تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة
ابن أبي العز
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فهذا (تفسير الإمام ابن أبي العز) قمت باستخراجه من خلال مؤلفاته، وضممت شتاته، وعلقت حواشيه على قدر الوسع والطاقة، والبضاعة المزجاة. والله تعالى أسأل أن يغفر لناثره وجامعه، وأن ينفع به قارئه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. القسم الأول: مقدمة وتعريف (وفيه عنصران) : العنصر الأول: مقدمة، تشمل ما يلي: 1- أسباب اختيار الموضوع. 2- خطة البحث. 3- المنهج المتبع في إخراج البحث.
العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز، ويشتمل على ما يلي: 1- اسمه ونسبه وولادته. 2- نشأته وشيوخه وتلاميذه. 3- مذهبه في العقيدة والفقه. 4- مؤلفاته والمناصب العلمية التي وليها. 5- وفاته رحمه الله تعالى.
مقدمة وتعريف
القسم الأول: مقدمة وتعريف، وفيه عنصران: العنصر الأول: مقدمة تشمل 1-أسباب اختيار الموضوع 1- العقيدة الصحيحة، أهم شرط من شروط المفسر للقرآن الكريم وقد أُصيب هذا الشرط بشيء من الخلل منذ ظهور الفرق التي تأثرت بمنطق اليونان وحضارة الفرس ولرفع هذا الخلل، أو التقليل من آثاره أرى أن نتبع سببين: الأول: التنقيب والبحث عن المخطوطات التفسيرية التي عُرف مؤلفوها بالعقيدة الصحيحة وإخراجها للناس. الثاني: جمع المنثور من التفسير من كتب الأئمة الذين اتبعوا منهج السلف، وعُرفوا بحبه والتمسك به. 2- رأيت من بعض المعاصرين الشغف بإخراج تراث بعض الفرق الضالة والدعوة إليها1 وهذا تهديد لحصوننا من داخلها وزيادة لجراحنا النازفة، فلعل جمع تفسير من عرف بالتصدي لتلك الفرق مما يدفع الله به الفساد، والله تعالى يقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} 2 3- هناك محاسن كثيرة تميز بها تفسير الإمام ابن أبي العز، دعتني إلى استخراجه والتعليق عليه، وقد ذكرتها تفصيلاً في خاتمة هذا البحث. 2- خطة البحث: تقع خطة هذا البحث في قسمين وخاتمة وفهارس القسم الأول: مقدمة وتعريف (وفيه عنصران)
العنصر الأول: مقدمة، تشمل: أسباب اختيار الموضوع، والخطة التي يقوم عليها البحث، والمنهج المتبع في إخراجه. العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز. يشتمل علي: اسمه ونسبه وولادته، ونشأته وشيوخه وتلاميذه، ومذهبه في العقيدة والفقه، ومؤلفاته والمناصب العلمية التي وليها، ووفاته رحمه الله تعالى. القسم الثاني: عرض تفسير الإمام ابن أبي العز، مرتباً على سور القرآن الكريم وآياته، موشى بالتعليقات اللازمة. الخاتمة: في ذكر بعض محاسن تفسير الإمام ابن أبي العز الفهارس: وتشمل (فهرس الآيات، والمراجع، ومواضع البحث) . 3 - المنهج المتبع في إخراج البحث: 1- جمعت كتب المؤلف واستخرجت التفسير منها، ورتبته على سور القرآن الكريم وآياته. 2- إذا أورد المؤلف أكثر من آية في مكان واحد، ثم ذكر تفسيراً واحداً يناسب هذه الآيات، جعلت ذلك في السورة التي ذكر أول آية منها، وإذا ساق المؤلف عدداً من الآيات - في مكان واحد - لكل آية معنى يختلف عن معنى الآية الأخرى، جعلت كل آية في سورتها. 3- عندما استخرجت هذا التفسير فإنني لم أنقل إلا ما قصد به المؤلف تفسير الآية؛ ولهذا لم أتعرض للآيات التي يذكر المؤلف شيئاً مما يوافق معانيها دون إيراد نصها. 4- خرّجت الأحاديث والآثار من مصادرها المعتمدة، مع ذكر الحكم على الحديث أو الأثر إن لم يكن في الصحيحين، أو في أحدهما، وأنا مسبوق في الحديث من قبل الأساتذة الّذين حققوا شرح العقيدة الطحاوية. 5- الآيات التي فسرها المؤلف أشرت إلى سورتها ورقمها في الحاشية،
وإذا تكررت في أثناء تفسير الآية لم أُشر إليها مرة أخرى، وقد أُشير أحياناً. 6- شرحت الغريب، وضبطت بالشكل ما رأيت أنه يحتاج إلى ضبط وعرّفت ببعض الفرق والأعلام ووثّقت جميع نقولات المؤلف في التفسير والقراءات وغير ذلك، وأشرت إلى المراجع التي وافقت المؤلف فيما قَال أو نقل. 7- أشرت إلى الكلام المحذوف بوضع ثلاث نقاط، وإلى المدخل الّذي ليس للمؤلف بوضعه بين معكوفين. 8- ناقشت ما يحتاج إلى مناقشة، وبينت ما يحتاج إلى بيان من الأقوال أو المعاني التي ذكرها المؤلف. 9- عرفت بالمؤلف وصنعت خاتمة للبحث وفهارس للآيات والمراجع ومواضع البحث.
العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز
العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز 1-اسمه ونسبه وولادته أ-اسمه ونسبه: هو علي بن علي بن محمد بن محمد ابن أبي العز1 بن صالح ابن أبي العز بن وهيب بن عطاء بن جُبير بن جابر بن وهيب، الأذرعي - الأصل - الدمشقي2، يلقب بصدر الدين3. ب- ولادته: ولد في الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة4، سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة5، في الصالحية من مدينة دمشق6. 2- نشأته وشيوخه وتلاميذه: أ- نشأته: نشأ المؤلف في ظل أُسرة ذات نباهة في العلم، ومكانة في المجتمع، فأبوه كان قاضياً، وكذلك جده7. وأبو جده (محمد) كان أحد أساتذة المدرسة المرشدية8، وأولاد عمومته منهم القاضي9، ومنهم
المفتي1، ومنهم المدرس2. ب- شيوخه: لا تجود علينا كتب التراجم، ولو بيسير في هذا الجانب، والذي أستطيع أن أقول في هذه الناحية وأنا مسبوق إليه3: إن الإمام صدر الدين ابن أبي العز قد تركت فيه كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه أعظم الأثر، فهما الشيخان الموجهان لحياة هذا الإمام، وقد صرح باسم الإمام ابن كثير في أكثر من موضع في شرح العقيدة الطحاوية، ووصفه بأنه شيخه4، ويترجح عند بعض الباحثين بأنه كان يتصل بالإمام ابن القيم ويستفيد منه مشافهة5، فأمّا نقله من كتبه فكثير جداً، خصوصاً في شرح العقيدة الطحاوية6. وهناك شيخ آخر لابن أبي العز ذكره في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية7، هو: إبراهيم بن علي بن أحمد الطرسوسي، أحد العلماء على مذهب الإمام أبي حنيفة، وتوفي بدمشق سنة 758 ?8. وأما دراسة ابن أبي العز الأولية فلم أظفر بشيء عنها ولكن يبدو أنها كانت على يدي والده، وفي المدراس التي تهتم بدراسة المذهب الحنفي. ج- تلاميذه: لا نشك في أن لهذا الإمام تلاميذاً، ولكن لم تتفضل علينا كتب التراجم بشيء في ذلك؛ إلاّ ما ذكره الإمام السخاوي في بعض
كتبه1 أن ابن الديري واسمه سعد بن محمد بن عبد الله أحد قضاة الحنفية ت: 867 قد أجاز له ابن أبي العز. 3- مذهبه في العقيدة والفقه أ- في العقيدة: الإمام ابن أبي العز مشى على مذهب السلف في جميع المباحث العقدية، وحسبك في إثبات هذه الحقيقة - التي هي أوضح من الشمس في رابعة النهار - أمران. الأول: ما سطره في شرحه للعقيدة الطحاوية، فقد تناول في هذا الكتاب جل المباحث العقدية بمنهج سلفي رصين، حتى غدا هذا الكتاب أحد الدعائم التي تعتمد عليها الجامعات الإسلامية في تدريس مادة التوحيد. الثاني: اعتراضه على بعض شعراء أهل زمانه2، عندما مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة، وقع فيها بعض الأخطاء العقدية فبيَّن الإمام ابن أبي العز تلك الأخطاء، ونبَّه عليها، فلم يعجب ذلك بعض أهل زمانه ممن ينتحل العلم، وشغَّبوا عليه بهذه المسألة فامتحن بسببها وأُدخل السجن، وأوذي3. ب- أما مذهبه في الفقه: فهو حنفي4، يزن أقوال الأئمة بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة. ولقد وضع لنفسه منهجاً قويماً قاده إلى
باب الإمامة، وجعل أبحاثه في غاية الدقة والمتانة، بعد توفيق من الله ورعايته نص عليه في كتابه الإتباع فقال: "فالواجب على من طلب العلم النافع أن يحفظ كتاب الله ويتدبره، وكذلك من السنة ما تيسر له، ويتضلع منها ويتروّى، ويأخذ معه من اللغة والنحو ما يصلح به كلامه، ويستعين به على فهم الكتاب والسنة، وكلام السلف الصالح - في معانيها - ثم ينظر في كلام عامة العلماء: الصحابة، ثم مَنْ بعدهم، ما يتيسر له من ذلك من غير تخصيص، فما اجتمعوا عليه لا يتعداه، وما اختلفوا فيه نظر في أدلتهم من غير هوى ولا عصبية، ثم بعد ذلك من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً"1. 4- مؤلفاته والمناصب العلمية التي وليها: أ- مؤلفاته: له عدة مؤلفات وقفت عليها جميعاً إلاّ واحداً، وكلها قوية - أعني ما وقفت عليه - في موضوعها ومضمونها، وإليك الحديث عنها بإيجاز. شرح العقيدة الطحاوية2: وهو شرح نفيس تضمن أبحاثاً دقيقة عميقة، وتحقيقات بديعة متقنة في العقيدة الإسلامية، على منهج السلف3 بل إنه لم يترك مبحثاً مهماً من مباحث العقيدة، وإلا وطرقه بإطناب، وقد حُقّق
1- الكتاب عدة تحقيقات، وطُبع عدة طبعات كان أول هذه التحقيقات والطبعات قبل سبعين سنة، وقد استوفى الكلام على هذه الطبعات التركي والأرنؤوط، في تحقيقهما لهذا الشرح1، الذي هو أفضل التحقيقات والطبعات فيما رأيت، وعليه اعتمدت في نقل النصوص التفسيرية، وإن كان لا يسلم من ملاحظات، والكمال لله وحده2. 2- الإتباع3: يقع هذا الكتاب في (110) صفحات من الحجم المتوسط، له أكثر من طبعة، والتي وقفت عليها هي الطبعة الثانية في عمان، سنة 1405هـ بتحقيق محمد عطا الله، وعاصم بن عبد الله، والكتاب رد على رسالة ألفها معاصره محمد بن محمود بن أحمد الحنفي المعروف بالبابرتي (ت: 786هـ) يرجح فيها تقليد مذهب أبي حنيفة على غيره من المذاهب، فكان لابن أبي العز معه وقفات موفقة أعاد فيها الحق إلى موضعه، فيما زل فيه البابرتي، والعصمة لله وحده، ثم لرسوله صلى الله عليه وسلم. 3-رسالة في الفقه: مضمونها جواب عن ثلاثة أسئلة وجهت إلى المؤلف. الأول: أن جماعة من الحنفية يتحرجون من الصلاة خلف من يرفع يديه في أثناء الصلاة. والثاني: أنهم إذا صلوا الجمعة خلف إمام الحي ينهضون عند سلامه ويقيمون الصلاة، ويصلون الظهر؛ لأن هذه الصلاة لا تصح عندهم إلا في مصر جامع، والثالث: أن بعضهم يتحرز من ماء الوضوء الذي يسقط من أعضاء الوضوء، لظنهم أنه نجس. وقد أجاب المؤلف عن هذه الأسئلة بما استغرق خمس لوحات،
غير لوحة العنوان، وقد قام بتحقيقها الطالب مسعود عالم بن محمد.1 والمسلمون بحاجة إلى ما فيها من علم، خصوصاً في زماننا هذا الذي جعل فيه العوامُ - وأشباههم ممن ينتحل العلم - هذه الخلافات الفرعية سبيلاً إلى تفريق هذه الأمة، وزيادتها وهناً على وهن. 4-كتاب التنبيه على مشكلات الهداية2: نسبه إليه الإمام السخاوي3 وغيره4. والمؤلف يعني بالهداية، كتاب الهداية لمؤلفه على بن أبي بكر المرغيناني (ت: 593 هـ) . وكتاب التنبيه يحتوي على علم غزير يشهد لمؤلفه بالإمامة والرسوخ في علم الفقه المقارن، وكذلك في علمي الأصول والحديث، إلا أنه تحامل على صاحب الهداية، فلم ينصفه في بعض المواطن. والكتاب حُقق في رسالتي ماجستير، وذلك بقسم الفقه في كلية الشريعة، بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 5- النور اللامع فيما يعمل به في الجامع: نسبه إليه إسماعيل باشا، والزركلي، وكحالة5، ويعني بالجامع، جامع بني أمية بدمشق6، ولم أقف على ذات الكتاب
بعد البحث والمحاولة، وسؤال أهل الخبرة، ولازال الأمل موجوداً والبحث جارياً. ب- المناصب العلمية التي وليها: ذكرت كتب التاريخ أنه تولى التدريس والخطابة والقضاء. 1- التدريس: درَّس في عدد من المدارس الحنَفية، منها (القيمازية) في سنة 748هـ1، والمدرسة الركنية سنة 777هـ2، والمدرسة العزية البرانية في ربيع الآخر سنة 784هـ، ودرس بالمدرسة الجوهرية3. 2- الخطابة: تولى الخطابة في جامع الأفرم بدمشق4، وتولى الخطابة أيضاً بحسبان5، وهي بلدة تقع جنوب عمَّان6. 3- القضاء: ولي قضاء الحنفية بدمشق في آخر سنة 777هـ، نيابة عن ابن عمه نجم الدين، الذي نقل إلى قضاء مصر سنة 777هـ7، ثم استعفى نجم الدين من القضاء فأعفي، وولي مكانه ابن أبي العز، فباشر القضاء شهرين وأياماً، ثم استعفى فأُعفي8، وعاد إلى دمشق، يدرس ويخطب9.
