهم على الأب، وكذلك إن علم ببينة أنه أقر قبل الوطء والحمل أنه علم أنها كاذبة، وإلا لم أرق ولده ¬
{بإقراره بعد الحمل أنه تزوجها عالماً بكذبها، ويلزم الأب قيمة الولد} (¬1) يوم الاستحقاق وإذا تزوجت امرأة وزوجها غائب ثم قدم فزعمت أنه بلغها وفاتة ولا بينة لها بذلك، فلتعاقب ولا تحد. وقاله ابن شهاب. وقال: قد تكون الشبهة في بعض من يقصر عقله وتقل فطنته فتظن أن السماع تسمعه كالبينة، وأري أن تعاقب بمائة جلدة. وعن الحرة تحت عبد يخرج إلي بلد آخر فتزوجت أنها تحد. محمد: إذا أتت ذلك عالمة بغير عذر، ولا شئ على الزوج ولا على الذي زوجها، وترد هي الصداق بما غرته. وإن كان الذي زوجها عالماً فهو يغرم الصداق ويعاقب. وروي ابن حبيب أن النعمان بن بشير رفع إليه رجل وطئ جارية امرأته فقال: لأقضين فيها بقضاء رسول الله، إن أحلها له جلدته، وإن لم يحلها له وجعته، فوجده قد أحلها له فجلده مائة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن شهاب: وإذا قالت امرأة لرجل أمتي لك حل (¬2) فوطئها على ذلك فإنه يرجم ولا يلحق به الولد. ولو وهبت أمتها وجعلتها في حجلتها (¬3) فأتي زوجها فوطئها فلا حد عليه وتنكل الزوجة. قال في كتاب ابن حبيب نحوه عن عثمان، وقال: يحلف ما شعره، فإن أبي رجموه، وإن حلف جلدوه (¬4) مائة جلدة، وامراته مائة جلدة، وحدوا الوليدة. ¬
قال مالك في كتاب ابن المواز: ومن أحل أمته لرجل فوطئها فلتقوم عليه حملت أو لم تحمل، شاء أو أبي، ولا يحد ويلحق به ما ولدت. وإن كان عديما اتبع بالقيمة دينا إلا أن لا تحمل فتباع عليه في القيمة ولا ترد إلي ربها وإن رضيا، ويعاقب الواطئ إن لم يعذر بجهل. وكذلك الأب يطأ أمة ابنه فتلزمة القيمة حملت أو لم تحمل، كان بإذن الولد أو تعديا، وكذلك الجدود عند ابن القاسم في الوطء والسرقة. وقاله عبد الملك، وخالفة أشهب فقال: عليهم الحد والقطع بخلاف الأب. قالوا: ويدرأ عن الأم في السرقة الحد. وأما إن وطئها عند ابنها، قال أشهب: فعليها الحد كما تحد في عبدها. قال: ولا يجوز لها تزويج عبد ابنها ولا للأب تزويج أمة ابنه. قال ابن شهاب في التي أمكنت من نفسها عبدها ولم يحتلم فعليها النكال (¬1) ولا ترجم. قال مالك في التي وجدت مع عبدها يطؤها فتقول: كنت أعتقته وتزوجته ولابينة لها إنها تحد، كما لا يقبل ذلك من الحرين يؤخذان فيدعيان أنهما زوجان. قال مالك: ويعتق العبد بإقرارها. ومن زوج أمته لعبده ثم وطئها لم يحد ونكل. وقد روي أن عمر جلد فيه مائة، وروي عنه أن الغلام شكا ذلك غليه فبعث إليه فسأله عن أمته هل يطؤها، فأشار غليه على وعبد الرحمن ابن عوف أن لا يقر، فأنكر فقال: لو اعترفت لجعلتك نكالا. قال عطاء: ينكل ولا يحد. قال ابن شهاب: وإن جاء ولد لحق بالعبد. قال ابن القاسم إلا أن يكون العبد معزولاً عنها قدر ما فيه استبراء. قال اصبغ: قدر حيضة فيلحق الولد بالسيد. قال ابو زيد وأصبغ: قدر الشهر ونحوه قال أصبغ: ¬
لأنهما فراشان فآخرهما أولي عن كان بينهما حيضة ووضعت لستة اشهر من وطء السيد. قال ابن القسم: وكذلك لو وطئ مملوكة لغلامه، فإن كان بين الوطأين ما ذكرنا لحق بالسيد وإن كان انتزاعاً. قال أصبغ: وهو قول مالك في زوجة العبد إلا أن يقول السيد استبرأت بعد وطئي. قال أصبغ: وإذا وطئ السيد عن غير حيضة ولا قدرها فالولد للعبد إلا أن ينفيه بلعان، ولا لعان له بوطء السيد هذا الوطء إلا أن ينتفي بغير ذلك بزني يراه فليلتعن (¬1) بذلك ويسقط عنه الولد، وتلتعن هي. فإن ادعاه السيد لحق به. وقال أيضاً: وإذا التعن العبد فلا لعان عليها لأن للولد فراشاً يلحق به وهو السيد. قال: وكذلك الأمة لا زوج لها يظهر بها حمل فيجب عليها الحد ولو أقر به السيد سقط الحد عنها. كمتزوجة في العدة قبل حيضة تأتي بولد لأقل من ستة أشهر (¬2) فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان فيلحق بالثاني، إلا أن ينفيه بلعان بعد أن يدعي استبراء بعد وطئة، ثم لا تحل له. ولو كان تزويج الثاني بعد حيضة فالولد له إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهر. قال أشهب في المبضع معه في شراء جارية، فاشتري له حارية فوطئها الوكيل فحلمت إنه زان ويحد، ولا يلحق به الولد، اشهد علي الشراء أو لم يشهد. قال عبد الملك: إذا أبضع معه في شراء جارية بعينها فابتاعها له ثم اشهد ببينة أنه ابتاعها {بربج} (¬3) أو غيره ثم وطئها. قال: هو زان لا ¬
يلحق به الولد، كالمودع يفعل مثل هذا. ولو أنه تعدي في الشراء حتي يكون الذي أبضع معه مخيراً عليه فأشهد عنه ذلك أنه ألزمها نفسه بثمنها أو أزيد منه درأت (¬1) عنه الحد إن وطئها ولحق به الولد، وهي له أم ولد، لأنه كان لها ضامنا قبل الوطء وقبل رضا المبضع. قال محمد: وإذا أوصي لرجل بجارية وله مال واسع فوطئها الموصي له قبل موت السيد ثم مات فحملها الثلث وأخذها، قال: هو زان ويحد، فإن حملت لم حملت لم يلحق به الولد لنه يوم وطئ لا حق له فيها ولا شبهة. وإن وطئ بعد موت السيد وعلى السيد دين محيط بتركته، فذها لا يحد (¬2) ويلحق به الولد ويغرم قيمتها للغرماء في ملائه، وتكون أم ولد. وإن كان معدما بيعت وحدها واتبع بقيمة الولد للغرماء. فإن ملكها يوماً لم تكن له بذلك أم ولد. وإذا وطئ الوارث جارية من التركة وعلى الميت دين محيط والواطئ عديم. فإن كان عالماً بالدين فكان وطئوه مبادرة بيعت وحدها للغرماء، واتبع بقيمة الولد ولاحد عليه بكل حال. وإن كان له مال لم تبع عليه وإن وطئ مبادرة، ويغرم قيمتها فهي له أم ولد، وهو فيها كالشريك، يريد ممن لا حد عليه. قال ابن القاسم: فإن لم يعلم بدين أبيه لم تبع وإن كان معدماً واتبع بقيمتها ديناً. قال محمد: وما بقي (¬3) من دين أبية يتبع باقلهما. ¬
فيمن وطئ أمة له فيها شرك
فيمن وطئ أمة له فيها شرط ومن تزوج على أمة ثم وطئها قبل البناء وشبه ذلك {من كتاب ابن المواز} (¬1) قال مالك: ومن وطئ أمة له فيها شرط قومت عليه ولحق به الولد ولا يحد، ويعاقب إن لم يعذر بجهل. فإذا لم يجهل فقد قال مالك: تقوم عليه {إن كان له مال، وأحب إلينا أن يكون الشريك مخيراً: إن شاء يمسك وإن شاء قومها عليه} (¬2) يوم الوطء. قال: وكل وطء يدرأ فيه الحد ويلحق فيه الولد يقوم فيه على الواطئ إلا الأمة بين الشريكين، فإن الشريك مخير في قول مالك وأصحابه كما ذكرنا، لتعدي الواطئ. وفي جارية مكاتبة، وأما إن حملت فلتقوم عليه. وقد قيل القيمة يوم الحمل، وقيل يوم الحكم، وقيل يوم الوطء. والصواب عندنا: إن شاء شريكة يوم الوطء وإن شاء يوم حملت. وهذا إن وطئها مرة بعد مرة، فإن كان مرة واحدة فيوم الوطء يوم الحمل. وإم لم يتبين بها حمل فرضي بإمساكها ثم ظهر بها حمل لم تقوم إلا يوم الحمل. وقال مالك في الموطأ: يوم أصابها ويعاقب. {قال مالك} (¬3) قال ابن عمر: يعاقب {ولا يحد} (¬4). قال أبو الزناد: يعاقب بمائة جلدة. قال مالك: فإن لم تحمل بقيت بينهما، وعليه نصف ما نقصها وطؤه. وقال ابن القاسم: لا شئ عليه فيما نقصت. هذا أصل مالك. ¬
وأصحابه، كان الواطئ ملياً أو معدماً. محمد: لأنه إذا شاء ضمنه القيمة في عدمه ثم باع عليه نصيبه في القيمة، فإن وفي بها وإلا اتبعه بما بقي ديناً، وما زاد فللوطئ. وإن كان عليه دين فالشريك أحق منهم بها وبثمنها حتي ياخذ حقة. وأما إن حملت فلا بد من قيمتها شاء الشريك أو أبى فى ملائة، وتكون لة أم ولد (وإن كان عديما بقيت مصابة الواطىء بحساب أم الولد) (¬1) ونصفها رقيق للذى لم يطأ، ويتبع الواطىء بنصف قيمة الوالد ويلحق بأبية. وقد قيل ويتبعة بنصف (قيمة) (¬2) ما نقصها الوطء، قالة مالك، وأباة ابن القاسم، قال: لأنة لو شاء قومها علية. وقد كان مالك يقول: تقوم علية فى عدمة ويتبع وتكون أم ولد، ورجع إلية ابن القاسم. قال أصبغ عن ابن القاسم: ولا يعجل عتق نصفها (¬3) على الواطىء، إذ قد يملك باقيها (¬4) فيحل لة وطؤها. ثم إن حملت منة صارت لة أم ولد كلها. وهذا قول عبد الملك وأصبغ وقولنا. وإن كان الواطىء والد الشريك فهو كما ذكرنا فى الأجنبيين فى العسر واليسر والحمل وغير الحمل، غير أن الابن يتبع أباة بقيمة مصابتة فى الملاء والعدم. وإن وطىء أمة لة نصفها، ونصفها حر، لم يحد وعوقب، فإن حملت عتق علية نصيبة ساعتئد، وإن غصبها فعلية نصف (قيمة) (¬5) ما نقصها. ¬
وإن كان وطىء مكاتبتة لم يحد، وإن غصبها فعلية ما نقصها يحسب فى آخر كتابتها. قال أشهب: وإن أعتق شقصا لة من أمة ثم وطئها المتمسك قبل التقويم فحملت لم يحد، ولحق بة الولد، وعلية نصف ما نصقها للمعتق، ويأخذ منة نصف قيمتها فيتقاصان. وقال ابن القاسم هى حرة ساعة حملت وتبطل القيمة، وهى حرة منهما. وإن غصبها أدى للآخر نصف ما نقصها، وبة أقول. قال ابن القاسم: وإذا ولدت أمة بين رجلين فأنكراة وأعتق أحدهما مصابتة فلم تقوم علية حتى ادعى الآخر الولد، إنة يحلق بة ويبطل العتق وتقوم على المستحلق وتكون لة أم ولد. وإن كان معدما فعتق نصفة جائز، ويتبع بنصف قيمة الولد ويلحق بة. ومن تزوج بجارية (¬1) ثم وطئها بعد أن دفعها إليها بعد أن بنى بالزوجة فهو زان ويرجم، وإن كان قبل البناء فابن القاسم يدرأ عند الحد. قال عنة أصبغ: وكذلك لو أصدقها دنانير فتجهزت فيها بخادم فزنى بالخادم قبل البناء فهو سواء. قال أصبغ: لأنة عندة كالشريك قبل أن يبنى، لأنة لو طلق وقد ماتت الأمة أنها منهما ولهما نماؤها، والحد يدرأ بدون هذا من الشبهة. وقال أشهب وعبد الملك: علية فيها الحد. قال عبد الملك: ولا شبهة لة فيها. ولو طلقها بعد وطئة قبل أن يحد وقبل البناء لم ينفعة ذلك ويحد، ويرجع إلية نصفها ونصف ولدها رقيقا. قال أشهب: ولو أراد أن يتزوج أمتة هذة التى أصدقها قبل أن يبنى بامرأتة كان ذلك لة جائزا. ¬
فيمن زنى وجهل تحريم الزنى
وذكر ابن حبيب عن ابن الاجشون مثل ما ذكر عنة ابن المواز. قال أصبغ: وأحب إلى أن لا يحد لشبهة الشركة، طلق أو لم يطلق. قال ابن حبيب: وهو الاستحسان وأحب إلى والأول القياس. فيمن زنى وجهل تحريم الزنى قال ابن حبيب: حدثنى الحميدى عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن المسيب قال: ذكر الزنى بالشام فقال رجل زنيب البارحة، فقيل لة ما تقول؟ قال ما علمت أن اللة حرمة. فكتبت إلى عمر فية، فكتب: إن علم أن اللة حرمة فحدوة، وإن لم يكن علم فعلموة، وإن عاد فحدوة. ومن كتاب آخر ذكر حديث المرأة التى ذكرت أن راعيا أصابها بدرهمين، فقيل لة لم لم تستحل بة وهى تعلم تحريمة، فلم يحدها عمر. قال مالك: لا يعذر اليوم بمثل هذ. قال ابن حبيب: وذهب أصبغ فة حديث مرغوس أن يأخذ بة أن يدرا الحد عمن جهل الزنى ممن يرى أن مثلة يجهلة، مثل السبى وغيرهم ممن يشبههم. فى ولد الزنى من كتاب ابن حبيب قال الشعبى: ولد الزنى خير الثلاثة إذا اتقى اللة. قيل لة: فقد قيل شر الثلاثة، قال هذا شىء قالة كعب، لو كان شر الثلاثة لم ينتظر بأمة ولادتة. وكذلك قال ابن عياس.
قال ابن مسعود: إنما قيل شرهم فى الدينا، ولو كان شرهم عند اللة ما انتظر بأمة أن تضع. وقال عمر بن الخطاب: أكرموا ولد الزنى وأحسنوا إلية. وقال ابن عباس: هو عبد من عبيد اللة، إن أحسن جوزى وإن شاء اساء عوقب. وقال عمر بن الخطاب: أعتقوا أولاد الزنى وأحسنوا إليهم تم كتاب الزنى
كتاب الأشربة
بسم اللة الرحمن الرحيم وصلى اللة على محمد خاتم النبين كتاب الأشربة ما جاء فى تحريم الخمر قال ابن حبيب: ذم اللة الخمر فى ايتين، وحرمها فى الثالثة التى أنزلها بعدهما فى سورة المائدة. نسخ بها الآيتين، وهما: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) (¬1) يقول: ما يجر من دواعى السكر (ومنافع للناس) (¬2) كان يشربها الرجل للهم يعرض لة فيسكرة، ومنافع الميسر مقامرتهم بة، وإثمة ما يقع فى خلال ذلك من الشحناء والمنازعة. ثم أنزل اللة الثانية فى النساء (لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى) (¬3) ثم أنزل الثالثة الناسخة (إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلاة) إلى قولة (منتهون) (¬4) وأمرة باجتنابها تحريم، كما أوامرة واجبة، وقد قرنها بالميسر والأنصاب وهى الأصنام. قال أبو بكر بن المنكدر (¬5): والخمر التى حرم اللة هى السكر الذى ¬
يثمل كثيرة ويسكر (¬1)، ويدعو إلى العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر اللة وعن الصلاة. فالخمر لم تحرم لطيب طعم ولا للون ولا لرائحة، ولكن لما يكون عنها. ولا فرق بين مسكر العنب ومسكر التمر وغيرة. وإنما سميت خمرا لمخامرتها العقل، والسكر إنما سمى سكرا لأنة يسكر لمخامرتة العقل. قال اللة عز وجل (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منة سكرا) (¬2) فالسكر الخمر. وقال أنس: إن خمرهم كانت يوم نزل تحريمها من فضيخ (¬3) التمر والرطب. وقد أمر (¬4) من حضر من الانصار أن يريقها حتى نزلت الآية فلم يشكوا أنها الخمر. وعمر قد قال: نزل تحريمها يوم نزل وهى من خمس، ثم أجمل فقال: ألا وإن لخمر ما خامر العقل، فتبين معناها. ولو كان إلى القياس وجب أن يقاس عصير العنب على (كل) (¬5) مسكر التمر وغيرة، لأن السكر مما عدا العنب ليس الغرض منة إلا السكر، فهو أخص بالتحريم، إذ من أجل السكر حرمت واحتيط على العباد فمنعوا (¬6) من قليلها إذ كان داعية إلى كثيرها. ومثل هذا فى التعبد كثير، منة الخاطب فى العدة أبيح لة التعريض ومنع ومنع من التصريح؛ ومنة سائق الهدى تطوعا أمر أن لا يأكل منة خيفة التطرق إلى نحرة ثم يدعى عطبة؛ ومنة البيع عند النداء خشية فوت الجمعة فمنع البيع فية. وهذا يكثر ذكرة (¬7). ¬
ومن أحل المسكر فإنما أغمض واستعمل التغافل، وإلا فالأمر واضح. وعارض بعض المتأخرين بأخذ الرجل الدواء المزيل لعقلة. وهذا عجيب، فالزائل العقل من غير المسكر، ذهل عما علية السكران طريح مرض يبكى علية، والآخر، إن كان ذا حياء قل حياؤة، أو عفيفا زالت عفتة، فلا يطعن بالأبا طيل فى أدلة الحق. ومعنى آخر أن المتنازل للسكر قصد وأراد أن يخامر عقلة ليطرب ويلهو، والمتناول للدواء لم يقصد لهذا، وإنما أمر حدث علية. قال غيرة: والعصير من العنب الذى جامعونا علية لم ينقلة إلى اسم الخمر إلا الشدة، فوجب لة ذلك الاسم بحدوثها لقليلة وكثيرة، وصار بحدوثها فية الصفات التى ذكر اللة – عز وجل – تحريم الخمر لها من السكر والصد عن ذكر اللة وعن الصلاة. والخمر والسكر معنى واحد وقد قرن (اللة) (¬1) النخيل والأعناب فيما يتولد عنهما مما يجب لة هذا الاسم. وثبت أن النبى قال: كل مسكر حرام (¬2) وقال: ما أسكر كثيرة فقليلة حرام (¬3) وقال: كل مسكر خمر (¬4). وخطب بة عمر على الناس وقال: إن الخمر من خمسة أشياء يوم نزل تحريمها. ثم قال: والخمر ما خامر العقل. وثبت أن النبى سئل عن البتع فقال: كل شراب أسكر فهو حرام (¬5)، وأنة قال للذين سألوة من ¬
اليمن عن شرابهم وأنهم لا يصلحهم إلا ذلك لبرد أرضهم. فقال السكر؟ قالوا نعم. فنهاهم عنة وقال: كل مسكر حرام، ولم يريدوا أنة لا يصلحهم إلا أن يسكروا، وإنما رغبوا فى شربة، فحرمة عليهم وأدخلة فى اسم الخمر التى قامت (¬1) معانيها فية. ولما كان العصير من عنب أو فضيخ تمر لا يجب لة اسم لخمر أو المسكر إلا بحدوث الشدة دل على ان الشدة الحادثة أوجبت هذا الاسم لقليلة وكثيرة، فصار تحريم قليلة وكثيرة بهذة العلة الحادثة التى نقلت اسمة، فوجب لغيرة من الأشربة حكمة أن يستحق الاسم والمعنى إذا قام فية ما قام فى العصير بالشدة من المعانى التى لها وجب الاسم، ولة حرمت، فصار قليلة وكثيرة معلولا مقيسا علية، إذ وجب اسم الخمر لقليلة بهذا كما وحب لكثيرة. ولو كان قليلة لم يسم خمرا لعلة الشدة ولكن لغير علة، لزمك أن قليل عصير العنب اسمة خمر قبل الشدة، وهذا فاسد. فقد صح أن قليلة حدث لة اسم الخمر بالشدة، وصار فية من العلة التى نقلت اسم ما فى كثيرة. فإن تعسف فقال وجب لها اسم الخمر لقليلها وكثيرها بالشدة حرم كثيرها لما فية من السكر الداعى إلى ما ذكر اللة سبحانة من الصد عن الذكر وعن الصلاة. قيل: قد أعطى أن الخمر هو الداعى إلى ذلك، وأنة لذلك حرمة، فأوضح بذلك أن يدعو إلية قليلة لأنة يدعو إلى كثيرة ويتطرق إلية، كما يدعو كثيرة إلى نهاية تلك الأمور. وكثير فى الشريعة بهذا المعنى يمتنع للجرائر والدواعى. وقد قرن اللة النخيل والأعناب بمعنى واحد فيما يتولد عنهما من السكر الذى هو الخمر. ¬
وقد تعسف بعض المتأخرين فى تحليل النقيع من غير العنب، ولا سلف لهم فية، وتعسفوا فى دفع الآثار وقابلوها بأحاديث لا تثبت واستكرهوا التأويل الفاسد فيما قد ثبت التحريم، وألزمناهم لما أقروا بما ثبت من الحديث في تحريم المسكر، لأن آخر المشروب لا يسكر منفرداً، فقد دخل القليل تحت هذا لاسم، كما دخل اسم الخمر تحت قليلة، فوجب الاسم لقليلة وكثيره، لأن لقليله معنى من مخامرة العقل، كما فيه معنى من موجبات السكر بعد مكابرتهم إلي أن مثل ذلك. تخليل العقار القاتل كثيره، وهو ما ينتج من الطعام وما دونه من الأكل، وهذا مما نحن فيه مفترق لأن الله سبحانه نص لنا على تحريم قليل الخمر وكثيرها، وأجمعت الأمة على أن قليل العقار الضار كثيره جائزة أكله {فهذا} بتحليل قليله، وقام النص بتحريم قليل الخمر، فرد ما اتختلف فيه من الأشربة غلي ما فيه النص فيها أولي بنا من رده إلي الأودية التى هي مستباحة، لأنا إنما نقيس علي الأشبه من الأصلين بالفرع لو سلمنا لك أنه فرع، فكيف ونحن نقول إنه دخل تحت اسم الخمر؟ وكيف تلزموننا أن نقيس ما يأخذع على الكراهة والحذر من تلف نفسه على ما ياخذه على الشهوة ويقصد به البلوغ إلي السكر الذي هو آخر أفعاله، ولا يقصد أحد في العقار إلي مثل هذا. وشئ آخر أن أخذ قليل العقار ليس بداعية إلي المزيد منه، وتناول قليل الخمر أو ما يفعل فعله داعية إلي المزيد منه، لأنه يحدث في النفس تطلباً إلي المزيد وطربا واستثارة. وشئ أخر أن من يوجب الحد في السكر من الأشربة يلزمه أن يحد في الكثير من العقار المزيل للعقل، ومن خالف السلف فلم يحد في السكره من كل مسكر وحد في قليل الخمر لزمه أن يحد كل طاعم أو شارب حرام من ميته وخنزير، أو يدفع الحد عنه.
فإن قال: حددنا في قليله لانه داعية إلي كثيره {كما حرم الله عز وجل قليله لأنه داعية إلي كثيره} (¬1) وليس في غيره من المحرمات دواعي إلي كثيرها، فإن هذا ما قلنا إن قياسك ما خالفتنا فيه من الأشربة غلي ما يشبه معنى وفعلا من الأشربة أولي بك حين دفعت الأحاديث وقدحت في النص على تحريم مسكر الأشربة، وكيفما صرفت قول غيرنا لم تجد له بيانا لا من باب القياس والاستدلال ولا من باب الآثار والله المستعان علي توفيقه. وقد تجد شارباً لمقدار من المسكر لا يسكره إلا أكثر منه، إلا أنه خرج فضربته ريح استحكم فيه السكر الذي لولا الريح لم يسكر فصار عليه حراماً ما كان قبل أن تمسحه الريح حلالاً، وصار يحد ظهره لما دخله من الريح الذي هو سبب سكره. وأصلهم {كذا} أن أواخر الشراب هو المسكر له، وهذا سبب سكره غير الشراب. فإن جعلت ما تقدم له من الشراب معيناً في ذلك، قيل لك: فحرمه عليه إذ له جزء من السكر، فإن أبيت من ذلك فلا يحد صاحب الريح إذ لم يتعد عندك بشراب يوجب سكره، وإنما تعرض للريح بخروجة فكان عن ذلك سكره، ولا حكم عندك لمتقدم الشراب فيما له رفع التحريم والحد. ¬
في الخليطين من الأشربة ومن الخل
في الخليطين من الأشربة ومن الخل وذكر ما نهي عنه من نبيذ الأوعية وذكر الطلا والعصير وحلال الأنبذة قال ابن حبيب: نهي النبي عن الخليطين من الأشربة (¬1) فلا يجوز شرب الخليطين نبذا كذلك أو خلطا عند الشرب، كانا من جنسين أو من جنس، مثل عنب وزبيب أو زهو ورطب أو تمر مدبب فقد نهي عنه مالك، ولا ينبذ رطب من التمر ويابس معاً، ولا من أخضر ويابس. وكذلك إن نبذ زبيب وحده لم يجز أن يصب معه عند شربه عسلا أو يلقي فيه تمر أو تين ولا كل ما هو أصل شراب إلا الفقاع فقد يستخف. أصبغ: أن يحلي بالعسل عنه شربه وإن كان بيذاً أن أصلها زبيب جاز أن يخلطا عند الشرب، وكذلك نبيذ زبيب يطرح عليه زبيب ليحليه ويشد به، أو عسل يطرح على نبيذ عسل. وفي كتاب ابن المواز نحو ما ذكر ابن حبيب من معانى الخليطين. قال غيره: لا بأس أن يخلط شراب ورد وشراب بنفسج ويشربا لأن أصلهما واحد وهو السكر. ومن العتبية قال ابن القاسم: لا باس أن يخلط العسل مع اللبن ويشرب. وقال عن مالك في العصير يجعل فيه الشعير وغيره ليخلل به فيصير خلا، قال: لا بأس به. ¬
ومن سماع أشهب: وعن المرأة تعمل نضوحاً من التمر والزبيب تمتشط به فلا باس به. قيل: أفيشربه المريض؟ قال: لا خير فيه قيل: أفتختلط المرأة تجعله في رأسها من نبيذ التمر ونبيذ الزبيب؟ قال: لا تجعل في رأسها منه شيئاً. قيل: أفتخلط الزبيب والتمر لتخلله. قال: ما علمت أنه يكره إلا في الأشربة، ولا بأس بالنبيذ يجعل منه دردي (¬1) من نبيذ غير مسكر، ولا يجوز إن كان دردي المسكر، وأنكر قول من أجازة وكذلك ذكر ابن حبيب في عكر (¬2) السكران يضري به العسل، لأن درديه خمر. قال ابن المسيب: فيحرم ما خلط به، وقاله مالك وأصحابه. قال عيسي في العتبية (¬3) عن ابن القاسم: لا يجعل العسل على النبيذ ويشرب. قال عنه {سحنون} (¬4) وإذا تخلل الخليطان من الأشربة فلا باس بأكله. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب سئل عن النبيس (¬5) يجعل فيها العسل هل هو من الخليطين؟ قال: لا باس به. والنبيس مثل الماء. قال: ولا بأس بلبن يضرب بعسل ويشرب. وروي أبو زيد عن ابن القاسم في عجين عجن بدردي إذ لم توجد له خميرة؟ قال: لا يؤكل، والدردي الجائز (¬6) هو من النبيذ (¬7) ¬
ومن كتاب ابن حبيب: وروي مالك أن النبي نهي عن الدباء والمزفت رواه أبو هريرة (¬1)، ورواه جابر وزاد والنقير والحنتم {قال ابن حبيب: والحنتم الجر} (¬2) من فخار أخضر كان أو أبيض والنقير من عود. فقال أهل العلم نهي عن ذلك لئلا يعجل ما نبذ فيها. ثم روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه ارخص بعد لك فيها فقال: كنت نهيتكم عن الأوعية فانبذوا ولا أحل كل مسكر (¬3) وإن عائشة كانت تنبذ للنبي صلي الله عليه وسلم في جر أخضر، وكانت عائشة تشربه فيها (¬4) وروي أنه ما كان بين نهية ورخصة إلا جمعة. واختفت الصحابة (¬5) في إباحة ذلك وحظره، وأراه ممن لم تبلغه الإباحة. فروي عن على وابن مسعود {ومعاذ} (¬6) والخدري وأنس. لم يكونوا يتقون نبيذ الجر ولا غيره، وأخذ بذلك نافع وربيعه، واحد بالتحريم من الصحابة عمر وعبد الله بن عمر وابن عباس وأبو هريرة، ومن التابعين: الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس {وسعيد بن جبير} (¬7) وابن شهاب. وأشد ما جاء عنهم نبيذ الجر، وأخذ مالك بكراهية الدباء والمرفت، وأرخص في نبيذ النقير والحتيم. والتحليل في جميعه أحب غلي وبه اقول وجاءت به الآثار. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك الدباء والمرفت، والنقير عنده كالمرفت. وروي عنه أشهب أنه أجاز نبيذ الجر وكره الدباء والمرفت، وأجاز ¬
الزقاق وإن كانت مزفتة، وكره القرعة وإن لم تكن مزفتة ولا مقيرة (¬1) وأن يجعل فيها نبيذ. قال محمد: وذكر غيره أن النبي نهي عن النقير والحنتم والدباء. قال: ولا يكره أن ينقع الزبيب ولا عصير العنب بعينه (¬2) إذا شربته عصيراً ما لم يسكر {وكان ينقع الزبيب للصحابة فيشربونه} (¬3) وكان ابن عمر ينقع له اليوم ويشربه بالغد ثم يخفف من الزبيب ويجعل عليه زبيب وينقع ويشربه إلي غد، فإذا كان بعد غد طرحه. وإذا عصر العنب وبقي ثفله فصب عليه رجل مانء {فيغلي} (¬4) ويشربه قال: إن كان يسكره فلا خير فيه. وقيل لمالك: إن قوماً ييبسون ورق العنب ثم يلقون عليه ماء ثم يشربونه، قال: إن لم يسكر فلا بأس به. وكره مالك وأصحابه أن يجعل الدردي في شئ من النبيذ ليضري (¬5) به، وكره غير واحد من اصحابنا أن يجعل في طعام أو شراب. وقال عنه أشهب: إن كان دردي غير مسكر فلا بأس به. وروي عنه ابن القاسم في النبيذ يجعل فيه عكره ليضري به فكرهه، وأخذ أصبغ بقول مالك، ولا يعجبه قول ابن القاسم. ¬
وسئل مالك عن العسل يجعل فيه الحديدة عشية {ويشربه} (¬1) غدوة وهو قارص (¬2) لا يسكر فكرهه. قال ابن القاسم: وقد قال لا بأس به، وهو أحب إلي. فأما عكر النبيذ والبرنه (¬3) فلا خير فيه. ومن العتبية (¬4) من سماع أشهب عن مالك قيل له: أتري أن يجتنب شراب النبيذ وإن كان حلواً ويتحرج منه حيفة أن يعرض بنفسه سوء الظن؟ قال: نعم لا أحب أن يشربه لا في البيت (¬5) ولا خارجاً وإن {كان حلواً، وإني} (¬6) أنهي أهل المدينة أن ينبذوه (¬7). ومن كتاب ابن المواز وقيل لمالك في النبيذ {الذي} (¬8) يجعل في السقاية أمن السنة هو؟ {قال مالك} (¬9) أو كان في أيام أبي بكر وعمر؟ قال: لم يكن في أيامهما وليس من السنة. ولو ذكرت كلمت فيه أمير المؤمنين وأكره شرب النبيذ الذي يعمل في الأسواق والعرس، ولا بأس فيه بالشربة التى يعملها النساء في السويقة (¬10) يكسرن خبزاً ثم يجعلن عليه بقلاً ثم يحوصنه (¬11) ثم يشربنه، فإذا كان لا يسكر فلا بأس به، وقد كان ينبذ لابن عمر شراب بالغدو وبشربه بالعشي. ومن كتاب ابن المواز: ولا أحد في طبخ العصير {ذهاب} (¬12) ثلثيه وإنما أنظر إلي السكر. قال أشهب: وإن نقص تسعة أعشاره. قيل لمالك: الطبخه حد؟ قال: كنت أسمع إذا ذهب ثلثاه. ¬
قال ابن المواز وابن حبيب: وروي عن ابن عمر نهية عن الطلا الذي يطبخ فمنه ما يذهب ثلثاه، ومنه ما يذهب نصفه، ومنه ما يذهب ثلثه. فقال: إن ما تذهب الشمس من خمرهم أكثر مما يذهب في النار من طلاكم، فذكر له قول عمر في الطلا فقال: قد استحل بعمر معاصي الله، إن الذي أتي به عمر لا تقدر أن تشربه حتي تخوضة بيدك، إن شربت الطلا فاشرب الخمر وكل ثمنها. قال ابن حبيب: كأنه رآه ذريعة إلى شربها، ونهي عنه عمر بن عبد العزيز وقال: إن لم يتناه الناس عن الخمر قلعت الكروم، وقال: لو اقتصر الناس على ما أباح منه عمر لم أنههم (¬1) عنه، ولكن نهاهم عن طبيخ العصير ليزدجروا حماية عن دين الله. قال ابن حبيب: وإن هذا ليعجبنى لمنع الذرائع، وأن ينهي عنه العامة، ومن تحفظ في خاصته فعمله فلا يعمل فيه إلا بإجتماع وجهين: أن يذهب ثلثاه ويوقن أنه لا يسكر. وقد روي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال تستحل الخمر باسم يسمونها (¬2). قال ابن حبيب: وأنهي عن شرب العصير (¬3) الذي عصر في المعاصر التى يتردد العصر فيها، وإن كان ساعة عصر لما يبقي في أسفلها (¬4) خوفاً من أن يكون قد اختمر ولا شك أن بقايا أسفلها يختمر فيصير خمراً، ثم يلقي {عليه} (¬5) عصير رطب طري فيختلط به فيفسد كله، لأن قليل الخمر إذا القي عليه كثير من عصير أو خل أو طعام أو ما يشرب حرم كله. ¬
وأما ما عصر منه في غير المعاصر الذي يتردد فيه فلا بأس بشربه (¬1) وشربه كثير من التابعين بالمدينة، وحد بعضهم فيه ما لم يغل ولم ير مالك أن الغليان علة التحريم ولكن ما لم يسكر. قال ابن حبيب: وإنما احتاط (¬2) أولئك فحرموه بالغليان حوطة، لأن الغليان علم للاختماره وداعية إلي سكره، فأنا أنهي عنه، وبالسكر يجب التحريم عندى. واجتنابه {عندي} (¬3) الغليان البين أحب إلي. وكان ابن عمر يأمر بالزبيب فيطرح في السقاء {فينبذ له بكرة ويشربه عشياً، وينبذله عشيا ويشربه بكرة، وكان إذا صدي السقاء} (¬4) وخافه أمر به فغسل بالماء. ولا بأس بالمري الذي يعمل (¬5) من العصير، ولا بأس بما طبخ بالعصير أو زبب به من سفرجل وغيره، إذا كان يوم عمل به ذلك حلالاً. وكل ما طبخ بخمر أو رتب به أو مري عمل به فذلك حرام، لأنه خالطه ما حرم الله تعالى فحرم كله. وكذلك سمعت أهل العلم. وقال ابن المواز: وأكثر ما عرف من العصير أنه إذا طبخ فذهب ثلثاه إلا ثخن (¬6) ولم يسكر وليس ذلك في {كل} (¬7) بلد ولا كل عصير. فأما الموضع المعروف بذلك فلا بأس به، قد شربه عدد من الصحابة إذا ذهب منه الثلثان، وقاله كثير من التابعين. قيل لمالك فمن مزج طلا العنب بالماء ثم يتركونه يوماً ثم يشربونه؟ قال: إن لم يسكر فلا بأس به. قال محمد: والسكر من ¬
في بيع العنب ممن يعصره خمرا
النخيل كما قال الله سبحانه {ومن ثمرات النخيل والأعنباب تتخذون منه سكراً ورزقا حسناً} (¬1) قال ابن عباس وابن عمر: السكر خمر وقاله سعيد بن جبير. في بيع العنب ممن يعصره خمراً وفي بيع الخمر والإجازة في شئ من أمره من كتاب ابن حبيب وابن المواز: قال النبي في الخمر: إن الذي حرم شربها حرم بيعها ولعن شاربها وساقيها وبائعها ومشتريعا وحاملها والمحمولة إليه ومعتصرها والقيم عليه وآكل ثمنها (¬2) ونهي ابن عمر عن بيع العصير فقل له الرجل: فأشربه؟ قال: نعم. قال يحل شربه (¬3) وحرم بيعه؟ فقال له: أجئت تستفتينى أم جئت تمارينى. قال ابن عمر: نهي عن بيعه خيفة أن يخمره مشتريه عصيراً فيجوز. وكذلك بيع الكرم إن خيف أن يشتري للعصير خمراً لم يجز بيعه منه وإن كان مسلماً. وأما رومي فلا يجوز بحال لأنه هو شأنهم. ونهي عنه ابن عمر وابن عباس وعطاء والأوزاعي ومالك وغيرهم. قال الأوزاعي: كمن باع سلاحاً (¬4) ممن يعلم أنه يقتل به مسلماً. وقاله مالك في الكتابين فيمن يبيع العسل والتمر والزبيب والقمح ممن ¬
يعمله شراباً مسكراً. وكره طعام عاصرها وبائعها ومعاملته وإن كان مسلماً، أو يكري حانوته من خمار أو شيئاً يستعمل في أمر الخمر. ونهي عنه ابن عمر، ونحوه عن ابن المسيب. قال ابن حبيب: ومن باع خمراً من مسلم فعثر عليه وهي قائمة فإنها تكسر على البائع، ويرد الثمن إن قبضه على المبتاع، وإن لم يقبضه لم يطلب به المبتاع. ولو فاتت الخمر بيد المشتري أخذ منه الثمن ففرق على اهل الحاجة، قبضة المبتاع أو لم يقبضه، ويعاقبان لبيعها. وأخذنا من المبتاع الثمن لأنه ألزم نفسه ذلك بما أفات من الخمر {وقول ابن حبيب هذا شئ مما انفرد به وليس رضاه بثمن الخمر يوجبه عليه} (¬1) ولم يفت عنده شئ له قيمة (¬2) وذكر أن مطرفاً روي عن مالك في مسلم كسر لذمي خمراً أنه لا قيمة عليه، وقال ابن القاسم: عليه قيمته وذكر عنه غير ابن حبيب أنه رواه عن مالك. وإذا اسلف ذمي {إلي ذمي خمراً} (¬3) ثم أسلم الذي هي عليه أنها تسقط عنه. قال مالك: وإن ابتاع مسلم من ذمي خمراً وقبضها أهريقت عليه {وإن قبض الذمي الثمن ترك له، وإن لم يقبضه لم يؤخذ من المسلم شئ. ولو بقيت الخمر بيد بائعها النصراني هريقت عليه} (¬4) ولو قبضها المسلم وفاتت في يده قبل أن يعثر عليه فلا شئ له على المسلم، ويعاقبان في ذلك كله. ¬
باب في الخمر يتخلل أو العصير وفي التعالج بالخمر
ولو باعها المسلم من النصراني وهي بيد أحدهما فلتكسر على المسلم ويرد الثمن إن فاتت بيد النصراني أخذ {الثمن} (¬1) من المسلم إن قبضه {أو من} (¬2) النصراني {إن لم يقضه} (¬3) وتصدق به. وهذا كله مكرر في البيوع. باب (¬4) في الخمر يتخلل أو العصير وفي التعالج بالخمر وهل يشربها (¬5) المضطر؟ وفي النقيع بضروب (¬6) الخمر، وفي هدم بيت الخمار من كتاب ابن المواز قال: ومن عصر خمراً من مسلم أو نصراني فصارت خلا أو خللها هو، وأوعصرها خلا فصارت خمراً فخللها. فلا بأس بأكلها وبيعها، ولكن أكره للمسلم أن يملك خمراً فيخللها إ لا يحل له أن يملكها طرفة عين. قال مالك: يهريقها، فإن اجترأ فخللها فلا بأس بأكلها، ولا بأس إذا خللها النصراني أن تؤكل. ¬
ومن كتاب ابن حبيب: ومن عصر عصيراً يريد به الخل فلا بأس أن يعالجه وهو عصير لما يرجو من تخليله من صب الماء فيه ونحوه. ولا بأس أن يلقيه علي دردي العنب وحثالته وإن داخلته الخمر، ثم إن عجل ففتحه قبل أوانه فوجده قد دخله عرق الخل فله أن يقره ويعالجه حتي يتحقق تخليله، وإن لم يدخل عرق الخل ولا نحا نحايته في رائحته أو طعمه فهو خمر فليهرقها ولا يحل له حبسها ولا علاجها لتصبح خلا. فإن جهل واجترأ علي المعصية فحسبها حتي صارت خلا فلا بأس به. وفد اختلف في أكله، قد نهي عنه عمر بن الخطاب أن يؤكل خل من خمر {خللت} (¬1) حتي يبدأ إليه تخليلها فعند ذلك يطيب الخل، وأباح {شراء} (¬2) الخل يجده عند النصاري ما لم يعلم أنها كانت خمراً فتعمدوا إفسادها بالمالء لتتخلل (¬3) فلا خير في أكلها عنده، وقاله ابن مسعود وبه قال ابن الماجشون. وأجاز ربيعه أكل خل النصاري وإن كان من خمر تعمدوا إفسادها، وبه قال مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون. وكذلك أجازوا إذا تجرأ المسلم فخلل الخمر أنها تؤكل وقد اثم في تملكه لها حتي تخللت، وبه أقول. وإن صب خل في ظروف فرغت منها خمر فلا خير في أكله. وكذلك لو صب فيها ماء وغيره مما يؤكل أو يشرب إلا أن يطول زمان الخل فيها حتي صار خلا كله، وقد أساء في تأخيره. وكذلك من مزح خلا يخمر وجب عليه إراقته إلا أن يطول زمانه حتي صار خلا كله. وكذلك كل ما مزج به الخمر (¬4) فيحرم إلا النقطة وشبهها تقع في كصير من الطعام {والخل} ¬
فلا يحرم، كالنقطة من الدم تقع في ماء كثير فتذهب فيه} (¬1) فلا تفسده، ولا يجل أن يجعل خمراً ومسكراً من الأشربة في نضوح (ديريرة) (¬2) أو دهن أو طيب أو غاسول تتدلك به النساء قد كره ذلك العلماء ونهي عنه ابن عمر وعائشة وغيرهما. وقال: وإن عجن الدلوك بعصير فلا بأس به. وكذلك إن جعل فيما ذكرنا من نضوح وغيره وإن اختمر به بعد ذلك، لأنه قد غيره الذي جعل فيه وحال به عن أن يصير خمراً. قال: وقد نهي النبي عن التداوي بالخمر وقال: ليس فيما حرم الله شفاء (¬3) وروينا عن غير واحد من الصحابة والتابعين النهي عن ذلك منهم عمر وعائشة وابن مسعود وابن عمر وغيره من الصحابة والتابعين. ونهي ابن عمر أن يسقي لناقته وفعل ذلك بها غلمان له فأبي أن يركبها. وكره {مالك} (¬4) أن يداوي بها دبر الدواب. وقد روي {ذلك} (¬5) عن ابن عمر أنه نهي عنه. قل ابن حبيب قال مكحول: ومن اضطر إلي خمر يشربها لعطش أو حوع فلا يحل له ذلك. وقال مالك في المختصر: لا يشرب المضطر الخمر. وبقية القول في هذا في كتاب الذبائح ¬
ومن العتبية (¬1) روي أشهب عن مالك عن الركوة (¬2) التي للخمر تغسل أيجعل فيها الخل. قال: لا لأنها قد تشربت فلا تفعل وإن غسلت، وأخاف أن لا يخرج ريحها منها (¬3) وأما الجرار إذا غسلتها فلا بأس. قال في المختصر الكبير: {وفي الجرة} (¬4) إذا طبخ فيها الماء وغسلت. قال في سماع أشهب: قيل أيحرق بيت الخمار الذي فيه الخمر يبيعه؟ قال لا. قال ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يشهر العقوبة في الخمر ويشد فيه. وقد أحرق عمر بيت رويشد الثقفي، وكان حانوناً للخمر، وقد كان نهاه قبل ذلك (¬5) وتقدم إليه. قال: وينبغي للإمام أن يهدم معاصر المسلمين، يريد التي يعصر فيها العنب، وقد فعله عمر بن عبد العزيز بالشام. قال: ولا يهدم معاصر النصاري، ولكن يتقدم غليهم أن لا يعصر فيها أحد من المسلمين، ولا يبيعوا الخمر من مسلم، ولا يظهورها في جماعة المسلمين، فمن فعل عاقبة. وقد نهي عمر النصاري أن يدخلوا الخمر فسطاط المسلمين وجماعتهم، وأمرهم أن يجعلوا خمرهم خارجاً من الفسطاط، ونهي أن ينقلوها من قرية إلي قرية ¬
في ضرب الحد في شرب الخمر وفي رائحتها
في ضرب الحد في شرب الخمر وفي رائحتهعا (¬1) وذكر المتهم بها ومن وجد في مشربه أو يحمل خمراً ومن شرب الخليطين هل يعاقب قال ابن حبيب: والسنة أن الحد يجب (¬2) على كل من شرب شراباً مسكراً، سكر أو لم يسكر، ثمانين جلدة. وكذلك فعل عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز جلدا في الرائحة. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم: وعمن يوجد به رائحة مسكر فإن شهد عليه ذوا عدل أنه {شرب} (¬4) مسكر حد. وإن لم يستقين (¬5) وكان من أهل السفة نكل، وإن كان رضي في حاله لم يكن عليه شئ. قال عنه أشهب في المدمن في الخمر يجدا كلما أحد الحد؟ قال: نعم وأري أن يلزم السجن إذا كان مدمنا خليعا، وقد فعله عامر بن الزبير بابن له كان ماجنا. ورأي عمر رجلا فاء خمراً فقال لأبي هريرة أتشهد أنه شربها، قال أشهد أنه قاءها. قال: ماهذا التعمق؟ قال أصبغ عن ابن القاسم في الاستنكاه اري أن يعمل به، وقاله أصبغ. فإن استنكر سكره فليستنكهة {وقد حضرت العمري القاضي وعنده ¬
ابن وهب وجماعة من العلماء فأمر بالإستنكاه (¬1) ففاوهبه (¬2) بالكلام والمراجعة ثم أدخل مسمه في شدقه فقطع عليه أنها خمر يريد فجلده. قال أصبغ: وأحب إلي أن يستنكهه اثنان كالشهادة، فإن لم يكن إلا واحد فعليه الحد إذا كان الإمام هو أمره بالاستنكاه حين استرابه، وأما إن كان شاهداً عليه بالاستنكاه من قبل نفسه فلا يجوز إلا اثنان كالشهادة على الشرب. ومن إجازة الشهادة بالاسمتنكاه أن أبا هريرة شهد أنه قاءها ولم يره شربها، ووكد ذلك عمر بقوله: فلا وربك ما قاءها حتي شربها. قال ابن القاسم في العتبية (¬3) من رواية أبي زيد: ولا يضرب السكران الحد حتي يفيق قيل: فإن خشي الإمام أن تأتيه فيه شفاعة فيبطل حد الله، قال: لا يضربه وهو سكران. وإذا شهد بعض الشهود في الراحة من الرجل أنها رائحة مسكرة {قال بعضهم ليس برائحة مسكر، فإن اجتمع عدلان أنها رائحة مسكر} (¬4) جلد. وإن لم يتحقق ذلك للإمام وأشكل عليه نظر في الرجل، فإن كان لا بأس بحاله تركه، فقد يشرب الرجل الصالح نبيذاً حلالاً تكون له رائحة. قال: وإن كان من أهل السفه والباطل اختبر بأن يستقرئة مالا يخطئ مثله مما يصلي به كم قصار المفصل، فإن اعتدلت قراءته وثبتت صحته تركه، وإن لم يقرأ ما يعرف أنه يقرؤه والتالث واختلط تبين أنه شرب مسكراً ويحد. فإن شك في ذلك فهو من أهل التهم عوقب بالتهمة إذا كان من أهلها. وقاله ابن الماجشون. وأما إذا حقت عليه الشهادة أنها رائحة مسكر فليجد وإن لم يختلط ولا يحتاج إلي أن يستبرأ بشئ. ¬
قال مطرف عن مالك في الذي يوجد به رائحة به رائحة نبيذ فيشك أهو مسكر أو غيره، أو أخذ على مشربة ولم يسكر ولم يعرف ما نبيذهم، فإن كان معتاداً لذلك {ضرب} (¬1) سبعين ونحوها، وإن لم يكن معتاد (¬2) فخمسين ونحوها، عبداً كان في هذا أو حراً، لنه يحد وإن مان عبداً، فسوي مع الحر فيمثل هذه الرتب التى تكون العقوبة باجتهاد الإمام. ولو جري الأمر في هذا على نحو الحدود لا ستخف مثل ذلك كثير من أهل الفسق حتي يصير تسلطاً لهم. وكذلك رأيت الناس يعملون عندنا، وقال نحوه أصبغ إلا أنه قال دون (¬3) السبعين. قال مطرف: وإن أخذ (¬4) سكران في السواق وقد تسلط وآذي الناس برمي أو بغشهار سيف (¬5)، فقال مالك في مثل هذا أري أن يزاد في عقوبته فيبلغ ضربه مع الحد نحو الخمسين والمائة والماتين، ويعلن ذلك ويشهر. ورايت عاملاً بالمدينة وقد أوتي بمن معه جرة مسسكرة فأمر أن تصب على رأسه إشهاراً له. وقال مالك فيمن وجد مع قوم يشربون ولم يشرب ولم توجد منه رائحة وهو يقول إنى صائم، قال: وماله أني يدخل في مثل، أري أن يعاقب في حضوره لذلك. ومن العتبية (¬6) ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: قلت للابن القاسم: فإذا مر صاحب المسلحة برحل أو مر به رجل فاتهمه بالشراب، أيامر من يستنكهه. قال: إن رأي تخليطاً فنعم. قال أصبغ: شبه ¬
السكران الذي يختلط في مشيه وكلامه ويكثر ميلانه وعبثه (¬1) فلا يسعه حينئذ إلا اختبار لأنه سلطان، فهو كحد بلغ إليه، وإن لم يكن بنحوه هذه الصفه تركه ولم يتجسس عليه. زاد في العتبية (¬2) وإن رآه خرج من مخرج سوء وما يتهم فيه فيعاقبه بنحوه ذلك إذا كان صاحياً، ولا يبلغ {منه} (¬3) ما يبلغ من الظاهر الأمر الذي وصفنا. ومن كتاب ابن المواز {قال} (¬4) ولا يحد في شرب الخليطين ولا فيما نهي عنه من شراب الظروف، ولكن فيه الأدب لمن نهي عنه وعرف ذلك وارتكبه تعداً. قال محمد بن المواز: وإذا شهد عدلان على رجل وامرأة برائحة مسكر أو أنه تقيا قيئا من شراب مسكر فعليه الحد، وفعله عمر، وقالته عائشة وغيرها. قال مالك: وإن كانت الرائحة مشكلة لم يحد ونظر حالة / فإن طان من أهل التهم أدب بالإجتهاد، وإن كان رضي وغير متهم تركه. قال ابن القاسم: إلا يكون في حال الشارب في اختلاطة ما يدل على سكره. قال مالك: وإذا لم يدر ما تلك الرائحة جلد نكالاً بقدر سفهه. قال عبد الملك: وقد يختبر بالقراءة بالسور التى لا شك في معرفته بها من السور القصار، فذلك مستحسن عند الإشكال، فإذا لم يقرأ والتالث واختلط فقد شرب مسكراً ويحد. ¬
في إقامة الحد في الحرم وعلى المحرم وهل ينفى؟
في إقامة الحد في الحرم وعلى المحرم وهل ينفي؟ من العتبية (¬1) من سماع أشهب قال مالك: ويقام الحد في الحرم ويقتل في الحرم بقتل النفس في الحرم. قال ابو زيد عن ابن القاسم في الرجل البكر يزني فيؤخذ بمكه وهو محرم فاقيم عليه الحد أينفي وهو محرم ولا ينظر به تمام حجة؟ قال: نعم {ينفي} (¬2) ولا ينتظر به تمام الحج. في صفقة ش رب الحد وذكر حد العبيد وهي يحد الرجل عبده؟ ومبلغ الأدب في الفسوق والجنايات ومن أقيم عليه حل هل يحبس أوي زاد نكالاً أويطاف به؟ ومن اجتمع عليه حد ونكال قال ابن حبيب: وينبغي أن تقام الحدود كلها علانية بلا ستر للتناهي، والضرب فيها سواء افيجاع، ولكن في الخمر أشد ... ذلك. قال مالك في غير كتاب ابن حبيب: والضرب فيها كلها سواء، ¬
وليعلن بإقامتها. قال في الكتابين: وليجعل الإمام رجلا عدلاً لأقامة الحدود، وقد فعله الصديق. قال محمد بن عبد الحكم: وأوحب إلي أن يكون ضرب الحدود بين يدي القاضي لئلا يتعدى فيها. ومن كتاب ابن المواز: ولا يختار للإقامة الحد قويا ولا ضعيفاً، ولكن رجلا وسطاً من الرجال، ولايتعمد أشهد الضرب المنقطع ولا أضعفه، ولكن ضرباً موجعاً. ويعتبر ذلك بما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم في صفة السوط (¬1) قال ربيعة: ويختار له الرجل العدل المؤتمن لا يقطع إلي اشده ولا اضعفه جلداً ممدوداً لا يستريح فيه ولا يالوا وجعاً ونحوه. عن يحي بن سعيد {وابن شهاب} (¬2) قال مالك: كنت أسمع أن يختار له العدل. قال مالك (¬3): يجتهد في حد الزنا والفرية، ويخفف بعض التخفيف في الخمر. وقال نحوه قتادة وقال به مضت السنة. وقال مالك: الضرب في الحدود كلها سواء في الخمر وغيره، وكذلك سمعت أهل العلم. قال ابن القاسم: ضربا بين الضربين، ليس بالخفف ولا بالمبرح. قال مالك: يدلك على ذلك ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم في السيوط. قال محمد: ودليل آخر أن حد الخمر مستخرج من حد القذف، قاله على لما شاور فيه عمر الصحابة. ويضرب الرجل قاعداً ولا يربط ولا يقيد (¬4) وتخلي يداه. قال مالك وأصحابه. ¬
