تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة

ابن أبي العز

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فهذا (تفسير الإمام ابن أبي العز) قمت باستخراجه من خلال مؤلفاته، وضممت شتاته، وعلقت حواشيه على قدر الوسع والطاقة، والبضاعة المزجاة. والله تعالى أسأل أن يغفر لناثره وجامعه، وأن ينفع به قارئه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. القسم الأول: مقدمة وتعريف (وفيه عنصران) : العنصر الأول: مقدمة، تشمل ما يلي: 1- أسباب اختيار الموضوع. 2- خطة البحث. 3- المنهج المتبع في إخراج البحث.

_ 1 سورة آل عمران، الآية: 102. 2 سورة النساء، الآية: 1. 3 سورة الأحزاب، الآية: 70، 71.

العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز، ويشتمل على ما يلي: 1- اسمه ونسبه وولادته. 2- نشأته وشيوخه وتلاميذه. 3- مذهبه في العقيدة والفقه. 4- مؤلفاته والمناصب العلمية التي وليها. 5- وفاته رحمه الله تعالى.

مقدمة وتعريف

القسم الأول: مقدمة وتعريف، وفيه عنصران: العنصر الأول: مقدمة تشمل 1-أسباب اختيار الموضوع 1- العقيدة الصحيحة، أهم شرط من شروط المفسر للقرآن الكريم وقد أُصيب هذا الشرط بشيء من الخلل منذ ظهور الفرق التي تأثرت بمنطق اليونان وحضارة الفرس ولرفع هذا الخلل، أو التقليل من آثاره أرى أن نتبع سببين: الأول: التنقيب والبحث عن المخطوطات التفسيرية التي عُرف مؤلفوها بالعقيدة الصحيحة وإخراجها للناس. الثاني: جمع المنثور من التفسير من كتب الأئمة الذين اتبعوا منهج السلف، وعُرفوا بحبه والتمسك به. 2- رأيت من بعض المعاصرين الشغف بإخراج تراث بعض الفرق الضالة والدعوة إليها1 وهذا تهديد لحصوننا من داخلها وزيادة لجراحنا النازفة، فلعل جمع تفسير من عرف بالتصدي لتلك الفرق مما يدفع الله به الفساد، والله تعالى يقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} 2 3- هناك محاسن كثيرة تميز بها تفسير الإمام ابن أبي العز، دعتني إلى استخراجه والتعليق عليه، وقد ذكرتها تفصيلاً في خاتمة هذا البحث. 2- خطة البحث: تقع خطة هذا البحث في قسمين وخاتمة وفهارس القسم الأول: مقدمة وتعريف (وفيه عنصران)

_ 1 من الأمثلة على هذا تحقيقات وكتابات الدكتور عدنان زرزور حول تراث المعتزلة التفسيري. 2 سورة البقرة، الآية: 251.

العنصر الأول: مقدمة، تشمل: أسباب اختيار الموضوع، والخطة التي يقوم عليها البحث، والمنهج المتبع في إخراجه. العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز. يشتمل علي: اسمه ونسبه وولادته، ونشأته وشيوخه وتلاميذه، ومذهبه في العقيدة والفقه، ومؤلفاته والمناصب العلمية التي وليها، ووفاته رحمه الله تعالى. القسم الثاني: عرض تفسير الإمام ابن أبي العز، مرتباً على سور القرآن الكريم وآياته، موشى بالتعليقات اللازمة. الخاتمة: في ذكر بعض محاسن تفسير الإمام ابن أبي العز الفهارس: وتشمل (فهرس الآيات، والمراجع، ومواضع البحث) . 3 - المنهج المتبع في إخراج البحث: 1- جمعت كتب المؤلف واستخرجت التفسير منها، ورتبته على سور القرآن الكريم وآياته. 2- إذا أورد المؤلف أكثر من آية في مكان واحد، ثم ذكر تفسيراً واحداً يناسب هذه الآيات، جعلت ذلك في السورة التي ذكر أول آية منها، وإذا ساق المؤلف عدداً من الآيات - في مكان واحد - لكل آية معنى يختلف عن معنى الآية الأخرى، جعلت كل آية في سورتها. 3- عندما استخرجت هذا التفسير فإنني لم أنقل إلا ما قصد به المؤلف تفسير الآية؛ ولهذا لم أتعرض للآيات التي يذكر المؤلف شيئاً مما يوافق معانيها دون إيراد نصها. 4- خرّجت الأحاديث والآثار من مصادرها المعتمدة، مع ذكر الحكم على الحديث أو الأثر إن لم يكن في الصحيحين، أو في أحدهما، وأنا مسبوق في الحديث من قبل الأساتذة الّذين حققوا شرح العقيدة الطحاوية. 5- الآيات التي فسرها المؤلف أشرت إلى سورتها ورقمها في الحاشية،

وإذا تكررت في أثناء تفسير الآية لم أُشر إليها مرة أخرى، وقد أُشير أحياناً. 6- شرحت الغريب، وضبطت بالشكل ما رأيت أنه يحتاج إلى ضبط وعرّفت ببعض الفرق والأعلام ووثّقت جميع نقولات المؤلف في التفسير والقراءات وغير ذلك، وأشرت إلى المراجع التي وافقت المؤلف فيما قَال أو نقل. 7- أشرت إلى الكلام المحذوف بوضع ثلاث نقاط، وإلى المدخل الّذي ليس للمؤلف بوضعه بين معكوفين. 8- ناقشت ما يحتاج إلى مناقشة، وبينت ما يحتاج إلى بيان من الأقوال أو المعاني التي ذكرها المؤلف. 9- عرفت بالمؤلف وصنعت خاتمة للبحث وفهارس للآيات والمراجع ومواضع البحث.

العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز

العنصر الثاني: تعريف موجز بالإمام ابن أبي العز 1-اسمه ونسبه وولادته أ-اسمه ونسبه: هو علي بن علي بن محمد بن محمد ابن أبي العز1 بن صالح ابن أبي العز بن وهيب بن عطاء بن جُبير بن جابر بن وهيب، الأذرعي - الأصل - الدمشقي2، يلقب بصدر الدين3. ب- ولادته: ولد في الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة4، سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة5، في الصالحية من مدينة دمشق6. 2- نشأته وشيوخه وتلاميذه: أ- نشأته: نشأ المؤلف في ظل أُسرة ذات نباهة في العلم، ومكانة في المجتمع، فأبوه كان قاضياً، وكذلك جده7. وأبو جده (محمد) كان أحد أساتذة المدرسة المرشدية8، وأولاد عمومته منهم القاضي9، ومنهم

_ 1 ورد في عدد من مخطوطات كتب المؤلف (ابن العز) وكذلك في كشف الظنون (2/1143) ، وهدية العارفين (1/ 726) وورد في بعض المواضع من إنباء الغ مر (3/50) ، أن اسم المؤلف محمد، وتابع ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (6/326) هذا الموضع من ِإنباء الغمر، والصحيح (علي) كما في جميع المراجع الأخرى، وكما هو مدون على مخطوطات كتبه. 2 هكذا ذكر نسب أبيه ابن قاضي شهبة في تاريخه (2/ 469) وأشار أيضاً إلى اسم المؤلف ولقبه بقوله: "ولده صدر الدين علي" (2/ 470) . 3 انظر المرجع السابق (2/ 470) ، والثغر البسام، ص (201) . 4 انظر الدليل الشافي (1/465) . 5 انظر الدرر الكامنة (3/ 159) ، والدليل الشافي (1/ 465) . 6 انظر الدليل الشافي (1/465) . 7 انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (2/415) فقد أشار إلى أن أباه وجده من القضاة. 8 انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (67، 68) . 9 انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (3/481، 360) .

المفتي1، ومنهم المدرس2. ب- شيوخه: لا تجود علينا كتب التراجم، ولو بيسير في هذا الجانب، والذي أستطيع أن أقول في هذه الناحية وأنا مسبوق إليه3: إن الإمام صدر الدين ابن أبي العز قد تركت فيه كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه أعظم الأثر، فهما الشيخان الموجهان لحياة هذا الإمام، وقد صرح باسم الإمام ابن كثير في أكثر من موضع في شرح العقيدة الطحاوية، ووصفه بأنه شيخه4، ويترجح عند بعض الباحثين بأنه كان يتصل بالإمام ابن القيم ويستفيد منه مشافهة5، فأمّا نقله من كتبه فكثير جداً، خصوصاً في شرح العقيدة الطحاوية6. وهناك شيخ آخر لابن أبي العز ذكره في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية7، هو: إبراهيم بن علي بن أحمد الطرسوسي، أحد العلماء على مذهب الإمام أبي حنيفة، وتوفي بدمشق سنة 758 ?8. وأما دراسة ابن أبي العز الأولية فلم أظفر بشيء عنها ولكن يبدو أنها كانت على يدي والده، وفي المدراس التي تهتم بدراسة المذهب الحنفي. ج- تلاميذه: لا نشك في أن لهذا الإمام تلاميذاً، ولكن لم تتفضل علينا كتب التراجم بشيء في ذلك؛ إلاّ ما ذكره الإمام السخاوي في بعض

_ 1 انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (68) . 2 انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (2/503، 504) و (3/148) . 3 انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (7، 73) للأستاذين التركي والأرنؤوط. 4 انظر المرجع السابق، ص (73) وانظر من هذا البحث آخر سورة التوبة، الآية (124) . 5 انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (73) . 6 انظر من هذا البحث الحواشي، عند الآية (18) من سورة آل عمران، والآية (172) من سورة الأعراف. 7 انظر منه، ص (355) تحقيق أنور. 8 انظر تاج التراجم، ص (89) ، والفوائد البهية، ص (10) ، والطبقات السنية (1/213) .

كتبه1 أن ابن الديري واسمه سعد بن محمد بن عبد الله أحد قضاة الحنفية ت: 867 قد أجاز له ابن أبي العز. 3- مذهبه في العقيدة والفقه أ- في العقيدة: الإمام ابن أبي العز مشى على مذهب السلف في جميع المباحث العقدية، وحسبك في إثبات هذه الحقيقة - التي هي أوضح من الشمس في رابعة النهار - أمران. الأول: ما سطره في شرحه للعقيدة الطحاوية، فقد تناول في هذا الكتاب جل المباحث العقدية بمنهج سلفي رصين، حتى غدا هذا الكتاب أحد الدعائم التي تعتمد عليها الجامعات الإسلامية في تدريس مادة التوحيد. الثاني: اعتراضه على بعض شعراء أهل زمانه2، عندما مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة، وقع فيها بعض الأخطاء العقدية فبيَّن الإمام ابن أبي العز تلك الأخطاء، ونبَّه عليها، فلم يعجب ذلك بعض أهل زمانه ممن ينتحل العلم، وشغَّبوا عليه بهذه المسألة فامتحن بسببها وأُدخل السجن، وأوذي3. ب- أما مذهبه في الفقه: فهو حنفي4، يزن أقوال الأئمة بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة. ولقد وضع لنفسه منهجاً قويماً قاده إلى

_ 1 انظر الضوء اللامع (3/ 249 - 253) ، ووجيز الكلام (1/ 296) . 2 واسمه: علي بن أيبك بن عبد الله. قَال ابن حجر: اشتهر بالنظم قديما … وله مدائح نبوية (ت: 801 ?) انظر إنباء الغمر (4/67) ، والدليل الشافي (1/ 452) . 3 تفاصيل الحادثة وامتحانه في إنباء الغمر بأبناء العمر (2/95-98) الطبعة العثمانية في حوادث 784 ?. وقد أحسن الشيخان التركي والأرنؤوط بشرح ملابسات تلك الحادثة، وبيان وجه الحق فيها. انظر: مقدمتهما لشرح العقيدة الطحاوية، ص (87-102) . 4 ذكره في قضاة الحنفية في مصر السيوطي في حسن المحاضرة (2/ 184، 185) ووصفه جماعة من المترجمين له بالحنفي منهم ابن حجر في الدرر الكامنة (3/159) ، وابن تغري بردي في الدليل الشافي (1/465) ، والسخاوي في وجيز الكلام (1/ 296) .

باب الإمامة، وجعل أبحاثه في غاية الدقة والمتانة، بعد توفيق من الله ورعايته نص عليه في كتابه الإتباع فقال: "فالواجب على من طلب العلم النافع أن يحفظ كتاب الله ويتدبره، وكذلك من السنة ما تيسر له، ويتضلع منها ويتروّى، ويأخذ معه من اللغة والنحو ما يصلح به كلامه، ويستعين به على فهم الكتاب والسنة، وكلام السلف الصالح - في معانيها - ثم ينظر في كلام عامة العلماء: الصحابة، ثم مَنْ بعدهم، ما يتيسر له من ذلك من غير تخصيص، فما اجتمعوا عليه لا يتعداه، وما اختلفوا فيه نظر في أدلتهم من غير هوى ولا عصبية، ثم بعد ذلك من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً"1. 4- مؤلفاته والمناصب العلمية التي وليها: أ- مؤلفاته: له عدة مؤلفات وقفت عليها جميعاً إلاّ واحداً، وكلها قوية - أعني ما وقفت عليه - في موضوعها ومضمونها، وإليك الحديث عنها بإيجاز. شرح العقيدة الطحاوية2: وهو شرح نفيس تضمن أبحاثاً دقيقة عميقة، وتحقيقات بديعة متقنة في العقيدة الإسلامية، على منهج السلف3 بل إنه لم يترك مبحثاً مهماً من مباحث العقيدة، وإلا وطرقه بإطناب، وقد حُقّق

_ 1 الاتباع، ص (88) والمؤلف في جميع كتبه (التنبيه على مشكلات الهداية، وشرح العقيدة الطحاوية، والاتباع، ورسالة في صحة الإقتداء بالمخالف) يحارب المتعصبين للأئمة، الذين يسوقون الأمة إلى الاختلاف والتنازع، ولكنه لا يمنع من تقليد الأئمة دون تعصب؛ فإنه القائل: "ومن ظن أنه يعرف الأحكام من الكتاب والسنة بدون معرفة ما قاله هؤلاء الأئمة وأمثالهم، فهو غالط مخطئ. ولكن ليس الحق وقفاً على واحد منهم، والخطأ وقفاً بين الباقين حتى يتعين اتباعه دون غيره". الاتباع، ص (43) . 2 نسبه إلى المؤلف الإمامُ السخاوي في وجيز الكلام (1/296) ، والزبيدي في شرح إحياء علوم الدين (2/146) ، وانظر مقدمة التركي والأرنؤوط للكتاب المذكور، ص (117) . 3 انظر مقدمة التركي والأرنؤوط لشرح العقيدة الطحاوية، ص (81) .

1- الكتاب عدة تحقيقات، وطُبع عدة طبعات كان أول هذه التحقيقات والطبعات قبل سبعين سنة، وقد استوفى الكلام على هذه الطبعات التركي والأرنؤوط، في تحقيقهما لهذا الشرح1، الذي هو أفضل التحقيقات والطبعات فيما رأيت، وعليه اعتمدت في نقل النصوص التفسيرية، وإن كان لا يسلم من ملاحظات، والكمال لله وحده2. 2- الإتباع3: يقع هذا الكتاب في (110) صفحات من الحجم المتوسط، له أكثر من طبعة، والتي وقفت عليها هي الطبعة الثانية في عمان، سنة 1405هـ بتحقيق محمد عطا الله، وعاصم بن عبد الله، والكتاب رد على رسالة ألفها معاصره محمد بن محمود بن أحمد الحنفي المعروف بالبابرتي (ت: 786هـ) يرجح فيها تقليد مذهب أبي حنيفة على غيره من المذاهب، فكان لابن أبي العز معه وقفات موفقة أعاد فيها الحق إلى موضعه، فيما زل فيه البابرتي، والعصمة لله وحده، ثم لرسوله صلى الله عليه وسلم. 3-رسالة في الفقه: مضمونها جواب عن ثلاثة أسئلة وجهت إلى المؤلف. الأول: أن جماعة من الحنفية يتحرجون من الصلاة خلف من يرفع يديه في أثناء الصلاة. والثاني: أنهم إذا صلوا الجمعة خلف إمام الحي ينهضون عند سلامه ويقيمون الصلاة، ويصلون الظهر؛ لأن هذه الصلاة لا تصح عندهم إلا في مصر جامع، والثالث: أن بعضهم يتحرز من ماء الوضوء الذي يسقط من أعضاء الوضوء، لظنهم أنه نجس. وقد أجاب المؤلف عن هذه الأسئلة بما استغرق خمس لوحات،

_ 1 انظر مقدمتهما، ص (106، 109) . 2 منها قولهما: إنهما خرجا الآثار، وهما لم يخرجا إلا عدداً لا يكاد يُذكر. ومنها إطلاقهما القول بما يفيد أنهما أشارا إلى جميع مواضع النقول من المؤلفات التي نقل منها الشارح. ومنها تساهلهما في إطلاق كلمة (لم نقف عليه) أثناء حديثهما على مؤلفات الشارح التي لم تطبع وفي تعارف الباحثين أن هذه الكلمة لا تُقال إلا بعد البحث الجيد. 3 انظر توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف في مقدمة الطبعة الثانية، من كتاب الاتباع، ص (12) .

غير لوحة العنوان، وقد قام بتحقيقها الطالب مسعود عالم بن محمد.1 والمسلمون بحاجة إلى ما فيها من علم، خصوصاً في زماننا هذا الذي جعل فيه العوامُ - وأشباههم ممن ينتحل العلم - هذه الخلافات الفرعية سبيلاً إلى تفريق هذه الأمة، وزيادتها وهناً على وهن. 4-كتاب التنبيه على مشكلات الهداية2: نسبه إليه الإمام السخاوي3 وغيره4. والمؤلف يعني بالهداية، كتاب الهداية لمؤلفه على بن أبي بكر المرغيناني (ت: 593 هـ) . وكتاب التنبيه يحتوي على علم غزير يشهد لمؤلفه بالإمامة والرسوخ في علم الفقه المقارن، وكذلك في علمي الأصول والحديث، إلا أنه تحامل على صاحب الهداية، فلم ينصفه في بعض المواطن. والكتاب حُقق في رسالتي ماجستير، وذلك بقسم الفقه في كلية الشريعة، بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 5- النور اللامع فيما يعمل به في الجامع: نسبه إليه إسماعيل باشا، والزركلي، وكحالة5، ويعني بالجامع، جامع بني أمية بدمشق6، ولم أقف على ذات الكتاب

_ 1 يوجد منها نسخة في المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية، برقم (4/217 ع زر) وفات الباحث الاطلاع على نسخة أخرى ذكرها فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المجاميع (2/350) ولا أدري هل اطلع عليها الباحث عندما طبع الكتاب في دار الهجرة. 2 هكذا ذكر المؤلف عنوان الكتاب. انْظر: التنبيه على مشكلات الهداية، ص1 تحقيق عبد الحكيم. 3 انظر وجيز الكلام (1/ 296) . 4 انظر هدية العارفين (1/726) ، والأعلام (4/313) ، ومعجم المؤلفين (7/156) . 5 انظر هدية العارفين (1/726) ، والأعلام (4/313) ، ومعجم المؤلفين (7/156) . 6 انظر هدية العارفين (1/ 726) وعنوان الكتاب يوحي بأنه ليس كبيراً، والله أعلم.

بعد البحث والمحاولة، وسؤال أهل الخبرة، ولازال الأمل موجوداً والبحث جارياً. ب- المناصب العلمية التي وليها: ذكرت كتب التاريخ أنه تولى التدريس والخطابة والقضاء. 1- التدريس: درَّس في عدد من المدارس الحنَفية، منها (القيمازية) في سنة 748هـ1، والمدرسة الركنية سنة 777هـ2، والمدرسة العزية البرانية في ربيع الآخر سنة 784هـ، ودرس بالمدرسة الجوهرية3. 2- الخطابة: تولى الخطابة في جامع الأفرم بدمشق4، وتولى الخطابة أيضاً بحسبان5، وهي بلدة تقع جنوب عمَّان6. 3- القضاء: ولي قضاء الحنفية بدمشق في آخر سنة 777هـ، نيابة عن ابن عمه نجم الدين، الذي نقل إلى قضاء مصر سنة 777هـ7، ثم استعفى نجم الدين من القضاء فأعفي، وولي مكانه ابن أبي العز، فباشر القضاء شهرين وأياماً، ثم استعفى فأُعفي8، وعاد إلى دمشق، يدرس ويخطب9.

_ 1 انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (2/503) . 2 انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (78) . 3 ذكر ابن حجر ما يفيد أنه درس في المدرستين ولم يذكر التاريخ انظر إنباء الغمر (2/98) وانظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (78) . 4 انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (2/469، 470) ففيه ما يشير إلى ذلك. 5 انظر الثغر البسام، ص (201) ، وإنباء الغمر (3/ 50) . 6 انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية، ص (81) . 7 انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 478) . 8 انظر المرجع السابق (3/ 478، 483) . 9 يُؤخذ ذلك من كلام ابن حجر في إنباء الغمر (3/ 50) .

5- وفاته: توفي رحمه الله تعالى في ذي القعدة، سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون في بلدة دمشق1.

_ 1 انظر إنباء الغمر (3/ 50) ، ووجيز الكلام (1/ 295) ، والثغر البسام، ص (201) ، وأبعد عن الصواب حاجي خليفة في كشف الظنون (2/ 1143) عندما أرخ وفاته بسنة (742هـ) .

سورة الفاتحة

القسم الثاني: تفسير الإمام ابن أبي العز، ويشمل السور والآيات التالية سورة الفاتحة [قوله تعالى] : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1… {الدِّينِ} الجزاء2، يقال: كما تدين تدان. أي: تُجازي تُجازى… قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 {جَزَاءً وِفَاقاً} 4 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} 5 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 6 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 78. [قوله تعالى] : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 9 إذا هداه هذا الصراط، أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة. لكن الذنوب هي لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الطعام والشراب، ليس كما يقوله بعض المفسرين: إنه

_ 1 سورة الفاتحة، الآية: 4. 2 انظر تفسير القرآن، للسمعاني (1/37) ، وجامع البيان (1/155) ، وتفسير ابن أبي حاتم (1/19) . وقد ذكر ابن عطية في المحرر الوجيز (1/72، 73) أن "الدين" يجيء في كلام العرب على أنحاء، منها ما ذُكر هنا. قال: وهذا الذي يصلح لتفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . 3 سورة السجدة، الآية: 17. 4 سورة النبأ، الآية: 26. 5 سورة الأنعام، الآية: 160. 6 سورة النمل، الآية: 89، 90. 7 سورة القصص، الآية: 84. 8 شرح العقيدة الطحاوية، ص (600) . 9 سورة الفاتحة، الآية: 6، 7.

قد هداه، فلماذا يسأل الهدى؟ وأن المراد التثبيت، أو مزيد الهداية1. بل العبد محتاج إلى أن يُعلِّمه الله ما يفعله من تفاصيل أحواله، وإلى ما يتركه من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهمه أن يعمل ذلك، فإنه لا يكفي مجرّد علمه، إن لم يجعله مريداً للعمل بما يعلمه، وإلاَّ كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً، والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادراً على العمل بتلك الإرادة الصالحة2، فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله، فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامّة، فمن كملت له هذه الأمور، كان سؤاله سؤال تثبيت3، وهي آخر الرتب. وبعد ذلك كله هداية أخرى، وهي الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة4؛ ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة، لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء5، فيجب أن يعلم أن الله بفضل رحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر، فقد بيَّن القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله، وأن الحسنات كلها من الله تعالى6.

_ 1 أورد السؤال والجوابين السمعاني في تفسير القرآن (1/38) ، ونحو هذا في كثير من كتب التفسير. انظر تفسير القرآن لأبي الليث (1/83) ، ومعالم التنزيل (1/41) ، والكشاف (1/66) ، والتفسير الكبير (1/205) . وقد فسر الطبري الآية في جامع البيان (1/66) بالقول الأول فقال: "وفقنا للثبات عليه". 2 من أول كلام المؤلف إلى هنا موجود في مجموع فتاوى شيخ الإسلام (14/320، 321) . وكذلك هو في الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام نفسه، ص (83، 84) . 3 انظر بدائع الفوائد (2/38) ففيه نحو ما ذكر المؤلف هنا. 4 انظر المحرر الوجيز (1/78) . 5 من قوله: ((ولهذا)) إلى ((الدعاء)) مأخوذ بنصه من كتاب الحسنة والسيئة، ص (84) . 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (519، 520) ونحو هذا أعاده في ص (800) .

[وقال أيضاً قوله تعالى] : { ... صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين َ} … ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضآلُّون" 1.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (800) . والحديث أخرجه الترمذي برقم (2954) ، والإمام أحمد في المسند (4/378، 379) ، وأبو داود الطيالسي برقم (1040) ، وابن جرير في جامع البيان (1/185، 193) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/23) ، وابن حبان في صحيحه مع الإحسان (16/183، 184) كلهم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. والحديث صحح أحمد شاكر إسناده. انظر جامع البيان الموضع المتقدم. وقال عبد الرحمن ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافاً. يعني تفسير الآية بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر تفسيره (1/23) .

سورة البقرة

سورة البقرة [قوله تعالى: {الم} 2] ... وقعت الإشارة بالحروف المقطَّعة في أوائل السور، أي: أنه في أسلوب كلامهم، وبلغتهم التي يتخاطبون بها، ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن3؟، كما في قوله تعالى: {الم ذَلِك َ

_ 2 سورة البقرة، الآية: 1. 3 هذا أحد الأقوال على قول من قال: إنه يُعرف تفسيرها وهو منسوب إلى قطرب والمبرد. انظر معاني القرآن وإعرابه (1/55، 56) ، والمحرر الوجيز (1/95) ، والتفسير الكبير (2/7) . وإلى هذا القول ذهب الزمخشري في الكشاف (1/95-97) . قال الرازي: واختاره جمع عظيم من المحققين. انظر التفسير الكبير (2/7) . وإن أردت الاطلاع على جميع الأقوال في الحروف المقطعة فانظر التفسير الكبير (2/3-8) ، والبحر المحيط (1/156) وما بعدها، والبرهان في علوم القرآن (1/172-176) ، والتحرير والتنوير (1/207) ، وقد ذكر العلامة ابن كثير في تفسيره (1/39) ما يفيد ترجيح هذا القول أعني الذي ذكره المؤلف هنا ثم قال: "وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي، وحكاه لي عن ابن تيمية".

الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 1. {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ} 2 الآية {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} 3 {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} 4. وكذلك الباقي يُنبِّههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه، بل خاطبكم بلسانكم5. [قوله تعالى] : {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} 6وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} 7 ... هذا مرض الشبهة وهو أردأ من مرض الشهوة؛ إذ مرض الشهوة يُرجى له الشفاء بقضاء الشهوة، ومرض الشبهة لا شفاء له، إن لم يتداركه الله برحمته8.

_ 1 سورة البقرة، الآية: 1، 2. 2 سورة آل عمران، الآية: 1-3. 3 سورة الأعراف، الآية: 1، 2. 4 سورة يونس، الآية: 1. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (205) . 6 سورة البقرة، الآية: 10. 7 سورة التوبة، الآية: 125. 8 شرح العقيدة الطحاوية، ص (258) . وقد فسر المؤلف الآيتين في معرض بيانه أن النفي والتشبيه مرضان من أمراض القلوب، فالنفاة والمشبهة خرجوا عن حد الاعتدال الصحيح بسبب الشبهة التي ألقاها إبليس في قلوبهم، فكان لهما نصيب مما تضمنته هاتان الآيتان. وقد قال السمعاني عند آية البقرة: أراد بالمرض الشك والنفاق بإجماع المفسرين. ونحو هذا ذكر الواحدي. انظر تفسير القرآن للسمعاني (1/48) ، والوسيط للواحدي (1/87) . وكأن من حكى الإجماع لم يعتد بقول من قال: إن المقصود الزنا. انظر تفسير ابن أبي حاتم (1/47) . ولا شك أن سياق الآية التي في سورة البقرة يشهد لقول من حكى الإجماع. وكذلك الآية التي في سورة التوبة المقصود بالمرض فيها مرض النفاق الاعتقادي، المخرج من الملة؛ ولذلك قال في آخرها: {وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} . وانظر في تفسير آية التوبة جامع البيان (14/578) ، وتفسير القرآن للسمعاني (2/361) .

.. قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} 1 ... المراد المقارنة بالفعل، وهي الصلاة جماعة؛ لأن الأمر بالصلاة قد تقدم، فلا بد من فائدة أُخرى. وتخصيص الركوع؛ لأن بإدراكه تدرك الصلاة، فمن أدرك الركعة أدرك السجدة2. [قوله تعالى] : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} 3 والأماني: التلاوة المجردة4 أي: إلاَّ تلاوة من غير فهم معناه. وليس هذا كالمؤمن الذي فهم ما فهم من القرآن فعمل به، واشتبه عليه بعضه، فوكل علمه إلى الله، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" 5 فامتثل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم6. قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 7 أي: صلاتكم إلى بيت المقدس8

_ 1 سورة البقرة، الآية: 43. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (220) تحقيق عبد الحكيم. وانظر المحرر الوجيز (1/ 203) ، والجامع لأحكام القرآن (1/ 348، 349) ففيهما ما ذكر المؤلف من الاحتجاج بالآية على الصلاة جماعة. 3 سورة البقرة، الآية:78. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (504) . وهذا أحد الأقوال، التي قيلت في معنى ((أماني)) . انظر هذا القول وغيره في تفسير القرآن لأبي الليث (1/131) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/99) ، ومعالم التنزيل (1/88) ، والمحرر الوجيز (1/271) . 5 هذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/181) ، والبخاري في خلق أفعال العباد، ص (43) ، والبغوي في شرح السنة (1/260) كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وحكم محققا شرح السنة بأن إسناده حسن. انظر شرح السنة الموضع المتقدم. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (785، 786) . 7 سورة البقرة، الآية: 143. 8 يشهد لهذا القول بالصحة ما أخرجه الإمام الترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما وُجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي الحديث رقم (2964) وقد أخرجه غيره من الأئمة، وكلهم أخرجوه من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس. وإن كان في رواية سماك عن عكرمة شيء، فهناك شواهد للحديث، لا ينزل بمجموعها عن درجة الحسن. وقد قال الإمام ابن القيم: "وفيه قولان يعني في معنى {إِيمَانُكُمْ} أحدهما: ما كان ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس … والثاني: ما كان ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم بأن الله شرعها ورضيها. وأكثر السلف والخلف على القول الأول، وهو مستلزم للقول الآخر". بدائع التفسير (1/342) .

سميت إيماناً مجازاً1؛ لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلالتها على الإيمان؛ إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمناً؛ ولهذا يُحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا2. ... عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 3 فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة. قالت بئسما قلت ياابن أختي، إن هذه الآية لو كانت على ما أوّلتها كانت: لا جناح عليه ألا يطوّف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يُهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أنطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا

_ 1 انظر التفسير الكبير (4/98) ، وروح المعاني (2/7) . 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (445) ، وأحسن من تعليل المؤلف هنا ما ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/157) بقوله: "فسمّى الصلاة إيماناً لاشتمالها على نية وقول وعمل". 3 سورة البقرة، الآية: 158.

وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية1 ... [قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 2] ... لمَّا قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قال بعده: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني: هب أن إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} 3 وقد اعترض صاحب المنتخب4 على النحويين في تقدير الخبر في {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فقالوا: تقديره لا إله في الوجود إلا الله. فقال: يكون ذلك نفياً لوجود الإله، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصِّرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره، والإعراض عن هذا الإضمار أولى5. وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي6 في ((ري الظمآن)) فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإن ((إله)) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم ((لا)) وعلى التقديرين، فلابد من خبر للمبتدأ،

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (486، 487) تحقيق عبد الحكيم. وسبب النزول هذا أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (1643) ومسلم في صحيحه تحت رقم (1277) . 2 سورة البقرة، الآية: 163. 3 ذكر أبو حيان هذا منسوباً إلى صاحب المنتخب. انظر البحر (1/637) . 4 لعله: الحسن بن صافي بن عبد الله الملقب بملك النحاة (ت: 568 ?) ذكر القفطي في مؤلفاته ((المنتخب)) . انظر معجم الأدباء (2/866) ، وإنباه الراوة (1/340) ، وبغية الوعاة (1/504) . 5 نحو هذا الاعتراض في التفسير الكبير (4/157) من غير نسبة. وهو بتمامه في البحر (1/637) منسوباً لصاحب المنتخب. 6 محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل المرسي، العلامة شرف الدين، النحوي الأديب، الزاهد المفسِّر، المحدث الفقيه الأصولي، (ت: 655 ?) . انظر بغية الوعاة (1/144) .

وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد. وأما قوله: إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية، فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية هو نفي الوجود لا تتصور الماهية إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية، ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة1 فإنهم يثبتون ماهية عارية من الوجود. و ((إلا الله)) مرفوع، بدلاً من ((لا إله)) لا يكون خبراً لـ ((لا)) ، ولا للمبتدأ، وذكر الدليل على ذلك2.