5- وفاته: توفي رحمه الله تعالى في ذي القعدة، سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون في بلدة دمشق1.
سورة الفاتحة
القسم الثاني: تفسير الإمام ابن أبي العز، ويشمل السور والآيات التالية سورة الفاتحة [قوله تعالى] : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1… {الدِّينِ} الجزاء2، يقال: كما تدين تدان. أي: تُجازي تُجازى… قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 {جَزَاءً وِفَاقاً} 4 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} 5 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 6 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 78. [قوله تعالى] : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 9 إذا هداه هذا الصراط، أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة. لكن الذنوب هي لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الطعام والشراب، ليس كما يقوله بعض المفسرين: إنه
قد هداه، فلماذا يسأل الهدى؟ وأن المراد التثبيت، أو مزيد الهداية1. بل العبد محتاج إلى أن يُعلِّمه الله ما يفعله من تفاصيل أحواله، وإلى ما يتركه من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهمه أن يعمل ذلك، فإنه لا يكفي مجرّد علمه، إن لم يجعله مريداً للعمل بما يعلمه، وإلاَّ كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً، والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادراً على العمل بتلك الإرادة الصالحة2، فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله، فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامّة، فمن كملت له هذه الأمور، كان سؤاله سؤال تثبيت3، وهي آخر الرتب. وبعد ذلك كله هداية أخرى، وهي الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة4؛ ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة، لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء5، فيجب أن يعلم أن الله بفضل رحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر، فقد بيَّن القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله، وأن الحسنات كلها من الله تعالى6.
[وقال أيضاً قوله تعالى] : { ... صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين َ} … ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضآلُّون" 1.
سورة البقرة
سورة البقرة [قوله تعالى: {الم} 2] ... وقعت الإشارة بالحروف المقطَّعة في أوائل السور، أي: أنه في أسلوب كلامهم، وبلغتهم التي يتخاطبون بها، ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن3؟، كما في قوله تعالى: {الم ذَلِك َ
الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 1. {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ} 2 الآية {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} 3 {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} 4. وكذلك الباقي يُنبِّههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه، بل خاطبكم بلسانكم5. [قوله تعالى] : {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} 6وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} 7 ... هذا مرض الشبهة وهو أردأ من مرض الشهوة؛ إذ مرض الشهوة يُرجى له الشفاء بقضاء الشهوة، ومرض الشبهة لا شفاء له، إن لم يتداركه الله برحمته8.
.. قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} 1 ... المراد المقارنة بالفعل، وهي الصلاة جماعة؛ لأن الأمر بالصلاة قد تقدم، فلا بد من فائدة أُخرى. وتخصيص الركوع؛ لأن بإدراكه تدرك الصلاة، فمن أدرك الركعة أدرك السجدة2. [قوله تعالى] : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} 3 والأماني: التلاوة المجردة4 أي: إلاَّ تلاوة من غير فهم معناه. وليس هذا كالمؤمن الذي فهم ما فهم من القرآن فعمل به، واشتبه عليه بعضه، فوكل علمه إلى الله، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" 5 فامتثل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم6. قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 7 أي: صلاتكم إلى بيت المقدس8
سميت إيماناً مجازاً1؛ لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلالتها على الإيمان؛ إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمناً؛ ولهذا يُحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا2. ... عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 3 فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة. قالت بئسما قلت ياابن أختي، إن هذه الآية لو كانت على ما أوّلتها كانت: لا جناح عليه ألا يطوّف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يُهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أنطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية1 ... [قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 2] ... لمَّا قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قال بعده: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني: هب أن إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} 3 وقد اعترض صاحب المنتخب4 على النحويين في تقدير الخبر في {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فقالوا: تقديره لا إله في الوجود إلا الله. فقال: يكون ذلك نفياً لوجود الإله، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصِّرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره، والإعراض عن هذا الإضمار أولى5. وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي6 في ((ري الظمآن)) فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإن ((إله)) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم ((لا)) وعلى التقديرين، فلابد من خبر للمبتدأ،
وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد. وأما قوله: إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية، فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية هو نفي الوجود لا تتصور الماهية إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية، ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة1 فإنهم يثبتون ماهية عارية من الوجود. و ((إلا الله)) مرفوع، بدلاً من ((لا إله)) لا يكون خبراً لـ ((لا)) ، ولا للمبتدأ، وذكر الدليل على ذلك2.
وليس المراد هنا ذكر الإعراب، بل المراد دفع الإشكال الوارد على النحاة في ذلك، وبيان أنه من جهة المعتزلة، وهو فاسد؛ فإن قولهم: ((في الوجود)) ليس تقييداً؛ لأن العدم ليس بشيء؛ قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} 1. ولا يقال: ليس قوله: ((غيره)) كقوله: ((إلا الله)) ؛ لأن ((غيراً)) تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد ((إلا)) فيكون التقدير للخبر فيهما واحداً؛ فلهذا ذكرتُ هذا الإشكال وجوابه هنا2. ذُكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان فأنزل الله هذه الآية {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} 3 الآيات4. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} 5 إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب6، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا} إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 1. ... قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} 2 الآية ... معنى { {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} فرض عليكم وألزمكم3 ... قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} 4قيل: معناه لا يطيقونه5 هذا التقدير على قول من قال من النحاة: بتقدير (لا) في مثل قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 6 والمبرد وغيره يأبون ذلك ويقدرون فيه كراهية أن تضلوا. وقولهم أولى؛ لأن تقدير العامل المناسب أولى من تقدير حرف النفي، مع أنه ليس قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} نظير قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 7 لأن هنا قرينة تدل على المقدر وهي قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ} وليس في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ما يدل عليه ولا يجوز في مثله تقدير ما لايدل عليه من اللفظ دليل. وإلا لم يثق أحد بنص مثبت لاحتمال أن تكون (لا) مقدرة فيه. وقيل: معناه كانوا يطيقونه أي في حال الشباب فعجزوا عنه بعد الكبر، والآخر ظاهر
الضعف. وأقوى منه ما روى البخاري في صحيحه عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ (وعلى الذي يطوقونه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً1. مع أن هذه القراءة يمكن أن ترد إلى معنى القراءة الأخرى فإن معنى (يطوَّقونه) يكلفونه. وأكثر السلف على أن الآية منسوخة. عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} متفق عليه2. وأخرجه البخاري أيضاً عن ابن عمر3 وأخرج أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أصحاب محمد أنهم قالو ذلك4. وحكى البغوي عن قتادة أنها خاصة في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم لكنه يشق عليه، رخص له أن يفطر ويفتدي ثم نسخ5. وحكي أيضا عن الحسن أن هذا في المريض الَّذِي به ما يقع اسم المرض وهو مستطيع للصوم، خُيّر بين أن يصوم وبين أن يفطر ويفدي ثم نسخ6.
وإذا عرف هذا فالمسألة مسألة نزاع بين الصحابة رضي الله عنهم. ومن ادعى النسخ معه زيادة إثبات. كيف وهو قول جمهور الصحابة؟ ولعل قول ابن عباس رضي الله عنهما عن اجتهاد، وقول غيره عن نقل وهو الظاهر، فإن النسخ كان قبل ابن عباس رضي الله عنهما1. ... قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 2شاة. وعليه جمهور العلماء3، وجماعة الفقهاء4. ... قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 5المخاطبون بالنهي هم المحرمون، والضمير في قوله:"رؤوسكم" عائد إليهم، أي: لا يحلق بعضكم رؤوس بعض، كما في قَوْله تَعَالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ} 1 الآية، وفي قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 2 وفي قوله: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 3 هذا هو الظاهر في الآيات كلها، وإن كانت تحتمل أن المحرم لا يحلق رأس نفسه، أو لا يُمكّنُ من يحلقه، أو أن أحداً منكم لا يقتل نفسه، وأن من تمام توبتكم يا بني إسرائيل إن كل إنسان منكم يقتل نفسه، لكنه خلاف الظاهر، والقول بشمول كل من الآيات للمعنيين أحسن4. ... قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} 5… البغي مجاوزة الحد6 ... قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 7قال مجاهد: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} حتى ينقطع الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} اغتسلن بالماء8.
قال أهل التفسير في قوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 أي مطيعين. قاله الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاوس2.ويشهد لذلك قوله تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} 3 وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} 4 وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} 5 وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} 6 وقوله تعالى {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} 7. وقال أيضاً القيام المذكور في الآية ليس المراد به انتصاب القامة، بل المراد به فعل المأمور به، وأن يكون على وجه الطاعة لله، والإمتثال لأمره، فإن الرجل يقوم بأشياء ويكون هو قائم بأمر على وجه الطاعة تارة، وعلى وجه المعصية أخرى فأمروا أن يقوموا لله بما أمرهم به حال كونهم طائعين ... ويحتمل أن يكون المراد بالقيام لله في الآية الصلاة بخصوصها8، ويكون المعنى: {حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} بالصلاة قانتين فيها {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} فإن قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قد ذكرت الصلاة قبله وبعده، فكان الظاهر إرادة الصلاة هنا بخصوصها، وأما إرادة القيام في الصلاة بمجرده من هذه الآية فغير ظاهر1. [قوله تعالى] : {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 2 {لا يَؤُودُهُ} أي: لا يكرثه3 ولا يثقله ولا يعجزه4. فهذا النفي لثبوت كمال ضده، وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده5، كقوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} 6 لكمال عدله، {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي
الأَرْضِ} 1 لكمال علمه، وقوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} 2 لكمال قدرته. {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} لكمال حياته وقيُّوميته. {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} 3لكمال جلاله وعظمته وكبريائه، وإلاَّ فالنفي الصِّرف لا مدح فيه، ألا يُرى أن قول الشاعر4: قُبَيِّلةٌ لا يَغْدِرُونَ بذمةٍ ... ولا يَظْلِمُونَ النَّاس حَبَّةّ خَرْدَلِ لمَّا اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده، وتصغيرهم بقوله ((قُبيِّلة)) عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم، لا كمال قدرتهم. وقول الآخر5: لَكِنَّ قّوْمِي وإنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ ... لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هَانَا لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم، عُلم أن المرادعجزهم وضعفهم أيضاً6. واعلم أن هذين الاسمين أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن معاً في ثلاث سور7 كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: إنهما
الاسم الأعظم1، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه، ويدل القيوم على معنى الأزلية، والأبدية2 ما لا يدل عليه لفظ القديم، ويدل أيضاً على كونه موجوداً بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود. و ((القيوم)) أبلغ من ((القيام)) ؛ لأن الواو أقوى من الألف، ويفيد قيامه بنفسه، باتفاق المفسرين وأهل اللغة3، وهو معلوم بالضرورة. وهل تفيد إقامته لغيره وقيامه عليه؟ فيه قولان. أصحهما: أنه يفيد ذلك4، وهو يُفيد دوام قيامه وكمال قيامه؛ لما فيه من المبالغة، فهو سبحانه لا يزول، ولا يأفل5؛ فإن الآفل قد زال قطعاً، أي: لا يغيب، ولا ينقص، ولا يفنى، ولا يَعْدَمُ، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال. واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على بقائها ودوامها، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلاً وأبداً؛ ولهذا كان قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ} أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم1. فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما يرجع معانيها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة. وأما القيوم، فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، المقيم لغيره، فلا قيام لغيره إلا بإقامته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام2. وأما ((الكرسي)) … [ف] 3 قد قيل: هو العرش4، والصحيح أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش، والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} أنه قال: "لكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قَدْرَه إلا الله تعالى".5وقد
رُوي مرفوعاً1، والصواب أنه موقوف على ابن عباس. وقال السدي: "لسماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش"2. وقال ابن جرير: قال: أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض"3. وقيل كرسيه علمه. ويُنْسب إلى ابن عباس4. والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة، كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش.
وإنما هو كما قال غير واحد من السلف:بين يدي العرش1، كالمرقاة إليه2. ... قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} 3.... الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر4. [وقال أيضاً] …: قال: ابن الأنباري5: أي: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه، قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أُطيق النظر إليك، وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه6.