وقد قال على بن ابي طالب للجالد في الخمر: اضرب ودع له يديه يتق بهما. قال: يضرب على الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء. قال مالك: والذي قال على الأعضاء كلها ما سمعت أحداً من العلماء من عرف ذلك ولا يراه. ومنه ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: ويجرد الرجل ويضرب المرأة قاعدة {ثيابها} (¬2) واستحسن أن تقعد في قفة ولا ينزع عنها ثوب إلا أن تتعمد لباس ما يقيها الضرب فلنزع، ويبقي عليها ما يسترها. قال ابو زيد عن ابن القاسم في العتبية (¬3) في المراة يكون عليها ثوبان في الحد؟ قال " لا بأس بثوبين، وينزع ما سوي ذلك. " قيل لمالك في سماع ابن القاسم فيمن رجلاً منقلة مما لا قود فيه ايعاقب مع الغرم؟ قال: نعم. قيل فيجرد؟ قال: نعم. وقد نزع عن امراة قطيفة جعلتها تحت ثيابها، فأري ان ينوع مثل هذا وأنكر الحد في الحبال للرجل والمرأة. قال فيه وفي العتبية (¬4) من سماع أشهب قال: ولا أري أن يحلق رجل ولا امرأة، قال في العتبية لا في الخمر ولا في القذف. قيل له: قد يكون الرجل الخبيث فيكسر بذلك. قال: اتباع الماضين أولي، ولم أسمع ذلك عن أحد منهم. وهذه عقوبات احدثها الحجاج ومثله. قيل افيطاف بهم وبشارب الخمر؟ قال: أما الفاسق المدمن فليطف به ويعلن امره ويفضح. ¬
قال ابن حبيب: وليس عليه مع الضرب سواه من حلاق ولا طواف ولا سجن إلا المدمن المعتاد المشهور بالفسق فلا بأس أن يطاف به ويشهر ويفضح. واستحب مالك أن يلزم مثل هذا السجن. قال: وروي عن الشعبي: أن النساء يضربن ضرباً دون ضرب بسوط دون سوط،، ولا يجردن، {ولا يمددن} (¬1) وتتقي وجوههن. وقال الثوري: يضربن قعوداً والرجال قياماً. قال: ورجم امرأة وقال لأهلها اصنعوا بها ما تصنعون {بمن ماتت في بيتها. وقال: كل حد قيم فيه على صاحبه في الدنيا فهو كفارة له، كما يقضي} (¬2) الدين بالدين. ومن العتبة قال ابن الماجشون: (¬3) كل من اقيم عليه حد من الحدود ما كان فليخل سبيله ولا يسجن. وكل من لم يلزمه حد إلا الأدب فللإمام أدبه بقدر ما يري من حرية وفسقة، ويسجنه حتي يتوب أو يموت، وقال مثله أصبغ ومن كتاب ابن المواز: وحد العبد في الخمر اربعون، قاله عمر وعثمان وابن عمر وغيرهم، ولم يختلف فيه مالك وأصحابة. وللسيد أن يقيم عليه حد الزنا في بيته دون الإمام، قاله مالك وأصحابه والمدنيون كلهم. قال مالك: وكذلك في شرب الخمر إذا شهد عليه عدلان غير سيده، ويحضر لجلده في الحد رجلين لأنه عسي أن يعتق ثم يشهد فيوجد من يشهد بجلده. ويحضر في حد الزني أربعة سواه، وإن كان هو رابعهم فليرفعه إلي الإمام، وإن كان هو وآخر {في الخمر} (¬4) رفعه إلي الإمام. ¬
قال مالك: ولا يقيم عليه السرقة والقتل، وأما الزني والقذف والخمر فيقيم عليها الحد إلا الإمام. قال مالك إلا أن يكون الزوج عبداً له فله أن يقيم عليهما الحد. فأما عبد غيره أو حر فلا. وكذلك المرأة تقيم الحد علي ممالكيها / وكذلك روي عيسي في العتبية (¬1) عن ابن القاسم. قال ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب مثله، وإن كان الشهود غير السيد لحرمه الزوج، وعسي أن يعتق ولده يوماً فيقذف بأمه، فلا يكون بإقامة الحد له مخرج. قال أشهب: إلا أن يكون زوجها وغداً لا تلحقه معرة ذلك. قال مالك: ولا يضرب عبده في الخمر بعصي، ولكن بالسوط أربعين، وفي الزني خمسين، عبداً كان أو أمة. ومن باع (¬2) {أمة} (¬3) حاملاً من زني ثم علم أن البائع لم يقم عليها الحد فالمبتاع في سعة أن لا يقيمه عليها. ومن العتبية (¬4) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن زني عبده فضربه خمسين ضربة بغير السوط، قال قال مالك: لا يقام الحد إلا بالسوط. قال ابن القاسم (¬5) ولو ضربه بالدرة فإن ضربه بها علي ظهره أجزأة، وماهو بالبين. وروي عن ابن مسعود أنه أمر بسوط فجعله بين حجرين حتي لان ثم أمر أن يجلد به رجلاً شوب، وقال له: ولا تمد إبطاً، وأعط كل عضو حقه. ¬
قال ابن حبيب: العمل (¬1) في قول مالك وأهل المدينة أن يرفع يده بالسوط في الحدود ويضرب الوجيع، ولا يضرب إلا الظهر. قال وكتب عمر أن لا يبلغ في العزيز أكثر من ثلاثين جلدة. وروي ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين (¬2). قال ابن الماجشون عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: لما حد ابو بكرة أممرته أمة بشاة فذبحها ثم جعلت جلدها على ظهره {قال إبراهيم} (¬3) قال أبي: فما ذلك إلا من ضرب شديد، وكذلك كان يري. وقال: ولا يقام الحد علي المريض حتي يفيق إذا كان مرضا يخاف عليه فيه إذا حد، لأنه يصير كالقتل. وماروي عن عمر في قدامة أنه ضربه ثمانين وهو مريض غير معمول به. وقد روي عنه في حديث غيره. أقيموا عليه الحد فإني أخشي أن أموت فلا ادري هل كان قدامة أو غيره. وقد روي عن عمر في الحامل حين أراد ضربهت فأنكر عليه معاذ فرجع. قال مالك: وإذا ادعت أن بها حملاً وقد وجب عليها حد في زني أو سرقة أو قذف أو خمر أو قصاص جرح فلا يعجل عليها حتي يتبين أمرها، فإن لم تكن حاملاً أقيم ذلك عليها، وإن صح حملها أخرت حتي تضع واستؤجر لها من يرضعه إن كان له مال، ثم أقيم عليها ذلك. قال: وأما الكبير الضعيف أو العجوز أو حدثة السن ممن لا يحتمل الحد ثمانين فلا بد من حدهم ولا يؤخرون، إذ ينتظر وقت يؤخرون إليه، وذلك إذا بلغت الصبية الحيض والغلام الحلم أو إنبات الشعر أو سنا لا يبلغه أحد إلا بلغ الحيض أو الاحتلام. ¬
وقد استحسن بعض العلماء تخفيف الضرب عمن ذكرنا (¬1) ونحن نستحسنة ما لم يكن نقصا بيناً. وروي أن ابن عمر اشار إلي ضارب أمة له {الحد} (¬2) أن خفف، فقيل له (ولا تأخذكم بهما رأفة) (¬3) فقال: أيقتلها؟ قال مالك: ومن شرب الخمر في نهار رمضان حد ثمانين الخمر وجلد نكالا لما تجرأ عليه من الشهر. قال محمد: وروي نحوه عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه جلد عشرين بعد الحد (¬4) وذكره ابن حبيب عن علي إلا أنه قال: حده ثم سجنه ثم جلده بالغد عشرين جلدة. قال محمد: وروي أن عمر جلد قدامة في الخمر ثمانين، وزاده ثلاثين وقال: هذه لتأويلك كتاب الله علي غير تأويله فيما تأول من قوله تعالى: (ليس علي الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا) (¬5). قال محمد: ولو لم يشرب الشارب إلا حسوة من أي مسكر من الأشربة لحد ثمانين. قال: ومن شربه ممن لا يعلم تحريمة كالأعجمي الذي دخل الإسلام ولا يعرف، فلا عذر للأحد بهذا في إسقاط حد. وكذلك في الزني يظنه حلالاً. وكذلك من تأويل في السكر من غير عنب أنه حلال فلا عذر له بهذا. وكذلك القذف، فهذا قول مالك وأصحابه إلا ابن حبيب (¬6). ¬
وأخبرنى ابو زيد عنه أنه إن كان مثل البدوي لم يقرأ الكتاب ولا يعلمه فشرب وهو يجهل ذلك فلا يحد ويعذر، {وقد} (¬1) فعله عمر. قال مالك: قد ظهر الإسلام وفشا ولا يعذر جاهل في شئ من الحدود. قال محمد: يعني ابن وهب في النوبية التي أعتقها حاطب وكانت أحصنت بزوج، فلما قال له عثمان: ما الحد إلا علي من علمه جلدها مائة جلده. قيل لمالك فالحديث الذي جاء ان النبي أتي برجل فأمر أن يضرب شكول (كذا) فأنكره، وذكر حديث النبي في الحد حين أتي بسوط جديد فقال دون هذا ثم بآخر فقال: فوق هذا وذكر الحديث (¬2). وإذا اجتمع عليه حدان فقال عبد الملك: يجزئ أن يحد أكبرهما، مثل أن يزني ويقذف، فليجد مائة جلدة فيهما. وقال ابن القاسم: يضرب الحدين ثمانين ومائة، وبه أقول، أني يؤخذ بكل ما لزمه إلا في القتل، فإن الحدود تدخل فيه إلا القذف دون ما سواه من حد خمر وغيره. وكل جرح أو قصاص في البدن أو قطع لله أو للعباد فداخل فيه. وإن كان قتلاً عفا عنه أهله لزمه ما عليه من حد سواه. قال مالك: وحد القذف وحد القذف وحد الخمر حد واحد، لأنه مشتق منه. قال ابن القاسم: سواء اجتمعا أو افترقا، فما أقيم {به} (¬3) منهما ناب عن الآخر لا يبالي ما قيم به منهما أولاً. وأما حد الزني في البكر وحد القذف أوالخمر فيقامان جميعا ويبدأ بحد الزني. وإذا حد للقذف فهو لكل قذف تقدم ولكل شرب خمر، ¬
في اختلاف البينة في شرب الخمر
كان من لم يقم بالقذف حضوراً أو غياباً. وكذلك لو حد للخمر اجزا عن كل قذف تقدم (¬1). في اختلاف البينة في شرب الخمر ومن حلف بالطلاق ما شرب خمراً وقد شرب مسكراً وهذا الباب مكرر في غير هذا الكتاب. قال ابن القاسم في العتبية من رواية أبي زيد فيمن شهد عليه شاهد أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه شرب نبيذا مسكراً قال: يحد. قال عنه أبو زيد: وإن شهد واحد أنه شرب خمراً في رمضان وشهد آخر أنه شرب في شعبان، وقال: يحد وإن شهدا بهذه الشهادة في موضع واحد لم يحد. ومن سماع ابن القاسم: ومن شهد عليه شهود أنه شرب خمراً فحلف بالطلاق أنه ما شرب خمراً، قال يحد ولا يطلق عليه. ومن الناس من يقول الخمر من عصير العنب وإن كان الخمر عندنا كل ما خمر من [كل] (¬2) مسكر، ولكن لا يلزم هذا طلاق. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: وأتي هشام بن عبد الله المخزومي قاضي المدينة، وهو من صالحي قضاتها، برجل خبيث يعرف باتباع الصبيان، لصق بغلام في زحمة الناس حتي أفضي، فبعض به هشام إلي مالك فقال: أترى أن أقتله؟ قال: لا، ولكن يعاقب عقوبة موجعة. ¬
قال: كم؟ قال: ذلك إليك. فأمر به هشام فجلد أربعمائة سوط وألقاه في السجن، فما لبث أن مات، فكر ذلك لمالك فما استنكره ولا رأي أنه أخطأ. وهذه حكاية ذكرها العبي عن مطرف: يقال فضمه إلي نفسه كأنه يريد أني يفعل به، فرفع إلي أمير المدينة فبعث به إلي مالك فقال ما تأمر فيه؟ قال: ذلك إلي السلطان بما يري. ثم ذكر شربه كما تقدم. قال: فما رأيت مالكاً أنكر ذلك. قيل لمطرف في الكتابين: فكم اقصي ما يبلغ به في الأدب في المعروف بالجرم؟ قال: ثلاثمائة سوط فما دون قال مالك في مثل هؤلاء المشهورين بالفساد الظلم: إن الضرب قلما ينكيهم ويسجنون أبداً ويثقلون بالحديد حتي تظهر توبتهم وتثبت (¬1) عند الإمام فيخليهم. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك إنه رأي فيمن يبتز الجارية أو الغلام من أهل المراودة والناس ينظرون حتي يغيب عليه فلا يدري ما فعل، أن يضرب في مثل هذه ثلاثمائة وأربعمائة، بكراًَ كان أو ثيبا. وحكم بذلك برأي مالك (¬2) وكان هشام بن عبد الملك لا يوتي بأحد بيده حديدة من حدائد اللصوص إلا رضض يده إن كان من أهل الخبث والريب، فقال مالك: ما أعرف الرض، ولو قطع كان أولي. ومن أمر الناس عندنا الشهرة لأهل الفسق رجالاً ونساء، ويعلن بجلدهن ويكشف وجه المرأة عند ذلك وتكشف من الثياب إلا ما يواريها ولا يصف خلفها ولا يحجبها من الضرب، وتشد في مكتل، ويشهر الرجال بلا مثلة، وقاله أصبغ، واستكثر الأربعمائة وقال ¬
ما يصلح فيه العفو والستر
دون هذا. وأنكر القطع وقال بدلاً منه الجلد الشديد والتخليد في السجن. قال ابن حبيب: وذلك إلي اجتهاد العدل ومن كتاب ابن المواز: ومن اجتمع عليه حد ونكال فليجمعا عليه مكانه. قال أشهب: ولا يؤخر عنه أحدهما لبرئه، وليس كالمريض. قال محمد: وكذلك إن وجب عليه حدان إلا أن يري الإمام تفريقهما (¬1) قال ابن القاسم عن مالك قال: يجرد في العقوبات إذا بلغت تلك عقوبته، ومن العقوبة ما يخفف فيعاقب على ثيابه وفوق رأسة وربما كان بالسجن. ما يصلح فيه العفو والستر ومالا يصلح ذلك فيه [وهذا الباب] (¬2) قذف تقدم باب في معناه في العفو عن حد القذف ومن كتاب ابن المواز: لا يجوز العفو عن الحدود بعد أن تبلغ إلي الإمام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لصفوان فهلا تركته قبل أن تأتي به (¬3). قال مالك: وأما قبل أن يبلغ الإمام فالعفو والستر فيه جائز وإن كان حداً. قال الزبير للذي استشفع إليه فقال حتى أبلغ به الإمام، فقال الزبير: إذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع. ¬
قال محمد: وإنما ينبغي أن يشفع ويستر عورته فيمن تكون منه الزلة وليس بالمعلن دون الإمام. فأما المعلن الذي يكثر ذلك منه فأهل أن يرفع أمره ويزجر عن ذلك. قيل لمالك فيمن له جار سوء يظهر ما لا ينبغي في الإسلام هل أدل عليه؟ [قال] (¬1) قدم إليه وانهه فإن لم ينته فدل عليه. وأري للسلطان والشرطي إذا دعي إلي بيت فيه فسق أو علي شراب، فأما البيت الذي لا يعرف بذلك فلا أري أن يتبعه، وأما المعلن بالفسق وقد تقدم إليهم فيه فليتبعه. قال الصديق: لو رايت رجلاً على حد من حدود الله ما أخذته ولا دعوت إليه أحداً حتي يكون غيري معي. قال ابن شهاب: فإن كان غيره معه ممن يجب بشهادتهم الحد فليرفعه إلي السلطان، وإن لم تبلغ شهادته بمن معه أن يجب بهم الحد فيعمل بما قال ابو بكر رضي الله عنه. قال محمد: وإذا كان مع الإمام رجلان لم يسعه أن بستر عليه، وإن كان معه واحد فله في ستره سعة ما لم يكن معلناً قال ابن وهب عن مالك: وإذا كان معه رجل رفعه إلي من هو فوقه. قال ابن شهاب: ذكر أن جابر بن عبد الله وابن عباس كانا يأخذانهم ثم يلاسلانهم. قال محمد: وذلك أحسن إلا من اكثر وظهر فسقه وتقدم إليه، فإن انتهي وإلا رفع وأظهر عليه. قيل: فإن انتهي إلي لأمام [أن فلاناً] (¬2) سكران أو علي حد، أيرسل في أخذه؟ قال: أما [ما] (¬3) لم يصح عنده أو يحضره أويراه فلا، إلا للمعلن بالفسق بالشراب أو غيره. ¬
وفي باب الحد (¬1) في الرائحة في صلب المسلحة هل يستنكه من مر به قد تقدم. قال محمد قال ابن المسيب: الستر علي كل مؤمن إلا الوالي وأحد الشهود الأربعة في الرجم لا ينبغي له أن يستره في الموكل (كذا). قال مالك: وإذا بلغ الحد إلي الحراس أو الشرط فهو كبلوغة إلي الإمام. وروى ابن عباس أن النبي قال: لو رجمت أحد بغير بينة لرجمت فلانة قد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها (¬2). قال ابن القاسم: والشفاعة في التعزير جائزة بعد بلوغ الإمام. قال أشهب: أما عفو اقمام عنه فظلم، وأما صاحب التعزير فجأئزة إلا من كان فاسقاً معاوداً فلا احب أن يشفع له، ولو فعل لم أره ضيقاً. وقيل له: أيقال ذو الهيئة عثرته؟ قال: لم أسمع، وهذا من السلطان. ومن كتاب ابن حبيب قلت لمطرف: فإذا رفع إلي الإمام أن في بيت فلان خمراً ايكشف عن ذلك؟ [قال] (¬3) أما المأبون بذلك او مشهور بالخمر (¬4) والسفه فأرب له تعاهد وليكشف عن بيته، ذكر له عنه أو لم يذكر. وإن رأي نقله عن مكانه ويشرد به فعل، كان منزلة أو لم يكن إذا كان مشهور، فإن كان له أكراه عليه، وإن لم يكن له أخرجه منه. وأما غير المعروف فلا يكشفه وإن شهدوا علي البيت، وقاله أصبغ. ¬
وروي ابن حبيب أن عمر مشي في الليل فراي ناراً في بيت فأتي إليها فإذا بقوم يشربون وشيخ يغنيهم، فاقتحم عليهم وقال: يا أعداء الله قد أمكن الله منكم، فقال الشيخ: ما نحن أعظم [منك] (¬1) ذنباً، تعديت ودخلت بغير إذن والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتي تستأنسوا) (¬2). فاحتشم عمر وقال: ذوروا هذه بهذه. قال: واعترف أبو محجن الثقفي في شعره بشرب الخمر فأراد عمر جلده فقال: صدق الله وكذبت، أما قال سبحانه في الشعراء (وأنهم يقولون مالا يفعلون) (¬3) فتركه من الجلد وعزله عن العمل. وأتي رجل إلي ابن مسعود بابن أخ له فال له: إن هذا شرب الخمر، فنكر ابن مسعود رأسه ثم رفع {اسه فقال: جزاك الله من وال شراً، والله ما أذنب صغيراً ولاشرب كبيراً إن العباد يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعير، ثم دعا بسوط ذى تمر فوضعه بين حجرين فرضه حتي لان ثم قال لعمه قم فاجلده ولا تر غبطاً وأعط كل عضو حقه [منه] (¬4) ¬
في اللعب بالنرد والشطرنج وشبهه
في اللعب بالنرد والشطرنج وشبهه وذكر الغناء والمغنيات واللهو واللعب قال ابن حبيب: ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من لعب بالنرد فقد عصي الله ورسوله (¬1) وروي في التغليظ في اللعب بالميسر، يغني النرد والشطرنج، كثير، وكذلك أربعة عشلا وكل ما يلهي من طبل ومزمار وغيره من البرائط. وقيل إن ذلك من قول الله عز وجل (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) (¬2) وقد كسر ابن عمر النرد علي رؤوس من رآه لعب بها. ومر بغلمان يلعبون بالكحة فأمر بها فدفنت وهي حفرة يلعب فيها بالحصي وشببه. ونهي علي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهم عن الشطرنج والكعاب، ومن التابعين عدد كثير، ومنهم من كان لا يسلم عليهم وهم يلعبون بها. قال ابن حبيب: ولا خير في قليلها ولا في كثيرها، لا في الخلوة ولا في العامة، لا على التحارب ولا على غيره. وليزجر عنها الإمام ويعاقب بالضرب والحبس عليها، ويكسر ما ظفر به منها، ويسقط بذلك شهادته وإن لم يكن مدمناً. وقيل لمالك في غير كتاب ابن حبيب: أيسلم علي من لعب بها؟ ¬
قال: نعم أهل الإسلام، فإن فعل هذا ذهب كل مذهب. وروى أن النبى حرم الغناء وشراء المغنيات وتعليمهن (¬1) وتلا (ومن الناس من يشترى لهو الحديث) (¬2). وسمع ابن عمر زمارة راعى فعدل عن الطريق وجعل أصبعية فى أذنية فذهب حائدا عن الطريق. وسأل نافعا أتسمع؟ حتى قال لة لا، ففتح أذنية. قيل لمالك فيمن يمر بة مزمار أو غناء، فيجد لذة؟ قال: إذا كان جالسا فليقم ويذهب، وإن كان ماشيا فغما أن يقف أو يتقدم أو يتأخر. قال ابن حبيب: ومن علم جاريتة الغناء لم تجز شهادتة وإن لم يسمعها. وكذلك من حضر سماع ذلك وعرف بحبة. ولا يجوز لبائع المغنية أن يأخذ لغنائها ثمنا، فإن باع على ذلك رد البيع، فإن (فاتت) (¬3) كان فيها قيمتها على أنها غير مغنية. وقال مالك وأصحابة المصريون: إذا باعها فليبين أمر غنائها (¬4)، فإن لم يفعل فهو عيب ترد بة. قال ابن حبيب: وهذا عيب لا ينبغى ذكرة فى البيع لأن ذكرة اليوم زائد فى الثمن. وقد بيعت فى تركة فاطمة بنت طلحة الهاشمى بالمدينة بأمر القاضى جارية مغنية كتم غناءها فبلغت أربعمائة دينار، فأمر مالك أن تباع بالبراءة منة، فلما ذكر ذلك بلغت ألف دينار وأربعمائة دينار فصار ذكرة بيعا للغناء فلا يجوز ذكرة عندى، وليس بعيب (¬5) عندى إذا كتمة. ¬
وقال ابن المواز: ليس لة بة رد. وقال سحنون: يكتم ذلك فى عقد البيع، فإذا انعقد البيع تبرأ منة، فإما رضى المبتاع أو رد. وإن كانت مشهورة بالبلد بيعت فى بلد لا تعرف فية على هذا المعنى. قال ابن حبيب: (وإن) (¬1) لم يذكر غناؤها غير أنها قد عرفت وعرف أنة زيد فى ثمنها فلا يحل ذلك، وليبعها بموضع لا تعرف فية. وينبغى للإمام أن ينهى عن الغناء ويكسر جميع الملاهى من بوق ومزمار والعود والبرابط والمصافق وغيرها من أدوات اللعابين إلا الكبر والمزهر والدف، وفى الكبر (بعض) (¬2) ما فية، والدف أخف من المزمر. وينهى الإمام عن اللعب بهم إلا فى العرس، فقد استخف ذلك فية لأشهارة ونهية عن ذلك فى غيرة، ويعاقب علية إلا الجوارى العواتق فى بيوتهن، فيكون ذلك لهن مثل ما هوفى العرس، ما لم يكن مع ذلك سواة من الملاهى الملهية فلا يجوز ذلك. وقال الحسن: إذا كان فى الوليمة برابط فلا دعوة لهم ولا نعمة عين. قال مالك والأوزاغى: إذا كان فيها لهو فارجع عنهم. ورجع ابن مسعود عن مثل ذلك وقال: قال النبى صلى اللة علية وسلم: من كثر سواد قوم كان منهم ومن رضى عمل قوم كان شريكهم فى عملهم (¬3) وخرج أبو وائل لما رأى اللعابين. تم كتاب الحد فى الخمر بحمد اللة تعالى ¬
كتاب القذف
بسم اللة الرحمن الرحيم وصلى اللة على محمد خاتم النبين كتاب القذف فيمن نفى رجلا من أبية أو من أمة من كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) قال أشهب عن مالك فيمن قال لرجل لا أب لك فلا شىء علية إلا أن يريد النفى. وهذا مما تقولة الناس على الرضى، فأما من قالة فى مشامتة وغضب فذلك شديد. قال فى كتاب ابن المواز: وليحلف ما أراد نفية. وقال فى السؤال لا أبا لك. ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم: ومن قال لرجل يا ابن الأسود وأبوة أبيض فهذا شديد. ومن كتاب ابن المواز قلت: فلو قال له يا بن الأبيض وأبوه أسود؟ قال: لم أقل فى هذا شيئاً، إنما قلت فى القائل يا بن الأسود وأبوه أبيض. وأما القائل لابن النبطى يا بن القبطى، ولابن الأسود يا بن النوبى، فهذا قريب. ومن كتاب ابن المواز (قال مالك) (¬3) ومن قال لرجل (يا أسود، و) (¬4) يا بن الأسود فعلية الحد وإن كان من الموالي. وكذلك نسبه إلى لون ¬
من الألوان ليس فى آبائة بذلك اللون أحد، مثل يا بن الأزرق أو الأصهب أو الأبيض أو الآدم أو الأعور أو الأقطع، ففية الحد وإن كانوا موالى إلا أن يكون فى آبائة من هو كذلك. قال عبد الملك: وكذلك يا بن المحدود قال مالك: وأما لو قال لة ذلك فى نفسة با أعور يا أقطع يا كذا فلا حد فية، إن كان عربيا أو مولى، حتى يكون يا بن كذا، بخلاف القائل لعربى يا حبشى يا عبد يا عجمى، أو سماة بشىء من الأجناس وإن لم يقل باين، فهذا يحد إن كان من العرب قالابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: من قال العربى أو مولى يا يهودى أو يا أسود لم يحد، ولو قال يا بن الاسود يا بن النصرانى أو اليهودى فإنة يحد. قال ابن الماجشون: ولو قال يا بن البربرى وأبوة فارسى أو أصبهانى (¬1) فلا حد علية فى البياض كلة، إلا أن يكون أبوة أسود فلا شىء علية فى السواد كلة إذا نسبة إلى غير جنسة من السواد، إلا أن يكون أبوة أبيض فيكون نفيا ويحد مثل أن يقول لأسود أو حبشى باين الفارسى، أو لفارسى يا بن الأسود أو يا بن الحبشى. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لمولى يا بن الأسود حد، ولو قال لة يا بن الحبشى لا يحد، لأن من دعا مولى إلى غير جنسة لم يحد، ولو دعا إلى غير لونة أو صفتة حد. يريد فى قولة يا بن كذا. قال: فأما لو سماة أباة باسمة لم يحد وإن وصفة بغير صفتة، مثل قولة با بن فلان الأقطع أو الأسود. قال عبد الملك: وهو شاتم ويؤدب. قال ابن القاسم: ولو قال يا بن النصرانى أو اليهودى أو يا بن عابد وثن حد، إلا أن يكون فى آبائة من هو كذلك فينكل. قال أشهب: لا يحد ¬
إذا حلف أنة لم يرد قذفا ولا نفيا. قالا: ولو قال فى نفسة يا يهودى يا عابد وثن لم يحد وإن كان عربيا، وينكل. وروى الليث (¬1) فى هذا أن النبى صلى اللة علية وسلم (قضى) (¬2) فيمن قالة لأنصارى أن يجلد عشرين سوطا. وأما إن نسب أباة إلى صناعة فقال يا بن الخياط أو الحداد أو يا بن الحائك أو الحجام فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أنة إن كان عربيا حد، إلا أن يشبة يكون فى آبائة من هو كذلك، وإن كان من قبل أمهاتة حلف ما أراد إلا هو وما أراد نفيا، ولا حد علية. هذة (¬3) رواية ابن وهب فى المختصر. قال عنة ابن القاسم: وإن كان مولى لم يحد وإن لم تقم بينة إن كان أحد من آبائة كذلك، ويعزر وإن أقام بينة بذلك. ورورى أيضا عنة ابن وهب فى موطأة أن علية الحد كان من الموالى أو من العرب، إلا أن يكون فى آبائة من هو كذلك. وقال أشهب: هما سواء، لا حد علية، ويحلف ما أرارد نفيا لنسبة وإن لم تكن لة بينة، وكأنة قال أبوك الذى ولدك حجام او حائك أو دباغ فلا حد فية. وروى ابن وهب أن عمر بن عبد العزيز رفع إلية رجل قال لآخر يا بن الحجام (¬4) وأبواة حران، فلم ير علية حدا ولم يرة نفيا لنسبة. وقال ربيعة ويحيى بن سعيد: علية الحد، وقالة ابن وهب وابن كنانة. ¬
قال بان القاسم: من قال لعربى أنت ابن فلان ونسبة إلى غير أبية أو غير جدة فعلية الحد وإن لم يقلة على سباب أو غصب، إلا أن يقولة على وجة الاختيار (¬1). قال أشهب: لا يحد لأنة قالة وهو يرى أنة كذلك، إلا أن يقولة على سباب فيحد. وقال محمد: ويحد إلا أن يقولة على وجة الخطأ والاختبار فإن علم أنة تعمد (¬2) حد لة، وإن أشكل وادعى الخطأ أطلق وترك. قال القابسى (¬3): ولو نسبة إلى جدة فى مشاتمة لم يحد (قال أشهب: يحد) (¬4) إن كان فى مشاتمة. قال (محمد: قول) (¬5) ابن القاسم أحب إلى، إلا أن يكون ثم من يعرف أنه أراد القذف، مثل أن يتهم الجد بأمه ونحوه، وإلا لم يحد. وقد ينسب إلية بشبهة به فى خلق أو طبع، فيقال أنت ابن فلان، يريد لشبهة. قال ابن القاسم: ومن نسب رجلا إلى عم له أو خال أو جد أو زوج أمة فعلية الحد، وقال أشهب لا يحد إلا أن يقولة فى مشاتمة. وقاله أصبغ ومحمد. قال أصبغ: وقد سمى اللة تعالى: العم في الكتاب أب بقوله سبحانه: (نعبد إلهك وإلة آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) (¬6). ¬
قال: ومن نفى رجلا من جدة فقال: لست ابن فلان - يريد جدة - حد وإن كان الجد مشتركا مثل نفية من أبية العبد أو المشرك. وإن قال لة يا ولد الزنى أو يا بن الزنى أو أنت لزان أو لزانية (أو ولد زنية) (¬1) أو فرج زنى فالحد فى ذلك كلة. وإن كانت أمة مملوكة أو ذمية. (قال ابن القاسم وأشهب فى القائل للمسلم ليس أبوك فلان يعنى جدة ثم قال) (¬2) إنما أردت لست ابنة لصلبة نفسة ولم أرد نفية فلا يصدق وليحد. قال أشهب: إلا أن يكون لة وجة، مثل أن يسنعة يقول أنا فلان بن فلان فيذكر جدة فيقول لة ليس بأبيك (¬3)، كأنة يلغية، فإن لم يكن هذا حد إذا كانت ولادة جدة فى الإسلام ولم يكن مجهولا (¬4) فإن كان مجهولا لم يحد إن كان مولى، وإن كان من العرب حد. وإن كانت ولادتة فى الجاهلية وكان كافرا فعلية الحد. وكذلك لو نفاة من أبية (دينة) (¬5) أو قال لة أنت ابن زنى أو ولد زنى. فإن كان أبوة مجهولا فلا حد علية. قال محمد: وذلك أن المحمولين على النسب لا يثبت بينهم ما ادعوة من الأنساب ولا يتوارثون بها. (قال) (¬6) وإذا قال لمسلم ليس أبوك فلان، يريد أباة المعروف بة، وأبوة مجهول ولد فى الجاهلية إنة يحد إن ولد المنفى فى الاسلام. وإن كان المنفى مع أبية مجهولا لم يحد من نفاة. ¬
قال مالك: من نفى نصرانيا من أبية وللمنفى ولد مسلم فلا يحد حتى يقول للمسلم ليس أبوك فلان، يعنى الحر (¬1)، فيحد، ما لم يكن أبوة وجدة مجهولين. قال ابن القاسم: ومن قال لمسلم وأبوة وجدة لأبية وأمة نصارى أو مماليك يا فرج زنى فعلية الحد، أو قال لة: زنت بك أمك أو أنت لزنية (¬2) أو لست لأبيك، أو يا بن زنية (¬3) أو يا ولد زنى إنة يحد، كانت أمة أمة أو نصرانية، ولا أعلمة إلا قول مالك. قال مالك: ولو قال لة يا بن الزانية لم يحد ونكل، وقالة ابن شهاب من رواية يونس. قال ابن القاسم: وكذلك لو قال لة يا ولد الخبث لأن مخرجة على الزنى والنفى، مثل قولة ولد زنى. وجاء الحديث: إذا كثر الخبث (¬4) وهذا فى باب آخر. ومن قال لعبدة أو نصرانى وأبواهما مسلمان (¬5) يا بن الزانى أو يا بن الزانية حد، كان عبدة أو عبد غيرة. ولو كان أبوة حرا مسلما وأمة نصرانية فقال لة يا بن الزانية لم يحد. وكذلك إذا كان الأب كافرا أو عبدا فقال يا بن الزانية والأم حرة مسلمة فإنما علية النكال. ومن قال لعبد أبواه حران مسلمان لست لأبيك أو ليس أبوك فلان أو يا ولد زنى أو أنت لزنى أو ولد زنية لحد. وكذلك لو كانت أمه حرة والأب عبد. وأما إن كان الأب حرا والأم مملوكة أو نصرانية ثم قال لة شيئا ¬
من هذا، فقال اشهب: لا يحد، لأن الابن عبد، ولا يحد في نفيه لذات نفس العبد، ولم يقذف الأب ولا نفاه من نسبه. قال ابن قاسم: يحد لأنه حمل اباه المسلم علي غير أمة، وأبي مالك (¬1) أن يجيبنى فيها بشئ. قال اشهب: لم يحمل أباه علي غير أمة، وكأنه قال: وطئ أمك الأمة غير أبيك وأنت ملحق بأبيك، وللعاهر الحجر. وروي ابن وهب عن مالك أن عليه الحد. وأما إن قال لحر ابن حرين لست لأمك فلا يحد، قاله وجميع أصحابه قال ابن حبيب قال ابن الماجشون [من] (¬2) قال لعبده أو لعبد غيره لست لأبيك أو ليس أبوك فلان وأبواه حران فإنه يحد، وكأنه زني أمه. وسواء كان أبوه حراً أو عبداً وإنما الجد للأم. وإن كانت أمه [أمة] (¬3) لم يحد كان الأب حراً أو عبداً، لأنه ليس في نفي العبد من أبيه حد. ولو قاله لحر حد، كان أبواه (¬4) عبدين او حرين، وقاله كله أصبغ. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: من قال لرجل ليست أمك فلانة فلا حد عليه. ولو قال ليس أبوك فلان حد لقطع نسبه. قال مطرف: وإن قال له يا ابن السوداء وأمة بيضاء حد لأنه حمل أباه علي غير أمه وجعله ابن زنية. ولو قال: بابن زينب السوداء وأمة زينب وهي بيضاء لم يحد، كقوله ليست أمك فلانه. وقال ابن الماجشون: ¬
ذلك سواء ولا حد عليه في الوجهين. وكذلك يابن النصرانية أو يابن فلانة النصرانية، وقاله أصبغ، وقول ابن حبيب أحب إلي. قال وقال مالك وأصحابه فيمن قال يا بن ملاعنة أن عليه الحد. وروي عن عمر، سواء قال يا بن الفاعلة أو [قال] (¬1) ليس أبوك فلان، إلا أن يقول ليس أبوك [فلان] (¬2) على الإخبار بملاعنة أبيه أمه، فأما ان قاله (¬3) في مشاتمة فيحد. ومن المختصر قال مالك: ومن قال لرجل يا بن الأمة أو يا بن البربرية ن وأمة عربية، إنه يحد، كأنه نفي أمه من أبيها. ولو قال له ليست أمك فلانه لم يحد. وقال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإن قال [له] (¬4) يا ابن الأمة وأمة عربية، أو يا ابن البربرية وأمة قرشية، قال: قد أعلمتك أنه ليس في الأم نفي. وإن كانت أمة قرشية أو عربية فقال له يا ابن الأمة فكأنه قال لأمه أنت أمه فلا شئ عليه. وقال مطرف: يحد في هذا كله حتي يسميها أو ينسبها غلي غير جنبها أو ينعتها بغير نعتها (¬5) فلا يحد. قال: ولم يحد من قبل النفي لكن بحمله أباه [علي] (¬6) غير امه وقال ابن حبيب هو القياس، لكن أحب إلي [أن أدارأ الحد] (¬7) بشبهة الإختلاف، وفيه وجيع الأدب. ¬
[ومن كتاب ابن المواز قال ربيعة: ومن قال للابن عربية يا بن الأمة أو يا بن البربرية فعليه الحد لأنه نفاها] (¬1) وأما لو قال لست ابن فلانة لم يحد، وإن قال يا ابن النصرانية أو اليهودية وهي مسلمة لم يحد. وقال الليث إن قال يا ابن السندية وهي عربية [إنه يحد] (¬2) ومن العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم قال مالك: من قال لرجل يا ابن البربرية وأمة عربية إنه يحد لأنه نفاها من أبيها. ولو قال ليست أمك فلانة فلا حد عليه. ومن العتبية (¬4) روي ابو زيد عن ابن القاسم في امرأة قالت لابنها لست ابن أبيك، قال عليها الحد. قال سحنون عن أشهب فيمن قدم من سفر فوجد مع امرأته ولداً فقال ليس هذا ابنى ولا ابنك. قال: إن حلف أنه ما أراد قذفا فلا شئ عليه. وأما إن كان حاضراً مقراً به ثم قال هذا فإنه يحد. ومن مسائل المدنيين قال ابن القاسم فيمن قال لرجل يا ابن زينب وليس في أمهاته [زينب] (¬5) ويقول اردت اسما أفضل من اسم أمه، ويقول المقذوف حملت أبي علي غير أمي، قال: لا شئ في هذا. وكذلك إن قال له ليست أمك التى ولدتك. وقال فيمن قال لولد ابن مولي: يا عبد بن العبدين، وقال أردت عبد الله. قال ابن نافع: يحلف، فإن حلف عزر، وإن لم يحلف سجن حتي يحلف. وقال ابن القاسم مثله، وقال: ولو قال ذلك لعربي لجلد الحد. ¬
فيمن نفى أحدا من قبيلته
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لرجل يا ابن المطرق فإن كان من الموالي لم يحد إن حلف أنه لم يرد القذف، ولقد قال له قولاً سيئاً فيمن نفي أحداً من قبيلته أو من مواليه أو قال ليس لك أصل من كتاب ابن المواز قال: ومن قال لقرشي يا عربي يا مصري لم يحد، ولو قال لعربي أو قرشي يا مصر يا يمانى، أو ليمانى يا مصري حد إلا أن يقوله علي الخطأ، أو قاله لمولاه فلا يحد. وكذلك إن قال لمولي يا عربي يا عبد لم يحد. ومن قال لعربي يا ابن القرشي حد. ومنه ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: ومن كان (¬2) أصفر اللون فقل له رجل علي الغضب تنح أيها العبد، وأمه سوداء أو سندية، وقال لم ارد نفيه وأردت سواده، فأرجو أن لا حد عليه، وأدني ما عليه اليمين ما اراد نفيا ً. ومن كتاب ابن المواز: ومن نفي عربيا من قبيلته حد، وإن كان مولي لم يحد، ويحلف له. ومن قال لمولي لست من موالي فلان [أو لست مولي فلان] (¬3) فقال أشهب وابن القاسم: إن كان هو نفسه أعتقه فلان فلا حد عليه. وإن كان المعتق أباه أو جده فإنه يحد. وقال مالك: وقد قال عظيماً. ¬
وكذلك إن قال لست من الموالي، وقاله أصبغ. وقال أشهب لا يحد وهو كمن قال لمولي قرشي أنت مولي معافري، فليس كمن أخرجة إلي غير جنسه، والدراية بالشبهة أسلم. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في القائل لست [من] (¬1) موالي فلان مثل ما ذكر ابن المواز. قال ابن حبيب وقالا: هو قول مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبع، وقالا لي عن ابن وهب وابن القاسم عن مالك مثله. قال ابن الماجشون: وذلك أنه إذا كان أبوه أو جده المعتق، ف: انه قال لست لأبيك، ولو قال ليس أبوك مولي فلان وأبوه المعتق نفسه لم يكن عليه حد. قال ابن الماجشون في موضع آخر من كتابة: إذا كان ابو جده المعتق فقال له لست مولي فلان فذكر قول مالك هذا. وقال عبد الملك: وأنا أحلفه ما أراد قطع نسبه، فإن حلف لم يحد وإن نكل حد، بخلاف نكول من قام عليه شاهد بالقذف، فيحلف وينكل هذا (¬2) يسجن حتي يحلف أنه لم يثبت عليه القذف. وفي الأول قد ثبت قوله وظاهرة قطع نسبه، ولكن له منصرف يريده (¬3) فإذا نكل عنه حد قال ابن حبيب: وبقول ابن الماجشون وتفسيره أقول. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لرجل من الموالي: ليس فلان أعتق (¬4) [أباك وهو الذي اعتقه، فإنه يحد. ولو قال ذلك للأب: ليس فلان أعتقك] (¬5) أو لست من مواليه لم يحد. ¬
قال أصبغ: وقال ابن وهب في الوجهين لا يحد، ويعاقب. قال محمد: أظن أصبغ وهم على ابن وهب لأنه روي عن مالك في القائل لست من موالي فلان أنه يحد. ومن قال لمولي يا ابن البربري وأصله غير بربري فأخرجة إلي غير جنسه، أو قال يارومي أو يا ابن الرومي أو يا ابن النبطي أو يا فارسي (¬1) أو يا حبثي [أو يا بن الحبشي] (¬2) وله أب في الإسلام فلا حد عليه، ويحلف ما أراد نفيه، ثم ينكل علي قدر هيئة المقال له ذلك في الفضل، فإن نكل قال ابن القاسم: لا أحده (¬3). وقال أشهب يحد (¬4). قال مالك ليس للعجم نسب (¬5) ألا تري أنهم لا يتوارثون بها. وقال ابن شهاب: ومن قال لرجل يا ابن القبطي وأبوه فارسي، أو يا ابن الفارسي وابوه بربري، حد إذا كان نسبيا معروفا. قال مالك: في الإسلام. قال محمد: وكذلك لو قال له: تزعم أنك فارسي ما انت بفارسي ولكنك بربري، فلا يحد، ويحلف ما اراد نفيه، وينكل. ولو قال لمولي يا عربي يا عبد لم يحد. ¬
قال مطرف وابن الماجشون: من قل لمولي يا جزار أو يا بن الجزار لم يحد. ونكل بعد أن يحلف بالله ما اراد نفيا. وإن قال لعربي يا خياط أو يا جزار فلا حد عليه. وإن قال له يا ابن الخياط أوي اابن الجزار فعليه الحد، إلا أن يكون في ىبائة من كان كذلك. ومن قال لمولي يا فارسي أو يا ابن الفارسي أو يا ابن الفارسي لم يحد، ويعزز ويحلف. وكذلك يابربري يا نبطي، أو قال في ذلك يا ابن (¬1) قال أشهب: ومن قال لرجل من الموالي يانبطي فقال له إن كنت نبطيا فأنت ابن زانية، قال: يعاقبان. محمد: يريد ولا يحدان. ولو قاله لعربي حد في ذلك كله. قال ابن الماجشون: ومن قال لرجل في مشاتمة ليس لك أصل ولا فصل، فإن لم يكن من العرب فعليه الأدب الخفيف مع السجن، وإن قاله لعربي (¬2) وكان ممن يعرف ماله فعليه الحد لأنه قطع نسبه، وإن عذر بالجهل حلف ما أراد قطع نسبه وكان عليه ما علي من قاله لغير عربي، وإن نكل حد. ومن كتاب ابن المواز قال: ومن قال لرجل مالك من أصل ولا فصل، قال لا حد في ذلك. قال أصبغ فيه الحد، وقيل إلا أن يكون من العرب ففيه الحد. ¬
في القذوف يرد الجواب على قاذفه والمرأة تقذف زوجها أو غيره
في المقذوف يرد الجواب على قاذفة والمرأة تقذف زوجها أو غيره ومن قذف المحدود أو ابن الملاعنة قال ابن المواز قال مالك: ومن قال لرجل أراك زانيا، فقال أنت أزني مني، وهما عفيفان. قال عليهما الحد. [وقاله يونس عن ربيعة] (¬1). قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن قال لرجل يا زانى فيقول الآخر أنت أزني مني، فهما قاذفان. وليس قوله أزني مني إقراراً منه بالزنا ومحمله محمل الرد (¬2) لما قال له. وقال: لو قال لأمرأة: يا زانية، فقالت له: زنيت بك -كانا جميعاً قاذفين، وليس بإقرار منها، ولكن رداً لما قال لها. وقال ابن القاسم: عليها وحدها الحد، ولا أراه. ومن العتبية (¬3) روي يحيي عن ابن القاسم أنها تحد في الزني وفي قذفه، فإن أقامت رجمت بعد أن تجلد ثمانين جلدة في القذف، وإن كانت بكراً جلدت مائة للزني وثمانين للقذف. وإن رجعت حدت للفرية فقط. وذكر عنه ابن المواز مثل رواية يحي وقال: ولا حد عليه لها لأنها قد صدقته. وقال اشهب: إلا أن ينزع ويقول غنما قلت ذلك علي المجاوبة ولم ارد قذفا ولا إقراراً بالزني، فليجلد الرجل حينئذ ولا تحد هي في قذف ولا زني. ¬
وقد أصبغ: يجلد كل واحد منهما لصاحبة وإن نزعت عن قولها لأن كل واحد منهما قاذف للآخر، وليس قولها تصديقاً له ولكن رداً عليه. وروي يحيي بن يحيي عن ابن القاسم: من قال لامرأته يازانية فقالت: بك زنيت، قال: لاشي عليها لأنها تقول اردت إصابته إياي بالنكاح، فيدرأ بهذا عنها القذف، ولا يعد هذا إقراراً منها بالزني. قال أصبغ: يريد في الأجنبية، وليس قولها تصديقاً بل هو جواب: تقول إن كنت زنيت فبك، ولها عليه حد الفرية، لأن كل منهما قاذف. قال عيسي عن ابن القاسم في ذات الزوج لا حد عليها للقذف، وعليه [الحد] (¬1) إلا أن يلاعن. قال عيسي: لاحد عليه ولا لعان. وقال ابن المواز: وروي عن ابن شهاب فيمن قال لرجل يا زان فقال له الآخر أنت أزني مني أن ذلك قذف له وإقرار علي نفسه بالزني. وهذا يؤيد قول ابن القاسم ومالك (¬2) وربيعة، وقالا: بل الحد عليها جميعاً، وإلي هذا نزع أصبغ. قال ابن حبيب قال اصبغ عن ابن القاسم فيمن قال لنصراني يا ابن المشركة الزانية (¬3)، فقال له النصراني بل أنت، إنه يحد النصراني ثمانين جلدة. ومن كتاب [ابن المواز والعتبية (¬4) رواية] أصبغ عن ابن القاسم قال: ومن قال لنصراني يا ابن الفاعلة، فقال له النصراني أخزي الله ابن الفاعله. قال ابن القاسم فليحلف النصراني ما أردت قذفه، فإن نكل سجن ¬
حتي يحلف. وقال أصبغ: يحد النصراني ثمانين لأنه جواب علي المشاتمة، فهو تعريض، ف: انة قال لها يا زانية فقالت زينب بك. قال: ويعاقب المسلم. زاد في العتبية (¬1) غير أن المسلمين يحدان البادئ والراد، وأما النصراني والمسلم فيحد النصراني ويعاقب له المسلم، لأنه لا يحد له. ومن كتاب ابن المواز: وقال فيمن أمة زانية فقال له رجل يا ابن الزانية، فقال له أمك أشر منها، فقال فيها ابن شهاب: لا حد عليه وإن كان قد عرض، ولكن لو قال أمك أزني منها جلد الحد. قال مالك: ومن قذف من جلد في زني لم يحد. قال ابن القاسم: ويؤدب بإذاية المسلم، وكذلك لو رجم فإذا ابنه يقذف أباه بالزني. ومن قال لرجل يا ابن الزانية وله جدة لأمة قد زنت، قال مالك: لا يحد إذا حلف أنه لم يرد غيرها، ويعاقب بإذايته له. قال مالك: ومن قال لمنبوذ يا ولد زني أو يا ابن الزانية لم يحد وأدب، وإن قال له يا زان حد. ومن قال لرجل يا منبوذ حد، إلا أن يقيم البينة أنه منبوذ. قال ابن حبي قال أصبغ: من قال لرجل يا أحمد فقال له أحمقنا ابن زانية، فهو قذف من قائلة، لأنه جواب للشتم (¬2) واستتار عن القذف بذكر الحمق. كان المقال له أحمق أو حليماً. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون عن مالك فيمن قذف من حد في الزني بعد أن حسنت توبته لم يحد. قال ابن حبيب قال مطرف: من قذف ابن الملاعنة بأمة أو أبيه ¬
جامع في التعريض ما يجب به حد القذف
فعلية الحد. وكذلك من قذف المحمول بأمة أو بأبيه، أو اللقيط بأمة أو أبيه. وأما من قذف المنبوذ بأمة أو بأبية فلا عليه. ومن قذف ابن أم الولد بأمة لم يحد وعزر، وإن قذفه بأبيه حد، وقاله كله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لابن الملاعنه يا ابن زانية حد، وإن نفاه من أبيه في مشاتمة حد. ولو قال لها زوجها (¬1) بعد اللعان يا زانية، فقال ابن شهاب: يحد إذ ليست بزوجة له. قال محمد: لا حد عليه. وقال ابن قسيط (كذا) من قذف امرأته [بعد موتها] (¬2) إنه يحد ويرثها، وقاله عبد الرحمن بن القاسم [بن محمد بن أبي بكر] (¬3) جامع في التعريض وما يجب به حد القذف ومن قال زني فرجك من كتاب مابن المواز قال محمد: من السنة أن لا يحد حد القذف إلا في قذف مصرح أو بنفي أحد من أحد آبائة أو تعريض يري أنه لزني أو نفي أو يظهر حمل بامرأة غير طارئة تدعي تزويجاً أو اغتصاب. وقاله مالك. وقد جلد عمر في التعريض الحد وقال حمي الله لا تدعي جوانبة. ¬
قال ابن شهاب: إن من التعريض البين ما يبلغ به الحد. قال: ومن قال لرجل في مشاتمة إنى لعفيف الفرج، وما أنا بزان، وما يطعن في فرجي ففي ذلك الحد وقاله لي عبد الملك. وإن قال له إنك لخبيث الفرج فعليه الحد، وقاله غير واحد من العلماء. وإن قال له في مشاتمة يامستور الجدران ثم قال أردت ستور جدران النخل، فقد بلغني أن عمر عبد العزيز جلده وقال: ما النخل بالجدران (¬1) قال مالك: ولا أري في هذا حداً، وفيه النكال. وكذلك في العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم. وكان مروان ربما نزع ثنيتي لرجل يقبل المرأة. قال ابن وهب: بلغنى عن مالك فيمن قال لرجل يا ابن العفيفة (¬3) أنه يحلف ما أراد القذف ويعاقب. وقال أصبغ إن قاله علي وجه المشاتمة إن أمك لعفيفة [حد] (¬4). قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: من قال لرجل في مشاتمة يا ابن العفيفة فعلية الحد، وقاله أصبغ، وقال ابن وهب إنه قول ابن شهاب. قوال ابن الماجشون: من قال لامرأة في مشاتمة إني لعفيف فعليه الحد [وإن قاله لرجل فعليه الحد] (¬5) إلا أن يدعي أنه أراد عفيف التكسب أو المطعم (¬6) والمال فيحلف ولا حد عليه وينكل، لأن المرأة لا يعرض لها بذكر العفاف إلا في الفرج، والرجل يعرض له بذلك في غير وجه في المال ¬
واللسان الفرج والمال، فيحصل علي أشده، ويخرج من ذلك بيمينه، ثم ينكل. وقال عبد الملك فيمن قال في مشاتمة إنك لعفيف الفرج فإنه يحد. وكذلك إن قال: ما أنا ممن يطعن في فرجي. قلت: فإن قال له إني لعفيف. قال إن كان في مشاتمة حلف ما أراد الفرج وأدب، وهو في الرجل أخف منه في المرأة. وقال ابن القاسم فيمن قال فعلت بفلانة في أعكانها وبين فخذيها فإنه يحد، وقال اشهب لا يحد. قال ابن القاسم: من قال لرجل زنت يداك أو رجلاك فإنه يحد، وقال أشهب لا يحد. وقالا في زني فرجك إنه يحد. ومن قال لمجبوب يازان لم يحد، إلا أن يقول زنيت قبل أن تجب، ولا يحد إلا أن يعلم أنه جب بعد الكبر فهو مسلم حر. وقد قال ابن القاسم: فإذا علم أنه جب في صغره لم يحد. قال ابن القاسم: ومن قال في امرأته لم أجدها لم أجدها عذراء حين بني بها او بعد فراقها لم يحد، ويحلف ما أراد الفاحشة. وكذلك لوقالته امرأة لامرأة، وقد تذهب العذرة من النورة (¬1) والحيض وغيره. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم فيمن قال لآخر في مشاتمة: أبي خير من أبيك [وأمي خير من أمك] وما احس مفتضل (¬3) رأسي، فقال له الآخر هلم أباك الذي تزعم أنه أبوك، فهذا من ¬