_ 1 المعتزلة فرقة نشأت إثر قول واصل بن عطاء: إن فاعل الكبيرة لا مسلم ولا كافر، واعتزل مجلس شيخه الحسن البصري، فسُمي معتزلياً، وأتباعه معتزلة، ولهم أصول خمسة خالفوا فيها الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة. انظر الفرق بين الفرق، ص (14، 18، 19) ، والملل والنحل، ص (48) ، والمعتزلة وأصولهم الخمسة، ص (14) . 2 جواب أبي عبد الله المرسي منقول بتمامه في البحر (1/637) وعقب عليه أبو حيان بما يُفهم موافقته لأبي عبد الله المرسي. انظر البحر (1/637، 638) . وتقدير خبر (لا) بكلمة ((في الوجود)) قد قاله أيضاً أبو البركات ابن الأنباري في كتابه، البيان في غريب إعراب القرآن (1/131) . وقد قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى: إن التقدير بكلمة ((في الوجود)) لا يحصل به المقصود من بيان أحقية ألوهية الله سبحانه وبطلان ما سواها؛ لأن لقائل أن يقول: كيف تقولون: (لا إله في الوجود إلا الله) ؟ وقد أخبر سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين، كما في قوله سبحانه: {… فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} وقوله: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة} فلا سبيل إلى التخلص من هذا الاعتراض، وبيان عظمة هذه الكلمة … إلا بتقدير الخبر بغير ما ذكره النحاة، وهو كلمة ((حق)) ؛ لأنها هي التي توضح بطلان جميع الآلهة، وتبين أن الإله الحق والمعبود الحق هو الله وحده … انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (74) حاشية (2) . قلت ذكر الشيخ ابن باز أن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم قد نبها على ما قاله هنا. وقد تنبه بعض المفسرين إلى هذا فقال العلامة الألوسي في روح المعاني (2/29) : ((وإضافة إله) إلى ضمير المخاطبين باعتبار الاستحقاق، لا باعتبار الوقوع؛ فإن الآلهة الغير مستحقة كثيرة". وقال الخفاجي في عناية القاضي وكفاية الراضي (2/434) : " {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} خطاب عام أي المستحق منكم العبادة واحد لا شريك له". وانظر أيضاً: التحرير والتنوير (2/74) .

وليس المراد هنا ذكر الإعراب، بل المراد دفع الإشكال الوارد على النحاة في ذلك، وبيان أنه من جهة المعتزلة، وهو فاسد؛ فإن قولهم: ((في الوجود)) ليس تقييداً؛ لأن العدم ليس بشيء؛ قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} 1. ولا يقال: ليس قوله: ((غيره)) كقوله: ((إلا الله)) ؛ لأن ((غيراً)) تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد ((إلا)) فيكون التقدير للخبر فيهما واحداً؛ فلهذا ذكرتُ هذا الإشكال وجوابه هنا2. ذُكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان فأنزل الله هذه الآية {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} 3 الآيات4. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} 5 إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب6، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا

_ 1 سورة مريم، الآية: 9. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (73-75) . 3 سورة البقرة، الآية: 177. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (485) وانظر أسباب النزول للواحدي، ص (49) ، ولباب النقول في أسباب النزول، ص (49) ففيهما أن سبب نزول الآية أنهم سألوا عن البر. 5 سورة البقرة، الآية: 178. 6 انظر الوسيط (1/265) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/174) ، وزاد المسير (1/180) ، والتفسير الكبير (5/47) فقد ذكروا نحو ما قال المؤلف.

بَيْنَهُمَا} إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 1. ... قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} 2 الآية ... معنى { {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} فرض عليكم وألزمكم3 ... قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} 4قيل: معناه لا يطيقونه5 هذا التقدير على قول من قال من النحاة: بتقدير (لا) في مثل قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 6 والمبرد وغيره يأبون ذلك ويقدرون فيه كراهية أن تضلوا. وقولهم أولى؛ لأن تقدير العامل المناسب أولى من تقدير حرف النفي، مع أنه ليس قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} نظير قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 7 لأن هنا قرينة تدل على المقدر وهي قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ} وليس في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ما يدل عليه ولا يجوز في مثله تقدير ما لايدل عليه من اللفظ دليل. وإلا لم يثق أحد بنص مثبت لاحتمال أن تكون (لا) مقدرة فيه. وقيل: معناه كانوا يطيقونه أي في حال الشباب فعجزوا عنه بعد الكبر، والآخر ظاهر

_ 1 سورة الحجرات، الآية: 9، 10. وانظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (442) ومقصود المؤلف من إيراد آية الحجرات أنها دلت على ما دلت عليه آية البقرة من بقاء أخوة الإسلام مع وجود الكبيرة وهي القتل، فدل ذلك على أن الكبيرة لا تخرج صاحبها من الإسلام. 2 سورة البقرة، الآية: 180. 3 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (485) (تحقيق عبد الحكيم) وانظر هذا المعنى في جامع البيان (3/384) وتفسير القرآن لأبي الليث (1/181) ، والنكت والعيون (1/231) ، والوسيط (1/268) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/174) . 4 سورة البقرة، الآية: 184. 5 انظر الدر المصون (2/273) فقد ذكر السمين هذا القول وقال: إنه بعيد. 6 سورة النساء، الآية: 176. 7 سورة النساء، الآية: 176.

الضعف. وأقوى منه ما روى البخاري في صحيحه عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ (وعلى الذي يطوقونه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً1. مع أن هذه القراءة يمكن أن ترد إلى معنى القراءة الأخرى فإن معنى (يطوَّقونه) يكلفونه. وأكثر السلف على أن الآية منسوخة. عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} متفق عليه2. وأخرجه البخاري أيضاً عن ابن عمر3 وأخرج أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أصحاب محمد أنهم قالو ذلك4. وحكى البغوي عن قتادة أنها خاصة في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم لكنه يشق عليه، رخص له أن يفطر ويفتدي ثم نسخ5. وحكي أيضا عن الحسن أن هذا في المريض الَّذِي به ما يقع اسم المرض وهو مستطيع للصوم، خُيّر بين أن يصوم وبين أن يفطر ويفدي ثم نسخ6.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح برقم (4505) والقراءة المذكورة عن ابن عباس قراءة شاذة. انظر مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه، ص (11) . 2 صحيح البخاري مع الفتح برقم (4507) ، وصحيح مسلم برقم (1145) . 3 صحيح البخاري مع الفتح برقم (1949) . 4 صحيح البخاري مع الفتح (4/187) والخبر ذكره الإمام البخاري معلقاً. وقال ابن حجر في الفتح (4/188) وصله أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريقه ... واختلف في إسناده اختلافاً كثيراً، وطريق ابن نمير هذه أرجحها. 5 معالم التنزيل (1/150) وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني عن قتادة بإسناد صحيح. انظر تفسير القرآن لعبد الرزاق (1/69، 70) . 6 معالم التنزيل (1/150) وقد ذكر البغوي في مقدمة تفسيره (1/28) أنه يروي تفسير الحسن من طريق عمروبن عبيد. ومعلوم أن عمرو بن عبيد أحد رؤوس المعتزلة الدعاة إلى بدعتهم.

وإذا عرف هذا فالمسألة مسألة نزاع بين الصحابة رضي الله عنهم. ومن ادعى النسخ معه زيادة إثبات. كيف وهو قول جمهور الصحابة؟ ولعل قول ابن عباس رضي الله عنهما عن اجتهاد، وقول غيره عن نقل وهو الظاهر، فإن النسخ كان قبل ابن عباس رضي الله عنهما1. ... قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 2شاة. وعليه جمهور العلماء3، وجماعة الفقهاء4. ... قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 5المخاطبون بالنهي هم المحرمون، والضمير في قوله:"رؤوسكم" عائد إليهم، أي: لا يحلق بعضكم رؤوس بعض، كما في قَوْله تَعَالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (429،432) تحقيق عبد الحكيم. وما ذهب إليه المؤلف هو الراجح، لأن الآية صريحة في التخيير بين الصيام والإطعام لمن يطيق الصوم، وقد رُفع هذا التخيير باتفاق على وجوب الصوم بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقد رجح القول بالنسخ جماعة من الأئمة، منهم أبو عبيد والطبري والنحاس ومكي وابن حزم وابن العربي وابن الجوزي وابن كثير. انظر جامع البيان (3/434) ، والناسخ والمنسوخ لأبي عبيد، ص (47) ، والناسخ والمنسوخ للنحاس (1/501،502) ، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، ص (125) ، والإحكام في أصول الأحكام (4/62) ، وأحكام القرآن (1/79) ، ونواسخ القرآن، ص (177) ، وتفسير القرآن العظيم (1/216) . 2 سورة البقرة، الآية: 196. 3 انظر الجامع لأحكام القرآن (2/378) . 4 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (588) تحقيق عبد الحكيم. 5 سورة البقرة، الآية: 196.

أَنْفُسِكُمْ} 1 الآية، وفي قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 2 وفي قوله: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 3 هذا هو الظاهر في الآيات كلها، وإن كانت تحتمل أن المحرم لا يحلق رأس نفسه، أو لا يُمكّنُ من يحلقه، أو أن أحداً منكم لا يقتل نفسه، وأن من تمام توبتكم يا بني إسرائيل إن كل إنسان منكم يقتل نفسه، لكنه خلاف الظاهر، والقول بشمول كل من الآيات للمعنيين أحسن4. ... قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} 5… البغي مجاوزة الحد6 ... قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 7قال مجاهد: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} حتى ينقطع الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} اغتسلن بالماء8.

_ 1 سورة النور، الآية: 61. 2 سورة النساء، الآية: 29. 3 سورة البقرة، الآية: 54. 4 انظر التنبيه على مشكلات الهداية، ص (544، 545) . تحقيق عبد الحكيم. وانظر جامع البيان (19/ 225، 226) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/418، 419) ، والنكت والعيون (1/475) ، والمحرر الوجيز (4/94) ، وفتح القدير (1/544) تجد أن أصحاب هذه المؤلفات قد ذكروا المعنيين. عند بعض هذه الآيات. وطائفة من المفسرين اقتصروا على ذكر المعنى الذي قال المؤلف إنه الظاهر، وذلك عند بعض هذه الآيات أيضاً انظر تفسير القرآن لأبي الليث (1/119، 349) ، وزاد المسير (1/82) وما رجحه المؤلف من القول بالعموم هو الصحيح. 5 سورة البقرة، الآية: 213. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (782) . وانظر هذا المعنى الذي ذكره المؤلف في جامع البيان (4/281) ، والمفردات في غريب القرآن، ص (55) ، وعمدة الحفاظ (1/243) . 7 سورة البقرة، الآية: 222. 8 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (106) تحقيق عبد الحكيم، والأثر أخرج بعضه ابن جرير في تفسيره برقم (4266) وبعضه برقم (4270) بسند واحد رجاله ثقات.

قال أهل التفسير في قوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 أي مطيعين. قاله الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاوس2.ويشهد لذلك قوله تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} 3 وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} 4 وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} 5 وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} 6 وقوله تعالى {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} 7. وقال أيضاً القيام المذكور في الآية ليس المراد به انتصاب القامة، بل المراد به فعل المأمور به، وأن يكون على وجه الطاعة لله، والإمتثال لأمره، فإن الرجل يقوم بأشياء ويكون هو قائم بأمر على وجه الطاعة تارة، وعلى وجه المعصية أخرى فأمروا أن يقوموا لله بما أمرهم به حال كونهم طائعين ... ويحتمل أن يكون المراد بالقيام لله في الآية الصلاة بخصوصها8، ويكون المعنى: {حَافِظُوا

_ 1 سورة البقرة، الآية: 238. 2 أخرج ذلك الإمام الطبري عنهم في جامع البيان (5/230، 231) . والأسانيد إلى الشعبي وعطاء وقتادة وطاوس رجالها ثقات. وهذا القول ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر جامع البيان (5/ 229) . 3 سورة البقرة، الآية: 116. 4 سورة النحل، الآية: 120. 5 سورة التحريم، الآية: 5. 6 سورة الأحزاب، الآية: 35. 7 سورة النساء، الآية: 34. وهذا التفسير في التنبيه على مشكلات الهداية، ص (259) تحقيق عبد الحكيم. 8 ذكر هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (2/251) والأقوال في معنى ((قانتين)) كثيرة جداً، انظرها في التفسير الكبير (6/130، 131) ، والجامع لأحكام القرآن (3/213، 214) ، والبحر المحيط (2/251) وأشهرها قولان: 1- القنوت الطاعة.2- القنوت السكوت. قال أبو جعفر النحاس بعد أن ذكر القولين: "هذان القولان يرجعان إلى شيء واحد؛ لأن السكوت في الصلاة طاعة" عاني القرآن الكريم (1/240) .

عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} بالصلاة قانتين فيها {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} فإن قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قد ذكرت الصلاة قبله وبعده، فكان الظاهر إرادة الصلاة هنا بخصوصها، وأما إرادة القيام في الصلاة بمجرده من هذه الآية فغير ظاهر1. [قوله تعالى] : {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 2 {لا يَؤُودُهُ} أي: لا يكرثه3 ولا يثقله ولا يعجزه4. فهذا النفي لثبوت كمال ضده، وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده5، كقوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} 6 لكمال عدله، {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (166) تحقيق عبد الحكيم. وهذا التفسير ذكره عندما رد على صاحب الهداية في احتجاجه بالآية على فرضية القيام في الصلاة المفروضة. 2 سورة البقرة، الآية: 255. والمؤلف لم يذكر الآية كاملة في مكان واحد، وإنما ذكرها مفرقة. 3 أي: لا يشق عليه، ولا يغمه ولا يثقله. انظر تهذيب اللغة (10/175، 176) ((كرث)) . 4 انظر مجاز القرآن (1/78) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص (93) ، ومعاني القرآن وإعرابه (1/338) ، وجامع البيان (5/404، 405) . 5 انظر في هذه المسألة: الرسالة التدمرية، ص (40) وما بعدها، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (17/109) وما بعدها، وأيضاً (3/36) من مجموع الفتاوى. 6 سورة الكهف، الآية: 49.

الأَرْضِ} 1 لكمال علمه، وقوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} 2 لكمال قدرته. {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} لكمال حياته وقيُّوميته. {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} 3لكمال جلاله وعظمته وكبريائه، وإلاَّ فالنفي الصِّرف لا مدح فيه، ألا يُرى أن قول الشاعر4: قُبَيِّلةٌ لا يَغْدِرُونَ بذمةٍ ... ولا يَظْلِمُونَ النَّاس حَبَّةّ خَرْدَلِ لمَّا اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده، وتصغيرهم بقوله ((قُبيِّلة)) عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم، لا كمال قدرتهم. وقول الآخر5: لَكِنَّ قّوْمِي وإنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ ... لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هَانَا لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم، عُلم أن المرادعجزهم وضعفهم أيضاً6. واعلم أن هذين الاسمين أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن معاً في ثلاث سور7 كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: إنهما

_ 1 سورة سبأ، الآية: 3. 2 سورة ق، الآية: 38. 3 سورة الأنعام، الآية: 103. 4 هو النجاشي: قيس بن عمرو بن مالك، أصله من نجران، رُوي أنه كان ضعيفاً في دينه (ت: نحو40?) . انظر خزانة الأدب (4/76) ، والأعلام (5/207) . والبيت من قصيدة هجا بها قيسٌ ابن أُبي بن مقبل من بني العجلان. انظر خزانة الأدب (1/231، 232) . 5 قال في خزانة الأدب (7/441) : إن البيت لقُرَيْط بن أُنيف العنبري. والبيت أيضاً في مغني اللبيب (1/257) . 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (68، 69) ، وانظر أيضاً، ص (89) . 7 سورة البقرة في الآية (255) وفي سورة آل عمران، الآية (2) وفي سورة طه، الآية (111) .

الاسم الأعظم1، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه، ويدل القيوم على معنى الأزلية، والأبدية2 ما لا يدل عليه لفظ القديم، ويدل أيضاً على كونه موجوداً بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود. و ((القيوم)) أبلغ من ((القيام)) ؛ لأن الواو أقوى من الألف، ويفيد قيامه بنفسه، باتفاق المفسرين وأهل اللغة3، وهو معلوم بالضرورة. وهل تفيد إقامته لغيره وقيامه عليه؟ فيه قولان. أصحهما: أنه يفيد ذلك4، وهو يُفيد دوام قيامه وكمال قيامه؛ لما فيه من المبالغة، فهو سبحانه لا يزول، ولا يأفل5؛ فإن الآفل قد زال قطعاً، أي: لا يغيب، ولا ينقص، ولا يفنى، ولا يَعْدَمُ، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال. واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على بقائها ودوامها، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلاً وأبداً؛ ولهذا كان قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ

_ 1 انظر التفسير الكبير (7/4، 5) ، والجامع لأحكام القرآن (3/271) . 2 انظر مجاز القرآن (1/78) ، وتفسير ابن أبي حاتم (2/28) . 3 ذكر طائفة من المفسرين وأهل اللغة نحو ما قاله المؤلف هنا، من أن القيوم يفيد قيامه بنفسه، وبعضهم يقول: هو القائم على كل نفس بما كسبت، أو هو القائم بتدبير أمر الخلق، وهذا يستلزم الأول، ولم يذكروا في ذلك خلافاً، مما يفيد صحة الاتفاق الذي ذكره المؤلف. انظر على سبيل المثال: جامع البيان (5/388) ، ومعاني القرآن وإعرابه (1/336، 337) ، وتفسير ابن أبي حاتم (2/25،26) ، وتهذيب اللغة (9/360) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/257) ، والمفردات، ص (417) ، وتفسير القرآن لأبي الليث (1/222) ، ومعالم التنزيل (1/238) ، والنكت والعيون (1/323) . 4 لم أر فيما اطلعت عليه مَنْ حكى خلافاً في أن ((القيوم)) يفيد إقامته لغيره. 5 الأفول الغياب، وقد فسره المؤلف بذلك، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} . انظر غريب القرآن وتفسيره لليزيدي، ص (138) .

الْقَيُّومُ} أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم1. فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما يرجع معانيها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة. وأما القيوم، فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، المقيم لغيره، فلا قيام لغيره إلا بإقامته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام2. وأما ((الكرسي)) … [ف] 3 قد قيل: هو العرش4، والصحيح أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش، والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} أنه قال: "لكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قَدْرَه إلا الله تعالى".5وقد

_ 1 صحيح مسلم الحديث رقم (810) . 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (90-92) . 3 ما بين المعكوفين زيادة من عندي ليستقيم الكلام، وانظر نظام كلام المؤلف في شرح العقيدة الطحاوية ص (368) . 4 أخرجه الطبري في تفسيره (5/399) من طريق جويبر، عن الحسن. وهي طريق لا تقوم بها حجة؛ لضعف جويبر. انظر تقريب التهذيب رقم (987) . 5 كتاب العرش وما ورد فيه، ص (79) رقم (61) ، والمستدرك (2/ 310) في كتاب التفسير، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 39) ، والدارقطني في كتاب النزول، ص (49) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/323) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

رُوي مرفوعاً1، والصواب أنه موقوف على ابن عباس. وقال السدي: "لسماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش"2. وقال ابن جرير: قال: أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض"3. وقيل كرسيه علمه. ويُنْسب إلى ابن عباس4. والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة، كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش.

_ 1 قال الدارقطني في كتاب النزول، ص (49) : رفعه شجاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرفعه الرمادي. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب، ص (264) ، عندما ترجم لشجاع: "صدوق وهم في حديث واحد رفعه، وهو موقوف، فذكره بسببه العقيلي" قلت: يعني في كتابه ((ضعفاء الرجال)) . وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره، ص (1/310) : "أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر ابن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاسي، فذكره، وهو غلط". يعني - رحمه الله - رفعه غلط. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان (5/398) من طريق أسباط عن السدي. قال الحافظ ابن حجر: "أسباط بن نصر الهمداني … صدوق كثير الخطأ يُغرب" التقريب رقم (321) . قلت: ولا يخفى عليك أنه من رجال صحيح مسلم. 3 جامع البيان (5/399) من طريق ابن زيد، عن أبيه قال: قال أبو ذر. فذكره. وعبد الرحمن بن زيد ضعيف. انظر التقريب رقم (3865) . 4 أخرجه الطبري في تفسيره (5/397) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/134، 135) وقال: وسائر الروايات عن ابن عباس وغيره تدل على أن المراد بالكرسي المشهور المذكور مع العرش. وقال أبو منصور الأزهري بعد أن ذكر هذه الرواية ليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار. تهذيب اللغة (10/54) (كرس) . وطعن الحافظ القصاب في ثبوت هذه الرواية عن ابن عباس. انظر نكت القرآن الدالة على البيان (1/146) ، وكذلك فعل الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى - انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/176) .

وإنما هو كما قال غير واحد من السلف:بين يدي العرش1، كالمرقاة إليه2. ... قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} 3.... الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر4. [وقال أيضاً] …: قال: ابن الأنباري5: أي: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه، قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أُطيق النظر إليك، وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه6.

_ 1 انظر جامع البيان (5/398) ، ومعالم التنزيل (1/239) ، وتفسير ابن كثير (1/310) ، والدر المنثور (1/327، 328) تجد ما يفيد ذلك عن طائفة من السلف. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (368، 371) . 3 سورة البقرة، الآية: 286. والمؤلف ذكر ألفاظ الآية مفرقة. 4 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (652) وانظر عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (3/463،464) . فقد ذكر السمين في معنى الكسب نحو ما قاله المؤلف هنا. 5 محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، كان من أعلم الناس، بالنحو والأدب وأكثرهم حفظاً (ت: 328 ?) انظر العبر (2/31) ، وبغية الوعاة (1/212) . 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (654) . وما نقله عن ابن الأنباري موجود في زاد المسير (1/346) ، والبحر المحيط (2/385) منسوب إلى ابن الأنباري ولم أقف عليه في شيء من كتبه المطبوعة. وانظر معاني القرآن وإعرابه (1/371) ففيه نحو هذا.

سورة آل عمران

سورة آل عمران ... قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 7 فيها

_ 7 سورة آل عمران، الآية: 7.

قراءتان1: قراءة من يقف على قوله: {إِلاَّ اللَّهُ} ، وقراءة من لا يقف عندها2، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد مَنْ وقف على قوله: {إِلاَّ اللَّهُ} أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك3، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله"4 ولقد صدق رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري وغيره5. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد. قال

_ 1 قول المؤلف ((فيها قراءتان)) فيه تجوز في العبارة، والأولى أن يقول: فيها وقفان. 2 قوله ((عندها)) يريد عند كلمة ((العلم)) انظر المكتفى في الوقف والابتدا، ص (194-197) ، وعلل الوقوف (1/361-363) تجد أنهما قد ذكرا الوقفين. 3 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (5/35، 36، 234) (13/143، 144) . وقول من صحح الوقفين هو جمع بين قول من قال: بالوقف على لفظ الجلالة (الله) ، وقول من قال: ليس الوقف على لفظ الجلالة. انظر القولين في معاني القرآن للفراء (1/191) ، وجامع البيان (6/201، 203) ، والبحر المحيط (2/400) ، والدر المصون (3/29) . 4 أخرجه الطبري في جامع البيان (6/203) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس. 5 أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (143) بلفظ: "اللهم فقهه في الدين"، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (2477) بلفظ "اللهم فقهه"، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (1/266) بلفظ المؤلف هنا، وأخرجه ابن ماجة (1/58) في المقدمة بلفظ "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" واللفظ الذي يفيد أنه دعا له بمعرفة التأويل لم يرد في الصحيحين - حسب ما رأيت - لكن الشيخ الألباني صحح حديث ابن ماجة. انظر صحيح سنن ابن ماجة (1/33) .

مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس، من أوله إلى آخره، أقفه عند كل آية وأسأله عنها"1. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن، ولم يقل عن آية: إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله. وقول الأصحاب - رحمهم الله - في الأصول: إن المتشابه الحروف المقطَّعة في أوائل السور2،ويُروى هذا عن ابن عباس3.مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس4، فإن كان معناها معروفاً، فقد عُرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفاً، وهي المتشابه، كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب. وأيضاً فإن الله قال: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادين5. قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ

_ 1 أخرجه الطبري في جامع البيان (1/90) لكن بلفظ "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أقفه عند كل آية منه وأسأله عنها" وهو من طريق محمد بن إسحاق، وقد عنعن، لكن له شاهد عند الطبري بمعناه. انظر جامع البيان (1/90) . 2 انظر أُصول السرخسي (1/169) . 3 ذكره عنه البغوي في معالم التنزيل (1/278) ، وأسانيد البغوي إلى ابن عباس منها ما يحتج به ومنها ما لا يحتج به، وأورده أيضاً ابن الجوزي في زاد المسير (1/350) . 4 انظر الأية رقم (1) من سورة البقرة في هذا البحث تجد المراجع في الحاشية عند تفسير تلك الآية. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (254، 255) وانظر المحرر الوجيز في عد آي الكتاب العزيز، ص (67) وما بعدها تجد فيه ما قال المؤلف في مسألة العدد.

هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1… عبارات السلف في ((شهد)) تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار2. وهذه الأقوال كلها حق، لا تنافي بينها، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه. فلها أربع مراتب. فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلمه بذلك، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه، ويذكرها، وينطق بها، أو يكتبها. وثالثها: أن يُعلم غيره بها بما يشهد به، ويخبره به، ويبينه له. ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمُرَه به. فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية، والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به. فأما مرتبة العلم، فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهداً بما لا علم له به، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3 وقال صلى الله عليه وسلم: "على مثلها فاشهد" 4 وأشار إلى الشمس. وأما مرتبة التكلم

_ 1 سورة آل عمران، الآية: 18. 2 الإعلام والإخبار متقاربان. وانظر ما يؤيد كلام المؤلف في مجاز القرآن (1/89) ، وتهذيب اللغة (6/72، 73) ، ومعجم مقاييس اللغة (3/221) ((شهد)) ، والبحر المحيط (2/419) ، وعمدة الحفاظ (2/342) ، والنكت والعيون (1/379) ، والجواهر الحسان (1/302) . 3 سورة الزخرف، الآية: 86. 4 أخرجه الحاكم في المستدرك (4/110) بنحوه من حديث ابن عباس، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: واه، فعمرو قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وابن مسمول ضعفه غير واحد. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/156) وقال: محمد بن سليمان بن مسمول هذا تكلم فيه الحميدي، ولم يرو من وجه يعتمد عليه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/18) بلفظ المؤلف وقال: غريب. وأخرجه العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير (4/70) وذكر أن هذا الحديث لا يعرف إلا من طريق المسمولي. وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ص (290) وقال: أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف، وصححه الحاكم فأخطأ.

والخبر، فقال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} 1 فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل مُعْلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقوله، وتارةً بفعله؛ ولهذا كان من جعل داره مسجداً، وفتح بابها، وأفرزها بطريقها، وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معلماً أنها وقف، وإن لم يتلفظ به … وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله، فكما قال ابن كيسان2: شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه، أنه لا إله إلا هو3. وقال آخر4: وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} 5 فهذه شهادة منهم على أنفسهم

_ 1 سورة الزخرف، الآية: 19. 2 لعله: محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، له تصانيف في القراءات والغريب والنحو (ت: 299 ?) . انظر العبر (1/437) . 3 أورده ابن الجوزي في زاد المسير (1/362) منسوباً إليه. وباختصار شديد ذكره أبو حيان في البحر (2/419) منسوباً إليه، وابن القيم في مدارج السالكين (3/473) . 4 هو أبو العتاهية. انظر أبا العتاهية أشعاره وأخباره، ص (104) ، والأغاني (4/35) ، والبحر المحيط (2/419) . 5 سورة التوبة، الآية: 17.

بما يفعلونه. والمقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه، ودَلالتها إنما هي بخلقه وجعله. وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به …فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به، وقضى وأمر، وألزم عباده به، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} 1 وقال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 2 وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} 3 وقال تعالى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} 4 وقال: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} 5. والقرآن كله شاهد بذلك6 ... ... لما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} ... 7 دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال لهم: "اللهم هؤلاء أهلي" 8. [قوله تعالى:] { ... آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 9وذلك؛ لأن الجهال، يقولون: ما رجع هؤلاء عن دينهم الذي

_ 1 سورة الإسراء، الآية: 23. 2 سورة النحل، الآية 51. 3 سورة التوبة، الآية: 31. 4 سورة الإسراء، الآية: 39. 5 سورة القصص، الآية: 88. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (44-47) وتركت بعض ما ذكره المؤلف في الآية؛ لأن مضمونه فيما نقلت. والمؤلف أخذه من كلام ابن القيم في مدارج السالكين (3/469) . 7 سورة آل عمران، الآية: 61. 8 شرح العقيدة الطح اوية، ص (726) والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه تحت رقم (2404) . 9 سورة آل عمران، الآية: 72.

صاروا إليه إلاَّ بعد أن ظهر لهم بطلانه1. [قوله تعالى:] {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} 2 فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد: أنه لا يكلمهم تكليم تكريم، هو3 الصحيح4؛ إذ قد أخبر في الآية الآخرى أنه يقول لهم في النار {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} 5 فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين، لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً6. ... وإنما تكون (من) للتبعيض إذا صلح في موضعها (بعض) كما في قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 7 فإنه يصح في موضعها بعض،

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (221، 222) تحقيق أنور. وانظر تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني (1/ 123) ، وجامع البيان (6/ 507) ، وتفسير ابن أبي حاتم (2/ 339، 340) تحقيق د. حكمت. تجد في هذه المؤلفات ما ذكره المؤلف هنا. 2 سورة آل عمران، الآية: 77. 3 هكذا في النسخة المحققة التي بين يدي، ولعل الصواب: "وهو الصحيح" وقد أثبت الشيخ أحمد شاكر الواو بين قوسين. انظر تحقيقه لشرح العقيدة الطحاوية، ص (115) . 4 بهذا القول فسر الإمام الطبري الآية. انظر جامع البيان (6/528) ، وكذلك الواحدي في الوسيط (1/453) ، وابن كثير في تفسيره (1/376) ، والبغوي في معالم التنزيل (1/319) قدمه في الذكر وحكى معه قولاً آخر بلفظ قيل. وهذا القول كما ترى من القوة بمكان. وهناك أقوال أُخر في معنى الآية: انظرها إن شئت في: بحر العلوم (1/279) ، والتفسير الكبير (8/93) ، ومحاسن التأويل (2/78) . 5 سورة المؤمنون، الآية: 108. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (178) . 7 سورة آل عمران، الآية: 92.

وقد قُرئ شاذاً {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 1. ... قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 2 وقوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} 3 وأما الحياة التي اختص بها الشهيد، وامتاز بها عن غيره ... فهي أن الله تعالى جعل أرواحهم في أجواف طير خضر، كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم - يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب مذللة4 في ظل العرش" الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود5، وبمعناه في حديث ابن مسعود، رواه مسلم6. فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداؤه فيه، أعاضهم منها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (705، 706) تحقيق عبد الحكيم. وانظر الكشاف (1/445) ، والبحر (1/546) ، والدر المصون (3/310) فقد ذكروا معنى (مِنْ) واحتجوا عليها بالقراءة بمثل ما فعل المؤلف هنا، إلا أن السمين قال: وهذه عندي ليست قراءة، بل تفسير معنى قلت: وإذا كانت قراءة فهي قراءة شاذة. 2 سورة آل عمران، الآية: 169. 3 سورة البقرة، الآية: 154. 4 مذلَّلة يعني: مدلاه. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (2/166) ((ذلل)) . 5 المسند (1/265، 266) ، وسنن أبي داود برقم (2520) ، وتفسير الطبري برقم (8205) ، ومستدرك الحاكم (2/97) كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. 6 صحيح مسلم الحدث رقم (1887) .

صورة طير، أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير1.

_ 1 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (586، 587) .

.. قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 ... المراد به النكاح الذي هو ضد السفاح، ولم يأت في القرآن النكاح المراد به الزنا قط، ولا الوطء المجرد عن عقد2. ... قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 3 ... عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس4 فلقي عدواً لهم فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكأن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 5. ... قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 6 ... المراد استطاعة الآلات والأسباب. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمران

_ 1 سورة النساء، الآية: 22. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (598، 599) تحقيق عبد الحكيم. وانظر معاني القرآن وإعرابه (4/29) فقد ذكر الزجاج ما يفيد أن النكاح يطلق ويراد به الأمرين التزويج والوطء إلا أنه استبعد أن يراد به مطلق الوطء. وانظر أيضاً معاني القرآن الكريم (4/498) . والمؤلف يريد أن يرد على الذين يقولون بتحريم من غشيها الأبُ على الابن زناً. وهي مسألة اختلف فيها العلماء على قولين. انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/52-54) ، وأحكام القرآن للكيا الهراسي (2/ 383 - 391) ، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 369) . 3 سورة النساء، الآية: 24. 4 أوطاس: واد بديار هوازن. انظر ترتيب القاموس (4/628) ((وطس)) . 5 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (648، 649) تحقيق عبد الحكيم، وأشار المؤلف إلى هذا أيضاً في ص (755) وهذا السبب أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (1456) . 6 سورة النساء، الآية: 25.

.. قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 ... المراد به النكاح الذي هو ضد السفاح، ولم يأت في القرآن النكاح المراد به الزنا قط، ولا الوطء المجرد عن عقد2. ... قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 3 ... عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس4 فلقي عدواً لهم فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكأن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 5. ... قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 6 ... المراد استطاعة الآلات والأسباب. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمران

_ 1 سورة النساء، الآية: 22. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (598، 599) تحقيق عبد الحكيم. وانظر معاني القرآن وإعرابه (4/29) فقد ذكر الزجاج ما يفيد أن النكاح يطلق ويراد به الأمرين التزويج والوطء إلا أنه استبعد أن يراد به مطلق الوطء. وانظر أيضاً معاني القرآن الكريم (4/498) . والمؤلف يريد أن يرد على الذين يقولون بتحريم من غشيها الأبُ على الابن زناً. وهي مسألة اختلف فيها العلماء على قولين. انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/52-54) ، وأحكام القرآن للكيا الهراسي (2/ 383 - 391) ، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 369) . 3 سورة النساء، الآية: 24. 4 أوطاس: واد بديار هوازن. انظر ترتيب القاموس (4/628) ((وطس)) . 5 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (648، 649) تحقيق عبد الحكيم، وأشار المؤلف إلى هذا أيضاً في ص (755) وهذا السبب أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (1456) . 6 سورة النساء، الآية: 25.