سورة آل عمران
سورة آل عمران ... قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 7 فيها
قراءتان1: قراءة من يقف على قوله: {إِلاَّ اللَّهُ} ، وقراءة من لا يقف عندها2، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد مَنْ وقف على قوله: {إِلاَّ اللَّهُ} أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك3، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله"4 ولقد صدق رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري وغيره5. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد. قال
مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس، من أوله إلى آخره، أقفه عند كل آية وأسأله عنها"1. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن، ولم يقل عن آية: إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله. وقول الأصحاب - رحمهم الله - في الأصول: إن المتشابه الحروف المقطَّعة في أوائل السور2،ويُروى هذا عن ابن عباس3.مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس4، فإن كان معناها معروفاً، فقد عُرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفاً، وهي المتشابه، كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب. وأيضاً فإن الله قال: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادين5. قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1… عبارات السلف في ((شهد)) تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار2. وهذه الأقوال كلها حق، لا تنافي بينها، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه. فلها أربع مراتب. فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلمه بذلك، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه، ويذكرها، وينطق بها، أو يكتبها. وثالثها: أن يُعلم غيره بها بما يشهد به، ويخبره به، ويبينه له. ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمُرَه به. فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية، والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به. فأما مرتبة العلم، فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهداً بما لا علم له به، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3 وقال صلى الله عليه وسلم: "على مثلها فاشهد" 4 وأشار إلى الشمس. وأما مرتبة التكلم
والخبر، فقال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} 1 فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل مُعْلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقوله، وتارةً بفعله؛ ولهذا كان من جعل داره مسجداً، وفتح بابها، وأفرزها بطريقها، وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معلماً أنها وقف، وإن لم يتلفظ به … وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله، فكما قال ابن كيسان2: شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه، أنه لا إله إلا هو3. وقال آخر4: وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} 5 فهذه شهادة منهم على أنفسهم
بما يفعلونه. والمقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه، ودَلالتها إنما هي بخلقه وجعله. وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به …فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به، وقضى وأمر، وألزم عباده به، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} 1 وقال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 2 وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} 3 وقال تعالى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} 4 وقال: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} 5. والقرآن كله شاهد بذلك6 ... ... لما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} ... 7 دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال لهم: "اللهم هؤلاء أهلي" 8. [قوله تعالى:] { ... آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 9وذلك؛ لأن الجهال، يقولون: ما رجع هؤلاء عن دينهم الذي
صاروا إليه إلاَّ بعد أن ظهر لهم بطلانه1. [قوله تعالى:] {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} 2 فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد: أنه لا يكلمهم تكليم تكريم، هو3 الصحيح4؛ إذ قد أخبر في الآية الآخرى أنه يقول لهم في النار {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} 5 فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين، لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً6. ... وإنما تكون (من) للتبعيض إذا صلح في موضعها (بعض) كما في قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 7 فإنه يصح في موضعها بعض،
وقد قُرئ شاذاً {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 1. ... قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 2 وقوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} 3 وأما الحياة التي اختص بها الشهيد، وامتاز بها عن غيره ... فهي أن الله تعالى جعل أرواحهم في أجواف طير خضر، كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم - يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب مذللة4 في ظل العرش" الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود5، وبمعناه في حديث ابن مسعود، رواه مسلم6. فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداؤه فيه، أعاضهم منها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في
صورة طير، أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير1.
.. قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 ... المراد به النكاح الذي هو ضد السفاح، ولم يأت في القرآن النكاح المراد به الزنا قط، ولا الوطء المجرد عن عقد2. ... قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 3 ... عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس4 فلقي عدواً لهم فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكأن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 5. ... قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 6 ... المراد استطاعة الآلات والأسباب. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمران
.. قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 ... المراد به النكاح الذي هو ضد السفاح، ولم يأت في القرآن النكاح المراد به الزنا قط، ولا الوطء المجرد عن عقد2. ... قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 3 ... عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس4 فلقي عدواً لهم فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكأن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 5. ... قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 6 ... المراد استطاعة الآلات والأسباب. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمران
ابن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" 1 وإنما نفى استطاعة الفعل معها2. ... قوله تعالى: { ... لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 3 ... الاستثناء هنا منقطعاً4. ... قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 5نزلت في أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم حين قدَّموا رجلاً منهم في الصلاة، فصلى بهم وترك في قرآنه ما غير المعنى6. ... قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 7 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره: الجبت: السحر8.
.. قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} 1 كيف قال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ولم يقل (وأطيعوا أولي الأمر منكم) ؟؛ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول؛ لأنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر، فقد يأمر بغير طاعة الله فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله2.
قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} والمراد بالرد إلى الله الرد إلى كتابه، وبالرد إلى الرسول الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته1. ... قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2 أقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يُحكِّموا نبيه، ويرضوا بحكمه، ويسلموا تسليماً3. ... قال تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 4 ... فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ، وبين قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} ؟. قيل: قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الخِصب والجدب، والنصر والهزيمة، كلها من عند الله، وقوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} : أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك، كما قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 5 يدل على ذلك ما
رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قرأ: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وأنا كتبتها عليك"1. والمراد بالحسنة - هنا - النعمة، وبالسيئة البلية2، في أصح الأقوال. وقد قيل: الحسنة الطاعة، والسيئة المعصية3. وقيل: الحسنة ما أصابه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد4. والقول الأول شامل لمعنى القول الثالث. والمعنى الثاني ليس مراداً دون الأول - قطعاً - ولكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسه، مع أن الجميع مقدَّر، فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى، فتكون من سيئات الجزاء، مع أنها من سيئات العمل، والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، كما دل على ذلك الكتاب والسنة5.
وفي قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} من الفوائد: أن البد لا يطمئن إلى نفسه ولا يسكن إليها، فإن الشر كامن فيها، لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساؤوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع إلى الذنوب، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته. فبذلك يحصل له كل خير، ويندفع عنه كل شر؛ ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1. فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة2. ... قوله تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} 3 أي على القاعدين من أولي الضرر4، بدليل قول الله تعالى: {وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 5.
..قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} 1 ... المراد هو، أو من يقوم مقامه، كما في قوله تعالى2: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 3. ... في المسند أنه لما نزل قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} 4 قال أبو بكر يا رسول الله نزلت قاصمة الظهر، وأيُّنا لم يعمل سوءاً؟. فقال "يا أبا بكر، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به" 5.
قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} 1 ... الخلة كمال المحبة2، وأنكرت الجهمية3 حقيقة المحبة من الجانبين، زعماً منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمُحْدَث توجب المحبة4. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} 5 ... شهادة المرء على نفسه هي إقراره بالشيء6 ... ليس إلا، وليس المراد أن يقول: أشهد على نفسي بكذا، بل من أقر بشيء فقد شهد على
نفسه به1.
سورة النساء
سورة النساء في الصحيحين أن عروة سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} إلى قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 2 قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينقص من صداقها فنهوا عن نكاحها إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن. قالت عائشة: فاستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إلى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 3 فبين لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء، قال وكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلاَّ أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق"4. ... قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 5 ... المذكور في هذه الآية الكريمة حرف أو، وهو لأحد المذكورين، أي: لا ميراث إلاّ من بعد إخراج الوصية، إن كان ثم وصية، أو إخراج الدين إن كان ثم دين6.
سورة المائدة
سورة المائدة [قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1] ... لفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة، فإن المسح كما يُطلق ويراد به الإصابة، كذلك يطلق ويراد به الإسالة، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة2. وفي الآية ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل، بل المسح الذي الغسل قسم منه، فإنه قال: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، ولم يقل: إلى الكعاب، كما قال: {إِلَى الْمَرَافِقِ} فدلّ على أنه ليس في كل رجل كعب واحد، كما في كل يد مرفق واحد، بل في كل رجل كعبان، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين، وهذا هو الغسل، فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين، وجعل الكعبين - في الآية - غاية يرد قولهم3. فدعواهم4 أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين اللذين هما مجتمع الساق والقدم عند معقد
الشراك مردود بالكتاب والسنة. وفي الآية قراءتان مشهورتان النصب والخفض1، وتوجيه إعرابهما مبسوط في موضعه2، وقراءة النصب نص في وجوب الغسل؛ لأن العطف على المحل إنما يكون إذا كان المعنى واحداً، كقوله3: ... ... ... ... ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا وليس معنى مسحت برأسي ورجلي، هو معنى مسحت رأسي ورجلي، بل ذكر الباء يفيد معنى زائداً على مجرد المسح، وهو إلصاق شيء من الماء بالرأس4،
فتعين العطف على قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} 1 ... وفي ذكر المسح في الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجلين، فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً2. [وقال أيضاً] : قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} 3 ... (من) هنا للتبعيض، لا للغاية4. أي: ألصقوا بوجوهكم وأيديكم بعضه. قال الزمخشري في الكشاف5: فإن قلت: قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض. قلت: هو كما تقول6، والإذعان للحق خير من المراء. انتهى7. ... قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 8 ... ذكر في سبب نزول الآية الكريمة عن ابن جريج، عن عكرمة أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالماً مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم في صحابة تبتلوا، فجلسوا في
البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح1، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الاختصاء، فنزلت فيهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "إن لأنفسكم عليكم حقاً، وإن لأعينكم حقاً، صوموا وأفطرواً، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا". فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت2. قال تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} 3 {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} 4 {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} 5 لا خلاف أن كل واحد من الاسمين في هذه الآيات لما أُفرد شمل المقل والمعدم، ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 6 الآية، كان المراد بأحدهما
المقل، والآخر المعدم1، على خلاف فيه2. وكذلك الإثم والعدوان، والبر والتقوى، والفسوق والعصيان. ويقرب من هذا المعنى الكفر والنفاق، فإن الكفر أعم، فإذا ذكر الكفر شمل النفاق، وإن ذكرا معاً كان لكل منهما معنى، وكذلك الإيمان والإسلام، على ما يأتي الكلام فيه، إن شاء الله تعالى3. ... قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 4 ... هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرَّم الخمر، وكان تحريمها بعد وقعة أُحد، قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية5، بيَّن
فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يُحَرَّمْ فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين، كما كان من أمر استقبال بيت المقدس1. ... عن عمر رضي الله عنه في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} 2 قال: صيده ما اصطيد، وطعامه ما رُمي به. وقال ابن عباس رضي الله عنهما طعامه ميتته، إلا ما قذرت منها3. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدّاء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدموا بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي بن بدّاء فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} 4 رواه البخاري وأبو داود5.
سورة الأنعام
سورة الأنعام قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ} 1 قال غير واحد من السلف: لا يطيقون أن يروا الملك في صورته، فلو أنزلنا إليه ملكاً، لجعلناه في صورة بشر، وحينئذ يشتبه عليهم، هل هو بشر أو ملك2؟. ومن تمام نعمة الله علينا أن بعث فينا رسولاً منَّا3. ... قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 4 أي وأنذر من بلغه5.
.. في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لما نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ... } 1: "أعوذ بوجهك" {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: "هاتان أهون" 2. ... ذكر ... الخلال في كتاب السنة بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} 3. ... قوله تعالى في سورة الأنعام: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} 4 وقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} 5 الآيتان، وقوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} 6الآية فقد أمر الله سبحانه بالأكل مما ذكر اسم الله عليه، وعلق ذلك بالإيمان، وأنكر على من لم يأكل مما ذكر اسم الله عليه، ونهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه وقال:
{إِنَّهُ لَفِسْقٌ} وأن الأكل1 مما لم يذكر اسم الله عليه لفسق2. قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} 3 أي: كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان4. .... قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} 5فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه، وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، ونحو ذلك، واستمتاع الجن بالإنس تعظيمه إياه، واستعانته به، واستغاثته، وخضوعه له6. ... قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} 7 ...
الرسل من الإنس فقط، وليس من الجنِّ رسول، كذا قال مجاهد1 وغيره من السلف والخلف. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "الرسل من بني آدم ومن الجن نذر"2 وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 3 الآية، يدل على أن موسى مرسل إليهم أيضاً. والله أعلم. وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أنه زعم أن في الجن رسلاً، واحتج بهذه الآية الكريمة4، وفي الاستدلال بها على ذلك نظر؛ لأنها محتملة وليست بصريحة وهي والله أعلم كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 5 والمراد من أحدهما6.
.. قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} 1 ... يعود الضمير إلى المذكور كله، وهو الميتة والدم ولحم الخنزير؛ فإن الأصل: قل لا أجد فيما أوحي إليّ شيئاً محرماً، فحذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، ثم قال: إلا كذا وكذا، فإن هذا المذكور كله رجس، وإعادة الضمير إلى بعض المذكور فيه نظر2. ... قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 3 وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 4 فوحَّد لفظ "صراطه" و"سبيله" وجمع "السبل" المخالفة
له1. وقال ابن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: "هذه سبل، على كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} " 2 ... قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} 3 ... روى البخاري عند تفسير الآية، عن أبي هريرة، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل" 4. وروى مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أوَّل الآيات
سورة الأعراف
سورة الأعراف ... روى عكرمة عن ابن عباس في قوله: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} 3 قال: ولم يستطع أن يقول: من فوقهم؛ لأنه قد علم أن الله سبحانه من فوقهم4.
.. قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} 1كيف استوى؟ فقال2: الاستواء معلوم والكيف مجهول3. ويُروى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفاً4 ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم5. قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} 6 يخبر سبحانه أنه استخرج ذريّة بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين، وإلى أصحاب الشمال، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم7.