يعرف ابي وأمي ويعرف أباك وأمك. قال: قوله الذي تزعم أنه أبوك انكر ما قال، ثم قال: العفو في مثل كله أمثل، وأما الحد فلا. ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم وعمن لقريب له في شر، وجدته أخت أبيه، فقال له: إن نسبك مني بعيد. قال مالك: فما أري في هذا [شيئاً. ومن قال لرجل يابن أمي، فقال له ابن أمك الشيطان، فليس هذا] (¬2) بفرية، فهذا من كلام السفهاء. قيا فيؤدب؟ قال إنه لخفيف وهو أذي. ومن سماع أشهب من العتبية (¬3) وكتاب ابن المواز: ومن أشهر بامرأة في شعر ثم قال قولاً قلته لا أصل له عندي، قال: لا حد في هذا غلا في الشئ البين [ففيه] (¬4). [قال ابو بكر بن محمد: المعروف من قول أصحابنا أنه يعتبر شعره، فإن كان فيه تعريض القذف حد] (¬5) ومن العتبية (¬6) من سماع عيسي عن ابن القاسم: ومن قال لرجل في منازعة إنك لعظيم في نفسك، فقال الآخر وما يمنعنى وأما معروف الحب والنسب، فقال له صاحبة: هذا تعريض. قال: هذا مثل مسالة مالك التى تقدمت في الذي قال هلم اباك الذي تزعم أنه ابوك، فقال: قد قال عظيما وما أري فيه الحد. قال ابن القاسم: فهذا عندي اشك، وليحلف ما أراد نفيا ولا يحد. ¬
وروي عنه ابو زيد فيمن [قال لجماعة] (¬1) والله ما تروني إلا ولد زني وأنتم اولاد حلال معرضاً، واشباه هذا. قال: إن كان بينهم عداوة حلف ما أراد قذفاً، وإن لم تكن عداوة فليحلف أيضاً (¬2) ما أراد الفاحشة. وعمن قال لرجل في مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفة، قال: يحد ثمانين جلدة. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن قال لرجل ما أأعرف أباك فما أنكر فليرفعة إلي السلطان. قال محمد: ولو قال ما يعرف أبوك لحد. وروي أبو زيد عنه: ومن قال رأيت فلاناً مع فلانة في بيت او قال على بطنها أدب أدباً وجيعا. وكذلك لو قالخ لزوجته وقال رأيتها معه في لحاف، أدب ولا يبلغ به الحد. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لرجل رأيتك تطلب امرأة في أثرها أو تطردها أو تقبلها أو اقتحمت عليها أو دخلت علي فلانة، فلا حد عليه شئ من ذلك، لأنه يمكن ان يكون بلا زني، فهو شتم وكذلك لو قال رأيتك معها في ثوب أو لحاف أو علي بطنها أو في مقعد الرجل من امرأته فلا حد في ذلك، ويحلف ما أراد قذفا ويؤدب. وفي المدونة: إذا قال له جامعت فلانة بين فخذيها فهو تعريض بين، وفيه الحد. وقال اشهب لا يحد في التفخيد لأنه صرح بما رماه به. ومن العتبية (¬3) روي أبو زيد عن ابن القاسم: ومن قال لامرأته قد سرحتك (¬4) من زنى فإنه يحد ولا طلاق عليه. ¬
قال محمد والعتبي قال ابن القاسم عن مالك في مولي قال لعربي أنا خير منك أصلاً وفصلا وأقرب برسول الله فلم ير فيه حداً، وقال: ما أري من أمر بين، والعفو فيه أفضل. ومن قال مالك من أصل ولا فصل فلا حد في هذا. قال العتبي قال أصبغ: فيه الحد، وقيل إلا أن يكون من العرب ففيه الحد. قال مالك: ومن قال لمولي ياابن المطرق (¬1) لم يحد، ويحلف ما أراد قذفاً وينكل. قال: ومن قال لرجل أنا أقذفتك أو افتري عليك فلا يحد، ويحلف ما أراد الفاحشة. قال ابن حبيب قال مطرف فيمن قال لرجل في منازعة أتكلمنى وقد نكحت أمك أو كانت زوجتى؟ قال مالك: إن لم تقم بينة أنه تزوجها فعلية [الحد] (¬2) للقذف. وقال ابن الماجشون: لا يحد، ويعاقب أشد العقوبة، لأنه لو جاء بشاهدين على نكاحه كفاه. ولو كان قذفا لم يخرج من الحد إلا بأربعة. قال ابن حبيب بقول مالك لأنه تعريض بين لأن النكاح يسمي وطئاً، فلو كان في غير منازعة لم يحد، كما لو قال له في غير منازعة ما أنا بزان ولا أمي بزانية لم يحد، وقال أصبغ وذكره عن ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: من قال لرجل أنا جامعت أمك حد إن كانت حرة مسلمة، إلا أن يقيم بينة أنه تزوجها تزويجا حراماً أو في عدة أو وطئها فيما لا يجوز له أن يطأها من ظهار وغيره، فإن أقام بينة بذلك ¬
حلف أنه الذي أراد ولا يحد. كما لو قال ذلك في نفسه. وإن قال له رأيت فلا يصيب أمك حلالاً، فإن كان علي المشاتمة فعليه الحد. ومن قال لرجل أنت تزنى بامرأتك أو أنت مقيم معها حراماً أو بأمتك فلا حد عليه، ولقد آذي فيؤدب له. ومن قال لرجل يا فاعل بأمة فإنه يحد. وروي عن أبي هريرة أنه قاله. وذكر ابن حبيب أن الثوري [روي] (¬1) عن أبي هريرة فيمن قال يا نايك أمه، فجلده ابو هريرة ثمانين. ومن وقع بينهم كلام فكشف عن فرجه وأشار إليه فقال له إن أمك وأختك لتعرف هذا، فعليه [الحد] (¬2) وقد نزل هذا بالمدينة فضربة عبد الملك ابن مروان وسعيد بن العاصي ثمانين، وذكره بكير (¬3) ومن قال يا ابن منزلة الركبان فإنه يحد، لأنه كان في الجاهلية إذا طلبت المرأة الفاحشة أنزلت الركبان. قال يحيي بن سعيد: جلد مروان في ذلك الحد قال ومن قال يا بن ذات الراية حد. وكان في الجاهلية على باب المرأة البغي راية. وقد جلد عمرو بن العاص في ذلك الحد. قال: وإن قال له يا ذا الذي تزعم المرأة أنه اغتصبها أو يزعم الصبي أنه نكحة،، قال: إن كان في مشاتمة فعليه الحد. ¬
قال: ومن قذفه رجل فاستاذي (¬1) عليه فحده أو تركه أو عفا عنه، ثم خاصم رجلاً فقال له قد سمعت فلاناً يقول لك يا زان فمالك لم يستأذ عليه، فإنه يحد [يحد] (¬2) قال له [ذلك] (¬3) في الوجهين، لأنه كأنه قال له صدق عليك فلان ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لرجل أنا افتري عليك أو أنا اقذفك قال: لا حد عليه، ويحلف أنه ما أراد الفاحشة. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن قول مالك إذا عرض الأب بابنه بالزني لم يحد، بخلاف غيره. وإنما يحد إذا صرح، كالقصد إلي القتل وهو يجوز عفوه عن القذف وإن لم يرد ستراً – يريد عند الإمام – قال ابن الماجشون: [فيمن قال لرجل في منازعة أنا فلان بن فلان لا يعرف، فإن قاله لرجل مجهول بالبلد فلا شئ] (¬4) عليه، وإن كان معروفاً بالبلد حد. قال: وحدثنى الحنفي عن ابن أبي ذؤيب فيمن قال لامرأة يا حدودية (¬5) قد طلقتك زوجك فهو يطئوك حراما، فإن عليه النكال. قلت: لأصبغ فيمن قال لرجل يا زانى فيقال له قذفته فيقول إنما اردت زنوت الجبل أي علوت فيه. والزانى في كلام العرب الذي يعلو الجبل، قال عليه الحد، ولا يقبل منه إلا أن يكون كائنا في تلك الحال، وتبين أنه الذي أراد ولم يقله في مشاتمة. اصبغ يريد ويحلف القائل زنات الجبل. وهو مهموز. ¬
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال زني فرجك أو دبرك حد، قال ذلك لرجل أو لامرأة. فيمن قال لرجل يا ولد الخبث أو يا خبيث أو يا خبيث الفرج أو يا ابن الخبيثة أو يا بن اللخناء أو يا قرنان أو قال يا لوطي أو لمرأة يا قحبا وشبه ذلك أو قال يا فاسق أو يا فاجر أو قال لا خير منك أو يا مخنث من كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬1) وروي أصبغ وعيسي عن ابن القاسم فيمن قال لرجل يا ولد زني، وعلي ذلك يجري ذلك في المشاتمة. قال عنه فيه: إن قال له يا خبيث الفرج، أو قال أنا اعف منك فرجاً إنه يحد، قال أصبغ: إن كان في مشاتمة وغضب. ومن كتاب المدنيين من العتبية قال ابن القاسم: وإن قال له يا بن الخبيثة أو يا ابن اللخناء (¬2) فليس عليه في ابن اللخناء إلا الأدب، لأنها القذرة، وذلك بقدر حالها، ليس يقال ذلك لابن أمة عربية أو ذات دين أو من صالحي الموالي، مثل من قال لابن أمة نصرانية أو سفيهة (¬3) في مبلغ الأدب [وأما قوله يابن الخبيثة فإنه يحلف ما أراد قذفا ويؤدب، لأن الخبيث] (¬4) يخرج إلي غير الحد وبلغنى ذلك عن مالك، وقاله ابن كنانة. ¬
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن قال لرجل في مشاتمة يابن العفيفة فقال له الاخر يابن الخبيثة، فعلي القائل يا بن العفيفة [الحد] (¬1) إن كانت أمة حرة. وأما القائل يا ابن الخبيثة فليحلف ما أراد الزني، فإن حلف ادب، وإن نكل حد. وإن قال له يا خبيث الفرج فعليه الحد. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في ولد الخبيث يحد، وإن [قال] (¬2) يا ابن الخبيثة حلف ما أراد القف وأنه أراد خبثا في فعل أو خلق [ونكل] (¬3) فإن نكل سجن حتي يحلف. وكذلك إن قال يا ابن الفاسقة أو الفاجرة، فإن طال سجنه ولم يحلف اوجع أدباً وخلي. قال ابن الماجشون: فهذا كله إذا نكل حد، وبه أقول. قال ابن حبيب وابن المواز وقال ابن الماجشون عن مالك فيمن قال لرجل يا مخنث، قال في كتاب ابن حبيب: فإن كان في كلامه توضيع أو لين (¬4) أو يعمل عمل النساء. قال في كتاب ابن المواز. أو كان في يديه [رصيع] (¬5) حلقة فيه أو لين في كلامه أو يعمل من عمل النساء شيئاً (¬6)، قال في الكتابين: أحلف ما أراد الفاحشة ونكل، وإن لم يكن في الرجل شئ من ذلك حد له. قال ابن حبيب وروي عن ابن أبي أويس أن عمر بن عبد العزيز لم ير فيهالحد، إلا أنه جلد فيه جلداً أشد من الحد. (¬7) ¬
وذكر ابن المواز من رواية ابن وهب قال: وقال رجل من العلماء إنه إن شاء قال: قلت [إنه] (¬1) مخنث الجسد أو المنطق. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك إن قال له يا مؤنث وفيه لين الكلام خلقه أو غيره مما يشبهه فليحلف ويؤدب. ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم: فيمن قال لرجل يا مجلود، فقال له الآخر إن كنت مجلوداً فأنت فاسق، فقامت البينة أنه مجلود. قال: فعلي القائل فأنت فاسق الأدب الخفيف. وقال في عربي وقرشي يقذفه فقال القرشي: أنا خير منك وأقرب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم [فقال له العربي بل أنا خير منك وأقرب إلي رسول الله صلي عليه وسلم] (¬3) قال: ما أري في هذا حداً، والعفو أفضل. قال ابن القاسم في مولي قال لعربي لست لي بكفء فلا حد في هذا وقاله مالك في مولي قال لعربي أنا خير منك وأقرب نسبا لرسول الله، فلا حد في هذا. قال ابن القاسم: وكذلك الرومي يقول للعربي أنا خير منك وأكرم حسبا فلا حد فيه، إنما الحد في قذف أو نفي أو تعريض. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في عربي نازع مولاه، فقال له العربي: إنما أعتق أبوك أمس، فقال له المولي: أنا أقدم منك في العتق ومن أبيك. قال: لا حد في هذا وينكل ويحبس، كما لو قال أنا خير منك وقاله مالك. ¬
قال ابن وهب: وإن كان إنما أراد في قوله أقدم منك في العتق أن اباك (¬1) معتق فعليه الحد، وإن أراد أقدم في الإسلام وشبهه فلا حد عليه. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إن قال عربي لعربي أنا خيرمنك لم يحد، فكذلك لو قاله لمن فوقه في العربي من قرشي أو غيره (¬2) أو قاله لمثله. وكذلك إن قاله مولي لمولي. ولو قاله مولي لعربي لحد، وكأنه قال له: لست من العرب. فإن قال أردت أنا خير منك عند الله، فإن كان مثله يشبه أن يكون كذلك ألف ولم يحد. وإن قاله سفيه (¬3) لا يشبه مثله ما قاله حد ولم يصدق. وإن قال ابنا عم من العرب (¬4) أو من قريش أحدهما للآخر أنا خير منك فعليه الحد، إذ لا مذهب (¬5) له هاهنا إلا النقل من نسبه، إلا أن يقول اردت اني خير منك ديناً ومثله يشبه ما قال، فليحلف ولا يحد وقاله أصبغ. قال محمد: ومن قال لرجل ياقرنان فعليه الحد إن قامت به امرأته، لأن يا قرنان إن عليه الحد لأنه أراد الفاحشة، ولم ير يحيي بن عمر فيه حداً. قال يعزر عشرين سوطاً. وإن قال له يا مواجر (¬6) بارت إجارتك، [إن] (¬7) قاله على المشاتمة فعليه الحد. وروي أشهب عن مالك في قوله يا مواجر أنه يحد. ¬
قال في كتاب ابن المواز: ولو قال يا فاجر فقط لم يحد، وكذلك يا فاسق، وفيه الأدب. وإن قال يا خبيث حلف أنه ما أراد القذف ونكل. وإن نكل، قال ابن القاسم يحبس، وقال أشهب: يحد إن لم يحلف ما أراد القذف ولا خبث الفرج، كقول مالك في قوله يا مخنث، وإن نكل حد، وإن حلف عوقب. قال أشهب: وكذلك في يافاسف يا فاجر، وكذلك يا بن الفاسقة أو الفاجرة أو يابن الخبيثة، فإن لم يحلف] (¬1) عنده لم يحد وحبس حتي يحلف، فإن طال حبسه نكل وخلي. قال ابن القاسم: وينكل في قوله يا بن الفاجرة أو الفاسقة ولا يحلف في ذلك. وقال اشهب: يحلف في ذلك وفي قوله: يابن الفاجر والفاسق أو يابن الخبيث، يحلف ما أراد نفيه من أبيه ولا أراد قذفا لأبيه، فإن حلف نُكِّل، وإن لم يحلف حد. والنكال بقدر اجتهاد الإمام في حالات الناس، منهم المعروف بالأذي، ومنهم ذو الهوة، ويختلف (¬2) فيمن يقال [له] (¬3) ذلك أيضاً من ذوي الحال. قال أشهب نحو قول ابن القاسم في قوله يا فاجر بفلانة إنه يحد إن لم يظهر لقوله سبب منعه بها بينة (¬4) في مال جحدها إياه يدعي أنه أراد ذلك فليحلف على ذلك. قال أشهب نحوه إذا قال يافاجر بفلانة أو يا فاسق بها أو يافاسق الفرج او يا خبيث الفرج ففيه الحد في جميع ذلك وأدني حالات التعريض بالزني. ¬
قال ابن شهاب: من رمي رجلا بلواط حد، وقال مالك في المدونة إنه إن رماه ببهيمة لم يحد، وادب، لأنه لايحد ناكحها (¬1) وقال يحيي بن عمر: فيمن قال لامرأة يا قبحة إنه يحد، [أخبرنا أبو بكر بن محمد قال: حدثنا أبو اسحاق البرقي وأبو زيد عن ابن ابي الغمر قالا: أخبرنا اشهب أنه قال فيمن قال لرجل يا مواجر إن عليه الحد] (¬2) قال ابن حبيب [أخبرنى الحنفي] (¬3) عن ابن أبي ذئيب في المرأة تقذف امرأة [بامرأة] (¬4) أخري، قال تنكل (¬5) قاذفتها نكالا موجعاً. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قيل له يا مابون (¬6) وهو رجل في كلامه تأنيث يضرب الكبر ويلعب في الأعراس ويغنى ويتهم بما قيل. أو قال له يا سارق وقد اتهم بالسر قة غير مرة واحدة وحبس فيها، أو قال يا مقامر وهو مشهور بالقمار معروف به، فلا شئ علي أحد من هؤلاء، إلا القائل يا مابون فلا مخرج له من الحد إلا أن يحق ذلك (¬7) ¬
فيمن قال لامرأة زينت في صباك أو في كفرك
فيمن قال لامرأة زنيت في صباك أو في كفرك [أو مكرهة] (¬1) أو زني هذا ثم ادعي أنه أراد هذا من كتاب ابن المواز: ومن قال لامرأة زنيت وأنت صغيرة او أمة أو نصرانية، فقال ابن القاسم يحد، وهو تعريض وإن أقام بينة بما تقدم من ذلك. وكذلك عنده لو قال لها زنيت فلما طولب أقام البينة بأنها زنت وهي نصرانية أو صغيرة، قال: لا ينفعه ذلك. قال مالك: واما إن أقام بينة أنها زنت وهي أمة فإن ذلك ينفعه ولا حد عليه، وتحد هي حد الأمة خمسين جلدة. وإن لم تقم بينة حد هو للقذف، وقاله ابن القاسم في الأمة، قال: وأما في الصغيرة والنصرانية فلا تنفعه البينة [شيئاً] (¬2). ثم قال زنيت في صغرك أو نصرانيتك أو لم يسم، لأن الذي تقدم لا يكون زني وقد حصل إما قاذفا أو معرضا. قال عبد الملك في ذلك كله: إن أقام البينة لم يحد، وإن لم يقم بينة حد وإن سمي [وقال اشهب: إن سمي] (¬3) فقال في صغرك او نصرانيتك أو رقك، فإن كان في غير مشاتمة لم يحد، وإن كان في مشاتمة حد إلا أن يقيم البينة. قال ابن وهب قال عطاء وابن شهاب: إذا رماها بما كان في الجاهلية نكل، وقاله مالك. قال محمد: وأراه قد سمي زناها في الجاهلية وكان ذلك قد عرف من فعلها ببينة، فأما إن لم يسمه ولكن قذفها، فلما طولب أقام بينة بزناها في الشرك فلا تنفعه، رواه ابن القاسم عن مالك، ¬
في الصغير والعبد والكافر والمجنون يقذف أو يقذف
وقاله ابن القاسم وأشهب وعبد الملك كما قدمناه. وقول ابن القاسم أقيس، وقول أشهب استحسان، وأحب إلينا إن كانت له بينة لم يحد، وعليه جماعة من أصحاب مالك وغيرهم. وأما إن قال قذفتك وأنت نصرانية، فقال أشهب إن كان في مشاتمة حد، وإلا لم يحد. وقال ابن القاسم: يحد إلا أن يكون منه على التحلل وإن قال: رايتك تزني مستكرهة، [قال يحد وإن أقام البينة، لأنها ليست بذلك زانية. ومن قذف مستكرهة] (¬1) حد، ولو كانت زوجة له لا عن وإلا حد، قاله ابن القاسم. وقال هو واشهب: من عرض لامرأته بالزني فإنه يحد إن لم يلاعن. في الصغير والعبد والكافر والمجنون يقذف أو يقذف، وحد البلوغ ومن قذف طارئاً لا يعرف ومن قذف عبداً أو أمة اقتص منه وهو قد اعتقد ولم يعلم أو قبل أن ينفذ في الثلث من كتاب ابن المواز: وقال في التى لم تحض قط يقذفها رجل فإن عليه الحد إذا كان مثلها يوطأ. قاله مالك وأصحابه. وإذا قذفته هي لم تحد إذا لم تحض وأنبتت الشعر كما يحد من زني بها ولا تحد هى. وأما الغلام فلا حد له ولا عليه في قذف إلا بالحلم أو نبات الشعر، كما ¬
لا يحد هو في وطئة ولا الموطوءة (¬1) وقاله يحيي بن سعيد وابن شهاب ومالك والليث والأوزاعي. وروي ابن وهب وابن القاسم عن مالك في الغلام يقذف رجلاً فلا حد عليه حتي يحتلم أوي نبت الشعر س. وإن سرق هو وصبيه صغيرة لم يحداً إلا يالاحتلام في الغلام أو تحيض الجارة أو ينبت الشعر. فإن أبطأ الحيض والاحتلام فحتي يبلغا سنا لا يبلغه أحد غلا بلغ ذلك من احتلام (¬2) أو حيض، كانا مسلمين او حرين او ذميين او مملوكين. قال ابن حبيب: ثمانين عشر عاماً أقصي السن الذي يجب به الحد في تأخير الحيض والإنبات. قال الأبهري: والاحتلام في المرأة بلوغ. وفي كتاب السرقة باب في هذا. ومن كتاب ابن المواز: وقال في النصرانبي يحد إن قذف مسلماً، ومن قذفه هو لم يحد قاذفه مسلماً أو كافراً وكذلك العبد لا حد عليه إن قذفه مسلم أو كافر ـ ويحد هو في قذفه المسلم الحر، يحد أربعين. وأم الولد والمدبر ومن فيه بقية رق بمنزلته. ويؤدب قاذف المملوك والنصرانى، وإن قال ذلك علي قدر ما يعرف به من الأخري. قال ابن شهاب: ولم يكونوا يؤدبون الحر في قذف المملوك، وأنا اري أن يصرف (¬3) الإمام عنهم الأذي بالأدب، بقدر سفهه وحالة سيما إن كان للعبد أو للذمي ولد ميلم أو زوج للنصرانية حر مسلم، فهو أقوي في أدبه. ¬
وقال مالك والليث مثله في هذا إنه يعزر، وقاله ابن المسيب والقاسم وسالم وربيعة وسليمان ويحيي بن سعيد. وجلد عمر ابن عبد العزيز رجلاً قذف نصرانية لها ولد مسلم بضعاً وثلاثين سوطاً، وذكر ابن حبيب مثله. قال في كتاب ابن المواز قال يحيي بن سعيد: وأما من نفي أولادهم فإنه يحد. قال مالك: وكذلك لو قال لنصرانية أو أمة يا زانية ولها ولد مسلم إنه يعزر. قال محمد: وكذلك النصراني والعبد يقال له يازان وله ولد مسلم إن فيه التعزير. قال مالك: وإن قال لرجل يا بن الزانية وقد هلكت أمة مشركة (¬1) إنه يعزر. [وقال ابن حبيب] (¬2) عن أصبغ فيمن قال لمسلم أمة نصرانية يا ابن الزانية، قال ابن القاسم: فإن [كان] (¬3) ذا هيئة عزر له عشرين سوطاً ونحوها، وإن كان لا هيئة له فدون ذلك. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولو أسلمت النصرانية وعتقت الأمة ولم يظهر ذلك حتي قذفتا (¬4) إنه يحد قاذفهمها. قال مالك: وقذف [رجل] (¬5) بأمة وهي أم ولد [في] (¬6) ولاية عمر بن عبد العزيز فأخبره أباه فأعتق أبوه أمه ثم عاد متعرضا له حتي قذفته ثانية فرفع إلي عمر فحده. وقال ابن حبيب قال ابن الماجشون في حر قذف عبداً إنه لا يعزر به إلا أن يكون قد نهي عن أذي هذا العبد (¬7) أو يكون رجلاً فاحشا معروفاً بأذي الناس فيؤدب، ويكون ذلك زجراً عن هذا العبد وغيره. وكذلك في قذف المسلم للنصراني. ¬
قال ابن الماجشون في مواضع أخر من كتاب ابن حبيب: وإن زني عبد عبداً لم يحد وأدب، وكذلك إن زني حر عبداً لم يحد وأدب. وإزني حر وعبداً حراً حداً جميعاً، هذا ثمانون وهذا أربعون. وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم في امرأة قالت لأمتها يا زانية فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم: إن لم نجلدك في الدنيا جلدتك في الآخرة. فقالت لأمتها اجلدينى فأبت وقالت: عفوت عنك، فأعتقتها وأخبرت النبي صلي الله عليه وسلم فقال: عسي (¬1). قال الأوزاعى: إن كانت كذلك وإ حدث لها يوم القيامة. ومن قاله لكتابية أو مجوسية سئل عن ذلك يوم القيامة قال ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم واصبغ فيمن قال لعبد يازان فيقول العبد بل أنت، إنه يحد العبد وينكل الحر. وروي عيسي عن ابن القاسم عمن قذف مسلماً ابواه نصرانيان [فإن كان] (¬2) ممن له هيئة جلد عشرين فأكثر، وإن كان لا هيئة له فأدني من ذلك، يريد شتمه ولم ينفه ولا قذفه بالزني أو قذف اباه او امه. ومن كتاب ابن المواز: وعن الغريب يقدم فينتمي غلي قوم فنفاه رجل منهم، قال: فعلي المقذوف في هذا أن يقيم البينة على نفسه. وقاله ابن وهب وأشهب. وقال محمد: وإن طال مقامه بالبلد الزمان الطويل حتي انتشر ذلك عند الناس وعرف به ثم أخرجه أحد منهم فإنه يحد. وقال ابن القاسم [عن مالك] (¬3): والناس في أنسابهم على ما حاوزا وعرفوا به كحياوة ما يملكون. ومن ادعي غير ذلك كلف البينة وإلا حد. ¬
ومن شهد عليه قوم فقال المشهود عليه هم عبيد، فأما المجهولون بالبلد يعرف قدومهم فلا تقبل شهادتهم حتي تقوم بينة بحريتهم مثل عدالتهم، وأما المعروفون بالبلد البارون بها (¬1) فهم احرار على ما حازوا وعرفوا بها. قال ابن القاسم: بل هم أحرار ابداً، مثل الذي قذف الرجل وقال إن أمة أمة أو نصرانية فلا يقبل قوله، وهي حرة حتي يقيم هذا البينة أنها أمة. قال فيه وفي العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم في الأمة تعتق في وصية فيقذفها رجل بعد موت سيدها قبل تنفذ في الثلث، إنه لا يحد وإن كان في المال سعة، ثم رجع فقال: إن كان له مال مأمون حد، وترث وتورث، وقاله عيسي بن دينار. قال مالك أيضاً: وكذلك في العبد لا يحد قاذفة وإن ترك سيده مالاً مأموناً حتي تنفذ حريته، وإلا لم تجب له موارثه الأحرار، ولا يحد قاذفه واختلف فيه قوله. ومن كتاب ابن المواز في هذا العبد يقفذه رجل قبل يعتق في الثلث الرجل (¬3) أو أمة حامل من سيدها بعد موته ولم تكن ولدت منه (¬4) قبل ذلك. فأما هذه الحامل فيحد قاذفها إن تبين حملها، ولم يختلف فيه قول مالك. وقد قيل له أتؤخر حتي تضع ولهله ينفش؟ فأنكر ذلك. واما الموصي بعتقه فلا يحد قاذفه وإن نظر فيه بعد ذلك فخرج من ثلثه. واختلف قول مالك فيه إذا ترك مالاً مأموناً من دور وعقار، فروي عنه ابن وهب أنه لا يحد [قاذفه] (¬5) [حتي ينفذ في الثلث] (¬6) وإن ترك مالاً ¬
مأموناً، (وروى عنه ابن القاسم القولين وأخذ أنه يحد قاذفه إن ترك مالاً مأموناً) (¬1) وإليه رجع مالك. قال: وإن أعتق عبده وهو غائب ولم يعلم حتى قذف (أو قذف أو جرح) (¬2) أو جرح فينفذ فيه القضاء على أنه عبد. ثم يثبت أنه قد كان حراً قبل ذلك، إنه يرجع (به) (¬3) إلى حكم الحرية فيما له وعليه، ويتم (¬4) عليه الحد على ما تقدم في حد في قذف أو زنى، وتحمل عاقلته ما يحمله الحر. وإذا اقتص (له من) (¬5) عبد في قطع يد فإنه يرجع في ذلك فيقال لسيد العبد المقتص منه إنما كان يلزم عبدك خمسمائة دينار تفديه بها أو تسلمه، فأنت على ذلك، فافده أو أسلمه. فإن فديته فلك على الإمام ما نقص من قيمة عبدك، وإلا فأسلمه ولا شيء لك في قطع يده، ويكون لمن أسلم إليه على الإمام قيمة (قطع) (¬6) يده. كما لو قتله قصاصاً بعبد ثم ظهر أن المقتول الأول حر، أو اقتص منه على أنه حر ثم تبين أن الأول عبد، فعلى عاقلة الإمام دية الحر المقتص منه تؤخذ منها قيمة العبد للسيد. وأما إن اقتص من الحر على أنه عبد فقطعت يده للعبد ثم علم أنه حر فكذلك أيضاً تكون دية المقتص منه على عاقلة الإمام، ويقال لسيد العبد إن شئت فأسلم عبدك إن كان أبطله ويكون لك عليه قيمته صحيحاً يوم قطعت يده، وإن لم يبطله فإنما (لك) (¬7) عليه ما نقص عبدك ولا شيء ¬
له عليك أنت مما كان اقتص لعبدك من قطع الحر، ودية الحر على عاقلة الإمام. كما لو رجم من شهد عليه أربعة بالزنى ثم ظهر أن أحدهم عبد، وإن ألفي المرجوم عبداً فقيمته في مال الإمام. ومن العتبية (¬1) من سماع أشهب فيمن قذف رجلاً بزنى أمه وهو يعرفها أمة وقد عتقت قبل ذلك ولم يعلم، أنه يحد. قيل قد قالت إن حلف أنه لم يعلم فقد عفوت عنه، فذهب ليحلف فبدا لها. قال: فذلك لها، ويحد وإن كانت قد أشهدت على ذلك، لأن عفوها في مثل هذا لا يجوز وإن ثبتت على العفو، إلا أن تريد ستراً (يريد) (¬2)، وقد بلغ الإمام. قال: وروى ابن القاسم عن مالك أن العفو جائز. ومن كتاب ابن المواز: وعن النصراني أو العبد يقذف المسلم ثم يسلم النصراني ويعتق العبد مكانه، فإنهما يحدان. قال مالك: يؤخذ إذا أسلم النصراني بحقوق الناس، ولو كان قتل نصرانياً أو سرق منه أو قذف مسلماً فإنه يقام عليه بعد إسلامه فيقتل ويقطع ويحد للقذف. وكذلك العبد يقام عليه حد العبد بعد أن يعتق، كان العبد مسلماً أو نصرانياً. ومن أخذ في زنى أو فرية أو شرب خمر فقال أنا مملوك. فأما في الزنى فيرجم إن كان محصناً ولا يصدق، وإن (كان) (¬3) بكراً لم يقم عليه إلا حد العبد القذف (¬4)، وكذلك في الفرية وشرب الخمر، لأنه لا يتهم أن يرق نفسه بهذا. ¬
قال محمد: وإن أقر بالرق لرجل (حاضر) (¬1) أو قريب الغيبة سئل من أقر له، فإن ادعاه لم يحد في الجلد إلا حد العبد، وأما في الزنى والقتل والقطع فلا يسقط عنه إلا بالبينة. ومن (العتبية من) (¬2) سماع ابن القاسم: ومن قال لرجل يا ابن الزانية وهو غريب لا تعرف أمه ويحتج بذلك القاذف، قال: إن كان مسلماً حد له القاذف. وقد يقدم الرجل من خراسان وغيرها فيقيم السنين فهذا يحد قاذفه ولا يكلف بينة أن أمه حرة أو مسلمة. ومن كتاب ابن المواز: ومن قذف مجنونة في خبلها بالزنى حد، وهي لو زنت في ذلك الحال لم تحد. قال محمد: ولو أصابها الجنون من صغرها حتى كبرت لم تفق، لم يكن على من زنى بها حد، لأنها لا يعلق بها اسم (الزنى) (¬3) كمن جب في صغره ثم قذف في كبره، وقال أصبغ عن ابن القاسم في كل من لا حد عليه إلا الجارية لم تبلغ المحيض وبلغت الوطء، فليحد قاذفها والزاني بها، ولا تحد هي. ¬
باب فيمن أمر رجلا أن يقذف رجلا أو يقتله ففعل
باب (¬1) فيمن أمر رجلاً أن يقدف رجلاً أو يقتله ففعل أو أمر عبده أو صبيه ومن بلغ عن رجل قذفاً أو حمل إليه به كتاباً من العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم: ومن قال لعبده أو لأجنبي قل لفلان إن فلاناً يقول له يا ابن الفاعلة ففعل، فإن قامت البينة أن الآمر أمره بذلك فالحد على الآمر دون المأمور، وإن لم تقم بينة حد المأمور. وإن قال له اقذف فلاناً ففعل، فأما في العبد فيحد هو والسيد، وأما في الحر فيحد القاذف ولا يحد الآمر. ومن قذفه عبد رجل فشكاه إلى سيده فقال أنا أمرته بذلك، قال: يحد السيد في قول مالك. قال ابن القاسم: ويضرب العبد أيضاً. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أمر غلامه بقذف رجل فقذفه أنهما يحدان جميعاً، سواء قال له اقذفه أو قال له (قل) (¬3) يا ابن الفاعلة. ولو أمر أجنبياً أن يقذف رجلاً ففعل فالحد على المأمور دون الآمر. وأما لو قال له (قل) (¬4) يا ابن الفاعلة ففعل فالحد عليهما، لأنه وإن ثبت أنه أمره بذلك فقد قاله المأمور. قال ابن حبيب: وهذا أحسن ما فيه، وقد اختلف فيه. ¬
ومن كتاب ابن المواز: ومن حمل إلى رجل كتاباً من رجل وفيه يا ابن الفاعلة فدفعه إليه، فإن كان يعرف ما فيه حد، وهو أشد من التعريض. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن قال لرجل فلان بزعم أنك زان وأقام بينة أن فلاناً قاله، فإن قاله الثاني مخاصماً أو مشاتماً حدا جميعاً، وإن قاله مخبراً فلا حد عليه، وإن لم يأت ببينة على قول فلان حد هذا بكل حال. وإن جاءه بذلك على وجه الرسالة فقال فلان أرسلني إليك يقول له يا زان أو جاء معه بذلك في كتاب يعرف ما فيه فعليه الحد، وإن ثبت له أن فلاناً أرسله به، وقاله مطرف. ومن كتاب ابن المواز فيمن قال لرجل يا ذا الذي تزعم المرأة أنها اغتصبها أو يزعم الصبي أنه نكحه، فإن قاله في مشاتمة فعليه الحد. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم في حر أمر حراً أن يقتل حراً فقتله، فليقتل القاتل ويجلد الآمر مئة ويحبس سنة. ولو أمر بذلك عبده ففعل لقتل العبد والسيد، كان العبد أعجمياً أو فصيحاً، وروى عنه أصبغ مثله. قال عنه يحيى ابن يحيى: إذا أمر بذلك عبده أو العامل يأمر رجلاً يقتل رجلاً والعامل ظالم (¬2) له، فإنه يقتل الآمر والمأمور. وأما من أمر بذلك ابنه أو معلم يأمر صبيانه أو صانع يأمر متعلميه، فإن بلغ المأمور الحلم قتل وبولغ في عقوبة الآمر، ولا عقل على عاقلته. وقال عنه سحنون: يقتلان جميعاً. ¬
(قال يحيى) (¬1) وأما من لم يبلغ الحلم منهم فالقتل على الآمر، وعلى عاقلة الصبي نصف عقل المقتول، وإن كثر الصبيان قسم العقل على عواقلهم وإن قل (ما) (¬2) على كل عاقلة. قال أصبغ: لا يقتل أبو الصبي إن كان الصبي بلغ مبلغاً يعقل (مثله) (¬3) مثل المراهق واليفاع وشبهه، فهو كالخطأ وكغير ولده، وهو على عاقلته، ولا يقتل واحد منهما. وكذلك إن (كان) (¬4) أمره بإرحال واحد يغيب عليه دونه، فأما بمحضره وهو يشاهد ذلك إما بإمساك أو بإشلاء أمر بين فهو قاتل. ويقتل أباً كان أو غيره. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال أخبرتني فلانة أن فلاناً زنى بها فأنكرت المرأة أو أقرت، قال: يحد هو بكل حال، أقرت هي أو أنكرت، فإن أقرت حدت للرجل وللزنى، وإن أنكرت لم يكن عليها شيء، وحد المخبر عنها حداً واحداً لها وللرجل. قال ولا يمين عليها. ومن قال لرجل أشهد لك أن فلاناً زناك، فقيل إن كان ذلك في غير مشاتمة لم يلزم الشاتم حد ولا يمين أنه لم يرد قذفاً، وقيل يحد إلا أن يقيم بينة أن فلاناً أشهده. محمد: والأول أحب إلينا، إلا أن يرى أن ذلك منه على المشاتمة. ¬
فيمن قال إن فعل أو من يفعل كذا فهو ابن زانية
فيمن قال إن فعل أو من يفعل كذا فهو ابن زانية، وإن كان كذا أو إن لم يكن كذا أو إن لم أكن كذا (فأنت كذا) (¬1) من العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم فيمن قيل له إنك فعلت كذا فيقول من قال إني فعلت كذا فهو ابن زانية، فقال (له) (¬3) رجل أنا قلته، فإن قامت له بينة أنه قاله حد له وإلا فلا. ومنه ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن قال لآخر على المشاتمة يريد عينة ولا يطعن في نسبه: إن لم أكن أصح منك فأنت ابن زانية، يقول أصح منك في الأمور لا أقارف ما تقارف فإن أقام بينة أنه أصح منه كما ذكر نكل (¬4) بإذايته له، وإلا حد. قال وإن قال له إن لم أكن أفضل منك فأنت ابن زانية، فالبينة على القاذف. ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة لسحنون، فيمن قال لرجل إن كنت خيراً مني فأنت ابن عشرة آلاف زانية، فقال له الآخر إن لم يكن عبدي خيراً منك فأنت ابن عشرة آلاف زانية. فكتب إليه سحنون: أن الذي قال إن كنت خيراً مني فليس مخرجه خيراً مني في الدين، ولكن ينظر، فإن كان هذا عربياً والآخر ليس بعربي أو له آباء عدد (¬5) في الولاء فهو فوق صاحبه فإن كان هكذا فليحد. وأما القائل عبدي خير منك فليحد ولا يكون العبد خيراً من الحر. ¬
ومن كتاب ابن المواز [قال] (¬1): وإن قال لرجل يا ذا الذي جده نصراني فقال عن كان جدي نصرانياً فأنت ابن زانية، فنظر فإذا جده لأمه نصراني، فليحلف القاذف بالله ما أراد إلا جده لأبيه، قال محمد: ويؤدب. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال لرجل إن كنت عربياً فأنت ابن الفاعلة، فطلب المقوف البينة أنه من العرب فلم يجد. قال: يضرب القائل [ذلك] (¬2) سبعين جلدة. قال ابن القاسم: هذا كثير ويضرب أربعين او خمسين. وكذلك من قال لرجل عن كنت فعلت كذا وإن كان كذا فأنت ابن الفاعلة، فإن ثبت ذلك الذي قال إنه (¬3) كذلك حد، وإن لم يكن ضرب نحو ما ذكرنا. قال أصبغ عن ابن القاسم: وسأله رجل فقال قال لي فلان (¬4) لست من العرب، فقلت: من قال إنى لست من العرب فهو ابن زانية. قال: إن أقمت البينة أنك من العرب حد هو لنفيه إياك، وضربت انت الحد لأنك قذفته. فقال الرجل لابن القاسم (¬5): إنما أردت الناس [كافة ولم ارده فقط] (¬6) فقال له أنت تجاوبه وتقول ماأردته (¬7) لا ينجيك ذلك من الحد، ولكن صالحة. ¬
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن قال من شهد على فهو [زان] (¬1) ابن زانية، فشهد عليه رجل، فعلي قائل ذلك الحد. وكذلك لو قال من دخل المسجد فهو ابن الفاعلة فعليه الحد. ولو قال من رمانى فهو ابن الفاعلة، فرماه رجل فلا حد عليه، لأن هذا متعد، وقاله كله اصبغ. وقال ابن الماجشون: ومن قال لرجل إن كنت قلت ما ذكرت فأنت ابن الفاعله، فإن كان له بينة أنه قاله حد، وإن لم تقم بينة أدب لآنه أرفث (¬2). ومن العتبية (¬3) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن باع لرجل (¬4) فقال أنا أكرمك كرامة لابنك وكذلك يكرمك كثير من جيرانك، فقال: من يكرمنى لابني فهو ابن الفاعلة، فإنه ينظر، فإن كان أمر بين إنما يكرم لولده حد، وإلا فلا شئ عليه. وقال في رجل قال لاخر لأنك في عيال ربيبك، فقال الآخر أنا أقذفك بالزني إن كنت في عياله، فإن وجد بينة أنه في عيال زوج أمه [حد] (¬5) وإن لم تكن بينة أدب. قال ابن الماجشون: من قال لرجل في مشاتمة أحمقنا فهو ابن زانية فلينظر فيه، فإن كان القاذف أحمق وألآخر أحلم، فإن قامت بذلك أم القاذف حد لها، ولا يحد بقيام المقذوف (¬6). قال: وإن كان المقذوف أحمق منه حد له، وإن كانا أحلمين وأحدهما احلم من ألاخر، فأحلمهما محمل ما ذكرنا. وإن لم يفق أحدهما صاحبة بشئ في ذلك فلا شئ على واحد منهما. ¬
ومن [كتاب] (¬1) ابن المواز قال مالك: ومن قال لقوم قبل ان يرميه أحد من رمانى منكم فهو ابن زانية، فرماه أحدهم فلا حد عليه، ولكن يعذر (¬2). وكذلك إن قال من لبس ثوبي او ركب دابتى أو غير ذلك مما لا يجوز لأحد أن يفعله إلا بإذنه فهو ابن زانية – يريد فيمن فعله في المستقبل – فلا حد على من يفعله. وغن كان أراد من قد كان فعله [به] (¬3) قبل قوله فإنه يحد إذا ثبتت البينة للفاعل قبل قذفه، وإن قذفه لمن يفعل مستقبلاً مالا يملك المقذوف منعه منه فإنه يحد. قيل: فيحد قبل الفعل؟ قال: أما الأمر العام مثل قوله من دخل الحمام أو المسجد فهو كذا. هذا يحد ولا ينتظر به، ويحد ساعتئذ، كان فيما فعل من هذا أو فيما يستقبل. وأما في الأشياء الخواص مثل قوله من لبس ثوب فلان أو ركب دابته، فهذا لا يحد حتي يفعل ذلك أحد فحينئذ يحد له. وغذا قيل له فلان وفلان يشهدان عليك في حق حجدته، قال: من شهد على فهو ابن زانية، فشهد عليه رجل بذكر حق، قال مالك: يحد وذكر ابن سحنون عن المغيرة مثله أن عليه الحد. قال محمد: وهذا كمن قال: من شهد لفلان أم من رماه. قال ومن ذلك إن قيل لرجل إنك فعلت كذا (¬4) فقال: من قال إنى فعلته فهو ابن زانية، فقال له رجل أنا قلته فإن قامت له بينة أن قد كان قاله حد له، وإلا لم يحد. وإن لم يقم له شاهد واحد حلف ولم يحد. ¬
باب جامع القول في العفو عن حد القذف وفي العفو على عوض
باب (¬1) جامع القول في العفو عن حد القذف وفي العفو على عوض والمقذوف يكتب بالقذف كتاباً ليقوم به متي شاء والمقذوف يقرا ويكذب بينته ويكتب بينة من كتاب ابن المواز قال مالك: وعفو المقذوف عن القاذف جائز قبل أن يبلغ الإمام، فإن بلغ الإمام لم يجز عفوه إلا أن يريد ستراً أو يكون ابوه. قال ابن القاسم في المدونة: وكان مالك يجيز العفو بعد أن يبلغ الإمام كما روي عن عمر بن عبد العزيز، قال في كتاب ابن المواز: وإن [لم] (¬2) يرد ستراً، ثم رجع مالك فلم يجزه عند الإمام إلا أن يريد ستراً. قال ابن المواز: وهذا إذا قذفه في نفسه، فإن قذف أبويه أو أحدهما وقد مات المقذوع لم يجز العفو فيه بعد بلوغ الإمام، وقاله مالك. وإذا كان قاذفه جده لأبيه جاز عفوه عنه وإن بلغ (¬3) الإمام، قاله ابن القاسم وأشهب (¬4). وأما جده لأمه فلا يجوز ذلك فيه كالأجنبي. وأما العفو عن الأجنبي قبل بلوغ الإمام فجائزة، رواه ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك. وروي أشهب عن مالك أنه متي قام به بعد العفو (¬5) حد له إلا أن يكون أراد ستراً، وقاله ابن شهاب وذهب إليه ابن وهب. قال اصبغ: وقول ¬
ابن القاسم [وهو] (¬1) قول مالك أحب إلينا، وهو قول الناس أن عفوه قبل يبلغ الإمام يسقط عنه الحد. قال النبي [لصفوان] (¬2) فهلا قبل ان تأتينى به (¬3). وقال: تعافوا عن الحدود فيما بينكم فما بلغ من حد فقد وجب (¬4) رواه ابن وهب وقال: ومعنى قوله فى جواز العفو عند الإمام إذا أراد ستراً، قال مالك: مثل أن يكون شرب الحد قديماً فيخاف أن يظهر ذلك عليه الآن. فأما إن عمل شيئاً لم يعلمه أحد إلا نفسه فلا يجوز عفوه عند الإمام في القذف ولا في غيره إلا في الدم. قال ابن حبيب قال أصبغ: معنى قوله في عفو المقذوف في نفسه أو في أبوية عند الإمام إلاأن يريد ستراً، فإنه عن قال اردت ستراً لم يقبل مه ويكشف عن ذلك الإمام، فإن خاف أن يثبت عليه ذلك أجاز عفوه، وإلا لم يجزه وإن زعم أنه يريد ستراً [وقاله ابن القاسم عن مالك. وأما في الأب فجائز عفوه عنه وإن لم يرد ستراً] (¬5)، وقاله مالك. وقال أصبغ: لا يحد له أصلا. ومن قول مالك أن الأب لا يحد في التعويض، وقال ابن الماجشون في الجنبي، وقول مالك إذا أراد قال يعنى إذا كان مثله يفعل ذلك جاز عفوه ولا يكلف أن يقول اردت ستراً لأن [قول ذلك عار، فأما العفيف الفاصل فلا يجوز عفوه. قال ابن الماجشون] (¬6) عفو الابن عن ابيه وعفو الوالد عن ولده جائز وإن لم يرد ستراً. ¬
[ومن كتاب ابن المواز] (¬1) ومن أقام بينة على قاذفة عند الإمام ثم أكذبهم نفسه، قال: لا يقبل منه ويحد ولأنه كالعفو. قال ابن حبيب عن أصبغ في القاذف إذا هم الإمام بضربه فأقر المقذوف على نفسه الزني وصدقه، فإن ثبت على إقراره حد للزني ولم يحد للقذف، وإن رجع إقراره لم يحد، وحد القاذف. وقال ابن الماجشون: إذا رجعت عن اقراره [حد للزني ولم يحد القاذف. وإن رجع عن إقراره] (¬2) بتوريك (¬3) درئ عنه الحد بتوريكه، ودرئ عن القاذف الحد بإقراره. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي [ما لم يستبن] (¬4) أنه أراد بإقراره إسقاط الحد عن القاذف فيبطل إقراره. وذكر ابن المواز عن ابن الماجشون ما ذكر عنه ابن حبيب في إقرار المقذوف ورجوعه وقال: إن جاء بعذر. قال ابن المواز قال مالك في رجلين وقع بينهما مشاتمة ثم لقي احدهما رجلا فقال له: إن فلاناً المخنث يشتمنى فبلغة فطالبة فسئل فعفا عنه وأشهد، ثم بدا له فليس له ذلك، والعفو في مثل هذا أمثل. قال أصبغ: ف‘ن شرط متي ما أردت أن اقوم عليه قمت، قال ذلك له [فإن قام نظر فيه، فإن] (¬5)، كان مما له فيه الأذي البين أخذ به، وإلا ترك. وذكر ابن حبيب عن اصبغ أن له أن يكتب عليه كتابا متى ما اراد قام به (¬6) قال: وقاله مالك. [قال اصبغ] (¬7) فلو طلب ذلك بعد أن بلغ الإمام ¬
فليس له ذلك. قال ابن القاسم: وهذا يشبه العفو. قال: وإن حلف ألا يدع حقه فأراد أن يكتب عليه كتاباً قال: يحنث. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وللمقذوف أن يكتب بذلك كتاباً ليقوم به متى شاء، وإنى لأكرهه، وما هو من عمل الناس. ومن العتبية (¬1) روي اشهب عن مالك في القاذف يعطي مائة دينار للمقذوف على أن عارفاه من الحد قال: لا يجوز ذلك وعليه الحد. قال: وإذا رأي الإمام رجلاً على حد من حدود الله وسمعه يقذف رجلاً؟ قال: يرفعه إلي من هو فوقه [ويكون شاهداً ويجوز العفو فيه قبل أن يربع إلي من هو فوقه] (¬2) ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وأما التعزيز [فالشفاعة] (¬3) فيه جائزة بعد بلوغ الإمام. قال اشهب: أما إلي الإمام فذلك ظلم وإثم وأما الذي له الحق فلا [باس به وأرجو أجره عليه، إلا أن يكون الذي عليه ذلك سفيهاً معاوداً مثل هذا فلا] (¬4) أحب لأحد أن يشفع له. ولو فعل لم اره ضيقا. وفي باب قذف الجماعة شئ من ذكر العفو. ¬
باب في شتم الأقارب بعضهم بعضا
باب (¬1) في شتم الأقارب بعضهم بعضا بأمر دون الحد ومن العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم في كتاب ابن المواز قال مالك فيمن شتمه عمه أو جده أو خاله فلا شئ عليهم في هذا إذا كان على وجه الأدب. وكأنه لم ير الأخ مثله إذا شتمه. قال ابن القاسم: وأما الفرية فيحدون له كلهم إن طلب ذلك. وذكره عنه أصبغ في كتاب محمد وزاد: وكذلك أبوه يضرب له الحد إن قذفه وقام به، ثم لا تقبل شهادة الولد في شئ، لأن الله سبحانه نهي عن أن يقول لهما اف، وهذا يضرب ظهره. وقد ذكرنا ما روي ابن حبيب عن اصبغ أنه لا يحد الأب لولده أصلا. قال مالك: وله العفو عن أبيه عند الإمام. وقال [مالك] (¬3) فيمن نازع (¬4) ولده فقال أشهدكم أنه ليس بولدى، فطلب الإمام أو ولدها من غيره حدها وقد كان فارقها ونكحت غيره وعفا ولده. قال: يحلف ما أراد قذفاً وما قاله إلا على وجه أن لو كانوا ولدي لم يعصونى فيما صنعوا ثم لا شئ عليه إن حلف. ¬
باب في التداعي في القذف وغيره من الحدود واليمين فيه
باب في التداعي في القذف وغيره من الحدود واليمين فيه ومن أقام فيه شاهداً والقاذف يقيم بينة أن المقذوف حد او على إقراره أو اختلف في رقه وحريته من كتاب ابن المواز ومن العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: وعمن ادعي على رجل أنه قذفه ولا بينه له أيحلف؟ قال لا يمين في ذلك، فإن اقام شاهداً أحلف له، فإن نكل سجن أبداً حتي يحلف، وقاله ابن القاسم. قال محمد: ولم يختلف أصحاب مالك أنه يحبس ابدا حتي يحلف وقاله ابن القاسم. قال محمد: ولم يختلف أصحاب مالك أنه يحبس أبداً حتي يلحف قال أصبغ عن ابن القاسم: فإن طال سجنه خلي. قال في كتاب محمد والطول فيه سنة. ومن العتبية (¬2) قيل فإذا خلي من السجن أيؤدب؟ فوقف، وكذلك في كتاب محمد. قال اصبغ في الكتابين: يودب إذا خلي إن كان يعرف بأذي الناس والفحش، وإلا فأدبه حبسه، ولا يؤدب المستوجب للأدب إلا بعد الإياس من يمينه. ومن سماع ابن القاسم: سئل مالك عن معني حديث على إن لم يأت بأربعة فليقض برمته (¬3) في البكر والثيب إذا جاء بأربعة ترك؟ قال: لم اسمع في هذا شيئاً، إنما اريد بهذا موضع الشهادة للبراءة له. ¬
قال في كتاب محمد وقال ابن القاسم: إذا أقام أربعة أربعة برؤية الزني ترك في البكر والثيب، وهو معنى الحديث. وروي اصبغ عن ابن القاسم قال في كتاب ابن المواز: أنه بلغه عن مالك فيمن قذف رجلاً فأقام شاهدين أنهما رأياه يجلد الحد في الزني، قال في كتاب محمد: انهما رأيا فلاناً الوالى يحده في الزني بشهادة أربعة فلا ينفعه ذلك، وليحد هو والشاهدان. ولو جاء بأربعة شهدوا أنهم رأوه يجلد في الزني فلا حد عليه وهذا مجتمع عليه. قال عنه أبو زيد: وكذلك إن قال يا محدود في زني، فإن لم يأت بأربعة على حد الإمام له فليحد القاذف. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وكذلك الأمة تعتق فيقيم عليها قاذفها أربعة يشهدون أن سيدها أقام عليها الحد في الزني فيزول عنه الحد. ولو لم يقم بذلك إلا شاهدان أو ثلاثة يحد هو والشهود. قال عبد الملك: وكذلك إن اقام أربعة يشهدون أن سيده باعه إن كان عبداً وتبرأ من زناه فيزول بذلك الحد عن القاذف، فإن كانوا في هذا أقل من أربعة لم يحدوا هم حد القذف لنهم لم يشهدوا على رؤية زني ولا أخفوه عليه وأتوا على معنى الشهادة، وليحد القاذف. قال ابن المواز: وإذا كتب قاض إلي قاض في الزني أن أربعة شهدوا عندى على فلان بالزني ولم يشهد على كتاب القاضي إلا رجلان أن ذلك يمضي وينفذ ما فيه رجم وحد أو قطع أو قتل. وفي كتاب الرجم باب في مثل هذا من الشهادة على الشهادة أو على الحكم في الزنى مستوعب. وليحضر لحد الزنى أربعة أقل ذلك ليكون ذلك مخرجاً لمن رماه بالزنى بعد اليوم، وغن لم يكن الذي يحضرهم ممن يعرف أصل ذلك ولا حقيقته.