ابن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" 1 وإنما نفى استطاعة الفعل معها2. ... قوله تعالى: { ... لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 3 ... الاستثناء هنا منقطعاً4. ... قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 5نزلت في أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم حين قدَّموا رجلاً منهم في الصلاة، فصلى بهم وترك في قرآنه ما غير المعنى6. ... قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 7 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره: الجبت: السحر8.

_ 1 أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح الحديث رقم (117) . 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (634، 635) ويعني المؤلف بقوله "وإنما نفى استطاعة الفعل معها" أن الآلات والأسباب توجد ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بالفعل، لمانع كالمرض ونحو ذلك. 3 سورة النساء، الآية: 29. 4 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (68) تحقيق أنور. وما ذكره المؤلف في الاستثناء هو أصح الوجهين. انظر التبيان في إعراب القرآن (1/ 351) ، والدر المصون (3/ 663) ويكون المعنى: ولكن أقصدوا كون تجارة عن تراض منكم. انظر الكشاف (1/ 552) ، أو يكون المعنى: لكن إن كانت تجارة فكلوها. انظر المحرر الوجيز (4/ 91) . 5 سورة النساء، الآية: 43. 6 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (127) تحقيق أنور. وهذا السبب أخرجه أبو داود في سننه برقم (3671) ، وابن جرير في التفسير برقم (9524) ، والحاكم في المستدرك (2/336) كلهم أخرجوه من رواية علي بن أبي طالب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح. 7 سورة النساء، الآية: 51. 8 شرح العقيدة الطحاوية، ص (762) ، والأثر أخرجه الطبري في جامع البيان برقم (9766) ، قال حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد قال: قال عمر رحمه الله: الجبت السحر ... وذكره البخاري معلقاً فقال: وقال عمر: الجبت السحر. انظر صحيحه مع الفتح (8/251) كتاب التفسير، باب {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} . وقال الحافظ في الفتح (8/252) : وصله عبد بن حميد في تفسيره، ومسدد في مسنده، وعبد الرحمن بن رستة في كتاب الإيمان كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله، وإسناده قوي. وقد وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان، وسماع حسان من عمر في رواية رستة. وهذا التفسير أيضاً أخرجه الطبري في جامع البيان (8/462) عن مجاهد والشعبي. وذكر ابن كثير في تفسيره (1/513) أنه رُوي عن ابن عباس، وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن والضحاك والسدي. وانظر الدر المنثور (2/172) ، فقد أورده وذكر من أخرجه عن عمر. وهناك أقوال كثيرة في معنى ((الجبت والطاغوت)) ساقها ابن جرير في تفسيره (8/461-465) ثم اختار أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظَّم من دون الله فيدخل في ذلك جميع الأقوال التي قيلت. ونقل هذا الاختيار الحافظ في الفتح (8/252) مقراً له. وقال الجوهري في الصحاح 1/245 ((جبت)) : الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/513) كالراضي عنه المرجح به.

.. قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} 1 كيف قال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ولم يقل (وأطيعوا أولي الأمر منكم) ؟؛ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول؛ لأنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر، فقد يأمر بغير طاعة الله فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله2.

_ 1 سورة النساء، الآية: 59. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (542، 543) وهذه النكتة التي ذكرها في عدم إعادة العامل مع أولي الأمر ذكر نحوها الطيبي في فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (1/128) ونقلها عنه القاسمي في محاسن التأويل (2/361) ونحو هذا من النكتة في عدم إعادة العامل مع أولي الأمر قال أيضاً برهان الدين البقاعي في نظم الدرر (5/310) .

قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} والمراد بالرد إلى الله الرد إلى كتابه، وبالرد إلى الرسول الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته1. ... قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2 أقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يُحكِّموا نبيه، ويرضوا بحكمه، ويسلموا تسليماً3. ... قال تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 4 ... فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ، وبين قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} ؟. قيل: قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الخِصب والجدب، والنصر والهزيمة، كلها من عند الله، وقوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} : أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك، كما قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 5 يدل على ذلك ما

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (544، 545) (تحقيق أنور) ، والاتباع، ص (31) وهذا التفسير قاله الطبري في جامع البيان (8/504، 505) وأسنده إلى بعض التابعين. 2 سورة النساء، الآية: 65. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (242) ، ومعنى ما قال المؤلف هنا في كثير من كتب التفسير، منها تفسير القرآن العظيم (1/521) ، والجواهر الحسان (1/461) ، وبدائع التفسير (2/32) . 4 سورة النساء، الآية: 78، 79. 5 سورة الشورى، الآية 30.

رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قرأ: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وأنا كتبتها عليك"1. والمراد بالحسنة - هنا - النعمة، وبالسيئة البلية2، في أصح الأقوال. وقد قيل: الحسنة الطاعة، والسيئة المعصية3. وقيل: الحسنة ما أصابه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد4. والقول الأول شامل لمعنى القول الثالث. والمعنى الثاني ليس مراداً دون الأول - قطعاً - ولكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسه، مع أن الجميع مقدَّر، فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى، فتكون من سيئات الجزاء، مع أنها من سيئات العمل، والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، كما دل على ذلك الكتاب والسنة5.

_ 1 انظر معالم التنزيل (1/454، 455) فهو نقل البغوي بحروفه، إلا بعض الكلمات فالمؤلف أخذه منه، أو أخذه ممن أخذه منه. وأثر ابن عباس أخرجه البغوي في معالم التنزيل 1/455، من طريق مجاهد عن ابن عباس. وفي سنده مسلم بن خالد الزنجي فقيه صدوق كثير الأوهام. انظر التقريب الترجمة رقم (6625) . وأورد الأثر السيوطي في الدر المنثور (1/185) ، ونسب إخراجه لابن المنذر. وأورده أيضاً عن مجاهد، قال: هي في قراءة أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، ونسب إخراجه لابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف. ولا تصح هذه الرواية؛ لأن مجاهداً لم يدرك أبياً ولا ابن مسعود. 2 انظر النكت والعيون (1/508) فقد أورد هذا القول الماوردي، ونسبه لبعض البصريين. 3 انظر جامع البيان (8/559) فقد أخرجه الطبري عن أبي العالية. وذكره الماوردي في النكت والعيون (1/509) منسوباً لأبي العالية. 4 أخرجه الطبري في جامع البيان (8/558) ، من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/1010) . وهذه الأقوال الثلاثة ذكرها الماوردي كلها من غير ترجيح. انظر النكت والعيون (1/508، 509) . 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (515، 516) . وانظر الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام، ص (22-25) ويبدو أن المؤلف أخذ أقوال المفسرين مع ما بعد ذلك من الجمع من هذا الكتاب.

وفي قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} من الفوائد: أن البد لا يطمئن إلى نفسه ولا يسكن إليها، فإن الشر كامن فيها، لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساؤوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع إلى الذنوب، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته. فبذلك يحصل له كل خير، ويندفع عنه كل شر؛ ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1. فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة2. ... قوله تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} 3 أي على القاعدين من أولي الضرر4، بدليل قول الله تعالى: {وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 5.

_ 1 سورة الفاتحة، الآية: 6، 7. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (518، 519) ومن قوله: "وفي قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} " إلى أخر الكلام منقول من كتاب الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام، ص (83) . 3 سورة النساء، الآية: 95. 4 انظر جامع البيان (9/ 95) ، والمحرر الوجيز (4/221) فقد فسّر ابن جرير الآية به ولم يذكر غيره، ونقله ابن عطية أيضاً. وذكر ابن الجوزي في زاد المسير (2/174) قولين في الآية. هذا الذي ذكره المؤلف. والثاني: أن التفضيل بالدرجة على القاعدين من غير ضرر. وأرجح القولين ما ذهب إليه المؤلف، لما ذكر، ولأن الله ذكر في أخر الآية التفضيل على القاعدين من غير عذر بقوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} انظر زاد المسير (2/175) . 5 التنبيه على مشكلات الهداية ص (220، 556) تحقيق أنور.

..قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} 1 ... المراد هو، أو من يقوم مقامه، كما في قوله تعالى2: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 3. ... في المسند أنه لما نزل قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} 4 قال أبو بكر يا رسول الله نزلت قاصمة الظهر، وأيُّنا لم يعمل سوءاً؟. فقال "يا أبا بكر، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به" 5.

_ 1 سورة النساء، الآية: 102. 2سورة التوبة، الآية: 103. 3 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (332) تحقيق عبد الحكيم. والمؤلف يريد أن يرد بهذا التفسير على قول من قال: إن صلاة الخوف لا تُصلى بعد النبي صلى الله عليه وسلمبإمام واحد وإنما تُصلى بإمامين. انظر أحكام القرآن للجصاص (3/ 237) ، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 493) . 4 سورة النساء، الآية: 123. 5 شرح العقيدة الطحاوية ص، (453، 454) والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/11) ، وابن جرير في التفسير برقم (10523) ، وأبو يعلى في مسنده (1/97، 98) ، وابن حبان في صحيحه مع الإحسان (7/170، 171) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/1071) ، والحاكم في المستدرك (3/78) ، والبيهقي في السنن (3/373) ، كلهم من طريق أبي بكر بن أبي زهير، عن أبي بكر الصديق. والحديث قال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتابعه الذهبي فقال: صحيح. انظر الموضع المتقدم من المستدرك. ومع ذلك فقد أعله كل من حقق الكتب السابقة بالانقطاع. فإن أبا بكر بن أبي زهير لم يدرك أبا بكر الصديق رضي الله عنه. وهو كما قالوا فإن الحافظ ابن حجر قد نص على أنه أرسل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. انظر تهذيب التهذيب (12/24) . وانظر أيضاً تقريب التهذيب برقم (7965) . وللحديث شاهد في صحيح مسلم برقم (2574) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وكذلك له أكثر من شاهد عند ابن أبي حاتم في تفسيره انظر منه (9/244-246) . قال شعيب الأرنؤوط: الحديث صحيح بطرقه وشواهده. انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (7/171) حاشيته. وقد عد شيخ الإسلام هذا الحديث مما استفاض من وجوه متعددة. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (14/427) .

قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} 1 ... الخلة كمال المحبة2، وأنكرت الجهمية3 حقيقة المحبة من الجانبين، زعماً منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمُحْدَث توجب المحبة4. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} 5 ... شهادة المرء على نفسه هي إقراره بالشيء6 ... ليس إلا، وليس المراد أن يقول: أشهد على نفسي بكذا، بل من أقر بشيء فقد شهد على

_ 1 سورة النساء، الآية: 125. 2 انظر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص (199) ، وانظر محاسن التأويل (2/501) . 3 الجهمية فرقة ضالة، تُنسب إلى جهم بن صفوان السمرقندي، الضال المبتدع، قتله سلم بن أحوز المازني سنة 128?. انظر في شأن هذه الفرقة ومؤسسها مقالات الإسلاميين، ص (279، 280) ، والفرق بين الفرق، ص (211) ، والملل والنحل، ص (86) . 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (394) . وانظر الكشاف (1/566) فقد أوَّل الزمخشري المحبة فقال: "مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله". وانظر نكت القرآن الدالة على البيان (1/241، 244) تجد فيه نسبة هذا القول إلى الجهمية والرد عليه. 5 سورة النساء، الآية: 135. 6 انظر جامع البيان (9/302) فقد فسَّره الطبري بما قاله المؤلف. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1087) عن سعيد بن جبير. وبهذا فسّره غير من ذكرت، انظر مثلاً النكت والعيون (1/535) ، والوسيط (2/126) ، ومعالم التنزيل (1/489) ، والمحرر الوجيز (4/279) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/488) وذكر الرازي قولاً ثانياً في معنى الآية، حاصله أن المراد وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم وأقاربكم وذلك أن يشهد على من يتوقع ضرره من سلطان ظالم وغيره. انظر التفسير الكبير (11/58) . قلت: والمعتمد في معنى الآية ما ذكره المؤلف.

نفسه به1.

_ 1 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (315) وأورد هذا التفسير أيضاً في التنبيه على مشكلات الهداية، ص (385) تحقيق أنور.

سورة النساء

سورة النساء في الصحيحين أن عروة سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} إلى قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 2 قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينقص من صداقها فنهوا عن نكاحها إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن. قالت عائشة: فاستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إلى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 3 فبين لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء، قال وكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلاَّ أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق"4. ... قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 5 ... المذكور في هذه الآية الكريمة حرف أو، وهو لأحد المذكورين، أي: لا ميراث إلاّ من بعد إخراج الوصية، إن كان ثم وصية، أو إخراج الدين إن كان ثم دين6.

_ 2 سورة النساء، الآية: 3. 3 سورة النساء، الآية: 127. 4 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (618) تحقيق عبد الحكيم. والحديث في صحيح البخاري مع الفتح برقم (5092) وفي صحيح مسلم برقم (3018) . 5 سورة النساء، الآية: 11. 6 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (25) تحقيق عبد الحكيم. وما ذكره المؤلف من أن (أو) لأحد المذكورين قاله الكرماني في غرائب التفسير (1/ 286) ، والزمخشري في الكشاف (1/ 508) ، والعكبري في التبيان في إعراب القرآن (1/ 335) .

سورة المائدة

سورة المائدة [قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1] ... لفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة، فإن المسح كما يُطلق ويراد به الإصابة، كذلك يطلق ويراد به الإسالة، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة2. وفي الآية ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل، بل المسح الذي الغسل قسم منه، فإنه قال: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، ولم يقل: إلى الكعاب، كما قال: {إِلَى الْمَرَافِقِ} فدلّ على أنه ليس في كل رجل كعب واحد، كما في كل يد مرفق واحد، بل في كل رجل كعبان، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين، وهذا هو الغسل، فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين، وجعل الكعبين - في الآية - غاية يرد قولهم3. فدعواهم4 أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين اللذين هما مجتمع الساق والقدم عند معقد

_ 1 سورة المائدة، الآية: 6. 2 انظر المفردات ص، (467) ، والوسيط (2/159) ، ومعاني القرآن الكريم (2/272، 273) ، والمحرر الوجيز (5/48) . 3 قوله: وجعل الكعبين ... الخ احتج به كثير ممن تقدم، منهم: الزجاج في معاني القرآن (2/154) ، والأزهري في تهذيب اللغة (4/352) "مسح"، والنحاس في معاني القرآن (2/273) . 4 يعني بقوله: "فدعواهم" الشيعة فإنهم هم الذين يرون أن الفرض هو المسح، لا الغسل. انظر تفسير القرآن العظيم (2/23) .

الشراك مردود بالكتاب والسنة. وفي الآية قراءتان مشهورتان النصب والخفض1، وتوجيه إعرابهما مبسوط في موضعه2، وقراءة النصب نص في وجوب الغسل؛ لأن العطف على المحل إنما يكون إذا كان المعنى واحداً، كقوله3: ... ... ... ... ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا وليس معنى مسحت برأسي ورجلي، هو معنى مسحت رأسي ورجلي، بل ذكر الباء يفيد معنى زائداً على مجرد المسح، وهو إلصاق شيء من الماء بالرأس4،

_ 1 يعني في لفظ "أرجلكم" وقراءة النصب، قرأ بها نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص، والباقون بالخفض. انظر المبسوط في القراءات العشر، ص (184) ، والنشر في القراءات العشر (2/254) . 2 انظر الحجة للقراء السبعة (3/214، 215) ، والكشف عن وجوه القراءات السبع (1/406) . 3 هذا الشعر لعُقَيْبة بن هُبيرة الأسدي، شاعر جاهلي إسلامي (ت نحو: 50?) قاله لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في أبيات وصدر البيت: (معاوي إننا بشر فأسجح) . ووجه الاستشهاد بالبيت أن "الحديدا" منصوب عطفاً على محل الجبال المجرورة لفظاً. وقد تبع المؤلف سيبويه وغيره في الاحتجاج بالبيت. انظر الكتاب (1/67) ، والإنصاف في مسائل الخلاف (1/332) ، ولسان العرب (10/120) "غمز" على أن قافية هذا الشعر قد جاءت مجرورة في خلاف يطول ذكره. انظر خزانة الأدب (2/260) . وإن أردت الوقوف على غير المراجع المذكورة التي أوردت هذا الشعر فانظر المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1/209، 210) . 4 تابع المؤلف شيخ الإسلام في عدم صحة عطف قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب على محل {بِرُؤُوسِكُمْ} لوجود الاختلاف بينهما وبين ما جاء في البيت المذكور. انظر فتاوى شيخ الإسلام (21/349) . وكون الباء للإلصاق هو رأي الزمخشري في الكشاف (1/597) ، وشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (21/349) . وقد قيل في الباء غير ما ذكر. انظر الدر المصون (4/209) .

فتعين العطف على قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} 1 ... وفي ذكر المسح في الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجلين، فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً2. [وقال أيضاً] : قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} 3 ... (من) هنا للتبعيض، لا للغاية4. أي: ألصقوا بوجوهكم وأيديكم بعضه. قال الزمخشري في الكشاف5: فإن قلت: قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض. قلت: هو كما تقول6، والإذعان للحق خير من المراء. انتهى7. ... قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 8 ... ذكر في سبب نزول الآية الكريمة عن ابن جريج، عن عكرمة أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالماً مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم في صحابة تبتلوا، فجلسوا في

_ 1 يعني عطف قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب. وانظر الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/407) ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/349) ، والدر المصون (4/210) والأخير قد ذكر الخلاف بين العلماء في عطف الأيدي. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (553 - 555) وما ذكره بقوله: وفي ذكر المسح في الرجلين ... الخ. قاله الزمخشري في الكشاف (1/597) . 3 سورة المائدة، الآية: 6. 4 انظر الدر المصون (4/216) فقد ذكر السمين القولين، ووصف ما ذهب إليه المؤلف بأنه الأظهر. 5 انظر منه (1/529) فقد قاله الزمخشري عند الآية (43) من سورة النساء. 6 في التنبيه على مشكلات الهداية "يقول" بالياء، والتصحيح من الكشاف. 7 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (91) تحقيق عبد الحكيم. 8 سورة المائدة، الآية: 87.

البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح1، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الاختصاء، فنزلت فيهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "إن لأنفسكم عليكم حقاً، وإن لأعينكم حقاً، صوموا وأفطرواً، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا". فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت2. قال تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} 3 {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} 4 {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} 5 لا خلاف أن كل واحد من الاسمين في هذه الآيات لما أُفرد شمل المقل والمعدم، ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 6 الآية، كان المراد بأحدهما

_ 1 المسوح جمع "مِسْح" بكسر الميم وإسكان السين كساء من شعر. انظر مختار الصحاح، ص (455) ، والمعجم الوسيط (2/903) "مسح". 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (788-790) . والأثر بهذا اللفظ أخرجه ابن جرير في تفسيره برقم (12348) عن ابن جريج عن عكرمة. قال ابن كثير بعد أن أورد هذا الأثر في تفسيره (2/89) : "وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين". قلت: وللوقوف على هذه الروايات المرسلة انظر جامع البيان (10/514-518) ، وتفسير ابن أبي حاتم (4/1187) . والمؤلف إما أنه نقل سبب النزول من جامع البيان، أو من تفسير شيخه ابن كثير. 3 سورة المائدة، الآية: 89. 4 سورة المجادلة، الآية: 4. 5 سورة البقرة، الآية 271. 6 سورة التوبة، الآية 60.

المقل، والآخر المعدم1، على خلاف فيه2. وكذلك الإثم والعدوان، والبر والتقوى، والفسوق والعصيان. ويقرب من هذا المعنى الكفر والنفاق، فإن الكفر أعم، فإذا ذكر الكفر شمل النفاق، وإن ذكرا معاً كان لكل منهما معنى، وكذلك الإيمان والإسلام، على ما يأتي الكلام فيه، إن شاء الله تعالى3. ... قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 4 ... هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرَّم الخمر، وكان تحريمها بعد وقعة أُحد، قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية5، بيَّن

_ 1 قال أبو جعفر النحاس: وقال أهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافاً الفقير الذي له بلغة، والمسكين الذي لا شيء له. انظر معاني القرآن (3/222) فقد ذكر هذا المذهب عند اقتران أحد اللفظين بالآخر. 2 انظر الجامع لأحكام القرآن (8/168) فقد قال القرطبي: اختلف علماء اللغة وأهل الفقه في الفرق بين الفقير والمسكين على تسعة أقوال. وانظر أيضاً معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (3/220-223) فقد ذكر أبو جعفر طائفة من أقوال العلماء في ذلك. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (452-453) وانظر أيضاً، ص (493) وقد تكلم المؤلف أيضاً على لفظ الفقير والمسكين في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية، ص (388) تحقيق عبد الحكيم، وسيأتي كلامه على الإيمان والإسلام في سورة الحجرات. وقضية أن المعنى يختلف بالاقتران والانفراد بحثها شيخ الإسلام في مواضع من مجموع الفتاوى، منها (7/162-169) ولعل المؤلف اطلع على شيء من هذا. 4 سورة المائدة، الآية: 93. 5 أخرجه الترمذي في جامعه، برقم (3050، 3051) ، وأبو داوود الطيالسي في مسنده برقم (715) ، وأبو يعلى في مسنده برقم (1719) ، والطبري في جامع البيان برقم (12528) ، وابن أبي حاتم في تفسيره برقم (6775) ، وابن حبان في صحيحه مع الإحسان برقم (5350، 5351) ، والواحدي في أسباب النزول، ص (209، 210) كلهم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وانظر الصحيح المسند من أسباب النزول، ص (61، 62) .

فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يُحَرَّمْ فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين، كما كان من أمر استقبال بيت المقدس1. ... عن عمر رضي الله عنه في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} 2 قال: صيده ما اصطيد، وطعامه ما رُمي به. وقال ابن عباس رضي الله عنهما طعامه ميتته، إلا ما قذرت منها3. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدّاء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدموا بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي بن بدّاء فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} 4 رواه البخاري وأبو داود5.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (446 - 448) . 2 سورة المائدة، الآية: 96. 3 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (574) تحقيق أنور. وأثر عمر أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (12687) بإسناد ضعيف. وأثر ابن عباس أخرجه ابن جرير أيضاً (12696) ورقم (12697) إلا قوله: "إلا ما قذرت منها" فلم أقف عليه. والسندان إلى ابن عباس رجالهما ثقات. وتفسير "طعامه" بأنه ما لفظه ميتاً. أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (12729) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح كما قال محمود شاكر. 4 سورة المائدة، الآية: 106. 5 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (406) تحقيق أنور. والحديث أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (2780) ، وأبو داود في السنن برقم (3606)

سورة الأنعام

سورة الأنعام قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ} 1 قال غير واحد من السلف: لا يطيقون أن يروا الملك في صورته، فلو أنزلنا إليه ملكاً، لجعلناه في صورة بشر، وحينئذ يشتبه عليهم، هل هو بشر أو ملك2؟. ومن تمام نعمة الله علينا أن بعث فينا رسولاً منَّا3. ... قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 4 أي وأنذر من بلغه5.

_ 1 سورة الأنعام، الآية: 8. 2 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان (11/268، 269) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1266) عن ابن عباس. وانظر تفسير القرآن العظيم (2/8125) ، والدر المنثور (3/5) . والطبري وابن أبي حاتم ذكرا نحو هذا التفسير عند قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} وأما الآية التي ذكرها المؤلف فالمقصود منها لقضي الأمر بنزول العذاب إن لم يؤمنوا عند مجيء الآية، أو لقضي الأمر بقيام الساعة، أو لقضي الأمر بأن يموتوا؛ لأنهم لا يطيقون رؤية الملك في صورته الحقيقية. ثلاثة أقوال. ذكرها الطبري وغيره. انظر جامع البيان (11/267، 268) ، والمحرر الوجيز (6/9، 10) والقول الثاني ضعيف، قال ذلك ابن عطية. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (220) . 4 سورة الأنعام، الآية: 19. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (169) . وبهذا فسَّر الإمام الطبري الآية، وأسند نحوه عن بعض الصحابة والتابعين، وكذا أسنده ابن أبي حاتم، وعبد الرزاق الصنعاني. انظر جامع البيان (11/290-292) ، وتفسير ابن أبي حاتم (4/1271، 1272) ، وتفسير القرآن لعبد الرزاق (2/205) .

.. في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لما نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ... } 1: "أعوذ بوجهك" {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: "هاتان أهون" 2. ... ذكر ... الخلال في كتاب السنة بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} 3. ... قوله تعالى في سورة الأنعام: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} 4 وقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} 5 الآيتان، وقوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} 6الآية فقد أمر الله سبحانه بالأكل مما ذكر اسم الله عليه، وعلق ذلك بالإيمان، وأنكر على من لم يأكل مما ذكر اسم الله عليه، ونهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه وقال:

_ 1 سورة الأنعام، الآية: 65. 2 شرح الطحاوية ص (776) والحديث أخرجه البخاري برقم (4628) ، ورقم (7313) ورقم (7406) من حديث جابر رضي الله عنه، واللفظ الذي اختاره المؤلف هو برقم (7313) ولم أجده في صحيح مسلم المطبوع. وقد أخرجه غير الإمام البخاري. 3 سورة الأنعام، الآية: 68. وانظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (433) . والأثر لم أقف عليه في كتاب السنة المطبوع بعد البحث. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/7428) عن ابن سيرين بإسناد رجاله ثقات. وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/20) ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. ولم يذكر أن الخلاَّل أخرجه. 4 سورة الأنعام، الآية: 118. 5 سورة الأنعام، الآية: 119. 6 سورة الأنعام، الآية: 121.

{إِنَّهُ لَفِسْقٌ} وأن الأكل1 مما لم يذكر اسم الله عليه لفسق2. قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} 3 أي: كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان4. .... قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} 5فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه، وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، ونحو ذلك، واستمتاع الجن بالإنس تعظيمه إياه، واستعانته به، واستغاثته، وخضوعه له6. ... قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} 7 ...

_ 1 يريد المؤلف أن يُفسِّر الضمير الذي في قوله: {وإنه} والذي ذكره نحوه في زاد المسير (3/115) . 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (545) تحقيق أنور. 3 سورة الأنعام، الآية: 122. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (360) . وبهذا فسَّر الإمام الطبري الآية في جامع البيان (12/18) ، وأسنده ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1381) عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة. ثم قال: "ورُوي عن مجاهد، والسدي، وأبي سنان نحو ذلك" وبهذا فسر الآية المفسرون. انظر مثلاً: المحرر الوجيز (6/141) ، ومدارك التنزيل (2/31) ، والتسهيل (2/36) ، ولباب التأويل (2/178) ، وتفسير الجلالين بحاشية الفتوحات (2/85) ، والفتوحات الإلهية (2/85) . 5 سورة الأنعام، الآية: 128. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (766) . ونحو هذا التفسير أسنده ابن جرير في جامع البيان (12/116) عن ابن جريج. وبه فسر ابن جرير. وانظر معاني القرآن الكريم (2/489، 490) ، وتفسير القرآن للسمعاني (2/144) ففيهما هذا القول وغيره. 7 سورة الأنعام، الآية: 130.

الرسل من الإنس فقط، وليس من الجنِّ رسول، كذا قال مجاهد1 وغيره من السلف والخلف. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "الرسل من بني آدم ومن الجن نذر"2 وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 3 الآية، يدل على أن موسى مرسل إليهم أيضاً. والله أعلم. وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أنه زعم أن في الجن رسلاً، واحتج بهذه الآية الكريمة4، وفي الاستدلال بها على ذلك نظر؛ لأنها محتملة وليست بصريحة وهي والله أعلم كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 5 والمراد من أحدهما6.

_ 1 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1389) عن مجاهد بإسناد رجاله ثقات. 2 أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (12/122) من طريق ابن جريج، قال: قال ابن عباس: هم الجن الذين لقُوا قومهم، وهم رسل إلى قومهم. ومعلوم أن ابن جريج لم يدرك ابن عباس. وقد نقل ابن حجر عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا قال ابن جريج قال، فهو شبه الريح. انظر تهذيب التهذيب (6/404) . ولهذا أورد ابن الجوزي قول ابن عباس هذا بصيغة التمريض فقال: "ورُوي عن ابن عباس" انظر زاد المسير (3/125) . 3 سورة الأحقاف، الآية: 30. 4 أخرجه ابن جرير في جامع البيان (12/121) من طريق شيخه ابن حميد، قال حدثنا يحيى ابن واضح، قال حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سئل الضحاك عن الجن هل كان فيهم نبي. ثم ساق ما يفيد معنى ما ذكره المؤلف. وابن حميد قد تكلم فيه العلماء؛ ولذلك قال الذهبي في الكاشف (3/32) : وثقه جماعة والأولى تركه. 5 سورة الرحمن، الآية: 22. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (168) . وما ذكره المؤلف هنا مختصر من كلام شيخه ابن كثير في التفسير (2/178) فقد أطال في الرد على الضحاك وذكر أدلة من خالفه. والقول ما ذهب إليه ابن كثير والمؤلف فإنه قول الأكثر فيما اطلعت عليه، وقد وصفه القرطبي في الجامع (7/86) بأنه الصحيح، ويمكن تخريج الآية على ما ذكر ابن كثير. وهو قول الأئمة من قبله: ابن جريج، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج. انظر معاني القرآن (1/354) ، وتأويل مشكل القرآن، ص (287) ، وجامع البيان (12/122) فيه كلام ابن جريج، ومعاني القرآن وإعرابه (2/292) وأحسن من هذا التخريج ما جاء عن ابن عباس فإنه جمع بين القولين، وهو من ناحية الإسناد كما رأيت، إلا أن مثله قد جاء عن مجاهد بإسناد رجاله ثقات، كما تقدم من رواية ابن أبي حاتم.

.. قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} 1 ... يعود الضمير إلى المذكور كله، وهو الميتة والدم ولحم الخنزير؛ فإن الأصل: قل لا أجد فيما أوحي إليّ شيئاً محرماً، فحذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، ثم قال: إلا كذا وكذا، فإن هذا المذكور كله رجس، وإعادة الضمير إلى بعض المذكور فيه نظر2. ... قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 3 وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 4 فوحَّد لفظ "صراطه" و"سبيله" وجمع "السبل" المخالفة

_ 1 سورة الأنعام، الآية: 145. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (64) تحقيق عبد الحكيم. وفي تفسير الضمير في "فإنه" ثلاثة أقوال. 1- يرجع إلى اللحم 2- يرجع إلى الخنزير 3- يرجع إلى الكل. انظر بحر العلوم (1/521) ، والبحر المحيط (4/242، 243) وفتح القدير (2/178) ، وروح المعاني (8/44) وقد وصف الألوسي ما ذهب إليه المؤلف بأنه خلاف الظاهر. وقال ابن القيم: "فالضمير في قوله: (فإنه) وإن كان عوده إلى الثلاثة المذكورة باعتبار لفظ المحرم، فإنه يترجح اختصاص لحم الخنزير به؛ لثلاثة أوجه. أحدها: قربه. والثاني: تذكيره دون قوله: فإنها رجس. والثالث: أنه أتى بالفاء وإن، تنبيهاً على علة التحريم لتنزجر النفوس عنه، ويقابل هذه العلة ما في طباع بعض الناس من استلذاذه واستطابته فنفى عنه ذلك وأخبر أنه رجس، وهذا لا يحتاج إليه في الميتة والدم؛ لأن كونهما رجساً أمر مستقر معلوم عندهم". بدائع التفسير (2/185) . 3 سورة الأنعام، الآية: 153. 4 سورة يوسف، الآية: 108.

له1. وقال ابن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: "هذه سبل، على كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} " 2 ... قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} 3 ... روى البخاري عند تفسير الآية، عن أبي هريرة، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل" 4. وروى مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أوَّل الآيات

_ 1 المؤلف يعني نحو ما قاله شيخه ابن كثير في تفسيره (2/192) فقد قال: "إنما وحد سبيله؛ لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها". 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (799، 800) .والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/435) ، والدارمي في سننه (1/78) برقم (202) ، والنسائي في تفسيره (1/483) ، والطبري في جامع البيان برقم (14168) ، وابن أبي حاتم في تفسيره برقم (8102) ، والحاكم في المستدرك (2/348، 349) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه ابن ماجة في المقدمة برقم (11) من حديث جابر. وحكم محقق جامع البيان بأن رواية الطبري صحيحة الإسناد، وقال شعيب الأرنؤوط: سنده حسن. انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (800) . 3 سورة الأنعام، الآية: 158. 4 صحيح البخاري مع الفتح الحديث رقم (4636) ، وصحيح مسلم الحديث رقم (157) .

سورة الأعراف

سورة الأعراف ... روى عكرمة عن ابن عباس في قوله: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} 3 قال: ولم يستطع أن يقول: من فوقهم؛ لأنه قد علم أن الله سبحانه من فوقهم4.