فمنها: ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان1 يعني عرفة أخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قُبُلاً 2 قال: {ألست بربكم قالوا: بلى، شهدنا} .. إلى قوله: {المبطلون} . ورواه النسائي أيضاً، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه3. وروى الإمام أحمد أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سُئل عن هذه الآية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها، فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون" فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل
الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخل به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار". ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن حبان في صحيحه1. وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً2 من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك؟ فرأى رجلاً منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربِّ من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود، قال: ربِّ كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: أي ربِّ زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم، جاء ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم، فنسيت ذريته، وخطىء آدم، فخطئت ذريته". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه3.
وروى الإمام أحمد أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي". وأخرجاه في الصحيحين أيضاً1. وفي ذلك أحاديث أُخر أيضاً كلها دالَّةٌ على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل النار وأهل الجنة2 ... وأما الإشهاد عليهم هناك، فإنما هو في حديثين موقوفين على ابن عباس وابن عمرو رضي الله عنهم. ومن ثَمَّ قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه3. ومعنى قوله "شهدنا": أي قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا. وهذا قول ابن عباس4 وأبي بن كعب5. وقال ابن عباس أيضاً: أشهد بعضهم على بعض6.
وقيل: "شهدنا" من قول الملائكة، والوقف على قوله "بلى". وهذا قول مجاهد والضحاك والسدي1. وقال السدي أيضاً: هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم2.والأول أظهر، وما عداه احتمال لا دليل عليه، وإنما يشهد ظاهر الآية للأول3. واعلم أن من المفسرين من لم يذكر سوى القول بأن الله استخرج ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم، كالثعلبي والبغوي4 وغيرهما.
ومنهم من لم يذكره، بل ذكر أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها الله فيهم، كالزمخشري1 وغيره. ومنهم من ذكر القولين، كالواحدي والرازي والقرطبي2 وغيرهم، لكن نسب الرازي القول الأول إلى أهل السنة، والثاني إلى المعتزلة3. ولا ريب أن الآية لا تدل على القول الأول أعني أن الأخذ كان من ظهر آدم وإنما فيها أن الأخذ من ظهور بني آدم4، وإنما ذكر الأخذ من ظهر آدم والإشهاد عليهم هناك في بعض الأحاديث، وفي بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة، وبعضهم إلى النار، كما في حديث عمر رضي الله عنه، وفي بعضها الأخذ وإراءة آدم إيّاهم من غير قضاء ولا إشهاد، كما في حديث أبي هريرة. والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل القول الأول موقوف على ابن عباس وابن عمرو5،
بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك إلى آخر كلامه1. وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول حديث أنس المخرج في الصحيحين، الذي فيه: "قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي" 2. ولكن قد رُوي من طريق أُخرى: "قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار" 3. وليس فيه (في ظهر آدم) وليس في الرواية الأولى إخراجهم من ظهر آدم على الصفة التي ذكرها أصحاب القول الأول. بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين: أحدهما: كون الناس تكلموا حينئذ، وأقروا بالإيمان، وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة. والثاني: أن الآية دلت على ذلك، والآية لا تدل عليه لوجوه: أحدها: أنه قال: {من بني آدم} ، ولم يقل: من آدم. الثاني: أنه قال: {من ظهورهم} ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض، أو بدل اشتمال4، وهو أحسن. الثالث: أنه قال: {ذريتهم} ولم يقل: ذريته. الرابع: أنه قال: {وأشهدهم على أنفسهم} أي جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولابد أن يكون الشاهد ذاكراً لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: {إنا كنا عن هذا غافلين} والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فُطروا عليها، كما قال تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} 1. السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: {إنا كنا عن هذا غافلين} ، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعاً ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم. السابع: قوله تعالى: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم} 2 فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: ألا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره. ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة. الثامن: قوله: {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} 3 أي: لو عذبهم بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه4 أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل.
التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليه بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} 1، فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: {أفي الله شك فاطر السماوات والأرض} 2. العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها، بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى، فإنها أدلة معينة على مطلوب معين، مستلزمة للعلم به فقال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون} 3، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يُولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا. والله أعلم. وقد تفطن لهذا ابن عطية4 وغيره، ولكن هابوا مخالفة ظاهر تلك الأحاديث التي فيها التصريح بأن الله أخرجهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم. وكذلك حكى القولين الشيخ أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات، ورجح القول الثاني، وتكلم عليه ومال إليه5.
… قوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} 1 قال ليث عن مجاهد: "هو الرجل يهم بالذنب، فيذكر الله فيدعه"2. والشهوة والغضب3 مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع، ثم قال تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} 4 أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي، ثم لا يقصرون5. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا الإنس تُقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم"6.
سورة الأعراف
سورة الأعراف ... سورة الأنفال قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} 1 ... الاستغفار تارة يُذكر وحده، وتارة يقرن بالتوبة، فإذا ذكر وحده دخل معه التوبة، كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار، فالتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة، وكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله2.
سورة التوبة
سورة التوبة ... قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 3 كانت عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفراً وربيع الأول وعشرين من ربيع الآخر. وهذا قول زفر حكاه عنه أبو بكر الرازي في أحكام القرآن4.
..قوله تعالى ... {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 1 ... أهل مكة كانت معايشهم من التجارات، وكان المشركون يأتونهم بالطعام ويتجرون فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقر وضيق العيش، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي فقراً وفاقة {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية2. [قوله تعالى:] {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} 3 رُوي عن حذيفة رحمه الله وغيره أنه قال: "لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم أحلوا لهم، وحرموا عليهم فاتبعوهم"4. وهذا المعنى قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، وحديثه في المسند والترمذي مطولاً5.
[قوله تعالى:] {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} 1 الآيتين ... أخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله وهو طاعة فلما كرهه منهم، ثبطهم عنه2، ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي كانت تترتب على خروجهم مع رسوله، فقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} أي: فساداً وشراً3 {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي: سعوا بينكم بالفساد والشر4 {يبغونكم الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} أي: قابلون منهم، مستجيبون لهم5، فيتولد من سعي هؤلاء، وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم
من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه1. … قال تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 الخلاق: النصيب، قال تعالى: {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 3، أي استمتعتم بنصيبكم من الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم4، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} ، أي: كالخوض الذي خاضوه، أو كالفوج، أو الصنف، أو الجيل الذي خاضوا5. وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض؛ لأن فساد الدين إمَّا في العمل، وإمَّا في الاعتقاد، فالأول من جهة الشهوات. والثاني من جهة الشبهات6. وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتأخُذَنَّ أمتي مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع" قالوا: فارس والروم؟ قال: "فمن الناس إلا أولئك" 7.
… قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1 ... والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم2، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة. وقيل: إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليس من فعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة3. … قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ …} 4 وأمّا ما5 رواه الفقيه أبو
الليث السمرقندي رحمه الله، في تفسيره عند هذه الآية، فقال: حدثنا الفقيه، قال: حدثنا محمد بن الفضل، وأبو القاسم السَّاباذي1، قالا: حدثنا فارس ابن مردويه، قال: حدثنا محمد بن الفضل بن العابد2، قال: حدثنا يحيي بن عيسى، قال: حدثنا أبو مطيع، عن حماد بن سلمة عن ابن المحزَّم3، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، الإيمان يزيد وينقص؟ فقال: "لا، الإيمان مكمل في القلب، زيادته ونقصانه كفر"4. فقد سُئل شيخنا عماد الدين ابن كثير رحمه الله تعالى عن هذا الحديث؟ فأجاب: بأن الإسناد من أبي الليث إلى أبي مطيع مجهولون لا يُعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة، وأما أبو مطيع، فهو: الحكم بن عبد الله بن مسلمة البلخي، ضعفه أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وعمرو بن علي الفلاس، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم الرازي، وأبو حاتم محمد بن حبَّان البُستي، والعُقيلي، وابن عَدي، والدارقطني، وغيرهم5. وأما أبو المُهزِّم، الراوي عن أبي هريرة وقد تصحف على الكاتب واسمه: يزيد بن سفيان، فقد ضعَّفه
أيضاً، غير واحد، وتركه شعبة بن الحجاج، وقال النسائي: متروك، وقد اتهمه شعبة بالوضع، حيث قال: لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثاً1.
سورة يونس
سورة يونس .... قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} 2 فالحسنى الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، كما روى مسلم في صحيحه عن صهيب، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً ويريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة" 3. ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أُخر، معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل4. وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم روى ابن
جرير عن جماعة، منهم: أبو بكر الصديق، وحذيفة، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، رضي الله عنهم1. قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ... } 2 الولي: من الولاية بفتح الواو التي هي ضد العداوة3. وقد قرأ حمزة: {مَا لَكُمْ مِنْ وِلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 4 بكسر الواو، والباقون بفتحها5. فقيل: هما لغتان، وقيل: بالفتح النصرة،
وبالكسر الإمارة1. قال الزجاج: وجاز الكسر؛ لأن في تولي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل، وكُلُّ ما كان كذلك مكسورٌ، مثل الخياطة ونحوها2. والولي: خلاف العدو، وهو مشتق من الولي، وهو الدنو والتقرب3، فولي الله: هو مَنْ والى الله بموافقته في محبوباته، والتقرب إليه بمرضاته، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 4. قال أبو ذر رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر لو عمل الناس بهذه الآية لكفتهم"5.
.. فـ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 1 منصوب على أنه صفة أولياء الله، أو بدل منه، أو بإضمار "أمدح"، أو مرفوع بإضمار "هم"، أو خبر ثان لإن، وأجيز فيه الجر، بدلاً من ضمير عليهم2. وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث، وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة، ولا تمزق3، ولا رياضة. وقيل: {الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ، والخبر {لَهُمُ الْبُشْرَى} 4 وهو بعيد؛ لقطع الجملة عما قبلها، وانتثار نظم الآية5.
سورة هود
سورة هود ... قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 1 أي: يتقدمهم2، ويستعمل منه الفعل لازماً ومتعدياً3، كما يُقال: أخذني ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا وهو يقدمه، ومنه سُمِّيت القدم قدماً؛ لأنها تقدم بقية بدن الإنسان4. قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 5 أي: غير مقطوع6، ولا يُنافي ذلك قوله: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} . واختلف السلف في هذا الاستثناء: فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أُخرج منها، لا لكلِّهم. وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف. وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل: هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه.
وقيل: "إلا" بمعنى (الواو) ، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف1. وسيبويه يجعل "إلا" بمعنى "لكن"، فيكون الاستثناء منقطعاً2، ورجحه ابن جرير وقال: إن الله تعالى لا خُلْف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي: سوى ما شئت، أولكن ما شئت من الزيادة عليه3. وقيل: الاستثناء لإعلامهم، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} 4 وقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} 5، وقوله: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 6 ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وقيل: إن "ما" بمعنى "من" أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء. وقيل غير ذلك7. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه،
وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} محكم، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} 1. وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 2. وقوله: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} 3. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} 4 وهذا الاستثناء منقطع5، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} تبين لك المراد من الآيتين. واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذاك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.6
سورة يوسف
سورة يوسف قال تعالى: ... {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} 1 أي: بمصدق لنا2. ... قال تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 3 فإن كان قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} معطوفاً على الضمير في "أدعو" فهو دليل على أن أتباعه هم الدعاة إلى الله، وإن كان معطوفاً على الضمير المنفصل فهو صريح في أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جاء به دون غيرهم، وكلا المعنيين حق4.
سورة هود
سورة هود ... سورة الرعد ... قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 5 ... في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين كانوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟. فيقولون: أتيناهم وهم
يصلون، وفارقناهم وهم يصلون"1. وفي الحديث الآخر: "إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم، وأكرموهم" 2. جاء في التفسير اثنان عن اليمين وعن الشمال، يكتبان الأعمال. صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وواحد أمامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلاً، حافظان وكاتبان3. وقال عكرمة، عن ابن عباس: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلَّوا عنه4.
ومعنى {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قيل: حفظهم له من أمر الله1، أي: الله أمرهم بذلك، يشهد لذلك قراءة من قرأ {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 2. قال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} 3 ... السماء العلو4، وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن5، والمزن السحاب، وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات6. ... قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ ُ
الْكِتَابِ} 1 ... المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة2 ... وقوله: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} اللوح المحفوظ3، ويدل على هذا الوجه4 سياق الآية، وهو قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ثم قال: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي: من ذلك الكتاب {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: أصله، وهو اللوح المحفوظ. وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه5، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول، وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه، بل من عند الله، ثم قال: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي: أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها، ثم تنسخ بالشريعة الأخرى، فينسخ الله ما
يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل، ويثبت ما يشاء. وفي الآية أقوال أُخرى1، والله أعلم بالصواب2.