ومن كتاب ابن المواز في الذي يدعي أن فلاناً سرق له متاعاً، قال ابن القاسم: إن كان يعرف بذلك او يتهم امتحن وهدد، ولا يعرض لغير المتهم. واما إن كان من أهل الفضل والدين أدب له المدعي أدبا وجيعاً. وقال اشهب: لا يمين في شئ من هذا ولا أدب على المدي أصلا، إلا أن يتهم أن يريد عيبة وشتمه فينطر في المدعي عليه فإن كان من أهل التهم حبس ولا يمين [فيه] (¬1). ابن وهب قال مالك: إذا قال سرق مني في مشاتمة نكل، وإن كان في غير مشاتمة لم ينكل. قال: ومن رفع شهادته إلي وال أن فلاناً سرق أو شرب فرد شهادته فطلب فلان أن يعاقب له: قال: لا شئء عليه. قال اشهب: إلا أن يعلم أن ذلك منه على المشاتمة. وأما لو رفع شهادته عليه بالزني فإنه يحد إلا أن يأتى بأربعة سواه ويكونوا حضوراً أو قريبة غيبتهم ويتوثق منه. فإن كانوا على بعد لم يؤخر ن وحد الشاهد للقذف إن قام به المشهود عليه، كان في مشاتمة أو غيرها. قال ابن القاسم: ومن شهد أن هذا سرق [متاع] (¬2) فلان أنه يحلف الطالب ويأخذها، وإن لم يكن له طالب فإن كان الشاهد غير عدل عوقب ولا يعاقب العدل. قال محمد: ومن سمع رجلاً يقذف رجلاً، فإن كان وحده فهو في سعه أن لا يشهد (¬3). وقال مالك: إن كان معه غيره فليعلم (¬4) المقذوف. وقاله ابن القاسم وأشهب. قال مالك: وإن كان وحده فلا يفعل لأن الناس فسدوا. ¬
وقال ابن وهب عن مالك فيمن قذف رجلاً عند قوم فاستكتمهم وقال المجالس أمانه، فبلغ المقذوف الشهادة، قال: عليهم أن يشهدوا وكذلك في إقراره بالحق له واستكتمتهم. ومن قال لرجل أخبرت أنك زان أنه يحد، قيل: فإن جاء القاذف بشاهدين أن هذا أقر على نفسه بالزني، قال ابن القاسم وعبد الملك: لا حد على القاذف وقال أشهب الحد ثابت عليه قال محمد: لانه لو اقر رجل عند الإمام بالزني فلما أراد أن يقيم الحد [عليه] (¬1) رجع المقر فتركه ثم قذف إنه يحد قاذفه. قال محمد: وأحب إلي إن كانت الشهادة بإقراره على نفسه بعد أن قذف فلا حد على قاذفه، وإن كان قاذفه أحد بعد رجوعه فليحد قاذفه. قال أشهب: لا حد على الشاهدين على إقرار الرجل بالزني لأن مخرج ذلك على وجه الشهادة ولم يشهدا أنه فعل. والذي قال أصبغ أنهما يحدان شئ (¬2) انفرد به، وقد خالفه الناس. وروي ابن وهب أن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت لما كان قاضيا على المدينة خوصم إليه في امرأة قذفت امرأة عذراء وقالت أرسل إليها من ينظرها فإن كانت عذراء فاجلدنى، فسأل عن ذلك فقال: عليها الحد ولا يكشف النساء في هذا. ومن [كتاب] (¬3) ابن المواز: ومن قال لرجل يا ابن الزانية، فقام المقذوف، فقال القاذف: إن أمه نصرانية أو أمة. قال: يحد إلا أن يقيم ببينة أن أمه كما ذكرنا، ولابينة على المقذوف، فهي على القاذف. وقاله ابن القاسم. ¬
جامع ما يجب فيه التعزير من صنوف الشتم
قال محمد: وذلك إذ كانت ميته، فإن كانت باقية طلب منه توكيلها له. وفي باب قذف [الصغير والكافر ذكر من قذف] (¬1) عربيا مجهولاً جامع ما يجب فيه التعزيز من صنوف الشتم من كتاب ابن المواز: روي ابن وهب أن علي بن أبي طالب وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز دعوا (¬2) وابن سالم وسليمان بن أبي حبيب [المحاربي] (¬3) وابن منسيط (كذا) وابن شهاب وغيرهم أنهم قالوا: من قال لرجل يا فاسق يا كافر يا خبيث يا شارب الخمر يا محدود في الفرية ولم يقل في الزني، فلا حد عليه في شئ من ذلك ولكن يعاقب بإيذائة أخاه المسلم. وقال في القائل: ياشارب الخمر ياسارق يافاسق ففيه الأدب. قال محمد: وأدبه على قدر ما يعرف به القائل من كثرة اذاته وشتمه بعد (كذا) وبقدر حال المقال له ذلك. وكذلك إن قال يا مجلود الحد في الخمر أو في الفرية أو يابن المحدود فيهما، لم يحد. قال محمد: وإن كان في ذلك كاذبا، ويؤدب وإن كان صادقاً. وإن قال يا محدود في الزنى حد إلا أن ياتى بأربعة شهداء سواه يشهدون أنه حد في الزنا. سوإن قال يا محدود أو يابن المحدود فقط مبهما ¬
حلف أنه لم يرد قذفاً ثم نكل بقدر أذاته ولا حد عليه، وقاله اصبغ. فإن نكل حد ثمانين، لأن نكوله كالاقرار. ومن كتاب ابن المواز، وهو في سماع أشهب من العتبية (¬1): ومن قال لرجل يا كلب، فذلك يختلف، فإن قيل ذلك للابن الشرف في الدين والإسلام والفضل والهيئة، فليس العقوبة فيه كالعقوبة إن قال ذلك لدنئ. قال مالك: وإن قال لرجل كذبت وأثمت (¬2) فإن قاله لرجل من سراة الناس فليعزر بالسوط، وهو أشد من قوله يا شحيح، والكذب خبيث. قال مالك: وذلك يختلف، أما إن قاله لمن يخاصمه فيقول له في منازعته كذبت وأثمت فهو مخالف لمن يكذب من لا خصومة بينة وبينه. مالك: وذلك يختلف، أما إن قاله لمن يخاصمة فيقول فيقول له في منازعته كذبت وأثمت فهو مخالف لمن يكذب من لا خصومة بينةوبينه. مالك: ومن قال لرجل إنك لشحيح بخيل فلا أدب في ذلك، ولكن ينهى عنه. ومن العتبية (¬3) من سماع سحنون قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لرجل يا بن الجافي (¬4) إنه يعاقب، وإن قال يا ابن الجافي والجافية عوقب وزيد في عقوبته لأمه. ومن كتاب ابن المواز، وهو في العتبية (¬5) رواية أبي زيد عمن قال لرجل يا مرائي، زاد في كتاب ابن المواز: [يا خائن، قال في العتبية قال ابن القاسم، وقال في كتاب ابن المواز] (¬6) قال مالك: إن قاله لأحد من اهل الصلاح عوقب، وإن كان من أهل السفه ممن لا يبالى ما قيل له عوقب بقدر ذلك، والناس على قدر منازلهم. ¬
فيمن له القيام بحد المقذوف من أولياء الميت
قال ابن القاسم في العتبية (¬1): أرأيت من قال هذا لليث ومن قاله لى اتكون عقوبتهما سواء؟ ومن الناس من لو قيل له لكان [له] (¬2) أهلاً. ومن قال لرجل يا ساقط حلف ما أراد قذفاً وأدب، إلا أن يكون ساقطاً يتبع الولائم وشبهه. وروي عنه أصبغ عن مالك فيمن قال لمولي يا ساقط أنه يحد. قيل لابن القاسم فإن نحا إلي أمر يريده؟ قال: أما أنا فأري أن يحلف ما أراد نفيع. قال عنه عيسي وابن المواز فيمن قال لرجل يا سارق قال يضرب خمسة عشر سوطاً أو نحوها. قال في كتاب ابن المواز: إذا قاله لمن له الحال (¬3) والمروءة والقائل من أهل الإيذاء ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لرجل في منازعة لأجلدنك حدين فليحلف ما أراد الفرية، فإن حلف أدب. ومن قال لرجل خرجت من اليمين طريداً أو عبداً (¬4) فليحبس ولا شئ فيه غيره. فيمن له القيام بحد المقذوف من أولياء الميت ومن قام بقذف الغائب من كتاب ابن المواز: ومن قال عند الإمام سمعت فلاناً يقذف فلاناً فليس على الإمام حده ولا يرسل إلي المقذوف ولا يعلمه. ¬
قال مالك: ومن قذف ثم مات قبل يقوم به، فإن قام بنوره به فلهم أن يحدوه، وكذلك لو أقام سنة أو أكثر منها ثم مات إن لم حفظ عن الميت ذكر عفو، ولا قيام بذلك لأولياءه، فإن لم يكن له أولياء سقط الحد، ولا يقوم به وصية، إلا أن يوصي به فيقول قم بحدى فليقم به. قال ابن القاسم: وإن ترك ولداً وولد واباً وجداً لب فهم سواء ومن قام منهم فله أن يحده وإن كان غيره أقرب من هؤلاء. فأما إخوة أو بنات أو جدات أو غير من سمينا فلا قيام له بحد الميت، غلا أن يوصي به. قال اشهب: إذا كان [ثم ولد وولد ولد واب] (¬1) فلا يقوم إلا الأقرب [فالأقرب] (¬2)، ولا قيام لغيره، ولا قيام للابن الابن مع الابن ولا عفو، ثم ابن الابن بعده، ثم الأب بعدهما، ثم الأخ بعده، ثم الجد بعد الأخ، ثم العم بعد الجد. وكذلك قراباته من النساء الأقرب فالأقرب. وأما الزوجة وبنت البنت فلا حق لهن. وأما إن أقيم بذلك بعد طول زمان فإن كان المقذوف نفسه فله ذلك إن حلف، وأما إن مات (¬3) بعد طول زمان فلا حق لأوليائه، وإنما يكون ذلك لهم إن مات قبل طول الزمان فذلك لهم وإن طال الزمان بهم. وذلك أنه لو كان حيا وقام بعد طول الزمان حلف ما سكت تاركاً (¬4) فإذا مات لم يكن لهم ذلك. وقال اشهب: ذلك للأولياء وإن طال الزمان قبل موته، لأنه لو عفا ثم قام كان ذلك له. هذا مذهب أشهب. قال وإذا غاب المقذوف غيبة بعيدة فليس لولده ولا لغيره من أوليائة القيام به، وقد قيل لولده القيام في الغيبة ¬
فيمن قذف جماعة، وكيف إن قذف آخر وهو يجلد؟
البعيدة، ويحد لهم. وليس ذلك لهم في الغيبة القريبة، وكوتب المقذوف. وقال ابن القاسم: لا يقوم بذلك ولا غيره وإن طالت الغيبة، وقاله أصبغ. وذكر ابن حبيب عن اصبغ عن ابن القاسم: لا يقوم للغائب أحد من أقربائة إلا الولد في ابيه أو في أمه، ولو ان السلطان سمعه مع شاهدين عدلين حده وإن كان المقذوف غائباً. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولو سمعه رجلان فرفعا ذلك إلي الإمام فلا ينظر في ذلك ولا يحده، وقاله ابن القاسم. فيمن قذف جماعة وكيف إن قذف آخر وهو يجلد ومن قذف واحدا من جماعة لم يعينه وكيف ان عفا عنه أحدهم من غير كتاب قال مالك واصحابه فيمن قذف جماعة مفترقين أو مجتمعين فحد لهم أو لواحد منهم، فذلك لكل قذف تقدم، قام طالبوه او لم يقوموا، إلا المغيرة فقال: إن قاموا جماعة فحدوا حد لجميعهم، وإن قاموا مفترقين حد لكل واحد. قال عيسي في العتبية (¬1) عن ابن القاسم فيمن قذف قوماً فلم يقم به حتي شرب الخمر فجلد فيه، قال: فذلك لكل ما تقدم من قذف أو شرب خمر، كأنه يريد لأنه من حد القذف مستخرج. ¬
ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لجماعة أحدكم زان أو ابن زانية فلا يحد، إذا لا يعرف من أراد، وإن قام به جماعتهم فقد قيل لا حد عليه. ولو قام به أحدهم فادعي أنه أراده لم يقبل منه إلا بالبيان أنه أراده. ولو عرف من أراد لم يكن للإمام أن يحده له إلا بقيامة عليه. ومن قذف مجهولاً (¬1) فلا حد عليه. ومن العتبية (¬2) رواية عيسي وكتاب ان حبيب من رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال لرجل يا زوج الزانية، وتحته امرأتان، فعفت واحدة وقامت الأخري تطلب، فليحلف ما أراد إلا التى عفت ويبرأ، فإن نكل حد. ومن كتاب ابن المواز عن الذي يجلد في القذف فيقذف وهو يجلد رجلاً أخر أو المقذوف نفسه. قال مالك: فإن لم يمض من الجلد إلا يسيره اجزأة تمام هذا الحد للقذفين، لا يستاذنف، وإن كان إنما بقي أيسر الحد أتم الحد واستؤنف للمقذوف الثانى حد أخر، لأنه إذا لم يبق غلا السوطان والثلاثة، ف: انه قذفه بعد تما الحد. وكذلك إذا مضي منه مثل ذلك فكأنه قذف ثانيا قبل أن يجلد شيئاً. قال أشهب: والعشرة الأسواط في ذلك عندي قليل. وقد سمعت الليث يذكر عن ريبعة أنه إذا جلد من الحد الأول شيئ اً ثم قذف ثانية أنه يستأنف من حين قذف الثانية، وقاله ابن القاسم. قال محمد: وهو أحب إلينا أن يؤتنف به في كل شئ إذا لم يبق إلا أيسره مثل العشرة والخمسة عشر فليتم الحد ثم يؤتنف الحد الثانى. قال أشهب: وإن ضرب مثل نصف الحد أو أكثر أوأكثر أو اقل قليلا فليوتنق [من] (¬3) حينئذ الحد. ¬
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون نحو ما تقدم. قال: إن مضي مثل السوط الأسواط اليسيرة تمادى وأجزأه لهما، وإن مضي مثل الثلاثين والأربعين ونحوها ابتدى لهما، وإن بقي مثل سوط أو أسواط أتم وابتدأ حد ثانياً ومن كتاب ابن المواز وقال ابن شهاب: وإذا حد له ثم قذفه، فكلما فرغ من الجلد قذفه فإنه يؤتنف له الحد ابداً. قال محمد: ولو قال بعد أن حد (¬1) له والله ما كذبت عليه، أو قال صدقت عليه، لحد ثانية، لأنه قذف مؤتنف. وقال ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ نحوه في الزوج ينكل عن اللعان في قذف زوجته فيحد ثم يقول مثل هذا إنه قذف ثان، وكذلك إن قذف نساءه فتقوم إحداهم فيضرب لها، ثم قالت الأخري: أتقذفنى؟ فقال: ما كذبت عليك، وإنه يحد لها إن لم يلاعن، وإن كانت في غير عصمته حد لها. وقال فيمن لاعن امرأته ثم قا لها بعد ذلك يا زانية إنه يحد وبلغنا ذلك عن ابن شهاب. قال محمد: ولم يعجبنا. وفي باب قبل هذا ذكر من يجتمع عليه حدان أو حد ونكال. ومن كتاب ابن المواز: ومن جلد في الزني مائة جلدة ثم ثبت أنه محصن فإنه يرجم ولا يجزه الجلد. وروي أن النبي صلي الله عليه وسلم فعل ذلك. ¬
اختلاف البينة في القذف وشهادة ولد الزني فيه
اختلاف البينة في القذف وشهادة ولد الزني فيه وشهادة القاذف إذا تاب في كل شئ وهذا الباب في كتاب الشهادات ومنه مكرر في كتاب السرقة وفي غير كتاب من كتاب ابن المواز: ومن ادعي على رجل أنه قذفه فأقام عليه شاهداً أنه رماه [في شهر رمضان] (¬1) أو قال له لست من بنى فلان، وشاهداً [آخر] (¬2) أنه قال له ذلك في شهر شوال، قال مالك: شهادتهما جائزة، ويحد المشهود عليه. قال: وشهادة ولد الزني تجوز في كل شئ إن كان عدلاً إلا في نفي رجل من نسبه (¬3) أو يشهد على الزني يكون رابع أربعة، قال: فيحد هو وهم. وقال عبد العزيز بن ابي سلمة: لا يحد هو ولا هم لأنه يشهد يظن أنه سيقبل. قال: ولو كان رابعهم عبداً لحد وحدواً. قال محمد: والقاذف لا يخرجة من الحد إلا إقامة أربعة شهداء يشهدون بما ثبت به الزانى، لقول الله عز وجل [والذين يرمون المحصنات] إلي قوله (إلا الذين تابوا) (¬4). قال ابن شهاب ومالك: فإذا تاب قبلت شهادته (¬5). قالا: والإحصان في هذه الىية للحرائر المسلمات، وفي الآية الأخري إحصان نكاح. قال وقال غيرهما وهو قول مالك: إذا رمي محصناً بالحرية والإسلام والعفاف حد، لأن ذلك كله يسمى إحصاناً. ولو انخرم صنف من هذه لم يحد. ¬
الترغيب في إقامة الحدود
قال مالك: ولا أعرف من قول الإمام لمن يجلد في القذف إن تبت قبلت شهادتك، ولا ينفعه إن قال تبت، ولا يضره إن لم يتب، ولكن إذا تاب قبلت شهادته إذا عرف بالخير والتزيد فيه. قال مالك: وشهادة القاذف قائمة حتي [يحد] (¬1) وإن كتب عليه كتاباً. الترغيب في إقامة الحدود قال ابن حبيب: كان مالك إذا سئل عن شئ من الحدود أسرع الجواب وساس به وأظهر السرور بإقامة الحد، وقال: بلغنى أنه يقال لحد يقام بارض خير لها من مطر أربعين صباحاً. ... تم كتاب القذف ¬
كتاب القطع في السرقة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي محمد خاتم النبيين كتاب القطع في السرقة (¬1) حد ما فيه القطع من السرقة وكيف تقوم السرقة ومن سرق شيئاً بعد شئ في فور واحد أو سرق من حزرين او سرق عصي مفضضة قال مالك في غير موضع: أقل ما فيه القطع في السرقة من الذهب ربع دينار، ومن الفضة ثلاثة دراهم لا تقويم فيها (¬2). قال ابن المواز: لا ينظر فيهما إلي قيمتهما ولا إلي صرفهما، كان ذلك دنيئا أو جيداً، نقرة كان ذلك أو [تبرأ] من ذهب العمل - يريد وفضته - وتقوم ما سرق من غير العين، ولا يقوم إلا بالدراهم، فما بلغت قيمته ثلاثة دراهم ففيه القطع، كان ذلك سدس دينار في الصرف أو أقل، وغن لم تكن فيمة السرقة ثلاثة دراهم لم يقطع وإن كان ذلك في الصرف ربع دينار. ¬
قال مالك: وكان الصرف حين قطع النبي في المجن (¬1) اثني عشر درهما بدينار، فلا ينظر إلي ما زاد بعد ذلك أو نقص (¬2). قال عيسي بن دينار: ولا قيمة في جل (¬3) ذهب أو فضة ويظر إلي وزنه، فإن بلغ دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة قطع. ومن العتبية (¬4) روي عيسي عن ابن القاسم: فيمن سرق تبرأ وزنه ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة قال: ففيه القطع وإن لم يجز بجواز العين (¬5). قال فيه وفي كتاب ابن المواز: وإن سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم نحو خروبة أو ثلاث حبات وهي تجوز بجواز الوازنة فلا قطع فيها حتي تكون قائمة الوزن. قال محمد عن أصبغ: وأما مثل حبتين من كل درهم فإنه يقطع. قال ابن المواز قال مالك: وأحسب الأمر الحبة التى قطع فيها القطع الجائزة بين الناس إذا سرق منها ثلاثة دراهم، وأن تكون مقطوعة أو قراضات فضة جائزة دون ثلاثة دراهم فضة نقرة أو هي مكسورة أو مصوغ وزن ثلاثة دراهم ففيه القطع (¬6). ¬
قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن سرق ليلاً عصي مفضضة وفيها ظاهرة فيها أكثر من ثلاثة دراهم ولم ير الفضة في الليل فإن رئ (¬1) أنه لم يبصر الفضة لم يقطع ويصير كما لو كانت الفضة في داخلها. قال مالك في العتبية (¬2) من رواية عيسي عن اين القاسم: ولا يقوم (¬3) السرقة رجل ولكن رجلان عدلان، وكذلك كل ما يحتاج الإمام إلي تقويمه. وكذلك في عتق الشقص وغيره. وإذا اجتمع عدلان على قيمة يجب بها القطع لم ينظر إلي من خالفهما. وقال أيضاً: إذا أحضر الإمام أربعة فاجتمع رجلان على قيمة ورجلان على قيمة نظر القاضي إلي أقرب القيمتين إلي السداد. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإنما ينظر إلي قيمتها يوم السرقة لا يوم القطع، وإن اختلفوا أخذ بقول من قال قيمتها ثلاثة دراهم إذا كانا عدلين. قال أشهب: كما لو شهدا له بثلاثة (¬4) وآخران بدرهمين من غير قضاء علماه فإنه يقضي له بثلاثة. وروي أشهب عن مالك فيمن سرق مالا قطع فيه فلم يعلم به حتي سرق ما يكون مع الأول القطع، فلا قطع في عليه (¬5) حتي يسرق في مرة واحدة ما فيه القطع. ولو سرق قمحاً من بيت فكان ينقل منه قليلاً [قليلا] (¬6) حتي اجتمع ما فيه القطع في سرقة واحدة فهذا عليه القطع. ¬
وروي ابو زيد عن ابن القاسم في السارق يدخل البيت عشر مرات في الليلة فيخرج في كل مرة بدرهم أو درهمين فإنه لا يقطع حتي يخرج في مرة بما فيه من القيمة ثلاثة دراهم. وقال سحنون في موضع آخر: إذا كان في فور واحد قطع، وهذا طلب فيه الحيلة. [وقول ابن القاسم أحسن] (¬1) ومن كتاب ابن المواز: ومن سرق من حزرين قدر ربع دينار، قال عبد الملك: لا يقطع حتى يسرق من حرز واحد إن كان ذلك لرجلين. قال محمد: ولو كان لرجل حانوتان في دار فسرق من كل حانوت درهما ونصفاً، فإن كانت [دارا] (¬2) مشتركة لم يقطع، خرج بذلك من الدار قطع، وإن أخذ فيها لم يقطع. [وروي عن مالك في غرائر بالسوق مجتمعه للبيع، فيسرق رجل من كل غرارة شيئاً حتى اجتمع له ما يقطع في مثله، أنه لا يقطع حتى يسرق من اى غرارة ما يجب فيه القطع، لأن كل غرارة حرز لما فيها، شاور فيها الأمير من أحضر من العلماء فأفتوا فيها أن عليه القطع وأقتى مالك بما ذكرنا، فرجعوا إليه، وكان أول من رجع إليه ربيعة] (¬3) ¬
في الجماعة يشتركون في السرقة أو يتعاونون عليها
في الجماعة يشتركون في السرقة أو يتعاونون عليها وسرقة الشريك من شريكة أو من المغنم وفي السارق يرمي بالسرقة من الحزر ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا اجتمع قوم ليسرقوا (¬1) فاخرج كل واحد شيئاً في يده من الحرز، فلا قطع إلا علي من خرج بما يسوي ثلاثة دراهم. ولو حملوا (¬2) على احدهم ما خرج به فعليهم القطع كلهم. قال ابن القاسم: فهذا فيما يحتاج فيه إلى معونتهم لنقله، فأما الصرة والثوب فالقطع على من خرج به منهم. وقال عبد الملك: لو كانوا خمسة خرجوا بثوب يحملونه فلا قطع عليهم. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا اخرجوا السرقة من حرزها يحملونها، فإذا كان في قيمتها إن قسمت عليهم ما يقع لكل واحد ربع دينار قطعوا، كانت خفيفة أو ثقيلة، وإن كان يقع لكل واحد [اقل] (¬3) من ربع دينار وكان (¬4) شيئاً خفيفاً يكتفي احدهم بحمله فلا قطع عليهم، وإن كان ثقيلا لا يكتفي بحمله بقوتهم (كذا) فعليهم كلهم القطع، وإن لم تكن قيمتها (¬5) إلا ثلاثة دراهم. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإنما مثل الجماعة يسرقون ما ¬
قيمته ثلاثة دراهم فيقطعون، كما لو قطعوا يد رجل عمداً لقطعوا، وفي الخطأ يلزم عواقلهم ذلك، وإن لم يقع على كل عاقلة إلا ربع عشر الدية. وإذا دخل رجلان الحزر فأخذ كل واحد دينار فأسلف أحدهما للآخر دينره أو قضاه إياه فالقطع على من خرج بهما، وإن كان أحدهم داخل الحرز فناول الآخر خارجا في الطريق فليقطع الداخل وإن أخذ في الحزر. وإن كان الثاني على ظهر البيت فناوله (¬1) فظهر البيت كالبيت. وقد اختلف قول مالك فيه، فقال: يقطع الذي على ظهر البيت إذا رمي به غلي الطريق، ورواه ابن عبد الحكم، وروي ابن القاسم [أنه] (¬2) إن دلي حبلاً فربط به الأسفل المتاع ورمي به إليه، قال في موضع أخر: ورفعه الأعلي فإنهما يقطعان. قال محمد: هذا أحب إلي لتعاونهما على اخراجهما لحاجتهما إلي التعاون. وكذلك الذي يحمل على الاخر ما يخرج به. وبهذا أخذ ابن القاسم وأشهب ورويا عن مالك أنه إن تساوي الأسفل والذي على السطح وناول الذي في السطح ثالثاً في الطريق، فإنما قطع الذي يخرج المتاع من البيت والذي على سطحها دون الذي في الطريق وقاله ربيعه وعبد الملك. وروي ابن وهب عن مالك قال: إذا ناول الداخل في الحرز آخر في خارجه قطع الدخل وعوقب الخارج، وإن كان الخارج يدخل يده داخل الحرز فيخرج المتاع فهو الذي يقطع ويعاقب الداخل. وهذا مذهب بن القاسم. وقال في الداخل يربط والخارج أخرجه بالحرز فليقطعا جميعاً ولو اجتمعت ايديهما فيالنقب في المناولة قطعا جميعا (¬3) وإن أخذ. ¬
الداخل قبل يخرج. [أدخل الخارج يده إلي الحرز فناوله الداخل قطعا] (¬1). قال ابن القاسم في الداخل (¬2) يرمي المتاع خارج الحرز ثم يؤخذ قبل يخرج من الحرز إنه يقطع، ووقف فيه مالك. وروي عنه أشهب وابن عبد الحكم أنه يقطع، وروي مثله ابن القاسم. قال مالك: وإنما القطع في خروج المتاع لا في خروج السارق. وقاله عبد الملك. قال عبد الملك: وما رمي به السارق من الحرز فأتلفه قبل يخرج هو من الحرز فإن قصد إتلافه كالمؤيس من أخذه مثل أن يرميه في نار عامداً وهو مما لا تبقيه النار فلا قطع عليه. وما كان على غير هذا يرميه ليخرج فيأخذه، أو يرميه إلى غيره فإنه يقطع (¬3) ذلك أو بقي وأخذ في الحرز. قال مالك: وإذا دخل فسرق وآخر يحرس [له] فلا قطع على الحارس ويعاقب. قال يحي بن سعيد: ومن أوي (¬4) السرقة للسارق وأخفاها له أوجع ضرباً. قال وإذا دخل رجلان الحرز فسرق أحدهما دينارا فأعطاه (¬5) الآخر أو أودعة إياه قبل أن يخرجا، فإنما القطع على (¬6) من خرج به. وكذلك إن كان ثوباً فباعه منه في الحرز. ¬
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن سرق من مال بينه وبين آخر مما قد حجب عنهما سته دراهم فصاعدا قطع، فذكرت له قول من قال لا يقطع حتي يجاوز فوق حقه من جملة المال بثلاثة دراهم فلم يره. قال أصبغ: وقد اختلف فيه، وأنا أقول لا يقطع (¬1) حتي يجاوز نصيبه من الجميع بثلاثة دراهم، واستحسنة ابن حبيب للدراية بالشبهة قال: والأول القياس. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في الشريكين [يكون] (¬2) لهما قمح مغلق عليه، فيأتى أحدهما فيسرق منه ما يجاوز حقه بما فيه القطع إنه لا يقطع، لأنه يفتحه إذا شاء دون شريكة، ولكن إن كان على يدي أحدهما أو على يدي غيرهما فسرق منه الذي لم يؤتمن عليه ما يكون في نصيب شريكه من المسروق مما فيه القطع فإنه يقطع. ومن سرق من المغنم، وهو من أهل ذلك المغنم بعد أن حيز عند رجل قدر ربع دينار قطع، لأن حقه فيه لا قدر له. قال محمد قال أشهب عن مالك، وهو قول عبد الملك في سرقه أحد الشريكين مما حجر عنه من الشركة بين أمين إنما يراعي فوق حقه من المسروق بثلاثة دراهم. والفرق بينه وبين أن لو وطئ أمة من الشركة أنه لا يحد وإن منع منها وجعلت بيد غيره أنه يعذر بجهله في إستباحة وطئها، ولا يعذر في السرقة. قال: وما سرق من المغنم بعض أهله قبل أن يجوز فلا يقطع ويؤدب، وإن كان بعد أن يجوز وجعله بيد أمناء فإنه يقطع إن كان جميعا ما سرق ثلاثة دراهم، لأن حظه منه لا بال له. وكذلك من سرق من بيت المال ¬
فيمن سرق ما لا يجوز ملكه أو لا يجوز بيعه
وقال يحيي بن سعيد: من سرق من الفئ قبل يقسم فإنه يقطع إلا أن يكون من الأمناء الذين جعلوا على المقاسم فتكون خيانة. قال ابن وهب قال مالك والليث: يقطع في السرقة من المغنم وبيت المال. فيمن سرق مالا يجوز ملكه أو ما يجوز ملكه ولا يجوز بيعه ومن سرق صبيا أو أعجميا حرا أو عبدا من كتاب ابن المواز: قال أشهب فيمن سرق زيتا وقعت فيه فأرة فماتت إنه يقطع إذا كان يسوي لو بيع على هذا ثلاثة دراهم، ويغرم قيمته إن كان بها مليا. ومن سرق جلد ميته غير مدبوغ لم يقطع، ويقطع في المدبوغ عند أشهب. وفي رواية ابن القاسم عن مالك: إن كان قدر قيمة ما فيه من الصنعة بالدباغ ثلاثة دراهم: قال ابن القاسم: قيمة ذلك يوم دبغه وكذلك لو كانت حرارة أو دباغ وصنعة ما كانت. قال مالك: ولا قطع في الميته، وقد نهي النبي عن الانتفاع بعصبها (¬1) ولا في النبيذ المسكر يسرقه من مسلم أو ذمي [وكذلك في الخنزير وإن سرقة مسلم أو ذمي] (¬2) من ذمي أو مسلم، إلا أنه إن سرقه من ذمي فإنه يغرمه في ملائمة مع وجيع الأدب (¬3). ¬
ومن سرق صليبا من خشب أو تمثالا من كنيسة أو غيرها نظر إلي قيمته على أنه صليب أو تمثال، فإن بلغت ثلاثة دراهم قطع من سرقة مسلم أو ذمي من مسلم أو ذمي. ومن سرق كلباً مما نهي عن اتخاذه لم يقطع، واختلف فيه إن كان كلب صيد أو ماشية، فقال أشهب يقطع وإن كان نهي عن بيعه (¬1)، كما يقطع من ثقب خندق رجل فسرق من شمر تخليه قبل بدو صلاحه ما قيمته على عدوه ثلاثة دراهم. وقال ابن القاسم: لا قطع في الكلب لصيد أو غيره ولا يعجبنى ثمنه وإن احتاج إلي شرائة فهو أخف. ومن سرق سبعا فقال أشهب: إن سوي في عينه ثلاثة دراهم ففيه القطع. وراعي ابن القاسم فيه جلده ذكياً فإنه تجوز الصلاة عليه. بل بجلده إّذا ذكي. قال ابن القاسم: ويقطع في الوحش كالضبع (¬2). ومن سرق خراماً عرف (¬3) وطائراً عرف بالإجابة إذا دعي، فأحب إلينا أن لا يراعي إلا قيمته على أنه ليس فيه ذلك ولا سوي ذلك من مال العمد والباطل (كذا). وأما سباع الطير المعلمة فلينظر إلي قيمتها على ما يتعلق ذلك وذكر عن أشهب أنه قوم كله بغير ما فيه من ذلك، وكان بارزاً معلماً أو غيره وهو نحو قول مالك في إذا أغرم إذا قتله. ومن سرق لحم أضحية أو جلدها قطع إذا كان قيمة ذلك ثلاثة دراهم، وقاله أشهب. قال ابن حبيب قال أصبغ: وإن سرق له أضحية قبل الذبح قطع وأما إن سرقها بعد الذبح فلا يقطع لأنها لا تباع في فلس ولا تورث. ¬
مالا، لكن تورث لتؤكل. ومن سرقها ممن تصدق عليه بها قطع إن كان قيمتها ثلاثة دراهم لإن المعطي ملكها فله يبيعها عندها (كذا). ومن العتبية (¬1) روي عيسي عن ابن القاسم، وذكر عن ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم فيمن سرق مزمارا أو عودا أو مثل الدف والكبر وغيره من الملاهي، فإن كان قيمته بعد الكسر ربع دينار قطع سارقة من مسلم أو ذمي. قال في كتاب ابن حبيب: أو سرقة ذمي من ذمي لأن على الإمام كسرها عليهم إذا أظهروها، أو كان فيه فضة وزنها ثلاث دراهم قطع، يريد ولا يبالي بقيمته، قال في كتاب ابن حبيب: قد علم بها السارق لظهورها فيه. قال في الكتابين: وأما الدف والكبر (¬2) وإن كان في قيمتها صحيحين ربع دبنار قطع لأنه قد أرخض في اللعب بهما. قال: ومن سرق كلبا وفي عنقه قده ثمنها ربع دينار فإنه يقطع. قال في كتاب ابن حبيب: إذا كان السارق قد رآها وعلم بها، فإن لم يكن علم بالقدر لم يقطع. ومن كتاب ابن المواز: ومن سرق جلد ميته غير مدبوغ لم يقطع وإن كان مدبوغا قطع عند أشهب. قال عبد الله يعنى إن بلغ ما فيه القطع. وقال ابن القاسم عن مالك: إن كان قيمته (¬3) من الصنعة ثلاث دراهم قطع، وإلا لم يقطع. قال ابن القاسم: قيمته يوم دبغة. ¬
ومن كتاب ابن المواز قال: ومن سرق صبياً حراً أو أعجميا كبيرا أو صغيراً قطع إذا كان من حرز. قاله مالك وأصحابه وابن شهاب والليث وقال ربيعة: الصبيان بمنزلة (¬1) إن أخذوا من حرزهم قطع، وإن كان من غير حرز عوقب. قال أشهب: وذلك أن الصبي الحر لم بلغ أن يعقل نفسه، والعجمي لا يعقل مثله ما يرد به، فهذان يقطع سارقهما كانا حرين أو عبدين. قال ابن القاسم وأشهب: فإن كان الصبي يعقل والعبد فصيح فلا قطع فيهما. وقال ابن الماجشون في موضع آخر لا قطع على من سرق خمراً. ومن العتبية (¬2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن سرق أعجمية ووطئها فعليه الحد والقطع، وإن كان محصنا رجم ولم يقطع (¬3). قال أشهب: وإن راطن أعجميا فأجابه لم يقطع، ولو دعا صبيا صغيرا فخرج إليه فمضي به قطع وقد ذكرنا هذا في باب آخر. ¬
في السرقة من الثمار والنبات قبل أو الجرين أو من حريسة الجبل
في السرقة من الثمار والنبات قبل (¬1) أو الجرين أو من حريسة الجبل أو من غنم معها راعي أو من دواب في الرعي وسرقة النخلة وما يتصل بذلك ومن العتبية (¬2) روي أشهب عن مالك وذكره ابن المواز من رواية أشهب في الزرع يحصد، قال في كتاب محمد، ويربط ويترك في الغائط (¬3) ليحمل إلي الجرين. وقال في العتبية (¬4) بحصد فيجمع من الغائط في موضع ليحمل إلي الجرين. قال في الكتابين: فيسرق منه قبل أن يحمل وقد ضم بعضه إلي بعض، إنه يقطع، كان عنده حارس أو لم يكن، وليس كالزرع القائم. قال في العتبية (¬5): وموضعه له حرز، وربما ترك هناك الزمان الطويل، وليس كالثمر في الشجر، وهو مثل ما جذ ووضع في أصلها، ففي ذلك القطع وإن لم يكن عنده حارس لأنه يطول، كما لا يراعي في الجرين حارس. ابن المواز والعتبي في زرع مصر من القمح والقرط يحصد ويترك في الموضع الذي حصد فيه أياما لييبس فيسرق منه. قال: ليس هذا جرين ولا مراح، وماهو عندي بالبين أنه يقطع فيه. قيل: وإنما يدرس في الجرين، قال هذا بين، يقول إذا سرق من الجرين. قال ابن المواز: فهذا ¬
أحب إلينا، لأن كل ماله حرز وموضع ينقل غليه فليس موضعه ذلك بموضع له. ولو حمل فسرق منه في الطريق لقطع سارقة إن كان معه أحد. وإنما قطع لمكان موضعه. قال ابن حبيب عن أصبغ في الزرع يحصد ويترك مربوطاً في الفدان أياما، فقال أشهب وابن نافع يقطع من سرق منه. قال ابن القاسم: لا يقطع، وبه قال أصبغ، إلا أن يكون له حافظ فعلي من سرق منه القطع. ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬1) في رواية أصبغ عن ابن القاسم ولا قطع على من سرق من الغائط (¬2) في موضع ليحمل إلي الجرين، هذا الموضع الذي يجمع فيه ليحمل للمنع. [قال العتبي] (¬3) وقاله أصبغ ومحمد، ذلك أنه لا يحمل لحرز ولا لموضع حرز. ومن كتاب ابن المواز: يقطع في البقل إن لم يكن قائماً حصد وأحرز، ويقطع في كل شئ حتي الماء إذا أحرز لوضوء أو شرب أو غيره، وحتى الحطب والعلف والتبن والورد والياسمين والرمل والرماد إذا سوي ثلاثة دراهم وحرز (¬4) وسرق من حرز. قال: ومن سرق ثمرة نخل قبل يجد وهي في دار أو كان مجذوذا في منزلة، فهذا يقطع إذا بلغت قيمته على الرجاء والخوف ربع دينار. ولو كان ذلك في الحوائط والبساتين لم يقطع في الثمر المعلق أو غير المعلق، مالم يكن في موضع قد أحرز ونحي عن موضعه. قال ابن وهب عن مالك: ولا يقطع إن سرق نخله صغيرة أو كبيرة، ولو اجتثها وهي مقطوعة الرأس وخرج لم يقطع. ولو كانت حسنة ¬
ملقاة قد تركت في الحائط ففيها القطع. وقال أشهب: أما إن لم يتركها مطروحة وأحرزها في الجنان في موضع منه حريز وكان الجنان في حرز أو له حارس فإنه يقطع. وقال ابن القاسم عن مالك: إذا قطعها ربها ووضعها في الجنان قطع سارقها، وكذلك جميع الشجر. قال محمد: وأظنه أنه لا حرز لها إلا حيث ألقيت فيه (قال) (¬1): ولو كان إنما وضعت لتحمل إلى حرز لها معروف لم يقطع حتى تضم إليه، فهذا أحب إلي، وأحسب فيه اختلافا. وإذا كان (¬2) بموضع لا حارس عليه ولا غلق، فقال أشهب: إن كان في صحراء فلا قطع على من سرق منه، وإن آواه إلى موضع يكون مثله حرزا فإنه يقطع، كان عليه حارس أم لا. وقال ابن القاسم: فيه القطع مثل حريسة الجبل إذا آواه المراح وإن كان إلى غير الدواب (¬3) ولا حظر ولا غلق وأهلها في بيوتهم، قاله مالك. وكذلك قال في السرقة من خباء المسافر وإن ذهب عنه ولم يدع فيه أحدا. ومن العتبية (¬4) روى عيسى عن ابن القاسم وابن وهب في الراعي يبعد بغنمه فيدركه الليل في موضع لم يكن بها له مراح فيجمعها ثم يبيت فيسرق منها، قال: يقطع وهو كمراحها. قال ابن القاسم: وحريسة الجبل (¬5) كل شيء يسرح للرعي من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك من الدواب، لا قطع على من سرق منها وإن كان أصحابها عندها. ¬
قال: في الراعي يجمع غنمه في الرعي فيسوقها إلى المراح فيسرق منها وهي على الطريق ففي ذلك القطع. قال: وإذا كان على النخيل والزرع أو جذ التمر (¬1) فجمع في مكان واحد وأغلق عليه الباب، فعلى من سرق منه القطع. وأما الذي لا قطع فيه فالذي يكون في (¬2) من غير تحظير ولا بيت يغلق. وروى عنه ابن القاسم (¬3) فيمن ضرب خباء في العرط (كذا) فربط درابة حوله وفصل عنها (¬4) لا يحولها عن موضعها فسرق رجل منها، قال: لا قطع عليه. قال ابن حبيب قال أصبغ: ومن ساق غنمه من مراحها إلى مسرحها فسرق منها أحد قبل تخرج من بيوت القرية إنه يقطع. وكذلك إذا ردها من مسرحها إلى مراحها، فإذا سرق منها بعد أن أدخلها القرية وخالطت البيوت (وهو يسوقها) (¬5) إنه يقطع وإن لم تدخل المراح. وفي باب حرز الدواب وسرقتها هذه ذكرها ابن المواز عن مالك مثل ما ذكر أصبغ وأزيد ما ها هنا. ومسألة السرقة من ثياب القصار ينشرها على الحر (¬6) في باب السرقة من حبل (¬7). ¬
في السارق يرد السرقة إلي الحرز أو يوجد في الحرز ثم يهرب بها
في السارق يرد السرقة إلى الحرز أو يوجد في الحرز ثم يهرب بها أو ترك حتى أتى بالبينة (¬1) ومن سرق من جوع أو من سرق من مال الإمام ومن سرق من بيت رجل وادعى أنه أودعه عنده أو أنه أرسله من العتبية (¬2) قال أبو إسحاق (¬3) البرقي عن أشهب في السارق يخرج السرقة من الحرز ثم يردها فيه فإنه يقطع لأن القطع وجب بالخروج. قال عيسى ومحمد بن خالد عن ابن القاسم: وإذا أخذ السارق في الحرز وقد ائتزر بإزار ثم انفلت وهو عليه فلا قطع عليه، علم أهل البيت أنه عليه أو لم يعلموا. قال أصبغ فيه وفي كتاب ابن المواز: وإذا رأى السارق يسرق متاعه فتركه وأتى بشاهدين ليعايناه يسرق فنظراه ورب المتاع معهما حتى خرج به، قال في كتاب ابن المواز: ولو أراد أن يمنعه لمنعه، قال: فلا قطع عليه، ونحن نقول أنه قول مالك. وقال أصبغ: عليه القطع. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن سرق من جوع أصابه لا قطع عليه. قال ابن حبيب: وروي عن أبي هريرة لا قطع في عام مجاعة، وذلك للمضطر. وذكر غيره إنه روي عن عمر: لا قطع في سنة (¬4). ¬
وروى أبو زيد في العتبية (¬1) في السارق يسرق من مال الإمام، قال: لا نقص عليه في القطع ولا نقص عليه في المسروق. وروى عنه عيسى فيمن سرق متاعا من رجل وقامت عليه البينة فقال: كنت أودعته إياه إنه يقطع ولا يصدق، ولا يمين له على رب المتاع. ولو صدقه رب المتاع لم يزل ذلك عنه القطع. قال عيسى أحب إلي إذا صدقه أن لا يقطع. قال ابن حبيب قال أصبغ في قول مالك في السارق يؤخذ في الليل قد أخذ متاعا من دار رجل وزعم أنه أرسله إليه وصدقه الرجل، فإن كان ممن له إليه انقطاع ويشبه ما قال لم يقطع. قال: فمعنى ويشبه ما قال أن يدخل إلى المتاع من مدخله غير مستتر وأتى في وقت يجوز أن يرسله فيه مع الانقطاع الذي عرف منه إليه. وأما إن أخذه مستترا أو دخل من غير مدخله أو دخل في حين لا يعرف فليقطع، ولا ينفعه انقطاعه إليه. وأما إن لم يعرف إليه منه انقطاع فإنه يقطع في الوجهين، إلا أن يصدقه رب المتاع فلا يقطع إذا دخل في وقت يعرف غير مستتر من مدخل. (وإن دخل من غير مدخل أو في حين لا يعرف أو دخل متسترا فإنه يقطع) (¬2) وإن صدقه رب المتاع. ومن كتاب ابن المواز روى ابن عبد الحكم عن مالك فيمن أخذ بليل ومعه متاع فيقول: رب المنزل (¬3) أرسلني، فذلك يختلف في الساعات وحال الرجل، فإذا كان بليل وهو ممن يتهم قطع ولم يصدق. قال: وإذا كان ممن له إليه انقطاع وجاء بما يشبه لم يقطع، وإلا قطع ولم يصدق. قال محمد: إذا أقر أنه أخذها من حرز. ¬
قال مالك: وإن كسر الباب وأخذ المتاع وقال: أرسلني صاحبه، وصاحبه بالشام وهذا بالمدينة، قال: يقطع، وليس هذا فعل الرسول. ولو قال ربه أنا أرسلته لم يصدق. قال مالك: وإذا أخذ في الليل وقال: ربه أرسلني إليه (¬1) وينكر ذلك صاحبه، أما في ساعة لا يرسل فيها وهو ممن لا يعرفه ولا هو من أهل الأمانة فإنه يقطع، وقال ابن القاسم قال مالك: وكل من قام بالسارق وجب أن يقطع بخلاف القذف. ولو أن المسروق منه غائب لم يكن للسارق حجة، ولو حضر وقال ما سرق مني شيئاً ولا المتاع لي وعفا عنه لم يلتفت إلى قوله إذا قامت البينة بسرقته. قال مالك فيمن سرق متاعاً بمصر وربه غائب بالشام وقال: ربه أرسلني، وقدم ربه فصدقه، فلابد من قطعه. قال أشهب: إذا سرقه (¬2) مستتراً. وكذلك إن تأخر قطعه حتى مات المسروق منه والسارق وارثه، لأن القطع لزمه قبل أن يرثه. وكذلك إذا ادعى عليه وديعة أو غيرها فجحده فأخذها من يده سرقة مستتراً فإنه يقطع إلا أن يقيم بينة أنه أودعه ذلك وإن لم يشهدوا بملكه له. ¬
فيما يسرق بالفلاة من مطامر والسرقة من القبر ومن المسافر
فيما يسرق بالفلاة من مطامر والسرقة من القبر والسرقة من المسافر يكون بالفلاة والمسافرون يسرق بعضهم من بعض وأهل السفينة وفي السفينة تسرق من العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم وفي كتاب ابن المواز قال مالك في مطامر بالفلاة يخزن فيها الطعام وتعمي حتى لا تعرف أو تكون بحضرة الدور ومنها ما يكون بيناً بحضرة أهله فيسرق منها ما يسوي ثلاثة دراهم، فأما التي بالفلاة قد أخفاه ربه وعفى عليه وأسلمه فلا قطع عليه، وما كان بحضرة أهله معروفاً ففيه القطع فيما قيمته ثلاثة دراهم. وقال عنه أشهب في المسافر ينزل بالفلاة فيضرب خباءه وينيخ إبله فيسرق سارق من متاعه الذي في الخباء أو في خارجه ومن تلك الإبل فهي معقلة (¬2) أو غير معقلة إذا كانت قرب صاحبها، ففي ذلك كله القطع. وكذلك إن لم يكن له خباء (¬3) المراح والجرين عليه حرز. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في مسافرين ضربوا أخبيتهم وأناخوا إبلهم، ثم ذكر مثل ما تقدم وقال: فإن سرق بعضهم من بعض قطع السارق. محمد: يريد ما لم يكونوا من أهل خباء واحد. قال محمد (¬4) وذلك كدار فيها سكان يسرق بعضهم من بعض. قال مالك: وما كان من إبلهم (¬5) في الرعي فلا يقطع من سرق منها. ¬
قال مالك في الرفقة ينزلون في الفلاة كل قوم على حدة ويضم (¬1) كل رفقاء متاعهم على حدة، إلا أنهم نزلوا بموضع واحد فإن سرق بعضهم من بعض فذلك كالدار المشتركة ذات المقاصير، يقطع إن سرق بعضهم من بعض. وكذلك إن سرق أهل الخباء الواحد وأتفقا (كذا) بعضهم من بعض. ومن يسرق منهم من غير رفقائه أو من غير أهل خبائه قطع، والخباء نفسه إذا سرق قطع سارقه. قال ابن القاسم فيمن طرح ثوباً في الصحراء وذهب لحاجته فيسرق، فإن كان منزلاً نزله (¬2) قطع سارقه، وإلا لم يقطع. (وقال أشهب: إن طرحه بموضع ضيعة فلا قطع فيه) (¬3) وإن طرحه بقرب منه أو من خبائه أو من خباء أصحابه، فإن كان سارقه من غير الخباء قطع. وقال يحي بن سعيد قال محمد: و (أما) (¬4) أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض فلا قطع عليه، وهي كالحرز الواحد، إلا أن يسرق منهم أحد من غيرهم مستتراً فليقطع إن أخرج ذلك من المركب، ويقطع من سرق السفينة نفسها، إلا أن تكون مخلاة لا أحد فيها. وقال ابن القاسم وأشهب إنها إن كانت في المرسى على وتدها أو بين السفن أو بموضع لها حرز، فعلى سارقها القطع وإن لم يكن معها أحد، وإن كانت مخلاة أو أفلتت ولا أحد معها فلا قطع فيها إلا أن يكون معها أحد. ¬
فيمن سرق مما يوضع بالسوق للبيع من مواقف فناه
وإذا كان فيها مسافرون فأرسلوا بها في مرسى وربطوها ونزلوا كلهم وتركوها، فقال ابن القاسم: يقطع من سرقها، وقال أشهب: إن ربطوها في غير مربط لم يقطع كالدابة. قال محمد: إن كانت بموضع يصلح أن يرسى فيه قطع، وإن كان في غير ذلك لم يقطع. (ويقطع) (¬1) من سرق من المحمل كان فيه صاحبه أو لم يكن فيه أحد. قال مالك: إن كان مقطوراً (¬2) بالإبل أو كان معها وليس بناء عنها (¬3). قال مالك: ويقطع السارق من القبر ولا يقطع حتى يخرج من القبر، وإن أخذ فيه فلا يقطع إلا أن يكون رمى المتاع خارجاً من القبر فيقطع. والقبر حرز لما فيه كما البيت حرز لما فيه. وقاله ابن المسيب وعطاء وعمر بن عبد العزيز وربيعة: فيمن سرق مما يوضع بالسوق للبيع من مواقف فناء والسرقة مما ينشر الصباغ والقصار أو ما على الحائط أو على الدابة أو على الصبي أو إلى جانب المسجد من كتاب ابن المواز قال مالك: وما وضع في السوق للبيع من متاع أو شاة فموضعه حرز ويقطع سارقه، كان على قارعة الطريق من غير حانوت ولا تحظير ولا حصير، كان صاحبه عنده أو قام لحاجته وتركه، كان ¬
في ليل أو نهار، كان ما وقف للسوم أم لا، إلا أن يدخل (الرجل) (¬1) حانوتاً لشراء يريد بإذن. فيسرق منه فلا يقطع، ما لم تكن من الحوانيت المباحة في دخولها فتصير (¬2) كالأفنية يقطع من سرق منه، (يريد) (¬3) ولا يرعى فيه الإذن، وهو مفسر في باب من سرق من موضع أذن له في دخوله. وقال في الشاة توقف في السوق للبيع، فتسرق إن فيها القطع وإن لم تكن مربوطة. وكذلك الأمتعة توضع للبيع، والطعام في القفاف ولهم حصر يغطونها ليلاً وهي بلأفنية حوانيته، وربما ذهب وتركه، فمن سرق منه قطع. قال ابن القاسم وأشهب: (وكذلك) (¬4) كل ما وضع في الموقف للبيع ومن متاعه، يعني حانوته، وله حصير من قصب ربما أغلق بها وذهب. قال: وتابوت الصراف يقوم عنه ويتركه بموضعه فيسرقه سارق ليلاً أو نهاراً، قال: يقطع كان مبنياً أو غير مبني. ولو كان شأنه أن ينصرف به كل ليلة قنسيه فسرق فلا قطع فيه. والبعير يعقله ربه في السوق ليحمل عليه فيسرق، قال مالك: ففيه القطع. قال مالك: وكذلك الإبل المناخة يموضع (¬5) فيه الكراء قد عرف، قال ربيعة في البعير المعقول في السوق يحل ويذهب به ففيه القطع. ¬
ومن العتبية روى محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن جعل ثوبه قريباً منه ثم قام يصلي فسرقه رجل فإنه يقطع. وإذا أخذ وقد قبضه قبل (¬1) لزمه القطع. ولو قلت (¬2) حتى يخرج به من المسجد ففيه القطع. ومن كتاب ابن المواز والعتبية (¬3) من سماع ابن القاسم في الغسال يغسل الثياب على الحر وينشرها فيسرق منها وهو يغسل أخرى إنه لا قطع فيها ورآها كالغنم في الرعي. قال: وما سرق على حبال الصباغين من الثياب المنشورة يمدونها على حوانيتهم في الطرق فلا قطع في ذلك أيضاً، ولعله يذهب ويدعها أو يطرحها الريح. وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك من رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم. وقد روي عن مالك في حبل الصباغ والقصار أنه يقطع من سرق منه. قال أصبغ قال ابن القاسم: ولا فرق بين حبل جديد وقديم، وأنكر قول من فرق بينهما. قال ابن القاسم في الكتابين في الثوب ينشر على الحائط فتدلى بعضه للطريق فجره سارق من الطريق بقصبة أنه يقطع. وهذا أبين من الأول يعني من السرقة من دار مفتوحة. وقال أشهب وابن القاسم عن مالك في صبي كان على دابة بباب المسجد فقطع رجل الركابين، فعليه القطع. قال عنه أشهب: إن كان الصبي ليس بنائم، وإن كان نائماً فيشبه أن لا يلزمه قطع، وما أدري وأراه كالدابة لا أحد معها. وأما المربوطة في حرزها فمن سرق منها فليقطع. قال أشهب: إذا كان الصبي نائماً فلا قطع على سارق الركابين. ¬