_ 3 سورة الأعراف، الآية: 17. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (379) . والأثر أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/396) من طريق إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة. وإبراهيم هذا ضعيف. انظر التقريب برقم (166) . وأبوه قال عنه الحافظ ابن حجر صدوق عابد وله أوهام. التقريب برقم (1438) . وأخرجه الطبري في تفسيره برقم (14382) عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ "ولم يقل من فوقهم؛ لأن الرحمة تنزل من فوقهم" وفي سند الطبري حفص بن عمر العدني ضعيف. انظر التقريب برقم (1420) . والأثر أورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو ص (106) بسند اللالكائي ولفظه، وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/73) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير واللالكائي.

.. قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} 1كيف استوى؟ فقال2: الاستواء معلوم والكيف مجهول3. ويُروى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفاً4 ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم5. قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} 6 يخبر سبحانه أنه استخرج ذريّة بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين، وإلى أصحاب الشمال، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم7.

_ 1 سورة الأعراف، الآية: 54. 2 يعني الإمام مالكاً رحمه الله تعالى. 3 أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/398) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/150) من طريق عبد الله بن وهب. وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/91) ، وعزى إخراجه إلى اللالكائي والبيهقي. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/407) : بسند جيد. يعني سند البيهقي. 4 أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/397) ، وأورده السيوطي في الدر (3/91) ونسب أخراجه إلى ابن مردويه واللالكائي. وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي (5/365) : وقد رُوي هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفاً ومرفوعاً، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (372، 373) وأشار إلى قول مالك أيضاً في ص (96) . 6 سورة الأعراف، الآية: 172. 7 قول المؤلف: "وقد وردت أحاديث ... الخ" هو كلام شيخه ابن كثير في تفسيره (2/262) .

فمنها: ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان1 يعني عرفة أخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قُبُلاً 2 قال: {ألست بربكم قالوا: بلى، شهدنا} .. إلى قوله: {المبطلون} . ورواه النسائي أيضاً، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه3. وروى الإمام أحمد أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سُئل عن هذه الآية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها، فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون" فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل

_ 1 نَعْمَان: بالفتح ثم سكون وآخره نون، هو واد بين مكة والطائف، بين أدناه ومكة نصف ليلة في قول الأصمعي. انظر معجم البلدان (5/339) . 2 أي: عياناً ومقابلةً، لا من وراء حجاب، ومن غير أن يولي أمرهم أو كلامهم أحداً من ملائكته. انظر النهاية في غريب الحديث (4/8) "قبل". 3 أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/272) ، والنسائي في التفسير (1/506) وابن جرير في تفسيره برقم (15338) ، والحاكم في المستدرك (2/593) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/25) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقد رجح الإمام ابن كثير في تفسيره (2/262) وقف هذا الحديث على ابن عباس. وناقش حكمه هذا الشيخان الفاضلان أحمد شاكر والألباني بما يفيد أن الحديث قد ثبت مرفوعاً، وأن الروايات الموقوفة لا تقدح في رفعه. انظر جامع البيان (13/223) حاشيته. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/158-162) .

الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخل به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار". ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن حبان في صحيحه1. وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً2 من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك؟ فرأى رجلاً منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربِّ من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود، قال: ربِّ كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: أي ربِّ زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم، جاء ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم، فنسيت ذريته، وخطىء آدم، فخطئت ذريته". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه3.

_ 1 أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/44، 45) ، وأبو داود في سننه برقم (4703) ، والترمذي في سننه برقم (3075) وقال: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر. وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلاً مجهولاً. وأخرجه النسائي في تفسيره (1/504) وقال محققه: إسناده ضعيف. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/1612) ، وابن حبان في صحيحه مع الإحسان برقم (6166) . وقال محققو المسند: (1/400) صحيح لغيره. 2 الوبيص البريق. انظر النهاية في غريب الحديث (5/146) "وبص". 3 أخرجه الترمذي في سننه برقم (3076) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد رُوي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/355) وقال: هذا حديث صحيح على شرك مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي: على شرط مسلم. وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في السنة برقم (205، 206) مختصراً. وأخرجه ابن حبان في صحيحه مع الإحسان برقم (6167) .

وروى الإمام أحمد أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي". وأخرجاه في الصحيحين أيضاً1. وفي ذلك أحاديث أُخر أيضاً كلها دالَّةٌ على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل النار وأهل الجنة2 ... وأما الإشهاد عليهم هناك، فإنما هو في حديثين موقوفين على ابن عباس وابن عمرو رضي الله عنهم. ومن ثَمَّ قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه3. ومعنى قوله "شهدنا": أي قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا. وهذا قول ابن عباس4 وأبي بن كعب5. وقال ابن عباس أيضاً: أشهد بعضهم على بعض6.

_ 1 أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/127) ، والبخاري في صحيحه مع الفتح برقم (3334) ، ومسلم في صحيحه برقم (2805) . 2 قول المؤلف: "وفي ذلك ... الخ" نحوه قال ابن كثير في تفسيره (2/265) . 3 قول المؤلف: (وأما الإشهاد عليهم ... الخ" هو كلام شيخه ابن كثير في تفسيره (2/265) . 4 أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (15340) وقال محمود شاكر: بإسناد صحيح. 5 أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (15363) وقال محمود شاكر: إسناده صحيح. 6 أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (15339) ضمن أثر عن ابن عباس وفيه "وأشهدهم على أنفسهم". وقال محمود شاكر: إسناده صحيح.

وقيل: "شهدنا" من قول الملائكة، والوقف على قوله "بلى". وهذا قول مجاهد والضحاك والسدي1. وقال السدي أيضاً: هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم2.والأول أظهر، وما عداه احتمال لا دليل عليه، وإنما يشهد ظاهر الآية للأول3. واعلم أن من المفسرين من لم يذكر سوى القول بأن الله استخرج ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم، كالثعلبي والبغوي4 وغيرهما.

_ 1 أخرجه ابن جرير في جامع البيان من طريق مجاهد والضحاك في حديث مرفوع برقم (15354) وشيخ الطبري (عبد الرحمن بن الوليد الجرجاني) لم أقف له على ترجمة، وكذلك قال الشيخ محمود شاكر. وقد تكلم ابن كثير على هذا الحديث في تفسيره (2/263) وقال وقفه أصح. 2 أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (15373) بإسناد رجاله ثقات غير شيخ الطبري فلم أقف له على ترجمة أجزم فيها بأنه شيخ الطبري. وقد قال أحمد شاكر: وما بنا من حاجة إلى ترجمته من جهة الجرح والتعديل، فإن هذا التفسير الذي يرويه عن عمرو بن حماد معروف عند أهل العلم بالحديث، وما هو إلا رواية كتاب، لا رواية حديث بعينه. انظر جامع البيان (1/156) حاشيته. 3 يعني بالأول قول ابن عباس: إن بني آدم قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا. ويؤيد صحة هذا القول أن جميع الأقوال الأُخر لم تسلم أسانيدها من علة، غير قول ابن عباس الآخر: أشهد بعضهم على بعض، فهو موافق لهذا القول بحمد الله؛ لأن شهادة بعضهم على بعض تفيد أنهم هم الذين شهدوا على أنفسهم بأن الله ربهم. وقد ذكر السجاوندي في علل الوقوف (2/522، 523) وقفين , الأول: على (شهدنا) ، والثاني: على (بلى) ووصف الثاني بالبعد. قلت: قَوْلَيْ ابن عباس مع من وافقه تتركب على الوقف الأول. وبقية الأقوال تتركب على الوقف الثاني. 4 انظر الكشف والبيان (4/54) مخطوط، صورة مكروفلم بالجامعة الإسلامية برقم (9786) ، ومعالم التنزيل (2/211، 212) وممن اقتصر على هذا القول شيخ المفسرين ابن جرير، والنسائي، وابن أبي حاتم، وهود بن محكم، وأبو جعفر النحاس. انظر مؤلفات هؤلاء على الترتيب: جامع البيان (13/222-249) ، وتفسير النسائي (1/504-506) ، وتفسير ابن أبي حاتم (5/1612-1615) ، وتفسير كتاب الله العزيز (2/58) ، ومعاني القرآن الكريم (3/101، 103) .

ومنهم من لم يذكره، بل ذكر أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها الله فيهم، كالزمخشري1 وغيره. ومنهم من ذكر القولين، كالواحدي والرازي والقرطبي2 وغيرهم، لكن نسب الرازي القول الأول إلى أهل السنة، والثاني إلى المعتزلة3. ولا ريب أن الآية لا تدل على القول الأول أعني أن الأخذ كان من ظهر آدم وإنما فيها أن الأخذ من ظهور بني آدم4، وإنما ذكر الأخذ من ظهر آدم والإشهاد عليهم هناك في بعض الأحاديث، وفي بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة، وبعضهم إلى النار، كما في حديث عمر رضي الله عنه، وفي بعضها الأخذ وإراءة آدم إيّاهم من غير قضاء ولا إشهاد، كما في حديث أبي هريرة. والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل القول الأول موقوف على ابن عباس وابن عمرو5،

_ 1 انظر الكشاف (2/129) . وانظر أيضاً أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (1/376) ، ومدارك التنزيل للنسفي (2/85) ، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود (3/290) فإن هؤلاء لم يذكروا إلا هذا القول. 2 انظر الوسيط (2/424-426) ، والتفسير الكبير (15/39، 41) ، والجامع لأحكام القرآن (7/314) ، وممن ذكر القولين أيضاً السمرقندي في تفسير القرآن (1/579، 580) ، وابن عطية في المحرر الوجيز (7/198، 200) . 3 انظر التفسير الكبير (15/39، 41) فقد نسب الأول للمفسرين وأهل الأثر، والثاني لأصحاب النظر وأرباب المعقولات. وهو معنى ما نسب إليه المؤلف. 4 انظر التوفيق بين الآية والحديث في التفسير الكبير (15/43) ، ولباب التأويل (2/310) . 5 أما حديث ابن عباس فقد تقدم الكلام عليه، وأنه قد ثبت مرفوعاً. وأما حديث عبد الله ابن عمرو فأخرجه ابن جرير في تفسيره برقم (15354) ورقم (15355) ورقم (15356) الأول منها مرفوعاً، والآخران موقوفان. وتكلم ابن جرير عليه وكذلك ابن كثير بما يفيد عدم صحة رفعه. انظر جامع البيان (13/250) وتفسير القرآن العظيم (2/263) .

بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك إلى آخر كلامه1. وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول حديث أنس المخرج في الصحيحين، الذي فيه: "قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي" 2. ولكن قد رُوي من طريق أُخرى: "قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار" 3. وليس فيه (في ظهر آدم) وليس في الرواية الأولى إخراجهم من ظهر آدم على الصفة التي ذكرها أصحاب القول الأول. بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين: أحدهما: كون الناس تكلموا حينئذ، وأقروا بالإيمان، وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة. والثاني: أن الآية دلت على ذلك، والآية لا تدل عليه لوجوه: أحدها: أنه قال: {من بني آدم} ، ولم يقل: من آدم. الثاني: أنه قال: {من ظهورهم} ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض، أو بدل اشتمال4، وهو أحسن. الثالث: أنه قال: {ذريتهم} ولم يقل: ذريته. الرابع: أنه قال: {وأشهدهم على أنفسهم} أي جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولابد أن يكون الشاهد ذاكراً لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.

_ 1 انظر المرجع نفسه (7/314-316) . 2 تقدم تخريجه قريباً. 3 انظر فتح الباري (11/403) فقد قال الحافظ: "في رواية ثابت (قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار") . 4 انظر الدر المصون (5/511) .

الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: {إنا كنا عن هذا غافلين} والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فُطروا عليها، كما قال تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} 1. السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: {إنا كنا عن هذا غافلين} ، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعاً ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم. السابع: قوله تعالى: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم} 2 فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: ألا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره. ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة. الثامن: قوله: {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} 3 أي: لو عذبهم بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه4 أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل.

_ 1 سورة النساء، الآية: 165. 2 سورة الأعراف، الآية: 173. 3 سورة الأعراف، الآية: 173. 4 في قوله تعالى: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} سورة الأنعام، الآية: 131.

التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليه بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} 1، فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: {أفي الله شك فاطر السماوات والأرض} 2. العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها، بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى، فإنها أدلة معينة على مطلوب معين، مستلزمة للعلم به فقال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون} 3، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يُولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا. والله أعلم. وقد تفطن لهذا ابن عطية4 وغيره، ولكن هابوا مخالفة ظاهر تلك الأحاديث التي فيها التصريح بأن الله أخرجهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم. وكذلك حكى القولين الشيخ أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات، ورجح القول الثاني، وتكلم عليه ومال إليه5.

_ 1 سورة لقمان، الآية: 25. 2 سورة إبراهيم، الآية: 10. 3 سورة الأعراف، الآية 174. 4 انظر المحرر الوجيز (7/198، 200) . 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (302-314) ولم أستطع الوقوف إلا على أوّل الكتاب المذكور، الذي ليس فيه سورة الأعراف. وما قاله المؤلف من تضعيف للقول الذي فسر به أهل الأثر الآية الكريمة تابع فيه هو وشيخه ابن كثير الإمام ابن القيم وتأثرا بما قال في كتابه الروح، ص (161-168) فإن ابن القيم على غير عادته رام فيه تضعيف القول الذي فسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية، وذكر عليه هذه الاعتراضات العشرة، وتناول بعض =

_ الأحاديث بالنقد. وهذه الاعتراضات العشرة أكثرها من كلام المعتزلة، كما في نقل الرازي عنهم في التفسير الكبير (15/39-41) ومن قبله نقل أبو الليث في بحر العلوم (1/580) إلا أنه لم يصرح أن المخالف هم المعتزلة. والحق في تفسير الآية هو ما ذهب إليه أهل الأثر؛ للأسباب التالية: 1- أن هذا التفسير قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طعن في رواية ابن عباس المرفوعة فقوله مرجوح، كما ذُكر ذلك عند تخريج الحديث، بل قد قال ابن عطية: "تواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عمر رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس وغيرهما" المحرر الوجيز (7/198، 199) . وقال أبو جعفر النحاس في معاني القرآن (3/101) : "أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله جل وعز مسح ظهر آدم، فأخرج منه ذريته أمثال الذر، فأخذ عليهم الميثاق") . وقد أشار إلى تواتر الحديث تواتراً معنوياً العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/162) ولهذا هاب ابن عطية مخالفة الأحاديث، وليت الإمام ابن القيم فعل مثله، لا سيما وأنه من شيوخ أهل الأثر المتأخرين. 2- أن التفسير بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم، كما نقل ذلك ابن القيم في كتاب الروح، ص (163) ، بل هو قول جمهور المفسرين. انظر النكت والعيون (2/278) ، والوسيط (2/425) ، ولباب التأويل (2/310) ، والروح، ص (163) . 3- لا تعارض ببن آية أخذ الميثاق وبين الحديث الثابت في تفسيرها، وما قد يظهر فيه من تعارض أجاب عنه العلماء، كما نقل ذلك ابن القيم نفسه عن ابن الأنباري وغيره في كتاب الروح، ص (163) ، وكذلك أجاب الرازي عن بعض الإشكالات في التفسير الكبير (15/42، 43) ، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/161-163) . 4- تتابعت أقوال العلماء في الرد على من رد هذا التفسير، ومنهم أبو الليث في تفسير القرآن (1/580-582) ، والرازي في التفسير الكبير (15/42-43) ، والخازن في لباب التأويل (2/310) ، والشوكاني في فتح القدير (2/276) ، والهندي في فتح البيان (3/452-454) .

… قوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} 1 قال ليث عن مجاهد: "هو الرجل يهم بالذنب، فيذكر الله فيدعه"2. والشهوة والغضب3 مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع، ثم قال تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} 4 أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي، ثم لا يقصرون5. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا الإنس تُقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم"6.

_ 1 سورة الأعراف، الآية: 201. 2 لم أقف على هذا الأثر مسنداً من طريق ليث عن مجاهد. وأورده الواحدي في الوسيط (2/438) عن ليث عن مجاهد. ونسبه جماعة من المفسرين إلى مجاهد بدون ذكر ليث. انظر معالم التنزيل (2/225) ، وزاد المسير (3/310) ، والبحر المحيط (4/446) . وليث - وهو ابن أبي سُليم - الراوي عن مجاهد قال فيه الحافظ: صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فتُرك. تقريب التهذيب رقم (5685) . قلت: لكن يتقوى إن شاء الله تعالى بما عند البغوي، فإنه ذكر في مقدمة تفسيره (1/28) ، سنده إلى مجاهد من غير طريق "ليث" وإن كانت لا تسلم من ضعف. 3 قد جاء عن مجاهد من طرق تفسير الطائف بالغضب. انظر جامع البيان (13/336) . وانظر تفسير ابن أبي حاتم (5/1640) فقد ذكره عن مجاهد وغيره أيضاً. 4 سورة الأعراف، الآية: 202. 5 نحو هذا التفسير أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره (5/1641) إلى ابن عباس من طريق علي ابن أبي طلحة. والمقصود بإخوان الشياطين هم أتباعهم المستمعون لهم القابلون لأوامرهم. انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/280) . 6 أخرجه ابن جرير في جامع البيان برقم (15564) ، وابن أبي حاتم في تفسيره أيضاً برقم (8709) كلاهما من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهي طريق مشهورة بالصحة والقبول بين العلماء. انظر الإتقان (2/532، 533) ، والتفسير والمفسرون (1/77، 78) .وتفسير المؤلف في شرح العقيدة الطحاوية، ص (468، 469) .

سورة الأعراف

سورة الأعراف ... سورة الأنفال قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} 1 ... الاستغفار تارة يُذكر وحده، وتارة يقرن بالتوبة، فإذا ذكر وحده دخل معه التوبة، كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار، فالتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة، وكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله2.

_ 1 سورة الأنفال، الآية: 33. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (452) .

سورة التوبة

سورة التوبة ... قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 3 كانت عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفراً وربيع الأول وعشرين من ربيع الآخر. وهذا قول زفر حكاه عنه أبو بكر الرازي في أحكام القرآن4.

_ 3 سورة التوبة، الآية: 2. 4 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (462) تحقيق أنور. وانظر أحكام القرآن للجصاص (4/267) ولم أر ذكراً لزفر في هذا الموضع من نسخة أحكام القرآن التي بين يدي. وفي بيان بداية هذه الأربعة الأشهر ونهايتها أقوال غير ما ذكر هنا. إلا أن القول الَّذِي ذكره المؤلف أقواها، وقد رجحه الجصاص، وابن العربي، ولم يذكر غيره الكيا الهراسي. انظر أحكام القرآن للجصاص (4/267) ، وأحكام القرآن لابن العربي (2/885) ، وأحكام القرآن للكيا الهراسي (3/172) .

..قوله تعالى ... {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 1 ... أهل مكة كانت معايشهم من التجارات، وكان المشركون يأتونهم بالطعام ويتجرون فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقر وضيق العيش، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي فقراً وفاقة {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية2. [قوله تعالى:] {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} 3 رُوي عن حذيفة رحمه الله وغيره أنه قال: "لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم أحلوا لهم، وحرموا عليهم فاتبعوهم"4. وهذا المعنى قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، وحديثه في المسند والترمذي مطولاً5.

_ 1 سورة التوبة، الآية: 28. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (616) تحقيق أنور. وانظر جامع البيان (14/194) ولباب النقول، ص (202) ، والتفسير الصحيح (2/441) . 3 سورة التوبة، الآية: 31. 4 أخرجه عبد الرزاق في تفسير القرآن (2/272) عن أبي البختري قال: سأل رجل حذيفة، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره برقم (10058) من طريق أبي البختري أيضاً قال: قيل لحذيفة. وسنده ضعيف؛ لأن أبا البختري حديثه مرسل عن حذيفة. انظر التهذيب (4/72) ويظهر هنا أن أبا البختري قد سمعه بواسطة، إلا أن الواسطة مبهم. وأخرجه الطبري في جامع البيان (14/211-213) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/116) كلاهما من طريق أبي البختري. وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/231) ونسب إخراجه إلى هؤلاء وغيرهم. والأثر يشهد لصحته الحديث الذي أشار إليه المؤلف. 5 الاتباع، ص (81، 82) . والحديث أخرجه الترمذي في سننه برقم (3095) وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث. وأخرجه الطبري في جامع البيان برقم (16631) ، وابن أبي حاتم في تفسيره برقم (10057) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/116) . والحديث قال عنه الشيخ سليم الهلالي: هو حسن لغيره. انظر الاعتصام (2/87) حاشيته. ولم أقف عليه في مسند الإمام أحمد المطبوع، وقد أورده السيوطي في الدر المنثور (3/230، 231) ولم يذكر الإمام أحمد فيمن خرجه.

[قوله تعالى:] {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} 1 الآيتين ... أخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله وهو طاعة فلما كرهه منهم، ثبطهم عنه2، ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي كانت تترتب على خروجهم مع رسوله، فقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} أي: فساداً وشراً3 {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي: سعوا بينكم بالفساد والشر4 {يبغونكم الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} أي: قابلون منهم، مستجيبون لهم5، فيتولد من سعي هؤلاء، وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم

_ 1 تمام الآيتين { ... فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} . سورة التوبة، الآية: 46، 47. 2 قال الزجاج: التثبيط ردُّك الإنسان عن الشيء يفعله، أي كره الله أن يخرجوا معكم فردهم عن الخروج. معاني القرآن وإعرابه (2/450) . 3 انظر جامع البيان (14/278) ، وتفسير غريب القرآن للسجستاني، ص (66) ، ومجاز القرآن (1/261) ، ومعالم التنزيل (2/298) . 4 أصل الإيضاع في اللغة سرعة السير، وفسره المؤلف بالسعي؛ لأنه قريب منه. انظر معنى الإيضاع في غريب القرآن وتفسيره لليزيدي، ص (164) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص (187) ، والعمدة في غريب القرآن، ص (148) . 5 تفسير (سماعون لهم) بما ذكر المؤلف أسنده ابن جرير في جامع البيان (14/281) عن قتادة، ومحمد بن إسحاق. ورجحه ابن القيم على قول من قال: إن المقصود ب (سماعون) جواسيس؛ لأن أهل النفاق موجودون بين المسلمين لا يحتاجون إلى من يتجسس لهم. انظر بدائع التفسير (2/355) .

من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه1. … قال تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 الخلاق: النصيب، قال تعالى: {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 3، أي استمتعتم بنصيبكم من الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم4، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} ، أي: كالخوض الذي خاضوه، أو كالفوج، أو الصنف، أو الجيل الذي خاضوا5. وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض؛ لأن فساد الدين إمَّا في العمل، وإمَّا في الاعتقاد، فالأول من جهة الشهوات. والثاني من جهة الشبهات6. وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتأخُذَنَّ أمتي مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع" قالوا: فارس والروم؟ قال: "فمن الناس إلا أولئك" 7.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (333، 334) ، ويظهر أن المؤلف اطلع على كلام ابن القيم في هذا. انظر بدائع التفسير (2/357) . 2 سورة التوبة، الآية: 69. 3 سورة البقرة، الآية:200. وانظر جامع البيان (4/203) تجد ابن جرير يُفسِّر الخلاق بما قال المؤلف. 4 نحو هذا التفسير الذي قاله المؤلف في معالم التنزيل (2/309) ، وفتح القدير (2/398) . 5 نحو هذا التقدير الذي ذكره المؤلف قاله الزمخشري في الكشاف (2/201) ولعل المؤلف أخذه منه. 6 من قوله: (وجمع) ، إلى قوله: (الشبهات) مأخوذ من كلام الإمام ابن القيم بتصرف يسير. انظر بدائع التفسير (2/367) . 7 شرح العقيدة الطحاوية، ص (338، 339) . وهناك أحاديث غير هذا الحديث أوردها المؤلف هنا، وهي بمعنى هذا الحديث. وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (7319) ، والإمام مسلم في صحيحه برقم (2669) وقد أشار طائفة من المفسرين إلى هذا الحديث، أو ما في معناه عند تفسير هذه الآية. انظر جامع البيان (14/341، 342) ، وتفسير القرآن للسمعاني (2/ 326) ، ومعالم التنزيل (2/309) ، وتفسير القرآن العظيم (2/369) .

… قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1 ... والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم2، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة. وقيل: إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليس من فعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة3. … قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ …} 4 وأمّا ما5 رواه الفقيه أبو

_ 1 سورة التوبة، الآية: 100. 2 ما قال المؤلف قوي جداً؛ لأنه قد جمع بين الأقوال المشهورة التي جاءت عن المتقدمين، وهي: 1- من أدرك بيعة الرضوان 2- أهل بدر 3- من صلى القبلتين. انظر جامع البيان (14/435، 436) ، وتفسير ابن أبي حاتم (6/1868) ، ومعاني القرآن الكريم (3/247، 248) ، وتفسير القرآن للسمعاني (2/341، 342) . وقد قال الشوكاني بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة: ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها. فتح القدير (2/416) ، وتابعه على ذلك الهندي في فتح البيان (4/186) . قلت: هو معنى كلام المؤلف. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (689، 690، 692) . 4 سورة التوبة، الآية: 124. 5 هذا قاله بعد ما ذكر الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه، ومنها الآية المذكورة.

الليث السمرقندي رحمه الله، في تفسيره عند هذه الآية، فقال: حدثنا الفقيه، قال: حدثنا محمد بن الفضل، وأبو القاسم السَّاباذي1، قالا: حدثنا فارس ابن مردويه، قال: حدثنا محمد بن الفضل بن العابد2، قال: حدثنا يحيي بن عيسى، قال: حدثنا أبو مطيع، عن حماد بن سلمة عن ابن المحزَّم3، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، الإيمان يزيد وينقص؟ فقال: "لا، الإيمان مكمل في القلب، زيادته ونقصانه كفر"4. فقد سُئل شيخنا عماد الدين ابن كثير رحمه الله تعالى عن هذا الحديث؟ فأجاب: بأن الإسناد من أبي الليث إلى أبي مطيع مجهولون لا يُعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة، وأما أبو مطيع، فهو: الحكم بن عبد الله بن مسلمة البلخي، ضعفه أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وعمرو بن علي الفلاس، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم الرازي، وأبو حاتم محمد بن حبَّان البُستي، والعُقيلي، وابن عَدي، والدارقطني، وغيرهم5. وأما أبو المُهزِّم، الراوي عن أبي هريرة وقد تصحف على الكاتب واسمه: يزيد بن سفيان، فقد ضعَّفه

_ 1 في تفسير أبي الليث المطبوع (الشنابازي) . انظر منه (2/83) . 2 في المرجع السابق (محمد بن الفضل العابد) . انظر منه (2/83) . 3 في المرجع السابق (عن أبي المهزّم) وسينبه عليه المؤلف، فلعل النسخة التي اطلع عليها فيها تحريف. 4 أخرجه أبو الليث السمرقندي في تفسير القرآن (2/83، 84) . وحكم بوضعه جماعة منهم الذهبي في ميزان الاعتدال (1/3) حيث قال بعد أن أورده: … هذا وضعه أبو مطيع على حماد. وقد ذكر الذهبي أن أبا الليث ممن تروج عليه الأحاديث الموضوعة. انظر السير (16/323) . وانظر في شأن وضع هذا الحديث أيضاً اللآلي المصنوعة (1/38) وتنزيه الشريعة (1/149) . 5 انظر ميزان الاعتدال (1/574)

أيضاً، غير واحد، وتركه شعبة بن الحجاج، وقال النسائي: متروك، وقد اتهمه شعبة بالوضع، حيث قال: لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثاً1.

_ 1 انظر المرجع السابق، (4/426) ، وتفسير المؤلف لهذه الآية في شرح العقيدة الطحاوية، ص (479، 480) ولعله أخذ هذا عن شيخه ابن كثير مشافهة، أو أنه في بعض كتبه غير التفسير.

سورة يونس

سورة يونس .... قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} 2 فالحسنى الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، كما روى مسلم في صحيحه عن صهيب، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً ويريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة" 3. ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أُخر، معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل4. وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم روى ابن

_ 2 سورة يونس، الآية: 26. 3 صحيح مسلم الحديث رقم (181) ، وقوله: "وهي الزيادة" لم أقف عليها في صحيح مسلم المطبوع، وقد نسبها إليه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/455) ، وابن كثير في تفسيره (4/229) . فلعلهما فهما ذلك من إيراد الإمام مسلم للآية على إثر هذا الحديث. إلا أن ابن أبي عاصم قد أخرج الحديث في كتاب السنة برقم (472) من رواية صهيب مرفوعاً وفيه "فما شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة". وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: إسناده صحيح على شرط مسلم. انظر ظلال الجنة في تخريج السنة (1/206) . 4 ممن رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة برقم (472) ، وصححه الشيخ الألباني كما تقدم ورواه أيضاً اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/456، 457) مرفوعاً من رواية أنس، وأُبي بن كعب، وكعب بن عجرة، وأبي موسى الأشعري بألفاظ تفيد ما ذكر المؤلف. إلا أن أسانيد اللالكائي لا تخلو من ضعف. وأخرجه ابن جرير في جامع البيان (15/68، 69) مرفوعاً من رواية كعب بن عجرة، وأُبي بسندين فيهما ضعف. وانظر الدر المنثور (3/305) تجده قد ذكر من أخرج هذا التفسير مرفوعاً.

جرير عن جماعة، منهم: أبو بكر الصديق، وحذيفة، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، رضي الله عنهم1. قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ... } 2 الولي: من الولاية بفتح الواو التي هي ضد العداوة3. وقد قرأ حمزة: {مَا لَكُمْ مِنْ وِلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 4 بكسر الواو، والباقون بفتحها5. فقيل: هما لغتان، وقيل: بالفتح النصرة،

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (210، 211) . وانظر رواية ابن جرير عن هؤلاء الصحابة في جامع البيان (15/63-68) ما عدا الرواية عن ابن عباس فلم أقف عليها في جامع البيان عند هذه الآية. وقد أخرجها البيهقي في الأسماء والصفات (1/182-184) وذكر الشيخ محمود شاكر ما يفيد أن أسانيد ابن جرير لا تخلو من ضعف. لكن صحح الشيخ الألباني الرواية عن أبي بكر وحذيفة. انظر ظلال الجنة في تخريج السنة الأثر رقم (473، 474) . وأما رواية البيهقي عن ابن عباس فسندها ضعيف؛ لأنها من طريق حفص بن عمر العدني عن شيخه الحكم بن أبان. وابن القيم قد تكلم على تفسير الآية في حادي الأرواح، ص (329) وما بعدها. وبعد: فإن تفسير الزيادة في الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم قد ثبتت مرفوعة وموقوفة. ونص الإمام النسفي أن جمهور المفسرين على ذلك. انظر مدارك التنزيل (4/180) عند قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} . 2 سورة يونس، الآية:62. 3 انظرمختار الصحاح، ص (537) ، ولسان العرب (15/404) "ولي". 4 سورة الأنفال، الآية: 72. 5 انظر النشر (2/277) ، وإتحاف فضلاء البشر، ص (239) .

وبالكسر الإمارة1. قال الزجاج: وجاز الكسر؛ لأن في تولي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل، وكُلُّ ما كان كذلك مكسورٌ، مثل الخياطة ونحوها2. والولي: خلاف العدو، وهو مشتق من الولي، وهو الدنو والتقرب3، فولي الله: هو مَنْ والى الله بموافقته في محبوباته، والتقرب إليه بمرضاته، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 4. قال أبو ذر رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر لو عمل الناس بهذه الآية لكفتهم"5.

_ 1 انظر الدر المصون (5/640) ، فقد نص السمين على هذا ونسبه للزجاج. وقاله أيضاً البناء في إتحاف فضلاء البشر، ص (239) وأصل هذا التوجيه للفراء في معاني القرآن (1/418، 419) ، وبعضه في مجاز القرآن (1/251) . 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (505) . وما نسبه للزجاج لم أقف عليه في معاني القرآن. ونقل الأزهري كلام الزجاج في تهذيب اللغة (15/449) "ولي" ولم يذكر عنه ما قاله المؤلف هنا. وقد نص الأزهري على نحو ما قال المؤلف في كتابه القراءات وعلل النحويين (1/248) بدون أن ينسبه لأحد. ثم إنني اطلعت على لسان العرب فوجدته ينقل عن الزجاج بواسطة التهذيب، ويذكر عنه ما قال المؤلف هنا. انظر لسان العرب (15/401) "ولي". فلعل كلام الزجاج سقط من النسخة التي وصلت إلينا من التهذيب. 3 انظر معجم مقاييس اللغة (6/141، 142) "ولي". 4 سورة الطلاق، الآية: 2، 3. 5 أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (4220) ، والدارمي في سننه برقم (2725) ، والحاكم في المستدرك (2/534) كلهم من طريق أبي السليل عن أبي ذر. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. لكن الشيخ الألباني وغيره حكموا بضعفه. انظر ضعيف سنن ابن ماجة، ص (347) ، وشرح العقيدة الطحاوية تحقيق التركي وشعيب، ص (509) الحاشية. والصواب ما قاله المتأخرون؛ لأن أبا السليل حديثه مرسل عن أبي ذر. انظر التهذيب (4/458) . وأخرجه الإمام أحمد في المسند (5/178، 179) ، وابن حبان في الصحيح مع الإحسان برقم (6669) كلاهما من الطريق المذكور، ضمن حديث طويل.

.. فـ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 1 منصوب على أنه صفة أولياء الله، أو بدل منه، أو بإضمار "أمدح"، أو مرفوع بإضمار "هم"، أو خبر ثان لإن، وأجيز فيه الجر، بدلاً من ضمير عليهم2. وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث، وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة، ولا تمزق3، ولا رياضة. وقيل: {الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ، والخبر {لَهُمُ الْبُشْرَى} 4 وهو بعيد؛ لقطع الجملة عما قبلها، وانتثار نظم الآية5.