سورة النحل
سورة النحل ... قال تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} 3 ... اختلفت عبارات المفسرين في المثل الأعلى4. ووفق بين أقوالهم بعض من وفقه الله وهداه، فقال: المثل الأعلى يتضمن الصفة العُليا، وعلم العالمين بها،
ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الرب تعالى بواسطة العلم والمعرفة، القائمة بقلوب عابديه وذاكريه. فهاهنا أمور أربعة: الأول: ثبوت الصفات العليا لله سبحانه، سواء علمها العباد أو لا، وهذا معنى قول من فسَّرها بالصفة. الثاني: وجودها في العلم والشعور، وهذا معنى قول من قال من السلف والخلف-: إنه ما في قلوب عابديه وذاكريه، من معرفته وذكره، ومحبته وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه. وهذا الذي في قلوبهم من المثل الأعلى لا يشركه فيه غيره أصلاً، بل يختص به في قلوبهم، كما اختص به في ذاته. وهذا معنى قول مَنْ قال من المفسرين: إن معناه أهل السماوات يُعظِّمونه ويُحبونه ويعبدونه، وأهل الأرض كذلك، وإن أشرك به من أشرك، وعصاه من عصاه، وجحد صفاته من جحدها، فأهل الأرض معظِّمون له، مجلون خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته وجبروته، قال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} 1. الثالث: ذِكرُ صفاته والخبر عنها وتنزيهها من العيوب والنقائص والتمثيل. الرابع: محبة الموصوف بها وتوحيده، والإخلاص له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وكلما كان الإيمان بالصفات أكمل كان هذا الحب والإخلاص أقوى. فعبارات السلف كلها تدور على هذه المعاني الأربعة2. (للبحث بقية)
سورة الإسراء
تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة القسم الثّاني هذا هو القسم الثّاني؛ من هذا البحث؛ الّذي استخرج فيه الباحثُ (تفسيرَ ابن أبي العزّ) من خلال مؤلّفاته، وجَمَعَه وعَلَّقَ حواشيَه. وكان القسم الأوّل منه نُشر في العدد الماضي (120) وكان يتضمّن تفسير الإمام ابن أبي العزّ؛ من أوّل سورة الفاتحة إلى آخر سورة النّحل، وسبق ذلك تقديمٌ تناول التّعريفَ بموضوع البحث، وأسباب اختياره، وخطّته، والتّعريف بابن أبي العزّ سورة الإسراء قوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق} 1 خص هذه الصورة بالنهي؛ لأنها هي الواقعة، لا لأن التحريم يختص بها2. قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} 3. فيها - للمتأخرين - قولان4. أحدهما: لاتخذوا سبيلاً إلى مغالبته. والثاني: - وهو الصحيح المنقول عن السلف، كقتادة5 وغيره، وهو الذي ذكره ابن جرير لم يذكر غيره6 -: لاتخذوا سبيلاً بالتقرب إليه، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} 7؛ وذلك أنه قال: {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُون} وهم
لم يقولوا: إن العالَم له صانعان، بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء، وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ الاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 1. قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ الاّ خَسَاراً} 2 و (من) في قوله: {مِنَ الْقُرْآنِ} لبيان الجنس، لا للتبعيض3.
سورة الكهف
سورة الكهف قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} 4 أي: يعلوه5.
سورة مريم
سورة مريم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا} 1 اختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور ما هو؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط2، قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} 3. وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة" قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ الاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} فقال:"ألم تسمعيه" قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} 4. أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود
النار لا يستلزم دخولها1، وأن النجاة من الشر لا يستلزم حصوله، بل يستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه، يقال: نجاه الله منهم؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً} 2 {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً} 3 {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً} 4 ولم يكن العذاب أصابهم، ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة، لأصابهم ما أصاب أولئك. وكذلك حال الواردين النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيّاً، فقد بيّن صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور: أن الورود هو المرور على الصراط. وروى الحافظ أبو نصر الوائلي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "علِّم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثاً برأيك". أورده القرطبي5. وروى أبو بكر بن أحمد بن سليمان النجاد، عن يعلى بن منية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقول النار للمؤمن - يوم القيامة -: جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي" 6.
سورة طه
سورة طه قوله: {فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} 1 قد فسره السلف بأن الظلم أن توضع عليه سيئات غيره، والهضم أن ينقص من حسناته2، كما قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3.
سورة الأنبياء
سورة الأنبياء قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} 4 النفش إنما يكون بالليل5
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 1معنى الآية: أحسن المصوِّرين المقدرين، والخلق يذكر ويُراد به التقدير2، وهو المراد هنا، بدليل قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 3 أي: خالق كل شيء مخلوق، فدخلت أفعال العباد في عموم (كل) 4. قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} 5 (زبراً) أي: كتباً6. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} 7 في المسند والترمذي، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟
قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه" 1. قال الحسن رضي الله عنه: عملوا والله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً2.
سورة النور
سورة النور قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 3 قدم الزانية في الذكر؛ لأنها هي المادة التي نشأت منها الجناية، لأنها لو لم تطمع الرجل، ولم تومض له، ولم تمكنه، لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلاً وأولاً في ذلك بدئ بذكرها، وبدئ بذكر الزاني في قول-هـ تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ الاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا الاّ
زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} 1 لأن هذه الآية مسوقة لذكر النكاح، والرجل أصل فيه؛ لأن-هـ هو الراغب والخاطب، ومنه يبدأ الطلب غالباً2، وأما الآية الأولى فسيقت لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة أصل فيها3. قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} 4 الخبيثات الزواني5.
سورة الفرقان
سورة الفرقان قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} 6 أي: مقيماً لازماً7.
سورة الشعراء
سورة الشعراء قوله تعالى: {آمَنْتُمْ لَهُ} 8أي: أصدقتموه. والضمير يعود إلى موسى قولاً واحداً. وأما {آمَنْتُمْ بِهِ} 9 فالضمير (به) يعود إلى رب العالمين؛ فإن
السحرة لما قالوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} 1 قال فرعون: {آمَنْتُمْ بِهِ} 2أي آمنتم برب العالمين. وقيل: إن الضمير في (به) يعود إلى موسى كما في قوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} 3 ولكن ليس معناها واحداً، بل في الإيمان به معنى زائد على الإيمان له4، وهو الطاعة والانقياد والإقرار، وكلا المعنيين يصح هنا؛ لأن موسى - عليه السلام - ادعى الرسالة لنفسه وهو صادق في دعواه فصح أن يقال: أصدقتموه في قوله؟، وأن يقال: أصدقتموه وأطعتموه وأقررتم به؟. بخلاف من يدعى الرسالة لغيره كمن قال: موسى رسول الله، صح أن يقال آمنت لمن قال هذا، ولا يقال: آمنت بمن قال هذا من المؤمنين. ففرق بين المتعدَّى بالباء، والمتعدّى باللام، فالأول يقال للمخبَر به والثاني يقال للمخبِر؛ ولهذا قال: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} 5 وقال تعالي - عن إخوة يوسف -: {ُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} 6 وفي هاتين الآيتين لا يصلح دخول الباء عوضاً عن اللام، فلا يقال: (ويؤمن بالمؤمنين) ولا (بمؤمن بنا) ؛ لأنه لا يصح أن يكون فيه معنى زائد على التصديق من الطاعة والانقياد والإقرار. والأصل أن كل حرف من حروف الجر
يستعمل بمعنى يخصه1. قوله - عن القرآن -: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الاوَّلِينَ} 2 أي: ذكره ووصفه والإخبار عنه3، كما أن محمداً مكتوب عندهم4. إذ القرآن أنزله الله على محمد، لم ينزله على غيره أصلاً؛ ولهذا قال (في الزبر) ، ولم يقل في الصحف، ولا في الرق؛ لأن الزَّبر جمع زبور، والزبر هو الكتابة والجمع5، فقوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الاوَّلِينَ} أي: مزبور الأولين، ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبيّن المعنى المراد، ويبيّن كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس، وهذا مثل قوله: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ} 6، أي: ذكره7، بخلاف قول-هـ. {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} 8 أو {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} 9 أو {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} 10؛ لأن العامل في الظرف إما أن
يكون من الأفعال العامة مثل الكون والاستقرار والحصول ونحو ذلك، أو يقدر: مكتوب في كتاب، أو في رق. والكتاب: تارة يذكر ويراد به محل الكتابة، وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب، ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب، وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه؛ فإن تلك1 إنما يُكتب ذكرها، وكلما تدبر الإنسان هذا المعنى وضح له الفرق2.
سورة النمل
سورة النمل قول-هـ تعالى - حكاية عن بلقيس -: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} 3 المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك4، وهذا القيد يُفهم من قرائن الكلام؛ إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك، غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها5. والعرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك6 وليس هو فلكاً، 4 انظر جامع البيان (19/446) ، ومعاني القرآن وإعرابه (4/115) ، ومعاني القرآن الكريم (5/125) فقد فسر مؤلفوها بهذا. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (181) . 6 انظر معاني القرآن وإعرابه (4/115) ، وتفسير غريب القرآن للسجستاني، ص (119) ، وتهذيب اللغة (1/413) (عرش) .
ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب1. قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} 2 يقول الله تعالى أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار3، يتضمن نفي ذلك، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله، فاحتج عليهم بذلك، وليس المعنى استفهام هل مع الله إله؟ كما ظنه بعضهم4؛ لأن هذا المعنى لا يُناسب سياق الكلام، والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أُخرى، كما قال تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ} 5، وكانوا يقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 6. ولكنهم ما كانوا يقولون: إن معه إلهاً {جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} 7 بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا، وهكذا سائر الآيات8.
سورة القصص
سورة القصص [قوله تعالى:] {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ} 1 النداء هو الكلام من بعد، فسمع موسى عليه السلام النداء من حافة الوادي، ثم قال: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} أي: أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة2، كما تقول: سمعت كلام زيد من البيت، يكون (من البيت) لابتداء الغاية3، لا أن البيت هو المتكلم، ولو كان الكلام مخلوقاً في الشجرة4 لكانت الشجرة هي القائلة: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 5. قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَه} 6 فمن كلامهم أن المراد كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك7،والجنة والنار خلقتا للبقاء
لا للفناء1، وكذلك العرش فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا ملكه2. وقيل: إلا ما أريد به وجهه3. وقيل: إن الله تعالى أنزل {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 4 فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَه} ؛ لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة - عند ذلك - بالموت5. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين
النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً1.
سورة السجدة
سورة السجدة قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} 2 لا تعارض هذه الآية قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} 3.وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} 4؛ لأن ملك الموت يتولى قبضها واستخراجها، ثم يأخذها منه ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب، ويتولّونها بعده، كل ذلك بإذن الله وقضائه وقدره وحكمه، فصحت إضافة التوفي إلى كل بحسبه6,5.
سورة الأحزاب
سورة الأحزاب قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} 7 هذا مرض
الشهوة1. قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} 2 الإسلام والإيمان إذا قرن أحدهما بالآخر كان المراد من أحدهما غير المراد من الآخر قال صلى الله عليه وسلم: "الإسلام علانية والإيمان في القلب" 3. وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه وقد قيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً؟. قال:"أو مسلماً"4 قالها ثلاثاً، فأثبت له اسم الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان، فمن قال: هما سواء كان مخالفاً5.
سورة سبأ
سورة سبأ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} 1 لم تستعمل (كافة) في كلام العرب إلا حالاً، واختلفوا في إعرابها في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها حال من الكاف في أرسلناك وهي اسم فاعل، والتاء فيها للمبالغة، أي: إلا كافاً للناس عن الباطل، وقيل: هي مصدر (كفَّ) فهي بمعنى كفّاً، أي: إلا أن تكفَّ الناس كفّاً، ووقوع المصدر حالاً كثير. الثاني: أنها حال من الناس، واعتُرض بأن حال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور، وأُجيب بأنه قد جاء عن العرب كثيراً، فوجب قبوله، وهو اختيار ابن مالك رحمه الله، أي: وما أرسلناك إلا للناس كافة. الثالث: أنها صفة لمصدر محذوف، أي: رسالة كافة، واعتُرض بما تقدم أنها لم تستعمل إلا حالاً2.
سورة فاطر
سورة فاطر قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتَابٍ} 3 قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: {مِنْ عُمُرِه} إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر، فيكون المعنى: ولا يُنقص من
عمر معمر آخر1. قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} 2 وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} 3 والأُجاج هو الذي مع كونه ملحاً مر4.
سورة يس
سورة يس قال تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 5 العرجون القديم الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم6.
قال تعالى: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} 1 عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا أبصارهم فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وهو قول الله تعالى: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم، ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، وتبقى بركته ونوره عليهم في ديارهم". رواه ابن ماجة وغيره2. قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} 3 جمع الأيدي ل-مَّا أضافها إلى ضمير الجمع، ليتناسب الجمعان اللفظيان للدلالة على الملك والعظمة، ولم يقل (أيدِيَّ) مضاف إلى ضمير المفرد، ولا (يَدَيْنا) بتثنية اليد مضافة إلى ضمير الجمع، فلم يكن قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} نظير قوله: {َ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 4.
سورة الصافات
سورة الصافات قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} 1 ومعنى جمع التأنيث في ذلك كله الفِرَق والطوائف والجماعات، التي مفردها فرقة، وطائفة، وجماعة2. قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 3. لا نقول: أن (ما) مصدرية، أي: خلقكم وعملكم؛ إذ سياق الآية يأباه؛ لأن إبراهيم عليه السلام إنما أنكر عليهم عبادة المنحوت، لا النحت، والآية تدل على أن المنحوت مخلوق لله تعالى، وهو ما صار منحوتاً إلا بفعلهم، فيكون ما هو من آثار فعلهم مخلوقاً لله تعالى، ولو لم يكن النحت مخلوقاً لله تعالى، لم يكن المنحوت مخلوقاً له، بل الخشب أو الحجر لا غير4.
قوله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 نزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون، ثم سلم على المرسلين؛ لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد2.
سورة ص
سورة ص قال تعالى: {إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 3 الإخلاص خلوص القلب من تأله ما سوى الله تعالى وإرادته ومحبته، فخلص لله، فلم يتمكن منه الشيطان. وأما إذا صادفه فارغاً من ذلك تمكن منه بحسب فراغه، فيكون جعله
مذنباً مسيئاً - في هذه الحال - عقوبة له على عدم هذا الإخلاص، وهي1 محض العدل2.