ومن خلى دابته بباب المسجد ودخل يركع فسرقت فلا قطع على سارقها. ومن سرق من المحمل قطع، كان فيه صاحبه أو لم يكن، إلا أن يكون مخلى هكذا فلا قطع. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ: من سرق من حبل الغسال قطع، ولو سرق الحبل نفسه قطع إن كانت قيمته ثلاثة دراهم. وقال أصبغ فيمن نزل عن دابته وتركها ترعى فسرق رجل سرجها من عليها فلا يقطع كمن سرق شيئاً على صبي صغير لا يدفع عن نفسه. ومن كتاب ابن المواز قال: ومن سرق قرطاً من أذن صبي أو سواراً عليه أو معه، فأما الصغير لا يعقل ولا يحرز ما عليه وليس مع الصبي خادم يحمله أو يصحبه فلا قطع عليه، وإن كان معه أحد يصحبه قطع السارق إن سرق (¬1) ذلك مستتراً. وإن لم يكن معه أحد لم يقطع، إلا أن يكون الصبي في حرز، فيقطع سارق ما عليه كما يقطع لو سرقه نفسه. وإذا كان الصبي يعقل وممن يحرز ما عليه قطع من سرق منه شيئاً مستتراً، كان في حرز أو غيره، كان معه حافظ أو ليس معه أحد. وإن أخذه منه على وجه خديعة بمعرفة من الصبي لم يقطع. وكذلك لو كابده. وأما الصغير فبعلمه وبغير علمه سواء. وكذلك أخبرني أصيغ عن ابن القاسم. وروى ابن وهب عن مالك في السارق مما على الصبي إن كان من دار أهله قطع، وكذلك إن سرق الصبي نفسه. وقال: إذا كان مثله يحرز ما عليه (قطع سارق ما عليه) (¬2) مستتراً، وإن كابده لم يقطع. قال عنه ابن القاسم: وإذا كان مع الصبي خادم يحمله قطع إذا كان مستتراً. قال محمد: وهذا في الصبي الصغير والكبير. ¬
في السرقة مما في السجد والكعبة والمحارس والحمام
في السرقة مما في المسجد والكعبة والمحارس والحمام ومن سرق ثوبه في المسجد (¬1) من العتبية (¬2) من سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز قال مالك: لا قطع على من سرق من حلي الكعبة لأنه دخلها بإذن مثل بيوت الناس يدخل فيها بإذن. قال محمد في كتابه: ولم يجعله مثل المساجد. قال مالك: وكذلك بيت يكون فيه قناديل المسجد وحصره أو بيت تكون فيه زكاة الفطر في المسجد أو فيه غير ذلك، فمن دخل فيه بإذن لم يقطع فيما سرق منه، ومن دخله بغير إذن فسرق منه مستتراً قطع إذا خرج به من البيت إلى المسجد، لأن خزانة المسجد المباح دخوله بخلاف خزانة البيت الذي لا يدخل إلا بإذن. هذا خزانته مثل بيته. ومن العتبية (¬3) قال ابن القاسم عن مالك: ومن سرق من قمح الفطرة الذي يجمع في المسجد،- يريد يذهب فيه- وإن لم يخزن في خزانة. ابن القاسم: ومن سرق من بسط المسجد التي تطرح في رمضان، فإن كان عنده صاحبه قطع، وإلا فلا (وقال مالك في الكتابين في محارس الإسكندرية يعلق الناس السيوف (¬4) فيسرق منه، فإن كان ربه عنده قطع ¬
سارقه وإلا فلا) (¬1) إلا أن ينقب فيسرق ولم يدخل من مدخل الناس فيقطع وإن لم يكن عند المتاع حارس. قال وسارق البساط من المسجد إن احتمله من مكانه فأخذ قطع وإن لم يخرج من المسجد، لأن المسجد ليس بحرز لشيء. قال ابن حبيب عن أصبغ قال مالك: إذا سرق من الحمام ودخل من بابه لم يقطع إلا أن يكون عند الباب من يحرزه. قال أصبغ: سواء عنده دخل بإذن أو بغير إذن مستراً لا يريد دخول الحمام ولكن يريد السرقة إذا كان ممن دخل الحمام. ومن كتاب ابن المواز قال: ومن سرق من بلاط الحمام ورصاصه وميازيبه فأما من دخل مع الناس للجميع (كذا) فلا يقطع إلا أن يسرق ذلك من بيت مغلق من الحمام فيقطع. وأما من سرق ولم يؤذن له فيه ولا في وقت الدخول فعليه القطع. قال مالك: وإذا سرق من دخل الحمام من ثياب الناس، فإن كان معها حارس أو كانت في بيت تحرز فيه بغلق ففيها القطع، وأما ما وضع في بعض مجالس الحمام بغير حارس ولا غلق فلا قطع فيه، إلا أن يسرقه من لم يدخل من مدخل الناس، وإنما نقب واحتال فيقطع. قال مالك: وليس في الحمام من متاع الناس لا حارس له مثل ما يوضع بالأسواق من المتاع ويذهب عنه ربه، ففي هذا القطع. قال ابن وهب: وقال الأوزاعي بقول مالك في السارق من الحمام. وروى ابن القاسم عن مالك في الحمام هل يقطع السارق منه؟ قال: ربما أخطأ الرجل وربما أغفل. قال ابن سحنون: يقول ظننته ثوبي (¬2). قال مالك: ¬
وقد أمرت صاحب السوق أن يضمن صاحب الحمام ثياب الناس أو يأتوا بمن يحرسها. قال عيسى عن ابن القاسم: من سرق من حصر المسجد (قطع) (¬1) وإن لم يكن له باب. ومن سرق الأبواب قطع. وروى ابن القاسم عن مالك: إذا كانت سرقته للحصر نهاراً لم يقطع، وإن كان تسور عليها (ليلاً قطع) (¬2). وذكر عن سحنون في غير العتبية: إذا كانت حصره قد خيط بعضها إلى بعض قطع وإلا لم يقطع. قال ابن القاسم: ومن سرق من المسجد الحرام أو من مسجد لا يغلق فلا قطع عليه. ومن سرق القناديل قطع سرقها ليلاً أو نهاراً. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: ولا قطع في شيء من حصر المسجد وقناديله وبلاطه. وقال أصبغ في ذلك كله القطع، وقال محمد، كما لو سرق (¬3) أو خشبة من سقفه أو من جوائزه. وقال ابن القسم: فيمن سرق من قمح الفطرة الذي يصب في المسجد، إن كان معه حارس قطع. وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن مالك أنه إن لم يكن معها حارس لم يقطع. وقال أصبغ: عليه القطع كان معها حارس أو لم يكن، كقناديله وحصره وبلاطه. (قال ابن حبيب: ليس ذلك كقناديله وحصره، لأن ذلك موضعه من مصلحة المسجد، وأما الفطرة فلا يقطع إلا أن يكون معها حارس، كانت في المسجد أو في غيره. قال ابن المواز عن ابن القاسم: فإذا كان عليها حارس وإن لم يكن ¬
يخرج من المسجد قطع، كما قطع سارق رداء صفوان وقد أخذ من المسجد. ولو كانت الفطرة في بيت من المسجد لقطع إذا أخرجه إلى المسجد. قال ابن حبيب وقال ابن الماجشون: ومن سرق من ذهب باب الكعبة قطع، ويقطع في القناديل والحصر والبلاط وإن أخذ في المسجد، كان في ليل أو نهار، وحرزها في موضعها، وكذلك الطنفسة يبسطها الرجل في المسجد لجلوسه، فإن كان تركها فيه وجعلها كالحصير من حصره، فسارقها كسارق الحصر، وقال مالك (كما) (¬1) في طنافيس طوال كانت تترك فيه كالحصر ليلاً ونهاراً. وقال عبد الملك: وأما طنفسة يذهب بها ربها ويرجع وربما نسيها في المسجد فلا قطع في هذه وإن كان على المسجد غلق، لأن الغلق لم يكن من أجلها ولم يكلها ربها إلى غلق، فهو قول مالك. ومن كتاب ابن المواز قال فيمن سرق رداؤه من المسجد ولو لم يكن تحت رأسه وكان قريبا منه لقطع إن كان منفذها (كذا) وكالنعلين بين يديه يكونان من المنتبه. قلت: فقد قطع في رداء صفوان وهو نائم؟ قال: ذلك كان تحت رأسه. وقال عبد الملك في النعلين، وقاله في ثوب النائم يسرق، يريد من تحت رأسه. وقال مالك في محارس الإسكندرية وغيرها يعلق الناس فيها السيوف، فيخرج أحدهم لضوء فيسرق سيفه فلا قطع فيه وإن خرج به السارق من المسجد، لأن صفوان لم يقم عن ردائه ويدعه، ولو كان الرجل عند سيفه لقطع سارقه إن كان السارق ممن ليس معهم، إنما جاء مثنافاً (كذا). وأما إن سرق بعضهم من بعض فتلك جناية ولا قطع فيه، وإن كان صاحبه عنده. ¬
فيمن سرق من موضع أذن له في دخوله
فيمن سرق من موضع أذن له في دخوله مثل المنزل وغيره وفي أحد الزوجين يسرق متاع الآخر (¬1) من العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز روى أشهب: فيمن دخل حانوت رجل فسرق منه فإنه لا يقطع، وقد ائتمنه في الدخول ورجف (كذا) تركه ويقول له ناولني هذا أو ليس هذا كالأقبية. فأما يدخل للسوم – يريد فيما لا يدخل إلا بإذن – فيسرق فهذا الا يقطع. قال مالك: ومن دخل على بزاز فباع منه ثوباً ثم خرج فتناول شيئاً فلا قطع عليه. ومن العتبية (¬3) قال أشهب (عن مالك) (¬4) من أدخل رجلاً منزله فسرق ما في كمه واختلسه فلا قطع عليه كما لو فعلت ذلك له به زوجته (أو أخوه) (¬5) وترك القطع فيما يشك فيه خير من القطع. قال عيسى قال ابن القاسم في الحوانيت التي في السوق تدخل بغير إذن ليس على من سرق منها القطع. وفي باب السرقة مما يوضع في السوق من هذا. وروى سحنون عن ابن القاسم: ومن له دار يسكن في بعضها وفي بعضها حوانيت وليس معه فيها غيره وهي محجورة عن الناس، فأضاف ¬
ضيفاً في بعض الحوانيت وبقية الحوانيت مغلقة فسرق الضيف من بعض تلك الحوانيت وليس هو فيها نازلاً، قال: لا قطع عليه (¬1). ومن كتاب ابن المواز قال: (مالك) (¬2) ومن أضاف رجلاً في داره وهي غير مشتركة فسرق من بعض بيوتها وهي محجورة عنه (¬3) فلا يقطع وكذلك لو دق خزانة في البيت الذي كان فيه أو تابوتاً كبيراً فيه فسرق منه فلا قطع عليه (قال مالك) (¬4): وكذلك سرقة أحد الزوجين من متاع صاحبه من بيت قد حجره عن صاحبه فلا قطع عليه إن كانت الدار غير مشتركة، وإن كان فيها ساكن غيرهما ففي ذلك القطع. وكذلك مماليكهما إذا أذن لهم في دخول الدار وهي غير مشتركة فلا قطع فيما سرق مما حجر عنه من بيوتها حتى يخرجه من الدار. (قال عبد الله: هكذا وقع في هذا الموضع، وذكر لنا في موضع لآخر ولم يذكر حتى يخرجه، وقد تقدم قوله إنه جائز) (¬5). وقال سحنون في موضع آخر في الضيف يسرق من بيت قد أغلق عنه إنه يقطع، أو خزانة في البيت مغلقة عنه أو تابوت كبير فيه فهو كالخزانة فيقطع إذا أخرج ذلك مما حجر عنه فيقطع وإن أخذ في الدار، وكذلك سرقة أحد الزوجين من صاحبه من بيت قد أغلقه عنه. وأما غير المأذون في الدخول فلا يقطع (¬6) حتى يخرج به من الدار. ¬
وإذا سرق المأذون في الدخول من تابوت صغير في البيت مغلق، أو سرق ذلك التابوت فلا قطع. ومن كتاب ابن المواز: ومن أدخل رجلاً داره لصنيع أو لدعوة أو لعمل يعمله (له في بيته) (¬1) من خياطة أو غيرها فيذهب ويدعه فيسرق من ذلك البيت أو من خزانة مغلقة أو تابوت فيه كبير يكسره ويسرق منه فلا قطع عليه. قال مالك: هي خيانة ويعاقب. وكذلك لو سرق من بعض بيوت الدار التي حجرت عنه إلا في دار فيها ساكن آخر فيقطع هذا. وعن قوم في صنيع فيسرق بعضهم من بيت هم فيه قال: لا يقطع، وكذلك لو كر (¬2) بعضهم من كم بعض أو من كفه أو سرق رداءه أو نعله فلا قطع عليه ويعاقب، لأن الحرز البيت، وليس الكم في هذا حرزاً. ورواه أشهب وابن وهب عن مالك. وكذلك الأجير. وقال في قوم في منزل فيسرق بعضهم من بعض فلا يقطع إلا أن يكون لها بيت آخر مغلق فيسرق منه آخر فليقطع. وقال مالك فيمن يدخل إلى قوم من قريب أو غيره فيسرق متاعهم، فإن كان ذلك على وجه الائتمان فلا يقطع. ¬
في المختلس من المحمل والذي يشير إلي الشاة بالعلف في خارج
في المختلس من المحمل والذي يشير إلى الشاة بالعلف في خارج وفي الدار المشتركة نشر فيها بعضهم ثوباً فيسرق (¬1) من كتاب ابن المواز قال مالك: من سرق من كم رجل في الطريق قطع إذا صار في يده وإن لم يبرح، وكذلك من (¬2) من كمه أو ثوبه أو خطفه من نائم أو مستيقظ فإنه يقطع. قال مالك: ومن قطع من جفن السيف أو الحمائل أو النعال أو (¬3) مستترا كالخلاخيل، وكمن سرق من المحمل والقطار أو المتاع في المصلى فإنه يقطع. قال عنه أشهب: وكذلك من يقطع ما في الكم بحديدة أو يدقه بحجر حتى يأخذه فإنه يقطع. قال عنه أشهب كانت مصرورة أو غير مصرورة في كمه، ذكره ابن شعبان. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: لا يقطع المختلس. قيل: فإن اختلس من المحمل؟ قال: ما أدري ما هذا، ولكن إن سرق مستترا قطع. وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا قطع في الخلسة (¬4) وقاله كثير من التابعين. قال ربيعة: إلا الآخذ شيئاً بالفلاة فتلك حرابة، بخلاف الحاضرة يختلس فيها فعليه العقوبة. وكذل خلسة المرأة من المرأة. قال عطاء: تقطع اليد المختفية ولا تقطع اليد المعلنة ولا المختلس. ¬
ومن العتبية (¬1) قال أشهب عن مالك: في الذي يشير إلى الشاة بالعلف (من خارج) (¬2) وليس أبوابها حرزا لما فيها وهي كالدروب تغلق بالليل وتباح بالنهار. ومن نزل بها موضعاً ووضع متاعه وتابوته وكان لا ينقلب به ليلا ولا نهارا فعلى من سرقه القطع وإن أخذ ولم يخرج من باب تلك الدار والقيسارية (¬3) قال مالك في هذه التي من طريق أنس ابن مالك يكون الرجل فيها نائما على لحافه أو يقوم عنه ويدعه فيسرق، أو دابة من مربطها بعناية، ففي ذلك القطع حين يأخذه وإن لم يخرج من الدار، فأما ما يجده مطروحا إنما نسيه أو سقط منه فلا قطع فيه. وقد قطع سارق رداء صفوان من تحت رأسه وقد أخذ قبل أن يخرج به. قال فيه وفي العتبية (¬4) أشهب عن مالك في دار مشتركة قال في كتاب محمد: وهي طريق، قال في الكتابين: يكون للرجل فيها شاة وللآخر شاتان فيغلق الباب فتسور رجل الجدار فسرق شاة قال: يقطع. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في قوم اقتسموا دارا فحظر كل واحد منهم على نفسه بقصب فأدخل فيه دابته. فاحتلها أحدهم فلا يقطع لأنه يقول: مطرنا (كذا) رجعت (أو يقول بل) (¬5) وجدتها إنفلتت. قال مالك: ولو أخرجها من بعض البيوت لقطع. قال أشهب: إن كان ذلك الحظير ليس يحرز على أهل الدار ففيه إشكال. والمضاء في العفو أولى. ¬
في حرز الدواب ومواضعها وسرقتها
قال محمد: ولو سرقها أجنبي لقطع إذا أخرجها من ذلك الحظير ومربطها. ومن العتبية (¬1) قال سحنون عن ابن القاسم: إذا كان في الدار المحجورة عن الناس بئر يستقي منها الأشراك فينسى بعضهم على البئر تورا أو قدحا أو غير ذلك فسرقه أجنبي فأخرجه من الدار إنه يقطع. ولو نشر في الدار بعض الأشراك ثوبا فسرقه أجنبي قطع، ولا يقطع إن سرقه بعض أهل الدار المشتركة. وقال أصبغ عن ابن القاسم في دار نهى صاحبها أن يغلقها فتبيت مفتوحة، ولكن ليست التي تدخل بغير إذن، كالتي لا تدخل إلا بإذن. في حرز الدواب ومواضعها وسرقتها من كتاب ابن المواز قال أشهب: قيل لمالك إن ابن المسيب يقول: من احتل بعيرا من عقاله فذهب به أو قطع صرة قطع، قال: أصاب. قال مالك: ومن حل بعيرا من القطار قطع. وإذا سيقت غير مقطورة فمن سرق منها قطع والمقطورة أبين. وكذلك الروابل (كذا). ولو قال: أخذته من آخر القطار قطع إذا برز به من الإبل، إلا أن يقول: وجدته قد انقطع فلا يقطع. قال مالك: ومن حل بعيرا من عقاله فأخذه قطع إذا كان البعير بحضرة القوم. وكذلك من دخل المسجد أو الحمام وترك دابته ببابها فسرقت، فلا قطع فيها إلا أن يكون معها أحد. ¬
وأما الدابة بقبائها المعروف (¬1) مربوطة أو على مذودها، أو البعير المعقول بمعتلف له أو بموضع معروف يأكل عليه، فمن سرقه من مثل هذا قطع. وأما إن كان ليس بقباء (كذا) معروف وكان مخلى سبيله فلا يقطع. ولو شاء قال: وجدته ضالاً. (قال ابن حبيب) (¬2) قال أصبغ من قول مالك: من سرق دابة من مربطها المعروف قطع. قال أصبغ: وإن لم تربط فيه إلا العشرة (أيام) (¬3) ونحوها، فذلك مربط معروف يقطع إن سرقها منه. ومن كتاب ابن المواز: ومن ربط دابته في مرج فسرقت، فإن كان عندها حارس قطع، وإلا فلا، كان في ليل أو نهار. وقال يحيى بن سعيد: إن كانت في حائط أو حجر قطع. قال محمد: ما لم تكن مطلقة ترعى، فأما إن كانت في مرج ينقل إليها العلف وعندها حارس ففيها القطع. وقال مالك في الدواب (¬4) في الربيع وقومتها معها فتسرق منها دابة وهي على وتدها مربوطة. قال: هذا من ناحية الرعي فلا يعجبني القطع فيها. قال ابن القاسم: فهي حريسة الجبل. قال مالك: وإذا كانت الدواب أو الإبل تساق إلى المرعى غير مقطورة (¬5) فيسرق منها، قال: يقطع ما لم تنته إلى الرعي، والمقطورة أبين. وكذلك إذا لحق (كذا) من الرعي فهي راجعة تساق غير مقطورة وقد خرجت من حد الرعي ولم تصل إلى مراحها فتسرق في تلك الحال، قال: يقطع سارقها. ¬
في سرقة العبد وحده أو مع أجنبي من مال سيده أو ابنه الحر
قلت: (وكيف) (¬1) وقد جاء حتى يأويها المراح؟ قال: وكذلك في التمر حتى يأويه الجرين، فلو حمله أحد إلى الجرين أو إلى بيته أو حمل على دابة فسرق من عليها ألا يقطع؟ وإنما يؤخذ في الحديث بما أريد. قال مالك في الدواب عليها الروامل (¬2) فيقف السارق في الطريق فيأخذ منها دابة، قال: يقطع إذا تنحى بها. وقد ذكرت هذه المسألة في باب سرقة الثمار وحريسة الجبل من كتاب ابن حبيب، وفي باب السرقة ما يوضع في السوق من معاني هذا الباب. في سرقة العبد وحده أو مع أجنبي من مال سيده أو من مال ابنه الحر أو ابن سيده أو من أجنبي وفي سرقة الأب الحر من مال ولده من كتاب ابن المواز قال: ويقطع العبد والأمة في السرقة وإن لم يكونا مسلمين، ملكهم مسلم أو كافر إذا سرق من مال غير سيده، ولا يقطع في مال سيده، وإن أحرز عنه ونقب (عليه) (¬3) ليلاً فلا يقطع فيه. وإن سرق من متاع زوجة سيده من بيت أذن له في دخوله لم يقطع، فإن كان لم يؤذن له فيه قطع إن كان مستتراً. وكله قول مالك. ¬
وكذلك عبد الزوجة يسرق من مال الزوج، فهذا المعتق والمكاتب مثله. قال وكذلك (إن سرق) (¬1) عبد فيه شرك من مالك أو (مال) (¬2) عبد لم يقطع. ولو سرق عبدك أو مكاتبك أو مدبرك من مال عبد آخر أو مكاتب أو مدبر مما حجر عنه لم يقطع. ومنه ومن العتبية (¬3) من سماع ابن القاسم: وإن سرق العبد من مال سيده قطع. ومن كتاب ابن المواز: وإذا سرق عبدك من وديعة عندك لأجنبي من بيت لم يؤتمن على دخوله لم يقطع، ويقطع فيها الأجنبي. وكذلك ما استعرت أو استأجرته يقطع من سرقه منك. قال ابن القاسم وأشهب: وإذا سرق عبدك من أجنبي (شيئاً) (¬4) من بيتك فإن كان البيت محرزاً عنه لا يؤذن له في دخوله قطع الأجنبي (قال أشهب:) (¬5) وإن لم تبلغ سرقتهما إلا ربع دينار. قالا: وإن كان من موضع أذن لعبد في دخوله لم يقطع الأجنبي وكذلك أجيرك. قالا: وإن سرق كبير وصغير ما قيمته ثلاثة دراهم قطع الكبير وحده. قال أصبغ: وقاله بعض فقهاء المدينة. قال ربيعة: وإن سرق عبدك من مال لك فيه شرك من موضع محروز عنه (¬6) قطع. وقال ابن وهب عن مالك إنه إن سرق أكثر من نصيب سيده – يريد ثلاثة دراهم – قطع. ¬
قال محمد: واختلف قول مالك (¬1) في هذا، وأحب إلي (¬2) إن سرق ما قيمته دراهم قطع. وكذلك إن كان شريك سيده أحرزه عن سيده. وأما إن كان سيده هو أحرزه فلا يقطع كما لو سرق وديعة عند سيده ببيت محروز عن العبد (¬3) فلا يقطع، وتقطع يد الأجنبي في السرقة. ومن العتبية (¬4) روي أبو زيد عن ابن القاسم في عبد يدخل مع أجنبي فيسرق من بيته فلا يقطع، وغرم ما يسرق على الحر خاصة. قال عنه محمد بن خالد في عبد سرق من مال ابنه الحر، قال لا يقطع، وكذلك من مال ابنه العبد له حتى ينزعه من سيده. ومن كتاب ابن المواز: وإذا سرق والدك وأجيرك من حرز فأحب إلي أن لا يقطع وإن كانت قدر ثلاثة دراهم لشبهة إذن الأب. ومن العتبية (¬5) روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن جمع (¬6) شيئاً من الزكاة يقسمه بين المسلمين فأدخله في بيته وأغلق عليه ثم طالب عبده بفتح الباب فسرق منه أنه يقطع، وبلغني ذلك عن مالك والبيت مما (¬7) لم يأتمنه مولاه على دخوله، ولو كان يأتمنه مولاه على دخوله وفتحه لم يقطع. قال ابن القاسم في عبيد الخمس (¬8) يسرقون من الخمس إنهم يقطعون. وإن سرق عبيد الفيء (¬9) قطعوا. ¬
في السارق يدع الباب مفتوحا فيسرق غيره
ومن كتاب ابن المواز: ويقطع الابن في سرقة مال أحد أبويه، ولا يقطعان في سرقتهما ماله. واختلف في الجد فقال ابن القاسم: لا يقطع، وقال أشهب: يقطع. قالا: ويقطع من سواهما (¬1) من القرابات. في السارق يدع الباب مفتوحاً فيسرق غيره أو يسرق السرقة من السارق سارق آخر أو يختلسها أو يشتريها من كتاب ابن المواز: وإذا سرق وترك الباب مفتوحاً فذهب من البيت شيء آخر (قال مالك) (¬2) فإن كان أهله فيه لم يضمن ما تلف بسببه، وإن لم يكن فيه أحد ضمن ما ثبت أنه ذهب منه بعد تركه إياه مفتوحاً. قال عبد الملك (في السارق يسرق أولاً ويقطع ثم يسرق بعده الثاني، قال) (¬3) يقطع الثاني (¬4) أيضاً لأنه سارق فإن كان (¬5) ضمن الأول ما سرق الثاني ولا رجوع له بذلك على الثاني، ولا يضمن الأول ما سرق بنفسه. وقال ربيعة ومالك وابن القاسم وأشهب: ومن سرق سرقة فسرقها منه آخر، ومن الثاني ثالث. قطعوا ولو كانوا مائة فسرقها واحد من آخر. قطعوا. ¬
فيمن تلزمه قيمة السرقة إذا سرق ومن لا تلزمه
قال محمد: فإن تلفت من الآخر فلربها أن يختار من شاء من الموسرين منهم فيضمنه ولا يتبع من ليس مليا بشئ. ولو سرقها الأول واختلسها منه الثاني، أو سرقها من غير حرز وهما عديمان، لم يضمن إلا الثاني، وربها أحق بما يأخذ منه من غرماء الأول (وكما لو باعها لسارق فأكلها المبتاع أو باعها والسارق عديم مديان) (¬1) فلربها أن يأخذ من الثاني قيمتها يوم السرقة إن أكلها بقرب السرقة، وإن باعها المشتري فإنما عليه الثمن الذي قبض ما بلغ، ويرجع المشتري على السارق بما دفع المشتري إلى ربها، إلا أن يكون ما دفع إلى السارق أقل منه، فيأخذ منه الأقل، وإن كان على السارق دين خاص (¬2) وإنما يرجع المشتري على البائع بأقل الأمرين ما قبض منه ربها أو قبضه منه السارق ويحاص به غرماءه. فيمن تلزمه قيمة السرقة إذا سرق ومن لا تلزمه ومن استهلك في الحرز والسرقة تباع من كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه: ومن سرق ما لا يجب فيه القطع إما لقلته أو لأنه من غير حرز أو لغير ذلك فإنه يتبع به في عدمه (وحاص غرماءه. وإذا كان ملياً يوم القطيع (¬3) متصل من يوم سرق إلى يوم قطع، وإلا لم يتبع) (¬4) وإن كان الآن ملياً بعد عدم تقدم له. قال مالك: وهو الأمر المجتمع عليه عندنا. ¬
قال مالك: ولو كان يلزمه الغرم إذا أيسر بعد عدم لكان ذلك في رقية العبد إذا عتق. (قال محمد) (¬1) ولو قطع وهو ملي من يوم سرق إلى يوم قطع ثم أعدم بعد القطع قبل أن يغرم، قال أشهب: لا شيء عليه إلا في الشيء الذي سرق منه، وقال ابن القاسم: يتبع بهذا ديناً، وإنما ينظر إلى يوم أقيم الحد. قال: وإذا قطع وهو عديم فوجدت السرقة بيد مبتاع فليأخذها ربها، ويتبع المبتاع السارق ديناً في عدمه ويحاص به غرماءه. قال: ولو أن المشتري أكلها أو باعها وهو الآن عديم فلربها أن يتبعه بها في عدمه، فإن أيسر السارق قبله رجع عليه ربها بالأقل من قيمتها يوم أكلها المشتري، أو الثمن الذي (¬2) دفع إلى السارق، لأنه إنما له إما قيمتها يوم سرقت أو قيمتها يوم أكلها المشتري (فيأخذ من السارق الأقل من القيمتين أو من الثمن الذي قبض. فإن كانت قيمتها يوم أكلها المشتري) (¬3) أكثر رجع على المشتري بتمام ذلك يتبعه به ديناً. وإنما رجع (بما ذكرنا) (¬4) على السارق لأنه عديم بغريمه (¬5) المشتري، ولو يكن للمشتري لو غرم أن يرجع عليه إلا بالثمن، فإن كان هو أقل من القيمة لم يأخذ ربها من السارق غيره، وإن كان قيمتها يوم السرقة أقل منه لم يكن لصاحبها عليه إلا قيمتها يوم سرقت منه. قال ابن القاسم: وإذا سرق ولا يدان له ولا رجلان قد قطعوا في سرقات أو غيرها، فإنه يعاقب ويسجن. وأما اتباعه في عدمه فابن القاسم يرى أن يتبع (¬6) لأنه لم يقطعه، وقال أشهب: لا يتبع لأنها سرقة يجب فيها القطع. أرأيت لو كان عديماً ومات قبل يقطع أيوخذ مما ترك؟ هذا ما لا يكون. ¬
قال محمد: هذا أحب إلي، وقد قال ابن القاسم فيمن سرق فلم يقطع حتى زنى فرجم بعد أن أيسر وقد كان عديماً يوم السرقة، إنه لا يتبع، لأنه كمن قطعت يده لدخول القطع في القتل. قال مالك: ومن أقر بالسرقة من غير محنة ثم رجع فإنه يقال ولا يقطع ويلزمه الغرم ويتبع به في عدمه، وهذا أحسن لأنه رجع عن عقوبة تدفع الغرم، وهو من حقوق الناس لا يقبل فيه رجوعه. ولو ثبت على إقراره لم يتبع في عدمه ويقطع. قال: ومن سرق سرقات متقاربة من غير واحد فقام له أحدهم فقطع وليس له إلا قدر قيمة سرقة القائم، ثم قام الباقون، فقال ابن القاسم: يدخلون كلهم في تلك القيمة بالحصص إن علم أن ذلك لم يزل في ملكه منذ سرق أول سرقة. وقال أشهب: لو كانوا اجتمعوا لكانوا فيه إسوة. قال محمد: بل ما وجد عنده لجميعهم، والكلمفلس فلمن لم يحضر الرجوع عليهم. وقال أشهب: لو كانت سرقة واحدة لاثنين، فقام بها أحدهما فقطع وأغرمه نصف قيمتها، ثم قام شريكه فله الدخول معه فيما أخذ. ثم إن كان السارق مليا رجعا عليه بالنصف الثاني (¬1) كالحق بين رجلين. وكذلك لو كان بين الثلاثة فأغرمه أحدهم الثلث وقطع، ثم قام الباقيان أدخلا معه فيما أخذ. وإذا أخذ فقطع وقد استهلك السلعة وبيده مال ادعى أنه أفاده بعد السرقة فهو مصدق، إلا أن تقوم بينة بخلاف قوله أو يوخذ بقرب ما سرق بما لا يكون فيه كسب ولا ميراث، فلا يصدق إلا ببينة. ومن كتاب الغضب لمحمد: أن الغرماء أولى من المسروق بما في يده، إلا أن يفضل عنهم قدر قيمة السرقة فيكون ذلك لربها. ¬
ومن كتاب ابن حبيب: روى الفضل بن فضالة عن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد (¬1) قال ابن حبيب يعني لا يتبع بها إن لم تؤخذ هي أو يوجد له مال. قال ابن الماجشون: إذا قطع السارق وبيده مال وعليه دين فغرماؤه أحق به، إلا أن يفضل (عن) (¬2) دينهم فلصاحب السرقة مما فضل قيمتة سرقته، وإن لم يفضل شيء فلا يتبعه بشيء، وذلك أن حق غرمائه في ذمته، وصاحب السرقة إنما له القيمة في وجده إن لم يجد سرقته. وأما إن وجد سرقته بعينها فهو أحق بها من الغرماء. ولو وجد قد أحدتها سلعة (¬3) بعينها فربها مخير إن شاء أخذها وأجاز البيع، وإن شاء ببيعت له وأخذ من ذلك قيمة سلعته، وما فضل فللسارق، وإن نقص (¬4) لم يتبعه. ولو كان ثمنها عيناً وعرف أنه بعينه ثمنها (¬5) فربها أحق بها من الغرماء. قال: وللآخذ منه القيمة أو الثمن على أنها فاتت ثم وجدها بيد المبتاع، فله أخذها، ويرجع المبتاع على بائعه إن كان غير السارق، ويرجع الذي باعه على بائعه إن كان السارق، ويرجع السارق على ربها بما دفع إليه. قال ابن الماجشون: ولو وجدت مشتريها من السارق قد أكلها أو أبلاها فأنت مخير: فإن شئت أخذت من هذا القيمة فيما له قيمة، والمثل فيما نقص بمثله وترد إلى السارق ما أخذت منه ويرجع المبتاع على السارق ¬
بالثمن. وأما إن كان المبتاع باعها أو أكلها فلا شيء عليه إلا أن تجيز البيع إن باعها وتأخذ الثمن فذلك (¬1) ويرجع بائعها على السارق بثمنه ويأخذ منه السارق ما أعطاه. ومن كتاب ابن المواز: وما أكل السارق في الحرز أو أفسد اتبع بقيمته في عدمه، وكذلك إن دخل حائطاً فأكل من ثمره المعلق أو أفسده ولا يزاد على قيمته. وروى أشهب عن مالك: أن عليه قيمته الأكثر منه ويؤدب. قال محمد: إن كان تمراً فعليه مكيله إن عرف، وإن كان رطباً (¬2) قائماً وقد تلف فإنما فيه قميته إذ لا يقدر على مثله، ولو قدر لكان أخذ مثله ضرراً إلا في اليسير. ومن العتبية (¬3) روى أبو زيد عن ابن القاسم في ثلاثة دخلوا بيت رجل فسرقوا ما يجب فيه القطع فقطعوا، وواحد منهم ملي (¬4) فإنه يضمن قيمة جميع السرقة. وقد مر من ذكر ضمان السرقة شيء في باب من أحدث فيما سرق حدثاً والسرقة ببلد إلى بلد أو تتغير بيد السارق بفعله أو بغير فعله. ¬
فيمن أحدث فيما سرق حدثا أو ضيعه في الحرز أو استهلكه
فيمن أحدث فيما سرق حدثاً أو ضيعه في الحرز أو استهلكه أو بعد أن أخرجه أو نقله إلى بلد أو تغير في يديه بغير سببه ومن سرق زعفراناً فصبغ به من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم، ونحوه في كتاب ابن المواز في السارق يذبح الشاة في الحرز ثم يخرج بها مذبوحة فإن سويت مذبوحة ما فيه القطع قطع، فإن كان له مال يوم سرق ضمن قيمتها حية (وإن لم يكن له مال اتبع بما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية) (¬2) فهذا مما لزمه في الحرز وما لم يقطع فيه، وما بيع من ذلك في عدمه. وكذلك كل ما أفسد في الحرز أو كسر من جرة زيت أو سمن أو حرق ثوباً فهو يضمنه وإن قطع وكان له مال أو لم يكن لأنه لم يقطع فيه وإنما قطع في قيمته والخروج (¬3) به. وكذلك لو قطع ثوب وشيء (¬4) في الحرز خرقاً ثم خرج بها وقيمتها ثلاثة دراهم لضمن قيمته صحيحاً في ملائه، وإلا أن يشاء ربها أخذ الخرق، فإن أخذها فلا شيء على السارق. وإذا لم يأخذ الخرق فله تضمينه (¬5) ما بين قيمته صحيحاً وقيمته مقطوعاً، كان له مال أو لم يكن، يريد إلا أن ذا المال يضمن الجميع. ¬
ولو ابتلع ديناراً في الحرز وخرج لقطع. وإن أكل طعاماً في الحرز يسوى ما فيه القطع لم يقطع وعوقب واتبع في ملائه وعدمه، قلت قيمته أو كثرت. ومن كتاب ابن المواز قال: وكذلك كل ما أفسد (¬1) في الحرز ولم يخرج منه شيء وإذا دهن رأسه بدهن في الحرز، قال أشهب: أو غالبه ثم خرج (منه بشيء) (¬2) فإن كانت قيمته بعد خروجه ثلاثة دراهم قطع. قال أشهب: يعني (¬3) بعد ذلك ثلاثة دراهم وإن كان قد تلف في رأسه قبل يخرج، ولا تنزع منه إذا غسل أو (¬4) ما يسوى ذلك لم يقطع. وإذا دخل الحرز بثوب (له) (¬5) فصبغه بزعفران من الحرز وخرج به، فإن زادت قيمته يوم خرج به ثلاثة دراهم قطع، وليس كالدهن التي يتلف (¬6) في الرأس، لأن ذلك لا يزيد في قيمة العبد أو الحر. قال: ويلزم السارق قيمة الزعفران إن أكله في ملائه، وأما في عدمه وقد قطع، فأما ما زادت قيمة الثوب بالصبغ كأن زادت عشرة دراهم فلا يسقط عنه لأنه عذر (¬7) في الثوب، يريد ولم يهلك الثوب، وأما باقي قيمة زعفرانه فله أخذه من باقي ثمن الثوب إن لم يكن على السارق دين، فإن كان على السارق دين تحاصوا، مثل أن يكون ثمن الزعفران ديناراً ويصبغ الثوب في الحرز، وقيمته أبيض نصف دينار فصار يسوى ديناراً فإنما قطعت يده في نصف دينار، والنصف الآخر لزمه فيما أخذ من داخل الحرز، فإن كان عديماً وعليه دين يحيط بالثوب فرب الثوب أولى بالثوب حتى يأخذ نصف ¬
دينار (¬1) والذي زاد في الثوب إن قطع فيه لأن غير شبيه (كذا) فهو أولى به من غرمائه، ثم تحاص الغرماء نصف الدينار الذي لزم السارق في الحرز ولم يقطع فيه. وسواء كان دين السارق لزمه قبل يسرق أو بعد. ولو أخرج الزعفران من الحرز وقيمته دينار فصبغ به ثوبه فزاد به نصف دينار، وعليه دين، فرب الزعفران أولى بالثوب حتى يقبض ما زاد فيه وهو نصف دينار، ويكون الغرماء أحق (¬2) بما بقي من الثوب لا يحاصهم رب الزعفران بما بقي لأنه قطع فيه، ولم يبق منه عين قائمة. كما لو صبغ صباغ ثوباً وقبضه ربه وقام الصباغ بحقه (¬3) فإنما يكون الصباغ أحق بما زاد الصبغ في الثوب، وحاص بما بقي. وإذا لم يزد في قيمة الثوب الذي صبغه السارق بالزعفران الذي سرق حيث قطع (¬4) فيه وهو عديم فإنه لا يتبع السارق بشيء، وغرماؤه أحق بالثوب. قال: وليس مثل أن يكون الثوب هو المسروق فصبغه السارق بزعفران (¬5) هذا لا حق له فيه. قال محمد: يريد أن غرماء السارق لا شيء لهم مع صاحب المسروق، وفيه اختلاف. قال: وإذا سرق زعفراناً فصبغ به ثوبه ثم باعه فقام رب الزعفران والسارق عديم فرب الزعفران أحق بالثوب حتى يستوفي منه (قيمة) (¬6) ما زاد صبغه على قيمته أبيض. وكذلك لو باعه من ثان، والثاني من ثالث، فله ذلك فيه ويضمن (¬7) كما لو باع ثوبه الذي صبغه له الصباغ، هذا اليس للصباغ فيه طلب لحق صبغه إذا بيع لأنه غير متعد في بيعه. ¬
وإذا أفسد الطعام في الحرز أو أحرق الثوب ثم أخرج ذلك فاسداً أو محروقاً أو الشاة بعد أن ذبحها، فإن كان قيمة ذلك على ما هو به من الإفساد أقل من ثلاثة دراهم لم يقطع، ولتبع بجيمع القيمة في ملائه وعدمه. وإن بلغ ذلك فاسداً ثلاثة دراهم فأكثر قطع ولا يتبع في عدمه بذلك، ويتبع بما زاد من القيمة في الحرز بما أحدث فيه من الفساد في عدمه، لأنه لم يقطع فيه. قلت فهل ربه أحق (¬1) بما وجد من متاعه (¬2) وإن قطع فيه فيتبعه بما لزمه بالفساد مما لم يقطع فيه؟ قال: في الفساد الكثير فليس هو أحق به وإن قطعته فيه، لأني لا أسلمه إليه إلا بعد وجوب القطع فيما خرج به، فإن شاء أخذ ذلك بما لزم السارق داخل الحرز في الفساد فذلك له ما لم يكن على السارق دين فيحاص غرماءه (بما فيه) (¬3) بقدر ذلك، وإن لم يكن فساد كثير فله أخذه. وقال ابن القاسم: وله من ذلك أن يبيعه بما نقصه فعله في الحرز. محمد: وهو أحب إلي، لأنها جناية لزمته قبل السرقة إذا لم يكن (¬4) ذلك مبلغ التلف. قال: ولو أخرجه ثم أفسده لم يكن له به من نقصه شيء. قال محمد: يعني ليس له أخذ ما نقصه من الفساد الكثير، فإن شاء أخذها ولا شيء له. هذا على قول أشهب، لأنه أحدث فيها بعد أن ضمنها. ولو أفسدها قبل يخرج بها فساداً كثيراً أو أتلفها تلفاً يضمنها به فلا خيار له فيه. ¬
قلت: فلم قطعته فيما خرج به وقد ضمنته إياه قبل يخرج به (¬1) حين ذبح الشاة ثم أخرج اللحم وهو يسوى ثلاثة دراهم؟ قال: لأن ذلك اللحم ليس بحلال له بيعه، ولو (¬2) مكانه لم يكن له أكله حتى يقضى عليه بالقيمة. ألا ترى لو قطع يد السارق ثم أخرجها لقطعته، وقد لزمته قيمتها بما فعل. ولو سرق أمة أعجمية من حرزها وأصابها عنده عيب مفسد يلزمه به قيمتها فوطئها بعد ذلك لقطع وحد للزنا إن كان بكراً، وإن كان محصناً رجم ولم يقطع. قال: ومن سرق ثوباً فصبغه بعد أن أخرجه فقطع فيه، فإن ربه مخير: إن شاء لزمته قيمته ويباع فيأخذ ربه من ثمنه قيمته، ويأخذ السارق ما بقي. وإن عجر ثمنه عن قيمته أبيض (¬3) لم يتبع بما بقي في عدمه، وإن كان عليه دين فالغرماء أحق بثمنه دون ربه، لأنه أسلمه وفات بالبيع، وليس لربه نقض بيعه ولا أخذ (¬4) ثمنه، لأنه بعد إسلامه بيع وليس هو ثمن سرقته بعينها. قال: ولو شاء أخذه مصبوغاً فذلك له. واختلف في الصبغ هل عليه فيه شيء. فقال ابن القاسم في كتاب السرقة إنه ليس له أخذ الثوب بحال وإن دفع قيمة الصبغ. وفي كتاب (ابن) (¬5) سحنون عنه أنه قال: له يأخذه ويدفع قيمة الصبغ. وقال في كتاب الغصب: إن شاء أخذه ودفع قيمة الصبغ، وإن شاء أسلمه واتبعه بقيمته أبيض. فهذا عندنا ما لم يكن عليه دين. ¬
واختلف أيضاً قول أشهب فيه، فخيره في كتاب السرقة في ثلاثة أوجه: إن شاء أخذ قيمته يوم السرقة، وإن شاء (دفع قيمة الصبغ وأخذ ثوبه، وإن شاء كان شريكاً فيه بقيمته أبيض. وقال في كتاب الغصب: إن شاء ألزمه قيمته يوم سرقه، وإن شاء) (¬1) أخذه مصبوغاً ولا غرم عليه في الصبغ (¬2) كمن غصب داراً فبيضها وزوقها. وهذا الثابت من قوله وبه أخذ أصحابه أصبغ وغيره، لأنه متعد في الصبغ. بخلاف المفلس (¬3) وقد صبغ ثوباً اشتراه، فهذا ليس له أخذه (¬4) حتى يدفع قيمة الصبغ إذ لم يتعد في صبغه، فكما يفرق (¬5) بناء المشتري في عرصة اشتراها وبناء الغاصب فيها لو قبضها (¬6)، فإذا لم يكن لما بناه الغاصب قيمة أو قام لأخذها ربها فلا شيء عليه، بخلاف تفليس المشتري بعد أن بنى. ولو غصبه خشبة فعمل منها باباً لم يكن له أخذها وإن أعطاه قيمة الصنعة، وإنما له قيمة الخشبة. قال ابن القاسم وأشهب: وكذلك ذكر في التفليس ليس لبائع الخشبة إلى الباب سبيل. ولو سرق نحاساً فعمل منه قمقماً بعد أن أخرجه ثم قطع ولا مال (له) (¬7) فاضطرب فيه ابن القاسم، فقال لا يأخذ القمقم وإن أدى قيمة الصنعة (¬8)، مثل نقرة الفضة يضربها دراهم فليس له أخذها وإن غرم قيمة الصنع (¬9). ¬
وقال أشهب: في النقرة (¬1) مثل قول ابن القاسم، واختلف في (في قوله) (¬2) في النحاس، فقال له أخذ القمقم ويعطي قيمة الصنعة، وإن شاء أغرمه وزن النحاس. قال محمد: وهذا أحب إلي. قال محمد: ولم يكن له أخذ الدراهم لئلا يظلم السارق بذهاب صنعته. وليس ذلك كالشيء بعينه كالدار والثوب إذا أخذهما وأعطاه قيمة الصنعة. وفصل بين الصفتين، وبهذا احتجا، ولم يرو فيه ابن القاسم عن مالك شيئاً. وليس في النحاس حجة إلا إحالته (¬3) عن حاله. وأما سارق الحنطة يعمل منها سويقاً ويقطع (¬4)، قال ابن القاسم وأشهب: فليس لرب القمح أخذ السويق ولكن يباع ويشترى له من ثمنه مثل حنطته، وما فضل لسارق، وما عجز فلا يتبع بشيء في عدمه. قال أشهب: وليس كالصبغ (¬5) الثوب أو قطعه (¬6) على العود، وهذا كله قائم بعينه وإن صنع الثوب وقطع، والقمح كالخشبة يعمل منها باب. قال ابن القاسم فيمن غصب (¬7) عموداً أو خشبة وبنى عليها قصراً، فلربه أخذه وإن أخرب بنيانه. واستحسن أشهب أنه إن كان يخرب بنيانه أن لا يأخذ إلا قيمة يوم السرقة. ¬
قال أشهب: وإذا قطع الثوب جبة أو قلانس أو عمل به لحافاً (¬1) فلربه أخذه وقيمته. وقال ابن القاسم. قال محمد: هذا في عمله (¬2) إياه ظاهرة أو باطنة، فأما قلانس أو ثياباً فلا أدري. ومن العتبية (¬3) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن سرق فضة أو ذهباً فصاغها حلياً أن عليه مثلها، وليس للمسروق منه أخذ الحلي، وكذلك الحديد يعمل منه سيفاً، والكتان والغزل ينسج منه (ثوباً، وإنما عليه مثله. وأما الحنطة يصنع منها دقيقاً ويعمل منها) (¬4) خبزاً. فأما في الخبز فعليه مثل الحنطة إن وجد، وإلا فقيمته. وأما إن طحنه فأنا أشك فيه أن يكون له أخذه وقد قيل ذلك عمن قضى. وأنا أرى أن عليه مثل الحنطة والخبز أبين. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن سرق فضة فصاغها حلياً أو صفراً فعمله آنية، أو ثوباً فصبغه أو خاطه أو جعله ظهارة أو بطانة لجبة أو ظهار قلانس أو بطائن، أو خشبة فعمل منها باباً أو بابين، أو حنطة فطحنها، فكل ما افترى فيه من هذا فلا يقدر على أخذ صنعته إلا بأن يشارك فيه، فإن لرب السرقة أخذها بما في ذلك من الصنعة بلا غرم شيء نقصه ذلك أو زاده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق (¬5). وكل ما يقدر أن (¬6) منه ما أحدث فيه من الصنعة ولا يضر ذلك المسروق منه فذلك له، وإلا فلا شيء له، ويبقى الثوب لربه مصبوغاً والقمح المطحون والفضة والنحاس المعمولان، والباب والتابوت. ¬
وأما الثوب المخيط والمقطع كظهائر أو قلانس أو بطانة لجبة فله أن يعترف (كذا) ذلك ويأخذ لأنه (عين) (¬1) شبيه بعينه، إلا أن يشاء أن يسلم إليه ذلك ويأخذ قيمته. والمسروق منه والمغصوب سواء، وأصل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق. وقد قال مالك في غاصب الأرض يبنيها أو يزوقها ويجصصها فإن له أخذها (¬2)، ولا يأخذ منها الغاصب إلا ما يقدر على (أخذه) (¬3) مما له قيمة إذا نقض، فيأذن له في أخذه أو يعطيه قيمته منقوضاً. فهذا أصل هذا كله. قال ابن الماجشون: وأما لو باع السارق ما سرق فأحدث المشتري فيه ما ذكرنا من الصنعة في هاته الأصناف، فلينظر ما قيمة ذلك قبل العمل فيه وقيمته بعد العمل، فإن شاء ربها دفع ذلك إليه، وإن شاء كان به شريكاً له، وهذا إذا لم يجز البيع ويأخذ الثمن أو يأخذ قيمة السرقة من السارق أو طلب غير شبيه. قلت: فإن لم يكن عند المسروق منه (¬4) قيمة ما زاد فيها المشتري، هل للمشتري أن يعطيه قيمتها ويلزم ذلك ربها قياساً على حديث عمر فيمن عمر (¬5) أرضاً مواتاً ثم استحقت (¬6) أنه يدفع إليه رب الأرض العمارة. (فإن أبى دفع العامر إليه قيمة الأرض) (¬7) فإن أبيا كانا شريكين. ¬
قال قال مالك والمغيرة وابن دينار: لا يعمل من هذا الحديث بإخراج رب الأرض منها ولكن إن أبى أن يعطيه قيمة عمارته كان العامر بها شريكاً. وكذلك في هذه الأشياء التي ذكرت إن أبى المسروق أن يدفع قيمة ما زاد عمل المشتري كانا شريكين، وليس للمشتري أن يعطيه قيمة ما استحق ويدفعه عنه. فهو قول مالك والمغيرة وابن دينار وقولنا. وروى مطرف مثله وقال به، وقال أصبغ مثل قولهما. وخالف ابن القاسم في الوجهين إن كانت السرقة مما يكال أو يوزن (¬1) فغيرها السارق بما ذكرنا من الصنعة أنها تبقى له ويغرم المثل لربها كيلاً أو وزناً. وكذلك رأى في الخشبة (يعمل منها باباً أو مصراعي باب إنما عليه في الخشبة) (¬2). قال ابن حبيب: ولا يعجبني قوله في حديث عمر، فإن أصبغ أخذ به، وبه أخذ ابن القاسم، وبقول ما ذكرت من المدنيين أقول. من العتبية (¬3) قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا سرق زعفراناً لرجل وثياباً لآخر فيصبغها بذلك الزعفران أو العصفر فأخذ وقطعت يده، فإن كان له مال يوم السرقة لزمته قيمة الثياب والمثل في الزعفران أو العصفر، وإن لم يكن له مال ووجدت الثياب مصبوغة يتحاصان: هذا بقيمة ثيابه، وهذا بقيمة زعفرانه أو عصفره. وهذا الباب أكثره مكرر في كتاب الغصب. ¬
في السرقة ينقلها السارق إلى بلد آخر
في السرقة ينقلها السارق إلى بلد آخر وحريسة الجبل ينضيها والزيت المسروق يجده ربه بعينه في بلد آخر من العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن سرق طعاماً فنقله إلى بلد آخر فلقيه ربه به فليس لربه أخذه إلا ببلد سرق فيه، إلا أن يتراضيا على ما يجوز تراضيهما عليه في السلف. وروى (عنه) أصبغ فيمن يسرق حريسة الجبل فينضيها أو تهزل عنده، فلربها إن شاء أخذ دابته، وإن شاد قيمتها يوم السرقة. وأما إن لم تكن حريسة فقطع فيها وله مال فلربها أخذها بغير شيء، وإلا ضمنه قيمتها. وإن لم يكن له مال فليس له إلا دابته ولا قيمة عليه ولا يتبع بشيء (وإن كان نقصها من قبله وعمله، لأنه لو سرق ثياباً فلبسها فأبلاها أو طعاماً فأكله فقطع في ذلك ولا مال له فإنه يتبع بشيء) (¬2). قال أشهب في الحريسة وإن لم يكن له مال فليتبع، وهي خيانة لا قطع فيها، ولهذا تفسير. وهذا الباب في الغصب بعضه. من كتلب ابن المراز: ومن سرق زيتاً فوجده ربه بعينه ببلد آخر قال مالك: فليس له أخذه، وإنما له أخذ مثله ببلد سرقه منه لا قيمته، وكذلك القمح. وقال أشهب هو مخير. ¬
ضمد قطع يد السارق وكيف إن سرق مرارا أو كانت يمينه شلاء
ضمد قطع يد السارق وكيف إن سرق مراراً أو كانت يمينه شلاء والقاطع يقطع يساره غلطاً وتجنب القطع في شدة البرد والحر قال مالك في المختصر الكبير: وتقطع يد السارق ثم يحسم موضع القطع بالنار. قال في موضع آخر: كذلك في الرجل. وحد القطع في اليد من مفصل الكوع وفي الرجل من مفصل الكعبين. وذكره سحنون في المحارب. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا سرق مراراً من رجل أو من رجال وكل سرقة يجب فيها القطع، فقطع يمينه في أحدهما، فذلك لكل سرقة متقدمة، أقيم فيها أو لم يقم. ثم إن سرق بعد أن قطعت يده اليمنى في السرقة، فلتقطع رجله اليسرى، ثم إن سرق فيده اليسرى، ثم إن سرق فرجله اليمنى ثم إن سرق جلد وحبس، سواء هذه السرقات من رجل أو من رجال. ولو كانت السرقة التي قطع فيها عاد فسرقها من حرزها ذلك أو غيره لقطع إذا أقيم به. وذكر ابن حبيب حديثاً في السارق إذا قطع أربع مرات ثم سرق أن يقتل وليس بالثابت. ومالك وأصحابه على أنه يعاقب إلا أبو المصعب فإنه قال: يقتل. ومن كتاب ابن المواز: إذا سرق ويمينه شلاء فروى ابن وهب عن مالك في الشلل البين أنه تقطع رجله اليسرى، ثم قال لابن القاسم بعد ذلك أمحها ووقف، ثم قال: تقطع يده اليسرى، وأخذ ابن القاسم بأن تقطع رجله اليسرى بعد أن كان قال تقطع يده اليسرى.