_ 1 الآيات التي ذكر المؤلف شيئاً من إعرابها هنا هي قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة يونس، الآيات: 62، 63، 64. 2 انظر معاني القرآن (1/470، 471) ، وإعراب القرآن (2/260) ، ومشكل إعراب القرآن (1/348) ، والكشاف (2/243) ، والبيان في غريب إعراب القرآن (1/416) ، والتبيان في إعراب القرآن (2/679) ، والبحر (5/173) ، والدر المصون (6/232) تجد أن بعضهم جاء ببعض هذه الأوجه، وأن كثيراً منهم جاء بأكثرها وأن أبا حيان وتلميذه جاءا بها جميعاً. 3 "ولا تمزق" هكذا في النسخة التي اعتمدت عليها. وقال محققاها: كذا في الأصول، وفي مطبوعة مكة تملق. 4 كل أصحاب المؤلفات السابقة ذكروا هذا الوجه، ولم يضعفه أحد منهم. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (506، 507) . وقد أحسن المؤلف بتضعيف هذا الوجه، وبالتعليل الذي ذكره. وغاب هذا عن العباقرة المتقدم ذكر مؤلفاتهم، وعن غيرهم كابن عطية، والجمل، والكرماني.

سورة هود

سورة هود ... قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 1 أي: يتقدمهم2، ويستعمل منه الفعل لازماً ومتعدياً3، كما يُقال: أخذني ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا وهو يقدمه، ومنه سُمِّيت القدم قدماً؛ لأنها تقدم بقية بدن الإنسان4. قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 5 أي: غير مقطوع6، ولا يُنافي ذلك قوله: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} . واختلف السلف في هذا الاستثناء: فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أُخرج منها، لا لكلِّهم. وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف. وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل: هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه.

_ 1 سورة هود، الآية: 98. 2 بهذا فسر الزجاج الآية في معاني القرآن وإعرابه (3/76) ، والنحاس في إعراب القرآن (2/300) ، والزمخشري في الكشاف (2/291) . 3 انظر تهذيب اللغة (9/49) ، ولسان العرب (11/65) "قدم" ففيهما ما يدل لقول المؤلف. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (77، 78) . وقوله: "ومنه سميت القدم ... الخ" ذكر نحوه ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (5/66) "قدم". 5 سورة هود، الآية:108. 6 ثبت هذا التفسير عن ابن عباس وقتادة. انظر جامع البيان (15/490) . وبهذا فسَّره أبو عبيدة وغيره. انظر مجاز القرآن (1/99) ، وغريب القرآن وتفسيره لليزيدي، ص (178) .

وقيل: "إلا" بمعنى (الواو) ، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف1. وسيبويه يجعل "إلا" بمعنى "لكن"، فيكون الاستثناء منقطعاً2، ورجحه ابن جرير وقال: إن الله تعالى لا خُلْف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي: سوى ما شئت، أولكن ما شئت من الزيادة عليه3. وقيل: الاستثناء لإعلامهم، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} 4 وقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} 5، وقوله: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 6 ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وقيل: إن "ما" بمعنى "من" أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء. وقيل غير ذلك7. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه،

_ 1 قول المؤلف "وهو ضعيف" هذا على رأي البصريين، والكوفيون يجيزون ذلك، نص على ذلك شيخهم الفراء عند هذه الآية. انظر معاني القرآن (2/28) ، وانظر الخلاف في المسألة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/266) . 2 انظر الكتاب لسيبويه (2/319) تجد أنه قد وضع باباً ينطبق على هذه الآية. 3 ابن جرير لم يرجح بهذا من عنده، وإنما نقله عن بعض أهل العربية من غير تحديد وهو يعني الفراء. انظر جامع البيان (15/487، 488) ، ومعاني القرآن (2/28) فنسبة القول لابن جرير فيها نظر. 4 سورة الإسراء، الآية: 86. 5 سورة الشورى، الآية: 24. 6 سورة يونس، الآية: 16. 7 انظر معاني القرآن للفراء (1/28) ، وتأويل مشكل القرآن، ص (77) ، ومعاني القرآن وإعرابه (3/79، 80) ، وجامع البيان (15/481-489) ، ومعاني القرآن الكريم (3/381-384) ، والنكت والعيون (2/506، 507) ، وزاد المسير (4/161) ، وغرائب التفسير (1/520، 521) ، والجامع لأحكام القرآن (9/99-102) ، والدر المصون (6/391-394) تجد مجموع هذه الأقوال في مجموع هذه المصنفات، وأحسن من استوفى ذكرها السمين، والكرماني، والقرطبي. وأولى الأقوال التي ذكرها المصنف بالصواب هو أولها، بل لعله أولى جميع الأقوال التي قيلت، وقد رجحه ابن جرير، والخازن، وغيرهما. انظر جامع البيان (15/489) ، ولباب التأويل (2/254) ، وروح المعاني (12/144) . وقال ابن كثير في تفسيره (2/461) : "وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة".

وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} محكم، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} 1. وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 2. وقوله: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} 3. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} 4 وهذا الاستثناء منقطع5، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} تبين لك المراد من الآيتين. واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذاك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.6

_ 1 سورة ص، الآية: 54. 2 سورة الرعد، الآية: 35. 3 سورة الحجر، الآية: 48. 4 سورة الدخان، الآية: 56. 5 انظر الدر المصون (9/631) فقد ذكره السمين مصدراً به الأقوال التي قيلت في معنى الاستثناء. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (622 - 624) .

سورة يوسف

سورة يوسف قال تعالى: ... {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} 1 أي: بمصدق لنا2. ... قال تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 3 فإن كان قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} معطوفاً على الضمير في "أدعو" فهو دليل على أن أتباعه هم الدعاة إلى الله، وإن كان معطوفاً على الضمير المنفصل فهو صريح في أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جاء به دون غيرهم، وكلا المعنيين حق4.

_ 1 سورة يوسف، الآية: 17. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (470، 471) ، وانظر مجاز القرآن (1/303) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص (213) ، وجامع البيان (15/578) ، والعمدة في غريب القرآن، ص (159) . 3 سورة يوسف، الآية: 108. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (11) ، وانظر معاني القرآن للفراء (2/55) فقد ذكر القول الثاني. وانظر الكشاف (2/326) ، والبحر (5/346) ، والدر المصون (6/561) تجد القولين وأكثر. وانظر مفتاح دار السعادة، ص (167،168) تجد أن ابن القيم ذكر القولين.

سورة هود

سورة هود ... سورة الرعد ... قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 5 ... في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين كانوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟. فيقولون: أتيناهم وهم

_ 5 سورة الرعد، الآية:11.

يصلون، وفارقناهم وهم يصلون"1. وفي الحديث الآخر: "إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم، وأكرموهم" 2. جاء في التفسير اثنان عن اليمين وعن الشمال، يكتبان الأعمال. صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وواحد أمامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلاً، حافظان وكاتبان3. وقال عكرمة، عن ابن عباس: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلَّوا عنه4.

_ 1 متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (555) ، ومسلم في صحيحه برقم (632) . 2 أخرجه الترمذي في السنن برقم (2800) من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قلت: ضعفه الألباني أيضاً في الإرواء برقم (64) والعلة فيه أنه من طريق ليث بن أبي سُليم. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (557، 558) . وهذا التفسير الذي ذكره المؤلف، قاله شيخه ابن كثير في تفسيره (2/504) فلعل المؤلف أخذه منه، وكذلك الحديثان أوردهما ابن كثير عند تفسير الآية بنفس اللفظ فيترجح أن المؤلف أخذه منه. وتبين من كلام المؤلف أنه يرى أن المعقبات هي الملائكة. قال أبو جعفر النحاس بعد أن ذكر هذا القول وغيره: "وأولى هذه الأقوال الأول؛ لعلوِّ إسناده وصحته" معاني القرآن الكريم (3/479) . وهو يعني قول من قال: إنهم الملائكة. وقال القرطبي: والصحيح أن المعقبات الملائكة. الجامع (9/293) . 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (559) . والأثر أخرجه الطبري في تفسيره برقم (20216، 20217) من طريقين مدارهما على سماك بن حرب، وهو صدوق، وروايته عن عكرمة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما تلقن. التقريب برقم (2624) . وله شواهد تدل على ثبوته عن ابن عباس. انظر الوسيط (3/8، 9) ، وتفسير القرآن العظيم (2/505) ، والدر المنثور (4/47) وقال السمعاني: إنه قول الأكثرين. تفسير القرآن (3/81) .

ومعنى {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قيل: حفظهم له من أمر الله1، أي: الله أمرهم بذلك، يشهد لذلك قراءة من قرأ {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 2. قال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} 3 ... السماء العلو4، وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن5، والمزن السحاب، وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات6. ... قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ ُ

_ 1 هو أحد الأقوال في معنى الآية. انظر جامع البيان (16/375، 376) ، ومعاني القرآن (2/60) ، ومعاني القرآن وإعرابه (3/142) ، ومعاني القرآن الكريم (3/478-480) ، والجامع لأحكام القرآن (9/291-293) ولم يذكر الزجاج إلا القول الذي فسر به المؤلف هنا. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (560) وهذه القراءة شاذة. انظر المحتسب (1/355) . ونسبها ابن جني إلى علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما. وممن ذكرها حجة على هذا المعنى ابن جرير في تفسيره (16/376) ، والزمخشري في الكشاف (2/352) ، وأبو حيان في البحر (5/364) وغيرهم. 3 سورة الرعد، الآية: 17. 4 انظر المفردات، ص (243) ، وعمدة الحفاظ (2/257) . 5 في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} سورة الواقعة، الآيتان: 68، 69. 6 في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} سورة النبأ، الآية: 14. والمعصرات هي السحاب، سميت بذلك؛ لأنها تعتصر المطر. انظر المفردات، ص (336) ، وعمدة الحفاظ (3/100) . ولا تعارض بين هذه الآيات؛ لأن المزن والمعصرات هي السحاب، والسحاب في السماء. وتفسير المؤلف في شرح العقيدة الطحاوية، ص (196) .

الْكِتَابِ} 1 ... المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة2 ... وقوله: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} اللوح المحفوظ3، ويدل على هذا الوجه4 سياق الآية، وهو قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ثم قال: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي: من ذلك الكتاب {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: أصله، وهو اللوح المحفوظ. وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه5، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول، وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه، بل من عند الله، ثم قال: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي: أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها، ثم تنسخ بالشريعة الأخرى، فينسخ الله ما

_ 1 سورة الرعد، الآية: 38،39. 2 انظر جامع البيان (16/484، 485) ، ومعاني القرآن وإعرابه (3/150) ، ومعاني القرآن الكريم (3/502) ، والنكت والعيون (3/118) ، والوسيط (3/20) ، وتفسير القرآن للسمعاني (3/100) ، ومعالم التنزيل (3/23) ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (14/492) فقد ذكر أصحاب هذه المؤلفات هذا القول. 3 انظر بحر العلوم (2/197) ، والنكت والعيون (3/118) ، وتفسير القرآن للسمعاني (3/100) ، ومعالم التنزيل (3/23) ، والكشاف (2/363) وطائفة من المفسرين لم يذكروا إلا هذا القول مما يدل على أنه أقوى الأقوال. 4 يعني المؤلف بالوجه أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة. 5 انظر الوسيط (3/20) ، والكشاف (2/363) ، والبحر (5/388) ، وفتح القدير (3/89) ، وفتح البيان (5/111) ، ومحاسن التأويل (4/455) ومن نسب من أصحاب هذه المؤلفات هذا القول إلى قتادة فنسبته فيها نظر؛ لأن المنقول عن قتادة أنه يقول: إن هذه الآية مثل قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فهذا معناه أنه مثل النسخ الواقع في شريعة القرآن، فلم يجعله قتادة عاماً كما نقل هذا الناقل. انظر قول قتادة في: جامع البيان (16/485، 486) ، وتفسير القرآن العظيم (2/521) .

يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل، ويثبت ما يشاء. وفي الآية أقوال أُخرى1، والله أعلم بالصواب2.

_ 1 انظر هذه الأقوال في المراجع التي ذُكرت عند القولين السابقين. ومع قوة ما ذكر المؤلف، فهناك قول جدير بأن تحمل هذه الآية المشكلة عليه، فهمته من كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (14/491) ، وقاله الثعالبي في الجواهر الحسان (2/371) ، وحاصله: أن الله سبحانه وتعالى يمحو من الأمور ما يشاء، ويغيرها عن أحوالها مما سبق في علمه محوه وتغييره، ويثبتها في الحالة التي ينقلها إليها حسب ما سبق في علمه. وهذا القول يدل له ما جاء في الحديث أن الله تعالى جعل عمر داود عليه السلام ستين سنة، فوهب له آدم عليه السلام من عمره أربعين سنة. والحديث أخرجه الأمام الترمذي في جامعه برقم (3076) وقال: هذا حديث حسن صحيح. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (131، 132) .

سورة النحل

سورة النحل ... قال تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} 3 ... اختلفت عبارات المفسرين في المثل الأعلى4. ووفق بين أقوالهم بعض من وفقه الله وهداه، فقال: المثل الأعلى يتضمن الصفة العُليا، وعلم العالمين بها،

_ 3 سورة النحل، الآية: 60. 4 فقيل: شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: أي الصفة العليا بأنه خالق رازق قادر ومجازٍ. وقيل: ليس كمثله شيء. وقيل المثل الأعلى نحو قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} . وقيل: الصفة العليا المقدسة وهي أن له التوحيد، وأنه المنزه عن الولد، وأنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء. انظر جامع البيان (17/230) ، ومعاني القرآن الكريم (4/77) ، والنكت والعيون (3/195) ، والوسيط (3/68) ، وتفسير القرآن للسمعاني (3/181) ، ومعالم التنزيل (3/73) ، والجامع لأحكام القرآن (10/119) ، ولباب التأويل (3/97) ، وليس كل هؤلاء ذكروا جميع الأقوال، بل بعضهم ذكر واحداً، وبعضهم ذكر أكثر.

ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الرب تعالى بواسطة العلم والمعرفة، القائمة بقلوب عابديه وذاكريه. فهاهنا أمور أربعة: الأول: ثبوت الصفات العليا لله سبحانه، سواء علمها العباد أو لا، وهذا معنى قول من فسَّرها بالصفة. الثاني: وجودها في العلم والشعور، وهذا معنى قول من قال من السلف والخلف-: إنه ما في قلوب عابديه وذاكريه، من معرفته وذكره، ومحبته وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه. وهذا الذي في قلوبهم من المثل الأعلى لا يشركه فيه غيره أصلاً، بل يختص به في قلوبهم، كما اختص به في ذاته. وهذا معنى قول مَنْ قال من المفسرين: إن معناه أهل السماوات يُعظِّمونه ويُحبونه ويعبدونه، وأهل الأرض كذلك، وإن أشرك به من أشرك، وعصاه من عصاه، وجحد صفاته من جحدها، فأهل الأرض معظِّمون له، مجلون خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته وجبروته، قال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} 1. الثالث: ذِكرُ صفاته والخبر عنها وتنزيهها من العيوب والنقائص والتمثيل. الرابع: محبة الموصوف بها وتوحيده، والإخلاص له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وكلما كان الإيمان بالصفات أكمل كان هذا الحب والإخلاص أقوى. فعبارات السلف كلها تدور على هذه المعاني الأربعة2. (للبحث بقية)

_ 1 سورة الروم، الآية: 26. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (119-121) وما ذكره المؤلف في تفسير الآية موجود في الصواعق المرسلة (3/1030-1035)

سورة الإسراء

تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة القسم الثّاني هذا هو القسم الثّاني؛ من هذا البحث؛ الّذي استخرج فيه الباحثُ (تفسيرَ ابن أبي العزّ) من خلال مؤلّفاته، وجَمَعَه وعَلَّقَ حواشيَه. وكان القسم الأوّل منه نُشر في العدد الماضي (120) وكان يتضمّن تفسير الإمام ابن أبي العزّ؛ من أوّل سورة الفاتحة إلى آخر سورة النّحل، وسبق ذلك تقديمٌ تناول التّعريفَ بموضوع البحث، وأسباب اختياره، وخطّته، والتّعريف بابن أبي العزّ سورة الإسراء قوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق} 1 خص هذه الصورة بالنهي؛ لأنها هي الواقعة، لا لأن التحريم يختص بها2. قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} 3. فيها - للمتأخرين - قولان4. أحدهما: لاتخذوا سبيلاً إلى مغالبته. والثاني: - وهو الصحيح المنقول عن السلف، كقتادة5 وغيره، وهو الذي ذكره ابن جرير لم يذكر غيره6 -: لاتخذوا سبيلاً بالتقرب إليه، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} 7؛ وذلك أنه قال: {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُون} وهم

_ 1 سورة الإسراء، الآية: 31. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (57) تحقيق عبد الحكيم. وما ذكره ابن أبي العز في سبب التنصيص على الإملاق ـ وهو الفقر ـ قاله ابن جزي في التسهيل (2/ 47) وأشار إليه الكيا الهراسي في أحكام القرآن (3/258) ، وأبو حيان في البحر (4/ 251) . 3 سورة الإسراء، الآية: 42. 4 ممن ذكر القولين الزجاج في معاني القرآن (3/241) ، والنحاس في معاني القرآن الكريم (4/159) ، والماوردي في النكت والعيون (3/245) ، والسمعاني في تفسير القرآن (3/243) ، والبغوي في معالم التنزيل (3/116) . 5 أخرجه عبد الرزاق في تفسيرالقرآن (2/378) عن قتادة بإسناد صحيح، وكذلك أخرجه الطبري في تفسيره (17/454) عن قتادة بإسناد رجاله ثقات. 6 انظر جامع البيان (17/453، 454) . 7 سورة الدهر، الآية: 29.

لم يقولوا: إن العالَم له صانعان، بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء، وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ الاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 1. قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ الاّ خَسَاراً} 2 و (من) في قوله: {مِنَ الْقُرْآنِ} لبيان الجنس، لا للتبعيض3.

_ 1 سورة الزمر، الآية: 3. وتفسير المؤلف لهذه الآية في شرح العقيدة الطحاوية، ص (41، 42) ويبدوا أن المؤلف أخذ تفسير هذه الآية، وما ذكر فيها من ترجيح من بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر مجموع الفتاوى (16/122، 124، 577) فإن فيها نحو هذا التفسير والترجيح. وقد نقل الإمام ابن القيم عن شيخ الإسلام تفسير هذه الآية وترجيح قول قتادة بثلاثة مرجحات. انظر بدائع التفسير (3/79، 80) . وقد تجد من يرجح القول الآخر. انظر تفسير القرآن للسمعاني (3/243) ، وإرشاد العقل السليم (5/174) ، وفتح القدير (3/236) إلا أن المتأمل في أدلة شيخ الإسلام يجدها أقوى، يضاف إلى ذلك ثبوته عن قتادة. وأما القول الآخر فلم يثبت عن سعيد بن جبير ـ كما قال شيخ الإسلام ـ ثم هو قول أصحاب الكلام، نقله عنهم ابن عطية. انظر مجموع الفتاوى (16/122) ، والمحرر الوجيز (10/299) . 2 سورة الإسراء، الآية: 82. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (363) وما ذكره المؤلف في معنى (من) هو أحد الأقوال. انظر الكشاف (2/463) ، والتبيان (2/830) ، والدر المصون (7/402، 403) . ولعل المؤلف أخذ هذا القول في معنى (من) من الجواب الكافي للإمام ابن القيم، ص (4) فإنه قال: (ومن هنا لبيان الجنس، لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء كما قال في الآية المتقدمة) ويعني بالآية المتقدمة قوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} الآية 44 من سورة فصلت. وقد يُنازع الإمام ابن القيم في هذا الاحتجاج فإن الآية دلت على أنه هدى لفريق من الناس وهم المؤمنون. وقد أساء يسري السيد في بدائع التفسير (3/100) عندما تدخل في كلام ابن القيم فكتب الآية (57) من سورة يونس، بدلا من الآية 44 من سورة فصلت، ولا شك أنها أدل على المقصود، ولكن ابن القيم لم يشر إليها.

سورة الكهف

سورة الكهف قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} 4 أي: يعلوه5.

_ 4 سورة الكهف، الآية: 97. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (377) وبهذا فسر علماء غريب القرآن ومعانيه ـ فيما رأيت ـ منهم أبو عبيدة في مجاز القرآن (1/415) ، واليزيدي في غريب القرآن وتفسيره، ص (235) ، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن، ص (271) ، والزجاج في معاني القرآن (3/312) .

سورة مريم

سورة مريم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا} 1 اختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور ما هو؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط2، قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} 3. وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة" قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ الاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} فقال:"ألم تسمعيه" قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} 4. أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود

_ 1 سورة مريم، الآية: 71. 2 انظر الأقوال الأُخر في معاني القرآن الكريم (4/347-350) ، وتفسير القرآن للسمعاني (3/306-308) ، وزاد المسير (5/255-257) وقد اختار ما رجحه المؤلف جماعة من العلماء منهم ابن جرير في جامع البيان (18/234) ، والسمعاني في تفسير القرآن (3/308) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/279) ، والشوكاني في فتح القدير (3/347) ومما يؤيد هذا القول ما أخرجه الترمذي في جامعه برقم (3159) ، والدارمي برقم (2810) والحاكم (2/407) عن السُّدي قال: سألت مرة الهمداني عن قول الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا} فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرد الناس النار ثم يصدرون منها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح.) الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح عل شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. 3 سورة مريم، الآية: 72. 4 أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2496) من حديث جابر. وقد تابع المؤلفُ شيخ الإسلام في الاحتجاج بهذا الحديث على أن الورود هو المرور على الصراط. انظر مجموع الفتاوى (4/279) .

النار لا يستلزم دخولها1، وأن النجاة من الشر لا يستلزم حصوله، بل يستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه، يقال: نجاه الله منهم؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً} 2 {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً} 3 {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً} 4 ولم يكن العذاب أصابهم، ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة، لأصابهم ما أصاب أولئك. وكذلك حال الواردين النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيّاً، فقد بيّن صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور: أن الورود هو المرور على الصراط. وروى الحافظ أبو نصر الوائلي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "علِّم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثاً برأيك". أورده القرطبي5. وروى أبو بكر بن أحمد بن سليمان النجاد، عن يعلى بن منية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقول النار للمؤمن - يوم القيامة -: جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي" 6.

_ 1 بهذا المعنى احتج الزجاج في معاني القرآن (3/341) . 2 سورة هود، الآية: 58. 3 سورة هود، الآية: 66. 4 سورة هود، الآية: 94. 5 هو في التذكرة، ص (390،391) قال القرطبي: ذكر الوائلي أبو نصر في كتاب الإبانة. ثم ساق سند الوائلي. وذكر المحققان لشرح العقيدة الطحاوية ص، (608) أنه قد أخرجه أيضاً البغدادي في تاريخه وأبو نعيم في الحلية، وأن أيّ واحد من الأسانيد التي خرجه بها هؤلاء العلماء (الوائلي، البغدادي، أبو نعيم) لايصح، ولا يثبت. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (606-608) .والحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (22/258، 259) برقم (668) ، وأبو نعيم في الحلية (9/329) من رواية يعلى بن منية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/360) وقال: رواه الطبراني، وفيه سليم بن منصور بن عمار وهو ضعيف. وضعَّفه أيضاً المحققان لشرح العقيدة الطحاوية، ص (608) بالانقطاع وبغيره.

سورة طه

سورة طه قوله: {فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} 1 قد فسره السلف بأن الظلم أن توضع عليه سيئات غيره، والهضم أن ينقص من حسناته2، كما قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3.

_ 1 سورة طه، الآية: 112. 2 هذا التفسير أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (18/379، 380) عن جماعة من السلف منهم ابن عباس، فقد أخرجه عنه من طريق علي بن أبي طلحة. وأخرجه أيضاً عن قتادة والحسن البصري. وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في تفسير القرآن (2/19) عن قتادة بإسناد صحيح. وهذا التفسير أورده الإمامان ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/141) ، وابن القيم في مدارج السالكين (1/260) . 3 سورة الإسراء، الآية: 15. وهذا التفسير ذكره المؤلف في شرح العقيدة الطحاوية، ص (660) .

سورة الأنبياء

سورة الأنبياء قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} 4 النفش إنما يكون بالليل5

_ 4 سورة الأنبياء، الآية: 78. 5 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (703، 704) تحقيق أنور. وانظر غريب القرآن وتفسيره لليزيدي، ص (256) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص (287) ، والعمدة في غريب القرآن، ص (208) ففيها ما ذكر المؤلف.

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 1معنى الآية: أحسن المصوِّرين المقدرين، والخلق يذكر ويُراد به التقدير2، وهو المراد هنا، بدليل قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 3 أي: خالق كل شيء مخلوق، فدخلت أفعال العباد في عموم (كل) 4. قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} 5 (زبراً) أي: كتباً6. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} 7 في المسند والترمذي، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟

_ 1 سورة المؤمنون، الآية: 14. 2 انظر الوسيط (3/286) ، وتفسير القرآن للسمعاني (3/467) ، ومعالم التنزيل (3/304) ، وزاد المسير (5/463) فقد ذكر أصحاب هذه المؤلفات هذا التفسير. 3 سورة الرعد، الآية: 16. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (643) . والذي فهمته من ربط المؤلف لآية الرعد بالآية التي في سورة المؤمنين، وجعله الخلق بمعنى التقدير، أنه يريد الخروج من إلزام المعتزلة لأهل السنة بأن العبد خالق لأفعاله بدليل {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فلو لم يكن العباد يخلقون، لما قال {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} انظر التفسير الكبير (23/75) ففيه ما يفيد ما ذكرت، وفيه الرد على المعتزلة بردين أحدهما ما ذكر المؤلف هنا. 5 سورة المؤمنون، الآية: 53. 6 هذا التفسير في كتاب الاتباع لابن أبي العز، ص (21) ، وتفسير الزُبُر بالكتب أخرجه عبد الرزاق في تفسير القرآن (2/46) عن قتادة بإسناد صحيح. بل نقل الطبري في جامع البيان (19/42) إجماع المفسرين على ذلك. 7 سورة المؤمنون، الآية: 60.

قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه" 1. قال الحسن رضي الله عنه: عملوا والله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً2.

_ 1 أخرجه الترمذي برقم (3175) ، وابن ماجة برقم (4198) ، والإمام أحمد (6/159) ، والحاكم (2/427) وصححه ووافقه الذهبي. وكلهم أخرجه من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقد نص الحافظ في التهذيب (6/186) ، أن عبد الرحمن لم يدرك عائشة. لكن الشيخ الألباني ـ الذي لم تخف عليه هذه العلة ـ قد حسنه. انظر صحيح سنن ابن ماجة (2/409) ، وانظر أيضاً سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/255، 256) ، فقد استوفى فيها البحث عن حال هذا الحديث. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (448، 449) . وهذا الأثر ـ فيما اطلعت عليه ـ مركب من أثرين كلاهما عن الحسن، فالنصف الأول منه، وهو قوله: (عملوا بالطاعات) إلى (وخافوا أن ترد عليهم) أخرجه البغوي في تفسيره (3/311) وقد ذكر في مقدمة تفسيره (1/28) إسناده عن الحسن وأنه من طريق عمرو بن عبيد المعتزلي الداعية إلى بدعته. وأما النصف الثاني فأخرجه ابن جرير في تفسيره (19/45) بإسناد صحيح. وممن ذكر النصف الأول عن الحسن السمعاني في تفسير القرآن (3/480) ، والخازن في لباب التأويل (3/39) ، وممن أورد النصف الثاني الواحدي في الوسيط (3/293) ، وابن كثير في تفسيره (3/249) ، والسيوطي في الدر المنثور (5/11) كلهم عن الحسن.

سورة النور

سورة النور قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 3 قدم الزانية في الذكر؛ لأنها هي المادة التي نشأت منها الجناية، لأنها لو لم تطمع الرجل، ولم تومض له، ولم تمكنه، لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلاً وأولاً في ذلك بدئ بذكرها، وبدئ بذكر الزاني في قول-هـ تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ الاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا الاّ

_ سورة النور، الآية: 2.

زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} 1 لأن هذه الآية مسوقة لذكر النكاح، والرجل أصل فيه؛ لأن-هـ هو الراغب والخاطب، ومنه يبدأ الطلب غالباً2، وأما الآية الأولى فسيقت لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة أصل فيها3. قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} 4 الخبيثات الزواني5.

_ 1 سورة النور، الآية: 3. 2 انظر الكشاف (3/ 49، 50) فقد ذكر هذه النكتة، والظاهر أن المؤلف أخذها منه، فإنه كلام الزمخشري بحروفه إلا يسيراً. وانظر أيضاً التفسير الكبير (23/ 132) . 3 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (114) تحقيق أنور. 4 سورة النور، الآية: 26. 5 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (607) ، تحقيق عبد الحكيم. وانظر المحرر الوجيز (11/ 289) ، والتفسير الكبير (23/ 169) ففيهما هذا المعنى الذي ذكره المؤلف.

سورة الفرقان

سورة الفرقان قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} 6 أي: مقيماً لازماً7.

_ 6 سورة الفرقان، الآية: 65. 7 شرح العقيدة الطحاوية، ص (629) ، وانظر أيضاً ص (165) وهذا التفسير الذي قاله المؤلف بنحوه فسّر أبو عبيدة في مجاز القرآن (2/80) ، والفراء في معاني القرآن (2/272) ، والطبري في جامع البيان (19/296) .

سورة الشعراء

سورة الشعراء قوله تعالى: {آمَنْتُمْ لَهُ} 8أي: أصدقتموه. والضمير يعود إلى موسى قولاً واحداً. وأما {آمَنْتُمْ بِهِ} 9 فالضمير (به) يعود إلى رب العالمين؛ فإن

_ 8 سورة الشعراء، الآية: 49. 9 سورة الأعراف، الآية: 123.

السحرة لما قالوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} 1 قال فرعون: {آمَنْتُمْ بِهِ} 2أي آمنتم برب العالمين. وقيل: إن الضمير في (به) يعود إلى موسى كما في قوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} 3 ولكن ليس معناها واحداً، بل في الإيمان به معنى زائد على الإيمان له4، وهو الطاعة والانقياد والإقرار، وكلا المعنيين يصح هنا؛ لأن موسى - عليه السلام - ادعى الرسالة لنفسه وهو صادق في دعواه فصح أن يقال: أصدقتموه في قوله؟، وأن يقال: أصدقتموه وأطعتموه وأقررتم به؟. بخلاف من يدعى الرسالة لغيره كمن قال: موسى رسول الله، صح أن يقال آمنت لمن قال هذا، ولا يقال: آمنت بمن قال هذا من المؤمنين. ففرق بين المتعدَّى بالباء، والمتعدّى باللام، فالأول يقال للمخبَر به والثاني يقال للمخبِر؛ ولهذا قال: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} 5 وقال تعالي - عن إخوة يوسف -: {ُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} 6 وفي هاتين الآيتين لا يصلح دخول الباء عوضاً عن اللام، فلا يقال: (ويؤمن بالمؤمنين) ولا (بمؤمن بنا) ؛ لأنه لا يصح أن يكون فيه معنى زائد على التصديق من الطاعة والانقياد والإقرار. والأصل أن كل حرف من حروف الجر

_ 1 سورة الشعراء، الآية: 47، 48. 2 سورة الأعراف، الآية: 123. 3 انظر البحر المحيط (4/ 365) ، والدر المصون (5/ 421) ففيهما ما قال المؤلف في مرجع الضميرين. ونص أيضاً على ذلك الكرماني في غرائب التفسير (1/ 418) لكن من غير أن يذكر خلافاً في مرجع الضمير في (به) . 4 أشار المقرئ الكرماني ـ في غرائب التفسير (1/ 481) ـ إلى وجود الاختلاف بين اللام والباء. 5 سورة التوبة، الآية: 61. 6 سورة يوسف، الآية: 17.

يستعمل بمعنى يخصه1. قوله - عن القرآن -: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الاوَّلِينَ} 2 أي: ذكره ووصفه والإخبار عنه3، كما أن محمداً مكتوب عندهم4. إذ القرآن أنزله الله على محمد، لم ينزله على غيره أصلاً؛ ولهذا قال (في الزبر) ، ولم يقل في الصحف، ولا في الرق؛ لأن الزَّبر جمع زبور، والزبر هو الكتابة والجمع5، فقوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الاوَّلِينَ} أي: مزبور الأولين، ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبيّن المعنى المراد، ويبيّن كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس، وهذا مثل قوله: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ} 6، أي: ذكره7، بخلاف قول-هـ. {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} 8 أو {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} 9 أو {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} 10؛ لأن العامل في الظرف إما أن

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (53، 54) تحقيق أنور. وانظر ما قاله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (7/ 290) في الفرق بين المعدّى بالباء والمعدّى باللام، ولا يبعد أن المؤلف اطلع عليه. 2 سورة الشعراء، الآية: 196. 3 نص البغوي وابن الجوزي أنه قول أكثر المفسرين. انظر معالم التنزيل (3/398) ، وزاد المسير (6/144) . 4 لعل المؤلف أراد أن يجمع بين القولين في مرجع الضمير ـ في (وإنه) ـ وهل هو لذكر القرآن كما عليه الأكثر، أو لذكر محمد صلى الله عليه وسلم؟. قال السمعاني في تفسير القرآن (4/66) : وقد قالوا إن كليهما مراد. 5 انظر معاني القرآن وإعرابه (4/100) . 6 سورة الأعراف، الآية: 157. 7 قال الطبري: يجدون نعته، وأمرَه، ونبوته. جامع البيان (13/165) وقول المؤلف قريب من هذا. 8 سورة الطور، الآية: 3. 9 سورة البروج، الآية: 22. 10 سورة الواقعة، الآية: 78.