سورة الزمر
سورة الزمر قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} 3 يحتمل قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ} وجهين. أحدهما: أن تكون (من) لبيان الجنس. الثاني: أن تكون (من) لابتداء الغاية. وهذان الوجهان يحتملان في قوله: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً ً} 4. قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَاد الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} 5 القول هنا المراد به القول المنزل من عند الله؛ يدل على ذلك ما قبل الآية وما بعدها؛ ولأنه ليس كل قول يجوز استماعه كالكذب والزور والباطل والكفر ونحوه6.
سورة غافر
سورة غافر قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1قد فُسِّر قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} بالدعاء الذي هو العبادة، والدعاء الذي هو الطلب2، وقول-هـ بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} يؤيد المعنى الأول3. قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 4 الباء باء السبب5، أي: بسبب عملكم، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته6.
سورة فصلت
سورة فصلت قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} 1 فهو - وإن كان هدى وشفاء مطلقاً - لكن لما كان المنتفع بذلك هم المؤمنين، خُصوا بالذكر2. قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 3 أي: القرآن 4، فإن-هـ هو المتقدم في قول-هـ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 5 ثم قال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فشهد - سبحانه - لرسوله بقوله: إن ما جاء به حق، ووعد أن يُري العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضاً، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك كله وأجل، وهو شهادته - سبحانه - على كل شيء، فإن من أسمائه (الشهيد) الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه، بل هو مطلع على كل شيء مشاهد له، عليم بتفاصيله6.
سورة الشورى
سورة الشورى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 في إعراب (كمثله) وجوه. أحدها: أن الكاف صلة زيدت للتأكيد، قال أوس بن حجر2: ليس كمثل الفتى زهير ... خلق يوازيه في الفضائل وقال آخر3: ..... ..... ..... ..... ... ما إن كمثلهم في الناس من بشر وقال آخر4: وقتلى كمثل جذوع النخيل ... ..... ..... ..... ..... فيكون (مثله) خبر ليس، واسمها (شيء) وهذا وجه قوي حسن، تعرف العرب معناه في لغتها، ولا يخفى عنها إذا خوطبت به، وقد جاء عن العرب أيضا زيادة الكاف للتأكيد في قول بعضهم5:
وصَالياتٍ ككما يُؤَثْفَينْ ... وقول الآخر1: فأصبحت مثل كعصف مأكولْ ... الوجه الثاني: أن الزائد (مثل) أي: ليس كهو شيء. وهذا القول بعيد؛ لأن (مثل) اسم، والقول بزيادة الحرف للتأكيد أولى من القول بزيادة الاسم. الوجه الثالث: أنه ليس ثَمَّ زيادة أصلاً، بل هذا من باب قولهم: مثلك لا يفعل كذا، أي: أنت لا تفعله، وأتى بمثل للمبالغة، وقالوا - في معنى المبالغة هنا - أي: ليس لمثله مثلٌ، لو فُرض المثل، فكيف ولا مثل له. وقيل غير ذلك، والأول أظهر2. قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 3 الاستثناء
هنا منقطع، أي: لا أسألكم على تبليغ الرسالة شيئاً ما، لكن أسألكم أن تودوا قرابتي التي هي قرابتكم. وقيل يجوز أن يكون متصلاً، أي: إلا هذا القدر وهو مودتي للقرابة التي بيني وبينكم1. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: مامن بطن من بطون قريش إلاَّ ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه قرابة2.
سورة الزخرف
سورة الزخرف قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 3 جعل إذا كان بمعنى خلق يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} 4، وقول-هـ تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الارْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} 5. وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق، قال تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} 6، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} 7، وقال تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} 8، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} 9، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ
إِلَهاً آخَرَ} 1، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} 2، ونظائره كثيرة، فكذا قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 3.
سورة الجاثية
سورة الجاثية قوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4 إنكار على مَنْ حَسِبَ أنه يفعل هذا، وإخبار أن هذا حكم سيئ قبيح، وهو مما ينزه الربُّ عنه5. قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} 6 أي: عبد ما تهواه نفسه7.
سورة الأحقاف
سورة الأحقاف قال تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} 1 أي: متقدم في الزمان2. قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى الاّ مَسَاكِنُهُمْ} 3 مساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح؛ وذلك لأن المراد: تدمر كل شيء يقبل التدميرَ بالريح عادة، وما يستحق التدمير4.
سورة الفتح
سورة الفتح أجابوا عن الاستثناء الذي في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} 5 بأنه يعود إلى الأمن والخوف، فأما الدخول فلا شك فيه. وقيل: لتدخلن جميعكم أو بعضكم؛ لأنه علم أن بعضهم يموت. وفي كلا الجوابين نظر6، فإنهم وقعوا فيما فروا منه، فأما الأمن والخوف فقد أخبر أنهم يدخلون آمنين - مع علمه بذلك - فلا شك في الدخول، ولا في الأمن، ولا في دخول الجميع أو البعض، فإن الله قد علم من يدخل فلا شك فيه
أيضاً، فكان قول: إن شاء الله هنا تحقيقاً للدخول، كما يقول الرجل فيما عزم على أن يفعله - لا محالة - والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لا يقولها لشك في إرادته وعزمه، ولكن إنما لا يحنث الحالف في مثل هذه اليمين لأنه لا يجزم بحصول مراده 1. وأُجيب بجواب آخر لا بأس به، وهو: أنه قال ذلك تعليماً لنا كيف نستثني إذا أخبرنا عن مستقبل. وفي كون هذا المعنى مراداً من النص نظر؛ فإنه ما سيق الكلام له إلا أن يكون مراداً من إشارة النص. وأجاب الزمخشري بجوابين آخرين باطلين، وهما: أن يكون المَلَكُ قد قاله، فأُثبت قُرآناً، أو أن الرسول قاله2.
سورة الحجرات
سورة الحجرات قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} 1 معنى الآية {قُولُوا أَسْلَمْنَا} : انقدنا بظواهرنا، فهم منافقون في الحقيقة، وهذا أحد قولي المفسرين - في هذه الآية الكريمة - وأُجيب بالقول الآخر - ورجح - وهو أنهم ليسوا بمؤمنين كاملي الإيمان2، لا أنهم منافقون، كما نفى الإيمان عن القاتل والزاني والسارق، ومن لا أمانة له. ويؤيد هذا سباق الآية وسياقها، فإن السورة من أولها إلى هنا في النهي عن المعاصي، وأحكام بعض العصاة، ونحو ذلك، وليس فيها ذكر المنافقين. ثم قال - بعد ذلك -: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} ولو كانوا منافقين ما نفعتهم الطاعة، ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} 3 الآية، يعني - والله أعلم - أن المؤمنين الكاملي الإيمان هم هؤلاء، لا أنتم، بل أنتم منفي عنكم الإيمان الكامل. يؤيد هذا أنه أمرهم، أو أذن لهم أن يقولوا: أسلمنا، والمنافق لا يقال له ذلك، ولو كانوا منافقين، لنفى عنهم الإسلام، كما نفى عنهم الإيمان، ونهاهم
أن يمنوا بإسلامهم، فأثبت لهم إسلاماً، ونهاهم أن يمنوا به على رسوله، ولو لم يكن إسلاماً صحيحاً لقال: لم تسلموا، بل أنتم كاذبون، كما كذبهم في قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه} 1. والله أعلم بالصواب2.
سورة ق
سورة ق قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} 3 قال الطبري: قال علي ابن أبي طالب، وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: (هو النظر إلى وجه الله عز وجل) 4.
سورة الطور
سورة الطور قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} 1 يقول - سبحانه -: أَحَدثوا من غير محدِث، أم هم أحدثوا أنفسهم؟. ومعلوم أن الشيء المحدَث لا يوجد نفسه، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجوداً بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدوماً 2. قال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3 وهذا يحتمل أن يُراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابهم في البرزخ، وهو أظهر4؛ لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا5، أو المراد أعم من ذلك6.
سورة النجم
سورة النجم قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} 1 صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل، رآه مرتين على صورته التي خلق عليها2. وأما قوله تعالى - في سورة النجم -: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 3 فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كم-اقالت عائشة وابن مسعود - رضي الله عنهما -4 فإنه قال:
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 1 فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى2، وأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء3 فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه4. وأما الذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أُخرى عند سدرة المنتهى فهذا هو جبريل، رآه مرتين، مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى5.
سورة الرحمن
سورة الرحمن قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 1 والمراد أحدهما2. قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} 3 قال البغوي: قال مقاتل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً. قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق، ويعز قوماً ويذل آخرين، ويشفي مريضاً، ويفك عانياً، ويفرِّج مكروباً، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويغفر ذنباً، إلى ما لا يحصى من أفعاله، وإحداثه في خلقه ما يشاء4.
سورة الحديد
سورة الحديد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم - في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} 5. –"أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" 6.
والمراد بالظهور هنا: العلو، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} 1 أي: يعلوه2. فهذه الأسماء الأربعة متقابلة: اسمان منها لأزلية الرب سبحانه وتعالى وأبديته، واسمان لعلوه وقربه3. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} 4 وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} 5 وقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} 6 وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} 7 والمراد بالبينة ما يُبيّن الحق من شهود، أو دلالة8.
سورة المجادلة
سورة المجادلة عن عمر رضي الله عنه أنه مرَّ بعجوز فاستوقفته، فوقف معها يحدثها، فقال رجل يا أمير المؤمنين حبست الناس بسبب هذه العجوز؟. فقال: ويلك أتدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة التي أنزل الله فيها {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} 1. أخرجه الدارمي2.
سورة الحشر
سورة الحشر قال - في الفيء -: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} 3 الآيات. وقال - في الخمس -: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} 4 الآية. واللام في قوله: {لِلَّهِ وَلِلرَّسُول} في الخمس والفيئ كاللام في قول-هـ: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} 5 فالإضافة إلى الرسول؛ لأنه هو الذي
يقسم هذه الأموال بأمر الله، ليست ملكاً لأحد1. وذكر البخاري في صحيحه أن معنى قوله تعالى: {وَلِلرَّسُول} يعني الرسول له ذلك انتهى2. وتحقيق ذلك أن اللام في آية الخمس وآية الفيء، مذكورة في ثلاثة مواضع. في قوله {لِلَّهِ} وفي قوله: {وَلِلرَّسُول} وفي قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} . وفي آية الصدقات لم تذكر إلاّ في أولها فقط3، ولم تذكر مع بقية أنواع المصارف - في الآيات الثلاث - وليس ذلك لغير معنى، بل لمعان متغايرة وهي: أنها في قوله: {لِلَّهِ} بمعنى أن أمرها إليه، لم يجعله إليكم، بل أخرجها عن حكمكم وجعل لها مصارف عينها لهم4. وفي قوله: {وَلِلرَّسُول} بمعنى أنه هو المنفذ لأمر مرسله، وهو الذي يتولى أمر قسمها بإذنه، وله فيها نصيب لاحتياجه إلى ما يحتاج إليه البشر ولما كانت منزلته أعلى من منزلة بقية المصارف أُعيدت اللام مع بقية المصارف5 تنبيهاً
على أنهم مصارف محضة، فمنزلته?صلى الله عليه وسلم منزلة بين المنزلتين، ولهذا - والله أعلم - لم يكرر مع بقية المصارف، ولم يكرر في آية الصدقات؛ لأن زيادتها معهم ليس لها فائدة؛ إذ كلهم يجمعهم معنى واحد، وهو كونهم مصارف. واللام في قوله: {للفقراء المهاجرين} 1 الآيات، بدل2 من اللام في قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} 3 الآية4.
سورة الطلاق
سورة الطلاق قوله تعالى: {ْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} 5 المراد بالإخراج والخروج - في الآية - النقلة من المنزل المضاف إليها بالسكنى حال وجوب العدة6، لا مطلق الخروج للحاجة، أي: لا تخرجوهن من بيوتهن مكرهات،
إخراج نقلة، ولا يخرجن عنها باختيارهن1. قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 2 أي: فهو كافيه3، لايحوجه إلى غيره 4.
سورة القلم
سورة القلم قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} 5 وقوله تعالى {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 6 إنكار منه على من جوَّز أن يسوي الله بين هذا وهذا7.
سورة نوح
سورة نوح قال تعالى - حكاية عن قوم نوح -: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 8 ثبت في صحيح البخاري، وكتب التفسير، وقصص الأنبياء وغيرها، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره من السلف،
أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم وأن هذه الأصنام بعينها صارت إلى قبائل العرب، ذكرها ابن عباس - رضي الله عنهما - قبيلة قبيلة1.
سورة الجن
سورة الجن قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 2 قالوا: كان الإنسي إذا نزل بالوادي يقول: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح. {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} يعني الإنسَ للجن، باستعاذتهم بهم، رهقاً أي: إثماً وطغياناً وجراءة وشراً؛ وذلك أنهم قالوا: قد سُدْنا الجن، والإنس. فالجن تعاظم في أنفسها وتزداد كفراً إذا عاملتها الإنس بهذه المعاملة3. 2 سورة الجن، الآية: 6. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (765، 766) . وتفسير المؤلف هذا بناه على أن ضمير الفاعل في {زادوهم} يرجع إلى الإنس. وقد قيل: إنه يرجع إلى الجن، أي: فزاد الجنُّ الإنسَ خوفاً وكفراً إلى كفرهم. والزجاج في معاني القرآن (5/234) جوّز الوجهين. ونقل ابن جرير ـ في جامع البيان (23/655، 656) ـ الوجهين، ثم رجح القول الذي ذهب إليه المؤلف. وعلى هذا القول اقتصر أبو الليث في بحر العلوم (3/411) ، والواحدي في الوسيط (4/364، 365) ، والبغوي في معالم التنزيل (4/402) .