وقال أصبغ: لا تقطع إلا يده اليسرى، ثم إن سرق فرجله اليمنى حتى يكون من خلاف. فهذا في شلل بين لا يقتص من مثله، وهذا قول أشهب. وكذلك إن ولد لا يمين له، قال: فلا أقطع رجلاً ما وجدت يداً. وأما إن كانت اليمنى مقطوعة في سرقة أو غيرها مما أصيب فيه فلتقطع رجله اليسرى. وذكر ابن حبيب عن أصبغ أن ابن القاسم قال مرة في الأشل اليمين أو قد قطعت قصاصاً إنه تقطع رجله اليسرى، وقال مرة: إن كان شللاً قطعت يده اليسرى، وإن كان في قصاص قطعت رجله اليسرى, وقال أصبغ: تقطع يده (¬1) اليسرى في الوجهين. ومن كتاب ابن المواز قال: (مالك) (¬2) ومن سرق ثم قطع رجل يمينه عمداً أو خطأ فقد زال عنه (¬3) قطع السرقة ولا قصاص في يده في عمد ولا دية في الخطأ، ويعاقب المتعمد. قال أشهب: وكذلك العمد في الذي وجب عليه القتل لو تعمد رجل قتله لم يقتص منه، وإن قتله خطأ فلا دية فيه. قال محمد: وإذا قطع رجل (¬4) ثم سرق فإنه تقطع يمينه في السرقة، ثم إن سرق قطعت رجله اليمنى، ثم إن سرق فرجله اليسرى. ومن سرق وقطع يمين رجل عمداً قبل السرقة أو بعد السرقة فلا تقطع يمينه بالسرقة، ولا قصاص للمجني عليه ولا دية. ولو كان إنما قطع يساره ¬
قبل أن يسرق أو بعد، فلتقطع يداه جميعاً، اليمنى في السرقة ثم اليسرى قصاصاً. قال مالك: ولو قطعت يسار السارق غلطاً أو أخرجها (¬1) بها فقطعه أجزأه ولا يعاد القطع. قال أشهب: وقد روي عن علي بن أبي طالب. قال ابن حبيب قال مطرف في السارق يقطع القاطع يساره غلطاً إنه لا يقطع غيرها، ولا شيء على الإمام ولا على القاطع. قال مطرف عن مالك: ومن أخذ سارقاً في بيته فعجل (¬2) فقطع يمينه، فإن أقام شاهدين على سرقته ما يجب فيه القطع سلم من القصاص وعوقب. (قال مطرف: ولو أن هذا إنما قطع يساره له بعد القطع) (¬3) وداه وعليه الأدب. وقال ابن الماجشون: وليس خطأ الإمام أو القاطع (¬4) مما يزيل القطع من اليد التي أمر الله سبحانه بها، وليقطع يمين السارق ويكون عقل يساره في مال الإمام خاصة إن كان هو المخطيء أو في مال الذي قطعه في بيته. وإلى هذا رجع مالك. قال ابن حبيب: وبالأول أقول، وإليه ذهب المصريون. وفي باب لآخر ذكر السارق يقطعه صاحب السرقة. ومن كتاب ابن المواز: وقد قطع الصديق والفاروق اليدين والرجلين من خلاف في السرقة. ¬
قال ابن القاسم وأشهب: وإذا سرق وبعض أصابعه مقطوعة فإن كان واحداً الإبهام أو غيره (قطعت يده) (¬1). ولو لم يبق منها إلا إصبعان فلتقطع رجله اليسرى. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬2) فيمن سرق ولا يدين له فلتقطع رجله اليسرى، ثم إن سرق فرجله اليمنى. وقد قال مالك في أشل اليمين إنه تقطع رجله اليسرى، ثم رجع فقال بل يده اليسرى، وهو أحب إلي. قال: وإذا أخذ المحارب وقد وجب عليه قطع اليد والرجل وقد ضرب على يده اليسرى فقطعت أو بقيت معلقة بالجلد فإن كان ذلك في فور ما أخذ فيه فلا تقطع إلا رجله اليمنى، وإن كان شيء يسير في فوره فلتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى. وكذلك السارق يتبعه رب السرقة بسيف فيضرب يده فيقطعها، فليس عليه إن أخذ غير ذلك. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب قال مالك: ولا يقطع السارق في شدة البرد مما يكون القطع فيه خفيفاً أو ثقيلاً. وأما في شدة الحر فليقطع وليس يتلف وإن كان فيه بعض الخوف. ورواه ابن القاسم بلاغاً. وقال ابن القاسم: وأرى أن يؤخر في الحر إذا خيف فيه ما يخاف في شدة البرد. وأما المرض المخوف فلا يقطع فيه ولا يجلد لحد ولا لنكال. وفرق مالك بين الحر والبرد. ¬
في حد البلوغ وإقامة الحدود
في حد البلوغ وإقامة الحدود روى ابن القاسم عن مالك أن الغلام والجارية يقام عليهما الحدود بالإنبات وإن لم يحتلم الغلام ولا حاضت الجارية، ثم وقف عن (¬1) الإنبات، واستحب ابن القاسم أن لا يقام بالإنبات، وثبت غيره من أصحاب مالك أنه يجب الإنبات. قال: وذلك الإنبات البين، قاله مالك. قال ابن حبيب: فهو سواد الشعر. وحكم عمر بالإنبات. قال محمد (¬2): وإذا بلغ سناً لا يبلغه أحد إلا احتلم ولم يحتلم ولم ينبت أو كانت جارية ولم تحض حكم لهما بالبلوغ. قال ابن حبيب وغيره: ثمان عشر (سنة،) (¬3) وقيل سبع عشرة. وقال بعض البغداديين من أصحابنا: إن الإحتلام من المرأة بلوغ إن لم تحض (¬4). قال يحيى بن عمر: أما كل شيء بين المرء (¬5) وبين الله مما يلزمه فيقبل قوله إنه لم يحتلم (¬6) وإنها لم تحض ولا يراعي فيه الإنبات. وأما كل شيء يطلب منه من هذا وشبهه فلا ينظر إلى إنكاره البلوغ ويحكم فيه بالإنبات وفي مثل هذا جاء في الحديث وحكم السلف أن ينظر إلى هؤلاء. ¬
في الإقرار بالسرقة عن محنة أو بغير محنة ثم يرجع وكيف إن أخرج السرقة وفي الكشف عن المتهم (¬1) من كتاب ابن المواز قال _ يعني مالكاً _: ومن أقر على نفسه بالسرقة على وجه التوبة وهو حر أو عبد لزمه إقراره فيقطع في السرقة، ويقام عليه حد الزنى والفرية والخمر وإن كان ذلك في سفهه وقد صار من أهل الفضل. قال: فإن رجع قبل يقام الحد عليه أقيل (¬2)، وأغرم الحر قيمة السرقة يوم سرقها، ولا شيء على العبد، ويتبع بذلك الحر في عدمه. وكل حد هو لله لم يثبت إلا بإقرار المقر فإنه يقبل رجوعه ما لم يحد أو ياتي من ذلك من السبب ما تثبته البينة من تفسير المتاع في السرقة وهو من أهل التهم، فهذا يقطع ولا يقبل رجوعه. ومن العتبية (¬3) روى ابن القاسم فيمن اعترف بسرقة من غير محنة ثم نزع (¬4) قال: لا يقال. قال ابن القاسم يريد إذا عين (السرقة) (¬5) وبلغني ذلك عن مالك. قال أشهب مثله (¬6) إذا كان إماماً مخوفاً لا تؤمن سطوته كصاحب الشرط (¬7) وهو كالإكراه وإن لم يمتحن لأنه يرى سياطاً موضوعةً ويخاف وقال في الدنانير مثله إلا أن يعرف أنها بعينها قال ابن القاسم: أما إن جاء تائباً فأقر ثم نزع فإنه يقال. وأما إن أقر بعدما أخذ فلا يقطع حتى يعين في الحر والعبد. ¬
قال عنه محمد بن خالد: وإذا أقر بالسرقة وعينها عند غير السلطان ثم نزع، قال عيسى: إذا اعترف بعد ضرب عشرة أسواط وحبس ليلة لم يلزمه إقراره كان الوالي عدلاً أو غير عدل وربما أخطأ العدل. وقد قال رجل لعمر بن عبد العزيز: إن ضربتني سوطاً واحداً أقررت على نفسي، فقال: ماله قبحه الله (¬1) فإذا أقر (¬2) على خوف لم يلزمه إلا أن يعين، قال عيسى: يعني يرى بعض ما أقر به. قال عنه عيسى قال مالك: إذا أقر آمناً (¬3) بلا محنة ثم نزع فلا يحد حتى يعين على ما قال بأمر يقع عليه، وقاله ابن القاسم. قال: وليس في الدراهم تعيين لو أخرجها وقال هذه هي. قال فيه وفي كتاب ابن المواز: روى أشهب عن مالك فيمن اتهم بالسرقة فأخذ فقال: سرقت. قال عبد الله (¬4) يريد دراهم وما عندي منها إلا هذا الدرهم. قال في كتاب ابن المواز: وأخرج درهماً. قال في الكتابين: لا يقطع بهذا إن لم تقم بينة ولا جاء بمبتاع يعرف بعينه، والدراهم لا تعرف بعينها، ولكن يعاقب. قال مالك في العتبية: وأكره للسلطان أن يأخذ الرجل بالتهمة فيقول له أخبرني ولك الأمان فيخبره، فهذا من الخديعة. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا ضرب في الخمر أو الزنى عن إقرار ثم نزع وهو يجلد، قال: أما الفرية فأخاف أن يكون قذفاً (¬5) إذا ¬
قال: لم يكن مني إليك قبل هذا الشيء، إلا أن يأتي بوجه بين يعرف به عذره. وأما غير القذف فيقبل رجوعه وإن ضرب جل الحد، إلا أن يبقى اليسير كالسوطين والثلاثة وشبه ذلك، فيكون كمن رجع بعد تمام الحد. قال مالك: وإذا أقر بشيء من الحدود بعد سجن أو تهديد أو وعيد فهو كالضرب، ويقبل رجوعه. وقال ابن القاسم وأشهب، ولا يقطع ولا يغرم، رجع أو لم يرجع وإن ثبت على إقراره، إلا أن يخبر بأمر تتبين فيه حقيقة إقراره أو يعين (¬1) السرقة أو يقر بعد ذلك آمناً. قال أشهب: لا يقطع وإن ثبت على إقراره إلا أن يخرج السرقة فيعرف أنها للمسروق منه (¬2) فهذا يقطع وإن كان بعد ما ذكرت من سجن وقيد ووعيد، وإن نزع يقبل نزوعه. وأما إن لم يعين فلا يحد (¬3) أبداً وإن ثبت على إقراره، لأنه يخاف أن يعاود بمثل الأمر الأول. قال محمد: ولو أخرج المتاع ثم نزع وكان له سبب مثل أن يقول قيل لي إن أخرجت المتاع (¬4) فأخذته من فلان، فهذا لا يقطع إذا ظن به ذلك. وروى نحوه ابن وهب عن يحيى بن سعيد، وقد روى ابن وهب عن مالك فيه: إذا أقر عن محنة فأخرج المتاع قطع، إلا أن يقول دفعه إلي فلان، وإنما أقررت للضرب فلا يقطع (¬5)، وأما إن لم يبين فلا يقطع بحال. وروي عن ابن عمر في المقر (¬6) عن جلد أنه لا يقطع حتى يبين السرقة (¬7) وعن يحيى بن سعيد وربيعة نحوه. ¬
قال ربيعة: ولو أقام على الاعتراف بعد المحنة فلا يؤخذ به لأنه يخاف أن يناله من المحنة مثل ما (¬1) أقر به. وروى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي بسارق فقال له: أسرقت؟ ما إخالك فعلت، فقال: قد فعلت، فأمر أن يقطع ثم يحسم، ثم قال له: تب إلى الله فتاب فقال: اللهم تب عليه (¬2) وذكره ابن حبيب برواية عن يزيد بن حصين عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن كتاب ابن حبيب قال محمد: وإن ادعى رجل على رجل السرقة أو اتهم بها من لا يعرف بذلك ولا يتهم فلا يكشف، فأما أهل التهم فلابد أن يكشفوا ويستقصى عليهم بقدر تهمتهم وشهرتهم بذلك، وربما كان فيه الضرب، وهذا قول العلماء، وقاله مالك والليث. وقال ابن وهب عن الليث فيمن (¬3) وجد معه متاع مسروق فقال اشتريته فإن كان متهماً عوقب. وكتب عمر بن عبد العزيز في مثله (¬4) أن يسجن إن اتهم حتى يموت فيه. قال مالك: يحبس بقدر ما يرى الإمام، ثم يعاقب ويسرح، ولا يسجن حتى يموت. قال أشهب: إذا شهد عليه أنه متهم فإنه يسجن بقدر ما اتهم به، وعلى قدر حاله، ومنهم من يجلد بالسوط مجرداً. وإن كان الوالي غير عدل فلا يذهب به إليه ولا يشهد عليه، إلا أن يعرف أن السلطان لا يخالفه فيه إلى غير حق. قال ابن القاسم فيمن توجد معه السرقة فيقول ابتعتها من السوق ولا أعرف بائعها، وهي ذات بال أو لا بال لها. وكيف إن كانت أمثر مما ¬
وجد معه. قال: يرد المتاع (¬1) إلى من استحقه بالبينة بعد أن يحلف أنه ما خرج عن ملكه. وينظر، فإن كان من أهل الصلاح خلي سبيله ولا يمين عليه، وإن كان متهماً حبس وامتحن (¬2). قال ابن القاسم: فإن بقي للطالب بعض متاعه أحلف المتهم بعد أن يبتلي في بقية المتاع. وقد تقدم في باب السارق يقول أرسلني رب المتاع. قال مالك: ومن أخذ بليل ومعه سيف، فإن كان من أهل الطهارة أحلف بالله. ومن كتاب ابن المواز: وذكره ابن حبيب عن أصبغ قال: ومن جاء إلى الوالي برجل فقال سرق متاعي، فإنه إن كان موصوفاً بذلك متهماً هدد وامتحن (¬3) وأحلف، وإن لم يكن كذلك لم يعرض له. وإذا كان من أهل الصلاح والبراءة لا يشار (¬4) بذلك إلى مثله أدب له المدعي. قال ابن المواز قال أشهب: أما اليسير فلا يمين فيه على غير المتهم ولا أدب على المدعي، إلا أن يتهم أن يريد عيبه وشينه. وإن كان المدعى عليه متهماً ملطوخاً امتحن بالسجن ولا أدب ولا يمن عليه. قال مالك: ولا يؤدب إذا كان ذلك منه لطلب ظلامته، وإن قاله على وجه المشاتمة نكل له. قال ابن حبيب قال الماجشون: ومن شهدت عليه بينة أنه سارق ومعروف بالسرقة متهم بها قد سجنه الإمام بها غير مرة، ولكن لم تكن منه سرقة حين شهدوا عليه فلا يقطع بهذا وليطل الإمام سجنه. قلت لمطرف: فمن سرق له متاع فاتهم من جيرانه رجلاً غير معروف ¬
في إقرار العبد بالسرقة وغيرها وما يلحق ذمته أو رقبته
أو يتهم رجلاً غريباً لا يعرف ما حاله أيسجن حتى يكشف عنه؟ قال: نعم، ولا يطال سجنه. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً اتهمه المسروق منه بسرقة بعيره وقد صحبه في السفر (¬1) قال مطرف: وإذا كان المتهم بالسرقة متهماً معروفاً بها كان سجنه أطول، وإن وجد معه مع ذلك بعض السرقة فقال: اشتريته ولا بينة له وهو من أهل التهم لم يؤخذ منه غير ما في يديه، وإن كان غير معروف حبسه وكشف عنه، وإن كان معروفاً بذلك حبس أبداً حتى يموت فيه. وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. في إقرار العبد بالسرقة وغيرها وما يلحق ذمته أو رقبته في كتاب ابن المواز: وعن العبد بيده متاع فأقر أنه سرقه لهذا الرجل فإنه يقطع، ولا يقضى (¬2) به للرجل إلا ببينة (¬3) ويبقى لسيده ويحلف أنه ما يعرف لهذا فيه حقاً، وقال أشهب. ولو قال: هو بيد عبدي ولا أدري هو لعبدي أو لغيره، فهو للعبد أبداً ولا يقبل إقراره. قال مالك: ولا يقبل من إقرار العبد إلا ما ينصرف إلى جسده (¬4)، أما ما يلزم به سيده أمر فلا. قال محمد: إلا فيما يعرف (¬5) ويشبه مثل ¬
ما قال في صبي يعلق بعبد قد وطئ على أصبعه فقطعها وهي تدمي فأقر العبد. قال مالك: يقبل قوله هذا ويكون ذلك في رقبته، وأما على غير هذا فلا يقبل منه، ولا يتبع به بعد عتقه (لأنه يقول (¬1) وما يتعلق بذمته لا يتبع به بعد عتقه) (¬2) وإن كان مما أذن فيه سيده اتبع به في رقه فيما يفيد من غير عمل يده. قال محمد: ولا يتبع بالسرقة التى يقطع في رقه ولا في عتقه ولا فيما بين يديه من مال. (وكذلك إن كانت بينة (¬3) وقال أصبغ يوخذ فيما بين يديه من المال) (¬4) قال محمد: لا يؤخذ بها في رقه ولا بعد عتقه لأن ماله صار له بعد العتق، إلا أن يقر بعد العتق أن ثمنها فيما بيده. وما سرق مما لا يقطع فيه مما لم يؤتمن عليه فكالخيانة (¬5) وأما ما أدان به ففي ذمته بعد عتقه، مثل أن يدخل منزلاً لعمل أو لغيره فيسرق منه. وما لزم الصانع منهم فهو في ذمته في رقه وعتقه، إلا أن يكون فعل ذلك بغير إذن ربه أو تجرأ أو تسلف بغير إذن ربه فما زاد من هذا ففي ذمته بعد عتقه، إلا أن يدفع ذلك سيده إلى الإمام فيسقط فلا يلزمه بعد عتقه. قال محمد: وكذلك لو اسقطه عنه سيده دون السلطان، يريد أشهد على ذلك. وما لزمه في وطء الأمة والحرة (¬6) غصباً ففي رقبته، إلا أن يكون بإقراره فلا يقبل منه إلا أن تأتي متعلقة به وهي تدمي، أو كان بنتاً (¬7). فيقبل إقراره وهي مصدقة. ¬
وعن عبد قتل حماراً فسئل فقال: خفت أن أموت جوعاً، قال ابن عباس: لا يقطع، ويقدم سيده ثمن الحمار ويحلف لئلا يقتل (¬1) العبد بالجوع. قال يحي بن يحيى عن مالك: وذلك إذا ثبت ذلك على سيده فيغرم أو يسلمه (¬2) وإنما ترك عمر قطع عبيد حاطب (وأغرمه) (¬3) لأنه كان يجيعهم. قال مالك: وليس الأمر عندنا على تضعيف القيمة، ورأيت ابن كنانة في غير كتاب ابن المواز أنه إنما سأله عن ثمن ناقته فضعفه فاحتمل أن يفصادف تضعيف الثمن (¬4) قيمتها اليوم. وقال غيره: ولو لم يكن هذا ولم يقل بذلك أحد بعده لم يجب القول به، فهم لو اجتمعوا على ترك عمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم لترك. وعلم أنهم لم يجتمعوا إلا لأمر يجب المصير إليه. قال مالك في عبد أتى به رجل إلى الوالي ودمه يسيل وقال ضربني، فضرب الوالي العبد وحبسه، ثم قدم آخر في مثل ذلك ودمه يسيل ثم قام به ثالث في مثل ذلك ودمه يسيل والعبد ينكر. قال مالك: يحلف العبد ويطلق. قال محمد: وتأويله أنه كان (¬5) لرجلين. قال مالك في عبيد دخل عليهم وعندهم شاتان مذبوحتان تعرفان لجارهم، فأقر اثنان منهم وجحد الثالث فإن (¬6) فغرم ذلك على ساداتهم. ¬
فيمن صالح سارقا ثم رافعه أو ظهرت السرقة عند غيره
قال مالك في عبد على دابة (فأصاب صبياً بموضحة فأتى متعلقاً به فأقر له العبد ولا بينة له، فما كان قريباً من فعله وأتى مكانه متعلقاً به) (¬1) فليقبل منه، وأما ما بعد فإنما يقول كنت فعلته فلا يقبل قوله. ومن كان منهم لا يعرف بالسرقة فيقر أنه أخذه ويظن به أنه لا يعرف السرقة فلا يعذر بذلك ويقطع. قال في حديث السوداء (¬2) التي أقرت بالزنى في أيام عمر إنه لا يعذر اليوم أحد بهذا. وروى عيسى عن ابن القاسم في الموصى بعتقه يسرق قبل أن يقوم في الثلث إنه إنما ينظر إلى قيمته يوم ينظر في تقويمه لا يوم سرق ولا يوم الموت ولا يوم الوصية. فيمن صالح سارقاً ثم رافعه أو ظهرت السرقة عند غيره من العتبية (¬3) روى عيسى (¬4) عن ابن القاسم: فيمن تعلق بمن سرق منه متاعاً يريد به السلطان، فطلب منه السارق الصلح قبل أن يصل الى الإمام، فصالحه وتركه ثم هاج بينه وبين نزاع فرفعه، قال: يقطع السارق. وأما الصلح فإنه إن كان صالحه على أن لا يرفعه إلى السلطان فللسارق ¬
أن يرجع عليه فيأخذ منه ما صالحه به، وإن كان إنما صالحه من متاعه الذي سرق منه فلا رجوع له بشيء (¬1). قال عنه عيسى فيمن ادعى على رجل سرقة فصولح عن إنكار، ثم أقر لغيره أنه سرقها. فإن ثبت على إقراره قطع، وإن كان ملياً أخذ منه المدعي ما صالح به، وأخذ المسروق منه قيمة سرقته، وإن كان عديما فلا يتبع بشيء ولا رجع المصالح على الطالب بشيء. فقول الثاني وإن كان عديماً فرجع عن إقراره قبل القطع درئ عنه واتبعه المصالح بما صالح به والمسروق منه ببقية سرقته. وإن أقر بها عن ضرب ثم أنكر فلا قطع عليه (¬2). قال أصبغ فيمن اتهم رجلا بسرقته فذهب به إلى الامام فأقر له في الطريق أو صالحه لم يلزمه ذلك، وإن كان مأموناً فذلك يلزمه (¬3). الكثير وصفته، وقال قد سرقه يوم الخميس وقال الآخر يوم الجمعة لم يجز أيضاً. قال ابن القاسم: وكله قول مالك. كما لم شهد واحد أنه شرب أمس خمراً، وشهد آخر أنه شربه اليوم، لأنه من باب الفعل لا من باب الاقرار، وشهادتهما في الغد من معنى الإقرار يقضى به وإن اختلف اليوم. وإن شهد رجل أنه سرق بالمدينة وآخر أنه سرق بمصر لم يجز، وقاله أصبغ وقال: هو قولهم وقول مالك، وفيه بعض الغمز. ومن العتبية (¬4) روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال رأيت فلاناً يسرق ساجاً وقال الآخر أشهد أنه سرق رداءاً فلا يقطع حتى يجتمعا على ¬
في المسروق منه يرى رفع السارق أو يعفو عنه
ثوب واحد. وإن قال هذا سرقه بكرة وقال الآخر سرقة عشية وهو ثوب واحد فلا يقطع. ومن كتاب ابن المواز: ومن سرق من الإمام نفسه فقامت عليه بينة أو أقر، قال: للإمام أن يقطعه لأنه حد لله. وكذلك لو قطع عليه الطريق فأقر أو قامت به بينة جاز له أن يحكم عليه، ولكن لا يحكم عليه بقيمة السرقة حتى يرفعه إلى من فوقه. قال: ولو شهد بذلك هو ورجل عدل فأشهب يقول: أنه يقيم عليه الحد، ولو رفعه إلى الإمام كان أحب إلي. وقال ابن القاسم: لو أن الإمام سمع رجلاً ومعه من يثبت الشهادة عليه ثم قام به صاحبه لأقام عليه الإمام الحد قال: ويعجبني الحيوان (كذا). في المسروق منه يرى رفع السارق أو يعفو عنه (¬1) من كتاب ابن حبيب: قال الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشفع في حد من حدود الله (¬2)، وقال صفوان حين عفى عن سارق رداءه: فهلا قبل أن تأتيني به (¬3). قال وأخبرني الحميدي عن سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه أخذ سارقاً ثم أرسله وقال: أستره لعل الله يستر علي. ¬
وتشفع الزبير في سارق فقال المسروق حتى أبلغ (¬1) به الإمام، فقال: إذا بلغت الإمام فلعنة الله على الشافع والمشفع (¬2). ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أقيم بالسارق في غيبة المسروق لم ينظر ويقطع، هذا إذا عفا الغائب لو حضر أو قال أنا أرسلته أو هو إذا ثبتت السرقة ببينة. وقال مالك في السارق يطلب فيمتنع ويقاتل فيصاب بنفسه إنه هدر. وقال ابن شهاب: إذا أشهر السيف ليهدد بشهرته فهو سارق محارب إذا شهد عليه بذلك. قال محمد: وإن لم يقاتل ولا أشهر السلاح ولكن هرب رب المتاع فرماه ليوهنه فمات، قال: عقله على عاقلته، وإن تعمد قتله (¬3) قتل به. قال ربيعة في السارق أن يخرج فتجافي في قر بحجر (كذا) فيرمى فمات، إن فيه الغقل وإن تعمد قتله قتل به. ولو رماه ليوهنه فيأخذ متاعه فعليه العقل. وقال نحوه ابن شهاب. قال محمد: ولو قتله في داره فادعى رب الدار أنه قالتله فقتله فإنه لا يصدق ويقتل به، واحتج بحديث سعد حين قال: إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بالشهداء (¬4). قال ابن حبيب قال أصبغ: وإذا سرق السارق وخرج بالمتاع فاتبعه رب المتاع، فلما رهقه دفعه السارق عن نفسه وامتنع وقاتله ابتغاء النجاة بسيف أو سكين أو عصى فقتله الرجل في امتناعه حيث لم يجد إلى أخذ ¬
السارق سبباً فدمه هدر، ولا قود فيه ولا دية إن كان المتاع لذي سرق معه، وإن لم يكن معه المتاع وإنما طلب النجاة بنفسه ففيه الدية إن كان قتله بموضع سرق فيه وشبهه. فأما لو تباعد ولحق بالصحراء (¬1) أو بغير موضعه ولا متاع ففيه القود، وافقه السارق أو لم يوافقه لأنه لا متاع ولا هو بموضع يخاف من عودته. ولو كان المتاع معه كان دمه هدراً. ولو أسره وظفر به ثم قتله ففيه القود، كان معه متاع أو لم يكن، ولو كان (¬2) ولا عنه السارق رماه ليوهنه فيدركه فأصاب نفسه فدمه هدر. وإن لم يوافقه إذا كان المتاع معه، وإن لم يكن معه ففيه الدية إن كان بموضعه وبقربه، وأرى إن تباعد وصار إلى الصحراء وشبه ذلك ففيه القود، يريد إن لم يكن معه المتاع. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: لا يشفع للسارق إذا صار إلى الإمام أو إلى حرسه. قال ابن القاسم: وأما قبل أن يصل إليهم فواسع إن لم يعرف بذلك ويشهر به. وأما إن عرف بأذى الناس فترك الشفع له أحب إلي، وكذلك في سائر الحدود. وقيل لمالك: أسمعت ذا الهيئة (¬3) تقال عثرته؟ قال: ما سمعت، وهذا من السلطان. قال أبو محمد (¬4): وهذا يذكر عن عمر، ولو ثبت فإنما يراد (¬5) به في غير الحدود من الأذى والشتم، وذلك على قدر حال القائل والمقول له ذلك. ¬
في إقامة الحدود في أرض العدو
قال ابن المواز: وإذا عفا المسروق منه عن السارق ثم قام به غيره فإنه يقطع. في إقامة الحدود في أرض العدو ومن أصاب حداً من ذمي أو من مسلم من إقراره عندنا أو مسلم عندهم ومن تاب من مرتد ومحارب (¬1) من كتاب ابن المواز قال: (مالك) (¬2) يقيم أمير الجيش الحدود بأرض الحرب وفي الغزو وعلى السارق والزاني وشارب الخمر. قال أشهب: ولو دخل تجار مسلمون بلد الحرب فسرق بعضهم من بعض أو من ذمي أو صنعوا غير ذلك من زنى بمسلمة أو نصرانية أو شرب خمر أو قذف ثم رجعوا إلى بلد الإسلام فشهد بعضهم على بعض لأقيمت عليهم هذه الحدود. وكذلك لو أكل لحم خنزير لأدب في بلد الإسلام. وإن دخل حربي بأمان فسرق من مسلم أو ذمي أو سرق ذلك منه مسلم، فقال أشهب: لا قطع على من سرق منه ولا عليه فيما سرق ولا حد عليه إن قذف مسلماً، ولكن يعاقب في ذلك كله، وذلك أنه لا ذمة لهم. قال مالك في مستأمن أخصى غلمانه، قال: لا يعقلون عليه، وكأنه فعل ذلك بهم في بلدهم. ¬
قال أشهب: ولو كان ذمياً لعتقوا عليه، وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم على سلمة وهوكافر عبداً أخصاه وجذعه (¬1). قال ابن القاسم: ويقطع المسلم إن سرق من المستأمن، وإن سرق حربي من مسلم قطع، وإن قذف مسلماً حد له. ولو أن حربياً قذف مسلماً (¬2) ببلد الحرب ثم أسلم، أو سرق ودخل بأمان لم يحد، كما أن القتل بموضعه عنه (كذا) وقال هذا ابن القاسم وأشهب. وكذلك المرتد يفعل ذلك ببلد الحرب. وأما إن كان ببلد الإسلام فإن قتل على الردة لم يحد قبل القتل لسرقة، ولا يقتص منه ولا يقام عليه حد الفرية. قيل: فإن تاب أيقام عليه حد الزنى والخمر. قال في كتاب ابن المواز: ولا يحد لزناه في ردته – يريد وكذلك لا يحد لشرب الخملر في ردته. قال: والمحارب إذا تاب قبل يقدر عليه أقيمت عليه الحدود كلها التي فعلها في حرابته لأنها من حقوق الناس وإنما يسقط عنه ما كان لله من حد الحرابة التي يقيمها السلطان. وإذا سرق مجوسي أو عبد أو كتابي قطع. قال مالك: ولا يقطع سارق الخمر يسرقه مسلم أو ذمي أو من مسلم، ويؤدب ويغرم القيمة للذمي. تم كتاب القطع في السرقة (¬3). ¬
كتاب المحاربين
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد خاتم النبيين كتاب المحاربين الحكم في المحاربين وعقوباتهم من كتاب ابن المواز، ونحوه في كتاب ابن سحنون قال الله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) (¬1). ومن قول مالك وأصحابه: إن هذا التخيير الذي خير الله تعالى فيهم إنما هو على الإجتهاد من الإمام ومشورته الفقهاء بما يراه أتم للمصلحة وأدب عن الفساد (¬2) وهذا فيمن أخذ قبل أن يأتي تائباً، فمن أخذ (¬3) منهم فلابد من قتله إلا أنه مخير فيه أن (¬4) يقتله ولا يصلبه، أو يصلبه ثم يطعنه، وهذا معنى الصلب. وأما من عظم فساده وطال أذاه وأخذ المال ولم يفقبل، فقال مالك وابن القاسم فليقتله الإمام، ولا يختار فيه غير القتل. وقال أشهب: هو مخير فيه (مخير) (¬5) في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف. وإذا أخاف السبيل ونصب وعلا أمره ولم يأخذ مالاً ولا قتل فهو فيه مخير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف أو ضربه ونفيه، وذلك بقدر ذنبه. ¬
قال ابن القاسم عن مالك: يخير في هذا أخذ بحضرة ذلك (¬1) أو بعد طول زمان. قال أشهب في الذي يؤخذ بحضرة ذلك ولم يقتل ولم يأخذ المال فهذا الذي قال مالك لو أخذ فيه بأيسر ذلك. قال ابن وهب عن مالك: إذا أخاف السبيل وأعظم الفساد وأخذ الأموال ولم يقتل أحداً فليقتله الإمام إذا ظهر عليه. قال: وهو مخير (فيه) (¬2) في القتل أو الصلب أو قطع الخلاف أو النفي. قال عنه ابن القاسم: وأما من لم يخف السبيل ولم تطل إقامته (¬3) ولم يشتهر ولا أخذ مالاً، وأخذ بحضرة ما خرج فأحب إلي أن يجلد وينفى ويحبس حيث نفي أبداً أو حتى تظهر توبته (¬4)، وليس لجلده حد إلا اجتهاد الإمام فيه. قال أشهب في هذا: وإن رأى الإمام أن يقتله أو يقطعه من خلاف فذلك له إذا كان ذلك اجتهاده فيه. قال مالك: والمعلن (¬5) والمستخفي من المحاربين سواء إذا أراد أخذ الأموال، ويجتهد فيه الإمام بقدر جرمه وليس ذلك هو على الإمام، لكن على اجتهاده، والرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمون وأهل الذمة في ذلك سواء. وقد قال الله سبحانه في السرقة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء) (¬6) فهي تدخل في آية الحرابة. قال ¬
ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن سحنون: ولا نفي على العبد في الحرابة. ومن كتاب ابن المواز قال ابن شهاب: يقتل من المحاربين من قتل ويقطع من أخذ المال ويجتهد فيمن أخاف. ولو قطع فيهم أو رأى غير ذلك فله ذلك، ويؤدب من آوى محارباً (¬1) وإن اتهم بالحرابة ولم تقم عليه بينة فإنه ينكل وينفى إلى بلد سواه ويسجن، ولا يطلق من يخاف منه على دماء المسلمين وأموالهم. (قال) (¬2) وليس لما يأخذ من المال حد قل أو كثر ولو لم يأخذ (¬3) شيئاً أصلاً إلا أنه علم أنه خرج لقطع الطريق فوجد بسلاح أو بعصى أو سوط وأخذ بحضرة ذلك قبل أن يقتل ويأخذ مالاً أو يفسد أو يخيف أحداً فله حكم المحارب، وليس للإمام أن يعفو عنه. قال مالك: ولو أخذ في هذا بأيسر ذلك. قال ابن القاسم: وهو الجلد والنفي، وقال أشهب: وهو فيه مخير. قال مالك وعبد العزيز: وقد جعل (¬4) الله الفساد قرين القتل فقال (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض) (¬5) وقرنهما في المحاربة فأباح دمه بالفساد. قال محمد: والفساد يعظم ويقل فيجتهد في عقوبته. قال: وقول الله تعالى (أو يصلبوا) أن يصلبه ثم يقتله مصلوباً بطعنه (قال ابن القاسم وأصبغ برواية ابن القاسم) (¬6). ¬
وقال ابن القاسم وأشهب: إنما يقتل ثم يصلب، ولو صلبه قتله مصلوباً فذلك إذا بلغ ذلك حربه (كذا) وقال الليث: إذا قتل وأخذ المال صلبه ثم طعنه حتى يموت، وأما إن قتل فلتضرب عنقه بالسيف بغير صلب. قال محمد: ولو حبسه الإمام ليصلبه فمات في السجن فإنه لا يصلب، ولو قتله أحد في السجن أو قتله الإمام فليصلب، قال: ولا يجلد مع القتل ولا مع القطع من خلاف، وإنما يجلد مع النفي. قال أشهب: وإن جلده مع النفي لضعف وإنما أستحسن له ضعف عنه من غيره (¬1)، ولو قاله قائل لم أعبه. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله في نفي المحاربين أن شد في أعناقهم حديداً وانفهم إلى شعب. وقد قال أشهب في كتاب ابن سحنون: إذا قتل وأخذ المال وأخاف فلابد من قتله، فإذا قتله فهو مخير في صلبه ويرى ذلك بقدر فساده، ولا يقذع يده ورجله مع القتل. قال ابن حبيب قال أصبغ: ولو كتب إلى عامل البلد الذي نفى إليه الزاني والمحارب إذا مضت للزاني سنة فأطلقه، وإن ظهرت توبة المحارب فأطلقه، فإذا جاءه الكتاب فليؤرخ يوم حبس الزاني، فإن تمت السنة أطلقه. وقال مطرف: إذا استحق عبده النفي فليضربه ويسجن ببلده حتى يظهر توبته، فذلك عندنا نفي وتغريب، ورواه عن مالك وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ برواية ابن القاسم (¬2). ¬
وقال ابن الماجشون: ليس النفي عندنا الذي ذكر الله تعالى أن ينقل من قرية إلى قرية فيسجن بها، ولا يكون هذا مثلاً لما جزاؤه القتل (¬1) والقطع، وإنما النفي يقول: أن تنفوهم من الأرض بطلبكم (¬2) إياهم لتقيموا (¬3) عليهم العقوبة فيشردون ويختفون وأنتم تطلبونهم. فإذا ظفر بهم فلابد من إحدى الثلاث عقوبات: القتل أو الصلب أو القطع من خلاف، هو في ذلك يخير، وله أن يقتل أو يصلب (من لم يقتل) (¬4) لأن الله سبحانه جعل الفساد مثلاً للقتل، ولكنا نستحب إذا أعلن ودمر القرى وهجم على الحريم أن يرمى به للأقصى فهو الصلب. وهكذا قال مالك والمغيرة وابن دينار في ذلك كله من تفسير النفي وغيره، وقاله ابن شهاب قال ابن حبيب (¬5) وبه أقول. قال ابن الماجشون: والصلب فيه أن يصلب حياً ثم يقتل (¬6) مصلوباً، ثم لا يمكن منه أهله ولا غيرهم لإنزاله حتى يعفن على الخشبة وتأكله الكلاب. وقال أصبغ: لا بأس أن يخلى لمن أراد من أهله وغيرهم إنزاله ليصلى عليه ويدفن، ولا يصلي عليه الإمام. (قال ابن الماجشون: وأما الذي يقتله بغير صلب فيمكن من أراد دفنه والصلاة عليه من ذلك إلا الإمام) (¬7). ¬
وقال ابن سحنون عن أبيه: إذا صلب وقتل (أنزل) (¬1) تلك الساعة فدفع إلى أهله لدفنه والصلاة عليه إلا الإمام. وأما من (¬2) هلك على مثل ما قتل عليه الحارث الذي تنبأ (¬3) فلا يصلي عليه لأنه مرتد. وقال لمن سأله من الأندلسيين: إن رأى الإمام أن يبقيه على الخشبة اليومين والثلاثة بما رجا من تشريد (¬4) أهل الفساد فذلك له، ولكن ينزله فيغسله أهله ويكفن ويصلي عليه، ثم إن رأى إعادته إلى الخشبة فعل. وأما فيما قال لي فقال: لا يعاد إلى الخشبة ويترك (¬5) عليها بعد القتل ولكن ينزل ويدفع إلى أهله. ومن العتبية (¬6) روى أشهب عن مالك: سئل هل يعذب اللصوص بالرهز (¬7) والخنافيس التي تحمل على بطونهم قال: لا يجوز هذا، إنما هو السوط أو السجن، وإن لم يجد في ظهره مضرباً (فالسجن) (¬8) قيل فإن لم يجد في ظهره مضرباً ألا يبطح فتضرب أليتاه، فقال: لا والله، وإنما هو الضرب في الظهر بالسوط والقطع في اليدين من الكوعين، وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: وإذا قطع الطريق بعد قطع يديه ورجليه من خلاف في حرابة أو غيرها؟ قال: فلم يبق فيه إلا القتل أو الصلب أو النفي بقدر جرمه، فإن نفاه ثم عاد، فإن رأى الإمام نفيه لصغر جرمه فعل، وإن كان قد اتقى (¬9) فساده وعظم جرمه فليقتله أو يصلبه. ¬
وإن أخذ المحارب وهو أقطع اليمين فرأى قطعه، قال أشهب: تقطع رجله اليسرى، لأنه لو سرق قطعت رجله اليسرى. وقال ابن القاسم: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، وهذا هو الصحيح، لأن القطع في المحارب يد ورجل من خلاف كشيء واحد، فإذا وجد اليمنى شلاء رجع إلى اليد الأخرى التي تقطع معها (¬1) الرجل من خلاف. قال ربيعة: ولا ينفى (المسلم) (¬2) المحارب من بلد الإسلام إلى أرض العدو، ولكن يسجن (في أرض الغربة) (¬3). ومن كتاب ابن المواز: وإذا حبس المحارب لينظر في البينة عليه فقتله رجل في السجن، فإن زكيت البينة لم يقتل قاتله (¬4) وأدب، وإن لم يزكوا (¬5) قتل به. وإن عدا عليه فقطع يده ورجله، فإن ثبت عليه القتل في حرابته أقيد قاطعه لأنه لابد من قتله، وإذا رأى القاضي في محارب أن يسلمه إلى أولياء من قتل فعفوا عنه، ثم ولي من لا يري فيه عفواً، فأما ابن القاسم فقال: هو حكم نفذ لا ينقض للاختلاف فيه، وقال أشهب: ينقض ويقتل (¬6). ولا خلاف أنه لا عفو فيه، يريد أشهب أن الشاذ لا يعد خلافاً. وذكر سحنون في كتاب ابنه قول ابن القاسم وأشهب، وذكر أن عبد الملك (¬7) يقول مثل قول أشهب. قال سحنون بقول ابن القاسم، وقالا إنه قال ¬
في المحاربين من أهل الذمة
لأنه شيء لا اختلاف فيه (¬1) لأنهما يضعفان مثل هذا من الاختلاف مما لا يقوله أهل المدينة. قال ابن المواز: يعني مالكاً. وإذا أخذ قبل أن يتوب فلا عفو فيه للإمام ولا لأولياء القتيل ولا لأرباب المتاع، وهو حق لله لا شفاعة فيه. فهذا في باب آخر. في المحاربين من أهل الذمة من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نقض أهل الذمة العهد ومنعوا الجزية ثم ظفر بهم فليردوا إلى ذمتهم إن كان ذلك عن ظلم ظلموا به، وأما إن فعلوا ذلك عن غير ظلم ظلموا به إلا نصرة لدينهم، فهؤلاء يردون عبيداً وتسبى منهم النساء والذراري إن كان الإمام عدلاً ولم يركبوا بظلم، والمراهقون منهم تبع لهم. وأما من يرى أنه مغلوب من رجالهم وأن مثله لم يعن مثل الضعيف والشيخ الكبير والزمني، فلا يستحلوا بقتل ولا بأمر. قال: ولو ظفر بالذرية قبل أن يظفر برجالهم كانوا فيئاً، إلا أن يكونوا قد خرجوا حين نقضوا إلى أرض الحرب وتركوا الذرية بين أظهرنا فهم على ذمتهم ولو حملوا الذرية معهم فظهر بهم قبل أن يصلوا إلى أرض الحرب أو بعد أن وصلوا، فهم كلهم فيء إن كان الإمام عدلاً ولم يناعو (كذا) شيئاً، وإن لم يكن عدلاً أو نقصوا شيئاً يعرف فلا يقاتلوا ولا يسبوا. ¬
وكذلك إن تحملوا (¬1) إلى أرض العدو بذراريهم لم يستحلوا إن ظفر بهم (ولا بذراريهم، إلا أن يقوموا مع العدو على المسلمين فيستحلوا. قال أصبغ: وأما إن ظفر بهم) (¬2) بدار الحرب قبل أن يقاتلوا وقبل أن يصيروا حرباً وقد خرجوا بسبب من الظلم فليردوا إلى ذمتهم. قال مالك: وإذا أقام أهل الذمة بظلم ظلموا به وقطعوا الطريق فلا يحل قتلهم حيث كانوا من البلاد، وهم كالخوارج الذين خرجوا لا يحل قتالهم. (يريد إذا خرجوا عن ظلم ظلموا به، وهذا على قول من يرى أنهم لا يقتلون إلا أن يمشوا بذراريهم) (¬3). وروى أبو زيد عن ابن القاسم في أهل الذمة يخرجون فيقاتلون فيظفر بهم. قال محمد: يريد ولم ينقموا ظلماً وجوراً، قال أما أموالهم ففيء (¬4) وأما ذراريهم ونساؤهم فلا، وهم على صلحهم، وليس إلى سبيهم سبيل. وفي كتاب الجهاد أن أشهب يرى أن لا يعودوا إلى رق ويبقوا على ذمتهم. ¬
في المحاربين وجهادهم، وهل يعطون التافه ولا يقاتلون
في المحاربين وجهادهم وهل يعطون التافه ولا يقاتلون وذكر قتل الحرابة والغيلة والنايرة والعداوة وصفة المحارب في المصر ومن ليس بمحارب ومن يشك فيه وهل يومن المحارب أو يتبع مرتدهم. من كتاب ابن المواز قال: ولم يختلف مالك وأصحابه في إجازة قتل المحاربين، وأن من قتل في ذلك فخير قتيل. قال مالك: ويناشده الله ثلاثاً وإن عاجله قاتله. وقال عبد الملك: لا تدعوه ولتبادر إلى قتله. قال محمد: ومن ظفر به وأسره فلا يلي قتله، وليرفعه إلى الإمام، إلا أن يكون الإمام ممن لا يقيم عليهم الحكم، وأحسب أن مالكاً قاله، أن لا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم وليبعث إلى الإمام يلي ذلك. فإن خفت أن لا يقيم عليهم الحكم فاقتل أنت الأسير، وأجهز على الجريح واقطعه خلافاً. ومن قتل منهم ورثه ورثته. ومن كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: يدعى اللص إلى التقوى، فإذا أبي فقاتله، ومن عاجلك فقاتله. وإن طلبوا مثل الطعام والشراب وما خف فليعطوا ولا يقاتلوا. وقال عبد الملك: لا تدعه وقاتله واقتله واجهز عليه، وليس هذه دعوة وإنما هي عطية منك لمن تخشى جرأه، وأخذ عدته، وقد فعل ما أوجب عليه القتل. قال سحنون: وأنا أرى أن لا يعطوا شيئاً وإن قل، ولا يدعونهم فهذا وهن يدخل عليه، وليظهر لهم الصبر والجلد والقتال بالسيف، فهو أكسر لهم وأقطع لطمعهم (¬1)، وكذلك عنه في العتبية. ¬
قال مالك وابن القاسم وأشهب: جهادهم جهاد، قال عنه أشهب من أفضل الجهاد وأعظمه أجراً. وقال مالك في أعراب قطعوا الطريق إن جهادهم أحب إلي من جهاد الروم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد (¬1)، فإذا قتل دون ماله ومال المسلمين فهو أعظم لأجره. وقال عبد الملك: ولا يجوز أن يؤمن المحارب إن سأل الأمان، بخلاف المشرك، لأنك تدع المشرك إذا أمنته على حاله وبيده أموال المسلمين، وقد أبقاهم الله بالذمة على ما هم عليه، ولا يجوز أن تدع المحارب على ذلك. ولا يجوز للإمام أن يؤمنه وينزله على ذلك، ولا أمن له بذلك، لأنه في سلطانك وعلى دينك إنما امتنع منك بعزة لا بدين ولا ملة. ولو لحق (¬2) بدار الحرب من الأمان فتنصر وقاتلنا معهم فأسرناه فليستتبه الإمام، فإن (أبى) (¬3) قتله، وذلك على الردة والحرابة، وإن تاب قبلت توبته ونظر، فإن كان يلزمه حكم فيما صنع في حرابته قبل ردته في (حق من) (¬4) حكم الله وحق المسلمين ألزمه إياه، ولا تزيل الردة ذلك عنه (¬5) وقاله ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد. قال سحنون: وإذا هرب المحارب فدخل حصناً من حصون الروم فحاصرناهم فنزل أهله (¬6) بعهد وطلب المحارب العهد والأمان لإامنه أمير ¬
السرية (¬1)، قال: لا أمان له ولا يزيل حكم الحرابة (¬2) عنه جهل من أمنه وقد ظفرنا به قبل التوبة. ومن كتاب ابن المواز: وإذا امتنع المحارب بنفسه حتى أعطي الأمان فأخذ على ذلك، فقد اختلف فيه، فقيل يتم له ذلك، وقيل ليس ذلك له ويؤخذ بحق الله سبحانه، وقال أصبغ مثل أن يكون في مركب أو على فرس قد امتنع، أو في حصن أو موضع لا يوصل (إليه) (¬3)، فيعطي الأمان فيأتي على ذلك فلا أمان له، لأن أمانه من السلطان أو غيره، وهذا (حق) (¬4) لله لا يزول إلا بالتوبة قبل أن يقدر عليه. ولو قال الوالي لأحدهم لك الأمان على أن تخبرني بما أخذتم وعلى من قطعتم ومن كان معكم ففعل، فلا أمان له (¬5) بذلك، وما كان ينبغي للإمام أن يؤمنه على قطع حقوق الله، وليقم عليه ما أقام على غيره، ولا يؤخذ بما أقر به على أن يؤمنه. قاله مالك وبعض أصحابه، مثل أن يقول: أصدقني هل قطعت الطريق علي أن لا حد عليك، فأقر (له) (¬6) فإنه لا حد عليه بهذا الإقرار. ويكره للسلطان إذا أخذ أحداً في تهمة أن يخلو به ويقول: أخبرني وأنت آمن فيخبره، وهذا وجه خديعة ويغرهم. ولو أن مرتداً لحق (¬7) بدار الحرب فأمنه الإمام فقد جهل الإمام، فإن لم يتب فليقتله ولا أمان له، بخلاف الحربي (¬8) وقال ابن القاسم وأشهب: ¬
ويكون المحارب محارباً وإن لم يأخذ مل يجب فيه القطع في السرقة، لأنه يكون محارباً وإن لم يأخذ شيئاً إذا قطع وأفسد. وكذلك لو خرج بغير سلاح وفعل فعل المحارب من التلصص (¬1) وأخذ المال مكابرة، وقد يكون الواحد محارباً. (ومن كتاب ابن سحنون) (¬2) قال عبد الملك: ولا يعطى اللصوص (¬3) شيئاً طلبوه وإن قل، وفي ذلك وهن قائم (¬4) ومذلة للإسلام وشبهة في الدين. وهذا في العدد المناصف لهم والراجي الغلبة، وإن أمكن الخوف، إلا فيمن يوقن أن لا قوة بهم ولا نجدة ولا مناصفة، فهؤلاء للأمير، وعسى أن يعذروا في إعطائهم إن شاء الله، وقاله كله سحنون. وكل ما ذكر عن عبد الله في هذا الباب فقد ذكره عنه ابن حبيب. قال أشهب: ولا يقتل المحارب بالخنق باليد وبالحبل وبالحجر وبالغم وبغير ذلك، فهو محارب وإن لم يقتل، وقد يحرج بالسلاح ولا يحتاج إليه. ومن كتاب ابن المواز، ونحوه في العتبية (¬5) من سماع ابن القاسم قلت: فإن خرج لقطع السبيل لغير مال، (قال) (¬6) فلعداوة أو نائرة أو يدخل بينهم، قال: لا ولا لدين إلا أنه قال: لا أدع مقاولا (كذا) من لا يحرجون إلى الشام أو إلى مصر أو مكة، قال: فهو محارب لا عفو فيه. ¬
وكل من قطع الطريق إذا أخاف الناس وحمل عليهم (¬1) السلاح لغير عداوة ولا نائرة فهو محارب. وقتل الغيلة أيضاً من المحاربة، أن يغتال رجلاً أو صبياً فيخدعه حتى يدخله موضعاً فيأخذ ما معه فهو الحرابة. وكل من قتل أحداً على ما معه قل أو كثر فهو محارب، فعل ذلك بعبد أو حر مسلم أو ذمي. قال مالك: وقد قتل عثمان مسلماً بذمي قتله غيلة، قال مالك: ولو صحب (¬2) رجلاً في سفر فقتله غيلة لما معه فهو محارب. (وقال ابن القاسم وأشهب: وإذا خرج بغير سلاح وكابره الناس على المال وقطع الطريق فهو محارب) (¬3) وإن لم يقتل أحداً، وقد يقتل بالخنق والحجر والغم (بلا سلاح) (¬4). قيل لمالك: فالذي يقتل الناس بالخنق غيلة أيقتل خنقا؟ قال: ذلك إلى الإمام على أشنع ما يراه، وليس من باب القود. ومن ضرب رجلاً بعصى أو حبل ليأخذ ما معه فمات فإنه يقتل وإن لم يرد قتله، لأنه من باب الحرابة، ولو لم يكن ذلك لأخذ ما معه ولكن ليس بينهما عداوة ففيه القصاص أو العفو من أوليائه. قال محمد: وأما من أدخل رجلاً موضعاً على خديعة حتى قتله أو دخل عليه حريمه (¬5) فقتله، وذلك لعداوة أو نايرة (¬6) بينهما وليس لمال ولا أخذ منه مالاً، فهذا لأوليائه قتله أو العفو عنه. فإن عفي عنه جلد مائة ¬
وحبس سنة، وقال كله مالك. والذي يدخل على رجل حريمه فيكابره حتى يقتله بهراوة لا لأخذ مال مثل ما ذكرنا. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. قال أشهب وابن عبد الحكم عن مالك وهو في العتبية من سماع أشهب: فيمن لقي رهطاً (¬1) فأطعمهم سويقاً فمات بعضهم (¬2) بالباقين فلم يفيقوا (¬3) إلى مثلها، فقال: ما أردت قتلهم وإنما أردت أخذ ما معهم، وإنما أعطاني السويق رجل وقال إنه يسكر وأنا لم أرد قتلهم. قال: يقتل. وقال: أرايت التي سمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه في الشاة فمات بعضهم ألم يكن عليها القتل؟ قيل تلك أرادت القتل، وهذا يقول لم أرد القتل، فلا يقبل ذلك منه. وهو تعمد إطعامهم والذي (¬4). قال في كتاب محمد: ولو قال ما أردت قتلهم ولا أخذ أموالهم، وإنما هو سويق لا شيء فيه، إلا أنهم لما ماتوا أخذت أموالهم. قال: فلا شيء عليه غير رد المال. ومن العتبية (¬5) روى أشهب عن مالك في جارية أطعمت رجلاً في بلح شيئاً أذهب عقله، فمرة يفيق، ومرة يذهب عقله قد أقرت بذلك، قال: قد أتت أمراً عظيماً، قيل أفتقتل؟ قال: إنها محقونة بكل شر (¬6) وما ¬
أدري ما القتل؟ قيل: فعلت هذا قبل هذا، قال: ترفع إلى السلطان وهي تستحق كل سوء. فأما القتل فلا أدري. قال مالك في عبيد قتلوا سيدهم قتل غيلة فحبسوا حتى يثبت ذلك. قال: ينفق عليهم حتى يثبت ذلك فيقتلوا ولا يستحيوا لأنه قتل غيلة، ولا يجوز العفو عنهم. قال ابن شهاب في المتهم بالحرابة ولم يثبت عليه ببينة أرى أن ينفى إلى بلد آخر ويسجن، ولا يطلق من يخاف منه على دماء المسلمين وأموالهم. قال مالك في قوم لقيهم قوم في طرف المدينة فقاتلوهم فاتهموهم أن يكونوا أرادوا سلبهم، قال: أرى أن يخرجوا من تلك المدينة ولا ينفوا كما ينفى المحارب. ومنه ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن لقي رجلاً فسأله طعاماً معه فأبى، فكتفه ونزع منه الطعام ونزع ثوبه، قال: إنه يشبه المحارب. من كتاب ابن سحنون (¬1) قال سحنون في السارق ليلاً يأخذ متاعاً فيطلب رب الدار نزع المتاع منه فيكابده عليه بسيف أو سكين أو عصى حتى خرج به أو لم يخرج وكثر عليه الناس ولم يسأله (¬2) قال: هذا محارب. قيل: فلو نقب (فدخل) (¬3) فأدركه رب المتاع فخرج والمتاع في النصب (¬4) (فكابده على المتاع حتى غلبه عليه فأخذ على ذلك، فإن كابده ¬
المحارب في المصر
بسلاح حتى أخافه فأسلمه) (¬1) إليه أو بقي يجاذبه عليه حتى أخذ، فهو محارب، وإن كان كابده كما يفعل المختلس فمحارب، وينكل ولا يقطع، لأن أوله كان سارقاً ثم صار مختلساً، ولا قطع في الخلسة. المحارب في المصر (من كتاب ابن سحنون) (¬2) قال ابن القاسم (وأشهب) (¬3): المحارب في المصر وغير المصر سواء، إذا قطعوا وأفسدوا في مدينتهم أو في الطريق فذلك سواء. وقال عبد الملك: لا يكونون محاربين في القرية إلا أن يريدوا بذلك القرية كلها، وإلا فهم معتدون إلا أن يكونوا خبراء وجماعة محاربين لأهل القرية عادين معلنين فهم كاللصوص الذين يفتحون القرى وتكثر جموعهم. فأما وهم في القرية مختلفون لا يفسدون إلا الواحد والمستضعف فليس في القرى محاربة، وخالفه سحنون فقال: ذلك سواء. قال ابن المواز قال مالك في رجل جرح بسيفه في سوق من بعض أعمال المدينة، ما أراه أراد رجلاً فأخذ، هل يقتل؟ قال: لا يقتل ولا يقطع وليؤدب عقوبة موجعة ويحبس. وقد اختبأ رجل لمروان (¬4) فطعنه، فاستشار فيه فلم يروا فيه قتلاً، وإنما كان ظلمه عامله باليمن ففعل هذا. ¬
قال أصبغ: لأنه أراد أمراً فلم يفعله، ولو فعل هذا تلصصاً وحرابة شاهراً سيفه في الأسواق لأخذ أموال الناس فإنه ينفى كما يفعل بالمحارب الخفيف الظلم. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن سرق فامتنع قاتله، وإن لم تجد السبيل إلى أخذ متاعك إلا بنفسه فافعل، ودمه هدر، وإن لم يأخذ شيئاً فلا تقتله لأنه إنما يدفعك عن نفسه لا عن مالك، وإن ظفرت به وهو مشهور بالخبث فارفعه إلى الإمام، وإن لم يكن مشهوراً فالستر أحب إلي، وليس بالبين. قال في كتاب محمد: فهو ممن يضرب وينفى. قال في الكتابين: وكذلك الذي يأخذ معه الدابة فيقر أنه وجد عليها (¬1) رجلاً فأنزله عنها وأخذها. قال مالك في كتاب ابن المواز: ومن لقي رجلاً في الصحراء أو عند القمة فنشره (¬2) من ثوبه، قال لا يقطع إلا أن يكون محارباً أو لصاً، فأما من يكابد رجلاً في الليل حتى يأخذ ثوبه فلا يقطع. قال: وإن كان في المحاربين صبيان لم يحكم عليهم بشيء، وأما العبد أو الذمي (¬3) فيحكم عليهم ذكراناً وإناثاً. قال مالك فيمن دخل أرض البربر وهو أصحاب فتن وأصحاب هوى ويقاتل بعضهم بعضاً، ومعه سيف أو سرج أيبيعه منهم؟ قال: لا، ولا أحب بيع السلاح فيمن يناويء أهل الإسلام. قال أصبغ عن ابن القاسم في اللص يولي مدبراً أيتبع؟ قال: إن ¬
كان قتل أحداً منهم، وإن لم يكن قتل فما أحب أن يتبع ولا يقتل. قال: والأسير من اللصوص يقتل (إن قتل) (¬1) وإن لم يقتل بلغ به إلى الإمام. قال مالك: إذا لم يقتل فهو أشكل، فلا ينبغي أن يقتله (¬2) إلا الإمام. قال ابن القاسم: وإن قتل واحداً منهم فقد استوجبوا كلهم القتل ولو كانوا مائة ألف (¬3). وقال سحنون في اللصوص يولون مدبرين أيتبعون؟ قال: نعم، ولو بلغوا ترك الطعام. قيل لسحنون: فلو عرض لك لص فجرحته فسقط أتجهز عليه؟ قال: نعم قيل: فقول ابن القاسم لا يجهز عليه؟ فلم يره، وقد حل منه ذلك بما قطع من السبيل وأخاف وحارب. وقال في كتاب ابنه: يتبع منهزمهم (¬4)، ويقتلون مقبلين ومنهزمين، وليس هروبهم توبة. قال: وأما التدفيف على جريحهم، فإن لم تتحقق هزيمتهم ويخاف كرتهم فليوجف على جريحهم، وإن استحقت الهزيمة بجريحهم أسروا والحكم فيه إلى الإمام. ¬
في توبة المحاربين وما الذي يلزمهم بعد التوبة
في توبة المحاربين وما الذي يلزمهم بعد التوبة وكيف إن ولي أحدهم القتل وأخذ المال ثم تابوا أو ظفر بهم أو ببعضهم من كتاب ابن المواز قال عبد الملك: وإذا تاب المحارب قبل أن تقدر عليه أيها السلطان سقط عنه ما كان لله من حد الحرابة، وليست توبته أن يأتي الإمام فيقول تبت ويلقي بنفسه ويطرح سلاحه ويحل عقده حتى (¬1) يعلم منه من إيثار توبته قبل مجيئه إليه وقدرته عليه ما يستدل به، لقول الله سبحانه (من قبل أن تقدروا عليهم) (¬2). فإذا لم يكن غير مجيئه وقوله تبت هكذا حبسه حتى يطلع من ذلك ما يدله بما ظهر منه في موضعه وبحيث كان أنه ترك ذلك وجانب أهله وظهر منه من ذلك قبل مجيئه إليك (¬3) فذلك ينجيه منك، كما لو علمت مثل ذلك منه قبل أن يأتيك، كان مجيئه بعد ذلك ينجيه منك فأجاز ذلك سحنون. قال ابن المواز قال مالك: وإذا تاب المحارب اتبع في عدمه بأموال الناس، وإن أقيم عليه حد الحرابة فقتل أو نفي لم يتبع (¬4) في عدمه وإن أيسر بعد ذلك، وقاله ابن القاسم. وإذا قتل عبداً أو ذمياً فقتل في الحراب لم يتبع بشيء من ذلك في ماله ولا في ذمته، لأنه كالقصاص، ولا يجمع قصاص ودية. ¬
قال محمد: ولم نعلم أن عثمان حين قتل المسلم المحارب بالذمي حكم عليه بدية. وأما إن تاب فعليه دية من قتل من الذميين وقيمة العبيد نصارى أو مسلمين – يريد في ماله وذمته – بلا قصاص، مع ضرب مائة وحبس سنة، ويقتل بالحر المسلم إلا أن يعفو أولياؤه فيضرب مائة ويحبس سنة. وإن كان المحاربين ذميين فتابوا كان عليهم القود فيمن قتلوا من الذميين إن شاء أولياؤهم، والرجال والنساء فيما ذكرنا سواء. وفي كتاب ابن سحنون نحو ما ذكرنا من هذا. وقال ابن سحنون عن أبيه: وقال في محاربين قتلوا (رجلاً) (¬1) وسبوا امرأة ثم أخذوا قبل القدرة عليهم (¬2) فأقروا بذلك، فإن أقروا بغير تخويف قتلوا، ولزم صداق المرأة على من زعمت أنه وطئها. ولو تابوا قبل الظهور عليهم قتل من ولي القتل منهم، وصداق المرأة (¬3) كما ذكرنا. وهذا مذهب أشهب في القتل إذا تابوا، ويضرب الباقون كل واحد مائة ويسجن سنة. وذكر مثل ما ذكر عنه ابن المواز، وذكر أن قول ابن القاسم أن يقتل الجميع إذا تابوا. ومن كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم وأشهب (وإذا ولي أحد المحاربين) (¬4) قتل رجل ممن قطعوا عليه ولم يعاونه أحد من أصحابه على قتله، فإنهم يقتلون كلهم، ولا عفو فيهم للأولياء ولا للإمام، وكذلك لو ولي أخذ المال واحد منهم (ثم ظفرنا بغيره) (¬5) فإنه يلزمه غرم جميع ذلك المال، كان قد أخذ من ذلك حصة أو لم يأخذ. ¬