يكون من الأفعال العامة مثل الكون والاستقرار والحصول ونحو ذلك، أو يقدر: مكتوب في كتاب، أو في رق. والكتاب: تارة يذكر ويراد به محل الكتابة، وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب، ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب، وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه؛ فإن تلك1 إنما يُكتب ذكرها، وكلما تدبر الإنسان هذا المعنى وضح له الفرق2.

_ 1 الإشارة ترجع إلى الأعيان الموجودة في الخارج. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (193، 194) وانظر- أيضاً- التنبيه على مشكلات الهداية، ص (175، 176) تحقيق عبد الحكيم. وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (12/239، 240) فقد بحث هذه الآية بنحو هذا، ولعل المؤلف أخذ هذا منه. وقد ساق ابن تيمية وابن أبي العز تفسير هذه الآية ـ عرضاً ـ أثناء كلامهما على مسألة أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق.

سورة النمل

سورة النمل قول-هـ تعالى - حكاية عن بلقيس -: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} 3 المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك4، وهذا القيد يُفهم من قرائن الكلام؛ إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك، غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها5. والعرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك6 وليس هو فلكاً، 4 انظر جامع البيان (19/446) ، ومعاني القرآن وإعرابه (4/115) ، ومعاني القرآن الكريم (5/125) فقد فسر مؤلفوها بهذا. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (181) . 6 انظر معاني القرآن وإعرابه (4/115) ، وتفسير غريب القرآن للسجستاني، ص (119) ، وتهذيب اللغة (1/413) (عرش) .

ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب1. قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} 2 يقول الله تعالى أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار3، يتضمن نفي ذلك، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله، فاحتج عليهم بذلك، وليس المعنى استفهام هل مع الله إله؟ كما ظنه بعضهم4؛ لأن هذا المعنى لا يُناسب سياق الكلام، والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أُخرى، كما قال تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ} 5، وكانوا يقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 6. ولكنهم ما كانوا يقولون: إن معه إلهاً {جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} 7 بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا، وهكذا سائر الآيات8.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (366) . 2 سورة النمل، الآية: 60. 3 انظر تفسير القرآن للسمعاني (4/108) ، والوسيط (3/382) ، ومعالم التنزيل (3/425) فكل هؤلاء فسروا الاستفهام بأنه إنكاري، وكثير غيرهم على هذا. 4 كأن الألوسي أشار إلى شيء من هذا، أو قريب منه، وصدره بقيل. انظر روح المعاني (20/5) . وكلام بعض المفسرين يفهم منه هذا. انظر النكت والعيون (4/221) ، وفتح القدير (4/142) لكن لا أستطيع الجزم؛ لأن كلامهم قد يُخرَّج على أنهم أرادوا أن الاستفهام إنكاري. 5 سورة الأنعام، الآية: 19. 6 سورة ص، الآية: 5. 7 سورة النمل، الآية: 61. 8 شرح العقيدة الطحاوية، ص (36، 37) . وقد تكلم شيخ الإسلام على هذه الآية ـ أعني التي فسرها ابن أبي العز ـ وبيَّن أن مَنْ جعل الاستفهام غير إنكاري فقد غلط. انظر مجموع الفتاوى (7/76، 77) (11/682، 683) ويظهر أن المؤلف اطلع على هذا، ولكنه تصرف وأضاف أشياء على عادته في النقل عن الإمامين، ابن تيمية، وابن القيم.

سورة القصص

سورة القصص [قوله تعالى:] {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ} 1 النداء هو الكلام من بعد، فسمع موسى عليه السلام النداء من حافة الوادي، ثم قال: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} أي: أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة2، كما تقول: سمعت كلام زيد من البيت، يكون (من البيت) لابتداء الغاية3، لا أن البيت هو المتكلم، ولو كان الكلام مخلوقاً في الشجرة4 لكانت الشجرة هي القائلة: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 5. قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَه} 6 فمن كلامهم أن المراد كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك7،والجنة والنار خلقتا للبقاء

_ 1 سورة القصص، الآية: 30. 2 أخرج هذا التفسير ابن جرير في جامع البيان (19/573) عن قتادة بإسناد صحيح. وجعله الواحدي في الوسيط (3/398) أحد الاحتمالين. 3 ذكره الألوسي وجهاً. انظر روح المعاني (20/73) . 4 كما تقول المعتزلة. انظر متشابه القرآن لعبد الجبار، ص (545) ، ونسب هذا القول إليهم ـ أيضاً السمعاني في تفسير القرآن (4/137) ، وهو في التفسير الكبير (24/209) منسوب إليهم. والعجب كل العجب كيف تورط الماوردي في هذا القول الباطل. انظر النكت والعيون (4/251) . وهذا مما دعا ابن الصلاح إلى اتهام الماوردي بالاعتزال. انظر سير أعلام النبلاء (18/67) . 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (182، 183) . 6 سورة القصص، الآية: 88. 7 نحو هذا في التفسير الكبير (25/20) ، وفي غرائب القرآن للنيسابوري (20/73) ، وروح المعاني (20/131) .

لا للفناء1، وكذلك العرش فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا ملكه2. وقيل: إلا ما أريد به وجهه3. وقيل: إن الله تعالى أنزل {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 4 فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَه} ؛ لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة - عند ذلك - بالموت5. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين

_ 1 لأن المعتزلة احتجت بهذه الآية على أن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن. انظر التفسير الكبير (25/22) . ومن قول المؤلف: (كل شيء) إلى قوله (لا للفناء) نقله ابن القيم في حادي الأرواح، ص (80) ونسبه إلى الإمام أحمد. 2 قاله الإمام البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ (8/505) ، وأورده أبو الليث في بحر العلوم (2/529) . 3 قاله سفيان الثوري في تفسيره، ص (234) ، وحكاه الإمام البخاري في صحيحه (8/505) ، وأبو الليث في تفسير القرآن (2/529) . وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (9/3028) عن مجاهد، لكن بإسناد فيه ضعف، لأنه من طريق خصيف، وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/140) عن ابن عباس ومجاهد وسفيان. 4 سورة الرحمن، الآية: 26. 5 حكاه ابن القيم في حادي الأرواح، ص (79) ونسبه للإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/140) بنحوه عن ابن جريج. وقد رجح شيخ الإسلام قول من قال: إلا ما أريد به وجهه. وذلك بكلام جيد يطول نقله، منه أن قال: (وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية فنقول: تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف، والمفسرين، من أن المعنى: كل شيء هالك إلا ما أُريد به وجهه هو أحسن من ذلك التفسير المحدث) . وقال أيضاً: (فإن ذكره ذلك بعد نهيه عن الإشراك، وأن يدعو معه إلهاً آخر ـ وقوله {لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ} ـ يقتضي أظهر الوجهين، وهو أن كل شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الأعيان والأعمال وغيرهما) . مجموع الفتاوى (2/28، 427) . وخلاصة هذا الكلام المنقول أن تفسير الآية بالوجه المذكور ـ أعني إلا ما أريد به وجه الله ـ يترجح لسببين. الأول: أنه القول المأثور عن السلف. والثاني: أن سياق القرآن يدل عليه.

النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً1.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (620) .

سورة السجدة

سورة السجدة قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} 2 لا تعارض هذه الآية قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} 3.وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} 4؛ لأن ملك الموت يتولى قبضها واستخراجها، ثم يأخذها منه ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب، ويتولّونها بعده، كل ذلك بإذن الله وقضائه وقدره وحكمه، فصحت إضافة التوفي إلى كل بحسبه6,5.

_ 2 سورة السجدة، الآية: 11. 3 سورة الأنعام، الآية: 61. 4 سورة الزمر، الآية:42. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (561،562) وبنحو هذا الجمع جمع القرطبي وأبو حيان بين الآيات. انظر الجامع لأحكام القرآن (7/7) ، والبحر (4/152) وذلك عند الآية (61) من سورة الأنعام. 6 انظر ص (35) فهناك الآية (17) من سورة السجدة، وموضعها هنا.

سورة الأحزاب

سورة الأحزاب قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} 7 هذا مرض

_ 7 سورة الأحزاب، الآية: 32.

الشهوة1. قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} 2 الإسلام والإيمان إذا قرن أحدهما بالآخر كان المراد من أحدهما غير المراد من الآخر قال صلى الله عليه وسلم: "الإسلام علانية والإيمان في القلب" 3. وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه وقد قيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً؟. قال:"أو مسلماً"4 قالها ثلاثاً، فأثبت له اسم الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان، فمن قال: هما سواء كان مخالفاً5.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (258) . وهذا التفسير أخرجه الطبري في جامع البيان (20/258) عن عكرمة بإسناد صحيح. وثبت عن قتادة تفسيره بالنفاق. انظر جامع البيان (20/258) . ورجح ابن عطية تفسير عكرمة بقوله: (وهذا أصوب، وليس للنفاق مدخل في هذه الآية) . المحرر الوجيز (13/71) . 2 سورة الأحزاب، الآية:35 3 أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في المسند (3/134، 135) ، والبزار ـ كما في كشف الأستار ـ (1/19) ، وأبو يعلى في مسنده (5/301، 302) برقم (2923) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/52) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى بتمامه والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين، وضعفه آخرون. وحكم محققو مسند الإمام أحمد بأن إسناده ضعيف؛ لتفرد علي بن مسعدة به. انظر المسند (19/374) برقم (12381) . 4 متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه. أخرجه البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ برقم (1478) ، ومسلم في صحيحه تحت رقم (150) . 5 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (492، 493) . ومضمون كلام الشيخ أن الإسلام والإيمان إذا اقترنا فُسّر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة وإذا افترقا جمع أحدهما هذا وهذا.

سورة سبأ

سورة سبأ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} 1 لم تستعمل (كافة) في كلام العرب إلا حالاً، واختلفوا في إعرابها في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها حال من الكاف في أرسلناك وهي اسم فاعل، والتاء فيها للمبالغة، أي: إلا كافاً للناس عن الباطل، وقيل: هي مصدر (كفَّ) فهي بمعنى كفّاً، أي: إلا أن تكفَّ الناس كفّاً، ووقوع المصدر حالاً كثير. الثاني: أنها حال من الناس، واعتُرض بأن حال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور، وأُجيب بأنه قد جاء عن العرب كثيراً، فوجب قبوله، وهو اختيار ابن مالك رحمه الله، أي: وما أرسلناك إلا للناس كافة. الثالث: أنها صفة لمصدر محذوف، أي: رسالة كافة، واعتُرض بما تقدم أنها لم تستعمل إلا حالاً2.

_ 1 سورة سبأ، الآية:28. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (170-172) وهذه الأوجه التي ذكرها المؤلف أوردها السمين كلها في الدر المصون (9/185-188) ونقل جواب العلماء فيما اعتُرض به على بعضها. وفي نظري أن ثاني هذه الأقوال المذكورة هو أقواها؛ لأن الآية عليه أظهر في الاستدلال على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم، وهي في ذلك كقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} . انظر روح المعاني (22/143) .

سورة فاطر

سورة فاطر قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتَابٍ} 3 قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: {مِنْ عُمُرِه} إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر، فيكون المعنى: ولا يُنقص من

_ 3 سورة فاطر، الآية: 11.

عمر معمر آخر1. قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} 2 وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} 3 والأُجاج هو الذي مع كونه ملحاً مر4.

_ شرح العقيدة الطحاوية، ص (131) . وما ذكره المؤلف فهو أحد القولين في تفسير الآية اللذين نقلهما ابن جرير في جامع البيان (20/447، 448) وقد رجح ابن جرير القول المذكور هنا، وذكر شيخ الإسلام القولين في مجموع الفتاوى (14/490) ثم قال: (والجواب المحقق أن الله يكتب للعبد أجلاً في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب) . قلت: هذا هو القول الثاني في معنى الآية، ويؤيده شيئان. الأول: قوله صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيحين ـ: (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) . الثاني: إن إعادة الضمير على المعمَّر المذكور هو الواضح البين في قواعد العربية، وأمَّا إعادته على غير مذكور فلا تؤيده قواعد العربية. والله أعلم. 2 سورة فاطر، الآية:12. 3 سورة الواقعة، الآيات: 68، 69، 70. 4 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (626) تحقيق أنور. وانظر معاني القرآن للفراء

سورة يس

سورة يس قال تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 5 العرجون القديم الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم6.

_ 5 سورة يس، الآية: 39. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (77) ويصحح هذا التفسير الذي ذكره المؤلف أن طائفة من المفسرين يجعلون القديم ما مضى عليه سنة. فكأنهم يشيرون إلى أنه بمضي السنة يأتي العرجون الجديد فيُقال للأول: قديم. انظر تفسير القرآن لأبي الليث (3/100) ، وتفسير القرآن للسمعاني (4/378) ، والكشاف (3/323) ، والدر المنثور (5/264) .

قال تعالى: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} 1 عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا أبصارهم فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وهو قول الله تعالى: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم، ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، وتبقى بركته ونوره عليهم في ديارهم". رواه ابن ماجة وغيره2. قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} 3 جمع الأيدي ل-مَّا أضافها إلى ضمير الجمع، ليتناسب الجمعان اللفظيان للدلالة على الملك والعظمة، ولم يقل (أيدِيَّ) مضاف إلى ضمير المفرد، ولا (يَدَيْنا) بتثنية اليد مضافة إلى ضمير الجمع، فلم يكن قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} نظير قوله: {َ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 4.

_ 1 سورة يس، الآية: 58. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (177) ، وانظر ص (376، 386) . والحديث أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (184) ، والبزار ـ كما في كشف الأستار ـ برقم (2253) ، وأبو نعيم في الحلية (6/208، 209) وقال الهيثمي ـ في مجمع الزوائد (7/98) ـ: رواه البزار وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو ضعيف. وضعفه أيضاً الشيخ الألباني. انظر ضعيف سنن ابن ماجة، ص (14) . قلت: الحديث مداره عند هؤلاء الثلاثة ـ ابن ماجة والبزار وأبي نعيم ـ على الفضل بن عيسى. بل قد قال البزار ـ كما في كشف الأستار (3/67) ـ: لا نعلمه يُروى عن جابر إلا بهذا الإسناد. 3 سورة يس، الآية:71. 4 سورة ص، الآية: 75. وتفسير المؤلف هذا في شرح العقيدة الطحاوية، ص (265) . وهو يريد الرد على الجهمية الذين يجعلون آية ياسين حجة لهم في تأويل النصوص التي دلت على إثبات اليدَين لله تعالى. وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/45، 46) (6/370) تجد أن شيخ الإسلام قد قال نحو ما ذكر المؤلف هنا، ولا يبعد أن المؤلف أخذه منه.

سورة الصافات

سورة الصافات قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} 1 ومعنى جمع التأنيث في ذلك كله الفِرَق والطوائف والجماعات، التي مفردها فرقة، وطائفة، وجماعة2. قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 3. لا نقول: أن (ما) مصدرية، أي: خلقكم وعملكم؛ إذ سياق الآية يأباه؛ لأن إبراهيم عليه السلام إنما أنكر عليهم عبادة المنحوت، لا النحت، والآية تدل على أن المنحوت مخلوق لله تعالى، وهو ما صار منحوتاً إلا بفعلهم، فيكون ما هو من آثار فعلهم مخلوقاً لله تعالى، ولو لم يكن النحت مخلوقاً لله تعالى، لم يكن المنحوت مخلوقاً له، بل الخشب أو الحجر لا غير4.

_ 1 سورة الصافات، الآية: 1- 3. 2 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (407) . وقد ذكر بعض المفسرين في سبب تأنيثها بعض ما ذكر المؤلف هنا. انظر التسهيل (3/366) ، ونظم الدرر (16/187) ، وروح المعاني (23/64) . 3 سورة الصافات، الآية: 96. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (643، 644) والذي فهمت من كلام المؤلف أنه يستبعد إعراب (ما) مصدرية. وهذا رأي شيخ الإسلام، وكذلك ابن القيم. انظر مجموع الفتاوى (8/79) ، وبدائع الفوائد (1/ 146-153) . والحقيقة أن أشهر إعرابين لـ (ما) هما المصدرية والموصولية، والمعنى واضح على كلا الإعرابين. قال الإمام ابن كثير: (يحتمل أن تكون ما مصدرية فيكون تقدير الكلام خلقكم وعملكم، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي، وتقديره: والله خلقكم والذي تعملونه وكلا القولين متلازم، والأول أظهر؛ لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد. عن ربعي بن حراش رضي الله عنه مرفوعاً، قال: (إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته) . تفسير القرآن العظيم (4/14) . قلت: لعل الذي أثار المعركة فيها إنما هم المعتزلة الذين ينفون أن تكون جميع الأشياء مخلوقة لله تعالى. انظر الكشاف (3/345، 346) فقد أطال في رد إعرابها مصدرية، وانتصف منه صاحب الانتصاف. والذين مالوا إلى إعرابها موصولة ـ من أهل السنة ـ مقصودهم حسن، فكأنهم يرون أن سياق القرآن يؤيد هذا الإعراب، مع أنه لا حجة فيها للمعتزلة في حال إعرابها موصولة، أضف إلى ذلك أن السلف ـ ومنهم ابن تيمية وابن القيم ـ يخشون من المبالغة في نفي الفعل عن العبد فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجبر، وهو نقيض قول أهل القدر، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم. وقد أطال الإمام مكي في الانتصار لإعرابها مصدرية، وذلك في كتابه مشكل إعراب القرآن (2/615، 616) وكذلك فعل أبو القاسم السهيلي. انظر بدائع الفوائد (1/146، 147) .

قوله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 نزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون، ثم سلم على المرسلين؛ لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد2.

_ 1 سورة الصافات، الآية:180-182. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (11) . وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/5) ، وبدائع التفسير (4/31) ، وتفسير القرآن العظيم (4/26) ففيها نحو ما ذكر المؤلف هنا.

سورة ص

سورة ص قال تعالى: {إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 3 الإخلاص خلوص القلب من تأله ما سوى الله تعالى وإرادته ومحبته، فخلص لله، فلم يتمكن منه الشيطان. وأما إذا صادفه فارغاً من ذلك تمكن منه بحسب فراغه، فيكون جعله

_ 3 سورة ص، الآية:83.

مذنباً مسيئاً - في هذه الحال - عقوبة له على عدم هذا الإخلاص، وهي1 محض العدل2.

_ (وهي) أي: العقوبة. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (646) .

سورة الزمر

سورة الزمر قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} 3 يحتمل قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ} وجهين. أحدهما: أن تكون (من) لبيان الجنس. الثاني: أن تكون (من) لابتداء الغاية. وهذان الوجهان يحتملان في قوله: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً ً} 4. قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَاد الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} 5 القول هنا المراد به القول المنزل من عند الله؛ يدل على ذلك ما قبل الآية وما بعدها؛ ولأنه ليس كل قول يجوز استماعه كالكذب والزور والباطل والكفر ونحوه6.

_ 3 سورة الزمر، الآية:6. 4 سورة الشورى، الآية: 11. وإعراب المؤلف للآيتين في شرح العقيدة الطحاوية، ص (197) ، وقد أشار طائفة من المفسرين إلى هذا الإعراب، وإن لم ينصوه نصاً. انظر التفسير الكبير (27/129) ، ومجموع الفتاوى (12/254) ، والبحر المحيط (7/488) ، وروح المعاني (25/17) ، ترى بمجموع النظر فيها ما ذكرتُ. 5 سورة الزمر، الآية: 17، 18. 6 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (211) تحقيق عبد الحكيم. وما ذهب إليه المؤلف في المقصود بالقول هو أحد الأقوال في معنى الآية. انظر تفسير القرآن للسمعاني (4/464) ، ومعالم التنزيل (4/ 75) ، والمحرر الوجيز (14/ 72، 73) تجد الأقوال في هذه المراجع. وانظر زاد المسير (7/ 170) فقد ذكر ابن الجوزي ثلاثة أقوال. من بينها أنه القرآن ونسبه لجمهور العلماء. ونصره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وهو المفهوم من تفسير ابن كثير للآية. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (16 / 5) وما بعدها، وبدائع التفسير (4/ 52 ـ 58) ، وتفسير القرآن العظيم (4/ 49) .

سورة غافر

سورة غافر قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1قد فُسِّر قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} بالدعاء الذي هو العبادة، والدعاء الذي هو الطلب2، وقول-هـ بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} يؤيد المعنى الأول3. قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 4 الباء باء السبب5، أي: بسبب عملكم، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته6.

_ 1 سورة غافر، الآية: 60. 2 ذكر القولين طائفة من المفسرين: منهم أبو الليث في تفسير القرآن (3/172) ، والبغوي في معالم التنزيل (4/103) ، وابن الجوزي في زاد المسير (7/234) ، والرازي في التفسير الكبير (27/70) ، والقرطبي في الجامع (15/326) وقال: إنه قول أكثر المفسرين. وقال شيخ الإسلام ـ في مجموع الفتاوى (15/12) ، بعد أن ذكر القولين ـ: (فالدعاء يتضمن النوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر؛ ولهذا أعقبه {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ) . قلت: وقوله: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} يؤيد قول من قال: الدعاء هو الطلب. إلا أنه قد أُجيب عنه بأنه لما عبّر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة ليتجانس اللفظ. انظر الوسيط (4/20) ، ومعالم التنزيل (4/103) . 3 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (682) . وهذا الذي رجح به المؤلف وقبله شيخ الإسلام قد سبقهما إليه الواحدي. انظر الوسيط (4/20) . 4 سورة السجدة، الآية: 17. وجاءت هنا سهوا، وموضعها ص (27) . 5 انظر فتح القدير (4/491) ، وفتح البيان (8/323) ، والتحرير والتنوير (24/263) . 6 انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص (643) .

سورة فصلت

سورة فصلت قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} 1 فهو - وإن كان هدى وشفاء مطلقاً - لكن لما كان المنتفع بذلك هم المؤمنين، خُصوا بالذكر2. قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 3 أي: القرآن 4، فإن-هـ هو المتقدم في قول-هـ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 5 ثم قال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فشهد - سبحانه - لرسوله بقوله: إن ما جاء به حق، ووعد أن يُري العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضاً، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك كله وأجل، وهو شهادته - سبحانه - على كل شيء، فإن من أسمائه (الشهيد) الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه، بل هو مطلع على كل شيء مشاهد له، عليم بتفاصيله6.

_ 1 سورة فصلت، الآية: 44. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (7) . 3 سورة فصلت، الآية:53. 4 هو أحد الأقوال في هاء الكناية. انظر النكت والعيون (5/189) ، وتفسير القرآن للسمعاني (5/61) ، ومعالم التنزيل (4/118) ، والجامع لأحكام القرآن (15/375) . وعلى هذا القول اقتصر طائفة من المفسرين، منهم الواحدي في الوسيط (4/41) ، وأبو حيان في البحر (7/483) ، وبرهان الدين البقاعي في نظم الدرر (17/226) . وبه فسّر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/231) وخطأ قول من قال: إن هاء الكناية يعود إلى الله. 5 سورة فصلت، الآية: 52. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (51) .

سورة الشورى

سورة الشورى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 في إعراب (كمثله) وجوه. أحدها: أن الكاف صلة زيدت للتأكيد، قال أوس بن حجر2: ليس كمثل الفتى زهير ... خلق يوازيه في الفضائل وقال آخر3: ..... ..... ..... ..... ... ما إن كمثلهم في الناس من بشر وقال آخر4: وقتلى كمثل جذوع النخيل ... ..... ..... ..... ..... فيكون (مثله) خبر ليس، واسمها (شيء) وهذا وجه قوي حسن، تعرف العرب معناه في لغتها، ولا يخفى عنها إذا خوطبت به، وقد جاء عن العرب أيضا زيادة الكاف للتأكيد في قول بعضهم5:

_ 1 سورة الشورى، الآية: 11. 2 لم أقف على البيت في ديوانه المطبوع، وهو في البحر المحيط (7/488) ، والدر المصون (9/545) . 3 لم أقف على قائله، وصدره: سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم. وقد أورده جماعة من المفسرين، منهم الماوردي في النكت (5/195) ، والسمعاني في تفسير القرآن (5/66) ، وابن عطية في المحرر (14/207) ، وأبو حيان في البحر (7/489) ، والسمين في الدر المصون (9/545) وعند هؤلاء جميعاً (من أحد) بدل (من بشر) . 4 هو أوس بن حجر، وعجز البيت: تَغَشَّاهمُ مُسْبِلٌ منهمرْ. وهو في ديوان الشاعر، ص 30 وفي جامع البيان (21/509) ، وفي المحرر الوجيز (14/207) ، والبحر المحيط (7/488) . 5 البيت لخطام المجاشعي، وهو في كتاب سيبويه (1/32) ، والخصائص (2/368) ، وشرح المفصل (8/42) ، ورصف المباني، ص (273) . وصاليات: أثافي القدر؛ لأنها صليت النار، أي وليتها وباشرتها. ككما يؤثفين، أي: كمثل حالها إذا كانت أثافي مستعملة. انظر كتاب سيبويه (1/32) حاشيته.

وصَالياتٍ ككما يُؤَثْفَينْ ... وقول الآخر1: فأصبحت مثل كعصف مأكولْ ... الوجه الثاني: أن الزائد (مثل) أي: ليس كهو شيء. وهذا القول بعيد؛ لأن (مثل) اسم، والقول بزيادة الحرف للتأكيد أولى من القول بزيادة الاسم. الوجه الثالث: أنه ليس ثَمَّ زيادة أصلاً، بل هذا من باب قولهم: مثلك لا يفعل كذا، أي: أنت لا تفعله، وأتى بمثل للمبالغة، وقالوا - في معنى المبالغة هنا - أي: ليس لمثله مثلٌ، لو فُرض المثل، فكيف ولا مثل له. وقيل غير ذلك، والأول أظهر2. قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 3 الاستثناء

_ 1 الرجز مختلف في نسبته، فمنهم من ينسبه لحميد الأرقط، ومنهم من ينسبه لرؤبة بن العجاج، وهو في كتاب سيبويه (1/408) ، والكشاف (3/463) ، والخزانة (7/73) ، والبحر المحيط (7/489) ، والدر المصون (1/155) وفي بعض هذه المراجع (فصيروا) بدل (فأصبحت) . 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (57، 121-124) .وقد ذكر طائفة من العلماء بعض الأوجه التي ذكرها المؤلف هاهنا. انظر تأويل مشكل القرآن، ص (250) ، ومعاني القرآن وإعرابه (4/395) ، وجامع البيان (21/508، 509) ، وإعراب القرآن (4/74) ، والصاحبي، ص (145) ، والكشاف (3/463) ، والبيان في غريب إعراب القرآن (2/345) ، والتبيان في إعراب القرآن (2/1131) ، والبحر المحيط (7/488، 489) . وأتى السمين بكل الأوجه التي ذكر المؤلف هنا، وزيادة. انظر الدر المصون (9/543-546) وأقرب ما يكون توجيه المؤلف واعتراضاته إلى ما في البحر، وما في الدر المصون. فلعله اطلع عليهما. 3 سورة الشورى، الآية: 23.

هنا منقطع، أي: لا أسألكم على تبليغ الرسالة شيئاً ما، لكن أسألكم أن تودوا قرابتي التي هي قرابتكم. وقيل يجوز أن يكون متصلاً، أي: إلا هذا القدر وهو مودتي للقرابة التي بيني وبينكم1. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: مامن بطن من بطون قريش إلاَّ ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه قرابة2.

_ 1 جوَّز الزمخشري ـ في الكشاف (3/ 466) ـ القولين، الانقطاع والاتصال. وانظر البحر المحيط (7/ 494) ، والدر المصون (9/ 550) . 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (190، 191) تحقيق أنور والأثر أخرجه الإمام

سورة الزخرف

سورة الزخرف قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 3 جعل إذا كان بمعنى خلق يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} 4، وقول-هـ تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الارْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} 5. وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق، قال تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} 6، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} 7، وقال تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} 8، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} 9، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ

_ 3 سورة الزخرف، الآية: 3. 4 سورة الأنعام، الآية: 1. 5 سورة الأنبياء، الآية: 30، 31. 6 سورة النحل، الآية: 91. 7 سورة البقرة، الآية: 224. 8 سورة الحجر: الآية: 91 9 سورة الإسراء، الآية: 29.

إِلَهاً آخَرَ} 1، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} 2، ونظائره كثيرة، فكذا قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 3.

_ 1 سورة الإسراء، الآية: 39. 2 سورة الزخرف، الآية: 19. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (182) . والمؤلف يريد أن يرد على المعتزلة الذين يجعلون (جعل) في هذه الآية بمعنى خلق، ليصلوا من وراء ذلك إلى أن القرآن مخلوق، وقد فعلها الزمخشري المعتزلي في كشافه (3/477) ، وخطأه السمين في الدر المصون (9/571) . وانظر إعراب القرآن للنحاس (4/97) ، والوسيط للواحدي (4/63) ، والمحرر لابن عطية (14/240) ، والبحر لأبي حيان (8/6) ، فكل هؤلاء الأئمة يقولون: (جعلناه) بمعنى صيرناه، أو سميناه. وقال الزجاج ـ في معاني القرآن (4/405) ـ: معناه إنا بيناه قرآناً عربياً. وقال ابن جرير ـ في جامع البيان (21/565) ـ: إنا أنزلناه قرآناً عربياً بلسان العرب. وقد بحث شيخ الإسلام هذه المسألة في كثير من كتبه منها مجموع الفتاوى (16/385-387) ، ونقل عن أئمة التفسير المتقدمين تفسير جعل بما قال أهل السنة والجماعة

سورة الجاثية

سورة الجاثية قوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4 إنكار على مَنْ حَسِبَ أنه يفعل هذا، وإخبار أن هذا حكم سيئ قبيح، وهو مما ينزه الربُّ عنه5. قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} 6 أي: عبد ما تهواه نفسه7.

_ 4 سورة الجاثية، الآية:21. 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (661) . ونحو تفسير المؤلف في الوسيط (4/98) ، والجامع لأحكام القرآن (16/165) ، وإرشاد العقل السليم (8/72) . 6 سورة الجاثية، الآية:23. 7 شرح العقيدة الطحاوية، ص (235) . وانظر جامع البيان (22/76) ، والنكت والعيون (5/265) ، والوسيط (4/99) ، وتفسير القرآن للسمعاني (5/141) ، ومعالم التنزيل (4/159، 160) ، ورجح الطبري التفسير الذي ذكره المؤلف على غيره.

سورة الأحقاف

سورة الأحقاف قال تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} 1 أي: متقدم في الزمان2. قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى الاّ مَسَاكِنُهُمْ} 3 مساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح؛ وذلك لأن المراد: تدمر كل شيء يقبل التدميرَ بالريح عادة، وما يستحق التدمير4.

_ 1 سورة الأحقاف، الآية: 11. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (77) . ونحو هذا التفسير في جامع البيان (22/109) ، والمحرر الوجيز (15/16) ، والبحر المحيط (8/59) . 3 سورة الأحقاف، الآية: 25. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (181) . وكون الآية من العام المراد به الخصوص قاله جماعة من المفسرين، منهم ابن عطية في المحرر الوجيز (15/34) ، وابن جزي في التسهيل (4/79) ، والثعالبي في الجواهر الحسان (4/213) .

سورة الفتح

سورة الفتح أجابوا عن الاستثناء الذي في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} 5 بأنه يعود إلى الأمن والخوف، فأما الدخول فلا شك فيه. وقيل: لتدخلن جميعكم أو بعضكم؛ لأنه علم أن بعضهم يموت. وفي كلا الجوابين نظر6، فإنهم وقعوا فيما فروا منه، فأما الأمن والخوف فقد أخبر أنهم يدخلون آمنين - مع علمه بذلك - فلا شك في الدخول، ولا في الأمن، ولا في دخول الجميع أو البعض، فإن الله قد علم من يدخل فلا شك فيه

_ 5 سورة الفتح، الآية:27. 6 انظر روح المعاني (26/121) ففيه أن بعض الأئمة قد اعترض على هذا التوجيه.

أيضاً، فكان قول: إن شاء الله هنا تحقيقاً للدخول، كما يقول الرجل فيما عزم على أن يفعله - لا محالة - والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لا يقولها لشك في إرادته وعزمه، ولكن إنما لا يحنث الحالف في مثل هذه اليمين لأنه لا يجزم بحصول مراده 1. وأُجيب بجواب آخر لا بأس به، وهو: أنه قال ذلك تعليماً لنا كيف نستثني إذا أخبرنا عن مستقبل. وفي كون هذا المعنى مراداً من النص نظر؛ فإنه ما سيق الكلام له إلا أن يكون مراداً من إشارة النص. وأجاب الزمخشري بجوابين آخرين باطلين، وهما: أن يكون المَلَكُ قد قاله، فأُثبت قُرآناً، أو أن الرسول قاله2.