سورة المزمل
سورة المزمل اختلف المفسرون في قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} 1على قولين. أحدهما: أن المراد القراءة في الصلاة. والثاني: أن المراد القراءة نفسها2. وهذا القول أظهر بدليل عطف الصلاة عليها - في آخر الآية - بقوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3.
سورة المدثر
سورة المدثر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 4 من أوّل ما نزل من القرآن بمكة حين أُمر بالإنذار، لما آتاه الملك بالرسالة، وهو في غار حراء، فرجع إلى أهله وهو يقول دثروني، فنزل5 {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 6 قال أهل التفسير: قم فأنذر كفار مكة {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي: فعظمه عما تقوله عبدة الأوثان7 {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهر من الذنب، فكنى عن النفس بالثوب. وهو قول
إبراهيم والضحاك والشعبي والزهري. وقال عكرمة: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فقال: لا تلبسها على معصية، ولا غدر1. وذكر الواحدي أنه قول أكثر أهل التفسير2. وقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُر} قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد: المراد بالرجز الأوثان3. قال فاهجرها ولا تقربها4. وقال الضحاك: يعني الشرك5. ويؤيد ذلك أن هذه السورة نزلت قبل نزول الشرائع، من وضوء
وصلاة وغير ذلك1.
سورة القيامة
سورة القيامة قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 2 إضافة النظر إلى الوجه الذي هو محلُّه - في هذه الآية - وتعديته بأداة (إلى) الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته وموضوعه، صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله. فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعدِّيه بنفسه، فإن عُدِّي بنفسه، فمعناه التوقف والانتظار، كقوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} 3. وإن عدي ب- (في) فمعناه التفكر والاعتبار، كقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 4 وإن عُدِّي ب- (إلى) فمعناه المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} 5 فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو
محل البصر!. وروى ابن مردويه بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} - قال: (من البهاء والحسن) {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: (في وجه الله عز وجل) 1. عن الحسن، قال: نظرت إلى ربها فَنُظِّرَتْ بنوره2. وقال أبو صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: تنظر إلى وجه ربها عز وجل3.
وقال عكرمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال: من النعيم {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: تنظر إلى ربها نظراً1. ثم حكى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مثله2. وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث3.
سورة الدهر
سورة الدهر قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} 4 والمراد
الهداية العامة1، وأعم منها الهداية المذكورة في قوله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} 2. قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 3 لو قيل: (يشرب منها) لم يدل على الري، فضمن يشرب معنى (يروى) 4 فعُدي بالباء، فقيل: (يشرب بها) فأفاد ذلك أنه شرب يحصل معه الري. وباب تضمين الفعل معنى فعل آخر حتى يتعدى تعديته كثير، كما ضمّن قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} 5 معنى (الضم) 6 المع-دّى بإلى، فعدّي بها، وقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} 7 معنى (خلصناه) 8، وقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ
َبعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} 1 معنى (يصرفوك) 2 عن بعض ما أنزل الله إليك 3.
سورة النبأ
سورة النبأ روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر رضي الله عنه أنه قال: (لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج4، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه) ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} 5.
سورة النازعات
سورة النازعات قال تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} 1 {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} 2 وهم الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل3، وأما المكذبون بالرسل، المنكرون للصانع، فيقولون: هي النجوم4.
سورة عبس
سورة عبس سُئل أبو بكر رضي الله عنه عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} 5 ما الأب؟ فقال: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) 6.
سورة التكوير
سورة التكوير قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} 1 وهذا وصف جبريل، بخلاف قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} 2 الآيات، فإن الرسول هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم 3.
سورة الإنشقاق
سورة الانشقاق روى البخاري - رحمه الله، في صحيحه - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك" فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} 4 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب" 5 يعني أنه لو ناقش في حسابه لعبيده لعذبهم، وهو غير ظالم لهم،
ولكنه - تعالى - يعفو ويصفح1.
سورة البروج
سورة البروج قال تعالى: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} 2 {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} 3 {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} 4. وليس المراد من إحاطته بخلقه أنه كالفلك، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وإنما المراد: إحاطة عظمة وسعة علم وقدرة، وأنها بالنسبة إلى عظمته كالخردلة5، كما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (ما السموات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم) 6. ومن المعلوم - ولله المثل الأعلى - أن الواحد منا إذا كان عنده خ-ردلة، إن شاء قبضها وأحاطت قبضته بها، وإن شاء جعلها تحته، وهو في الحالين مباين لها، عال عليها فوقها من جميع الوجوه، فكيف بالعظيم الذي لا يحيط بعظمته وصف واصف 7.
قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} 1 روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاث مائة لحظة، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء" 2اللوح المذكور هو الذي كتب الله مقادير الخلائق فيه3.
سورة البينة
سورة البينة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} 4 والبرية مشتقة من البرء، بمعنى الخلق، فثبت أن صالحي البشر خير الخلق5.
قال الآخرون: إنما صاروا خير البرية لكونهم آمنوا وعملوا الصالحات، والملائكة في هذا الوصف أكمل؛ فإنهم لا يسأمون ولا يفترون، فلا يلزم أن يكونوا خيراً من الملائكة1. هذا على قراءة من قرأ {الْبَرِيَّةِ} بالهمز2، وعلى قراءة من قرأ بالياء3، إن قلنا: إنها مخففة من الهمزة4، وإن قلنا: إنها نسبة إلى البَرى وهو التراب كما قاله الفراء5، فيما نقله عنه الجوهري في (الصحاح) 6 - يكون المعنى: أنهم خير مَنْ خُلِقَ من التراب، فلا عموم فيها -
إذاً - لغير من خُلق من التراب1.
سورة الكوثر
سورة الكوثر روى الإمام أحمد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه متبسِّماً، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه نزلت عليَّ آنفاً سورة" فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 2 حتى ختمها، ثم قال: "هل تدرون ما الكوثر؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:"هو نهر أعطانيه ربي - عز وجل - في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج3 العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيُقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" 4. ورواه مسلم5، ولفظه: "هو نهر وعدنيه ربي، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" 6.
الخاتمة
الخاتمة: في ذكر بعض محاسن تفسير الإمام ابن أبي العز في نظري أن تفسير الإمام ابن أبي العز جمع محاسن نوجز أهمها فيما يلي: 1- جمع بين التفسير بالمأثور، والتفسير بالمعقول. 2- اعتمد في النقل على فحول المفسرين مثل ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، والثعلبي، والواحدي، والجصاص، والبغوي، وابن عطية، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير. 3-أجاب على بعض الإشكالات التي يظهر منها التعارض بين بعض آيات الذكر الحكيم. 4- اهتم بتفسير الآيات التي تتحدث عن العقيدة، ورد على الفرق المخالفة في ذلك. 5- لا يفسر الآيات بالأقوال الضعيفة والبعيدة إلا في النادر اليسير. 6- ابتعد عن تكثير الأقوال في معنى الآية، فغالباً لا يذكر إلا قولاً واحداً قوياً. 7- إذا ذكر الخلاف في معنى آية أشار - غالباً - إلى القول الأقوى والأحسن في معنى الآية. 8-تكلم في أثناء تفسيره لبعض الآيات على الرقائق والحكم والفوائد التي تشير إليها الآيات. 9-لم يهمل الناحية اللغوية من لغة وإعراب، وتوجيه للقراءات، وبيان المعاني المترتبة على الوقف والوصل في بعض الآيات. 10-له إشارات بديعة في تفسير بعض الآيات لم أقف عليها عند غيره، وقد أشرت إلى شيء منها في الحواشي.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع القرآن الكريم. أبو العتاهية أشعاره وأخباره، تحقيق: شكري فيصل. مكتبة دار الملاح، دمشق. الإتباع، لابن أبي العز، تحقيق: محمد عطا الله حنيف وعاصم بن عبد الله القريوتي. الطبعة الثانية عام 1405? بعمَّان - الأردن. إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، للزبيدي. تصوير دار الفكر. إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، للبناء، تعليق: الضبَّاع. دار الندوة الجديدة. الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، تحقيق: محمد شريف سكر، ومصطفى القصاص. دار إحياء العلوم بيروت، مكتبة المعارف الرياض، الطبعة الأولى، 1407هـ-. إثبات صفة العلو، لعبد الله بن قدامة المقدسي، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر. الدار السلفية، الطبعة الأولى 1406?. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408 ?. أحكام القرآن، لابن العربي، تحقيق: علي البجاوي. دار الفكر 1394?. أحكام القرآن، للجصاص، تحقيق: قمحاوي. دار إحياء التراث العربي، بيروت 1405 ?. أحكام القرآن، لألكيا الهراسي. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1405 ?.
الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم. منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية 1403?. إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، لأبي السعود. الناشر دار إحياء التراث العربي. إرشاد المبتدئ وتذكرة المنتهي في القراءات العشر، للقلانسي، تحقيق: عمر حمدان الكبيسي. المكتبة الفيصلية، الطبعة الأولى، 1404?. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399?. أسباب النزول، للواحدي، تحقيق: عصام بن عبد المحسن. دار الإصلاح، الطبعة الأولى، 1411?. أصول السرخسي، للسرخسي، تحقيق: أبي الوفاء الأفغاني. طبع بحيدر آباد بالهند، تصوير دار المعرفة بيروت 1393?. الاعتصام، لأبي إسحاق الشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي. نشر دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1412?. إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، تحقيق: زهير غازي زاهد. عالم الكتب، الطبعة الثانية 1405?. الأعلام، لخير الدين الزركلي. دار العلم للملاين بيروت، الطبعة السابعة، 1986م. إنباء الغمر بأنباء العمر، لابن حجر في التاريخ، لابن حجر. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الهند، الطبعة الأولى 1388?. إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم. دار الفكر العربي القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية بيروت، الطبعة الأولى 1406?.
الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري. المكتبة العصرية بيروت، 1418 ?. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل، للمرداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي. طبع دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1400 ?. أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1388?. الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: أحمد فرحات، الطبعة الأولى 1396 ?. الإيمان، لشيخ الإسلام ابن تيمية. المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1401?. البحر المحيط، لأبي حيان، تحقيق: ع-ادل أحمد وعلي محمد معوض وزكريّا عبد المجيد وأحمد النجولي. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413?. بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية، جمع وتوثيق يسري السيد محمد. دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1414 ?. بدائع الفوائد، لابن القيم. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت. البرهان في علوم القرآن، للزركشي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم. دار الفكر، الطبعة الثانية، 1400?. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي، تحقيق: محمد أبي الفضل. المكتبة العصرية للطباعة والنشر بيروت. بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، تصحيح: حامد محمد الفقي. دار الندوة الجديدة، بيروت.
البيان في غريب إعراب القرآن، لأبي البركات ابن الأنباري، تحقيق: طه عبد الحميد. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1400?. تاج التراجم، لابن قطلوبغا، تحقيق: محمد خير رمضان. دار القلم دمشق، الطبعة الأولى، 1413 ?. تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق: أحمد صقر. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1401 ?. تاريخ ابن قاضي شهبة، لابن قاضي شهبة، تحقيق: عدنان درويش. طباعة المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق. التبيان في إعراب القرآن، للعكبري، تحقيق: محمد البجاوي. عيسى البابي الحلبي وشركاه. التحرير والتنوير، لابن عاشور. الطبعة التونسية. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي. دار الريان للتراث القاهرة، الطبعة الأولى 1407?. ترتيب القاموس على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة، للطاهر أحمد الزاوي. دار الفكر، الطبعة الثالثة. التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي الكلبي، تحقيق: محمد عبد المنعم وإبراهيم عطوة. الناشر أم القرى للطباعة. والنشر، القاهرة. تفسير الجلالين - بحاشية الفتوحات الإلهية - لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي. مطبعة عيسى البابي الحلبي. تفسير سفيان الثوري، لسفيان الثوري. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1403?. التفسير الصحيح (موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور) ، لحكمت بشير. دار المآثر بالمدينة النبوية 1420 ?.