وقال مالك: ولو تاب واحد منهم وقد أخذ كل واحد منهم حصته في المال، فإن هذا التائب يضمن جميع المال، لأن الذي ولي أخذ المال إنما قوي بهم. قال ابن القاسم: وكذلك القتل عندي يقتل من لم يل القتل منهم ولا أعان فيه. قال في العتبية: وقد استوجبوا القتل كلهم لو كانوا مائة ألف. قال من كتاب ابن المواز: وكذلك لو تابوا كلهم قبل يقدر عليهم كان على الدية. ولو ظفر بهم الإمام قبل التوبة قتلهم أجمعين. وقال أشهب: إن أخذوا قبل أن يتوبوا قتل جميعهم ولا عفو فيهم. وأما إن تابوا قبل أن يقدر عليه فقد سقط عنهم حكم الحرابة (¬1)، ولم يقتل منهم إلا من ولي القتل أو من أعان عليه ومن أمسكه وهو يعلم أنه يريد قتله، ولا يقتل الآخر ولكن يضرب كل واحد منهم مائة ويحبس سنة. قال أشهب: وإنما قال عمر: لو تمالأ عليهم أهل صنعاء لقتلتهم به، وذلك أنهم قتلوه قتل غيلة. قال أشهب عن مالك: ولو كان أحدهم قائماً لم يأخذ شيئاً غير أنه حين قسم المال أخذ حصبة ثم أخذ (حصة) (¬2) قال أخاف أن عليه جميع المال لأن بهم (¬3) أخذ المال، وكلهم أعوان. ¬
قال ابن عبد الحكم: والذي لم يل أخذ شيء، قال يرد (¬1) ما أخذ من حصته، وأخاف أن يكون ضامناً لما أخذ أصحابه وما أحراه ومن غير كتاب ابن المواز قال محمد بن عبد الحكم: لايزاد على كل أحد إلا ما أخذ. ابن المواز وقال ابن القاسم عن مالك: ذلك عليه كله في توبته وفي الظفر به قبل توبته. ومن كتاب ابن المواز قلت كيف توبة المحارب؟ قال: الذي هو أحب إلى مالك ورواه ابن وهب وابن عبد الحكم إتيانه (إلى السلطان) (¬2). وإن هو أظهر توبة عند جيرانه (واختلافه إلى المسجد حتى يعرف ذلك عنه فجائز، قاله ابن عبد الحكم) (¬3). قال أصبغ: وإن قعد (¬4) في بيته وعرف أن ذلك منه ترك معروف بين يبوح بالتوبة جاز ذلك له. وقال عبد الملك: وإن لم تكن توبته إلا إتيانه إلى السلطان فيقول: جئتك تائباً لم ينفعه ذلك، لقول الله تعالى (من قبل أن تقدروا عليهم) (¬5). قال في العتبية أشهب عن مالك في المحارب إذا تاب ونزع وأظهر لجيرانه وجاء إلى المسجد، هل عليه شيء؟ أو أحب إليك أن يأتي السلطان؟ قال: أحب إلي أن يأتي السلطان. ¬
من كتاب ابن المواز قال أصبغ: وتوبة النصراني المحارب بالنزوع وإظهار الترك. قال محمد: وأحب إلينا أن يأتي الإمام فيخبره بتوبته ونزوعه. وإذا تاب المحارب فأخذه بعض من قطع عليه الطريق في المسجد أو في طريقه أو بيته أو السوق فدفعه وأقام عليه البينة، فإن عرف بالتوبة سقط عنه حد الحرابة وبقي عليه حقوق الناس (¬1) في الدماء والجراح، ويتبع بالأموال في ماله وفي ذمته، رواه ابن القاسم وأشهب وابن وهب عن مالك. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في عيون المحاربين إنهم يقتلون معهم، لأنهم أعوان (¬2) لهم وقد قتلهم معهم عمر في قتل الغيلة. ومن العتبية قال سحنون، إذا أقيم على المحارب الحد فحكمه حكم السارق فيما وجب عليه من مال إن كان وفره متصلاً أخذ منه كل ما لزمه من استكراه النساء واحتلال مال ودية النصراني وقيمة العبد، وإن لم يتصل وفره (لم يتبع بشيء، وإن لم يقم عليه حد الحرابة اتبع بذلك يلزمه في ماله وذمته) (¬3)، ويلزمه القصاص لمن له قصاص. قال عبد الملك بن الحسن قال قال أشهب: وإذا تاب المحارب وقد كان زنى وسرق في حرابته لم يوضع عليه ذلك. ¬
باب في شهادة من قطع عليهم الطريق على المحارب
باب في شهادة من قطع عليهم الطريق على المحارب وشهادة بعضهم على بعض والحكم فيما يوجد بأيدي المحاربين من الأمتعة من كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم وأشهب: تقبل شهادة من قطع عليهم الطريق على اللصوص أنهم قطعوا عليهم (الطريق) (¬1) ذلك من حدود الله تعالى، وتقبل شهادة بعضهم على بعض بما أخذوا لهم، ولا تقبل شهادة أحدهم لنفسه أن هذا متاعه، ولا شهادته لابنه. وأما شهادته أن هذا قتل ابنه أو أباه فتقبل إذا شهد مع غيره، لأنه إنما يقتل بالحرابة لا بالقصاص ولا عفو فيه. وأما لو شهد عليه بذلك مع غيره بعد أن تاب لم تجز شهادته، لأن الحق له والعفو أو القصاص. وأما شهادة الأجنبيين فتجوز قبل التوبة وبعدها، ولا يتهمون في (شهادة) (¬2) بعضهم لبعض لأن المحاربين إن قالوا ما قطعنا عليكم فقد أزالوا عنهم الظنة، وإن أقروا فقد صدقوهم (¬3) في قطع الطريق. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: تقبل شهادة الرفقة بعضهم لبعض على المحارب ويقضى عليه برد ما أخذ إن كان ملياً، لأن المحاربين إنما يقطعون في المفاوز حيث لا بينة إلا من قطعوا عليه. ولا تقبل شهادة كل واحد منهم لنفسه. ¬
ولو قالوا كلهم عند الحاكم قتل منا كذا وكذا رجلاً وسلب منا كذا وكذا حملاً ومن الجواري كذا، ومن الثياب كذا، ومن الخيل كذا. فأما الأحمال فلفلان، والثياب لفلان والخيل لفلان وفلان فذلك جائز يقبل قول كل لغيره لا لنفسه، ويوجب ذلك عليه المحاربة والقتل، وذكره عن مالك وابن القاسم وأشهب. قال: وإذا حبس الإمام المحاربين بشهادة شاهد واحد وشهد قوم غير عدول ولم يأت غيرهم، ومنهم من يشتهر اسمه بالفساد ولا يعرف إلا بعينه، فإذا رآه من كان يراه عرفه، قال: فليخرجه، ويوقفه ويشهره حيث يعلم أن الغرماء ينظرون إليه والمسافرون، ويستقصي ذلك من إشهاره وإظهاره حيث يرجى أن يعرف من مشهد أو مسجد، فلعل من يشهد على عينه فتتم الشهادة عليه، وليس عليه أن يخرجه كل يوم، ولكن المرة بعد المرة (¬1). وإذا بلغ من شهرة المحارب باسمه ما يؤكد تواتره باسمه، مثل أبي الوليد أو سليمان، فأخذ فأتى (¬2) من يشهد أن هذا أبو الوليد أو سليمان، فقالوا لم نشاهد قطعه للطريق أو قتله للناس وأخذ أموالهم، إلا أنا يعرفه بعينه، وقد استفاض عندنا واشتهر قطعه للطريق وما شهر به من القتل وأخذ المال والفساد، قال فإن الإمام يقتله بهذه الشهادة. وهذا أكثر من شاهدين على العيان. أرأيت زقوطاً (¬3) يحتاج إلى من يشهد أنه عاينه يقطع ويقتل؟ ¬
من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون: وما وجد بأيدي اللصوص والسراق من متاع الناس من بز ورقيق وحلي وغيره، فمن ادعاه ولا بينة له، قال مالك: يدفع إليه بعد الاستيناء وبعد أن يفشوا ذلك (¬1) ولا يطول جداً بعد أن يحلف مدعوه ويضمنه ذلك ولا يكلفهم حميلاً (¬2) هكذا في كتاب ابن سحنون. وقال في كتاب ابن المواز: ولا يكلف ضماناً، بعد أن قال يدفعه إليهم ويضمنهم إياه. قال أشهب في الكتابين: وذلك إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما تلصصوا عليه، فحينئذ يصدق مدعيه مع يمينه ويدفعه إليه ببينة (ويضمنه بعد الاستيناء والإنشاد وانتظار من يطلبه، فإن جاء رجلان يدعيانه) (¬3) ولا بينة لهما حلفا وكان بينهما، ومن نكل منهما دفع إلى من حلف. قال في كتاب ابن المواز: وإن نكلا لم يكن لواحد منهما فيه شيء. قال ابن المواز: وذلك أن اليمين هاهنا لابد منها للسلطان. وإذا دفع إلى أحد (بالصفة) (¬4) بعد أن أشهد عليه وضمنه ثم جاء آخر يدعيه لم تكن له بالصفة دخول معه، ولكن إن جاء ببينة أخذه من الأول، إلا أن يقيم الأول بينة (فيقضى بأعدلهما، وإن تكافأتا بقي للأول، ولو جاءا معاً كان بينهما بعد أيمانهما. ومن جاء منهما ببينة) (¬5) كان له. وإن أقاما بينة فتكافأت فها هنا يقسم بينهما بعد أيمانهما. ومن نكل منهما كان من حلف أحق به. ¬
قال في كتاب ابن سحنون قلت: فإن لم يأت له طالب فهو كاللقطة (¬1)، فإن جاء له طالب وإلا باعه الإمام وحبس ثمنه وكتب صفته عنده. وإن جاء له طالب فليسأله عن صفته ويكشف ذلك، فإن لم يأتوا بالصفة والنعت دفعه إليه وأخذ منه به كفيلاً، فإن جاء غيره بعد ذلك أخذ به الكفيل، ويجتهد الإمام في برهان ذلك. قال أشهب في كتاب ابن المواز: وهذا إن أقر اللصوص أنه ما قطعوا فيه الطريق، وإن قالوا بل هو من أموالنا كان له، وإن كان كثيراً لا يملكون مثله حتى يقيم مدعوه البينة. قال ابن المواز: وما لم يأت له طالب فهو كاللقطة كضوال الإبل وغيرها. قال: وإذا شهد عليهم من قطعوا عليهم الطريق وهم عبيد أو نصارى أو أحرار مسلمون غير عدول لم يقتلوا، ولكن إن استفاض ذلك من الذكر وكثرة القول أدبهم الإمام وحبسهم. آخر كتاب المحاربين ¬
كتاب المرتدين
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد خاتم النبيين كتاب المرتدين في استتابة المرتد وقتله وفي النصراني يسلم ثم يرتد ويعتذر من كتاب ابن سحنون، وأكثره في كتاب ابن المواز إلا قول عبد العزيز والحجة عليه، قال سحنون قال النبي صلى الله عليه وسلم من غير دينه فاقتلوه (¬1)، يعني بعد الاستتابة (¬2)، فإن تاب ترك. يدل على ذلك أن عبد الله بن سعد ارتد، فلما عاود الإسلام تركه، واستتاب نبهان أربع مرات وقبل منه. وقد فعله الصديق عام الردة. وقال عمر في مرتد قتل ألا استتبتموه ثلاثاً. وروى ابن حبيب مثله عن عثمان وعلي ابن أبي طالب. ومن كتاب ابن سحنون قال ابن أبي سلمة: حده القتل، ولا بد أن يقتل وإن تاب وذكره عن معاذ. قال سحنون: وهذا شاذ، ومعاذ إنما قال ذلك في المرتد الذي حبسه أبو موسى الأشعري أربعين يوماً يدعوه إلى الإسلام، وتلك استتابة متقدمة. وأما قول عبد العزيز حده القتل، كما أن من تاب عن الزنى لا يزيل عنه الحد توبة، فهذا يفترق لأن توبة الزاني لا تزيل عنه اسم الزنى ولا يحد قاذفه، وتوبة المرتد تزيل عنه اسم الكفر، ¬
وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء يكفيك من هذا. وقد أزال الله بالتوبة عن المحارب حد الحرابة. قال: ومن ولد على الفطرة أو لم يولد عليها ممن ارتد في الاستتابة سواء. وقاله مالك في كتاب ابن المواز، وقال: (والرجال) (¬1) والنساء والعبيد (والأحرار) (¬2) في ذلك سواء، ارتدوا إلى ملة أو زندقة. وقال ابن القاسم: ولا يحل لسيد العبد أن يكتم ذلك عليه ولا يلى هو قتله وليرفعه إلى الإمام. ومن العتبية (¬3) وكتاب ابن المواز عن مالك في المرتد يتوب أنه لا عقوبة عليه. قال سحنون: وكذلك الراجع عن شهادته قبل الحكم. ولو عوقب الشاهد لم يرجع غيره من شهد بباطل. قيل أن ينتظر ثلاثاً كما روي عن عمر. قال: يقال ثلاثاً وهو حسن لا يأتى من الاستظهار الأخير، وليس عليه جماعة الناس – يريد في إيقافه ثلاثاً. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية (¬4) عن الليث: إن الصديق استتاب أم قرفة وقد ارتدت ثلاثاً فلم تتب فقتلها. ومن كتاب ابن المواز قال محمد: وما علمت بين مالك وأصحابه اختلافاً أن من ارتد يستتاب. قال مالك: وما علمت في استتابة تجويعاً ولا تعطيشاً وأن يقات من الطعام بما لا يضره. ¬
قال ابن القاسم قال مالك في نصراني أسلم ثم ارتد عن قرب وقال إنما كان إسلامه عن ضيق عليه، فإن عرف أنه عن ضيق ناله أو مخافة أو شبه، فعسى أن يعذر (¬1)، وقال ابن القاسم وقال أشهب لا عذر له ويقتل وإن علم أن ذلك عن ضيق كما قال. وقال أصبغ: قول مالك أحب إلي إلا أن يقيم على الإسلام بعد ذهاب الخوف فهذا يقتل، وقاله ابن وهب وابن القاسم إذا كان عن ضيق أو عذاب أو ضرر أو خوف، قال أصبغ: وذلك إذا صح ذلك وكان زمان يشبه ذلك في جوره. وقال في كتاب ابن المواز في النصراني يصحب القوم في سفر فيظهر الإسلام ويتوضأ ويصلي، وربما قدموه، فلما أمن أخبرهم وقال: صنعت ذلك تحصناً بالإسلام ليلاً يوخذ ما معي أو تؤخذ ثيابي ونحو ذلك، فذلك له إن أشبه ما قال، ويعيدون ما صلوا خلفه في الوقت وبعده. ومن العتبية (¬2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مالك مثله. وقال سحنون: إن كان في موضع يخاف على نفسه فدارى عن نفسه وماله فلا شيء عليه. ويعيد القوم صلاتهم، وإن كان في موضع هو فيه آمن فليعرض عليه الإسلام، فإن أسلم لم يكن على القوم إعادة، وإن لم يسلم قتل وأعادوا. قال يحيى ابن يحيى وقال ابن وهب في راهب قيل له أنت عربي قد عرفت فضل الإسلام فما منعك منه؟ فقال: كنت مسلماً زماناً ولم أر ديناً خيراً من النصرانية (¬3) فرجعت إليها، فرفع إلى الإمام فقال: كنت كاذباً فيما قلت ولا بينة عليه (غير إقراره الذي رجع عنه، قال: لا قتل عليه ولا عقوبة، ولا يستتاب إلا من شهد عليه أنه) (¬4) رئي يصلي ولو ركعة. ¬
وقال ابن القاسم عن مالك: لا يقتل على الردة إلا من ثبت عليه أنه كان على الإسلام يعرف ذلك منه طائعاً (يصلي مقراً بالإسلام) (¬1) من غير أن يدخل فيه هرباً من ضيق عذاب أو حمل من الجزية ما لا يطيق فيتأذى بمثل هذا، فإنه يقال وإن أسلم إذا عرف ذلك من عذره. قال أصبغ عن ابن وهب مثله، وقال أشهب: يقتل وإن شهد له أنه كان عن ضيق، وخالفه ابن القاسم وابن وهب، وأفتى به إسحاق بن سليمان ونزلت عندنا بمصر. قال بن حبيب قال أصبغ فيمن أسلم طائعاً ثم ارتد بعد طول مكث أو بقرب، صلى وصام أو لم يفعل، ثم رجع في موقفه، فيسلك به مسلك من ولد على الفطرة والإستتابة بثلاثة أيام يخوف فيها بالقتل ويذكر الإسلام ويعرض عليه، فأما من دخل فيه عن ضيق خراج (أو جزية) (¬2) أو مخافة بأمر بين فلا يقتل، ويومر بالجوع ويحبس ويضرب، فإن رجع وإلا ترك بلا قتل، وقاله ابن القاسم وابن وهب، وأنكر ذلك ابن حبيب وقال: سواء عن ضيق أو غيره، ويقتل إن رجع. وكذلك قال لي مطرف وابن الماجشون عن مالك. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في النصراني يسلم ويصلي ثم يقول: أسلمت مخافة الجزية أو أن أظلم فيقبل منه وليس كالمرتد. قال فيه وفي العتبية (عن عيسى) (¬3) عن ابن القاسم قال: ولو اشترى مسلمة فلما أخذت معه قال: أنا مسلم ثم علم به أو اعترف أنه قال ذلك ¬
في سبي المرتدين والقول في ولد المرتد قبل الردة وبعدها
لنكاحها، قال: لا يلزمه (إلا) (¬1) الأدب. قيل أيبلغ به سبعين سوطاً؟ قال: الأدب في هذا أهون من ذلك. في سبي المرتدين والقول في ولد المرتد قبل الردة وبعدها وردة الصغير وإسلامه والحكم في ولد من أسلم من كتاب ابن سحنون: وإذا ارتد أهل مدينة (وغلبوا على أهلها) (¬2) وارتد نساؤهم وفيها مسلمون آمنون ثم ظفرنا بهم، فإنه يستتاب الرجال والنساء، فإن لم يتوبوا قتلوا، ولا يحل سبيهم ولا استرقاقهم. وقال سحنون: يستتاب من بلغ من أولادهم ويكره صغارهم على الإسلام. وفي قوله الآخر: إن من بلغ من أولادهم فإن السباء يأخذه. قال ابن سحنون قال أهل العراق: ولا تقتل امرأة إذا ارتدت وتسجن وتكره على الإسلام، ويروونه عن ابن عباس والحسن، وقال الحسن: إن أسلمت (¬3) كانت أمة للمسلمين مثل المرأة تسبى (¬4). ¬
قال سحنون: والمرتد إذا لحق بأرض الحرب وحارب ثم ظفرنا به إنه يستتاب وليس كالمحارب المسلم يظفر به قبل التوبة. ألا ترى أن أهل الردة قبل منهم حين تابوا ولم تكن محاربتهم تزيل عنهم حكم المرتد إذا تاب أن تقبل توبته. وقال أهل العراق: وإن أسلمت لم تسترق كالرجل يرتد ثم يتوب (¬1). قال سحنون: قول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه (¬2) عام، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام في امرأة ارتدت الاستتابة. واستتاب أبوبكر أم فرقد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء في دار الحرب (¬3) لأنهن لا شوكة لهن. ألا ترى لو قاتلت لقتلت (¬4). وقد ساوى الله – عز وجل – في حد الزنى في الإحصان بين الرجل والمرأة في القتل، وكذلك في الكفر الذي هو أعظم. وقول من قال إن (قول) (¬5) النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه، إنما هو فيمن حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيه لو كان كافراً أو حربياً يلزمه أن يقول في الأعمى والمقعد يرتدان لا يقتل لأنه لو كان كافراً لم يقتل، فهذا غير مقول. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم في المرتدة لها ولد (¬6) صغير فليسترضع له من بيت المال ثم تقتل إن لم تتب، قيل: فإن لم يقبل ¬
الولد غيرها وخيف على الولد الموت استؤني بها؟ قال: نعم ذلك حسن إذا خيف عليه. ومن كتاب ابن سحنون (¬1) فيمن ارتد (ولحق دار الحرب فتنصر وتزوج فولد له أولاد ثم استتبناه وولده فتاب هو وولده، وأبى ولد) (¬2) ولده الإسلام. قال سبيل ولده وولد ولده سبيله لا يسلط عليهم السبي، ويقتل من لم يتب من الكبار، ويكره الصغار على الإسلام، كانوا ولده أو ولد ولده، وإن صاروا في سهمان أحد أخذوا منه ولم يسترقوا ولا يتبعهم بشيء. ثم رجع فقال: أما من بلغ من الولد فإن السباء يأخذه وكذلك ولد ولده. ومن كتاب الحاوي قال مالك: ولا يكون أحد من المرتدين بارتداده ولا أحد من ذريته (¬3) لحق بدار الحرب ولم يلحق بها. ومن العتبية من سماع سحنون عن ابن القاسم في حصن (¬4) فيه مسلمون ارتدوا عن الإسلام فإنهم يقاتلون ويقتلون، ولا تسبى ذراريهم، وأموالهم فيء للمسلمين. وذكر سحنون في كتاب ابنه عن ابن القاسم فيمن ارتد ولحق بدار الحرب بأهله وولده وارتد أهله هناك، قال: أما ولد الذين حدثوا بعد الردة فهم فيء، وكذلك ولده الصغار. وقال: في زوجته إنها فيء ثم رجع في الزوجة وقال: لا تكون فيئاً. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في أمة مسلمة عتقت فلحقت بأرض الروم فتنصرت ثم سبيت، فإنها تستتاب. وإذا اشتراها مسلم فإن تابت كانت حرة، وإن أبت قتلت. ¬
ولو أن حرة ذات زوج ارتدت ولحقت بأرض الحرب أو تزوجت وولد لها أولاد ثم سبيت معهم فإنها تستتاب، فإن تابت تركت، وأولادها الصغار والكبار تبع لأبيهم في الدين، وليست كالمأسورة المسلمة، ولا يكون زوج التي تابت من الردة أحق بها، وله نكاحها بعد ثلاث حيض، لأن بردتها بانت منه. وقال قال ربيعة في أهل قرية أسلموا ونساؤهم وذراريهم ثم ارتدوا هم والذراري، فقاتلناهم ثم ظفرنا بهم فليقتل الرجال والنساء ومن بلغ من الذرية. وأما الذرية فمن كان لهم منهم قبل أن يسلموا فأسلموا عليهم فهم سبي، وجعل خروج الآباء من الإسلام خروجاً لمن كان معهم من الذرية والنساء، كما أنهم الذين أدخلوهم بالصلح عليهم. وأما من ولد لهم من الذرية بعد إسلامهم فأحرار مجبرون على الإسلام، ولا يسبون ولا يسترقون. قال عبد الملك: وإذا ارتد أهل قرية من قرى الإسلام ثم ظفرنا بهم فإنهم لا يسبون ولا يستحل نساؤهم ولا ذراريهم، وإن كانوا أهل ذمة فذراريهم وأموالهم فيء وهم تبع لرجالهم، لأن نقض رجالهم العهد يدخل فيه نساؤهم وصغارهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة وغيرها. وقال أصبغ عن أشهب في مسلم ارتد بدار الحرب وله أولاد صغار بدار الحرب ثم غنماه (هو وأولاده) (¬1). فأما هو فإن لم يتب قتل، وأما أولاده فهم مسلمون، لأنهم ولدوا في الإسلام. ¬
قال أبو زيد قال ابن القاسم وابن كنانة في ولد المرتد الصغار إذا غفل عنهم حتى كبروا (¬1) ولم يسلموا فلا يكرهون على الإسلام، وليتركوا على دينهم. قال محمد: هذا في التي حملت أمه قبل أن يرتد ثم ارتد، فهذا الولد يجبر على الإسلام ما لم يحتلم، فإذا احتلم ترك عند ابن القاسم، وقال أشهب: يجبرون بالضرب. قال ابن القاسم في العتبية (¬2) فيمن ارتد وله ولد صغار فأبوا أن يسلموا وقد كبروا، فليجبروا بالضرب ولا يبلغ بهم القتل. وأما من ولد في حال ردته فإن أدركوا قبل الحلم جبروا على الإسلام، وإن بلغوا على ذلك ولا يكونون كمن ارتد. قال ابن كنانة في ولد المرتد إذا قتل إنه يعقل عنه المسلمون، ويصلون عليه إذا مات. وإن تنصر وعلم بأمره استتيب فإن تاب وإلا قتل. وإن غفل عنه حتى يشيخ ويتزوج لم يستتب ولم يقتل (¬3). ابن المواز قال ابن القاسم: في (ابن) (¬4) مسلم ولد على الفطرة ثم ارتد وقد عقل الإسلام ولم يحتلم، قال يجبر على الإسلام بالضرب والعذاب، فإن احتلم على ذلك ولم يرجع قتل، بخلاف الذي يسلم ثم يرتد وقد عقل ثم يحتلم على ذلك، وفرق بينهما، وليس بمنزلة ولد المرتدة، وجعلهم أشهب سواء، وقال فيمن ولد على الفطرة ثم ارتد بعد أن عقل وقارب الحلم ثم احتلم على ذلك إنه يرد إلى الإسلام بالسوط والسجن، وقاله ابن عبد الحكم، وقال ابن القاسم يقتل. ¬
قال ابن القاسم فيمن طلق امرأته النصرانية ولها منه ولد صغير فتركه معها وغفل عنه حتى احتلم على النصرانية، قال إن لم يرجع إلى الإسلام لم أر أن يقتل، ويترك. قال مالك: ومن أسلم من النصراني وله ولد صغير فأقرهم على النصرانية حتى كبروا فلا يجبرهم الإمام (على الإسلام) (¬1). قال ابن القاسم وأشهب: يجبرون على الإسلام. قال ابن عبد الحكم: ولو كان إسلامه والابن ابن اثنتي عشرة سنة وقد عقل دينه فلا يعرض له. ولو مات أبوهم في تلك الحال وقف ميراثه إلى بلوغ الابن، فإن ثبتوا على النصرانية لم يرثوه، وإن رجعوا إلى الإسلام ورثوه. قال: ولو رجعوا إلى الإسلام قبل الحكم أعطيتهم الميراث، ولو كان الولد في إسلام أبيه ابن ست سنين ونحوها كانوا مسلمين بإسلامه، كان مجوسياً أو نصرانياً. ومن أسلم ثم ارتد وهوابن اثنتي عشرة سنة، قال مالك: يجبر على الإسلام بالضرب والتهديد وإن بلغ. قال ابن القاسم: بخلاف من ولد على الفطرة فيرتد قبل أن يحتلم ثم يحتلم، هذا يقتل. ولو أسلم نصراني قبل الحلم ثم بلغ مسلماً وقارب عشرين سنة ثم ارتد فهذا يقتل إن لم يتب. ومن كتاب ابن عبدوس قال سحنون فيمن أسلم وولده مراهق لم يحتلم ثم مات الأب فإن ميراثه يوقف إلى بلوغهم، فإن أسلموا ورثوه، وإن أبوا تركوا ولم يرثوه. قال ابن القاسم: ولا يقبل منهم قبل البلوغ إن قالوا إنا لا نسلم ولو احتلمنا. (ولو قالوا) (¬2) إنا نسلم الآن لم يعطوا بذلك الميراث إلى البلوغ. ¬
(قال ابن القاسم في الغلام يرتد قبل البلوغ وهو يكره على الرجوع إلى الإسلام، ثم مات قلا يصلى عليه ولا توكل ذبيحته. وقال سحنون: إذا ارتد قبل البلوغ) (¬1) وهويكره على الرجوع إلى الإسلام قبل البلوغ، فإن ميراثه لورثته المسلمين. وينبغي لهذا أن يصلى عليه، فكيف يورث بالإسلام من لا يصلى عليه؟ ولو كانت له زوجة وارتد حينئذ ابتغاء ألا تكون ردته فرفة. ومن رأى أنه لا يصلى عليه فهي عنده فرقة، وقد تكون الفرقة بردة الزوجة وليس بيدها طلاق. قال سحنون: ومن أسلم قبل البلوغ ثم عقل الإسلام ثم ارتد ثم مات قبل البلوغ وهو يكره على الإسلام (فميراثه لأهله. قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: وهذا لو لم يمت لم يقتل وإنما يكره على الإسلام) (¬2) بالضرب ولا يقتل لأن إسلامه كان ضعيفاً. قال سحنون ومالك: يكرهه بالضرب وإن بلغ، والمغيرة يقتله إن تمادى بعد البلوغ. وأما من ارتد من أولاد المسلمين فليؤدب فإن تمادى حتى بلغ فأصحابنا مجتمعون على أن يقتل (¬3) إذا بلغ وتمادى. وقال ابن القاسم: وأكثر المدنيين فيمن أسلم وله ولد صغير ابن خمس أو ست سنين لم يعقلوا، إنهم مسلمون بإسلامه ويرثونه، وأنكر سحنون رواية ابن القاسم عن مالك أن أباهم إذا أقرهم حتى بلغوا اثنتي عشرة سنة فأبوا أن يسلموا أنهم لا يجبرون. ¬
وقال بعض الرواة (¬1): يجبرون، وهو أكثر من مذاهب المدنيين. قال (ابن القاسم) (¬2): وإسلام الأب (إسلام) (¬3) للصغير والصغيرة من ولده، ويوجب ذلك فسخ نكاح الصبية، ويفسخ نكاح الصبي إن لم تسلم زوجته. ولو كانا مراهقين في إسلام الأب تركا حتى يبلغا ولم يجبرا. ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة: وإذا أسلم غلام مراهق يعقل الإسلام ثم مات فلا يرثه أبواه الكافران، وقد أجاز عمر وصية غلام يفاع. ولو مات أبوه وقف ميراثه، فإن رجع الغلام إلى دين أبيه قبل الحلم ورثه، وإن لم يرجع لم يرثه. ومن العتبية (¬4) قال محمد بن خالد قال ابن القاسم: لا يجبر الصبي (المسبي) (¬5) على الإسلام إذا كان قد عقل دينه، وأراه ذكره عن مالك. قال مالك فيمن تزوج نصرانية فأولدها (¬6) أولاداً، فلما بلغوا قالوا: لا نسلم، قال: يجبرون على الإسلام كرهاً ولا يبلغ القتل. ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتد وحارب وغصب فيوقف ماله، فإن قتل فهو فيء، وإن تاب رجع إليه. وكذلك الأسير يرتد، فإن ظفرنا به فقتل فماله فيء ويجبر ولده على الإسلام صغاراً أو كباراً. وروي عن مالك إن كبروا لم يجبروا. ومن كتاب ابن المواز: أخبرني أبو زيد عن ابن القاسم في أسير بديار الحرب اتخذ هنالك أمة (¬7) فحملت منه ثم ارتد ومات وغنمها (¬8) المسلمون ¬
فهي وولدها أحرار، وماله فيء. وإن حملت منه وهو مرتد كانت ومالها وولدها فيئاً. قال محمد: وإن لم يأخذها المسلمون حتى كبر ولدها الذين حملت بهم قبل الردة على الكفر، لم يجبروا على الإسلام – يريد إن بلغوا – وهم فيء وصغارهم أحرار مع أمهم. قال: وولد المسلمة (¬1) الحرة أو الذمية (تنسى) (¬2) فتلد عندهم، (فمن احتلم من ولدها وقاتل فهو فيء) (¬3) وصغارهم (معها) (¬4) أحرار. ولو كانت أمة لمسلم فولدها رقيق لمالكها. قال أصبغ في الأسير يتزوج في أرض الحرب ثم غنمنا أهله (¬5) وولده، فزوجته وولده البالغ فيء، والصغار أحرار وماله له ما لم يقع في المغانم (¬6). قال مالك: وإذا أسلم حربي عندنا ثم غزا معنا فإن أهله وولده فيء. وقال أشهب في علجة أبقت من سيدها المسلم ثم أصابها بعد سنين معها أولاد فادعى أنهم منه فإنه يصدق ويلحقون به إن كانوا من بطن واحد، وإلا لم يلحق به (إلا) (¬7) الأول. قال ابن حبيب في كتاب له أفرده في السيرة في الملحدين وكتب إليه يسأل عن قوم من البربر بالمغرب يقال لهم الصالحية (¬8) أتاهم رجل فادعى النبوة وتسمى لهم صالحاً، وقال لهم إن محمدا إنما أرسل إلى العرب، وأمرهم بإفطار رمضان وأن يصوموا رجبا وغير ذلك مما شرع لهم ¬
القول في مال المرتد وأفعاله فيه
فصدقوه (¬1) وارتدوا وأقاموا على ذلك وتناسلوا وقاتلهم المسلمون غير مرة. فكتب (إليهم) (¬2) ابن حبيب: إنهم إذا سبوا وظفر بهم أو بطائفة منهم إنهم وذراريهم لهم حكم المرتد يستتاب الأكابر منهم فإن تابوا وإلا قتلوا. وكذلك من بلغ من ذراريهم، يسترقون ولا يحل استرقاقهم بالسبي. وكل ما ولد للمرتد بعد ردته فله حكم المرتد، ولا يسترق من تناسل منهم، ويجبر الصغير على الإسلام ويستتاب من بلغ، فإن لم يتب قتل. وذكر أن كذلك ذكر له كل من كاشفه عن ذلك من أصحاب مالك. القول في مال المرتد وأفعاله فيه وذكر نكاحه وميراثه وشيء من التداعي في ذلك من كتاب ابن المواز قال مالك: إذا قتل المرتد على ردته (في الدين) (¬3) لا يرثه وارثه من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه. قال ابن القاسم: يوقف الإمام ماله قبل يقتل ويطعمه منه. ولو باع واشترى بعد حجز السلطان عليه فإن قتل لم يلحق دينه هذا في هذا المال، ودينه في كل ما أفاد من حين حجز عليه بهبة أو غيرها، وكل ما باع أو تحمل أو تجر أو اشترى أو تصدق عليه فدينه فيه حتى يوقفه السلطان، فإذا أوقفه للقتل لم يلحقه دين إن قتل، وإن رجع كان ما دوين به في ماله – يريد في ذمته -. ¬
ولو ارتد ولم يعلم بردته فأقام سنين يبيع ويشتري فذلك جائز عليه ولازم له، وإنما يكون ما قلنا أولاً إذا علم بردته فرجع وحبس للقتل، وكذلك في كتاب ابن حبيب عن أصبغ في كل ما ذكرنا. قال ابن سحنون قلت له: قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا تزوج وبنى فلا صداق لها (¬1) قال أصبغ: وذلك إن تزوج بعد الحجر عليه وإيقاف ماله، مثل البيع والشراء. قال سحنون: ما أعرف فيه الحجر، ردته حجر، ويصير بالردة ممنوعاً من ماله، إلا أن يبايعه أحد في ذمته، وكذلك يجوز (أن يزوجوه في ذمته، ينكح من نساء الدين الذي ارتد إليه من يهودية أو نصرانية، وكذلك يجوز) (¬2) مبايعة المفلس فس ذمته وكذلك نكاحه. وإذا باع المرتد شيئاً نظر فيه الإمام، فإن رأى غبطة أمضاه، وإن رأى فيه محاباة أوقفه، فإن تاب كان عليه، وإن قتل أبطله. وكذلك إن تزوج وبنى، فإن قتل فلا شيء لها، وإن تاب فلها الصداق. ومن كتاب ابن المواز: وما باع المرتد أو اشترى أو أقر به قبل حجر السلطان لازم له خلا نكاحه، وما أقر به (أو بايع) (¬3) بعد الحجر لم يدخل في ماله إلا أن يتوب. ومن ارتد ظاهراً ولم يسر كفره ثم قتل أو مات موته (كذا) فلا يرثه وارثه لا مسلم ولا كافر من الملة التي ارتد إليها ولا من غيرهم، وماله فيء لبيت المال، ويبطل ما كان أوصى به (¬4) وهو مسلم إلا ما ليس له فيه رجوع، من مدبر دبره في إسلامه فهو نافذ في ثلث ما ترك يوم قتل أو ما ¬
خرج من معتقه إلى أجل، وأمهات أولاده، فذلك تام نافذ، وديونه التي (كانت) (¬1) لزمته (في إسلامه) (¬2) فهي في ماله، وهذا يلزمه كله إلا وصاياه (¬3). وما كان من هذا بعد ردته فباطل إن مات أو قتل (فيبطل) (¬4) تدبيره ويسترق ما استولد في الإماء أو أعتق إلى أجل أو ادان بإقراره وإن كان ذلك قبل يحجر عليه. هذا مذهب أشهب. وأما ابن القاسم فتلزمه عنهد ديونه التي ادان قبل الحجر وينفذ فيه إقراره. وأما إن رجع إلى الإسلام فيلزمه ذلك كله ويرجع إليه ماله (إلا) (¬5)، أمهات أولاده فاختلف فيهن، فقال ابن القاسم: يرجعن كما كن يطؤهن، ولهن حكم أمهات الأولاد. وقال أشهب: قد عتقن بالردة (¬6) فلا يرجعن إليه. وأما امرأته فلا تحل له إلا بنكاح لم يختلف فيها. وأما ما أحدث بعد الحجر من بيع أو شراء أو عتق وغيره فباطل، قتل أو رجع إلى الإسلام وأخذ ماله. قال محمد ابن المواز: وأحب ما سمعت إلي أنه يلزمه ذلك كله إذا رجع إلى إسلامه، وكذلك قال ابن حبيب عن أصبغ في ذلك وفي كل ما ذكر ابن المواز، إلا أمهات أولاده فإنه قال مثل قول أشهب: إنه إن تاب يحرمن عليه كالزوجة، كما أن السفيه إن أعتقها جاز عتقه إذا لم يكن فيها غير الوطء الذي حرم بالعتق وحرم في المرتد بالردة. ¬
قال في كتاب ابن المواز: وإذا تزوج بعد الردة وقبل الحجر ثم قتل، فإن كان بنى بها فلها صداقها في ماله إن كان لا يجاوز صداق مثلها. وكذلك لو خرج، وأما إن لم يبن بها فلا شيء لها، ولا يلحقه ما داين به الناس في ردته. وأما بيعه وشراؤه بغير محاباة فلاحق بماله، وما تصدق به قبل الحجر فيبطل إن قتل، وإن تاب لزمه. وما فعل في الحجر من بيع أو (شراء) (¬1) أو صدقة أو غيرها لم يلزمه وإن تاب. وروى أصبغ عن ابن القاسم أن ما ادان قبل الحجر يلزمه، وما ادان بعد الحجر فهدر إن مات أو قتل، ولازم إن تاب. قال محمد: وهذا أصح ما سمعت فيه، وذكر ابن حبيب مثله. قال ابن القاسم: ولا ينفقون ماله على ولده ولا على عياله، وينفق عليه منه في الثلاثة الأيام التي يستتاب فيها، فإن قتل كان لبيت المال. وكل ما كان منه قبل ردته من تدبير وعتق إلى أجل وأم ولد فأحرار إن مات أو قتل. فالمدبر من الثلث، والمؤجل يعتق إلى أجله (¬2)، وخدمته في الأجل للمسلمين. قال ابن المواز: وأما ولاء من أعتق من هؤلاء فلولده المسلمين عند ابن القاسم، فإن لم يكن له ولد مسلمون – يريد أو عصبة مسلمون – فلجماعة (المسلمين) (¬3). وقال أشهب: ولاؤهم للمسلمين دون مسلمي ولده. وقول ابن القاسم أحب إلينا، لأنه عقد كان منه في إسلامه. قال مالك في الأسير يتنصر طائعاً إن زوجته تبين منه، ولها في ماله باقي صداقها. وكذلك ما عليه من دين قديم للناس، وإن أكره فهي في عصمته، وإن شك في أمره فرق بينهما، وماله موقوف في هذين الوجهين. ¬
قال ابن القاسم: إذا ارتد وقعت الفرقة بينه وبين نسائه وإن كن كتابيات، وكذلك لو تزوجها في ردته لم يجز ذلك وإن أسلم. قال ابن حبيب قال أصبغ في نساء المرتد اليهوديات والنصرانيات لا يحال بينه وبينهن، ولا يحرمن عليه إن عاود الإسلام، لأنه الله سبحانه قال في النساء (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) (¬1). وقال في الرجال: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (¬2) ففرق بين ذلك. ومن العتبية قال ابن القاسم في المرتد إذا أعتق عبيداً ثم تاب، ولاؤهم للمسلمين، لأنه أعتقهم في وقت لا يثبت له ولاء ما أعتق. وكذلك ولاء ما كاتب من عبد فأدى كتابه، ويتم تدبير من دبر إذا تاب. وأما إن قتل لم يجز تدبيره. قال: وما وقع له من منفعة فليس له أن يأخذها. ومن طلق امرأته في مرضه (ثم ارتدت) (¬3) ثم رجعت إلى الإسلام ثم مات هو فإنها لا ترثه، وكذلك لو طلقها طلقة ثم ارتد في عدتها ثم عاود الإسلام في عدتها لم تكن له رجعة، وردته طلقة بائنة. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا ارتد (مريض) (¬4) قتل في مرضه ولا ينتظر موته، ولا يرثه ورثته، إلا أن يتوب فيرثه ورثته المسلمون إلا امرأته. وكذلك في ردة (المرأة) (¬5) المريضة وإن ماتت لم يرثها زوجها. ولو طلق مريض زوجته ثلاثاً ثم ارتدت ثم تابت ثم مات هو من مرضه فإنها لا ترثه، وكذلك في ردته هو في مرضه ثم تاب ثم مات فلا ترثه. وإذا قتل العبد على ردة أو على زندقة فميراثه لسيده، ولا يكتم ذلك عليه سيده وليرفعه ولا يتبعه. وكذلك أم الولد ومن فيه بقية رق. ¬
وإذا مات للمرتد ولد مسلم أو على الدين الذي ارتد إليه، فقال ابن القاسم: لا يرثه وإن مات بعد ذلك، ويرثه سواه من ورثته. وقال أشهب: إن رجع إلى الإسلام ورثه – يريد إن كان الولد مسلماً – وخالفه ابن المواز. ومن كتاب ابن سحنون: قال أهل العراق إذا قتل المرتد على الردة دفع ميراثه إلى ورثته المسلمين، وذكروا ذلك عن علي والحسن وابن المسيب. وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (¬1)، ولا يتوارث أهل ملتين (¬2) وأن علياً لم يرث أبا طالب وإنما ورثه عقيل. وأما حجتهم بابن المسيب فقد روى عنه أهل الحجاز وأهل العراق أنه قال: نرث المشركين ولا يرثونا، وهذا خلاف. ثم ناقضوا وقالوا: إن مات له ولد في حال الردة لم يرث منه هو، ولا فرق بين ذلك. فإن قيل: كما ورثتم المطلقة في المرض من زوجها ولا يرثها (هو.) (¬3) قلت مفترق، لأن المعنى الذي به منع المرتد من ميراث ابنه هي (¬4) الردة التي بها منعنا ابنه أن يرث (¬5) منه، وورثنا الزوجة من الزوج إذ منعها من ذلك فراراً من كتاب الله، ولم تفر المرأة عن ميراثه. ولم يختلف العلماء أن وصيته في ماله (باطلة) (¬6) فلو كان له مال يورث نفذت فيه وصاياه (¬7) وأبطل أهل البصرة أيضاً إقراره وجناياته الخطأ عن ماله (وقال النعمان: ما ¬
كسب في ردته فهو فيء ولا يورث. وفي هذا دليل على ما خالفنا فيه من سائر ماله) (¬1). وقالوا: إن لحق مرتد بأرض الحرب قسم ماله بين ورثته، وأنفذ عتق أم ولده ومدبره، فإن جاء تائباً أخذ ما وجد من الميراث، ونفذ ما ذكرنا من عتق إلا أن يكون الإمام لم ينفذه. (قال سحنون:) (¬2) ليس هذا بشيء، إن وجب له حكم الموت بلحاقه بأرض الحرب فلا يبطله مجيئه، وإن لم يوجب حكم الموت فلا يورث. وكذلك في أم الولد والمدبر. وإذا أبطلتم التوريث فأبطلوا العتق، ولا فرق بين ذلك، وهذا أولى أن ينكروه على أنفسهم مما أنكروا علينا من مال امرأة المفقود الذي حكم به عمر وعثمان وعلي بدار المهاجرين والأنصار للضرر، وهم قد حكموا لرجل (حي) (¬3) ببلد الحرب بحكم الموتى، ثم نقضوا ذلك. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم الكافر. ومن كتاب ابن المواز) (¬4) وإذا قام شاهد عليه أنه ارتد في رمضان، وشاهد بالردة في ذي القعدة، وقد مات له ميت مسلم ممن يرثه في شوال لكان له ميراثه، إلا أن يقر هو أنه ارتد في رمضان، لأن الردة إنما ثبتت عليه في ذي القعدة بالشاهدين. وجرى في باب سبي المرتد في ردته وإسلامه شيء من معنى الميراث. وقال محمد بن عبد الحكم: وإن شهد شاهد أن ردته في رمضان، وشاهد بردته في ذي القعدة، وشاهدان أنه تزوج في شوال فالنكاح ثابت، إذ لم تثبت الردة إلا في ذي القعدة. وكذلك لو غنمت الغنيمة في شهر، وشهد شاهد أنه ارتد في شهر قبلها، وشاهد بالردة في شهر بعدها فإن له قسمة منها. ¬
في جنابة المرتد والجناية عليه
قال ابن المواز: وإن مات مرتد أو مسلم أو على الدين الذي ارتد عليه فقال ابن القاسم: يرثه غير الأب، ولا يرثه الأب وإن رجع إلى الإسلام، وقال أشهب: إن رجع إلى الإسلام ورثه. وقال محمد: لا يرثه (¬1). في جناية المرتد والجناية عليه من الجراح والقتل والقذف والحدود من كتاب ابن المواز قلت: أرأيت المرتد إذا قتل مسلماً أو ذمياً عمداً أو خطأ؟ قال: لم أجد لمالك فيه ما يتضح لي، واضطرب فيه أصحابه، فجعله ابن القاسم مرة كالمسلم إن رجع، ومرة كالنصراني، ثم قال: أحب إلي إذا رجع أن يكون كأنه فعل ذلك وهو مسلم. وكذلك فيما جرح أو جنى على غير (كذا) أو سرق أو قذف فليقم عليه إن تاب ما يقام على المسلم إذا فعله، وتحمل عاقلته من الخطأ الثلث فأكثر، ويقتص منه للحر في جراح العمد، ويحد في قذفه، ويقطع إن سرق. وأما إن لم يتب فليقتل ولا يقام عليه من ذلك إلا الفرية. ولو قتل حراً عمداً في ردته وهرب إلى بلد الحرب لم يكن لولاة المقتول (¬2) من ماله شيء، ولا ينفق على ولده وعياله منه ويوقف، فإن مات فهو فيء، وإن تاب ثم مات كان لورثته. وإن كان القتيل عبداً أو ذمياً أخذ ذلك من ماله، وأشهب يرى لولاة المقتول المسلم (¬3) أخذ الدية من ماله، إن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا صبروا حتى يقتلوه. ¬
وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه إن قتل مسلماً خطأ فديته في بيت المال لأن ميراثه للمسلمين. قال: ولو قتل نصرانياً أو جرحه اقتص منه في القتل والجرح، فإن جرح مسلماً لم يقتص منه، وإن قتله قتل به. قال محمد: والذي آخذ به إن قتل مسلماً عمداً لم أعجل (عليه) (¬1) بالقصاص حتى أستتيبه، فإن لم يتب وقتل سقط عنه ذلك إلا الفرية، وإن تاب اقتص منه. وإن قتل عبداً أو نصرانياً عمداً فذلك في ماله، قتل أو تاب. قال ابن القاسم في المرتد يقتله رجل عمداً إن ديته في ماله دية أهل الدين المرتد إليه (¬2). وقال سحنون في العتبية (¬3) وكتاب ابنه أنه لا قصاص ولا دية على عاقلة إلا الأدب فيما افتات على الإمام، وقاله أشهب. (قال ابن القاسم في العتبية) (¬4) وقد كان ابن أبي سلمة يرى أنه يقتل ولا يستتاب. وقال أشهب في كتاب ابن سحنون: وإذا قتله رجلان فلا قصاص عليهما ولا دية، ولو قطع يده ثم عاد إلى الإسلام فدية يده له دية الدين الذي ارتد إليه من مجوسي أو كتابي. قال ابن القاسم في العتبية (¬5) من رواية يحيى بن يحيى: والمرتد إذا جرحه رجل عمداً أو خطأ فعقل جراحاته للمسلمين إن قتل، وله إن تاب. وعمد من جرحه كالخطأ لا يقاد منه. ولو جرحه عبد أو نصراني فلا قود له، لأنه ليس على دين يقر عليه، وفيه العقل. ¬
ومن كتاب ابن سحنون: وإن قطعت يده خطأ ثم رجع إلى الاسلام فدية يده له من دية أهل الدين الذي ارتد إليه. وقال أشهب في المرتد يقتل رجلاً خطأ إن ديته على أهل الدين الذي ارتد إليه. ولو جنى معاهد على آخر خطأ كانت الدية في ماله بخلاف الأول. وقال ابن حبيب قال أصبغ: وإذا قتل المرتد في ارتداده أو جرح أحداً عبدا أو حراً مسلماً أو نصرانياً، أو افترى أو شرب خمراً، فإنه إن قتل فالقتل يأتي على ذلك كله إلا الفرية فإنه يحد للمقذوف (¬1) ثم يقتل. وقتله الخطأ وجراحاته الخطأ ففي بيت المال إن قتل على ردته، وإن رجع إلى الإسلام سقط عنه ما كان من حد الله، وأخذ بالسرقة والفرية. وإن قتل عمداً، ويقتص منه في الجراح العمد، وتحمل عاقلته الخطأ في النفس. ولو جرح عبداً أو نصرانياً أو قتله لم يقتص منه في عمده وغرم ديته (¬2) أو ثمنه في ماله. وما أصاب قبل ردته من قتل خطأ أو جرح خطأ فعلى عاقلته، كان قد حكم فيه على عاقلته قبل الردة أو لم يحكم، كما لو مات. وأما لو رجع إلى الإسلام (¬3) فذلك الذي لا شك فيه في قول ابن القاسم أنه على عاقلته. وما أصيب به في ردته من جرح عمد أو خطأ ثم تاب فليقتص له في العمد من المسلم، وإن كان نصرانياً أو عبداً لم يقتص له منه، وذلك في رقبة العبد وفي مال النصراني. ¬
وإن كان الفاعل مرتدا ثم تاب اقتص منه، فإن تاب المفعول به ولم يتب الفاعل فالقتل يأتي على ذلك في العمد، وإن كان خطأ فالعقل على المسلمين. وإن رجع الفاعل وحده فعقل المفعول به في مال الفاعل في العمد، وعلى عاقلته في الخطأ، لأن ما أصيب به المرتد فعقله لمسلمين، كمن سجن في قتل فجنى عليه جان (¬1) فله منه القصاص. قال أصبغ: وليس على (¬2) من قتل المرتد من مسلم أو ذمي قتل، قد قتله عمداً أو خطأ، ولا قصاص في عمده للشبهة ولا يطل دمه، وأرى أن يؤدب في العمد والخطأ، قتله مسلم أو نصراني، وديته للمسلمين. ولو جرحه مسلم أو نصراني قبل ردته فلا قود فيه وفيه العقل. ولو رجع إلى الإسلام اقتص له من المسلم، ولا قصاص له من النصراني. ومن قذف مرتداً فلا حد عليه، قتل أو رجع إلى الإسلام، كان القاذف مسلماً أو نصرانياً. وكذلك إن قذف قبل ارتداده فلا حد له وإن راجع الإسلام، كمن قذف رجلاً ثم زنى المقذوف قبل الحد. ولو قذف (بأمه) (¬3) فإنما الحد لأمه إن كانت مسلمة، يقوم لها به من قام من مسلم أو كافر من يعده قذفها. (ولو) (¬4) لم يقم به لها أحد (آخر) (¬5) حتى قتل المرتد ولم يقم هو بذلك ولا ذكره فذلك باطل. ولو كانت الأم أمة أو نصرانية فسواء قذف (بذلك) (¬6) في ردته أو قبل ردته، رجع إلى الإسلام أو قتل، لا حد على من قذفه بأمه إن كان القاذف مسلماً أو ¬
نصرانياً، إلا أنه إن رجع إلى الإسلام فقذفه بها بعد أن رجع وهي أمة أو نصرانية أدب له. ومن العتبية (¬1) روى عيسى عن ابن القاسم في المرتد يقتل نصرانياً أو يجرحه، قال: إن أسلم (¬2) لم يستقد منه، وحاله في الجرح والقتل حال المسلم يقاد منه للمسلم دون النصراني. قال عيسى: وإن قتل على ردته فالقتل يأتي على ذلك كله. وروى عنه أصبغ في المرتد يقتل مسلماً أو نصرانياً أو عبداً عمداً أو خطأ أو يجرح أحدهم أو يقذف أو يسرق، فليستتب فإن لم يتب قتل، ودخل في ذلك القتل كل حد إلا القذف يبدأ به، وإن أسلم فحكمه (فيه كله) (¬3) حكم مسلم لم يرتد. وروى يحيى عن ابن القاسم في المرتد في دار الإسلام يقتل رجلاً أنه يقاد منه، ولأوليائه العفو إن شاؤوا. ولو لحق بدار الحرب مرتد فعدا على رجل مسلم فقتله وكان يقتل المسلمين مع العدو فهو كالمحارب، ليس للإمام أن يعفو عنه. وإن قتله خطأ أدي عنه من بيت المال، وإن قتل هو خطأ فعقله للمسلمين. قال ابن المواز عن ابن القاسم: والمرتد إذا قذف مسلماً حد له، تاب أو لم يتب. قال فيه وفي العتبية (¬4): وإن قذفه أحد لم يحد له، عاد إلى الإسلام أو لم يعد. وإن قذفه قبل ردته فإن قتل مرتداً فلا حد على قاذفه، وإن تاب حد له. (قال محمد: لا يحد قاذفه، عاد إلى الإسلام أو قتل، كمن قذف عفيفاً، ثم زنى يحد له) (¬5) ¬
في المرتد إذا تاب هل يعيد شيئا من فرائضه؟
قال محمد في المرتد يقتل مسلماً في دار الحرب أو يقذفه أو يزني ثم يوسر فليستتب، فإن لم يتب قتل وسقط حد قذفه للمسلم، وإن تاب سقط عنه كل شيء فعله بدار الحرب كالحربي إلا من وجد معه (¬1) ماله بعينه أخذه، وما لم يوجد لم يتبع به وإن قامت عليه بينة، ملياً كان أو معدماً. وقال ابن القاسم في حربي قدم أو أسر فأسلم ثم ارتد ورجع إلى دار الحرب ثم أسر وقد قتل رجلاً قبل كفره، قال محمد: فإنه يستتاب فإن تاب وقد قتله بدار الحرب فلا قصاص عليه ولا دية، وإن كان قتله إياه في دار الإسلام (¬2) دفع إلى أوليائه فقتلوه إن شاءوا أو عفوا. قال محمد: فإن كان قد قتل أحداً قبل أن يرتد فعليه جلد مائة وحبس سنة، وإن قتله في ردته لم أضربه ولو أحبسه. قال مالك: وكذلك الخوارج يتوب أحدهم قبل يقدر عليه وكل من خرج على التأويل. وأما المحارب فلا يستتاب، ولكن إن تاب قبل سقدر عليه لم يلزمه شيء للحرابة، ولزمه حقوق الناس. في المرتد إذا تاب هل يعيد شيئاً من فرائضه وما الذي يلزمه من فروض الشريعة من قبل ردته أو في حين ردته من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا تاب وضع عنه ما كان من زنى متقدم وما كان من إحصان. قلت: فما كان فرضً فيه متقدماً من صلاة ¬
أو زكاة أو قضاء رمضان أو زنى متقدم؟ قال: إذا تاب سقط ذلك، لقول الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (¬1) وكذلك كل ما كان لله من حقوق الناس التي يحكم بها السلطان فيما بينهم، ولا فرية ولا سرقة – يريد لا يأخذه بذلك الإمام فيما كان (¬2) للناس. قال: وتسقط بردته حجة الإسلام وجهاده ويسقط إحصانه، وكذلك المرأة. وكنصراني أسلم فلا يؤخذ إلا بما كان يلزمه إذا فعله وهو مشرك من سرقة وفرية وحد وحق من حقوق الناس. وما كان للناس من قذف في الردة أو قبل الردة، فقال ابن القاسم: فلمن قذفه أن يأخذه بذلك، وإن كان هو المقذوف فلا شيء له، إلا أن يكون فيما قذف به قبل الردة فله القيام به إذا رجع إلى الإسلام، وإن قتل فلا حد له. قال ابن القاسم: ويسقط عنه أيمانه بالله وبالعتق إذا تاب إلا الظهار (¬3) فيلزمه كما يلزمه الطلاق. قال محمد: ولم يعجبنا قوله في الظهار. قال مالك: وما طلق في ارتداده أو أعتق فلا يلزمه، وما طلق قبل الردة أو أعتق فإنه يلزمه. قال أصبغ: لو كان ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج، كانت مسلمة أو كتابية على الدين الذي ارتد إليه أو غيره. وأما أيمانه قبل الردة بالطلاق والعتق والمشي فلا تلزمه الآن. قال ابن حبيب قال أصبغ: وكل ما ترك في ردته من الفرائض فلا شيء عليه فيه إذا تاب. وأما ما فرط فيه قبل ردته من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من فرائضه، فإن تاب فيلزمه قضاء ذلك، وكذلك يلزمه مل طلق من نسائه قبل الردة، إلا فيمن أبت أن لا ينكحها إلا بعد زوج، وخالفه ابن ¬
حبيب في قضاء الشرائع، وقال بقوله في الطلاق والحدود إنه إن زنى أو سرق في إسلامه ثم ارتد ثم تاب أنه يؤخذ بذلك. وكذلك فيما كان شرب من الخمر وركوب الفواحش. ولو سقط عنه ذلك لم يشأ أحد من أهل الجرأة والفسق أن يركب ذلك كله ثم يكفر بلسانه ويقول: أنا أعتقد الإيمان بقلبي وأعاوده بلساني فيزول ذلك كله عني إلا فعل، ويستبيح (¬1) بذلك من أبت نسائه، وهذا فساد وذريعة إلى الحيلة. قال ابن المواز: وإذا ارتد وهو محرم انفسخ إحرامه، فإن كان تطوعاً لم يلزمه، وإن كان فرضاً أو كان قد حج الفريضة قبل ذلك، فإنه لابد من استئناف حج الفريضة. ولو ارتد في رمضان وقد صام بعضه أو أفطره لم يلزمه قضاء، وإن أسلم (¬2) في بقية منه صام ما بقي. ومن العتبية (¬3) قال ابن القاسم (¬4) في المرتدة لا يحل لزوجها وطؤها وهي في الردة، ولا يحل له إذا تابت إلا بنكاح (جديد) (¬5) ولا تحل ذبيحته ولا يقام عليه حد الزنى والخمر، فعله في ردته أو قبل ذلك. ويقام عليه (¬6) بعد توبته حد الفرية والسرقة، فعل ذلك في ردته أو قبلها. وإذا لم يتب لم يقطع في السرقة ويحد في القذف. ومن كتاب ابن المواز: ولا تقتل المرتدة إن كان لها زوج حتى تستبرأ بحيضة، وإن لم يكن لها زوج قتلت إلا أن تدعي حملا (¬7) يختلف فيه أو يشك فتستبرأ بحيضة. ¬
في الحكم في الزنادقة وتوبتهم
وفي باب جناية المرتد شيء من معاني هذا الباب فيما يلزم المرتد إن تاب من الحدود. وإن زنى أو قذف في حال ردته لم يحد في الزنى كان قبل توقيف السلطان أو بعده، تاب أو لم يتب (¬1)، فليحد ثم يقتل إن لم يتب. وإذا أقر بجرح عمداً لزمه، وإذا حوصر حصن ففتح فوجد فيه مرتداً فقال: ارتددت بعد فتح الحصن، وقال أصحابه قبل فتحه، فالقول قول المرتد لأنه عرف بالإسلام إن تاب أخذ سهمه وإن قتل فسهمه لبيت المال. وإن ارتد قبل الحصار وقبل القتال فلا سهم له وإن تاب. وإن وجدت له امرأة فقال: تزوجتها في ردتي، وقالت بعد أن رجع إلى الإسلام فهي مصدقة. قلت: لم وقد عرف أن إسلامه بعد ردة؟ قال: ليس من هذا ولكن من باب مدعي الحلال، وليفسخ نكاحه بكل حال بإقراره، ولها نصف الصداق، يريد إن لم يطأها. في الحكم في الزنا دقة وتوبتهم وفي الذي يتزندق (¬2) من كتاب ابن المواز وابن سحنون قال مالك وأصحابه: يقتل الزنديق ولا يستتاب إذا ظهر عليه. قال سحنون في كتاب ابنه، وقاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية (¬3) من رواية عيسى، ونحوه عن أصبغ: فكل من أسر الكفر ديناً ¬
خلاف ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو منانية أو غيرها من صنوف الكفر. وكذلك من أسر عبادة شمس أو قمر أو نجوم ثم اطلع عليه، فليقتل ولا تقبل توبته. قال مالك: إن توبته لا تعرف، وإنما تقبل توبة من أظهر الكفر. قال ابن المواز: ومن أظهر كفره من زندقة أو كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك ثم تاب منه قبلت توبته. وقول الليث في الزنديق مثل قول مالك. ومن كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: من غير دينه فاضربوا عنقه، يعني من أسر، وأما من أعلن الكفر فهو كأهل الردة الذين قبل أبو بكر توبتهم. قال سحنون: فلما كان الزنديق إنما يقتل على ما أسر لم تقبل توبته، لأن ما يظهر لا يدل على ما أسر (¬1)، لأنه كذلك كان، فلا عمل (¬2) على توبته، والمرتد إنما يقتل على ما أظهر، فإذا تاب بظاهر فصح بها (كذا) ما أظهر من الكفر، ولا خلاف بين العلماء في المجاهر بالفساد والسفه تقبل توبته ويصير إلى العدالة (¬3)، وأن من كان مشهوراً بالعدالة فثبت أنه يشهد بالزور يسر ذلك أنه لا تقبل شهادته وإن أظهر الرجوع عمل ثبت عليه. قال غيره من البغداديين من أصحابنا: الزنديق مبطل (¬4) في توبته بما أبطن من الكفر الذي لا علم لنا على الرجوع عنه، وقد أمرنا بقبول توبة ¬
المحارب المظهر للفساد، وأزالت التوبة عنه حد الحرابة (¬1) ولم يزل الله بتوبة المنستر (¬2) للزنا والسرقة ما لزمهما من الحد. ولا حجة لمن احتج بالمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلمهم، فلم يأخذهم بعلمه، ولا يحكم الإمام بعلمه. وقد نهاه الله عنهم فقال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم (¬3) ولم يأت أن بينة شهدت عنده على منافق بباطنه فتركه. قال أصبغ في العتبية (¬4): وإذا أقر الزنديق بالزندقة ثم قال: أنا تائب عنها، فإن أقر قبل يظهر (¬5) عليه فعسى (¬6) أن تقبل توبته، وأما بعد الظهور فلا تقبل توبته ويقتل ولا يناظر بشيء. قال: ومن أيقن برجل أنه زنديق فقتله غيلة فلا حرج عليه بينه وبين الله تعالى، ولا يسلم من السلطان (¬7) إلا بالبينة على زندقته فيسلم بذلك من القتل والعقوبة، ولكن يزجره (¬8) ويعزره فيما عجل به دونه، وهو محسن فيما بينه وبين الله تعالى. وبلغني أنه ذكر لابن عمر أن راهباً يتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا قتلتموه. وروي عنه في يهودي تناول من حرمة الله سبحانه غير ما هو عليه من دينه وجاهر فيه أو به فخرج عليه بالسيف فطلبه بالسيف فهرب. ¬