_ 1 أول من أجاب بهذا الجواب السديد ـ فيما رأيت ـ محمود بن حمزة الكرماني في كتابه غرائب التفسير (2/1116) وهو أحد الأقوال في التفسير الكبير (28/91) . وأجاب به شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (7/456، 457) بعد أن فنّد كثيراً من الأقوال ـ غير هذا القول ـ وبيّن بعدها. ولم يذكر غيره ابن كثير في تفسيره (4/202) . ومن كلام شيخ الإسلام في توضيح هذا القول أنه قال: (. المسلم في الأمر الذي هو عازم عليه، ومريد له، وطالب له طلباً لا تردد فيه يقول: إن شاء الله، لتحقيق مطلوبه، وحصول ما أقسم عليه؛ لكونه لا يكون إلا بمشيئة الله، لا تردد في إرادته. والرب تعالى مريد لإنجاز ما وعدهم به إرادة جازمة لا مثنوية فيها، وما شاء فعل، فإنه سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ليس كالعبد الذي يريد ما لا يكون، ويكون ما لا يريد. فقوله سبحانه: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} تحقيق أن ما وعدتكم به يكون ـ لا محالة ـ بمشيئتي وإرادتي، فإن ما شئت كان وما لم أشأ لم يكن، فكان الاستثناء هنا لقصد التحقيق؛ لكونهم لم يحصل لهم مطلوبهم الذي وعدوا به ذلك العام) . مجموع الفتاوى (7/457) . 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (497، 498) وأشار المؤلف إلى أن الاستثناء للتحقيق في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية، ص (264) تحقيق عبد الحكيم. وما نسبه المؤلف للزمخشري هو في كشافه (3/549) . وكما اعترض المؤلف على جوابي الزمخشري، فكذلك غيره قد اعترض عليهما. انظر الفتوحات الإلهية (4/170) . وإن أردت الاطلاع على كل هذه الأقوال التي ذكرها المؤلف ـ وزيادة ـ فانظر تفسير القرآن للسمعاني (5/208) ، وغرائب التفسير (2/1116) ، والمحرر الوجيز (15/119، 120) ، وزاد المسير (7/443) ، والجامع لأحكام القرآن (16/290) ، والتسهيل لعلوم التنزيل (4/100) . وقد تبين لك أن القول الحق حمل الاستثناء على التحقيق، كما قال شيخ الإسلام وغيره من الأئمة.

سورة الحجرات

سورة الحجرات قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} 1 معنى الآية {قُولُوا أَسْلَمْنَا} : انقدنا بظواهرنا، فهم منافقون في الحقيقة، وهذا أحد قولي المفسرين - في هذه الآية الكريمة - وأُجيب بالقول الآخر - ورجح - وهو أنهم ليسوا بمؤمنين كاملي الإيمان2، لا أنهم منافقون، كما نفى الإيمان عن القاتل والزاني والسارق، ومن لا أمانة له. ويؤيد هذا سباق الآية وسياقها، فإن السورة من أولها إلى هنا في النهي عن المعاصي، وأحكام بعض العصاة، ونحو ذلك، وليس فيها ذكر المنافقين. ثم قال - بعد ذلك -: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} ولو كانوا منافقين ما نفعتهم الطاعة، ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} 3 الآية، يعني - والله أعلم - أن المؤمنين الكاملي الإيمان هم هؤلاء، لا أنتم، بل أنتم منفي عنكم الإيمان الكامل. يؤيد هذا أنه أمرهم، أو أذن لهم أن يقولوا: أسلمنا، والمنافق لا يقال له ذلك، ولو كانوا منافقين، لنفى عنهم الإسلام، كما نفى عنهم الإيمان، ونهاهم

_ 1 سورة الحجرات، الآية: 14. 2 ذكر القولين طائفة من المفسرين، منهم ابن جرير في جامع البيان (22/314-316) ، وأبو جعفر النحاس في إعراب القرآن (4/216) ، والماوردي في النكت (5/337) ، وابن كثير في تفسيره (4/220) . 3 سورة الحجرات، الآية: 15.

أن يمنوا بإسلامهم، فأثبت لهم إسلاماً، ونهاهم أن يمنوا به على رسوله، ولو لم يكن إسلاماً صحيحاً لقال: لم تسلموا، بل أنتم كاذبون، كما كذبهم في قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه} 1. والله أعلم بالصواب2.

_ 1 سورة المنافقون، الآية: 1. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (490، 491) ، وانظر أيضاً ص (507) . والقول الذي ذهب إلى ترجيحه المؤلف، قد رجحه أيضاً ابن جرير في جامع البيان (22/316) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من بعض مؤلفاته منها كتاب الإيمان، ص (225) ، ومجموع الفتاوى (7/238-247) ، وابن القيم في بدائع الفوائد (4/17) ، وابن كثير في تفسيره (4/220) . ويبدو أن المؤلف قد استفاد ـ في أوجه الترجيح التي ذكرها ـ من الإمامين ابن تيمية وابن القيم. ولاشك أن القول الآخر قد قال به: أئمة، استوفيت ذكرهم في تحقيقي للجزء الأخير من كتاب (نكت القرآن الدالة على البيان) للإمام القصاب، ص (218) ، وذكرت من رجحه أيضاً.

سورة ق

سورة ق قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} 3 قال الطبري: قال علي ابن أبي طالب، وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: (هو النظر إلى وجه الله عز وجل) 4.

_ 3 سورة ق، الآية:35. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (210) . والأثر أخرجه الإمام ابن جرير في جامع البيان (22/367-369) مطولاً عن أنس رضي الله عنه وفيه: (وعزتي لا تجلين لهم حتى ينظرون إليَّ، قال: فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد) . قال ابن كثير: (وذكر ـ يعني ابن جرير ـ هاهنا أثراً مطولاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه موقوفاً، وفيه غرائب كثيرة) . تفسير القرآن العظيم (4/229) . قلت: له متابع لكن بسند ضعيف، أخرجه البزار ـ كما في كشف الأستار ـ عن أنس في قوله تبارك وتعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قال: يتجلى لهم كل جمعة. قال البزار: عثمان صالح، ولا نعلم رواه بهذا اللفظ عن أنس إلا عثمان بن عمير أبو اليقظان. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/112) وقال: رواه البزار وفيه عثمان بن عمير وهو ضعيف. وأما أثر علي رضي الله عنه فلم أقف عليه في جامع البيان، عند هذه الآية، في النسخ المطبوعة التي بين يديّ.

سورة الطور

سورة الطور قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} 1 يقول - سبحانه -: أَحَدثوا من غير محدِث، أم هم أحدثوا أنفسهم؟. ومعلوم أن الشيء المحدَث لا يوجد نفسه، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجوداً بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدوماً 2. قال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3 وهذا يحتمل أن يُراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابهم في البرزخ، وهو أظهر4؛ لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا5، أو المراد أعم من ذلك6.

_ 1 سورة الطور، الآية: 35. 2 شرح العقيدة الطحاوية، ص (76) . وللإمام ابن القيم كلام بديع في تقرير الحجة من هذه الآية وما بعدها فانظره إن شئت في الصواعق المرسلة (2/493،494) . 3 سورة الطور، الآية: 45-47. 4 قال السمعاني ـ في تفسير القرآن (5/280، 281) ـ: الأكثرون على أنه عذاب القبر. 5 من أوّل إيراد الآيات إلى هنا هو في كتاب الروح لابن القيم، ص (75) من غير زيادة ولا نقصان. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (572، 573) . والمؤلف أشار بقوله: (أو المراد أعم من ذلك) إلى أقوال أُخر لم تذكر هنا. انظر ما ذكر وما لم يذكر ـ هنا ـ في جامع البيان (22/486، 487) ، وإعراب القرآن للنحاس (4/263) ، وتفسير القرآن لأبي الليث (3/287) ، وزاد المسير (8/60) . وقد ذهب الإمام ابن جرير ـ في جامع البيان (22/488) ـ إلى القول بالعموم. وقال ابن القيم ـ في كتاب الروح، ص (75) ـ: (وقد يقال ـ وهو أظهر ـ أن من مات منهم عذب في البرزخ، ومن بقي منهم عذب في الدنيا بالقتل وغيره، فهو وعيد بعذابهم في الدنيا وفي البرزخ) .

سورة النجم

سورة النجم قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} 1 صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل، رآه مرتين على صورته التي خلق عليها2. وأما قوله تعالى - في سورة النجم -: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 3 فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كم-اقالت عائشة وابن مسعود - رضي الله عنهما -4 فإنه قال:

_ 1 سورة النجم، الآية:13. 2 أشار المؤلف إلى ما في صحيح مسلم برقم (177) من أن مسروقاً راجع أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ في هذه الآية: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فقالت: أنا أوّل هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين.) . 3 سورة النجم، الآية: 8. 4 أما قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ فأخرجه مسلم تحت رقم (177) عن مسروق قال: قلت لعائشة فأين قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قالت: إنما ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم.) . وأما قول ابن مسعود فيؤخذ مما رواه الإمام البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ برقم (4856) قال حدثنا أبو النعمان، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الشيباني، قال: سمعت زِرّاً، عن عبد الله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قال حدثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ستمئة جناح. وأخرجه أيضاً مسلم برقم (174) . وانظر تفسير ابن كثير (4/250) ، والدر المنثور (6/123) .

{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 1 فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى2، وأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء3 فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه4. وأما الذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أُخرى عند سدرة المنتهى فهذا هو جبريل، رآه مرتين، مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى5.

_ 1 سورة النجم، الآيات: 5-8. 2 هذا أحد قولي العلماء، وهو القول الصحيح، وعليه جمهور العلماء، كما قال ابن عطية في المحرر (15/259) . ونسبه السمعاني في تفسير القرآن (5/258) إلى أكثر المفسرين، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/234، 235) ، ورجحه الإمام ابن القيم في زاد المعاد (2/48) وقال: إن السياق يدل عليه. ووصفه ابن جزي في التسهيل (4/136) بالصحيح، وهو قول ابن كثير في تفسيره (4/248، 250) . 3 حديث الإسراء في صحيح البخاري برقم (7517) وأشار إليه مسلم في صحيحه تحت رقم (162) . 4 يريد المؤلف أن يفرق بين الدنو والتدلي الَّذِي في الآيات، وبين الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء، فلا يصلح أن تُفسَّر آيات سورة النجم بما في حديث الإسراء، وهكذا قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (2/48) . وقال ابن كثير في تفسيره (3/4) : (وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي في حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل ـ يعني قوله: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ـ قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق فإن أبا ذر قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) وفي رواية (رأيت نوراً) . أخرجه مسلم. وقوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إنما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة، ولا يُعرف لهم مخالف في تفسير هذه الآية بهذا) . 5 شرح العقيدة الطحاوية، ص (275) .

سورة الرحمن

سورة الرحمن قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 1 والمراد أحدهما2. قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} 3 قال البغوي: قال مقاتل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً. قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق، ويعز قوماً ويذل آخرين، ويشفي مريضاً، ويفك عانياً، ويفرِّج مكروباً، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويغفر ذنباً، إلى ما لا يحصى من أفعاله، وإحداثه في خلقه ما يشاء4.

_ 1 سورة الرحمن، الآية: 22. 2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (346) تحقيق أنور. قال الكرماني ـ في غرائب التفسير (2/1170) ـ: (أجراه بعضهم على الظاهر فقال: يخرج اللؤلؤ والمرجان من البحرين والجمهور على أن ذلك يخرج من الأجاج دون الفرات.) قلت: للأئمة الطبري وابن عطية والرازي توجيه حسن في الآية، فأما الطبري والرازي فيحملان الآية على الظاهر، وأما ابن عطية فيوجهها بما يتفق مع قول الجمهور) . انظر جامع البيان (23/ 35، 36) ، والمحرر الوجيز (15/ 331، 332) ، والتفسير الكبير (29/ 90) . 3 سورة الرحمن، الآية: 29. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (352) . ومن قوله: قال مقاتل إلى آخر ما ذكر في تفسير هذه الآية في معالم التنزيل (4/270) . وظاهر الكلام يوحي أن قوله: قال المفسرون. الخ هو من كلام المؤلف، وليس كذلك، وإنما الكل للبغوي.

سورة الحديد

سورة الحديد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم - في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} 5. –"أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" 6.

_ 5 سورة الحديد، الآية: 3. 6 أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2713) من رواية أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضمن حديث أتى المؤلف ببعضه هاهنا. والإمام مسلم لم يورد هذه الآية، كما قد يوهم ظاهر كلام المؤلف.

والمراد بالظهور هنا: العلو، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} 1 أي: يعلوه2. فهذه الأسماء الأربعة متقابلة: اسمان منها لأزلية الرب سبحانه وتعالى وأبديته، واسمان لعلوه وقربه3. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} 4 وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} 5 وقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} 6 وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} 7 والمراد بالبينة ما يُبيّن الحق من شهود، أو دلالة8.

_ 1 سورة الكهف، الآية: 97. 2 هذه الآية مع معناها قد تقدم نقلهما في سورة الكهف. وما ذكره المؤلف في معنى الآية والحديث هو في مجموع فتاوى شيخ الإسلام (6/208) ويبدو أن المؤلف اطلع عليه. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (376، 377) . 4 سورة الحديد، الآية: 25. 5 سورة النحل، الآية: 43،44. 6 سورة البينة، الآية: 4. 7 سورة الأنعام، الآية: 57. 8 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (713) تحقيق أنور. وانظر المفردات، ص (68، 69) ، وعمدة الحفاظ (1/ 287، 288) .

سورة المجادلة

سورة المجادلة عن عمر رضي الله عنه أنه مرَّ بعجوز فاستوقفته، فوقف معها يحدثها، فقال رجل يا أمير المؤمنين حبست الناس بسبب هذه العجوز؟. فقال: ويلك أتدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة التي أنزل الله فيها {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} 1. أخرجه الدارمي2.

_ 1سورة المجادلة، الآية: 1. 2شرح العقيدة الطحاوية، ص (379) . والأثر أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية، ص (53، 54) من طريق أبي يزيد المدني عن عمر رضي الله عنه، وأخرجه أيضاً ابن أبي حاتم في تفسيره (10/3342) قال الإمام ابن كثير ـ بعد أن أورد هذا الأثر في تفسيره (4/319) ـ: هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب، وقد رُوي من غير هذا الوجه. قلت: أصل القصة ثابت من غير هذا الوجه. انظر التفسير الصحيح (4/453، 454) ، والصحيح المسند من أسباب النزول، ص (152) .

سورة الحشر

سورة الحشر قال - في الفيء -: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} 3 الآيات. وقال - في الخمس -: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} 4 الآية. واللام في قوله: {لِلَّهِ وَلِلرَّسُول} في الخمس والفيئ كاللام في قول-هـ: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} 5 فالإضافة إلى الرسول؛ لأنه هو الذي

_ 3 سورة الحشر، الآية: 7. 4 سورة الأنفال، الآية: 41. 5 سورة الأنفال، الآية: 1.

يقسم هذه الأموال بأمر الله، ليست ملكاً لأحد1. وذكر البخاري في صحيحه أن معنى قوله تعالى: {وَلِلرَّسُول} يعني الرسول له ذلك انتهى2. وتحقيق ذلك أن اللام في آية الخمس وآية الفيء، مذكورة في ثلاثة مواضع. في قوله {لِلَّهِ} وفي قوله: {وَلِلرَّسُول} وفي قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} . وفي آية الصدقات لم تذكر إلاّ في أولها فقط3، ولم تذكر مع بقية أنواع المصارف - في الآيات الثلاث - وليس ذلك لغير معنى، بل لمعان متغايرة وهي: أنها في قوله: {لِلَّهِ} بمعنى أن أمرها إليه، لم يجعله إليكم، بل أخرجها عن حكمكم وجعل لها مصارف عينها لهم4. وفي قوله: {وَلِلرَّسُول} بمعنى أنه هو المنفذ لأمر مرسله، وهو الذي يتولى أمر قسمها بإذنه، وله فيها نصيب لاحتياجه إلى ما يحتاج إليه البشر ولما كانت منزلته أعلى من منزلة بقية المصارف أُعيدت اللام مع بقية المصارف5 تنبيهاً

_ 1 ما ذكره المؤلف هو أحد الأقوال. انظر أحكام القرآن للجصاص (4/ 224، 244) (5/ 319) ، وأحكام القرآن للكيا الهراسي (3/ 152، 158) (4/ 406) ، وأحكام القرآن لابن العربي (2/ 839، 855، 856) ، (4/ 1172، 1773) . 2 صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (6/ 217) كتاب فرض الخمس. وفيه النص هكذا (يعني للرسول قسم ذلك) . قال ابن حجر ـ في الفتح (6/ 217، 218) معلقاً على تفسير البخاري ـ: (هذا اختيار منه لأحد الأقوال في تفسير هذه الآية، والأكثر على أن اللام في قوله: {وَلِلرَّسُول} للملك، وأن للرسول خمس الخمس من الغنيمة، سواء حضر القتال أو لم يحضر، وهل كان يملكه أو لا؟ وجهان للشافعية، ومال البخاري إلى الثاني واستدل له) . 3 في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ.} سورة التوبة، الآية: 60. 4 هذا المعنى مختلف فيه في بعض الآيات. انظر المحرر الوجيز (8/ 6، 70) (15/ 466) ، والجامع لأحكام القرآن (7/ 361) (8/10) (12/ 11-14) . 5 يعني مع بعض المصارف، كما هي في الآية (41) من سورة الأنفال، وفي الآيتين (7) و (8) من سورة الحشر.

على أنهم مصارف محضة، فمنزلته?صلى الله عليه وسلم منزلة بين المنزلتين، ولهذا - والله أعلم - لم يكرر مع بقية المصارف، ولم يكرر في آية الصدقات؛ لأن زيادتها معهم ليس لها فائدة؛ إذ كلهم يجمعهم معنى واحد، وهو كونهم مصارف. واللام في قوله: {للفقراء المهاجرين} 1 الآيات، بدل2 من اللام في قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} 3 الآية4.

_ 1 سورة الحشر، الآية: 8. 2 انظر الكشاف (4/ 83) ، والدر المصون (10/ 283، 284) فقد ذكرا البدلية، وهي قول من ثلاثة أقوال. انظر الدر المصون الموضع المتقدم. 3 سورة الحشر، الآية 7. 4 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (184، 185) تحقيق أنور. والمؤلف ذكر هذا التفسير أثناء كلامه على اختلاف العلماء في قسمة خمس الغنيمة المذكور في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل} . وقد ذهب المؤلف إلى قول من قال: إن الخمس والفيء واحد يُجعلان في بيت المال، ويُعطى أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلممنهما على ما يراه الإمام، ويجتهد في ذلك، وهو قول الإمام مالك والثوري، ورواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر مجموع الفتاوى (11/ 181) ، (10/ 280 ـ 283) ، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (4/ 166، 167) ، وتفسير ابن كثير (2/ 313) . وانظر المسألة من أولها في مشكلات الهداية ص (182-184) تحقيق أنور.

سورة الطلاق

سورة الطلاق قوله تعالى: {ْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} 5 المراد بالإخراج والخروج - في الآية - النقلة من المنزل المضاف إليها بالسكنى حال وجوب العدة6، لا مطلق الخروج للحاجة، أي: لا تخرجوهن من بيوتهن مكرهات،

_ 5 سورة الطلاق، الآية: 1. 6 انظر أحكام القرآن للجصاص (5/ 348) ، وأحكام القرآن للكيا الهراسي (4/419،420) ، وأحكام القرآن لابن العربي (4/ 1829) .

إخراج نقلة، ولا يخرجن عنها باختيارهن1. قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 2 أي: فهو كافيه3، لايحوجه إلى غيره 4.

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (761) تحقيق عبد الحكيم. 2 سورة الطلاق، الآية: 3. 3 انظر إعراب القرآن للنحاس (4/451) ، والوسيط للواحدي (4/314) ، ففيهما ـ وفي غيرهما ـ هذا المعنى. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (351) .

سورة القلم

سورة القلم قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} 5 وقوله تعالى {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 6 إنكار منه على من جوَّز أن يسوي الله بين هذا وهذا7.

_ 5 سورة القلم، الآية: 35. 6 سورة ص، الآية: 28. 7 شرح العقيدة الطحاوية، ص (661) وانظر ـ مسألة أن الاستفهام في الآيتين سيق مساق الإنكار ـ تفسير القرآن للسمعاني (6/27) ، وأنوار التنزيل (2/309، 496) ، ومدارك التنزيل (4/40، 282) ، والتسهيل (3/400) ، (4/261) وتجد قول السمعاني عند آية القلم.

سورة نوح

سورة نوح قال تعالى - حكاية عن قوم نوح -: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 8 ثبت في صحيح البخاري، وكتب التفسير، وقصص الأنبياء وغيرها، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره من السلف،

_ 8 سورة نوح، الآية: 23.

أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم وأن هذه الأصنام بعينها صارت إلى قبائل العرب، ذكرها ابن عباس - رضي الله عنهما - قبيلة قبيلة1.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (29) . وقد أخرج الإمام البخاري ما أشار إليه المؤلف هنا عن ابن عباس، في حديث ساقه بإسناده برقم (4920) في كتابه الصحيح. وذكر ابن حجر في الفتح (8/667) شيئاً من النقد للسند الذي ساق به الرواية الإمام البخاري؛ إلا أنه في آخر كلامه دافع عن الإمام البخاري وبيّن أن الصواب معه فيما فعل. وانظر أيضاً حول ما أشار إليه المؤلف تفسير القرآن لعبد الرزاق (2/320) ، والسيرة النبوية لابن هشام (1/96-98) ، وجامع البيان (23/639، 640) ، ومعاني القرآن وإعرابه (5/230، 231) .

سورة الجن

سورة الجن قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 2 قالوا: كان الإنسي إذا نزل بالوادي يقول: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح. {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} يعني الإنسَ للجن، باستعاذتهم بهم، رهقاً أي: إثماً وطغياناً وجراءة وشراً؛ وذلك أنهم قالوا: قد سُدْنا الجن، والإنس. فالجن تعاظم في أنفسها وتزداد كفراً إذا عاملتها الإنس بهذه المعاملة3. 2 سورة الجن، الآية: 6. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (765، 766) . وتفسير المؤلف هذا بناه على أن ضمير الفاعل في {زادوهم} يرجع إلى الإنس. وقد قيل: إنه يرجع إلى الجن، أي: فزاد الجنُّ الإنسَ خوفاً وكفراً إلى كفرهم. والزجاج في معاني القرآن (5/234) جوّز الوجهين. ونقل ابن جرير ـ في جامع البيان (23/655، 656) ـ الوجهين، ثم رجح القول الذي ذهب إليه المؤلف. وعلى هذا القول اقتصر أبو الليث في بحر العلوم (3/411) ، والواحدي في الوسيط (4/364، 365) ، والبغوي في معالم التنزيل (4/402) .

سورة المزمل

سورة المزمل اختلف المفسرون في قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} 1على قولين. أحدهما: أن المراد القراءة في الصلاة. والثاني: أن المراد القراءة نفسها2. وهذا القول أظهر بدليل عطف الصلاة عليها - في آخر الآية - بقوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3.

_ 1 سورة المزمل، الآية: 20. 2 ذكر القولين الماوردي في النكت والعيون (6/ 133) . 3 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (180) تحقيق عبد الحكيم. وما رجحه المؤلف قوي جداً، وهو ظاهر القرآن.

سورة المدثر

سورة المدثر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 4 من أوّل ما نزل من القرآن بمكة حين أُمر بالإنذار، لما آتاه الملك بالرسالة، وهو في غار حراء، فرجع إلى أهله وهو يقول دثروني، فنزل5 {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 6 قال أهل التفسير: قم فأنذر كفار مكة {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي: فعظمه عما تقوله عبدة الأوثان7 {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهر من الذنب، فكنى عن النفس بالثوب. وهو قول

_ 4 سورة المدثر، الآيات: 1-3. 5 أخرج سبب نزول الآيات الإمام البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ برقم (4925) ، والإمام مسلم في صحيحه برقم (161) . 6 سورة المدثر، الآيات: 1-5. 7 ما ذكره في معنى الآيتين قاله البغوي في معالم التنزيل (4/ 413) ونحوه في جامع البيان (24/ 9) ، وتفسير القرآن للسمعاني (6/ 89) .

إبراهيم والضحاك والشعبي والزهري. وقال عكرمة: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فقال: لا تلبسها على معصية، ولا غدر1. وذكر الواحدي أنه قول أكثر أهل التفسير2. وقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُر} قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد: المراد بالرجز الأوثان3. قال فاهجرها ولا تقربها4. وقال الضحاك: يعني الشرك5. ويؤيد ذلك أن هذه السورة نزلت قبل نزول الشرائع، من وضوء

_ 1 من أوّل قول قتادة إلى هنا ـ بحروفه ـ في معالم التنزيل (4/ 413) والمؤلف نقل عنه فيما يظهر لي. وقول قتادة ثابت عنه بنحوه فيما أخرج الطبري في جامع البيان (24/ 11) وذكره أيضاً بنحوه عبد الرزاق في تفسير القرآن (2/ 327) فقال: قال معمر: وقال: قتادة. طهر ثيابك أي من الذنب. وانظر التفسير الصحيح (4/ 559) . 2 لم أقف عليه في كتابيه الوسيط والوجيز، فلعله في كتابه البسيط، ولم أجد الجزء الأخير منه. وقول ابن عباس وقتادة ـ ومن معه ـ معناهما واحد. وقد ثبت في جامع البيان (24/12) عن بعض الأئمة حمل الآية على ظاهرها وهو غسل الثياب بالماء وتطهيرها من النجاسة. ولا مانع أن يكون المراد جميع ذلك، كما قال ابن العربي في أحكام القرآن (4/1887) والمؤلف أراد من إيراد هذا التفسير دفع استدلال صاحب الهداية بالآية على وجوب الطهارة في الصلاة، والمؤلف تحامل على صاحب الهداية في مواضع هذا منها. 3 أخرجه الإمام الطبري في جامع البيان (24/ 13) عن هؤلاء والأسانيد عن قتادة وابن زيد رجالها ثقات، وهو عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. وهو ثابت عن الزهري فقد أخرجه عنه عبد الرزاق في تفسير القرآن (2/328) فقال: قال معمر: وقال الزهري: الأوثان. وبنحو هذا التفسير أخرجه الطبري في جامع البيان (24/13) عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة. 4 من قوله: قال مجاهد، إلى قوله: ولا تقربها ـ بحروفه ـ في معالم التنزيل (4/413) . 5 ذكره البغوي في معالم التنزيل (4/413) ولم أقف على إسناده إلا عنده، ولم أستطع الحكم عليه لعدم الوقوف على ترجمة بعض رجال الإسناد.

وصلاة وغير ذلك1.

سورة القيامة

سورة القيامة قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 2 إضافة النظر إلى الوجه الذي هو محلُّه - في هذه الآية - وتعديته بأداة (إلى) الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته وموضوعه، صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله. فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعدِّيه بنفسه، فإن عُدِّي بنفسه، فمعناه التوقف والانتظار، كقوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} 3. وإن عدي ب- (في) فمعناه التفكر والاعتبار، كقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 4 وإن عُدِّي ب- (إلى) فمعناه المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} 5 فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو

_ 1 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (111، 112، 165) تحقيق عبد الحكيم والمؤلف يريد من قوله ويؤيد ذلك. الخ دفع استدلال صاحب الهداية بقوله: (وثيابك فطهر) على وجوب تطهير الثياب من النجاسات للصلاة. وليس ما قاله بمانع من الاستدلال بالآية، وقد ذكر الحافظ في الفتح (8/679) ما يؤيد احتجاج صاحب الهداية بالآية. وانظر أحكام القرآن للجصاص (5/369) ، وللكيا الهراسي (4/427) ، ولابن العربي (4/ 1887، 1888) فكلهم احتج بالآية على ما ذهب إليه صاحب الهداية. 2 سورة القيامة، الآية: 22، 23. 3 سورة الحديد، الآية: 13. 4 سورة الأعراف، الآية: 185. 5 سورة الأنعام، الآية: 99. وقد تكلم علماء العربية وأئمة التفسير في الفرق بين التعدية بـ (إلى) ، وبغيرها، وأبانوا أن التعدية بـ (إلى) لا تكون إلا بالعين الحاسة، كما ذكر المؤلف هنا. انظر إعراب القرآن للنحاس (5/84) ، وتهذيب اللغة (14/371) (نظر) وبحر العلوم (3/427) ، وتفسير القرآن للسمعاني (6/108) ، والجامع لأحكام القرآن (19/109) .

محل البصر!. وروى ابن مردويه بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} - قال: (من البهاء والحسن) {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: (في وجه الله عز وجل) 1. عن الحسن، قال: نظرت إلى ربها فَنُظِّرَتْ بنوره2. وقال أبو صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: تنظر إلى وجه ربها عز وجل3.

_ 1 أورده السيوطي ـ في الدر المنثور (6/260) ـ بنحوه، ونسب إخراجه إلى ابن مردويه وغيره. وأخرجه ابن جرير ـ في جامع البيان (24/73) ـ بنحوه عن ابن عمر، وكذلك أخرجه عبد بن حميد في المنتخب من مسنده، ص (260) برقم (819) ، والآجري في الشريعة، ص (269) كلهم من طريق ثوير بن أبي فاخته. وسنده ضعيف؛ لضعف ثوير هذا. قال الحافظ: ثوير بن أبي فاخته. ضعيف رُمي بالرفض. التقريب برقم (862) . 2 أخرجه الآجري في الشريعة، ص (256) ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/464) وبنحوه أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/261) وقال محققه: رجاله ثقات. وأخرجه ابن جرير في جامع البيان (24/72) بنحوه أيضاً. وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/260) ونسب إخراجه إلى بعض هؤلاء وإلى غيرهم. 3 أورده السيوطي في الدر المنثور (6/260) ونسب إخراجه إلى ابن مردويه. ولم أقف له على سند. وأورد اللالكائي ـ في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/463) ـ نسبة القول إلى ابن عباس فقال: (فرُوي عن ابن عباس أنه النظر إلى وجه الله عز وجل) . قلت: كأنه يشير إلى ما رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة (1/262، 263) ، والآجري في الشريعة، ص (256) كلاهما من طريق عطية العوفي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} يعني حسنها {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: نظرت إلى الخالق عز وجل. وأبو صالح ـ الراوي عن ابن عباس ـ اسمه باذام، ويقال: باذان، مولى أم هانئ، ضعيف يرسل. انظر التقريب برقم (634) وعطية العوفي ضعيف.

وقال عكرمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال: من النعيم {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: تنظر إلى ربها نظراً1. ثم حكى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مثله2. وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث3. ‍‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍

_ 1 أثر عكرمة أخرجه الإمام الطبري ـ في جامع البيان (24/72) ـ وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة (1/261) عن عكرمة {نَاظِرَةٌ} قال: تنظر إليه نظراً. وقال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه الآجري في الشريعة، ص (256) . ووصف الحافظ ـ في الفتح (13/424، 425) ـ سند ابن جرير بالصحة. 2 لعله يعني الذي أخرجه الآجري في الشريعة، ص (257) عن عكرمة قال: قيل لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: كل من دخل الجنة يرى الله عز وجل؟. قال: نعم. قلت: سنده ضعيف لضعف إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني. انظر التقريب رقم (166) . 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (208 -210) . ومن أول ما ذكر المؤلف ـ في تفسير هذه الآية ـ إلى هنا في كتاب حادي الأرواح، ص (336، 337) ومسألة الرؤية مجمع عليها بين أهل السنة لهذه الآية ولغيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة الثابتة، ولم يخالف فيها إلا الجهمية والمعتزلة، ومن اتبع سبيلهما من المبتدعة. وإن شئت مزيد بيان حول هذه المسألة فانظر صحيح البخاري (13/419) ، وكتاب التوحيد وإثبات صفات الرب، ص (172) وما بعدها، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد (1/229) وما بعدها، وجامع البيان (24/71-73) ، ومعاني القرآن وإعرابه (5/253) ، وإعراب القرآن (5/84-92) ، ونكت القرآن الدالة على البيان، ص (448) ، والشريعة للآجري، ص (251) وما بعدها، وتفسير القرآن لأبي الليث (3/427) ، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/454) وما بعدها، والوسيط (4/393) ، وتفسير القرآن للسمعاني (6/106) وما بعدها، ومعالم التنزيل (4/424) ، وتفسير القرآن العظيم (4/451) .

سورة الدهر

سورة الدهر قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} 4 والمراد

_ 4 سورة الدهر، الآية: 3.

الهداية العامة1، وأعم منها الهداية المذكورة في قوله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} 2. قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 3 لو قيل: (يشرب منها) لم يدل على الري، فضمن يشرب معنى (يروى) 4 فعُدي بالباء، فقيل: (يشرب بها) فأفاد ذلك أنه شرب يحصل معه الري. وباب تضمين الفعل معنى فعل آخر حتى يتعدى تعديته كثير، كما ضمّن قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} 5 معنى (الضم) 6 المع-دّى بإلى، فعدّي بها، وقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} 7 معنى (خلصناه) 8، وقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ

_ 1 لعله يريد أن يقول: إن هذه الهداية مثل الهداية التي في قوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وبهذا نظَّرها السمعاني في تفسير القرآن (6/113) وفي الوسيط للواحدي (4/398، 399) : بينا له سبيل الهدى {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} إما موحداً طائعاً لله، وإما مشركاً بالله في عمله، والمعنى: أنه بيّن له سبيل التوحيد بنصب الأدلة وبعث الرسل، شكر الإنسان فآمن، أو جحد فكفر. 2 سورة طه، الآية: 50. وتفسير المؤلف في شرح العقيدة الطحاوية، ص (630) . 3 سورة الدهر، الآية: 6. 4 انظر غرائب التفسير (2/1287) ، والبحر المحيط (8/387) ، والدر المصون (10/600) ففيها ما قال المؤلف. وهو أحد الأوجه ورجحه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (20/474) ، وابن القيم. انظر بدائع التفسير (5/157) وقد استوفيت بحث هذه المسألة في (استدراكات الفقيه ابن جُزي على القاضي ابن عطية في تفسير القرآن الكريم) . 5 سورة ص، الآية: 24. 6 انظر غرائب التفسير (2/997) ، والكشاف (3/370) ، والبحر (7/377) ، والدر المصون (9/370) ، ففيها ما ذكر المؤلف، وعبّر بعضهم بالإضافة بدل الضم، وهما بمعنى واحد. 7 سورة الأنبياء، الآية: 77. 8 انظر النكت والعيون (3/456) ، فقد ذكر الماوردي هذا المعنى، وأشار أبو حيان في البحر (6/305) إلى أن (نصرناه) ضمن معنى (أخرجناه) ، وأشار السمين في الدر (8/184) إلى أنه ضمن معنى (منعناه وعصمناه) .

َبعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} 1 معنى (يصرفوك) 2 عن بعض ما أنزل الله إليك 3.

_ 1 سورة المائدة، الآية: 49. 2 انظر الوسيط (2/196) ، والمحرر الوجيز (5/123) ، والتفسير الكبير (12/13) ، ولباب التأويل (2/61) فقد ذكر هؤلاء أن معنى (يفتنوك) يصرفوك. 3 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (90، 91) تحقيق عبد الحكيم.

سورة النبأ

سورة النبأ روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر رضي الله عنه أنه قال: (لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج4، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه) ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} 5.

_ 4 رمل عالج: هو ما تراكم من الرمل، ودخل بعضه في بعض. انظر النهاية في غريب الحديث (3/287) . 5 سورة النبأ، الآية: 23. وتفسير الآية في شرح العقيدة الطحاوية، ص (628) . والأثر لم أقف له على إسناد. وأورده الجملُ في الفتوحات الإلهية (2/425) ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد، وحكم على رجال إسناده بأنهم ثقات. وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/350) ونسب إخراجه إلى ابن المنذر فقال: (وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضي الله عنه.) ثم ذكر الأثر. قلت: إن كان إسناد عبد بن حميد من طريق الحسن عن عمر ـ كما هو عند ابن المنذر ـ فالأثر ضعيف لوجود الانقطاع بين الحسن وعمر، وقد عد الحافظ ـ في التهذيب (2/263، 264) ـ جماعة من الصحابة روى عنهم الحسن ولم يدركهم ومنهم عمر رضي الله عنه. وحكْمُ الجملِ على رجال إسناده بأنهم ثقات لا يلزم منه صحة الأثر. وهذا يحتج به من يقول بخروج الكافرين من النار، بل هو عمدتهم في هذه المسألة، وليس لهم فيه حجة فعلى فرض ثبوته فنصوص القرآن الكريم والسنة الثابتة على خلافه، ثم إنا نقول: إنما يراد بذلك من دخلها من الموحدين فإن لهم أجلاً يخرجون فيه، ولا يخلدون مع الكافرين، والمؤلف رحمه الله لا يرى عدم خلود الكافرين، ولكنه وجد هذا الدليل فحكاه حجة لمن قال به.

سورة النازعات

سورة النازعات قال تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} 1 {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} 2 وهم الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل3، وأما المكذبون بالرسل، المنكرون للصانع، فيقولون: هي النجوم4.

_ 1 سورة النازعات، الآية: 5. 2 سورة الذاريات، الآية: 4. 3 انظر تفسير القرآن لعبد الرزاق (2/241، 345) ، وجامع البيان (22/391-393) (24/190) ، وتفسير بن أبي حاتم (10/3397) ففي هذه المراجع تفسيرها بما ذكر المؤلف. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (405) .

سورة عبس

سورة عبس سُئل أبو بكر رضي الله عنه عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} 5 ما الأب؟ فقال: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) 6.

_ 5 سورة عبس، الآية: 31. 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (219) . وهذا الأثر ذكره البغوي في تفسيره بصيغة التمريض فقال: (ورُوي عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر سُئل عن قوله. الخ) وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/317) ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد وأبي عبيد في فضائله من طريق التيمي. وساقه الإمام ابن كثير في تفسيره (4/474) بسند أبي عبيد، ثم قال: (وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصديق رضي الله عنه) ثم ساق الرواية عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (قد عرفنا الفاكهة فما الأب. الخ) وأشار إلى أن إسنادها صحيح، ثم قال: (وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ) ا?.

سورة التكوير

سورة التكوير قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} 1 وهذا وصف جبريل، بخلاف قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} 2 الآيات، فإن الرسول هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم 3.

_ 1 سورة التكوير، الآيات: 19-21. 2 سورة الحاقة، الآية: 40، 41. 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (432) . والمؤلف مشى على المشهور الواضح في تفسير الرسول الكريم في الآيتين، وهو قول جمهور المفسرين. انظر تفسير القرآن للسمعاني (6/169) ، والمحرر الوجيز (16/242) ، وزاد المسير (8/354) ، والبحر المحيط (8/321،425) ، والتسهيل (4/347) ، وفتح القدير (5/387) ، وروح المعاني (29/65) (30/76) ، وأعرض كثير من المفسرين عن ذكر الخلاف في الآيتين كأنه لم يره شيئاً. ومن هؤلاء ابن جرير في جامع البيان (23/569) (24/258) ، والبغوي في معالم التنزيل (4/390، 453) ، وابن كثير في تفسيره (4/418، 480) .

سورة الإنشقاق

سورة الانشقاق روى البخاري - رحمه الله، في صحيحه - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك" فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} 4 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب" 5 يعني أنه لو ناقش في حسابه لعبيده لعذبهم، وهو غير ظالم لهم،

_ 4 سورة الإنشقاق، الآية: 7، 8. 5 أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ في مواضع منها برقم (4939) , و (6536) و (6537) . وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2876) .

ولكنه - تعالى - يعفو ويصفح1.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (601، 602) .

سورة البروج

سورة البروج قال تعالى: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} 2 {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} 3 {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} 4. وليس المراد من إحاطته بخلقه أنه كالفلك، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وإنما المراد: إحاطة عظمة وسعة علم وقدرة، وأنها بالنسبة إلى عظمته كالخردلة5، كما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (ما السموات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم) 6. ومن المعلوم - ولله المثل الأعلى - أن الواحد منا إذا كان عنده خ-ردلة، إن شاء قبضها وأحاطت قبضته بها، وإن شاء جعلها تحته، وهو في الحالين مباين لها، عال عليها فوقها من جميع الوجوه، فكيف بالعظيم الذي لا يحيط بعظمته وصف واصف 7.

_ 1 سورة البروج، الآية: 20. 3 سورة فصلت، الآية: 54. 4 سورة النساء، الآية: 126. 5 الخردل: نبات عشبي، يخرج في الحقول وعلى حواشي الطرق، تستعمل بذوره في الطب، يُضرب به المثل في الصِّغر. انظر ترتيب القاموس (2/34) ، والمعجم الوسيط (1/233) (خردل) . 6 أخرجه الإمام الطبري في جامع البيان (21/324) بنحوه، بإسناد حسن ظاهره الاتصال. 7 شرح العقيدة الطحاوية، ص (374) .

قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} 1 روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاث مائة لحظة، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء" 2اللوح المذكور هو الذي كتب الله مقادير الخلائق فيه3.

_ 1 سورة البروج، الآية: 21،22. 2 أخرجه الإمام الطبراني في المعجم الكبير ـ من رواية ابن عباس، رضي الله عنهما ـ برقم (12511) بإسناد فيه زياد بن عبد الله البَكّائي، وليث بن أبي سُليم، الأول في حديثه عن غير ابن إسحاق لين، والثاني صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فتُرك. انظر التقريب رقم (2085) ورقم (5685) . ورواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (10605) من طريق أُخرى عن ابن عباس موقوفاً بنحو هذا الحديث المرفوع. قال الهيثمي ـ في مجمع الزوائد (7/190، 191) ـ: رواه الطبراني من طريقين، ورجال هذه ثقات. قلت: يعني بهذه الطريق الموقوفة. وأخرج الحاكم في المستدرك (2/565) الرواية الموقوفة على ابن عباس، مع زيادة يسيرة في آخرها، وصحح إسنادها مع أن فيها ثابتاً ابن أبي حنيفة الثمالي، وهو رافضي ضعيف. وأورد هذه الرواية الموقوفة جماعة من المفسرين المعتنين بالأثر. منهم الواحدي في الوسيط (4/463) ، والسمعاني في تفسير القرآن (6/201) ، وابن كثير تفسيره (4/498) . 3 شرح العقيدة الطحاوية، ص (344) وليس في الكلام سقط.

سورة البينة

سورة البينة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} 4 والبرية مشتقة من البرء، بمعنى الخلق، فثبت أن صالحي البشر خير الخلق5.

_ 4 سورة البينة، الآية: 7. 5 انظر التفسير الكبير (32/49) ، والجامع لأحكام القرآن (20/145) ففيهما الاحتجاج بالآية على هذه المسألة. وقد أطال صاحب التفسير الكبير في مناقشة هذا الاحتجاج.

قال الآخرون: إنما صاروا خير البرية لكونهم آمنوا وعملوا الصالحات، والملائكة في هذا الوصف أكمل؛ فإنهم لا يسأمون ولا يفترون، فلا يلزم أن يكونوا خيراً من الملائكة1. هذا على قراءة من قرأ {الْبَرِيَّةِ} بالهمز2، وعلى قراءة من قرأ بالياء3، إن قلنا: إنها مخففة من الهمزة4، وإن قلنا: إنها نسبة إلى البَرى وهو التراب كما قاله الفراء5، فيما نقله عنه الجوهري في (الصحاح) 6 - يكون المعنى: أنهم خير مَنْ خُلِقَ من التراب، فلا عموم فيها -

_ 1 نحو هذا قال أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن (5/274) . 2 وهي قراءة نافع وابن عامر. انظر المبسوط في القراءات العشر ص، (475) ، وإرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر، ص (643) . 3 وهم من عدا نافع وابن عامر (الجمهور) انظر المبسوط في القراءات العشر، ص (475) ، وإتحاف فضلاء البشر، ص (442) . 4 يعني أن تحقيق الهمزة وتخفيفها يرجع إلى أصل واحد، فهو من برأ الله الخلق، أي خلقهم. انظر معاني القرآن وإعرابه (5/350) ، والكشف عن وجوه القراءات السبع (2/385) . 5 انظر معاني القرآن (3/282) فقد نص الفراء على الوجهين على قراءة من قرأ بغير الهمز، وأعني بالوجهين، أن تكون مأخوذة من برأ الله الخلق أي: خلقهم، أو تكون مأخوذة من (البرى) وهو التراب. وقد أنكر الزجاج، ومن بعده أبو علي الفارسي اشتقاق هذه الكلمة (البريّة) من (البرى) وهو التراب، وحجتهما أنها لو كانت كذلك لم تقرأ بالهمز. انظر معاني القرآن وإعرابه (5/350) ، والحجة للقراء السبعة (6/428) . قلت: ويبدو أن هذه الحجة قلقة؛ فإن إثبات أصلٍ لا يدل على إسقاط آخر، بل يمكن حمل كل قراءة على ما يناسبها من الاشتقاق، وقد ثبت كلٌ عن العرب فيما حكى الفراء. ومن هو مثلهما في العربية لم ير إسقاط هذا الاشتقاق، فأبو جعفر النحاس ـ في إعراب القرآن (5/274) ـ أثبت لكل قراءة اشتقاقاً، وأبو منصور الأزهري ـ في علل القراءات (2/789) ـ نقل قول الفراء ولم ينكره، وأبو حيان في البحر (8/495) أيّد قول من قال: إنه قد يكون لكل قراءة اشتقاق. 6 انظر منه (6/2280) (برا) .

إذاً - لغير من خُلق من التراب1.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (419، 420) . والمؤلف ذكر هذا التفسير على قول من يرى تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة. وهي مسألة من بدع علم الكلام، التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلام الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد. نقل المؤلف هذا الكلام القيم عن بعض الأئمة، ص (413) .

سورة الكوثر

سورة الكوثر روى الإمام أحمد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه متبسِّماً، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه نزلت عليَّ آنفاً سورة" فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 2 حتى ختمها، ثم قال: "هل تدرون ما الكوثر؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:"هو نهر أعطانيه ربي - عز وجل - في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج3 العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيُقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" 4. ورواه مسلم5، ولفظه: "هو نهر وعدنيه ربي، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" 6.

_ 2 سورة الكوثر، الآية: 1. 3 يختلج، أي: يجتذب ويقتطع. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (2/59) (خلج) . 4 مسند الإمام أحمد (3/102) . 5 صحيح مسلم، الحديث رقم (400) ، وكذلك رواه البخاري مختصراً. انظر صحيحه ـ مع الفتح ـ رقم (6580، 6581، 6582) . 6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (279) .

الخاتمة

الخاتمة: في ذكر بعض محاسن تفسير الإمام ابن أبي العز في نظري أن تفسير الإمام ابن أبي العز جمع محاسن نوجز أهمها فيما يلي: 1- جمع بين التفسير بالمأثور، والتفسير بالمعقول. 2- اعتمد في النقل على فحول المفسرين مثل ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، والثعلبي، والواحدي، والجصاص، والبغوي، وابن عطية، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير. 3-أجاب على بعض الإشكالات التي يظهر منها التعارض بين بعض آيات الذكر الحكيم. 4- اهتم بتفسير الآيات التي تتحدث عن العقيدة، ورد على الفرق المخالفة في ذلك. 5- لا يفسر الآيات بالأقوال الضعيفة والبعيدة إلا في النادر اليسير. 6- ابتعد عن تكثير الأقوال في معنى الآية، فغالباً لا يذكر إلا قولاً واحداً قوياً. 7- إذا ذكر الخلاف في معنى آية أشار - غالباً - إلى القول الأقوى والأحسن في معنى الآية. 8-تكلم في أثناء تفسيره لبعض الآيات على الرقائق والحكم والفوائد التي تشير إليها الآيات. 9-لم يهمل الناحية اللغوية من لغة وإعراب، وتوجيه للقراءات، وبيان المعاني المترتبة على الوقف والوصل في بعض الآيات. 10-له إشارات بديعة في تفسير بعض الآيات لم أقف عليها عند غيره، وقد أشرت إلى شيء منها في الحواشي.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع القرآن الكريم. أبو العتاهية أشعاره وأخباره، تحقيق: شكري فيصل. مكتبة دار الملاح، دمشق. الإتباع، لابن أبي العز، تحقيق: محمد عطا الله حنيف وعاصم بن عبد الله القريوتي. الطبعة الثانية عام 1405? بعمَّان - الأردن. إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، للزبيدي. تصوير دار الفكر. إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، للبناء، تعليق: الضبَّاع. دار الندوة الجديدة. الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، تحقيق: محمد شريف سكر، ومصطفى القصاص. دار إحياء العلوم بيروت، مكتبة المعارف الرياض، الطبعة الأولى، 1407هـ-. إثبات صفة العلو، لعبد الله بن قدامة المقدسي، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر. الدار السلفية، الطبعة الأولى 1406?. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408 ?. أحكام القرآن، لابن العربي، تحقيق: علي البجاوي. دار الفكر 1394?. أحكام القرآن، للجصاص، تحقيق: قمحاوي. دار إحياء التراث العربي، بيروت 1405 ?. أحكام القرآن، لألكيا الهراسي. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1405 ?.

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم. منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية 1403?. إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، لأبي السعود. الناشر دار إحياء التراث العربي. إرشاد المبتدئ وتذكرة المنتهي في القراءات العشر، للقلانسي، تحقيق: عمر حمدان الكبيسي. المكتبة الفيصلية، الطبعة الأولى، 1404?. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399?. أسباب النزول، للواحدي، تحقيق: عصام بن عبد المحسن. دار الإصلاح، الطبعة الأولى، 1411?. أصول السرخسي، للسرخسي، تحقيق: أبي الوفاء الأفغاني. طبع بحيدر آباد بالهند، تصوير دار المعرفة بيروت 1393?. الاعتصام، لأبي إسحاق الشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي. نشر دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1412?. إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، تحقيق: زهير غازي زاهد. عالم الكتب، الطبعة الثانية 1405?. الأعلام، لخير الدين الزركلي. دار العلم للملاين بيروت، الطبعة السابعة، 1986م. إنباء الغمر بأنباء العمر، لابن حجر في التاريخ، لابن حجر. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الهند، الطبعة الأولى 1388?. إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم. دار الفكر العربي القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية بيروت، الطبعة الأولى 1406?.

الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري. المكتبة العصرية بيروت، 1418 ?. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل، للمرداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي. طبع دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1400 ?. أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1388?. الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: أحمد فرحات، الطبعة الأولى 1396 ?. الإيمان، لشيخ الإسلام ابن تيمية. المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1401?. البحر المحيط، لأبي حيان، تحقيق: ع-ادل أحمد وعلي محمد معوض وزكريّا عبد المجيد وأحمد النجولي. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413?. بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية، جمع وتوثيق يسري السيد محمد. دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1414 ?. بدائع الفوائد، لابن القيم. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت. البرهان في علوم القرآن، للزركشي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم. دار الفكر، الطبعة الثانية، 1400?. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي، تحقيق: محمد أبي الفضل. المكتبة العصرية للطباعة والنشر بيروت. بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، تصحيح: حامد محمد الفقي. دار الندوة الجديدة، بيروت.

البيان في غريب إعراب القرآن، لأبي البركات ابن الأنباري، تحقيق: طه عبد الحميد. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1400?. تاج التراجم، لابن قطلوبغا، تحقيق: محمد خير رمضان. دار القلم دمشق، الطبعة الأولى، 1413 ?. تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق: أحمد صقر. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1401 ?. تاريخ ابن قاضي شهبة، لابن قاضي شهبة، تحقيق: عدنان درويش. طباعة المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق. التبيان في إعراب القرآن، للعكبري، تحقيق: محمد البجاوي. عيسى البابي الحلبي وشركاه. التحرير والتنوير، لابن عاشور. الطبعة التونسية. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي. دار الريان للتراث القاهرة، الطبعة الأولى 1407?. ترتيب القاموس على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة، للطاهر أحمد الزاوي. دار الفكر، الطبعة الثالثة. التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي الكلبي، تحقيق: محمد عبد المنعم وإبراهيم عطوة. الناشر أم القرى للطباعة. والنشر، القاهرة. تفسير الجلالين - بحاشية الفتوحات الإلهية - لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي. مطبعة عيسى البابي الحلبي. تفسير سفيان الثوري، لسفيان الثوري. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1403?. التفسير الصحيح (موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور) ، لحكمت بشير. دار المآثر بالمدينة النبوية 1420 ?.

تفسير غريب القرآن، لأبي بكر محمد السجستاني. دار التراث، القاهرة. تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: أحمد صقر. دار الكتب العلمية، 1398?. تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة التابعين، لعبد الرحمن ابن أبي حاتم، تحقيق: أسعد محمد الطيب. نشر مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1417?. تفسي-ر القرآن العظيم، لابن كثير. دار الفكر، الطبعة الأولى، 1400?. تفسير القرآن الكريم، لأبي الليث السمرقندي، تحقيق: علي محمد وعادل أحمد وزكريا عبد المجيد. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413?. تفسير القرآن للسمعاني، تحقيق: ياسر بن إبراهيم دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1418?. تفسير القرآن، لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: مصطفى مسلم. مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى، 1410?. التفسير الكبير، للرازي. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411?. تفسير كتاب الله العزيز لهود بن محكّم، تحقيق: بلحاج بن سعيد شريفي. دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990م. تفسير النسائي، للنسائي، تحقيق: صبري بن عبد الخالق وسيد بن عباس. مكتبة السنة، الطبعة الأولى 1410?. التفسير والمفسرون، لمحمد حسين الذهبي. دار الكتب الحديثة، الطبعة

الثانية، 1396?. تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عوَّامة. دار البشائر الإسلامية، ودار الرشد، الطبعة الأولى، 1406?. التنبيه على مشكلات الهداية، لابن أبي العز، تحقيق: عبد الحكيم محمد شكر وأنور صالح أبو زيد. المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية، برقم (4/217 /ع زت) ورقم (4/217/ ع ع ت) . تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لابن عراق الكناني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصَّديق. الناشر مكتبة القاهرة، الطبعة الأولى. تهذيب التهذيب، لابن حجر، تصوير دار الكتاب الإسلامي، عن الطبعة الهندية. تهذيب اللغة، لأبي منصور الأزهري، تحقيق: عبد السلام هارون وآخرون. الدار المصرية للتأليف والترجمة. الثغر البسام في ذكر من ولي من قضاة الشام، لابن طولون، تحقيق: صلاح ال-دين المنجد. مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1956م. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد ومحمود شاكر. دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير. توزيع دار التربية والتراث، مكة المكرمة. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، تحقيق: إبراهيم أطفيش وغيره. دار الكتب المصرية. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو (الداء والدواء) لابن

القيم، تحقيق: بشير محمد عيون. مكتبة دار البيان سوريا، ومكتبة المؤيد بالسعودية، الطبعة الأولى 1409 ?. الجواهر الحسان في تفسير القرآن، للثعالبي، تحقيق: عمَّار الطالبي. المؤسسة الوطنية للكتاب. الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي، تحقيق: بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي. دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1407 ?. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، تحقيق: الجميلي. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1406 ?. حسن المحاضرة للسيوطي، تحقيق: أبي الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1387?. الحسنة والسيئة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد جميل غازي. مطبعة المدني - القاهرة. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصفهاني. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1409?. خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، تحقيق: عبد السلام هارون. الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1409?. الخصائص، لابن جني، تحقيق: محمد علي النجار. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت. خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل. للإمام البخاري. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1411?. الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لابن حجر، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، مطبعة المدني ويطلب من دار الكتب الحديثة.

الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي، تحقيق: أحمد محمد الخراط. دار القلم، الطبعة الأولى، 1406?. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي. تصوير دار المعرفة. الدليل الشافي على المنهل الصافي، لابن تغري بردي، تحقيق: فهيم محمد شلتوت. طبع مكتبة الخانجي، ونشر جامعة أم القرى. ديوان أوس بن حجر، تحقيق: محمد يوسف نجم. دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية 1387 ?. الرد على الجهمية، للدارمي، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر. دار ابن الأثير، الكويت، الطبعة الثانية، 1416?. الرسالة التدمرية، لشيخ الإسلام. مطبوعات جامعة الإمام، الطبعة الثالثة 1403?. رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، تحقيق: أحمد الخراط. دار القلم، الطبعة الثانية 1405?. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للألوسي. دار الفكر، 1408?. الروح، لابن القيم. دار الندوة الجديدة بيروت. زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي. المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1404?. زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم. المكتبة العلمية بيروت. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1405?. سنن ابن ماجة، لابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. سنن أبي داود، لابن أبي داود، تحقيق: محمد محي الدين. دار الفكر.

سنن الترمذي، للترمذي، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض. دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. سنن الدارمي، للدارمي، تحقيق: قواز أحمد وخالد السبع. نشر دار الريان بالقاهرة ودار الكتاب العربي ببيروت، الطبعة الأولى 1407?. السنن الكبرى، للبيهقي. دار المعرفة، بيروت. سير أعلام النبلاء، للذهبي، تحقيق: جماعة بإشراف شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1403?. السيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق: عبد السلام تدمري. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الثالثة 1410 ?. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، عنيت بنشره مكتبة القدسي، سنة 1351 ?. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، تحقيق: أحمد سعد حمدان الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1411?. شرح السنة، للبغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومحمد زهير الشاويش. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403?. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، لابن أبي العز، تحقيق: أحمد محمد شاكر. مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية 1400 ?. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، تحقيق: عبد الله التركي وشعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1408?. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، حققها جماعة من العلماء، وخرج أحاديثها الشيخ ناصر الدين الألباني. طبع المكتب الإسلامي

بيروت، الطبعة التاسعة 1408?. شرح المفصل، لابن يعيش. عالم الكتب بيروت، ومكتبة المتنبي القاهرة. الشريعة، للآجري، تحقيق: محمد الفقي. نشر أنصار السنة المحمدية. الصاحبي، لابن فارس، تحقيق: أحمد صقر. مكتبة ومطبعة دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1974م. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار. دار العلم للملايين، بيروت. الطبعة الثانية، 1399 ?. صحيح ابن حبان - مع الإحسان - لابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الأولى، 1412?. صحيح البخاري - مع فتح الباري - للإمام البخاري. الناشر دار المعرفة. صحيح سنن ابن ماجة، للألباني. المكتب الإسلامي في بيروت، الطبعة الثالثة 1408?. الصحيح المسند من أسباب النزول، لمقبل بن هادي الوادعي. مكتبة المعارف، الرياض 1400?. صحيح مسلم، للإمام مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي. الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، تحقيق: علي الدخيل الله. دار العاصمة الرياض، الطبعة الأولى، 1408?. ضعيف سنن ابن ماجة، لناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي في بيروت، الطبعة الأولى 1408?.

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي. دار الجيل بيروت. الطبقات السنية في تراجم الحنفية، للتميمي، تحقيق: عبد القادر محمد الحلو. الناشر دار الرفاعي، الرياض. الطبعة الأولى 1403 ?. ظلال الجنة في تخريج السنة، للألباني. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405?. العبر في خبر من غبر، للذهبي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405?. علل القراءات، لأبي منصور الأزهري، تحقيق نوال بنت إبراهيم الحلوة. الطبعة الأولى، 1412?. علل الوقوف، للسجاوندي، تحقيق: محمد بن عبد الله العيدي الناشر مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى، 1415?. عمدة الحفَّاظ في تفسير أشرف الألفاظ، للسمين الحلبي، تحقيق: محمد التونجي. عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1414?. العمدة في غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1404?. عناية القاضي وكفاية الراضي، للخفاجي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1417?. غرائب التفسير وعجائب التأويل، لمحمود بن حمزة الكرماني، تحقيق، شمران سركال. دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن، الطبعة الأولى، 1408?. غريب القرآن وتفسيره، لليزيدي، تحقيق: محمد سليم الحاج. عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1405?. فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر. دار المعرفة للطباعة

والنشر. فتح البيان في مقاصد القرآن، لصديق حسن خان. دار الفكر العربي. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، تحقيق: عبد الرحمن عميرة. دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1415?. فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، للطيبي، تحقيق: صالح بن ناصر الناصر. (رسالة دكتوراه) قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية (3/212/ط ي ف) . الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية، للجمل. مطبعة عيسى البابي الحلبي. الفرق بين الفرق، لعبد القاهر البغداي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. الناشر دار المعرفة، بيروت. فهرس المخطوطات دار الكتب الظاهرية، لياسين محمد السوّاس. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1407?. الفوائد البهية في تراجم الحنفية، للكنوي الهندي. دار المعرفة بيروت. كتاب الأسماء والصفات، للبيهقي تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر. الناشر دار الكتاب العربي، بيروت 1405?. كتاب الأغاني، لأبي فرج الأصبهاني. مصور عن طبعة دار الكتب - مطابع كوستانسوماس وشركاه. كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، لابن خزيمة، تعليق: محمد خليل هراس. دار الكتب العلمية بيروت 1403?. كتاب السنة لابن أبي عاصم، تحقيق: الألباني. المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1405?.

كتاب السنة، لعبد الله بن أحمد، تحقيق: محمد بن سعيد القحطاني. دار ابن القيم، الطبعة الأولى 1406?. كتاب السنن لسعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. الدار السلفية بالهند، الطبعة الأولى 1403?. كتاب سيبويه، لسيبويه، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة. كتاب الضعفاء الكبير، للعقيلي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1404?. كتاب العرش وماروي فيه، لابن أبي شيبة، تحقيق: محمد بن حمد الحمود. مكتبة المعلاء، الكويت. كتاب النزول، للدارقطني، تحقيق: علي بن ناصر الفقيهي. الطبعة الأولى 1403?. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، للزمخشري دار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1397?. كشف الأستار عن زوائد البزار، على الكتب الستة، للهيثمي، تحقيق: عبد الرحمن الأعظمي. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1404?. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة. منشورات مكتبة المتنبي ببغداد. الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب، تحقيق: محي الدين رمضان. مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة 1407 ?. الكشف والبيان، للثعلبي. مخطوط مصور في المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية برقم (9786) . اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للسيوطي. يطلب من المكتبة

التجارية الكبرى بمصر. لباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن. دار الفكر، 1399?. لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي- بحاشية تفسير الجلالين- مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1418 ?. لسان العرب، لابن منظور، تعليق: علي شيري. دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408?. المبسوط في القراءات العشر، لأبي بكر الأصبهاني، تحقيق: سبيع حمزة، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. متشابه القرآن، لعبد الجبار المعتزلي، تحقيق: عدنان زرزور. دار التراث القاهرة. مجاز القرآن، لأبي عبيدة، تحقيق: محمد فؤاد سزكين. الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لأبي بكر الهيثمي. منشورات دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1402هـ-. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. المطبوعة على نفقة الملك خالد رحمه الله تعالى. محاسن التأويل، للقاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1415?. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جني، تحقيق: علي النجدي وعبد الحليم النجار وعبد الفتاح إسماعيل. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1386?. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية، تحقيق: المجلس

العلمي بفأس. الطبعة المغربية. المحرر الوجيز في عد آي الكتاب العزيز (شرح وتوجيه أرجوزة محمد المتولي) تأليف /عبد الرزاق علي إبراهيم. مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1408?. مختار الصحاح، للرازي، تحقيق: سميرة خلف الموالي. المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت. مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه، عني بنشره برجشتراسر. المطبعة الرحمانية بمصر 1934 م. مدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، لابن القيم. دار الكتب العلمية، بيروت. مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي. الناشر دار الكتاب العربي. المستدرك على الصحيحين، للحاكم. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411?. مسند أبي داود، لأبي داود الطيالسي. مكتبة المعارف، الرياض. مسند أبي يعلى الموصلي، لأبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد. دار المأمون للتراث. الطبعة الثانية 1410 ?. المسند للإمام أحمد. المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1405?. مشكل إعراب القرآن، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: حاتم صالح. مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، 1408?. المصنف لعبد الرزاق، تحقيق: حبيب الرحمن ألأعظمي. الطبعة الأولى 1392?، يطلب من المكتب الإسلامي ببيروت. معالم التنزيل للبغوي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار. دار المعرفة. الطبعة الأولى، 1406?.

معاني القرآن الكريم، لأبي جعفر النحاس، تحقيق: محمد علي الصابوني، نشر معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى. معاني القرآن الكريم، للفراء. عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403?. معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي. عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1408?. المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها، لعواد المعتق. دار العاصمة الرياض، النشرة الأولى 1409 ?. معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) لياقوت الحموي، تحقيق: إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1993م. معجم البلدان، لياقوت الحموي، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410?. المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. مطبعة الزهراء الحديثة، الطبعة الثانية. معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة. الناشر مكتبة المثنى بيروت، ودار إحياء التراث العربي بيروت. المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية، لإميل بديع. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413?. معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون. دار الجيل، الطبعة الأولى، 1411?. المعجم الوسيط، وضعه مجمع اللغة العربية. الناشر مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق: محمد

محي الدين. المكتبة العصرية، 1407?. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لابن القيم، تصحيح: محمود حسن ربيع. يُطلب من مكتبة حميدو، الطبعة الثالثة 1399?. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني. دار المعرفة بيروت. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، تصحيح هلموت ريتر. دار إحياء التراث العربي، بيروت الطبعة الثالثة. المكتفى في الوقوف والابتدا في كتاب الله عز وجل، للداني، تحقيق: يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404?. الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل. دار الفكر. المنتخب من مسند عبد بن حميد لعبد بن حميد تحقيق: السامري والصعيدي. عالم الكتب ومكتبة النهضة الع-ربية، الطبعة الأولى 1408?. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي. دار المعرفة بيروت. الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن، للقاسم ابن سلام، تحقيق: المديفر. مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى 1411 ?. الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك، لأبي جعفر النحاس، تحقيق: اللاحم. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1412 ?.

النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، تحقيق: الضباع. دار الكتب العلمية. نظم الدّرر في تناسب الآيات والسور، لبرهان الدين البقاعي. طبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند. الطبعة الأولى، 1389 ?. نكت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام، لمحمد بن علي القصاب، تحقيق: علي بن غازي، وشايع بن عبده الأسمري. يوجد من الكتاب نسخ في المكتبة المركزية، قسم المخطوطات. النكت والعيون، للماوردي، تحقيق: السيد بن عبد المقصود. دار الكتب العلمية، مؤسسة الكتب الثقافية. الطبعة الأولى، 1412?. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي. المكتبة العلمية بيروت. نواسخ القرآن، لابن الجوزي، تحقيق: الملباري. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى 1404 ?. هدية العارفين (أسماء المؤلفين وآثار المصنفين) ، لإسماعيل البغدادي. طبع بعناية وكالة المعارف، استنابول، 1951م. وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام، للسخاوي، تحقيق: بشار عواد وعصام فارس وأحمد الخطيمي. مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1416?. الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي، تحقيق: عادل أحمد وعلي محمد وأحمد محمد وأحمد عبد الغني وأحمد عويس. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415?.

§1/1