تفسير غريب القرآن، لأبي بكر محمد السجستاني. دار التراث، القاهرة. تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: أحمد صقر. دار الكتب العلمية، 1398?. تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة التابعين، لعبد الرحمن ابن أبي حاتم، تحقيق: أسعد محمد الطيب. نشر مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1417?. تفسي-ر القرآن العظيم، لابن كثير. دار الفكر، الطبعة الأولى، 1400?. تفسير القرآن الكريم، لأبي الليث السمرقندي، تحقيق: علي محمد وعادل أحمد وزكريا عبد المجيد. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413?. تفسير القرآن للسمعاني، تحقيق: ياسر بن إبراهيم دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1418?. تفسير القرآن، لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: مصطفى مسلم. مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى، 1410?. التفسير الكبير، للرازي. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411?. تفسير كتاب الله العزيز لهود بن محكّم، تحقيق: بلحاج بن سعيد شريفي. دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990م. تفسير النسائي، للنسائي، تحقيق: صبري بن عبد الخالق وسيد بن عباس. مكتبة السنة، الطبعة الأولى 1410?. التفسير والمفسرون، لمحمد حسين الذهبي. دار الكتب الحديثة، الطبعة
الثانية، 1396?. تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عوَّامة. دار البشائر الإسلامية، ودار الرشد، الطبعة الأولى، 1406?. التنبيه على مشكلات الهداية، لابن أبي العز، تحقيق: عبد الحكيم محمد شكر وأنور صالح أبو زيد. المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية، برقم (4/217 /ع زت) ورقم (4/217/ ع ع ت) . تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لابن عراق الكناني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصَّديق. الناشر مكتبة القاهرة، الطبعة الأولى. تهذيب التهذيب، لابن حجر، تصوير دار الكتاب الإسلامي، عن الطبعة الهندية. تهذيب اللغة، لأبي منصور الأزهري، تحقيق: عبد السلام هارون وآخرون. الدار المصرية للتأليف والترجمة. الثغر البسام في ذكر من ولي من قضاة الشام، لابن طولون، تحقيق: صلاح ال-دين المنجد. مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1956م. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد ومحمود شاكر. دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير. توزيع دار التربية والتراث، مكة المكرمة. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، تحقيق: إبراهيم أطفيش وغيره. دار الكتب المصرية. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو (الداء والدواء) لابن
القيم، تحقيق: بشير محمد عيون. مكتبة دار البيان سوريا، ومكتبة المؤيد بالسعودية، الطبعة الأولى 1409 ?. الجواهر الحسان في تفسير القرآن، للثعالبي، تحقيق: عمَّار الطالبي. المؤسسة الوطنية للكتاب. الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي، تحقيق: بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي. دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1407 ?. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، تحقيق: الجميلي. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1406 ?. حسن المحاضرة للسيوطي، تحقيق: أبي الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1387?. الحسنة والسيئة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد جميل غازي. مطبعة المدني - القاهرة. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصفهاني. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1409?. خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، تحقيق: عبد السلام هارون. الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1409?. الخصائص، لابن جني، تحقيق: محمد علي النجار. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت. خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل. للإمام البخاري. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1411?. الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لابن حجر، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، مطبعة المدني ويطلب من دار الكتب الحديثة.
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي، تحقيق: أحمد محمد الخراط. دار القلم، الطبعة الأولى، 1406?. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي. تصوير دار المعرفة. الدليل الشافي على المنهل الصافي، لابن تغري بردي، تحقيق: فهيم محمد شلتوت. طبع مكتبة الخانجي، ونشر جامعة أم القرى. ديوان أوس بن حجر، تحقيق: محمد يوسف نجم. دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية 1387 ?. الرد على الجهمية، للدارمي، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر. دار ابن الأثير، الكويت، الطبعة الثانية، 1416?. الرسالة التدمرية، لشيخ الإسلام. مطبوعات جامعة الإمام، الطبعة الثالثة 1403?. رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، تحقيق: أحمد الخراط. دار القلم، الطبعة الثانية 1405?. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للألوسي. دار الفكر، 1408?. الروح، لابن القيم. دار الندوة الجديدة بيروت. زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي. المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1404?. زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم. المكتبة العلمية بيروت. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1405?. سنن ابن ماجة، لابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. سنن أبي داود، لابن أبي داود، تحقيق: محمد محي الدين. دار الفكر.
سنن الترمذي، للترمذي، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض. دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. سنن الدارمي، للدارمي، تحقيق: قواز أحمد وخالد السبع. نشر دار الريان بالقاهرة ودار الكتاب العربي ببيروت، الطبعة الأولى 1407?. السنن الكبرى، للبيهقي. دار المعرفة، بيروت. سير أعلام النبلاء، للذهبي، تحقيق: جماعة بإشراف شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1403?. السيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق: عبد السلام تدمري. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الثالثة 1410 ?. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، عنيت بنشره مكتبة القدسي، سنة 1351 ?. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، تحقيق: أحمد سعد حمدان الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1411?. شرح السنة، للبغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومحمد زهير الشاويش. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403?. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، لابن أبي العز، تحقيق: أحمد محمد شاكر. مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية 1400 ?. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، تحقيق: عبد الله التركي وشعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1408?. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، حققها جماعة من العلماء، وخرج أحاديثها الشيخ ناصر الدين الألباني. طبع المكتب الإسلامي
بيروت، الطبعة التاسعة 1408?. شرح المفصل، لابن يعيش. عالم الكتب بيروت، ومكتبة المتنبي القاهرة. الشريعة، للآجري، تحقيق: محمد الفقي. نشر أنصار السنة المحمدية. الصاحبي، لابن فارس، تحقيق: أحمد صقر. مكتبة ومطبعة دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1974م. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار. دار العلم للملايين، بيروت. الطبعة الثانية، 1399 ?. صحيح ابن حبان - مع الإحسان - لابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الأولى، 1412?. صحيح البخاري - مع فتح الباري - للإمام البخاري. الناشر دار المعرفة. صحيح سنن ابن ماجة، للألباني. المكتب الإسلامي في بيروت، الطبعة الثالثة 1408?. الصحيح المسند من أسباب النزول، لمقبل بن هادي الوادعي. مكتبة المعارف، الرياض 1400?. صحيح مسلم، للإمام مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي. الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، تحقيق: علي الدخيل الله. دار العاصمة الرياض، الطبعة الأولى، 1408?. ضعيف سنن ابن ماجة، لناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي في بيروت، الطبعة الأولى 1408?.
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي. دار الجيل بيروت. الطبقات السنية في تراجم الحنفية، للتميمي، تحقيق: عبد القادر محمد الحلو. الناشر دار الرفاعي، الرياض. الطبعة الأولى 1403 ?. ظلال الجنة في تخريج السنة، للألباني. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405?. العبر في خبر من غبر، للذهبي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405?. علل القراءات، لأبي منصور الأزهري، تحقيق نوال بنت إبراهيم الحلوة. الطبعة الأولى، 1412?. علل الوقوف، للسجاوندي، تحقيق: محمد بن عبد الله العيدي الناشر مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى، 1415?. عمدة الحفَّاظ في تفسير أشرف الألفاظ، للسمين الحلبي، تحقيق: محمد التونجي. عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1414?. العمدة في غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1404?. عناية القاضي وكفاية الراضي، للخفاجي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1417?. غرائب التفسير وعجائب التأويل، لمحمود بن حمزة الكرماني، تحقيق، شمران سركال. دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن، الطبعة الأولى، 1408?. غريب القرآن وتفسيره، لليزيدي، تحقيق: محمد سليم الحاج. عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1405?. فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر. دار المعرفة للطباعة
والنشر. فتح البيان في مقاصد القرآن، لصديق حسن خان. دار الفكر العربي. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، تحقيق: عبد الرحمن عميرة. دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1415?. فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، للطيبي، تحقيق: صالح بن ناصر الناصر. (رسالة دكتوراه) قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية (3/212/ط ي ف) . الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية، للجمل. مطبعة عيسى البابي الحلبي. الفرق بين الفرق، لعبد القاهر البغداي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. الناشر دار المعرفة، بيروت. فهرس المخطوطات دار الكتب الظاهرية، لياسين محمد السوّاس. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1407?. الفوائد البهية في تراجم الحنفية، للكنوي الهندي. دار المعرفة بيروت. كتاب الأسماء والصفات، للبيهقي تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت 1405?. كتاب الأغاني، لأبي فرج الأصبهاني. مصور عن طبعة دار الكتب - مطابع كوستانسوماس وشركاه. كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، لابن خزيمة، تعليق: محمد خليل هراس. دار الكتب العلمية بيروت 1403?. كتاب السنة لابن أبي عاصم، تحقيق: الألباني. المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1405?.
كتاب السنة، لعبد الله بن أحمد، تحقيق: محمد بن سعيد القحطاني. دار ابن القيم، الطبعة الأولى 1406?. كتاب السنن لسعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. الدار السلفية بالهند، الطبعة الأولى 1403?. كتاب سيبويه، لسيبويه، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة. كتاب الضعفاء الكبير، للعقيلي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1404?. كتاب العرش وماروي فيه، لابن أبي شيبة، تحقيق: محمد بن حمد الحمود. مكتبة المعلاء، الكويت. كتاب النزول، للدارقطني، تحقيق: علي بن ناصر الفقيهي. الطبعة الأولى 1403?. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، للزمخشري دار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1397?. كشف الأستار عن زوائد البزار، على الكتب الستة، للهيثمي، تحقيق: عبد الرحمن الأعظمي. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1404?. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة. منشورات مكتبة المتنبي ببغداد. الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب، تحقيق: محي الدين رمضان. مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة 1407 ?. الكشف والبيان، للثعلبي. مخطوط مصور في المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية برقم (9786) . اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للسيوطي. يطلب من المكتبة
التجارية الكبرى بمصر. لباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن. دار الفكر، 1399?. لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي- بحاشية تفسير الجلالين- مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1418 ?. لسان العرب، لابن منظور، تعليق: علي شيري. دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408?. المبسوط في القراءات العشر، لأبي بكر الأصبهاني، تحقيق: سبيع حمزة، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. متشابه القرآن، لعبد الجبار المعتزلي، تحقيق: عدنان زرزور. دار التراث القاهرة. مجاز القرآن، لأبي عبيدة، تحقيق: محمد فؤاد سزكين. الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لأبي بكر الهيثمي. منشورات دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1402هـ-. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. المطبوعة على نفقة الملك خالد رحمه الله تعالى. محاسن التأويل، للقاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1415?. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جني، تحقيق: علي النجدي وعبد الحليم النجار وعبد الفتاح إسماعيل. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1386?. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية، تحقيق: المجلس
العلمي بفأس. الطبعة المغربية. المحرر الوجيز في عد آي الكتاب العزيز (شرح وتوجيه أرجوزة محمد المتولي) تأليف /عبد الرزاق علي إبراهيم. مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1408?. مختار الصحاح، للرازي، تحقيق: سميرة خلف الموالي. المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت. مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه، عني بنشره برجشتراسر. المطبعة الرحمانية بمصر 1934 م. مدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، لابن القيم. دار الكتب العلمية، بيروت. مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي. الناشر دار الكتاب العربي. المستدرك على الصحيحين، للحاكم. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411?. مسند أبي داود، لأبي داود الطيالسي. مكتبة المعارف، الرياض. مسند أبي يعلى الموصلي، لأبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد. دار المأمون للتراث. الطبعة الثانية 1410 ?. المسند للإمام أحمد. المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1405?. مشكل إعراب القرآن، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: حاتم صالح. مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، 1408?. المصنف لعبد الرزاق، تحقيق: حبيب الرحمن ألأعظمي. الطبعة الأولى 1392?، يطلب من المكتب الإسلامي ببيروت. معالم التنزيل للبغوي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار. دار المعرفة. الطبعة الأولى، 1406?.
معاني القرآن الكريم، لأبي جعفر النحاس، تحقيق: محمد علي الصابوني، نشر معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى. معاني القرآن الكريم، للفراء. عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403?. معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي. عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1408?. المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها، لعواد المعتق. دار العاصمة الرياض، النشرة الأولى 1409 ?. معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) لياقوت الحموي، تحقيق: إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1993م. معجم البلدان، لياقوت الحموي، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410?. المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. مطبعة الزهراء الحديثة، الطبعة الثانية. معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة. الناشر مكتبة المثنى بيروت، ودار إحياء التراث العربي بيروت. المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية، لإميل بديع. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413?. معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون. دار الجيل، الطبعة الأولى، 1411?. المعجم الوسيط، وضعه مجمع اللغة العربية. الناشر مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق: محمد
محي الدين. المكتبة العصرية، 1407?. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لابن القيم، تصحيح: محمود حسن ربيع. يُطلب من مكتبة حميدو، الطبعة الثالثة 1399?. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني. دار المعرفة بيروت. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، تصحيح هلموت ريتر. دار إحياء التراث العربي، بيروت الطبعة الثالثة. المكتفى في الوقوف والابتدا في كتاب الله عز وجل، للداني، تحقيق: يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404?. الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل. دار الفكر. المنتخب من مسند عبد بن حميد لعبد بن حميد تحقيق: السامري والصعيدي. عالم الكتب ومكتبة النهضة الع-ربية، الطبعة الأولى 1408?. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي. دار المعرفة بيروت. الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن، للقاسم ابن سلام، تحقيق: المديفر. مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى 1411 ?. الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك، لأبي جعفر النحاس، تحقيق: اللاحم. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1412 ?.
النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، تحقيق: الضباع. دار الكتب العلمية. نظم الدّرر في تناسب الآيات والسور، لبرهان الدين البقاعي. طبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند. الطبعة الأولى، 1389 ?. نكت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام، لمحمد بن علي القصاب، تحقيق: علي بن غازي، وشايع بن عبده الأسمري. يوجد من الكتاب نسخ في المكتبة المركزية، قسم المخطوطات. النكت والعيون، للماوردي، تحقيق: السيد بن عبد المقصود. دار الكتب العلمية، مؤسسة الكتب الثقافية. الطبعة الأولى، 1412?. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي. المكتبة العلمية بيروت. نواسخ القرآن، لابن الجوزي، تحقيق: الملباري. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى 1404 ?. هدية العارفين (أسماء المؤلفين وآثار المصنفين) ، لإسماعيل البغدادي. طبع بعناية وكالة المعارف، استنابول، 1951م. وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام، للسخاوي، تحقيق: بشار عواد وعصام فارس وأحمد الخطيمي. مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1416?. الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي، تحقيق: عادل أحمد وعلي محمد وأحمد محمد وأحمد عبد الغني وأحمد عويس. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415?.