في الذمي يتزندق
ومن كتاب ابن سحنون قال: وكتب سحنون إلى ابن عبد الحكم يسأل له أشهب عن قوم أخذوا على المنانية، فزعموا أنه دينهم الذي كانوا عليه لا يعرفون غيره، ولم يعرف أحد أنهم كانوا على الإسلام أو كانوا يعرفون بالنصرانية ثم صار مناني، فقال: اكتب إليه في المنانية يتركون ولا يعرض لهم. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ومن تزندق من أهل الذمة لم يقتل لأنه خرج من كفر إلى كفر، وقاله مالك ومطرف وابن عبد الحكم. وقال ابن الماجشون: يقتل لأنه دين لا يقر عليه أحد، ولا تؤخذ عليه جزية. قال ابن حبيب: وما أعلم من قاله غيره ولا أقوله. قال مالك: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم من غير دينه فاقتلوه، يعني الدين الذي رضيه الله ودعا إليه، وأما من خرج من ملة من الكفر إلى غيرها فلم يضر ذلك. قال غيره: وكذلك روي عن علي بن أبي طالب وابن شهاب وغيره. وفي كتاب ابن المواز عن مالك مثله في الخارج من دين الكفر إلى دين غيره من مجوسي أو كتابي. قال ابن القاسم: وكل ما في هذا الباب عن ابن الماجشون وأصبغ فمثله في كتاب ابن حبيب. في الذمي يتزندق قال أبو بكر بن محمد: روى عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي (عن عبد الملك) (¬1) عن ابن الماجشون في النصراني واليهودي يتزندق أنه يقتل، لأنه خرج من ذمة إلى غير ذمة، ولو أسلم لقتل كمسلم تزندق ثم تاب. ¬
ميراث الزنديق والمنافق وأهل الأهواء
قال ابن عبدوس في السكران يرتد تبين منه زوجته كالصحيح، (قال) (¬1) وإذا قتل الساحر على سحره ورثه ورثته. وكذلك من قتل على سب النبي صلى الله عليه وسلم. ميراث الزنديق والمنافق وأهل الأهواء من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه رأى أن يورث الزنديق بوراثة الإسلام. قال ابن القاسم (وأشهب) (¬2): إذا شهد عليه بذلك فاعترف بذلك وتاب فلم تقبل توبته وقتل فلا يرثه ورثته المسلمون. وأما من لم يقر به ولم يظهره حتى قتل وتاب فإنه يورث. وكذلك من أسر كفراً فإنهم يتوارثون بوراثة الإسلام، كالمنافقين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. قال في كتاب ابن سحنون قال بعض أصحابنا: إذا شهدت عليه بينة بالزندقة فأنكر أو تاب من ذلك فقتل، فإن ورثته من المسلمين يرثونه. وإذا أقر وتمادي لم يرثه أحد. وقال ابن القاسم في العتبية (¬3) من رواية عيسى: إذا أعلن ما هو عليه وتمسك به وقال: اقتلوني (عليه) (¬4) أو دعوني، فلا ترثه ورثته، وميراثه للمسلمين كالمرتد. ولا تجوز له وصية ولا عتق. وأما من لا يستتاب ممن استتر فليرثه ورثته، وتجوز وصاياه وعتقه. وذكر مثله أصبغ ¬
عنه، وقاله أصبغ في كتاب توريث الزنديق بوراثة الإسلام إذا قتل وإن لم تقبل توبته. وروى ابن نافع في العتبية (¬1) وكتاب ابن المواز: ميراث الزنديق للمسلمين يسلك بماله مسلك دمه. قال ابن المواز وسحنون وقاله أشهب، وبخلاف المنافقين لأن أولئك قد تركوا ونوكحوا. قال سحنون في العتبية وقاله ابن عبد الحكم. وروى ابن القاسم في العتبية عن مالك وكتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون في رجل سأله عن أب له مات على الزندقة، قال: قال في كتاب ابن سحنون وكتاب ابن حبيب قد علمت ذلك منه. ومن كتاب ابن حبيب قال في العتبية (¬2) وكتاب ابن المواز إنه كان يعبد الشمس. قال ابن القاسم: يعني يسر ذلك، هل أرثه؟ فقال له مالك: نعم ترثه، وقال به أصبغ وقال: سواء قتل على ذلك أو مات ولم يظهر عليه، فإنه يرثه ورثته من المسلمين. قال أبو محمد: يعني بقوله قتل على ذلك وهو منكر أو تائب، فأما إن أقر به حتى قتل فلا يورث عند أحد. قال سحنون قال عبد الملك: سبيل ماله سبيل دمه، وماله للمسلمين، وهو قول أشهب والمغيرة، وبه أقول. وفرق المغيرة بينهم وبين المنافقين، إن أولئك أقروا بعد معرفة النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: وقد ذكرت حجة غيره من البغداديين وما اعتل به في المنافقين في الباب الأول. قال ابن المواز: إن المنافقين لو أظهروا نفاقهم لقتلهم رسول الله صلى اله عليه وسلم. ¬
قال سحنون: لا وصية للزنديق في ماله إن قتل، يريد سحنون لأن ماله لا يورث. ومن كتاب ابن المواز: ومن شهد عليه أنه يأتي الكنيسة ليصلي فيها وهو منكر لذلك يظهر الإسلام فإنه يقتل ويرثه المسلمون. وأما من أظهر ديناً غير الإسلام من زندقة أو كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عليه فمرتد يقتل إن لم يتب، وماله فيء. ومن تاب مما كان يظهره يترك، وإن لم يتبع قتل ولا يورث ولا يصلى عليه. وإن كان إنما قتل على ما كان يسره فإنه يرثه ورثته، ولا نأمرهم بالصلاة عليه، فإن فعلو فهم أعلم. قال فيه وفي العتبية (¬1) قال ابن القاسم: ومن قال في مرضه لم أكن مسلماً وكنت أرامي فإنه لا يرثه ورثته المسلمون ولا غيرهم، وقاله مالك فيمن كفر في مرضه. ومن العتبية (¬2) رواية عيسى عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن سحنون (عن أصبغ وسحنون، وذكره ابن حبيب عن أصبغ، وفي كتاب ابن المواز عن ابن القاسم ونحوه) (¬3) وذكر نحو ذلك كله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أن كل من يستتاب ممن أظهر كفره وثبت عليه فقتل أو مات، فماله فيء لا يرثه ورثته من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه. وأما من أسر ذلك فقتل فيرثه ورثته المسلمون. وأما أهل الأهواء من الإباضية والقدرية وغيرهم من أهل التحريف لكلمة الله (¬4) فإنهم يستتابون، أظهروا ذلك أو أسروه. وقاله كله سحنون، إلا في ¬
فيمن سب الله سبحانه وتعالى أو احدا من ملائكته أو أنبيائه ورسله
استتابة أهل الأهواء وقتلهم فإنه قال: إنما تأويل قول مالك في ذلك فيمن يأتون بدارهم ويدعون إلى بدعتهم. وما أقل من يعرف تأويل قول مالك في هذا، ولم يقاتلهم علي رضي الله عنه حتى يؤتوا بدارهم، وكذلك عمر بن عبد العزيز وهو معنى قةله فيهم. وفي كتاب ابن حبيب عن مالك كل ما ذكر عنه هاهنا. فيمن سب الله سبحانه وتعالى أو أحداً من ملائكته أو من أنبيائه ورسله من مسلم أو ذمي وذكر ميراثه ومن شتم أحداً من الصحابة وفيمن تكلم بكلام يشبه الكفر ولم يقصد إليه ومن كتاب ابن حبيب قال ابن القاسم عن مالك، وذكره ابن سحنون عن أبيه عن ابن القاسم، وذكره عنه ابن المواز فيمن شتم الله تبارك وتعالى من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا، قتل ولم يستتب. قال ابن القاسم: إلا أن يسلم. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لأن الوجه الذي به كفروا ما افتروا عليه من الصاحبة والولد والشريك وشبهه، فهو دينهم الذي أقروا عليه، وعليه أدوا الجزية. وأما غيره من الفرية والشتم فلم يعاهدوا عليه، فهو نقض للعهد. وأما من تزندق منهم فلا يقتل، لأنه خرج من كفر إلى كفر، وقاله مالك: وقاله أيضاً مطرف عنه، وقاله ابن عبد الحكم. قال ابن الماجشون: يقتل لأنه دين لا يقر عليه أحد، ولا تؤخذ على مثله الجزية. قال ابن حبيب: ولم أعلم من قاله غيره ولا أخذ به.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وابن سحنون: ومن سب الله سبحانه من المسلمين قتل ولم يستتب (إلا أن يكون افترى على الله سبحانه عز وجل بارتداد إلى دين دان به فأظهره فيستتاب) (¬1)، وإن لم يظهر قتل ولم يستتب. قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون وقاله ابن حبيب عن مطرف عن مالك، ومثله في العتبية (¬2) عن عيسى عن ابن القاسم عن مالك: أن من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل ولم يستتب. قال ابن القاسم في العتبية: أو شتمه أو عابه أو نقصه فإنه يقتل كالزنديق (وميراثه لمسلمين. قال في هذه الكتب: وهو كالزنديق) (¬3) لا تعرف توبته، وقد فرض الله تعزيره وتوقيره. قال في كتاب ابن سحنون: قال الله سبحانه وتعالى: (والذين آمنوا به وعزروه ونصروه) (¬4) فمن شتمه كان بمنزلة من أدركه فلم يعزره ولم ينصره في (¬5) ديناً، ومن لم ينصره لم يؤمن به. قال سحنون: وميراثه للمسلمين، وقال أصبغ: ميراثه لورثته إن كان مستتراً، وإن كان مظهراً فماله للمسلمين (ويقتل على كل حال ولا يستتاب، لأن توبته لا تعرف) (¬6). قال ابن القاسم في العتبية (¬7) وكتاب ابن سحنون وابن المواز: ومن شتم النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب قتل إلا أن يسلم. قال سحنون وأصبغ: لا يقال له أسلم ولا تسلم، ولكن إن أسلم فذلك توبة له. ¬
قال ابن القاسم: ومن شتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال سحنون وأصبغ: أو أحداً منهم أو تنقصه قتل ولم يستتب، كمن شتم نبياً عليه السلام. قال اله سبحانه: (لا نفرق بين أحد منهم) (¬1).ومن شتمهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم. وكذلك في كتاب ابن حبيب، كله عن مالك وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. قال ابن القايم عن مالك في هذه الكتب كلها: في قبطي بمصر قال: مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة فهو الآن في الجنة فماله لم يغن عن نفسه حين كانت الكلاب تأكل ساقيه، قال في العتبية (¬2): لو كانوا قتلوه استراحوا منه. قال مالك: أرى أن تضرب عنقه. (قال أبو محمد) (¬3) أخبرنا عبد الله بن مسرور عن عيسى بن مسكين عن سحنون عن ابن القاسم أنه قال: من شتم الأنبياء من المسلمين قتل. ومن شتمهم من اليهود والنصارى يعني بغير الوجه الذي كفروا به، ضربت عنقه، إلا أن يسلم. ومن كتاب ابن سحنون: وفرقنا بين من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين ومن سبه من أهل الكتابين فلم يزل القتل عن المسلم في ذلك بالتوبة، وقلنا في الكتابي إنا نقتله إلا أن يسلم فندعه، وذلك أن المسلم لم ينتقل من دينه إلى غيره، إنما فعل شيئاً حده عندنا القتل ولا عفو فيه لأحد، وكان كالزنديق الذي لا تقبل توبته إذ لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر. والكتابي كان على الكفر، فلما انتقل إلى الإسلام بعد أن سب النبي صلى الله عليه وسلم غفر له ما قد سلف، كما قال الله سبحانه. وسب النبي صلى الله عليه وسلم هو من حدود الله لا عفو فيه للعباد، فزال بالإسلام. ¬
ولما كان الحد فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين القتل، ولا يجوز أن يساوي بين حرمته وحرمة غيره من أمته. فإذا ثبت هذا لابد من التفاضل بينه وبين أمته فيمن سبه من أهل الذمة أو سبه مسلم. فكان حده القتل في المسلم والذمي. فإن قيل: فلم قتلتم الذمي بذلك، ومن دينه سب النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه؟ قيل: إنا لم نعطهم العهد على ذلك ولا على قتلنا وأخذ أموالنا، فلو قتل واحداً منا لقتلناه وإن كان ذلك من دينه استحلالاً لدمائنا، فكذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أظهره. قال سحنون: وكما لو بذل لنا أهل الحرب الجزية على أن نقرهم على إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز في قول قائل ذلك، وجاز لنا حربهم، دل ذلك على أن العهد ينقض بيننا وبينهم بسبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحل لنا دمهم كما يحل لنا دم من بذل لنا الجزية على ذلك، ولم يوجب لهم ذلك الكف عن دماءهم في قول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (¬1) فكما لم تجب لهم الذمة على هذا، فكذلك تنقض الذمة إذا .. (¬2) ولو حصنته الذمة من القتل بسبه النبي صلى الله عليه وسلم لحصن المسلم إسلامه من القتل على ذلك، وليس لك حجة بأن ذلك من ديانة الذمي، كما أن من ديانته قتلنا، فإذا قتلنا زالت ذمته. فإن قال قائل: فهو إذا أسلم وقد سب النبي صلى الله عليه وسلم تركتموه، وإذا أسلم وقد قتل مسلماً قتلتموه؟ قلت لأن هذه من حقوق العباد لا تزول بإسلامه، وذلك من حقوق الله تزول بالتوبة من دينه إلى ديننا (¬3). ¬
قال عبد الله أخبرنا عبد الله بن مسرور (¬1) قال حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان عن أحمد بن مروان عن إسماعيل الترمذي عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن مالك قال: من قال إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وسخ أراد به عيبه قتل. أخبرنا عبد الله بن مسرور (¬2) عن عمر بن يوسف عن محمد بن وضاح عن ابن أبي مريم فيمن عير رجلاً بالفقر فقال: تعيرني بالفقر وقد رعى النبي صلى الله عليه وسلم الغنم. فقال مالك: قد عرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في غير موضعه، فأرى أن يؤدب. قال: ولا ينبغي إذا عوقب أهل الذنوب أن يقولوا قد أخطأت الأنبياء قبلنا. وقال عمر بن عبد العزيز لرجل انظر لنا كاتباً يكون أبوه عربياً، فقال كاتب له: قد كان أبو النبي صلى الله عليه وسلم كافراً، فقال له: أجعلت هذا مثلاً؟ فعزله وقال: لا تكتب لي أبداً. وفي باب الحكم في المرتدين (¬3) قول ابن عمر فيمن سب الله أو رسوله من أهل الكتاب. ومن العتبية (¬4): سئل سحنون: عمن تقاضى غريمه فأغصبه فقال له: صل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له الطالب: لا صلى الله على من صلى عليه، هل هو كمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ فقال: لا إذا كان على ما وصفت من وجه الغضب (والضيق ¬
لأنه لم يكن مضمراً على الشتم وإنما تكلم على الغضب) (¬1). قال أبو بكر قال يحيى قال أبو إسحاق البرقي: قال أصبغ: لا يقتل لأنه إنما شتم الناس. وذهب الحارث وغيره في مثل هذا إلى القتل. وكل من شتم نبياً من الأنبياء قتل، وإن تاب لم يقبل منه إلا أن يكون ذمياً. (قال) (¬2) وكذلك إن شتم غيره من الأنبياء أو ملكاً من الملائكة. وروى عيسى عن ابن القاسم في الكتابي (والمجوسي) (¬3) الذي يقول: إن محمداً لم يرسل إلينا وإنما (أرسل إليكم، وإنما) (¬4) نبينا موسى أو عيسى أرسل إلينا ونحو هذا فلا شيء عليهم، لأن الله تبارك وتعالى أقرهم على مثل ذلك على أخذ الجزية. وأما إن سبه فقال: ليس بنبي أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شيء يقوله ونحو هذا، فهذا يقتل. والمسلم إذا قال مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل به. ومن سماع ابن القاسم عن رجل نادى رجلاً باسمه فأجابه: لبيك اللهم لبيك؟ فإن كان جاهلاً أو قاله على وجه السفه فلا شيء عليه. وقال سحنون في الرجل يقول عند التعجب من الشيء صلى الله عليه وسلم، قال ذلك مكروه، ولا ينبغي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا على سمة الاحتساب ورجاء الثواب. وروى عيسى عن ابن القاسم في نصراني قال ديننا (خير) من دينكم وإنما دينكم دين الحمير ونحو ذلك من القبيح، ومثل قول النصراني للمؤذن إذا قال أشهد أن محمداً رسول الله، قال: كذلك يضيعكم (¬5) الله قال: هذا ¬
فيه الأدب الوجيع والسجن الطويل. أما إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتماً يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم. قال مالك: يقول الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (¬1). قال عيسى في الذي سمع ذمياً يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فاغتاظ فقتله، فإن كان شتماً يجب به عليه القتل وثبت ذلك ببينة فلا شيء عليه، وإن لم يثبت ذلك عليه أو شتمه شتماً لا يلزمه به القتل فعليه نصف ديته، ويضرب مائة ويحبس سنة، وهذا في باب آخر قد كرر. وقال مالك: ومن شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو ابن العاص، فأما إن قال إنهم كانوا على ضلال وكفر فإنه يقتل، ولو شتمهم بغير ذلك من مشاتمة الناس فلينكل نكالاً شديداً. قال: وإن قال: إن جبريل أخطأ بالوحي استتيب، فإن تاب وإلا قتل. وفي كتاب ابن سحنون (قال سحنون) (¬2) وكتب إلى بعض أصحابنا: ومن كفر أحداً من الصحابة، كفر علياً أو عثمان أو غيره من الصحابة فأوجعه جلداً. ورأيت في مسائل رويت عن سحنون من كتاب موسى: أن من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إنهم كانوا على ضلالة وكفر فإنه يقتل، ومن شتم غير هؤلاء من الصحابة بمثل هذا فعليه نكال شديد. قيل فيمن قال أخطأ جبريل بالوحي، إنما كان النبي علي بن أبي طالب، قال: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. ¬
باب في المتنبي والساحر ومن تنبأ من أهل الكتاب أو قال بعد نبيكم نبي
باب (¬1) في المتنبي والساحر ومن تنبأ من أهل الكتاب أو قال بعد نبيكم نبي من العتبية (¬2) روى عيسى عن ابن القاسم، ورواه ابن حبيب عن أصبغ عنه فيمن تنبأ أنه يستتاب، أسر ذلك أو أعلنه. وهو إذا دعا إلى ذلك سراً فقد أعلنه، فإن لم يتب قتل، وميراثه للمسلمين كالمرتد. وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم قال أصبغ في كتاب ابن سحنون ومن لم يعلن كفره حتى شهد به عليه (قتل) (¬3) ولم يستتب. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب سحنون إلى ابن عبد الحكم يسأل له أشهب عن اليهودي يزعم أنه نبي أو أنه رسول إلينا، أو قال: بعد نبيكم نبي، قال: إن كان معلناً بذلك استتيب إلى الإسلام، فإن تاب وإلا قتل. قال سحنون في العتبية (¬4): ومن تنبأ وزعم أنه يوحى إليه استتيب، فإن تاب وإلا قتل. قال ابن المواز: ومن قول مالك وأصحابه: أن الساحر كافر بالله، فإذا سحر هو بنفسه فإنه يقتل ولا يستتاب. والسحر كفر. قال الله تعالى (حكاية عن هاروت وماروت) (¬5) (إنما نحن فتنة فلا تكفر) (¬6). ¬
وقال مالك: هو كالزنديق إذا عمل السحر هو نفسه. قال الله سبحانه: (ولقد علما لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) (¬1) وقد أمرت حفصة في جارية لها سحرتها أن تقتل فقتلت. قال ابن عبد الحكم وأصبغ: هو كالزنديق ميراثه لورثته المسلمين، وإن كان للسحر أو الزندقة مظهراً استتيب فإن لم يتب قتل وكان ماله في بيت المال، ولا يصلى عليه بحال. وأما الذي يسر ذلك إذا قتل فيرثه ورثته ولا آمرهم بالصلاة عليه، فإن فعلوا فهم أعلم. قال مالك: ولا يقتل الساحر إن كان من أهل الذمة، إلا أن يكونوا أدخلوا بسحرهم ضرراً على المسلمين، فيكون نقضاً للعهد، فإن تاب فلا توبة له إلا الإسلام. قال مالك وإن سحر بذلك أهل ملته (¬2) فليؤدب إلا أن يقتل أحداً فيقتل به. قال سحنون في العتبية (¬3) في الساحر من أهل الذمة إذا عثر عليه فإنه يقتل إلا أن يسلم فيترك كمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا ذهب المسلم إلى من عمل له السحر فليؤدب أدباً موجعاً. قال مالك من رواية ابن وهب قال: ويقتل الساحر إن كان مسلماً، سحر مسلماً أو ذمياً. وإن كان الساحر ذمياً قتل إن آذى به مسلماً، وإن آذى ذمياً (أدب) (¬4) إلا أن يقتله فيقتل به. ¬
قال: ومن أطعم رجلاً ما أذهب به عقله فليس هذا من السحر وليؤدب، ويطال سجنه. وأما الذي يقطع لسان رجل أو يدخل السكاكين في جوف نفسه، فإن كان هذا سحراً قتل، وإن كان خلافه عوقب. قال: والذي يسحر الرجل والمرأة حتى يتبع (¬1) أحدهما صاحبه: إن كان هذا من سحر قتل، وإن لم يكن من سحر أدب. قال: ومن غلا في النجوم فيقول: فلان يقدم غداً أو يكسف القمر غداً فليزجر، فإن عاد أدب أدباً شديداً. ولو علم ذلك أحد لعلمه الأنبياء. وما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاة المسمومة حتى أكل منها. قال أشهب عن مالك في التي أطعمت إنساناً ملحاً أذهب عقله، فمرة فيفيق ومرة يذهب عقله فينبح ويرعد، وقالت لا أقدر على زواله عنه، قال هي محفوفة بكل سواء، أما القتل فلا أدري. وقد كتبت هذا في باب المحاربين. وقال: فيمن نصب نفسه إلى شيء من (علم) (¬2) الكهانة فيخبر بمن سرق متاعاً لرجل وموضعه ويخبره بما يجد في سفره، أو يطعم السارق الطعام ليخرج له السرقة، فليؤدب هؤلاء ويحبسوا حتى يتوبوا. قال: والعبد المكاتب إذا سحر سيده قتل، ويلي ذلك منه السلطان إذا كان السحر الذي قال الله سبحانه. قال أصبغ: فيكشف ذلك حتى تعرف حقيقته، ولا يحل لسيده ولا لغيره قتله. ¬
وقد سحرت عائشة جاريتها واعترفت فلم تقتلها وباعتها ممن يسيء ملكها. قال غيره: إنما فعلت ذلك عائشة حين كانت يجب عليها القتل عندها لو رفع ذلك إلى السلطان وصح عنده. وإذا سحرت المدبرة أو المكاتبة فلم يرفع أمرها إلى السلطان، فليس لربها أن يبيعها لما فيها من عقد التدبير أو الكتابة، وليس له حلها، وليس لأحد ما لعائشة في ذلك. قال محمد: والسحر كفر، فمن أسره وأظهر الإسلام فظهر عليه قتل وإن أظهره فكمن أظهر كفره. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يضرب ضربة يفرق بها بين الحق والباطل. وقتل ساحر في زمان زياد بن أبي سفيان كان يدخل حصاة في دماغه ليخرجها من فيه، ويأخذ الثوب فيخرقه ثم يأتي به على حاله ونحو هذا، وكتب عمر: أن اقتلوا (كل ساحر) (¬1) وفرقوا بين المجوسي وذوات المحارم في كتاب الله، وامنعوهم الزندقة. ولم يكن عمر يأخذ الجزية من المجوس حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. وقال ابن المسيب وابن شهاب: يقتل الساحر. قيل لابن شهاب: فمن سحر من أهل الكتاب فلم يقتله. وكذلك قال مالك، إلا أن يدخل بسحره على المسلمين ضرراً. ¬
في منع الزكاة وترك الصلاة أو فريضة من فرائض الله
في منع الزكاة وترك الصلاة أو ترك فريضة من فرائض الله سبحانه من العتبية (¬1) من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن قال لا أصلي، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ومن قال لا أتوضأ ولا أصلي فكذلك يستتاب، وكذلك إن قال لا أصوم رمضان. وأما إن قال لا أؤدي الزكاة فلتؤخذ منه أحب أو كره. ومن قال: لا أحج فأبعده الله ولا يجبر على ذلك. قال أصبغ: ومن أقر أن الصلاة عليه مفروضة وقال: لا أصلي فإنه يقتل، وقاله عبد العزيز ابن أبي سلمة. قال أصبغ: وإصراره على أن لا يصلي كالجحد بها وإن أقر بها. (وبلغني أن ابن شهاب قال: إن خرج وقتها ولم يصل قتل. وإن جحد الزكاة قتل، وإن أقر بها وأبى) (¬2) أن يؤديها أخذت منه كرهاً، ويضرب إن امتنع ودافع، فإن دافع في جماعة قوتل هو ومن معه، وقتل كل من دافع عنها، كفعل الصديق في أهل الردة إذ منعوا الزكاة. ومن جحد الوضوء أو الغسل من الجنابة قتل، ومن أقر بذلك وقال لا أفعله قتل كالجاحد. وكذلك إن قال لا أصوم. ومن قال لا أوتر أدب أدباً وجيعاً حتى يصليها وأما ركعتا الفجر فلا، وهما أخف شئناً، والوتر سنة. وقال موسى ابن معاوية عن معن بن عيسى قال: كتب إلى مالك في قوم بالمغرب يصلون ركعتين ويجحدون السنة ويقولون لا نجد إلا ركعتين، قال مالك: يستتابون فإن لم يتوبوا قتلوا. ¬
قال ابن حبيب فيمن منع الزكاة وهو مقر بها فلتؤخذ منه كرهاً، ولا يخرجه ذلك من الإيمان. وإن كذب بها فهو مرتد يستتاب ثلاثاً، ولا ينفعه إقراره بغيرها من الفرائض، أخذت منه كرهاً أو لم يؤخذ. وإذا كان مانع الزكاة ممتنعاً من السلطان فلا يصل إليه، فهو بمنعه إياها كافر، كان بها مقراً أو جاحداً، وليجاهده السلطان حتى يأخذها منه كما فعل الصديق بالذين منعوا وقالوا: أخية الجزية ولم يطيبوا بها نفساً ورضوا بإقامة غيرها من الشرائع. قال: ولا تسبى ذراريهم كذراري المرتدين. وأما تارك الصلاة إذا أمره الإمام بها فقال: لا أصلي فليقتل ولا يؤخر إلى ما بينه وبين آخر وقتها، (وليقتل لوقته.) (¬1) قال: وهو بتركها كافر، تركها جاحداً أو مفرطاً أو مضيعاً أو متهاوناً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة (¬2). وكذلك أخوات الصلاة. وأما من رفع إلى الإمام فقال: أنا أصلي تركه، فإن عاد إلى تركها فرفع إليه أمره بها فرجع فقال أنا أصلي فليعاقبه ويبالغ فيه بالضرب والسجن حتى تظهر توبته ولزومه الصلاة. وإن قال عند إيقافه له: لا أصلي قتله وإن أقر بها ولم يستتب، ولا يؤخره عن وقت تلك الصلاة ساعة إلا ما بينه وبين آخر وقتها. وكذلك من قال: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم رمضان، فليقتل ولا يؤخر ثلاثاً. ¬
ولو عمل الشرائع كلها وزعم أن الله لم يفرضها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل. وكذلك إن قال: ليس الحج مفترضاً، وإن أقر بفرضه وقال لا أفعله ترك وقيل له: أبعده الله، وقاله كل مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، ورواه ابن القاسم ومطرف عن مالك مجملا بغير تلخيص. وافتراق الحج من غيره لأن وقته واسع ما بينه وبين آخر عمره، إن أداه كان مؤدياً لفرضه، حتى إذا مات بعد هذا ولم يحج وقع عليه اسم الكفر. وهذا الذي ذكرنا في الخمس شرائع التي بني عليها الإسلام. كما جاء الأثر: الإيمان بالله والصلاة والزكاة والصوم والحج على المستطيع. فمن ترك واحدة منهن كان كافراً، ومن ترك سواهن من الأوامر، أو ركب ما نهي عنه فذلك ذنب إن شاء الله غفره أو عاقبه عليه. وهذا الذي قال ابن حبيب في تكفير من أقر بفرض الزكاة أو الصوم وتركه عمداً أو تهاوناً حتى زال الوقت إنه كافر، فقول انفرد به. وقد أجمع الأئمة أنهم يصلون عليه، ويورث بالإسلام ويرث، ويدفن مع المسلمين. وما ذكر من الحديث فلم يذكر في الحديث في تارك الصلاة هل هو جحد أو تفريط ولا فسر الكفر. وفي إجماعهم على توبته والصلاة عليه ما يدل أنه لا يراد به الخروج من الإيمان كخروج المشرك بالله الجاحد له، والله أعلم. وهذا قول الخوارج إلا من قال: لا أصلي فهذا قد رد ما دعا الله إليه عناداً. وهذا كقول أهل الردة لا نؤدي الزكاة. ومن رد على الله أمره أو على رسوله رداً مجرداً هكذا فلم يجب إلى دعوته، كما قال إبليس لا أسجد، فكان بذلك كافراً رجيماً وهو بخلاف من ترك ذلك تفريطاً وغرة ومعصية. وروى مالك عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، وفي آخر الحديث ومن لم
الحكم في القدرية والخوارج وأهل البدع
يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة (¬1)، فهذا يبين معنى الديث الذي ذكر ابن حبيب، والله أعلم. الحكم في القدرية والخوارج وأهل البدع من كتاب ابن المواز، وهو لابن الماجشون مفسراً في كتاب ابن حبيب وغيره، قال مالك (¬2) في الحروري إذا لم يخرج على الإمام العدل فيدعو إلى بدعته أو يقتل أحداً لم نقتله. فأما إن قتل أحداً على دينه ذلك أخرج على الإمام العدل فيستتاب، فإن تاب قبلت منه وإلا قتل. وكذلك الجماعة منهم، ويقتل منهزمهم، ومن أسر منهم فللإمام قتله إن رأى ذلك، وإن انقطع الحرب استتابه، وإن لم ينقطع فله قلته. وكذلك إن خاف لأهل ذلك الجمع دولة بسبب يخاف، وكذلك يجهز على جريحهم في هذا الوجه. وأما إن كان أمر الإمام قد ظهر عليهم بيقين فلا يقتل وليستتب، فإن تاب قبل منه، وتسقط عنهم إذا تابوا الدماء والفروج والموال وكل ما فعلوا وإن كانوا أملياء، إلا من وجد ماله بعينه فليأخذه. قال: وإن لم يرجع ولم يتب قتل. وقال عبد الملك: لا يقتل، وما علم أنه ليس من أموالهم فليرد إلى أهله إن عرفوا، ويوقف ما بقي إلى أن يؤيس من طالبه ثم يتصدق به، سواء قتل في المعركة أو بعد ذلك. وما كان معه من سلاح أو خيل أو معه من مال فهو لورثته ميراثاً (عنه) (¬3) وكذلك قال عبد الملك عن مالك. ¬
وإن أسر وترك حتى انقطع حربهم وخمدت ريحهم وزال عسكرهم، فلا يقتل الأسير، ويستتاب ويؤدب، يريد إن لم يتب. وإن كانت حربهم قائمة فإن رأى الإمام قتل هذا الأسير لم أره خطأ، ويقتل المنهزم ولا يستتاب. قال ابن المواز وقال مالك وأصحابه في القدرية إنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا. وهو قول عمر بن عبد العزيز. قال بعض أصحاب مالك أظنه عن مالك، يستتاب الإباضية والقدرية، فإن تابوا وإلا قتلوا. قال: والحرورية إذا كان الإمام عدلاً. قال ابن القاسم: (وهذا) (¬1) يدل على أنهم إذا خرجوا على العدل (وأرادوا قتاله) (¬2) ودعوا إلى بدعتهم أن يقاتلوا. وسئل (ابن) (¬3) عمير عن الحرورية فقال: أشر خلق الله عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين، فلا أحد أحق بالقتل والقتال منهم. قال مالك: وتوبة القدري ترك ما عليه. قال: فإن قتل فميراثه (لورثته) (¬4)، أسر ذلك أو أعلنه. قال مالك في القدرية والإباضية: لا يصلى عليهم، فإذا قتلوا فذلك أحرى. قال سحنون: يعني أدباً لهم، فإن طاعوا فيصلى عليهم. قال ابن المواز: ومن قتل من الخوارج ممن استتيب فلم يتب فلا يصلى عليه الإمام، ويصلي عليه غيره من المسلمين، ويغسل ويكفن ¬
ويرثه ورثته، وتعتد عنه امرأتهبالإحداد وتنفذ وصيته. وكذلك قال سحنون في كتاب ابنه في جميع أهل الأهواء. وقال أيضاً، يعني مالكاً، بترك الصلاة تأديباً لهم، ولا يخرجون من الإيمان ببدعتهم. قيل: فقول مالك يستتاب أهل البدع؟ قال: أما من كان بين أظهرنا وفي جماعتنا فلا يقتل، وليضرب مرة بعد أخرى ويحبس، ونهى الناس عن مجالسته والسلام عليه تأديباً له. وقد ضرب عمر صبيغ ونهى عن كلامه حتى حسنت توبته. فأما من بان منهم عن الجماعة ودعوا إلى بدعتهم ومنعوا فريضة من الفرائض فليدعهم الإمام العدل إلى السنة والرجوع إلى الجماعة، فإن أبوا قاتلهم كما فعل الصديق بمن منع الزكاة، وكما فعل على بالحرورية ففارقوه وشهدوا عليه بالكفر، فلم يهجهم (حتى خرجوا ونزلوا بالنهروان فأقاموا شهراً فلم يهجهم) (¬1) حتى سفكوا الدماء وقطعوا الطريق فقاتلهم. وقال عمر بن عبد العزيز: يستتابون، فإن لم يتوبوا قوتلوا على وجه البغي. فمعنى قول عمر هذا وقول مالك إنما هو فيمن خرج وبن بداره فذلك قول عمر قوتلوا على وجه البغي (يعني قول عمر هذا وقول مالك) (¬2) أنهم خرجوا وبانوا عن سلطانه. قال سحنون: ولا تعاد الصلاة خلف أهل البدع في وقت ولا غيره، وهو قول جمع أصحاب مالك. أشهب والمغيرة وابن كنانةوغيرهم، وليس بكافر، وليس يخرجه دينه من الإيمان، ومن كفرهم ركب قول الحرورية في التكفير بالذنوب. ¬
قال سحنون: وكتب إلى بعض أصحابنا، وهو لعبد الملك، في غير كتاب ابن سحنون: في المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء: إن كل كافة استكفت (¬1) ودعت إلى بدعتها فليقاتلوا. وكذلك كل كافة استكفت معصية أو منع حق فليقاتلهم الإمام حتى يظهر عليهم سلطان الحق ويقام فيهم. وقد قاتلهم الصديق ولم يكفروا أول كفرهم أن منعوا الزكاة فقالتهم قتال من كفر، وقاتل على الخوارج. وأما غير الكواف والجماعة، فمن في سلطانك من المعتزلة ممن تبرأ من علي وعثمان أو من احدهما، أو يظهر بدعة القدر أن الأمر إليه، وأنه ما شاء فعل، وأنه يريد أن يعصي والله يريد أن يطيع، فيكون ما أراد هو ولا يكون ما أراد الله، فاستتبه فإن تاب فأوجعه ضرباً فيما مضى. وكذلك من كفر علياً أو عثمان أو أحداً من الصحابة فأوجعه جلداً. وروي عن سحنون فيمن كفر الخلفاء الأربعة أن يقتل، ويؤدب في غيرهم. وقد تقدم إيعاب هذا في باب متقدم. قال سحنون، وهو لعبد الملك في كتاب ابن حبيب: ومن قام وحده من الخوارج وحكم فاعترض الناس فليفعل به ما يفعل بمن استكف من جماعتهم ما لم يوسروا فإذا أسروا (صاروا كمن تحت سلطاننا منهم في الحكم فيهم. ومن قاتل من الأسارى ثم أسر) (¬2) فما دامت الحرب قائمة لم يظهر أحد الفريقين على الآخر فله حكم من في القتال، فللإمام قتله وله الكف عنه إن طمع في غير ذلك. ¬
(قال: وكل ما حكموا من حكم الناس فليتعقب ذلك) (¬1) ويكشف وينظر فيه كالمبتدىء، فإذا رأى صواباً وشهوداً على أصل الحق يقبل مثلهم وأمراً بيناً أمضاه، ولا ينفذ ما وقع بشهادتهم، كان الحاكم منهم جائراً أو مجتهداً، ويصير كحكم من الناظر فيه ابتداءً. قال سحنون: ومن وهم ببدعة واستوطأ ذلك عليه وعرف به فلا تقبل شهادته بين زائغ ومبتدع ولا جماعي، ولا على محق ولا على مبطل ولا بين أهل الأديان. وأما غير معروف بذلك (¬2) ما لم يؤت عليه بأمر واضح فأجره مجرى غيره من قبول (من عدل) (¬3) عندك. وهذا الذي ذكره سحنون كله لعبد الملك في كتاب ابن حبيب. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا ظفرنا بأحد ممن قاتل على تأويل القرآن وتاب فليس عليه مما هلك بيده من مال ورقيق وحيوان شيء، ولا عليه من قود ولا دية في نفس ولا جرح، ولا صداق في وطء حرة أو أمة. وما وجد بيده من شيء يعرف بعينه أخذه ربه. ولو أخذ لرجل ألف دينار فوجد معه ألف دينار فلا أدري ما العين وما يدريه أن هذا ماله بعينه. قال مالك: وليس كالمحارب ولا السارق. قال عطاء: إذا أخذوا فليقتل منهم من قتل، ويؤخذ المتاع ممن أخذ (المتاع) (¬4)، ويسجن من بقي ولا يقتلون ولا يقطعون، ويسجنون حتى يتوبوا. ¬
وكتب عمر بن عبد العزيز في خارجي خرج بخراسان وأشار بسيفه فأخذ: إن كان قتل قتل، وإن جرح جرح، وإلا سجن حتى يتوب وقربوا (¬1) أهله منه. وقال الليث فيهم مثل قول مالك، وذكر ابن حبيب مثل هذا القول عن عطاء وعمر بن عبد العزيز. قال ابن شهاب: ووقعت الفتنة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون فلم يروا على من قاتل على تأويل القرآن قصاصاً في دم ولا حداً في وطء. وكذلك فعل علي بن أبي طالب، وبهذا قال مالك، وقاله ابن القاسم. وقال أصبغ: يقتل من قتل إن طلب ذلك وليه كاللص يتوب قبل يقدر عليه. قال ابن حبيب: هذا خلاف لمالك وجميع أصحابه في أهل التأويل، ولا أعلم من قال مقالة أصبغ هذه، وهي خلاف ما تقدم من فعل علي والصحابة. وذهب ابن حبيب إلى أن الخوارج الذين كفروا الناس بالذنوب كفار، وأنه يستتاب من ظهر عليه منهم أياماً ويسجن لذلك خرجوا أو لم يخرجوا إذا أظهروا ذلك. ومن تاب ترك، إلا أن يكون لهم جماعة في موضع (يلجؤون إليه) (¬2) فلا يترك هذا وإن تاب، ويسجن (حتى) (¬3) تفترق جماعتهم خيفة أن يلحق بهم (قال ابن حبيب) (¬4) إنهم كفار ببدعتهم هذه (لأنهم سموا الزاني والسارق وأشباههم من أهل الذنوب كفاراً،) (¬5) والله جعل القطع على من سرق والحد على من زنى، فلو كان كافراً (لكان عليه القتل بذلك وأمر فيهم بالقتل، وقال في القاتل: (فمن عفي له من أخيه شيء) (¬6) ولو كان ¬
كافراً) (¬1) ما جعله له أخاً. ومن رد هنا من كتاب الله (فهو) (¬2) معاند كافر. ولا يحل سبي ذراريهم (وهم على الإسلام حتى يبلغوا فيقولوا بقول من قتل منهم فيسلك سبيلهم) (¬3). وكذلك سائر فرق الخوارج من الإباضية والصفرية، وكذلك القدرية (والمعتزلة) (¬4). وكذلك يستتاب المرجئة الذين يزعمون أن الإيمان قول بلا علم (قال ابن حبيب) (¬5). وأما الشيعة فمن أحب منهم علياً ولم يقل على غيره من الصحابة فهذا ديننا، ومن غلا إلى بغض عثمان والبراءة منه فليؤدب أدباً وجيعاً، ومن زاد في غلوه منهم إلى بغض أبي بكر وعمر مع عثمان وشبههم فالعقوبة عليه أشد وتكرير ضربه وطول سجنه حتى يتوب ولا يبلغ به القتل إلا في سب نبي من الأنبياء عليهم السلام. وأما من تجاوز منهم إلى الإلحاد فزعم أن علياً رفع ولم يمت وسينزل إلى الأرض وأنه دابة الأرض. ومنهم من قال كان الوحي يأتيه ويعدد ذرية مفترضة طاعتهم، ونحو هذا من الإلحاد، فهو كفر، يستتاب قائله ويقتل إن لم يتب. وذكر أن قوماً بالمغرب ادعوا نبياً سموه صالحاً وأظهر لهم كتاباً بلسان البربر، وقالوا: محمد نبي العرب، وأكلوا رمضان وصاموا رجباً واستحلوا تزويج تسع نسوة وشبه هذا، فهؤلاء مرتدون ويقتلون إن لم يتوبوا، ويجاهدون، ولا تسبى ذراريهم كالمرتدين وميراثهم للمسلمين. وفي الباب الآخر ذكر من قال: إن الله لم يكلم موسى. ¬
باب في قتل أهل العصبية والعداوة من المسلمين
وذكر ابن حبيب في كتاب آخر عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أنهم قالوا في أهل الأهواء من أهل البدع كلها: القدرية والإباضية والحرورية (والمرجئة) وجميع أهل الأهواء إنهم على الإسلام متماسكين به، إلا إنهم ابتدعوا وحرفوا كتاب الله وتأولوه على غير تأويله، إنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، وأن من قتل منهم أو مات على ذلك فميراثه لورثته من المسلمين. باب (¬1) في قتل أهل العصبية والعداوة من المسلمين من كتاب ابن سحنون قال سحنون: قال الله سبحانه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) إلى قوله (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) (¬2). قال من لقينا من العلماء: معنى ذلك إذا خرج بعضهم على بعض بغياً ورغبة عن حكم الإسلام على العصبية فسقاً وخلوعاً، فليدعهم الإمام ومن معه إلى الرجوع إلى التحاكم وإلى التناصف عند حاكم من حكام المسلمين، فإن فعلوا قبل منهم، وإن أبت الطائفتان أو إحداهما قاتل الإمام من أبى وحلت دماؤهم حتى يقهروا، فإن تحققت الهزيمة عليهم وظهر الإمام عليهم ظهوراً بيناً وأيس من عودتهم فلا يقتل منهزموهم ولا يدفف على جريحهم. وإن لم تستحق الهزيمة ولم يومن رجوعهم فلا بأس بقتل جريحهم ومنهزموهم، ولا بأس أن يقتل الرجل في القتال أخاه وقرابته مبارزة وجده ¬
لأبيه وأمه، فأما الأب وحده فلا أحب قتله على التعمد مبارزة أو غيرها. وكذلك الأب الكافر مثل الخارجي. وقال أصبغ: يقتل فيها أباه وأخاه. قالا: ولا تصاب أموالهم ولا حريمهم، وإذا أصيب منهم أسير فلا يقتل، ويؤدب ويسجن حتى يتوب. وإن ثبت عليه أنه قتل أحداً فلقتل به بخلاف أهل الأهواء الذين قاتلوا على التأويل. ولا ينبغي للإمام والمسلمين أن يقفوا عن الخروج إلى أها المعصية وأهل البغي حتى يردوهم إلى الحق وحكم الإسلام، فإذا قام بذلك من نصيب الحق ووجه العمل فيه ولم يكن تلفيفاً ولا هجماً بغير سنة ولا تحفظ. قال عبد الملك: والخوارج إذا أسر منهم أسير والحرب قد انقطعت فلا يقتل، وينهى عن بدعته ويؤدب كمبتدع في غير جماعة (وتقبل توبته من تاب (¬1) وإن كانت الحرب قائمة فللإمام قتل أميرهم أو جماعة) (¬2) في قبضته إذا خاف أن يكون عليه دبره أو أحس ضعفاً أو خشية عورة علمها. وعلى هذا يجري ذلك في التدفف على الجريح واتباع المنهزم حسب ما يرى من ذلك، وليست هزيمتهم توبة، وإنما هو إلى ما يرى من الظهور البين أو غيره، وقال سحنون مثل قوله. وقال: سمعت أصحابنا يقولون: لا يقتل منهم أهل المعصية إذا كانت الحال ما ذكرت ويقتل منهزم الخوارج بكل حال. وكل ما جرى في هذا الباب عن سحنون وعبد الملك فقد ذكره ابن حبيب عن عبد الملك. (وقد جرى في باب متقدم ذكر قتال أهل النائرة والعداوة بخلاف المحاربين واللصوص، وهو بخلاف حكم أهل الأهواء والتأويل. وقد بينا كل شيء من ذلك) (¬3). ¬
قال ابن حبيب: وإذا بغت قبيلة على قبيلة فقاتلتها حمية وعصبية وفخراً بالأنساب وغيرها من النائرة، فعلى الإمام أن يكفهم ويفرق جمعهم، فإن لم يقدر فليخرج إليهم، وعلى الناس الخروج معه لذلك، فإذا نزل بقربهم راسلهم وسمع حجة كل فريق، فإن ظهر له أن إحداهما ظالمة للأخرى باغية عليها، أمرها بالكف والانصراف، فإن أطاعته وانصرفتا، فلكل فريق طلب الفريق الآخر بما جرى بينهم في ذلك من دم ومال، ولا يهدر شيء من ذلك، بخلاف ما كان على تأويل القرآن، فإن أبت الطائفة الباغية أن تنصرف عن المبغي عليها قاتلها معها ومن معه من المسلمين. وإن تبين للإمام العدل أن الطائفتين باغيتان أمرهما بالتفرق والانصراف، فعلتا وإلا جاهدهما بمن معه من المسلمين. وهذا معنى الآية التي ذكر الله تعالى في الفئة الباغية. (قال ابن حبيب: ونادى منادي على ابن أبي طالب في بعض من حاربه أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير. ثم كان موطن آخر في غيرهم فأمر باتباع المدبر وقتل الأسير والإجهاز على الجريح، فعوتب في ذلك فقال: هؤلاء لهم فئة ينحازون إليها، والأولون لم تكن لهم فئة. قال عبد الملك: وما أصاب الإمام من عسكر أهل البغي من كراع وسلاح، فإن كانت لهم فئة قائمة فلا بأس أن يستعين به الإمام ومن معه على قتالهم إن احتاجوا إليه، فإن زالت الحرب رده إلى أهله. وما سوى الكراع والسلاح فيوقف حتى يرد إلى أهله. ولا يستعان بشيء منه، وإن لم تكن لهم فئة قائمة رد ذلك كله من سلاح وغيره إليهم أو إلى أهلهم. (وكذلك قال ابن الماجشون وأصبغ في أهل العصبية والحرورية) (¬1) وكذلك فعل على بن أبي طالب رضي الله عنه. ¬
قال: وقد أصاب الإمام من امرأة على رأيهم أو عبد أو ذمي أسيراً وكانوا يقاتلون، فإن لم تكن لهم فئة قائمة أطلقهم، وإن كانت لهم فئة قائمة أمر بحبسهم حتى يزول الحرب. وإن بذل له أهل البغي مالاً حتى يتأخر عنهم أياماً أو أشهراً حتى ينظروا في أمرهم، فلا يحل أن يأخذ شيئاً منهم، وله أن يؤخرهم إلى مدة سألوه ما لم يكونوا يقاتلون فيها أحداً أو يفسدون فلا يؤخرهم حينئذ. وإذا وضعت الحرب أوزارها، فإن كان أهل البغي ممن خرج على تأويل القرآن من الخوارج وضع عنهم كل ما أصابوا إلا ما وجد من مال يعرف بعينه فيأخذه ربه (¬1). وأما أهل المعصية أو أهل خلاف لسلطانهم بغياً، يريد بلا تأويل، حكم في ذلك كله بالقود والقصاص ورد المال، قائماً كان أو فائتاً، قاله ابن الماجشون وأصبغ. وإن قاتل معه أهل ذمة وضع عنهم مثل ما وضع عن المتأولين الذين أعانوا، وردوا إلى ذمتهم، وإن كانوا أهل عصبية وخلاف للإمام العدل فهو نقض لعهدهم موجب لاستحلالهم، وإن كان السلطان غير عدل وخافوا جوره واستعانوا بأهل الذمة فليس ذلك نقضاً لعهد أهل الذمة. ولا قود في الجراح في هؤلاء، وما أصابهم في دفعهم عن أنفسهم فهدر، إلا أن تكون منهم غارة وعياثة وفساد على غير وجه دفاع ظلم ولا امتناع فيلزمهم فيه القود (والقصاص) (¬2) ورد المال. وكذلك قال مالك في أهل الذمة يخرجون عن ظلم ظلموا به، فلا يقاتلوا إلا أن يخرجوا فساداً وعياثة فليجاهدوا ويصيروا فيئاً، وقاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وغيرهم. ¬
وإن كان الإمام عدلاً وحارب من خرج عليه وامتنعوا، فما أصاب منهم فهو موضوع، وإن لم يكن من أهل العدل فما أصيب منهم في حربه ففيه القصاص ورد الأموال. وإن امتنع أهل البغي، وكانوا أهل بصائر وتأويل أو عصبية، عن الإمام العدل فله فيهم من رمي المجانيق، وقطع الميرة والماء عنهم، وإرسال الماء عليهم ليغرقهم، مثلما له في الكفار وإن كان فيهم النساء والذرية، ولا يرميهم بالنار إلا أن لا يكون فيهم نساء ولا ذرية فله ذلك، إلا أن يكون فيهم من لا يرى رأيهم ويكره بغيهم، وخيف أن يكون فيهم، فلا يفعل فيهم شيئاً مما ذكرنا. وكذلك لو كان مع المشركين أسارى مسلمون، وقاله مالك وأصحابه. وإن سأل أهل البغي الإمام العدل تأخيرهم شهراً وأعطوا رهاناً وأخذوا منه رهاناً فغدروا وقتلوا الرهان فلا يقتل الإمام رهنهم وليحبسهم، فإذا هلك أهل البغي تركهم، إلا أن يكونوا أهل بدعة فليستتبهم. وكذلك لو جرى مثل هذا بيننا وبين الروم فقتلوا من عندهم رهناً، لا ينبغي أن نقتل نحن رهنهم. وكذلك فعل معاوية، إلا أن ابن الماجشون قال: يسترقهم الإمام ولا يردهم إليهم. وإذا قاتل مع أهل البغي النساء بالسلاح، فلأهل العدل قتلهن في القتال. وإن لم يكن قتالهن إلا بالتحريض ورمي الحجارة فلا يقتلن إلا أن يكن قتلن أحداً بذلك فيقتلن. وإذا أسرن وقد كن يقاتلن قتال الرجال لم يقتلن إلا أن يكن قد قتلن، يريد في غير أهل التأويل. قال: وسبيل من قتله أهل البغي من أهل العدل سبيل الشهداء، ومن قتل من أهل البغي تركوا، ومن أراد الصلاة عليهم من أهلهم فإن لم يكن لهم من يلي ذلك أمر الإمام بمواراتهم بغير صلاة. وعلى أصل سحنون يصلى عليهم. واختلف فيمن قتل من أهل العدل في ترك الصلاة عليه كالشهيد.
ويكره أن يبعث برؤوس أهل البغي وغيرهم من العدو إلى الآفاق، وهو مثلة لم يكن يفعله السلف. ومن قتل أباه من أهل البغي أو أخاه لم يحرم عليه ميراثه. ويكره له قتل أبيه منهم في القتال من غير تحريم، إلا أن يكون أبوه قصد إليه ليقتله، فلا بأس أن يدافعه الابن بالقتال إن لم يجد حودا عنه بلا هزيمة ولا وهن يدخل على أصحابه. وأباح أصبغ أن يقصد أخاه بالقتل وينتهز فرصته وغفلته. وإذا حملت على أحد منهم فقال: تبت وألقى السلاح فدعه. ولو قال: كف ولعلي أبايعك وألقي السلاح (فكف عنه. وإن قال كف فإني على دينك ولم يلق السلاح) (¬1) فلا تدعه ولا تعجل بالقتل حتى يتبين ما أراد لأنه على دينك بالإسلام وقد ابتدع، فإن عاجلك فاقتله إلا أن يلقي السلاح. ولو أن أهل البغي صالحوا المشركين ثم غدروهم فسبوهم لم يجز لنا شراؤهم، ولو أن أهل البغي ألجأوا المسلمين إلى دخول أرض الحرب لم يجز لهم أن يعينوا المشركين عليهم. ولو استعانوا بهم المشركون على قتال عدو لهم لم ينبغ أن يعينوهم، إلا أن يغير عليهم بعض أهل الشرك ويسبوهم فيخاف المسلمون على أنفسهم من ذلك، فلا بأس أن يقاتلوا حينئذ مع الذين هم معهم. وكذلك لو كان أهل البغي غزوا المشركين وسبوهم حتى خلصوا إلى من عندهم من المسلمين، فلهم دفعهم عن أنفسهم. ولو أن المشركين سبوا أهل البغي وذراريهم وبالمستأمنين من المسلمين قوة على اسنقاذ السبي منهم، فعليهم أن يقاتلوهم على خلاص الذراري، ولا يوفى لهم بالعهد في مثل هذا، كما لا يعطي العهد عليه. وقاله كله ابن الماجشون وأصبغ. ¬
ذكر القدر والأسماء والصفات والاستواء على العرش ومجانبة أهل البدع
ولو أن طائفتين من أهل البغي اقتتلتا ولا طاقة لأهل العدل على طائفة واحدة منهما فلا ينضموا إلى إحداهما فيقاتلوا معها الأخرى. قال: والخارج وحده في المصر كالجماعة، خرج بسلاح أو بعصى أو حجر إن كان على البصيرة. وإذا سبى أهل البغي قوماً مشركين وادعهم أهل العدل لم يجز لنا شراؤهم منهم (¬1)، ولو استعان أهل البغي بالحربيين على قتال أهل العدل فظفر أهل العدل بهم حل لهم قتل أهل الحرب. ولو أغار أولئك على أهل العدل فظفر أهل العدل بهم حل لهم قتلهم وسبيهم، لأنهم نكثوا. ولو دخل حربي بأمان فمات وله ابن حربي وابن ذمي فماله لابنه الحربي. ولو أن الميت ذمي فماه لابنه الذمي. ذكر القدر والأسماء والصفات والاستواء على العرش وذكر ترك الجدال ومجانبة أهل البدع من العتبية (¬2) قال سحنون: أخبرني بعض أصحاب مالك أن رجلاً قال لمالك: يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم عاوده فسكت، ثم سأله فرفع إليه رأسه فقال له: (الرحمن على العرش استوى) (¬3) كيف استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم قال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول. ولا أراك إلا امرأ سوء، أخرجوه. ¬
قال أصبغ قال ابن القاسم: ومن قال اله لم يكلم موسى فليستتب، فإن تاب وإلا قتل. ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهب كذلك بشيء وليقل: له يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه. تقف عندما في الكتاب، لأن اله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له، ولا يروي أحد مثل هذه الأحاديث. (مثل إن الله خلق آدم على صورته، ونحو ذلك من الأحاديث. وأعظم مالك أن يتحدث أحد بمثل هذه الأحاديث) (¬1) أو يرددها. ومن سماع ابن القاسم قال مالك (¬2): أشد ىية على أهل (الاختلاف من أهل) (¬3) الأهواء قوله سبحانه: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (¬4) وتأويلها على أهل الأهواء. وروى بن حبيب عن أسد عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا أمامة الباهلي تأولها في الخوارج، قال: كانوا مؤمنين فخرجوا من الإيمان، وقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن القاسم قال مالك: كان ها هنا رجل يقول: ما بقي دين إلا دخلت فيه، يعني أهل الأهواء، فلم أر شيئاً مستقيماً، يعني بذلك فرق الإسلام، فقال رجل: أنا أخبرك لم ذلك، لأنك لا تتقي الله، يقول الله سبحانه (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) (¬5). ¬
قال سحنون: بلغني أن القاسم ابن محمد قال له ذلك (¬1). قال مالك فيما يحتج على أهل القدر قال الله سبحانه (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني) (¬2)، قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر السفل، يعني أهل الأهواء. ومن سماع أشهب قال مالك: القدرية قوم سوء فلا تخالطوهم (¬3) ولا تصلوا وراءهم، وإن جامعتموهم في ثغر فأخرجوهم منه (¬4). قال سحنون قال ابن غانم في كراهية مجالسة أهل الأهواء: أرأيت من قعد إلى سارق وفي كمه بضاعة أما يحرز منه ليلاً يغتاله؟ فالدين أولى. وعمن ينازع القدري في ذلك ثم يأتيه القدري فيأخذ يده ويتنصل إليه، فإن جاء تاركاً لذلك نازعاً عنه فليكلمه، وإلا فهو في سعة من ترك كلامه. وهذا المعنى وشبهه كثير منه في جامع مختصر المدونة وسنذكره في كتاب جامع نفرده لكتاب النوادر إن شاء الله تعالى. ¬
جامع لمعان مختلفة وعلاج الجان
جامع لمعان مختلفة وعلاج الجان من العتبية (¬1) من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن طريق بخراسان يقطع فيها قوم من أهل الكفر على المستضعف من المسافرين والمسلمين، أترى هذا مرابطاً؟ قال: نعم، أرى أن يحرس ذلك الموضع وكأنه رآه مرابطاً. قال محمد بن عبد الحكم ابن الحسن قال ابن وهب عن المسلم له أم نصرانية عمياء تريد منه المسير بها إلى الكنيسة فلا بأس عليه بذلك حتى يبلغها، ولا يدخل هو الكنيسة. قيل: فيعطيها النفقة لعيدها؟ قال: أما في طعامها وشرابها فنعم، ولا يعطيها ما تعطي في الكنيسة. وروى أشهب (وابن نافع) (¬2) عن مالك: وسئل عن رجل به لمم، فقيل له إن شئت أن نقتل صاحبك قتلناه، فقال له بعض من عندنا لا تفعل، واصبر واتق الله، وقال له بعضهم: اقتله فإنما هو مثل اللص يعرض لك يريد مالك فاقتله، فقال: إن أعظمهم جرماً الذي مثله باللص. قيل له: فما رأيك؟ قال: لا علم لي بهذا، هذا من الطب (¬3). والله تعالى المستعان وعليه توكلت وإليه أنيب. ¬
تم كتاب المرتدين وبتمامه تم جميع كتاب النوادر للشيخ الإمام العالم العلامة أبي محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مستقره ومأواه آمين آمين آمين يا رب العالمين (¬1). ¬